مباني أُصول الفقه

هویة الکتاب

بطاقة تعريف: رحمتي، محمد، 1307 -

عنوان واسم المؤلف: مباني أصول الفقه: تقریر بحث آیت الله سیدمحمود الشاهرودي/ مولف آيت اللّه شيخ محمد رحمتي.

تفاصيل المنشور: قم: قرآن صاعد، 1440ق.= 1398.

خصائص المظهر : 5 ج.

ISBN : دوره:978-600-7282-94-6 ؛ ج.1:978-600-7282-89-2 ؛ ج.2:978-600-7282-90-8 ؛ ج.3:978-600-7282-91-5 ؛ ج.4:978-600-7282-92-2 ؛ ج.5:978-600-7282-93-9

حالة الاستماع: فیپا

لسان : العربية.

ملحوظة : ج.2-5(الإصدار الأول: 1398).

عنوان آخر: تقریر بحث آیت الله سیدمحمود الشاهرودی.

مشكلة : أصول الفقه الشیعة -- قرن 14

Islamic law, shiites -- Interpretation and construction -- 20th century

المعرف المضاف: هاشمی شاهرودی، سیدمحمود، 1327-1397.

المعرف المضاف: Hashemi Shahroudi, Seyyed Mahmoud

ترتيب الكونجرس: BP159/8

تصنيف ديوي: 297/312

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 5841397

اطلاعات رکورد کتابشناسی : فیپا

مباني أُصول الفقه

مؤلف: آيت اللّه شيخ محمد رحمتي

الناشر: قرآن صاعد

وقت وسنة النشر: 1398

الطباعة والتجليد: زلال کوثر

الدوران: 1000 نسخه

ISBN: 6-94-7282-600-978

ISBN: 2-89-7282-600-978

ص: 1

المجلد 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین

الرحمن الرحیم

مالک یوم الدین

إیاک نعبد وإیاک نستعین

اهدنا الصراط المستقیم

صراط الذین أنعمت علیهم غیر المغضوب علیهم ولا الضالین

لفت نظر

1 - رقم الآيات على حسب احتساب البسملة آية من السور غير سورة التوبة .

2 - مأخذ روايات الوسائل، طبعة ثلاثين مجلّداً .

3 - روايات المستدرك على طبعة 20 مجلّداً .

4 - صفحات الكفاية على طبعة جلدين مع حاشية المشكيني .

ص: 2

مباني أُصول الفقه

تقرير بحث المحقّق المدقّق آيت اللّه العظمى

السيّد محمود الشاهرودى قدس سره

لتلميذه آيت اللّه الحاج الشيخ محمد الرحمتي

الجزء الأوّل

ص: 3

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحیم

في علم الاصول

تقرير بحث سيّدنا الاستاذ الأعظم الحاجّ السيّد محمود الشاهرودي قدّس اللّه نفسه الزكيّة ليلة الأربعاء 30 ربيع الثاني 1373، 16/10/1332

في بيان تعريف علم الاصول وموضوعه وفائدته والغرض منه .

مقدمة: يبين فيها الأمور الثلاثة

حيث انه لم يبين هذه الأمور في علم آخر فلذلك يبحث عنها في مقدمة هذا العلم على عادة المؤلفين وجريهم في تأليفهم .

وكانوا يذكرون امورا ثمانية في بيان موضوع العلم وفائدته وغير ذلك وبعضهم زاد أمرا تاسعا وهو الرتبة بذكر العلم الذي أريد الشروع فيه بالنسبة إلى علم أعلى أو أدنى منه رتبة أو في رتبته وقبل الشروع في المقصود يرتبون مقدمة أو مقدمات لبيان المبادي التصورية وذلك لعدم كونها من مسائل علم آخر كي يبحث فيه عنها كما هو الغالب في غير علم الحكمة . لذا فالاحرى بنا ذكر تعريف موضوع العلم كليا وما يرتبط به للاحتياج إليه في تبيين موضوع علم الاصول وحصول المعرفة به طردا أو عكسا .

تعريف موضوع علم الاُصول

ص: 5

قالوا موضوع كل علم ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية(1) وفسروا العرضالذاتي تارة بما يقتضيه ذات الشيء ويكون من لوازمها اما بنفسه أو بجنسه القريب أو البعيد أو فصله المساوي أو الأخصّ واخرى بما يعرض الشيء أولاً وبالذات في قبال ما يعرضه بالعرض والمجاز فان السخونة على هذا وان كانت تعرض الماء بواسطة أمر خارجي وهو النار أو الشمس لكن تعرضه لا غيره وبذلك نفترق عن مثل حركة جالس السفينة وفتح الأمير البلد مع ان الفاتح انما هو عسكره وعلى هذا التعريف الثاني تكون السخونة أمرا غريبا لا عرضا ذاتيا بخلافه على الأول فانه يشمل ما اذا عرض العرض بواسطة أمر مساوي كالتعجب اللاحق للانسان المساوي له الموجب لحدوث الضحك فالضحك وان لم يعرض الانسان أولاً وبلا واسطة لكن الواسطة ليست أمرا لم يكن بينها وبين ما صارت واسطة عروضه نسبة وربط بل هي مساوية للمعروض الذي هو الانسان ولذا يقال ان الضحك أيضا عرض ذاتي للانسان .

والأحسن في المثال للعرض الغريب على التعريف الثاني هو فتح الأمير البلد فان التمثيل بحركة جالس السفينة من المشترك لأنها بمعنى حاصلة له وبمعنى ليست ولذا يجب عليه القصر ولو كان طيّ المسافة بها هذا ما قاله القوم(2) لكن يشكل جريانه في ما نحن فيه من موضوع علم الاصول وكذلك في الفقه حيث انه على التفسير الأول للعرض الذاتي لا ينطبق محمولات مسائل العلمين وأبحاثها

ص: 6


1- . والعوارض جمع العارض ومن مادّته العَرض والعِرض والعرض باختلاف الحركات الثلاث في الأوّل .
2- . ان العرض في اصطلاح علماء المعقول ما يقابل الجوهر وينقسم إلى ما يكون سبباً أو غيره ولا يمكن أن يكون محطّ البحث في غالب العلوم .

على الاعراض التي فسروها بما ذكر . فان الحجيّة مثلاً التي هي ثابتة للخبر الواحدليست من الامور التي يقتضيها ذات الخبر ولا الوجوب والحرمة المحمولين لأفعال المكلفين كذلك بل انما هي اعتبارات بين الذوات الخارجية والمكلفين أو اُمور مجعولة للشارع وبعضها انتزاعي كالوجوب والحرمة فان الذي يوجد المولى هو النسبة بين الفعل والفاعل .

والعقل ينتزع عنها الوجوب أو الحرمة فاطلاق العرض عليهما ليس على ما ينبغي .

وان كان من الممكن التوسع في دائرة الأعراض سواء كانت من الامور الخارجية أو الذهنية التي وعاء وجودها الذهن أو الاعتبارية الا انه حيث ان ذلك بعيد أو خارج عن اصطلاحهم والمراد في أمثال المقام انما هو هذه الاعتبارات فاللازم المشيء في تفسير العرض والعوارض ما هو المناسب للتعميم بهذا النحو .

أو يقال المراد بذلك هو معناه اللغوي وهو مطلق ما يعرض الشيء ولما كان العرض أو العارض الذاتي بهذا المعنى الذي بينه المشهور وهو ما يقتضيه ذات الشيء لا مجال له في كثير من العلوم فاشكل عليهم التعريف المايز بين الأعراض الغريبة والعوارض الذاتية . فانه يلزم البحث في كثير من العلوم من العوارض الغريبة لعدم كونها مما يقتضيه الذات ولو عممنا فيه بشمول الذاتي ما يكون باقتضاء جنسه بعيدا أو قريبا أو فصله كذلك بل الأخص عند بعض . فأي اقتضاء لمثل كلمة الفاعل في جلب اعراب الرفع على نحو يكون ذاتيها غير قابل الانفكاك وأيضا لازم الجمود على ظاهر التعريف كون البحث عن عوارض نفس موضوع العلم مع ان الغالب بل المجموع هو البحث عن موضوعات مسائله فيلزم أحد

ص: 7

الأمرين إمّا الالتزام بكون البحث عن موضوعات المسائل هو البحث عن نفسموضوع العلم أو القول بأن كل مسئلة علم برأسها حيث ان موضوعها ومحمولها لايوافق المسئلة الاخرى(1) والمختار هو الأول .

بل الأحسن التعبير عنها بالأحوال والأوصاف وذلك لعدم عروضها على الوجودات الذهنية ولا الخارجية واستلزام الأول حصول الامتثال بنفس تصور الوجود ذهنا وكذلك الثاني يكون من تحصيل الحاصل . فلو كان هناك معروض في الذهن فلا يلتفت إليه . بل هو عبرة الخارج ومرآته وكأنه هو الخارج . والوجوب والحرمة في الأحكام التكليفيّة والملكيّة والزوجيّة في الأحكام والأمور الوضعية ليست من سنخ الأعراض ولا الجواهر . بل هي أوصاف وحالات اعتبارية موجودة في عالم الاعتبار ووعائه المناسب له .

والعقل يوجب الامتثال وتطبيق عالم الحقيقة والوجود الخارجي على ذلك العالم والوعاء .

نعم ما ذكروه في العرض الذاتي انما يناسب علم الطب وبعض العلوم الباحثة عن خواص الأشياء فانّها ذاتيّة لهما فان في أفعال المكلفين وان كان من المسلم تبعية الأحكام لما فيها من المصالح والمفاسد لكنه لا يمكن الالتزام باقتضاء تلك المقتضيات بلا جعل من الشارع للأحكام وضعية كانت أو تكليفية فما ذكرنا عن التعبير بالوصف والحال هو المناسب لمجعولية الأحكام وعدم كونها اعراضا حقيقةً كما انها ليست جواهر بل امور موجودة في عالم الاعتبار .

حيث ان موضوع العلم أمر كلي وموضوعات المسائل مصاديقه وينطبق

ص: 8


1- . أو الاستخدام في التعريف بارجاع ضمير عوارضه الذاتية إلى موضوعات المسائل .

عليها انطباق الكلي على مصاديقه ويتحد كاتحاد الطبيعي وافراده خارجافالمبحوث عن عوارضه هو الموضوع الكلي الجامع بين شتات الموضوعاتالمختلفة في المسائل كما ان من المسلم اختلاف الأعراض . وبالنسبة إلى البحث عن جهات العوارض فربما يكون البحث عن جهة خاصّة لغرض خاص ويدون له علم برأسه كما ان باعتبار غرض آخر يدون علم آخر كذلك ولا قبح فيه عند العقلاء فان احوال الكلمة مختلفة مثلاً فان كان البحث من حيث الاعراب والبناء يدون له علم النحو ويبحث فيه عن ذلك .

وإن كان من حيث الصحة والاعتلال يدخل في موضوع علم الصرف وكذلك بالنسبة إلى ساير الأغراض ولما كان الغرض أمرا بسيطا فيكشف انا عن كون ما دوّن لأجله وبحث عنه أمرا واحدا والا لما أثّر المتبائنات بما هي متبائنة أثرا واحدا ونتيجة فاردة فاذا كان الفائدة المترتبة عليها متحدة فالموضوع لابد أن يكون كذلك .

وقد تقصّى صاحب الكفاية عن اشكال دخول بعض العلوم في بعض كما في علمي الصرف والنحو حيث ان موضوعهما الكلمة والكلام بتفسير العوارض الذاتية بلا واسطة في العروض(1) . وهذا على تقدير كون المراد به عوارض الشيء العارضة لنفسه لا لمتعلقه صحيح وان كان في الثبوت لم يكن خاليا عن الواسطة أو الوسائط كما في حرارة الماء فانها ليست ذاتية يقتضيها الذات بل صارت عارضة له ومن احواله التي يتصف بها ولم تحصل بلا واسطة في عالم الوجود بل بسبب النار وهذا وان لم نقل بنفوذ اجزاء نارية في الماء والا فيخرج عن محل الكلام .

ص: 9


1- . فسّر العرض الذاتي بلا واسطة في العروض . كفاية الأصول 1/2 .

وربما يكون هذا التعريف أضيق من تعريف المشهور لعدم شمول هذاالتعريف لما اذا كان العروض بواسطة ثبوتية بخلاف تعريف المشهور فانه يكفيفي كون العرض ذاتيا اقتضاء الذات له وان لم يكن حاصلاً بتوسط نفس الذات كما اذا صار اشراق الشمس واسطة ومعداً لبروز المرض في وجود زيد مثلاً . وهناك تفسير آخر عن آخر وهو نسبة كون المراد بالعرض الذاتي هو ما ذكره المحقق الخراساني إلى القوم .

وذكر سيّدنا الاستاذ قدس سره بعدم العثور على ما نسب إليه هذا الكلام وكأنه راه في بعض الكتب المنطقية .

وأول ثالث العارض الذاتي بما يكون للذات قابلية له سواء كان ذلك في العلوم الشرعية أو الأدبية أو غير ذلك ولازم هذا القول هو كون الفاعل في ضرب زيد له قابلية الرفع وهكذا المفعول وساير ما يتعلق بعلم النحو بالنسبة إلى حركاتها وكذلك بالنسبة إلى ساير العلوم وربما ادى اختيار هذا المسلك أو ادعى من اختاره كون وضع الألفاظ ذاتيا بمعنى وجود المناسبة الذاتية بين الأسماء والمعاني حتى تعدّى بعض وادعى ذلك في الاعلام الشخصية واختلاف ذلك باختلاف الأمكنة وربما يستشهد لذلك أو كون الوضع الهاما بانا اذا وضعنا عدة أطفال في موضع بلا ارتباط كلامي بينهم وبيننا . فلا محالة يخترعون لسانا لايصال مقاصدهم الى أنفسهم مع عدم سبقهم بالوضع . وعلى هذا فلا ترادف حقيقي في اللغة بل مثل الفرس والجواد والخيل اسماء ادعى في كل واحد جهة خلى عنها الاخر .

لكن لا سبيل إلى تصديق هذه الدعوى كما ان من الواضح عدم كون عرض

ص: 10

حينئذٍ لشيء غريبا بل كل ما يعرض شيئا فلا يكون الا عن قابلية فحينئذٍ يرجع كل الأعراض والعوارض ذاتية وقيد الذاتية على هذا لغو أو توضيحي .ويمكن هنا جواب قد اختاره بعض بتصديق كون العرض ذاتيا في مثلسلسلة العلل والمعلولات فالانسان مثلاً مدرك وصفة الادراك سبب للتعجب فيكون متعجبا وهو موجب لحدوث الضحك فالضحك عرض ذاتي للانسان لكونه معلولاً عن التعجب المعلول عن الادراك وعلى هذا يمكن كون عرض المساوي أيضا عرضا ذاتيا لما يكون المساوي مساويا له كالانسان المدرك في المثال لكون المتعجب مساويا له .

تلخيص وتتميم: قد تبين بما ذكرنا ان الأحسن تبديل العوارض بالأحوال ويقال موضوع كل علم ما يبحث فيه عن أحواله التي تعرضه لذاته وبلا واسطة في العروض سواء كان هناك واسطة في الثبوت أم لا في قبال ما يكون الواسطة في العروض وينسب إلى ذي الواسطة بالعرض والمجاز كقولنا نهر جار أو الميزاب جار .

نعم يبقى اشكال تمايز الموضوعات بعضها من بعض وكيفية النسبة بين موضوع العلم وموضوعات مسائله . فان أحد الأمور لازم . اما كون الضمير في قولنا عن أحواله وقولهم عن عوارضه يرجع إلى الموضوع باعتبار موضوعات مسائله استخداماً أو يكون موضوع كل مسئلة موضوعا برأسه وتتعدّد العلوم بتعدد المسائل لتعدّد موضوعاتها . أو يتصور جامع بين الموضوعات المختلفة في مسائل علم واحد .

تمايز العلوم بعضها من بعض

ص: 11

ذهب المحقق الخراساني قدس سره (1) في كفايته إلى الأخير في خصوص المقام أي موضوع العلم بدعوى عدم الاشكال في استنتاج أثر واحد من الأبحاثالدائرة في علم اصول الفقه حيث ان المسلم استحالة صدور الواحد من المتعدد بماهو متعدد ولا يمكن أن يكون المتبائنات بما هي متبائنات نتيجة شيء فارد وأثر واحد فلا محالة يكشف ذلك عن اتحاد المؤثر وهو الجامع بين مسائل كل علم كما نحن فيه ولا يلزم في كونه جامعا معرفته تفصيلاً بان يمكن أن يعبر عنه بلفظ مخصوص به . قال ان موضوع كل علم وهو الذي يبحث فيه عن عوارضه الذاتية ( أي بلا واسطة في العروض ) هو نفس موضوعات مسائله عينا وما يتحد معها خارجا وان كان يغايرها مفهوما تغاير الكلي ومصاديقه والطبيعي وافراده وقال بعد أسطر .

ثم(2) انه ربما لا يكون لموضوع العلم وهو الكلي المتحد مع موضوعات المسائل عنوان خاص واسم مخصوص فيصح أن يعبر عنه بكل ما دل عليه بداهة عدم دخل ذلك في موضوعيته أصلاً الخ .

ثم ذهب إلى ان(3) المسائل عبارة عن جملة من قضايا متشتّتة جمعها اشتراكها في الدخل في الغرض الذي لأجله دون هذا العلم .

وقد قربنا مراده آنفا . لكن لا يخلو عن اشكال .

اما أولاً: فلابتنائه على عدم كون الأثر الا أمرا وحدانيا بسيطا وهو فاسد ضرورة قبوله التجزي وكونه ذا مراتب كما ربما يظهر بالنسبة إلى حصول ملكة رفع الفاعل دون اعراب المفعول بالنسبة إلى علم النحو وكذا ساير العلوم .

ص: 12


1- . كفاية الاُصول 1/2 - 5.
2- . كفاية الاُصول 1/5 - 6.
3- . كفاية الاُصول 1/5 - 6.

وثانيا: فانه في ما يكون من باب التأثير والتأثر تكوينا خارجيا دون المقامالذي لا ربط لتحصيل العلم في حصول ملكة الاجتهاد ورد الفروع إلى الأصول والا فربما يكون سهلاً حصول ذلك المقدار بل ليس الا عبارة عن موهبة الهيةوافاضة من جانب اللّه أو له دخل عظيم في ذلك وليس من باب التأثير والتأثر . فلا وجه لكشف الجامع بين مسائل العلم من وحدة الأثر المترتب عليها كالقدرة على الاستنباط أو حصول القدرة على صون الكلام عن الخطأ في النحو والفكر في المنطق . وسلك بعضهم في التعريف مسلكا آخر فجعل تمايز العلوم بتمايز الموضوعات فيما يكون الموضوعات متبائنة خارجا كما في البدن الذي هو موضوع علم الطب والتشريح دون اللفظ الذي هو موضوع العلوم العربية مثلاً وفيها يبحث عن موضوع واحد وهو اللفظ وعن حالاته فجعل تمايز الموضوعات بتمايز الجهات والحيثيات . فذهب إلى ان موضوع علم النحو مثلاً هو الكلمة من حيث الاعراب والبناء وموضوع علم الصرف هي من حيث الصحة والاعتلال واعترض عليه صاحب الفصول بعدم اجداء هذه الحيثية فان موضوع علم النحو وان كان هو الكلمة من حيث الاعراب والبناء الا انها لا تخلو عن جهة الصحة والاعتلال أيضا فيلزم أن يكون علم النحو والصرف واحدا . هذا ان كان قيد الحيثية تقييدية وان كان تعليلية فلا يستقيم المعنى ولعل مراده قدس سره في عدم استقامة المعنى من حيث عدم رجوعه إلى غرض البحث كي يرجع إلى ما أفاده المحقق الخراساني قدس سره من ان(1) تمييز العلوم بعضها من بعض بتمايز اغراض البحث والمهم المقصود من ذلك . بل يكون ناظرا إلى ان العلة في كون موضوع علم النحو الكلمة

ص: 13


1- . كفاية الاُصول 1/5 .

هي حيث الاعراب والبناء فتأمل .

وهنا جهة ثالثة جعلها بعضهم ثالث الحيثيات فعبر عن موضوع العلم بمايبحث فيه عن عوارضه من حيث هي هي ولم ينقل سيّدنا الاستاذ

قدس سره مرامه كذلكبل عبر اولاً بأنه من حيث هي ورده بعدم المعقولية أو عدم انفهام شيء منه ولكن حيث ان هذا لا معنى لصدوره عن عالم ولا نقله عنه لابد أن يكون مراده ما ذكرنا وحينئذٍ فيرجع إلى ان موضوع العلم من حيث هو موضوع لا بشرط انضمام المحمولات إليه هو ما يبحث فيه عن عوارضه وأحواله

( أو ما يبحث فيه عن أحواله من حيث هو هو وحينئذٍ فيرجع الحيثية إلى البحث ويخرج الأعراض الغريبة ولعلّه اشارة إلى ان موضوع العوارض هو ما تكون العوارض من مقتضيات ذاته )

وذهب المحقق النائيني قدس سره في دورات بحثه على ما نقله الأستاذ قدس سره إلى ان موضوع(1) علم النحو وان كان هو الكلمة واللفظ كموضوع علم الصرف الا ان المايز بينهما هو ان البحث في علم النحو انما هو من حيث قابلية الاعراب والبناء وفي علم الصرف من حيث قابلية الصحة والاعتلال . ومحصله بتحرير منّا ان الماهية بعد ان كانت من حيث هي ليست الا هي لا معدومة ولا موجودة وفي صقعها الخاص بها لا سبيل لأحدهما إليه بل هناك مجتمع النقيضين بل النقائض وذاك العالم وراء عالم الوجود بقسميه . بل اذا تصورناها في الذهن ولو بالنظر الآلي المرآتي لا تكون هي هي بل بوجودها الذهني وهي في كنه ذاتها لا وجود لها وان كانت يستحيل أن لا تكون موجودة ولا معدومة . لكن ذلك انما هو بتنزلها

ص: 14


1- . فوائد الاصول 1/23 - 24 .

من عالمها المختص وحينئذٍ فلها محمولان مترتبان أحدهما أحد النقيضين

الوجود والعدم فاما ان يحمل عليها الوجود واما العدم والثاني الذي رتبته بعدالمحمول الأول الّذي هو أحد النقيضين باقي المحمولات من الضرب والقياموالأكل وأمثالها . فمرادنا من قولنا الكلمة موضوع لعلم النحو

إنّما هي ذات الكلمة في صقعها الخاص لكن لا بذاك النحو بل بما انها قابلة للاعراب وتلبسها باختلاف العوامل للاعراب والبناء ومن المعلوم ان هذا ليس مقام الفعلية والتلبس بالاعراب وحينئذٍ فتمتاز الكلمة التي هي موضوع علم النحو من التي هي موضوع لعلم الصرف . هذا .

لكنّه كما ترى لا يخرج عن ما اعترض به صاحب الفصول قدس سره فان الكلمة من حيث قابلية الاعراب والبناء اما أن تكون الحيثية فيها قيدا للكلمة وهي تقييدية فيصدق على البحث عن مسألة من مسائل علم النحو ان البحث عن بعض حالات الكلمة من حيث قابلية الصحة والاعتلال كما يصدق على الكلمة من حيث الاعراب والبناء وان رجع إلى التعليليّة فلا نعقل منه الا ما أفاده المحقق النائيني قدس سره (1) من كون تمايز العلوم بتمايز الاغراض وليس هذا الا كرا على ما فرّ منه وحينئذٍ فقيد الحيثية لم يغن شيئا وكان النزاع بينهم يرجع لفظيا .

ولا يخفى ان ما اخترناه في تعريف الموضوع ان لم يوافق اصطلاح القوم في العلوم العقلية فليس البحث لنا عن ما هو الموضوع في اصطلاحهم وان وافق فنعم الوفاق .

توضيح: سبق الاشكال على أخذ قيد الحيثية في تعريف العلوم التي تكون

اشكال أخذ قيد الحيثيّة

ص: 15


1- . يظهر خلافه من تقريراته فوائد الاُصول 1/26 .

باحثة في أطراف موضوع واحد كالعلوم الأدبية فانه على تقدير كونه راجعا إلى البحث لا يكون الا الغرض وعلى تقدير رجوعه إلى الموضوع يكون من أخذالمحمول قيدا في الموضوع كما ان ارجاع(1) الحيثية الى القابلية كما عن المحققالنائيني

قدس سره لا يغني شيئا . فالأحسن القول بأن تمايز العلوم بتمايز الموضوعات وجهات البحث في العلوم التي تكون متبائنة بالموضوع كالطب والنحو مثلاً وبتمايز الجهات فقط الراجعة إلى الأحوال في التي لا تكون كذلك كعلم النحو والصرف فيقال ان موضوع الأول الكلمة من حيث البحث عن أحوالها الراجعة إلى الاعراب والبناء وفي الصرف هي من حيث البحث عن حالاتها الراجعة إلى الصحة والاعتلال وهكذا في باقي المشتركات . اذ لا اشكال في تعدد الحالات وجهات البحث أيضا مختلفة . ففي كل علم يكون البحث عن جهة من الحالات والعوارض الطارية على الكلمة . نعم لابدّ مع ذلك من حسن التدوين أيضا فيما يكون البحث في علمين عن حالات متحدة غالبا .

والحاصل ان تعريف الموضوع بأحد هذه الوجوه لم يقع في منطوق آية ولا رواية ولا شاهد له إلاّ الوجدان ولا نرى بالوجدان الا ما ذكر في العلوم المدونة ولا ينبغي اطالة الكلام بأزيد من هذا .

هذا في موضوع العلم . اما موضوعات مسائله فليس بلازم اتحادها مع موضوع العلم بل لا مانع من الالتزام بأنها موضوعات متعددة وان كل مسألة تكون علما برأسها وان صار من المتعارف جمع مسائل متشتتة وجعلها علما واحدا .

لما ذكرنا من تعلّق الغرض بذلك وترتب فوائد كثيرة لعدم كون ذلك أي

ص: 16


1- . فوائد الاُصول 1/25 .

العلل الغائية من جهات البحث ومحددات الموضوع اذ هي لا زمة لفعل كل فاعل مختار يصدر عنه بشعور وارادة اذ ربما لا جامع بين الموضوعات المختلفة كما في علم الطب بالنسبة إلى البحث عن حالات الرأس والعين فان كلا منهما له بحثيخصّه وجهات لا تكون في الاخر وليس بالمنكر جعل كل واحد علما برأسه ولذا ترى واحدا متخصّصاً في احدهما دون الاخر . وان ابيت فانظر إلى علم اصول الفقه واختلاف موضوعات مسائله بحيث لا يمكن جعل جامع بينها ذاتا بنحو يختلف مع موضوعات المسائل مفهوما ويتحد معها خارجا وعينا . اذ الجامع العرضي وان كان ممكنا تصويره في المقام بأن يكون كل ما يقع في طريق الاستنباط أو يصح أن يقع كبرى القياس . لكنه يتصور في كلّ شيء مع كلّ شيء ولو كانا متبائنين بتمام ذاتيهما . فان البحث عن حجيّة الخبر الواحد غير البحث عن الانسداد واختلاف أنحائه حكومة وكشفا والتبعيض في الاحتياط . وكذلك لا ربط بمسئلة الاستصحاب وعدم نقض اليقين السابق بالشك اللاحق بمسئلة حجيّة الظواهر . ومع هذا الاختلاف كيف يمكن أن يدعى وجود جامع جنسي بينهما على النحو الذي اشير إليه ويدعى كشف وحدة الأثر عن وحدة المؤثر . وسبق الاشكال في اتّحاد الأثر اذ لا ريب في اختلاف درجاته لأنه ليس أمرا فاردا كي يكشف عن وحدة المؤثر وهو موضوع العلم هذا مضافا إلى عدم كون المقام من باب التأثير والتأثر .

مع عدم الاشكال في ان هذه الأبحاث كلها من أبحاث علم الاصول . بل بعضها من أهم مسائله كحجيّة خبر الواحد والظهورات .

ولا يلزم وجود الجامع الأصيل بين موضوعات المسائل بل يكفي الجامع

ص: 17

الانتزاعي والاعتباري كما في الفقر في باب الزكوة فان عنوان الفقير ليس جامعا أصيلاً بين أفراد الفقير ضرورة عدم كونه جنسا ولا فصلاً بل هو من العناوين الطارية على ذات الفقراء ومع ذلك أخذ موضوعا في مصرف الزكوة فكذلك مانحن فيه من موضوع علم الاصول(1) .فان موضوع علم الأصول عبارة عن ما يقع في طريق الاستنباط ويمكن أن يقع كبرى القياس ويكون له الدخل التام وبهذه القيود يخرج العلوم الستة التي لها ربط بالاستنباط . لعدم صلاحية وقوعها كبرى القياس . بل كلها راجعة إلى تصحيح الصغرى وتحقيقها كالنحو والصرف واللغة وعلم المعاني والبيان والرجال فشأنها تعيين المصداق وايجاده لمسئلة حجيّة الخبر الواحد والظهور الذي اثباته شأن هذه العلوم وأهمها الذي له الدخل التام القريب في الاستنباط علم الاصول وليست تقع في طريق الاستنباط بنحو يكون الجزء الأخير لعلته وايجاد الملكة التي بها يقتدر على ذلك . فان قلنا بأن البحث عنها من حين وقوعها في طريق الاستنباط وموجدا للجزء الأخير من علته فكذلك في النحو والصرف واللغة لكونها أيضا شأنها ما يحصل بسبب الأوامر والنواهي والمطلق والمقيد إلى غير

فائدة علم الاُصول

ص: 18


1- . ولقد أجاد استاذنا المحقق الجامع بين المعقول والمنقول السيّد حسن الموسوي البجنورديتغمده اللّه برحمته في تحقيقه بتقسيم العلوم إلى قسمين . قسم دون لأجل معرفة حالات حقيقة من الحقائق وما هو مفاد هليتها المركبة وليس الغرض من التدوين إلاّ معرفة محمولاتها العرضيّة التي تحمل عليها بالحمل الشايع حملاً حقيقياً إلى قوله وتمايز هذا القسم من العلوم بعضها عن بعض لا يمكن أن يكون إلاّ بالموضوعات وقسم آخر عبارة عن مجموع قضايا مختلفة الموضوعات والمحمولات جمعت ودوّنت لأجل غرض خاص وترتّب عليه غاية مخصوصة عليها ففي هذا القسم ليس الجامع لهذه المسائل المختلفة الاّ تلك الغاية وترتب ذلك الغرض عليها إلخ . منتهى الاصول 1/6 - 7 .

ذلك من المسائل المبحوث عنها في بحث الألفاظ . فان خرجت العلوم الأدبية يلزم خروجها أيضا . وان دخل مثل بحث الألفاظ فيتجه دخول مثل علم الصرف والنحو في علم الأصول .

وسيأتي وجه عدّ مسئلة حجيّة خبر الواحد وحجيّة الظواهر كليهما من مسائل علم الاصول مع ان كلاً منهما لا يقع في كبرى القياس . بل مسئلة حجيةالظهورات كالصغرى لحجيّة الخبر الواحد في اوائل بحث الظهورات فانتظر . والمراد بالدخل في الاستنباط الدخل القريب لا ما يكون من المعدات والا فالاستنباط يتوقف على امور كثيرة كالسلامة والانتباه ولا اشكال في عدم كونهما من مقدماته . بل هذه من قبيل المعدات . وما يكون له الدخل بحيث يكون من المقدمات ويستند الاستنباط إليه هو ما ذكرنا من العلوم . وكلها راجعة إلى الصغرى الا علم الاصول الراجع إلى كبرى القياس الذي شأن باقي العلوم ايجاد الصغرى وجعل المصداق للكبرى المستفادة من الأبحاث الاصولية واما علم المنطق فلا اشكال في توقف الاستنباط عليه . بل ربما يكون من أنفع العلوم وأعلاها لتوقف فهم جميعها عليه بل لو لاه لم يستقم ميزان الاستدلال ولا ينبغي الارتياب في توقف استنباط الأحكام من المدارك عليه . لكنه مع ان الغالب بل مجموع الاستدلالات الفقهية تكون من الشكل الأول البديهي الانتاج . فلا احتياج إليه لكونه فطريا للانسان والا فلا يمكن بدونه تمييز باب المغالطات عن غيرها .

فقد تلخص مما ذكرنا . ان موضوع علم الأصول ( كما في الكفاية )(1) ليس

ص: 19


1- . قال في الكفاية بعد الاشكال في جعل موضوع علم الاصول هي الأدلة الأربعة أعم من أخذها بما هي هي أو بما هي ادلة هذا في الثبوت الواقعي . اما الثبوت التعبدي كفاية الاُصول 1/9 كما هو المهم في هذه المباحث فهو في الحقيقة يكون مفاد كان الناقصة فانه يقال نعم لكنه مما لا يعرض السنة بل الخبر الحاكي لها . فان الثبوت التعبدي يرجع إلى وجوب العمل على طبق الخبر كالسنة المحكية وهذا من عوارضه لا عوارضها كما لا يخفى . وبالجملة الثبوت الواقعي ليس من العوارض والتعبدي وان كان منها الا انه ليس للسنّة بل للخبر فتأمل جيدا . أما اذا كان المراد بالسنة ما يعم حكايتها فلأن البحث في تلك المباحث وان كان عن أحوال الستة بهذا المعنى . لكن البحث عن غير واحد من مسائلها كمباحث الألفاظ وجملة من غيرها لا يخصّ الأدلّة بل يعمّ غيرها وان كان المهم معرفة أحوال خصوصها كما لا يخفى . ويؤيّد ذلك تعريف الاصول بأنه العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية . وان كان الأولى تعريفه بأنه صناعة يعرف بها القواعد التي يمكن أن تقع في طريق استنباط الأحكام أو التي ينتهي إليها في مقام العمل بناء على ان مسئلة حجية الظنّ على الحكومة ومسائل الأصول العملية في الشبهات الحكمية من الأصول كما هو كذلك ضرورة انه لا وجه لالتزام الاستطراد في مثل هذه المهمات انتهى . وقد عرفت تعريفه للموضوع سابقا حيث انه يكشف وحدة الأثر عن وحدة المؤثر . وعلى كل حال فحيث يتوجه اشكال استطراد قسم من مباحث الألفاظ بل كثير منها كمباحث الأمر والنهي ومسائل اجتماع الأمر والنهي ضرورة انه على تقدير يرجع إلى البحث صغرويا عن النهي في العبادات وعلى آخر إلى البحث كذلك عن التعارض وكثير من مباحث هذا العلم يكون راجعا إلى الظهور الذي يكون صغرى مسألة حجية الظهورات . فالأولى حينئذٍ جعل الموضوع كل ماله دخل في الاستنباط ولم يدون في علم آخر يبحث عنه كذلك كي يشمل مجموع هذه الأبحاث ضرورة انه لا يرتكب بذلك خلاف نص أو بداهة والنتيجة انه لابد من جعل الموضوع ما يمكن أن يرجع جميع مباحث العلم إليه ويقرب ممّا ذكرنا ما عرفه المحقق النائيني قدس سره حيث قال على ما في التقريرات موضوع فوائد الاُصول ج1 ص28 - 29 علم الأصول هو كل ما كان عوارضه واقعة في طريق استنباط الحكم الشرعي أو ينتهي إليه العمل إلخ والا يتوجه عليه اشكال خروج مباحث الألفاظ أو دخول مثل علم الرجال لوقوعه في طريق الاستنباط بعوارضه . كفاية الاُصول 1/6 - 9 .

هو خصوص الأدلة الأربعة بما هي أدلة ولا بما هي هي . بل مطلق ما يمكن أن يكون نتيجة البحث عنه واقعا في طريق الاستنباط ويكون له الدخل في تشكيل كبرى القياس . وذلك لرجوع ما عرفت مع ما في الثاني من كونه من البحث عن

موضوع علم الاُصول الأدلّة الأربعة

ص: 20

مفاد كان التامة وهو داخل في المبادئ لا في المسائل . بل البحث انما يكون عن مفاد كان الناقصة وان المحمولات المنتسبة هل هي ثابتة للموضوع أم لا بل منفية كما انك عرفت مما بينا تعريف علم الأصول وموضوعه والفائدة المترتبة عليه ورتبته ويمكن الذهاب إلى ما عرف به المشهور لعلم الأصول وما جعلوه موضوعا له من الأدلة الأربعة اما بما هي هي أو بما هي أدلة . لكن على هذا يشكل بخروج مهمات المسائل الأصولية عن هذا الضابط لموضوع العلم كمسئلة حجيّة خبر الواحد وعمدة مسائل التعادل والتراجيح وغيرها عنه . ويبقى خصوص بعض المباحث كبحث البرائة والاشتغال في تعريف العلم . ضرورة عدم البحث فيهاتين المسئلتين اللتين عليهما يدور رحى الاستنباط عن أحد الأدلة الأربعة لعدم كونها من غير السنة ولا منها . وما عن الشيخ الأنصاري رحمه الله من رجوع البحث عن حجيّة خبر الواحد إلى ثبوت السنة الواقعية به وفي باب تعارض الخبرين عن حِجية أحد الخبرين غير مفيد كما أشار إليه المحقّق الخراساني قدس سره واستشكله بأنه من البحث عن مفاد كان التامة على خلاف ما عليه البحث في مسائل العلوم من كونه عن عوارض الموضوع التي هي مفاد مكان الناقصة واثبات شيء لشيء حيث ان السنة الواقعية التي هي القول والفعل وتقرير المعصوم علیه السلام يكون البحث في هاتين المسئلتين عن ثبوتها وتحققها أو أيهما .

هذا في الثبوت الواقعي . اما التعبدي(1) فهو وان كان يرجع إلى مفاد كان

الناقصة وهو ان السنة الواقعية هل كانت متعبدا بها بخبر الواحد لكن لا يخفى ان البحث عن ذلك أيضا يرجع إلى الحاكي وهو خبر الواحد الذي يحكي السنّة

ص: 21


1- . كفاية الاُصول 1/6 - 9 .

الواقعية ويثبتها تعبدا ويكون البحث في مسئلة الحجية من عوارض الحاكي وهو الخبر لا المحكي الذي هو السنّة وأجاب عن أصل الاشكال المحقق النائيني قدس سره

باشتراك المتضائفين في الصفات التي تعرض لأحدهما من حيث التضايف فاذا كان خبر الواحد الذي هو الحاكي عن السنة مثبتا بها السنة وكان البحث عنه راجعا إلى مفاد كان الناقصة فكذلك الأمر في المحكي الذي هو السنة التي تثبت بالخبر الحاكي لها .

فاذا كان البحث في انه هل الخبر مثبت للواقع والسنة الواقعية تعبدا أم لاراجعا إلى مفاد كان الناقصة . فانه وان لم يكن بحسب الظاهر بحثا عن أحوالالسنة الواقعية لكن حيث ان الخبر المثبت لا ينفك عن اثباته للمثبت فلو كان هو مثبتا فذاك مثبت فبالحقيقة يرجع إلى عوارض السنة وأحوال الموضوع .

الا انه لا يخفى عليك اختلاف المشارب والمسالك في بحث حجية الخبر الواحد من كون ذلك على التعبد والتنزيل بأن تكون الآيات والأدلّة التي اقيمت على ذلك مفادها جعل الخبر الواحد بمنزلة العلم في العمل بمقتضاه . وكذلك نفس الخبر مقام القطع الموضوعي اوان البحث في ذلك ينتج الحكم التكليفي . وان الشارع أوجب العمل بمؤدّى خبر الواحد سواء طابق الواقع أو لا كما ربما يومى اليه ما حكى عن صاحب الهداية من انا اليوم مكلفون بمؤدى الطرق والأمارات بناءً على عدم رجوعه إلى التصويب كما أشرنا إليه في محله . وكما ان ذلك مبنى الشيخ رحمه اللهفان كان المبنى في حجيّة الخبر هو التعبد والتنزيل لكان للبحث عن الثبوت التعبدي وان مرجعه إلى أي شيء مجال وإلاّ فعلى ما هو التحقيق من عدم بناء العقلاء على التعبد والتنزيل وان طريقتهم في ذلك هو الأخذ بالعلم العادي

ص: 22

النظامي الذي عليه مبنى معاشهم وان هذه الأدلة التي ادعيت على تقدير تماميتها أو بعضها من الآيات أو الاجماع واستقرار طريقة العقلاء وغير ذلك انما تدل على امضاء ما في الطريقة ولا دلالة لها على أزيد من ذلك . فلا تأسيس فيها . فحينئذٍ ليس البحث في مسئلة حجيّة الخبر الواحد عن أحوال السنة . بل يرجع البحث إلى أحوال الخبر الواحد وحيث اثباته وطريقيته وعدمه . اما المطابقة للواقع وعدمها فامر آخر . وعليه فلا مجال للتعبد كي يبقى موضوع لهذا البحث من جهة رجوعه الى احوال الموضوع والثبوت التعبدي له . وكذلك على كون المبنى فيها وجوب العمل .فانه على هذا يكون مسئلة فقهية ولا ترتبط بالثبوت التعبدي وعدمه .فما ذكره قدس سره من الاشكال ثم التسليم في الثبوت التعبدي انما هو بناء على مذهبه في أول مسئلة القطع وان رجع في بحث الامارات وذهب إلى جعل الحجية .

والحاصل ان الاشكال يتوجه على أخذ الموضوع الأدلة الأربعة على كلّ حال كما قد تفطّنت له في طي ما ذكرنا . فليكن موضوع علم الأصول كل ما له الدخل في الاستنباط قريبا بحيث لا يكون من المعد بل على نحو يكون عليه مداره في استبناط الأحكام سواء كانت ظاهرية أو واقعية . وعلى هذا يدخل فيه عمدة مباحث هذا العلم كمسئلة حجية الخبر الواحد والتعارض وأبحاث الأصول العمليّة .

أما مباحث الألفاظ فحالها حال معدات الاستنباط من اللغة والنحو والصرف لكنها حيث لم تكن مبحوثا عنها في اللغة أو علم آخر فلذلك جعل لها

اشكال الثبوت التعبّدي للسنّة

بحث حجّيّة الخبر الواحد

ص: 23

في الاصول مدخل عظيم وبحث عنها مفصلاً وان كان الجل أو الكل من ذلك يرجع إلى المبادي .

والحاصل ان بحث الأوامر والنواهي فيما يرجع إلى الظهورات من المباحث اللغوية التي لم يكن شأن الأصولي البحث عنها وكانت اليق بغيره الا انه حيث ان الموضوع وهو كل ماله الدخل القريب في الاستنباط ينطبق عليها فلذلك لو عدّ من مباحث هذا العلم لم يكن بعيدا ويخرج مقدّمات الاستنباط من اللغة والنحو والصرف والمعاني والبيان والرجال .

وتحصل من ما ذكرنا تعريف علم الأصول بأنه العلم بما يقع نتيجته فيطريق استنباط الحكم الشرعي أو الوظيفة العملية أو كما في التقريرات(1) هو العلمبالكبريات التي لو انضم إليها صغرياتها يستنتج حكم فرعي كلي .

اما ما عرفه به المحقق الخراساني قدس سره (2) فيرد عليه انه لا قواعد مسلمة في

المقام كي ينظر إليها في التعريف بالعلم بالقواعد حيث انه قد يكون نتيجة أبحاث الأصول الانسداد في الأحكام وعدم انفتاح باب العلم والعلمي وعلى تقدير ينتج التبعيض في الاحتياط كما هو الصحيح . وفي آخر الكشف كما ان على مبنى ثالث الاكتفاء بالظن في مقام الامتثال وان لم يمكن فالاحتمال والشك . ومن المعلوم انه لا قاعدة على هذا إذ لم يكن المستفاد من أبحاث الألفاظ قاعدة أصولية بل بعض مباحثها من المبادي لآخر ويبحث فيه عن موضوع البحث الاخر فاللازم التعليق في التعريف بالصناعة أو العلم بما لو استفيد من الأبحاث يقع في كبرى الاستنباط أو التعميم بحيث لا يشذ بحث من الأبحاث على كل تقدير ووصوله الى أي نتيجة

اشكال تعريف المحقّق الخراساني

ص: 24


1- . فوائد الأصول 1/19 .
2- . كفاية الاُصول 1/9 .

سواء انتج الانسداد وحكم العقل والوظيفة العملية أو حجية الخبر وغير ذلك وكذلك الكلام في الاستصحاب وباقي الأصول بعد ان لم يكن مباحث القطع من أبحاث الأصول . الا انك قد عرفت في الموضوع ما يمكن أن يكون خاتما للترديد في التعريف . اذ اللازم التعريف على نحو يرجع أبحاث العلم الى الموضوع الواسع المزبور وسبق ان فائدة هذا العلم حصول القدرة على استنباط الأحكام الشرعية كما ظهر طي الأبحاث ان رتبته قبل الاستنباط بعد باقي المقدمات الدخيلة فيه .

نكتة: قد سبق في تعريف المحقق الخراساني قدس سره لهذا العلم اضافة قوله ( أوالتي ينتهي إليها في مقام العمل ) وكانه لادخال مثل بعض المسائل التي لا يرتبطبالاستبناط لا ظاهريا ولا واقعيا بل يكون لمجرد بيان الوظيفة العملية كبحث الانسداد الذي اشير إلى اختلاف نتائجة على التقادير المختلفة والمنتهى أعم من أن يكون مجتهدا أو مقلدا وحينئذٍ فيدخل في ذلك كثير من الأبحاث الفقهية في قواعد كثيرة لانتهائها إلى مقام العمل مع ان الظاهر خروجها عن علم الاصول ضرورة عدم سعته حتى للمسائل الفقهية وقواعدها . فاللازم اما التوسعة بجعل كبريات القواعد الفقهية كقاعدة الفراغ وما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده وقاعدة الغرر وكذلك الشك بقواعدها حيث انه يستنتج من كلّ منها حكم كلي انتهى إليها في مقام العمل وان كان فرق بين العمل الخارجي وهو الذي يكون وظيفة المقلد كتطبيق كبرى حرمة الخمر التي استنتج حكمها مجتهده مثلاً من الأدلّة بحسب ارتكازه على المصاديق الخارجية وبين ما لا يكون كذلك بل يبحث عن الحكم كليا وله تطبيقات في موارد عديدة كليا ثم تنتهي إلى مقام العمل .

ص: 25

والحاصل انه تارة يكون البحث ينتج في مقام العمل بلا واسطة وهذا هو ضابطة المسئلة الفقهية التي بعد استنتاج الحكم الكلي للمورد الجزئي أمر تطبيقها بيد المقلد واخرى لا تعلق لها بالعمل بلا واسطة بل بعد اعمال كبروية وانطباق ينتهي الأمر والنتيجة إلى مقام العمل . وهذه هي ضابطة القاعدة الفقهية وتشترك في هذه الجهة مع المسئلة الأصولية لوقوع نتيجة كل منها في مقام الاستنباط وترتبط بالعمل بعد وقوعها في طريق استفادة الأحكام فلا تكون النتيجة فيهما غالبا الا كليا بخلاف المسئلة الفقهية كما أشرنا إليه . وعلى هذا فالقاعدة الفقهية أيضا مرتبطة بالاستنباط ولا بأس بالتزام كون البحث عنها داخلاً في المباحث الأصولية .ولا يخفى دخول كثير من المباحث بناء عليه في علم الأصول الا ان معذلك كله كلها راجعة إلى غير المعاملات سوى بحث الاستصحاب فالقواعد والمباحث المذكورة في علم الأصول راجعة إلى أصول العبادات اما أصول المعاملات فأكثرها يبحث عنها في الفقه سواء كان مدار استفادتها من الأخبار من القواعد الكلية الجارية في كثير من أبوابها أو من الاجماع أو غير ذلك .

ويستنتج من هذا كله تعريف علم الاصول بأنه العلم بالقواعد أو النتائج التي تقع في طريق استنباط الحكم الكلي الفرعي الشرعي سواء في ذلك الحكم الواقعي أو الظاهري ويشمل التعريف مثل بحث القواعد الفقهية التي تقع في طريق الاستنباط وان شئت شمول التعريف لمثل بحث الانسداد بناء على الكشف أو التبعيض في الاحتياط أو الحكومة فلابد من اضافة قيد التوسعة على حسب ما يقتضيه .

ص: 26

الكلام في الوضع

والبحث فيه من جهات:

الأولى: في كيفيّته من انه ذاتية أو جعلية وعلى تقدير الجعلية بأي نحو من نحويه أو لا هذا ولا ذاك .

نسب الأول ( أي كون دلالة الألفاظ على معانيها ذاتية ) بلا تصرف من أحد إلى سليمان بن عباد كما ربما مال إلى الأخير المحقق النائيني قدس سره (1) وقال به غيره

بدعوى ان دلالة اللفظ على معنى من المعاني دون غيره وغير هذا اللفظ الخاص بل هذا لابد له من الخصوصية كي تكون ملحوظة في نظر الواضع الذي يخصصاللفظ بالمعنى فان الترجيح بلا مرجح ذاتي أو مطلقا محال فلم جعل لفظ الماء للماء ولم يجعل غيره .

وعلى هذا التقدير فالواضع هو اللّه تبارك وتعالى لعدم تناهي المعاني على حسب تناهي الألفاظ الا ان هذا القول ضعيف غايته .

فانه اية خصوصية في اللفظ ذاتية تقتضي اختصاصه بالمعنى دون غيره وغيرها . وما قيل من لزوم الترجيح بلا مرجح الذي مرجعه إلى الترجح بلا مرجح وإلى وجود المعلول وحصوله بلا علة صحيح . لكنه نمنع كونه منحصرا بالذاتي بل يكفي المرجح الخارجي .

ويمكن ارادته أي سليمان بن عباد ما قبله غيره والتزم به من احتياج ذلك إلى رجحان وخصوصيّة في اللفظ كي يختصّ به المعنى ويختص هو بالمعنى

الكلام في الوضع

ص: 27


1- . فوائد الاصول 1/30 - 31 .

الخاص دون غيره من الألفاظ ولغيره من المعاني فلايّ جهة وضع بازاء ذات احمد مثلاً هذه اللفظة ولم يجعل لها غيرها كما ان هذا الذي ذكروا يلزمهم في خصوص حروف المعاني لعدم امكان وضع اللفظ مركبة ما لم يضع مفرداته . وان ابيت عن ذلك فلا اقل من التزامه في الوجود الكتبي فانه لابد من الميز بين الحروف ووضع ما يشار به إلى تعيين كلّ واحد منها للحاجة الشديدة إليه . وبرهانهم في ذلك ما ذكرنا من لزوم الترجيح بلا مرجح في غير هذه الصورة .

وأنت خبير بأنه انما يلزم ذلك بالنسبة إلى الباري تعالى الذي كلّ الأشياء حاضرة عنده ويعلمها علما حضوريا من الألفاظ والمعاني . فحينئذٍ لو كان هو تقدّست أسمائه الواضع . لابد انه علم الخصوصية الموجبة لاختصاص أحد الألفاظ الخاصة لمعناه الموضوع له اللفظ . وأما بالنسبة إلى المخلوق فلا يلزمالترجيح بلا مرجح بما سنبينه لك .وذلك ان الترجيح بلا مرجح انما يلزم اذا كان مثلاً الواضع يرى عدّه ألفاظ ويعطيها خلعة الوضع ويضع بازاء كلّ واحد من المعاني لفظا مخصوصا فحينئذٍ لابدّ أن يرجح ولا يمكنه الوضع والتخصيص بلا مرجح . اما إذا فرض عدم تصوره لجميعها بل انما يكون ذلك على التدريج فلا اشكال ولا يلزم هناك ترجيح بلا مرجح . وفي الصورة الاولى أيضا نمنع كون المرجح ذاتيا . بل يكفي ولو كان خارجيا بل ولو كان خياليا بل وهميا . وما يمكن أن يوجب عند الفاعل المختار الاتكاء عليه في تعيين هذا بالخصوص دون ذاك وتخصيص المرجح بالمرجح الذاتي اقتراح في الأفعال الصادرة من اختيار وشعور وما ذكروا نقضا لعدم امكان الترجيح بلا مرجح لأنه باطل بمثال الرغيفيين للجائع وطريقي الهارب من الأسد

ص: 28

لا يخفى ما فيهما من المغالطة . فان المثال خارج عن محل الفرض حيث لا يبقى معه اختيار وشعور للهارب كي يختار أحد الطريقين ولا يرجّح وفي الأوّل انّه لا وقوع له عادة بنحو التساوي جميع الجهات حتّى قرب أحدهما من يده اليمنى ولو فرض ذلك نقول لا يختار أحدهما بل يتوقف ما لم يترجح عنده أحدهما لاستحالة حصول الفعل من الفاعل عن ارادته بلا ترجيح له على عدمه . فانه لا يوجب الامور المتقدمة على التصدي سلب اختياره حيث انه يتصور قهرا وليس باختياره وكذا ملائمة طبعه للمتصور وعدمها خارجة عنه إلى أن يصل إلى حد التصدي فانّ له الاختيار وحينئذٍ فله أن يفعل وله أن لا يفعل على ما ذكرنا بالمرجح .

الحاصل ان اشكال امام المشكّكين الفخر الرازي لبرهان الترجيح بلا مرجح بما ذكر من الأمثلة مغالطة وخارجة عن مورد البحث وقد عرفت الجوابعنه فلا يحتاج إلى التمسك باللعن كما نقل سيّدنا الاستاذ عن المحقّقالخراساني

فهو أي الترجيح بلا مرجح وان كان محالاً(1) الا ان المرجح أعم من المرجح الذاتي . وحيث لا مرجح فلا فعل ولا يصدر عمل اختيارا ومحل الكلام انما هو هذا . وقلنا انه لا مورد لم يكن هناك أحد المرجّحات ويكفي هذا المقدار في نظر الواضع مرجحا لتعيين لهذا المعنى الخاص .

ثم انه لا يلزم وضع الألفاظ دفعة واحدة كي يدعي استحالته ضرورة عدم امكان تصور معاني عديدة بلحاظ واحد بل لازمه لحاظات عديدة يتعدّد بحسبها

كيفيّة الوضع

ص: 29


1- . كما يمكن تمثيله بما إذا وضعنا شيئا كرويا مثلاً على رأس مسمار بحيث تكون نسبة موضع الوضع معتدلة لا مائلة إلى بعض الأطراف خارج عن مركز رأس المسمار فانه لا يقع بخلاف صورة الخروج عن حدّ الاعتدال .

تعدد ما يختص بها من الألفاظ . بل الممكن تدرج حضور الألفاظ الخاصة في الذهن حسب تدرج المعاني فيضع الاولى بازاء الثانية ويتعهد على ما سيجيء وكذلك اذا لم يكف ما وضع الواضع الأول فيضع من بعده إلى حد يكتفون به .

الجهة الثانية: في حقيقة الوضع وانه هل يحتاج إلى ايجاد علقة اعتباريّة بين اللفظ والمعنى ويكون اللفظ قالبا له ووجودا له في عالم الألفاظ كما انه يكون الكتابة وجودا كتبيا للموجود الخارجي مثلاً أم يكفي مجرد التعهد من الواضع والتباني على ارادة المعنى الخاص عند التكلم باللفظ الكذائي ؟

والاشكال في أحدهما مشترك الورود في آخر بلزوم الترجيح بلا مرجح

الذي له . ومرجع التعهد إلى حصول العلقة بهذا النحو في قبال الانشاء واعتباره في صفحة الاعتبار مثل الملكية أو الزوجيّة المنشأة في عالمه بين الزوجين . فهي ليست من سنخ الوجودات الذهنية والخارجية . بل من عالم الاعتبار ومنشأه بالانشاء الحاصل من أي منشئ . فاذا أنشأه يكون موجودا ويحصل العلم بالمعنىمن العلم باللفظ . فهي من هذه الجهة تشبة النصب والعقود الدالة على المعاني الخاصة بالاعتبار .

والحاصل انه لا يتعين كون الوضع بنحو الايجاد والانشاء كما لا يتعيّن بكونه حاصلاً بالتعهد . بل يمكن حصوله بأيهما فاذا تعهد الواضع خصوصية بين اللفظ والمعنى يرجع إلى ما يوجده الواضع على القول الآخر بالانشاء وحيث انه لا يكون ذلك الا مجرد انشاء واعتبار فلا وجه للاشكال بما ذكر في الجهة الاولى من عدم المناسبة بينهما نعم يمكن الفرق بينهما بكون مرجع التعهد الى جواز هدمه والبناء على عدمه من الواضع .

ص: 30

بخلاف الثاني أي كونه بالانشاء ( فتدبر ) كما انه لا اشكال في حصول ذلك بالتعيّن أي باستعمال اللفظ كثيرا في معنى بحيث يستغني استفادته من اللفظ عن القرينة فهذا أيضا وضع .

كما ذكرنا حصوله بالتعهد . بل بارادة الوضع بالاستعمال كما انه يصح باحضار طفله بقوله هاتوا أحمد مع انه لم يسمّه من قبل ويريد بهذا تسميته بأحمد فانه يحصل بذلك الوضع .

وكيف كان فبعد معلومية كون الوضع في اللغة عبارة عن جعل شيء في مكان مخصوص مثلاً كالحجر على الحجر وعرفت حاصل المختار في المقام فقد عبر عنه في الاصطلاح بتعابير عديدة أحسنها ما في الكفاية(1) من انه نحو اختصاص اللفظ بالمعنى وارتباط خاص بينهما .ومنها تعيين لفظ خاص للدلالة على معنى بنفسه أو باضافة قيد بلا قرينة أوانضمام قرينة .

ولا يخفى عدم جامعية هذا التعريف فانه وان خرج بقيد لفظ المعيّن من غيره من أنحاء التعيينات الراجعة إلى غير اللفظ كالنصب والخط ويشمل جميع انحاء الدلالات ويخرج بقيد معنى غيره كما بقيد لفظ غيره من الدوّال وبقيد الدلالة يراد كون اللفظ قالباً للمعنى وفانيا فيه بحيث يكون كانه شان من شؤون المعنى ووجود مرتبة منه كما ان الوجود الذهني قبال الخارجي كذلك والوجود الكتبي بالنسبة إلى اللفظي وعلى هذا فلا قابلية للفظ الواحد في استعمال واحد ارائة معنيين مشتركين أو حقيقة ومجاز أو مجازين مثلاً بأن يكون فانيا في كلّ واحد

حصول الوضع بالاستعمال

ص: 31


1- . كفاية الاُصول 1/10 .

منهما استقلالاً . اذ ليس دلالة اللفظ على معناه من قبيل ارائة المرأة أشياء متعددة تحصل في قبالها ولا مانع من ارائتها دفعة واحدة في جعلها بازائها دفعة . وكيف كان فخرج بقولنا تعيين اللفظ تعيين غيره ويقيد بنفسه المجاز . لكنه ربما يستشكل بالمشترك لاحتياجه إلى القرينة . الا أن يجاب بكونها لتعيين المراد لا لأصل الارادة بل فيه يحضر جميع المعاني في الذهن فله الدلالة التصوريّة وايجاد المعاني في الذهن ويخرج عنه الوضع التعيني والتعريف الأول اشمل وان لم يكن تعريفا حقيقيا بل فرار عنه ويشمل جميع انحائه من المنقول والمشترك والمرتجل والمجاز المشهور وغيرها والوضع التعيّني بعد ان كان الوضع في اللغة مطلق التخصيص وجعل شيء على آخر كما مثلنا بجعل الحجر على الحجر لكنه اصطلاحا جعل علقة أو ربط أو نسبة وضعية بين اللفظ والمعنى كما انه ربما يستشكل تعريفه بالتعيين الخ بالمعاني الحرفيّة اذ انه بالغير والا فمجرد عن متعلقه لا معنى ولا دلالة .ويمكن الجواب بأنه ليس دلالتها ( أي الحروف ) على معانيها بتوسطمتعلقاتها بل لا فائدة فيها والا فالمعنى المستفاد منها لا فرق فيه بين صورتي قبل الاستعمال وبعده وان يكون مع متعلقاته أو بدونها فلا اشكال على التعريف ( ولو كان للمجازات أيضا وضع فتدخل هي أيضا لكنها لو اريد وضع اللفظ للمعنى الحقيقي فتخرج ببعض القيود .

كما ان الامر كذلك على التعريف الاخر وهو التعريف الاول بزيادة قيد بلا اعتماد على معنى آخر فتخرج المجازات بأسرها حيث انها في دلالة الألفاظ عليها يعتمد على معنى آخر من قرينة اؤمسبوق بوضع آخر وهو وضعه للمعنى

ص: 32

الحقيقي بخلاف المعنى الحقيقي فلا احتياج فيه إلى وضع آخر .

ثمّ ان تعريف الوضع بما ذكر تعريف له بالمعنى المصدري وإلاّ فتعريفه بالمعنى المناسب لاسم المصدر يكون بغير هذا النحو وهو خلاصة ونتيجة المعنى المصدري كما في الغُسل بضمّ الغين بالنسبة إلى الغَسل بفتح الغين وربما لا يكون بازاء معنى اسم المصدر في بعض المعاني لفظ خاص فيعبرون بلفظ المصدر عنه كما في البيع والوضع من هذا القبيل .

فلو اريد التعبير عن معناه بما يناسب اسم المصدر يعبر بلفظة الوضع ويعرف بما ينبغي أن يعرف ويخصّه كما عن المحقق الخراساني قدس سره (1) من قوله نحو اختصاص وذلك عبارة عن ما يوجده الواضع وينشأه فهو الاختصاص كما في الانشاءات الواقعة في باب العقود والايقاعات حيث ان المنشئ انما ينشئ مفهوما من البيع وهو المبادلة في عالم الاعتبار . كما قد يقع في الخارج التبديل الخارجيبالمعاطاة . فالوضع أيضا كذلك . فربما يكون تكوينا وحقيقة كما في وضع الحجرعلى آخر وربما يكون بالانشاء وجعل الربط بينهما بحيث إذا القى اللفظ ينسبق المعنى عند العالم بذلك ويكون المنشأ حقيقة على هذا نسبة ربطية بحيث لو كانت الحروف عبارة عن نسب يشمل وضعها أيضا ونسبة وضعية وكذلك .

والحاصل ان الوضع بمعناه الاسمي للمصدر نحو اختصاص ووجود ملازمة أو ربط ينشأ تارة واخرى يحصل بغير الانشاء وليس بلازم ايجاد هذه النسبة بلفظ خاص مطابقي بل تحصل بكل ما يؤدّي هذا المعنى كما في باقي الانشاءات الواقعة في العقود فتقع بالكناية والمجاز وغيرهما الذي هو الحقيقة .

ص: 33


1- . كفاية الاُصول 1/10 .

تكميل أو تتميم: تعرض سيّدنا الاستاذ قدس سره لما ذكره صاحب الدرر في أوّل كتابه في الوضع وانه لا ينحصر .

والمستفاد(1) من كلامه انه يقول بعدم الانشاء في الوضع بل هو اظهار ما في النفس وابرازه وليس من الانشاء في شيء . ورده عليه بأنه لا يقول بذلك في باب الانشاءات في العقود والايقاعات قطعا .

وما ندعي في قباله ان اللفظ علة لحصول المعنى في الذهن والمعنى معلول بل المدعى في ما نحن فيه ان الألفاظ آلات لايجاد المعاني في الذهن والموجد ليس هو اللفظ كما في ألفاظ المعاملات والمنشئ هو الموجد لكنه باللفظ نظير ما يصنعه النجار بآلة نجارته .

فالالة ليست حقيقة هي الموجد والصانع بل آلة الصناعة والنجار هو الفاعل الصانع فليراجع كلامه في درره .وسبق الكلام في ان الواضع هو اللّه تعالى أم المخلوق وسبق استدلال بعضهم من كون المعاني غير متناهية لا يحيط بها البشر فلا يمكنه الوضع لها بل لابد ان يكون هو اللّه تبارك وتعالى واستدل بعضهم بالآية الشريفة « وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا »(2) لكن يرد عليه ان الظاهر من قوله تعالى فيما بعد « ثُمَّ عَرَضَهُمْ

عَلَى الْمَلاَئِكَةِ »(3) ان الأسماء لم تكن هي اللغات كلها . بل خصوص أسماء ذوي

اشكال كلام الدرر

ص: 34


1- . المذكور في الدرر درر الفوائد 1/35 . يرجع إلى التعهد . قال الذي يمكن تعقّله ان يلتزم الواضع انه متى أراد معنى وتعقّله واراد افهام الغير تكلم بلفظ كذا فاذا التفت المخاطب بهذا الالتزام فينتقل إلى ذلك المعنى عند استماع ذلك اللفظ منه إلى آخره .
2- . البقرة الآية 32 .
3- . البقرة الآية 32 .

العقول الذين أشار إليهم الباري تعالى بقوله ( ثمّ عرضهم على الملائكة ) وان قيل قد قرء بعضهم بافراد الضمير ( أي عرضها ) قلنا هذا لا يرد . لأن ما بعده يؤيّد ما ذكرنا . حيث ان بعد الجملة قوله تعالى: « فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤلاَءِ »(1) وربما يدل على هذا روايات مرسلة لكنه كما ترى لا حجيّة لها على المدعى . بل على تقدير التسليم لا يكون ذلك من باب ان اللّه هو الواضع لاحاطته بالزمان والزمانيات فلا يتوقف تعليمه الأسماء لآدم على نبيّنا وآله وعليه السلام على سبق وضع بل يمكن ذلك ولو بأن يضع الواضعون اللغات بعد .

والحاصل انه لا دلالة للآية على المدعى والتواريخ أيضا مختلفة ففي بعضها ان ذلك كان إلى زمن نوح على نبيّنا وآله وعليه السلام ثمّ لم يعلمها من بعده .

وفي بعضها انه(2) تبليغات الالسن فاصبح كل قوم ولا يعلمون ما يقولهالآخرون وفي بعضها ان كلا تكلم بلغة وكان من ايداع اللّه تبارك وتعالى هذه القوة فيهم والهامهم بها وهذا أيضا لا وثوق به . وكيف كان فلا دليل على كون الواضع هواللّه تعالى بل يظهر من بعض(3) الآثار ان اول من تكلم باللغة العربية هو اسماعيل على نبينا وآله وعليه السلام واجرى اللّه على لسانه هذه اللغة(4) .

ص: 35


1- . البقرة الآية 32 .
2- . مروج الذهب 2/132 .
3- . مروج الذهب 2/72 .
4- . أقول: تحقيق الحال ان الوضع قسم منه تعييني وليس هو التعهد ويمكن الاستشهاد له بوضع الاعلام الشخصية ويشير إليه قوله تعالى: « إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا » . مريم الآية 8 . وقوله تعالى: « سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ » . آل عمران الآية 37 . وأي تعهد من قبل اللّه تعالى وهذا يضعف مختار جمع من كون حقيقته التعهد كما في الحقايق واختاره السيّد الخوئي محاضرات في أصول الفقه 43/48 وذهب استاذنا المحقق . منتهى الاصول 1/15 . الجامع بين المعقول والمنقول إلى كون الوضع هو الهوهوية والاتحاد بين اللفظ والمعنى في عالم الاعتبار ويمكن أن يوجد بالجعل والانشاء وتارة بكثرة الاستعمال . وما اخترناه مختار صاحب النهاية . النهاية 1/30 .وإليه يرجع ما أفاده شيخ مشايخنا الآقا ضياءالدين العراقي قدس سره .

وعلى كلّ حال فلا اشكال ولا مانع من حصول أمر الوضع من المخلوق على التدريج في الاحتياج إلى المعاني وتدرج خطورها بالذهن ووضع الألفاظ لها ولا ندعى انه صار دفعة واحدة .

مضافا إلى ما عرفت من عدم تمامية أدلّة المخالف اذ عمدتها الوجه العقلي وفيه ما عرفت وفي النقلى عدم مساعدة الآية . بل يمكن أو قيل انه في عالم الاشباح وارى صور أولاده علیه السلام وأسمائهم ولا ربط له بما نحن فيه اذ المدعى لا يخصه .

الجهة الثالثة: في أقسام الوضع ان تصوّرات الوضع والموضوع له أربع والمراد بالوضع تصور المعنى الذي يراد وضع اللفظ له بأحد أنحاء تصوّره فانه اما أن يكون المتصور وما وضع له اللفظ واحدا بالخصوص والعموم أو لا . فان كانالمتصور خاصا والموضوع عاما له فهذا الذي اختلف كلامهم فيه انه ممكن أم لا ولا اشكال في امكان عكسه بأن يكون الوضع عاما والموضوع له خاصا أييكون العام بعمومه عبرة لملاحظة الخصوصيات المنطبق عليها هذا العام .

غاية الأمر لا يكون وجها لها إلاّ بهذا المقدار كما في العام الانحلالي مثل أكرم العلماء فان العالم ليس عنوان الذات بنحو يعرف الذات بكنهه . بل هو عنوان ووجه يعرفه بالعرضي . والقسمان الأولان أحدهما الوضع الخاص والموضوع له الخاص كوضع الاعلام الشخصية والعام وضعه والموضوع له كالانسان . ويدعى

أقسام الوضع

ص: 36

من يقول بامكان الوضع الخاص والموضوع له العام بامكان ارائة الخاص العموم في ضمنه اذ هو العام مع خصوصية زائدة . لكنه رجوع إلى الوضع العام والا فالخاص بما هو خاص كيف يكون مرآتا للعام بما هو عام وبما هو خاص كارائة زيد لعمرو كل منهما بخصوصيته فانه محال . فالممكن من هذه الأقسام ثلاثة عند المحقق الخراساني قدس سره وتصدى المحقق العراقي الآقاضياءالدين تصحيح(1) القسم الرابع ولعله له وجه لكن لا بما ذكرنا . والواقع بلا اشكال الأولان والخلاف في الوضع العام والموضوع له الخاص . فالوضع الخاص والموضوع له الخاص كما ذكرنا هي الأعلام الشخصية . والعام وضعا وموضوعا له كأسماء الأجناس . اما الوضع العام والموضوع له الخاص بنحو يكون في تصور العام تصور الخصوصات بالوجه والعنوان لا تفصيلاً بل بهذا القدر الاجمالي . فقيل في الحروف والهيئات العارضة على موادّ المشتقات .

الجهة الرابعة: حيث انتهى بنا الكلام إلى هنا فينبغي أن نذكر الأقوال والمباني في وضع الحروف مع أدلتها . وبيان فائدة الاختلاف والمباني . ثم البحثعن كيفية وضعها فاعلم ان المذاهب في وضعها ثلاثة: احدها الذي فرط صاحبهعدم وضع لها وانها ليست الاعلامات فلا معنى لها ولا موضوع له ولا مفهوم . بل دلالتها من قبيل دلالة العلائم التي ليس بازائها مفهوم ولم تجعل فانية فيه . كما ان

الثاني(2) الذاهب إلى الافراط يرى ان لها موضوعا لها كالاسماء غاية الأمر الفرق بين الابتداء الاسمي ومن الحرفية ليس الا في ناحية الاستعمال وان الواضع شرط في أحدهما الاستقلال وفي الثاني الحرفي الآليّة .

ص: 37


1- . نهاية الأفكار 1/36 .
2- . كفاية الاُصول 1/15 .

والثالث متوسط بينهما وان لها معاني موضوعا لها الا ان معانيها ليست مستقلة بنفسها . بل حالها بالنسبة إلى مفاهيم الأسماء حال الاعراض بالنسبة إلى الجواهر فان العرض لا يقوم بنفسه وكذلك المعنى الحرفي لا قيام له الا بالمعنى الاسمي أو الفعلي . وما لم يكن مع أحدهما لا تحقق له ولا فائدة .

وربما ذهب بعض إلى عدم مفهوم للحروف اذ ليست هي كساير ما يكون له طبائع التي ربما تكون موضوعا للوجود فيقال انها موجودة واخرى للعدم فيقال انها معدومة كالمفاهيم الخارجية مثل الماء والانسان والحيوان . فان هذه لها طبائع وماهيات ومفاهيم لها ربما تكون متصفة بالوجود وتارة بالعدم ولها ظرف تحصل وتحقق بخلاف المعنى الحرفي فليس له ظرفان . بل لا مفهوم له قابل للتصور وكذا نفسه أيضا لا يتصور وسندفع الاشكال على هذا المذهب عن كيفية تصوّره . فانه إذا تصورناه ينقلب عما هو عليه ومآله انما هو المعنى ولا مفهوم له . ويمكن تشبيهه من هذه الجهة بالانشاءات في العقود والايقاعات اذ قبل وجودها الانشائي لا تحقق لها وان كان لها مواد قابلة للتصور كالبيع والاشتراء وأمثالهما .لكنها من هذا الحيث لا مفهوم لها بل ظرف تحصلها وتحققها واحد كما ان لمطلقاللفظ ايّة كلمة كانت لها شبه بالمعنى الحرفي على هذا التقدير اذ لا يلتفت إليها نفسها . بل عند الالقاء والتعقل تمام التوجه والالتفات إلى المعنى بفناء الألفاظ فيه . لكنها ربما تتصور مستقلة بنفسها بخلاف المعنى الذي يوجد بالحروف في موطن تحققها ولا ينبغي الاشكال على هذا بأنه لا فائدة فيه . اذ المعنى الذي بهذه المثابة

من الدقة والخفاء الذي يشكل بل يستحيل معه تصور نفسه كيف يفيد في المحاورات . إذ لا يخفى انه لو لم يكن المعاني الحرفية لاختل نظام الافادات

ص: 38

والاستفادات لكونه ركنا عظيما . فاذا أردت أنت أن تخبر بخروجك من المسجد إلى الدار او العكس فما لم تستعن بالمعنى الحرفي مرتين لبيان ابتداء الخروج والسير وانتهائه لا يمكنك بيان قصدك وافهام مرادك لمن تريد . لعدم افادة المفردات بما هي شيئا الا نفس تصورها كما لا يخفى . لشدّة الاحتياج إلى الألفاظ مطلقا لكون قيام نظام أمر المعاش بل المعاد بها . لعدم وفاء الاشارة وغيرها من أنحاء المفيدات بتمام اغراض المتكلم بل بغرض واحد منه كثيرا ما .

ثم انه بناء على هذا القول لا معنى للنزاع في كون الوضع والموضوع له فيها عاما أو خاصا لعدم مفهوم لها على هذا . وكل ما تصورناه يكون غيره فكيف تتصف بذلك .

نعم يمكن البحث في كليته وجزئيته بمعنى آخر وهو البحث الواقع في وجود الكلي الطبيعي والمذاهب الثلاثة فيه وانه موجود بوجود الافراد أو لا وجود له بل الموجود هي الافراد . هذا .

وكيف كان فثمرة النزاع في المعاني الحرفية تظهر في الكلام في الصلاة فلو قلنا بكون مثل ب ب أو ل ل التي لها شأن الجر وعمله حرفا ذا معنى وله مفهومفتبطل الصلاة بالواحد منه اؤاثنين على الاختلاف المذكور المبتني عليه نزاعبطلان الصلاة بالكلام مطلقا ولو حرفا واحدا غير مفهم لشيء أم لا بل الكلام الاصطلاحي أو العرفي أو اللغوي .

الجهة الخامسة:

في تحقيق المعنى الحرفي وانه ليس اخطاريا بل ايجادي وهو يتوقف على تمهيد مقدّمة وهي ان بعد تسلم ان مثل الاعمى لا يمكنه ادراك المبصرات التي

وضع الحروف

ص: 39

يتوقف على ادراكها بخصوص حس الباصرة وهو مفقود فيه . نعم يمكنه ادراك بعض هذه اذا أمكن الدرك بنحو آخر مثل الطعم والرائحة وغيرها .

لكن الكلام في غيره . نقول ان تصور ما أدركناه بمادته وهيئته وصورته ليس بحضور نفسه في الذهن بل بالقاء مادته ووجود نفس الصورة والا فالشيء بما هو خارجي لا يوجد في الذهن كما هو واضح . نعم تخيل انه الخارج معنى آخر . وذلك لفناء الصورة في ذيها كفناء اللفظ في معناه . ثمّ اذا تجاوزنا بالصورة إلى عالم العقل الذي فوق الحس المشترك الذي يعطى كل ما يدركه للخزانة الحافظة والذاكرة فتصوّرنا لشيءٍ لا يكون بصورته أيضا . بل كما القى المادة في الحس المشترك والتصوّر المقدمى للذاكرة والحافظة . كذلك يلقى الصورة في عالم العقل وحصوله عنده ولا يكون هناك تصور الأشياء وادراكها بمادة ولا بهيئة وصورة بل بهويتها وحقائقها . اذا عرفت ذلك فنقول حينئذٍ إذا فرض الفرق بين المعنى الاسمي والمعنى الحرفي بالاستقلال والآلية يوضح بطلانه انه لا مايز في ذاك العالم الا عين ما به الاشتراك كالسواد الشديد الذي بالنسبة إلى السواد الضعيف الذي هو أضعف . فاذا أردنا ان نميّزه عن الضعيف لا يمكننا إلاّ بالتمسك بالسواد الذي هو الجامع بين المرتبتين . والتعبير بعدم واجدية المرتبة الضعيفةمسامحة . وعلى هذا فالمفاهيم كلها بسائط عند التعقل ولا صورة فيها ولا مادة والآلية والاستقلاليّة أيضا بعد اتّحاد المفهومين لا تجدى شيئا . وإلاّ كان المناسب

استعمال أحدهما في موضع الآخر ولو مجازا مع ان الاعتبار والعرف وبناء المحاورة لا يساعد عليه .

ص: 40

نعم يمكن ذلك في بعض الأشياء التي اشربت معنى حرفيا كأسماء الاشارة والمبهمات .

اذا صحّ ذلك فنقول ان الحروف على قسمين نسبية وغير نسبيّة أما النسبية نظير من وفى مما قوام وجوده بوجود الطرفين . ما لم يكن سير وابتداء وانتهاء لا يمكن استعمالها ولا ايجادها . فهذه يتوقف تعقلها على تعقل كلا طرفي النسبة بخلاف مثل ياء النداء فانها مجرد الايجاد ولا اخطار فيها .

ويؤيد ذلك قولهم من لابتداء الغاية وعلى للاستعلاء أي ايجاده في الخارج وعلى أي حال . فالدليل على الايجادية في الحروف وعدم قابليتها للاخطارية انها لو كانت اخطارية كالأسماء لصحّ استعمال كلّ منهما موضع الآخر ولامكن تأدية المعاني بذلك . مع انك ترى بالوجدان عدم امكانه . بل المعنى الحرفي في غاية من الدقة لا يتصور حين الاستعمال وانما يوجد بمثل هذا مصداق من الاشارة كما يوجد بالعصا ونحوها .

وحال المعاني الاسمية والحرفية حال البيع اللفظي والمعاطاة . فكما ان المعاطاة ليست الا مصداقا من البيع وان البيع اللفظي يوجد مفهوم البيع وحقيقته كذلك المعنى الحرفي عبارة عن سنخ معنى يوجد في الخارج في موطنالاستعمال كما في النداء بيا والاشارة بهذا بخلاف المعنى الاسمي فانه يوجب اخطاره في الذهن .

توضيح: سبق الكلام في عدم حصول ما في الخارج في الذهن بل الحاصل فيه انما هو صورة منه غير المادة والصورة اللتين يتركب منهما الجسم . بل المراد بذلك انما هو التصوير من الشيء والا فلابد أن ينقلب الخارج ذهنا

كيفيّة وضع الحروف

ص: 41

والذهن خارجا أو يحصل الخارج في الذهن أو ما في الذهن يكون في الخارج وذلك محال وان كان ظاهر كلام بعض .

وأفاد سيدنا الاستاذ قدس سره ان ما ذكرنا من القاء المادة في الحس المشترك والصورة في القوّة العقلانيّة مما لا ينبغي تصديقه . والذي يمكن أن يقال حصول صورة من زيد في الذهن بسيطة بحيث لا جنس له ولا فصل . وحينئذٍ فان كان المعنى الاسمي والحرفي متحدا فلابد أن يكون الفرق بينهما باللحاظ ويكون هو المصنف لهما .

أو المنوّع أو المشخص اذ الفرض اتحادهما في الجامع أعني مفهوم ما كالابتداء في من ولفظة الابتداء الاسمي . وحينئذٍ فحيث ان اللحاظ أمر خارج عن حقيقتهما فلابد من الفرق بينهما بكون ما به الاشتراك عين ما به الامتياز لعدم كون اللحاظ فارقا بعد اتحاد المعنى بالسنخ .

والحاصل انه يرد هذا القول عدم صحّة استعمال أحدهما في موضع الآخر ولو كان المعنى فيهما متّحدا بالسنخ لصح ذلك ولو مجازا بل الذي نجده من وجداننا ان اختلاف معنيهما اختلاف زيد وعمرو فكما انهما متبائنان فكذلك المعنيان الاسمي والحرفي .ان قلت: عدم صحّة الاستعمال كذلك ولو مجازا من جهة شرط الواضع .قلت لا معنى لذلك لامكان خلاف شرطه . وكذلك لا معنى لكون ذلك أي الآلية والاستقلالية شرط الاستعمال كما صدر عن بعض حيث التزم بكون الوضع والموضوع له في المعاني الحرفية كليّاً والمستعمل فيه ليس كذلك . بل هو كلّي اضافي . وأنت خبير بفساد الأول وسيجيء ما في الثاني .

الاشكال في معاني الحروف

ص: 42

وكيف كان فاخذ ما لوحظ في الاستعمال دخيلاً في حقيقة الوضع لا معنى له اذ المراد ممّا نحن فيه والكلام انما هو في الوضع ولا بحث لنا في عالم الاستعمال فالوضع اما استقلالي أو آلي فان كان استقلاليا فلا معنى لكون شرطه في الحرف آليا .

ان قلت: لا ندعى اتحاد المعنى الاسمي والحرفي بالشخص ولا بالسنخ بل بعد اتفاقهما في أصل المعنى كالابتداء بين من والابتداء تكون الخصوصيّة المميزة لأحدهما عن الاخر . هي الاستقلال في المعنى الاسمي وعدمه في المعنى الحرفي نظير الاختلاف بالآلية والاستقلال بين المرأة وما ينتقش فيها والوجه وذي الوجه والعنوان وذي العنوان .

قلت: هذا هو مرادنا حيث نقول انهما بذاتهما متبائنان ولا يعقل استعمال أحدهما مكان الآخر إلاّ بالانقلاب وإلاّ فالآليّة لا يمكنها الاستعمال في موطن الاستقلال وكذا العكس . وسنشير إلى ان قوام المعنى الحرفي بأربعة أركان وعند فقد أحدها تنثلم حقيقته .

وعلى كلّ حال فنقول: انهم قسموا المعاني على قسمين وعبر عنهما بعضهم بما يكون في وجوده وتحققه كالجوهر لا قوام لمعناه بقوام غيره من المعاني في قبال ما يكون كذلك . وبعض بالايجادية والاخطارية ويمكن ارجاع هذينوغيرهما إلى معنى واحد وهو ما ذكرنا كما انها تنقسم أيضا عند بعض بالنسبيّةوغير النسبيّة .

وتخيل بعض المحققين كصاحب الحاشية قدس سره الفرق بين مثل في ومن للابتداء مثلاً والى وبين غيرها من سنخ باقي الحروف بكون بعضها كالاولى

ص: 43

اخطارية وبعضها كياء النداء ايجادية . والتحقيق انها كلها كذلك وانه لا منشأ لتوهم الفرق بينهما فيه كما سيجيء .

ثم ان النسبة أيضا على قسمين نسبة اولية ونسبة ثانوية . والاولية عبارة عن نسبة الوجود إلى الماهية لتقدمها على النسبة الثانوية التي هي نسبة ملابسات الوجود إلى الموجود فان مثل الضرب في وجوده تارة ينظر إلى حيث قيامه بالفاعل . فمن هذه الجهة يكون منسوبا إليه وقائما به . وبهذه الجهة تتصف هذه النسبة بالاولية واخرى ينظر إلى حيث ملابسات الوجود من الزمان والمكان وباقي المفاعيل . فمن هذه الجهة تكون نسبة ثانوية ولهذا يكون للملابسات حكومة على غيرها من موضوع النسبة الاولية .

وحينئذٍ فيشكل في مثل من الابتدائية ويقال انها لو كانت لنسبة الابتداء فلها معنى النسبة ولا اشكال في ان النسبة معنى اسمي وضع بازائها هذا المفهوم وان كانت من أيضا كذلك تصح أن يحمل عليها النسبة . وبالوجدان ليس كذلك لكن الذي يرفع الاشكال ان اللازم على هذا كون النسبة معنى اسميا ومن لايجاد المصداق منه .

الجهة السادسة: في بيان أركان المعنى الحرفي على الايجادية .

افاد سيدنا الأستاذ قدس سره ان روح مراد المحقق النائيني قدس سره وحقيقة مبناه فيالمعاني الحرفية يرجع إلى امور أربعة(1) .والتقريب: انه لا اشكال في وجود حقائق قائمة بنفسها في الخارج كزيد وعمرو وغيرهما كما لا اشكال في وجود حقائق اخرى وجودها في أنفسها عين

اركان المعنى الحرفي على الايجاديّة

ص: 44


1- . فوائد الاُصول 1/34 - 42 وبعده .

وجودها في غيرها ولغيرها . وواضح حصول النسبة بين القيام وزيد بحصول القيام من زيد ووجوده منه وتحققه بسببه وليس تحقق النسبة مشروطا بارادة كما كان القيام حصوله بالقصد والارادة .

هذا في الخارج . وأمّا في الذهن فيحصل صورة ما في الخارج فيه .

غاية الأمر لا يكون في عالم الذهن ضيق كما في عالم الخارج . بل له التوسعة وفيه كل ما ليس في الخارج . لكن لا يكون بين زيد وقيامه ارتباط في الذهن بل صورتهما متبائنتان غير مرتبطة احديهما بالاخرى اذ اللازم في الحمل التغاير والا فلا يمكن حمل احديهما على الاخرى .

اذا عرفت هذا . فاعلم انه اذا أراد الحاكي حكاية ما في الذهن الذي هو صورة ما في الخارج . يتلفظ لافادة مفهوم زيد بلفظة زيد ولافادة مفهوم القيام بلفظته في هيئة من الهيئات التي تفيد أي معنى من المعاني . لكنه يوجد النسبة في الخارج عند التلفظ وليس بازائها في الذهن شيء كما بازاء القيام وزيد .

لا يقال لفظة زيد أيضا ايجادية بل مطلق الألفاظ في افادة معانيها ومفاهيمها ايجادية ولا اختصاص لذلك بالحروف .

لأنا نقول نعم . لكن ليس بازاء الحروف في الذهن شيء بخلاف غيرها . فانه مع قطع النظر عن عالم الايجاد وموطن الاستعمال يكون تحقق لزيد والقيام في الخارج وكذا لمفهومهما في الذهن .

والحاصل ان المعنى الحرفي لا يمكن تصوره على ما هو عليه ولا له اسم .اذ في قبال الاسم لا يكون المعنى الحرفي . حيث انه بالنظر اليه استقلالاً ينقلب عما هو عليه . وقوامه بأربعة امور وكما ذكرنا لا يتحقق المعنى الحرفي عند فقد كل

حاصل المعاني الحرفيّة

ص: 45

واحد من هذه الأربعة .

أحدها انه ايجادي وليس اخطاريا . بمعنى انه ليس بازائه مفهوم يوجب استعماله خطوره في الذهن . بل هو آلة للايجاد كما في الانشاءات غاية الأمر فرق بينه وبينها .

الثاني: انه وضع لايجاد مصداق النسبة والربط لا بازاء النسبة والربط . اذ عليه يلزم عند التلفظ بقولنا زيد قائم حضور معاني ثلاثة في الذهن وهي زيد والربط والقيام مع انه كما ترى . ولكن هذا المصداق يكون قائما بالغير ومن حالاته كقيام العرض بالمعروض ويكون وجودا ربطيا لا نفسيا ولا رابطيا كما أشار إلى ذلك السبزواري في منظومته .

وحاصل الأمر الثاني انه قائم بالغير ويوجد معنى في الغير . وأفاد المحقق النائيني قدس سره في تحقيق هذا القيد ان الموجود في النسخة الصحيحة في الرواية(1) عن مولانا أميرالمؤمنين علیه السلام في تقسيم الكلمة . ان الاسم ما انبأ عن المسمى والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى والحرف ما اوجد معنى في غيره .

وسنبين فساد احتمال رجوع الضمير إلى المبهم . بل يرجع إلى المعنى

وحينئذٍ يكون منطبقا على ما ذكرناه . أي الحرف يوجد معنى في غير هذا المعنى بل في غيره من المعاني ويكون موجودا فيه ومن حالاته ولا يحتاج على هذا إلىتقريب بل نفس الكلام الشريف على تقدير صدوره واضح المراد .

الثالث: انه لا موطن لهذا المعنى الذي يوجد بالحرف ولاوعاء له الا ظرفالاستعمال ووعائه وموطنه وذاك الموطن بخلاف قسيميه الاسم والفعل .

الرابع: كونه مغفولاً عنه حين الاستعمال . بل يوجد قهراً بخلاف المعنى

ص: 46


1- . الشيعة وفنون الاسلام 1/550 - 551 .

الاسمي فانه يلتفت اليه استقلالاً ويلحظ ويستعمل اللفظ لافادته .

هذا حاصل الكلام في المعاني الحرفية .

وعن بعضهم الفرق بين مثل الحروف الموضوعة النسبية مثل من وفي والى وعلى فالتزم بكونها اخطارية دون ما ليس كذلك . الا ان المحقق النائيني قدس سره لم يفرّق بينهما كما ذكرنا .

وخلاصة ما ذكرنا في المعاني الحرفية انها ليست اخطاريّة بل ايجادية بأسرها كايجادية الانشاءات في باب العقود والايقاعات .

غاية الأمر الفرق بينهما ان المعنى الحرفي لا يتصور ولا مفهوم بازائه ولا يتعلق به الارادة بخلاف الانشاءات فتتعلق بها الارادة وتوجد كذلك . فالمعنى الحرفي انما يوجد في موطن الاستعمال وليس في الذهن الا زيد وقائم بدون النسبة بينهما وانما وجود هذه النسبة بأقسامها من الماضي والمضارع والأمر والجمل الشرطية والاسمية في الخارج ولا وجود لها في صقع آخر . حيث انه لا وجود لها في عالم التقرر ولا في صقع آخر من الحسّ المشترك وغيره الا موطن الاستعمال ويتحقق التركيب الجملي في الخارج في ظرف الاستعمال . وفناء المعنى الحرفي في غيره أشد من فناء اللفظ في المعنى . فليس الحرف الا آلة لايجاد النسب من الظرفية والابتدائية والانتهاء وغيرها في الاستعمال وان التركيب بين الاسم والخبر والارتباط وان كان بواسطة المعنى الحرفي . لكنه ليس عين التركيب والارتباط الاسميين والا كان اسما . بل لا يمكن تعلق اللحاظ بهبنفسه ولابد أن يكون بواسطة المعنى الاسمي كما أشرنا إليه في مطاوي البحث .وبعبارة اخرى فرق بين المعاني الاسمية والحرفية فان الاولى اخطارية

ص: 47

دون الثانية فايجادية . وللاولى عالمان . تحصل . وتحقق . وليس للثانية الا التحقق فقط ولا تحصل له أي لا تقّرر له ولا ماهية . اذا عرفت حقيقة المعنى الحرفي .

فاعلم ان انقسامه بالكلية والجزئيّة وقابليته لهما ليس على حذو المفهوم الاسمي لأن للاسم مفهوما يتعقّل في الذهن . ثم اما أن يكون كليا أو جزئيا بامتناع الصدق على كثيرين وليس ذلك للحرف . فالكلية والجزئية والنزاع بالنسبة إليه ليس الا النزاع المعروف في الكلي الطبيعي وانه هل يوجد في الخارج أم لا . بل ليس الا أمرا انتزاعيا . وعلى تقدير الوجود هل بوجود الافراد وفي ضمنها أم لا . بل كل فرد من أفراده وجود الكلي . فنسبة الكلي إلى الأفراد نسبة الآباء إلى الأبناء . وكل فرد وجود من الطبيعي قبال القول الاخر الذي لا يكون الكلي بكليته موجودا في الخارج . بل ما لم يتشخّص لم يوجد . وحينئذٍ ففي ضمن الافراد . وحيث ان مختار المحققين ان الكلي الطبيعي موجود بوجود الأفراد . بل ليس الموجود الا الافراد وهي وجودات الكلي فالمعنى الحرفي وان كان موطنه وظرفه ظرف الاستعمال وموطنه والموجود منه ليس الا المصداق وعلى ذلك يكون كليا . فاذا كان كذلك فالمستعمل فيه والموضوع له والوضع كلها عام . ولا معنى لكون الوضع خاصا والموضوع له كذلك فيها . بل يستحيل . فان كل فرد من الموجد بالاستعمال يقتضي وضعا بشخصه وكذلك العام والموضوع له الخاص . وان يكون الوضع للافراد كل فرد فرد مع لحاظ الوضع عاما لما عرفت ان المبنى كون وجود الكلي وجود الفرد وهذا المصداق مصداق الكلي ووجوده . وعلى هذا فما صدر عن بعض أو غير واحد من المحققين الذين اختاروا في الحروف مبنى الايجاديةوكانوا متنبهين لما ذكرنا من وجود الفرد بالنسبة إلى الطبيعي من جزئية المعنى

ص: 48

الحرفي لا يخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما . فاما ان يكون قد نقل لهم الاشتباه واختاروا هنا خلاف ما كان لازم مبناهم أو ليس المراد من ظاهر كلامهم ما ذكرنا .

هذا غاية تقريب القول في المعاني الحرفية وكان هنا فائدة لعلنا نتعرض لها بعد ونبين النكتة اللطيفة من المحقّق النائيني قدس سره في تثليث أقسام الكلمة ووجود الفعل .

ثم انه قد استشكل في ما ذكرنا من المعنى الحرفي بامور: فبعضهم بعد قبوله ان لا مفهوم له منع من كونه ايجاديا . بل التزم بكونه اخطاريا كالاسمي وبعضهم منع من الأول أيضا فقال بالمفهوم له نهاية الأمر ليس مفهومه استقلاليا كالمفهوم الاسمي .

نكتة في ما يتعلق بالحديث الشريف وشرحه بنحو يتضح تثليث أقسام الكلمة .

فنقول قد اشتهر ان اللفظ العربي ينقسم إلى ثلاثة اسم وفعل وحرف بل مطلق الألفاظ في كل اللغات يمكن كذلك . فعنصر الألفاظ العربية هذه الثلاثة وعليها مدار محاوراتهم بحيث لا يوجد لها قسم رابع . لكن يمكن الاشكال بوجود القسم الرابع في بعض الكلمات التي روعى في معانيها جهتان جهة الاسمية وجهة الحرفية فباعتبار الاسمية ينتج خواصه وباعتبار الحرفية ينتج نتيجته سواء كان مركبا من كلمتين في الأصل أم لا كبعض أسماء الاشارة والضمائر التي ليس فيها تركيب كانا للمتكلم وكذلك وذلك وذاك ونحوها على ما يقال من كون الكاف فيها حرفا وافادة حضور المشار إليه وافهامه انما هو بتوسط ذا اسم الاشارة

نكتة لطيفة

ص: 49

والكاف يفيد معنى زائدا عليه فلم لم يتعد التقسيم إليها بأن يجعلها رابع الأقسام .ان قيل حيث روعى فيها جهتا الحرف والاسم وآثارهما الايجادية والاخطارية وغيرها فلذا لم يعدّ قسما في قبال القسمين .

قلنا فلازم ذلك عدم عد الفعل أيضا قسما في قبال الاسم والحرف، بل الألفاظ تنحصر بالاسم والفعل، واصول العناصر هذا اللفظان وباقي الألفاظ يتركب منهما وبهما يقوم عماد الكلام .

لكنه . يمكن الجواب عن أصل الاشكال بعد تسلّم عدم وضع لكل كلمة بمادتها بل وضعت بمادتها وهيئتها للمعنى كما في الحقائق الخارجية . حيث انها مادة وصورة أو هيولى وصورة ولا يمكن وجود أحدهما منحازا عن الآخر . بل لابد للهيولى من الصورة ولها منها . فكذلك الألفاظ لم يوضع موادها للمعاني حتى في المصدر كالضرب فانه جعل ووضع بماله من الهيئة وكذلك باقي الكلمات فالهيئة روعيت في كل الكلمات حتى الحروف فانها وضعت بمادتها وهيئاتها لمعانيها الايجادية . وعلى هذا فيشكل في كون الفعل بمادته وهيئته قسما ثالثا للكلمة الا ان الذي يمكن أن يقال بل قال به المحقق النائيني قدس سره (1) وبه فسر الحديث الشريف . هو ان الاسم مختص بالانباء عن المسمى والحرف بايجاد معنى فيه والفعل ما انبأ عن حركته . ومعلوم ان المسمى في كل هذه الثلاثة واحد لا شخصا الا انه يمكن تفسير الحركة هنا بما يقابل السكون كما يمكن تفسيرها بالخروج من القوّة إلى الفعل . لا خصوص مقولة الفعل من الاعراض التسعة . وعلى هذا فيكون قسما في قبالهما فلا يكون موجودا محضا ينبأ عنه بالاسم ولا

ص: 50


1- . فوائد الاُصول 1/50 - 51 .

معدوما كذلك ويوجد بآلته الحرفية . بل يكون معنى ثالثا فلذا جعل قسما برأسهفي قبالهما هذا لكن يمكن كون الحركة أيضا في قبال السكون كما ان من الممكن كونها أعم من جميع ما ذكر . بل في كل مقولة تكون من جنسها الا ان على هذا التقدير لا يشمل بعض الأفعال ويخرج عنها وان دخل فيها كثير منها .

فهذا وجه ضبط تثليث الأقسام ومعرفة الوجه منه وبه اتضح المراد من الحديث الشريف .

الجهة السابعة: أشرنا إلى ان جماعة ذهبوا إلى ان معاني الحروف كالأسماء اخطارية وليست بايجادية . ومن هؤلاء من قال ان المستعمل فيه فيها كالموضوع له عام وبعضهم جعل المستعمل فيه كالموضوع له خاصا . حيث مثل لهذا القسم بالحروف وماشابهها . لكن الحق بناء على هذا المعنى ما ذهب إليه المحقق الخراساني قدس سره (1) من كون المستعمل فيه عاما كالموضوع له وليس الموضوع له خاصا ويتبعه الاستعمال ولا عاما والاستعمال خاصا حيث قال رحمه الله

في برهانه وذلك لأن الخصوصية المتوهمة ان كانت هي الموجبة لكون المعنى المتخصص بها جزئيا خارجيا فمن الواضح ان كثيرا ما لا تكون المستعمل فيه كذلك بل كليا ولذا التجأ بعض الفحول إلى جعله جزئيا اضافيا وهو كما ترى .

وقوله كثيرا اشارة إلى انه قد يكون المستعمل فيه جزئيا حقيقيا ولعله ليس كذلك اذ توهم الجزئية انما نشأ من عدم كون المستعمل فيه في مثل صلّ في هذا المكان كليا لعدم كون المكان كذلك بل مكانا شخصيا ولا يكون في الا مستعملاً في الظرفية المختصة بها . الا انّ ذلك توهم فاسد كاصل توهم كون المستعمل فيه

الكلام في اخطاريّة المعاني الحرفيّة

ص: 51


1- . كفاية الاُصول 1/13 - 14 .

في غيره من الموارد جزئيا ضرورة عدم انفهام الجزئية من قولنا سر من البصرةإلى الكوفة . ولذا لو ابتدء بأي مكان من البصرة لامتثل وحصل المطلوب . وهكذا الأمر في الأوامر التي تكون متعلق التكليف فيها وفي النهي الطبيعة . نعم لا ننكر التشخص في مثل العام البدلي لكن التشخص ليس من قبل الاستعمال بل انما هو جاء من قبل القرينة العقلية وان الانسان لا يسير في سير واحد من أمكنة متعددة إلى الكوفة بل من ابتداء مكان خاص . لكن ذلك لا يوجب كون الاستعمال شخصيا بل يكون من قبيل تعدد الدال والمدلول . كما ان قرينة المجاز أيضا لا تصيّر المستعمل فيه اللفظ المعنى المجازي . بل يمكن أن يقال ان المستعمل فيه هو المعنى الحقيقي الذي وضع له اللفظ والقرينة انما تكون قرينة المراد لا الاستعمال في غير ما وضع له وان المجاز على هذا يكون في الاسناد لا في الكلمة . فينطبق على مذهب السكاكي كما ان جعل ذلك جزئيا اضافيا لا وجه له .

تتميم: يرد على ما سبق في كلام المحقق الخراساني قدس سره من كثرة استعمال الحرف في المعنى الكلي . ان كون الاستعمال آية الحقيقة ليس بصحيح لكونه أعم ولا مجال لاجراء اصالة الحقيقة بعد تبين المعنى المراد . وليس في عداد علائم الوضع .

وما به يعلم الاستعمال:

ويمكن الجواب عن هذا الايراد بعد تسليم مقدمة وهي عدم وجود مورد يكون فيه المستعمل فيه خاصا متعينا بل اما أن يكون عاما أو مشتبها بحيث لا يدري خاص أو عام . وحينئذٍ فيقال ان كون الوضع عاما والموضوع له خاصا مع ان المستعمل فيه لا يكاد يكون خاصا . بل دائما يكون من العام مخالف لغرض

ص: 52

الواضع وحكمة الوضع . فعلى هذا يكون الاستعمال كاشفا عن كون الموضوع لهفي الحروف عاما ولكنه يمكن كون الموضوع له خاصا كما يمكن كونه عاما .حيث ان الاستعمال دائما في العام لا يكون قرينة على وضعه له . بل يمكن أن يكون الموضوع له كل واحد من الخصوصات وجعل العبرة العام وحيث ان علاقة الكلي والجزئي من العلائق التي يقبلها الطبع ويحسن معها الاستعمال فاستعمل في العام .

اللهم الا أن يراد من الوضع أعم من التعييني بل يعم التعيني الذي تجاوز حد المجاز إلى أن وصل إلى حد الحقيقة . ولم يصر أيضا منقولاً بل هجر المعنى الأول.

هذا على تقدير كون الخصوصية موجبة لكون المعنى جزئيا خارجيا .

اما على تقدير كون المراد بالمعنى المتخصص بالخصوصية الجزئي الذهني(1) فان الشيء كائنا ما كان لا يمكن حصوله في الذهن الاّ بنحو الوجود الذهني ويتعدد بتعدد اللحاظ كما في الخارج يتعدد الذوات . والا فتصور الماهية بما هي هي مع قطع النظر عن لحاظ وجود وطروه عليها لا يمكن . بل لابد لكونه كذلك من تجريد في صقع الذهن . ضرورة استحالة وجود شيء في أي موطن من مواطن العوالم الا بالتشخص وحينئذٍ فيباين الوجود الاخر من هذا الطبيعي . وعلى هذا فيشكل الأمر في امتثال أوامر المولى حيث ان الوجود الذي لاحظه وطلبه من غيره يستحيل وجوده في ذهن غيره . على فرض كون الامتثال كذلك فضلاً عن ما اذا كان بايجاده في الخارج لاستلزامه كون الخارج ذهنا وهو محال . فلو كان اللحاظ في الأسماء كذلك موجبا لصيرورتها جزئيا ذهنيا فكيف

مناقشة المحقّق الخراساني

ص: 53


1- . كفاية الاُصول 1/14 .

بالحروف التي هي آلة لملاحظة حال الاسم . اذ لابد من تصور السير في معنىمن . حيث ان السير بوجوده السعي وبما هو كلي طبيعي يجتمع فيه النقائض لايحصل في الذهن بل يتشخص فكيف بحال الابتداء .

الذي يكون حالة للغير ويدلّ عليه كلمة من . ولذا قيل ان الحرف ما دل على معنى في غيره وعلى هذا فلو وضع الواضع لفظا بازاء الحرف لا يتعدى ما لاحظ هو نفسه إلى ما يلاحظ الغير من الوجودات المبائنة لما تصوره الواضع . ولا معنى لاستعمال اللفظ الموضوع لمباين في ما يباينه الا بعلاقة التضاد كما في استعمال لفظة زيد في ارادة عمرو وهو كما ترى ينتج خلاف ما ارادة القائل بكون الموضوع له خاصا هذا كله مضافا إلى ما أورده عليه في الكفاية من الاشكالات الثلاث(1):

أحدها: لزوم لحاظ المعنى المركب من اللحاظ والملحوظ بلحاظ غير اللحاظ الذي هو جزء الموضوع كي يصح استعمال اللفظ فيه . بداهة ان تصور المستعمل فيه مما لابد منه في استعمال الألفاظ .

ثانيها: لا يصدق المعنى حينئذٍ على الخارجيات لامتناع صدق الكلي العقلي عليها . حيث لا موطن له إلا الذهن فامتنع امتثال مثل سر من البصرة الا بالتجريد والغاء الخصوصية . هكذا أفاد . ولكن الاولى تبديل الكلي العقلي بالكلي الطبيعي . ضرورة كون العقلي نظير الانسان كليّا أو الماء كذلك أو نوع وأمثال هذه من المحمولات الثانية .

ص: 54


1- . كفاية الاُصول 1/14 .

وثالثها(1): عدم الفرق في هذه الجهة بين الأسماء والحروف الا حيثالنفسية في الأسماء والآلية في الحروف فان أوجب هذا الحيث فيها صيرورتهاجزئيّة فكذلك يلزم أن تكون في الأسماء . وهذا يوجب سد باب الوضع العام والموضوع له العام . بل كلها يكون من الخاص . على انه يمكن توجه اشكال رابع وهو لزوم بقاء ما تصوره أولاً إلى حين استعمال اللفظ والا فيكون فردا آخر فتأمل(2) .

تكميل: تحصل من كلام المحقق الخراساني قدس سره ان الممكن من أقسام الوضع ثلاثة ولم يقع منها الا اثنان: الوضع العام والموضوع له العام والوضع الخاص والموضوع له الخاص . اما توهم وجود قسم ثالث يكون الوضع عاما والموضوع له خاصا ففاسد . وليس هذا في الحروف ولا في غيرها لما ذكره من الاشكالات المذكورة . الا ان كلامه إلى هنا لا يكون دليلاً على كون الموضوع له في الحروف عاما ولم يقم برهانا على ذلك . فيمكن كون الوضع فيها عاما

أقسام الوضع ثلاثة

ص: 55


1- . كفاية الاُصول 1/14 .
2- . يمكن الجواب عن الاشكال الأول بأن استعمال اللفظ في المعنى الملحوظ أمر قهري ولو كان بلحاظ جزء المستعمل فيه ولا يلزم لحاظه بل يكفي حصوله مقارنا مع الاستعمال بلا لحاظ آخر . وعن الثاني بالفرق بين ما يكون ظرف اتصافه الخارج وعروضه في الذهن وبين ما لا يكون كذلك . فان المعنى الملحوظ وان كان لحاظه في الذهن الا ان الاتصاف خارجي اذ يصح أن يقال استعمل اللفظ في المعنى الذي لاحظه ولا يلزم من ذلك التجريد ولا صيرورة اللحاظ خارجيا . بل يكون في الذهن ويجعل الواضع لحاظ المعنى عبرة لنوع اللحاظات التي تحصل من غيره وان كان لا يمكن وجود هذا اللحاظ إلاّ بالشخص وهو لا يضر بالمراد . فحينئذٍ يكون المستعمل فيه عين ما وضع له الذي هو المعنى الملحوظ عند كل أحد على طريقة الوضع العام والموضوع له الخاص ولا اشكال . وأمّا الثالث فواضح الدفع فتأمل .

والموضوع له خاصا لكن جوابه ما ذكرنا من لغوية حكمة الوضع فان الذي يشاهد في الاستعمالات هو كون المستعمل فيه عاما كالموضوع له واحتمال أن يكون قد أراد من اللفظ خصوص شخص خاص من المعنى وان لم يقم قرينة عليه مدفوعباستلزامه على هذا الاحتياط في مثل قولنا سر من البصرة بايقاع السير من كل مكان من الابتداءات كما في مثل أكرم زيدا اذا اشتبه زيد بغيره ولم نعرفه مع ان المسلم عدم الالتزام به .

بل يكتفي بالسير من ايّة نقطة وذلك آية كون المستعمل فيه أيضا عاما والعموم في المقام انّما هو العموم البدلي ويمكن أيضا الاستعمال في العموم الشمولي .

والحاصل ان دليل مدعاه ما أشرنا إليه من الاستعمال في العام وعدمه في الخصوصات ثمّ اختار ان المعنى فيهما واحد حيث ان الآلية في المعنى الحرفي والاستقلالية في المعنى الاسمي لا توجب التقييد في المعنى ولا صارتا من قيوده فحينئذٍ لا يكون فرق بين من والابتداء كما وجّه على نفسه ذلك بطريق السؤال بقوله:

ان قلت(1) على هذا لم يبق فرق بين الاسم والحرف في المعنى ولزم كون مثل كلمة من ولفظ الابتداء مترادفين صح استعمال كلّ منهما في موضع الآخر وهكذا ساير الحروف مع الاسماء الموضوعة لمعانيها وهو باطل بالضرورة كما هو واضح . انتهى .

نعم يمكن ذلك في بعضها كما في زيد كالأسد فيمكن وقوع لفظة مثل موضع

ص: 56


1- . كفاية الاُصول 1/15 .

الكاف وكذا في زيد على السطح أو في الدار لكن غالبا يوجب اختلاف ترتيب الكلام وتغيير الهيئات وليس كما اذا كانت باقية على حالها ورفعنا لفظة وبدلناهاباخرى . وكذلك في أسماء الاشارة فلا يمكن وضع لفظة الاشارة في موضع هذافي قولك هذا زيد .

نعم لا بأس بوضع لفظتي المشار إليه موضعه بخلاف مثل العصا الحاصل لها ما يحصل بالاشارة اللفظية . فاستعمال احد اللفظين مكان الآخر مقطوع بعدمه ولا يمكن مع انّه لازم الترادف على ما ذكرنا أو لازم كون الموضوع له فيهما واحدا وحيث الاستقلال والالية لم يكن بازاء اللفظة بل نظير المداليل السياقية تعرض عليها حين الاستعمال وأجاب قدس سره بقوله:

قلت: الفرق(1) بينهما انما هو في اختصاص كل منهما بوضع حيث انه وضع الاسم ليراد منه معناه بما هو هو وفي نفسه والحرف ليراد معناه لا كذلك بل بما هو حالة لغيره . وليكن مراده قدس سره بقوله يراد في الموضعين ان المعنى لوحظ في حال الاستقلال في التصور ووضع له لفظة الابتداء مثلاً ولوحظ في حالة الآليّة وعدم الاستقلال في التصور ووضع له لفظة من . فليس عدم صحة استعمال كل واحد منهما في موضع الآخر الا من ناحية القصور في الوضع . فالوضع لم يكن واسعا في كل منهما لحال الآخر وليس ذلك من التقييد بشيء وليس القيد والتقيد داخلاً في الموضوع له والموضوع له فيهما على ما هو عليه . لكن لم يلحظ في أحد الحالين كما لوحظ في الحال الاخرى .

وذلك كما فرضنا خيطا ممدودا من أحد جانبي آجرة إلى الجانب الآخر

توضيح وضع الحروف

ص: 57


1- . كفاية الاُصول 1/15 .

وكان أحد قطعاته الوسطانية محاذيا لشيء فوضعنا اللفظة مثلاً بازاء هذه القطعة اللازمة لهذا الشيء بحيث لم يكن حيث الملازمة دخيلاً في الموضوع له ولااشكال في عدم سعة الوضع للقطعات التي لم تكن بحذاء هذا الشيء الذي يحاذيهتلك القطعة من الخيط . ولا حاجة على هذا التقريب إلى تصور وجود الربطي والرابطي وتشبيه حال الموضوع في الاسم والحرف بهما كما نقل سيّدنا الاستاذ قدس سره

عن الشيخ علي القوجاني رحمه الله أحد خواص تلامذة المحقّق الخراساني رحمه الله ونقل انه كان مصرا وملتزما بتصحيح ما في الكفاية ولم ينقّح مراد صاحبها ولم يقم عليه الدليل بحيث يبقى خاليا من الخدشة . لكن الذي يتوجه على ما ذكرنا من التقريب عدم مانع في صحة استعمال كل منهما احيانا في موضع الآخر لهذه المناسبة التي ذكرناها .

تذنيب: يمكن تلخيص الفرق بين المعنى الاسمي والمعنى الحرفي على مسلك الاخطار . بانه تارة من ناحية قصور في ناحية الوضع فلم يوضع اللفظ للابتداء مطلقا . بل لفظة من للابتداء في حال عدم الاستقلال بالمفهومية والتصور والاسم بخلافه . واخرى من ناحية شرط متأخر وهو على قسمين: أحدهما بكون الاستعمال بعد وضع اللفظ لمعنى الابتداء ومفهومه مشروطا في المعنى الاستقلالي ولفظة من للابتداء لكن بشرط الاستعمال في المعنى الآلى .

وثانيهما بكون الشرط هو الارادة على هذا النحو . وحينئذٍ فما لم يتحقق الشرط خارجا لم يتحقق حقيقة الوضع وهذا في الحقيقة تعليق للمنشأ لا ان الوضع يكون انشائه معلقا على الاستعمال والارادة كذلك . بل الوضع حصل وفرغ الواضع عنه . لكن الموجود بالوضع ظرف حصوله ليس متحدا مع ظرف وقوع

ص: 58

الوضع وانشائه بل يتأخر عنه إلى زمان أحدهما كما في الوصية التمليكية فان الانشاء ليس معلقا على شيء لاستحالته بل التعليق انما هو في المنشأ فاذا مات يتنجز المنشأ ويكون الملكية حاصلة .وعلى هذا ما لم يرد المريد ولم يستعمل لم يتحقق المنشأ بالوضع وانمايحصل بعده . وهذا أيضا لو كان معلقا على صرف وجود الارادة أو الاستعمال فيمكن تصديقه بوجه بالنسبة إلى الاستعمالات المتأخرة . فانها لا تتوقف على الارادة أو الاستعمال . بل تكون دلالة الألفاظ على المعاني لا تتبع الارادة أو الاستعمال وانما يوجب تصور اللفظ ووجوده حضور المعنى في ذهن السامع أو المتصور .

وثالثة: يقال في الفرق بين المعنيين ان أحدهما مغفول عنه بنحو لو توجه النفس إليه وحصل إليه الالتفات ينقلب عما هو عليه ويتبدل اسما فيوضع لفظ الحرف بازاء هذا السنخ من المعنى بخلاف الاسم فانه مما يلتفت إليه ووضع اللفظ له بهذا النحو وهذا ان رجع إلى كون الاستعمال والارادة قهرية غير متوجه إليها فلا معنى له . حيث ان الاستعمال امر ارادي ولا يمكن حصوله في الألفاظ قهرا لكن لا دليل عليه .

نعم يمكن أن يقال في الفرق بين السنخين بنحو لا يكون لحاظ الآلية والاستقلالية داخلين في الموضوع له بل كانا خارجين والموضوع له اللفظ نفس المعنى .

وان الفرق بينهما كالفرق بين الماء والشجر ويردّه الوجدان فانا لا نرى ما يتصور في الذهن من قولنا سرت من البصرة إلاّ الابتداء غاية الأمر ليس كمفهوم الابتداء

الفرق بين المعنى الاسمي والحرفي

ص: 59

الذي يمكن أن يستعمل في أنحاء تصاريف الكلام .

فالأحسن أن يقال بوجه خامس لعله أوفق بكلام القدماء ويكون المعنى

الاسمي والحرفي متحدين في جهة مختلفين في بعض الآثار . فان كان المعنى قابلاً للحمل وان يخبر عنه فذلك يكون معنى الاسم كقولنا ابتداء سيري البصرة أوالبصرة ابتداء السير أو مبدئه وان لم يكن قابلاً كذلك بل آبيا عنه فهو المعنىالحرفي .

ولتوضيح المقام لا بأس بتنظيره بالمشتق ومبدء الاشتقاق بناء على مذهب من يرى اتحادهما وان المشتق ليس مركبا من الذات والنسبة والحدث . بل يرى المشتق عبارة عن الحدث الواقع في المحل بخلاف المبدء كالضرب فلا يكون كذلك بل يكون في قبال المهيّات شيئا بنفسه . وليس الضارب مع كونه هو الضرب كذلك . بل لا يمكن استعمال أحدهما في موضع الآخر . فان حمل الضرب على الذات في الامتناع كحمل الفعل الماضي ولا يمكن أن يخبر عن زيد بأنه ضرب كذلك لا يمكنك أن تقول انه ضرب أي الفعل الماضي .

نعم يمكن نسبة الصدور اليه بالنسبة إلى الماضي الا انه ليس من الحمل في شيء بل نسبة الصدور وهي غير الحمل . بخلاف قولنا زيد ضارب فانه ممكن ولا مانع عنه مع ان المعنى في الضرب والضارب واحد لكن حيث ان الهيئة الفاعلية في لفظة فاعل الذي هو زنة لفظة ضارب لو خط بها الضرب بوجوده المتحد مع المحل الصادر عنه .

كما في العرض الذي يتصور وجوده عارضا على محلّه لا مستقلاً فانه ليس الا نفس المعروض والمحل فلذلك صح الأخبار عن زيد بأنه ضارب بخلاف

ص: 60

ضرب المصدري . وهكذا يكون الفرق بين الاسم والحرف بعد اتحاد معناهما فان الاسم لو خط فيه المعنى بما هو هو في حيال نفسه بخلاف الحرف فانه كهيئة ضارب .

وبعبارة اخرى كالتقابل بين زيد وعمرو فانه ربما نريد تصور نفس مفهوم التقابل وعليه يكون معنى اسميا كالابتداء . واخرى نريد تصور نفس النسبةالخاصة الموجودة المرتبط بها زيد وعمرو المتقابلان وهذا يكون معنى الحرفوعليه لا يمكن تصوره مستقلاً بل بتبع طرفيه . وإلى هذا يشير كلام القدماء بأن الحرف ما دل على معنى في غيره فانه وان كان معناه قابلاً للتصور الا انه ليس مستقلاً في عالم التصور والمفهومية بل بتبع الغير . ولهذا لا يصح الأخبار عن من الابتدائية في سرت من البصرة كما في لفظة الابتداء(1) .

ص: 61


1- . حقيقة المعاني الحرفيّة انّها نسب وارتباطات بين طرفين لا ارتباط بينهما بدونها . فقولك سرت من البصرة إلى الكوفة لو لم يكن بين السير والبلدين ارتباط لا يفيد الجملة معنى مفيداً يصحّ السكوت عليه وهذا الربط إنّما يحصل بسبب كلمة من فتفيد ابتداء السير وإلى تفيد الانتهاء ولذا يكون وضعها وضعاً عاماً فالموضوع له فيها عام كالوضع لأن ابتداء السير له مصاديق متعدّدة كالانتهاء لكن استعمالها بدون السير والبصرة والكوفة لا يفيد معنى مفيداً فهويتها تخالف هويّة المعاني الاسميّة ونتيجتها تضييق المعاني الاسميّة وقسم الحروف في المحاضرات على قسمين: أحدهما ما يدخل على المركّبات الناقصة والمعاني الافراديّة كمن وعلى والى والثاني ما يدخل على المركّبات التامّة ومفاد الجملة كحروف النداء والتشبيه والتمنّى والترجى وذهب في القسم الأوّل إلى انه موضوع لتضييق المفاهيم الاسميّة في عالم المفهوم والقسم الثاني رأى ان حاله حال الجمل الانشائيّة وهي على رأيه قدس سره وضعت للدلالة على قصد المتكلّم ابراز امر نفساني غير قصد الحكاية ورأي ان الوضع في الحروف عام والموضوع له خاص ومعانيها في القسم الأوّل حكائيّه لا اخطارية واستند لمختاره في القسم الأوّل إلى امور أربعة ما له قابليّة الاعتماد اثنان أحدهما اشتراك المعنى بين جميع موارد الاستعمال من الواجب والممكن والممتنع على نسق واحد والثاني موافقته للوجدان وماارتكز في الأذهان وفي بعض ما اختاره مجال للبحث والاشكال محاضرات في اصول الفقه 43/83 - 91. كما ان استاذنا السيّد المحقّق قدس سره البجنوردي منتهى الاُصول 1/22 - 24 - 25 - 32 اختار كون المعنى الحرفي من سنخ النسب والارتباطات القائمة بالطرفين بلا فرق بين أقسامها وبيّن ان في مثل يا زيد لفظة يا تدلّ على النسبة الندائيّة الانشائيّة التي بين المنادى والمنادى وان الموضوع له في المعاني الحرفيّة عام كالوضع بشهادة الوجدان وما اختاره قدس سره هو مختار المحقّق نهاية الأفكار 1/42 - 43 العراقي شيخ مشايخنا وهو الحقّ .

تكميل: الجهة الثامنة سلك المحقق الخراساني قدس سره بعد ما اختار ما ذكرنا عنه في الفرق بين المعنى الاسمي والحرفي ذاك المسلك في الأخبار والانشاء .

وقال(1) ثمّ لا يبعد أن يكون الاختلاف في الخبر والانشاء أيضا كذلك .فيكون الخبر موضوعا ليستعمل في حكاية ثبوت معناه في موطنه والانشاءليستعمل في قصد تحققه وثبوته وان اتفقا في ما استعملا فيه فتأمل انتهى .

ويظهر من قوله ( لا يبعد ) احتماله خلاف ذلك . لكن ينبغي الجزم بما ذكره غير مستبعد له فان الانشاء والاخبار ليسا من مداليل الألفاظ . بل استفادتهما انما هو من كون المتكلم في مقام الاخبار وكونه في مقام الانشاء لعدم وضع الحروف الا بازاء المعاني النسبية على ما مرّ شرحها وكون ذلك للأخبار أو الانشاء وكيفية ذلك فليس من شأنها افادته .

نعم ليس كل كلام أيضا قابلاً لقصد الانشاء . به فان ما في لفظة الماضي بقولنا بعت خصوصيّة ليست في بايع . فلو قصد بقوله انا بايع ذلك لم يقع لأن النسبة في بعت انما وضعت بازاء معنى التحقق .

ثم ان ذلك قد يستمعمل اخبارا فيكشف عن سبق التحقق في الماضي ووقوعه . واخرى يستعمل في مقام الانشاء وان يكون هذه اللفظة آلة للايجاد وبها يوجد المعنى في الخارج بعد ان لم يكن .

الفرق بين الاخبار والانشاء

ص: 62


1- . كفاية الاُصول 1/16.

وبهذه الجهة ليس قابلاً للصدق والكذب كما ان مع قطع النظر عن انضمام قصد الاخبار والانشاء لا يكون هيئة الماضي الا بازاء التحقق . كما ان هيئة فاعل للدلالة على القيام وكذلك تأتى للصدور إلى غير ذلك من أنحاء النسبة والربط ولا يوجب ذلك كون الاستعمال في الانشاء مجازا وفي الاخبار حقيقة فان الاستعمال وقع في ما وضع له . وهو النسبة بمعناها التحقّقي غاية الأمر لشدّة مناسبة الانشاء مع معنى التحقق استعمل في ايجاد المعنى وانشائه في عالم الاعتبار .

ولم يستعمل اللفظ في مفهوم الانشاء ولا في مفهوم الاخبار . بل المعنىعلى حاله في المقامين . وفي أحدهما اريد به الاخبار والكشف عن ما وقع أو عما سيقع وفي الاخر استعمل للايجاد بالاستعمال في المعنى الموضوع له . ولا يكونعلى الثاني الا آلة للايجاد لا في المعنى الموجود قبل الانشاء بل يتحقق المنشأ بهذا الانشاء وليس الاستعمال في الانشاء بمجاز ولا يلزمه القرائن المناسبة للمجاز فان بينهما بونا بعيدا . ولا يتحقق الانشاء بالمعاني المجازية وليس هذا الا من جهة الوضع والا لكان من الممكن استعمال الماء في الخبز فعلى هذا كان الأولى للمحقق الخراساني قدس سره أن يقول بذلك جزما .

فقد علم ممّا ذكرنا الفرق بين الانشاء والاخبار وانهما من المداليل السياقية وليس الموضوع له اللفظ أحدهما بل انما هو النسبة على انحاءها الرابطة بين الاعراض النسبية كالاين ومتى وغيرهما لا مثل قيام الوجود بشيء بل ما يعرض الذات بعد وجودها بمفاد كان الناقصة فان المفردات لا يستفاد منها الا معاني افرادية وفي الخارج يعرض العرض لمعروضه ولارادة قيام العرض بالمعروض

هل الانشاء والاخبار من المداليل السياقية

ص: 63

وتصوره في الذهن مع قطع النظر عن عالم العين والخارج . بل لابد من النسبة كي بها يحصل الربط بين المعاني المختلفة المتضادة التي لا ربط لأحدها بالآخر . فان زيدا وكذا لفظة قائم لو تصورنا معنى كل منهما لا يستفاد منه الا تصوره واما تصور القيام بزيد وحصوله له انما يكون لو كانت النسبة بينهما في الكلام واللفظ . فيقول زيد قائم وبذلك تتحقق القضية الحملية . فالقضية الحملية تحتاج في تحققها إلى أركان ثلاثة . الموضوع والمحمول والنسبة .

وان شئت فعبر عنه بالمسند والمسند إليه أو المبتدأ والخبر . وكذلك لو اريد بيان حصول النسبة لا بنحو الحمل . فيقال ضرب أو يضرب أو اضرب وصّل ففي كل واحد من هذه الألفاظ هيئته موضوعة بازاء معنى كما ان المادة الموجودة فيها أيضا موضوعة بهيئتها وكذا اسم المصدر . وعلى هذا يصح أن يقال ان الأصل فيالكلام المبتدأ والخبر كما انه يصح أن يقال الفعل والفاعل . اذ ما يستعمل فيالمحاورات من غيرهما انما يستعمل لافادة غير القيام والحمل من المعاني المرتبطة بذلك كالتمييز والمفعول به والمفعول فيه وغيرها ومن النسب النسبة الحاصلة في قولنا صل وليصل وباقي الصيغ التي من هذا القبيل وسنخها سنخ الايجاد وتكوينها عين تشريعها فاذا حصلت في الخارج أي في عالمها المخصوص بها يحكم العقل بلزوم كون التكوين على حسب تشريع المولى . حيث انه لابد من انتهاء ذلك إلى ما يكون حجة بالذات وإلى ذلك يشير ما اشتهر في الالسنة من ان كل بالعرض لابد أن ينتهي إلى ما بالذات(1) .

ص: 64


1- . اذ يكون مثل بعت لايجاد البيع وانشائه . ثم ان القبول اما أن يكون معنى آخر أو مثل الايجاب والوجوب والكسر والانكسار يحصل بنفسه .

اذا عرفت ما ذكرنا من اختلاف أنحاء النسبة من القيام والصدور والتحقق والثبوت وانحاء استعمالاتها من الدخل في تشكيل القضية الحملية أو الجملة الفعلية أو الأمر الممكن ارجاع كل ذلك إلى الحملية وعلى اختلاف أنحاء الاعراض العارضة على الماهيات والذوات بوجوداتها التي يكون على هذا قضاياها متكفلة لبيان مفاد كان الناقصة وان كان من الممكن تصور ما لا يتحقق في الخارج ووضع الألفاظ له .

فاعلم ان النزاع والدعوى انما هو من مثل الصيغ المستعملة في مقام الاخبار تارة وفي الانشاء اخرى لا في ما لا يستعمل الا في أحدهما كالأمر والنهي وغيرهما .

فنقول ان اللفظ فيهما لم يوضع بازاء الأخبار ولا الانشاء والا لكان معنى قولنا بعت انشأت وان كان في مقام الانشاء يحتاج إلى نصب القرينة وان كانتمقامية غير كلامية .

نعم في صورة عدم نصب القرينة ينصرف إلى الاخبار والحكاية عن ثبوت معناه .

توضيح: لا يخفى ان المصادر وغيرها من أنحاء الألفاظ المفردة في اللغة العربية قد تركبت من الحروف الهجائية . بل في كل لغة يكون كذلك . ولا يستفاد من هذه الا مجرد الحدث كما لا ينبغي الارتياب في وضع الهيئة تارة للدلالة على تحقق الحدث وثبوته للفاعل وصدوره عنه ويلازمه معنى المضيّ بالنسبة إلى زمان النطق والاستعمال . واخرى للدلالة على انه سيقع ويصدر الفعل من الفاعل ويعرضه . كما انه يستفاد منها الحال أو الاستقبال محضا بانضمام بعض ما وضع

وضع المصادر وغيرها

ص: 65

لذلك . والظاهر ان معنى المضى والاستقبال انما هو لازم المعنى وتحققه خارجا أو ترقّب وقوعه كذلك لا ان اللفظ وضع لذلك . بل ما وضع له اللفظ والهيئة الخاصة إنما هو التحقق أو الترقب في أي مادة حصلت هذه الهيئة . كما انه قد يراد اثبات تلبس الفاعل بالفعل وانه يتصف به فيفاد ذلك بالهيئة الفاعلية .

وهل الأصل في المشتقات هو المصدر وباقي التصاريف من الماضي والأمر اخذ واشتق منه كما هو المشهور أم لا ؟

بل كل موضوع يوضع غير ملحوظ فيه تبعيته لوضع آخر لا دليل على ذلك بل كلاهما ممكن .

والحاصل ان الوضع في الهيئات في المشتقات مقطوع به . كما ان المصادر أيضا لا دلالة لها إلا على نفس الحدث . ويفترق عن اسم المصدر بعدم لحاظ جهة الانتساب والصدور عن الفاعل فيه دون المصدر . ولكل ذلك قواعد مضبوطةمذكورة في محلها من علم اللغة بالمعنى الأعم . سواء روعى ذلك من ابتداء الأمرأو المذكور من علل ذلك في علم النحو والأدب من قبيل النكات التي يتنبه لها بعد الوقوع . ويستحسن لحاظها قبله .

ثم ان هيئة الفاعل والمفعول والماضي والمستقبل وغيرها من الهيئات لا اشكال في وضعها كما ذكرنا إلاّ ان مثل الضرب المتهيّئ بهيئة الماضي انما يستفاد معنى المضى والتحقق منه لمكان الهيئة . لكن انفهام معنى الضرب المصدري لابد أن يكون مستندا إلى الوضع أيضا . فاما ان يكون كلّ واحد من الهيئات موضوعة في ضمن موادها خاصا وان كان الوضع عاما فلا يكون الا وضع واحد متعلّقاً بالمادة والمصدر أو لا بل الهيئة موضوعة عاما والمادة أيضا موضوعة ولو في ضمن هيئته ما بلا لحاظ هيئته خاصة .

ص: 66

والحاصل ان الضرب المصدر بعد ان كان بهيئته الخاصة ومادته موضوعة لمعنى المصدر فلا معنى لالتزام كفاية وضع الهيئة وتلبس المادة بها في استفادة تحقق الضرب في الماضي . بل لابد أن يتعدى المدلول عن تحقق مادة ما ولا يستفاد معنى المادة الا بالوضع . والوضع اما يكون مطلقا بازاء الألفاظ الخاصة الثلاث من الضاد والراء والباء أو لا يكون كذلك . بل كما أشرنا إليه من تحقق وضع واحد بالمادة والهيئة معا ولا دليل على تعيّن واحد منهما .

نعم . المسلم عدم الوضع للمادة المجردة عن الهيئة لعدم امكان وجود أحدهما الا مع الآخر . والمتكلم تارة يكون بصدد الكشف عن وقوع النسبة وتحقق صدور العرض عن المعروض وقيامه به في عالم الخارج أو بانه يقع بعد ذلك فيفهم مراده بألفاظها الخاصة كالماضي والمستقبل سواء كان ما كشف عنه مطابقا لاعتقاده أو الخارج أو كليهما أم لا والكشف لا يقوم بذلك . بل ربما يطابقالواقع الخارج وربما لا . فيكون كذبا مرة وصدقا اخرى . وهذا هو الاخبار ولذلكقيل ان الخبر يحتمل الصدق والكذب . وتارة لا يكون بصدد بيان ذلك .

ولا يكون هناك معنى متحقق يكون بصدد الاخبار عنه وكشفه لا بالنسبة إلى ما مضى ولا إلى ما يأتي بل يريد ايجاد معنى في عالم الاعتبار وانشائه الذي لا يكون الا كايجاد التكوينيات . غاية الأمر حيث ان باب المفاهيم غير مسانخ للخارجيات لا يكون ما يوجد بالانشاء موجودا تكوينيّا والا فهذا أيضا تكويني وايجادي وتكوينه عبارة عن ايجاده في عالمه ويكون اللفظ آلة للايجاد ويسمى انشاءا ولا يكون قابلاً للصدق والكذب لعدم خارج له يلاحظ مطابقته له وعدمها .

ص: 67

وعلى هذا فباب الانشاء والاخبار متغايران ولكل منهما آثار وخواص ليست للآخر وليس أن لا يستعمل اللفظ في مقام الانشاء في معنى بل يستعمل ويوجد به مفهوم اعتباري يكون منشأ للآثار من البيع والنكاح وغير ذلك من الاعتباريات .

وقد يقال(1) ان الانشاء أيضا سنخ اخبار خاص ولا يكون في قبال بابالاخبار شيئا مغايرا له . بل اذا أراد ايجاد حقيقة البيع الذي هو أمر اعتباري في عالم الاعتبار كي يكون منشأ لترتب النقل والانتقال والحكم من الشارع بالملكية وعدمها يوجد ذلك المعنى في لوح نفسه ثم يخبر عنه باللفظ . فاللفظ في مقام الانشاء أيضا يكون استعماله للحكاية . غاية الأمر تارة يكون الحكاية والاخبار عن أمر خارجي . واخرى يكون عن أمر واقع في نفس المتكلم وضميره . ففي الحقيقة يتحقق البيع في نفس البايع ويكشف عنه باللفظ ويقبل القابل . غاية الأمر لا خصوصيّة للفظ ذاتية يوجد المعنى الاعتباري به على النحو الأول . وفي هذا

ص: 68


1- . لم يفرق في المحاضرات محاضرات في اُصول الفقه 43/95 - 98 بين الجمل الاخباريّة والانشائيّة فكما ان الجملة الانشائيّة لا تتّصف بالصدق أو الكذب بل انها مبرزة لأمر من الاُمور النفسانيّة . فكذلك الجملة الخبريّة فانّها مبرزة لقصد الحكاية عن الواقع نفياً أو اثباتاً وصحّح ان الجملة الانشائيّة موضوعة لابراز أمر نفساني غير قصد الحكاية ولم توضع لايجاد المعنى في الخارج واكتفى في الايجاد الاعتباري لمثل الوجوب والحرمة والملكيّة والزوجيّة وغير ذلك بنفس الاعتبار النفساني بلا حاجة إلى اللفظ والتكلّم به ثمّ استدرك بقوله نعم ان اللفظ مبرز له في الخارج لا انه موجد له وفرق مقرر المحقّق العراقي بين الانشاء والاخبار في الجملات الصالحة لكلّ من الأمرين من جهة المحكي وكون الاخبار عبارة عن وقوع النسبة وثبوتها وفي الانشاء ايقاعها الذي هو خروجها من العدم إلى الوجود وذكر ان في مقام الاثبات يحتاج في احراز كونها انشاءً إلى قرينة صارفة عن الاخباريّة . نهاية الأفكار 1/58 .

الفرض لا يكون الا اخبارا نهاية ما في الباب ان الشارع لم يمض ما انشأه في نفسه مطلقاً بل تارة يمضيه على كيفيات خاصة واخرى لا . وذلك لا يوجب تغييرا في حقيقة الانشاء الذي هو ايجاد المعنى في النفس ولا يتوجه عليه الاشكال بلزوم الوقوع أي المعنى ولو كان الكاشف عنه هو الكتابة .

الا ان هذا خلاف المشهور بينهم من كون الانشاء أمرا ايجاديا لا اخباريا وان كان قد يؤيد بعدم جعل للوجوب ولا للحرمة . بل هما انما ينتزعان عن حال المولى وكون ارادة الفعل أو الترك منه جديّة وكلماتهم في الأبواب المختلفة وما ذكروه في الأخرس في البيع والطلاق وانهم اكتفوا باشارته لكونها منه بمنزلة اللفظ . نعم ربما يحصل الشك بامضاء الشارع مطلق الموجد النفسي والمظهر باللفظ كالايجاب من البايع . بل اذا شك في اعتبار التوالي وموالاة القبول له يكون الأصل هو الفساد . ولا مجال لغيره من الأصول لكنه معنى آخر لا يرتبط بحقيقةالانشاء(1) .والحاصل انه قد علم ضعف دعوى ان الانشاء والاخبار ليسا من المداليل السياقية كما احتملنا اشتراك الوضع في بعض الألفاظ المستعملة فيهما كبعت كاحتمال الوضع لخصوص الأخبار والاستعمال في الانشاء يحتاج إلى قرينة ولا يحتاج الاخبار إليها . كما ان من المحتمل ما ادعاه بعض من كون مرجع الانشاء إلى الاخبار أيضا كما مرّ تقريبه وان يكون كلّها حكاية عن ما في لوح النفس وأحدهما يحكي ما اوجد في عالم الاعتبار في ظرفه الذهني . والآخر انما يحكي

المناقشة في كون الانشاء والاخبار من المداليل السياقيّة

ص: 69


1- . نقل بعض أجلة السادة من رفقائنا ان هذا المعنى في الانشاء ذهب إليه بعض أجداده المدفون بطبس وهو المرحوم الميرزا السيّد علي المدرسي اليزدي رحمه الله في كتاب له ذكر هذا فيه . وأقول هو مختار سيّدنا الأستاذ المعظم المرحوم السيّد الخوئي قدس سره كما عرفت .

عن ثبوته ووقوعه في أي عالم منهما محتجا على ذلك بورود الاشكال بناء على عدم تسليم هذا المبنى في جعل الاسباب الذي هو من المحالات . حيث انه اذا لم يكن المناط ما في لوح النفس مرادا به عالم الاعتبار من النقل والانتقال المناسب لذلك الوعاء فلا جرم من أن نلتزم بكون ألفاظ الايجاب والقبول من أسباب الملكية كما انه يتجه الاشكال على الوضع للاخبار في مثل بعت عدهم في باب المعاملات من الألفاظ الصريحة التي ليست بكناية ولا مجاز في البيع صيغة بعت(1) .

لكن ذلك الاشكال ضعيف لامكان اتجاهه على ما اختاره هذا البعض أيضا مع انه لا جعل كما لا تنزيل في بناء العقلاء . وانما انظارهم في مثل المعاملات وصيغها للايجاب والقبول طرق فيرونها اسبابا لا انهم يجعلون هذه أسبابا بلا مناسبة ويعتبرونها كذلك . بل لابد من خصوصيّة فيها تستتبع اعتبارها أسبابا فيأنظارهم التي قد يوافقها الشارع وقد يخالفها . فان عالم الاعتبار ليس من عالم العين ولا الذهن . بل الموجود الذهني في قبال الخارجي والخارجي اما الخارجي المدرك المحسوس المدرك بأسبابه التكوينية . وأمّا الخارجي الذي يكون تكوينه بالاعتبار وبناء على هذا المبنى فالأحكام الشرعية أيضا كذلك كلها تكون اخبارا وانما الحاصل حالة المولى حين تصديه لاستعمال صيغة الطلب في معناها وانما هذا في غير مقام الالوهية مما يناسبه كالنفس النبوي أو الولوي سلام اللّه عليهم والا فقد تعالت كبريائه عن ذلك علوا كبيرا .

ص: 70


1- . حيث انّه يمكن بالنظر إلى نفس المادّة لا الهيئة . أقول انه ممكن بالنظر إلى نفس المادة لا الهيئة .

ولكن حيث انه مذهب فرد خلاف ما عليه المشهور فهو بالاعراض عنه حقيق نعم يمكن الالتزام بكون الصيغة آلة للايجاد في نظر العقلاء والسببيته ذاتية والشارع امضاها اذ ليست أحكامه في أمثال هذه الأبواب تأسيسية . وربما يمكن تصحيح ذلك الكلام أيضا بالتزام كون ذلك منشأ الآثار العقلائية والشرعية .

لكن بشرط اظهاره اما مطلقا بأي سبب ومظهر . بالاشارة والكتابة أو التلفظ أو بسبب خاص منها وألفاظ كذلك كما في باب النكاح والطلاق .

ثم ان المنقول من أهل الصرف ان هيئة الأمر موضوعة لانشاء الطلب لا للطلب نفسه بل لانشائه .

الجهة التاسعة: في المبهمات كأسماء الاشارة الضمائر والموصولات .

سبق الكلام في الانشاء والاخبار وتحقيق الحق فيهما .

وعلم ان الوضع في الهيئات كالموضوع له والمستعمل فيه عام فان هيئة الماضي أو الفاعل أو غيرهما من الهيئات لم توضع للاستعمال مع مادة خاصة بل تستعمل في أي مادة لأي فاعل ومسند إليه . ولا اشكال في الالتزام بكون مثلالصيغ الماضية والمستقبلة موضوعة بجملتها لمعانيها لا بأن يوضع مادتها سواءوهيئتها كذلك .

أما المبهمات كأسماء الاشارة والضمائر والموصولات فقد ادعى بعضهم بكون الوضع فيها عاما والموضوع له كالمستعمل فيه خاصا استنادا إلى عدم الاستعمال في الكلي القابل للانطباق على كثيرين خصوصا والوضع فيها لا يكاد يستعمل خلاف الحكمة . فعلى هذا لابد أن يكون الموضوع له والمستعمل فيه في المبهمات خاصا .

وضع المبهمات

ص: 71

وهذا بخلاف الحروف اذ لا يستدعى الاستعمال فيها التشخص وفي المبهمات لازم معانيها ذلك لان الاشارة كالتخاطب تستلزم الشخص . هذا .

وأجاب المحقق الخراساني قدس سره (1) عن ذلك بأن الموضوع له والمستعمل فيه فيها أيضا عام كالحروف وأسماء الأجناس . لأن التشخص انما يجيء من قبل الاستعمال ويستحيل أخذ الخصوصية الجائية من قبله في الموضوع له والمستعمل فيه هذا ظاهر كلامه .

لكن ينبغي التنبيه على انه ما لم يعاون الاستعمال باليد والاشارة الخارجية لا يستفاد من أسماء الاشارة معنى ولا يعيّن المستعمل فيه . فان اريد بأخذ التشخص في معانيها انّهما مراد فان لمعنى الاشارة فمن البيّن أن لا يكون المعاني قابلة لحمل مفهوم الاشارة ولا معناها عليها خصوصا وتستعمل في الأشخاص ويقول المستعمل لمن عرفه باسمه وشخصه بعد عهد بعيد زيد هذا . وان اريد خروجهما عنها وان المستعمل فيه والمراد هو المشار إليه فهذا أيضا غير ظاهر .ثم على فرضه لا يكون شخصيّاً .والحاصل ان في الضمائر وباقي المبهمات يمكن الذهاب إلى عموم الموضوع له والمستعمل فيه فيهما لما ذكرنا من عدم انفهام المعنى بدون الاشارة الخارجية وانما يترتب على هذا ثمرة فقهية وهي ان الفقهاء قالوا في الشبهة الحكمية والموضوعية في التسليم على المصلى انه يجب بقصد القرآنية بقوله سلام عليك مع انه تبين ممّا ذكرنا عدم صحة هذا الكلام حيث ان قصد القرآنية ينافي الخطاب والدعاء للمخاطب كما انه ينبغي أن يعلم انه ربما لا يتحقّق الاختلاف بين

ص: 72


1- . كفاية الاُصول 1/16 في خصوص أسماء الاشارة والضمائر .

المحققين الخراساني والنائيني في الخبر والانشاء .

وان مرجع كلامهما واحد . وحيث ان المحقق الخراساني لا يريد بقوله في الصيغ المستعملة فيها ليراد بها الانشاء أو الاخبار أخذ ذلك فيها قيدا أو تقيدا فترجع إلى مختار المحقق النائيني من كونهما من المداليل السياقية .

وكيف كان المختار في المبهمات كون الموضوع له والمستعمل فيه خاصا .

نعم ان ثبت الاستعمال في العام فيمكن الالتزام به .

تتميم: هذا الذي ذكرنا عن السيّد الاستاذ قدس سره رجع عنه في الليلة المتأخرة واختار ان المبهمات بأقسامها موضوعة بالوضع العام والموضوع له والمستعمل فيه أيضا عام . لكن ليس المراد بالعموم في المقام الشمولي . بل الذي يناسبه هو العموم البدلي حسب ما يساعده الوجدان ولا برهان عليه لرجوعه إلى اثبات اللغة بالاجتهاد .

بقي الكلام في امور: أحدها هل المجاز منحصر بالمجاز في الاسناد أي المجاز العقلي الذي ذهب إليه السكاكي وان اللفظ في جميع موارد استعمالاته لا يستعمل الا في ما وضع له . غاية الأمر حيث انه ربما لا يكون المراد به معناهالموضوع له لقيام القرينة على المراد وحكومتها على ذي القرينة ( لأنه منمصاديق الأظهر والظاهر ) الذي لا تعارض بينهما . بل لهما جمع عرفي وحينئذٍ فلا يكون القرينة الا على المراد ولا استعمال الا فيما وضع له اللفظ ولا وجود للمجاز في الكلمة أصلاً أم لا . بل يمكن استعمال اللفظ في غير ما وضع له وان لم يوضع له اللفظ . غاية الأمر لابد من قيام القرينة على الاستعمال وارادة المستعمل باستعماله غير وضع له اللفظ وجهان بل قولان . اختار سيّدنا الأستاذ قدس سره الأوّل بدعوى ان

بحث المجاز

ص: 73

اللفظ لا يستعمل الا في معناه ويستحيل بعد وضع اللفظ للمعنى ووجود العلاقة بينهما استعماله في غيره بل يستفاد منه المعنى وان لم يرده المتكلم ولا خصوصية لذلك بالاستعمال من متكلم . اذ بعد حصول العلاقة يوجب مجرد تصور اللفظ بأيّ شيء حصل خطور المعنى في الذهن بلا اختيار ولو كان من جدار أو حيوان فضلاً عن المتكلم من غير اختيار أو باختياره . وعلى هذا فالاستعمال عبارة عن القاء المعنى بكسوة اللفظ بحيث لا التفات إلى اللفظ وكانه المعنى . ولا غرو في دعوى ذاتية الدلالة للألفاظ على المعاني . ويمكن ارادة مدعى الذاتية ذلك بعد الوضع وعلى هذا فالقرينة دائما انما تكون قائمة على المراد لعدم امكان ارادة غير ما وضع له اللفظ باستعماله بجعله فانيا فيه والقائه به وكونه قالبا له .

وبهذا يندفع ما يقال في اختيار القول الثاني من ان الاستعمال عبارة عن جعل اللفظ قالبا للمعنى سواء كان موضوعا له أم لا . وان الاستعمال في غير ما وضع له ليس ممنوعا ولا بمستحيل . لكنه يقيم القرينة على ان ارادته بالاستعمال انما هو غير ما وضع له وان الاستعمال كان في المعنى غير الحقيقي .

اذ بعد ما عرفت من كون الدلالة غير تابعة لارادة اللافظ .

لا يبقى مجال لهذه الدعوى . وجعل ذلك منوطا بالارادة . فان الانفهام لايكون الا للمعنى الموضوع له . اراده المتكلم أم لا بل . يستحيل تبعيته للارادة . وانالحاصل في ذهن المخاطب انما هو المعنى الذي يدرك بالعقل كما أشرنا إليه سابقا .

نعم قيام قرينة المجاز العقلي انما يكون سببا لانصراف الذهن عن الموضوع له إلى غيره .

ص: 74

اذا عرفت هذا . تعلم انه لا يبقى مجال للكلام في وضع المجازات وانها موضوعة بالوضع الشخصي أو النوعي كما ذهب إلى كلّ منهما فريق أم لا . بل بحسب ما يناسبه الطبع ويقبله الوجدان كما هو الحق المحقق . اذ ذلك فرع المجاز في الكلمة وبعد انكاره وان المجاز كله عقلي فيسقط هذا البحث . ولابد من الالتزام بكون الاستعمال في ما وضع له اللفظ وان القرائن انما تكون لبيان المراد ولا يشترط وجود علاقة معتبرة من العلائق المذكورة المحصورة حسب الاستقراء في خمسة وعشرين نوعا اذ المناط حينئذٍ هو المناسبة والا حالة إلى الوجدان كما هو واضح .

وترى كثيرا من الألفاظ كذلك تستعمل في غير ما وضع له ولا علاقة هناك من العلائق المذكورة . بل مصحح جميع ذلك انما هو المناسبة لما وضع له .

وذكر في الكفاية(1) ان من هذا الباب استعمال بعض الألفاظ المهملة في افادة معاني خاصة مع انها لا وضع لها .

ومن هذا الباب أيضا استعمال اللفظ في افادة نوعه أو صنفه أو شخصه فانا نرى بالوجدان صحة استعمال قولنا ضرب فعل ماض ويراد به طبيعة هذه اللفظةوكذا الاستعمال في الصنف كقولنا ضرب في ضرب زيد فعل ولا علاقة من العلائقالمعتبرة الا المناسبة . بل كذلك يجوز الاستعمال في الشخص كقولنا زيد لفظ أو مبتدأ ونحو ذلك من المحمولات القابلة للحمل على شخص اللفظ الذي هو المبتدأ . وادعى صاحب الفصول أمتناعه برجوعه إلى تثنية اجزاء القضية الملفوظة والمنقولة حيث ان المحمول والموضوع متحدان ولا ربط بين الشيء ونفسه فلا

ص: 75


1- . كفاية الاُصول 1/20 .

يجوز مع استلزامه اتحاد الدال والمدلول . وأفاد في الكفاية(1) في بيانه بما لفظه ( انه ان اعتبر دلالته على نفسه حينئذٍ لزم الاتحاد والا لزم تركبها من جزئين لان القضية اللفظية على هذا إنّما تكون حاكية عن المحمول والنسبة لا الموضوع فتكون القضية المحكيّة بها مركبة من جزئين مع امتناع التركب الا من الثلاثة . ضرورة استحالة ثبوت النسبة بدون المنتسبين انتهى .

وأجاب

قدس سره عن الاشكال الأول بكفاية تعدد الدال والمدلول اعتبارا .

قال(2) فمن حيث انه لفظ صادر عن لافظه كان دالاً ومن حيث ان نفسه وشخصه مراده كان مدلولاً . وعن الثاني بأن(3) ذلك فيما اذا لم يكن الموضوع نفس شخصه والا فاذا لم يكن للفظ مفهوم ولم يستعمل في معنى فلا يشترط التركب من ثلاثة أجزاء .

وحكى سيدنا الاستاذ قدس سره انه اختار هذا الجواب المحقق النائيني قدس سره وأفاد

في بيانه وحرره هذا . وقد اختار ما ذهب إليه المحقق الخراساني من دلالةاستعمال الألفاظ في المعاني المجازية بالطبع جماعة ممن تقدمه وتأخر عنه .

كما انه أفاد في صحة استعمال اللفظ في معنى غير ما وضع له ادعاء بكونهغير العلم الشخصي ولكنه التفت إلى نحو استعمال حاتم في الجود حيث انه يلزم سبك مجاز عن مجاز فتأمل .

تتميم: ربما يستشكل صحة استعمال اللفظ وارادة شخصه بلزوم اتحاد الدال والمدلول وحيئذٍ فيمكن جوابه بما سبق عن المحقق الخراساني قدس سره في

استعمال اللفظ في شخصه

ص: 76


1- . كفاية الاُصول 1/20 - 21 .
2- . كفاية الاُصول 1/20 - 21 .
3- . كفاية الاُصول 1/20 - 21 .

الكفاية بالتعدد الاعتباري فان للّفظ اعتبارين اعتبار صدوره من اللافظ فيكون بهذا الاعتبار دالاً واعتبار من حيث نفسه فيكون مدلولاً . واخرى بتعدد اللحاظ فان اللفظ من حيث انه مراد ومستعمل فيه يكون لحاظه استقلاليا . ومن حيث انه يستعمل في ارائة نفسه يكون لحاظه آليا . واجتماع لحاظين متنافيين في آن واحد بالنسبة إلى شيء واحد محال .

نعم يمكن الجواب عن ذلك بأنه ليس من الاستعمال في شيء . وان اخطار المعنى في ذهن المخاطب تارة يكون بالحاكي عن المعنى والمراد . واخرى بايجاد نفس الموضوع في القضية المعقولة . وحينئذٍ فلا استعمال كي يلزم تعدد الدال والمدلول ويشكل الجواب .

والحاصل ان ذلك اما أن يكون بالاستعمال فلابد من الالتزام بايجاد الموضوع وترتبط اجزاء القضية الذهنية بذكر المحمول وايجاد الموضوع وتحصل النسبة قهرا بينهما فتتم القضية .

واما لا يكون بالاستعمال بل نظير ذي العلاقة اذ لا يكون العلاقة فانية في ذي العلاقة ثم ان الاستعمال كذلك انما يصح اذا كان المحمول قابلاً للحمل على الموضوع والا فان لم يكن فلا يصح الا كذبا . كما اذا قلنا ان زيدا مبتدأ أو لفظ وكذلك لابد من ارادة الصنف أو المثل أو النوع من ذلك أيضا . وربما يشملالمحمول نفس الموضوع أيضا ان كان قابلاً لذلك والا فلا .ثم انه لا وجه للاشكال في لزوم اتحاد الدال والمدلول بأن لحاظ المعنى أي اللفظ انما يكون رتبةً مقدما على الاستعمال وايجاده في الخارج فلا يلزم اجتماع اللحاظين . اذ لا اشكال في ان اللفظ انما يراد به نفسه ومن هذه الجهة يكون النظر إليه استقلالاً .

ص: 77

والفرض انه ليس الملقى لنفسه الا نفسه ولا فاني فيه الاّ هو فهذا اجتماع اللحاظين وذلك في رتبة واحدة بخلاف باقي الصور فلا يلزم اتحاد الدال والمدلول ولا اجتماع اللحاظين .

والمسئلة يحتاج إلى تأمل أزيد ممّا ذكرنا .

ومن التنبيهات ما وقع فيه النزاع من ان الألفاظ هل هي موضوعة بازاء معانيها الواقعية أم بما هي معلومة . فاذا لم يكن الشيء معلوما فلا موضوع له وليس له وضع . ويترتب على هذا ترتب جميع الأحكام على المعاني المعلومة وموضوعاتها كذلك ولا يلزم محذور التصويب . فاذا قال الخمر حرام معناه معلوم الخمرية حرام .

وكذا اذا جعل جلد غير المأكول مانعا في الصلاة معناه المعلوم وهكذا في ساير الأحكام والموضوعات ولا يتوجه محذور التصويب لعدم سراية اللفظ بمعناه إلى مطلق المعاني . بل الأحكام إنّما هي للمعلومة . ولا اشكال في عدم اتحادها مع المشكوكة والمجهولة . فلا يترتب على أحدهما أحكام الآخر . وكذلك من الأمور اللازمة ذكرها في التنبيهات .

هو ما عنونه الاصوليون أيضا من ان الألفاظ هل هي موضوعة بازاء معانيها أم بما هي مرادة . وحرّر بعضهم محلّ النزاع بنحو آخر وهو هل الدلالة تتبع الارادةأم لا . لا اشكال في انها وضعت لمعانيها بما هي لا بما هي مراده . وذكر فيالكفاية(1) ان الدلالة التصورية لا يعقل القول بتبعيتها للارادة من أحد فضلاً عن العلمين أي الشيخ الرئيس والمحقق الطوسي وارتضى ما في هذا التنبيه في الكفاية

هل الألفاظ موضوعة بازاء معانيها الواقعيّة

ص: 78


1- . كفاية الاُصول 1/23 - 24 .

الا خصوص ما جعله صاحب الكفاية جهالة وضلالة حيث لم يحرز كون اللافظ بصدد الافادة بل اخطأ وقطع بما ليس بمراد واستشكل عليه بعدم صحته وكذا لا مجال لتوجيه كلماته قدس سره فليراجع الكفاية .

الكلام في طرق معرفة المجاز من الحقيقة:

قلنا بالمجاز في الكلمة أم لا وذكر من الطرق تنصيص الواضع أو اهل اللغة . الا ان الثاني لا يفيد غالبا الا العلم بعدم كون المعنى الحقيقي خارجا من موارد الاستعمالات . اما تعيين الموضوع له في صورة التعدد فلا يتكفّله لان هم اللغوي حصر موارد الاستعمال .

نعم . قيل ان التبادر وعدم صحة السلب من العلائم التي يمكن الاستطراق بها الى معرفة الوضع وحيث ان التبادر لا يكاد يحصل لمن لم يعلم بالوضع ففي معرفة الوضع به توقف الشيء على نفسه وهو الدور الواضح كما قيل في الشكل الأول من الاشكال الأربعة المنطقية . وحيث انه لابد في الانتاج من كلية الكبرى وهي لا تحصل الا بالعلم بالنتيجة المتوقف على العلم بالكبرى كما في مثل قولنا العالم متغير وكل متغير حادث .

فالعالم حادث . لكن لا يخفى عليك الفرق بين الدور الحاصل في المقام وبين ما هو في الشكل الأول . وذلك لعدم توقف العلم بالكبرى في الشكل الأول على العلم بالنتيجة . بل كما في المثال مستند إلى ملازمة عقلية بين الحدوثوالتغير وهو لا ينقص شيئا في حصول العلم بالنتيجة الا صغرى وجدانية فبانضمامها إلى ذلك تحصل النتيجة المطلوبة . اذ ليس الكبرى استقرائية . وهذا بخلاف ما نحن فيه لعدم امكان حصول التبادر من حاق اللفظ لغير العالم به .

ص: 79

وقد اجيب عن ذلك كما عن المحقق الخراساني(1) وغيره قدس سره م بالاجمال والتفصيل . والذي يتوقف عليه حصول التبادر هو العلم الاجمالي والذي يحصل به التفصيلي .

ولا يخفى عليك فساد ذلك لو اريد بالاجمال العلم الاجمالي المصطلح فانه لا يحصل العلم التفصيلي بشيء من المعاني كذلك . وان اريد به الاجمالي الارتكازي الذي ليس بالتفات تام . ففيه ان الكلام انما هو في كون الشيء علامة للوضع وهذا لا يوجبه بل غايته تذكر النفس لما قد علمته .

واجيب بنحو آخر . وهو التبادر الحاصل عند أهل المحاورة . وكونه دليلاً للوضع عند الجاهل به مسلم . لكنه لابد من استناده إلى حاق اللفظ فان التبادر على قسمين حاقي واطلاقي . والثاني لا يثمر ما نحن بصدده . والحاقي لابد فيه كما ذكرنا من معلومية استناده إلى نفس اللفظ لا القرائن الحالية أو المقالية أو المقامية .

ثم انه لا ينفى بمجرده سلب الحقيقة عن غير مورده بل ولا يثبت انه هو المعنى الحقيقي اذ يحتمل فيه كون المورد من انطباقات الموضوع له كما يحتمل تعدد الوضع وكون اللفظ حقيقة في المورد وفي غيره من الموارد .نعم لو انضم إليه عدم تبادر الغير امكن استفادة انحصار الوضع وعدمالاشتراك فيه(2) .

كما انه يمكن عدم تطرق احتمال كون المورد من موارد انطباق الموضوع له في مثل ما لا يكون المستعمل فيه من هذا القبيل لغيره كالأضداد .

اشكال التبادر

ص: 80


1- . كفاية الاُصول 1/25 .
2- . هذا ان قلنا بعدم الاحتياج إلى القرينة المعيّنة .

ثم انه عد من علائم الحقيقة صحة الحمل ومن علائم المجاز صحة السلب ويرد اشكال الدور هنا . وانما يفيد ذلك في مساعدة أهل العرف واللغة فيه والا ففي غيره يرد اشكال الدور . فاذا لم نعلم ماء الرمان ماء أم لا نستعلم أهل العرف فيه . فان أمكن صحة الحمل عندهم وكذا عدم صحة السلب نكشف بوجه ما . والا ففيه ما اشير إليه فتأمل .

خلاصة ما ذكرنا: في كون التبادر وعدم صحة السلب علامتين للوضع . لزوم استناد الأول إلى حاق اللفظ لا حاصلاً من الاطلاق سواء كان من قبيل اطلاق المعنى على أحد أفراده الذي لا يحتاج إلى قرينة . بل عند عدم قرينة الخلاف ينصرف إليه أو الاطلاق الذي يحتاج إلى مقدمات الحكمة . وقد ذكرنا توجه اشكال الدور في التبادر وفي صحة السلب وعدمها على كلا النحوين سواء كان بالحمل الأولى الذاتي أو الشايع الصناعي . اذ لا يكاد يحصل التبادر ولا يصح الحمل ولا عدم صحة السلب الا لمن كان عالما بالوضع .

فلو توقف حصول العلم بالمعنى الحقيقي من المجازي على ذلك فيدور كما هو واضح . ودفعه بالاجمال والتفصيل وكون المتوقف عليه التبادر هو العلم بكون المعنى الحقيقي أحد هذه وبالتبادر يراد تعيينه تفصيلاً أو المراد بالاجمال كونذلك ارتكازيا لكنه غفل عنه الا انه موجود في الحافظة وخارج عن الذاكرة . قدعرفت عدم اثمار الاولى ولا الثانية . ويمكن أن يكون المثمر هو التبادر عند أهل المحاورة وكذلك يعتبر في صحة السلب وعدم صحته . اذ ما لم يكن عالما بالوضع لا يمكنه السلب ولا عدمه والممكن الرجوع إلى أهل العرف واللغة وبالتنصيص منهم وان كان الغالب في أهل اللغة ( كما ذكرنا ذكر موارد الاستعمال . لكن يمكن

ص: 81

استفادة الموضوع له في بعض الموارد . وأما الاستعمال فهو أعم من الحقيقة . وأصل عدم القرينة انما يثمر لو جرى في تشخيص المراد وتعيينه لا في كيفية الارادة وانها على نحو الحقيقة أو المجاز وكذلك الكلام في الاطراد .

في دوران الأمر بين أحوال اللفظ .

لا يخفى انه اذا دار الأمر بين الاضمار والمجاز والتخصيص وغيرها فلا أصل يرجع إليه مما ذكر في تعارض الأحوال ويكون الأصل عدم ارادة غير المعنى الحقيقي . فيما اذا كان المراد معلوما وفي غيره أيضا اذا كان المراد معلوما ولو بقرينة سياقيه أو عقلية وغيرها فكذلك(1) .

انما الكلام فيما إذا علم عدم ارادة المعنى الحقيقي ودار الأمر بين غيرها ويظهر ثمرة البحث في موارد كثيرة من الفقه وقع الكلام في تشخيص المعنى المراد كالصعيد وانه هل هو مطلق وجه الأرض أو خصوص التراب . أو المراد بالطيب وانه مقابل الخبيث أم لا أو الظاهر أو الباطن والبشرة . وهل يشمل مثل باطن العين أو لا وأمثال ذلك من الموارد الكثيرة التي يحتاج إلى تنقيحها الفقيه في مقام الاستنباط والظاهر معلومية كثير منها بالنصوص وغيرها بالسياق وغير ذلك فليراجع وليتأمّل .الكلام في الحقيقة الشرعية .

اختلف كلامهم فيها اما في خصوص مخترعات الشارع كالصلاة والصوم والحج والزكاة أو مطلقاً ولو فيما له حقيقة عند العرف ويعرفونه وعليهم مدار معاشهم ومرور دهورهم والظاهر وقوع النزاع في القسم الأوّل ( أي مخترعات

دوران الأمر بين أحوال اللفظ

ص: 82


1- . الظاهر بل المسلم كما تقدم آنفا عدم جريان أصل الحقيقة اذا كان المراد معلوما .

الشارع ) وعنون البحث في الكفاية(1) ومهد قبل بيان المطلب مقالاً بنى عليه دعوى الوضع التعيني من الشارع وهو امكان حصول وضع اللفظ بنفس الاستعمال وعبارته هذه ( يحصل باستعمال اللفظ في غير ما وضع له كما اذا وضع له بأن يقصد الحكاية عنه والدلالة عليه بنفسه لا بالقرينة الخ .

وأورد المحقق النائيني قدس سره عليه بأنه لا يمكن حصول الاستعمال قبل الوضع اذ لابد في الاستعمال من سبق وضع والا فيكون لغوا ولا يفيد المخاطب شيئا . الا انه وجّه مراد صاحب الكفاية بأن يكون الاستعمال لا للحكاية . بل لبيان غرضه من التسمية كما اذا صرح مريدا بذلك تسميه ولده احمد أو قال جئني بأحمد غير مريد من لفظة احمد الا خصوص الوضع ولا يجعله فانيا في معنى . ضرورة توجه الاشكال لو كان كذلك ويكون هذا كما صرح بالتسمية بقوله سميت ولدي هذا أحمد .

وأنت ترى اباء كلام صاحب الكفاية من هذا التوجيه بل غرضه وصريح

مراده كون الاستعمال في المعنى والدلالة بنفس اللفظ المستعمل . غاية الأمر يقيم القرينة لا للمراد بل لارادته من اللفظ هذا المعنى . وذيل كلامه ينادى بما ذكرنا .فان قوله فيما بعد ( وكون(2) استعمال اللفظ فيه كذلك في غير ما وضع له بلا مراعاةما اعتبر في المجاز الخ ينافي التوجيه . هذا ويؤيده عدم تمامية بناء ما يريده من دعوى الوضع التعييني في لسان الشارع الا بهذا النحو فانّ الوضع بنفس الاستعمال من الشارع في أول مرة ويكون ثانيا وثالثا استعمال اللفظ في هذا

ص: 83


1- . كفاية الاُصول 1/32 .
2- . كفاية الاُصول 1/32 .

المعنى لا يمكن الا بأن يكون الشارع استعمل اللفظ في ما يريده من المعنى الشرعي . بأن يقول الصلاة ويريد بها الأعمال الخاصة والأذكار كذلك . ولا يحتاج ثانيا إلى هذا . ولابد مع ذلك من كونه بصدد الوضع .

وادعى صاحب الكفاية قرب هذا وان دعوى مدعيه غير مجازفة وأضاف إلى ذلك سيّدنا الاستاذ قدس سره بكونه في مقام الوضع .

وبيان ذلك والا فيسعه من يقيم قرينة على مراده من لفظ غير ما وضع له هذا اللفظ . فلابد من الالتزام بكون كل استعمال مجازي وضعا . وهذا مما لم يقل به أحد ولا سبيل إليه .

والحاصل انه يمكن ثبوتا ذلك . لكن الكلام في ان الشارع أفاد هذا البيان الذي يستفاد منه الوضع ولو حقيقة الوضع لا بعنوانه الخاص .

والظاهر انه لا سبيل إليه . وما ورد(1) في ان صلاتنا ذكر وقرآن ودعاء . أو ثلث ركوع وثلثها سجود وثلثها طهور . فعلى تقدير تماميته في الدلالة على المدعى انما صدر في زمن الصادقين علیهم السلام وهو غير ما نحن بصدده من اثبات الحقيقة الشرعية في لسان الشارع وفي عصره .

كما انّه يمكن الاشكال في الوضع التخصيصي كذلك لتوقفه على اختراعهذه المعاني وكونها من مستحدثات شرعنا وهو غير ثابت . بل الظاهر كونها مشروعة قبل ظهور نبينا علیه السلام في الشرايع السابقة . فكيف يمكن تصحيح هذه الدعوى . بل يمكن دعوى ان الدين واحد . غاية الأمر خصوصيات الزمان ناسبت

الحقيقة الشرعيّة

ص: 84


1- . وسائل الشيعة 6 الباب 9/1 من أبواب الركوع . الرواية صحيحة قال علیه السلام الصلاة ثلاثة أثلاث: ثلث طهور وثلث ركوع وثلث سجود .

واقتضت اظهار بعض ما اخفى في ساير الأديان كما بالنسبة إلى شرعنا .

فان اول الاسلام وبدء ظهور تلك النجمة الباهرة لم يكن ليبلّغ كل الأحكام بل يبين التوحيد إلى ان استدرجهم في قواعد الدين وأركانه إلى ان أتمّه بالولاية « اليوم أكملت لكم دينكم»(1) الآية وعلى هذا فتسقط هذه الدعوى من رأس .

قد ذكرنا ما مهّد صاحب الكفاية(2) لما ذهب إليه من حصول الوضع بنفس

الاستعمال وينفع ذاك الاستعمال في الاستعمالات اللاحقة ثمّ انها اما أن تكون حقيقة أو مجازا . اما هذا الاستعمال فلا يكون حقيقة ولا مجازا بل نظير الاستعمالات التي يحسنها الطبع ويقبلها الوجدان فيما اذا لا تكون بالوضع كاستعمال اللفظ مثلاً في ارادة جنسه أو ما شاكل ذلك . ولا دليل عقلاً ولا عرفا على عدم خروج الاستعمال عن الحقيقة والمجاز . بل ما ذكرنا يدل على عدمه فبالنظر إلى هذه المقدمة جعل قدس سره دعوى الوضع التعيني غير مجازفة بأن يحصل الوضع بنفس الاستعمال . أي العلقة التي تحصل بسبب جعل الربط والنسبة وتكون الاستعمالات بعدها مستندة إلى هذه العلقة وذاك الاختصاص .

كما انه يمكن حصول الوضع بالتعهد وكون الاستعمال ناشئا منه والقرينةعلى الوضع لا الموضوع له والمراد(3) .ثم انه قد يقال ان هذا اذا لم تكن المعاني موجودة في الشرايع السابقة وكانت مخترعة في شرعنا فيستقيم دعوى الحقيقة الشرعية والا فبناء على كونها في شرايع الانبياء السابقين كما هو قضية غير واحد من الآيات والروايات فلا تتم

الاشكال في ثبوت الحقيقة الشرعيّة

ص: 85


1- . المائدة /4 .
2- . كفاية الاُصول 1/32 .
3- . ما ذكره من الامكان لا مجال للخدشة فيه اما الوقوع فلا دليل لاثباته كما ذكرنا سابقا .

الدعوى ولا سبيل إلى الحقيقة الشرعية وما يترتب على اثباتها . فان المسلم ان الانبياء من لدن آدم إلى الخاتم صلوات اللّه عليهم أجمعين كانوا جميعا مبلّغين عن اللّه جلّ شأنه دين الاسلام ويأتي النبي السابق ببشارة النبي اللاحق ويؤخذ احيانا من اللّه الميثاق لتصديقه . بل التصديق للأوصياء فضلاً عن الأنبياء السابقة . غاية

الامر اختلاف الشرايع في كيفيات العبادات وغيرها كاختلافها بحسب الحالات المختلفة للمكلف في شرعنا . فان للصلاة مثلاً عرضا عريضا بالنسبة إلى أحوال المكلف من اختيار واضطرار وأنحاء الاضطرار إلى حالة الغرق مثلاً ومع ذلك لا يوجب اختلاف هذه الأحوال في الصلاة اختلافا في الحقيقة والماهية فكذلك يمكن ذلك بالنسبة إلى شرعنا بالنظر الى ما في الشرايع السابقة وعلى هذا فالدين واحد عند اللّه وهو الاسلام وكلّ الأنبياء كانوا داعين إليه .

نعم ربما لم يؤمر بعضهم بتبليغ بعض الأحكام بالنظر إلى جهات المصالح والمفاسد ومقتضيات الأزمان والا فأصل الدين وكثير من فروعها واحد .

فعلى هذا ربما لا يمكن دعوى الحقيقة الشرعية بالنظر إلى اختراع هذه المعاني . لكنه لا مانع من جعل الاسم وان كان المعنى موجودا ضرورة اختلاف لغات الأنبياء من سرياني وعبراني وعربي وغيرها فلو سلم وجود المعاني الحاصلة في شرعنا لا يوجب تسميتها بهذه الأسماء الفعلية في عرف المتشرعةفلتكن أسماءها من سنخ ما يناسب لسانهم وفي العربيّة جعل الحقيقة الشرعية على حذو ما لو كانت مخترعة محدثة في شريعتنا المقدسة .

وما نقل عن بعض من تسمية الصلاة في انجيل برنابا بالصلاة فهو على تقدير صحة النقل لا يثمر شيئا . ضرورة عدم كون هذا الانجيل كساير اناجيلهم ما

ص: 86

نزل على عيسى على نبينا وآله وعليه السلام كي يمكن التشبث به في قدم التسمية .

نعم قد يمكن أن يقال ان أنيباء السلف خصوصا اولى العزم منهم كانوا عالمين بجميع اللغات سواء العربي والسرياني والعبراني وغيرها ولا يختص ذلك بسليمان علیه السلام بل آدم ومن دونه وبعده منهم كانوا عالمين بجميع اللغات قبل أن يحدث ويوجد ذووها وأهلها . بل في بعض المواضع ان آدم علیه السلام علم جميع اللغات وورثتها ذريته عنه علیه السلام إلى ان تفرقوا وتفرد كل طائفة وقوم منهم بلغة منها .

وحكى(1) ان سليمان بن داود علیه السلام كان يتكلم في الحرب بالفارسية وفي

خلوة نسوانه بالسريانية ومع ندمائه بالعبرانية . فعلى هذا لا يتم الدعوى .

نعم الخمس لم يكن مشروعا في غير شريعتنا بل هو مخصوص بهذه الشريعة الخاصة كرامة للنبي صلی الله علیه و آله ولم يكن اولوا السهام موجودين(2) ومقتضى بعض ما ورد في وصايا النبي صلی الله علیه و آله (3) ان سهم اللّه وسهم رسوله وذي القربى بعدالنبي

صلی الله علیه و آله لعلي علیه السلام وبعده للأئمّة من ولده خاصة ثم للضعفاء من ذريته ولازمه عدم استحقاق ذوي القربي من غير أولاد أميرالمؤمنين علیه السلام شيئا فيخصص الآية

ص: 87


1- . قال الصادق علیه السلام: وأعطى سليمان بن داود مع علمه معرفة النطق بكلّ لسان ومعرفة اللغات ومنطق الطير والبهائم والسباع وكان فكان إذا شاهد الحروب تكلّم بالفارسيّة وإذا قعد لعماله وجنوده وأهل مملكته تكلّم بالروميّة وإذا خلا بنسائه تكلّم بالسريانيّة والنبطيّة وإذا قام في محرابه لمناجاة ربّه تكلّم بالعربيّة وإذا جلس للوفود والخصماء تكلّم بالعبرانيّة . تفسير البرهان 3/198 .
2- . نعم . لكن قبل زمان نبيّنا صلی الله علیه و آله .
3- . لم أعثر على مأخذه والموجود في الوسائل والمستدرك يخالف ما في المتن . وسائل الشيعة أبواب قسمة الخمس /9، مستدرك الوسائل أبواب قسمة الخمس /7 . نعم في جامع الأحاديث عن طرف ابن طاوس رواية عن موسى بن جعفر علیه السلام ما يدلّ على ما في المتن . جامع الأحاديث 1/484 .

الشريفة لو تم . والبحث موكول إلى الفقه .

تأكيد وتوضيح: سبق استقراب صاحب الكفاية قدس سره دعوى(1) الوضع التعيني في لسان الشارع بنفس استعمال ألفاظ العبادات وما ذكره سيدنا الاستاذ قدس سره توجيها له يقبله صراحة كلام صاحب الكفاية . وذكر فيها ان مع احتمال كون الحقائق المجعولة في شرعنا ثابتة في الشرايع السابقة كما هو قضيّة غير واحد من الآيات والروايات فألفاظها حقائق لغوية لا شرعية . وحينئذٍ فاختلاف تلك العبادات مع عبادات شرعنا لا يضر باتحاد الحقيقة بعد كون ذلك من قبيل المحققات والمصاديق كما هي مختلفة في شرعنا بحسب اختلاف حالات المكلفين . وكذلك في الاعلام كزيد مثلاً فانه لا يوجب كبر سنّه وقصر طوله وكبره اختلافا في الحقيقة وكونه زيدا . وهذا ان قلنا بان الصلاة عبارة عن نفس الأفعال .

ثمّ ان تصوير الجامع بين أفراد الصلاة في شرعنا حسب اختلاف الحالات كيف كان فكذلك الأمر بالنسبة إلى شرعنا وتلك .

نعم ان قلنا ان الصلاة عبارة عن الخضوع الذي يشتمل عليه الصلاة أو هي أي الأفعال محصلة له في الصلاة وكذا في الصوم مثلاً خضوع يناسبه وكذلك في الحج وساير العبادات فربما لا يصعب تصوير الجامع بين الحقيقتين اللتين هما صلاتنا وصلاتهم .والحاصل انه قدس سره ذهب إلى كونها حقيقة لغوية لو ثبتت في الشرايع السابقة واستشكل عليه ابنه محمّد بن المصنف في بعض حواشيه على الكفاية بأن(2) ذلك

تصوير الجامع بين أفراد الصلاة

ص: 88


1- . كفاية الاُصول 1/33 .
2- . حاشية كفاية الاُصول 1/33 .

لا يتم . إذ من الممكن كون ذلك بغير هذه الألفاظ الخاصة في شرعنا لافادة هذه الحقائق ولو فرضنا انها هي بعينها لكنه لا يوجب كون ألفاظنا في شرعنا حقيقة لغوية لامكان عدم الوضع الا بها فيكون كما ذكرنا لا حقيقة ولا مجازا كما انه يمكن أن يكون نعلم المراد بمعونة القرائن لهذه الألفاظ الواردة في القرآن وانفهام هذه الحقائق الثابتة في شرعهم .

وكيف كان فلا ملازمة بين عدم اختراع هذه الحقائق وعدم وضع الألفاظ

بل يمكن كما ذكرنا الاستعمال بالوضع السابق عليه في المعنى المرادف لتلك المعاني كما هو المناسب في ترجمة لغة باخرى فان الدأب على اتخاذ ما يرادف من الألفاظ للألفاظ الدالة على المعاني الخاصة في تلك اللغة . في الترجمة لو كانت . والا فيمكن الوضع بنفس الاستعمال للفظ غير موضوع في هذا المعنى أو افهام المراد بألفاظ موضوعة في غير هذه المعاني مما يناسبها بالقرائن . وعلى هذا فما ذكره قدس سره قبل ذلك في تأييد ما استقربه أو لا من دعوى الوضع التعيني بالاستعمال يتوجه فيما نحن فيه بناء على ما ذكرنا من عدم كون العلاقة المعتبرة بين المعاني الشرعيّة واللغوية كما بين الدعاء والصلاة وان اشتمال الصلاة عليه لا يوجب ثبوت ما يعتبر من علاقة الكل والجزء بينهما . وان كان فيه ان الاستعمال ليس دائرا مدار وجود العلاقة . بل يصح إذا كان يقبله الطبع ولو بلا علاقة معتبرةكما ارتضاه قدس سره في هذه المسألة في بعض الأبحاث السابقة ومن ذلك يعرفما في كلامه أخيرا بقوله ( ثم لا(1) يذهب عليك انه مع هذا الاحتمال لا مجال لدعوى الوثوق فضلاً عن القطع بكونها حقائق شرعية الخ ) لما ذكرنا من عدم

ص: 89


1- . كفاية الاُصول 1/33.

الملازمة بين ثبوت ذلك ولو قطعا وكون الألفاظ حقائق لغوية غير مجعولة للشارع . كالاشكال في قوله ( ومنه انقدح حال دعوى الوضع التعيني معه ثمّ قال ومع الغض عنه فالانصاف ان منع حصول الوضع التعيني في زمان الشارع في لسانه ولسان تابعية مكابرة ومنع من حصوله في خصوص لسانه . والحاصل امكان حصول الوضع التعيني بنفس الاستعمال في لسان الشارع ومع التنزل قرب دعوى حصوله تعينا في زمانه لا بالاستعمال تعيينا كالاول أو في زمان تابعيه بل الأخير متعين على فرض عدم ثبوت الاولين . لكن هذا كله على فرض عدم كون العبادات في زمن الأنبياء مشروعة . والا كما هو الأقرب فيمكن دعوى عدم ثبوت الحقيقة الشرعية بل الحقائق كلها لغوية أو شرعية من قبل . ولا يبعد هذه الدعوى كل البعد وان كان لا يوجب كون مشروعية العبادات ومخالفتها لما في شرعنا كاختلاف ما في شرعنا بحسب المصاديق والحالات عدم كون الحقيقة الشرعية . ضرورة امكان عدم كون ارادتها في لسانهم بالألفاظ المعبّر بها عنها في شرعنا بل بغير هذه الألفاظ . ولا ينافي ذلك معرفة الأنبياء بجميع اللغات كما ربما يستشهد لذلك بقوله تعالى « وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا »(1) بل كانوا يعلمون جميعا جميع اللغات . لكنهم يتكلمون بلسان قومهم حسب ما ارشد إليه التنزيل في قوله« وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ . . . »(2) وكيف كان فينتج ذلك كونهاحقائق لغوية أي شرعية ثابتة في ساير الشرايع قبل شريعة نبينا على فرض عدم الوضع واستعمال نفس هذه الألفاظ وهو بعيد بل في بعضها ممتنع .

ص: 90


1- . البقرة /32 .
2- . ابراهيم /5 .

ثم ان ثمرة البحث لا تكاد تخفى على تقادير الوضع . فانه لو كانت الحقيقة موضوعة بنفس الاستعمال الأول في لسان النبي صلی الله علیه و آله فجميع الألفاظ الصادرة الواردة عنه صلوات اللّه عليه فضلاً عن الأئمّة علیهم السلام تحمل على ذلك وهذا بعد تسليم مقدمة غير بعيدة وهو كون هذه الألفاظ بعد صيرورتها حقائق شرعية منقولة عن معانيها الاولى بحيث تحتاج الاولى إلى قرينة في مقام الاستعمال . وعند عدمها أو قرينة على الخلاف تحمل على المعاني الشرعية . كما انه اذا صارت بالاستعمال حقائق فجميع ما تأخر استعماله عن زمان حصول الوضع التعيني كذلك وهكذا إلى زمان الأئمّة علیهم السلام خصوصا الصادقين عليهماالسلام فانه قد صارت حقائق متشرعية .

وأما إذا لم يعلم تأخر الاستعمال وتقدمه فهل يمكن احراز التأخر أي تأخر الحادث أي الوضع من الاستعمال أو العكس ؟ الحق انه ان كان المراد بذلك احرازه بالاستصحاب فان الاستصحاب مع قطع النظر عن اشكال اثباته لما يترتب عليه الأثر معارض من الجانب الاخر فان كلا المعنيين حادثان . الاستعمال والوضع . ولا أصل غيره في المقام عقليا أو نقليا . كما انه اذا علم تاريخ

الاستعمال أيضا لا مجال لجريان الأصل فانه لو كان الاستصحاب ففيه ما ذكر وان كان الأصل العقلائي فاما أن يكون الأصل لاحراز المراد فيمكن أن يكون له وجه والا فلا بناء للعقلاء على ذلك أي تأخر النقل واصالة عدمه إلى زمان العلم . فاذا لميعلموا تاريخ انهدام البناء الفلاني قبل ثلاثة سنوات أو سنتين . لا بناء لهم على كون ذلك من سنتين . هذا وكذلك اذا كان الأمر مما يترتب عليه الأثر ويهتمون به في مقام الأثر العملي مالاً أو سياسة وغير ذلك . فانه ليس لهم بناء على كون ذلك أي

ثمرة البحث

ص: 91

الحدوث أخيرا ولا يرتبون آثار المتأخر عليه بل يحتاطون في ذلك إلى أن يقوم لهم الطريق القطعي فيبنون عليه .

والحاصل انه ليس لهم بناء على ذلك أصلاً . فما اشتهر من ان الأصل تأخر الحادث لا أصل له عموما وخصوصا في بحث الألفاظ . بل في مقامنا هذا اذا لم يتبيّن الوضع لا يبنون عليه .

والذي يسهّل الخطب انه ما من مورد الا والقرينة في تعيين أحد المعنيين موجودة سواء في باب العبادات أو المعاملات . فالبحث عن الحقيقة الشرعية من الأبحاث الساقطة . والظاهر عدم تأتي النزاع في المعاملات ضرورة عدم كونها اختراعية والشارع لم يتعدّ في التعبير ما عليه العرف . نعم قد يختلف نظره في اعتبار بعض الشرايط في حقيقة بعض المعاملات لكن هذا في الأسباب أمّا المسببات كقوله أحلّ اللّه البيع أو تجارة عن تراض فلا حقيقة شرعية قبال الحقيقة العرفية بل عبر عنها بلفظها عندهم(1) .

الكلام في الصحيح والأعم .

يقع البحث تارة في العبادات واُخرى في المعاملات .

قبل الخوض في أصل البحث وذكر أدلّة الطرفين لابدّ من ذكر اُمور مقدّمة:منها: ان المراد بالصحيح في المقام هو التام الكامل قبال الفاسد الذي هو الناقص، الذي ليس بكامل .

فان الفساد في مورد البحث ملزوم لعدم ترتب الأثر عليه وما ذكر من

ص: 92


1- . يمكن الاشكال بأن ذلك انما استفيد من الحكم والا فاستعمال الشارع لأحلّ اللّه البيع لا يوجب ان البيع لم يوضع لفظه عنده .

التعريفات كاسقاط الاعادة والقضاء وغير ذلك وإن كان قد يفي بالمراد، لكن ليعلم ان موضوع البحث ليس بهذه السعة كما نذكر في الأمر الآتي .

والظاهر جريان هذا النزاع على الوضع التعييني وانه هل الموضوع له خصوص الصحيح أو الأعم .

كما لا ريب في الجريان لو قلنا بأن الموضوع له خصوص الفرد الكامل الواجد لجميع الأجزاء والشرائط وان ما ليس كذلك بدل في جميع الحالات من الاضطرار أو غيره من التامّ الكامل .

وذلك لو عممنا موضوع البحث لما اذا كان بنحو الوضع التعيني .

فانه من الممكن حصول الاستعمال الموجب للغنى عن القرينة في غيره وكان من أول الأمر بالعلاقة .

كما انه بناءً على عدم ثبوت الحقيقة الشرعية أيضا يجري النزاع وان القرينة هل لوحظت بالنسبة إلى ارادة الصحيح أو الأعم(1) .

ومنها: ان موضوع البحث انما هو من حيث الأجزاء والشرائط الممكن دخلها في متعلق الخطاب في قبال ما لا يمكن كذلك لكونه من الانقساماتاللاحقة للخطاب أو ما يجبى من قبل نتيجة بحث اجتماع الأمر والنهي أو التزاحم وقلنا بعدم كفاية الملاك مثلاً في حصول الغرض فان العبادة وإن كانت فاسدة .

لكن صحيحة بالنظر إلى ما يكون دخيلاً في التسمية .

ص: 93


1- . كما يجري النزاع على القول بالاستعمال في لسان الشارع في معانيها اللغويّة وارادة الشرعيّة بنحو تعدّد الدال والمدلول عند السيّد الخوئي واستشكله السيّد المحقّق البجنوردي ورأها خارجة عن حريم النزاع في النهاية . نهاية الأفكار 1/69 - 70 ؛ محاضرات في اُصول الفقه 43/152 ؛ منتهى الأصول 1/51 .

حيث ان موضوع البحث ما تعلق به الأمر وزاحمه واجب أهم أو حرام فلا يؤخذ ما يجبى من قبل الخطاب المتعلق بالمسمى في المسمى ولا ربط بالتسمية(1) .

ومنها: امكان تصوير الجامع بين افراد الصحيح على الصحيحي أو الأعم بناءً على الأعمي إذ لو لم يكن كذلك .

فامّا أن يكون الوضع بازاء كلّ فرد فرد على نحو الوضع العام والموضوع له الخاصّ ولا يلتزمون به ولابد فيه من كونه واقعيا وامرا متحصلاً لا مفهوميا .

إذ المفهوم لم يوضع بازاء المفهوم في محلّ البحث . وكذلك لابد أن لا يكون من لوازمه . فمثل ما تصوّروه في الصلاة من أنّها الناهية عن الفحشاء أو قربان كلّ تقي وأمثال ذلك من التصورات للجامع بناءً على الصحيح لا مساس له بما نحن فيه لعدم كونها جوامع ماهويّة .

كما انه لابدّ بناء على الأعمي وجود جامع بين الواجد والفاقد بحيث ينطبق على كلّ فرد فرد من أفراده ومصاديقه كما في الصحيح المتحقق تارة بالركوع والقيام واخرى بالجلوس وأبدالها وما يقوم مقامها في أفراد الصلوات الصحيحة أو الأعم .ضرورة عدم ارتباط بين هذه المقولات المتبانية لأن كلّ واحد منها من مقولة ولا جامع بينه وبين الآخر . فالجامع لابد أن يكون على نحو ينطبق على جميع هذه الأفراد من فرد المختار والمضطر على انحائهما وعلى مصاديقها .

تصوير الجامع بين أفراد الصلاة

ص: 94


1- . ورأى السيّد المحقّق الخوئي قدس سره امكان الوضع بلحاظها لكن دخلها في المسمّى واضح البطلان . محاضرات في اُصول الفقه 43/157 .

وإذا أمكن تصويره بين أفراد الصحيح فبعين امكانه نقول يمكن تصويره بين أفراد الأعم .

ولا يخفى عدم انطباق هذه الجوامع المذكورة على مذهب مصوريها لأنه مع تصويرها يكون الشك في المحصل وهم لا يقولون بلازمه . نعم لا بأس بها جوامع لكن عرفت ما فيها .

اللهم إلاّ أن يقال في الجامع بين أفراد الصحيح عدم امكان صدور الواحد من الكثير .

والأمر الواحد الفارد من المتبائنات بما هي متبائنات فالوحدة في الأثر كاشفة عن الوحدة في المؤثر وان كنا لا نفهمه ولا نعلمه بل يمكننا الاشارة إليه والتعبير عنه بما يوجب تصوره .

لكن هذا كله على فرض عدم الالتزام بما ذكرنا من الوضع للواجد بجميع ما يعتبر فيه التام بحسب الاجزاء وان الباقي ابدال لها إن كانت توجب حصول الغرض وسقوط الأمر كما هو ديدن الواضعين في وضعهم الأسماء للمعاجين والمركبات حيث انه يضعون الأسماء للمسميات التي تكون جامعة لجميع الأجزاء تامة كاملة .

ويمكن دعوى العكس أو الاستعمال في الأعم فتأمل .

ما مال إليه المحقق النائيني قدس سره في تصوير الجامع بين أفراد الصلاةالصحيحة .بعد الخدشة في الوجوه المذكورة تصويرا للجامع بين أفرادها . انه يمكن

ص: 95

كون الصلاة(1) موضوعة لخصوص الصلاة التامة الأجزاء والشرائط للمكلف المختار الكامل وكون الباقي اما ابدالاً مسقطات للأمر مجزيات عن المأمور به للكامل المختار . أو كونها أفراداً تنزيلية للفرد الكامل الواجب على المختار ولا فرق في ذلك بين كون الوضع لذلك الفرد تعيينا أو تعيّناً حاصلاً حسب الاستعمال فانه لا مانع من كون الاستعمال في ذاك الفرد وكون الاستعمال في غيره من أفراد الصلوات العذرية الاضطرارية البدلية على ضرب من التأويل والتنزيل بالنسبة للفرد ولا يحتاج في ذلك إلى العلاقة بل يحسنه الطبع فلا اشكال فيه .

فالتوسعة إنما هي بالنظر إلى الفرد لا انّها في الماهية ولولا ذلك فلابد بعد تطرق الخدشة في الجوامع المذكورة من الوضع الشخصي بالنسبة إلى كل فرد من أفراد هذه الماهية . هذا في غير صلاة القصر والتمام . وفيهما ذهب إلى امكان تصوير الجامع الماهوي بينهما وان ذلك من الخصوصيات المفردة فبالنسبة إلى المسافر ركعتان وإلى الحاضر أربع مع انهما كليهما مختاران كاملان . وهذا منه بناء على امكان التخيير بين الأقل والأكثر .

لكن الماهية المشتركة بينهما تكون بشرط عدم انضمام الزائد إليها فردا يختص بالمسافر وبشرط انضمام ركعتين إليها تكون فردا للحاضر والماهية هو أصل الطبيعة .

أو يقال ان الصلاة بالنسبة إلى الحاضر والمسافر ركعتان لا غير حسب مافرضها اللّه تعالى وان الموضوع له إنما هو ذلك والزائد عليها بحسب الحضر أووالسفر في المغرب فرض النبي صلی الله علیه و آله ولا دخل له في التسمية ولذا ينطبق على

ص: 96


1- . فوائد الاُصول 1/63 .

القليل والكثير حسب الحالات . وأورد عليه سيدنا الاستاذ قدس سره بعد مدحه واطرائه ان الكلام منه رحمه الله يصلح فارقا وسكنا بالنسبة إلى الصلوات المختلفة بحسب الحالات كالقيام والقعود والاضطجاع ويكون جوابا ثبوتيا سكوتيا من ذلك وان الصلاة لم توضع بازاء هذه المتبائنات بحسب الحالات بل إنما هي موضوعة للفرد الكامل المختار الصحيح لكنه بعد لا يرفع الاشكال(1) فان انطباق هذا الجامع على صلاة الصبح والمغرب والعشاء على نهج واحد .

فاللازم الالتزام بتعدد الوضع بالنسبة إلى هذه الثلاث وان لفظة الصلاة مشترك لفظي بينها .

نعم بالنسبة إلى غيرها يمكن موافقته فيما قال . بل من الممكن جزما ان الصلاة إنما هي حقيقة بالنسبة إلى الحاضر فان الحضر وأربع ركعات ليست معلقة على شيء بخلاف القصر . فانه في المسافر الجامع للقيود الخمسة فهي معلقة على السفر الكذائي لا ان الصلاة إنّما هي للركعتين والزائد فرض النبي صلی الله علیه و آله .

والحاصل: ان الكلام في ان الصلاة حقيقة في الصحيح أو الأعم وقيل بتوقف النزاع على تصوير الجامع الممنوع هذه الدعوى على مدعيها .

قيل في تصوير الجامع وجوه . بعضها راجع إلى كشف(2) وحدة الأثرعن وحدة المؤثر وان النهي عن الفحشاء الذي هو أثر كل صلاة صحيحة كاشف

ص: 97


1- . ورأى في المحاضرات اطلاق ألفاظ العبادات على جميع مراتبها على نسق واحد بلا لحاظ عناية أو اشتراكها مع المرتبة العليا في الأثر كما قطع في المنتهى بخلاف الادعاء والتنزيل ويظهر من النهاية موافقة المحاضرات في أحد وجهيه . محاضرات في اُصول الفقه 43/160 - 161، منتهى الاُصول 1/54، نهاية الأفكار 1/81 - 82 .
2- . كفاية الاُصول 1/36 .

عن ان المؤثر في ذلك أمر وحداني جامع بين أفراد الصلاة الصحيحة وان لم نقدر على تشخيصه الا بهذه الاشارات والتعبيرات وبعضها راجع إلى اسقاط الاعادة والقضاء .

ويمكن تقريب الجامع الواحد بنحوين: تارة من ناحية العلة واخرى من ناحية المعلول . أي كشف وحدة الأثر عن وحدة المؤثر والأول راجع إلى المصلحة وما يناسبها مما يكون في رتبة العلل فتكون من هذه الجهة مشيرة إلى الجامع الوحداني الذي من آثاره اسقاط الاعادة والقضاء . الذي هو الكاشف في التقريب الاخر عن وحدة المؤثر أي الجامع لما تحقق في محله واشير اليه مرارا من امتناع صدور الواحد من حيث هو من المتبائنات من حيث هي متبائنات فيكشف ذلك عن وجود أمر واحد بسيط موجود في الجميع هو الجامع .

وأورد عليه المحقق النائيني قدس سره (1) أولاً بمنع وحدة الأثر فتكشف عن المؤثر الواحد لامكان عدم استيفاء الصلوة الجلوسي بدل القيامي بمقدار مصلحة القيامي وهكذا في ساير الأفراد والأحوال ولا يوجب ذلك القضاء لامكان مانعية هذا المقدار من المصلحة المستوفاة من استيفاء الباقي وكفاية ذلك(2) .

وثانيا: انه لابد في هذا الجامع من انطباقه على الأفراد الخارجية اذ يمكنتصوره على نحوين:

الايراد على كشف وحدة الأثر عن وحدة المؤثّر

ص: 98


1- . فوائد الاُصول 1/65 - 66 .
2- . وناقشه في المنتهى منتهى الاُصول 1/54 في ما إذا كان واحداً بالنوع كما في ما نحن فيه وثانياً لو سلم ففيما إذا كان المؤثّر من قبيل العلّة التامّة لا من قبيل المعدات كما في ما نحن فيه وفي المحاضرات ( المحاضرات 43/164 - 168 ) زاد على هذا الاشكال انّه لو سلم فلا يتم إذا كانت الوحدة بالعنوان دون الحقيقة والذات وثالثاً نعلم بترتّب الأثر على أفراد الصلاة بخصوصيّاتها دون الجامع واشكالات ثلاث اُخر .

فقسم منه لا يكون له مساس بالافراد والأجزاء الخارجية بل هي محصلة له وهو أمر واحد بسيط كساير البسائط التي لا تكون بنفسها تحت الأمر لعدم قابليتها للالقاء إلى المكلف وحينئذٍ فيكون مخالفا للحقيقة الشرعية والمتشرعية لعدم استعمال فيه أصلاً ولا داعي إلى وضع اللفظ لمعنى لا يعرفه العرف والذين وضع لافهامهم . بل لا يمكن على هذا اجراء البرائة عند الشك لرجوع الشك على هذا إلى حصول الجامع اللازم فيه الاحتياط . وقسم آخر من الجامع لا يكون كذلك . بل ينطبق على الافراد .

والكلام فيه انه كيف يكون هناك جامع ينطبق على الماهية بشرط لا والماهية بشرط شيء وهذا الجامع البسيط الذي قد عرفت ما فيه من المحاذير ربما يكون خارجا عن محط اثبات القوم ونفيه . هذا .

ولكن يمكن الجواب عن الاشكال الأول . انه التزام بالجامع . غاية الأمر بمرتبة منه لا بجميعه فليس انكارا لأصل دعوى وحدة الجامع .

نعم لو قيل بعدم جريان باب التأثير والتأثر في الموضوعات الشرعية ولا ربط لها بباب الكشف لكان وجها كما اشير إليه في تعريف علم الأصول . ويرد على الاشكال الثاني بعدم الحاجة إلى جريان البرائة على القول بعدم كون التخيير الشرعي كالتخيير العقلي وما نحن فيه من سنخ التخيير الشرعي . وعليه لا مانع من التمسّك بالاطلاق المقامي اذا شك في دخل شيء في المأمور به من حيث الشبهة الحكمية مثل الصلوات البيانية وغيرها الواردة في مقام البيان خالية عنه . والفرض تحقق الفحص بمقدار يعتد به وانه لو كان لبان فنكشف عن عدم دخل شيء زائد على ما بيّن اذ لو كان كان عليه البيان وعدم البيان كاشف عن عدم الدخل وان

ص: 99

شئت فعبر عنه باصالة العدم وعدم الوجود دليل العدم .نعم يشكل الأمر في مثل الشبهات الموضوعية كالمشكوك كونه من أجزاء ما لا يؤكل لحمه فانه يحتاج إلى اجراء البرائة عند مجريها ولا يمكن على هذا المبنى الالتزام بالبرائة .

اما المحقق الخراساني قدس سره فاراح نفسه من ذلك بما ذهب إليه في باب البرائة في الأقل(1) والأكثر بذهابه إلى كون القصور في ناحية المعلوم ولا قصور في العلم .

والفعلية ثابتة من جهة كما ان ما الزم القائل بذلك الجامع البسيط من الالتزام بالاحتياط ليس الزاما حقيقة لذهاب كثير من الفقهاء إلى ذلك .

وعلى كلّ حال فليس للاشكال كثير مساس لما ذهب إليه المحقّق الخراساني في تصوير الجامع . وان أراد الاشكال بالاثبات فهذا ليس الا الاشكال المعروف في جريان البرائة في الشكّ في الأقل والأكثر الارتباطيين .

هذا ملخص التصوير والاشكال والجواب في الجامع الاثري وقد ذهب ما في الجامع المؤثري أي الداعي للمولى إلى الجعل .

وليعلم ان للصلاة عرضا عريضا باعتبار حالات المكلف من الاختيار والاضطرار إلى ترك بعض ما اعتبر في صلاة المختار شطرا أو شرطا من تبدل الطهارة المائية بالترابية ومن سقوط القيام في الصلاة وكفاية الجلوس أو الاضطجاع إلى آخر فرد يمكن أن يتعلق به الأمر بحسب أضعف حال من حالات المكلف الذي لا اضطرار فوقه كما لا خفة في التكليف أكثر منه وان لم نقل بجواز

للصلاة عرض عريض باعتبار حالات المكلّف

ص: 100


1- . كفاية الاُصول 2/34 - 35 أشار إلى ذلك في تنجز التكليف بالعلم الاجمالي بنحو العلّية .

البدار لذوي الأعذار لأن المطلوب منهم صرف الوجود من أول الوقت إلى آخرهفلابد من الانتظار للقدرة على الكاملة التامة فاذا صلى الاضطرارية في صورة رجاء الزوال وزال العذر فلابد من الاعادة أو القضاء .

نعم قد يشكل الحال في ما لو قطع بعدم زوال العذر إلى آخر الوقت وصلى الاضطرارية وتبين الخلاف فالمنسوب إلى المشهور بل الاجماع عدم لزوم الاعادة . لكن فيه اشكال ولا اشكال في أجزاء كلّ فرد من أفراد الصلاة حسب اقتضاء حال المكلف عن المأمور به ويسقط به العهدة وتفرغ الذمة فيمكن جعل هذا الأثر الواحد أي اسقاط الاعادة والقضاء أو اسقاط الأمر كاشفا عن وحدة المؤثر الجامع بين هذه الأفراد المختلفة حسب اختلاف مقتضيات الأحوال .

واستشكل على هذا المحقّق النائيني قدس سره (1) بأربعة وجوه:

الأوّل: انه يمكن ثبوتا كون اتيان الصلاة الاضطرارية مستوفياً لمقدار من المصلحة بحيث لا يمكن معه استيفاء الباقي . فعلى هذا لا أثر واحد كي يكون بوحدته كاشفا عن وحدة المؤثر الجامع لعدم اشتراكها ( أي الأفراد ) في استيفاء المصلحة حيث ان الصلاة الاضطرارية وان كانت وافية بمقدار من المصلحة بل تمام مصلحة الأمر الاضطراري لكنه لا تكون وافية بمصلحة الصلاة الاختيارية للكامل المختار .

وذلك نظير ما لو سقط تغسيل الميت أو دفنه والصلاة عليه باحراقه أو القائه في البحر مثلاً فانه لا موضوع كي يفعل به هذه الأعمال . كما ان ما نحن فيه من الصلاة الاضطرارية على اختلاف أنحاءها كذلك ليست مصلحة واحدة في

الاشكال على وحدة المؤثّر

ص: 101


1- . فوائد الاُصول 1/65 - 66 .

أفرادها بل في بعضها ليس ما في الاخر من المصلحة .اذ صلاة الغريق يمكن عدم وفائها بما لغيره من المصلحة . وبعبارة اخرى ان الاسقاط ليس أثرا للجامع بل ما يفيده الجامع الوفاء بالمصلحة وعدمه وهو في بعضها موجود وفي آخر مفقود إلاّ بمقدار منها غير مفيد .

الثاني: ان أخذ الصحة التي تلازم سقوط الأمر وحصول الامتثال أثرا كاشفا عن المؤثر غير معقول . حيث انها انما توجد بعد اتيان العمل الذي أمر به المولى على الوجه الذي يوجب الامتثال من قصد القربة والوجه والتمييز فكيف يمكن أخذها في مرتبة تعيين المسمى وجعلها كاشفا عن الجامع .

الثالث: ان هذا الجامع البسيط الذي لا يعرفه إلاّ هو لا يمكن أن يلقى إلى المكلف اذ القابل للالقاء اليه وطلبه منه انما هو ما من شأنه أن يشخصه والأمر في هذا الجامع ليس كذلك .

الرابع لزوم سد باب البرائة في الشكّ في الأقل والأكثر . اذ على هذا تنطبق الصلاة على الماهية بشرط شيء الزائدة عن الركعتين أو عن خصوصية اخرى كما تنطبق على الماهية بشرط لا عن الزائد وأثر كلّ منهما سقوط الأمر فيكشف ذلك عن ان هذه خصوصيات الأفراد وان المؤثر في البين هو الجامع البسيط وهذه محصلات له فاذا شككنا في دخل شيء في تحصيله . فلا يمكننا اجراء البرائة بل لابد من الاحتياط خروجا عن اشتغال الذمة باتيان الجامع البسيط . هذا .

ويمكن الجواب عن هذه الاشكالات:

أمّا الأوّل: فان اختلاف أفراد الصلاة في المصلحة ووفائها بها لا يوجب اختلافا في ناحية الاسقاط فكل فرد بحسب ما له من المصلحة يوجب سقوط

ص: 102

أمره والوفاء بمصلحته نعم يمكن الالتزام بتوجه الاشكال . بأن يقال الاسقاط ليسأثرا للجامع ولا للأفراد وما هو يؤثر فيه الأفراد انتاج كلّ واحد منها لحصولالمصلحة إلى آخر ما ذكر في الاشكال(1) .

أمّا الاشكال الثاني ففساده أوضح من أن يخفى وربما يشك في صدوره من المحقق النائيني قدس سره .

وعن الاشكال الثالث: ان الشارع يبين أفراد هذا الجامع ومورد انطباقه كما في غير واحد من الموارد . فاي جامع يتصور بين العتق وصيام شهرين متتابعين واطعام ستين مسكينا حيث ان المكلف مخير في الاكتفاء بايها شاء . ومجرد كون وقوع النفس في المشقة لا يكون جامعا بينها ومع ذلك جعل الشارع هذه الأفراد عرضية في حصول الكفارة والتكفير بكل واحد منها . وقد عرفت الجواب عن الرابع وانه لا اشكال في اجراء البرائة فيما كان المحصل شرعيا . وانما لا تجري في المحصل العقلي . اما ما أمره بيد الشارع فلا اشكال في جريانها في مشكوك الدخل في حصول الجامع البسيط .

هذا كلّه من الاشكال والتقريب والرد على كون وحدة الأثر كاشفة عن وحدة المؤثر والكشف عن سلسلة المعلولات عن العلة فيها وانها واحدة .

أمّا الكلام في تصوير الجامع على نظام سلسلة العلل وباب التسبيب التوليدي والضابط فيه أن تكون النتيجة مترتبة على العمل الصادر عن الانسان بلا توسط ارادة أصلاً أو ارادة فاعل غير مختار . كما في ارسال الماء المخرب للبناء

ص: 103


1- . أقول هذا الاشكال فاسد من رأسه اذ لو فرضنا ان الاسقاط ليس أثرا للأفراد لكن القابلية الموجودة في كلّ فرد من الصلوات لأن يحكم بوجودها في الخارج باسقاط بسقوط أوامرها كافية في كونها جامعة بين أفراد الصلاة فتامل .

أو الالقاء في النار الموجب للاحراق أو ارسال الكلب وعضه انسانا بأمر المرسل .والحاصل ان القاعدة والميزان الكلي في ذلك هو وجود تحقق النتيجة ولايكون بين فعل الفاعل وحصولها ارادة فاعل مختار بحيث اذا أراد نفسه عدم ترتب الأثر لا يمكنه .

نعم التعليق بمشية اللّه أمر آتى في كلّ علّة ومعلول . فالمراد مع قطع النظر عن ذلك . فاذا صار كذلك . يستند الفعل التوليدي إلى الفاعل كما يستند الفعل المنتج للعمل إليه . ويكون كلّ واحد عنوانا ووجها للآخر . ويصح أن يقال الالقاء احراق والاحراق القاء في النار بعناية العلة والمعلول . وان أحدهما مسبب عن الآخر ومن هذا القبيل ما يذكرون في بعض أبواب الفقه من أقوائية السبب من المباشر أو العكس . لكن في مسئلة القتل وإن كان قد جبر واكره عليه أو هدّد أو اطمعوه بالمال أو غيره الا انه في كل ذلك يكون القصاص على المباشر والآمر يحبس حتى يموت حيث انه لا تقية في الدماء لكونها شرعت لحقنها . ونظير المقام ما اذا صوت لرفع الحمل عنه فمات شخص من هيئة الصوت أو ألقى قشر البطيخ مثلاً في الشارع العام فمشى انسان عليه من غير التفات وقصد واختيار فسقط فمات .

والفرق بين باب المسبب التوليدي وغيره ان عمل العامل في غيره ما يستند النتيجة اليه بل يعدّ من مقدّماته الاعداديّة كما ذكرنا في القتل والأمر به فان أمر

الآمر لا يكون سبباً لحصول القتل ولا يستند القتل إليه ولا يكون سببا توليديا له .

الكلام في التشريعات وانها هل يكون ما يترتب عليها من الآثار والفوائد والنتائج من قبيل المسبب التوليدي لأنها توجب تحققها بلا توسط ارادة

الفرق بين المسبّب التوليدي وغيره

ص: 104

فاعل مختار أم لا ؟ بل انما هي ثمرات لها لا انها أسباب وعلل وتلك معلولات ومسببات .يمكن كشف ذلك في بعض الموارد من الخطابات الشرعيّة كقوله تعالى فيباب الغسل « فَاطَّهَّرُوا »(1) كما يصح أن يقال اغتسلوا وكذلك في باب الوضوء فان الظاهر انه وغيره من أقسام الطهارة مفيد وسبب للطهارة والطهور الذي هو أمر معنوي لا تصح الصلاة بدونه .

فعلى هذا كما يصح الأمر بالأفعال أي الغسلات والمسحات والاغتسال كذلك يصح الأمر بالتطهر .

أما في باب الصوم والصلاة فهل هما سببان بالنسبة إلى الجنّة من النار ومعراج المؤمن والنهي عن الفحشاء أم لا ؟ بل من المقدمات الاعدادية التي لا يمكن الاكتفاء في تحصيل النتيجة بمجردها ولا يكون الأمر بها أمرا بتلك النتيجة ولا يصح حمل أحدهما على الآخر ولو بالعناية .

وذلك لما عرفت من الضابط والفرق بين ما يكون من المسبب التوليدي وما لا يكون منه وممّا يكون من قبيل المسبب التوليدي الطهارة الخبثية . فانه كما يمكن الأمر بالتطهير من أبوال ما لا يؤكل لحمه مثلاً . كذلك يمكن الأمر بالفعل المحصل له . ومنه أيضا مسئلة صيرورة الزرع سنبلاً فانه من المسبب التوليدي لالقاء البذر وسقيه لأن ما يتوسط بين فعل الفاعل وحصول النتيجة ( أي صيرورته سنبلاً ) من اشراق الشمس ونزول الأمطار وجريان الرياح وإن كانت بقدرة اللّه تعالى وأمره لكنه ليس ارادة فاعل مختار انساني متوسطة في البين . مع ان بنائهم

ص: 105


1- . المائدة /7 .

على عدّه من المقدمات الاعدادية لصيرورته سنبلاً وانه خارج من تحت القدرة . فلا يصح اشتراطه في العقد كما لا يصح اشتراط بيع المبيع من زيد . فان المقدورمنه هو الايجاب فان كان هو المراد فلا كلام وإلاّ فهو خارج عن تحت القدرة لانالقبول من فعل زيد المختار كما ربما يستشكل في اشتراط بيعه من نفس البايع .

وعلى هذا . فان كانت الملاكات والعلل الشرعيّة وما يترتّب على العبادات من قبيل المعلول للعلّة والمسبب المترتب على السبب التوليدي . فيمكن كون الملاك كاشفا عن ما ينتجه ويكون الأمر به أمرا بالملاك كما يصح جعله معرفا أو معينا للمسمى .

وان كانت من قبيل ما يترتب على المقدمات الاعدادية من الآثار المتوسطة بينها وبين فعل الفاعل والمقدمة الاعدادية منه ارادة فاعل مختار فلا .

ثم ان الثمرة المهمة المترتبة على ذلك هو عدم امكان اجراء البرائة عند الشكّ في الأقل والأكثر الارتباطيين بناء على المسبب التوليدي . اذ لو شككنا في دخل شيء لترتب المسبب جزءا أو شرطا فلابد من الاحتياط لاشتغال الذمة بالمسبب وكون السبب محصلاً له فيرجع الشك في ذلك إلى الشك في المحصل(1) الذي لابد فيه من الاحتياط بخلاف المقدمات الاعدادية والدواعي ففيها تجري البرائة بلا اشكال مع ان بنائهم على اجراء البرائة . فكيف يناسب ذلك بنائهم في تصوير الجامع(2) .

ثمرة النزاع

ص: 106


1- . تقدّم قريباً التفصيل بين المحصّل العقلي فالاحتياط والشرعي فالبرائة .
2- . تعرض سيدنا الاستاذ قدس سره فرعا في الصلاة نيابة عن الميت الواجبة على وليه فانها إمّا بالمباشرة أو الاستنابة ولا يفيد مجرد الاستنابة بل لابد من اتيان النائب بالعمل ولهذا قال ان الأصل في كلّ تكليف المباشرة أو الأعم منها ومن التسبيب .

عود على بدء: ان صاحب الكفاية قدس سره قد تصوّر(1) الجامع بين أفرادالصحيحة في الصلاة وأشار إليه بخواصه وآثاره كالناهية عن الفحشاء وعمود الدين ومعراج المؤمن وجعل الجامع بسيطا ورفع بذلك الاشكال المتوجه علىتصويره الجامع بأ نّه إن كان مركّبا فلا يمكن كونه جامعا لاختلافه صحّة وفسادا بحسب حالات المكلف والأمر البسيط اما أن يكون عنوان المطلوب فهو غير معقول . لعدم امكان اخذ ما يتأتّى من ناحية تعلّق الأمر بالمسمّى في حقيقته . ضرورة كون عنوان المطلوب انما ينتزع من تعلق الأمر بالمسمّى . وهو متأخر عن تعلق الأمر كتأخره عن المسمّى فهو في ذلك كقصد القربة الذي يتأخر عن أصل الصلاة وعن أمرها . اذ هو قصد لأمرها . هذا مضافا إلى لزوم سد باب البرائة لرجوعه إلى الشكّ في المحصل مع ذهاب المشهور القائلين بالصحة إلى البرائة . وكذلك الاشكال في تصوره بسيطا بعنوان ملزوم المطلوب . وجعل الجامع أمرا انتزاعيا متّحدا مع الأفراد نحو اتحاد ولم يبينه .

ويمكن كون مراده من الانتزاع غير الانتزاع الذي ليس أمرا حقيقيا ولا اعتباريا . فيشكل الأمر فيه من هذه الجهة وعدم اناطته بالخطاب الشرعي وكيف يتّحد المنتزع مع منشأه . بل المراد به الأمر الاعتباري الذي هو أيضا أمر خارجي لكن قبال ساير الخارجيات . والتعبير بالانتزاع شايع منه قدس سره في ارادته ذلك أو امثاله وتوضيحه أن يقال كما ان في الخارج من أفراد الانسان أشخاصه ( وذكر سيّدنا الاستاذ قدس سره ) هذا التنظير بناء على مذهب من يرى ان الموجود في الخارج هو أفراد الكلي الطبيعي وهو أمر انتزاعي فالموجود من الانسان خارجا إنما هي

ص: 107


1- . كفاية الاُصول 1/36 - 37 .

أفراده المختلفة بحسب الخصوصيات من الطول والعرض وساير ما به الامتياز المشخصة لكل واحد مع اتحادها بحسب الحقيقة والانسانية التي بها يمتاز كل هذه الأفراد من ساير الماهيات . فلتكن الصلاة بالنسبة إلى أفرادها المختلفة كمّا وكيفا حسب اقتضاء اختلاف الأحوال . كذلك .وانه ينطبق عنوان الصلاة على كلّ من هذه الأفراد على حذو انطباقهواطلاقه على البواقي . واختلافها في الخصوصيات ليس مضرا بوحدة الحقيقة وليس الكلام في الجامع الأصيل بينها ضرورة عدم جامع بين نفس هذا المركب الا الوحدة الاعتباريّة والا فلا جامع بين عنوان الركوع والسجود والقرائة فكلها من مقولة غير مقولة اخرى كمقولة الفعل والوضع وهكذا .

ثمّ اختلاف حالات الصلاة وأفرادها كاختلاف أفراد الانسان في الأعضاء فربما يطلق الانسان على من ليس رجلاه صحيحتين أو ليس له إلاّ رجل واحد .

فان كان فهو الجامع بين أفراد الصحيحة . وإلاّ فلتكن الصلاة موضوعة بالوضع المتعدد لصلاة الصبح والمغرب والعشاء أو مطلق الرباعية .

وأمّا اشكال عدم جريان البرائة فهو فرع لجريانها في ما يكون المحصل شرعيا . فالعمدة في الاشكال اذن انكار وحدة الأثر والكشف عن الجامع المؤثر إذ لا يحيط بجهات المصالح والمفاسد الا اللّه تبارك وتعالى . فنحن لا نعرف من ذلك شيئا ومجرد اسقاط القضاء والاعادة ليس أثرا كاشفا عن المؤثر .

لكن الانصاف عدم امكان انكاره خصوصا بالنسبة إلى أجزاء نفس الصلاة حيث انه لكل جزء دخل خاص في الأمر الواحد البسيط الحاصل من المجموع .

كما في قوة كلّ واحد من العدّة الذين باجتماعهم في القوة تتحرك الصخرة

جواب اشكال البرائة

ص: 108

من مكانها للنقل إلى الموضع المقصود . فلابد من اجتماعها معا ولكل واحد دخل في حصول ذلك الأمر الواحداني الخاص وهو الانتقال إلى ذلك الموضع .

وهذا القدر لا يمكن انكاره بوجه . فالأثر الحاصل من القرائة لا يمكن حصوله من الركوع وكذا الحاصل منه لا يحصل من القرائة . لكن المجموع يحصّل امرا بسيطا كما في المثال .ويمكن تقريب الكلام بالنسبة إلى هذا الأثر الشخصي لشخص صلاة فيكلي الصلاة للكشف عن كلي الأثر الجامع بين الآثار المتعددة الكثيرة التي تجمعها الصلوات المختلفة وهي بوحدتها تنطبق على كلّ من الآثار وتكشف عن مؤثر واحداني فيها كذلك . الا أن الكلام في هذا الجامع . فهل هو عبارة عن الصورة التي تتبادل مادتها وتتشكل حسب اختلاف الأحوال أو موضوعة للهيئة والمادة . أو هي عبارة عن الهيئة الاتصالية التي استظهرها الشيخ قدس سره من الأخبار الواردة في باب القواطع للتعبير فيها بالنسبة إلى بعض القيود العدمية بالقاطع(1) . فاستظهر من ذلك ان للصلاة هيئة اتصالية . ويشكل الهيئة الاتصالية بناء على تسليمها واستفادتها من الأخبار دخلها في الصلاة وانها من أجزائها . بعدم كونها مسمى الصلاة كي يقال بوضع اللفظ لها . هذا مع عدم تسليم أصل اعتبارها في الصلاة . بل ليس إلاّ الموانع وما تخيل دلالته عليه لا يستفاد منه إلاّ دخل عدم ما اشتمله في الصلاة . كما انه ربما يشكل كون الجامع . الهيئة اعتبار مادتها لأنها لا مانع حينئذٍ

من انطباقها على الفاسدة كانطباقها على الصحيحة .

ص: 109


1- . وسائل الشيعة: 7 الباب 1، 2، 3، 4، من أبواب قواطع الصلاة، ح2، 7، 8، 14، 15، 19، 3، 5، 8، 1 .

ويمكن تصوير الجامع بين أفراد الصلاة بدعوى كونه هي الصورة النوعية الحاصلة من أول جزء من أجزاء العبادة وتتصل إلى آخر جزء منها ويكون حينئذٍ نفس الاجزاء خارجة عن نفس المسمّى . فالمسمّى على هذا ليس شيئا سوى الهيئة والصورة النوعية المنطبقة على القليل والكثير والزائد والناقص ولا يكون الوضع بازاء نفس الأجزاء وإن كان بزيادتها ونقصانها تزيد الصورة النوعية وتنقص .وليست هذه الصورة عبارة عن الترتيب بين أجزاء المركب الخارجي ولا الموالات بينها . بل هما دخيلان في تحققها كدخل باقي الأجزاء والمسمى انما هو تلك الصورة كما يمكن كون الدار أيضا كذلك موضوعة بازاء الصورة الحاصلة من اجتماع بيوت متعددة على ترتيب خاص وينتزع أو يوضع بازاء هذه الهيئة الخاصة لفظة الدار .

فانه لا اشكال في حصول صورة نوعية منها في الذهن لا يضر تفاوت الأفراد خارجا في وحدتها . وهذا الجامع ليس جامعا أصيلاً بين هذه الأفراد بل وحدتها عرضية . كما انه يمكن تصوير آخر للجامع بين القليل والكثير والصحيح والفاسد . بأن لا تكون هي الصورة النوعية والمواد خارجة . بل على نحو يدور مداره التسمية اما بكونها هي الأركان أو معظم الأجزاء وان الصحة والفساد والمطابقة للامر وعدمها لا تكون مرتبطة بعالم التسمية . بل المسمى شيء . والمطلوب شيء آخر . فان عدم مطلوبية الفرد الناقص في حال ومطلوبيته في حال اخرى أو كونها مطلوبة في حال بشرط شيء وفي حال آخر بشرط عدم ذلك الشيء إنما هي من خصوصيات المأمور به والمطلوب . اما المسمى فيمكن عدم

ص: 110

ضرر له في عدم هذه ولم يؤخذ في قوامه وحقيقته .

واستشكل هذا التصوير للجامع سيدنا الأستاذ قدس سره بما لا يرجع الى محصل من قبل أن الانطباق على المعظم في ظرف كمال اجزاء هذه الماهية لا تعين له بل كانه من قبيل الكلي في المعيّن والظاهر عدم توجه هذا الاشكال .

نعم يمكن توجيهه وتقريبه بوجه آخر وهو ان التسمية اذا كانت دائرة مدار المعظم ففي الكاملة يلزم المجاز اذ استعمال اللفظ وارادة المجموع خارج عنالموضوع له ومجرد عدم تقييد الموضوع له بحال عدم المقارنة لاجزاء اخر لايوجب الاستعمال في الزائد عن المعظم .

ثم ادخل بعض التصاوير في بعض وقرّبها بوجه جامع .

ونظير هذا التقريب في ما ورد ان صلاتنا ثلثها ركوع وثلثها(1) سجود وثلثها طهور . ولا يلزم مما ذكر اختصاص الجامع بالصحيح . بل لما ذكرنا من أقسام الجامع مناسبة تامة مع الأعم . وفي بعضها عينه .

نعم يمكن في الأوّل جعله للصحيح وان كان كلام سيّدنا الأستاذ على فرض الأعمية بأن يأتي بجميع ما اعتبر في نظر العرف في دخله في المسمّى بالهيئة النوعية والصورة الجامعة لشتات الأفراد وان ترك بعض ما لا يضر بالتسمية عرفا كما يمكن تصوير الجامع بما ذكروه من كونه كالمعاجين الخارجية أو الأوزان كاملة كالرطل وأمثاله للصدق على التام والناقص أو الزائد .

فالحقة قد تصدق على ما ليس بها بل ينقص عنها وكذلك الرطل والكر والمعجون الكذائي وان نقص بعض ما له الدخل التام في الفائدة المطلوبة من

الجامع بين افراد الصلاة

ص: 111


1- . وسائل الشيعة الباب 9، ح1 من أبواب الركوع .

المعجون المركب فان طريقة العرف وديدنهم ذلك ولا توقف لهم في تسمية ما نقص ببعض الأجزاء باسم التام الكامل .

وان شئت فشبّه المسمى في العبادات المخترعة والماهيات المأمور بها مما يعتبر فيه القربة بالأعلام الشخصية . فان لفظة زيد الموضوعة بازاء الطفل الصغير الحي باقية على استعمالها الحقيقي من لدن زمان التسمية مما يكون فيه صغيرا إلى زمان كبره وتجثثه وصيرورته انسانا عظيما كبيرا ذا صفات جسيمة .لكن يمكن المناقشة في بعض ما ذكره . أمّا في المعاجين فبعدم كونالماهيات المخترعة كالمعاجين مما يدور التسمية مدار ما ذكر فيها على تقدير التسليم بمعظم الأجزاء ولا لوحظ فيها ذاك التركب الخارجي في أجزاء المعجون . بل هو أمر اعتباري حصل لها الوحدة الاعتبارية من ناحية الأمر مثلاً ويوجد في الخارج تدريجا وما هذا شأنه لا وجه لقياسه في التسمية بالمركبات الخارجية .

وفي التشبيه بالأعلام أيضا يمكن المناقشة بكون الوضع للنفس الناطقة والروح وان نقص بعض الأجزاء وزيادتها وكبر جثته وصغرها ونقصانها لا ربط له بعالم النفس .

وعلى فرض كون التسمية للبدن . فيمكن طرو الشكّ في بعض الموارد فيه كما في محل البحث . فانه اذا مات قد يشكل صدق زيد حقيقة عليه كما في الحيوانات فان البقر لا اشكال في صدقه على الحيوان الخائر مادام حيا . اما اذا مات أو ذبح وقطع لحمه فلا يصدق على هذه القطعات ولا على مجموعها عنوان البقر .

نعم يمكن الصدق اذا لم تقطع ولم يسلخ فتأمل .

في تصوير الجامع لافراد الصلاة

ص: 112

وعلى كلّ حال . فالذي يمكن أن يستظهر في مقام الاثبات هو وضع الصلاة لصلاة التام المختار الواجدة لجميع ما اعتبر فيها اما تعيينا أو وضعا تعينا . ثمّ الاستعمال في البواقي مما هي ابدال أو مسقطات لهذا الفرد بالنسبة إلى غيره في الحالات المختلفة للمكلف إلى ان حصل لها الوضع التعيني وصارت الحالمشتركات لفظية(1) .ويمكن تصوير الجامع بين أفراد الصلاة أعم من الصحيحة والفاسدة وظاهر كلام سيدنا الاستاذ قدس سره انه بصدد تصوير الأعم . لكن ذيل كلامه يناسب الصحيح . بأن يكون الصلاة أمرا واحدا مركبا من الأجزاء الدخيلة في حقيقتها على نحو الاندكاك في شيئته الصلاة ولا يبقى معها آثارها الأولية بأن تمزج كبعض المركبات الخارجية المسمى بالبرش ترياق فاروق المركب من عدة امور مندك تكثرها في جنب وحدة المركب منها . بأن حصل منها مزاج ولا يصدق على هذه الماهية المركبة شيء منها . بل القت كل جزء من أجزائها خاصيته الخاصة به واثرت من حيث المجموع أثرا خاصا بالمركب . فهذه ماهية قبال الماهيات الاخرى ليست بواحد من أجزائها المركب منها .

هذا أصلها . ثمّ يطلق هذا الاسم على المركب من سنخ هذه الأجزاء ومواد هذا المركب . وان لم يكن فيه الخاصية المطلوبة لنقص بعض أجزائه كما في المركب والمعجون الخارجي المفيد لبعض الأمراض . فانه يطلق على ما اجتمع

ص: 113


1- . أقول: لا وجه في تصوير الجامع بين أفراد الصحيحي للفحص عن جامع أصيل بعد أن لم تكن الصلاة عنوانا أوليّاً أصيلاً منطبقا على الأجزاء . بل عنوانا اعتباريا عرضيا . وما هذا شأنه لابد من كون جامعه أيضا اعتباريا عرضيا وحينئذٍ فيمكن ما ذكره المحقّق الخراساني قدس سره من الجامع العرضي والاشارة إليه بخواصه وآثاره .

فيه كثير من أجزائه اسم المركب المجموع من الأجزاء وان لم يفد الخاصية الكذائية لكن بشرط كونها بعينها تلك المواد . غاية الأمر لم تكمل شروطها . أو هي مع أجزائها قلما تفيد ذلك الأثر كما في كثير من الأدوية إذا خلقت فانها تسقط عن تأثيرها الخاص بحسب أصل وضعها ومما يشهد أو يؤيد هذا عدم(1) جريان قاعدة الفراغ في الوضوء والتيمم والغسل وإن كانت أعمالاً حيث اندكت جهات كثرتها في الوحدة الملحوظة في المجموع من حيث المجموع فلتكن الماهياتالمخترعة الشرعية من هذا القبيل . هذا .

لكن يضعّفه عدم التركيب في أجزاء المركب مثل الصلاة على نحو ما ذكر في المعاجين أو المركبات الخارجية التي لا يكون تركبها بمجرد الانضمام واجتماع آثار المجموع . بأن تكون الصلاة أمرا واحدا بسيطا عبارة عن الفعل بالمعنى الأعم واندكت فيه الأفعال المتكثرة الموجبة لحصول هذه الوحدة . بل هي على كثرتها من المقولات المختلفة ولا تركيب مزجى فيها ويمكن منع حصول الوحدة لها في بعض المراتب . فان ما يمكن لحاظ التركيب والوحدة به وكونه آلة له اما اللحاظ بأن يلاحظ هذه الأفعال المتكثرة واحدة . أو بالأمر أو في مقام الامتثال والكل يمكن منع كونه آلة بلحاظ الوحدة على نحو ما ذكر في تقريب التصوير .

ان قلت: يمكن كونها كالجدار ممّا يلاحظ في التسمية بهذا الاسم الخاص اجتماع الهيئات الخاصة المتكثرة الدخيلة في هذا الاسم .

قلت: نعم هذا في مقام الامتثال . كما انه يمكن تصويرها مجتمعة في

الصلاة كالمركّبات الخارجيّة

ص: 114


1- . فيه منع . نعم قاعدة التجاوز لا تجري في الوضوء لنص خاصّ .

اللحاظ لكنه غير التركيب الذي هو مناط البحث وبه يحصل الوحدة المزاجية الموجبة لاندكاك الجهات المتكثرة وايجاد ماهية جديدة بماهيات متكثرة . فالصلاة على هذا مثل المركبات الخارجية التي مدار تسميتها ليس على اندكاك ماهيات عديدة في أمر واحد حاصل من الجميع . بل على حصول امر كلها دخيل فيه ويؤثر فيه أثرا فهو مجموع هذه الأمور لا الحاصل منها . وإن كان على فرض التركب منها على ما ذكر لا مانع من اجراء البرائة عند الشك في دخل جزء آخر الا ان العمدة كون الاشكال في ان الصلاة من قبيلها بل الوحدة الحاصلة فيهاعرضيته طارية لا ماهوية .وكيف يمكن فرض هذا التركب للصلاة مع دوران أفرادها بين بشرط شيء وبشرط لا عن الزائد وفرض تشبيهها بزيد الرضيع الموضوع له لفظ زيد الاسم المخصوص ويطلق عليه في جميع الأطوار العارضة له إلى الكبر لعلّه لا يخلو من نظر حيث انه من الممكن ان الجهات الطارية لزيد مما لم يؤخذ فيه المسمى بشرط عدمها وانما هي زائدة عما اعتبر في التسمية .

والاطلاق انما هو بلحاظ ذاك وهو لم يفرق . بل باق على ما كان حين التسمية بخلاف الصلاة فانها ليست كذلك . لما عرفت من انها تارة بشرط شيء واخرى بشرط عدمه في الصحة والمطلوبيّة .

والظاهر ان أمر تشخيصها وتطبيقها ليس بيد العرف . بل انما هي مخترع شرعي اعتباري وليس أمرا عرفيا كي يلاحظ في التسمية جانب العرف .

نعم . انما هو مناط بعد تعين الوضع وتحققه للواجد لجميع الأجزاء والشرائط وكثرة الاستعمال في ما لم تجمع بعد الشرائط والأجزاء وتنقص عن

ص: 115

الكاملة إلى أن وصلت إلى حدّ الغنى عن القرينة . والا فلا يبعد دعوى كونها حقيقة في الجامع لجميع ما يعتبر في الصحة . فالقيود المأخوذة في رتبة الامتثال والشرايط ملحوظة في ذاك المقام .

وما عن بعضهم من عدم امكان دخلها في التسمية بل ما يمكن دخله في التسمية ما يمكن لحاظ المأمور به قبل تعلق الأمر مقيدة بالنسبة إليها وبلا قيد . لا

القيود المتأخرة عن مقام التسمية بمرتبتين . أحديهما مرتبة الأمر والاخرى الامتثال . فانها لا معنى لأخذها في التسمية . ضعيف غايته .

اذ أيّ اشكال في تصور هذه القيود لدخلها في التسمية وان لم يمكن أخذهاجميعا في الخطاب الأوّلي المتوجه إلى المكلف . بل بخطابات عديدة ترجع إلىخطاب واحد . لكون الملاك في وحدته وتعدده وحدة الغرض وتعدده .

وحيث ان الغرض من جميعها انما هو أمر واحد . فلا يزيد الخطابات عن واحد حتى انه لا مانع من لحاظ تمام القيود حتى ما يجيء من قبل المزاحمة أو النهي الغيري وغير ذلك مما له الدخل في صحة المأتي به وانطباق المأمور عليه اما تصوير الجامع بغير هذا النحو بين الأفراد الصحيحة في غاية الاشكال .

نعم لو تم ما ذكروه في كونها كالمركب المزجي يتم الأمر في ناحية الأعم بفقد بعض القيود ونقص بعض الأجزاء والا فلا يتم .

والحاصل مدّعى الصحيحي ان الصلاة وضعت للعبادة الصحيحة بلحاظ تماميتها من حيث جميع الأجزاء والشرايط سواء امكنت انقسام الطبيعة إليها قبل الخطاب أو لم يمكن . بل توقف على الخطاب كالقيود المتأخّرة عن الأمر كقصد القربة بل حتى الشرائط الجائية من قبل النهي من العبادة أو باب التزاحم خلافا

الاشكال في تصوير الجامع بنحو آخر

ص: 116

للقوم فانهم قد صرّحوا باختصاص دائرة النزاع بما أمكن انقسام الماهية إليه قبل الخطاب . وهو من الأغلاط حيث ان ما لا يمكن تصوره إلاّ بعد التسمية ما توقف دخله في التسمية اما ما هو دخيل في الصحّة فلا اشكال في امكان تصوره في المسمى وإن لم يمكن جعله كالباقي تحت خطاب واحد متعلّق الأمر على ما سيجيء في اشكال قصد القربة والامر به فان ما نحن فيه وان تطرق الاشكال هناك يصح بلا توقف ولا ريب لأن تصوره بمكان من الامكان ولو لم يصل إلى غرضه من حيث الطلب إلاّ بخطاب متعدد ولا يمكن جعله ( أي المسمى ) الملحوظ فيه جميع الأجزاء والشرائط وتماميته بلحاظهما متعلّق الأمر والخطاب الواحد لأن بعض ما له الدخل يتوقف على تحقق الأمر والخطاب ثم لحاظه والأمر به بلحاظهكقصد القربة .وفرق بين امكان تصوره في مقام التسمية وبين عدم تعلق الأمر به الا بعد حصول موضوعه وهو الأمر(1) اشارة . ليعلم انه لا حاجة إلى الجامع الأصيل في الصلاة التي ليست عنوانا أوليا لأجزائها بل هي عنوان اعتباري للمقولات المختلفة كالفقير . فانه ليس عنوانا أصيلاً بل عرضيا اعتباريا مع تفاوت اختلاف أفراده

ومصاديقه وذلك لا يضر بأصل اشتراكها في الجامع ونحو انطباقه على الكل سواء.

ثمّ ليعلم ان سيّدنا الأستاذ قدس سره لم يتعرّض صريحاً لبيان الجامع للاعمّي فتبصّر وتعرّض العلمان لاثنين منه استشكلهما السيّد البجنوردي وارتضاهما السيّد الخوئي قدّس اللّه أرواحهما والحق مع الأخير(2) .

ص: 117


1- . العجب من سيدنا الاستاذ قدس سره كيف يغفل عن مثل هذا الأمر الذي هو بمكان من الوضوح ويدعى عدم امكان وصول المولى الى غرضه الا بخطاب متعدد وان تعلق الخطاب الواحد بالمسمى الملحوظ فيه جميع ما ذكر حتى المتوقف على الأمر لا يكفي .
2- . منتهى الاُصول 1/61 - 63 والمحاضرات 43/178 - 191 .

تنبيه: قد ذكر للجامع تصويران تعرّض لهما العلمان السيّدان المحقّقان البجنوردي والخوئي وناقشاهما أحدهما للشيخ المحقّق الشيخ محمّد حسن الغروي في حاشية الكفاية والآخر عن شيخ مشايخنا الآقا ضياءالدين العراقي طيّب اللّه رمسهما وللمحقّق البجنوردي تصوير آخر ربما يرجع إلى بعض ما ذكر(1) .

ثمّ ان لكل من الصحيحي والأعمي أدلّة . ذكروها بما فيها من النقض

والابرام فمن أدلّة الأعمي مسألة جعل ترك الصلاة في المكان المكروه متعلّق النذر حيث لا معنى للكراهة في العبادة . فمعناه راجع إلى أمر وجودي هو اتيانهافي غير الحمّام مثلاً مما لا يوجب وقوعها فيه منقصة عن أصل وقوع الصلاة فيمكان ما لا فضل فيها من حيث المكان كالبيت . لا انها تنقص حتى عن ما للطبيعة من المصلحة ولا تكون كالواقعة في المسجد أو في الحضرات المقدسة على ساكنيها ألف الصلاة والسلام . بدعوى صحّة النذر وانه لو أتى بها في الحمام لابد من عدم كونها صحيحة مع تعلّق النذر بها . وإلاّ فلو لم تكن فاسدة لما كانت الصلاة بتركها في المكان الكذائي مقدورة مع انه لابدّ في صحّة النذر وانعقاده من كون متعلقه مقدورا . وان المسلم صحّة النذر وانعقاده لترك الصلاة في الحمام .

وأجيب: بأنها صحيحة وفاسدة في رتبة واحدة حيث انها موافقة للأمر ومتعلق النذر بتركها . فتكون صحيحة وفاسدة كما اجيب بأن الصحة إنما هي من قبل .

وتحرير الكلام في هذه المسألة هو اذا نذر اتيان الصلاة كلّ يوم ظهرا مثلاً في الحضرة الشريفة العلويّة ولم يكن هناك موجب لانحلاله من مانع أو غيره فأتى

تصوير الأعمي بالصلاة المنذورة

ص: 118


1- . منتهى الأصول 1/56/58، المحاضرات 43/171 - 174 .

بها في المسجد اختيارا . فاما أن تكون هذه الصلاة المأتي بها في المسجد فاسدة أو صحيحة لا سبيل إلى الأوّل . اذ الصلاة واجدة لجميع ما يعتبر فيها من الأجزاء والشرائط غير انها كانت منذورة الاتيان في غير هذا المكان ومجرّد ذلك لا يوجب النهي عنها لعدم اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن الضد .

وكذا لا يحرم الا الحنث الذي هو الترك والترك في المكان المنذور اتيانها لا يستند إلى اتيانها في المسجد بل هو مستند إلى عدم ارادة اتيانها في المكان المنذور لا إلى ارادة اتيانها في المسجد ولا إلى نفس الصلاة المأتي بها في المسجد فلا موجب لبطلان هذه الصلاة وان تحقق منه العصيان بترك المنذور . لكنه لا ارتباط لذلك بالمأتي به كي يوجب فسادها .

واذا صحت فلا يمكن اتيانها في المكان المنذور لأن المطلوب انما هوصرف الوجود وقد أتى به وبعد ذلك يستحيل كون الصلاة الثانية والثالثة ولو فيالحضرة الشريفة المنذور الاتيان فيها مصداقا للصلاة المأمور بها المنذورة . فما نحن فيه يشبه بما لو عجز نفسه عن القيام في الصلاة أو عن الطهارة المائيّة بافراغ الماء الموجود فان الصلاة جالسا أو بالطهارة الترابية تصحّ منه . لكنه عصى حيث فوت مقدارا من المصلحة .

وعلى كلّ حال فلا يمكن اتيان المنذورة بعد صحّة المأتي به في المسجد في الحضرة الشريفة . إذ لم يبق لها موضوع . فهو كاحراق الميت الذي كانت الصلاة واجبة عليه فسقطت بذلك .

ان قلت: ان ذلك ينافي تحقّق القربة .

قلت: على هذا لابدّ من عدم تحقق القربة ممّن يطالبه داينه وهو قادر على

ص: 119

أداء دينه ويشتغل بالصلاة وذلك ممّا لا يلتزم به .

فظهر وتلخص ممّا ذكرنا صحّة الصلاة المأتي بها في غير المكان المنذور اتيانها فيه وانه بذلك ( أي بعدم ارادة اتيان المنذورة وعدم فعلها يتحقق الحنث ومن ذلك اتّضح عدم تقيد الصلاة الصحيحة بعدم كونها منذورة الترك ولا يحتاج إلى الجواب بأ نّها صحيحة لو لا النذر وغير ذلك .

نعم لو بنينا على فساد الصلاة لحصول التقيد بها من ناحية النذر . فلابدّ من جواب آخر لعلّنا سنشير إليه .

واستدلّ الاعميّون بوجوه ضعيفة كالتبادر وصحّة التقسيم وعدم صحّة السلب واستعمال الصلاة في غير واحد من الأخبار في الأعم كقوله علیه السلام: ( دعى الصلاة أيّام اقرائك )(1) .وجه الضعف ان بالتبادر وعدم صحّة السلب أيضا تمسّك الصحيحي فلابدّ من ضميمة عدم تبادر الغير إليه كي يتم الاستدلال .

أما التقسيم فقد يكون المقسم أعم كما ان الاستعمال أعم وما تمسك به من قوله علیه السلام دعي الصلاة الخ وأمثال قوله: لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب . فلابدّ فيه من التجريد .

حيث ان مرجعها إلى القضيّة الحمليّة ولا معنى فيها بأخذ الموضوع مقيدا بالمحمول أو ضده . فالموضوع في ان زيدا قائم . ان كان زيد القائم فهو من تحصيل الحاصل . وان كان زيد الذي ليس بقائم فيكون من اجتماع الضدين ( النقيضين ) فليس إلاّ ذات الموضوع لا بقيد القيام ولا بضده كي يستفاد ويفاد بالحمل شيء .

ص: 120


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 7 من أبواب الحيض ح2 .

وهذا هو معنى ما قيل من الأوصاف قبل العلم بها اخبار كما ان الاخبار بعد العلم بها أوصاف .

فظهر امتناع كون ارادة الصلاة المقيدة بعدم كونها في أيّام الحيض أو مع الفاتحة أو الطهور . بل لابدّ من التجريد كي يفيد القضية الراجعة إلى الحملية وان كانت ظاهرة غير حملية . بل لسانها لسان الانشاء والجعل . الا انها ارشاد إلى الماهية والجزئيّة والشرطيّة .

والعجب الاستدلال بموارد الاستعمال والطلب لتصحيح مقام التسمية وذلك مغالطة واضحة .

توضيح: سبق البحث في مسألة نذر اتيان الصلاة في الحضرة الشريفة وانه يكون من قبيل باب القضاء وقلنا ان الأمر متعلق بنفس الصلاة في اتيانها فيالموضع الكذائي والنهي تعلق بالترك والحنث .

وهو لا يوجب الفساد فالصلاة المأتي بها في غير المكان المنذور اتيانها فيه صحيحة لعدم تعلّق النهي بها .

وكما ان في باب الضدين لا يلازم الأمر بأحدهما النهي عن الآخر كأداء الدين والصلاة كذلك ما نحن فيه .

لكنه قد يقال ليس الأمر في النذر على ترك الصلاة في الأمكنة المكروهة كالحمام نظير النذر على الأمر الوجودي كي يجري فيه ما ذكر هناك . بل حيث ان متعلق النذر هو الترك في ذاك المكان . فلو أتى بالصلاة فيه يكون من باب اجتماع الأمر والنهي ويلزم من صحّة الصلاة عدمها لان النذر لم يتعلّق بترك الفاسدة لعدم رجحان فيها(1) .

ص: 121


1- . أقول: لا يشترط الرجحان في فعل المنذور تركه بل الرجحان في متعلق النذر والترك راجح للصلاة الفاسدة .

بل انما تعلق بترك الصلاة الصحيحة في الحمّام فلو كانت الصلاة صحيحة تكون فاسدة من قبل الأمر النذري بالوفاء والترك وما يلزم من وجوده عدمه فهو محال .

مع ان متعلق النذر لا اشكال في اشتراط القدرة عليه وان النذر صحيح فلا محيص من الالتزام بالفساد واستعمال الصلاة في الفاسدة .

والحاصل اما أن لا يكون له القدرة على مخالفة النذر لعدم كونه صحيحا والمنذور تركها هي الصحيحة .

واما أن يحنث بالفاسدة وهي تكون متعلّق النذر .فعلى الأول يلزم من الصحّة عدمها ومن صحة النذر عدم الصحة .وعلى الثاني يلزم ما ذكر .

لكن يردّ عليه ان متعلّق النذر لابدّ أن يكون راجحا والترك في المكان المكروه من حيث هو ترك لا رجحان فيه .

فحينئذٍ لابدّ مع صحّة النذر من كشف كون متعلّقه أمرا راجحا . وان يرجع الترك إلى أمر وجودي يكون فيه رجحان كالاتيان في غير الحمام من الأمكنة التي تكون فيه مصلحة الصلاة مستوفاة مع الزيادة . إذ لو كان الحمام موجبا لنقص مصلحة الصلاة فيخرج هذا الفرد من الصلاة التي يأتي بها في الحمام عن تحت الطبيعة المحكوم بحكم العقل بالتخيير بين أفرادها حسب تساويها في أصل المصلحة ولازمه عدم صحّة الصلاة في الحمام وعدم كونها من أفراد المأمور بها بما هو مأمور بها .

وعلى هذا يرجع كراهة الصلاة في الحمام إلى كون غيرها أكثر ثوابا منها

اشتراط الرجحان في متعلّق النذر

ص: 122

لاشتمالها على أصل المصلحة المشتمل عليها الطبيعة وزيادة بخلاف صلاة الحمام فليس فيها الا أصل المصلحة الموجودة في الطبيعة أو المأتي بها في البيت .

لا يقال: على هذا فلا مضايقة في تسمية الصلاة المأتي بها في مكان غيره أفضل منه وأكثر ثوابا انها مكروهة في ذلك المكان .

لأنا نقول: يمكن ارجاع الكراهة في الحمام إلى أمر ملازم له كما في صوم يوم عاشوراء لا ان الترك بما انه ترك فيه مصلحة بل المصلحة والاستحباب انما هو في أمر وجودي كاتيان الصلاة في ما نحن فيه في غير الحمام ملازم للترك فيه . وكذلك المصلحة في الصلاة أو الصوم . فالتزاحم إنما هو واقع بين الأمرين الذين فيهما المصلحة متلازمين في الوجود الخارجي وأين هذا من كراهة الصلاة فيغير الحمام من الأمكنة التي يكون غيرها أفضل(1) .فعلى ما ذكرنا من التحقيق يلازم وجود الصلاة في المكان المكروه للترك المرجوع للأمر الواجد للمصلحة . وحيث انه متعلق النذر أي الترك والاتيان بها في غيرها فلا يتحقق قصد القربة من هذه الجهة ( أي ملازمة الصلاة للترك ) لكن يمكن القول بوجوب الترك للنذر والفعل فالتخيير يكون بين الفعل والترك شرعا الا انه بناء على رجوع ذلك إلى الأمر الوجودي . فالكلام فيه الكلام في ما ذكرنا عن النذر على أمر وجودي لاتيانها في ذاك المكان .

فالصلاة المأتي بها في الخارج توجب أمرين:

أحدهما اطاعة الأمر الصلاتي واجدة لجميع ما يعتبر فيها .

ص: 123


1- . أقول: يجيء الاشكال الآتي هناك بعينه في المقام . وسائل الشيعة، ج5، الباب 15، 34 ح6، 7، 1، 2، من أبواب مكان المصلّى، 34 .

وثانيهما عصيان النذر للزوم تركه .

وحاصل الجواب انه اما أن لا تكون مخالفة النذر مقدورة . أو تمكن ويكون مطيعا وعاصيا . وحيث ان المسألة غير معنونة في كلام الأصحاب فتحتاج إلى مزيد تأمّل .

ومن نظائر المقام مسألة ما لو نذر زيارة عرفة وكونه في كربلاء المشرفة زائراً للحسين علیه السلام واتفق انه استطاع في سنة النذر . فاما أن يقدم المقدم سببا وهو النذر لا الاستطاعة كما عن بعضهم . واما أن ينظر إلى القدرة العقلية والشرعية ويقدم الحج .

ولو كان أمر النذر متقدما وسببه قبل حصول الاستطاعة كما ذهب إليه المحقق النائيني قدس سره (1) نظرا إلى اشتراط النذر بالقدرة الشرعيّة دون الحج .لكنه يردّ عليه اشتراطه أيضا بالقدرة الشرعية . وأجبنا عن الاشكال بنحو آخر وهو كون المسئلة من باب التزاحم والترجيح للأهم وهو الحج سواء كان أحدهما أقدم سببا أم لم يكن .

وينبغي التنبيه على أمر: يتعلق بمسألة النذر وهو اعتبار عدم كونه مخالفا للكتاب والسنة .

ولا وجه للتفصيل بعدم كونه في اتيان الواجب وترك الحرام أو اتيان المستحب أو المباح وتركه أو المكروه مخالفا للكتاب بانعقاد النذر وصحته دون ما اذا نذر ترك الواجب أو فعل الحرام . كما لا وجه للقول بأن في نذر المباح أو المستحب أو المكروه لا يكون مخالفة حكم الشارع وعدم حكمه بالجواز أو

اشتراط النذر بعدم مخالفة للكتاب والسنّة

ص: 124


1- . فوائد الاُصول 1/330 .

عدمه . بل بالفعل والترك اذ لازم هذا القول انعقاد نذر من نذر شرب الخمر أو ترك الواجب حيث ان متعلق النذر ليس مخالفة الحكم الشرعي . فالقول بعدم الانعقاد في هذا والانعقاد في ذلك تحكم . بل لا فرق في الحكم الشرعي بين الحرام والواجب والمكروه والمستحب . فكما لا ينعقد النذر على تحريم الحلال أو تحليل الحرام كذلك لا ينعقد على اتيان المباح مثلاً .

فالاشكال هو هذا .

وأجاب الشيخ قدس سره بأنّ الأحكام الشرعيّة على نحوين تارة يكون فيها جهة العلية كالواجب والحرام ولا يقبل هذا القسم طرو العناوين الثانوية كالنذر والعهد واليمين واطاعة الوالدين وأمثالها .

وقسم منها فيها جهة الاقتضاء كالمباحات . فيمكن وجوبها بالعنوانالثانوي كاطاعة الوالدين أو بالنذر وأمثاله(1) .

هذا تمام الكلام في ألفاظ العبادات .

وأمّا المعاملات فان قلنا بأنها أسام للمسببات فالظاهر عدم امكان وصفها بالصحّة والفساد . بل بالوجود تارة وبالعدم اخرى .

وان قلنا انها أسامي للأسباب من الايجاب والقبول فيمكن انقسامها إلى الصحيح والفاسد وان الألفاظ هل هي موضوعة بازاء التام القيود والأجزاء أو بازاء عدة منها .

وعن الشهيد قدس سره ان استعمالها في الفاسدة مجاز وفي الصحيحة حقيقة فيمكن

في تصوير الجامع في المعاملات

ص: 125


1- . لكن الاشكال يتّجه على هذا أيضا اذ لازمه معرفة ان ذلك الحكم الشرعي هل هو من قبيل الأول أو الثاني . ولازمه عدم انعقاد النذر أو عدم وجوب الوفاء الا في ما يكون بترك الحرام أو فعل الواجب فتأمّل .

ارادته الأسباب لا المسببات .

حاصل الكلام في ذلك ان مثل لفظة البيع هل هي موضوعة بازاء المعنى الحاصل من الايجاب والقبول مثلاً الذي يعبر عنه بالنقل والانتقال وكذا الصلح والاجارة والهبة وساير المعاوضات .

وعليه . اما أن يكون هذا موجودا أو معدوما سواء كان الاعتبار من الشرع تأسيسا أو امضاءً لعدم الفرق . أو انها موضوعة بازاء بعت وقبلت . فاللفظ موضوع بازاء هذين اللفظين . ويعتبر فيه شرايط اخر .

كما ربما نسب إلى الشيخ الكبير كاشف الغطاء رحمه الله ويوجد في تعاريف بعض المصنّفين .

وحينئذٍ فيمكن جريان النزاع . حيث انه بعدم امضاء الشارع وابطاله ما عندالعرف لا يكون معدوما بل يصير بذلك فاسدا .

فالسبب على قسمين صحيح أي البيع وسبب فاسد أي البيع .

وعلى الوضع للصحيح من الأسباب يكون المعنى خصوص السبب الصحيح الذي يترتب عليه الأثر بامضاء الشارع .

هذا بناء على ممشى القوم من كون ذلك من باب الأسباب والمسببات وحينئذٍ فان كان للمسبب فلا يجري النزاع في الصحيح والأعم . بل يدور الأمر بين الوجود والعدم . واذا شككنا فلا مجال للتمسك بالاطلاق كما في البسيط عند بعض الصحيحي في العبادات .

وان كان للسبب فيجري النزاع ويمكن التمسك بالاطلاق في نفي اعتبار شيء زائد على ما عند العرف .

ص: 126

لكن قد يقال بامكان تصور الصحيح والفاسد بناء على الوضع للمسبب مع انه يدور الأمر بين الوجود والعدم . وذلك لأن ما يترتب عليه الأثر عند العرف من الصحيح لا يكون خصوص البيع الذي اعتبره الشارع . بل أعم منه . فعند العرف يصح البيع الربوي مع انه لا يصح عند الشارع . وقد يتوافق النظران فيرى الشارع البيع العرفي بيعاً يمضيه . فيمكن أن يقال ان البيع بما هو بيع شيء وبما هو ممضى شيء آخر .

فالبيع الصحيح أي المسبّب بما هو مسبب هو الصحيح وبما هو هو اذا لم يمضه يكون هو الفاسد ولو رأه العرف صحيحا هذا .

الا انه يمكن المناقشة في كون باب المعاملات من باب التسبيب .

بيان ذلك يحتاج إلى معرفة السبب التوليدي والفعل المباشري وما يوجدبالآلة وان المعاملات من قبيل الأخير . فنقول قد سبقت الاشارة إلى ان المسببالتوليدي هو ما لا يحصل الفاصلة بين فعل الفاعل وبينه أو يتوسط لكن لا بارادة فاعل مختار .

كما في ارسال الماء لتخريب البناء أو ارسال الكلب لعض انسان فان الأثر وهو العض أو خراب البناء انما حصل بواسطة في الأول غير شاعر وفي الثاني شاعر غير مختار .

ويصح الاستناد الى فاعل السبب كما يصح الاستناد الى الواسطة كالماء والكلب .

وهذا بخلاف الفعل المباشري الذي يصدر عن الفاعل بالمباشرة أو بمباشرة الآلة فلا يصح الاستناد إلى الآلة والواسطة بل الأثر والنتيجة مستندة إلى الفاعل

ص: 127

فالقاتل بالسيف حقيقة هو الذي قتله به ولا يصح اسناد القتل إلى السيف كما لا يصح اسناد التكلم إلى اللسان .

ان قلت: يشترط في المسبب التوليدي أن لا يتوسط الواسطة المختار . وهذا الضابط بعينه ينطبق على ما نحن فيه من الفعل المباشري . فالكلب والماء كالسيف واللسان . كل ذلك آلات ومجرّد كون الكلب ذا روح لا يوجب فرقا فان الماء أيضا واسطة في التخريب .

قلت: لا يخفى الفرق بين السبب التوليدي والفعل المباشري فان الأثر كما ذكرنا يستند في المباشري إلى الفاعل حقيقة والتكلم والنطق من فعله والسيف واللسان انما هو آلة دون السبب التوليدي .

فان استناد الأثر وفتح المدينة إلى الأمير بالعناية والمجاز وإلا فالحق ان القاتل والفاتح انما هو العسكر والعاض هو الكلب والمخرب هو الماء . غاية الأمرهو سبب ذلك وأوجب حصول الارادة من الكلب وجريان الماء بطبعه وسيلانهاليه بخلاف السيف . فانه ما لم يحركه محرك لا يقطع . وكذا القلم لا يكون كاتبا ما لم يحركه الكاتب .

وهذا بخلاف الكلب فانه بعد أن اغراه والماء بعد ان اساله يكون فاعلاً للأثر وليس كذلك القلم في الكتابة واللسان في النطق .

اذا عرفت ذلك . فباب المعاملات انما هو من الفعل المباشري والايجاد بالآلة وليس من المسبب التوليدي . فالألفاظ ليست أسبابا تترتب عليها المسببات(1) .

الفرق بين السبب التوليدي والفعل المباشري

ص: 128


1- . وبذلك يمكن المناقشة في ما ذكره في منتهى الاُصول منتهى الاُصول 1/68 - 69 من عدم الفرق بين الفعل المباشري بالآلة والتسبّبي وكذا في المحاضرات ( محاضرات في اُصول الفقه 43/214 - 215 ) الا ان السيّد الخوئي قدس سره يرى اسامي المعاملات للمركب من المبرز والمبرز خارجاً لكن المناقشة ضعيفة .

وهناك قسم ثالث: وهو المقدمة الاعدادية ولا يكون ذلك من السبب التوليدي كما لا يكون من الفعل المباشري والايجاد بالآلة .

فظهر بما ذكرنا ان النقل والانتقال والمسبّب يحصل باللفظ ويوجد به . لا ان اللفظ سبب وان الفاعل يوجده كالالقاء وان السبب يترتب عليه المسبب كالاحراق .

ولا بأس بالاشارة إلى حقيقة البيع . وليعلم ان هناك اُمورا ثلاثة . المضاف والمضاف إليه والاضافة . فالمال مضاف إلى مالكه . والمالك مضاف إليه والملكية هي الاضافة . فتارة يحصل التبدل بالمضاف إليه وطرف الاضافة كما في الارث واخرى يكون التبديل في المضاف كما انه ثالثة في الاضافة . ويشكل الأمر في ان بتبديل طرفي الاضافة أو أحدهما لا يمكن بقاء الاضافة الشخصية بل لابدّ مناعدامها ووجود فرد آخر .

فالبيع هو تبديل طرف الاضافة وأصل الاضافة باقية بالنسبة إلى البايع والمشتري والتبديل انما هو في ناحية طرف الاضافة فقبل البيع مثلاً كان طرف الاضافة في ملكية البايع والبيع بدله بطرف اضافة المشتري . وفي ناحية المشتري بالعكس . أو لا بل حقيقة البيع عبارة عن سلب اضافة وايجاد اضافة اخرى . لما في التصوير الأول من لزوم المحال واجتماع ملكين في آن واحد وكون الطرف ملكا لمالكين .

اذ الفرض ان الاضافة باقية لم تنعدم بالبيع بناء عليه كتبديل عمود الخيمة

ص: 129

بعمود آخر . فالخيمة باقية على حالها . فان كان عبارة عن سلب الاضافة وايجادها فيشكل الفرق بين البيع والهبة المعوضة . اذ الهبة أيضا سلب اضافة وايجاد اخرى والفرق بين ذلك وبين القرض . ان القرض كاليد ولزوم الضمان بالاتلاف . وربما يشكل أيضا ان البيع الكلي كذلك . اذ ليس الكلي شيئا موجودا خارجا . بل على فرض ذلك في بيع السلف لا يملك شيئا والتصور أيضا لم يكن مبيعا . بل السارق كيف يبيع مال الغير . وان عبر بعض الأعاظم عنه بأنه سرق الاضافة لكنه كلام ظاهري غير مراد لقائله قدس سره .

وعلى كلّ حال . فان كان البيع مثل ساير ألفاظ المعاملات موضوعا بازاء الأثر الخاص والنتيجة المترتبة على ذلك من النقل والانتقال في البيع وكذلك في ساير المعاملات .

فقد أشرنا انه بناء عليه لا مجال لتصور الصحيح والفاسد فيه . بل يدور الأمر بين وجود ذلك الأثر وعدمه . لكن قد يقال بعد امكان الفرق بين البيع العرفيوالشرعي واختلاف النظر . فالشارع قد يرى ما لا يراه العرف سببا لحصولالملكية كما انه قد يخطئ العرف في رؤيته حصول الأثر بالربا وبيع الحصاة وأمثال ذلك وهو لا يرى ذلك الاختصاص . فيمكن القول بأن ما يراه الشارع حاصلاً عند السبب نسميه من البيع العرفي صحيحا باعتبار ترتب الأثر شرعا عليه وما لم يمضه الشارع وخطأ العرف في نظرهم كونه حاصلاً عند ما يرونه سببا له بيعا فاسدا . لكنه بالاخرة يرجع إلى وجود الاختصاص والسببيّة المستتبعة لذلك وعدمه . وهذا ليس أمرا تعبديا من الشارع ولا عند العقلاء . بل انهم يرون حصول الاختصاص بذلك فيرتبون آثار الملك عليه .

بيان حقيقة البيع

ص: 130

ويمكن كون ذلك موجودا في الحيوانات .

نعم . ان كان الاسم للأسباب فعند الشك في اعتبار أمر زائد في السببية لترتب الملكية أو ساير آثار البيع وباقي المعاملات يمكن التمسك بالاطلاق دون ما اذا كان الاسم للمسببات . والأصل العملي في المعاملات هو الفساد . والعبارة المنقولة عن الشهيد قدس سره في ان ألفاظ المعاملات حقيقة في الصحيح مجاز في الفاسد .

ان كان بالنظر إلى المسببات فغير وجيه . وإن كان بالنظر إلى الأسباب فله وجه وجيه . لكن لا ينطبق عليه ما ذكره عقيب هذا الكلام . وربما لا يناسبه . كما انه إذا شككنا في ان بيع المكره صحيح أم . لا فبعد اعتبار العرف أصل الرضا دون خصوص المقارن يمكن التمسك باطلاق أدلّة الامضاء للنفوذ والصحّة إذا لحقه الرضا .

اما اللزوم فقد يشكل في بيع المعاطاة لدعوى الاجماع على عدمه لكنه تقييدي وكثير منهم كانوا يقولون بالاباحة . فأورد عليهم الشيخ الكبير الاشكالاتالتسعة من تأسيس فقه جديد ووجوب الحج على من ليس بمستطيع ومالكللاستطاعة . مع ان الشيخ المفيد قدس سره التزم باللزوم . لكن الأقوى ان المعاطاة بيع بل عقد لازم وبعد شمول قوله علیه السلام البيعان(1) بالخيار ما لم يفترقا فاذا افترقا وجب البيع . فلا يحتاج إلى شيء زائد ولا أقل من الاحتياط .

في امكان التمسك بالاطلاق:

قد يقال أو يمكن أن يقال بامكان التمسك بدليل كل من السبب والمسبب

ص: 131


1- . وسائل الشيعة 18 الباب الأوّل 1 - 2 - 3 من أبواب الخيار مع تفاوت في العبارة .

في امضائه لامضاء الآخر اما في ناحية السبب فظاهر اذ امضائه امضاء المسبب . اما في ناحية المسبب فبوجهين:

أحدهما: الملازمة عرفا بين امضاء المسبب لامضاء سببه .

الثاني: استفادة امضاء كلّ سبب يتوصل به إلى المسبب من ناحية عدم بيان سبب خاص . ولو كان مناط ذلك خصوص سبب خاص ليبّن . ومرجع الوجهين إلى وجه واحد . ويمكن التعدد بأن الأول راجع إلى دعوى الكلية وان امضاء المسبب مع قطع النظر عن خصوص المورد يلازم امضاء السبب .

وكما أفاد سيّدنا الأستاذ قدس سره يكون ذلك بالدلالة الالتزامية .

وان الثاني مع قطع النظر عن هذه الملازمة . حيث ان الخطاب ملقى إلى العرف بامضاء المسبب ولا معنى لامضاء مسبب خاص بلا بيانه فيكون كل مسبب هو مسبب عندهم وذلك عين امضاء الأسباب ( وظني ان الاستاد لم يبين الوجهين بغير هذا النحو ) لكن في كلّ منهما نظر . حيث ان مثل قوله علیه السلام ( النكاح سنتي )(1)لا نظر له إلى جهة السبب كي يمكن التمسك بالاطلاق لنفي الشك في اعتباره فيجهة السبب .

نعم امضاء أصل المسبب لا يمكن اجتماعه مع عدم امضاء سبب . لكن قد يكون بصدد بيان أصل امضاء المسبب وان هذا الحكم لم ينسخ في الشريعة فهو من هذه الجهة كخطاب أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ووجوب الحج وأمثالها من المطلقات التي لم تسق لبيان مالها من الاجزاء والشرائط . بل انما سبق لبيان أصل المشروعية والوجوب .

امضاء المسبّب يلازم امضاء السبب

ص: 132


1- . مستدرك الوسائل 14 الباب 1/18 من أبواب مقدّمات النكاح واللفظ النكاح من سنّتي .

فاذا شك في اشتراط العقد بالعربية . فحينئذٍ تارة لا يكون بناء العرف عليه واخرى يبنون على الاشتراط . فان كان العقد الذي يراد امضائه من ناحية اطلاق المسبب واجدا لما اعتبر في العرف . فالشك في نفي الزائد عما عند العرف بدليل المسبب مبتنى على تمامية أحد الوجهين . وقد عرفت عدم نظر المسببات عليه وان كان غير واجد فلا مجال للتمسك حتى على فرض تمامية الوجهين .

والحاصل ان التمسك بقوله علیه السلام ( النكاح سنّتي )(1) لنفي الشكّ في اعتبار العربية في العقد أو بقوله تعالى: « تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ »(2) بناء على كونهما حقيقة في المسببات لا الأسباب يكون من قبيل التمسك بالكبرى لاحراز الصغرى فكما ان ذلك غير جائز .

لعدم تكفل الكبرى للصغريات بل لحكمها . فكذلك ما نحن فيه اذ لا نظر للمطلقات إلى ذلك ولا يسمع دعواه من اصولي يجوز العقد بالتركية للتركي أوالفارسيّة للفارسي مثلاً أو بتبديل انكحت بانكحت ( بالفتح ) أو زوجت بجوزت مع بناء العرف عليه فلا ملازمة عرفا بين امضاء المسبب وامضاء السبب بعد عدم تعددالمسبب اذ لا نكاح عندنا شرعا ونكاح عرفا . بل اما ممضى أو لا على ما عرفت اذ الامضاء انما يرجع إلى ناحية ذات المسبب .

هذا كله اذا كان اسامى المعاملات موضوعة للمسببات التي عرفت ان أمرها دائر بين الوجود والعدم اما إذا كانت أسامي للأسباب .

فحيث انها القيت إلى العرف فيمكن لحاظ العناية فيها بكون امضاءها امضاء المسببات .

ص: 133


1- . مستدرك الوسائل 14 الباب 1/18 من أبواب مقدّمات النكاح واللفظ النكاح من سنّتي .
2- . النساء /30 .

فاذا احرز ما اعتبر في السبب عند العرف وما يراه العرف سببا فنتمسّك باطلاق دليل امضاء هذا السبب ) في نفي اعتبار الزائد كما في أصل اعتبار الرضا في عقد البيع لو كان اسما للايجاب والقبول .

والحق انه موضوع للنتيجة أي المعنى الحاصل بالايجاب والقبول .

هذا كله لو كان ذلك من باب السبب والمسبب التوليدي . اما إذا قلنا بأنها ليست من ذلك الباب ولا من باب المعدات التي تتوسط بين النتيجة والفعل ارادة فاعل مختار . بل انما هي من باب الفعل المباشري وان الألفاظ كالآلة كما في ساير الأفعال التي تصدر عن الانسان بالمباشرة باستعانة عضو من أعضائه كاللسان واليد .

فكذلك حال الألفاظ في ما نحن فيه حال الآلة . وحينئذٍ فيمكن دعوى الملازمة بين امضاء المعاملات أي الأفعال والنتائج الحاصلة بأعمال الآلات وامضاء آليتها .

والاشكال والجواب ما سبق في تقريب التسبيب وكونها من المسببات

التوليدية . اذ فرق بين آلة التجارة من المنشار والفاس وتوجه الامضاء إلى نحوالدرب المصنوع والباب والفهم العرفي باحتياج ذلك إلى الآلات . وهي آلاتهبخلاف المقام . اذ لا ندري ما الذي اعتبره الشارع وليس من المعاني التي يعرفها العرف . فلا مجال لدعوى استفادة امضاء الآلة من امضاء المسبب أي الفعل الحاصل بالآلة .

وللمحقّق النائيني قدس سره (1) كلام في الألفاظ بناء على كونها آلة وهو ان للمعاني

ص: 134


1- . فوائد الاُصول 1/81 - 82 .

من البيع والصلح وأمثالهما جهتين: جهة النفسية أي بما هو هو وجهة الصدور وبعبارة اخرى حيث المصدر واسم المصدر . والفرق بينهما بالاعتبار . فاسم المصدر ينظر إليه قبال ساير الماهيات والمصدر بالنظر إليه من حيث احتياجه إلى الايجاد .

والفرق بينهما كالايجاد والوجود . والامضاء يمكن تعلّقه بناحية الايجاد فحينئذٍ يكون له اطلاق بما في جهة الالات والألفاظ فبكلّ ما يوجد البيع عند العرف يتحقق عند الشرع . والشك في اعتبار الزائد منفي بالاطلاق . إذ باب المعاملات باب التمسك بالاطلاقات اللفظيّة . اذ الأصل فيها الفساد وحينئذٍ ينتج المطلوب .

نعم يشكل الأمر لو كان الامضاء تعلّق بها بما هي هي(1) .

اشارة: ذكرني بعض أجلّة الأصحاب ان أحد الوجهين في دعوى ملازمة امضاء المسبب للسبب العرفي . هو الملازمة والدلالة الالتزامية عرفا كما مر مثاله .وثانيهما: المسامحة في اطلاق المسبب للسبب والسبب للمسبب فامضاء أحدهما عين امضاء الآخر مسامحة .والجواب عن الوجه الأول . ان لا اطلاق في مورد البيان . وعن الثاني بأن المسامحة انما هو في باب أخذ المفاهيم اما في باب التطبيق فلا مجال للمسامحة .

تتميم: ذهب المحقّق النائيني قدس سره (2) إلى ان باب المعاملات ليس من باب

الأسباب والمسببات بل هو من الايجاد بالآلة ( أي الألفاظ وحينئذٍ يمكن تصوير

اشكال امضاء المسبب لامضاء السبب

ص: 135


1- . لكنك خبير بأن ذلك مجرد تغيير اصطلاح لا يسمن ولا يغني من جوع ولا فرق في ذلك بين باب التسبيب والايجاد فتأمل .
2- . فوائد الاُصول 1/81 - 82 .

النتيجة كالنقل والانتقال وان لها جهتين جهة بما هي هي وجهة بما هي صادرة وبعبارة اخرى جهة الوجود وجهة الايجاد . فان تعلق الامضاء بجهة الايجاد كانه تعلق بالوجود بل عينه . فكل ما هو يعتبر عند العرف في الايجاد أو يكون آلة فالامضاء بالايجاد امضاء له . لكن في الوجود جهة خفاء . وإن كان بالتأمّل يرجع إلى ما ذكر في الايجاد . وهذا الفرق وإن لم يكن له نتيجة في ما نحن فيه . الا ان له

أثرا في الأبواب الاُخر . فالسجدة مثلاً ان قلنا لها جهتان أو الركوع وكذلك باقي ما

يعتبر من حيث تعلق الخطاب به انما يكون ذلك من حيث ايجاده بخلاف ما اذا كان الغرض الاخبار أو بيان النتيجة وحيث اسم المصدر . فاذا وقعت جبهته على موضع السجود قهرا فلا يكون ممتثلاً لأمر السجدة لعدم تعلق الأمر بها بما هي هي بل بحيث صدورها . وتوضيح مرامه قدس سره ان باب الأسباب والمسببات التوليدية ليس لها مساس بباب الايجاد بالآلة . بل بينهما الفرق بين السماء والأرض . حيث ان الاحراق والالقاء ليسا حقيقة واحدة بل ما يصدر عن الفاعل مباشرة انما هو الالقاء كساير ما يصدر عنه بالمباشرة ويكون فعلاً له بآلاتها الخاصة . فالالقاء أيضا نظيرها بتحريك اليد والأخذ والالقاء .ثمّ الاحراق من فعل النار واسناده إلى الملقى انما هو بالعناية والعرض والافبالحقيقة ليس المحرق هو الملقى .

فلذلك اذا تعلق الامضاء بالمسبب أي الاحراق في المثال لا ربط له بمسألة امضاء الأسباب بل يكون ذلك من باب التمسك بقوله تعالى: « فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ »(1) لعدم اشتراط طهارة موضع العض في جواز الأكل وليس ذلك من باب

ص: 136


1- . المائدة /5 .

الايجاد بالآلة .

اما اذا تعلق الامضاء بها من حيث الايجاد . فالايجاد ليس إلاّ عبارة عن أعمال الآلة كما في الشرب والكتابة وغيرهما من الموجدات بالالة . فان حيث الايجاد فيها عبارة عن تحريك الأصابع وجرى القلم بنحو يصدر منه الكتابة كما ان الشرب الذي هو الفعل المباشري والايجاد بالآلة حيث صدوره هو تحريك الفك واللسان وجذب الماء إلى الجوف كالمضغ بخلاف الايجار في الحلق الذي ليس من عمله .

فحينئذٍ تعلق الامضاء بها من حيث الايجاد عين امضاء الآلات والايجاد بها فعل آلة يوجد بها عند العرف الفعل المباشري . فامضاء الفعل من حيث الايجاد امضائها . هذا في حيث الايجاد . اما حيث الوجود فبعد التوجه إلى مقدمة سابقة وهي ان الفرق بين الحيثيين انما هو بالاعتبار . وإلاّ فالايجاد عين الوجود فيلازم الامضاء لحيث الايجاد .

واذا كان الايجاد عين أعمال الآلات فاذا تعلق الامضاء بالنتيجة وحيث الوجود وهو هو واسم المصدر فبالعينية التي لا يصادمها التغاير الاعتباري بينالجهتين يتعلق الامضاء بالايجاد . كما ان بما ذكرنا في عينية الايجاد وأعمال الآلةوان امضائه امضائها يكون امضاء الايجاد امضاء الآلة فامضاء حيث الوجود يكون امضاء آلالة ولذلك لا يفرق بين الجهتين في باب الايجاد بآلالة دون باب الأسباب والمسببات لما عرفت من كون الاحراق غير الالقاء وان اسناد الاحراق إلى الملقى ليس بالحقيقة .

وان شئت فقل ان حيث الوجود يلازم امضائه امضاء حيث الايجاد

الاشكال في ملازمة امضاء المسبّب للسبب

ص: 137

وامضائه امضاء الآلة . وكيف كان فهو غير باب المسبب التوليدي وبينهما بون بعيد.

ويمكن القول بأن امضاء المسبب في ذاك المورد لا يلازم امضاء السبب لعدم كون الاطلاق في مقام البيان بخلاف باب الايجاد للملازمة والعينية . فلا مجال للتمسك باطلاق المسبب في مثل الاحراق لأخذ الاطلاق في الالقاء وأنحائه بخلاف باب الايجاد . فاذا شككنا في اشتراط العربيّة في عقد النكاح والفرض ان أهل كلّ عرف يتعدون ولا يشترطون العربية والماضوية فلا مجال للتمسك باطلاق ( النكاح سنّتي )(1) لدفع الشك من هذه الناحية إذا كان من باب الأسباب والمسببات .

ولازم ذلك جواز ذلك اذا كان من باب الايجاد بالآلة ولكن سيّدنا الاستاذ قدس سره توقف أخيرا وكان يميل إلى ذلك وعدم جواز التمسك بالاطلاق حتّى بناء على الايجاد لامكان تعلق الامضاء بأصل حكم النكاح وانه جائز غير منسوخ منّة على العباد بل ممضى . اما ان ايجاده باية آلة وبأي نحو فليس بصدد بيانه والحق هو هذا .اذ لا فرق بين باب الأسباب والمسبّبات وباب الايجاد والوجود اذا لم يكنفي مقام البيان ولو كان في مقام البيان فيمكن التمسك بالاطلاق في كليهما . نعم إنّما هم الحقّق النائيني قدس سره اثبات الملازمة لبيان حيث الوجود لحيث الايجاد ومانعية الاتحاد والتعدّد الاعتباري غير مضر لكن عرفت امكان اتجاه الاشكال .

تكملة كى لي بعض حاضري بحث سيّدنا الاستاذ قدس سره تعرضه لكلام المحقّق

ص: 138


1- . مستدرك الوسائل 14 الباب 1/18 من أبواب مقدّمات النكاح واللفظ النكاح من سنّتي .

الخراساني وانه بناء على كون اسماء العبادات موضوعة للصحيحة لا يمكن التمسك(1) بالاطلاق بخلاف الأعم . وفي باب المعاملات(2) يمكن التمسك بالاطلاقات سواء بنينا على الصحيح أو قلنا بالأعم .

وقال مراده في ذلك ونظره إلى خصوص الأسباب لأن المسببات لا يتصور فيها الصحيح والفاسد بل الوجود والعدم . اذ ليس للشارع ترتيب خاص الا الامضاء وعدمه وحينئذٍ يمكن التمسك باطلاق ألفاظ المعاملات اذا كانت موضوعة للأسباب ولو الصحيحة . وتنظر هو ( سيّدنا الاستاذ قدس سره ) في ذلك لبناء ما ذكر على ما ذهب إليه المشهور من كون باب المعاملات من باب الأسباب والمسببات .

وأما بناء على ما اختاره تبعا لشيخه الاستاذ من كونها من باب الايجاد والوجود فلا مجال لهذا الكلام(3) .وقع الكلام في بيع المعاطاة وانه هل هو بيع أم لا، ذهب الشيخ قدس سره إلىالتمسك بأحل اللّه البيع لكونه بيعا لكنه ليس بلازم . اذ اللزوم غير الصحة . وردّه بكفاية التمسك حينئذٍ بقوله علیه السلام ( البيعان بالخيار ما لم يفترقا )(4) بالبيان المتقدم سابقا .

امكان التمسّك بالاطلاق

ص: 139


1- . كفاية الاُصول 1/42 - 43 - 50 .
2- . كفاية الاُصول 1/42 - 43 - 50 .
3- . الظاهر ان مراده بعدم جريان الكلام بناء على باب الايجاد بالآلة لما ذكره سابقا من ان امضاء الايجاد امضاء الوجود .
4- . وسائل الشيعة 18 الباب 1/1 - 2 - 3 من أبواب الخيار مع تفاوت في اللفظ .

الكلام في الاشتراك في اللغات:

احاله بعضهم وهو مردود لا يعبأ به وآخر جعله مستحيلاً وقوعا بعد تسليم امكانه عقلاً نظرا إلى تناهي الألفاظ وعدم تناهي المعاني ولا يفي المتناهي بغير المتناهي . وهذا نظير برهان العامة على جعل القياس من الأدلّة على ما أشار إليه بعض علمائهم في كتابه في الفقه حيث ذهب إلى عدم تناهي الأحكام والمسائل وتناهي المدارك فليس الا القياس خلافا لشرذمة من أهل الظواهر معرضا به للامامية ومن وافقهم في بطلان الاعتماد على القياس .

وحاصل الدعوى ان الحروف التي تتركب منها الكلمات ثمانية أو تسعة وعشرون وتركيب كل واحد مع البواقي محدود متناهي كيف ما يتّفق .

والمعاني ( أي الامور ) التي يراد تفهيمها وتفهمها ليست محدودة بل لا تتناهي كثرة .

واجيب أوّلاً: بمنع عدم تناهي المعاني بل هي أيضا متناهية .

وثانيا: على تقدير التسليم وعدم امكان وفاء باقي ما يحصل منه الافادة كالاشارة بالأعضاء وغيرها .

ان مقدارا منها الذي هو مورد الحاجة والابتلاء متناهية وليست هي أزيدمن تراكيب الألفاظ المفردة بل ربما زادت عليها .

وثالثا: ان باب المجاز واسع والعلاقة وان انحصرت في بضع وعشرين قسما وهي محصورة . لكن اسبقنا في بعض الأبحاث عدم الحاجة في ذلك إلى العلاقة .

بل تحسين الطبع كاف في جواز استعمال لفظ مجازا في غير ما وضع له .

ص: 140

ورابعا: ان اريد بعدم تناهي المعاني المعاني الجزئيّة فمسلّم . لكنه لا يلزم الوضع لكل منها كالأعلام الشخصية . وان اريد المعاني الكلية فهي محصورة لان الماهيات محصورة متناهية ليست خارجة عن حدود المقولات العشر وينطبق واحد منها على الجزئيات .

وفي قبال هذه الدعوى دعوى اخرى بعدم امكان الاشتراك في عالم الوقوع نظرا إلى الاحتياج إلى القرينة ولزوم اللغوية اذ لا فائدة في وضع لا يفيد تخصيصا بل نتيجته الاجمال .

واجيب بجواز تعلق الغرض احيانا بالاجمال واحالة تفصيله إلى زمن الحاجة كما هو واقع كثيرا في الأوامر الامتحانية وغيرها . كالمطلقات والعمومات . فانها مجملات يبين تفاصيلها في ظرف الحاجة وابتلاء المكلف لعدم اقتضاء المقام لغير القاء العمومات والمجملات(1) .

بل ربما يدعى استعمال المشترك في القرآن . فكيف يدعى لزوم اللغوية وان الواضع لو كان هو اللّه تبارك وتعالى لما كان منه الوضع مشتركا لاستحالة صدوراللغو من الحكيم . كما في تقريب الاشكال .

ويدل على ذلك قوله تعالى: « هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهاتٌ »(2) .

لكن لا يخلو من نظر لكون لفظ التشابه أيضا متشابها ومقتضى بعض

الاشتراك في اللغة

ص: 141


1- . وأنكر السيّد العلاّمة الخوئي قدس سره محاضرات في اُصول الفقه 43/230 - 231 الاشتراك بناء على ما اختاره في معنى الوضع وانه التعهد وانه لايجتمع تعهده الأوّل مع تعهّده ثانياً . لكن عرفت ان الوضع ليس التعهّد .
2- . آل عمران /8 .

الأخبار(1) الواردة في أصناف ألفاظ القرآن تفسير المتشابه بمتحد اللفظ مختلف المعنى .

وربما يظهر من بعضها انه المجمل . فليس دليلاً الا بناء على ظهور المتشابه في المشترك اللفظي ولم يحتمل أو يظهر ارادة تعدد الاحتمال أو الاجمال في المجمل منه .

فالأحسن في الجواب كشف الاستعمال بالتبع لكلمات المفسرين واللغويين في ذكر المعاني المشتركة للفظ واحد واستعمال ذلك في القرآن وإلاّ لامكن انكار كون بعض الألفاظ من المشترك كاستوى في « الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى »(2) بمعنى الجلوس على السرير والاستيلاء على الشيء بارجاع ذلك إلى معنى واحد . نعم في بعض الموارد لا يمكن ذلك لبعد ما يمكن أن يكون جامعا موضوعا له اللفظ . وارجاع جميع موارد الاستعمال إليه . فحينئذٍ ربما يكشف تعدد الوضع والاشتراك . وعلى كلّ حال فالاشتراك ممكن بل واقع وليس واجبا كماليس عدمه واجبا . ضرورة اقتضاء ذلك البرهان عدم تناهي الوضع ولو إلى يومالقيامة وعدم كون المهمل ومع ذلك لا يتمّ لامكان الوضع للمعاني الكلية والغنى بها عن الجزئيات مع ان الترادف واقع(3) .

فالاشتراك ممكن بل واقع . وان كان النزاع في ذلك لا يترتب عليه فائدة مهمة .

وهو في الاعلام كثير كاسماء البلدان والقرى والأشخاص حتى الأئمّة علیهم السلام

ص: 142


1- . بحار الأنوار 92 باب متشابهات القرآن، ص127 وبعده . الأحاديث 15 - 16 - 19 - 21 - 22 يستفاد منها بعض ما في المتن .
2- . طه /6 .
3- . فيه ان الترادف قبال الاشتراك ولا مجال لقياس الاشتراك بالترادف كما هو واضح .

كما يلوح من كلام سيّدنا الأستاذ قدس سره .

استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد:

ان بحث الاشتراك مقدمة وتوطئة للكلام في جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد . وعنوان النزاع يشمل المعنيين أو المعاني الحقيقية أو المجازييّن والمختلفين وستعرف اختصاصه ببعضها .

وعلى كلّ حال فالمراد بذلك كون الاستعمال بالارادة بأن يكون الاستعمال لها لا مجرد الارادة وان لم تكن ارادة استعمالية فان الظاهر عدم النزاع في الارادة من اللفظ وان لم يستعمل في المعاني المرادة . فالاستعمال بالارادة الاستعمالية غير الارادة وان لم يستعمل ولم يفهم .

وليعلم ان عنوان البحث بذلك يخرج ما ليس من الاستعمال في معنيين أو أزيد . بل في معنى واحد وان كان مصاديقه كثيرة فالعمومات والاطلاقات وعموم المجاز كلها خارج عن موضوع النزاع لعدم كون العام مستعملاً الا في ما وضع له ولم يستعمل في الخصوص اذا خصص . بل ذلك بتعدد الدال والمدلول . فليس من باب استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد . وكذلك عموم المجاز فان المستعمل فيه معنى واحد له مصداقان وفردان . وكيف كان فالاستعمال تارة يراد به كوناللفظ وجودا للمعنى وكسوة له كما يكون كتابة زيد نوع وجود له في عالمه الخاص وتصوره كذلك وان لم يكن يترتب على هذا ما يترتب على وجوده الخارجي الا ان صيرورة اللفظ قالبا للمعنى وكسوة له وايجادا له وخلقا ليس قابلاً للانكار .

فحينئذٍ اذا كان هذا شأن اللفظ والمعنى بل ربما يسري ما للمعنى من القبح إلى اللفظ وليس ذلك إلاّ لأجل كونه بوجه نفسه كما انه مرآته ووجهه ولا يكون

استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد

ص: 143

اللفظ متصورا حين الاستعمال للمستمع والمخاطب الا اجمالاً وانما توجهه إلى المعنى وكانه يرى المعنى وتلقاه من المتكلم . فاذا كان هذا معنى الاستعمال فلا يمكن كون لفظ واحد كسوة لمعنيين كما ان لفظا واحدا لا يمكن أن يكتب لزيدين مثلاً بل اما أن يراد به وجود زيد بن عمرو أو بكر اذ لا يمكن تصور كلّ واحد إلاّ بلحاظين حتى ان الأول غير الثاني ولو تعلق اللحاظ بواحد فضلاً عن غيره فان كان معنى الاستعمال هو ما ذكرنا من كون اللفظ قالباً للمعنى واذا يلقى إلى المخاطب كأنّه المعنى وانه يوجد به فهذا من الواضح استحالة استعمال لفظ واحد في أكثر من معنى ضرورة كون ذلك من قبيل لبس لباس واحد في آن واحد للابسين بلا طولية ولا ترتب في البين وهو واضح الاستحالة ولا فرق في ذلك بين ما ذكرنا وبين ما لو كان الاستعمال انضماما كالاشتراك في اللباس(1) .

وتارة نفسر الاستعمال بكون الشيء ( اللفظ ) علامة على غيره فليس منالمحال كون شيء واحدا علامة لاُمور كثيرة في آن واحد اذ ليس هناك لحاظ ولاالقاء ولا افناء اللفظ في المعنى بل عبرة وآلة لملاحظة حال الغير وعلامة عليه .

وليعلم ان عنوان النزع على ما ذكرنا مبتنى على تصوير المجاز في الكلمة والا فبناء على انكاره وعدم كون الاستعمال الا في المعنى الموضوع له والمجاز انما يكون مفهوما من المتحصل من المعاني الحاصلة من القرينة وذيها . فالكل

ص: 144


1- . في المحاضرات بعد مناقشته في عدم امكان الجمع بين لحاظين مستقلين محاضرات في اُصول الفقه 43/235 - 237 - 240 امكان ارادة معنيّين مستقلّين من اللفظ الواحد على ما اختاره في حقيقة الوضع وانّه التعهّد . وقد عرفت بطلانه . نعم رأى ان ارادة جميع المعاني خلاف الظهور العرفي بدون قرينة . ولم يفرق بين التثنية والجمع وبين المفرد سواء كان المعنيّان حقيقيين أو مجازيين أو مختلفين .

مستعمل في معناه وهو قرينة المراد لا الاستعمال . اذ الاستعمال إنما هو في الموضوع له فلابد من عنوان النزاع تبعا للقدماء بجواز استعمال المشترك في أكثر من معنى واحد حيث انه على هذا دائماً يكون الاستعمال في المعنى الحقيقي حقيقة أو تنزيلاً كما في ادعاء أن الأسد موضوع للحيوان الشجاع الذي له مصداقان . أحدهما الحيوان المفترس والاخر الانسان الشجاع . وعلى هذا لا يكون هناك استعمال في المعنى المجازي بل يستحيل . فيسقط بعض تصورات المسألة من الاستعمال في المعنى المجازي متعددا أو مع الحقيقي . ضرورة ابتنائها على المجاز في الكلمة وحيث عرفت ان كله من المجاز العقلي فيختص النزاع في المشترك . ولذا يكون هذا البحث تبعا ومتفرّعا على مسألة المشترك . اذ لا يمكن الاستعمال الا في ما وضع له . فالوضع يوجد القابلية والصلاحية لكون اللفظ كسوة المعنى والاستعمال يحقّق ذلك . وعليه فينبغي جعل النزاع في المشترك بعد تحقق الوضع الموجد للصلاحية لكون اللفظ كسوة المعنى ووجودا منه . وهذا النزاع يجري في الأعلام الشخصية كزيد في زيدين لا بالتأويل إلى المسمى فان ذلك يوجب كونه عاما أو جنسا شاملاً .

ثمّ أورد على ذلك اشكالات .

منها الحكم باستحالة اجتماع النقيضين . وانه لو لم يمكن تصورهما فيالذهن معا كيف يحكم باستحالته . ومنها مسألة بطون القرآن وان له سبعة أو سبعينبطنا .

والجواب عن ذلك كله واضح بعد عرفان المراد ووضوح الدليل كما اذا عرفت عدم امكان الاستعمال عقلاً فلا حاجة إلى دعوى استبشاع العرف له .

الاشكال على استعمال اللفظ في أكثر من معنى

ص: 145

تلخيص:

قد سبق ان عنوان النزاع بما ذكره في الكفاية(1) من جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى الشامل باطلاقه لما إذا كان أحد المعنيين أو كلاهما مجازيا مبتن على تصوّر المجاز في الكلمة .

والا فعلى ما حققنا من عدم تصور المجاز في الكلمة بل كلها راجع إلى المجاز العقلي . فالأحسن تبديل العنوان باستعمال اللفظ المشترك في أزيد من المعنى الواحد ثمّ انّه لا فرق بين أخذ الاستقلال قيدا في ارادة المعنى من اللفظ وكان الاستعمال بمعنى افناء اللفظ في المعنى وايجاده به أو بمعنى كونه علامة له في عدم الجواز والاستحالة بداهة عدم الحاجة إلى البرهان لشدة وضوحه . فلابد من الغاء هذا القيد وجعل الاستعمال عبارة عن ايجاد المعنى باللفظ كما في ايجاده بالكتابة قبال نحوين من الوجود هما الخارجي والذهني إذ كون اللفظ علامة على المعنى كالنصب بعيد عن ناحية الاستعمال ولا ينبغي الالتزام به ولا احتماله . وعلى هذا فالنزاع في استعمال اللفظ في أكثر من معنى . ومحل الكلام على ما اخترنا في المعاني التي وضع اللفظ لها لتحقق القابلية بالوضع فيها والفعلية بالاستعمال .فنقول الذي يدلّ عليه الاعتبار ويحكم به الوجدان . عدم امكان(2) تصور

ص: 146


1- . كفاية الاُصول 1/54 .
2- . وخالف في ذلك السيّد العلاّمة الخوئي محاضرات في اُصول الفقه 43/235 - 236 ورأى ان النفس تقتدر على الجمع بين لحاظين مستقلّين في آن واحد واستشهد لذلك باُمور ثلاثة: 1 - في حمل شيء على شيء والحكم بثبوته له يتحقّق لحاظ كلّ من الموضوع والمحمول والنسبة في آن واحد . 2 - صدور فعلين أو أزيد من شخص واحد في آن واحد وكلّ من الفعلين اختياري مسبوق بالارادة واللحاظ ولحاظ كلّ منهما استقلالاً . 3 - النفس تقدر على تصوّر اُمور متضادّة أو متماثلة بتصوّرات مستقلّة في آن واحد .

معاني متعددة بلحاظ واحد فضلاً عن لحاظين في آن واحد . بل النفس والذهن لا يمكنه أن يتوجه في كل آن الا إلى معنى فارد وحقيقة واحدة وتصور معاني عديدة منه انما يتحقق على التدرج والترتيب . وليس أن لا يكون المستعمل متوجّها إلى الألفاظ بل لا محالة يتوجه إليها . وكذلك يتصور المعاني ويلقى باللفظ المعنى ويوجده به . اذ لا يكون وجود الألفاظ بنفسها بل بالايجاد والتصور بازاء المعاني . لكنه كما ان الكهرباء والقوّة الكامنة فيها بالسرعة المختصّة بها يخيل للناظر وصول قوتها إلى كلّ واحد من شعلاتها عرضيا مع ان في الحقيقة هناك تدرج في ذلك .

كذلك النفس في تصور المعاني الملقاة إليها بواسطة الألفاظ فتتصور كلّ واحد من المعاني عقيب الآخر بسرعة أقوى وأشد من تأثير الكهرباء في الشعل المرتبطة بها بالاسلاك وكذلك في ترتيب الكلام لا يحصل أطرافه دفعة في الذهن بل على التدرج والتعقب غاية الأمر بسرعة عجيبة .

وان ابيت . فنقول ان الصورة الحاصلة محفوظة إلى حين حصول المتأخرة وبعد ذلك .

والحاصل ان باللحاظ الواحد السعي يمكن تصور المتعدد لكنه اجمالاً

والتفصيل انما يحصل بالمحو والاثبات فالصورة اللاحقة لا تتحصل الا بمحوالاولى المتقدمة إلى أن يلتئم أجزاء القضية ويرتبط كل واحد بالاخر في لوح النفس وكذلك بالنسبة إلى اللحاظات المتعددة .

ص: 147

وعلى هذا فلا يمكن ايجاد معنيين بلفظ واحد في استعمال واحد .

نعم ان لم يكن هناك قرينة لا يتعيّن واحد منها كما في الكتابة . فاذا كتبت لفظ العين أو تلفظت بها فما لم يكن هناك قرينة على ارادة أحد المعاني الموضوع لها هذه اللفظة لا تتعيّن به وحينئذٍ فاذا اريد اثنان لابدّ من تكرار الكتابة أو التلفظ

لما ذكرنا من ان الواحد لا يتعدد .

فاما أن يكون اللفظ الواحد متعددا وهو محال أو تكون المعاني المتعددة على تعدّدها مرادة من الواحد وهذا أيضا محال لكون اللفظ وجودا من المعنى بوجه . فكيف يكون الايجاد الواحد وجودين . وهذا يدلّ عليه الوجدان . وإن شئت تنظره بما ذكرنا من مسألة اللباس وعدم امكان لبس لباس واحد في آن واحد للمتعدد .

نعم قد يتحقق بالخلع واللبس لكنه أمر آخر .

هذا نهاية ما يمكن أن يقال في تقريب هذه الدعوى . وقد عرفت انحصار دليله بالوجدان . ولا مجال لقياس ما ذكرنا بالرؤية الخارجية المتعلقة بالمتعدد مع وحدتها .

ثمرة البحث: يمكن أن تظهر في بعض الموارد كما قيل في ما ورد(1) في المغرب والغداة من انه لا تصل المغرب والغداة بلا أذان واقامة . وحيث انه قداستفيد من الخارج ان الأذان ليس بواجب فالنهي فيه لابدّ أن يكون مستعملاً فيالكمال وبيان ان للأذان استحبابا أكيدا في هاتين الصلاتين . فلابدّ من كون الاقامة أيضا كذلك . لعدم كون الاستعمال متعددا بل لا يكون الا نهي واحد بقوله لا تصل .

تقريب عدم جواز الاستعمال للفظ في أكثر من معنى

ص: 148


1- . وسائل الشيعة 5 الباب 6/2 - 3 - 4 - 5 - 7 من أبواب الاذان والاقامة .

فاما أن يكون مستعملاً في الوجوب أو الندب ولا يمكن الاستعمال في أزيد من معنى واحد .

هذا ويرد عليه انه مبنى على عدم كون الهيئة معنى حرفيا بل معناها الطلب أو الزجر والا فعلى ما تحقق ويجيء إن شاء اللّه في محلّه عدم الاستعمال الا في النسبة الايجادية التي لابد من تطبيق التكوين بحكم العقل على طبق تشريع المولى فلا يكون الاستعمال في متعدد ولا وجوب وندب مركب أولهما من الطلب والمنع من النقيض وفي الثاني لا كذلك . بل المستعمل فيه النسبة الايجادية فان ظفرنا بالدليل المقتضي للترخيص في الترك فينتزع من ذلك التنزيه والكمال والا فالدخل في الماهية والشرطية .

الكلام في المشتق

وانه بعد التسلم انه حقيقة في المتلبس ومجاز في ما لم يتلبس هل هو حقيقة في ما انقضى عنه التلبس كحال التلبس أو هو مجاز كما في لم يتلبس .

وليقدم أمور: الأوّل: ليس النزاع في المشتق مبتنيا على ثبوت الاشتقاق الأدبي بأقسامه من الكبير والصغير حيث جعلوا له أصلاً وفرعا وانه لابدّ في الفرع من اختلافه مع الأصل . اما في الحروف الأصول زيادة أو نقيصة أو بهما أو في الترتيب أو الحركات حيث ان الأصل لا يقل عن ثلاثة . فالمتحصل من الأقسام في الاشتقاق خمسة عشر قسما من ضرب كل واحد من اصول الكلمة في أقسام التبديل .

وهذه الأقسام ما يكون فيها الحروف الاصول محفوظة بترتيبها ومعناهافيرجع إلى الاشتقاق الصغير كالمتعارف في السنة أهل الأدب من اشتقاق اسم

في المشتق

ص: 149

الفاعل والافعال من المصادر واسم المفعول وساير الأوصاف . وما لا يكون كذلك يكون من الكبير .

فالمسألة غير مبتنية عليه بل النزاع في مطلق ما ثبت له وصف من الأوصاف بلحاظ طرو حال عليه من الذوات المحفوظة في حالتي بقائه وزواله سواء كان من أقسام هذا المشتق أم لا . ويترتب على هذا البحث ثمرات ذكروها وفي بعضها نظر كمسئلة ارضاع الزوجتين للزوجة الصغيرة كما سيجيء بيانه إن شاء اللّه .

وتحرير محل الكلام في هذه المسألة . انه إذا عرض وصف على ذات ثم زال فلا اشكال في صحّة اتّصاف المعروض بالوصف العنواني المنتزع من طرو هذه الحالة المقارنة للوصف حين التلبس بالذات . كما لا اشكال في مجازيته بلحاظ التلبس في المستقبل .

انما الكلام والنزاع في كونه حقيقة في المنقضي عنه التلبس بالمبدء سواء اتصف بضده كالفسق والعدالة أم لا . ولابدّ في ذلك من كون الذات والمعروض محفوظا في الحالتين ( حال التلبس وحال الانقضاء كي يصح النزاع والا فلو تبدلت الحقيقة كما اذا صارت العذرة ترابا والكلب ملحا والشجر رمادا لا مجال للنزاع في ذلك أصلاً . بل ربما لا يصدق العنوان على الذات ولو مجازا ويكون من الغلط الذي يضحك على مستعمله . ومن هنا صح التفصيل بين النجس والمتنجس فان النجس اذا تبدل عنوانه وزالت صورته النوعية ولبست صورة اخرى فلا يصدق على المادة المحفوظة في كلتا الحالتين انه بول أو عذرة أو كلب . فيكونطاهرا . وكذلك إذا كان الدم الانساني من أجزاء البق . بخلاف المتنجس فان

ص: 150

الوصف أي النجاسة انما طرئت على ذاته وهي باقية كما اذا صار الشجر المتنجس فحما .

لكنه قد يشكل . بأن محل النزاع ان كان خصوص المشتق الذي يدور على السنة أهل الأدب كاسم الفاعل والمفعول والآلة كالمفتاح والزمان والمكان . فلا حاجة إلى تسريته إلى غيرها الذي لا يكون منه . وإن كان صدق العنوان على الذات بلحاظ طرو حالة ووصف كالزوجية والحرية والرقّية . فاللازم تعميم دائرته إلى مطلق ما يكون فيه الذات محفوظة وتبدل بعض ما لها من الأصاف سواء تبدلت بذلك صورتها النوعية كما إذا صار انسان بالاعجاز شاة أم لا . كما إذا كان متلبسا بالعدالة فزالت وطرء وصف الفسق فان الذات والحقيقة محفوظة في كلتا الحالتين وما تبدّل إنما وصف من الأوصاف الذاتية في الأول والعرضية في الثاني خصوصا أو بناءً على ان صيرورة البول بخارا والعذرة ترابا انما هي من لبس بعد لبس وإن كان خلعا صورة ولبس اخرى . ولكن ذلك لبس بالنسبة إلى الذات ضرورة ان ذات البخار والأجزاء البخارية منه لم تخلق حين صيرورة البول بخارا .

وبدفعه ان مناط النزاع والبحث في ذلك لو كان هو الدقة العقلية كان اللازم التعميم . الا انه حيث ان المساعدة العرفية والصدق ملحوظة في جهة البحث فلا وجه للتعميم لما لا يساعد عليه العرف . بل يراه غلطا كما في مطلق زوال الأوصاف الذاتية التي تخلع الذات بزوالها عن الصور النوعية وتتلبس اخرى وحينئذٍ فما يكون محل النزاع بلحاظ المناط العرفي هو ما ذكره في الكفاية(1) من

ص: 151


1- . كفاية الاُصول 1/58 .

تعميم دائرة النزاع للمشتق الأدبي وغيره مما يكون الأوصاف طارية على الذات الا ان الأحسن التعبير بأنه اذا طرء وصف على ذات تتصف معه بوصف من الأوصاف ثمّ زال . فهل الاتصاف مخصوص بحال التلبس أم لا . بل يعمّ بعد الانقضاء لكنه في ما يكون الوصف من الأوصاف التي تتصف الذات بضميمتها بعنوان من العناوين كالسواد والبياض مثلاً سواء كان من الأعراض الأصلية أو النسبيّة كمقولة الجدة دون ما لا يكون من المحمولات بالضميمة . بل مثل الامكان والوجوب والامتناع . هذا في تحرير محل النزاع .

الثاني: اما الحكم فلا يخلو من تعلّقه بالذات ولو في صورة عدم وجود الوصف الكذائي أو لا . بل هو متعلق بالعنوان . فان كان الأول فلا اشكال . وأما الثاني فمبتن على مسألة المشتق . فلو كان الذات في حال انقضاء الوصف متصفا أيضا بذلك العنوان المنتزع بلحاظ طرو الوصف فيترتب عليه الحكم بعد الانقضاء كقبله والا فيقتصر على حال التلبس دون الانقضاء .

والحاصل لو كان الحكم معلقا بحدوث العنوان فلا ارتباط له من هذه الجهة بالمشتق وانه حقيقة في الأعم من التلبس أو في خصوصه كما ربما نقول في امومة الزوجة فانه ليس بلازم في ترتب الحرمة دوام الزوجية بل لو حصل بينهما الزواج الانقطاعي ساعة مثلاً أو أكثر وزالت أو وهب الزوج بقية المدة . فتكون الام محرمة عليه أبدا . فالموضوع للبحث الذي يترتب عليه الثمرة انما هو في ما يكون موردا للحكم بعنوانه الحقيقي ويكون الحكم دائرا مدار صدق العنوان وعدم وجوده وبقائه .فحينئذٍ مجال للبحث في ان المشتق حقيقة في خصوص المتلبس بالمبدء أو

ص: 152

في الأعم منه وما انقضى عنه . ويترتب عليه الثمرة فلو كان للأعم يترتب الحكم ولو بعد الانقضاء بخلاف الخصوصية فينحصر الترتب بحال التلبس كما هو واضح . وقد عرفت ان موضوع البحث والنزاع في ما يكون الذات محفوظة في كلتا حالتي وجود العرض والصفة وزوالها فلو كان العرض مما يحدث ويوجد بوجود المعروض ويعدم بعدمه فلا يكون من محل البحث لعدم الانفكاك .

وقد سبق الاشارة إلى عدم اختصاص النزاع في ما نحن فيه بالمشتقات

الاصطلاحية كأسماء الفاعلين والمفعولين والصفات الجارية على الذات قبال الجواهر . بل مناط البحث ومحل النزاع مطلق ما كان جاريا على الذات مما يتحد معها وجودا بلحاظ عروض عرض من الأعراض الأصلية والنسبية عليها أو بكونه مرتبطا بالامور الاعتبارية التي ليست من الامور العرضية ولا الذهنية بل في قبال الخارج والذهن وان عبّر عنهما في الكفاية(1) بالعرضي كالرقية والزوجية والملكية فان مراده بالعرضي الاعتباري كما انه قد يعبر عن الاعتباري بالانتزاعي وقد يطلق الانتزاعي على الأمور الخيالية والمتصورة في الذهن التي لا حقيقة لها إلاّ بذلك . لكن لم يوجد في التعابير واستعمالاتهم . وان كان قد أورد على ذلك المحققّ النائيني قدس سره (2) بأنه خلاف ما اصطلح عليه القوم في العرضي في ما يريد به صاحب الكفاية الاعتباري . وبعبارة اخرى ان مورد النزاع مطلق ما يكون من المحمولات بالضميمة من العناوين التي تطرء على الذوات المحفوظةفي حال تلبسها بها وزواله . لا الأمور التي تنتزع من الذات أو غيرها ممّا لا يكون

ص: 153


1- . كفاية الاُصول 1/60 .
2- . فوائد الاُصول 1/88 .

بازائها شيء نظير انتزاع الحيوانية من الحيوان والناطقية من الانسان مما يكون من ذاتياته كالوجوب والامكان والامتناع التي هي أيضا من المحمولات الخارجية لا بالضميمة . حيث ان ميزان كون شيء من المحمولات بالضميمة لحاظ شيء مع الذات بانضمامه إليها يطرء عليها عنوان تتّصف به . كما في عروض السواد والبياض على الأبيض والأسود . وميزه من الخارج المحمول عدم لحاظ شيء مع الذات زمانا أو زمانيا ولا حال من الأحوال كالسبق والاجتماع في ما يكون من خارج المحمول . فعلى هذا زوجية الأربعة من المحمول بالضميمة كالعلية والمعلولية بخلاف الوجوب والامكان اللذين هما من جهات الوجود . وربما يمكن اجتماع عنوانين في ذات بالنسبة إلى شخصين كالحب والبغض كما شاع ذلك ولونهما في السواد والبياض .

ثم انه قد يقال اذا وسعتم الموضوع للبحث في مسألة المشتق للاصطلاحي وغيره فلم لا تعممونه في ما يكون المادة محفوظة في حالتي تبدل صورتين عليها بعد عدم امكان خلو أحدهما عن الآخر فلابد فيها من أحدهما ولو بوجود ما واستحالة خلو المادة عن الصورة ووجودها بلا مادة .

فاذا تبدل البول بخارا أو الكلب ملحا . فيمكن أن يقال في صورة حفظ المادة في كلتا الحالتين بجريان النزاع لوجود المناط فيه وهو حفظ الذات ولو مادة ما في الحالتين وان تبدلت الصورة بصورة اخرى .

لكن لا وجه للتعميم لعدم حفظ عنوان الذات وان كانت المادة موجودة في الحالتين . إمّا لكونه من الخلع واللبس أو اللبس بعد اللبس وإن كان الثاني لا معنى له ولو باعتبار القوة والفعل . بأن تكون الصورة الاولى الطارية على مادتها صورة

ص: 154

نوعية اخرى في القوة والفعليّة انما هي للطارية لان القوة ليست بوجود فليس الاصورة نوعية واحدة وهي ما حدثت بالأخيرة .

والحاصل: انه يمكن الجواب عن ذلك بعدم انحفاظ الذات في الحالتين بل الثانية انما خلقت جديدا كما في الكلب اذا صار ملحا فانه مادامت الوحدة الكلبية لا يمكن أن تلبس بصورة ملحية وكما لا يمكن اجتماع الصورتين يمتنع خلو الذات عن احديهما وغيرها .

ان قلت: هناك صور متوسطة بينهما .

قلنا: ننقل الكلام بالنسبة إليها وبالاخرة نتيجة الأمر إلى الزوال والتجدد والخلع واللبس ومناط البقاء وعدمه انما هو بالصورة النوعية . فلا يمكن تعميم النزاع حتى بالنسبة إلى المواد المتبدل عليها الصور عقلاً .

مع قطع النطر عن عدم مساعدة العرف كما أشرنا إليه سابقا .

بقي الكلام في مثل الشدة والسرعة المتصف بهما الأعراض كالسواد والحركة . والظاهر انهما أيضا خارجان عن دائرة النزاع . لعدم كونهما عارضين على الاعراض للاستحالة بل ما به الامتياز فيهما عين ما به الاشتراك فهما من حدود الاعراض . فالسواد بما هو سواد شديد كما ان الحركة بما هي حركة سريعة . فلا معنى للنزاع في انهما حقيقة للمتلبس بهما في الحال أو في الأعم منه ومن المنقضي عنه إلاّ بناء على حفظ الذات أي المعروض بعد انعدام السرعة والشدة .

تذكرة: سبق الاشارة إلى مدار البحث في مسألة المشتق وانه ليس مناط النزاع ومدار البحث في المشتق الذي اصطلح عليه أهل الأدب قبال الجواهر . بل البحث ربما يشمل بعض الجوامد . فان المناط مطلق ما اذا حدث عنوان على ذات

عموم البحث في ساير المشتقّات

ص: 155

محفوظة حال طرو مبدء العنوان وزواله وهل العنوان تابع لبقاء مبدئه بحيث اذاكان العنوان موضوعا لحكم من الأحكام فبزوال الوصف والمبدء يزول الحكم أملا ؟ بل يبقى الحكم مادامت الذات الجاري عليه الصفة الزائلة عنها بعدا .

ولا يخفى ان هذا ليس نزاعا كبرويا بل النزاع إنما هو في تحقيق الصغرى وان العنوان بعد باق أم لا .

كما لا اشكال في انه يزول بزواله ويبقى ببقائه اذا لم يكن مما أخذ الموضوع نفس حدوث العنوان بطرو العرض ويكون صرف تلبس الذات بالوصف الكذائي موضوعا لحكم استمراري والا فسواء زال العنوان أو كان باقيا لا فرق في بقاء الحكم واستمراره . فعلى هذا يشمل العرض والعرضي بتعبير صاحب الكفاية(1) أو مطلق المحمول بالضميمة الحادث من قيام العرض بالذات من اية مقولة كان أو مثل قيام الاعتباريات كالزوجية والرقية وأمثالهما فانها بأجمعها داخلة تحت محل النزاع ويشملها .

وقد أشرنا سابقا إلى دفع اشكال لزوم شمول محل النزاع للذوات المتبدلة بعد مساعدة العرف بل العقل ببقاء المادة والذات وان استحالت وتبدلت بصورة اخرى على المبنيين في ذلك وانه هل يكون صيرورة العذرة دودا أو النطفة حيوانا أو الكلب الواقع في المملحة ملحا من باب لبس بعد لبس أو الخلع واللبس وتبدل الصورة النوعية وقلنا ان التغاير العرفي في هذه الموارد بين الذاتين والعنوانين أوجب انحياز الأحكام المترتبة على المادة في صورة خاصة عن الأحكام المترتبة عليها في لبس صورة اخرى . فلذا لم نحتج إلى البحث عنه كما في مثل

ص: 156


1- . كفاية الاُصول 1/59 .

صيرورة الخمر خلاً أو انتقال دم الانسان في البق . فانه لا يصدق عليه دم الانسانولا عنوان الخمرية حتى مجازا بل يكون من الغلط وهذا بخلاف باب المشتقالذي يكون مورد البحث والذات باقية في كلتا الحالتين بصورته النوعية .

ويمكن اطلاق العنوان الطارى عليها بلحاظ تلبسها بمبدء ما بعد زواله ولو مجازا فلذا صار من النزاع بمكان وانه حقيقة أم لا بل يدور مدار بقاء المبدء وقد ظهر من ذلك عدم اختصاص النزاع باسماء الفاعلين والمفعولين . بل يعم مثل الزوجية بشهادة الاستدلال وابتناء الثمرات المبحوث عنها في تلك المسألة على هذا البحث . وان ذكر لها وجهان آخران على ما سيقع البحث في ذلك وكمسألة حرمة بنت الزوجة فهل تحرم ما اذا ولدت بعد طلاق امّها ولو بعد أحيان مثلاً أم لا.

نعم يمكن على بعض الوجوه من كون الحرمة دائرة مدار تلبس امها بالزوجية لا البقاء والصدق خروجه عن النزاع كما لا يخفى . ولذلك ظهر وجه وقوع الكلام في حلية لبن ما لا يؤكل لحمه كالانسان أو يكره كالحمار ودعوى بعضهم سندا للمنع انه نفس دم الحيض الذي كان حراما .

نعم لا وجه لدعوى الملازمة بين نجاسة اللبن ونجاسة البول المستفاد من قوله علیه السلام: ( اغسل ثوبك(1) من أبوال ما لا يؤكل لحمه ) كما لا وجه لها في كراهة لبن الحمار بلحاظ كراهة لحمه ويشمل مورد النزاع لغير خارج المحمول كالامتناع والوجوب وأمثالهما من المحمولات بالضميمة بانحلالها والامور الاعتبارية واسم الزمان كالمقتل ويوم قتل الحسين سلام اللّه عليه لا يوم عاشوراء

كون النزاع صغرويّاً

ص: 157


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 8/2 من أبواب النجاسات صحيحة عبداللّه بن سنان .

على ما سيجيء من تصحيحه على ما أنكره صاحب الكفاية(1) وجعل المسمىعنوانا كليا يكون مثل يوم قتل الحسين أو مقتله علیه السلام بعيدا .من مصاديقه حقيقة لا من باب التشبيه بل يمكن دعوى مساواة الأيام في ذلك.

وليعلم ان اختلاف المشتقات بحسب المبادئ لا يوجب اختلافا في الجهة المبحوث عنها . فان بعض المصادر والمبادئ صلاحي كالمفتاح فانه يطلق عليه ولو لم يفتح به باب ولم يستعمل أصلاً .

نعم . ان خرج عن القابلية فيكون من مورد النزاع وكالمستنبط والشارب فانه مبدء حدوثي وصدوري لا صلاحي وشأني ويمكن أخذ المستنبط شأنيا ملكيا وقس على هذا .

توضيح: سبق الكلام في خروج الذاتيات وعناوينها عن هذا النزاع وإن كان مناط النزاع في المشتق متحققا فيها .

فالمادة في مثل الانسان هي مادته الأولى التي طرئت عليها حالات والصور المختلفة المتبادلة إلى أن صارت انسانا من قوة الحس والحركة الارادية والنطق وادراك الكليات إلى أن يصل إلى غايته التي يمكن الوصول إليها .

كما ان الكلب الذي وقع في المملحة وصار ملحا لم يعدم بالكليّة ويوجد ملح بصورة الكلب . بل ذاك الكلب الذي كان سابقا له الصورة الكلبيّة صار ملحا بعينه ولم يتخلل عدم بين الصورتين أو الصور . فيكون هناك آن لا صورة على المادة الكذائية .

وفي ذلك سواء قلنا بكون الاستحالة خلع صورة ولبس اخرى أم لا . بل

الاشكال في اسم الزمان

ص: 158


1- . كفاية الاُصول 1/60 ولم يذكر الكفاية ما استبعده .

لبس بعد لبس وان اللباس الأول أيضا موجود فيه كما مثلنا في الانسان . الا ان المباينة العرفية بين الصورتين أغنتنا عن عنوان النزاع في ذلك أو جريان الكلامفي الذاتيات وعناوينها(1) وإن كان من الممكن فتح باب الكلام فيها بنحو آخر كماإذا كان العلف المأكول لحيوان غصبا فهل الروث واللبن الحاصلان من ذلك عين ذاك العلف فيكون ملكا أو مختصا بالمغصوب منه أم لا .

وكيف كان فالمهم صرف الكلام إلى محل النزاع وضابطه ما سبق ذكره من المحمولات بالضميمة دون خارج المحمول . لكن لا يجري النزاع أيضا طرا في المحمولات بالضميمة .

فان من ذلك ما اذا حصل عنوان اسم الزمان من وقوع حدث في زمان مع انقضاء ذلك الزمان الذي وقع فيه الحادث وانقضى وتصرم بحيث لا يمكن حصول ذلك ولا اعادته ولا يكون هو بنفسه باقيا كي يقع النزاع في انه للأعم أو لخصوص حال التلبس ضرورة لزوم ما به الاشتراك بين الحالين .

ويبحث عنه في ان العنوان الكذائي العارض عليه حقيقة باق بعد زوال مبدئه أم لا . وليس في اسم الزمان ذلك فان القتل مثلاً حصل وانقضى هو وزمانه فلا بقاء لأحدهما وليس شيء يكون هناك باقيا بعد زوال وانقضاء ذلك الزمان يكون مشتركا بين زمان آخر يبحث عن أعميّته وخصوصه .

ولم يوافق سيّدنا الأستاذ قدس سره ما أجاب به المحقق الخراساني قدس سره في الكفاية(2) بما حاصله: ان انحصار الكلي في الفرد لا يوجب الغنى عن البحث في انه حقيقة في المتلبس أم لا .

تصوير جريان النزاع في اسم الزمان

ص: 159


1- . مع ان الجمود الموجود في الزوجية حسب اصطلاح أهل الأدب موجود في الذاتيات .
2- . كفاية الاُصول 1/60 .

ونظره بمفهوم واجب الوجود مع انه منحصر في الخارج . لكن لا يوجب

تشخص المفهوم . أو ينظر بالشمس على فرض وحدتها وإن كان المنكشف ان فيالعالم شموسا كثيرة والتي تخص بنا هي هذه الشمس . ومع ذلك فالمفهوم عامومرجع هذا الكلام إلى الوضع العام والموضوع له العام دون الخاصين .

وأجاب المحقق النائيني بجوابين في دورتين: أحدهما كون الزمان شخصيا لكن يجرد عنه خصوصيات التشخص وثانيهما انه وضع(1) للكلي وان التطبيقات على المصاديق المختلفة . لكن سيّدنا الاستاذ قدس سره رأى رجوع الجواب الأوّل إلى ما أجاب به صاحب الكفاية .

كما ان في الثاني ما لا يخفى . فان اسم الزمان على قسمين قسم منه كيوم الجمعة والخميس . لا اشكال في وضعه عاما وله مصاديق مختلفة كهذا الخميس وذاك وهكذا أو كالشهور المتجددة في كلّ سنة في أي قوم وبأي اعتبار كان فانها من الوضع العام والموضوع له العام ولا نزاع فيها . اذ ليس اطلاق يوم الخميس على مصداق منه أولى من اطلاقه على آخر .

والقسم الثاني: مثل الأسماء المشتقة الزمانية فباعتبار وقوع حدث فيها وكونها ظرفا للأحداث كالقتل والضرب وهي ليست كالقسم الأوّل كما ليست من قبيل الضارب والشارب الذين بانقضاء الشرب والضرب لا ينقضي المعنون بهما أو بأحدهما بل ذاته باقية بعد . غاية الأمر بلا شرب ولا ضرب .

حيث ان في اسم الزمان أخذ نفس الزمان قبال الذات في الضارب والشارب معنونا بعنوان كذائي حدثي والآن الكذائي قد تصرم وانعدم وما يوجد

ص: 160


1- . فوائد الاُصول 1/89 .

بعد انما هي اشباه ونظائر . فان أراد المحقّق النائيني قدس سره بقوله يكون كليا أو شخصيا بالتجريد . انه يكون نظير السنة والشهر والليل الواقع في أحدها حدث فيقال سنةكذا أو شهر كذا . وليلة كذا فان التلبّس إنّما هو في الجزء الأوّل من السنة أو الشهرأو الليلة . ولكن بعد الانقضاء أيضا يقال سنة كذا وليلة كذا فله وجه . وان كان يمكن عدم خلوه من الاشكال . بل من الممكن أن يقال يحسب مجموع الساعات والآنات ساعة واحدة ودهرا طويلاً وقع في أحد آنات بعض أجزائه حدث حدوثي منقضي كما أشار في القرآن « يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ »(1) وإلاّ فيكون نظير موت انسان متصف بصفة كذائية واطلاق صفته على فرد موجود لم يتصف بها أصلاً .

والظاهر كما سبق إليه الاشارة عموم البحث لخارج المحمول كالمحمول بالصحيحة وفاقا لما في التقريرات(2) وان كان يظهر من كلام السيد الاستاذ قدس سره اختصاصه بالمحمول بالضميمة كما عرفت عدم شمول محل النزاع لاسم الزمان وما اجيب به حفاظا على الشمول عرفت ما فيه . وسبق امكان تصحيحه وادراج اسم الزمان في كلي النزاع لو قلنا باعتبار الوحدة في مجموع أجزاء الزمان إلى آخر الدهر مثلاً وكونه يوما واحدا وحينئذٍ يصح أن يوصف بالعنوان لوجود ما به الاشتراك المتحقق في حال الانقضاء والتلبس .

لا يقال إذا اعتبرت الوحدة فحينئذٍ لا يكون لذلك انقضاء . لأنا نقول هذا صحيح اذا فرضنا لجميع أجزائه الوجود ولوحظ عروض المبدء عليه .

عموم البحث لخارج المحمول

ص: 161


1- . الأنبياء /105 .
2- . فوائد الاُصول 1/88 .

وأما كما في الواقع من تدرج أجزاء الزمان وكونه بين ما انقضى وتصرم وما لم يجيء بعد . فلا معنى له بل انقضى الزمان الذي تلبس بالمبدء وكذلك التلبس .لكن لا يوجب ذلك انعدام ما به النزاع المحفوظ في الحالين بل هو موجود ( أيالزمان ) بوجوده التدرجي وهذا كما في ملاقات ماء كثير لشيء طاهر أو نجس ببعض أجزائه فان الماء بماله من الوحدة يوصف بالملاقاة لذلك الشيء مع ان ما به الملاقاة الذي لاقاه حقيقة هو البعض . والذي يسهل الخطب عدم الابتلاء بهذا النحو من اسم الزمان الذي يجري فيه النزاع فتأمل .

ثمّ ان الأصوليين قد مهد والتحرير محل النزاع مقدمات لا حاجة إلى تكثيرها بل تكفي واحدة وسبق الكلام في بعضها .

منها: ان المراد بالحال في عنوان النزاع أي حال . فهل يراد به حال النطق أو التلبس أو النسبة ؟ الظاهر هو الثاني دون الطرفين وذلك لأن لازم كون المراد حال النطق مجازيته فيما اذا كان في الماضي مع كونه متلبساً حال النسبة فاللازم هو كونه حال التلبس .

هذا مضافا إلى الحزازة في العبارة اذا قلنا هل المشتق حقيقة فيما اذا كان التلبس في الحال أو في ما انقضى فيما اذا فسّر الحال بحال التلبس كما هو واضح وما صدر من بعضهم من كون المراد بالحال حال النطق فخروج من المبنى والتحقيق . بل إذا كان المراد بزمان النطق النطق الفعلي ففساده أوضح ضرورة عدم الحاجة في كونه حقيقة فعلية النطق بالنسبة والجرى بل يكفي ولو تقديرا واذا جرى بل نسبته إلى المحقّق النائيني قدس سره فاسدة ضرورة ان مبناه في ذلك هو الفرق بين المبدء والمشتق بشرط لا ولا بشرط فكيف ينسب إليه ذلك .

ص: 162

سواء كان الحال الحاضر أو الماضي أو المستقبل .

فاذا كان الجرى بلحاظ حال التلبس فيكون حقيقة كما إذا كان بلحاظ ما يأتي فمجاز اتفاقا . واذا كان الجرى بلحاظ التلبس في الماضي فهو مورد الكلامالاّ ان التلبس حال النطق حقيقة وما يستقبل مجاز ولو كان متلبسا حال النسبةوبالنسبة إلى الماضي أيضا يكون مجازا وان كان بلحاظ حال التلبس .

ولا يخفى ان المشتق حقيقة في المتلبس بالمبدء في الحال انما يصح اذا كان الجرى أيضا بذاك اللحاظ والا فيكون مورد الخلاف كما إذا كان بلحاظ حال الانقضاء(1) .

ثم ان الفعل بأقسامه لم يؤخذ الزمان في مفهومه فكيف باسم الفاعل والمفعول وغيرهما من المشتقات الاسمية .

ويظهر من المحقّق النائيني قدس سره (2) انه أورد على نفسه في المقام اشكالين:

أحدهما انكم بما أشرتم في تحرير محل النزاع ان حال التلبس غير حال النطق في قبال الماضي والمستقبل خالفتم أهل الادب طرا في اشتراطهم عمل اسم الفاعل محققا بل واسم المفعول عمل فعله . كونه بمعنى الحال أو الاستقبال .

الثاني: عدم بقاء مورد للنزاع المعروف بين المحققين الفارابي والشيخ الرئيس في عقد الوضع وانحلاله إلى قضية ممكنة أو فعلية بمعنى التلبس في أحد

المراد بالحال

ص: 163


1- . الظاهر ان تعيين كون المشتق حقيقة في حال التلبس اشتباه وغفلة . ضرورة ان الذي عليه مناط النزاع لابد وأن يكون حال النسبة أي إذا جرى المشتق على الذات في زمان من الأزمنة فهل اللازم في كونه حقيقة اتحاد زمان التلبس والنسبة ودوران النسبة مع التلبس أم يكفي تلبس الذات بالمبدء ولو في زمان قبل زمان النسبة .
2- . فوائد الاُصول 1/91 - 92 .

الأزمنة وانه لابد في كون الزمان مأخوذا في ذلك كي يصح النزاع .

وفي انحلال عقد الوضع إلى قضية اختلف تقرير القوم . فعن بعضهم انه مهما يكن شيء في الدنيا فاذا كان شيء انسانا كان حيوانا أو ناطقا أو ناهقا أو غيرها من العناوين الذاتية لعقد الوضع أو العرضية كالكاتب .فقولنا مهما يكن شيء انسانا ثابت له الناطقية أو الكتابة أو غيرهما بمعنىتحققه في أحد الأزمنة وكونه مطلقة عامة أو لا ولو كان ذلك بالامكان العام .

فاذا كان ثبوت انسانية شيء بالامكان ولم يكن فعلاً انسانا مع ذلك يحمل عليه عقد الحمل . ولم يأت سيدنا الاستاذ قدس سره في تقرير الملازمة بازيد من هذا المقدار واعتذر بأنه من حيث كونه مغالطة لا يمكن تقريره كي يجاب عنه واستظهر عدم كون النزاع في محله بل هو نزاع عام له ربط بما نحن فيه .

الأمر الثالث: لا إشكال في عدم أخذ الزمان في مفهوم المشتق بل هو كما يأتي تحقيقه خال عن النسبة والذات على ما سنبين الفرق بينه وبين العرض وعلى هذا لا وجه لتوهم ان المراد بالحال حال الجرى والنسبة بلحاظ أخذ الزمان في مفهومه بل لابد في ذلك من زمان . حيث ان الزماني لا يمكن وقوعه خارجا من الزمان لكن ذلك غير مرتبط بمسئلة أخذه في مفهومه .

فان التلبس بالمبدء اما أن يكون في الماضي أو الحال أو المستقبل فعلى هذا لا يكون الحال حال النطق وزمانه بل حال تحقق التلبس بالمبدأ وحينئذٍ يكون النسبة بينه وبين الحال الحاضر عموما من وجه كما ان النسبة بين الزماني والزمان هو التباين . ويمكن الجرى بلحاظ حال التلبس وان لم يكن حاضرا مطابقا للزمان الحاضر بل في الماضي أو المستقبل .

ص: 164

والحاصل: الذات اذا تلبست بالمبدء وجرت النسبة بلحاظ زمانه وحاله فيكون حقيقة كما اذا جرى عليها بلحاظ التحقق في المستقبل ومجاز في ما اذا جرى عليها فعلاً بلحاظ الاستقبال واختلف فيما إذا جرى بعد انقضاء التلبس . فالمراد بالحال فعلية التلبس وأن يكون الجرى والاطلاق في ذاك الحال أي حال التلبس أو يكون حقيقة في الأعم منه ومن المنقضي أي ولو كان الاطلاق في حالالانقضاء(1) .ثم انه لا يخفى عدم منافاة ما ذكرنا لما اتفق عليه أهل الأدب من اشتراط الحال أو الاستقبال في عمل اسمي الفاعل والمفعول .

وذلك لعدم اشتراطه في أخذه في المفهوم ولا يدل كلامهم عليه . بل يشترطون ذلك . وهو أعم من كونه مأخوذا في معناه وان أفاد سيّدنا الأستاذ قدس سره في بيان عدم أخذه انه يحتاج إلى القرينة بذكر انه ضارب في الغد أو في الحال .

ومعه منظور فيه لكونه متوجها اذا لم يكن مشتركاً وقالوا بالنسبة إلى الماضي لابد من الاضافة كما في مثل قولنا زيد ضارب عمرو أمس كما لا ينافي ما ذكرنا نزاع العلمين في المعقول .

الفارابي والشيخ لقولهم بانحلال القضية إلى قضيتين بالنسبة إلى عقد وضعها وحملها . فقولنا كل كاتب متحرك الأصابع ينحل إلى قولنا مهما يكن شيء وكان

ص: 165


1- . ويعضهم كانه أنكر كون الحال بمعنى زمان الحال لانكاره أصل الحال حيث انه اما ان يكونماضيا أو مستقبلاً ولكن الحق بطلان ذلك لأن امكان قبول قسمة الزمان إلى ما لا نهاية له ولو وهما لا يوجب عدم تحقق زمان موجود ولو أقل قليل وشدة التدرج والمضي لا تنافي الوجود ولو أنكر ذلك لهان عليه انكار أصل الزمان مع انا قد أثبتنا في محله جريان الاستصحاب في نفس الزمان وان كان من الأمور التدريجية .

كاتبا فهو على فرض كتابته متحرك الأصابع وهذا لا يختص بالعناوين العرضية بل ولو في مثل قولنا زيد قائم من العناوين الذاتية .

ثم ان نسبة المحمول إلى الموضوع منحصر عقلاً في الامتناع والامكان والوجوب والدوام والضرورة فان صرحت في القضية بالجهة فتكون موجهة وان تلبست فمطلقة عامة ولو في زمان من الأزمنة وربما يقيد القضية بقيد نفي الدوام والضرورة وأمثالهما فتكون مركبة والا فبسيطة .

فمختار الفارابي في ذلك ان في صحة الحمل يكفي كون القضية التي انحلعقد الوضع إليها ممكنة بلا حاجة إلى كونها مطلقة بخلاف الشيخ فاختار لزوم كونها مطلقة . والظاهر عدم افتراق لهما في عقد الحمل لامكان توجهها حتى بجهة الامكان كغيرها من الجهات التي تتوجه القضايا بها .

كما لا ارتباط لنزاع الفارابي والشيخ الرئيس بما نحن فيه فان ذلك وان كان جاريا في مورد البحث ويشمله بعمومه لكون كلامهم في مطلق العناوين الذاتية أو العرضية كالكاتب أو الناطق أو الانسان . لكن لا يرتبط بمحل البحث .

وان كان لا يبقى مجال لهذا النزاع منهما ان كان المشتق حقيقة في الحال الحاضر ( أي حال النطق ) وخارجا عن الحقيقة ان لم يكن الجاري عليه متلبسا في الحال ضرورة عدم كونه حقيقة ولو في أحد الأزمنة غير الحال .

فأي معنى حينئذٍ لكلام الشيخ من اشتراط كون عقد الوضع فعليا أي في أحد الأزمنة ومخالفته للفارابي من اكتفاءه بمجرد الامكان . لكن مع ذلك فنزاعهما لا يكون من الجهة التي يبحث عنها في الاصول . لما عرفت من ان الكلام في ما نحن فيه من حيث سعة المفهوم وضيقه وعدم كون الزمان مأخوذا في المفهوم .

ص: 166

بخلافهما لكون نزاعهما اما أن يرجع إلى اشتراط كون القضية فعليّة الموضوع وانكار القضية الحقيقيّة التي يحكم فيها على الموضوع المفروض الوجود لا المحقق الوجود مثلاً لو اريد حمل محمول حرام أو محرم وأمثالهما على الخمر لابد في ذلك بنظر الشيخ من تلبس الخمر بالوجود في أحد الأزمنة ولا يكفي في صحّة قولنا حرام فعلاً وحكما فعليا مجرد امكان تحقق الخمر ولو لم يتحقق ولا يتحقق بعد .

والفارابي يكتفي بصرف امكان وجوده وصحة القضايا الحقيقية وحينئذٍفالحق هو امكان القضايا الحقيقية وعدم اشتراط الوجود الخارجي ( وان أفادسيدنا الأستاذ قدس سره ) بكون الحق مع الشيخ لكن لعله اشتباه لدلالة كلامه على حقيّة القضايا الحقيقيّة .

وأما ان يرجع نزاعهما في كفاية الامكان لعقد الوضع دون الفعلية هو ان لو فرض وجود شيء في الخارج محققا لكنه مستعد لقبول عنوان ذاتي أو عرضي آخر فلا يحكم عليه بلا حمل على ذلك العنوان الا بالفعلية والتلبس به عند الشيخ دون الفارابي فاكتفى بالامكان . كما في النطفة التي هي مستعدة وقابلة لصيرورتها انسانا . فالأحكام الثابتة للانسان من الضحك والنطق هل تحمل على هذه النطفة بلحاظ امكان صيرورتها انسانا أم لا . بل لابد من التلبس بالانسانية واتصافها بها بأن يقال هذا الشيء انسان فعلاً .

وكون معنى انحلال عقد الوضع إلى قضية أن يحمل الانسانية على الشيء الموجود ويقال هذا ذاك .

واحتمل سيّدنا الأستاذ رجوع نزاعهما إلى كلا الوجهين . واختار في الأول

الفرق بين كلام الشيخ والفارابي

ص: 167

حقيّة القضايا الحقيقية وفي الثاني مذهب الشيخ من اشتراط فعليّة التلبس فلا يقال للخبز الذي لابد له من سير مراتب عديدة إلى صيرورته جزء انسان انه انسان ولا يحكم عليه بما يحكم به على الانسان ( وكأنه كما أفاد قدس سره لأن ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له . أي الموضوع ) وهو لا يكون الا بالفعلية لا الامكان بخلاف السالبة فلا احتياج فيها إلى وجود الموضوع . ولكن قد حققنا في مباحثنا الاصولية عدم معنى للسالبة بانتفاء الموضوع ورجوع القضايا إلى المعدولة .

الأمر الرابع: قد سبق دفع توهم أخذ الزمان في مفهوم المشتق حيث ان المراد بالحال ليس زمان الحال بل حال تحقق التلبس وفعليته وان الجرى اذا كانبلحاظه يكون حقيقة وان لم يكن بل بلحاظ الاستقبال فمجاز . والخلاف في انالتلبس في الجملة هل يوجب حقيقة الاطلاق ولو بعد انقضاء التلبس أم لا وهذا لا . ربط له بمسألة أخذ الزمان في مفهوم المشتق . بل حيث ان ذلك من الامور الزمانية ولابد من وقوعها في زمان يكون ظرفا لها فلا جرم لا يخلو واقع التلبس من وقوعه في زمان، إمّا ماضيا أو مستقبلاً أو حالاً بالنسبة إلى حال التكلم والنطق .

كما ان المشتق يدل على ذلك بالدلالة العقلية كدلالة الجسم على الاحتياج إلى الحيز .

لكن لا بحيث يكون مأخوذا في المفهوم . لأنّ المشتق زماني والزمان مباين له واحدهما غير الآخر حقيقة وكذا عرضا لكون الزمان ظرفا وذاك مظروفا .

والحاصل ان مورد الكلام في سعة المفهوم لما إذا تلبس وانقضى أو ضيقه بحيث لا يكون حقيقة الا في خصوص المتلبس وان جريه على المقتضي عنه

ص: 168

المبدء بأنحائه من الصلاحي والشأني والملكي والفعلي الصدوري مجازا . كما اذا كان فقيرا فزال فقره فهل يكون الفقير الذي هو من المشتق اصطلاحا موضوعا للأعم من حال التلبس وانقضائه أم لا ؟

وثمرة النزاع يمكن ان تظهر في بعض الموارد . لكن الظاهر عدم الاحتياج إليها وما مثلوا له من الموارد وغيرها يمكن دلالة الأخبار والأدلة الخاصة على حكم ما يبتني على مسألة المشتق . فلا ثمرة للنزاع بحيث اذا اختير كونه حقيقة أو مجازا تنقلب الفروع الفقهية بالنسبة إلى أحكامها ونتائجها .

كما في مسألة دار السكنى التي خرج الاحتياج في وسط السنة إليها مع انها من المؤونة المستثناة فان الظاهر انه إن كان وجودها مقتضى شأنه وان لم يسكنهافتحسب من المؤونة . والا فلا، سواء قلنا بأن اطلاق دار السكنى في حال عدمسكونتها حقيقة أو مجاز .

وقد أجبنا عن الاشكال النحوي في اشتراط عمل اسمي الفاعل والمفعول كونهما بمعنى الحال أو الاستقبال بعدم منافاته لعدم أخذ الزمان في مفهومه بل يستعمل كل منهما ولو بقرينة أدوات الحال أو الاستقبال .

الأمر الخامس: ذكر المحقّق النائيني قدس سره (1) اشتباه الأمر على بعض مستشكلا على الاصوليين جعل النزاع في المفهوم بل لابد أن يكون في التطبيق ضرورة ضيق المفهوم من ناحية الوضع . فالنزاع في ان تطبيقه على المنقضي عنه المبدأ يكون حقيقة أو ادعائيا وكون المجاز في الاسناد فمهّد لذلك مقدمة لتوضيح الأمر وانكار أساس كلام السكاكي القائل بكون المجاز في الاسناد وان القرائن

الاشكال في كون النزاع في التطبيق

ص: 169


1- . فوائد الاُصول 1/93 - 95 .

انما هي على المراد لا الاستعمال . لعدم استعمال اللفظ إلاّ في معناه ولا يتصور عند الاطلاق والعلم بالوضع الا معنى اللفظ ويريد اثبات المجاز في الكلمة وان القضية إمّا صادقة وهو ما اذا كان الحمل حقيقيا على فرده الحقيقي أو كاذبة ولا يخرج إلاّ دعاء الحمل عن الكذب فاطلاق الأسد على الانسان الشجاع لابد أن يكون كذبا اذا كان ادعاءً .

والحاصل يُدّعى عدم كون النزاع في مفهوم المشتق بل في تطبيقه بعد الفراغ عن عالم المفهوم وانه هل هذا المفهوم المعلوم في المشتقات ينطبق على ما انقضى عنه المبدأ أم لا وقد صدر من الشيخ قدس سره في بعض المقامات الفرق بين الشبهة الصدقية والشبهة المصداقية .وبعبارة اخرى فرق بين المفهوم وسعته وضيقه مع قطع النظر عن مقامتطبيقه وصدقه على افراده وبين مقام التطبيق على الافراد ولو الافراد الادعائية وان لم تكن أفرادا مع قطع النظر عن الادعاء . والنزاع في ان المشتق حقيقة في خصوص المتلبس بالمبدء في الحال أو الأعم منه ومن المقتضى عنه في التطبيق وهو غير مرتبط بالمجازية والحقيقية في الكلمة .

وقد بنى المحقّق النائيني(1) وتبعه الاستاذ صحّه الدعوى على الفرق وتعقّله بين المفهوم والتطبيق كما في تقرير الدعوى . والا فالمدعى غير معلوم صدوره ودعواه هكذا .

كما انه قدس سره (2) بنى صحّة الدعوى على صحّة المجاز في الاسناد الذي صار

ص: 170


1- . فوائد الاُصول 1/93 - 95 .
2- . فوائد الاُصول 1/93 - 95 .

إليه السكاكي . والا فالدعوى مردودة .

لكن لا يخفى عدم ابتناء هذه الدعوى على المجاز في الاسناد لان الكلام ليس في مقام التطبيق . بل انما هو في خصوص القضايا الشخصية الخارجية كزيد جالس وعمرو مستطيع . وأما الأحكام المحمولة على الموضوعات على نحو القضايا الحقيقية فليس الكلام في تطبيق الموضوعات على الأفراد بل البحث إنّما هو في ان هذا المفهوم هل له سعة مثلاً في من كان مستطيعا سابقا وانقضى عنه المبدء أم لا وان فرض جواز صدق المستطيع عليه على نحو المجاز العقلي . اذ ليس الكلام في هذه الجهة . بل في هذا البحث لابدّ من تنقيح سعة المفهوم وضيقه حسب المعاني الافرادية كما سنشير إليه .والمحقّق النائيني حيث بنى صحّة الدعوى على تعقّل مجاز السكاكي أفادان قولنا زيد أسد لا يخلو في الاسناد والحمل من التصرف في ناحية الموضوع وهو زيد بأن يراد منه مطلق الشجاع مثلاً أو التصرف في الأسد وان المراد به كذلك مطلق الحيوان الذي له الشجاعة أو في الاسناد .

أما الأول: وهو التصرف في الموضوع فغير مقبول لأن زيدا موضوع للذات الشخصية المتخصصة الخارجية ولا يدعى أحد ان التصرف وقع فيه كما ان اطلاق الخمر على الخل لا يوجب التصرف في الخل الذي هو الموضوع في قولنا هذا الخل خمر .

وكذلك التصرف في المحمول وفي عالمه بأن يراد من الأسد مطلق الشجاع يرجع إلى المجاز في الكلمة . واما الاسناد بأن يكون زيد بمعناه الحقيقي ولا يراد بالأسد الا الحيوان المفترس . ومع ذلك يحمل على زيد فهذا كذب لعدم كون زيد

المجاز في الاسناد والكلمة

ص: 171

أسدا ومن أفراده . فاذا ثبت كونه كذبا وان الثاني مرجعه إلى المجاز في الكلمة فلا يبقى موقع لهذه الدعوى .

لكن عرفت عدم ابتناء هذه الدعوى على ذلك . بل النزاع في المعاني

الافرادية التي تتركب منها الجمل . كما ظهر لك من بعض الأبحاث السابقة عدم معقولية المجاز في الكلمة . بل كلّها من المجاز العقلي . حيث لا يعقل عدم حضور المعنى في ذهن السامع العالم بالمفهوم وانه موضوع لمعنى كذائي وان اقامة القرينة انما هي على المراد لا الاستعمال لأن اللفظ بعد اختصاصه بالمعنى وحصول الارتباط الخاص بينهما الذي عبر عنه المحقق الخراساني قدس سره (1) بالوضع لابد منتصوره عند الاطلاق بالنسبة إلى العالم كما انه بالنسبة إلى غيره لا يفيد شيئا .ثم بعد انضمام المعاني الافرادية بعضها إلى بعض وحكومة القرائن على ذوى القرائن يتحصل معنى تركبي من الظهور الكلامي والجملي والتركيبي ويفهم منه مراد المتكلم . فحينئذٍ ليس إلا المجاز في الاسناد وينحصر المجاز بالمجاز العقلي . بل يمكن دعوى استحالة المجاز في الكلمة . وعرفت ان القرائن انما هي قرائن المراد وهي حرية بأن تسمى الصوارف التي تصرف الذهن عن المعنى الافرادي إلى المعاني الجملية والتركيبية . فانكار المجاز العقلي من المحقّق النائيني قدس سره لا وجه له . بأن يقال: ( ان الطواف بالبيت صلاة )(2) لا يراد منه إلا انه نظيرها في الآثار كما انه قد يقال زيد كالأسد فالدعوى المزبورة ليست مبتنية على ما تخيله ويكفي في ردها ما ذكرنا .

ص: 172


1- . كفاية الاُصول 1/10 .
2- . مستدرك الوسائل 9 الباب 38/2 من أبواب الطواف .

وان الكلام في الحقيقة واللغوية وعدمها(1) .

توضيح: ان النزاع في المفهوم أو التطبيق ليس مبنيّا على المجاز في الكلمة بل لو كان ذلك كما بيناه أمكن النزاع أيضا في التطبيق كما اذا لم يتصور المجاز في الكلمة أيضاً امكن النزاع في التطبيق كما يمكن في المفهوم وانه هل هو متّسع حتّى لما انقضى عنه المبدء أم لا بل لخصوص المتلبس فعلاً وحالاً وظهرممّا ذكرنا انه لم يثبت ما ذكروه من كون المصدر أو اسم المصدر أصلاً للكلاموباقي المشتقات بل ثبت خلافه .

نعم ما يمكن أن يقال هو ان النسبة الناقصة في المصدر من حيث صدور معنى اسم المصدر متقدمة على النسبة التامة . فلهذا قد يدعى ان الأصل في الكلام هو المصدر لكونه مشتملاً على نسبة ناقصة تقييدية والكلام المؤلّف من المشتق وغيره يكون مشتملاً على نسبة تامة خبرية أو انشائية بحيث يصح السكوت عليها .

ومعلوم ان النسبة التامة تشتمل على الناقصة وزيادة تكون بها تامة . ولكن هذا أيضا لا وجه له لما أشرنا إليه ان الموجود هو تحقق مادة الضرب أي المصدر في كل واحد من المشتقات سواء في ذلك اسم المصدر أو هو أو باقي المشتقات .

ص: 173


1- . للقوم تطبيق غير ما جعلوه مدار الاستدلال والنقض والاشكال . بل مرادهم به تطبيق المفهوم سواء استعمل أو كان حقيقة في الأعم أو الخصوص على الذات في بعض الحالات كما في مثل زيد ضارب الآن في الأمس ويكون في الأمس قرينة التطبيق ( والآن ) علامة النسبة بأن يكون هنا أربعة أشياء: 1 . الزمان أي الحال، 2 . النسبة وحالها، 3 . حال التلبس، 4 . حال التطبيق وزمانه وظرفه فزمان النطق في زيد ضارب الآن معلوم كما ان زمان التلبس مثلاً كان في قبل الأمس والنسبة الآن والتطبيق أي تطبيق المفهوم الجاري على زيد في الحال عليه في الأمس .

لعدم انحفاظ اسم المصدر أو المصدر بمادته وهيئته في المشتقات فلا مجال لهذه الدعوى .

نعم حيث ان مادة الضرب أو باقي المصادر محققة في ضمن جميع هذه المشتقات على اصطلاحهم في ضمن هيئة ما فلا جرم يمكن الالتزام بوضعها لكن بما انها لا توجد إلاّ في هيئة خاصة لا معنى أيضا لوضع خاص له الا ضمنا ولو مع الغير وبما ذكرنا يندفع ما قيل في رد دعوى ان الأوصاف قبل العلم بها اخبار كما ان الأخبار بعد العلم بها أوصاف . فلو كانت النسبة التقييدية الناقصة متقدمة بالطبع

على التامة لما كان تحصل النسبة الخبرية بعد حصول العلم بها تلقى بالنسبة الناقصة فان الأمر في ذلك على عكس ما في الدعوى .

وجه الاندفاع لزوم ملاحظة كلّ نسبة ناقصة مع تامتها . فالناقصة في قولنا زيد العالم أو غلام زيد قائم . اذا لوحظت بالنسبة إلى تامتها تكون بالنسبة إليهاكالجزء من الكل لتركب الكلام من ملاحظتها والقائم والنسبة بينهما .والحاصل انه تارة يلاحظ العرض بما هو عرض قبال ساير الموجودات من الجواهر ويوضع اللفظ بازائه فيكون هو اسم المصدر الذي هو الخاصة والنتيجة الحاصلة من المصدر . واخرى يلاحظ بما هو صادر وحاصل عن الغير فيكون فيه نسبة إلى الصدور فيختص بوضع المصدر له . فالمصدر يفارق اسمه في انه لوحظ فيه حيث الصدور بخلاف ذاك فيلاحظ من حيث نفسه وذلك بدخل الهيئة العارضة على المادة في ما يكون للمصدر في الافادة حسب ما يستفاد من استعمال أهل المحاورة اذ ليس ذلك إلا أمرا لغويا يراجع فيه اللغة كالغُسل بالضم مع الغَسل بالفتح كما ان في بعض الموارد يكون لفظ واحد مستعملاً تارة في

ص: 174

المصدر واخرى في معنى اسمه والفرق بما ذكرنا .

ثم ليعلم انه قد يلاحظ تحقق ذلك الحدث ووقوع المعنى المصدري في الخارج بحيث لا يكون ناقصا كما في المصدر بل تاما ولو مع بيان الفاعل فيكون فعلاً على اقسامه ولا يكون المصدر هكذا . اذ غاية أمره أن يكون مثل غلام زيد لا يفيد الا نسبة ناقصة . والفعل ان وضع هيئته للدلالة على تحقق المعنى ووجوده في الخارج لا التلبس الفعلي فيكون ماضيا ولازم هذا المعنى وقوع ذلك في الزمان الماضي وليس الزمان داخلاً في مفهوم الفعل ولا في مؤداه إلاّ بهذا المعنى . أي لازم معناه وتحققه في الخارج هو وقوع ذلك في الزمان السابق على النطق . اخرى ليس كذلك بل للدلالة على الترقب والتوقع ووضع له لهذا الحيث هيئة المستقبل والكلام في عدم كون الزمان داخلاً في مفهومه وانه مستفاد من المعنى ولازمه كالماضي وبهذا الوجه صحّ أن يقال ان الأصل في الاخبار هو الجملة الفعليّة كما انه ان اريد بيان التلبس الفعلي فاختص للوضع بهذا المعنى صيغةالفاعل وهذا كله واضح يرجع فيه إلى اللغة بلاخلاف ولا نزاع فيه .الأمر السادس: في كيفية الاشتقاق في المشتقات .

ذهب القدماء السابقون إلى ان المصدر أصل الكلام ( أي المشتقات ) كما ذهب طائفة منهم إلى ان الفعل أصل الكلام وذكروا في كيفية اشتقاق الفعل الماضي من المصدر .

واشتقاق المستقبل من الماضي تفاصيل مذكورة في محلّها . وكذا في ضيغ الماضي واشتقاق بعضها من بعض من الغائب والحاضر والمتكلم كالمستقبل والأمر .

كيفيّة الاشتقاق في المشتقّات

ص: 175

وأنكر ذلك عليهم المتأخرون من الأصوليين وقالوا بعدم اشتقاق كل واحد من الآخر . بل ليس هناك إلا الأوضاع المتعددة للهيئات كما ان المادة بالمعنى الذي نذكره ذيلاً موضوعة .

تفصيل ما ذكروه . انهم قالوا على اختلاف القولين ان المصدر اشتقّ من الفعل الماضي أو بالعكس . حيث انهم رأوا في الماضي مضافا إلى معنى الحدث الذي في المصدر واسم المصدر نسبة ناقصة إلى فاعل ما كما انهم قالوا باشتقاق المصدر من اسم المصدر لكون المصدر مشتملاً على معنى اسم المصدر وزيادة وهي الاشارة إلى الصدور من فاعل ما . بخلاف اسم المصدر فليس فيه هذه الجهة بل فرض وجعل شيئا في قبال ساير المعاني والماهيات فوضع له اللفظ .

والتحقيق يقتضي ما ذهب إليه المتأخرون . حيث انه ليس الأمر كما زعم المتقدمون من وضع الضرب مثلاً للمصدر وظاهره انه بمادته وهيئته العارضة عليه من فتح الأول وسكون الوسط ثم في صوغ الماضي منه شوشوا هذا النظم في الهيئة وصاغوه في هيئة الفعل الماضي من فتح الثلاثة الأحرف . كما ان فيالمصادر المزيدة ليست الأصل المصادر المجردة وانما اشتقت المصادر المزيدفيها منها باعتبار اشتمالها على ما في تلك من المعنى وزيادة . بل لا يمكن جريان ما ذكروه في هذه الموارد لاستحالة وجود الهيولي والمادة بلا صورة كاستحالة العكس . فاذاً لا يمكن الالتزام بكون اسم المصدر أو المصدر أصلاً والباقي فروعا . والفرع مشتمل على الأصل بزيادة . لكون الهيئة في جميعها مما به تشخص اللفظ فدعوى ان لفظ ضرب موجود في جميع المشتقات واضح الفساد لان الموجود فيها انما هو مادة الضرب لا نفس ضرب بماله من المادة والهيئة

ص: 176

ضرورة ان مادة الضرب في كلّ واحد من المشتقات متهيئة بهيئة تخالف الهيئة الموجودة في الضرب فكيف يدعي انها موجودة في جميعها .

نعم ما يمكن الالتزام به هو ان حيث يدور على باب الألفاظ مدار التفهيم والتفهم لعدم تأتي أو سهولة افهام المعاني ( الدقيقة ) مطلقاً وغيرها غالبا إلاّ بالألفاظ لعدم وفاء باقي الدوال كالاشارة على أقل قليل من ذلك . والخط أيضا كذلك فلا جرم اقتضت حكمة نظم معاش بنيآدم ونظام امورهم في الوضع وأخذ مواد الحروف من الهمزة والباء والجيم والدال إلى آخرها وتركيب الكلمات والفرد منها لذلك فالأصل فيها انما هو حروف التهجي ثم بعد ذلك . لا معنى لكون لفظ أصلاً للفظ آخر والآخر فرعاً له مشتقا منه .

فالواقع اشتمال كل واحد من تصاريف المصدر على مادته وهذا القدر لا يوجب اشتقاقها منه وكونه أصلاً بالنسبة إليها بل الأصل انما هو المادة التي تتصرّف في هذه الهيئات التي أحدها هيئة المصدر . كما ان لاسم المصدر أيضا هيئة خاصة وكذلك الفعل بأقسامه في صروف الكلام وفنون البيان من النفي والاستفهام والنهي وغيرها .فتبين ان المادة التي هي موجودة في المشتقات هي غير ما تخيلوه منكونها الفعل أو المصدر(1) .

كما ان ما تشترك فيه المشتقات من المعنى لا بأس بأن يكون أصلاً فيها بمعنى ان معاني باقي المشتقات مشتملة على معنى أصل الحدث واضافة معنى آخر .

ص: 177


1- . ويتفرع على ذلك كون الفضولي في غير عقد النكاح والبيع مخالفا للقاعدة اذا كان بمعنى اسم المصدر بخلاف ما اذا كان بمعنى المصدر فانه يجري في جميعها .

ثم انه بالنظر إلى هذه الجهة التي أشرنا إليها في اشتمال المشتقات كلها على مادة الضرب وهي الضاد والراء والباء . يمكن القول بكون الفرق بين المادة والمشتقات بشرط لا واللا بشرط فان في الأول هي المادة لعدم قبولها الحمل والثاني وهي المشتقات . لكن هذا الفرق لا يتأتى في الفعل الماضي والمضارع لعدم امكان الحمل فيهما .

بل الأنسب هو الفرق يكون المادة لا بشرط والمشتقات بشرط شيء لكون المادة موجودة في جميع المشتقات لاستحالة وجود المادة بلا صورة كالعكس والمشتقات مشتملة على المادة واضافة معنى آخر .

هذا في المعنى . أما اللفظ فيلتزم بكون الضرب مثلاً موضوعا لأصل المعنى الحدثي ولم يوضع له الا خصوص مادة الضرب أي الضاد والراء والباء لا بهيئة الحروف سوى الترتيب وتقدم الضاد وتوسط الراء فيها .

تتميم: ما قالوا بدلالة الفعل الماضي على الزمان الماضي وفعل المضارع على زمان الحال والاستقبال . يحتمل الاشتراك اللفظي والمعنوي(1) . واستدلواعلى مذهبهم بأن استعمال الفعل الماضي في المعنى الذي لم يتحقق غلط كالعكسويعلم ذلك بتصدير كلّ واحد بالحروف الموضوعة للتحقق والمضي أو الاستقبال مثلاً استعمال يضرب زيد بقولنا قد يضرب زيد في الأمس غلط . كما ان ضرب زيد في الغد كذلك . فهذا قرينة وعلامة كون الزمان دخيلاً في الزمان الماضي كالمستقبل .

هذا محصل دليلهم . وهو كما ترى أعم من المدعى لاحتمال عدم استناد

ص: 178


1- . هذا صحيح في المضارع لا الماضي .

ذلك إلى دخل الزمان في حقيقة مفهوم الفعل . مضافا إلى عدم جامع في الزمان المستقبل والحال بناء على اشتراك صيغة المستقبل بينهما معنى والتعبير بما ليس بماضي من السوالب التي يمكن أن يعبر بها عن كل شيء فالدليل لا يفي بالمدعى . وأما القائلون بعدم دخول معنى الزمان في مفهوم الأفعال فاستندوا في ذلك إلى موارد كثيرة من الاستعمالات التي لم يلاحظ فيها العناية بل استعمال في عرض ساير الاستعمالات مع امتناع أخذ الزمان في مدلولاتها .

منها: ما استند إلى اللّه تبارك وتعالى من الأفعال ماضيا أو مستقبلاً كما إذا قيل هذا رزق رزقك اللّه أو احياه اللّه وأماته مثلاً فان الفاعل اذا لم يكن زمانيا فلا

يمكن وقوع فعله في الزمان وان المحيط لا يكون محاطا بالزمان وغيره . لكن استشكله سيدنا الاستاذ قدس سره ( وهو الحق ) بعدم تمامية ذلك وان مال في أثناء التقرير إلى مذهبهم . إذ الأفعال المنسوبة إلى اللّه تعالى مما يرجع إلى صفات الذات كقولنا

علم اللّه وشهد اللّه .

ومنها: مطلق الأفعال المنسوبة إلى المجردات التي لا تقع أفعالها في الزمان ومنها اذا اسند الفعل إلى نفس الزمان ماضيا أو مستقبلاً . فان الزمان لا يقع في الزمان . والحاصل انا نرى بالوجدان صحة الاستعمال في هذه الموارد بلا عنايةولا مجاز بل كما نستعمل الأفعال في الزمانيات . كذلك نستعملها في ما ليسبزماني من الزمان أو المجردات على حذو استعمالها في الزمانيات فلو كان الزمان جزءً من مفهوم الأفعال لكان الاستعمال ممتنعا أو كان بلحاظ العناية والقرينة واذ ليس كل منها فيثبت عدم كون الزمان داخلاً في مفهوم الأفعال .

ويمكن الجواب عن بعض هذه الموارد:

الدليل على عدم أخذ الزمان في الفعل

ص: 179

على فرض كون عالم المجرّدات محيطاً بهذا العالم أي عالم الزمانيّات بامكان تصوّر زمان فيها ووقوع أقوالها فيه .

والظاهر ان مراده قدس سره فرض ما يكون محيطاً بعالم المجرّدات كما بيّن في البحث عن فرض السرمد والدهر الذي يمكن وقوع كلّ فعل من غير اللّه تعالى فيه ونسبتها إليه على حدّ سواء مثلاً فاذا كان الزمان داخلاً في مفهوم الفعل فلم يلزم محذور من التجريد والمجازيّة .

تنبيه: ثمّ ان سيّدنا الاستاذ قدس سره فصّل بين ما يكون الفاعل زمانا فالسبق واللحوق فيه ذاتي

وبين ما يكون زمانيا فليسا بذاتيّين . وإنّما هو بملاحظة تقدم زمان بعض الزمانيات وتأخر زمانه في ما يأتي لان التقدم والتأخر أحد أقسامه السبق الذاتي وحصول زمان قبل زمان آخر .

وليس كذلك الزمانيات، فانها من حيث مقارنتها للمتقدم والمتأخر تكون متقدمة أو متأخرة .

وعن بعضهم ان مفهوم المستقبل أعم من الحال والاستقبال حيث انه لو لا القرينة الخاصة لا يفهم منه أحدهما .

نعم لو كانت قرينة على كون المراد وقوع الحدث في أحد الزمانين لا يكونحينئذٍ منفهما منه الا فرد من ذلك ما اذا كان المبدء من المبادى ء التي يكونصدورها عن الفاعل حالاً ولو بالغلبة كيشرب ويأكل .

وذكر عن المحقّق النائيني قدس سره انه قد أجاد أهل الأدب في قولهم ضرب يضرب فهو ضارب . والظاهر ان مراده بذلك ترتيب المشتقات بالنسبة إلى المبدء

ص: 180

في الواسطة وعدمها كما في التقريرات(1) .

والحاصل ان دليل القائلين بكون الفعل دالا بمعناه على الحدث غير تام . بل ذلك من لوازم المعنى والمدلول الفعلي لا انه جزء المعنى كما سبق والدليل غير تام .

اشارة: وجه تسمية الفعل المستقبل بالمضارع . انه يشبه المعنى الذي قابل للحمل ولذلك يعمل اسم الفاعل والمفعول عمله اذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال وذكرنا ان المصدر فيه اشارة إلى الحصول من الفاعل بنفس الضرب ( لكن الموجود في التقريرات(2) وتعبير سيّدنا الأستاذ قدس سره ضرب زيد واستفادة النسبة من

اضافته أو منه بما هو مصدر وقد نقل الاشكال فيه عن المحقق النائيني قدس سره في

التقريرات وهو في محلّه لكون افادة ذلك بالاضافة غير كون المصدر هو بنفسه فيه اشارة إلى ذلك .

وذكر عن المحقّق النائيني(3) ان الفعل الماضي للتحقق والمستقبل مجرد الاخبار بالاعداد واستعداد الفاعل للتلبس بالمبدء واستشكله بعدم مساعدةالوجدان عليه كما هو واضح .الأمر السابع: في بساطة المشتق وتركبه . قبل الخوض في البحث ينبغي تقديم أمرين:

الأوّل: لا يبتني القول بالأعم على بساطة المشتق أو التركب كما لا يبتني كون المفاد خصوص التلبس . بل يجامع كل منهما البساطة والتركب . فالذي

الكلام في بساط المشتق وتركّبه

ص: 181


1- و2 . فوائد الاُصول 1/101 .
2-
3- . فوائد الاُصول 1/100 .

يذهب إلى البساطة يمكن له القول بالأعم كما ان الذي يذهب إلى التركب يمكنه أن يختار الخصوص .

الثاني: ان المراد بالتركب ليس بالنسبة إلى المفهوم فلا يذهب ولم يذهب أحد إلى ان المشتق مركب من الذات والنسبة أو هما مع الحدث . ومع ذلك يقول ذلك في المفهوم فبناء على التركب من الذات والنسبة لا يمكن خروج الحدث عن ذلك اذ التركب من الحدث والنسبة لكون النسبة أمرا قائما بالطرفين فلا يمكن حصولها بلا وجود طرفيها . فيرجع نتيجة المذهبين إلى التركب من الأمور الثلاثة وان معنى الضارب الذات الذي ثبت له الضرب كالشارب بمعنى الذات الذي ثبت له الشرب وهكذا مثلاً . فيكون هناك قضية تامة خبرية بل لابد أن يقول ذلك بالنسبة إلى الحقيقة والتحليل العقلي .

ومن هنا ربما يتوجه الاشكال . وهو انه بناء على كون التركب في التحليل فلا فرق بين المشتق والجامد فان الماء أيضا ينحل إلى قضية الذات التي ثبت لها المائية وكذلك الحجر وأمثالهما من أسماء الأجناس . وان كان النزاع في المفهومفلا يمكن بل يمتنع(1) .وحاصل الكلام: انه يمتنع تحقق النزاع في بساطة مفهوم المشتق وتركبه لان المفهوم لا يمكن فيه تطرق التركب أصلاً . حيث ان ما يقع من الخارجيات في الحس المشترك انما هو بالصورة العلمية . ثم بعد ذلك يقع في الحافظة والذاكرة

كيفيّة التركّب

ص: 182


1- . أمّا ما أفاده الاستاذ قدس سره اولاً يكون أحد الطرفين أيضا داخلاً بناء على التركب من النسبة وأمر آخر فانما هو في مقام التحقق والواقع لا في المفهوم فان الملازمة ليست في عالم المفهوم بل في عالم التحقق والوجود كما ان قوله بانحلال ذلك إلى قضيّة تامّة خبرية ليس على ما ينبغي . بل ناقصة تقييدية .

ويترقى إلى عالم العقل ولا يبقى له شيء لا صورة ولا مادة . بل البساطة من جميع الجهات بحيث لا زمان ولا زماني ولا وجود خارجي ولا ذهني ولا مكان . لكونه معرّى من تمام الخصوصيات حتى عن الوجود الذهني . وإنّما التركب في مقام الانطباق والتحقق الخارجي . والا فعالم المفهوم ليس الا البساطة المحضة . فعلى هذا لا يعقل أن يقع النزاع في بساطة المشتق وتركبه مفهوما . وإنّما الصالح للنزاع هو التركب في الخارج والانطباق والتحليل كانحلال الشيء إلى الجنس والفصل والا ففي عالم المفهوم ليس الا حقائق المفاهيم ولا مايز بينها الا ذواتها لأنها بما

هي متبائنات . فلا حاجة إلى مايز آخر . كما ان المايز بين الأعراض التسعة ليس الا انفسها فالسواد شديد ليس شدته أمرا خارجا عن حقيقته نعم في الخارج لا يمكن البساطة كما انه بالنظر إليه ليس بقابل حمل أحدهما على الآخر . فان الصورة والمادة والهيولى لا يمكن حمل أحدهما على الآخر بخلاف الجنس والفصل . فمن الممكن حمل أحدهما على الآخر وحمل الذات على أحدهما وبالعكس . فاذا لابد أن يكون هذا النزاع في غير ناحية المفهوم لما عرفت من بساطته وامتناع تركبه . بل التركب انما هو في عالم التحليل . فان معنى ضارب وما ينطبق عليه هو الذات التي ثبت لها الضرب .ومن هذه الجهة يقال بانحلال عقد الوضع في الجوامد أيضا إلى قضية وان الماء والحجر والمدر تنحل إلى قضايا عديدة وأنه هناك شيء ثبت له هذه الجهة المائية والحجرية وغيرهما . وعلى كلّ حال فان اريد بالتركب في المشتقات التركب في المفهوم . فهو مما لم يقل به أحد لرجوعه إلى دعوى الترادف في قولنا ضارب أو ذات ثبت لها الضرب كالترادف الواقع بين الانسان والبشر حسب

ص: 183

المفهوم . بل نقول كما ان المصدر لم يوضع إلا بازاء الحدث . كذلك اسم الفاعل وباقي المشتقات لم يوضع الا وضعا واحدا لمفاهيمها لما سبق من عدم تعدّد الوضع في المصدر وان لكل من مادته وهيئته وضعاً على حدة . بل ليس هناك الا وضع واحد كالجوامد(1) .

ودعوى الفرق بينها وبين المشتقات بتعدد الوضع في المشتقات حيث ان لها مادة وهيئة ولكل منهما وضع وليس كذلك الجوامد . فدعوى التركب في المفهوم انما هي جائية من قبل هذا أي تعدد الوضع في المادة والهيئة . مدفوعة بعدم تعدد الوضع لما أشرنا إليه من امتناع وجود المادة بلا صورة كالعكس . فاذن لا يعقل أن يوضع بازاء المادة بلا هيئة بل لابد في تحققها من هيئة فيوضع لمعنى فالمادة المشتركة في الهيئات المتعددة الطارية عليها الوضع لم توضع وضعا في قبال وضعها بل للمصدر وضع واحد وللفاعل كذلك وهكذا باقي المشتقات .وحيث ان هذا المبنى يستدعي وضعاً شخصيا لكل مادة وهيئة في أسماءالفاعلين والمفعولين وساير المشتقات فلذا اضطرب كلام سيّدنا الاستاذ قدس سره في المقام فتارة يدعى ويميل إلى ذلك أي الأوضاع الشخصية وهو مناف للوضع النوعي بالنسبة إلى الهيئة وتارة يميل إلى الوضع النوعي في الهيئة ولازمه كون المادة موضوعة بوضع آخر وهو ما فرّ منه من المحذور أو يلتزم باتحاد الوضع

ص: 184


1- . الظاهر بل المسلّم تعدّد الوضع في المشتقّات بالنسبة إلى المادّة والهيئة بخلاف الجوامد فلها وضع واحد وما قلناه مختار المحقّق البجنوردي منتهى الاُصول 1/76 والعلاّمة الخوئي ( محاضرات في اُصول الفقه 1/246 - 261 ) ويظهر اختياره من النهاية ( نهاية الأفكار 1/125 - 126 ) وإن أشار إلى وضع المادة نوعيّاً والهيئة شخصيّاً والاخير صحيح في غير أسماء الفاعلين والمفعولين وصفات المشتبهة .

النوعي في الهيئات والاحتياج في المواد إلى الوضع وهو كما ترى لا طائل تحته ولا يصدر من مثله حتى انه قدس سره صرّح بعدم تعدد الوضع في الأفعال أيضا وفي أثناء الرد على كون النزاع في المفهوم يقول لا يمكن ذلك لاستلزام كون قضيّة قولنا زيد ضارب إلى نسب عديدة(1) .

الأمر الثامن: لاصحاب السامراء قدّس اللّه أسرارهم منهم استاذ الأساتذة السيّد محمّد الاصفهاني بحث حول بساطة المشتق على اصطلاح أهل الأدب وتركبه تصدى المحقق النائيني قدس سره لبيانه . ادعى فيه ان الهيئة في المشتقات موضوعة لقلب النسبة والمعنى الحدثي من نفس الحدث إلى معنى قابل للحمل أي قلب ما ليس بقابل للحمل إلى ما هو قابل له .

وبعبارة اخرى ان المادة في المشتقات سارية كما ذكرنا . وما ادعى من عدم تعدد الوضع فيها فيه ما فيه . الا ان الهيئة وضعت لايجاد هذا المعنى فهي آلة للايجاد كالمنشار والفاس بالنسبة إلى ما يصنعه النجار . فان المادة في ما نحن فيه كالخشبة بالنسبة إلى صنعته والآلة هو المنشار في صنعه والهيئة في محل الكلام وما يحصل بأعمال الآلة والنتيجة هي صيرورة الخشبة بابا .كصيرورة اسم الفاعل في المشتقات كما تقدم في بحث الحروف من كونها الآت لايجاد معانيها في عالم التحصل . وانه لا تعدد بالنسبة إليها . بل وجودها وتحققها في عالم الاستعمال . فليس لها عالم التحصل كعالم التحقق . والفرق بينها وبين الانشائيات في العقود والايقاعات ما بين السماء والأرض . وقد تقدم المايز

كلام أصحاب السامراء في المشتق

ص: 185


1- . لا يخفى ان الالتزام بوضع واحد في المشتقات مساوق للقول بتداخل المواد كالضرب والشرب وأمثالهما فتدبر جيدا .

بينهما في محله .

والحاصل انّه ادعى التركب في المشتقات ونقض على قائله بلزوم ذلك في الجوامد وانحلال الحجر إلى ذات له الحجريّة إلى غير ذلك . مع انه لا يلتزم به أحد فالمناط الذي لأجله التزم بالبساطة في الجوامد موجود في المشتقات ( وان كان التركب فيها لا يستلزم التركب في الجوامد ) وذكرنا ان المراد بالبساطة والتركب لابد من كونه في المفاهيم لا في المعاني والمفهوم التحليلي العقلي لما ذكرنا من ورود النقض عليه وكونه في المفاهيم هو محط النقص والابرام .

والمعنى بالاستدلال فعلاً . فهو قدس سره على ما نسب إليه ادعى البساطة(1) في المفهوم وان اللفظ لم يوضع الا بازاء الحدث لا بلحاظ النسبة معها ولا النسبة لورود الاشكال على كلا التقديرين اما النسبة فلتوقف وجودها على المنتسبين لأن ذلك في التحقق والوجود لا في الوضع لامكان الانفكاك في الوضع فلا يضع الا لخصوص النسبة أو واحد المنتسبين بلا دخول آخر في الموضوع له . فالموضوع له مركب من جزئين . والتحقق في الخارج أو القضية من دخول الآخر أيضا . بل حيث ان مبنى أهل الأدب في أسماء الفاعلين والمفعولين وأمثالها علىانها أسماء معربة لا شائبة للبناء فيها .

ص: 186


1- . فوائد الاُصول 1/106 .

ولو كانت هي موضوعة بازاء الحدث والهيئة لامتنع اعرابها لأجل دخول المعنى الحرفي في وضعها وذلك خلاف اتفاق أهل الأدب في وضعها .

هذا مضافا إلى لزوم وضع هيئة المصدر أيضا كما يلتزمون بوضع هيئة اسم الفاعل للنسبة مع انه كما ترى .

ولو كانت موضوعة بازاء الذات والحدث أو ومع النسبة . فأيضا يلزم محاذير عديدة نكشف من بعضها لماً عدم الوضع للمركب ومن آخر كشفا انيا . فانا نرى ان لو كانت الذات داخلة في المفهوم لا فائدة فيه ويكون ذلك خلاف حكمة الوضع والغرض منه لكفاية الوضع لما نلتزم به من الحدث بمعنى كونه قابلاً للحمل وانه يلزم الترادف بين زيد وبين الضارب والشارب لكون الضارب حينئذٍ بمعنى زيد الضارب مع استلزام ذلك أيضا من تركب قضيّه واحدة من ثلاثة تركيبات وقضايا لكون قولنا زيد قائم ينحل إلى زيد وإلى قائم والنسبة بينهما فهذه نسبة تامة خبرية وان القائم ينحل إلى قضية خبرية تامة وهو ان زيدا أو ذاتا ما له القيام ونسبة ناقصة تقييدية أيضا ثالثة للذات مع ان المحقق في محله ان النسبة الناقصة انما تخص الوصف كالانسان القائم أو الاضافة كغلام زيد وليس اسم الفاعل منها .

ورابعا يلزم تقدم رتبة النسبة الناقصة على التامة في قولنا زيد قائم مع انه مخالف لما هو المعروف عند أهل الأدب من ان الأوصاف قبل العلم بها أخبار كما ان الاخبار بعد العلم بها أوصاف . هذا .

فحينئذٍ . اذا لم يكن الهيئة في المشتقات موضوعة ولا ألفاظها بموادها وهيئاتها للذات والحدث ولا الحدث والنسبة فيبقى أن يكون الموضوع له فيها هو الحدث وخروج الذات والنسبة من الموضوع له . الا ان الهيئة فيها انما هي لافادةمعنى قابل للحمل وهو المراد بقوله لقلب المعنى الحدثى الذي لا يحمل كشربمثلا الى المعنى الذي يكون قابلاً له كشارب لا ان المراد ان هناك حقيقة قلب وانقلاب .

وقد تبين ممّا ذكرنا انه قدس سره التفت في كلامه إلى عدم ملازمة استحالة انفكاك

توضيح عدم أخذ الذات في المشتق

ص: 187

النسبة خارجا من المنتسبين مع كون الوضع لها كذلك . كما تبين بما ذكرنا في أحد وجوه الاشكال من لزوم أخذ الذات في مفهوم المشتقات انه غير ما عن المحقق الشريف في ما يأتي بل هذا كلام آخر مبناه على أخذ الذات في غير الذاتيات كقاعد وقائم والشارب مثلاً وأخذها في مثل ناطق وحيوان ناطق مما يكون الترادف هناك حقيقة ولو بالنسبة إلى بعض المفهوم . أو ان نظر المحقق النائيني قدس سره

إلى لزوم اتحاد الحدث ( أي العرض ) مع معروضه بأن يكون الشرب هو الشارب والشارب هو الشرب وذلك مستحيل .

هذا ملخص ما أفاده في هذا المقام ولا يخفى ما فيه من وجوه الاشكال فليتدبر جيدا(1) .الأمر التاسع: قد سبق استدلال المحقق النائيني قدس سره على بساطة مفهوم

ص: 188


1- . السيّد العلاّمة الخوئي قدس سره محاضرات في اُصول الفقه 43/304 - 317 بعد ما جعل النزاع في البساطة والتركب بحسب التحليل والواقع ونسب إلى المحقّق صاحب الكفاية اختيار المركّب وإلى المشهور بين الفلاسفة ومتأخّري الاُصوليّين منهم المحقّق النائيني البساطة . صحّح هو التركب في المشتقات من الذات المبهمة غاية الابهام . معرّاة عن كلّ خصوصيّة عدا قيام المبدء بها ولذا قابلة للحمل على الواجب والممكن والممتنع على نسق واحد . وقال: فاذا قيل العالم فلا يراد منه إلاّ من ثبت له صفة العلم وإذا قيل الماشي فلا يراد منه إلاّ من له صفة المشي أو ما له صفة المشي وهكذا . واستدلّ على مدّعاه بالوجدان ( لتبادر الذات المتلبّسة بالمبدء على نحو الابهام ) وبالبرهان لعدم صحّة حمل المشتق على الذات إلا بأخذ مفهوم الشيء فيه . وناقش الوجوه الخمسة التي ذكرت للبساطة بنحو مشبع ) والظاهر صحّة مدّعاه خصوصاً بالنظر إلى الوجدان . ولذلك ضعّف مختار المحقّق البجنوردي ( منتهى الاُصول 1/94 - 95 ) من كون معنى المشتق نفس المبدء وخروج الذات والنسبة عن مفهومه وان مختار السيّد الخوئي عين ما اختاره سيّدنا الأستاذ ولعلّه إليه يرجع ما اختاره في النهاية من جعل المشتق عبارة عن المبدء القائم بالذات بما انه ملحوظ وجهاً وعنواناً للذات وطوراً من أطوارها . نهاية الأفكار 1/143 - 144 .

المشتق عند أهل الأدب بطريق الاّن واللّم اما الان فلانه لو كان المشتق(1) موضوعا لهيئة النسبة لكان مشتملاً على المعنى الحرفي الذي يتعين بنائه مع انه معرب . فهذا يكشف عن عدم كونه موضوعا للنسبة لكنّه كما ترى عجيب . بل ربما يشك في صدوره منه قدس سره ولذا كان سيّدنا الأستاذ قدس سره يعبر عن ذلك بأنه نسب إليه ذلك .

والحق انه لا يتم برهان الاّن لأن مبنى الاعراب والبناء ليس على مجرد المناسبة للمعنى الاسمي والحرفي بل الغلبة لجانب أحدهما فاذا غلب الجهة الاسمية يعربون الكلمة كما ربما يبنونها لذلك واسم الفاعل والمفعول من هذا القبيل مما غلب فيهما جهة الاسمية والفعل المضارع أيضا معرب مع ان فيه المعنى الحرفي .

هذا مضافا إلى عدم استلزامه إلاّ عدم الوضع للنسبة . اما الوضع للحدث . فلا لامكان الوضع للذات والحدث معا . قولكم لا يمكن خروج النسبة بل لابد من ملاحظة نسبة بينهما .

قلنا: لا ربط لذلك بعالم الوضع . نعم في مقام الاستعمال والتحقق وارتباط المعاني بعضها ببعض لابد من ذلك .

اما الاشكال بكون الوضع للذات خلاف حكمة الوضع .

ففيه أيّ مخالفة لها . بل الوضع لذلك لو لم يكن مفيدا لم يكن مضرا ضرورةكونه أنسب إلى الحمل . بل لو لم يلاحظ الذات لامتنع الحمل . كما ان تعدّد النسب لا ضير فيه بل القضايا غالبا أو كثير منها كذلك . مع انا لا نسلم كذلك من رأس

ص: 189


1- . فوائد الاُصول 1/109 .

عدم زيادة على نسبتين . احديهما بين المبتدأ والخبر والاخرى في المشتق .

كما في قولنا زيد قائم . وقد تقدم ضعف الاشكال بتقدم مرتبة النسبة التامة على التقييديّة واما اشكال .

دخول الجنس في الفصل أو الذاتيات بعضها في بعض أو الماهيات في الاخرى فليس بوارد . اذ مقام الوضع للمفاهيم غير مرتبط بذاك الباب ولا يلزم من وضع ضارب للذات التي صدر منه الضرب ذلك أي دخول الذات في المفهوم الحدثي ومعناه ولا العكس لتعددهما مفهوما وماهية . والماهيات بأسرها متبائنة خصوصا على مبناه قدس سره من ان المتعدد ماهية متعدد وجودا .

وكيف كان فلم يدخل الذات في العرض ولا العرض في الذات . ولو قال بذلك احد فغلط . بل المراد بذلك انه عند التحليل ينحل إلى ذلك أي ذات صدر منه الشرب أو الضرب أو غيرهما من المبادئ كما ان الأمر في الجوامد كذلك أي ذات ثبت له الحجرية والشجرية وغيرهما .

نعم هنا كلام في كون العرض لنفسه وفي نفسه لغيره وفي غيره نتعرض له إن شاء اللّه .

فالانصاف ان الاشكالات مندفعة بأسرها .

بقي الكلام في ما أشرنا إليه من وضع الهيئة في المشتقات لقلب المعنى الحدثي الذي لا يحمل إلى المعنى الذي يكون قابلاً للحمل .

فنقول: ان اريد بذلك ان البياض بما هو بياض تصيره الهيئة الفاعلية أوالموجودة في الصفة المشبهة إلى ما يكون قابلاً للحمل مبانيا للمعنى الأول .فمرجع هذا إلى جواز صيرورة الماء بما هو ماء حجرا والنار بما هي نار ماءً ولا

وضع الهيئة في المشتقّات

ص: 190

يحتاج فساده إلى اقامة برهان . وان اريد بذلك ان الذي ينقلب عن كونه لا يقبل الحمل إلى قبوله كما في لم الجازمة . فانها اذا تصدرت المستقبل تقلبه عن المستقبل إلى الماضي ويكون معنى لم يضرب في قوّة ما ضرب . فهذا له وجه . لكنه ربما يرجع إلى انّ هذا الفعل اذا تصدر بهذه الكلمة فمعناه كذا كان الواضع وضع هذا اللفظ لهذا المعنى بهذه الكيفيّة الكذائيّة .

فنقول: ان الأمر كذلك في ما نحن فيه أي ان الواضع لاحظ الحالات الطارية على المادة كما لاحظ الحالات الجارية على المعنى فجعل لكلّ معنى لفظا مخصوصا في هيئة خاصّة .

وان اشتركت تلك الهيئات في عروضها على مادة مخصوصة سارية في الجميع غاية الأمر ان الامتياز بين المعاني بكيفيات النسب وخواصها فوضع هيئة الفاعل المتصورة في ضمن مادة الفاء والعين واللام للتلبس كما وضع هيئة الماضي للمتحقّق والمستقبل للتوقع . لكنه لا يمكن وضع الهيئة بلا مادة كما لا يمكن العكس .

وكان سيّدنا الأستاذ قدس سره يريد بهذا الكلام تصحيح دعوى استحالة تعدد الوضع بأن يكون للهيئة وضع وللمادة السارية في الهيئات وضع آخر . والتزم بذلك في بيان الكلام والمراد وافاد كما ذكرنا بلحاظ الحالات الطارية على المعنى الحدثي وان الوضع لكل منها في هيئة خاصة فلم يكن هنا قلب الا بهذا المعنى وقد تكرر منه دعوى عدم تعدد الوضع في المشتقات وانه لا يمكن الوضع للمادة لعدم امكان تشخصها إلاّ في ضمن هيئة ومثل في الوضع للهيئة بفاعل وانه لا يمكن

ص: 191

وجود هذه الهيئة إلاّ في ضمن مادة ولو الفاء والعين واللام(1) .فالنتيجة ان الحروف الهجائية موضوعة بحسب التركيب لانه بدون التركيب لا يمكن الوضع ونظره في ذلك كانه غالبيّ والا فالوضع في المفردات غير عزيز .

الأمر العاشر: استدلّ المحقّق الشريف على بساطة المشتق على ما حكى عنه في حاشية شرح المطالع(2) انه يلزم من التركب اما دخول العرض العام في الفصل أو انقلاب الامكان إلى الضرورة . بيان ذلك انه عرف الفكر في المتن بأنه ترتيب امور وافاد الشارح في شرحه انه لا يرد النقض بما اذا أردنا تعريف الانسان مثلاً بالناطق ( فيما إذا كان المطلب مطلب ما أي ما هو حقيقة الشيء ) مع انه أمر واحد لا امور . لانحلاله إلى شيء ثبت له النطق . أو له النطق . فان التعريف تارة يكون بالحدّ التام أو الرسم التام واخرى يكون بالناقص منهما . والتعريف انما هو ملاحظة امور معقولة وترتيبها للتأدي إلى المجهول . واستشكل هذا البيان في الحاشية بأن ان كان المراد من الشيء مفهومه فيلزم دخول العرض العام في الفصل والتركب منهما ( هذا لو اريد تعريف الانسان مثلاً بالناطق تعريفه بما له من المعنى المفهوم منه وإلاّ فيمكن على فرض التركيب كون الفصل هو خصوص الفصل الخاص بالانسان الذي هو مقوم له ومميّز له من بين باقي الماهيات المشتركة في حقيقة الحيوانية من الحس والحركة الارادية والجسمية والنمو إلى غير ذلك . وان اريد بالشيء مصداقه فيلزم انقلاب جهة الامكان في قولنا زيد كاتب أو الانسان كاتب بالامكان العامّ أو الخاص إلى الضرورة .

كلام المحقّق الشريف في بساطة المشتق

ص: 192


1- . لكن عرفت ضعف هذا الكلام .
2- . شرح المطالع /11 .

توضيح ذلك: ان الماهيات من حيث هي ليست الا هي لا موجودة ولامعدومة وفي تلك المرحلة تجتمع النقائض كما ترتفع ومعنى ان الماهية ليست موجودة ولا معدومة ان حقيقة الماهية لا تلازم واحدا منهما أي الوجود والعدم كما ان في تلك المرحلة ربما تكون للماهيات لوازم كما لها ذاتيات تكون قابلة للحمل كما في الانسان حيوان أو الانسان ضاحك أو ناطق وأمثال ذلك من المحمولات التي يقتضيها الذات والماهية حتى مع قطع النظر عن الوجود .

ثمّ مع التنزل عن هذه المرحلة فاول محمول يحمل على الماهيات هو أحد الوجود والعدم فيقال زيد أو الانسان موجود أو معدوم . وبعد ذلك يحمل المحمولات المترتبة في فرض الوجود كما في قولنا زيد قائم وعمرو شاعر . وربما تكون القضية الواحدة في حكم قضايا أو قضيتين كما اذا قلنا ان زيدا الكاتب شاعر .

اذا عرفت هذا فاذا كان معنى الكاتب في قولنا زيد كاتب أو الانسان كاتب مصداق الشيء الذي ثبت له الكتابة فيكون معنى الكاتب في زيد كاتب، زيد زيد كاتب . ومعنى قولنا الانسان كاتب . الانسان انسان كاتب . فيلزم ما ذكره من المحذور من انقلاب الجهة الامكانية في نسبة الكتابة إلى الانسان أو زيد إلى الضرورة . لكون ثبوت ذات الانسان لها كذلك كما في كل شيء وما ذكرنا من صقع المحمولات الأولية مورد ما ذكره الشيخ قدس سره في الشرط المخالف للكتاب والسنة من جريان العدم المحمولي أو النعتي .

أي ان هذا الشرط لم يكن قبل وجوده مخالفا للكتاب فاذا حمل عليه الوجود وصار موجودا لا نعلم هل انقلب عدم مخالفته للكتاب إليها أم لا . فيرجع

ص: 193

إلى السالبة بانتفاء الموضوع .ونقل عن الشيخ قدس سره انه ارتضى هذا البيان وأورد بعض على ما ذكره من لزومأخذ العرض العام في الفصل والاتحاد بينهما . بأن المراد من الشيء إن كان هو الوجود فيلزم ما ذكرتم لعدم اختصاص الوجود بموجود دون موجود بل يشترك الموجودات بأسرها في الوجود . في قباله على هذا يقع اللاشيء . وان كان المراد من الشيء هو الذات فيكون من الجواهر بل جنس الأجناس وحينئذٍ لا يلزم دخول العرض العام في الفصل بل الجنس البعيد . بخلاف ما اذا كان أمرا مساوقا للوجود فلا . كما انه يمكن كونه أمرا منتزعا من الذات ويكون جوهريّته وعرضيته بحسب منشأ انتزاعه واعتباره بحيث لم يكن داخلاً في مقولة من المقولات بنفسه .

ثمّ أورد هذا القائل المستشكل وهو المحقّق النائيني قدس سره على نفسه بأنه انما يصح بناء على اصالة الماهية . اما بناء على اصالة الوجود فلا يتمّ ما ذكرت .

وأجاب بأن معنى اصالة الوجود أو الماهية انّ الأصل في التحقق أيّ شيء هل هو الماهية أو الوجود . فبعض اختار هذا وبعض ذاك وذهب بعض إلى تأصلهما معاً .

لكن الكلام في ان المراد بالتحقق أي شيء كما إذا قلنا زيد انسان والمراد بالانسان ما بازاء زيد من الحصّة الانسانية على ترتيب الآباء والأولاد لا الأب والأولاد نظير العام الاستغراقي الأصولي ) هل المراد به الوجود فيكون المراد ان الماهية موجودة أو الوجود . أو ما قاله المحقق النائيني قدس سره ان المراد بذلك هو ان المفاض الأوّل هل هو الوجود أو الماهية . الا انك خبير بأن ما جعله تفسيرا لنزاع الماهية والوجود وأن الأصل أيّهما انما هو بحث آخر لا ربط له ببحث الاصالة بل

ص: 194

ذلك راجع إلى ان الجعل أو الجعل التكويني تعلق ابتداءً بالوجود .

أو بالماهيات أو بالاتصاف هو كما هو مذهب قوم . وبحث اصالة الوجودوالماهية بحث منحاز عنه .نعم يمكن أن يقال عن ذلك انه الأصل في التقرر . لكنه ربما يشكل الأمر بما حكى عن أهله قال في المنظومة .

ان الوجود عارض الماهية . تصورا واتحدا هوية .

وظهر أخيرا من كلام سيدنا الاستاذ قدس سره عدم ارتضائه لما استشكل المحقق النائيني على صاحب الحاشية وقوله(1) لو ابدل العرض العام بالجنس لكان أولى أيضا غير تام عنده . وأفاد ان نظر المحقق النائيني قدس سره بهذا الكلام الذي قاله في تبديل عبارة صاحب الحاشية كأنه ملتقط من اول وجوه استدلاله وثالثها . لكنه لم نعثر ولم نتفحص عن ذلك بل المنقول منه هذا الوجه على شقين كما انه أفاد في الشق الثاني من الاشكال ما نسيت ان اذكره الآن .

تتميم لا اشكال في ان النزاع ليس في التحليل العقلي لحصول الانحلال إلى التركب بناء عليه حتى في الجوامد . بل ينبغي اختصاصه بالمفاهيم . وقد وقع في ان مفهوم المشتق هل هو بسيط أم مركب من الذات والنسبة أو الحدث والنسبة أو الثلاثة . وذهب القائل ببساطته إلى ذلك نظرا إلى أدلة وبراهين أقامها على مدعاه كل فرقة منهم .

فبعضهم نظر الى انه يلزم بناء على التركب من النسبة والذات أو الحدث كون المشتق مبنيا مع انه معرب . كما انه بناء على أخذ الذات والحدث أو مع النسبة

ص: 195


1- . فوائد الاُصول 1/113 - 116 .

يلزم دخول الجنس في الفصل والاتحاد كما سبق بيانه مفصلاً . وهذا منهم بعد الاتفاق على بساطه مفهوم الجوامد . كما ذهب المحقق الشريف في اختيار بساطةالمشتق الى ما ذكرنا منه من شقى الترديد . فانه على أخذ مفهوم الشيء يلزم تركبالمشتق من العرض العام وهو الشيء والفصل أي شيء له النطق أو شيء ناطق وعلى فرض أخذ مصداق الشيء لزوم انقلاب الجهة . ويظهر من المحقق النائيني قدس سره ارتضائه(1) لهذا البرهان إلاّ في قوله دخول العرض العام في الفصل . فقال لو عبر بدخول الجنس في الفصل كان أولى .

بيان ذلك: ان مفهوم الشيء عبارة عن الاشارة إلى جنس الأجناس بين أنحاء الموجودات والحقائق من الجواهر والأعراض مجردها وماديها ولا شيء فوقه أوسع منه وكل ما يوجد في أنواع الكائنات فهو شيء يمتاز بخصوصيّة مباينة مع خصوصيّة اخرى في غيره . فالمفهوم الجامع والجهة الاشتراكية بين الموجودات بل المفاهيم والحقائق هو مفهوم الشيء وحقيقته وهو ماهية أوسع من كل الماهيات الامكانية بحيث لا يشذّ عنه جوهر ولا عرض مادي ولا مجرد . ومعنى ذلك ان كل شيء من هذه بما انه جوهر أو عرض مادى أو مجرد شيء . فعلى هذا ليس عرضا عاما يعرض الموجودات بل جنس لها . غاية الأمر يتبع حقيقة ذلك الشيء ان كان جوهرا فجوهر وعرضا فعرض . كما قيل في الحركة انّها ليست مقولة واحدة . بل تكون في كل مقولة من سنخها ففي مقولة الجوهر جوهر وفي الكم كم وفي الكيف كيف وهكذا .

ان قلت على هذا لابد من تركب الاعراض بأقسامها من الجنس والفصل

جواب الاشكال عن كون مفهوم الشيء جنس الأجناس

ص: 196


1- . فوائد الاُصول 1/113 - 116 .

حسب بينوته كل واحد من الاخر مع ان المعروف عدم جامع بين الأعراض وهذا أي تركبها من الجنس والفصل لم يقل به أحد .قلنا مضافا إلى ان مجرد عدم القول بذلك لا يضر بصحته انه يمكن الجوابعن ذلك حلاًّ بأن في بعض الأشياء يكون ما به الاشتراك بين أفرادها وأقسامها عين ما به الامتياز كما في بعض الأعراض كالسواد فانه قد يقال هو شديد كما يقال ضعيف فهل المايز بين الشدّة والضعف غير نفس السواد وكذلك البياض .

ومن المعلوم ان مجرد التفاوت بالنسبة إلى الكم أو مراتب الوجود لا يوجب الاثنينية بل المرتبة القوية والضعيفة من الشيء كلتاهما داخلتان تحته ويشملهما فلتكن الأعراض من هذا القبيل فكما ان ما به الاشتراك بين جميع أقسامها هو الشيئية وانها شيء كذلك ما به الامتياز بين كل واحد وآخر فليكن هو وما يقال من ان الميز بالحدود والحدود اعدام كما ترى .

ان قلت: ان ذلك مخالف لما هو المشهور من المساوقة بين الشيء والوجود فالوجود هو الشيء والشيء هو الوجود . وقد تحقق في محله ان الوجود ليس بجوهر ولا عرض وليس من الماهيات بل يعرضها وليس شيئا في قبالها وهذا يناقض ما ذكرت من كون الشيء ماهية في قبالها بل أوسع من جميعها .

قلت: اما بناءً على اصالة الماهية فنحن مستريحون اذ الأصل في الحقائق هو الماهية والوجود أمر اعتباري عارضي لها . فهو أي الشيء الذي هو ماهية منها يكون جنس الأجناس وعلى هذا فلا مساوقة بين الشيء والوجود . وأمّا بناء على اصالة الوجود أيضا فتارة نلتزم بالواسطة بين الوجود والعدم . أو نقول بعالم التقرر للماهيات . وان كان الوجود أصلاً فحينئذٍ نقول معنى المساوقة ليس عبارة عن

ص: 197

الترادف والاتحاد . بل معناها عبارة عن الملازمة بين الوجود والشيئيّة . أي كلّ شيء فله وجود قبال اللاشيء الذي هو عدم محض ولا حظّ له من الوجود بأقسامه .اذ ليس حقيقة الشيء وهويته عبارة عن الوجود كي ينافي ما ذكرنا . بلالوجود على هذا المعنى يكون لازم الشيئيّة بحيث لا يتحقق الشيئيّة إلاّ مع الوجود ولو قلنا بأن الأصل هو الوجود وله الاصالة وان الماهية اعتباري(1) .

تكميل: استشكل سيّدنا الاستاذ قدس سره ما تقدم من المحقّق النائيني قدس سره اشكال لزوم التركب في الاعراض من جنس وفصل لجواز كون ما به الامتياز عين ما به الاشتراك وتنظيره بالسواد والشدّة العارضة عليه .

وقال بالتحليل عند العقل . وان السواد مخالف للشدة وهما اثنان وما ذكره من اتحاد ما به الامتياز مع ما به الاشتراك غير صحيح . وان كان فرضه ممكنا في مثل السواد ان لم ترجع الشدة إلى ما تكون بلحاظه وناشئه منه . وأصل الكلام أي كون شيئيّة الشيء جنس الأجناس صحيح . لكن لا يتم هذا البرهان . أي ما به الاشتراك عين ما به الامتياز وان فرض كل ما يكون به الامتياز شيئا وليس بلا شيء . لكنه تكون هناك خصوصيات مميزة لكلّ واحد منها عن الاخر . وقال ان فرض كون الشيئيّة جنس الأجناس يوجب تركب الأعراض بل الموجودات بأسرها من جنس هو الشيئيّة وفصول مقومة كما في الانسان فانه مركب من الحيوانيّة والناطقيّة . فالناطقية تكون مقومة للانسان . كذلك الاعراض تكون

اشكال سيّدنا الأستاذ على المحقّق النائيني

ص: 198


1- . أقول: كانه راجع إلى انه ان فرض شيء محالا ولا وجود له فلا اعتبار به لأن الأصل هو الوجود وحيث لا وجود له فلا شيئيته له .

متمايزة بخصوصياتها الخاصّة بها المنكشف عنها بالآثار واللوازم التي تترتب الرسوم المذكورة لكلّ واحد منها كما ان الأمر في الفرق بين الجوهر والعرض كذلك .

والحاصل انه وان سلمنا ان ما به الامتياز في السواد عين ما به الاشتراكوان المرتبتين الشدة والضعف عبارة عن السواد لكن تسليمه في ما نحن فيه لا وجه له بل نقول انها متمايزة بخواصها كما ذكرنا .

ثم ان ما تقدم منا وذكره المحقق النائيني قدس سره بناء على كون الشيء جنس الأجناس بهذا البيان وبداهة عدم تصور جنس فوقه يكون الشيئيّة من عوارضه بالنسبة إلى أفراده . يكون عرضا عاما . اما بناء على ان بالوجود يكون شيئا وقبله لا شيء . فالشيئيّة أيضا تكون من عوارض الأشياء والموجودات . ويمكن حينئذٍ تصحيح وجه الاشكال وعدم تركب المشتق بدخول العرض العام في الفصل والا فبناءً على ما ذكره اولاً يكون من الجنس ويكون الجنس داخلاً في الفصل ويكون ذلك نوعا .

هذا كله بناءً على اصالة الماهية . اما بناءً على اصالة الوجود فأيضا يمكن تصوير كون الشيئيّة جنسا عاما . وان أفاد سيّدنا الاستاذ قدس سره بكون الماهية على هذا جنس الأجناس لكون الوجود على هذا كلّه وجودا فالآثار المختلفة لابد من استنادها إلى غير الوجود بل الماهيات . وان معنى كون الوجود أصلاً ليس يراد به ما التزمه كثير منهم أو بعض أهل الفلسفة والعرفان من ارجاعه إلى الاتحاد في الوجود بل الموجود وردوا الشبهات المعروفة ( كشبهة ابن كمونة وغيرها ) في باب التوحيد بذلك حيث ان تصوير مفهوم الكلام وتصديقه من المحاذير والأمور

ص: 199

الفاسدة في نفسها بل لا محذور أشدّ منه وفوقه . فلا جرم لابد من أن يقال ان اصالة الوجود معناها ان المفاض الأول من الفياض المطلق هو الوجود لا الماهية لان الماهيات امور اعتبارية واعدام وما ذكره من التوحيد الحقيقي بناء على هذا المبنى الفاسد دفع الفاسد بالأفسد .عود إلى بدء قد تبين ما في الشق الأول من الاشكال . اما الشق الثانيوهو ما اذا كان المراد مصداق الشيء فيلزم انقلاب القضية الممكنة إلى الضروريّة .

بيان ذلك انه اذا حملنا الكاتب على الانسان أو زيد تكون هذه القضية موجهة بجهة الامكان الخاص الذي يسلب فيها الضرورة عن الطرف المخالف والموافق فاذا كان الذات مأخوذة في المشتق فينحل قولنا زيد كاتب إلى قولنا زيد زيد كاتب أو زيد زيد له الكتابة وكذلك في الانسان كاتب يكون مآل القضية إلى قولنا الانسان انسان كاتب فيلزم حمل الشيء على نفسه الذي يكون ضروريا .

واجيب عن ذلك بأنه على فرض تركب المشتق من الذات والنسبة والحدث يكون الذات فيه مقيدا بثبوت الوصف ومبدء الاشتقاق وليس فيه انقلاب جهة لبقاء الامكان في ثبوت الكتابة للانسان على حاله . اذا صارت الكتابة قيدا للانسان وحملنا الانسان الكاتب على الانسان لكون المحمول هو الذات المقيد وما يكون ثبوته ضروريا هو الذات لا مع قيده فمع القيد تكون القضية أيضا ممكنة .

ويناقش تارة بجعل الكاتب المنحل إلى الانسان الكاتب موضوعا وحمل عليه الانسان . ولا اشكال في كونه ضرورية فان الانسان الكاتب انسان قضية ضرورية لا ممكنة فلا انقلاب . واخرى بأن الكتابة اذا كان المراد بها قوة الكتابة

الجواب عن انقلاب القضيّة الممكنة إلى الضروريّة

ص: 200

فأيضا ضرورية وان لم يتلبس الانسان بالكتابة أصلاً . لكون ثبوت الكتابة له أي استعداده لها ووجود قوتها فيه ضروري . وثالثة بارجاع الامكان في ثبوت الكتابة الفعليّة أيضا إلى الضرورة لأن الامكان ضروري . وبين سيدنا الاستاذ قدس سره ان المراد من حمل الكاتب على الانسان . اما ثبوت قوتها فيه فضروري وان كان المراد صدورها منه فامكانه ضروري هذا . ولا يخفى عليك خلط محل الكلام عندالقوم بما ذكرنا . ضرورة ان محل الكلام ما اذا كان المشتق محمولاً فيلزم الانقلابعلى التركب على ما ادعاه المحقق الشريف وليس كذلك على البساطة .

اما تبديل ذلك بما اذا كان الكاتب موضوعا فلا وجه له . بل خروج عن محل الكلام . مضافا إلى انه لو كان المراد من الكتابة قوتها . لكان على البساطة أيضا ضرورية اذ لا شبهة في عدم صحة سلبها عنه وامكانها . كما ان ارجاع القضايا طرا إلى الضرورة خلاف اصطلاح القوم فان مناط تقسيمهم الجهات إلى الجهات الابتدائيّة لا كيفية نسبة هذه الجهات الأولية إلى موضوعاتها مع ان ذلك كلّه مناقشة في المثال(1) .

والحاصل ان جواب صاحب الفصول قدس سره عن اشكال الانقلاب متين لو لم نقل بما قال المحقّق النائيني قدس سره (2) من كون المحمولات جزئية موجهة لعدم التقيد . كما استشهد لذلك بما إذا قال بعتك هذا الكاتب . فانه لو لم يكن كاتبا يكون البيع

ص: 201


1- . والذي ينبغي أن يقال انه لا وجه لهذه المناقشات مع انه اعترف أخيرا بأنه على فرض تسليم المبنى يكون الاشكال في محله من انقلاب الممكنة إلى الضرورية ولو باعتبار انحلال القضية إلى قضيتين . وكانّ نظره إلى جعل المشتق موضوعا ومع ذلك هو غير وجيه لكون المشتق على التركب لا يكون مركبا تاما بل ناقصا تقييدا لكونه من الصفة والموصوف اذ كان تركبه من الأجزاء الثلاثة .
2- . فوائد الاُصول 1/114 .

صحيحا مع الخيار بخلاف ما اذا قال بعتك عبدا كاتبا فيجب تسليم العبد الكاتب ولا خيار لكونه من بيع الكلي .

وكيف كان فلا شبهة عند سيدنا الاستاذ انه لا يكون النزاع في التحليل العقلي لاشتراك الجوامد في هذه الجهة مع المشتقات وانما هو في المفهوم وادعى تبعا للمحقق النائيني قدس سره ان المفهوم في غاية البساطة ولا تركب فيه كالجوامدوعليه فالتركيب لو كان في المشتق يكون في المفهوم قبال مدعى البساطة .وعلى أي حال سواء كان في المفهوم أو في التحليل لا يكون تاما خبريا بل ناقصا تقييديا .

واجيب عن الشق الأول من اشكال المحقق الشريف بأن لا فصل حقيقي لنا كي يلزم دخول العرض العام بناء على مذهبه أو مذهب السيّد قدس سره أو الجنس في الفصل لأن الناطق في الانسان سواء كان بمعنى النطق بالألفاظ أو ادراك الكليات لا يكون فصلاً حقيقيا . بل لازم الفصل ومن خواصه وآثاره لعدم امكان حصول المعرفة بحقائق الأشياء الا لباريها جل وعلا أو بتعليمه والا فلا نعرف من ذلك الا التعريفات الرسمية التي ترجع إلى الخواص ولا يكون حقيقة هناك حد تام .

لكن لا يخفى عليك ان هذا أيضا مناقشة في الصغرى كما اعترف به واعترف أيضا بامكان كون المحمول بناء على تركب المشتق في الانسان كاتب هو غير الذات بالتجريد عن الخصوصيّة .

ثم انك عرفت ما ذكرناه من الاشكال والجواب في بساطة المشتق وعدم امكان تركبه من لزوم دخول الجنس أو العرض العام في الفصل بما فيها ويقع الاشكال على هذا في الفرق بين المصدر واسمه وساير المشتقات . فان المادة

عدم كون النزاع في التحليل العقلي

ص: 202

سارية في الجميع ولا تركب فيها فلازم كون المعنى في جميعها هو الحدث فالتجاؤا بالفرق باللاشرطية وبشرط اللائية كي يكون معنى المشتق في قولنا زيد شارب مثلاً هو الشرب لا بشرط عن الحمل وقولنا شرب زيد حسن بشرط اللا .

تلخيص: قد تلخص مما ذكرنا انه على فرض تركب المشتق اما أن يكون مفهوم الشيء داخلاً في معنى المشتق ويتركب من ذلك ومن الوصف فيلزم دخول العرض العام في الفصل في مثل الناطق وذلك عند بعضهم اما عند المحققالنائيني

قدس سره (1) فالداخل في الفصل هو الجنس كما انه اختار جواز دخول العرض العام فيه بتقريب ان الشيئية انما تنزع من الماهيات بناء على اصالتها وان لها التقرر

وان الأجناس جنسها(2) هي الشيئيّة عند وجودها يعني ان الشيئيّة تعرض الماهيات عند الوجود كما ان الوجود يعرضها وكيف كان فيرتضى الاشكال بناء على التركب .

وأمّا ما أورد على هذا الشق بانكار الفصل الحقيقي وان ما نعبّر عنه بالفصل في الانسان مثلاً هو الناطقية إنما هو من خاصة الفصل لعدم وسع البشر العادي للوصول إلى حقائق الماهيات الممكنة باجناسها وفصولها وانما يعرف منها الخواص والآثار . فما ذكر من دخول العرض العام في الفصل لا موضوع له . ومرجع هذا الكلام انكار الفصل . لكن لا يلزم من انكاره بطلان المدعى بتبديل الفصل حينئذٍ بالخاصة ويلزم دخول العرض العام في الخاصة .

ص: 203


1- . فوائد الاُصول 1/112 - 113 .
2- . أنكر ذلك في المحاضرات وانه غير معقول . محاضرات في اُصول الفقه 43/310 .

فان قلنا بامتناع التركب في المفهوم بحيث يكون هناك لفظ واحد بازاء مفهومين مستقلين على نحو لو اطلق هذا اللفظ يراد منه كلا هذين المفهومين بدون التبعية لأحدهما للاخر أو كونه التزاميا بل بالاستقلال . فهذا غير ممكن كما تحرر في المباحث السابقة .

نعم يمكن الوضع للجامع . فدعوى وضع الناطق أو باقي المشتقات على نحو التركب بهذا المعنى لا يمكن . بل في مثل الحيوان ناطق في تعريف الانسان لاتركب في الحقيقة وانما هو تحليل . ويكون كل واحد من هذه الألفاظ اشارة إلىجهة خاصة من ذاك المعرف سواء كان ذلك بالوضع أو بالالهام أو كان الواضع هو اللّه تبارك وتعالى كما في كل التعريفات التي مرجعها إلى شرح الاسم ومفاد ما الشارحة لا الحقيقيّة وترجع إلى تعريفات لفظية .

والحاصل: ان القائل بالبساطة يدعى الوضع بازاء المفهوم الساري في جميع هذه المشتقات بلا تركب في المفهوم ولا تعدد للوضع لاستلزام الوضع لهيئة الفاعل الوضع لهيئة المصدر مع ان هيئته لا وضع لها . فلذلك يدعى في المشتق على ما سيجيء بيانه وتحقيقة . حتى ان في الأفعال الماضي والمستقبل وغيرهما يدعى عموم الوضع للهيئة كما تقدّم نظرا إلى امتناع الوضع للمفهومين المتعددين بحيث يراد بهذه اللفظة الواحدة كلاهما ويقول بأن التعريف بقولنا الانسان حيوان ناطق . أو الماء جسم سيال بارد يرجع كل مفهوم من مفاهيم هذه الألفاظ المأخوذة في التعريف إلى جهة من المعنى وحيث منه . فالجسمية يشار بها إلى الجسم وكذلك البرودة بالبارد وقس على هذا . كما ان الانسان وضع للماهية الكذائية التي من آثارها كذا وكذا وله الخاصية الكذائية فالتحليل فيه لا ربط

بيان قول القائل بالبساطة

ص: 204

بالمفهوم كما ان انفهام معاني عديدة بعضها التزامي .

لكن المحقق النائيني قدس سره مع قوله بالبساطة(1) أجاب عن انكار المحقق الخراساني قدس سره (2) وجود الفصل والرد على المنطقين بأن النطق إن كان المراد به هو التكلم فنعم هو من خواصه وآثاره وليس من مقوماته . بخلاف ما اذا اريد بالناطقوجود القوة الكذائيّة التي من آثارها ذلك أي قوة ادراك الكليات قبال ساير أنواعالحيوان فان ذلك ليس من خواصه . بل هو فصل مقوم له ومنوع ومقسم للجنس أي الحيوان إلى الناطق وغيره . هذا في الشق الأول .

اما لو كان المراد بالشيء الذي يكون المشتق مركبا منه ومن الوصف الاشتقاقي مصداق الذات فيلزم الانقلاب . بيان ذلك انا لو قلنا زيد كاتب فمعنى دخول الذات في الكاتب ان معنى الكاتب هو زيد فيكون معنى زيد كاتب زيد زيد الكاتب فاورد على قوله بلزوم الانقلاب من الامكان اذا كانت المادة الامكان وموجهة بهذه الجهة صاحب الفصول بأن النسبة في هذا المركب ناقصة تقييديّة لكونها نسبة وصفية وحينئذٍ فلا يلزم انقلاب المادة إلى الضرورة لكون المحمول هو الذات المقيدة لا الذات مطلقا والقيد كذلك وحينئذٍ فكما ان بعض المحمولات على البساطة تكون مادتها الامكان وبعضها الضرورة كذلك اذا كان المشتق مركبا فتارة تكون المادة الامكان واخرى الضرورة فلا انقلاب ثم تنظر فيما أفاده بما رجع إلى الضرورة وكون المناط هو الواقع اما سلبا فسلبه ضروري أو ايجابا فالايجاب ضروري بمعنى الثبوت وعدمه .

ص: 205


1- . فوائد الاُصول 1/111 .
2- . كفاية الاُصول 1/78 - 79 .

وأورد عليه المحقق الخراساني(1) والنائيني (2) بأنه لو التزمنا بأن الأخبار بعد العلم بها أوصاف كما ان الأوصاف قبل العلم بها اخبار فحينئذٍ لابدّ من انحلال القضية في قولنا زيد كاتب بناء على التركب إلى قولنا زيد زيد وزيد كاتب . كما ان هذه القضية الّتي محمولها الكاتب قضية موضوعها زيد ومحمولهاالكاتب المنحل إلى قضية حيث انه بالانحلال تكون قضية . لكن الظاهر ان الحقمع صاحب الفصول والعجب انه كيف تنظر فيما أفاده أولاً . فصاحب الفصول يجيب عن لزوم الانقلاب من الامكان إلى الضرورة بناء على تركب المشتق وأخذ الذات في مفهومه بأنه اذا كان المحمول هو المقيد فلا يلزم الانقلاب لأن ثبوت زيد الكاتب أي المقيد بالكتابة أو الانسان الكاتب بهذا القيد ليس ضروريا لزيد والانسان اللذين هما الموضوع في قولنا زيد كاتب أو الانسان كاتب ثم تنظر فيما أفاده بأن المناط في ذلك هو الثبوت وعدمه واقعا . فان كان الكتابة للانسان أو زيد ثابتا واقعا فثبوت المقيد للموضوع ضروري كما ان الأمر كذلك لو لم يكن ثابتا فان السلب ضروري .

وأورد عليه المحقق الخراساني قدس سره (3) مجيبا له من قوله قبل تنظره بثبوت

الضرورة أيضا اذا كان القيد خارجا وان كان التقيد بذلك القيد داخلاً كما في الصلاة مثلاً فانها مشروطة بالطهارة أو الوضوء مثلاً الذي هو شرط خارجي والتقيّد بهذا الشرط كالجزء الا انه ليس بجزء حقيقة فحينئذٍ يصدق على زيد انه زيد المتقيد بالكتابة على نحو خروج الكتابة . نعم اذا كان القيد داخلاً فالمحمول

جواب اشكال الانقلاب

ص: 206


1- . كفاية الاُصول 1/80 .
2- . فوائد الاُصول 1/115 .
3- . كفاية الاُصول 1/79 - 80 .

ينحل إلى قضية وينحل القضية الواحدة إلى قضيتين احديهما زيد زيد والاخرى زيد له الكتابة أو النطق وعلى هذا الفرض أيضا تكون القضية الاولى ضرورية والثانية ممكنة ووجه ذلك بأن الأخبار بعد العلم بها أوصاف كما ان الأوصاف قبل العلم بها اخبار .

فاذا قلنا زيد الكاتب على نحو الوصفية فلا يتم الكلام ولا يصح السكوتعليه . لكون النسبة ناقصة . بل لابد في صحة السكوت عليه من اتيان خبر بخلافما اذا جيء على نحو الاخبار وقيل ان زيدا كاتب ومثل سيدنا الاستاذ قدس سره بقوله في هذا المقام بزيد الكاتب له الوصف الكذائي أو زيد وهو بالنسبة إلى حمل زيد غير ضروري . لكنه خارج عن كلام القوم . لفرضهم الكلام كما تقدم منا في كون المشتق محمولاً . ولا يخفى ان الانحلال إلى قضيتين احديهما زيد زيد والاخرى زيد له الكتابة قد أخذ الذات في له الكتابة أيضا . لكون الضمير في حكم مرجعه الا انه غير في مقام التعبير فلو أردنا الاخبار عن النسبة الناقصة بنسبة ناقصة اخرى لا يمكن وربما يتسلسل الأمر لو اريد الانتهاء إلى ما لا يكون الذات مأخوذة فيه .

وأجاب عن ما تنظر فيه بما حاصله ان انقسام القضايا يحسب الجهات إلى ممكنه وضرورية ودائمة أو مطلقة وغيرها ليس بحسب واقع الأمر وثبوت المحمولات للموضوعات ضرورة عدم امكان القسمة حينئذٍ . بل ليس بحسب الواقع الا جهة واحدة ومادة فاردة هي الضرورة والمعتبر في مقام الجهات انما هو في تشكيل القضية وكيفية ثبوت النسبة الرابطة بين الموضوع والمحمول ثم انه اذا وافقت الجهة المصرحة بها في ظاهر القضية الملفوظة لمادة القضية التي هي الامكان أو الضرورة والدوام وغيرها فصادقة والا فكاذبة .

ص: 207

فالعبرة بالجهة الاولية ونسبة الجهة وثبوتها في القضية ضرورية في الجميع وليس الكلام فيها بل في ما يعرض عليه الجهات ويكون في المواد .

وسلك المحقق النائيني قدس سره في دفع شبهة صاحب الفصول مسلكا آخر(1) . وهو انه لا اشكال في بيع الكلي كالسلف واذا ما أتى في مقام التسليم بالذي ينطبقعليه الكلي ويكون فردا له منطبقا عليه الأوصاف المعتبرة في المبيع فلا خيار . بلعلى البايع تسليم الفرد الذي يكون مصداقا للكلي الذي وقع البيع عليه . لأن الأمر دائر بين انطباق الكلي وعدمه فان انطبق يكون مبيعا والا فلا . فلا معنى للخيار .

هذا بناء على صحة بيع الكلي . والا فقد اخترنا انه ليس في هذا المورد الا التضمين والتعهد بذلك . لأن الكلي ليس شيئا قابلاً للبيع . والفرض ان البيع لم يقع على الفرد . وهذا بخلاف ما اذا وقع البيع على المبيع الشخصي . فقال بعتك هذا الكاتب أو هذا العبد الكاتب . فاذا تخلف الوصف لا يخرج المبيع الشخصي عن كونه مبيعا . غاية الأمر حيث لم يحصل وصف المبيع في مقام التسليم والتحقق فيكون له الخيار بقبول المبيع بلا وصف أو فسخ البيع . وان كان المختار في المقام عدم ثبوت الخيار على النحو الثابت في غيره ضرورة عدم كونه تجارة عن تراض فيكون كبيع الفضولي فان رضي فالبيع نافذ وإلا فلا . هذا وجعل ما نحن فيه من هذا القبيل فانه كما ان التقيد بكونه كاتبا لا يخرجه عند التخلف عن كونه هو المبيع الكذائي كذلك في محل الكلام تقيد المشتق والذات بثبوت الكتابة له لا يوجب كون المحمول أمرا مقيدا بل ينحل إلى قضيتين ومحمولين أحدهما الموصوف وثانيهما الوصف . والمادة في أحدهما أي زيد زيد هو الضرورة وفي ثبوت

طريق آخر لجواب الشبهة

ص: 208


1- . فوائد الاُصول 1/114 مع تفاوت .

الكتابة التي هي المحمول في الاخرى تكون هو الامكان فما ذكر من لزوم انقلاب المادة من الامكان إلى الضرورة حق لكن في خصوص احدى القضيتين .

اذا عرفت هذا فلا يمكن أن يكون المشتق مركبا من الذات والحدث وكذلك من المفهوم الذي هو الشيء ولا اشكال في عدم تركبه من الزمان وغيره والنسبة أيضا خارجة فيبقى هو الحدث الذي لابد من بيان الفرق بينه وبين المصدر فيصحة الحمل في مثل ضارب وقاتل دون الضرب والقتل(1) .(2)الأمر الحادي عشر: لم يرتض سيدنا الاستاذ قدس سره ما ذكرنا عن القوم من الاستدلال على بساطة المشتق وذهب إلى انه لا ينكر كون الوضع لمعنيين وان اشكال دخول العرض العام أو الجنس أو غير ذلك لا ربط له بما نحن فيه . وان المحقّقين الخراساني والنائيني استشكلا على صاحب الفصول فيما ردّ وأجاب به السيد الشريف من لزوم الانقلاب بجعل المناط في ذلك مادة الأمر ونفس الواقع فان كان زيد كاتبا واقعا فضروري الوجود والثبوت والا فضروري السلب ومرجعه إلى انكار أصل الجهات بان ذلك في مقام تحقيق الصدق من الكذب وتشخيص أحدهما من الآخر والكلام في ثبوت النسبة مع قطع النظر عن الواقع

ص: 209


1- . أقول: نظر المحقق النائيني قدس سره إلى جزئيّة المحمول واذا كان أمرا جزئيا لم يمكن تقييده لأن التقييد راجع إلى تعدد المقيد مع القيد وما ليس معه والجزئي بما هو جزئي ليس قابلاً له. نعم انما يتصور في الجزئي الوصف ويرجع وصف المحمول وحمل المحمول الموصوف على الذات إلى قضيتين احدهما المحمول فيها نفس الذات الموصوفة والاخرى هو الوصف كما سبق ان الأوصاف قبل العلم بها اخبار ونظرهم إلى هذا . ويشكل على هذا ما أفاده قدس سره بأنه على فرض تسليمه انما يتسلم فيما اذا كان الموضوع جزئيا بخلاف مثل الانسان كاتب لعدم الجزئية فيه لو لم يدّع رجوعه إلى الأخبار لكونه وصفا .
2- . قد عرفت تحقيق الحال .

وكيفية ثبوتها لموضوعها وهي تنقسم إلى الاقسام المعروفة من الضرورة بأقسامها الأربعة والدوام والاطلاق والامكان .

ثمّ انّ صاحب الفصول قدس سره بنى انكاره في المشتق على القوم في ذهابهم إلى مذهب الحكماء وان ذلك لا ربط له في تشخيص المفاهيم . حيث ان هذا راجع إلى اللغة ويمكن التعبير عن اسم الفاعل في ضمن أي مادة بذو فزيد اذا كان هو هو يقال له زيد وان كان له مال منسوب إليه يقال انه متمول أي ذو مال . ومرجع هذا إلى تسلم التركب في المشتق . كما ان الحمل على قسمين . فتارة يكون المحمول والمحمول عليه متحدين ويلاحظ بينهما التمايز اعتبارا فيحمل أحدهما علىالآخر واخرى يكونان متغايرين ويلاحظ بينهما الوحدة اعتبارا فيصح الحمل بهذا اللحاظ والاعتبار كما اذا لوحظ الوحدة بين ذات زيد ونفسه وبدنه . فبهذا اللحاظ يصح حمل الجسم على زيد ويقال زيد جسم كما قد ينسب القتل الصادر من واحد من القوم باعتبار لحاظ الوحدة فيهم وكونه جزءا منهم(1) يقال قتله القوم وبهذا اللحاظ يكون زيد عمرا والقوم زيدا وزيد هو القوم . وأما مع قطع النظر عن هذا اللحاظ لا وجه لحمل البدن أو اسناد الضرب على زيد والقوم . فما ذهبوا إليه من الفرق بين المشتق والمبدء بلا بشرط وبشرط لا لا فائدة فيه . لأن الذات على ما هي عليه في الحالين بل مناط الحمل هو الاتحاد والتغاير على ما ذكرنا .

ص: 210


1- . كما في قاعدة الفراغ في قوله علیه السلام ( وسائل الشيعة 8، الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة واللفظ: يا زرارة إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء ) اذا شككت في شيء ودخلت في غيره فان الصلاة ليست أمرا واحداً بل امور مختلفة واعتبرنا فيها الصلاة الجامعة لها والموجب لطريان عنوان واحد عليها ويصحّ بالعناية والاعتبار اطلاق الشكّ في الشيء والدخول في غيره باعتبار الوحدة بين أجزائها .

هذا ملخص كلامه على ما حرره الاستاذ قدس سره ولم ينظر فيه بنفي والاثبات وعطف الكلام على بيان ما أفاده المحقق النائيني قدس سره من الفرق بين المبدء والمشتق وانه كيف يمكن حمل أحدهما على الذات دون الآخر مع ان على فرض البساطة لابد من المنع في كليهما أو الجواز في كليهما فأي موجب للفرق .

وخلاصة مرامه في ذلك هو الفرق(1) بينهما بلا بشرط وبشرط لا .

بيان ذلك للابشرط وبشرط لا اطلاقات ثلاث فتارة يطلق لا بشرط على الماهية نظرا إلى قابليتها لعروض الطواري عليها وتكون باعتبار الطواريوالعوارض الخارجية لا بشرط وفي قبالها بهذا المعنى الماهية بشرط الشيءوبشرط لا . واخرى يطلق لا بشرط ويراد به اللا بشرط المقسمي أي الماهية الامكانية التي ليست من حيث هي الا هي حتى لم يلاحظ فيها انها كذلك . والاولى هي اللابشرط القسمي الاصولي الاصطلاحي . وثالثه يطلق ويراد بلا بشرط عن الحمل أو بشرط لا عنه وهذا القسم الأخير(2) هو المراد في ما نحن فيه . الذي نفرّق بين المشتق ومبدئه به وهو الموجب لجواز الحمل في المشتق وعدمه في المبدٔلمكان كون المشتق لا بشرط عن الحمل والمبدء بشرط لا . فيصح أن يقال زيد ضارب ولا يصح أن يقال زيد ضرب كما لا يقال زيد شرب ويقال شارب ومنشأ ذلك إن الماهية العرضية تارة تلاحظ قبال ساير الماهيات بنفسها

الفرق بين المبدء والمشتق

ص: 211


1- . فوائد الاُصول 1/116 وما بعده .
2- . كما صرّح بذلك في المحاضرات محاضرات في اصول الفقه 43/326 - 327 وبينه بما يقرب من المتن ويستفاد من كلام المنتهى ( منتهى الاُصول 1/94 - 95 ) وفي النهاية ( نهاية الأفكار 1/143 ) جعل المشتق المبدأ القائم بالذات بما انه ملحوظ وجهاً وعنواناً للذات وطوراً من أطوارها .

وبهذا اللحاظ يكون بازائها لفظ المصدر واسم المصدر واخرى تلاحظ بما هي موجودة في الخارج في المحلّ القائم به .

وبعبارة اخرى تلاحظ بالوجود الرابطي الذي يكون وجوده النفسي بهذا اللحاظ عين وجوده الرابطي لكونه في نفسه وبنفسه عين غيره ولغيره فيوضع بازائه لفظ المشتق . وحيث ان الفرق بين المشتق ومبدئه انما هو بحسب ما لوحظ في كلّ واحد منهما بحسب الوضع والمعنى وانه في أحد الحالين لوحظ بنفسه في قبال ساير الماهيات وفي حال اخرى بما انه موجود وحال في المحلّ فاختلف الوضع وآثاره فصح حمل المشتق على الذات لعدم أخذه بشرط لا عنه بل . لا بشرط عن الحمل والاتحاد بالذات بخلاف هذا المعنى الحدثي والعرض الذييكون في وجوده محتاجا بما يقوم به فأخذ بشرط لا ولهذا لا يصح حمله على الذات . فالفرق بينهما باللحاظين نظير الفرق بين الفاسق والعالم الذي يمكن اجتماعهما في مادة الاجتماع على زيد فالفاسق زيد وزيد فاسق كما انه عالم وليس زيد بفاسق ولا بعالم ولهذا يكون في مورد الاجتماع ومادته من باب التعارض ولا يرجع إلى اتّحاد الغصب والصلاة لكونه وجودا انضماميا لا اتحاديا . هذا في اسم الفاعل .

وكذلك الكلام في باقي المشتقات من اسم الزمان والمكان واسم الآلة ففي جميعها أخذ المعنى الحدثي لكنه لا بشرط عن الاتحاد والحمل على ما هو القابل حسب اختلاف حيثيات الوضع في كل واحد من هذه المشتقات .

وبصورة اخرى يكون الفرق بينهما نظير الفرق بين الجنس والمادة والفصل والصورة فان أخذ بشرط لا يكون مادة أو صورة وإلاّ فجنسا أو فصلاً .

ص: 212

ولا يخفى ان للمحل دخلاً في حصول العرض وتحققه ووجوده الاّ ان الكلام في ان هذا الدخل كدخل العلة في معلولها أو كدخل الشرط في مشروطه أو غير ذلك كدخل الزمان ويكون المحل على هذا ظرفا محضا . لكن لا يخفى عليك ان تعدد اللحاظ للماهية الواحدة لا يوجب تعددها حقيقة . فان كان سنخ المعنى في المقامين متحدا فلا يوجب تعدد اللحاظ تعددهما بل ذلك مجرد اعتبار لا أثر له وان كان متحدا فلا حاجة إلى تعدد اللحاظ .

وكيف كان فلاشكال صاحب الفصول قدس سره مجال واسع وحينئذٍ فالمناط هو ما قاله من لحاظ اعتبار وحدة بين المتغايرين في القوم الذين صدر القتل من واحد منهم كي يصح اسناده اليهم أو لحاظ تعدد بين الجسم والبدن والنفس ويصحّ حملالجسم عليه بهذا الاعتبار على ما سبق لاحتياج الحمل إلى تغاير من وجه واتحادمن وجه آخر .

ويمكن أن يقال ان قابلية الحمل في المشتق وعدم قابليته في المبدء بعد ان كان مادة المشتقات سارية في جميعها أو صحّة الحمل وعدمه أو الحمل وعدمه هو الموجب لكشف اختلاف سنخ المعنيين فيهما بلا لحاظ دخله فيه .

والأحسن في ذلك أن يصار إلى وجه آخر في تركب المشتق وبساطته بأن ما ذكره القوم من اشكال لزوم دخول الجنس أو العرض العام في الفصل وغير ذلك لا ربط له بمسئلة كشف مفهوم المشتقات . لامكان التجريد بناءً على التركب في الحمل مع ان الظاهر عدم لحاظ العناية في الحمل . بل اللفظ بما له من المعنى يحمل على الذات . ويقال بأن المنفهم عرفا من مثل القائم الذي هو لفظة مشتقة من القيام ذات ماله القيام وكذلك لغة فيكون المشتق لذات ما ثبت له المبدأ .

ص: 213

لا يقال ان ذلك من حيث احتياج القائم إلى محلّ يحمل عليه كما في باقي الأعراض النسبيّة وغيرها . لأنا نقول مع قطع النظر عن هذا الحيث أيضا يمكن ذلك ويرشد القائم إلى ذات ما في مفهوم معناه له القيام . وليس كذلك العلم بحيث اذا اطلق يشار به الى ذات هو العالم وشيء هو المعلوم . وان كان لا يتحقق الا بذلك . وعلى هذا فيكون المستفاد من التتبع والتأمل التام في مفهوم المشتقات انها وضعت للاشارة إلى الذات بهذا العنوان فمعنى القائم على هذا ذات له القيام كما ان معنى الناطق ذات له النطق لا القوة ولا الانسان . غاية الأمر يكون الفرق بين صورة الحمل وعدمه بالاجمال والتفصيل فتارة يكون في مقام الجمع والاتحاد فيحمل أحدهما على الآخر . ويقال الانسان ناطق كما يقال زيد ناطق أو انسان ويحمل القائم على الذات على حذو حمل الذاتيات عليه .واخرى يكون في مقام أخذ المفهوم ولحاظه بلا تطبيق وتفصيل الاجمالفالمنفهم منه ذات ما بلا لحاظ تفصيل بل اجمالاً واما استفادة البساطة نظرا إلى ما عن الشريف أو غيره فلا وجه له . بل يشكل الفرق بين ما ذكره القوم في الجنس والمادة والفصل والصورة من عروض الوجود أولاً للفصل ثم للمادة . فان كلماتهم مضطربة لا شاهد على صدقها . والذي يمكن أن يقال انه لا مانع من وجود العرض والمعروض في رتبة واحدة فضلاً عن الجواهر التي منها المادة والصورة فالفحم أو اللبن لا يكون منفكا في الوجود عن اللون بل اذا يوجد يوجد أحدهما أسود والآخر أبيض .

نعم في تبديل الألوان كلام آخر مسانخ لما ذكرناه في تبديل الصور بناء على الحركة الجوهرية وغيرها ليس المقام مقام تفصيلها . هذا تمام الكلام في

ص: 214

البساطة للمشتق والتركب . وصار الحاصل ان مفهوم المشتق ذات ما ثبت له كذا ويمكن الالتزام بتعدد الوضع في الهيئة والمادة وان كان لا مانع من الأوضاع الشخصية بالنسبة إلى كلّ هيئة وان يضع لفظة الضارب بغير وضع الفاعل أو الأكل أو الشارب في الهيئة والمادة .

ثمرة النزاع

ان كان المختار هي البساطة فلا يبقى مجال للنزاع في كونه للأخص أو الأعم والا فللنزاع فيه مجال .

اذ بناء على البساطة وان المشتق عبارة عن الحدث لا بشرط لا يبقى مجال للنزاع في كونه أعمّ أو حقيقة في خصوص المتلبّس إذ لا يمكن الوضع للأعم من حال وجوده وعدمهكما في أصل المبدء فالشرب مثلاً انما وضع للشرب الذي هو موجودويطلق عليه ولم يوضع للأعم من الشرب وعدمه . وكذلك الشارب الذي هو المشتق منه لعدم الفرق بينهما على البساطة الا بما ذكرنا من الوضع للشرب بما هو هو أي بشرط لا وبما هو موجود في المحل الذي هو المعنى الاشتقاقي . وعلى هذا فلا يبقى مجال للنزاع من رأس ضرورة الاحتياج في ذلك إلى ذات أو شيء يكون على هذا محفوظا بين الحالين . أي حال التلبس والانقضاء وبناء على البساطة بهذا المعنى ليس هناك ما يكون محفوظا بينهما يقع فيه النزاع . بل بناء على هذا يكون حالها حال الجوامد فكما انه بانعدام الصورة النوعية الخمرية مثلاً لا تصح اطلاق الخمر على ما انعدم كذلك بانعدام الصورة النوعية العرضية في المشتقات

ثمرة النزاع

ص: 215

تخرج عن قابلية الصدق والاطلاق في ما مضى وانقضى اللهم إلاّ مجازا . بل النزاع في عدم مجيئه في ما نحن فيه احسن وأوضح من الجوامد كالكلب الذي صار ملحا والحطب الذي صار رمادا لكون المادة فيهما موجودة بخلاف ما نحن فيه . وكذلك على التركب لكن من غير الذات . بل المبدء والنسبة لأن الذات على هذا أيضا خارجة وليس هناك ما يكون محفوظا بين الحالين كي يقع فيه النزاع .

ودعوى ان الذات في هذين الموردين وان لم تكن داخلة في الموضوع له لكنها لازمة عقلاً في الأخير . وفي الأول من باب الانطباق وحمل المشتق عليها ويكفي في المحفوظ بين الحالين هذا المقدار وعلى هذا يكون مبنى النزاع في ان التلبس بالمبدء في آن ما هل يكفي في صحة الاطلاق بمعنى سعة دائرة الوضع لذلك أم لا . مدفوعة بما ذكرنا من عدم مجال للنزاع على البساطة اذ يكون حال الشارب حال الشرب فكما ان الشرب انما يطلق ويكون حقيقة موضوعا لما هو موجود ولا يقال على المعدوم انه شرب كذلك حال الشارب .نعم على المباني الاخر التي يكون الذات داخلة في ما وضع اللفظ فيهامجال للنزاع في انه للأعم أو لخصوص المتلبس . والمذكور من أدلة الطرفين كلها قابلة للخدشة والمناقشة كالتبادر من الطرفين أو صحة الحمل في الأعم وصحة السلب .

الأصل العملي

في جانب خصوص التلبس . وحينئذٍ فاذا لم يكن هناك أصل موضوعي يعيّن الوضع للأعم أو لخصوص المتلبس في المسألة الأصولية وتصل النوبة إلى الشكّ . ففي المسألة الفقهية يختلف الأمر في جريان الأصل .

مقتضى الأصل العملي

ص: 216

فاذا شككنا في ان من فاته الحج لعدم دركه ما هو المعتبر في ذلك . فان كان ينقلب(1) حجه تمتعا افرادا ويجب بعد ذلك عمرة مفردة . ويكون انقلاب الاحرام قهريا فبالأعمال المخصوصة من طواف النساء بعد طواف العمرة والسعي والتقصير يخرج عن الاحرام .

وانما يجب عليه العمرة . وان كان الانقلاب محتاجا إلى النية وكان غافلاً فيبقى إلى العام القابل ويترتب عليه الأحكام . ولكن حيث ان المسألة غير مرتبطة بكون النزاع في الصحيح أو الأعم ( اللازم التعبير بالخصوص أو الأعم ) فلا داعي إلى الاطالة بل لابدّ من تنقيح موارد الشكّ .

وقبل ذلك نقول انه يمكن بناءً على الأعم جعل الحكم في خصوص المتلبس وعدم سعته لمطلق المشتق ولو في حال الانقضاء . كما يمكن العكس . وكذلك على الوضع لخصوص المتلبس لا مانع من كون موضوع الحكم خصوصالتلبس آنا ما بالمبدأ وكونه ملاكا لجعل الحكم ولو في حال الانقضاء .اذا عرفت هذا فنقول ان الثمرة انما تظهر في ما لو جعل المشتق بما له من المعنى الخاص بالمتلبس أو الأعم منه ومن المنقضي عنه المبدء موضوعا للحكم وحينئذٍ فاذ لا أصل في المسئلة الاصولية تصل النوبة إلى اجراء القواعد الفقهية وما عن المحقق الخراساني قدس سره (2) جريان أصل البرائة فيما إذا كان بعد الانقضاء ويشك في انه داخل في موضوع الحكم أم لا اذا كان الحكم الزاميا كالوجوب والحرمة وان كان حين الخطاب متلبسا ثم زال تلبسه بعد ذلك . فيجري

ص: 217


1- . وسائل الشيعة 14، 1 - 7، الباب 27 من أبواب الوقوف بالمشعر .
2- . كفاية الاُصول 1/68 .

استصحاب الحكم عنده . واستشكله سيدنا الاستاذ قدس سره تارة بجعل الموضوع للحكم هو العادل مثلاً فاذا لم نعلم السعة في المفهوم وكان عادلاً فنشك في بقاء الموضوع . وحينئذٍ فلا معنى للاستصحاب ولو في ناحية الحكم . واخرى بأن الموضوع وان كان هذا الشخص الكذائي الذي كان عادلاً أو عالما حين الخطاب ولكن ملاك هذا الحكم انما هو العدالة ولابد في جريان الاستصحاب من احراز الملاك حدوثا وبقاءً وإذ لا علم لنا بذلك فلا يجري الاستصحاب لكون الشكّ راجعا إلى بقاء الموضوع ويكون الشك فيه كالقطع بعدمه .

ثم احتمل أخيراً بناء المحقق الخراساني قدس سره في الاستصحاب على كون الموضوع هو هذا الشخص ويشك في بقاء الحكم لزوال الوصف . لاحتمال كون العدالة ملاك الحدوث والبقاء ولو بعد ما زالت أو لا بل انما هي ملاك حدوثا وبقاءً بحيث يدور الحكم وجودا وعدماً على وجوده وعدمه . فتكون المسألة من هذه الجهة نظير مسألة استصحاب نجاسة الماء المتغير الذي زال تغيره ويشك في كونالتغير ملاك الحكم بالنجاسة حدوثا وان الحكم يترتب عليه ولو بعد زوال التغير أولا . بل يدور الحكم بالنجاسة مدار حدوث التغير وبقائه . وحينئذٍ يرجع النزاع بين المحقق الخراساني وسيدنا الأستاذ في المبنى كما هو واضح(1) .

الأمر الثاني عشر: لا يخفى ان محل الكلام في كون المشتق حقيقة في خصوص المتلبس أو الأعم منه ومن المنقضى عنه المبدء بعد الاتفاق على عدم الاختصاص بما انقضى وعدم وجود القائل به في سعة المفهوم وضيقه لا في

مجمل الكلام في المشتق في سعة المفهوم وضيقه

ص: 218


1- . وفي المحاضرات ( محاضرات في اُصول الفقه 43/277 - 278 ) لم يفرق بين الموردين في اجراء البرائة . استناداً في المورد الثاني إلى مبناه في الاستصحاب من عدم جريانه في الشبهات الحكميّة لتعارض الاستصحاب مع استصحاب عدم سعة المجعول .

التطبيق وعدمه سواء في ذلك كون المشتق حالاً أو تميزاً أو فاعلاً أو مفعولاً به إلى غير ذلك من أقسام المعربات والمحمولات وهذا على أنحاء اختلاف المبادى فان اختلافها بالملكة والحرفة والفعلية والصدور والحلول والاتحاد لا يضر بما هو محل الكلام . ضرورة انه مادام له الملكة وان لم يحصل الفعليّة يكون متلبسا حقيقة بها وكما في المجتهد والبزاز والعطار وبزوال الملكة والحرفة يدخل في محل البحث وانه هل يطلق عليه حقيقة أم لا . وهذا واضح لا اشكال فيه .

اذا عرفت هذا فاعلم ان الأقوال في المسئلة وان كثرت الا انها بلحاظ تخيل اختلاف انحاء الوضع غفلة عن اختلاف المبادى وان الجرى بلحاظ حال التلبس أو غير ذلك وسنشير إليه طي دليل الأعمى والا فالمسئلة قبل ذلك دائرة بين قولين .

الوضع لخصوص المتلبس فعلاً والوضع للأعم .

وحينئذٍ فنقول بناء على بساطة المشتق لا مجال للنزاع في الوضع للأعم أولخصوص المتلبس لما عرفت من انه على البساطة الفرق بين المشتق ومبدئه انماهو بلحاظ اللابشرطية وبشرط اللائية فحيث ان المبدء من الأعراض على اختلاف أنحائها من الكيف والكم والفعل والانفعال وغيرها من الماهيات الامكانية التي تنقسم إلى الجواهر والأعراض .

فالعرض بهذا اللحاظ ليس قابلاً للحمل على المحل والذات لمبانيته لهما وتارة يلاحظ بالنظر إلى عالم وجوده وتحققه في المحل واتحاده معه وحينئذٍ يكون هو المحل ويصح حمله عليه كما ذكرنا لاتحاده معه وعلى هذا فلابد من النظر في نفس العرض وانه هل هو موضوع للأعم من وجوده وعدمه أو الوضع له

ص: 219

باعتبار وجوده والا فما ليس بعرض لم يوضع له اللفظ .

فاذا ثبت هذا فالكلام في المشتق على البساطة بعينه هو الكلام في المبدء ولا يمكن أن يكون المشتق للأعم من المتلبس وغيره لخروج الذات على هذا عن دائرة الموضوع له . والموجود انما هو العرض . فاذا كان موجودا فاللفظ وضع له والا فلم يوضع اللفظ بازاء ما ليس بموجود وليس عرضيا كما هو واضح .

نعم بناء على أخذ الذات في المشتق مجال للنزاع في ان الوضع للذات مطلقاً اذا تلبست بالمبدء وضع لها اللفظ ولو بعد انقضاء المبدأ أم لا . بل انما وضع لها اللفظ في حال وجود المبدء وتلبس الذات به وانما يكون المشتق عنوانا للذات بهذا اللحاظ وان قيل على هذا بالأعم لا مجال لدعوى التضاد بين القائم والقاعد لكون القائم على هذا هو الذي تلبس بالقيام ولو آنا ما ثمّ زال عنه القيام وكذلك القعود .

فحينئذٍ يفترق الوضع بين المبادي المتضادة والمشتقات . فالوضع في المشتقات أوسع دائرة من المبادي فبساطة المشتق أو تركبه من أهم المقدمات التي يبتني عليه النزاع . وقد عرفت انه على البساطة لابد من الوضع لخصوص المتلبس أي لخصوص العرض حال وجوده في المحل الذي بهذا الاعتبار يكون عرضيا .

واستدل على الوضع لخصوص المتلبس مضافا إلى هذا بوجوه:

منها: التبادر ولا يخفى ان التبادر انما يفيد اذا كان مستندا إلى حاق اللفظ وقد مرّ مرارا الاشكال في التبادر وانه متوقف على العلم بالوضع ودفعنا الاشكال على ما سبق بيانه .

أدلّة مدّعى الوضع لخصوص المتلبّس

ص: 220

منها: صحّة الحمل .

ولا يخفى انها أعم من الوضع لخصوص المتلبس .

نعم لو انضم إليه صحة السلب عن المنقضي عنه المبدء فيتم دليلاً على الوضع لخصوص المتلبس .

ولا ريب في ان حال وجود الغنى وتلبس الشخص به أو بالفقر أو العلم يقال عليه انه غني أو فقير أو عالم ويصحّ سلب هذه العناوين عنه اذا انقضى عنه كل من هذه المبادي . فيصدق عليه بعد زوال فقره انه ليس بفقير وبعد زوال الغنى انه ليس بغني أو زال علمه فيقال انه ليس بعالم وهكذا وهذا من العلائم التي يتوقّف على الوضع بها ويتعيّن بها سعة دائرة الموضوع له وضيقها .

وقد استشكل على هذه العلامة انه ان اريد السلب مطلقا فغير سديد فان القائم ولو آنا ما لا يصح السلب القيام عنه وانه ليس بقائم وان اريد السلب مقيدا بحال . فليس بمفيد انما المفيد هو السلب المطلق .

وأجاب عنه في الكفاية(1) بأنه ان اريد تقييد المسلوب فسلبه وان كان أعممن سلب المطلق ولا يكون علامة على كون المطلق مجازا لكنه ( تقييده ) ممنوع وان اريد تقيد السلب فلا يضر بعد صدق المطلق على افراده على كل حال .

مع انه يمكن أن يلاحظ القيد في ناحية الذات ويسلب عنه القيام وعنوان القائمية بلحاظ هذا الحال

أي يلاحظ الموضوع زيدا في الحال ويسلب عنه القائم .

ولا اشكال في انه يصح مطلقا سواءً بلحاظ الحال أو الماضي أو الاستقبال .

ص: 221


1- . كفاية الاُصول 1/72 .

واستدلّ أيضا ببرهان المناقصة وتضاد المبادى المستتبع لتضاد المشتقات حسب الارتكاز وانه حمل القائم والقاعد يكون من حمل المتضادين .

ثم ان للمحقق الخراساني قدس سره (1) مناقشات في هذا المقام وأورد عليه أسئلة وأجاب عنها فراجع وتأمل .

وكيف كان فأدلة من يدعي الوضع لخصوص المتلبس تامة غير قابلة للنقص والاشكال .

وبذلك يظهر النظر في أدلة الأعمى مع انه ليس إلا موارد اطلاق توهم عدم العناية فيها مع ان الأمر ليس كذلك أو لوحظ حال التلبس وهو حقيقة بلا ريب .

أدلة الاعمى: واستدل هو أيضا بالتبادر وصحة الحمل وموارد استعمالات اطلق المشتق بلا لحاظ عناية ( في المنقضي عنه المبدء ) والأصل في الاستعمال الحقيقة .

وبرهان التضادّ للاولين توضيح وتقريره انه لا اشكال في وجود التضاد بينكثير من المبادى والمناقضة بينها بحيث لا يمكن اجتماعها كل واحد مع الآخر فيزمان واحد في مكان واحد كالنوم واليقظة والقيام والجلوس والعلم والجهل إلى غير ذلك من المبادى المتضادة . ولازم ذلك حصول التضاد بين ما اشتق من كل واحد بالنسبة إلى ما اشتق من الآخر . فلا يمكن اطلاق القائم والقاعد بلحاظ حال النسبة والجرى لرجوع ذلك إلى التضاد والمناقضة الحاصلة بين المبادى .

واجيب عن ذلك: بأن التناقض والتضاد انما يلزم بناء على الوضع لخصوص حال التلبس . فاذا كان كذلك فلا يمكن كون زيد قائما وقاعدا أو عالما

أدلّة الأعمى

ص: 222


1- . كفاية الاُصول 1/74 - 76 .

وجاهلاً امّا بناءً على الأعم فلا . إذ حينئذٍ يكون للمشتق فردان فرد في حال التلبس وآخر في حال الانقضاء وعلى فرض كون الوضع للجامع بينهما الأعم فلا مانع من اطلاق القائم والقاعد على واحد بلحاظ حال الجري والاطلاق .

غاية الأمر، لا يجتمع ثبوت الوصفين أي التلبس بالمبدئين فعلاً في زمان واحد ولا مانع من اجتماع العنوانين فيكون في أحدهما بالنسبة إلى فرده التلبسي وفي الآخر بلحاظ فرده الانقضائي . وهذا واضح لا سترة عليه .

وقد يورد عليه بأن التضاد حاصل بلا توقف على شيء . بل بما للعنوانين المشتقين من المبدئين المتضادين من المعنى المرتكز في الذهن لا يصح ويكون بينهما المضادة . وهذا يكشف عن كون الوضع لخصوص حال التلبس . والا فلو كان للأعم لما كان موجبا لارتكاز ما يوجب المناقضة بين العنوانين .

ويرد عليه ان هذا انما يصح عند القائل بالوضع لخصوص حال التلبس ولا يفيد الأعمى وذلك لرجوعه إلى التبادر من الاطلاق ومن حاق المشتق خصوص حال التلبس لا حال انقضاء المبدء وليس وجها على حدة ولا يقبله الاعمى بالنظر إلى أدلته فلا يتم برهان المناقضة .وحاصل الكلام والجواب في هذا المقام انه تارة نقول بكون المشتق بسيطالا تركب فيه كما ذكرنا . فلا يمكن أن يكون للأعم بل يكون معنى المشتق هو معنى المبدء .

والفرق كما ذكرنا سابقا في لا بشرط وبشرط لا والا فالمشتق هو المبدء والمبدء هو المشتق وحينئذٍ فيستحيل الوضع للأعم من الشيء وعدمه .

نعم انما يصح النزاع في الخصوص أو الأعم بناء على التركب من الذات

ص: 223

وغيرها الذي يكون هناك جامع بين الحالين كي يصح الوضع له والاطلاق بعد انقضاء التلبس . وحينئذٍ فاما أن يتم ما ذكر من التبادر وصحة السلب في تمامية دعوى الأعمى فلا يحتاج إلى برهان التضاد والا فان لم يتم دليل الأعمى . أو يبقى لنا الشك في المسألة الأصولية . يرجع في المسألة الفقهية إلى مقتضى القواعد من البرائة والاشتغال .

وقد اعترف سيدنا الاستاذ قدس سره بعدم ورود اشكاله على صاحب الكفاية في جريان الاستصحاب في هذا المقام .

قلت: كلامه قدس سره في ما اذا ورد الخطاب في حال التلبس ثم انقضى باستصحاب الشغل وفي ما اذا ورد في حال الانقضاء بالبرائة أو ما يرجع إلى ما ذكرنا فراجع .

وأفاد سيّدنا الأستاذ انه لابد من النظر في الدليل المتكفل لبيان الحكم فانه اما ان جعل موضوع الحكم خصوص حال الانقضاء أو التلبس . فلابد من العمل بمقتضاه وان لم يثبت الأعم أو الأخص أو ثبت واحد . وكذلك اذا كان التلبس ولو آنا ما كان موضوعا للحكم ولو قلنا بالوضع لخصوص حال التلبس فان الحكم أعم .وعن المحقّق النائيني قدس سره انكار امكان الوضع للنسبة والحدث لعدم وضعالنسبة للأعم من وجودها وعدمها فاذا انقضى المبدء فلا مورد للنسبة وأجاب سيدنا الاستاذ قدس سره بامكان وضع النسبة لمجرد التلبس آنا ما وان انقضى بعد ذلك فان حال المشتق على هذا آو أخذ الذات في مفهومه نظير حال اسماء الاعلام الموضوعة لنفس الذوات مثل ما اذا وضع لفظة العالم لابنه أو سمّيه أو غير ذلك من الأسماء والوضع في المشتق بناء على الأعم وان لم يكن بهذه المثابة الا انه لا مانع

صحّة النزاع على التركّب

ص: 224

من كون الموضوع له والملحوظ في الوضع هو خصوص التلبس آنا للوضع مطلقا ولو بعد الانقضاء فانه بمكان من الامكان فلا ملازمة بين تضادّ المبادى والمشتقات .

وأورد سيدنا الاستاذ قدس سره على برهان التضاد بما هو المسلم عند أهل الميزان من عدم التنافي بين المطلقين العامّين كزيد قائم وزيد قاعد وتسلم عندهم ان نقيض السالبة الكلية هي الموجبة الجزئية ولذا احتاجوا إلى التفصى عما يرد عليهم بناءً على ذلك على أخذ المفهوم من قوله علیه السلام (1) ( إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شيء ) مع ان المستفاد من النكرة في سياق النفي هو العموم ويكون السلب عاما . ولا يمكن أن يكون هناك سلب العموم لأنه يجوز حيث يكون النفي واردا على شيء في رتبة سابقة عليه كلفظة الكل أو كما في أخبار الاستصحاب(2) ( لا تنقض اليقين بالشك ( لكنه على اشكال كما لا يخفى ) لا في مثل المقام الذي انما يستفاد العموم من النفي ووقوع النكرة في سياقه فحينئذٍ لابد أن يتمحض الكلامفي كونه ظاهرا في عموم السلب فاذا لم يكن هناك تنافي بين المطلقتين العامينالا اذا قيد أحدهما بقيد الدوام ومقتضى عدم التنافي تصادق كل واحد مع نقيض الآخر يشكل الأمر في برهان التضاد لمناسبة ذلك مع الأعمى كما لا يخفى .

وأجاب عن ذلك المحقق النائيني أو أجيب عن اشكال نقيض السالبة الكلية بأن الكلام تارة في مقام صدق التناقض والتضادّ واخرى في مقام الظهور وما عند أهل الميزان وان كان صدقا لكن لا ربط له بباب الظهور العرفي وما هو راجع إلى

ص: 225


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 9/1 - 2 - 5 - 6 من أبواب الماء المطلق واللفظ إذا كان الماء قدر كر لم ينجّسه شيء .
2- . وسائل الشيعة الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء واللفظ ولا تنقض اليقين أبداً بالشكّ .

الألفاظ . والمتفاهم في المفاهيم هو كون المفهوم تابعا للمنطوق كلية وجزئية مضافا إلى ان في الحقيقة تنخلّ القضية السالبة إلى قضايا عديدة حسب تعدد موضوعاتها وحينئذٍ فلذلك لابدّ أن يكون في المفهوم اما مطلقا لما بين عند أهله ان نقيض السالبة الكلية هي الموجبة الجزئية لا ينافي كون الكلية أيضا نقيضا لها وذلك لأن المراد لابد اما أن يكون ان أقل ما يتحقق به التناقض لا مطلقا .

واجيب عن الاشكال الأول بأن كلام أهل المنطق راجع إلى لبّ الواقع ونفس الأمر بلا توجه إلى كون القائم أو القاعد مثلاً موضوعا للأعم أو للمتلبس . بل المناط في التناقض عندهم اجتماع الوحدات الثمانية أو أكثر ولذلك اذا اجيب جوابا للسائل عن نوم زيد ويقظته انه ليس بنائم ولا يقظان يرى ذلك تناقضاً لعدم الواسطة وذلك لكون القرينة قاضية بأن المراد بيان حاله الفعلي ولذلك لا منافاة بين ما اذا قيل زيد قائم وزيد قاعد لو لم يكن قرينة على انصراف القضية إلى الحال .

فحينئذٍ يجمع بينهما بما لا تناقض فيه والا فلو اريد منه الحال فقطعا يكون تناقضا فما ذكره أهل الميزان غير مرتبط بمسئلة المشتق وكونه حقيقة في الأعم .

أقول: وجه ارتباط القضيتين المطلقتين بالمقام واضح لكونه اشكالاً علىالصحيحي الذي يدعي المناقضة والمضادة بين الصفات والعناوين كالمبادى وامافي ارتباط كون النقيض للسالبة الكلية هي الموجبة الجزئية ففيه خفاء ويمكن كونه تتمة الاشكال الأول وهو انه اذا أمكن ولو في مادة ما من المواد صدق المطلقتين اللتين احديهما محمولها القائم والاخرى القاعد فحينئذٍ لا يتمّ برهان المناقضة والمضادة فتأمل جيدا .

ص: 226

وسألت سيّدنا الاستاذ قدس سره فأجاب بان ربط الأول أي المطلقتين العامين واضح اما ربط كون النقيض للسالبة الكلية هي الموجبة الجزئية فانما هو من باب التنظير وعدم ربط المسائل الميزانية بالظهورات .

وقد يدعي كما عن المحقق النائيني قدس سره عدم امكان الوضع(1) للأعم ولو على التركب لانحصار الجامع حينئذٍ بينهما في الزمان وهو بالاتفاق خارج عن المفهوم . لكن لا يخفى فساده ضرورة امكان الوضع لخصوص التلبس آنا ما بناء على أخذ الذات أو وضع النسبة للأعم من وجودها حدوثا أو حدوثا وبقاءً .

هذا تمام الكلام في أدلّة الصحيحي وبذلك يظهر النظر في أدلّة الأعمى .

ومنها آية « لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ »(2) فاستدلّ بهذه الآية على عدم لياقة

الثلاثة للخلافة والولاية الالهيّة للاتّفاق على كونهم كافرين عابدين للوثن قبل ايمانهم بالرسول صلی الله علیه و آله .

ونوقش الاستدلال بتوقفه على القول بالوضع للأعم مع انّكم لا تقولون بهوعن الفخر الرازي الجواب(3) بامكان كون التلبس آنا موجبا للحكم دائما وأبداولو بعد خروجهم عن التلبس هذا ولكن لا يخفى انه تارة يبني على ما هو الوارد في بعض الأخبار والأدعية من كونهم كافرين حتى بعد ايمانهم على الظاهر فالأمر واضح لعدم الحاجة إلى دعوى كون الوضع للأعم .

ص: 227


1- . فوائد الاُصول 1/121 .
2- . البقرة الآية 135 .
3- . الفخر نقل استدلال الاماميّة وعبر عنهم بالروافض وفي استدلالهم جوابا عن اشكال عدم زوال اسم الكفر بعد الزوال ( الظالم من وجد منه الظلم وقولنا وجد منه الظلم أعم من قولنا وجد منه الظلم في الماضي أو في الحال الى أن قال: فلا يلزم من نفي كونه ظالما في الحال نفي كونه ظالما الخ وأجاب عن الاستدلال بالمعارضة ( مفاتيح الغيب 4/46 ) .

اما بناء على ممشى القوم فاما أن يجاب بما أجاب به الفخر لكنه لا يخلو من نظر لكونه غير مرتبط بمقام الاستظهار . أو يجاب بما استفيد من الخارج من كون المشتق غير أعم لكن الاطلاق أعم من الحقيقة لعدم جريان اصالة الحقيقة عند انكشاف المراد كما اطلق في آيتي حد الزنا والسرقة . وان استدل الأعمى بهما الا انه يكون ردا عليه في التمسك بصحة الاستعمال والاطلاق ولو بلحاظ ما سبق خصوصا والوارد في الأخبار المعصومية الاشارة إلى عدم اللياقة للتلبّس ولو آنا ما .

ومنها: آيتا السرقة(1) والزنا(2) . والجواب انا لا ننكر الاستعمال ولو مجازا انما الكلام في المعنى الحقيقي . والحكم في الآيتين انما هو بلحاظ التلبس . والقرينة على ذلك عدم امكان اجراء الحد على الزاني والسارق حين يتحقق منهما ذلك فانه انما يكون موضوعا حدوثيا للحكم البقائي مع ان غايته الاطلاق والاستعمال وهو أعم من الحقيقة وليس للأعمى دليل غير الاطلاقات والاستعمالات وهي كما عرفت لا تفيد شيئا .

فالحق مع من رأى الوضع لخصوص المتلبس وبما ذكرنا عرفت عدم مجالللتفصيل بين ما اذا كان المشتق موضوعا أو محمولاً وغير ذلك من التفاصيل .الأمر الثالث عشر: قد استعمل المشتق في موارد عديدة يتخيل منها الاستعمال في المنقضي عنه المبدء أشار إليها في الكفاية(3) ذيل برهان التضاد وفي أدلة الأعمى .

بقيّة أدلّة الأعمى والجواب عنها

ص: 228


1- . المائدة /39 .
2- . النور /3 .
3- . كفاية الاُصول 1/71 - 76 .

وأجاب عنها بوجوه ثلاثة: وأجاب عن ذلك المحقّق النائيني قدس سره (1) عدم الاستعمال فيها الا في المتلبس بالمبدأ فعلاً وليس بلحاظ حال الانقضاء والاطلاق حال الانقضاء بلحاظ قيام المبدء حال التلبس وان الاستعمال في هذه الموارد كايتي السرقة والزنا وأمثالهما انما هو خصوص ما تلبس ودوام الحكم بلحاظ كون حدوث هذه العناوين أو قيام مباديها بالذات علة للحكم وهو باق ما لم يمتثل . فانه يمكن كون العنوان اشارة إلى الذات بلا لحاظ دخل بقاء المبدء أو العنوان كما في مسئلة الوقف فانه تارة يكون جهة الوقف المنفعة فينحل حقيقة الوقف إلى شيئين نفس المكان والبناء الموجود فيه أو الشيء الاخر الموجود كالشجرة في الأرض أو المدرسة فخراب البناء أو قطع الشجرة لا يلازم بطلان الوقف بخلاف ما اذا كان جهة الانتفاع . فان المدرسة بعد خرابها لا يبقى جهة الانتفاع فيها . وإنما تكون مثل البقر الموقوف فاذا مات فلا موضوع للوقف . بل ادعى المحقق النائيني وتبعه سيّدنا الاستاذ عدم استعمال المشتق في موضوعات الأحكام الا في ما تلبس ولم يقع الاستعمال الا فيه دون ما انقضى .

نعم يمكن الاستعمال في ما انقضى لكن بلحاظ حال التلبس الذي يكونالاطلاق فيه حقيقة كالاستعمال فيما يأتي والاطلاق بلحاظ تلبسه فيه . لكنه يحتاج في كلا الموردين إلى قرينة من كلمة قدا وسوف والسين . ولو لا ذلك . فاماأن يكون تورية واظهارا لخلاف ما يريد لمصلحة . أو يكون غلطا كما في العناوين الذاتية كالخمر فانّه لا معنى لاطلاقها فيما اذا خرجت عن الخمرية لعدم بقاء موضوع لها . نعم يمكن الفرق بين الموضوعات والمحمولات واطلاق المشتق في

ص: 229


1- . فوائد الاُصول 1/124 - 127 .

المحمولات حتى بلحاظ التلبس حال الانقضاء وكون الاطلاق فعلاً بذاك اللحاظ الا ان الكلام في ان الاستعمال في القضايا الشرعية هل ثبت في المحمول أو كلها انما هو بالنسبة إلى الموضوعات سواء كان تمام الموضوع أو جزئه ودخيلاً فيه .

وفي هذا لا فرق بين البساطة والتركب وعرفت انه على التركب لا يكون الزمان داخلاً في المفهوم لعدم دعوى أحد كون الزمان داخلاً في مفهوم الاسم بل بناءً على التنزل وكون الزمان داخلاً في مفهومه فانما يكون جزء المعنى ولا يمكن كونه جامعا بين ما انقضى والمتلبس .

وعلى تقدير التركب ليس الزمان جامعا بل الموضوع له هو الذات التي تلبست بالمبدء ولو آنا ما ويكون له هذه السعة والعنوان له دائما حتى بلحاظ حال الانقضاء فلا معنى لتوهم استلزام القول بالتركب دخول الزمان أو كونه جامعا بين الحالين فانه فاسد كما عرفت .

وحاصل البحث ان المشتق حقيقة في ما تلبس بالمبدء في الحال ومجاز في غيره يحتاج إلى قرينة وانه مركب من ذات ما والصفة كما أشرنا إلى ذلك .

أما الحكم فيدور مدار موضوعه فيمكن مع كون المشتق أعم وضعه وجعل

الحكم لخصوص حال التلبس كالعكس . ومن ذلك تعرف ما في بعض الامور المتفرعة على المباني الفاسدة في قبال المختار من التركب . وكونه حقيقة في خصوص المتلبس وكون الاسناد بلحاظ غير ما هو له والمجاز فيه دون الكلمة أوغيرها من الامور . وكذلك تعرف ان اطلاق العالم والقادر والحكيم عليه تعالى عمايقول الظالمون علوّا كبيرا حقيقة كغيرها من صفات الأفعال وان معنى العالم الواجد لصفة العلم كالخالق وغيرهما وما ذكر من اتحاد المبدء مع المشتق لا يصح

المشتق حقيقة في المتلبس مجاز في غيره

ص: 230

بل الاشارة بالمشتق إلى الذات والمبدء انما هو اشارة إلى نفس الحدث فليس معنى العالم هو العلم كما ليس معنى العلم هو العالم . وعرفت ان اطلاق هذه الصفات انما هو على نحو الحقيقة بلا لزوم تركيب ومحذور . غاية الأمر جهلنا بكيفيه علمه تعالى كساير صفاته تقدست أسمائه لا يوجب منع الاطلاق لعدم امكان احاطتنا بما هو خارج عن حيطة افهامنا وعقولنا ولا معنى للتنظير أو التشبيه بالنفس لأنه ليس الثرى كالثريا . بل التكلم في العلم يرجع إلى التكلم في الذات المنهي عنه وعلى الداخل المتعمق في امثال هذه الاحتياط التام بعدم الخروج عن الجادة المستقيمة ولا يمكن تصحيح الاعتقادات الحقة الا بالرجوع إلى الأئمّة علیهم السلام والبيانات الواردة عنهم علويا أو سجاديا أو غير ذلك من الأدعية والأخبار والمعارف الربانية التي انما خرجت عن مصدر علمهم وتنحصر بهم . وما يقال ان الاعتقاديات لابد أن تكون بالدليل العقلي فهو خطأ . فان الثابت ان باب التوحيد لابد أن يكون بذلك أو واضافة العدل .

اما باقي الاعتقادات فلا اشكال من أخذها من القرآن أو الاخبار بلا احتياج إلى الوجوه العقلية الملفقة من الأوهام والخرافات . بل اثبات التوحيد لا يمكن إلا باصالة الوجود والا فاصالة الماهية توجب الابتلاء بشبهة ابن كمونة ولا يمكن الخروج عنها مع ان في اصالة الوجود محاذير لا تخفى .

والحاصل ان الجهل لا يمنع من اطلاق العالم والقادر وغيرهما من الصفات عليه تعالى لعدم امكان وصولنا إلى حقيقة لسان الثور فضلاً عن ذاته تقدّس وتعالى .

ص: 231

الكلام في الأوامر:

صار من المتعارف عد مبحثها من المقاصد الاصولية . لكنه يشكل لرجوعه الى الصغريات المحتاجة إلى كبريات اخرى تقع في طريق استنباط الحكم . فان الكلام في ان الأمر ظاهر أو حقيقة في الوجوب أم لا ليس الا في الاستظهار . وهذا يحتاج إلى تنقيح حجيّة الظواهر كي يفيد في الاستنباط والمعهود من المبحث الاصولي وتعريفه ما يقع كبرى لقياس الاستنباط . فان كان يرجع ما له دخل في ذلك في الاصول فتكون العلوم الستة المعدية المقدمة على علم الاصول أيضا داخلة فيه . وهو كما ترى نعم من المباحث الأصولية على هذا المبنى بحث حجية خبر الواحد .

وكيف كان فالكلام في ذلك يقع في مقامين: الأول في مادة الأمر والثاني في صيغته .

أمّا الأول: فلا اشكال في استعمال لفظة الأمر للطلب الخاص على ما سيجيء بيانه . وانه حقيقة فيه . وقد استعمل في معاني اخر كالشأن والأمر العجيب ومطلق الشيء والغرض والفعل الى غير ذلك مما عد من موارد استعماله وهل الاستعمال فيها للاشتراك اللفظي أو المعنوي بكون اللفظ موضوعا لمعنى وهذه المعاني من مصاديقه أم لا . بل في بعضها حقيقة وفي الباقي بالعناية والمجاز بلحاظ ذلك المعنى ؟ وجوه واحتمالات . ربما يدعي ان لفظة الأمر بالفتح لا الامر بالكسر موضوع للشيء المهم والأمر العجيب وغير ذلك انما هو من مصاديقه . لكنه يشكل بمقابلة بين الأمر وبين مصاديقه في قوله تعالى ألا له الخلق والأمر . مع ان الخلق بناء على هذا من مصاديق الأمر . وكذلك يشكل بعدم اطلاق الأمر

الكلام في مادة الأمر

ص: 232

على الأشياء المهمة الخارجية سواء قيل بأنه موضوع لمطلق الشيء أو الشيء المهم . فلا يقال على الشجر انه أمر أو الماء وأمثالهما من الأجناس الخارجية . ودعوى انحصار المدعى في أسماء المعاني وان اللفظ موضوع ( للمنبع ) الجامع بين المصاديق اللغوية لا الخارجية لا يصدقها الاستعمالات . مع ان عد بعضها من المعاني لمادة الأمر لا يخلو من بحث فان الغرض انما يستفاد من اللام في ( جئت لأمر كذا ) لا من استعمال الأمر بمعنى الغرض بحيث ينوب منابه لفظ الغرض .

نعم . الثابت المسلم هو الاستعمال في الطلب وهل هو مرادف له كي يكون معنى أمره طلبه أو لا ؟ بل انما يوجد بالأمر مصداق الطلب أو لا . بل ينشئ النسبة بين الفعل والفاعل ؟ وجوه وأقوال . وكذلك لا ريب في اطلاق الأمر على مثل صيغة افعل لكنه ليس معنى له .

بل الطلب ما يكون موجودا بافعل وهو المعنى . لا ان نفس افعل هو الطلب وحيث ان الطلب أعم من صدوره من السافل أو العالي أو المساوي وفي كلّ هذه الموارد تارة يكون على تخضع واخرى على استعلاء ومن المسلم عدم كون جميع ذلك أمرا فلابد من تخصيص الأمر بانه طلب خاص من العالي على جهة اعمال الاستعلاء . والا فلو لم يكن عاليا لا يكون طلبه أمرا كما ان زجره لا يسمّى نهيا . وان كان ارادته في مطلوبه في المقامين أشد بمراتب كاظهارها لكنه لا يكون مع ذلك أمرا وكذلك اذا لم يكن مستعليا وان كان عاليا . فلذلك تخرج الأوامر الارشادية بأسرها عن دائرة الاوامر ولا تكون أمرا لعدم لحاظ جهة الاستعلاء فيها وتسميتها أوامر انما هي بالعناية والمجاز والتقسيم إلى الارشادي وغيره لا يكون تقسيما حقيقيا . بل الطلب على غير جهة الاستعلاء أو عدم العلو اما ارشاد

في معاني الأمر

ص: 233

أو شفاعة أو استدعاء وسؤال ونحوها .ثم انه اذا كان أمرا فهو أعم من أن يكون للوجوب أو الندب اذ ذلك لا يخرجه عن حقيقة الامر .

اذا عرفت ما ذكرناه في مادة الأمر . فاعلم انهم بحثوا عن اتحاد الطلب والارادة وان الأمر اذا كان طلبا خاصا فالطلب عين الارادة أم لا ؟ بل هما متغايران ؟ فذهب المحقّق الخراساني في الكفاية(1) الى اتحادهما عينا وانشاءا وانه ليس وراء الارادة ومقدماتها شيء في صقع النفس ولا في زواياها يكون طلبا . بل الطلب هي الارادة والارادة . هي الطلب وهذا البحث لا ربط له بالجهة الاصولية للأوامر وانما هو مسألة كلامية بحتة أوردوها في المقام . نعم تشمل على فوايد جليلة .

والحاصل انهم نفوا وجود شيء وراء الارادة ومقدماتها في صقع النفس ووعائها يكون هو الطلب الذي تسميه الأشاعرة كلاما نفسيا . كما ان المحقق النائيني قدس سره زاد شيئا آخر له نفع في حل مسألة الجبر والاختيار . وهو ان للنفس(2) مقاما آخر باعتباره تكون فاعلة ومعملة جهة الفاعلية . ويكون ما يصدر عنه منتسبا إليها ونسبة النفس إليه نسبة الفاعل إلى الفعل وحيث ان الفعل الصادر عن الفاعل المختار(3) .

ص: 234


1- . كفاية الاُصول 1/95 .
2- . فوائد الاُصول 1/130 - 134 .
3- . تعطل البحث بمناسبة فوت آية اللّه الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء قدس سره في ليلة الثلاثاء 18 ذي القعدة الحرام 1373 وآل الأمر الى مسافرتنا إلى ايران من النجف الأشرف ولما وفقنا اللّه للتشرف بالحضرة العلوية ثانيا وتوفقنا للحضور ليلة السبت 11 صفر المظفر 1374 17/7/1333 وصل البحث في الأوامر إلى التعبدية والتوصلية .

لا يمكن أن يكون بلا رجحان من أحد طرفي وجوده وعدمه . فالنفسترجح جهة الايجاد أو الاعدام وتوجد بالعضلات المطيعة لها المتسلطة عليها في الخارج . ولا يتوجه حينئذٍ اشكال الجبر ولا ما عن الحكماء الذين تبعهم المحقق الخراساني في أجوبته في المقام عن كون الفعل الارادي هو ما يصدر عن الارادة وان كانت الارادة غير اختيارية ولا محتاجة إلى ارادة اخرى كي ينتهي هذا الكلام إلى الجبر ويبقى في الاعضال بلا مخرج فتدبر جيدا(1) .

الأصل في الأوامر التعبدية أو التوصلية ؟

لا يخفى ان القيد تارة يكون من الامور التي يمكن أخذ تقيده في متعلق الأمر . كالطهارة فان الاجزاء الصلاتية تقيدت بكونها عن طهارة . فالطهارة تكون شرطا وقيدا للأجزاء . واخرى لا يمكن أخذ القيد في المتعلق فالخطاب يتعلق بنفس الاجزاء لكنها ليست على نحو لو أتى بها مجردة عن هذا القيد تكون وافية بالغرض لدخل هذا القيد في حصوله وذلك كقصد القربة والطاعة وبعبارة اخرى

هل الأصل في الأوامر كونها تعبدية أو توصلية

ص: 235


1- . لقد أدى حق البحث وبين الحق ورفع الاشكال في هذا المبحث وازال الشبهة في مورد الجبر والاختيار العلمان استاذنا المحقق السيد حسن الموسوي البجنوردي والسيد العلامة الخوئي في ما أفاداه جزاهما اللّه عن الاسلام وأهله خير الجزاء منتهى الاُصول 1/115 - 124 محاضرات في اُصول الفقه 43/352 - 470 وفي النهاية بعد نقل استدلال النافين للمغايرة بين الطلب والارادة بانا لا تجد في أنفسنا عند الأمر بشيء وطلبه غير العلم بالمصلحة والارادة والحب والبغض صفة اُخرى قائمة بالنفس نسميها بالطلب واشكاله في التوجيهات للمغايرة احتمل بعيداً توجيه المغايرة بالبناء والقصد المعبّر عنه بعقد القلب في باب الاعتقادات لكونه من أفعال النفس وقد يؤمر به وقد ينهى عنه وجاء بأمثلة للموردين ثمّ أخذ في ابطال مباينهم التي أوجبت للقول بالمغايرة أحدها انكار التحسين والتقبيح والعقليين ومنها عدم جواز انفكاك الارادة عن المراد والأوامر الامتحانيّة وشبهة الجبر نهاية الأفكار 1/164 - 172 .

قصد الأمر فانه لما تبين استحالة أخذ هذا القيد في متعلق التكليف المتعلق بالاجزاء فلا محالة لا يمكن وصول المولى إلى غرضه بالأمر الأول للصلاة عنتعلقه بجميع ما له الدخل فيه حتى قصد الأمر فاذن لابدّ من توصله اليه بأمر آخر وانشاء ارشادي إلى دخل هذا القيد في متعلق الأمر من الأجزاء المأمور بها لا انه يأمر باتيان المتعلق بقصد القربة كي يتوجه اشكال المحقق الخراساني قدس سره (1) في امتثال الأمر الأول والثاني . هذا ان قلنا ان قصد القربة عبارة عن قصد الأمر المحال أخذه في متعلقه ( أي الأمر الأول ) وكذا الثاني . فالعلاج منحصر بالخطاب الارشادي إلى الدخل في الغرض ولا مانع من كونه دخيلاً فيه ولم يمكن أخذه في متعلق الأمر المتوجه إلى الاجزاء . واما ان قلنا ان الغرض عبارة عن الخضوع والتخضع والتخشع للمولى وهو لا مانع من أخذه في متعلق الأمر الأول فانه كما ان من الممكن خطاب المولى بقوله ( صل متطهرا ) كذلك يمكنه توجيه الخطاب بقوله ( صل متخضعا ) على أنحاء الخضوع من أعلاه الذي هو عبادة الأحرار الى أدنى مراتبه التي منها الخوف من النار والشوق إلى الجنّة .

غاية الأمر قصد الأمر والطاعة أحد أنحاء التخضع ويكون من مصاديق محصّله وما يوجب بوجوده تحقق الخضوع في الخارج على نحو السببية هذا .

ثم انه لو شككنا في ذلك وان مثل الخمس مثلاً هل هو كالزكاة في اشتراطه بقصد القربة أم لا ؟ بل هو نظير ساير الشركات المشاعية على ما هو التحقيق في الخمس . فان أداء سهم الشركة لا يحتاج إلى قصد القربة . فهل المقام كساير مقامات الأقل والأكثر الارتباطيين الجاري فيها البرائة . أم يرجع إلى الشك في

ص: 236


1- . كفاية الاُصول 1/111 - 112 .

الامتثال الجاري فيه أصل الاشتغال(1) كما يدعيه المحقق صاحب الكفاية قدس سره (2) .وانه فرق بين المقام وساير المقامات التي تجري فيها البرائة بعدم امكان أخذ ذلك من ناحية المولى في متعلق الخطاب . والبرائة انما تجري في ما يكون أمر رفعه ووضعه بيد الشارع . بخلاف المقام . فان الدخل أمر واقعي والغرض لا يحصل الا بذلك ولذلك لا مجال للتمسك بالاطلاقات اللفظية أو المقامية في ما يكون سبيله هكذا .

لكن في ما أفاده مجال للنظر . فان الاطلاقات ليست على منوال واحد كما في الاطلاقات المقامية الفعلية . فربما يوجب القطع بعدم دخل شيء في متعلق الأمر والخطاب زائدا على ما بين المعصوم علیه السلام دخله فيه بفعله .

والحاصل ان من الممكن أخذ قيد الخضوع والتخشع في متعلق الأمر الصلاتي وعليه فلا توقف في امكان اتيان المأمور به على نحو العبادية على قصد الأمر بل يكفي نفس القدرة على الاتيان به خاضعا ولو لم يكن أمر كما ان من الممكن أخذ الطهارة والستر وغيرهما مما يعتبر في متعلق أمر الصلاة . وعلى هذا فليس قيد القربة من الانقسامات اللاحقة للأمر بل يمكن أخذها في متعلق الأمر على حذو غيرها وان ابيت الا عن كونها متعلق الأمر ولا معنى للعبادية الا ان يأتي بها المكلف عن قصد الأمر المتوقف على وجوده ولحاظه والتحرك من قبله المفقود في محل البحث ولا يكفي الامكان على التشريع .

فنقول انه تارة يقع الكلام في ما هو مقتضى الأصول واخرى في ما هو المستفاد من الاطلاقات .

في ما يتعلّق بالتعبديّة

ص: 237


1- . كفاية الاُصول 1/113 .
2- . كفاية الاُصول 1/207 .

اما المقام الثاني فاذا لم يمكن تقيد ما هو الآتي من قبل الأمر فيه وارتباطهبه تحت دائرة الأمر فيمكن التمسك في نفي دخله بالاطلاقات المقامية ولو مع منع جريان البرائة لعدم كون أمر وضعه ورفعه بيد الشارع . لكن حيث ان العبرة في الاطلاقات المقامية ( أي بيان ) جميع ما له الدخل في الغرض فالسكوت في مقام البيان على هذا النحو كاشف عن عدم دخل غير الذي بين المبين في الغرض لأن الذي بينه هو تمام ماله الدخل .

وأما المقام الأول . فقد أشرنا إلى منع صاحب الكفاية لجريان البرائة والطريق في دفع اشكاله على مابيننا عليه واضح ( فانه ليس الأمر من قبيل الطبيعي ومصاديقه كي يرجع الاشكال بل من قبيل المحصل له والمحقق . وان قصد الأمر يكون محققا للخضوع وجهة العبادية التي لوحظت في متعلق الأمر ويأتي به بهذا اللحاظ . بحيث اذا لم يأت بهذه الكيفية اتى بها بلا روح ولا قوام كما

في الطهارة ولذا ربما نمنع من جريان قاعدة الميسور في فاقد الطهور ) .

وقد أشرنا إلى التمسك بتصور امكان الأخذ في متعلق الأمر بتعدد الأمر وتوجيه الأمر الثاني نحو المكلف لتكفل الأمر الثاني ما لم يمكن يتكفله الأمر الأول وهو على نحوين . أحدهما على طريقة صاحب الكفاية كما مر . والثاني على النحو الذي سنقرره لكن إذا كان الأمر محالاً فلا يمكن تصييره ممكنا ولو بالف خطاب .

توضيح النحو الثاني . ان المناط في تعدد الأمر ووحدته . انما هو تعدد الملاك ووحدته . فاذا كان الملاك واحدا فالأوامر وان كانت في الظاهر متعددة لكن مآلها إلى أمر واحد . كما اذا كان هناك ملاكات متعدده متجلية في صورة

ص: 238

خطاب واحد ينحل هذا الخطاب والأمر إلى أوامر وخطابات متعددة حسب تعددالملاك . بل لو لا قضية الانحلال لأشكل اجراء البرائة عند الشك في المركبالارتباطي . حيث انه لا يكون أمر آخر متعلق بالمجهول كي يجري البرائة عند الجهل بالنسبة إليه . فالأمر الواحد ينبسط على الاجزاء المتعددة وله تعلق بحسب تعددها وانبساطه عليها . وحينئذٍ فيمكن حصول العلم بالنسبة إلى بعض والجهل بالنسبة إلى آخر فيكون مجرى البرائة .

لكن بما ان من المستحيل أخذ ما لا يتأتى إلاّ من قبل الأمر في متعلقه والغرض لا يحصل الا باتيان المأمور به بقصد القربة .

فالأمر الثاني يتكفل لهذه الجهة . غاية الأمر هو أمر ثان صورة وفي الحقيقة من شؤون الأمر الأول لعدم حصول ملاك ذلك الأمر إلاّ به وسبق ان وحدة الأمر وتعدده منوط بوحدة الملاك وتعدده فيرجع الأمر الثاني إلى الأمر الأول ويكون من متمماته وبعبارة اخرى انما يكون مراد المولى من المأمور به الحصة التوأم مع قصد الأمر الذي يأتي به المكلف مع هذا القصد لا انه يكون عنوان اشارة إليه فقط لعدم اطلاقه بالنسبة إليه كما لا يمكن تقييده في لسان الأمر(1) .

ص: 239


1- . وسلك في المحاضرات مسلكاً آخر وهو ان الأمر وإن كان خارجاً عن قدرة المكلّف واختياره حيث انّه فعل اختياري للمولى كما انه لا يمكن للمكلّف الاتيان بشيء بقصده بدون فرض تحقّقه ووجوده إلاّ ان كلّ ذلك لا يستدعي أخذه مفروض الوجود والوجه في ذلك . هو ان المعتبر في صحّة التكاليف إنّما هو قدرة المكلّف على الاتيان بمتعلّقاتها بكافّة الاجزاء والشرايط في مرحلة الامتثال وإن كان عاجزاً وغير قادر في مرحلة الجعل وعلى هذا الضوء فالمكلّف وإن لم يكن قادراً على الاتيان بالصلاة مثلاً بداعي أمره وبقصده قبل انشائه وجعله . لكنّه قادر على الاتيان بها كذلك بعد جعله وانشائه . وقد عرفت كفاية ذلك وعدم المقتضى لاعتبار القدرة من حين الجعل إلخ . محاضرات في اُصول الفقه 43/516 . أقول: هذا ثبوتاً وأمّا مقام الاثبات فيرجع إلى الفقه كما ان شيخ مشايخنا الاُصولي المحقّق الشيخ ضياءالدين العراقي قدس سره تصوير ذلك بالالتزام بالحصة التوأمة وان الأمر تعلّق بها . نهاية الأفكار 1/192 - 193 .

ليعلم انّه اذا لم يقم دليل على لزوم قصد القربة والأمر في ما يشك فيعباديته ولا على نفيه ولم يمكن أخذ قيده في متعلق الأمر ولو على نحو ما مر . فهل مقتضى الأصل جريان البرائة كما في موارد عديدة يشك في اعتبار هذا القصد فيها أم لا بل المقام مجرى الاشتغال ؟

لازم من يذهب إلى جريان البرائة في الأقل والأكثر الارتباطيين حتى في القيود جريان البرائة . لكنه قد يمنع بعض من يذهب إليه في غير هذا المقام . نظرا إلى عدم تمامية اركان البرائة لكونها عبارة عن كون المورد مجهولاً وأمر وضعه ورفعه بيد الشارع وفي رفعه منة ولم يكن هناك أصل موضوعي حاكم . والاركان هنا ناقصة لعدم كون أمر قصد القرية وضعا ورفعا بيد الشارع . وحينئذٍ فمقتضى حكم العقل لزوم تحصيل غرض المولى ومع الاقتصار على غير قصد القربة والأمر يشك في تحصيل غرضه فلا مؤمن عقلاً ولا نقلاً لذلك فلذا يجب الاحتياط بالاتيان بجميع ما يحتمل دخله في حصول غرض المولى .

هذا في البرائة الشرعية ويتبعها البرائة العقلية .

واجيب عن هذا بمنع عدم تمامية أركان البرائة الشرعية فانه ليس بلازم فيها لحاظ المجرى في خصوص الأمر الأول بل يكفي في صحة جريان البرائة امكان البيان من قبل المولى وايجابه ولو بنحو الواجب في الواجب بخطاب آخر وأمر كذلك حسب ما مرّ بيانه من رجوع الأمرين إلى أمر واحد بعد وحدة الملاك اما لزوم تحصيل الغرض والملاك ففيه انه قد تحقق في محله عدم لزوم تحصيله

جريان البرائة في مورد الشكّ

ص: 240

لعدم امكان القائه إلى المكلف لعدم تسببه عن فعله نعم لو كان مسببا لفعله بحيث يكون كالالقاء والاحراق لامكن لكن ليس باب الملاكات من صغريات باب الأسباب والمسببات التوليدية بل هي من قبيل المقدمات الاعدادية فيتوسط بينفعل الفاعل وغرس الأشجار في الجنّة أعمال اخر في غالب أبواب العباداتكالصلاة التي هي معراج المؤمن والزكاة والصوم .

ثم على فرض كونها من هذا القبيل لا مجرى للبرائة لعدم تمامية أركانها لأن باب الأحكام الوضعية على خلاف باب متعلقات التكاليف . فان الأقل فيها متيقن والأكثر مشكوك فيجري البرائة بالنسبة إلى الزائد على الأقل بخلاف الوضعيات فالأكثر متيقن السببية ويحصل بوجوده المسبب في الخارج والاقل مشكوك ولا معنى لجريان البرائة . أما بالنسبة إلى الأكثر لأنه خلاف المنّة وكذلك الأقل لاستلزامه عدم حصول المسبب .

يمكن لعله بوجه آخر وهو جريان البرائة عن القيد الزائد على الأقل في دخله فتأمل .

نعم، على ما قال المحقّق النائيني قدس سره (1) يمكن فرض جريان البرائة بعد تسليم محالين: أحدهما: تصوير مجعولة السببية . وثانيهما مجعولية اجزاء السبب . مع انه تبين في محله عدم كونها من الامور المجعولة . بل هي أمر تكويني ولو على فرض تسليم المحال الاول لا يمكن تسليم الثاني من مجعولية جزء السبب . لأنه بعد جعل السبب ينتزع الجزئية بالنسبة إلى بعضه ثمّ يجري البرائة .

تلخيص: منع بعضهم جريان البرائة في قيد قصد القربة والأمر في متعلق

ص: 241


1- . فوائد الاُصول 1/165 .

التكليف وفرق بينه وبين ساير القيود التي تجري البرائة فيها إلاّ انّ الفرق انما يتم بتصوير ثلاث محالات في ما نحن فيه . وحيث انها لا تتم فالمقام كأمثاله في جريان البرائة .أحدها: أن يكون الغرض تحت الأمر أو نكون نحن مكلفين بحكم العقلبتحصيل الغرض وليس الأمر في الواقع كذلك لعدم وقوع النتائج والأغراض تحت الأمر . بل ما تعلق به الأمر هو المأمور به بقيوده واجرائه ولا يجب علينا تحصيل أزيد من ذلك .

ثانيها: كون السببية مجعولة لكنها أمر تكويني لا تناله يد الجعل اثباتا ولا نفيا .

ثالثها: كون الاجزاء أيضا مجعولة كي اذا شككنا في الدخل تجري البرائة في ذلك مع اجتماع باقي القيود وهو ممنوع .

في كيفية جعل الأحكام: وهل هو على نحو القضايا الخارجية أو الحقيقية ؟ فنقول:

ان الحكم في القضيّة الخارجية دائر مدار الموضوع وجودا وعدما ولا انفكاك بينهما . والحكم فيها فعلى ولا يعقل عدم فعليته وانفكاكه عنه وتخلفه عن الموضوع . للزوم الخلف والمناقضة المحالين . بخلاف القضايا الحقيقية . فان الحكم وان ينشأ على فرض وجود الموضوع ولحاظه لكن . لا ملازمة بين جعل الحكم وانشائه وفعلية الموضوع لامكان عدم وجود الموضوع دهرا طويلاً مع عدم استلزام ذلك انثلاما في ناحية جعل الحكم وانشائه . وليس جعل الحكم وانشائه على نحو القضايا الطبيعية . نعم ان كان فبمعنى عدم أخذه ونشره وانبساطه

جريان البرائة في قصد القربة

الفرق بين القضيّة الخارجيّة والقضيّة الحقيقيّة

ص: 242

على لوازم وجود الموضوع والا فلا معنى لجعل الحكم على الموضوع الذي هو الطبيعة بما هي طبيعة لأنها ليست كذلك الا هى . فمحط الأحكام والانشاءات انما هي الوجودات لا الطبايع .

لكن الكلام في الجعل . هل هو على نهج القضايا الحقيقية أو الخارجية التيلابد للمولى من الجعل كل حين وآن بل ربما يستلزم ذلك المحال عادة باعتبارعدم شمول خطاب صلوا مثلاً المتوجّه إلى حضار مجلس النبي صلی الله علیه و آله أو زمانه لغير هم أو في غير ذلك الوقت . نعم لا يلزم ذلك في القضايا الحقيقية . ولذا لابد في الخارجية في تعميم الخطاب إلى غير الموجودين في عصر النبي صلی الله علیه و آله أو في مجلس الخطاب أو غير المشافهين من دليل الاشتراك .

ثم ان معنى القضية الحقيقية . هل هو بمعنى أخذ العناوين متعلقات الأحكام بحيث تكون هي العبرة والصراط إلى جعل الأحكام على المعنونات نظير الوضع العام والموضوع له الخاص . فهذا يرجع إلى القضية الخارجية . كما ان الأمر كذلك في الجعل على نحو العنوان المشير . بل ما ذكرنا هو عينه كان يقول كل من في الدار أو في الصحن . وان كان من الممكن في القضية الحقيقية أيضا كذلك . كان يقول كل من يوجد في الدنيا أو امثال هذا التعبير . الا ان العبرة في الخارجية والحقيقية بغير ذلك . وهو ان في الخارجية لا يتوسط عنوان ينطبق على الموضوعات بين الحكم وبينها بخلاف الحقيقية . فاذا قال يدخل داري كلّ من كان صديقى فلا يجوز لعدوّه دخول داره لعدم انطباق هذا العنوان عليه . بخلاف ما اذا اذن له في الدخول بخيال انه صديقه . والمأذون له يعلم بعدم رضاه بدخول العدو داره . لكنه حيث تخيله صديقا اذن له .

ص: 243

فاذا تبين هذا يعلم طريق حل مسائل عديدة في الفقه والاُصول المبتنية

على هذا من كون الاحكام في جعلها على نحو القضية الحقيقية أو الخارجية . ففي بيع الكلي اذا باعه عبدا واشتراه المشتري بخيال انه كاتب أو خياط فانكشف الخلاف . فهذا حيث يكون علة لبيعه وغرضا له فلا يضر تخلفه كما في ما ذكرنا في ما سبق من مثال تعليلية خيال صداقة العدو لمن اذن له في اذنه لدخول داره وليسكذلك القضايا الحقيقية كما في بيع الكلي بأن باعه عبدا فسلم له حمارا حيث انالمبيع انما هو الكلي الذي لا ينطبق على ما سلمه إليه بحيث لو أمكن تسليم الكلي في وفائه بالبيع مخلّىً عن جميع لوازم الافراد والخصوصيات الفردية لكان وفاءً كما في متعلقات التكليف لعدم كونها واقعة موقع الموضوع ومتعلق التكاليف . ولذا يكون مثل عنوان الفقير الذي هو عنوان كلي مالك للزكوة كبعض الأوقاف مثل الوقف على المدرسة وساكنيها فانه حين اشتداد حبات الحنطة مثلاً لا يكون من يسلم إليه نصيبه من الموقوف موجودا في المدرسة ومن طلابها وحين التسليم بزمان ينطبق عليه هذا العنوان فتدبر جيدا .

تلخيص الكلام: في الفرق بين القضيتين ان القضية الخارجية لا يكون للعنوان فيها دخل أصلاً واذا لوحظ فانما هو للاشارة الى الذات الشخصية بخلاف الحقيقية . فانه لا يلاحظ الذات فيها بل الحكم على العنوان . ولا يلزم وجود فرد منه في الخارج أصلاً . بل لو كان فانما هو من باب الاتفاق على خلاف الخارجية التي لابد من وجود الموضوع فيها محققا .

ولا يعقل الانفكاك بين الحكم والموضوع ولو آنا ما في الخارجية فانهما كليهما فعليان .

ص: 244

وبين عدم الدليل في كون الأحكام على نحو القضايا الحقيقته دون الخارجية .

نعم لو لوحظت الأدلة في الأحكام فمثل الخطابات الخاصة يا أيها الناس ويا أيها الذين آمنوا وكتب عليكم الصيام وامثالها فانما هي خطابات خاصّه لا تشمل المعدومين .في تصوير الواجب المشروط(1) والمعلق: ثم بيان الفرق بين نحويالقضية وكيفية تعلق القيد وانه بأي شيء يتعلق مثلاً اذا قلنا ( ان بنى هنا مسجد فصل فيه ) أو ( حجّ ان استطعت ) فتارة نقول ان التعليق والقيد تعلق بالانشاء . فهذا

في الواجب المعلّق والمشروط

ص: 245


1- . في تصوير الواجب المشروط أي الوجوب المشروط ثلاثة وجوه بل أقوال: 1 - قول المشهور من توقف الوجوب على حصول شرطه في الخارج . 2 - تحقّق الوجوب منوطاً لا مطلقاً ولا يصلح للبعث إلاّ بعد تحقّق شرطه في وقته . 3 - فعليّة الوجوب مع تحقّق شرطه بعداً وترتب الأثر عليه ويشير إلى القول الثاني كلام الكفاية كفاية الاُصول 1/145 قال: المنشأ إذا كان هو الطلب على تقدير حصوله فلابدّ أن لا يكون قبل حصول طلب وبعث وإلاّ لتخلّف عن انشائه وانشاء أمر على تقدير كالأخبار به بمكان من الامكان كما يشهد به الوجدان وأصرح منه كلام الحقائق ( حقائق الاُصول 1/232 ) . قال موضوع هذه الاُمور نفس الوجود اللحاظي الذي يرى خارجياً غير ملتفت إلى كونه لحاظيّاً فهو فان فيه فناء الحاكي في المحكي وقريب منه ما في النهاية نهاية الأفكار 1/296 - 302 . وإلى الثالث كلام المحاضرات حيث فصّل بين ما يكون متعلّق الوجوب ذا ملاك فعلاً وما يكون ذا ملاك في ظرف متأخّر فالوجوب في الأوّل فعلي وإن كان تحقّق الفعل خارجاً يتوقّف على مقدّمات إمّا باختيار المكلّف أو خارجة عن اختياره ومن هذا القبيل الصوم والحجّ فان وجوب الصوم فعلي بعد دخول الشهر وهذا لا يمكن إلاّ بالالتزام بتماميّة ملاكه من الليل وكذا الحال في وجوب الحج بعد الاستطاعة فالوجوب حالي والواجب استقبالي وفي الثاني أي ذي ملاك في ظرف متأخّر لا يكون الوجوب فعليّاً . أقول: وهذا يرجع في الحقيقة إلى الواجب المعلّق ومثل الوجه الثاني يرجع إلى الثالث فتدبّر . محاضرات في اُصول الفه 1/150/151 .

محال . حيث ان الانشاء لا يمكن أن يكون مقيدا ومعلّقا لأنه اما موجود أو معدوم .

واخرى يكون القيد معلقا على المنشأ أي النسبة فهي أيضا لا يمكن أن يتعلق بها القيد لعدم كونها متصورة لما بنينا في المعاني الحرفية على عدم مفهوم لها(1) بل انما لها المعاني التي توجد في موطن الاستعمال ومعانيها ايجادية لا لكونها معاني جزئية فلا يعقل تقييدها . لما اجيب عن ذلك بالالتزام بكونها كليّات لا انها جزئية . وحينئذٍ فاذا لم يمكن تقييد المعاني الحرفية لعدم كونها متصوراتومعقولات لكون هذا من الاصول الأصلية فيها والركن الركين فيها هو عدم معقوليتها . واذا دخلت تحت التصور خرجت عن كونها معاني حرفية وتبدلت اسمية فيبقى كون التعليق في المعاني الافرادية وهو أيضا لا يعقل وان نسبه في التقريرات إلى الشيخ قدس سره لكنهم أنكروه ونسبوا ذلك إلى الاشتباه . وعلى كلّ حال فالأمر واضح . وإن كان في المسألة خلاف . لأنها اذا تعلقت القيود والتعليقات بالمواد أي الاكرام في نحو قولنا ( اكرم زيدا ان جائك ) أو الصلاة في نحو قولنا في المثال السابق ( ان كان هنا مسجد فصل فيه ) فيرجع إلى الواجب المعلق وتكون المقدمات من المقدمات الوجودية لا الوجوبية . وعلى هذا فيكون اذا دخل الوقت فصل أو(2) ( وجبت الصلاة والطهور ) راجعا إلى ان الصلاة في الوقت واجبة .

ص: 246


1- . والكلية والجزئية فيها انما هي على المذاهب المربوطة بالكلي الطبيعي وان الفرد الموجود في الخارج هل هو عين الكلي أو لا على ما سبق في بحث المعاني الحرفية .
2- . وسائل الشيعة 4 الباب 4/1 - 5 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 20 / 22 واللفظ إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر فاذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة وفي الباقي قريب من هذا . وسائل الشيعة 1 الباب 4/1 من أبواب الوضوء إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة الخ .

وحينئذٍ فالمقدمات التي يمكن للمكلف ايجادها في الحال الحاضر . عليه أن يحصلها كما في الحج . فان الحج واجب الآن لكن في الموسم أي ظرف ايجاده هناك ووجوبه الآن والحاصل انه يجب تحصيل كلّ من المقدمات التي في قدرة المكلف .

نعم حيث ان الوقت ليس جرّه في قدرته لا يمكن التكليف به بخلاف الستر والوضوء أو الاستطاعة في ما نحن فيه . الا انه في المقام شيء آخر يكون القيد مرتبطا به ومعلقا عليه . وهو انه حيث ان معنى الهيئة ايجاد النسبة بين الفعل والفاعل بمعنى كون المكلف مصليا تشريعا . فيكون تكوينه على طبق تشريع المولى . فقبل ايجاد النسبة لا يكون هناك تعليق ولا قيد وكذا بعده بزمان . نعم فيالرتبة المتأخرة عن رتبة ايجاد النسبة الطلبية بين الفعل والفاعل . يحصل التعليقويتعلق القيد على المادة لكن لا بما هي هي بل بما انها منتسبة إلى الفاعل . فالقيد يرجع في الحقيقة إلى الهيئة لكن لمكان عدم امكانه لما سبق يتعلق بالمادة المنتسبة . ونتيجته ضيق النسبة المرتبطة إلى هذه المادة أيضا كما انه اذا لم يكن محذور في تعليق الهيئة بالشرط وتعليق الوجوب على المقدم فينتج هذا الذي ذكرناه .

خلاصة الكلام في الواجب المشروط(1) .

ظهر ممّا ذكرنا ان بناء المحقّق النائيني قدس سره فيه على رجوع القيد(2) والشرط

ص: 247


1- . قال في المحاضرات بعد تجويز الشرط المتأخّر ثبوتاً والحاجة في مقام الاثبات إلى الدليل ان الأحكام الشرعيّة بشتّى أنواعها امور اعتباريّة فلا واقع موضوعي لها ما عدا اعتبار من بيده الاعتبار وقال فكما يمكن للشارع جعل حكم على موضوع مقيد بقيد فرض وجوده مقارناً لفعليّة الحكم يمكن له جعل حكم على موضوع مقيد بقيد فرض وجوده متقدّماً على فعليّة الحكم مرّة ومتأخّراً عنها مرّة اُخرى وقال فاذا كان أمره بيده وضعاً ورفعاً سعة وضيقاً كان له جعله بأيّ شكل ونحو أراد وشاء فلو كان جعله على الشكل الثالث فبطبيعة الحال تتقدم فعلية الحكم على فعلية موضوعه كما انه لو كان على الشكل الثاني تتأخّر فعليّته عن فعليّته وإلاّ لزم الخلف . محاضرات في اُصول الفقه 44/135 - 136 .
2- . فوائد الأصول 1/180 إلى 182 .

إلى المادة المنتسبة لا إلى المادة لرجوعه إلى الواجب المعلّق وكون معنى حرمة الخمر حرمة ايجادها مثلاً للزوم رجوع الحكم إلى فعل المكلف والا فلو رجع إلى غيره لزم ما ذكرنا . وكذا لا معنى لرجوعه ( أي القيد ) إلى الهيئة لكونها معنى حرفيا

غير قابل للاخطار والتصور في الذهن ولا مفهوم له كي يقيد لا لكونه جزئيا والجزئي لا يكون قابلاً للتقييد . كي يجاب عنه بأنه كلي مع ان الكلية والجزئية هنا ليست كساير المقامات . بل بمعنى النزاع المعروف في الكلي الطبيعي وانه هل هو موجود في الخارج اصالة أو تبعا أو لا وجود إلاّ للأفراد . والكلي ليس بموجود في الخارج .والحق المحقق انه يوجد الكلي في الخارج اصالة غاية الأمر نسبته إلىالأفراد نسبة الآباء إلى الأولاد فحينئذٍ يتشخص ويوجد لعدم امكان غيره . وعلى هذا يتوجه الاشكال . وانه اذا كان القيد راجعا إلى المادة المنتسبة فيلزم النسخ في قولنا اكرم زيدا ان جائك . والجواب انه انما يلزم اذا كان هناك تأخر زماني لا رتبي ففيه لا اشكال هذا . وان رجع القيد إلى الطلب كما هو المساعد عند العرف فيلزم الجواب عن اشكالين مذكورين في الكفاية بنحو ما أجاب . وتظهر الثمرة في موارد شتى في المسألة الفقهية مضافا إلى الأصولية فراجع وتأمّل .

والحاصل ان الفرق بين الواجب المطلق والمشروط . ان في ( المشروط ) يتعلّق الحكم . والوجوب على فرض وجود قيده . بحيث يدور الوجوب مداره وجودا وقبل وجوده لا وجوب . فاذا وجد في الخارج وتحقق يصير الوجوب فعليا . بخلاف المطلق فانه لابد من تحصيله . فاذا قال صل في المسجد مثلاً فان كان قيدا للواجب فاللازم تحصيله دون الوجوب . وقد تحقق مما ذكرنا ما نسب

في الواجب المشروط

ص: 248

إلى الشيخ قدس سره وارجاعه القيد إلى المادة وبينا انه لا يعقل وان الحق رجوعه إلى المادة المنتسبة على ما سبق .

وحاصل الكلام انه تارة يكون الحكم بالنسبة إلى شيء مشروطا فما لم يوجد لا حكم لتوقّف مصلحة الحكم على وجوده كما في الوقت حسب ما يرشد إليه قوله علیه السلام ( إذا دخل الوقت(1) إذا زالت الشمس وجبت الصلاة والطهور ) واخرى لا يكون له دخل في المصلحة بل في تحقّقها لأخذه من قيوده وشرايطه لا مما يرتبط إليه المصلحة بحيث يوجد الحكم بدونه ولا يمكن الامتثال الا به .الشكّ في تقيد الوجوب أو الواجب:

ثم انه تارة يكون ما له الدخل أمرا غير اختياري فلا يعقل كونه قيدا للواجب لعدم كونه تحت قدرة المكلف . كما انه لا يمكن تقيد الوجوب به بعد فرض وجوده لرجوعه إلى تحصيل الحاصل . واخرى يكون داخلاً تحت الاختبار فيمكن كونه ثبوتا قيدا للواجب أو الوجوب . فان ظهر من كلام المولى أحدهما من كونه قيدا للواجب أو الوجوب فهو . والا ففي صورة الشك كما إذا لم يكن القضية شرطية فانها في الأغلب لبيان اشتراط الوجوب ولم تكن مثل قوله ( صلّ في المسجد ) فانه ظاهر في كونه قيدا للواجب . فالأقرب جريان البرائة عن الوجوب عند فقد ذلك القيد الذي يشك مع فقده في الوجوب . هذا خلاصة الكلام في الواجب المشروط والمطلق . ولا يخفى ان المراد بالمشروط انما هو بالنسبة إلى شيء خاص كالاستطاعة في الحج مثلاً والا فلا واجب لنا مطلق بل كلها

ص: 249


1- . وسائل الشيعة 4 الباب 4/1 - 5 - 8 - 9 - 10 - 21 من أبواب المواقيت . واللفظ اذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر وفي بعضها فقد دخل وقت الصلاتين والوسائل 2 الباب 14/2 من أبواب الجنابة والتعبير إذا دخل الوقت .

مشروطات ولو بالشرايط العامة كالعقل والبلوغ مثلاً .

في تصوير الواجب المعلّق:

ثم ان بعضهم صور في المقام واجبا آخر وزاد تقسيما آخر للواجب من كونه منجزا أو معلقا . وقال بارجاع جميع الواجبات إليه للفصل بين زمان البعث والانبعاث ولو في الواجبات المطلقة غير المشروطة بآن وهذا هو معنى التعليق ووجوب مقدمات الحج من المسير مع عدم فعليّة خطاب مناسك الحج وعدم حضور الموسم . وكذلك في الصلاة فانه ان كان وجوب التكبيرة مشروطا باتيان آخر جزء من الصلاة فيرجع إلى الوجوب المشروط .

واصرّ على تصوير الواجب المعلّق جماعة من الفطاحل وانه يرجع إلىالواجب المشروط لعدم الفرق بين الوقت وغيره .توضيح ذلك: انه لمّا كان من اللازم لمريد الحج وحضوره في عرفات واتيانه بالمناسك الخروج قبل يوم عرفة بمدة كي يدرك المناسك في الموسم مع عدم وصول زمان ايجاد تلك الأفعال في مواقعها . والصبر إلى وصول وقتها ثم الاقدام في السير موجب لفوات الوقت . اذ لا يدركها . وقبل ذلك لا تكون تلك الأفعال واجبة التجأ جماعة في الفرار عن محذور وجوب مقدمة الشيء قبل وجوب ذيها في المقام ونظائره ( كباب وجوب التطهير عن الجنابة قبل الفجر في صوم يوم واجب الصوم . مع عدم وجوب الصوم قبل الفجر . بناء على مانعية نفس الجناية مضافا إلى البقاء عليها ( ولذا يندفع التناقض المتوهم في بعض عبارات الفقهاء بذلك لامكان استفادة ذلك أي مانعية نفس الجنابة من بعض الاخبار(1)

في الواجب المعلّق

ص: 250


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 14/1 من أبواب الجنابة .

واحسن التعبير في نجاة(1) العباد حيث ترقى بعد ذكر البقاء ( بل في عد الجنابة نفسها ) فراجع . وفي الفحص عن حصول الاستطاعة أو بلوغ ماله النصاب في الشبهة الموضوعية ووجوب تعلم الأحكام أو السورة أو خصوصيات الصلاة قبل أوقات هذه أو قبل وجوب ذي المقدمات . التجاء إلى الالتزام بالواجب المعلق . كما انه ذهب جماعة إلى تصوير المقدمة المفوّتة وهذه أيضا تتصور على نحوين وتقرب بتقريبين ولعل أحدهما يرجع إلى الوجوب النفسي . اما لحصول ملاك الوجوب فيه أو لعدم لزوم اللغوية . وهرب بعضهم عن الاشكال بالتزام الوجوبالنفسي حتى في المسير إلى الحج وبعضهم إلى الالتزام بالشرط المتأخر .

والحاصل ان للتفصى عن الاشكال في هذه المقامات لكل مهرب وممّنأصرّ على الوجوب المعلق صاحب الجواهر قدس سره (2) في اوائل كتاب الطهارة وبالغ في ايضاح ذلك صاحب مصباح الفقيه(3) . ومستندهم في تصوير الواجب المعلق

والتزامه انه لو لم يكن كذلك لزم عدة توالي باطلة .

منها: عدم وجوب هذه المقدمات لعدم الوجوب قبل الوقت . وبعد دخوله يفوت الواجب أو لا يقدر عليه . فلا يكون واجبا .

ومنها عدم امكان اتصاف الواجب بالوجوب حين الخطاب لعدم تعقل عدم الانفكاك بين البعث والانبعاث اذ يتحقق الفصل بينهما ولو بآن ما و حينئذ فاذا فصل ذلك فلا فرق بين الآن أو أزيد منه إلى سنة أو ألف سنة مثلاً . لاتحاد المناط

ص: 251


1- . في نجاة العباد بعد عدّ السابع من ما يمسك عنه الصائم في شهر رمضان . قال: بل الأقوى البطلان بالاصباح جنباً وإن لم يكن عن عمد في قضاء شهر رمضان . نجاة العباد /165 وهذا غير ما ذكر في المتن .
2- . جواهر الكلام 1/40 .
3- . مصباح الفقيه 1/17 وما بعده .

في ذلك وكل الواجبات الشرعية كذلك هذا .

ولا يخفى عليك ما في هذه الأدلّة من الضعف .

اما ما ذكروه من لزوم عدم وجوب هذه المقدمات فقد ذكرنا ان لكل منها مهربا . ونحن بنينا في محلّه على الوجوب . اما بملاك المقدمة المفوّتة على تقريبهما أو نلتزم كمن يلتزم بالشرط المتأخر بلا احتياج إلى تصوير الواجب المعلق أو غير ذلك من الوجوه المقولة فيها .

اما لزوم الفصل بين البعث والانبعاث . ففيه ان في الصوم الذي هو من الواجبات المضيقة لا اشكال في امكان الامتثال من أول وقت وجوبه . غاية الأمر لعدم حصول المعرفة بذلك في اول آنه الدقي ينوي الصوم من اوله ويحيل ذلك إلىلبّ الواقع لان الآن الاول الذي يفرض فيه عدم فعلية الخطاب أو عدم اتصاف الفعل بالوجوب أو عدم امكان اتيانه فيه . ان كان دخيلاً في الوجوب فيكون جزءاللموضوع والموضوع بعد لم يتم . فاذا فرض ان الموضوع ولو كان ذا أجزاء تمت اجزائه . فحينئذ لا يعقل انفكاك الواجب عنه ويكون الحكم بفعليته فعليا وبوجوده موجودا اذ لو لم يكن كذلك يلزم عدم كون ما فرضناه موضوعا موضوعا مع انه موضوع . فيلزم اما الخلف أو المناقصة المحالان لكون الحكم بالنسبة إلى الموضوع كالمعلول بالنسبة إلى علّته . فكما انه يستحيل تخلف المعلول عن علته كذلك يستحيل تخلف الحكم عن الموضوع . ولذلك قد يعبر عن الموضوع بالسبب كما في الايجاب والقبول اللذين يعبر عنهما بالسبب للملكية ولا سببية حقيقة لا في الأحكام التكليفية ولا في الوضعية . كما اذا كان للان الثاني أيضا في الصوم دخل ينقل الكلام فيه حرفا بحرف إلى انتهاء آنات اليوم فيلزم خروج الواجب أي

ص: 252

الصوم عن وجوبه هو كما ترى .

تلخيص: قد عرفت مما ذكرنا ان الأحكام الشرعية على نهج القضايا الحقيقية يفرض فيها وجود الموضوع وينشأ الحكم ويكون فعلية الحكم بفعلية موضوعه فاذا لاحظ المولى الموضوع بالنسبة إلى كل شيء فاما أن يرى لشيء دخلاً في مصلحة حكمه وجودا وعدما أو لا يرى ذلك .

وعلى الثاني: يكون الحكم مطلقاً بالنسبة إلى ذلك الشيء . وعلى الأول فيكون مشروطا فيفرض وجوده بجميع حدوده وقيوده وما لم تجتمع تلك القيود والحدود لا يكون الحكم فعليا . سواء كان ذلك القيد زمانا أو زمانيا . فطلوع الفجر في الصلاة أو الصوم لا معنى لكونه قيدا للواجب دون الوجوب . اذ على ما ذكرنا لا يعقل الانفكاك بين الموضوع والحكم . فما لم يكن الموضوع فعليا بجميع ما له الدخل ولو الوقت لا يكون الحكم فعليا للزوم الخلف والمناقضة . فالقضاياالشرعية لا تخرج عن أحد هذين النوعين . اما أن تكون مطلقات أو مشروطات .غاية الأمر لا يكون لنا مطلق ولا مشروط مطلق . بل كل منهما بالاضافة إلى بعض القيود يكون كالآخر ولو كان وجود الموضوع أو الشرايط العامة .

نعم القدرة اذا كانت عقلية يمكن أن تكون شرطا للخطاب . والا فان كانت شرعية تكون كساير ما له الدخل في الحكم من شروطه ودخيلة في المصلحة اذ لو لم يكن الحكم فعليا عند وجود الموضوع يلزم الخلف والمناقصة .

والحاصل: ان ما يلاحظه المولى عند الانشاء انما هو الموضوع بقيوده وحدوده فيفرض وينشأ الارادة المنوطة وبفعليّة الموضوع وقيوده يكون الحكم فعليا ويوجد المنشأ .

جعل الأحكام على نهج القضايا الحقيقيّة

ص: 253

ان قلت: فعلى هذا يلزم الانفكاك بين الانشاء والمنشأ وذلك لا يمكن كما في الايجاد والوجود .

قلت: لا يخفى ان قياس باب الشرعيات بالتكوينات ليس في محله لأن في باب التشريعيات من بيده الاعتبار والجعل يمكن أن ينشأ الحكم فالانشاء يكون فعليا . والمنشأ إنما يوجد بعد . ولا اشكال في ذلك كما في الملكية المنشأة في الوصية بعد الموت . فالانشاء إنما يكون حين الحيوة . لكن المنشأ وهو الملكية انما توجد بالموت . وإلا فلو اوجد في زمن حياته يلزم الخلف . وعلى هذا فلا مجال لقياس أحدهما بالاخرى .

ان قلت: اذا كان باب التشريعيات غير باب التكوينيات فأي مانع من أن ينشأ الحكم فعلاً ويكون الوجوب حاليا والواجب استقباليا . أو بلحاظ وجود الشرط في ظرفه وموطنه يكون الحكم فعليا . ولازمه ترتيب الآثار التي لا يمكنه بعد ذلك كالاتيان بمقدماته التي لا يتمكن منها في غير هذا الحال مثلاً مع عدموجود شرطه وهذا غير الوجود العلمي .قلت: اذا فرض اناطة الحكم بالموضوع مع الشرط . فان وجد الحكم قبل ذلك يلزم الخلف اذ معنى الاناطة والتوقف هو هذا . فما لم يصر فعليا وموجودا لا يوجد المنوط لرجوع القيود إلى الموضوع . فمعنى ان جائك زيد فأكرمه هو اكرام زيد الجائي وهذا يناقض ما ذكر من امكان الواجب التعليقي أو الواجب المشروط بالشرط المتأخر .

ان قلت: ان القيود في الواجبات المشروطة انما ترجع إلى الحكم وتكون حيثيات تعليلية للأحكام وان الموضوع مقيد بها . وما ذكرنا هو الذي يساعد عليه

ص: 254

القواعد العربيّة والظاهر المتفاهم العرفي .

قلت: هذا دعوى على اللغة ومكابرة مع الوجدان(1) .

نعم، يمكن الاشكال في الواجبات التدريجيّة مطلقاً وفي المضيقات منها كالصوم خصوصا لعدم حصول وقت الواجب المضيق الممتد إلى الغروب في الصوم . فبأي موجب يجب الامساك عند أول آن من طلوع الفجر والفرض ان المسلم هو رجوع القيد في « ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ » إلى الصيام أي الصيام إلى الليل واجب .

فيرجع إلى حكم واحد على موضوع تنحل إلى آنات متعددة من أول الفجر

إلى آخر النهار ولذا يكون تكفير من يفطر لعلمه بحدوث مانع من الصحة أو الوجوب عليه في أثناء النهار قبل حدوث الحادث على خلاف القاعدة . اذ لا نقول بأن كل آن له صوم وخطاب مستقل منبسط عليه . وكذلك الأمر في صلاةأربع ركعات مثلاً ففي مثل هذه الموارد لابد من الالتزام بالواجب المعلق .تقريب الواجب المعلق بنحو آخر(2):

لا ينبغي الاشكال في امكان تكليف المولى عبده بالاتيان بشيء بعض ما له دخل فيه غير اختياري له . لكنه يحصل قهرا عليه لعدم كون القدرة شرط الخطاب بل هي شرط الامتثال . فلو لم يكن العبد حين فعلية الخطاب وتوجهه إليه قادرا على المأمور به . لكن يقدر على الاتيان به في ظرفه الذي جعله المولى قيدا له

مناقشة الواجب المعلّق

ص: 255


1- . لا يخفى ما في هذا الجواب وهذا خلاف المسلم .
2- . قد التزم بالواجب المعلّق ثبوتاً شيخ مشايخنا الآقا ضياءالدين العراقي رحمه الله وتبعه كثير من تلامذته كتصوير الوجوب المشروط كما أشرنا إليه في بعض الهوامش السابقة . نهاية الأفكار 1/312 .

( أي الواجب ) فلا قبح في فعليّة الخطاب وان لم يكن حينه قادرا . ولا مانع من كون الخطاب والحكم فعليا والواجب استقباليا .

اذا تقرر هذا، فنقول ان في مقام الاثبات بعد عدم المانع في مقام الثبوت في تصوير الواجب المعلق لابد أن ينظر إلى ظاهر الدليل فان كان بحيث علق الخطاب والحكم على فرض وجود شيء لا يكون الخطاب ولا يصير فعليا الا بعد فعلية الموضوع والقيود التي فرضت في فعليّة الحكم كما اذا قال ( إذا زالت الشمس وجبت الصلاة والطهور )(1) وإن لم يوجه الخطاب الحامل للحكم كذلك . بل وجهه بلا تعليق على شيء . لكن جعل للمطلوب قيدا فاللازم في ما اذا كان مقدورا للمكلف تحصيله مع القيد كما اذا قال ( صل في المسجد ) أو ( صل مع الطهارة ) فان لم تكن الطهارة حاصلة أو المسجد موجودا فاللازم تحصيلهما في صورة القدرة . اما اذا لم يكن مقدورا كما اذا قال ( صل عند الظهر ) والمفروض انالظهر بعد لم يحصل . فحينئذٍ لا مانع من كون الخطاب فعليا وفي ظرفه له القدرة على الصلاة فينتظر بفعليّة الوقت لزوم الامتثال . ونتيجة هذا القسم من الخطاب والتكليف تظهر في موارد عديدة . كما إذا لم يكن قادرا في الوقت على تحصيل الماء والطهارة أو الستر وأمثال ذلك . فاللازم تحصيلها لكون الخطاب والحكم فعليا بالنسبة إليها والا فلا يبقى فرق بين الطهارة والاستطاعة ويكون الطهارة كالاستطاعة قيدا للوجوب لا للواجب . ومجرد عدم القدرة حين فعلية الخطاب على اتيان الواجب لا يكون موجبا لانكار الواجب المعلق . لوجود هذا المناط في

ص: 256


1- . وسائل الشيعة، ج2 الباب 14 من أبواب الجنابة، ح2 . والعبارة إذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة والوسائل، ج4 الباب 4، ح1، 5، 8، 9، 10، 21 إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر وفي بعضها فقد دخل وقت الصلاتين .

مثل خطاب صل مع الطهارة لعدم القدرة أول الوقت على امتثال هذا التكليف .

فالذي يقول بالواجب المعلق كصاحب الفصول ومن تبعه قدّس اللّه أسرارهم . ينبغي أن يكون نظرهم في ذلك إلى ما ذكرنا وما وجه به كلامهم أو جعل غرضا لهم من الأمور التي ذكرناها سابقا من عدم وجوب السير إلى الحج أو لزوم الانفكاك بين الانشاء والمنشأ .

فتحصل من ما ذكرنا النظر في كلام المحقّق النائيني المنكر(1) للواجب المعلق لعدم الفرق بين الزمان وغيره في لزوم فرض وجودهما .

لما عرفت من منع لزوم الفرض بل نحن نفينا الاشكال عن امكان الواجب

المعلق ثبوتا . ونتبع الدليل في مقام الاثبات فاذا كان ظاهر قضية شرطية فرض وجود الموضوع بما له من القيد فنقول بالوجوب المشروط وان لم يكن كذلكفيكون منجزا أو معلقا فما ذكره قدس سره في هذا المقام لا يمكن المساعدة عليه(2) .توضيح وتبيين: اعلم ان عمدة نظر منكر الواجب المعلق إلى الانفكاك بين البعث والانبعاث . وان الوجوب حالي والواجب استقبالي . ولا يمكن للمكلف اتيان الواجب حين فعليّة الوجوب وأي فائدة لمثل هذا الواجب الذي ليس في قدرة المكلف اتيان متعلقه بل يستحيل فعلية الخطاب والحكم بلا قدرة على اتيان المتعلّق فاللازم حينئذٍ كون الوقت مفروض الوجود كساير ما للواجب المشروط من قيود الوجوب اللازم أخذها مفروضة كي يكون الوجوب فعليا حين فعليتها

ص: 257


1- . فوائد الاُصول 1/187 .
2- . قد التزم بالواجب المعلّق امكاناً وقوعاً وثبوتاً واثباتاً غير واحد من الأعاظم تبعاً لصاحب الفصول وللمحقّق العراقي كما التزم بذلك السيّد الخوئي على ما في تقريرات بحثه وهو الحق . محاضرات في اُصول الفقه 44/174 - 175 .

وانشائيا ما لم تكن هذه القيود حاصلة في الخارج .

والحاصل: انه ليس فرق بين الوقت الذي هو غير مقدور للمكلف ومثل الاستطاعة التي مقدورة التحصيل . فكما انها اخذت مفروضة الوجود فليكن الوقت كذلك وأي موجب أوجب الفرق بينها وبين الوقت .

وقد يقال بوجود الفائدة في ذلك . فان الثمرات المترتبة على كون الوجوب فعليا والواجب استقباليا مما لا تكاد تخفى .

منها لزوم حفظ الماء الذي لا يقدر في الوقت مثلاً على تحصيله . ومنها حفظ المقدمات التي ليس في قدرة المكلف فعلها في الوقت وحين حصول ظرف الواجب . هذا مع ورود النقض عليهم بانه أي سبب يوجب على المكلف الذي يعلم بحصول الموسم للحج . مع ان الاستطاعة المالية حاصلة له فعلاً بالسير إلى الحج . فان الوقت ما لم يصر فعليا موجودا . فلا وجوب لذي المقدمة كي يترشح الوجوب منه إلى المقدمة .فتكون واجبة . وفي ظرفه أيضا لا يقدر على ذلك . وكذلك في باقي الامور منها: مسئلة الصلاة والصوم، فانّ الصوم اذا كان واجبا في الوقت والوقت ليس ظرفا للواجب بل قيد للوجوب فما لم يكن موجودا بتمامه لوجوده التدريجي فلا معنى للوجوب الفعلي . وكذلك مسئلة الوجوب الفعلي في الصلاة لمن يتوقف امتثاله بالنسبة إليه على صرف مقدار من الوقت في تحصيل الطهارة أو غير ذلك من مقدمات الواجب الوجودية . فاذا أمكن الانفكاك بين الوجوب والواجب بهذا المقدار فلا فرق بينه وبين الأزيد لأن الدليل الذي استند إليه عقلي لا يقبل التخصيص .

ص: 258

نعم إن كان الظرف والوقت في الصوم قيدا للوجوب فكل آن صوم وله خطاب مستقل يمكن دفع الاشكال(1) .

لكنّه يتضمن محاذير: منها: وجوب الصوم بالنسبة إلى من يعلم غدا بحصول مانع له من اتمام الصوم من مرض أو سفر أو غير ذلك مع لزوم الكفارة بالنسبة إليه على القاعدة لو افطر وكذا في آخر الوقت اذا زال عنه المرض أو الموانع الاخر . بل في كل حين من الوقت لانحلال الوجوب والخطاب بانحلال آنات النهار مع انه خلاف ما تسالم عليه الفقهاء ظاهرا هذا . مع انا نرى العقلاء في امورهم العرفية حسب ما اعتادوا عليه يقدمون تحصيل المقدمات التي لا يمكنهم تحصيلها في ظرفها حتى بالنسبة إلى الامور التي ليست بتمامها تحت اختيارهمبل عمدة ذلك بيد الغير كأمر استقبال الوافد فانه ليس ايراد الوافد بيدهم . مع انك تريهم يتهيّئون ويهيّؤون المقدمات التي لو تأخّروا عن تحصيلها لا يمكنهم تحصيلها في وقتها عند وفود الوافد الذي يريدون استقباله . مع ان ذي المقدمة وهو الورود بعد لم يحصل . فهذا ونظائره مما يوجب خفة الانكار على القائل بالواجب المعلق . وان كان لكل من المنكر والمثبت مقويات . فللمنكر نفي الفائدة في كون الوجوب فعليا والواجب استقباليا .

والجواب عن اشكال المقدمات المقومة بالوجوه التي اجيبت وكذا انكار

ص: 259


1- . إلاّ أنّه أيضا لا يمكن لأنه حين وجود الزمان والوقت الذي هو قيد للوجوب تصرم الظرف الذي يجب فيه الصوم الا أن يقال انه قيد بالنسبة إلى الآن اللاحق وهو خلاف مفروض المقام . ويمكن جريان الاستصحاب الاستقبالي لتحقق موضوع وجوب الصوم ويصوم فتدبر جيدا .

الشرط المتأخر . وللمثبت ايجاب المقدمات والجرى في الصوم والصلاة وأمثالهما على القاعدة . الا ان الذي يقوي في النظر عدم المانع من امكان الواجب المعلق . فأي شيء يوجب الانكار ويجعل الوقت كغيره وينفي الفرق بينه وبين القيود الاختيارية كالطهارة . فالطهارة لو كانت مثل الوقت فاللازم كون الصلاة مشروطة بوجودها . وهذا كما ترى . فتدبر في أطراف ما ذكرناه جيدا فان الحق مع المثبت للواجب المعلق .

الاشكال على منكر الواجب المعلق:

ربما يشكل على المنكر للواجب المعلق تصوير الأمر بالقضاء الذي يكشف عن أمر الأداء في ما اذا كان هناك المكلف فاقد الطهورين وقال بالقضاء خارج الوقت . فان الأمر بالأداء فعلي مع ان ظرف الواجب استقبالي فانفك الواجب عن الوجوب .

نعم من يقول لا يجب عليه الاداء ولا القضاء ففي فسحة عن هذا الاشكال فان التقيد بالوقت في الصلوة لا مجال لانكاره . حيث ان الوقت اهم من باقي القيود الا في خصوص جامع الطهور ففيه كلام . ولذا يجب على المكلف اتيانالصلاة في كلّ حال ولو لا يقدر على اتيانها تامّة على حسب ماله القدرة عليها بحسب حاله . وكذلك الاشكال في حق النائم . فان الخطاب بالنسبة إليه فعلى مع انه لا يقدر على الاتيان وظرف الواجب بعد ذلك وفي كلّ هذه الموارد وأمثالها لابدّ اما من الالتزام بالواجب المشروط وان الوقت الذي هو غير اختياري لابدّ من فرض وجوده في الحكم . كي يكون الحكم بوجوده وساير ماله الدخل في الموضوع فعليّا كما في كلّ حكم بالنسبة إلى موضوعه . فاذا لم يملك أربعين غنما

الاشكال على منكر الواجب المعلّق

بقيّة البحث في الواجب المعلّق

ص: 260

فلا حكم بالنسبة إليه وإن كان بالغا عاقلاً ويساوقه اشتراط الخطاب بالقدرة لا انها شرط للامتثال فقط . أو يتصور للحكم مراتب ثلاث . وهذا بناء على كون الأحكام مجعولة لها انشاءات أحد مراتبها مرتبة الانشاء .

والثانية: مرتبة الفعلية وهي المرتبة التي فيها يكون الحكم موجودا فعليا فيها لوجود موضوعه لكنّه لا بعث ولا تحريك . والمرتبة الثالثة مرتبة التحريك والبعث التي في هذه المرتبة يتحقق تضاد الأحكام في قول بعض . والا فهي في حد انفسها لا تضاد بينها كما اذا كان شيء أو انسان في آن واحد محبوبا بالنسبة إلى شخص ومبغوضا بالنسبة إلى آخر بخلاف مثل السواد والبياض فانهما متضادان حتى من فاعلين فلو أراد أحدهما ايجاد البياض والآخر السواد فلا يمكن اجتماعهما في الفعل والتلون للشيء بلونين في آن واحد ولو من شخصين . وباب الأحكام الشرعيّة التي هي اُمور اعتبارية عند هذا القائل باب الحب والبغض في مقام الجعل فلا تضاد بينهما . انما التضاد في مرتبة البعث والمحركيّة التي إن شئت فعبر عنها بمرحلة التنجز والمرحلة التي علم الحكم فيها بحيث كان فعليا من جميع الجهات لاستواء العالم والجاهل بالنسبة إلى الأحكام . لا أن يكونالعلم شرطا للفعلية . فان تصورنا للحكم هذه المراتب الثلاث امكن تصويرالواجب المعلق الذي هو في خصوص الوقت معلق على اتيانه والا فلا تعلق له بغيره لفرض فعليّته .

والحاصل: انه لا يصحّ مطالبة العاجز والتحريك في ارادته فاذا كان من الممكن الانفكاك بين مرحلة الفعلية ومرحلة التحرك فيمكن تصور ذلك وإلاّ فيرجع إلى امتناع فعلية الحكم والمطالبة مع عدم القدرة على اتيان متعلقه

مراتب الحكم

ص: 261

والانبعاث من قبل هذا الخطاب . فيصير الأمر بالاخرة إلى الالتزام بالواجب المشروط ولزوم فرض وجود هذا القيد كساير القيود من العقل والبلوغ ومنها ادراك الوقت لا أن يكون الوقت قيدا للواجب لعدم امكان فعليّة الحكم مع عدم وجود الموضوع بما له من القيود . اذ لابد من فرضه كما ذكر على ما تقدم ونسبة الحكم والموضوع نسبة السبب والمسبب . ولذا قد يعبر بذلك وحينئذٍ فلا مجال للواجب المعلق .

خلاصة الاشكال في الواجب المعلق .

استشكل تصويره من جهة عدم اتصاف المتعلّق قبل الوقت بالوجوب وانه لم يمتثل أمر الصلاة أو غيرها من المعلقات مثلاً اذا أتى بها قبل اوقاتها المعلق عليها الواجب . ولذلك لا وجه للنقض على منكر الواجب المعلق بالواجب الموسع لعدم مجيء هذا الاشكال هناك بخلاف ما نحن فيه . غاية الأمر في بعض أفراد الواجب الموسع ربما لا يكون له التمكن من الاتيان بالواجب في تمام الوقت لبعض الجهات التي لا أثر لها في ذلك . بل لو فرض رفع هذه الموانع وأتى بالواجب لكان متّصفا بالوجوب وينطبق عليه هذا العنوان .

نعم لو كان فاقدا للطهورين وعدم تمكنه من هذه الجهة فلا نلتزم بالوجوب أصلاً .والحاصل ان هذا الاشكال مختص بباب الواجب المعلق وهو الانفكاك بين الوجوب والواجب وعدم امكان اتصاف الفعل قبل الوقت بالوجوب .

وربما يخطر بالبال في حل الاشكال تصوير الفعلي من جهة كما ربما لابد من ذلك في ايجاب الاجتناب عن الاناء الباقي بعد تلف الاخر في مورد تعلق

خلاصة الاشكال في الواجب المعلّق

ص: 262

العلم الاجمالي بنجاسة أحدهما مع كون العلم موجبا للتنجز حدوثا وبقاءً . فبقاء التنجز إنّما هو ببقاء العلم . فحينئذٍ يقال بكون التكليف بالاجتناب فعليا من جهة وغير فعلي من جهة . ولكن لا يخفى ما في هذا المبنى . اذ لو كان بنائه على كون العلم قيدا للموضوع فلا تكليف اذا لم يكن هناك علم . والا فلا معنى لكون التكليف فعليا من جهة وغير فعلي من جهة اخرى . لكون التكليف والحكم تبعا لوجود موضوعه فاذا لم يحصل بتمام قيوده وحدوده فلا معنى لوجود الحكم . والا يلزم الخلف والمناقضة . فاذا لم يحصل الدرك للوقت والاستطاعة والعقل والبلوغ حاصلة فلا حكم ما لم يحصل القيود الاخر .

نعم لابد من الالتزام بعدم القصور في العلم . وانما القصور في المعلوم . والا فلا يمكن تصوير تصحيح ما ذكره المحقق الخراساني قدس سره في مسئلة الاضطرار(1) وتلف أحد طرفي العلم الاجمالي إلاّ بهذا ولا يمكن المساعدة على ما ذكره المحقّق النائيني قدس سره في هذا المقام .

وعلى كل فهذا أيضا مشكل وإن كان يرد النقض في انكار الواجب المعلق

بمسئلة الصوم والصلاة اللتين يتوقف فيهما الوجوب لأوّل جزء بآخر الوقت أوبالجزء الأخير ولابدّ من الالتزام بذلك فيهما . ولا محيص وحينئذٍ . فلابد من نفيالاشكال عنه ثبوتا لمحاذير تلزم الانكار كما لا وجه للنقض بالواجب الموسع كما سبق نظرا إلى الوجوب في آخر الوقت مع ان ظرف الواجب في آخر الوقت استقبالي . وذلك لان التخيير هناك بين الأزمنة الطولية في الوجود . وذلك مستفاد من الدليل الشرعي . واخرى يكون التخيير عقليا وليس اشكال الواجب الموسع

ص: 263


1- . كفاية الاُصول 2/216 - 218 .

ذلك . بل الاشكال فيه هو الترخيص في ترك الواجب في بعض الوقت ويمكن تصوير الواجب المعلق بناء على عدم جعل الاحكام بل هي عبارة عن الحب والبغض المتعلقين إلى متعلقاتهما ولا يوجد المولى الطالب لشيء فعلاً أو الزاجر عن شيء كذلك نسبة في الخارج . بل إنما يكشف عما في ضميره أو عن الحب والبغض والارادة النفسانية في ما يكون كذلك . ولا اشكال في انه لا ملازمة بين فعلية الحب والبغض وفعلية متعلقهما . نعم ربما يشكل الأمر في باب الوضعيات الايجادية بانه كيف يمكن تصويره في باب الوضعيات كالملكية والزوجية فانه ليس شيء هناك كي يوجد ويظهر حبّه بل لابدّ من الانشاء الذي هو المنشأ لترتيب الاثار في عالم الاعتبار . وإن كان لهم الجواب عن ذلك أيضا بكون ذلك بيد من بيده الاعتبار . وإنّما أثر ذلك في عالم الاعتبار كساير ما هو من هذا الباب . والألفاظ انما هي للكشف عما في ارادته وقلبه . ولذا قد يؤثر انقباضا وانبساطا لما معها من الرشح من المعاني والمتعلقات . فان وصلت النوبة إلى هذا فتصويره في نهاية السهولة . لكن الاشكال في الجزم بهذا المعنى ودفع الاشكالات وتصوير الواجب المعلق حينئذٍ من الممكن .

عود على بدء: يرد على منكر الواجب المعلق اشكالان . أحدهما انفكاكالمنشأ عن الانشاء . وأجاب عنه المحقّق النائيني قدس سره (1) باستحالة خلافه . فانه إذاكان الوقت دخيلاً في الموضوع فلابد من فرض وجوده في ترتب الحكم ولو لا ذلك أي فعلية الوجوب والحكم حين حلول وقته يلزم الخلف والمناقضة . وعدم كون ما فرض موضوعا كذلك . كما هو كذلك في الخارجيات . فاذا يقول اذا كانت

الجواب لانكار الواجب المعلّق

ص: 264


1- . فوائد الاُصول 1/186 - 193 .

الشمس طالعة فالنهار موجود فالطلوع إنما يتحقق عنده وجود النهار .

وثانيهما: ما في الصوم والصلاة وغيرهما من التدريجيّات الواجبة على المكلفين مع ان حين فعلية الوجوب والحكم لا وجود لآخر الوقت مع كونه دخيلاً في ذلك . ويمكن الجواب عن ذلك بوجهين على فرض أخذ القيد والاستمرار في الموضوع . وعلى فرض كون الحكم منحلاً إلى أحكام متعددة بتعدد الصومات لانحلال الصوم الواحد إلى متعددات فواضح . ولا اشكال . اذ عند فعلية كل حين يمكن ترك ما يحرم على الصائم فيه يكون حكمه فعليا بالوجوب المتعلق بالامساك ولا طولية في الزمان بل إنّما هي في الرتبة وإن كان لازم هذا الفرض أن يكون كلّ آن صوما مستقلاً ويكون بعض الصوم أيضا صحيحا إذا كان في بعض آنات اليوم مع النية من كلّ من اجتمع فيه الشرايط . كما إذا رجع من سفره بعد الظهر أفطر أم لم يفطر وغير ذلك من اللوازم مع انه خلاف الضرورة الفقهيّة . فانه يمكن الالتزام في ذلك بكونها على خلاف القاعدة . لكن حيث ان الضرورة الفقهيّة وتسالم الفقهاء على خلاف ذلك فلا يمكن الالتزام به لكون الصوم عندهم هو الصوم الممتد إلى الغروب . فعلى هذا لابدّ من الجواب بأحد النحوين الايتين على فرض رجوع الاستمرار والقيد إلى الصوم كان يكون الصوم إلى الليل واجبا . وحينئذٍ فيتسجل الاشكال بلزوم فرض تمام الوقت في فعلية الحكم . فاذا كانالوقت باقيا بعد لم يحل كله فلا وجوب وبعد حلول تمام الوقت يكون الحكم فعليا ولا موضوع له وقبله ليس الموضوع فعليا . وكذلك لازمه عدم لزوم الكفارة لمن يعلم بابتلائه بالحيض أو السفر أو غيرهما من موانع الصحة أو رافعات الوجوب

ص: 265

مع انه ما لم يبتل بذلك وافطر عليه الكفارة بحكم النص(1) . الا ان هذا الأخير لا مانع منه لترتبه على ترك الامساك لا على الصوم ولا مانع منه كما في تروك الاحرام . فان الكفارة انما تترتب على التروك وايجادها كما هو واضح . وكذلك لا اشكال في انه اذا يعلم ببقائه إلى آخر وقت الصوم لكن لا من جهة اشكال الواجب المعلق .

اما الجوابان فاحدهما تنظير فعلية الحكم على فرض كونه مستمرا أو الصوم أو الزمان باول وجوده كما في مثل اصابة المطر للماء مع عدم اصابته لجميعة ولا اشكال في الحكم بطهارة الجميع بحكم العرف باصابة هذا المطر أو النجاسة للماء ويحكم في كلا الموضوعين بالطهارة والنجاسة لصدق اصابة المطر في الطهارة واصابة النجس في النجاسة بل يحكم في آن ملاقاة النجس للماء بنجاسة رأسه الواقع في رأس الفرسخ وتنجس يد الذي اصابها الماء فليكن في ما نحن فيه أيضا كذلك ويكون كالخيط يصدق عرفا وجوده وتحققه باول زمان وجوده وتحقق اول جزء منه .

لكن هذا الجواب كما ترى وان اصر عليه المحقّق النائيني قدس سره والثاني أن يكون الشرط في ذلك التعقب(2) والتقدم بأن يكون تعقب كل جزء من الأجزاءالزمانية الآتية شرطا للآن الفعلي وهذا التعقب امر حاصل وكذلك التأخر حينحلول الاجزاء المتأخرة وكذلك في الصلوة .

لكن هذا أيضا فيه ما فيه لاستحالة الشرط المتأخر عنده فتأمل فان الجزء الزماني الآتي يكون موضوعا مع تعقبه بالاجزاء الآتية المتأخرة .

ص: 266


1- . الظاهر ان مدركه الاطلاقات .
2- . فوائد الأصول 1/209 .

الجواب بنحو آخر يمكن الجواب عن اشكال الصوم بناء على استحالة التعليق نظرا إلى الأخبار الواردة وظاهر الأدلة بفعليّة الوجوب بطلوع الفجر بكون النهار واليوم كالليل وأمثالهما من القطعات الزمانية الموضوعة اساميها للمجموع من حيث المجموع موجودا عرفا باول جزء من أجزائه فاذا طلع الفجر فيكون الليل متصرما والنهار موجودا ولابدّ أن يمسك من مفطرات الصوم لمساعدة العرف على ذلك وكذلك نجيب عن اشكال الصلاة التي كل جزء شرط للاجزاء المتقدمة والمتأخرة فانه لا يكون جزءا للصلاة من التكبير الا خصوص التكبيرة التي تكون منضمة إلى الاجزاء الباقية للصلاة وكذلك بالنسبة إلى باقي الاجزاء بكون التعقب شرطا مقارنا للتكبيرة مثلاً الموجود فعلاً فان تعقب الاجزاء اللاحقة أمر موجود يكشف عنه اتيان الأجزاء متأخرة عن هذا الجزء وهذا التعقب وإن لم يكن موجوداً معلوما حين التكبيرة لكنه بعد تمامية الصلاة يعلم بوجوده مقارنا لما هو مشروط به وكذلك التأخر بالنسبة إلى باقي الاجزاء فلا يرد عليها نقض .

ان قلت ان الامور الانتزاعية ليست لها الدخل في الخطابات الشرعيّة .

قلت: ما تقول في الاسلام قبل القسمة أو الركوع قبل ركوع الامام وأمثال ذلك من الأمور الانتزاعية التي جعلت موضوعة للأحكام والآثار الشرعية .

والحاصل ان انكار الواجب المعلق والشرط المتأخر لا يوجب الضيق علينامن هذا الجهة(1) .ثمّ انه بعد انكار الواجب المعلق والشرط المتأخر يتوجه علينا تصوير وجوب المقدمات قبل وجوب ذيلها مما ذهب المشهور على الوجوب قبل

ص: 267


1- . أقول: لا يخفى ما في هذا الجواب .

وجوب ذي المقدمة فيها أو صارت من المسلمات . مع ان وجوب ذي المقدمة بعد لم يصر فعليا وبناءً على ما عليه جماعة من كون خطاب المقدمة متولدا من خطاب ذي المقدمة ومترشحا منه بل بعد فعلية خطاب ذي المقدمة يكون مترشحا منه متمما له . فانه كيف يكون الخطاب الذي ينشأ ويترشح من خطاب آخر متعلق بذي المقدمة ويكون عصيانه راجعا إلى ترك ذي المقدمة لا من جهة نفسه لكونه خطابا تبعيا موجودا فعلاً ولم يصر خطاب ذي المقدمة فعليا .

منها: مسئلة وجوب المعرفة في اصول الدين وان قال بعض بالوجوب قبل البلوغ .

ومنها: مسئلة تعلم مسائل الصوم والصلاة لمن يكون مكلفا في أول وقته بذلك مع عدم امكانه من التعلم حينئذٍ .

ومنها: مسئلة السير إلى الحج مع عدم كون الموسم موجودا . ووقت الأفعال بعد لم يصل مع وجوب السير مع آخر قافلة أو رفقة أو إذا لم يطمئن بادراك آخر الرفقة فمع قبلهم . وأمثال ذلك من الموارد التي لم تكن الوجوبات المتعلقة بذوات المقدمات فعلية موجودة . بل قد يتجاوز في ذلك الأمر فيفتون بعدم جواز تفويت الاستطاعة المالية مع عدم الاشكال ظاهرا في جواز نقص الأربعين غنما قبل الحول .

والجواب عن هذه الموارد بوجهين:

أحدهما: غير تام في بعض الموارد وهو ايجاب الملاك الذي في ذيالمقدمة لوجوب المقدمة قبل فعلية ذيها وحصول حينه فانه بالنسبة إلى ذي المقدمة لم يتم لعدم حلول وقته بخلاف المقدمة . ولكن هذا لا يتم بالنسبة إلى

الجواب عن وجوب المقدّمات المفوّتة

ص: 268

المعرفة التي هي من اصول الدين لعدم كون الملاك في حقها فعليا بل في حقها لا ملاك ولا خطاب اذ ليس ذلك من قبيل انقاذ الغريق الذي مصلحته تامة . لكنه لا يقدر على ذلك فلا يتوجه إليه الخطاب فعلاً لقبح مطالبة العاجز الا ان المصلحة والملاك تامّة(1) موجودة ولمكان العجز العقلي لا يتوجه الخطاب بالنسبة إليه . واما استفادة تماميّة الملاك في كل مورد كي يتوجه بذلك خطاب المقدمة قبل وقت ذي المقدمة ووجوبه فلا يتم لعدم الدليل في ذلك كي يستفاد منه هذا المعنى . بل في حق الصبي نقول بكون البلوغ دخيلاً ملاكا وخطابا لا خطابا فقط .

والثاني: من باب حفظ القدرة فانه إذا يعلم بعدم امكان حفظ غرض المولى في وقته . فالعقل يلزمه باتيان ما معه يحفظ غرض المولى وخطابه وحكمه في وقته .

توضيح: يتعلق بدفع الاشكال والجواب عنه في ما يرتبط بانكار الواجب المعلق والشرط المتأخر وأشرنا إلى الاشكال في دعوى تمامية الملاك في وجوب المقدمات قبل وجود ذيها لعدم حصول وقته كما سبق الجواب بالقاعدة العقلية المدعى اتّفاق العقلاء عليها وعملهم بها وذلك يتوقف على مقدمات:احدها ان القدرة على قسمين فتارة اعتبارها عقلي ولم يؤخذ في متعلقالخطاب وإنما يعتبرها العقل بمناط قبح مطالبة العاجز . واخرى ليس الاعتبار

ص: 269


1- . وفيه ان للشارع خطابه بنحو ان قدرت فانقذ . لكنه لا يخفى ان القدرة التي هي شرط لو قال الشارع باشتراطها أيضا فيكون ارشادا محضا . فالقدرة التي هي شرط عقلاً لا يمكن توجيه الخطاب بغير واجدها أصلاً عقلاً . وذلك لتقبيح العقلاء من يطالب العاجز بشيء . نعم القدرة الشرعية يمكن اعتبارها في لسان الدليل كما في الحج فاشترط فيه الاستطاعة ولو مع قدرته عقلاً وعدم الاستطاعة المالية أو الرجوع إلى الكفاية .

عقليا بل الشارع اعتبرها في موضوع الحكم وهي على أقسام ثلاثة: فاما ان تؤخذ القدرة في أي وقت كان شرطا . وإمّا في وقت خاص عند فعلية الحكم . أو عند فعلية الملاك وعند ظرف الامتثال .

اما القسم الاول: وهي القدرة العقلية قد يدعى وجوب حفظها بقاعدة الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار . وهي المقدمة الثانية للمطلب وتحريرها . انه

لا اشكال في قبح توجيه خطاب احفظ نفسك إلى من عجز نفسه عن امتثال خطاب المولى كما إذا القى نفسه من شاهق لعدم القدرة فعلاً عليه . فالامتناع بالاختيار ينافي الخطاب أو الاختيار خطابا لكنه لا ينافيه عقابا بمعنى جواز العقاب عليه واستحقاقه لكونه بنفسه عجز نفسه .

اذا تحررهاتان المقدمتان، فنقول ان بناء العقلاء في امورهم التكوينية على حفظ القدرة على شيء لا يتمكنون منه في ظرفه فاذا يدري انه لا يصل إلى الماء إلى أيام بعد ذلك في سفره هذا . فلا اشكال في انه اذا لم يحصل الماء ولم يأخذ اهبته لذلك فيذمه العقلاء على تركه بل ربما يكون في ظرف احتمال ذلك أيضا بناءهم وحكمهم على التحفظ بمناط واحد لاهمية حفظ النفس عند العقلاء وكذلك في باقي الامور ان فهمنا فكذلك كل شيء بحسب ما له الاهمية عندهم ويهمهم في اغراضهم فاذا كان هذا حال العقلاء في امورهم التكوينية ويذمون تارك الاحتياط والأخذ للاهبة لذلك . فلا اشكال في جريان هذا البناء والقاعده في ما نحن فيه من الامور التي يعلم بعدم امكان تحصيلها في ظرفها . فلابد من تعلم الأحكام قبل فعلية وقت ايجادها وامتثالها في الخارج .كما انه لابد من السير إلى الحج . وإلاّ فان صبر فيفوت المراد . كما انه لابد

ص: 270

أن يتعلم مسائل أصول الدين ويعتقدها عن جزم والا فلا يمكنه ذلك اول أزمنة التكليف . وهكذا بالنسبة إلى باقي الموارد . فحفظ القدرة في ما نحن فيه من الأمثلة الشرعية كحفظ الماء وأخذه في ما ذكرنا من المثال كما انه كذلك تعلم الرمي وباقي أفعال الحرب . والا فالصبر إلى هجوم الخصم يفوت الغرض . هذا . ففي كل ذلك يحكم العقل بتمامية الملاك عنده بلزوم حفظ القدرة الآن على متعلق العمل في ظرفه كي لا يتوجه عليه الذم .

والتعبير من المحقق النائيني قدس سره في القسم الثاني(1) من القدرة الشرعية ربما لا يخلو من مسامحة فانه لا فرق بينها وبين القدرة العقلية .

نعم ان كان ذلك لدخلها في الملاك لا الخطاب كان لذلك وجه . والا فالقسم الاول من القدرة الشرعية لا فرق بينه وبين القدرة العقلية .

اما مسلك سيّدنا الأستاذ قدس سره في أمثال هذه الموارد فمضافا إلى انه لا يلتزم بالواجب المعلق ولا الشرط المتأخر كذلك لا يلتزم بترشح الخطاب التبعي أو الشرعي من تمامية الملاك عند العقل بلزوم حفظ القدرة على ما يتوقف عليه ذلك ( أي امتثال الواجب في ظرفه ) بل يجعل ذلك من شؤون الاطاعة . فان ذلك مما له الدخل في الاطاعة التي لا ربط لها بالشرع . بل انما يحكم بها العقل ويكون قضية حفظ المقدمات قبل وقت ذيها من شؤون الاطاعة لذي المقدمة كما سيجيء بيانه تفصيلاً ان شاء اللّه تعالى .

نتيجة الأبحاث والجواب عن الاشكال:

سبق الجواب بوجوه ثلاثة: أحدها عدم جواز تفويت القدرة على اتيانمتعلق خطاب المولى ولو لم يصر بعد فعليّاً بعد العلم بابتلائه بذلك .

الجواب بوجوه ثلاثة

ص: 271


1- . فوائد الاُصول 1/200 - 201 .

الثاني: فعلية الملاك وتماميّته في ظرفه فان العلم حاصل بتمامية مصلحة الصلاة في ظرفها ووفتها . وكذلك في الواجبات المشروطة . لأن الأحكام الشرعية انما هي عبارة عن هذا لا العلم بالمصالح اذ لا تكون الأحكام من قبيل المسببات للمصالح والمفاسد . بل هي تكون من قبيل الدواعي والا فتبطل جهة المولوية .

ثم انه حيث لا يكون الوقت فعلاً حاصلاً فلا معنى للخطاب الفعلي المتوجه إلى ذي المقدمة ولو كانت مصلحته تامة . نعم لو جر المولى الزمان مثلاً للمكلف وسدّ باب امتناع المتعلق للمكلف فعلاً فلا اشكال في لزوم امتثاله ولكن دون ذلك المانع من توجيه الخطاب وهو عجزه عن الاتيان . وفي ظرفه يكون قادرا لوجود المصلحة وفعليتها وهو استيفاء الملاك حينذاك والا فالمصلحة الملزمة في الصلوة لا تحصل قبل الوقت ولا تكون في الصلاة التي يجأ بها حينئذٍ . ولكن ذلك غير مرتبط بالمقدمة لعدم المانع من توجيه الخطاب نحوها خطابا طريقيا تبعيا في الملاك والمصلحة لا في الوجود لعدم الترشح والتولد في ذلك . بل كلا الخطابين إنّما يكون جعلهما من قبل المولى حفظا للملاك . أحدهما في ظرف فعلية ملاك ذي المقدمة وامكان المكلف لتحصيله والآخر حال قدرته على حفظ شأن من شؤون ذلك المتعلق في ظرفه طريقيا تبعيا . وما قرع سمعك من حديث الولادة والترشّح انما يصح في ناحية الملاك . فان الملاك الموجود في المتعلق موجب لتوجيه خطابين على ما ذكرنا . وبناءً على هذا البيان لا وجه لانكار تمامية هذا الوجه لعدم تاتيه في كل الموارد . اذ بما ذكرنا ظهر اطراده في ساير موارد المقدمات المفوتة التي لا يمكن للمكلف تحصيل ذي المقدمة في ظرفه الا باتيان هذه المقدمات قبل ذلك الوقت فان الغرض في هذه الصورة كما اذا لا يمكنه

ص: 272

ادراك الوقوف بعرفات الا بالسير قبله بأيام أو بساعة ولم يسر ولو بالركوبلاسرع طيارة فيطرد في المعرفه والتعلّم وغيرها .

الثالث: قاعدة الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار . فانها أيضا جارية في نحو المقام ولازمها توجه خطاب ( احفظ القدرة ) خروجا عن مقتضى مخالفة هذا الخطاب وهو عدم منافاة الامتناع بالاختيار للعقاب . وان كان لا معنى حينئذٍ لتوجيه الخطاب لعدم القدرة . الا انه لا مانع من حسن العقاب لكونه ناشئا بسوء اختياره . ولا يخفى ان ذلك غير باب عدم الارادة فانها مرتبطة بباب الاطاعة وبحكم العقل لابد من ايجاد الارادة والداعي نحو المتعلق . فلا يمكن أن يقال حين عدم الارادة يمتنع العمل فلا خطاب لعدم القدرة . فانه يوجب سدّ باب العصيان وانكار تحققه وغفلة عن عدم تمشي قاعدة الامتناع بالاختيار . بل ذلك عدم الارادة لعدم امكان اجتماع ارادة وعدمها فانه اما مريد أو غير مريد .

ثمّ انه كما أشرنا سابقا ان هذه الوجوه الثلاثة إنّما هي في مورد عدم أخذ القدرة في موضوع الخطاب وفيما اذا لم تكن دخيلة في الملاك . والا ففيه كلام آخر . وانما هي فيما اذا تكون القدرة عقلية . فان الشرايط على ثلاثة أقسام . إمّا أن تكون دخيلة في الملاك والخطاب كالبلوغ والعقل وغيرهما من الشرايط العامة وكالوقت . وقسم منها شرط في الخطاب فقط ولو مع تمامية الملاك كالقدرة . وثالث شرط التنجز كالعلم ومرجع هذا الوجه الأخير في الحقيقة إلى الثاني لأن الملاك تام موجب لحفظ القدرة . والا ففي صورة عدم تماميته لا واجب ولا تكليف ولا ملاك كي يكون العبد مكلفا بحكم العقل أو الشرع مأمورا بحفظ القدرة على اتيانه في ظرفه .

الجواب الثالث

ص: 273

تتميم: لا يخفى ان أحد الأجوبة الثلاثة قضية تمامية الملاك في ظرفه الا ان المولى لمانع لا يخاطب العبد باتيان ذي المقدمة مع ان المقتضى تام لكن العبدحيث يعلم بعدم القدرة لحفظ غرض المولى في ظرفه عند حصول الوقت وفي ظرف فعلية الخطاب لا يقدر على اتيان مراده فلو لم يحفظ قدرته فعلاً لكان قد فوت على نفسه المصلحة وعجز نفسه بسوء اختياره . لكنه ربما يشكل بعدم الطريق لاثبات هذا المعنى وان المصلحة هي تامة أم لا .

ثم انه هل هي بنحو توجب حفظ القدرة عليها حتى قبل فعلية وقتها والخطاب به . ويمكن الجواب عن هذا المحذور ( لكنه ثبوتا لا اثباتا ) انّه ربما يلزم من تشريع الحكم في ظرفه اللغويّة دائما بحيث اذا لم يلزم العبد قبل فعلية ذلك الخطاب ووصول ظرف استيفاء مصلحته لحفظ القدرة وايجاد بعض المقدمات التي لا يمكنه حفظها في غيره ويلزم فوت ذي المقدمة في وقته بدون ذلك كما في ا لحج اثباتا فانه يريد من العبد الحج في أول عام الاستطاعة مع ان الخطاب لا يكون فعليا الا عند الموسم الذي لا يمكن العبد دركه في وقته الا بالسير قبل ظرفه فان لازمه بحكم العقل جعل خطاب طريقي تبعا لذلك الملاك في ظرفه مع كونه تاما والمكلف يعلم بذلك متعلق بهذه المقدمة .

وهذا بعد فرض ان الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد النفس الامرية وليست بالجزاف كما عليه الأشعريّة فحينئذٍ لابدّ للمولى حفظا لمصلحة العبد جعل مثل هذا الخطاب حذرا من لزوم التفويت على العبد . فان القدر الممكن من قبله بمقتضى حكم العقل حفظه لاستحالة صدور القبيح منه تعالى بل عن عاقل فضلاً عن الحكيم .

ص: 274

نعم الزائد على هذا القدر لا يجب حفظه على المولى . بل القدر اللازم هو الجعل لخطاب متمم حفظا لفوت المصلحة على المكلف في وقتها . فهذا في مثل مايكون دائما قابل للتصديق كما مثلنا ذلك في الحج بالنسبة إلى الوقوف بل ربمايتصور هذا المعنى في حق غير المتمتع لعدم وجوب السير قبل الموسم على الفرض وعنده بحيث يدرك تمام القدر الواجب ليس بقادر .

اذا عرفت هذا في ما يكون الجعل لغواً في صورة عدم جعل خطاب متمّم . فنقول لا فرق بينه وبين مثل الأغسال اللازمة في صوم الغد في شهر رمضان . وهكذا مسئلة الصلاة التي مصلحتها تامة في الوقت مطلوبة والمكلف يعلم بذلك . وان كانت المصلحة في هذه الموارد بمعنى المقتضى للجعل تامة والمانع من الجعل أيضا مفقود . لكنه ربما لا يجعل ولا يوجه الخطاب لأصل ذي المقدمة لعدم الفرق بين لزوم التفويت على المكلفين لمصلحة درك الحج في اول عام الاستطاعة أو كلية وما اذا يلزم تفويت صلاة واحدة بلا طهورين في وقت من الأوقات وحيناً من الأحيان لاتحاد المناط في المقامين وهو استحالة التفويت من المولى الحكيم .

فبهذه البراهين يمكن كشف الخطاب المتممى الطريقي التبعي المقدمى لحفظ الغرض في ظرفه صونا للمصلحة على المكلّف من الفوت اثباتاً وهكذا في باقي الموارد وقد عرفت في صدر البحث ان محلّ الكلام في ما إذا لا يكون للقدرة دخل ملاكي . بل إنّما هي دخيلة في حسن الخطاب .

عود على بدء: سبق ان استناد المحقق النائيني قدس سره في ايجاب(1)

كشف الخطاب المتمّمي الطريقي

ص: 275


1- . فوائد الاُصول 1/197 - 202 .

المقدمات التي يقوت ذو المقدمة في وقته بفقدها قبل اوقات ذلك إلى أحد الأمور الثلاثة: 1 - لزوم حفظ القدرة عقلاً، 2 - تماميّة الملاك، 3 - قاعدة عدم منافاةالامتناع بالاختيار للعقاب .وقد استشكل نفسه في تمامية الملاك في بعض الموارد وتسلم ذلك في بعضها وأورد عليه سيّدنا الأستاذ قدس سره بأن معنى تماميّة الملاك ليس إلاّ عبارة عن كون الأحكام مما تقتضيها المصالح والمفاسد النفس الامرية . سواء قلنا بالجعل وانقداح مباديه في النفس النبوي أو الولوي أم لا . بل انكرنا ذلك مبتنيا على جعل الأحكام ازلية بمعنى العلم والاحاطة بكون الحجّ من المستطيع البالغ العاقل ذا مصلحة وكذلك بالنسبة إلى ساير الأحكام . وهذا المعنى من تمامية الملاك ليس مختصا بباب دون باب لان مرجعه إلى ما ذكرنا في قبال الاشعرية المنكرين للحسن والقبح العقليين . ولا نعقل معنى آخر لتمامية الملاك الذي يوجب ايجاب المقدمات قبل وقت ذي المقدمة فانه ربما تكون المصالح تامة لكن المصلحة التسهيليّة تقتضي الترخيص في ترك ما تقتضيه تلك المصلحة . وهكذا فان الجبر لا يحكم في ذلك المبدء بل إنّما هو قبح صدور القبيح واستحالته عقلاً وإلاّ فقياس التشريعيات على التكوينيات فكما انه لا جبر(1) في خلق الخلق وايجادهم وساير ما يخص شؤونهم كذلك لا جبر في أمر التشريع .

والحاصل ان انكار تمامية الملاك بهذا المعنى الذي ذكرنا لا سبيل إليه فيمكن أن يكون نظره إلى قبح مطالبة العاجز حيث ان الامساك في النهار ملاكه تام لكنه ليس جر الوقت اختياريا للمكلّف فما هو مقدور له فعلاً يوجّه إليه خطابا

ص: 276


1- . هذا بمعنى صحيح وبمعنى آخر فيه منع .

مولويا متعلقا به وحين فعلية الموضوع وحصول الوقت يخاطبه بخطاب ذي المقدمة ويطالبه به .ثم انه على تقدير عدم تمامية هذا الوجه فالنظر لابد أن يكون إلى القاعدةالعقلية وهو ان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار . وانه هل هو دليل مستقل غير مرتبط بتمامية الملاك . أو كلاهما دليل واحد أحدهما كالصغرى للآخر . فان الملاك اذا تم ولم يحفظه المكلف من قبل حفظ بعض مقدماته يكون قد فوت على نفسه المصلحة وعجز نفسه بسوء اختياره . فحينئذٍ تنطبق القاعدة العقلية . والا فلو فرض ان للمكلف تبديل الموضوع كما انه اذا كان حاضرا فصار مسافرا أو رخص له المولى في ترك المقدمات المفوتة قبل وقت ذي المقدمة . فمن أين يمكن ايجاب هذه المقدمات أو كشف تمامية الملاك وجعل خطاب طريقي إلى هذه المقدمات ولذلك يفصل المحقق النائيني قدس سره بين الوضوء والماء فيلتزم بوجوب حفظ الماء قبل الوقت ولا يلتزم بوجوب حفظ الوضوء .

بل له الخروج عن عنوان المتوضى بالنوم مثلاً لان له تبديل الموضوع .

ثم انه قد أشرنا إلى جواز تأخير الجعل عن فعلية الموضوع لكن لا بما هو موضوع كما اذا تم جميع ما له دخل في موضوعية الموضوع المستتبعة لجعل الحكم لكن هناك مصلحة مانعة عن فعلية الجعل . فيؤخره إلى رفع ذلك المانع . ولا يوجب ذلك انثلاماً في ناحية الموضوع ولا عدمه جزءا له ولكنه لا ينتزع عنوان الموضوع والحكم إلاّ بعد الجعل الموقوف على عدم مصلحة مانعة عنه والا فيلزم البخل لفرض تمامية الموضوع . ولا مانع من الجعل فلا معنى لعدمه وعلى هذا فاذا جعل الحكم ورتب على موضوعه ينتزع عنوان الموضوعية والحكم ويكون

الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار

ص: 277

التخلف مناقضة للزوم الخلف .

ثم انه اذا فرض فعلية الموضوع لكن كان هناك مانع من الجعل اما من باب قبح مطالبة العاجز أو شيء آخر كما في صدر الاسلام حيث اكتفى منهم بمجردقول لا إله إلاّ اللّه لا يجب حفظه كما لا يجب تحصيله وله التبديل الا انه اذا يدرىعدم تبديله ومن قصده ذلك ولا انه هناك مانع بل في ظرف رفع قبح المطالبة يكون واجدا لجميع ما يعتبر في فعلية توجه الخطاب إليه . يجب حفظ المقدمات المفوتة ويتوجه على هذا البيان لزوم الحفظ حتى فيما اذا يدري حصول الاستطاعة المالية بعد ذلك . لكنه لا يتمكن من ايجاد الواجب الا بمقدمة يحصّلها الآن كما ذكرنا في ما قدمنا من كلامه في لزوم أخذ الماء وجميع ما له دخل في حفظ نفسه من العطش في المسير إلى طريق كذائي فانه مع عدم فعلية العطش يأخذ الماء ويتهيّأ وليس ذلك الا من باب تمامية الملاك . بل اذا شربه في حال ريّه يكون مضرا .

والحاصل ان حفظ المقدمات غير لزوم تحصيل الموضوع فلا يجب تحصيل الاستطاعة عليه وله تركه أو تفويتها كصرفها في طريق الزيارة وكذلك بالنسبة إلى الغنم في الزكاة ولا يجب عليه صرف المال في تخلية السرب .

ولا ابقاء الطهارة بخلاف حفظ القدرة كما في الصلاة . وقد ذكرنا سابقا ان له طريقين: احدهما: تمامية الملاك لكن المانع من توجيه الخطاب هو قبح مطالبة العاجز فلا يوجّه إليه الخطاب بذي المقدمة لكن حيث انه في ظرفه متوقف على مقدمة لا يمكن حفظ ذي المقدمة في ظرفه الا باتيان هذه المقدمة في هذا الظرف فلا جرم اما ان يخاطب المولى عبده بحفظ ذي المقدمة من ناحية تحصيل هذه

ص: 278

المقدمة ويوجه إليه خطابا نفسيا لبه طريقي مقدمي من نفس ذاك الغرض الكذائي والملاك الحاصل في ذي المقدمة .

وأمّا أن يكون هناك حكم العقل الثابت الجازم بحفظ القدرة على ما يكون عليه ايجاده بعد ويطالبه منه المولى لعلمه ببقائه على شرايط التكليف الا ان المانعقبح المطالبة .والطريق الثاني قاعدة الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا وينافيه خطابا . فان العقل اذا يرى ان الانسان له غرض في مستقبل الزمان وملاكه من ناحية البلوغ والعقل والاستطاعة وغير ذلك من الشرايط حاصل تام وهو في غاية الاشتياق إلى اتيان ذلك الغرض . غاية الأمر لمانع لا يمكنه المطالبة الفعلية ويتوقف على مقدمات غير ممكن التحصيل في ذاك الحين بل لا قدرة عليها في حفظ الغرض والمطلوب الا في هذا الظرف . يحكم بلزوم تحصيل الغرض وايجاد المقدمات لبقاء القدرة وحفظها لحين الغرض ولو لم يفعل فقد عجز نفسه بسوء اختياره وللمولى عقابه لعدم تحصيل غرضه عند الوقت من ناحية تعجيز نفسه .

نعم ان رخص له المولى في ترك هذه المقدمة . فلا مجال لجريان هذه القاعدة . وانما تجري في ما لم يرخص المولى في ذلك والا فيكون التفويت مستندا إليه وكذلك لا يكون المكلف مجازا في التبديل واعدام الموضوع . وحاصل هذين الوجهين إلى استكشاف الخطاب المقدمي إمّا عقلاً أو شرعاً في الوجه الأول وإلى حكم العقل بلزوم حفظ الغرض وتحصيله في الوجه الثاني . ولا يخفى ما في هذين الوجهين فانه إنما يكون ظرف تطبيق الوجهين في مورد يكون المكلف مطالبا باتيان الموضوع ومتعلق التكليف على كل حال سواء كان قادرا أو

ص: 279

لا وأيّ طريق لنا في استكشاف ان الحجّ والوضوء من هذا القبيل فانّه إذا لم يكن قادراً لا يكون هناك تكليف ولا عقاب فاثبات الصغرى بهذه المقدمات من قبيل المصادرة على المطلوب .

تلخيص: لما سبق قد تبين وجه ايجاب المقدمات المفوتة على ما حققه المحقق النائيني قدس سره وبنى عليه وانه اما من باب تمامية الملاك واستكشاف الخطابالمقدمي الطريقي أو النفسي من حكم العقل أو بجعل المولى أو من باب قاعدةالامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار . وليس في هذه الموارد دخل ملاكي وإنما هو من باب قبح مطالبة العاجز كما فيما اذا تكون مصلحة انقاذ الغريق الذي هو ابن المولى تامة . لكنه هناك مانع من توجيه الخطاب نحو عبده لغفلته أو عدم قدرته على امتثال أمر المولى فلا يوجّهه إليه فعلاً . لكن لو فرض علم العبد بتمامية الملاك

عند مولاه وان غرضه تحصيل الأمر الكذائي وجميع ما له دخل في ذلك حاصل الا ان قبح مطالبة العاجز يمنعه من ذلك فعلاً ولهذا الغرض مقدمات لازمة التحصيل في هذا الظرف فيحكم العقل في مثل هذا المورد بلزوم تحصيل غرض المولى الذي لا يمكنه توجيه خطاب نحو عبده لعجزه .

وذلك لعدم كون القدرة دخيلة في الملاك ولا العلم بل القدرة موجبة لحسن الخطاب والعلم شرط للتنجز . وربما يكون للمطلوب مطلوبية بحيث يوجب جعل الاحتياط في ظرف الجهل مثلاً . لكنه ربما يوجب مصلحة تسهيلية منع ذلك . وقد أجبنا عن اشكال لزوم الكسر ولا انكسار في جهات الفعل حسنا وقبحا . وقلنا ان ذلك في ما لو كانت ذاتية يكون مرجعها إلى التزاحم في الاقتضاء والحكم على الغالب الا ان الأمر هنا ليس كذلك بل مصلحة التسهيل من الجهات العارضة .

لزوم حفظ القدرة قبل وقت الواجب

ص: 280

هذا كلامه قدس سره . لكن الاشكال في كشف ان القدرة كذلك . والملاك تام . فان مثال الحج انما الشرط فيه الاستطاعة الشرعية التي لا مساس لها بالقدرة العقلية والقسم الأول من القدرة الشرعية التي قسمها رحمه اللّه إلى ثلاثة أقسام:

أحدها يكون الشرط فيه عين الشرط في القدرة العقلية والثاني والثالث ما يكون للقدرة دخل في الملاك عند فعلية الموضوع أو في وقت معين خاص لا يتصور معنى له في الأحكام الشرعية ولا يمكننا المساعدة عليه .نعم مثال ان لم تجدوا ماءً يمكن استفادة ذلك منه الا انه أوّله بأن لم تتمكّنواولا وجه له . فان جواز التيمم عند عدم التمكن إنما هو لدليل آخر .

والحاصل انه لا يتم هذا المعنى الذي جعله وجها لايجاب المقدمات في هذه الموارد لعدم العلم ببقاء الشرايط إلى حين فعلية خطاب ذي المقدمة من الحياة والاستطاعة وأمثال ذلك من الشرايط . ولو احتملنا عدم البقاء فلا موجب لانطباق قاعدة تمامية الملاك لعدم الانكشاف . وحينئذٍ لا يحكم العقل بلزوم حفظ القدرة . فاما ان نلتزم بالواجب المعلق أو الشرط المتأخر أو نحوهما من الطرق الجارية في بعض هذه الموارد التي سلوكها احسن من الالتزام بتمامية الملاك واستكشاف جعل خطاب مقدمي مولوي أو ارشادي لحكم العقل(1) والا فلا موجب لايجاب المقدمات بعد عدم احراز حفظ الموضوع إلى حين توجه الخطاب(2) . والاجماع المدعى على عدم جواز تفويت الاستطاعة بعد حلول أشهر الحج إن لم يحتمل تجدّدها المالي إلى حين خروج آخر رفقة ان احتمل

وجه ايجاب المقدّمات قبل وجوب ذي المقدّمة

ص: 281


1- . اقول: يمكن اجراء الاستصحاب في ما يكون مذكورا في الدليل وقد استراح من التزم بالواجب المعلق وانفكاك البعث عن الانبعاث أو بالفعلية على تقدير
2- . خصوصا مع اشتراط الرجوع في الكفاية أو غيرها فانى له الاحراز كي يجب عليه .

استناده إلى هذه الوجوه المذكورة في المقام . فلا يمكن الاعتماد عليه ولا معنى لجريان استصحاب الامور الدخيلة في الموضوع كي يكون من اللازم حفظ القدرة .

وله قدس سره مسلك آخر في المقدمة العلمية وتعلم الأحكام سنتعرض له إن شاء اللّه . كما انه إن كان وجوب اتيان هذه المقدمات من باب عنوان المقدمية فلا معنىلحكم الشارع على ما سيجيء في باب مقدمة الواجب ( إن شاء اللّه ) بالوجوب بل إنما هو ارشادي محض لكنه متوقف على تمامية الموضوع .ثم ان في ذيل هذا المبحث تنبيهين:

أحدهما انهم قالوا في صوم شهر رمضان ببطلان الصوم والغسل الارتماسي فيما اذا فعل ذلك عمدا وكذلك صرح بعضهم بالبطلان في الاخراج أو المكث بأن يقصد الغسل ذاك الحين بناء على كون جميع هذه ارتماسا . وكذلك في صوم اليوم المعين كقضاء شهر رمضان بعد الظهر بالبطلان في المكث والارتماس بالغمس دون الاخراج . وفي الصورة الاولى جعلوا بعض الصور كالمكث اشكل من الاخرى . وهو الاخراج مع ان مقتضى قاعدة الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا لا خطابا الصحة في بعض صور البطلان كصورة الاخراج . اللهم إلاّ أن يكون نظرهم إلى وجوب الامساك بعد افطار الصائم أيضا إلى حصول الليل عن جميع المفطرات . فلذا يكون الغسل الارتماسي عمدا منه باطلاً حال الاخراج والمكث أيضا فتدبّر جيدا .

الثاني: انهم صرّحوا في بعض المقامات بجواز اعدام الموضوع وتبديله بموضوع آخر . لكن أوجبوا حفظ القدرة في مثل البحث على متعلق التكليف فجوّزوا أن يصير المسافر حاضرا أو الحاضر مسافرا وأمثال ذلك . ومقتضى هذا

جواز اعدام الموضوع وتبديله

ص: 282

التجويز ( أي تبديل الموضوع واعدامه ) جريانه في مسئلة الحج . فانه له الخروج عن الاستطاعة ولو في أشهر الحج مع انه قد صرّحوا بعدم الجواز مطلقا أو في أشهر الحج . ونظر بعضهم غير الاجماع إلى مسئلة التفويب للغرض أو لزوم حفظ القدرة . وعلى هذا فلا موجب لايجاب المقدمات بعد عدم لزوم حفظ الموضوع فلا يجب السير لدرك موقف عرفات مثلاً . وكيف يلتزمون بعدم لزوم حفظ الموضوع ومع ذلك يوجبون المقدمات المحتاج إليها في تحصيل الغرض والملاكفي وقته فتأمل .تعليق وتتميم: ذكرنا ان المحقق النائيني قدس سره قسم القدرة(1) المأخوذة في لسان الدليل على أقسام ثلاثة لكن ذلك مجرد فرض لا واقع له . اذ القدرة المفروضة موضوعا في الأحكام الشرعيّة مختلفة . ففي باب الحج لم يعتبر القدرة العقليّة بل المعتبر قسم خاص من القدرة وهي الاستطاعة المفسّرة في الأخبار بأمور: منها: التمكن المالي . والحاصل ان القدرة انما هي شرط عقلي لقبح مطالبة العاجز . والا فهي ليست ملاكا .

وجزء الملاك في الخطابات الشرعية . نعم في ما لها دخل كما في باب الحج قد فسرت وأخذت موضوعا .

بل: يمكن أن يقال ان القدرة العقليّة أيضا ليست بمعتبرة لرفع الأحكام الحرجيّة والضررية في الشريعة فهي غير مجعولة . نعم في بعض الموارد كمسئلة الدين المطالب ربما وردت الرواية(2) بصرف الزائد عن مؤنة اليوم في أداء الدين

ص: 283


1- . فوائد الاُصول 1/197 - 198 .
2- . لم نعثر على هذه الرواية في مظانّها كما اعترف في الحدائق 20/198 على عدم وقوفه عليها في الأخبار واستظهره من كلام المحدّث الكاشاني في المفاتيح .

وإلاّ فيقع في الحرج ان لاحظ ذلك في الامتناع ( وان أفتى المحقّق النائيني قدس سره على خلافها ولكنه اجتهاد في قبال النص ) .

وأمّا مسئلة اعدام الموضوع ولزوم الحفظ فليست على نهج واحد اذ

لاضابط له لاختلاف الموارد . ففي باب الصوم القضائي يفتون بلزوم ايجاد الموضوع والاقامة للتمكن من قضاء صومه المضيق قبل شهر رمضان بأيّام . وفيبعض الموارد ليس الأمر كذلك وله التبديل والاعدام كالسفر في شهر رمضان مثلاً .

وأمّا مسئلة الحج فالاجماع قائم على لزوم حفظ القدرة والمسير مقدمةويحتمل استناده إلى هذه الوجوه المذكورة سابقا .

نعم إن كان يحتمل احتمالاً عقلائيّا بتجدد التمكّن المالي له ولو عند خروج آخر الرفقة فيجوز له تفويت الاستطاعة الماليّة وكذلك حفظ الماء قبل الوقت لا دليل عليه بخلاف بعد دخول الوقت فانه على القاعدة كما ان الأغسال الليليّة قبل طلوع الفجر منصوصة(1) في خصوص الحائض والجنب . والحق بالحائض النفساء فلا حاجة إلى هذه التكلفات .

ثمّ ان ما ذكره المحقّق النائيني قدس سره في المقدمات المفوتة(2) من تمامية الملاك واستكشاف الحكم المتمم اما عقلاً أو بجعل المولى كما في بعض الموارد التي ذكرناها كمسئلة الحج والأغسال . حيث ان القدرة ليست دخيلة فيها وانها في كمال المطلوبية . لكن المكلف لا يقدر على الامتثال فالعقل يقبح خطابه فعلاً بالاتيان . فلو فرض محالاً قدرته على امتثال المطلوب وتحصيل الملاك قبل

ص: 284


1- . وسائل الشيعة ج10 الباب 21 - 16، ح1 - 2 من أبواب ما يمسك عنه الصائم .
2- . فوائد الاُصول 1/195 .

الوقت على حسب ما في الوقت لكان واجبا لكنه للوقت دخل في ذلك ولا توقف الا من هذه الجهة والا فالموضوع فعلى وانما هي في خصوص ما تمت أركان الموضوع والتوقف انما هو على الوقت فيكون للعقل أو للمولى حكم طريقي مقدمي أو نفسي لحفظ هذه المقدمات على ما مرّ بيانه .

أمّا المقدّمات العلميّة فلها ملاك آخر لوجوبها .

تفصيل ذلك ان العلم لا مدخليّة له في الموضوع الا من باب التنجز للأحكامالمجعولة والتمكن(1) من امتثالها فلو فرض قدرته على الامتثال بنحو آخر بلاتكلف تعلم فلا يجب عليه . فوجوبه انما هو على ما سنبين طريقي محض لوجوب امتثال أوامر المولى اما بالاجتهاد أو بالتقليد ان لم يتمكن من الاحتياط . بل في الاحتياط أيضا يجب عليه تعلم طرقه كي تسلم أفعاله من النقص لحصول امتثال خطابات المولى . وهي اما في المسائل التي يعلم بابتلائه بها أو بعموم ابتلائه بها أو

يحتمل الابتلاء وبعضهم أو جماعة منهم أوجب تعلم مسائل الشك والسهو للصلاة وإن كان قاطعا بعدم ابتلائه بها بل حكم بعضهم بفسق من ترك التعلم للمسائل المبتلى بها نوعا في الشكوك .

والحاصل ان وجوب التعلم ليس من باب المقدمة المفوّتة . بل إنّما هو لاحتمال البيان وتوجه خطاب المولى فعلاً إلى المكلف لعدم كون الشكّ بما هو عذرا ما لم تجر قاعدة قبح العقاب بلا بيان أو لم يجيء الترخيص من المولى وعليه اذا يحتمل وجود أحكام وخطابات فعليّة متوجهة إليه ولا ترخيص في ترك الفحص فبحكم العقل الجاري في لزوم دفع الضرر المحتمل الاخروي العقابي

وجوب المقدّمة العلميّة

ص: 285


1- . فوائد الاُصول 1/195 - 204 وبعده .

يجب عليه الفحص عنها لاحتمال تمامية البيان من قبل المولى وتوجه الخطاب والتكليف اليه ومع تركه لا يكون العقاب بلا بيان . وهذا بخلاف باب المقدمات المفوتة فان وجوب تحصيلها انما هو لتمامية الملاك .

وقد استشكلنا في ذلك . وقلنا بورود الروايات في بعض الموارد وفي بعضها لا دليل عليه الا الوجوه الاعتبارية المذكورة في محالّها كلزوم حفظ القدرة على القيام أو الركوع الاختياري فيما إذا لا يقدر على اتيان تمام ما له دخل في الصلاة وله القدرة على بعضها كالقيام في أول ركعة أو الركوع في آخر ركعةوأمثالها فيقولون بلزوم حفظ القدرة للمؤخر الاهم . كما انه يقال المقدم مقدم قبال لزوم تقديم الأهم مع ان عند القدرة يصرف قدرته على ما يقدر عليه . وعند العجز تتبدل الوظيفة .

وبالجملة يفترق الوجوب في باب المقدمات المفوتة عن باب التعلم بوجهين: أحدهما: ان في باب المقدّمات لا يكفي احتمال تماميّة الملاك بل اللازم احرازها كي يجب حفظ القدرة بخلافه في التعلم فاحتمال البيان كافٍ في حكم العقل بلزوم الفحص والتعلم .

الثاني: ان الوجوب هناك يحتمل أن يكون نفسيا . والمجعول من قبل المولى خطابان: خطاب على هذه المقدمة المفوتة . وخطاب على أصل ذي المقدمة بخلاف باب التعلم فانه ليس الا حكم واحد بمناط واحد في المحتمل والمقطوع لان مناط حكم العقل في ما يقطع بالعقاب الاخروي أو يحتمل متّحد . وليس له خطاب نفسي وآخر طريقي بخلاف باب المقدمة . فان خطابها إنما هو مقدمي متمم لخطاب ذي المقدمة وملاكه إنّما هو من قبله حفظا له . فهناك للعقل

في الخطاب المتمّم المقدّمي

ص: 286

حكمان . وهنا له حكم واحد كما ان في باب الضرر ان كان للعقل حكم طريقي وحكم العقل نفسي لا أثر للوضوء أو العمل الذي أتى به بخيال الضرر المنكشف عدمه بخلافه على تقدير وحدة مناط حكمه في مقطوعه ومحتمله فتدبر جيدا .

وفي باب التشريع له حكم واحد بمناط واحد في ما يقطع بعدم كونه من قبل المولى أو يحتمل فاسناده إليه تشريع محرم ( كما انه في ما إذا قام الطريق في ماله حكمان فخالفه وانكشف الخلاف يكون قد تجرى وفعل الحرام ان قلنا بحرمة التجري ) .توضيح: قد ذكرنا ان مبنى المحقّق النائيني قدس سره (1) في باب وجوب التعلمغير ما بنى عليه وجوب المقدمات المفوتة التي كان ملاك وجوبها عنده تمامية الملاك بحكم العقل أو استكشاف خطاب مولوي على ما تقدم . وكان المخالفة هناك والعقاب إنّما هو لترك الواقع الذي قد يحصل من ناحية ترك المقدمات المفوّتة ومن حين ترك هذه المقدمات يكون قد عصى وخطابها خطاب نفسي ملاكه حفظ القدرة على متعلق التكليف في ظرفه على ما مر .

وهذا بخلاف وجوب التعلم . فان وجوب تعلم الأحكام إنّما هو من باب احتمال العقاب الاخروي لعدم كون الشك بما هو عذرا ما لم يرخص المولى ولذا لا يكون الجاهل المقصر معذورا في المخالفة وترك الواقع .

ووجوب التعليم في حق الغافل من باب ارشاد الجاهل وفي حق المقصر من باب النهي عن المنكر والأمر بالمعروف .

والحاصل: حيث ان قبح العقاب بلا بيان موضوعه عدم البيان . فاذا احتمل

ص: 287


1- . فوائد الاُصول 1/204 وما بعده .

البيان من الشارع فلا مجرى له ولو لم يكن له العلم . ولم يحصل لكون العلم شرطا للتنجز .

الا انه لا رخصة له في ترك الواقع ما لم يرخصه المولى لحكم العقل بلزوم دفع الضرر المحتمل الاخروي . فالوجوب في المقام طريقي محض لدفع الوقوع في مخاطرة مخالفة الأحكام الواقعيّة التي يحتمل فعليتها في حقّه . فانه على تقدير مصادفة ترك التعلم للوقوع في ترك الواقع فقد عصى وعلى تقدير عدم المخالفة عصيانه مبنى على قبح التجري عقلاً أو شرعا .

فالفرق بين المقدمات المفوتة ووجوب التعلم من جهتين:احديهما: من ناحية كون الخطاب في المقدمات المفوتة نفسي من ناحية الملاك التامّ في التكاليف المشروط امتثالها عقلاً بالقدرة باتيان هذه المقدمات والعصيان يتحقق قبل فعليّة ذي المقدمة بترك المقدمة . بخلاف التعلم في ما نحن فيه فان قدرته باقية للتمكن حين العمل من الاحتياط .

اللهم إلاّ أن يفرض موضوع الكلام أعم من أحكام نفس الاحتياط وطرقه فحينئذٍ لا قدرة له فيها أيضا .

الثانية: كون لزوم الاحراز في المقدمات كما ذكرنا سابقا بخلافه في المقام فالوجوب طريقي محض ومناط حكم العقل في المحتمل والمقطوع واحد .

هذا محصل كلامه . لكنه لا يخفى عليك ان العصيان في المقدمات لا معنى له بكونه من حين ترك المقدمة . كما ان الفرق بينهما من ناحية جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان واحتمال العقاب الاخروي في الشبهة الحكمية قبل الفحص دون الموضوعيّة في التحريميّة في التعلم دون المقدمة المفوتة لا يتم . لان المناط إنّما هو حفظ

ص: 288

الواقع ولذا لا يكون الترك فيما اذا لم يصادف مخالفة الواقع الا تجريا محضا .

ثم ان حاصل الكلام في وجوب التعلم انّه قيل بكونه نفسيا ومقتضى هذا الكلام ان العقاب على ترك نفس التعلم فهناك عقابان على ترك تكليفين: احدهما: نفس الأحكام والتكاليف والاخر التعلم ومستند هذا القول اخبار(1) هلا تعلمت . بل قال بعضهم في تعلم أحكام السهو والشك المبتلى به نوع الناس في كلّ يوم بالوجوب حتى فيما اذا لم يبتل ولا يبتلى بها ونسب ذلك إلى الشيخ وانه يكونبتركه فاسقا كما ان له سابقا ولاحقا على هذه الفتوى . ولعل مستند الحكم اخبارهلا تعلمت التي استفادوا منها الوجوب النفسي . ومقتضى هذا القول وجوب التعلم قبل الاحكام أو خصوص أحكام الامور التي يكون موردا لابتلائه غالبا . وإلاّ فالاقتصار على مسائل شك الصلاة لا معنى له . ولا وجه لهذا القول بعد ما ذكرنا من عدم كون التعلم الا مقدمة للقدرة على امتثال التكليف . وان العقاب ليس الا على ترك الواقع . وانما ترك التعلم فيما يحتمل أو يقطع بابتلائه ببعض الموارد التي يقع في مخالفة الواقع فيها ولم يقع يكون تجريا محضا . وما صدر من أفاضل الفقه وأساتيذ الفن في وجوب التعلم نفسيا مطلقا أو في خصوص بعض الموارد انما هو استناد إلى هذه الأخبار والا فشأنهم أجل من القول والفتوى بغير العلم .

لكن الخدشة في دلالة هذه الأخبار . بل من نفس خبر هلا تعلمت يستفاد كون التوبيخ على ترك الواقع بسبب ترك التعلم لا على تركه نفسا .

الواجب المطلق والمشروط:

هذه تمام الكلام في البحث عن المقدمات المفوتة ولنرجع إلى أصل البحث

في وجوب التعلّم وانّه نفسي أو لا ؟

ص: 289


1- . بحار الأنوار 2/10 الباب 9 من كتاب العلم .

عن الواجب المشروط والمطلق .

فنقول: قيل ان كل شرط يكون للهيئة أي الحكم يرجع إلى الموضوع فالحج الذي يكون وجوبه مشروطا بالاستطاعة مطلوب من البالغ العاقل المستطيع بخلاف شرط الموضوع فلا يكون شرطا للحكم فجميع قيود الحكم راجعة إلى الموضوع والتضييق في دائرة الحكم يوجبه في دائرة الموضوع دون العكس . ومن هنا قيل في صورة الشك بين رجوعه إلى المادة أو الهيئة برجوعه إلى المادة أي الموضوع لكونه أقل تقييدا من الهيئة لكون تقييد الهيئة يوجب تقييد المادة فيكون التقييد الوارد عليها منحلاً في الواقع إلى تقييدين بخلاف المادة فانه تقييد واحد .وقد أورد المحقّق الخراساني في كفايته(1) على الشيخ هذا المعنى وللمحقّق النائيني قدس سره كلام في توجيه مراد الشيخ لا يخلو من دقة سنتعرض له إن شاء اللّه تعالى فانتظر .

توجيه رجوع القيد إلى المادة .

ذكر الشيخ قدس سره وجهين لرجوع القيد إلى المادة لا إلى الهيئة كان يكون الواجب مشروطا . أحدهما اعتباري عقلي وهو ملاحظة كلّ عاقل حكيم قيود مطلوبه وحدوده فانه إمّا أن يكون مطلقا أو مقيّدا ولا معنى للاهمال فيما فرضناه .

والحاصل ان القيود ترجع إلى المطلوب وهو المادة . الثاني عدم معقوليّة تقييد الخطاب بقوله اكرم فانه اما موجود أو معدوم ولا معنى لتقييده بالوجود عند حصول الشرط .

امكان رجوع القيد إلى الهيئة

ص: 290


1- . كفاية الاُصول 1/153 - 154 - 156 .

وأنكر عليه المحقّق الخراساني بما ذكرناه هناك فيما(1) يرجع إلى المعاني الحرفيّة وقابليتها للتقييد واللحاظ . وان وجه المحقّق النائيني(2) كلام الشيخ لكنه لا يقبل التوجيه لظهور كلامه فيما فهمه منه المحقّق الخراساني وجماعة .

وكيف كان فاذا علم من الدليل كون القيد راجعا إلى ما به يكون الوجوب مشروطا سواء قلنا بامكان رجوعه إلى الهيئة كما هو مذهب المحقّق الخراساني أو لم نقل بل يرجع إلى المادة . أو على ما ذكره المحقّق النائيني من أوّل الأمر إلىالمادّة المنتسبة . فهو كما إذا علمنا برجوعه إلى المادة أي الواجب . فعلى الأوّل يكون الوجوب مشروطا وعلى الثاني الواجب . وأمّا إذا شككنا فلم ندر برجوعهإلى الهيئة أو المادة وبعبارة اخرى لم ندر انه شرط الوجوب أو الواجب فان كان في الكلام قيدا متّصلاً فلا يمكن انعقاد الظهور في الاطلاق لكلّ منهما . واما إذا كان منفصلاً فقيل بالرجوع إلى المادة بدعوى أولويّة التقييد الواحد من التقييدين لأنّ رجوعه إلى الهيئة مستتبع لتضييق دائرة المادة والموضوع فلا يمكن اطلاق للمادة مع تقييد الهيئة بخلافه على تقدير الرجوع إلى المادة . فان اطلاق الهيئة بعد

بحاله ورددناه بأ نّه لا معنى له بل يستحيل لعدم امكان رجوع قيد الهيئة إلى المادة .

وبعين امتناع تقييد المادة بقيد الهيئة يمتنع الاطلاق أيضا لكون التقابل بينهما من العدم والملكة بل يرجع الأمر إلى طلب مادة حاصلة بعد الاستطاعة التي مثلاً هي قيد الوجوب على ما تقدّم من البيان .

وللشيخ قدس سره هنا ترجيح الرجوع إلى المادّة بحيث يكون المطلوب واجبا مطلقا وهذا القيد شرطه بوجهين:

ص: 291


1- . كفاية الاُصول 1/154 .
2- . فوائد الاُصول 1/180 - 181 .

أحدهما: تقديم الاطلاق الشمولي على الاطلاق البدلي والهيئة مطلقة والوجوب على كلّ تقدير بعد فرض الموضوع ووجوده سواء كان هذا القيد معه أم لا . فللهيئة اطلاق في حال وجود القيد وعدمه . كما انه كذلك بالنسبة للقيود الاخر . وأمّا المادة فليس الا ان صرف الوجود منها مطلوب وبما ان الاطلاق الشمولي مقدم على البدلي فلا محالة يرجع القيد إلى الموضوع أي المادة ويكون اطلاق الهيئة على حاله .

والثاني: هو انه وإن لم نقل بأنّ التقييد الواحد أولى من التقييدين لعدم صحّته كما ذكرنا . لكنه حيث ان تقييد الهيئة نتيجته عدم قابليّة المادّة بعده للاطلاق

فلا جرم الأصل عدمه وبقاء المادة على قابليته للاطلاق إذ كما ان تقييد المادةمخالف الأصل كذلك ما ينتج نتيجة التقييد الذي يوجب تضيقا في ناحية المادةوإن لم يكن من التقييد في قبال الاطلاق . هذا .

لكنه لا يتم هذا البيان . لأن الوجه الأوّل الذي ذكره بعد تسليم أصل المبني بالبيان الذي أفاده المحقّق النائيني قدس سره في محله مختص بباب التعارض واين هذا ممّا نحن فيه من مسئلة العلم الاجمالي بورود قيد اما على الهيئة أو المادة، نعم هناك يمكن ترجيح جانب الاطلاق الشمولي كما في لا تكرم الفاسق لرجوعه إلى حرمة اكرام كل فاسق وأكرم عالما الذي وجوبه للعالم بدلي سواء كان فاسقا أم لا فحينئذٍ يوجب الاطلاق في الشمولي عدم محل للبدلي لحكومته عليه وان استشكل فيه أيضا بكون الشمولي وإن كان من حيث الافراد كذلك لكنه لا يزيد على العام الاستغراقي مع انه انما يكون الاستغراق في الأفراد (اما) باعتبار المصب وهو خصوصيات الاكرام وكذا حالات العلماء إنّما يكون بالاطلاق كما

ص: 292

في اكرم عالما فلا موجب لتقديم أحدهما على الآخر فراجع ما ذكرناه في باب التعارض كما يرد على الوجه الثاني عدم تماميته .

ومحصّل الكلام في المقام . هو انه في صورة الدوران فيما إذا يكون القيد من القيود التي يمكن أن يكون قيدا للوجوب أو الواجب تظهر الثمرة في موضعين: في وجوب تحصيل القيد بعد فعلية الموضوع فيما لا يرجع إلى وجود القيد .

والثاني فعليّة الوجوب .

أمّا الأوّل فمجرى البرائة حيث انه يشك في لزوم تحصيله كالثاني . وأمّا ما يقال من جريان أصل عدم لحاظ الخصوصيّة في جعل الخطاب على الموضوع فيكون مطلقاً فمبنى على جريان الأصل في العدم الازلي . وحيث لا موضوع لهفلا معنى لذلك لعدم اليقين السابق فلا نعلم انه أوجده على هذا الترتيب أو انّهلاحظ القيد للوجوب .

نعم فيما يكون من دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الارتباطي يمكن الجريان بالبيان الذي افدناه في اللباس المشكوك .

وللمحقّق الخراساني في ما ذكره الشيخ أيضا اشكال(1) في أصل رجوع القيد إلى المادّة في موضوع الوجوب المطلق والمشروط كما هو الحق . وان الوجوب يكون مشروطا لامكان لحاظ المعنى الحرفي وهو عبارة عن الطلب فيكون مقيدا كما انه لا مانع من كونه مطلقا وذكر سيّدنا الاستاذ قدس سره موردا لبعض الأبحاث فيما اذا يكون لبيا كان يكون مورد كلام الشيخ لكنه قدس سره غفل عنه ولم يبيّنه .

تكميل: قد ذكرنا ان الشيخ قدس سره ذهب إلى امتناع رجوع القيد في الواجب

ثمرة النزاع

ص: 293


1- . كفاية الأصول 1/153 وما بعده .

المشروط إلى الهيئة لعدم معقوليّة تقييد الخطاب الشخصي بالقيد ولوجه آخر تقدم ورده المحقّق الخراساني رحمه الله(1) بعدم امتناع ذلك . لأنّ الهيئة من المعاني التي تتصور وهي قابلة لان تقيد لأنّها معانٍ كلية . فحينئذٍ لا مانع من تقييد المعنى الحرفي في الهيئة بالشرط على ما سبق .

وذهب الشيخ قدس سره في المقام إلى رجحان رجوع القيد إلى المادة نظرا إلى الوجهين الذين تقدما وسبق ما يرد عليهما من الاشكال .

وذهب المحقّق النائيني قدس سره (2) في المقام إلى موافقة الشيخ وصاحبالحاشية في ما ذهبا إليه في خصوص بعض النتيجة المترتّبة على رجوع القيد إلى المادة . وهو عدم اتّصاف الواجب بالوجوب فيما إذا حصل قبل القيد كالاستطاعةالتي هي قيد للوجوب مثلاً فانه لا معنى لرجوع قيد الهيئة كالاستطاعة إلى المادة فتكون شرطا للواجب فيجب تحصيلها . بل إذا كان قيدا للهيئة فالحج قبل الاستطاعة لا يكون امتثالاً للواجب من الحج الذي بعد الاستطاعة . وبعبارة اخرى تقييد الهيئة موجب لتضيق دائرة الموضوع لا انه يوجب كون قيد الهيئة قيدا للمادة . وحيث ان المحقّق الخراساني لا بأس عنده بتقييد الهيئة التي معناها الطلب . لكن(3) الانشائي منه كالارادة على ما حقّقه في بحث اتّحاد الطلب الارادة من اتحادهما مفهوما وخارجا وانشاءً فانشاء الطلب انشاء الارادة . وما ينشأ إنّما هو الطلب الانشائي . فلا يكون ارادة حقيقيّة بل انشائيّة كما في الارادة

بالنسبة إلى الطلب . فالارادة الحقيقيّة لا يمكن أن تكون طلبا انشائيّا بل حقيقيّا .

ص: 294


1- . كفاية الاُصول 1/153 وما بعده .
2- . فوائد الاُصول 1/217 .
3- . كفاية الاُصول: 1/169 .

فعند الدوران اذا لم يتبيّن الأمر والحال ولم يصح الوجهان اللذان استند إلى كلّ منهما الشيخ في ارجاع القيد إلى المادة . يرجع إلى مقتضى الاصول والقواعد لدوران الأمر بين تقييد المادة أو الهيئة . فيشكّ في وجوب تحصيل القيد للشكّ في رجوعه إلى المادة . كما انه يشك في وجوب الواجب للشكّ في تقيده بهذا القيد ( أي وجوبه ) . فلا مانع من جريان أصل البرائة في كلا الطرفين بعد تعارض الاطلاقين الشمولي والبدلي في الناحيتين . المادة والهيئة لعدم رجحان تقييد المادة عنده دون الهيئة . لكون الشمولي وهو الهيئة انما هو بالاطلاق كالبدلي دون الوضع . بخلاف ما إذا كان البدلي بالوضع فيقدم على الشمولي الذي هو بالاطلاق . فالبرائة تجري في ناحية وجوب تحصيل القيد للشكّ في كونه قيدا للواجب كماانه تجري في ناحية الواجب للشكّ في وجوبه دون حصول هذا القيد . هذا .والمحقّق النائيني قدس سره (1) بنى في هذا المقام بعد بنائه على عدم امكان تقيد المعنى الحرفي والموافقة لمن تقدم . على جريان البرائة عن اللحاظ الزائد ثبوتا وكذلك اثباتا في ناحية الانتساب إلى المادة لقيد الواجب حيث تقدم سابقا ان الواجب المشروط عنده يرجع قيد الوجوب إلى المادة بعد انتسابه إلى معنى الهيئة فالاكرام الواجب مقيد عنده بمجيء زيد كما سبق . ولا فرق عنده بين القيد المتصل والمنفصل وان نقل عنه سيّدنا الأستاذ قدس سره تخطئة المحقّق الخراساني في نسبة الوجهين اللذين ذكرهما الشيخ لرجحان تقييد المادة إلى القيد المتصل وظنه ( أي سيّدنا الأستاذ ) ان المحقّق الخراساني لم ينسب إلى القيد المتّصل أو المنفصل بل اطلق حيث انه لا معنى لذلك في المتصل . لعدم انعقاد الظهور الا انه نقل عن شيخه

جريان البرائة عند الشكّ

ص: 295


1- . فوائد الاُصول: 1/217 - 218 .

الاستاذ بالشك في رجوع القيد إلى الهيئة أي المادة بعد الانتساب . فأصل رجوعه إلى المادة متيقن . الا انه لا ندري بعد الانتساب أو قبله . ولحاظ الانتساب إلى المادة محتاج إلى مؤنة زائدة ثبوتا واثباتا فتجري البرائة . ويكون القيد نتيجة للمادة بلا لحاظ الانتساب وبالنتيجة ينتج نتيجة تقيد المادة . فاذا كانت محتاجة إلى مؤنة زائدة ثبوتا أو اثباتا . فالأصل يجري في نفي ذلك ويكون القيد راجعا إلى المادة . والهيئة تكون مطلقة . لكنه لا يخفى ان ذلك فيما لا يكون هناك ظهور في رجوع القيد إلى المادة أو الهيئة كما في ملابسات الفعل فانه تكون من قيود المادة .

نعم في الحال يمكن أن يكون قيدا للمادة أو للهيئة . إذ القضية الشرطية عندهمن قبيل رجوع القيد إلى الهيئة . واذا كان القيد لبيا والشكّ في رجوعه إلى أيمنهما فهناك أيضا كما في التقريرات بنى على رجوعه إلى المادة فتدبر في أطراف كلامه فان فيه نظرا كما نظر صاحب التقريرات(1) .

تبيين: قد عرفت ان المحقّق النائيني قدس سره تسلّم تضيق دائرة الموضوع اذا كانت الهيئة مقيدة لكن لا بمعنى رجوع القيد إلى المادة أيضا كما نسب إلى صاحب الحاشية . بل بمعنى عدم حصول الواجب الا بعد القيد . وفي هذا الفرق بين رجوع القيد إلى الهيئة أو المادة . بل لعل مراد صاحب الحاشية من رجوع القيد إلى المادة أيضا ذلك لا ان كل قيد للهيئة يكون قيدا للمادة فشرط الوجوب يصير شرطا للواجب كي يجب تحصيله . فان هذا لا يصدر من مثله وحيث ان مبناه ان المعاني الحرفية لا مفهوم لها فلا معنى لتقيدها كما لا معنى لاطلاقها لا انه ينظر في ذلك إلى

ص: 296


1- . فوائد الاُصول 1/219 وما بعده .

ما عن الشيخ قدس سره من كون المعاني الحرفية جزئيات ليست قابلة للقييد بل حيث ان ذلك مستلزم للحاظها وتصورها فالقيد لا يكون راجعا إلى الهيئة . بل المولى الآمر إنّما ينشأ النسبة الايقاعية الطلبية بين الفعل والفاعل ويجعل العبد مصليا تشريعا مثلاً فيحكم العقل بلزوم مطابقة تكوين العبد لتشريع المولى . وعلى هذا فاذا شككنا في رجوع القيد إلى المادة كي يكون شرطا للواجب فيجب تحصيله أو إلى الهيئة كي لا يكون واجب التحصيل بل قبله ليس الواجب واجبا . فحينئذٍ تارة يكون مثل القيود الاختياريّة التي هي قابلة للتقيد بها كل من المادة والهيئة . واخرى يكون مختصا باحدهما . ومحل الكلام انما هو في القسم الأول(1) . وهوأيضا تارة يكون للكلام ظهور في رجوع القيد إلى المادة أو الهيئة كما في مثل صلّمتطهّرا فانه يكون كالقيود المستفادة من الخارج كقوله لا صلاة الا بطهور أو إلى القبلة وأمثالهما فهو وإلاّ فمعناه رجوع القيد إلى المادة نتيجة . حيث ان النزاع وثمرته انّما هو قبل حصول هذا القيد . لانه بعده سواء كان شرطا للوجوب أو الواجب فيجب المكلف به عنده .

انما الكلام وثمرة النزاع إنّما بالنظر إلى قبل حصوله . وحيث ان في لحاظ هذا القيد بالنسبة إلى الهيئة يحتاج إلى مؤنة زائدة ثبوتاً واثباتا فيتمسك باطلاق الهيئة وعدم تقيدها بهذا القيد للشكّ في تقيدها به . فالتمسك بالاطلاق إنّما هو بالنسبة إلى هذا لعدم كون المقام من قبيل الاستثناء المتعقب بجمل متعددة أو تخصيص العام بالمجمل المفهومي مما لا يكون هناك قدر متيقن في البين . وهذا بخلاف ما نحن فيه . حيث ان في لحاظ تقيد الهيئة بهذا القيد الذي يكون مرجعه

كيفيّة ثمرة النزاع

ص: 297


1- . فوائد الاُصول 1/213 وما بعده .

إلى انتساب المادة على نحو ما تقدم في الواجب المشروط ثبوتا يحتاج إلى مؤنة زائدة وكذلك اثباتا يحتاج إلى تقييد ذلك به . وحيث ما بان وما صرح به فتجري مقدمات الحكمة الموجبة لانعقاد الاطلاق لدفع الشك لا ان المقام يصير من قبيل الأقل والأكثر فيجري الأصل بالنسبة إلى الأكثر فانه لا يقول بذلك . وما يوهمه ظاهر بعض تقارير كلامه ليس في محله . وحيث ان بعد حصول هذا القيد لا مجال للنزاع . فانه على كل تقدير يجب الواجب . فمحطّ النزاع وما يكون مثمرا فيه انما هو المورد الذي ذكرناه هذا .

ولكن بما ان مبنى سيدنا الاستاذ قدس سره امكان رجوع القيد إلى الهيئة ففي صورة الشك لا مجال لمثل هذا الكلام بل يجري الأصلان فيما اذا انعقد الاطلاق ولا ينعقد الظهور في المتصل . وبعد ذلك جريان البرائة على نحو ما مر في عدموجوب تحصيل هذا القيد فتدبر . فانه لا يخلو عن اشكال المعارضة .هذا تمام الكلام في تتمّة بحث الواجب المشروط والمعلق .

الكلام في الواجب النفسي والغيري: ومن أقسام الواجب، الواجب النفسي والغيري وحيث ان المحقق الخراساني يرى ملاكات الأحكام قابلة التحصيل وانها مقدورة ولو بالواسطة فقد وقع في حيص بيص وفتح على نفسه باب الاشكال في تصوير الواجب النفسي والغيري . فجعل النفسي(1) ما يكون معنونا بعنوان حسن مضافا إلى كونه محصلاً للملاكات بخلاف الواجب الغيري . فانه ممحّض في انه انما يؤتى به للتوصل إلى واجب آخر وليس كذلك الواجب النفسي فان له جهتين وحينئذٍ فيرد عليه الاشكال في كون جل الواجبات حتى

توضيح في الواجب النفسي والغيري

ص: 298


1- . كفاية الاُصول 1/171 .

المعرفة باللّه تعالى واجبا غيريّا لعدم خلوّها من ملاك والا لارتفع الفرق بين القيام للصلاة والركوع فيها وما يفعله البناء لصنع البناء ( بل ليس من واجب والاوله مقدمية لحصول شيء آخر وبالاخرة مآل الجميع إلى حبّ النفس ودفع الضرر المحتمل ) . وهذا العنوان الحسن من أين جاء به كي يكون ما يزاً بين الوجوب النفسي والغيري . بل ربما ينطبق عنوان على المقدمة ويوجب على ضابطه كونها واجبا نفسيا .

واستشكل هذا المبنى المحقّق النائيني(1) وبين ذلك مرارا من عدم كون الملاكات ممّا يوجه إلى تحصيلها الخطاب . والا لاشكل جريان البرائة لرجوع الشكّ في ذلك إلى الشكّ في المحصل حيث لا يعلم بحصول الملاك الذي يكونالمكلف مأمورا بتحصيله بالاقل أم لا . فبحكم العقل مجبور باتيانه .توضيح: حقيقة مرام المحقق الخراساني انه وان كان المطلوب في الواجب النفسي هو ما يترتب عليه من الفوائد والآثار المسبّبة عن هذه التكاليف ولو بواسطة هذه الأعمال لكنّه حيث ان الفعل له عنوان حسن يستقل العقل بمدح فاعله ويذم تاركه . فوجوبه النفسي من هذه الجهة بخلاف الواجب الغيري . فانه انما تمحض للمقدمية وكونه يتوصل به إلى واجب آخر .

وللمحقق النائيني(2) اشكالان: أحدهما: على أصل مبنى المحقّق الخراساني في جعل الملاكات(3) والفوائد مما تتسبب عن التكاليف أي كونها مقدورة للمكلّف متسببة عن فعله بلا توسط ارادة فاعل مختار . وثانيهما: توجه

ص: 299


1- . فوائد الاُصول 1/72 - 219 .
2- . فوائد الاُصول 1/67 - 70 - 219 .
3- . كفاية الاُصول 1/171 .

المكلف لأجلها وكانها مورد للتكاليف .

توضيح الاشكال الأوّل على وجه يتضح الثاني ان المسبب التوليدي هو ما يترتب على فعل الفاعل بلا توسط ارادة فاعل مختار . فان ما يكون كذلك هو المسبب الذي يتولد من فعل الفاعل ويترتب عليه ويكون نتيجة لعمله بحيث تكون نسبة الفعل اليه نسبة العلة إلى المعلول فاذا توسط بين فعل الفاعل وذاك الأمر ارادة اختياريّة فيخرج عن انطباق هذا الضابط عليه ولا يكون من ذلك . فارسال الماء لتخريب دار الغير يكون سببا مولدا لخرابها . فالخراب مسبّب توليدي لفعله وهذا بخلاف النتائج المترتبة على اعمال المكلف من الثواب والجزاء حيث ان غرس الشجر في الجنة ليس ممّا يترتب على فعله بلا واسطة ارادة الملائكة الذينهم مختارون في أفعالهم وليسوا بعاصين . لكن ذلك لا يسلب اختيارهم فلذا لامعنى لجعل باب الملاكات والنتائج المترتبة عليها من ذلك الباب .

نعم ذلك من المعدات ولا وجه لعدّه من المسببات .

الا ان المحقق الخراساني أشار إلى جواب هذا الاشكال في كفايته(1) كما أشرنا إليه بجعل الملاكات والمصالح النفس الأمرية المترتبة على أفعال المكلفين التي هي تحت الأمر مثلاً مقدورة بالواسطة كما في الصلاة الاستيجاري أو صنع البناء فان الذي بيد معطى المال والموجر هو ذلك ويتسبب عنه ولو باختيار الفاعل المصلى والبناء صنع العمارة وايجاد الصلاة فبهذا المقدار يكون مقدورا للمكلف ولا مانع لهذه الجهة من توجه التكليف إليه لعدم معقولية كونه مباشرة وحيث لغى هذا القيد فالاستحالة في مطلوبيتها بهذا النحو وكونها تحت الخطاب وذلك بناء

ص: 300


1- . كفاية الاُصول 1/171 .

على مذهب العدلية القائلين بالحسن والقبح العقليين المعتقدين بكون الأفعال والتكاليف لا يمكن الا عن مصالح ومفاسد في نفس الأمر ولب الواقع لا بالجزاف ولا في نفس الأمر بلا وجود المصلحة في المأمور به فانهم بمعزل عن هذا المذهب ولا ينافي عدم انتساب هذه الأفعال التي تصدر عن غير الفاعل صحة خطابه بها ومطلوبيتها منه بل كذلك الدعاء فانه اذا يمكنه تحصيل أمر ولو بالدعاء ويرى انه يستجاب له فذلك الأمر يكون مقدورا له ولو بهذا المقدار فيمكن الجواب عن الاشكال بهذا الا ان هنا جوابا أحسن سلوكا منه حيث ان الثواب ولو لم نقل بكونه عن استحقاق العبد لمكان كون قدرته ووجوده وجميع ما يتعلق به نعمة من ربه تبارك وتعالى ولا معنى لاستحقاق الجزاء على عمله إلاّ ان قاعدة العدلية بطلانالجزاف في حق الحكيم تعالى فلابدّ أن يكون اثابة هذا الشخص دون ذلك وكذلكالعقاب لأمر حاصل من نفس اتيانه بما أمر المولى أو تركه ما نهى عنه وذلك الأمر يكون مسببا لفعل المكلّف وان لم نعرفه وفي مثل الصلاة لا مانع من كونه عنوانا ثانويا وذلك الأمر يترتب على مثل الصلاة وغيرها من الأفعال ويوجب الاستعداد لتفضّله تعالى عليه بالنعيم ولا مانع من كونه مطلوبا نفسيّا وتكون هذه العناوين التي يتعلّق بها الأمر عناوين ثانويّة لذلك المطلوب وكونها نفسيات .

ثمّ انه ربما يحتاج في تحقّقه إلى حصول أمر غيره اما لوجوده بحيث لو لم يوجد لما يتحقق ذلك المطلوب كما في وضع السلم لوجودا لكون على السطح أو في شروطه أو شروط شروطه وحينئذٍ يكون على قسمين . فتارة يعرفه العقل فان توجه أمر من المولى في هذا المورد اليه يكون ارشاديا محضا . وأخرى لا يتطرق إليه العقل بل الشارع يتعبد المكلف به ويبين له تحصل ذلك الاثر ولا يلزم من ذلك

ص: 301

الرجوع إلى أدلة الاحتياط حيث ان الاحتياج إلى البرائة إنّما هو في الشبهات الموضوعيّة وإلا ففي الشبهات الحكميّة يكفينا الاطلاقات ( كما في الغسلات والمسحات التي توجب بوجودها تحقق الطهارة ذلك الأمر المعنوي الذي يغاير الطهارة من الخبث الذي ربما يكون للعقل طريق إليه في الجملة . وذلك الأمر الغيري المتوقف عليه في وجوده ذلك المطلوب ينحصر في المقدمة .

فان أراد المحقّق النائيني من توجه الخطاب الترشحي والتوليدي هذا الذي ربما يعرفه العقل في معنى المقدميّة واخرى ينبه الشارع ويتعبد المكلف بتحصيله في حصول ذلك المطلوب فنعم الوفاق . وان أراد حقيقة الترشح والتولد بأن يكون الخطاب الثاني يتولد من الخطاب الأوّل ومسببا عنه فلا نعقله كما انه رحمه الله لا يريد الا ما ذكرناه .بيان آخر:قد عرفت الاشكال في تعريف الواجب النفسي والغيري وما وجه به الاشكال المحقّق الخراساني وما اعترض على ذلك المحقّق النائيني قدس سره في حيث المقدمية لحصول الملاكات .

في جانب الواجبات كالصلاة والصوم والنفسية . فلا تكون تلك واجبا نفسيا ولا غيريا . وجعل الواجب(1) النفسي ما يتعلّق به الخطاب ابتداءً والغيري ما يترشح من الغير اليه . فاشكل عليه المقدمات المفوّتة وأدرجها في الواجبات النفسيّة لعدم تعلق خطاب بها من ناحية خطاب ذوي المقدمات . بل حصول0 ملاكها انما اقتضى ذلك بالنسبة إليها .

ص: 302


1- . فوائد الاُصول 1/220 وكذلك عرفهما في المنتهى . منتهى الاُصول 1/195 .

ولا يخفى ان النزاع في الواجب الغيري والنفسي والنقض والابرام في تعريفهما انما هو بناء على تصوير الواجب الشرعي الذي يؤمر به لأجل الغير . والا فبناءً على ما هو التحقيق من كونها ارشادية إلى دخل المادة في المأمور به فلا معنى للنزاع . كما ان الأمر كذلك في ما يكون بلسان نفي الماهيّة بدون وجود الشرط كقوله لا صلاة إلا بطهور(1) . لعدم الفرق بينه وبين ما يؤمر به في الخطابات لكونها ارشادا إلى الدخل سواء كان أمرا لدخله في المأمور به أو نهيا غيريا . فانه أيضا ارشاد إلى اعتبار عدمه في ذلك المطلوب النفسي . لعدم خلو الواقع ولبّ نفس الأمر من كونه مطلقا ليس مقيدا بوجود زمان أو زماني أو مقيدا ولوجود شيء فيه دخل أو لا بل لعدمه . ولا معنى لتصور الشق الرابع . فاذا كان كذلكوالفرض ان لوجود هذا القيد مثلاً دخلاً في تحقق الماهية وجودا كالقدرة أو في تحقق أوصافه كالطهارة والقبلة والستر وأمثالها بالنسبة إلى الصلاة فلا يمكنامتثال المأمور به الا باتيانها عقلاً . غاية الأمر تارة يعرفها العقل . واخرى يرشد الشارع العقل إليها . والا فالأمر المولوي التعبدي انما هو بالنسبة إلى الأوامر النفسية المتعلّقة بالكل دون الاجزاء وما يعتبر فيها . ولذلك ارجع المحقق الخراساني قدس سره (2) المقدمات الشرعية إلى المقدمات العقليّة ضرورة عدم امكان امتثال أمر الصلاة مع الطهارة بدون الطهارة عقلاً .

حاصل الكلام ان المصالح والمفاسد ممّا تدعوا إلى جعل الأحكام لاستحالة الجزاف لرجوعه إلى الترجيح بلا مرجح وهو محال على المولى الحكيم بل على العاقل فان فعله لابد وأن يكون عن غرض ويكون الغاية متصورة قبل

ص: 303


1- . وسائل الشيعة ج2 الباب 14، ح2 من أبواب الجنابة .
2- . كفاية الاُصول 1/143 .

الفعل ويأتي بالفعل لأجل تلك الغاية كما عليه بناء أفعال العقلاء في معاشهم وساير أعمالهم .

الا ان تلك المصالح عند المحقق النائيني انما تكون دواعي وليست بلازمة التحصيل وعند المحقق الخراساني مما هو مقدور بالواسطة .

وحقّ المقام انه لا يمكن خلوها أي الأفعال والواجبات عن خصوصيات ذاتية وبهذه الجهة تكون الأفعال والواجبات عين تلك الخصوصيّات . واما احتمال كون الثواب والعقاب وغرس الأشجار انما يكون بواسطة أفعال الملائكة من الآثار والدواعي .

فمدفوع بعدم الدليل اثباتا عليه . بل الذي يساعد عليه الدليل هو ما ذكرناه .

ثمّ انّه اذا علمنا ان الواجب نفسي أو غيري على ما ذكر فهو . والا فاللازمالرجوع إلى الأصل اللفظي وهو كونه نفسيا . كما انه يقتضي كونه عينيّا تعيينالاحتياج الغيري والكفائي والتخييري إلى مؤنة زائدة ثبوتا واثباتا كما اذا شككنا في الاحرام فلم ندر انه واجب نفسي أو غيري لاعتباره في صورة الالتفات والعمد في صحّة مناسك الحج .

اذ لا اشكال في اقتضاء الخطاب حسب اطلاقه كون الواجب نفسيا عينيا تعيينيا مطلقا لاحتياج الغيريّة والكفائيّة والتخييريّة والاشتراط إلى مؤونة زائدة ثبوتاً واثباتاً وبعض هذه الاطلاقات انما ينتزع عن أمر عدمي كالنفسية فانها عبارة عن عدم كون الوجوب للغير . وليس أمرا وجوديا فحيث انه لم يصرّح ولم يبين في خطابه انه للغير فاطلاقه يقتضي كونه مطلوبا واجبا لنفسه كما انه كذلك في مقام الثبوت .

المصالح ليست لازمة التحصيل وإنّما هي دواعي الجعل

ص: 304

فحينئذ اذا علم كون الواجب نفسيا أو غيريّا فهو والا ففي صورة الشك فالمرجع كما أشرنا إليه الأصول اللفظيّة لو كان لها مجرى والا فالأصول العملية . اذا عرفت هذا فالاطلاق مختلف على المبنين في جريانه في ناحية المحتمل الوجوب للغير وفي ناحية الواجب الذي يحتمل ان واجبا شرط وجودي له فصاحب الكفاية قدس سره يرى للحروف مفاهيم قابلة للاطلاق والتقييد فيجري الأصل اللفظي في ناحية محتمل الغيرية كالوضوء . فان الهيئة موضوعة عنده للطلب . فاذا لم يقيدها بشيء فالاطلاق يكون مقتضاه النفسية . خلافا للشيخ والمحقّق النائيني حيث ان الهيئة عندهم معنى حرفي لا مفهوم له قابلاً للتصور وإنما يكون معناها موجودا بالحرف لا متصورا به والهيئة ايجاد شخصي وطلب وتصدى للمطلوب بايجاد النسبة بين الفاعل والفعل . النسبة الايقاعية ولا معنى للاطلاق والتقييد فحيث يكون ايجادا للمصداق ولا يعقل التقييد . في ناحيتهوامتناعه بعين امتناع الاطلاق . فمقتضى الأصل اللفظي عندهم غير ما هو مقتضاهعند المحقّق الخراساني وكلّ يخطئ الاخر . الا ان ذلك نزاع في أصل المبنى والا فكلامهم متين على مبناهم .

والحاصل انه اذا شككنا ان خطاب توضّأ مثلاً غيري أو نفسي فعند المحقق الخراساني(1) تجري مقدمات الاطلاق في ناحية هذا الخطاب ومقتضاها كون الوجوب نفسيا لعدم تقيده بشيء . وعند المحقق النائيني تجري مقدمات الاطلاق في ناحية الصلاة(2) حيث نشك اشتراطها بالوضوء بأن يكون شرطا وجوديا لها

في الشكّ في النفسيّة والغيريّة

ص: 305


1- . كفاية الاُصول 1/173 .
2- . لا اشكال في جواز تعليق وجوب الوضوء على وجوب الصلاة فيجري الأصل اللفظي لنفيه .

لاحتياج اشتراط الصلاة بأمر إلى مؤنة زائدة ثبوتا واثباتا . فتجري المقدمات في عدم الاشتراط واطلاق المادة عن لحاظ قيد معها لامتناع لحاظ التقييد في ناحية الهيئة في خطاب الوضوء على ما سنبين وبذلك يثبت عدم كون الوضوء واجبا غيريا حيث ان الاطلاق أصل لفظي ومن شأنه اثبات لوازمه ومنها عدم كون الوضوء شرطا للصلاة بل واجبا لنفسه . اما في ناحية الوضوء فيحتمل كونه شرطا للصلاة كما يحتمل كونه واجبا نفسيا . فاذا شككنا مثلاً في ان قوله ( اغتسلت وصلّيت ) اريد به اشتراط الاغتسال للصلاة أم لا . بل لو ترك الاغتسال ترك واجبا نفسيا كما ان الصلاة أيضا كذلك فمقتضى عدم لحاظ الوضوء بما هو منتسب الدال عليه الاطلاق المحتاج لحاظه إلى مؤنة زائدة ثبوتا عدم لحاظ الوضوء بما هو منتسب إلى شيء كالوقت مثلاً . فحينئذٍ يكون واجبا مطلقا كما انه يكون واجبا نفسيا . ولا معنى لاحتمال تقيد الوضوء بالصلوة لرجوعه إلى كونها شرطا لوجوبههذا بناء على كون الاشتراط إنما هو تعليق مفاد الجملة على مفاد اخرى لا تعليقالمعنى الافرادي وهو الوضوء(1) .

اما اذا لم يكن هناك اطلاق او لم تجر مقدماته عند من يرى اختلالها . فحينئذ تصل نوبة الاصول العمليّة . فتارة يكونان في مقام الثبوت واجبين مطلقين . واخرى مشروطين . وثالثة يكون وجوب الوضوء مشروطا بوجوب الصلاة دون العكس كما يمكن اشتراط وجوب الصلاة بالوضوء وجودا أو وجوبا .

بيان آخر: في الشكّ في النفسية والغيريّة .

إذا شككنا فتارة يكون موردا لاحتمال وجوبهما نفسيا واحدهما المعين

ص: 306


1- . فوائد الاُصول 1/221 - 224 .

غيريا ( مع العلم بفعليّة كليهما ) . واخرى مشروطا بأمر آخر . وثالثه أحدهما نفسي والآخر يحتملهما مع عدم فعليّة النفسي على ما نشرحه لكنه يكون بعد نفسيا فعند حصول شرطه يشك في وجوب الاخر وعدمه . ورابعة يكون أحدهما نفسيا مع عدم فعليته بخلاف الصورة السابقة . واخرى يحتمل كونه نفسيا كما انه يحتمل كونه مقدميا وذلك النفسي الذي لم يصر فعليا وهذا المحتمل على تقدير وجوبه النفسي فعلي .

اما احتمال كونهما مشروطين كل بالآخر فمحال .

نعم احتمال اشتراط وجوب أحدهما بالآخر لا مانع منه وحيث انه مجهول فكل واحد من الطرفين يحتمل كونه مقدمة وجودية للاخر . كما يحتمل كونه وجوبية .

فالصورة الاولى . لا اشكال في لزوم امتثال كليهما للعلم بوجوبهما سواءكان محتمل النفسية في الواقع نفسيا أو غيريا للعلم بوجود مشروطه على تقديراشتراط وجوبه به .

نعم نشك في اشتراط النفسي بهذا المحتمل فيكون مجرى البرائة عن القيدية . اما اصل الوجوب فلا .

وفي الصورة الثانية . تجري البرائة عن كليهما حيث نحتمل تقيد وجوب كل بالاخر كما انه يحتمل كونه مقدمة وجودية له .

نعم . اذا صار أحدهما فعليا فالشكّ في الاخر يرجع إلى الشك في وجوبه النفسي الذي يكون معه هذا الواجب الذي علم بوجوبه مقدمة له . ويحتمل الغيرية بأن يكون شرطا وجوديا لذاك المعلوم الوجوب . فيعلم بوجوبه على كل تقدير

ص: 307

فيرجع إلى الصورة الاولى .

اما الثالثة . فكما يحتمل كون الوضوء واجبا نفسيا قبل الزوال ويعلم بوجوب الصلاة بعد الزوال . فقبل الزوال يتوضأ برجاء المطلوبيّة وعند الزوال يعلم بتحقق وجوب الصلاة . لكنه يشكّ في وجوب الوضوء لاحتمال الاكتفاء بالوضوء الحاصل قبل الظهر . وإن كان الموجود من تقرير المحقق النائيني قدس سره في هذا الفرض التعبير بالشكّ في ان الوضوء المأتي به قبل الظهر يسقط الوضوء بعد الزوال .

لكن الاحسن . التعبير بالكفاية أو كون الشكّ في ثبوت التكليف بالوضوء بعد الزوال . فحيث انه توضأ قبل الزوال فعنده يشكّ في الوجوب فيجري البرائة عنه لاحتمال كونه غيريا وان كان نفسيا فقد أتى به .

ان قلت: انه يعلم اجمالاً بوجوب الوضوء عليه اما نفسيا أو غيريا لواجب بعد الزوال فمقتضى العلم الاجمالي الاتيان به بعد الزوال أيضا لليقين بالفراغ كماهو مقتضى تنجّز العلم الاجمالي في التدريجيّات .قلت: ذلك مبنى على تقدير جريان هذا الكلام هناك في ما إذا يعلم بابتلائه بالربا في المعاملة في هذا اليوم أو في أحد أيّام هذا الشهر مثلاً .

اما جريان استصحاب الوجوب الثابت اما نفسيا أو غيريا المشكوك حصوله بذلك الوضوء قبل الزوال كما ترى .

فانه من قبيل جريان الاستصحاب في القسم الثاني من أقسام الكلي فيما إذا يعلم بالبقاء قطعا على تقدير كونه غيريا . اذا كان من اللازم الاتيان به بقصد الوجه والأمر الغيري والا فالامر في الوضوء سهل لمطلوبيته كما في الغسل .

ص: 308

انما الكلام في التيمم . واحتمل بعض فيه ذلك بلا احتياج إلى شيء من واجب وان لم يكن هذا المقام منه بل له شباهة بالقسم الثاني . كما ان له شبها بالقسم الثالث لاحتمال حدوث الوجوب بعد الزوال لاحتمال الغيريّة كما انه يكون في بعض الصور من استصحاب الفرد المردّد لأنه ان كان نفسيا فقد أتى به وان لم يكن نفسيا فباقٍ ولا معنى لجريان الاستصحاب فيه كما قرر في محله .

نعم ان لم يتوضأ قبل الزوال فبعده يعلم قطعا بالوجوب على كلّ تقدير ويرجع إلى الصورة الاولى .

اما الصورة الرابعة . فكما اذا يحتمل كون الوضوء واجبا نفسيا يحتمل كونه واجبا مقدميا للصلاة التي لم يصر وجوبها فعليا بعد .

وللمحقق النائيني قدس سره (1) هنا كلام بكون المقام من قبيل الشكّ بين الأقل والأكثر الارتباطيين الذي يكون التكليف بالاقل معلوما منجزا على نحو التوسطفي التنجيز . فاذا ترك الأقل فيعاقب على تركه استحقاقا اما من جهة وجوبهالنفسي أو من جهة ترك الأكثر من ناحيته . فان الأكثر وان كان وجوبه مشكوكا الا ان من جهة الأقل منجز .

وليس بمعذور في ترك الأكثر من جهة الأقل لو كان في الواقع واجبا ( أي الأكثر ) ويستشكل على المحقّق الخراساني قدس سره عدم ايجابه الوضوء في المقام حتّى على مبناه المختار في ذلك المقام . حيث لا يقول بمقالة الشيخ بوجوب الأقل على كلّ تقدير سواء الوجوب المقدمي للكلي أو النفسي . لما يرد عليه من الاشكال ويوجب هناك ( أي في الأقل والأكثر الارتباطيّين ) الاحتياط عقلاً بدعوى كون

حكم الصورة الرابعة

ص: 309


1- . فوائد الاُصول 1/223 .

المقام من ذاك القبيل . فان المختار عند المحقق الخراساني هناك كما ذكرنا جريان الاحتياط عقلاً ومع ذلك فلا يلتزم بمبناه في المقام ويجري البرائة في ما نحن فيه من الصورة الرابعة مع انه من التوسط في التنجيز .

لكن هل يكون مورد لهذا الاشكال أم لا ؟

يمكن تقريب ورود الاشكال بالعلم بلزوم التكليف بالوضوء عليه قطعا اما نفسيا أو غيريا مقدميا وان لم يكن فعليا الا ان في كلام كليهما نظرا وتأمّلاً(1) .

وأفاد سيّدنا الاستاذ قدس سره عدم استفادة الصورة التي استشكل عليها المحقق النائيني على المحقق الخراساني من عبارة الكفاية(2) .

الكلام في استحقاق الثواب على الطاعة وكونه بالتفضل .وفيه قولان: قول بكونه بالتفضل وعليه جماعة . والقول الآخر بالاستحقاقوعليه جماعة آخرون . وهذا البحث مقدمة لبحث كون الثواب على المقدمة وعدمه اختار سيدنا الاستاذ تبعا لشيخه المحقق النائيني (3) كونه بالتفضل استنادا إلى كون الطاعة من وظيفة العبد وتجب عليه وجوبا عقليا ولا يستحق قبالها جزاءً على اللّه تعالى ولا له عليه حق . لعدم رجوع فائدة من اطاعة العبد إلى

اللّه تبارك وتعالى . بل كلّ ذلك يرجع إلى العبد نفسه . ووجوب الاطاعة عليه عقلاً نظرا إلى ان ذلك وظيفته بالنسبة إلى مولاه العرفي فضلاً عن مولى الموالي . وجميع

ص: 310


1- . فرض المثال في تقريرات بحث المحقق النائيني فوائد الاُصول 1/223 فيما اذا علم بوجوب ما شك في غيريته لكن شك في غيريته كي لا يجب جريان البرائة عن الصلاة التي يحتمل كون الوضوء شرطا لها المشكوك وجوبها فتأمّل .
2- . الظاهر استفادتها منها .
3- . فوائد الاُصول 1/224 لا يستفاد منه .

قوى العبد وقدرته تستند إليه وإنّما منه الارادة وتصريف القوى في شؤون اختياراته من الاطاعة والمعصية فاذا لم يعمل بوظيفة العبوديّة للمولى الحكيم . فيكون قد ظلم المولى وقصر في حقه . وكيف يمكن الحكم على المولى باستحقاق العبد منه الثواب والجزاء مع كون وجوده الذي هو اعلى نعمة وأتمّها بكرمه تعالى وجوده . مع ما ذكرنا من رجوع كلّ ذلك إلى العبد . وما في بعض الأحاديث القدسيّة من ان الخلق للمعرفة إنّما هو أيضا لرجوع نفع ذلك إلى مصالح العبد . ولا ينافي ما ذكرنا كون البخل محالاً على المبدء الفياض لعدم ايجاب الاستحالة جبرا على خلقه الخلق واعطاء النعم وليس اطاعة العبد لمولاه نظير الاجارة على فعل من الأفعال كي يوجب اتمام العمل والقيام بمقتضى عقد الاجارة اجرة على الموجر .

والحاصل: ان الثواب انما هو تفضل منه تعالى على العباد بحسب مراتب استعداداتهم وقابلياتهم . وله تعالى جهنم والنار كما ان له الجنّة . وجعل الجنّةللموحدين والنار للعاصين . واما ما ورد في الأخبار والآيات من كون الجنة جزاءًعلى عمل العبد وكذلك جهنم والنار . فلا ينافي كون ذلك ( أي الأوّل ) للتفضل لعدم الجبر على اللّه . بل هو تعالى جعل على نفسه ذلك ولا يستحق الواحد منا الأجر على العمل الذي أوجبه عليه منعمه الذي أعطاه رأس المال للتجارة . فكيف باللّه تعالى . وكيف كان فهل الواجب الغيري كالواجب النفسي يوجب اطاعته استحقاق الثواب بناء على كونه بالاستحقاق أو التفضل بناء عليه ؟ ربما يقال بذلك نظرا الى انه في طريق طاعة المولى . واحسن ما قيل في المقام ما في الكفاية(1) من

استحقاق الثواب على الطاعة وانّه بالتفضّل

ص: 311


1- . كفاية الاُصول 1/175 - 177 - 178 .

الوجهين المذكورين فيها . وهذا بناء على تصوير الواجب الغيري فحينئذٍ مجال للقول بكون الأخذ في اتيان الواجب الغيري من شؤون اطاعة الواجب النفسي . ووجه الاشكال في ذلك نظرا إلى مسئلة الوضوء والغسل . وأحسن الأجوبة في الكفاية(1) من ثبوت الرجحان النفسي لهما والاستحباب كذلك . فلا اشكال بكونهما مقربين بل يكفي اتيانهما بداعي الأمر النفسي دون داعي المقدمية بل يكفي الملاك فلا حاجة إلى التطويل في هذا المقام لعدم فائدة مهمة فيه ولا اشكال يعتد به .

بيان آخر: أفاد سيّدنا الأستاذ

قدس سره بيانا جامعا لا يرتبط بكلام الطائفتين وهو انه إن أراد القائل بالاستحقاق انه يكون طالبا للثواب على اللّه تعالى كديون الناس بعضهم على بعض وان للمطيع عليه تعالى حقّاً فهو فاسد ضرورة لما ذكرنا سابقا من ان وجوده وقدرته وتمام شؤون وجوده انما هو من جهته تعالى وانما لهالارادة والاختيار . فكيف يعقل ثبوت حق له وكونه طالبا . كما ان القائل بالتفضل ان أراد بقوله هذا انه لا فرق بين العاصي والمطيع واثابة كليهما انما هو تفضل فلامعنى له لاستواء المطيع والعاصي . مع انه لا يخفى ثبوت لياقة واستعداد للمطيع باطاعة الأمر ويحصل له بذلك قرب ليس للعاصي . فالحق انه يليق المطيع بالاطاعة للثواب الذي أوجب اللّه تعالى على نفسه ووعد عليه وهو لا يخلف الميعاد . وهذا غير قضية استحقاق العبد للثواب . وما ورد في الآيات والروايات من الأجر للمحسنين والمطيعين فلا يخالف ما ذكرنا . لكونه مجعولاً من قبل اللّه تعالى ووعد العباد المطيعين لما ورد في أخبار اخر انه ان كان بالاستحقاق أو العمل فبالنسبة إلى أوليائه يكون الاثابة بالتفضل .

ص: 312


1- . كفاية الاُصول 1/175 - 177 - 178 .

والحاصل ان أمر الثواب ليس كأجر الاجراء والبناء الطالب للاجرة بعمله ولا يقول القائل بالاستحقاق بهذا المعنى من كون العبد طالبا وصاحب حق ولفساد هذا المعنى لا يعقل صدوره عن عاقل . فبما ذكرنا يكون النزاع لفظيّا بين القائلين بالاستحقاق والقائلين بالتفضل . منهم الشيخ المفيد قدس سره (1) وتبعه عليه جماعة.

ثم ان المحقق الخراساني قدس سره (2) بعد أن بنى كون الثواب بالاستحقاق والعقاب كذلك عقلاً في الواجبات النفسيّة . اختار عدمه في الواجبات الغيريّة . ثمّ استدرك ذلك بنفي البأس عن استحقاق العقوبة عند ترك المقدّمة ولو واحدة منها الحاصل منه ترك ذي المقدّمة وكذلك له بزيادة الثواب على المقدّمات اذا أتى بها بما هي مقدمات لعدم ايجاب موافقة الأمر الغيري بما هو أمر قربا ولا مخالفته بماهو كذلك بعدا .

ولا يخفى ان القرب والبعد في كلامه هنا لا ينافي ما نسبوا إليه قدس سره واستنتجوه من كلامه بل كان يصرح في درسه على ما نقل سيّدنا الأستاذ قدس سره بعدم صحّة هذه المعاني وهو لا يلتزم بها إلاّ انه حيث انه طبع كتاب كفايته فلم يصر حذفها منه ميسورا .

نعم اذا انضم ما أفاده هنا من كون الموافقة موجبة للقرب والمخالفة للبعد إلى ما أفاد في غير هذا الموضع في بحث الطلب والارادة لطلع ما لا ينبغي التفوّه به والاّ فنفس القرب والبعد لا محيص عنه لكن القرب والبعد عند المولى اثابته وعقابه .

ص: 313


1- . فوائد الاُصول 1/224 .
2- . كفاية الاُصول 1/175 .

ثمّ انّه استشكل(1) الطهارات الثلاث في حصول الاطاعة والقرب والمثوبة بموافقة أمرها مع ان أمرها غيري والأمر الغيري لا يكون الا توصّليّا .

والجواب عن هذا الاشكال بوجوه . وأجاب قدس سره بواحد وارتضاه وبوجهين واستشكلهما بما سنذكر وفي المقام اجوبة اخرى . منها الجواب الذي اختاره في المقام من كون متعلق الأمر الغيري هو الطهارات لكن لا بما هي هي . بل بما انها متعلّقة للأمر النفسي الذي هو الاستحباب الناشي عن مصلحة الاستحباب الكائنة فيها أنفسها والأمر الغيري تعلق باتيان ما هو المستحب الراجح في نفسه من قبيل تعلق الأمر الاجاري والوفاء بالعقد على متعلق الاجارة عملاً عباديا كان أو غير عبادي أو كما في مثل الاتيان بما قام على ترتب الثواب عليه رواية غير معتبرة . فانه تارة تكون مفاد اخبار من بلغ استحباب العمل نفسه . واخرى اتيان العمل القائم عليه امارة غير معتبرة رجاءً . فالاتيان كذلك مستحب متعلق بالعملالكذائي فلا تصادم الوجوب والاستحباب في هذا الجواب .الثاني: تعلق الوجوب الغيري الترشحي بذات الأفعال الطهارية لا بما هي متعلق الأمر الاستحبابي النفسي بل بما هي طهارة وضوءً أو غسلاً أو تيمما لكنه حيث تعلق الأمر بها فالرجحان الكائن فيها بحاله . ويكون جهة العباديّة فيها محفوظة وان لم يكن كالصورة الاولى . حيث ان هناك طوليّة بين الوجوب الغيري والاستحباب بخلاف المقام فان الوجوب تعلق بنفس الأفعال والطهارات التي هي في ذاتها راجحة(2) .

اشكال الطهارات الثلاث

ص: 314


1- . كفاية الاُصول 1/177 - 179 .
2- . وبعبارة اخرى العبادية والتوصلية انما تنتزع من متعلّق الخطاب لا من نفسه فان كان متعلق الأمر في نفسه عبادة يكون الأمر عباديا والخطاب المتعلّق به يعتبر فيه قصد القربة وإن لم يكن فيكون توصليّا كما في باب الاجارة على البناء أو على الزيارة أو الصلاة مثلاً .

الثالث: الذي هو مختار المحقّق النائيني قدس سره (1) وهو أن يكون الخطاب الوجوبي الناشى من ناحية ذي المقدمة يعامل الخطاب النفسي المتكمن في نفس هذه الطهارات باعطاء الخطاب النفسي الجهة المفقودة فيه والأخذ منه الجهة التي هو يفقدها . فحيث ان الخطاب النفسي استحبابي لا يمنع من الترك باعتبار عدم شدته فيكتسب الوجوب الموجب للمنع من الترك وشدّة الطلب من هذا الخطاب الغيري كما ان الخطاب الغيري يكتسب التعبدية من الخطاب النفسي ويكونان معا خطابا واحدا وجوبيّا عباديا ونسب سيدنا الاُستاذ قدس سره هذا القول إلى المحقق النائيني قدس سره وكذلك الفرق بين باب الاجارة والنذر حيث ان الخطاب بالوفاء في عقد الاجارة عنده طولي بالنسبة إلى متعلق عقد الاجارة كما اذا كان عبادة بخلاف باب النذر فجعله تأكيدا .وزاد وجها رابعا بتقريب جعل متعلق توارد الرجحان النفسي والوجوبنفس المتعلق أي الأفعال .

والخامس: من الوجوه الذي نقله صاحب الكفاية(2) هو لزوم قصد الأمر الغيري في اتيان هذه الأفعال . لأنه ربما لا تكون محصلة لما هو المقصود منها . فاذا قصد الأمر الغيري المتعلق بها فحيث ان الأمر لا يدعوا إلاّ إلى متعلّقه يكون قد أتى بما هو المطلوب والمقدمة الدخيلة في حصول ذي المقدمة .

واستشكل عليه قدس سره بعدم انحصار الامتثال بذلك بل يمكن أخذ الأمر بنحو

ص: 315


1- . فوائد الاُصول 1/228 - 229 .
2- . كفاية الاُصول 1/178 والظاهر من صاحب الكفاية اختيار هذا الوجه .

الوصف مضافا إليه انه لا وجه لترتب الثواب عليه . وهذا الوجه فاسد كبعض الوجوه السابقة لعدم صورة لبعضها ولا معنى كما انه لا معنى آخر .

طور آخر: سبق جواب المحقّق الخراساني قدس سره عن اشكال الطهارات الثلاث كما انه استشكل الجوابين المنقولين عن الشيخ الأنصاري قدس سره وسبق ذكر جواب عن المحقّق النائيني بعد اشكاله في الوجهين المنقولين عن الشيخ . الا ان المنسوب إلى المحقّق النائيني في تقريرات القوم غير ما ذكره سيدنا الأستاذ قدس سره فانه رحمه الله قال على ما قرّره الأستاذ عن من نسب إليه دفع الاشكال لا ينحصر بالأمر

الغيري أو النفسي بل هناك وجه ثالث وهو تعلّق الأمر النفسي الوجوبي بنفس الطهارة وكونها من هذه الجهة كاجزاء الصلاة . فكما ان الأمر المتعلق بالصلاة منبسط على اجزائها وباعتباره يكون الجزء واجبا ضمنيا كذلك للأمر انبساط على الطهارة . وبهذا الاعتبار يكون واجبا ضمنيّا كاجزاء الصلاة . ومورد هذا الوجوب الضمني نفس الأفعال بلا أخذ قصد مورديتها للأمر النفسي فالأمر انالضمني والنفسي الاستحبابي يردان عليه في رتبة واحدة . الا ان الأمر النفسيينسلخ عن حده الخاص الاستحبابي ويكون الطلب في المقام أشد من طلب الأمر النفسي . وهذا وان كان على خلاف اصطلاحه في الأمر اذ ليس عنده الا ايجاد النسبة لكن الدواعي مختلفة .

والموجود في النسبة هكذا ( فالأمر النفسي بعد موجود في الأمر الضمني لكنه يندكّ بحده الخاص . والأمر الغيري الترشحي يتعلق بهذا الواجب الضمني الذي تعلق به الوجوب الضمني من الأمر الصلاتي . فاجتمع في المقام ثلاث جهات من الأمر اثنان منها في رتبة واحدة وهما الأمر النفسي والضمني لتعلقهما

وجوه الجواب عن الاشكال

ص: 316

بنفس الأفعال والاخر متعلق بالشرط . والشرط انما هو أمر عبادي والأمر العبادي له الأمر القربي الضمني المنبسط عليه من أصل أمر الواجب النفسي . فالعباديّة الحاصلة للطهارة من ناحية الأمر الضمني المندكّ فيه الأمر النفسي الاستحبابي موضوعة للأمر الترشحي الغيري . اذ هو في رتبة الموضوع والأمر يرد عليه ونظير المقام ما اذا كانت صلاة الليل منذورة أو انه صار اجيرا للعبادة فالأمر العبادي في الرتبة السابقة على الأمر التوصلي الاجاري المتعلق بالوفاء بخلاف صلاة الليل المنذورة فانه عنده يكون النذر مؤكّدا لا انه يرد على غير مورد الأمر النفسي لا بما هو مورد للنذر .

وهذا الفرق ربما كان محل الاشكال ولعلنا سنتعرض له اذ يحتاج إلى بيان واسع يمكن أن ينتج كون باب النذر والاجارة من سنخ واحد .

ان قلت: من أين صار هذا الشرط موردا للأمر الضمني وباعتباره أخذ فيه قصد القربة وصار موردا للوجوب الغيري الترشحي دون باقي الشرايط كالستر والاستقبال وأمثالهما .قلت: لكونه بهذا النحو أي بكونه عبادة شرطا وله الدخل في حصولالغرض .

لكن يمكن أن يردّ عليه بكون تقدم صلاة الظهر شرطا ذكريا لصلاة العصر ولازمه كونها واجبا ضمنيّا وسراية الأمر من الأمر العصري إليها مع انه لو أتى بها بقصد أمر العصر تبطل .

نعم . يمكن أن يقال ان لها حصّة خاصّة من أمر العصر . ونظير هذا الاشكال يجري في نفس اجزاء الصلاة الواحدة لكون التكبيرة شرطا متقدما للأجزاء

اشكال اشتراط صلاة العصر بتقدم صلاة الظهر عليها

ص: 317

اللاحقة وكونها شروطا متأخرة للسابقة . الا ان يجاب بعدم كون صلاة الظهر شرطا للعصر بل المستفاد من الأدلّة ان تقدمها شرط وهو غير مسئلة نفس الصلاة أي القيد فالعنوان الانتزاعي لا مانع من كونه شرطا دون المنتزع عنه .

أقول: المظنون ان الذي نقل سيّدنا الأستاد عن شيخه المحقّق النائيني من أحد وجهي ما اجيب به عن الاشكال هو كون الغرض لا يحصل الا باتيان الطهارة عن داعى قربى ثم استشكل قدس سره عليه بلزوم الدور لتوقف العباديّة في المقدمة على الأمر الغيري مع ان موضوعه انما يجيء من قبل الأمر فالدور واضح .

والحاصل: ان الاشكال انما جاء من ناحية عباديّة الطهارات مع كونها واجبات غيريّة والأمر الغيري لا يوجب التعبديّة . فدفع المحقّق النائيني(1) الاشكال بما سبق من توجه الأمر النفسي الصلاتي وانبساطه على هذا الجزء كما ان في خصوص الغسل والوضوء لهما جهة الرجحان النفسي الثابت لهما قبلالوقت فبعده يجتمع هذه الجهة النفسيّة الموجبة للاستحباب مع الجهة النفسيّةالضمنيّة المنبسطة عليهما من ناحية الأمر الصلاتي لكن لا بحدّها بل تندكّ تلك الجهة في جهة الوجوب الجائيّة من الأمر الصلاتي ويوجب شدة الطلب .

إلاّ ان هذا خلاف مبناه من عدم كون الوجوب والاستحباب عبارة عن الطلب كما ذكرنا في بعض الأبحاث السابقة والأمر الغيري انما يرد على متعلق الأمرين الاولين بما هو متعلق لهما . لا بذاته . فعلى هذا لا مانع من التقرب بالأمر

الصلاتي المندكّ فيه الجهة النفسيّة ولا يتوجه محذور من جهة عدم حصول التقرب

ص: 318


1- . فوائد الاُصول 1/228 - 229 .

من الأمر الغيري لكونه توصليا . وليس قضية اشتراط صلاة العصر بالظهر من هذا القبيل ( أي كون الأمر العصري منبسطا عليها كي يمكن التقرب بصلاة الظهر بالأمر العصري كما امكن التقرب بالأمر الصلاتي النفسي الضمني بالوضوء بل لو قصد ذلك كانت باطلة وذلك لعدم كون صلاة الظهر شرطا للعصر بل تقدمها شرط والقبلية غير نفس صلاة الظهر .

لكن في التقريرات خلاف ما بين سيّدنا الأستاذ قدس سره (1) بل جعل صلاة الظهر من قبيل متعلق الأمر الاجاري الذي يتعلق بالصلاة الواجبة بما هي واجبة لا بذاتها وكذلك صلاة الظهر شرط للعصر لا بماهي هي بل بما هي واجبة فحينئذٍ لا يمكن التقرب باتيان صلاة الظهر بالأمر العصري . لعدم تعلّقه ( أي الأمر النفسي العصري ) بصلاة الظهر بنفسها بما هي هي . وكذلك في صوم الاعتكاف أي جعله في طول الاعتكاف . مع انه لا اشكال في جواز اتيان الصوم بأمر الاعتكاف . لكنه في اذا لم يكن في صوم الواجب المعين مثلاً كصوم شهر رمضان فان الصوم قديجتمع فيه جهة الوجوب النفسي والرجحان الاستحبابي لاستحبابه في غير الايامالمستثناة بطول السنة مع انه شرط لصحّة الاعتكاف . فيترشح جهة النفسيّة كما في الوضوء عليه فيكون مأمورا به بالأمر الضمني الاعتكافي فلا مانع من قصد الأمر الاعتكافي بالصوم لكنه قدس سره جعله في الطول .

وعلى كلّ حال . فهنا بابان: باب النذر للصلوة المستحبة كصلوة الليل وباب الاجارة للصلاة الواجبة مثلاً . وجعل توارد الأمرين النفسيين الاستقلالي والضمني على الوضوء والغسل من قبيل باب النذر والأمر النفسي الاستقلالي

الجواب عن الاشكال

ص: 319


1- . فوائد الاُصول 1/230 .

الاستحبابي بالنسبة إلى الأمر الغيري من قبيل باب الاجارة . ففي باب الاجارة وجوب الوفاء أي الأمر الاجاري يتعلق بالصلاة الواجبة على ذاك الميت . فيكون الأمر في رتبة متأخرة عن الأمر الصلاتي . فهي بما هي واجبة متعلق للأمر الوجوبي الاجاري بخلاف نذر صلاة الليل فان الجهة النفسيّة والرجحان المشروط به متعلق النذر بسبب توارد الأمر النفسي الاستحبابي والأمر النذري عليها في رتبة واحدة والرجحان ليس متقدما بالرتبة على الأمر النذري . وحيث ان الأمر النذري ليس الا توصليا فيكتسب التعبدية من الأمر النفسي المتوارد معه على متعلق النذر .

وفيه اشكال لكون الأمر النذري متأخّراً رتبة عن الموضوع الذي هو النذر وكونه منذوراً في رتبة الأمر النفسي فتأمّل .

والحاصل انه يمكن التقرب بالأمر النفسي الصلاتي . والأمر الغيري لو تعلّق فانما هو في الرتبة المتأخرة عن العباديّة ويرد على ما هو عبادة فلا دور لان الاشكال انما يتسجل على تقدير مجيء العبادية من ناحية الأمر الغيري فاندفع بما ذكرناه وفي كلامه موارد للنظر كما أفاد سيّدنا الأستاذ قدس سره .ثم ان للسيد الجليل صاحب العروة رحمه الله(1) كلاماً في المقام من جهة اجتماعالنفسية الاستحبابية والوجوبية في الوضوء ولا ضير فيه ولا يوجب تبدل الاستحباب بالوجوب والاندكاك فيه . بل الأمران باقيان بحدّهما واستشكله المحقّق النائيني قدس سره بانه وان كان في باب الاجتماع صحيحا لتعلق الأمر بطبيعة كالصلاة مثلاً والنهي باخرى كالغصب ولا ربط لاحديهما بالاخرى لاستحالة اتحادهما والعمل المأتي به يمكن للعقل تحصيص الطبيعتين منه بحيث لا يرتبطان

ص: 320


1- . العروة الوثقى 1 المسئلة 33 من فصل شرايط الوضوء .

ولا يتحدان لان الماهيتين لا تتحدان في الوجود والوجود الواحد انما هو انضمام الوجودين بحيث يمتازان عند العقل . لكن ذاك مخصوص بباب الاجتماع ولا مناص عن الجواز بناء عليه . لكون ذلك من الحيثيّة التقييديّة بخلاف المقام . اذ الأمر النفسي وجهة المقدمية الموجبة للوجوب انما هما تعليلية . وفي الجهات التعليلية يكون مورد الأمر واحدا لا تعدد فيه . فالوضوء في كلتا الصورتين يكون موردا للأمر ولا معنى لكونه واجبا مندوبا . فيكون المقام من قبيل لا تكرم الفاسق واكرم العالم والعلم يقتضي وجوب الاكرام والفسق حرمته واجتمعا في العالم الفاسق فيخرج عن باب التزاحم في مورد الاجتماع .

ثم ان هنا تنبيها: وهو انه لو قصد بالوضوء الصلاة وبعد الفراغ بدا له فهل وضوئه صحيح له جواز مس القرآن وغير ذلك من غايات الطهارة أم لا ؟ لا اشكال بناءً على وجوب مطلق المقدمة من صحته وجواز فعل الغايات معه انما الكلام في وجوب خصوص الموصلة .

الكلام في الواجب التعييني والتخييري:

ومن تقسيمات الواجب تقسيمه إلى التعييني والتخييري . وبعد وجود الواجب التخييري اثباتا بلا اشكال وقع الكلام في تصويره ثبوتا . فقد قيل فيهوجوه:

أحدها: ان الواجب في التخييري الأمر المبهم عن المكلف الذي يعلمه اللّه تعالى والمكلف لا يعلمه وهو عنده مبهم وربما يرجع إليه ما قيل في مسئلة وجوب الزكاة بنحو الكلي في المعيّن من انه اذا بقى بمقدار الزكاة في ما تجب فيه يكون هو ما يتعيّن كونه زكاة .

منها كون الواجب هو أحدهما على نحو لا يكون عند المكلف ولا عند اللّه

في الواجب التعييني والتخييري

ص: 321

تبارك وتعالى معلوما ولعل هذين القولين لا قائل لهما حديثا . وانما القائل بهما القدماء من العامة وفي بيع أحد العبدين أو طلاق احدى الزوجات أو اثنتين منها على هذا النحو الظاهر البطلان لا التعيين بالقرعة .

منها ما ذهب إليه في الكفاية(1) من كون الواجب هو الجامع بين الافراد في الواجب التخييري كالعتق والاطعام والصوم مثلاً . وحيث ان المكلف لا يمكنه تشخيص الجامع فامر تعيينه ارشادا إلى الشارع . فالجامع حيث انه ينطبق على كل واحد من هذه الأفراد أو هذين الفردين وجبت أو وجبا . ففي الحقيقة مرجع التخييري الشرعي إلى العقلي . غاية الأمر . الفرق . عدم تشخيص المكلف للجامع في الشرعي دون العقلي . والظاهر كون هذا الجامع اصيلاً . وربما قيل بالجامع الانتزاعي على نحو لا ينطبق الاّ على هذه الافراد مثلاً في الواجبات التخييرية جامعا مانعا .

ومنها: كون كل واحد واجبا عند ترك الآخر أو ارادة تركه . ولازمه تحققعصيانين عند ترك كليهما . وهذا القول نسب إلى المحقق النائيني قدس سره الظاهر بلالمسلّم عدم التزامه به(2) .

اذا عرفت هذه الوجوه . فاعلم ان غير ما ذهب إليه في الكفاية والجامع المبهم الذي صوّره المحقق النائيني قدس سره فاسد لا وجه للمصير إليها(3) انما الكلام في

ص: 322


1- . كفاية الاُصول 1/225 .
2- . وهذا الوجه اختاره في المنتهى ودفع اشكالاته . منتهى الاُصول 1/219 - 222 .
3- . وهناك وجه آخر اختاره المحقّق الاُصولي شيخ مشايخنا الآقا ضياءالدين العراقي قدس سره نهاية الأفكار 1/391 - 392 وهو وجوب كلّ واحد من الشيئين أو الأشياء بوجوب ناقص بنحو لا يقتضي إلاّ المنع عن بعض أنحاء تروكه وهو الترك في حال ترك البقيّة من غير فرق بين أن يكون هناك غرض واحد يقوم به كلّ واحد منهما ولو بملاحظة ما هو القدر الجامع بينهما أو أغراض متعدّدة بحيث كان كلّ واحد منهما تحت غرض مستقل وتكليف مستقل وكان التخيير بينهما من جهة عدم امكان الجمع بين الغرضين الخ واختار السيّد العلاّمة الخوئي محاضرات في الفقه 44/5 ان الواجب هو أحد الفعلين أو الأفعال لا بعينه وتطبيقه على كلّ منهما في الخارج بيد المكلّف كما هو الحال في الواجبات التعيينيّة .

ما ذهب إليه المحققان . فاذا لم يمكن الالتزام بما في الكفاية فلابد من المصير إلى قول المحقّق النائيني . ويمكن تقريب مرام المحقّق الخراساني قدس سره بأن الأثر الواحد لا يمكن أن يصدر من مؤثرين فلابد أن يكون هناك جامع مؤثر في الأثر الواحد الذي يكون به كل الفردين ذا أثر واحد ضرورة ان الاثنين بما هما اثنان لا معنى لصدور واحد منهما ما لم يكن بينهما جامع . لعدم مناسبة أثر أحد الضدين مع الضد الآخر وحيث ان الواجبين مثلان في سقوط ما في الذمة وعلى عهدة المكلف بهما فحينئذٍ ينكشف انّا كون الجامع بينهما هو مورد التكليف وانما الاكتفاء بالفردين من جهة وجود الجامع بينهما ولا خصوصيّة للفردين بل الخصوصيّة الفردية انما مشخصة للجامع وجودا .

ولكن لا يخفى ان هذا الكلام مبتنى على كون باب التكاليف من باب التأثيروالتأثر ونظيره كالاقتضاء كما استند إليه في موارد عديدة في كفايته ونحن قد أشرنا في أول بحث الا صول إلى فساد هذا المبنى وان باب الأحكام غير مرتبطبباب التكوينيّات وانه لا تأثير ولا تأثر وان لم ننكر هناك داعوية ومصلحة ومفسدة . فلذا يبقى خصوص الوجه الأخير وكون الواجب هو العنوان المبهم أي أحدهما مثلاً وان لم يمكن في مقام الامتثال امتثال الاحد بحيث يتوجه إليه الارادة بخصوصه . بل لابد من تحقق الارادة بالنسبة إلى شيء خاص من الفردين أو الأفراد .

ص: 323

وربما يدعي المحقق النائيني قدس سره (1) الفرق بين الارادة التشريعيّة والتكوينيّة

بامكان تعلق الاولى بالمبهم بخلاف الثانية . الا ان الكلام في تصديق هذا الأمر وانه هل فرق بينهما من هذه الجهة أم لا بعد الفرق من جهات اخر خصوصا على مبناه من انشاء النسبة وكذا على مبنى الطلب .

ويشكل تصوير المبهم الذي جعله المحقق النائيني قدس سره (2) متعلق الوجوب في الواجب التخييري . وانه كيف يمكن تعلق الوجوب به مع ان الارادة التكوينية لا يمكن تعلقها الا بغير المبهم وإنّما انشاء هذه النسبة بين الفعل والفاعل في الأوامر تكوين النسبة كما انه وقع الاشكال في الوضعيّات لعدم الفرق بينها وبين التكليفيّات في هذه الجهة ولذا جعل بعضهم باب بيع السلف والسلم من التضمين لان الكلي قابل للانطباق على كلّ فرد فاذا باع غنما فأي الأغنام يكون متعلق البيع كي يلزمه تسليمه إلى المشتري . والكلي بما هو كلّي ليس شيئا وانما الآثار على الخارجيات .لكن يمكن حل الاشكال بان هذه الامور ليست لها واقعية بل هي اعتبارات

فكيفما اعتبرت توجد وتترتب عليها الآثار الا انه مع ذلك قالوا بفساد بيع المرددبين الفردين وعدم شمول « أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ »(3) له وظاهرهم انه ليس لدليل خاص وان ذلك من باب عدم تحقق البيع لا ان البيع واقع والمبيع مردد . مع انهم جعلوا للامور الاعتبارية ملكية كما في عنوان الفقير والمسكين الذين هما فردان من مصارف الزكوة وليس الفقير الخارجي مالكا له فاذا اعطى انطبق ذاك العنوان عليه

ص: 324


1- . فوائد الاُصول 1/235 .
2- . فوائد الاُصول 1/235 .
3- . البقرة: 276 .

ويملكه . وكما في مثل الحكومة والدولة والهيئة الحاكمة بل مثل مناصب الامامة والولاية وأمثالهما مما لا يرث ما يختص بهذا الشأن من الآثار والأموال غير من يقوم مقام من مات أو انخلع مثلاً بخلاف أمواله الشخصيّة فان الوارث يرثونها دون ذاك هذا الا ان ذلك لا يصحّح تعلق الارادة التشريعية بالمبهم كما في الارادة والحبّ والبغض أيضا لابدّ من تعيين متعلق هذه الصفات خارجا تكوينا .

نعم يمكننا المساعدة على هذا المعنى وهو ثبوت الوجوب التخييري في الشريعة في مقام الاثبات المنشأ قبال الواجب التعييني الذي هو سنخ آخر من الوجوب الذي لا يجوز تركه بخلاف التخييري فيجوز تركه إلى بدل . ففي مقام الاثبات نرى انشاء النسبة بين الصوم والفاعل مثلاً فاذا لم يأت بعده بأو يكون تعيينيّا بخلاف ما إذا أتى بها فانه يوجب اثباتا كون الاعتاق مثلاً وكذا الاطعام المعطوف باو في عرض الواجب الأول الذي انشأ النسبة بين الفاعل وبينه ولا يستفاد الترتيب مع احتماله . لعدم امكان التكلم بها دفعة واحدة . فلا محالة يكون أحدهما سابقا في الذكر . ونتيجة هذا العمل أي إنشاء النسبة بين كل واحد من هذه المواد وبين الفاعل هو انتزاع سنخ وجوب تخييري في قبال التعييني . ولازمهجواز ترك كلّ عند الاتيان بأحدها . فالواجب له عدل أي الصوم ليس واجبا تعيينابحيث لا يجتزى بغيره بل له عدل سواء أتى به أو بعدله . فاذا أتى بأحدهما يسقط الآخر وفي هذا ليس من تعلق الارادة التشريعيّة أو انشاء النسبة بين المبهم والفاعل بل كل من هذه الأمور واجبة بهذا النحو . وليس هذا تقييدا في ناحية النسبة كي يكون وجوبا ناقصا لعدم امكان تعلق القيد بالنسبة التي هي معنى بسيط .

ص: 325

فان كان مختار المحقق النائيني قدس سره في الواجب التخييري الذي عبّر عنه بالمبهم هذا فنعم الوفاق .

والا فان أراد معنىً آخر فنحن لا نعقله . وليس هذا من الواجب المشروط وتقييد وجوب كل بعدم الاخر كي يتعدّد العقاب بل العقاب واحد وانما الواجب واحد فاذا لم يأت بأحدها فلم يترك الا واجبا واحدا .

والحاصل ان الواجب التخييري من جهة . نظير الواجب الكفائي . غاية الأمر الفرق بينهما ان العدل في الواجب التخييري في ناحية المتعلق وهناك في ناحية الموضوع . فان أمكن هذا فهو والا فلا مناص عن ما ذكرناه عن المحقق الخراساني قدس سره من كون الواجب في المقامين أمرا واحدا يكشف عنه وحدة أثره لعدم معقوليّة صدور الواحد عن اثنين بما هما اثنان فالمؤثر لابد أن يكون واحدا الا انه حيث لا نميزه نحن فأمر بيانه بيد الشارع على نحو لا ينطبق على غير هذه الثلاثة مثلاً فلا يكفي الزيارة والصلاة وغيرها بل العتق والاطعام والصوم مثلاً مصاديق الواجب المنحصرة . فالواجب في المقام يرجع إلى الواجب التخييري العقلي والفرق عدم تشخيص هذا السنخ من الواجب إلاّ ببيان الشارع فنسميه بالتخيير الشرعي بخلاف ذاك الذي يمكن القاء الجامع إلى المكلّف وخطابه بهومطالبته عنه الذي يمكنه تشخيص أفراده وأمر الطبيعة بيده فيكون ممحضا فيالتخيير العقلي هذا .

ثمّ لا يخفى ان الواجب التخييري لا يؤول إلى الواجب التعييني بل لو فرض انحصار الواجب في أحد العدلين لا يكون تعيينيّا وانما ينحصر الامتثال به وهذا غير صيرورته تعيينيّا للزوم الانقلاب عن الماهية المحال .

الاستدلال على المختار

تنظير الواجب التخييري بالواجب الكفائي

ص: 326

تكميل وتوضيح: ليعلم ان التزاحم له صورتان: فتارة يكون في مقام قدرة المكلف والامتثال للتكاليف المتوجهة إليه واخرى في مقام الداعوية والجعل . اما الاول فكما اذا كانت لكلا التكليفين مصلحة الزامية فعلية مثل اذا كانت نفسان في معرض التلف فيجب حفظهما معا مع انه لا قدرة للمكلف الا على امتثال أحدهما وحفظ واحد منهما فاذا صرف قدرته فيه فلا قدرة له على امتثال الاخر وحفظه وفي هذا الفرض تارة يكون حفظ أحدهما اهمّ من الآخر فيكون خطابه مطلقا وخطاب الاخر مقيدا بتركه . واخرى يكونان في عرض واحد كما اذا لم يكن النفسان اللتان في معرض التلف مثلاً الا مؤمنين لا مزية لأحديهما على الاخرى فهنا لا مجال لاطلاق الخطابين بل لابد من تقييد كل واحد منهما بترك الاخر بخلاف صورة الاهمية لاحديهما فخطاب المهم ترتبي .

اما التزاحم في الملاك يمكن تصوره بأن يكونا على نحو اذا استوفى أحدهما لا يكون للاخر مقتضى لذلك بحيث لو فرض طوليتهما في الاتيان خارجا في زمانين مثلاً لا يكون الواجب الا أحدهما .

بخلاف التزاحم في مقام الامتثال فان الواجب في الفرض المحال الذي أمكن له الاتيان بهما معاً كلاهما اذ ليس في ما نحن فيه ( باب تزاحم الملاك ) مصلحة لكليهما تامة مطلقة حال الاتيان بالاخر وعدمه بخلاف ذاك القسم فانه لولا قصور قدرة المكلف لكان اطلاق خطاب كل في حال اتيان الاخر وعدمهعلى حاله . وكذلك ليس المقام مما يمكن فيه فرض الكسر والانكسار ليكون النتيجة حكما ثالثا على خلاف مقتضى كل واحدة من المصلحتين أو المصلحة والمفسدة مثلاً كراهة أو استحبابا أو اباحة . كما انه لا يمكن على الفرض جعلهما

ص: 327

واجبين تعيينيّين فلا محالة يكون الجعل لكل واحد مشروطا بعدم الاتيان بالآخر واذا تركهما معا فبلحاظ حصول المعلق عليه في كليهما وهو ترك الاخر يكون قد ترك واجبين ويستحق عقابين . فاذا أمكن ما ذكرناه ثبوتا وصورنا تعلق الخطاب في مقام الاثبات بأزيد من واحد باو فهل بيان هذا النحو من الحكم يمكن باو أو يكون المكشوف بها معنى آخر ؟ الظاهر ان انشاء النسبة أو الطلب باو وان كان ممكنا لكنه ينتج وجوبا واحدا تخييرا بين الأفراد .

بعبارة اخرى يكون الواجب ذا عدل وكل واحد يكون عدلاً للآخر وهذا ينتج خلاف ما ذكرناه في مقام الثبوت فلابد وان يكون انشائه بنحو آخر . فاذا كانا معا سويين فيشترط وجوب كلّ بترك الآخر والا فيجعل الوجوب على الذي هو أهم في نظره واذا تركه على الآخر بنحو الخطاب الترتبي على ما سيجيء بيانه إن شاء اللّه . والواجب يكون في المقام اثنين .

اما ما ذكره المحقق الخراساني قدس سره (1) من تصوير الجامع الأصيل الذي لا نعرفه نحن وان كان مبناه على التأثير والتأثر الذي أبطلناه الا انه لا محيص عن الالتزام بما قاله بطريق آخر لعدم امكان استواء الفردين عند المولى في حصول الملاك بهما . فلابدّ أن يكون الأثر لشيء آخر يكونان فرديه من حيث عدم امكانحصول أثر واحد من مؤثّرين الا بالرجوع إلى جامع . وكذلك اقتضاء الجعلفيرجع التخيير الشرعي إلى العقلي ( كما أشرنا إليه ) وعدم قدح عدم معرفتنا للجامع في كونه هو الواجب . غاية الأمر بيان مصاديقه بيد الشارع .

هذا تمام الكلام في التخيير ثبوتا .

ص: 328


1- . كفاية الاُصول 1/225 .

التخيير بين الأقل والأكثر:

فتارة يكون في الافراد فيرجع إلى التخيير العقلي كصوم يوم طويل أو قصير في الكفارة أو اطعام رجل قليل الأكل أو كثيره فيما اذا وجب عليه الاطعام ولا اشكال في امكانه ووقوعه لكون الواجب في الأول هو الصوم وفي الثاني الاشباع .

واخرى يكون بين الواجبين كالقصر والاتمام في مواضع التخيير لكن يشكل تصويره لكون الزائد على الأقل بناء على كون الأكثر واجبا شرطا بخلافه على الأقل فيكون مانعا فيرجع إلى المتبائنين . كما كان محل الكلام في التصاوير الثبوتية المتقدمة آنفا . وذلك لا اشكال فيه انماالكلام في كون ذلك على نحو لا يرجع إليه كما في التسبيحات الأربع مثلاً . فاذا أراد الأكثر فلا ينطبق الواجب على الأقل واذا أتى به فلابد في صدق الواجب من ضم الباقي إليه . أو كما في الخط الطويل فانه ما لم ينقطع يكون خطّاً واحدا أو كما في الكلام في سجود السهو فاذا تكلم كثيرا بلا فصل بجملات متعددة بلا تخلل ما يوجب معه صدق التعدد فلا اشكال في وجوب السجدتين عليه مرّة واحدة . مع انه اذا تخلل ذلك فتجبان مرات لكن مسئلة الخط الطويل والقصير وتنظير باب الأقل والأكثر عليه لا يخلو من مسامحة ومناقشة .

فالأحسن التنظير بما ذكرنا من مسئلة التكلم واثباتا بمسئلة القصر والاتمام فانه بهذا النحو لا مانع فيه واذا قلنا بكون الصلاة ماهية واحدة في القصر والاتمامفلا يجب التعيين في اول الشروع فيها بل بكل ما حصلت قصرا أو اتماما تكون الصلاة مجزية وأمّا مسئلة التسبيحات فمرّة واحدة والزائد عليها مستحب هذا

التخيير بين الأقلّ والأكثر

ص: 329

تمام الكلام في الواجب التخييري(1) .

الكلام في الواجب الكفائي:

استراح المحقّق الخراساني قدس سره (2) في تعريفه بأ نّه نحو وجوب يكون من آثاره ما هو المعروف المترتب عليه من استحقاق الجميع للعقاب بتركه والسقوط عن غير الواحد بفعله وصدق الواجب على كل ما يأتي به كل واحد دفعة واحدة وجعل المحقّق النائيني قدس سره (3) متعلق الوجوب في الواجب الكفائي الطبيعة لا بما هي هي بل صرف الوجود منها الذي نتيجته انطباق الصرف على كلّ من قام بالمكلف به . ونظّره بما إذا كان الواجب على المكلف صرف الطبيعة لا مطلق الوجود .

كما إذا قال: أكرم العالم أو اشرب الماء ممّا يكون المطلوب منه صرف الوجود الحاصل بأوّل وجود الطبيعة لا مطلق الوجود الانحلالي وحينئذٍ فكما انه يمكن تعلق الخطاب بالمكلف المعلوم باكرام العالم أو شرب الماء الذي ينطبق على كلّ فرد فرد من العالم والماء مع انه مبهم كذلك في ناحية نفس المكلف يمكنتوجهه إلى صرف الطبيعة وعليه فان تركوه جميعا يعاقبون واذا قام به واحد منهم يسقط عن الباقين ضرورة كونه لازما لما إذا كان المطلوب صرف الطبيعة منصرف وجود الطبيعة للمكلف . كما في غير ذلك من الموارد مثل ما اذا كان المال

في تصوير الواجب الكفائي

ص: 330


1- . وللمحقّق البجنوردي كلام آخر في التخيير بين الأقل والأكثر عقلاً بحيث لا يرجع إلى المتبائنين وفي الشرعي أمكن لكن هو صرف فرض . منتهى الاُصول 1/226 .
2- . كفاية الاُصول 1/228 - 229 . قال في الكفاية التحقيق انّه سنخ من الوجوب وله تعلّق بكلّ واحد بحيث لو أخل بامتثاله الكل لعوقبوا على مخالفته جميعاً .
3- . فوائد الاُصول 1/235 - 236 .

الموقوف على عنوان الموقوف عليهم . فانه يعطى لن ينطبق عليه العنوان وان كان جديد الورود في المدرسة مثلاً أو داخلاً في العنوان وغيره الخارج سابق في ذاك الا انه خرج عن المدرسة . لكن فيه نظر وتأمّل .

والحاصل ان كان الابهام في المكلف مضرا فليكن في المكلف به أي متعلق المتعلق كذلك مع انه بمكان من الامكان . فان التكاليف على قسمين: فتارة بالنظر إلى متعلقها يكون المطلوب صرف الوجود منها . واخرى مطلق وجود الطبيعة . لكنه يشكل ذلك بانه لو كان انطباق صرف الوجود يحتاج إلى امتثال التكليف والقيام به فهذا باطل والا فقبل الامتثال لابد أن يكون الكل مكلفا به . اذ لا معنى لكون المكلف هو الطبيعة . بل لابد من كونه وجودها وبالمعنى الجامع بين الأفراد والوجودات لا وجه له لاستلزامه كون الوجود له وجود ينطبق على كل فرد من الوجودات وهذا أيضا فاسد فتدبّر جيدا(1) .

وتلخص ممّا سبق انه لا معنى للجامع الذي ذكره المحقّق النائيني من كون الوجود جامعا متعلقا عليه الوجوب وهو الذي يجمع الوجودات كما هو واضح . الا أن يرجع إلى ما نظرّه عليه من كون المكلف هو صرف الوجود الذي ينطبق على كل فرد من أفراد المكلف إذ كما انه لا اشكال في كون متعلّق التكليف أو متعلقه صرف الوجود قبال مطلق الوجود الذي يكون المطلوب فيه كل فرد منأفراد الماهية كما لو وجب اكرام كل عالم ( ومثال وجوب صرف الوجود اكرامعالم ) فالقيود والخصوصيات في صرف الوجود ملغاة بالكليّة . فلم يلاحظ فيه

ص: 331


1- . وللمحقّق البجنوردي قدس سره منتهى الاُصول 1/226 كلام استظهر فيه كون حال الواجب الكفائي في الترديد والدوران بعينه حال الواجب التخييري . غاية الأمر الترديد والتخيير في التخييري كان في المكلّف به وهنا في المكلّف إلخ والظاهر رجوعه إلى بعض ما تقدّم .

خصوصيّة أصلاً فاذا أتى يفرد من الأفراد يتحقّق به الامتثال . فكذلك يمكن تصوير هذا المعنى في ناحية موضوع التكليف والمكلف . بأن يكون صرف وجوده موضوعا للحكم الذي ينطبق على كلّ فرد من أفراده ولازم هذا المعنى هو مطلوبيّة صرف وجود الطبيعة من صرف وجود المكلف . فاذا أتى به واحد منهم سقط عن الباقين . كما انه اذا لم يأت به واحد منهم يعاقب الجميع على تركه . واذا قام به واحد فلا بقاء للموضوع كي يكون لباقي الأفراد مجال تكليف وامتثال واذا لم يأت به واحد منهم متقدّما على باقي الأفراد وأتى به الكل كان الكل مثابا . فاذا أمكن تصوير مثل هذا الوجوب ثبوتا اذ لا وجه لامتناعه واستحالته بل هو واقع فيكون الأدلّة في مقام الاثبات كاشفة كافية عنه . ومن هذا القبيل الواجبات النظامية الدخيلة في الامور الدنيويّة والاخرويّة من الاشغال والمكاسب التي يحتاج إليها الناس في أمور معاشهم أو تحصيل العلم الديني في ما يرجع إلى حفظ اعتقاد الناس ودفع شبه المخالفين والملحدين وما يرجع إلى ضبط الأحكام واستنباطها . لكنه اذا أتى به من به الكفاية سقط عن الباقين بالنسبة إلى كل قطر ومحل ( قال اللّه عزوجل: « فَلَوْ لاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا »(1) الخ ) ومن هذا القبيل دفن الأموات وتكفينهم والصلاة عليهم وهذا أحد وجوه تصوير الواجب الكفائي .

ويمكن له تصوير آخر يرجع إلى الواجب المشروط وتوجه الوجوب علىكل في ظرف ترك الآخرين أو بنائهم على الترك . أو بنائهم عليه مع الترك فان كانالأول فعند الموت للميت مثلاً يكون الجميع مخاطبا بالواجب ويلزم الكل امتثاله

تصوير آخر

ص: 332


1- . التوبة: 123 .

واذا أتى به البعض سقط عن الباقين . اذ لا موضوع إلى أن يحصل العلم باتيان بعضهم . وعلى هذا يشكل مثل تجهيز الأموات فيما إذا لم يعلم بالصلاة عليهم والقيام بأمورهم على الوجه المعتبر . الا اذا جرى في ما اذا علم اصل الفعل وشك في الصحة والفساد اصالة الصحّة في فعل الغير لكن تقدم في بعض المباحث الاصولية في الدورة السابقة من سيّدنا الأستاذ قدس سره الاشكال فيها .

وارجاعها إلى أصل عدم النسيان والسهو الذي هو مما بنى عليه العقلاء وعلى الثاني . أي بنائهم على الترك فاذا علم من الآخر ذلك يجب عليه كما اذا كانوا كلهم بانين على الفعل فلا وجوب في حق أحدهم لعدم حصول شرط الوجوب اذ هو بنائهم على الترك وليس حاصلاً ولو في حق أحدهم . وهذا فاسد فلا وجه للذهاب إلى كون البناء على الترك شرطا للوجوب على الباقين . وكذلك الثالث فانه اذا لم يكن لأحدهم البناء على الاتيان يجب على الباقين . كما انه اذا بنوا جميعا على الاتيان وأتوا به فلا وجوب على أحد منهم لما ذكرنا . فيبقى الوجه الاول سالما عن هذه المحاذير فحينئذٍ يجب على كلّ واحد منهم إلى أن يعلم السقوط ويمكن هنا تصور وجه ثالث بكون الكل مكلفين باتيانه تعيينا . لكن باتيان البعض يسقط عن الباقين . وثمرات هذه الوجوه مختلفة في جريان البرائة في صورة الشك وعدمه .

تحقيق المقام(1) والذي يقتضيه النظر الصحيح عدم امكان كون الواجب

ص: 333


1- . والمحقّق العراقي قدس سره نهاية الأفكار 1/394 جعله سنخاً من الوجوب متعلّقاً بفعل كلّ واحد من أحاد المكلّفين وأرجعه كما في الواجب التخييري إلى تعلّق وجوب ناقص بفعل كلّ واحد من المكلّفين بنحو لا يقتضي إلاّ المنع عن بعض أنحاء تروكه وهو تركه في حال ترك بقيّة المكلّفين وللسيّد العلاّمة الخوئي قدس سره ( محاضرات في اُصول الفقه 44/8 - 9 ) تصويرات أربع في الواجب الكفائي ورأي ان مقتضى الاطلاق هو الواجب العيني على جميعها أحدها توجه التكليف إلى واحد معين عند اللّه يسقط بفعل غيره . الثاني: توجه التكليف إلى مجموع آحاد المكلّفين من حيث المجموع على نحو العموم المجموعي . الثالث: توجّه التكليف إلى عموم المكلّفين على نحو العموم الاستغراقي . الرابع: توجّه التكفيف إلى أحدهم لا بعينه المعبّر عنه بصرف الوجود وصحّح الأخير .

الكفائي واجبا عينيا بنحو ما اذا أتى به الاخر يسقط عن الآخرين أو تخييريا بحيث يكون واجبا على كلّ أحد عند ترك الآخرين لا ارادة الترك لعدم امكان الترك المتعقب للارادة أو ارادة الترك فقط موجبا للوجوب على الآخرين . وذلك لأن الخطاب المتعدد لا يمكن أن ينشأ عن ملاك واحد . حيث ان الملاك في صلاة الميت ( مثلاً ) ليس الا في صرف الوجود ولو فرض حصوله محالاً من غير المكلفين لما كان أحدهم موردا للخطاب بالاتيان .

نعم لو كان بالنسبة إلى كلّ مكلّف ملاك يخصّه لامكن الخطاب لكل مستقلاً والفرض انه ليس هناك الا ملاك واحد وهو اتيان صرف الوجود من الصلاة أو الدفن أو القتل مثلاً في ساب أحد الأئمّة علیهم السلام . ولا معنى لخطاب الكلّ باتيان هذا صرف الوجود بل لابد من توجه التكليف إلى من يقوم به ولو بنحو الابهام . وحينئذٍ فلا وجه لانكار كون الواجب في التخييري أحدهما لاتحاد الوجه في ما اذا كان المبهم متعلق التكليف أو متعلق المتعلّق أو يكون مخاطبا فكما انه يجوز خطاب شخص خاص باكرام عالم بنحو صرف الوجود الملغى فيه الخصوصيات .

كذلك يمكن الخطاب له باتيان أحد الصوم والعتق والاطعام مثلاً . كما انه لا اشكال في توجه التكليف إلى أحد عبيده لا بعينه لعدم دخل للخصوصيّات في ذلك بل ينطبق هذا العنوان على كلّ واحد منهم ويحصل الغرض بفعل واحد أيّا منكان .

ص: 334

والحاصل ان موضوع التكليف ومن يتوجه إليه الخطاب ويكون واجبا عليه اتيان المتعلّق ليس الا صرف الوجود الذي ينطبق على الجميع . لكن لا أن يكون لكل واحد من المكلفين خطاب خاص . بل قلنا ان المخاطب ليس الا صرف الوجود . غاية الأمران الصرف حيث لا يكون أحدهم بعينه . بل ينطبق على الكل يكتفي في الامتثال بذلك فلا يكون حينئذٍ كلّ واحد مخاطبا بخطاب يخصّه عينيا تعيينيا أو على التخيير .

نعم لو كان في كل واحد ملاك خاص أمكن توجيه خطاب خاص به كما في انقاذ الغريقين ضرورة تعدد الملاك ولو مساويا في انقاذهما . ولذلك حيث لا قدرة للمكلف على امتثال كلا الخطابين يقيد اطلاق كل خطاب بنصّ الاخر وينتج الوجوب التخييري . وليس المقام من هذا القبيل لأنه ليس الا ملاك واحد ولا هناك ملاكات متعددة حسب تعدد أفراد المكلفين . والا فلابد من خطابات متعددة كذلك .

وعلى هذا فالواجب الكفائي يكون ما ذكرنا ويساعده العرف المبتني عليه نظام معاش العباد .

ثم ان المحقق النائيني قدس سره (1) نظر بمسئلة التخيير ما اذا كان هناك اثنان وردا على ماء واحد يكفي لوضوء أحدهما فهل يبطل تيمم كليهما أو يصح من كليهما أو يبطل من أحدهما لا بعينه دون الاخر لصدق صرف الوجود أو يكون مراعى بتمكن أحدهما من الطهارة لتملكه الماء بالحيازة فاذا سبق أحدهما الماء يكونوضوئه صحيحا ويوجب بوجدانه الماء بطلان التيمم .

إذا كان هناك اثنان وردا على ماء يكفي لوضوء أحدهما

ص: 335


1- . لم يذكر في التقريرات .

وأمّا الاخر ففي بطلان تيممه وصحته وجهان . لا يبعد القول بصحته لكشف عدم الوجدان اخيرا عن صحته اولاً .

نعم ان وردا عليه معا بمعنى حيازته فلا يكون كل واحد منهما واجدا واذا سبق أحدهما اليه فلا يجوز اتلافه ولا بذله بل يجب تحصيل الماء ولو بحفر البئر وغيره .

اذا لم يكن حرجيا اجحافيا مثلاً فكيف بالمقام .

ويمكن أن يقال حيث ان الماء مباح لهما فكل واحد يصدق انه واجد له فيبطل تيممه وبحيازة الاخر يعيده .

واستشكل سيّدنا الأستاذ قدس سره ما أفاده المحقّق النائيني قدس سره من بطلان تيمم كل منهما لصدق الوجدان ( ولا يلتزم بذلك المحقق ) في الفقه حيث ان مجرد وجود الماء لا يكفي بل لابد من التمكن من استعماله . ولذا ذهب المشهور إلى صحّة التيمّم والصلاة المتأخرة عن الصلاة التي أتى بها بالتيمم لعدم وجدان الواجد فى أثنائها الماء وبعد الفراغ من الصلاة صار غير متمكن . اما لفقدان الماء أو لأمر آخر

فانه لو لا هذا لكان التيمم باطلاً . فلا وجه للقول ببطلان كلا التيممين في ما نحن فيه . بل لابد في ذلك من حصول التمكن من استعماله والا فبمجرد وجود الماء لا يمكن الحكم بنقض التيمم . فاذا سبق أحدهما الاخر وتمكن منه فيبطل تيممه ويكون من الآخر صحيحا والا فلو وردا جميعا عليه لا يكون أحد منهما متمكنا واجدا له .

نعم يقع الكلام في وجوب السبق إلى الماء وعدمه وان قلنا بوجوب الشراء

ص: 336

إذا كان في سعته كما في الرواية(1) ولو باضعاف الثمن من باب عدم اشتراط ذلكبالقدرة الشرعيّة بل جريا على القاعدة أو تعدينا عن مورد النص وهو الشراء بالسعة لامكن الالتزام به في المقام . الا ان الكلام في ذلك فانه لا يكون التعدي عن مورد النص الا بالظن القياسي الذي يكون من مستندات العامة . ووجوب الطلب على الفاقد غلوة سهم أو سهمين انما هو بالنص(2) وإن كان الأقرب وجوب الحفر اذا كان الماء في شبر أو ذراع ونحو ذلك وتمكنه من اخراجه لوجود الآته .

هذا تمام الكلام في الواجب الكفائي .

الكلام في الواجب الموسع والمضيق:

ومن انقسامات الواجب انقسامه إلى الموسع والمضيق واستشكل في كلّ منهما . فذهب قائل إلى امتناع الواجب الموسع لاستلزامه جواز ترك الواجب .

وفيه ان الوجوب الموسع لا يستلزم ترك الواجب . ونلتزم بعدم جواز الترك لكن الواجب ليس الا صرف الوجود في صرف الوجود من الوقت . فكما يجوز ترك الافراد العرضيّة في ظرف اتيان واحد منها كذلك بالنسبة إلى الأفراد الطولية وآنات الوقت . فاذا أتى بالواجب في ظرف من الوقت ينطبق على صرف الوجود يكون مجزيا مسقطا للأمر . وليس ظرف الواجب تمام الوقت حتى مع الاتيان به وانما يصدق ترك الواجب اذا تركه في تمام الأوقات التي ينطبق عليها صرف الوجود . كما انه ذهب قائل إلى امتناع الواجب المضيق ونتيجة الاشكالين اطلاق الواجب نظرا إلى عدم البعث قبل الوقت مثلاً في الصوم الذي هو أول طلوع الفجر

الكلام في الموسع والمضيق

ص: 337


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 1 ح 26 - 1 - 2 - 2 من أبواب التيمّم .
2- . وسائل الشيعة 3 الباب 1 ح 26 - 1 - 2 - 2 من أبواب التيمّم .

كالامتثال . اذ الاتيان بالصوم قبل الوقت يكون تشريعا محرما وكذلك بعد الوقتلاستلزام الانبعاث عن البعث زمانا ولو آنا أو آنين فحينئذ يكون الواجب في هذا المقدار متروكا لم يأت به لعدم امكان ذلك لانه لابد من الانفكاك بين زماني البعث والانبعاث .

وفيه ان ذلك يتم لو كان المقام من قبيل باب العلة والمعلول والأسباب والمسببات وكان هناك تأثير وتأثر اذ حينئذٍ مجال للقول بأن الطلوع الذي هو سبب لوجوب الصوم ما لم يحصل لا معنى للوجوب ولذلك لم يقع الفصل والانفكاك لكنه ليس الأمر كذلك بل المقام من باب الموضوع والحكم وان كان نظير باب العلة والمعلول في عدم جواز انفكاك الحكم عن الموضوع لاستلزامه الخلف والمناقضة . فان اول الطلوع كما انه يتحقق الموضوع يوجد الحكم والمكلف يمكنه الامتثال بلا تخلف الانبعاث عن البعث . فليقصد الصوم من اول آن الطلوع ويمسك قبل ذلك ولا اشكال فيه ولا محذور يعتريه كما ذكرنا في جواب اشكال الواجب المعلق فليراجع .

بيان آخر: سبق ان الواجب باعتبار توقيته بوقت ينقسم إلى الموقت والمطلق . والاول إلى المضيق والموسع . ولا اشكال في كل من القسمين ووقوعه والمطلق اما يكون وجوبه مع الفور أم لا . ثم انه اذا وجب الموقت فقيل بسقوطه بعد الوقت مطلقا إذا لم يأت به في الوقت وقيل بالثبوت لو كان التوقيت بدليل منفصل اما المقيد بالمتصل فلا يجب بعد الترك في الوقت اتيانه خارجه .

واختار المحقق النائيني قدس سره السقوط مطلقا ولا يخفى عليك ان محل الكلام ما اذا كان الواجب صرف الوجود وعلى هذا فلا اشكال في لزوم حمل المطلق

ص: 338

على المقيد ولا ثبوت بعد تعذر القيد كما هو الكلام في مطلق صرف الوجود .نعم اذا كان في مطلق الوجود فلا معنى للحمل كما اذا قال اكرم العالم ثمبدليل آخر قال اكرم العالم الهاشمي وانما يتنافيان اذا كان المطلوب في احدهما عين الاخر . وبعبارة اخرى كان المطلوب واحدا فحينئذٍ يقيد ولا يكون هناك وجوب بعد تعذر القيد . فكذلك في ما نحن فيه من بحث الموقتات فان التقييد بالوقت كساير التقييدات فيجري فيه ما يجري فيها .

اذا تحرر ذلك فوقع النزاع في ان القضاء في الموقتات هل هو بالأمر الأول أو بأمر جديد ؟ والاحتمالات ثلاث:

أحدها: كون الأمر الأول بالموقت من باب تعدد المطلوب مطلقا في حال الاختيار وغيره .

الثاني: كونه من باب وحدة المطلوب في حال الاختيار ثم في غير حاله وعدم القدرة على اتيان المقيد لذهاب الوقت وانتفاء القدرة على امتثال الموقت يكون الواجب هو المطلق من باب تعدد المطلوب .

الثالث: كون القضاء بأمر جديد أي بمعنى وحدة المطلوب ولازم الوجهين الاولين الحاجة إلى الكاشف . كالثالث فانه اذا لم يكن هناك كاشف فلا يعلم الوحدة أو التعدد من نفس الأمر . لما ذكرنا من حمل المطلق على المقيد اذا كان بدليل منفصل وفي المتصل يكون المطلوب من اول الأمر مقيدا .

والحاصل ان الكلام في كونه من هذا القبيل أو ذاك ؟ فذهب المحقق النائيني قدس سره (1) إلى كون القضاء بأمر جديد واستشهد لذلك بباب نذر الصوم ليوم

وجوب الواجب المضيق بعد الوقت

ص: 339


1- . فوائد الاُصول 1/239 .

معين على طريق وحدة المطلوب بحيث لا يكون في نية الناذر صوم يوم آخرعلى تقدير تركه في اليوم الأوّل .ومع ذلك أوجب عليه الشارع واتّفق عليه الفتوى بوجوب صوم يوم آخر وكذلك في مسئلة الحج اذا فات منه الحج في الموقف فانفصل الزمان بين الأمر الاول ومجيء الأمر الثاني .

نعم في مسئلة الحج يمكن الخدشة لعدم كونه من الموقت . بل انما يجب الفور ويحرم التسويف لكونه من الكبائر . وفي باب الصلاة أيضا يبتني على مقدمة وهي عدم جواز الصلاة في اقل من مقدار الركعة في الوقت ان قلنا بلزوم قصد الأداء والقضاء . وفي هذا المقدار من الوقت لا يتمكن من أحدهما لكنه لا يخفى عليك بطلان هذه المقدمة لصدق الفوت بمجرد عدم القدرة على اتيان تمام الصلاة في الوقت أو مقدار ما جعله الشارع أداءً للصلاة . ففي أقل من هذا القدر يمكن الاتيان بالصلاة لعدم الدليل على المنع وينوي القضاء لكونه صادقا عليه .

نعم ان اعتبرنا ذلك فيكون هناك زمان فاصلة بين الأمر الأول ومجيء الأمر الثاني فيكشف عن عدم كون الثاني هو الأمر الأول . بل هو أمر جديد والا فلو كان هو اياه فلا معنى لعدم وجوده في هذه القطعة من الزمان .

توضيح: عرفت مما سبق لزوم حمل المطلق على المقيد اذا كان المطلوب صرف الوجود للزوم التنافي اما اذا كان المطلوب مطلق الوجود فلا تنافي في البين كما اذا كانت الصلاة مطلوبة والصلاة في الوقت أيضا كذلك فانه لا تنافي بينهما بل يجمع بين الدليلين باتيان كليهما . فالحمل انما هو في مورد التنافي ولا مجال في هذه الصورة لحمل المقيد على الاستحباب وكون المطلوب في المقامين

ص: 340

واحدا وانما في المقيد رجحان وخصوصيّة تقتضي مزية له لاتصل إلى حد اللزوم لما ذكر في محله وهو وان كان مسلما عندهم الا انه يمكن المناقشة فيه .هذا كلّه في الواجبات .اما المستحبات فليس بنائهم فيها على حمل المطلق على المقيد .

اذا عرفت هذا . فاذا صار المطلوب من دليل ايجاب الصلاة الصلاة المأتي بها في الوقت سواء كان التقييد بالمتصل أو المنفصل فلا دلالة لذلك على مطلوبية أصل الصلاة في غير الوقت بل يدل الموقت على عدم الأمر به بعد مضي الوقت بلا اشكال . فاذا جاء دليل القضاء فلا ينبغي الريب في كون الوجوب عن مصلحة كما عليه العدليّة فلا يكون جزافا .

الا ان المحقق النائيني قدس سره (1) بنى على كون القضاء بأمر جديد استشهادا بما ورد في قضاء الفوائت من اطلاق لفظة الفوات والقضاء وهو انما يكون في مورد لا يكون للفائت بقاء بنحو يمكن تداركه باتيانه نفسه . لكن استشكله سيّدنا الأستاذ قدس سره بكشف تعدد المطلوب في الأمر الصلاتي الموقت بالوقت من دليل القضاء وحيث انه ليس هناك ما يتخيل كونه موجبا لحدوث مصلحة جديدة سوى الترك والترك ليس الا أمرا عدميا لا يصلح أن يؤثر في الأمر الوجودي ويجب به الصلاة خارج الوقت والاستشهاد بلفظة الفوات لا يتم لما هو واضح من صدق المطلق عند صدق المقيد فاذا فات من المكلف الصلاة في الوقت فقد فاتته الصلاة المطلقة أيضا ولذلك يصحّ اطلاق لفظة الفوات واطلاق القضاء بعناية تخيل وحدة المطلوب وانه قد فات بحيث لا يمكن اتيانه . فالدليل بهذا البيان يكشف عن بقاء

الاستدلال على احتياج القضاء إلى أمر جديد ومناقشته

ص: 341


1- . فوائد الاُصول 1/237 - 239 .

المصلحة الاولية لذات الصلاة وان في الوقت كان مطلوبان اصل الصلاة وكيفيتها باتيانها في الوقت فاذا فات الوقت وذهب لا يكون الواجب الممكن الاستيفاءفائتا من المكلف ويمكنه بعد اتيانه ولا وجه للنقض بالمغمى عليه لعدم وجوبأصل الصلاة في حقه لان من شرايط وجوب الصلاة كونه عاقلاً ولو بمقدار أداء الصلاة فاذا لم يكن كذلك فلا فرض عليه كي يصدق انه فاته ويشمله دليل القضاء . كما ان من شرايطه ادراك الوقت والا فقبل الوقت لا معنى لاتيان اصل المصلحة المضمون بالصلاة ولذلك لا نقول في النوم بعدم الفوت حيث لم يجعل من شرايطه القدرة . بل عليه القضاء .

نعم في المجنون ان لم يكن العقل شرطا للملاك فيصدق الفوت . لكنه يحتاج إلى الدليل وليس في البين ما يكشف عنه .

بيان آخر: قلنا ان اللازم في ما اذا كان المطلوب صرف الوجود حمل المطلق على المقيد بلا اشكال . حيث ان قوام الاطلاق عدم البيان والمقيد بيان فمعه لا معنى لبقاء الاطلاق لرجوع ذلك إلى التنافي . اما اذا كان الدليل من أول الأمر بلسان التقييد فلا اطلاق بل ينعقد الظهور في التقييد . اما في المنفصل اذا كان

هناك انصراف فنعم والا فالقدر المتيقن في مقام التخاطب لا يوجب التقييد .

وفي ما اذا كان المطلوب مطلق الوجود فلا تنافي بين المطلق والمقيد فنأخذ بكليهما ونحمل المقيد على الفرد الأكمل كما اذا أوجب اكرام الرجل العالم وأوجب أيضا اكرام العالم الهاشمي أو أوجب الوقوف بعرفات وأوجبه في يوم عرفة أو أوجب الصلاة وأوجبها في الوقت مثلاً اذا احر زكون ذلك من باب

ص: 342

مطلوبية مطلق الوجود . هذا(1) .ثم ان المحقّق الخراساني قدس سره (2) فصّل بين التقييد المتصل والمنفصل في ما نحن فيه من التقييد بالوقت فقال بعد نفي دلالة الأمر بالموقت على الأمر به خارج الوقت اذا لم يأت به في الوقت وفاته لو لم نقل بدلالته على عدم الأمر به .

نعم لو كان التوقيت بدليل منفصل لم يكن له اطلاق على التقييد بالوقت وكان لدليل الواجب اطلاق لكان قضيّة اطلاقه ثبوت الوجوب بعد انقضاء الوقت وكون التقييد به بحسب تمام المطلوب لا أصله(3) ( انتهى ) .

( قوله: لم يكن له اطلاق على التقييد بالوقت ) يحتمل وجوها ثلاثة:

أحدها: كون التقييد بلحاظ حال التمكّن وعدمه فاذا لم يكن لدليل القيد اطلاق من هذه الجهة وكان لدليل الواجب اطلاق فيجب اتيانه بعد الوقت سواء كان الفوت في الوقت عن تمكّن منه أو عدمه ولو كان نائما .

الثاني: أن يكون الاطلاق بلحاظ اتيان خارج الوقت وعدمه وانه سواء أتى

التفصيل بين اطلاق دليل الواجب وعدمه

ص: 343


1- . استظهر المحقّق العراقي قدس سره نهاية الأفكار 1/398 من الأدلّة وحدة المطلوب وان التقييد بالوقت بلحاظ أصل المطلوب وحينئذٍ فلابدّ من اثبات وجوب القضاء خارج الوقت وفاقاً للمحقّقين من قيام دليل عليه بالخصوص وأمكن عند المحقّق البجنوردي قدس سره كون القضاء بالأمر الأوّل إذا كان دليل الواجب مطلقاً ودليل التقييد مهملاً وان استشكل صدق القضاء عليه ( منتهى الاُصول 1/232 ) وهذا عين ما في الكفاية .
2- . كفاية الاُصول 1/230 .
3- . ورأى السيّد الخوئي قدس سره ( محاضرات في اُصول الفقه 45/252 - 253 ) هذا التفصيل في غاية الصحّة والمتانة كما صحّحه استاذنا المحقّق البجنوردي ( منتهى الاُصول 1/231 ) وعمما هذا التفصيل لساير القيود لكن راه شيخ مشايخنا المحقّق العراقي ( نهاية الأفكار 1/397 - 398 ) مجرّد فرض لاستظهاره وحدة المطلوب وعلى فرض الاجمال وعدم ظهور دليل التوقيت أنكر الاطلاق لدليل العبادة في الموقتات .

بالصلاة خارج الوقت أم لا . يجب اتيانه في الوقت فاذا كان كذلك فهو وإلاّ كان لدليل المطلق أي الواجب اطلاق يجب الاتيان به خارج الوقت .

الثالث: أن يكون الاطلاق بلحاظ أصل المطلوب ومراتبه في قبال بعض ذلك كان يكون دليل المقيّد مقيّدا ومبنيّا بلحاظ أقصى مراتب المطلوب لا أصلهفاذا كان كذلك فالوجوب والمطلوبيّة لم يقيّد مطلقاً بذلك القيد ففي حال عدمهوخارج الوقت إذا كان لدليل الواجب اطلاق فلم يفت منه سوى المطلوب الأقصى وإلاّ فأصل المطلوب بعد على حاله يجب الاتيان به .

ويحتمل أن يراد بعدم الاطلاق الاجمال إلاّ أن ذلك يرجع إلى بعض هذه الوجوه وأظهر هذه الاحتمالات والأنسب منها بكلامه قدس سره .

هو الثالث: حيث يقول بعد عبارته المتقدّمة ( وبالجملة(1) التقييد بالوقت كما يكون بنحو وحدة المطلوب كذلك ربما يكون بنحو تعدد المطلوب بحيث كان أصل الفعل ولو في خارج الوقت مطلوبا في الجملة وإن لم يكن بتمام المطلوب إلاّ أنّه لابدّ في اثبات أنّه بهذا النحو من دلالة ولا يكفي الدليل على الوقت إلاّ في ما

عرفت .

ثمّ قال: ومع عدم الدلالة فقضيّة اصالة البرائة عدم وجوبها في خارج الوقت ولا مجال لاستصحاب وجوب الوقت بعد انقضاء الوقت فتدبّر جيّدا ) .

ويمكن في صورة الشكّ القول بجريان استصحاب الحكم في نفس هذه الاجزاء الواجبة حيث انه يشكّ في ان وجوبها من باب تمام المطلوب وتعدّده فبمضي الوقت الوجوب ثابت لها أو انّه من باب وحدة المطلوب وان التقييد راجع

ص: 344


1- . كفاية الاُصول 1/230 .

إلى أصل المطلوب فيستصحب ذاك الوجوب الكائن على الصلاة الواجبة في الوقت لعدم استفادة الاطلاق من دليل القيد ولا دليل أصل الواجب وإلاّ فلو كان لأحدهما اطلاق بأيّ نحو فلا معنى للرجوع إلى الأصل العملي إذا لم يكن الشكّ في المقتضى بل وجود الرافع أو رافعيّة الموجود .إلاّ أنّه قد بيّن في محلّه عدم جريان الاستصحاب في أمثال هذه الموارد ولافي ما إذا كان الشكّ في الشبهة المفهوميّة فتدبّر جيّدا(1) .

تتميم: نسب المحقّق النائيني(2) إلى المحقّق الخراساني

المعنى الأوّل من المعاني الثلاثة وهو كون القيد في حال الاختيار والتمكّن . ففي حال عدم التمكّن والاضطرار بأيّ نحو كان ليس له قيديّة ولا يحتاج حينئذٍ في ايجاب الواجب إلى دليل آخر كقاعدة الميسور ونحوها . بل نفس الدليل الأوّل مقتضاه ذلك كما هو واضح . وفي صورة عدم اطلاق دليل القيد ولا دليل الواجب يكون المرجع أصل البرائة ولا وجه لجريان البرائة عن القيد لكونه خلاف المنة وهو وجوب الواجب على الشاكّ ( هكذا أفاده سيّدنا الأستاذ قدس سره وفيه نظر لأن ذلك إنّما يكون في مورد احراز أصل الوجوب والشكّ في القيد الزائد فاذا لم يكن لدليل الواجب اطلاق فلا مجال له كما اذا كان له الاطلاق ونشكّ في تقييده بالقيد وكذلك تعذّر القيد على فرض تقييد الواجب به ولا اطلاق لدليل الواجب . فحينئذٍ مقتضى القاعدة السقوط لكن لا يخفى عليك ان ذلك إنّما هو في مورد كون المطلوب صرف الوجود وإلاّ في مطلق الوجود لا تنافي كما ذكرنا كما . إذا كان الأمر دالاًّ

ص: 345


1- . أقول لا إشكال في جريان الاستصحاب حتى في ما إذا أحرزنا وحدة المطلوب وشككنا لعدم تعدّد الموضوع من ناحية الوقت .
2- . فوائد الاُصول 1/237 .

على التكرار وقال صلّ ثمّ أوجب الصلاة في الوقت فحينئذٍ يجب في كلّ ما يمكن أن يصلّي فيه من زمان وكذا في الوقت الكذائي وكذلك إذا كان المطلوب والمقيّد متخالفين بالنفي والاثبات . إنّما الكلام في ما يكون المطلوب هو صرف الوجودمن الطبيعة وسدّ باب العدم ومع ذلك يكون لكلام المحقّق الخراساني مجال فان معنى صرف الوجود هو اتيان الطبيعة بحيث تخرج من العدم إلى الوجود وهذا إنّمايتحقّق بأوّل وجود منها بحيث لا يكون الثاني واجباً بل لو أتى به هكذا امكان تشريعاً . نعم يمكن أن يكون مستحبّاً وحينئذٍ فبناءً على لزوم حمل المطلق على المقيّد على ما تقرّر في محلّه فالواجب إنّما يكون هو الفرد من الصلاة المأتي في الوقت وبمثال أوضح إذا كان الظهار سبباً لصرف وجود العتق بحيث يوجب خروج العتق من العدم إلى الوجود .

وقال: ان ظاهرت فاعتق . وقال في دليل آخر ان ظاهرت فاعتق رقبة مؤمنة . فامّا أن يحمل المطلق على المقيّد أو لا . فان كان الثاني فهو خلاف الفرض والمستفاد من الدليل من أنّ الواجب ليس إلاّ صرف الوجود وليس لثاني وجودها مطلوبيّة بحدّ الوجوب ) وإن كان الأوّل فمعناه كون الواجب هو العتق الخاص وصرف وجوده فاذا أتى باعتاق الرقبة الكافرة فلا يقال بالاجتزاء فكيف يلتزم به إذا لم يقدر على عتق المؤمنة ليس ذلك إلاّ لحمل المطلق على المقيّد وان المطلوب هو صرف وجود العتق متعلّقا بالرقبة المؤمنة . وايجاب مطلق الرقبة يحتاج إلى دليل آخر . كان يقول إن لم تعتق المؤمنة فاعتق الكافرة أو اعتق رقبة أو ان الدليل من أوّل الأمر صرّح بذلك كما إذا قال أعتق رقبة وقال في دليل آخر أعتق رقبة مؤمنة في حال التمكّن ولا يكون ذلك من تعدّد المطلوب . وحينئذٍ فالوقت إمّا أن

التقييد بحال الاختيار وعدمه

ص: 346

يكون قيدا للواجب أو لا ؟ فان كان قيدا فلا معنى للوجوب خارج الوقت لعدم مطلوبيّة أزيد من صرف الوجود .

والفرض ان الدليل الأوّل حمل مطلقه على مقيّده . ومع قطع النظر من ورود دليل القضاء لا يكون هناك واجبان بل واجب واحد مقيّد . حيث ان الوقت ليس مطلوبا ثانيا في قبال مطلوبيّة أصل الصلاة بل الواجب هو الصلاة في الوقت كماانه هي الصلاة مع الطهور .ثمّ انّه إذا فرض للدليل اطلاق بنحو يشمل خارج الوقت فلا يكون هناك مجرى الأصل بل مقتضى الدليل الاجتهادي الوجوب على فرض تسلّم ما ذكره المحقّق الخراساني قدس سره بل تسميته قضاءً مسامحة لعدم الفوت من المكلّف وإن الفائت هي خصوصيّة وبعض مراتب المطلوب وأقصاه فأصله قابل للدرك . هذا كلّه قبل ورود دليل القضاء . أمّا بالنسبة إليه فأفاد سيّدنا الأستاذ كما أسلفنا عنه

كشفه عن تعدّد المطلوب وإن الحمل على غير موضعه خلافا للمحقّق النائيني فذهب إلى كونه واجبا مستقلاًّ لأنّه بأمر(1) جديد نظرا إلى ما ذهب(2) إليه من عدم توجه خطاب أداء الصلاة ولا قضاءها في أقلّ من مقدار ركعة إلى الغروب فلو لا انه واجب مستقل جديد لم يكن هذا المقدار فاصلاً بين زمان الوجوبين الأداء والقضاء . بعده وما هو المسلّم من وجوب الصوم إذا نذر صوم يوم معيّن فلم يف به مع ان النذر إنّما تعلّق خطابه بالوفاء به وليس إلاّ صوم اليوم المعيّن ومع ذلك أوجب الشارع الصوم ليوم آخر وليس هذا إلاّ من باب كون القضاء بأمر جديد

ص: 347


1- . فوائد الاُصول 1/239 .
2- . ناقشه في منتهى الأصول بامكان شمول دليل وجوب القضاء . منتهى الأصول 1/234 .

لمصلحة عند الشارع فتأمّل .

أقول: كان ما ذهب إليه سيّدنا الأستاذ تبعا للمحقّق النائيني (1) من كون المطلوب صرف الوجود وحمل المطلق على المقيّد مبنى على ما بنوا عليه من كون قوام الاطلاق بعدم البيان والمقيّد بيان فلا يبقى هناك اطلاق بعد ورود المقيد لكنهغفلة من ان القيد ربما لا يكون على نحو يوجب هدم الاطلاق رأسا بل بمرتبة خاصّة ولا ينافي ذلك كون الواجب صرف الوجود وحينئذٍ فندور مدار الاطلاق .الكلام في الأجزاء: هل اتيان المأمور به على وجهه يوجب الاجزاء أم لا.

والمراد بالاتيان ما يؤدّي مؤدّي الامتثال وعلى هذا فقيد على وجهه توضيحي كما ان القيد احترازي لو كان المراد بالاتيان ما هو ظاهره والاقتضاء معناه الايجاب والعليّة والاجزاء الاكتفاء به وقيد على وجهه بمعنى ما اعتبر في المأمور به من الاجزاء والشرايط والقيود العدميّة سواء كانت شرعيّة أو عقليّة إن كان لها مصداق . كما إذا جعلنا قصد الأمر في التعبديّات عقليّا لا ان المراد بوجهه بمعنى قصد الوجه كالوجوب والاستحباب لعدم اعتباره ولو فرض اعتباره فمعه إلاّ ان محل الكلام ليس خصوص التعبديّات بل مطلق الأوامر تعبديّة كانت أو توصليّة وقسّموا المأمور به إلى واقعي وظاهري واضطراري . ولا اشكال في اجزاء الاتيان بكلّ منها عن أمره وانه يسقط أمره فاذا أتى بالمأمور به الواقعي لو كان مكشوفا للمكلّف عن اجتهاد أو تقليد فهو مسقط لأمره كما ان الأمر في الظاهري والاضطراري كذلك . ولا يخفى ان التقسيم ليس بلحاظ حال عدم انكشاف الخلاف في الأمر الواقعي بل باعتبار كونه مكشوفا ليس مؤدى الاصول

في اجزاء اتيان المأمور به

ص: 348


1- . فوائد الاُصول 1/237 .

بل بالأدلّة الاجتهاديّة والا ففي صورة كشف الخلاف لا فرق بين المأمور به الواقعي والظاهري وغيرهما بل القطع ربما يكون خلاف الواقع وما ذكر في الأمر الواقعي لو فرض له مصداق وإلاّ فلا يخلو باب من أبواب الفقه لا يكون هناك حاجة إلى الأصول أمّا في الشبهة الحكميّة أو المفهوميّة أو المصداقيّة لا أقل من القيود العدمية خصوصا على بعض المباني في الأمارات وان لها الطريقيّة التي تكون عذرا عند انكشاف الخلاف وعند الوفاق فهو أو بناءً على التعبّد والتنزيل فانها وإن كانت لها حينئذٍ ترتيب الآثار كالاستصحاب لكنه لا يكون الواقعمكشوفا بل في قبال الواقع إذ هو ما حكم الشارع حكما جعليّا انه هو الواقع .نعم ربما يمكن احراز الواقع بالاحتياط التام بمراعاة تمام ما يحتمل دخله في الواقع لكنه ربما يكون خلاف الاحتياط اذ احتمل لزوم الامتثال التفصيلي ويلزم التكرار في مورد دوران الأمر بين المحذورين كالشرطيّة والمانعيّة كما انه بناءً على انسداد باب العلم والعلمي فالتبعيض في الاحتياط مثلاً لا يكون واقعا وكذلك الأخذ بأحوط القولين أو الأقوال الذي مرجعه إلى الاحتياط الناقص .

والحاصل ان الاتيان بالمأمور به على وجهه مجز عنه أي عن أمره المخصوص به وإلاّ فالواقع على حاله لم يقيّد بموارد الامارات والطرق . امّا التكليف بمؤدّى الطرق الذي يوجد في كلمات بعض المحقّقين فلعلّه لا يريد التصويب بحيث لا تكليف علينا بالواقع وإلاّ فيتوجّه كلام الشهيد قدس سره من ان الاجزاء مساوق للتصويب وإن كان يمكن الجواب عن كلام الشهيد أيضا بما يرجع إلى مصلحة السلوك أو التسهيل ونحو ذلك .

وكيف كان فمدار البحث ليس على تحقيق الصغرى بل على فرضها ولا

ص: 349

يخفى الفرق بين هذا البحث وبحث تبعيّة القضاء للأداء وعدمه وكذلك بينه وبين مسئلة التكرار فانه لو قلنا بالتكرار في مسئلته يكون من صغريّات المقام وإن اتيان المأمور به على الوجه المعتبر فيه من التكرار يوجب الاجزاء أم لا ؟

تكميل: أنكر سيّدنا الأستاذ

قدس سره المصداق للمأمور به الواقعي فانه لا يكاد يوجد مورد نكون على قطع بالواقع بل ليس الاّ مؤدّى الأمارات والأصول ولو فرض حصول القطع من الأمارات إلاّ انه يحتاج مع ذلك إلى أعمال الأصول ولو في بعض جهات المأمور به مع ان مفاد الأمارات ليس إلاّ الحكم الظاهري ولو فرض حصول القطع بالحكم الواقعي فانه ليس خارجا عن مورد احتمال كشفالخلاف وعلى فرضه فلا يكون هناك أجزاء . بل ادّعى ان في مورد بعض الأصولربما يكون الأمر أعلى من الأمارات كالاستصحاب فانه في عرض الواقع ومعمم بالنسبة إليه .

والحاصل ان الواقع لا يكون له مصداق . نعم الأمر الظاهري كالأمر الواقعي إذا وجد . لا اشكال في ان الاتيان به على وجهه يوجب الاجزاء ولو على نحو العليّة فانه اذا فرضنا ان المطلوب ليس الا صرف الوجود لم نستفد من الأدلّة إلاّ هذا المقدار .

فاذا أتينا به على وجهه فاما أن تبقى المصلحة أم لا ؟ فان كانت باقية ويحتاج في اسقاط الأمر واستيفاء المصلحة إلى ثاني الوجود وأزيد فهو خلاف الفرض من قوام المصلحة بالصرف فلابدّ أن تكون المصلحة مستوفاة ولا بقاء لها وان الامتثال والاتيان أوجب استيفائها بتمامها وكمالها بحيث لا يبقى ما معه يستحب الاتيان ثانيا فضلاً عن وجوب الاتيان كذلك . والا فيكون خلاف ما

انكار مصداق المأمور به الواقعي

ص: 350

فرضناه أوّلاً وان المصلحة لم تقم بالصرف بل بمطلق الوجود أو أزيد من الفرد الواحد . وعلى هذا فلابدّ من سقوط الأمر وما يستحب في مثل صلاة الكسوف من الاعادة ثانيا وثالثا إلى الانجلاء فليس ممّا نحن فيه لكون المصلحة مختلفة موجبة لتعدّد الأمر الوجوبي في فرد والاستحبابي في أفراد . وكذلك الكلام في استحباب اعادة الصلاة المأتي بها فرادى جماعة فانه لابدّ أن تكون عن مصلحة أخرى موجبة للاستحباب لا ان الباقي من المصلحة الاولى ما أوجب اتيان هذا الفرد ثانيا والا فننتقل الكلام إلى هذا الثاني ولا مجال للاعادة ثالثا لعدم الملاك

ففي مثل هذه المقامات ليس إلاّ المصالح المختلفة كما لعلّه يرشد إليه بالنسبة إلىالاعادة جماعة ما روى(1) من انه تعالى يختار أحبهما إليه .ولا يذهب عليك ان ذلك غير مرتبط بحصول الغرض الداعي إلى الأمر فان اللازم تحصيله هو غرض الأمر الذي لا يمكن بقائه مع الامتثال اما الغرض الأصلي الموجب لذلك فليس من الواجب تحصيله ما لم يأمر به المولى . فاذا كان الغرض من طلب الماء بالأمر هو رفع العطش فليس من اللازم تعدّد الاتيان إلى أن يرفع عطشه بل الواجب امتثال خطاب ائتني بالماء وهو يحصل غرضه بأوّل مرّة ولا معنى للتعدد وإلاّ ففي المتعدد أيضا يكون الأمر كذلك لوحدة حكم الامثال فيما يجوز وفي ما لا يجوز .

فما يقال من الكشف انّا عن بقاء المصلحة ولو بمقدار الاستحباب قد عرفت ما فيه . وانه ليس عين تلك المصلحة باقية وانما الباقي مصلحة اخرى في عرض تلك المصلحة محسنة للاتيان هذا .

ص: 351


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 53/10 من أبواب صلاة الجماعة والسند فيه سهل بن زياد. وفيه كلام.

أمّا القبول فتارة يكون مرجعه إلى الصحّة فاللازم دخل كل ما هو شرط للقبول في صحّة المأمور به . واخرى يقال كما هو الحق ان القبول أمر آخر وراء الصحّة ولكلّ آثار فان أثر الصحّة اسقاط الأمر والاعادة والقضاء وللقبول التأثير في استعداد المكلّف المطيع الآتي بشرايط القبول كالمانع نفسه من حسد الناس ونصب العداوة والاقبال إلى اللّه في صلاته مثلاً وأمثال ذلك من الآداب المستحبّة فحينئذٍ لا ربط له بما نحن فيه فان الملاحظ شرايط صحّة الصوم بجميع ما اعتبر فيه من المستحبّات والواجبات وترك المكروهات لا يتوقّف صحّة صومه على الصلاة ولا على صحّتها بل إنّما يكون قبول صومه متوقفا على ذلك فالقبول مقام آخر غير الصحّة وكانه الاستعداد والأهليّة للتفضل عليه وحصول القرب والمنزلة عندالمولى المطاع واللياقة لمزيد العناية به وما يرجع إلى هذه الشؤون هذا .

الاتيان بالمأمور به الاضطراري .

ولا اشكال كما أشرنا في أجزائه عن أمره . إنّما الكلام في اطلاق كلام القوم بل استقرّت عليه الآراء في عصرنا الحاضر من الأجزاء عن الواقع لو زال العذر خصوصا بعد الوقت . لكن لا يخفى عليك ان هذه المسئلة مبتنية على جواز البدار لذوي الأعذار وإلاّ فيشكل الأمر خصوصا إذا زال العذر ولم يكن مأيوسا من ارتفاعه قبل آخر الوقت . فان الكلمة وان اتّفقت على الاجزاء لو بان زوال العذر فيما علم بعدم زواله قبل انتهاء الوقت إلاّ انه لا ريب ان العلم لا موضوعيّة له في المقام وإنّما هو طريق محض فكيف يمكن قلب الواقع به .

نعم . إذا يعلم عدم زوال العذر أو يرجوه فيجوز له البدار لكن مجرّد ذلك لا يوجب سقوط الأمر ما لم ينكشف حقيقة الأمر ببقاء العذر إلى آخر الوقت ولا

في اجزاء اتيان المأمور به الاضطراري

ص: 352

ربط بمسئلة تقييد الاضطرار كالضرر والحرج وأمثالها من العناوين الثانويّة للواقع .

والكلام في الصغرى في ما نحن فيه فاذا زال العذر قبل آخر الوقت فنكشف عن عدم الاضطرار من أوّل الأمر فكيف يجوز الاكتفاء بما لم يكن مأمورا به .

نعم إنّما يصحّ فيما لو كان الفاقد ( أي المأمور به الاضطراري واجدا لتمام المصلحة التي يتضمنها المأمور به الاختياري فحينئذٍ ولو انكشف الخلاف لا مانع من الاكتفاء بالمأمور به الاضطراري وإن لم يكن مضطرّا لكن أنّى لنا باثبات ذلك بل مادام الوقت لابدّ من تحقّق الاضطرار في المأمور به كي يصدق .وفي مسئلة التيمّم ربما يقال بغير ذلك للنص(1) إلاّ انه في غير مورده منموارد الاضطرار ومسئلة ذوى الأعذار لا يمكن القول بذلك بل لابدّ من تحقّقه في تمام الوقت ولا يخفى عليك انه ربما يكون له حكم آخر كما في الحج اذا لم يدرك عرفة ( أو المشعر ) فانه يدخل في موضوع من فاته الحج واما ان حجه ينقلب قهرابالعمرة المفردة أو بالنية وجهان .

تنبيه هامّ: ينبغي الاشارة إلى جواز تبديل الامتثال بالامتثال وعدمه فانه قد ذهب إلى جوازه بعض الأعلام(2) ومثل له بالماء وللمكلّف تبديل الامتثال بفرد آخر لكنه لا مجال لذلك . اذ المثال أيضا لا يخلو من مغالطة فان الامتثال الأوّل ان أوجب حصول الغرض من الأمر وسقوطه فلا معنى لانقلابه عمّا وقع عليه بارجاع

ص: 353


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 21 من أبواب التيمّم .
2- . كفاية الاُصول 1/127 .

المكلّف هذا الفرد إلى نفسه وتحويل فرد آخر للمولى وإن لم يحصل الغرض بالأوّل فهو خلاف الفرض .

ان قلت يمكن كون الامتثال عند العقلاء والراجع إليهم أمر الاطاعة والعصيان معلّقا في خصوص فرد بعدم تبديله بفرد آخر أو بعدم رجوعهم عنه إلى غيره سواء كانا مثلين أم للثاني مزية على الأوّل .

قلت: لا معنى لرجوع أمر التطبيق بيد العقلاء اذ انطباق المأمور به على المأتي به أوّلاً قهري ولا نصيب للعقلاء ولا الاختيار فيه وحينئذٍ فالاجزاء عقليّ وإنّما يتصوّر ذلك فيما لم يأت بفرد كما في ناحية العصيان فاذا عصى وانعدم الموضوع بالعصيان فلا معنى لارجاعه .

نعم يمكن ذلك بالنسبة إلى الأفراد الاخر .والحاصل: انه لا معنى لتبديل امتثال بامتثال آخر بل في ما ذكر من المثال من التعليق خروج عن مورد الكلام لعدم كون الاول ما امتثل به التكليف .

تنبيه: قد عرفت ان الاجزاء بالنسبة إلى كلّ أمر مسلم لا مجال للتشكيك فيه وقد اشترط في القبول أمور مع صحّة العمل بدونها . ولا بأس ببيان ما به امتياز كل منهما عن الاخر أو انهما معاً شيء واحد .

فنقول: لا اشكال كما تقدم سابقا ان الجزاء والثواب ليس ممّا يترتّب على فعل المكلّف بحيث يكون الفعل سببا له .

نعم ما يوجبه الامتثال واتيان المأمور به صحيحا مع الشرايط هو سقوط العقاب واستحقاقه . اذ لا يعقل العقاب واستحقاقه مع فرض صحّة العمل . فهذا القدر يوجبه الامتثال بلا اشكال ولا معنى للتفكيك بين الصحّة والقبول فيما يرجع

الفرق بين الصحّة والقبول

ص: 354

إلى هذا المعنى . لكن اعطاء الأجر والثواب يمكن اشتراطه بامور اخر واستعداد ولياقة أزيد غير ما اعتبر في اتيان العمل على نحو يوجب سقوط الأمر والأداء والقضاء في طول الامتثال .

فالعمل الصحيح اذا لم يصادف موانع القبول فيتقبل ويترتب عليه الأجر ويثاب عليه الا انه قد لا يكون كذلك وهناك موانع من ذلك عدمها دخيل في القبول وترتب الأجر والثواب . ولا اشكال في ذلك ولا مانع منه عقلاً . كما ان في ناحية العقاب يمكن رفع التوبة له وايجابها العفو عن الذنوب وعدم تأثيرها في عقابه ( أي الذنوب لم تكن علّة لترتّب العقاب ) بل اذا لم تتعقب بالتوبة مثلاً .

هذا تمام الكلام في ما يرجع إلى الاجزاء في كلّ مورد من أمره وجواز تبديل الامتثال وعدمه .الكلام في المأمور الاضطراري والاتيان به: والبحث تارة في ارتفاعالعذر قبل انتهاء الوقت واخرى بعده . اما الأوّل فقد يقال بالاجزاء نظرا إلى أن مثل باب الصلاة مقتضى الأدلّة وجوبها والطهور بزوال الظهر . وقبل ارتفاع العذر . يسئل هل يكون المكلّف مأمورا بالصلاة في حاله الاضطراري من فقد الطهارة المائيّة أو الاختياريّة بل بالطهارة الجبيريّة أو بوظيفة سلس البول وأمثال ذلك من موارد الاضطرار أم لا بل المكلف به خصوص الصلاة التي يكون الاضطرار بالنسبة إلى بعض ما له دخل فيها مستوعبا ؟ لا اشكال في دلالة الأدلّة على الأوّل وانه مأمور بالصلاة في ظرف الاضطرار ) لكونه مأمورا بها فيجزي .

ولا يحتاج إلى بقائه إلى آخر الوقت والا فيكون هذه القطعات من الوقت كقبله وهو خلاف الفرض فحينئذٍ لو فرض العلم بزوال العذر أو رجائه قبل الانتهاء

ص: 355

فيجوز له البدار .

الا انه قد عرفت سابقا عند الجواب عن اشكال الواجب الموسع ان الوقت المفعول فيه ليس الا ما يسع المظروف وهو صرف الوجود من الوقت والتخيير بيد المكلف في تطبيق الصرف على أحد الاحيان التي له الأداء فيها . فالتخيير في المقام عقلي .

نعم لو كان شرعيّا وفي كلّ آن كان له الأمر فكان من الجائز البدار في حقّه للأمر الا ان الأمر ليس كذلك . فحينئذٍ فالمأمور به هو صرف الوجود في صرف وجود الوقت . واذا يدري بزوال العذر قبل انتهاء الوقت فكيف يجوز تطبيق الصرف على قبله بعد كون المطلوب منه حفظ الوقت وساير ما اعتبر في المأمور به فيدور الأمر في هذه الموارد بين المحذورين فلابدّ من مراعاة الأهم كما استفدنا ذلك من عدّة موارد جزئية مفيدة لاهميّة الوقت . كما اذا دار الأمر بين حفظ القياموالوقت أو الركوع والوقت أو الطهارة المائيّة والوقت وكما اذا فرض بالتيمم يدركتمام الصلاة أو غير التشهّد لكن لا يدرك بالطهور المائي الا مقدارا من الصلاة . ففي هذه الموارد لا اشكال في وجوب حفظ الوقت ولو استلزم فوات هذه المذكورات . فمن هذه الموارد استكشفنا الاهميّة . فعند الدوران يكون مراعاة الوقت أهم وأولى . فيكون مساويا لغيره وحينئذٍ فيتخير أو يصبر إلى أن يتمكن من القيد أو الجزء في خارج الوقت . وعليه اذا كان له القدرة على صرف وجود الصلاة مع الشرايط تامّة في صرف وجود الوقت فلا يصدق في حقّه الاضطرار إلى القعود أو الاضطجاع أو الطهارة الجبيريّة أو الترابيّة وأمثالها من موارد الاضطرار لتمكّنه

من صرف الوجود المطلوب من المختار .

اشتراط الاضطرار في تمام الوقت

ص: 356

نعم وردت الرواية(1) في الطهارة الترابيّة دون باقي الموارد .

والنتيجة ان الأبحاث أربعة: اثنان منها متعلقان بالمأمور به الاضطراري . فانه تارة يرتفع الاضطرار في الوقت بحيث لا يكون العذر مستوعبا لتمام الوقت وأخرى يكون مستوعبا له ويرتفع العذر بعد الوقت . وهذان القسمان يتحقّقان في الأمر الظاهري لما سبق من عدم المصداق للأمر الواقعي بحيث يكون تمام المأمور به ثابتا به واثنان متعلّقان بالمأمور به بالأمر الظاهري وكشف الخلاف تارة بالقطع واخرى من قبل تبدل الاجتهاد .

وانكشاف الخلاف ظنّا فهي أربع مسائل وقد عرفت ما هو الحق عندنا في المسئلة الاولى وهي ارتفاع العذر في الوقت وعدم استيعابه لتمامه .

الا ان المحقّق النائيني قدس سره (2) بنى الكلام على جواز البدار وعدمه وانّه لو قلنابجوازه وقلنا ان هذا الحكم ليس حكما ظاهريّا بل حكما واقعيّا لا يتحقّق بالنسبة إليه انكشاف الخلاف فهو أي الأمر الاضطراري اتيانه مجز عن المأمور به الواقعي والا فلا وهذا كما ترى يشبه القضيّة بشرط المحمول . فان جواز البدار وعدمه انما يكون اذا احرزت المصلحة في المأمور به الاضطراري وان هناك أمرا وقد عرفت اختلاف الكلمات فيه على أقوال . فمن قائل بجواز البدار حتى في صورة القطع بزوال العذر قبل انقضاء الوقت . وقائل بجوازه عند اليأس عن الزوال في الوقت ولعلّ بعضهم ذهب إلى الجواز عند رجاء الزوال وان اتّفقت الكلمة في عصرنا الحاضر على عدم جوازه اذا يعلم بزوال العذر .

ص: 357


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 21 من أبواب التيمّم الباب 14/9 - 11 - 13 - 17 .
2- . فوائد الاُصول 1/245 .

ومن العجيب ما نقله المحقّق النائيني قدس سره هنا عن بعضهم من تنظير المقام وقياسه بباب بدل الحيلولة وانه كما ان الضمان لما أتلف من مال الغير يتحقّق به اما بالمثل أو القيمة اذا تلف . كذلك يجب عليه بدل الحيلولة اذا لم يتلفه ولكنه غرق في البحر بتسبيبه وهو لم يتلف الا انه لا يمكن اخراجه الا بعد شهر أو ستّة أشهر فان المال وان لم يتلف لكن الانتفاعات التي كانت للمالك عند عدم حيلولته سلبت منه وكذا سلطنته على المال وتصرفاته فيه من بيع وشراء وغير ذلك . فحينئذٍ يجب عليه تسليم ما يكون بدله مادام في الحيلولة . كذلك في المقام يكون المأمور به الاضطراري في فرض كون الاضطرار في بعض الوقت بدلاً عن الواقع مادام الاضطرار باقيا وبعد ارتفاع العذر والاضطرار يكون المأمور به هو الاختياري لكنه لا يخفى عليك فساد المقيس والمقيس عليه . فان بدل الحيلولة لا أساس له وأحسن ما قيل فيه ما ذكره الشيخ قدس سره في كتاب البيع وإن كان غير خال عنالاشكال . وكذلك تنظير المقام عليه بل الأمر بالعكس وان الواقع الاختياريالمأمور به الاولى يكون في عهدته .

والحاصل ان الكلام في المسئلة من حيث الحكم الفقهي وانها انعقد عليها الاجماع وان الاتيان بالمأمور به يجزي ولا يجب عليه صلاتان إلاّ ان البحث في الصغرى وتعيين المأمور به وقد ذكرنا انّ كلاًّ اختار مذهبا ولا اشكال فى ان الاتيان به يجزي عن الواقع .

ثمّ ان الفاقد لبعض قيود الاختياريّة بسبب الاضطرار إمّا أن يكون وافيا بتمام مصلحة الواجد للقيد أو الجزء الواقعي الاختياري أم لا . وعلى الثاني فالمقدار الباقي اما أن يمكن استيفائه أو لا . وعلى الأوّل إمّا أن يكون بمقدار ما

فساد قياس المقام ببدل الحيلولة

ص: 358

فيه ايجاب التكليف الوجوبي على المكلّف أو الاستحبابي . وإمّا عدم قيامه بشيء فلا يعقل بعد تعلق الأمر به في صورة الاضطرار وعلى الأوّل أي ( وفاء الفاقد بتمام مصلحة الواجد الاختياري ) في هذا الحال فلا يجب علينا بعد الاتيان بالاضطراري شيء . كما انه على عدم الوفاء وعدم امكان الاستيفاء . وكذلك اذا كان ممكنا لكن لا يكون واجبا فالاحتمالات انما يفيد واحد منها في وجوب الواجد بعد ارتفاع الاضطرار لو كان هناك دليل في مقام الاثبات على ذلك .

لكن حق المقام ما ذكرنا من عدم تحقّق الاضطرار بصرف الوجود اذا لم يكن باقيا إلى تمام الوقت .

نعم إذا يحتمل بقائه إلى آخر الوقت يجوز له البدار رجاءً اذا لم نستشكل في ذلك . والا فعلى فرض لزوم الامتثال التفصيلي فلابدّ من الصبر إلى آخر الوقت فاما أن يكون العذر باقيا فيأتي بالاضطراري جزما أو لا فبالاختياري كذلك . الاّ انه لو فرض اطلاق لدليل الاختياري وانه يجب حتّى اذا جاء بالميسور الفاقدلبعض ما اعتبر فيه فلا نضائق بوجوب استيفاء الباقي من المصلحة التي لم تستوفبالاولى .

هذا ملخص الكلام في المسئلة الاولى وفي المقام فروع فقهيّة كثيرة .

الثانية: ما إذا بقي الاضطرار إلى آخر الوقت وأتى بالمأمور الاضطراري، فهل يجزي عن المأمور به الواقعي أم لا ؟ وبما ذكرنا تعرف انه لا مجال للاشكال في الاجزاء حيث انه في صورة الاضطرار لا مجال للأمر بالمأمور به الواقعي خصوصا مع لزوم مراعاة الأهم ( أي الوقت ) فلابدّ في فرض تشريع الفاقد من رفع اليد عنه في الوقت لعدم القدرة عليه ثم في استيفاء مصلحة الواجد وعدم

ص: 359

استيفائها يأتي التفصيل المتقدّم آنفا . وعلى احد الاحتمالات يجب عليه بعد الوقت الاتيان بالمأمور به الاختياري لعدم استيفاء الملاك الا انه لا دليل عليه اثباتا . بل على فرض انكشاف بقاء الملاك بقدر ايجاب الصلاة مثلاً وجوبا لا يلزم شيء على المكلّف لعدم كوننا دائرين مدار الملاك والمصلحة . بل الأمر وفي باب الصلاة انما يجب اذا فات من المكلف فريضة لا مطلق الملاك . وعند الشكّ في الفوت لا يمكن احرازه بالكبرى لرجوعه إلى التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة .

فتلخّص: ان مقتضى الأدلّة كون الاتيان بالمأمور به الاضطراري مجزيا عن الواقع بالنسبة إلى رفع الاضطرار خارج الوقت .

توضيح وتبيين: قد ذكرنا ان الاضطرار إذا كان في بعض الوقت فلا يوجب تقييد الواقع وان الاتيان بالمأمور به الاضطراري لا فائدة فيه . بل ليس بمشروع . أمّا إذا كان الاضطرار في الوقت وكان مستوعبا لتمامه فهل يجزي عن المأمور به بالأمر الواقعي أم لا ؟ قد ذكرنا ملخّصا من الكلام فيه . لكن يحتمل ثبوتاان القيد المتعذّر المضطر إلى تركه والذي لا يتمكّن منه له الدخل مطلقا سواءتمكّن أم لا اضطراري تركه أم لا ذاكرا له أم ناسيا .

كما يحتمل كون قيديته منحصرة بحال التمكّن وفي حاله ولا قيديّة له في غير حال التمكّن . وليعلم ان الأبواب هناك ثلاثة:

أحدها باب تبدّل الموضوع فالصلوات الاضطراريّة كمطلق التكاليف الاضطراريّة إن كانت هي الواقعيّات الثانويّة فلازمه كون ذلك من باب تبدّل الموضوع كالمسافر والحاضر ولو فرض محالاً قدرة المضطر في هذا الحال على

الاضطرار في بعض الوقت لا يقيّد الواقع

ص: 360

اتيان المضطر في تركه لما كان في حقّه ذا مصلحة . بل ولا مشروعا إذ حينئذٍ يكون كالمسافر الذي يأتي بأربع ركعات وإذا فات منه فلابدّ من كون القضاء أيضا كذلك أي حسب ما فات منه ولو تمكّن في خارج الوقت على اتيان ما اضطرّ في تركه في الوقت .

الثاني وإن كانت هي من قبيل باب البدل والمبدل كما إذا يكون التيمّم والطهارة الترابيّة عند عدم التمكّن من المائيّة بدلاً عنها فما في ذمّته خصوص المبدل ولكن اذا أتى به أو ببدله يسقط التكليف وحصل الامتثال بخلاف ما إذا لم يأت بواحد منهما فحينئذٍ يكون ما في ذمّته وعليه والقضاء هو خصوص المبدل .

والثالث: ما لا يكون من باب تبدّل الموضوع ولا من باب الابدال

الاضطراريّة بل باب السقوط فان الاضطرار والحرج والضرر وأمثالها ليست بحد يوجب تقييد الأحكام الواقعيّة بل لمصلحة التسهيل والامتنان على الامة يكتفي في مقام الأداء بغير المضطر إلى تركه من باقي الأجزاء المتركب منها ومن غيرها المأمور به . وعلى هذا فلا يتوجّه الاشكال بأنّه إذا فات من الذي يجب عليه الاتيان بالفاقد للمعسور قضائه أيضا كذلك كما فات اذ ذاك إنّما يتوجّه إذا كان منقبيل تبدّل الموضوع كالحاضر والمسافر ويكون هناك تقييد واقعي بخلاف ما إذا كان التقييد لمكان عدم القدرة وان من يقدر عليه أن يأتي بالصلاة قائما ومن لم يقدر أن يصلّي قائما فليصل جالسا وليس الجلوس بدلاً عن القيام ولا انّه في عرضه بحيث اذا فرض امكان قدرته محالاً على اتيان الصلاة قائما لا يكون فيه مصلحة بل المصلحة باقية على حالها وإنّما وجب عليه من باب مراعاة الأهم وهو

ص: 361

الوقت الاتيان بالمعسور وهذا إنّما هو على فرض كشف أهميّة الوقت من الموارد الجزئيّة والا فلا يمكننا كشف الأهم من المهم . وعليه فلو لم ندر الأهم من المهم فلا يمكننا تعيين أحدهما والميسور وان وجب اتيانه إذا لم يكن المفقود قيدا مطلقا ولو في حال الاضطرار إليه إلاّ ان الكلام في تعيينه وتشخيصه . ولذلك إذا لم يحرز الأهم ولم يكن هناك أهمّ يتخير بين اتيانه في الوقت مثلاً فاقد القيد أو يأتي به خارج الوقت ويسقط قيد كونه في الوقت وهكذا في ساير المسائل الدورانيّة إذا كان الوقت أهم ومن باب حفظه يدور الأمر بين ترك أحدها كالستر والاستقبال مثلاً أو الستر وغيره والطهارة المائيّة إذا كان التراب موجودا .

نعم حينئذٍ أي فرض كشف أهميّة الوقت اذا أتى بالفاقد للمعسور وأتى بالميسور فلا مجال للقضاء عليه خارج الوقت لعدم احراز فوت المصلحة الالزاميّة فانه وان كانت محتملة لكن مجرّد الاحتمال لايكفي بل لابدّ من الاحراز كي يشمله دليل القضاء كما انه عند تعذّر المعسور لابدّ من الأمر بالباقي إمّا من دليل خارجي أو من نفس أدلّة الاضطرار كما عن بعض وفي صورة عدم الأهميّة كما في مسئلة فاقد الطهورين .قد يقال بما ذكر وإن كان الاحتياط بالاتيان أداءً في الوقت والقضاء خارجه . وعلى هذا فالتكليف إنّما هو بالمأمور به الواقعي . غاية الأمر لمكان عدم القدرة على الاتيان في هذا الحال يقبح مطالبته به فيكتفي فيه بالاضطراري لا ان تكليفه ينقلب أو يكون هذا الفاقد بدلاً وعليه فالقضاء إذا ترك الفاقد إنّما هو للواجد فتدبّر جيدا .

الفرق بين الدخل الركني وغيره

ص: 362

تكميل وتتميم مع ايضاح:

لا يخفى ان المستفاد من دليل لا تعاد(1) الصلاة إلاّ من خمسة دخل الشرايط الثلاث والجزئين في الصلاة دخلاً ركنيّا بحيث إذا ترك باقي الأجزاء والشرايط في صورة النسيان أو الاعم منه ومن غيره ممّا يدخل تحت جامع عدم التمكّن فلا يجب اعادة الصلاة . ومعنى الاعادة إمّا أن يكون هو الاتيان بثاني فرد أو مطلقاً سواءً في خارج الوقت أو فيه أو خصوص الوقت . وليس اللازم في مثله كون العذر إلى آخر الوقت بخلاف الاضطرار وعدم التمكّن تكوينا في ساير الموارد فان مقتضى القاعدة عند تعذّر الاتيان بشيء له الدخل في المركّب الارتباطي هو سقوطه لاستحالة تعلّق التكليف بغير المقدور كما ان بمقتضى الارتباطيّة يسقط التكليف بالباقي لاشتراط الطبيعة بتمام الأجزاء والشرايط . فعند تعذّر بعضها تكون لا بشرط بالنسبة إليه فلابدّ لها من أمر آخر ودليل غيره يقوم على لزوم الاتيان بالباقي وانه هو المأمور به في هذا الحال . كما ان الاضطرار في بعض الوقت لا فائدة له في سقوط التكليف بصرف الوجود لعدم صدق عدم التمكّن بالنسبة إلى صرف الوجود الواجب من أوّل الوقت مستمرّاصلاحيّة الوقت لايجاده فيه إلى آخره .

نعم . ربما لا يكون هناك دليل على قيام الباقي مقام المأمور به الاولى بمعنى عدم وجوبه كما إذا اضطرّ إلى ترك الطهور فانّه لا وجه لتطبيق قاعدة الميسور على الباقي لتحقّق الاجماع على الخلاف . وان فاقد الطهورين لا صلاة له وقد مرّ شطر من الكلام في باب تبدّل الموضوع وكون الحاضر مسافرا والمسافر

ص: 363


1- . وسائل الشيعة 6 الباب 10/5 من أبواب الركوع .

حاضرا وانّه يتبدّل التكليف بتبدّل الموضوع . وهكذا في ما قام البدل مقام المبدل فان التيمّم جعله الشارع عند تعذّر الماء إمّا وجودا عقلاً أو استعمالاً شرعا مكان الماء والطهارة المائيّة فانّ التراب(1) أو التيمّم أحد الطهورين فانه إمّا أن يكون في حال عدم الماء وافيا بتمام مصلحة المائيّة ولازمه عدم وجوب الغسل مثلاً إذا وجد الماء لعدم كون وجدان الماء من موجبات الغسل أو إنّما يكون التيمّم مبيحا للصلاة أو انه يترتّب عليه زوال الحدث مادام غير واجد للماء ولا يتمكن من استعماله شرعا . لكن الأخير لا وجه له لعدم معقوليّته وفرق بينه وبين الملكيّة الموقتة . وهناك باب آخر هو باب التزاحم فالأبواب راجعة إلى الاضطرار العقلي الموجب لعدم التكليف بغير المقدور والاضطرار الشرعي وتبدل الموضوع والبدل والمبدل وباب التزاحم وما نحن فيه من الاضطرار راجع إلى باب التزاحم . فحينئذٍ لابدّ من اعمال قواعد ذاك الباب وهو إنّما يكون تحقّقه بتحقّق الملاك للمتزاحمين . والا فلا تزاحم بين ما لا ملاك له مع ما له الملاك ولا يتصوّر . فاذا كان أحدهما أهم فلابدّ من صرف القدرة نحوه وفوت المهم فان صرف القدرة فيانقاذ النبي مثلاً من الغرق موجب لفوت المؤمن من السوقة وإذا لم يكن هناكأهميّة فيكون مخيّرا .

ففي ما نحن فيه يكون الأمر كذلك وإنّما المزاحمة جائت من قبل أهميّة الوقت فاذا يدور الأمر بين حفظ الوقت وقيد من قيود الصلاة شرطا أو جزءا .

فباعتبار أهميّة الوقت لابدّ من رفع اليد عنه سوى جامع الطهور كما أشرنا إليه . وعليه فعند الدوران بين الستر والوقت وكذا الاستقبال مثلاً فالوقت أهم

المزاحمة من ناحية الوقت

ص: 364


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 21/1 من أبواب التيمّم واللفظ فان التيمم أحد الطهورين .

ولو لا الأهميّة لكان قادرا على تحصيل الستر والقبلة ولو خارج الوقت لعدم كونه موقتا وإنّما يكون متعذّرا لو لم يكن قادرا عليه إلى تمام العمر فالاضطرار في هذه الموارد ليس عقليّا وإنّما هو شرعي باعتبار لزوم حفظ أهميّة الوقت .

فحينئذٍ إذا صرف القدرة في حفظ الأهم وترك المهم فلابدّ من فوت مقدار من المصلحة والملاك منه وإذا قام الدليل على تدارك ما فات بالاطلاق فالواجب عليه تداركه ولو قضاءً ومقتضي القاعدة عدم اجزاء المأمور به الاضطراري عن الواقعي لفوت مقدار من الملاك .

نعم إن كان الحاصل بالفاقد للمعسور من المصلحة والملاك هو الحاصل بالواجد فلا فوت حينئذٍ وتتأتى الاحتمالات المتقدّمة من عدم الفوت أو وجوده ثمّ على تقدير وجوده إمّا أن يكون بمقدار يوجب الالزام أو لا وإن كان من قبيل باب البدل والمبدل أو جعل الحكم حكما جعليّا بأنّه ( أي الفاقد ) هو الواقع أو القناعة في مقام الامتثال كما في مورد قاعدة الفراغ فاشكال بل المقام أشكل من مورد قاعدة الفراغ وقد حقّقنا ما يحقّ أن يقال هناك .

ثمّ ان هذا كلّه إنّما هو حسب القاعدة وإلاّ ففي باب الصلاة توجد الأدلّة بلااحتياج إلى أعمال الأصول والقواعد مثل ما ورد ان من(1) لم يستطع أن يصلّيقائما فليصل جالسا أو جعل الابدال للركوع والسجود وأمثالهما فراجع وتدبّر ( كما انّ في مثل النائم قام الدليل على ان مجرّد فوت الملاك يوجب القضاء .

الكلام في اجزاء المأمور به بالأمر الظاهري . عن المأمور به بالأمر الواقعي .

ص: 365


1- . وسائل الشيعة 5 الباب 1/15 - 18 من أبواب القيام واللفظ في الأوّل المريض يصلّي قائماً فان لم يستطع صلّى جالساً وفي الثاني إذا لم يستطع الرجل أن يصلّي قائماً فليصلّ جالساً .

ويقع البحث تارة في صورة انكشاف الخلاف قطعا وأخرى بدليل ظنّي وعلى الصورتين تارة في الموضوعات وأخرى في الأحكام نظير ما إذا أدّى اجتهاده إلى جواز الصلاة واجزائها عن الواقع مع النجاسة الخبثيّة ناسيا أو عدم مانعيّة اجزاء ما لا يؤكل لحمه أو ان المايع الفلاني ماء فتوضّأ به وصلّى أو استعمله

في موارد آخر إلى غير ذلك من الأمثلة المتفرّقة في أبواب الفقه كالعقود فلا يرى العربيّة شرطا في نفوذ عقد النكاح مثلاً أو يكتفي بفري أحد الأوداج أو أكثر منه في الذبيحة .

ولا ريب في ان الخطأ في الاجتهاد لا يوجب اثما إذا لم يكن عن تقصير وإن كنا لسنا بصدد بيان ان للمصيب اجرين وللمخطى أجرا واحدا وكذا في ان المجتهد ضامن أم لا لعدم الدليل عليه إلاّ في مورد خاص في باب الديات .

وعلى كلّ حال . فالظاهر اتّفاق الكلمة على عدم الاجزاء مطلقا إذا انكشف الخلاف بالدليل القطعي وذلك لعدم كون الامارات الا طرقا محضا لا شائبة للموضوعيّة فيها .

نعم لا مانع في الموضوعات من أن يكون العلم جزء الموضوع كان يجب عليه شيء أو يترتّب عليه حكم آخر إذا علم بالشيء الفلاني لكن الظاهر ان فيالأحكام ليست الامارات والعلم إلاّ طرقا محضة لم تؤخذ جزءا للموضوع .

ثمّ انّه بناءً على ما ذهب إليه المحقّق الخراساني قدس سره ربما يستفاد من بعض كلمات الشيخ قدس سره ان الأمر الظاهري مقتضى للاجزاء عن الواقع إذا لم يكن فعليّا بل باقٍ في وعائه الانشائي ولم يصر بعد فعليّا بناء على المراتب الأربع التي صورها المحقّق الخراساني .

ص: 366

والرابع وهو مرحلة التنجز(1) بعد الفعليّة إنّما ذكرها في الكفاية وقبله لم يكن قائلاً به على الظاهر وإن رجع في بحث الظن عمّا بنى عليه في مباحث القطع عند الكلام في الامارات وقيامها مقام العلم وكونها كالاستصحاب وعدم امكان الجمع بين اللحاظين(2) الآلي والاستقلالي . وقال هناك بالطريقيّة المحضة إن

أصاب فهو وإلاّ فهو معذور ( وكيف كان فالمباني في الطرق والأمارات مختلفة وعلى بعضها يجزي الاتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري عن الواقع وعلى كثير منها ليس الأمر كذلك .

وليعلم أوّلاً أنّه ليس لنا حكمان حكم واقعي وحكم ظاهري وأمر واقعي وظاهري بل ليس إلاّ الأمر الواقعي وليس هناك إلاّ الطريق المحض وإن حاول جمع الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري بناءً على ما بنوا عليه والتزموا به من تصوّرهما بالفرار عن الاشكالات المذكورة في محلّها .

منها اجتماع الحكمين المتناقضين كان يكون يعني واحد حلالاً وحراماوكذلك مانعا وغير مانع واجتماع الضدّين إلى غير ذلك . ولقد ذهب بعض(3) هؤلاء ( كالشيخ محمّد حسين قدس سره ) إلى عدم تنافي الأحكام إلاّ في مرحلة البعث وإن كانت فعليّة إلاّ أنّه لا منافاة بينهما ما لم يبعث أحدهما إلى الفعل والآخر يزجر عنه . لكنه ليس كذلك كما انه لا وجه لدعوى كون الأحكام من قبيل توارد العنوانين الاعتباريين على شيء واحد فيمكن اتّصافه بالمحبوبيّة والمبغوضيّة بالنسبة إلى شخصين مع ان المحبوب والمبغوض شيء واحد وإنّما المحال

هل الأمر الظاهري يقتضي الاجزاء

ص: 367


1- و2 . كفاية الاُصول 2/10 - 21 .
2-
3- . نهاية الدراية الجزء الأوّل 95 .

اجتماعهما فيه إذا كان المتواردان من العوارض الخارجيّة كاللون فاذا أراد أحدهما تلوينه بالسواد والاخر بالبياض فلا يمكن وإن كانا شخصين .

وذلك لعدم وجه لقياس باب الأحكام والحكم الواقعي والظاهري بذلك بل قد ذكر في باب الامارات ان العلم من الصفات ذات الاضافة فيمكن كون شيء واحد معلوما لشخص مجهولاً للآخر لكن لا يمكن أن يكون واجبا وحراما كما لا يمكن كونه مانعا وغير مانع .

وبالنظر إلى ما ذكرناه اتّفق الأصحاب على بطلان التصويب وان قيام الامارة على شيء لا يوجب تغييره عمّا هو عليه بل بعد باق على ما كان فلا يقولون بالتصويب الذي يقول به الأشعريّة من انه ليس لنا واقع الا ما أدّى إليه الاجتهاد .

ولسخافة هذا المذهب لم يلتزم به رؤسائهم كمسئلة انكار ادراك العقل الحسن والقبح للأشياء أو كون الأشياء ذات حسن وقبح ذاتيّين لعدم معقوليّة هذاالسنخ من التصويب وكذا أجمعوا على بطلان التصويب الذي ذهبت إليه المعتزلةمن احداث قيام الامارة مصلحة أو مفسدة في مؤادّها غالبة عليه ( فيكون قيام الامارة من الجهات التعليليّة للحكم والمصالح والمفاسد المقتضية لجعل الحكم فامّا أن تغلب المصلحة المفسدة أو العكس أو تتساويان وينتج تارة الوجوب وأخرى الكراهة أو الاستحباب أو الاباحة مثلاً ) .

ولو التزمنا بذلك فلازمه عدم معاملة الامارتين المتخالفتين معاملة التعارض بل التزاحم كما هو واضح .

نعم ربما لا يكون مانع من الالتزام بالمصلحة السلوكيّة مع بقاء الواقع على

ص: 368

ما هو عليه لكنه على نحو يتدارك بسلوك الامارة ما فات السالك من المصلحة من المصلحة الواقعيّة وإلاّ فيلزم التفويت من المولى الحكيم وهو محال . وان اجيب بأنّه ربما لا يلزم ذلك اذا لم يجعل له هذا الطريق وخلّى وطبعه لكان خطأه أكثر .

والحاصل: ان اختلاف مراتب الفوت يتبع مقدار السلوك للامارة والتدارك بها فاذا عول عليها في ذهاب وقت فضيلة الصلاة فلابدّ من تدارك هذا القدر وكذلك اذا عول إلى فوت الوقت فكذلك . إلى أن يوجب الفوت مادام العمر فكذلك . مع انه ربما يختص ذلك بصورة انفتاح باب العلم . فانه إذا راجع بنفسه الامام علیه السلام مع كونه في بلده أو لا مشقه عليه في المراجعة فاذا عوّل أمره على مثل زرارة فربما يلزم التفويت لعدم التفات زرارة مثلاً على عدم التفاته لاستماع كلامه بخلاف الامام لكنه أيضا يمكن الجواب عنه بأنّه يسمع من زرارة كما يسمع من الامام علیه السلام فلا يلزم تفويت شيء . نعم له تصوير في بعض الموارد كما أشرنا إليه .

توضيح وتكميل:

قد تبيّن ممّا ذكرنا انّ المذهب الصحيح في الامارات الطريقيّة المحضة وليس هناك مصلحة في قيام الامارة على شيء تحدث بسببها ولا في سلوكالامارة .

نعم لو لزم من التعبد بالامارات فوت مصلحة على المكلف كما في بلد الامام ومع ذلك يرجعه إلى غيره فاللازم عليه في صورة الخطأ والاشتباه تدارك المصلحة الفائتة من المكلّف بذلك . وهذا مخصوص بصورة انفتاح باب العلم . ثمّ ليعلم ان للمحقّق الخراساني قدس سره (1) تفصيلاً في المقام بين قاعدة الطهارة والحل

في أثر المصلحة السلوكيّة

ص: 369


1- . كفاية الاُصول 1/133 .

واستصحابهما في وجه قوي وبين الامارات من الاجزاء في الاولين وعدمه في الامارات بدعوى كون دليل القاعدة والاستصحاب في الطهارة والحلّ معمّما للدليل الواقعي وحاكما عليه فاذا اشترط شيء مثلاً بالطهارة أو الحليّة فهناك فردان فرد مصداق لذلك قطعا وجدانا وفرد آخر تعبّدي ويترتب على هذا الفرد التعبدي ما يترتّب على الفرد الواقعي . وهذا إنّما هو في باب الصلاة والطهارة وأمثالها وإلاّ ففي ساير أبواب الفقه لا يجري هذا الكلام كما ان في باب الصلاة أيضا لا يثمر . حيث ان المستفاد من الجمع بين الأدلّة ان العلم بالنجاسة مانع وليست النجاسة بوجودها الواقعي مانعا كما ان ذلك أيضا مخصوص بالطهارة من الخبث لا من الحدث وذلك أيضا في صورة الجهل دون النسيان كما التزم به المحقّق النائيني قدس سره وبينّا وجهه في بعض الأبحاث . ويرشد إلى بعض الكلام في هذا المقام ما ورد في كشف النجاسة بعدم مبالغة الجارية في ازالتها وانه يعيد الصلاة دون ما اذا باشره بنفسه من رواية ميسّر(1) الحسنة .قلت لأبي عبداللّه علیه السلام آمر الجارية فتغسل ثوبي من المني فلا تبالغ فيغسله فاصلّي فيه فاذا هو يابس قال علیه السلام: أعد صلاتك أمّا انّك لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شيء . كما ان في باب صلاة الجماعة لا يكون طهارة الامام شرطا واقعا لصحّة صلاة المأموم بالنظر إلى النص(2) الوارد هناك وان اشتراطها واقعا

بالنسبة إلى نفس الامام وكذا طهارة الامام بالنسبة إلى صلاة نفسه .

والحاصل ان مدعى المحقّق الخراساني في هذا المقام الفرق والتعميم في

ص: 370


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 1/18 من أبواب النجاسات .
2- . وسائل الشيعة 8 الباب 36/1 - 2 - 3 - 4 - 5 - 7 - 8 من أبواب صلاة الجماعة .

الاصول التي ذكرناها في مورد رواية زرارة(1) الواردة في اصابة ثوبه دم الرعاف

حيث انه عليه السلام لا يوجب عليه اعادة الصلاة التي صلاّها فيما إذا ظنّ الاصابة للنجاسة بثوبه ونظر فلم ير شيئا ورأى بعد الصلاة معللاً بانك كنت على يقين من طهارتك فشككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبدا . وكذا في ذيل هذه الرواية لا يوجب نقض الصلاة التي لم يشكّ في ابتداءها وفي أثنائها رأى ثوبه رطبا معللاً بأنّه لا ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ الذي يستفاد منها في باب الاستصحاب ان الشرط اما هو حقيقة الطهارة أو احرازها تعميما وقرّر كلامه هنا سيّدنا الأستاذ قدس سره بجريان ما قلنا في الاستصحاب لأنّه ناظر إلى الواقع ومحرز والاصول على وجه لكنه رجع إلى ما نقلنا عن المحقّق الخراساني .

ثمّ انّ للمحقّق النائيني(2) اشكالات خمسة على ما ذهب إليه المحقّقالخراساني(3):أحدها: ان ذلك خلاف ما بنى عليه من انحصار الحكومة بما إذا كان بأي واعنى وأريد وأمثالها وليس المقام كذلك فانّه رجع عن مبناه أو مشى على خلافه.

الاشكال على ما أفاده في الكفاية

ص: 371


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 37/1 من أبواب النجاسات .
2- . فوائد الاُصول 1/249 - 251 .
3- . كما أورد عليه السيّد العلاّمة الخوئي قدس سره بعدم امكان الالتزام بما أفاده في غير باب الصلاة من العبادات والمعاملات ولذا لو توضّأ بماء حكم بطهارته لقاعدة الطهارة أو استصحابها ثمّ إنكشف نجاسته لم يلتزم أحد من الفقهاء والمجتهدين حتّى هو قدس سره بالاجزاء فيه وعدم وجوب اعادته إلى أن قال ان قاعدتي الطهارة والحلية وان كانتا تفيدان جعل الحكم الظاهري في مورد الشكّ بالواقع والجهل به من دون نظر إليه الا ان ذلك مع المحافظة على الواقع بدون أن يوجب جعله في موردهما انقلابه وتبديله أصلاً كما ان الحكومة حكومة ظاهريّة موقتة بزمن جهل الواقع وليست حكومة واقعيّة توجب توسعة الواقع . محاضرات في اُصول الفقه 44/70 - 73 .

وأحسن ما ذكره الشيخ في الحكومة من كون أحد الدليلين متعرّضا لحال الدليل الآخر بما لا يتعرّضه نفس ذلك الدليل وان أغمضنا عن هذا الاشكال وعمّمنا الحكومة إلى أقسامها الخمسة فانه تارة تكون معمّمة واخرى مضيقة كما في حكومة الأصل السببي على المسببي فينحصر الاشكال بالأربعة الباقية . منها التنافي للاول وان ذلك انّما يصحّ في ما إذا كان لنا حكومة ظاهريّة وحكومة واقعيّة ويكون هناك دليل مقتضاه كون الظاهري في عرض الواقعي . والمفروض ان الدليل الذي لنا في المقام مقتضاه كون الطهارة شرطا واقعيّا فكيف يعمّم دليل الأصل الظاهري الذي يجري في تنقيح موضوع التكليف والمراد به ما هو دخيل شرطا في متعلّق التكليف أو جزءا كما في الطهارة مثلاً بالنسبة إلى الصلاة . والا فموضوع التكليف يطلق تارة ويراد به المكلّف والشرط فيه راجع إلى الموضوع واخرى يراد به متعلق المتعلق كما في لا تشرب الخمر فان الحكم الحرمة المستفادة من لا والموضوع هو المكلف ومتعلّق التكليف هو الشرب ومتعلّقه أي الموضوع هو الخمر فالخمر متعلّق المتعلّق أو موضوع التكليف والفرض انه ليس لنا دليل معمّم غير نفس اصالة الطهارة بدليلها والحل والاستصحاب في الموردين .وهذا ليس كمسئلة اكرم العلماء والتعبد بان زيداً عالم في عرض ذلك وبالنظر إليه كما سنشير إليه فان دليل الاستصحاب لا يمكن قيامه مقام العلم به فاذا وجب على المكلّف اذا علم بوجود زيد النذر فعند الشكّ لا يتوهم أحد جريان الاستصحاب لتنقيح العلم كما اذا اريد منه الطريقيّة أيضا كذلك اذا اريد هذا النحو الخاص .

ص: 372

الثالث: ان ما ذكر انما يصح اذا كان الحكومة واقعيّة والتنزيل في عرض الواقع كما في الطواف(1) بالبيت صلاة أو كما في مسئلة ( إذا شككت(2) فابن على الأكثر وإذا كثر(3) عليك السهو في الصلاة . فامض في صلاتك ولا تعد ممّا يكون الحاكم في رتبة المحكوم واقعا لا مثل ما نحن فيه الذي ليست الطهارة الظاهريّة في عرض الواقعيّة التي لازمه عدم كشف الخلاف لها كما ان الطهارة الواقعيّة ليس لها كشف الخلاف . وعلى هذا فقوله علیه السلام ( كلّ شيء هو لك حلال )(4) أو قاعدة الطهارة أو الاستصحاب في الماء أو غيره إنّما هو بالنظر إلى الآثار التي لا تكون مشروطة بالواقع بل تترتّب على الأعم من الواقع والظاهر وإلاّ فمقتضاه كونها في عرض الواقع ولا يمكن ذلك لان الأدلّة الظاهريّة لا معنى لحكومتها على الواقعيّة المتقدّمة عليها برتبة أو برتبتين .نعم لو كان مقتضى الأدلّة الاوّليّة في جواز الشرب مثلاً أو الصلاة هو الطهارة الواقعيّة للماء فاللازم هو الترخيص في شرب الماء كما إذا شرب بخيالانه ماء فتبيّن خمرا فانّه معذور . وكذلك إذا كان طاهرا باصالة الطهارة أو استصحابها فصلّى معه فانّه إنّما يكون بناءً على ما ذكرنا رجاءً وبهذا المقدار يمكن

أن يكتفي فائدة له .

الرابع: انه لو كان الاحراز شرطاً في قبال الواقع فاللازم كون الأمر في

ص: 373


1- . مستدرك الوسائل 9 الباب 38/2 من أبواب الطواف .
2- . وسائل الشيعة 8 الباب 8/3 من أبواب الخلل في الصلاة واللفظ إذا سهوت فابن على الأكثر .
3- . وسائل الشيعة 8 الباب 16/6 من أبواب الخلل .
4- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

الامارات أحسن من الأصول مع انه لا يقول بذلك وفي الامارات لا يقول بالاجزاء .

والخامس: ان اللازم عليه صحّة الوضوء واقعا اذا انكشف الخلاف وعلم كون مستصحب الطهارة أو الجاري فيه قاعدتها نجسا وكذا لا يكون ملاقيه نجسا الا اذا لاقاه بعد العلم مع انه لا يلتزم به أحد(1) .

تذييل وتتميم وتوضيح: لا يخفى ان مقتضى الأدلّة ان الطهارة الخبثيّة شرط في الصلاة إذا علم بالنجاسة أو ان النجاسة الخبثيّة بوجودها العلمي مانع من الصلاة لا مطلقاً فان الرواية الواردة في الصلاة(2) ( رجل صلى وفي ثوبه عذرة من انسان أو سنور أو كلب ) وجواب الامام عليه السلام إن كان لا يعلم فلا يعيد مقتضاها ما ذكرنا . كما انه كذلك الأمر في نسيان غير المستثنى في صحيحة لاتعاد(3) الا ان الكلام كليّا في ان كلّ مورد يجري الاستصحاب أو أصل آخر لتنقيحالموضوع هل يكون معمّما لدليل الاشتراط واعتباره في مجراه وموسعا له أم لا ؟ وما فرضه المحقّق الخراساني من كون ذلك معمّما فانه على فرض تسليمه صحيح الا ان الكلام في ان مقتضى ظاهر الأدلّة الواردة في موارد الأصول ذلك أم لا كما

اشتراط الصلاة بالطهارة عن الخبث

ص: 374


1- . كما رأى جعل الطهارة في قاعدتها أو استصحابها وجعل الحلية في قاعدة الحلّ في المنتهى منتهى الأصول 1/254 - 256 اثباتياً لا ثبوتياً في ظرف الجهل وبكشف الخلاف يظهر انه كان سراباً ثمّ بنى كلام المحقّق الخراساني على مسلك جعل المؤدّى والحكومة على هذا حكومة واقعيّة ولم ير هذا المسلك تاما يترتب عليه المفاسد اشار إلى بعضها وحقق البحث في الموردين شيخ مشايخنا المحقّق العراقي مستوفى مناقشا في مختار صاحب الكفاية . نهاية الأفكار 1/243 - 255 .
2- . وسائل الشيعة 3 الباب 40/5 من أبواب النجاسات .
3- . وسائل الشيعة 7 الباب 1/4 من أبواب قواطع اللصلاة .

في مثل كلّ شيء(1) طاهر ( أو نظيف ) حتّى تعلم انه قذر أو كلّ شيء هو لك(2) حلال حتّى تعلم انه حرام بعينه إلخ فان ظاهر هذا الدليل ان الواقع هناك محفوظ تارة يتعلّق به علم المكلّف وأخرى يجهله وفي ظرف الجهل يترتّب عليه أحكام الطهارة ومرجع الشبهة الموضوعيّة أيضا إلى الحكميّة .

والمراد بالعلم العلم بالحكم فالمشكوك حكمه حلال أو طاهر . لكن لا يدل هذا الدليل على كون العلم مأخوذا في موضوع الحكم بحيث ينحصر الموضوع بالمعلوم البوليّة في ناحية النجاسة أو الخنزيريّة في ناحية الحلية(3) ولا معنى لكون مفاد كلّ شيء لك حلال حتّى تعلم انه حرام ان المشكوك الخنزيريّة لك حلال حتّى تعلم انه خنزير أو أرنب . وكذا ليس مقتضى الدليل ان المشكوك البوليّة لك طاهر حتّى تعلم انه بول ولا ان المعلوم بوليّته موضوع الأحكام في ترتيب آثار النجاسة والحرمة مثلاً اذ حينئذٍ لازمه كون كلّ ما تيقن المكلّف انه بول حراما

( نجسا ) وإن كان ماءا . بل نقول ان البول المعلوم موضوع للأحكام لا ان تمام الموضوع هو معلوم البوليّة بل العلم جزء الموضوع اذ هو خلاف ظاهر الأدلّة ولوكانت الغاية غاية للموضوع فالمراد بالعلم أيضا العلم بالحكم لا الموضوع وإن كانت الغاية للحكم كما هو الظاهر فمقتضاه وجود الحكم الواقعي هناك وفي ظرفالجهل به وعدم معلوميّته يترتّب على موضوعه أحكام الطاهر أو الحلال .

وكيف كان فقد عرفت مدعى المحقّق النائيني واشكاله على المحقّق الخراساني من عدم كفاية دليل الأصل لكونه معمّما وموسعا بل لابدّ من قيام

ص: 375


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 37/4 من أبواب النجاسات .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
3- . اللازم كون العبارة الحرمة .

دليل آخر يقتضي التوسعة في ناحية الاشتراط وإلاّ فظاهر الأدلّة الأوّليّة كون الطهارة بوجودها الواقعي شرطا أو موضوعا للآثار وكذا في غيرها .

ان قلت: يكفي نفس تنزيل المشكوك منزلة الواقع في ذلك وهو بظاهره ومقتضاه معمم الواقع بلا احتياج إلى دليل آخر ثالث غير دليل الواقع ودليل الأصل يوجب التوسعة .

قلت: مضافا إلى انه خلاف مبناه في حصر الحكومة بنحو أي وأعنى يرد عليه انه صحيح في ما إذا كانت الحكومة واقعيّة ودليل الحاكم في عرض دليل المحكوم ويجعل متعرّضا لشيء لا يتعرّض له المحكوم كما إذا قال أكرم العلماء وفي عرضه ينزل فردا جاهلاً منزلة العالم أو يخرج فردا من العلماء وهذا بخلاف موارد الحكومة الظاهريّة كما في حكومة الامارات على الاصول وحكومة الاستصحاب عليها وحكومة قاعدة الفراغ والتجاوز عليه فانها حكومات ظاهريّة ومرتبتها متأخّرة عن المحكوم وموضوعه وحكمه . فان الحكم الواقعي في مرتبة متأخرة عن موضوعه وكذلك حكم الشك في مرتبة متأخرة عن موضوعه الذي هو الشك والشك لابدّ أن يتعلّق بموضوع الحكم الواقعي وفي بعض الموارد كما اذا كان الشك متعلّقا بالحكم يكون متأخّرا عن الموضوع الواقعي برتبتين وفي غيره برتبة واحدة . فحكمه متأخر عن موضوع الحكم الواقعي بثلاث رتب أو برتبتين وعن نفس الحكم الواقعي برتبتين أو رتبة وحينئذٍ فلا وجه للحكومة والتوسعة فيدليل المحكوم ومفاده فالحكومة الواقعيّة مثاله ما إذا ترتّب على الشك واعتدالالوهم في اعداد ركعات الصلاة البناء(1) على الأكثر وصلاة الاحتياط ودليل

توضيح معنى الحكومة

ص: 376


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 7 - 8/1 - 1 - 4، 16/1 - 2 - 3 من أبواب الخلل في الصلاة .

الحاكم موضوعه نفس الشكّ الذي هو موضوع دليل المحكوم في ما إذا(1) كثر عليه السهو فان عليه أن يمضي ولا يعتني ولا يترتب على كثير السهو أحكام الشك التي ترتبت على مجرد الشك في ركعات الصلاة . فان هذه الحكومة واقعية وليس كذلك ما نحن فيه مضافا إلى باقي وجوه الاشكال التي منها كون الامارات مجزية عن الواقع بطريق أولى ولا يكون لها انكشاف الخلاف . ومنها عدم لزوم ترتيب آثار النجاسة على ما إذا لم يعلم حين ملاقاة المتنجس لملاقيه بالنسبة إليه .

بيان آخر: وليعلم انه لابدّ في محل الكلام النظر إلى مقتضى الأدلّة الواردة فيه وهل هو التعميم للأدلّة الأوليّة باعتبار موردها أم لا .

ولا ينبغي الاشكال في ان قوله علیه السلام ( والأشياء كلها على(2) هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة وكذا ما ورد في باب الطهارة والنجاسة ليس دالاًّ على تعميم الواقع وإنّما هو ترخيص في ظرف الشكّ والا فالأحكام الواقعيّة ليست مقيدة بالعلم بها لاستواء العالم والجاهل فيها وبطلان التصويب . والظاهر ان المحقّق الخراساني لا ينكر ما ذكرنا والنزاع انما هو في الصغرى واختلاف موارد الاستفادة .

هذا تمام الكلام في ما يتعلق بالمقام الأول من المقامين في انكشافالخلاف في الأحكام الظاهريّة .

أمّا المقام الثاني وهو ما إذا انكشف الخلاف ظنّا بمعنى عدم العلم بخلافما ظهر له سابقا بل إنّما تبدل طريقه ويرى فعلاً ان مقتضى الأدلّة الاجتهاديّة مثلاً

انكشاف الخلاف ظنّاً

ص: 377


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 7 - 8/1 - 1 - 4، 16/1 - 2 - 3 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

غير ما استفاده سابقا ولعلّ الحكم الواقعي هو ما استفاده أوّلاً لكنّه بمقتضى السيرة الجارية والنهج المألوف بين الأعلام اجتهد بلا خطأ في اجتهاده بل الاجتهاد كان خطأ لا أنه لم يكن من أهله واجتهد فانه ليس بطريق بل اللازم في مثل هذا المورد عرض نفسه على أهله إلى أن يحصل له الوثوق أو الاطمينان بأحد الطرفين وانّه من أهل الاجتهاد أم ليس له أهليّة .

والحاصل انه لم يأل جهدا في الاجتهاد والفحص إلى المقدار اللازم ولم يظفر مثلاً بمخصص للعام الذي أفتى على حسبه ثم عثر عليه بعد حين في كتاب الديات مثلاً أو كان يرى الشرط في حلية الذبيحة الشق أو فرى الودجين لا الأربعة وتبين له الخطأ بحسب الأدلّة التي قامت عنده الحجّة المعتبرة على حجيّتها للزوم كون دليل اعتباره كذلك لو كان بصدد بيان حجيّة الأصل الظاهري مثلاً أو كان يرى العقد بالفارسيّة ولو في النكاح مثلاً أو الطلاق بالفضولي وتبدل في ذلك رأيه . وحينئذٍ فلا اشكال في عدم جواز البناء على حسب الاجتهاد الأوّل وكذلك على لزوم البناء بالنسبة إلى أعماله السابقة الماضية بالاجتهاد الأول من هذا الحين بالنسبة إلى الاعادة والقضاء أو تجديد العقد أو غير ذلك من الآثار بناءً على الطريقيّة لأن الامارة أو الأصل بقيامها على المؤدي لا تحدث فيه شيئا وحينئذٍ فالرأي الأوّل مادام باقيا كان عذرا له في مخالفة الواقع الذي أحرزه حسب مقتضى الرأي الثاني وعليه فلا موجب للاجزاء وعدم الاحتياج إلى التدارك بالاعادة أو القضاء والاتيان على الوجه المعتبر .

اللهم إلاّ أن يقوم دليل على عدم لزوم الاعادة مثلاً أو القضاء كما في موارد

ص: 378

جريان لا تعاد(1) فانه ليس عليه شيء في بعض الموارد كما ان في بعضها عليهقضاء المنسي(2) وسجدتا(3) السهو وهو وإن لم يكن من قبيل انكشاف الخلاف لكنه يصلح مثالاً وتنظيرا في ما نحن فيه وحينئذٍ فما يظهر من بعضهم من التفصيل في ما ذكرنا ( بين العبادات والمعاملات لا وجه له ) .

تلخيص: لما سبق في تبدل الرأي السابق بالرأي الجديد

قد سبق انه إذا كان المبنى في حجيّة الامارات هي افادتها العلم والاطمينان العادي النظامي فكشف الخلاف أيضا يكون كذلك وهو اما بالعثور على مقيد أو مخصص لم يعثر عليه في الاجتهاد السابق بعد الفحص المعتبر أو اعتقد عدم وجوده أو استظهار خلاف ما استظهره سابقا كان يرى بعد الغور والتأمّل جديدا انه غير ظاهر وان الاستظهار السابق كان خطأ وحينئذٍ فلا اشكال في لزوم البناء والعمل على مقتضى هذا الخبر مثلاً والجمع بينه وبين باقي الأدلّة الواردة في المقام

وكان معذورا في العمل حسب الرأي السابق إذا كان عن قصور لا عن تقصير وإنّما عليه ترتيب الأثر بالنسبة إلى الاعادة والقضاء أو تطهير ما لاقاه ممّا كان يرى طهارته وحسب الاجتهاد الفعلي يراه نجسا فانه وإن لم يكن انكشاف الخلاف بعلم وجداني حقيقي ومبناه الوثوق والاطمينان العقلائي الذي عليه مدار أمرهم في امور ديناهم فانه كالعلم الوجداني في انكشاف خطائه لأنّه ليس للشارع طريق تأسيسي في موارد الاطمينان والوثوق العقلائي ويكفي مجرد عدم الردع في الامضاء وتقريرهم على ما هم عليه وإلاّ كان عليه الردع كما في القياس .

ص: 379


1- . وسائل الشيعة 6 الباب 10/5 من أبواب الركوع .
2- . وسائل الشيعة 8 الباب 3/5 - 6 - 8 - 9 من أبواب الخلل في الصلاة .
3- . وسائل الشيعة 8 الباب 32/1 - 2 - 3 من أبواب الخلل .

نعم بناء على احداث قيام الامارة في مورده مصلحة وبعبارة اخرى بناءعلى موضوعيّة الامارات فلا موجب لعدم الاجزاء بالنسبة إلى الأعمال السابقة لكون الواقع حينئذٍ تابعة لرأي المجتهد وظنيّة الطريق لا تنافي قطعيّة الحكم كما ان

الأمر كذلك بالنسبة إلى المقلّدين إذا رجعوا إلى مجتهد يقول بخلاف ما يقوله المجتهد السابق فانه بناء على الموضوعيّة فاعمالهم السابقة مجزية قطعا وحينئذ فبالنسبة إلى المجتهد طريقيّة وبالنسبة إلى المقلّد موضوعيّة .

لكن الحق انه ليس موضوعيّة في كلا الموردين بل طريقيّة صرفة فيدور مدار الواقع وعدمه قيام الحجّة المعتبرة على الاجزاء وإلاّ فمقتضى القاعدة في فرض انكشاف الخلاف بحجة معتبرة عدم الاجزاء لما عمل سابقا(1) .

نعم يمكن القول بالاجزاء في مورد بعض العبادات كالصوم والصلاة اذا جرى حديث لا تعاد الصلاة(2) أو قام الاجماع على عدم وجوب صلاتين كما ادعى الا ان الاجماع ملاكي على فرض وجوده ) ومقتضى الاصول والقواعد ما ذكرنا ولا يخفى عليك ان ذلك لا ربط له بمسئلة الحكم وإلاّ ففي مورد حكم الحاكم على خلاف الفتوى عليه التعبد بحكم الحاكم ولو على خلاف مقتضى فتواه لقيام الدليل وعليه ترتيب آثار الصحّة مثلاً على بيعه إذا كان لا يقول بالجواز نعم في ساير الاستعمالات التي لا ربط بحكم الحاكم بها عليه العمل بفتواه كنجاسة

ليس للامارة موضوعيّة

ص: 380


1- . واستثنى السيّد الخوئي قدس سره محاضرات في اُصول الفقه 44/103 - 104 مسئلتين احداهما مسئلة النكاح والاخرى مسئلة الطلاق وأوجب على كلّ أحد ترتيب آثار النكاح الصحيح على نكاح كلّ قوم وإن كان فاسداً في مذهبه وكذلك في الطلاق تمسكاً للمسئلتين مضافاً إلى امكان استفادة ذلك من الروايات بالسيرة القطعيّة الجارية بين المسلمين من لدن زمن النبي الأكرم صلی الله علیه و آله إلى زماننا هذا .
2- . وسائل الشيعة 6 الباب 10/5 من أبواب الركوع .

ملاقيه مثلاً هذا اذا لا يراه مخطئا في اجتهاده أو ممّن لا يتعبد بحكمه .ولا ينافي ما ذكرنا من مقتضى القاعده قيام دليل خاص في بعض الموارد على الاجزاء كما في القصر(1) في موضع الاتمام على ما أفتى به جماعة منهم الشيخ محمد طه نجف وغيره ولكن احتاط بعضهم لاعراض السابقين عن هذا الخبر ( الدليل الخاص ) وكما في مثل القرائة جهرا في موضع الاخفات وبالعكس والاتمام في موضع القصر .

لكن قد يدفع ما ذكرنا من كون مقتضى القاعدة ما ذكر في لزوم الاعادة والقضاء وكونه معذورا في ترك الواقع اذا لم يكن عن تقصير بان اللازم اعادة أو قضاء جميع ما أتى به على حسب فتوى المجتهد السابق أو تطهير جميع الألبسة والأقمشة التي باشرها باليد الرطبة بماء الغسالة أو المتنجسة بملاقاة الماء القليل على حسب فتوى المجتهد الفعلي الذي لا يرى كون الكر ما بلغ مكسره 27 شبرا على خلاف ما عمل عليه طبق فتوى المجتهد السابق بل ربما يلزم الهرج والمرج لعدم المأمونية على عدم رجوع هذا المجتهد عن رأيه وهكذا يلزم العسر والحرج الشديدين .

ومن موارد تبدل الاجتهاد كما إذا حكم بطهارة الجلود المجلوبة من بلاد الكفّار لعدم اتّصال زمان اليقين منها بالشكّ ( بالنسبة إلى أصل عدم التذكية ) ثمّ تبدل رأيه بالنجاسة .

تكميل: في تبدل رأي المجتهد والفرق بين الحكم الواقعي والظاهري .

ص: 381


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 17/3 من أبواب صلاة المسافر .

قد عرفت ان الاجزاء في الاعمال السابقة حسب الرأي السابق للمجتهدبناء على الموضوعيّة بالنسبة إليه وإلى مقلّديه على القاعدة(1) وان الاشكال بناء على الطريقيّة . لكن يمكن التفصيل بناء على الطريقيّة بين موارد التكاليف فالاجزاء والوضعيّات فالعدم وذلك بعد عدم اجماع محقّق في البين على استواء العالم والجاهل في الأحكام بل لو ثبت فمدركى وما ذكر من المدرك في الكتب المفصّلة كالفصول وغيره غير خال عن الخدشة . نعم دلالة الأخبار على ذلك تامّة لكن لم يرد لفظة الاستواء فيها بل مقتضى عدّة من الأخبار بل الواصلة إلى حدّ التواتر انه ما من واقعة إلاّ وللّه فيها حكم واطلاقها يقتضي استواء العالم والجاهل فيها فما نسب إلى صاحب الحدائق(2) من القول بورود الأخبار الناطقة باستواء العالم والجاهل بالأحكام في مقدّمات حدائقه لا وجه له بل الموجود فيها عدّة من الأخبار(3) المذكورة في الوسائل المستفاد من مضامينها ما ذكرنا وهو لم يدع ما نسب إليه فراجع .

وكيف كان لا يمكن الجمع بين حكم الشارع بحرمة الشيء الفلاني ومع ذلك ترخيصه في فعله أو حكمه بوجوب الشيء الكذائي ويرخص في تركه فانه وإن يمكن ارتفاع الحكم الظاهري عن مرتبته إلى مرتبة الحكم الواقعي الا ان الحكم الواقعي لا يمكن أن يكون مهملاً لصورة الجهل به فاما أن يكون مقيّدة بالعلم أو لا بل مطلق .

استواء العالم والجاهل في الأحكام

ص: 382


1- . واما ما قيل من أن للمصيب اجرين وللمخطى واحدا فمناسبته لمذهب المخطئة ظاهرة والأجر الواحد باعتبار تحمله المشاق .
2- . الحدائق 1/45 .
3- . وسائل الشيعة 1 الباب 4 من أبواب مقدّمة العبادات .

والحاصل انه لابدّ أن لا يكون الحكم الواقعي مطلقا حتّى في مرتبة الجهلبه وإلاّ فيكون هناك مناقضة بين الحكمين اللهم إلاّ أن يجمع بين الحكم الظاهري والواقعي بكون الواقعي عبارة عن مجرّد العهدة والوضع كما في اشتغال الذمّة بالدين فتارة يكون مخاطبا بأدائه واخرى لا ومع ذلك لا يكون الحكم معدوما في ظرف عدم مخاطبته به بل عهدته مشغولة به .

وعلى هذا فاذا بنينا على استتباع كلّ وضع حكما تكليفيّا كما هو المستفاد من عدّة أخبار على ما ادّعى سيّدنا الاُستاذ قدس سره فيكون هو الذي يستوي فيه العالم والجاهل وذلك بالنظر إلى الأدلّة المرخّصة من قبيل حديث الرفع(1) فان ظاهر هذه الأدلّة كون الموضوع هو الحكم الواقعي . كما يشهد بذلك وحدة السياق في حديث الرفع لكون تعلّق الرفع بما لا يعلمون على حذو تعلقه بباقي التسعة كالنيسان وغيره وحينئذٍ فما يكون من قبيل الوضعيات فلا يتغيّر ولا يتبدّل بالعلم والجهل ولا باختلاف الاجتهاد وعدمه فاذا كانت الذبيحة باقية والزوجة المعقودة بالفارسيّة حيّة فلا يجوز بمقتضى كشف الخلاف وتبدل الاجتهاد ترتيب آثار الزوجيّة أو الحليّة من هذا الحين عليهما .

نعم بالنسبة إلى ما مضى فهو كان على طبق الواقع لعدم معلوميته أي الوضع بالنسبة إليه الا انه يجب عليه بعد تبدل الاجتهاد عقدها جديدا أو اعتزالها لحرمة مباشرتها لعدم كونها زوجة . نعم كان الوطي وطي الشبهة ولا حرمة عليه ويجب عليها العدّة ويلحق به الولد كما اذا ماتت فلا موضوع للحرمة بعد ذلك . وكذلك

ص: 383


1- . وسائل الشيعة 8/15 الباب 30/2 من أبواب الخلل في الصلاة والباب 56/1 - 2 - 3 من أبواب جهاد النفس .

الأمر في الذبيحة فان كانت باقية فبتبدل الرأي ينكشف حرمتها بالشق مثلاً أوبالتذكية التي فقدت بعض ما يعتبر فيها حسب اجتهاده الجديد في حليتها ولا يجوز ترتيب آثار الحليّة بعد تبدل الرأي بخلاف الأحكام التكليفيّة فانها لم تكن فعليّة في حق الجاهل ويمكن أن يكون العلم بالوضع ( أي الحكم الوضعي ) واشتغال العهدة بها موضوعا لخطاب آخر فعلي يوجب ترتيب آثاره عليه فاذا كانت الأحكام والتكاليف من الموقتات فبعد الوقت لو انكشف كون عهدته على خلاف ما كان عليه حسب الاجتهاد السابق فلا يجب عليه القضاء بالنسبة إليها لكون القضاء تابعا للأداء وهو لم يكن مخاطبا بالأداء كي يكون مخاطبا فعلاً بالقضاء وكذا لم يفت منه فريضة لعدم كون تكليفه ذاك الوقت وهو حال الجهل إلاّ بما علم لكون دليل الرفع مقيّدا للواقع خطابا لا عهدة وهذا بخلاف غير الموقتات فانه كان يزعم ان تكليفه غير ما ثبت فعلاً له بالدليل وان عهدته مشتغلة بغير ما كان

يظنّه فيأتي به فعلاً على حسب الوظيفة المنكشفة بهذا الدليل .

فتلخّص ممّا ذكرنا الفرق بين الوضعيّات والأحكام التكليفيّة في الاجزاء وعدمه فالأجزاء في التكاليف على القاعدة وفي الوضعيّات يحتاج إلى دليل في الموارد الخاصّة وعلى هذا فلا حاجة في ذلك إلى استصحاب عدم الزوجيّة أو استصحابها لانكشاف الخلاف بالامارة .

وإن لم نقل بهذا فاللازم سد باب البرائة وعدم مورد لقاعدة كلّ شيء لك حلال(1) وأمثالها واللازم الاشتغال في كلّ الموارد وإلاّ فلا محيص لما ذكرنا دفعا لمحذور التناقض والتضاد بين الحكم الواقعي والظاهري أو الترخيص على خلافه

الفرق في الأجزاء بين الوضعيّات والتكاليف

ص: 384


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

إذ لو كان الواقع بمرتبة من الأهميّة عند الشارع لكان عليه ايجاب الاحتياط وإلاّفلا يمكن مطالبة الواقع مع الترخيص على خلافه .

لكن يشكل كشف الفعليّة بهذا التقدير وملخص كلام سيّدنا الاستاذ قدس سره على دقّته ان تعلق العلم باشتغال الذمّة موضوع للحكم الفعلي مع وضوح عدم تبدّل الحكم واشتغال الذمّة بتعلّق العلم به بل العلم يتعلّق به على ما هو عليه . فان كان

فعليّا فكذلك والا فبالعلم لا يصير فعليّا كما ان اشتغال الذمّة بالدين لا يكون بمجرّد تعلّق العلم به مأمورا بافراغها ورفع الاشتغال . وأوردنا هذا الاشكال عليه قدس سره وأجاب بكون هذه الأدلّة كاشفة عنه لكنه كما ترى والمقام بعد يحتاج إلى التأمّل وعلى كلّ حال يمكن بهذا الوجه ان تمّ تصحيح ما ذهبوا إليه وادعوا عليه الاجماع والا فان لم يتم لا يتم .

عود على بدء في تبدل الاجتهاد والاشارة الى الحكم الواقعي والظاهري .

قد ذكرنا انه يمكن تصحيح الأعمال السابقة المأتي بها حسب الاجتهاد السابق بدعوى عدم فعليّة الأحكام التي كشف عنها الاجتهاد اللاحق الجديد في حق الجاهل بها جهلاً عذريّا كما في ما نحن فيه حسب الفرض .

ان قلت هذا هو التصويب . قلنا وان كان هذا تصويبا الا انه لا دليل على بطلانه وأمتناعه بل التصويب المجمع على بطلانه لابد وان يكون باستواء(1) العالم والجاهل في الاشتغال للذمّة بالوضعيّات المستتبعة للتكاليف والخطاب بها فانه الذي لا يفرق فيه العلم والجهل ويكون كالدين الذي يجهله الشخص كما انه ربما

ص: 385


1- . الظاهر كون العبارة بعدم استواء أو بانكار استواء .

يتعلق به العلم منه فان العلم والجهل لا يغير ان العهدة واشتغال الذمة . ان قلت علىهذا فلا يكون العلم باشتغال العهدة موجبا لصيرورة الأحكام فعلية . بل العلم باشتغال الذمّة كالجهل في ان الاشتغال لم يحدث عنه تكليف خطاب بالمطالبة .

قلت: ما ذكرت وان كان صحيحا الا انه يمكن كون العلم بالاشتغال موضوعا للحكم والخطاب الفعلي بالمطالبة غاية الأمر يحتاج إلى دليل اثباتا وسنشير إليه ذيلاً .

والحاصل ان الأمر في المقام ينتهي إلى انكار أصل التكاليف وهو ضروري البطلان لكون ثبوت التكليف بالنسبة إلينا من الضروريّات ومنكره مرتد . وإمّا أن يقال باختصاص الأحكام بالعالمين وهو أيضا خلاف الاجماع والدليل بل يستحيل أخذ العلم بالحكم في نفس الحكم حتّى بنتيجة الاطلاق والتقييد لاستلزامه تقدم الشيء على النفس وتقدم المعلول على العلة فهو باطل . بل لا معنى لاحتماله لكونه كاحتمال اجتماع النقيضين كما ان الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري أيضا بكون المولى مريدا وكارها أو مطالبا وغير مطالب أو المكلف ممنوعا من الفعل وغير ممنوع محال . الا بالالتزام بكون الحكم الواقعي انشائيّا والفعلي هو مؤدّي الأصول والامارات المرخّصة .

وهذا عبارة اخرى عمّا ذكرنا من ان الذي يشترك فيه العالم والجاهل هو اشتغال الذمّة والعهدة فحينئذٍ يكون قوله علیه السلام (1) رفع عن أمّتي تسعة منها ما لا يعلمون مرادا به الرفع للخطاب الذي بالعلم به يوجد فالخطاب والمطالبة مقيد بالعلم بالاشتغال ودليله في مقام الاثبات ما ذكرنا من استحالة اختصاص

ص: 386


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 30/2 من أبواب الخلل في الصلاة .

الأحكام بالعالمين بذاك المعنى وكون التكليف ضروري الثبوت بالنسبة إلينا مععدم امكان الجمع بين الترخيص في الترك والوجوب الفعلي فالعقل يكشف حينئذٍ كون العلم باشتغال الذمّة والعهدة موضوعا للخطاب وفعلية الحكم .

فالحكم الواقعي اما انشائي أو ليس الا العهدة وإلا فلو كان بمرتبة من الأهميّة حتّى في حال الجهل فعلى المولى حفظه ولو بايجاب الاحتياط على نحو الكليّة في موارد الجهل . والا فنفس الجهل ما لم يجعل عذرا ليس عذرا . وحينئذٍ فمن هذه الأدلّة الواردة في مقام الجهل بالترخيص نكشف عن عدم الأهميّة . وإن الحكم الواقعي ليس الا نفس اشتغال العهدة . فانه وإن كان الحكم الظاهري متأخرا رتبة عن الواقع ولا يصعد إليه الا ان الواقع لا يمكن رفعه حال الجهل فهو ينزل إلى مرتبة الظاهري وهو موجود فالجمع ممكن بهذا النحو .

مضافا إلى ان رتبة الرافع والمرفوع متعددة ولا يمكن كون الرافع في مرتبة المرفوع ( لتقدم وجود مقتضى الرفع على وجود الرافع فلابد وان يكون المرفوع هو الخطاب لا نفس الاشتغال فيكون حينئذٍ هو ايجاب الاحتياط لا نفس الاشتغال لاستلزامه التصويب . وعليه فالرفع هنا بمعنى الدفع فان الجهل مقتضى لعدم كون الاشتغال مؤثرا في الخطاب ) وكيف كان فهذا على تقدير تماميته انما ينفع في بعض الموارد التي لا اثر للأحكام السابقة لعدم الموضوع فيها وذهاب الوقت مثلاً . وعليه فلا يجب القضاء لفرض كون موضوعه هو فوت الفريضة . وإذا لم يكن شيء واجبا عليه في الوقت فلا فوت للفريضة مع وجود موارد اخرى لا محيص عن القول بها بعدم كفاية الاجتهاد السابق . بل لا يناسب ما ذكرنا فلابد من رفع اليد عن هذا المبنى والقول بعدم اجزاء الاجتهاد السابق عن اللاحق والواقع

الفرق بين مراتب الحكم

ص: 387

في موارد كشف الخلاف سواء في حق نفس المجتهد أو في حق مقلّديه وما يقالمن كون اجتهاده في حقّهم له موضوعيّة ففاسد لعدم الفرق بينه وبينهم في الطريقيّة .

ثم انه هل يجب عليه الاعلام أم لا ؟ لا اشكال في ما اذا أخطأ في اجتهاده ولم يفحص بالمقدار المعتبر في لزوم الاعلام . اما في صورة عدم التقصير في الاجتهاد ففيه اشكال إلاّ ان تبدل الرأي لا يتفق غالبا الا مع التقصير . وإلاّ ففي غير

هذا المورد لا اقل من الاحتياط في الفتوى لكونه مستندا إلى الاستظهارات التي لا يجزم بها فيحتاط .

نعم يمكن التشبث بدليل رفع الحرج ولزوم العسر في موارد تبدل الرأي خصوصا اذا باشر بالنجاسة أو المتنجس حسب كشفه الجديد أو تقليده عدة أمكنة أو أشياء يعسر عليه تطهيرها أو يضرّ به وكذا في دهنه خصوصا اذا حرمنا عليه بيعه كذلك .

تكميل وتوضيح في حكم ما اذا تبدل الاجتهاد وعمل على الاجتهاد السابق .

لا اشكال في عدم الاجزاء في ما اذا بقى ما عمل عليه حسب الاجتهاد السابق كالمثمن أو الزوجة المعقودين مثلاً بالفارسيّة أو الذبيحة المذبوحة بما لا يراه في كلّ واحد من هذه الموارد وأمثالها ممّا يترتّب الأثر فعلاً على ما مضى عليه حسب الاجتهاد السابق وعدم جواز ترتيب الأثر الذي كان يراه سابقا عليه .

وسبق الكلام في وجوب اعلام المقلدين . ويمكن أن يقال في مورد عدم الخطأ في الاجتهاد السابق وعدم تقصيره فيه بعدم لزوم الاعلام بل يبقيه حسب

ص: 388

استصحابه ان قلد هذا المجتهد في جواز جريان الاستصحاب والعمل عليه كما في ساير الموارد التي يفتي المجتهد المقلّد كلّيّا مع عدم موافقته له في التطبيقات .والظاهر ان الاجماع المدعى على تقدير تسليمه على الاجزاء إنّما هو علىالموضوعيّة وإلاّ فعلى الطريقيّة لا يظن هناك اجماع بل مستنده هذه الوجوه ولا تعبديّة فيه .

الا ان سيّدنا الاستاذ قدس سره قد أطال الكلام في بيان عدم تحقق رجوع المجتهد عن اجتهاده إذا كان الاجتهاد السابق عن نظر صحيح وفحص عن الأدلّة ومعارضاتها واستظهاره من الدليل والنظر العرفي وعدم تقصيره في ذلك ووقوفه على المدارك وفحصه كاملاً عنها سواء في ذلك الكتب المتداولة بين الأصحاب قديما أو ما وجد وعثر عليه بعدهم ولم يكن ممن يشكّ في حصول القوة القدسيّة في حقّه بل لو كان شاكّا عرض نفسه على أهل النظر والفتوى وامتحنوه ووجدوه أهلاً لها فان في هذه الموارد يبعد عادة بل لا يتفق رجوعه عن الاجتهاد الأوّل بل لو رجع فمن الاحتياط إلى الفتوى كما لو كان غير مطمئن بالظهور العرفي فاحتاط وفي تجديد النظر جزم بالظهور العرفي .

وذلك أي عدم الاجزاء في مورد البحث نظير عدم امكان وقوع المعاملة من المختلفين في الفتوى أو التقليد كما اذا لا يرى العشرة رضعات محرما في باب الرضاع والآخر يراها فلو فرض كمال العشر دون الخمسة عشر الذي يراها الاخر محرما ناشرا للحرمة لا يمكن للثاني المعاقدة معه وكذلك في ساير الموارد التي يتّفق كما ان علم المقلد بالخلاف في موارد جريان البرائة أو الاصول الاخر مثلاً لا يضرّ إذا كان في حق اشخاص مختلفين فان العلم بخطأ المقلدين في

ص: 389

الاستصحاب التي يجرونه لا يوجب شيئا في حقه .

نعم لو جرى جميع الاصول في حق نفسه وكان عالما اجمالاً بالخطأ في أحد مواردها لامتنع الجريان فتدبّر .

جواز علم الأمر مع علمه بانتفاء شرطه .لا وجه للتعرض في ما عنونوه من جواز علم الآمر مع العلم بانتفاء شرطه وكذا لمسئلة بقاء الجواز إذا نسخ الوجوب لما قد تبين في محلّه من عدم كون الوجوب مركّبا بل هو كساير المفاهيم من البسائط بل ابسط البسائط هي المفاهيم فلا وجه لتوهم بقاء الجنس اذا ذهب الفصل . نعم ينبغي التعرض لما ذكروه من كون الامر بالأمر أمرا وعدمه .

ولا يخفى ظهور الثمرة في كون عبادات الصبيان شرعيّة أو تمرينيّة . فان الوجهين ينفعان فيه . فلقائل أن يقول ان المأمور هونفس الأمر ويتحقق بفعل الآمر ولا يوجب ذلك كون متعلق أمر الآمر المأمور بذلك متعلّقا للمصلحة ومطلوبا للمولى فالأمر بأمر الصبيان بالصلاة والصيام لا يستلزم شرعيّة الصلاة والصيام في حقّهم واستحبابهما . بل إنّما هي تمرينيّة للتعود عليها والمأمور به إنّما هو الأمر

والتأديب المقتصر في تحقّقه على القدر المشروع كما في ساير الموارد المرخص فيها من قبل الشارع فانه إذا تعدّى الحدّ الممكن الحاصل به المطلوب فعليه الدية فاذا تجاوز في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن الجائز الحاصل به الغرض بأن ضربه فيما يحصل به المطلوب بأقلّ من وصول الضرب إلى الاسوداد أو الاحمرار فعليه الدية . كما يمكن دعوى مشروعيّة العبادات في حقّهم بعدم تأدّي الوظيفة بذلك منهم ( أي الصبيان ) بل ذلك أي الأمر بالأمر يستلزم مطلوبيّة

أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه

ص: 390

المأمور به في حقّهم بالنسبة إلى المولى هذا .

الا ان الدليل لا ينحصر بذلك بل لنا في مثل العقائد الحقّة اللازم تأديبهم وتعليمهم من الأولياء على المولّى عليهم سواء كانوا ( أي الأولياء ) الآباء أو الحاكم للشرع أو غيره .وجه آخر ومسلك غيره هو ان وجوب معرفة الصانع تعالى والمسائلالاصوليّة عقلي لا تصرف فيه من الشارع فالصبيّ إذا عقل ذلك فعليه بمقتضى فطرته وحكم عقله معرفة الصانع وصفاته ونعوت جلاله وجماله وحصول الاعتقاد بالعقائد الحقّة ولا يلزم كون ذلك على مقتضى البرهان بل اللازم هو العقيدة خلافا لبعض الأساطين ولا يدفع ماذكرنا بحديث(1) الرفع لما قد ذكره صاحب العروة قدس سره في حاشية المكاسب من ان(2) الرفع انما يتعلق بما وضعه بيد

الشارع ولزوم تحصيل المعرفة في مسائل الاصول للديانة أو خصوص مسئلة التوحيد عقلي ولو ورد من الشارع فيه شيء فهو ارشاد إلى حكمه . فحينئذٍ لا مجال لتعلق الرفع به . وفي غير المسائل الاصوليّة لنا اطلاقات شاملة للصبيان أيضاً خصوصا ما ورد في المستحبّات والآداب الموظفة الشرعيّة وان من فعل كذا فله كذا فان أدلّتها لا تخص البالغين بل تعم الصبيان .

ثم ان حديث رفع القلم(3) وان كانت الاحتمالات فيه كثيرة الا ان الأظهر منها اختصاص المرفوع بقلم الالزام لا مطلق التكاليف حتى الاباحة مثلاً فيكونون كالبهائم ولا الوضعيات لجواز وجود الأحكام الاستحبابيّة في حقّهم وكذا الوضع

ص: 391


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 30/2 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . يستفاد من كلامه وإن لم يصرّح به . حاشية المكاسب: 112 الطبع القديم .
3- . وسائل الشيعة 1 الباب 4/11 من أبواب مقدّمات العبادات .

والعهدة وليسوا كالبهائم التي لا عهدة لها ولا تتصور في حقها وكذا لا وجه لتقدير القلم قلم المؤاخذة لانها عبارة عن فعل اللّه تعالى فهو العفو ولا معنى لرفعه فاما أن يعفوا أو لا والاستحقاق أمر عقلي ليس قابلاً للرفع خصوصا والرفع في المقامامتناني كما في حديث الرفع المعروف .

وعليه فنقول ان القلم يختص بقلم الالزام وهو التكاليف الوجوبيّةوالتحريميّة .

اما المستحبّات وغيرها فلا مانع من تشريعها في حقّه وكذا يعمّ الصبيان والأطفال جميع أدلّة الوضعيّات ولذلك نقول انه يجب عليه الخمس في مثل الكنز والغوص وغيرهما وكذلك في أرباح مكاسبه على الأظهر ويجب عليه الغسل من الجنابة إذا حصل سببه قبل البلوغ . وما ورد في بعض الروايات من ان الصبي(1) والغلام متى يلي أمره قال علیه السلام إذا احتلم فانّما يراد منه الاستقلال في ذلك والا فالمعاملات الحاصلة منه باذن الولي نافذة .

اذا عرفت ذلك وان العبادات بالنسبة إليه مشروعة لا تمرينيّة فهل يجزي صلاته على الميت عن البالغين أو يجوز استيجاره في الصلاة والصيام مثلاً أم لا .

لا إشكال(2) في الأوّل وما احتاط في العروة(3) في صلاة بالغ أيضا لا وجه

ص: 392


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 14/1 - 2 من أبواب عقد البيع يستفاد منها ما في المتن وكذا في ساير أبواب الفقه .
2- . لكن الأستاذ قدس سره احتاط في حاشية العروة مطلقاً . العروة الوثقى مسئلة 11 في صلاة القضاء كما جعل الأقوى عدم اجزاء صلاته على الميت ولم يذكر في العروة احتياط في الموردين الصلاة على الميّت مسئلة 2 .
3- . لكن الأستاذ قدس سره احتاط في حاشية العروة مطلقاً . العروة الوثقى مسئلة 11 في صلاة القضاء كما جعل الأقوى عدم اجزاء صلاته على الميت ولم يذكر في العروة احتياط في الموردين الصلاة على الميّت مسئلة 2 .

له وإنّما ذلك مراعاة لاحتمال التمرينية فاذا ثبت كونها تشريعية فلا وجه للاحتياط بل ربما يكون من الصبي أحسن وأولى . وأمّا مسئلة استيجاره في الصوم والصلاة والنيابة فربما يظهر من بعضهم عدم جوازه مع قوله في غيرها بكونها تشريعيّة لا تمرينيّة ولا يظهر لنا الآن له وجه صحيح .تتميم: الاحتمالات في الأمر بالأمر ثلاث . فاما أن يكون المراد نفسالأمر بلا مطلوبيّة للمأمور به لا تمرينا ولا تشريعا وهذا هو معنى الموضوعيّة . واما ان يكون على الطريقية وهي على قسمين: 1 - أن يكون للتمرين، 2 - أو المطلوبيّة الشرعيّة . ولا يتمّ الاستدلال على كون عبادات الصبي شرعيّة الا على ثاني احتمالي الطريقية . إلا انك عرفت تماميّة المطلب من غير هذه الناحية لورود الاخبار والأدلّة عامّة في أكثر الموارد . نعم كل ما قام الدليل على اشتراطه بالبلوغ

نلتزم به . ثمّ انّ ذلك إنّما يكون بغير رفع المصلحة والا فقد ذكرنا ان رفع المصلحة

خلاف الامتنان وان احتمل بعضهم بل جزم بكون الصبي مرفوع القلم مطلقا وهو لا عنان كالبهائم بمعنى ان الشارع لم يحكم عليه بشى ء أصلاً . ولذلك يستشكل في استصحاب عدم التكليف وعدم اشتغال الذمّة الثابت له قبل البلوغ لعدم كونه حكما شرعيّا بل لم يكن عليه شيء ولم يوضع عليه قلم التكليف ولو بالاباحة . ولقد شيّد أركان هذا المبنى في عدم جريان الاستصحاب . المحقّق النائيني قدس سره (1) في بحث جريان الاستصحاب في الاعدام الازليّة فراجع .

وفي قبال هذه الدعوى دعوى كون المرفوع هو خصوص قلم الالزام كما

احتمالات ثلاث في الأمر بالأمر

ص: 393


1- . فوائد الاصول 1 - 2 - 4/530 إلى 533 - 504 إلى 509 .

ذكرنا وانه في كل الأحكام كالبالغين الا ما قام الدليل على اختصاصه بهم كما في الزكوة فانه ورد الدليل على ان لا زكاة عليهم في أموالهم . وحينئذٍ فاذا بيننا على رفع القلم عنه فلا يصح استيجاره في العبادات ولا تصح وكالته في الانشائيات المحتاجة إلى القصد كما في مثل الطلاق والعقود لكونه مسلوب العبارة .

وكان المحقق النائيني قدس سره فيما نسب إليه ( على ما ببالي ( أي سيّدناالأستاذ قدس سره ) ذهب إلى ذلك وعلى كلّ حال فعلى فرض كون عباداته شرعيّةمطلوبة والمرفوع عنه هو الالزام وان الاطلاقات والخطابات تشمله كما مثل الصلاة وساير الآداب الشرعيّة غاية الأمر قام الدليل من الخارج على عدم الوجوب بالنسبة إليه فيكون قرينة على كون الطلب بالنسبة إليه بداعي الحث والترغيب المنتزع عنه الاستحباب ولا يلزم من ذلك تركب الاستحباب والوجوب ولا بناء المسئلة على رفع الوجوب وبقاء الجواز أو الاستحباب كما ان الدليل ورد في بعض أبواب(1) الوقف والوصيّة بعدم اشتراط نفوذهما على بلوغه خمسة عشر سنة .

نعم في باقي الموارد في خصوص الالزاميات أو لزوم عقوده وانشاءاته اشترط البلوغ وهو ليس عبارة عن نفس العلامات بل هي حتى السن الواصل إلى الست عشر كاشفا عنه وليس المراد مرتبة من العقل كما انه لم يرد في جواز تقليده دليل على المنع . بل الدليل(2) علق الحكم على كون الانسان صائنا لنفسه مطيعا لأمر مولاه مخالفا لهواه الذي يرجع أمرها إلى العدالة لا ما يتلو العصمة وإن كان

ص: 394


1- . وسائل الشيعة 19 الباب 2/15 - 44 من أبواب الوقوف وكتاب الوصايا .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 10/20 من أبواب صفات القاضي .

من الممكن بلوغ الانسان درجة لا يتصور في حقّه العزم على المعصية والخطور بالبال . فحينئذٍ يصحّ استيجاره للعبادات حتى الحج وكذا تصحّ وكالته وساير أعماله ومعاملاته وليس مسلوب العبارة وان اشترط في بعض الموارد على اذن الولى أو تنفيذه .

نعم . ربما يشكل في الحج النيابي تارة من جهة كون عباداته تمرينيّةواخرى من جهة عدم حصول الاطمينان بأداء العمل وثالثه لا لهذا ولا ذاك بل كماذهب إليه في العروة(1) لكون الدليل شاملاً للفظة الرجل الذي لا ينطبق على الصبي الا انه اشكال خال عن الوجه لعدم كون الرجل مرادا به البالغ الكامل بل هو ورد حسب التعارف مرادا به الشخص الانساني الذي لا يكون مجنونا مع انهم يقولون بصحّة نيابة المرأة والخنثى وإن قام الدليل هناك بالخصوص في المرأة أو ومع الخنثى .

نعم لو كان في المسئلة اجماع لقلنا به لكن يبعد تحقق الاجماع التعبدي فيها بل لو كان فنظر المجمعين إلى هذه الوجوه المذكورة . فلا تتمّ دليلاً كما ان ما ذكروه

في باب الوكالة من اشتراط بلوغ الوكيل أيضاً خال عن الدليل .

فتلخص ممّا ذكرنا ان الحق هو شرعيّة عبادات الصبي وصحّة عباراته وجواز استيجاره للعبادات من الصوم والصلاة والحج إذا لم يكن مانع من جهة اخرى غير الصباوة كما في البالغ أيضا وكذا يصح استيجاره للحيازة والقصد لكون المباحات ملكا لمن استأجره لعدم كونه مسلوب القصد الا بناء على ما ذهب إليه

الحقّ ان عبادات الصبي شرعيّة

ص: 395


1- . لم يستبعد في العروة كفاية استيجاره في الصلاة مع العلم باتيانها على الوجه الصحيح . العروة الوثقى مسئلة 11 صلاة القضاء .

بعض فحينئذٍ لا يملكه هو ولا الولي ولا من يقصد كونه من جانبه هذا تمام الكلام في هذه المسئلة .

ثمّ ان من المسائل التي يبحث عنها في علم الاصول ولها جهة اصولية وان كانت صغرى مسئلة اصوليّة اخرى تنفع في الفقه الا انها بالاخرة تصل إلى العمل وينتج في مقام الاستنباط . مسئلة تعلق الأوامر بالطبائع أو الأفراد .

هل الأوامر متعلّقة بالطبائع أو الأفراد ؟وهذا له معنيان فان المراد بالطبيعة إذا كانت هي من حيث هي فلا يعقل وقوع النزاع في كونها مطلوبة ومتعلقة للاوامر اذ ليست إلاّ أمرا ذهنيّا لا معنى لتعلق الطلب . بها والفرد بناء على هذا عبارة عن وجود الطبيعة بناءً على وجودها في الخارج ولابدّ من أن يكون كذلك أي تكون الأوامر متعلّقة بالافراد اي الوجودات فلا معنى لعنوان النزاع فيها . نعم لو كان المراد من الفرد وجود الطبيعة مع ما جميع ما يشخصه من العوارض والطوارى من الزمان والمكان ونحوهما لكان للنزاع مجال . وانه هل المطلوب هو وجود الطبيعة الذي هو المراد في هذا الفرض من تعلّق الأمر بنفس الطبيعة أو مع مشخّصاته بحيث تكون تحت الأمر بخلاف ما إذا تعلّق بنفس الطبيعة فانه لو فرض محالاً اتيان المأمور به في لا مكان ولا زمان لكان المأمور ممتثلاً وهذه المسئلة تنتج في مسألة اخرى وهي بحث اجتماع الأمر والنهي .

وليعلم انه لا اشكال في ان الماهية من حيث هي ليست إلا هي وانما يحمل عليها الوجود والعدم في مرتبة متأخّرة عن صقع ذاتها وإلاّ ففي مرتبة ذاتها ارتفع النقيضان . واذا تصورناها في الذهن فذلك وجود ذهني لها كما انه إذا وجدت في

ص: 396

الخارج كذلك فالماهيّة والطبيعة بهذا المعنى الذي في قبال وجودها المتأخر عن رتبة ذاتها لما لم يكن وجه معقول للنزاع في انها هي مطلوبة بالأمر أو الافراد والوجودات فاذا لابد من جعل النزاع في كلام القوم بمعنى آخر معقول وهو انه هل مركب الاوامر هي وجودات الطبائع بمعنى نفس الطبيعة بوجودها الخارجي الذي ما لم تتشخص لم توجد ونسبتها إلى الأفراد أي الوجودات نسبة الآباء إلى الأولاد أم لا . بل المتعلّق للاوامر هو الوجود بما له من المشخّصات الفرديّة منالزمان فيما يكون زمانيّا والمكان فيما يحتاج إليه وهكذا . ومرجع النزاع حينئذٍإلى انه لو فرض محالاً امكان اتيان المكلف للطبيعة ووجودها بلا خصوصيّة فرديّة ولا مشخصات ولوازم الافراد لكان ممتثلاً بخلاف تعلّقها بالأفراد أي الطبائع بوجوداتها ومشخصاتها ولوازمها . فحينئذٍ تكون هذه اللوازم التي لا ينفك وجود الطبيعة عنها أيضا تحت دائرة الأمر . فاذا كان التصرف حراما فكما ان كل فرد يصدق عليه التصرف يكون ايجاده في الخارج حراما ممنوعا عنه من النوم فيه اذا كان مكانا أو المشي أو ساير الأفعال الوجوديّة التي تكون مصاديق التصرّف كذلك اذا لازم هذه الوجودات التصرفيّة امورا آخر كالصلاة مثلاً . وحينئذٍ اذا فرض تعلق النهي والأمر بالأفراد أي الوجودات مع لوازمها الشخصيّة تكون الصلاة في الدار الغصبيّة ممنوعا عنها واقعا كالنهي عن الصلاة في اجزاء ما لا يؤكل لحمه ولا يكون نهيه علميّا بخلاف ما إذا لم يكن كذلك كما سنشير إليه في محلّه .

والحاصل انه إذا اخترنا تعلق الأمر والنهي بالافراد أي الوجودات مع اللوازم فيكون مانعاً في باب النهي في العبادات مثل الصلاة في الدار المغصوبة

ص: 397

لكون التصرف حراما بلوازمه الوجوديّة وفي الفرض من اللوازم الصلاة فنتيجة المسئلة هي وجود الصغرى لباب النهي في العبادات . وإذا قلنا بعدم تعلق الأمر والنهي إلاّ بالطبائع أي وجودات الأفراد بلا لوازمها الشخصيّة فيكون نتيجة المسئلة صغرى باب التزاحم لعدم امكان اتّحاد المتعدّد ماهيّة كما ان الوجود الواحد لا يمكن أن يتعدّد ماهيّة . فحينئذٍ يكون الوجود الواحد الحسّي مصداقا للطبيعتين وفرداً للتصرّف الحرام وللصلاة الواجبة ولكن وجودا انضماميّا تشخيصه عقلي .ثمّ في باب التزاحم ندور مدار الأهم فاذا كان أحدهما أهم يكون اللازمصرف القدرة فيه كما اذا خالفنا فتبتني المسئلة على اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضدّه إذا كان التزاحم لباب التضاد كالازالة والصلاة أو الصلاة وأداء الدين المطالب المقدور . فحينئذٍ على الاقتضاء تكون الصلاة باطلة بخلافه على عدمه كما استقرت عليه الآراء اليوم .

ثمّ الصلاة إمّا أن نكتفي فيها بمجرّد وجود الملاك والمصلحة إذا كان عدم الأمر لعدم القدرة كما هو الفرض وإذا لم نكتف بمجرّد الملاك فيمكن تصحيح الأمر بالترتب في الرتبة المتأخّرة عن عصيان الأهم لا سقوط خطابه لعدم سقوط الخطاب الا بعدم الموضوع أو الامتثال وذلك بخلاف التزاحم في باب الاجتماع فانه سواء كان عن علم أو جهل تكون الصلاة باطلة ) وليس كباب تزاحم التضادّ الذي يكون تزاحمه بالعلم . فاذا جهل الغصبيّة فلا مانعيّة واقعا لكنه قد يرد على الصلاة في الدار المغصوبة ان الاجماع قام على البطلان فيما اذا يعلم الموضوع كما انه قام على الصحّة في صورة الجهل بالموضوع ( أي الغصبيّة ) .

ص: 398

ثم ان هذه ثمرات المسئلة . وامّا ان الأمر متعلق بالطبيعة أي بلوازم وجودها معها فليس دليله إلاّ الوجدان والامور العادية التي توجد بالنسبة إلينا وعليها مدار معاشنا ونظامه فان المطلوب ولو بألف قيد ليس إلاّ نفس الوجود وليست لوازمه مطلوبة عندنا لا انها مبغوضة ومنهى عنها . بل ليس المطلوب الانفس المأمور به وأمّا لوازم وجوده فلا يتعلّق بها ارادتنا في مقام الأمر .

وإن شئت ازيد من ذلك فنقول انه قد ثبت ان الارادة الآمرية تابعة للارادة الفاعليّة فكلّما يمكن تعلّق ارادة الفاعل به يمكن تعلّق ارادة الأمر به وما نحن فيه

في الخارج ان ارادة الفاعل انما تتعلّق بنفس الشيء لا بلوازم وجوده فمتعلّقالارادة الآمريّة كذلك .اشكال ودفع: ربما يشكل وجود ارادة مطلقا من الآمر أو الفاعل مع عدم وجود محلها ومعروضها فان الارادة لابدّ ان تتعلّق بشيء ولا يمكن أن لا يكون لها مراد . فحينئذٍ إمّا أن يكون المراد هو الوجود الذهني فلا معنى له لعدم مطلوبيّه

الوجود الذهني ولا يتعلّق به قصد الفاعل وإمّا أن يكون هو الوجود الخارجي فيلزم تحصيل الحاصل في ارادة الفاعل والامر بايجاد الموجود في ارادة الآمر .

ويمكن الجواب عن ذلك بوجهين: أحدهما ان الارادة ليست من الأعراض التي تحتاج إلى معروض . بل هي عبارة عن مرتبة اكيدة من الشوق النفساني عند تصور الشيء وهذا في الحقيقة يرجع إلى الجواب الثاني الذي ذهب إليه المحقّق آقاضياءالدين العراقي قدس سره (1) من تعلّق الارادة بالوجود الذهني ولكن بما هو مرآة إلى الخارج الذي لا يلتفت الرائي بهذه النظرة إلى عدم وجود المراد في الخارج .

في كيفيّة تعلّق الارادة

ص: 399


1- . نهاية الأفكار 1/381 .

بل كانه يرى الخارج ويغفل في هذه النظرة عن الذهن وعن وجود هذا الملحوظ الخارجي في الذهن . بل إنّما يرى الخارج ولذا يطلبه ويريده وليس العدم متعلّقا لارادته بل مركب الارادة هو في الحقيقة الشيء الذي ليس بموجود في الخارج كما ان الأمر في ناحية النهي أيضا كذلك . فانه إمّا أن يرجع إلى ارادة الترك وابقاء

العدم على عدمه أو إلى أمر وجودي وهو كراهة وجوده في الخارج وبالاخرة امّا أن يكون المراد هو ابقاء العدم أو الكفّ الذي هو أمر وجودي وبالتأمّل فيه .

يعلم انه لا محيص عنه . والا فلا يمكن تحقق ما هو الموجود في الخارج وحصوله في الذهن بل انما هو الصورة التي هي لحاظه ومرآته .هذا حسب ارادتنا في أفعالنا سواء كان بالنسبة إلى الامام أو الرعية امابالنسبة إلى الغني بالذات فالارادة كما وردت في الرواية ارادتان(1) احديهما حادثة الخ .

هذا تمام الكلام في تقسيمات الواجب من التعبدي والتوصلي والمباشري والتسبيبي والنفسي والغيري والمطلق والمشروط والمعلّق والتعييني والتخييري والعيني والكفائي وما يتعلّق بكلّ قسم منها .

ولنشرع الآن في ساير الأبحاث الاصوليّة التي منها مسئلة مقدمة الواجب وليعلم أوّلاً ان المراد بالمقدّمة هو ما يتوقّف عليه وجود الشيء المأمور به اما لذاته ويدخل فيه ما يكون جزءا أخيرا لعلّته التامّة أو المعدّ أو لوجود وصف معتبر فيه كالشرط وهل المسئلة اصوليّة أم كلاميّة أم من المبادي الأحكاميّة أو التصديقيّة أو من القواعد الفقهيّة ؟ وجوه والظاهر كونها من المسائل الاصوليّة كما

ص: 400


1- . مرآة العقول 2 ص149 - 150 - 155 - 156 .

ذهب إليه المحقّق النائيني قدس سره (1) وهي من المسائل العقليّة . لكن من الأبحاث الاستلزاميّة والملازمات لها لا من المسائل اللفظيّة لعدم كونه راجعا إلى بحث الألفاظ ولا من المسائل العقليّة الصرفة التي لا تتوقف على وجود خطاب من الشارع كما في باب التقبيح والتحسين العقليين بل مما يحتاج إلى ورود دليل من الشرع وحيث انه يستلزم عنوان بحث له مستقلاً ولم يذكروا لها ولم يعنونوا لأجلها فلذلك أدرجوها كنظائرها في الأبحاث المناسبة لها كما في باب المفهوم . فانّ المفهوم إنّما هو مكشوف عقلي لكن بتوسط ورود خطاب من الشارع بالمنطوقوليست من المسائل الفقهيّة إذ هي ما تكون نتيجتها شخصيّة كوجوب الصلاةوالزكوة أو السورة مثلاً فيها وليست هي كذلك . بل إنّما هي تقع نتيجتها كبرى لصغرى المقدمات فيقال هذه مقدمة يتوقف على وجودها فعل الواجب وكل ما يتوقّف عليه فعل الواجب فهو واجب . ومن المعلوم ان الموضوع في الصغرى العناوين الشخصيّة التي تكون من المسائل الفقهيّة وكذلك ليست من القواعد الفقهيّة بل هي مسئلة اصوليّة لوقوع نتيجتها في طريق استنباط الأحكام . والمسائل الفقهيّة وقواعدها ليست كذلك كما في وجوب الوفاء بالنذر فانه لا يختصّ بباب دون باب .

توضيح: هل مسئلة مقدّمة الواجب اصوليّة أم كلاميّة أم فقهيّة أم مسئلة أو قاعدة أم من المبادي الاصوليّة كما أشرنا إليه ؟

وقبل البحث لا بأس بالاشارة الاجماليّة إلى الفرق بين المسئلة الاصوليّة والفقهيّة والقاعدة الفقهيّة فان في مسئلتنا هذه دخلاً في كلّ هذه الأبحاث .

في مقدّمة الواجب

ص: 401


1- . فرائد الاُصول 1/261 .

فنقول ان المسئلة الفقهيّة هي ما تكون كبرى لصغريّات المكلّف الشخصيّة الملازمة للعمل فاذا استفدنا ان الخمر حرام فكلّ موضوع خارجي شخصي علمنا انه خمر منطبق عليه هذه الكبرى ونقول انه حرام بلا توقف في شيء . بخلاف المسئلة الاصوليّة فانها تتعلق بالعمل لكن لا بلا واسطة بل إنّما هي تقع نتيجتها كبرى لقياس الاستنباط كما اذا صار نتيجة البحث عن حجيّة الخبر الواحد انه حجّه فهذا لا يفيد عملاً ما لم ينضم إليه الصغريات الخاصّة المتعلّقة بالأحكام وضعيّة وتكليفيّة ولا يخفى ان العلوم الاخر الدخيلة في الاستنباط كعلم الرجال لها دخل في ذلك لكن ليست مما تقع في كبرى لقياس الاستنباط بل ما يكون الجزء الأخير للكبرى انما هي نتيجة المسئلة الاصوليّة والفرق بينها وبين المسئلةالفقهيّة ظاهر بيّن . كما ان الجهة الفارقة بينها أي المسئلة الأصوليّة والقاعدة الفقهيّةأيضا إنّما هي جواز تعلّق المسئلة الأصوليّة بكلّ باب كما أشرنا إليه في الخبر الواحد بخلاف القاعدة الفقهيّة فانها لا تعم أبواب الفقه وإن كان كلاهما يقعان كبرى لقياس الاستنباط فان قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده انما تجري في خصوص المعاملات والعقود كالبيع مثلاً فاذا كان هناك عقد بيع كليّا أو شخصيّا فيقال هذا يضمن بصحيحة بمعنى الضمان المعاملي أي التعهّدي فيضمن بفاسده أي الضمان بالمثل أو القيمة في صورة التلف أمّا الاتلاف فواضح ولا تعم جميع أبواب الفقه لا وقوعا ولا جوازا وكذلك قاعدة اليد التي هي دليل الضمان في شيء يضمن بفاسده فان اليد مقتضي للضمان واقدام المالك مانع فاذا لم يكن هناك اقدام منه ورضي بذلك .

فتؤثّر قاعدة اليد أثرها للضمان بالمثل أو القيمة وإذا شككنا أيضا

ص: 402

فنستصحب عدم رضى المالك وبضميمة وضع اليد على ما له يتم المطلوب بضم الوجدان إلى الأصل .

نعم استثنى من عموم هذه القاعدة مثل عقد الاجارة في انه يوجب صحيحها الضمان فاذا كانت فاسدة واتّفق تلف العين المستأجرة بهذه الاجارة الفاسدة في يد المستأجر فيشكل تطبيق هذه القاعدة ولذا لا يمكن الأخذ بكليتها كما ان ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده أيضا كذلك قد خصّص في مورد اجارة الصيد في الحرم فان صحيحها لا يوجب الضمان بخلاف فاسده .

والحاصل ان القاعدة الفقهيّة لها جهتان: احديهما: انها تتضمن حكما شرعيّا وضعيّا أو تكليفيّا بخلاف المسئلة الاصوليّة . والاخرى: انها لا تعم الفقه بخلاف المسئلة الاصوليّة فانها يجوز عموم نفعها له وبالجهة الاولى تفارق المسئلةالاصوليّة في وقوعها كبرى لقياس الاستنباط في جواز انطباق هذه القاعدة علىالموارد الشخصيّة بأن يفتي بمضمون هذه القاعدة لمن يقلّده ويطبقها المقلّد على الموارد الشخصيّة بخلاف المسئلة الاصوليّة . واما الفرق بين القاعدة الفقهيّة والمسئلة الفقهيّة من جهتين . احديهما جواز وقوع القاعدة كبرى لقياس الاستنباط والتطبيق على الموارد المخصوصة كالبيع والصلح مثلاً دون المسئلة الفقهيّة فانها يكون انطباقها على الموارد الشخصيّة . والاخرى انها أي القاعدة لا تخص بابا دون باب بل تعم عدّة أبواب بخلاف المسئلة الفقهيّة .

اذا عرفت الفرق بين المسئلة الاصوليّة والفقهيّة وبين القاعدة الفقهيّة فهل قاعدتنا هذه من الفقهيّة أو مسئلة اصوليّة أو فقهيّة ؟

فنقول ان البحث تارة يكون عن الملازمة بين ارادة ذي المقدّمة ومقدّمته

ص: 403

فتكون مسئلة اصوليّة . واخرى يكون البحث عن استتباع وجوب ذي المقدّمة وجوبها . فالبحث عن الوجوب وعدمه فيكون فقهيّة قاعدة أو مسئلة والمسئلة هي انها هل مقدمة الواجب واجبة أم لا بأن يكون عنوان المقدمة مورد البحث . والقاعدة ان وجوب شيء هل يستتبع وجوب مقدمته أم لا فيكون قاعدة .

الجهة الثانية التي تليق ان تقدم على المطلوب هي انه هل الوجوب والملازمة المبحوث عنها في المقام نفسيّته أو تبعته . فنقول لا اشكال في عدم الوجوب النفسي فلابدّ أن تكون ملازمة تبعيّة ولكن بعضهم لما نظر إلى عدم التفات الأمر إلى مقدميّة شيء لمطلوبه أو يلتفت وينكر مقدميته ذهب إلى كون الوجوب والملازمة في المقام قهريّة ولو مع عدم الالتفات . لكن كان بحيث لو التفت اراد وبعبارة اخرى جعل النزاع في الوجوب الترشحي والارادة التي تتبع ارادة ذي المقدمة وتكون تبعا لها المترشحة عنها . وهذا بعد عدم النزاع من أحدفي اللابديّة العقليّة إذ لا معنى للكلام والنزاع فيها . لأن لازم المقدمية هذا وانوجود ذي المقدمة متوقف على وجود المقدمة . وحينئذٍ فتكون المقدمة من شؤون امتثال ذي المقدمة والعقل يدرك ذلك الدخل فان بين المولى هذا الأمر أو يكون الوجوب والارادة التبعيّة هو ما ذكرنا فهو عقلي ويكون ارشادا وان كان فيه جهة زائدة فهو خلاف الفرض لأنّ الكلام إنّما هو من جهة المقدّميّة وتوقف ذي المقدّمة عليها .

ثمّ ذلك بعد ما عرفت انه لا شيء وراء حكم العقل وان خطاب المولى لو كان فانما هو ارشاد إليه . فاعلم انه لا تكاد تترتب ثمرة على بحث المقدمة فان بحث اجتماع الأمر والنهي والأمر بالشيء موجب للنهي عن ضدّه إنّما ينفع بحثنا

الملازمة بين المقدّمة وذيها نفسيته أو تبعيته

ص: 404

فيه لو قلنا بمقدّميّة ترك الضد في وجود آخر . واذ قد استقرت الاراء على عدم مقدمية ترك أحد الضدّين للآخر ولا انه موقوف على عدمه فلا يفيد بحث المقدمة والعقاب انما يترتب استحقاقه على ترك ذي المقدّمة لعدم ملاك النفسيّة في المقدّمة كما هو فرض البحث فهذه الجهة الثانية لم تفد فائدة .

الجهة الثالثة: انهم قسموا المقدمة بالاعتبارات المختلفة تارة إلى العقليّة والشرعيّة ( ولا يخفى ان الشرعيّة أيضا ترجع إلى العقليّة التي لا سبيل للشرع فيها الا من باب بيان مورد خطابه وان الصلاة التي يريدها هي المشروطة بالطهارة التي هي عبارة عن الأمر الكذائي مثلاً وحينئذٍ فتكون دخلها فيها عقليّا .

واخرى إلى الشرط والمعدّ والمعدّ له أقسام .

فتارة يكون معدّا لمقدمة اخرى ومعد آخر واخرى ليس كذلك .

ومنها: تقسيمها إلى الداخليّة والخارجيّة ومن الخارجيّة المعد والشرط وقد أشرنا إليها مجملاً . اما الداخليّه فقد يشكل تصويرها حيث انه اذا كانت كاجزاءالصلاة التي ذهبنا إلى انها أمر معنوي وان هذه الاجزاء تكون محصّلة له فترجعالمقدّمة إلى المقدّمة الخارجيّة . والا فكيف يمكن دخل الشيء في وجود نفسه ويكون نفسه ذا المقدّمة وكذلك المقدمة . لانه يستلزم اجتماع مثلين أي وجوبين فيها .

واجيب عنه بعدم المانع من ذلك غاية الأمر يوجب التأكّد كما في اجتماع الجهتين في صلاة الظهر فمن جهة واجب نفسي ومن جهة اخرى واجب شرطي لصلاة العصر . وذهب بعضهم في الجواب إلى تصوير الاجزاء بشرط الشيء ولا بشرط فبالاعتبار الثاني جعلها مقدمة وبالاعتبار الاول ذا المقدمة فان الماهيّة

الفرق بين أقسام المقدّمة

ص: 405

المقسمي التي في صقع ذاتها ليست الا هي يمكن انقسامها في المرتبة المتأخّرة عن صقع ذاتها إلى بشرط الشيء واللا بشرط وبشرط لا ومن المسلم تباين الأقسام لكون كلّ واحد بالنسبة إلى الاخر قسيما فحينئذٍ تتعدد الجهة في وجوب المقدمة التي تكون كلّها ذا المقدّمة .

ولا يخفى ان اللابشرط وبشرط الشيء تارة يطلق ويراد بشرط اللا عن العوارض كما في باب المطلق والمقيد واخرى يطلق بشرط الشيء ولا بشرط من الاتحاد والحمل كما في الجنس والفصل فانه يقبل كلّ منهما الحمل على الآخر بخلاف الهيولى فلا يمكن حملها على الصورة وكذلك العكس . وهذا كما في المشتق ومبدء الاشتقاق على البساطة فان الفرق بينهما على هذا هو الفرق فيما نحن فيه أي لا بشرط وبشرط شيء فاللا بشرط هو الصفة الاشتقاقيّة التي تقبل الحمل على الذات وبشرط اللا أو الشيء هو المبدء والظاهر ان المراد في المقام هو بشرط انضمام بقيّة الاجزاء ولا بشرطه .

لكن لا يذهب عليك ان هذه الوجوه الاعتباريّة إنّما تفيد إذا كانت المقدّمةباعتبارها متعدّدة وإلاّ فلو كانت على وحدتها فلا تفيد شيئا في الخارج وإنّما هيانقسامات للماهيّة في صقع الذهن ولا ارتباط لها بالخارج فيشكل تصوير المقدمة الداخليّة بهذا الاعتبار ولا يمكن الجواب بما ذكر عن الاشكال فتدبّر في أطراف ما ذكرناه جيّدا .

تصوير المقدميّة الداخليّة للمركّب الارتباطي .

يمكن تصوير أجزاء المركب الارتباطي على نحو تكون مقدمة يترشح عليها الوجوب المقدمي على القول به وكذا تكون ذات المقدمة ويرد عليها

ص: 406

الوجوب النفسي بأن يقال مركب الوجوب النفسي هي الاجزاء بشرط الاجتماع والوحدة الاعتباريّة الطارية عليها بلحاظ المعتبر فان للمعتبر اعتبار ذلك كما ان من الممكن كونها انتزاعيّة بأن يكون بعد جعل أمره على المركب من عدّة أجزاء ينتزع عن كلّ واحد من اجزاء هذا المركب الذي صار مركبا للأمر جزء المطلوب والمأمور به وإلاّ فمن الواضح ان اجزاء الصلاة ليست من مقولة واحدة وليس لها وحدة حقيقة خارجيّة بل هي متعدّدة متكثرة والوحدة انما يطرء عليها بأحد الوجهين . نعم في الوحدة الاعتباريّة لابد من اعتبار من بيده الاعتبار كما ان في الوجود التكويني لابدّ من المكوّن وفي الوجود الانتزاعي لابدّ من منشأ للانتزاع . والأمر كذلك بالنسبة إلى جريان قاعدة التجاوز في اجزاء الصلاة كلّ بعد الدخول في الجزء الاخر وليس إلاّ من ناحية لحاظ كلّ واحد استقلالاً مع قطع النظر عن اندكاك وحداتها في جنب وحدة الكل الذي هو متعلّق الأمر وليس كذلك الوضوء لورود الروايات باعتناء الشاك قبل الفراغ وصار الغسل والتيمّم محلّ الكلام . وانه هل الأصل في مثل هذه الموارد هو لحاظ الاجزاء استقلالاً فتكون مجرى لقاعدة التجاوز أم لا بل الأصل كونها شيئا واحدا وإنّما خرج باب الصلاة بالتعبّد .والحاصل انه تارة يلاحظ كلّ جزء من المركّب بلحاظ نفسه مع قطع النظرعن انضمام باقي الأجزاء إليه لحاظا وبهذا الاعتبار يكون مقدمة واخرى يلاحظ كلّ واحد مع الآخر بنحو يتركّب منها الكل . وفي هذا اللحاظ لا استقلال للأجزاء بل إنّما لمجموعها الوحدة الانتزاعيّة الحاصلة من تعلّق الأمر بالمجموع ولذا في ناحية حصول المركب لابدّ من وجود كلّ مع الباقي كما يقال ان كل جزء كما انه جزء كذلك شرط للاجزاء الاخر . وحينئذٍ فالفرق بين المقدّمة وذي المقدّمة في

ص: 407

كمال الوضوح . اذ الاولى هو لا بشرط والثانية بشرط الشيء أي انضمام باقي الأجزاء ولذلك لو أتى بالاجزاء الصلاتية كلّ واحد بلا نيّة اتيان الباقي لا تفصيلاً

ولا اجمالاً وان أتى بالمجموع لا يكون ممتثلاً لا للزوم قصد الوجه . بل لعدم الاتيان بما هو مأمور به فاذا تكون الأجزاء المنضمّة كلّ واحد مع الآخر في عالم اللحاظ هو الكلّ واجبا وجوبا نفسيّا وكلّ واحد لا بشرط الانضمام في عالم اللحاظ مقدمة هذا .

وبهذا الاعتبار تكون الأجزاء التي يكون لوجودها وتقيدها دخل في الماهيّة ويصطلح عليها بالاجزاء الداخليّة بالمعنى الأخص في قبال الأعم الذي هو مجرد دخل تقيدها في المركب وان لم يكن للقيد دخل فيه كما في الستر والطهارة داخلة في محل النزاع . لكن مع ذلك كلّه لا يجدي فيما هوالمهمّ اذ لا يكون مركب الوجوبين منحازا عن الاخر لعدم وجود مستقل للمقدّمات عن وجود ذي المقدّمة والفرض انّها انما تكون مقدّمة للصلاة والمركّب اذا حصل من مجموعها نفس المركب وان لم يكن ذلك ملحوظا فكيف يمكن تصور وجوبها مقدميّا ونفسيّا فلا محيص عن خروجها عن محل النزاع .

تكميل وتوضيح:

لا ينبغي الاشكال في عدم وحدة أجزاء المركب الاعتباري من تعلق أمرواحد بها بل هي بعد باقية على تعددها ويصدق على كلّ منها الشيء بالنسبة إلى جريان قاعدة التجاوز فما ذهب إليه الشيخ قدس سره من خروج باب الوضوء والغسل عن عموم القاعدة هو الأظهر وان كان كلام المحقّق النائيني رحمه الله(1) أيضا بكون

تصوير الاجزاء الداخليّة

ص: 408


1- . فوائد الاُصول 4/625 .

اجزاء الصلاة اشياء متعددة تعبّدا أيضا فيه متانة .

وحاصل الكلام ان المقدمات الداخليّة بالمعنى الأخص التي يراد بها الاجزاء لم يمكن كونها داخلة في محل النزاع اذ لم يفد الفرق بين الاجزاء والكل بما ذكر تعددها خارجا كي يكون مركب الوجوب المقدّمي غير مركب الوجوب النفسي الانحلالي بعدد الأجزاء .

أمّا الأجزاء الداخليّة بالمعنى الأعم التي يراد بها دخل التقيد سواء كان نفس القيد أيضا دخيلاً أم لا ويدخل فيه حينئذٍ المقدّمات الخارجة عن أصل الصلاة وان اصطلح عليها بالمقدمات الداخليّة بالمعنى الأعم كالطهارة والاستقبال وأمثالهما فهي لا اشكال في دخولها مورد النزاع وان كان قد تقدّم(1) عن المحقّق النائيني قدس سره بالنسبة إلى الطهارات الثلاث الالتزام بكونها واجبة بالوجوب النفسي .

الا انه لا معنى له وبما ذكرنا ظهر ان المقدمات الشرعيّة كلّها داخلة في مورد النزاع اذ قسّموا المقدمة إلى شرعي وعقلي وعادي . لكن الشرعي أيضا كما أشرنا إليه سابقا يرجع إلى العقلي اذ الشارع أراد من المكلّف شيئا يتوقّف على وجود الطهارة مثلاً وبيّنها هو فهي دخيلة في حصول وصف للمأمور به ودخلهاعقلى اذ لو أراد نفس الصلاة وحدها لما كانت تتوقف عليها إذ لو لا بيانه للطهوروان الصلاة لها دخل فيها لم ندر بعقولنا فضلاً عن حواسّنا .

السبب والشرط:

ومن التقسيمات تقسيم المقدّمة إلى السبب والشرط . ونسب إلى بعض الأعاظم خروج السبب عن مورد النزاع وإنّما محلّ النزاع خصوص الشرط لكن

تقسيم المقدّمة إلى السبب والشرط

ص: 409


1- . فوائد الاُصول 1/270 .

المحقّق النائيني خطأ الناسب، بل مراد المنسوب إليه التفصيل . هو انه لا معنى للايجاب بعد وجود الشيء في الخارج لرجوعه إلى تحصيل الحاصل وعليه فالسبب أيضا داخل في محل النزاع على ما سنشرح .

فنقول: ان اريد بالسبب هو السسبيّة الشرعيّة فلا معنى لها لعدم كونها مجعولة فلابد أن يكون المراد غيرها وان كان الشارع رتّب عليها وجود المسبّب وكيف كان فالسبب تارة يطلق ويراد به مثلاً الالقاء في النار الذي يتسبّب عنه الاحراق الذي هو اسم المصدر ويصطلح على هذا النحو انه سبب ويكون الاحراق عنوانا ثانويّا للالقاء ولذا كان الاحراق حقيقة فعل النار لكنّه صار سببا وعن فعله حصل المسبب فالاحراق مسبب توليدي لفعله كما في ارسال الماء فخرب دار غيره . والضابط عدم فصل ارادة فاعل مختار بين فعل الشخص والنتيجة أو عدم حصول شيء آخر . وهذا القسم من السبب هو الذي يكون موجبا للضمان ويقال فيه انه اقوى من المباشر واخرى يطلق ويراد به نحو الغسل والتطهير كما يقال اغسل(1) ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه أو طهّر فان كلّ واحد منهما كالآخر لأن الغسل موجب للطهارة كما ان امر التطهير امر بايجادها الحاصل بالغسل فحينئذٍ يكون الأمر بكل عين الأمر بالآخر واختلافهما لفظا واتّحادهمامفادا .

نعم فيما إذا كان بما انه مطهر كما في باب الطهارة من الحدث إن قلنا انه كذلك نظرا إلى بعض الأخبار(2) الواردة فيه .

ص: 410


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 8/2 - 3 من أبواب النجاسات .
2- . وسائل الشيعة 2 الباب 26 - 33/1 - 2 - 4 من أبواب الجنابة .

وعلمنا منها ان الغسل المأمور به في باب الوضوء بما انه مطهر فحينئذٍ يكون الغسل مقدمة ومحصّلاً ويكون المأمور به عبارة عن الأمر الحاصل منها وهو الطهارة المعنويّة التي يخرج بها الانسان عن ظلمة خلافها .

ثمّ ان المقدّمة كما عرفت اما شرط واما سبب ومقتضى وعدم المانع ولا اشكال في اتصاف المقتضى والمانع بذلك عند الأثر الفعلي والمنع من الاخر وإلا فلو لم يكن كذلك . إنّما يكون الاتّصاف شأنيّا كما إذا كانت النار في الهند والشيء المحرق على تقدير المماسة والدنو في غيره من البلاد فلا يستند عدم الاحراق إلى البلة المانعة على تقدير دنو النار .

والحاصل ان السبب بهذين المعنيين اللذين ذكرناهما لا يكون مورد النزاع بل في الثاني يكون المأمور شيئا واحداً وإنّما يعبر عنه بنحوين بخلاف النحو الأوّل فانّه يكون فعل الشخص من المعدات لحصول النتيجة .

توضيح وتكميل: لا يخفى ان في باب الأسباب والمسبّبات كالالقاء والاحراق لا يكون بيد السبب الفاعل إلاّ نفس الالقاء . اما حصول النتيجة وهو الاحتراق يتوقف على مقدّمات اخرى وهو أي الفاعل قد أوجد بعض ما له دخل في ذلك كالمماسة والا فبعد يحتاج إلى عدم الرطوبة في الذي أراد احراقه أو عدمالدعاء وبالاخرة لابدّ في ترتب الأثر من اذن اللّه تبارك وتعالى كما في كلية هذهالموارد . فالايجاب الذي هو بيد الموجب لا يوجب تحقق البيع فاذا شرط عليه البيع مثلاً أو غيره ممّا يتوقّف على فعل الطرفين فما هو تحت اختيار الشخص إنّما هو الايجاب أما القبول الذي يتوقّف عليه النتيجة إنّما هو بيد شخص آخر نعم في الايقاعات ليس الأمر كذلك وأمّا في الانشائيّات القائمة بالطرفين فما هو تحت اختيار الشخص إنّما هو مثل الايجاب أو القبول وكذلك الأمر في مثل اشتراط

ص: 411

صيرورة الزرع سنبلاً فانه ليس بيده بل الذي بيده هو القاء البذر والسقي مثلاً .

والحاصل ان باب الأسباب والمسبّبات التوليديّة التي ذكرنا ان ضابطه عدم توسط ارادة فاعل مختار بين فعل الفاعل وحصول النتيجة بعد فراغ اذن اللّه واشتراطه في ذلك لا معنى لجعله خارجا من دائرة النزاع وارجاع الأمر بالمسبب إلى السبب .

أمّا إذا كان هناك ارادة فاعل مختار فلا يكون مسببا توليديّا كما اذا أمر عبده فقتل شخصا فالوارد ان الآمر يحبس مخلّدا دائما والفاعل القاتل(1) يقتص منه إذ لا معنى للتقية ولا اكراه في هذا المورد .

ولا اطاعة المولى والا فلو كان للاكراه دخل فكان يلزم من وجوده عدمه بل انما موضوع الحكم هو الاختيار ولا اشكال في عدم سلب ارادة العبد بأمر مولاه بفعل شيء وكذلك في ارادة الواجبات من العباد اذ لا نقول كما ذهب إليه بعض من انه يوجب فعل المراد في الخارج بل الارادة بعد باقية فله ان يأتي بالمأمور به وله أن يتركه .فتلخّص ما ذكرنا عدم الفرق بين المقدمة السببيّة وغيرها ولا وجه لاخراج الاولى من مورد النزاع بل مطلق المقدّمة سواء كانت من المعدّات أو الأسباب أو الشروط وغيرها داخل في محل النزاع إذا كان هناك اثنانية في الوجود فعلى هذا تدخل في مورد النزاع المقدمات الداخليّة بالمعنى الأعم كمطلق المقدّمات الخارجيّة . وقد أشرنا إلى ان منها المعد وهو ما يكون لوجوده دخل في التمكّن من

دخول المقدّمة السببيّة في محلّ النزاع

ص: 412


1- . هذا في غير مورد أمر السيّد عبده بالقتل وفيه روايتان معتبرتان وسائل الشيعة 19 الباب 14 من أبواب قصاص النفس 1 - 2 بقتل السيّد ( المولى ) وحبس العبد حتّى يموت وعمل بهما ولااعراض عنهما.

المسبب والمعلول وربما يكون مقدمة لمعد آخر وذاك يكون مقدمة كما في الاقدام المتعاقبة من مكان إلى المسجد مثلاً . وبما ذكرنا سابقا ظهر عدم وجه للتقسيم الاخر في المقدمة بكونها شرعيّة أو عادية أو عقليّة . نعم العادية ربما تكون مقدمة وربما يكون هناك ماخرق عادة فيحصل المطلوب بلا وجود هذه المقدمة .

تقسيم المقدمة إلى السابقة والمقارنة واللاحقة:

ومن التقسيمات: تقسيم المقدمة إلى السابقة والمقارنة واللاحقة بأن يكون لتحقّق المطلوب شرط يؤثر في وجوده بأحد الوجوه أو مطلقا بأيّ نحو حصل ذاك الأمر ولا اشكال في القسمين الاولين ( أي السابقة والمقارنة ) اما اللاحقة وهو المصطلح عليها بالشرط المتأخر فوقعت محل الكلام والنقض والابرام بين الاعلام . فجعلها بعضهم من الواضحات التي لا ينبغي التشكيك في امكانها وآخر جعلها من المستحيلات ولا اشكال في انه اذا كان الشيء مؤثّرا في وجود شيء آخر ولو في حال عدمه وعدم تحقّقه في الخارج فهذا لا ينبغي الشكّ فيه بأن يكون الشيء بوجوده الخارجي مؤثّرا في معلول ويقتضي لاحقا وجوده سابقا فهذا من المحالات لتوقف المعلول على تماميّة علّته ولا معنى لحصول المقتضى في الخارج قبل وجود مقتضيه . ونسبة الحكم والموضوع نسبة العلّة والمعلول التكويني فلا يمكن تقدم الحكم على الموضوع ولا تخلفه عنه لبرهان الخلفوالمناقضة فكما ان انفكاك المعلول عن علّته التامّة محال كذلك تخلف الحكم عن موضوعه . فان كان الفرض ان الشرط بوجوده الخارجي يؤثّر في المشروط فهذا من المستحيلات وان كان هناك فرض آخر اصطلحوا عليه بالشرط المتأخّر فلا نضائقهم عليه لكن لو أرادوا تصحيح ما ذكرنا بارجاعه إلى الوجود العلمي لا

ص: 413

الخارجي كما ذهب إليه صاحب الكفاية(1) أو الوجود الانتزاعي كالتعقب وأمثاله

فهذا خروج عن محلّ الفرض .

تحقيق البحث في الشرط المتأخّر: لا اشكال في انه اذا فرض ان الشيء بوجوده الخارجي شرط في أمر آخر لا بوجوده العلمي الذي يرجع إلى الوجود التصوري الغائي فان الحكم باستحالة وجود الأثر في الخارج اذا كان في الامور الخارجيّة بمكان من الوضوح ولا مجال للارتياب فيه . فالجواب عن اشكال الشرط المتأخّر بما يرجع إلى الوجود الغائي التصوري الذي لابدّ من الغاية في كلّ فعل من الأفعال الّتى تصدر من العقلاء ليس على ما ينبغي كما في الكفاية ) لأنه خارج عن الفرض بل الوجود المقارن منه شرط وهو حاصل . فما هو محلّ الكلام الذي هو الشرط المتأخّر الذي عنونا به البحث محال وما فرضوه ممكنا وأتعبوا أنفسهم فيه فليس من الشرط المتأخر الذي هو محلّ البحث .

والحاصل: ان الكلام في الموارد التي وقعت في الشرعيّات كالاجازة

اللاحقة للعقد الذي وقع فضوليّا فان هذه الاجازة لا يمكن أن تؤثّر في العقد بوجودها المتأخر عن الواقع المتقدم عليها بزمان ولو آنا فضلاً عن أكثر من ذلكولازم هذا الشرط المتأخر وتصويره على مبنى القوم انه تكون بالعقد زوجة غاية الأمر ان الاجازة كاشفة من ذلك فان الكشف الحقيقي مرجعه إلى هذا مع انه كماترى .

نعم لو فرضنا باب الاعتباريات غير باب التكوينيّات ولا يترتب عليها ما يترتب على تلك لكان لذلك وجه . لكن لا يخفى ان كليهما من باب واحد . فانه بعد ان جعل الاجازة شرطا فلا معنى في تأثيرها حال عدمها لرجوعه إلى استواء

في استحالة الشرط المتأخّر

ص: 414


1- . كفاية الاُصول 1/161 وما بعده إلى 167 .

وجودها وعدمها فلابد أن تكون موجودة كي تؤثّر ويترتّب الأثر على المؤثر ولو اعتبارا . فان الفرض ان لوجوده الخارجي الاعتباري دخلاً في الأثر وذلك يقتضي وجود الشرط خارجا كي يحصل معه الأثر ولو اعتبارا . ولذا كان مقتضى القاعدة في باب الاجازة النقل كما ذهب إليه جماعة من المحققين والكشف خصوصا الحقيقي خلاف التحقيق وإن كان في الحكمي ليس ذلك الاشكال الا انه لا يخلو من الاشكال على القاعدة لكن الرواية الواردة(1) في ذلك مع موت الزوج واجازة الزوجة بعده يمكن حملها على الحكمي لا الحقيقي وان استشهد بها القائل للكشف الحقيقي .

وذهب بعضهم فيه إلى ان الشرط هو التعقب ولا يخفى انه أيضا ليس جوابا عن الاشكال بل التزام به وان الشرط المتأخر محال وما هو الشرط في هذا المورد هو الشرط المقارن وهو تعقب العقد بالاجازة اللاحقة وهو مقارن لوقوع العقد وإن كان هناك فصل بين وجود المتعاقبين فانه لم يكن هناك علم بذلك قبل حصول الاجازة فبعد الاجازة يحصل العلم بوجوده ( أي التعقّب ) من أوّل الأمر ولا ينافي ذلك كون التعقّب من الامور الانتزاعيّة . فهذا الجواب أيضا ليس جوابا كالجوابالذي أجاب به المحقّق الخراساني قدس سره في الكفاية الذي نقلناه من ارجاعه إلىالوجود العلمي الغائي .

ثمّ انّه قد يستشكل كما عن فخر المحقّقين(2) بأنّه لابدّ من الشرط المتأخّر

كما في باب الايجاب والقبول فانّ القبول شرط متأخّر للايجاب لعدم وجود

ص: 415


1- . وسائل الشيعة 26 الباب 11/1 من أبواب ميراث الأزواج .
2- . ايضاح الفوائد 1/419 - 420 .

الايجاب حال حصول القبول فلابدّ من تأثير المعدوم في الموجود لأنّ الأثر الذي يترتّب على العقد بعد الايجاب والقبول فانّما هو مفصول من الايجاب الحاصل بزمان انعدم فيه الايجاب فيرجع إلى كون المؤثّر هو الايجاب خصوصا إذا كان المؤثّر هو الايجاب والفرق بين العقود والايقاعات إنّما هو بكون البيع مثلاً عبارة عن الايجاب المتعقّب بالقبول أي عبارة عن حصّة من الايجاب الذي لا يفارق القبول بخلاف الايقاعات فليس هناك إلاّ ايجاب فقط كما ذهب إلى هذا المبنى المحقّقان الميرزا النائيني والآقا ضياءالدين العراقي .

أمّا الفرق بكون العقد عبارة عن ايجابين مرتبطين والايجاب واحد في الايقاعات فكلام لا قائل به وإنّما هو احتمال من سيّدنا الأستاذ قدس سره .

وقد يجاب عن الاشكال بكون الأثر إنّما هو حكم الشارع بالملكيّة وهو إنّما يحصل بعد تمام موضوعه وهو وجود الايجاب والقبول خارجا بلا احتلال فصل بينهما عرفا فاذا حصل موضوعه فيحكم هو بالملكيّة وأي ربط لهذا باب الشرط المتأخّر . ولا يخفى ما في هذا الجواب فانه يمنع باب جريان البرائة في الأحكام الوضعيّة مع ان مرجعه إلى انكارها وارجاعها إلى التكليفيّات وإلى جعل السببيّة التي استقرّت الآراء اليوم على امتناع جعلها .نحو آخر من الجواب عن اشكال الشرط المتأخّر: قد يقال في جوابالاشكال بأنّه إذا كان باب العلّة والمعلول والتأثير والتأثّر في التكوينيّات فالكلام في محلّه والاشكال وارد يستحيل هناك كون الشرط متأخرا عن مشروطه والمشروط متقدما عليه . لكنه اذا كان من الامور الاعتباريّة(1) فلا مانع من كون

في الجواب عن اشكال الشرط المتأخّر

ص: 416


1- . الحق ان الأمر في الشرعيّات كذلك وليس قياسها بالتكوينيّات وهذا هو الذي اختاره وصرّح به السيّد العلاّمة الخوئي محاضرات في اُصول الفقه 44/130 إلى 137 وكذلك شيخ مشايخنا العراقي ( نهاية الأفكار 1/276 - 289 ) وبين الأوّل ان الشرط ما يكون تقيده دخيلاً في الواجب دون نفس القيد وكان هذا تفسير مختار المحقّق الخراساني زيد في علوّ مقامه .

الشيء في وعائه المتأخّر موجبا لترتيب أثر متقدّم عليه عند العقلاء اعتبارا كما في الوجاهة المتأخّرة فانّها توجب بوجودها في وعائها ترتيب الآثار التي يرتبونها عليها كاقراضه مثلاً لكنه . لا يخفى ما في هذا المثال من المغالطة .

ولنبين الضابط بين الامور الاعتباريّة والخارجيّة والذهنيّة فنقول إن كان لشيء مع قطع النظر عن تصوّره وجود في عالم العين فهو الخارجي وإن كان إنّما هو مجرّد الخيال والفرض وإنّما ينتزع عن وجود شيء آخر فهو الانتزاعي . فانه إذا لم يتصوّر ولم يفرض فلا وجود له ولا شيء هناك .

كما انه ما لا يكون ذاك ولا هذا بل برزخ بينهما فهو من الامور الاعتباريّة وهي تبع اعتبار المعتبر ومن يبده الاعتبار فيقال في جواب هذه المغالطة وغيرها انه تارة يكون للشيء دخل فلا يمكن وجود الذي هو دخيل فيه قبل ماله الدخل والاّ فيرجع اما إلى العلل الغائية التي تكون مطمحا للنظر في الأفعال كي يتوصل عليها بوجودها العلمي الشرط في العمل الموصل للوجود الخارجي أو إلى عدم الدخل واستواء وجود الشيء وعدمه ولو فرضنا عدم كون الاعتباريّات من باب التأثير والتأثر فانه لا يخلو اما أن يكون للشيء دخل فلابد من وجوده اذا فرضانه بوجوده الخارجي دخيل في شيء أو لا دخل له فيخرج عن محل الفرض وارجاع الشرط المتأخر إلى الوجود العلمي كما عرفت خروج عن محلّ الفرض . بل كاد أن يكون النزاع بين القوم لفظيّا فانه لا يعقل ولا يحتمل التزام أحد بجواز

ص: 417

تقدّم المعلول على أجزاء علّته . وما يظهر من بعضهم كونه معنويّا فلابدّ أن يأوّل بما ذكرنا وانه جعل محل الفرض من الموارد التي يكون للوجود العلمي واللحاظي دخل في شيء . اذ لا يعقل كون الاجازة المتأخّرة من سنة عن زمان العقد مؤثّرا في حصول الملكيّة من حين العقد بل لابدّ من رجوعه إلى التعقب اذا ساعده الدليل أو يلتزم بالكشف الحكمي أو النقل هذا .

وقد يقال انه مع فرض استحالته كيف وقع هذا الشرط المتأخر في الشرع وأدل دليل على الامكان هو الوقوع وذلك في موارد عديدة .

منها: صوم اليوم فان بعض اليوم ليس بصوم بل لابدّ من تمام الصوم إلى الغروب فالساعة المتأخّرة شرط للساعات والأزمان المتقدّمة وإلاّ لم تكن هي صوما بل لو أفطر في ساعة منها فعليه الكفّارة في ما إذا تعقّب الافطار عذر من الأعذار المانعة عن وجوب الصوم أو صحّته كما اذا حاضت المرأة أو سافر الصائم ربما تكون الكفّارة على خلاف القاعدة كما مرّت الاشارة إلى ذلك في بعض الأبحاث السابقة وكما في الصلاة على ما مرّ وكما في اشتراط الصوم السابق على الليلة بالغسل الواقع في الليلة المتأخّرة .

وأمّا في السابقة فلا اشكال كما قال بعض بمقتضى الروايات الواردة في هذا الاشتراط للصوم .

والجواب ان هذه الموارد ليست من الشرط المتأخر كما توهم وتقدمالجواب عن بعضها سابقا . وربما أجاب بعضهم بكون الشرط هو الوجود الدهريكما نقله سيّدنا الاستاذ عن شيخه الاستاذ المحقّق النائيني وانه اسنده إلى الميرزا الكبير الشيرازي قدّس اللّه تربته .

في موارد النقص بوجود الشرط المتأخّر

ص: 418

توضيح وتبيين: وليعلم انه تارة نقول ان باب المعاملات من الأمور الوضعيّة ليست من الامور الاعتباريّة التي حكمها كالأحكام التكليفيّة التي يكون جعلها بيد الجاعل الذي له اعتبارها . بل هي من الامور الواقعيّة وان نظر العرف طريق إليها والشارع بامضائه لذلك ليس جاعلاً ومعتبرا لها بل إنّما وافق نظره نظر العرف ولذلك قد يخطئهم فيما لا يرى ما يرونه كبيع المنابذة والحصاة . فحينئذٍ اذا كانت هي من الامور الواقعيّة فبابها باب الأسباب والمسبّبات ويحكم عليها بما يحكم على الأسباب بمسبباتها لأنّه اذا حصل السبب الموجب لحصول الملك على النحو المعتبر عند العرف فيستحيل تخلف المسبب عنه بل يحصل عقيب سببه ولا يكون هناك تخلف المعلول عن علّته والا المسبب عن سببه كما انه كذلك الأمر إذا كان من باب الموضوع . والحكم إنّما هو بيد الشارع . فاذا قلنا في الوقف بحصوله بمجرد الصيغة أو ولو بالمعاطاة فيما إذا كان في نحو المسجد بوضع اللبنة فوق اللبنة كما قال به صاحب العروة قدس سره (1) فلنا أن نقول ان القبض شرط اللزوم فاذا اقبض يلزم وقبله الرجوع إلى الواقف ولو حصل الملكيّة للموقوف عليهم . كما انه لنا أن نقول ان الوقف إنّما يتمّ بالقبض وقبله لم يكن شيء يترتّب عليه الأثر وفي كلا الوجهين وفي الوجه السابق بناء على كونها من الامور الواقعيّة وبكونها من باب الأسباب والمسبّبات حتّى عند البهائم وغير ذوات العقول فضلاً عنالعقلاء فترى الكلب الذي سبق الطعمة يمنع غيره وغيره يرى له حق التقدم والتصاحب لا يكون تركب في ناحية المسبب بل مادام لم يحصل سببه بتمام ما له

ص: 419


1- . لم نجده في مظانّه لكن ذكر ما يستفاد منه ذلك ورأي وقفيّة المساجد ولو لم يجر الصيغة كتاب الوقف العروة الوثقى 2/185 .

الدخل لم يحصل المسبب الذي هو في البيع عبارة عن حصول علقة الملكيّة بين المشتري والمبيع وفي البايع بالنسبة إلى الثمن ويفترق عن باب الارث بأنّه هنا إنّما يكون تبدل طرف الاضافة مع وحدة الشخص فالبايع هو الذي كان للمبيع به ربط وكانّ المبيع كان خيطا مشدودا بظهره والمشتري كذلك للثمن والمبايعة انما أوجدت بالألفاظ الخاصّة المنشأة للمفهوم والشارع اعتبر الملكيّة فالتبديل إنّما هو في طرف الاضافة وفي الارث في الأشخاص والتفصيل موكول إلى محلّه .

وكيف كان فسواء كان من الأسباب والمسبّبات أو من قبيل الموضوع وان الشارع إنّما يعتبر الملكيّة فمادام لم يتمّ موضوعه أو لم يحصل سببه لا يمكن الحكم بالملكيّة وبناء على ان البيع إنّما هو فعل البايع لا اشكال أيضا اذ له شرط هوالقبول فاذا حصل ووجد يحكم بالملكيّة أو غيرها من الأحكام الوضعيّة المترتّبة على المعاملات كما انه كذلك بالنسبة إلى العقلاء لو كانت من الامور الواقعيّة المنكشفة عندهم وإنّما أنظارهم طرق إليها .

وأمّا في باب الأحكام التكليفيّة وموضوعات الأحكام فالأمر أيضا واضح .

والبلوغ والاستطاعة وإن كانا حاصلين لكن الحج مشروط بالموسم فمادام لم يحصل وقته على النحو المعتبر لا يجب الحج كما انه مشروط بالبلوغ والعقل فاما أن يحصلا وقته أوتدريجيّا لكن حصول الموضوع وتماميّته هنا وفي باب الوضعيّات المتقدّم فيها الكلام إنّما يكون دفعيّا والمسبب هناك من البسائط وليسفيه تركيب وإن كان التركيب في سببه . وعلى كلّ حال فلو فرض حصول البلوغوالعقل والموسم لكنه ليس بمستطيع فلا يجب عليه الحج لعدم تماميّة الموضوع

استحالة تخلّف المعلول عن علّته

ص: 420

وهذا واضح ولا يتوجّه فيه وفي سابقه وهو باب الوضعيّات على النحوين من كونها جعليّة أو واقعيّة اشكال الشرط المتأخّر وتخلّف المعلول عن علّته .

بقي الكلام في مثل متعلّقات التكاليف الوجوبيّة كالصلوة والصوم . وفيها تارة نقول بأن الامتثال كالاشتغال إنّما يكون دفعيّا ولذلك ينحل الأمر الواحد إلى أوامر متعدّدة ضمنيّة وله تعلّق بكلّ واحد من الأجزاء وباتيان تمام الأجزاء غير الجزء الأخير لم يحصل الامتثال .

فاذا أتى به يحصل امتثال الجميع فلا اشكال . واخرى نقول بان الامتثال وان لم يحصل قبل تمام الجزء الأخير بالنسبة إلى الأجزاء السابقة لكنه يكون مراعى باتيانه وإذا أتى به يكشف عن كونه من أوّل الأمر كان ممتثلاً فالامتثال تدريجي وهنا يجري الاشكال ويمكن الجواب عنه بالتعقب والتقدم وان الشرط للجزء السابق هو تعقب اللاحق كما ان للاّحق تقدّم السابق وهما ينتزعان عند حصول منشأ الانتزاع ولا علم قبله فلا اشكال .

تتميم مع توضيح: أشرنا إلى انحلال أمر المركب الارتباطي كالصلوة والصوم إلى أوامر ضمنيته حسب تعدد الأجزاء ولذا يجري البرائة في المشكوك جزئيته . اما كون الامتثال تدريجيّا كتدريجيّة الأجزاء في الوجود وان باتيان كل جزء امتثل أمره فممنوع لا سبيل اليه وليس المركب الارتباطي مثل غيره كالبسائط والمركب الذي ليس ارتباطيّا كي لا يكون لاتيان كلّ واحد من الأجزاء الدخيلة في حقيقة المأمور به دخل في الامتثال للباقي بل باعتبار ارتباطيّة الأجزاء بعضها مع بعض والتيام المركب من المجموع يكون كلّ جزء يأتي بهمراعىً في الواقع إلى أن يأتي بالجزء الأخير فاذا أتى به ينطبق المأمور به على

ص: 421

المأتي به فالانطباق قهري والاجزاء عقلي .

وهذا كما ترى لا تدريجيّة فيه بل هو دفعي ويحصل باتيان الجزء الأخير وقبله لم يكن آتيا بالمأمور به بل بالبعض الذي ليس مأمورا به مستقلاً ولا معنى لكشف الجزء الأخير عن امتثال باقي الأوامر ومن هنا يعرف الحال في نظائر المسئلة .

منها: ما لو احدث بالأصغر في أثناء الغسل الترتيبي للجنابة فانه على أن يكون غسل الجنابة دفعيّا حسب المستفاد من الأدلّة لم يأت بشيء ويكون حال هذا الحدث قبل تمام الغسل حال الحدث الواقع قبل الشروع فيه ولا يزيده شيئا بل يتم العمل وباتمامه يكون الجنابة مرتفعة عنه دفعيّا ويصلّي مع هذا الغسل لعدم كون الحدث مبطلاً له ولا لشيء منه والغسل والطهارة إنّما يحصلان بعد تمام العمل دفعيّا .

وأمّا بناءً على التدريجيّة لأن كلّ(1) ما جرى عليه الماء فقد طهر وارتفع جنابته كما ورد ان تحت كلّ شعرة(2) جنابة ولا ارتباط لاجزاء البدن بعضها مع بعض واذا بقي من بدنه شيء بعد تمام الغسل والتفت إليه فيغسله ) .

كما ورد في الأخبار فحينئذٍ بما ان الحدث الأصغر لا يوجب جنابة جديدة فرأسه مثلاً إذا طهر وقع الحدث بينه وبين طهارة باقي الأجزاء من الجانبين فلايمكنه بعد فراغ الغسل من الصلاة بلا وضوء ولو قلنا بجواز مس كتابة القرآن برأسه قبل تمام الغسل إذا لم يحدث بالأصغر ولذلك الذي قلنا إذا أراد الاحتياط

التعقّب في اجزاء المركّبات

ص: 422


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 26/1 من أبواب الجنابة .
2- . الوسائل 2 الباب 1/5 من أبواب الجنابة واللفظ من ترك شعرة من الجنابة متعمّداً فهو في النار . مستدرك الوسائل 1 الباب 29/3 من أبواب الجنابة .

فلا يحصل باعادة الغسل من رأس في هذا الفرض .

والحاصل: ان الأمر في الصلاة وأمثالها لا يكون مرتبطا بالشرط المتأخّر بل الشرط لكلّ جزء هو التعقّب بالاجزاء اللاحقة وللمتأخّر عن السابقة والتعقّب والتقدّم ليسا من الامور التي تتوقف على حصول منشأ الانتزاع الذي هو وقوع المتأخر في انتزاع وصف التعقب به فعلى فرض كون الامتثال دفعيّا فلا اشكال ولا يكون هناك شرط متأخّر كما انه على التدريجيّة لا يكون الجزء الأخير شرطا للسابق ولا العكس بل التعقب والتقدم وهما حاصلان ونفس الاجزاء ليست شروطا لها بعضها بالنسبة إلى البعض فان الاجزاء قيود وأوصافها الانتزاعيّة شروط كما بينّا فلا اشكال فالاشكال والنقض لابدّ أن يكون بمورد مسلم وليس في موردنا .

اما اشكال الصوم واشتراطه بالغسل فكما انه يجيء في غسل الليل المتأخّر بالنسبة إلى صوم اليوم المتقدم على قول بعض كذلك يجيء على قول غيره بالنسبة إلى غسل النهار لصحّة ما تقدّم من الزمان من أوّل يوم صومه إلى حين الغسل فكلّما يجاب به عن غسل الليل المتأخّر بالنسبة إلى صوم اليوم المتقدم فيلكن جوابا عن ما نحن فيه بالنسبة إلى قبل زمان الغسل من الآنات والتزم بذلك في هذه الموارد بدعوى مساعدة العقل والاعتبار والدليل بخلاف باب الاجازة في عقد الفضولي فانه لا معنى لكون وصف التعقب للعقد بالاجازة مؤثّرا في النقل من حينه أي حين العقد ولكن أي شاهد لهذه الدعوى هذا . وربما يقال انه يمكن القول بأن ارجاع الاشتراط في هذه الموارد إلى عنوان التعقب لا يستقيم اذ ذلك فرع كون عنوان التعقب شيئا مؤثّرا له دخل في كلّ مقام يلتزم به وليس كذلك لأن

ص: 423

الموالاة والترتيب في الصلاة التي هي عبارة عن توالي الأجزاء في الوجود أوكون بعضها سابقا على بعض والآخر لاحقا قام الدليل بالنسبة إليها الا ان الصوم واشتراطه بالغسل النهاري بالنسبة إلى صحّة الانات السابقة لا وجه لتعقب الاجزاء به بل الظاهر كونه هو الشرط فحينئذٍ يشكل الأمر في المقام وانكار الشرط المتأخّر .

عود على بدء: قد أشرنا في مطاوي الأبحاث السابقة إلى ما ذهب إليه المحقّق الخراساني قدس سره (1) في الشرط المتأخّر وارجاعه إلى ما يؤل إلى الشرط المقارن فان الاضافة التي يشترط تأثير المشروط بها وما لم يحصل هذه الاضافة لا يؤثر المقتضي المشروط بها على وجه أو كما يقول قدس سره ان الاضافة كاشفة أي وجودها في وعاءها كاشف عن تأثير المقتضي من أوّل الأمر لا ربط لها بالشرط المتأخّر ولعلّ الشرط المتأخّر بالمعنى الذي حرّرنا به مورد البحث لا يتردد أحد في استحالته بل المهارب في غيره .

البحث في وجوب المقدمة: ثم انه قد تقدّم انحاء تقسيمات المقدّمة من كونها باعتبار شرعيّة وعقليّة وعادية واخر ما هو مقدمة لذات الشيء أو لتقيده ووصفه أو غير ذلك من التقسيمات وان محل النزاع ليس في اللابديّة العقليّة اذ هي لا سبيل إلى انكارها بل النزاع إنّما هو في الوجوب الشرعي والملازمة بين الايجابين . وبعبارة اخرى في ان الآمر إذا أوجب شيئا وله مقدمات فهل أوجب مقدماته أم لا . بل بعد فرض عدم امكان التوصّل بذي المقدمة إلاّ بالمقدمات وان الشيء في وجوده يحتاج إلى حصول المقدّمة . ولا شبهة في ان مورد النزاع ان

ص: 424


1- . كفاية الاُصول 1/146 إلى 148 .

كان في الوجوب ففي صورة الشكّ يكون مجرى البرائة بلا اشكال بخلافالملازمة فانه لا أصل هناك يقتضي وجودها أو عدمها بل الملازمة أمر واقعي ولا أصل يقتضي فيها شيئا .

نعم هي باعتبار وجوب المقدّمة أيضا تكون مجرى البرائة وهذا البحث وهو وجوب المقدّمة سواء كان ما هو معلوم المقدّميّه وانه مقدّمة لوجود هذا الشيء أو لا بل ولو فرض عدم تعلّق العلم به لكنه في الواقع مقدّمة فمورد البحث على كلتا الصورتين .

وكيف كان فهل يعقل بعد عدم فرض وجود مصلحة اخرى في المقدّمة غير وقوعها في طريق امتثال أمر المولى وانه لابد منها في وجود ذي المقدمة وجوبها المولوي الشرعي أم لا . بل لو فرض تعلّق أمر به فيكون ارشاديّا كما في مثل قوله تعالى: « أطيعُوا اللّه َ »(1) والفرض انه لا مصلحة في ايجابها سوى انها واقعة في طريق الامتثال وهذا ليس سوى اللابديّة العقليّة وليس ورائها شيء آخر فلا معنى لوجوبها الشرعي فتدبّر جيّدا .

ثمّ انه بناء على الوجوب الشرعي فالوجوب تعليلي أي انّما يجب لكونها مقدمة والوجوب تعلق بذات الشيء لا بما هي مقدمة . بل لأنّها كذلك . وكيف كان فقد سبق انه لا معنى للوجوب المولوي من جهتين . فتارة لكونه من باب الأوامر الواردة في باب الاطاعة وحكمه حكم أطيعوا اللّه ولا تعصوا وأمثالها من الارشاديات وتقدم إلى هذه الجهة الاشارة . واخرى من جهة عدم الأثر لعدم النفع في المباحث الاصوليّة .

في أنّ الأمر إذا أوجب شيئاً هل أوجب مقدّماته

ص: 425


1- . النساء الآية 59 .

فان في باب اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن الضد لم نقل بكون ترك أحدالضدين مقدمة للآخر كي يتصوّر النزاع في الوجوب والحرمة .

والحاصل انه لا يعقل هنا الوجوب المولوي المقدمي على المقدمة وللمحقّق النائيني قدس سره هنا كلام في تصوير الخطاب المولوي على خلاف ما ذكرنا من انه لا يتصور مورد لذلك وهو كونه خطابا تبعيّا .

بيان ذلك: انه ليس النزاع في الوجوب النفسي لعدم ملاك في المقدمة نفسي يقتضي الوجوب بحيث يكون لها اطاعة وعصيان في قبال ذي المقدمة ولا في الوجوب العرضي على أنحائه . فان العرضي بمعنى يرجع إلى التبعي كما في حركة اليد الموجبة لحركة المفتاح . وبمعنى آخر يرجع إلى الواسطة في العروض كما في حركة الجالس في السفينة وفتح الأمر للبلد . فان الحركة في هذين المقامين إنّما هو للسفينة والفتح فعل العسكر واسنادها إلى الجالس والأمير مجاز وان كان بمعنى آخر يمكن الاسناد الحقيقي في هذه الموارد إلى الأمير وإلى جالس السفينة وإلى الراكب للطيّارة فانه بمعنى الانتقال لهما من مكان إلى آخر .

بل المراد من ذلك هو الوجوب التبعي . والتبعي الذي يقولون به في باب قصد الاقامة والمسافة لا أثر له ولا له أصل أصيل فانه ما لم يرجع إلى قصد التابع تبعا لقصد القاصد استقلالاً لا فائدة فيه ومجرد انه يقصد ما قصده ولا يدري ما قصده وهل تحقق منه قصد الاقامة عشرة أيّام أو أقل لا يوجب الاتمام ولا قصد مسافة لا يدري التابع تبلغ المسافة الموجبة للقصر موجب لقصر الصلاة . بل مرجع هذا القصد التبعي إلى كونه ( أي المتبوع كالداعي لقصده السفر أو الاقامة .

وباب التبعية في طهارة وعاء الخل المنقلب عن الخمر انما هو لعدم الفائدة

ص: 426

في طهارته ( أي الخل ) بسبب الانقلاب فهي ( أي الطهارة ) لازم عقلي لطهارةالخل بالانقلاب وإلاّ فالطهارة للخل ونجاسة الظرف يمنعان من ترتيب الاثارالمطلوبة منه .

نعم الحليّة ليست من باب التبعيّة بل بمجرّد الانقلاب يكون حلالاً والتبعيّة في ما نحن فيه يراد بها التبعيّة القهريّة الترشحيّة بتسليم مقدمة . وهي ان الارادة

الآمرية انما تتعلق بما تتعلق به الارادة الفاعليّة فاذا فرض ان قصد واحد أمرا له مقدمة واحدة أو متعددة فلا يمكنه أن لا يريد هذه المقدمة بل يقصدها للوصول إلى مقصوده وهو ذو المقدمة ويتعلّق بها ارادته قهرا . والا فلا يريد ذا المقدمة وهو

خلاف الفرض .

وحينئذٍ فاذا كان هذا في الارادة الفاعليّة فالارادة الآمريّة أيضا تتعلّق بما يقصده الفاعل وبعبارة اخرى الارادة الآمريّة توجب تحرّك الارادة الفاعليّة وتكون بين الارادتين مطابقة ووفاق هذا ثبوتا . وامّا اثباتا فمعلوم انه لا يمكن النهي عن المقدمة بل تكون رشحا ومتولدة من الارادة المتعلّقة بذي المقدّمة بعد فرض كون هذا الشيء مقدمة وذلك ليس بجعل وارادة مستقلة بل قهري ولا يمكن عدم تعلّق الجعل والارادة بهذا النحو وعدم ارادته هذا .

واستشكله سيّدنا الاستاذ قدس سره بأنّه كيف يمكن كونه مرادا وواجبا بهذا النحو من الوجوب مع انه ربما لا يلتفت إليه الآمر . وعلى فرضه فليس هذا النحو من الوجوب مجعولاً مسندا إلى المولى بل اسناده إليه لكونه متولّدا من خطابه كما في النار والاحراق فان المحرق إنّما هي النار وأثره الاحراق إنّما يكون قهرا كرطوبة الماء . وأمّا حديث التبعيّة فالمسلم إنّما هو امتناع تعلّق ارادة المولى الآمر بما لا

ص: 427

يقدر عليه العبد لقبح مطالبة العاجز وأين هذا من قياس احدى الارادتين بالاخرى .تتميم وتوضيح وتبيين: قد عرفت ان المقدّمة تارة يمكن تشخيصهاعقلاً لتوقف وجود ذي المقدمة عليها بلا حاجة إلى بيان مصداقها . واخرى تحتاج إلى بيان الشارع وبعد بيانه وانه يتوقف ذو المقدمة على هذه المقدمة أو لوصفه حاجة إليها فيكون أيضا عقليّة . غاية الأمر في العقليّة ابتداءً يرى العقل ان لهذا الشيء توقفاً على ذاك الذي هو مقدّمة وهنا ليس تشخيص المقدّمة بنظر المكلّف بل الشارع يبين ما هو دخيل عقلاً في تحقّق ذي المقدّمة بتبيينه لتوقف ذي المقدمة وشرح وبيان لنفس المقدمة وكيفيّتها كما في الطهارة الحدثيّة فانها لو لا بيان الشارع لم يدر المكلف بأيّ نحو تحصل وليس شأنها شأن الطهارة الخبثيّة كي لا يحتاج إلى البيان المولوي .

وان كان في الخبثيّة أيضا تصرّف الشارع في بعض الخصوصيّات وعلى هذا فلا مجال لما قد يتوهّم من حصول الكسر والانكسار بعد دخول الوقت في استحباب الوضوء والغسل من الجنابة نفسيّا ان ( أثبتنا ) والوجوب المقدمي لو قلنا بالوجوب الشرعي أو اللابديّة العقليّة ان لم نقل بالوجوب الشرعي بل المقدمة مقدمة على نحو أخذها الشارع وحيث لم يعتبر في تحقّقها ومقدميّتها سوى المقدّمة قصد غاية من الغايات فيكفي الاتيان بها في كونها مقدمة .

نعم لو اعتبر في مقدميتها قصد غاية أو التوصل فلابدّ منه وليس الأمر كذلك لأن مقدميّة المقدّمة لا تحتاج إلى القصد بل لو كانت مقدّمة فبالقصد لا تختلف كما انه لو لم تكن فلا أثر له وعلى هذا فربما يشكل الأمر في وجوب بعض المقدّمات

هل المقدّميّة يشترط فيها قصد الغاية أو التوصل

ص: 428

للأفعال الواجبة كما لو كان الكون على السطح المتوقف على الصعود بالدرج واجبا وكان بين مراقى الدرج حجرة له فيها شغل يصعد إليها وينزل منها بلا اتمام مراقى الدرج فانه لا يحتاج في مقدميتها إلى القصد فاللازم اتّصاف الصعود مراراعديدة بالوجوب لكونه مقدّمة مقربة إلى الكون على السطح الواجب وكذلك فيباقي الامور كما لو كان يجب عليه الحج المتوقف على المسير واتّفق خروجه إلى الميقات أو ما دونه لغرض آخر .

فاما ان نقول بعدم كون هذه مقدمة بل اللازم القصد وهو خلاف ما هو المسلم من عدم لزوم القصد في ذلك بل لو اتّفق كونه نائما ونقلوه إلى الميقات فلا يجب الرجوع والعود ثانيا إلى الميقات عن قصد .

وامّا أن يقال بعدم لزوم القصد بل إنّما تجب ذوات المقدمات وحيث المقدمية تعليليّة فاللازم كون ما ذكرنا واجبا وهو خلاف ما عليه الوجدان .

ومن هنا ذهب بعضهم إلى الالتزام بالمقدّمة الموصلة(1) فرارا عن هذين المحذورين كما ان قصد التوصل إلى ذي المقدمة إنّما جاء من قبل هذا الاشكال المبني على اتّصاف هذا المشي وهذا الصعود إلى قرب السطح أو الميقات أو غير ذلك ولو بقصد الخلاف بالوجوب .

والحاصل ان المقدمة لا تحتاج إلى قصد الوفاق وكونها مقدمة كما ان قصد الخلاف لا يضر بالمقدميّة في ما هو مقدمة .

ص: 429


1- . الحق صحّة المقدّمة الموصلة وإمكانها ووقوعها كما اختاره صاحب الفصول والسيّد العلاّمة الخوئي محاضرات في اُصول الفقه 44/252 وما بعده والمحقّق العراقي ( نهاية الأفكار 1/340 - 341 ) وتلاميذه منهم اُستاذنا المدقّق المرحوم السيّد يحيى المدرّسي اليزدي أعلى اللّه مقامهم وشرحها في الحقائق ( حقائق الاُصول 1/285 ) .

نعم حيث ان روح الترتب يسري في بعض موارد المسئلة فاحتيج إلى

انضمام قصد التوصّل وذلك فانه لا اشكال في ان انقاذ الغريق الواجب لو توقّف على مقدّمة وهو التصرّف في الأرض المغصوبة وتخريب زرع الناس فيكون الانقاذ لكونه أهم موجبا لعدم اتصاف العبور عن الأرض المملوكة للغير بالحرمةلدوران الأمر بين الأهم الواجب والمهم الحرام الذي هو مقدمة مع انه لم يكن من قصده من التصرف في الأرض المغصوبة التوصل إلى انقاذ الغريق بل قصد عدمه كالتفرّج مثلاً يكون هذا التصرف حراما وإنّما يباح حيث انه يستطرق الأرض للانقاذ فالحرمة مشروطة بترك الأهم أو قصد تركه أي إذا تركت الانقاذ فلا تصرف في أرض الناس ولا في زرعهم فاما أن نقول بالترتب ويستقيم المسئلة والا فلابد من الجواب .

تحقيق البحث في وجوب المقدمة:

لا ينبغي الاشكال في ان ذات المقدمة على القول بالوجوب المولوي الشرعي تكون واجبة بلا احتياج إلى قصد التوصل ولا قصد الايصال ولا ارادة شيء ولا خصوص الغاية المطلوبة بل لو كانت مقدمة فلا يضرها قصد الخلاف وعدم القصد ولو لم تكن فالقصد لا يوجب كونها مقدمة .

والاشكال الذي ذكرناه سابقا في وجوب مطلق المقدمة يندفع بما سنشرحه ذيلاً حيث ان البعيد عن مكّة الذي يجب عليه الحج إذا لم يقصد في سفره إلى قرب الميقات مثلاً التوصّل إلى الحج بل التجارة وليس من قصده الحج بل قاصد العدم لا يكون هذا الميسر في حقه على القول بالوجوب واجبا بل هو باق على حكمه الاولى الذاتي لو لا طرو الوجوب عليه من حيث المقدميّة أي كون المقدمية علة لوجوبه .

ص: 430

وذلك قد يكون حكمه الاولى مباحا كما انه قد يكون حراما وقد يكون الحكم غيرهما .

نعم لو اتّفق انه قصد المقدميّة بمعنى كونه آتيا بذي المقدمة فحينئذٍ يكون واجبا كلّ ما يأتي به من مقدماته .والحاصل انه لا اشكال في الوجوب إذا كان بصدد الامتثال وفي طريق اتيان ذي المقدمة ولكن لا مطلقاً ولو لم يأت بذي المقدمة أصلاً بل في صورة تعقب المقدمة بذي المقدمة وهذا هو معنى الموصلة ولا يتوجه على ذلك اشكال كون اتصافها بالوجوب بعد حصول ذي المقدمة وترتبه عليها لأنه إنّما يكون في ما يكون الموصلة أو الايصال جهة تقييديّة والمقدمة بما انها موصلة واجبة . وأمّا إذا قلنا كما هو الحق بأن المقدمة الموصلة واجبة لا بعنوان الايصال بل الايصال جهة تعليليّة فما هو المتعقب واقعا بذي المقدمة هو الواجب فلا إشكال بل تعقّبها بذي المقدمة يكشف عن كونها من أوّل الأمر واجبا .

وقد عرفت عدم لزوم قصد كون المقدمة واجبة ويجتمع هذا الوجوب مع حكمها الاولى لأنّه إذا لم يقصد بالمقدمة اتيان ذي المقدمة فلها حكمها الاولى .

نعم في صورة القصد يكون المقام من باب الدوران فتارة يكون حكمها الاولى هو الاباحة فلا تبقى في صورة المقدمية وحصول ذي المقدمة . واخرى هو الحرمة وذو المقدمة يكون واجبا أهم فكذلك لابدّ من تقديم جانب الأهم ولا يكون خطاب المهم فعليّا في هذه المرتبة . وإنّما يكون فعليّا في طرف ترك الأهم على الترتب فيقال في تقريره مثلاً ( انقذ الغريق ) وهو متوقف على التصرف في أرض الغير المغصوبة لكونها طريقا منحصرا .

الايصال في المقدّمة جهة تقييديّة أو تعليليّة

ص: 431

( فان تركت الانقاذ فلا تصرف في مال الغير وأرضه ) وإنّما يجتمع الحكمان المتضادان اذا كان كلاهما فعليين مطلقين وأمّا إذا كان أحدهما مشروطا بترك الآخر والآخر مطلقا وغير مشروط بشيء فلا اشكال كما في مثل أدّ الدين .

وان تركت أداء الدين فصل وهذا النحو من الشرط هو الذي لا يتوجّه عليهالاشكال على ما سنبين في محلّه إن شاء اللّه .لا أن ارادة الترك أو قصد المعصية كان يقال ان أردت الترك أو ان عصيت فكذا ولا يكون خطاب أدّ الدين مشروطا بشيء ولا له اطلاق في حق متعلقه إنّما هو بذاته وقد يكون ذوالمقدمة مستحبّا والمقدمة حراما فلا أهميّة هنا في ذي المقدمة غاية ما في الباب كون مقدمة المستحب مستحبّا لا واجبا مقدما على الحرمة المقدمية كما ان مقدمة الحرام لا تكون حراما إلاّ إذا كانت علّه تامّة دون المقدّمة الاعداديّة لامكان منع ترتب ذي المقدمة بالتصادف .

اما مسئلة انقاذ الغريق وحرمة التصرّف في أرض الغير فهي واضحة بعد ما ذكرنا حيث انه إذا قصد الانقاذ بالتصرف وتعقب بالانقاذ فلا اشكال في كونها واجبة على القول بالوجوب لأهميّة الانقاذ وتقدمه على حرمة التصرف ولا يكون حينئذٍ مقام لخطاب لا تصرف كما انه لو قصده ولم يجيء بذي المقدمة بعد ذلك فكان حراما معذورا في ارتكابه . وأمّا إذا لم يقصد ذلك من أوّل الأمر بل قصد العدم أو لم يقصد شيئا فعلى ما ذكرنا من وجوب واقع المقدمة الموصلة كان قد أتى بالواجب غاية الأمر لعدم كونه قاصدا لذي المقدمة المستلزم لخيال توجه الحكم الفعلي بحرمة التصرّف في الأرض المغصوبة حصل منه تجرى والا فلا حرمة من غير هذه الناحية وإلى الترتب الذي ذكرنا في هذه الموارد يرجع أجوبة

ص: 432

المحقّق الخراساني قدس سره في كفايته(1) من اشكالات المقدمة المطلقة التي أوردها عليه المحقّق اليزدي صاحب العروة في مجلس جمع بينهما المرحوم الحاج آقا حسين القمّي قدّس اللّه أسرارهم .مع انه انكر الترتب غاية الانكار كما سنشير إليه إن شاء اللّه في محلّه .تتمّة البحث في المقدّمة:

قد عرفت الاشكال واختلاف الآراء في المقدمة وانه الجأ بعضهم إلى القول بوجوب المقدمة الموصلة كصاحب الفصول قدس سره وان غيرها ليست بواجبة ولا يتوجه عليه الاشكال السابق من الوصول إلى قرب مكة والقصد التجارة وكونها واجبا لكن سبق ان المقدمة على القول بوجوبها تكون واجبة بذاتها . وظاهر كلام صاحب الفصول ان المراد بالموصلة ليست واقعها بل الموصلة بعنوانها ولذا استشكلوا عليه بأنه إنّما تجب المقدمة بعد حصول ذيها لأنّها حينئذٍ تتّصف بالايصال ويتحقّق عنوانها كما انه يلزم عليه كون ذي المقدمة تبعا لمقدمته واتّصافها بالايصال لأنّ الايصال يتوقّف على وجود ذي المقدّمة والا فبدونه لا ايصال للمقدّمة .

فعلى هذا بناء على الوجوب الشرعي للمقدّمة يكون ذو المقدّمة أيضا مكتسبا منها الوجوب التبعي المقدمي وهو كما ترى في الاستحالة .

وذهب صاحب الكفاية قدس سره (2) إلى القول بوجوب مطلق المقدمة والمنسوب

إلى صاحب الحاشية رحمه الله انه قال بالمقدّمة الموصلة لكن لا كما ذهب إليه صاحب

وجوب مطلق المقدّمة من صاحب الكفاية

ص: 433


1- . كفاية الاُصول 1/188 - 200 .
2- . كفاية الاُصول 1/188 - 200 .

الفصول بل الذي قاله ان الواجب هو المقدمة من حيث الايصال ويمكن أن يكون مراده حيث انه لا معنى في لب غرض الواقع أن يكون وجوبها كساير التكاليف خارجا عن تحت الأقسام الثلاثة ( للماهية ) فانها في ذاتها وحد نفسها ليست إلاّ هي ولكنها في وعاء التصور وتخلية الذهن عن هذا اللحاظ الذي تلحظ الماهيّةفي مكانها وصقعها يتوجه إليه النظر والموجود هي الأفراد الثلاث فانها إمّا أنتكون الوجود التصوري الذهني في عالم التنزل سواء كان لها واقع في الخارج أم لا بشرط الشيء بالنسبة إلى كلّ زمان وزماني أو بشرط عدمه أو لا بشرط عن شيء ولا رابع للأقسام . والمنسوب إلى المشهور انهم يرون نسبة التضاد بين المطلق والمقيد ولا يخفى انه ان كان كذلك وفرضا من الضدين لا ثالث لهما .

فالنافي لأحدهما لابدّ أن يقول بالآخر فاذا لم يوجب المقدمة مطلقا فلابدّ أن يكون نظرهم إلى الايصال كما انه لم يقل أحد بكون التقابل بين المطلق والمقيد هو تقابل السلب والايجاب .

والحاصل ان عدم ايجاب مطلق المقدمة من صاحب الحاشية يرجع إلى نتيجة ما يقول في التقابل بين المطلق والمقيد فان كان بالتضاد فالنافي لوجوب المطلق يقول بوجوب الموصلة وإن كان بالعدم والملكة فلابد من قابليّة المقدمة للتقييد في وجوبها بالايصال وحيث تقدم استحالة المقدمة الموصلة على ما قالوا فبعين امتناع التقييد يمتنع الاطلاق لأن الاطلاق على هذا المبنى عبارة عن عدم التقييد في ما يمكن ان يقيد فاذا امتنع من التقييد فلا معنى للاطلاق .

والذي نسب إلى المشهور انهم يرون المطلق في قبال التقييد ويجعلون اللا بشرط القسمي الذي هو ضد بشرط الشيء وبشرط اللا مطلقاً والمقيد هو بشرط

ص: 434

الشيء فيتضادان على مذهبهم كما نسب إليهم وذهب آخر إلى ان الماهيّة المهملة اللا بشرط المقسمي التي في مقام الوجود يكتسي بأحد هذه الأقسام الثلاثة إلاّ ان اللفظ وضع بازاء اللابشرط القسمي لعدم كون المقسمي موردا لشيء .

وكيف كان فبناء على ما ذكرنا يمكن أن لا يقول صاحب الحاشية بوجوب

المقدمة بشرط الايصال ولا بعدمه بل الذي يقول كون الواجب هو المقدمة لامطلق وجودها بل الحصة التوأمة للايصال ولا يتوجه عليه الاشكالات الواردةعلى الموصلة كما ان توجيه المحقّق النائيني قدس سره (1) بكون مراده ما ذكرناه في وجوب اجزاء المركب عن اشتراط كلّ جزء بالسبق واللحوق بالنسبة إلى باقي الأجزاء لعدم وجوب مطلقها ليس على ما ينبغي . بل يمكن قوله بخروج القيد أي قيد الايصال والتقييد عن موضوع الوجوب ويقول بما وجهنا به كلامه ولا يتوجه عليه ما أورده عليه المحقّق النائيني من عدم لزوم قصد التوصل أو الايصال وارادة ذي المقدمة في وجوب المقدمة وذلك لكون المقدمة في ذلك تبعا لذيها فكما لا يمكن اشتراط وجوب المتعلّق وتوجه الخطاب إليه بارادته وقصده فكذلك المقدمة .

ثمّ ان كلّ هذا في ما إذا قلنا بالوجوب الشرعي .

أمّا بناء على ما ذكرنا من عدمه فلا موقع للنزاع .

هذا تمام الكلام في وجوب المقدمة والأقوال فيها .

بقي هنا شيء فاتنا ذكره لاضطراب الاحوال وهو بناء على ما ذهب إليه صاحب الحاشية من المقدمة الموصلة على ما شرحنا فيكون حكم المقدّمة في

في توجيه كلام صاحب الحاشية

ص: 435


1- . فوائد الاُصول 1/292 - 296 لكن في التقرير لم يذكر الاشكال .

صورة عدم الايصال على نحو الترتب حكمه الاولى واستشكله المحقّق النائيني قدس سره (1) بعدم تعقّل كون الترتب في حكم الشيء الواحد .

ثمرات الأقوال في وجوب المقدمة:

أمّا على القول بوجوب مطلق المقدمة ربما ينتج البطلان في مثل العباداتإذا كان مأمورا في أوّل الوقت بأداء الدين الأهم أو ازالة النجاسة عن المسجد فانهحينئذٍ تكون الصلاة ضدّاً لكل منهما وبناء على مقدميّة ترك الضد لوجود الضد الآخر فهذه الصلاة تكون فاسدة باطلة بخلاف المقدمة الموصلة ولو على التزام مقدّميّة ترك أحد الضدّين لوجود الآخر فاذا قلنا ان الازالة أو أداء الدين واجب أهم وإن مقدماته تكون واجبة وتركها حراما فأحدى المقدّمات ترك المقدّمة الموصلة فيجب هذه المقدّمة التي هي عبارة عن ترك الصلاة الموصل ونقيضه يكون حراما لكن النقيض عبارة عن رفع هذا الترك وعدمه وهو ترك هذا الترك وهذا الترك للترك ليس هو الصلاة كي تكون حراما بل هي من المقارنات . فلذا لا معنى لكونها حراما بخلافه على وجوب مطلق المقدّمة فيكون ترك مطلقها أيضا حراما فترك الصلاة مقدّمة واجبة للازالة مثلاً فنقيض هذا الترك ترك تركها وهو الفعل فيكون حراما لكن هذه الثمرة مبنيّة على ذاك المبنى وهو المقدميّة وحيث انا قد حقّقنا وسيجيء في محلّه إن شاء اللّه عدم مقدّميّة ترك أحد الضدّين لوجود الآخر فلا ثمرة من هذه الجهة فحينئذٍ يمكن أن يقال بصحّة الصلاة في فرض وجوب مطلق المقدّمة .

ثمّ انه ينبغي أن يبين ان المقدمة بناء على وجوبها أو عدمه تشمل كلّ ما له

ص: 436


1- . فوائد الاُصول 1/292 - 296 لكن في التقرير لم يذكر الاشكال .

دخل في تحقّق ذي المقدّمة فليست مجرّد المقتضي بل العلّة التامّة للزوم عدم المانع ووجود الشرايط في ترتب المعلول على علّته فتكون كلّها واجبة بناء على الوجوب ولذا تجب الارادة أيضا لكونها مقدمة ولا يمكن أن يتحقق ذوالمقدمة في ما للارادة دخل في تحقّقه بدونها .

فبناء على الوجوب تكون هي أيضا واجبة . واستشكل هذا الوجوبالمحقّق الخراساني قدس سره (1) بدعوى انها على الوجوب محتاجة إلى ارادة اخرىوهكذا فيتسلسل وهو محال . فلابدّ أن تكون الارادة خارجة عن فرض وجوب المقدمات لكنّه بناء ما على ما حقّق في محلّه من ان اختياريّة الفعل الاختياري وصدوره عن ارادة المختار إنّما يتوقّف على مرتبة لاحقة للمراتب القهريّة التي ليس فيها محل الاختيار كالخطور والميل والشوق المؤكّد وهي مرتبة التصدي والطلب وهناك مكان الاختيار ومقام الأمر بين الأمرين فلا مانع من كون الارادة أيضا واجبة بالوجوب المقدمي لو كانت في المراتب اللاحقة للشوق المؤكّد .

أمّا إذا كانت هي الشوق فلا وجوب لها لكونها قهريّة لكن محلّ الاختيار بعد باق فليس الشائق مؤكّدا مسلوب عنه الاختيار . وقد ذكروا ثمرات اخر اهمّها مسئلة النهي في العبادات فيما تكون المقدّمة محرمة وكذا صغرويتها لباب التزاحم على ما سنشرح إن شاء اللّه .

بقية الثمرات:

من الثمرات المترتّبة على وجوب المقدمة مسئلة برء النذر وعدمه ومنها مسئلة الاجتماع والنهي في العبادة وينكر هذا المعنى المحقّق الخراساني(2) ولا

ص: 437


1- . كفاية الاُصول 1/186 - 196 - 198 .
2- . كفاية الاُصول 1/250 - 198 .

يرى ثمرة وجوبها منتجة في المقام كما ان المحقّق النائيني (1) لا يرى الثمرة على الاطلاق بل في بعض الموارد .

والحاصل ان المقدمة تارة تكون منحصرة واخرى غير منحصرة ومحلّ

الكلام في المقدمة المحرمة . وحيث ان المحقق صاحب الكفاية(2) مبناه على عدمامكان تعدد الوجود الواحد ماهيّة وان جهة المقدميّة حيث تعليلي عنده فيرىذات المقدمة محرمة وهذا المعنى لا يجامع وجوبها المقدمي . فان الشيء الواحد لا ينطبق عليه عنوانان فاما ان يكون حراما لا واجبا فيما يكون هناك شيئان مجتمعان في الوجود تارة ويفترقان اخرى كالصلوة والغصب أمّا إذا كان من قبيل أكرم العلماء ولا تكرم الفساق فيخرج عن باب التزاحم وهو داخل في باب التعارض في مادة الاجتماع . فالعناوين الاشتقاقيّة الاتّحاديّة خارجة عن محلّ البحث ومفروض ظهور ثمرة المسئلة . بل ضابط باب الاجتماع فيما كان هناك عنوانان غير اشتقاقيين أو متّحدان في الوجود ولكن يوجدان بايجاد واحد فبحسب الايجاد واحد كالصلاة والغصب أو كالسير إلى الحج والتصرف في مال الغير وقد عرفت عدم كون المقام من موارد ظهور الثمرة بناءً على وجوب المقدّمة عند المحقّق الخراساني سواء كانت المقدّمة منحصرة أو غير منحصرة كما إنّه سواءً كان ذلك في التعبّدي أو التوصّلي الا ان التوصلي فيه جهة اخرى لا يوجب فساد العمل بخلاف التعبّدي ففي بعض الصور تكون العبادة باطلة .

واستشكل سيّدنا الاستاذ قدس سره ما ذهب إليه صاحب الكفاية من كون مورد

ثمرات وجوب المقدّمة

ص: 438


1- . فوائد الاُصول 1/296 - 297 .
2- . كفاية الاُصول 1/250 - 198 .

الوجوب هو ذات المقدمة وحيث مقدميتها تعليليّة لا تقييديّة وليس كالصلاة والغصب ممّا كان هناك عنوانان وان القضيّة في المقام خارجيّة لا حقيقيّة بأن المقدّمة أيضا كلّي لها أفراد فحينئذٍ تكون مثل ما إذا تعلّق الوجوب بالعنوان فالسير

الذي هو مقدّمة ليس سيرا خاصّا بل كلي السير وهو عين العنوان .

أمّا عند المحقّق النائيني الذاهب إلى عدم امكان وجود المتعدّد ماهيّة بوجود واحد ولو فرض وجودهما بايجاد واحد إلاّ انّه عند العقل وبالمنشار العقلاني يكون هناك وجودان انضماميان ينطبق على كلّ واحد منهما عنوانويكون كلّ من لازم وجود الاخر ومن المعلوم عدم سراية الأمر والنهي عنمتعلّقهما إلى لوازمه بحسب الوجود . ففي المقدمة المنحصرة يكون التزاحم بين الواجب والحرام ولابد من مراعاة المرجحات . اما فيما اذا لم تكن المقدمة منحصرة بالحرام بل لها افراد ويختار المكلف حرامها فهنا يمكن ظهور ثمرة المسئلة بناءً على الامتناع وحرمة العبادة إذا كانت عبادة فظهر ان وجوب المقدمة لا ينفع في بطلان العبادة على كلّ حال كي يعد من ثمرات المسئلة برجوعها إلى صغرى باب النهي في العبادة .

ومن ثمرات المسألة: عدم جواز أخذ الاجرة على الواجبات فانه بناء على وجوب المقدمة فلا يجوز أخذ الاجرة عليها بناء على عدم جوازه في الواجبات ولا يخفى اختلاف الواجبات في هذه الجهة ولا يجوز أخذ الاجرة على الواجبات العباديّة العينيّة للاخلال بقصد القربة فانه لابدّ أن يكون الداعي قربيّا .

وقد ذكروا في غير موارد العباديات ضابطا لجواز الاجارة والاستيجار وهو أمران:

في عدم جواز أخذ الاُجرة على الواجبات

ص: 439

أحدهما: ملك الأجير للعمل .

والثاني: وصول النفع إلى الذي استأجره .

فاذا لم يكن مالكا للعمل أو كان مالكا ولا يوجب نفعا على المستأجر أو في بعض الموارد إلى من يوجب نفعه نفعه فلا تصح الاجارة بذلك ولا يصح استيجار المؤمن للنيابة عن المنافق في صلاة وغيرها من العبادات لعدم قابليّة المحل أي المنافق لحصول نفع من ثواب وغيره إليه . ولا اشكال في لزوم ذلك في الاجارة كما في البيع فان تبديل الاضافة سواء كانت بالملك أو بنحو الاجارة لابدّ من كون متعلقها ملكا فكما انه يكون الاجير مالكا للمال الذي يأخذه اجرة علىاجارته ويكون العمل ملكا له كذلك لابدّ أن يكون المستأجر أهلاً لتملّك العمل .لا يقال على هذا فلا يمكن أخذ الاجرة على الواجبات مطلقا عينيّة كانت أو كفائيّة سواء انحصر الفرد بالمكلف أم لا بل قام مقامه في ذلك غيره لخروج العمل بسبب وجوبه عن ملكه ويكون ملكا للّه تعالى .

فيختل أحد ركني جواز الاجارة وهو كونه ملكا للأجير وعلى هذا فلا يجوز لأحد أخذ الاجرة على شيء ممّا له دخل في بقاء النظام فان الامور النظاميّة التي يتوقّف عليها حفظ نظام المعاش ممّا لا اشكال في وجوبها حذر الهرج والمرج .

لانا نقول قد ذكروا ضابطا له أيضاً وهو الفرق بين كون الواجب هو معنى اسم المصدر أو المصدر وحيث الصدور فان كان الأوّل أي اسم المصدر وذات الفعل واجبا فهو خارج عن ملك الأجير ولا يصح اجارته عليه دون المصدر . ولا يكون وجوب المعنى المصدري موجبا لسلب ملكيّة الشخص لمعنى اسم المصدر .

ص: 440

فيجوز أخذ الاجرة بخلاف اسم المصدر فانه إذا كان على ترك الشيء أو فعله فيخرج عن تحت اختياره لكون الاختيار نسبته إلى الفعل والترك على السواء وليس كذلك في المقام كما في مثل الصلوات وغيرها من الواجبات العينيّة .

أمّا الواجبات النظاميّة فانّ الواجب فيها إنّما هو المعنى المصدري فيجب على الزارع الزراعة وعلى الخياط الخياطة وهكذا فالواجب هو حيث الصدور وهو إمّا أن يأتي بالواجب أو لا ولا يكون الفعل بمعناه اسم المصدري خارجا عن ملكه .

هكذا قالوا الا ان في هذه الموارد نظرا وتأمّلاً وتحقيق الحق في محلّه .

فاذا انقسم الواجب إلى قسمين في جواز أخذ الاجرة وعدمه فنقول: انالمقدمات بناء على وجوبها إنّما يكون متعلّق الوجوب هو حيث المعنى المصدريلا اسم المصدري فيجوز أخذ الأجرة عليها .

الكلام في مقدّمات الحرام: ذهب إلى حرمة ما تكون علّة تامّة للحرام منها المحقّق الخراساني قدس سره (1) بناء على وجوب المقدّمة بخلاف غيرها وحيث ان كثيرا من المقدّمات لا توجب تسبب ذي المقدّمة عنها لحفظ الاختيار فلا يقول بحرمتها وإن كانت الف مقدمة .

حيث ان الارادة والاختيار بعد باق .

ثمّ أورد على نفسه بما حاصله دعوى التنافي بين هذا والقاعدة المبرهن عليها من ان الشيء ما لم يجب لم يوجد وانه كيف التوفيق . فأجاب بامكان كون ذلك من مبادي الارادة دفعا لمحذور الدور والتسلسل .

في حكم مقدّمة الحرام

ص: 441


1- . كفاية الاُصول 1/205 .

وظاهر جوابه الأخير يؤمى إلى الجبر وفيه مجال للكلام .

الا ان تحقيق الحق في الكلام ويمكن تقريب الأدلّة الواضحة بنحو لا يبقى سترة في كون الأفعال اختياريّة وانه لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين .

وكيف كان فثمرة كلامه قدس سره الفرق في وجوب المقدمات بين ما تكون الارادة باقية محفوظة فلا تكون حراما لعدم تسبيبها وجود ذي المقدمة وبين غيرها التي تكون علّة تامّة فتحرم وإلى هذا يميل المحقّق النائيني قدس سره وان فصل(1) وقسم المقدمة إلى قسمين ما يكون معه صارف وما لا يكون كذلك ثمّ الذي لا يكون معه صارف اما ان يوجب قهريّة وجود ذي المقدّمة في الخارج أو لا بل معه واسطة .ومثال ما يوجب قهريّة ذي المقدّمة بحيث يخرج عن تحت اختيار المكلّف ما إذاكان ذو المقدّمة مسبّباً توليديّاً للمقدّمة . كما إذا صب الماء على مواضع وضوئه في موضع ينصب الماء منه على أرض الغير بناء على كون ذلك تصرّفا ومع ذلك حراما فيدخل حينئذٍ في باب الاجتماع الذي ضابطه وحدة الايجاد ويكون التركيب انضماميّا كما في المقام إلاّ انّه قدس سره كان يريد اخراج هذا المورد عن تحت باب الاجتماع . لكنّه لا فرق بينه وبين ما إذا كان المصلى يصلّي في لباس غصبي عالما في كلا المقامين ومثال ما إذا يكون هناك واسطة كما اذا يجري الماء في المثال على الأرض المباحة ومنها يجتمع في ميزاب جار في أرض الغير أو على رأسه مثلاً بناء على حرمة نحو هذه الموارد الا انه يمكن كون المثالين من باب واحد . فان جعلنا المناط في المسبب التوليدي عدم واسطة فعل فاعل اختياري بين الأثر والفعل فالمورد ان من باب المسبّب التوليدي .

ص: 442


1- . فوائد الاُصول 1/199 - 300 - 312 مع تفاوت لما في المتن .

وان جعلنا المناط ترتب المسبب بلا واسطة وكونه كالمعلول للعلّة فيخرج المثال الأخير وينحصر بالمثال الأوّل لكن يرجع هذا التفصيل منه رحمه اللّه إلى ما ذكره المحقّق الخراساني . فيكون الضابط حينئذٍ في حرمة المقدّمة كونها موجبة لترتب ذي المقدمة الحرام عليها سواء كانت موجبة لسلب قدرة المكلّف ووجود ذي المقدّمة الحرام منها قهرا التي ربما تدخل تحت ضابط الامتناع بالاختيار وربما تحت ضابط باب التزاحم . لكن الثاني خارج عن مورد البحث لانّ الكلام في ما يوجب تسبب ذي المقدمة من المقدمات . والأمثلة في هذا المقام كثيرة . منها: ما اذا يعلم انه إذا دخل المجلس الفلاني يبتلي بالجلوس على مائدة يشرب فيها الخمر أو يبتلي بالشرب في اناء الذهب والفضّة إذ لا اشكال في حرمة الشرب في هذا المورد وهل يسري إلى المشروب ويوجب انتزاع عنوان عنه إليه موجبلحرمته أم لا ؟ فيه كلام والمسئلة خلافيّة وحريّة بالتنقيب لكن ربما نلتزم بعدمالمانع من ذلك حيث يكون الجلوس أو الشرب في مورد المثال موجبا لرفع القتل عنه أو غيره في صورة الاضطرار وحفظ النفس في مقام التقيّة ويقال بعدم المانع من ايجاد المكلّف مثل هذا المفرّ له وجعل نفسه معرضا لأمثاله وحينئذٍ فلا مجال لمقدّمة الحرام في مثل هذه الموارد .

ومما ذكرنا يعرف الحال في مسئلة ازار الغير المغصوب وكون تحريك الماء في الخزانة موجبا للتصرّف فيه أو حركته فانه يكون من موارد الاجتماع فان الفعل يعنون بعنوان التصرّف في مال الغير بالعنوان الثانوي كالالقاء في النار والاحراق وكذلك هو غسل أو وضوء مثلاً فيكون في صورة العلم باطلاً وهكذا في نظائر المقام والضابط في الجميع ما ذكرنا وممّا ذكر في مقدّمة الحرام تعرف الكلام

ص: 443

في مقدّمة المكروه .

هذا تمام الكلام في المقدّمة

في ان الأمر بالشيء هل يقتضي النهي عن ضدّه ؟

هل الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه أم لا ؟ فيه أقوال .

فقائل بعدم الاقتضاء مطلقاً سواء بالنسبة إلى الضدّ العام أو الخاص وقائل بعكسه والاقتضاء مطلقاً في الموردين وقائل بالتفصيل . ولا يخفى كون المسئلة من المباحث الاصوليّة التي تنفع في موارد كثيرة . والمراد من الاقتضاء في المقام ليس هو الدلالة اللفظيّة لما تسلم من عدم التركب في معنى الهيئة وليس معناها عين النهي عن ضدّه وإن كانت عند القدماء لفظيّة . إلاّ انّها عقليّة وليست من مستقلاّته بل من الملازمات العقليّة التي تأخذ الموضوع من الشرع وتحكم عليه .

وكان الأنسب بباب الملازمات تبويب باب لها على حدة إلاّ انّها تفرّقت في المباحث المناسبة لها .وبالجملة باب الملازمات احدى الأبواب الثلاثة التي يتركب منها القواعد الاصوليّة والأخريان باب المستقلاّت وبحث الألفاظ .

وكيف كان فحيث انّ معنى الهيئة ليس مركّبا من طلب شيء والنهي عن نقيضه أو ضدّه ولا طلب الشيء والنهي عن اتيان معانده فليس من مباحث الألفاظ بل اما أن يكون معنى الهيئة هو الطلب في جميع مواردها . غاية الأمر تختلف دواعيه فتارة يكون الطلب بداعي الجد واخرى بداعي الحث والترغيب وثالثة غيرهما . وعلى أيّ حال ينتزع منها الوجوب أو الاستحباب أو غيرهما حسب اختلاف الدواعي وامّا تكون ايجاد النسبة وتحقيق المصداق للطلب

هل الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه

ص: 444

خارجا حسب اختلاف الدواعي المنتزع منها أيضا الوجوب أو ساير الأحكام وليكن على طبق تشريع المولى تكوين العبد . فالاقتضاء في عنوان البحث ينحصر بالدلالة العقليّة وباب الملازمات سواء كان من اللازم البين بالمعنى الأخص الذي من تصور الملزوم يتصور اللازم ( والظاهر انحصار مثاله بالعمى والبصر ) أو من البين بالمعنى الأعم الذي من تصوّر الطرفين والنسبة بينهما يحصل الجزم باللزوم وذلك بلا فرق بين كون اللزوم لجهة موجبة لذلك أو حسب الاتفاق وكذلك في لزومه للوجود الخارجي أو الذهني أو للماهيّة ( وقد لا يكون كما في مثل تصور العالم والحدوث فانه لا يحصل الجزم بلزوم الحدوث للعالم لما بينهما من المباينة مفهوما .

وليس العالم مركّبا من سوى اللّه تبارك وتعالى والحدوث .

ولا ملزوما للحدوث بأحد النوعين بل يحتاج إلى مقدمات ) .

إذا عرفت هذا فنقول: استدلّ للملازمة بين الأمر بالشيء والنهي عن نقيضهأي الضدّ العام الذي هوالترك بمقدّمتين بعد تسليمهما يحصل الجزم بالحكم .احديهما انه لا اشكال في ان المريد لشيء لا يريد تركه فاذا يعامل معاملة يريد النفع فلا اشكال في عدم قصده الضرر كما اذا يريد فعل شيء فلا يريد عدمه وان ضايقت في العينيّة وانّه ليس ارادة الشيء عين كراهة تركه وان الأمر بالشيء ليس أمرا بترك تركه مفهوما فلا اشكال في انه كذلك مصداقا وهذا المقدار كافٍ في هذه المقدّمة .

الثانية ان الارادة التشريعيّة تكون على طبق الارادة التكوينيّة كما مرّت إليه الاشارة مرارا .

استدلّ للملازمة بأمرين

ص: 445

فكما انّ المكلّف إذا أراد فعل شيء لا يريد تركه بل ترك تركه فكذلك في ناحية التشريع وانه هناك ملازمة بين الارادتين أي ارادة الشيء تشريعا وكراهة تركه والنهي عنه . وبعد تسلم هاتين المقدمتين نستنتج اقتضاء الأمر بالشيء تشريعا النهي عن ضدّه العام الذي هو الترك حسب الملازمة .

ثمّ انه ربما يمكن لهذا القائل أن يدعي سراية هذا الدليل إلى الأضداد الخاصّة بدعوى كونها عبارة عن مصاديق الترك فتكون كأفراد الجامع .

وهناك وجه آخر للاقتضاء بدعوى مقدميّة ترك أحد الضدّين لوجود الآخر وسيأتي إليه الاشارة فانتظر .

تفصيل الكلام: الأقوال في اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضدّه وإن كثرت على اختلاف التفاصيل الا انها مبتنية على المقدميّة أو الدلالة اللفظيّة بأنحائها الثلاث من المطابقة بأن يكون الأمر بالشيء في اقتضاء النهي عن ضدّه العام عينه ومعنى صلّ أي لا تترك الصلاة أو اترك ترك الصلاة أو التضمن بأن يكون الطلب الذي هو معنى هيئة افعل بناءً على كون معناها مفهوما لا مصداقاايجاديّا مركّبا من جزئين الأمر بالشيء والمنع من النقيض .ولا يخفى ان الاقتضاء بناء على الأول واضح للعينيتة وكذلك على الثاني حيث انه يدلّ عن النهي عن ضدّه العام أي الترك بالتضمن . وبما ان التحقيق على ما استقرّت عليه الآراء عدم التركب في معنى الهيئة بل هو معنى بسيط لا تركب فيه أصلاً . وإنّما الاختلاف في الدواعي فلا وجه للقول بالتضمن كما لا وجه للعينيّة وإن كان ولابدّ فذلك لا من جهة دلالة اللفظ كما انه لا ربط له بالعينيّة بناءً

عليه .

ص: 446

نعم . قالوا بدلالة الأمر بالشيء على النهي عن ضدّه بالالتزام اما باللازم البين بالمعنى الأخص أو لا أقل من البين بالمعنى الأعم . كما ان المحقّق النائيني(1) يميل بعض الميل في بعض الدورات وكلّه في آخر إلى هذا المذهب واطال بما في ظاهره جيد لكن لا وجه له(2) بعد كون الكلام في المقام إنّما هو في الانشاء والجعل والخطاب بأن يكون قوله صلّ ملازما لقوله اترك ترك الصلاة أو لا تترك الصلاة خطابا مولويّا بحيث لو خالف خالف خطابا مستقلاًّ سوى مخالفته لخطاب صلّ وهذا المعنى محال حيث ان الخطاب المولوي لا يتصور في ما أمره بيد العقل لأنّ الباب باب الاطاعة والعصيان فكما انه ليس للمولى تشريع خطاب مولوي في وجوب الاطاعة والعصيان كذلك لا معنى له هنا إذ ذاك لو كان فانما هو لرجوعه إلى عصيان خطاب صلّ فيرجع الكلام إلى قوله أطع ولا تعص . وهماارشاديان إذ لابدّ من انتهاء ما بالعرض إلى ما بالذات وإلاّ فيتسلسل لاحتياجاطاعة أمر الصلاة إلى أمر أطع وأمر أطع إلى أمر آخر وهكذا .

فلابدّ أن يكون المرجع في باب الاطاعة والعصيان هو العقل ولا تسلسل عندئذٍ .

هذا لو كان المراد خطابا مستقلاًّ مولويّا وقد عرفت انه لا مجال له . وما ذكرنا سابقا من قياس الارادة التشريعيّة بالارادة التكوينيّة وإن في الارادة

ص: 447


1- . فوائد الاُصول 1/303 .
2- . كما أنكر الدلالات الثلاث في المحاضرات محاضرات في اُصول الفقه 44/335 - 336 ولكن اختار المحقّق العراقي ( نهاية الأفكار 1/377 ) الدلالة الالتزاميّة بدعوى الملازمة التامّة بين الارادة لشيء وكراهة تركه بحسب الارتكاز بل نفي البأس عن دعوى العينيّة انشاء .

التكوينيّة إذا يريد شيئا فلا يريد ضدّه وتركه أو يكرهه فمغالطة ولو فرض صحّته فلا ربط له بما هو محلّ الكلام . إذ الكلام في الانشاء والجعل لا في مجرّد الكراهة وعدم ارادة ضد مطلوبه .

وكذلك الأمر في الخطاب التبعي والنهي التبعي بأن يكون المنشأ في بدو الأمر هو الأمر المنشأ المتعلّق بالصلاة وتبعا له بكون النهي عن أضدادها مطلقاً أو ضدّه العام أي الترك كما في الكفاية لما عرفت وعلى فرض كونه فليس مولويّا .

ومحلّ الكلام إنّما هو الخطاب المولوي كما عرفت في مبحث المقدّمة من عدم كون أمر المقدّمة مولويّا ومقامنا من ذاك القبيل . فحينئذٍ لا وجه للخطاب المولوي بالنهي عن الترك أي الضدّ العام فضلاً عن الخاص لا بالمطابقة ولا باختيها .

بقي الكلام في الاقتضاء بناء على المقدميّة:

وستعرف منعها وعلى فرض تماميّة ذلك فالاقتضاء فرع تصوير الخطاب المولوي من ذي المقدمة إلى مقدمته وهو الذي يفيد في ثمرات المسألة وانى لهم باثباته .

حيث قد عرفت في بحث وجوب المقدمة امتناع الخطاب المولوي وإن كانفانما هوارشاد إلى حكم العقل .وأمّا تقريب المقدّميّة كما هو بناء القول بالاقتضاء عند الكثير وتوقف وجود أحد الضدّين على ترك الضد الآخر وذهب بعضهم إلى مقدميّة وجود الضد في ترك الضد فهو ان الشيء لابد في وجوده من تماميّة أجزاء علّته كالمقتضى والشرط ومن الامور التي يتوقّف وجود الشيء عليها عدم المانع لا لكون العدم مؤثّرا في

في الاقتضاء بناء على المقدّميّة

ص: 448

الوجود كي يشكل بعدم تأثير الاعدام خصوصا في الوجودات بل لأن وجود المانع يمنع المقتضي عن التأثير فعدمه دخيل في التأثير وحصول المقتضى والمعلول من نفس المقتضى . والا فالأثر انّما هو للمقتضى لا عدم المانع وكذلك الشرط دخلهما من هذه الجهة وحصول التأثير .

اذا عرفت هذا فلا اشكال في عدم امكان وجود السواد في محل يكون ملونا بالبياض الذي هو ضدّ السواد فلابدّ في وجود أحدهما من عدم الآخر وبدونه لا يمكن وجود الضدّ فيتوقّف وجود البياض على عدم السواد وكذلك العكس وهذا هو معنى المقدميّة إذ معنى المقدّمة بالنسبة إلى الشيء انّه لو لا تلك المقدّمة لما يوجد ذاك الشيء وفي ما نحن فيه ما لم ينعدم السواد ويزول لا يمكن وجود البياض .

هذا غاية ما يمكن أن يقرب به مقالة القائلين بالمقدّميّة .

ولا يخفى انه على فرض تماميّته لا يثمر في ما هو محلّ الكلام أوّلاً وثانيا إنّما هو في الاُمور التكوينيّة وأمّا في الاُمور الشرعيّة كالصلاة والازالة هل الأمر

كالأمور التكوينيّة أم لا ؟ بل لا يكون هناك ارادتان للازالة والصلاة معا فلا يتمّ فلا

يقتضي ذلك هذا الدليل .

ثمّ انّه على فرض الغض عن الاشكالين لابدّ من جواب الدور بناء علىمقدميّة ترك أحد الضدّين لوجود الآخر .كما انه بناء على قدّمنا من عدم امكان الأمر المولوي لا مجال لشبهة الكعبي من انتفاء المباح إذ لو كان هناك تكاليف محرّمة فلابدّ من الاشتغال باُمور اخر تكون واجبة في تركه ولو كان تكاليف الزاميّة واجبة فتكون ما يتوقّف عليها واجبة .

ص: 449

تكميل وتوضيح: قد عرفت ان جماعة منهم قد استدلّوا على الاقتضاء بالمقدميّة وإن ترك أحد الضدّين مقدّمة لوجود الآخر ولذلك قالوا باقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضدّه .

ورد بوجوه ثلاثة: تارة منع المقدميّة واخرى باستلزامه الدور وثالثة بما ستسمع .

امّا تقريب المقدّميّة فبانّه لا إشكال في انّ الشيء يحتاج في وجوده إلى تماميّة علّته باجزائها لأن وجود العلّة مقدّمة ومقدّم على وجود المعلول وما لم تتحقّق خارجا لا يمكن وجود المعلول والمعلول وإن كان رشح المقتضى الا ان المقتضى قد يحتاج في تأثيره إلى شرط فلابدّ أن يكون في حصول المعلول موجودا حاصلاً كما انه ربما يكون هناك مانع من التأثير فلابدّ من رفع المانع وعدمه في تأثير المقتضي وحصول المعلول واقتضائه وجوده وهذا لا ريب فيه .

إذا عرفت هذا فنقول ان من الموانع لوجود أحد الضدّين وجود الآخر فمادام أحد الضدّين موجودا لا يمكن تحقّق الآخر وهذا معنى المقدّميّة لأنّها ما يتوقف عليه وجود الشيء ولو لاها لم يوجد . فان أحد الضدّين لا يمكن تحقّقه ما لم ينعدم الآخر وكما ان عدم أحدهما مقدّمة لوجود الآخر كذلك وجود الآخر مقدّمة لعدم الضد فبناءً عليه اذا أمر المولى أو غيره أو أراد فاعل فعلاً له ضدّ يقتضي ذلك عدم وجود الضد الآخر في الارادة وفي مقام الايجاد .هذا تقريب المقدميّة .

أمّا تقريب الأجوبة . فمنع المقدّميّة بأنّه إنّما تكون المقدّميّة في ما إذا يستند عدم الضدّ إلى وجود هذا الضدّ الذي يدّعي مانعيّته عن وجود الضد الذي يراد

رد استدلال المقدّميّة

ص: 450

ايجاده في الخارج وهذا محال لأنّه يكون من قبيل اسناد عدم الاحراق إلى الرطوبة فيما لا نار هناك لأن عدم الشيء يستند إلى أسبق علله والشيء إنّما يستند عدمه إلى وجود المانع ومنعه من التأثير إذا كان مقتضيه تامّا وشرط تأثيره حاصلاً وإنّما المشكل وجود المانع . فاذا ارتفع المانع يؤثّر المقتضي أثره . أمّا إذا لم يكن

هناك مقتضى ولا ما يقتضي وجود المعلول فلا وجه لجعل وجود الشيء الآخر مانعا . وما نحن فيه من هذا القبيل حيث ان ارادة الضدّين ممّا لا يمكن ونفرض المثال في الضدّين اللذين لا ثالث لهما كالحركة والسكون فالانسان إمّا أن يكون ساكنا او متحرّكا ومادام ساكنا وإن كان لا يمكن أن يكون متحرّكا لكنّه ليس من جهة وجود السكون وكذا إذا فرض انّه ساكن ولا يمكن كونه في هذا الحال متحرّكاً وليس ذلك له لمانعيّة الحركة بل حيث انّه لا ارادة له في ايجاد الضدّ الآخر

أيّهما فرض لما بين الارادتين من التمانع والتضاد وحينئذٍ كيف يمكن(1) اسناد المانعيّة إلى ما يسبقه في ايجابه العدم وهو عدم الارادة لايجاد الضدّ وكذلك الكلام في أمثال المقام وفيما إذا كان الشيء له أضداد كثيرة كالصلاة التي لا يلائمها المشي والشرب والأكل مثلاً فانّه إمّا أن يشتغل بالصلاة أو لا يشتغل بل يشتغل بغيرها من الأضداد ولا يريد في ذلك الحين والظرف ايجاد نحو الصلاةفأين التوقف ؟ وليس ذلك من جهة عدم وجوب المقدّمة أو عدم لزوم وجودأجزاء علته وعدم ما يمنع من تأثير المقتضي كوجود المانع بل إنّما هولمنع الصغرى وهو المقدّميّة اذ لو كانت مقدمة لكان الكلام في محلّه . لكنّه قد عرفت عدم توقّف أحد الضدّين أو الأضداد في وجوده على عدم الآخر بل على عدم ارادته التي تضاد ارادة الآخر بحيث لا يوجد .

ص: 451


1- . الظاهر ان العبارة لا يمكن .

وأمّا تقريب الدور في رد المقدميّة فهو ان الشيء في وجوده يحتاج إلى عدم ضدّه فهو موقوف على عدم الضدّ وإنّما ينعدم الضدّ بوجود الضدّ الآخر فالتمانع من الطرفين والتوقف بين العدم ووجود أحدهما أيضاً كذلك لأن عدم أحدهما مقدمة لوجود الآخر والفرض ان هذا الوجود مقدمة لذاك العدم الذي فرض انه مقدمة لهذا الوجود وهذا هو معنى الدور أي توقّف الشيء على نفسه وفي المقام بواسطة واحدة .

وأجاب المحقّق الخراساني(1) عن اشكال الدور بأنّه من أحد الطرفين فعلى ولكن في الطرف الآخر شأني بمعنى ان توقّف وجود أحد الضدّين على عدم الآخر فعلي لا تقدير فيه بلا تعليق بخلاف مقدميّة وجود أحدهما لعدم الآخر فانه إنّما يستند العدم إلى وجود هذا الضد إذا فرض وجود جميع ما يعتبر في تحقق العدم . وإنّما هذا الوجود مانع بحيث لو لم يكن وجود الضد لما كان هناك عدم الآخر لتماميّة ما يقتضي ذلك وهذا لا فعليّة فيه بل شأني لعدم وجود ما يعتبر في وجود الضد الذي فرض وجود الضد الآخر مقدّمة شأنيّة لعدمه لعدم ارادة ذاك الضد فكيف يستند عدمه إلى وجود الآخر .وزاد المحقّق الخراساني قدس سره (2) على هذا التقريب بأنّه ربما يكون عدم تعلّقالارادة الأزليّة موجبا لعدم تحقّق ما يقتضي وجود الضد الذي قلنا انه متوقّف عدمه شأنا على وجود الآخر .

ثمّ أورد المجيب على نفسه بما حكاه في الكفاية بقوله:

رد اشكال الدور

ص: 452


1- . كفاية الاُصول 1/207 .
2- . كفاية الاُصول 1/207 لكن التفصيل ليس مختاره .

ان قلت(1) هذا إذا لوحظا منتهين إلى ارادة شخص واحد وأمّا إذا كان كلّ منهما متعلّقا لارادة شخص فأراد منه أحد الشخصين حركة شيء وأراد الآخر سكونه فيكون المقتضي لكلّ منهما موجودا فالعدم لا محالة يكون فعلاً مستندا إلى وجود المانع .

قلت: هاهنا أيضا يكون مستندا إلى عدم قدرة المغلوب منهما في ارادته وهي ممّا لابدّ منه في وجود المراد ولا يكاد يكون بمجرّد الارادة بدونها لا إلى وجود الضد لكونه مسبوقا بعدم قدرته كما لا يخفى انتهى .

ثمّ ردّه بأنّ التوقّف الشأني(2) أيضا محال و ( ردّه ) المحقّق النائيني(3) بوجه آخر وهو ان الجواب في غاية المتانة لكنّه رجوع إلى إنكار المقدّميّة كما ان مرجع هذا الوجه إلى الوجه الأوّل .

والمحقّقون من العامّة أيضا على نفي المقدّميّة وببالي حكاية سيّدنا الاُستاذ قدس سره عن بعضهم انه أنكر الوجوب لا أصل المقدّميّة .

تتميم: قد عرفت الجواب عن المقدّميّة بوجوه ثلاثة أحدها ان التوقّف إنّماإذا حصل المقتضي لوجود الضد الآخر الذي يراد ايجاده الذي فرض مقدميّة عدمالضدّ الآخر له وهذا إنّما يكون في صورة وجود المقتضي والشرط كي يمنع تأثيرهما ويتمّ بعدم المانع .

الثاني: انّه مع فرض وجود المقتضي لكلا الضدّين لا يمكن تأثير كليهما بل

ص: 453


1- . كفاية الاُصول 1/208 .
2- . كفاية الاُصول 1/208 .
3- . فوائد الاُصول 1/310 - 311 لكن الجواب اطراد مناط الاستحالة بين الضد الموجود والمعدوم .

إمّا أن يكون أحدهما غالبا والآخر مغلوبا كما في شخصين بايقاع شيء واحد أحدهما يريده والآخر يريد ضدّه لا على فرض المحال في ارادة شخص واحد أو لا يكون هناك غلبة ولا مغلوبيّة بل يتساويان فلا يقع مقتضى أحدهما وحينئذٍ ففي هذا الفرض كالفرض الأوّل أين مقدميّة وجود المانع كي يستند عدم الضد إلى وجود المانع الذي فرض عدمه مقدمّة لوجود الضد أو يقال في الاشكال الأوّل انّه على فرض مقدميّة عدم أحدهما لوجود الآخر فلا محالة يكون وجود الآخر أيضا مقدّمة لعدم الآخر ويلزم الدور على التقريب المتقدم ولا محيص عن التزامه ولا يكون ما ذكر جوابا عن الدور على هذا الفرض لرجوع الجواب إلى انكار المقدميّة .

الثالث: انكار أصل المقدميّة وذلك لأن المقدمة رتبتها رتبة العلّة والعلّة باجزائها مقدّمة على المعلول تقدّما رتبيّا لا زمانيّا كما هو واضح .

وحينئذٍ فاذا كان عدم أحد الضدّين مقدمة لوجود الآخر يلزم المحال وهو اتّحاد رتبة المقدّمة وذي المقدّمة الذي لا يمكن الالتزام به لعاقل إذ في رتبة المقدّمة لا وجود لذي المقدمة ويرجع حينئذٍ إلى اجتماع النقيضين .

توضيح ذلك: انه لا شبهة في اتّحاد رتبة النقيضين فاذا فرض كلّ شيء وجودي فعدمه إنّما هو في رتبته وإنّما الكلام هنا ليس في ما هو في رتبة الماهيّة إذ هي في حدّ ذاتها لا تقتضي وجودا ولا عدما بل لا موجودة ولا معدومة .نعم في المرتبة اللاحقة إمّا أن يعرض لها الوجود أو العدم الذي هو بديلالوجود ورتبته رتبته كما ان المحمولات المترتبة والملابسات رتبتها بعد رتبة الوجود ويكون الوجود كالموضوع لها وكما ان الماهيّة بما هي إمّا تكون موجودة

انكار أصل المقدّميّة

ص: 454

أو معدومة ولا يمكن أن تكون بما هي موجودة معدومة وكذا العكس كذلك بالنسبة إلى المحمولات المترتبة فالقيام لا يمكن أن يحمل على زيد القائم أو زيد الذي فرض انه ليس بقائم لرجوعه إلى تحصيل الحاصل أو اجتماع النقيضين بل بما هو معرّى غير ملحوظ فيها ذلك يكون محمولاً عليها المحمولات .

ثمّ انه لا إشكال في اتّحاد رتبة الضدّين إذ هما الأمران الوجوديان الذان لا يمكن اجتماعهما في زمان واحد في مكان واحد . وقد عرفت اتّحاد رتبة النقيضين فالحركة والسكون اللذان فرضناهما ضدّين . رتبة الحركة وعدمها واحدة بلا إشكال وكذا رتبة الحركة والسكون قضية للمضادة بينهما فيكون السكون الذي هو في رتبة الحركة في رتبة عدمها الذي يتّحد رتبته مع رتبة وجود الحركة فاذا استوت رتبة أحد الضدّين مع عدم الضدّ الآخر كوجوده فلو فرض ان عدم هذا الضد مقدمة له فيلزم اجتماع العدم والوجود كما ذكر لاختلاف رتبتي المقدّمة وذيها وفرضنا ان العدم لأحد الضدّين متّحد رتبة مع وجود الضد الآخر فكيف يمكن أن تكون مقدّمة له مع اختلاف رتبتي المقدمّة وذيها لكون المقدّمة في رتبة العلّة وذيها في رتبة المعلول . وعدم المانع إنّما يكون في رتبة متأخّرة عن

الشرط المتأخّر رتبة عن المقتضى . لذلك لا يمكن كون الاستقبال شرطا والاستدبار مانعا فأوجب ذلك ان أجاب الفقهاء عن الاشكال بكون الشرط لحال الاجزاء والمانع مطلقاً في جميع الأحوال حتّى حال السكونات حذرا عن اللغويّة . كما انه كذلك الأمر في غمس يده النجسة في الماء الكثير لتطهيرها وقصدالغسل أو الوضوء له . ولذا استشكله صاحب العروة(1) وتبعه المحقّق النائينيلاختلاف الرتبة .

ص: 455


1- . العروة الوثقى . الشرط الثاني من شرايط الوضوء .

فظهر بما ذكرنا من الوجوه الثلاثة اندفاع الاشكال . وتوهّم كون عدم أحد الضدّين مقدّمة لوجود الاخر . ويجري هذا الكلام بعينه في العكس وهو مقدّميّة وجود أحد الضدّين لعدم الآخر لما عرفت من بطلان هذا القول وهذا المذهب فالقول بمقدميّة الوجود للعدم كما انه عليه يبتني شبهة الكعبي بنفي المباح لمقدميّة الموضوعات لترك المحرمات أو مقدميتها لفعل الواجبات وهي ظاهر الفساد . وكذلك القول بمقدميّة العدم للوجود كما عليه يبتني مقالة القائلين باقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضدّه الخاص لذلك .

أمّا التفصيل بين الضد الموجود فيتوقّف ايجاد الضد الآخر على رفعه وعدمه مقدمة بخلاف غيره إذا كان موجودا فلا توقف عليه كما عن المحقّق الخونساري وربما مال إليه الشيخ بعض الميل أو كلّه نظرا ان مثل السواد الموجود في المكان إذا أريد تبديله بالبياض فبمجرّد وجود مقتضى البياض لا يمكن حصول البياض ما لم يرتفع السواد المانع وكذلك في الحجر أو المنبر الموضوع في مكان إذا اريد وضع غيره في هذا المكان فلا يمكن مادام موجودا وهذا حكم يقتضيه الوجدان ويحكم به وهو أكبر برهان . فهذا أيضا عند التحقيق فاسد لما عرفت من البرهان أوّلاً واحتياج الباقي في بقائه إلى مؤثر ثانيا . غاية الأمر ربما تكون العلّة المحدثة للشيء مبقية له . وإلاّ فالامكان مساوق للفقر والاحتياج . وحينئذٍ فالقول بمقدّميّة عدم الضد الموجود لوجود الآخر لا يجامع احتياج الباقي في بقائه إلى المؤثر وعليه فيعود الكلام وانه إمّا أن يكون مقتضى أحدهما موجودا والآخر لا مقتضى له فلا معنى لمقدميّة عدم أحدهما لوجود الآخر بلا فرق بين الموجود وغيره وامّا يتساويان فكما ذكرنا فتدبّر في أطراف الكلام جيّدا .

التفصيل بين الضد الموجود وغيره

ص: 456

بقي تتمّة اشارة إلى بعض ما مرّ منها: ما في رد المحقّق النائيني(1) عن ردّ الدور الوارد على المقدميّة من المحقّق الخونساري فان صاحب الكفاية استشكل جواب المحقّق الخونساري عن اشكال الدور بما عرفت وإليه يرجع جواب المحقّق النائيني قدس سره م الا انه بتغيير عبارة كما لا يخفى .

ومنها: الجواب عن تقريب مقدميّة أحد الضدّين عدما لوجود الآخر وانه يردّ بوجوه ثلاث وان رجعت إلى اثنين:

أحدهما: انه لا يمنع المانع ولا يستند عدم الشيء إليه وفي المقام لا يستند عدم الضد إلى وجود الضد الآخر إلاّ بعد حصول المقتضي وتماميته في التأثير وإنّما المانع يمنع من ذلك ولا يمكن ذلك في الضدّين لعدم امكان اجتماع مقتضيهما فدائما يستند عدمه إلى عدم المقتضي .

والثاني الذي هو تتمّة للأوّل انه إذا فرضنا شخصين يريدان الضدّين فلا يمكن اجتماعهما في ذلك إذ لا محالة إمّا أن يكون أحدهما غالبا والآخر لا مقتضى له وإمّا أن يتساويا . فأيضا لا منع من جهة وجود الضد كي يكون عدمه أي الضد مقدمة .

الثالث الدور الذي تقدّم تقريبه تصريحا وتلويحا في مطاوي الأبحاث إلاّ أنّ المحقّق النائيني قدس سره قرب بوجه آخر سمعته في انكار المقدميّة .

ومنها: ثمرة التفصيل بين مقدميّة عدم الضد الموجود وعدم مقدميّة عدم الضد الذي ليس بموجود وان الصلاة قبل الاشتغال بها صحيحة لعدم مقدميّة عدمهاللازالة وأمّا إذا اشتغل بها فتصير حراما للمقدميّة وفي هذا من التهافت ما لا يخفى.

ص: 457


1- . فوائد الاُصول 1/308 وما بعده .

الجواب عن شبهة الكلعبي وهي لزوم انتفاء المباح وأشرنا إلى أن بعضهم قائل بالمقدميّة منكر للوجوب كالكعبي كما سيظهر من تقريب استدلاله وآخر منكر للمقدميّة على ما عرفت . وتقريب الاستدلال بناء على مذهبه بمقدّمتين:

أحديهما ان الانسان لا يخلو دائما من فعل من الأفعال كالشرب والأكل والنوم والسكون والقيام والقعود إلى غير ذلك من الأفعال .

الثانية: انه إذا ترك كلّ واحد من الأفعال التي لا تجتمع مع فعل حرام كشرب الخمر مثلاً فحينئذٍ لابدّ أن يكون مشتغلاً به وهو حرام فتنتج وجوب الاشتغال بواحد من الأفعال والأضداد للشرب المحرم كي لا يبتلي بالشرب مقدمة له ولا يفعل المحرم . وهذا يوجب عدم كون المباح في جملة الأفعال لكون ترك الحرام واجبا ومقدمته كذلك وحيث ان كون الأحكام أربعة وانتفاء المباح محال فما يستلزمه وهو وجوب مقدمة الواجب محال هذا تقريب كلامه وهو على ما فيه ظاهر الفساد .

فتلخّص ممّا ذكرنا ان الأمر بالشى ء لا يقتضي النهي عن ضدّه بأحد الوجوه لا بالمطابقة ولا بالتضمن ولا بالالتزام الذي يكون لازم المعنى المطابقي . وكذا لا دليل عقلي على النهي عن ضد المأمور به كما عرفته مفصّلاً ولا شبهة في جواز الدلالة الالتزاميّة وإن لم يكن ما نحن فيه كذلك كما ذكروا في البيع اللفظي انه هناك

دلالتان لكلام واحد حيث ان بعت معناه المطابقي بدلت أو ملكت ونحوهما والدلالة الالتزاميّة من اللفظ كباب المفاهيم انه تعهد بالوفاء . بخلاف البيع بالمعاطاة فانه ليس إلاّ عبارة عن مصداق البيع ولا عقد بل لا تعهد فيه . وفرعوا

لا يقتضي الأمر بالشيء النهي عن ضدّه

ص: 458

على ذلك عدم شمول أوفوا بالعقود لبيع المعاطاة لعدم كونه عقداً بخلاف البيع العقدي وحينئذٍ فالبيع بالمعاطاة جائز ويتعلّق حق ردّ العوضين بها بخلاف البيع العقدي لكنه لا يخفى فساد المبنى وانه أوهن من بيت العنكبوت وكذا ما فرعوا على هذا المبنى الفاسد وكان المحقّق النائيني يقول به في بدو الأمر لكنّه كما نقل سيّدنا الاستاذ انه رجع عنه أخيرا لالتفاته إلى اشتباهه وفساد ما ذهب إليه إلاّ انه خفى على البعض أو غفل وصار مطبوعا أو منقولاً منه هذا .

نعم الأمر بالشيء لا يجامع الأمر بضدّه فهو أي الأمر بالشيء يقتضي عدم الأمر بضدّه لعدم امكان الامتثال للضدّين في زمان واحد كما هو واضح فطلب الضدين لا معنى له وإذا أراد أحدهما فلا معنى لارادة الآخر . هذا تمام الكلام في بحث الاقتضاء .

وتلخّص انّه لا اقتضاء وإنّما المقام مقام الامتثال وليس لأعمال جهة المولويّة وجه ففي الترك أيضا اذا نهى يكون ارشاديّا .

ثمرات اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضدّه . قيل منها بطلان الضد إذا كان عبادة كما في الأمر بالازالة فاذا اقتضى الأمر بها النهي عن الصلاة تكون باطلة بخلافه على عدم الاقتضاء هذا ولكن لا يخفى عليك انه ليس البطلان والصحة مبنيين على الاقتضاء وعدمه إذ على فرض عدم اقتضاء الأمر النهي عن ضدّه فيقتضي عدم الأمر بضدّه فلا أمر بالصلاة إذا أوجبنا في العبادة الأمر وقصده كما انه لو لم نقل بلزوم قصد الأمر أيضا فالصلاة صحيحة لكفاية قصد الملاك .

توضيح البحث: انه تارة يكون ضد المأمور به أمرا توصليّا فلا اشكال انه إذا اتينا بمتعلقه يسقط الأمر . أمّا إذا كان عباديّا فلا اشكال كما ذكرنا في ان الأمر

ص: 459

بالشيء يقتضي عدم الأمر بضدّه فهي لا أمر بها . لكنه نمنع توقف العباديّة علىالأمر بل يكفي الملاك إذ الملاك منشأ الأمر بناء على ما ذهب إليه العدليّة من تبعيّة الأحكام للمصالح والمفاسد الكائنة في نفس متعلقاتها وإلاّ يلزم الترجيح بلا مرجح . فان قصد الملاك لو لم يكن أحسن من قصد الأمر فلا أقل من مساواته له فيحصل منه ما يحصل بسبب قصد الأمر ويسقط التكليف عن عهدة المكلف .

ان قلت: هذا على فرض كون الصلاة في صورة المزاحمة بالأهم الذي فرضنا انه الازالة ذا ملاك ومن أين ينكشف الملاك مع عدم الأمر بالصلاة حسب ما قرر مع انحصار الكاشف للملاك بالأمر وعدم تشريع كليهما أي الأمر بالضدّين معا ازلاً لا انه في خصوص هذه الحال ارتفع التكليف بالضد الآخر .

قلت: نعلم بوجود الملاك حيث ان المانع من التكليف بالضد المهم الذي هو في الفرض الصلاة عدم قدرة المكلّف على الجمع في الامتثال بين المتعلقين والتكليفين وإلاّ فلو فرض انه قادر على ذلك محالاً فالأمر كان متوجّها إليه لوجود ملاكه .

إن قلت: هذا إذا كان اشتراط القدرة عقلاً من باب قبح مطالبة العاجز . أمّا إذا كان مستندا إلى اقتضاء الخطاب مقدوريّة متعلّقه للمكلّف فلا يتمّ المدّعى حيث انه يكون حينئذٍ كالاستطاعة التي هي تكون موضوعا لوجوب الحج

ولا مصلحة الزاميّة ولا ملاك وجوب في حق غير المستطيع وعلى هذا فلا يمكن الاتيان به والاكتفاء بلا مصلحة له بحيث تكون مسقطة عن الواقع .

تكميل البحث: وتوضيح أزيد: قد عرفت ان الأمر بالشيء لا يقتضي

لو فرض الاقتضاء فهو طريقي غيري

ص: 460

النهي عن ضدّه(1) إلاّ انه يقتضي عدم الأمر بالضد وحينئذٍ فيمكن الاستدلال علىبطلان الضد إذا كان عبادة بمقدمتين كما عن الشيخ البهائي قدس سره .

احديهما: اقتضاء الأمر بالشيء عدم الأمر بضدّه لعدم امكان الامتثال والجمع بين الضدين فلا يمكن الأمر به .

ثانيتهما: احتياج العبادة إلى الأمر إذ هي عبارة عن قصد الأمر في مقام اتيان العمل ومنه يعرف انه على فرض تماميته لا يكون بطلان العبادة من ثمرات اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضدّه .

لكنه يمكن الخدشة في المقدّمة الثانية وهي قوام العبادة بقصد الأمر اذ نمنع الانحصار بل يمكن حصولها بقصد المصلحة والملاك وهذا المقدار لو لم يكن أحسن من قصد الأمر فلا أقل من كونه كافيا في مقام افراغ الذمّة من الضد لو كانت عبادة واجبة مثلاً .

إن قلت: سلّمنا كفاية قصد الملاك والمصلحة في التقرب وكفايته في العباديّة لكن لا علم لنا في مورد الأمر بالضد بحصول الملاك للآخر لعدم الأمر حسب ما تقدّم ولا كاشف لنا غير الأمر عن وجود الملاك والمصلحة وحينئذٍ فينحصر باحتمال الملاك وهو وان سلّمنا كفايته في العباديّة والقرب لكن لا يمكن الاكتفاء به في افراغ الذمّة للشكّ في فراغها الموجب لتحصيل الفراغ القطعي .

قلت: ان عدم الأمر بالضد في المقام إنّما هو لعدم القدرة على الجمع بين الضدّين وإلاّ فلا إشكال في وجود الملاك والمصلحة وانه على فرض محال لو كان

ص: 461


1- . ثمّ انّه لا يخفى على فرض اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضدّه إنّما هو طريقي غيري مراعاة لا طاعة الضد المأمور به لا لملاك نفسي في متعلق النهي وحينئذٍ فلا يوجب فسادا على ما سيظهر في مسئلة الترتب .

قادرا على الجمع بين المتضادين لكان مأمورا بهما فليس الموجب لعدم الأمرالأقبح مطالبة العاجز عن الجمع بين المتضادين .

ان قلت: هذا إذا كان استكشاف ذلك من العقل الحاكم بقبح مطالبة العاجز عن الشيء الا انه قد تقدّم في المباحث السابقة ان نفس الخطاب يقتضي القدرة على متعلقه وحينئذٍ فالمقدوريّة تكون كالاستطاعة المأخوذة في مسئلة الحج المستفاد منها عدم وجود الملاك في حقّ غير المستطيع كالعقل والبلوغ من الشرايط العامّة التي كلّها دخيلة في الملاك . وحينئذٍ فلا وجه لكشف الملاك إذ القدرة مأخوذة فيه وفي المقام منتفية وإنّما الملاك للمقدور .

قلت: انه لا معنى للقدرة المستفاد اشتراط التكليف بها وكونها دخيلة في الملاك بحيث أن يقال الارادة الآمريّة تابعة للارادة الفاعليّة فكلّما يمكن تعلّق ارادة الفاعل به يمكن تعلّق ارادة الأمر به وما لا يمكن فلا بل يستحيل في المقام لما بين الخطاب ومتعلّقه من الترتب فان تصوّر المطلوب وجميع ما يعتبر فيه من القيود والحدود مقدم على الخطاب به فكيف يمكن دخل ما يستفاد من الخطاب المتأخّر رتبة عن متعلّقه الذي يعرضه في متعلّقه .

وهذا معنى ما يقال من اطلاق المادة وإلاّ فبغير هذا المعنى لا وجه لهذا الاطلاق المدعى . وهذا كما في باب الأمر بالمعروف من اشتراط العلم بالمعروف والمنكر كي لا يكون ناهيا عن المعروف آمرا بالمنكر حيث وقع النزاع فيه انه طريقي أم لا ؟ وبعبارة اخرى شرط للتكليف كي يكون نظير الاستطاعة غير واجب التحصيل لكونه شرط الوجوب أو قيدا للواجب كي يجب تعلم الأحكام مضافا إلى وجوب تعلم ما يتعلق منها بنفسه بالنسبة إلى الغير كي يكون آمرا

الاشكال لو اقتضى نفس الخطاب القدرة

ص: 462

بالمعروف وناهيا عن المنكر وهذا هو الواجب الطريقي .نعم لو كانت القدرة مأخوذة في الخطاب لكان ما ذكر تماما حيث انّهاحينئذٍ تكون شرعيّة دخيلة في الملاك نظير الاستطاعة وانى هذا لما نحن فيه من ما لم يؤخذ فيه القدرة في الخطاب وإنّما هو من باب حكم العقل بقبح مطالبة العاجز كما انه كذلك الأمر في امورنا الشخصيّة . وما ذكر في الاشكال من كون الارادة الآمريّة محرّكة للارادة الفاعليّة واذا لا يمكن تعلق الارادة الفاعليّة بمورد

فلا مقام للآمريّة قد عرفت انه لا يقتضي كون القدرة دخيلة في الملاك بل الملاك والمصلحة موجود غاية الأمر يكون الخطاب به لغوا قبيحا .

هذا ما أفاده المحقّق النائيني(1) في المقام لكنه لا يستقيم انقسام القدرة إلى الشرعيّة والعقليّة وان الأولى ما يكون مأخوذة في لسان الدليل بخلاف الثانية إذ ليس لنا قدرتان شرعيّة وعقليّة بل القدرة ليست إلاّ عقليّة(2) ولو أخذها الشارع في لسان الدليل بقوله ( ان قدرت فصل ) فانما هو ارشاد إلى حكم العقل ولو لا خطاب الشارع وأخذها في موضوع الخطاب أيضا لكنّا ندري بها .

والمثال بمسئلة استطاعة الحج من كونها قدرة شرعيّة غير سديد لكون السائل يدري الاستطاعة العقليّة والقدرة وإنّما سؤاله عن الاستطاعة في غير هذه الجهة . فاجيب بكونها عبارة عن اجتماع الامور الدخيلة فيها شرعا كخلوّ السرب والزاد والراحلة واضافة الرجوع إلى الكفاية لو قلنا به إلى غير ذلك وان المشي لمن يطيقه ليس شرطا للوجوب فلا يجب عنده وانّى هذه من الاستطاعة(3) العقليّة

ص: 463


1- . فوائد الاُصول 1/314 وما بعده .
2- . لكن يأتي اعتراف سيّدنا الاستاذ بالقدرة الشرعيّة .
3- . الظاهر كون العبارة الاستطاعة الشرعيّة وكذا في السطر التالي أو هي أضيق .

أو القدرة الشرعيّة بل هي أوسع من القدرة العقليّة لعدم اشتراطها بهذه الامور .

ثمّ انه قد يستشكل ما ذكر بانه إنّما ذلك في مورد عدم تزاحمهما دائميّا والافيرجع إلى باب التعارض كما انه لو كانت اتفاقيّة لا دائميّة لابدّ أن يرجع إلى عدم المقتضي أو تزاحم المقتضيين كباب العموم من وجه من باب التعارض وإلاّ فلا يمكن تصحيح الأمر بأحدهما فضلاً عن كليهما بالترتب .

والحاصل انه ان ادعى الأمر بكليهما في صورة التزاحم الذي هو محلّ الكلام من الأمر بالضد فهذا يكذبه الوجدان او يرجع إلى تزاحم المقتضيين .

فاما أن يغلب أحدهما بالكسر والانكسار أو يتساويا فلا أمر بأحدهما بل يكون هناك حكم آخر فتدبّر .

وعلى فرض الرجوع إلى ما ذكر فلا مجال للترتب أصلاً إذ هذا هو الركن الركين فيه .

اشكال ربما يورد على عدم أخذ القدرة في الخطاب .

ان قلت يمكن تصوير دخل القدرة في الملاك أو المتعلّق لكن المولى اتّكل في بيانه إلى حكم العقل بذلك فأين اطلاق المادّة حينئذٍ فلا يتمّ ما ذكرتم من كفاية

قصد الملاك لعدم احرازه .

قلت: إن كان الاتّكال في القدرة العقليّة التي ذكرنا انها من ناحية قبح مطالبة العاجز فان كان لا يتعلّق الخطاب بغير المقدور لكنه عرفت عدم دخلها في المرتبة السابقة على عروض الطلب على المتعلّق بل لو فرض في مورد ان الشارع أخذها في الموضوع أو المتعلّق فايضا ارشاد إلى حكم العقل لعدم امكان تعلّق الخطاب بغير المقدور عقلاً . وإن كان المراد بالقدرة دون القدرة العقليّة بحيث

جواب الاشكال

ص: 464

يكون قادرا على مشقّة وهذه هي التي رفعت عن هذه الامّة امتنانا وإلاّ فلا منة في رفع الخطاب بغير المقدور عقلاً فهذا لا ربط له بالملاك بل لا يستقل العقل به ولابدّفي صورة الدخل من أخذها في ماله الدخل ملاكا ومتعلّقا . فاذا لم يأخذها فيأحدهما فيكون مطلقا بالنسبة إليها . وحيث ان فعل الضد لم يقيد بعدم مقارنته لترك الأهم ومزاحمته له فيكون خطاب الضد من هذه الجهة مطلقا وحينئذٍ فلا يبقى مجال لاشكال عدم كشف الملاك لوجود اطلاق المادّة الكاشف عنه .

ان قلت: هذا إذا كان من قبيل باب التزاحم وأمّا إذا كان من باب التعارض فلا مجال لكلّ ما ذكرت .

وإذا شككنا فلابدّ من بيان كون الأصل هو باب التزاحم أو التعارض .

قلت: لابدّ من بيان الضابط بين البابين وعدم وقوع الخلط بينهما . وان الفرق والدوران كدوران الأمر بين ان الأصل طهارة الغسالة أو دية الميّت كدية الجنين وبعد ما يتلى عليك من الضابط لكل من البابين تعرف ما ادّعاه ذلك القائل من كون المقام من قبيل باب التعارض وان خطاب ازل وصلّ من العام من وجه ففي مورد الاجتماع ومادته لابدّ من الرجوع إلى مقتضى الأصل وانه هو الاشتغال أو البرائة .

نعم في مادتي الافتراق من الطرفين لا معارض لأيّ منهما فيؤخذ بمقتضى الدليل ويعمل به فانتظر .

تكميل وتوضيح: لبعض ما سبق في القدرة .

وليعلم ان القدرة على قسمين عقليّة موجبة لقبح الخطاب والمطالبة بالنسبة إلى فاقدها وهذه لو أخذها الشارع في لسان الدليل ليس إلاّ للارشاد وشرعية

ص: 465

وهي ما دون القدرة العقليّة تناسب المشقّة ويكون العمل معها ميسورا ولا يكون الخطاب معها قبيحا وهذه يمكن دخلها في الملاك كما يمكن دخلها في الخطاب ولا مانع من أيّ الوجهين .وبعبارة اخرى يمكن دخلها في موضوع الخطاب كما يمكن في متعلّقهوعلى الأوّل تكون كالبلوغ والعقل وغيرهما من الشرايط العامّة . وعلى الثاني تكون من شرايط وجود الشيء ويحتمل أن يكون الوقت كذلك فعلى فرض يكون شرطا للتكليف والموضوع وعلى نحو يمكن أن يكون من شرايط المكلّف به فسبيله سبيل الطهارة اللازم تحصيلها غاية الأمر لا يكون جرّ الزمان بيد المكلّف .

وهذه أي القدرة الشرعيّة إذا أخذت شرطا للتكليف وجزءا للموضوع فعدمها موجب لعدم التكليف كما في الاستطاعة فاذا نذر صحيحا زيارة عرفة ولا مانع من ذلك فلا يتحقّق بعد بالنسبة إليه الاستطاعة لعدم قدرته شرعا للزوم الوفاء بالنذر على الكون في عرفات مثلاً ) كما انه يحتمل أن يكون آية الوضوء والتيمّم من هذا القبيل بدعوى ان قوله تعالى: « فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا »(1) قرينة على كون الوضوء والطهارة المائيّة مشروطة بقرينة المقابلة بالوجدان الشرعي وهو التمكّن من استعمال الماء حيث ان التفصيل قاطع للشركة . وحينئذٍ تكون القدرة بهذا المعنى دخيلة في الملاك ولا مصلحة عند عدمها والظاهر ان المحقّق النائيني يذهب إلى هذا المعنى في القدرة الشرعيّة وانها دخيلة في الملاك لا في حسن الخطاب لكن قبال هذه الدعوى قول بكون القدرة في الآية عقليّة كما ان في موارد الضرر باستعمال الماء ليس المرفوع هو ملاك الوضوء بل الالزام فالمصلحة باقية

تقسيم القدرة إلى شرعيّة وعقليّة

ص: 466


1- . المائدة الآية 7 .

وتكفي في مشروعية الوضوء الضرري . وكذلك يحتمل أن يقال في الصوم

الضرري ( وهذا تمحل ) وعلى كلّ حال فان كانت القدرة الشرعيّة بهذا المعنى مأخوذة في موضوع الخطاب والحكم فعند عدمها لا ملاك له كي يقصد الملاكويتقرّب فاذا أخذ في موضوع خطاب صلّ عدم مزاحمة الاهم فعندها لا ملاك لهبخلاف ما إذا لم يكن كذلك وإنّما هو منهي على فرض اقتضاء الأمر بالازالة الأهم تهيئا طريقيّا لا نفسيّا بعدم اتيان الصلاة فانّ المصلحة حينئذٍ لم تقيد بشيء كي لا

تكفي في التقرّب .

وعلى هذا فيأتي بها بقصد المصلحة وإن لم يكن هناك أمر بالصلاة للمزاحمة وعدم امكان الأمر بالضدّين لاقتضاء الأمر بالشيء عدم الأمر بضدّه .

لكن قد يقال ان ما ذكرت مبنى كله على التزاحم بين الخطابين مع انه لا أصل له بل ليس إلاّ المعارضة . فلابدّ من معالجة هذه المقامات معالجة باب التعارض لمعارضة خطاب الازالة خطاب الصلاة . وربما نسب المحقّق النائيني هذا الكلام إلى المحقّق الخراساني في ظاهر عبارة كفايته واستشكل عليه بعض من أدرك بحث المحقّق الخراساني ممّن حضر بحث المحقّق النائيني في ما نسب إلى الآخوند بأنّه لم يصل إلى مراد صاحب الكفاية . لكن الانصاف ان عبارة الكفاية(1) في هذا المقام لا تخلو من اضطراب وتشويش ولم يكن الميرزا النائيني بصدد فهم مراد صاحب الكفاية وتفسيره . بل إنّما استشكل على ما هو ظاهر كلامه في الكفاية حيث انه يحصر التزاحم بتزاحم المقتضيين في مقام الداعويّة إلى الجعل حسب دعوتهما وأمّا في قدرة المكلّف فلا على خلاف ما بنى عليه المحقّق

ص: 467


1- . كفاية الاُصول 1/241 - 242 - 245 .

النائيني كما ستسمع عن قريب إن شاء اللّه من كون التعارض كذلك وان التزاحم إنّما هو في مقام قدرة المكلف .

والحاصل ان محصل مرام الآخوند قدس سره (1) في هذا المقام انه لا تعارض فيالحكمين الانشائيين وفي مقام الاقتضاء والداعويّة للجعل ما لم يبعث نحو الفعل أو الترك وان في مقام الثبوت لابدّ من ملاحظة أقوى المناطين في ما إذا يكون الحكم فعليّا لا اقتضائيّا وانشائيّا ولو فرض كون دليل اضعف المناطين أقوى من الآخر .

وأمّا في مقام الاثبات فالدليلان الدالان على الحكمين المتخالفين متعارضان فلابدّ من ملاحظة المرجّحات وهذا مبنى على مبنى آخر ولعلّنا سنتكلّم في مراد المحقّق الخراساني في هذا المقام فانتظر .

وكيف كان فلا مجال لانكار باب التزاحم وارجاع كلّ تزاحم إلى التعارض بل هنا مقامان: فتارة يكون في الشيء مقتضى لجعل الحكم على حسبه ومقتضى الاخر لجعله على خلاف مقتضى الأول .

فهنا اذا لم يكن غالبيّة ومغلوبيّة بحيث يكون الحكم هو الاستحباب أو الكراهة أو حكما ثالثا كالاباحة فيكون مقام التحير للمولى في الجعل لتزاحم المقتضيين في الجعل على حسب كلّ واحد منهما مع انه لا يمكن جعل حكمين كذلك كما فرض . واخرى لا يكون كذلك بل لا تزاحم في مقام جعل الحكمين عند الجعل في نظر المولى فيجعل الحكم على كلّ واحد من الموردين ويجيب دعوة كلّ من المقتضيين لعدم المانع من ذلك . إلاّ انّه تارة لا مزاحمة في مقام الامتثال

التزاحم في مقام الامتثال

ص: 468


1- . كفاية الاُصول 1/245 - 246 .

بين الحكمين أصلاً فلا تزاحم ولا تعارض . واخرى تكون هناك مزاحمة في مقام الامتثال بعد الفراغ عن مقام الجعل وعدم الاشكال فيه .

فحينئذٍ تارة تكون المزاحمة دائميّة بحيث يزاحم امتثال خطاب صلّ دائمامع خطاب الازالة فهذا أيضا يرجع إلى تزاحم المقتضيين ويكون من بابالتعارض واخرى يكون التعاند والتزاحم اتفاقيّا لا في جميع الموارد فهذا يكون من باب التزاحم فاذا لم يكن أحدهما أهم فالتخيير أو كان فالأهم مقدم على ما سيأتي الاشارة إليه وإلى غيره من المرجحات . وحيث ان التزاحم في المقتضيين يناسب في مقام الاثبات لتعارض الدليلين بناء على الطريقيّة اصطلحنا عليه بباب التعارض لكشف مقام الاثبات عن الثبوت فالدليلان المتعارضان إنّما تعارضهما من ناحية عالم الثبوت والتحير في الجعل على حسب كلّ واحد . والتزاحم في مقام الامتثال يناسب تسميته في قبال باب التعارض بباب التزاحم .

والضابط ان التعارض يكون محطه في شيء واحد اجتمع فيه جهتان متساويتان بحيث لا يغلب احديهما الاخرى ولا ينتج حكما ثالثا والتزاحم في موردين كالصلاة والازالة والانقاذ والصلاة أو انقاذ هذا وانقاذ ذاك إلى غير ذلك من الأمثلة لكنّه ربمايشكل الفرق بين التعاند الدائمي والاتّفاقي بكون الثاني من التزاحم دون الأوّل .

توضيح أزيد في الفرق بين التزاحم والتعارض:

وينبغي أن نبين قبل مقام الاثبات تصور البابين بحسب مقام الثبوت وانه لا مانع من أحدهما فنقول: لا اشكال في امكان تداعي المقتضيين في شيء واحد بالنسبة إلى جعل الحكم على حسب كلّ واحد منهما بحيث لا يكون هناك غالب

ص: 469

ومغلوب كي يشرع الحكم على حسب الغالب أو ينتج حكما آخر غير ما يدعو إليه كلّ واحد من المقتضيين . فحينئذٍ لا يجعل الحكم على طبق أحدهما ويكون هذا عبارة عن التزاحم في المقتضيين في استدعائهما الحكم على حسب دعوتهما الا انه في شيء واحد .كما انه لا اشكال في امكان عدم المزاحمة في مقتضى الحكمين وجعلالحكم على حسب مقتضى كلّ واحد من وجوب وحرمة وغيرها كما في أكثر التكاليف فيوجب الصلاة والزكاة والحجّ والصوم ولا تزاحم في دعوة مقتضياتها لكن قد يتّفق في مقام الامتثال أن لا يقدر المكلّف على الجمع في اطاعة الخطابين .

وأزيد بل له قدرة واحدة غير قابلة للصرف في أزيد من حكم واحد وتكليف مع انه لا تزاحم في مقام الجعل المولوي في الحكمين فالوجوب والحرمة على طبيعتين أو الوجوب ووجوب آخر وهذا نسمّيه بالتزاحم كالأوّل بباب التعارض .

وإن شئت فاعكس الا ان العمدة هو ترتيب آثار التعارض على باب التعارض ولو سمّيته تزاحما كما ان الأمر بالعكس بالنسبة إلى باب التزاحم فبالنسبة إلى باب التعارض حيث انه بنى على الطريقيّة يكون الخطابان الواردان في بيان الحكمين متعارضين متساقطين . الا ان الحكم حسب الأخبار العلاجيّة الرجوع إلى المرجحات المذكورة من السند وغيره .

كما انه ربما لا مجال للمرجحات السنديّة كما في المتواترتين أو الآيتين فلابدّ من عدم تماميّة الجهة في أحديهما أو غير ذلك من الجهات . والنتيجة في

الفرق بين التعارض والتزاحم

ص: 470

صورة عدم المرجح التخيير أو التوقف على ما فصلناه في محلّه بخلاف ما إذا كان مورد التزاحم فلا مجال أصلاً للرجوع إلى تلك المرجّحات . بل له مرجّحات خاصّة كما ان الترجيحات في ساير الأبواب كذلك فلباب اليدين ترجيحات ولباب البيّنات كذلك هذا .

وضابطه كون الحكمين على طبيعتين أو متعلقين كانقاذ الغريقين ولا يقدرالمكلّف على الجمع في الامتثال وربما يكون هذا التزاحم أي في مقام الامتثالدائميّا ويكون بين الحكمين معاندة دائميّة بحيث لا يقدر في كلّ مورد يتّفق من امتثال أحدهما لابتلائه بالآخر وهذا جعلوه في مصاديق التعارض . ولكنه ليس فيه معاندة في مقام الجعل لعدم ارتباط مصلحة أحدهما ومقتضيه بالآخر . الا انه جعل من باب التعارض للغوية . فان تشريع حكمين لا يمكن المكلّف امتثالهما دائما لغو لا يصدر من المولى . لكن ينافي ذلك ما مرّ من الضابط من كون المتعلّق واحدا فان المقام ليس منه مع جعله من التعارض . وحينئذٍ ربما يشكل بعدم الفرق بين التزاحم الاتفاقي والتزاحم الدائمي في مقام الامتثال ولا وجه في كلا الموردين للرجوع إلى المرجّحات السنديّة وغيرها من مرجّحات باب التعارض . بل ينظر إلى ذي الأهميّة ومحتملها فيقدم والا فالتخيير . وإن كان مجرّد اللغويّة كافيا في كونه من التعارض ففي اطلاق كلّ واحد من الخطابين في التعاند الاتفاقي الأمر كذلك فليحكم عليه في مورد التزاحم في مقام الامتثال بالتساقط والرجوع إلى مقتضى الأصل .

والحاصل: انه لا يعقل الفرق بين النحوين من التزاحم كي يكون أحدهما من باب التعارض والآخر من التزاحم ويحكم على كلّ واحد بآثار البابين . واذن

ص: 471

فمن يفرق بينهما لابدّ له من دليل مقنع . والا فالحق مع القائل باندراج ذلك في باب التزاحم . وان الضابط في باب التعارض إذا كان المتعلّق واحدا ويكون في مقام الجعل والداعويّة حسب استدعاء المقتضيات . والتزاحم في مقام الامتثال سواء كان المتعلّق واحدا بحسب الطبيعة كانقاذ الغريق أم متعدّدا .

نعم في المقام نحو آخر من التزاحم غير التزاحم في مسئلة القدرة وهو ما اذا ملك خمسا وعشرين بعيرا ثمّ بعد ستّة أشهر ملك السادس والعشرين فحينئذٍفاما أن يعطي خمس شياة زكوة ويصبر إلى مضى ثمانية عشر شهرا ويعطي بنتمخاض وهذا مخالف للدليل كما انه لو أعطى في السنة من خمس وعشرين وبعد ستّة أشهر أعطى بنت مخاض أيضا كذلك وهذا هوالتزاحم في باب الأسباب . ولكن الحق انّه اما أن يرجع إلى تزاحم المقتضى في مقام الداعويّة أو في مقام الامتثال .

ويمكن بيان آخر ينفع في بعض موارد المسئلة بتسجيل الاشكال وهو ان الموضوع والمتعلّق في كلّ خطاب لم يقيّدا بالقدرة العقليّة بل لو أخذها الشارع في احدهما فيكون ارشادا فاطلاق المادة في متعلّق الحكم مع عدم أخذ القدرة في موضوعه يوجبان حكم العقل بالتخيير حيث انه في مقام الامتثال وحكمه بيد العقل فاذا رأى أهميّة فيهتم بذيها وإلاّ فالتخيير .

خلاصة الكلام: ان الأبواب ثلاثة فباب خارج عن كلا البابين وآخر باب التعارض والنتيجة فيه التخيير شرعيّا حسب ما دلّت عليه الأخبار وثالثة باب التزاحم على ما تقدم من الضابط . والحكم فيه هو التخيير عقلاً إذا لم يكن أحدهما أهم أو محتملها والا فهو المقدم ولا يخفى ان لكل واحد من البابين مرجّحات غير

الأبواب ثلاثة أحدها باب التزاحم

ص: 472

مرجّحات الباب الآخر . أمّا مرجّحات باب التعارض ففي محلّها . اما مرجحات باب التزاحم فقد ذكر انه لو كان التزاحم بين الواجبين الذين أحدهما تخييري والآخر تعييني فالتعييني مقدم لكونه من قبيل ذي الاقتضاء والتخييري لا اقتضاء له . وما له الاقتضاء مقدم على ما لا اقتضاء له كما في ما اذا زاحم الانفاق الواجب اطعام المساكين الواجب في الكفّارة فحينئذٍ ينتقل إلى غير الاطعام من التحرير أو الصوم على فرض قدرته عليهما ويصرف ما له في الانفاق الذي لا قدرة معه على اطعام المساكين .ثمّ من المرجحات مسئلة عدم البدل . فما لا بدل له يقدم على ما له البدلفاذا كان عنده ماء لايكفيّه للوضوء وتطهير بدنه ولا يقدر على ماء غيره فيصرف الماء في تطهير البدن حيث انه لا بدل له ويتيمّم لكونه بدلاً عن الوضوء . وكما في مثل ما إذا زاحم الطهارة المائيّة الوقت فعلى تقدير التيمّم يدرك تمام الصلاة في الوقت بخلاف مااذا تطهر بالماء فلا يدرك تمام الصلاة . والطهارة لها بدل والوقت ليس له بدل ان لم نقل بجواز الاشتغال بالتطهير المائي إلى أن يتضيّق إلاّ بمقدار الركعة والا فيخرج عن مورد المثال فهذان اثنان مرجحان وإذا لم يكن مورد لأحد هذين كما إذا كان الواجبان كلاهما تخييريين أو تعيينيين وليس لهما بدل أو لكليهما بدل ودار الأمر بينهما فحينئذٍ يكون مقام المرجح الثالث بالترجيح بالقدرة العقليّة دون الشرعيّة فان كانا مشروطين معا بالقدرة العقليّة أو كلاهما بالشرعيّة فلا مجال لهذا المرجح بل يرجع إلى الأهميّة فيقدم الأهم . والا بان كان أحدهما مشروطا بالقدرة العقليّة والآخر بالشرعيّة فيقدم ما هو مشروط بالقدرة العقليّة على المشروط بالقدرة الشرعيّة ومثلوا للمشروط بالقدرة الشرعيّة بالحج حيث

ص: 473

انه اشترط بالأزيد من القدرة العقليّة بل لا معنى لعدم الاشتراط بالقدرة العقليّة بمعنى جواز التكليف بما لا قدرة للمكلّف عليه عقلاً لاستحالته وقبحه في حقّ الحكيم تعالى .

فاذا دار الأمر بين ادراك الحج والصلاة فان أراد ادراك الحج يفوته صلاة واحدة أو يبتلي بفعل حرام . فيقال بتقديم الصلاة على الحج لعدم اشتراط المشروط بالعقليّة بشرط بخلاف المشروط بالقدرة الشرعيّة . فانّه لا ملاك له ولا خطاب إذا لم يكن قادرا شرعا عليه اللازم ذلك من ناحية التكليف بالمشروط بالقدرة العقليّة فخطاب العقلي معجز مولوي عن المشروط بالقدرة الشرعيّة . بل لايبقى معه ملاك الالزام . وكما في النذر فاذا نذر زيارة كربلاء يوم عرفة في كلّ عاموكان النذر غير مشروط بالقدرة الشرعيّة فلابدّ من تقديم النذر وشبهه على الحج لعدم اشتراطه بالقدرة الشرعيّة بخلاف الحج .

نعم اذا اشترطنا في صحّة الندر وشبهه عدم كونه محلّلاً للحرام ومحرّما للحلال وعدم استلزامه لذلك فيشكل تقديم النذر على الحج حتّى لو فرض تقدم النذر على حصول الاستطاعة فضلاً عمّا لو حصلا معا أو تأخّر النذر عن حصول الاستطاعة .

وللمحقّق النائيني(1) طريق آخر وهو كون النذر أيضا مشروطا بالقدرة الشرعيّة بتقريب أن يقال ان الناذر حيث انه ينذر بما هو مقصوده ولا يتعلّق قصده وارادته بغير المقدور فينذر ما يقدر عليه والشارع أوجب الوفاء بنذره حسب ما نذر وقصد فحينئذٍ يكون مشروطا بالقدرة الشرعيّة فلذلك لابدّ في مسئلة تقديم

ص: 474


1- . فوائد الاُصول 1/330 .

النذر على الحج أو العكس من ملاحظة باقي المرجّحات من الأهميّة وغيرها ولا يمكن الترجيح بالقدرة العقليّة دون الشرعيّة هذا .

الا انه يشكل ما ذكره المحقّق النائيني في هذا المقام لمنافاته لما ذكره سابقا في مسئلة القدرة العقليّة حيث انه أجبنا عن اشكال كشف ملاك المهمّ في ما اذا سقط خطابه بمزاحمة الأهم باطلاق المادة مع انه لا قدرة له على اتيان المهم في ظرف الأهم . ولابدّ أن يكون المتعلّق مقدورا . بأن اشتراط القدرة إنّما هو ينشأ من اقتضاء الخطاب ويعرض بعد الفراغ عن مرحلة الجعل . فلا دخل له في متعلّق التكليف وإنّما يعرض هذا الاشتراط من ناحية قبح مطالبة العاجز وهذا لا يناسبما ذكره هنا مع ان الارادة الآمريّة كالفاعليّة فلابدّ من دخل القدرة في ذاك المقامأيضا في الملاك ومعه لا يتمّ مسئلة الترتب والملاك .

ثمّ على فرض التسليم فلا وجه لكون ذلك مقدورا شرعا لعدم استلزامه اشتراط القدرة في متعلقه شرعا كما انه لا معنى في صحّة انعقاد النذر عدم استلزامه تحريم الحلال والعكس إذ الشرط كون متعلقه راجحا دينيّا أو دنيويّا .

وأمّا مسئلة استلزام ذلك إنّما هي فرع عدم كون الحج مشروطا بالقدرة الشرعيّة إذ معه لا وجوب للحج كي يكون النذر والوفاء به مستلزما لتحريم الحلال والتمسّك بهذا الوجه لذلك دور كما لا يخفى .

فذلكة: قد عرفت ان المرجحات أربعة ولم يذكر سيّدنا الاستاذ قدس سره

الترجيح بالتقدم وان المقدم مقدم دون الآخر والاربعة احدها الترجيح بالتعيينيّة فاذا زاحم الواجب التعييني واجب آخر تخييري في أحد عدليه أو اعداله فيقدم التعييني واذا لم يكن كذلك وكان كلاهما تخييريين ولا يمكن الجمع بينهما فيقدم

هل النذر مشروط بالقدرة الشرعيّة

ص: 475

ما لا بدل له على ما له البدل وإذا لم يكن الأوّل ولا الثاني بأن كانا تخييريين أو تعيينيين ولا بدل لأحدهما أو لكليهما بدل ولا يمكن الجمع بين الفرضين فيقدم المشروط بالقدرة العقليّة منهما على المشروط بالقدرة الشرعيّة كما مرّ .

ولو كان الواجب المشروط بالقدرة العقليّة أضعف الواجبات وذلك المشروط بالقدرة الشرعيّة أقواها كما مثل تزاحم الحج مع وجوب السلام الواجب لا بالنسبة إلى ( الطفل ) أو الصلاة مع الحجّ بل قالوا إذا فرض ان المشروط بالقدرة الشرعيّة يستلزم عدم القدرة على المشروط بالقدرة العقليّة ولو بعد حين فيكون ذلك المشروط بالعقليّة مقدما .

فاذافرضنا ان الحج في الموسم مستلزم لفوات ذلك الواجب في المحرمفيسقط خطاب الحج ويوجب ذلك الواجب عجز المكلف عن التمكن من الحج بللا يبقى معه لذاك الواجب ملاك الا في النذر فانه وشبيهيه مشروط بشرطين أحدهما كونه حين الفعل راجحا . والثاني عدم تفويته لواجب آخر وعدم استلزامه لفعل محرم حيث ان ترك الواجب حرام فاذا استلزمه لا يكون صحيحا ولو فرض ذلك الواجب الذي يوجب النذر فواته مشروطا بالقدرة الشرعيّة فاذا لم يكن مورد الترجيح بما ذكر بأن كان كلاهما مشروطين بالقدرة العقليّة أو الشرعيّة فهناك يقدم ما هو الأهمّ في نظر المولى كما إذا دار الأمر بين ارتكاب حرام كشرب الخمر وحفظ النفس أو تناول الميتة الا تناول بدن الأنبياء والأوصياء فلا يجوز .

ثمّ ان هذا ترتيب المرجحات وسيجيء الكلام في أقسام التزاحم وانها خمسة:

ص: 476

أحدها تزاحم الواجبين في مسئلة التضاد كالصلاة والازالة في سعة الوقت أو ضيقه وانه يقدم الأهمّ كما ان في باب التعارض إنّما يكون الملاك لخصوص الأقوى سندا ولكن في باب التزاحم لا يوجب المقدم عدم كون الملاك في الآخر أصلاً على ما سيشرح ويمكن الخدشة في هذه المرجحات عدا مسئلة الأهميّة .

أمّا مسئلة دوران الأمر بين التعييني والتخييري كمسئلة وجوب الانفاق وفرض صرف ماله في الانفاق الواجب اما ان يقدر على الصوم والعتق أو خصوص الصوم أو لا ؟ ففي الأوّل في مورد التخيير الشرعي دون العقلي لعدم مجال للاشكال بالجمع بين غرضي المولى لابد من اختيار ما لا يزاحم الواجب ولا يصرف ماله في الاطعام بل يصرف في التعييني وبالنسبة إلى التخييري يختار الفرد الذي لا يزاحم ذلك التعييني بحكم العقل بالجمع بين غرضي المولى مهماأمكن فان اختيار تعيين الفرد المزاحم لم يؤخذ ويسلب من المكلّف فله الاختيارحينئذٍ فاذا اختار فلابدّ من الترجيح من مرجح آخر ولا عبرة بكونه تخييريّا والاخر تعيينيّا ) .

وأمّا الثاني أي إذا كان الفرد الآخر غير مقدور فيكون كما اذا كانا معا تعيينيين لا لتبديل التخييري تعيينيا لاستحالة انقلاب الماهيّة بل لأن النتيجة نتيجة التعييني ولا مجال للاشكال بتقديم التعييني بالأصل كماهو واضح .

وأمّا مسئلة البدل وما لا بدل له . فلا يصلح مجرّد كون أحدهما لا بدل له مرجحا لاحتمال أهميّة ذي البدل . فربما يحتمل كون الطهارة المائيّة أهم في نظر الشارع من الستر الصلاتي في مورد المزاحمة . كما انه يحتمل كون طهارة الستر أضعف من الطهارة المائيّة . فلا وجه للانتقال إلى التيمم وصرف الماء إلى تحصيل

بعض أقسام التزاحم

ص: 477

طهارة الساتر . وكما انه يحتمل كون القيام أهم في نظر الشارع بلا طمأنينة من الجلوس مع الطمأنينة وهكذا فان كان نظر القائل إلى الموارد الخاصّة التي جعل بدل فيها ففيها نكشف الأهميّة لما أوجبه الشارع في مورد المزاحمة ولا يكون قاعدة كليّة مطردة في جميع الموارد . كما ان مسئلة الترجيح بالقدرة العقليّة لا مدرك لها ما لم يرجع إلى الأهميّة . إذ لو فرضنا أخذ عدم المزاحمة بواجب آخر جزءا لموضوع الخطاب فعلى فرض المزاحمة لا ملاك للحج والا فمع فرض عدم اشتراط المشروط بالقدرة الشرعيّة بذلك فيكون كالمشروط بالقدرة العقليّة .

ولابدّ من الترجيح بالاهميّة ولا يكاد ينقضي التعجّب من جعلهم القدرة العقليّة من المرجّحات مع عدم اشتراط الخطاب الآخر بعدم المزاحمة بواجب ومجرّد اشتراط الحجّ بالاستطاعة لا يجعله محكوما بخطاب واجب آخر ما لم يشترط في ملاك وجوبه عدم ذاك الخطاب أو عدم مزاحمة له . فالاستطاعةبالنسبة إليه كالموضوع بالنسبة إلى خطاب ذاك الواجب إذ كما ان الصلاة مشروطةبالعقل والبلوغ وادراك الوقت وغيرها من الشرايط الراجعة إلى الوجوب كذلك الاُمور المعتبرة في وجوب الحج ولأ مرجّح لأحدهما على الآخر .

وأمّا الترجيح بالأهميّة فلا اشكال فيه كبرويّا .

نعم لابدّ في تشخيص الموارد من كشف الأهميّة عند الشارع فما ذكروه لا يتمّ على اطلاقه صغرويّا وكبرويّا في بعض وكبرويّا في آخر فتدبّر جيّدا .

تلخيص لبعض ما سبق: قد عرفت ممّا ذكرناه مرارا عدم الاشكال في عدم جواز التكليف بغير المقدور عقلاً فالقدرة العقليّة لا ريب في اشتراط التكليف بها لقبح التكليف بما لا يطاق بلا استثناء سواء كان في هذه الاُمّه أو في ساير الاُمم

الترجيح بالأهميّة

ص: 478

وإنّما الذي ليس في هذه الاُمّة ما لا يقدر عليه بسهولة . وبعبارة اخرى . المرفوع عن هذه الاُمّة الآصار والمشاق العرفيّة وما يكون حرجيّا « مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ »(1) « يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ »(2) إلاّ فيما كان نفس التكليف وطبيعته مشقّة كما في الجهاد فانّه لا مانع من ذلك فيه دون باقي الموارد .

أمّا الحجّ فلا إشكال في اشتراط وجوبه بالقدرة المأخوذة في لسان الدليل أي الاستطاعة وحيث ان اعتبار الزاد كان معلوما وقع السؤال في بعض الروايات عن الاستطاعة توقعا لاعتبار أمر زائد فاجيب باعتبار الراحلة مع انه قادر على المشي ويطيقه كما انّه من ساير الأدلّة الواردة في بابه استفيد اعتبار امور اخركخلو السرب والرجوع إلى الكفاية وإن كان فيه خلاف الا انه لا وجه للاشكال فيدلالة أخباره وظهورها فيه .

وإذا أفسد حجّه قبل المشعر بمباشرة النساء فعليه اتمامه ثمّ الحجّ من قابل كفّارة وكذلك في الحجّ الندبي حسب ما استفيد من الأدلّة بخلاف ما إذا كان بعد الوقوفين ولا يجب على من اطاق المشي بل يجب على من ملك الزاد والراحلة ولو اجارة ولو انه يقاد معه مركوبه ولا يركبه ولا ندري الحكمة في ذلك ولعلّه لكون الحجّ مع الجلال دون زيارة كربلاء فانّه على خلاف ذلك وكلّما كان أقرب إلى التقشّف لعلّه كان أحسن . وعلى كلّ حال فليس من الامور المعتبرة في موضوع الحج عدم المزاحمة لواجب آخر وعدم استلزامه ترك واجب بحيث

ص: 479


1- . الحجّ الآية 79 .
2- . البقرة الآية 186 .

يكون كالامور المعتبرة في الاستطاعة التي لا يجب على فاقدها الحج فانه اذا ملك الزاد لكن ليس له قوّة في البدن يباشر أفعال الحج فلا يجب(1) كما انه اذا قوى في بدنه لكنه فقد الاستطاعة الماليّة لا يجب واذا اجتمعا لكن لا سرب خاليا فلا يجب .

نعم إذا استقرّ في بعض الموارد عليه الحج ولو بحصول الاستطاعة بقيودها وسوف فذاك مطلب آخر لعدم اشتراط استقراره باجتماع القيود بقاءً ولا اشكال في كون التسويف من الذنوب العظام . ولازم ما قالوا في اشتراط وجوبه بعدم مزاحمته لواجب غير مشروط بالقدرة الشرعيّة انه لو حصلت الامور المعتبرة في الاستطاعة على ما ذكرنا الا انه لا يقدر على الجمع بين اتيان الحج وذاك الواجب الذي يكون مشروطا بالقدرة العقليّة انه عند تقديم ذاك الواجب لا يكون ملاكالوجوب بالنسبة إليه محقّقا وكذلك لو أتى بالحج وترك ذاك الواجب فلازم ماقالوا عدم كفايته عن حجّ الاسلام مع انه لا يظن بهم الالتزام بمثل هذه التوالي ولزومها عليهم حسب ما اختاروه من المبنى . بل لابدّ في هذه المقامات من ملاحظة الأهميّة والمهميّة فيقدم الواجب الأهم ويكون أهميّته معجزة في مقام الامتثال عن وجوب امتثال المهم .

إلاّ انّه لا يوجب فوات ملاك المهم بل يستقر عليه . غاية الأمر لم يكن ذاك الحين مأمورا عقلاً بالامتثال كما في مثل وجوب الصلاة بدخول الوقت جامعا للشرايط لكن زاحمها واجب أهم يعذر بالاشتغال به عن ترك الصلاة فانّه لا يصلّي لكن يقضي صلاته . وعلى كلّ حال فلا فرق بين الحجّ وغيره من هذه الجهة .

ص: 480


1- . مباشرة ويجب عليه الاستنابة .

والامور المعتبرة في وجوبه لا توجب كونه مقدورا بالقدرة الشرعيّة التي يقدم عليه المشروط بالقدرة ( العقليّة ) بل المراد بالقدرة في ما نحن فيه القدرة العرفيّة التي ليست بعسريّة في ما إذا لا يستلزم طبيعة المكلّف به ذلك وأين هذا من اشتراط وجوبه بعدم المزاحمة لواجب آخر على ما قالوا .

هذا ما يتعلّق بمسئلة الحج .

أمّا في النذر فلا إشكال في لزوم كون متعلّقه راجحا دينيّا أو دنيويّا حسب ما وردت به الرواية(1) وكذلك العهد واليمين غاية الأمر في بعضها لم يعتبر الرجحان بل لا ينعقد إذا كان متعلّقه مرجوحا وأمّا انه مشروط بالقدرة الشرعيّة فلا دليل عليه وإن كان ما ذكر من عدم تعلّق قصد الناذر إلاّ بما يكون مقدورا لهفهذا يوجب كون باقي التكاليف المولويّة الواجبة من الشرع ابتداءً كذلك لعدمتعلّق الوجوب بغير المقدور فلازمه كون القدرة شرطا شرعيّا في التكاليف مع انّه لا يقولون به . كما قالوا من انه لابدّ من انعقاده مضافا إلى رجحان متعلّق النذر أن

لا يستلزم تحليل حرام أو تحريم حلال وعدم استلزامه فوت واجب آخر لا دليل عليه وقياسه على الشرط مع انه لا وجه له .

فيه ان الشرط ليس إلاّ أن لا يكون مخالفا للكتاب ولذلك قد يشكل الأمر في ما إذا لم يعلم مخالفته للكتاب جريان الاستصحاب وعدمه على الاشكالات المذكورة في محلّها التي حلّها الشيخ قدس سره بارجاع العدم النعتي والمحمولي لكنه لم يشترط في انعقاد النذر عدم استلزامه فوت واجب .

نعم لابدّ من رجحان متعلّقه فاذا لم يكن حين الامتثال كذلك يكشف عن

ص: 481


1- . وسائل الشيعة 23 الباب 2 - 17/7 - 1 - 2 - 3 كتاب النذر والعهد. الباب 25/1 - 2 - 3 - 4.

عدم انعقاد النذر من الأوّل كما انه اذا بان الخلاف حين الامتثال في العهد واليمين يكشف عن عدم انعقادهما وأمّا إذا لا يقدر على امتثال النذر وشبيهيه للمزاحمة مع تكليف آخر فلا يكشف عن عدم انعقاده وكونه منحلاًّ من أوّل الأمر بل لو لم يكن موقتا فلا مزاحمة فيأتي بذاك الواجب ويؤخّر النذر وغيره إلى وقت آخر . وإن كان موقتا فلابدّ من الدوران مدار الأهميّة والمهميّة . فاذا كان ذاك المزاحم أهم فيقدم ويقضي النذر إذا كان متعلقه الصوم للدليل(1) الخاص ويكون في تركه إذا كان غيره معذورا .

فظهر لك ممّا ذكرنا ان ما صدر من صاحب الجواهر قدس سره من نذره زيارة عرفة بكربلاء المشرّفة مادام مشتغلاً بكتابة الجواهر كي لا يجب عليه الحجّ لا يستقيمبل لابدّ من ملاحظة الأهميّة والمهميّة . ولو فيما إذا كان سبب النذر مقدّما علىحصول الاستطاعة فاذا دار الأمر بينهما فلعدم قدرة المكلّف على الجمع بين موقفه بعرفة بعرفات وكذا كربلاء فيقدم الأهم ويؤخّر المهم ولا إشكال في انّ الحجّ أهم حسب ما ذكرنا فلا وجه لما في العروة(2) من التفصيل بين ما إذا كان سبب النذر مقدّما على الاستطاعة فيقدم أو لا فيقدم الحج . أو عدم الفرق من المحقّق النائيني بين الصورتين لما ذكره من المبنى من عدم استلزامه تفويت واجب ولو كان مثل ردّ السلام والا فنكشف عن عدم المصلحة فيه من أوّل الأمر . إذ عرفت عدم صحّة ما ذكره بل المدار على الأهميّة في صورة فعليّة وجوب الواجبين وإلاّ فلا مزاحمة فتدبّر جيّدا .

ص: 482


1- . وسائل الشيعة 23 الباب 10/1 من كتاب النذر والعهد .
2- . العروة الوثقى فصل الحج الواجب بالنذر والعهد واليمين مسئلة 17 .

ايقاظ: المستفاد من أدلّة النذر(1) اعتبار رجحان متعلّقه حين الامتثال والوفاء لا حين النذر كما ان المعتبر في انعقاد العهد واليمين عدم المرجوحيّة . والرجحان المعتبر في انعقاد النذر أعم كما سبق من الديني والدنيوي ويجوز تعلّقه بالفعل كما يجوز بالترك كنذر ترك شرب السجاير والتدخين إذا كان في حقّه رجحان لا ما إذا يتضرّر بتركه دون فعله . وعلى هذا فيصح نذره إذا كان في الواقع متعلّقه راجحا حين العمل سواء كان معتقدا حين النذر بالرجحان أو لا بل حتّى إذا اعتقد عدمه ضرورة عدم اعتبار القربة في أصل انعقاد النذر كي يشكل تحقّقها في صورة العلم أو اعتقاد عدم الرجحان . نعم اختلفوا في اعتبار القربة حين الامتثال وذلك أمر آخر كما انه إذا كان حين العمل مرجوحا دون وقت النذر بل كان وقته راجحا فالنذر ينحل لانكشاف عدم انعقاده من أوّل الأمر بتحقّق المرجوحيّة حينالعمل وما ذكرنا من اعتبار الرجحان في متعلّقه حين العمل فانّما هو باعتبار نفسه وإن فعله راجح أو تركه بالنسبة إلى الطرف الآخر لا باعتبار أمر آخر .

وبالمقايسة إليه فانّه قد يكون حينئذٍ مرجوحا مع انعقاد النذر كما اذا نذر الصلاة في مسجد من مساجد النجف الأشرف مثلاً فانّها بالنسبة إلى الحضرة العلويّة على مشرفها آلاف التحيّة والثناء مرجوحة لو لم يصدق العندية حتى في مساجده كما استظهره بعض وإلاّ فنفرض انه نذر عملاً مرجوحا بالنسبة إلى أمر آخر دينا أو دنيويّا فانّه لا اشكال في صحّة النذر وانعقاده في هذا المورد لعدم اعتبار الرجحان بالنسبة إلى الغير بل إنّما هو بالنسبة إلى طرفي نفسه وانه يتعلّق النذر بالطرف الراجح اما دينا أو دنيويّا كماعرفت .

اعتبار رجحان المنذور وقت العمل

ص: 483


1- . وسائل الشيعة 23 الباب 8 من كتاب النذر والعهد .

وعلى هذا إذا صادف الوفاء بالنذر واجبا آخر أهم فلا يوجب ذلك عدم انعقاده وانحلاله بل يقدم الأهم على الوفاء بالنذر مع بقاء مصلحة الوفاء على حالها حيث انه لم يعتبر في موضوع النذر عدم وجود مزاحم أقوى بل موضوعه كون متعلّقه راجحا فاذا كان كذلك فينعقد النذر ويوجب الشارع الوفاء بالنسبة إليه لمصلحة في ايجاب الوفاء غير ما في المتعلّق بل هذا الحكم المجعول من قبل الشارع بايجاب الوفاء بمتعلّق نذره فيه مصلحة داعية لجعل الحكم على طبقها . فحينئذٍ في مورد المزاحمة إنّما تتحقّق بين مصلحة الوفاء بالنذر وذاك المزاحم كما في ساير موارد المزاحمة ولم يؤخذ في موضوع النذر القدرة الشرعيّة لعدم كونه حكما ابتدائيّا من الشارع بل ربما ورد في بعض الأخبار(1) النهي عن النذربالشاق لكنه ارشادي .نعم للمحقّق النائيني قدس سره (2) كلام في كون القدرة المأخوذة في النذر شرعيّة بدعوى عدم تعلّق نذره وقصده بما لا يكون مقدورا له وحينئذٍ فالقدرة كالموضوع بالنسبة إلى النذر لكون موضوعه الأمر الراجح الذي يكون مقدورا في حق الناذر حسب اختياره ذلك لا أنّه في لسان الدليل كذلك بل لما ذكر من عدم تعلّق القصد إلاّ بالمقدور . وعليه إذا لم يكن له قدرة على ذاك المتعلّق فلا يكون النذر منعقدا بل لا مصلحة فيه ولا خطاب . لأنّك قد عرفت انّ القدرة التكوينيّة التي تعتبر في موضوع النذر ولو حسب قصد الناذر لا تنسلب بالمزاحمة لواجب آخر كي يكشف عدم وجود الملاك وانحلال النذر حينئذٍ بل له القدرة تكوينا المصحّحة لانعقاد النذر .

استدلال المحقّق النائيني على كون القدرة في النذر شرعيّة

ص: 484


1- . وسائل الشيعة 23 الباب 6/1 - 2 - 3 من أبواب النذر والعهد .
2- . فوائد الاُصول 1/330 .

نعم لا ينعقد بما لا يكون مقدورا بالمرّة ولو مع العسر والمشقّة وإلاّ فمع القدرة عليه ولو كان عسريّا فيجب الوفاء لانعقاد النذر والنهي المذكور سابقا ارشادي إلى عدم ايقاع نفسه في المشقّة لا انّه أخذ عدم المشقّة في صحّة انعقاده موضوعا أو شرطا وإلاّ فلا ينعقد . وحينئذٍ فاذا كان العمل في حدّ نفسه راجحا فالمزاحمة لواجب أهم أو مطلقا لا توجب مرجوحيّته في حدّ ذاته فالنذر ينعقد ولو مع الاستطاعة غاية الأمر عدم قدرته على الجمع بين الخطابين وقلنا انه لم يؤخذ في صحّته وانعقاده رجحانه حتّى بالنسبة إلى الأمر الخارجي فانّه يصحّ ولو كان مرجوحا بالنسبة إليه كما إذا نذر صوم جمادي ولا ينذر صوم شعبان مثلاً الذي هو أفضل .وما يقال من أخذ القدرة فيه إنّما هو القدرة العرفيّة على ما ذكره المحقّقالنائيني وإن لم يلتزم بذلك بل راجعه إلى القدرة الشرعيّة إلاّ انك عارف بفساد ذلك لما تقدّم من ان القدرة الشرعيّة عبارة عن أمر آخر وراء القدرة العقليّة وانزل منها كما في موارد التكاليف اليسرية التي لا تكون عسرية فان القدرة الكذائيّة التي لا تكون عسريّة إنّما هي تعبّديّة شرعيّة وإلاّ فالقدرة العقليّة لا معنى لاعتبارها في الخطاب وملاكه على ما أشرنا إليه لعروضها في رتبة الخطاب دون المتعلّق ولذا صحّ لنا اطلاق المادّة دون القدرة الشرعيّة فانها مع فقدها لا كاشف للملاك حيث انه يكون هو الأمر ومع عدم القدرة لا أمر فلا كاشف بل لا ملاك مع عدم القدرة العرفيّة وباب النذر ليس كذلك بل قصد الناذر ونذره في رتبة عروض الخطاب على المتعلّق الموجب لاعتبار القدرة عقلاً وقبيح مع عدمها الخطاب ولا ربط لذلك بالقدرة الشرعيّة التي يعتبرها الشارع .

ص: 485

ثمّ انّ هذا المتعلّق الذي في مرحلة عروض النذر له الموجب لكونه مقدورا يكون موضوعا لخطاب الشارع بالوفاء به فتدبّر جيّدا .

توضيح وتكميل: لا إشكال في انّه إذا قلنا انّ القدرة المعتبرة في النذر شرعيّة أو لم نقل ولكنّه استفدنا اشتراط ايجاب الوفاء بالنذر وبعبارة اخرى الوفاء يكون مشروطا بالقدرة الشرعيّة عدم الوجوب والملاك إذا لم تكن القدرة حاصلة . إلاّ انّه لا يخفى ان معنى القدرة الشرعيّة لو قلنا بها ان قصد الناذر لا يتعلّق

إلاّ بما هو المقدور والشارع يوجب الوفاء بالنذر الذي موضوعه المقدور ولكن القدرة ليست هنا إلاّ عقليّة لعدم تعلّق القصد إلاّ بما يكون مقدورا كذلك . فاذا لم

يكن مقدورا فالنذر لا ينعقد ويكون منحلاًّ . والعبرة بحال الوفاء لا بحال النذر فلو

كان مقدورا حينه عاجزا حين الوفاء انكشف انحلاله من أوّل الأمر وليس العلمبالقدرة شرطا لصحّة النذر ولا العلم بالخلاف مضرّا بانعقاده فالقدرة المعتبرة فيالنذر تصحّ بما ذكرنا وإلاّ فالشارع لم يشترط في ذلك القدرة ولو شرط لا يكون شرعيّا بل يكون ارشادا إلى حكم العقل .

نعم على ما ذكرنا يكون فرق بين القدرة المعتبرة في النذر حسب عدم تعلّق نذره إلاّ بما هو المقدور وبين القدرة المعتبرة في متعلّقات التكاليف فانّها في الأوّل

دخيلة في الموضوع دون الخطاب إلاّ من باب المتابعة . وأمّا في متعلّقات التكاليف فالقدرة إنّما تكون شرطا في رتبة عروض الخطاب . وبهذا اللحاظ صحّ لنا دعوى اطلاق المادّة والتمسّك بصحّة العبادة وغيرها إذا ابتليت بالمزاحم ولو كان أهم وإلاّ فعلى ما ذكروا لازمه عدم تحقّق هذه الثمرات اذ أخذت القدرة الشرعيّة في موضوع الخطابين ومع عدم تحقّق القدرة فلا ملاك كما انه اذا ابتلى

بعض الاشكالات على المحقّق النائيني

ص: 486

بالمزاحم فلا يمكن الامر بالضدّين لاستحالته إلاّ انه يقتضي الأمر بالضد عدم الأمر بالضد الآخر . لكن صحّة المزاحم لو أتى به في صورة المزاحمة إنّما هو لكشف الملاك ومع تقيد موضوعه وملاكه بالقدرة الشرعيّة التي يفسرونها بالمعنى المركب من الامور الوجوديّة كالزاد والراحلة والعدميّة كعدم الابتلاء بالمزاحم أو الأهم فكيف يمكن كشف الملاك بل ينكشف عدمه . وحينئذٍ فلو أتى بالحج في صورة المزاحمة لواجب آخر أو أتى بملاك الواجب فلا يصحّ أحد منهما أو خصوص ما أخذت القدرة الشرعيّة في موضوعه لعدم الملاك . بل إنّما يصحّ تصوير المزاحمة إذا كان الملاكان موجودين محقّقين وبتحقّق أحدهما لا ينعدم موضوع الآخر .

وحينئذٍ فمقام للمرجّحات وبدونه لا تصحّ المزاحمة وإن قيل فإنّما هو تجوز . وهذا أيضا أحد الاشكالات الواردة في المقام على المحقّق النائيني منجعل أحد المرجّحات القدرة العقليّة في قبال المشروط بالشرعيّة التي استنتج منهذا التفصيل عدم وجود الملاك للثاني مع ذلك وقد عرفت عدم اشتراط الحجّ بالقدرة الشرعيّة التي يريد بذلك عدم ابتلائه بالمقدور بالقدرة العقليّة بل ذكرنا انّه

لا يمكن تعلّق الخطاب بغير المقدور بالقدرة العقليّة فهذا أمر ساري في الجميع والامور الاخر إنّما هي قيود الموضوع وحدوده التي بدونها لا يتحقّق الموضوع وبتحقّقه يتحقّق الخطاب . فاذا زاحم امتثال هذا الخطاب خطاب واجب آخر بعد تحقّق مقتضيه وملاكه فيكون مقام الترجيح بما ذكرنا من المرجّحات . فان كان الحج مشروطا بالقدرة الشرعيّة فلازمه في صورة الابتلاء بالمزاحم وترك الحج عدم استقرار الاستطاعة لو كان قد زالت بالنسبة إلى السنة الآتية كما انه لو أتى به

ص: 487

في هذه السنة فلازمه عدم كفايته في صورة بقاء الاستطاعة إلى السنة الآتية لعدم وجود ملاك الواجب فيه لاشتراطه بعدم المزاحم مع انه كان مبتلىً به كما انه إذا فرض انّ الحجّ يستلزم فوت صلاة في الوقت ان لم نخدش في المثال وإلاّ فمثال آخر كحفظ النفس ولو فرض ان الحج يكون أهم منه وذلك لأن الأهميّة إنّما تفيد في ما إذا كان الملاك في الآخر موجودا متحقّقا لا بدونه . مع انه لا يظنّ بهم الالتزام بهذه الاُمور بل الأمر في مثل هذه الموارد كساير موارد المزاحمة في امتثال الملاكين والخطابين بما ذكرنا .

والحاصل: إنّما تتحقّق صورة المزاحمة في ما إذا كان كلّ من الخطابين يصلح شاغلاً عن الآخر بعد تحقّق مقتضيهما وبدونه لا مزاحمة . والحج أيضا من هذا القبيل كما ان النذر عرفت حقّ الكلام فيه وليس القدرة المعتبرة فيه من ناحية قصد الناذر فيه إلاّ عقليّا فلو فرض موافقة المحقّق النائينى في تسليم ما ذكر وقلنا

انه مشروط بالقدرة الشرعيّة وفسّرنا القدرة بما ذكر كما لا يبعد الالتزام به فلايوجب تصحيح ما ذهب إليه من تقديم الحج عليه أو واجب آخر لعدم الملاك فيهبل القدرة إنّما تكون عقليّة وما لا يتعلّق به قصد الناذر إنّما هو ما ليس بمقدور عقلاً

فاذا كان مقدورا تكوينا فالملاك محقّق فيه وحينئذٍ فيمكن مزاحمته لخطاب واجب آخر ولا وجه لترجيح ذلك بكون قدرة النذر شرعيّة وملاك أو خطاب الواجب الآخر مذهب ومعدم لموضوع النذر .

نعم . يمكن أن يأخذ الناذر في موضوع نذره عدم المزاحمة بواجب آخر وحينئذٍ فلا يجب عليه عند المزاحمة لعدم حصول شرطه وذلك غير مسئلة انعقاده وتقديم واجب آخر عليه كما لا يخفى . وكذلك لم يؤخذ في موضوع النذر

لحاظ الأهميّة في تزاحم الواجبين

ص: 488

وانعقاده عدم استلزامه لترك واجب أو فعل حرام بل الذي أخذ عدم انعقاده على ترك الواجب وفعل الحرام وكذلك لزوم الرجحان الديني أو الدنيوي في انعقاده فالضابط في مورد تزاحم الواجبين ملاحظة الأهميّة بعد ما ذكر من المرجّح الذي لم يكن به اشكال . والدين مقدم على كلّ شيء . أرشد إلى ذلك بعض أخبار(1) التقيّة وانّه لا يستلزم فسادا دينيّا ولذا حرم التقيّة المحقّق الكركي قدس سره وأفتى بحرمتها واستشكل عليه معاصروه من العلماء وأوجب ذلك قتل نفوس كثيرة كما انه إذا أدّى الحجّ إلى ترك الصلاة فلابدّ من ملاحظة الأهميّة والأهميّة لعلّها للحجّ

لما ورد من انه أفضل ولو باعتبار اشتماله على الصلاة . لكنّه مجرّد فرض إذ لا أقل من القدرة على الصلاة الاضطراريّة فلا يتصوّر ما إذا دار الأمر بينه أي الحج وترك الصلاة في الوقت عمدا . نعم يمكن فرض الكلام في مثل حفظ النفس وأكل الميتة بمقدار ما تسد به الضرورة حتّى ميتة المؤمن وأمّا مثل النبي والوصي فلا يجوزولو يلزم فوت وموت عدّة كثيرة بل يجوز في مثل هذا المورد أكل لحم الخنزير فضلاً عن لحم بدنه للضرورة . كما يمكن الخدش في كون لزوم النوم المستوعبللوقت اللازم من الشروع في امتثال واجب كالحج طرف الدوران لعدم الحرمة أو الذهاب إلى مجلس يضطر إلى الجلوس على مائدة يشرب فيها الخمر بناءً على حرمته كما ورد بذلك عدّة(2) أخبار أو الأكل منها لعدم حرمة الذهاب وكذلك عدم حرمة المضطرّ إليه حفظا للنفس على اشكال في ذلك يظهر بالتأمّل .

فذكلة وتتميم: لا يخفى ان القدرة المعتبرة في النذر شرعيّة بالمعنى الذي ذكرنا إلاّ ان القدرة الشرعيّة المعروفة في ألسنة الطلاّب يراد بها ان الشارع اعتبر

ص: 489


1- . وسائل الشيعة 11 - 16 الباب 25/6 من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
2- . وسائل الشيعة 25 الباب 33 من أبواب الأشربة المحرّمة .

مضافا إلى القدرة العقليّة التي هي شرط في مطلق التكاليف ولا يعقل بفاقدها التكليف في امة من الامم وإلى اليسر الذي يشتمل عليه جلّ التكاليف بل كلّها بالنسبة إليها اُمورا خاصّة فانّه لا إشكال في عدم جعل الحرج في الدين وان اللّه يريد بعباده اليسر ولا يريد بهم العسر لكن مع ذلك لا يجب الحجّ على من قدر عليه معسورا كما انه إذا أطاق المشي أو يمكنه تحصيل مؤنته في الذهاب والاياب مع بقاء الكفاية في الرجوع ولكنه ليس موجودا عنده ما به يحجّ بأن يصير قائدا أو سائقا أو معينا لسائق السيّارات مثلاً فالشارع اعتبر في وجوبه مضافا إلى السير فورا امورا آخر وإلاّ فالقدرة الشرعيّة التي هي عبارة عن اليسر وعدم جعل الحرج في التكاليف لا يختصّ بباب الحجّ بل في كلّ التكاليف إلاّ ما يكون طبعه عسريّا وحرجيّا كالجهاد كما ان القدرة العقليّة أشرنا مرارا إلى دخلها مطلقا في التكليف لاستحالة الخطاب ومطالبة العاجز عقلاً .

وأمّا الرجوع بالكفاية فقد وقع فيه الخلاف كما وقع الخلاف في الضابط لههل هو بمقدار قوت يومه عند الرجوع كما قيل أو أزيد أو ما يحفظ به ماء وجههوليس في الامور المعتبرة في وجوبه أمر آخر .

كما ان النذر أيضا كذلك على ما ذكرنا ولم يعتبر في موضوع الحج عدم مزاحمته لواجب آخر .

نعم إذا زاحمه واجب أهم فيقدم ذاك الأهم كما إذا توقّف حفظ نفس محترمة أو عرض أهم من الحجّ وعليه يحمل ما ورد في جواز تركه لعذر وإلاّ فلو تركه لأمر مباح أو واجب لا يبلغ أهميّة الحجّ فلا .

وحينئذٍ فاذا تركه بعد حصول موضوعه فيكون الحج بذمّته لكن لا يمكن

ص: 490

سريان الاضطرار إلى ترك الشيء في جميع الموارد موجبا لسقوطه ودوران الأمر بينه وبين غيره . بل ربما لا يكون لشيء دخيل في مركب دخل مطلق ولذا يسقط عند الضرورة وعدم التمكن واخرى يكون له ركنيّة مطلقة فاذا اضطرّ إلى تركه فلا يسقط بل في الحجّ إذا اضطرّ إلى ترك الوقوف بعرفات ولم يدرك المشعر فيكون ممّن فاته الحجّ لا ان الساقط هو الوقوف والباقي هو المأمور به لأداء الاضطرار إلى ترك الوقوف إلى الاضطرار إلى ترك أصل الحجّ الذي للوقوف دخل مطلق فيه .

وحينئذٍ لا يجب عليه باقي أعمال الحجّ وفي بعض الصور يكون عليه الحجّ من قابل وعلى ما ذكر فاذا نذر ندرا انحلاليّا بالوقوف بكربلاء وزيارة عرفة الحسين علیه السلام واتّفق في بعض سنيه حصول شرايط وجوب الحج وتنجز عليه التكليف فيجب عليه الحجّ والنذر ولا يمكنه اتيان كليهما لعدم قدرته مع ان موضوع كليهما صار فعليّا .

فلابدّ من تقديم الأهم لا ان النذر يكون منحلاًّ من أول الأمر وتشخيصالأهميّة لا يمكن إلاّ ببيان الشارع . فهل يمكن استفادة أهميّة الحجّ من وجوبهالفوري وحرمة التسويف الذي هو من الذنوب العظام وجواز السفر في الصوم اختيارا حتّى إذا نذر غاية الأمر يكون حنثا في بعض الموارد ولا يمكن التعدّي عن مورد جواز النذر في الصوم اختيارا كشف أهميّة غيره عند الدوران بل لابدّ من الوقوف على مورده كما لا يمكن استفادة ان الحج أهم من النذر بما ورد في بعض الروايات(1) من انه إذا نذر صوم كلّ يوم خميس فاتّفق يوم خميس فصار

لزوم تقديم الأهم

ص: 491


1- . وسائل الشيعة 7 - 10 الباب 1/6 من أبواب الصوم المحرم والمكروه لكن متن الرواية رجل نذر أن يصوم يوماً من الجمعة كل جمعة دائماً ما بقي وآخرها يصوم يوماً بدل يوم إن شاء اللّه و23 والباب 10/1 من أبواب النذر والعهد .

عيدا انه يقضي ذلك اليوم وكذلك في بعض الموارد الآخر وإن كان لو لا النصّ لقلنا بانحلال النذر في اتّفاق يوم الخميس مثلاً يوم عيد .

والحاصل انّه وإن أمكن دعوى أهميّة الحجّ عند الدوران بينه وبين النذر لكنّه لا يصل إلى حدّ القطع والجزم واعترف سيّدنا الاستاذ قدس سره (1) بعدم العثور فيما تتّبع على شاهد أهميّة الحجّ من النذر .

وكيف كان فقد عرفت عدم أخذ قيد عدم المزاحمة بواجب آخر في موضوع الحجّ كما لم يؤخذ في موضوع النذر ومتعلّقه إلاّ الرجحان في طرف النذر بالنسبة إلى طرفه الآخر من الفعل والترك لا بالنسبة إلى أمر آخر فلا يمكن القول بانحلال النذر بترك شرب السجاير إذا استلزم مثلاً عدم القدرة على اسماع جواب السلام الواجب وذلك لعدم الدليل على اشتراط عدم استلزام النذر ترك واجب . بل إنّما الشرط الرجحان الفعلي حين العمل في متعلّق النذر فما ذكره في العروة(2) فيباب الحجّ ممّا يظهر منه اشتراط وجوب الحجّ بعدم المزاحمة فيه ما فيه كما عرفته مفصّلاً فحينئذٍ ليس المناص إلاّ الرجوع إلى المرجّحات وما هو المفيد منها مسئلةالترجيح بالتعييني والتخييري بل هي في الحقيقة خارجة عن الترجيح لعدم المزاحمة ضرورة ان المزاحم في مثل وجوب الازالة الفوري والصلاة في الوقت خصوص الفرد الذي يفوت الوقت بتركه وإلاّ ففي أوّل الوقت وسعته لا يزاحم الازالة للصلاة ولا العكس بل في أوّله الازالة تزاحم الفضيلة ولا معنى لمزاحمة المستحب للواجب .

ص: 492


1- . لكن لعلّه من الواضحات أهميّة الحجّ بالنسبة إلى النذر .
2- . العروة الوثقى فصل شرايط وجوب حجّة الإسلام مسئلة 65 .

فمثال الازالة والصلاة ليس على اطلاقه ففي السعة يكون كالتعييني والتخييري.

نعم في الضيق يكون من تزاحم الواجبين اللازم مراعاة الأهم كما في الحجّ اذا زاحم واجب آخر عند آخر رفقة لا يمكن درك الحج إلاّ بمصاحبتهم فان علمنا أهميّة الحجّ من النذر فهو والا فيشكل الأمر بتقديم الحج اذا لم نحتمل اهميّته بل نتخيّر كما ان على ممشى القوم من اشتراط الحج بعدم المزاحمة لمشروط بالقدرة العقليّة أو عدم استلزامه ترك واجب آخر وكذلك في النذر لا يتحقّق خطاب كلّ منهما لعدم حصول موضوعه .

نعم إذا حصل واحد لتقدم زمانه استلزم لعدم تحقق موضوع الواجب الآخر كما إذا تقدم زمان الحج أو النذر مثلاً فالأقدم زمانا هو المقدم ولكنه خارج عن صورة التزاحم لعدم تحقّق واجبين . وحيث ان المطاردة من الجانبين بالنسبة إلى استلزام ترك الواجب الآخر فلا يمكن تحقّق وجوب كليهما .

نعم واحد منهما موضوعه محقّق إمّا تعيينا أو تخييرا شرعيّا لا عقليّا ولا عبرة بساير المرجّحات عندنا حتّى مسئلة البدل وما لا بدل له لأنّه ربما يكون ما له البدل أهم كما في الطهارة المائيّة اذا زاحم طهارة الساتر التي لا بدل لها وكذلك

مسئلة التعييني والتخييري في الحقيقة خارجة عن مورد التزاحم والترجيحوكذلك لا أصل للقدرة العقليّة والشرعيّة .نعم إنّما يفيد خصوص الأهميّة كبرويّا الا ان تشخيص الأهم في موارد الدوران لا يمكن بالقياسات والاستحسانات والوجوه الاعتباريّة ولابدّ من الانتهاء إلى قول المعصوم علیه السلام كما ان المقدم مقدم ليس مرجحا على اطلاقه بل ربما يقدم المؤخر لركنيته كما إذا دار الأمر بين قيام حال قبل الركوع وحال القرائة مثلاً .

الاشكال إذا لم نعلم الأهميّة

ص: 493

نعم في غيره يكون المقدم مقدّما لتحقّق موضوعه وعدم انتظار شيء آخر وبعده اذا عجز فليجلس كما اذا قوى فليقم فتدبر في أطراف ما ذكرنا .

تتمّة البحث: أشرنا مرارا إلى عدم امكان تشخيص الأهم من المهمّ الا من الأدلّة الشرعيّة وإلاّ فلا طريق إلى ذلك غيرها ولا اشكال في تقدم حفظ النفس على كلّ تكليف الزامي واجب أو حرام سوى ما استثنى كما اذا توقف حفظ نفسه على التعدي إلى بدن امام أو نبي ووصيّ ولو ميّتا فلا يجوز للنص(1) وأمّا في غير ذلك فلا اشكال فيجوز أكل لحم الخنزير لحفظ النفس .

هذا في التكاليف الاستقلاليّة أمّا التكاليف المركّبة كالصلاة والحج وأمثالهما فاذا توقف حفظ النفس على ترك الصلاة حتّى بمقدار صلاة الغرقى والحريق فلا شبهة في لزوم تقديم حفظ النفس على حرمة ترك الصلاة وكما إذا اضطرّ في الحج لحفظ النفس إلى ترك الوقوف بعرفة فانه تارة يمكن فعل التقية وحصول الغرض منها بموافقتهم في اليوم الثامن ( من ذي الحجّة فلا اشكال ) واخرى يتوقف على ترك الوقوف بعرفات في اليوم التاسع وإلاّ فاذا وقف يقتل . فهذا تارة يكونالاضطرار إلى ترك قيد أو جزء أو شرط في مثل هذه المركّبات الارتباطيّة وتركهاموجبا لفوات ذاك المركب لكون هذا المضطر إلى تركه ركنا فيه وله دخل مطلق في جميع الأحوال حتّى حال الاضطرار فلا اشكال في انه يكون مضطرّا إلى ترك أصل العمل لا إلى خصوص هذا القيد . واخرى لا . بل ليس لما اضطرّ إلى تركه

ص: 494


1- . لعلّه يستفاد من مرفوعة يعقوب بن يزيد عن الصادق علیه السلام وما رواه الشيخ في المصباح عن حنان بن سدير عن أبي عبداللّه علیه السلام وفي الأولى من باع طين قبر الحسين علیه السلام فانّه يبيع لحم الحسين ويشتريه وفي الثانية من أكل من طين قبر الحسين علیه السلام غير مستشفٍ به فكأنّما أكل من لحومنا إلخ . وسائل الشيعة 24/230 الباب 59 من أبواب عدم تحريم أكل طين قبر الحسين علیه السلام .

دخل كذلك . فحينئذٍ إذا كان يسقط بالاضطرار فيسقط والباقي هو المأمور به .

والحاصل انه لا مجال لجريان قاعدة الميسور في كلّ مورد بل مخصوص بغير الصورة الاولى كما في ما نحن فيه من مسئلة الحج فان الأدلّة متطابقة على فوت الحج بفوت الوقوف بعرفة .

نعم إذا أمكنه درك الوقوف بالمشعر الحرام ولو اضطراريّا قبل الظهر فيقوى الاجتزاء ولو لم يدرك الوقوف بعرفات لكنه في خصوص المصدود الذي اطلق بما لا يمكن درك غير ما ذكر فاذا لم يدرك هذا المقدار وفي الطريق صار مصدودا فتارة يمكنه الوصول إلى المواقف قبل فوت الوقت واتّفق انه لم يصل فهذا يكون ممّن فاته الحج ووظيفته التحلّل من احرام حجّه بعمرة مفردة إمّا قهرا أو بالنيّة ولابدّ في تحلّله من الاحرام من اتيان طواف النساء وغيره ممّا له الدخل في الخروج من الاحرام حتّى ان صلاة الطواف لها دخل في حليّة النساء له . فاذا كان الحج مستقرّا في ذمّته من سابق يحجّ من قابل وإلاّ فلا وادّعى سيّدنا الأستاذ قدس سره

استفادة ذلك من النصوص(1) الواردة في المصدود . لأن الصد ليس مختصّا بما إذا يمنع في الطريق بل يشمل ما إذا منع من الوقوف ولو لوجوب حفظ النفس المتوقف على تركه .واخرى لا يكون مدركا فلابدّ من الذبح في مكانه وليس كذلك من نام أو نسى فانه يستقرّ عليه الحجّ وعليه الاتيان من قابل . ففرق بين باب التقيّة وغيرهاففيها بمقتضى القواعد لابدّ من الالتزام بكون الحج في ذمّته لعدم تقيد موضوعه بعدم المزاحمة بالأهم لكنّه لمكان خصوص المصدود قلنا بتقيد موضوعه وغير ذلك من ما تقدّم آنفا بخلاف ساير الأبواب فانّها على مقتضى القاعدة الأوّليّة من

لو صار مصدوداً عن الوقوف بعرفات

ص: 495


1- . وسائل الشيعة 9 - 13 الباب 1 - 8/6 - 3 - 4 من أبواب الاحصار والصدّ .

وجوب الاتيان في السنة التي يتمكن .

نعم لو قلنا في فرض ترك الوقوف تقية بتنزيل اليوم الثامن منزلة يوم عرفة فلا إشكال في كون ادراكه مجزيا لكنه لم يثبت سواء كان عالما بكونه هو اليوم الثامن أو في صورة الجهل لعدم دلالة رواية أبي الجارود(1) وورود الاشكال عليها من جهات . منها من ناحية السند .

ثمّ ان ما ذكرنا من القاعدة في المتزاحمين من لزوم الأخذ بالأهم وترك المهم وعدم العبرة بساير المرجّحات المذكورة عدى مسئلة التعييني والتخييري التي أخرجناها من صورة المزاحمة هو الميزان في جميع الأبواب ودوران أمر قدرة المكلّف بين صرفها إلى أحد التكليفين فاذا تعين كون أحدهما أهمّ فلا اشكال وإلاّ فان كان كلاهما متساويين من ناحية الأهميّة أو احتمالها فلا اشكال أيضا في التخيير .

أمّا إذا احتمل أهميّة احدهما دون الآخر فتارة يكون المبنى في هذا الباب هو التخيير الشرعي فيرجع النزاع إلى مسئلة البرائة والاشتغال من جريان البرائة في التعيينيّة وانها مجعولة ومجهولة وفي رفعها منة دون التخييريّة لعدم كون المنة في رفعها لاقتضائها السعة بخلاف التعييني المقتضي للضيق ولو كانت التخييريّةأيضا مجعولة ومجهولة إلاّ ان عدم المنّة في رفعها كاف في عدم جريان البرائة فيهاوهذا بخلاف ما إذا قلنا بكون التخيير حكما عقليّا في صورة التساوي لكونه في مقام الامتثال دون ما إذا كان شرعيّا لكونه في مقام اشتغال العهدة الجاري فيه الوجهان فحينئذٍ لا محيص من الاشتغال واتيان محتمل الأهميّة للقطع بفراغ الذمّة

ص: 496


1- . وسائل الشيعة 7 - 10 الباب 57/7 من أبواب ما يمسك عنه الصائم .

باتيانه سواء كان في الواقع أهم أو مساويا للآخر المهم بخلاف ما إذا اقتصرنا على اتيان المهم فلا نقطع بفراغ العهدة المتيقن اشتغالها المحكوم بحكم العقل بالفراغ القطعي فتدبّر(1) .

ايقاظ: لابدّ في الترجيح في مورد المزاحمة كونه بالمرجح الذي يستقلالعقل بكونه موجبا للترجيح ومرجحا أو ان الشارع جعله مرجحا والا فاذا لميكن أحد هذين النحوين فلا يمكن الترجيح بالمرجح الاعتباري الذي لا يستقل

كلام سيّدنا الاستاذ المحقّق المدقّق السيّد يحيى المدرسي

ص: 497


1- . تنبيه: يتعلّق بمسئلة النذر والحج . قال سيّدنا الاستاذ المحقّق المقدقّق السيّد يحيى المدرسي اليزدي قدس سره بأنّ الحج مشروط بالقدرة الشرعيّة بدعوى ظهور الآية الشريفة في وجوبه على من استطاع المستفاد من الاستطاعة عدم اشتغال ذمّته باتيان واجب آخر في اوقات الحج فاذا فرض انه نذر زيارة الحسين علیه السلام في يوم عرفة فلا يستطيع الحج لعدم القدرة الشرعيّة المأخوذة في الآية ولا يستفاد من الأخبار الواردة في بيان الاستطاعة . وانها الزاد والراحلة وغيرها انها في مقام الحصر من جميع الجهات فاطلاق الآية بظهورها في لزوم المقدوريّة بحاله كما ان النذر مشروط بالقدرة الشرعيّة بوجهين: أحدهما ان الناذر على ما ذكرنا في مبحث الشروط في البيع لا يتعلّق قصده بل التزام كلّ ملتزم إلاّ بالمقدور ويستحيل تعلّق الالتزام بما لا قدرة عليه . والثاني انه ورد في بعض الأخبار انّه لا يجوز تفويت قدرته على متعلّق النذر قبل حلول وقته والجمع بين هذين يقتضي اشتراط النذر في الانعقاد الى القدرة الشرعيّة وفي البقاء وعدم الانحلال إلى القدرة العقليّة فحينئذٍ يقدم على الحج اذا كان سببه مقدما كما ان الحج يقدم إذا كان سببه مقدما أمّا إذا تقارنا فتارة يكون حكم أحدهما بالوجوب في رتبة موضوع الآخر فكما إذا تقدّم ذلك المقدم الحكم فهو المقدم كما إذا حصل الاستطاعة في رتبة وجوب الوفاء بالنذر فحينئذٍ لابدّ من تقديم النذر . وأمّا إذا حصل الموضوعان أي الاستطاعة في الحج والنذر المتعلّق بما يقدر عليه في رتبة واحدة فيكون مورد التزاحم لتوارد الحكمين على قدرة المكلّف ولكنه كان بصدد بيان تقديم النذر أيضا وعدم تصوير هذا الفرض . ولا يخفى ان مجرّد عدم القدرة في موضوع النذر باختيار المكلّف وقصده لا يجعله مشروطا بها شرعا فهو من هذا الحيث كالامارات التي يقولون انها مجعولة في ظرف الشك بخلاف الاصول فان موضوعها الشكّ .

العقل بكونه مرجحا ولا ان الشارع حكم بذلك . فاذا علمنا من الأهميّة في نظر الشارع كونه أقدم من الآخر فلا إشكال . كما انه يمكن كشف الأهميّة من كثرة الثواب والآثار المترتّبة عليه دون الآخر ولا اشكال في تقدم الأهم على المهم سواء في نظر الشارع أو العقل إلاّ انّه لابدّ في ذلك من الكشف .

وقد ذكرنا بعض الوجوه الممكنة لكشف الأهم منها لكنه إذا لم نعلم الأهم والمهم بل علمنا بتساوي المتزاحمين في الملاك أو احتملنا أهميّة كليهما وكان الاحتمال فيهما سواء فحينئذ لا اشكال في تخيير المكلّف لايهما شاء وترك الاخر إنّما الاشكال والكلام في كون هذا التخيير شرعيّا أو عقليّا فاختار طائفة ممّن تعرض للمسئلة التخيير الشرعي كما انه اختار جماعة اخرون كونه عقليّا .

دليل الأول ان الاحتمالات أربع في مورد تزاحم التكليفين في قدرة المكلّف بحيث لا يمكنه جمع كليهما في الاتيان . فانه اما أن يتركهما معا كما انه لا

يمكنه الاتيان بكليهما أو لا يكون حكم بالنسبة إلى هذا ولا إلى ذاك بل يسقطان معا أو يجب عليه فعل أحدهما بعينه دون الآخر وهذا ترجيح بلا مرجح فيبقى الاحتمال الرابع وهو كونه مخيّرا بالنسبة إليهما فحينئذ لابدّ أن يكون الحكم المجعول من الشارع هو التخيير الشرعي .

ودليل من يختار التخيير العقلي هو ان في صورة المزاحمة وإن لم يكن للخطابين اطلاق إلاّ ان ذات الخطاب موجود بل لا يمكن اطلاق ذات الخطاب بالنسبة إلى اتيان متعلّقه وعدمه أو كونه مقيّدا بحالٍ ضرورة عدم امكان وصول الخطاب وحكمه بالنسبة إلى الرتبة المتأخّرة وهي رتبة متعلّقه بل لابدّ في ذلك منكون الخطاب بالنسبة إلى امتثال المتعلّق وعدمه لا مطلقا ولا مقيّدا . بل يستحيل

التخيير عقلي أو شرعي

ص: 498

حتّى بنتيجه الاطلاق والتقييد . فحينئذ إنّما يقتضي الخطاب بذاته حال المزاحمة كما ان الأمر في الخطاب الآخر أيضا كذلك فحيث ان الخطابين باقتضاء ذاتهما يشملان صورة المزاحمة وإنّما المزاحمة تمنع من امكان امتثال كليهما فلا مزاحمة في أصل ذات الخطاب بل إنّما هو في شموله حتّى صورة المزاحمة .

فحينئذ حيث لا يقدر فيحكم العقل الحاكم في مقام الامتثال بالنسبة إلى الذي لا يقدر على اتيان كليهما ويقبح مطالبته بما هو عاجز عنه بالتخيير لان الملاك فرضنا كشفه من الأمر حسب ما تقرّر في المباحث السابقة وهذا أي اقتضاء ذات الخطاب أحد ركني الترتب الذي سيجيء إن شاء اللّه ويظهر هناك وجه دعوى بعضهم ضروريّة الترتب ودعوى خصمه استحالته وان الدعويين مبتنيان على تسليم هذه المقدمة وعدم تسليمها .

وعلى كلّ حال فلا مزاحمة في مادتي الافتراق بالنسبة إلى المتزاحمين كي يسقط أصل الخطاب فدعوى عدم انطباق طبيعة الصلاة بما هي مأمور بها في فرض مزاحمتها لفرد من الصوم مثلاً على هذا الفرد كما انه لا ينطبق طبيعة الصوم بما هي مأمور بها على هذا الفرد المزاحم للصلاة وان في مورد المزاحمة لا أمر بكلّ واحد منهما فاسدة .

نعم لو سلّمنا هذه الدعوى فالنتيجة هي ما ادّعاه فانّه اذا لم تنطبق الطبيعتان اللتان تحقق التزاحم في فرد من كلّ منهما على الفردين بما ان الطبيعتين مأمور بهما فامّا أن يأمر بأحدهما دون الآخر بعينه فذلك الترجيح بلا مرجح أو لا يأمر بكلّ منهما فمخالف لمقتضى الملاك الذي يكون عدم الأمر خلاف الحكمة لا انه مجبور بذلك بل لا يفعل وهو خلاف الحكمة سواء في ذلك التكوينيّات أو الامور

ص: 499

التشريعيّة فلا يبقى إلاّ الأمر التخييري كما قال القائل . لكنّك عرفت ما فيه منالاشكال حيث ان المقام مقام الامتثال والمزاحمة إنّما هي في اطلاق الخطابين المتزاحمين لا في ذاتيهما فتدبّر جيّدا .

عود على بدء: قد عرفت انه إذا كان المتزاحمان متساويين في ما هو ملاك التقدم والترجيح لأحدهما ويتساويان في موجبات الامتثال فهناك قولان . فطائفة من الاصوليّين ذهبوا إلى التخيير الشرعي واخرون إلى التخيير العقلي . وقد ذكرنا في البحث السابق مدرك من يذهب إلى التخيير الشرعي بأنّ المكلّف قد فرض عدم قدرته على كليهما معا للمزاحمة كما هو فرض الكلام فامّا أن يأتي بأحدهما بعينه دون الآخر فذاك ترجيح بلا مرجّح أو لا يأتي بأحدهما وهذا أيضا لا وجه له بعد وجود الملاك فلابدّ أن يأتي بأحدهما تخييرا دون الآخر .

أمّا في ناحية الشارع فلا يمكن مخاطبة العبد بكليهما لقبحها من العاجز كما انه لوجود الملاك التام ولو في أحدهما لا يمكن الاهمال في كليهما وايجاب أحدهما بعينه دون الآخر مع فرض تساويهما كما ذكرنا ترجيح بلا مرجّح فنكشف بهذه المقدّمات من انه جعل حكما تخييريّا في مورد المتزاحمين من أوّل الأمر لا أنّه جعل الخطاب في كليهما تعيينا ثمّ صار تخييريّا بل حيث ان في الواقع كان المقام مقام مزاحمة الواجبين في غير هذا المورد فالحكم إنّما جعل تخييرا وهذا بناءً على ان الساقط في مورد المزاحمة هو أصل الخطابين لا اطلاقهما فان الساقط في الفرض الثاني لو كان هو الاطلاق فينتج حكما آخر وهو التخيير العقلي على اشكال كما سنبين .

وما ذكرنا واضح في ما إذا كان الخطاب والتكليف في كليهما بنحو الانحلال

ص: 500

فالفردان المتزاحمان من الطبيعتين يتصوّر فيهما ما ذكرنا من الوجوه ويستنتجمنها كون التخيير حكما شرعيّا في هذا المورد وأمّا إذا كانا معا بنحو صرفالوجود فلا وجه للمزاحمة حينئذٍ كما ذكرنا في بحث الموقتات انه لا يمكن سعة الوقت بالنسبة إلى الواجب ولا ضيقه بل لابدّ من الانطباق وقلنا ان الوقت في مثل صلاة الظهر إنّما هو صرف وجوده لا أنّه من أوّل الوقت إلى آخره وإلاّ لابدّ من الاشتغال بالصلاة الواحدة في تمام الوقت أو الاشتغال بصلوات كثيرة من أوّله إلى آخره وهما فاسدان .

هذا كلّه لو كان الساقط عند المزاحمة ذات الخطاب وإلاّ فان كان هو اطلاقهما فيكون التخيير عقليّا وله ثمرات اخر هكذا ذكره المحقّق النائيني قدس سره لكن فيه اشكال لجريان ما ذكر في التخيير الشرعي بعينه هنا فانه لا يمكن الالتزام بانطباق الصلاة المزاحمة للصوم بما هي مأمور بها على الفرد المزاحم للصوم كما في الصوم لعدم القدرة على الجمع في الاتيان . فان كان مراده قدس سره بسقوط أصل الخطابين في التخيير الشرعي يعني حتى في غير صورة المزاحمة فهذا لا يمكن الالتزام به ولا انه يدّعيه فيرجع النحوان إلى نحو واحد وهو سقوط اطلاق الخطابين لحال مزاحمة الآخر . فلا يكونان واجبين تعيينين بل يرجعان إلى واجبين تخييريين ولكن التعبير بالتخييري أيضا مسامحة بل واجبين مشروطين تعيينين لا انهما صارا كذلك بل في مورد المزاحمة كذلك يكون من أوّل الأمر وذلك لقدرته على اتيان كليهما في ظرف ترك الآخر فحينئذٍ لابدّ من اشتراط وجوب كلّ واحد بترك الآخر على نحو الترتّب في الأهم والمهم على فرق بين البابين بأن في باب الأهم والمهم ربما يقال بكون الشرط لخطاب المهم هو

الفرق بين سقوط اطلاق الخطاب أو أصله

ص: 501

عصيانه على منع فيه فانه أيضا كالمقام راجع إلى الترك وان في باب الأهم والمهم إنّما يكون الترتب في جانب خطاب المهم بخلافه في ما نحن فيه من المتساويينفالترتّب من الجانبين .والحاصل: ان عدم قدرة المكلّف على الجمع بين الملاكين لا يوجب إلاّ رجوع الخطاب في مورد المزاحمة إلى خطاب مشروط في كلّ واحد بترك الآخر وانه لا يجب في ظرف الاشتغال بالآخر على ما سيظهر وجه قيديّة الاشتغال حيث ان الضرورة تتقدر بقدرها وهي في ترك أحدهما لا في ترك كليهما فلابدّ من الخطاب كذلك إلاّ انه قد أراد المحقّق النائيني في بحث الواجب التخييري ارجاعه إلى الواجب المشروط لكنّه لا وجه له ويرد عليه الاشكال كما سبق .

نعم في المقام لا مانع منه ولكن كون الساقط في فرض التخيير الشرعي هو اصل الخطابين لم نفهم معناه فانّه بعد فرض عدم دخل القدرة في ملاك الخطاب وإنّما هي دخيلة في حسن الخطاب والمطالبة ولا تكون قيدا لمتعلّقه بل المتعلّق في الرتبة السابقة مطلق من حيث الملاك الاّ ان رتبة عروض الخطاب مستدعية للقدرة على متعلّقه ( أي الخطاب ) فحينئذٍ لا وجه للتخيير الشرعي الذي ادّعاه وان الساقط هو أصل الخطابين وذاتهما .

نعم بناءً على كون القدرة دخيلة في الملاك زائدة على القدرة العرفيّة وهي الميسورية التي ادّعيت في جلّ التكاليف كما في مسئلة الحج حيث اعتبر فيه مضافا إلى القدرة العرفيّة قدرة شرعيّة وهي اليسار بالمال ولو فرض انه ربما يكون بالمشي الذي يقدر معه على الحج مع حصول ساير الشرايط غير الراحلة يكون أحسن حالاً من الراكب على الراحلة وأشباهها . لكنه لم يوجب على ذلك

لو كانت القدرة زائدة على العرفيّة

ص: 502

الشخص الحج بل أوجب مع القدرة على الراحلة ولو هو يختار المشيء . فحينئذٍ يخرج من باب التزاحم ويدخل في باب التعارض لعدم القدرة على كليهما فلا يمكن جعل الحكم التخييري بل أحدهما مقدور والآخر غير مقدور ولابدّ مناعمال قواعد باب التعارض فكيف يمكن ترتيب ما رتب على مسئلة التزاحم منالترتب وغيره عليه فانه لا ينطبق إلاّ على ما ذكرنا من كون القدرة شرطا عقليّا في مقام حسن الخطاب ومعه فلا موجب لجعل خطاب واحد تخييري بل لابدّ من جعل خطابين مشروطين كلّ واحد بعدم الاتيان بمتعلّق الخطاب الآخر وينتج تعدّد العقاب على فرض ترك كليهما لحصول شرط كلّ منهما وهو ترك الآخر وعدم الاشتغال به فلا وجه للتخيير الشرعي بل لابدّ من الخطاب المشروط .

ثمّ ان هذا الخطاب المشروط هل مجعول وآت من قبل الشارع أو العقل ؟ لا وجه للثاني بل من هذه المقدمات يكشف العقل عن جعل الشارع وانه جعله كذلك أي مشروطا على ما عرفت .

( أقول: الظاهر عدم توجّه اشكال سيّدنا الأستاذ على المحقّق النائيني حيث انه لا يرى أصل وجود الخطاب بشيء في بعض الموارد التي يجري فيها الترتب مانعا من الخطاب بالمزاحم وحينئذٍ فيتّجه له التفصيل بالتخيير الشرعي وان الساقط أصل الخطابين أو العقلي وهو اطلاقهما على ما سيظهر في أبحاث الترتب إن شاء اللّه فانتظر .

تكرار لا يخلو عن فائدة: قد عرفت ممّا ذكرنا سابقا ان في مورد تزاحم التكليفين لا مجال لبقاء خطاب كليهما لعدم القدرة عليهما من أوّل الأمر لأن الساقط هو اطلاق الخطابين لاذاتهما لما ذكرنا من ان مرجع الأمرين واحد إذ لا

ص: 503

اشكال في بقاء الخطاب والملاك في غير مورد التزاحم في الطبيعتين أو غيرهما لعدم المزاحمة وفي صورة التزاحم مع فرض التساوي تحصل ممّا سبق اشتراط وجوب كلّ واحد بعدم الاتيان بالآخر فحينئذ اذا ترك كليهما يتعدّد عقابه بتعدّد الترك ولا ينافي ذلك انه إذا أتى بأحدهما لا يقدر على الاتيان بالآخر وذلكلحصول شرط كليهما اذ من جهة تساويهما وعدم موجب لسقوطهما معا رأسا ولايمكن الجعل على كلّ واحد تعيينا ينشأ هناك خطابان مشروطان كلّ واحد بعدم الاتيان بالآخر . ففي صورة الترك يتعين فعل كليهما واستشكلنا ما ذهب إليه المحقّق النائيني من كون الحكم في المقام هو التخيير عقليّا أو شرعيّا إذ في فرض كونه تخييرا يكون هناك واجب واحد كما في خصال الكفارة ولا يجب عليه إلاّ أحدهما بخلاف المقام حسب ما فصّل وتحقيق الكلام في ذلك وانه يتعدّد العقاب أم لا ليس له مزيد دخل في المسئلة الاصوليّة والفقهيّة وإنّما هو مسئلة كلاميّة راجعة إلى أمر الآخرة والمعاد .

نعم في مورد يكون صغيرة يمكن بتعدّدها كونها كبيرة ويترتب عليها آثارها .

هذا وقد سبق في الأبحاث السابقة الاشكال في كون مورد المزاحمة حكما فعليّا تخييريّا أو تعيينيّا وانه داخل في باب التعارض بالعموم من وجه بل هو هو بعينه كما ان التعارض بالعموم من وجه كذلك فكيف يمكن حينئذٍ ما قيل في مورده وحقّقنا هناك ان التعارض راجع إلى التكاذب والتزاحم في مقتضى الحكمين كما إذا تزاحم جهتا العلم والفسق في ايجاب الاكرام وحرمته على العالم الفاسق لكن المورد واحد لمتعلّق واحد يتعدّد فيه جهتان للحكمين بخلاف باب

الفرق بين التزاحم الدائمي والاتفاقي

ص: 504

التزاحم فانه ليس كذلك بل متعلّق الحكمين غالبا متعدّد وليس باب التزاحم الاتفاقي كالدائمي الذي يلتزم فيه بكونه من باب التعارض كما ان نتيجة باب التزاحم رفع موضوع الآخر حيث ينجز ويرفع موضوعه ويعدمه بخلاف باب التعارض فانه مع وجود موضوع الحكم الآخر وكون العالم فاسقا يرفع حكمه مع بقاء موضوعه وكذلك يختلفان من جهة المرجّحات فالمرجّح في باب التزاحمالامور المتقدّمة سابقا التي مرجعها إلى أمر واحد وباب التعارض إنّما يكونالمرجح حسب ما بيّن في الأخبار العلاجيّة .

والحاصل ان من يقول بكون تزاحم التضاد داخلاً في التعارض قد عرفت فساده ممّا ذكرنا بما لا مزيد عليه .

هذا كلّه في الخطابات النفسيّة أمّا الخطابات الضمنيّة فقد يقال بكون الحكم فيها كبرويّا هو الحكم في النفسيّات لكن لا يخفى ان في مورد تشخيص الأهم والمهم لا إشكال في تقديم الأهم كما انه قد يقال في صورة التساوي بكون المقدم مقدما الا ان المورد خصوص ما إذا لم يكن للجزء أو الشرط المفقود دخل مطلق حتّى في صورة الاضطرار وعدم القدرة التي يكشف ذلك عن سقوط الباقي عند الاضطرار فان علمنا فهو . والا فيشكل الحكم بلزوم الباقي ولما ذكرنا ظهر وجه سقوط الخطاب بالصلاة بالنسبة إلى فاقد الطهورين حيث انه لا مجال لجريان قاعدة الميسور لانحصار مجريها فيما لا دخل له مطلق وفي جميع الأحوال للمعسور وفي باب الصلاة بالنسبة إلى بعض الموارد يمكن تشخيص الأهم والمهم .

أمّا الباقي الذي لم ينص عليه فيشكل كما إذا دار الأمر بين القيام حال

ص: 505

التكبيرة والقيام حال قبل الركوع فانّ التكبيرة للاحرام وإن لم تكن ركنا إلاّ انّ النص(1) ورد بأنّه يعيد اذا كبر جالسا .

فما ذهب إليه المحقّق النائيني باطلاقه حتى في مثل هذا المورد الذي لم يرد فيه نص بالخصوص لا يمكن المساعدة عليه .

الكلام في الترتبقد عرفت انه إذا لم يكن بين الخطابين أهميّة ومهميّة باعتبار متعلّقهما ان الحكم هو التخيير عقلاً لا شرعا وإذا كان بينهما أهميّة وكان أحدهما أهم من الآخر فلا اشكال في لزوم تقديم الأهم . الا ان الكلام في ان المهم يسقط بالكليّة حتّى في ظرف عدم الاشتغال بالأهم أم لا ؟ بل السقوط إنّما هو إذا اشتغل بالأهم المعجز المعدم لموضوع المهم وهو الذي يعنون البحث فيه بالترتب ؟ فيه خلاف بين الاعلام فالمنسوب إلى المحقّق الكركي وبعض . الثاني كما ان المنسوب إلى الشيخ الأنصاري وربما يشهد به بعض كلماته الأوّل وانكار الترتب كالمحقّق الخراساني .

وبالجملة فالمسئلة من أهمّ المسائل الاصوليّة وفي كلا الطرفين اعلام ومحققون وممن قال بالترتب بل ادعى ضروريته هو المحقّق النائيني بخلاف المحقّق الخراساني فيجعله من المحالات .

وينبغي تقديم مقدّمة في بيان أقسام التزاحم وان محل النزاع والخلاف في مسئلة الترتب هو كلّ هذه الأقسام أو خصوص بعض . فنقول ان ظاهر كلماتهم وإن كان يشهد بكون محلّ النزاع هو خصوص تزاحم باب التضاد على ما سنبين

في الترتب

ص: 506


1- . وسائل الشيعة 5 الباب 13/1 من أبواب القيام .

الا ان ملاك النزاع موجود في بعض الأقسام الآخر .

فان التزاحم إمّا أن يكون في المقتضيين أو في السببين أو في الخطابين .

أمّا الأوّل فقد تبيّن ممّا ذكرنا رجوعه إلى باب التعارض على التفصيل المذكور سابقا كما ان الثاني ويمثّل له بما إذا ملك خمسا وعشرين ابلاً وبعد مضيّ ستّة أشهر من ملكه لها ملك آخر فصار المجموع ستّا وعشرين فبعد ستّة أشهر من ملكه للسادس والعشرين يكون كمال سنة الخمس والعشرين اما بحلول الشهرالثاني عشر أو بكماله مع اجتماع باقي الشرايط كما ان بعد ستّة أشهر بعد ذلكيكون تمام سنة الست والعشرين فهل لا يعطي الزكوة في السنة الاولى وتجب من اول ملكه للسادس والعشرين ومضى سنة ويزكى ويعطى بنت مخاض في 18 شهرا أم لا ؟

بل يعطي في السنة الاولى خمس شياة وهكذا بعد ستّة أشهر بنت مخاض .

وهذا أيضا لا وجه له لاستلزام الأوّل عدم تزكية المال في أزيد من سنة والثاني تزكيته في سنة مرّتين فالتزاحم في سببيّة الخمسة بزيادة الستة كما ان البحث في اليدين اذا تعلقتا بمباح دفعة واحدة فتتزاحمان وتكونان ناقصتين والمال بينهما نصفان ( أو لا بل يقرع ) إلى غير ذلك من الوجوه الخمسة المقولة فيها على الظاهر خارج عن مورد النزاع أصلاً الا النزاع السابق اما في غير ذلك ممّا يكون المزاحمة من ناحية عجز المكلّف اما باعتبار اقتضاء المتعلقين بحيث لا يمكن جعلهما في الوجود في آن واحد في مكان واحد لتعاند ذاتهما كما في البياض والسواد الواردين على الجسم معا فانه محال ولو من فاعلين ومثاله الفقهي ما اذا لزم المشي والاستقرار في الصلاة المتنافيان في الوجود ويرجع هذا

ص: 507

القسم من التزاحم إلى عدم قدرة المكلّف ولو باعتبار عدم قابليّة المورد فلا اشكال في كون هذا المورد محلاً للنزاع كما ان التزاحم من ناحية التضاد والتعاند الاتفاقي في قدرة المكلّف ولو لا تضاد فيهما من حيث أنفسهما كما في انقاذ الغريقين الذي لا يقدر المكلّف على ذلك بل اذا ينفذ أحدهما يغرق الآخر أيضا كذلك وهناك أقسام اُخر منها التزاحم باعتبار الاستلزام كما في مثل لزوم استقبال القبلة الملازم لاستدبار الجدي في أواسط العراق اذا فرض عدم جواز استدبار الجدي ومنها التزاحم بين مقدمة الحرام وذيها الأهم ومنها التزاحم في بابالاجتماع فهذه جملة أقسام التزاحم ولا ينبغي الاشكال في وجود ملاك الترتّبالذي يكون في باب التضاد في جميع هذه الأبواب الا خصوص باب الاجتماع لنكتة تظهر بعد ان شاء اللّه . وهذا بناء على عدم وحدة متعلّق الأمر والنهي في باب

الاجتماع وعدم سراية الأمر والنهي عن متعلّقهما إلى متعلّق الآخر وإنّما المتعلّقان

في كلّ باب منهما من لوازم وجود متعلّق الباب الآخر كما ان التزاحم في باب المقدمة المحرمة أوجب توهم وجوب المقدمة الموصلة الناشى من وجود حقيقة الترتب فيها على ما أشرنا إليه سابقا وسيظهر بعد إن شاء اللّه .

وبالجملة مرجع هذه الأقسام الخمس من التزاحم غير باب الاجتماع إلى التزاحم في باب التضاد لوجود ملاكه فيها وإن كان عنوان البحث في باب اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضدّه إنّما يترائى منه في بادي الأمر اختصاص النزاع به لكنه عند التحقيق ليس كذلك لعدم ارادة الضد الخاص من الضد المعنون في مورد البحث كما تقدم في أوائل البحث .

ثمّ انّه بعد ما عرفت عموم ملاك الترتب في غير الأخير فنجعل البحث في

في مورد الترتب

ص: 508

خصوص باب التضاد ويظهر حكم باقي الأقسام وإن كان المرجع في الحقيقة واحدا وكلّها من باب التضاد .

فنقول: انا أشرنا إلى ان في باب الضد فيما اذا يتساويان يكون المكلّف مخيّرا عقلاً وإذا كان أحدهما أهمّ فهل الساقط اطلاق خطاب المهم لحال الاشتغال بالأهم أم لا ؟ بل ذات خطابه وعلى الوجهين مبنى انكار الترتب واقراره . فمدعى الترتب يدعى ان الساقط إنّما هو اطلاق خطاب المهم بالاشتغال بالأهم لا لوجود خطابه .

نعم بالاشتغال بالأهم يرتفع موضوع خطاب المهم مع بقاء ملاكه وذلك لأنموضوع الخطاب هو المقدور لا بمعنى عدم وجود الملاك فيما لا يقدر عليه بلبمعنى عروض الاشتراط في رتبة الخطاب فاذا لم يكن مقدورا فلا خطاب .

أمّا إذا لم يشتغل بالأهم بل تركه فلا وجه لسقوط خطاب المهم كما ان الترتب ومن يدعي استحالته كالمحقّق الخراساني(1) والشيخ على ما نسب إليه يستند في الانكار إلى استلزامه طلب الضدّين والجمع بين المتعلقين وما ذكر من ان الاشتغال بالأهم يعدم موضوع خطاب المهم وفي ظرف عدم الاشتغال فيتحقق الموضوع انما يفيد اذا لم يرد المولى في حال ترك الأهم له وإلاّ فلو فرضنا انه ترك الأهم وصار خطاب المهم فعليّا والفرض ان خطاب الأهم بعد على حاله فيلزم ما ذكرنا من المحذور من كونه طلب الجمع بينهما إذ لايمكن التفوه برجوع خطاب الأهم انشائيّا بعد أن كان فعليّا .

توضيح البحث: لا ينبغي الاشكال في استحالة طلب الضدّين كان يأمر

ص: 509


1- . كفاية الاُصول 1/213 .

المولى عبده بالاستقرار وعدمه والمشي في آن واحد بحيث لا يجوز له مخالفة أحدهما وذلك لعدم القدرة على ذلك عقلاً الذي يمتنع معه تكليفه بهما كما انه لا شبهة في عدم استحالته في ما إذا جعل طلبه لأحدهما في ظرف ترك الآخر لعدم كونه طلبا للضدّين ولا تكليفا بما لا يقدر عليه المكلّف . فاذا قال له اشتر اللحم وان لم تشتر فاللبن فحينئذٍ لا يريد كليهما بل في ظرف الجمع لا يريد الا أحدهما وربما يكون الآخر الذي اشترط وجوبه ومطلوبيته بترك الآخر الذي لم يتركه وأتى به في هذا الظرف مبغوضا وهذا واضح لا اشكال فيه . كما ان المنشأ لذلك ليس الا استحالة طلب الضدين وتعجيز المكلف بطلب ما لا يقدر على كليهماولذلك لا مانع من الطلب اذا لم يستلزم ما ذكرنا . ومن هذه الجهة تعجب المحقّق النائيني من الشيخ حيث انه في مبحث التعادل والتراجيح يجعل(1) الاماراتالمتخالفة بناء على الموضوعيّة كالمتزاحمين المتساويين وحينئذٍ فلابدّ من العمل بكلّ منهما وحيث ان ذلك منوط بالقدرة فلا يقدر على كليهما وإنّما يقدر على أحدهما وبما ان الضرورة تتقدر بقدرها يكون الوظيفة هو الحكم بالتخيير عقلاً في اختيار أحدهما وفي ظرف تركه يقدر على الآخر فلابدّ من اتيانه فيكون الواجب حينئذٍ كلّ واحد في ظرف ترك الآخر لحصول ما هو مناط ذلك من المقدورية فيه وليس هناك طلب المحال الذي يترتب على طلب كليهما مطلقا بلا شرط .

نعم بناء على الطريقيّة لا مجال لذلك وما ذكر مبني على الموضوعيّة وان قيام الامارة على متعلّقها يحدث فيه المفسدة أو المصلحة حسب اقتضائها فيرجع إلى التزاحم في المصالح والمفاسد في بعض الموارد وإلى تزاحم التكليفين في قدرة المكلّف في موارد اخر فالتزم ( أي الشيخ قدس سره ) بالترتب من الجانبين مع انه

في طريقيّة الامارة

ص: 510


1- . فرائد الأصول 2/761 .

ينكره في ما نحن فيه حتى من طرف واحد وهو الأمر بالمهم عند ترك الأهم ومنشأ تعجبه قدس سره من الشيخ إنّما هو عدم الالتزام ولو من طرف واحد والتزامه(1) من الطرفين ومن المعلوم انه لا يمكن الاعتذار عن الشيخ بأنّه لا يلزم في ما التزم من الجانبين محذور طلب الضدّين بخلافه في المقام .

فان الاشتراط إنّما هو في ناحية المهم لا الأهم فانه واجب على كلّ تقدير لما سنبيّن إن شاء اللّه في مقام دفع الاشكال .

وما استند إليه المحقّق الخراساني في المنع من الترتب(2) حيث ان ذلكالأمر بالأهم لا يسري من موضوعه ولا ينزل إلى ظرف تركه وكذلك التكليفبالمهم المشروط بالترك .

والحاصل وإن كان كلام الشيخ في بحث التعادل والتراجيح شبيهاً بما نقله المحقّق النائيني وربما يظهر منه ذلك الا ان الكلام في المنسوب والنسبة وانه هل يمكن الفرق أم لا بل الالتزام بالترتب في باب الامارات أشدّ محذورا من المقام لابتنائه على ذلك المبنى الفاسد من الموضوعيّة ثمّ رجوعه إلى حدوث المصلحة والمفسدة باختيار المكلّف ما يكون الحدوث مشروطا به بأنّه يكون على تقدير اختيار ما قام على الوجوب يحدث فيه تلك المصلحة وكذلك على تقدير اختيار ما قام على الحرمة يحدث فيه المفسدة ولا يمكن الالتزام بهذه التوالي الفاسدة وليس كذلك المقام . فان الفرض ان المكلف قد تنجز في حقّه المصلحتان أو المفسدة والمصلحة وذلك للفراغ عن كشف الملاك حسب ما تقدّم في المباحث

ص: 511


1- . فرائد الاُصول 2/761 .
2- . كفاية الاُصول 1/213 .

السابقة وحينئذٍ فلا يقدر على استيفاء كلتيهما أو استيفاء المصلحة وعدم الوقوع في المفسدة لعدم القدرة فلا يمكن في هذا الظرف الأمر من قبل المولى باستيفائهما والفرار عن المفسدة الا أن يكون جاهلاً أو غافلاً . واذ ليس فلابد في فرض أهميّة أحدهما في نظره أن يأمر بذلك الأهم . ثمّ انه لا يوجب ذلك رفع اليد عن المهم بالكلية بل لا مانع من الأمر بالمهم في ظرف ترك الأهم لعدم مبغوضيّة فيه من حيث نفسه وانما المانع عدم القدرة في ظرف الاتيان والفرض انه لم يختر الأهم المفوت للقدرة . وعلى هذا فلا يحتاج إلى شيء بل نفس الدليل الاجتهادي الدال على مطلوبيّة المهم في هذا الفرض كاف في ما نحن فيه ولذلك يكون الوظيفة عند احتمال اهميّة أحدهما بحكم العقل اتيانه للفراغ اليقيني باتيانه عن ما اشتغل ذمّته به باليقين للقدرة على أحدهما الواجب بذمّته فاما أن يكون هذاالمحتمل وغيره سواء أو يكون هو اللازم الاتيان في الواقع . فاتيانه على كل تقديرمجز بخلاف ما إذا اختار ذاك الذي في قبال هذا المحتمل فيشكّ في فراغ الذمّة عمّا اشتغلت الذمّة به .

ثمّ انه لا شبهة في ان الشرط في القضيّة الشرطيّة ليس من العلل الغائيّة وذلك لاستلزامه الاكتفاء بتصوره في النتائج المترتبة . وليس كذلك قولنا اذا جاءك زيد فأكرمه بل الشرط راجع إلى قيد الموضوع على ما تبين في الواجب المعلق والمشروط مستوفى . وقد ذكرنا هناك ان كل قضيّة يرجع إلى القضيّة الشرطيّة لاشتراط كلّ حكم بوجود موضوعه غاية الأمر فرق بين الشرايط العقليّة وغيرها فاذا كان الشرط ممّا يعتبره العقل فاذا أخذ في القضيّة لا مفهوم لها بخلاف ما إذا كان تعبّدا فتكون حينئذٍ ذات المفهوم وليست بلقبية .

ص: 512

فظهر من ذلك ان حال الموضوع قبل فعليته وبعدها على حد سواء وليس ما إذا صار فعليّا وترتّب حكمه عليه يخرج عن ما هو عليه ضرورة فاذا كان اللازم لمن ملك أربعين غنما تزكيتها بشاة فاذا ملك ووجب عليه لم تنقلب القضيّة ولا الحكم عمّا كان عليه قبل وذلك واضح .

تكملة وتوضيح: قد علم ممّا ذكرنا مورد اجتماع الطلبين وارادة الضدّين المستلزمة للمحال وما إذا لا يستلزم ذلك في المقدمة .

وحاصلها انه لا مانع من الأمر بالمهم فيما لا يرجع إلى طلب الضدين لعدم الاستحالة في ذلك لعدم موجبها وهو عدم القدرة على الجمع بين الارادتين حيث ان الضرورة نتقدر بقدرها وهو سقوط الأمر بالمهم فيما يلزم عن الأمر به طلب الضدين لاطلاق الأمر بالأهم بخلاف المهم الساقط في ذلك المورد اما اذا لا يلزم من الأمر بالمهم هذا المحذور فلا اشكال فيه كما ذكرنا .المقدمة الثانية: انه إذا كان شيء مشروطا في وجوبه بشرط فلا يمكنخروجه من الاشتراط إلى الاطلاق عند تحقّق هذا الشرط وذلك لاستحالة خروج الموضوع عن الموضوعيّة بعد صيرورته فعليّا ولا يمكن انعدامه بوجوده .

نعم في مثل الحج ورد الدليل الخاص بلزومه وانه على ذمته ولو خرج عن الاستطاعة في السنوات الآتية ولكن مرجع هذا الدليل إلى عدم موضوعيّة الاستطاعة مطلقا بل وجودها الحدوثي شرط لاستقرار هذا التكليف على المستطيع في الجملة .

نعم لو فرض كون الشرط من العلل الغائيّة يمكن جريان ما ذكر فيه فالنزاع ينبغي أن يجعل في الحقيقة في ان شرط الواجب في وجوبه هل راجع إلى

مورد اجتماع الطلبين وارادة الضدّين

ص: 513

الموضوع أو يكون من قبيل العلل الغائيّة ولا ثالث للاحتمالين . فان كان من قبيل الأول فلا دخل إلاّ بوجوده الخارجي فلابدّ أن يكون جزء الموضوع إذ المراد بالموضوع ما يدور الحكم مداره وجودا وعدما وعنوان الموضوعيّة إنّما ينتزع من جعل الحكم على شيء ولا اشكال في ان شرط الوجوب يدور مدار وجوده وعدمه وجود الحكم وعدمه فهو راجع إلى الموضوع بلا اشكال والا فيلزم الخلف والمناقضة على ما سيظهر وسنشير إليه في المقدمة الثالثة .

وتوهم كون الشرط من قبيل العلل الغائيّة مدفوع بأنّه إذا كان كذلك فلا انتظار لفعليّة وجوده الخارجي ولو بعد حين بل يكفي نفس تصوره كما هو الحال في كليّة العلل الغائيّة .

وهذا هو المنشأ لتوهّم انقلاب الواجب المشروط بعد حصول شرطه إلى الواجب المطلق ولكنه قد تبيّن في الأبحاث السابقة بطلان هذا التوهم .

وان الأحكام ليست مجعولة إلاّ على نحو القضايا الحقيقيّة علىالموضوعات المفروض وجودها لا انه عند وجود كلّ موضوع ينشأ الحكم وبعددالموضوعات يكون هناك انشاءات عديدة عند صيرورتها فعليّة .

فالمحمول المنتسب في الواجبات المشروطة إنّما هو يترتّب على فرض وجود الموضوع خارجا ولا أثر لوجوده العلمي على نحو العلل الغائيّة .

وعلى كلّ حال فالحال في الشرط ما ذكرنا سواءً سميته بالموضوع والحكم أو السبب والمسبب والعلّة والمعلول وهذا صار سببا في الخلط بين عدّة من الموارد .

منها في علّة الجعل والمجعول وبعبارة اخرى وقع الخلط بين علّة التشريع

ص: 514

وعلّة الحكم المجعول .

ومنها: ما في الواجب المشروط والمطلق كما أشرنا إليه هنا ويترتّب على هذا المبنى الفاسد في المقام صيرورة الحكمين فعليّين عرضيّين لحصول شرط الواجب المشروط وهو ترك الأهم فوجوب المهم صار فعليّا في عرض وجوب الأهم فيجيء المحذور ولا يمكن الترتب على هذا الا على رفع الملاك والخطاب عن الأهم بالمرّة وهذا في مكان من الوضوح ولا مجال للاشكال فيه من أحد اذ سبيله سبيل « فان لم تجدوا ماء فتيمّموا صعيدا طيّبا »(1) أو التكليفين يكونان في آن واحد فعليّين لكنّهما في رتبتين على نحو الطوليّة فخطاب المهم في طول خطاب الأهم على فرض انه ان اشتغل بالمهم فقادر لعدم صرف قدرته في الأهم ولو اختار العصيان بالنسبة إلى الأهم .

ثمّ اذا رفع اليد عن الصلاة فيقدر على الأهم ويرتفع موضع المهم على ماسنبين عن قريب إن شاء اللّه .المقدمة الثالثة: ان نسبة الحكم والموضوع على ما ذكرنا سابقا طي المباحث السابقة نسبة العلّة والمعلول فكما يستحيل تخلّف المعلول عن علّته التامّة ولو بآن كذلك يستحيل تخلف الحكم عن موضوعه وكما يستحيل تقدم المعلول على علّته كذلك في الحكم وذلك لأنّه بعد تحقّق الموضوع وفعليّته إن لم يصر الحكم فعليّا فلا جرم لحالة منتظرة لها دخل في الحكم وذلك خلف .

اذ فرضنا ان الموضوع صار فعليّا أو لا حالة كذلك فيلزم المناقصة واجتماع الوجود والعدم بلا فرق بين الواجبات المضيقة والموسعة حتى ان زمان الامتثال

الفرق بين علّة الجعل والمجعول

ص: 515


1- . النساء الآية 44 .

يستحيل تخلّفه مطلقا عن زمان الحكم والموضوع ولو بآن .

نعم إنّما يتخلّل بين هذه الثلاث الرتبة فبين الموضوع والحكم إنّما يتخلل الرتبة كما ان بين الحكم وامتثاله كذلك .

وبالجملة لا يمكن تخلّل زمان الامتثال عن زمان الحكم والموضوع والا فيلزم اما بعث الحكم بالنسبة إلى ما قبل وجوده وتحقق موضوعه أو انه لا حكم فاذا فرض عند وجود اول آن طلوع الفجر لا يصوم بل ينتظر الآن الثاني فانه اما أن يكون لفعلية الحكم فلابدّ من ربط الآن الأوّل في موضوع الوجوب والا بان فرض عدم دخله فيه ومع ذلك ينتظره فكذلك يمكن ترتبه بالنسبة إلى تمام الآنات إلى الغروب ثمّ يقصد صوم اليوم الماضي وهو كما ترى ممّا يضحك به الثكلى .

وهذا أيضا قد تقدّم بيانه مفصّلاً عند الكلام في الواجب المعلّق والمشروط واللازم ذكر نتيجته في ما نحن فيه وقد أطال المحقّق النائيني قدس سره لكنه لا وجه له فهذه المقدمة ليس لها كثير ربط بما نحن فيه .

المقدمة الرابعة: وهي العمدة في بحث الترتب . ان الحكم بالنسبة إلى متعلّقهلا يكون مطلقا ولا مقيّدا بحال وجوده ولا بعدمه لاستلزام ذلك المحال . اماتحصيل الحاصل أو المناقضة واجتماع النقيضين وذلك كما في حمل المحمولات الاوليّة من الوجود والعدم على الماهيّة المعراة عنهما .

فلا يمكن حمل الوجود على زيد الموجود للزوم تحصيل الحاصل ولا حمله على زيد المعدوم لاستلزامه اجتماع النقيضين كما انه لا يمكن حمل العدم على زيد المعدوم ولا الوجود لما ذكرنا وهذا إنّما هو في عالم الحمل والا ففي الخارج لابدّ أن يكون كذلك في صدق القضيّة بل مضافا إلى امتناع تقييد الحكم

المقدّمة الرابعة

ص: 516

بحال وجود المتعلّق وعدمه كما انه يمتنع الاطلاق بعين امتناع التقييد يمتنع الاطلاق والتقييد حتّى بنتيجتهما وليس كبعض الامور المترتبة على الحكم في الانقسامات اللاحقة للخطاب ممّا يمكن فيه ذلك بل المقام كالاطاعة والعصيان ممّا لا مجال للقيد والاطلاق ولو بنتيجتهما فيه كما ان من الواضح انه ليس من الانقسامات السابقة على الخطاب التي تكون كالموضوع له .

تبيان وتوضيح أزيد: ليعلم ان كلّ من يريد شيئا

ويلتفت إلى جهاته ونسبته إلى أيّ شيء من الزمان والزمانيّات فاما أن يكون لذلك الشيء دخل في مطلوبه في لب غرض الواقع أو لعدمه أم لا بل وجوده وعدمه سيّان ولا يخلو الواقع عن أحد هذه فعلى تقدير دخل وجوده في المطلوب فيكون مشروطا به أو عدمه فيشترط عدمه أو لا فهو مطلق .

ثمّ انه في مقام الطلب يطلبه حسب ما في ذهنه ويكون مقام الاثبات كاشفا عن الثبوت وغرضه الواقعي لكنّه إنّما يصحّ في خصوص ما يمكن أخذه في خطابه سواء في موضوع الخطاب أو متعلّق متعلّقه وهو الموضوعات الخارجيّة كما في شرب الخمر مثلاً وأمّا في ما لا يمكن أخذه في الخطاب فيمكن دخلهمطلقا أو مقيّدا لكنه لا يمكن كون الخطاب واردا عليه على نحو يكون موضوعاللخطاب لاستحالته كما في العلم والجهل بالحكم فانه لا يخلو الواقع عن اطلاق الغرض بالنسبة إلى العالم بالحكم والجاهل به أو لا بل مخصوص مثلاً بما إذا كان عالما لكنه يستحيل أخذ جهل الحكم وعلمه أو اطلاقه في موضوع الخطاب لأنّه يترتّب على الخطاب فلا يمكن أخذه في موضوعه . وإن كان ملاك الاطلاق والتقييد موجودا في هذا الفرض وفي القسم الأوّل الذي اصطلح عليه

ص: 517

بالانقسامات الاوليّة في فرض الاطلاق يكون هناك سواءات بالنسبة إلى كلّ ما احتمل دخله فيه وعدمه . ولذلك يمكن اجراء البرائة بالنسبة إلى بعض ما شك في دخله ويكون من هذه الجهة في حكم المطلق .

والثاني الذي يكون فيه ملاك الاطلاق والتقييد اصطلح عليه بالانقسامات

المتأخّرة أو اللاحقة للخطاب . وهناك فرض ثالث لا يمكن فيه احدى الصورتين فلا يمكن الاطلاق والتقييد اللحاظي ولا نتيجة أحدهما وملاكهما بل يستحيل كما انه يستحيل في الفرضين السابقين عدم الاطلاق والتقييد وهو فيما يقتضيه الخطاب من الفعل والترك فلا يمكن دخله في موضوع الخطاب حيث انه إنّما يجيء من قبله ويترتّب على الخطاب ومقتضىً له فكيف يمكن دخله في موضوعه لرجوعه إلى اجتماع النقيضين المحال . اذ حال موضوع الخطاب وحكمه حال العلّة والمعلول فكما لا يمكن تقدّم المعلول على علّته كذلك يستحيل ذلك بالنسبة إلى الخطاب وما يجيء من ناحيته ويقتضيه الخطاب الذي هو كالمعلول بالنسبة إلى موضوعه ولذا يطلق على الموضوع السبب كما انه قد يطلق عليه العلّة وحينئذٍ . فكلّ خطاب من هذه الجهة يستحيل تقيد موضوعه بما يترتب عليه ويقتضيه نفس الخطاب كما انه بعين استحالة التقييد يستحيل الاطلاق بلا فرق في ذلك بين كونالمبنى في الاطلاق والتقييد هو العدم والملكة أو الايجاب والسلب أو التضاد وانالماهيّة بعد نزولها عن عالمها في عالم التصور وطريان الوجود الخارجي وعدمه عليها لها حالات ثلاث . فاما أن تكون مقيّدة بوجود شيء أو بعدمه أو بالنسبة إليهما سواء وهذا الاخير في قبال القسمين الأوّلين قسم ثالث قسيم لهما وحينئذٍ فالتقابل بهذا الاعتبار يكون هو التضاد . كما انه على مذهب السلطان الاطلاق

ص: 518

ليس إلاّ في غير هذه الجهات الثلاث على نحو لا يكون هذا الاطلاق أيضا ملحوظا بخلاف ما إذا كان قسيما فيلحظ الاطلاق . فانه على كلّ الصور يستحيل تقيد موضوع الخطاب بما يكون معلولاً للخطاب وأثرا له كما انه يستحيل تقيّده بنقيضه لاجتماع النقيضين استلزاما كما ان في الأوّل يكون من قبيل طلب الحاصل .

فاذا كان أمرا فمقتضاه ايجاد الفعل ووجود المتعلّق فلا يمكن أخذ وجود المتعلّق في موضوع هذا الخطاب كما لا يمكن أخذ نقيضه وهو العدم والترك وكذلك إذا كان نهيا يقتضي عدم تحقّق المتعلّق فيستحيل أخذ عدم المتعلّق الذي يقتضيه هذا الخطاب أو وجوده في موضوعه .

نعم لا مانع من التقييد بوجود شيء آخر لمتعلّق خطاب آخر أو عدمه وحاله كحال الانقسامات الأوّليّة التي لا مانع من أخذها في موضوع الخطاب أو متعلّقه .

إذا عرفت ذلك . فنقول ان ما نحن فيه من باب الأهم والمهم الذي فرض مزاحمة المهم للأهم بناءً على ما هو المسلم من لزوم تقديم الأهم فخطابه يقتضي وجود الأهم في الخارج بلا اشكال . الا ان المهم لا يعارضه في هذه الجهة بل من حيث عدم كون هذا الخطاب بمقتضى انبعاث المكلّف في جانب الامتثال واتيانمتعلّقه لو كان أمرا وتركه إن كان نهيا فقدرته التكوينيّة على جانبي الفعل والتركبعد على حالها ولم يوجب الأمر ولا النهي في جانب الأهم سلب القدرة تكوينا وان أوجب سلبها تشريعا . فلا مانع حينئذٍ من تشريع خطاب المهمّ معلّقا على ترك الأهم وعصيانه خارجا تكوينا . فخطاب الأهم المقتضي للفعل إنّما يبعث المكلّف

استحالة تقيد موضوع الخطاب بما يكون معلولاً له

ص: 519

على عدم ايجاد موضوع خطاب المهم وهو الترك ويدعوه إلى ايجاد نقيضه وهو الفعل الذي لا يبقى معه موضوع لخطاب المهم . وخطاب المهم لا يقتضي إلاّ وجود متعلّقه على تقدير حصول موضوعه وهو ترك الأهم الذي أمر بنقيضه . وهو أي خطاب المهم لا يقتضي حفظ شرطه كي يزاحم الأهم في ذلك . بل لو فرض قدرة المكلّف على اتيانهما معا محالاً فلم يتّصف بالمطلوبيّة الا خصوص الأهم . والمهم لا امر له أصلاً فاذا اشتغل بالصلاة فالترك الموضوع له حاصل ويوجب فعليّة خطابه أي المهم كما ان خطاب الأهم بعد لم يسقط فيمكنه رفع اليد عنها أي الصلاة والاشتغال بالأهم المعدم لموضوع المهم . وعلى ما ذكرنا فالترتب من الواضحات الأوليّة ولا مجال للاشكال فيه .

( أقول: ان مجرّد أخذ ترك الأهم موضوعا لخطاب المهم لا يوجب تأخّر المهم برتبتين عن الأهم أحديهما رتبة تأخر الترك عن الأمر الأهم والثانية رتبة أخذ هذا الترك موضوعاً لخطاب المهم إذ لو فرض أخذ مجرّد الترك بلا نسبة إلى كونه ترك الأهمّ المقيّد بهذا القيد فلا طوليّة ولا ترتب في البين بل يمكن أخذه في رتبة جعل الأمر على الأهم فتأمّل )(1) وعلى هذا فالأمران في رتبة واحدة لكن أحدهما تام يطارد . الآخر والآخر ناقص لا يطارد فلا تزاحم في البين منالطرفين وهذا القدر كافٍ في عدم مجال لحكم العقل باستحالة طلب الضدين ) .

توضيح وتكميل لبحث الترتب:قد ظهر ممّا ذكرنا ان الترتب وهو عبارة عن طوليّة الخطابين المتزاحمين بحيث لا يقدر على الجمع في متعلّقهما عرضا لا اشكال فيه حيث انه بعد البناء على عدم اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضدّه وما ذكرنا من المقدّمات تكون

بيان الترتب

ص: 520


1- . فانّه يشبه المغالطة .

نتيجتها صحّة الترتّب بل ضروريته .

نعم لو كان الأمر بالشيء مقتضيا للنهي عن ضدّه أو كان عدم الأهم مأخوذا في ملاك المهم بحيث انه مع جود الخطاب بالأهم ولو لم يشتغل به لما كان ملاك للمهم فلا يمكن القول بالترتب والالتزام به . لكنك عرفت فساد هذين الاحتمالين في ما مضى وان غاية ما يقتضيه كل خطاب هو القدرة على متعلقه لأنه لا يمكن أخذ ما هو الأثر لكلّ خطاب موضوعا للخطاب للاستحالة . فالترك أو الفعل الذي يقتضيه الأمر أو النهي يستحيل صيرورتهما جزءا للموضوع . نعم لا مانع من أخذ مقتضى أحد الخطابين في موضوع خطاب الآخر بحيث لو لم يوجد ذلك المقتضي مثلاً لما كان للخطاب الآخر موضوع . وحينئذٍ فاذا حصل هذا الشرط الذي هو راجع إلى الموضوع فيوجد عقيبه رتبة حكم الموضوع الآخر ويتحقّق خطابه ويكون فعليّا . ولا يرجع ذلك في باب الأهم والمهم الذي يكون خطاب المهم مشروطا بترك الأهم إلى طلب الجمع . بل اللازم إنّما هو الجمع في الطلب الذي لا استحالة فيه بل هو ضد طلب الجمع . وذلك كما في مثل الواجبين المتزاحمين المتساويين الذي ذكرنا سابقا انه يكون ترك كلّ منهما موضوعا لخطاب الآخر ولا يترتّب على ذلك محذور طلب الجمع . بل لو فرض محالاً انه أتى بهما المكلّف مجموعا فلا يقع كلاهما على صفة المطلوبيّة بل خصوص الأهم وإن كان الملاك في المهم موجودا على هذا الفرض المحال لكنّه لا أمر به للمحذور .فعلى هذا كيف يمكن الاشكال في الترتب وانه بالاخرة يرجع إلى طلبالجمع حيث ان خطاب الأهم لا يسقط بالعصيان والترك .

وبالجملة أيّ شيء فرض موضوعا لخطاب المهم وإن كان ربما يترتّب على

ص: 521

أخذ غير الترك اشكال كما في ما اذا أخذت الارادة بعدمها شرطا لخطاب المهم للزوم العرضيّة في الطلب، بل اللازم إنّما هو خصوص أخذ عدم الاشتغال بالأهم موضوعا للمهم كي يتحقّق الطوليّة بين الخطابين مع حفظ الفعليّة في الخطابين والموضوعين من حيث الزمان والمكلّف . وإنّما الفارق هو خصوص طوليّة الخطابين وترتب أحدهما على الآخر طبعا وخطاب المهم أيضا بالترك يصير فعليّا وحينئذٍ فيتحقّق طلب الجمع وهذا هو المحذور . وذلك لما عرفت من المقدّمات التي بالتأمّل فيها لا مجال للاشكال . وقد دفعنا اشكال لزوم الالتزام بالواجب المعلّق والشرط المتأخّر في المقدّمة الثالثة وسيظهر اندفاع ما يتخيل من الاشكالات من لزوم الالتزام مع انه على فرضه لا محذور فيه كما التزم المحقّق النائيني قدس سره في الواجبات التدريجيّة كالصلاة والصوم . هذا مضافا إلى النقض بمثل ما إذا كان هناك واجب فعلي تركه واشتغل بالمباح فهل يلتزم بحرمة هذا المباح وانه يخرج عن اباحته . وليس ذلك إلاّ لما ذكرنا من ان المزاحمة ليست بين الخطابين بل إنّما هي في المتعلّقين فاذا لم يأت بمقتضى خطاب الأهم ولم يشتغل به فلا تفوت قدرته التكوينيّة على المهم . فحينئذٍ مجال للخطاب به أي المهمّ . وكيف يمكن ورود الاشكال مع انه كما ذكرنا على هذا الفرض لو أتى بهما جمعا إنّما يقع المطلوب هو خصوص الأهم . وطلب الجمع إنّما يلزم لو كان كلاهما على هذا الفرض مطلوبين كما اذا اشتغل بالأكل المباح في ظرف فوت الصلاة الواجبة فلا يكون الأكل حراما بل هو بعد على اباحته .ثمّ انه قد يستشكل في مقام الاثبات بأنّه بعد الفراغ عن الالتزام بالترتبوصحّته فانّما هو في مقام الثبوت . أمّا في مقام الاثبات فأين الدليل .

الاشكال في مقام الاثبات

ص: 522

ويجاب عنه بأنّ لنا دليلين حلي ونقضي كما في أصل اشكال لزوم طلب الجمع .

أمّا الحلي فهو بعد فرض انّ الموجب لاستحالة طلب الجمع هو عدم القدرة على امتثالهما أي الأهم والمهم معا وقبح مطالبة العاجز فمعه لا يمكن الخطاب بهما معاً لذلك فلابدّ من سقوط المهم عن المطلوبيّة ويبقى خطاب الأهم على اطلاقه وفعليّته وحيث انّ المكلّف يختار بنفسه ترك الأهم ويعصي وفي هذا الظرف وعلى هذا التقدير يكون المهم بالنسبة إليه مقدورا . والفرض ان ملاكه تام فعدم الخطاب به وعدم ايجابه يكون تفويت المصلحة والملاك على المكلّف وهو قبيح على المولى فلا يفعله لا جبرا بل لعدم فعل القبيح على وفق الحكمة فحينئذٍ لابد أن يأمر بالمهم لما ذكرنا وهذا هو برهان اللم على ما ذكرنا .

وأمّا النقض فبمثل ما إذا كان السفر واجبا على المكلّف وتركه عصيانا وأقام فهل يمكن القول بعدم الصوم لو صادف ذلك شهر رمضان لأنّه ترك الواجب الأهم الذي هو السفر للحج مثلاً أو لغيره وليس إلاّ لصحّة الترتّب وان الساقط هو خطاب المهم على تقدير لا على كلّ تقدير(1) .

والحاصل: ان عدم القدرة إنّما يوجب قبح مطالبة العاجز في مورد يلزم من الخطاب بشيء واحد أو شيئين وقوع المكلّف في المحذور لعجزه واما فيما إذا كان قادرا ولو باختيار العصيان فلا قبح معه . بل يكون خطابه وفقا للمصلحة وهذاكما في مثل ما إذا القى نفسه من شاهق عصيانا فالخطاب يسقط بالنسبة إليه لتعجيزنفسه لكن يعاقب ولا يخاطب . ومثل ذلك ما إذا لا قدرة للمكلّف على انقاذ ابن

ص: 523


1- . ولكن منكر الترتب يجيب عن ذلك كما أجاب في الكفاية بوجهين أحدهما كون الأمر ارشادا إلى الملاك بلا أمر فعلي والآخر هو بعد التجاوز عن الأهم .

المولى فيقبح من المولى مطالبته به مع انه في كمال المطلوبيّة لعجزه .

نعم لو كان صرف وجود الترك بالنسبة للأهم موجبا لخطاب المهم وفعليّته أبدا فيلزم طلب الجمع لكنه ليس كذلك ولا ينافي ما ذكرنا منع مسئلة استنابة من وجب عليه الحج مستطيعا عن غيره للنص(1) الخاص الوارد على خلاف القاعدة.

فذلكة قد ظهر ممّا ذكرنا ان الخطابين المتزاحمين لا مانع من توجههما على المكلّف في زمان واحد على الطوليّة وكون أحدهما مشروطا بترك الأهم ولا وجة لسقوط خطاب أو خصوص المهم رأسا إذ الفرض ان ملاكه تام وإنّما المانع من ناحية عدم القدرة . فاذا فرض حصول هذا الشرط في حسن الخطاب فلابدّ من توجّه الخطاب إليه مراعاة للحكمة وعدم تفويت المصلحة والملاك على المكلّف وإنّما الساقط في صورة المزاحمة هو اطلاق خطاب المهم حال الاتيان بالأهم . اما الأهم فلا يقيد اطلاق خطابه بشيء فالاطلاق فيه على حاله بالنسبة إلى الانقسامات الأوليّة ومنها اتيان المهم وعدمه بخلاف خطاب المهم فانه إنّما يتحقّق على تقدير عدم الاتيان والاشتغال بالأهم .

وأمّا على تقديره فلا خطاب بالنسبة إليه وان فرض ان ملاكه تام لعدم القدرة التي هي شرط في توجه الخطاب لا في أصل الملاك(2) وهذا واضح كما ذكرنا وأنّه يترتب هذه النتيجة على ما ذكرنا من المقدّمات . وهذا هو البرهان اللمى علىالترتب كما سبق ويمكن اقامة البرهان الاني وايراد الموارد المسلمة في الفقه المتسالم عليها عند الأصحاب شاهدا على امكان الترتب اذ ادل دليل على الامكان هو الوقوع .

ص: 524


1- . وسائل الشيعة 11 الباب 5/1 - 2 من أبواب النيابة في الحج .
2- . على هذا لا وجه لما سبق من عدم مطلوبيته لو فرض محالاً اتيانه مع الأهم .

فمنها ما إذا وجب عليه السفر للحجّ مثلاً فتركه وأقام فهل يعقل من أحد الالتزام بعدم وجوب الصوم عليه في شهر رمضان وإن كان مأمورا بترك الاقامة التي لا يناسب وجودها وجود السفر .

ومنها(1) ما إذا فرض حرمة الاقامة ووجوب السفر فانه أيضا كذلك أي على فرض ايجاد الاقامة يكون قد فعل محرما وترك واجبا . لكن الأحسن(2) في المثال التمثيل بما إذا وجب السفر ووجبت الاقامة لمصلحة فيها حيث ان السفر إمّا ترك الاقامة والاقامة قاطعة لموضوع السفر أو انّهما يتقابلان بالايجاب والسلب وعلى كلّ حال فلا فرق في ما نحن فيه في ما هو مناط التمثيل بل ولو كانت الاقامة قاطعة لحكم السفر فضلاً عمّا إذا كان التقابل بينهما من الايجاب والسلب أو العدم والملكة أو التضاد فانه لا يمكن الجمع بينهما بأن يأتي بالسفر ويقيم بما يجب منه القصر فحينئذٍ لو كان السفر أهم وتركه واختار الاقامة فلابدّ من الصوم بلا اشكال الا ان التمثيل بما ذكرنا لا يخلو عن حزازة ومناقشة اذ الدليل الاني لابد من كونه متسالما عليه عند الجميع لا أقل من المعظم كي يكون كاشفا عن الترتب والا فيرجع إلى الدليل اللمي ومصاديقه ومنكر الترتب يجيب عن الجميع وما ذكرنا من المثال بوجوب الاقامة والسفر فمنكره لا يلتزم بوجوب الاقامة بل إنّما هو مجرّد فرض وعلى تقدير . فجوابه فيه جوابه عن مطلقه مع ان هذا المثال أحسن منالتمثيل بوجوب الصوم والسفر اذ الصوم في السفر لا موضوع له في غير صوم

مورد وقوع الترتب

ص: 525


1- . هذا المثال عين المثال الأوّل ويمكن تصحيحه بعدم وجوب الصلاة تماماً فلا يلتزم به أحد.
2- . بل المتعين والعجب من المحقّق النائيني وتبعه العلاّمة الخوئي بالتمثيل بما سبق ونحوه مع انه اعدام موضوع ووجود موضوع آخر لا ربط بمسئلة الترتب وإنّما مورده ما إذا كان الحكمان فعليّين أحدهما أهم والآخر مهم لا يمكنه امتثال كليهما كما بيّنه سيدّنا الأستاذ في ذيل كلامه حيث يقول إذ مورد الكلام إلخ وأوضحه في التلخيص .

النذر كي يكون ممّا نحن فيه اذ مورد الكلام في المتزاحمين اللذين يكون الملاكفي كلّ واحد منهما تامّا وان المانع من اطلاق خطاب كلّ في حال الاتيان بالآخر وعدمه هو عدم القدرة على ذلك فيتعين حينئذٍ الخطاب بالأهم وسقوط المهم في حال اتيان الأهم لا في صورة عدم اتيانه وتركه وليس الحال في الأمثلة كذلك . كما ان التمثيل بمسئلة وجوب الانفاق على الأقارب فيما اذا حصل ربحاً فوجب عليه الخمس لا موضوع له اذ على فرض الانفاق فلا موضوع لخطاب ( خمّس ) إذ الفرض انه يكون من المؤونة فكيف يخاطب مع الانفاق بالتخميس وما أشرنا إليه سابقا من مسئلة ملك خمس وعشرين ابلاً ثمّ ملك السادس والعشرين أيضا راجع إلى باب تزاحم الأسباب كما انه اذا باع واحدا من الخمس والعشرين لا يقوم مقامه السادس والعشرون .

والحاصل انه لم نجد موردا خاليا عن المناقشة تام الانطباق على مسئلة الترتب كي يكون نقضا على منكره والزاما له به اذ الأمثلة المذكورة شاهدا له كلّها مخدوشة غير مرتبطة به أصلاً فلاحظ وتأمّل .

تلخيص عرفت ان ما مثّلوا به برهانا انيا بأمثلة غير خالية عن الخدشة .

فمنها ما إذا وجب عليه السفر وكذا الصوم في ظرف تركه فانه حينئذٍ يترتّب الواجبان أحدهما على الآخر فان المسافرة مع انها واجبة لكنه يتركها ويختار الاقامة بناء على كون الاقامة قاطعة لموضوع السفر فمع انه عصى بترك الأهم توجه إليه التكليف بالصوم على تقدير ترك الأهم لوجود موضوعه وهو الاقامة ولو بعصيانه بترك ضدّها وهو المسافرة كما انه يترتب الحكمان أحدهما على الآخر في ما إذا كانت الاقامة قاطعة لحكم السفر لأنّها من مصاديق المسافرة لصدق البعد عن الوطن غاية الامر رتب الشارع الحكم بلزوم القصر وترك الصوم

بقيّة الموارد

ص: 526

وعدم صحّته على خصوص السير لا مطلق المسافرة ولو مع الاقامة . وحينئذٍ فاذااختار الاقامة على هذا الفرض أيضا وكانت الاقامة حراما عليه فمع فرض انها حرام يجب عليه الصوم في فرض اختيارها وفي هذه الموارد وان كان الترتب محقّقا الا انه خارج عن محلّ الكلام لأن خطاب الأهم معدم لموضوع خطاب المهم من غير ناحية القدرة بحيث مع الاشتغال بالأهم لا يبقى ملاك المهم أصلاً ومحلّ الكلام والنزاع هو خصوص ما إذا كان الملاكان موجودين غاية الأمر لا قدرة له على الجمع بين موردهما فانه لو سافر واختار المسافرة وترك الاقامة فلا موضوع حينئذٍ للصوم الذي هو مورد المثال وهو ما إذا لم يكن معلّقا على السفر بالنذر . وأين هذا من الترتّب الذي هو محلّ الكلام وإن كان أمره أهون من الترتّب المتعارف الذي لا يمكن انكاره رأسا كمسئلة وجوب التيمّم على الفاقد للماء الذي لا يجتمع الحكمان في زمان واحد بل ينعدم موضوع حكم ويرتفع خطابه ويتحقّق موضوع آخر وهذا بخلاف تلك الأمثلة ونظائرها فان في صورة ترك الأهم يتوجّه إليه الخطابان الفعليّان وهو المسافرة والصوم معا ممّا يكون بينهما المنافرة في الجمع بنحو القضيّة المانعة الجمع وليس ممّا لا قدرة على كلا المتعلّقين

فانه يمكنه أن يختار المسافرة ويأتي بالواجب ويترك الحرام الذي هو الاقامة الا ان من جهة امكان اجتماع الخطابين يمكن التمثيل به وان لم يكن تام الانطباق على محلّ الكلام كمسئلة توارد الخطابين بالتخميس وأداء الدين إذا كان من السنوات السابقة فانه لو كان الدين من سنة الربح فنفس وجود الدين مانع ومعدم لموضوع فاضل المؤونة الذي يجب فيه الخمس .

نعم إذا كان الدين من السنة السابقة فلا يعدم بمجرّد اشتغال الذمّة به

ص: 527

موضوع التخميس بل اذا أدى الدين فلا يجب عليه التخميس لصيرورته منالمؤونة التي معها لا موضوع للخمس وحينئذٍ إذا كان هذا الدين مطالباً ولا يؤدّىمع انه ميسور له واجب الأداء فيجب عليه الخمس من فاضل المؤونة فيتوجّه عليه خطابان فعليّان وجوب أداء الدين وأداء الخمس مع انه لا يمكن الجمع بالنسبة إليهما إلاّ أنّه لو أدى الدين ينعدم موضوع الخمس هذا .

ثمّ انه قد يستشكل في ما هو نتيجة الخطابين المترتّبين من لزوم تعدّد العقاب حيث انه على تقدير ترك الأهم فيعصى ثمّ انه إذا ترك المهم الموجود وخطابه بعصيان الأهم فيعصي ويتعدّد العقاب مع انه لو أتى لا يقدر إلاّ على أحدهما .

ويمكن أن يجاب عن هذا الاشكال بأنّ العقاب على الجمع في الترك الذي هو مقدور للمكلّف كقدرته على ايجاد ما يوجب عدم الجمع في الترك بل يترك أحدهما بحيث لا عصيان كالمهم أو عصيان واحد كترك الأهم واتيانه بالمهم إلاّ ان تعدّد العقاب ووحدته لا يوجب اشكالاً في ما هو نتيجة المسئلة الاصوليّة ولا يرد نقضا عليها . ولهذا الاشكال نظائر كمسئلة تعدّد العقاب على الأيدي المترتّبة على المال المغصوب وكتعدّده في صورة ترك الواجب الكفائي مع ان في هذه الموارد لا موضوع للجمع بين ما يوجب عدم تحقّق موضوع العقاب فانه اذا أدّى واحد من الذين تعاقبت أيديهم على مال الغير أو أتى واحد من المكلّفين بالواجب الكفائي لا يبقى موضوع الخطاب للباقين ومع ذلك فيتعدّد العقاب على تقدير ترك هذا الواحد البدلي في المقامين .

هذا خلاصة البحث ونتيجة مسئلة الترتّب .

ص: 528

وقد ظهر ان العقل يكشف من تماميّة الملاك بضميمة ما ذكرنا من المقدّمات السابقة وجود الخطاب الترتبي في البين بلا توقّف واحتياج إلى دليل آخر حيثان وجود البرهان اللمى كاف . الا انه هل يمكن المناقشة في هذا المعنى وصحّةالصلاة بناء على اشتراطها بوجود الأمر وقصده في ما إذا ترك الأهم كالازالة وأداء الدين أم لا ؟ وعلى فرض امكان المناقشة فيبتني صحّة الصلاة على كفاية قصد الملاك وعدمها على عدمها .

نكتة واشارة: ذكر سيّدنا الأستاذ قدس سره ان الموجود في التقريرات منه كغيره(1) لبحث المحقّق النائيني قدس سره التمثيل للدليل الاّني بما إذا كانت الاقامة

محرّمة فيفعلها ويجب عليه الصوم فحينئذٍ يتوارد عليه خطابان فعليّان بينهما الترتّب أحدهما حرمة الاقامة والثاني وجوب الصوم الذي يترتّب على تقدير الاقامة واختيارها من المكلّف ولو حراما المتحقّق التكليف كشرطه كزمان امتثال الواجب بطلوع الفجر عند تحقّق أوّل آنه . وهذا بناء على ان الاقامة قاطعة لحكم . السفر ولكن تفصيل الكلام في ذلك وان الاقامة قاطعة لموضوع السفر أو حكمه موكول إلى الفقه واجماله ان موضوع القصر ليس هو مطلق السفر بل السفر الواجد للقيود المعتبرة شرعا في القصر وعدم صحّة الصوم . فحينئذٍ لا معنى لكونها قاطعة للموضوع أو الحكم بل كلّها يرجع إلى قيود الموضوع كما انه يمكن التمثيل بما إذا كان السفر حراما لا لغاية محرّمة بل لنفسه ومع ذلك يفعل الحرام ويصوم فانه في هذا المورد توجه إليه خطابان مترتبان(2) لأنّ القيود العدميّة المعتبرة في موضوع

ص: 529


1- . فوائد الأصول 1/357 - 358 .
2- . لا يخفى انّ المثال المذكور كسائر الأمثلة في الاقامة وتركها ليس من محل البحث بل حصول موضوع بتحقق موضوع آخر ومحل البحث ما إذا كان هناك خطابان أحدهما أهم والآخر مهم أو كلاهما متساويان .

السفر بمجرّد تركها يوجب عدم تحقّق موضوع السفر الذي يجب معه القصر وتركالصوم وحينئذٍ فيتوجّه على المكلّف خطاب حرمة السفر وخطاب وجوب الاتماموالصوم مترتّبا على اختيار هذا الحرام وعدم تحقّق قيد السفر الواجب معه القصر كما في مسئلة أخذ السفر شغلاً فانّه إذا أخذه كذلك فيجب معه الاتمام خصوصا بناءً على ما يقولون من صدق ذلك بالسفر الأوّل إلى غير ذلك من الأمثلة التي بعضها لا يخلو عن الخدشة إلاّ ان وجوب الصوم والاتمام مسلم في هذه الموارد .

نعم ليست من المتزاحمين اللذين لا يمكن تحقق القدرة بالنسبة إليهما معا في ظرف واحد كما ان الملاك في كليهما ليس موجودا بحيث إنّما يمنع الخطاب عجز المكلّف على ما أشرنا إليه سابقا .

فتلخّص ممّا ذكرنا امكان الخطاب الترتّبي سواء كان في ما إذا تساويا كما لعلّه مسلم عند الكل . غاية الأمر بالفرق بين التخيير العقلي أو الشرعي أو فيما إذا

كان أحدهما أهم وانه لا يوجب الرجوع عن المباني المقرّرة في محلّها من عدم امكان الواجب(1) المعلّق أو الشرط المتأخّر . وان نفس الأدلّة الاوّليّة بعد عدم كون القدرة شرطا في الملاك بل إنّما هي شرط لحسن الخطاب كافية بالنظر إلى ما ذكرنا من الدليل اللمي . وفي مقام الاثبات لا نحتاج إلى أزيد من ذلك وظهر من المقدمة الاولى ان طلب الجمع إنّما هو ينشأ من اطلاق الخطابين في حال متعلّق الآخر واتيانه وعدمه بخلاف ما إذا قيد أحدهما أي غير الأهم بترك الأهم فلا يلزم طلب الجمع بل في قباله . وان المقام من القضيّة المنفصلة المانعة الجمع ولا مانع

امكان الخطاب الترتبي

ص: 530


1- . قد تقدّم امكان الواجب المعلّق والشرط المتأخّر ووقوعه في الشرع .

من عدم كليهما وخلوهما معا كما في مثل ما إذا قلنا انّ الماء إذا طغى إمّا أن ينصب إلى الموضع الفلاني أو يغرق بيت فلان فانه يمكن عدمهما معا ولكنه لا يجتمعانمعا وان بالمقدمات الثانية والثالثة والرابعة ظهرت الطوليّة بين خطاب الاهموالمهم وعدم العرضيّة وعدم الجمع بل إنّما يجتمعان في آن واحد على موضوع واحد لكن طولاً مع تعدّد الرتبة . ولذلك أخذنا شرط وجوب المهم عصيان الأهم لا تركه مطلقا ولا ارادة تركه حيث ان قوام المزاحمة بالعجز عن اتيان كلا المتعلّقين والعجز إنّما يحصل مع فعليّة تنجزهما وهو إنّما يكون بالعلم . ففي ظرف عدم العلم لا مزاحمة واقعا وحينئذٍ فشرط العصيان تحقّق العلم بالأهم وتركه عن علم كي يكون عصيانا وعلى هذا فيكون خطاب المهم في طول خطاب الأهم بخلاف ما إذا أخذنا الترك أو الارادة فانه يوجب الخروج عن الطوليّة إلى العرضيّة بالنظر إلى المقدّمة الرابعة التي تحقّق فيها إن كلّ خطاب لا يمكن اطلاقه وتقييده بالنظر إلى ما يقتضيه نفسه . بل يمكن بالنظر إلى خطاب آخر وما يقتضيه ذلك الخطاب مع ان ما يقتضيه الخطاب الآخر في مثل الأهم والمهم كساير المقامات إنّما هو في الأمر هو الفعل وإلاّ فالارادة ليست تقتضى الخطاب لكونها مقدمة عقليّة لتحقّق المقتضى وكذلك مجرّد الترك ولو في غير صورة المزاحمة لا يوجب الطوليّة بل يمكن في عرض الخطاب بالمهم وحينئذٍ فيخرج المقام عن الطوليّة إلى العرضيّة كما يظهر بالتأمّل هذا .

ثمّ ان في المقام تنبيهات:

أحدها: انّه بناءً على صحّة الترتّب كما بنى عليه المحقّق النائيني وفاقا لاستاده السيّد محمّد الاصفهاني واستاد استاده الميرزا محمّد حسن الشيرازي

اجتماع خطاب الأهم مع المهم طولاً

ص: 531

وغيرهم قدّس اللّه أسرارهم لا مجال له في مسئلة الوضوء والتيمّم لأن الترتّب كما حقّق ممّا ذكرنا انحصار مورده بما إذا لم يكن أحد الخطابين مشروطا بالقدرة وإلاّ فبناءً عليه فلا ملاك في هذه الصورة . كما ان الأمر كذلك في باب الوضوء حيث ان أوّل الآية وإن لم يقيّد وجوب الوضوء بالتمكّن الاّ) ان في ذيلها في بيان التيمّمقال تعالى: « فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا »(1) فبمقتضى قاطعيّة التفصيل للشركة يظهر ان وجوب الوضوء مورده إنّما هو في صورة التمكّن من الاستعمال وعدمه بقرينة ما ورد في التفسير فحينئذٍ يستفاد دخل التمكّن في وجوب الوضوء وعند عدمه لا يجب بل يجب التيمّم ولا مجال للوضوء . ففي موارد ورود الأدلة على عدم وجوب الوضوء للحرج أو العسر أو الضرر لا يمكن التمسّك بالآية الشريفة على مشروعيّة الوضوء وتخيير المكلّف بينه وبين التيمّم حتّى بناءً على كفايه الملاك بلا

وجود الأمر أيضا لا يمكن الالتزام به ولو عند منكر الترتّب القائل بكفاية الملاك لما تقدّم من استفادة القدرة والتمكّن في موضوعه ففي صورة عدمها لا ملاك كي يكتفي به وهذا بخلاف ما إذا قلنا ان قوله تعالى: « فَلَمْ تَجِدُوا ماءً »(2) إنّما هو لبيان صورة عدم الوجدان لا عدم التمكّن فحينئذٍ يكون شرطا عقليّا ولا مفهوم له كما لا يستفاد اشتراط الوضوء بالتمكّن بل الآية مطلقة غاية الأمر ثبت الترخيص في بعض الموارد كما إذا كان هناك حرج أو ضرر أو نحوهما يجوز التيمّم والشارع إنّما منّ على المكلّف برفع الالزام وإن الملاك ليس مقيّدا بعدم الضرر والعسر والحرج وعلى هذا ولو كان مقتضى اطلاق قوله علیه السلام ( التيمّم أحد الطهورين ) كفايته

ص: 532


1- . سورة النساء، الآية 44 .
2- . النساء، الآية 44 .

حتّى في صورة وجدان الماء إلاّ ان القدر الخارج بالمسلميّة هو صورة عدم وجدان الماء . أمّا باقي الصور فيمكن صحّة الوضوء والتيمّم معا كما لعلّه يظهر منصاحب العروة(1) ويقول به الحاج آقا رضا الهمداني (2) .نعم بناء على اشتراط ملاك الوضوء بالقدرة والتمكّن الكذائي فلا ملاك له في غيرها كما انه لا ملاك للتيمّم في صورة وجود الملاك للوضوء والغسل وعلى هذا فلا يتحقّق الترتّب أصلاً .

الثاني: قد ذكر(3) الشيخ الكبير كاشف الغطاء رحمه الله في مسئلة الجاهل بوجوب الاجهار وبالعكس صحّته بالترتّب بأن كان الواجب عليه الاجهار فان تركه فالاخفات ونسب إليه المحقّق النائيني ذلك في مسئلة القصر والاتمام أيضا لكنّه ذكره الشيخ في الرسائل والمعروف من كاشف الغطاء هي الصورة الاولى . وهل يمكن الترتب في هذا المقام أم لا ؟ ربما يمنع منه بناء على ما ذكرنا من عدم امكان تقييد الشيء بما يقتضيه نفس الخطاب أو بنقيضه وفي المقام كذلك . إذ دليل وجوب الاجهار مقتضاه تحقّق الاجهار وعدم تحقّق الاخفات فكيف يمكن أخذ ما يقتضيه في متعلّق خطاب الاخفات مع انه إمّا يخفت أو يجهر(4) .

خلاصة ما ذكر: قد تلخّص ممّا ذكرنا ان الترتّب المبحوث عنه المتنازع فيه إنّما يتحقّق بشرطين باضافة شرط ثالث فالشرطان المتقدّمان . أحدهما فعليّة

ص: 533


1- . العروة الوثقى الثالث من مسوّغات التيمّم المسئلة 18 .
2- . مصباح الفقيه 6/144 - 150 .
3- . كشف الغطاء: ص27 البحث الثامن عشر .
4- . لكن الحق مع العلامة الخوئي حيث أجاب عن اشكال النائيني قدس سره مدافعاً عن كاشف الغطاء كما يظهر الاشكال في موافقة استاذنا المحقّق البجنوردي . محاضرات في اُصول الفقه 44/472 وبعده منتهى الاُصول 1/353 وما بعده .

موضوع الخطابين المترتبين وإنّما المانع من فعليّة الخطابين وتوجّههما كونه من طلب الجمع كي يدفع بالترتب فاذا كان خطاب الأهم معدما لموضوع خطاب المهم ولا يبقى معه الموضوع فليس من الترتب(1) .الثاني: اطلاق خطاب الأهم بحال فعل متعلّق المهم وعدمه . وبالجملة فعليّةموضوعه وإلاّ فليس من مورد الأهم والمهم الجاري فيه الترتّب الذي هو مورد النزاع .

الشرط الثالث: أن يكون الخطابان معلومين أو خصوص خطاب الأهم حيث ان المانع من فعليّة خطاب المهم وتوجّهه نحو المكلّف إنّما هو عدم القدرة وهو إنّما يتحقّق في ظرف تنجز خطاب الأهم بحيث لو أراد أن يشتغل به لا يبقى معه القدرة على المهم تكوينا . وقوام التنجز بالعلم وقيام الطريق على الخطاب فبدونه لا مزاحمة واقعا ويصحّ ولو بناء على انكار الترتب . وعلى هذا فيشكل تصوير الترتّب في بعض ما ذكرنا من الامور الثلاثة من وجوب الاخفات في الجهريّة والجهر في الاخفاتيّة بالنسبة إلى ناسي الحكمين أو جاهلهما عن تقصير فضلاً عن القصور حيث انه يعاقب خصوص الجاهل المقصّر على ترك الاخفات في الاخفاتيّة والجهر في الجهريّة إن كان رجلاً ومع ذلك يتوجّه إليه خطاب وجوب الجهر في الأوّل والاخفات في الثاني مع عدم كون الحكم في صورة الجهل والنسيان هو التخيير بين الجهر والاخفات وعدم امكان وجوبين تعيينين لعدم قابليّة المحل . إذ المطلوب في القرائة إما الاخفات وإمّا الجهر ومع وحدة القرائة وعدم وجوبها مرّتين بل بصرف وجودها كيف يمكن فرض الخطابين

الاشكال في الترتب بين الجهر والاخفات

ص: 534


1- . وكذا لو كان موجباً لتحقّقه .

التعيينين وكذا كيف مع عدمه يصح مع اتيان الاخفات والجهر على حسب الوظيفة الاوليّة وعلى تقدير عدمه يكون يعاقب ويصحّ الاخفات والجهر على خلاف متعلقهما ؟

ودفعوا هذا الاشكال بالترتّب أي وجوب الاخفات في الجهريّة على تقدير ترك الاجهار فيها وكذا العكس . وحينئذٍ فيصح العقاب على ترك الكيفيّة الاوليّةولا يكون الحكم من أوّل الأمر هو التخيير بينهما وبين الكيفيّة الاولى .وأورد على هذا الترتب في المقام بوجوه ثلاثة: أحدها ان الترتّب إنّما يكون مورده فيما إذا لم يكن من التعاند الدائمي بين المتعلقين . وهو خصوص ما إذا كان التعاند بين الخطابين اتفاقيّا وجعل كلّ منهما على موضوعه الذي لا ربط له بالآخر الا انه اتّفق في مورد مزاحمة متعلّق كلّ منهما لمتعلّق الآخر . وحينئذ فاذا

كان التعاند دائميّا يدخل في باب التعارض ويكون من صغريّاته وفي المقام نسبة الجهر والاخفات في القرائة نسبة التعاند الدائمي . والقرائة دائما إمّا جهر أو اخفات لا انه يتّفق التعاند بل التعاند دائمي بين الكيفيتين وهذا الاشكال إنّما يرد

على مبنى المحقّق النائيني(1) حيث أدرج التعاند الدائمي في باب التعارض . امّا على ما بنينا عليه من كونه من التزاحم غاية الأمر انه دائما لا يقدر على المتعلقين معا ولا مانع من جعل المولى لمراعاة كلتا الجهتين الكائنتين في متعلّق كلّ منهما فلا مورد له .

الاشكال الثاني انه يلزم من هذا الترتب شبه تحصيل الحاصل إذ الفرض ان النسبة بين الكيفيتين نسبة التضاد وهما مما لا ثالث لهما كما أشرنا إليه . فحينئذٍ اذا

ص: 535


1- . فوائد الاُصول 1/321 .

فرضنا ان عدم الاجهار في القرائة أخذ موضوعا لخطاب وجوب الاخفات يستلزم ما ذكرنا حيث ان عدم الاجهار إنّما يتحقّق بالاخفات فمع وجوده وتحقّقه كيف يترتّب عليه الخطاب .

وبعبارة اخرى خطاب المهم إنّما يتحقّق بفعليّة موضوعه من ناحية القدرة عليه بترك متعلّق خطاب الأهم الذي يقتضي خطاب الأهم ايجاد نقيضه وهوايجاد الاخفات أو الجهر وكيف يمكن أخذ عدم حد الضدّين الذين لا ثالث لهماموضوعا لخطاب الضد الآخر مع عدم امكان تحقّقه إلاّ بوجود الضد الذي هو الحكم . فالحكم الوارد على المهم إنّما يقتضي عدم موضوعه كما ان موضوعه يقتضي عدم الحكم وبينهما مطاردة .

والثالث: ان مورد الترتّب إنّما هو بعد تنجّز خطاب الأهم بالنسبة إلى المكلّف وفي المقام ليس كذلك إذ هو ناسي أو جاهل بالحكم ولو فرض خطابه بعنوان النسيان أو الجهل ينقلب موضوعه ولا مورد للترتب لأنّه يكون ذاكرا أو عالما ومعه لا يصح الاجهار في موضع الاخفات والعكس كما انه كذلك لو أخذ في موضوع خطاب المهم ترك الأهم هذا ( لكن في بعض ما ذكرنا نظر حيث انهمالهما ثالث وهو ترك القرائة وكذلك الاشكال الثاني يمكن الجواب عنه كأصل اشكال البحث الموجب لترتب النتيجة عليه هذه الاشكالات فلا تغفل ) .

النتيجة:

تحصل ممّا ذكرنا امكان الترتّب في الخطابين الفعليّين على موضوع واحد في آن واحد وانه لا يلزم من ذلك محذور مطالبة العاجز بما لا يقدر عليه اذ لو كانا مطلقين سواء في صورة فعل متعلّق الآخر أو تركه لكان بينهما المضادة والمنافرة

نتيجة ما سبق

ص: 536

لكنّه ليس كذلك . بل أحدهما مطلق وهو الأهم والآخر مشروط بترك الأهم وهو المهم . وان المتعلقين بهذا الاعتبار يكونان مقدورين فلا وجه لتفويت الملاك على المكلّف بترك الخطاب والمطالبة في هذا الظرف ( لان القدرة على اتيان المهم حاصلة في ظرف ترك الأهم تكوينا ولو فرض عصيانه بترك الأهم الذي فرض خطابه مطلقا بالنسبة إلى المهم وانه سواء أتى بالمهم أم لا لابدّ أن يأتي بالأهم إلاّ

ان خطاب الأهم وإن كان كذلك لكنّه يقتضي عدم تحقّق موضوع المهم تشريعا لا تكوينا ففي ظرف ترك الأهم له القدرة على المهم تكوينا وهو الميزان لصحّةالخطاب فما هو مقدور تعلّق به الخطاب دون ما ليس كذلك . كما انه إذا لم يكونا من الأهم والمهم بل كانا متساويين فحينئذٍ باعتبار تماميّة الملاك في كلّ منهما وعدم القدرة على اتيانهما مطلقا سواء بالنسبة إليهما فعل الآخر أو تركه وإنّما يقدر

على كلٍّ اذا ترك الآخر . فبهذا النحو كلاهما مقدوران فلابدّ من توجّه الخطاب عليهما كذلك كما في الأهم والمهم للدليل اللمى . وهو تماميّة الملاك على ما سبق في المقدّمات السابقة وان الخطابين في المتساويين لا يقتضي واحد منهما ترك الآخر أو فعله بل مشروطان كلّ واحد بترك الآخر وإنّما يتوجّهان على هذا التقدير كما ان في الأهم والمهم لا يقتضي خطاب المهم تعجيز الأهم الا ان الأهم تعجيز مولوي لخطاب المهم بحسب اقتضاء ذات الخطاب اتيان متعلّقه الذي لا يناسب تركه ولا يلائمه بل يناقضه إلاّ انه اذا اختار الترك وترك يتحقّق موضوع المهم ولابدّ من فعليّة خطابه لما ذكرنا من المقدّمات السابقة وكشف الملاك والمقتضي لجعل الخطاب لمّا ولوجود الدليل الاني على ما سبق .

ثمّ انّه في ظرف ترك الأهم على نحو يكون خطابه بعد باقيا يتوجّه إليه

ص: 537

خطاب المهم لعدم محذور فيه وان كان الخطابان فعليّين للطوليّة في الرتبة وتأخّر رتبة خطاب المهم عن خطاب الأهم بل مترتّب عليه حسب ما ذكرنا من العليّة والمعلوليّة وان نسبة الحكم إلى موضوعه نسبة المعلول إلى علّته . فكما يستحيل تخلّف المعلول عن علّته أو وجودها بلا معلول كذلك بالنسبة إلى الحكم والموضوع ومن الواضح أخذ ترك الأهم موضوعا لخطاب المهم . فاذا حصل هذا التقدير الذي فرض اشتراط وجوب متعلّق المهم به يصير فعليّا وخطاب الأهم بعد باق اذا لم يكن مضيقا آنيا بل استمراريّاً ولكن له القدرة على اتيانه المعدملموضوع المهم واختيار المهم بترك الأهم . الا ان مجرّد فعليّة خطاب المهم بتركالأهم في هذا الظرف لا يخرجه عن طوليّة الرتبة على عصيان وترك متعلّق خطاب الأهم لما سبق في المقدّمات من عدم خروج الواجب المشروط عن كونه مشروطا بفعليّة شرط وجوبه . وعلى هذا ففي مثل الازالة والصلاة اذا اشتغل بتكبيرة الصلاة وفرض استمراريّة وجوب الازالة ولم يشتغل بالازالة حال تكبيرة الصلاة يكون موضوع خطاب الصلاة محقّقا لكن حيث ان الخطاب لا يحفظ موضوعه بل لابدّ إلى حين الفراغ من امتثاله من بقاء الموضوع وإلاّ فحكمه حكم انتفاء الموضوع يكون خطاب الصلاة التي فرض في ما نحن فيه مهمّاً معلّقا ومشروطا بعدم رفع اليد عنها بالاشتغال بالازالة لما ذكرنا من طوليّة الرتبة على خطاب الأهم وعصيانه وبفعليته لا يخرج عن هذا الترتّب والطوليّة ولا يصير مطلقا بل بعد على شرطيّته خلافا للمحقّق الخراساني لما يظهر نزول خطاب الأهم حينئذٍ في رتبة خطاب المهم أو صعوده إليه لتلازمهما . فاذا لم يكن بذلك خارجا عن الشرطيّة والطوليّة ولا يحفظ موضوعه وهو ترك الأهم كما في كلّ موضوع

ص: 538

بالنسبة إلى حكمه كما في الاستطاعة حيث انه لابدّ من بقائها إلى رجوع الميقات أو مع اضافة الرجوع إلى الكفاية فاذا زال المال وخرج عن يده قبل الفراغ عن أعمال الحجّ فنكشف عن عدم حصول الاستطاعة من أوّل الأمر .

وكذا اذا شرعت في الصلاة في أوّل الوقت وفاجأها الحيض أو الجنون أو مانع آخر فنكشف عن عدم وجوبها عليه من أوّل الأمر . نعم اذا مضى بمقدار وقت الصلاة جامعا للشرايط ثمّ طرأ المانع فعليه القضاء ولا ينافي ذلك جواز الدخول في الصلاة أوّل الوقت مع احتمال انه ربما لا يمهله الاجل لحصول الاطمينان العادي في هذه الموارد . وإلاّ فالرجاء غاية الأمر الفرق بين ما نحن فيه مناشتراط فعليّة خطاب المهم بعصيان الأهم وتركه الذي هو أمر اختياري وبينساير الموارد من كونها قهريّة ليست تحت اختياره كالحيض والجنون والموت بخلاف ترك الأهم . كما ان اشكال الواجب المعلّق والشرط المتأخّر في الترتّب وانه لابدّ من بقاء الموضوع وترك الازالة إلى الفراغ من الصلاة مثلاً لا يزيد على اشكال نفس الصلاة واشتراط التكبيرة في اتّصافها بالوجوب بلحوق الاجزاء الآتية لها . وكذلك بالنسبة إليها من سبق الاجزاء السابقة التي منها التكبيرة بل الشرط المتأخّر والواجب المعلّق لابدّ من الالتزام به على كلّ حال ولو مع عدم امكان الترتّب . وهذا الاشكال على الترتّب عين ذاك الاشكال وليس أمرا على حدة مختصّا به وبهما يكون الأمر في ما نحن فيه من ذلك أهون من غيره ممّا لا يكون ابقاء الموضوع بيد المكلّف .

عود على بدء: قد تحصّل ممّا ذكرنا من المقدّمات امكان الترتّب بل وقوعه وتحقّقه في مقام الاثبات للدليل اللمي والاني . الا انه ربما يظهر من كلمات

الالتزام بالشرط المتأخّر والواجب المعلّق

ص: 539

المحقّق النائيني ويوهمه بعض المقدّمات السابقة انّه لمكان اختلاف الرتبة بين الحكمين والخطابين الذين يتحقّق بينهما الترتّب حيث ان خطاب المهم متأخّر عن موضوعه برتبة وهو في رتبة مقتضى خطاب الأهم المتأخّر عن موضوعه وعلى هذا فخطاب المهم متأخّر عن خطاب الأهم برتبتين . الا ان هذا الترتّب الرتبي لا يفيد شيئا كما في الجمع بين الاصول الظاهريّة والحكم الواقعي . فان الحكم الظاهري وإن كان أخذ الشك في موضوعه وفي ما إذا لا شكّ لا حقيقة ولا موضوع للحكم الظاهري كاصالة الحل والاستصحاب وغيرهما الا ان الحكم الواقعي ينزل إلى مورد الحكم الظاهري والا فيكون هو التصويب المجمع علىبطلانه . بل نفس أدلّة الاصول متكفلة لبيان هذه الجهة فقوله علیه السلام (1) ( كلّ شيء هولك حلال حتّى تعلم انّه حرام الخ ) ظاهره ان الحرام محفوظ في وعائه وانه يتعلّق به العلم تارة والجهل اخرى فالحكم الظاهري متأخّر عن موضوع الحكم الواقعي حيث انه لابدّ أن يكون هناك حكم وجعل كي يتعلّق به العلم والجهل ومع ذلك فالحكم الواقعي موجود في مورد الحكم الظاهري .

وإنّما المفيد في المقام اختلاف الزمان وحيث ان الزمان متّحد في الحكمين وتوجه إليه الخطابان ولو فرض تحقق اختلاف الرتبة بينهما فيعود محذور طلب الجمع . والاختلاف في الرتبة مع اتّحاد الموضوع والزمان لا فائدة فيه . إنّما المفيد

عدم الاطلاق فانه اذا كان المتعلّقان متساويين في جميع الجهات فلما ذكرنا في بعض الأبحاث السابقة يقيد اطلاق خطاب كلّ منهما في حال اتيان الآخر وعدمه بحال عدم الاتيان لوجود المزاحمة على هذا التقدير . وإنّما نشأت من هذه الجهة واما الاطلاق من ساير الجهات فلا فائدة في تقييده بل لابدّ من انحفاظ الاطلاق

ص: 540


1- . وسائل الشيعة 17 - الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

في مورد لزومه في الانقسامات السابقة على الخطاب وإنّما الساقط هو اطلاق كلّ واحد من الخطابين بالنسبة إلى حال اتيان متعلّق الخطاب الآخر وعدمه . فاذا فرض تساوي الصلاة والازالة ومزاحمتهما في زمان واحد في قدرة المكلّف ولا يقدر على الجمع بينهما فقطع النظر من المزاحمة كلّ خطاب كان مطلقا من ناحية اتيان متعلّق الآخر فخطاب الصلاة مطلق من ناحية اتيان متعلّق خطاب الازالة أي ( صلّ سواء ازلت أم لا ) وكذلك خطاب الازالة مقتضاه وجوب الازالة كان يقال ( ازل النجاسة سواء صلّيت أم لا ) الا ان من ناحية التزاحم يقيد اطلاق كلّ واحد بما اذا لم يأت بالآخر لعدم المزاحمة حينئذٍ عقلاً .

هذا إذا كانا متساويين . وكذلك إذا كان أحدهما أهم من الآخر يقيد اطلاقخطاب المهم بحال عدم الاتيان بخطاب الأهم ويكون ترك متعلّق خطاب الأهم شرطا لخطاب المهم . ولا اطلاق لخطاب المهم بالنسبة إلى حال عدم الاتيان بالأهم واتيانه حيث ان الفرض ان ترك الأهم أخذ موضوعا له . وكيف يمكن للخطاب أن يتكفّل لبيان حفظ موضوعه . بل هو على تقدير الموضوع ولابدّ من بقاء الموضوع إلى حين الفراغ عن امتثال خطابه كما ذكرنا بالنسبة إلى الوقت وعدم اشتغالها بالصلاة إلى مضي مقدار أربع ركعات ثمّ ابتليت بالحيض بخلاف ما إذا لم يمض هذا المقدار فانه ليس عليها القضاء ولو فرض انها ما اشتغلت كما انّه اذا اشتغلت نكشف عن عدم توجّه الأمر إليها من أوّل الأمر لعدم انحفاظ الموضوع .

فخطاب المهم لسانه انه ان ترك الأهم فانا موجود فهو حكم على تقدير ترك الأهم مع ان خطاب الأهم يقتضي اتيان متعلّقه وهو نقيض ترك الأهم الذي

ص: 541

فرض موضوعا لخطاب المهم فكيف يمكن تصوير المزاحمة بينهما بل ذلك خلاف ايجاب الجمع لما ذكرنا من انه لو أتى بهما معا محالاً فان الموصوف بالمطلوبيّة متعلّق الأهم لا المهم(1) .

وهذا واضح لا اشكال فيه بعد التأمّل فيما ذكرنا من المقدمات .

نعم لو فرض ان ترك الأهم آنا ما أخذ موضوعا لوجوب المهم مطلقا

فحينئذٍ يمكن تصوير المزاحمة ولا يفيد الترتّب باختلاف الرتبة لفعلية كلا الخطابين بعد وجود موضوعهما وخطاب الأهم مطلق من ناحية اتيان متعلّقخطاب المهم وعدمه كما ان خطاب المهم صار موضوعه فعليّا بعد تحقّق الترك آناما لمتعلّق الأهم الا انه خلاف الفرض حيث ان الترك بالنسبة إلى الأهم الذي فرض اشتراط خطاب المهم به لابدّ من بقائه إلى حين الفراغ فاذا علم من حاله انه لا يأتى بالأهم فيرى توجه خطاب المهم بالنسبة إلى نفسه ويأتي به . الا انه معلق في الواقع على بقائه على نيّته وعدم العدول إلى اتيان متعلّق الأهم وإلاّ فمن أوّل الأمر لم يكن خطاب متوجّها إليه .

وكيف كان فالأمر في ما نحن فيه أسهل من موارد كون الموضوع خارجا عن تحت اختيار المكلّف حيث انه يمكنه ايجاد الموضوع بعصيانه لخطاب الأهم كما انه يمكنه اعدام موضوعه باتيان متعلّق الأهم . وبعد هذا لا مجال لتوهّم المزاحمة فلا مزاحمة ولا مطاردة بين الخطابين وإنّما المطاردة من ناحية الأهم وهو يساعد تصوير الترتب وامكانه لا أنّه يمنع عنه .

ثمّ انّه ربما يتوجّه هنا اشكال . وهو انه اما أن يكون هذا المكلّف في الواقع

ص: 542


1- . هذا ممنوع بعد فرض تماميّة الملاك وإنّما هو غير مقدور في ظرف اتيان الأهم .

آتيا بالأهم فلا خطاب بالنسبة إلى المهم إليه كما إذا يعلم المولى انه آت بالأهم واذا يعلم انه لا يأتي بمتعلّق الأهم يتوجّه إليه خطاب المهم لا غير .

ففي كلّ حين إنّما يتوجّه إليه خطاب واحد فأين الخطابان الفعليّان .

والجواب ان هذه مغالطة واضحة . أمّا إذا لم يأت بمتعلّق الأهم فلم يسقط خطاب الأهم بل بعد متوجه إليه . وأمّا إذا يأتي بالأهم فلا إشكال في ذلك . بل لا مجال للاشكال من رأسه وليس هنا اشكال في الحقيقة حيث ان جعل الأحكام لو كان على نحو القضايا الحقيقيّة فهي دائرة مدار تحقّق موضوعاتها ولو فرض انه يعلم المولى خلافه أو وفاقه فلا عبرة بعلمه وجهله في توجيه الخطاب كما في تقرير الاشكال بل ذلك مبنى على كون جعل الأحكام من قبيل القضايا الشخصيّة .نكات: بعد ما تحقّق من المقدّمات السابقة امكان الترتب بلا حاجة فيمقام الاثبات إلى نص خاصّ . بل مجرّد حكم العقل بضميمة الخطابات الأوّليّة كافٍ في ذلك . لكن ينبغي التنبيه على بعض الأمور والنكات التي تقدّمت الاشارة إليها منها .

انه أخذنا شرط خطاب المهم هو عصيان الأهم لا عدم ارادته وذلك لأنّ الترتب الذي نقصده إنّما هو فيما إذا كان لخطاب الأهم اقتضاء عدم المهم ولا اقتضاء في جانب المهم كذلك . بل لا اقتضاء فيه من هذه الجهة . فحينئذٍ اشتراط خطاب المهم بالعصيان بذلك بخلاف عدم الارادة لأن خطاب الأهم لا يقتضي ارادة الأهم بل مقتضاه وجود الاهم فحينئذٍ بناء على أخذ عدم ارادة متعلّق خطاب الأهم يخرج الخطاب بالمهم من الطوليّة إلى العرضيّة بخلاف أخذ العصيان لاقتضاء خطاب الأهم نقيضه وهو وجود المتعلّق الذي يناقضه عدمه الذي هو

لا يحتاج الترتب بعد امكانه إلى نص خاص

ص: 543

شرط لخطاب المهم . وهذا وإن كان في صورة أخذ عدم الارادة أيضا ذلك الترتب بناء كفاية الترتب بتعدد الرتبة لوجود اختلاف الرتبة بين خطاب الأهم والمهم الذي أخذ عدم ارادة خطاب الأهم شرطا لخطاب المهم لوقوع ذلك في رتبة الامتثال الذي هو متأخّر عن رتبة الخطاب وحينئذٍ فعلى هذا أيضا يتحقّق الخطاب الترتّبي ولكنّه لا يقتضي على هذا خطاب الأهم طرد موضوع المهم فبناء على امكان الترتب على فرض اقتضاء الأهم عدم المهم لا يصحّ الترتّب .

ومنها انا اشترطنا في الخطاب بالمهم ترتّبا عصيان خطاب الأهم لا مجرّد تركه وحينئذٍ فيسأل عن سرّه ولم لم يؤخذ مجردا لترك .

والجواب ان المزاحمة التي كلامنا فيها وصحّة الترتّب بين المتزاحمين إنّما تتحقق فيما إذا كان الخطابان معلومين فاذا لم يعلم خطاب الأهم بل كان مثلاًمجرى البرائة فحينئذٍ لا وجه للمزاحمة .وهذا كما يقال ان الأحكام لا تضاد بينها إلاّ في مقام المحركيّة والبعث وإلاّ ففي مقام الجعل بلا وصولها إلى هذه المرتبة لا تضاد بينها. وهذا القول وإن كان فاسدا إلاّ ان هذا القدر منه وهو كون التضاد في مقام البعث والمحركيّة ممّا لا مناص عنه وعلى هذا فاشتراط العصيان إنّما هو من ناحية ان المزاحمة إنّما تكون في مورد تنجز خطاب الأهم والتنجز إنما يكون بالعلم وجدانا أو بالطريق المعتبر شرعا وإلاّ فمجرّد الحكم الواقعي بلا تنجّز ووصوله إلى المكلّف لا يستدعي بعثا ولذا ربما يجعل الاحتياط في مقام أهميّة غرضه . فظهر ان السر في اشتراط العصيان شرطا لخطاب المهم إنّما هو من هذه الجهة وإن شئت فعمم العصيان لماذا لا يريد خطاب الأهم ولكن إذا كان معلوما في صورة المزاحمة حيث ان عدم

ص: 544

الخطاب بالمهم لعدم القدرة واشتغال المكلّف بالأهم لقدرته وهو إنّما يتحقّق فيما كان منجزا وإنّما يتنجز بما ذكرنا .

ومنها انه ربما يتوهم أو يقال بأن الشرط في المهم عصيان خطاب الأهم فاذا لم يتحقّق عصيان الأهم فلا ملاك للمهم كما انه لا خطاب له لرجوع كل شرط إلى الموضوع كما ان كل موضوع يرجع إلى الشرط . وعلى هذا فأين مورد الخطاب الترتبي بأن يكون الخطابان فعليين مع مطاردة خطاب الأهم لخطاب المهم .

لكنه لا يخفى عليك الفرق بين الموضوع بذلك المعنى الذي أخذ في تقرير الاشكال الذي يدور مدار الملاك وعدمه وبين الموضوع في ما نحن فيه حيث ان محل البحث مورد الخطاب وان الخطاب مشروط بشرطين . أحدهما تحقّق الملاك لمتعلّقه .والثاني القدرة على متعلّقه بحيث لا يرجع خطاب المكلّف إلى اتيانه راجعاإلى مطالبة العاجز . والشرط الأوّل حاصل في الخطابين المترتبين لوجود الملاك في كليهما الا أن الشرط الثاني لحسن الخطاب في المهم وهو المقدوريّة بالنسبة إلى المتعلّق إنّما يتحقّق بترك الأهم وعدم الاشتغال به وهو يناسب وجود الملاك له الا ان الخطاب لا يتوجه مع عدم حصول كلا الشرطين . وحينئذٍ فلا مجال للاشكال لاشتباه موضوع بموضوع . فما هو الموضوع لتحقّق الملاك والخطاب معا غير ما هو موضوع لحسن الخطاب ولو مع وجود الملاك .

ثمّ ان العصيان إنّما يتحقّق في الخطابين المضيقين وأمّا إذا كان أحدهما موسعا وفرض كونه أهم فلا عصيان لأصل الخطاب بل العصيان إنّما هو لفوريته

دفع التوهّم

ص: 545

فاذا فرض انه عصى الفوريّة لكنه يمكنه الاتيان بالواجب الترتبي ولو مع بقاء خطاب الأهم الذي عصاه بالنسبة إلى الفورية .

وأمّا إذا كان مضيقا فربما يخرج عن صورة الترتب . الاّ انه أجبنا عن اشكاله فيما سبق في بعض الأمور المتقدمة من عدم اشكال في المقام بالنسبة إلى الشرط المتأخّر .

وحينئذٍ فاذا أخذ العصيان شرطا لحسن الخطاب فعلى النحو الذي أشرنا إليه مع ان الفوريّة في مثل خطاب الازالة وأداء الدين لا تنافي الاشتغال بمثل الصلاة ولو استحبابا كما ان الفوريّة في الدفن والتجهيز أيضا لا تنافي التأخير بمقدار يوم أو ليلة أو أزيد اذا لم يؤد إلى الهتك والا فلابد من التعجيل ولو لم يكن

هناك مشيّع .

الحاصل ان ما يذكر في مقام تزاحم الازالة وأداء الدين للصلاة إنّما هو مجرد فرض والا فالفوريّةالمعتبرة في هذه الموارد لا تنافي الاشتغال ببعض الامور التي لا ينافيالفوريّة عرفا لعدم الدليل عليها بأزيد من هذا .

فظهر بما ذكرنا ان الترتّب يتصوّر في ما ذكرنا ولا يرجع إلى انعدام موضوع ووجود موضوع آخر كي يخرج عن مورد الترتب المتنازع فيه .

والاشكال إنّما يتّجه على هذا ورجوع الشرط إلى الموضوع وهو خارج عن باب التزاحم لسقوط الخطاب بالعصيان .

والجواب ما ذكرنا .

فلا مجال لسقوط الخطاب بالمهم رأسا الا اذا انعدم موضوع خطاب الأهم

لا يرجع الترتب إلى انعدام موضوع ووجود موضوع آخر

ص: 546

رأسا لما ذكرنا من سقوط اطلاق الخطاب لا أصله لأن المزاحمة إنّما هي في الاطلاق واشغال قدرة المكلّف لا مطلقا .

ومنها انه يمكن تصوير مغالطة بعدم اجتماع الخطابين في ما إذا يعلم المولى باشتغال العبد بخصوص الأهم ويترك المهم أو فيما إذا كان هناك تساوي المتعلّقين أحدهما فيتحقّق الملاك بالنسبة إليه والخطاب والفرد الآخر لا ملاك له ولا خطاب كما انه اذا يعلم اتيان المهم وترك الأهم فحينئذٍ يكون الملاك في المهم بلا اشكال . وربما يمكن تصوير ارجاع المزاحمة في صورة اجتماع خطاب الأهم والمهم بتحقّق موضوعيهما وهو ترك الأهم في جانب المهم إلى باب التعارض .

لكنه جوابها معها . كما يمكن جريان هذا الكلام في المتساويين أيضا وأحدهما بعينه الذي يختاره المكلّف له الملاك ولا ملاك للآخر فيرجع إلى باب التعارض فتأمّل جيّدا وهذه المغالطة لا تحتاج إلى الجواب واطالة الكلام .

دفع وحل: قد يتوهّم عدم الحاجة إلى الخطاب الترتبي في مزاحمة المضيق للموسع في مثل مزاحمة الازالة مع الصلاة في سعة الوقت وانه إذا أتىبالصلاة تصح بلا احتياج إلى الأمر بل لانطباق الطبيعة المطلوبة على هذا الفردالمزاحم للمضيق الأهم .

الا انه لا يخفى ان انطباق الطبيعة ليست بما هي مأمورا بها بل بما هي هي وذلك لا فائدة فيه الا بناء على وجود الملاك في هذا الفرد ولو لم يكن موردا للأمر أو بتصحيح الأمر بالنسبة إليه بالترتب . لكن لا ريب في ان الطبيعة في الموسع ليست بافرادها الطوليّة موردا للأمر بل قد أشرنا في بعض الأبحاث المتقدّمة ان صرف وجود الطبيعة اذا كان موردا للأمر فوقته أيضا صرف الوجود ويكون

ص: 547

التخيير حينئذٍ عقليّا بين الأفراد الطوليّة .

نعم اذا اختار أحد الأفراد ينطبق عنوان المأمور به عليه ويكون واجبا على ما ذكر ( بالترتّب على ما سبق ) وبدونه على خلاف التحقيق الذي قال به البعض وعلى هذا فالترتب غير مخصوص بخصوص المضيقين بل يجري في المضيق والموسع بالتقريب الذي تقدم في المضيقين .

ثمّ ان هنا فرعا نبهوا عليه يرجع إلى مسئلة الترتب وهو انه إذا كان الماء موجودا في الاناء الغصبي أو في اناء الذهب أو الفضّة فهناك صور . فتارة وقع الماء بغير قصده بل بسبب الغير في اناء غيره فحينئذ لابدّ له من الافراغ وتخليص ما له بافراغ اناء الغير فرارا من الغصب كما انه يجب على من بقي في المكان الغصبي من غير اختياره لابدّ له وجوبا من الخروج ولا يبقى فيه آنا ولو انه يلزم زمان خروجه بمقداره التصرّف في الأرض . الا انه يجب تخلّصا عن ذلك بأسرع ما يمكن واذا كان في ضيق الوقت يجوز الاشتغال بالصلاة أيضا . ولكن هذا في غير اناء الذهب والفضّة وما فيهما فبناء على حرمة مطلق الاستعمالات حتى غير الأكل والشرب كما ربما يمكن القول به فالاستعمال يكون حراما . وأمّا حرمة نفس مافي الاناء ففيه خلاف ويترتب على ذلك ما لو كان مفطرا بما فيه فانه لو كان حرامايكون من الافطار بالمحرم . كما انه اذا قلنا بأن الاستعمال لا يضرّ بالصوم ونفس المأكول والمشروب لا يكون حراما بل باقٍ على حليّته فعصى لكن لا يجب عليه كفّارة الجمع لعدم الافطار بالحرام . وحينئذٍ فيكون الوضوء بناء على حرمة مطلق الاستعمالات حراما لاستلزامه التصرّف إلى غير ذلك من ما يرد في الاناء الغصبي أمّا إذا كان الماء مباحا والاناء مال الناس فتارة يعصى ويأخذ من الماء المباح

صور وجود الماء في الاناء الغصبي

ص: 548

مقدار ما يكفي لوضوئه دفعة واحدة فلا اشكال في صدق الوجدان بالنسبة إليه ويصحّ وضوئه على كلّ حال .

وأخرى يأخذ بمقدار غسل الوجه فقط لكن بنائه على الأخذ من اناء الناس

الماء المباح إلى تمام الوضوء . فهنا تارة نقول بأنّ القدرة والوجدان للماء في الوضوء بقرينة التفصيل في التيمم شرعيّة فلا يصح وضوئه لعدم صدق وجدان الماء حين غسل الوجه بالنسبة إليه . نعم بعده يكون واجدا لكنه لا يكفي كما لا يكفي حصول الاستطاعة أثناء اشتغاله بالحج أو بعد الرجوع في وجوب الحج . اما إذا قلنا بان القدرة عقليّة كما بنينا عليه خلافا للمحقّق النائيني الذاهب إلى كونها

شرعيّة(1) فلا اشكال في كفاية ذلك لأنّه ليس بأسوء حالاً ممّن يتوضّأ من البئر الذي لا ينزح بمقدار الوضوء دفعة واحدة بل ينزح بمقدار غسل الوجه فقط ثمّ عند ارادة غسل اليدين بلا فصل طويل ينزح بقدر ذلك أو ممّن عنده ما يكفي لخصوص الوجه ولا يدري قدرته على غيره فيصرفه رجاءً فيه ثمّ يجد لغيره بما أتمه ولا يصدق تبعض الوضوء بالفصل وكما في الماء الموجود في الأنابيب فانّهلا يجري دفعة واحدة لجميع وضوئه بل تدريجا . ولا وجه لدعوى(2) صدق الوجدان حتّى بناء على كونه شرطا شرعيّا في صورة الاغتراف دفعات للوضوء .

هذا تمام الكلام في هذه المسئلة من الصور الخمس أو الست للتزاحم أحدها تزاحم تضاد المتعلقين وقلنا انه لا يقتضي الأمر بالشيء النهي عن ضدّه بل

ص: 549


1- . فانه بناء على كونها شرعيّة لا يكون هناك تزاحم لأن مورده فيما إذا كان الملاكان تامين والاشكال كان ممحضّا من ناحية الخطاب لعدم القدرة بخلاف ما اذا كانت القدرة شرعيّة فلا ملاك للوضوء كي يجيء الأمر الترتبي .
2- . الظاهر ان حق العبارة لدعوى عدم صدق الوجدان .

عدم الأمر وانه إذا كان عبادة تارة نقول بكفاية الملاك فلا اشكال واخرى نشترط الأمر وبالمقدّمات السابقة علم امكان الأمر لكن لا مطلقا للتزاحم بل بنحو يوجب عدم قبح مطالبة العاجز وهو بعدم اطلاق المهم أو اطلاقهما كما في ما إذا كانا متساويين وذكرنا امورا في مقام الترجيح قد تقدّمت .

الثاني من أقسام التزاحم تزاحم الموردين كما اذا لا يقدر على القيام في الركعة الاولى والثانية معا بل فى احديهما فقط وهنا لا اشكال في تقدّم المقدم لفعليّة أمره وعدم ظرف متأخّر لامتثاله بخلاف المؤخّر فانّ له ظرفا متأخّرا ولا وجه لتأخير القدرة وصرفها فيه لما ورد(1) ( اذا قوى فليقم ) وهذا اذا قدر على القيام في الركعة الاولى يجب عليه واذا عجز فالجلوس .

ثمّ انه اذا لم يصرف فهل يمكن تصحيح ذلك بالخطاب الترتبي أم لا ؟ سيظهر وجهه في ما إذا كان المؤخر أهم . ولا وجه لما يقال من تساوي الركعتين في ذلك لاستواء نسبة الأمر إليهما لما قلنا من ان قدرته متأخرة وامتثاله مؤخر فالقدرة الفعليّة ليست شرطا للقيام في الركعة الثانية . لكن هذا اذا لم يكن المؤخرأهم والا فيقدم الأهم لوجود خطابين بالنسبة إليه . خطاب نفسي بالنسبة إلى لزوماتيانه وخطاب متمم مقدمي بحفظ القدرة . له فاذا عصى هذا الخطاب أي خطاب حفظ القدرة فلا يمكن الأمر بالمهم المقدم بالترتب لرجوعه إلى تحصيل الحاصل . فانه اذا أخذ عصيان أمر الأهم المتمّمي فذلك اما بصرف قدرته في المهم فيكون من تحصيل الحاصل لأنّه يكون في قوّة أن يقال إذا عصيت خطاب حفظ القدرة وصرفتها في خطاب المهم فيجب عليك القيام في مورده أي في المهم . إلاّ أن

ص: 550


1- . وسائل الشيعة 5 الباب 6/3 أبواب القيام .

يكون بصرفها في غيرها فلا مجال للخطاب الترتبي لعدم القدرة هذا . ولكن تقدم الأهم لما ذكر محل تأمّل واشكال .

تذييل يعتبر في صحّة الخطاب الترتبي مضافا إلى الامور المتقدّمة سابقا عدم كون الأمر الترتبي أمرا بالمحال وطلب الممتنع أو أمرا بتحصيل الحاصل . وإلاّ فلا اشكال في فساده وقبحه كما لا يخفى . وحينئذٍ ففي باب التضاد لا يلزم من الأمر الترتبي بالمهم بترك الأهم ذلك المحذور فلا اشكال فيه . واما في مثل المزاحمة بين القيام في الأهم المتأخّر والمهم المتقدّم في مثل الصلاة في ما لا قدرة له عليهما معا كما هو محلّ الفرض فلا يمكن الخطاب الترتبي لما ذكرنا . فان المهم يزاحم خطابه خطاب حفظ القدرة المقدمي حفظا للأهم المتأخّر . بناء على ما سبق في بحث مقدّمة الواجب من وجوب هذه المقدمات . وهي المقدمات المفوتة . فهذا الخطاب في عرض خطاب المهم وصرف القيام فيه الا ان نفس خطاب الأهم متأخر رتبة وزمانا ولكن خطاب حفظ القدرة المتمّمي مقدم وفي عرض خطاب المهم ( لا يخفى ما فيه بعد عرضية الأمر على المركب ) وعلى هذا فلو اريد تصحيح الأمر بالمهم وهو صرف القدرة فيه فيلزم طلب تحصيل الحاصل على تقدير عصيان خطاب حفظ القدرة وصرفها في نفس المهم كما انه يلزم الأمربالممتنع على تقدير صرفها في حمل ثقيل مثلاً فان الفرض ان شرط خطاب المهمعصيان خطاب الأهم ولو مقدميّا كما في المقام والعصيان لا يحصل إلاّ بأحد هذين الأمرين الممتنع فيهما الأمر للمحذور . والا فنفس عدم ارادة صرفها في الأهم أو ارادة صرفها في المهم لا يوجب عصيانا وعجزا . وهذا كما ذكرنا في بعض الأبحاث السابقة من ترتب لزوم التخميس في الربح . الحاصل من فاضل

ما يعتبر في الخطاب الترتبي

ص: 551

المؤونة إذا لم يصرفه في أداء الدين السابق على عام الربح كما انه بناء على ما قدمناه من عدم خطاب مولوي في المقام بل إنّما هو خطاب ارشادي عقلي لحفظ واتيان التكليف في ظرفه يمكن عدم المزاحمة . وعلى كلّ حال هذا البحث إنّما هو بناء على عدم شرطيّة غير العصيان لخطاب المهم الترتبي . إذ حينئذٍ يلزم ما مرّ من الاشكال وأن يؤخذ معلول الخطاب في موضوعه . اذ طلب الحاصل عبارة عن طلب شيء لابد أن يترتّب على الخطاب ويكون معلولاً موضوعا له فحينئذٍ يتقدّم المعلول على نفسه برتبتين ويكون في مرتبة العلّة . اما على تقدير أخذ الشرط لخطاب المهم هو عدم ارادة اتيان الأهم وارادة تركه فلا اشكال في امكان الترتب في جميع هذه الموارد حتى في تزاحم باب الاجتماع بلا اشكال . والاشكال إنّما هو من جهة أخذ العصيان شرطا الذي هو غير ارادة الترك أو عدم ارادة الفعل .

نعم ان أمكن ذلك فنلتزم به لو لا لزوم العرضيّة وطلب المحال .

بقيّة أقسام التزاحم:

ومن أقسام التزاحم: التزاحم في باب الاجتماع .

والكلام بالنسبة إليه في مقامين:

أحدهما: في لزوم الاجتماع وعدمه . لا اشكال في ان هذا البحث ليس في امكان الاجتماع وعدمه بل في لزوم الاجتماع وعدمه . وهذا في مورد يكون الامر على طبيعة والنهي على طبيعة اخرى فيجتمعان في مادة الاجتماع ولايكون المجمع عنوانا اشتقاقيّا أي لا يكونان مورد الأمر والنهي ذلك كما في العالم الفاسق فانّه لا ربط له بباب الاجتماع بل داخل في باب التعارض . فحينئذٍ بناء على ما استقرّت عليه الآراء من عدم السراية الأمر والنهي عن متعلّقهما إلى غير

تزاحم باب الاجتماع

ص: 552

المتعلّق فالنهي في موضوعه والأمر أيضا على موضوعه ولا يسري كلّ واحد إلى لوازم وجوده . غاية الأمر يكون التركيب فيهما تركيبا انضماميّا يعلم ذلك بالمنشار العقلاني . وإلاّ فبحسب الظاهر لا يكون المتعلّقان الا شيئا واحدا الا انه

لما كانت الماهية متعدّدة فالوجود متعدّد كما يقوله المحقّق النائيني قدس سره (1) أو ان الوجود الواحد الشخصي يستحيل أن يتعدّد ماهيّة كما يدّعيه المحقّق الخراساني(2) . وعلى كلّ حال بناء على ذلك وان التركيب انضمامي أيضا يلزم ما ذكر من الاشكال في المقام الثاني وهو امكان الأمر الترتبي بناء على كون الغصب أهم من الصلاة . وإذا قلنا بعدم امكان الاجتماع وتغليب جانب النهي فيدخل في باب النهي في العبادات . كما انه بناء على امكان الاجتماع يدخل في صغرى باب التزاحم كما هو المختار . وحينئذٍ فنقول كما في المسئلة الثانية من مسائل التزاحم انه يلزم اما طلب الجمع المحال واما الأمر بتحصيل الحاصل حيث انه يخاطب بلا تغصب والفرض انه في مادة الاجتماع واذا غصبت فصل مع عدم حصول الغصب الا بالصلاة وعدم حصولها الا بالغصب وهو أمر بتحصيل الحاصل كما انه اذا غصب وما صلى فلا معنى للأمر بالصلاة للزوم طلب الممتنع كما اذا اختار النوم .وعليه فيرد الاشكال على أيّ من النحوين ويستحيل الأمر الترتبي في هذا المقام .هذا بعد العلم بالغصب كي يكون التكليف منجزا مضافا إلى ان في صورة الجهل بالغصب لا مانعيّة له في الواقع . فالعلم معتبر من جهتين أحديهما من ناحية حصول موضوع الحرمة والغصب . والثانية نظرا إلى حصول شرط الأمر الترتبي

ص: 553


1- . فوائد الأصول 1/324 وبعده .
2- . كفاية الأصول 1/250 .

وهو العصيان . اما اذا كان الشرط هو عدم ارادة الاتيان بالأهم فالترتب ممكن في جميع هذه الموارد . بخلاف ما اذا كان العصيان شرطا فينحصر بخصوص مورد مسئلة التضاد والمقدمة المحرمة . اما في باب الاجتماع والتزاحم الناشى من ناحية عدم قدرة المكلف أو التلازم بين متعلق الأمر والنهي كما اذا صار استقبال القبلة الواجب ملازما لاستدبار الجدي في أواسط العراق وما ضاهاها أو شاكلها في طول البلد أو عرضه وباب السبب والمسبب فيستحيل لما ذكرنا . فان ترك الاستقبال أو عصيانه إنّما هو بصرف القدرة إمّا في الاستدبار فالأمر به تحصيل الحاصل أو في غيره فطلب الممتنع . فتدبّر جيّدا فانّ المسئلة لا تخلو من اشكال وفي بعض ما ذكر نظر وتأمّل .

النتيجة:

قد ذكرنا انه لا يمكن جريان الخطاب الترتبي في باب الاجتماع بناء على ما تقدم من ان التركيب انضمامي وان متعلّق الأمر والنهي متعدّد حقيقة واحد حسّا وان الأمر والنهي لا يسريان عن متعلّقهما إلى غيره . وحينئذٍ فلو اريد اجراء الخطاب الترتبي فلابدّ من اطلاق الأمر بالأهم وهو حرمة التصرّف والغصب في مال الغير ثمّ على تقدير عصيانه وتركه يصلي وهذا لا يخلو في الواقع من ان عصيان خطاب الأهم إمّا أن يكون بالصلاة أو بغيرها من الأضداد . ففي الاولى يكون من الأمر بتحصيل الحاصل . وفي الثاني من الأمر بالضدّين الممتنع كما لو نام فيخاطب بالصلاة أو يكون الاطلاق الأعم من لزوم كلّ منهما وظهر ممّا حقّقناسابقا ان مورد الخطاب الترتبي ينحصر بخصوص تزاحم التضاد .

ص: 554

نعم بقي الكلام في تزاحم المقدّمة المحرّمة وذيها وبيان جريان الترتب فيها وعدمه .

فنقول: لا يخفى انه إذا توقف وجود شيء واجب على وجود شي بحيث لولاه لم يوجد ذلك الواجب في وجوده لا في وجوبه . فلا يخلو الأمر من ان الحكم الاولى المجعول على هذه المقدمة يكون غير الحرمة أو يكون هي . فان كان الأوّل فلا اشكال في ان عند التوقّف يكون الحكم هو الوجوب المقدمي الشرعي ولا يعارضه الحكم الأولي الذاتي المجعول على ذات المقدمة لا بما هي مقدّمة فلابدّ أن يأتي بها بلا توهم ذلك . واما لو كان الحكم هي الحرمة . فتارة تكون المقدمة وذاك الذي يتوقّف عليها ( أي ذو المقدّمة ) سواءً في الاهميّة بحيث لا يفضل أحدهما على الآخر أو يكون الواجب وذو المقدمة هو الأهم . وبعبارة اخرى إمّا أن يكون الواجب ذو المقدمة أهم من مقدمته أو لا . وعلى التقديرين إمّا أن تكون المقدّمة مقارنة لوجود ذيها أو متقدمة عليه . إلاّ ان الغالب كونها متقدّمة

زمانا على زمان ذيها فان لم يكن ذوالمقدمة أهم فلا وجه لجريان الترتّب ووجوب ذي المقدّمة لأنّه إمّا أن يكون وجود ذي المقدّمة بلا وجود مقدّمته فهو خلاف الفرض وإمّا أن يفرض معها وهو مع حرمته والنهي عنها لا يمكن توجيه الخطاب المقدّمي إليها لأنّ الفرض تساويهما أو أهميّتها من ذي المقدّمة .

والحاصل: إمّا أن يكون وجوب ذي المقدّمة تكليفا بالمحال وهو ايجاده بلا مقدّمة واما ما يرجع إليه .

وأمّا الثاني وهو ما إذا كان الواجب أهم فهنا محلّ الكلام وانه هل يمكنجريان الخطاب الترتبي في المهم وهو التصرف المتوقف عليه وجود الانقاذ اما

تزاحم المقدمة المحرمة

ص: 555

بانحصار الطريق بالأرض المغصوبة مثلاً أو انحصار الطريق للانقاذ مع وجود الأرض المباحة لكن لا يصل إلى ذي المقدّمة باستطراقها . فحينئذٍ لابدّ من وجود المقدّمة لتحقّق ذيها . فنقول انه لا مانع من ذلك بعد كون اطلاق خطاب المقدّمة وعدمه دائرا مدار اطلاق خطاب ذيها وعدمه . وانه بمقتضى تبعيته طولى فكلّ ما يكون شرطا وموضوعا لوجوب ذي المقدّمة فهو شرط لوجوب مقدّمته فهو خطاب تبعي من جميع الجهات لخطاب ذيها . غاية الأمر يتوهّم هنا لزوم الالتزام بالوجوب المعلّق والشرط المتأخّر اذا فرض تقدّم زمان المقدمة على ذيها وانه إنّما يكون مقدمة لتوقف وجود ذيها عليها وإلاّ فلا مقدميّة في البين . وحينئذٍ فكيف يمكن جريان الخطاب الترتبي اذ مرجعه إلى انه اذا تركت ذا المقدمة فهي عليك حرام .

وجوابه ان أمر ذي المقدّمة يتعلّق باجزائه المنبسط عليها وكذلك بالمقدمة غاية الأمر لون تعلقه بذيها أشد منها . وعليه فيمكن جريان الخطاب الترتّبي بتقدير ترك المقدّمة لأجل الانقاذ الواجب عليه لخطاب متممي مقدمي حفظا للأهم في ظرفه ويكون عصيان هذا الأمر الحاصل بفعليّة زمان المتعلّق وخطابه شرطا للخطاب الترتبي بأصل الحكم المجعول على المقدّمة . وهو الحرمة بالعنوان الاولى وحيث ان روح الترتب جارٍ في هذا المقام ولذا صار منشأ للاشكال في وجوب المقدّمة واختلاف الآراء فيها فبعضهم أوجب مطلقها وبعضهم في ظرف الايصال وبعضهم في ظاهر عبارته بقيد الايصال ضرورة عدم اتّصاف ما يتوقّف وجود الحجّ عليه من السير إلى مكّة ولو بقصد أمر آخر .بل ومع الغفلة خصوصا في قرب زمان الحج بالوجوب المقدمي مع انه

ص: 556

يقرب من مكّة ولذا اضطرّوا إلى تقدير هذه الوجوه . ولكن بما قلنا من تبعيّة خطاب المقدّمة لذيها يظهر ان المقدّمة إذا لم تكن لأجل ذيها فلا مانع من ترتب حكمها الاولى بلا اشكال ولا مجال لاشكال الشرط المتأخّر والواجب المعلّق .

خلاصة الكلام في جريان الترتّب في المقدمة المحرمة .

وليعلم انها اما ان تكون مقارنة لوجود ذيها أو متقدمة عليه .

ثمّ انه اما أن يكون هذا هو أهم منها أم لا .

والكلام في المقدمة المحرمة التي يكون ذوها أهم منها وهي مقدّمة زمانا عليه فنقول: لا اشكال في وجوب انقاذ الغريق واطفاء الحريق على كلّ أحد قادر عليه ثمّ انه إذا توقّف ذلك على التصرّف في ملك الغير الذي لا يأذن بذلك مع انه واجب عليه ( أي الانقاذ والاطفاء ) لكنه يعصى فهل يمكن هنا توجه خطابين فعليّين على هذا الموضوع والمقدمة المحرّمة بالترتب أم لا ؟ لا ينبغي الارتياب في ان المقدمة المحرّمة وإن كان ذوها أهم منها ويتوقف وجود الانقاذ أو الاطفاء الأهم عليها وذلك يوجب سقوط حرمتها فعلاً الا انه ليس على كلّ تقدير . وانه سواء أتى بالأهم أم لا . بل إنّما يكون ذلك أي مقدميتها للأهم موجبا لسقوط خطابها الأولى وهو حرمتها وانه إذا يأتي بالأهم فواجبة . وإذا لا يأتي به فهي محرّمة على نحو الترتب وذلك لاقتضاء الارتكاز على عدم وجوبها حتى اذا كان من قصده التنزه والتفرج بل وكذلك اذا لا يعلم بالانقاذ . غاية الأمر فيما اذا تصرف لا بقصد الانقاذ ثمّ أنقذ انما تجرّى وأتى بما هو الواجب عليه واقعا كما انه اذا ندم وأتى بالمقدمة بقصد ذيها ولم يأت بذيها يكون معذورا في اتيان المقدمة وذلك صار منشأ لتعدّد الأقوال في وجوب المقدمة وألجأ بعضهم إلى الالتزام بوجوب

خلاصة بحث ترتب المقدمة المحرمة

ص: 557

الموصلة وبعضا آخر إلى وجوبها في صورة قصد التوصل بها إلى ذيها . إنّماالاشكال في انه كيف يمكن خطاب المهم ترتّبا والأهم على كلّ تقدير مع ان الانقاذ إنّما يكون متأخّرا عن مقدمته فلابد من الالتزام بالشرط المتأخّر والواجب المعلّق . والاشكال الثاني انه يلزم اجتماع الوجوب والحرمة بالنسبة إلى المكلّف على هذه المقدّمة التي هي واحد وجودا وليس مثل طلب الضدين المحال الذي لا يمكن للمكلّف الاتيان بهما لعدم القدرة بل مقامنا من اجتماع النقيضين وطلبهما واستحالته أشد من استحالة اجتماع الضدّين وطلبه كذلك من طلبه .

ويندفع الاشكال . اما الأوّل فبانه بمقتضى المقدميّة وتبعيتها لذيها في الاطلاق والاشتراط وكما ان الأهم ليس في رتبة عصيانه وامتثاله كذلك المهم الذي في مقامنا هذا وهو مقدمة له . وبالجملة فكما يكون موضوعا لخطاب ذي المقدّمة فهو كذلك بالنسبة إلى مقدّمته . وحينئذٍ فالخطاب المنبسط على الأهم وهو ذو المقدّمة من شؤنه الخطاب المنبسط على مقدمته بل لا تعدد رتبة هناك ولو كان مقدمة . وعليه كلّ ما يكون الجواب عن اشكال الشرط المتأخّر في ساير المقامات فهو الجواب في المقام . كما ان الالتزام بالواجب المعلّق والشرط المتأخّر ممّا لابدّ

منه في مثل الصلاة والصوم الذي تقدّم تفصيل الكلام فيها وبالنتيجة كان الشرط هو عنوان التعقب كذلك في المقام .

كما ان الاشكال الثاني أيضا يندفع بتعدّد الرتبة إذ في فرض الامتثال وكونه واقعا في طريق الأهم أي الانقاذ . فالوجوب محضا كما انه إذا لم يكن في هذا المقام فالحرمة لا غير .

نعم يجتمع الخطابان وهو الخطاب المقدمي بالتصرّف والخطاب النفسي

اجتماع الخطاب المقدمي والخطاب النفسي

ص: 558

الكائن عليه لملاك فيه بعدم التصرّف على هذا الموضوع الواحد إلاّ ان غائلة طلبالنقيضين مرتفعة وشبهتها مدفوعة بعدم اطلاق خطاب المهم وهو خطاب التصرّفبل مقتضى خطاب الأهم الاتيان بالمقدّمة على كلّ تقدير . فهو يقتضي وجود المقدّمه طريقاً ومقدمة لذيها واعدام موضوع خطاب المهم وهو الخطاب الموجود بملاك نفسي على المقدمة ومقتضى خطاب المقدمة انّه على تقدير الترك وعدم الانقاذ فلا تصرّف . وبمقتضى المقدّمات السابقة من عدم امكان انحفاظ الموضوع من ناحية الخطاب فخطاب المهم لا يتعرّض لموضوعه بل هو حكم على تقدير كما ان خطاب الأهم كذلك بالنسبة إلى موضوعه لكنّه يقتضي اعدام موضوع المهم فالترتّب في المقام كساير المقامات قد اجتمع في موضوعه الخطابان الفعليّان غاية الأمر أحد الخطابين مطلق والآخر مشروط بترك الأهم لعدم القدرة على الجمع بينهما بعد تماميّة موضوعهما وبعد ما ذكرنا فلا توقف في استكشاف الخطاب الترتبي على المهم بحكم العقل الحاكم بسقوط اطلاق حرمة المقدمة لحال اتيان ذيها وعدمه واختصاصه بصورة عدم تعقّب الانقاذ عليها . فهو موجود ثابت على تقدير ترك الأهم وساقط على تقدير اتيان الأهم وهو الانقاذ الذي يتوقّف على هذه المقدمة .

وهذا على مبنى المحقّق النائيني قدس سره من تصوير الخطاب المقدّمي .

أمّا إذا استشكل في المبنى فليس الا اللابديّة العقليّة ولعلّه ينتج هذه النتيجة أيضا .

إن قلت: ان المكلّف دائما إمّا أن يختار الانقاذ وإمّا أن يختار عدمه وعلى كلا التقديرين يأتي بالمقدّمة فأين الخطابان الفعليّان .

ص: 559

قلت: الجواب كالاشكال قد تقدّم سابقا وتقدّم انه في ظرف اختيار

العصيان وترك الأهم وإن كان يتوجّه إليه الخطاب المترتّب على المهم الا انه بعدخطاب الأهم موجود لم يسقط . فهناك يجتمع الخطابان مع تأخّر رتبة خطابالمهم واشتراط موضوعه بترك الأهم . ولذا قد يتولّد اشكال مطلقاً وفي خصوص المقام توجهه أظهر .

وهو انه إذا لا يدري تعقّب المقدّمة بذيها وانه هل يترتب عليها الانقاذ أم لا فلا يمكنه التصرّف الحرام للشبهة المصداقيّة لخطاب العام والمخصّص .

الا انه يسهل الجواب عنه بأنّه كذلك في الازالة والاشتغال بالصلاة اما بالاكتفاء بالظن أو بالرجاء أو البناء . فظهر بما ذكرنا امكان الخطاب الترتّبي في المقدّمة المحرّمة وانه لا يزيد اشكالاً على الاشكال الوارد على أصل الترتب وقد عرفت الجواب عن الشبهات الواردة في المقام وانه بمقتضى حكم العقل يجري فيه خطاب حرمة المقدّمة في صورة عدم تعقّب ذي المقدّمة عليها .

خلاصة الكلام وفذلكته: قد ظهر ممّا سبق جريان الخطاب الترتّبي في المقدّمة المحرّمة بحسب ذاتها وانه إذا لم تكن موصلة لذيها ومتعقبة به فلا وجوب عليها لشهادة الوجدان بعدم كونها واجبة مطلقا حتّى فيما إذا لم يكن اتيانها لذلك وهذا واضح بعد معلوميّة انقسام المقدّمة إلى موصلة وغير موصلة لا ان قيد الايصال شرط للوجوب لاستحالته على ما أشير إليه في بحث مقدّمة الواجب(1) بل بمعنى ما ذكر من كون الواجب هو هذا القسم من المقدّمة لا مطلقا . وان خطاب هذه المقدّمة بالتحريم إنّما يسقط إذا كانت متعقبة بالانقاذ والا فأصل خطابها

ص: 560


1- . لا استحالة فيه كما أشرنا إليه في بحث الموصلة .

بالتحريم باق في صورة عدمه وبعد ذلك فلا مجال للاشكال بأنّه اذا لا يعلم تعقب الانقاذ بها وعدمه فكيف تكون واجبة لما تقدّم من عدم اختصاص هذا الاشكالبالمقام بل هو جار في كلية المقامات التي يكون التكليف فيها تدريجي الوجودكما في الصلاة والصوم فانّه لعلّه يحدث المانع من حيض أو جنون أو يصير عاجزا في بعض الموارد . فلا وجه لهذا الاشكال وانه يكون من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة كما ان اجتماع الحكمين في المقدمة لا مانع منه بعد اختلاف الرتبة واشتراط أحدهما وهو خطاب أصلها بعصيان الآخر وعدم وقوعها في طريقه ولو بالشرط المتأخّر لجريان جميع ما ذكر في موارد الشرط المتأخّر وهو الواجبات التدريجيّة حرفا بحرف في المقام فلا تغفل .

هذا كلّه في المقدمة المتقدّمة في الوجود على ذيها .

أمّا المقدّمة المقارنة في الوجود لذيها . فأيضا لا مانع من جريان الخطاب الترتبي في الحكم في مثل الصلاة والازالة لو قلنا بمقدميّة ترك كلّ منهما للآخر فان الساقط بمقتضى حكم العقل بامتناع طلب الضدّين وقبح مطالبة العاجز إنّما هو اطلاق خطاب المهم وهو وجوب الصلاة لحال اتيان الازالة وعدمه حيث انه بناء على وجوب المقدمة يكون ترك الصلاة التي هي ضد الازالة واجبا كما ان فعلها أيضا كذلك فاطلاق أمر المولى موجب لطلب الضدّين الفعل والترك معا وهو غير مقدور بالنسبة إلى المكلّف . فاذا ترك الأهم وعصاه فحينئذٍ لا مانع من أمر المهم وهو وجوب الصلاة ولو يقتضي الخطاب المقدمي ايجاد تركها الا انه اذا عصى ذلك فلا مانع منه لكن قد يوجب ذلك تحصيل الحاصل . لأنّه إذا عصى ترك الصلاة فالعصيان إنّما يتحقّق باتيانها ولا معنى لايجاب شيء بعد وجوده لكونه من

الترتب في المقدمة المقارنة

ص: 561

تحصيل الحاصل كما انه اذا صرف قدرته على الازالة في غير الصلاة وأتى بغيرها فالأمر بالصلاة يكون من تكليف العاجز بما لا يقدر عليه .

لكن يمكن الجواب عن هذا الاشكال بأنّه تارة نقول ان خطاب اتركالصلاة المقدّمي فيه ملاك نفسي يستدعي خطابا مولويّا فحينئذٍ يرجع المقام إلىباب التعارض بعد فرض وجود الملاك النفسي في ضد هذا الحكم إذ الفرض ان ملاك مقدميته موجب للأمر بالترك كما ان ملاك ذاته موجب للأمر بالفعل فيتزاحم الجهتان عند الجعل في داعويّة المولى وهذا هو الميزان في التعارض ثبوتا .

واخرى نقول انه لا ملاك نفسي في الخطاب المقدمي بل هو طريقي مرجعه إلى وجوب الاطاعة فحينئذٍ يخرج المبحث عن باب التضاد وطلب الضدّين بل النقيضين إلى باب التزاحم .

بيانه ان معنى الخطاب المقدّمي في المقام وفي كلّ مورد إنّما هو وجوب اطاعة أمر ذي المقدّمة وذلك لا يمكن مع لزوم صرف قدرته على مقدّمة ذي المقدّمة الواجب اتيانه في الخطاب النفسي للمقدّمة فيتزاحمان . فاذا عصى أمر الأهم وهو الازالة بأن لم يأت بها وما اشتغل فالقدرة بعد باق وان فرض ان عدم الاشتغال بذي المقدمة وهو الازالة في المقام بعدم صرف القدرة في مقدمته وعدم اتيانها . فحينئذٍ يكون هنا مجال للخطاب النفسي الكائن على ذات المقدمة فلا تزاحم ولا تعاند في البين وان فرض وجود كلا الخطابين في المقام وتسلم جميع ما ذكر من المقدمات السابقة وجريانها فيه وان الشرط هو بقاء العصيان إلى آخر العمل كما في ساير الموارد .

نعم لو كان الأمر الترتبي على الصلاة بعصيان تركها المحقّق بفعلها فحينئذٍ

ص: 562

من حيث اشتراط الخطاب بالمهم إلى بقاء شرطه إلى حين الفراغ منه فلابدّ من عدم ترك الصلاة إلى حين الفراغ كي تكون الصلاة واجبة لكان لما ذكر من لزوم الأمر بتحصيل الحاصل مجال كما انه في صورة صرف القدرة في ضد آخر يلزم طلب الممتنع وتكليف العاجز . لكنك عرفت انه لا مجال لذلك وان الشرط لخطابالمهم هو عصيان الأهم وهو ترك الازالة ولو فرض تحقّقه بعدم الاشتغال بمقدمتهاوهي الصلاة .

أمّا اشكال لزوم طلب الجمع من الطرفين الأهم والمهم بناء على المقدّميّة وإن ترك أحد الضدّين مقدّمة للآخر ففي طرف المهم أيضا يكون الخطاب المقدمي بترك الأهم الذي هو مقدّمة له على هذا الفرض مقارنا زمانا متّجها مع وجوب فعل الاهم .

فالاشكال من الجانبين مدفوع بما أشار إليه المحقّق النائيني قدس سره من لزوم طلب الحاصل ومن لزوم تأثير المعلول في علّته . ووجه ثالث وهو لزوم تحقّق خطاب الواجب وهو ذو المقدّمة قبل زمان تحقّق نفس هذا الخطاب كي يترشّح منه خطاب آخر على مقدّمته السابقة على زمان خطابه .

هذا تمام الكلام في المقدّمة المحرّمة وجريان الترتّب في كلتا الصورتين سواء كانت مقارنة في الوجود لذيها أو متقدّمة .

جريان الترتب في باب الملازمة وعدمه .

أمّا جريانه في باب الملازمة لفعل أحد التكليفين لعدم الآخر كما في مثل استقبال القبلة واستدبار الجدي إذا فرض وجوبهما أو حرمة الاستدبار ووجوب الاستقبال للقبلة واستدبار الجدي في بعض أماكن العراق فلا وجه له حيث ان

جريان الترتب في كلتا صورتي المقدمة المحرمة

ص: 563

امتثال خطاب الاستقبال مستلزم لعدم تحقّق الاستدبار فاذا فرض عصيانه الاستقبال فيكون طلب تحصيل الحاصل لوقوع الاستدبار حينئذٍ كما انه في بعض الصور ربما يرجع إلى طلب الممتنع .

اما جريان الترتب في باب الأسباب كما في من ملك خمسا وعشرين ابلاً إلى ستّة أشهر ثمّ ملك واحدا آخر الى سنوات فحينئذٍ إمّا أن يسقط هذه الستّة أشهر أو يجب في كلّ عام تزكية الابل مرّتين أو عدم احتسابه أي السادسوالعشرين أصلاً . فليس التزاحم لعدم قدرة المكلّف بل المكلّف قادر على تزكيته مرّتين وأزيد فالمانع إنّما هو من ناحية الجعل . فهناك يكون الجعل بيد المولى فكيفما جعل يمتثل المكلّف جعله وايجابه فلا وجه لجريان الخطاب الترتّبي وتوهمه فيه .

فذلكة ما تقدّم واضافة .

سبق الكلام في جريان الترتب في المقدّمة المحرّمة بناء على تصوير الخطاب المقدّمي الشرعي .

أمّا إذا أنكرناه كما تقدّم في بحث مقدّمة الواجب وقلنا بأن وجوب المقدّمة عقلي بمعنى اللاّبديّة فيقع التزاحم بين خطاب ذات المقدّمة وهو الحرمة وبين خطاب ذي المقدّمة ويجري الترتب حينئذٍ في ذات المقدّمة بالنسبة إلى نفس حكمها الأصلي على ما تقدّم حسب الشرايط المتقدّمة .

وقد علم ممّا تقدّم سابقا ان جريان الترتّب مشروط بامور ويشترط فيه مضافا إلى ذلك بعض امور آخر .

الأوّل: كون الخطابين فعليّين نفسيين بينهما التزاحم حسب ما تقدّم بيانه .

شروط آخر للترتب

ص: 564

الثاني: كون خطاب الأهم مقتضيا لرفع موضوع المهم ويكون ذلك من أثره ومقتضاه .

الثالث: كون موضوع المهم أمرا اختياريّا للمكلّف بحيث يكون ايجاده باختياره كرفعه ولا يشمل العقل والبلوغ والوقت وأمثالها . وإلاّ فلا مجري للترتب .

الرابع: أن لا يكون موضوع خطاب المهم مشروطا بعصيان خطاب الأهم على نحو لا يتحقّق العصيان إلاّ بفعل المهم لرجوعه إلى الأمر بتحصيل الحاصل .الخامس: أن لا يكون موضوع خطاب المهم في مورد يكون الخطاب به ممتنعا كما إذا صرف قدرته في غير الأهم والمهم فحينئذٍ لا مجال للخطاب الترتّبي .

السادس: أن لا يكون خطاب الأهم محتملاً وجوده وعدمه بل يكون معلوما كي يتحقّق المزاحمة للتنجّز في قدرة المكلّف ولذا لا يجري الخطاب الترتبي في مورد الشبهات . اما بعد الفحص فلجريان البرائة ولا مزاحمة حينئذٍ في تكليف المهم ومجرّد احتمال وجوب خطاب الأهم في الواقع مع الترخيص على خلافه في الظاهر لا يصحّح جريان الترتّب . كما انه لا يمكن تصوير الترتّب باشتراط خطاب المهم بعصيان خطاب الأهم وكون الحكم الظاهري كالترخيص وجواز الارتكاب مشروطا بعصيان خطاب الأهم وهو الحرمة الواقعيّة لأنّه مضافا إلى ما ذكرنا يكون بعض القيود السابقة مفقودا فيه وهو لزوم تحقّق موضوع المهم بنفسه لأ من عصيان الأهم وهذا لا يتحقّق إلاّ بفعل المهم كما ان الشبهات الموضوعيّة أيضا كذلك . اما في الشبهات قبل الفحص فيمكن القول بعدم جريان

ص: 565

الترتب أيضا ولو فرض كون الأهم على تقدير وجوده على نحو يلزم فيه الاحتياط إمّا عقلاً كما في مورد العلم الاجمالي مع العلم بالتكليف أو شرعا كموارد ايجاب الاحتياط من قبل الشارع في مثل(1) الأموال والأنفس والأعراض والفروج حيث ان التكليف بالأهم إنّما يزاحم المهم ويقتضي رفع موضوعه بعدمالقدرة على فعله إذا كان واصلاً بنفسه

ففي الشبهات الموضوعيّة الجاري فيها البرائة أو الشبهات بعد الفحص ليس التكليف بالأهم وأصلاً لا بنفسه ولا بطريقه كما انه في صورة لزوم الاحتياط وإن كان واصلاً بطريقه الا انه ليس واصلاً بنفسه لاحتمال عدم وجوده في البين فكيف يمكن مزاحمته لخطاب المهم المحقّق موضوعه فعلاً وكذلك في مورد العلم الاجمالي بالتكليف وفرض مزاحمة أحد الأطراف على تقدير كونه هو المكلّف به كما انه على فرض أهميّته لا يجري الترتّب لعدم معلوميّة كون هذا المحتمل هو الذي يعاقب على تركه كي يوجب سلب القدرة فلا يمكن لزوم صرف المال المشتبه انه ماله أو مال زيد في الانفاق الواجب عليه على تقدير عصيان الأمر الاحتياطي . اللهمّ إلاّ أن يكون حكم المشتبه في هذه الموارد هو الحرمة بالعنوان الأولي لا بعنوان انه مشتبه فحينئذٍ يمكن جريان الترتّب فيه مع حصول الشرايط الاخر .

والأمثلة في هذه الموارد كثيرة . وهل يمكن جريان الترتّب في مورد

ص: 566


1- . قد تكرّر لزوم الاحتياط شرعاً في الموارد الثلاثة واستدلّ عليه بالاجماع ولكن يمكن الخدشة كما ناقشنا سيّدنا العلاّمة الحكيم قدس سره في البحث في ما إذا شككنا في المرئة المردّدة بين الزوجة وغيرها فأجاب بجريان الأصل الموضوعي وهو عدم حصول موجب الحلية لهذه المرئة المشكوكة .

اختلاف المجتهدين في الفتوى كما في مثل الغسالة فأحدهما أو أحدهم يرى نجاستها والآخر طهارتها(1) وأحدهم يقول بكون الظن في اوليي الصلوات بحكم اليقين والآخر يلحقه بالشكّ في البطلان به وفرض تساويهما في جهات الأخذ بفتواهم أو إذا قلنا بكون الأعلم واجب التقليد متعيّنا ولو عقلاً لدوران الأمر بين التخيير والتعيين(2) فانه إمّا أن يكون مخيّرا مع الاختلاف في العلم والفضل كماربما يظهر من قوله علیه السلام في المرويّ ( من كان من الفقهاء صائنا لنفسه الخ )(3) فللعوام أن يقلّدوه مع انه لا يخلو زمان من الأزمنة فيه الفقهاء الا وتختلف مراتبهم

في العلم والفقاهة ومع ذلك اطلق فيه الحكم بالأخذ ممّن اجتمع فيه الشرايط ولم يذكر فيها الأعلميّة أو يكون الأعلم لازم الأخذ ؟ فيقال في صورة لزوم تقليد الأعلم أو تقليده وغيره على السواء انه يجري الترتب بلزوم الأخذ بفتوى كلّ واحد عند عدم الأخذ بفتوى الآخر أو بلزوم الأخذ بفتوى غير الأعلم إذا لم يأخذ بفتواه أم لا ؟ مع البناء على الطريقيّة في باب التقليد لا الموضوعيّة .

وحقّ المقام ان لسان الدليل من أوّل الأمر يشملهم جميعا وليس المطلوب الا صرف الوجود والا فلا يجب تقليد الجميع فحال اختلاف الفتاوى ابتداءً كحال تعارض الحبرين بمقتضى الأخبار العلاجيّة من جواز الأخذ بأيّهما من باب التسليم .

ثمّ انه يمكن القول بجريان الترتب في مطلق الخبرين المتعارضين

جريان الترتب في الفتويين

ص: 567


1- . وهذا هو معنى التعارض يعني ان دليل الحجيّة لا يشملها معا من أوّل الأمر لا انه يشملها ثمّ يتساقطان بالتقابل .
2- . العمدة في دليله هو هذا الوجه .
3- . وسائل الشيعة 27 الباب 10/20 من أبواب صفات القاضي .

والاستصحابين المتعارضين وغيرهما من الأصول المحرزة وغيرها مطلقا ولو بناءً على الطريقيّة في مثل خبر الثقة كما يرشد إلى ذلك كلام الشيخ قدس سره في جريان الترتب من الطرفين في الخبرين المتعارضين على الموضوعيّة والحاصل وإن بنينا على الطريقيّة إلاّ ان تمام الموضوع لوجوب الأخذ هو خبر العدل الثقة مع فرض كلا الخبرين المتعارضين رواتهما ثقات .

فانه وإن لم يشمل دليل الحجيّة كليهما معا لفرض تنافي مدلوليهما الموجبللتناقض وكذلك لا يشمل أحدهما بعينه الا انه أي مانع من حجّية أحدهما لا بعينه في ظرف عدم الأخذ بالآخر وكذلك بالنسبة إلى الآخر وهكذا الكلام في الاستصحابين وغيرهما من الأصول . وهذه شبهة وردت لابد من دفعها . فتحصل ممّا ذكرنا سابقا ان موضوع الأمر الترتّبي وخطابه مشروط بهذه الأمور الستّة مضافا إلى كون الشرط هو العصيان للأمر بالمهم في ناحية الأهم لا ارادة ترك الأهم إذ لا يقتضي خطاب الأهم ارادة متعلّقه بل يقتضي ايجاده كما انه يشترط شرط ثامن وهو كون التزاحم في مورد الاتفاق والمصادفة لا في التعاند الدائمي لانك قد عرفت عدم تماميّته عنده بل في الدائميين أيضا يكون هناك موردا للخطاب الترتبي لكونه محكوما عنده بالتزاحم .

عود على بدء قد يتوهّم جريان ما ذكرنا من الترتب ثبوتا في مثل الخبرين المتعارضين والأصلين المتعارضين من استصحابين أو قاعدتين في مقام الفراغ وغيرها من الأصول المحرزة والتنزيليّة وغيرها .

بأنّه إنّما يمتنع الجمع بينهما في الخبرين اذا كان لكلّ واحد منهما اطلاق كما في غيرهما من الأصلين والقاعدتين وهذا بخلاف ما إذا كان أحدهما واجبا أو

جريان الترتب في الخبرين وعدمه

ص: 568

حجّة عند عدم الآخر فالترتّب يكون على هذا التقدير من الطرفين كما انه يرتفع المحذور لو كان الترتّب من طرف واحد بأن كان أحدهما جاريا في ظرف عدم الآخر ومشروطا بعصيانه لا مطلقا ولا من الجانب الآخر خصوصا على مبنى الشيخ قدس سره من كون المجعول هو وجوب العمل بمؤدّى الخبر لا جعل الطريقيّة كما

انه هذا التوهّم مختصّ بما إذا لم يكن المبنى في باب الامارات السببيّة والموضوعيّة وإلاّ فلا مجال للاشكال عند التزاحم في جريان الترتب وجميع ماذكر فيه بالنسبة إلى الأهم والمهم .نعم لو كان في مثل جريان استصحابين في طهارة الطرفين إذا علمنا بنجاسة أحدهما فهناك يلزم من جريانهما مخالفة قطعيّة للتكليف الالزامي في البين كما إذا كان الأصل الجاري في مورد دوران الأمر بين المحذورين مفاده الجمع نظير اصالة الاباحة في ما إذا نعلم اجمالاً بوجود الحرمة أو الوجوب فيه . فانه لا مجال لجريان أصل الاباحة فيه أصلاً للعلم تفصيلاً بخلافه فانّه إمّا أن يكون أحد الالزامين هو الوجوب أو الحرمة ومعه لا معنى للاباحة ظاهرا وهذا بخلاف جريان أحد الأصلين في ظرف عدم الآخر في ما نحن فيه كما في الخبرين بأن يكون أحدهما حجّة لازم العمل في صورة الترك وعدم العمل بالآخر . غاية الأمر يحتمل مصادفته أي مجرى الأصل للواقع بأن كان مجرى الأصل في مثال الاستصحابين هو النجس في الواقع واحتمال المعصية لا ضير فيه بل يمكن جريان هذا التوهّم في مطلق المتعارضين بلا اختصاص بالخبرين والأصلين والقاعدتين . بل يجري في البينتين واليدين لعدم اختصاص المجرى بما إذا كان المانع هو عجز المكلّف كي يرتفع بالاشتراط ويشترط خطاب أحدهما بما إذا

ص: 569

عصى الآخر أو تركه إذا لم يكن أهم هذا .

لكنّه مدفوع امّا أوّلاً فلأنّه لا يستقيم على تمام المباني في الامارات لأنه لو كان المبنى هو الاطمينان والعلم العادي النظامي في حجيّة الطرق كما هو الحق فعند التعارض يتساقطان ولا مجال لحصول الاطمينان بأحدهما في ظرف عدم حصول الاطمينان بالآخر بل لا مورد لحصوله بالنسبة إلى كلّ واحد منهما .

نعم يستقيم بناء على كون اللازم هو وجوب العمل بمؤدّى الخبر كما بنى عليه الشيخ قدس سره ولم يكن هناك جعل حجيّة وطريقيّة كما انه يمكن ذلك بالنسبة إلىمبنى جعل الوسطيّة في مقام الاثبات والحكم التعبّدي وجعل التعبديّة .وأمّا ثانيا فانه على تقدير تماميّته إنّما هو في مقام الثبوت ولا دليل عليه في مقام الاثبات لاختصاص الأدلّة الجارية في مورد المتزاحمين في قدرة المكلّف بذاك المقام لاستكشاف العقل من باب عدم طرح المولى وتفويته الملاك على المكلّف بجعل الحكم على المهم في صورة عصيان خطاب الأهم أو في المتساويين عند ترك كلّ واحد بالنسبة إلى الآخر . وهذا بخلاف المقام لعدم دلالة حكم العقل على ذلك كما ان الأدلّة المتكلّفة لذلك لا تشمل ما هو الممكن حيث ان ظاهرها ان الموضوع للحكم هو مطلق الوجود لا مع كلّ واحد من الاستصحابين مجرى لعدم النقض كما انه كذلك في الخبرين بناءً على الطريقيّة كما هو مورد التزاحم فانّ الدليل يشمل كلّ واحد من المتعارضين بعينه والفرض انه لا يمكن العمل بالنسبة إلى كليهما معا وأمّا بكلّ واحد عند عدم الآخر وان كان ممكنا لكن الدليل قاصر عن ذلك كما ان المجعول غير ممكن وما هو الممكن غير مجعول وأمّا في مثل تعارض الفتويين فقد أشرنا إلى ان مفاد الدليل من أوّل الأمر ان اللازم هو

ص: 570

الأخذ بصرف الوجود من الفقهاء ويكون التخيير عقليّا وهذا في مورد اختلافهم اما في مورد الاتّفاق يكون قد أخذ بقول الجميع كما في ما إذا قام في مسئلة من مسائل الفقه أدلّة كثيرة فيكون الحجّة هو الجامع بينها ولا يجب تقليد جميع الفقهاء اذ ذلك كالتيمّم بالصعيد في آيته حيث يقول تبارك وتعالى: « فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا »(1) وكما في مثل الطهارة والوضوء والغسل والصلاة في الظهر والعصر حيث ان الواجب واللازم هو صرف الوجود من هذه ولا ينافي ذلك استحباب تجديدالوضوء مثلاً . فالتوهم ساقط من أصله .أمّا الترتّب في موارد العلم الاجمالي خصوصا إذا كان الواجب المنجز في البين أهم اذا زاحم بعض أطرافه لواجب آخر مهم فليس من الترتب المعهود لأنّه إذا أتى مثلاً بالصلاة إلى أطراف ثلاثة وزاحم في الطرف الرابع واجب آخر ( أو غير ذلك من المثال ان ناقشت في المثال ) فانه على تقدير كون الاهم في الأطراف الثلاثة الخارجة عن الابتلاء بالاجتناب أو بالعصيان فقد حصل موضع المهمّ وله القدرة على تقدير كونه فيه فلا يعلم اذ انه احتمال الترتب فهو ترتب على تقدير لعدم العلم بالأهم في المقام كي يعصيه ليتحقق موضوع المهم .

ص: 571


1- . سورة النساء، الآية 44 .

فهرس المحتويات

تعريف موضوع علم الاُصول··· 5

تمايز العلوم بعضها من بعض··· 11

اشكال أخذ قيد الحيثيّة··· 15

فائدة علم الاُصول··· 18

موضوع علم الاُصول الأدلّة الأربعة··· 20

اشكال الثبوت التعبّدي للسنّة··· 23

بحث حجّيّة الخبر الواحد··· 23

اشكال تعريف المحقّق الخراساني··· 24

الوضع··· 27

كيفيّة الوضع··· 29

حصول الوضع بالاستعمال··· 31

اشكال كلام الدرر··· 34

أقسام الوضع··· 36

وضع الحروف··· 39

كيفيّة وضع الحروف··· 41

ص: 572

الاشكال في معاني الحروف··· 42

اركان المعنى الحرفي على الايجاديّة··· 44

حاصل المعاني الحرفيّة··· 45

نكتة لطيفة··· 49

الكلام في اخطاريّة المعاني الحرفيّة··· 51

مناقشة المحقّق الخراساني··· 53

أقسام الوضع ثلاثة··· 55

توضيح وضع الحروف··· 57

الفرق بين المعنى الاسمي والحرفي··· 59

الفرق بين الاخبار والانشاء··· 62

هل الانشاء والاخبار من المداليل السياقية··· 63

وضع المصادر وغيرها··· 65

المناقشة في كون الانشاء والاخبار من المداليل السياقيّة··· 69

وضع المبهمات··· 71

بحث المجاز··· 73

استعمال اللفظ في شخصه··· 76

هل الألفاظ موضوعة بازاء معانيها الواقعيّة··· 78

اشكال التبادر··· 80

دوران الأمر بين أحوال اللفظ··· 82

الحقيقة الشرعيّة··· 84

ص: 573

الاشكال في ثبوت الحقيقة الشرعيّة··· 85

تصوير الجامع بين أفراد الصلاة··· 88

ثمرة البحث··· 91

تصوير الجامع بين أفراد الصلاة··· 94

الايراد على كشف وحدة الأثر عن وحدة المؤثّر··· 98

للصلاة عرض عريض باعتبار حالات المكلّف··· 100

الاشكال على وحدة المؤثّر··· 101

الفرق بين المسبّب التوليدي وغيره··· 104

ثمرة النزاع··· 106

جواب اشكال البرائة··· 108

الجامع بين افراد الصلاة··· 111

في تصوير الجامع لافراد الصلاة··· 112

الصلاة كالمركّبات الخارجيّة··· 114

الاشكال في تصوير الجامع بنحو آخر··· 116

تصوير الأعمي بالصلاة المنذورة··· 118

اشتراط الرجحان في متعلّق النذر··· 122

اشتراط النذر بعدم مخالفة للكتاب والسنّة··· 124

في تصوير الجامع في المعاملات··· 125

الفرق بين السبب التوليدي والفعل المباشري··· 128

بيان حقيقة البيع··· 130

ص: 574

امضاء المسبّب يلازم امضاء السبب··· 132

اشكال امضاء المسبب لامضاء السبب··· 135

الاشكال في ملازمة امضاء المسبّب للسبب··· 137

امكان التمسّك بالاطلاق··· 139

الاشتراك في اللغة··· 141

استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد··· 143

الاشكال على استعمال اللفظ في أكثر من معنى··· 145

تقريب عدم جواز الاستعمال للفظ في أكثر من معنى··· 148

في المشتق··· 149

عموم البحث في ساير المشتقّات··· 155

كون النزاع صغرويّاً··· 157

الاشكال في اسم الزمان··· 158

تصوير جريان النزاع في اسم الزمان··· 159

عموم البحث لخارج المحمول··· 161

المراد بالحال··· 163

الفرق بين كلام الشيخ والفارابي··· 167

الاشكال في كون النزاع في التطبيق··· 169

المجاز في الاسناد والكلمة··· 171

كيفيّة الاشتقاق في المشتقّات··· 175

الدليل على عدم أخذ الزمان في الفعل··· 179

ص: 575

الكلام في بساط المشتق وتركّبه··· 181

كيفيّة التركّب··· 182

كلام أصحاب السامراء في المشتق··· 185

توضيح عدم أخذ الذات في المشتق··· 187

وضع الهيئة في المشتقّات··· 190

كلام المحقّق الشريف في بساطة المشتق··· 192

جواب الاشكال عن كون مفهوم الشيء جنس الأجناس··· 196

اشكال سيّدنا الأستاذ على المحقّق النائيني··· 198

الجواب عن انقلاب القضيّة الممكنة إلى الضروريّة··· 200

عدم كون النزاع في التحليل العقلي··· 202

بيان قول القائل بالبساطة··· 204

جواب اشكال الانقلاب··· 206

طريق آخر لجواب الشبهة··· 208

الفرق بين المبدء والمشتق··· 211

ثمرة النزاع··· 215

مقتضى الأصل العملي··· 216

مجمل الكلام في المشتق في سعة المفهوم وضيقه··· 218

أدلّة مدّعى الوضع لخصوص المتلبّس··· 220

أدلّة الأعمى··· 222

صحّة النزاع على التركّب··· 224

ص: 576

بقيّة أدلّة الأعمى والجواب عنها··· 228

المشتق حقيقة في المتلبس مجاز في غيره··· 230

الكلام في مادة الأمر··· 232

في معاني الأمر··· 233

هل الأصل في الأوامر كونها تعبدية أو توصلية··· 235

في ما يتعلّق بالتعبديّة··· 237

جريان البرائة في مورد الشكّ··· 240

جريان البرائة في قصد القربة··· 242

الفرق بين القضيّة الخارجيّة والقضيّة الحقيقيّة··· 242

في الواجب المعلّق والمشروط··· 245

في الواجب المشروط··· 248

في الواجب المعلّق··· 250

جعل الأحكام على نهج القضايا الحقيقيّة··· 253

مناقشة الواجب المعلّق··· 255

الاشكال على منكر الواجب المعلّق··· 260

بقيّة البحث في الواجب المعلّق··· 260

مراتب الحكم··· 261

خلاصة الاشكال في الواجب المعلّق··· 262

الجواب لانكار الواجب المعلّق··· 264

الجواب عن وجوب المقدّمات المفوّتة··· 268

ص: 577

الجواب بوجوه ثلاثة··· 271

الجواب الثالث··· 273

كشف الخطاب المتمّمي الطريقي··· 275

الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار··· 277

لزوم حفظ القدرة قبل وقت الواجب··· 280

وجه ايجاب المقدّمات قبل وجوب ذي المقدّمة··· 281

جواز اعدام الموضوع وتبديله··· 282

وجوب المقدّمة العلميّة··· 285

في الخطاب المتمّم المقدّمي··· 286

في وجوب التعلّم وانّه نفسي أو لا ؟··· 289

امكان رجوع القيد إلى الهيئة··· 290

ثمرة النزاع··· 293

جريان البرائة عند الشكّ··· 295

كيفيّة ثمرة النزاع··· 297

توضيح في الواجب النفسي والغيري··· 298

المصالح ليست لازمة التحصيل وإنّما هي دواعي الجعل··· 304

في الشكّ في النفسيّة والغيريّة··· 305

حكم الصورة الرابعة··· 309

استحقاق الثواب على الطاعة وانّه بالتفضّل··· 311

اشكال الطهارات الثلاث··· 314

ص: 578

وجوه الجواب عن الاشكال··· 316

اشكال اشتراط صلاة العصر بتقدم صلاة الظهر عليها··· 317

الجواب عن الاشكال··· 319

في الواجب التعييني والتخييري··· 321

الاستدلال على المختار··· 326

تنظير الواجب التخييري بالواجب الكفائي··· 326

التخيير بين الأقلّ والأكثر··· 329

في تصوير الواجب الكفائي··· 330

تصوير آخر··· 332

إذا كان هناك اثنان وردا على ماء يكفي لوضوء أحدهما··· 335

الكلام في الموسع والمضيق··· 337

وجوب الواجب المضيق بعد الوقت··· 339

الاستدلال على احتياج القضاء إلى أمر جديد ومناقشته··· 341

التفصيل بين اطلاق دليل الواجب وعدمه··· 343

التقييد بحال الاختيار وعدمه··· 346

في اجزاء اتيان المأمور به··· 348

انكار مصداق المأمور به الواقعي··· 350

في اجزاء اتيان المأمور به الاضطراري··· 352

الفرق بين الصحّة والقبول··· 354

اشتراط الاضطرار في تمام الوقت··· 356

ص: 579

فساد قياس المقام ببدل الحيلولة··· 358

الاضطرار في بعض الوقت لا يقيّد الواقع··· 360

الفرق بين الدخل الركني وغيره··· 362

المزاحمة من ناحية الوقت··· 364

هل الأمر الظاهري يقتضي الاجزاء··· 367

في أثر المصلحة السلوكيّة··· 369

الاشكال على ما أفاده في الكفاية··· 371

اشتراط الصلاة بالطهارة عن الخبث··· 374

توضيح معنى الحكومة··· 376

انكشاف الخلاف ظنّاً··· 377

ليس للامارة موضوعيّة··· 380

استواء العالم والجاهل في الأحكام··· 382

الفرق في الأجزاء بين الوضعيّات والتكاليف··· 384

الفرق بين مراتب الحكم··· 387

أمر الآمر مع علمه بانتفاء شرطه··· 390

احتمالات ثلاث في الأمر بالأمر··· 393

الحقّ ان عبادات الصبي شرعيّة··· 395

في كيفيّة تعلّق الارادة··· 399

في مقدّمة الواجب··· 401

الملازمة بين المقدّمة وذيها نفسيته أو تبعيته··· 404

ص: 580

الفرق بين أقسام المقدّمة··· 405

تصوير الاجزاء الداخليّة··· 408

تقسيم المقدّمة إلى السبب والشرط··· 409

دخول المقدّمة السببيّة في محلّ النزاع··· 412

في استحالة الشرط المتأخّر··· 414

في الجواب عن اشكال الشرط المتأخّر··· 416

في موارد النقص بوجود الشرط المتأخّر··· 418

استحالة تخلّف المعلول عن علّته··· 420

التعقّب في اجزاء المركّبات··· 422

في أنّ الأمر إذا أوجب شيئاً هل أوجب مقدّماته··· 425

هل المقدّميّة يشترط فيها قصد الغاية أو التوصل··· 428

الايصال في المقدّمة جهة تقييديّة أو تعليليّة··· 431

وجوب مطلق المقدّمة من صاحب الكفاية··· 433

في توجيه كلام صاحب الحاشية··· 435

ثمرات وجوب المقدّمة··· 438

في عدم جواز أخذ الاُجرة على الواجبات··· 439

في حكم مقدّمة الحرام··· 441

هل الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه··· 444

استدلّ للملازمة بأمرين··· 445

في الاقتضاء بناء على المقدّميّة··· 448

ص: 581

رد استدلال المقدّميّة··· 450

رد اشكال الدور··· 452

انكار أصل المقدّميّة··· 454

التفصيل بين الضد الموجود وغيره··· 456

لا يقتضي الأمر بالشيء النهي عن ضدّه··· 458

لو فرض الاقتضاء فهو طريقي غيري··· 460

الاشكال لو اقتضى نفس الخطاب القدرة··· 462

جواب الاشكال··· 464

تقسيم القدرة إلى شرعيّة وعقليّة··· 466

التزاحم في مقام الامتثال··· 468

الفرق بين التعارض والتزاحم··· 470

الأبواب ثلاثة أحدها باب التزاحم··· 472

هل النذر مشروط بالقدرة الشرعيّة··· 475

بعض أقسام التزاحم··· 477

الترجيح بالأهميّة··· 478

اعتبار رجحان المنذور وقت العمل··· 483

استدلال المحقّق النائيني على كون القدرة في النذر شرعيّة··· 484

بعض الاشكالات على المحقّق النائيني··· 486

لحاظ الأهميّة في تزاحم الواجبين··· 488

لزوم تقديم الأهم··· 491

ص: 582

الاشكال إذا لم نعلم الأهميّة··· 493

لو صار مصدوداً عن الوقوف بعرفات··· 495

كلام سيّدنا الاستاذ المحقّق المدقّق السيّد يحيى المدرسي ؛··· 497

التخيير عقلي أو شرعي··· 498

الفرق بين سقوط اطلاق الخطاب أو أصله··· 501

لو كانت القدرة زائدة على العرفيّة··· 502

الفرق بين التزاحم الدائمي والاتفاقي··· 504

في الترتب··· 506

في مورد الترتب··· 508

في طريقيّة الامارة··· 510

مورد اجتماع الطلبين وارادة الضدّين··· 513

الفرق بين علّة الجعل والمجعول··· 515

المقدّمة الرابعة··· 516

استحالة تقيد موضوع الخطاب بما يكون معلولاً له··· 519

بيان الترتب··· 520

الاشكال في مقام الاثبات··· 522

مورد وقوع الترتب··· 525

بقيّة الموارد··· 526

امكان الخطاب الترتبي··· 530

اجتماع خطاب الأهم مع المهم طولاً··· 531

ص: 583

الاشكال في الترتب بين الجهر والاخفات··· 534

نتيجة ما سبق··· 536

الالتزام بالشرط المتأخّر والواجب المعلّق··· 539

لا يحتاج الترتب بعد امكانه إلى نص خاص··· 543

دفع التوهّم··· 545

لا يرجع الترتب إلى انعدام موضوع ووجود موضوع آخر··· 546

صور وجود الماء في الاناء الغصبي··· 548

ما يعتبر في الخطاب الترتبي··· 551

تزاحم باب الاجتماع··· 552

تزاحم المقدمة المحرمة··· 555

خلاصة بحث ترتب المقدمة المحرمة··· 557

اجتماع الخطاب المقدمي والخطاب النفسي··· 558

الترتب في المقدمة المقارنة··· 561

جريان الترتب في كلتا صورتي المقدمة المحرمة··· 563

شروط آخر للترتب··· 564

جريان الترتب في الفتويين··· 567

جريان الترتب في الخبرين وعدمه··· 568

فهرس المحتويات··· 572

ص: 584

المجلد 2

هویة الکتاب

بطاقة تعريف: رحمتي، محمد، 1307 -

عنوان واسم المؤلف: مباني أصول الفقه: تقریر بحث آیت الله سیدمحمود الشاهرودي/ مولف آيت اللّه شيخ محمد رحمتي.

تفاصيل المنشور: قم: قرآن صاعد، 1440ق.= 1398.

خصائص المظهر : 5 ج.

ISBN : دوره:978-600-7282-94-6 ؛ ج.1:978-600-7282-89-2 ؛ ج.2:978-600-7282-90-8 ؛ ج.3:978-600-7282-91-5 ؛ ج.4:978-600-7282-92-2 ؛ ج.5:978-600-7282-93-9

حالة الاستماع: فیپا

لسان : العربية.

ملحوظة : ج.2-5(الإصدار الأول: 1398).

عنوان آخر: تقریر بحث آیت الله سیدمحمود الشاهرودی.

مشكلة : أصول الفقه الشیعة -- قرن 14

Islamic law, shiites -- Interpretation and construction -- 20th century

المعرف المضاف: هاشمی شاهرودی، سیدمحمود، 1327-1397.

المعرف المضاف: Hashemi Shahroudi, Seyyed Mahmoud

ترتيب الكونجرس: BP159/8

تصنيف ديوي: 297/312

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 5841397

اطلاعات رکورد کتابشناسی : فیپا

مباني أُصول الفقه

مؤلف: آيت اللّه شيخ محمد رحمتي

الناشر: قرآن صاعد

وقت وسنة النشر: 1398

الطباعة والتجليد: زلال کوثر

الدوران: 1000 نسخه

ISBN: 6-94-7282-600-978

ISBN: 2-89-7282-600-978

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین

الرحمن الرحیم

مالک یوم الدین

إیاک نعبد وإیاک نستعین

اهدنا الصراط المستقیم

صراط الذین أنعمت علیهم غیر المغضوب علیهم ولا الضالین

لفت نظر

1 - رقم الآيات على حسب احتساب البسملة آية من السور غير سورة التوبة .

2 - مأخذ روايات الوسائل، طبعة ثلاثين مجلّداً .

3 - روايات المستدرك على طبعة 20 مجلّداً .

4 - صفحات الكفاية على طبعة جلدين مع حاشية المشكيني .

ص: 2

مباني أُصول الفقه

تقرير بحث المحقّق المدقّق آيت اللّه العظمى

السيّد محمود الشاهرودى قدس سره

لتلميذه آيت اللّه الحاج الشيخ محمد الرحمتي

الجزء الثاني

ص: 3

شناسنامه

ص: 4

يقع البحث من جهات:

الاولى: في مفاد صيغة النهي . فنقول ان مفادها ليس إلاّ طلب الترك كما ان الأمر طلب الفعل وايجاد الشيء وحيث ان الترك حاصل في الخارج فلابدّ من كون المطلوب هو الاستمرار على الترك وابقاء العدم على حاله وعدم ايجاده واخراجه إلى الوجود ولهذا المعنى لا نحتاج إلى الالتزام بكون المطلوب بالنهي هو الكف بل نقول ان المطلوب به ليس إلاّ العدم وابقائه واستمراره كما انه لا مجال للاشكال في ذلك بأنّه يرجع حينئذٍ الفرق بين الأمر والنهي إلى الاختلاف في المتعلّق لأنّ الأوّل أي الأمر يتعلّق بالوجود والثاني بالترك والعدم بعد اشتراكهما

معا في كون مفادهما هو الطلب مع ان النهي ينشأ من مبادى مخالفة لمبادي الأمر ومبدء الأمر ومنشأه هو الحبّ المستتبع للارادة والنهي منشأه البغض للشيء المستتبع لارادة تركه أو الزجر عنه فانه لا مانع من كون منشأ النهي هو البغض لكنه يوجب طلب المولى والترك وابقائه على العدم .

الثانية: يمكن ثبوتا في النهي المتعلّق بأفراد طبيعة واحدة أو بعدّة أشياء كونه على نحو العام المجموعي بأن يكون المطلوب في الترك هو جمع كلّ ذلك في

الكلام في النهي

ص: 5

الامتثال بحيث إذا أتى ببعضها دون بعض أو ترك بعضها دون بعض لم يطع فيالاولى وكذلك في الصورة الثانية حيث ان الاطاعة عبارة عن الاتيان بالجميع لا ما أراد فعله أو تركه على نحو ما أراد . والفرض ان ارادته طلبه للترك على ذلك الوجه فاذا أتى ببعض الأفراد أو شرب بعض قطرات الخمر في ما إذا كان النهي عنه على نحو العام المجموعي فلا يتعلّق بالباقي نهي اذ لا يقدر على امتثاله . كما انه يمكن كونه على نحو العام الأفرادي بحيث يكون لكلّ فرد اطاعة وعصيان يخصّانه ولا يرتبط ذلك بباقي الأفراد فاذا أتى بالبعض فعلاً أو تركا دون الباقي فبالنسبة إليه أطاع أو عصى دون الباقي .

ويمكن هنا وجه ثالث وهو كون المطلوب في الترك لشرب الخمر مثلاً كونه لا شارب الخمر بخلاف الوجهين الاولين فانهما على نحو السالبة المحصّلة كليّة وجزئيّة مجموعيّة وانحلاليّة دون الوجه الأخير فان المطلوب هو هذا العنوان وهو أيضا يرجع إلى استمراره . فان الانسان قبل وجوده لا شارب الخمر على نحو القضيّة السالبة بانتفاء الموضوع ازلاً فاذا وجد فله الاتّصاف بهذه الصفة واذا كان المطلوب هو هذه الصفة فالابقاء لهذا العنوان يكون مرادا للمولى . ويترتّب على هذه الوجوه الثلاثة ثمرات مختلفة يجري في بعضها البرائة كالاولين دون الأخير لرجوعه إلى الشكّ في المحصّل في مورد الشكّ في اللباس المشكوك وغيره من الموارد خصوصا إذا كان لمتعلّق النهي تعلّق بموضوع خارجي وكان له موضوع خارجي كالخمر في شرب الخمر والغيبة بالنسبة إلى المؤمن . وهناك وجه رابع تصوره لا يخلو من اجمال وسترة وهو كون المتعلّق بالوجود السعي يختلف بالطول والقصر .

ص: 6

وأظهر هذه الوجوه اثباتا كون المطلوب والمتعلق على نحو العام الافرادي حيث ان الوجه الأخير وما قبله خلاف الظاهر بل قد أشرنا إلى ان تصور الأخير لايخلو عن اشكال وكذلك كونه على نحو العام المجموعي يحتاج إلى عناية زائدة حيث ان عنوان الجمع في ذلك غير المتعلّق بالافراد . نعم إذا قام قرينة هناك على ارادة بعض الوجوه الآخر فلا اشكال .

الثالثة: هل النهي يدلّ على الاستمرار والشمول للافراد العرضيّة والطوليّة ثمّ انه يكون بالوضع أو بالاطلاق في كلا الموردين أو في الافراد العرضيّة بالشمول وفي الطوليّة بالاطلاق ؟ وجوه بل أقوال ربما يظهر(1) من المحقّق النائيني قدس سره الوجه الثالث . والتحقيق انّ اللفظ موضوع بازاء الطبيعة لا بشرط المقسمي وحدود الأقسام الثلاثة خارجة عن موضوع الطبيعة .

فالشمول لكلتي الأفراد الطوليّة والعرضيّة لابدّ وأن يكون بالاطلاق فتدبّر .

ثمّ انه لا يخفى انه تارة يكون للمتعلّق تعلّق بموضوع خارجي كالشرب المتعلّق بالخمر واخرى لا يكون كذلك كما في مثل النهي عن التكلم وإن كان قلما يوجد مورد للثاني خال عن اشكال رجوعه إلى القسم الأوّل . ففي القسم الأول البناء على كون العموم الافرادي ينحل إلى أحكام حسب تعدّد موضوعات الأفراد وفي الثاني لا موضوع كذلك .

توضيح: قد عرفت ان النهي إنّما يدلّ على الترك وكون المطلوب هو الاستمرار على ترك الطبيعة الازلى ولا دلالة فيه على الزجر لان المنشأ ليس إلاّ خصوص النسبة بين الفعل والفاعل . فقوله لا تفعل معناه المنشأ والموجد المنتزع

دلالة النهي بالوضع أو الاطلاق

ص: 7


1- . فوائد الاُصول 1/395 - 396 .

عن هذا القول مطلوبيّة الترك والاستمرار عليه . وليس مدلول النهي مخالفا لمدلول الأمر إلاّ من حيث المتعلّق وكون الأمر متعلّقا بالوجود ويكون طلبا له والنهييكون طلبا للعدم والترك ولا ينشأ هناك ردع ولا شيء آخر وليس مدلول صيغة النهي ردعتك . نعم امتثال متعلّق الأمر والنهي يشمل الضجر ومستلزم له لكنه ليس مدلولاً له كما انه يستلزم البعد عن الشيء وليس معناه نفس البعد .

ثمّ انه بعد ذلك هل يقتضي تاركية المتعلّق وكون المكلّف متصفا بهذا العنوان ومتسما بهذه السمة . فمعنى لا تشرب الخمر كن لا شاربها ومرجعه إلى ايجاد هذا العنوان ويكون ترك الشرب بافراده المختلفة محصّلاً لهذا العنوان . وعلى هذا لا يمكن جريان البرائة في الأفراد المشكوكة للشكّ حينئذٍ في المحصل .

نعم إذا كان المحصّل شرعيّا يمكن جريان البرائة على وجه بخلاف ما إذا كان عقليّا كما في المقام حيث يكون المطلوب عنوانا بسيطا . وبهذا البيان لا مجال للقول بصدق العنوان بالنسبة إلى الأفراد المعلومة دون المشكوكة لكون العنوان تشكيكيّا . وذلك لأنّ المطلوب هو تاركيّة الطبيعة لا كلّ فرد وحينئذٍ فيستحيل جريان البرائة على هذا المبنى . ويناسب هذا المبنى كون النهي انشاءاً وللنسبة بين الفاعل وترك الطبيعة ليكون تكوين العبد على طبق تشريع المولى . فالمولى يجعله تاركا أو لا شارباً تشريعيّا ولابدّ في مقام الاطاعة من جعل نفسه تكوينا حسب تشريع المولى . وربما يظهر من المحقّق الخراساني هذا المذهب حيث يشير في بعض كلماته في الكفاية(1) إلى وجوب ترك جميع أفراد الطبيعة عقلاً كما ان في ناحية الأمر أيضا يذهب إلى وجوب صرف الوجود عقلاً الاّ ان مشيه في الفقه

ص: 8


1- . كفاية الاُصول 1/233.

على خلاف هذا المبنى أو لا بل يتعلّق النهي بالطبيعة على نحو العام الاصولي يقتضي تاركيّة كلّ فرد فرد لا على نحو عموم السلب وتركه للجميع من حيثالمجموع بحيث إذا أتى بواحد فبعده لا يقدر على امتثال النهي لخروجه عن تحت الاختيار اذ الفرض كون المطلوب ارتباطيّة الترك في بعضها إلى بعض آخر . كما ان في النذر يمكن كلا القسمين فتارة ينذر ترك شرب التتن رأسا بالنسبة إلى كلّ فرد فرد من السجاير فاذا شرب واحدة فحنث وله الترك والحنث بالنسبة إلى الباقي واخرى ينذر الترك بحيث لا يشرب أصلاً فحينئذٍ إذا شرب فعصى وحنث مرّة واحدة ولا اشكال في جواز الشرب في المرّات اللاحقة لعدم العصيان وكون النذر إنّما هو على التاركيّة .

ويحتمل وجه ثالث وهو كونه بالنسبة إلى صرف الوجود بأن ينذر عدم شرب ماء دجلة قطرة واحدة فاذا فرض انه شرب جميع الماء وبقي منه قطرة واحدة لم يشربها فلا حنث وهذا خلاف الظاهر في باب النواهي بأن يكون المطلوب تركه هو صرف الوجود .

وكيف كان فالمطلوب في النواهي هو الترك بالنسبة إلى جميع الأفراد سواء كان في ماله متعلّق لمتعلّقه كما في الخمر أو لا . بل لم يكن كالتكلّم . لكن الكلام في ان دلالته على الترك بطريق العام الافرادي الانحلالي هل هو بالوضع مطلقا سواءً في الافراد العرضيّة والطوليّة أو بالاطلاق في كليهما أو بالاختلاف بالوضع في العرضيّة وبالاطلاق في الطوليّة ؟ وجوه ثلاث . فنقول قد ينسب إلى المشهور ان اللفظ وضع بازاء الماهيّة المرسلة التي يعبّر عنها بالماهيّة اللا بشرط القسمي وحينئذٍ فاستعماله في بشرط شيء أو بشرط لا مجاز خلافا للسلطان قدس سره فذهب

المطلوب في النواهي هو الترك لجميع الأفراد

ص: 9

إلى انّ اللفظ إنّما وضع بازاء الماهيّة من حيث هي هي مع قطع النظر عن الطواري والعوارض سواء كان بشرط شيء أو بشرط لا أو لا بشرط . بل لا يمكن وضع اللفظ بازاء الماهيّة بشرط لا لكونه كليّا عقليّا لا موطن له في الخارج كما انالوضع بازاء القسمين الاخيرين القسيمين للماهيّة بشرط لا أيضا لا وجه له لاستلزامه كون قسيم الشيء قسما له وهو محال فانحصر كون الوضع بازاء الماهيّة لا بشرط المقسمي التي تكون موجودة في كلّ أقسامها الثلاث . فسواءً أخذت مرسلة أو قيدت بشيء وجودي أو عدمي فالماهيّة موجودة في جميع الأقسام واللفظ المستعمل فيها حقيقة . وسيجيء إن شاء اللّه في بحث الاطلاق والتقييد ان النسبة بين المطلق والمقيد هو النسبة بين العدم والملكة وانه يستحيل كون تقابلهما من باب الايجاب والسلب بل يحتمل كونه من التضاد كما يحتمل من العدم والملكة ونقيم البرهان هناك إن شاء اللّه على عدم امكان كون التقابل بينهما من التضاد فينحصر في خصوص العدم والملكة . وبهذا لا مانع من اجراء البرائة في الأقل والأكثر الارتباطي .

على حذو جريانها في غير الارتباطي ويكون الجريان فيه أيضا بسهولة بل النزاع المعروف في ان متعلّق الأوامر والنواهي هي الطبائع أو الافراد أيضا يرجع إلى هذا المبنى من الماهيّة لعدم معقوليّة كون النزاع في ان المطلوب هو الماهيّة من

حيث هي أو الوجودات بل لا اشكال في كونه هي الوجودات .

نعم إنّما الكلام في كونها بوجودات الماهيّة كنسبة الآباء إلى الأولاد أو لا بل المطلوب هو الفرد مضافا إلى الماهيّة بتشخصاته الفرديّة .

إذا عرفت ذلك يسهل عليك حل اشكال المقام وان دلالة النهي على الأفراد

ص: 10

مطلقا طوليّة أو عرضيّة إنّما تكون بمقدّمات الحكمة لعدم دلالتها الا على الماهيّة(1)بل حتى لا يمكن كون دلالتها على الوجود الذهني أيضا .

نعم يدور الأمر بين القضيّة الحقيقيّة والشخصيّة وإلاّ فلا يمكن القول بكون القضايا الشرعيّة قضايا طبيعيّة . وحينئذٍ فما نسب إلى المحقّق النائيني من التفصيل

في المقام بكون الدلالة بالوضع على الأفراد العرضيّة وبالاطلاق في الطوليّة خلافا لما ذهب إليه في تنبيهات الاستصحاب من القول بكون دلالتها بالاطلاق مطلقا ليس في محلّه . لأنّه خلاف مبناه في المطلق والمقيّد . ويتفرّع على هذا كون الزمان واردا على حكم العام بخلافه اذا كان بالوضع فيكون الزمان مأخوذا في العموم والعموم واردا عليه الذي يختلف الحكم باعتبار جواز التمسك بعموم العام أو استصحاب المخصّص بعد التخصيص فراجع .

وقد سمعت منّا كرارا ومرارا ان جعل الأحكام على نهج القضايا الحقيقيّة لا على نهج القضايا الخارجيّة الشخصيّة ويترتّب على الوجهين ان العلم يعتبر في القضيّة الخارجيّة ويؤثّر في جعل الحكم بخلاف الحقيقيّه فانه وإن يعلم المولى بعدم وجود المكلف ولا حصول شرايطه ومع ذلك يجوز له تشريع الحكم وبهذا يمكن تصحيح ما يقال من ان كلّ ما في الدار نهب وان كلّ من في العسكر قتل مع العلم بكون زيد في العسكر وانه لا يتوقّف حصول العلم بالكبرى على مقتوليّة زيد ولا نهب خصوص الشيء الفلاني فلا دور وعلى هذا فينحل من هنا بحث آخر في

الدلالة بمقدّمات الحكمة

ص: 11


1- . وهذا بلا فرق بين العموم العنواني أو الافرادي نعم تارة يكون دلالة الحكم على الاستمرار والبقاء بالاطلاق أو بدليل آخر منفصل ثمّ ينسخ لكنه يكشف عن قيد آخر فيرجع النسخ حينئذٍ إلى التخصيص في الأزمان فلا مجال للتمسّك باستصحاب عدم النسخ عند الشكّ فيه بل يتمسّك بالاطلاق .

جواز أمر الآمر مع العلم بانتفاء شرطه .

ثمّ ان البحث في دلالة الأمر والنهي على الترك في الأفراد الطوليّةوالعرضيّة قد علم حله بالاطلاق ومقدمات الحكمة وان كلّ فرد من أفراد الطبيعة المنهي عنها مبغوض لا أن تركه محصّل للمطلوب والمراد بالأبحاث المطويّة في ما نسب إلى المحقّق النائيني هو ما ذكرنا وأشرنا إليه فلا بحث في المقام غيره .

الكلام في جواز اجتماع الأمر والنهي وعنوان البحث بهذا النحو قد اشتهر بينهم وظاهره ان البحث عن أصل الكبرى وهل يكون تضاد بين الأحكام أم لا ؟ الا ان المراد من ذلك هو هل يجتمع الأمر والنهي أم لا وذلك في ما إذا تعلّق الأمر بطبيعة والنهي بالاخرى بينهما عموم من وجه ففي مادة الاجتماع اجتمع الأمر والنهي أم لا . والا فلا اشكال في تضاد الأحكام عندهم اما مطلقا أو في مقام المحركيّة .

نعم قد يظهر من بعضهم عدمه ولذا لا مانع من اجتماعها في شيء واحد ولو مع عدم تعدد الجهة على ما سنشير إليه فنقول:

توضيحا للتضاد انه لا ينبغي الارتياب في تضادهما بحسب مقام المحركيّة والبعث نحو متعلّقهما وقد يقال بعدم تضادهما في عالم الواقع ما لم يصر في مقام المحركيّة لعدم امتناع كون شيء واحد محبوبا ومبغوضا من جهتين لشخصين بخلاف الاعراض الخارجيّة كالسواد والبياض فانه لا يمكن حصولهما معا في مورد واحد ولو من شخصين أحدهما يريد تلوينه بالسواد والآخر بالبياض فالارادة والكراهة وغيرها من مبادئ الأحكام ليست كالاعراض الخارجيّة بل من قبيل المثال الأول الذي قد عرفت عدم امتناع اجتماع المحبوبيّة والمبغوضيّة

ص: 12

بالنسبة إلى شخصين فيها .

الا ان الجواب عن هذا انها أيضا تكون كالاعراض الخارجيّة لأنّه إذا كان في شيء واحد جهتان مصلحة ومفسدة فاما أن يكون احديهما هي الغالب فالحكمعلى طبقه والا فحكم ثالث ولا يمكن جعل الحكم على طبق كلا الملاكين مطلقا .

نعم لو صحّ هذا المبنى لأمكن الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري بأسهل وجه لانحصار التضاد حينئذٍ في مقام المحركيّة والبعث مع ان الحكم الذي يبعث نحو متعلّقه ليس إلاّ الحكم الظاهري فكيف يضاده الحكم الواقعي الذي لا بعث له ولا يحرّك نحو متعلّقه .

توضيح وتكميل: سبق البحث عن كون النهي متعلّقا بالأفراد على نحو الاستغراق وانه على نهج القضايا الحقيقيّة لا الخارجيّة . وربما يذكر فيما يترتّب عليه بحث اجتماع الأمر والنهي . ولا يخفى ان التضاد بين الأحكام لا مجال لانكاره بل هو مسلم فعنوان الباب بأنّه هل يجوز اجتماع الأمر والنهي لا معنى له بعد مسلميّة تضاد الأحكام وعليه لا يجوز اجتماع الأمر والنهي في مورد واحد وهذا البحث كلامي لا ربط له بالاصول .

والذي ينبغي أن يقع البحث فيه بعد الفراغ عن قضيّة التضاد بينهما هو انه إذا تعلّق الأمر بشيء أي طبيعة والنهي بطبيعة اخرى كان بينهما أي المتعلقين عموم من وجه وكانا من غير العناوين الاشتقاقيّة بل مبدئين ويوجدان بايجاد واحد في مادة الاجتماع هل يتّحد المتعلّق أم لا ؟ وقولنا في العنوان كونهما عامين من وجه لخروج ما إذا كانا على نحو التباين والظاهر ان لم يقع البحث فيما اذا كانا متبائنين ومورد كلامهم في عنوان الباب نزاعا إنّما هو ما إذا كانا عامين من وجه كما ان

جواز اجتماع الأمر والنهي

ص: 13

التقييد بكونهما مبدئين دون العنوانين الاشتقاقيين لاخراج نحو العالم الفاسق الذي كان محلاًّ للأمر والنهي من جهتين مع اتحاد العنوانين ذاتا ومصداقا فانه خارج عن مورد باب الاجتماع وحينئذٍ . فباب الاجتماع ينحصر بما إذا كانا مبدئين بينهما عموم من وجه كالغصب والصلاة فاذا تعلّق الأمر بالصلاة والنهيبالغصب والتصرف في مال الغير فهل يتّحد المتعلّق في مورد اجتماع الغصب والصلاة أم لا ؟ بل يتعددان .

ثمّ انه على فرض الاجتماع وكون المتعلق واحدا فيدخل في باب النهي في العبادات كما انه على تقدير عدم وحدة المتعلّق بل تعدّده يدخل في صغرى باب التزاحم وحينئذٍ فالكلام يقع في مقامين:

المقام الأوّل: في انه هل تعلّق الأمر بطبيعة والنهي باخرى يوجب اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد في مورد اجتماع العنوانين في المصداق أم لا ؟ وبعبارة اخرى هل تعدد العنوان يوجب تعدد المعنون وكون متعلق النهي شيئا ومتعلّق الأمر شيئا آخر لتعدّد ماهيّتهما أم لا ؟ بل كما انّهما في الايجاد واحد كذلك في الوجود ولا يمكن كون شيء واحد ووجود فارد مصداقا لماهيتين .

ثمّ انه على تقدير تعدّد المتعلّق وكون اجتماعهما في الوجود من باب التركيب الانضمامي وان وضع الجبهة على الأرض كما انه وضع وجزء الصلاة كذلك تصرّف في مال الغير ويستحيل اتّحاد المتعلّقين لرجوعه إلى وجود جامع بين الاعراض وقد بيّن في محلّه بطلانه وان ما به الامتياز في الأعراض عين ما به الاشتراك فلا جامع بين العرض والجوهر ولا بين الأعراض بعضها بالنسبة إلى بعض آخر . فالاين غير مرتبط بالوضع وكذاهما بالنسبة إلى الاضافة وهكذا

ص: 14

وحينئذٍ لابدّ من اثبات عدم سراية الأمر والنهي عن متعلّقهما إلى متعلّق الآخر بأن يكون متعلّق النواهي والأوامر هو خصوص الطبائع بمعنى وجودات الطبايع لا الأفراد بلوازمها الشخصيّة . وعلى هذا فلا يتجاوز الأمر عن متعلّق نفسه إلى متعلّق النهي وهكذا ولو فرض اجتماعهما في الايجاد والوجود بالتركّب الانضمامي .

المقام الثاني: متفرع على المقام الأوّل وهو انه إذا لم يتجاوز الأمر ولاالنهي عن متعلّق نفسه إلى متعلّق الآخر ونتيجة ذلك عدم كون ذلك من صغريات باب النهي في العبادات الذي نتيجته القيديّة الواقعيّة والمانعيّة كذلك فيكون نتيجة الاجتماع كونه من صغريات باب التزاحم لعدم خلو باب الاجتماع من كونه صغرى لاحدى المسئلتين . فامّا أن تكون نتيجته صغرى لباب النهي في العبادات وأمّا صغرى لباب التزاحم الذي يخالف ساير أبواب التزاحم كالمقدّمة المحرمة والاستقبال والاستدبار المتلازمين وغيرهما . وحينئذٍ فيترتّب عليه كون المانعيّة بناء على تغليب جانب النهي مانعية علمية كما في مطلق أبواب التزاحم وفي حال الجهل بالموضوع لا مانعيّة واقعا . بل يمكن القول بذلك حتّى اذا كان عامدا في ذلك جاهلاً بالحكم عالما بالموضوع . ولا يكون حينئذٍ الجاهل كالعامد . وعلى هذا فيصحّ الوضوء بمال الغير اذا لم يدر انه ماله وكذلك يصح له الاتمام اذا علم بعد الفراغ من الغسلات اذا قلنا بعدم كون الرطوبة الباقية على اليد مالاً عرفا أو قلنا بكونها تالفة غاية الأمر يترتب عليه الحكم الوضعي في المقامين وهوضمان ما أتلفه جهلاً من مال الناس ولا اثم عليه .

ثمّ إن لكلّ من المقامين مقدمات تخصه كما ان لهما مقدمات مشتركة فاحدى المقدمات المشتركة ان البحث عن لزوم الاجتماع وعدمه هل من

نتيجة عدم تجاوز الأمر والنهي عن متعلّقهما

ص: 15

المسائل الاصوليّة أو الفقهيّة أو من المباحث الكلاميّة أو من المبادى الأحكاميّة أو التصديقيّة أو التصوريّة ؟ لا اشكال في عدم كونه من المسائل الكلاميّة بالنظر إلى المقام الأوّل وكذا الثاني لعدم انطباق ضابط المسئلة الكلاميّة عليه كما هو واضح وكذا ليس من المسائل الفقهيّة ولا الأصوليّة ان جعلنا ضابط المسئلة الاصوليّة ما يقع نتيجة لكبرى قياس الاستنباط ضرورة عدم وقوع نتيجة المسئلة كبرى منه لأنّ المقام الاوّل نتيجته صغرى من صغريات باب النهي في العباداتبناء على اتّحاد المتعلّق كما انه بالنسبة إلى المقام الثاني أيضا يكون نتيجة البحث صغرى من صغرياته وبالنتيجة اما صغرى مسئلة النهي في العبادات أو لباب التزاحم وفي كلا البابين لا تكون النتيجة واقعة في كبرى قياس الاستنباط بل صغرى المسئلتين كما هو واضح .

وكذا ليس من المبادي الأحكاميّة فهو من أحد الأخيرين ولأوجه للثاني فيكون من المبادى التصديقيّة اما لباب التزاحم أو لباب النهي في العبادات هذا .

وأمّا اذا قلنا ان المسئلة الاصوليّة ما يقع في طريق الاستنباط نتيجة فلا اشكال في كون المقام كذلك .

توضيح: سبق التنبيه على ان محلّ البحث في باب الاجتماع ما اذا كان بين العنوانين عموم من وجه في التصادق على الأفراد الخارجيّة ولم يكونا ممّا يحملان على الذات فان كان كذلك فهو خارج عن بحث الاجتماع ويدخل في باب التعارض .

وبعبارة اخرى لابد من كون متعلّق الأمر والنهي في باب الاجتماع المبحوث عنه من المبادي لا من العناوين الاشتقاقيّة كالعالم والفاسق وقلنا

ص: 16

برجوع الثاني إلى كون الحيثيّة تعليليّة وان مصب الحكم الذات دون ما اذا كان عنوانا مبدئيّا لكن بنى بعضهم على رجوع مطلق ما اذا كان بين العنوانين المتخالفين عموم من وجه إلى باب التعارض .

وكيف كان فقد عرفت ان أخذ المبدأ لعدم رجوعه إلى باب التعارض الا انه قد يشكل بعدم كون مطلق المبادى راجعا في مادة الاجتماع إلى العموم من وجه كما في مثل الانفاق على واجبي النفقة والتصرّف في مال الغير والغصب وكما في مثل الوضوء بالماء بمال الغير والسر في ذلك ان الماء الذي يكون متعلّقا للوضوءفي الوضوء كما في التصرّف المنهي عنه في الغصب ليس له إلاّ وجود واحد فلا يتعدّد مع ان المفروض هو بوجوده الواحد متعلق الأمر والنهي معا . وكذلك مثال الانفاق فان المال الذي ينفق في نفقة واجب النفقة مال شخصي ودرهم خارجي فلا يمكن أن يكون متعلّقا للأمر بالانفاق والنهي عن التصرف فيه بالغصب بغير اذن مالكه بخلاف الصلاة في الدار المغصوبة مثلاً فانّها ليست كالوضوء بمال الغير كما انه على هذا يتوجّه اشكال آخر وهو عدم بقاء مورد صالح لكونه من باب الاجتماع حيث ان العناوين الاشتقاقيّة بأسرها خارجة عن مورد النزاع لكونها من باب التعارض وكذلك العناوين المبدئيّة التي ترجع إلى اتّحاد المتعلّق في الأمر والنهي وتكون من الحيثيّات التعليليّة الموجبة لعروض الحكم من الأمر والنهي على نفس الذات فأين موضع التركّب ومورد الاجتماع .

لكن يمكن التمثيل له بالصلاة والغصب اذا لم نستشكل فيهما بعدم امكان كونهما من البابين حيث ان الحركة الواحدة الصادرة لا يمكن أن تكون من مقولتين فكيف يجتمع الأمر والنهي ويتعلّق كلّ بمتعلّقه ولا يتّحد مع الآخر . الاّ انّه

اشتراط باب الاجتماع بتعلّق الأمر والنهي بالمبادي

ص: 17

لا واقع لهذا الاشكال حيث ان الغصب عبارة عن نفس اشغال المكان المندرج تحت مقولة الاين على أي حالة من الحالات والصلاة عبارة عن الأفعال الخاصّة التي ربما تنطبق على أكثرها وتندرج تحت مقولة الوضع فلا موجب لتوهم الاشكال وانه لا يمكن اتّحاد الأعراض مع ان الحركة في كلّ مقولة عبارة عن نفس تلك المقولة فاذا كانت في الاين أو الوضع أو باقي الاعراض فهو من الاين والوضع أو الفعل وهكذا كما انه اذا قلنا بالحركة الجوهريّة فالحركة فيها من مقولة الجوهر فحينئذٍ يتّضح عدم تعدّد وضع الجبهة على الأرض فهي من مقولة واحدة غاية الأمر ان قوام الغصب ليس الا باشغال المكان الذي يكون من مقولة الاينوالباقي من لوازم وجوده حتّى السجود المنطبق عليه عنوان الوضع ففي الحقيقة ليس هناك تركب بين مقولتين غاية الأمر في الحس لا يكون الا شيء واحد يقسمه المنشار العقلاني ويميزه ويجعل حصة من مقولة الاين وهو الغصب واخرى من مقولة الوضع وهو السجود والركوع وهكذا وقد عرفت كون الحركة كالهيولى الاولى في كل مقولة تكون من تلك المقولة ومع ذلك فلا يمكن جعل الوضوء والانفاق بمال الغير بدون اذنه من باب الاجتماع .

ثمّ في مورد البحث وهو الصلاة إنّما يندرج المثال في باب الاجتماع بناءً على ما ذكرنا من جهة ان المكان كالزمان من لوازم وجود الشيء وتحقّقه خارجا ولا يمكن تفكيك الشيء من لوازم وجوده فحينئذٍ ينطبق باب الاجتماع عليه ويكون من محلّ البحث .

وقد اشير سابقا إلى ان العموم والخصوص من وجه إنّما يكون بين الاعراض الخارجيّة بحسب الوجود الخارجي على ما ذكرنا لا بين المفاهيم فانها متبائنات ولا بين الذوات فتدبر وراجع .

ص: 18

تكميل وتتميم: قد أشرنا إلى كون الصلاة في المكان الغصبي هو المثال لباب الاجتماع الا ان هنا نكتة لابدّ من التنبيه عليها وهي ان العناوين ان كانت تقييديّة فيكون من باب الاجتماع بخلاف ما اذا كانت تعليليّة فخارجة عنه . والضابط لذلك كما مرّ سابقا هو ان العناوين الاشتقاقيّة كلّها من التعليليّة التي لايمكن كونها من باب الاجتماع .

أمّا العناوين المبدئيّة التي الفرق بينها وبين العناوين الاشتقاقيّة كالفرق بين الهيولي والصورة وبين الجنس والفصل حيث ان الهيولى والصورة بشرط لا عن الحمل والاتّحاد مع الاخرى وكذلك المبادى فانها بشرط اللا عن الاتّحاد والحملبخلاف الجنس والفصل فانّهما لا بشرط عن ذلك ولذا يحمل أحدهما على الآخر كما يحمل العناوين الاشتقاقيّة على الذوات وتتّحد معها على ما سبق في بعض الأبحاث ( وظنّي انه مقدمة الواجب ) الا ان العناوين المبدئيّة أيضا تكون على قسمين فقسم منها يكون تعليليّة وقسم آخر تقييديّة .

أمّا الأوّل فهو مطلق ما اذا كان لمتعلّق الحكم تعلّق بموضوع خارجي كما في الوضوء فانه وإن لم يكن من العناوين الاشتقاقيّة لكنّه حيث يتعلّق بالماء الخارجي فيمتنع كونه من باب الاجتماع بل يدخل في باب التعارض وكما في الستر الصلوتي والسجدة على التربة المغصوبة أو وضع باقي الأعضاء السبعة على الأرض المغصوبة فانها بأسرها وأمثالها خارجة من باب الاجتماع .

ثمّ انه إمّا أن يكون هناك جمع حكمي بين الدليلين المتكلفين لبيان الأمر والنهي بأن يكون أحدهما أظهر والآخر ظاهرا أو غير ذلك كما في المطلق الشمولي والعام البدلي فانه لو قيل بتقدم العام الشمولي على البدلي فلا موجب

الفرق بين العناوين التقييديّة والتعليليّة

ص: 19

لكونه من باب الاجتماع والفرض مجرّد خروجه من باب الاجتماع سواءً كان داخلاً في باب التعارض محكوما بأحكامه من التساقط أو الرجوع إلى المرجحات أم لا بل كان هناك جمع حكمي بين الدليلين .

أمّا الثاني ففي المبادي التي لا تتعلّق بموضوع خارجي كما في الصلاة اذا كانت مواضع السجدة ملكاً(1) للمصلّي فانه من باب الاجتماع ويكون الغصب متحقّقا بمجرّد اشغال فضاء الناس أو استلزام صلاته ذلك ولا وجه لما يقال ان الأرض اذا كانت مقيرة فلا يكون التصرّف فيها ( عليها ) غصبا اذ فيه ما هو واضح الورود كماانه يكون من باب الاجتماع ما إذا كان بدنه في فضاء الناس غير المأذون له وركوعه وسجوده في ملكه ولا معنى لتوهم اتّحاد الغصب والصلاة في مثل وضع الجبهة على تربة نفسه اذا كانت موضوعه على الأرض المغصوبة التي لا يأذن المالك في التصرّف فيها اذ لا يمكن كون الغصب صلاة والصلاة غصبا بل الملابسات كلها خارجة عن حقيقة الشيء افترى انه اذا شرب ماء نفسه في ظرف له ومكان شرب الماء والتصرّف فيه بذلك دار الغير أو أرضه فيكون هذا الشرب حراما أو غصبا كلاّ فكذلك الصلاة التي يأتي بها لا تكون غصبا وان استلزمته .

وكيف كان فالمثال المناسب التام الانطباق على مورد البحث هو ما اذا صلّى وبدنه في مال الغير وموضع سجوده ملك نفسه أو وركوعه أيضا فانه اما أن لا يكون هناك تركب أو يكون تركبا انضماميّا لا اتّحاديّا .

ثمّ انه قد أشرنا إلى النسب الأربع وان كلّ كليين اما أن يكون جهة الصدق على الأفراد فيها واحدة فمتساويان أو لا بل متعدّدة وحينئذٍ فاما أن يتخالفا أو

ص: 20


1- . الظاهر لزوم كون العبارة لم تكن ملكاً للمصلى .

متبائنان والثاني لا يمكن وجودهما في مورد واحد وأمّا المتخالفان فيمكن وجودهما في مورد واحد الا ان جهة الصدق في مادة الاجتماع هي بعينها تلك الجهة الموجودة في مادة الافتراق فاذا فرض تصادق كليين في مادة الاجتماع ولو كان لحكمين لهما تعلق بالموضوع الخارجي فلا يمكن صيرورة الجهتين المتعددتين متحدة فهما اثنان متعددان فكيف يمكن القول بكون مادة الاجتماع تعليليّة الجهة لا تقييديّة بل لابدّ أن يكون تقييديّة وعلى هذا فيكون ما خرج من باب الاجتماع داخلاً فيه .

والجواب عن الاشكال الوارد على التقييديّة في ما اذا كان للمتعلّق تعلّق بموضوع خارجي ان جهة الصدق والانطباق لابدّ أن يكون في مورد البحث أيالعموم من وجه في كلّ من العنوانين مخالفا للجهة الموجبة للصدق في الاخر وبعبارة اخرى حيث الصدق والانطباق في العناوين الاشتقاقيّة غير ما هو المناط في غيرها . ففي العناوين الاشتقاقيّة إنّما تكون جهة الصدق تعليليّة لانطباق عنوان العام مثلاً على مصداقه وفي صورة اجتماع العنوانين لا يكون هناك تعدّد ذات بل الذات المتّحدة ينطبق عليها العنوانان ويكون الحكم واردا عليه . والمبدء المأخوذ فيه كونه بشرط لا بخلاف العنوان الاشتقاقي المأخوذ فيه اللابشرطيّة يكون جهة تعليليّة . نعم حيث ان بين عنوان العالم والفاسق وكذا بين عنوان العالم والعادل بحسب العناوين الخارجيّة العموم من وجه في التصادق فلابدّ أن تكون جهة الصدق في مورد الاجتماع عينها في مورد الافتراق . ففي مادّة الاجتماع يكون المجمع جامعا للعنوانين لما انه جامع للجهتين الموجبتين للصدق والانطباق .

أمّا العناوين غير الاشتقاقيّة فقد قدّمنا انها تارة يكون لها تعلّق بالموضوع

تصوير البحث على النسب الأربع

ص: 21

الخارجي كما في الوضوء بالماء واخرى لا يكون كذلك وقلنا ان الأول خارج عن مورد البحث حيث انه يرجع إلى الجهات التعليليّة كالعناوين الاشتقاقيّة ويكون داخلاً في باب التعارض . اذا كان هناك جمع حكمي فيها والا فيعمل ما يقتضيه قواعد باب التعارض وأمّا الثاني فمورد البحث في باب الاجتماع الا انه قد استشكلنا في القسم الأوّل وقربنا وجه دخولها في العناونين التقييديّة وقلنا انه لا يمكن صدق العنوانين على مورد الاجتماع الا لوجود الجهتين فيه فحينئذٍ ولو كان للمتعلّق موضوع خارجي لكن مع ذلك يمكن أن لا تكون تقييديّة الا ان هذا لا وجه له لما أشرنا إليه في العناوين الاشتقاقيّة من كون ذلك جهة الصدق على الذات والوجود الخارجي فالحيثيّة تعليليّة كما فيها لا تقييديّة .

ثمّ ان العموم من وجه في مثل العالم والجاهل والعادل والفاسق بعضها معبعض ليس لازمه تعدّد الأفراد بأن يكون هناك ثلاثة أفراد كزيد يكون عالما عادلاً وعمرو يكون عالما فاسقا غير عادل وبكر عادلاً جاهلاً بل يمكن تصويره بالنسبة إلى فرد واحد غاية الأمر في الحالات المختلفة فيمكن كون زيد في حال كونه جاهلاً فاسقا ان يصير عادلاً ويمكن أن يكون بعد ذلك عالما عادلاً كما انه يمكن اذا كان عالما عادلاً يصير جاهلاً أو فاسقا فما كتبوا في بعض المواضع من لزوم الانفراد بين الأفراد ليس على ما ينبغي .

واعلم ان القوم إنّما عنونوا النزاع في ما يكون بين العنوانين المتعلّق أحدهما للأمر والآخر للنهي عموم وخصوص من وجه لكنه لا مانع من تعميمه لما اذا كان بينهما التساوي في الصدق بمعنى التلازم بين العنوانين وان أحدهما كلّما يتحقّق فرد منه في الخارج يوجد من الآخر كذلك للملازمة بينهما وبين جهتي

ص: 22

صدقهما وعدم عنوان النزاع في هذا القسم لا ينافي كونه محل البحث لوجود مناط باب الاجتماع فيه وعدم انطباق ضابط باب التعارض عليه حيث ان المصلحة في طبيعة والمفسدة في طبيعة اخرى ولو فرض انهما متلازمتان في الصدق والانطباق .

نعم لو رجع إلى وجودهما أي الملاكين في شيء واحد فكان من باب التعارض ويخرج عن مورد البحث كما في العناوين الاشتقاقيّة .

وعلى هذا فيشكل تفريق المحقّق النائيني في المقام مع ما سبق(1) في بعض الأبحاث الراجعة إلى الترتب من ارجاع المتلازمين في الصدق المتخالفين في الحكم إلى باب التعارض لكون التعاند فيهما دائميّا وهنا صدق جريان أبحاثباب الاجتماع فيه ولازمه كون ذلك المقام من باب التزاحم .

ثمّ انه تارة يكون المتعلّق مفاد كان التامة واخرى مفاد كان الناقصة .

وبعبارة اخرى تارة يكون متمّم المقولة واخرى ليس كذلك والظروف التي هي تكون من متمم المقولة فقولك جائني زيد في يوم الجمعة أو ركب في ذاك المكان متمّم للمقولة كما انه تارة يكون متأصّلاً في عالم العين الخارجي أو في عالم الاعتبار ووعائه واخرى لا تكون كذلك بل منتزعا عن الوجود في وعاء الخارج أو الاعتبار كما انه تارة يكون من العناوين التوليديّة وينطبق عليه عنوان المسبب التوليدي وعنوان نفسه .

وكيف كان فجميع هذه الأقسام داخلة في محلّ النزاع من باب الاجتماع إلاّ خصوص ما يكون منتزعا فانّه لا وجود له متأصّل في عالم العين أو الاعتبار فهو

الفرق بين كون المتعلّق مفاد كان التامة والناقصة

ص: 23


1- . فوائد الأصول 1/321 .

بمنشأ انتزاعه يمكن أن يكون من جزئيّات مورد النزاع سواء كان العنوان من العناوين المستقلّة المتأصّلة ومفاد كان التامّة أو من العناوين المتمّمة للمقولة من الاعراض النسبيّة أو غيرها توليديّة أم لا يشمله مورد البحث .

ثمّ انه بمقتضى ما سبق من كون جهة الصدق في العامين من وجه في مادة الاجتماع لابدّ أن تكون في كلّ واحدة من الجهتين مغايرة للاخرى (إذ لو لا هذا لانتزع كلّ شيء من كلّ شيء فلابدّ أن يكون جهة انطباق العالم على الأفراد شيئا خاصّا وخصوصيّة مخصوصة لا توجد في كلّ مورد ولا تصدق على كلّ شيء ) فتارة نعلم باختلاف جهة الصدق واخرى نحتمل اتّحاد الجهة .

ولا يخفى ان طرو هذا الاحتمال ساد لباب الاجتماع وجريان أبحاثه بل اذا انطبق العنوانان فلا معنى لاتّحاد الجهة .

ان قلت: ينتقض عليك بانطباق العناوين الكثيرة على ذات الباري تعالى معانه أعلى البسائط وأبسطها مع انه لا يمكن انطباق العناوين المختلفة إلاّ مع اختلاف جهات الصدق والانطباق فكيف يصح دعوى لزوم اختلاف الجهة .

قلت: هذا قياس مع الفارق فان الصفات في الباري تعالى عين ذاته عزوجل فلا تكثر هناك لأن كمال توحيده نفي الصفات عنه مع انه لا ندري كيفيّة الانطباق .

وعلى كلّ حال فليس ذلك نقضا والتعبير بأنّه بسيط أو أبسطها أو أعلاها ليس على ما ينبغي .

إن قلت: بناءً على العينيّة لابدّ أن لا يكون فرق بين قولك يا اللّه ويا عالم .

قلت: نعقل فرقا بينهما إلاّ حقيقة الأمر عدم تعرّضنا لكيفيّة الانطباق .

ص: 24

وإن شئت فأقول معنى يا عالم معنى قولك يا اللّه .

فتلخّص ممّا ذكرنا من المقدّمات ان مورد بحث الاجتماع في العناوين التي ليست باشتقاقيّة سواء كانت عين المقولة أو من متمّماتها وسواء كانت من الامور المتأصّلة في الخارج أو في عالم الاعتبار توليديّا أو غيره كان بينهما عموم من وجه لا يتلازمان في الصدق والانطباق .

ثمّ انهم بنوا مسئلة الاجتماع على تعلّق الأحكام بالطبايع أو الأفراد وأنكر المحقّق الخراساني(1) هذا الابتناء إذ ظاهر كلامه منكر لذلك على جميع الوجوه المتصوّرة في هذه المسئلة الا ان للمحقّق النائيني قدس سره (2) تفصيلاً في ذلك وانه على بعض المباني الحق مع المحقّق الخراساني وعلى بعض الوجوه الآخر يمكنالابتناء .

بيان ذلك ان في وجود الكلي الطبيعي مذاهب . أحدها انه لا وجود له في الخارج بنحو من أنحاء الوجود لا مستقلاً ولا ضمنا لا أصلاً ولا تبعا كي يتشخص أوّلاً ثمّ يوجد أو يوجد الطبيعي ثمّ يتشخّص بل ليس إلاّ وجود الأفراد والكلّي أمر انتزاعي ينتزع من هذه الوجودات الخارجيّة فانه على هذا الوجه يمكن القول بتعلّق الأحكام بالطبايع ومع ذلك يكون من باب الاجتماع كما انه يمكن القول بتعلّقها بالأفراد وعدم كونها من باب الاجتماع حيث ان الموجود في الخارج ليس إلاّ الأفراد والكلي المنتزع ينطبق على هذا الفرد أو ينتزع منه كما ان الكلي الآخر كذلك فيمكن أن يذهب ذاهب إلى الاتّحاد في صدق الكليين على الوجود الواحد

بناء المسئلة على تعلّق الأحكام بالطبائع أو الأفراد

ص: 25


1- . كفاية الأصول 1/240 .
2- . فوائد الأصول 1/416 وما بعده .

وانتزاعهما منه كما يمكن القول بتعدّد الجهة والتركب الانضمامي . فهذا أحد وجوه النزاع الذي قد عرفت عدم ابتناء مسئلة الاجتماع عليه .

الثاني: أن يكون النزاع في ذلك راجعا إلى ما يتصوّر من التخيير العقلي والشرعي فعلى تقدير كون التخيير عقليّا فالواجب هو وجود الطبيعة وهو منطبق على كلّ هذه الأفراد على نهج واحد فهو مخير في اختيار أيّها شاء في مقام الامتثال وعلى تقدير كون التخيير شرعيّا فالفرد بخصوصه وتشخصه يكون مأمورا به أو منهيّا عنه فعلى التخيير الشرعي تكون المسئلة مبتنية دون التخيير العقلي .

الثالث: أن يكون النزاع في ذلك على نحو مقدّميّة المقدّمة لذيها ويكون هناك في مورد الاجتماع في المجمع خصوصيّة يمكن أن يكون بها مقدّمة وجوديّة لكلتا الطبيعتين وكان الأمر والنهي متعلّقا بنفس الطبيعة لكنّه يسرى من ذي المقدّمة خطابان تبعيان إلى هذه المقدّمة الواحدة ويكون من باب الاجتماعالا ان هذا مبتني على مسئلة تصوير الخطاب المقدمي وعلى فرضه فهو خطاب تبعي لا نفسي غيري لا أصلي ليس له طاعة وعصيان بل المناط على الخطاب الأصلي النفسي الذي يتصوّر بالنسبة إليه الاطاعة والعصيان فهذا خارج عن فرض مسئلة الاجتماع ( أقول: الظاهر ان هذين الأخيرين ليسا نحوين من صور المسئلة وجريان النزاع مبنيّا عليهما ) .

الرابع أن يكون الطبيعي متخصّصة بخصوصيّة ما بحيث لا تخرج عن الكليّة إلى الشخصيّة بل يكون من قبيل ضمّ الكلّي إلى الكلّي فاذا يوجد هذا الكلّي فلابدّ وان يوجد مع هذه الخصوصيّة في سعة أفرادها ضمن أيّ فرد .

ص: 26

وبعبارة اخرى ان النزاع المعقول في وجود الكلي هو تعلقه بوجودات الطبايع بلا سراية إلى خصوصيات الأفراد أو تعلّقها مع تلك الخصوصيّات فانه لا معنى للنزاع في كون المتعلّق هل هي الطبيعة بما هي هي أو بما هي موجودة ولا اشكال في عدم احتمال تعلّق الحكم بنفس الطبيعة بل يتعلّق بالوجود ثمّ ان الوجود إذا كان المراد الخارجي المتحقّق أيضا فلا يعقل طلبه لكونه من طلب تحصيل الحاصل كما ان متعلّقات الأحكام ليست هي الوجودات الذهنيّة فلابدّ وأن يكون محلّ الكلام في ذلك هو تعلّق الحكم بعد مسلميّة كون مركبه هو الوجود وجود نفس الأفراد بلا لحاظ خصوصيّاتها المشخّصة من الزمان والمكان وبلا لحاظ اللوازم أو مع لوازم الفرديّة ولا اشكال في ابتناء مسئلة اجتماع الأمر والنهي على هذا الوجه فانه يمكن القول بتعلّقهما بالطبايع بمعنى عدم السراية إلى لوازم الطبيعة بل الأمر واقف على نفس الطبيعة كالنهي فحينئذٍ في مثل الصلاة يجتمع العنوانان لأن اشغال الحركات الصلاتية لمكان أو زمان حسب الضرورة واللابديّة لعدم امكان خروجها عنهما لكون الانسان زمانيّا مكانيّا وحركاته كذلك ينطبقعليها التصرّف إذا كان في ملك الغير فيكون غصبا .

ونفس هذه الحركات صلاة وحيث ان الجهتين متغايرتان والمفروض ان الأمر لا يسري من متعلّقه إلى لوازم وجوده وكذلك النهي فيكون المجمع من موارد باب الاجتماع لكونه مصداقا للتصرّف من حيث اشغاله للمكان للصلاة باعتبار نفس الحركات والفرض ان كلاًّ منهما واقف على موضوعه لا يتعدّى إلى الآخر وعلى هذا فيكون من موارد باب التزاحم بخلاف ما اذا قلنا بالسراية فحينئذٍ يخرج عن باب التزاحم ويدخل في باب التعارض .

تصوير النزاع

ص: 27

فظهر انه بناءً على هذا الوجه تكون المسئلة مبتنية على كون تعلّق الأحكام بالطبايع أو الأفراد على ما عرفت

نعم لا فرق في ذلك بين اصالة الوجود أو الماهيّة فيمكن القول باصالة الوجود وتكون المسئلة من باب الاجتماع كما يمكن القول باصالة الماهيّة واختيار خروجها من باب الاجتماع واختيار عدم الاتّحاد(1) .

نتيجة الأبحاث:

وبعد عرفت ما ذكرناه من المقدّمات وجعلتها في بالك فتدبّر لها فنقول انه استدلّ للقائلين بالجواز بوجوه ترجع إلى معنى فارد وأمر واحد وهو لا محصّل له كما ان عمدة أدلّة القائلين بالمنع ما ذكره في الكفاية(2) .

وأورد عليه المحقّق النائيني(3) اشكالات لا يرد منها عليه الا واحد وهوتقسيمه الحكم إلى الانشائي والاقتضائي والفعلي وهذا يرجع إلى النزاع في المبنى والوجوه الآخر المستند إليها في القول بالمنع راجعة إلى الوجه الذي ذكره قدس سره في الكفاية . وأحسن الوجوه وأمتنها في الاستدلال على الجواز بمعنى عدم لزوم الاجتماع هو انه لا يكون بين العنوانين في مورد الاجتماع جهة اشتراك بل هما بماهيتهما متبائنان سواء كان أحدهما جوهرا والآخر عرضا أو كلاهما عرضين أو غير ذلك بل لابدّ وأن يكون هناك وجود أن يتعلّق الأمر بأحدهما والنهي بالآخر ولا ربط لأحدهما بالآخر إلاّ مجرّد تركب المجمع منهما أو ان كان التعبير بالمركب

ص: 28


1- . ثمّ انّه بعد ما عرفت كونهما متعدّدين عقلاً فهل حسّا كذلك أو لا ؟ فان كان كذلك أي متعدّدا يمكن وجودهما بايجادين فلا ربط له بمسئلة الاجتماع وإلاّ فداخل فيها .
2- . كفاية الأصول 1/249 وما بعده .
3- . فوائد الأصول 1/424 وما بعده .

مسامحة في بعض مواردها فاذا فرض ان زيدا في الدار أفيكون الدار عين زيد أو الكون فيها بل زيد شيء وكونه فيها شيئاً آخر كما انه اذا قلنا ان ضرب زيد في الدار فكذلك ويستحيل صدق ماهيتين على فرد واحد ومصداق فارد بل لابدّ في ذلك من كون الوجود الواحد وجودا لماهيتين حقيقة وان كان في الحسّ واحدا فاجتماع العنوانين في الايجاد الواحد كاجتماع الزنبور مع الانسان في المكان فليس أحدهما عين الآخر بل إنّما هو مجرّد الملازمة الاتّفاقيّة أو الدائميّة بناءً على ما ذكرنا من امكان جريان نزاع باب الاجتماع في التعاند الدائمي وليس من باب التعارض كما في استلزام استقبال القبلة لاستدبار بعض الجهات وفرض حرمة الاستدبار فانه لا يخرج عن باب التزاحم إلى التعارض لعدم انطباق ضابط باب التعارض عليه حيث قدمنا في المباحث السابقة من كونه عبارة عن تزاحم المناطين في مقام الجعل والداعويّة ولا ينطبق هذا على ما نحن فيه من التزاحم الدائمي بين شيئين في الأمر والنهي وما ذكرنا هوالمستفاد من كلام المحقّق النائيني ولذلك استشكلنا عليه بعدم التزامه بلازم كلامه في باب الضدّ حيث جعلهذا القسم من التعاند راجعا إلى باب التعارض .

وان أجزنا هذا الضابط فلابدّ من الالتزام بما جعله المحقّق الخراساني(1) ضابطا لبابي التعارض والتزاحم وحينئذٍ فيكون مثل قولنا أكرم العلماء ولا تكرم الفسّاق داخلاً في باب التزاحم لتزاحم المقتضين .

وكيف كان فاذا اختلف جهة الصدق في المجمع واستحال كون الحركة الواحدة صلاة وغصبا بما انهما من مقولة واحدة وإلاّ فلا يمكن الاعلى فرض

عدم ورود ايراد المحقّق النائيني إلاّ واحداً

ص: 29


1- . كفاية الأصول 1/245 - 246 .

كونهما من مقولتين ومعه لا تكون واحدة بل متعدّدة ولو كان واحدا حسا فلا يوجب من تعلّق الأمر بشيء والنهي بآخر واجتماعهما في الايجاد الواحد بل ولو بايجادين متلازمين كون كلّ منهما متعلّقا لحكم الآخر لما ذكرنا في بعض المقدّمات من عدم سراية الحكم إلى لوازم وجود متعلّقه من الطبيعة المأمور بها والمنهي عنها فالأمر وارد على متعلّقه والنهي كذلك ولا يسري أحدهما من متعلّقه إلى متعلّق الآخر والفرض ان المتعلّقين وان كانا متلازمين في الايجاد الا انهما متعدّدان في الوجود لان المتعدد ماهيّة متعدّد وجودا .

نعم ان كان هناك وجود واحد فلابدّ وأن يكون مصداقا لمقولة واحدة ولا ربط له بباب الاجتماع حيث انه في ما اذا يجتمع العنوانان على مورد واحد ويتصادقان باختلاف جهة صدقهما وتباينهما بالذات والاشتراك بينهما كي يكون المايز هو الفصل فاذا ثبت جواز الاجتماع في الايجاد الواحد .

فاعلم انه حيث لا يمكن الجمع بين موافقة الأمر في المجمع وعدم مخالفة النهي وكذلك لا يكون من مصاديق باب التعارض فتكون نتيجة البحث في بابالاجتماع تحقّق المصداق لباب التزاحم وبعد ذلك يقع الكلام في انه من أيّ قسم من أقسام التزاحم فهل من قبيل التزاحم في المقدّمة المحرمة وذيها الجاري فيه الترتب أو من قبيل التزاحم في باب التضاد الكافي فيه قصد المصلحة وإن لم يكن هناك أمر أو لا ؟ وهل تجري المرجحات السابقة الذكر لباب التزاحم هاهنا أو تختصّ بباب التزاحم على وجه التضاد ؟ فيه كلام وبحث وان لم يذكروا هذه الأبحاث .

ثمّ انه بناءً على ما ذكرنا فاذا كان المأمور به غير عبادة فلا اشكال في

ص: 30

سقوطه إذا أتى بالمجمع وان حصل باتيان المنهي عنه . وأمّا إذا كان عبادة فهل تصح أو لا ؟ لا اشكال في عدم كون عدم ملازمة الامتثال أو الوجود لاتيان المنهي عنه من قيود المأمور به .

فعندنا لاتصح العبادة لمنافاة ذلك لقصد القربة المعتبر في العبادات لا لخصوصيّة في ذلك لا يمكن صدق المأمور به عليه لمانع آخر بل المانع إنّما هو فقد بعض قيود المأمور به وهو وجود القربة فيه ولذلك نقول في صورة الجهل بالموضوع أو الحكم ولو عن تقصير لا مانع من صحّة الصلاة . غاية الأمر اذا تصرّف في مال الغير إنّما يضمن الاجرة وأمّا العبادة أي الصلاة فلا نقص فيها لوجود جميع ما اعتبر فيها فهي تنطبق على المجمع في ذلك الحال . بل لقائل أن يمنع عدم تحقّق القربة حال العلم فلا بطلان أصلاً كما انه اتّفقت كلمة الأصحاب على الصحّة في الشبهة الموضوعيّة للغصب والتصرّف في ملك الغير حال الصلاة اللازم منها وهذا من الشواهد على صحّة ما قلنا مضافا إلى البرهان اللمي . فهو برهان انّى لذلك والا فعلى فرض امتناع الاجتماع تكون نتيجة المسئلة تحقّق الصغرى لباب التعارض وإن لم يكن من تعارض الحجّة واللاحجّة . وحينئذٍ بناءعلى تغليب جانب النهي يكون من النهي في العبادات ويوجب المانعيّة الواقعيّة مطلقا سواء حال العلم أو الجهل الا أن يكون هناك دليل يقتضي الصحّة في صورة الجهل كالنسيان وهو ليس الا ( صحيحة لا تعاد الصلاة )(1) وهي مخصوصة بصورة النسيان ولا تشمل حال الجهل .

نعم بناء على ما ذهب إليه صاحب المدارك من كون المستفاد من الأدلّة

يسقط الأمر باتيان المجمع في غير العبادة

ص: 31


1- . وسائل الشيعة الباب 1/14 من أبواب أفعال الصلاة .

ليس إلاّ مانعيّة المعلوم وينكر اماريّة السوق واليد ويجعلهما من موارد ما اذا لم يتحقّق المصداق الممنوع فلا اشكال فالميتة إنّما هي معلوم الميتية ومنعها إنّما هو في هذه الصورة وكذلك بعض الموانع الآخر وعليه فلا نحتاج إلى ذلك ثمّ ان من موارد باب الاجتماع ما اذا لبس الحرير أو الذهب في الصلاة ولو كان في مثل لبس الحرير ورد النهي في الصلاة فيه فيجري فيه بعض ما ذكرنا .

ايقاظ:

ما ذكرنا في المباحث السابقة من عدم انطباق عنوان النزاع في باب الاجتماع على مثال الغصب والصلاة إنّما هو اذا كان السجود على أرض الغير وملكه على نحو يكون ما يصحّ السجود عليه للغير .

أمّا إذا كان ملكا له وإنّما المكان للغير فلا وجه للاشكال فيه كما سبق إليه الاشارة بل هو المثال الوافي الصحيح لمورد البحث كما مثّلوا به من السابق ولعلّنا سنوضح هذه الجملة ونشبعها بمزيد بيان في ما يأتي إن شاء اللّه .

فلنرجع إلى نتيجة البحث فنقول وباللّه التوفيق قد تلخص ممّا ذكرنا من المقدّمات انه لا يكون اجتماع الأمر والنهي في مادّة الاجتماع لما أشرنا إليه قريبافي بعض المقدّمات من عدم سراية الأمر والنهي عن متعلّقهما إلى لازم وجوده ومتعلّق كلّ بالنسبة إلى الآخر في مادّة الاجتماع من لوازم وجوده فلا وجه لتعلّق حكم الآخر إليه ولو بالتبعيّة والسراية فالكلّ موقوف عليه حكمه لا يتعدى إلى متعلّق الآخر فلا اتّحاد هناك كما ان على القول بالمنع لازمه اتّحاد المتعلّقين .

ثمّ انه على فرض الاجتماع وعدم المنع لتعدّد المتعلّق حقيقة واستحالة اتّحاده لتعدّد المقولتين فيكون مادة الاجتماع محكوما بحكمين بالنسبة إلى كلّ

ص: 32

من المتعلقين . فبالنسبة إلى متعلّق الأمر واجب وبالنسبة إلى الآخر حرام لا ان مورد الاجتماع بتمامه حرام أو واجب لا فانه عين مدعى الامتناعى ومن يقول باتّحاد المتعلّق بل المراد هو ما ظهر لك من المباحث السابقة من ان مورد الاجتماع وجود ان انضماميان فمتعلق الأمر وجود منضم إلى متعلّق النهي ولكلّ من المتعلّقين حكم نفسه بلا سراية إلى الآخر كما انه على تقدير القول بالامتناع لاتّحاد المتعلّق فيكون المسئلة من صغريّات باب التعارض بخلاف الاجتماع لتعدّد المتعلّق فانه من صغريّات باب التزاحم الا ان مجرّد اندراجه في باب التعارض بناء على الاتّحاد والامتناع لا يوجب التساقط . بل إذا لم يكن هناك جمع دلالي بين الدليلين لكن في المقام يمكن الجمع بينهما لكون الصلاة إنّما اريد منها صرف الوجود . والوجود البدلي الذي يمكن انطباقه على كلّ فرد بحسب لازمه من وجوده في هذا المكان أو ذاك وهكذا والغصب إنّما يحرم مطلق وجوده وطبيعته الشموليّة وقد تحقّق في محلّه عدم التعارض بين المطلق البدلي والشمولي لعدم اطلاق البدلي مع الشمولي كي يشمل هذا الفرد الذي يلازم الغصب كما في لا تكرم الفاسق وأكرم عالما فيخرج الفرد من الصلاة الملازمة للغصب عن تحت دائرة الطبيعة الصلاتيّة بما هي مأمور بها وإن لم يخرج عن تحت أصل الطبيعة لكنّهلا فائدة فيه ما لم تكن ينطبق عليه المأمور به وهذا بخلاف ما اذا كان من مصاديق وصغريات باب التزاحم فانه لوكان على نحو التزاحم في باب التضاد فلازمه صحّة الصلاة مطلقا سواءً في حال العلم والجهل بخلاف باب التعارض فانه تكون الصلاة باطلة مطلقا سواء في حال العلم والجهل لعدم انطباق المأمور به على المأتي به مع ان المختار والمتحصّل من المباحث السابقة كون المقام من تعدّد المتعلّق وكونه

الاجتماع انضمامي لا اتّحادي

ص: 33

من باب التزاحم . فيشكل الأمر لما ذهب إليه الأصحاب من البطلان في صورة العلم اتفاقا حسب ما وصل إلينا فتاويهم وان احتمل وجود المخالف الذي لم يعرف خلافه . مع ان التزاحم في باب التضاد إنّما كان في الصورة العلم وتصحّ الصلاة ولو ترك أداء الدَين أو ازالة النجاسة من المسجد وأمّا في حال الجهل فلا يكون هناك تزاحم لعدم التنجز فالبطلان في صورة العلم لا يناسب التزاحم كما ان اعتبار وجود المندوحة كما عن جماعة والصحّة في حال الجهل لا يناسب باب التعارض فانه أي ربط للمندوحة بباب التعارض وأي خصوصيّة للجهل في عدم البطلان فعلى كلّ تقدير يرد الاشكال سواء قلنا باندراجه في باب التزاحم أو التعارض ولا باب هناك يقال باندراج المسئلة فيها لعدم كونها من تعارض الحجّة واللاحجّة كي يلتزم بخروجها منهما وكونها من ذاك الباب .

لكن يمكن الجواب بناء على المختار باندراجه في باب التزاحم والالتزام بالبطلان في صورة العلم وعدمه في غيرها اما للوجه الذي ذكرناه من عدم تحقّق قصد القربة في صورة العلم ولا مانع هناك غير هذا وأمّا لما ذكره المحقّق النائيني من تحقّق القبح الفاعلي المانع لمحبوبيته عند المولى بل هو مبغوض فلا يمكن أن يتقرّب بهذا الفرد .

بيانه: ان في باب التضاد إذا يترك الازالة ويشتغل بالصلاة فلا يكون هناكملازمة بين الترك والفعل بأن يترك الازالة ويأتي بالصلاة ولا مقدميّة لأحدهما تركا أو فعلاً للآخر بل إنّما هو مجرّد المقارنة لكلّ منهما مستندا إلى علّته . ففي

حين الاتيان بالصلاة لعلتها الخاصّة لها يترك الازالة لوجود الصارف أو عدم ارادتها واتّفق مقارنتهما في الزمان بلا ربط آخر بينهما أصلاً بخلاف ما نحن فيه

ص: 34

فان المكان من قبيل المقدمة للصلاة لأنه من مشخصاتها والشيء ما لم يتشخص لم يوجد مع ان الفرض عدم امكان الاتيان بالصلاة في لا مكان بل يراد اتيانها في هذا المكان وهو ملازم للعصيان باتيان المنهي عنه من التصرف في ملك الغير بدون اذنه .

وصدور هذا الفعل من هذا الفاعل في هذه الصورة قبيح . فلا يمكن أن يتقرّب به إلى حضرة المولى وليس القبح في نفس الصلاة كي يقال ببداهة بطلانه بل القبح في الصدور وهو فاعلي لا فعلي . فالصلاة لا نقص فيها إلاّ أنّ الفاعل يقبح منه صدور الصلاة الملازمة للحرام الذي يكون من قبيل مقدّماتها فلا يمكن التقرّب بها والحاصل ان المقام على عكس اتيان الصلاة في المسجد الموجب لزيادة الحسن والثواب فيها وهذا أي وجود القبح الفاعلي المانع من التقرّب في حال العلم دون الجهل لوجود المأمور به ولا قبح في صدورها من الفاعل لجهله ظاهر لمن تدبّر وأعطى التأمّل حقّه فيها .

ثمّ انّ المحقّق الخراساني(1) تصدّى للجواب عن هذا الفرع بناءً على مذهبه من امتناع الاجتماع بكون أحد الحكمين فعليّا والآخر انشائيّا .

توضيح وتكميل: قد ظهر وجه الاشكال في باب الاجتماع من صحّةالصلاة حال الجهل وبطلانها في صورة العلم من انه لو كان من باب التعارض لما كان يفترق حال الجهل مع حال العلم بل في كلتيهما تبطل الصلاة كما انه لا وجه للبطلان في صورة العلم لو كان من باب التزاحم بل لابدّ من الصحّة في كلتا الحالتين وعلى كلّ حال فسواءً اخترنا الاجتماع وبنينا على تعدّد الوجود

قبح صدور الفعل يمنع عن التقرّب به

ص: 35


1- . كفاية الأصول 1/245 .

وانضمامهما في المجمع وعدم السراية لحكم أحدهما إلى الآخر أو اخترنا عدمه ووحدة المتعلّق فلابدّ من رفع الاشكال .

امّا بناء على جواز الاجتماع وتعدّد المتعلّق فقد ذكرنا وجهين . ونقول توضيحا للوجه الثاني انه قد يشبه المقام بما اذا كان الماء المطلوب للمولى المظروف في وعاء وظرف غير نظيف أو الليرة المقدم لها ملطخة بالنجاسة والقذارة فانه وإن لم يكن هناك سراية لحكم أحدهما إلى الآخر بل الوجود الصلاتي غير الغصبي والظرف غير مظروفه والليرة غير القذارة الا انه لمكان الملازمة بينهما في الوجود يوجب الجهة الراجعة إلى النهي حزازة في صدور هذا الفعل والجمع وتقديمه لحضرة المولى بحيث يشمئزّ منه لا انّه نقول بالسراية والكسر والانكسار بل النتيجة الموجودة في صورة وحدة المتعلّق آتية في ما نحن فيه ومتحقّقة بناءً على تعدّد المتعلّق فلا يمكن التقرّب بهذا الوجود وتقديمه للمولى والاكتفاء به في امتثال الأمر العبادي المتعلّق بالصلاة . وأمّا بناءً على وحدة المتعلّق ورجوع نتيجة المسئلة إلى باب التعارض اللازم منه البطلان حتّى في صورة الجهل لعدم الفرق بناءً على رجوعه إلى ذاك الباب بين الصورتين فبناءً على تغليب جانب النهي تكون المسئلة من صغريات باب النهي في العبادات الموجبة للمانعيّة في مطلق الأحوال ولازم ذلك فساد الصلاة لو أتى بها بهذا الفرد لعدم انطباق الطبيعة المأمور بها بما هي كذلك على هذا الفرد مع انه اجتمع فيهجهتان مع كونه وجودا واحدا بسيطا لكنّه ينتزع منه عنوانان أحدهما متعلّق الأمر والآخر للنهي ولا يضرّ ذلك ببساطته لأنّه يستحيل اندراج الوجود الواحد تحت مقولتين وماهيتين وقاس هذا المقام في انتزاع العناوين المتعدّدة من الوجود

ص: 36

الواحد البسيط بذات الباري تعالى فانه مع وحدته من جميع الجهات ينتزع منه عناوين متعدّدة .

فالجواب بناءً على هذا المبنى في صورة الجهل والصحّة فيها تعدد الحكمين في رتبتين ولا يكون فعليّاً إلاّ أحدهما غاية الأمر في صورة العلم يكون الأقوى مناطاً هو الفعلي بخلاف صورة الجهل فالأضعف ويكون الحكم الآخر في مرتبة انشائه النازلة عن مرتبة الفعليّة بمرتبة . فانه إذا تعلّق العلم بالحكم في مرتبة انشائه

يتحقّق الحكم الفعلي ويكون هناك البعث والزجر وقبله ليس أحدهما والغصب الذي هو عبارة عن التصرّف في مال الغير بغير اذنه ورضاه مفسدته أقوى من مصلحة الصلاة وهذه المصلحة الصلاتيّة أضعف . ففي حال العلم تكون هذه المصلحة مغلوبة لا اقتضاء لها ولذا يكون الحكم الفعلي على طبق الأقوى مناطا وأغلب ملاكا وهو الغصب . فلذا يكون الصلاة في هذه الحال باطلة وأمّا في صورة الجهل فالمصلحة المغلوبة التي أضعف يكون الحكم والأمر الناشي عنها فعليّا ويكون الحكم الآخر في هذا الظرف انشائيّا وتكون الصلاة في هذا الفرض صحيحة ينطبق عليها الطبيعة بما هي مأمور بها بالأمر الفعلي ولا يكون هناك تعارض لأنّه دائما يكون أحدهما انشائيّا والآخر فعليّا . والحكم الانشائي لا اقتضاء له بل اذا صار فعليّا يكون باعثا لجانب الفعل أو زاجرا عنه وبهذا يجمع بين الحكم الظاهري والواقعي وان اجتماعهما إنّما يلزم إذا كانا فعلين في مقام البعث ويبعث أحدهما نحو الفعل والآخر نحو الترك وإلاّ فاذا كان أحدهما أي الواقعيانشائيّا والظاهري فعليّا باعثا نحو متعلّقه فلا تضاد ويكون الجمع بسهولة .

ومبنى هذا الكلام ان الأحكام لها مراتب حتّى ان الحكم له مرتبة اقتضاء

صحّة الصلاة في صورة الجهل بالغصب

ص: 37

وهي مرحلة الملاك من المفسدة والمصلحة غاية الأمر منشأيّته للآثار إنّما هو له بمرتبته الفعليّة .

وأورد المحقّق النائيني(1) عليه اشكالات:

أوّلها: عدم صحّة المبنى من كون الأحكام لها مراتب بل ليس للحكم إلاّ مرتبتان فانه إمّا إنشائي أو فعلي فقبل وجود موضوعه ليس إلاّ الانشاء وبعده يكون فعليّا بفعليّة موضوعه لاستحالة التخلّف فيما هو كالمعلول عن علّته ولا يكون انشاء الأحكام على نهج القضايا الخارجيّة كالعقليّة بل يدور الأمر بين انشائها على نهج القضايا الحقيقيّة أو الطبيعيَّة والخارجيّة فاذا لم يكن سبيل إلى الخارجيّة لاستلزامه كون الأحكام اخبارا عن انشاءات متجدّدة حين وجود الموضوعات للأحكام وانه ينشأ عند وقت كلّ صلاة بالنسبة إلى كلّ مكلّف حكم جديد وهكذا بخلاف القضيتة الحقيقيّة وذلك لا يمكن الالتزام به فحينئذٍ لا وجه لما ذكره مترتّبا على هذا المبنى وكفى بذلك اشكالاً عليه .

مع انه أورد عليه انه يكون المقام من تزاحم المقتضيين وتسميته بباب التزاحم لا وجه له بل يكون راجعا حقيقته إلى باب التعارض لأنّه يكون المناطان داعيين إلى الجعل بالنسبة إلى المولى فلا ربط لعلم المكلّف وجهله في فعليّة الحكم وعدم فعليّته .

الا انه لقائل أن يقول أيّ مانع من كون الانشاءات متجدّدة ولم تكن علىنهج القضايا الحقيقيّة وأي تالي فاسد يترتّب عليه كي يكون نقضا واشكالاً على المحقّق الخراساني .

ص: 38


1- . فوائد الأصول 1/424 .

هذا تمام الكلام في جواب الاشكال على كلا المبنيين .

ثمّ انه لا يمكن البناء على تعدّد المتعلّق وجواز الاجتماع من جريان الأمر الترتبي في المقام كما في باب التضاد ولا الاتيان بقصد الملاك لما ذكرنا هناك من رجوعه إلى طلب تحصيل الحاصل وهو فاسد فهو مخصوص بباب التضاد والمقدّمة المحرّمة على ما سبق بيانه .

عود على بدء:

قد ظهر ممّا سبق تحقيقه جواز اجتماع الأمر والنهي بالمعنى المتنازع فيه وانه لا يلزم من ذلك تعلّق الأمر والنهي بالواحد الشخصي بل يقف كلّ منهما على متعلّقه من دون سرايته إلى متعلّق الآخر . ويمكن الاستشهاد لذلك ببعض الفروع المسلم عليها التي صارت كالضروري من الفقه وقد سبق إليه الاشارة وذلك فانه من المتّفق عليه عدم بطلان صلاة من جهل الغصبيّة في المكان وصلّى فيه بحيث لم يختلف فيه اثنان فلو كان ذلك من باب التعارض وعدم جواز الاجتماع لكانت الصلاة باطلة حيث ان في باب التعارض تكون النتيجة المانعيّة الواقعيّة لكون النهي شموليّا والأمر مطلقا بدليّا . وليس إلاّ من باب اللابديّة وعدم امكان اتيان الزماني والمكاني في غيرهما . والا فلو أمكن الاتيان لم يكن للمكان دخل في تحقّق المأمور به . فحينئذٍ فلصرف وجود المكان دخل في تحقّق المأمور به ولا يمكن معارضته مع المطلق الشمولي . بل يكون النهي غالبا أو بيانا لكون المطلوب اتيانه في غير هذا المكان ومع ذلك فلا يقول أحد بالبطلان . ولا مجال لجريان لا تعاد فيه لعدم شمول لا تعاد(1) لصورة الجهل مع ان القائل بعدم الشمول أيضا قائل

وقوف كلّ من الأمر والنهي على متعلّقه

ص: 39


1- . وسائل الشيعه 5 الباب 1/14 من أبواب أفعال الصلاة .

بالصحّة في مورد البحث ولم يرد في صحّتها نصّ بالخصوص بخلاف مثل الصلاة في الخبث(1) .

فانه ورد هناك الرواية(2) بعدم لزوم الاعادة في صورة الجهل بالموضوع وايد جواز الاجتماع أيضا بمسئلة العبادات المكروهة فان الفرق بين النهي التحريمي والتنزيهي هو جواز الفعل في الثاني دون الأوّل . أمّا في أصل التضاد للأمر فلا فرق بينهما . وحينئذٍ فيكون ذلك شاهدا لجواز الاجتماع وإن ما نحن فيه لا يكون من باب التعارض . ويزيد الدليل الأوّل مضافا إلى ما ذكرنا هو انه لو كان من باب التعارض لما كان فرق بين صورة العلم والجهل . بخلاف كونه من باب التزاحم فانه لا مانع في صورة الجهل حيث انه لا تزاحم هناك حقيقة لأن قوام التزاحم بالتنجز وقوامه بالعلم أو قيام الحجّة المعتبرة . ويمكن الجواب عن كلا الدليلين اما

عن الأوّل فبما ذكرناه عن المحقّق الخراساني قدس سره من الانشائيّة والفعليّة وان الحرمة في صورة الجهل انشائي والعلم بها يوجب فعليّتها وحينئذٍ تكون فعليته غالبة على مصلحة الأمر فلذلك يفترق بين صورة الجهل والعلم . ولا ينافي ذلك كون الأحكام يستوي فيها العالم والجاهل فانه قد يقال ان ذلك في الحكم الانشائي . وعلى فرض تسليم كونه في الفعلي فقد خصّص هذا العموم بصورة القصر والاتمام والجهر والاخفات فليكن ما نحن فيه بناء على كون صورة الجهل بالحكم أيضا داخلاً في مورد البحث ثالث الموارد وليكن هذا التسالم(3) دليلاً

ص: 40


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 40/5 من أبواب النجاسات .
2- . وسائل الشيعة 3 الباب 40/5 من أبواب النجاسات .
3- . أي تسالم الفقهاء على الصحّة في صورة الجهل على ما فصل وعلى فرض التنزل فلا يكون دليلاً لباب التعارض ولا لباب التزاحم .

لاندراجه فيباب التعارض .

وأمّا الثاني أي العبادات المكروهة فيمكن الجواب عن الاستشهاد بعدم التضاد بين الوجوب والكراهة حيث ان مقتضى الأوّل اتيان الفعل غاية الأمر على نحو الالزام والثاني لا يمنع من ذلك لأن مقتضاه جواز الاتيان بالفعل نهاية الأمر جواز الترك فلا يكون ما يقتضي أحدهما مخالفا للآخر كي يكون بينهما التضاد هذا .

أوّلاً وثانيا انه قد أجاب المحقّق النائيني قدس سره (1) بأن محلّ الكلام في باب الاجتماع المتنازع فيه هو ما إذا كان بين المتعلّقين عموم من وجه كما إذا كره الدخول في بيت الظلمة ووجبت الصلاة دون ما إذا كان من العموم المطلق والعبادات المكروهة بل مطلق المكروهات إنّما يكون متعلّق النهي فيها مطلق الوجود والوجود السرياني وقلّما يتحقّق في مورد لا يكون كذلك كما إذا لم يكن للمتعلّق تعلّق بالموضوع الخارجي وهذا بخلاف الأوامر فانها إنّما تتعلّق بصرف الوجود .

الاّ) ان هذا الجواب ليس على ما ينبغي . لأنّه قدس سره يقسم النهي في العبادات المكروهة على ثلاثة أقسام وعمدتها ما إذا كان من العموم من وجه .

وثالثا يمكن الجواب عن الاشكال بان باب الأوامر كما ذكرنا إنّما يكون المطلوب هو صرف الوجود والخصوصيّات الفرديّة خارجة عن تحت دائرة الطلب . فلو فرض محالاً امكان اتيان الماهيّة والمطلوب كالصلاة في لا مكان ولازمان لكان مطلوبا إذا لم يكن موقّتا كما انه ليس المطلوب فيها إلاّ صرف الزمان

تقسيم العبادات المكروهة

ص: 41


1- . فوائد الأصول 1/434 وما بعده .

وصرف المكان . وإلاّ كان اللازم اتيانه في كلّ مكان كما في كلّ وقت بخلاف المكروهات فانها تتعلّق بمطلق وجودات الافراد فلا يكون هناك اجتماع ارادة وكراهة ولا اجتماع أمر وكراهة لأن مركب الأمر هو صرف الوجود ومركب النهي هو مطلق الأفراد والخصوصيّات الفرديّة خارجة عن دائرة الطلب في الأمر على أيّ مبنى قلنا في الأمر والنهي سواء كان بمعنى الانشاء وايجاد النسبة أو بمعنى الطلب فاذا كانت الخصوصيّات خارجة واللوازم لم يتعلّق بها الأمر فهي منهي عنها بالنهي الا عافى ولا اجتماع للأمر والنهي غاية الأمر إذا أتى بالفرد المكروه من العبادة ينطبق عليه المأمور به لكونه صرف الوجود لا لكونه هو المأمور به كي يكون مجمع الأمر والنهي . فحينئذٍ لا يكون باب العبادات المكروهة من باب التعارض ولا من باب التزاحم لعدم اشكال في عالم الجعل وتشريع المولى ولا تزاحم في مقام الامتثال . ويؤيّد ذلك بل يدلّ عليه حمل الفقهاء النهي الوارد في مقام التعارض مع الأمر الالزامي على الكراهة مع ابقاء الأمر على الوجوب ويرون ذلك رافعا للتعارض وليس إلاّ لأجل عدم انفهام التضاد بين الأمر والنهي الا عافى فتدبّر جيّدا .

توضيح وتكميل: أطال الكلام سيّدنا الاستاذ في بيان الفرق بين الوجوب والحرمة وبينه وبين الكراهة على ما ذهب إليه شيخه الأستاذ النائيني بأنّ المطلوب في الأمر حيث انه صرف الوجود من الطبيعة وانطباقه على الأفراد إنّما هو لتساوي اقدامها في الفرديّة للطبيعة المأمور بها بصرف الوجود . والاجزاء حينئذٍ يكون عقليّا فاذا كان في النهي التحريمي كان تعلّقه بمطلق وجود الأفراد فحينئذٍ يوجب ذلك عدم تساوي الفرد الذي يكون مصداقا للحرام من الطبيعة

ص: 42

المأمور بها لباقي الأفراد التي لم تكن كذلك فاذا خرج عن مساواته لها فلا يمكن انطباق المأمور به عليه . فقهرا ينتج ذلك خروجه عن دائرة الانطباق ومصداقيّته . وهذا بخلاف ما إذا كان النهي تنزيهيّا فانّه لا يوجب ذلك خروج هذا الفرد عن مساواته لباقي الأفراد وعلى هذا فيمكن الفرق بين البابين بمثل هذا البيان ولا اختصاص له بخصوص ما إذا كان الاجتماع في المبدئين بل بالعنوانين الاشتقاقيين أيضا يمكن توجه هذا الفرق . فاذا قال أكرم عالما وقال لا تكرم الفسّاق وكان زيد عالما فاسقا ولم يكن النهي تحريميّا بل تنزيهيّا لا معارضة بينهما ولا تعاند هذا .

الا ان هذا في الحقيقة ليس جوابا عن الاشكال ولا يوجب امكان الاستشهاد بالعبادات المكروهة لجواز الاجتماع وإن كان نتيجة هذا البحث عدم كون باب الكراهة مع الوجوب من التعارض ولا من التزاحم حتّى في مثل التباين الشخصي بقوله أكرم زيدا ولا تكرمه لو كان المراد بالنهي الكراهة . بل هذا الجواب في الحقيقة راجع إلى عدم اجتماع الأمر والنهي في مثل العبادات المكروهة بل ان متعلّق الأمر شيء ومتعلّق النهي شيء آخر أمّا في التحريمي فمسلّم وأمّا في التنزيهي فعلى فرض عدم تسليم الفرق وان مقتضى المنقصة الموجودة فيه أيضا خروج الفرد المشتمل عليه المنقصة عن تساويه لساير الأفراد فلا يمكن انطباق صرف وجود الطبيعة المأمور بها عليه . وما يقال من كون الكراهة بمعنى أقليّة الثواب . فيه انه اخراج الأمر والنهي عن ظاهرهما في المولويّة إلى الارشاديّة . مع انه لا يمكن أخذ هذا الكلام بظاهره واطلاقه لأنّه يوجب كون تمام الأفراد المكروهة بالنسبة إلى الأكثر ثوابا كذلك مضافا إلى عدم

الجواب في العبادات المكروهة

ص: 43

معنى لاجتماع المصلحة والمفسدة بل المصالح والمفاسد الكامنة في الشيءالواحد لابدّ لها من الكسر والانكسار والحكم على طبق الغالب منهما ومعه فأما أن يبقى لهذا الفرد تساوي في الجهة المطلوبة من الأمر لساير الأفراد فلا مانع من وقوع الامتثال به وإلاّ فلا .

نعم لا ريب في اشتمال هذا الفرد على مقدار من النقص بالنسبة إلى ساير الأفراد . والكلام في انه هل يوجب ذلك خروجه عن تساويه مع الأفراد الباقية بحيث لا يمكن الامتثال به أم لا ؟ ولا ينافي هذا الفرق ما قدمناه سابقا من عدم سراية الأمر والنهي إلى لازم الوجود .

والحاصل ان هذا الجواب ليس بمستقيم بل الظاهر انه لا يمكن انكار المضادة بين الاحكام كلّ مع الآخر سواء كان الكراهة مع الحرمة أو الوجوب .

في تقسيم العبادات المكروهة:

اعلم انّ العبادات المكروهة على ثلاثة أقسام: فقسم منها يكون بين متعلّق الأمر والنهي عموم من وجه وقسم النسبة العموم المطلق والثالث يكون بينهما التساوي بمعنى تعلّق الأمر بعين ما تعلق به النهي .

أمّا القسم الأوّل: فقد ذكرنا تفصيلاً انه لا يكون متعلّق الأمر والنهي فيه واحدا . غاية الأمر كان من الممكن الفرق بين ما إذا كان النهي تنزيهيّا وما إذا كان

تحريميّا حيث ان في التحريمي يوجب تعلّق النهي بمطلق الأفراد .

في متعلّقه خروج الفرد المجمع بين العنوانين عن مساواته لباقي الأفراد فلا يكون هناك تساوي الاقدام بينه وبين باقي الأفراد .

فحينئذٍ لا يمكن انطباق الطبيعة المأمور بها التي يكتفي في مقام الامتثال

ص: 44

بصرف الوجود منها عقلاً على هذا الفرد بخلاف التنزيهي فانّه يمكن بعد بقائه على مساواته لباقي الأفراد وانطباق المأمور بها عليه . فالنزاع حينئذٍ يكون صغرويّا فيانه هل النهي التنزيهي كالتحريمي موجب لخروج هذا الفرد عن تساويه لساير الأفراد في انطباق المأمور به عليه وكونه صرف الوجود منه فيكتفي به أم لا ؟ وأمّا القسم الثاني . وهو ما كان بين العنوانين العموم المطلق كما في الأمر بالصلاة والنهي عن الصلاة في الحمام فأيضا كذلك فلم يكن في هذين القسمين اجتماع الأمر والنهي بل الأمر تعلّق بطبيعة والنهي بطبيعة اخرى . غاية الأمر تعلق النهي بالطبيعة المنهي عنها بمطلق أفرادها بخلاف المأمور بها فانّ المطلوب صرف وجودها في الخارج وإذا كان النهي تحريميّا فلا يمكن انطباق المأمور به على الذي يكون مصداقا للمنهي عنه لعدم تساويه لباقي الأفراد بخلاف ما إذا كان تنزيهيّا على ما سبق ولا يكون اجتماع عنوانين متضادين كي يقال بكون العنوانين تعليليين موجبين لتعلّق الأمر والنهي بالمصداق أو تقييديين كي لا يكون كذلك .

نعم اختيار الفرد الذي يكون مصداقا للنهي التنزيهي يوجب منقصة فيه لكنه ليس دائميّا بل اتّفاقي كما في تزاحم زيارة عاشوراء لصلاة جعفر علیه السلام بل ما نحن فيه لا يكون حقيقة من التزاحم بخلاف مثل زيارة عاشوراء فانه يمكن تعاندها بالنسبة إلى شخص مع صلاة جعفر دائما . وكيف كان فلا كلام منا الان في مثل ذلك بل الكلام في عدم لزوم التزاحم في هذين القسمين من العبادات المكروهة لتعدّد متعلّق الأمر والنهي ولا ربط لأحدهما بالآخر وليس هناك اجتماع الأمر والنهي .

أمّا في القسم الثالث منها الذي تعلّق الأمر والنهي بطبيعة واحدة شخصيّة لا يمكن اسراء الجواب السابق وإن كان لم يمكن الاستشهاد به لخروجه عن مورد اجتماع الأمر والنهي كي يكون شاهدا لباب التزاحم في مورد

الفرق بين أقسام العبادات المكروهة

ص: 45

الاجتماع لأنّه يكون متعلّق النهي عين متعلّق الأمر كما في صوم يوم عاشوراء فانه مستحب مع انّه مكروه بناءً على استفادة ذلك من اخباره . وليس ذلك أي استحباب صومه بالنظر إلى مطلقات استحباب الصوم في غير الأيّام المستثناة . بل يمكن استفادة ذلك من نفس أخبار خاصّة به وحينئذٍ فاجتمع الاستحباب والكراهة في مورد واحد شخصي ويمكن الاستشهاد به لباب الاجتماع وانه من باب التزاحم لا التعارض فانه لا مجال لانكار التضاد بين الكراهة والاستحباب بل هما متضادان كما ان الحرمة والوجوب كذلك .

نعم لو لم يستفد ذلك بل استفيد مجرّد(1) امساك وتشبه بالصائم والافطار قبل

الغروب فليس بصوم حقيقة بل إنّما هو مجرّد التشبه فيخرج عن ما نحن فيه .

وأجيب عن ذلك باحتمال انطباق عنوان مستحب على الترك ويكون مولّدا لذاك العنوان المستحب . وحينئذٍ يكون ترك الصوم مستحبّا كفعله فلا كراهة أيضا بناءً على هذا القول بل الكراهة بمعنى استحباب الترك والأمر بذلك ارشاد إلى ذاك المعنى أو النهي ارشاد وليس على ظاهره من المولويّة كما قلنا ان المستحب ترك التشبه بهؤلاء لأنّهم يصومونه فرحا واستبشارا وعيدا . فحينئذٍ يكون الترك من باب توليده لذاك المستحب الذي هو ترك التشبه والفعل أيضا في حدّ نفسه مستحب . أو ان الترك سبب لعنوان مستحب لا نعلمه ولكن المحقّق النائيني لم يرتض هذا الجواب واستشكل(2) عليه بأنّه يكون هذا أصعب من الضدّين اللذين

ص: 46


1- . وسائل الشيعة 10 الباب 23 - 28/1 - 1 من أبواب من يصحّ منه الصوم .
2- . فوائد الأصول 1/439 .

لا ثالث لهما حيث ارجعنا جهة المصلحة والمفسدة المتخالفة فيهما إلى التعارض فكيف بالمقام الذي يدور الأمر بين استحباب الترك واستحباب الفعل وانه يكون طرفا النقيض كذلك .

بل لابدّ من الكسر والانكسار فاما ان يغلب جهة الترك فيكون الترك مستحبّا أو الفعل فالفعل ولا يكون الآخر مستحبّا . والا فان تساويا فيكون أحدهما مستحبّا تخييراً ولا يمكن استحبابهما تعيينا فاذا لم يمكن ذلك فلا تصل النوبة إلى الاستشهاد به لباب التزاحم وانه اذا كان مورد الاستحبابين واحدا فيكون من اجتماع المثلين أو يكون تأكيدا .

وذهب هو قدس سره إلى وجه آخر(1) وهو كون الفعل مستحبّا في حدّ ذاته لأنّه صوم وأمّا الكراهة فتتعلّق بالتقرّب والتعبّد بهذا الصوم إلى اللّه تعالى فمركب الأمر والنهي والكراهة مختلفان ومتعلّقهما ليس واحدا مع اجتماعهما لا انه يكون هناك كراهة مع الاستحباب كما في الأجوبة السابقة بل اجتمعتا الكراهة والاستحباب غاية الأمر متعلّق كلّ غير متعلّق الآخر . وهذا الوجه ليس بمرضيّ فالأحسن ما ذهب إليه المحقّق الخراساني كما نقلناه عنه قدس سره .

خلاصة ما سبق قد ذكرنا ان أحد أقسام العبادة المكروهة ما اذا تعلّق الأمر بعين ما تعلّق النهي كما في صوم يوم عاشوراء بناءً على استفادة ذلك من أخباره .

أمّا القسمان الأولان فقد اشير إلى الجواب وان ما تعلّق به النهي غير ما تعلّق به الأمر واجيب عن هذا القسم والاستشهاد به لجواز الاجتماع وكونه من

خلاصة ما سبق

ص: 47


1- . فوائد الأصول 1/439 .

باب التزاحم لا التعارض بوجوه أشرنا إليها .

فأحدها انه يكون النهي ارشادا الى منقصة في المتعلّق ولا كراهة ولا شيء كما انه قد ذكرنا عن المحقّق الخراساني الجواب وأشرنا إلى ما ذهب إليه المحقّقالنائيني من كون الكراهة والاستحباب مختلف المتعلّق وانه يلتزم بالاستحباب والكراهة مع اختلاف تعدّد المتعلّق . ولا يخفى ان الاشكال إنّما يتأتى إذا قلنا بكون الأحكام متضادّة حتّى في عالم الجعل اما بناء على عدم التضاد الا في عالم المحركيّة والبعث فلا تضاد بين الكراهة والاستحباب لرجوعه إلى الاقتضاء واللا اقتضاء ولا تضاد ولا تخالف بينهما بل يجتمعان في مورد واحد وحيث ان الحق كون الأحكام متضادة بأسرها حتّى في عالم الجعل فلا وجه لهذا النحو من الجواب .

توضيح ما ذهب إليه المحقّق النائيني:

من الجواب هو ان الأمر الاستحبابي تعلّق بذات الصوم فذات الصوم في حدّ نفسها مستحبّة الا ان الكراهة لم تتعلّق بذات الصوم كي تجتمع مع الاستحباب في متعلّق واحد . بل متعلّق النهي التنزيهي إنّما هو الصوم المأتي به بقصد أمره والتقرب بهذا الصوم فالأمر الاستحبابي مأخوذ في رتبة موضوع النهي التنزيهي وفي رتبة ما هو كالعلّة لمعلولها فحينئذٍ يستحيل اجتماعهما معا على المتعلّق كما انه يستحيل بقاء مورد الاستحباب لو تعلّق الأمر الكراهي بنفس العمل حيث ان الفرض تعلّقه بالعمل بما هو مأمور به بالأمر الاستحبابي فالنهي الكراهي كانه آتٍ من قبل الأمر الاستحبابي . ولو فرض تعلق الكراهة بذات العمل يلزم المحال وهو افناء ما يحصل منه شيء ويتأتى من ناحيته لذاك الشيء . وهذا نظير الفرق بين نذر

ص: 48

صلاة الليل وما اذا وجب صلاة الليل والزيارة بالاستيجار فانه في مثل نذر صلاة الليل يكون متعلّق الوجوب نفس العمل حيث ان النذر تعلق بذاته وحينئذٍ يجتمع هناك أمران أحدهما استحبابي لذات العمل وهو الاستحباب العبادي لصلاة الليل والآخر توصّلي وجوبي فيكسبان كلّ الآخر جهته الخاصّة ويندك بجهته المختصّةبنفسه فلا بقاء للاستحباب ولا للتوصل بل يحصل من ذلك أمر وجوبي تعبّدي وهذا بخلاف الأمر الاجاري فانه يتعلّق بالعمل بقصد أمره النفسي غير الاجاري ويجب الوفاء والاتيان بالعمل المستحب في نفسه . فالوجوب متعلّق بالعمل الذي أخذ قصد الأمر الاستحبابي فيه بخلاف النذر للكسب والاكتساب . فما نحن فيه أيضا من هذا القبيل . وهذا الذي ذكرنا من تعلّق الأمر الوجوبي بصلاة الليل المنذورة اسنده الاستاذ إلى المحقّق النائيني في أبحاثه في الدورات المختلفة الثلاث فالاستحباب متعلق بذات العمل بخلاف الكراهة فانه لم تتعلّق بذاته بل به بعنوان التعبّد والتقرّب .

نعم هذا كلّه على فرض تماميّة الاستفادة . وإلاّ فيمكن بالنظر إلى الأخبار الواردة في انه يوم حزن ليس بيوم صوم أو لا صوم فيه نفي استحباب الصوم بل ورد(1) فيه من التشديد من انه من سنة بنياميّة وإن من صامه استنّ بسنّتهم وهو في النار ولم يستفد منه الحرمة فلا أقل من الكراهة لبناء الأصحاب على حمل هذه المضامين والتشديدات على كون الحكم هو الكراهة . وحينئذٍ فاذا كره الصوم فلا يمكن الاتيان به ورودا لأنّه تشريع ورجاءً أيضا لأنّه لا معنى له .

حكم صوم يوم عاشوراء

ص: 49


1- . وسائل الشيعة 10 الباب 2 / 21 من أبواب الصوم المندوب .

وهناك أخبار معارضة لا سند لبعضها ففي بعضها(1) انه صامه رسول اللّه صلی الله علیه و آله

وفي آخر(2) انه يوم وقوف سفينة نوح علیه السلام وغيره وحال هذا الخبر وراويه معلوم في عدم جواز الاعتماد عليهما كما انه ورد في بعضها(3) ان من صامه ويومتاسوعاء كان كمن صام سنتين وفي المعارضة للخبر الأوّل اشكال لعدم استنان بنياميّة قبل وقوع الواقعة المبكية للصوم على فرض سلامة سند الرواية وتحقّق صوم النبي صلی الله علیه و آله لذاك اليوم .

وكيف كان فعلى فرض استفادة الاستحباب والكراهة فالجواب ما ذكرنا من الأجوبة . الا ان الجواب الذي ذهب إليه المحقّق النائيني قدس سره فيه ما لا يخفى من الضعف وان قربناه غاية التقريب . إذ مرجعه إلى استحباب الصوم وكراهته ولو بعنوان كراهة اتيان الأمر الاستحبابي وامتثاله لا من جهة المعارضة لعدم تخالف في مقتضى الأمرين .

ثمّ انّ نتيجة بحث العبادات المكروهة هو عدم تماميّة الاستشهاد للتزاحم في باب الاجتماع . ولكن لا يخفى عليك ان الجواب من القسم الأوّل والثاني من العبادات المكروهة كان مبنيّا على الفرق بين النهي التنزيهي والتحريمي وان متعلّق الأمر هو صرف الوجود والنهي هو مطلق الوجود بالبيان المتقدّم .

نعم لو كان النهي تحريميّا لا يمكن انطباق المأمور به في دائرة الأفراد التي ينطبق عليها المنهي عنه بخلاف التنزيهي فانه لا يوجب الخروج عن تساوي الاقدام . لكنه يشكل هذا أيضا بعدم تماميّة هذا الجواب حيث ان صرف الوجود

ص: 50


1- . وسائل الشيعة 10 الحديث 1 - 5 - 2 - 3 الباب 21 - 20 من أبواب الصوم المندوب .
2- . وسائل الشيعة 10 الحديث - 1 - 5 - 2 - 3 الباب 21 - 20 من أبواب الصوم المندوب .
3- . وسائل الشيعة 10 الحديث 2 - 1 - 5 - 2 - 3 الباب 21 - 20 من أبواب الصوم المندوب .

بعد انطباق المأمور به عليه هو عين المأمور به ومصداق الطبيعي وفرده ونسبته إلى الطبيعي نسبة الولد إلى الأب كما انه بالنسبة إلى ساير الأفراد كذلك نسبتها إليه نسبة الأولاد إلى الآباء لا إلى الأب الواحد .

وحينئذٍ فاذا كان مصداق الطبيعة المأمور بها

فيكون فيه اجتماع الكراهة والاستحباب أو الوجوب لفرض كون المكروههو على نحو الشمول لجميع الأفراد واحد الأفراد ما ينطبق عليه المأمور به لكونه صرف وجوده فلا يتمّ ما ذكر من الجواب فيجري في ذلك جميع ما تقدّم في باب الاجتماع من الوجود الانضمامي أو الاتّحادي على ما فصّلناه فراجع وتدبّر في أطراف ما ذكرناه جيّدا .

ثمّ ان في المقام اشكالاً آخر راجع إلى أصل بحث التزاحم والتعارض وهو انه قد تقدّم في بعض الأبحاث السابقة انه إذا تعلّق الأمر أو النهي بما يكون له موضوع خارجي فيكون خارجا عن باب التزاحم إلى باب التعارض ولا فرق فيه بين صورتي العلم والجهل وقلنا ان باب الوضوء والتيمم بماء الغير وترابه يفترق عن الصلاة في مكان الغير اذا لم يكن ما يصحّ السجود عليه وما يقع عليه مساجده مملوكا للغير . فان مثال الصلاة مثال لباب الاجتماع بخلاف الوضوء والتيمّم لتعلّقهما بالموضوع الخارجي ومع ذلك يقولون بصحّة التيمّم والوضوء أو الغسل اذا كان بتراب الغير أو الماء المغصوب جهلاً فكيف يلائم ذلك كونه من باب التعارض مع انه لابدّ فيه من المانعيّة الواقعيّة والبطلان مطلقا في حالتي العلم والجهل .

نعم لا اثم عليه في حال الجهل ولو كان له قيمة أو اجرة فعليه . لكن تصحّ

اجتماع الكراهة مع الوجوب

ص: 51

طهارته به فلا يصحّ استثناء ما له تعلّق بالموضوع الخارجي عن باب الاجتماع والحاقه بباب التعارض بل لا محيص حينئذٍ من الالتزام بما(1) ذهب إليه المحقّق الخراساني وان أحد الحكمين وهو الحرمة في حال الجهل حكم انشائي والفعلي هو الحكم الآخر . وإذا علم بالحكم فيصير فعليّا على ما سبق الاشارة إليه ولايمكن كونه من باب التزاحم لأنه لابدّ من عدم البطلان حتّى حال العلم بل لعلّه في حال العلم أولى بذلك .

عود على بدء: قد تحصّل ممّا تقدّم ان مبنى المحقّق النائيني قدس سره في الفرق بين النواهي جواز اجتماع الكراهة مع الوجوب . وبالجملة الرجحان مع المرجوحيّة على بعض الوجوه كما عرفته مفصّلاً لكنّه . إنّما يتمّ ما ذكره إذا سلّمنا

دعويين في كلامه كلتاهما قابلتان للخدشة .

أمّا الاولى: فبكون صرف الوجود الذي تعلّق بطبيعته الأمر لم يكن عين الطبيعي ولا يصدق عليه وجوده بل من باب انه مخيّر عقلاً بين الأفراد يطبّقه أي الطبيعي على فرد لم يكن عينه أو يكون وجوده ولكن لم يكن عين المأمور به .

والثانية: تسليم الفرق بين النهي التحريمي والتنزيهي من عدم اخراج الثاني المنهي عنه عن تساوي الاقدام ويشكل ذلك بأن صرف الوجود وإن لم يكن عين المأمور به بمعنى عدم تعلّق الأمر بخصوصه أي الفرد الذي يأتي به الا ان الكلي ينطبق عليه ويكون مصداقا له . وحينئذٍ فيكون مصداق الواجب ومأمورا به . فاذا كان مأمورا به فلا يتمّ دعوى تعدّد المتعلّق في الأمر والنهي في القسمين الاولين كما ان الفرق بين قسمي النهي لا يتمّ ضرورة تضادّ الكراهة والوجوب

ص: 52


1- . كفاية الأصول 1/245 .

والاستحباب والوجوب وكذا كلّ واحد بالنسبة إلى باقي الأحكام الخمسة . سواء قلنا بانتزاع الأحكام من انشاء النسبة بين المتعلّق والمكلّف أو لا بل قلنا بالطلب أو غير ذلك فان منشأ الاشكال ليس خصوص أحد هذه المباني . بل الاشكال من ناحية عدم اجتماع المرجوحيّة والرجحان في شيء واحد على حالهما . بل لابدّ من الكسر والانكسار والا فمع التساوي لا يكون أحدهما . وبالجملة فالشيء الواحد لا يكون فيه خصوصيّة الرحجان وعدم الرجحان بل المرجوحيّة لاتستقيم .

وعلى هذا فاذا ورد هناك دليل يقتضي بظاهره اجتماعهما فلابدّ من تأويله وكونه ارشادا إلى خصوصيّة خارجيّة مانعة أو مخرجة عن تساوي هذا الفرد أو القسم لباقي الأفراد والأقسام بحيث يكون ثوابه أقلّ أو لا بل مساويا للباقي لكنّه فيه جهة اخرى كما في الصلاة في المواضع المكروهة كبطون الأودية مثلاً لامكان هجمة السيل وغرقه وغير ذلك في غيره وما ورد من فعل الفقهاء من رفع التنافي بحمل النهي في بعض الموارد على الكراهة كما في مثل ما ورد(1) في باب الصلاة للمرئة محاذية للرجل حيث حملوا النهي الوارد على الكراهة لاختلاف التحديد للبعد الذي للمنهي عنه وكونه قرينة على عدم الحرمة . والا فلابدّ من كونه ارشادا إلى المانعيّة كما هو قضيّة النهي عن شيء في شيء نظير النهي عن الصلاة في ما لا يؤكل لحمه وأمثاله ولا معنى لبقاء النهي على ظاهرة من المولويّة لعدم امكانه على ما عرفت .

ثمّ ان الفرق بين ما اذا كان لمتعلّق الأمر والنهي تعلّق بموضوع خارجي

الفرق بين تعلّق الأمر والنهي بموضوع خارجي وغيره

ص: 53


1- . وسائل الشيعة 5 الباب 5 من أبواب مكان المصلي .

وبين ما اذا لم يكن كذلك وادخال الأوّل في باب التعارض دون الثاني يقتضي فساد الصلاة حتّى اذا أتى بها في صورة الجهل بالموضوع لعدم الفرق في باب التعارض بين حالتي العلم بالموضوع والجهل به مع انهم لا يقولون به وتسلم عندهم صحّتها حال الجهل .

ثمّ انه كيف يمكن كون الايجاد الواحد مشتملاً على وجودين .

وما يقال انه كما ان الوجود متعدّد كذلك الايجاد . فيه بعد التسليم انه ليسمناط أحكام الشرع على هذه التدقيقات كما في مثل الاستحالة وفروعها الكثيرة حيث انه اذا وقعت قطرة بول في الماء الكر ونقص عن الكريّة بعد ذلك لا يقولون بنجاسته مع ان تداخل الأجسام محال والبول بعد باق في الماء . غاية الأمر لا بصورته النوعيّة حسّا بل حقيقة . يشهد لذلك امكان اخراجه بالتجزية ومع ذلك كيف لا يقولون بنجاسة الماء اذا نقص عن الكريّة مع فرض بقاء البول وعدم معدوميته . بل إنّما استهلك لا مطلقا وبالمرّة لقابليّة اخراجه بالتجزية ويفرقون بين

ملاقاتها للماء الذي يكون ناقصا عن الكر من أوّل الأمر وبين هذا الماء الذي كان كرا ونقص بعد الملاقاة .

وبالجملة لا يتمّ هذا المبنى كما لا يصحّ بعض ما بنى عليه من الفرق بين كون زيد في الدار وضربه مع ان الضرب ليس إلاّ وجوده وهو كونه .

والحاصل انه لابدّ في صحّة الصلاة في مثل ما اذا أمر بشيء ونهى عن شيء آخر واجتمعا في الوجود من انطباق الطبيعة المأمور بها بما هي مأمور بها على المصداق الذي ( يأتي به المأمور ) فلا فائدة في مجرّد كون هذا الفرد فردا للطبيعة بلا انطباقها بما هي مأمور بها عليه ومع صدق الغصب على الصلاة وكونها تصرّفا

ص: 54

كالنوم وباقي الحركات الاخر لا يبقى مجال التطبيق وانطباقها بما هي مأمور بها لاستحالة كون الشيء الواحد مأمورا به ومنهيّا عليه لتضاد الأمر والنهي سواء كان تنزيهيّا أو تحريميّا أو أحدهما أي الأمر استحبابيّا والآخر وجوبيّا الزاميّا . وحينئذٍ

فلابدّ من المصير إلى ما حقّقه المحقّق الخراساني قدس سره من القول بكون العلم بالحكم على نحو القضيّة الحقيقيّة موضوعا لفعليّة الحكم وكونه منجزا على المكلّف . وأمّا في صورة الجهل فلقيام الاجماع على الصحّة نكشف عن عدم فعليّة الحكم غاية الأمر كلّما قام الاجماع نقول به دون ما لم يقم . وأمّا تصحيحها على القاعدةفيمكن لا في صورة الجهل بالموضوع ولا بالحكم لعدم شمول لا تعاد لذلك . بل إنّما يشمل خصوص صورة النسيان . وأمّا في صورة الجهل بالحكم إذا قام الاجماع فيه أيضاً لا مانع من الاستثناء كما في مثل الجهر والاخفات والقصر والاتمام من كون العلم بالحكم دخيلاً في فعليّته وتنجزه على المكلّف على ما حقّقناه في محلّه .

وصورة الجهل بالموضوع فأسهل منه ولا اشكال فيها ولذلك نظائر كثيرة في باب الحج حيث ان الجاهل(1) بالحكم والناسي أيضا في كثير من المقامات لا كفّارة عليه إلاّ الصيد فتدبّر جيّدا .

في اشتراط المندوحة:

ثمّ انّهم ذكروا المندوحة وان الحكم يختلف معها وعدمها . فلابدّ من بيان ان وجود المندوحة هل يوجب رفع الاشكال أم لا بل وجودها كعدمها في ان الحكم لا يفترق فانتظر ( وبالجملة تلخّص ممّا ذكرنا من عدم كون باب الاجتماع من

في اشتراط المندوحة

ص: 55


1- . وسائل الشيعة 13 الباب 3 - 31/1 - 2 كفارات الصيد والباب 10 والباب 8/1 - 3 - 4 من أبواب كفارات الاحرام .

التزاحم بل التعارض والاستشهاد بالعبادات المكروهة لم يتم لما ذكرنا من كون النهي ارشادا لا مولويّا وحينئذٍ فاذا ورد النقل المعارض بالعقل المستقل فلابدّ من تأويله لعدم صحّته ) .

فنقول: فرق بعضهم في الصحّة في باب الاجتماع والفساد بين ما إذا كان هناك مندوحة وما إذا لم تكن . فقالوا بالصحّة في الاولى وبعدمها في الثانية ونظير ذلك ( أو مثاله ) ما اذا اغترف من الاناء الغصبي أو الذهبي أو الفضّي الماء المملوك

له أو المباح فانه تارة يأخذ بقدر حاجته لوضوئه فيعصى مرّة واحدة ويأخذ مايكفيه ولا اشكال في صحّة الطهارة ولو عصى اذ بعده يكون متمكّنا واجدا للماء واخرى يأخذ غرفة واحدة لا تكفيه فحينئذٍ يفصل بين ما اذا كان هناك ماء آخر مباح غير مظروف في الاناء الذهبي أو الفضي أو المغصوب فيصحّ وضوئه وغسله لصدق التمكّن والوجدان وما اذا انحصر بالموجود في هذا الاناء فلا يصحّ لأن الوضوء لا يتبعض الا أن يعصى ثانيا وثالثا ولكن هذا ممنوع شرعا والمانع الشرعي كالمانع العقلي وقد تقدّم تفصيل هذا الكلام سابقا عند التعرّض لكلام صاحب الفصول قدس سره .

وفي المقام يمكن أن يقال بهذا المعنى ويفصل في الصحّة وعدمها بين الصورتين فاذا كان هناك مندوحة وفرد آخر غير مزاحم للغصب بل مصداق للطبيعة المأمور بها دون المنهي عنها فيصحّ اتيان الطبيعة في ضمن المزاحم وذلك لأنّ الطبيعة مطلوبة للمولى وهي تنطبق قهرا على كلّ فرد منها ولو اختار المكلّف المزاحم وابتلى بالغصب ولكنه لا يوجب انثلاماً في ناحية انطباق الطبيعة وكذلك قال وذهب إلى هذا التفصيل في الأفراد الطوليّة وما إذا كان فرد من الصلاة مزاحما

ص: 56

لأداء الدين والأفراد الآخر ليست كذلك فقال بالصحّة في الفرد المزاحم لعدم كون ذلك تكليفا بالمحال أو لا يطاق بخلافه اذا انحصر في خصوص المزاحم فلا أمر كما فيما نحن فيه اذا انحصر بالمغصوب فلا يقول بالصحّة بلازم كلامه .

لكن لا وجه لهذا التفصيل فان وجود المندوحة وعدمها سيّان في ما هو مناط الصحّة . وذلك لانّ الصحّة دائرة مدار انطباق الطبيعة المأمور بها بما هي كذلك على المصاديق . ومجرّد انطباق الطبيعة بما هي هي لا بما هي مأمور بها لا يكفي فاذا انطبقت في مورد فيحكم بالصحّة كان هناك مندوحة أو لم تكن . كما انه اذا لم تنطبق على مورد بما هي مأمور بها فلا تصحّ بناء على تغليب جانب النهيوالامتناع كان هناك مندوحة أو لم تكن . ولا تنطبق الطبيعة المأمور بها بما هي كذلك على الفرد المجمع للطبيعتين . كما انه بناء على جواز الاجتماع ينحصر الاشكال بما ذكرنا من القبح الفاعلي ولكن ذلك لا ربط له بوجود المندوحة وعدمها كما ان في باب الوضوء أيضا يجيء الاشكال من ناحية التمكّن ووجدان الماء وعدمه لا لجهة اخرى .

وكيف كان فلا وجه لما هو ظاهر هذا التفصيل ولعلّهم أرادوا به غير ما هو ظاهره ولم نصل إلى مرادهم .

( أقول ) بنائهم على كونه من باب التعارض في صورة عدم المندوحة وتغليب جانب النهي لكون النسبة بين الأمر والنهي حينئذٍ هو التباين دون ما اذا كان مندوحة لكون النسبة العموم من وجه أو غير ذلك فيكون من باب التزاحم فتأمّل ) .

هذا اذا لم يكن جهة اخرى من الاضطرار في مثل المكان الذي حبس فيه

ص: 57

غصبا فانه يمكن تارة أن يقيم فيه باختياره واخرى بالاضطرار ففي صورة الاختيار اذا كان في ضيق الوقت فلابدّ من تعيين الأهم من الصلاة وحرمة الغصب اذا كان من باب التزاحم بل اذا لم يكن أيضا كذلك لكون اباحة المكان قيدا للصلاة ودار الأمر بين سقوطها أو ذهاب الوقت .

وحيث استفدنا اهميّة الوقت من الموارد الجزئيّة المستكشف منها كبرى كليّة عند الدوران بين الوقت وغير جامع الطهور وان الوقت اهم فلابدّ من سقوط غير الوقت وهو المهم وحفظ الوقت لكونه هو الميسور في حقّه والواجب الذي هو مأمور باتيانه حينئذٍ . وعلى كلّ حال فاما أن يكون التزاحم بين تكليفين نفسيّين وهو الصلاة والغصب بناءً على عدم المانعيّة وعدم كونه من باب التعارض كييوجب القيديّة . فعند التزاحم يقدم جانب الصلاة لو قلنا انها أهم لا لأنّه ( لا يترك الصلاة(1) بحال ) كما انه اذا رجع إلى باب التعارض وانتج القيديّة فالوجه ما ذكرنا .

وقد يقال بأنّه اذا صار مضطرّا إلى ايجاد المانع ولو لجهة خارجيّة كالتوقي من الحرّ والبرد بلبس الحرير أو النجس فلا يصحّ أيضا . لكن الحق في ذلك التفصيل وانه اذا كان القيديّة والمانعيّة ناشئة من النهي النفسي فلا اشكال في انه اذا

سقط للعذر فلا مانعيّة ولا قيديّة فتصحّ العبادة بخلافه اذا كانتا ناشئتين من علّة ثالثة وملاك آخر مستتبع لخطابين خطاب نفسي للحرمة وآخر للمانعيّة . فحينئذٍ اذا سقط النفسي للعذر والاضطرار فيبقى الغيري المستفاد منه القيديّة فلا تصحّ في السعة وأمّا اذا حبس في مكان مغصوب فقد يقال بعدم جواز تغيير الهيئة التي

ص: 58


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 1/5 من أبواب الاستحاضة واللفظ ولا تدع الصلاة على حال .

حبس عليها . وعن صاحب الجواهر قدس سره (1) انه اذا قال الشارع كذلك فيكون حكمه عليه أشدّ من حبس الظالم له . وفي العروة(2) انه يجوز الصلاة بالركوع والسجود الصلاة التامّة للمختار اذا لم يستلزم تصرّفا زائدا . وهذا بظاهره لا يستقيم لعدم الفرق للجسم في اشغاله الفضاء بتغير الحالات الطارئة عليه مع فرض بقائه على حالته من الثقل ولم يكبر كما هو الفرض فحينئذٍ اذا كان مضطرّا إلى اشغال مقدار جسمه من الفضاء ولم يوجب تغيير الهيئة زيادة ذلك فأيّ مانع من التصرّفات المختلفة وتغيّر الهيئات والمشي والدور فيه بل لا يكون مثل الصلاة تصرّفا ولا باقي الأشياء تصرّفا زائدا بالدقّة العقليّة وكذلك عرفا لا تكون زائدا على الهيئةالخاصّة التي حبس عليها وان كان صاحب العروة لم يجزم بكونها تصرّفا زائدا .

والتحقيق ان الكون في أرض الغير المغصوبة تارة يكون لا باختيار المكلّف وارادته بل قهرا بظلم ظالم واجباره عليه واخرى بسوء اختياره وثالثة لحفظ نفسه أو التوقّي من الضرر الشديد ونحو ذلك .

والثاني وهو توسّط الأرض المغصوبة اختيارا فسيجيء حكمه .

أمّا الأوّل وهو ما اذا لم يكن باختياره بل قهرا وظلما وجبرا . فنقول انه بناءً على امتناع الاجتماع وتغليب جانب النهي فتارة نقول بدلالة(3) النهي النفسي كالتصرّف في ما نحن فيه على عدم المانعيّة للصلاة فلا اشكال في صحّة الصلاة لو أتى بها في الأرض المغصوبة لا بالقهر . واخرى نبنى كما هو الطريقة والقاعدة على ان النهي النفسي منشأ للنهي الغيري موجبا له وحينئذٍ كساير النواهي الغيريّة في

حكم الصلاة في الأرض المغصوبة

ص: 59


1- . جواهر الكلام 7/300 .
2- . العروة الوثقى المسئلة 8 من فصل مكان المصلي .
3- . حق العبارة فتارة لا نقول بدلالة النهي على المانعيّة الخ .

استفادة القيديّة والمانعيّة منه وان وجود هذا النهي مضرّ بالعبادة فعدمها دخيل فيها كالشرط وهو ما يكون وجوده دخيلاً اذ لا فرق بين القيود الوجوديّة والعدميّة في هذه الجهة وعليه يترتّب على هذا النهي النفسي جميع ما يترتّب على الغيري من الآثار من استفادة المانعيّة منه . وحينئذٍ فتارة يكون دليل المانعيّة ومنشأها كالنهي النفسي في مورد البحث مخصوصا بحال التمكّن من اجتناب المنهي عنه فلا اشكال حينئذٍ ان في صورة عدم التمكن لا نهى نفسي كما انه لا يكون ما نشأ منه من النهي الغيري فتصحّ الصلاة في محلّ الفرض بلا اشكال أصلاً . واخرى لا يكون كذلك بل يستفاد منه المانعيّة مطلقا في جميع الأحوال وحينئذٍ فلا يسقط بالتعذّر .ولا يخفى انه اذا نشأ النهي الغيري من النهي النفسي فلا شبهة في سقوطه عند عدم التمكّن وأمّا اذا كانا ناشئين من علّة ثالثة فلا يوجب سقوط النفسي بالتعذّر سقوط الغيري بل يبقى على ما نعيته كما اذا اضطرّ في صورة أكل المخمصة إلى التصرّف في مال الغير فلا حرمة عليه لكنّه يبقى ضمان مال الغير . فكذلك في ما نحن فيه . وحينئذٍ فلابدّ من تشخيص الصغريات ( لكن مورد البحث لا ربط له بما اذا كان ناشئا من علّة ثالثة بل يختصّ بما اذا أوجب النهي النفسي للمانعيّة وحينئذٍ فيمكن القول بسقوطه عند التعذّر .

ثمّ انه اذا بقى النهي الغيري على مانعيته فمقتضى القاعدة الأولية سقوط الأمر بالمقيد للارتباطيّة الا ان بمقتضى القاعدة الثانويّة يمكن القول بوجوب مثل الصلاة لكن لا لقوله ( الصلاة(1) لا تترك أو لا تسقط بحال ) لعدم كونه صلاة بل

ص: 60


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 1/5 من أبواب الاستحاضة واللفظ ولا تدع الصلاة على حال.

لاستفادة أهميّة الوقت وكونه دخيلاً في العبادة . فعند الدوران بين سقوطه وسقوط غيره ممّا هو دخيل في الصلاة يقدم جانب الوقت إلاّ فيما اذا كان الدوران بين جامع الطهور والوقت فالجامع مقدم وعليه ففي مورد البحث لا اشكال في صحّة صلاته لعدم النهي والمانعيّة في ذلك . وقد سبق الكلام ممّا له ارتباط بما نحن فيه .

اما جامع الطهور فيمكن القول بسقوط الوقت عند الدوران بينه وبين الوقت بمقتضى القاعدة لعدم التمكّن من الجمع بين الجامع وبين الوقت وقد استفيد من الأدلّة المتفرّقة في الأبواب المختلفة تقدم الجامع على الوقت وتقدم الوقت وأهميّته على كلّ قيد سوى جامع الطهور . فحينئذٍ يخرج عن كونه موقتا كأنه لم يرد دليل للتوقيت فيه من اول الأمر فيعامل معه معاملة الموسعات من جوازالتأخير إلى ظن الموت لعدم لزوم الفور ولا يكون الصلاة حينئذٍ قضاءً لعدم الوقت لها .

فاذا كان التراب أو الماء مغصوبا في السجن مثلاً فمقتضى القاعدة وجوب الصلاة مطلقا لا موقتا ولا فرق بين أصل الطهور وقيده من اباحته فيقدم قيده على الوقت أيضا . وكذلك لا مجال للقول بجواز التصرّف في مال الغير للوضوء أو التيمّم اذا ضاق الوقت عن تحصيل الطهور المباح . وذلك لعدم الاضطرار إليه . فكذلك اذا كان محبوسا قهرا ولا يتمكّن على طهور مباح وكذلك اذا كان حبسه مخلدا فمقتضى القاعدة كذلك فتسقط الصلاة لعدم التمكن أصلاً على ما عرفت .

هذا اذا كان قهرا . وأمّا إذا وصل إلى أوّل الارض المغصوبة مثلاً وضاق الوقت ولا يتمكّن من مكان مباح فاما أن يصلّي في أرض الغير أو اذا كان خارجها لابدّ من المشي وعدم الوقفة للخوف من العدو والسبع فهنا أيضا لا

الفرق بين النهي الغيري الناشى من النفسي وغيره

ص: 61

اشكال في عدم جواز التصرف في ملك الغير . بل يسقط الاستقرار والركوع والسجود إلى بدلهما الايمائي والاشاري لكن اذا لم يتمكن من حفظ نفسه الا بالتصرف في أرض الغير وملكه فلا اشكال في جواز الصلاة فيها أيضا وهذا لا اشكال فيه . أمّا إذا لا يتمكّن من الصلاة في المباحة للثلج وغيره ولا خوف على النفس مثلاً بالبقاء خارج المغصوب فهل تجوز الصلاة والتصرّف في المغصوب أم لا ؟ وحكم هذا أيضا علم على ممّا ذكرنا في باقي الفروع .

الخلاصة أشرنا إلى ان وجوه الكون في الدار المغصوبة ثلاثة: ثالثها ما إذا كان الدخول فيها بسوء اختيار المكلّف وقد تعارف التعبير عن هذه الصورة في اصطلاح الاصوليّين بتوسط الأرض المغصوبة وذلك لتفرّع الفروع الكثيرة التي لا تكون في مثل الصلاة في اللباس المغصوب أو ساير ما يغصب وان كان الجميعمشتركا في الحرمة وللجهة الوضعيّة فيها .

وكيف كان ففي المسئلة أقوال: منها ان الخروج عنها منهيّ عنه ومأمور به ومنها انه مأمور به فقط ولا نهي عنه ومنها انه ليس مأمورا به ولا منهيّا عنه ولا عقاب ولا شيء . ومنها انه ليس بمنهي عنه لكن فيه جهة الحرمة وملاكها وذلك لعدم امكان توجه النهي إليه لعدم امكان الامتثال وامتناعه عنه . فلا يمكن توجه الخطاب إليه وإن كان هذا الامتناع بسوء الاختيار . لكن الامتناع لا ينافي العقاب . واختار المحقّق النائيني(1) تبعا لما نسب إلى الشيخ انه مأمور به فقط ولا نهى عنه . وذلك لأن عمدة أقوال المسئلة هذا القول والقول الذي ذهب إليه المحقّق

ص: 62


1- . فوائد الأصول 1/447 .

الخراساني قدس سره واذا لم يصح ما ذهب إليه في الكفاية(1) وثبت بطلان باقي الأقوال يثبت المطلوب . وهو كونه مأمورا به فقط ولا عقاب فيه ولا نهي . ودليله على ذلك انه ليس من صغريّات الامتناع بالاختيار لا ينافي العقاب وان كان هذه القاعدة في حدّ نفسها متينة ولها انطباقات لكنه لا تنطبق على مورد البحث لوجوه: منها كون اللازم في باب الامتناع تعلّق الامتناع بخصوص المورد لا بالجامع بينه وبين فرد آخر والمقام كذلك فان الجامع بين البقاء والخروج ممتنع تكوينا الا ان مجرّد الخروج وحده مقدور تكوينا فلا يكون ممتنعا .

نعم النهي عنهما لا معنى له لكونه راجعا إلى الجامع بفرديه وهما غير مقدورين لكن تعلّق النهي بخصوص احد الفردين كالأشدّ منهما لا مانع منه لكونه مقدورا .ومنها: ان اللازم في هذه القاعدة ان في صورة الامتناع ولولا النهي أن لا يكون هناك خطاب والمقام ليس كذلك بل الخطاب رد مال الغير . وحيث ان رد مال الغير يختلف باختلاف المال ففي ما نحن فيه يكون بالخروج منه وفي الدابة والفرس بايصال زمامها إلى صاحبها وفي النقود ادخالها في ملكه بيده أو بنحو آخر بحيث لا يصل إليه يد غيره وبغصب دار الغير تارة بالخروج واخرى بالتخلية فحينئذٍ لا ينطبق عنوان المنهي عنه على هذا التصرّف ويكون بالامتناع له حكم آخر .

ومنها: عدم كونه مترتّبا على موضوع آخر . وفي ما نحن فيه يكون من هذا القبيل حيث ان الخروج بلا دخول لا يمكن فهو مقدمة لوجوب الخروج لو كان

الأقوال في الخروج عن المكان المغصوب

ص: 63


1- . كفاية الأصول 1/263 .

الخروج واجبا . ومحل القاعدة ما لم يكن كذلك بل كان مقدمة اعدادية للشيء لا مثل مورد البحث حيث ان الدخول مقدمة لوجوب الخروج فتأمّل .

توضيح وتكميل: قد ظهر وجه ما ذهب إليه الشيخ والمحقّق النائيني من كون الخروج عن الأرض المغصوبة واجباً مأموراً به فقط لا منهيّاً عنه ولا عقاب عليه لكن لا يتمّ ما ذكر من الوجه الثالث من كون الدخول مقدمة وجوبيّة للخروج لا وجوديّة ولذا لا يمكن توجه خطاب الحرمة إليه بل يمكن أن يقال في منعه ان الخروج لانطباق عنوان التصرّف عليه يكون محرما من أوّل الأمر هذا .

نعم العمدة في الاشكال هو منع حرمة هذا النحو من التصرف الذي في مقام رد مال الغير وايصاله إلى صاحبه بل هو حسن لكونه ردّا لمال الناس إليهم وتخليته لهم لما ورد من كون المغصوب مردودا وانه ( على اليد(1) ما أخذت حتّىتؤدي ) وأمثاله ممّا يمكن استفادة وجوب ردّ المغصوب إلى مالكه بدون قبح في ذلك ولا حرمة .

لكنه يمكن الخدشة في ذلك بكونه مأمورا به ومنهيّا عنه لاجتماع الجهتين فيه وانطباق العنوانين عليه سواء كان هناك موضوع خارجي كما نحن فيه وتعلّق الوجوب والحرمة به أم لا . لعدم الفرق في باب الاجتماع كما ذكرنا سابقا واستشهدنا بصحّة الوضوء بالمغصوب في صورة الجهل على كونه من باب التزاحم لا التعارض وإلاّ فلابدّ من الالتزام بكونه من باب التعارض والقول بمقالة صاحب الكفاية قدس سره من عدم كون النهي فعليّا بل العلم بموضوعه أو لحكمه موجب لكونه فعليّا ففي صورة الجهل يكون الغالب هو ملاك الأمر والمصلحة فيكون مأمورا به .

ص: 64


1- . مستدرك الوسائل 17 الباب 1/4 كتاب الغصب عن تفسير أبي الفتوح الرازي .

والحاصل: ان اجتماع العنوانين وكونه في مقام تخلية مال الغير ورفع اليد عنه وفي مقام ردّه موجب لكونه محبوبا مأمورا به حيث انه لولاه ليبقى في الغصب ويكون المحذور أشدّ وارتكاب الممنوع أكثر . ولكونه ينطبق عليه عنوان التصرّف يكون منهيّا عنه . وهذا اذا لم يرجع إلى وحدة المتعلّق بل كان ضابط الاجتماع من كون الوجود انضماميّا منطبقا على المقام بأن يكون متعلّق الأمر والنهي متعدّدا حقيقة غاية الأمر يوجدان بوجود واحد كما اذا قلنا ان الواجب ليس الا نتيجة مشي الغاصب في مقام رفع اليد عن الغصب والتخلية . والحرام هو نفس هذا المشي لكونه تصرّفا وحيث انه لا يعتبر في الواجب هنا قصد القربة فيحصل الغرض من الواجب ولو بالحرام وفي هذا الفرض يكون المقدمة محرمة وذوها واجبا فالتزاحم حقيقة بين خطاب المقدمة وذيها وفي ما اذا اجتمع الجهتان في نفس المشي ورفع الاقدام ووضعها يكون من باب التزاحم بين الواجب والحراملباب الاجتماع . ولا اشكال في امكان سقوط الواجب بالمقدمة المحرمة اذا لم يكن تعبديا كما في غسل الثوب من النجاسة أو البدن بالماء المغصوب .

وكيف كان ففي فرض اجتماع الجهتين في نفس هذا التصرّف والردّ يكون من باب تزاحم الاجتماع . وحيث ان الرد مقدم في هذا المقام على حرمة التصرّف بحكم العقل والعرف والنقل لاستفادة ذلك من خصوصيّات المقامات فيكون الغلبة لجانب الأمر ولا اشكال كما ان الأهم على فرض كونه من باب تزاحم المقدمة المحرمة مع وجوب ذي المقدمة هو ذو المقدّمة وردّ مال الغير كحفظ نفسه فحينئذٍ يكون الرد واجبا سواء كان من باب تزاحم الاجتماع أو المقدمة المحرمة .

نعم ربما يمكن توجه الاشكال على هذا للغوية الحرمة المغلوبة للتصرف

عدم حرمة التصرّف لرد المال إلى صاحبه

ص: 65

لكونه مزاحما دائما مع وجوب الخروج والتخلية فلا وجه لجعله هذا بناءً على كونه من باب التزاحم .

أمّا إذا قلنا بكونه من باب التعارض واجتماع جهتي الوجوب والحرمة في نفس هذا التصرّف وانه لا تعدّد هنا لمتعلّق الأمر والنهي حقيقة حتّى انا منعنا كون الواجب النتيجة والحرام هو المشي فلابدّ من الكسر والانكسار وجعل الحكم على طبق الغالب وهو في ما نحن فيه جهة الوجوب فيكون مأمورا به محضا لا منهيّا عنه لعدم التزاحم .

لكنه يمكن أن يقال بترتّب العقاب عليه لا لكونه مأمورا به بل لابتلاء الجهة المقتضية للحرمة بالمانع بحيث لو لا هذه الجهة لكان منهيّا عنه لجهة مبغوضيته للمولى الا انه لمكان اجبار المولى على الصبر على المكروه لا يمكن له جعل الحرمة واما ملاكه فموجود فلذا لا مانع من العقاب . واذا عوقب على هذا الامتناع من النهي لا يذمّ ولا يرون به قبحا . كما انه يمكن منع هذا المقال في المقاموالذهاب إلى كونه مأمورا به رأسا لمغلوبيّة جهة المفسدة والنهي فلا وجه للنهي ولا للعقاب عليه اذ العقاب على الحرام وهو الدخول واما الخروج فمحبوب مأمور به أبدا دائما . فظهر بما ذكرناه صحّة ما ذهب إليه الشيخ والمحقّق النائيني لكن بهذا الذي قلنا من الدليل لا لما استدلا به عليه فتدبّر .

طرح المسئلة ببيان آخر: ليعلم ان واقع الأمر ومقام الثبوت لا يخلو من انحصار الجهة في الخروج عن الأرض المغصوبة بالمصلحة وكونه مأمورا به فقط لا منهيّا عنه وهذا هو مختار الشيخ قدس سره فحينئذٍ لا إشكال في جعل الحكم على طبقه والأمر به وليس منهيّا عنه ولا عقاب عليه لعدم اتيانه الا بما هو ذو مصلحة محضة

ص: 66

في مقام ردّ مال الغير والتوبة عن الغصب وظلم المغصوب منه .

أو ان التصرّف مطلقا في مال الغير المغصوب مبغوض ولو في مقام افراغ ماله ورفع اليد عنه . غاية الأمر حيث انه غير متمكّن من عدم التصرّف مطلقا بل اما أن يختار الخروج فيكون تصرّفا أو البقاء فأيضا كذلك ولا ثالث لهما .

وعلى كلّ فيكون مجبورا مضطرّا إلى التصرّف . فحينئذٍ إمّا أن يقال بعدم العقاب على مقدار ما لا يمكن الانتهاء عنه وهو القدر الجامع بين الخروج والبقاء بحيث يلزم لا محالة أو يقال بعدم التمكّن من خصوص القدر الذي يصرفه في الخروج فان لم يصرف فثانيا وهكذا ويؤدّي في بعض الأحيان إلى عدم حرمة البقاء رأسا لكن لا وجه لذلك .

بل التحقيق ان المقام من تزاحم الحرامين فلابدّ من ارتكاب ما هو المهم والانتهاء عن الأهم كما هو الضابط في كليّة المقامات التي يحصل التزاحم بين التكليفين لعدم قدرة المكلّف على امتثالهما معا لامكان ترك الخروج باختيار البقاء كما ان الخروج ممكن للاختيار بترك البقاء فكلاهما مقدوران في حدّأنفسهما نعم لا يمكن جمعا امتثالهما معا .

وأمّا ما يقال من ان الممتنع الشرعي كالممتنع العقلي وحيث ان في المقام لا يمكنه الخروج إلاّ باختيار البقاء المنهي عنه الممتنع شرعا فكما انه لا يقدر على البقاء المضطرّ إلى الخروج وهكذا بالنسبة إلى البقاء فلا يمكن المساعدة عليه لاستلزامه محاذير عديدة . منها خروج الواجب عن وجوبه ولزوم عدم الشيء من فرض وجوده حيث ان التكليف انما يتعلّق بالمقدور وهو الذي يحرم أو يجب فاذا وجب على الانسان الفعل فيقال بكون الترك ممتنعا شرعا فيكون كالممتنع العقلي

تتمّة الكلام

ص: 67

وهكذا اذا كان الفعل حراما فالترك واجب ولا يمكنه اختيار الفعل لخروجه عن تساوي الطرفين بايجاب الشارع أو تحريمه فيكون الفعل بعد مقدوريته باستواء نسبة قدرة المكلّف على طرفيه مقدورا بالنسبة إلى طرف واحد وهذا معنى خروج الواجب عن وجوبه أو استلزام وجوده لعدمه . فحينئذٍ لا وجه لهذا القول ولا القول بكون الخروج ممتنع الترك وان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا وينافيه خطابا لمنع ذلك كما أشرنا إليه . بل الذي ينبغي أن يقال هو ما قدمنا من كون الباب من صغريّات باب التزاحم بين الأهم والمهم لعدم قدرة المكلّف على انتهائه عن كلا الحرامين والتصرفين البقائي والخروجي وكما ان القاعدة في ساير موارد التزاحم بين التكليفين تقتضي اختيار الأهم وسقوط المهم فكذلك في المقام لابدّ من سقوط النهي عن الخروج لكونه مهمّا بالنسبة إلى البقاء حيث انه مستلزم لمحذور أكثر من الخروج وعدّه ظلما وغصبا بخلاف الخروج .

وعلى أيّ وجه . فالبقاء أهم فلابدّ من بقاء حرمته دون المهم وهو الخروج فيكون مثل ما اذا كان مأمورا به محضا لكن سقط نهي مفسدته لمكان التزاحم وإلاّ فهي موجودة فيكون مستحقّا للعقاب وليس من قبيل ما اذا كان محبوسا فيالمكان المغصوب قهرا فانه اذا اطلق واذن له بالخروج عن الحبس فيكون تصرّفه في المغصوب خروجا مأمورا به محضا بلا شبهة . وذلك للفرق بينه وبين المقام فان في المقام فعل ذلك بسوء اختياره فالملاك بالنسبة إليه موجود وإن كان مبتلىً بالأهم الذي سقط لأجله النهي دون الملاك فيستحقّ العقاب لذلك . فالعقاب واستحقاقه مع كونه مأمورا بالخروج مستند إلى ما ذكرنا لا إلى ما اعتمد عليه

ص: 68

المحقّق الخراساني في كفايته(1) من جعل المقام من صغريّات قاعدة الامتناع بالاختيار لا ينافي العقاب ولأجل ان الخروج أخفّ محذورا وإن كان المقام نظيره لا عينه . ولذلك فرقنا بين ما اذا ابتلى بين المحذورين بدون اختياره فيرتكب الأخف ولا عقاب دون ما اذا كان باختياره فيرتكب مع استحقاق العقاب . واما ان نقول بمقالة القمي رحمه الله من كونه مأمورا به منهيّا عنه لاجتماع جهتي الوجوب والحرمة على الخروج وكون الجهة تقييديّة . فحينئذٍ أيضا لا يمكن للمكلّف عدم ارتكاب المنهي عنه . فانه إمّا أن يرد فيلزم الحرام أو لا يرد فكذلك فاستلزام الحرمة للردّ الواجب دائمي بخلاف العكس فانه يمكن له اختيار البقاء فيكون حراما بلا لزوم امتثال الواجب ففي هذا الفرض أيضا يكون الوظيفة هو الرد لكونه أهم بالنسبة إلى البقاء على الغصب إمّا لكون البقاء زيادة تصرّف على الخروج . وإمّا لأنّ البقاء قبيح أشدّ قبحا من التصرّف الخروجي فأيضا تكون النتيجة مع الأمر ويكون هذا التصرّف مأمورا به ويسقط خطاب النهي دون عقابه .

هذا كلّه على التزاحم .

أمّا إذا كان من باب التعارض واجتماع جهتي المفسدة والمصلحة في نفسالمتعلّق وعدم تعدّده بل هو واحد اجتمع فيه جهتا الأمر والنهي فلا يخلوا واقع الأمر من كون أحدهما غالبا والآخر مغلوبا بالكسر والانكسار . فالحكم على طبق الغالب وأمّا لا غالب ولا مغلوب فالحكم هو الكراهة أو الاستحباب أو التخيير لكن في صورة عدم غلبة جانب النهي لا عقاب ولا استحقاق لانحصار التكليف بغير النهي ولا جهة مقتضية فيه أصلاً . الا ان من المعلوم المسلم ان جهة

الاشكال في اندراج المقام في قاعدة الامتناع بالاختيار

ص: 69


1- . كفاية الأصول 1/263 - 264 .

الأمر وهو الرد لكون تماميتها حسنا وايصال مال الغير إليه والتخلية عنه أهم أقوى فالحكم على طبقه ولا يكون هناك مفسدة مقتضية أو غالبة فلا عقاب بخلافه على التزاحم فان الملاك موجود فيه دون صورة التعارض .

فظهر بما ذكرنا ان الخروج يكون مأمورا به على هذه الوجوه وبناء على التعارض لا عقاب دونه على التزاحم على ما عرفت الا ان الطريق مع المحقّق الخراساني في صورة التزاحم مختلف حيث انه بنى على صغروية القاعدة وارتكاب أخف المحذورين دوننا وفي الحقيقة هو أيضا قائل بالوجوب وكون هذا الخروج مأمورا به لكن الخلاف مع الشيخ في استحقاق العقاب وعدمه . وكيف كان فما ذكره المحقّق النائيني(1) من منع صغرويّة المقام للقاعدة استنادا إلى كون الدخول مقدّمة وجوبيّة للخروج لا وجه له . فانا وان صدقناه في دعواه لكن دليله مخدوش بكون المقام من قبيل المقدمات الاعداديّة كما في شرب المسكر أو الماء وأمثالهما فان شرب القطرة الاولى مقدمة اعدادية لتمكنه من شرب القطرات اللاحقة وهكذا في باقي الموارد فلا يمكن القول بكونها مقدمة وجوبيّة .

والحاصل ان النتيجة مع الشيخ مع استحقاق العقاب على بعض الوجوه دونبعض آخر وهذا التصرّف الخروجي من أوّل الأمر واجب لا انه كان حراما ثمّ صار واجبا .

بقيّة الكلام ان ما ذكرنا في مسئلة الخروج عن الأرض المغصوبة إنّما هو بالنسبة إلى الحكم التكليفي .

أمّا بالنسبة إلى الوضعي وصحّة الصلاة وفسادها فمن جهة التصرّف المأمور

ص: 70


1- . فوائد الأصول 1/447 وما بعده .

به فلا اشكال في صحّة الصلاة لأنه على كلّ حال وعلى جميع المباني مأمور به . غاية الأمر ثبوت العقاب أي استحقاقه على بعضها ولا عقاب عليه على البعض الآخر سواء كان من باب التعارض أو التزاحم . وعلى كلّ حال جانب الأمر غالب فاذا كانت الصلاة من جهة هذا القدر من التصرّف فلا اشكال في صحّتها الاّ انه بالنسبة إلى القدر الزائد عليه اذا استلزمه الصلاة بان يستقر ويستقبل القبلة ولا يستدبرها ويركع ويسجد بلا ايماء بل بالركوع والسجود الحقيقيين فيكون صغرى لباب التزاحم بين الوقت لهذه الصلاة وبين حرمة التصرّف لفرض انه زائد على المأمور به وينافي قصد القربة المعتبرة في العبادة على ما مرّ بيانه . فاذا استكشفنا الأهم فهو فان كان الوقت أهم فلابدّ من حفظه واتيان الصلاة . غاية الأمر حينئذٍ يكون البحث عن أهميّة حرمة الغصب ووجوب مراعاة هذه القيود الوجوديّة أو العدميّة فان استفدنا حرمة الغصب وأهميّته حتّى في هذا المورد لكونه تصرّفا في حقّ الغير وانه ما اجتمع(1) الحلال والحرام في شيء الا انه غلب الحرام الحلال فلابدّ من سقوط هذه القيود والاتيان بالميسور بمقتضى الدليل الثانوي اذا كانت صلاة والا فمقتضى الدليل الاولى سقوط المأمور به لتعذّر بعض ما له دخل فيه وجودا أوعدما .

لكنه يمكن الاشكال في أهميّة الوقت في هذه الموارد وعليه تكون الصلاة غير موقتة من أول الأمر في مثل هذا الفرض كما انه لا أمر لها بالنسبة إلى فاقد الطهورين لعدم استفادة سقوط الطهور في صورة الاضطرار . وحينئذٍ فلا قضاء لعدم فوت شئاذ لا كاشف عنه وان احتمله خلافا لبعض حيث يوجب القضاء أي

في حكم الخروج وضعيّاً

ص: 71


1- . عن عوالي اللئالي 2/132 .

اتيانها خارج الوقت لاستفادة فوت الملاك بحسب الأمر الا انه سقط لمكان الضرورة فلولاها لكان الأمر موجودا .

وعلى كلّ حال فعلى تقدير عدم استفادة اهميّة الوقت فيمكن جريان هذا الكلام فيه كما بالنسبة إلى الاستدبار لعدم ما يدلّ على أهميّة الوقت بالنسبة إليه .

نعم بالنسبة إلى الاستقبال يمكن اهميّة الوقت لما ورد في الصلاة إلى أربع جهات عند التمكّن وإلى جهة واحدة مظنونة أو غيرها عند ضيق الوقت بالنسبة إليه كما انه يمكن دلالة رواية السفينة(1) انه يصلي إلى رأسها أين ما دارت على ذلك ويحتمل دلالتها على عدم ضرر الاستدبار باطلاقه وحينئذٍ فيستفاد أهميّة الوقت مطلقا بالنسبة إلى الاستقبال والاستدبار والأوّل شرط والثاني مانع فيسقطان اذا استلزم الخروج لذلك . ومنه يعلم الحال في النقطتين أو إلى ما بين المشرق والمغرب كما انه لا اشكال في أهميّة الوقت بالنسبة إلى الاستقرار والقيام والقرائة وأمثالها فتسقط أو تتبدّل إلى الابدال الاضطراريّة .

اما القضاء فلم يدلّ عليه دليل بل ظاهر الأمر بهذه الأوامر الاضطراريّةاجزاءها ولا شيء عليه .

أمّا بالنسبة إلى الاستقرار وعدم المشي بالنظر إلى الغصب فحرمته أهم منها ولذا يمشي ويصلي مضطربا بلا اشكال .

والحاصل: ان الميزان الكلي في مثل هذه الموارد هو استفادة الأهميّة فاذا علم الأهم بالقرائن الشرعيّة والبيانات الواردة عنهم عليهم السلام فهو والا فلا

ص: 72


1- . وسائل الشيعة 5 الباب 14/10 من أبواب القيام . لكن الرواية ليست كما في المتن ( ففيها يصلي النافلة مستقبل صدره السفينة وهو مستقبل القبلة إذا كبّر ثمّ لا يضرّه إذا دارت .

يمكن القول بالتخرص والتخمين . وقد انعقد الاجماع على سقوط الصلاة بالطهور عند عدم وجوده الا مغصوبا ولم يقل أحد بالطهارة بالمغصوب ماءً أو ترابا .

ثمّ انه هنا فرعا قابلاً للتوجه وهو انه ربما يدور الأمر بين أن يأتي بهذه الصلاة الاضطراريّة في الوقت بلا استقرار في حال المشي واتيان الموانع من الاستدبار أو ترك الاستقبال ونحوهما وبين ادراك مقدار ركعة من احدى الصلاتين أو خمس ركعات بالنسبة إليهما صلاة تامّة للمختار . فهل يقدم جانب الوقت ويأتي بالصلاة الاضطراريّة في تمام الوقت بحيث لا يقع شيء منها خارجة أو لا ؟ بل يأتي بركعة منها تامّة مع الشرايط في الوقت وبالباقي خارجه اعتمادا على دليل التنزيل وانه(1) من أدرك ركعة من الوقت كمن أدرك جميع الصلاة فيه . ولا اشكال في ان الثاني أولى فلذا لابدّ من التأخير إلى الخروج عن الأرض المغصوبة والاتيان بركعة تامّة والباقي خارجه الذي نزل منزلة الوقت فتدبّر فانه لا يخلو من اشكال ولعلّه قد سبق في بحث المضيق والموسع .

بيان آخر في المسئلة: لا يخفى ان محلّ الكلام في مسئلة الصلاة في الأرض المغصوبة والتزاحم هو ما اذا ضاق الوقت عن الصلاة بحيث اذا أرادالصلاة في المكان المباح يفوت وقتها وحينئذٍ فلا مجال هيهنا لما يقال في باقي الموارد نظائر المقام من تقديم جانب النهي لكونه شموليّا على الصلاة لكونها بدليّا والشمولي أقوى من البدلي . اذ في مورد البحث وضيق الوقت لا بدل هيهنا للصلاة ويدور الأمر في ضيق الوقت بين ترك الصلاة لأهميّة الغصب والتصرف في مال الغير بغير اذنه على الصلاة وبين اتيان الصلاة وتقديمها على الغصب لأهميّتها

دوران الأمر بين الوقت وساير الشروط

ص: 73


1- . وسائل الشيعة 4 الباب 30/1 - 2 - 3 من أبواب المواقيت .

والدوران إنّما هو من باب التضاد لوجوب الصلاة وحرمة الغصب فاتّفق في هذا المورد تزاحمهما . وليس المقام مقام التعارض لاشتراطه بكون التكليفين متزاحمين في شيء واحد لا في شيئين يبحث عن أهميّة احدهما بالنسبة إلى الآخر . ونظير ما نحن فيه ما اذا لم يكن عنده طهور مباح للصلاة وضاق الوقت أو مع العلم بعدم وجدانه للمباح إلى آخر الوقت . فهل يقدم جانب الصلاة ويتصرّف في المغصوب أو يقدم جانب الغصب ويكون هو الأهم ويسقط الصلاة في الوقت وتكون غير موقتة ويأتي بها بعد الوقت أو لا تجب عليه أصلاً ؟ ربما يتوهّم في أمثال هذه المقامات تقديم جانب النهي لكونه من قبيل دفع المفسدة والأمر من قبيل جلب المنفعة ودفع المفسدة أولى بالمراعات من طلب المنفعة وهو فاسد . اما اولاً فلعدم معلوميّة ذلك مطلقا بالنسبة إلى آحاد المكلّفين بل ربما يكون الجهات النوعيّة مقتضية لجعل الحكم على الجميع بحيث يخرج من حق كلّ واحد عن الجزاف . واما انه لابدّ من وصول نفع إليه أو دفع ضرر عنه فليس بلازم .

وثانيا على فرض التسليم فربما تكون جهة المصلحة والمنفعة فيه بحيث تكون غالبة على جهة المفسدة بنحو لا تغلب عليها المفسدة ولا تساويها لاختلاف المقامات والموارد كما انه بالنسبة إلى الأشخاص أيضاً كذلك فترى واحدا يقدم جانب المنفعة الكلية أو الجزئيّة على جانب الضرر .نعم ورد في الشرع انه(1) من قتل دون ماله فهو شهيد ولكن لا يمكن استفادة الاطلاق منه وانه يقدم جانب حفظ المال على النفس . فهذا التوهم فاسد كتوهم تقدم حق الناس على حق اللّه لعدم استفادة الميزان الكلي اذ يقدم في بعض

ص: 74


1- . وسائل الشيعة 15 الباب 46/13 - 14 من أبواب جهاد العدوّ .

الموارد حق اللّه .

والحاصل ان عند تزاحم النفس والمال فالنفس مقدم كما انه عند تزاحم النفس والدين يفدى الدين بالنفس .

وأمّا تقدّم جانب النفس على العرض أو العكس فليس بمعلوم وفي المال يجوز أو يجب الدفاع بالأسهل فالأسهل . وربما قيده بعضهم بعدم ظن الهلاك .

وكيف كان فلا وجه لتقديم جانب التصرّف على الصلاة لأنّه حقّ الناس ويقدّم على حقّ اللّه . وفيه ما عرفت أو دفع المفسدة أولى من جلب النفع وقد عرفت اشكاله أيضا . بل مقتضى ذلك تقدّم حرمة الغصب على حفظ النفس لو قلنا بأنّه واجب وحقّ اللّه .

نعم على القول بكونه حقّ الناس فيتزاحم حقّان للناس ولابدّ من الترجيح .

وخلاصة القول في هذه المقامات انه لابدّ للترجيح من مرجح وأصل عن أهل بيت العصمة سلام اللّه عليهم أجمعين ولا مجال للتمسّك فيها بلا ضرر ولا حرج .

ويمكن في بعض الموارد، اما كليّا فلا وجه له ضرورة عدم تفوه أحد بجواز الغيبة وأكل مال الناس والتصرّف فيه بمجرّد كون تركهما عسرا أو حرجا أو فيه ضرر كوجع الرأس . واذ لم يظهر وجه لتقديم أحد الجانبين في محل البحث فلابدّمن التوقّف عن الفتوى .

تنبيه: قد فاتنا ذكر أدلّة القول بالجواز وعمدتها وجوه ترجع إلى وجه واحد وهو ان الارادة التكوينيّة لا يمكن تعلّقها بالخارج للزوم تحصيل الحاصل بل هي من صفات النفس من الكيفيّات النفسانيّة ومحلّها النفس . كما انه لابدّ من

التزاحم بين النفس والمال

ص: 75

أن تتعلّق بما هناك اذ لا يمكن عروض ما في الذهن للخارج . فحينئذٍ اذا ظهر ان متعلّقها الأمور الذهنيّة لا الخارجيّة ومن المسلم انها بأنفسها مع قطع النظر عن الوجود الخارجي متبائنات فكيف يتصوّر الاجتماع .

والجواب: ان الارادة وإن كانت متعلّقة بما في الذهن لكن لا بما هي كذلك بل بما هي مرأة للخارج وحينئذٍ فاذا اتّحد المتعلّقان للأمر والنهي في بعض الموارد في الوجود الخارجي يلزم الدور .

تتميم الكلام في المسئلة: تارة يكون البحث عن صحّة الصلاة في ضيق الوقت في الأرض المغصوبة بحيث اذا قلنا بتقدم جانب النهي لا يقدر على اتمام الصلاة بل بمقدار ركعة من الوقت واخرى في غيره .

وأمّا الصورة الاولى فملخص الكلام فيها انه يمكن القول بجواز تأخير الصلاة وعدم اتيانها في الأرض المغصوبة بل بلحاظ سعة الوقت من جهة من أدرك(1) يؤخرها إلى الخروج منها ويدرك الركعة في الوقت والباقي خارجه . لكن هذا مبنى على تقدير توسعة من أدرك وشموله حتى في هذا الفرض . الا ان اطلاقه ممنوع باختصاص رواياته الخاصّة بصلاتي الصبح والعصر لا مطلقا . بل في ما اذا كان بدون اختيار المكلف لتأخير الصلاة وروايته العامّة(2) وإن كانت موردا لعملالمشهور الا ان سندها ضعيف .

نعم لا اشكال في دلالتها وإن أمكن الخدشة فيها .

وأمّا الصورة الثانية . وهي ما اذا لم يكن مورد من أدرك بل دار الأمر بين الصلاة في الوقت في المكان المغصوب وبين تركها واتيانها مع جميع الأجزاء

ص: 76


1- . وسائل الشيعة 4 الباب 30/1 - 2 - 3 من أبواب المواقيت .
2- . نفس الباب ح4 .

والشرايط خارجه وحينئذٍ فيمكن ترجيح جانب الحرمة وتركها بزيادة التصرّف في ما اذا كان حال الخروج الواجب عليه بل يقتصر على مجرّد اتيان الصلاة بالركوع والسجود الايمائيين الذين لا يستلزمان زيادة تصرف على التصرف الخروجي وعدم الاشتغال بالصلاة أصلاً في ما اذا لم يكن في حال الخروج . بل لا يتمكن منها إلاّ في المغصوب . كما انه يمكن ترجيح جانب الصلاة الا انّ لكلّ وجها أو أكثر لا يفيد شيئا . فان وجه ترجيح الحرمة هو اما أن تكون الرواية المنقولة من انه ( ما اجتمع(1) الحلال والحرام الأغلب الحرام على الحلال ) ففيه انه لم نعثر على هذه الرواية ولم نجد لها سندا مع انه يمكن على فرض تسليم السند الاشكال في الدلالة بعدم ارتباط لها بما نحن فيه وموردها غير مورد دوران الأمر بين الواجب والحرام لكنه قابل للدفع بان المراد بالحلال غير الممنوع ومفادها على هذا انه ما اجتمع الممنوع وغيره الأغلب الممنوع على غيره .

لكنه يناقضه ما ورد من ان في صورة اشتباه(2) الحلال بالحرام يجوز الارتكاب حتّى اذا علم الحرام بعينه فيدعه .

وأمّا أن يكون الوجه في ذلك تقدم حقّ الناس على حقّ اللّه وفيه ما تقدّممن الاشكال سابقا وأمّا أن يكون وجهه هو أولويّة دفع المفسدة من جلب المنفعة ويرد عليه اشكالات وليس منها ما يقال من ان ترك الواجب أيضا مشتمل على المفسدة كما ان فعل الحرام مستلزم لفوت المصلحة اذ ذلك لا يستقيم .

بل الجواب ما ذهب إليه في الكفاية(3) . وإمّا أن يكون الوجه الاستقراء مثل

صحّة الصلاة في الأرض المغصوبة في الضيق أو السعة

ص: 77


1- . عن عوالي اللئالي 2/132 .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/1 - 2 من أبواب ما يكتسب به .
3- . كفاية الأصول 1/266 .

ما ورد في مورد(1) الحائض من انه في مورد دوران الأمر بين الحيض وغيره من استحاضة أو دم آخر تترك الصلاة وتستظهر بتركها وادعى سيّدنا الأستاذ قدس سره ورود الرواية بترك الصلاة في أيّام الاستظهار وما ورد(2) في مورد الانائين المشتبهين من انه يهريقهما ويتيمّم .

والجواب عن الأوّل فبانه إمّا أن يكون النهي عن الصلاة في أيّام الحيض ارشادا إلى عدم الاتيان بالصلاة جامعة للشرايط وعدم القدرة عليها فلا اشكال في انه لا يمكن الاستشهاد به لما نحن فيه لعدم دوران هناك بل يجوز حينئذٍ الاتيان رجاء الطهارة وعدم المانع لكون حرمتها حينئذٍ تشريعيّة محضة لا ذاتيّة .

كما انه على فرض عدم كون النهي ارشادا بل تعبّديّا أيضا يرجع إلى الارشادي كما ورد(3) في مثل الصلاة بلا وضوء معهم ( العامّة ) وهذا أيضا مثله في رجوعه إلى التشريع وقصد الصلاة بما ليست بصلاة . مع انه ربما يمكن استفادة تقديم جانب الواجب في بعض موارد الدوران بالاحتياط بالجمع بين تروك الحائض وأعمال المستحاضة وليس ذلك إلاّ من جهة عدم تقدم جانب النهي بلالعكس وأمّا عن الثاني فبامكان الجواب عنه بأنّه إنّما يتمكّن من اتيان صلاة واحدة رجاءً مع الطهارة الاحتماليّة وأمّا الصلاة الثانية فلا . إذ عند صبّ الماء على

موضع الوضوء أو الطهارة الاولى قبل انفصال الغسالة يعلم تفصيلاً بنجاسة العضو وبعده يكون من الشكّ في الرافع ولا يمكن معه اتيان الصلاة . أو يقال بحصول النجاسة الخبيثة ويدور الأمر بينها وبين الحدثيّة المائيّة . والثانية لها بدل بخلاف

ص: 78


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 13/1 الى 4 وغيرها من أبواب الحيض .
2- . وسائل الشيعة 3 الباب 4/1 من أبواب التيمّم .
3- . وسائل الشيعة 1 الباب 2/1 من أبواب الوضوء .

الأولى فيسقط لأجلها الطهارة المائيّة وينتقل إلى التيمّم . ولكنه يمكن منع اطلاق الرواية لهذا الفرض بحيث يكون الماء كثيرا كافيا لذلك . وعلى كلّ حال فالاستشهاد به غير تام وهذان الموردان كما عرفت لم يستفد منهما شيء يفيدنا في مورد البحث كما ان باقي الموارد كذلك . إذ لابدّ من الفحص التام والتتبّع للعثور على مورد يكون الأمر دائرا بين الوجوب والحرمة ويقدم الحرام كي يتمّ البحث وما ذكر قد عرفت اشكاله . كما ان باب الصلاة ومسائلها الدورانيّة بين حالات المصلى من العجز عن الاستقرار والقيام وأمثالهما لا ربط لها بمورد البحث لدورانه بين الواجبين وقد فحص سيّدنا الأستاذ أكثر الأبواب المرتبطة بهذه المسئلة ولم يجد شيئا يفيد فيها .

وأمّا مسئلة تبدل القصاص بالدية في ما يخاف من القصاص تلف النفس فلا اشكال فيها لتقدم النفس على غير الدين على اشكال في العرض . حتى انه يجوز أكل الحرام كلحم الخنزير والآدمي لأجل حفظ النفس الا النّبى والوصيّ فانه لا يجوز ولو يلزم تلف كثير .

نعم يجوز له أن يأخذ من لحم نفسه كغيره ويأكل منه ويحفظ رمقه هذا . وأمّا وجه تقديم جانب الوجوب والصلاة في المكان المغصوب فما قيل من ان الناس شرع سواء في الماء والكلأ ( والنار ) وزاد هذا القائل مسئلة الصلاة وانها مستثناةمن الحرمة ولأجلها قال بعضهم بجواز التطهّر من الحدث بالماء أو التراب المغصوب إذا كان محبوسا ولا يسقط عنه الصلاة بخلافه على ما يظهر من القاعدة من سقوط الأداء والقضاء أيضا كذلك . وعلى كلّ حال فلا يظهر وجه تقديم جانب الاستقرار والركوع والسجود التامين للمختار على الصلاة الاضطراريّة لأجل

دوران الأمر بين أكل لحم الخنزير أو الآدمي

ص: 79

أهميّة الوقت واتيانها فيه .

نعم الوقت أهمّ من الاستقرار والركوع والسجود الا انه إذا دار الأمر بينه وبينها بخلاف مورد البحث من كونه مضطرّا من ناحية أهميّته المستفادة من موارد خاصّة بالاستقراء ولابدّ من حفظه لكن الاشكال في تقديم جانب الوجوب أو الحرمة للغصب لا لأجل الوقت وإلاّ فلو فرض عدم اهميّته فلا يأتي بها فيه بل يأتي بها خارجه تامّة كاملة .

وكيف كان فالنتيجة هو التخيير عند عدم امكان تشخيص الأهم ودوران الأمر بينهما كما في كلّ مورد لا يمكن امتثال الواجب الا بارتكاب الحرام ويتمكّن من ترك الحرام بترك الواجب فاما أن تمكن من تركهما معا فليتركهما ولا يصلّي ولا يغصب في مورد البحث لا مطلقا .

تنبيه:

ربما استشهد القائل بجواز الصلاة في ملك الغير وتقديمها على الغصب بما ورد من انه ( جعلت(1) لي الأرض مسجدا طهورا أو ترابها طهورا ) وفاتنا ذكر بعض ما يتعلّق بمسئلة تقديم حرمة الغصب على الصلاة لكونه حق آدمي دون الصلاة وقد ذكرنا اشكاله وقلنا انه لا ميزان له كليّا . أمّا مسئلة عدم تمكّن أداءالدين من الخمس والزكاة مع الحجّ ووقوع التزاحم بين الحج وحقّ الفقراء أو السادة فبناءً على كون الزكاة والخمس ملكا لمستحقيهما لا يتحقّق بهما استطاعة صاحب المال بل لابدّ من رد مال الناس إليهم والاستطاعة معه حينئذٍ نعم يمكن فرضه في غير هذه الصورة ) .

ص: 80


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 7 / 1 - 2 - 3 - 4 من أبواب التيمّم .

هذا تمام الكلام في ما يتعلّق بمسئلة اجتماع الأمر والنهي وتنبيهاتها .

الكلام في دلالة النهي في العبادة والمعاملة على الفساد وعدمها:

فنقول: اعلم ان المراد بالنهي هو خصوص النهي النفسي الأصلي لخروج الغيري والتبعي عن مورد البحث ضرورة عدم مورد للنزاع في ان ما دلّ على المانعيّة هل يدلّ على الفساد أم لا لوضوح فسادها أي العبادة باشتمالها على المانع كما انه بناءً على ما تقدّم من المحقّق النائيني قدس سره ينبغي خروج التنزيهي أيضا عن مورد النزاع أمّا بناءً على تعلّقه أي النهي بنفس العبادة فلا يمكن إذ تعلّق النهي

ولو تنزيهيّا كاشف عن مرجوحيّتها ولا يمكن كونها مأمورا بها .

ثمّ انه ربما يشكل تصور تعلق النهي بالعبادة .

والجواب انه ان تعلّق النهي بشيء لو أمر به لكان الأمر عباديّا والمراد من العبادة ما أمر به للتعبّد إلى اللّه تعالى والمراد بالمعاملة المنهي عنها الأعم الشامل حتّى حيازة المباحات .

ينبغي التنبيه على أمر وهو انّهم عنونوا النزاع في اقتضاء النهي في العبادة والمعاملة الفساد وعدمه . اما في المعاملة فيمكن اجراء النزاع لكن في العبادة غير معقول حيث ان وجود المفسدة اما ابتداءً من أول الأمر واما في الاستدامة التي هي ام النهى وملاكه موجب مرجوحيّة متعلّق العبادة ومعه كيف يمكن عباديّته، بل قد سبق في بعض مباحث الاجتماع عدم امكان المنهي بالنهي تنزيها عبادة فضلاًعن المنهي بالنهي التحريمي . اذ العبادة لابدّ وأن تكون راجحة ومع المرجوحيّة الحاصلة من ناحية النهي اذا كان فعليّا كيف يمكن عباديته . واذا لم يمكن فرض ذلك ووقوعه فكيف يمكن وقوع النزاع فيه وانه هل يقتضي الفساد أم لا ؟ اذ

اقتضاء النهي الفساد في المعاملة وعدمه

ص: 81

الفرض ان النهي تعلّق فعلاً به ومع تعلقه كذلك يكون منهيّا عنه بالنهي النفسي التحريمي وهو قطعا موجب للفساد أي عدم كون المنهي عنه عبادة . ومع عدم بقاء موضوع للعبادة كيف يفرض ان المنهي عنه هو العبادة . بل ذلك يكون كاجتماع النقيضين في الاستحالة اذ لو فرض ان فيه جهة الأمر ومصلحته فاما أن تكون غالبة على جهة النهي فلا نهي أو مغلوبة فلا أمر ولا عبادة أو لا يترجّح أحدهما على نحو اللزوم فالاستحباب أو الكراهة حتّى في الواحد الشخصي . وفي مورد اجتماع جهتي الأمر والنهي فيه على ما هو موضوع بحث الاجتماع فبناء على الامتناع يكون من صغريّات النهي في العبادة لكن ذلك غير معقول ولا يصحّ النزاع فيه من ذي شعور .

نعم لو قلنا بمقالة أبي حنيفة من اقتضاء النهي الصحّة لأمكن تصحيح جريان النزاع اذ وجهه واضح حينئذٍ . ودليله على ذلك ان النهي لابدّ وأن يتعلّق بالمقدور ومعه يمكن ارتكابه وعدمه ولو فرض دلالة النهي على الفساد فلا يكون بعده مقدورا لعدم وقوعه إلاّ على وجه الفساد مع ان النهي دال على تعلّق القدرة به وهو لا يمكن إلاّ بما يمكن للمكلّف أن يأتي به ولا يأتى به وكما انه قبل تعلّق النهي كان

صحيحا كذلك بعده .

والجواب عنه هو الجواب عن أصل مجرى النزاع من عدم معقوليّته حتّى يقع فيه النزاع ويقال بمقالته . ولذا وقع الاشكال من العلماء فيه وتفصّوا بوجوه أحسنها ما قيل من انه تعلّق النهي الفعلي بشيء لو لم يتعلّق به النهي وأمر به لكانأمره أمرا عباديّا وهو كما ترى فرض على فرض لا يسمن ولا يغني من جوع .

فالتحقيق ان لا مجال للنزاع في ذلك كما هو واضح . هذا اذا كان النهي

ص: 82

تحريميّا نفسيّا وأمّا النهي الغيري فواضح إذ هو ارشاد إلى المانعيّة . ومعه لا وجه للصحّة كما انه اذا لم يكن مأمورا به وكان النهي لأجل التشريع فهو أيضا فاسد من أصله لعدم الملاك والأمر ولا شيء هناك يقال انه فاسد أو صحيح وانه تعلّق به النهي .

والحاصل انه لابدّ في ذلك من مراعاة الجهة المقتضية للحكم فعلاً وان استدعاء الجهة إلى الوجوب أو الحرمة واذا كان فيه كلتا الجهتين . فقد ذكرنا انه اما أن يغلب احدى الجهتين أو لا وفي الفعل لا يكون هناك حكمان على ما عرفت .

ثمّ بعد ذلك نقول ان ألفاظ العنوان ومحلّ النزاع تعم جميع أقسام النهي ولا اختصاص لها بالنهي النفسي دون الغيري بل تشمل الغيري والنفسي والأصلي والتبعي والتحريمي والتنزيهي والتخييري والعيني ) لو فرضنا التخييري وغير ذلك من أقسام النهي وإن كان الحكم في الغيري هو الارشاد . لكنه لا يوجب خروجه عن تحت اطلاق دائرة النزاع لأنه ليس بأسوء حالاً من النفسي ومع ذلك فقد قيل بشموله وعمومه له بل النفسي أسوء حالاً لامكان المنع في الغيري دون النفسي على ما عرفت من عدم امكان مرجوحيّة العبادة . ولذا قلنا في التنزيهي ان تعلق النهي بذات العبادة لا معنى له . نعم بناء على ما تقدم من المحقّق النائيني يمكن اجتماع الوجوب والكراهة فيه على ما سبق .

والحاصل ان المناط في النفسي والغيري واحد في امكان شمول محل النزاع لهما وان قال واحد بالمنع في النفسي فالغيري أولى وإن لم يعقل ففي كليهما سواء - اما المراد بالعبادة فقد علم انه عبارة عن ماهيّة لو لم ينه عنها وأمر بها كانأمرها أمرا عباديّا . والمراد بالمعاملة جميع أنحاء المعاملة بالمعنى الأعم الشامل

الفرق بين النهي النفسي والغيري

ص: 83

لحيازة المباحات لا خصوص البيع والشراء والهبة والصلح ونحوها .

والمراد بالفساد تارة عبارة عن وصف وجودي فيه مقابل الصحّة ناشى عن المفسدة الكائنة فيه كما في العبادة المنهيّة مثلاً بالنهي النفسي وهو المراد بالفساد

في الفواكه كفساد البطيخ مثلاً . واخرى يراد به عدم انطباق المأمور به على المأتي وإن كان واجدا لمقدار من الملاك والمصلحة . الا انه لفقدان جهة فيه أو وجود مانع منه لم تحصل المصلحة التامة المطلوبة لمكان ارتباطيّة الاجزاء بعضها ببعض ولم تكن لا بشرط فلم ينطبق المأمور به على المأتي به لهذه الجهة .

توضيح وتكميل: أشرنا إلى بعض معاني الصحة والفساد وان الصحّة بالمعنى المناسب للمقام عبارة عن انطباق المأمور به على المأتي به . وكون المأتي به واجدا لخصوصيّة بها ينطبق عليه المأمور به وفي مقابلها الفاسد الذي يكون فاقدا لها فهو فاسد . وليس المراد بالصحيح والفاسد في مقامنا هذا هو الصحّة قبال الفساد ولا العيب في الفواكه والأشياء الخارجيّة . بل اذا كان المأتي به واجدا لما ذكرنا تكوينا فينطبق عليه المأمور به قهرا وينتزع منه الصحّة . واذا لم يكن فلا ينطبق وينتزع منه الفساد فالوجدان والفقدان أمران تكوينيّان لا تشريعيّان . كما ان الانطباق وعدمه المرتبطين لهما أيضا كذلك . ومنهما ينتزع الصحّة والفساد . فهما ( أي الصحّة والفساد ) وصفان متقابلان في الوجود الخارجي وهو اما أن يكون واجدا لما ذكر فصحيح أو فاقد له ففاسد ( ويكونان أمرين تكوينيين لا من الأحكام الوضعيّة الشرعيّة ) والتقابل بينهما من تقابل العدم والملكة لا من تقابل التضاد ولا من الايجاب والسلب . اذ ليس في قبال الصحيح العدم المحض بل هما وصفان للموجود الخارجي وهذا في المركّبات من متعلّقات التكاليف واما

ص: 84

البسائط فلا يتصور فيها الصحّة والفساد اذ اما أن تكون موجودة أو معدومة والعدم لا يتصف بالفساد كما عرفت وجهه . فالملكيّة إمّا أن تكون حاصلة بالنقل والانتقال والأسباب واما أن تحصل بالحيازة أو لا فلا معنى لاتصافها بالصحّة والفساد ولذلك يشكل الأمر في المسببات خصوصا اذا كان الموضوع له اللفظ فيها هو المسبّب لا الأسباب اذ امضاء المسبب لا ربط له بامضاء السبب كما انه لا معنى للصحيح والفاسد فيها .

نعم يمكن اجراء النزاع في الأسباب الموجبة للمسبّبات التي تكون بسائط ( كالنقل والانتقال الخارجي في الفضولي ) وكالايجاب والقبول وأمثالهما واذا كان كذلك فعند الشكّ في اعتبار شيء في الأسباب يرجع الشك إلى الشك في المحصّل لتلك المسببات . فهذان الاشكالان أي اشكال رجوع الشكّ إلى المحصّل واشكال عدم استلزام امضاء المسبّبات لامضاء الأسباب انما يترتبان بناءً على كون المعاملات اسامي للمسبّبات التي هي بسائط . ويمكن تصوير الصحيح والفاسد فيها أيضا لكن في ناحية الأسباب فالسبب الناقص الذي لا يوجب حصول المسبّب يكون فاسدا دون غيره .

لكنه يشكل ذلك أيضا بانه اذا كانت امورا عرفية اعتبارية عند العقلاء فاما أن تكون موجودة أو معدومة ولا معنى أيضا للصحّة والفساد بناءً على ذلك . الا أن يقال ان المراد بالصحّة تعلّق امضاء الشارع بما هو معتبر عند العرف فبالامضاء يحصل توافق العرف والشرع والفاسد يطلق على ما لم يعتبره الشارع بل اعتبره العرف فقط هذا .

وكيف كان فلا مجال للصحّة والفساد في ناحية الأوامر والنواهي لأنّهما من

جريان النزاع في أسباب المسببات

ص: 85

الأوصاف العارضة على الموجودات الخارجيّة لا الكليات المتعلقة للأمر والنهي .

نعم بناءً على ما ذكر لا يكون متعلق الأمر والنهي في المعاملات الا البسائط المسبّبات .

ثمّ انه قد تكون الصحّة باعتبار الواقع ونفس الأمر وتنتزع من انطباق المأمور به على المأتي به على ما سبق . وقد تنتزع من تعبد الشارع كما في قاعدة الفراغ فالانطباق على هذا قسمان . اما أن يكون تكوينا أو جعليّا بتعبد الشارع بناءً على كون مفاد قاعدة الفراغ وأمثالها ذلك . ويحتمل كون ذلك تعبّدا باتيان الركوع المشكوك فيه وانك أتيت به أو اخباراً عنه فحينئذٍ بعد تعبّد الشارع واخباره يكون الانطباق قهريّا تكوينا كالصورة الاولى . بل لا معنى للتعبد بالصحّة لرجوعه إلى القناعة في مقام الامتثال وقد استشكلنا فيه سابقا . كما انه لا يمكن الالتزام بكون ذلك ترخيصا في ترك الواقع ولا يلتزم به الملتزم بجريان قاعدة الفراغ ونحوها في مجاريها بل لا محيص من الالتزام بجعل البدل . غاية الأمر انه على قسمين فقسم منه يكون واقعيّا كما في مورد التخيير بين القصر والاتمام في مواضعه وقسم منه ظاهري وقوامه الشكّ فمادام شاكا يكون هذا الموجود الخارجي بدلاً عن الواقع بمعنى اناطة الاكتفاء به إلى بقاء الشكّ إلى آخر العمر فان انكشف الخلاف يكون الواقع هو المطالب واما في ظرف الشك ومادام هو شاك فهو بدل ظاهري .

ثم انه هل يمكن تسرية وصف الصحّة والفساد إلى موضوعات التكاليف كالمكلف بالحج اذا حصل له الاستطاعة بالقيود المعتبرة فيها فيقال هو صحيح وغيره فاسد ولا يختص ذلك بباب متعلقات التكاليف المركبة بل لو اتصفت هي

ص: 86

بذلك فلتتصف تلك أيضا بهما والا فلا يكون هنا أيضا اتصاف أم لا ؟ بل هما من الأوصاف العارضة على غير ذوات الأشخاص .

حاصل ما سبق تحصل ممّا ذكرنا ان الصحّة والفساد أمران منتزعان غير مجعولين وانماينتزعان من انطباق المأمور به على المأتي به وعدمه والانطباق وعدمه أيضا أمران تكوينيان ولا تنالهما يد الجعل اثباتا ونفيا ولو اخبر الشارع بالصحّة والفساد فانما هو ارشاد ليس فيه مجال للتعبد . نعم ربما يمكن التعبد في ظرف الشك باتيان المشكوك وبالصحّة لكنه بعد هذا التعبد يكون الانطباق للمأمور به على المأتي به أيضا قهرا والاجزاء عقليّا اذ لو لم يجز هذا الفرد فكذلك الفرد الثاني وهكذا كما ان الأمر الظاهري أو الاضطراري أيضا يجزي عن متعلّقه .

والحاصل ان الانطباق تارة يكون قهرا تكوينا واخرى ظاهرا وهكذا الكلام في المعاملات فانها أيضا تنقسم إلى الصحيحة والفاسدة بل ويمكن اجراء هذا الكلام في موضوعات التكاليف والأحكام وضعية كانت أو تكليفيّة . فما هو الواجد يكون تامّا صحيحا وما هو الفاقد يكون ناقصا كما انه لا مانع من تسميته فاسدا .

وأمّا ما في كلام بعض من عدم جريان النزاع في المعاملات أو لا يكون الصحّة والفساد فيها مثلهما في العبادات ليس على ما ينبغي . بل الصحّة والفساد هما أمران منتزعان عن مطابقة المأتي به للمأمور به الواقعي والاضطراري أو الظاهري كل بحسبه وكل يجزي عن متعلقه في العبادات وكذلك في المعاملات ينتزعان من تماميتها وترتب الأثر المقصود عليها وعدمها .

نعم لا تتصف المسببات كالملكيّة والزوجيّة بالصحّة والفساد بل بالوجود

الصحّة والفساد أمران منتزعان

ص: 87

والعدم اما الاسباب فهي اما تامة أو ناقصة ويقال للتام الواجد للخصوصية المقتضية لترتب الآثار صحيح أو تام .

وللناقص الفاقد انه فاسد والا فلا جامع اصيل في العبادات بين الصحيحوالفاسد وهذا الذي قلنا بكون التعبير بالتام والناقص والواجد والفاقد أجمع تعبير عن ذلك فيها .

ولا يخفى ان باب الأسباب والمسببات كما ذكرنا عبارة اخرى عن الموضوع والحكم وان الشارع رأي ما رأه العرف ورتب عليه الأثر الخاص وانتزع منه الموضوعيّة لمورده والحكم على ما رتب عليه وضعيا أو تكليفيّا . لكن في متعلّقات التكاليف تكون المصالح والمفاسد الكائنة في نفس الأشياء تكويناً موجبة ومقتضية لجعل الأحكام وكذلك في المعاملات كما ان العرف أيضا يرون عند وجود الأسباب الخاصّة وجود الملكيّة . غاية ما في الباب ان الشارع تارة وافقهم واخرى زاد أو نقص ولم ير ما رأوا بل خطأهم على ذلك . ولم يجعل بيع المنابذة سببا وكذا القمار اذ لم يكن عنده فيها ما في باقي الأسباب من الخصوصيّة التكوينيّة الواقعيّة التي أوجبت جعل الحكم والاعتبار . والا فلا يمكن اعتبار شيء خاصا سببا دون آخر ولا معنى لجعل السببيّة اذ الشيء اما أن يكون قبل اعتبار الشارع واجدا للخصوصيّة وسببا فلا معنى لجعله واعطائها اياه أو ليس فلا يمكن اعطائها اياه بالتعبد والاعتبار بل بالتصرف التكويني والا فبدون الخصوصية لاثّر كلّ شيء في كلّ شيء فليس الأسباب بمعنى ما يترشّح منها عند وجودها المسبّبات بل بالمعنى الذي ذكرنا وكذلك الكلام في المانعيّة والشرطيّة والجزئيّة للتكليف .

ص: 88

نعم في المكلف به يكون قابلاً للجعل بمنشأ انتزاعه .

هذا ما يتعلق بالصحّة والفساد . وقد ذكر في المقام بعض الامور التي لا يهمّنا التعرض لها كمقتضى الأصل الصحّة أو الفساد وانه يكون المراد من العبادة انه لو لا النهي لكان أمره أمرا عباديّا وقد سبق إليه الاشارة فلنختم الكلام فيالمقدّمات ونشرع في المقصود .

فنقول وباللّه نستعين: النهي اما أن يتعلق بالعبادة أو المعاملة فالبحث في مقامين الأوّل .

في النهي المتعلّق بالعبادة وهو اما أن يتعلّق بنفسها أو بجزئها أو شرطها أو بالخارج اما الأوّل فنفس تصوره يغني عن الاستدلال عليه بالفساد لعدم كونه راجحا ولا يمكن تعلق الأمر به ولا ينطبق عليه الطبيعة المأمور بها بما هي كذلك .

ينبغي أن يعلم ان النهي تارة يتعلق بالمعاملة بمعنى اسم المصدر والنتيجة الحاصلة من الايجاب والقبول مثلاً وبعبارة اخرى بالمسبب واخرى يتعلق في ناحية الايجاد وثالثة بالأثر . مثال الأوّل النهي عن بيع المصحف من الكافر أو بيع العبد المسلم منه لا بمعنى ان الحرام اقراره في يده أو الواجب اخراجه عن سلطانه ومثال الثاني قوله تعالى: « وذَرُوا البَيع »(1) المتعلّق على النداء يوم الجمعة للصلاة . والمراد بذلك هو نداء الحق وسلطانه لا الكناية عن دخول الوقت ولا كلّ نداء ولو من الشيطان . وهذا إنّما يكون مثالاً لما علمنا من الخارج بصحّة البيع وقت النداء فذلك قرينة ارادة معنى الايجاد من البيع وإلاّ فالظاهر ان لفظ البيع يراد به خصوص النقل والانتقال الحاصل والنتيجة المترتبة على ما يوجد به كما

أقسام النهي

ص: 89


1- . سورة الجمعة الآية 10 .

ان مثال الثالث مثل قوله علیه السلام ( ثمن العذرة سحت )(1) أو قوله علیه السلام ( ثمن الجارية

المغنيّة سحت )(2) اذا عرفت هذا فنقول لا اشكال بينهم في دلالة الثالث على فساد المعاملة بحيث لم يجعلوه محل الكلام بل هو مسلم عندهم كما انه لا وجه للتوقففي عدم دلالة الثاني على الفساد . ووقع الكلام في الأوّل وانه هل اذا تعلق النهي بالمسبب والنتيجة يدل على الفساد أم لا ؟ وقبل ذلك لابدّ من التنبيه على أمر وهو انه قد اشتهر اطلاق المسبّبات على المعاملات والأسباب على ما به توجد وذلك لا يخلو من نظر اذ اطلاق المسببات على المعاملات التي لا تكون من المسببات التوليدي وإنّما هي منشآت وموجودات بالآلة ليس على ما ينبغي . بل بابها باب الفعل المباشري كما في باب الديات حيث عنونوا ان المباشر أقوى من السبب أو بالعكس فان ضابط المسبّب التوليدي أن لا يكون بين فعل الفاعل والنتيجة المترتبة ارادة فاعل مختار بأن لا يكون في البين ارادة وشعور اصلاً كما في النار فان الالقاء إنّما هو سبب للاحراق والسبب هو النار والفاعل إنّما أوجد الالقاء المتسبب به إلى الاحراق الذي هو فعل النار فهو أوجد العلّة أو ما هو من ( قبيلها ) وترتب المعلول على ذلك قهرا أو تكون ولكن مقهورة كما في ارسال الكلب واغرائه إلى من يعضه ومع ذلك يكون وساطة لسبب بين فعله الخاص وتلك النتيجة وإلاّ فتخرج عن باب المسبّبات التوليديّة وتكون من الأفعال المباشريّة وإلاّ فلا فعل مباشري لنا بل كلّها من المسبّبات التوليديّة وليس كذلك فالبيع والصلح وأمثالهما من المعاملات من قبل الأفعال المباشريّة من الايجاد بالآلة كما

ص: 90


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 40 / 1 - 2 - من أبواب ما يكتسب به .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 16 - / 3 - 4 - 5 من أبواب ما يكتسب به .

في فعل النجار فانه إنّما يجرّ المنشار على الخشبة فتقطع وتنفصل قسمين ولكن لا يخرج الفعل عن استناده إليه ولا يرون المنشار فاعلاً بل آلة . وكذلك في ما نحن فيه فان الألفاظ المتداولة التي تقع بها المعاملات أو تداولت وإن لم تكن كذلك في السابق كما اذا تعارف ارادة معنى التزويج من جوزت حكمها حكم الآلات والأدوات التي يستعملها النجار وغيره في التوصل إلى ما يوجدان ويفعلونه في صنائعهم ولا يوجد البايع شيئا يكون نتيجته البيع مع الواسطة بل هو ابتداءً لايوجد الا البيع غاية الأمر أخذ اللفظ في العقدي والمصداق في المعاطاتي آلة له ان قلنا بحصول البيع بالمعاطاة ولا مانع منه اذا كان المناط هو واجدية العرف في المعاطاة ما يجدونه في البيع العقدي ويترتب عندهم عليها ما يترتب على ذاك فالبيع عبارة عن تبديل طرف الاضافة وذلك يحصل بنفس ايجاد البايع باللفظ أو المعاطاة ولا يكون من آثار الألفاظ أو نتائجها والقابل إنّما ينشئ معنى القبول الذي يتعلق بانشاء البايع . وبذلك يفترق العقد عن الايقاع حيث ان الأول لابدّ فيه من انشاء ثاني يتعلق بالانشاء الأول ويكون رضىً به بخلاف الثاني .

أمّا الوجوه الخمسة الآخر التي أفادوا في بيان الفرق فلا تتم وحقيقتها ليست إلاّ عبارة عن معاني وامور واقعية يكون نظر العرف كاشفا عنها ولذلك يمكن تصوير الصحيح والفاسد في ناحية المسببات وان كانت بسائط حيث ان للعرف طريقا اليها وهم يرون تحقّق مثل الملكية بالقمار والشارع لا يرى ويخطئهم فيه . فهذا يكون بيعا فاسدا واذا لم يخطأ بل أمضى ما عندهم ويرونه من الآثار المترتبة على هذه المعاملات فيكون هذا العقد أو المعاملة صحيحا . وليست الملكيّة وساير الآثار أيضا ممّا تترتب على العقود قهرا . بل ان الشارع جعل أو

امضاء الشارع لما عند أهل العرف

ص: 91

رأى ترتب الأثر فحكم بذلك ان قلنا بوجود الحكم الوضعي . فكما ان في الأحكام التكليفيّة يكون هناك موضوع وحكم والحكم إنّما يترتّب على الموضوع الذي تارة يوجد قهرا كما في العمر أو دخول الوقت واخرى يحصل بفعل المكلف كما في ايجاد الخمر التي رتب الشارع عليها الحرمة . كذلك في باب المعاملات ايجاد الموضوع والمعاملة يكون بيد المكلف والشارع رتب عليها أحكامها وآثارها . غاية الأمر ليست تأسيسيّة بل امضاء لما عند العرف وتارة بزيادة قيد واخرى تخطئة كما في بيع المنابذة وبالحصى وبما ذكرنا تقدر على جواب الاشكال الواردعلى عدم استلزام امضاء المسبب امضاء الأسباب في مثل أحلّ اللّه البيع(1) . اذ لو كان المراد هو نفس النتيجة واسم المصدر فلا يلازم امضائه امضاء الأسباب والشكّ إنّما يكون دائماً في ناحيتها من شرط أو جزء وقيد . هذا مضافا إلى الوجهين الذين أفادهما الشيخ قدس سره .

تكميل وتتميم: ان باب المعاملات بل وكلية أبواب الايقاعات كالعتق والنذر والطلاق وباب حيازة المباحات التي ربما يكون القصد دخيلاً في ترتب الملكيّة عليها كما في الاحتطاب لا للغير فانه لو كان بالاجرة فلا يملكه ليس الأثر المترتب على هذه المذكورات من المسبب التوليدي ولا من قبيل الفعل المباشري على توضيح . وذلك لأن ضابط المسبب التوليدي أن يكون ما بيد الفاعل هو خصوص العلّة والسبب ويترتب على ايجاد السبب وجود المسبب اما قهرا بلا توسط شيء آخر أو مع توسط فاعل ليس له الارادة والاختيار مثال ذلك الاحراق فان الذي يصدر من الفاعل هو الالقاء في النار أو في مثال تخريب الدار

ص: 92


1- . سورة البقرة الآية 276 .

هو ارسال الماء اما بعد الارسال والالقاء فالتخريب والاحراق لا يكون من فعله بل من فعل النار والماء لأنّ الماء بنفسه يجري وينفذ ويخرب . وكذا مسئلة عض الكلب فانّ ما بيد الفاعل المباشر وباختياره هو اغرائه وأمّا عضّه فخارج عن اختياره ومن فعل الكلب . فهذا يكون من المسبب التوليدي . اما الفعل المباشري هو ما لا يكون كذلك بل يفعل الشيء بنفسه كما في الأكل والشرب . واما الآثار المترتبة عليه فربما تكون من المسبب التوليدي كالهضم ورفع العطش واخرى لا . كما في غرس الشجرة وسقيها الماء اما انتاجها للثمرة فليس من فعله . ومن امثلةالسبب التوليدي رمي البنادق والرصاصات فانّها تقتل لا عن شعور وما بيد الفاعل هو الرمي .

اذا عرفت ما ذكرنا . فاعلم ان باب العقود والايقاعات وساير ما لها ارتباط بها ليس من هذا القبيل فلا انها من المسبب التوليدي ولا من الفعل المباشري الذي يستند في كليهما الأثر والفعل إلى الفاعل بل هي من قبيل الموضوعات والأحكام التكليفيّة حيث ان ما بيد المكلف هو ايجاد الموضوع في كثير من الموارد والحكم إنّما هو من جعل المولى . وربما يكون الحكم والموضوع كلاهما خارجين عن اختيار المكلف كالوقت والبلوغ مثلاً . فما يمكن للمكلّف هو ايجاد الموضوع . وأمّا الحكم فيترتب عليه من ناحية جعل الشارع ولا يكون من فعل المكلف . فالبيع مثلاً الذي يوجد تارة بالألفاظ واخرى بالفعل الخارجي ( أي المعاطاة ) هو عبارة عن تبديل المال بالمال كما عبّر به الشيخ فانه التعريف الذي يساعده العرف والاعتبار ولازمه خروج المال في مقابل المال وقيام البدل مقامه لا انه يكون بايعا لشيء لا يكون ثمنه مقام المبيع وليس هو عبارة عن النقل الخارجي المكاني

اختلاف باب العقود والايقاعات عن المسبب التوليدي وأفعال المباشرة

ص: 93

بل عبارة عن معنى يوجد في عالم الاعتبار قوامه وحقيقته تبديل طرفي اضافة الملكية . غاية الأمر تارة نقول بجعل الملكيّة وأشباهها ولو أنكرنا جعل السببية والشرطيّة والجزئيّة والمانعيّة اصالة ونقسم الحكم إلى الوضعي والتكليفي فتكون الملكيّة مثلاً في باب البيع من الأحكام الشرعيّة المجعولة الوضعيّة وإنّما يجعلها الشارع ويوجدها في عالم الاعتبار حيث انه بيده الاعتبار في عالم التشريع كما في اعتبار من بيده الاعتبار في الأوراق القيميّة كالدنانير والاسكناسات التي يكون بها رواج الأسواق فانه لو لا الاعتبار والامضاء والجعل فلا فرق بينها وبين غيرها من الأوراق بل ربما يكون غيرها انفع كما انه لو لا ذلك لكان هو وامضاءغيره واعتباره على حد سواء . وعلى هذا فلا يكون الحاصل من البايع والمشتري وكذا من ساير المنشئين والذين ينشأوون الايقاعات أو العقود الا ما يكون موضوعا لأحكام الشارع الوضعيّة وهذا الايجاد والانشاء إنّما هو بيدهم واختيارهم يفعلونه مباشرة ولكن الآثار كالملكيّة والزوجيّة فلا تكون على هذا المبنى من فعلهم لا مباشرة ولا تسبيبا بل إنّما هو من ايجاد الموضوع وترتيب الحكم من ناحية الشارع . ولو أنكرنا جعل الملكيّة أيضا وجعلناها كساير ما ذكر من السببية وأشباهها في استحالة تعلق الجعل بها بل هي أمر انتزاعي كالسببية والمانعيّة والشرطيّة فالموجد والمنشئ بفعل المكلف هو نفس الملكيّة وأشباهها بالبيع والألفاظ على هذا المبنى وسابقه تكون من قبيل العصا المستعان بها على كسر رأس زيد مثلاً ولكنّه أيضا لا تكون هذه الآثار مسببيّة للمكلّف بفعله بل يوجدها مباشرة وبعد ذلك يحكم الشارع بحرمة التصرّف في مال الغير وانه مسلط على أموال نفسه ولا يجوز بيعه ولا هبته في باب الوقف وساير الأحكام التكليفيّة.

ص: 94

نعم ربما يشكل أمر الألفاظ وانها هل جعلها الشارع أسبابا خصوصا في الايقاعات أو العقود التي قلنا باعتبار لفظ خاص لها كما في البيع مثلاً بناءً على عدم كفاية مثل أنا بايع أو أبيعك وكما في الطلاق حيث يعتبر كونه بصيغة طالق بالجملة الاسمية لا الفعليّة كقوله طلقت . لكن حقّقنا في محلّه من الأحكام الوضعيّة انه يستحيل جعل السببيّة والشرطيّة وأمثالهما بل إنّما هي أمور انتزاعيّة تنتزع من جعل الشارع وحكمه باثر خاص على مواردها .

تكميل وتوضيح: لا ريب في ان للألفاظ دخلاً في حصول المنشآت في المعاملات والايقاعات في عالم الاعتبار كما كرّرنا ذلك في مثال البيع وقلنا انه عبارة عن تبديل طرفي الاضافة غاية الأمر بشروط وقيود وحدود . والكلام فيانه كيف يمكن تركيب الموجب لحصول المنشآت مع ان المنشأ والأمر الحاصل بسببه ليس إلاّ بسيطا لا مساس للتركب فيه .

كما انه يقع الكلام في ان هذه الألفاظ التي لها التأثير على أيّ نحو يكون تأثيرها . فنقول في المقام الثاني ان تأثير الألفاظ كما سيتضح ذيلاً كتأثير العصا في كسر رأس زيد مثلاً في انها ليست إلاّ آلة محضة . اما ان البساطة في المنشأ والتركّب في موجد المنشأ فلا يخفى ان الانشاء والايجاب الذي يقع من ناحية الموجب والبايع ليس إلاّ بمعناه اللغوي العرفي والانشاء عبارة عن الايجاد فهو يوجد في عالم الاعتبار شيئا بانضمام باقي ما يعتبر في ترتب الآثار عليه اليه يكون موضوعا للآثار والأحكام التي رتّبها الشارع أو العرف عليه . وربما يعتبر في أصل العقد أو ترتب الأثر القبض ويحصل باللفظ معاني المفاهيم التي لا يمكن حصولها بغيره في الغالب ولا يكفي مجرّد الرضا الباطني مثلاً بل لابدّ في عقد

فرق الانشاء والأمور التكوينية

ص: 95

الفضولي من تحقّق الاجازة . لكن ليس باب الانشاء في عالم الاعتبار كباب الايجاد في الأمور التكوينيّة التي ليس للموجود والموجد الذي يوجده المكون والفاعل حالة منتظرة في انطباق عنوانه عليه وترتب النتيجة التي تترتب على مثله عليه . فان الشرب اذا حصل فقد حصل ويكون شربا وكذا الأكل وينتج كل منهما الأثر المترتب عليه ولا كذلك الايجاب الذي لم ينضم اليه القبول نظير التكبير أو باقي اجزاء الصلاة التي لا يكون كلّ واحد منها جزءا اذا لم ينضم اليه باقي الأجزاء وكان مع ذلك بقصد الصلاة . فالجزء وحده بقصد انضمام باقي الأجزاء لا تتصف بالجزئيّة فعلاً ما لم ينضم اليه الباقي وانما له الاستعداد لأن يكون جزءا بانضمام الباقي . وبعده يتصف أو نكشف كونه جزءا من أوّل الأمر . فقبله لم يكن سوى القوة المحضة التي لها استعداد ان يكون جزءا ويتركّب منها الكل . وكذامقامنا هذا حيث ان الايجاب الخالي عن القبول ليس إلاّ عبارة عن تبديل انشائي اعدادي كالهيولى الخالصة التي ليست الا قوة محضة وإن لم يمكن وجودها الا مع الصورة النوعيّة . لكن التشبيه ناظر إلى أصل كونه قوّة محضة فلهذا للايجاب صلاحيّة التأثير في الأثر الخاص وانما يكون فعليّا بانضمام القبول أو وباقي الشرايط الدخيلة في الأثر إليه . لا انه لا يكون هناك منشأ مع وجود الانشاء بل لا يمكن وجود الانشاء بلا تحقّق المنشأ . الا ان الكلام في المنشأ . فالمنشأ بالايجاب ليس إلاّ هذا النحو من الوجود الذي أوجده في عالم الاعتبار وله الاستعداد والوجود الاعدادي لأن يكون منشأ للآثار حسب اعتبار المعتبر ولا ينافي ذلك بساطة النتيجة والمنشأ الفعلي فاذا انضم القبول يترتب الأثر ويكون ما في القوة فعليّا .

ص: 96

ثمّ انه هل يكون من المسبب التوليدي أو الفعل المباشري أو ايجاد الموضوع فالنزاع ما سبق من عدم انطباق ضابط المسبب التوليدي عليه . حيث انه لا يوجد المنشأ شيئا وذلك الشيء يكون مؤثّرا في الملكيّة والتبديل . بل نفس هذا الانشاء تبديل وملكية بناءً على كونها أمرا عرفياً وما بيد الشارع مجرد الامضاء وعدم الردع والا فعلى كون الملكية من الأمور الجعليّة والأحكام الوضعيّة يكون هذه الألفاظ مع قصد الانشاء وتحقق التبديل موضوعا لحكم الشارع بالملكيّة .

وكيف كان فليست الألفاظ تستعمل في المفاهيم الموضوعة لها فقط بل يتحقّق بها معنى في عالم الاعتبار ويوجد بها في مقام الانشاء ويكون ذلك المعنى هو البيع والملكيّة لا موضوعا لها كما لا يخفى .

غاية الأمر للشارع عدم ترتيب الآثار على بعض أقسام هذه المعاملة أو الردع وتحريمه مثلاً وبيان ان آلة الايجاد هو غير هذا النحو أو اللفظ فلا يكفيالمنابذة أو القاء الحصاة ولابد ان يتسبب البيع بغير هذه الآلة والوسيلة .

وبما ذكرنا تقدر على جواب أبي حنيفة حيث ذهب إلى دلالة النهي على الصحّة في العبادات والمعاملات بدعوى ان متعلّقه لابدّ أن يكون مقدورا ولا نهى عن الفاسد فلابدّ أن يكون بعد النهي قادرا على ايجاد المعاملة كي لا يلغو النهي والا فلا فائدة فيه بل نهى عن غير المقدور .

وجوابه ان المنهي عنه هو المعاملة الخارجيّة التي يرتّب العقلاء عليها الآثار ويجعلونها منشأً للامور التي يرتبونها عليها وهي كما كانت مقدورة قبل النهي فكذلك بعد النهي . وإنّما الشارع نهى عنها نفسيّا بناءً على معقوليّة النهي النفسي في المعاملات فلا يرى ما يراه العقلاء فيها من كونها منشأً للآثار . فيدلّ

الجواب عن أبي حنيفة

ص: 97

هذا النهي الذي هو بهذه المثابة على الفساد وهذا لا خفاء فيه . انما الاشكال في تصور النهي النفسي في هذه الموارد والظاهر انحصاره بغير بابي العبادات والمعاملات والا ففيهما يكون ارشادا وهو لا ريب في دلالته على الفساد .

ومن موارد ورود النهي الذي يمكن كونه نفسيّا مسئلة حرمة التزويج والعقد ولو للغير الذي يكون محلاً على المحرم . وحرمة التزويج في العدة . وهل ذلك في هذه الموارد نهي وضعي ويوجب عدم تأثير العقد في الحلية والمحرمية أم لا بل مضافا إلى الحرمة التكليفيّة مع الكفّارة في باب التزويج والعقد حال الاحرام أم لا بل مجرد الاثم ؟ وجهان وظاهرهم الثاني .

توضيح وتكميل: قد عرفت ان النهي في مورد المعاملة على أقسام فتارة يتعلّق النهي النفسي بالاشتغال بالمعاملة وبعبارة اخرى يتعلق النهي بالأسباب وبالمعاملة بالمعنى المصدري . واخرى يتعلّق النهي النفسي بالمعاملة بمعنى الاسم المصدري وبالنتيجة والتبديل والنقل والانتقال المترتب على المعاملة وايجادهاوثالثة بالآثار ورابعة بالتسبب بسبب خاص فهذه أقسام أربعة . ولا اشكال في عدم اقتضاء القسم الأوّل من النهي في المعاملة الفساد اتفاقا كما في مثل النهي عن البيع وقت النداء بناء على عدم تعلق النهي بالتبديل . وذلك لعدم تعلق النهي بنفس المعاملة بل بالاشتغال والفعل وهو غير التبديل . كما ان القسم الثالث الذي يكون متعلق النهي فيه آثار المعاملة خارج عن محل النزاع . مثل ما ورد(1) في ان ثمن الجارية المغنّية سحت وثمن العذرة سحت(2) . فان ذلك يكشف عن عدم صحّة

ص: 98


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 16 - / 3 - 4 - 5 - من أبواب ما يكتسب به .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 40 / 1 - 2 من أبواب ما يكتسب به .

المعاملة حيث انه يكون التصرف في المثمن والثمن خارجا عن ما يملكه ويتسلّط عليه شرعا . وهذا هو البحث المعنون في كتاب البيع من ضمان المقبوض بالعقد الفاسد وانه يفترق صورة العلم والجهل ففي صورة الجهل يكون هناك ضمان لعدم رضى صاحب الثمن أو المبيع بتصرف الآخر فيه مطلقا بل مقيّدا مبتنيا على صحّة المعاملة ويسلمه باعتقاد انّه ملكه لا مطلقا . والرضا التقديري بانه لو كانت المعاملة فاسدة كان راضيا لا يكفى على اشكال كما ان في صورة العلم هل يكون ضامنا أم لا ؟ بل بتسليطه الغير على ماله لا ضمان فيه . أبحاث محررة في محلّها .

والحاصل ان النهي عن الآثار نفسيّا ليس إلاّ من جهة فساد المعاملة ويترتب على فسادها حرمة التصرف في الثمن .

نعم ربما يأذن ويرضى مع فسادها بالتصرف في ماله وهو خارج عن محلّ الكلام كما انه اذا لم يكن هناك معاملة .

اما النهي عن التسبب بالسبب الخاص فهو راجع وارشاد إلى عدم حصولالمسبب والنتيجة به . اما النهي النفسي المتعلق بالمعاملة بمعنى اسم المصدر والنتيجة والنقل والانتقال بناء على وجوده وتصوره فقد وقع الخلاف فيه . وانه هل يقتضي الفساد أم لا بخلاف النهي عن الآثار أو المعاملة بالمعنى المصدري فانه لا نزاع في عدم اقتضاء الثاني للفساد واقتضاء الأوّل له لكن لا وجود لهذا القسم من النهي في المعاملات بالمعنى الأخص .

نعم وجوده غير عزيز في المعاملات بالمعنى الأعم كما في التزويج في العدّة فانه مع العلم يحرم ويوجب الحرمة الأبديّة ومع ذلك محقق العصيان . اما اذا كان جاهلاً فلا عصيان الا انه يترتب عليه الأثر الوضعي وعدم ايجابه الحليّة

النهي عن التسبب بسبب

ص: 99

والمحرميّة وقد أشار إلى بعض الذي قلنا الرواية الواردة(1) في انه بأي الجهالتين يعذر أو احديهما أهون من الاخرى .

ثم انه يمكن دلالة النهي على الفساد في النهي المتعلّق بمعنى الاسم المصدري والنتيجة بتسلم مقدمة . وهي ان الأمر والنهي في الواجبات يوجب خروج متعلقه عن تحت الاختيار فلا يملكه ولا يمكن الاستيجار عليه بخلاف الواجب الكفائي فان الواجب في الكفائي هو الايجاد وترويج النظام والنهي المتعلّق به لا يكون بهذه المثابة بل معناه ولازمه عدم الاحتكار كاحتكار الطعام واللازم في الاجارة كون الأجير مالكاً لما يوجره مضافا إلى وصول نفع إلى المستأجر . واستشكل في هذا الأخير بعدم اشتراطه بل يكفي ترتب النفع ولو بالنسبة إلى غير المستأجر كما اذا استأجر من يكنس باب دار غير المستأجر وترتب الثواب وعدمه لا ريط له كثيرا بذلك .نعم الشرط الأول لابدّ منه . لكن ربما يتوجه الاشكال في عمل الحر باجارته من جهتين: احديهما من جهة انه لا يملك عمل نفسه فلا يمكنه بيعه ولا يكفي العهدة والذمّة بل لا تصح والاخرى انه غير مقدور أو انه ليس بمال . ويمكن الحل في احديهما بكفاية كونه بالانشاء يقبل الملك ولذا يفرق بين ما اذا حبس حرا آجر نفسه على عمل فيضمن الحابس لذلك لتفويت العمل وما اذا لم يكن قد آجر فلا يضمن .

وعلى كلّ حال . فاذا قلنا ان في ناحية الاجارة يملك المستأجر لعمل الأجير لوجوب الوفاء بالاجارة كما انّه يقولون في مثل شرط الصدقة بعد حصول

ص: 100


1- . وسائل الشيعة 20 الباب 17/4 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة .

متعلق النذر اذا نذر انه ان عوفي مريضه يهب غنما لزيد أو انه يكون له أو يشترط شيئا في عقد المعاوضة فانهم يقولون بسلب سلطنته عن متعلّق النذر والشرط إلاّ بالوفاء بحسب النذر والشرط ويكون ذلك سالبا لسلطنته لخروج ماله بذلك عن طرف سلطنته المطلقة فيكون محجورا بالنسبة إلى التصرّفات . وهذه الفروع كأنّها مسلمة فلو قلنا بأن الأمر نظير النذر والاجارة على الواجبات العينيّة التي لا يمكن الاستيجار عليها بأن يصلّي الظهر ويأخذ الاجرة لايجابه أي الأمر خروج طرف الترك عن اختياره . وكذلك النهي اذا تعلّق بشيء يوجب خروج طرف الفعل عن اختياره فلا يمكن اجارته لاشتراط كون متعلّق الاجارة عملاً اختياريا للمكلّف وبالأمر والنهي خرج عن تساوي الطرفين . حيث ان المانع الشرعي كالمانع العقلي لكن هذا الكلام فاسد لمنع كون المانع الشرعي كالمانع العقلي بل له مورد خاص والا فلو كان كذلك فبتعلّق الأمر والنهي يكون غير مقدور فلا يمكن امتثال هذا الأمر والنهي ويكون كلّ واحد منهما معدما لموضوعه وهو محال . فليسمقامنا مورد المانع الشرعي . بل على حاله مقدور تكوينا كما كان قبل الأمر والنهي وكذا في باب الاجارة وما يقال من كونه ملكا للّه تعالى فان اريد به انه ملك

له ولا أثر للعبد فيه فربما لا يناسب الاعتقادات وإن كان بمعنى يناسب ذلك المقام فلا اختصاص له بالواجبات والمحرمات بأن يكون الترك أو الفعل في واحد والآخر في الآخر مملوكا له بل كلّ شيء مستند إليه ومملوك له .

والحاصل ان هذا الكلام لا يستقيم ولا يمكن تسليم هذه المقدمة وكون الأمر والنهي يستلزمان خروج متعلّقهما عن تحت القدرة فلا يمكن اجارتهما ولا

إذا نذر التصدّق بشيء

ص: 101

يمكن صحّة المعاملة لعدم كونه مالكا له ولا يقع التبديل لعدم كونه ملكه وخروجه عنه .

تتميم البحث وتوضيحه: قد عرفت وجه دلالة النهي التحريمي المتعلّق بالمسبب على الفساد كما ان من الموارد المسلمة في قصر السلطنة ومناسبته للمقام ما اذا نذر التصدق بشيء وفي مورد لا أن ينذر النتيجة فانه لا سلطنة له على غير هذا المورد وانما له عليه بأن يتصدّق به مع ان الوفاء بالنذر ليس نهيا بل أمر ولا يقتضي الأمر ذلك لكنهم يلتزمون به فليكن المقام كذلك نظيره فكما ان الأمر في هذا المورد يوجب قصر السلطنة كذلك النهي في ما نحن فيه عن التبديل كما في المعاملة الربويّة فانها تفسد وحيث ان النهي تعلق بالمعاملة فلا وجه لصحّتها في المساوي والبطلان في الزائد وان كان للاشكال في ذلك وجه . لعدم الملازمة بين حرمة الشيء تكليفا والفساد لامكان ترتب الأثر ولو على الفاسد كما في النهي عن الظهار فانه مع تحريمه يترتب عليه الأثر الوضعي ومنه الكفارة . لكن الحق ما ذكر من الوجه في دلالة النهي على الفساد لو كان له مصداق .ويمكن استفادة الارشاد من هذه النواهي بناء على تسلم هذه الثمرات وعلى هذا فلا وجه للنهي النفسي في المعاملات بالمعنى الاخص .

نعم لا ننكر وجوده في المعاملات بالمعنى الأعم وتحقّقه كما في باب التزويج كالتزويج في العدّة فانه مضافا إلى كونه حراما لا يترتّب عليه أثر بل يكون فاسدا ويوجب الحرمة الأبديّة ( مع العلم أو الدخول ) لكن في مثل عزم عقدة النكاح ربما لا يكون مجرّد القصد إلى ذلك حراما بلا ترتيب أثر خارجي عليه . كما انه يمكن انحصار الحرمة بالوضعيّة في نكاح ما كان سائغا في الجاهليّة

ص: 102

ومنع منه الاسلام وعفى عنه لكن لا يجوز بعد ذلك لعدم العفو . وهل يكون حراما أم مجرّد لغو صدر منه بلا كونه منشأً للأثر .

والحاصل انه على ما ذكرنا يدلّ النهي على الفساد في المعاملة اذا تعلّق بالسبب الا انه ليس في الحقيقة نهيا نفسيّا بل ارشاديا . وعلى هذا فيسقط البحث عن دلالته على الفساد وتنويعها إلى أربعه أقسام . أمّا النهي عن التسبب بالسبب الخاص دون النهي مطلقا فانه أيضا ارشاد إلى عدم حصول المسبب بهذا السبب كما ان النهي عن السبب مطلقا بعنوان المعاملة ارشاد إلى عدم تشريع هذه المعاملة رأسا . فاذا كان هذا العقد أو المعاملة منشأ للأثر عند العقلاء ويرونه مؤثّرا وصحيحا فالشارع لا يمضيه بمعنى عدم ترتب الأثر عليه وعدم ايجابه لترتب الآثار . كما انه لو لم يكن كذلك بل يكون معاملتهم موضوعا لحكم الشارع وضعا أو تكليفا فنهيه ارشاد إلى عدم جعل هذه الأحكام .

وممّا استدلّوا به على دلالة النهي على الفساد الرواية(1) الواردة في باب نكاحالعبد بدون اذن سيّده بالنظر إلى التعليل الوارد في الحكم بالصحّة والنفوذ اذا أجاز سيّده بقوله علیه السلام: ( انه لم يعص اللّه وانما عصى سيّده ) وتقريب الاستدلال ان الظاهر من التعليل ان صحّة المعاملة في المقام بعد اجازة السيّد لكونها تامة نافذة وانما التوقف من ناحية عدم اذن السيّد فحيث انه أجاز فلا مانع وتمت اركان المعاملة فتنفذ لامكان حصول رضا السيّد بعد عدمه أو اطلاعه على فعل العبد الذي صدر منه بدون اذنه بخلاف ما اذا كان النهي من قبل اللّه فانه لا يقبل الرضا والاباحة أو الأمر بالمنهي عنه الا بالنسخ والفرض انه ليس كذلك بل التشريع إلى

الفرق بين نهي السيّد ونهي اللّه تعالى

ص: 103


1- . وسائل الشيعة 21 الباب 24 / 1 - 2 من أبواب نكاح العبيد والاماء .

يوم القيامة فاذا عقد في العدّة مثلاً مع العلم أو الجهل فرضي السيّد لا يفيد في مشروعيّته لعدم كونه مشرعا كما انه لا يفيد رضى الأجنبي فيه في صورة مخالفة العبد لسيّده فيدلّ على ان النهي في التزويج يدلّ على الفساد وعدم النفوذ بهذا التعليل .

ومنه نتعدّى عن مورده إلى مطلق أبواب المعاملات بالمعنى الأخص بل الأعم فيشمل الايقاعات وغيرها . فاذا كان النهي فيها من قبل اللّه تعالى فلا أثر لاذن السيّد ورضاه بل يكون فاسدا بخلاف ما إذا كان من ناحية المولى فانه برضاه يكون العمل صحيحا منشأ للآثار المطلوبة منه . لا يقال ان عدم رضى السيّد يكون واسطة لتعلّق النهي بالعمل من قبل اللّه تعالى فيكون أيضا فاسدا فلا يكفي الاذن والرضى اللاحق لأنّا نقول فرق بين ما كان النهي فيه بعنوانه الاولى وما إذا كان لمراعاة حق الغير وعدم تضييع حقّه فانه اذا كان من هذه الجهة فلا بقاء له مع رضاه وزوال كراهته لكون النهي الشرعي تبعا لعدم رضاه . هذا بحسب ما هو ظاهر الرواية لكن قد يشكل تحقّق العصيان من العبد في فرض الرواية كما في العصيان في حق اللّه لأن ظاهر لفظ العصيان حصول التعدي والظلم بالنسبة إلىالذي عصاه وخالفه والعبد لا يكون مطلق تصرفاته محرما ما لم تكن مزاحمة لحق المولى كتحريك يده أو حك رأسه أو الذكر وأمثال ذلك فلا تحتاج هذه إلى الاذن . فحينئذٍ مع فرض اشتراط صحّة التزويج باذنه فاذا لم يرض المولى ولم يأذن فلا يكون صحيحا ولم يصدر من العبد الا مجرد التلفظ بألفاظ في مورد المعاملة وتحقّق القصد منه لانشائها . وهذه الألفاظ اذا لم تكن منشأ لترتب حكم فأيّ عصيان يتحقق بها وأيّ تعدّى يكون بالتلفظ بها الاّ أن يرجع هذا إلى البناء على

ص: 104

صحّة المعاملة بدون اذن سيّده وكونها منشأ للآثار . ولكن الفرض في مورد لم يتحقّق التصرّف الخارجي بل مجرّد صدور عقد المزاوجة .

نعم اذا كان بقصد التشريع والبناء على الصحّة والنفوذ فيكون حراما كما ان الأمر كذلك بالنسبة إلى عصيان اللّه تعالى في مثل هذه المناهي . فلابدّ أن يحمل العصيان على هذه المحامل بأن يكون بعنوان البناء على الصحّة والمنشأئية لترتيب الآثار وكونه بعنوان المخالفة للمولى فيكون تعدّيا في حقّه وظلما بالنسبة إليه .

خلاصة ما سبق ملخص الكلام في النهي في المعاملات انه تارة يكون للارشاد وهو اما أن يتعلّق بالسبب أي بالألفاظ أو ما يقوم مقامها واخرى بشرايط المتعاقدين وثالثة بالعوضين . فمعناه حينئذٍ عدم الامضاء وترتيب الأثر ودخل ما نهى لفقده أو لوجوده في صحّة المعاملة ونفوذها . الا ان الكلام في النهي في المعاملة ليس في مورد الارشاد ضرورة وضوح فساد المعاملة بعدم الشرط كما انه ليس محل الكلام الموارد التي قام الدليل الخاص من نص أو اجماع أو غيرهما على البطلان أو الصحّة مع النهي كما في مثل المعاملة الربويّة أو التزويج في العدّة حيث انه يحرم مع العلم تكليفا ووضعا . وفي حال الجهل لا حرمة تكليفا . وأمّا عدم ترتب الأثر وايجابه الحلية المفقودة قبله فلا، بل الكلام في ان مقتضىالقاعدة مع قطع النظر عن كلّ شيء هو ان النهي في المعاملة اذا تعلق بالمسبب بمعنى اسم المصدر هل يوجب الفساد أو يدلّ عليه بالدلالة الالتزاميّة البينة وانه يلائم النهي التكليفي مع صحّة المعاملة وضعيّا بأن يكون قد عصى وأتى بالمحرم ومع ذلك يترتب عليه الأثر المقصود وتكون المعاملة ممضاة أم لا ؟ بل النهي النفسي التكليفي يوجب الفساد ولا يلائم صحّة المعاملة وضعيّة ولو من جهة عدم

النهي النفسي التكليفي يوجب الفساد

ص: 105

ملائمة النهي كذلك مع الامضاء بناءً على كون الصحّة في المعاملات أمرا عرفيّا وانه يتمّ المعاملة عند العرف ويرتبون الأثر . وما بيد الشارع هو جعل الأحكام التكليفيّة والامضاء سواءً كان من باب ايجاد الموضوع أو باب الأسباب والمسبّبات .

والحاصل انه يكشف هذه الحرمة التكليفيّة عن ان الشارع لم يمض بل ردع عنها .

الحق انه لا دلالة للنهي على الفساد بل يلائم صحّة المعاملة وترتب الأثر وقد أشرنا إلى ان الموارد الخاصة خارجة عن موضوع البحث بالنظر إلى الحكم الفعلي .

نعم هي داخلة فيه على القاعدة . والا ففي مورد التزويج(1) في العدة عالما مضافا الى انه لا يوجب الحلية يترتب عليه أثر الضد وتكون المرئة محرمة أبدا وان لم يدخل بها والحقوا بهذه الصورة صورة كونها ذات بعل بالأولويّة .

وأمّا مع الدخول فمن جهة اخرى أيضا وكما في باب الظهار فانه مع كونه حراما يترتب عليه الأثر وكذلك النهي في المعاملات بالمعنى الأعم فانه في مثلحرمة الغصب لا يوجب الفساد في مثل التطهير عن الخبث بل يطهر ولو بالمغصوب .

نعم لا تحصل الطهارة الحدثية بالمغصوب في صورة العلم مع انه ربما يمكن الاشكال فيه بناء على ما يستفاد من الرواية الواردة في باب العبد وتزويجه بدون اذن المولى وانه اذا كان النهي الشرعي مراعاة لحق الغير فيكون النهي تبعا لعدم

ص: 106


1- . وسائل الشيعة 20 الباب 17/1 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة .

رضاه فاذا رضى فلا نهي لأنه حينئذٍ لابدّ أن نقول بصحّة الطهارة عن الحدث اذا رضى مالك الماء بعد التصرف فيه بالتطهير أو في الترابيّة في التراب . غاية الأمر يكون نقلاً أو كاشفا حسب النزاع في اجازة الفضولي . حيث ان النهي عن التصرف في مال الغير إنّما هو لأجل التعدي بحقوقهم وقد ذكرنا في تقريب دلالة الرواية انه لا يوجب الفساد بل دائر مدار عدم الرضا فاذا رضى يجوز ومن هذه الجهة يمكن أن نقول ان العصيان في الرواية في الموضعين ليس بمعناه المتبادر من اللفظ .

وعلى كلّ حال فلقائل أن يقول في باب البيع والربا بدلالة الآية على الحكمين الوضعي والتكليفي فان كان احل بالمعنى التكليفي فكذلك حرم معناه الحرمة التكليفيّة .

ثمّ انه يدلّ الاباحة والحرمة التكليفيان على الحكمين الوضعيين بالملازمة أو غيرها كما انه إن كان أحل وحرم وضعيين فيمكن دلالتهما على التكليفيين .

وكيف كان فينحصر الدليل في اقتضاء النهي في المعاملة الفساد برواية تزويج العبد بما ذكرنا من التقريب . وحيث ان العبرة بعموم العلة وسبيله سبيل التنصيص على موارد شمولها وانطباقها كما لو كان بلسان العام الافرادي أو الاطلاق الشمولي فلذا لا مانع من التعدي عن موردها الى باقي الموارد وسايرأبواب المعاملات بالمعنى الأخص اذا كان النهي نهيا مولويّا لا لحق الغير على ما سبق في تقريب الدلالة .

نعم ربما يشكل دلالتها على ذلك بتقريب ينتج عكس ما ذكرنا .

عود على بدء: لا ينبغي الاشكال في انه اذا تعلق النهي بالمعاملة بمعنى

الفرق بين النهي بمعنى اسم المصدر وغيره

ص: 107

اسم المصدر والنتيجة والتبديل مثلاً في البيع يكون منافيا للامضاء والنفوذ وبعبارة اخرى ترتب الأثر فيفيد الفساد كما اذا كان معنى أحل اللّه البيع وحرم الربا الحلية والحرمة التكليفيتين فالحلية في البيع ملازمة للامضاء والنفوذ وكذلك الحرمة في الربا ملازمة للفساد بخلاف ما اذا لم يكن كذلك فانه لا منافاة .

والحاصل انه تارة يكون معنى النهي عن التبديل المبغوضيّة ومعنى الامضاء المحبوبية فواضح انه لا يمكن الجمع بينهما لما بينهما من التضاد والمانع من تعلّق الامضاء وتحقّق النفوذ في ما إذا كانت حراما منهيّا عنها بخلاف ما إذا لم يكن كذلك وكان النهي متعلّقا بشيء وهو الأثر ولم يكن معنى الامضاء هو المحبوبيّة فيمكن الجمع وبعبارة أوضح ووجه أحسن ان المعاملات كالبيع والصلح امور عقلائيّة ويرى العقلاء ترتب الآثار المطلوبة منها بعد تحقّقها سواء كان ذلك من باب العلّة والمعلول وباب الأسباب والمسبّبات أو كان من باب ايجاد العمل مباشرة كضرب رأس زيد وكسره بالعصا فحينئذٍ يكون النهي عن المعاملة من الشارع معناه المبغوضيّة وهي لا تنافي تحقّق الأثر والتبديل في عالم الاعتبار اذ معنى الامضاء من الشارع توافق نظره مع العقلاء واذا لم يكن له توافق نظر ولم ير الأثر فيخطئهم ويرشد إلى كونها امورا عقلائيّة ويرون ويرتبون الأثر على المعاملة شيمهم وبنائهم حتّى من الذين ليس لهم تمدن صحيح ولم يربهم يد المربّي كسودان الافريقيّة الساكنين بالصحاري والآجام مثلاً فانّهم أيضا عندهمبعض الترتيبات الجارية على وفقها امورهم بل حتى الحيوانات والسباع فيرون للسابق حق اختصاص بالفريسة والصيد ويرون المجاوزة إليه والمؤاكلة معه تعدّيا في حقّه . غاية الأمر ليس ذلك من الأمور العينيّة الخارجيّة الأصليّة بل في قبال

ص: 108

عالم العين والانتزاع الذي يكون من باب الخيال كانياب الأغوال . فهو برزخ بين العالمين وله نحو وجود منتهاه في عالمه ويترتب عليه الأثر تكوينا بعد الاعتبار كما في مثل الاعتبارات التي تكون منشأً للآثار الخارجيّة من اعطاء القرض وغيره لمن له عندهم وجاهة فاذا كان باب المعاملات من هذا القبيل . فالنهي عنها المتعلّق بالتبديل لا ينافي تعلّق الامضاء كما في البيع مثلاً فانه يمكن تحقّق معنى

البيع سواء كان عبارة عن تبديل طرفي الاضافة ولازمه خروج المبيع ودخول الثمن مكانه كما بنى عليه الشيخ الأنصاري قدس سره وجماعة من المحقّقين أو لم يكن معنى البيع ذلك بل عبارة عن نفس التبديل بين الاضافتين . غاية الأمر تبديل طرفيهما يكون تبعا كما في المبنى الاول يكون تبديل الاضافة تبعيّا وحين انعدام الاضافة الاولى الحاصلة بين البايع والمبيع يوجد ويتحقّق بلا تخلّل زمان بل لو كان فهو التأخّر الرتبي اضافة اخرى بالنسبة إلى المشتري أو ان البيع ليس هذا ولا ذاك بل عبارة عن التبديل وإن لم يكن الثمن داخلاً في مخرج المبيع وكذا لم يكن المبيع واردا مورد خروج الثمن كما عليه المحقّق الخراساني قدس سره فانه على كلّ هذه التقادير لو كان التبديل معنى عرفيّا عليه عمل العقلاء ومدار معاشهم فلا ينافيه النهي المولوي النفسي بل يمكن تعلّق النهي بالتبديل وحرمته ومع ذلك لم يكن هناك تخطئة بل الامضاء . هذا لو كان نفس انشاء البايع والقابل وكذلك نفس العقد كافيا في الأثر ولم يكن انتظار لجزء العلّة الأخير . واما اذا قلنا بان ما يوجد في مقام الانشاء وبعمل المتعاملين هو الأثر الاعدادي القابل لانضمام الجزء الأخيرمن العلّة التامّة إليه ويرتب الأثر ويحكم بحصول الملكيّة من الشارع كما في مثل باب الفضولي حيث ان ما يوجد بعمل الفضولي وانشائه هو ما يكون قابلاً لتعلّق

تقريب كلام المحقّق النائيني

ص: 109

الاجازة به فيكون مستندا ومنسوبا إلى مالك المتاع بناء على صحّة الفضولي وعدم كونه تصرّفا في مال المالك . والاّ فعلى فرض عدم كونه شيئا ولا يوجد بانشائه شيء في عالم الاعتبار فلا تفيد الاجازة اللاحقة من المالك سواء كانت الاجازة كاشفة أو ناقلة فانه لا يتم الا بالاجازة والا فلا يكون العقد تاما . فان كان

ما يوجد بعمل المتعاقدين وانشائهما هو مثل هذا الأثر الاعدادي الحاصل في باب الفضولي ويكون حكم الشارع وضعيّا هو الملكيّة لا أن يكون موجودا متحقّقا بنفس العقد فالنهي عن المسبب لا يمكن تحقّقه في متعلّقه بعمل الشارع اذ الملكيّة والمسبب إنّما يحصل بانشائه وجعله فلابدّ أن يكون عبارة عن حرمة نفس هذا العمل الاعدادي والانشاء والبناء والعقد على نفس المسبب وإن لم يكن حاصلاً بفعلهم وانشائهم وحينئذٍ فيرجع إلى النهي عن السبب أو التسبب بسبب خاص فيمكن معه نفوذ المعاملة والمسبب بعد ذلك لعدم تعلّق النهي بالتبديل والنتيجة فلا منافاة أيضا .

وكيف كان فيمكن تقريب الكلام في الدلالة بما ذكره المحقّق النائيني قدس سره ممّا تقدّم نقله بأن كان موجبا لقصر السلطنة ويوجب الحجر وإن كان عنده قدس سره فرق بين باب النذر والشرط وعلى هذا فيكون هناك تكليف بلا وضع فلا مانع من مخالفته في مثل نذر الفعل أو شرطه ولكنه بناءً على ما بنى عليه سيّدنا الأستاذ قدس سره من استتباع الحكم التكليفي الوضع كما في ساير الأبواب كالصلاة والحج وغيرهما ولذا نقول بأن المستصحب في مثل الحكم التكليفي هو العهدة وذلك ( الأمر ) الوضعي والا فنفس الخطاب الشرعي غير قابل للاستصحاب فلا مانع من تصويرالدلالة على الفساد أيضا ولكنه لعلّه لا يخلو من نظر .

ص: 110

نعم يمكن الجواب بناءً على عدم تماميّة الدليل على دلالة النهي عن التبديل والمتعلّق بالمسبب على الفساد على ما ذكرنا من التفصيل عن باب النذر والشرط بايجابهما حقّا نظير حق الرهانة ووافقنا على ذلك الشيخ عبدالكريم الحائري قدس سره وعلى هذا فلا يتم المطلوب ويمكن الجواب عن قياس باب النهي والأمر بباب النذر والشرظ بما ذكرنا .

طور آخر من الاستدلال: تدلّ الآية الشريفة « عَبْدا مَمْلُوكا لا يَقْدِرُ عَلى شيءٍ »(1) على عدم جواز تصرّفات العبد مطلقاً في غير الامور التكوينيّة بمعنى عدم ترتب الأثر عليها فبناءً عليه لا يفيدها اجازة المولى أو امضائه واذنه بعد ذلك وعليه فلا ينفع البناء على صحّة الفضولي في الايقاعات في غير الطلاق(2) والعتق(3) للنص بعدم الجواز والنفوذ كما عليه الشيخ الأكبر كاشف الغطاء قدس سره الا ان المحقّق النائيني طاب ثراه لم يتعرّض لصحّة الفضولي في الايقاعات بل إنّما تعرّض له في العقود فبناء على هذا فاذا طلق أو اعتق فلا يفيد اذن المولى واجازته بعد ذلك نفوذ الطلاق والعتق فضلاً عن أن تكون كاشفة وإن كان ظاهر القائلين بالكشف الحقيقي ذلك حتّى في عدم الحرمة فيما اذا كان بلا اذن المولى حراما .

والحاصل ان الآية الشريفة دالّة على عدم جواز تصرف العبد الا باذن المولى سواء كان من الامور الجزئيّة أو الكليّة بل حتّى في مثل الوكالة عن الغير يمكن الاشكال فضلاً عن الصوم والصلاة خصوصا بمقتضى ما ورد في السؤال

لا تدلّ الآية على عدم جواز الواجبات وترك المحرّمات

ص: 111


1- . سورة النحل الآية 76 .
2- . الوسائل 22 الباب 45/1 من أبواب مقدّمات الطلاق .
3- . لم نعثر على النص في العتق .

عن الطلاق وقوله علیه السلام (1): ( افشيء الطلاق ) قال نعم . فكيف بالتزويج فاذا كان الطلاق كالتزويج شيئا فننظر إلى الرواية الواردة في باب التزويج وقوله علیه السلام انه(2) لم يعص اللّه وانما عصى سيّده تعليلاً لصحّة نكاح العبد بدون اذن المولى . فحينئذٍ

يمكن استفادة كون التزويج شيئا كالطلاق بل بالأولويّة وليس المراد بأنّه لا يقدر على الطلاق في مثل قوله علیه السلام في رواية الطلاق(3) ( افشيء الطلاق ) انه لا يترتب

على انشائه الطلاق الشرعي لعدم كون الطلاق من فعل العبد ولا الحرّ بل من حكم الشارع بوقوعه . فالمراد حينئذٍ انه لا يجوز ولا يصح انشاء العبد للطلاق فلا يجوز لكونه تعدّياً في حقّ المولى وتصرّفا في شؤونه لكونه ماله وبمقتضى الآية لا يقدر على شيء .

نعم لا تدلّ الآية على عدم جواز الاتيان بالواجبات وترك المحرّمات الا باذن المولى لكونها مأذونة من ناحية المولى وعدم امتثالها وعدم اطاعة المولى يكون تعديا في حقه بهذا المعنى والا فبمعناه المتعارف في مورد العباد لا يمكن اطلاق الحق هنا والقول بجواز التعدي فعلى هذا حسب ما يستفاد من الرواية في كون انشاء الطلاق تصرّفا ويعضد هذه الدلالة الآية الشريفة الدالّة باطلاقها على عدم القدرة على أيّ شيء من الامور الشرعيّة المترتب عليها الآثار فلا يجوز انشاء التزويج لكونه كذلك تصرّفا وتعدّيا في حقّ المولى . غاية الأمر ليس تعدّيا في جانب اللّه ابتداءً بل تبعا للتعدّي بحقّ المولى .

وعلى هذا فلا مانع من اطلاق العصيان إذ التزويج بدون اذن المولى من

ص: 112


1- . وسائل الشيعة 22 الباب 45/1 من أبواب مقدّمات الطلاق .
2- . وسائل الشيعة 21 الباب 24/1 من أبواب نكاح العبيد والاماء .
3- . وسائل الشيعة 22 الباب 45/1 من أبواب مقدّمات الطلاق .

العبد وحيث انه لا نهي من اللّه تعالى في التزويج فاذا أجاز المولى واذن جاز بخلاف ما إذا كان معصية للّه تعالى وتعدّيا في حقّه فانه لا ينفذ ولا يجوز ويكون فاسدا بمعنى عدم ترتب الأثر عليه . فبقرينة كون العصيان في العبد تعدّيا في حقّه ولا يستتبع البطلان إلاّ إذا لم يجز المولى فيكون معنى العصيان في قوله ( إنّه لم يعص اللّه ) هذا المعنى أي ما هو ظاهره من مخالفة النهي والتعدّي بأمر اللّه ونهيه . فيدلّ على هذا انه كلّما كان الفعل معصية ومخالفة لأمر اللّه ونهيه فلا ينفذ مضافا إلى انه حرام وتثبت الملازمة بين المعصية والفساد في كلّ مورد بهذه الرواية ولا ينافي استعمال العصيان في بعض الموارد في غير هذا المعنى كما في الآية الشريفة « وَعصى آدَمَ رَبّه فَغَوى »(1) فانه بمقتضى الاخبار(2) الواردة في تفسيرها لم يكن معصية بل ولا ترك الاولى في قبال أخبار(3) اخر دالّة على كونها كذلك ومن هنا يمكن انكار كون المراد بالعصيان في الآية غير ما نحن فيه أيضا حيث ان ظاهر العصيان هو المخالفة للأمر والنهي وعند اختلاف الأخبار يكون ظاهر القرآن حجّة وما خالفه يطرح .

تكميل وتوضيح: لا اشكال بناء على ما ذكرنا من دلالة الرواية على الملازمة بين الحرمة التكليفيّة وعدم النفوذ والفساد في التعدّي عن مورد الرواية إلى ما يشمله عموم العلّة . غاية الأمر لا بالنسبة إلى كلّ ايقاع ومعاملة . وبعبارة اخرى لا دلالة لها على الفساد في كلّ معاملة بالمعنى الأعم إذا كان متعلّقا لحق الغير كما اذا كان العبد قد سافر بلا اذن المولى وصلّى صلاته تماما فهل يحكم أحد

اشكال استصحاب الملازمة

ص: 113


1- . سورة طه الآية 122 .
2- . بحار الأنوار 11 الباب 3 كتاب النبوّة 4 إلى 8 - 10 - 15 - 18 وغيرها .
3- . بحار الأنوار 11 الباب 3 كتاب النبوّة 4 إلى 8 - 10 - 15 - 18 وغيرها .

بلزوم اعادتها قصرا إذا أذن المولى بعد ذلك مع ان حرمة السفر ولزوم اتمامها كان لأجل التعدّي بحقّ المولى والسفر بدون اذنه فحينئذٍ لابدّ أن يكون مورد التعدّي وشمول العلّة ما يكون ممّا يقبل الفضولي ويترتّب عليه الآثار الوضعيّة دون التكليفيّة محضا ولذا لا يمكن القول بكون الوطي في الفضولي أو في مورد تزويج العبد قبل اذن المولى المتحقّق لاحقا للوطى جائزا حيث ان المولى اذن في التزويج وامضاه بعد . فالعلّة إنّما يقتصر بها على ما يكون من قبيل المقام كما في مثل ما ورد(1) في أخبار قاعدة التجاوز انه حين الفعل اذكر فيكشف منه انه اذا لم يذكر ويعلم بعدم التذكر فلا مجال لجريان القاعدة .

هذا تمام الكلام في ما يتعلّق بالنهي عن المعاملة . وقد سبق منا الاشارة إلى حكم الأصل عند اليأس عن الظفر بالدليل الاجتهادي وحيث ان الملازمة بين النهي والفساد ليس لها حالة سابقة بل هي أمر ازلي فلا مجال لاستصحابها لعدم تحقّق العلم السابق المعتبر في الاستصحاب وحينئذٍ فلابدّ من الرجوع إلى الأصول الجارية في المقامات الخاصّة .

أمّا في العبادات فكلّ على مبناه فاذا كان يجري البرائة في مورد الشكّ بين الأقل والأكثر الارتباطي في اعتبار قيد زائد وجودي أو عدمي فيجري البرائة والاشتغالى يركن إلى قاعدة الاشتغال ويحتاط لكن يكفينا الاطلاقات في العبادات خصوصاً مثل الصلاة بل مورد جريان البرائة أو الاشتغال هو الشبهة الموضوعيّة وتحقيق الكلام فيها يستدعي البحث على نحو لا يسعه المقام وحيث اهملوه في الأصول بحثوا عنها في الفقه .

ص: 114


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/7 من أبواب الوضوء .

وفي المعاملات لا مجال لجريان البرائة وإن كان تحقيق الحق يحتاج إلى تأليف رسالة مستقلّة في هذا الموضوع والأصل عدم ترتب الأثر على المعاملة عند الشكّ في اعتبار قيد زائد من أول باب المعاملات بالمعنى الأعم إلى حيازة المباحات .

هذا تمام الكلام في ما يتعلق بالنهي وبهذا تتمّ مباحث النواهي .

الكلام في المفهوم والمنطوق: وعرفوا كلّ واحد منهما بتعاريف . الا ان الذي يهمنا نقله ما ذكره المحقّق النائيني قدس سره (1) ولعلّه سبق إليه بعض قبله وهو ان المفهوم الذي قد يطلق عليه المدلول والمعنى وكلها اشارة إلى معنى فارد عبارة عن مدرك عقلاني بسيط في غاية البساطة بل أبسطها ولا مادّة له ولا صورة اذ هما لوازم الخارجيّات وهو ليس أمرا خارجيّا فالمادّة من لوازم الخارج وكذا الصورة المقومة لها الا ان في الحس المشترك ينتقش صورة ذهنيّة مجرّدة عن المادّة والصورة الخارجيتين لكن يجرد في العقل حتّى عن هذه الصورة . وحينئذٍ فالاشارة إليها والتعريف لها إنّما يمكن باللوازم والا فحقائق الأشياء لا يعلمها إلاّ

اللّه تبارك وتعالى كما في كثير من الأشياء . كالوجع فانه ليس أمرا محسوسا خارجيّا بل أمرا يحسّ بالمدرك الوجداني ونظيره العطش والجوع والشبع فحينئذٍ ليس في العقل من معنى الشجر والانسان وغيرهما من الحقائق الا حقيقة بسيطة وأمر مجرّد عن كلّ شيء وهل اللفظ بازاء هذا المفهوم أو بازاء الحقائق ؟ وجهان بل قولان . الا انه يترتب على الأوّل عدم وجود الدلالة التضمنيّة حيث ان المفهوم أمر بسيط على ما عرفت ليس له جزء كي يكون الدلالة عليه تضمّنا فالدلالة

المفهوم والمنطوق

ص: 115


1- . فوائد الأصول 1/476 .

التضمنيّة على هذا المبنى لا أصل لها بل ليس الا الدلالة المطابقيّة أو الالتزاميّة التي ينتقل من المعنى المفهوم إلى اللازم تارة بمجرد تصور المعنى فيكون لازما بيّنا بالمعنى الأخص واخرى بواسطة مقدمة خارجيّة عقليّة أو عادية وعرفية فيكون لازماً بيّنا بالمعنى الأعم وهي أي الدلالة الالتزاميّة كما تكون في المفردات كذلك تتحقق في الجمل التركيبيّة على أنحائها .

والقسم الثاني من الدلالة الالتزاميّة أي البين بالمعنى الأعم خارج عن الدلالة اللفظيّة فليست بمنطوق ولا مفهوم بل كنظائرها من دلالة الايماء والاشارة كدلالة الآيتين(1) على أقل الحمل وكدلالة الاقتضاء كقوله تعالى واسئل(2) القرية وقوله عليه السلام رفع(3) النيسان حيث انه لا معنى لرفعه لوجوده تكوينا . فهو أي البين بالمعنى الأعم من الاستلزامات والملازمات العقليّة كدلالة الأمر على وجوب المقدّمة للمأمور به ودلالة الأمر على النهي عن الضد وغيرهما من أبواب الملازمات حيث لم يفردوا لها بابا بالخصوص جعلوها في بحث الألفاظ .

ثمّ انهم اصطلحوا على كون القسم الأول من الدلالة الالتزاميّة بالمعنى الأخص هو المفهوم في قبال المنطوق وحينئذٍ فالبحث إنّما يكون عن وجود المفهوم وعدمه . والا فعلى فرض وجوده وتحققه يكون حجّة وهل يكون في طول المعنى المنطوق وفي الرتبة المتأخّرة عنه نظير تأخّر رتبة المعلول عن علّته أم عرضية ؟ اختار سيّدنا الاستاذ قدس سره الأوّل .

ثمّ وقع الكلام في موارد من وجود الدلالة اللازمة بالمعنى الأخص . منها

ص: 116


1- . سورة البقرة الآية 224 وسورة الأحقاف الآية 16 .
2- . سورة يوسف الآية 83 .
3- . الوسائل 8 الباب 30/2 من أبواب الخلل في الصلاة .

الشرط وانه هل للقضيّة الشرطيّة دلالة مفهوميّة أم لا ؟ بل إنّما سيقت لبيان الموضوع كما في قوله ( ان رزقت ولدا فاختنه ) ؟ فانه اذا لم يكن هناك ولد فلا موضوع فيكون سالبة بانتقاء الموضوع فلا مورد لنفي الختان .

ثمّ ان ما ذكرنا من تعريف المفهوم راجع إلى منطوق اللفظ وما يستفاد منه حسب الدلالة المطابقيّة والا فمورد الكلام ليس ذلك بل الكلام في الدلالة الالتزاميّة والبين بالمعنى الأخص الذي اصطلح عليه بالمفهوم في قبال المنطوق لا مطلق الدلالات اللفظيّة ولو كانت كالايماء والاشارة والاقتضاء ولا خصوص المستفاد من اللفظ بضم مقدّمة خارجيّة كما في الملازمات العقليّة فانها خارجة عن محل النزاع . فمحل الكلام هو المفهوم بهذا المعنى سواء كان في المفردات أو الجمل التركيبيّة .

ثمّ انه وقع الكلام في مقامات في ثبوت المفهوم الذي يستفاد من اللفظ ويكون محكيّا به ومكشوفا عنه وكان اللفظ كاشفا وحاكيا عنه وانه كما يدلّ على المعنى المطابقي كان دالاً على هذا المعنى اللازم كان هناك مناسبة وملائمة بينهما وعلاقة أم لا وليس الكلام في لوازم المكشوف والمعنى الذي ينطبق عليه المفهوم ويكشف عنه .

فمنها الشرط وليس المراد منه في هذا المقام هو الشرط الذي يلزم من عدمه العدم واما من وجوده فلا يلزم الوجود كما في ناحية العلة . فانّها ما يلزم من وجوده الوجود بل الكلام في المقام على العكس حيث انه يبحث فيه عن دلالة المنطوق على الانتفاء عند الانتفاء . اما الدلالة على الوجود عند الوجود فلا اشكال فيه كما انه ليس البحث عن الشرط الذي يكون نوعا من التعهد فالشرط

في مفهوم الشرط

ص: 117

بكلا معنييه خارج عن محلّ البحث كشرايط العبادات وأمثالها بل المراد منالشرط في المقام هو ما اذا جعل شيء موضوعا لحكم فيبحث فيه انه هل يدل هذا على انحصار الموضوع به وبعبارة اخرى هل يكون علة منحصرة بحيث لا علّة لهذا الحكم غيره أي لا موضوع غيره فلذا ينتفي عند انتقائه الحكم بل ولا يكون كلّ واحد منهما معلولاً لأمر ثالث ولا أن يكون العلية بالعكس . وليس موضوع الكلام والبحث في الشرط عن المسئلة العقليّة الراجعة إلى علل الأشياء وخواصها فما قيل في المقام من ان اللازم كون استناد التالي إلى المقدم لزوميّة لا اتفاقية ولا مطلق اللزومية بل خصوص ما اذا كانت العلاقة هي العلية لا الأعدادية ثمّ العلية المنحصرة التي لم يكن سبب لوجود التالي الا المقدم ليس على ما ينبغي . اذ الكلام ليس في جعل الأسباب والمسببات مع انه لا يتم وهو انما يكون في الأمور التكوينيّة فيمكن فيها جعل ما ليس سببا لشيء سببا له واعطاء الماء حكم الحرارة واعطاء النار برودة الماء ولا اشكال فيه الا ان السببيّة في الامور الشرعيّة بأن يكون الدلوك سببا لوجوب الصلاة ويكون هذا الوجوب رشحا منه في عالم الاعتبار والتشريع كما تكون الحرارة رشح النار ممنوعة محررة فيموضعه من مجعوليّة الأحكام الوضعيّة وعدمها وحقّقنا هناك انه لا يقول القائل بمجعوليّة الأحكام الوضعيّة ان الجعل يتعلّق بالسبب والشرط والمانع والجزء بل إنّما القابل له هو منشأ انتزاع هذه الامور ويمكنه الجعل للحكم عند وجود موضوعه أو اعتبار عدم شيء أو ترتب أمر على المركب من امور فينتزع السببيّة والمانعيّة والشرطيّة والجزئيّة وأمثالها . وليس الحكم عبارة عن الحب والبغض بل انشاء النسبة أو انشاء الطلب على المباني وحينئذٍ فلا وجه لما ذكر .

نعم انما يمكن جريان تلك الأبحاث لمن يعلم الغيب ويحيط بكنه الأشياء

ص: 118

وكيفيّة ترتب بعضها على بعض وإلاّ فلا معرفة لنا بملاكات الأحكام وكيفيّةاقتضائها للجعل ولا طريق للعقل أيضا إلى اثباتها . وعلى فرض ذلك فهي مسئلة عقليّة وتخرج عن بحث الألفاظ . ونحن انما نبحث في المقام عن الدلالة اللفظيّة وكشف اللفظ عمّا في الضمير حسب تطابق عالم الثبوت والاثبات فحينئذٍ محلّ البحث في الشرط هو انه هل يكون لهذه القضيّة دلالة على معنى آخر غير ما هو المنطوق لها يكون كاشفا عن ما في ضمير المتكلّم مخالفا في جهة الاثبات والنفي للمنطوق وهل هناك كشف ودلالة بحسب الدلالة اللفظيّة على الانتفاء عند الانتفاء وإن لم يكن هناك عليّة وعلاقة بين الطرفين .

ثمّ انه على فرض وجود هذه الدلالة يقع الكلام في الاطلاق الواوي والاوى والمراد بالاول كون موضوع الحكم هو خصوص ما ذكر في اللفظ الكاشف بحسب تطابق عالم الاثبات والثبوت وكشف الأوّل عن الثاني أو لا بل له ضميمة آخر وان الاكرام إنّما يجب على مجيء زيد واعطائه الفلوس مثلاً أو تأدّبه كما ان المراد بالثاني عدم العدل للموضوع وانه ينحصر في كونه موضوعا لهذا الحكم ولا يترتب هذا الحكم على مجيء عمرو بل اذا جاء زيد فقط فيجب اكرامه دون غيره وهو الاطلاق الاوى .

ثمّ انه لابدّ في ثبوت المفهوم للقضيّة الشرطيّة من وجود علاقة لزوميّة بين الشرط والجزاء وان يكون الشرط له خصوصيّة بحيث ينتفي بانتفائه الجزاء ويمكن أن يقال انّ القضيّة بطبعها تدلّ على وجود العلاقة اللزوميّة لا الاتفاقيّة غاية الأمر لابدّ أن يكون الشرط هو العلّه المنحصرة للجزاء بحيث تكون نتيجة

جريان المقدمات في ناحية العدل

ص: 119

ذلك هو ما اشير اليه من الانتفاء عند الانتفاء(1) كما انه يمكن أن يقال بجريانمقدمات الحكمة في ناحية كون المذكور في الشرط هو تمام الموضوع . فانه لو كان لشيء آخر دخل في ترتب الحكم كان على المولى بيانه . وحيث انه لم يبين فيكشف عن عدمه بمقتضى تطابق عالم الثبوت والاثبات فقوله ( اذا كان الماء قدر كر لم ينجّسه شيء )(2) يستفاد منه ان تمام العلّة لعدم التنجّس هو ذلك وليس لشيء آخر دخل موضوعي في هذا الحكم . لكن هذا انما يتم بعد أن الموضوع هو هذا المذكور أو باصطلاح آخر ان العلّة لهذا الحكم هو المذكور وهو بمجرّده لا يفيد الانتفاء عند الانتفاء لاحتمال أن يكون لهذا الشيء علتان أو علل متعدّدة فلا يلزم من انتفاء أحدها انتفاء هذا الحكم وانتفاء الجزاء أصلاً .

وقد يقال بجريان المقدمات في ناحية العدل أيضا بأن يقال انه لو كان لشيء آخر أيضا هذه العلية وكان عدلاً للشرط لبيّنه المولى بلسان أو وحيث لم يبين فيكشف عن عدم العدل فينحصر كون العلة والموضوع بالمذكور بحيث لا دخل لشيء آخر مقارنا له أو سابقا عليه أو لاحقا له . بل تمام الموضوع هو هذا كما انه ليس شيء آخر عدلاً والا لبينه . هذا .

واستشكل هذا البيان المحقّق النائيني قدس سره (3) بعدم جريان هذا الكلام في الشرعيّات اوّلاً حيث ان العلة والمعلول انما هي في الامور التكوينيّة وكلامنا في القضايا الشرعيّة . وثانيا بعدم افادة هذا البيان انحصار الموضوع لاشتراكه مع ما لا

ص: 120


1- . ذكر في الحقايق عن الفوائد الطوسيّة انه استقصى مائة مورد أو أكثر من القرآن الكريم لا دلالة فيها على المفهوم . حقائق الأصول 1/448 .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 9 / 1 - 4 - 5 - 6 من أبواب الماء المطلق .
3- . فوائد الأصول 1/481 .

يكون الموضوع منحصرا فيه . فانه اذا قلنا ( اذا كانت الشمس طالعة فالنهار موجود ) كما انه يمكن استعمالها في ما يكون طلوع الشمس علّة منحصرة لوجودالنهار كذلك يمكن اذا لم يكن كذلك بل كان شيء آخر أيضا موجبا لوجود النهار ولا اطلاق يستفاد منه ذلك فلا يمكن التمسّك باطلاق الشرط لانحصار الموضوع لكنه قدس سره أفاد في المقام بيانا آخر لاستفادة الانحصار . ونقول ابتداءً انه جعل محلّ الكلام لثبوت المفهوم وعدمه هو القضايا الشرطيّة التي لا يكون الشرط له دخل عقلي في وجود الجزاء . فانها تارة تكون كذلك كقوله ( ان رزقت ولدا فاختنه ) فان وجود الولد شرط عقلاً لتحقّق الختان وإلاّ فلا يمكن تحقّق الختان بلا موضوع فهذا القسم من القضايا خارج عن تحت دائرة النزاع . واخرى لا تكون كذلك فيمكن تحقق الجزاء بلا وجود هذا الشرط كما يمكن معه فحينئذٍ لا مانع من ثبوت المفهوم من هذه الجهة . لا انه لابدّ أن يكون لها مفهوم كما قد يترائى من بعض حيث نسب ذلك إلى المحقّق النائيني لكنه ليس كذلك بل غرضه قدس سره جريان النزاع في هذا القسم منها . وحينئذٍ فطريق استفادة المفهوم سواء قلنا بأنّ المفهوم دلالة لفظيّة أو انه لا يكون كذلك بل لازم للكلام غير منطوق هو ثبوت التعليق للمعنى الجملي من الجزاء .

واعلم انه لا ينبغي الارتياب في انتفاء نفس شخص هذا الحكم المنطوق به في القضيّة بانتفاء موضوعه عقلاً . إنّما الكلام في انّ القيد هل يكون للمعاني الافرادية أو ان التعليق راجع إلى نفس انشاء النسبة أو لا الى هذا ولا إلى ذاك بل إلى المحمول المنتسب . فالعمدة هو هذا ولا معنى لرجوع التعليق إلى ما يرجع إلى المعاني الافراديّة في ناحية الموضوع قبل ورود الحكم لرجوعه إلى تقيد المادة

الشرط على قسمين

ص: 121

فيكون معنى قوله اكرم زيدا ان جائك ان زيدا الجائي يجب اكرامه ولا يكون له مفهوم حينئذٍ . كما انه لا يمكن رجوع القيد والتعليق إلى انشاء النسبة بناءً على هذا المبنى من تحقّق النسبة الطلبيّة بين المنشئ والمتعلّق . وكذلك اذا تعلق القيدبالمحمول بلا انتسابه سواء كان المراد به هو الوجوب أو الاكرام في قولنا ان جائك زيد فاكرمه وكذلك اذا تعلق بالوجوب بعد الانتساب زمانا لاستلزام الاول رجوع القيد إلى المفهوم الافرادي والثاني النسخ اذ يقيد الوجوب بقيد بعد كونه مطلقا . هذا مضافا إلى انه ليس الا هذا الحكم في هذا الكلام واحدة القضية فحينئذٍ يكون القيد راجعا إلى المحمول المنتسب في ظرف انتسابه ويكون المعنى المتحصل هو المقيّد بهذا القيد أي وجوب الاكرام المضاف إلى زيد أو اكرام زيد الواجب معلق على وجود الشرط وحينئذٍ فيمكن بهذا البيان بضميمة مقدمات الحكمة الجارية في انه لو كان شيء آخر يقوم مقام هذا القيد في تقييد هذا الحكم لبين المولى له . وحيث انه لم يبين في هذا الكلام وانا استفدناه في كلام آخر منفصل فنكشف عن الاطلاق . وانه كان بصدد بيان مراده . اذ لابدّ في جريان المقدمات من احراز كونه بصدد البيان . والا فلا تتم المقدمات . فبهذا يمكن الانتفاء عند الانتفاء وبالتأمل فيما ذكرنا تعرف جواب الاشكال المتوجه على هذا . بانه لا فرق بين ما ذكرت في وجود المفهوم للقضيّة الشرطيّة والقضيّة اللقبية والوصفيّة خصوصا بناءً على مبنى رجوع كل حمليّة إلى شرطيّة وان قولنا زيد واجب الاكرام أو أكرم زيدا انه اذا وجد شيء في الخارج وكان زيدا يجب اكرامه فتأمّل تعرف .

توضيح وتكميل: ان الشرط على قسمين: فتارة يكون اشتراط شيء

ص: 122

بوجود شيء أو عدمه لدخله عقلاً بحيث لا يمكن وجود المحمول في غير صورة حصول الشرط والمنوط به والمعلق عليه . فهذا لا مفهوم له اصلاً . حيث ان مقتضى التعليق الانتفاء عند الانتفاء فهو نوع تقييد وبمقتضى ما نحقّقه في محلّه إن شاء اللّه من كون التقابل بين المطلق والمقيد من العدم والملكة لا التضاد ولا السلبوالايجاب فلا يمكن التقييد بعين امتناع الاطلاق فحينئذٍ لا معنى للنزاع في وجود المفهوم وعدمه هناك واخرى لا يكون كذلك بل يمكن تحققه في حال حصوله وعدمه اذ ليس مثل وجود زيد أو الولد يتوقف وجوده عقلاً في تحقق الحكم ولا يمكن حصوله في حال عدمه أو في صورة عدم الولد كما اذا كان المعلق عليه والمنوط به من حالاته كمجيئه أو قيامه مما يمكن لحاظ اطلاقه بالنسبة إلى الحكم بالنظر إليه وعدمه . فهنا يكون مورد المفهوم والتعليق الذي يكون نتيجته انتفاء سنخ الحكم عند انتفاء الموضوع . ومن ذلك تعرف الحال في مثل القضيّة اللقبية والقسم الذي لا يكون المفهوم فيه من القضية الوصفيّة حيث ان تحقق الموضوع للحكم في مثل قولنا اكرم زيدا شرط عقلاً ولا يد للتشريع والجعل هناك فلا معنى للانتفاء عند الانتفاء لعدم امكان لحاظ الاطلاق في جانب وجود زيد وعدمه كي يقيد في حال وجوده . فلا مفهوم في مثل هذه بخلاف ما يمكن الاطلاق فيه . فالتقييد ينتج الانتفاء عند الانتفاء فالاطلاق في مورد البحث نظير الاطلاق الذي نقول به في مورد التعيين والتخيير حيث ان ظاهر الأمر التعيينيّة والعينيّة والنفسيّة لا التخييريّة والكفائيّة والغيريّة .

بيانه انه حيث يكون بصدد بيان مراده ولم يجعل الشرط للحكم غير ما ذكر في المقدم فيستفاد منه كونه تمام الموضوع وتمام ما له الدخل سواء كان شيء

ص: 123

آخر أم لا . وحيث ان الحكم علقه على الموضوع بلا جعل عدل له في ترتب الجزاء عليه فالترتب منحصر بخصوص هذا المقام دون غيره لما ذكرنا من كون التعليق انما هو بالنظر الى المعاني المحصلة لا الافراديّة لكون القضيّة الشرطيّة هي

ما حكم فيها بثبوت نسبة على تقدير اخرى فالمعلق ليس معنى افراديّا بل نتيجة قولنا اكرم زيدا هو ما تقدم من الاكرام الواجب أو وجوب الاكرام المنتج من هذهالقضيّة وذلك لأنّ القيد لا معنى لرجوعه إلى نفس الانشاء حيث انه اما أن يكون موجودا أو معدوما فلا معنى للتقييد فيه واما ان يكون راجعا إلى نتيجة الانشاء وهو المنشأ وهذا فرع امكان تصور المنشأ . وكونه معنى مفهوما اخطاريّا بحيث يمكن لحاظه في عالم الذهن كي يرتبط به القيد وبناءً على ما حققه المحقق النائيني قدس سره لا يكون المعنى الحرفي اخطاريّا بل موطن تحققه موطن الاستعمال ولا وجود له إلاّ في عالم الانشاء ولا يمكن تصوّره بل اذا يتصوّر يتصوّر معنى اسميّا فهو مغفول عنه واذا كان وجوده وانشائه بتبع المعاني الاخر فكيف يمكن لحاظ التقييد والاطلاق فيه . فلابدّ من رجوع القيد والتعليق الى ناحية المعنى المحصل . وهو الاكرام الواجب أو وجوبه أي الاكرام فهو معلّق على حصول الشرط وليس المراد من المعلّق هو نفس هذا الحكم الشخصي لأنه لا فرق في هذه الجهة بينه وبين القضيّة اللقبيّة لاشتراكهما بانتفاء الحكم لانتفاء موضوعه حيث ان وجود الموضوع شرط عقلي لترتب الحكم . بل الاكرام الواجب أو وجوبه علقه على نفس الشرط مطلقا ولم يجعل شيئا آخر عدلاً له أو جزءا يتركّب معه في ترتب الجزاء . بل إنّما رتّبه على هذا وحيث علّق الاكرام المتعلّق بزيد على وجود الشرط فلا ينتج المفهوم المتحصّل من انتفاء الشرط الا انتفاء اكرام زيد عند انتفاء

ص: 124

موضوعه أي الشرط .

لا يقال ان المحقق في محله على ما بنيتم عليه هو رجوع كلّ شرط إلى الموضوع فمعنى قولنا اكرم زيدا إن جائك ان زيدا الجائي يجب اكرامه فأين المهفوم .

لانّا نقول ان القضيّة الشرطيّة وضعت بطبعها للتعليق والانتفاء عنده وان رجع الشرط إلى الموضوع والفرق بينها وبين اللقبيّة بيّن لكون الشرطيّة من قبيلالشروط المطابقيّة بخلاف اللقبيّة فكالشروط الضمنيّة كما قد عرفت ان مبنى المحقّق النائيني عدم رجوع القيد إلى المعنى الحرفي والانشاء لعدم تعقّل الأول بل انما يعقل مغفولاً عنه فلا يمكن لحاظ الاطلاق والتقييد فيه كي يعلق وعدم معقوليّة التعليق في الانشاء .

نعم بناء على ما استظهرناه في المعنى الحرفي من ان الحق ما حقّقه القدماء في المعاني الحرفيّة وإنها أيضا لها مفهوم وليست ايجاديّة يتّحد موطن استعمالها مع موطن تحقّقها فيمكن رجوع القيد إليها اذا فرضنا انها كلي . ومرجع التقييد إلى تعيّن نوع خاص وجعله موردا للنفي والاثبات .

خلاصة البحث وتلخيصه: قد تحصّل ممّا ذكرنا ان انتفاء(1) الحكم عند انتفاء الشرط مسلم بناءً على ما بنى عليه المحقق الخراساني من العلية والمعلوليّة

رجوع القيد إلى المعنى المتحصّل

ص: 125


1- . كفاية الأصول 1/302 - 303 . والذي في الكفاية استبعاد تبادر اللزوم والترتب بنحو الترتب على العلّة المنحصرة كما ان المحقّق نهاية الأفكار 1 - 2/481 آقا ضياءالدين العراقي شيخ مشايخنا رأى دلالة القضيّة الشرطيّة على التلازم بين المقدم والتالي وعلى كون اللزوم بنحو العليّة والمعلوليّة في غاية الوضوح كما رأى المجال لدعوى المنع عن اقتضاء الترتب بنحو العليّة المنحصرة كما انّ العلاّمة الخوئي نفى الدلالة على انّه من ترتّب المعلول على العلّة التامّة . المحاضرات 46/201 .

وان الشرط علة لوجود الجزاء فبانحصار العلّة ينحصر المعلول وينتفي عند انتفائها بلا اشكال بعد تماميّة دلالة الكلام على انحصار العلّة على ما تقدّم . لكن حيث ان هذا المبنى أي مبنى جعل العليّة فاسد يترتب عليه توالي ومحاذير فلا يمكن الالتزام به كما انه لا يمكن الالتزام بعدم مجعوليّة الأحكام وانها مترشحة عن عللها . بل الذي ينبغي أن يقال ونبنى عليه هو ان الأحكام مجعولة غاية الأمر ان المولى لا يتعلق جعله بكلّ شيء على كلّ موضوع بل لابدّ في ذلك من ملاكومصالح نفس الأمرية كائنة في نفس متعلّقات الأحكام لا في نفس الجعل تدعو تلك الملاكات المولى إلى الجعل على طبق دعوتها لا أنّ المولى مجبور في ذلك وان جعلها يكون قهرا بلا ارادة واختيار ولا انها عبارة عن ارادة مظهرة وحصول الارادة بمباديها من الحب والبغض لا يكون اراديّة بل قهريّة جبريّة . كما ان جعل العليّة فاسد بناء على هذا المعنى الذي ذكرنا من انه ليس بمجبور في جعل الأحكام وتشريعها . وأمّا اذا اريد بجعل العلية واعتبارها هو ان العبد بعد تشريع المولى وجعل عليّته يكون مصليا تكوينا خارجا ويترشّح منه العمل من العلّة ففاسد من أصله ولا يدّعيه أحد . وان اريد بذلك ترتيب الحكم على موضوعه وان بعد ذلك ينتزع عنوان الموضوع والحكم فلا نضائقة عليك لكنه شيء خلاف الاصطلاح .

وكيف كان . فليس جعلها أي الأحكام جزافا بل لمصالح ومقتضيات في متعلّقاتها داعية للجعل والمولى ربما لا يجعل الحكم على طبق المقتضيات لموانع واخرى يجعل فلا علية في المقام كي يقال بانحصارها والانتفاء عند انتفائها .

نعم بناء على تسليم هذا المبنى فلا اشكال في البناء . أمّا بناءً على ما حقّقه

ص: 126

المحقّق النائيني(1) من تعلّق الجعل بالأحكام فلا يتمّ ما ذكره المحقّق الخراساني من وجهين أحدهما عدم صحّة مبنى العليّة والمعلوليّة حتّى عند القائلين بجعل الأحكام الوضعيّة وهو أي رحمه اللّه ( أي صاحب الكفاية ) منهم فلا يلتزمون(2) بجعل السببيّة والمانعيّة والشرطيّة وأمثالها .والثاني: انه قدس سره اجرى مقدّمات الحكمة في الشرط والجزاء والحال ان جريانها في ناحية جملة الشرط لا يفيد الانحصار بل لا فرق بين ما لا يكون منحصرا له في هذه الجهة فكما يمكن أن يقال بالقضيّة في المنحصرة فكذلك في ناحية غير المنحصرة . لكن لعدم تمامية جعل العلية والسببيّة عنده اختار مسلكا آخر وهو ان جعل الأحكام كرفعها بيد المولى . فيمكن اناطة الحكم المجعول على موضوع خاص بشيء بحيث لا يترتب على غيره . فلابدّ في أخذ المفهوم من استفادة كون تمام ما به الاناطة هو الشرط وذلك لجريان مقدمات الحكمة في ناحية ترتب الجزاء على شرطه وتعليق الجزاء عليه واناطته به . فاذا علقه بالشرط ولم يبين شيئا آخر ولم يجعل في اناطته عدلاً له فبجريان المقدمات يمكن استفادة الانحصار حيث ان الاطلاق يقتضي التعيينيّة اذ التعيينيّة عبارة عن عدم العدل وذلك انما يكون في ما يمكن فيه لحاظ الاطلاق فاذا لم يجعل عدلاً في نفس الاناطة والترتب فبمقتضى الاطلاق يكون ما به الاناطة منحصرا في المذكور في الكلام اذ لو كان له عدل أو جزء آخر لبيّن . وحيث انه ما بين فالاطلاق يكشف عن عدم العدل لكن هذا يختلف بالنسبة إلى المحمولات والموضوعات . فتارة

إشكال مبنى المحقّق الخراساني

ص: 127


1- . فوائد الأصول 1/479 وما بعده .
2- . كفاية الأصول 1/302 - 303 .

يكون المحمول هو الختان أو أخذ ركاب الأمير في قولنا اذا رزقت ولدا فاختنه أو اذا ركب الأمير فخذ ركابه . فلا اشكال في عدم امكان لحاظ اطلاق الترتب بالنسبة إلى هذا الشرط بل دخله في ذلك عقلي . فلا معنى للتصرف الشرعي . وتارة لا يكون كذلك كما اذا جعل الشرط أو الجزاء هكذا ( ان شفى اللّه ولدي فعليّ نذر كذا ) فحينئذٍ يمكن فيه لحاظ الاطلاق بالنسبة إلى وجود الشرط وعدمه . فبعدم بيان العدل أو القيد الآخر نكشف عن انه تمام الموضوع وهو المنحصر في اناطة الحكم به . ولو لا جريان المقدمات في ناحية الاناطة والترتبيرد عليه ما أوردنا على المحقّق الخراساني من عدم اختصاص للقضيّة في المنحصرة بل يجري هذا الكلام بعينه في غيرها . فاذا كان بيده الاناطة والجعل كما انه له الرفع وفي مقام الاناطة حكمه بالقيد لم يجعل القيد والمعلّق عليه في ما به الاناطة الا مثل المجيء فبالاطلاق نكشف التعيينيّة وان هذا تمام الموضوع ولا عدل له .

إنّما الكلام في انه هل يمكن اجراء المقدّمات في ناحية الشرط وينتج الانتفاء عند الانتفاء أم لا ؟

لا اشكال في ان القضيّة الشرطيّة تعليق واناطة الجزاء بالشرط وحكم على فرض وجود وحينئذٍ فلا مانع من اجراء مقدمات الحكمة للاطلاق في ناحية الشرط أو الجزاء اذ الشرط ما لم يترتب عليه الجزاء لا معنى لكونه شرطا أو اجراء المقدّمات فيه . وعلى هذا فاذا جعل الشرط هو خصوص المجيء في قولنا إن جائك زيد فأكرمه وحسب جريان المقدّمات انحصر الشرط في المجيء بلا جعل عدل أو انضمام شيء آخر إليه واناط به الجزاء فبمقتضى ذلك ينتفي الحكم

ص: 128

عند انتفاء هذا الشرط . اذ الفرض انه منحصر في ذلك ولو كان شيء آخر أيضا له فيه الدخل أو يترتب عليه الجزاء ويناط به لكان عليه البيان وحيث لم يبين فبمقتضى الاطلاق نكشف عن الانحصار ونتيجة ذلك هو الانتفاء عند الانتفاء.

ان قلت: كيف يكون نتيجة التعليق والاناطة انتفاء سنخ الحكم والمحمول مع انه في مثل قولنا أكرم زيدا بعد قوله ان جائك ليس الا شخص الاكرام المتعلّق بزيد المنشأ بهذا التعليق .

قلت: لا أظنّك ترتاب في انتفاء سنخ الوجوب ونوعه اذا قال اذا ( ان ) جائك زيد فيجب عليه اكرامه وتصدّق بانتفاء الوجوب مطلقا عند عدم المجيءبلا توهّم انتفاء شخص هذا المنشأ كما انه اذا قدم الجزاء على الشرط أيضا كذلك بقوله أكرم زيدا ان جائك . فنقول في الموضعين بانتفاء الوجوب أو الاكرام عند انتفاء المجيء فأيّ خصوصيّة في تقديم الشرط كي تتوهّم مع ان الموضوع له والمستعمل فيه في الحروف عام فليس معنى جزئيّا غير قابل لانتفاء كلي الوجوب بانتفائه .

وكذا الحكم فيستفاد في مثل قولنا اذا خفى الاذان فقصر انتفاء التقصير عند انتفاء خفاء الأذان وهو أيضا عين المدعى وهذا لا إشكال فيه .

وينبغي التنبيه على امور:

الأوّل: ان المستفاد ممّا ذكرنا ان المفهوم عبارة عن قضيّة موافقة للمنطوق في كلّ ما تشتمل عليه من الموضوع والمحمول الا انها مخالفة لها في السلب والايجاب فان كان المنطوق موجبة فالمفهوم قضية سالبة . وإن كانت سالبة فالمفهوم موجبة ( غاية الأمر لا في خصوص الحكم بل في قيود الموضوع أيضا )

معنى المفهوم

ص: 129

وعلى هذا فربما يشكل الأمر في مثل قوله عليه السلام اذا بلغ(1) الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء ) مع ان نقيض الموجبة الكليّة سالبة جزئيّة كما ان نقيض السالبة الكليّة موجبة جزئيّه فبمقتضى ذلك يكون مفهوم قوله اذا بلغ الماء الخ انه اذا لم يبلغ الماء قدر كرّ ينجّسه شيء ولا يفيد انه ينجّسه كلّ شيء كما هوالمدّعى .

وأجاب المحقّق النائيني قدس سره (2) عن هذا الاشكال بانه انما يتمّ هذا الاشكال في القضايا العقليّة وباب البراهين اما في باب الألفاظ فنحن والدلالة ولا يلزم منذلك كون مفهوم الكلية جزئيّة سلبا أو ايجابا .

هذا مع ان استفادة الكلية في المقام لا مانع منها حيث ان الفرق بين عموم السلب وسلب العموم واضح والمقام من قبيل الأول لا الثاني . وليس المقام نظير قولنا ما أخذت كلّ الدراهم الذي يستفاد منه أخذ البعض أو لا ينافيه ولا يكون كاذبا اذا أخذ بعضها . اذ ذاك في مورد يكون متعلق النفي لفظة كلّ ممّا اعتبر في معناه المجموعيّة فيمكن أن يجعل في حيّز النفي ويستفاد منه بحسب المفهوم البعض بخلاف قولنا اذا بلغ الماء اذ العموم في قوله ( لم ينجّسه شيء ) انه لا ينجّسه

شيء من النجاسات بالملاقاة كما هو المسلم . لا بالتغيير لعدم الفرق بين المفهوم والمنطوق في قبول النجاسة بالتغيير . حيث ان المفهوم إنّما استفيد من السياق ووقوع النكرة في حيز النفي فهو أمر مغفول عنه لا يمكن تعقّله وتعلّق النفي به فلذا يكون المفهوم عين المنطوق . ويكون مفهومه اذا لم يبلغ الماء قدر كر ينجسه كلّ شيء بالملاقاة . مع انه لو فرض الخدشة في ذلك كفانا مجرّد حصول النجاسة في

ص: 130


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 9 / 1 - 4 - 5 - 6 من أبواب الماء المطلق .
2- . فوائد الأصول 1/485 .

قبال دعوى عدم قبولها في الماء القليل مطلقا الا بالتغيير اذ لنا أدلّة آخر مذكورة في الفقه في باب نجاسة الماء القليل بكلّ نجاسة .

تكميل وتتميم: قد ذكرنا الاشكالين الواردين من المحقّق النائيني قدس سره

على مبنى العلية كما علم ان أحدهما عدم الفائدة في ناحية اجراء المقدّمات في جانب الشرط وان اللازم اجراؤها في جانب الترتب والجزاء اذ يمكن لحاظها في كلا الجانبين اما في جانب الترتب وحصول الجزاء للشرط فنتيجتها افادة الانحصار وانتفاء الحكم بانتفاء الشرط ولا جزاء في صورة عدم الشرط . وحينئذٍ فاذا ورد منطوق آخر رتب الجزاء على موضوع آخر يكون من باب تعارض المنطوق والمفهوم كما اشتهر التمثيل لذلك (باذا خفي الأذان فقصّر واذا خفيالجدران فقصّر وسيجيء الكلام في ذلك من انه كيف يجمع بين الكلامين كما هو الميزان في حصول الاطلاق وكون المولى في صدد بيان مراده والانحصار في الترتب والا فلا واما أن يكون جريانها في ناحية الشرط مع قطع النظر عن ترتب الجزاء عليه فحينئذٍ لا يفيد الانتفاء عند الانتفاء . بل انما يثبت فيه حينئذٍ بعد فرضه

كذلك وترتيب الجزاء عليه مجرّد وجود الشرط عند وجود الجزاء . اما انحصاره فيه فلا يمكن اثباته بالمقدمات الجارية في ناحية الشرط . نعم القدر الذي يفيده هذه القضية التي اجريت المقدمات في ناحية شرطها هو القدر المستفاد من كلّ قضيّة سواء الشرطيّة وغيرها من انتفاء الحكم عند انتفاء موضوعه عقلاً . الا ان المراد بذلك هو شخص الحكم . اما انتفاء أصل الحكم وسنخه فانما هو من خصائص القضيّة الشرطيّة على فرض جريانها في ناحية الترتب وقد سبق الضابط في أخذ المفهوم وعدمه وأشرنا إلى ان في مثل أكرم زيدا لا يمكن أخذ المفهوم

الاشكالان من المحقّق النائيني على مبنى العلية

ص: 131

حيث انه لا يمكن لحاظ الاطلاق فيه بالنسبة إلى حالتي الوجود والعدم بل انما يمكن في ما يكون أصل الموضوع موجودا ويناط الحكم بحال من أحواله . ويمكن وجوده وعدمه مع فرض بقاء الموضوع . وحينئذٍ فاذا كان بصدد بيان مراده ولم يبين سوى الشرط ولم يجعل المعلق عليه الا اياه فاطلاق الكلام في جعله وترتيبه الجزاء على الشرط يقتضي التعيينيّة . وان ما به الاناطة هو خصوص هذا الشرط سواء كان معه شيء آخر أم لا وسواءً وجد شيء آخر أم لا . بل ينحصر الموضوع في ترتب هذا الجزاء ولا عدل له أصلاً .

ثمّ انّك عرفت ان مرجع كلّ قضيّة شرطيّة إلى حمليّة كالعكس ولكنّك لم تغفل عن ميزان أخذ المفهوم فقولنا أكرم زيدا إن جائك معناه أكرم زيدا الجائي . وعلى هذا فيتّجه السؤال عن الفرق بين القضيّة الوصفيّة والشرطيّة حيث انه لايقال بالمفهوم لها .

واجمال الجواب انه على قسمين: فتارة يكون الوصف غير المعتمد على الموصوف كما في قوله تعالى: « إنّما الصدقات لِلفُقَراء »(1) فهذا لا مفهوم له بل له حكم اللقبيّة كأكرم زيدا . واخرى يعتمد على الموصوف كما في قولنا في الغنم السائمة زكوة . فأيّ خصوصيّة في الشرطيّة بها ينتفي سنخ الحكم عند انتفاء الشرط حتى لو فرض وجود موضوع يحكم عليه بهذا الحكم يكون من باب التعارض فلابدّ من الجمع بينهما بخلاف مثل الغنم السائمة فيه زكوة فلا يحكم كذلك بل ينتفي بالأصل بخلاف ذاك المقام فانه يكون دليلاً اجتهاديّا . ومجمله ان في الشرطيّة إنّما علّق الجعل والاناطة على الشرط فلذا يفيد الانتفاء عند الانتفاء

ص: 132


1- . سورة التوبة الآية 61 .

بخلاف الوصفيّة المعتمدة على الموصوف فانها إنّما يحكم فيها بترتب الحكم على الموضوع .

ثمّ انك قد عرفت أيضا بناء على مبنى المحقّق النائيني قدس سره كيفيّة استفادة الانتفاء عند الانتفاء . وذلك لأنّ الانشاء لا يتعلّق به التقييد والتعليق . كما انه لا يمكن تعلّقه بالمنشأ عنده لكونه معنى حرفيّا لا مفهوم له ولا يتصوّر بل مغفول عنه وموطن وجوده واستعماله واحد . لا انه لا يمكن ذلك لكونه جزئيّا بل نقول بكليّة المعاني الحرفيّة ان قلنا بوجود الكلي الطبيعي في الخارج .

والحاصل: ان النزاع في كليّة المعاني الحرفيّة هو مثل النزاع في وجود الكلّي الطبيعي في الخارج وترتب الثمرة على هذا المقام على النحو المستفاد هناك فالمنشئ إنّما ينشئ النسبة الكليّة الايجاديّة بين الفاعل والاكرام مثلاً وهويكون منشأ لحكم العقل بلزوم تكوين الفاعل على طبق تشريعه . كما انه ينتزع الوجوب عن هذا الانشاء وايجاد النسبة . غاية الأمر لا يمكن تعلّق القيد والتعليق بالانشاء ولا بالمنشأ لكونه مغفولاً عنه مع اشتراط اللحاظ في ما يتعلّق به القيد فحينئذٍ نقول حين انشاء النسبة بين الاكرام والفاعل يحصل ويتحقّق وجوب الاكرام أو الاكرام الواجب وهو يكون مركب القيد ويتعلق به . والفرض انه لا يمكن تعلّقه به بعد حصوله وفي رتبة متأخّرة عنه للزوم النسخ في التأخّر الزماني بل يكون في حين حصول معنى وجوب الاكرام وانتساب المحمول وفي رتبته رتبة التقييد .

وخلاصة الكلام: انه بناء على ما ذكره المحقّق النائيني قدس سره في معاني الحروف فالنتيجة وطريقة أخذ المفهوم ما أشرنا إليه .

النتيجة في أخذ المفهوم على مبنى النائيني

ص: 133

لما عرفت مرارا من انه ذهب إلى أنّ الحروف ايجاديّة لا مفهوم لها بل معناها إنّما يوجد في موطن الاستعمال وكليّتها مبتنية على وجود الكلّي الطبيعي في الخارج وانشائيتها وايجاديتها مخالفة لايجادية وانشائيّة مثل التزويج ونحوه من الأمور الانشائيّة القابلة للتصوّر وذلك لأنّ المعاني الحرفيّة لا تتصوّر بل هي مغفول عنها فمعانيها لا يمكن تعلّق التصوّر بها فضلاً عن الألفاظ الفانية فيها ( فهي

بالنسبة إلى المعاني الاسميّة كالأعراض بالنسبة إلى محلّها ) وإنّما بها الربط بين المعاني الافراديّة ولو لا المعاني الحرفيّة لما قام للكلام سوق ولاختلّ نظام المحاورات اذ لولاها لم ترتبط المعاني الافراديّة بعضها ببعض فحينئذٍ لا يمكن تقييدها لعدم امكان لحاظها وانما يوجد بها مصاديق كما في مثل أسماء الاشارة حيث انه يكون كالعصا واليد التي يشار بها .

وتعجّب المحقّق النائيني قدس سره من المحقّق صاحب الحاشية حيث توقّف فيبعضها ولم يجعلها من المعاني الايجاديّة وكانه تأمّل في اخطاريتها وايجاديتها .

والحاصل انه على هذا المبنى يتعلّق القيد والتعليق بالمتحصّل من القضيّة والنسبة الحاصلة بين الموضوع والمحمول في قولنا ( إذا جائك زيد فأكرمه ) فالمعلّق هو المعنى المتحصّل وهو الاكرام الواجب أو وجوبه لعدم امكان رجوع القيد إلى نفس الانشاء لما بينّا سابقا ولا إلى المنشأ بل إلى المعنى المتحصّل من نسبة الموضوع إلى المحمول لكنه في رتبة الانشاء والنسبة يحصل هذا التعليق والتقييد فلذا ينتج الانتفاء عند الانتفاء اذا لم يجعل له العدل ( على ما سبق ) .

لكن هذا كلّه كما ترى اتعاب للنفس بلا الزام اذ الحقّ المحقّق هو ما أفاده

ص: 134

المحقّق الخراساني قدس سره (1) في المعاني الحرفيّة وان لها مفاهيم كليّة كالأسماء الا انها ليست استقلاليّة بل غير مستقلّة وحالها بالنسبة إلى المعاني الاسميّة حال الاعراض بالنسبة إلى محالها والفرق بينها وبين الأسماء هو ما ذكرنا من كونها معاني غير مستقلّة بل آلية لملاحظة حال الغير .

أمّا جواز استعمال أحدهما في مورد الآخر فانما يصحّ لو كان بلحاظ الاستقلال وان الابتداء لا مانع من استعماله في من اذا لوحظ فيه التبعية لا الاستقلاليّة .

وما قيل في الفرق بينهما من ان الفرق شرط الواضع الاسعتمال الآلي في الحروف دون الأسماء .

فالاستقلالي أو ان الوضع انما هو في حال الاستقلال في الأسماء وعدمه في الحروف فلا يصح .ولذا فالمنشأ بالهيئة إنّما هو الطلب الذي ليس باستقلالي ولا مانع من رجوع القيد إليه .

وعلى كلّ حال فالانتفاء عند الانتفاء إنّما هو من لازم هذه القضيّة فانّها بطبعها وضعت لذلك وحيث انه لم يعلق المنشأ على غير هذا الشرط فيستنتج منه الانحصار ولازمه الانتفاء عند الانتفاء سواء شئت سمه باللازم بالمعنى الأخص للدلالة المنطوقيّة للكلام أو اجعله منطوقا له .

هذا تمام الكلام في ما يتعلّق بباب المفهوم للشرط .

بقي التنبيه على امور:

الحق مع المحقّق الخراساني في رجوع القيد إلى الهيئة

ص: 135


1- . كفاية الأصول 1/14 .

الأوّل: ما تقدّم من ان المفهوم عبارة عن قضيّة مطابقة للمنطوق في الموضوع والمحمول مخالفة له بالسلب والايجاب . فان كانت سالبة فهي موجبة وبالعكس فبالعكس وذلك عند ارتفاع ما به الاناطة . فاذا قال أكرم زيدا إن جائك فالمفهوم هو لا تكرم زيدا إن لم يجئك . فقولنا لا تكرم زيدا عين أكرم زيدا موضوعا ومحمولاً مخالف له في الحكم وحينئذٍ فيشكل الأمر في مثل الرواية الواردة في باب الكر وعدم انفعاله بالملاقاة فان نقيض السالبة الكليّة هي الموجبة الجزئيّة فقوله ( إذا بلغ الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء )(1) لابدّ أن يكون المفهوم منه ( إذا لم يبلغ ينجسه شيء ) وذلك لا يفيد هذا مضافا إلى انه ورد في باب الجاري ( اذا كان له مادة )(2) انه كذلك أيضا وهكذا في ماء البئر(3) وان لم يكن هناك مادةمتّصلة بارزة كمادة الحوض والحمام ويكون كرا فاللازم حينئذٍ الجواب عن الاشكالين .

الجواب أمّا عن الأوّل فبما ذكرنا سابقاً . نعم لو كان الكلام في النقيض المنطقي فنقيض السالبة الكلية هي الموجبة الجزئيّة الا ان الكلام في الظهور العرفي فحينئذٍ نتيجة المفهوم ليس هو سلب العموم بل عموم السلب .

وعن الثاني فبما يأتي في التنبيه الثاني وإن أجاب الشيخ وغيره عن الاشكال لكن يمكن المعارضة بين هذه المناطيق وحينئذٍ فيسقط المفهوم ويرجع إلى أدلّة عدم انفعال الماء مطلقا من قوله علیه السلام ( خلق اللّه الماء طهوراً لا ينجّسه شيء

ص: 136


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 9 - / 1 - 2 - 4 - 5 - 6 من أبواب الماء المطلق .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 5 / 1 - 2 - 3 - 4 - 5 - من أبواب الماء المطلق .
3- . وسائل الشيعة 1 الباب 14 / 1 - 2 - 4 - 5 - 6 - 1 إلى 4 1 من أبواب الماء المطلق .

إلاّ ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه )(1) .

التنبيه الثاني: إذا وردت قضيتان شرطيّتان قد علّق حكم واحد فيهما على شيء مخالف للآخر مباين معه أو بالزائد والناقص والأقل والأكثر فأيّ شيء الوظيفة ؟ قد قيل اذا لم يكونا بالأقل والأكثر وجوه من الجمع الا انه لا وجه لها سوى وجهين وهما تقييد اطلاق كلّ منهما بالنسبة إلى نفي العدل فيكون العلّة المنحصرة كليهما ويترتب الجزاء على كلّ واحد مستقلاً كما اذا قال اذا خفى الأذان فقصّر وقال اذا خفى الجدران فقصّر . فالتقصير علّق تارة على خفاء الجدران واخرى على خفاء الأذان وحينئذٍ بناء على تقييد اطلاق نفي العدل في كلّ واحد منهما هو كون كلّ سببا مستقلاً في لزوم التقصير سواء كان معه الاخر أم لا .والى ذلك يرجع ما قيل من كون الشرط هو العنوان الجامع بينهما .

والوجه الثاني: هو تقييد اطلاق كلّ واحد بنفي الضميمة وهو كون الشرط هو تمام الموضوع فبعد التقييد يكون الحكم مستندا إلى مجموعهما وبوجود أحدهما لا يحصل الجزاء . وبما ذكرنا ظهر ان لا وجه لما قيل من تقييد مفهوم كلّ منهما بمنطوق الاخر لعدم مساس له بمورد النزاع بل الذي ينبغي أن يقع مورد البحث هو تقييد اطلاق أو التي تدلّ على العدل فيهما أو تقييد اطلاق الواو الدالة على الضميمة وقد ذكر لكلّ واحد منهما وجه .

أمّا وجه تقييد اطلاق أو وابقاء اطلاق الواو على حاله . ان ظاهر القضيتين

إذا تعدّد الشرط واتّحد الجزاء

ص: 137


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 9/1 من أبواب الماء المطلق .

استناد الجزاء الى كلّ منهما أي الشرطين بالاستقلال . وهذا الاستناد انما يكون حقيقة اذا كان هذا الظاهر محفوظا والا فالاستناد إلى جزء العلّة ليس استادا حقيقيّا فاللازم من ذلك كون كلّ واحد منهما علّة نظرا إلى ذلك . غاية الأمر يقيد اطلاق نفي العدل في كلّ واحد بسبب الآخر وبعد ذلك فهما مشتركان في نفي الثالث . وقد اختار هذا المحقّق النائيني لكن صرّح بفساده لاحقا وانه لا يتمّ حيث ان استفادة نفي العدل وانحصار الموضوع والعليّة المنحصرة وكونه تمام العلّة إنّما استفيد لكلّ واحد منهما من مقدّمات الحكمة والاطلاق . فليس أحد الاطلاقين أولى من الآخر كي يقيد أحدهما ويبقى الآخر على حاله فهذا الوجه فاسد جدا كالوجه الآخر الذي ذكر لترجيح اطلاق الواو وبقاء اطلاق أو على حاله .

وحاصله ان اطلاق تمام الموضوع المفاد تقييده بالواو مقدم رتبة على اطلاق أو التي يوجب الانحصار اذ بعد معلوميّة كونه تمام العلّة يجري المقدّمات في نفي العدل فالتقييد لو ورد فيرد على ما هو الموضوع للآخر ولا يرد على الآخرلتقدم رتبة اطلاق الواو ويقدّم في التقييد . وفيه ان تعدّد الرتبة لا يجدي ما لم يرجع إلى تعدد الموضوع والمقام من قبيل دوران الأمر بين أحد التقييدين . فالعلم الاجمالي حاصل بذلك ولا يوجب تقدم رتبة أحد الاطلاقين انحلال العلم .

وذكر وجه ثالث لترجيح تقييد اطلاق أو وابقاء اطلاق تمام الموضوع على حاله اذ لو ورد التقييد على انحصار الشرط بالمذكور وانه تمام العلّة يلزم هناك تقييدان لعدم بقاء مورد لاطلاق أو لنفي العدل كما انه قيد اطلاق عدم الجزء بخلاف ما اذا ورد القيد على اطلاق أو فيبقى اطلاق نفي الجزء للعلّة على حاله وقلّة التقييد أولى فالتقييد لابدّ أن يرجع إلى اطلاق أو .

ص: 138

وجوابه ان الأمر دائر بين أحد التقييدين اما تقييد اطلاق أو او الواو غاية الأمر اذا قيد اطلاق الواو لا يبقى موضوع لاطلاق أو لا انه يكون بالنسبة إليه تقييدا زائدا . وحينئذٍ فليس أحد التقييدين أولى من الآخر وهذا كما ذكرنا في باب دوران الأمر بين رجوع القيد إلى المادّة أو الهيئة وان رجوعه إلى الهيئة يوجب عدم بقاء مورد لتقييد المادة ولا اطلاق للمادّة حينئذٍ لا انه تقييد زائد . فالمقام من قبيل العلم الاجمالي والحكم بالنظر إلى المسئلة الأصوليّة اعمال قواعد العلم الاجمالي ولازمه هو الأخذ بالقدر المتيقن . فاذا حصل كلا الشرطين نعلم حينئذٍ بحصول الجزاء بخلافه اذا حصل أحدهما فنشك في وجوب التقصير أو الجزاء مثلاً اذ مقتضى اطلاق كلّ واحد من القضيتين نفي الاخر ومرجعه إلى التناقض وهو محال . فلابدّ إمّا من كون الواو أو او لرفع المناقضة ) وحيث لا معيّن لأحدهما يكون الحكم ما ذكر .

لكن يمكن العلاج في مورد ( إذا خفى الأذان أو خفى الجدران ) بكون الأذان له مراتب في خفاء جوهر الفصول أو الهمهمة وكون المخفي هو مجموعهمن حيث المجموع بخلاف خفاء الجدران فانه مبين فيمكن حمل المجمل ( أي خفاء الأذان ) الذي له مراتب على المبين في اذا خفي الجدران ويرتفع الاجمال لكن يشكل الأمر في مثل قوله ( اذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شيء )(1) حيث ان ظاهره كون الماء الكر هو تمام الموضوع المنحصر لعدم التنجس بالملاقاة وقوله في ماء البئر انه واسع لا يفسده شيء ( أءلى قوله لأنّ له مادة )(2) وما ورد في مثل

الاذان له مراتب

ص: 139


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 9 / 1 - 2 - 4 - 5 - 6 من أبواب الماء المطلق .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 4/1 الى 9 من أبواب الماء المطلق .

الجاري وحينئذٍ فيتعارض المفاهيم ونأخذ باطلاق قوله ( خلق اللّه الماء طهورا لا ينجّسه شيء )(1) الخ وذلك للشكّ في حصول الانفعال لغير مورد المجمع وهو الماء الجاري الذي لا يكون مادته كرا .

تكميل وتوضيح: قد عرفت الاشكال في تقديم تقييد أحد الاطلاقين على الآخر وحصول العلم الاجمالي وطريق الاحتياط في مورده واضح لأنّه إذا كان الجزاء هو الحكم الالزامي واراد الاحتياط فيأتي به عند حصول كلّ واحد من الشرطين . وإن لم يجب عليه الاحتياط نظرا إلى الشكّ في وجوب الجزاء عليه في صورة انفراد حصول الشرط . كما اذا كان الجزاء حكما تحريميّا فلا يأتي به عند حصول أحد الأمرين وإن لم يكن لازما عليه . بل المتيقّن هو صورة اجتماع كليهما فانه سواء كان أحدهما عدلاً للآخر في الترتب أو كانا جزئين للموضوع ويتركّب منهما ويترتب الجزاء عليهما مجموعا . فالموضوع متحقّق في الخارج هذا فيما لا يمكن حصول المتعدّد في الجزاء كما اذا كان في مقام تحديد الموضوع مثل المثالين فان وجوب القصر محدد على مسافة خاصة ويكون كلّ واحد منخفاء الأذان والجدران طريقا إليه . وذلك لا يقبل الزيادة والنقصان ولا التكرّر وان أمكن العلاج في مثل هذا المورد بجعل الجدران على ما هو ظاهر خفائه من خفاء الصورة دون الأذان فان لخفائه مراتب مختلفة فيكون مجملاً . فإمّا أن يحمل على ما ينطبق على خفاء الجدران أو يكون طريقا إلى خفاء الجدران وعند حصول الطريق وهو خفاء الجدران فلا معنى للطريق إليه وهو خفاء الأذان .

أمّا فيما اذا كان الجزاء ممّا يقبل التعدّد وليس كازهاق الروح أو انفعال الماء

ص: 140


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 1 - 9 من أبواب الماء المطلق .

القليل ممّا لا يقبل التعدّد . بل اذا حصل فقد حصل ويترتّب الحكم أي عدم جواز شرب الماء وعدم جواز استعماله في الطهارة عليه ولا يلزم وصوله إلى حدّ الاضافة بالنجاسة . فلو بنى على هذا المبنى فيلزم منه ما هو مخالف لضرورة الفقه كما في مثل ما ورد في النوم من الآية الشريفة ان قيل به وانها فسرت صحيحا بذلك وهي قوله تعالى: « إذا قُمتُم إلى الصلاةِ فاغسِلُوا وُجوهَكُمْ وأيديكُم »(1) كما انه قيل ان المراد من اذا قمتم إلى الصلاة ( أردتم ) وإن كان غير خال عن الاشكال لتعليق الوجوب على ارادة المكلف فبحسب ما تقدّم من المفهوم ينحصر الوضوء بما إذا قام من النوم . وان استشكل في الآية فيكفي الروايات الواردة وفي بعضها ( فاذا نامت العين والاذن والقلب وجب الوضوء )(2) .

وظاهر القضيّة الشرطيّة انحصار الجزاء بخصوص هذا الشرط مع انه ورد في مثل البول والغائط أيضا ما يمكن كونه كالمقام من ما ورد بلسان الشرطيّة وعليه فلا يجب الوضوء إذا حصل أحد هذه الامور وحده بل إنّما يجب بحصولجميعها وهو خلاف ضرورة الفقه .

نعم إن لم يكن بعضها بلسان الشرطيّة بل ورد على نحو القضيّة اللقبيّة أو كان الكل كذلك فلا اشكال .

ومنها: مسئلة عدم انفعال الماء القليل والكر وذي المادّة وإن كان من القسم الأوّل أي ممّا لا يقبل التعدّد . حيث انه لو أخذ بتقييد اطلاق الواو في هذه الموارد

فيلزم اشتراط عدم انفعال الماء الكر بكونه ذا مادة وكذا الجاري . ويلزم كونه كرا

جمع المحقّق الهمداني

ص: 141


1- . سورة المائدة الآية 7 .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/1 من أبواب نواقض الوضوء .

حيث ان مقتضى انحصار الموضوع في كلّ شرطيّة هو عدم حصول عدم التنجّس في الماء في ما إذا لم يكن كرّا وكذلك ما إذا لم يكن له مادة ولو كان جاريا وهو كماترى .

وقد يقال كما عن بعض الأساطين رحمه الله في خصوص ما إذا كان الجزاء يقبل التعدّد بعدم توجّه الاشكال حيث ان المطلوب هو صرف الوجود من الطبيعة لا لكونه مفهوما من القضيّة الشرطيّة . بل لكون انطباق الطبيعة عليه عقليّا فاذا علق وجوب سجدة السهو على نسيان التشهّد وكذلك على نسيان السلام أو السجدة الواحدة فلا منافاة بينها لعدم التعدّد في الطبيعة ولم يؤخذ لذلك الوحدة .

في الأمر وكان المطلوب هو الطبيعة فالطبيعة علقت على كلّ واحد من هذه الأسباب وبحصولها تنطبق على صرف الوجود ولا يجب شيء آخر لحصول لانطباق وبذلك يحصل الأجزاء .

لكنّه كما ترى ممّا لا يمكن الالتزام به من وجوب سجدة واحدة لمجموع أسبابها .

وقد يجمع بينها كما عن المحقّق الهمداني بعدم المفهوم لهما بل انما ورد(1)رواية الكر في مورد الغدير الذي يرد عليه الكلاب والبهائم وغير ذلك فأجاب بأن الماء اذا كان قدر كرّ لم ينجّسه شيء ليس بصدد بيان الانحصار كي يتعارض مع ما ورد في عاصميّة المادة وحينئذٍ فطريق الجمع بينهما ملاحظتهما في كلام واحد ولا معارضة هناك للجمع باو او الواو .

وفيه ما لا يخفى اذ لابد في رفع المعارضة ملاحظة كلّ بانفراده وما ذكر في

ص: 142


1- . مصباح الفقاهة 1/40 .

الوجه ليس على هذا بل جمع برفع المعارضة . ثمّ لوحظا مجتمعين أو أن يقال ان الماء إمّا أن يكون ذا مادة أو لا . فالأوّل عاصم لا ينفعل بالملاقاة والثاني فيه تفصيل فان كان حدّ كرّ فكذلك والا فينفعل .

وأنت خبير بأن هذا الكلام انكار المفهوم للقضيّة الشرطيّة . والكلام إنّما هو على فرض وجود المفهوم لها كما انه لا يستفاد هذا التفصيل بين ذي المادة والمحقون فحينئذٍ يشكل الأمر .

التنبيه الثالث: إذا تعدّد الشرط واتّحد الجزاء فهل مقتضى القاعدة تعدّد أفراد الجزاء بتعدّد الشرط أم لا ؟

ومحلّ الكلام فيما يمكن تعدّد الجزاء فيه كسجدتي السهو دون مثل القتل الذي لا يقبل التعدّد .

ودون ما لا يقبل الاستناد إلى سبب دون سبب يترتب عليه العفو عن مقتضى سبب وابقاءً من ناحية اخرى كما في خيار العيب والمجلس والشرط فاذا كان الجزاء يقبل التعدّد والتكرر .

أمّا وجودا أو من ناحية الاستناد فمع قطع النظر عن الاخبار الواردة فيالمقامات المختلفة هل الجزاء يتكرّر بتكرّر الشرط .

وكما إذا حصل سبب الجنابة والحيض ومسّ الميّت وأمثالها وقلنا بأنّ المتفاهم من قوله ( إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل )(1) لا يستفاد منه بمقتضى الجمع بين الأدلّة انحصار وجوب الغسل بالالتقاء فيجب حينئذٍ لكلّ سبب غسل واحد مع قطع النظر عن الرواية الواردة في الاكتفاء بغسل الجمعة عن الغسل الذي

ص: 143


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 6/2 من أبواب الجنابة .

عليه سواءً نواه أم لا وربما عمل بها بعض الأصحاب وقيّدة بعض بما نوى الواجب من الأغسال التي وردت الرواية بالاجزاء عنها لا بنيّة كفاية هذا الغسل أم لا وكذلك الكلام في موجبات سجدة السهو .

وربما يقال بأنّ المطلوب حيث كان في كلّ شرط هو طبيعة الجزاء وهو يحصل بصرف الوجود فالصرف لا يقبل التعدّد فيكتفي بواحد على القاعدة ومعناه تداخل الأسباب لعدم معقوليّة التكرّر في الصرف فيكون السبب الثاني تأكيدا .

الا انه يمكن الجواب بكون الظاهر هو ايجاب الشرط لوجود الجزاء في كلّ سبب فاذا حصل له موجب سجدة السهو من كلام ونسيان تشهّد وسجدة فاللازم التكرّر بسبب تكرّر الموجب .

نعم إنّما يقتضي الصرف لكن بالنسبة إلى كلّ سبب لا إلى مطلق الأسباب . أمّا إذا تعدّد السبب الواحد كما إذا حصل الكلام في الصلوات المتعدّدة بأن تكلّم سهوا في الصبح والظهرين مثلاً فيكتفي بسجدة واحدة لذلك . يشكل الأمر في ذلك . وكيف يمكن القول بكفاية سجدة سهو واحدة لمجموع ما صدر منه من السهو في الكلام آخر عمره مثلاً .فمحلّ البحث ما إذا كان الجزاء يقبل التعدّد ولو بحسب الآثار التي تكون موردا لنظر الفقيه وتقبل الاستناد او العفو بالنسبة إلى بعض دون بعض أو الاسقاط كما إذا قتل أشخاصا متعدّدين عمدا فالقصاص وإن لم يمكن تحقّقه بالنسبة إلى الجميع لكنّه يقتل لواحد وبالنسبة إلى الباقين الدية أو العفو أو في مثل خيار المجلس وخيار الحيوان وخيار العيب فانه وإن أمكن القول بكون مبدء زمان خيار الحيوان انقضاء زمان خيار المجلس لكن لا يمكن القول به في خيار العيب

ص: 144

وحينئذٍ فيمكن اسقاط خيار أو المصالحة عليه على شيء دون خيار آخر .

كما اذا وجب القتل للارتداد وكذلك للزنا حيث انه لا يقبل التعدّد ولا الاستناد إلى سبب دون سبب فلا اشكال في عدم الكلام فيه وخروجه عن مورد البحث ولو قلنا بكون القتل عقوبة خاصّة يبقى معه العذاب في الآخرة ( لعدم ارتباطه بالأبحاث الفقهيّة ) .

تنبيه: إذا كان الجزاء لا يقبل التكرّر حتّى بالنسبة إلى سبب دون سبب .

والحاصل: انّه اذا تعدّد الشرط واتّحد الجزاء وكان الجزاء لا يقبل التكرّر والتعدّد ولو بحسب المرتبة كما في مثل الخيار ان قلنا انه ملك فسخ العقد فهل يتعدّد الجزاء ويتكرّر بحسب تعدّد الشرط أم لا ؟

أمّا إذا لم يكن الجزاء قابلاً للتكرّر ولو بحسب المراتب والآثار فلا معنى لهذا النزاع وليس النزاع مخصوصا بالتكاليف الالزاميّة بل يعمّ غيرها أيضا كالمستحبّات كما انه وان عنون هذا البحث في باب الشرط والجزاء لكن يمكن تحريره على وجه يشمل مثل ما اذا لم يكن بصورة القضيّة الشرطيّة كما إذا قال ( اغتسال الجنب في البئر يوجب نزح دلاء سبع مثلاً ) .

فهل يتعدّد الجزاء أو يتعدّد الحكم بالنسبة إلى ذلك سواء كان اغتسالهم أيعدّة جنب في البئر مرّة واحدة أو على التعاقب فلكلّ ينزح سبع دلاء أو يتداخل الأسباب على ما سنشرحه .

ولا يخفى ان الكلام في ذلك على ما هو مقتضى القاعدة الأوّليّة مع قطع النظر عن القرائن الخاصّة في الموارد المخصوصة .

ثمّ انّ القول بعدم التكرار وان المجموع يوجب جزاءً واحدا بحيث يستند الجزاء في صورة الاجتماع إلى الجميع لا إلى الجامع بينها هو معنى التداخل في

إذا لم يكن الجزاء قابلاً للتكرار

ص: 145

الأسباب اذ ليس المراد به هو دخول أسباب الوضوء ونواقضه كالبول والغائط أو المني في الآخر كما انه ليس المراد بذلك دخول الأبوال المتعدّدة في أنفسها ولا ان المراد أن يكون الأثر مستندا إلى الجامع أو أن يكون مستندا إلى الأوّل من الأسباب دون الباقي لخروج ذلك كلّه عن مورد تداخل الأسباب خصوصا على الأخير حيث ان الأوّل هو السبب دون اللواحق . فالمراد حينئذٍ انه إذا كان السبب واحدا فالأثر يستند إليه بشرط عدم انضمام سبب آخر ولحوقه . وإن كان متعدّدا فالجميع موجب لترتّب الجزاء الواحد . فالمراد بالتداخل في الأسباب هو هذا والقائل بعدمه يمكنه أن يقول بايجاب كلّ سبب جزاءً واحدا .

ثمّ انه هل يمكن تحقّق الامتثال لتكاليف متعدّدة في مجمع العناوين المتعلّق بها الأحكام كما إذا أوجب اكرام عالم وأوجب اكرام هاشمي وكذلك أوجب اكرام فقير فأكرم رجلاً عالما هاشميّا فقيرا أو لا يكفي ؟ بل لابدّ من استقلال كلّ عنوان في الامتثال كما انه يوجب مثلاً لكلّ حدث في باب الوضوء وضوءا واحدا .

ثمّ المراد بتداخل المسبّبات هو انه بعد الفراغ عن اقتضاء كلّ تكليف وشرط جزاءً واحدا هل يكتفي في مقام الامتثال بفرد واحد كما في الأغسال المتعدّدة الموجبة لها أسبابها أم لا ؟فالقائل بالاكتفاء يذهب إلى التداخل فيها والقائل بعدمه لا يقول به .

إذا عرفت هذا فلنقدم مقدّمة قبل الشروع في ذكر أدلّة الطرفين في حكم مورد الشك . وهو انّه تارة يكون بالنظر إلى التداخل في الأسباب فاذا شككنا في ذلك ولم نعلم اقتضاء كلّ سبب جزاءً واحدا وانه هل يجب لكلّ بول وضوء واحد إذا تعدّد البول منه مرارا عديدة أو انه تعدّد منه أسباب الوضوء كما إذا بال وتغوّط وهكذا يجب لكلّ فرد من جنس واحد أو متعدّد جزاءً واحد أم لا ؟ فالشكّ يرجع

ص: 146

إلى الشكّ في التكليف الزائد عمّا علم اشتغال الذمّة بموجبه أوّلا . فيجري البرائة لكنه لا ربط له بمسئلة التداخل في الأسباب إذ على التداخل أيضا تكون النتيجة عدم التكرّر لكن بنحو آخر لا يؤثّر في الجزاء .

واخرى يكون الشكّ في مقام تداخل المسبّبات بعد الفراغ عن ايجاب كلّ سبب جزاءً واحدا كما إذا شككنا في انه هل الرواية الواردة في اجتماع الحقوق ( اللفظ أجزاك عمل واحد ) كي يجري في غير مورد الأغسال أيضا أم لا بل ( اجزءك غسل واحد ) كي يختصّ بالأغسال فحيث انه يكون المقام مقام الامتثال فمع الاقتصار على الواحد يكون الشك في الخروج عن عهدة الاشتغال بالتكليف فلابدّ من الاتيان حسب تعدّد الجزاء خارجا خروجا عن عهدة التكليف مثلاً والاشتغال به .

وينبغي تقديم نكتة . هي كالاشكال على القائلين بالتكرّر وهو انه أيّ فرق بين قول المولى صم يوما ثمّ قال في خطاب آخر صم يوما أو صم يوم الخميس ثمّ في خطاب آخر صم يوم الخميس . حيث انّهم اتّفقوا على عدم افادته التكرار . بل حملوا الخطاب الثاني على التأكيد للخطاب الأوّل دون التأسيس كي يجب صوم يومين أو خميسين . وبين ما نحن فيه من القضيّة الشرطيّة حيث قالوا فيهبتعدّد الجزاء لتعدّد الشرط . ولو قالوا الفرق هو ظهور اللفظ في الشرطيّة في العلّيّة والسببيّة لكلّ وجود شرط لجزاء مستقل على نحو الانحلال بخلاف قولنا صم فليس كذلك .

لكن يمكن الاشكال فيه بعدم تماميّته خصوصا بعد عدم انفهام التأكيد بل ظهوره في التأسيس كما انه لا فرق بين قولنا صم يوما أو ان الوطي في موضع الدم

مقتضى القاعدة في تعدّد الشرط

ص: 147

في أوّل الحيض يجب فيه دينار فهل يتكرّر على تقدير التكرار لم لا يقولون في مثل صم يوما .

وإن سلّمنا الفرق بين صم يوما وبين ما نحن فيه من الشرطيّة كما انه ربما يمكن الاشكال في مثل قوله إن جائك زيد فاعط زيدا درهماً ثمّ قال إن جائك زيد فصم يوما وهكذا فهل يترتّب الجزاءات المتعدّدة على شرط واحد أم لا بل يلزم لكلّ جزاء شرط ؟

ملخّص الكلام: في انّ تكرّر الشرط سواء كان من جنس واحد أو أجناس مختلفة ( فيما يمكن تكرّر الجزاء وتعدّده ) هل يوجب ذلك حسب تعدّده أم لا . بل يؤثّر الجميع واحدا فاذا حصل هناك سبب واحد فلينظر . فاذا لم يلحقه آخر فالسبب هو وحده واذ لحقه يستند المعلول والمسبّب إلى المجموع من حيث المجموع لا إلى الجامع بينها ولا إلى السبب المتقدّم في الوجود وهو معنى التداخل في الأسباب .

وقد عرفت انّ مع عدم الظفر على دليل اجتهادي على التداخل وعدمه وعدم قيام دليل عليه يرجع إلى الأصل العملي . وهو في المورد البرائة كما تقدم ومع الفراغ عن عدم التداخل في الأسباب واقتضاء كلّ سبب وشرط جزاءً واحدا مستقلاً .يقع الكلام في المقام الثاني وهو التداخل في المسبّبات كما إذا كان عليه حقوق متعدّدة وحصل في حقّه أسباب الغسل من الجنابة والجمعة وغيرهما فهل يجتزي بواحد أم لا كما وردت الرواية ( بأنّه أجزأها عنك غسل واحد )(1) سواءً

ص: 148


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 43/1 من أبواب الجنابة .

قلنا باحتياج الوقوع عن المجموع إلى النيّة أو لا بل يقع قهرا كما ربما مال إليه في العروة(1) .

ولا يخفى انّ البحث عن تداخل الأسباب وعدمه وان كلّ سبب يقتضي جزاءً واحدا إنّما هو بعد الفراغ عن عدم الاشكال في ورود الشرطين لجزاء واحد وعدم وصول النوبة إلى العلم الإجمالي بورود التقييد على اطلاق الواو أو او في القضيتين واقتضاء ذلك عدم ترتب الجزاء إلاّ بعد حصول كلا الشرطين دون أحدهما فقط .

وإن الحق في مثل ما إذا ورد « إذا قُمتُم إلى الصلاةِ فاغسِلُوا وُجوهَكُمْ »(2) الخ وكذا ورد وجوب الوضوء(3) في ما خرج عن السبيلين . فالجمع العرفي بينهما هو تقييد اطلاق أو دون الواو لعدم انطباق تقييد اطلاق الواو في أذهانهم .

وحينئذٍ فيكون السبب متعدّدا لا أنّهما معا سبب واحد ويبقى مورد للبحث عن تعدّد الجزاء بتعدّد السبب .

وأمّا إذا قلنا بتقييد اطلاق الواو فلا مورد لهذا النزاع أصلاً لعدم الصغرى لتعدّد السبب والشرط ( لكن لا يخفى إذا كانت من أجناس متعدّدة دون الجنسالواحد كما إذا بال ثمّ بال وهكذا ) فضلاً عن التداخل في المسبّبات .

ثمّ انّه نسب القول بالتداخل في الأسباب الذي هو المقام الأوّل إلى فخر المحقّقين وإن قال به غيره . واستدلّ على ذلك بكون هذه الأسباب من قبيل الحكمة لجعل التشريع وكما انه ربما يحصل في مورد الحكم ملاك واحد وربما

نسب القول بالتداخل إلى الفخر

ص: 149


1- . العروة الوثقى: فصل مستحبات غسل الجنابة مسئلة 15 .
2- . سورة المائدة الآية 7 .
3- . وسائل الشيعة 1 الباب 2 / 1 الى 5 من أبواب نواقض الوضوء واللفظ من طرفيك أو طرفيك الأسفلين .

يتعدّد كذلك في مورد البحث تكون الأسباب المتعدّدة من هذا القبيل فقد يكون سبب واحد وقد يتعدّد الأسباب لكن لا يتعدّد المسبّب لذلك لعدم كونها موضوعات بل إنّما هي حكم وملاكات كما في مثل غسل الجمعة حيث ورد(1) انه لرفع ارياح الآباط أو تشريع العدة لحكمة عدم اختلاط الأنساب لكنّك خبير بعدم انضباط هذا الكلام كما ان الملاكات لا تنحصر في ما ذكر لنا أو عثرنا عليها .

لان ذلك إنّما حسب ما وسعه عقولنا والا فلا يدري ملاكاتها الا علاّم الغيوب .

وما جمعه الصدوق قدس سره في علله لا يزيد على ما بيّنوه علیهم السلام حسب توسعة العقول البشريّة وإلاّ فلا اشكال في عدم اطراد المذكور وانعكاسه كما في رفع ارياح الآباط . فيقال باستحباب غسل الجمعة حتّى لمن لا رياح له ونظّف يوم الخميس مثلاً بل إنّما هي اُمور تعبّديّة .

وما أحسن ما قال في القوانين في الفرق بين التعبّدي والتوصّلي بقوله: ( إذ لا يعلم انحصار الملاك فيه ) .

وزاد غير الفخر على هذا الدليل بظهور الجزاء في صرف الوجود ولا اشكال في عدم امكان التكرّر في صرف الوجود فالتداخل في ناحية الأسباب إنّما هو على وفق القاعدة لكون المطلوب في مثل ( إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا الآية )وكذا في مثال النوم ممّا وجب لأجله الوضوء هو صرف الوجود فلا معنى للتكرّر

وهو كماترى مغالطة واضحة .

توضيح وتكميل: قد عرفت ان القائلين بالتداخل وعدم تكرّر المسبّب

ص: 150


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 6/15 من أبواب الأغسال المسنونة .

بتكرّر السبب استدلّوا بوجهين:

أحدهما ما ذكرنا عن الفخر من كون النزاع مبتنيا على كون الأسباب الشرعيّة مؤثّرات وملاكات وجعلها من قبيل الملاكات فلذا لا معنى لتكرّر المسبب بتكرر السبب بل يكون لكلّ دلالة على وجود المسبب والحكم . اما تكرّره فلا وبعبارة اخرى لا يكون الشرط في القضيّة الشرطيّة علّة للمجعول أي الحكم بل إنّما هو علّة للجعل الذي هو الملاك . فاذا كانت الأسباب علّة للجعل فلا معنى لتكرّر المسبب بتكرّر السبب والشرط بخلاف ما إذا كانت علّة للمجعول فيتكرّر بكلّ علّة وجود المسبب والمجعول ويترتّب عليه وسنشير إلى ضعفه .

الوجه الثاني: حكم العقل بعدم قابليّة صرف الوجود المطلوب في الأمر المجعول جزاءً في القضايا الشرطيّة الواردة عن الشارع للتكرّر حيث ان المادة في مثل اذا بلت فتوضّأ لم توضع الا لخصوص الطبيعة والهيئة لا دلالة لها الا على طلب الطبيعة ولا دلالة لأحدهما على التكرّر ولا على المرّة كما لا دلالة لهما على الفور والتراخي وغيرهما .

فحينئذٍ كما لا يمكن في ما يكون الجزاء غير قابل للتكرّر القول بتكرّره كذلك في ما نحن فيه مما لا مانع من تكرّره خارجا . لدلالة العقل على ذلك لعدم امكان التكرّر في الصرف . وهذا الدليل يمكن أن يقرّر بوجه آخر وهو راجع إلى دلالة اللفظ . وتحريره ان الذي علّق على الشرط ليس هو الطبيعة ومتعلّق الحكم بل إنّما هي طبيعة الحكم وهو الوجوب في مثل ما ذكرنا والوجوب أمر واحد لايمكن فيه التكرّر لاستلزام اجتماع المثلين وهو كاجتماع الضدّين محال . بل لو كان ذلك لكان مؤكّدا وإنّما يؤثّر في أهميّة الحكم وتأكّده وإلاّ فلا يقبل الوجوب

الاستدلال على التداخل

ص: 151

وهو الحكم التعدّد كي يقال بتعدّد المسبب والجزاء .

والجواب إمّا عن الوجه الأوّل من نحوي هذا الاستدلال هو ان حكم العقل وإن كان مقتضاه عدم قابليّة التكرّر كما في ما لا يمكن فيه بحسب ذاته لكن لا يبقى مع حكم العرف بتكرّر الجزاء بتكرّر الشرط موضوع لحكم العقل لكونه بيانا فهو كالورود أو الحكومة بالنسبة إلى حكم العقل . اذ قد عرفت عدم امكان المساعدة على ما ذكره المحقّق النائيني قدس سره في مورد تعدّد الشرط بل يدور الأمر بين أحد التقييدين اما الواو أو او بل قد ذكرنا ان تقييد اطلاق الواو لا ينساق إلى الأذهان العرفية فلابدّ من تقييد الانحصار والقول بترتب الجزاء على كلّ واحد من الشرطين وحينئذٍ فهذا البيان والفهم العرفي قرينة على ترتب الجزاء على كلّ الشرطين مع حفظ الاستقلال في مؤثريّة كلّ منهما وحفظ ظهورهما في كون كلّ تمام الموضوع .

وأمّا الجواب عن التقرير الثاني فاستراح المحقّق النائيني

قدس سره عنه بعدم تصويره المعنى الحرفي حيث ذهب إلى كونه غير قابل للتصوّر بل المتصوّر إنّما هي المعاني الاسميّة والمعنى الحرفي ايجادي لا كالانشائيّات . وهو بالنسبة إلى المعنى الاسمي كالعرض بالنسبة إلى المحل مع الفرق في امكان تعقل العرض دون المعاني الحرفيّة فهي لا تقبل التصور ومعه لا يمكن لحاظها كي تتقيد بالشرط ونحوه فلا يمكن كونها معلّقة على الشروط في القضايا الشرطيّة وليس الوجه في ذلك جزئيّتها والمعنى الجزئي لا يقبل التقييد بل النزاع في كليتها وجزئيتها هو النزاع المعروف في الكلي الطبيعي من وجوده في الخارج استقلالاً أو في ضمن الفرد وان التشخص يتعلّق بالطبيعة ثم توجد أو بالعكس . أو ليس الموجود في

ص: 152

الخارج الا الأفراد والكلي أمر انتزاعي . وجعل المعلّق على الشرط ما عرفته سابقا من نحو الاكرام الواجب أو وجوب الاكرام وهو قابل للتعدّد ومختلف بحسب الموارد وليس أمرا واحدا . ففي القضايا الشرطيّة التي هي مورد البحث يكون المعلّق وجوب الوضوء أو الوضوء الواجب وهو المتعلّق الخارجي ويقبل التكرار حسب ما عرفت في جواب أوّل الوجهين .

لكنك عرفت قريبا عدم مساعدتنا له في مختاره في المعاني الحرفيّة وقلنا ان مفاد الهيئة في صيغة الأمر هو الطلب في تمام الموارد . غاية الأمر تختلف الدواعي للطلب فاذا كان هو الجد ينتزع منه الوجوب ومعناه تبع لمعنى الاسم ونسبته إليه نسبة العرض إلى محلّه فليس هذا الجواب بمرضى عندنا .

لكن الجواب هو تسلم انحلال الأحكام حسب انحلال موضوعاتها الخارجيّة في مورد الجنس الواحد أو الأجناس المختلفة فكما ان قوله لا تشرب الخمر ينحلّ إلى تكاليف متعدّدة حسب التعدد وانحلال الأفراد الخارجيّة من الخمر ولذا إذا شككنا في الموضوع الخارجي انه خمر أو لا تجري البرائة لرجوعه إلى الشكّ في التكليف باتّفاق الاصوليّين والاخباريّين وكما انه كلّما وجد هناك بالغ عاقل توجبون عليه الصلاة أو تقولون بوجوب الحج عليه اذا استطاع ولا تكتفون أن يحج واحد أو يصلي بصلاته وحجّه عن الباقين بل تقولون بالانحلال كذلك الأمر والمناط في مورد الاسباب والشروط لابد من الانحلال لتعدّد الموضوع حيث ان الموضوع للحكم أمران حسب ما استفيد من القضيتين الشرطيتين فيترتب على كلّ منهما الجزاء بلا ارتباط واكتفاء له وعنه بالاخر بلا فرق في ذلك بين وحدة الجنس والتكرر أو اختلاف الجنس والسبب والشرطلاتّحاد المناط في الجميع بالانحلال فما ذكرتم واعتمدتم عليه فيه ما ذكرنا .

انحلال الأحكام حسب انحلال موضوعاتها

ص: 153

مضافا إلى عدم اقتضاء هذا الكلام للتداخل في جميع الأقسام . بل يمكن على فرض التسليم سلامته في مثل اتّحاد الجنس . ومع ذلك ففيه ما عرفت على انه كما لا يمكن القول بالتعدّد والتكرّر لا مرجح للتداخل بل لا يمكنكم اثبات مدعاكم أيضا .

وأمّا ابتناء التداخل على القول بكون الأسباب الشرعيّة ملاكات أو مؤثرات فالقائل به لابدّ أن ينكر دلالة القضيّة الشرطيّة على العلاقة اللزوميّة . بل يقول هو

مجرّد الاتّفاق في الوجود وإلاّ فلا يتم كلامه وسيجيء مزيد توضيح إن شاء اللّه .

بيان آخر: قد عرفت ان مثل الفخر

قدس سره بنى مسئلة التداخل في الأسباب الشرطيّة وعدمه على كونها معرفة لا مؤثرة . بمعنى كونها من قبيل الملاكات لا الموضوعات حيث ان الملاك ليس علة للمجعول بل هو علّة للجعل فلا يلزم اطراده وانعكاسه بخلاف الموضوع وهو علّة المجعول فحينئذٍ لا يتداخل الأسباب بل يكون كلّ سبب وحده مؤثّرا كما ان الأسباب الآخر أيضا كذلك يتعدّد المسبّب بتعدّدها . وهذا كما في مسئلة كون الحكم منصوص العلّة لامستنبطها الذي يصطلح عليه بتنقيح المناط حيث انه لو كان من باب تنقيح المناط فلا يلزم التعدّي من مورده بخلاف منصوص العلّة . لجعل الحكم على ما هو الموضوع فيتعدى منه إلى غيره . مثال ذلك ما ورد في بعض الأخبار المعتبرة الواردة في الاستنجاء عن الغائط تعليلاً لعدم نجاسة مائه وتعدى عنه إلى ماء غسل البول لعدم انفكاكهما غالبا فالظاهر ارادتهما معا بقوله علیه السلام (1): ( أتدري لم صار لا بأس ؟ قال: قلت: ( لاواللّه ) فقال علیه السلام لأنّ الماء ( ان الماء ) أكثر من القذر فانه لو قلنا بكون لأنّ في حكم

التعدّي عن المورد لو كان هناك كبرى

ص: 154


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 13/2 من أبواب الماء المضاف والمستعمل .

فانّ يفيد كبرى كليّة باعثا للتعدّي في كلّ مورد تنطبق هذه الكبرى عليه ولم نقل كما عن بعضهم من كون لان راجعا إلى المفرد ويكون مثل اكرم زيدا لعلمه فيما اذا قال أكرم زيدا لأنّه عالم فلا يفيد المناط والكليّة بل قلنا لا فرق بينهما في افادة الكبرى فيتعارض حينئذٍ هذا الحكم مع ما تقدّم في بعض المباحث القريبة من اختصاص انفعال الماء القليل بما اذا لم يكن متّصلاً بالمادّة حسب الجمع بين الاخبار .

إذ ماء الاستنجاء كالمورد فلا بأس بالتعدّي عنه إلى كلّ مورد يكون الماء أكثر من النجاسة ولو لم يكن كرا . وإذا تعارضا فنأخذ بعموم قوله علیه السلام خلق اللّه الماء طهورا لا ينجسه شيء الخ(1) فينحصر نجاسة الماء بصورة التغير بالنجس .

الا ان الجواب عنه انه ليس علّة للمجعول . بل إنّما ذكر لبيان حكمه الجعل وملاكه وليس موضوعا يتعدى عنه إلى غيره .

والحاصل ان المحقّق النائيني أجاب عن ابتناء المسئلة على مؤثريّة الأسباب أو معرفيتها بعدم صحّة تعلّق الجعل بالأسباب حيث تكرّر منّا القول بعدم كون السببيّة قابلة للجعل وليس إلاّ الموضوع والحكم وتسمية الموضوع سببا ليس بصحيح حتى مجازيّا .

نعم يمكن اطلاق المؤثريّة على موضوعات الأحكام بمعنى انها كالعلّة بالنسبة إلى أحكامها في عدم امكان تخلف أحكامها عنها وإلاّ فليست هي مؤثّرة أثرا وباب التأثير والتأثّر لا معنى له في الأحكام الشرعيّة .ولا يكون حكم الشارع وجعله في كلّ مورد عبثا وجزافا ولابدّ له من

مناقشة أدلّة التداخل

ص: 155


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/9 من أبواب الماء المطلق .

مصلحة اقتضت الجعل على طبقها لعدم نقض ( الحكمة ) حيث انها تقتضى اعطاء كلّ شيء ما يقبله ويتحمله حتى الكافر والشيطان فيخلقهما اللّه تعالى لما فيه من المصالح التي لا يحصيها إلاّ هو وحينئذٍ فلا معنى لهذا النزاع بل التحقيق كما قد مرّ سابقا ان باب موضوعات الأحكام التي لم تبين بنحو القضيّة الشرطيّة أيضا راجعة إليها . غاية الأمر ان شروطها ضمنيّة كما ان كلّ شرط يرجع إلى الموضوع وكلّ موضوع إلى الشرط والقول بكون وجوب الحج على زيد مثلاً للاستطاعة وتحقّق الملاك بل إنّما يجب على المستطيع فالاستطاعة تكون دخيلة في تحقّق الموضوع لا في تحقّق الخطاب .

فكما لا يمكننا القول في موضوعات الأحكام بعدم ترتب الحكم على كلّ موضوع . بل لابدّ من انحلال الأحكام حسب انحلال الموضوعات كذلك في القضايا الشرطيّة بلا فرق بينهما لما عرفت ولذلك قلنا انه اتّفق الأصحاب على اجراء البرائة في الشبهات الموضوعيّة ولو لا هذا الانحلال لما كان لذلك وجه .

نعم إلاّ أن يفرق بين ما لم يرد بلسان الشرطيّة فيقال بالانحلال . وما ورد به فلا انحلال فالنزاع انّما هو صغروي وان مفاد القضايا الشرطيّة ليس راجعا إلى الموضوع . وهذا أيضا فاسد كما ذكرنا فحينئذٍ لا وجه للتوقّف في تكرّر المسبّب بتكرّر السبب والشرط .

فظهر بما ذكرنا ان أدلّتهم مدخولة وانها ترجع إلى ثلاثة امور:

أحدها: مسئلة كون الأسباب الشرعيّة معرفة أو مؤثرة وقد عرفت ما فيه مفصّلاً .

والثاني والثالث: استحالة تعدّد صرف الوجود وتكرره واستحالة اجتماع

ص: 156

الحكمين المثلين على الوجوب الذي علق على الشرط في القضايا الشرطيّة وهناك رابع وهو كون مفاد الهيئة هي المرة فلا يقبل التعدّد وقد عرفت ما في كلّ ذلك مفصّلاً فلا وجه للاعادة . كما عرفت ان محلّ الكلام في هذا النزاع انما هو ما يقبل التكرّر من أنحاء الجزاء ولو بالاستناد إلى سبب دون سبب . والا ففي مثل القتل حدا للارتداد والزنا وغير ذلك من الحدود الالهيّة فلا يقبل التكرّر ولو بالاستناد إلى السبب فلا يفيد تكرّر السبب فيه إلاّ التأكّد . اما فيما اذا يقبل التكرر من ناحية الاستناد كما اذا قتل أشخاصا متعدّدين فيمكن لورثة بعض المقتولين العفو أو الصلح بالدية دون الاخر فالقصاص . فهنا يتكرّر بهذا الحيث ويمكن كون الوضوء وعدم تكرره بتكرر الشرط من قبيل ما لا يقبل التعدد اصلاً اذا قلنا ان الموجب ليس الا حصول حالة ظلمانية نفسانية عقيب الحدث الأصغر ترتفع بالوضوء كما انّها تحصل بأي نوع من الحدث . فحينئذٍ لا معنى للتكرر لرجوعه إلى تحصيل الحاصل كما ان الأحداث اللاحقة لا يمكن كونها مؤثرة في شيء ( ولذلك لا معنى لمعارضة أصل عدم البول لأصل عدم الجناية في ما اذا شك في مورد انه بول أو مني في بعض صور الاشتباه لعدم أثر للبول مع الجناية فعدم الجناية مقدم لترتب الأثر على البول والا فلا اثر للبول مع الجناية والشيء لا يمكن أن يعارض ما هو مقوّمه ) كما انه يمكن كون الوضوء وهو الطهارة ممّا لا يقبل التكرّر ولو بحسب المراتب . فحينئذٍ اذا توضّأ وضوءا واحدا فقد ارتفع الحدث ولا يقبل التكرر والترتب لكن في الوضوء ربما لا يخلو عن اشكال . كما ان التيمم يمكن كونه مؤثّرا في مرتبة من رفع حدث الجنابة ولذا يجوز معه الدخول في الصلاة . الا انه يشكل ان اللازم على هذا عدم وجوب تمام الغسل بل الباقي من مراتب

مقتضى الأصل اللفظي

ص: 157

الطهارة .

لكنه يندفع بتصوير الطهارة الموقتة كما في الملكية الموقتة المتصورة في مثل الوقف الخاص وكل طبقة انما تتلقى الملك في زمن حياته مثلاً من الواقف وبعدهم يرجع إلى الطبقة اللاحقة فكذا في ما نحن فيه .

وعلى كلّ حال فلا وجه للاباحة المحضة لكون التيمّم يؤثر ولو في مرتبة ولذا يجوز معه الدخول في الصلاة .

امّا مسئلة تداخل الأغسال فهي راجعة إلى تداخل المسببات وهي أيضا على خلاف الأصل والقاعدة لاقتضاء كلّ سبب مسببا فالواجب هي أغسال متعدّدة بتعدّد أسبابها كالجنابة والحيض والنفاس ومسّ الميّت والجمعة . نعم إنّما وردت الرواية بالاجتزاء بعمل واحد لقوله علیه السلام ( فإذا اجتمعت عليك حقوق أجزأها عنك غسل واحد )(1) على تفاصيل في ذلك من حيث احتياج الوقوع عن المجموع بنيّة الجميع أو بنيّة الجنابة إن كانت فيها أو لا يحتاج .

نتيجة الأبحاث: قد عرفت ان الأصل اللفظي في الأسباب حسب ما تقدّم عدم التداخل كما ان مقتضى القاعدة عدم التداخل في المسببات وعدم الاكتفاء بأقل من العدد الواجب عنه الا أن يقوم دليل خاص في المقامات الخاصّة على التداخل والكفاية .

فمنها: ما أشرنا إليه من مسئلة تداخل الأغسال حسب ما ورد في بعض الروايات من كفاية غسل واحد للجنابة والجمعة بقوله علیه السلام ( إذا اغتسلت بعد طلوع

ص: 158


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 43/1 - 2 من أبواب الجنابة .

الفجر أجزئك غسلك ذلك للجنابة والجمعة وعرفة الخ )(1) وكذا ما ورد منقوله

علیه السلام ( اذا اغتسل الجنب بعد طلوع الفجر أجزء عنه ذلك الغسل عن كلّ غسل يلزمه في ذلك اليوم )(2) واستفادوا من الاولى لزوم اللحاظ والنيّة لهما ( الجمعة والجنابة ) الا ان الظاهر عدم الاحتياج إلى ذلك كما يدلّ عليه الثانية لاطلاقها في كفاية الغسل الذي يغتسله بعد طلوع الفجر عن كلّ غسل واجب أو مستحب ولو لم ينوه أو لم يعلم به ولم يكن ملتفتا إليه وأفتى بذلك جمع من الأصحاب .

وورد في بعض الروايات(3) عدم لزوم قضاء صيام شهر رمضان بالنسبة إلى الأيّام التي صامها بعد اغتساله للجمعة فيما اذا كان جنبا ولم يكن يدري به . وحينئذٍ فالجناية بتعمّدها أو بوجودها الواقعي ربما تكون من المفطرات في باب الصوم والتفصيل في محله .

وكيف كان فقد قال بذلك بعض الأصحاب مطلقا حتى لو لم ينو الجميع أو لم ينو الجنابة ولو كان الغسل الذي نواه مستحبا جمعة أو غيره . وعلى كلّ حال فلا اشكال في ذلك في الجملة . انما الاشكال في المسئلة الاصوليّة وانه هل تكون من باب تداخل الأسباب كأسباب الوضوء وليس من باب تداخل المسببات . بل اللازم هو غسل واحد والمؤثر انما هو السبب الأول . أو ان الاجزاء هنا اشارة إلى الاكتفاء بهذا الواحد عن المتعدد ويكون عفوا كما في مورد قاعدة الفراغ حيث يكون ترخيصا وقناعة في مقام الامتثال ولكنه لا يجامع الطلب في صورة انكشاف الخلاف .

الكلام في المسئلة الاُصوليّة

ص: 159


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 43/1 - 2 من أبواب الجنابة .
2- . وسائل الشيعة 2 الباب 43/1 - 2 من أبواب الجنابة .
3- . وسائل الشيعة 10 الباب 30/2 من أبواب يصحّ منه الصوم .

نعم يمكن كونه بدلاً ظاهريّا ماداميا في صورة بقاء الشكّ ودائميّا فيصورة عدم انكشاف الخلاف أصلاً كما في مثل التيمّم من كونه بدلاً مادام التعذّر لكنه يشكل بعدم كون المقام من قبيل مورد القاعدة لعدم تحقّق الشكّ هنا . بل المقام لليقين . فالظاهر من الاجزاء كونه أقل الواجب أو يحصل به الواجب كما في مثل التسبيحات حيث قال ( أمّا ما يجزيك من الركوع تقول فثلاث تسبيحات تقول سبحان اللّه سبحان اللّه سبحان اللّه ثلاثاً )(1) وكما في مثل ما ورد في الاخيرتين حيث قال في جواب سؤاله بقوله ( ما يجزي من القول في الاخيرتين )(2) ان تقول ( سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلاّ اللّه واللّه أكبر ) وكما في مورد الاقامة وإن كان الاجزاء بمعنى ما يجتزي به عن الوظيفة الاستحبابيّة للاذان .

والحاصل انه لا يكون من باب تداخل المسببات كما انه يمكن كونه من باب تداخل الأسباب . وان كان لتداخل المسببات وجه حيث ان الآثار المختلفة للأغسال المتعددة التي تترتب على كلّ منها حال الانفراد تترتب على هذا الغسل فيشبه تداخل المسببات . لكنه كيف يمكن كون وجود واحد وجودات متعددة أو أغسالاً كذلك مع ان الواجب متعدد بتعدد أسبابه مع انهم يقولون بجواز الاتيان بكل غسل على حدة واتيانها متعددة فيشكل الحكم بتداخل الأسباب اذ على التداخل لا غسل هنا ولا شيء في ذمته كي يكون جائز الاتيان بعد اول غسل أتى به حيث انه على التداخل في باب الأسباب يكون الواجب به هو صرف وجود

ص: 160


1- . وسائل الشيعة 6 الباب 5/3 من أبواب الركوع .
2- . وسائل الشيعة 6 الباب 42/5 من أبواب القرائة في الصلاة .

الحدث والحالة الظلمانية التي يعبر به عنها . فمعه كيف يتعدد الغسل ولو جوازا معان مع غسل الجنابة لا وضوء بخلاف باقي الأغسال . وإن كانت الرواية(1) وردت بأن أيّ وضوء أنقى من الغسل لكنهم لم يعملوا بها وكون المقام من قبيل الواجب الكفائي الذي يسقط بفعل البعض ( فيه ) ان تصوير الواجب الكفائي أيضا غير خال عن الاشكال بأن يكون صرف وجود المكلف به واجبا على الجميع بحيث انهم لو أتوا به دفعة ينطبق على الجميع والا فعلى صرف الوجود كما ان كونه من قبيل العفو لا معنى له وعلى كلّ حال فالمسئلة غير صافية عن شوب الاشكال .

النتيجة: ان مقتضى الأصل اللفظي عدم تداخل الأسباب بل كلّ سبب يقتضي مسببا غير ما اقتضاه الآخر كما انه لا أصل لفظي في مسئلة عدم تداخل المسببات .

نعم مقتضى الأصل العملي عدم التداخل على ما عرفت الا ان يقوم دليل على ما ينتج نتيجة التداخل كما ورد في باب الأغسال على ما سبق ويمكن كون الاجزاء في ذلك راجعا إلى ان حصول البعض مسقط عن الباقي من جهة حصول الغرض واستيفاء الملاك . ولا تداخل في الأسباب بل كلّ سبب يقتضي مسببا خاصّا به غاية الأمر عند الاجتماع يكتفي بالواحد عن الجميع .

والحاصل انه على هذا الاستظهار فظاهر الرواية ان حصول الغسل مجزئ عن كلّ حق في ذمّة المكلّف سواء نواه أم لا وسواء نوى الجنابة بينها أم لا وسواء كانت واجبة كلّها أو مستحبّة أو مختلفة . بل الظاهر هو انه يكتفي بأصل اتيان الغسل ولو بلا نية اضافته إلى سبب مخصوص كالجنابة والمس فيقصد العنوان

تداخل الأسباب في بعض الموارد

ص: 161


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 33/1 - 4 من أبواب الجنابة واللفظ اطهر من الغسل .

الكلي ويكتفي به . لكنه يشكل اولاً برجوعه إلى اتّحاد حقيقة الأغسال مع ان منالواضح اختلاف آثارها المترتبة على كلّ واحد منها كاجزاء غسل الجنابة عن الوضوء بخلاف الباقي وثانيا . ان الآثار المترتبة على الغسل كما في الجمعة من النورانيّة المعنويّة مضافا إلى رفع ارياح الاباط الذي لا يحتاج إلى القصد بل يحصل بمجرد الغسل ولو بدون قصد وساير ما يترتب عليه من كونه طهورا من الجمعة إلى اخرى لا معنى لترتبها على مجرد غسل البدن في الماء كما في ازالة الأخباث بل لابدّ أن يقصد ان يقع هذا العمل غسلاً فالتميز انما هو بالقصد وحينئذٍ فاللازم قصد احديها بالخصوص كي يتعين غسلاً والا فلا يكون غسلاً بلا نيّة كي يكون مجزيا وكافيا ومسقطا عن الباقي على ما هو ظاهر لفظة الاجزاء . وينبغي أن تكون هي الجنابة لكنه يمكن الاشكال في ذلك وفي لزوم تعيين غسل مخصوص منها وكذلك فيما قالوا ان قصد وقوعه كذلك أى مسقطا أو لحاظ ذلك في نيّته عند الغسل .

وكيف كان فلا اشكال في أصل الاجتزاء بالعمل الواحد في الجملة والمسئلة راجعة إلى الفقه والقدر اللازم الراجع إلى الاصول ما ذكرنا . فيمكن بالنظر إلى الدليل الخاص الذهاب إلى تداخل المسببات وفي الحقيقة ليس هناك تداخل بل اسقاط البعض عن الباقي كما قلنا في الوضوء من كون الصرف هو الناقض أو الواجب فاذا حصل فلا معنى للتكرار لعدم قبوله التكرر . فحينئذٍ اذا حصلت النواقض دفعة يكون الأثر مستندا إلى الجامع بينها والا فالى اول وجود منها ويمكن كفايه الوجود الواحد عن التكليف المتعدد أيضا اذا كان مجمعا بين عنوانين أو ازيد كما اذا أوجب اكرام العالم ثمّ أوجب اكرام الهاشمي فباكرام العالم الهاشمي

ص: 162

يمتثل التكليفان خصوصا في الانحلاليين واما في مثل النذر وأمثاله فراجع إلى قصد الناذر(1) . ثم انه ظهر ممّا ذكرنا ان القضية الشرطيّة لها مفهوم ومعناه رفع الحكم عن الموضوع في غير صورة حصول الشرط فاذا قال في الغنم اذا كانت سائمة الزكاة لا يستفاد منه بالمفهوم الا انتفاء وجوب الزكوة في الغنم المعلوفة لا في الابل أو غيره وذلك واضح . هذا تمام الكلام في ما يتعلّق بالقضيّة الشرطيّة .

الكلام في مفهوم الوصف:

وهو تارة يكون معتمدا على الموصوف واخرى غير معتمد . اما الثاني فهو انما يكون عنوان الموضوع ويدور الحكم مداره وجودا وعدما . فاذا قال أكرم العالم فمعناه ان العالم موضوع لوجوب الاكرام وهذا العنوان يكون دخيلاً في تحقّق الحكم وترتبه وعلق عليه الحكم وهذا معنى ما يقال ان الأحكام انما رتبت على الأسماء لا المسمّيات . يراد به دوران الحكم مدار العنوان فاذا تبدل الموضوع بحيث زال عنه العنوان فلا يترتّب عليه الحكم كما في مثل انما الصدقات للفقراء الخ ونقول بكون العنوان مالكا وكل من اعطاه الزكوة ينطبق عليه العنوان ويصير مالكا .

كما في الكلب اذا صار ملحا أو المني صار حيوانا طاهرا وهكذا وهكذا وهذا الوصف بهذا المعنى يكون كاللقب فمعنى اكرم العالم كمعنى اكرم زيدا فكلّما

في مفهوم الوصف

ص: 163


1- . اختار المحقّق العراقي قدس سره وجعل الأقوى من الوجوه الثلاثة هو الأوسط بعد لزوم التصرّف في الجزاء بالحمل على التعدّد والوجوه الثلاثة التفصيل بين قبل الامتثال بالتداخل وبعده بالعدم ولزوم التصرّف في المتعلّق والحمل على وجود فوجود حسب تعدّد الشروط ولازمه عدم التداخل مطلقاً أو لزوم التعدّد في ناحية متعلّق المتعلّق والواجب في مثل ان جاء زيد يجب اكرام العالم وإن جاء عمرو يجب اكرام العالم اكرام العالمين. نهاية الأفكار 1 - 2/487.

نقول في القضيّة اللقبية من عدم المفهوم على ما سيجيء نقول به في هذا القسم من الوصف .

وأمّا القسم الأوّل وهو المعتمد على الموصوف . فقد يقال بدلالته على المفهوم لكونه احترازيّا ومعناه ان الموضوع المنحصر لترتّب الحكم عليه هو هذا الذي فيه الوصف وكما ان انتفاء الحكم عن غير الموضوع مسلم في القضيّة اللقبيّة كذلك في الوصف الذي لا يكون معتمدا على الموصوف ) ويمكن تقريب جميع ما ذكرنا في القضيّة الشرطيّة في أخذ المفهوم فيه حيث ان ذكر هذا الوصف لدخله في ترتب الحكم على الموضوع فلا يكون فاقد الوصف موضوعا للحكم ويكون منتفيا عنه فاذا رتب الحكم في قوله ( قلد المجتهد العادل ) فالحكم فيه بعينه هو الحكم في مثل أكرم زيدا اذا كان عالما . فالموضوع في كلتا حالتي وجود العلم والجهل وعدم العلم محفوظ رتب عليه الحكم في فرض وجود العلم وانتفى عنه في فرض عدمه . وكذلك قلد المجتهد العادل رتب الحكم على وجود المجتهد في فرض عدالته وانتفى عنه في فرض عدمها وهكذا . بل لا اشكال في ثبوت المفهوم في مثل الحدود التي تذكر في مقام التعريف أو في الكتب العلميّة وكذلك في الأقارير والوصايا والأوقاف وأمثالها وان كان لأجل خصوصيّات المقام فليس انتفاء المفهوم للوصف لو ثبت في الأصول يؤخذ به في الفقه مطلقاً بل لابدّ من ملاحظة قرائن الأحوال والأدلّة كما أشار إلى ذلك الوحيد البهبهاني قدس سره في بعض فوائده وقل مورد لا يكون للوصف مفهوم في لسان الأدلّة بل اعترف سيّدنا الاستاذ قدس سره بعدم العثور فعلاً على مثال لما إذا رتب الحكم على الموضوع المتّصف بصفة وكذلك كان مترتّبا على فاقد هذا الوصف .

ص: 164

ثم انه لا يخفى ان المفهوم في الوصف لو كان فلابدّ في مثل ما اذا كان الوصف مشعرا بالعليّة من كونه علّة منحصرة وما ربما يستفاد من كلام المحقّق النائيني من عدم اعتبار الانحصار مجمل يفسره ما ذكرناه سابقا في القضيّةالشرطيّة من لزوم استفادة الانحصار في الموضوع للحكم المترتب عليه .

وأجاب المحقّق النائيني(1) في المقام عن هذا الاشكال بعدم رجوع التقييد إلى ناحية الحكم بل انما جيء بالوصف لبيان عدم ترتب هذا الحكم على مطلقه الذي لا يكون متّصفا بهذا الوصف ويكون حكمه حكم الموضوع حيث ان انتفاء وجوب الاكرام عن غير زيد عقلي من باب اناطة الحكم بزيد وجعله موضوعا وكذلك في ما اذا قيده أي الموصوف بوصف فهو لبيان تحديد موضوع الحكم وواضح ان انتفاء الحكم عن فاقد الوصف لا ربط له بمسئلة المفهوم . فان المفهوم هو انتفاء سنخ الحكم عن غير هذا الموضوع بحيث اذا وجد ترتب الحكم على غيره يكون معارضة بين المنطوقين لا المفهوم والمنطوق كما تقدم اليه الاشارة . وهذا بخلاف الوصف المتّكي على الموصوف فانه انما يستفاد منه عدم موضوعيّة فاقده لهذا الحكم في هذه القضيّة . وأمّا انتفائه رأسا فلا ولذلك لو ورد في مورد ترتب الحكم على مطلقه دون المتصف بالوصف فلا يعارض دليل المقيد كما اذا قال في بيان كفارة حنث اليمين بأنّها اطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فجعل لكلّ من هذه الثلاث عدلاً ولم يطلق الكلام . ومرجع هذا الكلام إلى كون المفهوم إنّما هو بالنسبة إلى جعل البدل وعدم انحصار الموضوع في هذا الموصوف المتّصف بالوصف لامكان جعل العدل له ولا ينافي ثبوت الحكم

ص: 165


1- . فوائد الأصول 1/501 - 502 .

للموصوف ولا يدلّ الوصف على انتفاء هذا الحكم عن غيره بالنسبة إلى عدم هذا الوصف . فلا يمكن نفي المفهوم حيث انه عقلي ضرورة عدم مناسبة دخل الايمان في الرقبة المؤمنة في مقام الكفّارة وكذلك عدم دخله بل يستحيل نيابة الكفر مقام هذاالوصف واما غير هذه الصفة من ساير الصفات الذي لا ينافي هذا الوصف فلا بأس بقيامه مقامه في كونه موضوعا للحكم وما ذكر في بعض المقامات من عدم المفهوم حتى بالنسبة إلى هذه الجهة فهو خلط بين المقامين وعدم الفرق بينهما .

بيان آخر: ذكر المحقّق النائيني(1) وغيره قدّس اللّه أسرارهم ان الوصف لا ينافي احترازيّته لعدم المفهوم حيث انه يكفي في ذلك انتفاء شخص هذا الحكم بانتفاء هذا الوصف لعدم تماميّة الموضوع . وذهبوا إلى ان القيد في ما اذا كان في القضيّة الشرطيّة وجعل الموضوع مركبا من أمرين أو امور فانه بانتفاء كلّ واحد من القيود ينتفي الحكم وكما في مثل ما اذا جعل زيدا موضوعا للاكرام فانه ينتفي الاكرام عن غيره عقلاً .

والحاصل ان المفهوم عبارة عن انحصار سنخ هذا الحكم بصورة وجود

الوصف في الموضوع ولا يقوم مقامه شيء آخر . فاذا كان كذلك بأن انحصر الحكم بخصوص مورد الوصف فيكون حينئذٍ للوصف مفهوم وهو انتفائه مع وجود الموضوع عن فاقده . والا فاذا لم يكن كذلك بل كان من قبيل انتفاء شخص هذا الحكم فلا يكون من المفهوم في شيء . فحينئذٍ نقول ان قولنا أكرم العالم العادل ليس في تعليق الحكم عليه الا مثل قولنا أكرم زيدا وكما ان ثبوت الاكرام لغير زيد وهو عمرو لا ينافي ثبوته لزيد فكذلك في مثل أكرم العالم العادل اذا جعل غير

ص: 166


1- . فوائد الأصول 1/503 .

العادل أيضا موضوعا للحكم وأوجب الاكرام له وقال أكرم العالم ( الصانع ) مثلاً اذ لا مفهوم للقضيّة الوصفيّة بل غايته السكوت عن غير مورد الوصف وهذا معنى ما يقال ان اثبات الشيء لا ينفي ما عداه . وعرفت ان انتفاء شخص هذا الحكم عنغير مورد موضوعه عقلي بلا فرق في ذلك بين القضايا التي ادّعى لها المفهوم أو لا حتى ان القضية اللقبية أيضا كذلك . فينتفي حكمها بانتفاء موضوعها فلا يمكن أكرم زيدا سواء كان زيد أو لم يكن وحيث لم يمكن التقييد فيمتنع الاطلاق وانتفاء الحكم بانتفاء موضوعه عقلي .

ان قلت: هذا إنّما يتمّ على تقدير رجوع القيد إلى الموضوع فلم لا يرجع إلى الحكم ويكون كالقضيّة الشرطيّة التي قلتم بثبوت المفهوم لها .

قلنا: الفرق بين ما نحن فيه والقضيّة الشرطيّة في كمال الوضوح فان المنشأ هناك وهو معنى النسبة على قولنا والاكرام الواجب على مذهب المحقّق النائيني كان معلّقا على الشرط ومقتضى هذا اطلاق الواو ونفي العدل انحصار الموضوع بخصوص صورة وجود الشرط على الموضوع بخلاف ما نحن فيه فانه لم يعلق الحكم على الوصف بل لوحظ الموصوف ووصفه ثمّ رتّب عليه الحكم ولا تعليق ولا تقييد الا التعليق العقلي الذي يكون في كلّ مورد لعدم معقوليّة بقاء الحكم بلا موضوع . فالموضوع لوحظ مقيدا بالوصف ورتب عليه الحكم لا في رتبة الحكم كي يكون من قبيل القضيّة الشرطيّة . فقوله يجب اكرام العادل العالم أو أكرم العالم العادل لا يكون معناه إلاّ ما قلنا من كون ذلك هو تمام الموضوع . وبانتفاء قيد العدالة لا يكون الموضوع موجودا محققا بخلافه في القضيّة الشرطيّة . فان زيدا في الحالين زيد لكن في أحداهما انتفى شرط تعلّق الحكم به وهو المجيء وفي

ما إذا للموصف مفهوم

ص: 167

الحال الاخرى يكون محقّقا فلذا يكون واجبا وليس كذلك أكرم العادل العالم فانه مع انتفاء العلم لا موضوع فلا حكم لما ذكر من استحالة وجود الحكم بلا موضوع أو تخلفه عن الحكم ووجوده بلا موضوع . وقلنا ان الترتب بينهما هو الطبيعي وإنّما ينتزع عنوان الموضوعيّة للموضوع في ظرف ترتب الحكم عليه والمفروض انهلوحظ مقيدا .

نعم يمكن دعوى المفهوم في مثل قولنا الرقبة المؤمنة اعتق لامكان رجوع قيد الايمان إلى الحكم دون قولنا أكرم الرجل العالم لعدم ظهور القضيّة في ذلك بل في لحاظ الوصف جزءا للموضوع فلا وجه لقياس المقام بالقضيّة الشرطيّة .

والحاصل ان التعليق في رتبة الانتساب في القضيّة الشرطيّة أوجب تحقّق المفهوم مع اطلاق عدم الجزء للموضوع والعدل ولم يجعل الحكم اولاً كي ينسخه ثانيا وفي مورد الكلام جعل الحكم على الموضوع المقيد بهذا القيد والاناطة هنا عقلي وهناك شرعي فراجع .

ان قلت: لا محيص من القول بالمفهوم ولذلك يحمل المطلق على المقيد في المثبتين اما المتنافيين فلا شبهة في الحمل والجمع .

قلت: الحمل ليس لأجل المفهوم بل لأجل ظهور المقيد في التعيينيّة واطلاق المطلق في التخيير .

والمقيد باقوائيّة ظهوره يكون بيانا للمراد من المطلق .

ولكن هذا الجواب مع أصل حمل المطلق على المقيد انما يجريان في مثل ما اذا كان الحكم وجوبيا لا استحبابيا . والا فلنا ان نقول قوله اكرم العالم لا ينافي قوله اكرم العالم العادل على فرض عدم انفهام الوجوب منه بل انما ذكر لبيان

ص: 168

الفضل كما انه لابدّ مع ذلك كون التكليف صرف الوجود منه مطلوبا واما في الشمولي والانحلالي فلا معنى لذلك على ما يأتي بيانه في محلّه . وأي ربط لهذا بمسئلة المفهوم بل الكلام في المفهوم على ما عرفت يجري على ما اذا فرض ترتب الحكم على فاقد الوصف كان معارضا لواجده ولا يمكن القول بذلك في مورد الوصف أصلاً . افترى المعارضة بين قوله صلّ خلف من تثق بدينه وأمانتهمع قوله صل خلف من تتقى سيفه وسوطه . وعلى فرض وجود المفهوم وانحصار سنخ الحكم بواجد الوصف لابدّ من المعارضة ومع عدم الجمع العرفي يتساقطان على ما عرفت(1) .

تكميل البحث وتوضيحه: قد أشرنا إلى لزوم اجتماع الشرايط في حمل المطلق على المقيد وذلك بأن يكونا حكمين الزاميين مثبتين وإلاّ ففي المتنافيين لا مجال للاشكال . ثم اذا ورد أمر مطلق وأمر مقيد فلابدّ من بقاء الظهور في كلّ منهما في الوجوب والا فيمكن حمل المقيد على الأفضليّة لاقوائيّة ظهور الأمر الاطلاقي في الوجوب من ظهور المقيد في الخصوصيّة فيبقى الأمر على ظاهره في المطلق ويحمل المقيد على بيان الفرد الأفضل . ولا معنى حينئذٍ لحمل المطلق على المقيد . كما ان الحكم لابدّ أن يكون صرف الوجود والا فلو كان مطلق الوجود فلا مجال أيضا للحمل فيكون المقيد والمطلق كلاهما موضوعين للحكم ولا تنافي في ذلك وهذا غير مرتبط بقضيّة المفهوم حيث ان المفهوم لو كان للوصف فلابدّ من المعارضة بين هذا المفهوم وما اذا جعل هذا الحكم على غير

المناقشة في حمل المطلق على المقيد

ص: 169


1- . وتسلم المحقّق العراقي نهاية الأفكار 1 - 2/499 - 500 المفهوم للوصف في بعض الموارد لقرينة خارجيّة لا بنحو الكلية كما أنكر المفهوم استاذنا المدقّق السيّد البجنوردي تغمّده اللّه برحمته . منتهى الاُصول 1/435 وبعده .

مورده وأي ربط له بمسئلة حمل المطلق على المقيد كما ذكرنا .

والحاصل ان الحمل ليس من جهة المفهوم بل لو لم يكن هناك مفهوم أيضا يتحقّق الحمل بشرائطه على ما عرفت .

فظهر بما ذكرنا ان القضيتة الوصفيّة لا مفهوم لوصفها(1) . نعم لو رجع القيدإلى الحكم ومفاد الجملة يمكن ثبوت المفهوم بتقريب ما عرفت في الشرطيّة والا فبرجوعه إلى الموضوع لا معنى للمفهوم كما هو ظاهر الوصف من رجوعه إلى الموضوع . وحينئذٍ فيكون الموضوع مركبا من الوصف والموصوف ويترتب عليه الحكم وبانتفائه بانتفاء وصفه أو عدمهما معا لا معنى للحكم .

ان قلت: فاذا كان كذلك فيكون شرطا ضمنيّا ان لم يكن شرطا صريحا فيكون له المفهوم كالشرطيّة .

قلت: شرطيته انما هي عقلي على ما عرفت حيث ان كلّ قضيّة يرجع إلى الشرطيّة مقدمها يتضمن فرض وجود الموضوع والتالي ترتب الحكم عليه . وهذا وان دلّ على الانتفاء عند الانتفاء لكنه لا ينتج ثبوت المفهوم الذي يتعارض مع الدليل المتكفل لاثبات مثل هذا الحكم على غير هذا الموضوع . بل يكون كالقضية اللقبية اذ هي أيضا مشروطة بوجود موضوعها عقلاً في ترتب الحكم . وأين هذا من المفهوم . بل يمكن انكار المفهوم للشرطيّة أيضا بدعوى عدم انسباق غير الثبوت عند الثبوت منها ولا دلالة لها على الانتفاء عند انتفاء الشرط .

ثمّ انه ربما يشكل ما ذكرنا من عدم المفهوم للوصف بما ثبت في مورد

ص: 170


1- . وركن السيّد الخوئي إلى دلالة أو فائدة أو اشعار بنفي الحكم عن فاقد الوصف . محاضرات في اُصول الفقه 46/278 - 279 .

الأوقاف والوصايا من كونها ذات مفهوم ولا يمكن الوقف ثانيا أو على غير من سماهم أو لغير الموصوف بالأوصاف الكذائيّة وهل هذا الا المفهوم . بل وكذلك في باب الصلاة من انتفاء الأمر بالكل بتعذر جزئها أو شرطها .

لكن الجواب عن ذلك اقتضاء صيغة الوقف والوصيّة حبس المال وتسبيل

المنفعة في الأوّل بحيث اذا زاد أو أوصى أو اوقف ثانيا على غير الموقوف عليهأوّلاً يكون ناسخا للوقف الأوّل بل لا يمكن نفوذه لعدم ثبوت سلطنة له حينئذٍ على وقفه بل يرجع إلى المتولى أو الحاكم الشرعي . وكذلك في مورد انتفاء أمر الكل بانتفاء الجزء والوصف انما ثبت ذلك بدليل خارجي أو غير مناف لعدم المفهوم للوصف كما ان احترازيّة الوصف وان كانت مسلمة لكنها لا ربط لها بمسئلة المفهوم الذي هو عبارة عن انحصار سنخ الحكم على مورد ثبوت ( المنطوق ) حتّى لو ورد موضوع رتب عليه هذا الحكم يكون معارضا . والوصف مع كونه احترازيّا لا يفيد ذلك بل قصر الحكم المترتب على مورده على ذي الوصف وهو ساكت عن الغير . هذا تمام الكلام في الوصف .

الكلام في الغاية:

وقد وقع الكلام في كونها داخلة في المغيي وعدمه كما وقع النزاع في دلالتها على انتفاء الحكم عمّا بعدها وعدمها .

أمّا المقام الأوّل . فالحقّ انه لا وضع في أدواتها كي يستفاد منه دخول الغاية في المغيي كالى وحتّى وموارد الاستعمال واستفادة دخولها وعدمه لقرائن وخاصّة مقامية خارجيّة غير مرتبطة بوضع الكلام . كما ان البحث عن كون الغاية هو نهاية الشيء ونهايته كبدايته وأوله من الشيء لا خارج عنه لا ربط له بالمسئلة الاصوليّة اللفظيّة بل هي مسئلة عقليّة .

ص: 171

وأمّا الثاني(1) فربما يكون الغاية والقيد بحسب ظاهر الكلام راجعا إلى الموضوع فالحكم مطلق ولا دلالة معه على انتفاء الحكم عما بعد الغاية بل لا معنىله حيث لا موضوع .

نعم يمكن النزاع في دلالته على الانحصار وانتفاء حكم ما بعدها عما قبلها أم لا ؟ وأمّا اذا كانت راجعة إلى الحكم وتكون قيدا له فيمكن الدلالة على الانتفاء عما بعدها وانحصارها في المغيي .

وبعبارة اخرى: يمكن كون الغايات التي تكون قيودا في القضايا راجعا إلى الأحكام كما انّه يمكن كونها قيودا للموضوعات والمتعلق فيها وتختلف النتيجة حسب اختلاف المتعلق فاذا كان قوله تعالى: « فاغسِلُوا وُجوهَكُمْ وأيديكُم إلى المَرافِق »(2) غاية للحكم فتكون النتيجة حينئذٍ مخالفة لما اذا كانت غاية للمتعلق وهو الغسل أو الأيدي ويكون حينئذٍ غاية المغسول . كما ان قوله تعالى: « ثُمَّ أَتِمُّوا الصيامَ إلى الليلِ »(3) يمكن رجوع الغاية إلى الصيام الذي هو متعلق المتعلق الذي هو الاتمام وعلى هذا فالحكم وهو وجوب الاتمام مطلق وينتفي بانتفاء موضوعه الذي ينتفي بانتفاء بعض قيوده كما إذا حصل الليل مثلاً ولا موضوع كي يكون الحكم منتفيا أو لا ويقع النزاع فيه . بل الحكم مطلق باق مادام موضوعه باقيا وبانتفائه ينتفي بخلاف ما إذا كان قيدا للحكم وهو الوجوب فينتج

ص: 172


1- . والذي جعله المحقّق العراقي مقتضى التحقيق ان التقييد بالغاية يقتضي انتفاء سنخ الحكم عمّا بعدها بل وعن الغاية وهو الحق وإن كان لتفصيل المحقّق الخراساني بين كونهاقيداً للحكم فلها دلالة على ارتفاع الحكم عند حصولها وكونها قيداً للموضوع فكالوصف ليس لها دلالة مجال . نهاية الأفكار 1 - 2/497 .
2- . سورة المائدة الآية 7 .
3- . سورة البقرة الآية 188 .

هناك صيامات متعددة حسب تعدد الآنات إلى الغروب . وعلى هذا فاذا يميل ( يقصد ) إلى انه يسافر قبل الزوال أو بعده يجب عليه الصيام وكذا الكفّارة بالافطار قبله بخلاف ما إذا كان قيدا للصيام فانّ الكفّارة تكون على خلاف القاعدة . وتختلف النتيجة في جريان الاستصحاب أيضا وانه تارة يكون الزمان واردا على الحكم واخرى يكون الحكم فوق دائرة الزمان على ما بينّاه في بعضتنبيهات الاستصحاب .

ثمّ ان المحقّق النائيني وجماعة آخرين قدّس اللّه أرواحهم جعلوا قوله علیه السلام ( كلّ شيء لك حلال حتّى تعرف انه حرام )(1) أصلاً في المثال لما إذا كان الغاية

غاية للحكم وتنتج الانحصار وكذلك قوله تعالى: « ثُمَّ أَتِمُّوا الصيامَ إلى الليلِ »(2) وفرعوا عليهما باقي الموارد والأمثلة واستظهروا رجوع القيد والغاية في مورد عدم القرينة إلى الحكم .

لكن فيه أوّلاً انه خلاف المتبادر من هذه القضايا في مورد الأمثلة

ويرجعون القيود فيها إلى الموضوع وهو المتعلّق للحكم أو متعلّقه ولا ربط لها بالحكم أصلاً . فلا وجه لدعوى تبادر رجوعها إلى الحكم أصلاً . وهذا في مثل قوله تعالى: « ثُمَّ أَتِمُّوا الصيامَ إلى الليلِ »(3) واضح ولا يكون القيد راجعا إلى وجوب الاتمام وان الوجوب ثابت إلى الليل . بل الظاهر المتبادر رجوعه إلى الصيام ثمّ ورود الحكم عليه . وايجاب الاتمام حينئذٍ يناسب ما ذكرنا بخلاف ما إذا كان قيدا لغير الصيام مضافا إلى ان تسليم الظهور في مثل قوله تعالى: « ثُمَّ

في مفهوم الغاية

ص: 173


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
2- . سورة البقرة الآية 188 .
3- . سورة البقرة الآية 188 .

أَتِمُّوا الصيامَ »(1) وقوله علیه السلام: ( كلّ شيء هو لك حلال )(2) ربما يكون قرينة المقام على فرض التسليم فلا يفيد الكليّة في الباب . ويشهد لما ذكرنا من رجوع القيد إلى غير الحكم انه لو أوجب الجلوس إلى ساعة ثمّ أوجب بعده كذلك لا يكون هناكتنافٍ بين الكلامين . كما انه لو أوجب الصيام إلى الليل بقوله أتمّوا وأوجب بعدهإلى ساعتين مثلاً لا منافاة ولا تناقض ولا تعارض مع ان ثبوت المفهوم لازمه التنافي كما لا يخفى .

وثانيا ربما يكون الأمر في المثال الثاني أوهن من المثال الأوّل لعدم استقامة رجوع القيد فيه إلى الحكم بخلاف المثال الثاني وذلك لعدم صحّة رجوع القيد إلى الحكم بناءً على كون موضوعه ( أي الشيء ) في كلّ شيء لك حلال هو العنوان الاولى للأشياء . اذ بناءً عليه يكون معنى قوله ( كلّ شيء لك حلال ) ان مثل الحنطة والشعير وغيرهما من أعيان الموجودات الخارجيّة لك حلال . وهذه الحليّة ثابتة إلى أن تعلم انه حرام . وغاية الحلية العلم بالحرمة بمعنى ان الحرمة ليست ثابتة الا بالعلم والا فقبله يكون بعنوانه الاولى حلالاً واقعا وهذا معناه دخل العلم بالحرمة في تحقّقه وهو محال ولا يستقيم حمل الكلام عليه .

هذا لو قلنا ان المراد بالحلية الحلية في قبال الحرمة الوضعيّة وان خصصناه بخصوص ما يكون مشروبا ومأكولاً يشمل الشيء خصوص هذه الأشياء فقط بخلاف ما إذا كان المراد من الحلية عدم المنع فيشمل كلّ شيء حتّى أفعال المكلّف كما انه لو كان الشيء بمعنى الواقعة المشكوك حكمها والشيء بالعنوان الثانوي

ص: 174


1- . سورة البقرة الآية 188 .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

الذي تعلّق الشكّ بحكمه . فواضح فساد دعوى رجوع الغاية إلى الحكم . إذ حينئذٍ بعد العلم بالحرمة لا موضوع للمشكوك حكمها والشيء بعنوانه الثانوي كي يغيي حكمه بالغاية العلميّة والمعرفة فلابدّ من رجوع القيد إلى الموضوع . والمعنى كلّ شيء إلى معرفة حرمته حلال والحلية لا غاية لها بل تابعة لموضوعها . ومن المعلوم ان في صورة العلم بالحرمة أو ما يقوم مقامه من العلم التعبّدي لا موضوع فلا حكم .

وهذا الوجه أظهر من الوجه الأوّل بل أصحّ منه وممّا ذهب إليه المحقّقالخراساني

قدس سره (1) من استفادة الأحكام الثلاثة للشيء بعنوانه الاولى وثبوت هذه الحلية إلى العلم بالحرمة الذي استشكلنا فيه وقلنا لا معنى لكون العلم بحكم الشيء بعنوانه الاولى مع جعل الحلية غاية للحلية لعدم الجعل . بل الذي يمكن هو تقييد الحكم بالحلية وجعل الغاية لها إلى حين تنجز الحرمة . وهذا الوجه راجع إلى ما استظهرناه الذي عرفت رجوع القيد معه إلى الموضوع وهو ثاني الثلاثة التي استظهرها المحقّق الخراساني من قوله علیه السلام ( كلّ شيء هو لك حلال )(2) بمعنى ان الواقعة المشكوك حكمها لك حلال . وهذه الحلية مستمرّة إلى حين الحكم بالحرمة . والثالثة حكم مورد الاستصحاب وقد عرفت ضعفه بما ذكرناه فلا وجه لعطف ساير الموارد مثل قوله علیه السلام ( كلّ ماء نظيف حتّى تعلم انّه قذر )(3) عليها بل الظاهر ما ذكرنا بقرينة ما عرفت .

ثمّ اعلم انّ مورد الكلام إنّما هو ما إذا كان المقام قابلاً لرجوع الغاية إلى كلّ

استفادة الأحكام الثلاثة

ص: 175


1- . كفاية الأصول 2/298 - 300 .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
3- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/2 - 5 من أبواب الماء المطلق واللفظ قريب منه .

من الموضوع والحكم والا فيدخل في ما هو خارج عن محل البحث ممّا قامت القرينة الشخصيّة على رجوعها إلى أحدهما ( كما في مثل ما ورد في وقت الظهر والعصر فالغاية للموضوع والوقت فراجع .

فتلخص وظهر ممّا ذكرنا عدم صحّة كون الغاية في قوله علیه السلام ( كلّ شيء هو

لك حلال حتّى تعرف انه حرام )(1) غاية للحكم الاولى للشيء بعنوانه الاولى فلا جرم يكون المراد بالشيء هو المشكوك حكمه وحينئذٍ فلا يمكن جعل الغاية غايةللحكم كي تكون ذات مفهوم وينفي ما بعد الغاية عن حكم ما قبلها ضرورة انّك عرفت ان القضيّة التي تكون ذات مفهوم شرطها عدم سوقها لبيان ما له الدخل عقلاً بل هي ما سيقت لبيان الاناطة الجعليّة كتعليق الحكم على الشرط مع حفظ الموضوع في كلا الحالين وفي مثل قوله ( كلّ شيء هو لك حلال )(2) بناء على كون المراد بالشيء هو المشكوك حكمه لا يمكن كون الغاية للحكم لعدم بقاء الموضوع حينئذٍ بل لابدّ وان يكون غاية للموضوع الذي ينتفي بحصول العلم كما لا يخفى .

وحيث ان هذا المعنى قد صدر من اساطين الفن ويرد عليه هذا الاشكال فيمكن توجيهه بكون المراد ان ما به انحصار الدخل وعنده ينتفي الحكم بالحلية هو العلم ولو كان شيء آخر له عدل لبيّن وحيث انه لم يبين فالاطلاق يقتضي التعيينيّة وان العلم هو الذي يكون غاية لهذا الحكم دون غيره . الا ان هذا التوجيه أيضا لا فائدة فيه . ثم مع قطع النظر عن هذا الاشكال والاستشهاد به ففي مورد يمكن ورود القيد بالحكم والموضوع قد ذكرنا رجوعه إلى الموضوع ( وقد ذكرنا

ص: 176


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

ان الضابط في المفهوم وعدمه كون التقييد في رتبة الانتساب أو راجعاً إلى المعاني الافراديّة فان كان الثاني فلا مفهوم للقيد بخلاف الأول . فالنزاع في المقام صغروي حيث انه برجوعه إلى الموضوع يكون في رتبة المعاني الافراديّة كما اذا رجع إلى المحمول فعليه لا مفهوم له ) .

ثمّ انه بناء على رجوع القيد إلى الحكم أو ظهوره فيه فيتحقق له المفهوم(1) واذا ورد غاية اخرى للمعلّق على تلك الغاية فيتعارضان . فعلى ما ذكرنا لا مانعمن ذلك للجمع العرفي بينهما بتقييد اطلاق أو وابقاء اطلاق الواو في كلّ منهما .

وأمّا على ما ذكره المحقّق النائيني من حصول العلم الاجمالي بين تقييد أحد الاطلاقين فهل يمكن تسريته في المقام بأن يقال بتقييد اطلاق الواو أو او لابد من مراجعة الموارد المختلفة واقتضاء اختلافها ولكن الظاهر هو ما ذكرنا وبيننا عليه بل لا مانع من ورود التقييد كما ورد في قوله ( الأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير هذا أو تقوم به البينة )(2) وكما في الموارد الآخر . غاية الأمركلامنا في التقييد المنفصل وهذا المورد من بيان كلتا الغايتين في كلام واحد .

وكيف كان فلا منافاة بحسب الجمع العرفي الذي ذكرناه فتدبّر جيدا .

الكلام في مفهوم الحصر:

ومن الموارد التي قالوا فيها بالمفهوم هو مفهوم الحصر ولا اشكال في ان الاستثناء من النفي ايجاب ومن الايجاب نفي الا ان المنقول عن شرذمة انكار كون الاّ للاستثناء بل جعلوها بمعنى غير فكلّ مورد يستعمل هذه اللفظة فتفيد

في مفهوم الحصر

ص: 177


1- . كما اختاره في الكفاية .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

عندهم معنى الوصف وتكون قيدا توضيحيّا بدعوى لزوم التناقض في مثل قولنا جائني القوم الا زيدا لو كان للاستثناء لضرورة اثبات المجيء ونفيه بالنسبة إلى زيد وهو تناقض فليس معنى الا الاّ الوصف بأن القوم الجائين غير زيد ولا نفي ولا اثبات للمجيء بالنسبة إلى زيد ولذا يكون الاستثناء من النفي في حكم الوصف كما قال في المسالك في ما لو قال ( ماله على عشرة إلاّ درهما ) بالنصب انه لم يقرّ بشيء ضرورة صيرورة المعنى حينئذٍ ليس على له عشرة مغايرة لدرهم وهكذا يكون في الاستثناء من الاستثناء وان ردّ عليه في الجواهر(1) .تحقيق الكلام: ان المشهور ان الاستثناء بالاّ من النفي ايجاب ومن الايجاب نفي ولازمه خروج المستثنى عن حكم المستثنى منه خلافا لما نقل عن بعضهم فجعل ذلك للصفة والوصف فاذا قال له على عشرة الا درهما فمعناه وصف العشرة بمغايرتها للدرهم وان زعم سيّدنا الاستاذ قدس سره بكونه عبارة عن التسعة والمراد وصف العشرة بكونها غير الدرهم فيكون المقر به تسعة . كما اذا قال في النفي كذلك فلا يكون اقرارا بشيء . وكذلك في مثل قولنا جائني القوم إلا زيدا معناه ان القوم الذين هم غير زيد جاؤوني فيكون التقييد راجعا إلى الموضوع ثمّ بعد ذلك يرد النفي والاثبات على الموضوع المقيد بالقيد ومن المعلوم ان نفي المقيد أو اثباته لا ينافي نفي المطلق أو اثباته .

وبالجملة فيرجع إلى ما ذكرنا من الضابط من انه كلّ ما كان راجعا إلى تقييد الموضوع أو المحمول وقبل رتبة الاسناد فيكون قيدا لهما ولا مفهوم له . كما انه اذا كان التقييد راجعا إلى الحكم وفي رتبة الاسناد فيثبت المفهوم ويحقق هناك كما

ص: 178


1- . جواهر الكلام 35/88 .

سبق ومنشأ ذلك الانكار لمجيء الاّ للاستثناء من الحكم لزوم التناقض على تقدير الاستثناء والاخراج الحكمي حيث ان قولنا جائني القوم الا زيدا متضمن لاثبات القيام لزيد ونفيه وهو تناقض فارجعوا القيد إلى الموضوع والمعنى ما ذكرنا . فلا تناقض حينئذٍ وغفلوا عن ان هذا التناقض جاري في كلّ مورد من التخصيصات والتقييدات خصوصا المنفصلة منها كما في قوله اعتق رقبة مع قوله منفصلاً لا تعتق رقبة كافرة فانه مستلزم لجواز عتق الكافر وعدم جوازه وهذا أيضا تناقض . وأمّا المتّصل وإن كان فيه هذا التناقض أيضا لكنه لا معنى للأخذ بالكلام مادام المتكلممشتغلاً به . فاذا فرغ منه ولواحقه ومتمماته فحينئذٍ يكون الظهور المتحصل هو الحجّة ويؤخذ به . فمرجع ما ذكرنا من التخصيص والتقييد وغيرهما إلى التخصص لبا وانما أتى بالمطلق أو العام ابتداءً لنكتة وهي تعريف المكلف مثلاً كيفيّة اطاعته

للمولى وتوطين نفسه على اطاعة الجميع . لكنه لابدّ من وقوفه إلى حد يبقى معه الحسن الاستعمالي والا فالاستثناءات المتعاقبة اذا وصلت إلى حد استوعبت العام فلا تكون حينئذٍ مخرجة لثبوت التناقض ورجوعه إلى الانكار بعد الاقرار .

وعلى كلّ حال فما هو الجواب في هذه الموارد هو الجواب بعينه في مورد الاستثناء بل فيه بطريق أولى كنظائره من الاخراجات المتّصلة . فان كان ذهابهم إلى ذلك لهذا الوجه فقد عرفت فساده وان كان لمجيء الا صفة كما جائت للاستثناء كما قالوا في مثل قوله تعالى « لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا »(1) ان الا وصفية بمعنى الغير فلا ننكر مجيء الا للوصف الا انه لا يصار إليه الا بقرينة وحينئذٍ فلابدّ من بيان الضابط بينهما ليكون ميزانا لموارد الاستعمال .

الكلام في الاستثناء

ص: 179


1- . سورة الأنبياء الآية 23 .

فنقول: ان الظاهر العرفي والمتفاهم هو الميزان لكون الاّ للاستثناء أو الوصف والظاهر عندهم كونها للاستثناء في أمثال هذه المقامات . كما ان الميزان في الكلام المنفي في مقام الاقرار والاستثناء منه أيضا الظاهر العرفي رجوع الاستثناء إلى الموضوع قبل الاسناد أو إلى الاسناد وعليه يبتني كون قوله ليس له على عشرة إلاّ درهم أو درهما اقرارا بدرهم واحد أو لم يكن اقرارا بل نفيا ولا مفهوم له فانّه إن رجع القيد والاستثناء إلى الموضوع وهو العشرة وتقييدها بكونها غير الدرهم أو اخرج منها درهم ثمّ يرد حرف النفي وينفي فالمعنى انه العشرة التياستثنى منها درهم واحد لم تكن على ولا ينافي نفي هذا المقيد لاثبات شيء آخر كان يكون عليه عشرة أو لم يكن عليه شيء أو كان من غير جنس العشرة بخلاف ما إذا كان الاخراج والاستثناء راجعا إلى الحكم وقيدا له فيكون حينئذٍ مقام المفهوم ويكون المقربه درهما فينفي كون العشرة عليه وأثبت في ضمن هذا النفي انه عليه الدرهم بلا فرق في ذلك بين كون الدرهم منصوبا أو مرفوعا فانّه يجوز الوجهان في الاستثناء في الكلام المنفي . وعليه فالتفصيل الذي ذكره صاحب المسالك ونسبه إلى المشهور من ان في صورة النصب أقرّ بدرهم بخلاف الرفع فلم يقر بشيء أصلاً لا وجه له . وبهذا الذي ذكرنا ردّ عليه صاحب الجواهر(1) من رجوع القيد إلى النفي لا إلى المنفي ( نسب في التقريرات في مورد النفي ان الاقرار بالواحد ان كان الدرهم مرفوعا وانه لم يقر بشيء في ما اذا نصب الدرهم )(2) .

ص: 180


1- . جواهر الكلام 35/88 .
2- . فوائد الأصول 1/506 .

تذنيب:

حكى عن أبي حنيفة مجيء الا للوصف وجعل قوله علیه السلام في موارد لا صلاة إلاّ بفاتحة(1) الكتاب ولا صلاة إلاّ بطهور(2) ومثله لا صلاة لمن لم يقم صليه(3) وكذا لا إله إلاّ اللّه من ذلك وانه في هذه الموارد للوصف نظرا إلى عدم كونها للاستثناء لعدم كون الصلاة منحصرا بالطهور ولا يكون الطهور هي الصلاة فحينئذٍ يكون المعنى لا تكون الاجزاء الصلاتيّة بغير طهور ولا يتحقّق الصلاة التي لايكون لها طهور فمعنى الا معنى الغير الوصفي .

لكن فيه انه لا يلزم من كون الا للاستثناء محذور في هذه الموارد لصحّة المعنى مع كونها للاستثناء اذ المراد نفي الصلاة وتحقّقها بلا طهور فالاجزاء الصلاتيّة لا تكون بلا طهور صلاة بل معه خصوصا بناءً على الصحيحي وان الصلاة عبارة عن التي يسقط معها الامر وقد عرفت في بحث الصحيح والأعم انحصار الصلاة بخصوص الواجدة لجميع الأجزاء والشرايط غير الاضطراري وان الباقي ابدال مسقطات للتكليف لا انها داخلة في المسمى ومن افراده وعلى هذا فلا مانع من كونها استثنائيّة .

نعم لو الجانا عدم استقامة المعنى في مورد مع كونها للاستثناء فلا نضائق في الالتزام بالوصفيّة .

ثمّ انه قد استشكل في الكلمة الطيّبة في افادتها للتوحيد من حيث ان قولنا لا لنفي الجنس وهي من نواسخ

الاشكال في افادة الكلمة الطيّبة

ص: 181


1- . وسائل الشيعة 6 الباب 1/1 - 2 من أبواب القرائة في الصلاة مع تفاوت في اللفظ .
2- . وسائل الشيعة الباب 1/1 من أبواب الوضوء .
3- . وسائل الشيعة 5 الباب 2/1 - 2 من أبواب القيام مع تفاوت في اللفظ يسير .

المبتدأ والخبر كلا وما المشبهتين بليس ترد على المبتدأ والخبر وتكون ناسخة لها في العمل فترفع بعضها المبتدأ وتنصب الخبر وبعضها بالعكس وحينئذٍ فلابدّ من تقدير خبر لها كما في لو لا الغالبية حيث انها ركبت مع لا النافية للجنس وجعلوا الفرق بينها وبين غير الغالبيّة بكون خبر الغالبية واجب الحذف لكونه من أفعال العموم كما قيل في قوله ( لو لا علي علیه السلام لهلك عمر ) وحينئذٍ فان قدرنا الخبر في قولنا لا إله إلاّ اللّه هو موجود فلا يدلّ على نفي امكان

اله إلاّ اللّه بل غايته انحصار الوجود به تعالى كما انه ان أخذنا الامكان في الخبر

فلا يدلّ على وجود اللّه تعالى نعم يمكن على تقدير أخذ الاله مستغنيا عن الخبر .

والجواب انه يمكن تقدير لفظة موجود والمراد بالاله المنفي هو واجب الوجود فينفي وجود واجب الوجود ويحصره في اللّه تعالى وحينئذٍ فيستفادالتوحيد كما انه يمكن كون لا غير محتاجة إلى خبر أصلاً بل تكون ككان التامة بلا خبر فانه مسلم مجيئه تاما بخلاف ليس فلم يجيء تامة فحينئذٍ يرد النفي على الذات ويكون المعنى عدم ذات اله سوى اللّه تعالى وينحصر الذات به تعالى بلا احتياج إلى تقدير خبر حتى انه يلاحظ الذات قبل ترتب المحمولات المترتبة عليه كما في مثل حمل قولنا قائم على زيد أو موجود فانه يقال اما أن يحمل القائم على زيد القائم أو الموجود على زيد الموجود كذلك فيستلزم حمل الشيء على نفسه أو المعدوم وغير القائم فيتناقضان . فيجاب بانه يلاحظ الذات مع قطع النظر عن كل منهما فيحمل عليه العدم أو الوجود أو المحمول الآخر الوجودي كالقيام مثلاً وكذلك في ما نحن فيه فلا احتياج لتقدير شيء آخر . وعلى الوجه الأوّل يمكن كون معنى الاله هو المعبود بالحق أو المستحق للعبادة والا فالمعبود بغير حق لم يكن منفيا في الخارج فتدبر جيدا .

وعدّ من أداة الحصر انما ولا اشكال في افادته الحصر وجعل الحكم

ص: 182

منحصرا حسب الوضع بما يتلوه فيكون لها المفهوم كما في الاّ . وعلى هذا فاذا ورد اثبات الحكم الذي ثبت بانما حصره ) بموضوع خاص لغيره فيتحقق التعارض هناك وقد ذكرنا في حلّ الاشكال تقييد المنحصر به بما تضمّنته القضية الثانية من الموضوع . لكنه لا يخلو عن اشكال وان صدر هذا الكلام من بعض اساطين الفن . بل لابدّ أن يحمل على كون المنحصر به بانما كان هو الموضوع الأهم وذلك كما ورد في باب الصوم من حصر(1) ما يضر فيه باربعة بانّما مع انه قد ورد وثبت كون المفطرات أو الذي يحرم في الصوم أكثر من أربعة . اما البحث فيان انما مركب من ان وما أو غير ذلك فلا حاجة لنا به بل الكلام على كونها دالة على الحصر كما في الا .

ثمّ انه قد علمت ان في صورة ورود ما يدلّ على خلاف الحصر المستفاد بانما لابد من الجمع بانحائه . هذا في الحصر بانما . وقد ذكر من ما يفيد الحصر تقديم ما حقه التأخير كتقديم المسند على المسند إليه بقولنا ( الفقيه زيد ) أو القائم

زيد . فانه وان استفيد من ذلك الحصر لكنه ليس مستندا إلى وضع ولا قرينة عامة بل للقرينة الخاصة وهذا خارج عن محلّ البحث ولو باعتبار كون القائم مرادا به الكلي واسناده إلى شخص زيد يفيد الحصر فانه أيضا خارج عن الوضع .

ومن ما قيل له بالمفهوم العدد وقد وقع الكلام في ان له المفهوم أم لا ؟ والظاهر ان المراد بذلك في ناحية الزيادة والا فمن جانب النقصان فبالنص . كما ان الكلام في جميع هذه الموارد التي وقع فيها الكلام في المفاهيم مع قطع النظر

تقديم ما حقّه التأخير

ص: 183


1- . وسائل الشيعة 10 الباب 1/1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم .

عن الموارد الخاصة والقرائن الخارجيّة . وحينئذٍ فمثل ما ورد من رواية(1) ضعيفة في باب تسبيحة الزهراء عليهاالسلام انّه إذا زاد على التكبيرة ينقص واحدة ويأتي بها ويطرح الزائد ثمّ يلحق التحميدات بالتي يأتي بها من التسبيحة ولا بأس بالعمل بها رجاءً ولكنه لا وجه لاحتياط بعضهم .

والحاصل انه يقع البحث في مثل اطعام ستين مسكينا أو صوم شهرين

متتابعين أو صلاة أربع ركعات أو في مثل سبعة أشواط في الطواف أو السعي هلمع قطع النظر عن الدليل وعدم جواز الزيادة عليها بعنوان التشريع مطلقا والورود مطلقا يدلّ على نفي الزيادة وان موضوع الحكم منحصر في هذا العدد أم لا ؟ اختار سيّدنا الاستاذ قدس سره الدلالة على نفي الزائد كالناقص وان المفهوم في العدد هو عبارة عن هذا حيث انه تجري المقدمات في جعل هذا العدد موضوعا للحكم أو متعلّقا له بأن يقال لو كان الموضوع أزيد من هذا أو كان لشيء آخر دخل فيه لكان عليه البيان وبعدمه نكشف انحصار الموضوع بالعدد فهذا هو المفهوم المطلوب في المقام فاذا ورد ثبوت الحكم على أزيد من العدد فلابدّ من التقييد وكشف عدم الانحصار وتقييد اطلاق الواو .

هذا تمام الكلام في المفاهيم . وقد عرفت ان الجملة الشرطيّة ثبت لها المفهوم وكذا كان للاستثناء أو الحصر في انما وان مع ورود المعارض يكون المراد بانما هو الحصر الاضافي كما عرفت عدم ثبوت المفهوم لغير العدد من الامور

ص: 184


1- . وسائل الشيعة 6 الباب 21/4 من أبواب التعقيب ولفظ الرواية ( من سها فجاز التكبير أكثر من 34 هل يرجع إلى 34 أو يستأنف الى فأجاب علیه السلام إذا سها في التكبير حتى تجاوز 34 عاد إلى 33 ويبني عليها وإذا سها في التسبيح فتجاوز 67 تسبيحة عاد إلى 66 وبنى عليها فاذا جاوز التحميد 100 فلا شيء عليه .

الباقية وقد ظهر من مطاوي الأبحاث السابقة عدم ثبوت المفهوم للقب أيضا وبعد الفراغ عن ذلك يقع الكلام:

في العام والخاص:

وقد عرف العموم بالشمول لكن ذلك لو لم يجعله أخفى لا يوجب جلائه وحصول المعرفة به كما في أمثال ذلك من هذه التعاريف بل المراد به واضح اذ توضيح الواضحات من اشكل المشكلات .

وكيف كان فقسموا العموم إلى بدلي وشمولي واستغراقي والظاهر ان العموم ليس على أقسام بل هذه الأقسام إنّما نشأت باعتبار كيفيّة جعل الحكم على المقام فاذا كان الحكم على نحو ملاحظة المجموع موضوعا واحدا مرتبطا في الامتثال فيكون من العام المجموعي وان لو خط كلّ فرد من العام موضوعا مستقلاً وإنّماجمع الأفراد في العام لاتّحادها في فرديتها له وكون العام وجها لها فهو الاستغراقي ويكون حينئذٍ لكلّ امتثال وعصيان يخصّه فربما يعصى واحداً ويطيع آخر كما انه ان كان المطلوب واحدا بلا تعيين فيكون عاما بدليّا وباتيان فرد منه يحصل المطلوب ويسقط التكليف .

وينبغي قبل الورود في مباحث العام والخاص من بيان مقدمة وهي ان القضايا لا تخلو من أقسام ثلاثة فاما أن تكون طبيعية واما أن تكون حقيقية أو خارجية وشخصية والمراد بالأخير ما يشار به إلى الأفراد الموجودة في الخارج والتخصيص عبارة عن اخراج الافراد من العام فان كانت القضية خارجيّة فلابدّ في التخصيص من كونه أفراديّا وإن لوحظ هناك عنوان عام قابل للانطباق على قسم من مصاديق العام والقضيّة الخارجيّة . اذ هذا العنوان إنّما يكون انتزاعيّا ولا

في العموم والخصوص

ص: 185

يمكن تصور التخصيص العنواني هنا بخلاف ما اذا كان من القضايا الحقيقيّة فلابدّ من كون التخصيص عنوانيّا لا افراديّا فمثل قوله تعالى: « إنَّما الصدَقاتُ لِلفُقَراء »(1) الخ من القضايا الحقيقيّة لا الشخصيّة والا فاللازم جواز قسمة الفقراء الموجودين في الزكوة والسادة في باب الخمس المال وأخذ حصّتهم مع انه لا يجوز انفاقا .

والفرق بين القضيّة الحقيقيّة والخارجيّة هو ان الاولى يكون فيها جامع يترتب على أفراده الحكم باعتباره دون الخارجيّة حيث ان الجامع فيها اتفاقي ويترتب على ذلك أحكام آخر تقدّم إليها أو بعضها الاشارة .

منها . ان العناوين في القضايا الخارجيّة تكون من قبيل الملاكات لهاوالموضوع للحكم هو نفس الذوات الخارجيّة كزيد وعمرو والحكم إنّما يترتّب عليه باعتبار علمه وفسقه ولم يترتب الحكم على العنوان الذي ينطبق على كلّ فرد بخلاف الحقيقية فان العنوان أخذ موضوعا لما ينطبق عليه وليس المناط هو ذوات من ينطبق عليهم العناوين مطلقا بل مادام الانطباق ممكنا .

ومنها . لزوم الدور في كلية الخارجيّة وجعلها كبرى بخلاف الحقيقيّة حيث ان الحقيقيّة في أي علم كانت إنّما أخذت من دليل خاص وبرهن على كليتها كما اذا كانت في الشرعيّات بدليل عقلي أو اجماع أو نص كتاب أو سنة ثمّ يجعل كبرى لقياس الاستنباط وتنطبق على كلّ ما فرض لها من الأفراد بلا لزوم دور أو توقف الكليّة على هذا الفرد . بخلاف الخارجيّة كقولنا كلّ من في العسكر قتل أو كلّ ما في الدار نهب حيث عرفت انها اشارة إلى الأشياء المخصوصة الخارجيّة أو

ص: 186


1- . سورة التوبة الآية 61 .

الذوات كذلك ولكلّ ملاك يخصه . فاذا قلنا كل من في العسكر قتل أو كلّ ما في الدار نهب فليس العلّة والسبب في ذلك أمرا اصيلاً يدور الحكم مداره وجودا وعدما بل لكلّ سبب خاص غير الباقي . وليس من اللازم اجتماعها بل انما كان الاجتماع وحصول الكليّة من باب الاتفاق باجتماع الأسباب المتعدّدة بتعدّد الآحاد في العسكر أو الأشياء في الدار فقتل ونهب وهذا بخلاف قولنا الخمر حرام حيث ان كلّ فرد يفرض من الخمر انما ينطبق عليه هذه الكبرى بعين ما ينطبق على الفرد الآخر لا بحسب الاتفاق . ولو لم يكن خمرا فلا ينطبق عليه الكبرى بحكمها . وحينئذٍ فلا دور في الحقيقية بخلاف الخارجيّة كما سيتّضح لك بملاحظة قولنا العالم متغيّر وكلّ متغيّر حادث فالعالم حادث حيث ان العلم بحدوث العالم لا مدخليّة له في الحكم بكليّة الكبرى بل انّ البرهان قائم على ان المتغير بما هو متغير مع قطع النظر عن كون العالم متغيّرا حادث .ثمّ اذا انضمّ إليه أحد مصاديقه وهو العالم فيحصل من ذلك العلم بالنتيجة وهو ثبوت الحدوث للعالم وقد عرفت في ما تقدّم كون القضايا الشرعيّة من قبيل القضايا الحقيقيّة لاستلزام كونها من الخارجيّة محاذير فاسدة وتوالي باطلة منها لزوم الانشاءات الجديدة لكل موضوع بعدد كلّ فرد .

ومنها غير ذلك ممّا سلف سابقا الذي كان الالتفات إليه والتصديق به من قبيل المبادي التصديقيّة لهذا المقام من كون القضايا الشرعيّة من الحقيقيّة لا الخارجيّة .

ومن الثمرات المهمّة المترتّبة على كون القضايا الشرعيّة من القضايا الحقيقيّة دون الخارجيّة هو كون التخصيص عنوانيّا لا افراديّا ضرورة وضوح ان

الفرق بين القضيّة الحقيقيّة والخارجيّة

ص: 187

التخصيص في الحقيقة انما يرد على المصب للعام ويكون تقييدا لاطلاقه الأحوالي مع بقاء العموم بعد على حاله . بخلاف الافرادي فانه مختص بالخارجيّة فحينئذٍ تكون نتيجة التخصيص في الخارجيّة هو خروج مثل العباء والفراش من تحت العام في قولنا كلّ ما في الدار نهب الا العباء والفراش بل لو فرض الخروج العنواني فليس الا اشارة إلى هذه المسميات الجامع بينها العنوان الانتزاعي لا الأصيل .

نعم يمكن تصوير التخصيص في الحقيقية باعتبار موت فرد واعدامه لكنه لا يوجب تعنون العام كما لا يوجب في الافرادي . الا انه سيأتي في الأبحاث الآتية دعوى المحقّق النائيني قدس سره ان مثل قولنا اكرم العلماء إلاّ زيدا أيضا يكون معنونا للباقي بعد التخصيص ويكون المراد أكرم العلماء الذين هم غير زيد .

وكيف كان . فاذا كان التخصيص عنوانيّا فتختلف سعة دائرة العام وضيقها بحسب المصب وتقييد اطلاقه الأحوالي وعدمه مع بقاء العموم وافادة مثل لفظةكلّ له على حاله . فهذه اللفظة باقية على افادتها معناها سواء كان واردا على عالم فقط أو على عالم مع خروج الفساق . وحينئذٍ فيكون التخصيص راجعا إلى التقييد كما في قولنا اعتق رقبة وقولنا لا تعتق رقبة كافرة فيوجب التقييد وتعنون الرقبة الواجبة العتق بغير الكافرة ولذا لم يعهد من أحد من الاصوليّين التمسّك باطلاق المطلق في الشبهة المصداقيّة على ما سيجيء بيانه .

ثمّ انك عرفت ان أنحاء العموم واختلافها انما نشأ من ناحية كيفيّة جعل الحكم والا فالعموم لا يختلف .

وقد عرفت عدم افتراق أقسام العموم باعتبار أنفسها بل العموم معنى فارد

ص: 188

وهو عبارة عن الشمول لكنه يختلف باعتبار كيفيّة لحاظ الافراد في جعل الحكم وأداته تارة يكون مثل لفظة كلّ واخرى مثل الجمع المحلى بالألف واللام وثالثة المفرد المحلّى باللام ورابعة النكرة في سياق النفي وأشباهها أمّا مثل الكل فلا اشكال في كونه عبارة عن الشمول لمدخول مصبه فبأي نحو أخذ المصب يدلّ هذه اللفظة على الشمول والعموم سواء في ذلك نفس هذه اللفظة أو ما يرادفها من ساير اللغات وهذا لا اشكال فيه .

انّما الكلام في ان ذلك يدلّ على المجموعيّة أو الانحلاليّة فحينئذٍ يكون لكلّ فرد اطاعة وعصيان يخصانه بخلاف العام المجموعي فانه يكون للمجموع اطاعة واحدة واذا اخل بفرد فلم يحصل الامتثال بل عصى لعدم اتيان المأمور به وهل يجري أصل عدم لحاظ المجموعيّة ؟ فيه تفصيل فانه ان كان المراد به الاستصحاب الازلي فهو قابل للاشكال لعدم فائدة فيه في ما هو محلّ الكلام .

نعم ربما يجري الأصل في حين اللحاظ واذا كان في مقام جعل الحكم لكنه قد يجري الأصل اللفظي ويكون الظاهر هو الانحلاليّة .وبيانه ان لحاظ المجموعيّة في الأفراد أمر زائد على أصل جعل الحكم عليها وكونها موضوعا له . فحينئذٍ لا مانع من كشف عدم المجموعيّة باعتبار عدم التقييد لكونه محتاجا إلى مؤنة زائدة وعدم احتياج الانحلاليّة إليها . لعدم كونها أمرا وجوديّا وإنّما هي انتزاعي هو عبارة عن عدم لحاظ المجموعيّة كما في الانفراد بالنسبة إلى الجماعة وذلك لعدم كون الانفراد أمرا زائدا على نفس الصلاة بل الجماعة فيها وصف زائد كما فيما نحن فيه .

هذا مضافا إلى ظهور الكلام في كونه بنحو الانحلال واختصاص كلّ فرد

الفرق بين العام الانحلالي والمجموعي

ص: 189

بحكمه بماله من العصيان والامتثال اللذين يتبعان الحكم بنحوه وهذا بلا فرق بين القضيّة الحقيقيّة والخارجيّة .

نعم إنّما الفرق في جهة اخرى وهي كون الخارجيّة يشار بها إلى الأفراد الخارجيّة والذوات بخلاف الحقيقية فان الأحكام انما تترتب على الأسماء والعناوين لا المسميات على ما سبق بيانه . هذا في ما اذا كان اداة العموم لفظة كل وهل يجري هذا البيان في النكرة الواقعة في سياق النفي ؟ ربما يشكل ذلك لعدم كونها قابلة للمجموعيّة حيث ان العموم للافراد النجسة انما يتحقق من ناحية المقدمات بعد الحكم لا أنه لو خط العموم قبل ورود الحكم بل يمكن أن يقال بعدم قابليّة النكرة لذلك لما ذكرنا .

ثمّ انه على فرضه يستفاد منه كون العناوين للأشياء النجسة أو مطلق الأشياء ولو كانت طاهرة لا ينجس كلّها الماء اذا بلغ حدّ الكر . فربما يكون مفهومه انه اذا لم يبلغ ينجّسه كلّ فرد فرد . أو ان المفهوم حينئذٍ انه ينجسه شيء منها من النجاسات ان قلنا بعدم امكان عموم الحكم والمحمول لما لا يكون قابلاً له بالتنجيس فانه قرينة على كون الشيء هو النجس لا الطاهر أو لا ينجسه شيء ولوكان طاهرا .

وكيف كان فلا جدوى كثيرة فيه . إنّما الكلام في مثل الجمع المحلّى بالألف واللام فانه ربما يمكن أن يقال بدلالته على المجموعيّة باعتبار كون أقل الجمع ثلاثة لا الاثنين . فالعام مع قطع النظر عن الألف واللام يدل على هذا الجمع وان كان لهذا الجمع مراتب باعتبار الدرجات . الا ان الألف واللام الدالّ على الاستغراق يفيد استغراق مدخوله وشموله مع انه أخذ بنحو الجمع الذي لا ينطبق

ص: 190

على أقل من ثلاثة ولازمه عدم حصول الامتثال بما اذا أتى بأقل من الثلاثة فأكرمهم . ولو لم نقل باقتضاء الاطلاق في العلماء أقصى مراتب الجمع . هذا لكنه قد يقال هذا اذا كان دخول الألف واللام بعد اعتبار الجمعية الا انه لا وجه له بل نقول بورود كليهما أي علامة الجمع اللاحقة للآخر والألف واللام اللاحقة للصدر في مرتبة واحدة على الطبيعة وهو عالم وكذلك اذا قلنا بوضع العلماء بهيئتها لمعناه فتأمّل جيّدا .

تنبيه: عنون سيّدنا الاستاذ قدس سره تخصيص العام وان العام الذي خصّص هل هو مجاز أو لا وظهر من مطاوي البحث كونه من باب تعدد الدال والمدلول لا من باب المجاز . ثمّ البحث في استعمال العام وعدم ارادة عموم أفراده بل خصّص في الواقع وفي اللب الا انه لم يظهر في عالم اللفظ بالنسبة إلى المكلفين . فكان المحقق الخراساني قدس سره (1) يدعى كون العام في هذا الظرف بالنسبة إلى غير من وصل إليه انما هو ضرب قاعدة للعمل عليها خلافا للمحقّق النائيني قدس سره (2) . فاستشكل عليهبأنّ العام في هذا الظرف لا يفيد إلاّ الحكم الواقعي ولا يكون الحكم الظاهري الا ما أخذ في موضوعه الشك والعام ليس كذلك كما انه يشكل بلزوم التصويب وكون العالم بالتخصيص ورد في حقّه دون الجاهل وان رفع هذا الاشكال بكون موضوع الخاص ليس هو العالم به بل العالم بقولي هذا مثلاً لا العالم بالحكم فلا يرد اشكال من هذه الجهة كما انه ليس ينتج الا ان المحقّق النائيني قدس سره أنكر عليه بشدّة وانكار ان ذلك ضرب القاعدة . وكذلك استشكل ما نسب إلى الشيخ قدس سره من كون هذا جمعا

هل ارادة استعمال اللفظ والمعنى واحدة

ص: 191


1- . كفاية الأصول 2/405 .
2- . فوائد الأصول 4/736 وما بعده .

بين العمومات الواردة في لسان المعصومين السابقين عليهم السلام مع ورود الخصوصات في لسان الصادقين عليهما السلام بعدم تسليم ذلك . بل نقول بوصول الخصوصات لهذه العمومات أيضا للأئمّة السابقين ولم تنقل إلينا بل انما نقل العمومات .

ثمّ انّه وقع النزاع ظاهرا بين المحقّقين الخراساني والنائيني بكون الارادة في استعمال اللفظ وارادة المعنى أزيد من واحد وهناك ارادتان . فالخراساني يدعى تعددها والنائيني ينكر عليه لكن ينبغي أن يعلم ان تعدد الارادة في ناحية الاستعمال والمراد الواقعي ممّا لا يكاد ينكر ولا يمكن نسبته إلى المحقّق النائيني فالمستعمل ربما يتوجه إلى الألفاظ ويريدها ويريد استعمالها فلا يمكن انكار امكان ارادة استعمال الألفاظ وارادة معانيها منها .

نعم ربما حصل للانسان شدة انس بالألفاظ فيتلفظ بها حتى في حالات غير اختيارية بلا ارادة كما في حال النوم . وذلك خارج عن محل البحث . فهذه الارادة لا يمكن انكارها كما لا يريد المحقّق النائيني تحقّق ارادة معنى اللفظ حقيقة وواقعا وعدم امكان تخلف ارادة الاستعمال عن المراد والجد . فهذا أيضاغير مرتبط بمحلّ البحث اذ الجد والمراد الجدى غير مرتبط بارادة الاستعمال ولا مجال لانكارها .

وعلى كلّ حال فيمكن نظر المحقّق الخراساني إلى مثل المعنى المتحصل من المعاني الافراديّة وتعدّد الارادة بالنسبة إليها وانكار النائيني يكون في هذا الموضوع مثل ارادة الرجل الشجاع من قولنا اسد يرمى . وان هناك ارادتين . ارادة استعمال الاسد ويرمى في المعنى الافرادي وارادة الرجل الشجاع منه . وهذا

ص: 192

أيضا لا يمكن انكاره .

نعم يمكن توجيه الكلام وانكار تعدّد الارادة في مورد آخر قد أشرنا إليه سابقا وهو كون نظر المحقّق الخراساني من التعدّد تعدّد ارادة الاستعمال من اللفظ في مورد العام الذي يرد على المكلف ولا يدرك مخصصه إلى أن يموت فبالنسبة إلى ارادة الاستعمال اراد العام وبالنسبة إلى المراد الواقعي لا يكون هذا العام مطلوبا منه بل اريد من اكرام العالم خصوص اكرام العادل ولا يريد اكرام الفاسق . لكنه جعله حكما ظاهريّا بمعنى قاعدة مضروبة لهذا المكلف . ويمكن التمثيل له بموارد كنجاسة النواصب حيث انه بين في زمن اللاحقين من الأئمّة علیهم السلام وادّعى المحقّق الخراساني ان الغالب في ذلك ورود التخصيص بعد لكن لنا مناقشة في هذا ومورد انكار المحقّق النائيني هذا المقام حيث يشد عليه منكرا لتعدّد الارادة بل ليس الا المراد الواقعي الذي ينكشف بهذا العموم وأمّا كون اصالة الظهور أو العموم أو غيرهما حجة ليس إلاّ من باب بناء العقلاء فلا شكّ . بل يكون مؤدّى ذلك هو الحكم الظاهري ولو لم يكن مرادا في الواقع .

تتمّة الكلام: اعلم انه في مورد المجازات والكنايات بأنواعها وأقسامها من التخييلية وغيرها يستعمل اللفظ في المعاني المخصوصة غاية الأمر لا يكونالمراد نفس المعنى المستعمل فيه اللفظ بل تعلقت الارادة الواقعيّة اللبيّة بلوازمها أو ملزومها كما في مثل قولنا فلان كثير الرماد فان زيدا والكثير والرماد كلّها استعملت في معانيها الافرادية واريد بذلك لازم هذا المعنى وانه جواد فيما اذا كان هذه الكثرة اشارة إلى ذلك وكذلك في ما يقال رأيت حاتما ويراد بذلك في المراد اللبي الرجل الجواد وهذا يقول به الكل .

ص: 193

ثمّ انه هل يوجب التخصيص في ناحية العام مجازية أم لا ؟ وذلك بعد وضوح عدم كون الحقيقة والمجاز الا في ناحية الاستعمال . وهل يكون فرق بين التخصيص الانواعي والافرادي أم لا ؟ اختار كلّ مذهباً فمنها التفصيل بين الافرادي والأنواعي في المقام وان الافرادي يوجب المجازيّة حيث ان التخصيص الافرادي يكشف عن كون المراد بالعام المفردات الخاصة الخارجيّة وخروج بعض الأفراد منها يوجب مجازيته في استعمال الكل وارادة غير الخارج منها بخلاف التخصيص الأنواعي . فان قولنا اكرم كلّ عالم لم يستعمل الألفاظ فيه الا في معانيها فالعالم في معناه وكذلك الكل وأكرم إلى آخر الأوصاف . ولذلك اذا ورد لا تكرم الفساق منهم إنّما يوجب التضييق في ناحية اللب لا في ناحية الكل . فالكل باقٍ على معناه وشموله هذا . لكن يجاب عن هذا الاشكال في ناحية الافرادي بأن المقام ليس من قبيل القضيّة الخارجيّة التي لا يكون المراد به إلاّ الذوات . بل انما المناط تحقق العنوان أينما وجد بلا نظر إلى ان الذي ينطبق عليه زيد أو غيره فحينئذٍ يكون نحو انطباق الحكم على كلّ فرد على نحو القياس المستعمل في الشكل الأوّل . فيقال زيد عالم وكلّ عالم يجب اكرامه حسب ما ينطبق به قوله اكرم كلّ عالم . فهذا أي زيد يجب اكرامه . والفرق بين العام الاصولي الشمولي والمطلق الشمولي مثل أكرم العالم حيث يستفاد منه العموم لا من جهةدلالة الالف واللام بل من ناحية جريان المقدمات ان العام ولفظة الكل يراد به كلّ ما ينطبق عليه عنوان مدخوله ومصبه فيكون مرادا للحكم وهذا بخلاف المطلق ولذا يقدم العام على المطلق في موارد الاختلاف .

ان قلت: سلّمنا ذلك في الحقيقية ولكن لا يتمّ في الخارجيّة حيث انّ المراد

ص: 194

بالعنوان العامّ ليس إلاّ خصوص كلّ فرد فرد من مدخوله فاذا خرج فرد منها بالتخصيص فلابدّ من المجازيّة وارادة أقرب المجازات من العموم منه .

والجواب انه لا فرق في نحو الاستعمال بين الخارجيّة والحقيقيّة فما هو الجواب عن الحقيقيّة هو الجواب عن الخارجيّة وإن كان ملاك الحكم في الخارجيّة غير ما هو الملاك في الحقيقيّة فان في الاولى يكون لكلّ فرد ملاك يخصه كما في قولنا كلّ ما في الدار نهب أو كلّ من العسكر قتل بخلاف الحقيقية .

والحاصل انه لا اشكال في ناحية المجازيّة ولا يوجب التخصيص مجازيّة في مورد العام لا في الخارجيّة ولا في الحقيقية لا بنحو الانواعي ولا الافرادي .

فقد تبين ان في مورد الكناية والمجاز لم يستعمل الألفاظ الا في معانيها الافراديّة غاية الأمر ينعقد الظهور للكلام في ما هو ملزوم المدلول في ناحية الكناية وكذلك في ناحية المجاز . فذلك لا يوجب المجازيّة في الكلمة على ما سبق شرحه في الأبحاث السابقة حتى فيما اذا كان من قبيل انشبت المنية اظفارها مما شبه المنية بالسبع واسند الفعل الى لازمه فاستعمال اللفظ لم يحصل الا في معناه لكن المتحصّل من ذلك هو ما أراده القائل المستعمل . وعرفت ان تخصيص العام وإن كان أنواعيّا أو افراديّا لا يوجب المجازيّة في العام في ناحية استعماله كما ذكرناه سابقا وكذلك لا يخرج عن الحجيّة في الباقي بعد التخصيص الا ان الشيخ قدس سره ذهب إلى المجازيّة وجعل العام بعد التخصيص حجّة في الباقي وعللذلك بعدم المانع . واستشكل عليه ان ذلك لا يتمّ حيث انه بعد التخصيص بناء على المجازيّة والعلم بعدم كون الكلّ مرادا لا يكون معه وجود المقتضى فكيف ينفي المانع وذلك لان التخصيص يوجب عدم ارادة الكل بكليّته وبعد لا نعلم أي مرتبة

هل التخصيص يوجب المجازية

ص: 195

اريد منه مجازا لاختلاف مراتب الباقي . واصالة عدم التخصيص في مقام رفع المانع انما يتمّ جريانها بعد تماميّة الظهور للعامّ في الباقي ولم يحرز ذلك فلا يمكن بل يكون مجملاً بالنسبة إلى ارادة ما أراده ولا معين في البين لعدم الظهور حيث ان الظهور لابدّ أن يكون قطعيّا ولا قطع في المقام على المجازيّة .

لكن عرفت فساد ذلك وضعفه على ما حقّقناه بل لا مانع من جريان اصل عدم التخصيص بعد العلم بتخصيص المقدار المعلوم .

هذا كلّه في ما يتعلّق بكون العام المخصص حجّة في الباقي وان التخصيص يوجب المجازيّة أم لا .

ثمّ ان التخصيص تارة يكون بالمخصص اللبي واخرى بالمخصص اللفظي والكلام هنا في الثاني .

فاعلم انه تارة يكون المخصص مبيّنا بلا اجمال فلا اشكال في تقدّمه على العام في المنفصل كما ان في المتصل ينعقد الظهور بالنسبة إلى غير افراد المخصّص واخرى يكون مردّدا . وذلك على قسمين فتارة يكون بين المتبائنين كما اذا علمنا بعد قوله اكرم العلماء بقوله لا تكرم زيدا مع ان زيدا مردّد بين عالمين ولا نعلم أيّهما أراد . واخرى بين الأقل والأكثر مثل ما اذا لا ندري ان الفاسق هل يراد به خصوص مرتكب الكبيرة أو أعم منه ومن مرتكب الصغيرة دون مرتكب الصغيرة فقط . فحينئذٍ يفترق المقام بين ما اذا كان في المتصل فلا ينعقد الظهور في العام بالنسبة إلى المشكوك كونه من أفراد المخصّص أم لا . وبين ما اذا كان في المنفصلفانه يكون حينئذٍ في قوّة التخصيص الزائد على ما علم خروجه بالتخصيص الأول وهو خروج مرتكب الكبيرة . فالعام له سواءات عديدة كثيرة بالنسبة إلى الزمان

ص: 196

والزماني ويلاحظ في ذلك كلّ شيء ونقيضه فاذا خصص مرتكب الكبيرة فانهدم هذا السواء المخصوص به وخرج عن استواء وجوده وعدمه وبقي باقي السواءات على حالها فحينئذٍ لا مانع من التمسّك باصالة العموم بالنسبة إلى مرتكب الصغيرة لانعقاد الظهور للعام . كما انه اذا شككنا من اول الأمر في خروج زيد العالم عن تحت العام لا مانع من جريان اصالة العموم بأن لا ندري ان زيدا الذي جعله موضوعا لعدم الاكرام في قوله لا تكرم زيدا هل هو زيد العالم أو زيد الجاهل فيكون مرجع الشكّ إلى الشكّ في التخصيص ولا مانع من اصالة عدمه وبذلك ينحل العلم الاجمالي ويوجب العلم بكون زيد هو الجاهل على ما سنبيّنه في محلّه .

خلاصة البحث ونتيجة الكلام:

قد عرفت ممّا ذكرنا ان تخصيص العام لا يوجب انهدام ظهوره في الباقي بعد التخصيص فهو يقبل التخصيص إلى حدّ لزوم الاستهجان بتخصيص الأكثر فحينئذٍ يقع التعارض بين الخصوصات والعام أو انه يخصّص العام بالمخصّص الأول ويعارض المخصص اللاحق .

وكيف كان فالتخصيص بالمتصل اذا كان مجملاً مردّدا بين الأقل والأكثر يوجب عدم ظهور العام الا في الأقل أمّا بالنسبة إلى الزائد المردد في ما اذا كان المخصص مرددا كذلك فلا ينعقد ظهور للعام . اما إذا كان التخصيص منفصلاً والعام قد انعقد ظهوره في العموم وكان المخصص مردّدا بين الأقل والأكثر الاستقلاليين كما اذا خصص منفصلاً بقوله لا تكرم الفساق من العلماء مثلاً فانّ الفاسق مردد بينخصوص مرتكب الكبيرة أو يشمل مرتكب الصغيرة . فحينئذٍ لا اشكال في لزوم

الفرق في التخصيص بين المتّصل والمنفصل

ص: 197

التخصيص بالأقل المعلوم . أمّا بالنسبة إلى المردّد الزائد فيتمسّك باصالة العموم للشكّ في التخصيص الزائد حيث ان العام مطلق بالنسبة إلى كلّ زمان وزماني كساير المطلقات إذ لا يخلو واقع الأمر من كونه تقييداً بالنسبة إلى كلّ شيء بوجوده أو بعدمه أو ان الوجود والعدم بالنسبة إليه سواء . فحينئذٍ قد خرج في سواء مرتكب الكبيرة العام عن السوائيّة بل قيد بعدم كونه

أي مصبّه مرتكبا للكبيرة وبقي بالنسبة إلى مرتكب الصغيرة على حاله للشكّ في التخصيص الزائد على ما علم بمرتكب الكبيرة فتجري اصالة العموم وبذلك نرفع الشكّ عن المردّد بين كونه مخصّصا للعام وعدمه على ما ذكرنا . وهذا لا اشكال فيه من أحد .

إنّما الكلام في ما اذا رجع الشكّ إلى الشبهة المصداقيّة للعام أو المخصّص بأن شككنا في ان مرتكب الذنب الفلاني مرتكب للكبيرة أم لا للشكّ في كون ذلك الذنب كبيرة بعد ان علمنا ان العالم الكذائي ارتكبه أو انه شككنا في أصل ارتكاب الذنب أو انه رأينا منه شيئا مرددا بين كونه كبيرة وعدمه .

والحاصل انه حصل الشك في فرد انه من مصداق المخصص حتى يكون حكمه عدم الاكرام أو من العام الباقي تحته كي يجب اكرامه . فقد وقع النزاع فيه وانه يجوز التمسك بالعام لاحرازه كونه محكوما بحكمه أم لا ومن المسلم ان الثمرة انما تظهر اذا كان الطريق منحصرا بالتمسك بالعام ولم يكن هناك أصل موضوعي لاحراز العام مع عنوان نقيض المخصص . ولم نقل بجواز التمسّك بقاعدة كلّ حكم علق أمر وجودي يحكم عليه بحكم ضده إلى أن يثبت ذلك الأمر الوجودي . وكذا لم نقل بقاعدة المقتضى والمانع ولا كان مورد الجزء بالوجدان

ص: 198

والاخر بالأصل كما في مورد الحكم بالضمان في التصرّف في مال الغير فان التصرف معلوم بالوجدان والرضا مسبوق بالعدم فيحصل الحكم بالضمان لاحراز موضوعه بذلك فلا وجه للاشكال على الشيخ قدس سره في ذلك والذي استقرّ عليه آراء المعاصرين ومن قارب عصرهم على العدم . ويظهر من بعض المتقدمين ومن السيّد الاصفهاني السيّد أبوالحسن قدس سره الجواز في مسئلة الماء المشكوك(1) انه متصل بالمادة أم لا فحكم بالنجاسة بملاقاة النجس .

ثمّ ان مختار المحققين الخراساني والنائيني على العدم وصرح في الكفاية(2) ( قال فان الخاص وان لم يكن دليلاً في الفرد المشتبه فعلاً الا انه يوجب اختصاص حجيّة العام في غير عنوانه من الافراد ) والمراد بمرجع الضمير في قوله اخيرا في غير عنوانه أي غير عنوان المخصص وقال بعده فيكون أكرم العلماء دليلاً وحجّة في العالم الغير الفاسق الخ ) ووجه عدم جواز التمسك به للمشتبه واضح حيث ان التخصيص انما يوجب تقييد دائرة مصب العام ومدخول أداة العموم مع بقاء الكلية بحالها حيث ان الكلام في التخصيص الاحوالي لا الافرادي فحينئذٍ يوجب تعنون العام بنقيض عنوان الخاص وكونه مغايرا له لا بعنوان ضده فيكون معنى الكلام ومفاده اكرام العلماء غير الفساق لا العلماء العدول ويثمر الوجهان في جريان الأصل فحينئذٍ يكون موضوع الحكم مركبا من جزئين أحدهما العام والآخر عدم كونه فاسقا أو كونه غير فاسق . فكما انه لا يجوز التمسك بالعام في ما اذا شككنا في فرد انه مصداقه بلا كلام كذلك في ما هو جزء

عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة

ص: 199


1- . وسيلة النجاة فصل في المياه .
2- . كفاية الأصول 1/342 - 343 .

موضوعه . اذ لا اشكال في عدم امكان احراز الصغرى بالكبرى فلا يجوز التمسك بقوله تعالى انما الصدقات للفقراء(1) على اثبات انّ زيدا المشكوك كونه فقيرا فقير لعدم تكفل العام لاثبات واحراز افراده وكذلك الأمر في احراز عدم كون الفرد المشتبه فاسقا اذ بعد تعنون العام لا مجال للاشكال والشبهة في عدم الجواز .

نعم للقائل بجواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة منع هذا المبنى وان التخصيص لا يوجب تعنون العام ولا يكون كالتقييد في قولنا اعتق رقبة ولا تعتق رقبة كافرة بل حكمه حكم موت فرد من الأفراد . ولا اشكال في عدم ايجابه لاتصاف الباقي بكونهم غير زيد الميت مثلاً لكن هذا على تقدير تماميّته انما يثمر في التخصيص الافرادي في القضيّة الخارجيّة لا الحقيقيّة ضرورة عدم امكان كون فرد وصفا لفرد آخر وجودا وعدما الا برجوعه إلى العنوان الانتزاعي وحينئذٍ فللقائل مجال دعوى ان المتيقن خروجه من تحت دائرة العام هو زيد المعلوم . اما بالنسبة إلى حاله مثلاً فنشكّ في التخصيص الزائد فنتمسّك بالعموم حيث ان العام تمام الموضوع للحكم . لكن يرد عليه حينئذٍ انه لا موجب لخروج المتيقن في صورة العلم بالمصداق أيضا اذ لا فارق بينه وبين صورة الاشتباه في الفرد المشتبه إلى غير ذلك من التوالي الفاسدة المترتبة على هذا المبنى بل المرجع في هذا التخصيص إلى التقييد الذي لم يخالف ولا يخالف فيه أحد انه يوجب التقييد وعدم جواز التمسك بالعام . هذا الا انه يمكن القول بجواز التمسك بالعام في المصداق المشتبه في المخصص اللبي اذ ليس لفظا كي يتمسك باطلاقه وعلم بوروده على مصب العام فيكون جزءا للموضوع . بل انما هو بحكم العقل ولا حكم له في صورة

ص: 200


1- . سورة التوبة الآية 61 .

الشك وحينئذٍ لا يكون العام مخصّصا الا بالمصاديق المعلومة دون المشتبه كما اذا قال ليدخل داري جيراني ونعلم بحكم من العقل عدم رضاه بدخول عدوّه داره وعندئذٍ لا يمكننا منع دخول المشتبه عداوته له في داره من جيرانه بل العرف والعقلاء يذمون المانع من دخول المشتبه ويجوزون له الدخول أخذا بحكم العام ومجرّد احتمال انه عدوه لا يوجب وقفتهم في الحكم بعدم الدخول .

تكميل وتوضيح: قد أشرنا إلى ان التخصيص الانواعي يعنون العام ومعه يكون موضوع الحكم مقيدا ومعنونا اذ تارة يكون التخصيص بما يرجع إلى العنوان الاشتقاقي أي حالات الموضوع ككونه عادلاً أو فاسقا نجفيّا هاشميا أو غير ذلك واخرى يرجع إلى التركيب فيما اذا لم يكن عرضا لمحل . والكلام هنا في الأول وهو ما يكون التخصيص بما يرجع إلى تقييد مصب العام . ولا اشكال في ان التخصيص حينئذٍ يوجب تقييد العام وتعنونه على ما ذكرنا . ومعه لا مجال للتمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة اذ كما انه لا يجوز التمسك بالعام في قولنا أكرم العلماء لوجوب اكرام من شك في كونه عالما كذلك لا يجوز التمسك به في وجوب اكرام من شك في فسقه بعد احراز كونه عالما . وذلك لأن عنوان غير الفاسق في ما اذا خصص العام بالفساق صار جزءا للموضوع ولا يجوز التمسك بالعام لاحرازه كما في الجزء الأوّل وهو كونه عالما بلا فرق . لما عرفت من رجوع هذا القسم من التخصيص الى التقييد وتسميته تخصيصا تغيير اصطلاح ولم يعهد التمسك بالمطلق في الشبهة المصداقيّة للمقيّد من أحد من العلماء .

الا ان القائلين بجواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة لكونه فردا للعام غير المخصص أو من أفراد المخصص ركنوا في القول بذلك إلى وجوه ثلاثة على

أدلّة القائلين بجواز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة

ص: 201

سبيل منع الخلو:

أحدها قاعدة المقتضى والمانع فان العام من قبيل المقتضي لوجوب الاكرام وعنوان المخصّص من قبيل المانع . فمع الشكّ في كون العالم المشتبه انه فاسق قد احرز في حقه وجود المقتضي وشك في المانع من اكرامه فيجب اكرامه لقاعدة المقتضى والمانع لعدم ايجاب التخصيص تعنون العام بل انما يمنع من تأثير المقتضي وهذا الدليل مركب من جزئين:

أحدهما كون المقام من موارد المقتضي والمانع ولنا أن نمنع ذلك فان الظاهر كما ذكرنا كون الخاص موجبا لكون العام جزءا للموضوع والمقتضي . سلمنا لكنه يحتمل كونه من قبيل جزء الموضوع فلا تتم الدعوى .

ثانيهما تمامية قاعدة المقتضى والمانع وهي محل المنع فهذا الدليل لا صغرى له ولا كبرى .

الدليل الثاني: كون العام والخاص من قبيل الحجّة واللاحجّة فان العام حجّة على اكرام مطلق العالم في أي حال كان من كونه عادلاً أو فاسقا أو غيرهما والخاص انما أوجب عدم اكرام الفساق من العلماء وحرمته . فبالنسبة إلى الفرد المشتبه قد احرز كونه عالما وشمله قوله اكرم العلماء ولا نعلم شمول لا تكرم الفساق له لاحتمال عدم كونه فاسقا فيحكم بوجوب اكرامه .

وهذا أيضا واضح الضعف . اذ الخاص أوجب ذهاب الاطلاق من أكرم العلماء وتقييده بغير الفاسق . اذ قوام الاطلاق الحاصل من ناحية جريان مقدمات الحكمة عدم البيان وحيث ان الخاص بيان فلا مجال حينئذٍ لبقاء الاطلاق . بل انما هو خيال العموم والاطلاق فلا وجه للتمسك بعموم أكرم العلماء في وجوب اكرام

ص: 202

المشتبه .

نعم ربما يحرز الموضوع بضم الوجدان إلى الأصل كما اذا شككنا فيصدور الفسق منه أو في بقاء عدالته فيستصحب ويحرز الموضوع بالوجدان والاصل لكن هذا لا ربط له بالحجة واللاحجة .

الوجه الثالث الذي أوردوه بطريق المانعين من التمسك بالعام في مورد الكلام لزوم اختلال كثير من أحكام الفقه كما في باب الضمان حيث يقولون ان الأصل في اليد الضمان مع انها على قسمين أماني وغير أماني . وبعبارة اخرى عادية وغيرها أو عارية وفيما يشكّ كونها أمانة أو عارية يحكمون بالضمان مع عدم احراز كونها عدواناً بل يحتمل عدمه . وهذا إنّما يتمّ في ما اذا لم يكن وجه لباقي القواعد الجارية في امثال المقامات كما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده اذ هذه القاعدة أيضا ليس لها مستند ركين وقاعدة تعليق الحكم على أمر وجودي والحكم عليه بحكم ضده إلى ان يثبت ذلك الأمر الوجودي . اذ لا مجال لها في المقام لكون الاماني أيضا كذلك فكلا الطرفين علّقا على أمر وجودي . وكذا لا مجال لقاعدة المقتضى والمانع فحينئذٍ ينحصر الوجه بالتمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة حتى ان تصحيح الضمان بضم الوجدان الى الأصل لا يتم اذ لا يثبت كيفيّة حدوث اليد ولا حالة لها سابقة فالعدم المحمولي لا ثمرة فيه وما يثمر من العدم النعتي لا يجري .

والجواب عنه عدم كون المقام من الموارد التي نحتاج فيها إلى التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة لعدم كون العام معنونا بعنوان لا يمكن اثباته بالأصل بل انما ثبت من الخارج ان اتلاف مال الغير موجب للضمان فما علق على أمر

بعض أدلّة القائلين بجواز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة

ص: 203

وجودي ويكون له الأثر هو ما يوجب الضمان ولا يترتب الأثر على غيره مما لا ضمان فيه ويمكننا اثبات الضمان بضم الوجدان إلى الأصل لكون الرضا وعدمهأمرين قائمين بنفس المالك للمال والتصرف انما هو عرض للمتصرف فلا مانع من استصحاب عدم الرضا الكائن قبل التصرف وجرّه الى حينه والتصرف ووضع اليد على المال أمر وجداني فيحصل موضوع الضمان . ويمكن ارجاع ذلك إلى العرض للمحل حيث ان الاذن من المالك يوجب حصول عنوان المأذونيّة للمال كما انه متصرف فيه .

وكيف كان فنحن في غنى عن ما ذكر ولا نحتاج إلى التمسك بالعام في ذلك المقام فربما نلتزم بكون الأصل عدم الضمان لكونه محتاجا إلى الاثبات وعدم كفاية العدم الأزلي .

والحاصل انه لا يتمّ الدليل على التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة .

نعم يمكن هذا الكلام في مثل التخصيصات الافراديّة مثل أكرم العلماء إلاّ زيدا وذلك لعدم كون الجوهر وصفا عرضا لجوهر آخر فلا يعنون العام هناك فمجال للتمسّك بالعام في الفرد المشكوك . ويمكن القول بكونه من قبيل الحجّة واللاحجّة لوجوب اكرام العالم وإنّما الخارج زيد ولم يعنون العام بكونه غير زيد فلا وجه للكفّ عن اكرامه أي المشكوك بذلك في التخصيصات الافراديّة . الاّ ان المحقّق النائيني قدس سره لم يلتزم بذلك فيها أيضا بل جعله معنونا بعنوان غير زيد أيضا واعترض على القائلين بجواز التمسك في الانواعي بانهم أخذوا نتائج الكبريات في القضايا الحقيقيّة المحتاج إلى تأليف القياس مع لزوم احتياج انطباق العام بحكمه على الافراد إلى تأليف القياس فحينئذٍ لا وجه للتمسّك بالعام نفسه في

ص: 204

مورد المشتبه كونه من أفراد المخصص كما ان في الافرادي اذا لم نقل بالتقييد يكون تقدم المخصص على العام بالحكومة لا التعارض .

نتيجة البحث: قد عرفت حكم التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة فيما إذا كان ذلك حسب القضيّة الحقيقيّة سواء في ذلك التخصيص الانواعي أو الافرادي وانه لا يجوز في كليهما . اما في القضيّة الخارجيّة سواء كان بنحو الأنواعي أو الافرادي فقد يدعي جوازه بتقريب أن يقال ان القضيّة الخارجيّة ليست الا اشارة إلى الافراد الخارجيّة ويشار بالعنوان إلى ذواتها كزيد وبكر وعمرو وخالد وأمثال ذلك واخراج فرد منه بالتخصيص ثمّ الشكّ في مصداقه انّما يحقّق الشك في انه زيد أم لا فحينئذٍ قد علم حكم العام بوجوب اكرام زيد وشك في اخراجه فاصالة العموم محكمة في وجوب الاكرام وعدم جواز الاهمال بذلك اذ ليست كالقضيّة الحقيقيّة .

وفرق المحقّق النائيني(1) بين ما لو قال اكرم هؤلاء ثم اشار إلى جماعة بقوله لا تكرم هؤلاء وبين ما اذا قال أكرم هؤلاء ثمّ حرم اكرام عشرة وشك في كلا المقامين من خروج زيد ودخوله في واجب الاكرام . فانه يجعله في المثال الأول من المشتبه المفهوم حيث انه يجهل ما المراد بالمخصص . بخلاف المثال الثاني فانه قد علم بالمقدار الذي هو العشرة وشك في دخول زيد في العشرة أو خروجه عنها ففي الأوّل لا مانع من التمسك بالعام في المشتبه انه دخل في هؤلاء الأوّل أو الثاني وفي الثاني قد علم بخروج عشرة مسلما ولا تردّد في مقدار الخارج وانما الشك في زيد انه منها أو لا . فحينئذٍ يكون من المشتبه المصداق ومعه لا مجال

نتيجة الكلام

ص: 205


1- . فوائد الأصول 1/527 .

للتمسك بالعام بخلاف الصورة الاولى والمثال الأوّل لما عرفت .

الا ان سيّدنا الأستاذ قدس سره استشكل في المثال الثاني بأنّه أيضا كالمثال الأوّلأذ تردّد العشرة بين كونها من في الجانب الشرقي أو في غيره يوجب كونه أيضا كالصورة الاولى كما انّه كذلك الأمر فيما إذا علم الاشارة إلى جماعة ولكنه تداخلوا مع المستثنى منه . وبالجملة فالعلم بخروج عدّة أفراد من هؤلاء الذين أوجب اكرامهم أوّلاً يمنع من جواز التمسّك بالعام في الموردين ولابدّ من الرجوع إلى الأصول العمليّة . فاذا كان هناك أصل موضوعي يعمل عليه وإلاّ فيرجع إلى الأصل الحكمي الاّ انه في المقام يكون الدوران بين الوجوب والحرمة . وحيث دار بين المحذورين فلا مجال للحكم الشرعي بل يكون مخيّرا عقلاً فانه اما فاعل أو تارك خارجا وحينئذٍ فحكم الشرع بالتخيير يكون من باب تحصيل ما هو الحاصل بالوجدان بالتعبد وهو محال كما انه لا مجال للقرعة وإن قيل بها في ما إذا طلّق احدى زوجاته بقوله احديهنّ طالق وذلك لعدم قصده إلى أحديها بالخصوص ومعه لا مجال للتعيين بالقرعة وإن قيل بها في الشبهة المحصورة في مثال الانائين المشتبهين .

وملخص الكلام في القضيّة الخارجيّة . ان الفرق بينها وبين الحقيقيّة بعدم احتياج الخارجيّة إلى تشكيل القياس في تطبيق الحكم بخلاف الحقيقيّة لا يوجب جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة . فلابدّ لكليّته سواء كان في الحقيقيّة أو

الخارجيّة من الرجوع إلى الأصول الموضوعيّة إن كانت . وإلاّ فالى الأصل الحكمي . وقد عرفت الاشارة إلى جملة من الأصول الموضوعيّة كقاعدة المقتضى والمانع وقاعدة كل أمر علق على أمر وجودي أو احراز الجزء بالوجدان والآخر

ص: 206

بالأصل كما في الضمان في اليد على ما تقدّم .

ثمّ انّه قد يدعي وجود الأصل الموضوعي في غالب الموارد ويتمسك

باستصحاب المشكوك في حالته السابقة مع كونه فردا للعام بالوجدان . لكن لايخفى انه لابدّ من انطباق الضابط عليه .

والمحقّق النائيني قدس سره وان أشار إلى ذلك في عدّة موارد . الاّ ان ملخص كلامه في هذا المعنى هو انه تارة يكون الموضوع مركبا وأخرى مقيّدا . فان كان مركّبا فمعه مجال للذهاب إلى احراز الموضوع بضم الوجدان إلى الأصل . وإلاّ فان كان مقيّدا بان كان عرضا ومحلاً فلا يجوز إلاّ فيما إذا كان متيقن الحالة وجودا أو عدما . فالمرئة المشكوكة انها من قريش لا مجال لاستصحاب عدم قرشيتها لعدم العلم بحالتها السابقة لذلك وجودا وعدما نعتا . اما العدم المحمولي فلا فائدة فيه .

اذ المرئة اما ان توجد قرشيّة أو لا وحينئذٍ فلا حالة متيقنة لنا كي يحرز ذلك بالأصل في مقام الشك . بل لو علمنا حالتها السابقة حال الولادة فلا شكّ لنا في بقائها على تلك الحالة وأمّا استصحاب عدم الانتساب إلى قريش الذي كان قبل وجود المرئة فلا فائدة فيه اذ اثباته لعدم كون هذه المرئة المشكوكة من قريش يحتاج إلى تمامية الأصل المثبت في ما هو لازم عقلي للمستصحب وقد ثبت في محلّه عدم تكفّله لهذه الجهة .

والحاصل فقد عرفت عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة مطلقا بلا فرق في ذلك بين المتصل والمنفصل على ما تقدم .

نعم اذا كان هناك أصل موضوعي يمكن احراز كون المشكوك من أفراد العام غير المخصّص أو من أفراد المخصّص فيعمل عليه . ولا مورد للاصول

إذا كان هناك أصل موضوعي

ص: 207

الحكمية . والا فالمجال لجريانها .

وفرق المحقق الخراساني قدس سره (1) بين المخصّص المتّصل والمنفصل فذهب فيالمتّصل إلى انه يعنون العام بعنوان غير الخاص بخلاف المنفصل وإنّما يوجب المخصّص المنفصل أظهريّته أو حكومته رفع اليد عن حجيّة العام أو ظهوره بالنسبة إلى أفراد المخصّص ولا يعنون العام فيه أصلاً . وكذلك الكلام في المخصّص المتّصل الذي يكون كالاستثناء وهذا الذي أشرنا إليه في المنفصل هو مراده قدس سره من عبارته في كفايته حيث يقول(2) ( ان الباقي تحت العام بعد تخصيصه

بالمنفصل أو كالاستثناء من المتصل لما كان غير معنون بعنوان خاص بل بكل عنوان لم يكن ذاك بعنوان الخاص كان احراز المشتبه منه بالأصل الموضوعي في غالب الموارد الا ما شذّ ممكنا الخ فقوله بعنوان خاص بطريق الوصف والموصوف لا باضافة العنوان إلى الخاص وقوله ( بل بكل عنوان لم يكن ذاك بعنوان الخاص ) أيضا معناه نفي تعنون العام بعنوان مغاير لعنوان الخاص بطريق اضافة العنوان إلى الخاص .

الحاصل: انه لا يعنون العام فيما اذا خصّص بالمنفصل أو كالاستثناء في المتّصل بعنوان خاص حتّى العناوين المغايرة لعنوان الخاص بأن يتّصف بعدم كونه ذاك العنوان أي الخاص . بل إنّما يقدّم عنوان الخاص على العام لأظهريته عليه وقد عرفت الاشارة في كلامه قدس سره إلى امكان احراز المشتبه بالعام والاصل الموضوعي وذلك كما في مثل المرئة غير القرشيّة حيث انه ورد بعض المطلقات

ص: 208


1- . كفاية الأصول 1/335 وما بعده .
2- . كفاية الأصول 1/346 .

بأن المرئة(1) تحيض بلا قيد . وورد(2) أيضا ما يظهر منه كون نهاية الحيض فيالغالب خمسين سنة الا انه قد خصّص ذلك منفصلاً بما(3) إذا كانت المرئة قرشيّة . فانّها تحيض إلى ستّين وبعده يكون الدم استحاضة كما في غيرها بعد الخمسين . فحينئذٍ لم يعنون العام في ناحية غير القرشية بكونها غير قرشيّة . بل خروج القرشيّة انما أوجب ضيقا في دائرة الموضوع . وعليه لا مانع من اجراء اصالة عدم الانتساب إلى قريش وعدم كونها قرشيّة في كون المرئة المشتبهة تحيض إلى خمسين بعد كونها مرأة وجدانا وحيث لا أصل هناك يحرز كونها قرشيّة أو غيرها فلابدّ من اجراء اصالة عدم الانتساب . وما ذكرنا من احراز كون المشتبه مرئة غير منتسبة إلى قريش ليس بنحو يكون هذا قيدا له ولا نعتا ولا وصفا بل المراد مجرّد حصول هذين الأمرين وجود المرئة وعدم الانتساب إلى قريش .

نعم في ناحية الأمر الثاني لابدّ من كون عدم الانتساب بالنسبة إلى هذه المرئة إلاّ انه لا بعنوان التقييد ولا الاجتماع وبالجملة فليس عنوان عدم الانتساب بعنوانه مأخوذا في موضوع الحكم ولا بالوصف الانتزاعي . بل التعبير بذلك إنّما هو لضيق العبارة وقصورها وإلاّ فليس ذلك من جهة كون المرئة متصفة بعدم الانتساب إلى قريش .

والحاصل: انّه يجري في هذا المقام اصالة عدم الانتساب إلى قريش المتيقنة قبل وجود المرئة في رتبة الماهية حيث انها لا وجود ولا عدم . بل انما

جريان أصل عدم القرشيّة

ص: 209


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 2 / 1 - 2 من أبواب الحيض .
2- . وسائل الشيعة 2 الباب 3 / 1 - 2 من أبواب الحيض .
3- . وسائل الشيعة 2 الباب 31 / 1 - 3 - 6 - 2 - 5 - 7 - 9 من أبواب الحيض .

يعرضان عليها فكذلك الأوصاف والعوارض الطارية عليها كالانتساب إلى قريش وعدمه . فانه يعرضها أيضا مقارنا لوجود المرئة ورتبتها رتبة المحمولات الاوليةفان العوارض اما ان تعرض الماهية بعد وجودها أو مقارنة معه . وحينئذٍ فيترتب على ذلك آثار المرئة غير الخارجة عن تحت العام بعد شمول العام وجدانا لها كما انه يجري اصالة بقاء زيد على العدالة بعد احراز كونه عادلاً سابقا في ما اذا علمنا بعلمه وشك في عدالته وكان ترتب الأثر على كونه عالما عادلاً .

تكميل وتلخيص: قد عرفت ان المحقّق صاحب الكفاية قدس سره (1) ذهب في المخصص المنفصل والاستثناء من المتصل إلى عدم تعنون العام بعنوان خاص كعنوان غير المخصص وضده . كما انه قبل أن يدخل في الايقاظ قد ذكر عدم جواز التمسك بالعام لاحراز المصداق المشتبه بعد أن فرق بين اللبي واللفظي وارجع رفع الحيرة في مقام الشك إلى الأصول العمليّة حسب ما يقتضيه المقامات من البرائة والاحتياط . مع انه اذا لم يعنون العام فيكون نفسه تمام الموضوع للحكم ولا جزء له ولا وصف كي يتركب منهما كما في العالم العادل . بل الخاص حيث انه أظهر من العام يكون حاكما عليه في عدم الاكرام وحرمته . فاذا قال أكرم العلماء وقال بدليل منفصل لا تكرم الفساق من العلماء فيكون نتيجة الكلامين هو وجوب اكرام العالم وقد أخرج من هذا خصوص الفساق . لكن لم يقيد العام بغير الفاسق بخلاف ما اذا قال لا تكرم الفساق فحينئذٍ يكون التعارض بين العامين وليس أحدهما أظهر من الآخر فالكلام إنّما هو في مثل العام والمخصّص لا

ص: 210


1- . كفاية الأصول 1/346 .

العامين من وجه خصوصا اذا كان التخصيص بمثل زيد فانه ليس زيد من حالات العلماء . ففي ما اذا اشتبه فرد انه زيد أم لا فيكون العام شاملاً له بعمومه اذ الفرضانه لم يقيد فلم لا يكرم بمجرد الشك في انه زيد الخارج . فلابد اما من التقييد ولا يقول به أو التركيب بأن يكون الموضوع مركبا من العالم وعدم كونه فاسقا . لا أن يكون عدم الفسق قيدا ونعتا للعام ولذا لا يعبّر باكرام العالم الذي ليس بفاسق . أو يقال بعدم التقييد ولا التركيب بل هناك قسم ثالث وهو رفع الحكم عن بعض الموضوع لا تقييده وتضييقه من أول الأمر وعلى هذا فلابدّ من بيان حكم صورة الشك .

فنقول: ان التخصيص تارة يكون فرديّا كما مثلنا باكرم العلماء إلاّ زيدا فحينئذٍ في صورة اشتباه الفرد انه زيد أو عمرو الذي يجب اكرامه ليس في البين أصل موضوعي يحرز انه زيد أو عمرو بل الأصل لو جرى في عدم كونه زيدا كذلك يجري في نظيره وعدم كونه عمرا فلا محيص من الرجوع إلى الأصول الحكميّة وحيث انه اشتبه بين واجب الاكرام وحرام الاكرام في فرد أو فردين بأن انحصر مورد الشبهة فيهما مثلاً . فامّا أن يقال بالقرعة أو يقال بتقديم الامتثال الاحتمالي على المخالفة القطعيّة . والموافقة القطعيّة حيث انه اذا تركهما أو أكرمهما فيعلم بارتكاب حرام وامتثال واجب في البين بخلاف ما اذا أتى باكرام واحد وترك الآخر فانه لم يخالف قطعيّا بل امتثل احتمالاً .

هذا . واما اذا كان التخصيص بمثل قوله أكرم العلماء ثمّ أخرج الفسّاق وقلنا بعدم التقييد كما هو المفروض فلا يمكن أن يقال ان تمام الموضوع هو خصوص العالم مع خروج الفساق عن تحت الحكم . فلا جرم يكون الموضوع مركبا كما

فيما يكون الموضوع مركباً

ص: 211

هو قدس سره على هذا صرح في طي الايقاظ بجريان الأصل لتنقيح موضوع العام . مع انه قد صرّح بعدم تعنونه بعنوان قبل هذا . وحينئذٍ فيجري اصاله عدم الفسق المحموليويترتب عليه الأثر بلا اشكال . وأمّا جريانه في المثال المعروف من المرئة القرشيّة فيقال انه قد ورد في بعض(1) الروايات المرئة ترى الحمرة إلى خمسين وقد ورد في آخر(2) ان القرشية ترى إلى ستين فيكون الثاني في حكم المخصص من الأول ويكون موضوع الأول المرئة لكن لا اذا كانت قرشية فيجري اصالة عدم الانتساب إلى قريش والمرئة محرزة بالوجدان وعدم كونها قرشية بالأصل والاستصحاب العدمي سواء كان في باب الحيض أو بالنسبة إلى أخذ الزكوة لها ( أو له ) .

نعم لا يفيد ذلك بالنسبة إلى أخذ الخمس لعدم احراز هاشميتها بذلك كما ان الأمر كذلك بالنسبة إلى مطلق الفقراء في جواز أخذ الزكوة مع خروج شارب الخمر أو مطلق الفاسق من تحت هذا الحكم . والوجه في الكل ان حكم المنفصل كالاستثناء فكما ان مثل الاّ لا يعنون الباقي تحت الحكم بعنوان غيره أي المستثنى كذلك الكلام في هذه الموارد .

واستشكل المحقق النائيني قدس سره في عدم اجراء المحقق الخراساني أصل عدم القرشيّة واجرائه أصل عدم الانتساب مع انه يحتاج إلى الاضافة إلى قريش وأجاب سيّدنا الاستاذ قدس سره بترتب الأثر على المرئة القرشيّة هذا ما رأه المحقّق الخراساني وذهب إليه في هذا المقام .

ص: 212


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 31 / 1 - 2 - 3 - 5 - 6 - 7 من أبواب الحيض 5 - 9 .
2- . وسائل الشيعة 2 الباب 1 - 8 / 31 من أبواب الحيض .

تتمة: قد تقدم بيان مرام المحقق الخراساني قدس سره في التخصيص المنفصل أو كالاستثناء من المتصل في انه لا يعنون العام بعنوان غير الخاص على ما سبق فيتفسير عبارته في الايقاظ وقوله ( بل بكل عنوان لم يكن ذاك عنوان الخاص ) يمكن أن يكون عطفا على ما سبق في قوله ( لم يكن معنونا بعنوان خاص وليس اضرابا بل كلام منفي . ومعناه انه كما لا يعنون بعنوان خاص كذلك لا يعنون بأيّ عنوان فرض مغايرا للخاص كما انه يمكن أن يكون المراد به انه يعنون بكلّ عنوان يمكن أن يعنون به لكن لا يعنون بعنوان ضد الخاص . وليس معناه انه يعنون بكل عام حتى المتضادات والمتناقضات ضرورة فساده ( أقول بل المراد من قوله ( بل هو ) الاضراب ويراد به انه يكون العام معنونا بكلّ عنوان والمراد بذلك الاشارة إلى العمومات الخاصة الا انه يكون العنوان غير عنوان الخاص لا تقييدا بل بما بين بقوله لم يكن عنوان الخاصّ ) فحينئذٍ في صورة الشك في المصداق الباقي تحت العام أو في الخارج عنه يمكن احراز الموضوع بمعونة الأصل الموضوعي كما في المرئة الخارجة منها القرشية بناء على ما ورد(1) من بيان حد رؤيتها الحمرة وانه إلى خمسين ثم ورد(2) ما يدلّ على رؤية القرشية إلى ستين المخصص للدليل الاول ويجري الاستصحاب العدمي في عدم ثبوت الانتساب إلى قريش الذي كان في الأزل وشك في تبدّل هذا العدم إلى الوجود . وانه كانت المرئة قرشية أم كانت ولم تكن قرشية أي منتسبة إليه . فالأثر انما يترتب على العدم المحمولي بلا احتياج إلى اتّصاف المرئة بأنّها غير قرشيّة . بل مجرّد عدم

ص: 213


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 31 / 1 - 2 - 3 - 5 الى 7 من أبواب الحيض .
2- . وسائل الشيعة 2 الباب 31 / 5 - 9 من أبواب الحيض .

ثبوت الانتساب إلى قريش كما في مثل موضوع الضمان فانه تصرف في مال الغير وعدم رضا صاحبه وهما من المقارنات التركيبيّة لا ممّا يقبل الاتصاف وذلك لانهان لوحظ عدم انتساب هذه المرئة إلى قريش فيخرج عن المحمولي ويكون نعتيا مع ان النعتي لا يمكن أن يتحقق إلاّ بعد وجود الموضوع . اذ حينئذٍ يكون نعتا ووصفا والا فقبله لا وصف ولا موصوف وانما لم يجر قدس سره اصالة عدم كونها قرشية لانها في معنى تعنون العام بعنوان ضد الخاص مع انه خلاف مبناه .

هذا ملخص ما ذهب إليه المحقّق الخراساني قدس سره وأورد عليه المحقق النائيني طاب ثراه(1) بأنّه بعد اخراج المرئة القرشيّة من تحت حكم العام فلا محالة تتضيق دائرة العام ولا يمكن أن يبقى على اطلاقه الكائن قبل ذلك . وانه سواء كانت هذه المرئة قرشيّة أم لا وحيث انه لا اطلاق له . فامّا أن يقال بعدم الاطلاق ولا التقييد

وذلك محال فانه في معنى الاهمال . فينحصر الأمر في التقييد بغير القرشيّة اذ لا يمكن بقاء الموضوع على حاله من الاطلاق وشمول القرشيّة .

ثمّ انّ القيود على قسمين فتارة تكون من الأوصاف والنعوت كالعلم والجهل والعدالة لمحالها وكالشخصيّة الايرانيّة والكبيرة وغيرها من الأوصاف واخرى تكون من المقارنات كحرارة الهواء وبرودته وعلم زيد بالنسبة إلى المرئة وغيرها فالقسم الأول يكون من التقييد . والثاني من التركيب كما انه لو لم يكن مطلق حصول الجزئين للمركب مرادا بل يراد تقارنهما في الزمان فلابد من دخل عنوان الاجتماع . وحينئذٍ فنقول القرشيّة كغيرها انما تكون من الأصاف والنعوت للمرئة فلا جرم يكون العام معنونا بعنوان غير القرشية بسبب التخصيص بالقرشية

ص: 214


1- . فوائد الاُصول 1/534 إلى 536 .

وعليه فلا أصل يحرز كونها غير قرشية والاستصحاب العدمي المحمولي لا يثبت لازمه العقلي من الاتصاف بعنوان غير القرشية .

هذا اجمال ما أورد المحقّق النائيني عليه على مبناه قدس سره في ضابط التركيبوالتقييد وان المقام من الأول .

لكنه ربما يمكن الخدشة في ذلك كبرى وصغرى .

توضيح كلام المحقّقين الخراساني والنائيني: قد سبق ان مراد الخراساني من قوله ( بل بكل عنوان ) عدم تعنون العام بعنوان ضد الخاص لا أنه يعنون بالعناوين الكثيرة المتناقضة . كما انه اجرى أصل عدم انتساب المرئة المشكوكة كونها من قريش الا زلى إلى قريش بعد وجودها ولم يجر أصل عدم كونها قرشيّة لما أفاد انه لا أصل يحرز انها كذلك أم لا لأنها اذا وجدت اما ان وجدت قرشية أو غير قرشية وحينئذٍ فيترتب الأثر على المرئة مع عدم انتسابها إلى قريش الا ان المحقق النائيني كما عرفت استشكل عليه وقدم مقدمة لبيان اشكاله وهي ان كلّ عنوان يؤخذ أولاً في موضوع الحكم ويراد اضافة شيء عليه لا يخلو هذان الأمران أي الذي أخذ في الموضوع والذي يراد أخذه اما أن يكونا جوهرين كزيد وعمرو وإمّا أن يكونا عرضين أو أحدهما جوهر والآخر عرض .

ثمّ ان الجوهرين لا يمكن أن يكونا على نحو التقييد لعدم امكان اتصاف جوهر بجوهر وحينئذٍ فلا يخلو واقع الأمر إمّا أن يكون ترتب الأثر وموضوعيّتهما للحكم بمجرّد وجودهما في الزمان بأن يكون الزمان ظرفا لهما أو لا بل يعتبر مع ذلك اجتماعهما فيه . فان كان الثاني بأن أخذ هذا العنوان في الموضوع فلابدّ من احرازه ومجرد احراز الجوهرين لا يفيد . نعم ان لم يلاحظ

إشكال جريان عدم القرشيّة

ص: 215

هذا الاجتماع قيدا بل المناط هو مجرد وجودهما لا بعنوان التقارن فما ذكرنا . وكذلك العرضان اذا كانا لمحلين إمّا العرضان لمحلّ واحد فذهب المحقق النائيني فيه أيضا إلى التركيب واستشكله سيّدنا الاستاذ قدس سره بعدم التركيب فيما اذا كانا عرضيين بأن يراد وجودهما الخارجي كما في مثل العالم والفقير فانهما يكونانتقييديّين وفي ساير الأقسام يتحقق التقييد اذا كان العرض لمحلّه لا العرض لمحلّ آخر مع الجوهر فالتركيب أيضا .

اذا عرفت هذا . فما ذكره المحقق الخراساني قدس سره في المرئة القرشيّة خلط بين التركيب والتقييد حيث ان القرشيّة أو الانتساب إلى قريش اذا وجدت وجدت على نحو الوصف والنعت لكونها عرضا لمحل واحد فحينئذٍ بمقتضى عدم تحقق الوجود للعرض اذا لم يكن معروضه موجودا فلا معنى لاجراء الاستصحاب فيه كي يترتب عليه الأثر اذ الأثر إنّما يترتب على العدم النعتي الذي لابدّ في النعت والصفة من ملاحظة المحمول الاولى وهو الوجود ثم لحاظ الوصف وعدمه حيث ان التقابل في ذلك من قبيل التقابل بين العمى والبصر من العدم والملكة كما في كلّ اطلاق وتقييد لا من الايجاب والسلب . وما له الحالة السابقة هو العدم المحمولي اذ ليس للنعتي حالة سابقة قبل وجود المرئة .

هذا ملخص ما أفاده المحقق النائيني في المقام اشكالاً على المحقّق الخراساني ولا يخفى ما فيه من الخدشة فانتظر .

والنتيجة ان المحقق الخراساني لا يجوّز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة لا لأجل تعنون العام ولكن يجري الأصل الموضوعي في غالب الموارد بضم الوجدان إلى الأصل وعرفت اشكال المحقّق النائيني له استنادا إلى

ص: 216

ضابطه من تقسيم ما يؤخذ موضوعا أو متعلّقا للحكم إلى ما يرجع إلى التقييد وإلى ما يرجع إلى التركيب فجعل ما اذا كان العرض ومحله من التقييدي . وباقي الأقسام من الجوهرين والعرضين لمحلين أو جوهر وعرض لمحل آخر والعرضين لمحل من التركيبي الذي يمكن في مقام ترتب الآثار اجراء الأصل العدمي في أحد جزئيه بخلاف التقييدي فانه في جانب العدم ليس له حالة سابقةاذ ما يترتب عليه الأثر هو العدم النعتي وما يجري فيه الاستصحاب هو المحمولى واجراء المحمولي لاثبات النعتي لا يكون الا بناء على الأصل المثبت وقد تقدم الكلام في ذلك وأشرنا إلى اشكال سيّدنا الاستاذ قدس سره في خصوص جعل العرضين لمحل من التركيبي بعد تسلم باقي الأقسام . وذهب فيه أيضا إلى التقييد وانه يكون وصفا كما في العلم مع الغنى فانّهما اذا كانا لمحل واحد لا محالة يكونان تقييدين . لكن لا يخفى ان مراد النائيني ليس لحاظهما بالنظر إلى محلّهما بل انما هما بالنسبة إلى أنفسهما حيث ان الكلام في مثل لحاظ شيء مع شيء آخر لا اثنين بلحاظ ثالث كما ان محل الكلام في ما يكون عرضيّا يوصف به المحل لا ما اذا أخذ عرضا فانه لا معنى لاتّخاذه تقييديّا في مثل العرض ومحله كما في باقي الموارد هذا .

ثمّ انه قد يشكل الأمر في مثل غير العرض ومحله ممّا لا يكون تقييديّا بدعوى انه لا يمكن تصور قسم رابع للاقسام الثلاثة التي يلاحظ الموضوع أو متعلق الحكم في الانقسام الاولى بالنسية إلى كلّ شيء من الزمان والزماني . فانه اما أن يكون لوجود ذاك الشيء دخل في الموضوع أو المتعلق أو لعدمه أو كلاهما سيان . فحينئذٍ فحيث يكون المقام من الانقسام الاولى دون ما يجيء من ناحية

الفرق بين التركيب والتقييد

ص: 217

الحكم ويكون من الانقسام المتأخر واللاحق الذي ربما يمكن فيه أعمال نتيجة الاطلاق والتقييد فنقول . هل يكفي في التركيب وجود كلّ جزء في أيّ وقت كما اذا كان لغنا زيد وعلم عمر ودخل فهل يلاحظان بالنظر إلى وجودهما معا أم يكفي وجود أيّ منهما في أي حين كان ولو لم يكن حين وجود الآخر . ومع اشتراط اجتماعه معه فان كان لهذا العنوان الانتزاعي الذي هو التقارن أو الاجتماع دخل في الحكم فلا يمكن اجراء الأصل العدمي في التركيبي أيضا لعدم كون الاجتماعوالتقارن موردا للأصل الجاري ولا مترتبا عليه الاثار إلاّ بالأصل المثبت كما في موارد ترتب الأثر على العنوان الانتزاعي مثل عدم رفع الامام رأسه قبل ركوع المأموم وكما في الاسلام قبل القسمة فان الاستصحاب العدمي الجاري في موضوع عدم رفع الامام رأسه أو عدم حصول القسمة لا يثبت وقوع الاسلام قبل القسمة ولا ركوع المأموم حال ركوع الامام أو قبله . وعلى هذا فلا فائدة في التركيبي أيضا لعدم امكان جريان الاصل العدمي فهو كالتقييدي وان أمكن في التقييدي أيضا لحاظ العرض والمحل بنحو التركيب الا ان الظاهر ما ذكرنا .

والجواب عن هذا الاشكال هو انه وإن كان الاجتماع والتقارن أمرا قهريّا لكن ليس لذلك دخل حتى انه لو فرض محالاً امكان وجود الجزئين معا بلا حصول التقارن ولا امكان انتزاع عنوان الاجتماع لكان الأثر مترتبا فتأمّل .

اشارة إلى بعض النتائج الفقهيّة لهذه المسألة:

وليعلم انه حيث يترتب على احراز الموضوع بضم الوجدان إلى الأصل فروع كثيرة في الفقه لا بأس بتحقيق المقام والنظر إلى الاشكال وما يمكن أن يدفع به عنه فنقول: انه اذا كان المتكلم ملتفتا إلى مواقع كلامه كما هو المفروض في

إذا كان للعنوان الانتزاعي دخل في الحكم

ص: 218

مورد البحث في الأحكام الشرعيّة فلا يخلو واقع الأمر عنده من دخل كلّ شيء في موضوع حكمه أو متعلقه وجودا أو عدما أو انه لا فرق بينهما بل كلاهما سيان . ولا رابع لهذه الثلاثة . ولو فرضنا عدم امكان التقييد في الدليل أو الاطلاق فلابدّ من بيان مراده الواقعي وما هو موضوع أو متعلّق لحكمه بنتيجة الاطلاق أو التقييد كما هو الحال في الانقسامات اللاحقة والثانويّة التي تترتب على الخطاب والحكم . وأمّا الانقسامات الملحوظة قبل ذلك فالأمر فيها ما ذكرنا من الامور الثلاثة . اذ لا يمكن الاهمال ولا الاطلاق ولا التقييد اذ العدم والملكة في الموردالقابل حكمهما حكم السلب والايجاب لا يمكن ارتفاعهما ولا اجتماعهما .

نعم في المورد الذي لا يكون له القابليّة لا مانع من ارتفاعهما كما في الجدار فانّه لا أعمى ولا بصير .

اذا عرفت هذا . فاعلم ان الموضوع المركب من جزئين على نحو لا يكون أحدهما قيدا للآخر ولا نعتا له لا يخلو واقع الأمر من دخل الاجتماع لهما في ذلك أو لا .

فان كان الثاني فلابدّ من ترتب الأثر على مجرّد وجودهما واحرازهما ولو لم يكن هناك اجتماع بل كان أحدهما في زمان والآخر في زمان آخر . واذ ليس الأمر كذلك فلابدّ من دخل عنوان الاجتماع . وحينئذٍ فاجراء الأصل في أحد الجزئين لا فائدة فيه ما لم يترتب عليه عنوان الاجتماع والمعية . وإلاّ فلا أثر له كما هو الفرض مع ان ترتب عنوان الاجتماع على التعبد بأحدهما وجودا وعدماً لا يكون إلاّ بناء على الأصل المثبت الذي هو خلاف التحقيق . فحينئذٍ ينسد باب الاستصحاب في هذه الموارد بالكليّة .

إذا لم يؤخذ التقارن قيداً

ص: 219

ان قيل . ان الزمان ليس قيدا لهما بل إنّما هو ظرف اجتماعهما بعنوانه الواقعي لا بلحاظ هذا العنوان أي الاجتماع فيه .

قلنا: ان هذا لا معنى له اذ لو لم يكن لهذا الزمان دخل فيه فليكن مجرد وجودهما وكل في زمان كافيا واذ ليس فلا يكون الزمان ظرفا بل قيدا كما في ساير الموارد مثل الصلاة في الوقت .

والجواب عن هذا الاشكال يمكن بأحد وجهين: الأوّل ما أشرنا إليه سابقا من كفاية مجرّد وجودهما بلا دخل لعنوان الاجتماع . بل لو فرض محالاً حصولهما ولم يكن هناك عنوان اجتماع ولا معيّة لكفى في ترتب الأثر . لكن يردعليه ان وجودها في الزمان أو في المكان أو غيرهما هو نفس عنوان الاجتماع فكيف يمكن غضّ النظر عنه .

فان قيل فما تقولون في مثل استصحاب الطهارة في الصلاة مع اتيان الاجزاء بالوجدان وتستنتجون الصلاة مع الطهارة ولا تقولون في قاعدة الفراغ وساير نظائرها .

قلنا: وهو الجواب الثاني بأنّ الأثر في باب الطهارة واستصحابها هو جواز الدخول في الصلاة ولا احتياج بنا إلى احراز عنوان وقوع الصلاة في حال الطهارة بل لابدّ من كون الصلاة واقعة من المتطهّر وحيث جرى الاستصحاب في مورد الشك في بقاء طهارته فيحرز بذلك عنوان المتطهّر البسيط . ومن آثاره وأحكامه الشرعيّة جواز الدخول في الصلاة كما ان عنوان الفقير يترتب عليه جواز أخذ الزكوة وكذلك ساير العناوين ولا نحتاج إلى اثبات اجتماع الصلاة مع الطهارة وكذلك في قاعدة الفراغ والتجاوز إنّما ثبت ذلك لقولنا فيهما بكونهما قاعدة مادام

ص: 220

الشك . ومرجعها إلى القناعة في مقام الامتثال وكذلك استصحاب الكرية في حال غمس اليد فيه انما ينتج جواز التطهير به وطهارة ما يغسل به ولا يلزم من ذلك وقوع الطهارة والغسل ولا أخذ الفقير للزكوة ولا حصول أجزاء الصلاة في حال الشك وجريان الاستصحاب في الطهارة واما بالنسبة إلى نفس اجزاء الصلاة فقد التزمنا بالسبق واللحوق والشرط المتأخّر والواجب المعلّق إلى غير ذلك ممّا تقدّم في محلّه .

وحاصل الكلام في المقام هو عدم التقييد في مورد هذه الأمثلة والنقوض كما ان الضمان في اليد المشكوكة ان استشكلنا في هذا الضابط ولم يكن لنا طريق آخر من قاعدة المقتضى والمانع وقاعدة التعليق وغيرها لا نقول بمقتضاه بلنحكم بعدم الضمان .

هذا حاصل الكلام في هذا المقام . وقد تلخّص ممّا ذكرنا عدم جريان الأصل في ما اذا كان العام مخصّصا بمخصص سواء كان متّصلاً أو منفصلاً وسواء كان بالاستثناء أو غيره . وتلخص عدم جريان الأصل الموضوعي الا فيما كان له حالة سابقة ولم يكن من العنوان الانتزاعي الذي لا يترتب على جريان الأصل في منشأ الانتزاع الا فيما اذا كان لهذا العنوان حالة سابقة . فحينئذٍ لابدّ من الرجوع إلى الاصول الحكميّة من البرائة والاحتياط . أمّا بناءً على مبنى المحقق الخراساني قدس سره

من عدم تعنون العام بعنوان نقيض الخاص أيضا لا مجال للتمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة للعثور على الدليل الأقوى والحجّة المزاحمة على ما سبق الكلام فيه .

نعم الا اذا كان المخصص لبيا فقد يدّعي جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقبّة فانتظر للتتمّة الكلام .

الجواب عن النقض

ص: 221

ثمّ انّ سيّدنا الاستاذ قدس سره لم يرتض صحّة النقض بالموارد المذكورة على انكار التركيب في مثل هذه المقامات وعدم جريان الأصل لكونه مثبتا . ولا يفيد في اثبات العنوان الانتزاعي من الاجتماع وغيره . حيث ان ما ذكر يرجع إلى باب التقييد ولا يجوز التمسك بالأصل العدمي لاحراز جزء الموضوع فيها حتى بناءً على تسليم التركيب كبرويّا . وذلك لعدم كونه من التركيب . بل هي تقييديّة كما يستفاد من قوله علیه السلام (1) ( لا صلاة إلاّ بطهور ) دخل عنوان الاجتماع والمعيّة وكذلك في باب الوقت واستصحاب بقائه بالنسبة إلى احراز وقوع الصلاة في الوقت مثبت كاثبات استصحاب الطهارة لاحراز الصلاة مع الطهور . فلا يتمّ النقص بهذه المواردلكونها تقييديّة . وذلك اشكال وارد على كلا المذهبين حيث ان مقتضى ما ذكرنا عدم جريان الاستصحاب فيها لاشكال الاثبات الا أن يجاب بما ذكره المحقّق الخراساني قدس سره من خفاء الواسطة وهذا أيضا استشكله المحقّق النائيني قدس سره في بحث الاستصحاب .

وكيف كان فلابدّ من الجواب . بل القدر المتيقّن من مجرى الاستصحاب هو هذا المورد حيث ان أخبارها واردة في باب الطهارة من الحدث والشك في البقاء وعدمه وان أنكر جريانه بعض من الاخبارية وتمسّك باخبار اخر وحصر مورد الاستصحاب بما اذا كان الشك في النسخ .

وهو أيضا لا مجرى له كما بيناه في مباحث الاستصحاب .

والحاصل ان الاشكال قوى ولذا توقف سيّدنا الاستاذ قدس سره في المقام ولم يكن له مجال التفكر في الجواب وان كان يمكن تقريره بما ذكرنا سابقا من عدم

ص: 222


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 14/2 من أبواب الجنابة .

دخل عنوان الاجتماع بل الدخيل احراز جزئي الموضوع .

نعم يجري الاستصحاب العدمي في بعض الموارد .

وحاصل الكلام في المخصص اللفظي هو عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة عند كلتا الطائفتين من القائلين بعدم تعنون العام بعنوان ضد الخاص في مثل المخصص المنفصل أو كالاستثناء من المتصل كالآخوند ومن يقول بمقالته ممّن تقدّم وتأخّر والقائلين بتعنونه كالنائيني ومن تبعه ومن تقدمه .

أمّا بناءً على تعنون العام فوجهه واضح للزوم احراز ان المشكوك عالم غير فاسق مثلاً ولا يكفي مجرّد احراز كونه عالما . وبناء على مذهب المحقّق الخراساني وان كان لم يعنون العام بعنوان ضد الخاص ولازمه التمسك بعموم العام لشمول العام له وجدانا وإنّما الشك في خروجه وعدمه بالمخصص . الا انه حيثقد علمنا بورود المزاحم الأقوى للعام وقد أخرج الفساق من قوله أكرم العلماء ففي المورد المشتبه لا يمكن التمسك بالعامّ لابتلائه بالمعارض الأقوى في حجيّته لا في ظهوره فان التخصيص لا يوجب إلاّ انثلام حجيّته لا ظهوره . فلا وجه للتمسّك بالعام للشك في حجيّته بالنسبة إلى المشتبه وعدم حجيّته لوجود العارض الأقوى من الخاص المنفصل أو المتصل كالاستثناء .

نعم لو كان هناك أصل موضوعي يجري في احراز الموضوع فلا شبهة في ترتب الحكم حينئذٍ عند كليهما إلاّ ان الخلاف في الصغرى فهو قدس سره يدعي جريان الأصل الموضوعي بخلاف المحقّق النائيني فينكر جريان الأصل لاشكال الاثبات على ما عرفت . وحيث ان المحقق الخراساني لا يقول بتعنون العام فيمكنه التمسك به في الشبهة المصداقيّة له والمخصص اللبي . وتقريره ان

ص: 223

المخصص تارة يكون هو الاجماع . واخرى حكم العقل اما ضروريّا أو النظري الذي يلتفت إليه بواسطة مقدمات أو مقدمة . وفصّل المحقق النائيني فيما اذا كان بيان المصداق بيد المولى فيجوز الرجوع إلى العام في الشبهة المصداقيّة دون ما اذا كان تشخيصه من ناحية المكلف . فحينئذٍ لا مجال للرجوع إلى العام في الشبهة المصداقيّة المشتبهة بينه وبين المخصّص اللبي لكن يرد عليه جريان هذا التفصيل في المخصص اللفطي أيضا .

توضيح ما سبق قد عرفت حكم التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة وانه لا يجوز عند كلتا الطائفتين . اما عند الذين يقولون بتعنون العام فواضح . واما مثل المحقق الخراساني الذي لا يقول بتعنون العام فوجهه عدم بقاء العام على حجيّته مطلقا بل خرج عن الحجيّة بالنسبة إلى مقدار المخصص ففي الفرد المشتبه لم نحرز ان العام حجة أو المخصص . وذلك لعدم تكفل العام والكبرى لاحرازصغرياته لكنه يرد عليه ان التخصيص أوجب انثلام التسوية الحاصلة بين أفراد العام بالنسبة إلى حالتي الفسق وعدمه بل اخرج الفسق وبقي ان يكون الباقي معنونا بعنوان غير الفاسق كما هو التعبير به عن ذلك عرفا فانه يقال بقي العدول على حكم العام .

ثمّ ان المحقق الخراساني حيث انّه لا يذهب إلى تعنون العام بالتخصيص فله مجال إلى التمسك بالعام في ما اذا خصص بالمخصص اللبي ووافقه المحقق النائيني (1) .

ص: 224


1- . كما يظهر حقائق الأصول 1/500 الموافقة من السيّد الحكيم وخالف المحقّقان العراقي والبجنوردي والحق معهما قدس سره م ( نهاية الأفكار 2/526 ) . منتهى الاُصول 1/454 وللسيّد العلاّمة الخوئي تفصيل في المقام . المحاضرات 46/349 - 361 .

توضيح المقام: ان المخصص تارة يكون عقليّا ضروريّا أو نظريّا واخرى اجماعا . اما مثل الحكم الضروري العقلي فيوجب عدم انعقاد الظهور في العموم من اول الأمر كالمخصّص المتصل بخلاف النظري فانه كالمنفصل . وكيف كان فالعنوان أو القيد المنظور في المخصص تارة لا يصلح الا للموضوعيّة . واخرى للملاكيّة وثالثة لهما فان كان صالحا للموضوعيّة فقط فحينئذٍ لا يجوز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة حيث ان تشخيص الموضوع واحرازه ليس بيد المولى . بل راجع إلى المكلّف فلا يجوز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة في هذا القسم كما في مثل قوله علیه السلام (1) انظروا الى رجل منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا الخ حيث انه بصدد بيان من يرجع إليه في مقام القضاء وجعل المنصب فاعتبر الرجوليّة والرواية للحديث والنظر الذي يستفاد منهالاجتهاد والعرفان بالأحكام فلا يكفي الظن . وعلمنا من الخارج اعتبار العدالة في القاضي باعتبار دليل عقلي نظري كعدم صلاحيّة الفاسق لمنصب القضاء ففي هذا المورد قد قيد هذا الاطلاق بالعادل ولكن لا يمكننا التمسك في صورة الشك في كون من احرزنا فيه ساير ما له الدخل في ذلك عادلاً باطلاق فانظروا إلى رجل لامكان تشخيص العادل في حقنا وليس أمرا مجهولاً لا نعلمه وليس تشخيصه بيدنا . فحاله كحال ساير العناوين المأخوذة في لسان الدليل من الرجوليّة والاجتهاد والرواية في عدم ترتب الأحكام على المشكوك كونه كذلك . فكانه من اول الأمر قيد الموضوع في لسان الدليل بالعادل . وهذا بخلاف الأمر

التفصيل فيعدم جواز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة

ص: 225


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 1 - 11 / 5 - 1 من أبواب صفات القاضي مع تفاوت في الألفاظ لا يضرّ بالاستدلال .

الذي لا يصلح الا للملاكية . فحيث ان الملاك لا نعلم بوجوده وعدمه وليس تشخيصه بأيدينا فبالنسبة إلى الأفراد المعلوم عدم الملاك للحكم فيهم ووجود ملاك الحكم المخصص نرتّب آثار العدم كما انه بالنسبة إلى من علمنا بوجود ملاك الحكم فيهم وعدم وجود ملاك المخصص نرتب آثار العام . اما بالنسبة إلى المشتبه حاله في وجود ملاك الحكم أو ملاك المخصص فلنا التمسك بعموم العام لأجل عدم امكاننا من احراز الملاك وعدمه والقى العموم إلينا وذلك يكشف عن وجود الملاك فيه وعدم تحقق ما يوجب ترتب حكم المخصص في حقه . وذلك كما في مثل قوله ( العن بني اميّة ) أو العنوا بني اميّة ) فان ملاك اللعن هو الشقاوة وعلمنا

بوجود ملاك عدمه وعدم تحقق الشقاوة في حق معدود منهم فلا يجوز لعنهم بخلاف المشكوكين . اما الذي يصلح لكلا الأمرين فملحق بالموضوعيّة ولا يجوز التمسّك بالعام في المشتبه كما في مثل العداوة في قولنا اكرم جيراني وعلم المخاطب بعدم رضا المتكلّم باكرام عدوّه . والمحقق الخراساني قدس سره قد مثل بهذا الاخير لمسئلة الموضوعيّة الا انه لا يخلو عن خدش بل المثال المنطبق ما ذكرنامن قوله انظروا الى رجل الخ . اما في مثل اللهمّ العن(1) بني امية قاطبة فيشبه خروج المؤمن السعيد منهم بالتخصص لا بالتخصيص بالمخصص اللبي .

فظهر بما ذكرنا من البيان تفصيل المحقق النائيني في المخصص اللبي بين ما إذا كان صالحا للموضوعيّة وما اذا كان صالحا للملاكيّة فقط فذهب إلى عدم جواز التمسك بالعام في المشتبه في الأول بخلاف الثاني بالتقريب المتقدم . كما انه ذهب إلى عدم الجواز في ما اذا كان صالحا لكلا الأمرين بخلاف المحقق الخراساني

ص: 226


1- . زيارة عاشوراء المعروفة .

فانه لم يفرق في جواز التمسك بالعام بين هذه الموارد . بل قال بالجواز مطلقا كما انهما قدّس اللّه أسرارهما اتّفقا في عدم انعقاد العموم للعام في ما اذا كان المخصص اللبي حكما عقليّا ضروريّا وانه يكون كالمخصص المتصل . وكما اذا كان الكلام محفوفا بما يصلح للقرينيّة المانعة عن انعقاد الظهور في العموم بخلاف الحكم النظري فانه يكون كالمنفصل في انعقاد الظهور .

توضيح: ما أفاده المحقّق الخراساني . ان العام حيث انه يشمل الفرد المشتبه حسب الفرض بعمومه ويشك في كونه ممّا ينطبق عليه عنوان المخصص فلا مانع من التمسك بالعام لشموله هذا الفرد والمخصص انما هو حجّة بالنسبة إلى المقدار المتيقن حيث ان العقل لا يشكّ في موضوعه فاما ان يرى تحققه ويحكم عليه واما ان لا يرى فلا حكم له . فحينئذٍ في المشتبه انه عدو من الجيران فيما اذا قال أكرم جيراني لا يمكن التوقف من جانب المأمور اعتذارا بعدم علمه بعدم عداوته بل يأخذ بظهور كلام المولى ولا توقف له وهذا بخلاف المخصص اللفظي .

والحاصل هو ان الفارق هو حكم العرف وعدم توقفهم في المقام . بل يرونللمولى صحة مؤاخذة العبد اذا لم يكرم المشتبه من جيرانه . وليس كذلك المخصص اللفظي فان العام بالنسبة إلى مقدار ظهور المخصص وحجيته قد حكم عليه بالظهور الأقوى . وحيث انه لا يقوم الكبرى باثبات الصغرى واحرازها فلا نعلم انطباق أي الحجتين على المشتبه أهو من الباقي تحت العام الذي لم يعنون بعنوان أم من الخارج .

وبعبارة اخرى الفرد الفاسق المعلوم الفسق ليس غير عالم بل هو عالم قطعا فلم يخرج المخصص هذا الفرد عن كبرى العالم . بل انما رفع حكم العام عنه كما

التفصيل بين المخصص اللبي واللفظي

ص: 227

انه تارة يعدم فرد من العام ويموت في الخارج فهل يعنون الباقي الاحياء بكونهم غير ذاك المعدم والميت .

وكيف كان . فلا فرق عنده قدس سره بين أقسام المخصّص وأنحائه كما انه لم يفرق بين مثال قولنا أكرم جيراني أو لعن اللّه بني اميّة قاطبة . بل قال(1) بامكان الاستدلال بعموم قوله ( لعن اللّه بني اميّة قاطبة ) على الفرد المشكوك انه داخل تحت عنوان المخصص أو باق تحت العام بلا تخصيص خلافا للمحقّق النائيني(2) فيما اذا كان صالحا للملاكيّة فقط فذهب إلى عدم جواز التمسك بالعام فيه لعدم كون تشخيص المصاديق بيد المولى بل انما هو راجع إلى المكلف ولذا اشتهر ان تشخيص الموضوع ليس إلى نظر الفقيه .

نعم ربما حدّد الشارع بعض الموضوعات في موارد خاصة كالعين انها باطنة في الوضوء وهل اللازم غسلها أم لا وكما في بعض الموضوعات المستنبطةكالصعيد فانه بنظر الفقيه هذا كلامهما .

وقد استشكل اطلاق كلامهما سيّدنا الاستاذ قدس سره واعترف بصحّة بعض من كلام كلّ واحد منهما ولم يوافق البعض الآخر حيث ان التخصيص تارة يكون في القضيّة الخارجيّة فيمكن أن يقال بمقالة المحقّق الخراساني ( حسب ما استفيد من فحوى كلام سيّدنا الاستاذ ) كما ان ما ذهب إليه المحقّق النائيني قدس سره من جواز التمسك بالعام في ما يكون صالحا للملاكيّة والموضوعيّة وما ذكر من المثال من قوله اكرم جيراني لا يتم لامكان الاشكال في العداوة بأنّه من قبيل الملاك كما انّ

ص: 228


1- . كفاية الأصول 1/344 - 345 .
2- . فوائد الأصول 1/536 - 537 .

في مثل الايمان بالنسبة إلى بني اميّة يمكن الذهاب إلى كونه موضوعا لا ملاكا .

هذا مضافا إلى عدم الفرق بين المخصص اللفظي واللبي حيث ان حجيّة اللفظي إنّما هو من باب الكشف عن المراد كما في اللبي وحينئذٍ فكما لا يجوز التمسك بالعام في اللفظي كذلك في اللبي ومجرّد كونه لبيّا لا يخرج عن كونه كاشفا حجّة خصوصا بناءً على مبنى الاطلاق والتقييد وان الخاص انما يوجب ذهاب الاطلاق وانصرامه وانكشاف كون العموم والاطلاق خيالاً . افترى التوقف من أحد في تقييد مثل قولنا اعتق رقبة بالمؤمنة لقوله لا تعتق رقبة كافرة مع ان البحث في العموم والخصوص ناظر إلى هذه الجهة والتقييد الأحوالي فهذه الأبحاث ساقطة من رأس جدا .

تبيين وتوضيح وتكملة: صادق سيّدناالاستاذ ما ذكره المحقّق النائيني في المخصص اللبي وتفصيله في الأنحاء الثلاثة . لكنه ناقش في الأمثلة فذهب إلى ان قوله ( لعن اللّه بني اميّة قاطبة ) وانه من باب الملاك ربما يشكل حيث انه وان كان من الممكن تقريبة بدعوى ان الشقاوة أمر ليس تشخيصها بيد المكلف وانما يعلم بها المولى مع انه نعلم بالقطع عدم جواز لعن المؤمن . فبالنسبة إلى المشكوك حصول الملاك فيه يكون دليلاً على حصول ملاك العام وهو اللعن فيه بخلاف ما كان من قبيل الموضوع لكن يمكن الاشكال بعدم جواز لعن المؤمن واقعا فليس لنا حينئذٍ فرد مشكوك حيث ان اللعن قرينة على عدم ارادة المؤمن واقعا اذ لا يمكن عموم الحكم وخصوص الموضوع واللعن على غير المستحق الشقي يرجع إلى لاعنه فحينئذٍ يكون قوله ( اللهم العن بني اميّة قاطبة ) لعنا مقصورا على خصوص غير المؤمن منهم ولو فرضنا المشكوك فيهم . فهو في الواقع لو كان مؤمنا

اشكال سيّدنا الأستاذ

ص: 229

لم يشتمل اللعن عليه كما انه لو لم يشمله عنوان العام وان كان منهم كذلك يشمله اللعن اذ لسنا نلعن رجلاً مخصوصا باسمه بل بعنوان العموم وعدم جواز اللعن على غير الشقي وعدم حصوله وبعده من اللّه يمنع عن ارادة المؤمن منهم فهو من قبيل الانصراف أو نفس الانصراف إلى غير المؤمن وعليه فلا مورد للشك ولا يترتب عليه أثر فيه انه خلاف الظاهر .

وكيف كان فهذا التفصيل الذي ذهب إليه لا اختصاص له بالمخصص اللبي بل يتّجه في اللفظي أيضا مع ان الظاهر كونه من باب الموضوعيّة .

ويرد على المحقّق الخراساني قدس سره الذي اطرد الكلام في الكل انه لا فرق بين أنحاء المخصّص من اللفظي واللبي وكونه اجماعا أو حكم العقل اذ كلّها كاشفة عن القيديّة والتخصيص وحينئذٍ فيوجب خروج الاطلاق عن كونه مطلقا كما عرفت عدم استقامة ما ذهب إليه سابقا من عدم كونه مرادا بما هو حجّة وان كان العام يشمل الخارج الحكمي بما هو غير حجّة بل بما هو ظاهر . بل الظاهر القيديّة والخروج عن التسوية . اللهم الاّ ان يكون الخارج فردا بالخصوص فحينئذٍ يكون كالموت والمعدوميّة له ولا يوجب ذلك زيادة قيد . بل انما يوجب تضييق دائرةالتطبيق كما اذا شككنا في ان موضوع قوله لا تكرم زيدا هل هو زيد العالم أو الجاهل فيمكن التمسك باطلاق أكرم العلماء وعمومه لرفع الشكّ عن زيد العالم واثبات كون الموضوع هو الجاهل .

وقد اعترف سيّدنا الاستاذ قدس سره بعدم العثور بعد التتبّع التام على مورد يكون في الفقه من باب التخصيص سواء كان من باب الأحكام التكليفيّة أو كان راجعا

ص: 230

إلى الوضعيّات بل هناك ما لا يرجع إلى واحد منهما ولا يكون تخصيصا ولاتقييدا واما توهم كون سؤر الهرة مثلاً من هذا القبيل أي من قبيل التقييد أو التخصيص ففاسد لكون التعبير به وأمثاله في هذا الباب وساير الأبواب من الفقهاء وليس في النصوص كذلك كما ان قوله تعالى: « احلّت لكم بهيمة الأنعام إلاّ ما يتلى عليكم »(1) ليس من هذا الباب بل يمكن كونه من الاستثناء المنقطع لعدم كون المحرمات من الكلب والخنزير وغيرهما ممّا يصدق عليها بهيمة الأنعام .

نعم اذا ثبت في مورد من هذه وأمثالها ذلك وانه قال احل لكم كلّ حيوان إلاّ الكلب أو الخنزير مثلاً فنقول بمقتضاه من عدم التقييد وان ذلك من باب اخراج الفرد لا التقييد الا ان الكلام قد عنونوه في التخصيص وأتوا بما يناسب التقييد اذ الأمثلة المذكورة في هذه المقامات كلّها راجعة إلى التقييد الأحوالي ولا كلام لأحد في عدم جواز التمسك بالمطلق في الشبهة المصداقيّة . بل الاتفاق قائم على العدم . مع ان مثل قولنا أكرم العلماء ولا تكرم الفساق منهم يكون من الاطلاق والتقييد وتقييد اطلاق العلماء أحوالاً بما اذا كانوا غير فساق على ما عرفت في ماسلف واعترف قدس سره بالعثور على مثال للتخصيص الفردي في ما مضى لكن يثبت(2) فيه الخدشة أيضا على ما أذكر وقد كتبنا في بعض أبحاثنا .

والحاصل . انه اذا كان التخصيص من قبيل اخراج الفرد الداخل في المستثنى منه منه فلا شك في عدم التقييد لعدم كون الكلب صفة للحيوان ولا أمثاله

ما يرد على المحقّق الخراساني

ص: 231


1- . سورة المائدة الآية 2 .
2- . كان سيّدنا الأستاذ قدس سره يرى إلاّ ما ذكّيتم مثالاً للتخصيص الفردي وعرضت عليه قدس سره انه أيضاً تخصيص عنواني فقبل وتسلّمه .

ولا زيد صفة لعمرو ولذلك قلنا بعدم كون خروج الفرد مثل أكرم العلماء ثمّ قال لا تكرم زيدا راجعا إلى التقييد خلافا للمحقّق النائيني قدس سره فقال بالتقييد في هذا أيضا . اما مسئلة الجزء بالوجدان والجزء الاخر بالأصل فلعله لا يوجد له مثال في الفقه حتى ان المثال المعروف في اثبات موضوع الضمان في اليد المشكوكة يمكن ارجاعه إلى التقييدي بكون الاذن من المالك في التصرف فحينئذٍ يكون التصرّف مأذونا به من المالك ويجوز واذا لم يكن مأذونا فيه من المالك فيكون ضامنا وانى لنا باثبات عدم المأذونيّة في التصرف بمجرّد استصحاب عدم رضا المالك مع وضع يده أي المتصرف على مال الغير كما انك عرفت امكان ارجاع التركيبي أيضا إلى التقييد على ما تقدّم . ولذا جاز تقسيم اليد إلى قسمين يد عادية ويد امانية . ثمّ انه ربما يتمسّك ببعض العمومات المتكفلة للأحكام الثابتة على الأشياء بعناويها الثانويّة كما اذا شككنا في جواز الوضوء بمايع مضاف فنتمسك باطلاق أدلّة النذر اذا كان منذورا . لكن لا يخفى ما فيه من الاشكال حيث ان متعلق النذر لابدّ أن يكون مع قطع النظر عن تعلق النذر به راجحا فكيف يمكن اثبات رحجانه بنفس هذا الدليل .واستدلّ القائل بمثل وجوب الوفاء بنذر الصوم في السفر والاحرام قبل الميقات مع عدم جوازهما قبل النذر فهذا يكشف عن كفاية النذر في ذلك وصحّة المدّعى . وبالجملة ففي نذر الصوم في السفر والاحرام قبل الميقات . اما أن يقال برجحانهما قبل النذر ولا سبيل إليه لبطلان الاحرام وحرمته اذا أتى به بقصد الورود وكذلك الصوم لا يصحّ أو ان النذر لا ينعقد . ولا سبيل إليه لاتفاق العلماء على انعقاد النذر ووجوب الوفاء به .

ص: 232

وأجاب المحقّق الخراساني قدس سره (1) بوجوه ترجع إلى ثلاثة عند التحقيق . فامّا ان نقول بوجود المقتضى والمصلحة في الصوم في السفر والاحرام قبل الميقات . غاية الأمر ابتلى في كلا المقامين بمانع كالسفر في الأول والمشقة الكثيرة في ترتب احكام الاحرام في الثاني . فلذا لم تؤثر المصلحة تأثيرا تامّا يستدعي الجعل على طبقها . وبالنذر يرتفع المانع ويصحّان ويتعلّق بهما الأمر واذا جاز ذلك عقلاً فيكفي في مقام الاثبات حكم الشارع والدليل الوارد .

والوجه الثاني . أن نقول بتخصيص أدلّة لزوم الرجحان في متعلّق النذر في هذين الموردين وانه لابدّ من الرحجان في متعلقه الا في ما قام الدليل على عدم لزومه .

الثالث . أن نقول بكفاية الرحجان بعد تعلق النذر وانه موجب الرحجان فيه كما ربما يستفاد أو يؤيّده ما دلّ من التشبيه للاحرام قبل الميقات بالصلاة قبل الوقت وفي المقام اشكال آخر وهو لزوم القرب في متعلق النذر اذا كان عباديّا كما في الاحرام . وأمّا الأمر النذري فهو توصلي فلا يفيد مع انه لو كان مستحبّاذاتا ولو عباديّا فلا يبقى الأمر الاستحبابي بعد ورود الأمر النذري ( الا أن يقال بالكسب والاكتساب كما مر في بحث مقدمة الواجب أو غيره فراجع ) .

ثمّ ان في الاحرام اشكالاً آخر ناسب المقام ايراده . وهو ان من يعلم انه بعد الاحرام لابدّ من ركوب ما لا يمكن معه عدم تظليل الرأس كيف يعقد احرامه .

وأجاب سيّدنا الأستاذ قدس سره بأن الجواب الصحيح عنه ان حقيقة الاحرام انما هو القصد إلى الأركان المخصوصة في العمرة والحج وتروك الاحرام إنّما هي أحكام تترتب على ذلك وليست داخلة في حقيقة الاحرام كي ينافي قصد

اشكال التمسّك باطلاق دليل النذر

ص: 233


1- . كفاية الأصول 1/349 - 350 .

ارتكابها قصد الاحرام ونيّته ونعم ما أفاد(1) .

ثم انه استشكل الجواب الثالث واستجود الجوابين الاولين عن المحقق الخراساني قدس سره .

بحث: في الفرق بين الاصول اللفظيّة والاصول العمليّة .

اعلم انهم قد فرّقوا بين الاصول اللفظيّة التي عليها مدار المحاورات

والاصول العلميّة الجارية في مقام الشك الأعم من التنزيليّة وغيرها كالبرائة بكون اللفظيّة تثبت لوازمها العقليّة والعادية بخلاف الثانية ( أي الأصول العملية ) بل يقتصر فيها على مؤدّى الأصل . فلو كان الشك في حياة زيد وقد علمنا بها قبل عشرين سنة فالاستصحاب لا يثبت نبات لحيته اذا كان يترتب عليه اثر شرعي أو حكم وهذا بخلاف الأصول اللفظيّة حيث ان مناط حجيّتها بناء العقلاء وحصول الاطمينان منهم على مفادها . كما ان المناط هو ذلك أيضا في خبر الواحد يأخذون بمؤدّى خبر الثقة للاطمئنان . ولذلك اذا كانت قرينة على الخلاف أواحتمل قرينيّته لا يأخذون بل يتوقفون ولا يرتبون الآثار . وهذا لا اشكال فيه في الجملة . انما الاشكال في عمومه أو الاقتصار به على بعض الموارد الخاصّة . فاذا شككنا في انّ زيدا عالم أم لا بعد العلم بعدم كونه واجب الاكرام بل محرّمه مع وجوب اكرام العلماء فهل يمكن التمسك باصالة العموم لاثبات عدم كون زيد عالما بل جاهلاً فيترتب عليه آثار الجاهل أو الذي ليس بعالم أم لا . اذ لو كان الأصل اللفظي مما يثبت اللوازم العقلية فيكون في المقام لازم عدم طرو

ص: 234


1- . الا انه لا يخلو من مناقشة ولعلّ ما عن الشيخ قدس سره بل المشهور انه قصد ترك المحرمات أوفق ويؤيّده لو لم يدلّ عليه ما في دعاء الاحرام احرم الى من النساء والثياب والطيب .

التخصيص على أكرم العلماء عدم كون زيد منهم بل جاهلاً الا انه ليس للعقلاء بناء على ذلك في هذه الموارد وان كان من المسلم لوجوب اكرام العالم بعكس نقيضه ان من لا يجب اكرامه ليس بعالم . لكنّهم لا يرون هذا الأثر للعام ولا يقولون بحجيّته حتّى بالنسبة إلى هذا المقام . نظير ذلك ما تقدم ذكره سابقا من الشكّ في كون زيد الذي يحرم اكرامه أو يجب اهانته هو العالم فيكون تخصيصا لوجوب اكرام العلماء أو الجاهل فيكون تخصصا . فنقول نتمسك باصالة العموم لعدم كونه زيدا العالم وحينئذٍ فبالنسبة إلى الجاهل يشك في ذلك فتجري البرائة فيكون كساير مقامات جريان الأصل المثبت في أحد أطراف أو طرفي العلم الاجمالي الموجب لجريان الأصل النافي في الطرف الآخر بلا معارض ( أقول لا يخفى عدم كون المقام من ذاك القبيل حيث ان الأصل المثبت اذا كان موافقا للمعلوم بالاجمال يوجب جريان النافي بلا معارض بخلاف المقام حيث ان المثبت هو وجوب الاكرام مع كون التكليف هو عدم وجوب اكرام زيد أو حرمته وجريان الأصل العدمي في الطرف الآخر أيضا يوجب جواز اكرامه . وحينئذٍ فيعلم بمخالفة التكليف المعلوم في البين وهو حرمة الاكرام تفصيلاً فتدبّر ) .

وعلى كلّ حال فلو كان الأصل اللفظي مثبتا فلازمه في المقام كون محرمالاكرام هو زيدا الجاهل . لكنه يشكل كونه مثبتا بالنسبة إلى هذه الجهات وفي هذه المقامات فلا وجه لكون زيد هو الجاهل . فما افاده المحقق الخراساني في كفايته هو الحق الذي لا محيص عنه لتحير العقلاء في ترتيب هذا الأثر وعنده لا يترتب .

بيان آخر: اعلم ان غرض المحقق الخراساني قدس سره بيان الفرق عند العقلاء في محاوراتهم بين ما اذا تردّد أمر موضوع الحكم بمثل لا تكرم زيدا بين زيد العالم

الفرق بين الأصول اللفظيّة والعمليّة

ص: 235

والجاهل وبين ما اذا علمنا بكون الرجل الكذائي لا يجب اكرامه ولا نعلم انه من باب خروجه موضوعا عن حكم العام كي يكون تخصصا أو اخراجه كي يكون تخصيصا باجراء أصالة العموم في المقام الأول واثبات لازمه من عدم كون زيد العالم موضوع عدم وجوب أو حرمة الاكرام . وعدم اجراء اصالة العموم في المقام الثاني لاثبات لازمه من كون الرجل جاهلاً غير عالم فيترتب عليه كلّ ما يترتب على الجاهل من ساير الأحكام . اما عدم وجوب اكرامه فمسلم على كلّ حال ولا يخفى ان كلامه قدس سره في المقام الأوّل متين جدّا لبناء العقلاء على الأخذ بالظهور الى أن يثبت ظهور على خلافه واذا لم يعلموا ذلك فلا يرفعون اليد عن الظهور المسلم بل يوبّخ المولى وله حق توبيخ عبده الذي أمره باكرام جميع مصاديق العام اذا لم يكرم بعضهم باحتمال انه كان موضوع حكم مخالف لحكم العام . والظاهر ان ذلك من باب حصول الاطمئنان لا التعبد والتنزيل لعدم انعقاد بناء العقلاء على ذلك في امورهم بل انما يمشون على العلم العادي النظامي على ما مرّ مرارا في أبحاثنا وان كان يختلف كيفيّة هذا البناء في الامور الخطيرة وغيرها . نعم لو كان مرجع اصالة عدم التخصيص إلى أمر عدمي وهو عدم قيام القرينة على الخلاف فربما كان مجال للتوقف . وهذا بخلاف المقام الثاني فليس لهم بناء على اثبات لوازم الأصل لعدم الشك في حكم مصاديق العام ولا الشكّ في ان هذا بعينه محكوم بعدمالاكرام . والاصول اللفظيّة وإن كانت تثبت اللوازم العقليّة لكنه يقتصر بها على موارد مجريها كما في البينة . فاذا علمنا بولادة زيد في السنة الكذائيّة وشككنا في حياته فقامت البيّنة على حياته نأخذ بلازم ذلك من الحكم ببلوغه ونرتب عليه آثاره واما اثبات ملازمات ولوازم اخر فلا وجه له وليس هناك بناء العقلاء .

فما ذكره في الكفاية لا محيص عنه . وربما يمثل للمقام بمثال وهو في ماء

ص: 236

الغسالة حيث انه ورد في بعض الأخبار(1) بأنّه لا بأس به وعلّل بأن الماء أكثر من القذر ومقتضاه الأخذ بظاهره ويؤيّده ما ورد(2) في كفاية مثلى ما على الحشفة .

من البلل وظاهره عدم انفعال الماء القليل بالملاقاة الا انه اجبنا عنه بحمل ذلك على بيان الملاك لا كونه علة على ما سبق في بعض أبحاث المفهوم .

وكيف كان . فيدور أمر ماء الغسالة في الاستنجاء من الغائط والحق به البول للملازمة والاطلاق بين كونه طاهرا فيخصّص به أدلّة انفعال القليل واطلاقه الاحوالي في مساواة الورود على النجاسة أو ورود النجاسة على الماء في حال الالتفات أو غيره أو انه نجس فلا يكون تخصيصا بل تخصصا ولكنه معفو عنه الا انه تنظر سيّدنا الأستاذ قدس سره في المثال وانه من قبيل المثال الاول في مورد البحث أي كالشك في تخصيص العام باخراج زيد العالم أو المثال الثاني والتمسك باصالة العموم على كونه تخصصا معفوا عنه فتأمّل .

والنتيجة: ان مقصود المحقق الخرساني في هذا المقام الذي أشرنا إليه الفرق بين النحوين من المثال في النتيجة بالنسبة إلى التمسّك بالعام . وان الحكمتارة يكون مردد الموضوع بين من هو من أفراد العام كزيد العالم وبين من يعلم بعدم كونه منهم . فحينئذٍ يتمسك بعموم العام وعدم التخصيص وكون الموضوع لحرمة الاكرام هو زيد الجاهل . وذلك لازم عقلي لظهور العام واخرى يكون شخص الموضوع وانه هو هذا بعينه . لكنه يشك في كونه عالما فخصص العموم بحرمة اكرامه أو ليس من افراده كي يكون تخصصا . وفي هذا المقام لا يرون للعام

نتيجة ما سبق

ص: 237


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 13 ح 2 من أبواب الماء المضاف والمستعمل .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 26 ح5 من أبواب أحكام الخلوة .

لازما في اتبات جهالة موضوع حرمة الاكرام باصالة الظهور في العموم وعدم التخصيص . وأمّا المثال فاعترف سيّدنا الاستاذ قدس سره بعدم صحّة التمثيل له بمسئلة ماء الاستنجاء وانه هل هو معفو عنه كي لا يكون تخصيصا أو لا ينجس كي يكون كذلك . بان المستفاد من الرواية ليس الا عدم نجاسة ملاقيه ولا عموم لنا في نجاسة كلّ ملاقي كي يدور الأمر بين التخصيص والتخصص .

نعم هو عبارة الفقهاء . وعلى كلّ حال فدلّ الدليل على ان الملاقى لماء الاستنجاء لا بأس به أو لا ينجس ولا ربط له بقضيّة انفعال الماء القليل وعدم انفعاله بل ربما كان ظاهر الروايات منها ما اشتمل على التعليل بأن الماء أكثر من القذر استهلاك عين النجاسة ولذا لا نقول بطهارة الغسلة المزيلة للعين بل بما استعمل في غيرها أو فيها بنحو استهلك الاجزاء الصغار . وان كان يشكل بان الوارد في حد الاستنجاء هو النقاء فلا يجب الغسلة الثانية . كما انه لا وجه للتعدّي

عن مورد الاستنجاء بكون الماء أفضل من غيره إلى كلّ مورد . ويقال بكفاية غير الماء واعترف قدس سره بعدم اشتمال أبواب الفقه الاّ على ما يجمع بينها بالاطلاق والتقييد ولم يجد مثالاً يمكن التمثيل به في المقام كما في باب ارث الزوجة والجمع بين شتات أخبارها مع قطع النظر عن مقطوعة ابن اذينة(1) التي لا اعتبارلها بمحروميّة الزوجة(2) من عين الأراضي ومن البناء تورث قيمته والمنقول عينا . كما أن في باب الزكوة بالنسبة إلى غير البالغ وان عدم وجوب الخمس في أرباح مكاسبه دون ساير ما يتعلق به الخمس وان الزكوة عين الخمس أو بالعكس . الا ان

ص: 238


1- . وسائل الشيعة 26 الباب 7 ح2 من أبواب ميراث الأزواج .
2- . وسائل الشيعة 26 الباب 6 من أبواب ميراث الأزواج الأحاديث 1 إلى 17 .

الفرق بينهما بالخمس ونصفه لا وجه له كما لا وجه للفرق بين خمس أرباح المكاسب وغيرها على ما حقق في محلّه .

وأمّا الكلام في المثالين فلا اشكال في صحّة ما أفاده قدس سره في المثال الثاني

وعدم بناء العقلاء في استنتاج جاهلية متعلق الحكم بحرمه الاكرام في مورد معلوميته . وفي المثال الأول فحيث انه انعقد الظهور في وجوب اكرام زيد العالم ويشك في تخصيصه وقيام الحجّة الأقوى على خلافه فلا وجه لرفع اليد عن الحجّة المعتبرة وهو ظهور العام في وجوب اكرام زيد العالم وان كان احتمال خطأ الامارة في مطلق أقسامها قائم لا يضر بالاستدلال ولا بالوثوق . لكن الكلام في لا تكرم زيدا حيث ان اجماله لا يليق بالحكومة على ظهور أكرم العلمأء ولا يعارضه لعدم معلوميّة كون موضوعه هو زيدا العالم مع ان زيدا قد علم كونه واجب الاكرام فلا موجب لرفع اليد عن الدليل العلمي بالاحتمال . وأمّا بالنسبة إلى الجاهل فهل يكون مقام البرائة أو الاشتغال ؟ لا اشكال في كونه من الاشتغال للعلم بالتكليف وان قلنا بكون مقامه ما علم نوع التكليف ولم نكتف بجنسه . وقد ذهب إلى كلّ منها الشيخ قدس سره ولذا يوجد في كلاميه في رسائله تناقض وتهافت كما

انه لا موجب للقرعة لأن مقامها ما قصرت أيدينا عن كلّ شيء حتّى الدليل العقليوكذلك وجهنا روايات اعتبار العيينيّة في ترتيب الحكم . وقد أجاب عنها السيّد في حاشية المكاسب انه لو لا الشهرة لكان مقتضى الجمع بينها وبين باقي الأدلّة هو ذلك أي اعتبار العلم بالمتعلق شخصا الا انك عرفت ان لزوم العمل بالأطراف عقلي لا شرعي ولابد من المؤمّن . والمؤمّن في ارتكاب الاكرام في العالم هو اطلاق الدليل فاذا تركنا اكرام العالم والجاهل كليهما نعلم بامتثال لا تكرم زيدا

الكلام في المثالين

ص: 239

بخلاف ما اذا اقتصرنا على خصوص الجاهل .

ثمّ انه لا يخفى انه بناء على تعارض الأصول في مورد العلم الاجمالي

وتساقطها ولزوم مراعاة كلّ الأطراف للمعلوم بالاجمال تكون النتيجة هي وجوب الاجتناب عن اكرام زيد الجاهل اما بالنسبة إلى زيد العالم أيضا مقتضى القاعدة ذلك . لكن حيث قامت الامارة على لزوم اكرامه فيكرم فيكون المقام من قبيل ما اذا علم بنجاسة ماء أحد الانائين ثمّ فقد أحدهما أو انصب مائه في وجوب الاجتناب عن الباقي . اذ لو فرض وجود المعلوم بالاجمال وانطباقه في الواقع على هذا الباقي لم يكن للعبد مؤمن عن عقاب المولى وحسن مؤاخذته لتنجز التكليف حسب العلم به . وحينئذٍ فلابدّ من الاجتناب عن هذا الطرف واكرام زيد العالم بقيام المؤمّن وهو الامارة على اكرامه . واحتمال خطأ الامارة في حرمة اكرام زيد المجمل المردد بينهما قائم في العام أيضا . فلا يصلح هذا الاحتمال لرفع اليد عن أحدهما . لكن الاشكال في معارضة الأصلين في طرفي المعلوم بالاجمال مع وجود الامارة المعتبرة في أحدهما . وعلى هذا فلو جرى الأصل ففي طرف واحد وهو زيد الجاهل ومعه يعلم بمخالفة التكليف بحرمة الاكرام اذ متعلقه اما زيد العالم أو الجاهل والعالم وجب اكرامه حسب العموم والخاص نفي حرمته بحسب الأصل . نعم لو كان حجيّة الظهور معلّقا على عدم قيام الاحتمالعلى الخلاف لما كان اصالة الظهور في العام جارية ومعه فالأصلان لا معارض لهما في الطرفين ويحرم اكرامهما . الا ان بناء العقلاء على الأخذ بالظهور إلى قيام الحجّة الأقوى على خلافه لا قيام مجرد الاحتمال على فرض انعقاد الظهور كما في المقام .

ص: 240

نعم يمكن أن يقال بمعارضة جريان الأصل في زيد الجاهل مع دليل حجيّة الامارة في زيد العالم لعدم امكان اثبات الامارة لازمها من كون متعلق الحرمة هو الجاهل ولا تنهض على انحلال التكليف المعلوم بالاجمال . اذ لو كان من قبيل قيام الامارة أو البيّنة على كون هذا الاناء الطرف للعلم قد وقعت فيها قطعة دم سابقا لكان للانحلال وجه . لكنه ليس كذلك بل المقام مجرى الامارة على خلاف المعلوم بالاجمال . ولو قيل بترجيح مجرى الامارة في موردها على مجرى الأصل في مورده لكان اللازم ما ذكرنا من اكرام العالم وعدم مؤمّن لترك الاجتناب عن اكرام الجاهل . لكنه انما يتم اذا كانت الامارة مع الأصل متّحد المورد وليس كذلك . بل مجرى احدهما في احد طرفي المعلوم والاخر في الاخر . والا فلا اشكال في تقدم جريان الاستصحاب على ساير الاصول فضلاً عن جريان الامارة اذ لو لم تكن واردة على الأصول فلا اقل من الحكومة مع ان الفرض قصور ادلة الأصلين عن شمول كليهما للعلم بنجاسة المعلوم بالاجمال ولا معيّن لأحدهما بالخصوص ولا بعينه اذ لا حقيقة له غير الفردين . فيشكل الأمر بناء على مبنى تعارض الأصول في أطراف العلم الاجمالي . نعم لبعضهم المنع مطقاً ولو بدون جريان الأصلين بمعنى التعارض في الجريان لا انهما يجريان ويتساقطان على ما حققنا في محلّه وعليه مبنى الشيخ قدس سره .

والحاصل إمّا أن يلتزم بجريان الامارة وحجيّتها في موردها واكرام زيدالعالم واجتناب اكرام زيد الجاهل أو لابدّ من القول باثبات الامارة للازمها وهو تعيين موضوع لا تكرم في زيد الجاهل وحجيّتها في موردها وهو زيد العالم ( وربما يكون بناء على تعارض الأصلين دوران الأمر بين المحذورين في زيد

امكان معارضة جريان الأصلين

ص: 241

العالم ) .

فصل في عدم جواز التمسك بالعام

قبل الفحص عن المعارض .

اتّفق الأصحاب على عدم جواز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص كما انهم اتّفقوا كلّهم محدثوهم واصوليّهم على عدم جواز اجراء الأصول النافية قبل الفحص عن الدليل . ويشهد لذلك عنوانهم النزاع في الشبهات بجريان البرائة أو الاحتياط بكون حكم الشبهة بعد الفحص حكمها قبل الفحص في عدم جواز اجراء البرائة أم لا . فعدم جريانها قبل الفحص من المسلمات عندهم ويبعد كون هذا الاجماع تعبديّا . بل الظاهر انه مدركي مستنده اما عدم جريان البرائة العقليّة فلعدم حكم العقل بعدم استحقاق العقاب قبل الفحص اذ لا يلزم على المولى الا البيان واما الفحص فوظيفة العبد وليس على المولى دقّ باب العبد واسماعه الأحكام واما النقليّة فيمكن دعوى انصراف أدلّتها عن ما قبل الفحص وان مثل قوله ( رفع ما لا يعلمون )(1) منحصر الظهور بما بعد الفحص .

نعم لا يجب الفحص في الموضوعات على تفصيل كما في مثل الفحص عنطلوع الفجر في ليلة رمضان وذلك لكون الغاية التبين ولا يخفى ان جواز الأكل انما هو اذ لم يظهر امارات الطلوع والا فمجرد رفع الرأس والنظر إلى الأفق الموجب إلى حصول اليقين في الطلوع لا يكون فحصا .

ص: 242


1- . وسائل الشيعة 7 - 8 الباب 37/2 من أبواب قواطع الصلاة والباب 31/2 من أبواب الخلل واللفظ وضع .

وكيف كان فلا اشكال في عدم جواز الأخذ بالعمومات قبل الفحص عن المخصّص وعلّل ذلك بوجوه:

أهمّها وأقواها اثنان: أحدهما العلم الاجمالي بوجود مخصّصات لعمومات الأحكام التي لا ريب في عدم خلوّ كلّ شريعة منها اذ لا معنى لشريعة لم يكن فيها الزاميّات من الواجبات والمحرّمات ويكون الأحكام فيها منحصرة في الثلاث غير الالزاميّين ( بل اشتهر انه ما من عام إلاّ وقد خصّ ) حتّى انه مخصوص أيضا وحينئذٍ فمقتضى العلم الاجمالي عدم جواز العمل بالعموم قبل الفحص عن المخصص والظفر به .

الثاني ان من المسلّم عدم أخذ العقلاء والعرف بظهور كلام من دأبه وديدنه الاتّكال في كلامه على القرائن والمخصّصات المنفصلة وإنّما يبيّن بعض ما له الدخل في الحكم أو يعم الحكم على جميع أفراد الموضوع مع انه يتبعه في كلام آخر بما يقيده ويخصّصه والحال كذلك بالنسبة إلى الشارع كما لا يخفى على من راجع الكتب وله أدنى بصيرة بالفقه وأدلته .

هذا عمدة الأدلّة . ولكن لا يخفى ان المدعى هو أعم من ذلك ولا يفى كلّ من الدليلين بتمام المدعى . اذ يرد على الدليل الأوّل انه اذا تفحّصنا عن المخصّصات وظفرنا بها على المقدار الذي ينطبق عددا على المعلوم بالاجمال المتيقن كمائة أو ألف أو أزيد مثلاً ووجدنا عمومات خصّصت بها فاللازم الأخذ بالباقي من العمومات بلا لزوم فحص عن المخصّص . مع انه ليس كذلك ولا يقولبه أحد . كما انه يرد على الثاني انه لا يمكن الأخذ بالعموم ولو بعد الفحص واليأس عن المخصّص اذ لابدّ على هذا من القطع بعدم المخصّص والوثوق بعدم وجود

عدم جواز التمسّك بالعام قبل الفحص عن المخصّص

ص: 243

مخصّص وعدم العثور عليه لا يفيد ما لم يوجب القطع بعدمه مطلقا .

والحاصل ان الكلام في المسئلة يقع في مقامين: الأوّل في جواز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصّص وعدمه .

الثاني: في مقدار الفحص وهل اللازم الفحص إلى أن يحصل اليأس عن الظفر بالمخصّص ولو مع احتمال صدوره عنهم . أو المدار على حصول الوثوق بعدم الصدور أو عدم امكان الوصول إليه .

أمّا الكلام في المقام الأوّل: فاعلم انّه كما ذكرنا اتّفق الأصحاب قديما وحديثا على انه لا يجوز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصّص . وهذا حكم كلّي حتّى انه لو فرض ان هناك عامّا واحدا لا يجوز العمل به قبل الفحص . الا ان الكلام في كون هذا الاجماع تعبديّا كي نتعبد بما انعقد عليه أو مدركي مستند الى الوجوه المذكورة في كتب القوم . ولا يخفى انه كما ذكرنا يبعد كونه تعبديّا كاشفا عن رأي الامام عليه السلام ودستورهم لأصحابهم بعدم العمل بالعمومات قبل الفحص . وانه سيرتهم الكاشفة عن ذلك . فحينئذٍ فالعبرة بالمدرك . فمن الوجوه المذكورة لذلك الوجهان السابقان من العلم الاجمالي بورود مخصّصات كثيرة في الشريعة وان العمومات قد خصّص مقدار منها ومقتضى هذا العلم عدم العمل بالعام قبل الفحص عن مخصّصه .

والثاني: كون ديدن المتكلّم في مقامنا هذا على الاتّكال بالقرائن المنفصلة وانه ربما يبين امد الحكم في زمن المعصومين علیهم السلام مع كون العام قد القى في السابق عليه لا انّه نسخ في ذلك الزمان بل انما اودع علمه إليهم علیهم السلام وبيّنوا عندالحاجة إلى ذلك فبيّنوا ان امده قد تصرّم .

ص: 244

وعلى كلّ حال فلو كان الدليل هو العلم الاجمالي فلازمه الانحلال فيما اذا ظفرنا بالعدد المعلوم بالاجمال بالمخصّصات ولابدّ في الباقي من العمومات العمل ولو قبل الفحص ولا يلزم الفحص عن المخصّص . اذ مقتضى العلم الاجمالي هو ذلك ما لم ينحل واذا انحلّ بالظفر فلا وجه للفحص . لكن كما ذكرنا ان المدّعى هو العموم والكليّة ولو في عامّ واحد لم يفحص عنه انه لا يجوز قبله كما انه لا يتمّ في

ما اذا كان العلم منحلاً من أوّل الأمر .

ثمّ انّ المحقّق النائيني قدس سره بيّن وجها(1) آخر في المقام يناسب الكليّة في جميع موارد العام وهو وان مثل بمثال الغنم الموطوء الا ان الأحسن التمثيل بغير ذلك وحاصل مراده قدس سره ان لنا علمين صغير وكبير . اما الصغير فهو مردد بين الأقل والأكثر في أفراد المخصص وحينئذٍ فبالظفر بمقدار المعلوم ينحل العلم ولا موجب للفحص . لكن يبقى العلم الكبير .

مثاله انه نفرض ان زيدا مديون لعمرو بدين مردّد بين خمسة دراهم وعشرة فالمعلوم المتيقّن هو الخمسة والمشكوك الخمسة الاخرى . لكن له علم اجمالي آخر بكونه مديونا لعمرو بكلّ ما كتب في الدفتر الفلاني وحينئذٍ فلا يمكن اجراء البرائة أو حصول الاطمينان بالعدم إلاّ بعد الفحص عن كلّ أوراق الدفتر للاطلاع على ما فيه . ثمّ الحكم على أموال زيد الميت بكونه مديونا بذلك المقدار ولا يكفي الفحص بأقل من هذا . ولا مجوز للعمل بالعموم فيما نحن فيه قبل الفحص عن المخصّصات بعنوان ما في الكتب في ما بأيدينا من الأخبار .فظهر بما ذكر في تقريب العلم الاجمالي على وجهين ان مرجع أحدهما إلى

الدليل على عدم الجواز

ص: 245


1- . فوائد الأصول 1/542 .

الأقل والأكثر ولا اشكال في انه اذا ظفرنا بالمقدار المعلوم المتيقن بالمخصص ينحل هذا العلم ويبقى بالنسبة إلى الأزيد من المقدار المتيقن مجرد احتمال التخصيص ويجري اصالة الظهور والعموم في العمومات الباقية بلا اشكال والمدّعى اعم اذ ندعى عدم جواز العمل بالعموم حتى اذا لم يبق الا عام واحد فلابد من الفحص بالنسبة إليه عن المخصص . وثاني الوجهين عدم تعلق العلم بالعدد الدائر بين الأقل والأكثر المنحل إلى الأقل المعلوم والشك في الزائد عليه بل تعلق العلم فيه بالعنوان بما ينطبق عليه من الافراد قليلة أو كثيرة وهو العلم بوجود المخصّصات في ما بأيدينا من الأخبار بالنسبة إلى عموماتها أو بعنوان انها في كتاب الوسائل وحينئذٍ فلا ينحل العلم الاجمالي بالظفر بمقدار من المخصصات لكونه علما معلّما ولابدّ من الفحص عن جميع محتملاته لتنجز العنوان ولا موجب لجواز العمل قبل الاطمينان بعدم ورود المخصص أو وروده وليس من قبيل العلم الأول الدائر بين الأقل والأكثر كما في علمنا بكون الزكوة لعنوان الفقراء . فانه غير مرتبط بالعدد القليل أو الكثير بل من قبيل علمنا بكون الوسائل بما له من العنوان فيه غلط ولم يتعلّق علمنا بالعدد كي بالظفر بمقداره نعمل

على حسب القواعد في احتمال الأزيد . ومقتضى هذا القسم من العلم الاجمالي هو الفحص بالنسبة إلى كلّ واحد من العمومات في مورد العنوان . بل لو فرض العلم الحاصل من هذا العلم بعدد معلوم مشكوك الأزيد فلا يوجب هذا العلم الثاني انحلال العلم الأول بل انما هو علم ناش متولد من العلم الأول وهو باق على حاله ولا ينحل بانحلال الثاني بل الثاني كما في القسم الأول من العلم لا يقتضي بالنسبة إلى المشكوك فحصا بخلاف هذا القسم فانه مقتض للفحص ولا يعارضه في

ص: 246

مقتضاه العلم التولدي لكونه لا يقتضي فلا يمكن مزاحمة المقتضي هذا .

ولا يخفى ان حصول العلم بالنسبة إلينا من هذا القبيل فانه قد عرفنا علمنا قبل العثور على أبواب الأخبار والغور فيها ان هناك عمومات وخصوصات وقد سمعنا ( انه ما من عام إلاّ وقد خصّ منه ) حتّى ان هذا العام أيضا مخصوص كما انه لو اريد من الخاص القيود والاضافات الواردة على الأحكام وموضوعاتها ولو بالعناوين الثانويّة كالعسر والحرج وأمثالهما فلا اشكال في كون كلّ عامّ كذلك إلاّ في بعض الموارد فانها لم يرد القيد عليها في فروع الأحكام وان كان في الأصول والاعتقاديّات كساير الفروع فحينئذٍ لا يجوز العمل بأيّ عام قبل الفحص عن مخصصه وقيده .

نعم ربما لا يحصل العلم كذلك بل يحصل مع العلم بعمومه منحلاً فحينئذٍ لا مجال لهذه الكبرى من عدم جواز العمل بالعام قبل الفحص عن مخصّصه كما ان الأمر كذلك بالنسبة إلى أصحاب الأئمّة علیهم السلام وأصحاب الأصول فانّهم كانوا يسمعون العامّ من الامام علیه السلام أو الراوي والخاص أيضا كذلك يجدونه عند الراوي أو يسمعه مرّة اخرى من الامام علیه السلام وبالجملة فبالنسبة إلى العلم الثاني الذي يتصور في حقّنا يكون الأمر من قبيل دوران الأمر بين المتبائنين بخلاف القسم الأول فانه من الأقل والأكثر فلا تغفل .

تكميل وتوضيح: قد سبق الاشارة إلى ان الدليل لوجوب الفحص عن المخصص في جواز التمسك بالعام عمدته مسئلة العلم الاجمالي . والثاني اتّكال المتكلّم في كلامه على القرائن المنفصلة . اما تقريب العلم الاجمالي فقد سبق .

أمّا اتّكال المتكلّم على القرائن المنفصلة . فنقول انه لا يخفى ان أخذ العقلاء

عمدة الدليل على العدم

ص: 247

بظهور الكلام ليس من باب التعبد والتنزيل بل انما هو لكشفه عن المراد النفسالأمري وحصول العلم والاطمئنان لمراد المتكلّم بذلك . ومقتضى ذلك التوقف وعدم الأخذ وعدم الحجيّة فيما يفرق المتكلّم بين القرائن وذويها . لسلب اطمئنان العقلاء عن ظهور ذوي القرائن عن ذلك الا فيما علم انه لم يتّكل في قرينيّته على البيان المنفصل . ومقتضى هذا العلم باتّكال المتكلّم وان ذلك دأبه وديدنه في محاوراته لزوم الفحص عن المخصّص في كلامه في جواز التمسك بظهور كلامه أو عموم عامه . وحينئذٍ على فرض تسليم كون ما نحن فيه كذلك وان المولى الشارع يتّكل على القرائن المنفصلة وان ديدنه استقرّ على هذا فلا يمكن التمسك بالعام في كلامه الا بعد الفحص عن المخصّص بلا اشكال .

ثمّ انه لا اشكال أيضا في كون الفحص انما هو عن الحجّة والا فلا معنى للفحص عن شيء لا يكون في نفسه حجّة . الا ان احتمال وجود حجّة مخصّص أو مقيّد كاف في لزوم الفحص ولو كان قبل العثور عليه لا حجيّة له علينا بل لا يجري أدلّة البرائة هذا . في المقام الاول وهو لزوم الفحص .

في مقدار الفحص عن المخصّص:

أمّا الكلام في المقام الثاني . وهومقدار الفحص . فيختلف بحسب اقتضاء دليله فان كان هو العلم الاجمالي فلابدّ من الفحص إلى انحلال العلم . وان كان هو الدأب والديدن فنحو آخر وقد اضطربت كلماتهم في هذا المقام . فمن قائل بكفاية الظن بعدم المخصّص أو المقيّد أو المعارض نوعيّا أو شخصيّا . ومن قائل بعدم كفاية الظن بل اللازم هو الاطمئنان العادي النظامي . ومن قائل بعدم كفاية ذلك أيضا بل اللازم العلم بعدم المخصّص والمعارض لعدم كفاية الظن الشخصي فضلاً

ص: 248

عن النوعي وكذلك الاطمئنان . كما انه اختلف الكلام في حصول الاطمئنان أو العلم بعدم كون المعارض في الواقع أو في ما بأيدينا من الأخبار .

وذهب بعضهم إلى كفاية الفحص إلى أن يحصل اليأس عن المعارض وانه لو كان لوصل إلينا وظفرنا به .

واستشكل المحقّق النائيني قدس سره على القائل بعدم كفاية غير العلم بلزوم انسداد باب الاجتهاد . وأجاب عنه سيّدنا الاستاذ قدس سره بعدم كون هذا محذورا بل يعمل على حسب القواعد كما في انسداد باب العلم والعلمي وعدم حجيّة أخبار الآحاد فلابدّ من الاحتياط التام أو في غير ما يرتفع بالحرج والضرر .

لكن الذي ينبغي أن يقال هو عدم لزوم العلم الجزمي اليقيني بل يكفي سكون النفس والاطمئنان العادي كما في ساير الموارد . كما انه لا يخفى عدم وجه للاقتصار على خصوص ما في الوسائل من الأخبار اذ لا يلزم من عدم حجيّة كتاب أو وثاقة صاحبه عنده عدمها عندنا . فربما يحصل بالفحص الاطلاع على وثاقة الراوي أو اعتبار كتابه فاللازم هو الاجتهاد التام والتتبع الكامل في مقام الافتاء واستنتاج الأحكام من المأخذ والمدارك . وقد استشكل على صاحب الوسائل بوجوه خمسة وأجاب عنها الميرزا أبو طالب على ما قاله سيّدنا الاستاذ منها مسئلة التقطيع وأجاب عنه بعدم تقطيعه في ما يضرّ بمورد الاستدلال . وان ذلك في موارد لا يرتبط الصدر بالذيل بنحو افترق بين القرينة وذي القرينة ولا بان يبدل المفاد بضم الذيل إلى الصدر أو انفصاله عنه .

الكلام في الخطابات الشفاهيّة

في مقدار الفحص

ص: 249

من الأبحاث الراجعة إلى العموم والخصوص . انه هل الخطابات الشفاهيّة ك-: ياأيّها الناس ويا أيّها الذين آمنوا وأمثالهما مخصوصة بمن حضر مجلس الخطاب أو بالموجودين أم لا ؟ بل يعم الغائبين بل المعدومين .والحق أن يقال ان القضيّة تارة تكون خارجيّة فلا معنى لسراية الحكم أو توجه الخطاب الكذائي إلى غير المخاطب ولو كان حاضرا فضلاً عمّا اذا كان غائبا فكيف اذا كان معدوما واخرى تكون قضيّة حقيقيّة رتّب الحكم على الموضوع الذي فرض له الوجود كقوله تعالى « وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً »(1) ولا إشكال في عدم اختصاص الحكم بالموجودين أو انحصار شمول القضيّة بحكمها لغيرهم ولهم على حدّ سواء اذ لا خطاب فيه إلى أحد كي يحتاج إلى تخاطب يستلزم للوجود والحضور أو تنزيلهما .

والحاصل انه ظاهر القضايا الخطابيّة اختصاص الخطاب والحكم بخصوص الموجودين الواقع اليهم الخطاب وشموله لغيرهم يحتاج إلى تنزيل المعدوم منزلة الموجود كما في ساير المقامات في جميع ما ذكرنا فنرى اختصاص الدعاء بشخص أو أشخاص .

وكما في مثل التحيات الواقعة من الناطقين والراثين وغيرهم فان المراد لا يكون كل من يطلق على ذلك الموضوع الذي أخذ في الخطاب كالمؤمن وأهل البلد وأمثال ذلك وعلى هذا فالتعدّي عن موضوع الخطاب في القضايا الخطابيّة إلى غيرها تحتاج إلى قيام قرينة عليه من خارج والا فالظاهر الاختصاص بهم . واذا قامت القرينة على عموم الحكم لجميع من بلغه هذا الكلام أو سمعه فلا اشكال

ص: 250


1- . سورة آل عمران الآية 98 .

في العموم . ولو لم يكن هناك دليل اشتراك كما هو الحال في مثل الخطابات الواقعة في أوائل المطالب أو أواخرها الواقعة من المصنفين كاعلم أو تدبر ولا تغفل .

ثمّ ان الثمرة لهذا البحث هو انه اذا لم يكن دليل الاشتراك في مورد كان منالممكن اثبات الحكم لغير مورد الخطاب بناءً على شمول الخطابات لغير من قصد افهامهم وغير من القى اليه الخطاب وعلى كلّ حال فهذا من الأبحاث الساقطة ولا يترتب عليه فائدة .

تنبيه: عنونوا الكلام في دوران الأمر بين التخصيص والاستخدام مع كون المراد معلوما وانه ايهما يقدم ومثّلوا له بالآية الشريفة « وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ »(1) إلى قوله: « وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ »(2) الخ فان التربص والاعتداد يعم الرجعية والبائنة وغيرها في ما اذا كانت مدخولة غير صغيرة ولا يائسة . واما التي لم يدخل بها أو دخل وكانت صغيرة أو يائسة أو مطلق الصغيرة فلا عدّة لها . ولا يختصّ الاعتداد بالرجعيّة فاريد من المطلقات العموم في غير الثلاث . الا ان المراد بقوله تعالى: « وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ » خصوص الرجعيات ولا يشمل البائنة فاريد من الضمير في قوله بردهنّ وبعولتهن غير ما اريد من المطلقات والا فلابدّ من اختصاص الحكم في الصدر بالرجعيّة دون غيرها أو انه يبقى العموم على حاله في الصدر ويتصرف في ذيل الآية بالاستخدام الذي من أظهر أقسامه ان يقصد بأصل اللفظ معنى ومن ضميره معنى آخر أو يقال بكون الضمير راجعا الى المطلقات غاية الأمر خصص الحكم

دوران الأمر بين التخصيص والاستخدام

ص: 251


1- . سورة البقرة الآية 229 .
2- . سورة البقرة الآية 229 .

من الخارج .

وعلى كلّ حال فنقل سيّدنا الاستاذ عن استاذه النائيني قدس سره انه أنكر الاستخدام أو التخصيص وانه انما يكون هناك تخصيص لو كان المراد من المطلقهو اللا بشرط القسمي كقولنا أيّ رجل . وحينئذٍ فارادة بعض الأفراد يكون استعمالاً للعام في الخاصّ مجازا وحيث انه ثبت في محلّه خلافه فلا يوجب استعمال المطلق في ارادة الرجعيات مجازا ولا تخصيصا بل البعولة قرينة على كون المراد بمن يراد ردهن وثبت عليهن الاولويّة والاحقية بالردهنّ خصوص الرجعيات وبيّن ذلك المحقّق النائيني بوجوه عديدة فراجع التقريرات هذا .

لكن الحق عدم ذلك كله بل لابد من التخصيص لذيل الآية بما ثبت من اختصاص الرجوع والاحقية بخصوص المطلقات الرجعيات دون غيرهن من أقسام البائن ذات البعل .

توضيح وتكميل: قد عرفت ان المحقق النائيني قدس سره أنكر كون ارادة الرجعيات في الآية الشريفة من باب الاستخدام . بيانه ان الآية الشريفة قد اشتملت على أحكام ثلاثة بالنسبة إلى المطلقات فصدرها دال على لزوم التربص ثلاثة قروء بقوله تعالى: « وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ »(1) ولا إشكال في عدم كون هذا الحكم كذلك على اطلاقه بل خرج عنه اليائسة وغير المدخولة والصغيرة حسب النص دخل بها أم لم يدخل . والجملة المتوسطة قد اشتلمت على حرمة كتمان الحمل لهنّ بقوله تعالى: « وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا

ص: 252


1- . سورة البقرة الآية 229 .

خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ »(1) ولا يخفى عدم عموم هذا الحكم بالنسبة إلى جميع المطلقات بل في حق من كانت ذات حمل منهنّ واشتمل ذيلها على كون البعولة أحق بردهنّ وهذا أيضا لا يعم غير الرجعية بل مخصوص بخصوص الرجعية غيرالكارهة لزوجها وغير الكارهين . وبالجملة غير مرتبط بالبائن فلا يشملها الا ان اللفظ في جميع هذه الموارد لم يستعمل الا في معناه ولا مجاز كما لا استخدام حيث ان قيام الدليل من الخارج أوجب اختصاص الحكم في الذيل بالرجعيّة . كما ان القرينة قامت على اختصاص حكم حرمة الكتمان بذات الحمل . غاية الأمر لم يرد من ضمير لهن وبعولتهن وكذلك بردهن العموم وهذا لا يوجب شيئا لما قد تحقق ان العموم اذا تخصص احواليا لا يكون في الباقي مجازا حيث انه سيجيء بيانه في باب الاطلاق والتقييد من وضع اللفظ للماهيّة اللا بشرط المقسمي الذي أحد أقسامه اللابشرط القسمي . وما نسب إلى الأصحاب من قولهم بكونه موضوعا للابشرط القسمي لعله في غير محلّه . وحينئذٍ فعدم ارادة جميع الافراد بل بعضها بتقييد اطلاق المطلق أحواليّا لا يوجب مجازية . وقد سبق بيان كون التخصيصات كلّها من قبيل تقييد اطلاق الأحوال . حيث ان قولنا أكرم العالم يشمل باطلاقه حالتي فسقه وعدمه فبتقييده بخصوص حالة عدم الفسق يخرج حالة الفسق . وذلك غير مستلزم للمجازية في العالم وما نحن فيه كذلك . فلا يلزم من ارادة الرجعيات من الضميرين المتأخرين مجاز لو سلم الاستعمال فيها مع انه ليس الامر كذلك بل استعمل في العموم والاطلاق وخصص بالاخبار .

نعم . ربما يمكن أن يقال بعدم انعقاد العموم للمطلقات في غير الرجعيات

توضيح بحث الآية الشريفة

ص: 253


1- . سورة البقرة الآية 229 .

لاحتفاف الكلام بما يصلح للقرينية على الاختصاص وهو ارادة الرجعيات في الذيل فلا تعرض للآية بالنسبة إلى غير الرجعيات في تربصهن وحرمة كتمان أولادهن هذا .

لكنه لا وجه له أوّلا بعدم وجود ما يصلح للقرينية في المقام حيث ان الذيل ليس ظاهرا في الرجعيات بل عام خصص من الخارج وهذا لا يوجب قرينيّةللخصوص .

وثانيا بان الاطلاق في مقدمات الحكمة لا يحتاج إلى أزيد من كون المتكلم بصدد البيان من الناحية التي يراد أخذ الاطلاق وعدم القرينة على التعيين ولا يعتبر أزيد من هاتين المقدمتين أمر آخر فالاطلاق في الصدر محكّم بلا اشكال ولو كان الذيل أريد منه حكم الرجعيات لا يوجب مجازية ولا الحيرة في تعيين أقرب المجازات أو ايّها .

وممّا ذكرنا يظهر حال البحث الاخر المعنون في كلماتهم بانه اذا تعقب العمومات استثناء أو ضمير صالح للرجوع إلى العام في كلّ الجمل السابقة عليه أو أتى بالوصف القابل للرجوع إلى جميع ما في الجمل فهل يرجع الى الجميع أو الأخير أو يتوقف في غير الأخير ومثل له بقوله تعالى: « وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا »(1) ومن أحكامه كونه فاسقا ثمّ استثنى بقوله: « إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا »(2) فهل الاستثناء راجع إلى حكم الفسق وانه اذا تاب رجع إلى العدالة أو خرج عن هذا

ص: 254


1- . سورة النور الآية 5 .
2- . سورة النور الآية 5 .

الذنب أو انه راجع إلى كلّ هذه الأحكام الثلاثة ويكون مقيّدا لاطلاقها الاحوالي ؟

أو يفصل بين ما اذا كان على طريق الوصف فلا يرجع إلى غير الأخير أو الاستثناء فالى الجميع ؟ وجوه: والظاهر عدم وجه للتفصيل .

اختار سيّدنا الأستاذ قدس سره الاطلاق والعموم في غير الأخير والتمسك به لدفع الشكّ عن تخصيصه وتخصيص الأخير متعين بلا اشكال ويجري في الباقي اصالةالاطلاق والعموم ولا يخفى ما فيه . إذ الفرض انّه لم يستقر الظهور بعد في الكلام .

وجه التوقف تساوي نسبة الاستثناء الى الجميع كالوصف . ومجرد الابتداء بأحدها لا يوجب اهميته . كما لا وجه للاشكال في المرجح للابتداء بأحدها اذ لابد من الاتيان بها تدريجا غاية الأمر ربما يكون الانس بما ابتدء به موجبا له أو تقدم الذكر له .

وكيف كان فصور المسئلة ثلاث: فتارة يكون الجمل متحدة في الموضوع واخرى في المحمول وتختلف في الموضوع وثالثة تختلف الموضوعات كالمحمولات . اما اذا كان المحمول واحدا والموضوعات مختلفة متعددة واستثنى أو أتى بالوصف فالظاهر رجوعه إلى الجميع . كما اذا قال اكرم العلماء والادباء والأغنياء والفقراء الا الفساق منهم أو العدول منهم ولا مجال للقول بكون الأخير متيقنا والباقي مشكوكاً . بل لا مجال لانكار رجوعه الى الجميع . واما اذا كان الموضوعات والمحمولات مختلفة كما اذا قال أكرم العلماء واحذر الأمراء ودار الأغنياء وأحسن إلى الفقراء الا الفساق منهم فلا اشكال في كون الأخير متيقن الارادة وهل يرجع الاستثناء الى غيره أم لا .

بيان آخر وتكميل: قد تقدّم شطر من الكلام في عدم كون آية المطلقات

تكميل بحث الآية الشريفة

ص: 255

مشتملة على الاستخدام . ومجمل الكلام هو ان المطلقات لم تستعمل في غير معناها كما ان الضمير في بردهن وبعولتهن لم يرجع إلا إلى المطلقات غاية الأمر اريد خصوص الرجعيات بقرينة الأخبار الخاصة كما ان الصدر قد خصّص بالصغيرة واليائسة وغير المدخول بها وقد عرفت عدم استلزام تقييد المطلق مجازية في الباقي بعد التخصيص . لعدم وضع اللفظ الا للماهية اللابشرط المقسمي والقسمي خارج عن حقيقة الموضوع له . كما ان ساير الأقسام كذلك حتى انالاطلاق أيضا خارج عن مدلولها . وحينئذٍ فلا مجازية في ارادة الرجعيات من المطلقات دون جميعها ونظير المقام المخصص بالمتصل أو المنفصل . فانه لا يكون مجازا حيث ان استفادة الموضوع للحكم الذي هو مقيد ببعض حالات الموضوع من الدالين . فالمدلول متعدد بتعدد الدال ولا مجازية في البين . كما انه لا

تعدد استعمال بالنسبة إلى المطلقات . بل استعملت مرة واحدة في معناها وارجع الضمير إليه تارة اخرى فالاختلال انما حصل في ناحية المرجع في ارجاع الضمير إليه لا في أصل استعمال المرجع ولا في استعمال الضمير . فلا استخدام في المقام بل يمكن انكاره في القضايا الشرعية .

نعم يكون الاستخدام في مورد يراد ويستعمل اللفظ مرة في معنى والمرة الثانية يرجع الضمير اليه بمعناه المجازي أو معنى آخر مشترك فيه وفي الأوّل اللفظ كما في العين . يراد في اطلاقها الأول الباكية وفي الضمير يريد أحد معانيها الاخر إلاّ انه غير مرتبط بما نحن فيه لكون الرجعيات أيضا مطلقات هذا حاصل الكلام في المقام .

في حكم العام بالنسبة إلى المفهوم الموافق والمخالف .

ص: 256

أمّا المفهوم الموافق فهو ما يكون موافقا للمنطوق في الحكم ايجابا وسلبا وفي قباله المخالف الذي يخالف المنطوق في الايجاب والسلب . والموافق قسمان فقسم يكون بلا توسيط مقدمة عقليّة فيستفاد حكمه من المنطوق . وقسم يكون استفادة حكمه بانضمام مقدمة عقلية قطعيّة إلى المنطوق .

أمّا الأوّل فكالآية الشريفة « فَلاَ تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ »(1) حيث انه تدلّ علىحرمة الضرب والشتم بالاولوية . بل يمكن أن يقال ان دلالتها تكون من أقسام المداليل الالتزامية اللفظية ولا يكون هناك مقدمة عقلية كما ذكرنا .

وبعبارة اخرى تكون الآية من أوّل الأمر دالّة على حرمة الضرب والشتم خصوصا لو قلنا بكونها من باب المثال والتنبيه من الادنى الى الأعلى ومن الخاص إلى العام .

والثاني كقولنا اكرم خدام العلماء حيث انه يدلّ بالأولويّة على اكرام نفس العلماء بتوسط المقدمة العقليّة وهي اولويّة اكرام العلماء من اكرام خدامهم . وهذا القسم من اللازم بالمعنى الأعم بخلاف الأول . فانه من اللازم بالمعنى الأخص وكلاهما من المفهوم سواء فسرنا المفهوم بانه حكم غير مذكور أو حكم لغير مذكور ( في خصوص الثاني لا الأوّل ) وعلى هذا التفسير ( أي الثاني ) يدخل في أقسام المفهوم منصوص العلّة مع انه لا يكون اصطلاحا من أقسام المفهوم حيث انّه قسم برأسه .

نعم يسمّى القسم الأوّل والثاني بتنقيح المناط . الاّ ان وجوده في الشرعيّات

حكم العام بالنسبة إلى المفهوم

ص: 257


1- . سورة الإسراء الآية 24 .

مفقود لعدم العلم والقطع بالمناط للحكم الشرعي بعد الالتفات إلى قضيّة ابان(1) .

ثمّ ان منصوص العلّة كما عرفت لا يكون الحكم فيه مذكورا كما انه لم يذكر الموضوع فيه مثاله ما اذا ورد لا تشرب الخمر لأنّه مسكر . فانه يدلّ على حرمة شرب كلّ مسكر لكونه تعليلاً . ولا يتم حسن التعليل الاّ اذا كانت كبرى كلية . والا فلا يمكن التعليل بقولنا لان بعض المسكر حرام لقولنا لا تشرب الخمر لانه مسكر ضرورة لزوم كلية كبرى الشكل الاول حسب الارتكاز . والا فهذه التفاصيل فيمقام البيان وتحليل العمل العقلي . فحكم النبيذ يستفاد من هذه الكلية المعلّلة لحرمة الخمر وذلك غير النبيذ الوارد في رواياتنا انه شربه النبي صلی الله علیه و آله (2) والمراد به الماء الذي كان ينبذ فيه معدود من التمر لتغير طبعه إلى الحلاوة فالنبيذ المحرم الشرب هو المسكر فلو فرض عدم ورود دليل خاصّ على حرمته يمكن استفادة حكمه من التعليل .

لكن قد استشكل هذا المعنى سيّدنا الاستاذ قدس سره بأنّه تارة يكون النظر إلى حكم الخمر فهو مذكور منصوص . فلا يمكن كون قوله لأنه مسكر وكلّ مسكر حرام علة لاستفادة الحرمة في ناحية الخمر . واخرى يكون النظر الى استفادة حكم النبيذ وغيره من المسكرات فهو يدلّ عليه الكليّة لو صرح بها . كما لو قال وكل مسكر حرام فهو مذكور ولا يكون مفهوما وذلك كما في قولنا العالم متغيّر

ص: 258


1- . وسائل الشيعة 29 الباب 44/1 من أبواب ديات الأعضاء .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 2/1 - 2 - 3 من أبواب الماء المضاف والمستعمل . لكن ليس فيها انه صلی الله علیه و آله شربه، نعم في روايات اخر شرب بعض الأئمّة علیهم السلام أو جوزوا شربه . وسائل الشيعة 25 الباب 20 من أبواب الأشربة المحرمة 3 الباب 22 / 5 - 1 - 3 - 24 نعم يستفاد ما في المتن من روايات الدعائم المرسلة . مستدرك الوسائل 17 الباب 25 ح1 - 3 / كتاب الأطعمة والأشربة .

وكل متغير حادث فالكبرى علّة لثبوت الحكم للصغرى . واما تعليل الكبرى فلابدّ من استفادة حكمها من مقدمة اخرى خارجية في مثل حدوث المتغير .

ثمّ ان تخصيص العام بالمفهوم الموافق قد اختلف كلامهم فيه من انه تابع للمنطوق أم لا . فذهب إلى كلّ فريق واختار سيّدنا الاستاذ قدس سره كونه تابعا ومثل له بقولنا اكرم خدام العلماء اذا عارضه لا تكرم الفساق . فالنسبة كما ان بين أكرم الخدام ولا تكرم الفساق هو العموم من وجه كذلك بينه وبين المفهوم الموافق وهو أكرم العلماء . فاذا تعارضا في المجمع فان قدمنا منطوق أكرم الخدام فيكونالمفهوم أيضا تابعا له كما انه اذا قدمنا لا تكرم الفساق في المجمع على اكرم الخدام فالمفهوم أيضا يتبعه ولا يوجد مورد يكون التعارض بين المفهوم والعام .

تكميل وتتميم: ادّعى المحقّق النائيني قدس سره (1) تبعيّة المفهوم الموافق للمنطوق بقسميه سواءً كان القسم الذي لا يحتاج إلى توسط مقدمة عقليّة . بل انما يكون هناك تنبيه من الأدنى إلى الأعلى . هو في آية الاف(2) أو الذي ينتقل إليه بواسطة المقدمة العقليّة كمثال أكرم خدّام العلماء . فاذا عارض المنطوق عام يتبعه المفهوم واذا قدمنا في مادة الاجتماع مع العام الآخر الذي يكون النسبة بين المنطوق وبينه العموم من وجه هذا العام الذي له المفهوم الموافق فيتبعه المفهوم ويقدم على ذلك العام . كما اذا قدمنا على هذا المنطوق في مادة الاجتماع ذاك العام فيسقط العام المنطوق ويتبعه المفهوم فلا يبقى مورد للمعارضة مع المفهوم كما اذا عارض أكرم خدام العلماء لا تكرم الفساق .

تبعيّة المفهوم الموافق للمنطوق

ص: 259


1- . فوائد الأصول 1/555 وما بعده .
2- . سورة الإسراء الآية 24 .

لكن استشكل سيّدنا الاستاذ قدس سره بأنّه لا يكون الأمر كذلك في جميع الموارد .

نعم في المثالين يكون على ما ذكر . اما في مثل ما اذا قال أكرم عبيد العلماء الذي يستفاد بالأولويّة ومقدمته العقليّة اكرام نفس العلماء وما اذا عارضه عام آخر كقولنا لا تكرم الفساق من العلماء فلا تعارض لهذا العام مع العام المفهومي كما هو واضح . واما المثال الفقهي للعام المعارض مع المفهوم الموافق فقد ذكر سيّدنا الأستاذ عن المحقّق الثاني وذكر انه لم يذكره مثالاً للمقام بل هو قدس سره ذكره فيمقام آخر لكنه مثال لما نحن فيه وهو انهم اختلفوا في العقود واحتياجها إلى العربيّة كما انهم اتفقوا على لزوم الماضوية وانه لا يكفي صيغة المستقبل أو اسم الفاعل في مقام البيع بأي لغة كانت مع الاتفاق على كفاية بعت الماضي في العربية . فاذا كان لا يكفي ابيع العربي مع كونه في مقام الانشاء متّحد المفاد مع قولنا بعت وواجدا لمادة البيع الذي يكفي في تحققه ماضيه فبالاولى لا يكفي غير العربي لعدم كونه واجدا للمادة ولا الهيئة فبعت يكفي وابيع لا يكفي ومادتهما واحدة فلا يكفي ( فروختم بالفارسية ) لفقدانه مادة البيع وهيئة الماضي منه . وبهذا يخصص عموم أحلّ اللّه (1) البيع أو أوفوا بالعقود(2) بعد أن كان البيع العرفي صادقا على غير العربي وغير الماضي هذا ( وجهه ان المفهوم الموافق وهو عدم كفاية غير العربي لمجرد موافقته في المعنى للعربي عارض العام وهو أحلّ اللّه البيع(3) مع منطوقه وهو عدم كفاية المستقبل واسم الفاعل ) هذا في المفهوم الموافق .

ص: 260


1- . سورة البقرة الآية 276 .
2- . سورة المائدة الآية 2 .
3- . سورة البقرة الآية 276 .

الكلام في المفهوم المخالف

اما المفهوم المخالف فالكلام فيه كالكلام في الموافق في جواز تخصيص العام مع الخصوص بلا اشكال وفي ساير ما ذكرنا . الا ان الاشكال في تحقّق مورد لمعارضة العام مع المفهوم المخالف لرجوعه الى موافقة العام للمنطوق لكنه يمكن أن يوجد في بعض الموارد مما كان الحكم للعام مخالفا لحكم المنطوق والمفهومكليهما ويمكن التمثيل له بما ذكروه في اشكالات آية النبأ(1) من تعارض المفهوم لعموم التعليل في ذيل الآية ( وهو الاصابة بجهالة ) وذلك لخروج صورة العلم عن مورد المفهوم والمنطوق . فانه يتحقق المعارضة حينئذٍ بين المفهوم وهو أخذ خبر العادل وبين ذيل الآية وهو التحذير عن الاصابة بجهالة . ولكن هذا انما يستقيم مثالاً لما نحن فيه على فرض كون قبول الخبر من باب التعبد .

اما اذا كان من باب بناء العقلاء وحصول الاطمئنان والوثوق بالمخبر به فلا يتوجه التعليل ولا يكون هناك معارضة بين المفهوم والتعليل وذلك لعدم كونه كذلك . كما لا يكون الأخذ بخبر العادل منطبقا على الأخذ بخبره الاصابة بجهالة ولا تقف(2) ما ليس لك به علم .

نعم يمكن التمثيل له بمفهوم قوله علیه السلام ( إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شيء )(3) سواء كان المفهوم هو الموجبة الكلية أو الجزئيّة مع ادلة الحمام أو

ص: 261


1- . سورة الحجرات الآية 7 .
2- . سورة الإسراء الآية 37 .
3- . وسائل الشيعة 1 الباب 9 من أبواب الماء المطلق الأحاديث 1 - 2 - 4 - 5 - 6 .

الجاري المعلل عدم انفعالهما بكونهما ذي المادة(1) وقد سبق في بعض أبحاث المفهوم كلام لهذه المعارضة .

تلخيص واستنتاج:

قد تلخص ممّا ذكرنا ان في المفهوم الموافق يكون التخصيص للعام أو به والمفهوم انما يتبع المنطوق كما انه في بعض الموارد لا مانع من معارضة العام للمفهوم الموافق دون المنطوق على ما عرفت من المثال الجعلي . اما المفهومالمخالف وجواز التخصيص للعام أو بالعام له .

فملخّص الكلام فيه انه غير تابع للمنطوق في ذلك . بل يلاحظ حاله ابتداءً مع العام لو فرض مخالفة العام للمنطوق والمفهوم المخالف كليهما . لكنه مشكل على ما أشرنا إليه . فاذا كان المفهوم خاصا يقدم على العام أو عاما فيخصص به ويعمل في مورد التعارض من وجه حسب القواعد . مثاله ما أشرنا إليه من معارضه أدلّة الكر حسب المفهوم مع عموم التعليل في أخبار البئر حيث انه يعلل الحكم فيها بان له مادة ويرجع ظاهرا إلى قوله ( ماء البئر واسع لا يفسده شيء )(2) وما ورد في مثل الماء الجاري الاقل من الكر فيتعارض مفهوم قوله اذا بلغ مع اخبار المادة في الماء القليل(3) ذي المادة . فان مقتضى اخبار المادة عدم انفعاله ومقتضى مفهوم أخبار الكر هو الانفعال لاطلاق دليل كلّ منهما . فأخبار انفعال القليل مطلق من حيث كونه ذا مادة أم لا . كما ان أخبار المادة مطلقة من حيث

ص: 262


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 14 من أبواب الماء المطلق 6 - 7 - 12 لكن التعليل لماء البئر والحمام .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 7 ح4 و6 - 7 - 12 من أبواب الماء المطلق .
3- . في خصوص الجاري ولم تقيد بالمادّة .

بلوغ الكر وعدمه . فتارة ندعى كما عن ( الحاج آقا رضا قدس سره )(1) بعدم المفهوم لأخبار الكر خصوصا ما ورد منها في بيان جواب السؤال عن الغدير المجتمع فيه الماء فاخبارها انما سيقت لبيان تحقق الموضوع فحينئذٍ لا معارضة .

لكن هذا خلاف التحقيق . لما قدمنا في باب المفاهيم من انطباق ضابط كون القضية ذات مفهوم على هذه الأخبار وعدم انطباق الضابط الاخر عليها . واخرى نقول انه عند التعارض يكون العامّ الذي هو قوله علیه السلام ( خلق اللّه الماء طهوراً لا ينجسه شيء الا ما غيّر )(2) الخ مرجحا للدليل الموافق له أو انهما يتساقطانويرجع بعده إلى عامّ الفوق فهو اما مرجح أو مرجع الا انه أيضا خلاف التحقيق لمعارضة الدليل المخالف لما يوافقه العام لنفس العام أيضا . فلا وجه لخروج العام عن دائرة المعارضة . وذلك لأن الملاك في المعارضة هو عدم امكان الجعل لكلا الدليلين المتعارضين . اما التمثيل بآية النبأ فقد عرفت مجمل المقال فيها وانه إنّما

يصح بناء على كون الحجيّة من باب التعبد . والا فلو كان من باب افادة العلم لما كان فرق بين خبر الفاسق والعادل . وبذلك يظهر عدم صحّة ما أجاب المحقق النائيني قدس سره عن المعارضة في الآية مع التعليل باصابة القوم بجهالة من ان خبر العدل بعد حجيته من الشارع يكون كالعلم فيكون المفهوم في الاية حاكما على التعليل والظاهر ان هذا غفلة منه رحمه الله والا فلا وجه لهذا الجواب .

والتحقيق في الجواب هو انه بعد فرض كون الآية مثالاً لما نحن فيه لا مانع من التخصيص للعام بالمفهوم ويمكن تصوير المعارضة للمفهوم مع العمومات

تخصيص العام بالمفهوم

ص: 263


1- . مصباح الفقيه 1/151 و 152 - 86 .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/9 من أبواب الماء المطلق .

الواردة في النهي عن العمل بالظن . وان كان الاستدلال بها مشكلاً على عدم حجيّة ألظن لكون دلالتها ظنيّة كما أجاب بذلك المحقق القمي رحمه الله ولكن الاشكال في الاحتياج إلى الاستدلال على عدم حجيّة الظن . اذ نفس الشك في حجيته يكفي في عدمها ولا حاجة معه إلى الاستدلال .

ثمّ انّ سيّدنا الأستاذ قدس سره قد أطال البحث في بيان المعارضة بين المفهوم المخالف والعام وتقديم المفهوم على العام والعكس وان تقديم العام على المفهوم وانه قرينة عدم كون القضية ذات مفهوم أو العكس والكشف عن عدم العموم للعام.

وملخص الكلام هو ان الضابط لكون القضيّة ذات مفهوم هو رجوع التعليقإلى الاسناد وتعليق جملة بجملة . وعدم العدل في مقام التعليق انما يفيد الانحصار والترتب وكان هناك اطلاقان . اطلاق جار في ناحية كون ما علق عليه تمام الموضوع . واطلاق جار في ناحية ترتيب الجملة على مفاد الاخرى . والاول مفاده كون الموضوع هو تمام المذكور . والثاني مفاده الانتفاء عند الانتفاء .

والحاصل: انه جعل بعضهم العام قرينة على عدم كون القضية ذات مفهوم لمنافاة ذلك لانحصار الموضوع . وبعضهم عكس فجعل المفهوم مقدما على العموم وعدم جريان المقدمات في اطلاق العام الاحوالي ( لكن الكلام لم يحرّر كما ينبغي ( وقد استفسرت سيّدنا الأستاذ عن ملخص الكلام في بيان تعارض المفهوم المخالف مع العام فتحصل من بيانه قدس سره ما يأتي .

ان العام مع المفهوم المخالف تارة يكون تخالفهما بالعموم والخصوص مطلقا فلا اشكال في تقدم الخاص منهما أيّا ما كان . واخرى بالتباين أو بالعموم من وجه فحينئذٍ يعمل على حسب القواعد اذا لم يمكن الجمع بوجه . وهاهنا

ضابط كون القضية ذات مفهوم

ص: 264

اشكالان أحدهما من بعضهم في ان العموم لا ينعقد مع المفهوم المخالف اذ المفهوم المخالف قوام موضوعه الانحصار فكيف يمكن أن يعارضه العامّ .

والجواب عنه ان ذلك لا ينافي التخصيص كما مرّ في مباحث المفهوم وهذا الاشكال كما ترى على طرف نقيض للاشكال الآخر الوارد من المحقق الخراساني قدس سره (1) من اختلاف حالات المفهوم مع العام . فربما يكون العام مقدما على المفهوم وربما يكون بالعكس الخ ما أفاده في الكفاية . ولا فرق بين المتصل والمنفصل في هذين الاشكالين وان كان ربما يظهر في كلام المحقق الخراسانيفرق بين بعض الصور مع بعض .

وأجاب المحقق النائيني(2) عن اشكال المحقّق الخراساني

بكون المفهوم موجبا لانهدام العموم في العام فانّه وان كان العموم في كليهما بجريان المقدمات الا ان رتبة جريان المقدمات في العام في رتبة جريانها في المفهوم من ناحية اطلاق الواو الذي مفاده عدم جزء للموضوع سوى المذكور وللمفهوم اطلاق آخر حاكم على العام وبيان له وهو الاطلاق الحاصل في ظرف الترتب وربط جملة باخرى وتعليقها عليها .

في جواز تخصيص العام الكتابي بخبر الواحد وعدمه

لم يتعرّض المحقّق النائيني قدس سره لبحث جواز تخصيص الكتاب بالسنة الآحاد اكتفاءً بما بين في باب حجية أخبار الآحاد وهذا البحث ساقط لا وجه له

تخصيص الكتاب بالخبر الواحد

ص: 265


1- . كفاية الأصول 1/363 - 364 .
2- . فوائد الأصول 1/560 - 561 .

وانما عنوانه لورود بعض الأخبار الواردة في(1) ان ما خالف القرآن باطل أو زخرف(2) أو لم أقله(3) حيث ان هذه التبعيرات لا تقبل التخصيص . فان الباطل لا معنى لاستثناء فرد منه من عدم جواز الأخذ أو عدم الحجيّة . وما ورد في عدم صدور الخبر أو حجيّته اذا لم يكن عليه شاهد أو شاهدان من كتاب اللّه تعالى لكن لا يخفى ان التخصيص للعام والتقييد للمطلقات ليس من المخالفة كي يتّجه توهم الاشكال والتوقف بل انما هو بيان مراد العام والمطلق . ومعه ينكشف بطلان(4)جريان المقدمات في العموم والاطلاق . بل انما كان خيال الاطلاق والعموم . فلا موضوع حينئذٍ للمعارضة حيث انا قد حققنا في مباحثنا من عدم كون مصداق للعموم والتخصيص بل انما هو تقييد الاطلاقات الاحوالي والتخصيص الأنواعي خصوصا على مبنى كون حجيّة الأخبار من باب بناء العقلاء وان دلالة الآيات لو تمت فانما هي ارشاد إلى طريقة العقلاء بما هم عقلاء بلا اختصاص لذلك بفرقة خاصة منهم . بل ان ذلك دأبهم وديدنهم في مطلق الثقة حيث يحصل لهم الوثوق والاطمئنان وجدانا بخبره ويرتبون الأثر ويمشون على طبقه . فحينئذٍ كيف يمكن توهم المعارضة مع كون التخصيصات عبارة عن المبينات للمراد من عمومات الكتاب . بل في الحقيقة ليست مغايرة للكتاب ونسبتها إلى الكتاب نسبة الدفتر الكبير إلى الصغير على ما عرفت في بعض الأبحاث السالفة . وكذلك الأمر لو كان

ص: 266


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/29 - 35 - 48 - 10 - 19 من أبواب صفات القاضي واللفظ ما خالف كتاب اللّه فدعوه . أو فردّوه وفي رواية واحدة وإن لم يشبهها فهو باطل .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/12 - 14 - 15 - 10 - 19 من أبواب صفات القاضي .
3- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/15 - من أبواب صفات القاضي .
4- . فيه انه خلاف التحقيق .

حجيتها أي أخبار الآحاد من باب التعبّد وقيام الأدلّة القطعيّة على حجيّتها . فانه أيضا بعد الحجيّة لابدّ من ترتيب الأثر ولا يمكن تحقق المعارضة لوجود الجمع العرفي لعدم تحقق شرايط المعارضة وقيودها الأربعة أو الخمسة في معارضة العام والخاص وليس هذا البحث لخصوص كون الأخبار ظني السند والكتاب قطعيّه فكيف يقاومه الظنّي لما عرفت من انه بناءً على ذلك أيضا بعد حجيّة السنة لا مجال للمعارضة لكون الدليل القطعي دالا على حجيتها . فلا يمكن توهم المعارضة مع الظني واما اخبار(1) الاحتياج الى شاهد أو شاهدين من الكتاب فالكلام فيها نفسها . اذ يلزم من حجيتها عدمها لعدم دلالة ( آية ) من الكتاب فياشتراط أخذ الخبر بوجود شاهد أو شاهدين من الكتاب عليه . مضافا إلى لزوم كون صدورها محققا والا فمجرد وجود الرواية والخبر لا يفيد .

هذا حاصل الكلام في ما يتعلق بهذا البحث ( وممّا يرجع اليه ويلحقه ) هو البحث الاخر المعنون في كتبهم من انه اذا ورد عام وخاص فاما ان يردا قبل حضور وقت العمل فلا اشكال في تخصيص الخاص للعام بل هذا المقام هو القدر المتيقن من موارد التخصيص . واما أن يرد الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام والعمل عليه . فحينئذٍ يقع الكلام في كون هذا الخاص ناسخا للعام او ان تكليف العاملين بالعام لم يكن الا بذاك العام . أو ان تكليفهم وغيرهم هو العمل بالخاص غاية الأمر هم معذورون جهلاً عذريّا بعدم العمل بالخاص أو يقال ان تكليفهم وايانا واحد وورود الخاص إلينا كاشف عن مقرونية العام في زمان صدوره بالخاص لكن لم يدون ولم يكتب وبينه في كلّ عصر امام ذاك العصر وخيّل إلينا

ص: 267


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/9 - 18 من أبواب صفات القاضي .

عدم وروده الا من العسكري علیه السلام مثلاً ؟ وجوه .

تتمة البحث: لا اشكال عندهم في كون الخاص مخصصا اذ أورد قبل حضور وقت العمل بالعام سواءً ورد معه أو بعده .

أمّا اذا ورد العام بعد حضور وقت العمل بالخاص ففيه اشكال . حيث انه يحتمل أن يكون ناسخا لحكم الخاص كما انه قيل بكون الخاص مخصصا للعام من أول وروده ومثلوا له بما اذا قال أقتل زيدا المشرك ثمّ قال فيما اذا حضر وقت العمل بالخاص لا تقتلوا المشركين . فان كان الخاص مخصصا للعام فيكون قتل زيد واجبا مطلقا قبله وبعده . وأمّا إذا كان العام ناسخا فلا يجوز قتل زيد بعد ورود العام لكونه نسخا له .

وقد ذكروا في مورد الدوران بين النسخ والتخصيص وجوها من ترجيحلكل من النسخ والتخصيص ككون التخصيص أشهر والنسخ أندر . ولكن لا يفيد ذلك في رجحان أحدهما بعد كون الجمع بين الخاص والعام عرفيا غير مشترط بورود الخاص بعد العام أو معه كي يكون ورود العام بعد الخاص مانعا من ذلك بل الخاص لأظهريّته يقدم على العام ولامجال للحيرة خصوصا مع كون النسخ والتخصيص مآلهما واحد وكلاهما من التخصيص والتقييد للاطلاق . غاية الأمر يختلف متعلق النسخ عن التخصيص وان التخصيص يرجع إلى تقييد الافراد والأحوال مع بقاء الحكم بخلاف النسخ لرجوعه إلى تخصيص الازمان . ومرجعه إلى نفي الحكم بعد ورود التخصيص ولذلك أنكرنا استصحاب عدم النسخ الذي حصر مجرى الاستصحاب به فريق من المحدثين . وذلك لأن النسخ تخصيص وتقييد للاطلاق الأبدى بالنسبة إلى الحكم المنكشف من جريان مقدمات الحكمة

ص: 268

فان كان يمكن جريان المقدمات بحسب قابلية المورد فهو . والا فكما اذا كان هناك اجماع فنأخذ بالقدر المتيقن ولا مجال لجريان استصحاب عدم النسخ بعد ذلك .

والحاصل: ان الترجيح في هذه الصورة للتخصيص وان النسخ عبارة عن اظهار ما خفي علينا لا انه رفع الثابت حقيقة . واما اذا ورد الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام فقد ذكرنا فيه احتمالات ثلاث: أحدها انكاره رأسا وان التخصيص في كلّ زمان كان مع العام . غاية الأمر خيل الينا ورود الخاص بعد حضور وقت العمل بالعام . وعلى احدها كونه ناسخا للعام . والاخير هو كونه مخصصا . غاية الأمر يحتمل كون العام حكما ظاهريّا بالنسبة إلى غير الواصل إليهم الخاص كما يحتمل كونه ترخيصا وهم معذورون في عدم العمل بالخاص . وحيث ان الحكم يستحيل أن يقيد متعلقه بالعلم بنفس الحكم بخلاف كون العلم به مأخوذا قيدا لحكم آخر فلا معنى لكون الحكم مخصوصا بالعالمين به وينشأللجاهل حكم آخر . بل حكم العالم والجاهل واحد . غاية الأمر ينشأ هناك ترخيص بالنسبة إلى من لم يصل الواقع إليه كما في مورد مؤدى الامارات اذا خالفت الواقع . وليس كما قال به صاحب الحاشية وارتضاه أخوه صاحب الفصول من كوننا مكلفين اليوم بمؤدى الامارات وهذا أيضا يتصور على أقسام بعضها طريقيّة محضة وآخر تصويب محض وثالثة بين البين .

وكيف كان فلا معنى لانشاء حكمين واقعي وظاهري بالنسبة إلى الجاهل بالحكم الواقعي ويختص الواقعي بالعالم اللهم الا أن يكون بنتيجة الاطلاق أو التقييد هذا حاصل الكلام في هذه المسئلة .

تبيين وتوضيح: لا يخفى اختلاف أقسام الخاص والعام المتخالفين في

دوران الأمر بين النسخ والتخصيص

ص: 269

الورود ومجمل الكلام فيها على أقسامها هو تقديم الخاص على العام للأظهريّة ( ومن تواردهما ما اذا كان حكم من خصائص النبي صلی الله علیه و آله فعارض بعضهم بين دليل التأسي ودليل العام المخالف لهذا الخاص . وبعضهم لم يعارض لذلك . بل قدم الخاص المخالف للعام من النبي مع دليل التأسي على العام المخالف ) وانه لا مورد لاستصحاب حكم العام الا اذا كان الحكم ثابتا في الشريعة السابقة ولم نعلم بكيفيّة تشريعه . فحينئذٍ يمكن جريان استصحاب عدم النسخ في هذا الفرض مع كون الشك ممحضا في ارتفاع الحكم من ناحية الزمان وحفظ ساير أركان الاستصحاب . والا فعلى فرض كيفيّة العلم بتشريع الحكم وانه مخصوص بهم أو يعمهم كما في القضيّة الحقيقية فلا مجال للاستصحاب . كما انه على فرض تشريع الحكم على نهج القضايا الحقيقيّة لا حاجة إلى اتعاب النفس بفرض الاستصحاب في مدرك الشريعتين .هذا خلاصة الكلام في ما يتعلق بهذه المسئلة .

الاطلاق والتقييد: الاطلاق في اللغة عبارة عن الارسال يقال اطلق الدابة واطلقتها اذا أرسلها وأرسلتها ومن هذا الباب الطلاق للزوجة لكونها مرسلة من علاقة الزوجية والظاهر ان اصطلاح الاصوليّين ليس خارجا عن حد مفهوم الاطلاق اللغوي . فالاطلاق في المفاهيم عبارة عن أخذها ولحاظها مرسلة هذا واما تعريف المطلق بأنّه الحصة الشايعة في جنسها ففيه بعد الغض عن اصل امتناع الاطلاع على حقايق الأشياء لغير خالقها فيمتنع التعريف الحقيقي . بل انما هو شرح الألفاظ وتعاريف لفظيّة .

ان هذا التعريف انما هو لفرد من أفراد المطلق وهو اسم الجنس مع انه لا

في الاطلاق والتقييد

ص: 270

معنى للحصة لعدم كون نسبة الطبيعي إلى أفراده نسبة الأب الواحد إلى أولاده بل نسبته إليها كنسبة الآباء إلى أولادهم وكل فرد وجود الطبيعي والافراد وجوداته . فهذا الفرد وذاك وهكذا كلها وجودات للطبيعة وليست تتجزّأ فيختص كل فرد بحصّه .

والحاصل ان الاطلاق غير مختص بالمفاهيم الافرادية بل يعم الجمل التركيبية كالافرادية فاطلاق الكيل والوزن والنقد ينصرف إلى المتعارف في البلد كما ان الاطلاق في الجمل يقتضي الضيق بخلافه في المفردات على ما سيوضح وبالجملة فلا يكون الاطلاق مخصوصا بالمفاهيم الافراديّة بل يتحقق فيها وفي الجمل كما انه يتحقق في متعلقات التكاليف وفي موضوعاتها وله أقسام . فتارة يكون اشارة إلى فرد مبهم كما في جاء رجل(1) من أقصى المدينة واخرى فيأكرم رجلاً .

وكيف كان فالاطلاق في الكل عبارة عن الارسال ومقتضاه مختلف . واعلم ان الاطلاق ليس موضوعا له اللفظ بل انماهو منتزع من عدم التقييد والارسال والا فاللفظ لم يوضع الا للماهية بناء على كون الأوضاع من الواضعين لا بحسب الفطرة والجبلة وانطاق اللّه أهل اللغات بها كما انها ليست عن مناسبة ذاتية اقتضت ذلك . فالماء لم يوضع لفظه الا لماهيّته أي شيء كانت وانما نعرفها بحسب الخواص والآثار لا بالكنه لاستحالة حصول معرفة ماهيات الأشياء كذلك بالنسبة إلينا غاية الأمر تختلف بحسب الارادة وجعل الحكم وفي مقام الموضوعيّة . والا ففى كلّ الموارد تكون الماهية على ما هي الموضوع له اللفظ والاختلاف بحسب

ص: 271


1- . سورة القصص الآية 21 .

ارادة جعل الأحكام وكيفيّة كونها موضوعا ومتعلقا له وليست الماهية عبارة عن رب النوع ولا المثل الافلاطونيّة وليست هي موضوعا لها اللفظ كما انه لم يوضع للماهية بلحاظ الوجود والعدم ولا للمفهوم بل لنفس الحقايق والماهيات التي تعرضها الحالات والطوارى لاتحاد استعمالها في جميع الموارد بلا تجريد ولا عناية . ولو كانت موضوعا لها بلحاظ الوجود لما صحّ استعمالها في غيره الا بالعناية . كما انها لو كانت موضوعا لها باعتبار المفهوم الذهني لاحتاج استعمالها في ارادة الخارجيّات إلى التجريد والتخلية وهكذا لو كانت بلحاظ الوجود لما صح حمل المحمول الوجودي إلى الموجود عليه ) وكذلك بالنسبة إلى لحاظ العدم فيها . فهي موضوع لها اللفظ بلا لحاظ أمر آخر ولا عناية أصلاً . فالماء كما ذكرنا ليس الا موضوعا لنفس طبيعته ولا يختلف حاله في مقام الحمل على المصداقالخارجي كقولنا هذا ماء أو زيد انسان مع صورة حمل المحمولات العقلية عليه ويقال الماء جنس أو نوع أو الانسان كلي بل هي في جميع الموارد على حالها والاختلاف انما هو في ناحية الارادة . وعلى هذا فاذا قيل جئني بماء فالمطلوب هو طبيعة الماء غاية الأمر حيث انه لم يقيد كون الماء ماءا مخصوصا بالنسبة إلى كلّ زمان وزماني فتجري مقدمات الحكمة في ارادته أي فرد من الماء . وبأي صفة وحالة كان . فالماء أي ماء ليس موضوعا له اللفظ بل الموضوع له هو نفس الطبيعة وانما أي فرد منه أو اية طبيعة وباية صفة انما هي من خصوصيات المراد لا نفس الطبيعة . فالموضوع له ليس إلاّ خصوص الماهيّة وأيّ ماء خارج عن الموضوع له بلا ريب . ولهذا لا يمكن اسناد الالتزام بكون الموضوع له في المطلق هو أي رجل أو أي ماء إلى المشهور . بل مرادهم مع السلطان قدس سره واحد حيث انه يذهب إلى ان

ص: 272

الموضوع له للألفاظ هي نفس الماهية والحقيقة بلا لحاظ شيء ولا دخل لأمر آخر . بل نقول ان مراد المشهور أيضا ذلك واما ذهابهم إلى كون استعمال المطلق في المقيّد مجازا فهو غفلة عن أصل مبناهم في المطلق وفي وضع الألفاظ . وذلك لعدم كون استعمال الانسان في ما اذا قيد بقيد العالم مخالفا لما اذا حمل على مصداق له فيقال زيد انسان اذ المعنى كما عرفت في كلا الموردين وساير الموارد هو نفس الطبيعة والماهية .

ثم ان هاهنا خلافا آخر في كون الكلي الطبيعي هو ماذا أهو الطبيعة بشرط لا عن الوجود الخارجي الذي يمتنع مع هذا القيد اطلاقه على الخارجيات . أم لا بل هي ليست الا الطبيعة لا بشرط التي توجد في ضمن كلّ فرد . أو هي عبارة عن كلّ فرد فرد فكلّ فرد وجود منها ؟ ولا يهمّنا تحقيق الحال في الكلي الطبيعي بعدوضوح كون الموضوع له الألفاظ هي نفس الماهية . انما المهم بيان أقسامها في مقام حمل المحمولات وجعل الأحكام .

بيان أقسام الماهية: فانهم قسّموا الماهية إلى ثلاثة أقسام بشرط الشيء واللا بشرط وبشرط اللا . وقالوا كل واحد منها قسيم للآخرين والمقسم انما هي الماهية اللابشرط المقسمي وخصّوا اللابشرط القسيم للاخرين باللابشرط القسمي وقالوا بوجود المقسمي في كل الأقسام . مع انه يرد على تثليت الأقسام اشكال كما انه يرد على جعل اللابشرط قسمين حيث ان اللابشرط اما أن يؤخذ قيدا للطبيعة والماهية فهي بهذا الاعتبار واللحاظ تكون مشروطة بهذا القيد . وتدخل في بشرط شيء فينحصر أقسام الماهية بشرط اللا وبشرط الشيء ولا

الموضوع له اللفظ نفس الماهيّة

ص: 273

وجود للا بشرط في قبال القسمين بل هي مقسم لهما لا انهما قسيم لها . وان لم يلاحظ هذا القيد في الماهية فهي عبارة اخرى عن القسمي فأين المقسمي مع ان المقسمي أيضا لا وجود له أصلاً لأنه اذا تحقق في وعاء الذهن أو الخارج فهو اما بشرط شيء أو بشرط اللا أو يكون اللابشرط القسمي فأين المقسمي .

وحل الاشكال . انه تارة تلاحظ الماهية مع قطع النظر عن جعلها موضوعا وجعلها معرضا للأحكام والمحمولات الاولية أو الثانويّة حتى عن الوجود والعدم اللذين هما من المحمولات الاولية .

وبعبارة أهل الفن من العوارض للماهية . وبعبارة اخرى في عالمها ولحاظها من حيث هي التي ليست الا هي لا موجودة ولا معدومة بحيث يرتفع هناك النقيضان وبهذا الاعتبار نسميها باللابشرط المقسمي . واخرى نلاحظ الماهية فيمقام جعل الأحكام وحينئذٍ يستحيل خروجها في لب غرض الواقع بالنسبة إلى كلّ زمان وزماني من أحد أقسام ثلاثة . فانها اما مطلقة من حيث دخل كل زمان وزماني وجودا وعدما وهما سيان بالنسبة إليها أو لوجوده دخل لا لعدمه أو بالعكس فباعتبار لحاظ وجود شيء تكون بشرظ الشيء وباعتبار عدمه مشروطا بعدمه وبلا اعتبار لهما وثبوته حالهما بالنسبة إليهما تكون لا بشرط القسمي .

والحاصل ان الماهية تنقسم إلى ثلاثة أقسام فاذا لوحظت بشرط عدم وجودها في الخارج فهي بشرط اللا عن الخارجيات واذا لوحظت بالنسبة إلى شيء فهي بشرط الشيء واذا كانت كلتا الحالتين بالنسبة إليها سواء فهي لا بشرط .

ولا يخفى ان عروض الوجود والعدم على الماهية وكونها هي المعروض

ص: 274

لهما انما هو بحسب التصوّر كما قال في المنظومة ( ان الوجود عارض الماهية تصورا واتّحدا هوية . وفي المقام بعض الأبحاث التي ترتبط باصالة الوجود أو الماهيّة وان باصالة الوجود تنضبط أدلّة التوحيد بخلاف اصالة الماهيّة لعدم امكان الجواب عن شبهة ابن كمونة طوينا ذكرها لعدم ارتباط لها بما نحن بصدده . وانما المهم بيان كون الماهية على ثلاثة أقسام . والمقسم فيها هي اللابشرط المقسمي فلا يرد اشكال انحصار الأقسام بغير اللابشرط القسمي على فرض أخذ اللابشرطيّة قيدا وبغير المقسمي على فرض عدمه .

تلخيص واستنتاج:

قد أشرنا وعرفت ان اللفظ موضوع للمعنى بما هو هو مع قطع النظر عن دخل كل شيء معه ولا يكون السريان والشمول من مدلول المعنى ولا من اجزائه .فما عن بعضهم من كون جئني بماء استعمل الماء في أيّ فرد منه ليس كما ينبغي . ضرورة عدم كون معنى الماء ذلك . بل هو نفس الطبيعة والماهية من حيث هي هي بلا لحاظ خصوصيّة معها أصلاً . وانما ذلك من ناحية المراد . والا فلابد من كون معنى المطلق والعام واحدا ولما احتاج العموم إلى استعمال لفظة كل وأمثاله . اذ لازم دخول السريان والشمول في معنى اللفظ وكون المراد بالماء هو كلّ ماء أو أيّ ماء هو ما ذكرنا . وهو واضح الفساد . بل اللفظ انما استعمل في نفس معناه الموضوع له . دائماً غاية الأمر تختلف المرادات وباختلافها تختلف المعاني واستفادة ذلك انما تكون بدوال اخر غير اللفظ الموضوع لماهية المعنى . فاذا استعمل اللفظ في الماهية بشرط لا عن الخارج فالاستعمال لا يكون حقيقة في

تقسيمات الماهيّة

ص: 275

غير الموضوع له . بل المراد ذلك المعنى كما اذا كانت المحمولات منها المحمولات الثانوية التي يكون ظرف عروضها الذهن كقولنا الانسان نوع . وكذلك اذا كان المحمول من الخارجيات فالمعنى للفظ والموضوع له في جميع هذه الصور على نحو واحد والاستعمال غير مختلف . نهاية الأمر استفادة الخارجي أو الذهني وغيرهما من دال آخر ويكون من باب تعدد الدالّ والمدلول ولهذا أنكرنا في باب العام والخاص كون استعمال العام وارادة الخاص من باب المجاز بل من باب تعدد الدال والمدلول والعام ولو اريد منه فرد واحد لم يخرج عن عمومه بل بعد على عمومه ولا يكون مجازا ولو خصّص بتخصيصات إلى حد الاستجان بحيث ينحصر في واحد . اذ استفادة هذه الخصوصيّة من الدوّال الاخر لا من العام . وكذلك الأمر في ناحية المطلق وانما الفرق بينهما ان المطلق يحتاج إلى اجراءالمقدمات مرتين بخلاف العام فان عمومه لا يحتاج إلى مقدّمات بل جريانها مرة واحدة كاف في اطلاق أحوال أفراد العموم .

والحاصل ان اللفظ لم يوضع الا للمعنى والماهية بلا لحاظ خصوصيّة وقيد وان الاستعمال لا يكون الا فيه واختلاف المرادات وانحاء المعاني انما هي من اختلاف الدوال .

ثمّ اعلم ان الارسال والاطلاق الذي ذكرنا في أسماء الأجناس لا يجري في ناحية الاعلام الشخصيّة اذ لا معنى لملاحظة الاطلاق بالنسبة إلى حالات زيد من غناه وفقره وقيامه وقيوده . بل هو ذات شخصيّة لا تفاوت فيها من حيث كونها مسماة للفظ ومرادة منه لعدم امكان لحاظ السريان والعموم فيها . وهذا أيضا من شواهد عدم اشراب العموم بأيّ نحويه البدلي أو الشمولي في أسماء الأجناس وان

ص: 276

المنسوب إلى المشهور لا يخلو من نظر . بل لعلّهم أيضا لم يقولوا بذلك . اذ لا يلتزمون بلوازم كلامهم الا ان يصرح واحد منهم بذلك فلا محيص عن اسناده إليه .

وكيف كان فالارسال المبحوث عنه في المقام المناسب له هو الارسال في ناحية الوجود الخارجي واللابشرط القسمي لخروج المقسمي عن محطّ التكاليف الشرعيّة ضرورة ارتباط الأحكام التكليفيّة بموضوعاتها ومتعلّقاتها للخارجيات فالارسال انما يلاحظ فيها .

النتيجة: فعلم ان اللابشرط الذي يكون مورد البحث في القضايا الشرعية هو القسمي حيث ان متعلقات الأحكام من الوضعي والتكليفي وكذلك موضوعاتها انما هي الماهيات بلحاظ الوجود لا الماهيات من حيث هي هي في أي صقع كانت . بل بعد أن لبست كسوة الوجود الذي هو بديل العدم وهما اولمحمول بحمل على الماهيات ثمّ ساير المحمولات الخارجيّة كما انّك عرفت ان الارسال في جميع الصور انما هو معنى واحد لا يختلف بالنسبة إليه الموارد وهو في الشمولي والبدلي ذو معنى فارد وهو عبارة عن عدم التقييد وهو معنى الاطلاق . غاية الأمر اختلاف أنحاء المطلقات من الشمولي والبدلي انما هو من ناحية كيفية جعل الحكم كما قلنا في أقسام العموم من الاستغراقي والبدلي والشمولي . فاذا كانت الطبيعة مطلوبة في نظر المولى الآمر بلحاظ صرف وجودها فيكون المطلق بدليّا . واذا كانت بلحاظ مطلقه فشمولي . والنتيجة تتحد في النكرة والاطلاق البدلي الا انه قيل في النكرة هو مفاد اللفظ من باب تعدد الدال والمدلول بخلاف صرف الوجود فان دالّه الاخر ليس عبارة عن اللفظ . والاطلاق الوجودي أو صرفه انما يعلم من الخارج . فظهر بما ذكرنا استناد اختلاف أنحاء الاطلاق الى

في مورد الارسال والاطلاق

ص: 277

اختلاف جعل الحكم لا الى نفس المطلق كما انك عرفت عدم قابليّة الاعلام الشخصيّة للاطلاق والتقييد الجاريين في ناحية أسماء الأجناس بل الجاري فيها هو الأحوالي فقط لا الافرادي .

ثمّ انه كما يتحقق الاطلاق في المعاني الافراديّة كذلك في الجمل التركيبية على أنحائها غاية ما في الباب اطلاقها يقتضي الضيق ومقتضى تقييدها السعة بخلاف المفردات وحسب اختلافها في الاطلاق والتقييد يختلف المطلقات والمقيدات . فمن ناحية الموضوع يقتضي الكفائية ومن ناحية المتعلق التعيينيّة والنفسية والتقييد فيها يوجب التخييرية والغيرية والكفائيّة . ولذلك قلنا ان الواجب

التعييني هو مقتضى القاعدة لا يحتاج إلى مؤنة زائدة اثباتا وثبوتا فبمجرد عدم جعل العدل نكشف التعيينيّة بخلاف ما اذا جعل له العدل فيوجب انتزاع التخييرية فالتعيينية أمر عدمي . كما انه لا مانع من تحقق الاطلاق في الانشائيات كالعقودفاطلاق العقد يقتضي الحلول ونقد البلد . فاذا كان الدرهم مثلاً له أقسام فاطلاق العقد يقتضي نقد البلد لا غيره والتقييد يجعل العقد حسب ما قيدوه وهذا يوجب ضيقا في ناحية اطلاق الدرهم الذي هو معنى افرادي لقول البايع بعتك بكم درهم فانه لو لا كونه في حيز العقد كان يشمل باطلاقه مطلق الدراهم اما الدراهم الساقطة فهي خارجة عن مقتضى المبايعة والمعاملة .

وأمّا جريان الاطلاق في ناحية الجمل فاطلاقها في باب الجملة الشرطية يقتضي كونها ذات مفهوم كما ان اطلاق الواو يقتضي عدم العدل . وكذلك في الغاية وغيرها مما مضى في بحث المفاهيم فانه راجع إلى الاطلاق والتقييد هذا .

واعلم انه لا ربط لكون محل البحث في المطلق هو اللابشرط القسمي بما عنونوه في بابه من كون متعلّقات الأوامر والنواهي هل هي الطبائع أو الوجودات

جريان الاطلاق في الجمل والمعاني الحرفيّة

ص: 278

فتبصر .

بقي الكلام في جريان الاطلاق والتقييد في المعاني الحرفية .

وأنكره المحقق النائيني قدس سره بناء على مبناه من عدم قابليتها للتصور والوقوع تحت ارادة المستعمل . ولا تحقق لها بل تحصلها في موطن الاستعمال . ولا وعاء لها غيره وبمجرد التصور تتقلب اسميا وليست لحاظبّا بل انشائيّا والفرق بينها وبين الانشاءات في العقود والايقاعات بعد اشتراكهما في أصل الانشائيّة بين السماء والأرض فعلى هذا المبنى لا معنى للاطلاق والتقييد فيها اذ هما فرع اللحاظ والتصور وهي ليست بقابلة له .

أمّا على ما هو التحقيق عندنا من كونها ملحوظة غير انشائيّة بل قابلة للتصور ولا ينحصر موطنها بموطن الاستعمال بل لها وعاء فلا مانع من لحاظ الاطلاق والتقييد فيها على ما هو المختار من كون الوضع والموضوع له فيهاعامين فحينئذٍ مجال لجريان الاطلاق والتقييد فيها .

هذا ما كان راجعا إلى أنحاء الاطلاق .

توضيح وتبيين:

قد أشرنا سابقا إلى ان اللابشرط المبحوث عنه في المقام لا ربط له باللابشرط الذي عند الفلاسفة في الفرق بين الجنس والفصل وبين المادة والصورة حيث ان الفرق بينهما وبينهما باللابشرط وبشرط اللا . وكذا غير مرتبط بما في المشتق مع مبدئه كما انه لا يبتني البحث في المقام على وجود الكلي الطبيعي في ضمن أفراده أو بوجود مستقل مع انه لم يقل أحد بالثاني بل القول بين عدم وجوده أصلاً في الخارج وبين وجوده بوجود الافراد وان النسبة بينه وبين أفرداه كنسبة الآباء والأولاد . كما انه لا يهمنا عدم وجود الكلي بكليته في الخارج وانه ما لم

ص: 279

يتشخص لم يوجد أو ما لم يوجد لم يتشخص . وكذا لا نعتني بعدم تحقق للماهيات وان الحقيقة في الوجود أو اصالة الماهيات وعروض الوجود عليها بل المدار في البحث عندنا على لحاظ متعلق التكليف أو موضوعه مع القيود أو بدونها . فانه لا يخلو واقع الأمر عن كون ذلك مشروطا بشيء وجودا أو عدما فهو بشرط الشيء أو يستوي فيه الوجود والعدم فهو الاطلاق . فالاطلاق واللابشرط عبارة عن لحاظ الماهية معراة عن الخصوصيات والقيود الخارجيّة الوجودية في مقام جعل الحكم وجعلها متعلقا للتكليف أو موضوعا له كما في مثل قولنا اعتق رقبة أو ( توضأ ) بالماء حيث ان الأول موضوع التكليف والشرب أو العتق أو ( التوضأ ) متعلق التكليف . فاستواء الوجود والعدم بالنسبة إلى ذلك هو معنى الاطلاق وذلك بالنسبة إلى كلّ زمانيّ وزمان يمكن لحاظ وجوده أو عدمه في دخله لموضوع الحكم أو متعلقه . فظهر بما ذكرنا كون قوام الاطلاق بعدم التقييدفهو أمر عدمي لا يحتاج إلى مؤنة زائدة ثبوتا واثباتا بخلاف التقييد . فاذا لم يقيد قوله ( من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه الخ(1) بقيد زائد على المذكورات فهذا معنى الاطلاق واستواء وجود غيرها وعدمها في جواز التقليد . وحيث ان ذلك على سبيل صرف الوجود لا الشمولي فيجوز ابتداءً تقليد كلّ واحد من المجتهدين لكون جعل الحكم تخييريا . الا ان قيام النصّ(2) الخاص على تقليد الأعلم أوجب تقليده بخلاف ما اذا كانا

ص: 280


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 10/20 من أبواب صفات القاضي .
2- . لعلّ المراد استفادة ذلك من مقبولة عمر بن حنظلة حيث سئل الامام علیه السلام في اختلاف الحاكمين فقال علیه السلام: الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وغيرها الوسائل 27 الباب 9/1 - 20 - 45 من أبواب صفات القاضي . وكلّ هذه الثلاثة في مورد المنازعة

متساويين فلا تعارض في البين ولو كان على الطريقيّة لا الموضوعيّة . الا ان نحو الطريقية صرف الوجودي لا مثل أخذ قول الثقة مما يكون مطلق الوجود بل مثل ( توضأ ) بالماء الذي من صرف الوجود .

ثمّ ان المهم في المقام بيان كون النسبة بين الاطلاق والتقييد هو من تقابل السلب والايجاب أو التضاد أو العدم والملكة . فانه لو كان من تقابل التضاد فلا يمكن اجراء البرائة في الأقل والأكثر الارتباطي وكذلك أمر الاستصحاب وساير ما لها شائبة الأصليّة من الأصول والقواعد كقاعدة الفراغ . ولذلك لم يجر صاحب الفصول أو اخوه البرائة بل جعل الأمر كالمتبائنين الذي لا مجري للبرائة العقليّة فيهما كما لا تجري الشرعيّة . بل لا يمكن بناء على كون التقابل من التضاد اجراء الأصول في الشبهات الموضوعيّة في مثل اللباس المشكوك وأشباهه حيث ان الصلاة لابدّ أن تكون حاصلة واقعة في غير ما لا يؤكل لحمه وهو لا يمكن الابالاجتناب عن المعلوم كونه من غير المأكول ومشكوكه كي يحصل الامتثال ويخرج عن عهدة حكم الشرع عقلاً بذلك . بل ينحصر مجرى البرائة فيها لكفاية الاطلاقات المقامية في الشبهات الحكميّة لكونها دليلاً اجتهاديا يرفع الشك عن وجوب الاستعاذة أو السورة وأشباهها . انما الاشكال كله في الشبهات المصداقيّة والموضوعيّة . واثبات أحد الضدّين بنفي الضدّ الآخر من أظهر أنحاء المثبتات التي قد ثبت في محلّه امتناع جريانها . وهذا بخلاف ما اذا كان التقابل من العدم والملكة فانه لا يحتاج بعد نفي المشكوك إلى اثبات ان الباقي هو المأمور به لكون

نسبة الاطلاق والتقييد

ص: 281

رفع التقييد عين الاطلاق بلا احتياج إلى مؤنة أمر آخر . ويشكل على الفارق في اجراء البرائة في الشبهات الحكمية دون الموضوعيّة أو العكس باتّحاد المجريين وتمامية أركانها في كلا الموردين فان قوام جريانها بكون موردها مشكوكا مجهولاً مجعولاً وفي رفعه منة وهذا كما ترى يتحقق في الشبهة الحكمية والموضوعيّة فلا يتصوّر فارق بين المقامين . فهذا من شواهد عدم كون التقابل من التضاد . لكنه يحتمل كونه من تقابل الايجاب والسلب الا انه يشكل في موارد كالتعبدية والتوصلية التي قد مثل بها المثال المحقق النائيني قدس سره فيما نسب إليه . الا ان الحق التمثيل بالقيود التي لا يمكن أخذها في الخطاب وتتحقق في الرتبة المتأخرة عنه كقصد الوجه والامتثال . ولكن الاشكال ان في هذه الأبحاث قد أحال الأمر على كون التقابل بين الاطلاق والتقييد من العدم والملكة وفي المقام أحال تحقيق التقابل بالعدم والملكة على تلك الأبحاث وهذا كماترى دور ظاهر فلابد من تحقيق كون التقابل من العدم والملكة لا من الايجاب والسلب من أمر آخر والا فيمكن للذي يختار كونه من الايجاب والسلب في هذه المقامات ان يقول رفع التقييد هو اثبات الاطلاق فاذا لم يثبت كون الخطاب تعبديا فيثبت كونهتوصليا كما انه يمكن اثبات كونه غير مباشري بعدم التقييد بكونه مباشريا وهكذا بالنسبة إلى ساير القيود .

والتحقيق انه يمكن أن يستند في كون التقابل من العدم والملكة إلى اقتضاء الخطاب للامتثال . فانه لا يمكن ان يتكفّله الخطاب بالاطلاق ولا التقييد فلا يكون أخذه في متعلّق الخطاب قبل توجه الخطاب وكذا لا يمكن أخذه في القيود المتأخرة التي يمكن تصوير نتيجة الاطلاق والتقييد فيها بل الخطاب بنفسه يقتضي

ص: 282

الامتثال مع انه لو كان من تقابل الايجاب والسلب لم يمكن رفعهما فتأمل .

تذنيب: لا اشكال في تحقق التنافي بين الاطلاق والتقييد فلا يمكن اجتماعما في مورد واحد بالنسبة إلى شيء واحد كما انه لا يكون النسبة والتقابل بينهما تقابل التضايف فيدور الأمر بين كونه من التضاد أو الايجاب والسلب أو العدم والملكة . اما التضادي فواضح وأمّا الايجاب والسلب فهو عبارة عن الوجود والعدم ويكون الماهية بالنسبة إلى ذلك موجودة أو معدومة ولا يمكن رفعهما معا كما يستحيل اجتماعهما معا وتقابل العدم والملكة مخصوص بالمورد الذي يكون له شأنية التقييد وصلاحيته .

ثمّ انه اما يقيد أو يرسل ويطلق بعد لحاظ القيود . فالتقابل بين الاطلاق والتقييد ينحصر بهذه الثلاثة وحيث ان الاطلاق ليس الا عبارة عن عدم دخل للقيد في جعل الحكم بعد اللحاظ فلا يمكن كونه من التضاد وذلك لأن موضوع الكلام في المتكلّم المحيط بجوانب كلامه الملتفت إلى قيوده وحدوده فعنده لا يخلو واقع الأمر بالنسبة إلى كلّ زمان وزماني في متعلّق تكليفه ووضعه أو موضوعه من الدخل وجودا أو عدما أو انه يستويان بالنسبة إليه ولا وجه زائد على هذه الوجوه . فاذا كان له الدخل وجودا أو عدما فلابدّ ان يقيّده به فيالاثبات كما انه يحتاج ثبوتا إلى عناية زائدة . والا فيرسل ولا يقيد . فالاطلاق هو هذا الأمر العدمي الذي لا يكون هناك تقييد . وهو في قبال القسمين الآخرين من أقسام الماهيّة وهما بشرط الشيء وبشرط اللا التي يجمعها الماهيّة اللابشرط المقسمي وقد عرفت انه لا يكون الارسال قيدا للابشرط القسمي والا لكان اما بشرط الشيء أو بشرط اللا ويخرج عن كونه لا بشرط .

الفرق بين أقسام التقابل

ص: 283

والحاصل: لا يكون التقابل على هذا من تقابل التضاد ويكون الاطلاق أمرا عدميّا ويلاحظ المتكلّم القيود ويطردها ويرسلها وربما يتحقّق بين اطلاق بالنسبة إلى كلّ ما يمكن تقيد المتعلق أو الموضوع به وبعبارة اخرى يجذب ويفك فالاطلاق هو الفك فيدور أمره بين الاثنين الآخرين فاما أن يكون من السلب والايجاب أو العدم والملكة . وبما ذكرنا في شرح السلب والايجاب تعرف عدم كونه منه فيكون لا محالة من تقابل العدم والملكة(1) اذ لا معنى للحاظ القيود في مورد لا يكون له قابليتها فيقيد بها أو يطلق فلا يقال للجدار انه بصير أو لا بصر له

لعدم قابليّته بخلاف الانسان القابل له فيمكن اتّصافه بالبصر كما يمكن بعدمه ولو فرض نسبة قيد الى محل غير قابل له فيكون من باب السالبة بانتفاء الموضوع . كما في مثل زيد ليس بعالم فيما اذا لم يكن هناك زيد ولا علم . فظهر بما ذكرنا كون التقابل بينهما من العدم والملكة لا التضاد ولا السلب والايجاب . بل أمر بينهما فباعتبار له شبه بالتضاد من حيث عدم امكان اجتماع الاطلاق والتقييد وباعتبار آخر حيث يمكن ارتفاعهما معا عن غير المحل القابل لهما فلا يكون من الايجاب والسلب .في شرايط الاطلاق: كشف الاطلاق يحتاج إلى مقدمات جعلها بعضهم(2) ثلاثا هي كون المتكلّم في مقام بيان المراد . اما مراده الواقعي النفس الامري أو بيان مقدار ما يريد بيانه . والثانية عدم القيد . والثالثة عدم وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب وهل هذا عبارة عن عدم انصراف إلى خصوص بعض

ص: 284


1- . وهو الذي اختاره المحقّق البجنوردي قدس سره منتهى الأصول 1/468 .
2- . كفاية الأصول 1/384 .

أفراد المطلق أو أمر آخر .

ولكن المحقّق النائيني قدس سره (1) اقتصر في المقدّمات على اثنيين . وجعل العمدة في جريانها بل ما هو دخيل في تحقق موضوعه هو قابليّة المحل للتقييد . فاذا لم يكن قابلاً فلا مجال للتقييد كما انه لا معنى للاطلاق وبعد ذلك لا نحتاج إلى

أزيد من كون المتكلّم في مقام البيان وعدم وجود القيد .

وعلى كلّ حال لو لم يكن المحل قابلاً للتقييد فلا معنى للتقييد أو لحاظ الاطلاق والارسال . فلا وجه لتقييد الجدار بكونه لا بصيرا أو أعمى أو بصيرا لعدم القابليّة بل هو قابل بلحاظ الطول والعرض ولحاظ بنائه من آجر ونحو ذلك والمثال الواضح لما اذا لم يكن قابلاً للتقييد هو مثال الجدار الذي لا قابليّة له في البصر وعدمه . ولهذا قلنا بكون التقابل بين الاطلاق والتقييد من العدم والملكة . فاذا لم يكن للمحل قابليّة قبول الملكة فلا يكون هناك اطلاق ولا تقييد . فالتقابل من العدم والملكة وان كان يمكن التعبير عن ذلك بتغيير عبارة بما يرجع إلى تقابل السلب والايجاب ويقال انه مقيد أو ليس بمقيّد . الا ان واقع الأمر هو ما أشرنا إليه بل لا يمكن في الاعراض غير كون التقابل من العدم والملكة سواء لو حظ محلها أو لم يلاحظ فلا وجه لما عن المحقّق النائيني من كون التقابل بينهما(2) من السلبوالايجاب اذا لوحظ القيام مثلاً بنفسه في قبال ساير الماهيات . فيقال القيام موجود أو معدوم بخلافه اذا لوحظ متّصفاً به المحل وقائما به . وبعبارة اخرى تارة يلاحظ محموليا واخرى نعتيّا وفي النحو الاول يكون من السلب والايجاب اذ لا يستقيم ذلك في الاعراض لاحتياجها إلى المحل لا محالة ولو فرضنا تعريتها في

في شرايط الاطلاق

ص: 285


1- . فوائد الأصول 1/573 وما بعده .
2- . فوائد الاُصول 1/565 .

نسبة الوجود والعدم إليها عن الانتساب إلى المحل وقلنا ان القيام موجود أو معدوم . نعم لا بأس بذلك في الجواهر .

ثمّ انّ المقدّمة الاولى هي كون المولى في مقام بيان مراده اما النفس الأمري الواقعي أو ما أراد بيانه ولو يحتاج بيان نفس الأمر والواقع إلى مكمّل ليس بصدد بيانه حين التكلّم لمصلحة على ما سبق احتماله في باب العام والخاص . فان لم يكن في مقام البيان فلا يمكن كشف الاطلاق اذ لابدّ في ذلك من لحاظ القيود وعدم تقييد المطلق بها فيكشف عن عدم دخلها في متعلّق حكمه وموضوعه سواءً في ذلك بالنسبة إلى الأشخاص أو الأوصاف وأنواع مورد الحكم .

والثانية عدم بيان القيد متّصلاً أو منفصلاً ولذا لا يمكن أخذ الاطلاق واستفادته الاّ بعد الفحص التام عن مقيداته ولو في ساير أبواب بيان الحكم كي يقطع بالاطلاق ويكون سندا وحجّة يحتجّ بها على المولى في الأخذ باطلاق كلامه وربما يكون بصدد البيان من جهة دون اخرى فلا يمكن الاطلاق من غير الجهة التي كان بصدد البيان كما اشتهر التمثيل له بالآية الشريفة في بيان حليّة ما صاده الكلب المعلّم بقوله تعالى: « فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ »(1) حيث انه ليس بصدد بيان طهارة موضع العضّ ونجاسته كي يستدلّ بالاطلاق على الطهارة وعدمالاحتياج إلى الغسل في جواز أكله .

استنتاج لما تقدّم وتكملة: فظهر بما ذكرنا ان اللازم في انكشاف الاطلاق فيما لم يكن في اللفظ تصريح بالاطلاق جريان مقدمات الحكمة وهي كون المتكلم بصدد بيان المراد وقلنا انه اما أن يكون في صدد بيان مراده الواقعي

ص: 286


1- . سورة المائدة الآية 5 .

النفس الأمري فلا يحيل البيان إلى وقت آخر أو يكون في مقام بيان ما أراد بيانه لاتمام مراده ليكون قاعدة وقانونا يعمل عليه لمصلحة . لكن هذا خلاف المختار اذ لا معنى لاعطائه قاعدة وقانونا الا أن يكون في مورد التقيّة فهناك ربما لا يبين تمام المراد الواقعي . وهل يكون مقام البرائة أم لا ؟ سيجيء الكلام فيه .

وعلى كلّ حال هذه المقدّمة لا اشكال فيها وفي اعتبارها في جريان الاطلاق وانعقاده .

الثانية عدم التقييد مطلقا منفصلاً ومتّصلاً وهذا أيضا لا اشكال فيه في تحقق الاطلاق ولابدّ من الفحص التام عن كشف المقيد للاطلاق حتّى يحصل الاطمينان وقد تعارف في زماننا هذا الاكتفاء عن الفحص التام بالرجوع إلى الوسائل والجواهر ومفتاح الكرامة اعتمادا على ضبط الأقوال والروايات والاحتمالات في المسئلة . ولا بأس به بعد حصول الاطمئنان والا فيكون الافتاء بغير علم الذي يجر إلى النار . ثمّ بعد العثور على المقيد والمخصص ينكشف عدم الاطلاق وانه مجرد خيال(1) له وعلى هذا لا وجه للاعتماد على المطلقات قبل الفحص عن المقيدات على ما سبق في بحث العام والخاص .

والثالثة من المقدمات انتفاء القدر المتيقن في مقام التخاطب وزادهاالمحقق الخراساني قدس سره (2) ولا يكون مراده القدر المتيقن الذي علم به من الخارج اذ لا ربط له بالاطلاق اللفظي . بل القدر المتيقن في ناحية اللفظ . لكن هذا ان رجع إلى الانصراف إلى خصوص معنى من موارد المطلق أو الانصراف عنه بحيث

ص: 287


1- . هذا ممنوع . بل الاطلاق منعقد وبالعثور على المقيد يجمع بينهما بالحمل .
2- . كفاية الأصول 1/384 .

يكون التصريح بالقيد تأكيدا فلا اشكال في عدم الاطلاق مع هذا لكونه انصرافا مانعا عن انعقاد الاطلاق والا فمجرّد وجود القدر المتيقن لا يضرّ بالاطلاق ولا انتفائه من مقدّماته .

ومن أمثلته الرواية الواردة في باب البئر المسئول فيها عن حكمه وقوله علیه السلام ماء البئر(1) واسع لا يفسده شيء إلى قوله لأن له مادة .

فان المتيقن من هذا الاطلاق بيان خصوص حكم البئر ومع ذلك لا يصار الى التقييد بخصوصه . بل المتسالم عليه عدم كون المورد مخصصا ولكن القاعدة والضابط الكلي لذلك ما أشرنا إليه من عدم كونه على نحو يوجب كون التصريح بالقيد تأكيدا ويكون كالقيد اللفظي كما في انصراف الماء إلى غير ماء الكبريت والزاج ولذا اشتهرت المحاجة السيالة من كون الانصراف محققا والجواب بكونه منصرفا والرد بكونه انصرافا بدويّاً .

والحاصل: ان مع تماميّة هذه المقدّمات وعدم الانصراف وعدم القيد واقعا إلى حدّ اليأس عن الوجود والاطمئنان بالعدم يتحقق الاطلاق ويكون للتمسك به مجال .

ثمّ انه اذا شككنا في كونه في مقام البيان وعدمه فلا اشكال في اقتضاءالطبع البشري بيان تمام مراده اذا كان بصدد التكلم والبيان فاذا يبين ويتكلّم في موضوع فظاهر الحال واقتضاء الطبع على بيان حقيقته وتمامه بحيث لو لم يكن مانع من ذلك ليبين تمام غرضه في مجلس التكلم ولا يؤخر بيان شيء إلى وقت آخر . بل شدة اقتضاء الطبع وارتكاز المتكلم ربما تبلغ به إلى حد يوجب بيان ما

ص: 288


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 14/7 من أبواب الماء المطلق .

عزم على كتمانه في مجلس الخطاب وعند غير الأهل أو في مقام التقية والخوف المستتبع لحصول الندم منه على ما فعل . فكيف بما اذا لم يكن هناك مانع عنه وهذا أمر معلوم لأهل المحاورة . والشارع الحكيم جرى في محاوراته معهم حسب سيرتهم وطريقتهم بينهم .

نعم اذا كان هناك مانع عن بيان تمام المراد وحقيقته فلا يمكن بيان المراد الواقعي حفظا لدم الشيعة ودمائهم عليهم السلام فامتنعوا عن البيان . وهل يكون هناك مقام الاحتياط أو البرائة ؟ والحق هو كون الحال كساير المقامات على مقتضى القواعد فتجري البرائة في موردها والاحتياط في مورده .

فلو كان في مقام الامتثال فلا اشكال في كون المقام مقام الاحتياط كما انه اذا رجع الشك إلى التكليف فتجري البرائة . فاذا علمنا بالاطلاق وشككنا في القيد فيجري البرائة بخلاف ما اذا شككنا في تحقق الامتثال للاطلاق نظير لزوم الاطعام في الكفارة وانّه هل يحصل بمجرّد ايكال الخبز أو انه لابدّ في ذلك من ضمّ ادام وانحاء ذلك .

ثمّ انّك قد عرفت لما ذكرنا في المقام عدم كون التقييد موجبا للمجازيّة في ناحية اللفظ . بل اللفظ بعد حقيقة لم يخرج عن حقيقة معناه والتقييد لا يوجب المجازية كما ان التخصيص لا يوجب المجازيّة في العام بالنسبة إلى الباقي تحته والكلام الكلام بل ذاك المقام حقيقة ممّا نحن فيه لكونه من التقييد الأنواعيوستعرف إن شاء اللّه في حمل المطلق على المقيّد وجه ذلك مع احتمال المقام ثلاثة وجوه من الجمع . حمل المقيد على بيان الافضل فيما اذا كان صرف الوجود وجواز الأخذ بالاطلاق . والتقييد والجمع الموضوعي . وهكذا الحال في مطلق

إذا شككنا في كون المتكلّم في مقام بيان تمام مراده

ص: 289

المقامات التي يقدم أحد الدليلين على الآخر بالجمع بينهما لا من جهة المعارضة كدليل لا تعاد بالنسبة إلى أدلّة الاجزاء والشرايط ودليل العسر والحرج والضرر بالنسبة إلى أدلّة التكاليف كالوضوء والصلاة مع كون النسبة بين كلّ واحد من هذه الأدلّة وأدلّة المخالف العموم من وجه . اذ النسبة بين لا تعاد وبينها وكذا بين أدلّة العسر والحرج والضرر وبين دليل الوضوء والغسل مثلاً هو العموم من وجه فأيّ وجه لتقديم هذه على تلك في مادة الاجتماع دونها ؟

وتحقيق الحال . ان ذلك لحكومة هذه على تلك ولا اشكال في تقدّم الحاكم على المحكوم ولو كان الحاكم أضعف طهورا من المحكوم أو عامّا وهو خاصّا . اذ لا يلاحظ النسبة بينهما ولا قوّة الظهور . بل المناط كون الحاكم ناظرا إلى المراد بالمحكوم ومفسّرا له . وهذا وجه تقديم هذه الأدلّة الواردة للعناوين الثانويّة على أدلّة الأحكام الاوليّة كما ان السرّ في تقديم ظهور لا تنقص على اليقين هو ذلك . اذ لا يمكن كون الحكم خاصّا والموضوع عامّا وجواز العكس فظهور النقض في الاحتياج إلى الابرام وكون المورد مبرما قرينة على التصرّف في اليقين وحمله على خصوص اليقين الذي له المقتضى في البقاء وقد تفطن لهذا المطلب المحقق الخونساري وشيّد أركانه الشيخ الأنصاري رحمهم الله .

وربما استشكل على الشيخ بعدم التزامه بعدم جريان الاستصحاب في غير صورة احراز المقتضى في مكاسبه . وردّ الاشكال المحقّق النائيني قدس سره بأن مراد الشيخ من المقتضي غير ما تخيلوه ولسنا الآن بصدد تحقيق صحّة الاشكال وسقمهوالجواب . اما التمثيل بقولنا رأيت أسدا يرمى أو لا تضرب أحدا بكون يرمي قرينة على التصرّف في ظهور الأسد ولو وضعيا في الحيوان المفترس وكون المراد

ص: 290

به هو الرجل الشجاع دون التصرّف في يرمى الظاهر في الرمي بالنبل وحمله على الرمي بالتراب فلا يخلو من الاشكال . اذ القرينة في حمله على الرجل الشجاع هو تكلّم من يعلم عدم ارتباطه برؤية الأسد وعدم كون من أهل الآجام بذلك الكلام والاّ فلو صدر هذا الكلام منه فربما يظهر في غير ما هو ظاهره . والعمدة في المقام هو بيان الضابط والقاعدة الكلية في تشخيص القرينة وذيها كي يرفع اليد بسبب ظهورها عن ذيها ويصرفه في ما ترشد إليه .

فنقول: لا اشكال في تركب الجمل من ما يكون ركن الكلام وما هو فضلة سواء قلنا بكون الأصل في الكلام هو الفعل والفاعل أو المبتدأ والخبر . فهما ركنا الكلام وأمّا المفاعيل بأنحائها وما يلحق بها من التميز والحال فهي إنّما يقيد بها الكلام لبيان كيفيّة انتساب الفعل إلى الفاعل ونحو انتساب العرض لمعروضه فهي بأجمعها تكون قرائن مفسرة مبنية لما يفيد أصل انتساب الفعل إلى الفاعل أو حمل الخبر على المبتدأ لكن في بعض الموارد لا يتم هذا الضابط اذ لا يكون الاتيان بالفضلات لهذا الغرض .

الكلام في حمل المطلق على المقيد وموارده:

لحمل المطلق على المقيد شرايط لعدم تأتي الحمل في جميع الموارد بل لابدّ من كونهما متنافيين أو يرجعان إلى المتنافيين والا فاذا أمكن الجمع بين حكميهما فلا وجه للحمل . ثمّ ان الوجه في ذلك اما أظهريّة المقيد بالنسبة إلى المطلق ويقدم الأظهر على الظاهر عند التخالف . ولهذا يرتفع التعارض بينهما كما عليه المحقق الخراساني قدس سره (1) أو ان ذلك من جهة الحكومة وفيها لا تلاحظ النسبة

في حمل المطلق على المقيد

ص: 291


1- . كفاية الأصول 1/393 .

بين الحاكم والمحكوم بل يقدم الحاكم على المحكوم ولو كان أضعف ظهورا من المحكوم والمحكوم في قوّة الظهور لتعرض الحاكم لما لا يتعرض له المحكوم اذ هو يتكفل لكيفيّة الموضوع في المحكوم . وهي على أنحاء . منها ما يرجع إلى التفسير والشرح وبيان المراد من المحكوم كما في التفسير بأي واعنى . ومنها ما يرجع إلى الاخراج أو الادخال كما اذا كان الحكم في المحكوم هو لزوم اكرام العالم بقول مطلق والدليل المقيد تكفل لاثبات ان زيدا أو ان عمرا ليس بعالم . ولا يخفى اختلاف المطلقات بالنسبة إلى المقيدات من حيث النسبة إذ النسبة بينهما تارة هو العموم من وجه واخرى هو العموم المطلق . واخرى هو التباين من حيث المتعلق . ثم ان في العموم من وجه ربما يتحقق التعارض واخرى يرجع إلى باب الاجتماع . ولا فرق في الأنحاء بين الأحكام التكليفيّة والوضعيّة كما اذا قام الدليل على حلية البيع بقوله تعالى: « أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ »(1) وقام الدليل الخاص على انه لا تبع(2) ما ليس عندك وان كان يترائى واشتهر بينهم من كون ذلك ليس من باب الاطلاق والتقييد بل هو ارشاد إلى الدخل أو المانعية .

ثمّ ان تحقق التنافي في غير المتخالفين في الحكم انما هو من جهة كون المتعلق هو صرف الوجود أو ان متعلق المتعلق كذلك وان كان المآل واحدا . وذلك ان للحكم موضوعا هو المكلف ومتعلّقا وهو ما تعلق به الحكم كما في مثل أكرم زيدا فالاكرام تعلق به الوجوب وله متعلق المتعلق وهو الموضوع الخارجي والمفعول به الذي تعلق به الاكرام أو الشرب كما في الخمر أو التيمم كما في

ص: 292


1- . سورة البقرة الآية 276 .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 2/1 من أبواب عقد البيع واللفظ لا يجوز بيع ما ليس يملك .

التراب .

وكيف كان فلابدّ من بيان الضابط والقاعدة في تقدم المقيد على المطلق وانه هي الحكومة أو الأظهريّة أو أمر آخر ولأيّ وجه يقدّم قوله لا تعتق رقبة كافرة على قوله اعتق رقبة الذي تحقق الاطلاق في الرقبة وباطلاقها يشمل الكافرة كالمؤمنة ولم لا يكون ظهور الأمر قرينة على التصرّف في النهي بالحمل على الكراهة كما انه يحتمل العكس ؟ فنقول ان وجه ذلك في جميع هذه المقامات هو ما ذكرنا من الحكومة وكون المقدم هو القرينة على ما تقدّم عليه الذي هو ذو القرينة . والضابط للقرينة من ذيها هو ما أشرنا إليه من ان كلما يتعرض لأصل اسناد الفعل إلى الفاعل فهو ذو القرينة وهو الأصل في الكلام سواء كان بنحو المبتدء والخبر كقولنا زيد قائم أو قام زيد لكون المرجع واحدا وهو بيان اتّصاف المعروض بعرضه واما الملابسات للكلام فهي بأجمعها تكون من القرائن ولذا تقدم على ذيها وتبيّن كيفيّة انتساب الفعل إلى الفاعل وقيام العرض بمعروضه سواء كان مفعولاً به أو فيه أو لاجله أو حالاً أو تميزا لكون تلك رافعة للابهام والاجمال ومبينة ومعينة للنحو الذي استند الفعل إلى الفاعل فبذلك يرتفع الاجمال والابهام وجعل المحقق النائيني قدس سره المثال المذكور سابقا وهو رأيت أسدا يرمى أصلاً وقاس هذه المفاعيل وما يلحق بها من الفضلات في الكلام نحو المثال من تقدم ظهور القرينة على ذيها لتقدم ظهور يرمى في الرمي بالنبل على ظهور الأسد في الحيوان المفترس . ولو كان ظهور المحكوم أقوى من حيث كونه وضعيّا والحاكم اطلاقيّا . والا لكان للاشكال في ذلك مجال واسع حيث ان ظهور الأسد في كونه حيوانا مفترسا عند التلفظ به يستلزم كون المراد بالرمي معنى مناسبا وهو

ص: 293

الرمي بالتراب دون غيره . كما ان ظهور الرمي في كونه بالنبل موجب ومستلزملكون المراد بالأسد هو الانسان الشجاع لا الأسد . فالظهور ان متبائنان . لكن الوجه في تقدم ظهور يرمى انه هادم لظهور الأسد في الحيوان المفترس . فلا يبقى معه مجال لاستلزام ارادة الرمي بالتراب من يرمي حيث انه ظاهر بلا قيد في الرمي بالنبل وهو موجب لصرف ظهور الأسد عن كونه الحيوان المفترس . لكن بعد للاشكال فيه مجال لعدم تماميّة هذا الكلام في تمام موارد مدعاه . وان كان تطبيق مدعاه على المثال مسلم خلوه من الاشكال من حيث كون يرمى وصفا وحالاً ومرجعه إلى الاسد يرمى لا ظاهره من كون الأسد ويرمي كليهما فضلتين .

والتحقيق أن يقال ان الاطلاق حسب ما تقدم انما ينعقد للمطلق بجريان مقدمات الحكمة ومنها كون المتكلم في مقام البيان والا فلو لم يكن فلا يمكننا كشف كونه مطلقا ومن هذه الجهة لم نأخذ بالاطلاق من غير الجهة التي كان بصدد البيان وأسلفنا ان الظاهر ومقتضى الطبع كون المتكلم في بيان تمام مراده الا انه بمجرّد العثور على الخاص انكشف(1) عدم كونه في مقام البيان ولا اقل من الشك المانع من تحقق الاطلاق . وعلى هذا فلا يبقى مجال للاشكال على الضابط المتقدم بتسليمه في المتّصل دون المنفصل مع ان طريق كشف القرينة عن ذيها جمع الكلامين في كلام واحد . ثمّ اتّخاذ المفهوم العرفي المتحصّل منهما كما في قولنا لا تعتق رقبة كافرة اذا انضمّ إلى قولنا اعتق رقبة.

فذلكة: ليعلم انه لابدّ من حمل المطلق على المقيّد من أمرين أحدهما كون المطلق قابلاً للاطلاق والتقييد أي من شأن ما يراد حمله على الآخر ان يقيد ولم

ص: 294


1- . تقدّم الاشكال عليه .

يقيد على ما سلف .

الثاني تحقق التنافي بين المطلق والمقيد فاذا تحقق الأمران فلا محالة يحمل المطلق على المقيد اما لكون المقيد أظهر من المطلق ويقدم عليه لذلك أو لكونه قرينة والمطلق ذا القرينة والقرينة حاكمة على ذيها بلا اشكال .

ثمّ ان التنافي تارة يتحقق بلا حاجة إلى أمر زائد كما اذا كانا متنافيين في الحكم وكان أحدهما أمرا والآخر نهيا واخرى بلحاظ كون السبب في كليهما أمرا واحدا مع كون المطلوب صرف الوجود فحينئذٍ يحمل المطلق على المقيّد .

وحاصل الكلام . انّه تارة يكون المطلوب في المتعلّق هو مطلق الوجود كما اذا أوجب اكرام العالم بوجوده الساري بمعنى كونه أيّ عالم . وحينئذٍ فاذا ورد خطاب آخر ينافيه في بعض مدلوله كما اذا قال لا تكرم فساق العلماء أو الفساق منهم فيقدم الدليل الخاص على العام ويوجب تقييد المطلق اخراج الفاسق عن اطلاق متعلّق الخطاب الوجوبي . واخرى لا يكون كذلك . وفي هذا الفرض فتارة يكون كلاهما أي المطلق والمقيد مقرونين بالسبب كما اذا قال ان ظاهرت فاعتق رقبة وان ظاهرت فاعتق رقبة مؤمنة واخرى أحدهما . وهو اما أن يكون هو المطلق أو المقيد أو يكون كلاهما مطلقين عن ذكر السبب .

ثمّ في ما إذا ذكر السبب في كليهما تارة يكون أمرا واحدا كما ذكر في المثال واخرى متعدّدا كما اذا قال ان أفطرت فاعتق رقبة وقال ان ظاهرت فاعتق رقبة مؤمنة . هذه احتمالات المطلق والمقيد في المثبتين ولا اشكال في عدم التنافي بين الاطلاق والتقييد على النحو الأخير في مورد تعدد السبب . اما ساير أقسامه فلا ريب في التقييد أيضا فيما اذا كان المطلق مطلق الوجود كما لا شك في

شرايط حمل المطلق على المقيّد

ص: 295

ما اذا كان السبب واحدا والمطلوب هو صرف الوجود في التقييد . الا انه يمكن هنا القول بالجمع الحكمي وحمل المقيد على الأفضل . وقيل في وجه تقدم الجمعالموضوعي وهو الحمل على المقيد بكون الجمع الموضوعي مقدماً رتبة على الحكمي . والوجه الآخر هو انه يكون المقيّد قرينة والاخر ذا القرينة كما في ما اذا قال له على عشرون ولم يبين فاذا قال درهما فيفسر المراد ويرفع الابهام بحكومته . فكذلك في مثل ما نحن فيه اذا قال اعتق رقبة ثمّ قال اعتق رقبة مؤمنة وعلمنا بكون المطلوب هو صرف الوجود فيكون المقيّد . هادما لظهور المطلق في الاطلاق بلا فرق في هذين الوجهين في ورودهما معا أو بالتقدم والتأخّر كما انه لا فرق في كونهما متصلين أو منفصلين وطريق الاختبار في المنفصلين فرضهما متصلين في كلام واحد فاذا انعقد الظهور في المقيد فكذلك في المنفصلين لكشفه عن كون المقيد قرينة على المطلق فلا يبقى معه اطلاق في المطلق(1) .

تتمة: يمكن التمثيل لمسئلة حمل المطلق على المقيد بما ورد من رواية(2) الاحتجاج في جواز تقليد العالم الفقيه الذي كان صائنا لنفسه حافظا لدينه مطيعا لأمر مولاه مخالفا لهواه الذي للعوام أن يقلّدوه ولم يقيد المرجع والمقلد في هذه الرواية بكونه أعلم . كما انه لم يشترط التساوي في جواز اختيار صرف الوجود من بين العلماء المتصفين بهذه الصفات . حيث ان التقليد انما هو مطلوب كأصل متعلّقه على نحو صرف الوجود وفتواه طريق إلى الواقع وليس له الموضوعيّة مع اختلاف العلماء والفقهاء في زمن صدور الرواية وفي غيره من الأزمان خصوصا

ص: 296


1- . تقدّم الاشكال في المقيّد المنفصل .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 10/20 من أبواب صفات القاضي .

مع عدم اختصاص جواز التقليد بعصره بل انما ذلك حكم كلّي . فيستفاد من هذه الرواية حسب الاطلاق جواز تقليد أي مجتهد فرض مع الصفات المذكورة التيبستفاد منها الحيوة أيضا . وقد ورد في بعض الروايات(1) ما يمكن استفادة انحصار الجواز بتقليد الأعلم اذا كان هناك اختلاف في الفتوى كالرواية الواردة في الحكم الذي فضّل حكم أحدهما على الآخر بكونه أعدل وأفقه وأصدقهما في الحديث وفي بعض النسخ أعلمهما . وهناك روايات آخر فعلى قواعد حمل الاطلاق على التقييد لابدّ في المقام من ارتكابه . الاّ ان الرواية المذكورة يرد عليها اشكالات مضافا إلى اختصاصها بباب الحكم والقضاء . فلا وجه للتعدّي بها إلى باب الفتوى كما ان الروايات الاخر لا سند لها على فرض سلامة دلالتها . نعم بناء على الطريقية عقلاً لابدّ من الأخذ بما هو الأوفق بالاحتياط اذا اختلفا للزوم الجزم والاطمنيان ووثوق النفس كما في ساير امورهم الدنيويّة كمعرفة قيمة الجوهرة النفيسة التي وقعت بيده ولزوم الأخذ بقول الأعلم حينئذٍ انما هو لدوران الأمر بين التعيين والتخيير .

وكيف كان فالوجه في حمل المطلق على المقيد بعد امكان الجمع بأنحاء آخر . منها حمل المقيد على الاستحباب والفضل . ومنها ما يشترك في الحمل على خلاف صرف الوجود الساقط عن مورد البحث .

ان مع ورود المقيد لا يبقى اطلاق للمطلق لكونه بيانا هادما(2) لظهور المطلق في الاطلاق وموجبا لكشف كون الاطلاق خياليا ولم يكن المولى بصدد

في ما يستفاد منه لزوم تقليد الأعلم

ص: 297


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/1 - 20 - 45 في موارد المنازعة من أبواب صفات القاضي .
2- . سبق الاشكال عليه .

البيان .

وهذا انما يتم في الواجبات مع كون المطلوب هو صرف الوجود كي يتحققالتنافي . وحينئذٍ فان عمل بالمطلق فلم يبق مجال لامتثال المقيد مع ظهوره في تعيّنه وحسب الاطلاق . وهذا بخلاف المستحبّات لعدم التنافي هناك ولذا لا يحمل المطلق فيها على المقيّد وقد استشكل المحقّق النائيني قدس سره (1) حمل المطلق على المقيّد اذا كان المقيّد مذكورا معه السبب كقوله ان ظاهرت فاعتق رقبة مؤمنة والمطلق لم يذكر معه السبب لعدم احراز وحدة السبب فيهما الموجب للتنافي المستلزم للحمل كما انه كذلك على العكس

كما اذا كان ظاهر أحدهما الوجوب في صورة عدم الشرط لا معنى لحمل المطلق على المقيد بل تقديم أحدهما على الآخر مستلزم للدور لتوقف الحمل على وحدة التكليف الذي يتوقف على الحمل . ولا اشكال في الحمل اذا كان المقيد منفيا والمطلق موجبا سواء كان صرف الوجود أو مطلقه .

خلاصة ما سبق

اعلم ان المقيد والمطلق تارة يكونان أمرين واخرى نهيين وثالثة مختلفين فان كانا أمرين أو نهيين فلا معنى للحمل لامكان العمل بكلّ منهما بلا تصرف في الآخر الا اذا رجعا إلى متنافيين كما انه لو كانا مختلفين لا اشكال في لزوم العمل بكليهما بما يساعد عليه العرف . فاذا كان متعلق الأمر الطبيعة والنهي بمقيد منها فمقتضى القاعدة حمل المطلق على المقيّد وتعين الامتثال للأمر في غير المنهي

ص: 298


1- . فوائد الأصول 1/580 .

عنه كما اذا كانا مطلق الوجود يجب العمل على العموم والشمول فيما اذا كانا متحدين غير متخالفين بالسلب والايجاب . واما اذا كانا متخالفين بالسلب والايجاب وكان كقولنا أكرم كلّ عالم ولا تكرم كلّ فاسق فرجعهما إلى باب الاجتماع بناء على مختار صاحب الكفاية وباب التعارض بناء على ما اخترناه . الا ان محلّ البحث في حمل المطلق على المقيد هو ما اذا لم يكن أحدهما مطلق الوجود بل احرزنا كون المطلوب هو صرف الوجود وهو فيما اذا كانا أمرين كي يحصل التنافي ويتحقق مجال للحمل . والا فاذا كانا نهيين فلا تنافي بينهما كما اذا قال: لا تكرم الفاسق ثمّ ورد دليل آخر لا تكرم الفاسق العالم اذ لا تنافى بينهما ويمكن ورود كليهما وامتثالهما بلا مزاحمة ولا تعارض ولا تخالف أصلاً . وكذلك اذا كانا أمرين والسبب مختلف وكانا من مطلق الوجود كما اذا رتب العتق على الظهار وعلى الافطار . نعم فيما اذا احرزنا صرف الوجود في الأمرين المتوافقين فهناك مجال للحمل ووجهه اما اظهريّة المقيّد في الخصوصيّة من ظهور متعلّق الأمر في المطلق في الاطلاق أو كون المقيد هادما(1) للاطلاق بانهدام احدى مقدماته وهو كونه في مقام البيان . وذلك لكشف ورود المقيد عن عدم كونه في مقام بيان مراده . لا لما ذكره المحقّق النائيني قدس سره من كون المقيد قرينة والمطلق ذا قرينة فالجمع بينهما بذلك . لما سبق من الاشكال في ذلك ولا لما ذهب اليه بعضهم من كون العمل بالمقيد يوجب عدم بقاء مورد للعمل بالمطلق لحصول صرف الوجود وتحقّقه في الخارج والفرض انه كان مطلوبا دون غيره . اذ يجوز المعاكسة عليه بتقديم المطلق في الامتثال على المقيد والذهاب إلى كون المقيد بيانا للفرد

خلاصة البحث

ص: 299


1- . سبق منعه .

الأفضل والاستحباب هذا .

ثمّ انه على هذا يشكل الأمر في المستحبات بجريان هذا الوجه بعينه فيهاالموجب لحمل المطلق فيها على المقيد مع كون العمل والبناء على الخلاف ( وقد عرفت ان العمدة في حمل المطلق على المقيد في الالزاميات هو كشف صرف الوجود ووحدة التكليف وهو فيما اذا لم يكن انحلاليّا لعدم المتعلّق الخارجي واضح كما في التكلم . اما فيما اذا كان له متعلق خارجا فلابدّ من قيام القرينة أو التصريح كما في مثل التيمم بالتراب أو الوضوء بالماء فان المطلوب هو رفع الحدث وهو يحصل بصرف الوجود ولا دخل للتعدد الا بدليل كما في الوضوء على الوضوء ولم يرد في التيمم .

فقد علم انّه يدور الأمر في المتنافيين أو في ما يؤل إليهما من المتوافقين كأمرين في ما اذا كان المطلوب صرف الوجود إلى حمل المطلق على المقيّد جمعا موضوعيّا أو حمل الأمر في المقيّد على الاستحباب والفضل وان أيّهما مقدّم على الآخر ويمكن التمثيل لذلك بالمسح فيما(1) ورد من صحيح البزنطي بتمام الكف فانه مقيد في قبال اطلاق المسح المستفاد من الكتاب ومقتضى الجمع بين المطلق والمقيد بالجمع الموضوعي هو الالتزام بلزوم المسح بتمام الكف كما في كليّة موارد حمل المطلق على المقيّد حيث انه لا اشكال في ذلك . انما الكلام في وجهه فيمكن كونه أظهريّة المقيّد في التعيين من اطلاق المطلق في التخيير كما انه يمكن كونه هادميّة ظهور المقيد لاطلاق المطلق وانهدام مقدّماته ويمكن ان الوجه كون المقيّد قرينة على ذي القرينة وهو اطلاق المطلق على ما عرفت .

ص: 300


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 24/4 من أبواب الوضوء واللفظ الا بكفه كلها .

الا انه يمكن أن يستكشل في ذلك كلّه بكون ظهور المقيد في التعيينية ظهورا اطلاقيّا ناشئا من عدم جعل العدل له لاحتياج العدل إلى مؤنة زائدة ثبوتاكما ان ظهور المطلق في الاطلاق وكفاية عتق الكافرة أيضا كذلك فالظهور ان كلاهما اطلاقيان ونعلم اجمالاً بعدم تماميّة أحدهما فيتساقطان ويرجع إلى الأصل العملي وهو في المقام الاشتغال لدوران الأمر بين التعيين والتخيير الذي يرجع أمره إلى التباين لا الأقل والأكثر فحينئذٍ لا محيص عن الاتيان بالمقيد لذلك .

عود على بدء: قد سبق حمل المطلق على المقيد اذا كانا مثبتين ( على المشهور ) ووجهه حصول التنافي . ولكن لابدّ في تحقق التنافي من ثلاثة امور: احدها كون المطلوب في مورد الأمر هو صرف الوجود والثاني عدم انطباق الصرف على المطلق . والا فاذا انطبق عليه فلا يمكن الاتيان بالمقيد لعدم معنى للامتثال بعد الامتثال فاتيانه بعنوان الورود تشريع محرم . الثالث كون المقيد تعيينيّا والا فلا منافاة بين وجوب المطلق وبين وجوب المقيد ولو مع احراز كون المطلوب هو صرف الوجود . لأن اللازم حينئذٍ كون المقيد أفضل أفراد الواجب لا انه واجب .

الا ان المحقق النائيني قدس سره (1) بدل التعيينة بكون المطلوب واجبا وجعل الموجب للتنافي هو الوجوب مع الأمرين الآخرين لكنه غفلة عن حقيقة الحال . اذ لا ينافي الوجوب مع عدم التنافي بين المطلق والمقيد . بل الأمر الثالث هو كون المقيد تعيينيّا فاذا كان كذلك فيتحقق حينئذٍ التنافي بين طلب المطلق ومطلوبيّة

يشترط في التنافي أمور ثلاثة

ص: 301


1- . فوائد الاُصول 1/580 وما بعده .

المقيد لاقتضاء تعلق الخطاب بالمطلق الاكتفاء ولو بالرقبة الكافرة وظهور خطاب المقيد في عدم الاكتفاء بغير المقيد وكونه هو المطلوب تعيينا لا تخييرا . وحينئذٍ فيتعارض الخطابان بمعنى عدم شمول دليل الاعتبار لكليهما للتنافي وعدم قيامدليل على الأخذ بأحدهما لا بعينه مع انه لا وجود له سوى وجود الفردين وهذا هو معنى التعارض في جميع موارده والتساقط . لا انه يشمل الدليل للمتعارضين ثمّ يتساقطان بالتنافي . فاذا تحقق التنافي وامتنع شمول الدليل لكليهما معا فحينئذٍ

نرجع إلى الأصول العمليّة فيدور الأمر بين اتيان الكافرة والشك في الامتثال أو اتيان الرقبة المؤمنة واليقين به للعلم بكون الرقبة المؤمنة مجزية واجبة اما من باب

كونها هو الواجب المتعين أو أفضل الفردين فلابدّ من الاحتياط باتيان المقيد خروجا عن عهدة التكليف المعلوم في البين . ولا مجال للبرائة أصلاً . اما في ناحية الواجب التخييري لكونه خلاف الامتنان لاقتضاء الواجب التخييري سعة على المكلف فرفعه مناف للمنة وعدم تحقق موضوع مجرى البرائة في ناحية الواجب التعييني لاشتراطه بكون مجراه مجعولاً مجهولاً وفي رفعه منة وليس كذلك . لعدم تعلق الجعل بالتعيينة بل بالواجب التعييني لا بتعيينيه اذ هو عبارة عن أمر عدمي وهو عدم جعل العدل وليس هو أمرا مجعولاً شرعيّا كي يسند رفعه إليه فيجري البرائة وفي الحقيقة مرجع الدوران بين تعين المؤمنة أو كفايتها والكافرة وليس مقامنا من قبيل الواجب التخييري في باب التسبيحات حيث يقولون بالتخيير بين الواحدة والثلاث والتزامنا بكون الزائد مستحبّا محضا . اذ في اختيار الثلاث يأتي بالصرف أوّل مرّة ثمّ يأتي بالمرتين بعده ويتحقق الواجب بخلاف ما نحن فيه لكون الاتيان اما بالكافرة أو بالمؤمنة لا انه يأتي بالرقبة ثمّ بالمؤمنة

ص: 302

فحينئذٍ تكون المؤمنة اما هي الفرد الأفضل وتتّصف بالوجوب لكونها محقّقة للصرف أو هي الواجب تعيينا .

ثمّ بما ذكرنا ظهر الوجه في عدم حمل المطلق على(1) المقيّد في المستحبّاتبناءً على مختار المحقّق النائيني لعدم اجتماع شرايطه التي منها كون المطلوب واجبا لكن عرفت الاشكال فيه في الواجب فكذا هنا . بل ينطبق ضابط الحمل في المستحبات أيضا لو تحقّقت المقدّمات غاية الأمر بعد دوران الأمر بين كون المطلوب هو المطلق أو المقيد لا تجري البرائة لعدم منة في رفعه لعدم وجوبه أصلاً اللهمّ الا في مورد النذر أو الاجارة للغير فحينئذٍ يمكن جريان ما تقدّم في الواجب هنا بتمامه كما اذا ورد مثلاً كما في مورد كثير من الصلوات فعلها بسور كثيرة مخصوصة وأدعية وترتيبات خاصّة أو ورد مطلق ومقيد ففي رواية ورد الدعاء بعد الصلاة مطلقا مثلاً وفي اخرى دعاء مخصوص الا انه ربما لا نحرز كون المطلوب هو الصرف أو يستفاد من الخارج ان المطلوب له مراتب مختلفة في الفضل .

والحاصل انه بناء على مختار(2) الكفاية من كون الوجه في حمل المطلق

على المقيد هو كون الواجب تعيينيّا لا انه واجبا فلا يجري ما أجاب النائيني قدس سره .

نعم هو أجاب بجوابين لا يستقيمان على الظاهر ولا يقبلان التوجيه أحدهما كون الغالب في المستحبات هو تعدد المطلوب والثاني كون عدم الحمل من باب التسامح لكنك خبير بما فيهما خصوصا الوجه الأخير فانه أي ارتباط

حمل المطلق على المقيد في المستحبّات

ص: 303


1- . فوائد الأصول 1/585 .
2- . كفاية الأصول 1/393 .

للتسامح في أدلّة السنن بعدم الحمل مع انه في السند لا في عدم الحمل والدلالة .

والحاصل انه لا وجه لعدم الحمل في المستحبات بعد اجتماع شرايط الحمل في الواجبات .

والنتيجة: انّه لا فرق بين الواجبات والمستحبات في حمل المطلق علىالمقيد في ما اذا كانا مثبتين واحرزنا صرف الوجود كما اذا ورد قرائة سورة في صلاة خاصّة ثمّ ورد في دليل آخر قرائة سورة خاصّة بكيفيّة خاصّة فانه لابدّ من الحمل اذا احرز صرف الوجود لعدم اختصاص ذلك بالخطابات النفسيّة التكليفيّة بل يجري في الخطابات الارشادية الغيريّة كما يجري في الوضعيّات وباب العقود والايقاعات .

كما اذا ورد لا بأس(1) بالصلاة فيما لا تتم فيه منفردا اذا كان نجسا مثلاً مع ورود النهي(2) عنها في القلنسوة فلابدّ من التقييد وهكذا . والفرق بين المقام والمثبتين انه لابدّ في المثبتين من مقدمتين للحمل . احديهما احراز صرف الوجود بخلاف المقام فانه بنفسه كاف في التقييد خصوصا مع ما عرفت في باب التخصيص كون التخصيصات انما هي انواعيّة ولا اشكال في التقييد بلا خلاف من أحد في التقييد في المتخالفين .

نعم حيث ان الغالب عدم احراز صرف الوجود فلا يجتمع شرايط الحمل

ولذا لا نقول به بل يكون هناك وظيفتان فالاتيان بالمقيد مستحب والاتيان بالمطلق مستحب آخر كما انه على الحمل أيضا وان جاز ترك السورة في النافلة بالمرّة لكنّه لا تكون هي تلك الصلاة الخاصّة التي تترتب عليها الآثار المخصوصة

ص: 304


1- . وسائل الشيعة 4 الباب 14 / 1 - 2 من أبواب لباس المصلي .
2- . وسائل الشيعة 4 الباب 14 / 4 من أبواب لباس المصلي .

هذا كلّه فيما اذا كان المطلق والمقيد مثبتين اما اذا كان أحدهما مثبتا والآخر منفيا فلا اشكال في التقييد كما إذا ورد في باب الستر في الصلاة الأمر به مطلقاً وورد في رواية اخرى عدم التستر بالحرير للرجال أو ما لا يؤكل لحمه فانّه لا اشكال في التقييد وكون المراد من المطلق هو خصوص المقيد بل يكون في حكم الواردوالمورود وبورود التقييد نكشف عدم الاطلاق بل انما كان تخيله فقط .

هذا تمام الكلام في باب المطلق والمقيد .

الكلام في المجمل والمبين

المجمل هو ما لا يتّضح دلالته واصطلح عليه لمناسبة المعنى اللغوي حيث انه في اللغة بمعنى الضم يقال اجملت الحساب اذا ضم شتاته ويقال اجمال البحث واجمال المقول بمعنى البسط فالمجمل من الألفاظ حيث لا يعلم المراد به ويحتمل فيه احتمالات فقد أجمل الاحتمالات وجمعها وضمها وانضمت هي فيه وسببه اما في مرجع الضمير لدورانه بين أمرين أو كونه من المبهمات كالموصول كما في قوله تعالى: « إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ »(1) لاحتمال كون الموصول هو الولي وانه يعفو عن النصف الآخر ( من المهر ) عن الزوج واحتمال كونه هو الزوج فيعطى النصف الآخر . ولا يذهب عليك عدم الاجمال في الآية الشريفة الواردة في السرقة لمعلوميّة كون اليد من المنكب إلى أطراف الأصابع وكذا القطع عبارة عن ابانة الشيء فالاجمال ليس في أصل اليد وانما الاجمال في الذي يجب قطعه وهل يقطع من المنكب أو المرفق أو الزند أو من

المجمل والمبين

ص: 305


1- . سورة البقرة الآية 238 .

اصول الأصابع وهي ( الاشاجع ) سوى الابهام كما في(1) المروي عن الامام الجواد علیه السلام واستدلاله علیه السلام في قبال القوم بالآية الشريفة « وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ »(2) مع توجه الاشكال على هذا الاستدلال حيث ان ابهام الرجل يقطع في السرقة في المرّة الثانية وعدم استثنائه في القطع مع كونه ممّا يسجد عليه والرواية لا سند لها .نهاية الجزء الثاني من كتاب مباني اُصول الفقه

ص: 306


1- . وسائل الشيعة 28 الباب 4/5 من أبواب حدّ السرقة .
2- . سورة الجنّ الآية 19 .

فهرس المحتويات

الكلام في النهي··· 5

دلالة النهي بالوضع أو الاطلاق··· 7

المطلوب في النواهي هو الترك لجميع الأفراد··· 9

الدلالة بمقدّمات الحكمة··· 11

جواز اجتماع الأمر والنهي··· 13

نتيجة عدم تجاوز الأمر والنهي عن متعلّقهما··· 15

اشتراط باب الاجتماع بتعلّق الأمر والنهي بالمبادي··· 17

الفرق بين العناوين التقييديّة والتعليليّة··· 19

تصوير البحث على النسب الأربع··· 21

الفرق بين كون المتعلّق مفاد كان التامة والناقصة··· 23

بناء المسئلة على تعلّق الأحكام بالطبائع أو الأفراد··· 25

تصوير النزاع··· 27

عدم ورود ايراد المحقّق النائيني إلاّ واحداً··· 29

يسقط الأمر باتيان المجمع في غير العبادة··· 31

الاجتماع انضمامي لا اتّحادي··· 33

ص: 307

قبح صدور الفعل يمنع عن التقرّب به··· 35

صحّة الصلاة في صورة الجهل بالغصب··· 37

وقوف كلّ من الأمر والنهي على متعلّقه··· 39

تقسيم العبادات المكروهة··· 41

الجواب في العبادات المكروهة··· 43

الفرق بين أقسام العبادات المكروهة··· 45

خلاصة ما سبق··· 47

حكم صوم يوم عاشوراء··· 49

اجتماع الكراهة مع الوجوب··· 51

الفرق بين تعلّق الأمر والنهي بموضوع خارجي وغيره··· 53

في اشتراط المندوحة··· 55

حكم الصلاة في الأرض المغصوبة··· 59

الفرق بين النهي الغيري الناشى من النفسي وغيره··· 61

الأقوال في الخروج عن المكان المغصوب··· 63

عدم حرمة التصرّف لرد المال إلى صاحبه··· 65

تتمّة الكلام··· 67

الاشكال في اندراج المقام في قاعدة الامتناع بالاختيار··· 69

في حكم الخروج وضعيّاً··· 71

دوران الأمر بين الوقت وساير الشروط··· 73

التزاحم بين النفس والمال··· 75

ص: 308

صحّة الصلاة في الأرض المغصوبة في الضيق أو السعة··· 77

دوران الأمر بين أكل لحم الخنزير أو الآدمي··· 79

اقتضاء النهي الفساد في المعاملة وعدمه··· 81

الفرق بين النهي النفسي والغيري··· 83

جريان النزاع في أسباب المسببات··· 85

الصحّة والفساد أمران منتزعان··· 87

أقسام النهي··· 89

امضاء الشارع لما عند أهل العرف··· 91

اختلاف باب العقود والايقاعات عن المسبب التوليدي وأفعال المباشرة··· 93

فرق الانشاء والأمور التكوينية··· 95

الجواب عن أبي حنيفة··· 97

النهي عن التسبب بسبب··· 99

إذا نذر التصدّق بشيء··· 101

الفرق بين نهي السيّد ونهي اللّه تعالى··· 103

النهي النفسي التكليفي يوجب الفساد··· 105

الفرق بين النهي بمعنى اسم المصدر وغيره··· 107

تقريب كلام المحقّق النائيني··· 109

لا تدلّ الآية على عدم جواز الواجبات وترك المحرّمات··· 111

اشكال استصحاب الملازمة··· 113

المفهوم والمنطوق··· 115

ص: 309

في مفهوم الشرط··· 117

جريان المقدمات في ناحية العدل··· 119

الشرط على قسمين··· 121

رجوع القيد إلى المعنى المتحصّل··· 125

إشكال مبنى المحقّق الخراساني··· 127

معنى المفهوم··· 129

الاشكالان من المحقّق النائيني على مبنى العلية··· 131

النتيجة في أخذ المفهوم على مبنى النائيني··· 133

الحق مع المحقّق الخراساني في رجوع القيد إلى الهيئة··· 135

إذا تعدّد الشرط واتّحد الجزاء··· 137

الاذان له مراتب··· 139

جمع المحقّق الهمداني··· 141

إذا لم يكن الجزاء قابلاً للتكرار··· 145

مقتضى القاعدة في تعدّد الشرط··· 147

نسب القول بالتداخل إلى الفخر··· 149

الاستدلال على التداخل··· 151

انحلال الأحكام حسب انحلال موضوعاتها··· 153

التعدّي عن المورد لو كان هناك كبرى··· 154

مناقشة أدلّة التداخل··· 155

مقتضى الأصل اللفظي··· 157

ص: 310

الكلام في المسئلة الاُصوليّة··· 159

تداخل الأسباب في بعض الموارد··· 161

في مفهوم الوصف··· 163

ما إذا للموصف مفهوم··· 167

المناقشة في حمل المطلق على المقيد··· 169

في مفهوم الغاية··· 171 - 173

استفادة الأحكام الثلاثة··· 175

في مفهوم الحصر··· 177

الكلام في الاستثناء··· 179

الاشكال في افادة الكلمة الطيّبة··· 181

تقديم ما حقّه التأخير··· 183

في العموم والخصوص··· 185

الفرق بين القضيّة الحقيقيّة والخارجيّة··· 187

الفرق بين العام الانحلالي والمجموعي··· 189

هل ارادة استعمال اللفظ والمعنى واحدة··· 191

هل التخصيص يوجب المجازية··· 193 - 195

الفرق في التخصيص بين المتّصل والمنفصل··· 197

عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة··· 199

أدلّة القائلين بجواز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة··· 201

بعض أدلّة القائلين بجواز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة··· 203

ص: 311

نتيجة الكلام··· 205

إذا كان هناك أصل موضوعي··· 207

جريان أصل عدم القرشيّة··· 209

فيما يكون الموضوع مركباً··· 211 - 213

إشكال جريان عدم القرشيّة··· 215

الفرق بين التركيب والتقييد··· 217

إذا كان للعنوان الانتزاعي دخل في الحكم··· 218

إذا لم يؤخذ التقارن قيداً··· 219

الجواب عن النقض··· 221 - 223

التفصيل فيعدم جواز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة··· 225

التفصيل بين المخصص اللبي واللفظي··· 227

اشكال سيّدنا الأستاذ··· 229

ما يرد على المحقّق الخراساني··· 231

اشكال التمسّك باطلاق دليل النذر··· 233

الفرق بين الأصول اللفظيّة والعمليّة··· 235

نتيجة ما سبق··· 237

الكلام في المثالين··· 239

امكان معارضة جريان الأصلين··· 241

عدم جواز التمسّك بالعام قبل الفحص عن المخصّص··· 243

الدليل على عدم الجواز··· 245

ص: 312

عمدة الدليل على العدم··· 247

في مقدار الفحص··· 249

دوران الأمر بين التخصيص والاستخدام··· 251

توضيح بحث الآية الشريفة··· 253

تكميل بحث الآية الشريفة··· 255

حكم العام بالنسبة إلى المفهوم··· 257

تبعيّة المفهوم الموافق للمنطوق··· 259

تخصيص العام بالمفهوم··· 263

ضابط كون القضية ذات مفهوم··· 264

تخصيص الكتاب بالخبر الواحد··· 265 - 267

دوران الأمر بين النسخ والتخصيص··· 269

في الاطلاق والتقييد··· 270 - 271

الموضوع له اللفظ نفس الماهيّة··· 273

تقسيمات الماهيّة··· 275

في مورد الارسال والاطلاق··· 277

جريان الاطلاق في الجمل والمعاني الحرفيّة··· 278 - 279

نسبة الاطلاق والتقييد··· 281

الفرق بين أقسام التقابل··· 283

في شرايط الاطلاق··· 285 - 287

إذا شككنا في كون المتكلّم في مقام بيان تمام مراده··· 289

ص: 313

في حمل المطلق على المقيد··· 291 - 293

شرايط حمل المطلق على المقيّد··· 295

في ما يستفاد منه لزوم تقليد الأعلم··· 297

خلاصة البحث··· 299

يشترط في التنافي أمور ثلاثة··· 301

حمل المطلق على المقيد في المستحبّات··· 303

المجمل والمبين··· 305

فهرس المحتويات··· 306

ص: 314

المجلد 3

هویة الکتاب

بطاقة تعريف: رحمتي، محمد، 1307 -

عنوان واسم المؤلف: مباني أصول الفقه: تقریر بحث آیت الله سیدمحمود الشاهرودي/ مولف آيت اللّه شيخ محمد رحمتي.

تفاصيل المنشور: قم: قرآن صاعد، 1440ق.= 1398.

خصائص المظهر : 5 ج.

ISBN : دوره:978-600-7282-94-6 ؛ ج.1:978-600-7282-89-2 ؛ ج.2:978-600-7282-90-8 ؛ ج.3:978-600-7282-91-5 ؛ ج.4:978-600-7282-92-2 ؛ ج.5:978-600-7282-93-9

حالة الاستماع: فیپا

لسان : العربية.

ملحوظة : ج.2-5(الإصدار الأول: 1398).

عنوان آخر: تقریر بحث آیت الله سیدمحمود الشاهرودی.

مشكلة : أصول الفقه الشیعة -- قرن 14

Islamic law, shiites -- Interpretation and construction -- 20th century

المعرف المضاف: هاشمی شاهرودی، سیدمحمود، 1327-1397.

المعرف المضاف: Hashemi Shahroudi, Seyyed Mahmoud

ترتيب الكونجرس: BP159/8

تصنيف ديوي: 297/312

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 5841397

اطلاعات رکورد کتابشناسی : فیپا

مباني أُصول الفقه

مؤلف: آيت اللّه شيخ محمد رحمتي

الناشر: قرآن صاعد

وقت وسنة النشر: 1398

الطباعة والتجليد: زلال کوثر

الدوران: 1000 نسخه

ISBN: 6-94-7282-600-978

ISBN: 2-89-7282-600-978

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین

الرحمن الرحیم

مالک یوم الدین

إیاک نعبد وإیاک نستعین

اهدنا الصراط المستقیم

صراط الذین أنعمت علیهم غیر المغضوب علیهم ولا الضالین

لفت نظر

1 - رقم الآيات على حسب احتساب البسملة آية من السور غير سورة التوبة .

2 - مأخذ روايات الوسائل، طبعة ثلاثين مجلّداً .

3 - روايات المستدرك على طبعة 20 مجلّداً .

4 - صفحات الكفاية على طبعة جلدين مع حاشية المشكيني .

ص: 2

مباني أُصول الفقه

تقرير بحث المحقّق المدقّق آيت اللّه العظمى

السيّد محمود الشاهرودى قدس سره

لتلميذه آية اللّه الحاج الشيخ محمد الرحمتي

الجزء الثالث

ص: 3

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحیم

الكلام في الأدلّة العقليّة والأصول العمليّة

ونقدم الكلام أوّلاً في مباحث القطع وان كان خارجا عن موضوع علم الأصول ولا يقع نتيجة البحث عنه كبرى قياس الاستنباط لكن تبعا للشيخ قدس سره ومن تبعه وتمهيدا لمباحث الظن والشك والامارات المعتبرة وغيرها نذكر ما يتعلق بها من الكلام خصوصا مع كون الفراغ من بحث الألفاظ والشروع في بحث الامارات على الأحكام والوظائف المجعولة من قبل الشارع على العباد واستكشافها من الأدلّة يستدعي للمناسبة البحث عن القطع الذي هو أقوى الامارات بل اماريّته ليست بحسب الشرع .

فنقول ذكر الشيخ قدس سره المكلّف والتفاته إلى حكم شرعي وغيّر عبارته المحقّق الخراساني ( بقوله الذي وضع عليه قلم التكليف والظاهر انه لا فائدة في تغيير العبارة ولا يستفاد منها غير ما يستفاد من عبارة الشيخ لعدم ضيق في عبارة الشيخ وسعة في كلام صاحب الكفاية اذ لا يراد بالمكلّف ولا الذي وضع عليه القلم مطلق المكلف ومطلق الذي وضع عليه القلم حتى المقلدين بل باعتبار الأبحاث المتأخّرة للظن والشك وبيان حجيّة بعض الأمارات دون بعض في طريق

الكلام في الأدلّة العقليّة والأصول العمليّة

ص: 5

استكشاف الحكم الشرعي لابدّ وان يراد من يقدر على ذلك . وليس هو الاالمجتهد كما ان مراد صاحب الكفاية(1) هو ذلك لتصريحه فيما بعد بقوله ( متعلّق به أو بمقلّديه ) فلا وجه لأن يقال انه لم يعبر بما عبر به الشيخ ليشمل المقلد وان كنا لا ننكر احتمال ارادة الأعم من المجتهد من كلام الشيخ . لكنه لا ينافي ظهور كون المراد هو المجتهد القادر بقرينة الأحكام المترتبة على ذلك في الأبحاث الآتية ولا وجه لما يقال من كون المجتهد نائبا عن المقلّد في استنباط الأحكام اذ هو كما ترى كلام ظاهري .

ثمّ ان قيد اذا التفت في كلام الشيخ ليس لاخراج غير الملتفت وبالجملة الغافل عن محل البحث اذ لا كلام في عدم كونه مكلفا فعلاً لقصوره وغفلته بل المراد هو المكلف العالم اجمالاً بأحكام الشريعة وان شرب التتن مثلاً له حكم عند الشارع فهو مع التفاته إلى هذا اما أن يحصل له القطع أو الظن أو الشك .

وأمّا المحقّق الخراساني قدس سره فعمّم متعلّق القطع(2) بكونه حكما واقعيّا أو ظاهريّا وحينئذٍ لا وجه لتثليث الأقسام . اذ هو اما أن يقطع بالحكم الأعم منهما ولا اشكال في ان وظيفته ليس هو الرجوع إلى الأصول العمليّة لكون مؤدّاها في مفروض البحث عنه الحكم الظاهري فلابدّ حينئذٍ من ارجاعه إلى حكم العقل وتقرير مقدمات الانسداد ولا وجه ثانيا لرجوعه إلى الأصول العمليّة على هذا فلا يخلو صدر كلامه وذيله من تهافت .

اللهمّ إلاّ أن يراد بالحكم الظاهري مفاد الأدلّة والأمارات فحينئذٍ يكون

ص: 6


1- . كفاية الأصول 2/5 .
2- . كفاية الأصول 2/5 .

هناك حكمان حكم واقعي وحكم ظاهري وهذا بناءً على مبناه . وسيتّضح لك فيالبحث المخصوص به استحالة وجود الحكمين لرجوعه إلى التصويب الباطل كما ان التقييد بقوله حكم فعلي لاخراج الحكم الانشائي لعدم ترتب اثر على العلم به فضلاً عن الظن والشك غاية الأمر مراده من الحكم الفعلي غير ما هو الحق عند الحقّق النائيني اذ هو قدس سره يرى فعلية الحكم ولو قبل وجود موضوعه بخلاف النائيني فانّه يرى كونه انشائيّا وبفعليّة الموضوع يصير الحكم أيضا فعليّا وأمّا الحكم الفعلي من جهة الذي يظهر تصويره من المحقق صاحب الكفاية فلا نعقله على ما سيبين في محله .

والحاصل انّه لا إشكال في ان قول الشيخ قدس سره ( ان المكلف اذا التفت إلى حكم شرعي الخ يراد من المكلف كلّ من المجتهد والمقلد لحصول العلم أو الظن أو الشك بعد الالتفات إلى حكم الواقعة لكلّ منهما وتحقّق مجاري الأصول كذلك اذ لا اشكال في حصول ذلك للمقلد أيضا وان كان لا يقدر على تحصيل حجيّة الظن واقامة الدليل على ذلك . لكنه لا يمنع من حصول هذه الصفات له غاية الأمر لابدّ في رجوعه بالنسبة إلى مورد عدم العلم إلى المجتهد وليس المراد بالمكلّف خصوص المجتهد وكون المراد بالالتفات الالتفات إلى دليل الحكم وهو قد يفيد قطعا بالحكم كالخبر المتواتر وقد لا يفيد إلاّ ظنّا وقد يتعارض الأدلّة أو لا نصّ في

المسألة ويشك المجتهد .

ثمّ ان نظر الشيخ قدس سره من بيان أحكام القطع تمهيدا لايضاح صور عدم العلم ولا نظر إلى خصوص المجتهد كي يكون المقلّد اما مستضيئا بنوره ومستطرقا للواقع من جهة كون نظر المجتهد طريقا إلى الواقع أو ان المجتهد نائب عنه في

المكلّف إذا التفت إلى حكم شرعي

ص: 7

استنباط الأحكام وهو كالوكيل اذ لا وكالة للمجتهد عن المقلد كما ان الاستطراقبوسيلة المجتهد لا معنى له الاّ ما يرجع إلى رجوع الجاهل إلى العالم .وبالجملة فلا اشكال كي يتّجه الجواب عنه .

ثمّ ان بيان الالتفات تمهيداً لحصول الصفات لا للقيديّة . واما الغافل الذي هو غير ملتفت فلا يحصل له العلم ولا الظن والشك لعدم حصول الالتفات . اما الغافل الجاهل الذي هو قاصر فلا تكليف له فهو خارج عن مورد البحث .

والمحقّق الخراساني رتب التقسيم بنحو آخر وعبر مكان عبارة الشيخ بالذي وضع(1) عليه قلم التكليف وعمّم الحكم إلى واقعي وظاهري بخلاف الشيخ فان عبارته مطلقة منصرفة إلى الحكم الواقعي . ويحتمل الأعم من الانشائي كما لعلّه يظهر من جوابه عن اشكال ابن قبة في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري وتقييد المحقق الخراساني الحكم بالفعلي(2) بناء على مبناه من تصوير الانشائي

قبال الفعلي .

والمراد بالحكم الظاهري لابدّ وأن يكون مؤدّى الامارات وهذا لا يناسب اصول المخطئة اذ لا تكون الامارات الا طرقا الى الواقع فان اصابت والا فمجرّد عذر كما انه قدس سره قد صرّح بذلك في بعض الأبحاث الآتية . وعلى هذا فان حصل للمجتهد العلم بالحكم الواقعي أو الظاهري على مبناه الذي هو مؤدّى الامارات فهو . والا فاما ان يتم مقدمات الانسداد على الكشف وحجيّة الظن أو بنحو الحكومة والرجوع إلى الأصول العمليّة على ما أشرنا إليه ويحتمل كون تقييد

ترتيب المحقّق الخراساني

ص: 8


1- . كفاية الأصول 2/5 والعبارة ان البالغ الذي وضع عليه القلم .
2- . كفاية الأصول 2/5 .

الحكم بالفعلي في عبارة المحقق الخراساني ليس تعريضا على عبارة الشيخ بلانما هو بصدد بيان مورد الكلام . وعلى كلّ حال فذلك مبنى على تصوير حكمينالفعلي والانشائي وقوله في تعميم الحكم إلى واقعي وظاهري مبتن على تعدّد الحكم وان كان قد عدل عن هذا المبنى في بعض الأبحاث الآتية حيث انه في مبحث الظن لا يرى للامارات الاّ الطريقيّة وبنائه على كون مؤدّى الاصول حكما ظاهريّا ومبناه سابقا على كون الحكم ذا مراتب أربع . لكن قال أخيرا بمرتبتين من الفعلي احدهما لو علم به لتنجز اما الطريقيّة التي يقول بها في الامارات فهي لا تستدعي وجود حكمين بل الامارة ان اصابت والا فليس الا الترخيص والمعذوريّة .

وكيف كان فلا يمكن المساعدة على حكمين كما لا يفيد تعدد المرتبة اذ مع تعددها وان كان الحكم الظاهري لا يشمل مورد الحكم الواقعي الا انه ينزل إلى مورد الحكم الظاهري وينطبق على موضوعه كما انه لا مجال لما عن الشيخ محمّد حسين أو غيره من انكار التضاد بين الأحكام إلاّ في مرتبة البعث الفعلي فالأحكام ما لم تصل إلى مرتبة البعث لا تضاد لها في الواقع وفي عالم الجعل . نعم في مورد البعث والتحريك لا يمكن البعث على الفعل والترك . وعلى هذا المبنى وان كان الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري سهلاً الا ان الكلام في صحّة المبنى . وكذا ما شبّهوا به وجعلوا المقام نظيرا له حيث جعلوا الأحكام كالاعراض التي لا مانع من اجتماعها في معروض واحد كالكراهه والارادة لا كما السواد والبياض فانه لا يمكن اجتماعهما ولو من فاعلين اذ لا اشكال في ان ما نحن فيه لا يكون الفاعل والجاعل متعدّدا فاما ان يكون في الحكم مقتضى الوجوب أو الحرمة

ص: 9

محضا اذ مع تزاحم المقتضيات وتساويها يكون الجعل لحكم ثالث والعمدة فساد انكار التضاد بين الأحكام في عالم الجعل .فتبين ممّا ذكرنا انه لا وجه للجمع بين الحكمين لا بجعل التضاد في عالمالتحريك والبعث ولا بالفعلي والانشائي وجعل العلم بالانشائي موجبا لفعليّته .

نعم هنا مبنى آخر وهو تصور(1) الفعلي من جهة دون جهة . بيانه على ما ذهب إليه آقا ضياءالدين العراقي قدس سره ونقّحه .

ان للشيء أبوابا من العدم يستند عدم الشيء إليها ولابدّ من سدّ جميع هذه الأبواب في تحققه فتارة يكون عدمه من ناحية جهل المكلف وهو اما أن يكون بتقصيره في عدم الفحص عن الحكم واخرى من ناحية عدم اعلام المولى له وعدم تشريع الحكم في حقّه فهو يتركه ويفوت عنه المصلحة أو يقع في المفسدة وثالثة يكون الترك من ناحية عصيان المكلف بعد تماميّة الحكم من قبل المولى ووصوله إلى المكلف . والمولى قد يسدّ باب عدم الشيء من ناحية جعله الحكم وتشريعه لكن يكل أمر الوصول إلى المكلف إلى حصول العلم له بالحكم بحسب طبعه وجريه العادي . فحينئذٍ في صورة الجهل لا فعليّة له واخرى يكون مصلحة أقوى وأشدّ بحيث لا يكتفي المولى بسدّ باب عدمه من هذه الجهة فقط بل يوجب على المكلّف الاحتياط في ظرف الجهل بالتكليف ولو لم يصل إليه فهكذا إلى أن يصل الى المكلف ويكون هذا الباب مسدودا من قبل المولى وقد لا يمكن سدّه الا باعلامه تكوينا وتصييره عالما فيفعل وإلى ذلك ينظر المحقق الخراساني قدس سره في

ص: 10


1- . نهاية الأفكار 3/65 .

بحث الاشتغال حيث يرى(1) الملازمة بين الموافقة القطعيّة والمخالفة القطعيّة فيما اذا كان الحكم فعليّا من جميع الجهات .ولا يخفى ان هذا انما يتمّ على مذهبه قدس سره من كون الأحكام منجعلات لامجعولات وانها عبارة عن الأخبار عمّا في الضمير من حبّ الشيء وبغضه .

كما يصرّح بذلك الآقا ضياء وربما يظهر من كلمات المحقّق الخراساني في بحث الطلب والارادة حيث يجعل للارادة ثلاث مراتب الانشائي والفعلي والمفهومي والمغايرة إنّما تتصور بين الانشائي من الطلب المتبادر من الطلب والفعلي من الارادة .

نعم في بحث خطاب المشافهة يتصور الأحكام على نحو القضايا الحقيقيّة .

ومراتب الحب والبغض مختلفة في الشدّة والضعف فاذا كان الحب متوسّطا متعارفا فلا يوجب جعل الاحتياط واذا اشتد فلابدّ من جعل الاحتياط .

اما بناء على مبنى المحقّق النائيني من كون الأحكام مجعولات فلا يمكن تصور الفعلي من جهة دون جهة اذ اما أن يكون الجهل مانعا من تحقّق الموضوع أو العلم شرطا دخيلاً فيه فحينئذٍ فلا يعم الحكم الجاهل بلا ارتياب . كما اذا كان العلم بالحكم موجبا لفعليته فانه يكون العلم من شرايط وجوب الأحكام لا وجودها فلا يلزم المكلف تحصيل العلم بالأحكام لأنه اذا تحقق الموضوع فلا يمكن تخلف الحكم عنه فهو اما موجود أو معدوم والشيء الموجود اما أن يكون وجوده مانعا والمفقود وجوده شرطا دخيلاً فلا موضوع ولا حكم كما انه اذا كانت الاستطاعة شرطا في الحج ولم تتحقق والا فلا معنى لعدم جعل الحكم وانشائه

ما أفاده المحقّق ا لعراقي

ص: 11


1- . كفاية الأصول 2/208 - 215 .

وحينئذٍ فمع تعدد الموضوع يلزم محذور التصويب ومع اتحاده فلا يمكن جعل الحكم مخصوصا بالعالم وكونه فعليّا في حقّه دون الجاهل فالالتزام بهذا المبنى أيضا لا وجه له وكانه غفلة عن لوازم ما يرد على كلامهم وكانهم صحّحوا جانبا وغفلوا عن ساير الجوانب .ثمّ ان مراد المحقّق الخراساني من الحكم الظاهري في عبارته(1) أعم منمجارى الأصول الشرعيّة ومفاد الامارات بناء على جعل الحكم في موارد مؤدّياتها ( أو وعلى الطريقيّة ) ثمّ على تقدير عدم العلم بالحكم بكلا قسميه فلابدّ

من اتباع الظن بناء على الحكومة والا فالمرجع إلى الأصول العقلية واما بناء على الكشف فيكون من القسم الأول وبيّن قدس سره وجه العدول عن تثليث الأقسام بالتداخل وقال أخيرا(2) ( وان أبيت إلاّ عن ذلك فالاولى أن يقال ان المكلف اما أن يحصل له القطع أو لا وعلى الثاني اما أن يقوم عنده طريق معتبر أو لا الخ لكن مرجع ذلك إلى كون البحث عن وجود الامارة المعتبرة وعدمها بعد تسلم أصل اعتبارها لا عن اعتبارها مع ان البحث في ما يأتي ليس عن وجود هذه بل عن ما يعرضها من الأحكام والطواري .

ثمّ انّ الشيخ قدس سره ربع مجاري الأصول وان لم تكن نفسها أربعا بل أزيد لكنه حصر المجاري لا الأصول والحصر عقلي . لأنّه اما أن يكون الشك له الحالة السابقة معتبرة أو الأعم فهذا مجرى الاستصحاب والا فاما أن يعلم بجنس التكليف أو لا وعلى الثاني فمجرى البرائة وعلى الأول فاما أن يمكن الاحتياط

مجاري الأصول

ص: 12


1- . كفاية الأصول 2/5 .
2- . كفالة الأصول 2/5 .

فمجرى الاشتغال والا فالتخيير .

ثمّ ان بين كلامه قدس سره هنا وما ذكره في بحث البرائة في مجاري الاصول تهافتا حيث انه اكتفى في المقام في مجرى الاحتياط بالعلم بجنس التكليف ولو لم يعلم بنوعه . بخلافه هناك فجعل صورة العلم بجنس الالزام مجرى البرائة . كما ان بين متن الرسائل وما على حاشيته أيضا تخالفا والأحسن مراعاة ما في الحاشية لعدمانضباط مجارى الأصول على ما في المتن . وأحسن ما عبّر به في المقام ما عبّر به المحقّق النائيني قدس سره من انه اما أن يكون له الحالة السابقة أو لا وعلى الثاني فاما أن يعلم بجنس الالزام أو بالالزام ولو بجنسه أو لا وعلى الأوّل فأمّا أن يمكن الاحتياط أم لا فالأول مجرى الاستصحاب والأول من الثاني من مجرى الاحتياط والثاني منه مجرى التخيير والثاني من الثاني مجرى البرائة . الا انه استشكله سيّدنا قدس سره بعدم تعقل الجنس للالزام وان كان يجري قواعد الاحتياط في ما اذا علم بوجوب شيء أو حرمة آخر بخلاف ما اذا علم في مورد واحد بأحد الأمرين وانه اما واجب أو حرام فلا يمكن الاحتياط ويكون مجرى التخيير .

الكلام في مباحث القطع والبحث يقع تارة في ان حجيّته مجعولة أو منجعلة واخرى في كونه مقتضيا للجرى على وفقه أو علة تامّة . أمّا المقام الأوّل فلا اشكال في عدم كون القطع مجعولاً في علميّته اذ هو الانكشاف ولا يكون هذا المعنى بجعل جاعل بل هو ذاتي له والا فيتسلسل اذ لو لم يكن كذلك وكان مستندا إلى الجعل فلابدّ في ذلك من العلم والقطع بالجعل . ثم على تقديره فيحتاج ذلك العلم إلى جعل الحجيّة وعلى تقدير الجعل له أيضا لابدّ من العلم به وكونه حجّة وهكذا اذ كل ما بالعرض لا بد وان ينتهى إلى ما بالذات . والقطع حجّة بنفسه

ص: 13

وبذاته ولا يمكن سلب ذاتيّه عنه . وان شئت فاجعل هذا دليلاً على المقام الثاني في مقام الجري العملي على قطعه .

ثمّ انه لا اشكال في لزوم العمل على طبق القطع بمعنى كونه داعيا ومحركا نحو المطلوب اذا أراد لا علة مجبرة موجبة على العمل بل مع حفظ الاختيار والارادة فيكون العلم داعيا ورافعا للمانع من قبله وقبل شرح هذا المعنى لا بأسبالالتفات إلى نكتة . وهي انه هل الجرى العملي في نظر العقل موضوعه الواقع بماهو منكشف أو الانكشاف والعلم تمام الموضوع له بعد مسلمية عدم تأثير للوجودات الواقعيّة بلا انكشاف في عالم التحريك اذ بالوجدان لا نخاف من أسد بجبننا في الظلمة نحسبه غنما كما انه نخاف ونفرّ من غنم خلناه أسدا . فهذا ونحوه شاهد عدم استناد التحرك إلى الوجود الواقعي بل للوجود العلمي أو للعلم ولا مساس لهذا بما ادعى في باب تعلق الأحكام وجعلها من قيام صفتي الارادة الكراهة في نفس الجاعل بالصورة الذهنيّة التي يتخيّل انها الخارج . لعدم معنى لتعلق الحكم على الشيء في ظرف وجوده وتحققه وكذا لا معروض لهما في ظرف عدمهما بل لا معنى لذلك بقيد انه معدوم اذ محال أن يوجد الشيء بقيد انه معدوم لأنه على كلّ حال لا يكون الوجود الواقعي بما هو كذلك محركا وباعثا وداعيا نحوه ولو اخترنا تعلق الأحكام بالصور الذهنيّة الا ان الاشكال في كونها كالأعراض أي الارادة والكراهة ليستا كالاعراض من استحالة قيامها بلا معروض بل لو قلنا ففي نفس الجاعل لا العمل وتحقيق الحال في محلّه .

ثمّ انه لا يذهب عليك عدم استلزام استناد الأثر إلى الوجود العلمي كون موضوع الأحكام عند الشارع هو المعلوم انه كذلك اذ لو كان الأمر على هذا النحو

ص: 14

لكان اللازم حرمة الماء الذي علم انه خمر . بل الأحكام موضوعاتها نفس الأشياء غاية الأمر التحرّك انما هو في ظرف تعلق العلم بذلك .

والحاصل ان العلم والقطع لا يكون اقتضائه للجري بجعل الجاعل بل هو من آثاره المنتسبة إليه ومن توابع جعله البسيط لا انه جعل جعلاً مركّبا تأليفيّا . وكما لا يمكن رفع ذاتيات الشيء .

كذلك لا يمكن كونها مستقلّة تحت الجعل مضافا إلى المناقضة في الواقع أواعتقاد المكلّف ومعه ينسب الجنون إلى المولى ولا يتحرك على وفقه اذ معنى قولهفي ما قطع بكونه خمرا وقد فرض تعلق الحرمة به وشربها اجتماع الأمرين المتضادين الحرمة والحلية واقعا أو على فرض خطائه بحسب اعتقاده .

نعم اذا نسخ الأمر الأوّل بالثاني فلا بأس وهو خارج عن محل الكلام كما اذا أوصى بمال لزيد ثمّ لعمرو والفرق بينه وبين ما اذا بقى الايصاء بلا موضوع موكول إلى محلّه .

الفرق بين العلم والقطع

تنبيه: الظاهر ان الفرق بين العلم والقطع الذين يطلق الأول منهما على الباري تعالى بخلاف الثاني فلا يقال ولم يرد ياقاطع راجع إلى معنى كائن في كلّ واحد بخلاف الآخر فان القطع يطلق على من له استعداد وقابليّة حصول الشك والترديد بالنسبة إليه فاذا حصل له الانكشاف التام فيزول عنه الترديد فيجزم ويحصل له الحالة الكذائيّة التي يعبر عنها بالقطع وهذا المعنى محال على الباري تعالى لانكشاف الأشياء لديه وحضورها عنده كما انه يفترقان في كون العلم له

عدم الجعل في الجري على القطع

ص: 15

مطابق خارجي والا فهو جهل مركب بخلاف القطع فانه يطلق على الجهل المركب أيضا كالعلم لوجود الجزم في كليهما . ثمّ انّه لا يخفى ان العلم ليس كاشفيّته مجعولة بالجعل البسيط ولا التأليفي الذي هو مفاد كان الناقصة اما تشريعا فلعدم ارتباط له بصفحة التكوين واما تكوينا فلكون الكشف من ذاتيات العلم والقطع فلا تناله يد الجعل لا اثباتا ولا نفيا لعدم الامكان . نعم يمكن تصرّف التكوين في تصيير غير العالم عالماً الا انه بما انه عالم لا يمكن التصرف في الكاشفيّة له . كما

ان ترتيب الآثار والجري العملي من آثار الواقع غاية الأمر . لا بما هو واقع بل بما هو معلوم . وبعبارة اخرى من آثاره بوجوده العلمي لا الواقعي وعلى هذا المعنىيستند الفرار من الأسد الخيالي وعدم الفرار من الأسد الواقعي الذي لم يتعلق به علمه فما يقال من استناد الآثار إلى العلم وهي مستندة إليه ضعيف .

ثمّ انّ حجيّة القطع التي من آثارها المنجّزيّة والعذر فيما اذا اخطأ وصحّة الاحتجاج فيما اذا أصاب من المولى على العبد ومنه عليه أيضا ذاتيّة له . ولا يمكن الجعل بالنسبة إليها بأنحاء الجعل بسيطا وتركّبا اصالة وتبعا سواءً قلنا انها ( أي الحجّيّة ) قابلة للجعل ابتداءً أو انها أمر انتزاعي أو قلنا بتتميم الكشف أو غير

ذلك من المباني في حجيّة الامارات . كما لا يمكن الردع عنه وما في الظن القياسي والردع عنه أو الوسواسي وما ورد(1) في قضيّة أبان لم يكن ردعا عن حجّيّة القطع وكاشفيته بل انما هو خدشة في مقدمات القطع ومباديه وتشكيك في كيفيّة حصوله ( يمكن توجيه الردع عن الوسواسي بأن علمه حسب المتعارف موضوع للأحكام المترتبة عليه بهذا العنوان فتأمّل ) .

آثار القطع

ص: 16


1- . وسائل الشيعة 29 الباب 44/1 من أبواب ديات الأعضاء .

نعم يمكن دخل العلم بنحو خاص في العلم الموضوعي والا فلا يتصور ذلك في الطريقي كما اذا جعل العلم بالحكم من الأخبار والأدلّة الاجتهاديّة موضوعا للتقليد وكما في اشتراط العدالة والا فلو فرض العلم بالحكم من الجفر والرمل وغيرهما فلا يمكن الردع عنه في حجيته لنفسه .

واعلم ان اطلاق الحجّة على العلم ليس كاطلاقها على الأمارات عند الأصولي وجعل الوسطيّة في مقام الاثبات التي ترجع إلى التصرف الشرعي لحكم العقل بترتيب آثار العلم والقطع على ما جعله الشارع امارة وطريقا . كما انه ليسكاطلاقها على الحجّة بمعناها المنطقي من كاشفية العلّة عن المعلول والاستدلال بهعلى العلة وبالجملة ليس معناها راجعا إلى الكشف في باب الملازمات بين العلّة والمعلول . وعلى هذا فلا يمكن جعل القطع مأخوذا في صغرى القياس أو كبراه بلحاظ ترتيب آثار المقطوع والمعلوم كان يقال هذا معلوم الخمريّة وكلّ معلوم الخمريّة كذا .

نعم يمكن أن يقال ذلك في ما اذا يترتب عليه أثر موضوعا كما في الظن لعدم كونه علما فيتبع ذلك لكيفيّة اعتباره فيقال هذا مظنون الكذائيّة وكلّ مظنونها يترتب عليه ذاك الحكم على تقدير كون المظنون موضوعا لحكم من الأحكام الشرعيّة . الا ان للمحقّق النائيني قدس سره اشكالاً على هذا التقرير ويراه مغالطة بما سيجيء توضيحه .

فذلكة البحث

قد علم ممّا تقدّم ان القطع حجّة بمعنى كونه موضوعا لحكم العقل بالجرى

ص: 17

على وفق المقطوع في ظرف ارادته . والا فلا يكون جابرا الا انه لا يوجب تعلق العلم وحصول القطع بشيء تغيير حقيقة المقطوع . بل هو باق على ما هو عليه سواء صادفه القطع وتطابقا أم لا كما في اذا لم يكن قطع . فان الخمر الواقعي خمر ولو لم يعلم بها المكلف . بل علم بعدمها . وكذلك القطع بانها خمر لا يوجب شيئا اذا لم يكن كذلك وعلى هذا فلا عليّة ولا معلوليّة بين القطع والمقطوع . بل ولا تلازم . ومن هنا يظهر وجه عدم صحّة جعله في ترتيب القياس ولا الصوري منه لحصول النتيجة الحاصلة من تأليف المقدمات فيه بالفعل كما اذا فرض علمنا بحدوث العالم فلا نحتاج إلى تأليف القياس لاستنتاج هذا الحكم وعدم اطلاق الحجّة بمعناه المنطقي ولا الاصولي . أمّا المنطقي فلما عرفت من انتفاء العلية والمعلوليّةبينهما فلا يكون كشف القطع عن مقطوعه من قبيل برهان اللم ولا الان كما ان بمعناه الاصولي من كونه واقعا في طريق الاستنباط أو في كبرى القياس لا وجه له لعدم ترتب أحكام الخمر على المقطوع الخمريّة كي يقال هذا مقطوع المخريّة وكل مقطوعها كذا فهذا كذا .

والحاصل: لا يكون واسطة ثبوتية لمقطوعه بخلاف الظن . فانه يمكن فيه تشكيل القياس بأن يقال هذا مظنون الخمريّة وكلّ مظنونها حرام فهذا حرام . لكن لا يخفى عدم جريانه في الظن أيضا الا بناء على التصويب والموضوعيّة والا فعلى مبنى جعل الحجيّة أو الطريقيّة لا يتمّ . حيث انه اما أن يجعل الشكّ ظرفا أو موضوعا في الأمارات وموضوعا في الأصول الشرعيّة لا يمكن تشكيل القياس المنطقي فيها أيضا لعدم ملازمة ولا وساطة ثبوتيّة الا بناء على الموضوعيّة وكون قيام الامارة على شيء موجبا لترتب أحكامه عليه . الا ان للمحقّق العراقي قدس سره هنا

عدم اطلاق الحجّة على القطع

ص: 18

كلاما في تصوير الوسطيّة . بيانه ان الحكم ليس الا الارادة المولويّة وحقيقته ليس الا هذا . غاية الأمر وجود الألفاظ انما هي للابراز عن الارادة اللبيّة وحينئذٍ فالأحكام ليست مجعولة بل منجعلة وانكشاف حقيقة الارادة من المولى للعبد موجب لترتيب آثارها لدى العبد المعترف بعبوديّته وكون المولى مولى وما بين المولى والعبد من الأحكام كما انه كذلك الأمر في القطع .

ثمّ ان المولى قد يجعل الامارات التي لا مبرزية تامة لها بحسب حقيقتها مبرزة تعبدا . وعلى هذا فلا مانع من تشكيل القياس المنطقي واطلاق الحجّة عليها خصوصا والنسبة بين المثبت والمثبت هي التضايف ( كما قال الشيخ في رسائله ) فلا يمكن انفكاك كلّ منهما عن الآخر وعلى هذا فيدفع الاشكال عن بحث حجيّةالخبر الواحد الذي هو أكبر مباحث الأصول بل عمدتها لكون البحث حينئذٍ عنالامارات بحثا عن السنة التي هي قول المعصوم أو فعله أو تقريره فلا اشكال لكنه لا يخفى عليك عدم ابتناء تشكيل القياس على ما قرر بانجعال الأحكام ومجرّد تغيير الاصطلاح والتعبير عن المحرزة للواقع بالمبرزة لا وجه له . بل يتم ذلك حتى القول بكونها مجعولة غاية الأمر فساد ذلك من أصله . حيث ان جواز تخلف المثبَت عن المثبِت مما يهدم أساس هذا الكلام وإلاّ فعلى فرض عدم جواز الانفكاك فلا يمكن تصويره الا بناء على الموضوعيّة التي هي خلاف اصول العدليّة إذ على مبناه من كون لب الحكم هى الارادة فلا يمكن قيام الظن على المؤدى من مباديها اذ هي بمباديها اما حاصلة أم لا فاذا كانت المصالح والمفاسد والمقتضيات للجعل التي تكون دواعي للجعل التشريعي على حذو الجعل التكويني من امتناع البخل والفيض التام والجود العام واعطاء كل شيء حقه

ص: 19

حسب استعدادات ظروف الأشياء حاصلة فالارادة تتحقق سواء علم بها المكلّف أم لا . والا فعلم المكلف أو جهله لا يوجبان شيئا ولا يقعان في سلسلة علل الحكم وهذا لا يناسب مع ما بنى عليه في كثير من أبواب الأصول من تأسيس الحصة التوئمة وجعل العناوين امورا مشارا بها إلى موضوعات الأحكام والعناوين وليس لها دخل ملاكي كما سيجيء في القطع الموضوعي من انكار نتيجة الاطلاق والتقييد وارجاع ذلك الى الحصّة المقارنة مع العالم .

نعم بناء على منجزية الاحتمال في جعل الطرق والأمارات ومبناه قدس سره هذا فلا يتوجه الاشكال الا ان الكلام في مبادى هذا المبنى وعلى ما ذكر فالقول بامكان تشكيل القياس في الظن وجعل الحكم هو المثبت المبرز والظن والامارة المعتبرة هو المثبت والمبرز منافٍ وتهافت لهذا المبنى الذي كرره في الأبحاثالاصوليّة وسهل به كثيرا من العويضات ودفع بهذا الاشكالات لكنه قدس سره لا يجزم بمانقلنا عنه ولا يصر عليه .

ولذا فالأحسن أن يعبر عن ذلك بيمكن أن يقال أو ربما يقال وأمثالهما كما ان تشكيل القياس لا يجامع مباني جعل الحجيّة والطريقيّة والعذريّة اذ لا يقع أحد هذه بناء على صحّة جعلها واسطة ثبوتية للحكم الشرعي .

نعم لا بأس بوقوعها موضوعا لحكم العقل اذ بعد ان جعل العذر فلا يتحقّق مصداق كبرى العقل من عدم العذر وهكذا في غيره .

والا فنقول ان العذر لا يقبل الجعل ( فالأحسن ما عبر به المحقّق النائيني في المقام وأحسن منه ما عبّر به المحقّق صاحب الكفاية .

أقول: لعلّ المراد به ما سنذكره ذيلاً من دخل علم المكلف بالحكم في

لا اشكال لو قلنا بمنجزيّة الاحتمال

ص: 20

فعليته وهو الظاهر .

فتلخّص ممّا ذكرنا عدم صحّة تشكيل القياس في القطع مطلقا لا صورة ولا معنى وفي الامارات وان أمكن صورة الا انها أيضا كالقطع في عدم صحّتها معنى .

ثمّ اعلم انه لا يمكن الالتزام بالتزامهم انجعالية الأحكام .

نعم بناء على ما صرّح به الشيخ في أوائل الدرر(1) من احتمال كونها كذلك لا بأس . لكنه مخصوص بباب الأحكام التكليفيّة دون الانشائيّات كالعقود والايقاعات . كما انه بناء على أخذ العلم في موضوع التكليف كان يكون معلوم الخمريّة حراما لا مانع من كونه واسطة ثبوتية للحكم حيث انه يمكن معه تشكيل القياس بأن يقال هذامعلوم الخمريّه وكلّ معلومها كذا فهذا كذا الا انه خلاف ما يستفاد من الأدلّة مع انه لا يبقى حينئذٍ مجال للبحث عن الشبهات الموضوعيّة لأنّهفي ظرف الشكّ في الخمريّة نقطع بعدم الحرمة .

نعم غاية ما في الباب هذا تصويب في الموضوعات ولم يقم اجماع على خلافه بل التصويب القائم عليه الاجماع هو في الأحكام فيمكن أن يقول به أحد هنا دون باب الأحكام لو ساعده الدليل ) .

الكلام في القطع الموضوعي وأقسامه

لا اشكال في ان للقطع جهات . فمن حيث نفسه صفة نفسانيّة ذات اضافة أو من مقولة الكيف أو الفعل أو الانفعال اذ لكلّ وجه صحيح كما ان له النوريّة وارائة متعلّقة ويمكن أخذه دخيلاً في الموضوع كلاّ بأن يكون تمام الموضوع لحكم من

في القطع الموضوعي

ص: 21


1- . درر الفوائد .

الأحكام غير حكم متعلق نفسه لما سيجيء أو جزئه . وعلى كلا التقديرين تارة على نحو الطريقيّة واخرى على نحو الصفتية ولا اشكال في امكان أقسامه .

نعم قد استشكل في ما اذا أخذ جزءا للموضوع على نحو الطريقيّة بأنّه مستلزم لتعدّد اللحاظ المحال . اذ القطع الطريقي لا يلتفت إليه القاطع الا بنظرة ثانية والتفات اليه بعد القطع فلا معنى لأخذه جزءا للموضوع بهذا النحو .

ولكن اجيب عنه بامكانه في حق غير القاطع وهو المولى الجاعل وان لم يمكن بالنسبة إلى المكلّف نفسه بذاك النظر مع امكانه بالنظرة الاخرى وعلى كلّ حال قد وقع الكلام في امكان أخذ العلم بالحكم في متعلق نفسه كان يكون قبل العلم لا حكم وبعده يتحقّق الحكم ويكون فعليا ذا أثر بأن يقول اذا علمت بوجوب الصلاة فهي واجبة بخلاف ما اذا قال بوجوبها فتصدق لما مرّ الكلام عليه بأقسامه الأربع ولا اشكال في استحالته لاستدعاء تعلق العلم بالمعلوم تحققه مع ان الحكم لا يتحقق الا بالعلم فالعلم المتأخّر عن تحقّق الحكم لابدّ أن يكون في سلسلة عللهومن مقدمات وجوده وتحققه وهذا محال بلا اشكال لادائه إلى وجود العلم وعدمه في مرتبة واحدة .

نعم قد أخذوا في بيان ما يمكن أن ينتج هذا المعنى ولو بلا اتّخاذه في دليل الحكم فقد ذهب المحقّق النائيني قدس سره إلى امكان جعل الخطاب المتمم .

بيانه ان اخذ ما هو متفرع على وجود الخطاب ولا يتحقق الا بعده لا يمكن تقييد موضوع الخطاب به وبعد البناء على كون التقابل بين الاطلاق والتقييد هو العدم والملكة فبعين امتناع الاطلاق(1) يمتنع التقييد . وهذا بخلاف الانقسامات

ص: 22


1- . حق المقام ( فبين امتناع التقييد يمتنع الاطلاق ) .

الاولية التي تحقق موضوع الخطاب وقبل الخطاب أمكن تقييد الموضوع بها .

ثم انه حيث لا يمكن في لب غرض الواقع عدم الاطلاق والتقييد بالنسبة

إلى العلم أو ما هو نظيره في امتناع أخذه في متعلق الخطاب وموضوعه فاما أن يكون واقعا موضوعه العالم بخصوصه أو أعم منه ومن الجاهل فيتمم هذا الخطاب الاولى القاصر عن بيان ذلك ببيان آخر اخبارا بأنّه عام أو مخصوص بخصوص العالم . وتسمية هذا الخطاب بمتمم الجعل مسامحة . وهذا المتمم غير المتمم في أبواب اعتبار قصد القربة والمقدمة المفوتة وايجاب الاحتياط وهذا نسمّيه بنتيجة الاطلاق أو التقييد اذ ليس تقييدا ولا اطلاقا حقيقيّا . وسلك آقا ضياء العراقي قدس سره طريقا اخر . بيانه بعد وضوح ترتب العلم على المعلوم ترتب المعلول على علّته وتأخر رتبته عنه واضح لتخلل القاء فيقال وجد فعلم أو جهل ولو لا بوجوده الخارجي كوجود الغد والعلم به وان عنوان العالم والجاهل ليس أخذه الا بنحو العنوان المشار به إلى شيء آخر وليس للعنوان دخل كما اذا أردنا الاشارة الىقطعة خاصّة من الخيط الطويل الممتد الواقعة على فوق رؤوس عدّة أشخاص فنشير بهم إلى تلك القطعة مع عدم دخل لوجودهم ولا لذكرهم في موضوع الحكم أصلاً بل لو لا هم لأشرنا بشيء آخر فهذا اشارة إلى الحصة الخاصة من الموضوع التي يتفق وجوده مع العالم حتى ان كونه توأما معه مقارنا له أيضا لا دخل له فأخذه بهذا النحو لا يستوجب شيئا بل يفيد سعة متعلق الحكم أو ضيقه . وهذا المعنى غير متوقف على تحقق الحكم بل يتحقق قبله وبعده هذا .

وبهذا أيضا أجاب عن اشكال المقدمة الموصلة في السير الذي يقرب إلى مكة متصفا بالمقدميّة بانه انما يكون المقدمة هي الموصلة التي لا نريد بها الا ما

جواب اشكال المقدّمة الموصلة

ص: 23

يوصل بها إلى الحج لا بدخل هذا العنوان كي ينقلب المقدمة ذا المقدمة وبالعكس ولا الملاكي وكذلك في باب دخل قصد القربة . وعلى كلّ حال فقد كرّر هذا المبنى في عدة موارد ويرد عليه اشكالات . ولكن هذا غير مرتبط ببحث أخذ العلم في متعلّق نفس الحكم الذي تعلق به بل على ما صرح به لا دخل للعلم ولا للعالم وانه لو لا العلم لاشير اليه بعنوان آخر غير دخيل فيه أيضا .

ثمّ انه كيف يعلم المكلف بان الشرط حاصل في حقه ومن أين يعلم بذلك وقياسه بساير الشرايط الدخيلة في الملاك ضعيف لوجود خصوصيّة في المقام وعلى الفرض يكون العلم دخيلاً في الملاك كالعقل والبلوغ لا من شرايط حسن الخطاب كالقدرة ولا التنجز كالعلم فلا وجه لهذا الكلام كما لا وجه لسابقه بل الأحسن في هذا الباب ما ذهب إليه الآخوند من كون العلم بالحكم بمرتبة منه كالانشائي موضوعا لمرتبة اخرى هي الفعليّة ولا الاشكال عليه أوضح لعدم ايجاب تعلق العلم بشيء تغيره عما هو عليه وناقلاً له عن مرتبة إلى مرتبة .

تكميل وتتميم: قد عرفت ممّا ذكرنا استحالة أخذ العلم بالحكم فيموضوعه ومتعلق نفسه لاستلزامه الدور والانفكاك بين ما هو كالمعلول والعلّة في عدم التأخر الزماني مع ان حصول العلم ربما يتأخّر عن الحكم زمانا الا انه لا اشكال في جواز أخذ العلم بحكم في موضوع حكم آخر غير متعلقه لعدم تأتي تلك الاشكالات هنا .

ثمّ انه كما يمتنع التقييد بالعلم فهل كذلك الاطلاق وانه ممتنع بعين امتناع التقييد كما قيل أو انه لا مانع من تحقق الاطلاق ولو لم يمكن التقييد ؟ وجهان مبتنيان على كون التقابل بين الاطلاق والتقييد من العدم والملكة أو من التضاد أو

ص: 24

الايجاب والسلب . وكيف كان فهذا بحسب مقام الاثبات والا فلا يمكن الاهمال ثبوتا بالنسبة إلى دخل العلم وعدمه . فاما ان يكون هناك ملاك الحكم منحصراً في حق العالم أو يعمه والجاهل فلابدّ للمولى من افهام غرضه وملاك حكمه للمكلف وقد قيل في طريقه وجوه:

منها كون ذلك بنحو نتيجة الاطلاق والتقييد . فان كان مطلقا ملاكا فبنتيجة الاطلاق والا فنتيجة التقييد بخصوص العالم واما قيام الملاك بخصوص الجاهل فلا يحتمل .

وقيل على نحو تخصيص الحكم الفعلي من الحكم هو خصوص الحصة المقارنة للعلم لا المطلقة الحاصلة في الرتبة السابقة التي لا خصوصيّة للعلم والجهل فيه . كما ان أخذ العلم هنا ليس بعنوان التقييد بل اشارة إلى حكمه الخاص الواجد للملاك . لكن يردّ عليه مع فساد المبنى وانه لا رتبة للحكم انه لا معنى لتخصيص الحكم فالحكم لا يقبل التخصيص لكونه أمرا بسيطا الا ان يرجع إلى تعدد الموضوع وهو لا يقول به ولا يلتزم به .

نعم هذا المبنى حسن في باب المقدمة الموصلة ورفع اشكال اتصاف قربالشخص ولو بمقدار اقدام نحو مكة بالمقدمية والوجوب مع عدم التزامهم به بأنّه يكون المقدمة هي خصوص الموصلة التي لا تتقيد بعنوان الايصال بل هو مشير إلى نفس المقدمة المتعلقة للحكم وكذلك في باب قصد القربة .

اما نقله في هذا المكان ودفع اشكاله به اما غفلة وتسمية في غير محل أو مغالطة .

ومنها كون العلم بالحكم في المرتبة الانشائيّة موضوعا له في مرتبة الفعليّة .

أخذ العلم بنحو نتيجة التقييد

ص: 25

وفيه انه مع كونه خلاف المفروض لعدم كون المأخوذ في موضوعه عين الحكم بل هو شيء والمأخوذ فيه شيء آخر . ان العلم بالحكم الانشائي بمجرّده لا يكون منشأ للأثر كما ان انشاء المولى وانشائه حكما آخر يكون متعلّق حكمه خصوص العالم لا يمكن بناء على عدم تعدد المرتبة للحكم لأنّه إمّا أن يقول الوجوب مخصوص بحق العالم والفرض انه لا علم فلا حكم كما انه يبقى الاشكال لو قال اذا علمت بوجوب الصلاة فصل وكذا فيما إذا قال العالم يجب عليه الصلاة ويزيد ذلك اشكالاً انه لا يمكن تحقق العلم بالحكم مع كون قوامه هو نفس العلم .

هذا ومع ذلك فقد ورد في الشرع موردان استثنيا من الكلية الحاصلة على اشتراك العالم والجاهل في الأحكام التي قد دلّ عليه الدليل والأخبار(1) الدالّة عليه مذكورة في الوسائل ومضمونها انه ما من واقعة الا وللّه فيها حكم ولم يقع فيها لفظة استواء العالم والجاهل كما ان ما ذكره(2) في مقدمات الحدائق انما هيبعض تلك الأخبار المنقولة في الوسائل وهو أيضا لم يدع ورود لفظة الاستواء فمانسب إليه وهم .

أحدهما ما اذا اجهر في موضع الاخفات والعكس .

والثاني ما إذا أتمّ في موضع القصر وورد(3) فيهما انّه أو لا يدري في الاول

وانه اذا قرء عليه آية التقصير وفسرت له فعليه الاعادة .

وورد في ما اذا أقام أو قصد الاقامة عشرة أيّام في مكان انه يتم واذا كان

ص: 26


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 8/1 - 3 - 4 من أبواب مقدّمة العبادات .
2- . الحدائق الناضرة 1/77 - 78 .
3- . وسائل الشيعة 8 الباب 17/4 من أبواب صلاة المسافر .

جاهلاً فقصر لا اعادة عليه والرواية(1) صحيحة عمل بها جماعة قليلة خلافا

للمشهور ولذا فالاحتياط الاعادة والا فبحسب الدليل لا تجب الاعادة فان أمكن رفع الاشكال بأحد تلك الوجوه والا فلابدّ من توجيه آخر .

ما اجيب أو يمكن أن يجاب عن الاشكال:

يمكن الجواب عن الموارد التي استشهد بها على وقوع أخذ العلم بالحكم في متعلّق نفسه في الشريعة كمورد القصر والاتمام والجهر والاخفات بوجوه:

أحدها كون الوظيفة بالنسبة إلى الجاهل في باب القصر هو التخيير بين القصر الاتمام بشهادة اتفاق الفقهاء على انه اذا أتم أو قصر فقد تمت صلاته غايته استحقاق العقاب على ترك القصر اذا أتم . وحينئذٍ فيمكن كون العلم بهذا الحكم التخييري موجبا لتبدل الوظيفة التخييري بين القصر والاتمام بالتعيين نظير تبدّل وجوب صلاة الجمعة عن التخيير بينها وبين صلاة الظهر إلى صلاة الجمعة في صورة حضور الامام واقامة الجمعة وربما يدلّ عليه الآية الشريفة(2) بما ورد فيتفسيرها وما ورد(3) في انه اذا قرء عليه آية التقصير وفسرت له فعليه الاعادة والافاذا كان ناسيا أو جاهلاً فلا شيء عليه وقد تمت صلاته .

فمبنى قوله علیه السلام وفسرت له بمعنى تعيّن وجوب القصر عليه .

أو أن يقال بكون العلم بوجوب القصر في الجملة موضوع وجوب القصر فتأمّل .

ص: 27


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 17/3 من أبواب صلاة المسافر .
2- . سورة النساء الآية 102 .
3- . وسائل الشيعة 8 الباب 17/4 من أبواب صلاة المسافر .

ثانيها ما أشار إليه الحاج آقا رضا قدس سره (1) في الجهر والاخفات واحال في القصر والاتمام على ذلك المقام . وحاصله انه يجوز أن يكون في مقام الثبوت كون كلّ من الجهر والاخفات له مصلحة كما ان نفس القرائة لها مصلحة ملزمة الا ان وجوب الجهر والاخفات بالنسبة إلى الجاهل نفسي . لكن اذا علم بهذا الوجوب يكون موجبا لتبدل وجوبه النفسي بالشرطي . وحينئذٍ فيجمع بين استحقاق العقاب في حق الجاهل وصحّة صلاته حيث انه ترك واجبا نفسيّا لا ربط له بالصلاة فتصح ويستحق العقاب كما انه لا تصح في صورة العلم للشرطيّة هذا في الجهر والاخفات .

أمّا في مسئلة القصر والاتمام فيمكن أن يقال ان الواجب بالأصل في الصلاة هي ركعتان فرض اللّه ولا مانع من كونهما لا بشرط في حق الجاهل الذي لا يعلم بوجوب القصر . فحينئذٍ اذا أتى بالتمام وزاد ركعتين عليهما لا يوجب شيئا بخلاف العالم فان العلم بوجوب القصر موجب لكون الركعتين مانعتين بالنسبة إليه ويكون لا بشرط الجاهل بشرط لا في حقه . وقد مثل(2) الحاج آقا رضا قدس سره لذلكبما اذا كان صرف وجود العتق فيه مصلحة وكان لعتق المؤمنة أيضا مصلحة ملزمة .غاية الأمر اذا أتى بالكافرة وان أدرك شيئا من المصلحة لكنه قد فاتت منه مصلحة الايمان ولا يمكن استيفائها وهذا بخلاف صورة العلم فانه لا يمكن كون الأمر كذلك وان اتيان نفس الطبيعة والصرف يكفي .

وحاصل هذا الوجه كون القصر أو الاخفات واجدا للمصلحة أو موجبا

في رفع اشكال الجهر والاخفات

ص: 28


1- . مصباح الفقيه 12/356 - 357 .
2- . مصباح الفقيه 12/357 .

لاستيفائها فلا يبقى حينئذٍ مجال لاستيفاء مصلحة الجهر أو الاتمام أو بالعكس وذلك لأنّه اما أن لا يكون فيه مصلحة ملزمة فلا موجب للاعادة أو انها لها المصلحة الملزمة والفرض انه لا يمكن الاستيفاء لمكان انه قد أتى بما فوّت محل استيفاء تلك المصلحة ولقد خلطنا كلام الحاج آقا رضا بشيء من كلام غيره .

توضيح:

قد ذكرنا الوجوه التي قيل بها أو يمكن أن يقال في حل الاشكال والنقض في أخذ العلم بالحكم في متعلقه وموضوعه وان مسئلة الجهر والاخفات والقصر والاتمام ليستا من محلّ الكلام . بل مما أخذ العلم بالحكم موضوعا لحكم آخر وهو ما أشرنا إليه من كون العلم بالتخيير بين القصر والاتمام موجبا لتعين الخطاب بالقصر عليه اذ لا اشكال في صحّة القصر من الجاهل بالحكم ولم يخالف فيه الا بعض من قال بعدم اجزاء القصر كما انه يمكن أن يكون لمكان استيفاء المصلحة والمقدار الباقي مما لا يمكن استيفائه مستقلاً كما انه قيل ان المقام من باب جعل البدل وليس للبحث عن تحقيق الحال في صحّة جعل البدل في المقام مجال .

الحاصل انه لو استشكلنا في الجهر والاخفات والقصر والاتمام بأخذ العلم في الحكم في متعلّق نفسه . فالجواب انه لم يرد ( اذا علمت بوجوب القصر فالقصرواجب ) بل الوارد انما هو في القصر انه اذا قرء(1) عليه آية التقصير وفسرت لهفيعيد والا فلا يعيد كما انه في بحث الجهر والاخفات ورد(2) انه تمت صلاته ولا

ص: 29


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 17/4 من أبواب صلاة المسافر واللفظ بعد قوله فسرت له فصلّى أربعاً أعاد وإن لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا اعادة عليه .
2- . وسائل الشيعة 6 الباب 26/1 من أبواب القرائة في الصلاة واللفظ فلا شيء عليه وقد تمّت صلاته .

شيء عليه وحينئذٍ فعدم الاعادة للصلاة في حق من فسرت له أعم من كونه موضوعا للحكم كما ان في باب الجهر والاخفات يمكن أن يكون الحكم هو التخيير بين الجهر والاخفات . غاية الأمر هناك مصلحة الزامية في الجهر قد فاتت منه ولا يمكن استيفائها في صورة الجهل بالحكم . فاذا أمكن في مقام الثبوت هذه الوجوه لكفى في رفع الاشكال والا فلا يمكن جعل العلم بالحكم موضوعا لنفسه لعدم امكان حصول العلم بذلك . بل لو فرض امكان حصول العلم للمكلّف على ما في الضمائر أو بانشاءات المولى فللمقام خصوصيته لا يمكن معها ذلك حيث انه في ما اذا لا يعلم المكلف لا حكم واقعا في لب الواقع ومعه كيف يمكن عثور المكلف على ما لا حقيقة له .

وقد عرفت بما ذكرنا عدم كون المسئلتين مما أخذ العلم بالحكم في متعلقه.

والوجه الأحسن أن يقال بكون العلم بالتخيير موجبا للحكم بالتقصير وكونه متعيّنا عليه أو أن يقال ذلك على نحو كون العلم بالانشاء موجبا للبعث على القصر ولا مانع من ذلك وهذا غير لازم ولا ملازم لتصوير المراتب للحكم ولو استلزمه فلابدّ في الالتزام به اذا أمكن والجأنا الدليل .

ثمّ ان هذا في العلم الموضوعي وقد تبيّن بما ذكرنا استحالة دخل العلم في موضوعه . وأما بنتيجة التقييد أو الاطلاق فلا مانع منه على ما مرّ مفصّلاً . لعدمامكان الاهمال في لبّ الواقع فان الغرض اما قائم بخصوص العالم أو الأعم وحينئذٍ فلابدّ للمولى من بيان مراده بخطاب آخر أو اقامة قرينة عليه والا فنفس الخطاب لا يمكن أن يتكفله واما كون الأحكام يستوي فيها العالم والجاهل فقد

الأحسن في دفع الاشكال

ص: 30

علمنا به من ادلة(1) الاشتراك المتواترة أو المستفيضة بالاطلاق اذ لا تصريح فيها بكون العالم والجاهل على حد سواء بل انما وقع فيها عدم خلو الواقعة من الحكم .

هذا كلّه في أقسام القطع الموضوعي بأقسامه الأربعة من كونه تمام الموضوع أو جزئه على نحو الصفتية أو الكاشفيّة .

والخامس: العلم الطريقي وربما يمكن قيام الامارات أو بعض الأصول مقام القطع على تفصيل يأتي إن شاء اللّه .

تكميل وفذلكة: قد عرفت ممّا ذكرناه استحالة تقيد الحكم بالعلم به حقيقة ونتيجة اذ استحالته ليست من ناحية عدم امكان البيان في مقام الاثبات بل لا يتصور ذلك ثبوتا .

نعم لا بأس بكون العلم شرطا للطلب لا دخيلاً في المصلحة والا فلو كان دخيلاً في المصلحة كالعقل والبلوغ فلا يمكن لما ذكرنا من الاشكال . وحينئذٍ فيمكن في فرض عدم دخله في المصلحة بيانه بنتيجة التقييد أو اذا كان العلم والجهل كلاهما سيّين فبنتيجة الاطلاق ومعناه انه لو كان التقييد أو الاطلاق الحقيقي في فرض شرطيّته للطلب ممكنا ولو على فرض محال فكان العلم تقيده به موجبا لاختصاص الحكم بالعالم أو اطلاقه موجبا لشمول العالم والجاهل كليهما فكذلك في صورة استحالة الاطلاق والتقييد الحقيقي يوصل الى تلكالنتيجة بنحو آخر . الا ان هذا في ما اذا كان الاهمال في لب الواقع محالاً فاما أن يكون الملاك قائما بخصوص العالم أو الأعم لكن ربما لا يمكن الاطلاق أو التقييد في لب الواقع أيضا كما في صورة اشتراط الخطاب والتكليف بارادة

ص: 31


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 1 - 3 - 4 من أبواب مقدّمة العبادات .

المكلف بالاتيان أو الترك اذ الاتيان والامتثال للمتعلق وعدمه في ذات الخطاب يقتضي اتيان متعلقه بلا امكان اشتراط التكليف بما اذا امتثل أو عصى لاستحالة ذلك على ما مرّ بيانه في الترّتب فراجع .

وكيف كان فيقع الكلام في باقي أبحاث القطع .

منها: ما مرّ تقسيمه إلى الموضوعي تماما أو جزءا على نحو الكاشفيّة والطريقيّة أو الموضوعيّة والصفتيّة . وعلى كلّ حال فلو فرض أزيد من هذا أيضا فلا يهمنا التعرض له وقد عرفت عدم امكان جعل الطريقية ولا سلبها عن القطع لما هو ذاتي له وبذلك تعرف ان ما ذهب إليه المحدّثون من أصحابنا لا يمكن تصويره إلى ردع القاطع عن العمل بقطعه نعم يمكن رجوعه إلى الخدش في مقدمات حصوله وسيأتي تحقيق البحث إن شاء اللّه .

ويقع البحث عن قيام الامارات مقام القطع الطريقي المحض أو اذا أخذ موضوعا على نحو الكاشفية لا بما هو وصف من أوصاف النفس ومحل البحث قيامها بدليل اعتبارها مقام القطع اما اذا صرح المولى ونزلها منزلة القطع في جميع الآثار أو في خصوص الأثر المبحوث عنه فلا مجال للتوقف في قبوله وامكانه .

إنّما الكلام في قيامها مقامه بمجرّد دليل اعتبارها . وذلك حيث ان للعلم جهات باعتبار ذاته وتعلقه بالمعلوم . فمن حيث نفسه ليس الا الصورة الحاصلة في صقع النفس واما أن يكون النفس تخلقها أو انها انفعال النفس من تأثير المعلوم والنظر في مقدمات حصوله مثلاً أو انه من مقولة الفعل أو ذات اضافة إلى شيء .فما هو المعلوم من حيث نفسه هوالصورة الا ان له تعلقا بالمعلوم ذي الصورة المرئى به فبهذا الاعتبار يكون من حصل له الصورة عالما وذاك الطرف للاضافة

قيام الامارات مقام القطع

ص: 32

معلوما باعتبار انكشافها اما ربطه بالخارج فعرضي .

ثمّ انه بعد هذا مرتبة اخرى وهي مرتبة الجري العملي وترتيب الأثر والانبعاث نحو الشيء أو الفرار عنه .

وكيف كان فقيام الامارة مقام القطع الطريقي وعدمه مبتنٍ على ان هل دليل اعتبار الامارة انما يقتضي وجوب العمل وحيث ان هذا الوجوب ليس نفسيّا بل طريقي فينتزع عنه الطريقيّة والجعل تعلق بمنشأ انتزاعه كما يقول به الشيخ أو ان الامارة انما تكون حجّة في ما اذا أصابت الواقع وفي صورة عدمها فلا اعتبار لها وحيث نعلم وجود الامارات المصيبة في ما بأيدينا من الامارات فهذا الاحتمال ينجز علينا الواقع أو ان المبنى هو تتميم الكشف وذلك فيما اذا لوحظ جهة كشف ما هو كاشف بحسب طبعه ويعبّر من هذه الجهة أو الأمر بتنزيل المؤدّى منزلة الواقع وتنزيل الامارة عرضا منزلة العلم أو انه ليس شيء من هذه بل انما هو العلم النظامي الذي هو الوثوق والاطمئنان العقلائي ولا تنزيل ولا تعبد هناك .

فبناء على الأخير لا معنى للبحث عن قيام الامارة مقام العلم الطريقي بل هو نفسه في الحقيقة فالبحث عنه نظير البحث عن كون العلم الحاصل من الرمل والجفر كالعلم الحاصل من النوم وغيره أم لا مما لا مجال له في العلم الطريقي .

نعم بناء على ساير المباني المشار إليها مجال للبحث عن قيام الامارة مقام العلم الطريقي لكنه مما يقطع بالعدم في جميعها اذ الأمر بالعمل أو تنزيل المؤدى أو وجوب العمل الذي هو منشأ انتزاع الطريقيّة وكذلك منجزية الاحتمال لا مجال فيها لقيام الامارة مقام القطع الطريقي وكذلك بناء على تتميم الكشف . حيث انهيرجع إلى التصرف التكويني وهو خارج عن محل البحث أو التنزيل العرضي أو

ص: 33

الطولي الذي هو محلّ النزاع .

عود إلى البدء قد عرفت ان العلم من الامور ذات الاضافة وله نسبة إلى العلم ( الصحيح إلى العالم ) كما له اضافة إلى المعلوم فحينئذٍ يمكن أخذه على جهة الوصفية للعالم كما يمكن أخذه كذلك بالنسبة إلى المقطوع والمعلوم ولا منافاة يشهد له ان لو فرض محالاً انفكاك الجهتين لكان خصوص الجهة للمعلوم أو للعالم مأخوذا بدون الاخرى فحينئذٍ يمكن انقسام القطع الموضوعي إلى خمسة ومع الطريقي المحض تصير الأقسام ستّة .

ثمّ انك عرفت أيضا ان للعلم جهات ثلاث بل أربع على ما سنشير إلى الرابعة أمّا الجهات الثلاث فكونه الصورة الحاصلة والانكشاف والثانية جهة انطباق الصورة على ذيها وحصول الاعتقاد على انه مثلاً أسد فيفرّ منه في المرحلة الثالثة أو شيء آخر ليرغب فيه ويتوجه إليه ويقبل نحوه وهذه الجهات الثلاث ليست تدريجي الحصول للعلم بل انما هي امور آنية الحصول والجهة الاخرى هي جهة المنجزية ورفع العذر والحجيّة للمعلوم وترتيب آثاره عليه وكونه موضوعا للأحكام العقليّة من الاطاعة واستحقاق العقاب على المخالفة وهذه الجهة بعينها أيضا موجودة في جميع الامارات بل الأصول حتى العقليّة منها .

لكن الفرق بينها وبين القطع . كون القطع بذاته موجبا لذلك بخلافها

لاحتياجها إلى الجعل والاعتبار سواء قلنا بكون الجعل في الأمارات انما هو الحكم التكليفي وهو وجوب العمل على طبق الامارة الموجب لانتزاع الطريقيّة منه أو الأمر بمعاملة الامارة معاملة القطع أو جعل الطريقيّة في مورد اصابة الامارة للواقع واما في صورة عدم الاصابة فلا جعل للامارة ولا طريقيّة لها ومآل

جهات أربع للعلم

ص: 34

هذا الكلام ومرجعه إلى منجزية الاحتمال للعلم بوجود الامارات المصيبة بين الامارات التي بأيدينا فحينئذٍ يجب العمل على طبقها ما أصابت فهذا الذي يوجب منجزيّة الامارة المصيبة وانه لو كانت هناك امارة مصيبة فلا عذر في مخالفتها بل العقاب معه ليس عقابا بلا بيان . كما ان تتميم الكشف أيضا لو كان هو المبنى في الامارة معناه كون جعل الشارع موجبا لتمام الكشف تكوينا والا فلا معنى لايجاب جعله التشريعي أمرا في التكوين بل المراد ايجابه لزيادة الاطمينان الحاصل في مورد الامارة في حدّ نفسها .

وكيف كان فحيث ان المبنى في الامارة هو الطريقيّة فمرجع جعل الامارة في مورد الاصابة هو ما ذكرنا والا فلا يناسب الطريقيّة وهذا انما يصح فيما اذا كانت الامارة دائم الاصابة أو غالبها والا فلا يعقل في فرض انفتاح باب العلم وتمكن المكلف من حصول العلم ارجاعه إلى الأخذ بخبر الثقة الذي اما أن يكون دائم المخالفة للواقع أو غالبها مع عدم تضييق عليه في عدم جعل الامارة طريقا له بل تخليته وحاله كما ان في الاستصحاب أيضا يكون الأمر كذلك حيث ان في صورة اصابة مجراه للحكم الالزامي ومخالفته يصح للمولى العقاب لكونه منجزا وكذلك في جعل ايجاب الاحتياط . اما الشرعي منه ففيه اشكال حيث انه اذا كان الاجتناب عن المشتبه في حقّه لازما حتى فيما إذا لم يصادف مال الغير أو عرضه أو دمه هذه الموارد الثلاثة التي وجب الاحتياط فيها لأهميّتها في نظر الشارع فهذا ليس من الاحتياط في شيء بل حكم ثانوي مجعول على موضوعه .

كما انه لو كان في خصوص ما اذا كان مال غيره أو عرضه أو دمه مثلاً فاين الاحتياط فيمكن رجوعه إلى منجزية الاحتمال كما في الامارة ويمكن الالتزام

ص: 35

بما ذهب إليه الشيخ قدس سره من كونه ايجابا نفسيّا ظاهريّا وان كان هذا أيضا لا يخلوعن اشكال .

وعلى كلّ حال ففي هذه الجهة لا فرق بين القطع وبين الامارات وساير الأصول حتى ايجاب الاحتياط الشرعي كالعقلي بل كلاهما في الموضوعيّة للأحكام العقليّة من المنجزيّة على حدّ سواء . غاية الأمر العلم بنفسه وبذاته والامارات والاصول بتصرف من الشارع . وهذا وان كان قد فات ذكره من المحقق النائيني قدس سره في هذا الموضع لكنه تنبه لذكره في الظن فلا وجه لما عن بعض من عدم نسبته إليه وجعله من مخترعات أفكارهم .

والحاصل ينبغي أن يعلم ان هذا المعنى من القيام مقام القطع ليس محط نظر الشيخ قدس سره من قيام الامارات وبعض الاصول مقام القطع بل المراد انها بدليل اعتبارها هل تكون لها جهة الكاشفيّة كالعلم أم لا فانتظر لتحقيق المرام .

تكميل وتوضيح: قد عرفت انه لا فرق بين القطع والامارات والاصول كلّها حتى العقليّة منها في منجزيتها فكما ان القطع منجز للواقع وعذر عند المخالفة فكذلك الامارات والأصول فانها في مواردها منجزة لمؤداها ومجراها . غاية الأمر الفرق بينها وبين القطع ان القطع بنفسه موضوع تلك الأحكام العقليّة من المنجزيّة والعذريّة وهي بجعل الشارع وايجاب العمل على طبقها أو الترخيص في مخالفة الواقع على تقدير عدم المصادفة . فمراد الشيخ قدس سره من قيام الامارات مقام القطع وكذلك بعض الأصول ليس في جهة المنجزيّة بل البحث في قيامها مقامه في الكاشفيّة .

فنقول: لا اشكال في قيامها مقام القطع بناء على تتميم الكشف بمعنى امضاء

لا فرق بين القطع والامارات والاصول في المنجزية

ص: 36

الشارع لما هو مقرّر عند العقلاء والعرف من حصول الوثوق والاطمئنان بأسبابه الخاصّة من خبر الثقة ومن يوثق به لديانته أو لكونه موثقا في مذهبه أو لغير ذلككاقتران خبره بالقرائن الموجبة لسكون النفس . ومن هذه الجهة لا مجال للقدح في الحاجة إلى علم الرجال حيث انه يوجب مراجعة أحوالهم حصول الوثوق والاطمئنان وسكون النفس إلى كون فلان الراوي مثلاً ثقة عدلاً يؤخذ بخبره كما ان الأمر كذلك في الروايات الواردة في مدح بعض أصحاب الأئمّة علیهم السلام إذ ذلك أيضا يرجع إلى حصول الوثوق بذلك بحسب تراكم القرائن وتأييد بعضها ببعض والا فلو اريد اثبات حسن حالهم بهذه الروايات لزم الدور لجهالة حال الرواة من غير هذه النواحي أيضا ولا يخفى انه على هذا لا معنى لقيامها مقام القطع . بل هذا هو العلم النظامي العادي وهو بلا اشكال كاشف وواجد بحسب طبعه لهذه الجهة ويوجب امضاء الشارع وجدانا وعلى هذا فمعنى الفقه ينطبق على مؤدّى الامارات من كونه علما بالأحكام الشرعيّة والا فالظن ليس بشيء وليس مثل لا يبعد ولا يخلو من رججان وقوة ونحوها مما يبتني عليه الأحكام أو يعول عليها في باب الافتاء اذ بدون العلم يكون الافتاء بغير علم وهو في النار .

وكيف كان فعلى هذا المبنى فالامارة هو القطع ومرجع البحث عليه إلى أخذ العلم من طريق خاص سبباً او طريقا أو لا وهو ينافي الطريقيّة والكاشفيّة محضا كما انه على ساير المباني لا معنى لقيامها مقام القطع من الجهة المبحوث عنها اذ على مبنى الشيخ ليس المجعول الا ما يقبل الجعل وهو الحكم والأمر بالعمل على المؤدّى ولا يقبل الطريقيّة للجعل كالشرطيّة والمانعيّة والسببيّة بل انما هي امور انتزاعيّة تنتزع من هذه الأحكام التي يتعلّق بها الجعل .

ص: 37

نعم يمكن كون البحث على هذا المبنى راجعا الى ايجاب أمر الشارع بالعمل عليها قيامها مقامه كما انه كذلك الأمر في جهة المنجزيّة وموضوعيّته للأحكام العقليّة .وهكذا في الأمر بتنزيل المؤدى منزله الواقع اذ على هذا لا يبقى فرق بين لسان رتب الأثر في باب الاستصحاب وبين الطرق والأمارات ويشكل تقديمها على الأصول بلسان دليل الاعتبار إلاّ أن يقال كما في تقديم القاعدة على الاستصحاب من بقائها على فرض تقديمه عليها بلا مورد مع ان التحقيق كونها واردة على الأصول أو حاكمة وهكذا بناءً على جعل الحجيّة ان كان جائزا معقولاً اذ لا معنى لتصرف الشارع بالتشريع في التكوين وعلى فرض تحقق الجعل لا يوجب ذلك كون غير الكاشف كاشفا تكوينا .

وأمّا جعل الوسطيّة في مقام الاثبات ففيه ما في ساير ما تقدم من انه اما يراد به التأثير التكويني واعطاء هذا المعنى له فهو خارج عن محل البحث والا فلا يقوم مقامه بلا كلام كما ان مبنى منجزية الاحتمال أيضا لا يوجب قيامها مقامه .

بيانه اجمالاً ان من نفس دليل الاعتبار نكشف اهميّة الحكم بحيث لا يرضى بمخالفته في ظرف الجهل بالواقع وحينئذٍ فالامارة على هذا نعلم باصابتها اجمالاً للأحكام في موردها والغرض من الجعل هو حفظ خصوص موارد الاصابة والا ففي مورد الخطأ لا جعل إلاّ صوريا وهذا المعنى وان كان له وجه وجيه بل لابد أن نقول به لو لم يكن مناص عنه بأحسن منه الا انه ليس بجعل لطريقيّة الامارة ولا موجبة لشيء اذ المناط هو الواقع . فلو فرض العلم باصابتها للواقع فلا نحتاج إليها الا انه يوجب عدم الترخص في ترك الواقع ومخالفته على

حكم تنزيل المؤدّى

ص: 38

فرض المصادفة وهذا معنى كون الاحتمال منجزا .

وعلى كلّ حال فلو لم يتم مبنانا ولا هذا المبنى فلابدّ من الالتزام بانسداد باب العلم والعمل وكون الظن هو المعول في استفادة الأحكام كما ذهب إليه المحقّق القمي قدس سره .مبنى المحقّق النائيني: أشرنا سابقا(1) إلى ان المحقّق النائيني قدس سره اختار في الطرق والامارات تتميم الكشف على المعنى المعقول له .

بيانه ان للعلم مراتب يترتب بعضها على بعض فاولها حصول الصورة في النفس ثمّ انطباقها على ذي الصورة وانكشافها ثمّ حكم العقل بترتيب الأثر عليه ان كان مرغوبا فبالبعث إليه وإن كان أمرا محذورا فبالزجر ثمّ مرحلة الجري العملي وترتيب الأثر وفي المرحلة الأخيرة تنجز الواقع على القاطع والعالم . وقد أشرنا إلى قيام الامارات والأصول العمليّة مقام القطع في المرحلة الأخيرة .

إنّما الكلام في قيامها مقامه في الجهة الكاشفيّة . ولا يخفى ان الكلام إنّما هو في القطع الطريقي.

اذا عرفت هذا فاعلم انه قدس سره قد بنى على الوسطيّة في مقام الاثبات وكون الامارات واقعة في طريق الاثبات لمؤدّياتها ولكنه ليس ذلك بجعل من الشارع وتصرف منه اذ ذلك يرجع إلى تنزيل المؤدى . كما انه لا يكون ذلك راجعا إلى الأمر بالبناء العملي ومعاملة القطع مع الامارة وليس علما تعبديّا اذ ما ليس علما لا معنى لكونه بالتعبد علما لعدم تأثير التشريع في الأمر التكويني ولا يوجب تحقّقه .

ص: 39


1- . فوائد الأصول 3/17 - 107 وما بعده .

نعم ذلك راجع إلى ترتيب الأثر واعتبار غير العلم علما في الأثر . لكنّه لا يصير علما فما اشتهر من العلم التعبّدي لا يصحّ إلاّ على هذا الذي عرفت . بل الامارة عنده قدس سره هو العلم العادي النظامي وهو الاطمئنان والوثوق الذي يحصل من خبر الثقة وجدانا بلا اشكال كما جرب مرارا ويجد ذلك كلّ أحد بالنسبة إلىاموره المتعلّقة به ولغيره وليس عمل العقلاء على الظن .

نعم يمكن التسامح في غير المهم من امورهم بالعمل بالظن الا ان في الامور الخطيرة أو التي يهتمون بها لا يعملون الا بالعلم والاطمئنان ولا بناء ولا تنزيل عندهم .

ثمّ انّ الشارع قد أمضى ما في الطريقة العقلائيّة ولم يردع عنه وأوجب ذلك زيادة الاطمئنان وقوّة الوثوق الحاصل من الأسباب الموجدة له سواء كان حصول العلم بالاختيار بمقدّماته أو تأثير الجزء الأخير من العلّة التامّة .

وهذا الامضاء من الشارع لا اشكال في ايجابه قوة الاطمئنان وزيادة الوثوق .

وحينئذٍ فللعلم مصداقان: احدهما الوجداني الذي لا احتمال للخلاف فيه والثاني هذا الامضائي الذي يكون لاحتمال الخلاف حكم الميت المعدوم . وعلى هذا فاعتبار الامارة والطرق ليس تأسيسيّا وجعليّا من الشارع بل هي منجعلة كالعلم وعدم الردع موجب لقوتها بخلاف القياس والعلم الحاصل منه فانه ردع في مقدماته كما أشرنا إليه سابقا .

وما ورد في بعض الأخبار(1) من تقابل البينة للاستبانة فلابدّ من توجيهه اذ

مبنى تتميم الكشف

ص: 40


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

المراد الاستبانة هو العلم الوجداني أو الامضائي . والبينة لابدّ لها من موضوعيّة خرجت بالنص .

ولذا يمكن أن يقال بعدم جواز عمل الحاكم بعلمه بل بمقتضى الايمان والبينات .نعم في صورة العلم بالخلاف يمكن المنع . وعلى كلّ حال فهو غير مرتبط بالمقام ان قلت . فاذا كان البناء على هذا وان الامارة حجيّتها ليست جعليّة بتصرّف الشارع فكيف يؤخذ بظواهر الألفاظ في الأدلّة وفي الموضوعات وفي باب الاقارير وغيرها مع عدم حصول الاطمئنان والعلم بمقتضاها بل ومع الظنّ على الخلاف قلنا . هذا انما يتمّ على مبنى الاعتماد على الظنون الاجتهاديّة وكونها حجّة والا فنحن لا حجيّة لنا في غير العلم العادي النظامي الا ( بالموضوعيّة وجعل المنجزيّة كما في جميع الأصول والأمارات وذلك غير جهة الكاشفيّة بل راجعة إلى التنجز ) ولذلك نقول لا معنى لتمسك بعض أو توهم التمسّك على المنع من العمل بالظنون الاجتهاديّة بمثل ما ورد من النهي عن العمل بالظن وانه لا يغني من الحق شيئا ونحوه اذ بمجرّد الشكّ في حجيّته نقطع بعدمها لاتّحاد مناط حكم العقل في هذا الباب للمشكوك والمعلوم عدم حجيّته لدخوله تحت الافتراء على اللّه والاسناد لما لا يعلم إليه تعالى .

إذا عرفت هذا . فاعلم ان الامارات انما تقوم مقام القطع في الجهة الكاشفيّة بخلاف مثل الاستصحاب وقواعد الفراغ والصحّة والتجاوز وأمثالها فانّها قائمة مقام القطع في مرحلة الجري العملي . ولذلك لا يبقى مورد ومجرى لها مع الامارة لكون الامارة واردة عليها وكونها يقينا ينتقض معه اليقين بالمستصحب .

ص: 41

نعم بناء على بعض المباني الآخر يمكن كونها حكومة .

توضيح وتبيين: قد أشرنا إلى جملة من المباني في باب الامارات وعدم تماميتها . منها ادعاء كونها علما ومرجعه إلى التنزيل في الأثر والا فلا يوجب ادعاء كون الشيء علما انه كذلك تكوينا . كما عرفت ان مبنى المحقق النائيني في الامارات هو الوسطيّة في مقام الاثبات وتتميم الكشف على ما مرّ شرحه وبهذاالمعنى يحصل للعلم مصداقان: أحدهما وجداني لا احتمال للخلاف فيه بوجه والثاني هو مورد الامارة التي هي أيضا لجهة كشفها وايجابها الوثوق والاطمئنان وسكون النفس يكون الاحتمال فيه ضعيفا غاية الضعف بحيث ان وجوده كعدمه وعلى هذا فلا خفاء في قيام الأمارات مقام القطع الطريقي . وليس معنى الوسطيّة والاعتبار والامضاء الذي يقول به قدس سره هو التنزيل مع انه لا معنى له . اذ التنزيل لابدّ أن يكون بلحاظ الأثر الشرعي وجعل شيء أمر وضعه ورفعه بيد الشارع فلا يمكن الاعتبار للامارة بلحاظ هذا الأثر الذي هو عقلي . نعم لا مانع من جعل الأثر الشرعي كما في تنزيل الطواف منزلة الصلاة فيما يرجع إلى الحكومة العرضيّة اذ الحكومة قسمان أحدهما عرضي والآخر طولي .

أمّا الأوّل فهو تنزيل المنزل في عرض المنزل عليه وهو لا يكون الا واقعيّا وهو يتصور في الامارة وتنزيلها منزلة العلم أو تنزيل المؤدى منزلة الواقع وكلاهما لا وجه له وأمّا الثاني الطولي فهو الذي نقول به في باب الامارات .

ثمّ قبل ذلك لا بأس بالاشارة إلى معنى الحكومة والمراد بها .

فنقول: ان خروج شيء عن موضوع شيء آخر تارة يكون بالتكوين كخروج العالم عن موضوع الجاهل أو بالعكس فعدم ترتب أحكام الجاهل على

معنى الحكومة

ص: 42

العالم ليس بالتعبد بل بالتخصص والخروج التكويني الموضوعي . واخرى لا يكون بالتكوين بل بتصرف من الشارع وهو اما بادخال شيء أو اخراجه باثباته للمؤدى فهو الحكومة أو بنفس اعتبار الحجيّة فهو الورود وهو منحصر في ايجاب الاحتياط الذي لا يبقى معه موضوع لقبح العقاب بلا بيان بلا استدعائه لتغير الواقع عن ما هو عليه . فعلم ان الحكومة ادخال أو اخراج فرد عن موضوع حكم آخر تكوينا أو داخل كذلك تشريعا وبالتعبد والواقعي العرضي منه يوجب توسعة فيناحية الموضوع للأثر كما اذا نزل مؤديها منزلة الواقع فيكون موضوع الأثر هو الأعم من الواقع ومؤدّى الامارة . اما الظاهري كما في المقام وبيانه ان القطع حيث انه وصول المقطوع للمكلف وبه تترتب الأحكام ويتحقق التنجز اذ الوجود الواقعي لا أثر له بل الواصل منه فالشارع بامضائه لما في الطريقة العقلائيّة من كون

الامارات علوما سكونيّة اطمئنانية اعتبر الايصال للامارات وامضاه فيها بلا تصرف تشريعي منه ( أما بعدم الردع كما في القياس باعتبار التخطئة لمباديه أو بالبيان والأخبار بذلك ) ثمّ انه يوجب هذا الامضاء زيادة الوثوق والاطمئنان تكوينا .

ان قلت: هل امضاء الشارع تعلق بما هو علم أو بغير ما هو علم ثم انه هل الامضاء مخصوص بما اذا صادفت الامارة للواقع أو مطلق حتى في صورة المخالفة .

قلت: قد عرفت انه تعلق بالعلم العادي النظامي الذي له الطريقيّة عند العقلاء وامضاء الشارع ليس تعبدا وتأسيسا والا فلا يكون امضاء . غاية الأمر يدعى ان بامضاء الشارع لها حتى في صورة المخالفة يفوت الواقع على المكلف

ص: 43

بخلاف ما اذا لم يمضها فيحصل العلم الوجداني أو انه يحتاط ويوجب عليه ذلك . لكنه مدفوع بوجود المخالفة للواقع حتى في القطع .

نعم إنّما يتوجه الاشكال اذا كان مخالفة الامارة أكثر من القطع وحينئذٍ فبامضاء الطريقة فوت الواقع على المكلف وهو ممنوع وعلى فرض التسليم وكونه في صورة انفتاح باب العلم لابدّ أن نلتزم بالمصلحة السلوكيّة فيتدارك ما فات من المصلحة على المكلّف السالك للامارة .

هذا حاصل كلامه قدس سره .في قيام الامارة مقام القطع الموضوعي:

قد عرفت فيما سبق كون القطع الموضوعي يتصور على قسمين فتارة يؤخذ بنحو الطريقيّة واخرى بنحو كونه صفة من الصفات النفسانيّة أمأ للقاطع أو للمقطوع به . وعلى كلا التقديرين تارة يكون تمام الموضوع واخرى جزئه . والكلام الان في امكان قيامها مقامه ولا نظر إلى وجود القطع الذي أخذ بنحو كونه صفة محضة بلا نظر إلى جهة كاشفيّته في الشرعيّات واعتباره كذلك .

وكيف كان فالمشارب مختلفة . فقيل بقيام الامارة مقام القطع الموضوعي مطلقا بأنحائه حتى ما اذا أخذ بنحو كونه صفة . وقيل لا مطلقا . وقيل بالتفصيل بين ما اذا أخذ على نحو الطريقيّة فنعم وبين ما اذا أخذ بنحو كونه صفة فلا واختاره المحقّق النائيني قدس سره (1) .

نعم قد يستشكل في ذلك بعدم القيام بنفس دليل الاعتبار حتى في ما اذا أخذ على نحو الطريقيّة والكشف اذ اعتبار العلم بشيء موضوعا لشيء آخر

في قيام الامارة مقام القطع الموضوعي

ص: 44


1- . فوائد الأصول 3/21 .

يستدعي في قيام الامارة مقامه من تنزيل الامارة ومؤدّيها لكون الموضوع مركبا من العلم وذاك المتعلّق وحصوله ودليل اعتبار الامارة انما يوجب قيام الامارة مقام القطع وكون الامارة كالقطع والظن كالعلم . ولكن ذلك لا يوجب كون المؤدّى أيضا كالمعلوم فهو يحتاج إلى تنزيل آخر به يتم موضوع الأثر ويتحقق موضوع تعبدي للاثر المترتب على ذاك الموضوع الاولي كما في مثل اعتبار العلم واليقين في الأوليين من الرباعيّة ومطلق الثنائيّة والاوليين من الثلاثيّة أو مطلقا فانه لابدّ

من احرازهما وكون المصلى على يقين منهما . فاذا قامت الامارة انه أتى بركعتينأو ركعة واحدة فتارة يوجب العلم الوجداني فلا اشكال في اعتباره كما انه اذا حصل من أي سبب آخر لكونه طريقا ولو من قول الصبي وغيره واخرى لا . بل ليس الا مجرد قيام الامارة ودليل الاعتبار يوجب كون قيامها مقام القطع والاحراز وانه يترتب أثر اليقين ولو بالركعتين بمؤدّى البينة أم لا . ولكن يندفع هذا الاشكال بناء على كون الموضوع هو المحرز فالاحراز كما يكون بالعلم كذلك يتحقق بما جعله الشارع محرزا واعتبره كذلك . كما انه يندفع باستلزام كون شيء محرزا لصيرورة متعلقه كذلك بلا احتياج إلى تنزيل أو اعتبار اخر لمتعلقه . ولكن هنا اشكال آخر وهو ان ظاهر قوله اذا علمت بوجوب شيء أو وجود زيد فتصدق هو العلم الوجداني الذي لا مجال للاحتمال فيه فلا مجال لترتيب الأثر على غيره واعتبار الشارع الامارة علما لا يوجب كونه وجدانيّا فلا وجه لقيامها مقام العلم .

ثمّ انّ المحقّق النائيني قدس سره نفى الاشكال(1) عن قيام الامارات مقام ما أخذ في

الموضوع على نحو الطريقيّة حيث انه بناء على تتميم الكشف وجعلها محرزة

ص: 45


1- . فوائد الأصول 3/21 .

بالامضاء لما في الطريقة يكون الامارة كالقطع وبدليل الاعتبار يتحقق مصداق آخر للقطع .

فحينئذٍ يقوم مقام القطع كما انه بذلك الدليل يقوم المؤدّى مقام الواقع لاستلزام جعل الاحراز كون الواقع أيضا محرزا . والفرض ان الموضوع مثلاً اذا احرزت وجوب الصلاة فتصدق . والامارة بدليل اعتبارها صار احرازا فتقوم مقامه بلا اشكال والى ذلك أيضا ذهب بعض المحققين من الاساتذة المتأخرين .أمّا صاحب الكفاية قدس سره (1) فسلك مسلكا آخر في المقام حيث انه جعلالتصرف من الشارع في الامارات في ناحية تنزيل المؤدى منزلة الواقع وترتيب آثار الواقع على المؤدى . فانه اما أن يقال بعدم التصرف من الشارع في ناحيتها وهو خلاف المفروض فحينئذٍ فتصرفه اما أن يكون بجعل الحجيّة والعذريّة والطريقيّة وغيرها من الأحكام العقليّة وهذه لا مجال لها اذ ليست قابلة للجعل التكويني لما يفقدها بالتشريع . كما ان اعتبارها كذلك لا يكون الا بجعله منشأ لانتزاعها كما في عدّة من الموارد كموضوعيّة الموضوع وحكميّة الحكم وأمثالها فانها امور انتزاعيّة لا تنالها يد الجعل وهو قدس سره وان تكرّر في كلامه جعل العذريّة والمنجزيّة والحجيّة لكنه يريد بها ما ذكرنا لا ان المجعول هو أحد هذه . فحينئذٍ فلابدّ أن يرجع تصرف الشارع إلى ناحية التنزيل وجعل المؤدّى كالواقع في لزوم ترتيب الأثر عليه وترتب الأحكام العقليّة من المنجزيّة والمعذوريّة عليه فيكون حجّة في صورة المصادفة على العبد وعذرا في ما خالف .

ثمّ ان الدليل الدال على اعتبار الامارة لا مانع من وفائه بقيام الامارة مقام

مسلك المحقّق الخراساني

ص: 46


1- . كفاية الأصول 2/20 - 21 .

القطع المأخوذ تمام الموضوع ولو على نحو الصفتيّة .

واستشكل هذا المعنى سيّدنا الأستاذ قدس سره وانه يقوم مقام الصفتيّة لكني وجدت كلامه في الكفاية(1) مصرّحا بالخلاف كما ان المحقق النائيني قدس سره لا يقول بتصور جميع أقسام الطريقيّة في القطع اذ هو ينكر أخذه تمام الموضوع على نحو الطريقيّة لما سبق منا في بيان اشكاله فراجع .

وأمّا قيام الامارة بدليل اعتبارها مقام ما أخذ في الموضوع جزءا فلا وجهله . اذ القطع اما أن يلاحظ بما هو آلة لملاحظة المقطوع أو بما هو استقلالاً بلا نظر إلى جهة الآليّة والمرآتيّة له وكذلك في ناحية الامارة وان لم يكن بذلك الوضوح .

والأول انما يوجب تنزيل نفس الامارة منزلة القطع والثاني تنزيل المؤدى منزلة الواقع وحيث انه لا يمكن الجمع بين اللحاظين فيتعين أحدهما . والظاهر من دليل الاعتبار لحاظ الامارة بما هو طريق الى مؤديها وتنزيلها منزلة القطع بلحاظ تعلقه بالمقطوع فلا اجمال في البين حينئذٍ .

نعم الا ان يقال بملازمة أحد التنزيلين للاخر فتنزيل مؤديها منزلة الواقع يدعى استلزامه بالدلالة الالتزاميّة لتنزيل نفس الامارة منزلة القطع فحينئذٍ ينقح كلا جزئي الموضوع أحدهما بالتعبد المطابقي والاخر بالالتزام لدليل اعتبار الأول . الاّ انه قدس سره رجع عما نقلناه عنه الذي ذهب إليه في الحاشية وقال في كفايته(2) بعدم كفاية التنزيل الواحد اذ ذلك يستلزم الدور حيث ان تنزيل جزء الموضوع وهو المؤدّى منزلة المقطوع لا أثر له ما لم يحرز الجزء الاخر اما

ص: 47


1- . كفاية الأصول 1/20 - 21 .
2- . كفاية الأصول 2/21 .

بالوجدان أو بالتعبد والفرض ان تنزيل الامارة متوقف على تنزيل المؤدى وتنزيل المؤدى لا يصح الا بلحاظ تنزيل الامارة فيتوقف تنزيل المؤدى على نفسه كتوقف تنزيل الامارة على تنزيل المؤدى فعلى هذا لا يتم التنزيل .

هذا كلامه قدس سره وسيجيء في مبحث الامارات ان جعل الحجيّة والوسطيّة في مقام الاثبات والمنجزيّة والطريقيّة لا معنى له فلابدّ من رجوع التصرّف لو كان إلى ناحية تنزيل المؤدّى وترتيب آثار الواقع عليه فانتظر .

فذلكة قد عرفت الاشكال على مبنى المحقق الخراساني في قيامالامارات مقام القطع الموضوعي وان الظاهر من دليل الاعتبار هو قيامها مقام القطع الطريقي محضا فلذا لا وجه لقيامها مقام القطع الموضوعي الأعم من الطريقي والمأخوذ على نحو الوصفيّة .

الا ان الشيخ قدس سره بنى على وجوب العمل بمؤدى الامارات . ومع ذلك ذهب إلى قيامها مقام القطع الطريقي وبعض الأصول على ما سيجيء بيانه .

لكن الاشكال ان دليل اعتبار الامارة لا يوجب بمجرّده قيامها مقام القطع الموضوعي مطلقا ولو بلحاظ كونه طريقا فاذا كانت الشهادة على القطع والبتّ ومثل الشمس والكف فلا يجوز الشهادة على هذا تعويلاً على الاستصحاب بمجرّد قيام الاستصحاب مقام القطع بلحاظ ترتيب الآثار العمليّة والجرى عليها كما لا تجوز باليد .

وأمّا رواية(1) غياث الواردة في جواز الشهادة على غير العلم فهي في حدّ نفسها ضعيفة . ومع ذلك مطروحة أو مؤولة أو انها لا ربط لها بباب الشهادة عند

اشكال قيام الامارة مقام القطع الموضوعي

ص: 48


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 25/2 من أبواب كيفيّة الحكم والرواية عن حفص بن غياث .

الحاكم ولا يوجب اعتبار العلم في الشهادة اختلال النظام ولا سقوط السوق .

نعم ذلك صحيح في باب اليد اذ كلّ يد فهي مسبوقة باخرى غالبا . فلو لم تكن امارة وحجة فيوجب اختلال أمر السوق ومع ذلك لا يلازم ذلك جواز الشهادة على مقتضاها .

نعم لا بأس بالشهادة على انه لحكم الحاكم أو انه باع أو اشترى واما انه ملكه فلا الا بناء على هذا الوجه ومجرّد كون شيء حجّة لا يجوز الشهادة عليهكما في باب أمر النساء وتصديق قولهنّ(1) في باب انقضاء العدّة والحيض مثلاًومع جواز تزويجهن متكيا على دعوى الانقضاء . لكنه لا يجوز الشهادة بمقتضاها فالعلم موضوع في أمثال هذه الموارد وله موضوعيّة لا يقوم مقامه غيره الا بالدليل الخاص والوجه في موضوعيته هو كونه طريقا ولذا اذا ظهر كذب البينة فينقض الحكم بخلاف باب الحلف فانه له موضوعية مانعة عن التقاص من ماله الاّ اذا اكذب نفسه كما ان الظن في باب الاوليين من الرباعيّة ومطلق غيرها ليس مدركه دليل اعتبار الظن مطلقا اذ لم يرد دليل بهذا الوجه على ان الظن حجة أو كالعلم كي يؤخذ باطلاقه بل حيث ان الامتثال القطعي مقدم على غيره في صورة الامكان ولذا ذهب بعضهم إلى عدم جواز الاحتياط في العبادة مع الامتثال الجزمي كما في تكرارها في الثوبين المشتبهين أحدهما نجس الا ان الشارع تصرف في ذلك زائدا على حكم العقل بأنّه اذا شكّ في عدد الركعات في مورد ما ذكرنا فلم(2) يجوز المضي على الشك مع انه يدري بحصول العلم له بعد رفع رأسه

ص: 49


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 47/1 - 2 من أبواب الحيض .
2- . وسائل الشيعة 8 الباب 15/2 من أبواب الخلل في الصلاة .

من السجدة أو الركوع بكون ما بيده ثانية أو ثالثة مثلاً . بل اعتبر العلم الفعلي فيما يرجع إلى مقام الامتثال والغى المضي على الشكّ وإلى ذلك يرجع شكوك الصلاة المبطلة أي من ارجاعها الى المضي على الشكّ .

والحاصل فحكم العقل والشرع انه لابدّ من الاحراز اليقيني فلا يقوم مقام اليقين غيره كما ذهب إلى ذلك السيّد الطباطبائي قدس سره في رسالته في صلاة الاحتياط أو الظن لكنّه أفتى في عروته بالجواز كما انّهم قدّس اللّه أسرارهم ذهبوا إلى جواز

الشهادة بغير العلم ولعلّ المستند في باب الصلاة هو الرواية(1) الواردة في موردالشكوك المبطلة من الحكم بالاعادة في صورة اعتدال الوهم وعدم رجحان أحد طرفيه مع انه لم يدر كم صلّى فبمناسبة كون الحكم هو الاعادة يظهر اختصاص الرواية بمورد الشكوك المبطلة وان بعدم اعتدال الوهم ورجحان أحد الطرفين لا اعادة كما يستفاد من مفهوم هذه الرواية . كما ان المدرك في باب الشهادة هو رواية(2) غياث لعدم الوجه في اعتبار العلم الدقيق الكذائي في الشهادة لتعسّره أو تعذره غالبا ولا وجه للتوسعة فيه مطلقا بل حسب ما ذهب اليه المشهور من المتأخرين وبنائهم على حكومة ما ورد في كفاية غير العلم على الروايات الواردة في اعتبار العلم وتحقيق المسألة موكول إلى الفقه . فظهر عدم قيام الامارة مقام القطع الموضوعي مطلقا بمجرّد دليل اعتبارها .

الاشكال في قيام الامارات مقام القطع:

لا اشكال في عدم قيام الامارات بمجرّد دليل اعتبارها مقام القطع المأخوذ

اشكال قيام الامارات

ص: 50


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 15/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 25/2 من أبواب كيفيّة الحكم .

على نحو الكشف موضوعا فضلاً عن قيامها مقام القطع المأخوذ على نحو كونه صفة لعدم كونها علما . وعلى هذا فربما يشكل تقدمها على الاصول المأخوذ فيها العلم غاية لها كاصالة الحل واصالة الطهارة في الماء وفي غيره والاستصحاب المأخوذ غايته اليقين وأمثالها ممّا عبّر بما يؤدّي هذا المعنى كالاستبانة والتبين وذلك لما عرفت من انها ليست علما ولا دليل على قيامها مقام العلم مطلقا والا فلو فرض قيام الدليل على تنزيلها مقام العلم فلا بأس بالأخذ بمقتضاه ويكون حينئذٍ تنزيلاً عرضيا كما قام في مورد الظن في الركعات الذي جعل منزلة العلموفي عرضه في كفاية المضى عليه ( كما انه جعل اعتدال الوهم(1) موضوعا للبناء على الأكثر في الاخيرتين وهذا لا ربط له بقيام الامارة مطلقا ودليل اعتبارها مقام العلم مطلقا .

ويمكن الجواب على كون الامارات منجعلة غير مجعولة شرعا على ما مر شرحه مرارا من كون الخبر اذا كان عن ثقة فهو بنفسه يوجب حصول الوثوق والاطمئنان بمضمونه وان السامع يحصل له العلم العادي النظامي الذي عليه مدار المعاش والمعاد ولا يعمل العقلاء بالظن الا في الموارد التي لا اهمية لها في نظرهم فلا يعبئون باحتمال الخلاف حتى انه اذا يعلمون بالخلاف فلا اعتناء لهم اما في الموارد الخطيرة التي لها شأن وأهميّة في نظرهم فلا عمل لهم الا على العلم العادي النظامي بلا تنزيل ولا تعبد ولا بناء على اماتة احتمال الخلاف . بل اما أن لا التفات لهم اليه واما انه لا اعتناء به بعد الالتفات ولذا لا يوجب النهي الوارد في الآيات من العمل بالظن وقفة لهم في العمل بهذه الاطمئنانات والعلوم العادية في

ص: 51


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 7 - 10/1 - 1 - 2 - 4 - 5 من أبواب الخلل في الصلاة .

الامور الشرعيّة لعدم كونها ظنونا عندهم بل يرونها علوما والا فلو فرض كونها ظنّا عندهم فلا مجال للقول بتخصيص السيرة القطعيّة لهذه الآيات لكفاية هذه الظواهر رادعة عن السيرة فلا مجال لها حينئذٍ . وعلى هذا فاذ لا بناء من العقلاء ولا تنزيل لغير العلم منزلة العلم بل بنائهم على الوثوق والاطمئنان العاديين وان الشارع لم يؤسّس لهم طريقة اخرى في شرعياته بل قرّرهم على ذلك فتكون حينئذٍ علوما واستبانة وتبينا فتكون غاية لكلية الاصول والقواعد التي أخذ العلم والاستبانة لها غاية لا بالتعبد بل انها تقوم مقامه حقيقة . بل التعبير بالقيام مقامهمسامحي اذ هي نفس العلم فتقوم مقام القطع الطريقي الموضوعي كما انه هو علم طريقي محض وتقوم مقام القطع الموضوعي على نحو كونه صفة وان لم يقل بذلك المحقق النائيني قدس سره (1) اذ هو سلك في هذا المقام على خلاف مبناه وذلك لكونها علوما حقيقة لا تعبديّة اذ لم يكن هناك تعبد من الشارع بذلك مع انه لا معنى له اذ لا يوجب كون غير العلم علما الا بترتب اثر العلم على الظن وتنزيل المؤدى أونفس الظن وقيامه مقام العلم تابع لدليل الاعتبار فان دلّ على قيامها مقامه في جميع الآثار والجهات فهو والا فنفس دليل الاعتبار لا يوجب قيامها مقام العلم المأخوذ موضوعا اما على نحو الطريقيّة أو كونه صفة . وحينئذٍ فتقدم الامارات على الأصول واضح لا اشكال فيه لكونها أي الامارات علوما عادية غاية للاصول هذا في غير البينة وأما هي فحيث جعلها الشارع عدلاً للاستبانة فلابدّ أن تكون لها جهة موضوعيّة وانه يجب الأخذ بها ولو مع الظن بالخلاف .

وأمّا الأصول فهل تقوم مقام العلم الطريقي الموضوعي أم لا ؟ قد يقال بذلك

هل الأصول تقوم مقام القطع

ص: 52


1- . فوائد الأصول 3/21 .

لكن بما ذكرنا في جهات القطع تعرف قيام الاصول مقام الامارات في مرحلة الجري العملي لا في جهة الكشف وان قوله علیه السلام في دليل الاستصحاب لا تنقض(1) اليقين أبداً بالشكّ اما أن يكون راجعا إلى ابقاء أحكام اليقين أو المتيقن لعدم امكان بقاء اليقين وعدم النقض له بعد الشكّ وإن لم نقل بهذا المعنى في الامارات فلا علم لنا بالأحكام وينسد علينا باب العلم والعلمي فلابدّ من الرجوع إلىمقدّمات الانسداد ومقتضاها في الأحكام وسيجيء في باب التعبد بالظنوالامارات امكان جعل الطريقيّة أو الامضاء لما هو مصادف للواقع احيانا ويخالفه احيانا من الشارع أم لا والتعرض لاشكال ابن قبة فانتظر .

الكلام في الظن: اعلم ان الظن كالقطع في كل ما قيل فيه من امكان أخذه موضوعا لحكم آخر غير متعلقه سواء تعلق بالموضوع أو بالحكم وسواء كان مأخوذا على نحو الطريقيّة أو على نحو كونه صفة للظان أو المظنون وأخذه جزءا أو قيدا أو تمام الموضوع لجريان جميع ما ذكر في القطع فيه حرفا بحرف . ولكن ربما يتضاعف أقسامه باعتبار ان الظن بجميع أقسامه اما ان يكون حجة أو لا . فالأقسام الستة المتصوّرة في القطع من كونه طريقا محضا أو موضوعا على الأنحاء المقرّرة تتضاعف باعتبار كونه حجة وعدمه . كما ان الظن كالقطع في عدم امكان أخذه موضوعا لحكم نفسه بأن يكون الظن واسطة في ترتب الحكم الذي تعلق به الظن عليه لاستلزامه الدور وتوقف الشيء على نفسه إلى آخر ما ذكر في ما تقدّم .

لكنه قد يقال بجواز أخذ الظن بالحكم موضوعا لحكم يماثله أو يضاده

ص: 53


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/1 من أبواب نواقض الوضوء .

ويستند في ذلك تارة إلى انحفاظ مرتبة الحكم الظاهري في الظن وكون الحكم الواقعي بمرتبة لو علم به لتنجز واذا لا علم فلا بأس بانشاء حكم ظاهري مضاد له أو مماثل . وإلى هذا الوجه ركن في الكفاية(1) ومبناه على كون الحكم الفعلي ما له بعث وزجر فعلي وحيث ان الظن لا يوجب التنجز فلا فعلية له على هذا النحو فلا مانع من حكم آخر مثلاً أو ضدّا على ما تعلق به الظن . كان يقال اذا ظننت بحرمة الخمر فالخمر مثلاً مباح أو اذا ظننت بحرمة شرب التتن فالشرب مباح أو حرام .واخرى كما ينسب إلى بعض الأكابر إلى تعدّد الرتبة واختلافها فانّ الحكم الأوّل موضوعه نفس الواقع وبتعلّق الظن بحكمه يكون موضوعا لحكم مماثل لذلك الحكم أو مضاد ولا مانع منه بعد اختلاف رتبة الحكمين ( وان فرض اجتماع تمام الوحدات المعتبرة في التناقض ) هذا لكن الكلام في صدق النسبة إذ هو قدس سره

كان مبناه على عدم اجداء تعدد الرتبة ما لم يرجع إلى تعدد الموضوع . والمقام كذلك اذ الحكم الظاهري وان كان موضوعه الشكّ ولا يصعد إلى رتبة الحكم الواقعي لكن الحكم الواقعي موجود في مورد الحكم الظاهري وحينئذٍ . فاما أن يكون الحكم في حق العالم والجاهل غير متّحد بل للعالم حكم وللجاهل الظان حكم آخر أو ان يكون الظن بالحكم موجبا لسقوط نفس الحكم . فاذا ظن بالحرمة فالحرمة ساقطة وكون الحكم الواقعي معلقا على عدم الظن به وكلّ ذلك لا وجه له لكون الأوّل تصويبا مجمعا على بطلانه ووضوح بطلان استحالة غيره .

هذا كلّه فيما اذا كان حجّة

وأمّا إذا لم يكن الظن حجّة وجعله موضوعا لحكم مخالف على متعلّقه

الفرق بين الظن الحجّة وغيره

ص: 54


1- . كفاية الاُصول 2/8 .

فيشكل حينئذٍ بجعل الحكم على خلاف الواقع اذا صادف هذا الظن الذي ليس بحجّة للحكم الواقعي بان كان متعلّقا بالحكم الواقعي .

نعم لا بأس بالحكم المماثل في صورة كونه حجّة أو غير حجّة لرجوعه إلى التأكّد اذا انطبق ضابطه على المقام . فانه لو كان المقام من قبيل باب النذر فيوجب التأكد وان كان من قبيل باب الاجارة فلا .

ثمّ ان هذا كلّه في أحكام القطع وقد تبين بما ذكرنا حكم موارد القطع والظن في موضوعيتها وطريقتيها .

وأفاد سيّدنا الأستاذ قدس سره انه بعد ما كان المأخوذ في أصل دخل العلمموضوعا هو العلم فأيّ موجب لقيام غيره مقامه بعد عدم كونه علما . واجيب من وجوه ثلاثة: أحدها ما يرجع إلى كون معنى العلم المأخوذ في لسان الدليل هو مطلق الطريق والمحرز فيشمل الظن أيضا وهذا مردود . الثاني تنقيح المناط بكون مناط دخل العلم هو جهة الاحراز الموجودة في الظن أيضا وهذا مردود بكونه ترقيا من الأعلى إلى الأدنى . الثالث كونه بذلك محرزا في طول المحرز الوجداني أي العلم بل هو هو على ما تقدم في كلام الاستاذ قدس سره .

وقد عرفت ان القطع منجز موضوع للأحكام العقليّة من استحقاق العقاب عند المخالفة اذا أصاب فهي كذلك في مورد المخالفة والخطأ أم لا ؟ يظهر من كلمات الفقهاء في الأبواب المختلفة كونه كذلك مثل ما اذا يعلم من لا يدري السباحة بكونه يغرق ويلقى نفسه في البحر ويتفق وجود انسان أو حالة في نفسه ينجو به من الغرق . أو انه اعتقد انسانا محقون الدم فقتله ثمّ تبيّن انه كان مباح الدم

مثلاً كما اذا كان كافرا حربيّا أو اعتقد الضرر في شرب الدواء الكذائي وانه سمّ

ص: 55

مهلك فاتفق كونه دواءً لمرضه فنجى به من المرض أو اعتقد عدم بقاء أيّام من شعبان الا بقدر ما يفي بقضاء رمضانه فلم يصم ولم يقم واتفق كونه مشتبها لرجب بشعبان أو قصد الغاية المحرمة للسفر فاتفق على وجوده نجاة عدّة من الناس من الهلاك .

والحاصل انهم رتبوا حكم العصيان المتحقق في صورة المصادفة للواقع على هذه الصورة في الجملة وأمّا ترتب أحكام الدية أو القصاص فذاك شيء آخر .

بحث التجرينتيجة البحث: قد تحصل ممّا ذكرنا كون القطع حجّة بنفسه وبذاته وطريق إلى متعلّقه وبذلك يصحّ للعبد الاحتجاج على المولى وبالعكس وبه يستحق العقاب على مخالفة التكليف فهل اذا خالف الواقع ولم يصادف كذلك أيضا أم لا ؟ حيث ان الواقع بما هوواقع ما لم يعلم به لا يكون في مخالفته عقاب ولا شيء وعنوان البحث بهذا النحو أوفق للواقع وللأدلّة التي يستدلّ بها على المقام أو عنوانه يبحث التجري وانه حرام أم لا اذ لا اشكال في حرمة التجري على المولى . فينبغي ان يحرّر النزاع على نحو يكون التجري علة للحرمة وموجبا لاستحقاق العقاب وإن لم يكن مخالفة التكليف وجهة البحث مختلفة .

فانه بالنظر إلى بعضها يكون التجرّي كلاميّاً وبالنظر إلى اخر فقهيّاً كما انه تارة يكون البحث اصوليّاً صغرى وكلاميّاً كبرى على ما سيتضح انشاء اللّه وهذه الجهات المختلطة في كلام الشيخ قدس سره الا ان المحقّق النائيني قدس سره ميز بينها وحرر النزاع في كلّ منها برأسه اذ لا مجال في البحث الكلامي للاستدلال بالروايات أو

التجري

ص: 56

الاجماع الذي يكون دليلاً في الفقه ومن الجهة الفقهيّة وهكذا في ساير جهات البحث .

فنقول ان احدى الجهات كون المسئلة كلاميّة كما انه مشى على هذا المبنى المحقّق الخراساني في الكفاية(1) وانه هل يستحق العبد العقاب على ما اصطلح عليه بالتجري كما في المعصية الحقيقيّة ومخالفة التكليف حقيقة أم لا ؟

واختار قدس سره استحقاق العقاب لا بمجرّد سوء سريرة العبد لكونه ليسباختياري ولا يوجب العقاب بمجرّده . نعم اذا أظهر ذلك وخرج عن مقتضى العبوديّة وعاند المولى وصار بصدد الطغيان فيستحق العقاب لكونه ابرازا لسوء السريرة الذي بمجرّده لم يكن موجبا لشيء وان كان فالذم واللوم لا العقاب حيث انه بابرازه سوء السريرة يكون متجريا على المولى وغير معتن بشأنه وبذلك يكون مستحقا له فالموضوع لاستحقاق العقاب هو الجامع بين المخالفة الحقيقيّة والتجري وليس هو النية المجرّدة بل القصد الذي يظهر بمبزره في الخارج على نحو ينتزع عنه عنوان المعصية تارة وعنوان التجري اخرى . كما انه ليس العلم موجبا ولا موضوعا له بل هو من مباديه ومقدماته ( ولا مجال للتمثيل بمحبوبيّة من قتل عدو المولى بخيال انه ابنه للمولى اذ ذلك يمكن فيه تصوير التشفي بخلاف المقام المبحوث عنه من المولى الحقيقي المحال في حقّه ذلك ولا يخفى انه لا معنى لتحريم معلوم الخمريّة اذ مع الالتفات إلى ذلك فيمكن زوال الموضوع بالشكّ بل لابدّ أن يكون على نحو آخر وهو تحريم الواقع الذي هو خمر الذي بالعلم به ينكشف لديه ولا يمكنه حينئذٍ العلم بالعلم والالتفات بالنظر الثانوي .

ص: 57


1- . كفاية الاُصول 2/10 .

فالذي يكون موضوعا لاستحقاق العقاب ليس هو المعصية الحقيقيّة بمعنى المصادفة لمخالفة الواقع بل الأعم منها ومن المخالفة العلميّة ولولا هذه الجهة .

فيمكن الجواب عن البرهان الصوري الذي استدلّ به على استحقاق المتجري العقاب بما حاصله ان العقاب اما أن يكون على كلّ من الشخصين الذين شربا مايعا باعتقاد انه خمر أو محرمين رميا البندقة على ما يعتقد انه صيدا فأصاب أحدهما ولم يصب الآخر كما انه ظهر أحد المشروبين ماءً والاخر خمرا فهو المطلوب أو لا يكون على كلّ واحد ولا مجال له أو يكون على الذي لم يصادف الواقع ولا عقاب على الآخر .وهذا أيضا لا يمكن الالتزام به بداهة أو يكون مخصوصا بالمصادف دون غيره وهذا أيضا لا مجال له لرجوعه إلى عقابه على ما ليس باختياره لعدم كون المصادقة للواقع وعدمها أمرا اختياريّا فالعقاب على المصادف قطعه للواقع على ما ليس بالاختيار .

هذا حاصل البرهان ويمكن الجواب كما عن المحقّق النائيني(1) ان الشرب ينحل إلى أمرين أحدهما اختياري وهو نفس الشرب والثاني كون المشروب ماءً أو خمرا وهذا ليس باختياري والعقاب ليس على الثاني أي الأمر الخارج عن الاختبار . بل على الأول الذي هو الأمر الاختياري وهو الشرب الذي تعلق بالخمر لا بما هو هو .

توضيح: استدلّ المحقّق الخراساني(2) على قبح مخالفة القطع المخالف

دليل المحقّق الخراساني

ص: 58


1- . فوائد الاُصول 3/39 وما بعده .
2- . كفاية الاُصول 2/10 - 11 .

للواقع بانطباق عنوان التجري عليه وكونه موجبا لاستحقاق العقاب على حد القطع المصادف لكونه تعديا للعبد عن حدّه لحق مولاه وخروجه عن مقتضى العبوديّة من انقياده لمولاه ومن الموجبات لبعده عن حضرته وحينئذٍ فيستحق العقاب لقبحه وكونه ظلما . والبعد يستدعي النيران كما ان القرب سبب موجب للفوز بالجنان وان كانا قهريين . الا ان ذلك انما هو بسوء سريرته الذي لا يوجب بمجرّده شيئا وإنّما يوجب ذلك بالابراز والاظهار وهو أي سوء السريرة ليس أمرا اختياريا كما ان الارادة والاختيار ليسا كذلك والا لتسلسل لاحتياج كلّ ارادة أواختيار إلى مثله ولا نهاية فانهما ليسا بالارادة والاختيار .نعم يمكن دخل الارادة في مباديها بعد التصور والالتفات وميل النفس إليه أو رغبته عنه مع العزم والجزم كما انه ربما تكون المبادى أيضا لا بالارادة ولا اختيار .

ان قلت: فعلى هذا بأي موجب يدخل النار وذلك يفوز بالجنان بعد عدم كون أفعالهما بارادة واختيار اختياريين وعن ارادة .

قلت باعتبار استدعاء البعد للجحيم واستدعاء القرب الفوز بالجنّة والنعيم والبعد والقرب أمران غير اختياريين وصدور الأفعال إنّما يكون موجبا لحصول البعد والقرب وانتهائها بالاخرة إلى سوء سريرة الانسان وقبحها وذلك ذاتي فلا مجال للسؤال بلم كما في الحمار فلا وجه للسؤال عن انه لم جعل حمارا بل هو ذاتي له ولا بخل في المبدء الفياض .

وقد اجيب في محلّه عن ترتب النفع في خلق الكفار وأهل العناد والشقاق .

ص: 59

ان قلت: فعلى(1) هذا فلا فائدة في ارسال الرسل وانزال الكتب لأنّه يدعوا سوء سريرة من هو سيئها إلى اختيار القبح وحسن سريرة حسنها إلى اختيار الحسن .

قلت: فائدته اقامة الحجة على أهل الضلال والعناد وقطع سبيل الاعتذار مضافا إلى ايجاب نفس التذكر للنفع وكون ذلك من موجبات البعد والقرب .

هذا كلامه قدس سره في الكفاية وفرع عليه وحدة العقاب في صورة مصادفة القطع للواقع لكونه هتكا واحدا موجبا لعقوبة واحدة فلا وجه لما قيل من تداخل العقابين في صورة المصادفة عقاب التجري وعقاب نفس مخالفة الواقع وقال رحمه الله:لو أغمض عن هذه الجهة لأمكن للخصم الجواب عن البرهان الذي تقدّم ذكره في عقاب كلّ واحد من القاطع المصيب المصادف وغيره أو أحدهما أو عدم عقاب أحد منهما بأن يقول انما يفيد هذا في قبال من يقول باستحقاق عقاب الموافق للواقع الذي ترك الواقع ولم يأت به وعصى المولى بذلك والا فعلى ما بنينا عليه فلا يتوجه علينا هذا الاشكال . كما ان له أن يجيب ان الموافق يستحق العقاب لتركه الواقع عن عمد واختيار دون الذي لم يصادف قطعه الواقع لعدم ترك الواقع منه كذلك .

هذا كلامه قدس سره في كفايته الا انه رجع عن هذا الكلام أخيرا وكان على المنبر يردّه كما نقل عنه سيّدنا الاستاذ قدس سره لكن لما انطبع كتابه في الأصول لم يحصل التمكّن له ولا لغيره تبديل المقام أو رفعه عن كفايته وعلى كلّ حال فمبناه أخيرا على خلاف ما في الكفاية .

ص: 60


1- . كفاية الاُصول 2/16 - 17 .

ثمّ انّ هنا وجها آخر في استحقاق العقاب للمخالف قطعه للواقع من حيث المسألة الكلاميّة وهو ان تمام الموجب لاستحقاق العقاب هو القبح الفاعلي دون الفعلي لحصول مخالفة الواقع كثيرا في موارد لا عقاب عليه كما في صورة الجهل فما هو المناط فيه ليس هو مخالفة الواقع بل هو القبح الفاعلي دون الفعلي . وهو موجود في صورة مخالفة القطع للواقع ومصادفته . حيث ان العلم هو تمام الموضوع للأحكام العقليّة .

وأجاب عنه المحقّق النائيني قدس سره بالنقض(1) بما لو كان سوء سريرته موجبا لاختيار الفعل الذي لم يردعه عنه المولى حيث انه كان آتيا به على تقدير ورودالمنع أيضا ومن الجايز اختلاف المقامين بحسن العقاب واستحقاقه في صورة مخالفته للواقع عن علم وعمد دون ما اذا كان بسوء سريرته ولا مخالفة للواقع .

تتميم: ذكر سيدنا الاستاذ قدس سره جملة من كلام الآخوند في كفايته بعد ردّه الدليل الرباعي في استحقاق القاطع المخالف قطعه للواقع العقاب بقوله(2) مضافا إلى عدم صدور فعل منه بالاختيار ثمّ مثل الآخوند بماذا شرب الماء بقصد انه خمر وبخياله حيث قطع بخمريته . وقال الاستاذ لم افتهم معناه ونقل توجيهها عن بعض بما لم يرتضه وهو انه حيث قصد شرب عنوان الخمر أي العنوان الكلي ولم يكن منطبقا على ما شربه فلم يكن شربه بالاختيار لعدم استلزام عنوان العام للخاص ثمّ ذكر قول المحقّق الخراساني في ردّ البرهان الرباعي بوجه آخر قريب من الوجه الذي تقدّم ذكره . وهو انه لا يستحق العقاب لعدم حصول فعل منه

اشكال المحقّق النائيني

ص: 61


1- . فوائد الاُصول 3/49 .
2- . كفاية الاُصول 2/17 عبارة الكفاية قريب من ما في المتن .

يوجب استحقاقه اذ لم يخالف تكليف المولى عن عمد واختيار وقال ثم ترقى بقوله بل لم يكن صدوره منه بالاختيار وفسره بما تقدم من عدم تعلق قصده بالذي شربه بخصوصه بل المقصود هو الذي خالف ما شرب وما شرب لم يكن مقصودا له وذكر قدس سره أي الاستاد انه يمكن أن يريد المحقق الخراساني بقوله هذا ما بيّنه المحقّق النائيني رحمه اللهونسبه إلى الميرزا الكبير الشيرازي قدس سره من ان في شرب الماء أو الخمر المقطوع بكونه خمرا شيئين: أحدهما نفس الشرب والثاني كون الشرب شرب الماء أو الخمر والذي هو باختياره هو نفس الشرب واما كونه شرب الماء أو الخمر فليس باختياره وحينئذٍ فيكون مناسبا للبرهان الرباعي بنحو آخر . وهو ان الذي يكون قابلاً لتعلّق الحكم به هو الفعل الاختياري وهو ليس الا نفس الشربواما كونه كذا أو ذاك فليس باختياره . فحينئذٍ يكون موضوع الحرمة هو الأعم من الخمر الواقعي والذي قطع بأنه خمر وان لم يكن في الواقع خمرا بل ماءً .

والجواب عنه واضح . حيث ان المناط في ذلك لو كان عدم امكان تعلق التكليف بغير الاختياري فهو مسلم فيما لا يكون باختياري للمكلف أصلاً . اما اذا كان باختياره ولو باعتبار أصل الشرب وجامعه فلا مانع من تحريم خصوص الشرب المضاف إلى الخمر الواقعي ولا يوجب تعلق القطع بخمريّة مايع موجبا لشيء أصلاً لقصور الحكم عن شمول غير شرب الخمر . والا فلو كان الشرب بعنوانه الأعم حراما فلابدّ من الالتزام بحرمة مطلقه سواء كان متعلّقا بالماء أو بغيره ولا يمكن الالتزام به . بل الذي هو موضوع حكم الشارع بالتحريم هو خصوص الخمر الواقعي وهو اذا صادف فعله له وشربه فيوجب استحقاق العقاب لمخالفة التكليف .

ص: 62

واما الماء الذي قطع بكونه خمرا فلم يكن التحريم شاملاً له ولا ان القطع أوجب حرمته .

والحاصل ان المحقق الخراساني(1) قد ذهب في المسئلة الكلاميّة وهي

استحقاق العقاب عقلاً وعدمه إلى ما تقدّم من كونه تجريا على المولى وخروجا عن رسوم عبوديّته وكون العبد بصدد الطغيان وهو محرم بلا اشكال .

واستشكل عليه المحقّق النائيني قدس سره (2) بكونه خروجا عن محل النزاع اذ لااشكال في حرمة التجري على المولى والعناد له والطغيان عليه ولا مجال للتوقففيه من أحد وربما يوجب في بعض موارده وأنحائه الكفر والارتداد . بل الكلام في كون نفس مخالفة المولى الاعتقاديّة لا الواقعيّة وشرب الماء بعنوان الخمر هل هو موجب لشيء أم لا والعبد على ما هو عليه من اطاعته لمولاه وانقياده له ولم يرتد ولم ير المولى أهون الناظرين إليه ولم يهتكه بل غلبته شقوته وهواه فارتكب ما ارتكب حتى انه في حال المعصية الحقيقيّة قد يكون كذلك وهذا ليس تجريا عليه ولا خروجا وطغيانا عليه وعن طاعته .

الاّ انه اختار سيّدنا الاستاذ قدس سره مذهبا وسطا بين المذهبين ولم يختر ما اختاره المحقّق الخراساني من كونه طغيانا عليه ولا ما اختاره المحقّق النائيني من عدم ايجابه لشيء . بل اختار انه تجرى في الجملة ومخالفة للمولى حتى ان القصد إذا كان عن اختيار وبيد المكلف كما هو كذلك لا مانع من ايجابه للعقاب اذا كان عن طغيان وصدق عليه الخروج عن طاعة المولى . كما ان مجرد حسن السريرة

مختار سيّدنا الاستاذ

ص: 63


1- . كفاية الاُصول 2/10 .
2- . فوائد الاُصول 3/52 - 53 مع اختلاف في التعبير .

أو سوئها خارج عن محلّ البحث .

نعم لو جاز الذم عليه بمجرّد ذلك فنقول بعد لا مجال لمايقال من عدم تعلق أمر بمن طبعه على الطاعة والانقياد ولو لم يكن هناك تكليف ولا أمر كما في من يعبد اللّه لأنّه أهل له لا طمعا في جنّته ولا خوفا من النار بخلاف ساير العباد لكون

عبادتهم إمّا طمعا إلى جنّته ولو مع عدم رضوانه أو خوفا من ناره . بل التحقيق عموم التكليف للمجبول على الطاعة بحسب طبعه وكذلك للمجبول على المعصية بحسب طبعه والمناط في عدم تكليف الأوّل موجود في الثاني وقد عرفت ما فيه .

هذا تمام الكلام في الجهة الكلاميّة . ثمّ مع قطع النظر عن هذه الجهة فاستدلّ في المسألة بالاخبار والاجماع وذلك ناظر إلى الجهة الفقهيّة وللمسئلة جهة اصوليّة مطلقا أو فقهيّة النتيجة وهي ان الاتيان بالمقطوع الخمريّة بعد العلم بحرمتهمن المولى مثلاً ولو لم يكن خمرا في الواقع لا اشكال في قبحه الفاعلي بل الفعلي أيضا لسراية القبح الفاعلي إلى الفعلي وتعنون الفعل بالعنوان الثانوي بعنوان قبيح وحينئذٍ فبالملازمة بين ما حكم به العقل وحكم الشرع يكون تمام الموضوع للحرمة هو نفس العلم سواء صادف الواقع أو خالف كما هو كذلك في الأحكام العقليّة . وترجع من هذه الجهة إلى ما يكون حكم واقعه ومورد الشك بمناطين . بان يكون في مورد الشك حكم طريقي وفي صورة القطع حكم نفسي للشرع بالملازمة كما في مورد الضرر . فانه في صورة قطعه بالضرر يكون حراما نفسا وفي مورد احتمال الضرر وان لزم الاجتناب لكن مناطه هو الطريقيّة بخلاف باب التشريع اذ مجرّد عدم العلم والشك تمام الموضوع للحكم بالحرمة وتحقق

ص: 64

التشريع كما في بعض ما ورد في الروايات ارشاد إليه من ان(1) من أفتى بغير علم فهو في النار وعدّ(2) من قضى بالحق وهو لا يعلم من أهل النار ومن هذه الجهة قلنا بعدم مجال لجريان استصحاب عدم الحجيّة وهذا هو المناط في تقدم قاعدة الاشتغال على استصحابه في بعض الموارد التي تكون مقدّمة عليه كما انه يقدم عليها في بعض آخر وما نحن فيه يكون من قبيل واحد المناط في واقعه وغيره لما ذكر مضافا إلى عدم ايجاب مخالفة الواقع بما هو كذلك لشيء فالعلم حينئذٍ تمام الموضوع على ما عرفت .

تكميل: قد عرفت ان الكلام في المسئلة من الجهة الكلاميّة إنّما هو فيكونه هتكا كما في صورة المعصية الحقيقيّة والمصادفة وعدمها غير مرتبط بالهتكعلى ما تقدم ومع قطع النظر عن هذه الجهة لا مجال للبرهان الرباعي .

إذ للخصم أن يجيب عن البرهان باستحقاق خصوص العاصي المصادف قطعه للواقع للعقاب باعتبار حصول المخالفة منه عمدا واختيارا دون المتجري لعدم تحققه فيه أي سبب الاستحقاق لعدم مخالفة فيه اصلاً ولو بلا اختيار بل عدم صدور فعل منه في بعض أفراده بالاختيار كما في التجري بارتكاب مقطوع الخمريّة فصادف ماءً الخ ومراده بقوله لعدم مخالفة فيه أصلاً ولو بلا اختيار هو التجري في مورد الحكم باعتقاد غير الحرام حراما واختياره بمصداقه الواقعي فانّ التجرّي على قسمين:

تارة في الاتيان بشيء بزعم انه حرام ولم يكن كذلك في الواقع فهذا لا

حكم التجري من الجهة الكلاميّة

ص: 65


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 4/1 - 31 - 32 - 33 من أبواب صفات القاضي .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 4/6 من أبواب صفات القاضي .

يكون مخالفة أصلاً لا اختياراً ولا بلا اختيار ولو كان نفس الشرب للماء الذي زعم انه حرام مثلاً اختيارا ومراده بما بعد الماتي بها للترقي هو القسم الآخر من التجري الحاصل في الشبهة المصداقيّة والخطأ في التطبيق كما في المثال فانه لم يكن هناك صدر منه فعل بالاختيار لعدم تعلق قصده بشرب الماء الذي أتى به وصدر عنه كما ان متعلق قصده وهو شرب الخمر لم يقع في الخارج هذا محصل مراده قدس سره .

ولكنّه يمكن الجواب مع قطع النظر عن عنوان الهتك المنطبق على التجري عن البرهان الرباعي . اذ لا فرق في المصادف وغيره من تساويهما في كون ما هو بالاختيار نفس الشرب دون المصادفة وعدمها . وان قيل يكفي في اختيارية العمل كون احدى مقدماته اختياريا .

قلنا: ان المركب من الاختياري وغيره لا يكون اختياريّا فلا محيص عن قبول البرهان في المقام . أو الاستدلال به في غير المقام من الجهة الكلاميّةوالجواب عنه ويمكن نظره إلى ما ذكره الآخوند قدس سره (1) من كونه هتكا فلا اشكال . هذا في الجهة الكلاميّة .

وأمّا الجهة الملفقة من الكلاميّة والاصوليّة بأن يكون صغريها كلاميّة والكبرى اصوليّة فهي ان يدعى ان العمل المتجرى به وان كان حكمه الواقعي الأولى هو ما رتبه الشارع عليه من الاباحة والوجوب أو غيرهما لكنه مما يطرء عليه بعنوان التجري حكم مخالف لذاك الحكم الاولى كما في مطلق موارد العناوين الثانويّة التي ربما تغير الواجب إلى الحرام ويوجب حفظ النفس كون

ص: 66


1- . كفاية الاُصول 1/10 .

ترك الصلاة واجبا اذا توقف حفظها عليه . بناء على مذهب القوم من وجوب مقدمة الواجب اما بناءً على ما اخترناه في باب المقدمة من اللابدية العقليّة وكون المقام من موارد الاطاعة والعصيان التي لا مجال لحكم الشرع فيها الا ارشادا فلا يستقيم به المثال . كما انه في باب النكاح والأمر بالمعروف قد يتأتى الأحكام الخمسة بالعناوين .

وحاصل الدعوى انه لا مجال لانكار القبح الفاعلي في باب التجري وذلك يوجب سرايته إلى الفعل أو انه من الجهات المقبحة للفعل . وحينئذٍ فالفعل أيضا يصير قبيحا بهذا العنوان ولذلك قالوا بعدم صحّة الصلاة في الدار المغصوبة مع العلم مع كونه من باب الاجتماع الذي لا نقول بتعلق الأمر والنهي بمورد واحد . حيث ان القبح الفاعلي يوجب عدم تأتي قصد القربة فيرجع إلى عدم اجتماع القيود الدخيلة فيها بخلاف صورة الجهل فلا اشكال في صحّة التقرب به ولذا اتفق الكلمة على عدم لزوم الاعادة .وعلى أيّ حال فلا فرق بين المقام وبين التشريع بناء على ما سيجيء في مبحث الظن من تصويره وامكانه وكونه بمناط واحد في صورة العلم بالخلاف أو الجهل بذلك مع القول بعدم صحّة التقرّب بما تشرع به فالمقام أيضا يكون كذلك .

نعم في المعاملات ربما لا ينافي ويصح ترتب الأثر على نفس المعاملة كما في صورة الاضطرار إلى بيع ما له بأقل من قيمته بكثير لحفظ اعتباره ومقامه وحينئذٍ ففي المعصية الحقيقيّة يكون حكم العقل بالقبح نفسيّا وفي صورة التجري طريقيّا أو بالعنوان الثانوي من القبح الفاعلي والسراية إلى الفعل على ما عرفت .

الفرق بين القبح الفعلي والفاعلي

ص: 67

وأجاب عن ذلك المحقّق النائيني قدس سره بوضوح(1) فساد سراية القبح إلى الفعل وأمّا الفاعلي فلا ينكره . ولا مجال لهذا الجواب لعدم بيان المدرك فيه كما ان الفرار

عن موضوع البحث إلى انكار قاعدة الملازمة وعدم تماميتها والمسلّم هو عدم قبح ما حكم به الشرع وانه لا يحكم إلاّ بما هو حسن .

اما لحسن في المتعلق أو نوعيا أو شخصيّا أو غير ذلك الذي بين في الأخبار شيء قليل منه حسب استطاعة أفهامنا أيضا لا وجه له . وذهب سيّدنا الاستاذ قدس سره

إلى عدم تماميّة مختار المحقّق النائيني قدس سره في عدم سراية القبح إلى الفعل مع مساعدته له في القبح الفاعلي .

بقيّة جهات البحث:

قد عرفت ان للمسألة جهات من البحث وقد أسلفنا البحث عن الجهة

الكلاميّة وهي استحقاق من خالف قطعه الواقع اذا تعلّق بوجوب شيء فتركه أو بحرمة شيء فأتى به ولم يكن في الواقع كذلك أو انه قطع بكون شيء خمرا فظهرماء مع العلم بكون الخمر حراما .

وأمّا الجهة الفقهيّة فيمكن أن يستدلّ فيها بالاخبار والاجماع والآيات كما انه يمكن تطبيق البرهان الرباعي على هذه الجهة والاصوليّة والكلاميّة وقد سبق بعض تقريباته وسيجيء البحث في المسئلة عن الجهة الفقهيّة محضا .

أمّا البحث عن الجهة الاصوليّة فهو ما أشرنا إليه سابقا من كون متعلق التكليف هو الأعم من الخمر المقطوع الذي صادف الواقع وغيره وهذا الوجه نبه

ص: 68


1- . فوائد الاُصول 3/42 .

عليه السيّد المحقّق الميرزا الشيرازي وشيّده المحقّق النائيني (1) .

بيانه انه لا اشكال في ان التكليف لا يمكن تعلقه الا بالمقدور للمكلف اذ لا مجال للقول بتعلقه بغير المقدور للقبح . واستحالته على الحكيم تعالى واضحة كما انه لا ريب في ان العلم هو تمام الموضوع لحكم العقل وحينئذٍ فالشرب الذي حرّمه الشارع في الخمر له جهتان:

احداهما اختياريّة وهي نفس الشرب .

والثانية: غير اختياربّة وهو كون المشروب خمرا أو ماءً اذ لا تنال يد المكلّف بجعل المشروب خمرا أو ماءً لكونه على ما هو عليه من المصداقيّة للخمر أو الماء . وبعد عدم امكان تعلق التكليف بغير المقدور فاللازم هو كون الشرب مطلقا حراما سواء كان المقطوع هو الخمر الواقعي أو الماء الذي اعتقد انه خمر وهذا واضح بعد وضوح تعلّق التكاليف بأفعال المكلّف .

كما ان حرمة الخمر معناه حرمة نفس الشرب أو ايجاده أو ساير مالها من التصرّفات وكذلك في الميتة وغيرها .فمتعلّق التكليف هو فعل المكلّف وهذه الأعيان إنّما هي موضوع التكليف ومتعلّق المتعلّق .

فالحرام هو هذا المايع الخارجي الذي تعلّق العلم بكونه خمرا سواء كان كذلك أم لم يكن .

حيث ان جهة كونه خمرا أو ماءً ليس بيد المكلّف وهو أمر غير اختياري خارج عن تحت دائرة التكليف . فاللازم تعلّقه بنفس الشرب وهو موجب لتوسعة

متعلّق التكليف هو فعل المكلّف

ص: 69


1- . فوائد الاُصول 3/37 وما بعده .

التكليف بحسب المتعلّق .

فكما ان شرب الخمر الواقعي حرام كذلك شرب ما اعتقد انه خمر أيضا كذلك .

كما ان ذلك هو الميزان في مطلق الأحكام التكليفيّة .

حيث انه اذا كان لمتعلّقها حيثيّتان احديهما غير اختياريّة فالتكليف انما يتعلق بها من الحيث الاختياري .

وأمّا خطاب المولى وتشريعه بأيّ نحو أمكن اذ لا اشكال لنا في مقام تصور الخطاب بل الكلام في انه لا يمكن اختصاص الخطاب بالخمر الواقعي الذي لا يكون جهة واقعيّة تحت قدرة المكلّف .

بحيث يتعلق به التكليف . بل لابدّ وان يعمّه وما اعتقد انه خمر .

والحاصل انه لا معنى للقطع المخالف غير المصادف بل القطع دائما يصيب لموضوعه وموجب لتنجز حكم متعلقه .

نعم يمكن أن يقال بكون ترتب الحكم الواقعي على المقطوع انه خمر ولم يكن كذلك مشروطا بعدم انكشاف الخلاف كي لا يلزم اجتماع الحكمين الفعليين في موضوع واحد احدهما الوجوب والآخر الحرمة أو الحرمة والاباحة اذ لامجال للتجري في غير مورد الحكم الالزامي .

هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب هذا القول .

لكنه لا يخفى ما فيه من المحاذير اذ مقتضاه حرمة نفس الشرب وانقلاب حكم الماء بمجرّد تعلّق القطع به انه خمر إلى الحرمة ولازمه القول بذلك في الخمر الذي اعتقد انه ماءً ان يكون حلالاً جايز الشرب إلى غير ذلك ممّا هو خلاف

ص: 70

ضرورة الفقه .

بل خلاف ضرورة المسلمين لعدم الفرق حينئذٍ بين الميتة والمذكى وكذلك بين الخمر والماء لكون الجامع بينهما الذي يكون تحت قدرة المكلف هو نفس الشرب أو الأكل .

وأمّا كون المشروب ماءً أو خمرا والمأكول ميتة أو مذكى فخارج عن تحت قدرته فلا يتعلق به التكليف . وحينئذٍ فليس كما زعموا .

بل نقول ان دائرة التكليف من أوّل الأمر ضيقة بحيث لا يشمل مطلق الشرب بل الشرب المصادف إلى الخمر من قبيل ضيق فم الركية . وحينئذٍ فاذا اعتقد ان الماء خمر لا يكون هناك تحقق موضوع التكليف ولا حرمة له لعدم كونه واقعا من مصاديق الخمر الحرام فلا مجال للقول بالحرمة من هذه الجهة أيضا .

أمّا الجهة الكلاميّة صغرى والاصوليّة كبرى فهو كون تعلق القطع بكون الماء خمرا أو الخمر ماءً يكون من الوجوه المغيرة والمبدلة والمحسنة والمقبحة .

ويوجب كون شرب الماء قبيحا كما يوجب كون شرب الخمر باعتقاد كونه ماءً حسنا لكون حسن الأشياء وقبحها بالوجوه والاعتبارات .

هذا بحسب الصغرى فاذا كشفنا حكم العقل بالقبح أو الحسن فبالملازمة

بين حكم العقل والشرع نستكشف حرمته أو كراهته على اختلاف مراتب القبح أووجوبه أو استحبابه على اختلاف مراتب الحسن شرعا . فلابدّ من كونه مأمورا به أو منهيّا عنه على أحد الانحاء .

ولا يخفى ان الصغرى يمكن تقريبها تارة في نفس عنوان الانقياد والتجري وان العقل يحكم بحسنه وقبح التجري على المولى وعدمه كما انه مناط البحث في

تقريب الصغرى

ص: 71

الجهة الكلاميّة التي سلفت وقد اخترنا هناك كونه كذلك وان الانقياد للمولى يوجب المدح واستحقاق المثوبة والتجري عليه موجب للذم واستحقاق العقاب كما سبق . وهذا بلا سراية الى متعلق التجري والفعل المتجري به أو المنقاد به كما ان عنوان التشريع الذي هو عبارة عن البناء واسناد ما لا يعلم انه الواقع للعلم بخلافه أو عدم العلم إلى الشارع لا يوجب قبح المتشرع به وانما القبيح هو نفس عنوان التشريع .

غاية الأمر يكون فرق بين التشريع لعدم احتياجه إلى العمل الخارجي ويحصل بالقلب اذ هو فعل جانحي وبين التجري والانقياد اذ هما فعلان جارحيان .

هذا . واخرى من ناحية قبح العمل المتجري به وحسن العمل المنقاد به بحيث يكون العمل الخارجي معنونا بالعنوان الثانوي بهذا العنوان الحسن أو القبيح ونستكشف النهي أو الأمر بقاعدة الملازمة كما في ساير العناوين الثانوية للأفعال فترى شيئا مباحا بحسب طبعه يحرم لانطباق عنوان المضرية عليه والذي هو المفيد في محلّ البحث هو الاخير . هذا .

وأنكر المحقّق النائيني(1) لكلا الأمرين . اما انكار الكبرى فلعدم تماميّةقاعدة الملازمة . اما منع الصغرى فلعدم ايجاب عنوان التجري حصول قبح في العمل المتجري به لعدم كون العلم بأنّه خمر موجبا لكونه خمرا أو مسكرا كما ان العلم بكون زيد عمرا لا يجعل زيدا عمرا ولا يؤثر فيه بكونه منشأ للآثار والأفعال الصادرة والمرتبة على عمرو .

ص: 72


1- . فوائد الاُصول 3/41 .

نعم إنّما يكون العلم من المبادي والمقدمات المؤدّية إلى التجري أو الانقياد فاذا لم يمكننا تصحيح عنوان المقبح والمحسن للمقطوع بأحد النحوين فلابدّ التمسّك بالقبح الفاعلي .

توضيح وتبيان: قد أشرنا إلى ان أحد وجوه البحث في المسئلة قضيّة كون التجري والانقياد من الوجوه المحسنة والمقبحة للفعل الخارجي المتجري أو المنقاد به . فالصغرى تكون حينئذٍ عقليّة كلاميّة والكبرى قاعدة الملازمة بين ما حكم به العقل وما حكم به الشرع . وحينئذٍ فاذا ثبت كون المتجري به أو المنقاد به حسنا أو قبيحا فبالملازمة نستكشف الحكم الشرعي بالحرمة أو الحلية ويثبت المطلوب .

أمّا الصغرى فلا اشكال في درك العقل لحسن بعض الأشياء وقبحها في

الجملة خلافا لجماعة من الأشاعرة المنكرين لذلك . الا ان محققيهم رجعوا عن هذا إلى دركه في الجملة وذلك على ثلاثة أقسام فان الحسن كالقبح تارة يكون ذاتي بعض الأشياء كما في الاحسان والظلم بحيث لا ينفك هذا المعنى عنه ولو فرض في أيّ مورد ومكان . واخرى يكون للشيء حسن وقبح في حدّ نفسه بحيث اذا طرء عليه عنوان آخر يوجب زوال حسنه أو قبحه بالعنوان الأولي كما في الكذب اذا طرء عليه عنوان انجاء المؤمن أو تخليص الوصي مثلاً والصدق اذاطرء عليه عنوان الضرر .

وثالثة لا يكون للشيء حسن أو قبح في حدّ نفسه بل لو كان فهو ممحض في العناوين الطارية عليه .

هذا بحسب أصل الكبرى التي تنفعنا في اثبات أصل القبح والحسن وحينئذٍ

انكار الصغرى والكبرى

ص: 73

فالمدعى كون عنوان التجري أو الانقياد في حدّ أنفسهما حسنا وقبيحا أو انه يوجب لقبح الفعل المتجري به وحسن الفعل المنقاد به أو انه لا يكون التجري والانقياد من عناوين الفعل الخارجي كي يوجب حسنه أو قبحه . بل هو على ما عليه من عنوانه الاولي الا ان القبيح هو حيث صدور هذا الفعل والحسن هو كذلك وبعبارة اخرى لو أنكرنا قبح الفعل وحسنه بعنوان التجري والانقياد فلا يمكننا انكار القبح الفاعلي والحسن الفاعلي في الموردين .

والحاصل ان القبيح والحسن إمّا أن يكونا نفس العنوانين على تقدير كونهما جارحيين أو انهما على كونهما ليسا بجارحيين يوجبان القبح والحسن في منشأ انتزاعهما وهو الأمر الخارجي ولا أقل من مجرّد الحسن أو القبح الفاعلي ( الا انه ما لم يوجب تعنون الفعل الخارجي لا مجال لكونه مفيدا في المدعى الا أن يكون المدعى قبح نفس الفعل الخارجي فتأمّل .

وكيف كان فعنوان التجري والانقياد كعنوان الاطاعة والمعصية من العناوين المحسنة والمقبحة عند العقل بلا تأمّل وارتياب هذا بحسب أصل الصغرى .

وأمّا الكبرى فهي على نحوين فتارة تكون كما في تقرير الصغرى من كشف العقل ملاك الحسن والقبح الفعلي وبعبارة اخرى ملاك الجعل واخرى لا يدرك العقل ذلك بل انما وصله حكم الشارع بالحرمة أو الوجوب أو نحوهما ففي الأوّل يكون انكشاف حكم الشارع بطريق اللّم ويتحقّق الملازمة به . وفي الثاني يكونحكم الشارع كاشفا عن وجود ملاك لأمره ونهيه فأمر أو نهي وعلى كلا التقديرين فالملازمة محقّقة واستدلّ عليها بالعقل والنقل . أمّا العقل فما ذكر من كشفه ملاك حكم الشارع بحيث انه لابدّ من الجعل وانه لا يتخلّف عنه الجعل بحسب اعطائه

ص: 74

لموارد الاستعدادات وموارد القابليات والظروف .

وأمّا النقل فقد استدلّ بقوله تعالى في وصف النبي صلی الله علیه و آله: « وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ »(1) حيث ان مناط التحليل والتحريم هو كون الشيء طيبا وخبيثا أو آيات اخر اصرح في المقصود من الآية المذكورة كقوله تعالى « إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالاْءِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ

وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ »(2) وغيرهما من الآيات والروايات المستفاد منها تلازم درك العقل لحسن الشيء وقبحه لجعل الشارع .

وانه حرّم الخبائث وما فيه المفاسد وحلّل الطيّبات وما فيه المصالح .

والفرض ان الكلام ليس في الصغرى لدعوى ادراك العقل حسن الشيء وقبحه واذا ثبت حسنه أو قبحه وكانت الكبرى مدلولة عليها بالشرع والعقل فلابدّ من حرمته شرعا .

ولكن لا يخفى عليك عدم تماميّة قاعدة الملازمة لعدم صلاحيّة الدليل النقلي والعقلي لاثباتها .

أمّا النقلي فلا يستفاد منه ان كلّ قبيح حرام وكلّ حسن واجب مثلاً بل غايةما يستفاد منه هو ان اللّه تعالى لا يحرم إلاّ القبيح كما انه لا يوجب أو يحل إلاّالطيّب وأمّا كلّ طيب فلابدّ من كونه حلالاً أو كلّ قبيح فلابدّ من كونه حراما فلا كما ان العقل لا يمكنه ادراك ذلك صغرويّا إذ على فرض ادراكه واحاطته بمصالح الفعل ومفاسده على نحو يوجب الجعل ويكون علمه داعيا له يبقى هناك احتمال

عدم تماميّة قاعدة الملازمة

ص: 75


1- . سورة الأعراف الآية 158 .
2- . سورة النحل الآية 91 .

موانع أصل الجعل لامكان اختلاف الأشخاص والأزمنة في ذلك ولهذا نقول انّ الدين عند اللّه هو الاسلام من أوّل زمن آدم إلى نبيّنا صلی الله علیه و آله وان النسخ لشريعة من قبله لا لنقصان تلك الشرايع وعدم تماميتها بل لكون مصالحها انما هو في غير هذا الوقت .

والحين لما عرفت من كون الحسن والقبح لا بأس بكونهما في بعض الأشياء بالوجوه والاعتبارات حتى ان الشيء الواحد يختلف حسنه وقبحه بحسب اختلاف الأشخاص ولعلّه إلى هذه الجهة نظر صاحب الفصول قدس سره حيث أنكر الملازمة الواقعيّة لما حكم به العقل وما حكم به الشرع واعترف بالملازمة الظاهريّة بمعنى عدم احاطة العقل وادراكه لموانع الجعل وانه لا تتم الملازمة الا ظاهرا .

ولكن التحقيق عدم تماميتها حتى ظاهرا بحسب عقولنا آحاد الرعية .

نعم لو كان بالنسبة إلى العقل المحيط بتمام جهات مصالح الأشياء ومفاسدها لأمكن حينئذٍ الملازمة حتى الواقعيّة لاتصال نفوسهم بالمبادي العالية ووصول المدد الغيبي إليهم الا ان الكلام ليس في ذلك العقل بل العقول المتعارفة لآحاد الرعية .

وفيها فالحق هو ما ذكرنا . وعلى هذا فيحتمل في مقامنا هذا مع درك العقل لقبح التجري وحسن الانقياد يكون هناك مانع من الجعل للحرمة بحيث يستحق عليه العقاب وفي الانقياد الثواب وحينئذٍ فتتطرق الخدشة إلى البرهان الذي ذكرهالمحقق الخراساني من خروجه(1) عن رسم العبوديّة وكونه بصدد الطغيان إلى

ص: 76


1- . كفاية الاُصول 2/10 .

آخره لتوقف الحرمة الشرعيّة على قاعدة الملازمة ولم تتم . فلا طريق إلى اثبات الحرمة الشرعيّة من الجهة الكلاميّة ولا من الجهة الاصولية التي تقدمت ان تعلق التكاليف بالجامع الذي هو اختياري المكلف وهو مثلاً نفس الشرب ولا من جهة العناوين الثانوية وقبح التجري واستكشاف الحرمة من قاعدة الملازمة لمنعها فينحصر الدليل حينئذٍ بالاخبار والاجماع والآيات في الجهة الفقهيّة .

لا يقال ان مناط حكم العقل في باب الاطاعة والعصيان هو المناط في قبح التجري وحسنه فلو توقف حينئذٍ على قاعدة الملازمة فاللازم اما عدم القول بوجوب الاطاعة وحرمة المعصية عقلاً أو القول به فيما نحن فيه أيضا .

لأنا نقول قد يتحقق هناك موقع لجريان برهان التسلسل حيث ان اطاعة أمر الشارع لو توقف على الأمر المولوي فينتقل الكلام في الأمر الثاني وهكذا ولو أمر به الشارع لكان أمرا ارشاديّا لوقوعه في سلسلة معلولات الأحكام والكلام في سلسلة الملاكات وعلل الجعل ولا ربط لأحدهما بالآخر الا ان للكلام في هذا الفرق مجالاً ولذا اعترف سيّدنا الاستاذ قدس سره أخيرا بالاضطرار إلى تصديق ما قاله في الكفاية في الجهة الكلاميّة . ثمّ ان الفرق ان في باب الاطاعة والمعصية لا منع للعقاب لكون المعاقب خالف أمر المولى وفي ما نحن فيه لا أمر لعدم تماميّة القاعدة ) .

نحو آخر من الاستدلال: يمكن أن يستدلّ على حرمة التجري من حيث انه تجرى لا على الفعل المتجري به لكونه قبيحا عند العقل ومن ذلك يصير حرامالكن الاستدلال به موقوف على أحد النحوين . فانه اما أن يكون واقعا في سلسلة علل الأحكام وكشف الملاك وحينئذٍ فحكم العقل على فرض وجوده واحاطته

الاستدلال على حرمة التجرّي

ص: 77

بجميع الجهات المرتبطة بالمصالح والمفاسد وتماميتها وعدم المانع من الجعل يستتبع حكما شرعيّا بقاعدة الملازمة للحرمة أو الوجوب اذا كان على حد الالزام والا فالاستحباب والكراهة اذا لم يكن بالغا حد الالزام .

وامّا أن يكون واقعا في سلسلة معلولات الحكم كما في تعلّق العلم والجهل بالشيء فانه يستحيل تعلقهما بالشيء ولو بنتيجة الاطلاق والتقييد وهذا نظير باب الاطاعة والعصيان فانه يستقل العقل بلزوم طاعة المولى وقبح معصيته على حد ليس قابلاً للخطاب المولوي . اذ على فرض تحقق الخطاب فيحتاج ذاك الخطاب في عصيانه واطاعته إلى خطاب آخر وهكذا . ولا يندفع الاشكال بالقضيّة الطبيعيّة وعلى هذا فالتجري ليس من الأول اذ على فرض درك العقل لقبحه وكذا حسن الانقياد ليس من الامور التي لا تقبل الجعل المولوي كباب الاطاعة والعصيان وحينئذٍ فلابدّ أن يكون على النحو الأول اذ لا يستقل العقل بقبحه على حد لا يكون معه مجال لخطاب الشارع بل يكون ارشادا محضا وهاهنا مجال لمنع الصغرى والكبرى وعدم تماميّة قاعدة الملازمة . ولا وجه لقياس المقام بباب الاطاعة والعصيان كما انه لا وجه لقياسه بباب التشريع لاستقلال العقل بقبح الاسناد إلى المولى ما لا يعلم انه منه سواء علم انه لم يقله أو لم يعلم بقوله . وهذا

بلا فرق بين أنحاء الاعتبارات في الكذب من انه خلاف الواقع والاعتقاد أو أحدهما ولكنه لا مانع في المقام من ناحية جعل المولى الخطاب بتحريم شيء اذا علم انه خمر غايته انه يكون تصويب في الموضوعات دون ما اذا علم بالحكم الكلي فانه يلزم التصويب ولا نقول به وعلى هذا فيكون مجال للتفكيك بينالبابين .

ص: 78

ان قلت فعلى هذا يلزم كون العقاب على أمر غير اختياري اذ لا فرق بين المصادف وغيره في العمل الصادر منهما غير انه صادف مقطوعه الخمر الواقعي دون الآخر وهذا هو الأمر الذي قلنا انه ليس باختياري .

قلت: لا يخفى ان الأفعال الصادرة من الانسان على أقسام فتارة يكون العمل مستندا إليه ولا اختيار له ولا ارادة كما في حركة النائم وايجابها لانكسار كوز الغير فانه ليس باختياري له . واخرى يكون صدور العمل عنه اختيارا لكنه لا قصد له إلى عنوان العمل كما في الذي يأتي بركعتين ولا يقصد انهما نافلة الصبح أو فريضته فيمكن أن نقول انه بناء على استحباب كلّ ركعتين في كلّ حين يسعهما انهما تقعان نافلة ابتدائيّة وكما في صلاة أربع ركعات بلا قصد خصوص كونها ظهرا أو عصرا أو غيرهما فانه يكون هنا صدور العمل عنه عن اختيار لكن لا تعنون بصلاة الظهر أو غيرها . وثالثة يقصد العنوان كما في باب القتل فانهم قالوا إذا

كانت الآلة قتالة وله القصد إلى القتل وقتل فيكون القتل عمدا محضا واذا كانت الآلة قتالة لكن لم يقصد قتل زيد بل قصد الظبي واتّفق وقوعه على زيد فانه شبيه العمد لكون قتل زيد غير مقصود بخلاف ما اذا لم يكن قصد أحدهما كما اذا لم تكن الآلة قتالة أو ضربه للتأديب في غير موضع يقتل به فاتفق قتله فانه خطأ محض « في المثال خدشة فانه شبه عمد ) .

اذا عرفت هذا فنقول في ما نحن فيه الشرب الصادر من كلا الانسانين

يكون صادرا بالاختيار لعدم كونه كحركة النائم الا ان المصادف شربه وقع عن عمد لقصده شرب الخمر الذي شربه وكان خمرا فهذا عمله اختياري ومخالفته كذلك عمديّة لقصده إلى العنوان وشرب الخمر بخلاف الآخر لعدم تحقّق عنوان

ص: 79

مقصوده وشرب الماء لم يكن مقصودا لتخلّفه ولذا قالوا في باب الصوم ان مجرد تناول المفطر لا يوجب حصول الافطار ولا وجوب الكفارة بل اللازم الالتفات إلى صومه مع ان في صورة عدم الالتفات لا يكون عمله الا اختياريا لكونه قاصدا إلى الشرب والأكل . وهكذا ساير المفطرات فالعمل الصادر اختياري . وفي احدى الصورتين عمدي اختياري وفي الاخرى اختياري بلا عمد فما يقال من عدم كون سبب العقاب اختياريا فيه ما عرفت من كون العمل في كلا المقامين اختياريّا .

غاية الأمر في احدهما اختياري عمدي وفي صورة عدم المصادفة لا عمد بل هو محض اختيار . ويمكن كون المناط في الاستحقاق هو المخالفة العمديّة وعلى هذا فلا يتمّ البرهان مدركا لحرمة التجري واستحقاق المتجري للعقاب .

الاستدلال بالأدلّة النقليّة: قد يستدلّ على قبح التجري وحرمته بالآيات والأخبار الواردة في الأبواب المتفرقة وقد ذكر سيّدنا الاستاذ قدس سره وجود الأخبار الدالّة على العفو في الوسائل(1) وعدم وجدانه للاخبار الاخر المعارضة أو المقابلة لها فيها بعد التتبع ولعلّ المتتبع الفاحص يجدها في البحار وفي ساير الكتب المعدة لجمع الأخبار .

وعلى كلّ حال فمضمون الأخبار(2) المقابلة لأخبار العفو على اختلاف مواردها هو كون العمل الذي أتى به بقصد الايصال إلى المعصية كالمعصية الواقعيّة في استحقاق العقاب سواء كان عدم حصول النتيجة المتوقعة لقصور في المقتضيأو وجود مانع هناك . وهناك أخبار(3) وردت في ان الرضا بفعل قوم في قوم فعلهم

الاستدلال بالأدلّة النقليّة

ص: 80


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 6/6 - 7 - 8 - 10 - 20 - 21 من أبواب مقدّمة العبادات .
2- . وسائل الشيعة 15 الباب 6/1 من أبواب جهاد العدو .
3- . وسائل الشيعة 16 الباب 5/2 - 4 - 5 - 6 - 7 - 9 - 12 أبواب الأمر والنهي .

كنفس الفعل في ترتب العقاب أو الثواب بلا نقص من عقاب المرتكبين أو ثوابهم .

فالراضي بفعل الأنبياء والأولياء كالشريك في فعلهم وكذا الراضي بفعل الأشقياء شريك لهم في عصيانهم .

ولا يخفى ان الرضا والارادة على قسمين:

فتارة يكون رضاه تبعا لرضى ربه وارادته كذلك . فاذا أراد اللّه موت زيد واهلاك عمرو فهو باعتبار تبعيّة رضاه ولارادته تعالى لا يكون عاصيا ولا مستحقّا للعقاب بل له مقام من التفويض والتسليم إلى ربّه .

واخرى لا يكون من هذا القبيل .

والكلام فيه من حيث كونه موردا لما أشرنا إليه من أخبار ثوابه وعقابه فاذا أراد واحب موت زيد أو قتله لعمرو فهو مشمول لهذه الأخبار . وهذا غير أخبار الرضا بفعل قوم . وحينئذٍ فنقول مع قطع النظر عن سند هذه الأخبار لا محيص عن الالتزام بمضمونها من حرمة العمل الخارجي أو النية . بل ورد(1) في بعضها في سرّ خلود أهل النار انه كان من نيتهم العصيان والشقاق مادام العمر لهم . بل لو فرض بقائهم أبدا فكان قصدهم ذلك . وهذا وان كان يمكن كون صدوره اقناعيا للسائل بحسب استعداده وانه هناك جهات عديدة . لكنه لا مانع من الاستشهاد به في مورد البحث .

وكيف كان فمضمونها حرمة العمل الصادر عن قصد الحرام وان لم يكن

حصلت النتيجة وكونه كالواصل إليها في هذه الجهة . مع ان بعضها معتبر السند

ص: 81


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 6/4 من أبواب مقدّمة العبادات .

وحينئذٍ فيقع الكلام في الجمع بينها وبين روايات(1) العفو وقد جمع بينهما بكون اخبار العفو ناظرة إلى مجرد نيّة المعصية بلا ابراز خارجي لها ولم تكن واصلة إلى مرحلة العمل كما في الحسد على انسان لكنه لا يبرز هذه الصفة في مورد أصلاً فلا عقاب عليه بخلاف ما اذا ابرزه فانه لم يوعد بالعفو في اخباره . ومراتب الابراز مختلفة حسب اختلاف المقامات فتارة يكون باللسان واخرى بساير الجوارح حتى انه يقع في بعض الموارد بالاشارة وحمل اخبار(2) العقاب على ابراز النية وصدر منه العمل وان لم يكن بلغ النتيجة .

ولا يخفى عليك ان الجمع اذا لم يكن له شاهد فهو تبرعي محض لا تورعي ولا انه جمع لان الطرح للخبر هو عدم الأخذ بظاهره فلا معنى لكون التبرع أو التورع مقتضيا لحمله على خلافه . الا انا نقول نفس هذه الاخبار بيّنة المورد ولا تعارض بينهما بل من الواضح اختصاص اخبار العفو بما ذكر من نية السوء بلا ابراز ولا عمل على حسبه وتلك على ما اذا اشتركا في العمل الخارجي والقصد ولكن لم يحصل المقصود من أحدهما أو من الاخر كما في القاتل والمقتول وان كليهما(3) في النار لاشتراكهما في شهرهما السيف بقصد قتل الآخر . غاية الأمر أصاب من أحدهما ولم يصب من الآخر . فنفس العمل صدر منهما اختيارا وفي أحدهما كان المانع الخارجي حاجزا بينه وبين النتيجة وفي أحدهما حصلتالمخالفة عن عمد وفي الآخر لا عمد لعدم قصد شرب الماء وقصده الخمر ولم يكن . مع ان اخبار العفو ظاهرها الاستحقاق والا فلا عفو بدون استحقاق العقاب

الجمع بين الروايات

ص: 82


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 6/6 - 7 - 9 - 10 - 20 - 21 من أبواب مقدّمة العبادات .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 6/3 - 4 من أبواب مقدّمة العبادات .
3- . وسائل الشيعة 15 الباب 67/1 من أبواب جهاد العدوّ .

كما ان اخبار(1) عدم الكتابة الا بعد وقت لا تنافي استحقاق العقاب كما في الكبائر التي يكون تركها مكفراً لصغاير السيئات فان مجرّد التكفير بالترك لا يوجب عدم الاستحقاق ولا يخرج عن كونه معصية حين صدروها .

واعلم ان حمل ظاهر مثل خبر(2) الوعيد بالنار للقاتل والمقتول على الكراهة خلاف الذوق الفقهي .

اذ اي ظاهر أو نص أعلى من هذا . ومجرد تعقب النهي بالوعيد لا يوجب عدم كونه حراما كما في قتل المؤمن عمدا ووعيده بالنار في الآية(3) الشريفة بل لا يناسب هذا ما جعلوه ميزانا لتشخيص الكبيرة من الصغيرة من كون الاولى هي التي أوعد عليها بالنار . وحينئذٍ فالحق حرمة التجري لما عرفت واما اخبار(4) تعذيب بني اميّة لرضاهم بفعل آبائهم فيمكن الحدس بكون رضاهم معلوما من أفعالهم لا مجرّد الرضا الباطني بلا ابراز في الخارج . ولكن لا يوجب هذا سد باب المطلقات في غير هذا المورد حيث علق التشريك في العقاب على مجرد الرضا الظاهر في الباطني .

عود على بدء: قد عرفت انه استشكل المحقّق النائيني قدس سره في الجهات الثلاث واقتضائها حرمة الفعل المتجري به وايجاب كونه فاسقا . نعم لا اشكال فيالقبح الفاعلي الا انه لا يوجب شيئا كما استشكل في الروايات المستدل بها على

ص: 83


1- . وسائل الشيعة الباب 6/20 من أبواب مقدّمة العبادات .
2- . الوسائل 15 الباب 67/1 من أبواب جهاد العدوّ .
3- . سورة النساء الآية 94 .
4- . الوسائل 16 الباب 5/4 من أبواب الأمر والنهي .

الجهة الفقهيّة وجعل جملة منها خارجة عن موضع النزاع كاخبار خيرية(1) نيةالمؤمن من عمله وان نية الكافر شرّ من عمله .

وقد فسرها في الوافي(2) بأن المراد بالاولى كون منويات المؤمن خيراً من عمله حيث انه لا ينطبق منويه كما نوى على العمل الذي يأتي به في الخارج من حضور القلب واقباله في الصلاة مثلاً وكذلك في جانب الكافر وان نيته شرّ من عمله بمعنى كون منويّاته شرّا من عمله الخارجي . فالروايات اشارة إلى معنى تكويني يجده الانسان في نفسه والا فعلي فرض الجمود على ظاهرها لابدّ من القول بكون نيّة الصلاة خيرا منها وكذا في ساير الأعمال ممّا لا يمكن الالتزام به .

وهناك وجه آخر قد طبق هذا المعنى عليه في مورد خاص وهو ان المراد بالمؤمن هو المؤمن الخاص الذي أراد بناء مسجد وان نيته خير من عمل رجل آخر بنى مسجدا لا على ما ينبغي . فليس المراد من الرواية المقايسة بين نية الانسان وعمله بل المراد المقايسة بين نية مؤمن وعمل فاسق . ولا وجه للاستدلال بها على ما نحن فيه على كلّ حال لكون كلا المعنيين اجنبيين عن محل النزاع .

هذا ما ينبغي من المعنى في الرواية وأظهر الوجوه والاحتمالات فيها ولا وجه ظاهر لغير ما قلنا .

وكيف كان فهذه من أخبار النيّة وكون شرية نية الكافر من عمله ليس على وجه يوجب العقاب على نيّته على نحو يرتبط بمحل البحث الذي هو استحقاق

أظهر الوجوه في الرواية

ص: 84


1- . الوسائل 1 الباب 6/3 من أبواب مقدّمة العبادات .
2- . الوافي 1 الجزء الثالث .

العقاب على القطع المخالف للواقع . كما انه لا تتم دلالة غيرها من الروايات علىالعقاب على النية من العفو عن نيّة السوء ما لم يعقبها بالعمل وان كان كما قال المحدّث المجلسي أعلى اللّه مقامه لا يكون العفو الا عن استحقاق . والا فلا معنى للعفو ولهذا قلنا في حديث الرفع(1) والآية الشريفة(2) كون المرفوع هي الامور التي ليست من غير المقدور ولا مما يكون التكليف بها قبيحا على المولى الحكيم . والا فلا يمكن القول أو احتمال ان الامم السابقة كانوا مكلفين بما لا يطيقونه عقلاً

ولا يقدرون عليه . وحينئذٍ فان كان المورد قابلاً لايجاب الاحتياط في بعضها أو التحفظ في مثل النسيان ورفع كما ان في الذنوب المكفرة بترك الكبائر لا يمكن القول بكونها ليست بذنوب حيث انها تكفر بترك الكبائر .

أمّا أخبار الرضا(3) بفعل قوم وانه شريك معهم فهذا لا اشكال في كونه حسب الروايات حراما لكشف العقاب والوعيد به عنه . وليس المراد هو مجرد النية بل المراد اظهار السرور والانبساط بذلك وربما يصل الى مرتبة التمنى بأن كان معهم في فعل ذلك الحرام كما انه يتصور في ناحية العمل الخيري وانه يتمنى الانسان ان لو كان معهم فيفوز بثوابهم . ولكن هذا غير مرتبط أيضا بمورد البحث كما ان اخبار(4) الهمة بالمعصية وانه لا تكتب أو يعفى عنها أيضا يمكن استشعار قابليّة جعل الحرمة منها ولكنه لم تجعل . وهل المراد بالهمة هو نفس النيّة فهي أيضا كالارادة أو ان المراد بالهمة هي مرتبة فوق مرتبة النية المجرّدة من التصدّي

ص: 85


1- . الوسائل 15 الباب 56/1 من أبواب جهاد النفس .
2- . سورة البقرة آخر آية .
3- . الوسائل 16 الباب 5/2 - 4 - 5 - 6 من أبواب الأمر والنهي .
4- . الوسائل 1 الباب 6/6 - 7 - 8 - 10 من أبواب مقدّمة العبادات .

وكونه بصدد فعلية العمل والاتيان ببعض ما له دخل في حصول النتيجة . غايته لمتحصل بعد بل له مقدمات اخرى قريبة .

نعم يمكن الاستدلال برواية المتقاتلين(1) حيث انهما كليهما في النار لكون

الأول قد قتل والثاني علل استحقاقه النار بكونه اراد قتل صاحبه . فالعبرة حينئذٍ بعموم التعليل الا ان من الممكن عدم ظهور الكبرى في مجرد الارادة بلا عمل خارجي . بل بقرينة انطباقها على المورد وكونها علّة له اشتراكهما في جميع ما له دخل في حصول القتل الخارجي غاية الأمر تخلف عن أحدهما ولم يتخلف عن الاخر . فالمراد هو الارادة مع العمل لا مجرد الارادة . كما انه يمكن العموم وكون المورد لا يخصص العلّة الواردة وحينئذٍ فتتم دلالته على الحرمة المطلوبة . لكن تحقيق الحق هو ان هذه الروايات الواردة في ما نحن فيه لا تنهض لاثبات الحرمة الشرعيّة لعدم قابليّة المقام للخطاب المولوي لكونه كالاطاعة والمعصية واقعا في سلسلة معلولات الخطاب ولا يمكن توجيه الخطاب المولوي إليها . كما انه ليس لها ملاك الحرمة ولا يمكن استكشاف الحرمة ( بالملاك ) أيضا لاستقلال العقل بقبح التجري على المولى فلا مجال للخطاب المولوي ولا للحرمة . وليس المقام أيضا مما يكون قابلاً لورود قاعدة الملازمة بين حكم العقل والشرع لما عرفت .

وحينئذٍ فاستحقاق العقاب أمر عقلي والروايات ارشاد إلى ما يحكم به العقل بلا استكشاف للحرمة الشرعيّة ولا لكشف الملاك فضلاً عن امكان توجيه الخطاب المولوي .

تنبيهان لم يذكر إلاّ أحدهما:

استحقاق العقاب عقلي

ص: 86


1- . الوسائل 15 الباب 67/1 من أبواب جهاد العدو .

العمدة منهما هو كون الامارة أو الأصل أيضا اذا كان حجّة كالقطع في جميعما ذكر فيه بل يمكن كون مخالفة الامارة أو الأصل أشدّ من حرمة مخالفة القطع اذا بنينا على كون الامارة من باب الموضوعيّة وان مخالفة المؤدي في حد نفسه حراما وان لم يكن هناك واقع . اذ حينئذٍ لا مجال لكشف الخلاف الا في ما اذا تخيل دلالته على ذلك وانكشف الخلاف لا اذا تمت الدلالة وانكشف كون المنكشف غير الواقع .

تتميم: اعلم ان القطع المخالف للواقع كالقطع المصادف في موضوعيّة حكم العقل بقبح مخالفته واستحقاق العقوبة عليه لعدم الفرق بينهما في ما هو المناط من الجرئة على المولى وعدم حفظ مقامه بالتعدي عليه والظلم بالنسبة إليه ولا يمكن توجيه الخطاب المولوي بعد استقلال العقل بقبحه كحسن الانقياد إليه لوقوعه في سلسلة معلولات الأحكام ولا مجال للخطاب المولوي . بل لو صرّح المولى بذلك فيكون ارشادا محضا حيث ان الخطاب الّذي يوجهه في حرمة عصيانه أو لزوم اطاعته فيقع الكلام فيه نفسه ولو لم يكن هناك ما يوجب امتثاله بنفسه بلا توقف لخطاب آخر فلا يمكن ايجاب الاطاعة وحرمة المعصية أصلاً . فنفس عنوان المخالفة والجرئة عليه عنوان استقلالي عقلاً بلا توقف لحكم الشرع بل لا قابليّة له كما عرفت .

وعلى هذا فلا مجال لقاعدة الملازمة لكونها في سلسلة علل الأحكام وكشف الملاك للحكم الشرعي ودواعي الجعل وذلك مستلزم للاحاطة بالجهات والمصالح والمفاسد وهذا غير واقع في العقول الناقصة لآحاد الرعيّة .

نعم في العقل الكامل لا مانع منه بل مدركاته عين حكم المولى ولا يدرك

ص: 87

الا ما هناك ولهذا لم تتم عندنا قاعدة الملازمة حتى الظاهريّة على ما عرفت ولم نقل بحرمة العمل المتجري به المبنيّة على مسئلة كلاميّة واصوليّة على ما تقدم . كماانه لم تتم ساير الجهات المستدل عليها لساير الوجوه التي بحث عنها في المسئلة .

نعم مع قطع النظر عن ما ذهبنا إليه لا مجال للتوقف في دلالة الأخبار على الحرمة الفقهيّة على ما عرفت . لكن لا تصل النوبة إلى الجهة الفقهيّة بعد استقلال العقل بقبح التجري سواء كان هناك مصادفة للواقع أم لم يكن كما ان الاجماع على وجوب دفع الضرر المحتمل الاخروي أو استحقاق العقاب لتأخير الصلاة اذا ظنّ ضيق الوقت وتبيّن الخلاف لا مجال له بعد كون المسئلة كلاميّة اذ لا مجال له في المسئلة الكلاميّة العقليّة .

ثمّ ان لصاحب الفصول قدس سره كلاما في المقام حيث ذهب إلى كون حسن الاشياء وقبحها بالوجوه والاعتبار . وحينئذٍ فقد يغلب جهة التجري أو الانقياد على مصلحة الواقع أو مفسدته أو بالعكس كما في كلّ عنوان ثانوي موجب لتغير الحكم المجعول على شيء بالعنوان الاولى . ويمكن توجه نظره مثلاً إلى ذات العمل المتجري به لا إلى نفس التجري وحينئذٍ فلا بأس باجتماع الجهتين فية .

كما اذا قطع بأن ذاك الانسان واجب القتل لكونه كافرا مهدور الدم مثلاً وخالف قطعه وتبين كونه وليّا أو وصيّا . وحينئذٍ فلا اشكال في رجحان وغلبة حفظ الوصي والنبي على قبح عنوان التجري القائم بالمتجري به لا نفس التجري وهكذا في باقي الموارد وعليه فلا مجال لبعض ما أورد عليه من الاشكالات .

نعم لو كان نظره إلى نفس عنوان التجري والمقايسة بين قبحه وعنوان العمل المتجري به وكذلك في الانقياد فيرد عليه الاشكالات التي أوردوها عليه . حيث

كلام صاحب الفصول

ص: 88

انهم بعد تسليمهم منه قدس سره كون حسن الأشياء وقبحها بالوجوه والاعتبار أو ردوا عليه منع ذلك في ناحية التجري والانقياد لعدم كون حسنه وقبحه كذلك بل المعصية قبيحة دائما وكذلك الاطاعة حسنة دائما . ولا يمكن طرو عنوان علىاحدهما يخرجه عن قبحه وحسنه مع فرض كون الاطاعة اطاعة والمعصية معصية لاستقلال العقل بقبح المعصية بعد فرض كون المولى مولى والعبد عبده حتى ان بعضهم ذهب إلى كون حسنه وقبحه ذاتيّا . وذلك وان لم يمكن المساعدة عليه أو على تأمل فيه لكن المسلم عدم قابليّة المعصية وكذلك الطاعة مع فرض انحفاظ عنوانيهما لكون الاولى حسنة والثانية قبيحة .

كما انه قدس سره يرد عليه ان التزاحم بين جهات الصلاح والفساد ودواعي الجعل انما يتم في ما يقع في سلسلة علل الأحكام والمصالح والمفاسد الداعية لجعل الأحكام على طبقها وحينئذٍ فاذا كان في شيء جهات متخالفة يكون هناك باب التزاحم في دواعي الجعل ويرجع اليه باب التعارض . فانه اما أن يغلب احدى الجهات فالحكم عليه بالكسر والانكسار والا فينشأ حكماً ثالثا لا في مثل عنوان التجري والاطاعة والمعصية والانقياد الواقعة في سلسلة معلول الحكم اذ لا معنى لتصور المزاحمة في مقتضى الجعل للحكم في هذا المقام .

ولكن سيّدنا الاستاذ قدس سره كانه يريد تصحيح المزاحمة في هذا المقام ولم يبين انه من حيث نفس العمل المتجري به أم لا الا ان المظنون هو ذلك وقد أوردنا عليه ان ذلك انما يكون في ما اذا كانت الجهات عرفيّة بخلاف المقام الذي يكون جهة ذات العمل بما هو في الرتبة السابقة على الارادة والحكم فيجعل على طبقه بعد ملاحظة الجهات الدخيلة في ذلك . وجهة التجري وقبحه انما تكون في الرتبة

ص: 89

المتأخّرة عن الحكم بحيث يتخلل الفاء كما ان الترتب انما يصح على هذا المبنى فلا مجال حينئذٍ للمزاحمة بينهما وقد اختاره أخيرا على فرق بين ما استند إليه وما يكون مبنى هذا الكلام الذي نقلناه ما قد عرفته آنفا لقوله بوقوع عنوان التجري والهتك في مسئلة معلولات الأحكام فتدبّر .وقد ذهب صاحب الفصول قدس سره أيضا في مقدمة الواجب إلى ترتب العقاب على اتيان مقدمة من مقدمات الحرام أو ترك مقدمة من مقدمات الواجب الاعدادية وفي فرض المعصية الحقيقيّة يتداخل العقابان . وقد استشكل عليه بان مناط وحدة العقاب وتعدده هو وحدة العصيان وتعدده فلا معنى لوحدة العقاب أو تداخلهما في فرض التعدد . ويمكن كون نظره إلى صورة ايصال هذه المقدمة إلى ذيها والتداخل هناك لقوله بالمقدمة الموصلة كما انه اذا لم يصل إلى ذي المقدمة فالعقاب إنما هو على نفس التجري باتيان هذه المقدمة وتركها .

ثمّ لا يخفى ان عدم مخالفة الواقع تارة يكون في مورد التجري لعدم مصادفة قطعه للواقع مع اتيانه بجميع ماله الدخل في حصول العمل . غاية الأمر يظهر كون معلوم ( الغصبيّة ) مال نفسه لا مال الغير واخرى من ناحية المانع الخارجي بلا تخلفه في صورة عدم المانع كما في القاتل والمقتول الذين كان قصد كليهما قتل صاحبه وكان القتل والمقتول بعنوانهما الواقعي بلا تخلف في البين وانما التخلف في حصول النتيجة في احدهما دون الآخر . كما انه ربما يكون عدم مخالفته للداعي الالهي والصارف ولا اشكال في خروج غير القسم الأوّل عن عنوان التجري كما انه لا اشكال في استحقاق الثاني أي الذي تخلف نتيجته عن

ص: 90

عمله للعقاب وعليه ينظر روايات القاتل(1) والمقتول كما ان روايات نية(2) السوء والعفو عنها قابلة لمورد التجري ومورد عدم الاتيان بمقدمات العمل القريبة ولاتعارض في روايات النية لوجود الشاهد على الجمع بينها من نفسها .إنّما الكلام في انه هل يمكن استفادة الحرمة من ما ورد فيها من العفو على حرمة القصد إلى المعصية وابراز النية بعد خروج ما ورد في الثواب واستحقاق العقاب على صورة الرضا بفعل الغير من مورد البحث . وذلك بأن يقال ان العفو لا يكون الا عن استحقاق العقاب وهو لا يكون الا مع حرمة العمل المستحق عليه وذلك لا يكون الا مع وجود المفسدة الملزمة . وعلى هذا تكون المسئلة فقهيّة كما انه يمكن تصحيح الملازمة أيضا من كشف الملاك والمفسدة في العمل وعلى هذا الذي ذكرنا يظهر وجه عدم تماميّة الجمع بين الأخبار بحمل الناطقة بالاستحقاق على مجرد النية وغيرها على ما اذا أتى بالعمل لما عرفت من الفرق بين مورد أخبار الاستحقاق ومورد التجري المبحوث عنه . واما الاجماع المدعى على حرمة المخالفة لمورد ظن ضيق الوقت لمن لم يصل وتبيّن الخلاف وسعته وما اذا سلك الطريق المظنون الضرر وانه كمقطوعه فأجاب عنه المحقق النائيني قدس سره (3) بكون الخوف له موضوعيّة في باب ضيق الوقت وانه اذا خاف فوت الصلاة فيجب عليه المبادرة والاتيان بالعمل وجوبا نفسيّا عن ملاك في نفسه لا طريقيّا . كما انه في باب الضرر لا مجال لحكم الشرع في ما اذا كان الضرر اخرويا وعلى فرض ورود الخطاب الشرعي أيضا لا يكون مولويّا لرجوعه الى باب الاطاعة

امكان استفادة الحرمة من روايات العفو

ص: 91


1- . الوسائل 15 الباب 67/1 من أبواب جهاد العدو .
2- . الوسائل 1 الباب 6/6 - 7 - 8 - 10 - 20 - 21 من أبواب مقدّمة العبادات .
3- . فوائد الاُصول 3/51 .

والعصيان . وأمّا اذا كان دنيويّا فيكون من ما يكون حكم العقل في مورد محتمله ومقطوعه بمناط واحد كما في التشريع حيث ان نفس اسناد المكلف إلى المولى ما لا يعلم تمام الموضوع للقبح سواء كان في الواقع ما شرع موجودا وتشريعه موافق لحكم الشرع وانه لم يكن هناك ادخال في الدين ما ليس فيه أو لا .وهكذا في مثل باب التصرف في مال الغير حيث يقال بكون معلوم انه مال الغير ومشكوكه قبيحا عند العقل التصرف فيه بمناط واحد لا بمناطين ولا حكم طريقي للعقل في مورد الشكّ بل حكمه في صورة الشك كالعلم فحينئذٍ فالاجماع لا مساس له بمسئلة التجري التي هي مورد البحث هذا .

ولكن استشكل هذا سيّدنا الاستاذ قدس سره بأنه لا موضوعيّة للخوف في ضيق الوقت وانما الوارد في باب الوضوء وانه(1) اذا خاف على عينه كما ان في باب الصوم قد أخذ عنوان الضرر(2) الظاهر في الواقعي منه فلا مورد لنا يحقّق كلام المحقّق النائيني قدس سره .

فاما أن لا يقبل الاجماع لعدم حصول محصله وعدم اجداء منقوله أو انه لا يتمّ مدركه لاحتمال كون نظر المجمعين إلى ما ذكره المحقّق النائيني وعلى هذا فلا اجماع محصل ولا اجماع منقول بل لو فرض فانما هو مدركي والعبرة بالمدرك .

فتلخّص مما ذكرنا عدم تماميّة المسئلة الا على الجهة الكلاميّة وهي كون الموضوع هو نفس عنوان الهتك والجرئة على المولى والخروج عن رسوم عبوديّته بلا استتباع ذلك للخطاب الشرعي بقاعدة الملازمة أو كون ذلك حراما

ص: 92


1- . لم نعثر على رواية فيه والوارد لخوف الرمد والضرر في الصوم .
2- . وسائل الشيعة 10 الباب 19 - 20 / 1 - 2 من أبواب من يصحّ منه الصوم .

في نفسه ولا من جهة قاعدة الملازمة ولا من الجهة الاصوليّة على ما تقدم . والعلم انما يوجب تحقق عنوان التجري والهتك وإلاّ فالعلم لا يوجب شيئا بل من جهة ما ذكرنا ولذا لا موجب لعقاب ولا استحقاق مخالفة الواقع بل الشارع رخّص فيمخالفته في موارد .تذكار: سبق ذكر قول صاحب الفصول ان قبح التجري بالوجوه والاعتبار وربما يغلب مفسدته على مصلحة الواقع فيكون قبيحا وربما يعكس الأمر ويغلب مصلحة الواقع على مفسدة التجري وثالثة لا يغلب احداهما على الاخرى فلا حرمة ولا وجوب . وعلى هذا فالعبرة بالحسن والقبح انما هو بعد ملاحظة الجهات المتزاحمة الناشئة من ناحية التجري وملاك الحكم الواقعي من المصلحة والمفسدة وملاحظة رجحان أيّهما على الاخرى بعد الكسر والانكسار . وذلك كما في الكذب فباعتبار طرو عنوان انجاء النبي أو الوصي أو المؤمن يكون حسنا كما انه باعتبار الاضرار بالغير وايجاب الصدق لقتل النفس يكون قبيحا . وكلامه هذا يحتمل وجهين احدهما كون التجري في حدّ نفسه مقتضيا للقبح لكنه ربما تغلبه مصلحة الواقع أو لا تغلبه ولكن يتساويان كما في الكذب والصدق . وثانيهما انه لا قبح له في حدّ نفسه وليس له مقتضى ذلك بل الحسن والقبح كلاهما من جهة العناوين الثانويّة الطارية وذهب قدس سره إلى تأثير الجهة الواقعيّة للعمل المتجري به في الحسن والقبح وان لم يعلم به المكلف على حدّ آثار الأشياء وخواصها المترتبة عليها . فان السمّ القاتل لو شربه واحد قتله ولو لم يعلم به كما ان الدواء المضر يضره ولو علم بانه نافع وكما في المصالح والمفاسد التي تترتب عليها الأحكام وتكون ملاكات لها وليس ذلك دائرا مدار العلم والالتفات كما انه قدس سره ذهب إلى

قبح التجري بالوجوه والاعتبار

ص: 93

تداخل العقاب في التجري اذا صادف المعصية الحقيقيّة .

وأجاب الشيخ قدس سره (1) من ما ذهب إليه أوّلاً بكون قبح التجري وحسن الانقياد كقبح المعصية وحسن الاطاعة ذاتيّا ليس بالوجوه والاعتبار .وعن الثاني والثالث بما سنذكره بتنقيح من المحقّق النائيني قدس سره (2) وأمّا في كون قبح التجري ذاتيّا وممّا لا يقبل مع انحفاظ عنوانه حسنا فممّا لا اشكال فيه لكون الطاعة حسنة دائما والمعصية قبيحة ولا يمكن حسن المعصية ولا قبح الاطاعة مع كون الطاعة طاعة والمعصية معصية .

نعم بتبدل العنوان لا مانع من تبدل الحكم كما في انقلاب الخمر خلاًّ .

وأجاب عن الثاني بأن تأثير التجري والانقياد ليس على حدّ تأثير الملاكات والمصالح والمفاسد النفس الأمريّة ممّا تترتب على الأفعال أو تستدعي جعل الأحكام على طبقها ولو مع جهل المكلف . بل انما هي دائرة مدار العلم والالتفات ولا معنى لحسن العمل في ما إذا لم يقتل من اعتقد انه مهدور الدم فتبين كونه واجب الحفظ لعدم التفاته إلى عنوان الحفظ ولا انه قصده . بل انما قصدترك قتل مهدور الدم باعتقاده وانما ترتب الانحفاظ على ذلك بلا ارادة منه ولا التفات والحسن والقبح انما يكونان من صفات الأفعال الاختياريّة التي يتعلّق بها العلم ويلتفت إليه الانسان .

ولكن تنظّر في ذلك سيّدنا الأستاذ قدس سره بعد تسليم القبح والحسن الفاعلي في عدم الحسن والقبح الفعلي وذلك لحسن الفعل وترتب الانحفاظ وكونه انجاء النبي

نظر سيّدنا الأستاذ

ص: 94


1- . فرائد الاُصول 1/11 .
2- . فرائد الاُصول 3/54 - 55 .

والوصي ولو مع عدم الالتفات اذ عدم التفاته انما يؤثر في القبح الفاعلي وهو باق على ما كان لا في حسن ذات العمل .

وعلى كلّ حال فالمقام محل التأمّل والنظر . ويمكن كون نظر المحقّق

النائيني إلى كون الفاعل لم يقصد ولم يرد الا العنوان المتجري به الذي تخلف عنهالعمل واما حفظ النبي والوصي والمؤمن الواجب حفظه فليس عمله ولا خطر بباله .

وأجاب عن الجهة الثالثة(1) بكون قوام التجري عدم مصادفة قطعه للواقع والمعصية الحقيقيّة يعتبر فيها المصادفة فكيف يمكن تصادف التجري مع المعصية الحقيقيّة لكونه تهافتا وتناقضا اذ لازمه اجتماع المصادفة وعدمها للواقع .

ولكن لا نظر لصاحب الفصول إلى هذا المعنى من التجري كما لا يخفى .

اشكال: اعلم ان ما ذهب إليه صاحب الفصول قدس سره من كون حسن الأشياء وقبحها بالوجوه والاعتبار . ان أراد كون حسن الانقياد والاطاعة وقبح التجري والمعصية أيضا كذلك .

ففيه الاشكال المتقدم من كون حسن الانقياد . وقبح التجري ذاتيّا كما في حسن الطاعة وقبح المعصية ولا يمكن مع انحفاظ عنوان الاطاعة والمعصية طرو القبح على الاولى والحسن على الثانية وكذلك التجري والانقياد .

ولو فرض ان في الاطاعة قتل النفس أو هدم الدين أو في المعصية تقويته بل لا يمكن بقاء المعصية حينئذٍ على كونها عصيانا ولا الطاعة على كونها اطاعة حيث انه لابدّ من ملاحظة جميع الجهات الطارية والعناوين المتزاحمة في جعل

ص: 95


1- . فوائد الاُصول 3/55 .

الحكم على ما هو الأقوى والا فيتساويان . وان أراد ذلك بالنسبة إلى العمل والفعل المتجري به وانه بلحاظ انطباق عنوان التجري يكون قبيحا وبلحاظ عنوان آخر حسن يكون حسنا فلا محذور فيه . بل هو كذلك اذ لا ينكر قبح التجري ولا حسن الانقياد والاطاعة . بل إنما تتزاحم العناوين بجهاتها في مورد انطباقها الخارجيكما ان ما ذهب إليه في الجهة الثانية من تأثير العناوين وان لم يعلم بها المكلف أيضا في محلّه بعد خروج الفعل المتجري به عن حسنه الذاتي اذا تجرى به ولم يقتل من زعم انه واجب القتل فتبين كونه نبيّا أو وصيّا أو مؤمنا اذ الفعل حسن وان كان التجري قبيحا .

نعم القبح الفاعلي وبعبارة اخرى التجري لا بأس به ولكنه بعد عدم تأثيره في العمل وعدم ايجابه لكون الفعل المتجري به قبيحا اذ لا سراية فحسن الفعل أو قبحه على حاله اذ هو من هذه الجهة كملاكات الأحكام التي لا دخل للعلم وجهل المكلف بها(1) ولا يوجب تعلق العلم بها تغييرها عما هي عليها كما لا يوجب الجهل بها عدم تأثيرها ولا مانع من تأثير التجري بقبحه على مصلحة ذات العمل في كونه حسنا أو قبيحا ويجعل الحكم بالحرمة او الوجوب أو غيرهما على طبق الجهة الغالبة بالكسر والانكسار ولو كان التجري غير مستتبع لخطاب شرعي مولوي ولا أقل من كونه مانعا من الجعل اذ يكفى هذا القدر في تأثيره .

وأمّا ما ذهب إليه قدس سره أخيرا من تداخل عقاب المعصية الحقيقيّة مع عقاب التجري فقد استشكل عليه المحقق النائيني قدس سره (2) بكونه تهافتا للتناقض البين بين

اشكال تداخل العقابين

ص: 96


1- . فان العقل يحكم بالحسن والقبح على العناوين الواقعية وان لم يتشخص عنده مورد من الموارد في صغرويته لأيّ كبرى .
2- . فوائد الاُصول 3/56 .

التجري المأخوذ فيه عدم مصادفة القطع للواقع والمعصية المأخوذ فيها مصادفته فكيف يمكن اجتماعهما كي نقول بتداخل العقابين . ولذا قد وجه كلامه قدس سره على خلاف نصه بما إذا يمكن اجتماع التجري والمعصية الواقعيّة بضميمة مقدمةخارجيّة يأتي الكلام عليها في مسئلة العلم الاجمالي وكونه كالتفصيلي من كفايةالعلم بالجامع والجنس في تنجيز أطرافه . فاذا علم بجنس الالزام فاللازم عليه الاحتياط باتيان كلا طرفيه تركا وفعلاً فضلاً عمّا اذا كان العلم بالنوع والتردد انما

هو في متعلّق التكليف كما اذا علم بحرمة المايع الكذائي بخيال انه خمر فشربه ولم يكن خمرا لكنه كان مغصوبا مال الغير فهو وإن لم يعلم بخصوص الحرمة المجعولة على التصرف في مال الغير كما انه أخطأ علمه بكونه خمرا وحرمته لكن له العلم بجنس الحرمة على الخمر المغصوب في ضمن العلم بالخمريّة وحرمتها ويكفي هذا العلم في حرمته ولو لم يكن خمرا بل مغصوبا .

غاية الأمر يعاقب على خصوص القدر المشترك بين الغصبيّة والخمريّة باعتبار كونه لازم العلم بالجامع والجنس لا على خصوص الغصبيّة اذا فرض كون معصيته أشدّ وعقابه أزيد . ففي هذا المقام قد تحقّق التجري والمعصية الحقيقيّة كلاهما اما الثاني فباعتبار عصيانه للتصرف في مال الغير وأمّا الأوّل فباعتبار خطأ قطعه وعدم مصادفته للواقع وعدم كونه خمرا فتأمّل .

فانّه ربما لا يلائم مراد صاحب الفصول قدس سره بل لا يستقيم الكلام بنفسه .

عود على بدء: اعلم ان ما ذهب إليه صاحب الفصول قدس سره من كون حسن الأشياء وقبحها بالوجوه والاعتبار متين على ما هو ظاهر كلامه وليس نظره إلى ان قبح التجري وحسن الانقياد بالوجوه والاعتبار كي يكون العصيان والتجري

ص: 97

حسنا أو الانقياد والاطاعة قبيحا . بل محط كلامه إنّما هو الفعل الخارجي وهو يكون باعتبار حصول التجري وقيامه به قبيحا كما انه باعتبار ترتب أنجاء النبي والوصي أو المؤمن حسنا . فلا مجال للاشكال عليه من هذه الجهة كما انه لا وجه للاشكال عليه في الجهة الثانية من كونها مؤثرة بوجودها الواقعي وان لم يعلم بها المكلف لعدم تأثير علمه وجهله في ذلك ولا يغيّر الحسن ولا القبح عمّا هو عليه .نعم لو قلنا باتّحاد المناط في المعصية الحقيقيّة والتجري وان القبح في كليهما واحد ولم نقبل مبناه فلا يترتب عليه ما ذكره ولا ما ذكره في الجهة الثالثة على سبيل الايراد على نفسه وانه يلزم تعدد العقاب في صورة المصادفة للمعصية فانه يتحقق هناك شيئان التجري والمعصية . فاما أن يكون كلاهما موجبين للعقاب والعقاب متعدد وهذا لا يقول به أحد . أو انه يعاقب عقاب التجري فالمعصية الحقيقيّة منعزلة ولا عقاب عليها أو عليها دون التجري ولازمه الالتزام بعدم قبح التجري فالتزم حينئذٍ بتداخل العقابين . ولا يرد عليه ما ذكره المحقّق النائيني قدس سره (1) من عدم اجتماع التجري والمعصية لكونهما على طرفي النقيض اذ المصادفة وعدمها ممّا لا يمكن اجتماعهما لصحّة كلامه على مبناه قدس سره . غاية الأمر يمكن كون نظره إلى تضمن عقاب المعصية عقاب التجري أيضا كما في مثل اكرام الهاشمي العالم فانه بحسب الخارج لا يكون إلاّ اكراما واحدا ولا عقاب عليه إلاّ متّحدا كما انه لا مجال لتوجيه المحقّق النائيني قدس سره كلامه اذ هو لا ربط له بما ذكره من تداخل العقابين مع انه لم يعلم ان كلامه هذا في أيّ مقام وفي أي باب .

وعلى كلّ حال فان أمكن توجيه كلامه أو كون نظره إلى ما ذكرناه فهو والا

ص: 98


1- . فوائد الاُصول 3/55 .

فلا معنى لتداخل العقابين مع فرض تعدّد الموجب له كما انه لا يمكن التأكّد اذ هو عبارة عن التداخل أو زيادة في العقاب وهو عبارة اخرى عن التعدد فتدبّر جيّدا .

فيما نسب إلى الاخباريّين:

ثمّ انه قد عرفت ان القطع الطريقي حجة على متعلّقه من أيّ سبب حصل .

نعم في الموضوعي يمكن اعتباره من سبب خاص أو شخص خاص بنحوخاص والا ففي الطريقي لا مجال لذلك . وربما ينسب إلى الاخباريين عدم حجيّة القطع الحاصل من المقدّمات العقليّة وانه لا فائدة في ما يأتي به اذا لم يكن بدلالة

من ولى اللّه . لكن قبل كلّ شيء لابدّ من النظر إلى صحّة النسبة وعدمها . حيث ان كلام السيّد الصدر انما يرجع إلى انكار الملازمة بين ما حكم به العقل وما حكم به الشرع باعتبار عدم احاطة العقل بجهات المصالح والمفاسد وملاكات الأحكام كما ذكره صاحب الفصول قدس سره وألجأه ذلك إلى الالتزام بالملازمة الظاهريّة .

وأشرنا إلى عدم صحّة الملازمة الظاهريّة . كما انه لو كان نظره إلى قاعدة المقتضي والمانع أيضا فلا يتمّ كلامه . وعلى كلّ حال فما نسب إلى الأخباريّين من عدم حجيّة القطع الحاصل من مثل الرمل والجفر وأمثالهما لا يناسبه كلام السيّد الصدر ولا ينطبق عليه كلام المولى محمّد أمين الاسترآبادي لرجوع كلامه إلى انكار صغرى قاعدة الملازمة وتماميّة دليل العقل وعدم احاطته بملاكات الأحكام كما يرشد إليه ما في رواية أبان(1) في مقام انكار كون الاستحسانات العقليّة مناطات لأحكام الشرع . وكلام بعض راجع إلى عزل العقل عن درك حسن الأشياء وقبحها ولكن تفطن لاشكال هذا المبنى غيرهم وانه لا تتمّ حجج

في ما نسب إلى الاخباريين

ص: 99


1- . وسائل الشيعة 29 الباب 44/1 من أبواب ديات الأعضاء .

الأنبياء

علیهم السلام ويلزم افحامهم اذا أنكرنا ذلك وكلام بعضهم راجع إلى المناقشة في ترجيح دليل العقل عند المعارضة مع النقل فانه قد ذهب بعضهم إلى تقدم دليل العقل واخرون إلى العكس وانه بتقديم النقل يلزم طرح العقل والنقل معا لتوقف قبول دليل النقل على العقل واذا تقدم عليه فلا مجال للترجيح والقبول .

قد تقدّم انكار سيّدنا الاستاذ قدس سره عدم حجيّة القطع الطريقي فيما إذا كانحاصلاً من المقدّمات العقليّة عند الاخباريّين وان النسبة غير متحقّقة لانكار بعضهم لقاعدة الملازمة وبعضهم انكار القياس وورد في ذلك الروايات وانه لا شيء أبعد من دين اللّه من القياس .

نعم يمكن في القطع الموضوعي اعتباره من سبب خاص كما اشتهر عن الشيخ الكبير من عدم حجيّة قطع القطاع . ولكن لا يمكن تصويره في القطع الطريقي لكون القاطع ولو قطاعا يرى الواقع بعقيدته ولا يحتمل الخلاف والا لا يكون قطعه قطعا ومع ذلك فلا يمكن القول بعدم حجيّته الا انه حيث يحصل له القطع بأسباب غير موجبة لحصوله في غيره كذلك لابدّ ان يزال بادنى شيء .

نعم يمكن القول بعدم كونه ميزانا في ما اذا أخذ موضوعا كالظن والشك المأخوذين موضوعين لأدلّة الشكوك وأحكامها في البناء على الأكثر أو الطرف المظنون فانه يمكن دعوى ان الظن والشك المأخوذين لها ما كان على المتعارف لانصرافه إلى ذلك فلا يشمل الخارج من المورد المتعارف وكذلك الرؤية المأخوذة موضوعا للصوم والافطار فان الميزان هو الروية لمتعارف الرؤية لاحاد البصر ولا الرؤية الضعيفة . فاذا فرض عدم رؤية الهلال بعد غروب الشمس الا الخارج عن المتعارف في البصر فلا يجب على الناس الصوم برؤيته ولا الافطار .

ص: 100

وأمّا بالنسبة إليه نفسه فالحكم على رؤيته ( ويمكن دعوى الانصراف حتى بالنسبة إلى نفسه فان كان مراد الشيخ الكبير هذا فلا اشكال في متانته وصحّة كلامه مع ان في باب الشك يمكن القول بمقتضى الأدلّة على القاعدة لعدم كونه ميزانا ولو مع عدم الدليل وانه لو لم يكن لنا ما دلّ شرعا على عدم الاعتناء بكثرةالشكّ بقوله(1) اذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك أو من كثر(2) عليه السهوفليمض في صلاته لكن نقول ( بمقتضاه ) على القاعدة لانصراف أدلّة الشكوك وترتيب أحكامها لغير هذه الصورة التي صار فيه كالمرض .

هذا تمام الكلام في هذه الجهات .

رجع على ما سبق . قد نسب إلى جماعة من أصحابنا عدم حجيّة القطع الحاصل من غير السمع والعقل الضروري . وأنكر بعضهم هذه النسبة كما ان هناك من ينكر حسن الأشياء وقبحها بل لا حسن ولا قبيح عنده أصلاً فالحسن ما حسنه الشارع والقبيح ما قبحه وهناك من لا ينكر الحسن والقبح الذاتي للأشياء في الجملة غاية الأمر ينكر ادراك العقل لحسنها وقبحها . والاولون المنكرون لحسن الأشياء وقبحها ذاتا ذهبوا إلى جواز الترجيح بلا مرجح وانه اذا لم يكن هناك مفاسد ومصالح نفس الأمريّة تكون عللاً وملاكات لأحكام الشارع فيجوزون الترجيح بلا مرجح وان حرمة ذاك الشيء كاباحة الشيء ليست مستندة إلى شيء في نفس المتعلق . الا انه أعرض المحقّقون من الأشاعرة عن المسلك الذي سلكه باقي الأشاعرة وانه لا حسن ولا قبيح ذاتا وانه لا يدرك العقل شيئا .

ص: 101


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 16/1 - 3 - 6 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . وسائل الشيعة 8 الباب 16/1 - 3 - 6 من أبواب الخلل في الصلاة .

وذهب بعض أصحابنا الاماميّة بعد تسليم حسن الأشياء وقبحها وانه يدرك العقل لذاك في الجملة وبطلان الترجيح بلا مرجّح كترجحه إلى جواز كون جعل الحكم في عموم أفراد الطبيعة لقيام الملاك بالطبيعة في الجملة وإن لم يكن ذلك الملاك في بعض أفرادها ومصاديقها . بل اكتفى بالمصلحة والمفسدة النوعيّة ومثل لذلك بكون استحباب غسل الجمعة وتشريعه ) لرفع أرياح الآباط ومع ذلك لايدور مداره بل يستحب حتى في حق من ليس له هذا الملاك وبباب العدة ولزومها على من لا نسب له كي يحصل الاختلاط بعدم العدة . والقائلون بجواز الترجيح بلا مرجح مثلوا بأمثلة سماويّة وأرضية كاستواء المشرق والمغرب في كونهما مطلعا للشمس في حصول فائدة الاشراق ومع ذلك لا يكون مطلعها الا مشرقها دون المغرب وكما في الهارب من الأسد حيث انه اذا استوى بالنسبة إليه طريقان في جميع الجهات وليس أحدهما أبعد ولا أحدهما أقرب من الآخر للنجاة ولا محالة يختار احدهما وينجو بنفسه بلا مرجح لهذا على ذاك وكذا في الجائع بالنسبة إلى رغيفين عنده بحيث لا يكون أحدهما أقرب إليه ولا من يده اليمنى بل النسبة في القرب والبعد له إليهما سواء كساير الجهات ويختار أحدهما ويسد به جوعه وهكذا ولا يخفى ضعف جميع هذه الأقوال بل بعضها أضعف من بعض كما سنشير إليه .

وأمّا انكار حسن الأشياء وقبحها بالكلية فهذا أمر لا ينكره عاقل . ويمكن النقض على قائله باختيار أكل العسل الذي وضع هو والقاذورة عنده كما ان انكار ادراك العقل لحسن الأشياء وقبحها ولو على سبيل الموجبة الجزئيّة لازمه افحام الأنبياء وسدّ باب المعجزات لعدم قبح حينئذٍ في اظهار اللّه تعالى المعجزة على يد

عدم إمكان إنكار حسن الأشياء وقبحها كلاًّ

ص: 102

مدعى النبوة كاذبا . اذ لو لم يكن فرق عند العقل بين اظهارها على يد الصادق ويد الكاذب بل ( لا ) يرى قبحا في الثاني كما في الأوّل فحينئذٍ لا مجال للمعجزة ولا شرايع وهكذا يتطرق الخلل في اصول الشرايع وأحكامها وربما آل الأمر إلى الشك حتى في وجود نفسه وانه يتكلّم فيشكّ في وجوده ويراه خيالاً أو طيفا وكذلك بالنسبة إلى أفعاله من التكلم كما اذا ضرب رأسه بمولم يدعى كون الألم خياله ولا واقعيّة له وهذا كما ترى ليس الاّ مكابرة للوجدان وعنادا للشرع ونصّالكتاب وأخبار أولى الأمر عليهم السلام وليس لها جواب إلاّ القائه في جهنّم وادعائه انه انما هو خيال العذاب . كما ان من انعزال العقل عن درك حسن الأشياء وقبحها يلزم عدم حكمه بالاطاعة ولا تقبيح المعصية . وبالجملة فانكار أصل الحسن والقبح في الأشياء وعدم قبح في اظهار المعجزة على يد الكاذب ولا حسن في اظهارها على يد الصادق وكذا عزل العقل عن درك حسن الأشياء وقبحها بعد الالتزام بالحسن والقبح لها في الجملة ممّا يوجب هدم أساس الشرايع ( من سلك هذا المسلك وادعى أمثال هذه الدعاوي أنزل مرتبة من الحيوان المدرك لبعض الأشياء ) ونظره إلى الخروج عن عهدة التكاليف الشرعيّة وان كان بين الدعوى الاولى والثانية فرقا في أفسديّة الاولى من الثانية . لكن كلتاهما ضعيفتان فاسدتان ويتلوهما انكاره قبح الترجيح بلا مرجح . بل ينشعب من عدم حسن للأشياء وقبح في حدّ ذاتها . اذ لا اشكال في بطلان ذلك سواء كان ترجيحا أو ترجّحا بلا مرجح بل لا ينكر هذا حتى الحيوانات . اذ هي بحسب شعورها ترى فرقا بين الأشياء وترجح بعضها على بعض .

أمّا الأمثلة التي ذكروها فقد يناقض بما اذا وضع مثل منارة كبيرة على

ص: 103

رأس ابرة بحيث لا يرجح أحد أطرافها على الآخر بل ينطبق وسطها على رأس الابرة فحينئذٍ لابدّ من عدم وقوعها لا إلى اليمين ولا إلى الشمال للترجح بلا مرجح بل تستقر على الابرة .

وهذا كماترى . وأمّا الجواب جلاّ عن هذه المغالطات بخروجها عن محل الفرض اذ هي ليست إلاّ فروضا والا فلا يمكن لمدعيها دعوى ابتلائه بها بنفسه وحينئذٍ فيجاب بأنّه اذا كان ملتفتا إلى الطريقين وبقيت ارادته واختياره فلابدّ من ترجيح أحد الطرفين والا فالتوقف لكنه تغلب شدة الخوف عليه بحيث يسلباستقامته واختياره ويفر قهرا على أحد الطريقين بلا نظر إلى الجانب الاخر والترجيح بينه وبين المختار له . وهكذا في ناحية الجائع . ويتلو هذه كلّها في الضعف انكار قيام الملاك في الأحكام الانحلاليّة وكفاية المصلحة النوعيّة في الحكم الانحلالي على كليّة أفراد الطبيعة لكونه في الحقيقة التزاما بالترجيح بلا مرجح .

وأمّا تعليله بما ذكر من مثال أرياح الآباط واختلاط الأنساب .

ففيه انها ليست فوائد منحصرة وملاكات محصورة بل الملاكات غير منحصرة في هذا وإنّما الذي بين منها انما هو قليل بحسب سعة أفهامنا .

وأمّا انكار الملازمة بين حكم العقل والشرع كلية أو الملازمة الواقعيّة والالتزام بالظاهريّة فقد مرّ الكلام عليه فلا نعيد .

توضيح وتكميل: لا يخفى ان عزل العقل عن درك مطلق الأشياء وان لها حسنا أو قبحا أنما هو من غير التفات إلى ارتكاز القائل وناش من عدم التدبّر . والا فالتناقض وامتناع اجتماع النقيضين ووجوب الاطاعة وقبح المعصية ودفع

اشكال الأمثلة

ص: 104

الضرر وحسن الاحسان انما هي أحكام عقليّة ولا مجال لأخذها من ناحية الشارع كما ان انكار كون حسن بعض الأشياء ذاتيّا وان لبعضها قبحا في حدّ نفسه لا مجال لانكاره .

نعم نظر بعض من أصحابنا الاخباريين إلى انكار الملازمة بين حكم العقل والشرع .

وذهب صاحب الفصول إلى الالتزام بالملازمة الظاهريّة دون الواقعيّة وانه يمكن للعقل درك حسن شيء وقبح آخر على نحو يستلزم الجعل . الا انه يحتمل وجود مانع عن الجعل لم يعثر عليه ولكنه لا يتوقف لأجل هذا الاحتمال ولايخفى ان لا مجال لهذا الكلام اذ اما انه ينظر إلى عدم درك العقل جميع ما له الدخل في الجعل من المقتضي والجهات الموجبة للجعل وغلبة جهة على الجهات المزاحمة والمانعة فلا درك له والا فلا معنى لاحتمال وجود المانع . نعم لو كان المراد بالمانع المانع عن الجعل لا المانع عن المصلحة والمزاحم لها أو المفسدة فحينئذٍ يمكن تصحيح كلامه بناء على الالتزام بقاعدة احراز المقتضي وكفايته ولو مع الشكّ في وجود المانع واحتماله بدعوى قيام بناء العقلاء على عدم الاعتناء باحتمال المانع . وباحراز المقتضي يبنون على المقتضي ويرتبون عليه آثاره .

لكنه لا بناء للعقلاء على هذه القاعدة ولم يقم بنائهم على هذا . وانه اذا انغمس رأس زيد في الماء الكثير المقتضي للغرق ولم نعلم بوجود المانع فيبنون على موته وتقسيم أمواله بل انما يبنون على هذا في موارد الاطمئنان وحصول العلم بعدم المانع ولو احتمل وجوده يحتمل احتمالاً موهوما بخلاف الموارد التي يحتمل وجود المانع فيها احتمالاً عقلائيّا فلا بناء لهم على العمل والبناء على

ص: 105

المقتضى وترتيب الأثر عليه والحكم بوجود المقتضى .

فالحق انه اما ان يحيط العقل بالجهات الموجبة للجعل فالملازمة واقعيّة والا فلا ملازمة ولو ظاهريّة لعدم صحّة أساسها رأسا كما ان الحق وجود موارد يطمئن العقل بالعلل الموجبة للجعل ويحصل له العلم واليقين ويدرك جهات الجعل بنحو يعلم بالحكم بلا توقف في البين . فالكلام لو كان فانما يليق بالصغرى لا في الكبرى على فرض درك العقل لجهات المصالح والمفاسد المقتضية للجعل فلو كان كلامهم في ما ذكرنا فهو وان كان فاسدا على ما عرفت لكنه غير مرتبط بمسئلة انكار حجيّة القطع .

نعم للمولى محمّد أمين الاسترآبادي قدس سره كلام يرجع إلى انكار حجيّة العقلوانه لا حجيّة الا في ما يكون مستندا إلى السماع من الصادقين عليهم السلام أو يكون من العقل الضروري . اما القطع الحاصل من المقدمات العقليّة فلا حجيّة له وكلامه هذا لو كان ناظرا إلى أصحاب التقليد لآبائهم وانهم وجدوا آباءهم على فاسد فاتّبعوهم وحصل لهم القطع فلا ريب في عدم حجيّته وعدم معذوريّتهم وان كان عند القطع ينكشف لديهم الواقع لكنهم مخطؤون في سبيل الاستطراق والاستفادة وانما يعاقبون على ذلك لعدم منافاة الامتناع بالاختيار للاختيار والعقاب ليس على هلاّ تعلمت فقط بل إنّما هو بالنسبة إلى الواقع وكذلك الحال في القياسات والاستحسانيّات التي ابتنى عليها فقهاء العامّة حتّى انهم نسبوا حسب ما ورد في رواياتهم شرب النبيذ للنبيّ صلی الله علیه و آله ولم يبين المراد به الا في روايات(1) الأئمّة علیهم السلام انه كان ينبذ في ماء المدينة تمر يوجب حسن طعمه وعذوبته بحيث

كلام المولى محمّد أمين الاسترآبادي

ص: 106


1- . الوسائل 1 الباب 2/2 من أبواب الماء المضاف .

يهنأ شربه .

الا ان هذا غير مسئلة عدم حجيّة القطع .

وأمّا الروايات الواردة في المقام فهي على طوائف:

بعضها واردة في مقام الرّدع عن العمل بالقياس والبناء عليه في الأحكام الشرعيّة وانه ليس شيء(1) أبعد من دين اللّه من القياس أو من عقول الرّجال وهذا المضمون فوق الاستفاضة بل يمكن دعوى تواتره الاجمالي .

منها الرواية(2) الواردة في باب دية اصابع المرئة وانه في قطع الواحدةعشرة وفي اثنتين عشرين وفي الثلاث ثلاثين وفي الأربع عشرين وتعجب أبانمن ذلك وقوله لو كنا في العراق أو كنا ونقول ان الذي جاء به شيطان وردعه عليه السلام عن استعمال القياس في الدين لأنّ السنّه اذا قيست محق الدين مع انه علیه السلام لم يوضح علة الجعل وانه لأيّ علة صار الحكم كذا .

وغير ذلك من الروايات الواردة(3) في مثل ردع أبي حنيفة والاعتراض

عليه في استعمال القياس في الدين ومقايسته عليه السلام له البول بالمني وسؤاله ان أيّهما أنجس وجوابه ان البول واعتراضه عليه السلام بعدم وجوب الغسل بخروجه دون المني أو ان أيّهما أهم الصوم أو الصلاة وجوابه بالصلاة ونقضه عليه بلزوم الحائض قضاء الصلاة دون الصوم إلى أمثال هذه ممّا يظهر منها عدم ادراك عقولنا لفلسفة الأحكام وعللها .

نعم قد ورد في كثير من الأخبار بيان علل بعض الأحكام ولكنه ليس ذلك

ص: 107


1- . الوسائل 27 الباب 6/37 - 69 -َّ 73 من أبواب صفات القاضي .
2- . وسائل الشيعة 29 الباب 44/1 من أبواب ديات الأعضاء .
3- . الوسائل 27 الباب 6/24 - 25 - 26 الى 28 من أبواب صفات القاضي .

على نحو الانحصار بل لا بعد في كون كل حكم له علل وموجبات كثيرة لم يسعنا الاطلاع عليها كما في خواص الأشياء والأدوية الخارجيّة ولا ينافي هذا ما ورد في وصف العقل ومدحه وانه أوّل(1) ما خلق اللّه أو انه(2) رسول باطني أو انه به يثاب وبه يعاقب اذ لا يراد به عقول آحاد الناس .

نعم لو كان العقل هو العقل الكامل الذي يستمد من فيض رحمة الرب فلا ننكر دركه لذلك . ولكن مع ذلك فلا يتوجه هذا على ما اذا أدرك العقل حسن شيءأو قبحه بحيث قطع بعلّة الجعل والجعل وعلم بالحكم . اذ لا مجال حينئذٍ لردعه ولا يمكن بالنسبة إليه لكونه اما في مناقضة في الواقع أو في نظره .وعلى كلّ حال فلا نظر لاخبار الردع عن القياس إلى انكار حجيّة القطع .

ومنها ما ورد(3) في ابن شبرمة وابن أبي ليلى وانه شرقا أو غربا فلن تجدا علما أو علما صحيحا الاّ من هذا البيت . اذ واضح عدم منافاته لحجيّة القطع وانه لا يكون العلم الحاصل من غير طريق الأئمّة علیهم السلام علما صحيحا لا انه ليس بحجّة .

ومنها ما ورد(4) في مسئلة معرفة الامام وذيله بأنه لو صام دهره وحجّ كذا وأتى بالصلاة ولم يكن ذلك بدلالة من ولي اللّه فلا ينفعه .

وأجاب المحقّق النائيني قدس سره كون(5) العقل هو أيضا رسولاً باطنيا وانه دلالة أيضا ودلالة من اللّه ولكن لا يصح هذا الجواب بل المراد بدلالة من ولي اللّه

العقل رسول باطني

ص: 108


1- . بحار الأنوار 1 ص97 الباب 2 من كتاب العقل والجهل الحديث 8 و1 - 3 - 4 .
2- . بحار الأنوار 1 ص137 من رواية هشام .
3- . الوسائل 27 الباب 6/16 من أبواب صفات القاضي . وفي الرواية سلمة بن كهيل والحكم بن عتيبة مع اختلاف لا يضر .
4- . الوسائل 1 الباب 29/2 - 12 - 14 وغيرها من أبواب مقدّمة العبادات .
5- . فوائد الاُصول 3/63 - 64 .

السماع عن الصادق المعصوم عليه السلام ولا يراد بكون العقل حجة باطنيّة ورسولاً باطنيّا انه مشرع الأحكام بل المراد بذلك هو دركه مثل حسن الاطاعة وقبح العصيان وأمثال ذلك لا انه يشرع كما يقال ان الأحكام الشرعية ألطاف في الواجبات العقليّة .

في العلم الاجمالي: وقد وقع الكلام بين الأصحاب في القطع الاجمالي وانه كالعلم التفصيلي أو كالشك البدوي أو يفصّل بين المخالفة القطعيّة فكالعلم التفصيلي والموافقة القطعيّة فكالشكّ البدوي . ولا فرق في ذلك بين الصور الخمسأو الست التي ذكرها الشيخ قدس سره (1) في رسائله لاشتراك الجميع في كون العلم علما بالتكليف وهو الميزان سواء كان متعلّقا بالنوع وتردّد الأمر بين متعلّقه أو ان العلمتعلق بجنس الالزام بلا فرق في جهة البحث فيها . ويمكن الالتزام بالتفصيل بين الموافقة والمخالفة فيقال بحرمة الثانية دون الاولى حيث ان مقتضى الأصول ومجراها ليس مجموع الطرفين أو الأطراف كي يخالف العلم بالتكليف فيها بل المجرى هو كلّ واحد من الأطراف وهو لا علم لنا بخصوصه بالتكليف فيه . فالشكّ تحقّق وجدانا كما انه لا مجال للجعل الشرعي انما الاشكال لو كان في ارتكاب تمام الأطراف ولزوم المخالفة القطعيّة والا فلا اشكال . وسيجيء تحقيق الكلام في هذه الجهات .

واعلم ان الشروط الخمسة أو الأزيد التي ذكروها في منجزيّة العلم حقيقتها راجعة إلى حصول العلم بالتكليف والا فبعد الحصول لا مجال في منجزيّته على أي نحو قلنا والتزمنا به .

الكلام في العلم الاجمالي

ص: 109


1- . فرائد الاُصول 1/27 .

بسم اللّه الرحمن الرحيم قد سبق ان الكلام في العلم الاجمالي يقع في مقامين نقدّم الكلام في المقام الثاني تبعا للشيخ قدس سره وهو في مقام الافراغ والامتثال فنقول هل يكفي الاطاعة الاحتماليّة في مقام افراغ الذمّة ولو في الجملة أو ان الاطاعة الاحتماليّة ليست باطاعة ؟ بل لابدّ من كون الامتثال قطعيّا عن جزم بالأمر وقصد الوجه . ولا فرق حينئذٍ بين القول بلزوم قصده جزما أو احتمال دخله في مقام الامتثال في خصوص العبادات مطلقا لاسيّما في ما اذا استلزم التكرار في أصل العمل ومجموعه أو في جزء منه وحينئذٍ فيبتني عليه بطلان عبادة تارك طريقي الاجتهاد والتقليد ولو تمشى منه قصد القربة لعدم تمكنه من قصد الوجه المعتبر دخله اما قطعا أو احتمالاً لأنّه لا يخلو اما أن يقصد الوجه في ما يأتي به امتثالاً أو لا . والأوّل يستدعي التشريع المحرم والثاني لا يقطع معه بالامتثال القطعي الذي يوجبه الاشتغال القطعي .نعم في التوصليّات لا مانع منه لعدم جريان الاشكال فيها(1) .

والجواب انه مع العلم بالتكليف فاما أن يريد امتثاله المولى أم لا لا سبيل إلى الثاني وعلى الأول فاذا لم يمكن الامتثال القطعي مثلاً في اذا لا يعلم بالتكليف

تعيينا فلا يمكن ارادته حتى يقصد الوجه للزوم التكليف بما لا يطاق فلابدّ من الاكتفاء بالامتثال الظني أو الاحتمالي فالقول بلزوم اعتبار قصد الوجه مطلقا لا وجه له .

نعم يبقى احتمال القول باعتبار الامتثال التفصيلي فيما اذا يتمكن منه

ص: 110


1- . يمكن نظر الاجماع المدعى على عدم صحّة الاحتياط إلى هذا المقام فانه لو كان كذلك فلا غبار عليه الا ان الكلام في صحّة النسبة .

وتقدمه على الامتثال الاجمالي بعد الجزم بتقدمهما على المرتبتين الاخيرتين من الامتثال وهما الامتثال الظني والامتثال الاحتمالي لدعوى جماعة بعدم كونه اطاعة فيما اذا يتمكن من المرتبة العليا أو الشك ومع الشك يقطع بالعدم عقلاً ( ذهب إليه الشيخ(1) والمحقق النائيني قدس سره (2) ) ولكن هذا لا سبيل إليه بعد عدم فرق العقل بين المرتبتين لتحقق قصد الأمر والانبعاث عنه في كلتيهما الا ان الفرق كون الأمر مقطوعا به مجزوما في الأول ومحتملاً في الثاني وربما يكون الثاني أطوع عند العقل فهذه الدعوى عهدتها على مدعيها كما ان دعوى جماعة من الفقهاء لزوم اعتبار قصد الوجه مطلقا أو فيما اذا أمكن .قد يجاب عنه بالتزامهم بهذا باعتبار كونهم متكلمين لا بما هم فقهاء لكن لا مجال لهذا .نعم لا مانع من جوابه الأخير وانكار ذلك أصلاً وهو دعوى القطع بعدم اعتبار قصد الوجه في الشرع رأسا لأنّه مع كونه واجبا أو لازما لكان اللازم وروده ولو في رواية ضعيفة من رواياتنا أو روايات القوم ولو في الكتب التي ليست بمعتبرة مع شدّة الابتلاء به في كلّ يوم وليلة مع ورود أحكام كثيرة راجعة إلى أبواب المستحبات والمكروهات والمباحات . فخلّو الكتب والروايات عن ما يدلّ على اعتبار هذا الأمر أدلّ دليل على عدم اعتباره شرعا وهذا من الموارد التي خصّص فيها القاعدة المعروفة ان عدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود .

فانه يقال ان مقامنا مما يقطع بكون عدم الوجدان دالاً على عدم الوجودمع

عدم اعتبار قصد الوجه

ص: 111


1- . فرائد الاُصول 1/25 .
2- . فوائد الاُصول 3/72 - 73 .

التتبع التام وعدم العثور على دليل ولو ضعيف على اعتباره . ثمّ على فرض التنزل ووصول النوبة إلى الشك لا مانع من اجراء اصالة العدم التي هي أصل عقلائي وليس هو الاستصحاب على عدم اعتبار هذا القيد شرعا .

ثمّ انه قد يدعي القطع بتقدم الاطاعة التفصيليّة على الاحتياطيّة الاجماليّة في الشبهات الحكميّة أو الموضوعيّة كما اذا ترددت القبلة بين جهتين مع القدرة على تعيينها أو قدرته على تمييز الثوب الطاهر من المتنجس أو الماء المطلق من المضاف ولا يتفحص لرفع الشك بل يكرر العمل ويأتي به مرة بعد اخرى فيصلي إلى الجهتين وفي الثوبين ويتوضأ من المائين كلّ مرّة بأحدهما وفي أحدهما .

وذلك من جهة حكم العقل بتقدم الاطاعة التفصيليّة على الاجماليّة ولزوم اتيان العبادة مميزة عن داعي البعث الجزمي وكونه متحركا بتحريك الأمر المعلوم القطعي على نحو يستند ارادة الفاعل الى ارادة الأمر وينبعث عن بعثه ويتحرك بتحريكه وذلك لا من باب لزوم قصد الوجه . بل لما ذكر من لزوم التحرك عن الأمر الجزمي والاتيان بالعمل مميزا حيث ان العقل يستقل بلزوم الاطاعة الشكيةالاحتمالية ومع التمكن من الظني يستقل بالظنيّة ومع التمكن من الاجمالية العلمية بلزومها ومع التمكن من التفصيلية بتعينها لانه لا يخلو فيما اذا يكون العبد مكلفا من قبل مولاه من عدم لزوم الامتثال والاتيان بالمأمور به أصلاً أو لزوم الاتيان تفصيلاً لا سبيل إلى الأوّل كما انه يتّجه الثاني فيما اذا يمكن العبد لا فيما اذا لا

يمكنه .

وتارة يقال كما عن المحقق النائيني في قوله الاخر ان(1) العقل يشك في

ص: 112


1- . فوائد الاُصول 3/73 .

كون الاجمالي اطاعة في مورد التمكن من التفصيلي . وحينئذٍ فلابد بحكم العقل من الاتيان بالتفصيلي لدوران الأمر بين التعيين والتخيير وعلى كل المباني لازمه الاحتياط اما للزوم تحصيل الغرض المتوقف على اتيان كل ماله الدخل في حصول العلم واليقين بالفراغ عن عهدة التكليف المعلوم كما عليه مبنى(1) الكفاية . وعليه فالأكثر متيقن والأقل مشكوك فكيف يمكن اجراء البرائة أو من باب ان مقام الامتثال لا مجال لحكم الشرع فيه بل لو ورد هناك خطاب شرعي لكان ارشادا إلى حكم العقل . كما انه يمكن بناءً على امكان ورود الخطاب الشرعي القول بالاحتياط لدوران الأمر بين التعيين والتخيير اذ الاطاعة الاحتمالية الاجمالية اما عدل للتفصيلي أو متأخرة عنه وعلى كلّ حال فنخرج عن عهدة التكليف بالتفصيلي دون الاجمالي ولا عكس اذ لا احتمال لتقدم الاجمالي عليه ولا مجال لانكار امكان تصرف الشارع في مقام الامتثال بعد وروده فيالشرعيّات كثيرا كما في موارد جريان قاعدة الفراغ والتجاوز حتى في اولييالرباعية وغيرها في الاجزاء وفي غيرها مطلقا . ولو لا حكم الشارع بالاتيان والمضي في مورد الشك بعد تجاوز المحل لكان اللازم الاتيان . ولو احتمل الزيادة كان اللازم بحكم العقل افراغ العهدة ولو بالاستيناف الا انه مع ذلك لا مجال لجريان البرائة لعدم تقيد الاطلاقات بذلك كما هو عبارة الشيخ(2) وأشار إليه المحقّق النائيني(3) .

وتوضيحه بعد عدم الاشكال في كون الاطاعة الاحتماليّة الاجماليّة اطاعة

مراتب الامتثال

ص: 113


1- . كفاية الاُصول 1/107 - 109 .
2- . فرائد الاُصول 1/25 .
3- . فوائد الاُصول 3/68 - 73 - 74 .

في الجملة وانه لا مجال لانكار كونها اطاعة . فالكلام والنزاع لابد أن يقع في تقدم التفصيلي عليها أو تساويهما لا في كونها اطاعة وعدمها كما تقدم عن المحقّق النائيني قدس سره ان الاطلاقات الواردة والاخبار البيانيّة كافية في مقام الشك في دخل شيء في المتعلق المأمور به لدفع الشك بعد اطلاقها في ذلك وعدم دخله ولكن هذا في مثل ما يمكن دخله في المرتبة السابقة على الأمر بحيث يرد عليه الأمر لا في مثل مقام الامتثال الذي هو متأخر عن رتبة التكليف فكيف يمكن دخل شيء في مقام الامتثال بحيث يقيد به المتعلق فلا مجال حينئذٍ لاجراء البرائة عن عدم تقيد الخطاب الوارد على المتعلق .

ثمّ انهما انما ذهبا إلى تقدم(1) التفصيلي فيما اذا استلزم التكرار للعمل بخلاف ما اذا لم يستلزم التكرار كما اذا احتمل كون السورة واجبة أو مستحبة بعدالعلم بعدم كونها مباحة أو دار الأمر بينهما والاباحة كما في جلسة الاستراحة . ففي هذه الموارد يلتزمان بعدم البأس باتيان المشكوك رجاءً لا تشريعا .ويرد عليهما وحدة المناط في مورد تكرار جملة العمل أو بعضه اذ مع التمكن من التفصيلي كما هو الفرض لا يصح الاحتمالي الاجمالي بلا فرق بين بعض العمل وجملته . والفرق بأن الانبعاث في مورد عدم تكرار الجملة لا يكون الا عن الأمر الجزمي بخلاف ما اذا استلزم تكرار جملة العمل فانه يكون من احتمال الأمر لا يتم . مضافا إلى عدم تمامية أصل ذلك الوجه . فان الانبعاث في كلا المقامين إنّما هو من الأمر سواء كان من الامتثال تفصيلاً أو اجماليّا غاية الأمر

في الأول يكون الباعث هو الأمر الجزمي وفي الثاني هو الأمر المحتمل لا احتمال

ص: 114


1- . فوائد الاُصول 3/68 - 73 - 74 .

الأمر ولا فرق بينهما من ساير الجهات لحصول قصد القربة والداعي الالهي في كلا المقامين كما ان لنا أن نجيب عن أصل مبناهم وكلامهم في المقام الذي يرجع إلى لزوم الانبعاث عن الأمر الجزمي بالقطع بكون الاتيان بنحو الاجمال والاحتياط اطاعة في عرض التفصيلي . وعلى فرض الشكّ في ذلك لا مانع من اجراء البرائة الشرعيّة .

نعم بناء على لروم تحصيل الغرض لا محيص عن الاحتياط بالامتثال التفصيلي .

تنبيه: القائل بعدم كفاية الاطاعة الاجماليّة العلميّة في مورد التمكّن من الاطاعة التفصيليّة لابدّ ان يستند في دعواه إلى أحد الوجوه .

فانه اما أن يعتبر التفصيلية من جهة قصد الوجه أو من جهة لزوم تحصيل الغرض .

فالشك يرجع إلى الشكّ في المحصل ولابدّ من الاتيان بجميع ما له الدخل ولو احتمالاً في تحصيله أو لابدّ من جهة دوران الأمر بين التخيير والتعيين وبحكم العقل فاللازم هو الاحتياط باختيار محتمل التعيينية مع عدم جريان البراءةالشرعيّة في باب الاطاعة سواء في ذلك بين الشبهات الحكمية والموضوعيّة كما انه لا فرق في ذلك بين قبل الفحص أو بعده .

ولا وجه لأحد هذه الوجوه أبدا . اما مسئلة قصد الوجه فقد تقدم الكلام عليها كما ان تحصيل الغرض ليس بلازم عندنا فالكلام في المبنى .

وأمّا دوران الأمر بين التعيين والتخيير وامتناع جريان البرائة في كيفيّات الاطاعة لكونها بنظر العقل ولا مجال لورود الخطاب المولوي فلا وجه له لتصرف

أدلّة عدم كفاية الامتثال الاجمالي

ص: 115

الشارع في مقام الاطاعة والامتثال كثيرا كما في موارد جريان القواعد الجارية في مقام الافراغ كقاعدة الفراغ والتجاوز . وكذلك لا وجه للاشكال عليه بلزوم اللعب بأمر المولى فيما اذا يكرر الصلاة أو غيرها من العبادات القابلة للتكرار مثلاً

لعدم لزومه ما اذا كررها مرة واحدة أو مرتين .

نعم لو اشتغل طول أوقاته بالاحتياط والاتيان بمحتملات المسئلة فله وجه .

ويبقى مجرّد دعوى احتمال الانبعاث عن البعث والتحرك من التحريك الجزمي اليقيني وهذا لا وجه له لعدم تعيينه من قبل العقل ولا فرق عنده في الانبعاث عن الأمر الجزمي أو الأمر المحتمل بل الاحتياط أوفق للواقع ومراعاته من الاجتهاد والتقليد . فلا وجه لما قيل من بطلان عمل تارك الطريقين لكون العمل بالاحتياط ارعى للواقع بخلافهما فانهما انما يلاحظان مورد الامارة أو فتوى المجتهد ولازمه ان اصابا فهو والا فقد فات منهما الواقع وليس كذلك المحتاط .

ثمّ لا يخفى عدم الاشكال في تقدم الاطاعة العلميّة بكلتا نحويها على الاطاعة الظنيّة والاحتماليّة .وقد يقال(1) في مقام الاحتياط بتقدم الامارة القائمة أو الحجة الشرعيّة على احتمال خلافها لكون الاحتياط في هذه المقامات انما هو كذلك . وهذا أيضا لا وجه له لعدم تعيّن العمل على حسب الامارة فاذا لم يشاء التوضؤ بالماء الذي استصحب طهارته فليتوضأ ابتداءً بمتعين الطهارة أو يصبر إلى دخول الوقت يقينا

ص: 116


1- . فوائد الاُصول 3/71 .

ولو مع قيام الامارة فيصلّي أو يجتنب الغسالة ويستعمل غيرها ولو يرى طهارتها اجتهادا أو تقليدا فانه لا بأس بذلك . كما انه لا يرد علينا النقض في مسئلة صحّة عمل المحتاط وعدم لزوم الأخذ بالاجتهاد أو التقليد بموارد احتمال تبدل التكليف كما في صلاة الاحتياط اذا شك أحد الشكوك الصحيحة فعلى تقدير نقص الصلاة قد تبدل وظيفته من الاتصال الى الانفصال فلا يمكنه ابطال الصلاة وقطعها لمراعاة احتمال الاطاعة التفصيليّة وتقديمها على الاحتمالية لشبهة القطع .

ثم اعلم ان المراد بالاحتياط الذي قدمناه على الاجتهاد والتقليد انما هو التام منه الذي يراعى معه جميع محتملات الواقع وهذا لا يمكن الا في أقل قليل من الموارد والا فيرجع إلى التبعيض في الاحتياط الذي لا يراعى معه الواقع من كلّ وجه ولا موجب لتقدمه على الواقع .

وذلك للزوم الاتيان بجميع ما له الدخل احتمالاً واجتناب جميع ما يحتمل مانعيته . وفي دوران الأمر بين المحذورين لابدّ من تكرار العمل وهكذا لا يغني عن ذلك مراعاة الاحتياطات الموجودة في الرسائل العمليّة لتحققها بعد اجراء البرائة الشرعيّة وساير الأصول والقواعد اجتهادا من المجتهد .

والكلام في ما اذا لم يكن العمل كلاً أو بعضا بالاجتهاد أو التقليد ومعه لامحيص عن ما ذكرنا ولا يتمكن لما ذكر ولعلّ نظر القائل ببطلان تارك الطريقين إلى ذلك أي التبعيض في الاحتياط فانه مع ذلك يرجع النزاع لفظيّا اذ لا مجال لانكار ذلك .

فقد تبيّن ممّا ذكرنا كون الاحتياط طريقا كالاجتهاد والتقليد وان القائل ببطلان عمل تارك طريقي الاجتهاد والتقليد في العبادات انما نظره إلى عدم

الاحتياط طريق

ص: 117

التمكن من الاحتياط التام في حق العامي المحض الذي لم ينظر في الروايات ولا استفاد منها شيئا لا اجتهادا ولا تقليدا بل يريد الاحتياط . وهذا صحيح لا اشكال عليه لما ذكرنا من تعذر اصابة الواقع لعدم تمكنه .

نعم لو أمكن لا مانع منه . وحينئذٍ فلا يمكن بدون الاجتهاد أو التقليد لعدم تمكنه من احراز الواقع بالاحتياط التام وعدم احرازه بالاحتياط في البعض لأنّ التبعيض في الاحتياط لا يفيد اصابة الواقع واتيانه والعلم بالخروج عن عهدته فالمنكر للصحّة نظره إلى صورة التبعيض والقائل بالصحّة نظره إلى مورد الاحتياط التام أو موارد الشبهات الموضوعيّة التي لا يجب الفحص فيها بالاتفاق .

وأمّا في صورة اختيار التقليد أو الاجتهاد في بعض والاحتياط في موارد الشكوك في الشبهات الحكمية كما اذا لم يعلم بوجوب جلسة الاستراحة واحتمل وجوبها ودار الأمر بينه وبين الاستحباب أو مع الاباحة فلا احتمال للمانعيّة فيمكنه ترك الاجتهاد والتقليد والاحتياط باتيانها رجاءً فلا بأس ( ولا يتوهم مناقضة كلامنا في المقام في عدم افادة التبعيض في الاحتياط لما ذكرنا في باب الانسداد من التبعيض في الاحتياط بناء على التقريب الصحيح لمقدّمات الانسداد واستنتاج التبعيض في الاحتياط منها . لكون ذلك المقام من جملة مقدّماته عدمالتمكن من الاحتياط التام ودوران الأمر بين الاتيان بالمظنونات والمشكوكات والموهومات بعد عدم التمكن من مراعاة الجميع . وهذا بخلاف المقام لعدم الكلام في التعذّر أو الحرج في الاحتياط التام ) . وكذا في صورة احتمال وجوب السورة .

هذا تمام الكلام في ما يتعلّق بالعلم الاجمالي في مقام الا فراغ .

ص: 118

الكلام في مقام ثبوت التكليف بالعلم الاجمالي .

ذهب بعض إلى كون العلم الاجمالي كالتفصيلي بلا فرق وآخر إلى كونه كالشبهة البدوية وقال بعض بجواز ارتكاب جميع الأطراف وابقاء مقدار يساوي مقدار المعلوم بالاجمال ( في موارد الحرمة ) ويرد عليه كون الباقي كالذي ارتكبه بلا فرق . فان كان العلم الاجمالي كالتفصيلي في كونه منجزا للتكليف فلا يجوز ارتكاب واحد من الأطراف والا فلا مانع من ارتكاب الجميع . غاية الأمر حصول علم له بمخالفة الواقع وهو غير عزيز في موارد الأصول الشرعيّة من البرائة والاستصحاب . اذ الاشكال في مخالفة الواقع المنجز اما اذا لم يكن منجزا فلا محذور فيه ولذلك نقول بناء على المنجزيّة لا فرق في خروج بعض الأطراف عن الابتلاء بضرورة أو غيرها أو فقدانه أو عدمه في وجوب الاجتناب عن الباقي اذا كان العلم بالتكليف حاصلاً قبله .

وكيف كان فالاشكال في ان مفاد الأصول الجارية في أطراف العلم

الاجمالي مع قطع النظر عن تعلق العلم بأحدها ليس جمعيّا كي ينافي مفادها مفاد العلم وينافضه فلا تجري الأصول . بل كلّ أصل إنّما مفاده الترخيص في مورده ومجراه والعلم لم يتعلّق به بخصوصه ولا أصل يجري في الواحد المردد . فلا مانع من جريان الأصل في كلّ واحد من الأطراف ولا ينافيه العلم بالحكم في أحدالأطراف المردّد بين الأطراف المعلومة الجاري فيها الأصل على التعيين في كلّ بخصوصه . ولكن هذا الاشكال فاسد لعدم الفرق بين العلم الاجمالي والتفصيلي في تنجز التكليف بكلّ منهما .

تكميل: قد عرفت انه ذهب بعضهم إلى ان العلم الاجمالي كالشكّ البدوي

ثبوت التكليف بالعلم الاجمالي

ص: 119

يجوز معه ارتكاب الأطراف ( في مورد العلم بالحرمة ) وليس بمنجز كما انه قيل بمنجزيته بمقدار المعلوم بالاجمال . وقد تقدم وجه القول الأوّل وهو الشكّ وعدم العلم بالتكليف في كلّ واحد من الأطراف . ولا مانع من جريان الأصول المرخصة وليس مفاد الأصول جمعيّا كي ينافي المعلوم بالاجمال . كما تقدّم وجه القول الثاني وانه لا يجوز ارتكاب جميعها إلى أن لا يبقى بمقدار المعلوم بالاجمال لحصول العلم بالمخالفة بخلافه إلى أن يبقى مقداره فانه لا علم بمخالفة التكليف .

لكن يرد عليه ان حصول العلم بمخالفة التكليف الذي ليس بمنجر لا محذور فيه فاما ان يجوز ارتكاب الجميع أو لا يجوز أصلاً .

وذهب الشيخ قدس سره (1) إلى الانفكاك بين المخالفة القطعيّة فلا تجوزو الموافقة القطعيّة فلا تجب وهذا بعد تسليم كون العلم الاجمالي كالعلم التفصيلي وانه متعلّق بالتكليف فمن حيث انه علم لا قصور فيه اذ نعلم مثلاً بوجود خمر بين الانائين الموجودين أو في الفسحة الحاضرة غاية الأمر كونها هذا أو ذاك مجهول مشكوك فاذا لم يكن ارتياب في وجود التكليف المعلوم بالاجمال في المقام فالتكليف منجّز ووجوب الاجتناب مثلاً مرتب على موضوعه .

ولا يصحّ الجواب عن الاشكال بما هو كالمصادرة على المطلوب من كونالعلم الاجمالي كالتفصيلي ( فالعلم الاجمالي عبارة عن قضيّة معلومة منضمّة إلى مشكوكة . وعلى هذا فالعلم بالتكليف حاصل في البين مع قطع النظر عن جريان الأصول وعدم جريانها ) ووجه ما ذهب إليه الشيخ قدس سره ان رتبة الحكم الظاهري محفوظة عن ناحية الشكّ وإنّما المحذور هو لزوم المخالفة العمليّة لاحتياج جعل

ص: 120


1- . فرائد الاُصول 2/404 لكن يظهر من الشيخ وجوب الموافقة القطعيّة أيضاً 2/417 .

الحكم الظاهري إلى تصحيح مراتب ثلاث أوّلها مرحلة الشكّ . اذ لا يمكن الترخيص أو الجعل مخالفا للمعلوم . ثانيها رتبة الجعل والثالث مرحلة الامتثال وعدم لزوم محذور في تلك المرحلة .

أمّا المرحلتان الاوليان فمحرزتان لا مانع من الجعل من حيث الشكّ كما انه قد جعل بحسب ظاهر الأدلّة .

إنّما المانع هو رتبة الامتثال وهو حصول العلم بارتكاب الجميع بمخالفة التكليف المعلوم بالاجمال الموجود في البين .

ان قلت هذا العلم لو كان منجزا فلا فرق فيه بين أطرافه اذ يجب بحكم العقل التحرّز عن مخالفة التكليف . ولا يمكن ارتكاب طرف منها لاحتمال انطباق المعلوم بالاجمال عليه . اذ لو كان في طرف منها لكان منجزا وفرق بين المقام وبين الشبهات البدوية لعدم علم بالتكليف هناك بخلافه في المقام .

فعلى هذا فلا يمكن ارتكاب طرف منها ولا الاذن لاحتمال الانطباق مع فرض المنجزية كما أورد المحقّق الخراساني(1) هذا الاشكال على الشيخ . وأجاب المحقّق النائيني(2) قدّست أسرارهم بعدم كون العلم الاجمالي أعلى وأشدفي منجزيّته من العلم التفصيلي ومع ذلك فالشارع تصرف في ناحية الامتثال في مورد العلم التفصيلي كما في مجاري قواعد الفراغ والتجاوز واكتفى بالاحتمال مع انه لو لم يأت بالركوع فالصلاة باطلة فكيف يمكن منعه في العلم الاجمالي . وكيف كان فاما ان يلزمكم رفع اليد عن الحكم في العلم الاجمالي وتجويز الترخيص في

ص: 121


1- . كفاية الاُصول 2/214 - 215 .
2- . فوائد الاُصول 3/77 - 78 .

أطرافه أو انكار هذه القواعد . مع ان بناء الفقهاء العمل بالقواعد المذكورة في أبواب الفقه كالحج والصلاة وساير الموارد فما هو الجواب عن هذا الاشكال فهو الجواب عن هذا .

لكنه لا يخفى عليك ان تصرف الشارع في مرتبة الامتثال بالاكتفاء باحتمال الموافقة وهو الذي يصطلحون عليه بالقناعة في مقام الامتثال لا معنى له إذ نسئلهم ان الواجب كالركوع مثلاً اما أن يريده الشارع أو لا يريده فان كان يريده فلا يجتمع ارادته مع الترخيص في الترك . والا فلا يريده ولا يمكن الالتزام بجعل البدل أيضا بل لابدّ من الالتزام بكونه بدلاً للجاهل الشاكّ الذي لم ينكشف له الخلاف مادام كذلك والا ففي صورة انكشاف الخلاف لابدّ من التدارك ولو لا هذا فاللازم الاكتفاء بالمأتي به ولو مع العلم بمخالفته للواقع . فبذلك ظهر لك صحّة

كلام الشيخ وانه(1) لا مانع من الانفكاك بين المخالفة القطعيّة فلا تجوز والموافقة القطعيّة فلا تجب فتدبّر جيّدا في أطراف ما ذكرناه .

توضيح وتتميم: يمكن أن يقال بجريان الأصول في أطراف العلم الاجمالي بالتكليف في جميعها لعدم انكشاف التكليف على نحو يمنع من جريانهاوالفرض ان مجرى الأصول وأدلّتها ليس جمعيّا كي يخالف المعلوم بالاجمال كمافي جريان قاعدة(2) ( الحلّ ) في مورد دوران الأمر بين المحذورين والعلم بأحد الأمرين من الوجوب والحرمة . وذلك لمنافاتها للمعلوم فلا تجري القاعدة وتجري ساير القواعد من البرائة ودليل الرفع وذلك اذا لم يكن المعلوم بالاجمال

ص: 122


1- . فرائد الاُصول . سبق منّا الاشارة إلى ايجاب الشيخ الموافقة القطعيّة 2/417 .
2- . الوسائل 17 الباب 4/1 - 4 من أبواب ما يكتسب به .

فعليّا من جميع الجهات بحيث يكون حال الجهل كالعلم يمتنع الترخيص بخلافه .

وبعبارة اخرى ان لنا فردين من الفعليّة أحدهما ما لو علم بالتكليف لتنجز ومعه مجال للترخيص . والثاني الفعلي من جميع الجهات بحيث يمتنع الترخيص على خلافه . فان كان التكليف من قبيل الأوّل وهو الفعلي من جهة وهو ما لو علم به لتنجز فلا مانع من جريان الأصول الترخيصيّة في أطرافه لعدم المنافاة ولا المناقضة بخلاف القسم الآخر من الفعلي وهو الفعلي بقول مطلق . فانه يمتنع الترخيص على خلاف المعلوم بالاجمال وفي الصورة الاولى لا قصور في العلم بل القصور في المعلوم هذا . لكن لا يخفى عليك ان المبنى فاسد كما تقدّم منّا سابقا مع انه على هذا لا مانع من مخالفة التكليف المعلوم بالاجمال قطعيّا لعدم تنجّزه أصلاً فلا يلزم ابقاء مقدار المعلوم بالاجمال من الأطراف بل يكون على هذا موضوع الحكم هو العالم به في الأحكام . وفي الموضوعات انما يجب الاجتناب عن الخمر المعلوم ففي صورة الشكّ يعلم بانتفاء التكليف بلا احتياج إلى جريان الأصول المرخصة . بل الكلام في ان للعلم الاجمالي هل اقتضاء التنجز للمعلوم بالاجمال أو انه له عليّة التنجز بحيث يمتنع الترخيص على خلافه ولو في بعض الأطراف وهذا هو المراد من العلية والاقتضاء ومقتضى كون العلم الاجمالي علة للتنجز امتناع ورود الترخيص في محتملاته ولو بالتصريح بذلك من الشارع .وصاحب هذا المبنى لا يقول بعدم جريان الأصول من جهة قصور الدليل لشمول ذلك أو من جهة تساقطهما وتعارضهما بمعنى عدم الترجيح في شمول أحدهما لدليل الأصل مع مخالفة مشموليّة كليهما للمعلوم بالاجمال . بل ولو لم يكن هناك معارضة وقصور حتّى انّه لو صرّح بجواز ارتكاب أحد الأطراف على نحو يتوقف

الفرق بين نحوي العلم الإجمالي

ص: 123

خلو الكلام عن اللغويّة على هذا لامتنع ذلك ( كما ان الأمر كذلك في مثبتات الأصول حيث انه انما نقول بعدم حجيّة مثبتاتها في ما اذا كان الدليل هو العموم بخلاف ما اذا صرح في مورد بجريان الأصل لا بدليل عام بل بدليل خاص ولم يكن له أثر الا لواسطته فانه يترتب عليه الأثر ولو بألف واسطة ) وذلك لكون الترخيص في محتمل المعصية كالترخيص في مقطوعها وهذا قبيح لا يحتمل صدوره من المولى الحكيم . فحينئذٍ يثبت الملازمة بين حرمة المخالفة القطعيّة ولزوم الموافقة القطعيّة في أطراف العلم الاجمالي .

الا انه قد يدعي كما سبق عدم اولويّة العلم الاجمالي من التفصيلي في لزوم الموافقة القطعيّة مع جريان الأصول المفرّغة في وادي الامتثال بالاتفاق كقاعدتي الفراغ والتجاوز في مورد العلم التفصيلي . فليكن العلم الاجمالي كذلك بل بالاولويّة القطعيّة يكون العلم الاجمالي أولى بذلك فلا مانع من الاذن في المخالفة الاحتماليّة والاكتفاء بالموافقة الاحتماليّة .

لكن قد سبق الاشكال عليه وانه ينحصر احتماله بامور . فانه اما أن يكون التكليف منقلبا في حقّه ولازمه عدم لزوم الاعادة في صورة انكشاف الخلاف واختصاص الخطاب بالعالم به وهو خلاف الاجماع أو ان الجاهل كالعالم ويريده منه في هذا الحال وهو لا يناسب الترخيص لرجوعه إلى المناقضة . فبقى امتناع ذلك فحينئذٍ لا وجه للتفكيك في العلم الاجمالي بين الموافقة فيكتفي بالاحتماليمنها والمخالفة فتحرم قطعيّها .

والنتيجة ان العلم الاجمالي كالتفصيلي في عدم جواز الترخيص على مخالفة التكليف المعلوم الواقعي حيث ان في صورة فعليّة التكليف لا يمكن

ص: 124

الترخيص على خلافه للزوم المناقضة فلا فرق حينئذٍ بين العلم التفصيلي والاجمالي .

ثمّ ان بعضهم ذهب إلى قصور الدليل في مقام الاثبات عن الدلالة على الترخيص في أطراف العلم الاجمالي . وذهب آخر إلى التفصيل بين الأصول التنزيليّة وغيرها ففي الأولى لا مجال للأصل في أطرافه ولو لم يلزم مخالفة عمليّة بخلاف غيرها فلا مانع منه الا لزوم المخالفة العمليّة . ولذا يجري الأصول غير التنزيليّة في غير مورد لزوم المخالفة . وسلك بعض مسلكا آخر وهو امتناع جريان الأصل وورود الترخيص ولو في طرف واحد لكونه ترخيصا في محتمل المعصية وهو كمقطوعها .

واستدلّ القائل بالقصور بكونه تمسكا بالعام في الشبهة المصداقيّة لحصول العلم بالنقض في أحد الطرفين واشتباه أحدهما بالآخر ففي أحدهما يجوز الاستصحاب ويجري لعدم حصول اليقين بخلافه بخلاف الآخر لحصوله بخلافه ولا يجوز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة . ونسب هذا إلى الشيخ قدس سره لكن المحقّق النائيني(1) أنكر هذه النسبة وأصل الدعوى لعدم قصور الدليل في مقام الاثبات عن شمول الأطراف في حدّ نفسها . بل هي على قسمين تنزيليّة وغيرها وقد يعبّر عن الأولى بالمحرزة كالاستصحاب .وحيث انه لابدّ من تحقّق المراحل الثلاث في الحكم الظاهري وهو الشك والجعل المولوي وعدم لزوم المخالفة العملية فذهب إلى عدم تحق المرتبة الثانية في الأصول المحرزة وهو الجعل بخلاف اصالة الحل وغيرها كالبرائة فان هذه

امتناع الترخيص في مورد العلم الاجمالي

ص: 125


1- . فوائد الاُصول 4/13 إلى 17 .

المرتبة محفوظة فيها ولو كان اشكال فمن ناحية لزوم المخالفة العمليّة والا فلا مانع من جعلها في أطراف العلم والدليل على ذلك ما ادعى تبعا لميرزا محمّد حسن الشيرازي والشيخ من كون لسان دليل الاستصحاب وقاعدة الفراغ هو الاحراز التعبدي والأمر بالبناء على ذلك اليقين وحينئذٍ فاليقينان التعبّديان على خلاف المعلوم بالاجمال ممّا لا يمكن للمناقضة بلا فرق في ذلك فيما اذا يلزم المخالفة العمليّة أو لا يلزم . ولذلك لم يفرق في جريان الاستصحاب بين مستصحبي النجاسة حيث لا يلزم فيهما مخالفة عملية ومستصحبي الطهارة مع العلم اجمالاً في كلا المقامين بطهارة أحدهما في الأوّل ونجاسته في الثاني وذلك لعدم انحفاظ مرتبة الجعل . وعليه بنائه قدس سره في فتاويه خلافا لصاحب الوسيلة السيّد الاصفهاني قدس سره حيث اجرى(1) الاستصحاب في مستصحبي النجاسة مع العلم بطهارة أحدهما . وليس كذلك مثل اصالة الحل والبرائة لكون موضوعهما ما لا يعلمون ولاتصرف في دليلهما للشبهة بل إنّما جعل الحكم على الشبهة مع انحفاظ الشكّ وبقائه بخلاف لسان الاستصحاب فانه يتصرف في الشبهة ويجعلها احرازا تعبّدا وينزلها منزلة اليقين هذا .

ولا يخفى ان كلامه قدس سره بعد تسليم المبنى صحيح لا يمكن الفرق بين مستصحبي النجاسة ومستصحبي الطهارة لما ذكر . الا ان الكلام في المبنى لعدماستفادة ذلك من لسان الاستصحاب ولا من دليل قاعدة الفراغ بل لسانهما كلسان ساير الأصول في كونهما أحكاما في ظرف الشك والشبهة فلا يمكن المساعدة على هذا المبنى .

ص: 126


1- . وسيلة النجاة في أحكام النجاسات في كيفيّة التنجيس بها .

نعم لو قلنا بكون الاستصحاب وقاعدة الفراغ من باب بناء العقلاء وانهما امارتان لصحّ ما ذكر وليته قدس سره تمسّك بكون جريان الاستصحاب فيهما تمسّكا بالعام في الشبهة المصداقيّة مع انه أيضا لا يخلو عن مغالطة ومناقشة سنتعرض له إن شاء اللّه .

ثمّ لا يخفى عليك انه يمكن بناء على عدم جواز ورود الترخيص في مخالفة المعلوم بالاجمال احتمالاً توجيه موارد جريان قاعدة الفراغ واصالة الصحّة وأمثالهما بكون الحكم في حق الجاهل هو التخيير بين الفردين كالتخيير بين صلاة الجمعة والظهر لغير من وجب عليه الجمعة لحضور الامام علیه السلام غاية الأمر مادام بقاء الشك .

وبعبارة اخرى بشرط بقاء الشك إلى موته ولا مانع من ذلك ثبوتا ولا محذور في مقام الاثبات وعدم التفاته إلى هذا الحكم التخييري وعدم امكان انبعاثه منه بل مجرد امكانه ثبوتا كافٍ في دفع الاشكال .

توضيح وتأكيد قد عرفت عدم امكان الترخيص على خلاف التكليف الفعلي فانه في فرض ارادة شيء كيف يرخص في تركه ومخالفته ولو فرض انه مجهول . وفي هذا المقام قد جعل المحقّق الخراساني(1) للحكم مرتبتين . احديهما ما لو علم به لتنجز وفي صورة الجهل لا يريد منه لعدم التنجز لكن هذا لا يناسب ماحقّقناه في محلّه من كون العلم منجزا محضا ليس مأخوذا في مراتب الحكم وليس كالاستطاعة في باب الحج يتحقق به الموضوع .

والحاصل ان ملخص الكلام في العلم الاجمالي انه كالعلم التفصيلي لا

توجيه موارد جريان قاعدة الفراغ وأمثالها

ص: 127


1- . كفاية الاُصول 2/208 - 214 .

يمكن الترخيص في مخالفته حتى بالتنصيص بارتكاب الطرفين أو أحد أطرافه لما عرفت من حكم العقل منجزا بالتنجز ولزوم الموافقة وامتناع ورود الترخيص في المعصية بل لورود من ناحية الشارع يكشف ذلك عن عدم كون التكليف فعليّا وحينئذٍ فلا بأس باجراء البرائة في باقي الأطراف . ولذا لا فرق بين خروج أحد الأطراف عن الابتلاء لفقد أو عدم أو غيرهما وعدمه في لزوم الاجتناب عن الباقي وبقاء التكليف على تنجزه . وليس ذلك الا لأجل تنجزه على كلّ تقدير . فانه لو انطبق على هذا الفرد لكان منجزا كما انه لو انطبق على الفرد الآخر فكذلك . والا فيمكن أن يقال بعد انصباب ماء أحد الانائين ( فيما اذا كان أحدهما نجسا ) بعدم لزوم الاجتناب عن الآخر للشكّ فيه الجاري فيه البرائة .

هذا كلّه في عدم الفرق بين العلمين في المنجزيّة .

ثمّ ان لحصول العلم بالتكليف شرايط في ظرفها يكون العلم منجزا والا فلا أحدها كون المعلوم بالاجمال حكما الزاميّا على كلّ تقدير . وإلاّ فلو لم يكن كذلك فلا تنجز فيه كما اذا علم اجمالاً بنقصان مسمار من مسامير نعليه أو زيادة ركوع في صلاته فانه ليس العلم هنا علما بالاشتغال والالزام على كلّ تقدير فلا مانع من جريان قاعدة الفراغ في الصلاة ولهذا لا مانع من جريانها في ما اذا علم اجمالاً بخلل موجب للاعادة في احدى الصلوات الأربع التي بها في أربع جهات في فرض اشتباه القبلة فانه لا يكون هذا العلم علما بالالزام لعدم معارضة قاعدة الفراغ في احداها بجريانها في الباقي بل تجري في خصوص المصادف للقبلة ولاعلم هنا بل الشكّ بالنسبة إلى حصول الخلل فيه فلا بأس بجريانها فيها فراجع كلماتهم تجد التشويش والاضطراب في معارضة القاعدة في الأطراف ( نعم في

ص: 128

مثل ما اذا تعلق العلم بصلاتيه ونقصان وخلل في احداهما مفسد يكون مجال للمعارضة فيما اذا لم يكن جريان أحدهما محققا لموضوع الآخر والا فلا مجال للمعارضة هناك كما اذا تردّد أمر مايع بين كونه منيّا موجبا للغسل أو بولاً موجبا للوضوء فهنا لا يمكن المعارضة بين اصالة عدم البوليّة واصالة عدم كونه منيّا لأنّ البول انما يكون له الأثر إذا لم يكن هناك جنابة والا فبول الجنب لا يوجب شيئا فعدم الجنابة موضوع للأثر وترتبه على البول .

والثاني كون التكليف على كلّ تقدير راجعا إليه فاذا كان في حق شخصين فلا يوجب شيئا بالنسبة إلى كلّ منهما كما اذا كانا وجد المني في الثوب المشترك بينهما فانه لا تنجز في هذا العلم بالنسبة إلى أحدهما ما لم يرجع إلى العلم الاجمالي أو التفصيلي بالنسبة إليه على كلّ تقدير . فلا مانع في غير هذه الصورة من اجراء اصالة عدم الجنابة في حقّ كلّ منهما ولا معارضة بينهما والعلم الحاصل في البين ليس علما في حقّ كلّ واحد بالتكليف المتوجه إليه فلا تنجز له كي يمنع من جريان الأصل ويجوز اقتداء أحدهما بالآخر في هذا الفرض .

نعم اذا حصل هناك علم اجمالي بتوجه تكليف إليه لارتباط عمله بهما فيكون منجزا كما لو علم احدهما بجنابة امامه فلا يجوز له الدخول في الصلاة ولا القدوة معه ولا بأس به في صوره الشكّ كما يرشد إليه قوله علیه السلام في الرواية(1) الواردة في المقام من انه يعيد الامام صلاته لا المأموم . ولكن في صورة الشك الاانه يشكل اقتداء ثالث بهما في صلاة واحدة في الركعتين الاوليين للعلم الاجمالي بجنابة أحدهما وعدم ضمانه القرائة كما اذا اقتدى بامامين في صلاة الصبح لكلّ

شرايط تنجز العلم الاجمالي

ص: 129


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 36/1 إلى 5 - 7 - 8 من أبواب صلاة الجماعة .

ركعة بامام يعلم بجنابة أحدهما فانه يعلم اجمالاً ببطلان جماعته من جهة جنابة احدهما وان لم يعلم بخصوصه وذلك لكون الطهارة من الحدث شرطا واقعيّا للصلاة حتى في حق المأموم بالنسبة إلى امامه ومع العلم بجنابته لا يجوز له القدوة استيجارهما للصلاة مع العلم بجنابة احدهما لا بعينه لاجراء كل واحد منهما الأصل مع الشك في حقّه وهكذا في صلاة الجمعة لا يمكن اتمام العدد بمن يعلم انه جنب أو كونه اماما ولا ما اذا لم يعلم لكنه يعلم بجنابته أو جنابة نفسه . هذا كلّه

اذا لم نقل بكون الأحكام الظاهريّة في حق أحد أحكاما واقعيّة بالنسبة إلى آخرين والا فتتمّ الصلاتان بلا اشكال في المقامين .

هذا في أمر الصلاة بخلاف الصوم فانه لا مانع للجنابة فيه واقعا وانما المانع هو تعمّد البقاء على الجنابة إلى طلوع الفجر ولذا يصح ايجارهما للصوم مع العلم بجنابة أحدهما لجريان الأصل لكلّ واحد منهما .

ولا منافاة بينه وبين مورد النسيان الوارد فيه قضاء الصوم الذي كان نسى فيه الجنابة وصام جنبا لعدم ارتباط للنسيان بالجهل مع ورود النص(1) في قضاء مورد النسيان دون الجهل ( أقول: في قضاء صوم رمضان ولو كان جاهلاً بالجنابة وطلع عليه الفجر فالقضاء باطل وحينئذٍ فيعلم اجمالاً ببطلان صوم أحد الأجيرين فلا يتم الاستيجار فتنبّه ) أمّا استيجار الحائض والجنب لكنس المسجد مع العلماجمالاً بجنابته أو غيره معا فلا مانع منه بعد جريان الأصل لكلّ منهما في حقّ نفسه ولا يوجب ذلك خللاً في الاجارة لحصول شرطيها الذين هما امكان استيفاء

في حكم الدرهم الودعي

ص: 130


1- . الوسائل 10 الباب 17/1 من أبواب ما يمسك عنه الصائم والباب 30/1 - 2 - 3 من أبواب من يصحّ منه الصوم .

المستأجر للمنفعة وكون الأجير مالكا لعمله وهما حاصلان في المقام بخلاف صورة العلم لعدم جواز مكث الجنب في المسجد وتوقف الكنس على المكث . فهو من أجزاء علته واذا كان حراما فلا يكون مالكا ولا يمكن استيجاره بل لا يمكن الكنس له حتى من أعلى السطح لحرمة وضع شيء في المسجد منه أو أخذه منه .

ثمّ انّه ربما يرد النقص بعدم جواز مخالفة التكليف المعلوم بالاجمال بمسئلة الودعى فيما اذا وضع درهمين عند واحد وآخر درهما وفقدا وسرق أحد الثلاثة فالرواية(1) وردت بكون أحد الاثنين لصاحب الدرهمين والاخر ينصف بينه وبين صاحب الواحد مع العلم الاجمالي بمخالفة ذلك للواقع . فانه إمّا أن يكون المسروق لصاحب الدرهمين فلا يستحق من الدرهمين الباقيين الا أحدهما ولو كان لصاحب الواحد فلا يستحق شيئا من الدرهمين وهما لصاحبهما .

ولكن لا يخفى ان وديعة الدراهم تكون على قسمين . فتارة يكون وضعها في مكان واحد بنحو اختلاط بعضها ببعض كما في مثل الأجناس المتجانسة التي لا يبقى تميزها بعد خلط أحدها بالآخر مجانسا أو مخالفا كالماء واللبن أو كالحنطة لهذا أو ذاك .

وحينئذٍ تتحقق الشركة واقعا حتى لو كان المالكان خلطا هما باختيارهما فيشترك صاحب الدرهم الواحد لصاحب الدرهمين في الثلاثة وتكون بينهما بالاشاعة فما توى توى منهما وما بقى بقى لهما .وفي هذه الصورة لابدّ من تقسيم الباقي أثلاثا في المقام وغيره في ساير المقامات حسب اختلاف السهام . والصورة الثانية أن لا يكون بهذا النحو بل تبقى

بقيّة الشرايط

ص: 131


1- . وسائل الشيعة 18 الباب 12/1 كتاب الصلح .

متميزة كما اذا وضع كلّ درهم من صاحب الدرهمين في مكان ولصاحب الدرهم الواحد في مكان ثالث وفقد أحدها واشتبه الحال ففي هذه الصورة لا اشكال في كون أحد الباقيين لصاحب الدرهمين والآخر يكون في الواقع لأحدهما ومن حيث عدم العلم والجهل مقتضى القاعدة التنصيف كما في مثل ما اذا كان أحد الشخصين آخذا بلجام الدابّة والآخر راكبا أو آخذين بلجامها معا فتكون بينهما فلا مخالفة للقاعدة ولا للتكليف نعم يمكن توجه الاشكال فيما اذا أقرّ لزيد بدرهم أو مال مخصوص شخصي ثمّ أقرّ بكونه عينا لعمرو . فقالوا بكون المال لزيد وانه يغرم قيمته لعمرو مع حصول العلم للثالث المعامل معهما بعدم تملّكه لأحد المالين . أمّا المال أو القيمة لكونه ليس للذي عامله .

وأجاب عنه بعض بكون المقام من باب تعدّد الموجب لكون الاقرار سببا موجبا لاعطاء المال للمقرّ له وبالاقرار الثاني قد أتلف فيكون مأخوذا بمقتضى اقراره بالاتلاف وضامنا ويلزم له بقيمته فتأمّل ) .

الثالث امكان انبعاث المكلف وامتثاله بالنسبة إليه فاذا لم يمكن فلا يكون مؤثّرا في شيء كما في دوران الأمر بين الوجوب والحرمة والعلم اجمالاً بثبوت أحدهما فلا يمكن للمكلّف الامتثال ولا مورد لجعل التخيير لكونه حاصلاً تكوينا فتشير معه راجع إلى تحصيل الحاصل بالوجدان بالتعبّد .

تكميل: أشرنا إلى الاشكال والنقض في منجزيّة العلم الاجمالي وذكرنا بعض الموارد لكن كلّها مشتركة في عدم كونها نقضا بمورد مسلم . اذ يمكن الجواب عن الجميع .فقد عرفت انه على تقدير لا يرد الاشكال في قضيّة الدراهم وهو كما أشرنا

ص: 132

إذا حصل الخلط كما في ساير موارد الأجناس الخلطيّة مثل الحنطة وأمثالها اذ لا يمكن تداخل الأجسام وفي هذا الفرض يحصل الاشتراك واقعا قهرا سواء كان بلا اختيار أحدهما أو باختيار منهما ويكون الملك بينهما مشاعا لا على معنى الشركة في كلّ درهم من الدراهم فيما يكون قابلاً للقسمة الحقيقية فحقيقة وفي ما لا يكون قابلاً للقسمة كذلك فوهما اذ ذلك لا دليل عليه . مضافا إلى لزوم الشركة في الوقف وكونه ملكا بهذا النحو وكما انه يستلزم كون الوقف ملكا كذلك يستلزم العكس وفي فرض كون الوقف ملكا يجوز بيعه وساير التصرّفات الواقعة على الأملاك مع انه لا يجوز بيع الوقف الا في موارد مخصوصة . بل الملك في المقام على نحو الاشاعة بمعنى كون الثلث من الدراهم لهذا والثلثين لذاك وهذا المعنى قابل في ناحية الانطباق والتطبيق على مصاديق . فاذا انضم كلّ واحد من الدراهم إلى آخر يكون مصداقا للثلثين والباقي للثلث وهكذا .

والحاصل انه في صورة الاشتراك بهذا النحو يكون الذاهب منهما والباقي لهما وهو خارج عن فرض الرواية اذ عليه لابدّ من تقسيم الباقي أثلاثا مع كون الرواية تنصيفا . نعم في الفرض الآخر لا مانع من التقسيم بالتنصيف حيث انه غير صورة الخلط بل كان في الواقع كلّ منهما متميّزا عن الباقي وحصل الاشتباه ففي هذا الفرض على تقدير كون الذاهب من صاحب الدرهمين يكون لصاحب الدرهم تمام درهمه ولصاحب الدرهمين درهم واحد . وعلى تقدير كون الذاهب درهم ذي الواحد يكون الباقي لذي الدرهمين ولا يستحق صاحب الواحد شيئا . وفي هذه الصورة في المسئلة خمسة أقوال أحدها القرعة . ومنها التنصيف وقد استفاده الفقهاء من موارد متعددة نظائر للمقام كمسئلة وقوع اليدين على مال يحكم بكونه

اشكال الدرهم الودعي

ص: 133

ملكا لهما ومن الأقوال رجوع أمره ألى حاكم الشرع .

والحاصل انّه ان قلنا بالتنصيف فلا يكون مخالفة اجماليّة للتكليف كما هو مقتضى القاعدة لأن المال المردد بين شخصين أمره ب- التنصيف بينهما وقيل بالمصالحة والتراضي .

ومن الموارد مورد التحالف على البيع بثمن معين والمبيع والثمن كلاهما شخصيان يدعى كلّ منهما كون الثمن غير ما يدعيه الآخر أو المبيع فيتحالفان فلو قلنا في هذا المقام بكون التحالف موجبا لرجوع كلّ مال إلى مالكه فلم يقع مخالفة للعلم بل اذا حصل المالان في يد ثالث فقد حصل من يد مالكيهما ويكون حينئذٍ كالاقالة وعلى فرض عدم التميز وعدم التعين فلا نقول بجواز المعاملة على هذا الوجه .

ومنها صورة اقرار لزيد وأضرابه واقراره بكونه لعمرو ( كما سبق ) فقد ذكروا عن المشهور انه لو أقر بكون الدار لزيد بقوله هذه الدار لزيد بل لعمرو فيؤخذ بمقتضى اقراره الأول وبحكم بكون المال لزيد ويغرم بقيمته للثاني والكلام الآن في خصوص ما لو أقر وأضرب ببل لا بقوله اشتبهت أو اقراره لهما معا بقوله هذه الدار لزيد ولعمرو أو هذه الدار لزيد ثمّ يقول هذه الدار لعمرو فانه يقال في الأوّل بالتنصيف وفي الثاني بما قال الأصحاب في محل الفرض . أمّا في محلّ الكلام فقد خالف المشهور جماعة وقالوا بكون الدار للثاني لكونه اضرابا عن اقراره الأوّل لا اقرارا للأوّل وانكارا بل اضرابا . وان يظهر من صاحب الجواهر قدس سره (1) نفي الخلاف في المسئلة مع انه ينقل الخلاف بعده نعم يظهر من كلام

ص: 134


1- . جواهر الكلام 35/130 - 131 لكن نفي الخلاف المعتدّ به فلا ينافي نقله الخلاف .

فخر المحقّقين(1) من ارساله ارسال المسلّمات كونه اجماعيّا الا انه لا نص في المسئلة ومقتضى القواعد صحّة قول الطائفة المخالفة للمشهور لعدم استقرار اقراره الأوّل كي يكون الاقرار الثاني نفيا له وانكارا واقراراً بل اضراب وكانه قال ليس هذه الدار لعمرو ( لزيد ) من أوّل الأمر واستشكل القول بكونه للثاني بأنّه يكون قوله الأوّل اقرارا نافذا في حقّ نفسه اذا كان مورد الاقرار بيده ولا اشكال في نفوذ اقرار العقلاء على أنفسهم .

والدليل عليه من الطرفين من طرف الخاصّة والعامّة ولا اشكال عليه وبقوله بل لعمرو يكون قوله هذا شهادة على مال الغير فلا ينفذ الا بشرائطه . لكن يشكل عليهم بلزوم سد باب التخصيصات والاستثناءات حتى في مثل كلمة التوحيد ولا يظن التزامهم بهذا في أبواب الفقه كما انه قيل بكون كليهما اقرارا حيث لا مرجح لأحدهما فيكونان اما متساقطين كمورد البينات لعدم المرجح . أو انه حيث لا يمكن اجتماع ملكين تامين على مال واحد يحكم بكونه لهما . الا ان مقتضى كون الاقرار من باب الطريقيّة سقوطه عن الحجيّة في هذا الفرض بناء على هذا القول الأخير .

نعم لو حصل علم اجمالي بصدق أحدهما فلا بأس ويعمل على طبقه أو يصالح لكن هذا يمكن فرضه في باب البيّنات وفي المقام الا انه يمكن منعه في غالب الموارد منها أيضا .

وحاصل الكلام انه لا نقض بمورد مسلم في مورد العلم الاجمالي كي يقال بعدم منجزيته . وحيث عرفت انه منجز فيما اذا كان علما بالتكليف الفعلي المتوجه

لا نقض بمورد مسلم

ص: 135


1- . ايضاح القواعد 2/458 قوله لأن من قواعدهم إلخ .

إلى شخص واحد قابل للامتثال . فاعلم انه ذكر المحقق النائيني قدس سره في المقام مسئلة اعترف سيّدنا الاستاذ تغمّده اللّه برحمته بعدم العثور عليها في كلام غيره .

وهي انه لو علم(1) اجمالاً بكون الثوب إمّا مغصوبا أو نجسا فيحصل له العلم بحرمة التصرف فيه اما من ناحية الغصب أو من جهة النجاسة فمن حيث النجاسة في باب الصلاة كما انه من جهة الغصب فيها وساير الموارد فاذا صلّى فيه نسيانا فلا اشكال في صحّة صلاته وان كنا نقول ببطلان الصلاة في المتنجس اذا علم به ثمّ نسيه لعدم تحقق العلم به في المقام فلا مانع من صحّة الصلاة لا من جهة الغصب لعدم العلم به بخصوصه ولو كان معلوما بخصوصه فلا اشكال في عدم مانعيته حال عدم الالتفات والجهل والنسيان ولا من جهة النجاسة لأنه لم يعلم بنجاسته في المقام ولو في آن كي يكون مورد تحقق النسيان . بل من أوّل الأمر كان مشكوك النجاسة والنجاسة ليست مانعة بوجودها الواقعي بل انما المانع وجودها العلمي ولا تحقق له في البين .

نعم يمكن القول بالبطلان في صورة العلم للعلم بالتكليف الا انه أيضا مشكل اما من جهة الغصب فغير معلوم بخصوصه ولا مانعيّة له واقعا بل انما يمنع من حيث عدم تمشي قصد القربة وفي المقام ليس معلوما كي يمنع والنجاسه أيضا مشكوكة غير معلومة ولا يحتاج إلى اجراء أصل أو غيره بل نفس الشكّ تمام الموضوع للعلم بعدم المانعيّة فتدبّر جيّدا .

اشارة: قد كان في ( ليلة الاثنين 27 من المحرم 76 ) ذكر في كلام سيّدنا الأستاذ قدس سره عنوان منذور التصدّق وحقّ الجناية والرهانة ومن مورد كلام له أظنّه

ص: 136


1- . فوائد الاُصول 3/86 .

في مسئلة الاشاعة وما لو كان له خمس من الابل ففيها شاة وانه يمكن أن يقال بالقيمة واشتغال الذمّة بذلك لا انه يتعلق بالعين وحينئذٍ فاذا تلف فلا تلف الا من صاحب المال .

تذكرة: ليعلم ان مقتضى رواية عبدالرحمن(1) بن أبي عبداللّه عن أبي عبداللّه علیه السلام الواردة ( في رجل صلّى وفي ثوبه عذرة انسان أو سنور أو كلب قال علیه السلام: ان كان لم يعلم ( فلا يعيد ) عدم ضرر للنجاسة الواقعيّة للصلاة وإنّما المانع النجاسة المعلومة وعلى هذا فلا بأس بالصلاة وصحّتها في كلتا الصورتين بلا فرق بين صورة النسيان والعمد لعدم العلم بالنجاسة في صورة العمد بخصوصها كي تكون مانعة ولا له علم بالغصب كي يمنع من تحقق قصد القربة فلا مانع من صحّة صلاته كصورة النسيان اذ قوام مانعيّة الغصب انما هو بتعلق العلم به كي تتحقّق المزاحمة لما بيننا عليه من جواز اجتماع الأمر والنهي ووقوع التزاحم في صورة الغصب لعدم تحقق قصد القربة على ما عرفت واذ لا علم فلا منجزيّة فلا مزاحمة فلا مانعيّة .

نعم لو قلنا بكون الغصب والنجاسة بوجودهما الواقعي مانعين فلا بأس ببطلان الصلاة ولا سبيل إلى صحّتها في صورة العمد للعلم اجمالاً ببطلانها من احدى الجهتين .

لكن الذي في المقام ان في رواية(2) زرارة اشعاراً بدخل النجاسة بوجودهاالواقعي وضررها في باب الصلاة واستظهر منها كون اللازم أحد أمرين اما الشرط

ص: 137


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 40/5 من أبواب النجاسات .
2- . وسائل الشيعة 3 الباب 37/1 من أبواب النجاسات .

هو الطهارة الواقعيّة أو احراز الطهارة والا فاللازم تعليل الامام لصحّة الصلاة في ما اذا صلّى وفي ثوبه منيّ بعدم العلم بالنجاسة وليس له بوجوده الواقعي مانعيّة ولم يعلّل بل علل بقوله علیه السلام ( انك كنت على يقين من طهارتك الخ ) وعلى هذا المبنى فلابدّ من أصل محرز لدخول الصلاة ولا مجال لجريان أصل عدم النجاسة لمعارضته باصالة عدم الغصب فلا محرز للطهارة المصحّحة للدخول في الصلاة .

ان قلت: ان أصل عدم الغصب لا مجرى له في المقام لعدم مانعيّة له بوجوده الواقعي .

قلت: لا ينحصر جريان الأصل في مورد الصلاة فقط كي يمنع جريانه لما ذكر بل له آثار آخر كعدم جواز بيعه وأمثاله نظير العلم بنجاسة الماء الذي تحت يده أو التراب الذي على تقدير فقد الماء يتيمم به فانه على تقدير الأثر الفعلي لجريان الأصل يمتنع جريانه للمعارضة . وحينئذٍ فيصح التفصيل بين الصورتين والقول بالبطلان في صورة العمد والصحّة في صورة النسيان .

الا ان الكلام في المبنى ( وعلى ما ذكرنا فلا فرق بين وحدة الثوب وتردّده بين المغصوب والنجس أو تعدّده بأن يكون يعلم اما بنجاسة هذا أو غصبيّة ذاك فيجوز على كلا التقديرين صلاته ولو عمدا .

بقي شيء يتعلق بمسئلة الدرهمين والدرهم الودعى وقد ذكرنا صورتين في احداهما يتحقق الاشتراك والذاهب منهما والباقي لهما وانه لا يوافق هذه الصورة للرواية . والصورة الاخرى وهي صورة الاشتباه لا بأس فيها بالعمل على هذه الرواية لكون الوظيفة هو التنصيف . الا انه لا يخفى عليك ان لنا مقامات ثلاث في بعضها يتحقق الشركة وفي آخر يكون مورد الاتلاف وفي الثالث مسئلة

النجاة المعلومة المانعة

ص: 138

الاشتباه ولا مورد للاتلاف ولا الشركة . أما مورد الشركة فضابطه انحفاظ الصورةالنوعية في المختلطين والممتزجين كما في الماء بالماء واللبن باللبن فان اللبن الممزوج بالآخر محفوظ بمادته وصورته النوعية ولا تميز لأحدهما عن الآخر فيوجب هذا المزج الاشتراك على حسب سهام ذوي الأموال المشتركة بالنصف والثلث وغيرهما . وعلى هذا يخرج عن هذا المورد ما اذا مزج الماء باللبن أو البول بالماء فان الصورة النوعية لأحدهما لا تبقى على حالها في هذا الفرض . بل يستهلك الأقل في الأكثر ولا يكون في الحس الا الماء فيما اذا كان أكثر لاستهلاك اللبن وحينئذٍ فلا معنى للاشتراك كي يمنع التصرف لصاحب الماء الذي يكون زائدا على البول أو اللبن بأضعاف مضاعفة الا باذن شريكه الذي بال أو ألقى اللبن في الماء فانه لو قلنا بالاشتراك يوجب الاشاعة ولو بنسبة الواحد إلى الألف الا انه لا يكون الا من باب الاتلاف كما اذا أكل الدابّة العلف أو شربت الماء وصار بولاً فانه لا معنى لحصول الاشتراك أو بقاء الملك بل ليس الا الاتلاف ويكون اللحم والروث لصاحب الدابة والحيوان .

نعم اذا خرجا كلاهما عن صورتيهما النوعيّة فالتلف منهما والمال بينهما والصورة الاخرى هي صورة الاشتباه وهي ما اذا لم يكن خلط حقيقي عرفي كما في مورد الماء والبول فانه وإن كان هناك المزج عرفا لكنه يمكن تجزية أحدهما عن الآخر ولو بالآلات الدقيقة الخارجة عن ميزان تعارف العرف ولا كان التجانس محفوظا بنحو يوجب سلب الميز عرفا كما في مورد خلط احدى الحنطتين بالاخرى فانه وإن كان لا يمكن تداخل الأجسام للاستحالة الاّ انّه لا ميز بينهما عرفا بحيث يمكن تشخيص أحدهما عن الآخر وليسا من باب الاشتباه

الفرق بين صورة الاشتباه والشركة

ص: 139

عند العرف ويمكن اجراء هذا القول في مورد خلط الحبوب الصغيرة بعضها ببعض وان لم يكن بينها تجانس كما في السمسم والجاورس .وعلى كلّ حال فصورة الاشتباه خارجة عن مورد الشركة والاتلاف . بل هي صورة خاصّة غير مرتبطة بهما وهي كما في مورد البحث من الدراهم فانه لا يكون خلط أحدهما بالآخر من باب الشركة وان كانا من جنس واحد وأوجب الخلط سلب الميز لعدم مساعدة العرف بل من باب الاشتباه كما في الأغنام وخلطها بغيرها فانه لا يوجب الشركة بل من باب الاشتباه وعلى هذا .

فالرواية(1) في مورد الدراهم تكون على القاعدة وكون المال بينهما نصفين لعدم الشركة ولا الاتلاف . وهذه الرواية أحد أدلّة القائلين بانتصاف المال المردّد فافهم واغتنم . وممّا ذكرنا عرفت ان مورد مزج الماء بالماء واللبن باللبن هو مورد الشركة ويتلوه في هذا مورد خلط الحنطة بالحنطة فانه وان كان له شباهة بمورد الدراهم وخلطها بأمثالها لكن بمورد مزج الماء بالماء أشبه .

عود على بدء: قد عرفت ان العلم التفصيلي ليس طريقيّته قابلة للجعل اثباتا ونفيا وانه منجز للواقع في ناحية المخالفة والموافقة وان العلم الاجمالي مثله

في المنجزيّة وكونه طريقا . كما انه يجب فيه الموافقة القطعيّة وتحرم المخالفة القطعيّة وبينهما الملازمة بلا فرق بين أنحاء العلم الاجمالي ( بالتكليف ) فانه منجز

سواء تردّد متعلّقه بين الواجب والحرام وكان جنس الالزام معلوما أم لا بل المعلوم كان هو النوع وتردّد متعلّقه بين أمرين أو امور فانه منجز في جميع هذه

ص: 140


1- . وسائل الشيعة 18 الباب 12/1 من كتاب الصلح .

الصور الخمس التي ذكرها الشيخ قدس سره (1) في المقام وان خالف هنا لما يذكره في(2)مبحث البرائة والاشتغال من لزوم العلم بنوع التكليف .نعم قد يقال بجواز الترخيص في بعض الأطراف وان حكم العقل بوجوب الموافقة القطعيّة انما هو فيما اذا لم يرد ترخيص من الشارع في بعض الأطراف . والا ففي صورة الترخيص لا يكون التكليف الواقعي على تقدير ثبوته في الطرف المرخص فيه منجزا بخلافه في الطرف الآخر . بل من حكم الشرع نستكشف عدم كون التكليف في مورد الترخيص منجزا أو تكليفا فعليّا .

الا انك عرفت الاشكال في هذاا المبنى وانه ملازمة بين وجوب الموافقة القطعيّة وحرمة المخالفة ولا يمكن ورود الترخيص في أطراف العلم كما ذهب(3) إليه المحقّق الخراساني قدس سره في بعض كلماته . وعرفت أيضا ان لتحقق العلم بالتكليف شرايط لا يكون بدونها العلم علما بالتكليف يجمعها تعلق العلم بالتكليف الفعلي المتوجه إلى شخص العالم على نحو يكون قابلاً للامتثال ولم يكن هناك ما يقتضيه الاجمال من انقلاب الواقع ولم يكن ما يقتضي تبدله على ما مر مفصلاً في مورد التحالف والتداعي والدرهم الودعي . ففي الأخير يكون الاجمال موجبا للتنصيف واقعا كما عرفت أو الشركة وفي سابقه يوجب التحالف تبدل الواقع والملك كما في الاقالة إلى غير ذلك كما انك عرفت ان في مورد عدم قدرة المكلف على الامتثال لا مجال لتأثير العلم وله شرايط تذكر في محلّها . وكذلك لابدّ أن لا يكون أحد الأطراف معلوم التكليف بسبب سابق والا فلا يكون علم بالتكليف اذا

الملازمة بين وجوب الموافقة وحرمة المخالفة

ص: 141


1- . فرائد الاُصول 1/27 - 13 و403/2 - 314 .
2- . فرائد الاُصول 1/27 - 13 و403/2 - 314 .
3- . كفاية الاُصول 2/214 - 215 .

لم يقتض السبب الثاني أثرا زائدا كما في مورد اصابة البول واحدا من أحد الانائين الذين أصيب أحدهما بدم سابقا فانه يؤثر العلم بخلاف ما اذا كان اللاحق كالسابق دما أو بولاً فلا أثر للعلم بل لا يتحقّق علم إلى غير ذلك من الشرايط التيترتبط بمسئلة تحقق العلم بالتكليف .

بقي هنا أمر لابدّ من التنبيه عليه وهو لزوم الموافقة الالتزاميّة ومانعيتها عن جريان الأصل في أطراف العلم الاجمالي وعدمه . فنقول للموافقة الالتزامية يمكن أن يكون معاني . فانه قد يراد منها التصديق بنبوّه النبي وانه صلّى اللّه عليه

وآله صادق القول فيما أتى به وانه من عند اللّه تبارك وتعالى . واخرى يراد بها لزوم الانبعاث عن البعث والانتهاء عند نهيه واستحقاق العقوبة على مخالفته . وثالثة يراد بها البناء والالتزام القلبي على كون التكليف حقّا ثابتا مضافا إلى العلم

بذلك وهذا بعد عدم ارتباط لها بمسئلة الموافقة للتكليف والاتيان بالواجب وترك الحرام فانه غير مرتبط بالالتزام لجواز الاتيان بما هو واجب وان لم يلتزم بوجوبه وترك ما هو حرام بلا بناء قلبي والتزام على كونه حراما ويكون الداعي له الخوف مثلاً .

أمّا المعنى الأوّل . فلا ريب في عدم كونه مرتبطا بمسئلة امتثال التكليف بل هو من لوازم الايمان وبدونه لا ايمان فلا معنى للبحث عن وجوبه وعدمه . كما ان المعنى الثاني أيضا لا وجه له . وما يمكن أن يقال بوجوبه ولزوم الالتزام به هو المعنى الثالث فانه يمكن العلم بوجوب الواجب وحرمة الحرام ومع ذلك لا يلتزم به ولا يبني عليه ولا يعتقده وهو بهذا المعنى لا دليل عليه عقلاً ولا نقلاً اذ لا يلزم

سوى الموافقة للتكليف فعلاً عملاً خارجا أمر آخر ولا عليه دليل .

في الموافقة الالتزاميّة

ص: 142

ثمّ انه لو فرض وجوب الالتزام به فهل يجب في أطراف العلم الاجمالي

ويمنع منه جريان الأصول أم لا ؟ لا اشكال في انه على فرض مساعدة الدليل على وجوبه في أطراف العلم الاجمالي لا يمنع وجوب الالتزام عن جريان الأصل لو لم يكن مانع من جهات اخر كما اذا دار الأمر بين الواجب والحرام فيمورد واحد حيث لا يكون هنا إلاّ حكم العقل بالتخيير تكوينا فانه اما أن يفعل أو يترك ولا ثالث لهما قطعا .

ويمكن الاشكال في جريان أصل عدم الوجوب وكذا عدم كونه حراما لعدم الأثر . ومع الغض عن هذا الاشكال لا وجه لمنع الموافقة عن جريان الأصول لكون وجوب الموافقة التزاما لو قلنا به غير مرتبط بجريان الأصل ( معلوما ) في أطراف المجمل اذ ما يجب موافقته هو الالتزام بالواقع على ما هو عليه وما يجري فيه الأصل غير ذاك فلا ربط لأحدهما بالآخر . إذ لا يجب الاعتقاد بأحد طرفي المعلوم بالاجمال كي ينافي جريان الأصل فيه لعدم وجوب الالتزام بالتكليف أو بضدّه تخييرا لما في الالتزام بأحدهما بخصوصه من احتمال عدم كون الواقع هو ذاك فيكون الالتزام بضدّ التكليف واعتقد حرمة ما هو واجب واقعا أو وجوب ما هو حرام كذلك .

توضيح وتبيان قد سبق البحث في ان العلم الاجمالي كالتفصيلي في المنجزية لا يجوز ارتكاب أطرافه اذا تعلق بالحرام ولو بترخيص من الشارع لكونه علّة تامّة في لزوم الاجتناب وحرمة المخالفة القطعيّة ووجوب الموافقة القطعيّة ولو ورود الترخيص من الشارع كان كاشفا عن عدم كون التكليف على تقدير كونه في الطرف المرخص فيه فعليّا ( اذ حينئذٍ يمكن اجراء الأصل في

ص: 143

الطرف الآخر لكونه شبهة بدوية ) هذا تمام الكلام في مباحث القطع .

الكلام في مباحث الظن

قد عرفت في صدر العنوان والورود في مباحث القطع ان الكلام في ثلاثة أبحاث وقد تمّ مباحث القطع . فالمقام الثاني في الظن وقد وقع الكلام في امكانالتعبّد به من الشارع بعد ان لم يكن بنفسه كالعلم طريقا ذاتيّا لا يمكن فيه الجعل اثباتا ونفيا .

ثمّ انه حصل الكلام في المراد بهذا الامكان هل هو الامكان الذاتي أو الوقوعي وعدم لزوم محذور في ناحية العقل والشرع والعرف .

وكيف كان فمرادنا بالامكان هو عدم لزوم محذور من ناحية جعله والتعبد به اذ استشكل في ذلك بلزوم تحليل الحرام أو تحريم الحلال والتصويب وتفويت الملاك وبقاء الحكم بلا ملاك ولزوم اجتماع المتنافيين أو الضدين وإلى ذلك يرجع اشكال ابن قبة المعروف . لكن قبل ذلك في المقام اشكال آخر لو انحلّ لكان مجال لورود الاشكالات الأربعة من ابن قبة . والا فلا تصل النوبة إلى الاشكال بشعبه الأربع . وهو ان الشارع في مقام الجعل والتعبد بالظن ( كالامارات والطرق العادية مثلاً ) هل تعبدنا بخصوص المصيب من الطرق والامارات أو الأعم منه ومن غير المصيب . فان كان قد تعبدنا بخصوص المصيب كما هو مقتضى المذهب من عدم الموضوعيّة في الطرق والامارات لانها ليست الا طرقا وبطلان التصويب بالاجماع فلا يفيد لعدم العلم بخصوص المصيب .

وفي صورة الشك في ان هذه الاماراة مصيبة أم لا لا يمكن التمسّك بها

ص: 144

لكونه من التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة . واذا علمنا بكونها مصيبة فلا حاجة لنا إلى الامارة بل العبرة بالعلم . وان كان الجعل للأعم من المصيب وغيره فيندفع هذا الاشكال لكن يرد اشكال التصويب وكونه التزاما بخلاف المذهب واصول المخطئة .

وعلى كلّ حال فلا فائدة في جعله وتعبّده بالظن .

لكن قد يقال في مقام دفع الاشكال بعدم الالتزام بكون الامارات وجعلهاعلى الموضوعيّة والسببيّة . بل نلتزم بالطريقيّة فيها والجعل والتعبد لخصوص المصيب دون غيره وفي مورد غير المصيب لا يكون إلاّ انشاءات صورية لا واقع لها .

ثمّ انه يترتّب على الجعل الشرعي وتعبّدنا بخصوص المصيب تنجز الأحكام الواقعيّة التي هي تكون مورد الامارات المصيبة ونعلم بمنجزيتها وان الشارع يريدها في ظرف مصادفة الامارة للواقع كما في ساير موارد العلم الاجمالي فهذا يحقّق لموضوع الاحتياط في أطراف دائرة الامارات بالأخذ بها لكونها منجزة للاحكام الواقعيّة على فرض المصادفة . وليس كذلك الاحتياط الشرعي فانه يشكل تصويره لكونه على فرض اصابته للواقع فيلزم اجتنابه واقعا كما لو كان المال المشكوك انه ماله أو مال غيره مال الغير والا فلو كان لنفسه فلا يحرم عليه ولذا عبّر الشيخ قدس سره في رسائله(1) عن الاحتياط الشرعي بالحكم الجعلي النفسي لا الطريقي اذ الاحتياط في المقام هو الاحتياط العقلي الحاصل في جميع موارد العلم الاجمالي بالتكليف .

في التعبّد بالظن

ص: 145


1- . فرائد الاُصول .

واستشكل سيّدنا الاستاذ قدس سره بكون الانشاء صوريّا في غير مورد المصادفة لكن لا مجال لانكار اندفاع محذور اللغوية بذلك الا ان الاشكال يرد من ناحية اخرى وهو انه انما يصح اجراء قواعد العلم الاجمالي في المقام لو لم يكن من دوران الأمر بين المحذورين واما مع احتمال الحرمة وعدم اصابة الامارة للواقع بل اصابتها بخلافها وضدها كما اذا كان الحكم الواقعي هو الحرمة والمؤدّي هو الوجوب فلا مجال للاحتياط كما ان الأمر لابدّ أن يكون كذلك في ساير مواردالعلم الاجمالي والا فلا فائدة فيه .

والجواب عن هذا الاشكال هو عدم منجزية العلم الا في ما تعلّق به لا بالنسبة إلى جميع الأحكام الواقعيّة بل المقدار المسلم هو تنجز الأحكام الواقعيّة التي تكون في مورد الامارات لو كان الجعل ودليله في موردها وهي مع مورد الشهرات أو خصوص الأخبار على فرض عموم الجعل لعموم دليلها أو خصوصه والا فلو كان العلم الاجمالي في مورد الاخبار موجبا لتنجز جميع الأحكام الواقعيّة ولو خارجة عن موردها ومؤدّاها فاللازم سد باب البرائة الشرعيّة رأسا وهو خلاف ما عليه العمل . فليس الا التنجز في خصوص مورد مورد العلم الدائر مدار سعة الجعل وضيقه . فعلى فرض تأدي الامارة إلى الواجب وكون الحكم هو الحرام في الواقع أو محتمله أو ان ظاهر الخبر الفلاني هو الحرمة ونحتمل الوجوب فلا تنجز للحكم الذي لم يؤد إليه المؤدي فلا محذور في مخالفته هذا كلامه قدس سره .

لكن لا يخفى ان هذا الكلام انما يتمشى بناء على جعل الطريقيّة كما يذهب إليه صاحب هذا المبنى وان كان يلتزم بعدم قابليّة السببيّة والشرطيّة والجزئيّة

ص: 146

والمانعيّة للجعل . لكن الطريقيّة قابلة للجعل في مورد الظنّ أو مطلق الامارات واما بناء على مذهب من لا يرى الا الحكم التكليفي بوجوب الموافقة لمؤدى الامارة أو مبنى عدم انجعال الطرق بل هي طرق عقلائيّة فلا يتمّ . الا ان الغرض مجرد تصحيح التعبد بالظن شرعا وانه لا مانع منه وانه ممكن ومع ذلك يرد عليه الأخذ بالأخبار حتى في مورد النفي ولا يختصّ العمل بخصوص مثبتاتها بل العمل على مثبتها ونافيها وهو لا يناسب هذا المبنى . كما انه لا وجه للمعارضة عليه أيضا بين الأدلّة .ثمّ انه يكون مجال للاشكال المنشعب إلى أربع شعب وهو ان مؤدّى الامارة المخالفة للواقع اما ان يكون هو الحكم الفعلي فلو كان واجبا والواقع حراما وهو واجب فيلزم تحليل الحرام وبالعكس وان كان عن ملاك . وعليه فيلزم بقاء الحكم الواقعي بلا ملاك كما انه لو كان لكل منهما الملاك فيلزم التخيير بينهما . كما انه يلزم اجتماع المثلين في مورد الاصابة والضدّين والمتنافيين في غير موردها ويلزم تفويت الملاك على المكلّف فيما اذا كان واجبا وأدّى الخبر إلى غير الواجب كالمباح مثلاً .

وأجيب عن اشكال التفويت بوجود هذا القدر في مورد العلم الوجداني لكنه . فيه انه فوت لا تفويت . وانما يلزم التفويت فيما اذا كان المكلف بطبعه كان يصل إلى الواقعيّات بالطرق العادية والعقلائيّة والشارع بجعل الظن طريقا قد فوت عليه الواقعيّات وجعله في مخالفتها وفوات الملاك منه وهو انما ينحصر بمورد انفتاح باب العلم بحيث يمكن تحصيل العلم والا ففي صورة انسداد بابه في حال حضوره علیه السلام أو غيبته بحيث يقع في مخالفة الواقعيّات أزيد من ذلك فلا مانع منه بل

ص: 147

في المقام قد حفظ ملاكات لم تكن محفوظة لو لا الجعل . كما ان الفوت كان يلزم بطبعه ولو لم يكن للشارع جعل تعبد بالعمل بالظن وان مصلحة التسهيل النوعيّة تقتضي الجعل لمطلق الامارات لتقدم مصلحة النوع على الشخص عند الشارع وهنا مجال للمصلحة السلوكيّة على ما ستطلع عليها .

تكميل وتوضيح: قد ذكرنا توجه الاشكالات على حجيّة الظن وفي ذلك لا فرق بين المباني التي التزم بكل منها طائفة . فانه سواء قلنا بمبنى تتميم الكشف أو جعل المنجزيّة والمحرزيّة أو قلنا بكون الطريقيّة كالحجيّة قابلة للجعل أو التزمنا بما قاله بعض المحققين من ما عرفته من العلم الاجمالي وكون احتمالمصادفة الامارة منجزا للواقع . اذ يرد على ذلك كلّه اشكالات تنقسم على طائفتين . فطائفة ترجع إلى الاشكال الملاكي وهو لزوم التصويب لو كان قيام الامارة موجبا لحصول المفسدة أو المصلحة في المتعلق أو انه يشترط في الأحكام الواقعيّة عدم قيام الامارة على الخلاف مع الالتزام بالواقع . وتفويت المصلحة والالقاء في المفسدة وكون الحكم بلا ملاك لو كان مؤدّي الامارة مستوفيا لملاكه ولو كان كالواقع موجبا للمصلحة وواجدا لها فلازمه كونه في عرضه وجعل المولى التخيير وان كان يمكن الجواب عن الأخير بأنّه حيث ان جعل الامارة في طول الواقع وظرف الشكّ فلا يمكن التخيير خصوصا اذا فرض العلم بالواقع فلا مورد للمؤدى وان كان اطلاق الواقع شاملاً لحال قيام الامارة . والطائفة الثانية ترجع إلى الخطاب وهي لزوم اجتماع المثلين فيما وافقت الامارة للواقع والضدّين فيما اذا خالفت .

اما اشكال تفويت الواقع على المكلف بجعل الامارة فقد اجيب عنه بلزوم

اشكال جعل الظن حجّة

ص: 148

الفوت في العلم الذي حجيته ذاتية . لكنه لا مجال لهذا الجواب بعد ان لم تكن حجيته مجعولة نفيا واثباتا ولا يمكن للمولى الردع عن متابعة قطعه ولو خالف الواقع بخلافه في المقام حيث انه يستند الفوت إلى المولى وان كان لولاه لكان يلزم ذلك الا انه لا يصحح تفويت المولى للمصلحة .

واعلم ان الاشكال إنّما يتوجّه في حال الانفتاح كما ذكرنا . اذ في ذلك الحال يمكن للمكلّف تحصيل العلم بالواقع لو لم يجعل له الامارة وليس المراد حصول العلم الفعلي بالواقعيّتات إذ حينئذٍ لا معنى للجعل والتعبّد بالامارة بل المراد امكان تحصيل العلم بالواقع . فالاشكال يتوجه في هذا الفرض الذي يمكن المكلّف من حصول العلم على القائه في مخالفة الواقع وتفويت المصلحة عليه .وأمّا اشكال التصويب فله صور ثلاث فانه تارة يراد به التصويب الذي قال به الاشاعرة واخرى الذي يقول به المعتزلة وهو لا اشكال في امكانه عقلاً وثالثا يراد به المصلحة في السلوك على ما سنبين .

أمّا الأوّل وهو التصويب الأشعري فان لا يكون للواقع بما هو هو حكم ثابت بل يدور الحكم مدار قيام الامارة ومجرد قيامها يكون موجدا للملاك تكوينا مستتبعا لجعل الحكم على طبقه ان حراما فحرام وان واجبا فواجب وهكذا وهذا ممتنع عقلاً .

وأمّا الثاني فلا دليل على امتناعه عقلاً حيث انه لا انكار للأحكام الواقعيّة فيه وانما قيام الامارة على الخلاف موجب لانقلاب الحكم أو ان الأحكام الواقعيّة مشروطة بعدم قيام الامارة على الخلاف . الا ان الاجماع والنصوص(1) على

ص: 149


1- . الوسائل الباب 4/2 من أبواب مقدّمات العبادات .

بطلانه ولو لاها لم يكن ممتنعا في نفسه .

والثالث: أن لا يكون قيام الامارة موجبا لانقلاب الواقع ولا وجود الحكم مشروطا بعدم قيام الامارة على الخلاف ولا قيامها موجدا للملاك . بل الأحكام الواقعيّة على ما هي عليها يستوي فيها العالم والجاهل كما هو مفاد جملة من الأخبار(1) ولكن فيما اذا أدت الامارة بخلاف الواقع فيكون المولى قد تدارك المصلحة الفائتة بمقدار فوتها بسلوك الامارة وهذا مشروط ببقاء المكلف على عدم انكشاف الخلاف لديه إلى الموت الذي ينتفي به الموضوع . والا فيما اذاانكشف الخلاف فلابدّ من تدارك ما يمكن تداركه وهو معذور بسلوك الامارةوالحاصل انه اذا أدت البينة على تعيين اول الوقت وقد صلى الظهر مثلاً أو عدم دخل شيء في الصلاة ولم يكن كذلك في الواقع فالمكلّف قد فاتت منه مصلحة الصلاة في الوقت بسلوك الامارة فاللازم تداركه بهذا المقدار اذا انكشف له الخلاف بعد الوقت وان كان في الوقت فبمقدار وقت الفضيلة لو كان الانكشاف بعد فوته . وهكذا ولا مانع منه . بل يمكن الالتزام به هذا . ولكن يبقى الاشكال في المحرمات كما اذا قامت الامارة على حلية الكشمش المحشو بالارز وأمثاله أو ان هذا المايع ليس بخمر فشربه وأكل ذاك فقد وقع في المفسدة ولا تدارك له . وليس كما في الموسعات التي يمكن التدارك . الا انه يمكن الجواب بعدم فوات الواقع في الموارد الباقية اما المورد المرتكب له فقد فات ولا بقاء لموضوعه فلا اشكال .

ص: 150


1- . الوسائل 1 الباب 4/2 من أبواب مقدّمة العبادات .

واعلم ان المصلحة السلوكيّة على ما ذكرنا عن المحقق النائيني قدس سره (1) في ما اذا خالفت الامارة للواقع يمكن تصويرها في الواجبات كما سبق وفي المحرّمات فقد عرفت الاشكال فيها من ناحية الوقوع في المفسدة فاين التدارك . وقد سبق الجواب عن هذا الاشكال من امكان الخروج عنه بعدم بقاء الموضوع فلا مورد للتدارك عن الفائت . نعم لا بأس في الباقي من موارد الابتلاء لكن ليس تصويبا بل هو لو فرض توجهه تفويت الواقع ولكن الكلام في المصلحة السلوكيّة والتدارك وانه بعد ما فرض عدم مصلحة في المؤدّى على فرض بطلان التصويب وعدم انقلاب الواقع بقيام الامارة على خلافه وعدم ايجاد القيام ملاكا للحكم فأيّ مصلحة في السلوك المجرّد عن الواقع والاعتماد عليه . اذ ليس من قبيل ما وردفي الرجوع عن غير طريق الذهاب الذي ورد فيه(2) انه ارزق مع اشتراكه مع الرجوع من طريق الذهاب في الايصال الى الواقع لعدم ادراك الواقع على تقدير المخالفة رأسا . وكيف يمكن الالتزام بتدارك المصلحة لو كان في الواقع واجبا وادت الامارة إلى حرمته أو بالعكس بل يكون المقام من قبيل ما يقال من الموارد التي تكون المصلحة في نفس الامر وعدم المصلحة في المتعلق . غاية الأمر يكون قيام المصلحة بنفس الأمر ولا مصلحة في فعل المكلف لحصولها حسب الفرض بأمر المولى بخلاف المقام لقيام الاعتماد به لأنّه فعله وأي مصلحة في السلوك وأي تدارك منه بحسب ما فات من المكلف من الاعتماد على الامارة فان كان بمقدار فضيلة الوقت فبحسبه وان كان في أصل الوقت فبقدره ولو كان في تمام

في المصلحة السلوكيّة

ص: 151


1- . فوائد الاُصول 3/95 الى 97 .
2- . وسائل الشيعة 7 الباب 36/1 - 2 من أبواب صلاة العيد .

العمر فكذلك . اذ لا يكون غير مصلحة الانقياد للمولى الحاصل في فرض المصادفة وعدمها فيكون في صورة المخالفة قد فات منه الواقع فلا وجه للالتزام بالمصلحة السلوكيّة على هذا الوجه ولذلك اضطربت كلمات المحقّق النائيني في دوراته على حسب ما نقله سيّدنا الأستاذ رحمهم االله .

فتارة يلتزم بالمصلحة السلوكيّة على ما عرفت وفي دورة اخرى يعدل عنها إلى مصلحة التسهيل ثمّ الاشكال فيها بأنّه لو وصل إلى حد العسر والحرج فيرفع بهما والا فيفوت الواقع من المكلف لكون مصلحة التسهيل نوعيّة لا يتدارك بها مصلحة الشخص الفائتة . وحينئذٍ فيكون التفويت قبيحا حتى انه لا مجال لاحتمال صدوره . وذهب في الدورة الأخيرة إلى امكان استلزام جعل الطرق والامارات لحفظ عدد من الواقعيات لم يمكن ضبطه بالعلم وعدم الجعل ( اذ ليس المراد منالعلم هو العلم الفعلي بل هو امكان تحصيله من المكلف والا فلا معنى للامارات وغيرها في طرف العلم ) كما لو فرض حصول المخالفة للواقع في فرض العلم في موارد خمسة والامارة يخالفها في ثلاثة موارد فانه وان كان التفويت في المقام بخلاف العلم لأنّه الفوت لا التفويت ولكن بالنسبة إلى الموردين يكون الامارة قد حفظا بها بخلاف العلم فانه اذا احتملنا هذا وكان ممكنا يكفينا الخروج عن محذور تفويت الواقع وقبحه ولو احتملنا كون الاصابة من الامارة في موارد مهمة بالنسبة إلى موارد خطأها فيها وفي العلم كان الأمر بالعكس فيحتمل فوات الأهم بسبب الامارة لكنه احتمال كاحتمال احتفاظ الواقعيّات أكثر من العلم . فعلى هذا لا يبقى مجال للاشكال من ناحية التفويت كما انه لا مجال لاشكال التصويب .

فظهر بما ذكرنا عدم توجه الاشكال من حيث الملاك .

ص: 152

أمّا الاشكالات في ناحية الخطاب . اما اجتماع المثلين على تقدير

المصادفة فليس باشكال نعم اشكال اجتماع الضدين وطلبهما له مجال . الا انه مبنى على جعل الحكم في مورد الامارات واجتماعهما والا فعلى مبنى الطريقيّة وجعل الاحراز خصوصا لو فسرنا بانجعال الطرق أو تتميم الكشف وبالجملة على المباني المتكي عليها في الامارات غير ما يلتزم فيها بجعل الحكم الظاهري لا مجال للاشكال مع احتفاظ الواقع . وانما الخلاف في اصابتها وعدمها . والا فالواقع محفوظ في كلتا حالتي العلم والشك فلا يتوجه اشكال بقاء الحكم بلا ملاك أو التصويب لو كان غير باق على حاله . فالاشكال لو توجه فانها هو في الاصول خصوصا غير التنزيليّة اما في مورد الامارات فقد عرفت انّا في راحة عن الاشكال والجمع بين الحكم الواقعي والظاهري لعدم جعل للحكم في موردها . ثم ان الجمع بين الحكمين على فرض الالتزام بجعل الحكم بتعدد الرتبة غير مجد مالم يرجع الى تعدد الموضوع .

تتميم لا يخفى ان المصلحة السلوكيّة على نحو يتدارك بها ما فات من مصلحة الواقع ( لا معنى لها ) لاشتراك صورة الموافقة للمخالفة في الامارة في الانقياد وحصول الاعتماد عليها وسلوكها . فلو كان شيء يترتب على ذلك فيشتركان فيه ولا يختص بصورة المخالفة ويزيد صورة المصادفة حصول الواقع للمكلف وعود المصلحة إليه وعدم وقوعه في مفسدته بخلاف صورة المخالفة فليس فيها الا ما يترتب على السلوك فقط وقد فاته ما للواقع فاين التدارك حتى يتدارك بالسلوك ما فاته من مصلحة الواقع ان قليلاً فقليلاً وان كثيرا فكثيرا .

نعم يمكن أن يقال بفوت كلتا المصلحتين في صورة العلم ومخالفته للواقع

جواب اشكال الخطاب

ص: 153

لأنه لا واقع ولا سلوك على الامارة بل متابعة للعلم المخالف للواقع الذي لا يترتب عليه شيء بخلاف مخالفة الامارات للواقع فانه يترتب على متابعتها مجرد ما يترتب على السلوك والاعتماد عليها . اما الواقع فيفوته في كلا المقامين وهذا فرق بين مخالفة العلم والامارة .

ثمّ انه يمكن انكار موضوع التفويت للمصلحة أو قبحه وانه يمكن أن لا يكون للواقع تلك المثابة من الأهميّة بحيث يوجب جعل الاحتياط لحفظه حتى في مرحلة الشكّ فيه وانما اللازم حفظه من ناحية جعل الحكم وانشائه من ناحيته بحيث لو علم به ينبعث على وفقه ويتحرك بتحريكه وليس قد فوت عليه في مورد جعل الامارة والطريق شيئا ولا يمكن الحكم بذلك لعدم علمنا بأن مورد قيام الامارة على الترخيص والاباحة أو مجرى أصلها كان حراما أو واجبا ويكون قد فات منه مصلحة الواجب ووقع في مفسدة الحرام لاحتمال كونه كذلك في الواقع وانه هو الترخيص مع انه لو كان حراما أو واجبا ورخص الشارع فيه فليس لهتلك الأهميّة سواء قلنا بكون الأحكام مجعولة أو هي عبارة عن الارادات المبرزة فانه اذا لم يكن علم ولا ابراز فلا احراز للارادة ولا يجب على المكلف الاحتياط .

نعم لو أراد الشارع حفظه في هذه المرحلة فيوجب عليه الاحتياط والا فيحفظ الواقع من ناحية جعل الحكم والخطاب .

فتبين بما ذكرنا عدم لزوم تفويت على المكلف وانه لا مجال للاشكالات الملاكية رأسا .

وبما ذكرنا ونذكر في رفع التنافي بين الترخيصات الشرعيّة في مجاري الاصول يظهر المراد من الامكان المبحوث عنه في صدر البحث لجعل الظن طريقا

ص: 154

حجة وانه عبارة عن الامكان الوقوعي الذي هو بمعنى عدم لزوم محذور من سنخ هذه المحاذير .

بقي الكلام في رفع التنافي بين الخطابين واشكال اجتماع المتنافيين والمثلين . لكنك قد عرفت عدم توجه الاشكال في ناحية الامارات لعدم جعل فيها للحكم بل ليس الا الاحراز والطريقية بلا جعل للحكم فان أصاب الواقع فهو والا فالحكم على حاله .

نعم يتّجه الاشكال في الاصول الشرعيّة كاصالة الحل والاباحة وأمثالهما ممّا يجري في موارد الشبهات الأعم من الحكميّة والموضوعيّة وان الواقعة المشكوك حكمها حلال واقعا بهذا العنوان وان الخمر المجهول المشكوك بهذا العنوان مباح واقعا وتقييد حرمته بصورة العلم بانه اما أن يلزم التصويب على تقدير عدم فعليّة الحكم الواقعي في ظرف الشكّ أو الالتزام بعدم استحالة اجتماع الضدين والمتنافيين من الوجوب والحرمة وانه لا محذور فيه .

وقد اجيب عن الاشكال بوجوه ربما تزيد على خمسة منها كون أحدالحكمين واقعيّا والآخر ظاهريّا .

ومنها الجمع بتعدد الموضوع بكون موضوع الواقعي الواقع بما هو هو والظاهري الواقع المشكوك ولكنه وان لم يمكن اجتماع الشك في رتبة الواقع الا ان اطلاق الحكم الواقعي يشمل حالة الشك فكيف يمكن التوفيق .

ومنها ما ذهب اليه المحقّق النائيني قدس سره ممّا سنشرحه . ومنها عدم التنافي بين الوجوب والحرمة وغيرهما من الأحكام الا في ظرف المحركية والأثر الفعلي بأن يكون أحدهما باعثا له نحو الفعل والآخر نحو الترك .

وجوه الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري

ص: 155

اما اذا لم يكن كذلك بل لا بعث لأحدهما لعدم المعلوميّة فلا تنافي بينهما إلى غير ذلك من الوجوه المذكورة في المقام ولا يصح واحد منها في مقام رفع التنافي .

تكميل: قد عرفت عدم توجه الاشكال في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري في الامارات لعدم الالتزام بالحكم الظاهري في موردها بل حالها حال العلم فان أصابت فهو والا فليس الا المعذورية بلا ترتب جعل حكم ظاهري ولا اشكال الجمع بينه وبين الحكم الواقعي والتوفيق بينهما .

نعم كما سبق يتوجه الاشكال في الاصول الشرعية كجعل الحل في اصالة الحل وجعل ساير الأصول الشرعيّة في مورد الشكّ على أنحائها . فانه لو ورد الترخيص بالحلية أو بالبرائة الشرعية لأدلّة البرائة كحديث الرفع مثلاً فان كان الحكم في الواقع هو الحرمة فيكون من اجتماع الضدين وان لم يكن الحكم الواقعي في هذا الحال فيتوجه اشكال التصويب واختصاص الأحكام بالعالم بها .

وأجيب عن الاشكال تارة بما سبق من الجمع بينهما بكون أحدهما واقعيا والآخر ظاهريا وأنت ترى ما في هذا الجواب حيث ان الاشكال يتوجه بكلا شقيهعليه . فان كان الحكم الواقعي موجودا في ظرف الشك فيكون من الاجتماع والا فالتصويب واخرى بتعدد الرتبة وتقدم رتبة الواقع على رتبة الحكم الظاهري المجعول فى ظرف الشك .

ولا يخفى ان تعدد الرتبة لا يجدى في رفع الاشكال ما لم يرجع الى تعدد الموضوع ولا يمكن تعدد الموضوع بأخذ موضوع الحكم الظاهري هو الشك بلا فرق بين أخذ الشكّ موضوعا تقييديا أو يكون حيثا تعليليّاً لترتب الحكم على

ص: 156

نفس الواقع والموضوع وثالثة بعدم تضاد الأحكام الا في مقام البعث والتحريك وان الأحكام ليست كالاعراض الخارجيّة مثل السواد والبياض المستحيل اجتماعهما في مورد واحد ولو من شخصين ومريدين يريد احدهما تسويده والآخر تبييضه بل حالها حال الحب والبغض والارادة والكراهة ولا يمتنع كون شيء واحد محبوبا ومبغوضا في حالة واحدة . غاية الأمر لا بالنسبة إلى شخص واحد بل شخصين أحدهما يريده والآخر يكرهه ويتصف بالنسبة للمريد بالمحبوبيّة وللآخر بالمبغوضية .

ويشكل بانه على فرض كون الاحكام لم تكن على نهج الاعراض الخارجيّة ولم يمتنع اجتماع الارادة والكراهة في مورد واحد بالنسبة إلى شيء واحد الا انه يمتنع في المقام لكونه اما محبوبا أو مبغوضا لعدم التعدد في طرف النسبة .

ومن ذلك يظهر اشكال الجمع بين الحكمين بالانشائي والفعلي مع عدم استلزام تعلق العلم بالحكم الانشائي لوجوب المتابعة والامتثال .وذهب المحقق النائيني قدس سره (1) في المقام إلى تعدد الرتبة وتصوير الخطابالمتمم .

توضيحه: بتلخيص وتحرير منا ان متعلق الحكم الواقعي الواقع بما هو هو ومتعلق الاحتياط هو الحكم المجعول على الواقع ويكون وجوب الاحتياط أحد أقسام الخطاب المتمم الثلاثة لكونه اما متمما للشمول كما في خطاب دخل قصد القربة في العبادات لعدم شمول الخطاب الأول له أو ينتج ايجابا مقدميا كما في

جواب اشكال الحكم الواقعي والظاهري

ص: 157


1- . فوائد الاُصول 3/114 إلى 118 .

الخطاب المتمم في المقدمات المفوتة واما أن يكون الخطاب متمما للمنجزية وجهة التحريك والبعث . وخطاب ايجاب الاحتياط هو القسم الأخير ولكن من حيث انه ليس خطابا نفسيا بل طريقيا متمما ففي ما اذا لم يكن هناك حكم بالتحريم في الواقع فلا مورد للخطاب المتمم وليس الحكم هو الحرمة .

نعم في مورد كون الحكم هو الحرمة يكون مقام الخطاب المتمم بالاحتياط كما انه لو قدمنا أخبار البرائة على أخبار الاحتياط وقلنا بالبرائة الشرعية في الشبهات فلا يمكن اجتماعها مع الاحتياط في رتبته وفي عرضه فكما ان ايجاب الاحتياط موضوعه هو الحكم المجعول على الواقع الذي هو الموضوع لخطاب الحكم الأول الذي هو موضوع ايجاب الاحتياط . كذلك البرائة رتبتها متأخرة عن رتبة الواقع ويكون موضوعها هو الحكم الواقعي المجعول على الواقع فلا يكون الحكم الظاهري في مورد حكم الواقع وفي رتبته بل لكلّ موضوع يخصه .

ويرد عليه ان الحكم الظاهري وان لم يصعد إلى رتبة الحكم الواقعي لكن الحكم الواقعي لا مانع من نزوله وشموله لمورد الشك . ومع ذلك كيف يمكن الجمع والا فيتوجه اشكال التصويب وهناك أجوبة اخرى لا طائل تحتها الا ما ذكرهبعض المحققين قدس سره (1) ورتب له أربع مقدمات لا يهمنا الا التعرض لاثنتين منها لأنهما العمدة في ما ذهب إليه .

احداهما كون متعلق الأحكام هي الذوات لا بوجودها الخارجي .

والثانية ان الخطاب لا يحفظ الواقع الا من جهته وانما يمدّ المكلف بهذا القدر واما حفظه من ساير الجهات فليس مرتبطا بأصل الجعل والخطاب وسنحققه

ص: 158


1- . نهاية الأفكار 3/60 إلى 67 .

إن شاء اللّه بما فيه .

وذكر سيدنا قدس سره ان الكل يذهبون إلى شيء واحد وانما يتخيل في بادى النظر ان ما يقوله أحدهم غير ما يقوله الآخر لكن ليس كذلك . نعم الطرق مختلفة .

توضيح وتبيين: ربما يدفع اشكال الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري بعدم كون مؤدى الامارات احكاما بل هي ليست الا طرقا لو صادفت الواقع فهو والا فالمكلف معذور كما انه يلتزم في مورد الاصول التنزيلية كالاستصحاب بانه لا يكون في مورد استصحاب الطهارة فيما اذا لم يكن متطهرا واقعا حكم واقعا ولا ظاهرا بل الموجود صورة الحكم .

لكنه كما ترى . ثم انه تصدى بعض الأعاظم(1) للجمع بينهما بنحو آخر يرجع إلى تعدد الموضوع بتعدد الرتبة وقد رتب لذلك مقدمات سبق التعرض لاثنتين منها وتوضيح ذلك . ان الأحكام لا يمكن أن تكون متعلقة بالوجوادت الخارجية حيث انها موجودة وطلبها يكون طلب الحاصل .ولا يمكن أن يكون معروضها هي الوجودات الذهنية بما هي هي وبما انهامفاهيم لعدم قيام الملاكات بها وكذلك الماهيات بما هي في حيال ذاتها . بل الذي يكون متعلق الارادة والأحكام انما هي الوجودات التصوريّة الذهنيّة لا بما انها كذلك بل بما انها مرآت لما في الخارج بحيث يفرض كانها الخارجيات ويتحقق بذلك الكسب والاكتساب ويتلون الخارج بلون العنوان والعنوان بلون الخارج ويقال ان الصلاة الخارجيّة مرادة كما يطلق على العنوان انها الصلاة وتقوم بها المصلحة ولا يمكن تعلق الأحكام بالوجودات الخارجيّة لكونها ظرف فنائها

جواب بعض المحقّقين

ص: 159


1- . نهاية الأفكار 3/60 إلى 67 .

وسقوطها ولا يمكن بقاء الأحكام فيها .

ولا يسري الحكم من متعلقه إلى الموضوع الخارجي أو باصطلاحنا بمتعلق الحكم أو بمتعلق متعلقه لو كان أمرا خارجيّا ويستحيل اطلاق الخطاب والحكم لحال امتثاله واتيان متعلقه كما يستحيل التقييد .

الثانية ان اختلاف الموضوع تارة يكون بنحو الاطلاق والتقييد وهذا لا يوجب تعدد الموضوع واختلاف الرتبة لرجود المطلق في أقسام الماهية الثلاث ولا يكون عدم لحاظ شيء معه ملحوظا فيه . والا فلا يمكن انطباق المطلق على المقيدات ووجوده معها . ومن ذلك لا يكون استعمال المطلق في المقيد مجازا . واخرى يكون على غير نحو ( الوصف ) والقضيّة الوصفيّة بل يكون من القضايا التعليليّة كما في القضايا الشرطيّة الطلبيّة كاكرام زيد المعلق على مجيئه فالمجيء يكون علّة لوجوب اكرام زيد وهذا مخالف رتبة لذات زيد لكون العلة علة للحكم وموضوعا له وكذلك الشك فالقضية المشكوك حكمها يكون الشك علة لثبوت الحل على المشكوك حكمها لا انه بعنوان الوصف بكونه مشكوك الحكم . بل الموضوع هو ذات المشكوك والشك حيث تعليلي لا التقييدي فرتبته متأخرة عن رتبة الواقع المشكوك حكمها الذي صار الشك في حكمه علة للحكم الظاهري .وعلى هذا فموضوع الحكم الواقعي هو ذات الموضوع وموضوع الحكم الظاهري ذاته في رتبة متأخرة عن الشكّ ولهذا لا يمكن اجتماع الحكمين في مورد ولا يتحقق لهما مجمع فالحلية الظاهرية ليست في رتبة الحرمة الواقعيّة ولا انه يكون موضوعهما واحدا فما ورد فيه الترخيص هو موضوع الحكم الظاهري وما هو الواقع فليس بمنجز .

ص: 160

وفائدة الحكم الظاهري هو الترخيص وجعل الحلية الظاهريّة .

والحاصل: بما ان متعلق الأحكام ليست هي الماهيات والذوات بوجودها الخارجي ولا المفاهيم ولا الصور الذهنيّة بما هي هي . بل بما هي مرآت للخارجيّات بنحو يرى انها الخارجيّات ويدعى انها كذلك وبهذا يكتسب كلّ من العنوان والمعنون لون الآخر لقيام الأثر بالخارج فيصح نسبته إلى ما في الذهن وإلى المرآت كما ان الطلب والارادة لا يتعلقان حقيقة بالخارج لما ذكر ويصحّ نسبتهما إليه للاكتساب .

ويمكن الاشكال في الاكتساب ولا يمكن وجود الخطاب والحكم في ظرف حصول المتعلق ووجوده خارجا لاستحالة التقييد بوجوده كاستحالة الاطلاق بل الخطاب بذاته يقتضي الامتثال لكونه معلولاً للخطاب ولا يمكن أخذه في متعلّقه أو تقييده أو الخطاب به حتى بنتيجة التقييد . وما ذكرنا من عراء الذات في مقام تعلق الارادة بها عن خارجيتها كما انها عرية في ذاك المقام عن كونها وجودا ذهنيّا بل بما انه مرأة للخارج بنحو يرى انه هو وليس بالنظر الحقيقي التصديقي . كذلك قضية الحمل في القضايا الحمليّة واثبات شيء لشيء حتّى المحمولات الأوليّة من الوجود والعدم . فالماهيّة في مقام حمل أحدهما عليها ليست مأخوذة موجودة مقيدة به وإلاّ فيلزم حمل الشيء على نفسه كما انها ليستمركبا للمحمول بقيد انها معدومة لاستحالة اجتماع النقيضين بل تجرّدت عن كليهما ويحمل أحدهما عليها على ما هو شأن لحاظ الماهيّة وتشأنها نفسها في صقعها حيث انه يرتفع النقيضان في ذلك الصقع ثمّ في مقام حمل المحمولات المترتبة على الوجود يحمل المحمولات المترتبة على الذات الموجودة . واذا

تتمّة الكلام

ص: 161

عرفت ذلك وعرفت ان أخذ الشك حيثا تعليليّا موجب لتعدد الرتبة على ما هو الشأن في القضيّة الشرطيّة لا بنحو الوصف . بل بنحو التعليل لامكان انطباق المطلق على المقيد في الوصفيّة وتحقّق الجمع لها بخلاف التعليليّة ( كما هو مبناه في المقدمة الموصلة ) وهذا هو مراده من ايجاب الموصلة بنحو القضية الحينيّة .

علمت تعدد الموضوع في ما نحن فيه من الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري وان موضوع الأول هو الذات بلا لحاظ الشك في حكمها وموضوع الثاني هو الذات المشكوكة على نحو تعليليّة الشك لحليتها الظاهريّة . وعلى هذا فلا يتوجه اشكال التضاد لعدم تحقق مجمع لهما أصلاً لا لكون متعلّق أحدهما هو الخارج وللآخر هو الصورة الذهنيّة بلحاظ المرآتية لأنّها الخارج كما ان اشكال الملاك وتفويته يندفع بما بينه في المقدمة الثالثة من ان شأن المولى سد باب العدم للمتعلق من ناحية جعل الخطاب فالستر والطهور وساير ما يتعلق بالصلاة الخارجيّة تحصيلها من وظيفة العبد وجعل الخطاب اذا علم به المكلف ينبعث فيه في ظرف تعلق ارادته وظيفة العبد الظاهر بل الحق ( وظيفة المولى ) . هذا .

ولا يخفى انه لا مجال لانكار المقدمة الاولى كما عليه المحقق النائيني(1) بل بنى على ذلك امكان الترتب وتصويره لعدم اطلاق الخطاب لمرحلة امتثالهومعلوله بل انما يقتضي بنفسه الامتثال والاطاعة ولا يكون موجودا في ظرف متعلقه كما ان عدم التعلق في رتبة وجوده لاتحاد رتبة النقيضين . وحينئذٍ فلا مانع من أخذ ترك شيء موضوعا لحكم آخر ولا يجتمعان أصلاً بل موضوعهما مختلف ولا مطاردة بينهما لعدم اتّحاد الرتبة . فهذا الذي يقوله المحقّق النائيني وبنى عليه

ص: 162


1- . فوائد الاُصول 3/11 وما بعده .

الترتب هو مرجع المقدّمة الاولى في المقام . فاما أن ينكر الترتب ويلتزم بمقالة المحقّق الخراساني(1) أو انه لابد من التزامه بما بنى عليه في المقام وهو قدس سره أيضا لا ينكر ذلك بل يرى متعلق الأحكام ما ذكره هذا المحقّق لا المتعلق الخارجي وكيف كان فعلى هذا المبنى لا يتوجه الاشكال رأسا .

توضيح وتتميم: سبق بيان تعدد الموضوع في الحكم الواقعي والحكم الظاهري وان موضوع الأوّل هو المتعلّق بما هو هو بلا لحاظ حيث تعليليّة الشكّ في الحكم له وموضوع الثاني المتعلق المشكوك حكمه لا بنحو الوصف بل الذات المجرّدة لكن الشكّ علّة للحكم الظاهري والحلية عليها . وبهذا يتعدد الموضوع بخلاف أخذ الشكّ في الحكم جهة وصفيّة لعدم تعدّد الموضوع عليه لكونه من قبيل المطلق والمقيد وقد حقّق في محلّه عدم أخذ الارسال والتجرد عن القيود قيدا في الماهيّة كي تكون في قبال الماهيّة المشروطة بشيء .

نعم لو كان كذلك يتعدد الموضوع ويكون موضوع الحكم الواقعي هو

الماهيّة المأخوذة فيها قيد الارسال وموضوع الظاهري هو الماهيّة بشرط شيء وهو كونها مشكوكة الحكم . الا انه خلاف التحقيق وعليه بنى عدم مجازية استعمال المطلق في المقيد وان استعمال الرقبة فيها اذا قيدت بالمؤمنة يكونحقيقة مستعملة في معناها الحقيقي بل المطلق هو الماهيّة المجرّدة حتى انه لم يلاحظ فيها التجرد عن القيود كما ارشد إلى ذلك قول القائل:

نه بدام قيود قيد شدم *** نه باطلاق نيز صيد شدم

تعدّد موضوع الحكم الواقعي والظاهري

ص: 163


1- . كفاية الاُصول 1/217 - 218 .

وانه مبنى المحققين المحقّق الخراساني(1) وآقا ضياءالدين العراقي(2) الذي كلامنا في المقام في بيان مراده قدس سره . وليس الاطلاق مأخوذا في مفهوم الماهيّة لما ذكر في محلّه من اشكال عدم انطباقه على الخارجيات بل يكون موطنه العقل وقد بينا في مباحث المطلق والمقيد ان استعمال المطلق في المحمولات (المقولات) الثانية وفي أنحاء المحمولات الخارجيّة على حدّ سواء بلا لحاظ تجريد فيه أصلاً . وعلى كلّ حال فالقضيّة الوصفية لا تفيد في المقام لأنه وان كان الموضوع فيها متعدّدا في الرتبة لتأخر الحكم الظاهري عن موضوعه الذي هو الشك في الحكم الواقعي الذي هو موضوعه نفس الذات والمتعلق فموضوع الحكم الظاهري متأخر عن موضوع الواقعي بأزيد من مرتبة الا انه لا يفيد تعدد الرتبة ما لم يتعدد الموضوع بخلاف أخذ الموضوع ذات المتعلق على نحو يكون الشكّ علة للحكم كما في القضايا الشرطيّة من نحو أكرم العالم إن جائك وان الموضوع هو ذات زيد أو العالم ولا يكون الوصف المأخوذ علّة دخيلاً في الموضوع على نحو تقيده به بأن يكون موضوع الاكرام هو زيد الجائي على نحو ما يقوله المحقق النائيني(3)والا فيرجع إلى قيد الموضوع ولا مجال لاستفادة المفهوم كما يقوله اذ على مبناه يرجع كلّ شرط إلى الموضوع وكلّ موضوع يرجع إلى الشرط وحينئذٍ فلا مجاللأخذ المفهوم لكون التعليق عقليّا . وهذا بخلاف ما اذا أخذنا الموضوع هو ذات المتعلق وكان ظاهر الأدلة كون الشك علّة لثبوت الحكم الظاهري والحلية على موضوعه فلا يتوجه الاشكال أصلاً كما ان اشكال

ص: 164


1- . كفاية الاُصول 1/376 .
2- . نهاية الأفكار 2/560 وما بعده .
3- . فوائد الاُصول 1/482 .

الملاك أيضا ينتفي بما بينه في المقدمة الثالثة من تقسيم الامور الدخيلة في حصول المراد في الخارج إلى ما يكون من ناحية المولى وإلى ما يكون من قبل العبد ووظيفته وان الخطاب لا يحفظ المقدّمات الدخيلة الراجعة إلى الخطاب دون ساير المقدمات . ثمّ اذا لم يمكن استكشاف الملاك من الخطاب الا بهذا النحو الذي لا يكون الواقع فيه محفوظا الا بمقدار اقتضائه فلا ينافيه الترخيص الظاهري على خلافه وعلى ذلك بنى في المقدمة الموصلة كما انه يبني عليه الترتب والا فلا مجال لتصوير المجمع للحكمين فيتضادان ويتخالفان .

هذا ملخّص مرامه قدس سره في الأصول العمليّة غير الاستصحاب اما فيه فيلتزم بأنّه إذا صادف الواقع فهو والا فلا جعل ولا طهارة ظاهريّة ويلتزم(1) في الامارات بما التزم به المحقّق النائيني قدس سره من عدم جعل الحكم الظاهري وانه ليس الا الطريقيّة فان أصاب فهو والا فليس الا المعذوريّة واعترف سيّدنا الأستاذ قدس سره بأن الجمع بين الحكمين الظاهري والواقعي بما بنى عليه في غاية المتانة لا غبار عليه الا ان الاشكال لو كان ففي المبنى . اذ يمكن الاشكال في المقدمة الاولى ويقال هذا الوجود التصوري الذي يدعى انه الواقع والخارج وليس كذلك لا يمكن أن يكون متعلق الحكم اذ لو كان هو متعلقه فحاصل لا معنى لطلبه والوجود الثاني أيضا يكون غيره حتى انه بالتصور الثاني غير الأول فلا معنى لكونالمطلوب هو الوجود التصوري والمفهوم .

ولكن لقائل أن يقول: ننقل الكلام فيه وانه موجود أو معدوم وعليه يترتب الاشكالات في تعلق الارادة بالوجود الخارجي . كما انه يمكن الاشكال في

الاشكال في المبنى

ص: 165


1- . كفاية الاُصول 2/44 .

متعلّق الارادة وانها ليست كالاعراض اللازم لها التعلق بمورد بعد قيامها بالنفس وكذلك في عدم لحاظ الوجود والموضوع للحكم الظاهري وانه هل لحيث الانتساب إلى العلة دخل في الحكم أم لا . والا فلا يجب في مثل سجدتي السهو وأمثالهما قصد الوجوب من ناحية سبب مخصوص لعدم امكان أخذ الانتساب إلى العلّة في معلولها وان المعلول متأخر رتبه فليس إلاّ الوجود المجرّد بلا لحاظ اتّصافه بالعلّة .

ويرد عليه انه لا يمكن لحاظه لا مقيّدا ولا لا مقيدا فاما أن يكون لذلك دخل أم لا . ولا يمكن ارتفاعهما فعدم دخل العلّة في الحكم في مثل أكرم زيدا إن جائك وكون الموضوع هو ذات زيد يرد عليه هذا الاشكال . وأمّا اشكال عدم بقاء التصور الذي ينشأ به الحكم فلا يتوجه لكونه أمرا اعتباريّا والأمر الاعتباري بيد من له الاعتبار . فلا مانع من اعتبار وجوب الامتثال من هذا الأمر والارادة ( أقول: قد يرد على ما قرّره سيّدنا الأستاذ قدس سره من تعدّد الموضوع انه بتعدّد الرتبة واذا هو يصرح بعدم اجداء تعدد الرتبة في الوصفية فلازمه انكار اجدائه في التعليليّة لعدم كونه أزيد من تعدد الرتبة فحينئذٍ ليس كما ذكره سيّدنا الأستاذ قدس سره بل في الوصفيّة يكون الذات محفوظة في رتبة واحدة في كلا المقامين بخلاف التعليليّة فيتعدّد الرتبة فيها دونها وأمّا الاشكالات التي أوردها عليه فليست واردة

بل إنّما هي الذهاب يمنة ويسرة ) .كلام آخر ذهب المحقّق الخراساني قدس سره (1) في الكفاية في الجواب عناشكالات جعل الحجيّة للظن وجعل الأحكام الظاهريّة في موارد الأصول إلى

ص: 166


1- . كفاية الاُصول 2/44 - 53 .

جعل الطريقيّة والحجيّة للامارات الموجبة لتنجز التكليف عند المصادفة والعذر عند المخالفة بلا استتباع لجعل الأحكام الظاهريّة في موارد قيامها بالنسبة إلى مؤدّياتها . فلا يلزم الجمع بين الضدين ولا المثلين كما هو واضح . الا ان توضيح الأحكام الطريقيّة وشرحها سيجيء عند التعرض لكلام شيخنا العلاّمة الأنصاري قدس سره .

أمّا الأصول التنزيليّة فحالها حال الامارات أو حال الأصول غير التنزيليّة فلا تستوجب بحثا مستقلاًّ وأمّا الأصول غير التنزيليّة واجتماع الحرمة الفعلية والاباحة الفعليّة الموجبة للرخصة في فعل الحرام أو بالنسبة إلى الواجب والرخصة في الترك . فيذهب إلى مرتبة(1) من الفعليّة بحيث لا يزاحمها ولا ينافيها الترخيص في ترك الحكم الفعلي وهي مرتبة الفعليّة التي لو علم بها لتنجز . فما لم يعلم بها فلا تنجز له ولا مانع من الترخيص في الترك إذا لم يكن الواقع بمرتبة من الاهميّة تستوجب الاحتياط لحفظه ولا يقول بتعدّد الرتبة ولا بكون الحكم الواقعي في مرتبة الانشائيّة والحكم الفعلي والترخيص الظاهري في مرحلة الفعليّة لورود الاشكال عليها على ما سيجيء شرحه ذيلاً بل المدار في فعليّة الحكم الواقعي على فعليّة موضوعه اما على نهج القضايا الحقيقيّة أو على نهج القضايا الخارجيّة المستوجبة للانشاءات المتعدّدة .

وعلى كلّ حال فالحكم لا يتخلف عن موضوعه كما ان الموضوع محال أنيكون بلا حكم للخلف والناقضة . بل الموضوع والحكم كالعلّة والمعلول لا يكون بينهما إلاّ الترتب الرتبي دون الزماني فحينئذٍ بفعليّة الموضوع يكون الحكم فعليّا

حال الاُصول التنزيليّة وغيرها

ص: 167


1- . كفاية الاُصول 1/52 .

سواء علم به المكلف أو جهل به لعدم اشتراط الفعليّة بالعلم ولا كون الأحكام على الموضوعات المعلومة كالخمر المعلوم . بل الأحكام يشترك فيها العالم والجاهل وهي مجعولة على نفس موضوعاتها سواء علم بها أو بنفس الأحكام المكلّف أو جهل . غاية الأمر اذا علم المكلف بالحكم فلا يمكن الترخيص على الخلاف للتنجز الفعلي من قبل العقل بوجوب المتابعة ومعه لا مجال للترخيص على خلافه وهذه هي المرتبة الفعليّة التي لا مجال لورود الترخيص أصلاً بخلاف المرتبة التي لم يعلم بها المكلف في فرض فعليّة الحكم . فانه وان كانت فعليّة الحكم محقّقة الا ان البعث غير محقق لعدم قبح مخالفة التكليف الواقعي بما هو واقعي بل القبيح مخالفة التكليف المنجز وفي صورة فعليّة الحكم والعلم به وان كان ليس في المبدأ الأعلى الا العلم بالصلاح والفساد ولكن في النفس النبوي أو الولوي ينقدح الارادة والكراهة بالالهام أو بغيره . وفي فرض فعلية الحكم الواقعي وعلم المكلف به فلا يمكن اجتماع الارادة والكراهة والحب والبغض بالنسبة إلى مورد واحد .

نعم في فرض عدم الفعليّة المنجزة اذ لا بعث فلا مانع من الترخيص على خلافه لعدم لزوم محذور ولا يستلزم ذلك التصويب للالتزام بالحكم الفعلي بمعنى انه لو علم به لتنجز . وهذا بخلاف الفعليّة المنجزة فلا يمكن اجتماع الأمرين من الكراهة والارادة والحبّ والبغض . كما انه لا يكون هناك تفويت اذ أرخص في المخالفة ولم يوجب الاحتياط لعدم وصول المصلحة والمقتضى في مرحلة تقتضى ايجاب الاحتياط .

وأمّا عدم التزامه بالحكم الانشائي فلعدم لزوم تعلّق العلم به شيئا فضلاً عنالجهل فلا معنى لكون الحكم الواقعي هو الانشائي والترخيص الفعلي هو الحكم

ص: 168

الفعلي اذ رجع في المقام عن ما بنى عليه في غيره من تصور مراتب أربع للحكم كما انه لم يلتزم بتعدّد الرتبة لأنه وان كان الحكم الظاهري متأخّرا رتبة عن موضوع الحكم الواقعي لكن يشمل اطلاق الحكم الواقعي لصورة الجهل به فلا يجدي تعدّد الرتبة .

هذا ملخّص كلامه قدس سره وأنت ترى انه لا يتوجه عليه عدم معنى لهذا الحكم الفعلي وانه أي شيء ولا معنى لتعدّد المراتب للحكم إذ ليس الا انشاء الحكم وفعليّته وفعليته بفعلية موضوعه فلا معنى للحكم الانشائي . اذ هو قدّس سرّه لم يلتزم في المقام بالحكم الانشائي كما انه لم يلتزم بكون الأحكام مجعولة على نهج القضايا الخارجيّة بل لا يوجد في كفايته مورد يمكن أن يستدلّ به على كونها كذلك بل مشى في مقامين بما لا يمكن توافقه إلاّ مع كونها مجعولة على نهج القضايا الحقيقيّة ولا معنى لا شكال المحقّق النائيني قدس سره عليه بعدم تصوير مرتبتين للحكم الفعلي لأنّه إمّا أن يكون في حال الجهل حكم مجعول على المكلّف أم لا إذ هو قدس سره لا ينكر الفعليّة في صورة الجهل بل إنّما إنكاره للفعليّة المنجزة التي لا يمكن الترخيص على خلافها ولا يتوجه أيضا اشكال تفويت المصلحة واشكال اجتماع الضدين أو المثلين .

نعم لو توجه عليه فهذا الاشكال الأخير اذ في فرض جهل المكلّف إمّا أن يكون محكوما بالحرمة أم لا فان أنكر الحرمة فذاك هو التصويب وإلاّ فكيف يمكن اجتماع الحرمة الفعليّة مع الحليّة المجعولة على هذا المشكوك حكما أو موضوعا فان دفع هذا الاشكال فلا يتوجه عليه اشكال آخر وإلاّ فيمكن التوقف من قبل مبناه .

الدفاع عن كلام المحقّق الخراساني

ص: 169

وأمّا ما دفع به الاشكال المحقّق النائيني في أدلّة الرفع وانه يرجع إلى رفع الاحتياط لا إلى رفع الحكم الواقعي وإلاّ فيكون هذا الحديث من أدلّة التصويب فلا يتمّ أيضا على ما سنبيّنه في محلّه إن شاء اللّه .

عود على بدء: قد عرفت الاشكالات المتوجّهة في المقام وتصدّي المحقّق النائيني قدس سره إلى دفعها ولم(1) يرتض الأجوبة الثلاث التي اجيب بها عن الاشكالات كتعدّد الموضوع وتعدّد المحمول واختلافه وكون الحكم الواقعي انشائيّا والظاهري فعليّا .

أمّا الأوّل فلأن موضوع الحكم الواقعي هو ذات الموضوع بلا طرو عنوان الشكّ في الحكم أو الموضوع وموضوع الحكم الظاهري هو الموضوع المشكوك فلا تصادم بين الحكمين لاختلاف الموضوع .

وردّه المحقّق(2) النائيني بأن في صورة الشكّ إمّا أن يكون الحكم الواقعي موجودا متحقّقا أو لا . فان كان فيلزم الاجتماع وإلاّ فيلزم التصويب . إذ لا يعقل الاهمال في لب غرض الواقع . فالحكم امّا مطلق يشمل العالم والجاهل ولو بنتيجة الاطلاق أو مقيد بخصوص العالم ولا يشمل الجاهل ولا يعقل تصور ثالث لا يكون عليه مطلقا ولا مقيّدا . فاذا كان الحكم الواقعي موجودا في حال الشك والجهل فيلزم محذور اجتماع الحكمين المتخالفين ويعود المحذور ولا يصلح مجرّد تعدّد الموضوع والاختلاف في رفع الاشكال . كما انه بما ذكرنا يظهرالاشكال في جواب تعدد المحمول واختلافه . وان المحمول في الأوّل هو الحكم

ص: 170


1- . فوائد الاُصول 3/100 إلى 103.
2- . فوائد الاُصول 3/100 إلى 103.

الواقعي وفي الثاني هو الحكم الظاهري الاان المحتمل ارادة قائله غير ظاهره وإلاّ ففساده واضح . ويمكن نظره إلى اجتماعهما وعدم تضادهما بأن يكون الحكم الواقعي هو الحرمة أو الحلية غاية الأمر في ظرف الشك رخص المولى في مخالفة الواقع لعدم محذور خطابي واعتقادي في ناحية المكلف ولا في ناحية المولى بعد انضمام مقدمة اخرى إليه وان ليس من اللازم عليه حفظه في ما لم يكن الواقع بتلك المثابة من الأهميّة . بل له الترخيص في المخالفة وليس منجّزا لعدم علم المكلف .

أمّا الوجه الثالث من الجواب وهو الانشائي والفعلي فان للانشائي نحوين من الجعل لأنّه إمّا أن يراد به جعل الحكم على طبق الملاك من الوجوب والحرمة وساير ما يقتضيه الملاكات . ثمّ ينظر انه يتبدل الملاك بحصول الموانع وفقدان بعض الشرايط والعثور على ما لم يلتفت إليه حين الجعل . أو مجرد المقتضى للجعل والحكم ولا ثالث لهذين القسمين . وفي كليهما الاشكال بعدم المعقوليّة وعدم الصحّة حيث انّ المولى إمّا أن يحيط بجهات المصالح والمفاسد ومقتضيات الحكم أو لا . فان لم يكن فلا يمكن له الجعل مضافا إلى عدم كون العلم بالملاك علما بالحكم ولا وجه لتسميته الملاك حكما .

هذا . لكن المحقّق الخراساني قدس سره لم يذهب في المقام إلى الانشائي والفعلي .

نعم في بحث الاجتماع ذهب(1) إلى ذلك حيث بنى على عدم الاجتماع

لوحدة المتعلّق وان الواحد وجودا واحد ماهية ولا يمكن أن يتعدّد .

وعلى هذا فاما أن يكون محكوما بحكم الحرمة أو الحلية في مورد اجتماع

الحكم الانشائي والفعلي

ص: 171


1- . كفاية الاُصول 1/250 - 252 .

الغصب والصلاة ) وليس التركيب انضماميّا كما يقول به المحقّق النائيني(1) بل التركيب اتّحادي فهذا التصرف غصب وصلاة . ولابدّ اما أن يغلب جانب الأمر أو النهي وحيث ان بنائه على الامتناع يشكل عليه الأمر في صحّة الصلاة حال الغصب فيجمع بالانشائي والفعلي وان حرمة الغصب انشائي بخلاف الصلاة فانه فعلي كما ان الشيخ الأنصاري قدس سره ربما يظهر منه الجمع بالانشائي والفعلي حيث يذهب إلى تقديم اصالة عدم الحجيّة على استصحابها بمناط تقديم القاعدة على الاستصحاب لكون جريانه راجعا إلى تحصيل ما هو حاصل بالوجدان بالتعبد فالاجوبة الثلاث كلّها ساقطة .

ثمّ صار بصدد تشييد ما ذهب إليه من الطريقيّة وعدم الجعل في الامارات بل كلها امضائيّة وطرق عقلائيّة .

والمحقّق النائيني قدس سره بعد ايراد الاشكالات على الأجوبة الثلاثة دفع الاشكال(2) بوجه آخر وانه انّما يتوجه الاشكال في الأمارات لو قيل بجعل المؤدى فيها وانها أحكام ظاهريّة فانه لا يخلو لب الواقع من تقييد الأحكام الواقعيّة بعدم قيام الامارة على الخلاف وعدمه فان كان الأوّل فيلزم التصويب المعتزلي المجمع على بطلانه اما التصويب الذي يقول به الأشاعرة فهو غير معقول فلا يقبل التخصيص في مورد أو أزيد كما في التصويب المعتزلي حيث دلّ الدليل على موارد في الشبهات الحكميّة والموضوعيّة أو انه لا تكون مقيدة بل مطلقة ولوبنتيجة الاطلاق وقد وردت على ذلك عدّة أخبار ذكرها في الوسائل(3) وبعضها

ص: 172


1- . فوائد الاُصول 1/424 - 425 .
2- . فوائد الاُصول 3/103 وما بعده .
3- . وسائل الشيعة 1 الباب 4 من أبواب مقدّمة العبادات .

في مقدمات الحدائق(1) يستفاد منها اشتراك العالم والجاهل في الأحكام وانه ما من واقعة الا وله فيها حكم وليس فيها لفظة يستوى فيها العالم والجاهل ولم يذكرها صاحب الرسائل فالنسبة اليه لا أصل لها ) .

فاذا كانت الأحكام يستوي فيها العالم والجاهل فالحكم الواقعي في مورد الامارة والاصول القائمة على خلافها موجود . وحينئذٍ فلو كانت الامارة يجعل على طبق مؤداها الأحكام فيلزم اجتماع الحكمين الواقعي والظاهري ولابدّ من رفع المحذور بخلاف ما اذا لم يكن في مورد الامارات حكم مجعول فانه لا يلزم محذور الاجتماع بل الامارات انما جعل لها المحرزية واعطيت اياها والشارع تمم كشفها اذ تنالها يد الجعل ولو امضاءً كبعض أنحاء الأحكام الوضعيّة وبعضها تناله يد الجعل تبعا لا اصالة وبعضها الآخر قابل للجعل اصالة كالملكيّة والحريّة وأمثالها والوسطيّة والاحراز والطريقيّة من الأحكام الوضعيّة قابلة للجعل .

الا ان مختار المحقق(2) النائيني قدس سره في الامارات انها أحكام امضائيّة ليست طرقا جعلية تعبديّة بل هي كساير الأحكام العقلائيّة ليست تنزيليّة ولا بنائيّة ولا انها رجائيّة ولا احتياطيّة لعدم قابليّة هذه العناوين في مورد خبر الثقة بل ربما يكون الاحتياط والرجاء على الخلاف .

نعم في بعض الموارد يكون مقام الاحتياط والرجاء حسب اختلاف الأنظار والمقامات وليس مبنى حجيّة خبر الثقة والأخذ بقوله وبقول العادل بل منباب حصول الاطمينان والعلم العادي النظامي . وكيف يمكن أن يكون خبر الثقة

في مختار المحقّق النائيني في الامارات

ص: 173


1- . الحدائق الناضرة 1/85 وبعده .
2- . فوائد الاُصول 3/106 - 108 .

بعدم وجود اللّصوص في الطريق الفلاني أن ينزل العقلاء وجود اللّص منزلة عدمه وسلب الأموال منزلة عدمه والقتل منزلة عدمه بل يحصل لهم الاطمئنان .

نعم لو كان المخبر يحصل له الاشتباه فيحتاج إلى اصالة عدم النسيان والاشتباه والغفلة فتكون النتيجة تابعة لاخس المقدمات ولا يكون الخبر حاصلاً منه الجزم والاطمئنان والعلم العادي وهذا اشكال لابدّ من الجواب عنه .

لكن هذا غير ما ذهب(1) إليه الشيخ قدس سره من انتزاعيّة الطريقيّة من الحكم التكليفي وان المجعول في باب الامارات هو وجوب العمل بخبر العادل والثقة وتنزع منه الطريقيّة كما ذهب إلى ذلك في باب الزوجيّة وانه تنزع من عدّة تكاليف مترتبة على الزوج والزوجة اذ ربما ينتزع الحكم الوضعي من حكم واحد تكليفي في مورده وربما تنزع من عدّة امور .

أجاب المحقّق النائيني قدس سره عن الاشكال المتوجه على جعل الامارات والطرق من ناحية اجتماع الحكمين كما سبق بعدم كون المجعول في باب الامارات الا الطريقيّة والوسطيّة في مقام الاثبات على نحو الترديد بين جعل ما ليس بمحرز محرزا وطريقا وبين تتميم كشف ما هو كاشف بحسب طبعه وامضاء كشفه المستلزم لتتميمه وعلى هذا فلا يلزم تعدد الحكم ولا الاجتماع كما انه لا يتوجه ساير الاشكالات المرتبطة بالملاك . وهذا بخلاف ما ذهب إليه الشيخ قدس سره من عدم كون الطريقيّة مجعولة بل ليس المجعول الا الحكم التكليفي بوجوب العمل بمؤدّى الامارة وينتزع منه الطريقيّة وهذا يحتمل رجوعه إلى تنزيل المؤدّى وأحسن ما بيّن مذهبه في ان المجعول ما هو ما قاله في مبحث الانسداد من كون

ص: 174


1- . فرائد الاُصول 2/601 وما بعده .

المجعول هو الهوهويّة . واستشكله المحقّق النائيني(1) بعدم المعقوليّة فانه ان كان الواقع محقّقا فلا معنى لجعل الهوهويّة وإلا فيكون عبارة عن تنزيل المؤدّى أو ترتّب الأثر .

وكيف كان فدفع قدس سره اشكال اجتماع الحكمين المتضادين بعدم كون المجعول في باب الامارات هو الأحكام . بل هي الطريقيّة والوسطيّة للاثبات فانها قابلة للجعل وان لم نقل بتعلق الجعل بعدّة من الأحكام الوضعيّة كالسببيّة والشرطيّة والمانعيّة الا ان الطريقيّة قابلة للجعل وسيتضح في المقام الثاني في بيان تعيين المجعول صحّة هذا المبنى وفساده كما سنتعرض في المقام الثالث لأدلّة اعتبار الامارات وكيفيّة لسانها ودلالتها ومقدارها ونتعرض لمفاد كلام المحقّق القمّي من الخدشة في دلالة أدلّة اعتبار خبر الثقة من الأخبار والآيات والاجماع من ان غاية ما يستفاد منها الظن بالحجيّة ولا حجيّة في هذا الظن ويختار الانسداد . هذا في الامارات واما الأصول فيختار في التنزيليّة منها ما اختاره الشيخ قدس سره في الأمارات وانه الهوهويّة فان أصاب الواقع وصادفه فهو والا فلا حكم بل ليس المجعول في الأصول التنزيليّة الا المرحلة الثالثة من القطع وهو مقام الجري العملي والحركة على وفق القطع .

وعلى هذا فمقتضى القاعدة هو عدم الاجزاء في صورة انكشاف الخلاف

كما نقول به ويقول هو قدس سره بمقتضاه بخلاف الطهارة من الخبث فانه ليس لواقعها

دخل فلهذا لا اعادة في ما اذا انكشف وقوع الصلاة في النجاسة بخلاف الحدثيّة فيعيد فالمختار في الأصول التنزيليّة هو الابقاء عملاً على آثار المتيقن وأمّا

عدم الاجزاء إذا انكشف الخلاف

ص: 175


1- . فوائد الاُصول 3/109 .

الأصول غير التنزيليّة كاصالة الحل ورفع ما لا يعلمون فلا اشكال في الجارية منها في الشبهات الموضوعيّة . انما الاشكال في ما يجري منها في الشبهات الحكميّة كما هو الميزان في مثل حديث الرفع بالنسبة إلى الشبهات الموضوعيّة أيضا لرجوعها إلى الحكميّة باختلاف منشأ الشك . وانه تارة اجمال النص أو تعارض النصين أو فقدان النص واخرى الأمور الخارجيّة ويختار في المقام تأخّر رتبة الشكّ والعلم عن أصل الحكم الواقعي . حيث ان الأثر ليس لواقع الحكم لعدم تأثيره بوجوده الواقعي في شيء بل لابد وأن يكون بالعلم مؤثّرا فحينئذٍ يكون رتبة التأثير والتحريك متأخّرة عن رتبة العلم الموجب له كتأخّر رتبة العلم والجهل عن أصل المعلوم .

ثمّ ان المولى ربما يتمّم جهة خطابه من حيث الوصول فيما إذا كان له الأهميّة بخطاب متمم كايجاب الاحتياط بل ينحصر به وهذا أحد أقسام المتمّم فانّ منه ما يكون متمّما للملاك ومنه ما يكون متمّما للوصول فخطاب ايجاب الاحتياط متمّم للخطاب الاولى المتكفّل للحكم الواقعي وباعتبار كون الملاك في الخطابين واحدا يكونان في حكم خطاب واحد لكون المناط في وحدة الحكم وتعدّدة وحدة الملاك وتعدّده . وعلى هذا فخطاب ايجاب الاحتياط متأخّر عن أصل الحكم الواقعي الذي يحفظه بجعل الشارع لعدم تصييره الجاهل عالما تكوينا بل الكلام في ( التشريع ) ويكون هذا الخطاب خطابا نفسيّا ظاهريّا لكون موضوعه الشكّ والتعبير بالطريقي غلط بل ينافيه سياق كلامه واستدلاله قدس سره وحيث

ان رتبة ايجاب الاحتياط متّحدة مع البرائة . واختلاف مفاد اخبار البرائة والاحتياط غير مرتبط بالأحكام الواقعيّة بل التعارض إنّما هو بينها فرتبة البرائة

ص: 176

واصالة الحلّ أيضا تكون متأخّرة عن رتبة الحكم الواقعي ولا يجتمع الحكمان .الا ان المحقّق النائيني قدس سره دفع اشكال اختلاف الرتبة . وانه لا يجدي شيئا لتوجه اشكال التصويب على فرض عدم وجود الحكم الواقعي في رتبة الحكم الظاهري واجتماع الحكمين المتضادين على فرض وجوده . وبمقتضى ما سبق لا يمكن الخروج عن عدم وجود الحكم في ظرف الشكّ لوجوده ولو بنتجة الاطلاق يكون اصالة الحلّ وأمثالها ليست أحكاما حقيقيّة كي يلزم الاجتماع ولا يجدي اختلاف الرتبة بل هي ترخيصات . ولكن هذا أيضا لا يجدي شيئا كما انه قدس سره دفع ما يرد عليه في عدم كفاية اختلاف الرتبة من عدم صحّة الترتب الا باختلاف الرتبة بالفرق بين اختلاف الرتبة في المقام وفي بحث الترتب حيث انه لا يمكن الالتزام بعدم وجود الحكم الواقعي في رتبة الشكّ والحكم الظاهري في المقام للتصويب . فلابدّ من وجود الحكم الواقعي ولو بنتيجة الاطلاق بخلاف باب الترتب حيث انه يمتنع فيه الاطلاق والتقييد لكون الخطاب بنفسه وبذاته يقتضي التحرّك من قبله والانبعاث عنه وليس هناك الا أخذ رتبة الامتثال والعصيان لخطاب الأهم موضوعا لخطاب المهم فلا محذور فيه .

الكلام في مقام الاثبات

قد أسلفنا انّ بعد البحث عن المقام الأوّل والجواب عن اشكال الملاك والخطاب يقع الكلام في المقام الثاني وان المجعول في باب الطرق والامارات ما هو ثمّ النظر ثالثا في أدلّتها في مقام الاثبات ووفائها بذلك وعدمه وقد قيل في المجعول أقوال شتّى:

في مقام الاثبات

ص: 177

منها: الطريقيّة ومنها: تنزيل المؤدّى وترتيب الأثر ومنها: الحجّيّة ومنها: الامضاء والارشاد إلى ما في الطريقة العقلائيّة ومنها: جعل الحكم التكليفيووجوب العمل على وفق قول الثقة .

أمّا الأخير فلا اشكال في حدّ نفسه في امكان الجعل له كساير الأحكام التكليفيّة كما ان الطريقيّة ليست بقابلة للجعل لأنّه إمّا أن يكون طريقا أو لا . فان لم يكن طريقا بنفسه فلا يمكن اعطائه تعبّدا لعدم قابليّة غير الطريق بكون التعبّد يكون طريقا وذلك غير معقول .

نعم لو اريد من جعل الطريقيّة ما يترتّب عليها من ترتيب الآثار والمعاملة معه معاملة الطريق التكويني وما هو طريق ذاتا فهو شيء آخر فيكون المجعول حينئذٍ الأمر بتنزيل المؤدّى منزلة الواقع وترتيب الأثر . فهذا لا يلتزمون به ويشكل حينئذٍ تقديم الامارات على الاستصحاب وغيره ممّا لسانه لسان تنزيل المؤدّى وترتيب الأثر إلاّ بالأخصيّته وغيرها ممّا قيل كما يشكل الأمر أيضا في اثبات اللوازم والملزومات .

أمّا جعل الحجيّة أيضا فهل هي قابلة للجعل ابتداءا أو انها منتزعة من الامر باتباع شيء ؟ فيه كلام .

نعم يمكن أن يقال انها كالحكومة والقضاوة وغيرهما من الامور التي تنالها يد الجعل كالوكالة والولاية فيجعل أحدا حاكما أو ينصبه قاضيا يترتب على ذلك أثر حرمة نقض حكمه ولزوم اتباعه فيما يحكم به . فيمكن كون الحجيّة أيضا كالحكومة والقضاء يتعلّق بها الجعل ابتداءً وكونها كالمناصب المجعولة كولاية المجتهد الجامع للشرايط بناءً عليه كما انه لا مانع من نظر التوقيع الشريف إلى هذا

ص: 178

المعنى حيث يقول فيه ( فارجعوا فيها(1) الى رواة أحاديثنا فانهم حجّتي عليكموأنا حجّة اللّه سواء كان في مقام جعل الحجيّة لفتوى الفقيه أو لقوله وروايته وان كان خلاف الظاهر . فانه على كلّ تقدير يكون بصدد جعل الحجيّة وانشائها لو لم نقل انه ليس إلاّ امضاء الطريقة العقلائيّة وإنّ الأمر كما ترون وتعتقدون وانه ممضى

عنده الطريقة العقلائيّة .

ثمّ انّه على هذه التقادير يقع الكلام في ان المجعول حجة أو طريقا أو ما أمر بتنزيل مؤدّاه منزلة الواقع .

هل هو في خصوص ما أصاب منها الواقع أو الأعم . وحينئذٍ يقع الاشكال ولابدّ من الجواب . ولا يبعد نظر التوقيع(2) إلى الطريقة العقلائيّة وامضائها لفتوى الراوي للحديث لأنّها من باب الطريقيّة لا الموضوعيّة . وعلى هذا فلا تعبد من الشارع بل يكون خبر الثقة منجعلاً حجيّته لا مجعولاً من قبل الشارع بل ليس منه الا الامضاء لكشفه وطريقيّته كما انه لا وجه لجعل العذر والمنجزيّة ابتداءً لكونهما

من الأحكام العقليّة الراجعة إلى موضوعاتها غير قابلة لجعل التعبدي الشرعي .

بيان: لا يخفى انه لا مانع من تعلق الجعل بالامارة على نحو كونها كالاستصحاب وقاعدة الفراغ أو جعل المؤدّى كالمقطوع . وحينئذٍ فنتيجة ذلك لزوم ترتيب الأثر على الخبر على فرض تعلّق الجعل به وجعله كالقطع أو على المؤدّى على فرض تعلّقه به كما في ترتيب الأثر على القطع والمقطوع وهذا اللسان عين لسان الاستصحاب اذ الأمر بعدم النقض ليس نظره إلى التكوين بل

في كيفيّة جعل الامارة

ص: 179


1- . الوسائل 27 الباب 11/9 من أبواب صفات القاضي .
2- . الوسائل 27 الباب 11/9 من أبواب صفات القاضي .

إلى ترتيب الآثار وابقاء أثر المقطوع والمتيقن . كما لا ريب في عدم امكان تعلق الجعل بالمنجزيّة والمعذريّة لكونهما من الأحكام العقليّة وكذا لا ريب في جوازتعلّق الجعل بالحجّيّة ولكن لا ينفع في ما نحن فيه لأنها اما أن يراد بها كونها كالقضاء والولاية والحكومة من المناصب التي يمكن تعلق الجعل بها وهذا لا معنى لجعله في خبر العادل وكونه ذا منصب . واما ان يراد بها ما يقال في مثل حجيّة الظواهر كما هو الأنسب بالمقام اذ الحجّة ما يمكن أن يحتجّ بها ويستدلّ بها على شيء وبهذا المعنى تطلق على الاستصحاب وانه حجّة ونظائره . وهذا لا معنى لجعلها اذ على الأخذ بها والبناء على حجيّتها عمل العقلاء . وحينئذٍ فليس للشارع الا الامضاء كما انه قد يردع مثل ما ردع في القياس مع ان العلم الحاصل في باب القياس أولى من الظن الحاصل في باب الظواهر أو الأخذ بخبر الثقة ولا يلزم من ذلك كون حجيّة الأخبار جعلية اذ علم كما سبق انه ليس علما قطعيّا وجدانيّا لم يكن فيه شائبة الخلاف بل مشوب باحتمال الخلاف . غاية الأمر ليس معتنى به عند العقلاء فهذا الاحتمال قد يشيّده الشارع كما قلنا وباب القياس من هذا القبيل . فالحجيّة القابلة للجعل لا معنى لتعلّق الجعل بها في المقام لعدم صلاحيّة الخبر لكونها منصبا أو كون العادل ذا منصب وما هو صحيح مناسب للمقام ليس بقابل للجعل لكونه منجعلاً .

وإلى هذا يرجع الطريقيّة والوسطيّة في مقام الاثبات والاحراز كما ان ما يقوله المحقّق النائيني قدس سره (1) من امكان تعلّق الجعل بالحجيّة يريد بها هذا المعنى الذي عرفت انه منجعل وان ما للشارع مجرد الامضاء وتنفيذ بنائهم في الشرعيّات

ص: 180


1- . فوائد الاُصول 3/106 - 107 .

نظير بنائهم في امورهم العاديّة المعاشيّة على العلم العادي النظامي . والا فلا معنى لجعل الاحراز أو اعطاء الكشف لما ليس بحسب ذاته كاشفا ولا محرزا .والحاصل ان أمكن تعلق الجعل بما ذكر من الاحراز والوسطيّة ولو امضاءً ووافق الشارع لبناء العقلاء فهو . وحينئذٍ يكون علما عاديا نظاميا ولا تعرض لأدلّة النهي عن العمل بالظن واتّباعه لهذا العلم العادي النظامي كما لا مجال لأدلّة

حرمة الافتاء بغير علم لهذا والا فينسد باب العلم والعلمي ولا محيص من التبعيض في الاحتياط أو العمل على الظن وقد اعترف سيّدنا الاستاذ قدس سره بكونه على قيام بناء العقلاء على الأخذ بخبر الثقة مدة مديدة إلى أن تزلزل في أصل القيام وانهم ربما يحتاطون وان شئت فقايس الحال في الشرعيّات بأمورهم العرفيّة النظاميّة في أمر معاشهم خصوصا إذا كان المورد والمقام من موارد تلف الأموال والنفوس فان ثبت بناء العقلاء على ذلك فحينئذٍ يقع الكلام في وفاء الأدلّة الشرعيّة بذلك .

بيان آخر لا اشكال في أن فى باب الطرق والامارات يمكن جعل تنزيل المؤدّى ومرجعه إلى جعل الحكم المماثل كما لا بأس بجعل الوجوب التكليفي الذي ينتزع منه الطريقيّة على ما سنشير إليه وانه يمكن استفادته من بعض أدلّة الحجيّة على تقدير تماميّة الدلالة لها .

وهكذا لا مانع من امضاء ما بنى عليه العقلاء وجرت عليه طريقتهم وسيرتهم في الأخذ بقول الثقة مطلقا وانه بناء على الأخير ليس هناك حكم مجعول من قبل الشارع بل انما له الامضاء في ما يوافقهم ويرى ما يرونه ويردعهم في ما يكونون على خطأ فالحجيّة على ذلك تكون منجعلة لا مجعولة ولو لا اثبات حجيّة الأخبار بأحد هذه الوجوه الممكنة فلابدّ من الرجوع إلى أدلّة

الطريقيّة امضائيّة

ص: 181

الانسداد ومقتضى النظر فيها استنتاج التبيعض في الاحتياط لا حجيّة مطلق الظن سواء على الكشف أو الحكومة لعدم الدليل على شيء في أبواب الفقه يرجع إليه على تقدير عدم حجيّتها اذ لا دليل على أكثر الأحكام الفقهيّة بل الأصوليّةكالاستصحاب مثلاً الا الأخبار وحينئذٍ فلو لم تكن حجّة يلزم سدّ باب الأحكام والرجوع إلى مقتضى دليل الانسداد أو إلى بناء العقلاء والأصول والقواعد التي لا تفي على تقدير تماميتها وعدم الاشكال عليها باثبات شيء وأين حينئذٍ دليل البناء على الأكثر أو الأقل حتّى الاستصحاب وأين الدليل على حجيّة الظن في عدد الركعات حتّى ما يكون الشكّ مبطلاً لها وأين الدليل على قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده إلى غير ذلك .

الا ان بالرجوع إلى أدلّة اعتبار الخبر من الآيات والأخبار يمكن العثور على طريق بل طرق لحجيّتها .

لكن لا وجه للبناء على تنزيل المؤدّي اذ لو كان مؤدّى الأدلّة ذلك فلا يمكن اثبات اللوازم به كما لا يمكن بناء على كون الفقه هو العلم بالأحكام الشرعيّة ( كما هو الحقّ ) البناء على كفاية مطلق الخبر خصوصا مع عدم الظن الشخصي على وفقه فضلاً عن النوعي فضلاً عن الظن على الخلاف اذ لا يناسب حجيّتها من باب بناء العقلاء وحصول العلم وكونه علما مع هذه التخرصات والترددات ولا يكون عدم الخلو من رجحان أو قوة فتوى يمكن الاعتماد عليها كما ان وجوب العمل بخبر الثقة ربما يشكل أمره وتصويره لكن قد دلّ الدليل وورد به الروايات(1) على عدم العذر في ما يرويه عنهم ثقاتهم عليهم السلام بل

ص: 182


1- . الوسائل 27 الباب 11/40 من أبواب صفات القاضي .

أفتى صاحب الوسائل بالارتداد بذلك وقد عيّنوا في موارد كثيرة ثقاتهم وارجعوا الناس إليهم وقد قالوا في(1) حق بعضهم ان عندهم علوم الأئمّة علیهم السلام وانه لولاهملاندرست آثار النبوّة أو صرّحوا بتوثيق جماعة منهم وعينوهم للأخذ عنهم وحينئذٍ فان ثبت ذلك بطريق يكون حجّة فلا يجوز رد الحديث الذي روى أمثال زرارة من الثقات المرجوع إليهم .

غاية الأمر ذلك يستدعي كون خبر زرارة واصلاً إلينا بطريق علمي والا فلا يشمل ذلك قوله علیه السلام (2) لا عذر لأحد في التشكيك . وهم رضوان اللّه عليهم كانوا أصحاب الكتب والأصول وكثيرا ما كانوا يعرضون ما كتبوه من الكتب وجمعوه من الاصول عليهم علیهم السلام وهم يصححونه ويصدّقون بما فيه من انه منهم علیهم السلام الا انه لا يرفع الغليل لأنا على بعد زمان منهم وكلّهم ليسوا بمنصوص على توثيقه من قبلهم علیهم السلام .

ولا يخفى عليك ان مقتضى ما ورد في هذه الأخبار ليس إلاّ بيان كونهم ثقة يرجع إليهم في ما أخبروه من الروايات عنهم علیهم السلام وليس في ذلك ايجاب العمل بقولهم ولا التنزيل من شيء . بل الأخبار بوثاقتهم كما انه يمكن استفادة وجوب العمل بقول الثقة من آية النبأ(3) حيث ان التبين في أمر الفاسق ونبأه بخلاف العادل فانه ليس بأسوء حالاً من الفاسق فلابدّ أن يكون قوله واجب العمل بلا تبين . والآية وان وردت في الموضوعات لكن المورد لا يخصّص الوارد . ووجوب

ص: 183


1- . الوسائل 27 الباب 11/40 من أبواب صفات القاضي .
2- . الوسائل 27 الباب 11/40 من أبواب صفات القاضي .
3- . سورة الحجرات الآية 7 .

العمل ليس نفسيّا بل شرطيّا لجواز العمل كما ان دلالة آية النفر(1) أيضا يمكن أنتتمّ على وجوب العمل ولزوم العمل بأقوال النافرين إلى عشائرهم وأقوامهم لينذروهم كما انه يمكن أن يكون لزوم الحذر من باب حصول العلم العاديبأخبارهم وانذارهم فيكون ارشادا .

والحاصل ان الأدلّة مختلفة الدلالة فبعضها يناسب تنزيل المؤدّى وبعضها يناسب وجوب العمل وآخر ارشاد إلى طريقة العقلاء وبنائهم وباقي الكلام في محلّه .

هذا تمام الكلام في المقام الثاني وهو بيان المجعول .

ثمّ انّه اذا شككنا في حجيّة شيء وعدمها فمقتضى الأصل عدم الحجيّة حيث ان نفس الشك في ذلك تمام الموضوع لعدم ترتيب آثار الحجيّة عليه بلا حاجة إلى استصحاب عدم الحجيّة وسيجيء شرحه وبيانه .

وهنا اشكال آخر وهو انه على فرض عدم الدليل على حجيّة الأخبار كما هو الفرض فلا يمكن أن يكون هذا الأصل هو الاستصحاب ولا اصالة العدم . فهذا انما هو بعد فرض تماميّة استفادة ذلك الأصل من ناحية اخرى غير ما هو بصدد البحث عنه .

تتميم وتوضيح: قد تحصل ممّا ذكرنا ايجاب الشارع للعمل بخبر الثقة الذي يكون خبره في الاصطلاح صحيحا أو موثقا وكذلك الحسن كما سيأتي إن شاء اللّه في محلّه ذكر دليله .

والمستفاد من ذلك هو ما اختاره الشارع من الحكم التكليفي بلا جعل

حكم الشك في كيفيّة الجعل

ص: 184


1- . سورة التوبة الآية 123 .

طريقيّة في البين . لكن في المقام كلام قد سبق إليه الاشارة وهو ان جعل الشارع وايجابه العمل بالأخبار في موارد الصحاح والموثقات والحسان وبالجملة كلما استفيد من الأدلّة وجوب العمل به هل هو مخصوص بما اذا أصاب الواقع أو أعم من ذلك ومن المخالف للواقع . فان كان الثاني فلا يناسب اصول المذهب لبنائه على الموضوعيّة فلا يكون الا في مورد الاصابة للواقع وحيث انه لا يمكننا تميّزالمصيب من غيره فلازمه الاحتياط بمقتضى العلم الاجمالي باصابة عدد من الأخبار للواقع كما هو البناء في العلم الاجمالي في الموضوعات مثل الانائين المشتبه نجسهما بالطاهر فانه يجب الاجتناب عن كليهما خروجا عن مخالفة التكليف الواقعي المنجز بالعلم ولزوما للموافقة القطعيّة كما هو الحق من الملازمة بين وجوب الموافقة القطعيّة وحرمة المخالفة القطعيّة وانه ليس للشارع الترخيص في أحد أطراف العلم بالارتكاب . فلو ورد الترخيص يخرج الطرف الآخر عن لزوم الموافقة لاحتمال وجود التكليف في مورده لكونه شبهة بدويّة بعد الترخيص في الطرف الوارد فيه الرخصة في ارتكابه من الشارع . اذ على تقدير كون التكليف في مورده فلا يجب موافقته وفي الطرف الآخر يكون احتمالاً بدويّا كما انه يجب الاجتناب عن الطرف الباقي بعد خروج أحدهما عن الابتلاء . كلّ ذلك بناءً على الملازمة ولزوم الموافقة في المقام نظير الاحتياط الشرعي على تقدير الالتزام به فانه يجب الاجتناب عن المال المشتبه انه له أو لغيره لكن ليس ذلك مطلقا حتّى اذا كان لنفسه يحرم عليه التصرف واقعا بل على تقدير الاصابة لمال الغير وإلاّ فلا يكون حراما . ولازم ذلك كون احتمال انه مال الغير منجزا للتكليف على فرض وجوده وليس من التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة . بل على فرض

ص: 185

وجود التكليف يكون هو الواقع وعلى فرض عدمه فلا شيء على المكلف

وباعتبار كونه في صورة المصادفة نفس الواقع فيكون خطابا نفسيّا وباعتبار كونه في مورد الشك يكون ظاهريّا . ويدلّ على نفسيته ان المعيار في تعدد الخطاب ووحدته وحدة الملاك وتعدده . فان كان هناك خطابان عن ملاك مشترك فيكون مرجعهما إلى واحد ويعدّ ان خطابا واحدا وان كان الملاك متعددا فالانشاءات المتعددة تكون خطابات متعددة وبهذا يكون في صورة المصادفة عين الواقع كمايصح بهذا اللحاظ تسميته بالمتمم والخطاب الواقعي بالمتمم اذ هو يكون بيانا له وفي المقام كذلك فان بعد ايجاب الشارع العمل بمؤدّى خصوص المصيب من هذه الامارات مطلقا أو خصوص الصحيح منها أو الموثق والحسن لا عذر للمكلف في صورة المصادفة في ترك العمل بمؤدّياتها . وحيث انه لا علم له بخصوص المصيب منها من غيره فيجب بحكم العقل الاتيان بجميع مؤدّيات الامارات والاخبار المتكفلة للواجبات لاحتمال مصادفة بعضها أو العلم بذلك . وكذلك يجب اجتناب جميع موارد مؤدّيات الامارات القائمة على المحرمات لاحتمال مصادفة بعضها أو العلم بذلك ولا يضر بهذا الاحتمال مخالفة بعضها للواقع أو عدم مصادفة بعضها لأن مجرّد الاحتمال ليس شيئا ولا يكون عذرا في قبال احتمال الاصابة وعدم المعذوريّة في المخالفة على تقدير الاصابة .

نعم لو حصل العلم باداء المتكفل للواجب الى المحرمات أو العكس لكان ذلك موجبا لسقوط العلم الأول ومصادما له في مقتضاه ولو موردا واحدا . لكنه انّى لنا باثبات العلم بذلك ( أورد سيّدنا الأستاذ قدس سره على هذا التقريب بعد امكان تخصيص الكتاب بالامارات بناءً على هذا الوجه لكونه علما اجماليّا يجب العمل

نتيجة الجعل

ص: 186

على وفقه لا انه حجّة شرعيّة مخصص كما انه يكون أمر الشارع بالأخذ بالامارات الموافقة لا فائدة فيه لكفاية العلم الاجمالي بالأحكام في هذا الاحتياط فهذا المبنى أسوء المباني الموجودة في تعيين المجعول في باب الامارات فلاحظ وتدبّر .

تذكر: قد تقدم بيان التقريب المنتج لوجوب العمل بالامارات من باب العلم الاجمالي وكونه منجزا لخصوص المصيب منها بما يمكن غايته . الا ان الاشكال في عدم امكان تخصيص العام الكتابي بمثل هذه الامارات مضافا إلىلزوم تأسيس فقه جديد وذهاب شطر وافر من الفقه . هذا مع لزوم عدم الفائدة في هذا الأمر الايجابي بالأخذ بالامارة لكفاية العلم الاجمالي بوجود أحكام في دائرة خصوص الأمارات سوى العلم الاجمالي الذي هو أوسع من هذا الحاصل في مورد الامارات والشهرات والاجماعات فلا وجه للمصير إلى هذا المبنى .

نعم يمكن تحصيل العلم بلزوم العمل بخبر الثقة من تواتر الأخبار معنى أو اجمالاً الواردة في الموارد المختلفة كما في مثل قوله علیه السلام:(1) « ليس لأحد التشكيك أو لا عذر لأحد في التشكيك في ما يرويه عنّا ثقاتنا أو الوارد في العمري وابنه ( من انّهما ثقتان )(2) أو الوارد في حق بعض منهم ( ان ما يرويان عني فعني يرويان )(3) أو ( انه المأمون على الدين والدنيا ) أو انه خذ معالم دينك

لزوم العمل بخبر الثقة

ص: 187


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/40 - 4 - 27 - 34 - 35/33 من أبواب صفات القاضي مع اختلاف في بعضها في العبارة .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/40 - 4 - 27 - 34 - 35/33 من أبواب صفات القاضي مع اختلاف في بعضها في العبارة .
3- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/40 - 4 - 27 - 34 - 35/33 من أبواب صفات القاضي مع اختلاف في بعضها في العبارة .

من بعضهم إلى غير ذلك أو قوله نعم(1) في جواب سؤاله من ان يونس بن عبدالرحمن ثقة آخذ عنه معالم ديني ) والمستفاد من هذه الأخبار ونظائرها وجوب العمل والأخذ بخبر الثقة لكنه ليس وجوبا تكليفيّا ينتزع منه الطريقيّة كما انه ليس المجعول حكما نفسيّا بلزوم الأخذ انه ان صادف الواقع فهو الواقع وإلاّ فليس .

بل اما الوجوب الشرطي فيما اذا أراد العمل بالخبر أو الأمر بالغاء احتمال الخلاف والمعاملة مع الامارة معاملة العلم لا انه يكون تنزيلاً للمؤدّى ولا الغاءالشارع لاحتمال الخلاف لكونه يكون تكوينا لا بالتشريع . بل الشارع أمر المكلّف بالغاء احتمال الخلاف وانه كالعلم فلو كان المكلف عالما يرتب أثر الاحراز وغيره على المعلوم كذلك في مورد الامارة بالغاء احتمال خلافها لا انه يجب العمل بالمؤدّى كي ينتج تنزيل المؤدّى منزلة الواقع . كما انه من الممكن عدم مجعول من ناحية الشارع بل الارجاع إلى طريقة العقلاء والعرف على ما يرشد إليه قوله علیه السلام في الرواية السابقة(2) في يونس بن عبدالرحمن من انه ثقة آخذ عنه معالم ديني حيث يستفاد منه ان الأخذ يترتب على كون الراوي المخبر ثقة وانه بناء العقلاء وطريقتهم .

وقوله علیه السلام (نعم) بيان المصداق وانه ثقة لا ان خبر الثقة لازم الأخذ .

وعلى كلّ حال فيمكن استفادة هذا المضمون من الأخبار بخصوصها أو مع الآيات . ومقتضى الأمر بالأخذ ولزوم العمل بالامارة كالعلم المنتزع من ذلك لزوم

كيفيّة وجوب العمل بالخبر

ص: 188


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/40 - 4 - 27 - 34 - 35/33 من أبواب صفات القاضي مع اختلاف في بعضها في العبارة .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/33 - 34 - 35 من أبواب صفات القاضي .

الأخذ بالامارة وكونها حجة على المكلّف مطلقا حتّى اذا خالف الواقع ولكن بقرينة الاجماع على عدم تغير الواقع عمّا هو عليه بقيام الامارة على الخلاف لا يمكن الأخذ باطلاقها ولو فيما اذا خالف الواقع . فاذا علم مخالفته للواقع فيكون معذورا في ما أتى به في حال الجهل أو في ترك الواقع بخلافه في صورة عدم العلم .

ثمّ انّه قبل النظر في الأدلّة وان المستفاد منها ما ذكر لابد من التكلم في مقتضى الأصلي العملي .

فنقول لا اشكال في عدم جواز ترتيب الأثر بناء على كلّ مبنى فرض فيالمقام سواء كان تنزيل المؤدّى أو الاحراز والطريقيّة أو تتميم الكشف أو غيرها وكفاية نفس الشكّ في الأمر أو الحجيّة أو غيرها من المباني في عدم ترتيب الأثر على المشكوك . حيث انه يكون التزاما واسنادا إلى المولى ما لا يعلم انه منه فيكون افتراءا وتشريعا وهو ادخال ما لم يعلم انّه من الدين فيه . وهو غير مرتبط بالكذب وانه عبارة عن الخبر المخالف للواقع مطلقا أو الاعتقاد أو أحدهما . اذ لا كلام لنا في الكذب بل الكلام في كونه من التشريع كما ورد(1) ( رجل قضى بالحق وهو لا يعلم انه في النار بل العقل حاكم بقبح ذلك وعدم جواز ترتيب الأثر ما لم يعلم بلزومه وجعل الحجيّه وان المخبر ثقة لازم الاخذ أو انه يجب تنزيل المؤدّى منزلة الواقع وحكمه في ذلك في صورة العلم والجهل بمناط واحد . بخلاف الموارد الاخر كباب الضرر والأموال فالعقل يكون ذا حكمين في صورة الشكّ والعلم .

ص: 189


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 4/6 من أبواب صفات القاضي .

حيث ان نفس الشكّ في الحجيّة كافٍ في عدم جواز ترتيب الأثر بلا حاجة إلى استصحاب عدمه لو فرض حجيّة الاستصحاب من أيّ جهة كما في مثل الشكّ في اتيان ما في ذمّته من الواجب وان نفس الاشتغال والشك في الامتثال كافٍ في حكم العقل بالاشتغال والاتيان بلا حاجة إلى استصحاب عدم الاتيان .

واختلف بيان المحقق النائيني قدس سره في ذلك وان العقل ذو حكم واحد أو حكمين في المقام ففي بعض الدورات يرجّح كونه ذا حكم واحد وفي بعضها انه ذو حكمين .في قبح التشريع

لا اشكال في قبح التشريع عقلاً سواء كان مورده معلوم الخلاف عند الشرع أومشكوكه لوحدة الملاك عند العقل في الحكم بقبحه وان اسناد ما لم يعلم ان المولى قاله اليه أو يعلم بأنّه لم يقله قبيح . ويدلّ عليه الشرع أيضا قال اللّه تعالى: « قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ »(1) وعدّ في الأخبار(2) من الذين في النار رجلاً قضى بالحقّ وهو لا يعلم . والظاهر من هذا ان الجهة هو نفس عدم العلم بالاصابة لا عدم أهليّة القاضي لهذا المنصب كما ان منهم من قضى بالباطل وهو يعلم .

وهذا اللسان اغلظ من قوله لا تفعل القابل لارادة الكراهة . فلا مجال للاشكال في دلالته على المدّعى . إنّما الكلام في ان التشريع عبارة عن أيّ شيء

قبح التشريع

ص: 190


1- . سورة يونس الآية 60 .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 4/6 من أبواب صفات القاضي .

وهل هو عبارة عن الاعتقاد والتدين بشيء أو عبارة عن العمل بشيء شرعه أو هو البناء والاسناد بطريق الأخبار . فان الأول لا يمكن تحقّقه حيث انّه مع الشك في انه قاله المولى أو مع العلم بأنّه لم يقله كيف يمكن حصول الاعتقاد بكونه قول المولى والاسناد إليه .

وكيف كان فلا يمكن كونه اعتقادا كما ان مجرد الأخبار بخلاف الواقع لا يكون تشريعا .

نعم البناء على انّه قول المولى والالتزام به واسناده إليه يكون تشريعا وهو من الأمور الوجدانيّة التي يكون هو أقوى شاهد على امكانها ووقوعها ووجودهافلا مجال للتشكيك في تصويره وكيفيّة حصوله مع العلم أو الشك في انه ليس كذلك .

وعلى كلّ حال فالتشريع والاسناد إلى المولى ما لم يعلم انه منه أو يعلم بعدمه قبيح عقلاً وانه عبارة عن ادخال ما ليس من الدين أو لا يعلم انه منه في الدين وانكان لا يهمنا تحقيق معنى التشريع . بل المهم اثبات حرمة الاسناد والالتزام بما لم يقله أو لم يعلم به سواءً سمّى تشريعا وكان هو أم لم يكن .

ثمّ انه يقع الكلام في امور: أحدها انه اذا جاز أو وجب العمل بالامارات حسب ما أرشدنا إليه الدليل فهل يجوز الاسناد وانه حكم اللّه أو لا يجوز بل الحجيّة لازم أعمّ لجواز العمل ؟ فيه خلاف بين المحقّقين الخراساني والنائيني (1) فالأول يدّعي بأنّ الحجيّة لازم أعم حيث ان في حال الانسداد وتقرير المقدمات على الحكومة يكون الظن حجّة يلزم العمل به ومع ذلك لا يمكن

ص: 191


1- . كفاية الاُصول 2/55 - 58 .

الالتزام والاسناد بحكم اللّه تعالى حيث انه لا علم لنا إلى تشخيص الأحكام تفصيلاً على نحو يوجب انحلال العلم الاجمالي وعدم امكان الامتثال القطعي فيدور الأمر بين الاتيان بالمظنونات وحدها أو المشكوكات والموهومات . وحينئذٍ بحكم العقل يجب تقديم المظنونات على المشكوكات والموهومات بعد عدم امكان الامتثال التفصيلي ولا الاجمالي الاحتياطي لفرض عدم جوازه .

ورد عليه المحقّق النائيني قدس سره (1) بأنّ النقض في غير محلّه . حيث ان الكلامفي مقام اثبات الأحكام بالامارات والحجج ومورد الانسداد وتقرير المقدماتعلى الحكومة مقام الامتثال ووادى الفراغ ولا ربط له بمحل الكلام . بل الحق جواز الاسناد حيث ان لزوم الغاء احتمال الخلاف أو الحجيّة كون المؤدّى هو الواقع بما له من اللوازم ولازم هذا الجعل جواز الاسناد والالتزام بمؤديات الامارات وانها أحكام لقيام المحرز عليها .

وتوقف سيّدنا الأستاذ قدس سره في تصديق المحقّق النائيني في قوله هذا بعد اعترافه به سابقا على ما نقل هو وصدقه في نقضه على المحقّق الخراساني والحق عدم جوازه الا على تقدير اطلاق دليل الحجيّة لجواز الاسناد والالتزام .

الثاني ان حرمة التشريع من قبيل حرمة العصيان والتجري الذين يحكم بقبحهما العقل ولا يمكن ورود خطاب شرعي عليه من الشارع واذا ورد فلا يكون الا ارشادا إلى حكم العقل . أو انه لا مانع من ورود الخطاب الشرعي وان كان العقل مدركا لقبحه . لكن يمكن للشارع جعل الحكم على وفقه وعدمه لوجود موانع من الجعل هناك حيث انه ليس علة تامّة للحرمة مقتضية لجعلها لعدم قوّة

ص: 192


1- . فوائد الاُصول 3/122 - 123 .

داعويتها كما في الكذب اذا توقّف عليه انجاء مؤمن حيث انه يزاحم جهة المفسدة فيه من قبل المصلحة الحاصلة المتوقف عليه انجاء المؤمن فلا يكون حراما كما ورد في(1) ذلك انه ان عادوا عليك فعد حيث قال كذبا انه اخوه .

تحقيق الكلام انه لو كان واقعا في سلسلة علل الأحكام فيكون من قبيل الثاني كما ذهب إليه الشيخ قدس سره وأقام عليه الأدلّة السمعيّة من الكتاب والسنة لكنه خالفه في ذلك غيره . وان كان في سلسلة معلولات الأحكام كما في الاطاعةوالعصيان والتجري فيكون من قبيل الأول ولا مجال للتعبد عليه من الشارع بل يتمحض في كونه ارشادا كما ذهب إليه جمع ( وليكن منهم النائيني ) .

الثالث: ان حرمة التشريع هل تسرى إلى الفعل المتشرع به فيكون حراما كما لو بنى تشريعا على وجوب شيء وأتى به فيكون حراما وقد أتى بالحرام أم لا وهذا كما سلف بحثه في التجري كما في المقام .

أم تقف الحرمة على نفس الاسناد والتدين ولا وجه لسرايتها إلى العمل الخارجي الذي يأتي به بقصد التشريع ؟

فيه خلاف بين الاعلام فذهب المحقّق الخراساني قدس سره (2) إلى عدم السراية خلافا للشيخ وتبع الشيخ المحقّق النائيني (3) فذهبا إلى سراية الحرمة إلى الفعل

الخارجي وهذا كما تقدم في باب التجري من ان قبحه يسري إلى العمل أم لا والتحقيق عدم قيام دليل على سراية الحرمة حيث ان الحرمة موضوعها التشريع

هل تسرى حرمة التشريع إلى العمل

ص: 193


1- . الوسائل 23 الباب 12/4 من كتاب الايمان وان عادوا فعد قد ورد في قضيّة عمّار . الوسائل 16 الباب 29/2 من أبواب الأمر والنهي .
2- . كفاية الاُصول 2/11 - 13 .
3- . فوائد الاُصول 3/120 .

والاسناد وهما غير مرتبطين بالعمل لعدم كونه اسنادا بل مترتبا عليه فالقضاء لو كان حراما بمقتضى قوله علیه السلام (1) هو في النار لا يرتبط بسببيّة رجل واحد وامرئتين في باب الشهادة ولا تغيير شيء آخر في هذا الباب ولا في ساير أبواب التشريع كما لو أتى بشيء تشريعا فهو على ما عليه من الحكم مثل ما اذا أتى بأربع ركعات تحية للمسجد فانها لو كانت مشروعة جائزة لا يغيرها التشريع عن حكمها الاولىكما اذا كانت غير جائزة فلا يؤثر فيها .

ثمّ انه هل يجري الاستصحاب في مورد الشكّ في الحجيّة بمعناه اللغويفي المقام بناءً على كونها مفاد أدلّة الاعتبار أو في الوسطيّة في مقام الاثبات أو تتميم الكشف أو ساير المباني في ما اذا شككنا في الايجاب أو الجعل أو تجويز العمل بالامارة أم لا بل يكفي نفس الشك في ذلك ؟ يظهر من المحقّق(2) الخراساني قدس سره جريان الاستصحاب فيما اذا كان للواقع أثر يترتب عليه . فاذا كان مورد الاستصحاب موضوعا للحكم فالاستصحاب يجري بلحاظ ترتب الأثر على الموضوع وجريان الحكم الشرعي اما اذا كان الاستصحاب في نفس الحكم الشرعي فلا يحتاج إلى أثر آخر بل المستصحب نفس الأثر وهو الحكم الشرعي وبمقتضى حكم الشارع وحجيّة الاستصحاب يترتب أثر المعلوم على المشكوك فلا مانع من جريان الاستصحاب واصالة الطهارة كليهما في مورد الشكّ في الطهارة والنجاسة وكان المشكوك سابق الطهارة لعدم تمحض الشك في كونه تمام الموضوع للاثر بل للواقع في ذلك دخل أيضا . فما أفاده الشيخ قدس سره من تشبيه المقام

ص: 194


1- . الوسائل 27 الباب 4/6 من أبواب صفات القاضي .
2- . كفاية الاُصول 2/332 - 333، فوائد الاُصول 3/126 - 127 .

بباب جريان قاعدة الاشتغال وتقدمها على استصحابه لكون الشك في الاتيان تمام الموضوع لحكم العقل بعدمه فلا معنى لجريان الاستصحاب لكونه من تحصيل الحاصل بالوجدان بالتعبد بلا وجه . بل قد يترتب الاثر بلحاظ الواقع فيجري استصحاب الاشتغال وقد يكون الموضوع نفس الشك فيكفي القاعدة .

نعم لو كان هناك حاكم ومحكوم ولو في مورد واحد فيمكن عدم جريان استصحاب المحكوم كاستصحاب الطهارة على اصالتها .

وأورد عليه المحقّق النائيني(1) بعدم وصول النوبة مع كون الشكّ هوموضوع الأثر للاستصحاب . فاذا كان هناك مورد الشكّ في مسخ الحيوان كالغنم مثلاً فلا اشكال في جريان الاستصحاب وانه غنم باق عليه ولم يمسخ حيوانا آخر يخالفه في الحكم ويترتب عليه جميع آثار المستصحب من جواز الاكل واستصحاب اجزائها في الصلاة . واخرى يكون هناك حيوان مشكوك انه أرنب أو غنم كما اذا كان متولدا منهما وليس بواحد منهما مثلاً فهاهنا يجري اصالة الطهارة واصالة الحل في جواز مباشرته بالرطوبة وعدم نجاسته ملاقيه وجواز أكل لحمه ولا يجوز استصحابه في الصلاة لعدم اثبات اصاله الطهارة كونه ممّا أحلّ اللّه أكله لكونه اشارة إلى العناوين الخاصّة وليس شأن الأصل اثباتها فهنا يكون مقام جريان القاعدة دون الاستصحاب وفي مورد قاعدة الطهارة واستصحابها يقدم عليها بلا اشكال للحكومة فلا مجال لمورد يكون الأثر مترتبا على كلا الأمرين كي يكون مجال لتوهم جريانهما معا .

توضيح واعادة لبعض ما مر قد ذكرنا انه قيل بجريان الاستصحاب في

جريان الاستصحاب وأصل الطهارة معاً

ص: 195


1- . فوائد الاُصول 3/127 وما بعده إلى 132 .

الشكّ في جواز الاسناد وعدمه واستشكله المحقّق النائيني قدس سره بكونه من قبيل تحصيل الحاصل بالوجدان بالتعبد وهو لا معنى له لعدم جواز الاسناد وحرمته لكونه من التشريع بمجرد الشكّ في حجيّته وعدمها فلا تصل النوبة إلى جريان الاستصحاب .

لكن لا يخفى عليك جريان هذا الاشكال في جميع الموارد التي يستدلون

لعدم الجواز بالأدلّة العلميّة كما في الظن المانع والممنوع وفي عدم جواز العمل بالقياس وفي مورد الظنون الاجتهاديّة فلا يحتاج إلى الاستدلال بالكتاب لعدمجواز العمل بالظن بقوله تعالى: « وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ »(1) وقوله تعالى: « إِنَّالظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا »(2) وذلك لتأتي اشكال عدم الاحتياج إلى جريان الاستصحاب فيها أيضا مع انّ المحقّق النائيني قدس سره يستدلّ في هذه المقامات بالأدلّة حتى انه مقتضى ما ذكرنا عدم دليل على حرمة التشريع . بل نفس حكم العقل بعدم امكان ترتيب الأثر وهو لا يلازم الحرمة والاستدلال على ذلك بالأدلّة الكتابية والأخبار فرع الحجيّة والكلام الآن في ما هو الأصل عند الشكّ في الحجيّة . ومن هنا يظهر الاشكال في هذا الاستصحاب أيضا لكون مدركه الأخبار التي نحن بصدد بيان مقتضى الأصل قبل الظفر بالدليل المخرج عنه كما انه ينسد باب الاجتهاد والتقليد في ما هو مأخذه الأخبار .

ولا اشكال في ان التعبّد بالامارة كالأصل العملي لابدّ أن يكون ذا أثر شرعي ولو بألف واسطة وإلاّ فيكون لغوا واذا فرض قيام الدليل على حرمة

اشكال المحقّق النائيني

ص: 196


1- . سورة الإسراء الآية 37 .
2- . سورة يونس الآية 37 .

التشريع وفرض تحقّق موضوعه بنفس الشكّ فلا وجه للاستدلال بالامارات لعدم الحجيّة في مقام من المقامات لعدم الأثر بناء على سبق كما يظهر الاشكال في أصل قيام الدليل على حرمة التشريع .

ولكن يكفينا دليلاً على الأخير قوله تعالى: « قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ »(1) حيث انه صريح في حرمة التجري والاحتياج إلى الاذن . نعم يمكن التمسّك بالاستصحاب اذا فرض ترتب أثر آخر على الواقع غير ما هو حاصل بالقاعدة والفرض عدمه ويمكن دفع الاشكال في عدم جريان الاستصحاببكفاية جريان الأصل في ما هو يكون ضدّه ذا أثر شرعي كالحجيّة في المقامحيث انها ذات أثر شرعي فيمكن اجراء الاستصحاب في عدمها لترتب الأثر الشرعي لكن لا يخفى عليك عدم استقامة هذا الجواب لعدم اجدائه في الخروج عن اشكال لزوم تحصيل الحاصل من التعبد بالامارة أو الاستصحاب فيما هو يكون الشك مورد الأثر بمجرّده وانما ينفع فيما اذا استشكل في الاستصحاب لعدم الأثر بأنّه يكفي الأثر ولو يكون ضده ذا أثر لعدم ترتبه على مورد الاستصحاب كما انه تقدم لك الاشارة إلى اختلاف موارد الاستصحاب والقاعدة وعدم مجال لجريانهما بل لا تصل النوبة في موارد الجريان ولا يتحقق الا لواحد منهما .

أمّا الأصل أو القاعدة . وما ذهب إليه الشيخ في المقام من تقدّم القاعدة على الاستصحاب قد أوضحه وحقّقه في مباحث الاشتغال من جريان الاستصحاب في مورد ما اذا كان الشك في أصل الاتيان وعدمه وجريان القاعدة محضا في غيره فلا يتوجه عليه الاشكال .

ص: 197


1- . سورة يونس الآية 60 .

وقد ذكرنا اختصاص الاستصحاب بالجريان في ما اذا كان هناك غنم تبدل له الحالة إلى حالة الشك في كونه غنما أم لا وانه يترتب على هذا الاستصحاب الآثار المطلوبة ولا مجال للقاعدة وتتمحض القاعدة بالجريان في مورد ما اذا كان هناك حيوان متولّد من حيوانين ولم يتبع أحدهما في الاسم فيجري اصالة الطهارة واصالة الحل في طهارته وجواز أكل لحمه ولا مجال لجواز الصلاة في شعره وساير أجزاءه لعدم كفاية اصالة الحل لذلك واحتياج جواز الصلاة إلى احراز عنوان من العناوين المحلّلة للأكل وليس هذا شأن اصالة الحل حيث ان الرواية(1) تعلّق صحّة الصلاة على ايقاعها في ما أحلّ اللّه أكله .هذا تمام ما يتعلّق بالأصل الاولى ويقع الكلام في ما هو الخارج عن هذا الأصل من الظنون .

فليعلم ان البناء على وجوب العمل بالمؤدّى أو جوازه وكون المستفاد من أدلّته هو ذلك يوجب اشكالات في مورد العمل بالامارة حيث انه لا وجه على هذا لتخصيص العام الكتابي بالخبر الواحد كما انّه لابدّ من العمل به بناءً على الوجوب أو ان العمل بالمؤدّى مشروط بالأخذ به من دفع محذور التصويب لتوجه الاشكالات المتقدّمة في مقام الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي على هذا حيث يلزم اجتماع الحكمين لو كان المؤدّى في الواقع حراما وكان بمقتضى دليل الحجيّة واجب العمل مضافا إلى انّه لا وجه لتقديم الامارات على الأصول طرا بل يمكن كون لسان الاستصحاب أقوى من دليل اعتبارها لعدم كونه إلاّ الأمر بترتيب الأثر أو وجوب الأخذ أو جوازه والغاء احتمال الخلاف وهذا لا يجعله

ص: 198


1- . وسائل الشيعة 4 الباب 2/1 من أبواب لباس المصلّى .

طريقا على الواقع ومحرزا ومنجزا له بل إنّما هو وجوب تكليفي فكيف يقدم الامارات بناء عليه على الأصول وهكذا الاشكال بناءً على ساير المباني من جعل الوسطيّة في مقام الاثبات وجعل الحجيّة لعدم تأتيهما وعدم معنى لهما على ما سبق .

نعم بناءً على بناء العقلاء وكون لزوم العمل بها غير واجب تعبدا بل لكون حجيّتها منجعلة فله وجه ويمكن تخصيص الكتاب بالخبر الواحد كما ان الامارات تقدم على الأصول حتّى انه بناء على ايجاب العمل بخصوص المصيب من الامارات لا يستقيم الأمر لوجود هذا العلم الاجمالي لنا بلا لزوم ايجاب العمل بمؤدّى المصيب من الامارات كما انه يتوجه عليه الاشكال بعدم امكان التخصيص .والحاصل انه لا يمكن في المجعول في باب الامارات اختيار مبنى سليم من الاشكال الا ان المسلّم هو العمل بالاخبار وتخصيص الكتاب بها وساير ما لها من الآثار وفي مقام الترجيح يقدم ذو المرجح على غيره وعليه المشي والفتوى والسيرة من السلف إلى يومنا هذا وان لم يعلم وجهه بنحو خال عن الاشكال لما عرفت من توجه اشكال التصويب عليها . ويمكن اختيار وجه يكون طريقا للجمع بين الحكم الواقعي والظاهري على نحو يسلم من اشكال اجتماع الحكمين لاستحالة وجوب الشيء مع كونه محقّق الموضوع ويرخص في مخالفته وتركه وكذا في جانب الحرام وعدم استقامة الجمع بين الحكمين بالوجوه المتقدّمة وهو ان الذي يشترك فيه العالم والجاهل هو اشتغال الذمّة والتعلّق بالعهدة الا ان المطالبة مشروطة بالعلم وفي حال الجهل بالعهدة واشتغال الذمّة لا مطالبة وهذا

المسلم العمل بالاخبار على كلّ المباني

ص: 199

المعنى لا يرد عليه شيء من المحاذير المتقدّمة السالفة في الجمع بين الحكمين .

كما انه يمكن الاستدلال عليه بما ورد في الأخبار ولا ينافي ذلك اشتمال بعض آخر من الأخبار على التعبير بالحكم وانه ما من واقعة الا وله فيها حكم لأعميّة الحكم من الوضعي والتكليفي . فلا مانع من كون الحكم يراد به الحكم الوضعي وهو اشتغال الذمّة والتعلّق بالعهدة دون المطالبة(1) .

ودعوى عدم اطلاق الحكم في الأخبار على هذا المعنى عهدتها على

مدعيها ولا يتوجه على هذا اشكال التصويب ولا يكون التزاما بالحكم الانشائيوالفعلي ولا يخالفه ظواهر الأدلّة حيث انها توجب الصلاة والزكوة وأمثالهما وتجعل العمل في عهدة المكلف ويؤيّد ذلك بل يدلّ عليه ما ورد في بعض الأخبار(2) تعليلاً للحج أو الصلاة أيضا بخروجها عن أصل المال بكونها دينا أو اطلاق ذلك عليه . وعلى هذا بناء على عدم انصراف الدين في الآيات الشريفة إلى ما للمخلوق لا مانع من الالتزام بخروجها عن أصل المال كما قواه(3) أو أفتى به في العروة فراجع الأدلّة وتدبّرها . والا فلا معنى لاشتغال الذمّة بالخطاب أو التكليف به بل الخطاب مترتب على اشتغال الذمّة ويكون المطالبة له فلا مانع في حال الجهل بالذمة من الترخيص على الخلاف كما هو الحال في ما هو كذلك عرفا من الامهال الى امد معلوم مع اشتغال عهدة الذي يمهله من له الحق .

ص: 200


1- . سيجيء في مبحث البرائة والكلام في حديث الرفع عدم استقامة تعلق الرفع بالمؤاخذة ولا بايجاب الاحتياط . وان ذلك عبارة اخرى عن طرح الرواية ولا مجال لاشكال عدم تعلق الرافع على هذا بشيء لما ذكرنا من عدم امكان اجتماع الرافع والمرفوع في آن واحد وان الرفع عبارة عن الدفع وفرقهما بالاعتبار .
2- . الوسائل 11 الباب 29/1 - 2 من أبواب وجوب الحج .
3- . العروة الوثقى المسئلة 83 من فصل شرايط وجوب حجّة الاسلام .

تكميل وتتميم: قد عرفت ان مقتضى الأدلّة حرمة التعبّد بالظن ومطلق ما لم يقم عليه دليل الا انه خرج عن هذه الكلية موارد:

منها: الظنون الراجعة إلى ظواهر الكلام فانها حجة في الجملة يصحّ الاحتجاج من العبد على المولى فيما اذا أخذ بظاهر كلامه ومشى على وفقه وللمولى الاحتجاج عليه وليس للعبد الاعتذار بعدم الاطمئنان بارادته ظاهر كلامه لقيام القرينة على خلاف ذلك هكذا قيل . ولا اشكال في قيام بناء العقلاء على الأخذ بظواهر الكلام بلا توقف في ذلك سواءً في ذلك من كان الكلام مرتبطا إليه وغيره وسواء في ذلك من قصد افهامه بالخطاب ومن لم يقصد .والتفصيل في المقامين بين من يكون مرتبطا ومقصودا بالخطاب وغيره لاوجه له .

وان ذهب إلى الأوّل المحقّق النائيني قدس سره (1) نظرا إلى عدم بناء العقلاء على

حجيّة الظاهر بالنسبة إلى غير من يكون مرتبطا إليه لاحتمال وجود قرائن خفية لم يطلع عليها غير المرتبط إليه الكلام وقيام السيرة والبناء على الأخذ بظاهره بالنسبة إلى الذي يكون مرتبطا إليه لاختصاص غيره باحتمال وجود رمز أو اصطلاح خاص أو قرينة حاليّة أو مقاليّة وغيرها في حقّه ولا يلزم من ذلك قيام هذه القرائن في حقّ غيره .

كما ان التفصيل الثاني أيضا ذهب إليه المحقّق القمّي .

وان الكتاب إنّما يكون حجّة لو كان ككتب المصنفين قصد بافهامه كل أحد يطلع عليه وان لم يثبت ذلك فلا يكون حجة في حق غير المراد افهامهم .

ما خرج عن حرمة العمل بالظنّ

ص: 201


1- . فوائد الاُصول 3/139 لكن كلامه يخالف ما في المتن .

وقد ورد في بعض الأخبار(1) انه إنّما يفهم القرآن من خوطب به وورد في التبكيت على أبي حنيفة انه لم(2) يدر حرفا واحدا من كتاب اللّه ولم يرث ذلك .

كما انه ذهب إلى ذلك الاخباريون أيضا فقالوا بعدم حجيّة الظواهر الكتابيّة بمعنى عدم امكان الأخذ بها . هذا .

الا انه لا وجه لكلا التفصيلين . أمّا الأوّل فلا شبهة في قيام البناء من العقلاء على العموم بلا فرق بين من يكون الكلام مرتبطا إليه وغيره ولذا لو اطلع على ذلكغير الذي يرتبط اليه يخبر غيره وينشر الأخبار بذلك ويبنى عليه ويمشي على وفقه بل ربما يكون في بعض الموارد يحصل لهم القطع بذلك بحيث لا يحتملونالخلاف كما في كتاب عثمان إلى والي مصر(3) وفي ساير الموارد أيضا يمكن دعوى حصول العلم والاطمئنان بمضمونه .

نعم لو كان احتمال عدم الجد قائما بقرينة حالية أو زمانيّة أو غيرها فقد يتوقف في نسبة الظاهر إلى مراده الجدي والا ففي غير هذه الصورة لا فرق عندهم في الأخذ والبناء عليه .

كما ان التفصيل الثاني أيضا لا وجه له نعم اختصاص المضمون بمن خوطب به شيء آخر الا انه لا يوجب قصر حجيّته عليه بل بالنسبة إلى غيره أيضا يكون حجّة وان لم يكلف بمضمونه وربما كان المضمون من الأحكام الحقيقيّة فلا فرق أيضا بين من قصد افهامه وغيره .

وبالجملة لا اشكال في حجيّة الظواهر عند العقلاء والظاهر ان ذلك من جهة

حجيّة الظواهر

ص: 202


1- . الوسائل 27 الباب 13/25 من أبواب صفات القاضي .
2- . الوسائل 27 الباب 6/27 من أبواب صفات القاضي .
3- . مروج الذهب 2/353 الكامل في التاريخ 3/281 تاريخ اليعقوبي 2/164 .

حصول الاطمئنان بكونها مرادة للمتكلم اذا لم يكن ممّن يتعمد الكذب فانه لم يستقم لهم بناء على الأخذ بالظن المطلق غير العلم والاطمئنان .

نعم قد يرد أمر لا يعلم انه بداعي الجد أو بداعي الحث والترغيب أو غيرهما فحينئذٍ يبني على كونه بداعي الجد لاحتياج غيره إلى قيام القرينة عليه وبدونه يكون الجد متعينا . ومقتضاه هو الوجوب ما لم يرد عليه دليل على جواز الترك أو جواز الفعل فيما لو كان الوارد هو النهي وهذا مرتبط بباب انعقاد الظهورات التي سيجيء الكلام فيها وكان حقها التقديم .

ثمّ الكلام في حجيّة الظاهر الاّ انا تبعا للشيخ قدس سره اخرنا الكلام عمّا يرجع إلى صغرى الظهور وتكلّمنا في أصل حجيّته .تذكار: قد ذكرنا ان الكلام تارة من حيث انعقاد الظهور واخرى في حجيّة الظاهر والكلام في حجيّة الظهورات بعد استقرارها وانها حجّة مطلقا أو يفصل بين ما اذا كان مقصودا به وغيره فحجّة بالنسبة إلى قصد افهامه ولا يكون حجّة في حقّ غيره أو بين ما اذا كان مرتبطا به فحجّة وغيره فلا . فقد يدعي التفصيل بكلا نحويه في مقام الاسناد والارادة وان بناء العقلاء انعقد على اسناد الظهور دون كونه مرادا فيما اذا كان بالنسبة إلى قصد افهامه فيكون الظاهر مرادا له لبنائهم عليه .

والذي ينبغي أن يقال ان العقلاء بنائهم على حصول العلم والاطمئنان ولا بناء لهم على الظن والتعبد والتنزيل وفي مورد الظهورات يحصل لهم الاطمئنان على كونها مرادة للمتكلم ولذا يأخذون على حسبها ويعملون سواءً كان في باب الأخبار أو في باب الانشاءات بلا فرق في ذلك كما لا فرق في بناء العقلاء بين من

ص: 203

قصد افهامه وغيره لأن البناء قائم على كلا الموردين .

والاّ فلا بناء لهم أصلاً .

نعم قد أشرنا إلى ان المحقّق النائيني قدس سره فصّل لكن التفصيل ليس في باب الظهور وانعقاده بل في كون الظاهر حجّة وانّه حجّة بالنسبة إلى الذي يرتبط به ويصحّ الاحتجاج به للمولى على العبد وللعبد على المولى .

لكن الاشكال في ان ذلك من باب حصول العلم والاطمئنان بمراده أو انه ليس كذلك بل العبد من وظيفته الاخذ بالظهور وليس له الاعتذار عن مخالفة الظاهر بعدم علمه بارادة المولى لهذا الظاهر كما اذا كان هناك قرينة أو قرائن تمنع من ارادة المولى لظهور كلامه .

فان الظهور ينعقد ولكنه ليس له الاطمينان بارادته فهل في هذا المقام بناءالعقلاء على اتباع الظهورات أم لا ؟ بل يختص بخصوص ما اذا حصل الاطمئنان بارادته وله أن يحتج على المولى بعدم اطمينانه بارادته وليس للمولى الاحتجاج عليه بظاهر كلامه . وبالجملة لو ثبت هذا من بناء العقلاء وان الظاهر حجّة عندهم ما لم يعلم الخلاف ولو مع الظن بالخلاف فضلاً عن عدم الظن النوعي بالوفاق فكيف بالشخصي فحينئذٍ لا حاجة لنا إلى شيء في باب العمل بظهورات الكتاب والسنّة بعد انعقاد أصل الظهور حتى انه لا نحتاج إلى احراز اصالة الجهة ولا إلى ساير الأصول العقلائيّة من اصالة عدم النسيان والغفلة لعدم تأتيها في كلام المولى.

نعم لها المجال في كلام ساير المتكلمين الا انه حيث علمنا من دأب الشارع وديدنه الاتّكال على القرائن المنفصلة فاللازم هو الفحص .

وقد ذكرنا وجوها للزوم الفحص في باب العموم والخصوص . فان تم هذا

التفصيل في حجيّة الظاهر

ص: 204

البناء فلا يهمنا حصول العلم والاطمئنان بل اللازم العمل والأخذ بالظاهر والا فيدور مدار العلم والاطمئنان بارادة الظاهر .

نتيجة ما سبق: قد تحصّل ممّا ذكرنا ان حجيّة الظهور عند العقلاء ليست من باب التعبّد والتنزيل بل من باب الكشف وحصول الاطمئنان عن كونه مراداً للقائل والمتكلّم وليس بناء العقلاء على التعبّد والتنزيل في مورد أصلاً . اذ احتمال

الخلاف وعدم ارادة ظاهر كلامه امّا من جهة النسيان والغفلة أو من جهة عدم كونه في مقام بيان مراده .

أمّا الأوّلان فهما مجرى الأصل العقلائي بعدم حصول النسيان والغفلة

بمعنى عدم اعتناء العقلاء بهذا الاحتمال في مقام الجري وترتيب الآثار على الكلام . ويظهر منهم كون هذا الأصل مسلما عليه ولم يظهر فيه مخالف أصلاً . كما ان عدم كونه في مقام بيان تمام مراده لا معنى له إلاّ اخفاء قرينة مراده وتأخيرهاإلى وقت الحاجة . وحينئذٍ فلا وجه للتوقّف عن العمل في المتّصل . نعم في القرينة المنفصلة خصوصا فيما اذا كان من دأب المتكلّم وديدنه الاعتماد على القرائن المنفصلة لابدّ من الفحص .

ثمّ انه قد فصل بين من قصد افهامه له وغيره فقيل بحجيّة الظاهر في حقّهم دون غير من قصد وهذا يحتمل كونه تشكيكاً في صغرى ظهور الكلام وعدم استقراره بالنسبة إلى غير من قصد افهامه لاختصاصه باحتمال وجود قرينة خاصّة بين المتكلّم والمخاطب المقصود بالكلام قد خفيت عليه بحيث لو ظهرت لكان المعنى غير ما هو عليه الآن دون من قصد فانه ينحصر احتماله بعدم ارادة ظاهر الكلام من جهة عروض النسيان والغفلة وغيرهما ممّا هو مجرى الأصول

ص: 205

العقلائيّة بخلاف مثل احتمال غير من قصد . فانه لا أصل لنا عقلائي ينفي هذا الاحتمال ويطرده ومعه لا يمكن لغير من قصد افهامه الأخذ بظاهر الكلام كائنا ما كان وعلى هذا فيشكل الاستدلال بالأخبار الواردة في القضايا الخاصّة المسئول عنها حيث لم يقصد بالافهام منها الا السائل ولابدّ من دليل آخر يدلّ على التعميم .

وإلى هذا نظر المحقّق القمّي قدس سره حيث فصل بين من قصد وغيره وجعل ذلك موجبا للانسداد والاكتفاء بحصول الظن حتى في الظهور فانه لا يختص عنده الانسداد بخصوص الأحكام الكليّة بل في الظهورات الراجعة إلى غير جهة الصدور وأصله .

والانصاف ان هذا التفصيل له مجال في المقام ولا يمكن الجواب عنه باشتراك المخاطب المقصود له في ذلك لما ذكرنا من انحصار احتماله في ما هو مجرى الأصل دون غير من قصد فان له احتمالاً آخر يخصّه لا يجري فيه الأصلالا انا ندعى عدم طرو هذا الاحتمال بالنسبة إلى أدلّتنا لحصول الكتب والضبط للأخبار بتمام خصوصيّاتها من السؤال والجواب وبيان القرائن التي كانت في الكلام بين المخاطب والمتكلم التي لها دخل في الظهور واختلافه ولم يخونوا الأصحاب في ذلك بل ورد الأمر(1) من الأئمّة علیهم السلام بالكتب والاحتفاظ للوصول إلى من بعدهم وكان الأصحاب يعرضون(2) ما جمعوه من الأصول على الأئمّة علیهم السلام وهم يصححون ما فيه بل ربما يأمرونهم بوضع الاعراب إلى أن وصلت الاصول إلى أصحاب الكتب والجوامع العظام فاتعبوا أنفسهم في تصحيحها

تفصيل المحقّق القمّي

ص: 206


1- . الوسائل 27 الباب 8/15 الى 21 من أبواب صفات القاضي .
2- . الوسائل 27 الباب 74 إلى 78 - 80 - 81 .

وحصول الوثوق والجزم بكونها لأصحابنا والمقابلة والقرائة على المشايخ وتصحيحهم إلى غير ذلك ممّا هو راجع إلى علم الدراية حتّى صارت الروايات بأيدينا اليوم وعليها مدار الافادة والاستفادة . فهي لما ذكرنا ككتب المصنّفين الذين ليس من قصدهم مخاطبة شخص دون شخص بل كلّ المكلّفين يكون ممّن قصد افهامه مضمون الروايات والخطابات فلا يتوجه الاشكال كي نحتاج إلى الجواب هذا .

ولا يخفى ان حجيّة الرواية والخبر لو انحصرت بخصوص ما عن الامام

عليه السلام فيلزم اللغويّة لعدم معلوميّة ارتباط جوابه عليه السلام بالسؤال وتطرق الاحتمال بوضع الراوي له في هذا المقام . فلو قلنا بعدم حجيّة الخبر في الموضوعات للزم لغويّتها فاللازم حينئذٍ الالتزام بشمولها حفظا عن اللغويّةبالملازمة هذا .

ثمّ انه هناك قول بعدم حجيّة ظواهر الكتاب . ذهب إليه الاخباريّون منأصحابنا ولهم في ذلك وجوه عديدة . منها طوائف من الأخبار واردة(1) في النهي عن تفسير القرآن بالرأي وفي ردع أبي حنيفة(2) وأضرابه عن عدم دركه القرآن وانه

ما ورثه اللّه حرفا من الكتاب وإنّما يعرف القرآن من خوطب به وان علمه عند أهل البيت علیهم السلام .

ومنها العلم الاجمالي بعدم ارادة ظواهره لورود التخصيصات والتقييدات

ص: 207


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 13 - 6/28 - 35 - 37 - 63 - 66 - 67 - 76 - 27 من أبواب صفات القاضي .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 13 - 6/28 - 35 - 37 - 63 - 66 - 67 - 76 - 27 من أبواب صفات القاضي .

الكثيرة عليها فلا يمكن الأخذ بها هذا .

ولا يخفى عليك ضعف هذه الوجوه كلّها . اما ما ورد في تفسير القرآن بالرأي فلا يشمل الظواهر اذ التفسير لا يشمل الظاهر لظهوره بنفسه ووضوحه فلا يحتاج إلى كشف وتفسير كما انه لا يختص العلم الاجمالي بالمخصّصات والمقيّدات بالكتاب بل يعم السنة أيضا واللازم الفحص عنهما حتى نعثر على المقيد أو نعلم بعدمه أو نطمئنّ على حسب ما قرّر في محلّه بحيث نجمع المقيّدات والمطلقات في كلام واحد والأخذ بالمتحصل منها .

وأمّا الأخبار الواردة(1) في عدم ارث أبي حنيفة حرفا من الكتاب فلا يتوجّه إلى الظواهر بل المتشابهات والآيات التي ليس لها ظهور في المعنى المراد وقد ذمّ القرآن الذين يتبعون المتشابهات ولا نظر إلى الأخذ بالظواهر فيقوله علیه السلام (2) ( إنّما يعرف القرآن من خوطب به ) لمعرفة كلّ أحد يعلم اللغة بظواهرالقرآن . فموردها تفاصيل الأحكام التي قد ذكر مطلقاتها والاشارة إليها في الكتاب الكريم ثمّ احيل الباقي إلى ما بيّنه النبي صلی الله علیه و آله على ما قال اللّه تعالى: « وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ »(3) وورد في بعض الأخبار انه الكتاب الكبير أو الدفتر الكبير الذي احيل إليه .

تفصيل الصغير والحاصل انه لا دلالة في هذه الروايات بوجه على النهي عن العمل بظواهر القرآن بل هي بين ما يرشد الناس إلى الأئمّة علیهم السلام وان علم القرآن عندهم ويعرفون تفسيره وبين ما ينهى عن الأخذ بغير ما له ظاهر كما ان

ص: 208


1- . الوسائل 27 الباب 6 - 13/27 - 25 من أبواب صفات القاضي .
2- . الوسائل 27 الباب 6 - 13/27 - 25 من أبواب صفات القاضي .
3- . سورة الحشر الآية 8 .

أخبار النقص لا تتعرّض للظواهر لعدم نقص آيات الأحكام بل ما ورد في فضائل أهل البيت علیهم السلام .

فذلكة ان كلام الاخباريّين منه ما يرجع إلى انكار أصل الظهور للقرآن ومنه ما يرجع إلى عدم حجيّته وجواز العمل به لورود المقيّدات والمخصّصات في الأخبار الواردة عن المعصومين علیهم السلام فلا يمكن العمل بظواهره من دون ملاحظة البيانات الواصلة عنهم علیهم السلام لما ورد من ان علم القرآن عندهم وانه لا يوجد علم الا هاهنا في رواية واردة حيث أشار إلى صدره علیه السلام .

أمّا الجواب عن انكار الظهور فواضح لعدم مجال لانكاره في ما هو ظاهر .

نعم لا ننكر وجود مجملات في القرآن ومتشابهات كقوله تعالى: « الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى »(1) الا ان الكلام في المقام راجع إلى خصوص الآيات المرتبطةبالأحكام ونحن لا ننكر احتياج تفاصيلها وبيان خصوصيّاتها إلى ما ورد منالمعصومين

علیهم السلام حتى انه لا نحتاج إلى العلم الاجمالي كي ينحلّ بالعثور على المقدار المعلوم بالاجمال من المقيدات والمخصصات في باب من أبواب الفقه . اذ مقتضاه جواز العمل بالعام والمطلق في ( ما بعده ) بل نقول انه لو بقى عام من عمومات القرآن وكذا السنة وكان خارجا عن دائرة المعلوم بالاجمال ومحتملاً لورود المقيّد أو المخصّص له فاللازم الفحص حتّى يحصل القطع بعدمه ولا يجوز العمل بعام كتابي أو خبري وكذا المطلق قبل الفحص ولا تفوّه به أحد . فان حصل بالفحص العلم والقطع بعدم المقيّد فهو . والا فان بقي احتماله لاحتمال طرو التلف على عدّة من الروايات التي يحتمل وجود المخصّصات فيها دون غيرها من

كلام الاخباريين

ص: 209


1- . سورة طه الآية 5 .

الكتب والاصول التي وصلت إلينا أو أخبارها فلا يمكن معه العمل بالعموم . بل يبقى على الشك . الاّ انه ندعى القطع والاطمئنان بعدم مجال لهذا الاحتمال لعدم وجه لاختصاص مثل ابن أبي عمير لنقل الرواية دون غيره من الأصحاب . بل لو عرض التلف على كتابه فلم يعرض النسيان على أصل المتن وانما نسى السند . فلذا كان يرسل الروايات وعلى فرض طروّ التلف على رواياته أو روايات غيره فلم يكن جامع الروايات وناقلها منحصرا به بل كثير من الأصحاب كانوا ينقلون ويحدّثون وكانوا يطلعون كلّهم على الرواية . الا انه كان هناك وجود رواية شاذّة كان أحدهم متفرّدا بنقلها . فهذا قد أمرنا بأخذ ما خالفه اذا كان مشهورا لعدم الريب فيه بل الريب في الشاذ لاحتمال الاتهام بجعله . واحتمال اختصاص الراوي بالرواية لكونه من أهل الأسرار مدفوع بعدم كون أحكام المكلّفين فيها أسرار بل الروايات المشتملة عليها يرويها كلّ الرواة الناقلون ولم يكن وجه لاختصاص أحدهم برواية راجعة إلى الأحكام دون غيره . هذا .

فقد ظهر انه لا وجه للقول بعدم الظهور أو حجيّة مطلقات الكتاب وعموماتهومطلق ظواهره لما ذكر من الوجوه . لعدم اختصاصها بالكتاب بل تعم السنة أيضا ولذا اتفقت كلمة الأصحاب من المحدّثين والاصوليّين على عدم جواز اجراء الأصول النافية للتكليف قبل الفحص . وانما الخلاف بعده فالاولون على الاحتياط في الشبهة التحريميّة دون الآخرين مع ان العلم الاجمالي يمكن منعه في مورد آيات الأحكام . بل يحتمل اختصاصه بمورد القصص والحكايات الخارجة عن محلّ الابتلاء فتأمّل .

ص: 210

الكلام في اختلاف القراءات والحكم فيها .

لا يخفى ان في مورد اختلاف القراءات الراجعة إلى آيات الأحكام كما في مثل قوله تعالى: « وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ »(1) حيث قرء بالتشديد من باب التفعل وبالتخفيف من المجرد لا يمكن التمسك باحدى القرائتين لاثبات الحكم المستفاد منه كجواز المقاربة قبل الغسل بعد النقاء وعدمه الا بعد الغسل لاشتباه القرآن بغيره فيكون من الشبهة الموضوعيّة التي لا يمكن التمسّك بالعام فيها وليس القرآن الا نازلاً بحرف واحد من عند الواحد فلا مجال للالتزام بكون كلّ القراءات المختلفة قرآنا وان اسندوها أصحابها إلى النبي صلی الله علیه و آله بوسائط كابن عباس

وعثمان وأبي هريرة وبعضها يسند إلى أميرالمؤمنين علیه السلام عن النبي صلی الله علیه و آله كما لا مجال لأعمال اخبار المرجّحات فيها لاختصاص تلك الأخبار بمورد تعارض الروايات أوّلاً وثانيا تلك فيما إذا لم يعلم الصدور قطعيّا بخلاف المقام فان السند

قطعي وانما الاشتباه في القرائة فعلى هذا لا ينعقد ظهور للآية الشريفة في أحدالمعنيين لعدم معلوميّة قرانية احدهما بعينه ومن ذلك بشكل الأمر في قرائة الصلاة في الفاتحة حيث اختلف في الصراط ومالك يوم الدين فقرء الأول بالسين والثاني ملك يوم الدين كما قرء صراط من أنعمت عليهم وقرء بكسر الهاء وضمّها وكذا في سورة التوحيد حيث اختلف الوجه في كلمة كفوا بتحريك الفاء ضما أو سكونها بالهمزة والواو .

نعم يمكن التخلّص عن الاشكال في القرائة بما ورد من النهي(2) عن قرائة

اختلاف القراءات

ص: 211


1- . سورة البقرة الآية 223 .
2- . الوسائل 6 الباب 1/74 - 2 - 3 من أبواب القرائة في الصلاة .

غير ما هو متعارف عند الناس من القرآن والأمر بالقرائة كما علمتم(1) اقرؤوا كما يقرء الناس لو شمل ذلك حتى مثل اختلاف الحركات والا فبحسب القاعدة لابدّ من الاحتياط اما بترك السورة التي اختلف في قرائة بعض كلماتها أو آياتها أو تكرار المختلف وقصد الذكر في غير قرآنه ولا مانع منه . لكن اختلاف القرائة في آيات الأحكام قليل وعلى فرض وجوده فلا اختصاص له بالقرآن بل يكون مجملاً كمجمل الأخبار ومتشابهها ولا يمكن التمسّك به لاثبات حكم أو نفيه الا في مورد اتفاق المعاني والقراءات وهذا لا يوجب تمحض القرآن بالمنع من العمل به لما عرفت من وجود المتشابه (في الأخبار والمجمل ) وكما انه لابدّ من الفحص من مقيد اطلاقات القرآن ومخصص عموماتها كذلك الاخبار فلا فرق بينهما في ذلك أصلاً .

وعلى كلّ حال فتفصيل الاخباريين بين القرآن والسنّة لا وجه له .

هذا تمام الكلام في ما يتعلّق بكبرى العمل بالظواهر وحجيّتها .الكلام في انعقاد الظهورات:

الكلام في ما يرجع إلى أصل انعقاد الظهور لمفردات الكلام وللجملة التركيبيّة ولا اشكال في مورد العلم بمعنى اللغة بحيث يكون ظاهرا في معنى . لكن الكلام في ما يوجب أصل الظهور حيث لا اطلاع لنا بكثير من ألفاظ القرآن والأخبار والمراد منها ولا نص من الواضع على تعيين المعنى الحقيقي عن غيره كي يكون مرجعا وإنّما بأيدينا كتب اللغة التي ليست معمولة لبيان مواضيع الألفاظ بل انما تضمنت موارد استعمالاتها فلا يكون أهلها خبرة لتعيين ما وضع له اللفظ

ظهور المفردات

ص: 212


1- . الوسائل 6 الباب 1/74 - 2 - 3 من أبواب القرائة في الصلاة .

كي نرجع إليهم من باب الخبرويّة حتّى انه لا طريق لهم إلى العلم بحقائق الألفاظ من مجازاتها ولو من مثل صاحب القاموس الذي قيل انه جمع القاموس بتتبع أصحاب اللغات وعشاير العرب .

لان غاية ما وصل إليه إنّما هو مورد استعمالاتهم ولا يكون مثله مرجعا في تعيين المعنى الحقيقي فلا وجه للأخذ بالمعنى الأوّل من كلامه لكونه حقيقة والباقي مجازات .

نعم يمكن العلم بالمراد من قرائن الحال والمقال وذلك يكفينا ولا يهمّنا تحرّي الحقيقة عن المجاز .

وليعلم انّ حصول الظهور للكلام منه ما يرجع إلى ظهور مفرداته ومنه ما يرجع إلى ظهور جملة الكلام المتحصّل من مفرداته مع القرائن الموجودة الحافة اللاحقة بالكلام .

أمّا الأوّل فيتوقف على العلم بالوضع فيها غالبا .

وطريق العلم به إمّا تنصيص الواضع أو ساير علائمه كالتبادر وعدم صحّة السلب ولا اشكال في انّه أقل قليل . وأهل اللغة ليسوا بأهل الخبرة في مقام تعيينالوضع وإنّما همهم جمع موارد الاستعمال خصوصا غير من تتبّع لغات القبائل وإنّما جمع كتابه بالرجوع إلى موضوعات من سبقه من أهل الفن حتّى أن ذكر المعنى الحقيقي أولاّ وباقي المعاني حيث تكون مجازات بعده كما ينسب إلى صاحب القاموس أيضا غير ثابت . فحينئذٍ لا علم لنا إلى تشخيص مفردات الكلام بحسب ما وضعت لها الألفاظ . فلابدّ إمّا من الرجوع إلى أهل اللغة لكونهم أهل الخبرة في ذلك أو انه من باب الشهادة بناء على عموم دليلها للموضوعات أو انه

ص: 213

من الانسداد كما ان الأمر كذلك في باب تعرف أحوال الرواة لعدم ادراك زمانهم بل ولا أهل الرجال حيث ان توثيقاتهم وتعديلاتهم وغير ذلك ممّا يذكرونه في حال الرجال وأصحاب الروايات ليس بمعاشرتهم ولا تعرفهم لها بلا واسطة . لبعدهم من زمانهم بل إنّما وصل إليهم بسبب النجاشي وابن عقدة وإن كان الثاني على خلاف الطريقة الحقّة لكن علومه مستندة إليهم وقد عرف بالثقة وهما أيضا لم يدركوا كلّ الرواة بل وصل إليهم أخبارهم في أحوالهم بأخبار غيرهم ممّن أدركوهم فيشكل الأمر في باب السند واثبات وثاقة الراوي وعدالته كي يندرج خبره في عنوان موضوع خبر الثقة الذي يأتي الدليل في باب حجيّة خبر الواحد على كونه حجّة لاثبات قول المعصوم عليه السلام هذا .

الاّ ان الحق في ذلك ان اعتبار أقوالهم سواء كان جرحا أو تعديلاً وكذا أقوال أهل اللغة توجب الاطمينان الذي هو طريق عقلائي لم يردع عنه الشارع وإلاّ فلا يكون حجّيّتها من باب الانسداد الموجب لحجيّة الظن الا أن يرجع إلى الانسداد الكبير فحينئذٍ كلّ ما استفدنا هناك من الحجيّة بالعموم أو الخصوص .

يمكن اثبات حجيّتها ولا انه من باب الشهادة لقصور أدلّتها عن اعتبارها في الموضوعات ولا من باب الخبرويّة . بل لو كان حجّة فمن باب افادة الاطمئنانوعليه فيدور مدار حصوله وعدمه . فان أفاد في حال الراوي أو في معنى اللفظ فهو والا فلا دليل على الأخذ بقولهم مطلقا . بل لابدّ من المشي على مقتضى القواعد .

الا ان الذي يسهل الخطب انه لا تصل النوبة إلى ذلك بل غالب ألفاظ الروايات يعرفه من له أدني تدرب في اللغة العربيّة فضلاً عن غيره لعدم اشتمالها

ص: 214

على اللغات الغريبة غالبا كما ان بالمراجعة إلى كتب الرجال يحصل الاطمئنان بحال الراوي وهكذا فيما يكون محتاجا إلى المراجعة من اللغات بمراجعة كتبها ولذلك صار زرارة في الوثاقة والعدالة ضرب المثل مع ان اضرابه ربما كانوا أفضل منه ليسوا بهذه المثابة من الاشتهار والوصفيّة بالثقة .

هذا بالنسبة إلى مفردات الكلام واما المعنى الجملي المتحصّل من ضمّ المفردات بعضها إلى بعض فهو لا يتحقّق إلاّ بعد الفراغ من الكلام بما له من القيود واللواحق من القرائن العامة والخاصّة . وربما يوجب بعض القرائن انقلاب المعنى الافرادي وصرفه إلى غيره كما في مثل المثال المعروف رأيت أسدا يرمي حيث ان يرمي يوجب انصراف الأسد إلى الرجل الشجاع .

ثمّ انه بعد ما تحقّق الظهور وصار قطعيّا للكلام يندرج تحت الكبرى المبرهن عليها سابقا من كون حجّيّته عند العقلاء لكشف المراد .

تنبيه: للمحقّق النائيني قدس سره (1) تفصيل في باب المفاهيم الافراديّة في الألفاظ الواردة في الكتاب والسنّة وأن الجهل بها لا يوجب الانسداد بخلاف عدم طريق علمي في قول الرجالي فيما يرجع إلى السند فانه يوجب انسداد باب العلموالوجه في ذلك وجود الطرق المفيدة للظن والاطمئنان غالبا في باب المعاني الافراديّة وتعيين مفاهيمها ووجود القدر المتيقّن في الموارد التي لا طريق إلى تعيين المعاني كما في الصعيد . فانه إمّا أن يكون معناه مطلق وجه الأرض أو خصوص التراب فلو أخذنا بالقدر المتيقن من التراب وفي مورد عدم الماء اقتصرنا على التيمّم به لا يوجب هذا الاحتياط عسرا ولا حرجا ولا خروجا من

المعنى الجملي من ضم المفردات

ص: 215


1- . فوائد الاُصول 3/143 - 144 .

الدين إلى غير ذلك .

وبالجملة لا تتمّ مقدّمات الانسداد . وهكذا لو اقتصرنا في التوضى والطهارة المائيّة على المياه التي يطلق عليها اسم الماء بقول مطلق وفيه الاطلاق بلا اضافة أو باضافة وصف له كما في الماء الملح الذي يكون في البحار بخلاف مثل الماء الملح الذي يعلوه الملح ويجمد ملحا فانّه قد يشكّ في صدق الماء عليه من جهة الشبهة المفهوميّة وعدم حصول الجزم بكونه ماءا فلو حكمنا بنجاسته بمجرّد الملاقاة لنجس وبعدم صحّة التوضي والاغتسال به فلا يوجب عسرا ولا حرجا بالكليّة في غالب الموارد ولا خروجا عن الدين . كما انه لو كان هناك مورد الشبهة في المصداق لا يحكم بصحّة الوضوء ولا بحصول الانفعال وهذا بخلاف موارد الظنون الرجاليّة حيث انّه ان لم يحصل لنا الوثوق بوثاقة الطرق والاسناد والرجال الواقعين في سلسلة الأحاديث يلزم المحذور إمّا الخروج عن الدين ان اجرينا البرائة في تمام هذه الموارد أو اختلال النظام إن أوجبنا الاحتياط أو عدم امكان الاحتياط أو جوازه لو كان هناك اجماع على عدم الاحتياط لعدم دركنا زمانهم ووصول توثيقات أهل الرجال وإن كان بوسائط ثقات كالعلاّمة وأضرابه قدّس اللّه أسرارهم . إلاّ انها منتهية إلى عدّة معدودين حالهم مجهول عندنا فيلزم انسداد باب العلم مع العلم الاجمالي بالأحكام ولازمه الاحتياط . والفرض عدم امكان التاممنه أو عدم جوازه أصلاً ومن جريان البرائة يلزم الخروج من الدين ولا طريق علمي إلى احراز وثاقة أخبارها كي يندرج تحت الكبرى المسلمة التي سيجيء عنها البحث من حجيّة خبر الثقة أو بضميمة الحسن وتختلف نتيجة المقدّمات حسب اختلاف بعضها كما سيجيء البحث عنها في محلّه إن شاء اللّه تعالى .

ص: 216

الا انه بحمد اللّه تعالى يظهر للمراجع في أحوال الرجال والتتبع لكتب الرجال وثاقة عدّة كثيرين من الرواة وحملة الأخبار بحيث قلّما يوجد مورد في الفقه لم يكن هناك دليل معتبر بل خبر صحيح على الحكم . بل لو كان هناك أخبار ضعاف فإمّا أن تكون مجبورة بعمل أو يوافقها الأخبار الصحاح فلا تصل النوبة إلى مقدّمات الانسداد .

فتلخّص ممّا ذكرنا ان العمل بالخبر والرواية لا يمكن إلاّ بعد اثبات أصل الظهور في المعاني المتحصّلة المتوقّفة على العلم بمعاني مفردات الكلام ثمّ البناء على حجيّة الظاهر كما مرّ البحث عنها . وانه إذا كان الظهور قطعيّا يندرج في كبرى حجيّة الظواهر عند العقلاء التي مدركها وملاكها حصول الاطمئنان والعلم النظامي بالمراد منها .

والجهة الثالثة اثبات كونه خبر الثقة أو العادل أو الحسن الذي يكون محتاجا بعد ذلك إلى اثبات حجيّة مطلق خبر الثقة والعادل والحسن . وإلاّ فلا فائدة في المراتب السابقة ما لم يثبت حجّيّة أخبار الثقات . كما انه لا فائدة في أصل الكبرى ما لم يوجد هناك صغرى لها وهكذا لا ينفعنا مجرّد حجّيّة خبر الثقة اذا لم يكن هناك ظاهر محصل من المعاني الافراديّة .

ثمّ انّه لا إشكال في عدم الفرق في الظهور بين ما إذا كان حاصلاً قبل العثور على الظاهر أو بعده بحيث لا نعلم حين العثور على لفظ الرواية معناه وبالمراجعةيحصل الاطمئنان بمفادها .

تكميل وتتميم:

لا إشكال في عدم تداول اللسان المستعمل في الأخبار عند العرف الفعلي

وثاقة كثير من الرواة

ص: 217

كي يكون واسطة للعلم بمعاني مفردات ألفاظ الموجب لحصول الظهور في المعنى المتحصل الحاصل من ضم القرائن إلى ذويها وملاحظة قيود الكلام وارتباطها بأصله فحينئذٍ لابدّ في كشف المراد منها المتوقف على ظهورها في غير موارد حصول العلم بمعانيها ) إلى مراجعة اللغة وأهلها لو أوجبت حصول العلم والاطمئنان العادي وإلاّ فقد عرفت الحال والمآل .

ثمّ ان الظهور في المفردات كما عرفت قهري لو كان المخاطب والناظر في الكلام عالما بمعاني المفردات .

أمّا الظهور المتحصّل الذي يصحّ عنده نسبة القول إلى قائله ان ارادته تعلّقت به أو انه قال ذلك الكلام فبعد انضمام القرائن وملاحظة القيود . وإلاّ فلا ينعقد الظهور المتحصّل ومعه لا مجال لكونه مرادا له . فان كان المتكلّم عادته اعطاء الكلام بما له من القيود والقرائن فلا إشكال في حصول الظهور وانعقاده وانطباق الكبرى المشار إليها من حجّيّة الظهور وكونه مرادا له عليه . وإلاّ فان كان دأبه وديدنه تأخير القرائن إلى وقت الحاجة عن حين الخطاب فيشكل الأمر في انعقاد الظهور حيث ان الظهور فيما اذا كانت القيود منضمّة إلى مقيّداتها ومطلقاتها . ولو خلت القرائن من ذويها فحينئذٍ لا مجال لذلك وإلاّ فلا مورد للظهور ولا ينعقد الكلام إلاّ بعد انضمامها المتوقّف على الظفر بالمقيّد .

ومن هنا يشكل الفرق بين المخصّص المنفصل والمتّصل في ما إذا كان مجملاً مردّدا بين الأقلّ والأكثر حيث انّ المشهور على تخصيص العام بالمنفصلبالقدر المتيقن والرجوع إلى اصالة العموم أو الاطلاق والتمسّك بها على الزائد المشكوك كما اذا قال أكرم العلماء وقال منفصلاً لا تكرم فسّاق العلماء أو الفسّاق

ص: 218

منهم وتردّد الفاسق بين مطلق العاصي أو خصوص مرتكب الكبيرة .

فلا اشكال في تخصيص مرتكب الكبيرة قطعا . اما في مرتكب الصغيرة

فيتمسّكون باطلاق أكرم العلماء بخلاف ما اذا قال متّصلاً كأكرم العلماء غير الفسّاق فحينئذٍ لا ينعقد الظهور للعام في العالم المرتكب الصغيرة . ولا مجال للقدر

المتيقن في مقام التخاطب . بل اللازم بناءً على ما ذكرنا ملاحظة المنفصل كالمتّصل وعليه فيكون كالمتّصل في عدم انعقاد الظهور . بل لا ينعقد الظهور من أوّل الأمر فيما إذا كان دأب المتكلّم الاعتماد على القرائن المنفصلة كما في ما نحن فيه فيشكل التمسك حينئذٍ بالاطلاقات بل في الحقيقة لا يكون(1) اطلاق إلا بعد

انضمام القرائن وعدم المقيد المتوقّف على الفحص والعلم أو الاطمئنان بعدمه كما هو الحال في مطلق الأخبار ومتعارضاتها ومن اللازم في مقام الجمع انضمام بعضها إلى بعض وملاحظتها كالمتّصل والأخذ بالمتحصّل منها عند العرف . وحينئذٍ فلو لم يكن هناك جمع عرفي فلا يمكن الترجيح في الدلالة بل لابدّ من الرجوع إلى الأخبار العلاجيّة كما ان اثبات ان الأمر ظاهر في الوجوب مع استعمال الصيغة في جميع الموارد على نهج واحد يحتاج إلى دليل . وإلاّ فمفاد الصيغة في جميع موارد الاستعمال شيء واحد إمّا هو الطلب أو انشاء النسبة . وكما يمكن دعوى كون الندب محتاجا إلى القرينة ومن عدمها نستكشف الوجوب يمكن العكس بأنّ المحتاج إلى القرينة هو الوجوب بأن يبين عدم الرضا بتركه ومنعدمه نكشف عدم الوجوب . لكن الظاهر عند العرف ان الصيغة اذا اطلقت ولم يكن هناك قرينة تكون للوجوب وانّه لا يرضى بترك المطلوب الاّ ان الاشكال في

اشكال الفرق بين المخصص المنفصل والمتّصل

ص: 219


1- . فيه منع وبالعثور على المقيد يقدم على المطلق لاقوائيته .

استقرار الظهور وانعقاده في الوجوب لما ذكرنا من الاعتماد على القرائن المنفصلة لكن الأمر في المقام أسهل منه في مورد ورود المخصّص المردّد بين الأقلّ والأكثر الذي وقع الاشكال فيه آنفا . حيث انّه اذا لم يرد قرينة على الندب يكون للوجوب واذا ورد قوله لا بأس فيكون الظهور المتحصل هو الندب ولا يوجب ورود الندب في واحد من الامور المتعاطفة بنهج واحد تحت طلب واحد كون الباقي أيضا ظاهرا في الندب بل الباقي على حاله في ظهوره في الوجوب . وانما الندب هو الوارد فيه عدم البأس بتركه كما ان الأمر في المخصص المنفصل والمتصل في ما اذا تردّد أمره بين المتبائنين واضح انه على نهج واحد مانع من التمسك بالاطلاق والعموم وعدم انعقاد الظهور أو عدم الحجيّة في كلا المقامين على ما سبق .

الكلام في حجيّة الاجماع

البحث وان وقع في ان نقل الاجماع حجّة أم لا لكن ينبغي الكلام أوّلاً في الاجماع المحصّل وانه حجّة كي يقع البحث بعد ذلك في حجّيّة منقوله والا فلا فائدة في الكلام في نقله اذا لم يكن محصّله حجّة .

فنقول لا اشكال في ان الاجماع لو اريد به اتفاق جميع الأعصار من المسلمين أو خصوص الاماميّة الفقهاء منهم وأهل الفتوى عصرا بعد عصر حتّى عصر الأئمّة علیهم السلام خصوصا الصادقين واتّفق رأي الجميع وكلامهم على حكم من الأحكام الشرعيّة اذا كانوا أهل الرأي والفتوى أو انكشف لدينا عملهم وعلمنا انهكانوا يعملون به فهو حجّة قطعا لايجابه القطع برأي الامام وموافقته لهم في ذلك

حجيّة الاجماع

ص: 220

لاستحالة تواطئهم على الكذب خصوصا مع ورعهم وتقواهم الحاجزين لهم عن الاتفاق على الكذب ونسبة شيء إلى من هم (قبله) عادة لا أنه محال عقلي . بل لا يقع ذلك عادة . وهذا الاجماع لا اشكال في حجيّته . لكن الكلام في وجوده في الفقه كما انه لو نزّل مرتبته إلى ان اتّفق على حكمٍ أهل الفتوى وأصحاب التأليف والتدوين ولم يكن في البين دليل على قولهم يوافقهم في ذلك ولا ما يحتمل انه مدرك لهم فلا ريب في انه يعلم بوجود الحجّة على الحكم عندهم وعلموه من الامام علیه السلام . غاية الأمر لم يدونوه في الكتب بل كان نقلاً إلى الصدور . الاّ ان قوّة هذا الاجماع ليست كذاك . اما اذا لم يكن الاجماع من أحد القسمين بل اتّفاق عصر من الأعصار على حكم من الأحكام بحيث اتّفق أهل الفتوى سواء منهم أصحاب التأليف والتصانيف أو غيرهم عليه فهنا أيضا يمكن اثبات حجيته من باب انه لو كان خلاف الواقع ولم يكن هناك مجال للتقيّة ولا على الامام تقية فعليه أن يظهر الخلاف بردعهم عن ذلك كما وقع من أميرالمؤمنين علیه السلام في كلّ مقام كانوا

يريدون إنشاء بدعة وترويجها كما في زمن عثمان(1) حيث امتنع من الصلاة بالناس بعد رجوعه من عرفات تماما لما أراد عثمان ابداعه في الدين وكما خالفه(2) في كفاية نيّة الحجّ في احرام حجّ التمتّع لمّا نادى منادي عثمان بين الحجّاج فأتاه علیه السلام وردعه ونادى منادي من قبله علیه السلام على خلاف ما أبدعه عثمانحيث انه اعترف عنده علیه السلام بأنّه لم يكن من فعل النبي صلی الله علیه و آله ولا فعله الاثنان .الا انّ الشأن في استكشاف اتّفاق أهل عصر واحد على ذلك بحيث لم يشذ

ص: 221


1- . الوسائل 8 الباب 3/9 من أبواب صلاة المسافر .
2- . الوسائل 12 الباب 21/7 من أبواب الاحرام .

عنهم في ذلك شاذ . فان كان نقل الاجماع من قبيل القسمين الأولين فلا اشكال بناء على اندراجه في خبر الواحد في حجّيّته وسيجيء الكلام في القسم الأخير . وهناك اشكال آخر من الاجماع وربما يدعي الاجماع مدعيه لتشرفه عند الامام علیه السلام ولداعي الاخفاء يدعي الاجماع بمعنى المسبب من الاتفاق أو المستكشف منه كما نقل سيّدنا الاستاذ قدس سره من السيّد أبو تراب (أبي تراب) قدس سره انه كان يعتقد في ما يعبر صاحب الكافي قدس سره بقوله ( وروى ) انّه من باب التشرّف عند الامام علیه السلام ولذلك يكون أمتن وأقوى من باقي رواياته المسندة ولبعضهم مسلك آخر فيه .

وهو الاجماع الدخولي لدخول الامام علیه السلام في المجمعين ( ولا يخفى ان نقل الاجماع الذي يكون حجّة يحتمل كونه من باب الشهادة كما يحتمل اندراجه في خبر الواحد بناء على عمومه للموضوعات ) .

وهناك قسم آخر منه وهو ما يحصل من الاطلاع على أقوال وفتاوى عدّة من أهل الفتوى ويقطع بالحكم ويحدس باتّفاق رأي الامام علیه السلام لهم في ذلك وهو الاجماع الحدسي .

وعلى هذا فلا يكون حجيّة الاجماع لكونه دليلاً برأسه بل لكونه موجبا للقطع فالقطع حجّة من أيّ طريق حصل ولو بالنوم أو الاستخارة أو بالرمل والجفر اذا لم يكن هناك قطع موضوعي وإن كان مرجع الأدلّة الأربعة التي وقع البحث عنها من كونها بما هي أدلّة أو بما هي هي موضوع علم الأصول إلى واحد وهو القرآن كما انّ موضوع علم الأصول لا يختصّ بذلك بل بما كان يقع في طريق الاستنباط .

ص: 222

واعلم ان هنا نكتة ينبغي التنبيه عليها وهي ان بعض أصحاب الرأي كالعلاّمة والشهيد قدّس اللّه أسرارهم ربما يحصل لهم من الاختلاف في الرأي ما يوجب مخالفة ما أفتى به أوّلاً أو كتبه في كتابه لكنه مع قدرته على محو ما أفتى به أوّلاً يثبته على حاله وكذا في الأخير حذرا من دعوى الاجماع أو احتماله على خلاف ما أفتى به في أحد الوقتين .

اذا عرفت هذا فاعلم انّ الكلام في الاجماع المنقول يقع تارة في حجيّة نقله فلا اشكال من هذه الجهة في انه حجّة لدخوله بناءً على بعض المباني في قسم الأخبار وحكاية رأي الامام علیه السلام ولو من حيث حكايته عن الاتفاق الذي هو كاشف عن قوله علیه السلام وأدلّة الخبر وان كانت شاملة لنفسه لا الموضوعات الخارجيّة لكن حذرا من لزوم اللغويّة فيها لابدّ من الالتزام بشمول الأسئلة وغيرها المرتبطة ببيان الأحكام ولو تبعا .

واخرى من جهة أصل تحقّقه ومدركه محصّلاً فقد اختلف في وجه حجيّته وكلّ سلك مسلكا فذهب بعضهم إلى انّ وجه حجيّته دخول الامام علیه السلام بشخصه في المجمعين وانّه علیه السلام يحضر المجالس المعدة للافتاء والاستنباط ويمنعهم من الاتفاق على خلاف الواقع بالخدش في أدلّتهم وابداء قول آخر واحتمال ويعلم بالقرائن القطعيّة انه الامام علیه السلام (1) كما قد اتّفق(2) لبعض شرّاح الشرايع قدّس اللّه

الكلام في الاجماع المنقول

ص: 223


1- . ولذا يشترطون في المخالف مجهوليّة النسب ولا يعتبرون خلاف معلوم النسب ويعتذرون عن مخالفته وخروجه من الاجماع بكونه معلوم النسب والمراد بعدم معلوميّة النسب انهم لا يعرفونه مع اجتماعه لشرايط الافتاء والفقاهة لا يعرف بنسبه .
2- . الظاهر ان المراد به هو السيّد محمّد مهدي القزويني الأصل . خاتمة المستدرك 2 - 20 ص127 ح3 .

أسرارهم والشيخ قدس سره (1) ذهب إلى ان وجهه اللطف ولزوم البيان على الامام علیه السلام لكونهحافظا لدين اللّه فلا يمكن حصول الاتّفاق على حكم من الأحكام الشرعيّة في جميع الأعصار بل ولا في عصر واحد مع كونهم مخطئين في اصابة الحكم الواقعي ولا تقيّة ولا خوف على الامام علیه السلام فعليه القاء الخلاف وارشاد الامة إلى الحق واخراجهم عن الباطل بارائه الطريق وبيان الحكم الواقعي ولو بالالقاء إلى شخص وابداء احتمال حفظا لوقوع الاتفاق بالنسبة إلى الأعصار الآتية ولا يقعون في الضلال ولا مجال لاحتمال كون ذلك وظيفة حال الظهور لكونه حاضرا ظاهرا في كلّ وقت وإنّما القصور منّا . كما انه لا تختلف الوظيفة بحسب اختلاف الأوقات لأنّه حافظ دين اللّه وعليه ذلك بل حكمه حال الحضور أيضا كذلك فربما اشتدّ الأمر ولم يكن مجال بيان الأحكام فيحذرون ذلك بل يأمرون بعض أصحابهم من له أهليّة ذلك ببيان أقوالهم ولو في ضمن أقوال فقهاء العامّة لعدم تمكّنهم عليهم السلام من ذلك واذا زال المانع وارتفع الخوف كانوا يبيّنون للنّاس مسائل الحرام والحلال والأحكام .

وأجاب المحقّق النائيني قدس سره (2) عن هذا الوجه بأنّه عليه البيان بالطرق العادية لا بغير ذلك وهم قد بيّنوا ذلك . لكن هذا الكلام منه ليس في محلّه لعدم دليل على اختصاص البيان بالطرق العادية . وعلى فرض التسليم فهذا النحو من البيان بالالقاء إلى واحد من رعيته عليه السلام من تلك الطرق . ولا مجال للاشكال في حجيّة الاجماع بهذا النحو ان وجد له الصغرى بحيث اتّفق أهل

ص: 224


1- . يظهر من الشيخ اعتبار الخبر لأجل دخول الامام في العاملين بالخبر . عدّة الاصول 1/275 .
2- . فوائد الاُصول 3/150 .

الأعصار والامصار على حكم من الأحكام الشرعيّة ولم يكن هناك مخالف فانانقطع بموافقة ذلك لرأي المعصوم علیه السلام وقوله وإلاّ لكان يبين الحكم ويوقع الخلاف بينهم لكن الظفر بمورد يكون صغرى لهذا مشكل . بل لا يوجد في الفقه الا في موارد قليلة كمسئلة اشتراط المضاربة بالدراهم والدنانير المسكوكات الرائجة ولا تقع بغيرها فانه لا يوجد في كتب الفتاوى ولا مدارك الأحكام ما يكون مدركا لهذا الحكم سوى الاجماع الذي لم يظهر مخالف فيه وإلاّ فقلّما يوجد حكم اجماعي ولم يكن ما يوافقه من أصل أو دليل أو قاعدة . فلا اشكال في كبرى هذا المعنى . إنّما الكلام في احراز الصغرى كما ان الاجماع الدخولي لا وجه له بل قليل الاتّفاق أو فاقده .

وهنا مسلك آخر في حجيّته وهو الحدس من اتّفاق جماعة بموافقة الامام علیه السلام لهم وهذا هو المعنى الذي يمكن تطبيق دعاوي الاجماع غالبا عليه وإلاّ فمن البعيد حملها على القسم الثاني الذي هو الاجماع اللطفي لعدم امكان الظفر بآراء أهل الرأي والفتوى في عصر واحد المعروفين وغيرهم كي يكون مجال لدعوى الاجماع أو ان الناقل له انما ينقل مسبب الاجماع والمنكشف لديه لتشرفه بخدمة الامام علیه السلام وتلقى الحكم منه فيدعى الاجماع بمعنى المسبب منه والمنكشف من الاتفاق . وربما يمكن الاستدلال على حجيّة الاجماع باتفاق أهل الأعصار في جميع الأمصار على حجيّة الاجماع الذي هو اتفاق الكل في الأعصار السابقة على عصر الاجماع ولم يكن هناك مخالف فلو كان غير حجّة لكان هناك مخالف يخالف الباقين على انه حجّة وليس فيحصل العلم والقطع بكونه حجّة .

الكلام في مستند الاجماع المنقول

ص: 225

وفيه بعد ظهور المدرك للمجمعين في حجيّته واختلافهم فيه لا مجال

للتمسك بالاجماع على حجيته مع انه تمسك بالاجماع لاثبات حجيته فان استندذلك إلى القطع فذاك غير مخصوص بالاجماع .

فظهر بما ذكرنا ان الاجماع الدخولي لا وجه له كما ان الاجماع اللطفي لو تحقق لا اشكال فيه بما ذكرنا من الشرايط . الا ان الاشكال في ان الاجماعات المدّعاة في كلام شيخ الطائفة قدس سره يبعد أن تكون من اللطفى بعد ارداف دعويها بالروايات في غالب المواضع فانظر كتابه الخلاف ترى صدق ذلك .

نعم ما يمكن من أقسامه هو الاجماع الحدسي من اتّفاق الأصحاب في الأعصار كلّها حتّى عصر الأئمّة علیهم السلام واتّفاق أصحابهم على ذلك فانّه يوجب علما قطعيّا بالحكم بلا اشكال .

ولكن الشأن في العثور على مثل هذا الاجماع واتفاق وجوده فانه من المحال عادة أو المستبعد اطلاع رجل فقيه على فتاوى أهل عصره جميعا سواء المعروفون منهم بالفتوى وغيرهم من الذين اتّخذوا الزوايا مأوى ولم يعرفوا برأي ولا فتوى فانّ أهل النظر في كلّ عصر لا ينحصر بمن نقل عنه الفتوى أو اشتهر الأخذ عنه غايته انه يمكنه الاطلاع على فتاوى أهل بلد واحد حيث يعرف أهل الفتوى من غيرهم وانى له بساير البلاد والاطلاع على فقهائها وأهل الفتوى منهم .

نعم يمكنه الاطلاع بأخبار غيره الذي يكون قوله مقبولاً عنده والا فالتتبع لا يفي به العمر إلى هذا الحد . فحينئذٍ يكون دعوى الاجماع في مسألة على هذا منضماً من التتبع الوجداني والتعبدي بقول غيره على مورد علمه واطلاعه كما انه لابدّ من ذلك في من فارقهم غير مجتهدين فانه يمكن حصول الملكة لهم بعد ذلك

ص: 226

إلى حين دعوى الاجماع في المسألة .

فلابدّ في ذلك من التشبّث بذيل الاستصحاب في دعوى الانفاق . وعلى هذا فلا يمكن قبول قول مدعى الاجماع في ما هو ظاهره من اتفاق الكل . بل لابدّأن يكون مراده امّا الاتفاق الحاصل من تتبع أقوال المعروفين بالفتوى ومن سهل الاطلاع على فتاويهم . فحينئذٍ يكون بهذا المعنى في معنى المشهور . لكن لا بمعناه المعروف الذي يكون في قباله قول بالخلاف محقّقا بل المشهور الذي لا يعرف فيه المخالف مع احتماله أو انه هناك قاعدة عنده عثر عليها وادّعى الاجماع بمعنى (لمبنى) انه يفتى بمقتضاها كلّ من عثر عليها لا انه تتبع الأقوال وعرف الوفاق . وإلاّ فلا وجه لغير هذين وكيف يمكن دعوى اتفاق جميع علماء الأعصار في الأمصار إلى زمان الأئمّة وأصحابهم .

نعم هناك احتمال ثالث استند إلى دعوى الاجماع بعضهم وهو انه لا فتوى للأموات فلو كان في حال حياته مخالفا فلا يضر بتحقق الاجماع بعد موته من الاحياء .

هذا . ولكن الظاهر ان دعوى الاجماع واطّلاعه على ما ذكر بعيد عن مقامهم وخلاف ما يظهر من كلماتهم . حيث انهم مصرحون بخروج المخالف مع انه من غير المعاصرين الأحياء . كما انه قرائن في كلماتهم تدلّ على دعوى اتّفاق جميع الأعصار حيث يعبّرون بأنّ المسئلة اجماعيّة عندنا أو اتّفاق الاماميّة عليها أو نحو ذلك . ويؤيّد ذلك ان في ساير الموارد يذكرون شهرة المتقدّمين وانه على خلافها شهرة المتأخّرين فكيف يمكن احتمال ارادتهم المشهور من الاجماع .

نعم لو كان هناك قرائن أو صرّحوا بذلك بحيث كان ذلك اصطلاحا لهم فهو

توجيه بعض الإجماعات

ص: 227

وإلاّ فهو تدليس في الدعوى لا مجال لصدوره منهم .

وفصل المحقّق النائيني قدس سره (1) بين كون المدعى أمثال الشهيد الثاني ( كما عبّر بهالأستاذ ) والعلامة والمحقّق قدّس اللّه أسرارهم فيقبل دعوى الاجماع منهم بخلاف غيرهم فانه يحمل على ما ذكر من المحامل .

وهذا لم يرتضه سيّدنا الاستاذ قدس سره وذكر انه لا دليل على ذلك . نعم يمكن وقوفه قدس سره على ما أوجب هذا التفصيل في ذلك .

اذا عرفت حال الاجماع المحصل فيسهل الأمر في نقله وانه تارة ينقله بكون الواقع هكذا أو انه يدعي العلم وثالثة ينقل منشأ حصول العلم به من اتفاق الأصحاب ولا وجه لأحد هذه الوجوه حيث ان المناط بقول الامام علیه السلام فلو كان قوله معلوما فضم قول ساير الامة إليه فضلاً عن غيره يكون كضم الحجر في جنب الانسان اذ لا فائدة في قول غيره والا فمجرّد اتّفاق الأصحاب بنفسه لا يكون دليلاً من الأدلّة .

نعم هو عند العامّة هديهم اللّه دليل معتبر عندهم واما عندنا فلا اذ نقل مدعى الاجماع الاتفاق أو علمه المستند إلى الحدس عن قول جماعة لا حجيّة فيه ولا يوجب شيئا كما لا يوجب اذ انضم اليه تتبع أنفسنا اذ نحصل الاجماع المحصل بمعنى اتفاق الأصحاب الذي اطلع عليه وهو لا يوجب شيئا .

وتلخّص مما ذكرنا عدم تماميّة الاجماع مدركا .

نعم الا في مقامين أحدهما اذا أوجب القطع بكون الحكم كذلك عند الامام علیه السلام .

ص: 228


1- . فوائد الاُصول 3/152 .

والثاني ما إذا علمنا بوجود حجّة معتبرة عندهم في ذلك بحيث لو علمنا بها لاستفدنا منها كما استفادوا .هذا ما ذهب إليه المحقّق النائيني(1) . ولكن الاشكال في الثاني من حيثعدم احتمال وجود حجّة كذلك ولم تصل إلينا لاقتصار الأصحاب على غير هذا وتواطؤا على كتمانها أو نقلها بالصدور .

اللهمّ إلاّ أن يكون قيام سيرة لهم غير مردوعة عن الامام علیه السلام فهذا الاحتمال وان كان قريبا لكن الشأن في وصول هذه السيرة إلى أصحاب التأليف وانهم من أين اطلعوا على مثلها فادعوا الاجماع .

ببيان آخر: يمكن الاستدلال على حجيّة الاجماع بقوله علیه السلام في بعض الروايات(2) العلاجيّة تعليلاً للأخذ بالمشهور بين الأصحاب ( فان المجمع عليه لا ريب فيه ) حيث انه لو كان كبرى كلية فتفيدنا في المقام اذا حصلنا الاجماع أو حصل لنا الاطمئنان من قول أصحاب الفن الذين يطمئن بهم ويكون قولهم في مقام حكاية الاجماع صريحا بحيث لا يكون مجملاً أو ظاهرا في خلاف المراد . وحينئذٍ فيكون حجّة لازم الأخذ لقوله في الرواية ( لا ريب فيه ) فيترتب عليه الأثر الشرعي . اذ لابدّ من وروده في مقام ترتيب الأثر الشرعي والا فالاجماع في غير تلك الموارد لا يكون مثمرا للثمر ولا ان شأن المعصوم بيان ذلك . اذ ينطبق ضابط منصوص العلّة على قوله فيتبع جميع موارد انطباقه ولا عبرة بوروده في مورد الروايات المتعارضة اذ لا يختص الكبرى بموردها وان قيل به في قاعدة

ما يمكن الاستدلال به على حجيّة الاجماع المنقول

ص: 229


1- . فوائد الاُصول 3/150 .
2- . الوسائل 27 الباب 9/1 من أبواب صفات القاضي .

التجاوز حيث انه قال الشهيد وغيره قدّس سرّهم بلزوم كون مورد انطباق القاعدة من الأبواب الفقهيّة في الصلاة كالقرائة والركوع بقرينة تمثيل الامام للشكّ(1) فيالركوع بعد أن دخل في السجدة أو في القرائة اذا كان في حال الركوع ولم يقولوابكفاية الدخول في مطلق الغير لكنه لا وجه له .

هذا . الاّ انه يمكن الخدشة في كونها كبرى كلية لاحتمال ارادة نفي الريب بالاضافة إلى الرواية الاخرى . ولو كان الريب هو الريب الاضافي فلا يمكن كونه كبرى كليّة بل يكون من قبيل الملاك الذي لا يمكن تسرية حكمه من مقام إلى ساير المقامات . وذلك لأنّه على تقدير كونه كبرى كلية لم يعمل بها في مورد بل على خلافه العلماء فانهم لم يلتزموا في ترجيح مطلق الدليل الذي لا ريب فيه بالنظر إلى غيره مطلقا وإلاّ فلا تصل النوبة إلى مخالفة العامّة وموافقتهم وموافقة الكتاب ومخالفته لوجوب الترجيح بكل ماله أدنى رجحان ومزيّة فحينئذٍ لابدّ من كونه مدركا لأخذ الرواية المشهورة من روايتي الحكم المتعارضتين وحكمته عدم كون الريب فيه بالنسبة إلى الاخر . واذا لم يمكننا اثبات حجيته من هذا الطريق فيبقى لنا طريق آخر . وهوايجابه لحصول العلم وذلك اذا كان الناقل ناقلاً للاجماع واتفاق الأصحاب لا أن يكون اصطلاحه في الاجماع اتفاق المشهور أو جماعة بأن لم يصل إلى كلام الجميع وينسب إليهم القول بالحدس . وحينئذٍ لا مجال للاعتماد على قول جماعة لعدم ايجابه العلم برضا المعصوم نعم لو أوجب فلا مضايقة .

والحاصل اذا كان الناقل قد نقل اتفاق الجميع وكان ثقة عارفا عدلاً ضابطا

ص: 230


1- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .

فنكشف بقوله اتفاق الجميع ولو بكونه من خبر العادل الوارد في الموضوعات المرتبطة بالأحكام الكليّة . ويمكن ايجاب نقله الوثوق بالذي قد اندرج تحت أدلّة حجيّة خبر الواحد للعلم بقول المعصوم وحينئذٍ فنمشي عليه لحجيّة الاجماع ولا ينظر إلى معتقده نفسه في مدرك الحجيّة اذ سواء كان مدركه الحدس أو قاعدة اللطف أو الدخول أو غير ذلك لا ربط له بنقله اتفاق الكل اذا كان مستندا إلىالحس .

فذلكة البحث قد تلخص ممّا ذكرنا ان الاجماع يكون حجة في موارد احدها . ما اذا حصل من اتفاق الجميع حتى أصحاب الأئمّة علیهم السلام اذ حينئذٍ لا يمكن التوقف في عدم كون المجمع عليه هو الحكم الذي يرضى به الامام علیه السلام ويكون قوله . كما انه لا اشكال في حجيّة الاجماع الذي هو دونه باتفاق جميع أهل الأمصار سوى عصر الأئمّة علیهم السلام فانه أيضا حجّة كاشف عن وجود الحجّة المعتبرة عندهم بحيث لو ظفرنا بها لقلنا به . هذا حال ما اذا حصلنا الاجماع .

اما اذا نقل الينا وكان مبنى الناقل في النقل على نقل الكاشف فلا اشكال في قبول قوله اذا لم يكن من باب الشهادة ويوجب الوثوق بخلاف ما اذا كان من باب الشهادة فانه لا يمكن إلاّ باجتماع شرايطها من كون الشاهد حيّا والتعدد فيه والتلفظ بمورد الشهادة وهذه شرايط يشكل اجتماعها اذ لم ينقل إلينا قول الشهيد بشهادة نفسه بل نقل إلينا كتابه كما انه لم نسمع منه بنفسه بل وصلت الينا كتبه بالوسائط . نعم التعدد في الشاهد ممكن أو انه يكتفي بقول الشاهد الواحد في الموضوعات . وهكذا الحال في نسبة الرواية إلى الامام علیه السلام بواسطة الظفر بها في الكافي للكليني وأمثاله . الا أن يثبت حجيّة ذلك بالتواتر أو باجازة الرواية من

موارد حجيّة الاجماع

ص: 231

مشايخ الاجازة . هذا . الا انه يشكل قبول هذا القسم من الاجماع حيث انه لو كان عندهم حجة معتبرة بحيث لو وصلت الينا لكانت حجة فلم لم تنقل إلينا . اذ لا وجه لعدم وصولها إلينا مع وصول ساير الأحكام الا تواطئهم على نقل ذلك بالصدور وكتمانه عن السطور . وقد يظفر مدعى الاجماع بتشرفه عند الامام علیه السلام ونقله إلى غيره ولذا قد كان يصدر عن بعضهم فتاوى أو الارشاد إلى بعض ما لا يعلم وجهه كما في تعيين بحرالعلوم مواضع قبر النبيّين هود وصالح عليهماالسلامومقامات مسجدالكوفة والسهلة .

تشرف بحرالعلوم خدمة الامام علیه السلام

وقد تشرّف خدمة الامام علیه السلام في ما نقله سيّدنا الأستاذ قدس سره بواسطة الشيخ الميرزا محمّد صادق الشيرازي قدس سره الذي وثّقه سيّدنا الأستاذ واعترف باعتماده عليه دينا وعلما عن ابن السلماسي ( الذي نسي اسمه سيّدنا الأستاذ ) عن أبيه السلماسي المعاصر لبحرالعلوم قدس سره انه كان في مجلس تلاقى المحقّق القمي وبحرالعلوم قدّس اللّه أسرارهم حين جاء المحقّق إلى بحرالعلوم من ايران سائلاً عن كيفيّة وصوله وتشرّفه عند الامام علیه السلام ممتنعا من شرب القليان وقبول ساير المتعارف من الاحترامات ذاك العصر لأجل قضاء حاجته فسئله بحرالعلوم فبين ان غرضه بيان الكيفيّة إلى أن بيّن بحرالعلوم قدس سره ان عادته الذهاب إلى مسجد الكوفة كلّ ليلة جمعة راجلاً ذاهبا وآتيا على طريق السهلة ويصلّي ويدعو في مسجد السهلة ويرجع إلى النجف الأشرف إلى أن صارت ليلة قد مضى الوقت فبنى على الرجوع من طريق الكوفة وعدم المرور بمسجد السهلة . فاتفق انه ارتفع

تشرّف السيّد بحرالعلوم

ص: 232

هناك عجاج رفعته إلى أن وصل مسجد السهلة داخل العجاج فوقف عند باب المسجد ليدعوا بالمأثور فسمع من وسط المسجد من يقرء بما لم يسمعه ولم يقرء ولا كان حافظا له حيث انه قدس سره كان حافظا لكلّ دعاء أو قاريا له ولو مرّة واحدة فلم ير هذا الدعاء كواحد من تلك الأدعية فدخل قاصدا جانب الصوت فسمع قوله علیه السلام ( يا مهدي قف ) فسئل المحقّق القمّي بيان بعد قوله علیه السلام ( قف ) فامتنع

بحرالعلوم ولم يبين أزيد من ذلك هذا ( وإنّما كتبته مسندا من سيّدنا الأستاذ إلى بحر العلوم وقد وثق سيّدنا الأستاذ الواسطتين إلى السلماسي وحاله كحالبحرالعلوم في الملازمة معلوم ) .

وعلى كلّ حال فلا وجه لكتمانه وعدم كتابته بل لا يكاد يوجد مورد اجماع لم يكن موافقا لقاعدة أو أصل من الأصول والقواعد الفقهيّة التي بأيدينا فراجع الكتب الفقهيّة حيث يردفون الاجماع بساير الأدلّة من الأصل أو الأخبار .

هذا اذا كان الناقل للاجماع انما ينقل السبب الكاشف بخلاف ما اذا نقل قول جماعة مع خلاف جماعة آخرين حيث انه لا يوثق بموافقتنا لاحدى الطائفتين اذا ظفرنا بمدركهم بخلاف ما اذا كان الجميع متفقين في أمر فانه لا يمكن عدم حصول الاتفاق .

والحاصل انه لا وجه لحجيّة الاجماع من هذا الطريق أيضا الاّ على نحو ما عرفت كما عرفت الاشكال في حجيّته بالاجماع للدور واختلاف المدرك من الحدس واللطف والدخول وغيرها نظير الاجماع المدعى في بيع المعاطاة على جوازه الحكمي لا الحقي حيث انه أيضا مختلف المدرك لعدم قول جماعة بافادة سوى الاباحة وقول بعض بافادة الملك متزلزلاً وتفرّد المفيد قدس سره بالقول بافادتها

ص: 233

اللزوم فاين الاجماع مع اختلاف المدرك اذ لا تعبد بل انما هو اجماع تقييدي لا عبرة به .

تنبيه: ان الرواية(1) الواردة في أخذ الرواية المشهورة تعليلها ربما يكون ارشاديّا بلحاظ ان الرواية اذا كانت بحيث رواها الأصحاب في كتبهم فيوجب وصولها إلى حدّ التواتر الموجب للعلم فلا معنى حينئذٍ للتعبّد بالأخذ بها . نعم لو كان هناك اشكال فيرجع إلى جهة الصدور ولذا بعد فرض السائل كونهمامشهورين جعل عليه السلام الميزان موافقة الكتاب ومخالفة العامّة الراجعة إلى جهة الصدور فتدبّر .

الكلام في الشهرة ومن الظنون التي قيل بخروجها عن القاعدة المبرهن عليها بالأدلّة المتقدّمة من عدم جواز العمل بالظن وبغير العلم الشهرة . وهي على أقسام ثلاثة . وما هو محلّ البحث هي الشهرة الفتوائيّة لعدم اطلاعنا عن الشهرة العمليّة كما انّ الشهرة في الرواية لا تكون محلّ الكلام .

فمحلّ البحث والكلام هي الشهرة في الفتوى التي قيل بكونها جابرة للضعف وكاسرة للسند بحيث انّه كلّما ازداد خبر صحّة ازداد بعدا ووهنا اذا كان على خلافه الشهرة في الفتوى .

ولا اشكال في عدم ايجاب الشهرة بما هي هي شيئا اذ ليس باولى من الاجماع . وقد عرفت عدم ايجابه بما هو اجماع شيئا ما لم يوجب حصول الوثوق والاطمئنان . وعلى هذا فالميزان هو ذلك . ولا اشكال في ان الشهرة اذا كانت على خلاف رواية بحيث لم يحتمل استنادها إلى ترجيح الرواية المخالفة لغير المعمول

ص: 234


1- . الوسائل 27 الباب 9/1 من أبواب صفات القاضي .

بها من باب المعارضة أو عدم العثور عليها أو وجوه اخر لا ربط لها بالاعراض وكانت الرواية بمرأى منهم ومسمع توجب وهنها في الاعتبار وعدم حصول الوثوق بصدورها أو بكونها واردة في مقام العمل . واذا كان مبنى العمل باخبار الآحاد هو الوثوق والاطمئنان فلا يبقى له معها مجال . اذ ذاك أمر تكويني يحصل قهرا كما ورد(1) في باب المقيم الذي كان وظيفته التمام وصلّى قصرا جهلاً بالحكم من عدم لزوم الاعادة وصحّة الصلاة مع انّ الرواية صحيحة ليس فيها ما يوجبوهنها ولم يعمل بها المشهور وكذلك ما ورد(2) في ما اذا صلّى العصر قبل الظهر

نسياناً من صحّتها معلّلاً بأنّها أربع مكان أربع لم يعمل بها المشهور بل فتواهم على

خلافه . وان كان قد عمل بالروايتين في المقامين بعض العلماء كما ان مبنى صاحب المدارك وغير واحد على ذلك وان لا يعتنوا بعدم عمل المشهور وفتواهم على وفق الرواية اذا كانت معتبرة السند بل يفتون على طبقها ويعملون بها هذا في الكسر .

وأمّا الجبر فقد اشتهر انها توجب جبر الرواية الضعيفة السند ووقع الكلام في انها هل شهرة القدماء أو شهرة المتأخّرين أو مطلقا .

اختار المحقّق النائيني قدس سره (3) ان العبرة في الجبر بشهرة القدماء لقرب عهدهم بزمان صدر الروايات فهم اعرف بموارد صدورها من المتأخّرين كما ان له على ما بين سيّدنا الأستاذ حسن ظن بابن بابويه فيما اذا لم يكن على طبق فتوى دليل ألاّ فتواه قدس سره فيعتمد على فتواه نظرا إلى انه اما أن ينقل الرواية أو مضمونها

جبر الرواية الضعيفة

ص: 235


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 17/3 من أبواب صلاة المسافر .
2- . وسائل الشيعة 4 الباب 63/1 من أبواب المواقيت .
3- . فوائد الاُصول 3/153 .

أوانه يفتى على ما هو حجة معتبرة عنده كما كان مبناه على الأخذ بالفقه الرضوي فيما اذا انحصر المدرك به وكان على طبقه الشهرة في الفتوى ولم يكن بأيدينا من الأخبار ما يصلح أن يكون شاهدا على الحكم كما في مورد تعلق الزكوة بالمال بعد خروج المؤنة فان المدرك منحصر بالرضوي ولا دليل غيره فيعمل به في أمثال هذه الموارد دون غيرها . الا ان الشأن في كون فتوى المشهور مستندة إليه . لأنّمجرّد الموافقة لمضمونه لا يوجب كون اعتمادهم عليه . بل من الجائز أن يكونعندهم دليل آخر مع انه غير خال عن ما هو خلاف الواقع لاشتماله على لزوم نصب صورة أحد الأئمّة علیهم السلام لنظره حين الصلاة .

والحق ان شهرة المتأخّرين لو لم تكن أقوى من شهرة القدماء فلا أقل من مساواتها لها . لما هو الظاهر من دقّة نظرهم وكثرة تتبعهم من القدماء . وبالجملة فلابدّ من الوثوق والاطمئنان على طبق شهرة القدماء وربما يكون حاصلاً من شهرة المتأخّرين . واذا لم يكن حاصلاً من أحدهما فلا يشمل دليل الاعتبار الرواية الضعيفة كما هو واضح .

أدلّة حجيّة الشهرة

استدلّ لحجيّة الشهرة في الفتوى بوجوه أربعة:

أحدها: ماروى(1) في بعض روايات العلاج تعليلاً للأخذ بالمشهور في الرواية ( فان المجمع عليه لا ريب فيه ) فان المجمع عليه لابدّ أن يكون معنى قابل الانطباق على مورد التطبيق والتعليل . كما انه لابدّ من كونه كبرى كليّة لحسن

ص: 236


1- . الوسائل 27 الباب 9/1 من أبواب صفات القاضي .

التعليل فانّه لا عبرة بخصوصيّة المورد بعد كون الكبرى كلية قابلة الانطباق على غيره من الموارد هذا .

وأجاب عنه المحقّق النائيني قدس سره (1) بكون نفي الريب في الرواية هو بالمعنى الاضافي بالنسبة إلى غير المشهور من الرواية الشاذة ولا مجال للأخذ بكبرويته وكليته للزوم التعدي إلى كلّ مورد تكون لاحدى الروايتين جهة رجحان علىالاخرى وإن كانتا متساويين من ساير الجهات وهذا ممّا لا يمكن الالتزام به . بل لازمه التعدي إلى الترجيح بالظن الخارجي بصدق أحد الخبرين .

الثاني: ما ورد في المرفوعة من قوله ( خذ بما اشتهر بين أصحابك ) بتقريب عمومه واطلاقه لكلّ مشهور ولو كان الشهرة في الفتوى .

هذا مضافا إلى ان الشهرة في المرفوعة وهكذا في المقبولة(2) الواردة في باب المتنازعين في دين أو ميراث الذي ظاهره الشبهة الحكميّة لعدم ارتباط للشبهة الموضوعيّة بالنظر إلى مدرك الحكمين في الحكم على خلاف الآخر . وإن كان من الممكن عمومه للشبهة الموضوعيّة أيضا ما لم تكن حجّة فلا يمكن جعلها مرجحا فنفس جعل الشهرة في المقامين مرجحا يكفي في استفادة حجيّة الشهرة بلا احتياج إلى أمر آخر اذ غير الحجّة لا معنى لمرحجيته . فبهذين الدليلين يمكن استفادة حجيّة الشهرة كما انه هناك وجه ثالث وهو عموم مفهوم آية النبأ(3) حيث ان تعليل عدم الأخذ بخبر الفاسق باصابة القوم بجهالة ليس من باب ان خبر العادل والثقة يوجب العلم بل لكونه أمرا عقلائيّا مرضيّا عندهم . فبناءً على المفهوم فيها

ص: 237


1- . فوائد الاُصول 3/152 - 153 .
2- . الوسائل 27 الباب 9/1 من أبواب صفات القاضي .
3- . سورة الحجرات الآية 7 .

يستفاد جواز الأخذ بكلّ ما لا سفاهة منه ومنه الشهرة اذ الجهالة هي السفاهة وأخذ المشهور في الفتوى لا يكون سفاهة .

الوجه الرابع كون حجيّة الشهرة من باب ان الاطمئنان الحاصل منها بالواقع أزيد من الاطمئنان الحاصل من خبر الواحد الذي لا مجال لانكار حجيّتهفالشهرة أولى منه بذلك .والجواب عن الوجهين الاولين عدم استفادة الكبرى الكلية منها لما في قوله ( فانّ المجمع عليه لا ريب فيه ) من كونه لنفي الريب بالاضافة إلى الآخر وقد عرفت اشكال كبرويّته كما ان في استفادة الحجيّة لها من نفس جعلها مرجحا اشكالاً لاحتمال اختصاص ذلك بالشهرة في الرواية لا مطلقها كما هو محلّ الكلام .

وأمّا آية النبأ فالمفهوم ان قلنا به فيها راجع إلى صدر الآية اذ لا مفهوم لذيلها بل باعتبار تعليق التبيين على مجيء الفاسق يستفاد عدم التبين عند مجيء العادل ولا ربط لذلك باصابة القوم بجهالة وأن يكون المفهوم عدم الاشكال في اصابة القوم اذا لم يكن هناك جهالة ( أي سفاهة ) .

بيان آخر: قد أشرنا إلى الاستدلال على حجيّة الشهرة في الفتوى بادلة أربعة منها التعليل في المقبولة(1) على الأخذ بالرواية المشهورة بقوله علیه السلام ( فان المجمع عليه لا ريب فيه ) بتقريب ان قوله ( فان المجمع عليه لا ريب فيه ) كبرى كلية قابلة للالقاء إلى المكلف بقوله ( خذ بكلّ ما لا ريب فيه ) أو ان كلّ ما لا ريب

فيه فهو حجّة فحينئذٍ يشمل الرواية المشهورة التي ذكرها الأصحاب في كتبهم

وجه حجيّة الشهرة

ص: 238


1- . فوائد الاُصول 3/154 - 155 .

واصولهم فيشمل الشهرة في الفتوى حيث انها مجمع عليها فيجب الأخذ بها فانها ممّا لا ريب فيه . وذكرنا اشكال المحقّق النائيني قدس سره بعدم كونه كبرى كلية للزوم الكذب حيث ان اللازم على هذا الأخذ بكل ما لا ريب فيه بالنسبة إلى الآخر لكون نفي الريب إنّما هو الريب بالاضافة إلى الآخر . فان الريب الذي في الشاذ النادر ليس في المشهور لا انه نفي الريب مطقا عن الرواية المشهورة ولو كانكبرى كلية فيجب الأخذ بكلّ ما لا ريب فيه بالنسبة إلى الآخر وان كان مشتملاً على ألف ريب .

حتى ان الرواية الضعيفة لو كان الريب فيها أقل من الريب الحاصل في أضعف منها يجب الأخذ بها وهذا لا وجه له . فاذن يكون التعليل مناطا والأخذ بالشهرة مطلقا لابدّ وأن يكون من باب تنقيح المناط وهو ليس بحجّة . بل هو قياس لا مجال له هذا كلامه قدس سره ولكن الاشكال في كون ذلك كبرى كلية فان قوله ( فان المجمع عليه لا ريب فيه ) لا شاهد فيه على كونه بالاضافة إلى الاخرى بل ظاهره نفي الريب مطلقا . إذ لا يحسن التعليل على فرض كونه ملاكا لرجوعه إلى لزوم الأخذ بالمشهور لكونه مشهورا وهو مصادرة بل نقول ان الكبرى الكلية على كليتها ونحن نلتزم بحكمها في صغرياتها ونأخذ بكلّ ما لا ريب فيه الا ان المشهور في الفتوى مع كون الشهرة الاخرى أو غيرها على خلافه ليس ممّا لا ريب فيه بل فيه الريب فلا يكون صغرى لكبرى المقام .

وأمّا المشهور في الرواية فلا اشكال في كونه ممّا لا ريب فيه من حيث الصدور لاتفاق الأصحاب على روايته بخلاف الشاذ النادر الذي تفرّد بنقله واحد أو اثنان مع روايته أو روايتهما تلك المشهورة أيضا .

ص: 239

نعم لا مانع من كون المشهور في الرواية موافقا للعامّة أو فيها جهات اخرى موجبة لعدم حجيّتها لكن ذلك راجع إلى جهة الصدور . والا ففي أصله لا مجال للاشكال وعلى هذا فيكون التعليل ارشاديّا لا تعبّديا فالنتيجة وإن كانت مع المحقّق النائيني قدس سره لكن الاشكال في كون الشهرة صغرى للكبرى الكلية .

وأمّا المرفوعة فبعد الغضّ عن كونها مرفوعة والكلام الذي في الراوي لها وهو ابن أبي جمهور في كتابه العوالي اللئالي . انها لا دلالة لها على المطلوبلاحتمال اختصاص قوله ( ما اشتهر ) بالرواية للقرينة الحافة بالكلام مع العلم بكذب كون كلّ مشهور لازم الأخذ حيث انه ربّ مشهور لا أصل له .

وأمّا الاستدلال بمفهوم تعليل آية النبأ(1) بدعوى كون المراد بالجهالة هو السفاهة وما يكون عند العقلاء غير مسلوك فلا مانع من الأخذ بما لا سفاهة فيه . ومن المسلم عدم كون المشهور في الفتوى وأخذه سفاهة . ففيه ما لا يخفى لاختصاص المفهوم بصدر الآية وهو مجيء الفاسق بالنبأ والتعليل لا مفهوم له لأن غايته عدم سلوك الطريق الذي فيه السفاهة وبقرينة المفهوم من صدر الآية لا مانع من الأخذ بخبر الثقة لعدم كونه فيه السفاهة . لكن ليس لازمه هو الأخذ بكلّ ما لا سفاهة فيه لاحتمال أن يكون فيه جهة اخرى كما اذا قال المسكر حرام فلا يدلّ على حليّة كلّ ما ليس بمسكر لعدم انحصار الحرمة في الاسكار بل يمكن أن يكون فيه جهة اخرى للحرمة كما ان الاستدلال بايجاب فتوى المشهور للاطمئنان الذي يكون حاصلاً بالخبر الواحد فيشمله أدلّته لا مجال له . لمنع الصغرى اذ لا يكون الأخذ بخبر الواحد من باب التعبد بل من باب الاطمئنان

ص: 240


1- . سورة الحجرات الآية 7 .

والعلم العادي . فان حصل في المشهور فلا بأس بالأخذ به والا فلا دليل على حجيّته كما ان الاجماع الذي هو أعلى شأنا من المشهور لم نقل بحجيّته بما هو اجماع بل من باب الكشف عن الحجّة .

وقد أجاب المحقّق النائيني قدس سره (1) عن هذا بلزوم الاخذ بخبر الواحد حتّىمع الظنّ على الخلاف وانى هذا من الشهرة في الفتوى لكن هذا منه قدس سره مشى علىخلاف مبناه اما على مبناه فالكلام في الجواب واضح كما عرفت .

الكلام في حجيّة خبر الواحد

ومن الامور التي قيل بخروجها عن أصل عدم جواز العمل بالظن وحرمته هو خبر الواحد . وقد اختلفت مشارب الأصحاب في حجيّته وعدمها فأنكر بعضهم حجيته مطلقاً وقال آخرون بحجيته . فبعضهم إلى كون كلّ خبر حجّة حتّى ما يوجد في كتاب مخطوط فضلاً عما في غير الكتب الأربعة فكيف بها وبعضهم اقتصر على حجيّة ما في الكتب الأربعة وبعض على حجيّة خصوص الصحيح أو الموثق . لكن الكل اتفقوا على الأخذ بالاخبار الواردة الموجودة وأفتوا بها حتى من يرى حجيتها من باب الظن الانسدادي فيمكن تحصيل الاجماع في ذلك الا انه لا يكون دليلاً معتبرا على حكم شرعي بعد كونه اجماعا تقييديّا .

فهم فرقتان فرقة ذاهبة إلى الحجيّة واخرى إلى عدمها والاتفاق من الكل على العمل بالأخبار التي بأيدينا ولكلّ وجه وحيث انه مختلف الوجه فلا يكون اجماعا تعبديّا .

نفي الاشكال في صدور المشهور رواية

ص: 241


1- . فوائد الاُصول 3/156 .

ثمّ ان الفريقين استدلّوا بالأدلّة الأربعة . فالنافون استدلوا من الكتاب بالآيات الناهية عن العمل بالظن كقوله تعالى ( ان الظن لا يغني من الحق شيئا )(1) ( ولا تقف ما ليس لك به علم )(2) .

وفيه عدم تماميّة الاستدلال بناءً على قيام السيرة القطعيّة على العمل بخبرالواحد فلا تكون الآيات مخصّصة للسيرة الا على وجه دائر كما في الكفاية(3) وعن غيره . الا انه يمكن الاشكال على عدم امكان تخصيصها بأن مورد آية النبأ(4) هو خبر الفاسق والمخيرون ( بفتح الباء ) قد رتّبوا الأثر على خبره وأخذوا(5) في التجهيز على بني المصطلق مع كونه المخبر به هو الارتداد الذي لابدّ فيه من شدّة التثبت ومع ذلك رتبوا الأثر على خبره وكان فيهم من الزهّاد كأصحاب الصفّة فالآية اما رادعة عن السيرة ولو في هذا المورد واذا كانت مردوعة في مورد فكذلك في باقي الموارد اذ لو أمكن فلا يمكن الفرق بين الموارد . هذا اذا كان يحصل لهم الاطمئنان . وأمّا بدونه فبالاولى . الا انه لا مجال

لهذا الاشكال اذا كانت السيرة قطعيّة كما سيجيء الدليل عليها . فلا وجه للاشكال في عدم امكان تخصيص الآيات لها . أمّا الاجماع المدعى من السيّد على عدم جواز العمل بخبر الواحد فبعد الغض عن عمله بما في أيدينا من الأخبار مدعيا القطع بصدورها انه معارض باجماع الشيخ على خلافه . وهما في عصر واحد

أدلّة النافين لحجيّة الخبر الواحد

ص: 242


1- . سورة يونس الآية 37 .
2- . سورة الاسراء الآية 37 .
3- . كفاية الاُصول 1/99 .
4- . سورة الحجرات الآية 7 .
5- . مجمع البيان 9/132 . تفسير الفرقان 26 - 27/230 - 231 . عدّة الاُصول 1/315 - 316 .

فلامجال للاجماع على عدم الحجيّة ودعوى التسوية بين العمل بالقياس والعمل بخبر الواحد في البطلان والضرورة عند الشيعة .

وأمّا العقل فما تقدّم مع جوابه عن برهان ابن قبة في لزوم تحليل الحرام وتحريم الحلال فلا نعيد .والعمدة السنة . وهي على طوائف منها الأخبار(1) الدالّة على طرح ما خالفالكتاب أو انه زخرف(2) أو باطل(3) ومنها الأخبار الدالّة(4) على اشتراط العمل بالخبر بوجود شاهد أو شاهدين من كتاب اللّه .

ولا مجال للاستدلال بهما على المدعى . اما الطائفة الاولى فموردها الأخبار المخالفة للكتاب ونحن نقول به اذا كان المخالف مخالفا تباينيا ونضرب به عرض الجدار . أمّا إذا كانت المخالفة بالعموم المطلق فلا مانع من تخصيص العام الكتابي بالخبر الواحد كما هو محقّق في محلّه وفي العموم من وجه أيضا يمكن الالتزام بتقديم الكتاب وطرح الخبر .

نعم الاشكال في الطائفة الثانية المشترطة في جواز العمل وجود شاهد أو شاهدين فانها لا تكون بصدد بيان المانع من العمل بها كما في الطائفة الاولى لكونها مخالفة بل انما تشترط العمل بشيء وهو وجود الشاهد إلاّ انها لا تكون حجّة الا بعد اثبات حجيّة خبر الواحد حيث انها ليست قطعيّة بالتواتر بل لا تصل إلى حدّ التواتر . فحجيّتها موقوفة على حجيّة مطلق الخبر وحينئذٍ تمنع من العمل

ص: 243


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/10 - 12 - 14 - 29 - 37 - 48 من أبواب صفات القاضي .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/10 - 12 - 14 - 29 - 37 - 48 من أبواب صفات القاضي .
3- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/10 - 12 - 14 - 29 - 37 - 48 من أبواب صفات القاضي .
4- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/10 - 12 - 14 - 29 - 37 - 48 من أبواب صفات القاضي .

بالخبر اذا لم يكن معه شاهد فحجيّه هذا الوجه مستلزمة لعدمها هذا مضافا إلى عدم الشاهد لها من كتاب اللّه .

نعم مقتضى ما سبق من تأسيس الأصل هو حرمة التعبد بكلّ ما شكّ في حجيته وعدمها اذ نفس الشك تمام الموضوع لذلك بلا حاجة إلى أمر زائد ولذاقلنا في جواب الاشكال على مقالة المحقق القمي في استدلاله على عدم جوازالعمل بالظنون الاجتهاديّة بالآيات الناهية عن العمل بالظن بانها ظنية فلا تمنع عن العمل بالظن . انها وان تكن كذلك . لكن الدليل على العمل بالظن أيّ شيء هو . سلمنا عدم تماميّة دلالة الآيات على النهي عن الظنون الاجتهاديّة . فظهر بما ذكرنا عدم حاجة النافي لحجيّة خبر الواحد إلى اقامة الدليل من الكتاب والسنة وغيرها على مدعاه بالخصوص بل يكفيه نفس الشكّ في الحجيّة للقطع بعدمها حينئذٍ فالمثبت عليه اقامة الدليل .

وقد استدلّ المثبتون أيضا بالأدلّة الأربعة . الكتاب والسنة ودليل العقل أي بناء العقلاء والاجماع .

أمّا الكتاب: فبآيات: منها قوله تعالى: « إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا »(1) وجه الدلالة تارة يكون من حيث الوصف والعنوان العرضي واخرى من حيث كونها قضية شرطيّة ذات مفهوم . اما تقريب دلالتها على النحو الأوّل فهو ان تعليل وجوب التبين بمجيء خبر الفاسق دال على عدم وجوب ذلك شرطا أو نفسا في مطلق الخبر وإلاّ فاللازم اناطة التبين بمطلق النبأ فحينئذٍ يكون لقيد الفسق خصوصية مفيدة لدخله في هذا الحكم .

أدلّة المثبتين

ص: 244


1- . سورة الحجرات الآية 7 .

وبعبارة اخرى ظاهر القيد كونه احترازيّا ونتيجته انتفاء الحكم من غير محل الوصف .

ولكن يدفعه عدم زيادته على القضيّة الوصفيّة وفيها أيضا لا نسلم وجود المفهوم وتحققه بل غايته انحصار موضوع هذا الحكم الشخصي بالمذكور في القضيّة وعدم شمول هذا الحكم لغيره . اما انحصار أصل الحكم وسنخه على هذاالموضوع فلا دليل عليه والا فليكن كل قضية كذلك حتى اللقبية كاكرم زيدا لتعلق وجوب الاكرام على زيد فلزيد خصوصيّة موجبة لانحصاره بهذا الحكم . وأما تقريبها على النحو الآخر فبانها قضية شرطيّة ذات مفهوم حيث لا يكون كون الجائي بالخبر فاسقا ممّا له الدخل عقلاً في التبين كي يكون القيد لتحقق الموضوع فانه اذا كان الدخل عقلاً فلا مفهوم للقضيّة الشرطيّة . بل محل المفهوم هو ما اذا لم

يكن القيد دخله عقليّا وحينئذٍ فيمكن أن يقال بالمفهوم مع انحصار سنخ الحكم بالموضوع وكان الموضوع منحصرا . فانتفاء الحكم عن غير مورده حينئذٍ عقلي ولكن يمكن الخدشة في الاستدلال برجوع القيد إلى تحقق الموضوع حيث ان نبأ الفاسق موضوع من الموضوعات يترتب عليه التبين . واذا لم يكن هناك خبر فلا مجال للتبين لكونه بلا موضوع . فالعمدة اثبات عدم كون القيد كذلك ورجوعه إلى خصوص كون الجائي به فاسقا اذ هو أمر زائد على أصل تحقق النبأ الذي له الدخل العقلي في حكمه ووجوب التبين . فانه تارة يمكن أن يكون بيان ذلك بقوله خبر الفاسق يجب التبين فيه واخرى بقوله اذا كان الجائي بالنبأ فاسقا يجب التبين فلو كان من الثاني فللمفهوم مجال بخلاف الأول . وسلك المحقق النائيني قدس سره (1)

ص: 245


1- . فوائد الاُصول 3/169 - 170 .

مسلكا في استفادة المفهوم وهو بقرينة ورود الآية في مورد تحقق الخبر . فدخل الفاسق في الاتيان به يكون من التعليق التعبدي الذي ينطبق عليه ضابط المفهوم . وفيه ما لا يخفى اذ لو قلنا بذلك فالنبأ ( المعلق ) هو النبأ الحاصل من الفاسق لا مطلق البناء فهو قدس سره استفاد من الآية الشريفة المفهوم بقرينة تحقّق النبأ في مورد نزولها فالتعليق على كون الجائي به فاسقا يوجب استفادة المفهوم اذ لا دخل عقلاًللتبين في كون الجائي به فاسقا كما ان تعليق التبين على نفس النبأ لا معنى (مفهوم) له لتحققه في المقام فالمحمول المنتسب وهو لزوم التبين أو التبين الواجب أو وجوبه إنّما رتب على كون الجائي به فاسقا وعلى هذا يتحقق المفهوم بلا اشكال لوجود شرايط المفهوم حيث انه لابدّ في ذلك من عدم دخل ما علق عليه في المعلق عقلاً وعدم رجوع القيد إلى الموضوع بلحاظ مقام الاستظهار بل يكون قيدا للحكم كما ان الأمر كذلك في أمثال المقام فقوله تعالى: « فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ »(1) لا يكون تعليق الصوم على شهود الشهر دخيلاً عقلاً بل ما يكون دخيلاً نفس الشهر بخلاف كون المكلف حاضرا في البلد فان دخله لو ثبت فبالتعبّد . واما التقريب الذي استند إليه الشيخ الأنصاري قدس سره فهو راجع إلى ضم مقدمة عقليّة . وهي ان خبر العادل إمّا أن يجب الأخذ به بلا تبين أو لا يجب الأخذ به مطلقا أو مع التبين ولا سيبل إلى الثاني لكونه أسوأ حالاً من خبر الفاسق كما لا وجه للأخير لعدم فائدة في التعليق على كون الجائي به فاسقا فتعين الأول وهو لزوم أخذه مطلقا .

واستشكله سيّدنا الأستاذ قدس سره بأنّ الاحتياج إلى هذه المقدمة إنّما هو في

ص: 246


1- . سورة البقرة الآية 186 .

ظرف كون التبين واجبا نفسيّا بخلاف ما اذا كان واجبا شرطيّا فلا احتياج إلى ضم المقدمة .

وكيف كان فليعلم انه لا اشكال في عدم تحقّق الحكم بلا تحقّق موضوعه وكلّ ما يكون دخيلاً في الموضوع فهو شرط للحكم كما ان كلّ شرط للحكم شرط الموضوع . فعلى هذا لا معنى للمفهوم حيث ان شرط الحكم راجع إلى الموضوعويكون القضيّة الشرطيّة كاللقبيّة لرجوع الشرط لبّاً الى الموضوع والفرق بين ما يكون دخيلاً في الموضوع عقلاً فلا يكون له مفهوم وما يكون دخيلاً تعبدا فيتحقق به المفهوم لا يستقيم على ما ذكرنا . لما عرفت من دخله في الموضوع وكما ان لا وجود للحكم بدون الموضوع كذلك لا يمكن تخلفه عن الموضوع حيث ان نسبته إلى الموضوع نسبة المعلول إلى علّته وبتحققه يتحقق الحكم لاستحالة التخلف والمناقضة .

الا ان ذلك كلّه لا ينافي تحقق المفهوم عرفا بحسب مقام الاثبات فان كان في ظاهر القضيّة قد ارتبط الحكم بما لا يكون دخيلاً فيه عقلاً فيتحقق المفهوم وإن كان في الحقيقة راجعا إلى تحقق الموضوع ولذا قلنا برجوع كلّ تخصيص إلى التخصّص هذا .

لكن اللازم في القضية تحقق ذلك وان التبين علق على العنوان العرضي وكون الجائي بالخبر فاسقا فيتحقق المفهوم حينئذٍ لعدم دخل مجيء الفاسق بالنبأ في التبين عقلاً . بل ما هو دخيل عقلاً هو نفس الخبر ولم يعلق التبين عليه وان كان التبين علق على نبأ الفاسق على نحو الاتصاف فلا مفهوم له لرجوعه عند التحليل إلى القضيّة الحمليّة أي قولنا نبأ الفاسق واجب التبين .

ص: 247

ولكن الانصاف عدم تماميّة هذا الضابط في كلّ موارده بل يختلف باختلاف المقامات .

افترى تحقق المفهوم في قوله ( إذا سهوت فاسجد سجدتي السهو ) نعم يمكن دعواه في قوله ( إذا لم تدركم صليت ولم يذهب وهمك إلى شيء فاعد )(1)حيث استفدنا منه المفهوم واختصّ بالشكوك الحادثة في الثنائيّة واوليي غيرها ولا يكون مطلقا كي يقيد بأدلّة الشك في الأخيرتين ولزوم البناء على الأكثر . فالظاهر ان بحسب المتفاهم العرفي الذي هو الميزان الصحيح لكون القضيّة ذات مفهوم تكون القضيّة ذات مفهوم وان احتمل تقييدها بالفاسق بلحاظ المورد والتنبيه على غفلتهم عن كون الجائي بالنبأ فاسقا .

وعلى هذا الاحتمال فلا مفهوم له الا ان هذا الاحتمال لا يصادم الظهور في المفهوم لتعليق التبين على العنوان العرضي الذي هو كون الجائي به فاسقا .

ثم انه ربما استشكل تحقق المفهوم بلحاظ ذيل الآية الشريفة وهو قوله تعالى: « أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ » حيث انه كبرى كلية ملقاة إلى المكلف فبهذا اللحاظ لابد من رفع اليد عن المفهوم لتحقق العلة وهي الاصابة بالجهالة في نبأ العادل أيضا . بل ربما يتفق الاطمئنان بقول الفاسق أكثر من قول العادل وإذا كانت الاصابة علة فلا تختص بموردها بل تسري إلى كلّ خبر ونبأ يكون الأخذ به اصابة بالجهالة محتملة لحصول الندامة .

ان قلت ان خبر العادل لا يكون الأخذ به اصابة بجهالة بناءً على كون الجهالة هي السفاهة وعلى هذا فخبر العادل غير مشمول للتعليل .

اشكال آية النبأ

ص: 248


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 15/1 من أبواب الخل في الصلاة مع تفاوت في اللفظ لا يضرّ .

قلت: هذا أوّل الكلام اذ لو فرضنا حجيّة خبر العادل فالأخذ به لا يكون اصالة بجهالة أو موجبا للندامة وهذا انما يتحقق بعدم المنع عنه في عموم العلة فكيف يمكن التخصيص به للعموم .

طور آخر من البيان: استدلّ بآية البناء على حجيّة خبر العادل بدعوى كون المراد بالجهالة فيها هي السفاهة ولا سفاهة في الأخذ بخبر العادل واماالاشكال على مورد الآية بانهم كيف رتّبوا الأثر على خبر وليد مع انه عمل سفاهي وغير عقلائي .

فاجيب عنه تارة بحصول الاطمئنان بقوله ولو مع العلم بفسقه أو الجهالة بحاله وعدم النفات إلى سوابق أحواله والآية الشريفة إنّما وردت تنبيها على انه فاسق في الصورة الاخيرة أو انه لا ينبغي ترتيب الأثر على خبره مع سوابقه فاثرت في ردعهم وفسخوا عزائمهم في حرب بنيالمصطلق ولا يضرّ بذلك عدم تصريح في الآية بكونه فاسقا بل يكفي في ذلك مجرّد تعليق الحكم على الفاسق في تنبههم على عملهم وارتداعهم عنه . ولا يخفى عليك عدم الدليل على كون الجهالة بمعنى السفاهة كي يترتب عليه ما ذكر .

بل الجهالة بمعناها الظاهر منها وهي عدم العلم ولا دليل على حصول العلم لهم بخبره والاّ فلا معنى لايجاب التبين لحصول العلم في مورده . كما انه لا يرد الاشكال في السيرة العقلائيّة اذا رتّبوا الأثر على خبر وليد لو كان الاقدام بمقتضى

خبر وليد عن فساق الصحابة الذين كانت في قلوبهم ضغائن على بنيالمصطلق .

نعم إنّما يرد اذا كان ترتب الأثر من متدينيهم . وحينئذٍ فيكون هذه الآية رادعة لهم ومخصّصة للسيرة وعدم امضاء لها في هذا المورد .

ص: 249

واستدلّ المحقّق النائيني قدس سره (1) بوجه آخر مع ابقاء الجهالة على حالها الا ان الاشكال حيث يتوجه عليه من ناحية التعليل فتصدى لرفعه بأن المفهوم بناء على ثبوتها كما هو المدعى فيجوز تخصيص العام به بلا اشكال . فحينئذٍ لا مانع من تخصيص العام وعدم جواز ترتيب الأثر على الخبر في مورد الجهالة بخبر العادللحكومة الخاص على العام .

إذ هي كما تكون باخراج فرد من العام تكون بادخال فرد فيه . وعلى هذا فيوجب خروج خبر العادل عن تحت العام لكونه علما بمقتضى ما اختاره في جعل الوسطيّة في مقام الاثبات لخبر العادل . وحينئذٍ فيكون حاكما على التعليل لكونه علما واطمينانا واحرازا فلا تشمله الجهالة التي جعلت علّة لعدم جواز ترتيب الأثر على خبر الفاسق . كما انه على التقريب الأوّل المبنى على كون الجهالة بمعنى السفاهة لا يكون خبر العادل مشمولاً للعلّة لخروج خبر العادل وترتيب الأثر عليه عن كونه اصابة بجهالة أي سفاهة . فخبره خارج تخصّصا والاشكال إنّما يتمحض على ذلك التقريب في ترتيب أثر الصحابة على خبر وليد وقد دفعوه بأحد الوجوه إمّا بكونه أوجب العلم والاطمئنان أو بعدم علم بسوابقه إلى آخر ما سبق .

وقد عرفت الاشكال على أصل النبأ وعدم استقامة أجوبة الاشكالات . ولا يخفى عليك ضعف ما ذهب إليه المحقّق النائيني قدس سره أيضا حيث ان الكلام في حجيّة خبر العادل وإنّما الفرض عدم استفادة الحجيّة الاّ من هذه الآية . وهي كما ترى ليس فيها جعل خبر العادل حجّة محرزة ( مع ان الكبرى الكليّة كيف يمكن

ص: 250


1- . فوائد الاُصول 3/172 - 173 .

تخصيصها ) وفرض الوسطيّة في مقام الاثبات والاحراز لو ثبت لا ارتباط له بالآية بل خبر العادل يمكن اشتراط التبين في العمل به حيث ان التبين واجب شرطي لجواز العمل به .

نعم لا مانع في مورد الرجاء بالاتيان رجاءً والتبين ليس معناه الا الانكشاف التام والوضوح والظهور ولا ينطبق ذلك إلاّ على العلم لا الظن فضلاً عن الشكّ والاحتمال . فحينئذٍ لو كان خبر العادل مفيدا للظن دون العلم فلا يمكنالأخذ به .

نعم لو كان موجبا للعلم فلا بأس مع ان المدعى هو حجيّة خبره مطلقا حتّى مع الظن بالخلاف فكيف بالوفاق وهذا كما ترى بمعزل عن الآية .

بل انّما يناسب الموضوعيّة فتدبّر جيّدا .

تكميل: استشكل على تحقّق المفهوم في آية البناء مضافا إلى ما تقدم إليه الاشارة من الاشكالات والجواب عنها بأن العام لابدّ أن لا يخصص بالمورد لكونه مستهجنا يصان كلام الحكيم منه . مع لزوم تخصيص المفهوم على فرض ثبوته حيث انّ مورد الآية هو الارتداد ولا يقبل فيه شهادة العدل الواحد بالاتفاق .

وهذا بعد مسلميّة لزوم توافق المنطوق والمفهوم موضوعا وحكما وموردا فالمورد للآية بعدم قبول خبر الفاسق هو كما ذكرنا الارتداد ومقتضى المفهوم قبول خبر الواحد مطلقا كما ان الآية عام مطلق في عدم قبول خبر الفاسق ولزوم التبين لخصوص مورد الجهل . فالمفهوم أيضا عام مطلق بالقبول مطلقا مع عدم قبول خبر العدل الواحد في مورد المنطوق .

وهذا ممّا يوجب عدم ثبوت المفهوم للآية فتسقط عن الاستدلال .

ص: 251

وأجاب عن الاشكال المحقّق النائيني قدس سره (1) بأن المسلم من الموافقة للمنطوق هو كون المفهوم متّحد الموضوع والمحمول مع المنطوق فالموضوع هو الخبر والمحمول هو التبين وفيهما يوافق المفهوم للمنطوق .

وأمّا المورد فلا يلزم موافقة المفهوم للمنطوق فيه بل يجوز مخالفته فيه ويكون حجيّة خبر العادل في غير مورد الآية من ساير الموارد .فالمتحصّل على هذا عدم حجيّة خبر الفاسق مطلقا سواء كان واحدا أو متعدّدا في الموضوعات أو الأحكام بخلاف خبر العادل . فانه حجّة غاية الأمر في الأحكام وفي الموضوعات أيضا لكنّه مع جواز اشتراطه بشرط في مورد أو موارد لجواز تخصيص عموم المفهوم في مورد الارتداد أو مضافا إلى ساير الموارد في الموضوعات بالتعدد لا انه لا يقبل فيه خبر العادل أصلاً وهذا لا ضير فيه .

نعم لو كان المورد مذكورا في الآية الشريفة لكان المفهوم هو عدم لزوم التبين في خبر العادل واحدا أو متعددا وكذا في خبر الفاسق اذا كان أزيد من واحد ولم يكن واحدا . لكنه ليس كذلك . بل إنّما وردت الآية مطلقة وفهم انطباقها على المورد بلحاظ تحقق الخبر بالارتداد فصار موردا

ولم يكن قيدا في الاطلاق كي يوجب تخصيص العامّ به ويتبعه المهفوم ويلزم انعقاده بحيث يكون خاصّا للمورد .

نعم لا مانع من عمومه للمورد وتخصيصه بشرط .

وحاصل الجواب عن الاشكال المتوجه على الاستدلال بآية النبأ من حيث

ص: 252


1- . فوائد الاُصول 3/174 .

لزوم خروج المورد وتخصيصه كما أشار إليه الشيخ قدس سره . انه لا مانع من تخصيص المفهوم في مورد الارتداد وأمثاله من الموضوعات التي تحتاج إلى أزيد من عدل واحد كما في الحقوق الكافية فيها ( إذا لم يكن عدلان أو عدل وامرأتان عدل واحد ويمين بخلاف باب الحدود والديات فان قبول خبر العدل الواحد فيها محل اشكال .

والحاصل ان التخصيص في مفهوم الآية لا مانع منه ولا يوجب خروج

المورد ولا تخصيصه لكون المورد ورد فيه المنطوق والمفهوم بعمومه شاملللمورد أيضا بعدم لزوم التبين في خبر العادل حتّى في مورد الارتداد . نهاية ما في الباب انه اذا ثبت بالدليل احتياج ذلك إلى العدل المتعدّد فنخصّص المفهوم ولا مانع منه .

ولا يخفى ان كلام الشيخ قدس سره في نهاية المتانة . فلا وجه لما استشكل عليه المحقّق النائيني قدس سره (1) من لزوم تقييد العموم بما ينطبق على المورد إلى آخر ما ذكره .

وهذا ليس بشيء بل العمدة في الاشكال قضيّة التعليل فانّه لو كان علّة فلا يستقيم المفهوم لمساواة خبر الفاسق والعادل في عدم لزوم التبين اذا أوجبا العلم واحتياجهما إليه اذا لم يوجباه واذا كان قوله تعالى:

« أنْ تُصِيبُوا » علّة للمجعول أي يكون موضوعا لا علّة للجعل أي ملاكا وهذا الاشكال لو لم يندفع فلا مفهوم .

نعم مع قطع النظر عن الذيل فلا مانع من المفهوم لعدم فرق في صدر الآية

جواب الاشكال

ص: 253


1- . فوائد الاُصول 3/175 .

من حيث المفهوم مع ساير القضايا الشرطيّة ولا مانع من عدم تحقّق المفهوم بالنظر إلى الذيل كما انّه قد يتّفق تحقّق المفهوم في القضيّة اللقبية والوصفيّة كما أشار إليه

المحقّق الوحيد في بعض فوائده وانه لا تغتر بما يقال في الأصول من ان القضيّة الشرطيّة لها المفهوم دون الوصفيّة واللقبيّة لا مفهوم لهما لوجود الخلاف في الفقه كثيرا هذا .

نعم هنا اشكال عام لساير أدلّة حجيّة الخبر أعم من الآيات والروايات والسيرة من ورود النهي عن العمل بالظن في الآيات الناهية عنه .

ويمكن الجواب في السيرة بلزوم الدور على ما سيحيء .وأمّا في آية النبأ فيتعارض ظاهر تلك الآيات مع مفهومها وكذا مع ساير الآيات المستدلّ بها على حجيّة الخبر أعمّ من ما يدلّ على حجيّة الخبر مطلقا في الموضوعات والأحكام كاية النبأ أو الأحكام فقط كآية النفر أو الموضوعات كآية السؤال . وربما يجاب بكون النسبة بينهما هي العموم المطلق لدلالة الآيات الناهية على منع العمل بالظن مطلقا سواء كان في الفتوى أو في باب الحقوق والحدود والجنايات أو اصول الاعتقادات أو الأحكام واختصاص أدلّة حجيّة الخبر بما اذا كان في الأحكام أو مع اضافة بعض الموضوعات فتخصص بذلك .

الا انه استشكل بكون النسبة هي العموم من وجه لانقلاب النسبة بعد ورود التخصيص على الآيات الناهية بمورد الفتوى والشهادات واذ ان العدل الواحد فيتحقق لكليهما مورد افتراق ومورد اجتماع مع الآخر . واختصاص الأدلّة الناهية بصورة التمكن من تحصيل العلم . اذ في صورة الانسداد لا مجال للنهي وحينئذٍ فيتصادقان في مورد التمكن من العلم ويدل الناهي باطلاقه على المنع من غير

تعارض مفهوم آية النبأ

ص: 254

العلم في غير مورد ورود التخصيص المسلم عليه . ومثل الآيات الدالّة على الحجيّة تدلّ على قبول الخبر باطلاقه فحينئذٍ يتصادقان ولا يبقى دليل على حجيّة الخبر ونفس الشك في ذلك يكفي بلا احتياج إلى استصحاب عدم الحجيّة على ما عرفت سابقا .

هذا الا انه استشكله المحقّق النائيني قدس سره (1) باختصاص تحقّق انقلاب النسبة بموارد ليس المقام منها . بل في المقام يمكن ايراد المخصّصات جميعا على العاماذا لا يلزم الاستهجان لجواز تخصيصه بأدلّة حجيّة الخبر ثم المعارضة بينها وبين ساير موارد قبول خبر العدل على ما عرفت(2) .

فظهر بما ذكر عدم مجال للاشكال المذكور من لزوم انقلاب النسبة بين أدلّة النهي عن العمل بالظن وأدلّة حجيّة خبر الواحد والمعارضة في مادة الاجتماع على ما سبق اذ لا ترتيب في ورود المخصّصات على العام . بل كلّها وارد عليه ويخصصه اذا لم يوجب التخصيص المستهجن ولا أصل لانقلاب النسبة . فحينئذٍ إن كان العام قابلاً لورودها جميعا فلا مانع من تخصيصه بها كما هو الحال في عمومات النهي عن العمل بالظن . فانها تقبل التخصيص بأدلّة الفتوى وأدلّة الشهادة وبما دلّ على حجيّة خبر الواحد وبما دلّ على حجية الظنون الاجتهاديّة لو تمت

ص: 255


1- . فوائد الاُصول 3/176 .
2- . ثمّ اعلم انّ سيّدنا الأستاذ قدس سره عمّم حجيّة الخبر حسب دلالة المفهوم لو تمت للموضوعات كما يشمل أدلّة الحجيّة مورد الأسئلة الواردة في الأخبار والا فيلغوا الحجيّة واعترض على القائلين بثبوت الحجيّة لخبر الواحد على توقفهم في كفاية العدل الواحد في الموضوعات كباب الحدود .

ولا مجال للاستدلال على عدم جواز العمل بالظن بالآيات الناهية لكونها ظنيّة بل مجرّد الشكّ في حجيّة الظنون يكفي في عدم الحجيّة فلا مجال لتحقق الظن المانع والممنوع .

فهذا الاشكال لا أساس له .

نعم هنا اشكالات اُخر واردة على جميع أدلّة الحجيّة مع قطع النظر عن قيام السيرة على العمل بخبر الواحد .

منها لزوم عدم جواز العمل بخبر الواحد على فرض جواز العمل به فوجوده مستلزم لعدمه وجوازه مستلزم لعدم جوازه وذلك لانه على فرض حجيّة الخبرفيكون خبر السيّد المرتضى رضى الله عنه ودعواه الاجماع من الاماميّة على عدم العمل بخبر الواحد وانه في عدم الجواز كالقياس عندهم أيضا حجّة لنقله الاجماع على ذلك فاذا كان حجّة كما ان الاجماع المحصل منه رضي اللّه عنه حجّة فاللازم من ذلك عدم جواز العمل بخبر الواحد رأسا . وليس ذلك إلاّ ما ذكرنا من اللازم اذ على فرض حجيّة خبر الواحد يكون دليله شاملاً لدعوى السيّد وشموله لها موجب لحجيّتها وهي مستلزمة لعدم حجيّة الخبر الواحد رأسا .

وأجيب عن الاشكال بأنّه معارض بنقل الشيخ الطوسي قدس سره الاجماع على خلافه فهما متعارضان خارجان عن تحت أدلّة حجيّة الخبر الواحد . مضافا إلى عدم امكان تحصيل الاجماع واتفاق جميع الأعصار حتّى عصر الأئمّة علیهم السلام واتفاق أصحابهم على عدم العمل كما يدعيه السيّد وجواز العمل كما يدّعيه الشيخ وحينئذٍ فكما ان أدلّة حجيّة الخبر لا تشمل الأخبار المتعارضة معا وكذلك أحدها بعينه ولا لا بعينه اذا لم يكن مرجح كذلك المقام فيتساقطان .

اشكال الأخبار مع الواسطة

ص: 256

وأمّا الاشكال عليه بأنّه خبر عن موضوع فلا وجه له لعدم اختصاص أدلّة الحجيّة على فرض تماميّتها بالأحكام بل تشمل الموضوعات التي ترتبط بالأحكام ولو من باب التبعيّة حفظا عن اللغويّة .

ومنها: الاشكال المنشعب إلى خمسة اشكالات في الأخبار مع الواسطة إذ أدلّة الحجيّة على فرض تماميّتها إنّما تشمل ما اذا كان مصداق الخبر عن الامام علیه السلام وجدانيّا رواه الراوي واسنده إليه علیه السلام وكان الراوي موثوقا بقوله . فحينئذٍ يمكن الاستدلال بأدلّة الحجيّة لجواز الأخذ بما اسنده أو رواه عن الامام علیه السلام وهذا إنّما يفيد في الاخبار بلا واسطة ولا يفيد في أزماننا هذه ممّا لا وسيلة إلى الاطّلاع بالأخبار واسنادها إلى الامام علیه السلام الا بوسائط عديدة . ومجرّدأخبار شيخ الاجازة لأحدنا على انه اجازة شيخه إنّما يفيد في اثبات اجازة شيخه لا في اثبات قول المعصوم .

وهكذا في شيخ شيخه وهلّم جرّاً ولا أثر يترتب على مجرد قول شيخ الاجازة ولا على ثبوت قوله . هذا مضافا إلى لزوم اتّحاد الموضوع والحكم اذ على فرض شمول دليل الحجيّة لخبر الشيخ المجيز لنا يكون قوله اجازة شيخه واخباره فبالحكم ولزوم التصديق يتحقّق مصداق الخبر وهو عين اتّحاد الحكم مع الموضوع . كما انه يلزم تقدم المعلول على العلّة فكيف المحيص عن الاشكال وبأيّ وجه يمكن الاستناد إلى الأخبار مع توجه هذا الاشكال .

والجواب عن الاشكال مبتنٍ على تصوير انحلال الحكم بتعدّد أفراد الموضوع كما في كليّة القضايا الحقيقيّة وانه ينحل الحكم إلى أحكام عديدة بتعدّد الموضوعات ومصاديقها ويكون لكلّ فرد من أفراد الموضوع ومصاديقه حكم

اشكال آخر

ص: 257

يخصّه . ولذلك اتّفقت كلمة الاماميّة قدّس اللّه أسرارهم من المحدّثين والأصوليّين على اجراء البرائة في الشبهات الموضوعيّة وإلاّ فلا مجال له أصلاً . حيث انّه مع الانحلال يكون الحكم في مورد المشكوك مشكوكا فتشمله أدلّة البرائة . ولولاه فلا شكّ فلا موضوع للبرائة وعليه نقول . ان مفاد الآيات وأدلّة الحجيّة جواز أو وجوب تصديق العادل في ما اخبر به وهو ينحل الى وجوبات وأحكام متعددة حسب تعدد مصاديقها فاذا اخبر شيخ الاجازة عن شيخه فيتحقق مصداق للخبر ومعه حكم بلزوم التصديق ومفاد قوله اخبار استاده وبلزوم التصديق فيما قال يتحقق قول استاده وقوله اخبار شيخه وهكذا إلى ان يصل إلى الراوي عن المعصوم علیه السلام .

فلا تقدّم للمعلول على العلّة ولا يكون هناك اتّحاد الحكم مع الموضوع بلصدق الذي هو حكم اخبار شيخ اجازتنا يوجب تحقق مصداق لقول شيخه وهو يكون فردا آخر وله صدّق آخر وهكذا . ويكفي في ذلك ترتب الأثر عليه ولو بوسائط عديدة . وهذا أيضا قسم من الحكومة يوجب زيادة فرد في أفراد الموضوع كما في الاستصحاب السببي الموجب جريانه انعدام الاستصحاب المسببي مع الشرايط الثلاث التي ترجع إلى كون المسبب أثرا شرعيّا للسبب فيجري ويترتّب عليه آثاره منها ما للمسبب من الأحكام وفي المقام تكون الحكومة موجبة لزيادة الافراد وتكثرها .

تتميم وتحقيق: انّ الاشكالات التي توجهت إلى آية النبأ وساير الآيات بل الاخبار المستدل بها على حجيّة الأخبار كقوله علیه السلام (1) في جواب سؤال الراوي

ردّ الاشكال على دليل الحجيّة

ص: 258


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/33 - 34 - 35 من أبواب صفات القاضي .

يونس بن عبدالرحمن ثقة آخذ عنه معالم ديني ) نعم من حيث عدم شمولها للاخبار مع الواسطة امور . احدها . انصراف هذه الآيات والأخبار إلى خصوص الأخبار وأقوال العدول والثقات بلا واسطة فلا تشمل الأخبار مع الواسطة كما هي مبتلي بها لنا اليوم .

وفيه منع الانصراف مضافا إلى كفاية بناء العقلاء على الأخذ بخبر الثقة أو الممدوح بمدح غير عد الى سواء كان مع الواسطة أو بدونها وكذلك بناءً على جعل الوسطيّة في مقام الاثبات واعطاء الأخبار صفة المحررية اذ لا فرق في الدليل وشموله بين ما لا واسطة فيه وما مع الواسطة .

نعم إنّما يتوجّه الاشكال بناءً على لزوم العمل بالخبر ووجوبه أو على ساير المباني ويدعي انصرافها حينئذٍ إلى خصوص الأخبار عن الأئمّة علیهم السلام بلا واسطةوقد عرفت منعه .

الثاني عدم الأثر على حجيّة قول غير الراوي عن المعصوم بلا واسطة اذ التعبد وجعل الحجيّة لابدّ وأن يكون بلحاظ أثر شرعي ولا يترتب على ثبوت قول الصفار مثلاً وهكذا من ينقل عنه ويروي إليه إلى الراوي الناقل عن المعصوم علیه السلام أثر اذ ثبوت قوله موضوع من الموضوعات وليس حكما أو موضوعا ذا أثر شرعي لعدم كونه مثل الأخبار بالعدالة الموضوعة لجواز الاقتداء وقبول شهادته وغيرهما من الأحكام .

والجواب كفاية كونه موضوعا لوجوب تصديق العادل ولو لم يفرض له أثر آخر اذ يجب تصديق العادل فيما اخبر به وقد اخبر عن اخبار شيخه فيجب تصديقه مضافا الى انه يترتب على ذلك أثر بالانتهاء إلى لزوم تصديق الراوي عن

ص: 259

المعصوم فيما يرويه من الحكم الشرعي .

ثالثها: لزوم اتّحاد الحكم مع موضوعه اذ وجوب التصديق حكم لخبر العادل وموضوع هذا الحكم هو التصديق فالتصديق موضوع وكذلك يكون هو الحكم كما انه يوجب حصول الموضوع بسبب حكمه اذ بوجوب تصديقه يتحقق موضوع وجوب التصديق وهو خبر من يروي عنه لتعلّق التصديق بقوله وقوله الذي يجب تصديقه به قول من يروي عنه هو موضوع لوجوب التصديق قد حصل من جهة الحكم بوجوب التصديق وهذا هو الاشكال .

الرابع: وان جعلت محذور تأخر الموضوع عن الحكم ) فيكون اشكالاً .

خامسا: والجواب ان الحكم هو وجوب التصديق واذا تعلق بموضوعه وهو خير الراوي فيتحقق به خبر من يروي عنه ويكون له وجوب آخر بتصديقه .

وهذا غير الحكم المتعلّق بخبر الراوي الذي من تصديقه تحقق الخبر الثانيفلم يلزم اتّحاد الحكم مع موضوعه كما ان تحقق الموضوع بسبب الحكم إنّما يلزم اذا كان الحكم الشخصي المتعلّق بموضوع بعينه هو الموجب لتحقق موضوعه الشخصي وليس الأمر كذلك اذ حكم الموضوع الحاصل من تصديق الراوي غير الحكم بلزوم تصديقه الموجب لتحقق

مصداق للخبر الموضوع لوجوب تعلّق به شخصا وهكذا لم يلزم تقدم الحكم على الموضوع بل انما لزم تقدم حكم موضوع آخر على موضوع ثان يتحقق بسبب امتثال الحكم الأول .

وبالجملة فالاشكالات كلّها مندفعة لا مجال لها بعد ما عرفت من انحلال الحكم إلى أحكام متعدّدة بحسب انحلال موضوعاتها ولا يلزم تقدم الحكم على

ص: 260

موضوعه ولا تحقق الموضوع بسبب الحكم ولا غير ذلك .

نعم . حيث ان أدلّة الحجيّة إنّما تكون بصدد جعل الحاكم على الأحكام الواقعيّة في مقام اثباتها فيكفي في ذلك انتهائها إلى الاثبات ولو بالسلسة الطوليّة

بعد لزوم تصديق كلّ فيما أتى به إلى أن ينتهي إلى قول من يتّصل بالمعصوم ويكون مؤدّى قوله الحكم الثابت للواقعة .

بيان آخر مرجع الاشكالات المذكورة إلى أمرين . عدم ترتب الأثر على التعبد بقول وسائط النقل غير الراوي عن الامام علیه السلام . ولزوم اتّحاد الحكم مع موضوعه وقد مر اندفاعهما وساير الاشكالات بالحكومة والانحلال(1) .كما انك عرفت الفرق بين حكومة المقام وحكومة الأصل السببي على المسبّبي حيث انه بجريانه في السببي لا مجال لجريانه في المسببي لاستلزامه عدم بقاء الموضوع له وقوامه بثلاثة امور: أحدها الأثر الشرعي وثانيها ترتب المسبب على السبب شرعا . وثالثها حدوث شكه من الشك في السبب على ما قرّر في محلّه .

الا ان ترتب هذه الاشكالات على الاستدلال بالآية إنّما يتوجّه بناءً على كون المجعول في باب الامارات هو وجوب العمل بقول العادل ولكن بناءً على جعل الوسطيّة في مقام الاثبات والمحرزية فلا مجال لها حيث انه كما جعل

اندفاع اشكالات الأخبار مع الواسطة

ص: 261


1- . اما الانحلال فقد عرفت اندفاع الاشكال به ولا محيص عنه وعليه يبتني جريان الأصل في الشبهة الموضوعيّة التي كما سبق اتّفاق الأصحاب على اجراء البرائة فيها وليس له وجه صحيح الا الانحلال كما انه في باب النذر أيضا تارة يكون انحلاليّا بأن ينذر عدم شرب ماء دجلة لا بنحو صرف الوجود بل بنحو كلّ قطرة منه فشرب كلّ قطرة يوجب الحنث بخلاف ما اذا نذر بنحو صرف الوجود فلا يكون الا حنث واحد ولا حنث بالشرب بعده .

المحرزيّة لما يكون خبرا بلا واسطة عن قول الامام علیه السلام كذلك يمكن بالنسبة إلى ما يكون راجعا إلى الوسائط .

تتمة: من الآيات التي استدلّ بها على حجيّة خبر الواحد آية النفر وهي قوله تعالى: « فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ »(1) وللاستدلال تقريبات:

أحدها ان قوله تعالى ( فلو لا ) من اداة التحضيض دالة على الوجوب

فيكون النفر على هذا واجبا على طائفة من كلّ فرقة والمراد بالنفر الارتحال والفرقة ظاهرة في جماعة كثيرة كالعشيرة والقبيلة والطائفة وإن كانت تقال على أقل من الثلاثة لكن فليكن المراد أو المعنى الجماعة وأقلّها ثلاثة ولا اشكال في ان صدق النفر على كلّ طائفة لا يتوقف على اجتماعهم فيه . بل لو نفر كلّ واحدمنهم وحده يصدق على الجميع انهم نفروا كما ان التفقه الذي في الآية غاية للنفر واسناده إليهم يصدق بانفراد المتفقهين به كما يصدق باجتماعهم وهكذا الكلام في المنذر أو الرجوع والحذر فان صدق اسناد الفعل إلى الجماعة غير متوقف على اجتماعهم فيه معا بل على تحقّق صدور الفعل منهم ولو منفردين .

ثمّ ان قوله ( ليتفقّهوا ولينذروا ) ولو لم يكن الثاني منهما اثرا كما قيل ولكن لهما ظهور في الوجوب بلحاظ وجوب النفر لأجلهما ولا غاية للنفر غير التفقة كما والانذار في الرجوع . فعلى هذا لا مجال للشكّ في وجوب الانذار وان كان أمرا فاولى بعدم الارتياب كما ان انذار القوم لا يتوقّف على انذار كلّ واحد لكلّ واحد من القوم بل يصدق بانذار كلّ بعض بعضا منهم بحيث يحصل بانذار الطائفة انذار

الاستدلال بآية النفر

ص: 262


1- . سورة التوبة الآية 123 .

مجموع القوم وإن لم يكن انذر كلّ واحد من الطائفة آحاد القوم قضية تقابل الجمع بالجمع حيث انه يفيد التوزيع نظير قوله تعالى: « فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ » اذ المراد به غسل كلّ واحد وجه نفسه .

وهكذا الانذار يتحقق بانذار كلّ بعض بعضا من القوم فلا يتوقّف صدقه على بلوغ المنذر عدد التواتر .

ثمّ ان العمدة في الاستدلال وجوب الحذر والدليل عليه قوله تعالى: « لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ » بدعوى عدم كون المراد بلعلّ في الآيات القرآنيّة معناها اللغوي الأصلي بل المراد بها الغايات لا المبادئ وحيث انه غاية للانذار وثبت وجوب الانذار فاللازم كون الغاية أيضا واجبة لعدم الانفكاك بين حكم الغاية وذيها فبوجوب الغاية يكون ذو الغاية واجبة كما ان بوجوب الارشاد والانذار يكون الحذر الذي يكون غاية واجبا . وحينئذٍ فيثبت وجوب الحذر عند خبر كلّ واحد من الطائفة النافرة على القوم وهذا هو المراد من وجوب العمل بخبر الواحدغاية الأمر لزوم تخصيصه بمنطوق آية النبأ في التبين بخبر الفاسق فيبقى خبر العادل واجب الأخذ ولا مخصص له .

وأورد على ذلك اشكالات . منها ما يرجع إلى انكار الملازمة بين وجوب الغاية ووجوب ذيها كمسئلة وجوب ارشاد النبي المبعوث إلى الناس لهم بالدعوة إلى الأخذ بالأحكام والتدين بما جاء وعدم وجوب قبولهم . بل إنّما وظيفتهم النظر في المعجزة اذا كان ذا معجزة حيث انه لا مجال لوجوب قبول قوله بعد عدم ثبوت صدقه .

وفيه انه لا مجال للوجوب الشرعي في ذلك . نعم انما يجب النظر عقلاً في

ص: 263

دعواه وصدقه من كذبه لاحتمال صدقه وعدم الأمن كما أجاب(1) بمثل ذلك الامام عليه السلام في اشكال الزنديق عليه بالاتيان باعمال الحج .

ومنها: وجوب شهادة الشاهد وعدم كتمانها ولا يجب على الحاكم الحكم مع انه غاية للشهادة .

ومنها: وجوب اعطاء المال للذي يتوقف حفظ النفس منه بذلك مع حرمة أخذه عليه .

ولا يخفى ما فيه من المغالطة حيث ان الغاية هو حفظ النفس وهو حاصل بل واجب كما ان في باب الشهادة ليست الغاية هو حكم الحاكم كي يقال بلزوم التخلف .

والحاصل انه لا مجال لانكار الملازمة بالنقض بالانفكاك بين وجوب ذي الغاية ووجوبها اذ لا نقض بمورد مسلم .نعم . انما الاشكال في أصل الملازمة مع عدم الدليل عليها . لكن يكفي الدليل العقلي في ذلك فانه لا معنى لوجوب شيء لغاية من الغايات مع عدم وجوب ذي الغاية للزوم اللغوية . وفي الآية الشريفة لو فرض ترتب غاية اخرى على الانذار غير الحذر لأمكن المناقشة في وجوب الحذر بارادة تلك الغاية أو الاجمال الا انه لا غاية إلاّ الحذر فيكون واجبا بمقتضى ما ذكرناه من الملازمة .

ومنها: اختصاص الانذار بباب الوعظ والارشاد ولا مساس له بباب نقل الأخبار حيث ان عندنا أبوابا ثلاثة . باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفيه اللازم علم المرتكب للمنكر أو التارك للمعروف بالوجوب والحرمة أو يكون

اشكال الاستدلال بالآية

ص: 264


1- . بحار الأنوار 10/209 - 210 .

جاهلاً مقصّرا غير معدور في مخالفة التكليف لا قاصرا لا يتوجه عليه العقاب .

والثاني باب ارشاد الجاهل أو تنبيه الغافل واللازم فيه عدم علم الجاهل بالحكم أصلاً فيرشده إلى ذلك بتنبيهه وبيان الحكم له .

والثالث(1) باب الوعظ والارشاد وفيه ليس بلازم حصول العلم للذي يعظه الواعظ ولا الجهل بل يحصل بالنسبة إلى العالم والجاهل يذكر ما يترتب على اتيان الواجبات وتركها من الثواب في الأوّل والعقاب في الثاني وفي ارتكاب المناهي . فالانذار الذي هو التخويف انما هو مناسب لهذا الباب لا بباب الأمر والنهي ولا بباب ارشاد الجاهل وتنبيه الغافل .

وفيه عدم اختصاص الانذار بذلك بل الانذار على أقسام . فتارة يكون بالمعنى المطابقي بأن يخوف العباد من عذاب اللّه على ترك اطاعته وعصيانهواخرى بذكر الواجب والحرام وبيان ان هذا واجب وذاك حرام فانه يتضمن الانذار أو يلزمه الانذار بالدلالة الالتزاميّة فيشمل ما نحن فيه من خبر الواحد .

وأمّا المراد بالحذر فليس الا ما يناسب كلّ مقام فالحذر في موارد الأخبار بالوجوب هو العمل به وفي مورد الحرام تركه فيكون حذرا عملاً .

نعم يمكن الاشكال باختصاص التفقّه كما ورد في بعض(2) الأخبار بالخروج إلى بلد الامام لتعيينه في ما اذا يتبدل الامامة وتنتقل بموت السابق لعدم تمكن كلّ واحد من الناس للخروج بل ينفر بعضهم ويكشف حقيقة الحال ويخبر الباقي ولا ربط له بباب الأخبار أو ان التفقّه عبارة عن المعنى المتداول بين الفقهاء

ص: 265


1- . فاذا لا علم له بنجاسة هذا الماء الذي في الاناء ولا يكون العالم بنجاسته مباشرا له فلا يجب عليه اعلامه لعدم كونه مكلفا بالاجتناب عنه بل جهله عذر له .
2- . بحار الأنوار 27 الباب 5/1 إلى 4 - 9 - 10 من أبواب ما يتعلّق بوفاتهم .

وهو كون الانسان ذا ملكه الاستنباط وفهم الأحكام من الأدلّة التفصيليّة كما ورد استعماله مراداً به هذا المعنى أو قريبا منه في عدّة موارد .

منها: في باب ارجاع الناس إليه وجعله حاكما ( الظاهر عدم استعمال الفقيه فيه فتدبّر ) فيمكن ارادة هذا المعنى أو غيره من المعاني التي لا ربط لها بباب نقل الأخبار بتوسط الرواة الذي نحن بصدده لما هو المعلوم من عدم فقاهة كل الرواة بهذا المعنى بل هم مختلفون في درجات العلم ومراتبه وربما يكون كثير منهم عاميّا بحتا لا علم له بموارد الأحكام ومصادرها . اذ لم يكن كلّ واحد منهم مثل زرارة بحيث يسأل عن مورد استفادة الأحكام من القرآن كسؤاله(1) عن كفاية المسح ببعض الرأس وارشاده الامام علیه السلام بكونه لمكان الباء كما لا يعرف كلّواحد منهم .طريق استفادة المسح على المرارة من قوله تعالى: « مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ »(2) .

ويدفعه استحداث هذا الاصطلاح في عرف الفقهاء وأمّا في اللغة فمعناه مطلق الفهم والادراك كقوله تعالى حكاية عن قوم شعيب: « مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ »(3) .

نعم لا ننكر استعماله في موارد مناسبة لهذا كما ورد(4) في وصيّة أميرالمؤمنين للحسنين علیهم السلام الايصاء بالتفقه فان المراد بالتفقه بالنسبة إليهما عليهماالسلام لا

ص: 266


1- . الوسائل 1 الباب 23/1 من أبواب الوضوء .
2- . سورة الحج الآية 79 .
3- . سورة هود الآية 92 .
4- . بحار الأنوار 42 الباب 127/46 في كيفيّة شهادته ووصيته علیه السلام وهي للحسن علیه السلام .

يكون المعنى اللغوي كما لا يناسب المعنى الاصطلاحي .

وكيف كان فالمراد به في الآية هو معناه لغة . الا انه في الامور الراجعة إلى الدين وبهذا القدر يكون الراوي بحسب ارتكازه للامور المدونة في علم الأصول هذااليوم فقيها مستنبطا كما هو سهل بالنسبة إليهم حيث انهم كانوا عارفين باللسان ولم يكن بناء بيان الأحكام على اعمال الفصاحة بل بمقتضى فهم المخاطب والسائل بل بحيث يفهمه كلّ واحد عارف باللسان . وربما كان المعنى مشتبها عند الراوي فيرجع إلى المعصوم سلام اللّه عليه لكشف اعضاله وبيانه .

والحاصل انّ هذا الاشكال ليس بشيء . نعم يمكن الخدشة بعد تسليم دلالة لولا على الوجوب في أصل الوجوب التعبدي حيث ان النفر انما يجب للتفقهوالتفقه مقدمة للعمل فالعمل واجب اصالة ووجوب التفقه والنفر إنّما هو مقدّمي وقد ثبت في بحث مقدّمة الواجب ان وجوبها عقليّ ولو ورد به الخطاب منالشارع فيكون ارشادا محضا لا مجال للتعبد به لاستقلال العقل به .

وعلى هذا فيسقط الآية عن الاستدلال لكونها ارشادا بل لو أمكن الاحتياط فلا يجب التعلم أيضا .

نعم إنّما يجب اذا توقف العمل عليه ولا فرق في ذلك بين كون المراد بقوله: « إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ » رجوع النافرين إلى المتخلّفين أو رجوع الذاهبين إلى الجهاد إلى الباقين أو كون المراد بالرجوع رجوع الجاهلين بالمتفقهين في الأحكام وسؤالهم عنها كما انه يمكن الاشكال بعدم وجوب الحذر مطلقا بل اذا حصل لهم العلم بصدق المنذرين لا مطلقا كما هو المدعى .

لكن يمكن دفع اشكال وجوب النفر أو التفقه من باب المقدّمة وعدم جريان

الاشكال في دلالة الآية

ص: 267

ما يقال في ( هلاّ تعلمت )(1) في الآية الشريفة بل نأخذ بظاهرها الدال على الوجوب ولا مجال للاشكال عليه بما ذكر فتأمّل .

توضيح وتكميل: لا يخفى ان ظهور الآية الشريفة في وجوب الحذر متوقف على كون لو لا في المقام هي لو لا التحضيضية المستعملة في الطلب مع الازعاج لا في الطلب بلين وهي تختلف موارد استعمالها في الماضي والمستقبل مع ان قوله نفر فعل ماض وردت عليه لو لا فيمكن التوقف في دلالتها على الوجوب .

نعم على فرض تسليم دلالتها على الوجوب فحيث جعل غاية النفر هو

التفقه والانذار فيكونان واجبين للزوم اللغويّة لو لا ذلك . الا انّ التفقه لا يراد به معناه الاصطلاحي بل المراد به الأعم منه ومن تفهم الرواية وفهم معناها وان لميكن تفقها بحسب الاصطلاح . اذ لم يكن في الصدر الأوّل جريان امور التعلم على النهج الجاري في يومنا هذا . الا ان ذلك لا يمنع من العموم فان التفقه هو التعلم الراجع إلى الامور الدينيّة كما يرشد اليه قوله تعالى ( في الدين ) اما الانذار

فلا يخصّ باب الفتوى ولا باب الارشاد والموعظة بل يعم ذينك البابين وباب الأمر بالمعروف اذ الانذار يتحقق بما هو راجع إلى أيّ واحد من هذه الأبواب .

نعم دلالة الآية على وجوب الحذر متوقّفة على انه لولاه لزم اللغوية فان الانذار اذا كان واجبا على المنذرين بلا وجوب الحذر على المنذرين ( بالفتح ) فلا فائدة فيه وحينئذٍ فلابدّ من كونه واجبا أيضاً ولو كان فعلاً لغير المنذرين اذ لا مانع

منه حيث انه اختياري يمكن أن يجب وقد تقدم ان المراد بالحذر ليس هو التأثر

ص: 268


1- . بحار الأنوار 2/3 الباب 24 من كتاب العلم ص180 .

النفساني بل المراد ما يرجع إلى العمل والاتيان بالفعل الذي يخبر انه واجب وترك ما يخبر به انه حرام .

لكن يتوجّه عليه الاشكال بعدم وجوب الحذر مطلقا بقول المنذر والمخبر لعدم موضوعيّته بل لابدّ أن يكون من جهة انه مخبر أو منذر له بالأحكام وحينئذٍ فيتوقف على احراز كون ما انذر به هو حكم اللّه والا فلا يجب الحذر بنفسه ونلتزم بذلك ونقتصر على وجوب الحذر فيما اذا افاد العلم لا مطلقا كما هو المدعى .

ويمكن الجواب بكون الآية مطلقة في وجوب الحذر غير مقيّدة له بصورة افادة العلم أو ان نقول ان خبر الواحد العدل وما يجري مجراه حيث جعل له الشارع الطريقيّة واعطاه صفة المحرزيّة والكاشفيّة فبتحقّقه يتحقق مصداق الاحراز التعبدي ويترتب عليه الأثر كما يترتب على العلم الوجداني ولا مجال للتوقف بافادته العلم بلا فرق في ذلك بين الأخبار المنقولة بالوسائط وغيرها لاطراد المحرزيّة في الجميع .ويدفع الثاني بأنّ الكلام في ما هو المستفاد من الآية وان استفدنا الطريقيّة والمحرزيّة من غيرها لا يكون مرتبطا بها . وظاهر الآية الشريفة وغيرها من الآيات انما ينطبق على مدعى الشيخ ومبناه قدس سره من وجوب العمل بخبر العدل ولا مساس لها بالطريقيّة وجعلها كما هو مبنى المحقق النائيني قدس سره .

وحينئذٍ فيمكن توجه الاشكال الأول بعدم اطلاق لوجوب الحذر بل خروج الانذار من اللغوية يحصل بما اذا أفاد العلم اذ لا يلزم اللغوية أو بصورة الالتفات الى انه عليه حكم أم لا فيحتاطون فيها . الا ان الا خير لا وجه له لوجود العلم الاجمالي بالأحكام كما ان تقييد وجوب الحذر بصورة افادة العلم راجع إلى

ص: 269

كون الأحكام مجعولة على العالمين بها لا مطلقا .

لكن لا دافع لهذا الاشكال اذ لا اطلاق في الآية لوجوب الحذر مطلقا فلا يتمّ الاستدلال ولو على مبنى الشيخ قدس سره .

فذلكة البحث:

قد عرفت وجه دلالة آية النفر على وجوب العمل بخبر الواحد وانها مبتنية على كون الحذر واجبا وان كلمة لعلّ تفيد الوجوب لاستحالة ارادة المعنى الحقيقي منها في المقام وهو الترجي بل يراد بها الالزام كما في قوله تعالى: « لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون »(1) فالمراد بها ايجاب الاتقاء لا مجرّد ترتب الحذر أو الاتقاء على ما قبله بل غاية الشيء لابدّ أن يكون واجبا لو كان ذلك الشيء واجباً والا لزم اللغوية . وحينئذٍ فالعمدة هو اطلاق وجوب الحذر بدون تقيد بما اذا حصل العلم من قول المنذر .فان كان للآية اطلاق في ذلك لكفى دليلاً على المدعى وتكون أحسن من آية النبأ والا فلا مساس لها بما نحن بصدده .

والاشكال على اطلاقها بعدم كون الآية بصدد بيان حكم المنذرين ( بالفتح ) بل إنّما هو بصدد بيان تكليف المنذرين ( بالكسر ) ولعلّه يحصل للمنذرين ( بالفتح ) مع تضافر القرائن أو تعاضدها العلم بذلك . وعليه فلا يكون في الآية تعرض لحكم ما اذا لم يحصل لهم العلم . بل الظاهر حصول العلم والوثوق والاطمئنان من خبر العادل الذي هو المراد من الآية بعد تخصيص عمومها بمنطوق آية النبأ واخراج خبر الفاسق عن انذاره . وذلك لأن عدم الوثوق اما

الاشكال في الاستدلال بالآية

ص: 270


1- . سورة البقرة الآية 184 .

لاحتمال تعمد كذبه فهو خارج بالفرض لكونه عادلاً أو لكونه ناسيا أو مشتبهاً بلا تعمد . فهذا مورد الأصول العقلائيّة . وحينئذٍ فيمكن دعوى ورود الآية مورد الارشاد وامضاء الطريقة العقلائية ولا اطلاق لها لصورة عدم حصول العلم .

ويمكن الدفع بعدم وجه لعدم كونه في بيان المراد ولا جهة تمنع الاطلاق في الآية وكونها في مقام البيان من هذه الجهة وحيث لم يشترط وجوب الحذر بحصول العلم فذلك يقتضي وجوبه مطلقا ولو لم يفد الانذار العلم .

الا ان الاشكال بعد في الآية من جهة قرب دعوى حصول العلم والاطمئنان بخبر العادل . وحينئذٍ لا يكون تعبد الا الامضاء ولا تأسيس في البين ولا دليل على جعل الطريقيّة لخبر العادل كي يلزم العمل بقوله مطلقا ولا مجال للاستدلال بوجوب الحذر باطلاقه على جعل الطريقيّة لعدم الدلالة بعد منع الاطلاق .

نعم قد استشكل شيخنا الأنصاري قدس سره في اطلاق الآية باستشهاد(1) الامام علیه السلام بالآية الشريفة على لزوم الاختلاف في البلاد لمعرفة الامام بعد موت الامام السابق وانه المراد بالرحمة الواردة في الاختلاف للامّة في موته أي الاختلاف في البلدان لمعرفة الامام مع ان اللازم في باب معرفة الامام هو العلم الوجداني الخبري ولا يكفيه التعبد . وحينئذٍ لا مساس للآية بمورد عدم حصول العلم .

ويمكن الجواب عن قوله بأنّه استشهاد بالخبر الواحد على عدم حجيّة خبر الواحد اذ لا تواتر في الخبر الوارد كي يفيد العلم . فحينئذٍ يكون ظنيّا . والكلام الآن في دلالة الآية على التعبد به وعدمه . فكيف يمكن الاستدلال به على عدم

ص: 271


1- . بحار الأنوار 27 الباب 5 / 1 إلى 4 - 9 - 10 من أبواب ما يتعلّق بوفاتهم .

حجيّة خبر الواحد . بل الاشكال من جهة اخرى على اشكال الشيخ وذلك ان كلامنا الآن في الاستدلال بالآيات وما ذكره على فرض تسليمه استدلال بالسنة وان وردت في تفسير الآية الشريفة . وعلى كلّ حال فالاستدلال بالآية يتوقف على الاطلاق ولا يتم الاطلاق لعدم وجوب الحذر على المنذرين مطلقا بل بما اذا كان الانذار بالأحكام الشرعيّة وذلك لا يمكن الا في مورد العلم بصدق المخبر وكون ما ينذر به هو الحكم الشرعي فلا اطلاق . مع ذلك للآية أصلاً كما انه يمكن على فرض كونها امضاءً لما في الطريقة منع حصول الاطمئنان على الأخبار المنقولة بالوسائط وذلك لأن توسط كلّ طبقة من الرواة في نقل الخبر يوجب زيادة احتمال في النفس بعدم صدق الخبر فحينئذٍ في ما اذا توسطت وسائط عديدة يزيد الاحتمالات بعضاً على عشرين ومعه كيف يمكن دعوى حصول الوثوق اللهمّ الا ان يدعى حصوله ولو باستحضار حال الرواة وديانتهم وغير ذلك .

ومن الآيات التي استدلّ بها على حجيّة خبر الواحد قوله تعالى: « فَاسْأَلُواأَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ »(1) والاستدلال باطلاق السؤال وملازمة وجوبالسؤال لوجوب القبول كما في آية حرمة الكتمان .

والجواب امّا بعدم الاطلاق مطلقا بل الآية الاولى وارادة في صفات النبي ونعوته صلی الله علیه و آله والمراد بأهل الذكر هم أهل الكتاب وامكان عدم اطلاق الأهل في الواحد بل ذلك كما يقال ان معرفة ذلك الأمر راجعة إلى أهله ولا يراد منه لزوم الأخذ بقوله ولو واحدا بل من باب ارجاع كلّ أمر الى خبرته كما يمكن الجواب بعدم اطلاق في وجوب القبول مطلقا بل الممكن لزومه في ما اذا حصل العلم

ص: 272


1- . سورة الأنبياء الآية 8 .

وهكذا في آية حرمة الكتمان ولا يلزم اللغوية لامكان حصول العلم . مضافا إلى امكان انكار الملازمة بوجه آخر كما أشرنا إليه سابقا والنقض بوجوب شهادة الشاهد وعدم لزوم الحكم .

الا انه مخدوش بقبولها في مورده . غاية الأمر مع اجتماع شرايطه فلا يكفي الشاهد الواحد الا أن ينضم إليه شاهد آخر أو اليمين مثلاً .

ومن الآيات آية الاذن(1) والاشكال عليها ظاهر حيث ان كونه اذن خير لكم يحتمل أن يراد به تصديق كلّ شخص فيما أخبر به في الخير والشر وحصول العلم له عليه السلام بذلك ويحتمل أن يراد تصديقه ولو لم يحصل له العلم وترتيب الأثر على ذلك كما يحتمل ارادة عدم تكذيب كلّ مخبر فيما يخبر به بل ولا تصديقه فعلى الأول . فخارج عن مورد الفرض وذلك لحصول العلم له بذلك فلا يكون شاهدا على المدعى للزوم العمل بالعلم عقلاً . وأمّا الاحتمال الثاني فمدفوع بعدم التيامه مع مورد النزول للآية الشريفة حيث انه علیه السلام (2) صدق من قال عن غيرهشيئا وصدق المقول فيه بانكاره لذلك أيضا . فلا يمكن تصديق كليهما واعتقاد وقوع المخبر به في كلا المقامين لعدم امكان ذلك في نفسه الا بزوال الاعتقاد الأول بوقوع الأمر بانكار المقول فيه وتبدله باعتقاد عدمه .

وأمّا الاحتمال الثالث فهو الظاهر بالنسبة إلى مورد النزول ولا شهادة معه أيضا كما هو واضح . ويشهد للمعنى الثاني اضافة الاذن إلى الخير وانه اذن خير لكم اذ لو كان المراد تصديق كلّ واحد في ما يخبر به لم يكن وجه للتقييد بالخير

آية الاذن

ص: 273


1- . سورة التوبة الآية 62 .
2- . مجمع البيان 5 ص44 الميزان 9 ص337 - 338 .

وكونها خيرا يناسب المعنى الثالث وعدم تكذيب المخبر في خبره وعدم تصديق ما قاله واقعا . واما قوله تعالى يؤمن(1) باللّه ويؤمن للمؤمنين أيضا لا شهادة فيه على المطلوب خصوصا بعد تغيير الاسلوب وابدال الباء في يؤمن باللّه في قوله ويؤمن للمؤمنين بعد ذكر الايمان ثانيا فيكشف عن كون المعنى مغايرا للأوّل . وحينئذٍ فاللام ربما تفيد انه يصدق في مورد نفع المؤمنين وانه اذا كان تصديق مخبر ملازما لضرر غيره فلا يصدقه لمنافاته لكونه يؤمن للمؤمنين كمنافاته لكونه اذن خير لهم . وقد يظهر من الشيخ قدس سره وغيره الاستشهاد بالروايات في ورود الآية مورد حمل فعل المسلم على الصحيح ولو كان ظاهره فسادا بأن يحمل على الصحيح لكنه استشهاد بالأخبار ويأتي . بل الكلام في الاستدلال بالآيات والاستشهاد بها في المراد بالآية يكون استدلالاً بها .

هذا تمام الكلام في ما يتعلّق بالآيات وقد تحصل انه لم يتحصل منها ما يدلّ على وجوب الأخذ بقول العادل مطلقا .أمّا السنّة فمجمل الكلام فيها . انه يمكن دعوى التواتر الاجمالي في الأخبار الواردة في ايجاب الرجوع إلى الرواة وتجويز الأخذ عنهم وما ورد(2) في بعض من كونه ثقة مأموناً على وجوب الأخذ بأخصّها مضمونا وهو خبر العادل الصحيح لكونها اما موجبة للأخذ بالخبر مطلقا ولو موثقا أو حسنا أو لخصوص أحدها فالخبر الصحيح داخل في الكل فهو أخص مضمونا قد اشتمل على لزوم الأخذ بجميع الأخبار الموجبة للأخذ بالخبر على أنحاء السنتها

ص: 274


1- . سورة التوبة الآية 62 .
2- . الوسائل 27 الباب 11/4 من أبواب صفات القاضي .

واختلاف دلالتها . وحينئذٍ فلو دلّ مثل هذا الخبر على لزوم الأخذ بالموثق أو الحسن فيستفاد من الأخبار حينئذٍ جميع ما هو المدعى من وجوب العمل بخبر الواحد غير الضعيف مطلقا فراجع وتأمّل .

وكيف كان فقد استدلّ أو يمكن أن يستدلّ من السنة على حجيّة الأخبار الآحاد بطوائف:

منها: ما ورد في باب الترجيحات في مورد تعارض الروايات من الأخذ بالمشهور(1) بين الأصحاب أو بما يوافق(2) الكتاب أو بالمخالف(3) للعامّة أو بالأحدث(4) إلى غير ذلك .ومنها: ما ورد في الأمر بالأخذ بأقوال عدّة من الرواة أو التعريف على كتابهم أو غير ذلك من أنحاء الوصف ككونهم مأمونين على الدين والدنيا .

أو انه ( لو لا هؤلاء(5) لاندرست آثار أبي أو آثار النبوة .ومنها: ما ورد في ان من حفظ(6) على امتي أربعين حديثا بمضامين متقاربة واشتمال بعضها على من امتي وبعضها على امتي ويحتمل أن يكون المراد بعلى في المقام هو معنى اللام كما في قوله تعالى: « وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ »(7) .

ويمكن دعوى تواتر الطائفة الأولى وكذا الثانية وأمّا الثالثة فقريب من

الاستدلال بطوائف من الأخبار

ص: 275


1- . الوسائل 27 الباب 9 ح 1 - 19 من أبواب صفات القاضي .
2- . الوسائل 27 الباب 9 ح10 - 11 - 12 - 15 - 18 - 19 - 29 - 37 - 47 - 48 .
3- . الوسائل 27 الباب 9 ح 1 - 23 - 29 - 30 - 31 - 34 - 42 من أبواب صفات القاضي .
4- . الوسائل 27 الباب 9 ح 7 - 8 - 18 من أبواب صفات القاضي .
5- . الوسائل 27 الباب 11 ح14 - 16 - 20 .
6- . الوسائل 27 الباب 8/5 - 6 - 48 - 54 - 58 إلى 62 - 64 - 72 .
7- . سورة البقرة الآية 199 .

التواتر .

وتقريب الاستدلال بالطائفة الأولى .

أمّا المقبولة(1) . فلاشتمالها على الترجيح بصفات الراوي أوّلاً ثمّ بعد تساويهما في الصفات جعل المرجّح الشهرة في الرواية وترك الشاذ النادر إلى غيره من المرجّحات كموافقة الكتاب ومخالفة العامّة .

وأمّا المرفوعة فان لم يكن لها سند ولا انها تشارك المقبولة في الدلالة على بعض المطلوب بل في الدلالة على المطلوب كلّه . حيث انّ الترجيح بما ذكر من المرجّحات مع اختلاف مواردها واختلافها أنفسها إنّما هو فيما اذا كان المتعارض من كلّ واحد منهما حجّة يلزم العمل بها والأخذ بمؤدّاها كي يكون في مورد التعارض مجال لاعمال الترجيح والا فلا معنى للترجيح بما لا حجيّة له في نفسه .

وأمّا ورد في كون الترجيح بمخالفة العامّة وهو كثير من الروايات ولعلّها متواترة فدلالتها أيضا واضحة على حذو ما قلنا في دلالة المقبولة . نعم ما ورد فيما خالف الكتاب وانه باطل(2) أو زخرف(3) أو لم اقله(4) فلا يكون شاهدا على مانحن فيه من كون مقتضى الحجيّة في كلّ من الخبرين المخالف أحدهما للكتاب . وأمّا ما ورد في أحوال عدّة من الرواة على اختلاف مضامينها ومواردها ووقايعها وما ورد في الأمر بالكتب(5) والحفظ والتعليم(6) والتعلم وما ورد في كون

ص: 276


1- . الوسائل 27 الباب 9/1 من أبواب صفات القاضي .
2- . الوسائل 27 الباب 9/48 الباب 10/18 من أبواب صفات القاضي .
3- . الوسائل 27 الباب 9 ح 12 - 14 من أبواب صفات القاضي .
4- . الوسائل 27 الباب 9 ح15 من أبواب صفات القاضي .
5- . الوسائل 27 الباب 8 - 15 إلى 21 - 27 - 38 - 52 - 53 من أبواب صفات القاضي .
6- . الوسائل 27 الباب 8 - 18 - 44 - 46 - 52 - 53 من أبواب صفات القاضي .

مرتبة(1) الرجال على قدر روايتهم عنهم

علیهم السلام فدلالتها أيضا ظاهرة اذ لو لا الحجيّة

فلا معنى للأمر بالأخذ بقولهم ولا الأمر بالحفظ والضبط والكتب ولا مورد للتعليم ولا على اختلاف مراتب الرجال على اختلاف مراتبهم في الرواية هذا .

الاّ انه يمكن الاشكال في الاستدلال باختصاص الروايات الواردة في الترجيح بما اذا كان الصدور معلوما حيث انه نسب الحديث في بعضها إليهم وجعل الترجيح بالشهرة في الرواية في بعضها . والمشهور في الرواية التي أجمع الأصحاب على تدوينها في كتبهم يحصل العلم للناظر فيه بصدورها عنهم كما ان اضافة الحديث إليهم تشير أو تدل على مفروغيّة صدوره عنهم ومعلوميّة كونه منهم ومحلّ الكلام ما اذا لم نعلم بذلك . بل نسب الراوي الرواية إليهم على طريق الآحاد كما ان جعل الترجيح بالكتاب عرفت الاشكال في ما خالفه . ولا حاجة إلى الموافق مع وجود الكتاب كما لا مجال لجعل المعارضة بين المخالف والموافق وكون الكتاب مرجعا أو مرجحا لكون المخالف يعارض الكتاب والموافق له ( نعم ) في المشهورين يكون مجال الترجيح بموافقة العامّة ومخالفتهملكون الصدور معلوما قطعيّا حينئذٍ . والاشكال على الآمرة بالأخذ بقول عدّة من الرواة وروايتهم أو كتبهم واضح حيث انه يوجب الوثوق والاطمئنان بقول المعصوم .

نعم في مثل الأخبار الواردة في وصف عدّة من الرواة من كونهم ثقاة مأمونين أو ما ورد منها المشتمل على التعليل بأنّه ثقة شهادة قاطعة على جواز الأخذ بخبر الثقة مطلقا لكونه من منصوص العلّة ويتعدّى من مورده إلى غيره من

الاستدلال بالأخبار

ص: 277


1- . الوسائل 27 الباب 8 ح7 من أبواب صفات القاضي .

الموارد . وحينئذٍ فالمتحصّل منها ومن غيرها ممّا سبق خاليا عن الاشكال حجيّة خبر الثقة العادل وعليه فيمكن دلالة رواية منقولة بوسائط الثقات على حجيّة مطلق الأخبار التي استقرّ الطريقة على العمل بها وهو مطلق الموثوق بصدورها وإن لم تكن الرواة عدولاً إماميّا وحينئذٍ فاذا استفدنا من الأخبار حجيّة الخبر الموثوق بصدوره فينطبق على السيرة العقلائيّة ويتمّ المطلوب بالتعاضد والشهادة .

توضيح وتكميل: قد ذكرنا طرفا من الكلام في دلالة الأخبار على حجيّة مطلق الخبر غير الضعيف ونزيدك بيانا وتوضيحا للمرام .

فنقول: امّا دلالة الأخبار العلاجيّة فلا تفي بذلك فانها بصدد بيان المرجح للأخبار المتعارضة . ولازم ذلك انه لو لا المعارضة لكان المتعارضان كلّ منهما حجّة اما المقبولة(1) فصدرها دالّ على ذلك باطلاقه حيث انه عليه السلام بعد أن بين كون الرجوع إلى حكّام الجور من الرجوع إلى الطاغوت وقد امروا ( بعدمه ) سئله الراوي بقوله فكيف يصنعان ؟ فأجابه علیه السلام بقوله: ( ينظران إلى من كان منكمقد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما الخ ويدلّ على المطلوب أيضا قوله بعد فرض السائل اختيار كلّ من المتخاصمين رجلاً من أصحابنا واختلفا في الحكم وكلاهما اختلفا في حديثهم قال علیه السلام: الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما الخ فان هذه الفقرات شاهدة على المدعى بأحسن وجه بل ظاهر قوله ( قد روى حديثنا ) الاطلاق ولم يقيد ذلك بصورة افادة العلم ولا بما اذا كان الرواة كلّهم عدولاً

ص: 278


1- . الوسائل 27 الباب 9/1 من أبواب صفات القاضي .

اماميين على ما هو الاصطلاح في كون رواية كان رواتها كذلك صحيحة .

لا يقال لا مجال للأخذ بذلك حيث ان فرض الرواية مورد حجيّة المتعارضين ولعلّه في ما اذا كان كلّ واحد متعاضدا بالقرائن الموجبة للصدق وهو أعمّ من المدعى اذ المطلوب حجيّة مطلق خبر العادل والثقة والحسن .

فانا نقول ان الرواية في مقام البيان فلو كان ذلك دخيلاً في حجيّة الخبر جعل الميزان به .

نعم حيث انه فرض الراوي بعد ذلك كون الروايين مرضيّين عدلين ارجعه إلى الرواية المجمع عليها بين الأصحاب وانه يترك الشاذ النادر وهاهنا يكون الرواية المشهورة معلومة الصدور فيؤخذ بها . وحيث انه قد يتّفق تحقّق الشهرة في كليهما ففرضه الراوي فجعل عليه السلام حينئذٍ الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامّة للعلم بصدورها حينئذٍ فالشكّ متمحض في غير هذه الجهة .

ولا يخفى ان في جعل الترجيح بموافق الكتاب دلاله على كون الكتاب مرجحا للخاص الموافق له المعارض لخاص آخر كما انه لا يكون ذلك الا فيما يكون التباين بالعموم والخصوص بين الخاص المخالف والعام الكتابي والا ففي التباين لا مجال لحجيّة المخالف بل هو زخرف أو لم يقل به أو باطل .ثمّ انه يقع الكلام في سند هذه الرواية فانه لا سند لها معتبر فكيف يمكن الاحتجاج بها . وحلّه انها مقبولة(1) اعتمد عليها الأصحاب بل اشتملت على عدم جواز رد حكم الحاكم وان الاستخفاف به استخفاف بحكم اللّه وانه على حد الشرك باللّه . وهذا الحكم إنّما استفيد من هذه الرواية ولا دليل عليه غيرها وأفتى

ص: 279


1- . الوسائل 27 الباب 9/1 .

به الأصحاب واعتمدوا على هذه الرواية على وجه يكون لهم الاستناد إليها لا مجرّد موافقة فتواهم لمضمونها . بل استدلّوا بها ولذا سمّيت مقبولة فحينئذٍ هي موثوق الصدور فيكون حجّة على ما يستفاد منها .

وأمّا التوقيع الشريف المشتمل على جواب السائل عن الحوادث الواقعة بقوله علیه السلام: ( أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا إلى رواة أحاديثنا فانّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة اللّه )(1) فالظاهر من القرائن كون المراد بالحوادث هي مسائل الحلال والحرام المحتاج إليها الناس في الغيبة لا الرياسة الدنيويّة ولا ساير ما لا ربط له

بأخذ الأحكام حتّى الرياسة الدنيويّة لاغتصابها منهم علیهم السلام بجعل مخالفيهم في قبالهم .

ولا يخفى دلالة الجواب والارجاع إلى الرواة على المطلوب لكون الرجوع إلى الرواة بلا حجيّة روايتهم مما لا معنى له . فالمراد بالرجوع ما يعم قبول روايتهم ونقلها . غاية الأمر يرد على هذا الاطلاق في هذا التوقيع واطلاق الحديث في المقبولة اشكال اخراج الأخبار الضعيفة وذلك أمر سهل نلتزم به فيماقام الدليل على الخروج .

وأمّا دلالة الأخبار الواردة في مدح بعض الرواة المخصوصين أو فيالحث(2) على الكتب والضبط أو التعليم والتعلم وبث العلم وان منازلهم على قدر روايتهم فواضحة حيث ان ذلك لأجل العمل وكونها حجة كما في الأخبار الواردة(3) في ان من حفظ على امتي على ما في أخبار العامة أو من امتي في

الاستدلال بالتوقيع

ص: 280


1- . الوسائل 27 الباب 11/9 من أبواب صفات القاضي .
2- . الوسائل 27 الباب 8/1 - 3 - 7 - 15 - 16 - 17 - 18 إلى 21 من أبواب صفات القاضي .
3- . الوسائل 27 الباب 8/ - 5 - 6 - 48 - 54 - 58 إلى 62 - 64 - 71 - 72 من أبواب صفات القاضي .

أخبار الخاصّة أربعين حديثا أيضا دلالة واضحة على ذلك .

والمراد بالحفظ في هذه الأخبار المتفق في نقلها الخاصّة والعامّة المشهورة بينهم اما الحفظ عن ظهر القلب أو بالكتب والضبط وايصالها إلى غيرهم أو مطلقاً .

وعلى كلّ حال فتدلّ على حجيّة الأخبار والا فلا معنى لذلك كما انه لا يخفى نوع دلالة في ما ورد عنه عليه السلام من الدعاء بقوله صلی الله علیه و آله: ( اللهمّ خلفائي )(1) قيل يا رسول اللّه من خلفائك ؟ قال: الذين يأتون بعدي يروون حديثي وسنّتي والأحسن من ذلك ما ورد في العمري وابنه والأمر أو تجويز الأخذ بقولهما والتعليل بقوله ( فانّهما(2) الثقتان المأمونان ) أو في رواية اخرى ( فانه الثقة المأمون )(3) أو باضافة ( على الدين والدنيا )(4) . ويمكن التعدّي عن موردهذين الخبرين لكونهما من المنصوص العلّة فيستفاد حجيّة كلّ خبر موثوق براويه والمراد بالوثاقة في الروايتين ما يرجع إلى النقل والامانة فيه وان اشتملت على مزايا اخر .

فيتحصّل من مجموع هذه الروايات حجيّة خبر موثوق الصدور الذي يكونرواته عدولاً ممدوحين بالعدالة أو مطلق الثقة وحينئذٍ فاذا دلّ خبر كذلك على الأخر بمطلق خبر الثقة أو ما يشمل الحسن فيكونان أيضا حجّة .

وعلى كلّ حال فتتمّ حجيّة جلّ الأخبار المستشهد بها في الفقه ولا تصل النوبة إلى انسداد باب العلم والعلمي لعدم تماميّة مقدّماته وعدم لزوم الخروج عن الدين أو محذور آخر من اجراء البرائة في الموارد المشكوكة لوفاء الأخبار

ص: 281


1- . الوسائل 27 الباب 8/50 .
2- . الوسائل 27 الباب 11/4 من أبواب صفات القاضي .
3- . الوسائل 27 الباب 11/4 من أبواب صفات القاضي .
4- . ليس فيهما هذه العبارة .

المعتبرة المستفاد اعتبارها من هذه الأدلّة بأكثر الفقه مع ان الضعاف فيها ربما كانت حجّة لعدم همة للجاعلين للأخبار بجعل الخبر في ما يرجع إلى الأحكام التي لا يعلم مخالفتها للواقع وعدمها . بل همتهم بجعلها في ما يكون للناس طريق إلى معرفة كذب المخبر به بحسب التجربة فيه فيجعل الخبر ويسنده إلى المعصوم في أثر دعاء أو غذاء أو طعام أو غيره من الخضر كي لا يتحصل التداوي أو العامل أو المستعمل للدعاء أو الدواء على الأثر الموعود في الخبر المجعول ويتزلزل اعتقاده بالمسند إليه الخبر .

فذلكة البحث:

قد عرفت الاستدلال على حجيّة خبر الواحد بالأدلّة الأربعة وقد سبق الاستدلال بآيات من الكتاب والاشكال عليه والاستدلال بالأخبار وسبق بيان عدم البأس بدلالة المقبولة على الحجيّة حيث انها معتبرة السند لافتاء الأصحاب بها فيحصل الوثوق بصدورها فتكون حجّة على المطلوب بالتقريب السابق . وأمّا الاجماع فباتفاق الكلّ من عصر الأئمّة علیهم السلام وأوائل الغيبة الكبرى وبعدها إلى زمان أصحاب التصنيف كالشيخ المفيد والشيخ الطوسي وغيره وهكذا عصرا بعد عصر إلى يومنا هذا . فانه لا اشكال من أحد على حجيّة هذه الأخبار التي بأيدينا وعليها مدار فتاويهم في كتبهم وغيرها .اذ لا يفي الكتاب الشريف بالفروع المتكثّرة المذكورة في الكتب المملوئة بها ولا هناك أخبار متواترة فحينئذٍ يكون المدرك والعماد هي هذه الأخبار حتى ان السيّد المرتضى المنكر لحجيّة خبر الواحد غير العلمي أيضا عامل بهذه الأخبار مدّعيا العلم والقطع بصدورها فحينئذٍ لا مجال لأحد في التشكيك في تحقق

فذلكة البحث

ص: 282

الاجماع . وانكار السيّد للحجيّة إنّما هو بالنظر إلى استدلال واحد في عصره بخبر فرده السيد بأنّه خبر واحد لا حجيّة فيه وإنّما المدار على الأخبار المرويّة من طرقنا وذلك الخبر ليس كذلك فرده وادعى كون اجماع الاماميّة على عدم العمل بالاخبار الآحاد كالقياس وإلاّ فلا يمكن أن يتحقّق في عصره اجماع الشيخ قدس سره

على حجيّتها والعمل بها .

وعلى هذا فيمكن دعوى عدم تحقّق التنافي بين اجماع السيّد واجماع الشيخ وعلى فرضه فلا مانع منه ولو في عصر واحد لكون مبناه عند الشيخ على الحدس .

والحاصل انه لا يمكن دعوى حصول القطع والعلم الوجداني لكلّ العلماء المتفقين على حجيّة اخبار الآحاد وان ادعاه بعض لكنه في غير محلّه فاستنادهم في مقام الفتوى عليها يكون اجماعا منهم على ذلك وان اختلفوا في وجه الحجيّة .

والجواب ان الاجماع محقّق مسلم لكنه ليس بحجّة اذ هو من الاجماع التقييدي الذي لا فائدة فيه لأنّ وجه الحجيّة مختلف عند كلّ غير ما عند الاخر فبعض قال بحجيّته بدعوى حصول العلم وآخر تمسكا بالآيات وثالث بتماميّة دلالة الاخبار على الحجيّة ورابع من باب الانسداد وحجيّة الظن .

وحيث ان الأمر كذلك فلا يمكن الاتكاء على مثل هذا الاجماع في اثبات المدّعي نظير الاجماع المدعى في باب المعاطاة على انها بيع جائز عند غيرالمفيد

قدس سره فانه قال بلزومه فان مدرك الحكم بجواز المعاطاة جوازا حكميا أو حقيا يقبل الاسقاط عند بعض مخالف لوجهه عند الآخر فذهب بعضهم إلى افادتها الملك المتزلزل واخر إلى افادتها لاباحة التصرف وبعض الى افادتها مطلق

ص: 283

التصرّفات حتّى المتوقفة على الملك كالبيع والهبة وأمثالها وقالوا بالجواز ما لم يتصرف في أحد العوضين تصرّفا متلفا فان الاشكال المتوجه على الاجماع المدعى في المقام آتٍ في المعاطاة أيضا .

نعم لو اريد من الاجماع اتفاق المتشرعة أو المسلمين أو العقلاء على حجيّته فمسلم . ولكن القدر المتيقن من السيرة المتشرعية هو ما اذا أوجبت الوثوق والاطمئنان وهو الذي عليه السيّد المرتضى لعدم حصول العلم الوجداني بمضمون الأخبار فالعمدة في اثبات الحجيّة ما ذكرنا من تماميّة دلالة الأخبار وبناء العقلاء .

وهو الدليل الرابع . ولا اشكال في تحقق البناء من العقلاء على الأخذ بالخبر وعليه نظام امورهم في معاشهم ومعادهم . ولكن الكلام في تحقق البناء في خصوص موارد حصول الوثوق والاطمئنان بصدق الناقل . أو الأعم سواء أفاد العلم والوثوق أم لا . والظاهر تحقق البناء في خصوص ما إذا أفاد الاطمئنان وحصل الوثوق كما انه كذلك فاذا كان الراوي ثقة عدلاً صدوقا يحصل الوثوق . بل ربما يحصل القطع الوجداني . يدلّك على هذا التجربة . وسيرة المسلمين أيضا على العمل باخبار الثقات ولا تنزيل للعقلاء الظن منزلة العلم ولا تنزيل المحتملات التي تحتمل في صورة الظن على خلاف المظنون منزله عدمها . كما اذا ظن عدم وجود قاطع الطريق في سيره إلى البلد الكذائي لكنه يحتمل وجوده كما انه يحتمل قتله للمسافر وسلب أمواله وأخذها . لكن في صورة الوثوقوالاطمئنان ليس شيء من هذه الأمور ولا التنزيلات التي يبتني عليها العامل بالظن في مورد المثال وغيره من نظائره بل المدار في امورهم دائما على العلم

ص: 284

والاطمئنان ولا اعتناء لهم بالظن فضلاً عن غيره حتى انه لا عمل لهم بالظن القوي بل انما يعتمدون فيها على العلم العادي النظامي والا فيحتاطون في الامور الخطيرة .

نعم فيما اذا لا أهميّة للمورد يمكن اتكالهم على غير العلم لكنه من باب المسامحة وعدم الاعتناء بما يحتمل في نظرهم . وليس للشارع طريقة اخرى مخترعة ولا انه ردعهم عنه بل امضاه وأنفذه كما في أكثر موارد المعاملات التي كانت سابقا بين العقلاء مبنيّا عليها وانّما امضاها الشارع بتصرّف يسير . ولو كان للشارع طريقة اخرى لكان عليه الردع كما في الردع عن القياس الذي هو أحد الأمور التي يعتمد عليها العقلاء فمنعه في الأحكام الشرعيّة بأشدّ المنع بحيث لا مجال للشكّ ولا ارتياب وأصبح أوهن من بيت العنكبوت . وحينئذٍ فيوافق الطريقة العقلائيّة المنجعلة التي لا تعبد فيها ولا تنزيل مع السيرة القطعيّة من العلماء

والمتشرّعة وأهل الاستدلال من الاعتماد على خبر الثقة وحصول الوثوق بمضمون خبره ويرشد إلى ذلك الآيات الشريفة والأخبار المعصوميّة . اذ على ما ذكرنا لا تعبد في البين بل كلّها ارشاد إلى ما في الطريقة . بل في بعض الأخبار(1) انما وقع السؤال عن موضوع الثقة لتسلم ترتب العمل على خبره والأخذ به عند العقلاء والامام علیه السلام كان في مقام البيان ولم يردع ارتكاز السائل بل عين له الموضوعوأجابه بالاثبات كما في الوارد عن زكريا بن آدم(2) وفي يونس بن

أخبار حجيّة الثقات ارشاد

ص: 285


1- . الوسائل 27 الباب 11/33 - 27 - 34 - 35 - 4 .
2- . الوسائل 27 الباب 11/ 27 من أبواب صفات القاضي .

عبدالرحمن(1) وفي العمري(2) وانه وابنه ثقتان أو انه أسمع لهما(3) وأطعهما وما أدّيا إليك عني(4) فعني يؤدّ وأمثال ذلك من التعبيرات الواردة التي يستفاد منها امضاء ما في الطريقة وان الأخذ بخبر الثقة عليه بناء العقلاء ولا تعبد عليه من الشارع بل انما وقع منه الامضاء وعدم الردع .

بل قد اشتمل ما ورد في الرواية الصحيحة(5) في حال العمري أو فيه وابنه على التعليل لجواز الأخذ بكونهما ثقتين أو كونه ثقة وحيث ان الأخبار الواردة في ججيّة خبر الثقة قد بلغت حدّ التواتر وحدّ ايجاب القطع بصدور منها اجمالاً أو بصدور اخصها مضمونا هو خبر الثقة وينطبق هذا العنوان المستفاد من الأخبار حجيته على الرواية الوردة في حال من ذكر فنأخذ بمضمونها الدال على حجيّة خبر مطلق الثقة بمقتضى التعليل . وحينئذٍ يكون المستفاد من الأخبار حجيّة قول مطلق الثقة سواء كان اماميّا عدلاً أو موثقا عدلاً في مذهبه صادق القول أو انهحسن الحال من المدح الذي لا يبلغ حدّ التعديل . اذا حصل الوثوق بمضمون خبره وعلى هذا يصحّ العمل باخبار الفطحيّة وأمثالهم من الواقفيّة وغيرهم لو ثبت وثاقتهم وإن لم يكن نقل تلك الأخبار وروايتها في حال استقامتهم ورجوعهم والا فلا اشكال فيها .وبما ذكرنا تعرف عدم معارضة بين دعوى السيّد المرتضى ودعوى

ص: 286


1- . الوسائل 27 الباب 11/4 من أبواب صفات القاضي .
2- . الوسائل 27 الباب 11/4 من أبواب صفات القاضي .
3- . الوسائل 27 الباب 11/4 من أبواب صفات القاضي .
4- . الوسائل 27 الباب 11/4 من أبواب صفات القاضي .
5- . الوسائل 27 الباب 11/4 من أبواب صفات القاضي .

الشيخ قدس سرهما لعدم حصول العلم الوجداني في حقّ السيّد ولا ادعاه ولا يمكن دعواه عليه بل المراد العلم النظامي العادي الذي لا ينكره الشيخ كما انه بما ذكرنا تعرف عدم توجه الآيات الناهية عن اتباع الظن والناهية عن العمل بغير العلم على الواثق بخبر الثقة ونقله حيث انه لا يرى نفسه ظانا ولا عمله اتباعا لغير العلم فلا مجال للمعارضة كما لا مجال لما في الكفاية(1) من لزوم الدور في تخصيص السيرة بالآيات . حيث انه إنّما يتمّ في ما اذا كان قيام السيرة على العمل بالظن وغير العلم

فحينئذٍ مجال لتوهم المعارضة أو التخصيص . والا فبناء على ما ذكرنا من كون الاعتماد على خبر الثقة من باب الاطمئنان والعمل العادي فلا توجه للآيات اليه كما لا مجال لمعارضة ما ذكر بآية النبأ في عدم حجيّة قول الفاسق . وذلك لأن التعليل المذيل به الآية يوجب عدم الركون إلى خبره فيما اذا لم يفد الاطمئنان ويكون هناك اعتماد بجهالة لا الاعتماد بعلم وتبين كما عرفت انه على ما ذكرنا لا يكون هناك مجعول ولا مجال لتتميم الكشف أو وجوب العمل بخبر العادل أو صدق العادل . بل انما هو الطريقة العقلائيّة ( اذ السيرة القائمة في العمل بخبر الثقة ليست من السير التي يمكن التشكيك في حجيّتها لاحتمال كونها من غير المبالين المسامحين كما في بعض موارد كشف عموم الوقف في المساجد والمدارس لغير السكنة كي يوجب الوقفة بل إنّما هي من العلماء العدول الذين بهم مدار الفقه والتقوى وفيه تكون كاشفة عن موافقة المعصوم ورضاه قطعا ) وقد أمضاها الشارع ولم يردع عنها . فهي منجعلة أو مجعولة والأدلة القرآنيّة والاخباريّة كلّهاارشاد إلى ذلك . وفي الأخبار التي بأيدينا المشتملة على اخبار الثقات بالفروع

عدم معارضة الاجماعين

ص: 287


1- . كفاية الاُصول 2/99 .

الفقهيّة التي ما يبقى منها بلا قيام خبر ثقة عليه أقل قليل كفاية لا يوجب اجراء البرائة فيها الخروج من الدين ولا المصير إلى الاحتياط فيها العسر والحرج فلا مجال للانسداد أصلاً مضافا إلى عدم دعواه إلاّ من بعض المتأخرين المقاربين لأعصارنا والا فليس في كلام القدماء تعرض لذلك .

تتمّة: قد عرفت في صدر البحث ان الطرفين استدلاّ بالأدلّة الأربعة وتقدّم عليك الأدلّة الثلاثة للمثبتين وبقي الكلام في الرابع وهو دليل العقل .

فنقول: هاهنا مقدمة ينبغي التنبه لها ذكرها المحقق النائيني قدس سره (1) وهي انّ العمل بالخبر يتوقّف على جهات أربع ولا يمكن العمل برواية الاّ بعد تماميّة هذه الجهات واحرازها .

أحدها أصل الصدور من المعصوم .

وثانيها جهة الصدور وكونه في مقام بيان حكم اللّه الواقعي .

وثالثها انعقاد الظهور في المعنى المراد وتقدّم امكان جريان مقدّمات الانسداد الصغير في هذا المقام وعدمه اذا لم يمكن حصول العلم بالموضوع له الألفاظ وكشف معانيها الحقيقيّة عن غيرها في مقام الاستظهار .

الرابعة حجيّة الظاهر وإلاّ فبمجرّد احراز الصدور وباقي الجهات غير الجهة الأخيرة لا وجه للعمل والاعتماد كما في العمل بالكتاب حيث أنكر جماعة من الأصحاب حجيّة ظواهره لوجوه تقدّم الاشكال عليها وجوابها .

اذا تنبّهت لهذه المقدمة فنقول: قد استدلّ على حجيّة الأخبار بوجوه عقليّة:أحدها حصول العلم الاجمالي باشتمال كثير من الأخبار التي بأيدينا على

ص: 288


1- . فوائد الاُصول 3/56 وما بعده 196 .

أحكام وتكاليف واقعيّة صادرة من المعصومين علیهم السلام في بيان وظائف الناس وايصال الأحكام إليهم وحيث انه لا علم لنا باعيان هذه الأحكام على نحو التفصيل فحينئذٍ . اما أن لا نعمل بشيء من مؤدّيات الأخبار طرا فيلزم المحذور الذي تعارف التعبير عنه بالخروج عن الدين ولكنّه ليس المراد به صيرورة الانسان كافرا بل عدّه عاصيا غير عامل بالدين وبأحكامه . وامّا أن نقول باختصاص تلك الأحكام بزمان صدورها ولا تكليف لنا وهذا أيضا خلاف الضرورة والاجماع . فاللازم الاحتياط في الخروج عن عهدة الأحكام المعلومة بالاجمال في دائرة الأخبار . وحينئذٍ فلو التزمنا بلزوم قصد الوجه والجزم بالأمر فحيث انه لا يمكن فلابدّ اما من سقوط التكليف أو اختصاص الجزم ولزوم قصد الوجه بحالة الامكان وتمكن المكلّف منه . وعليه فالواجب بحكم العقل هو الاحتياط وحيث يلزم منه العسر والحرج لو أردنا الاحتياط في أصناف هذه الأخبار من التي يظن بصدورها والمشكوكات والموهومات ولا يمكن ترحيج المرجوح على التراجح عقلاً لقبحه فاما أن يكون حينئذٍ نستكشف ان الشارع جعل الظن حجّة وهو المطلوب لأنّه إنّما يمكن ذلك في ما يكون له الطريقيّة في حدّ نفسه ولا يكون في الفرض الا الظن كما سلك ذلك الشيخ قدس سره في تحرير المقدمات أو انه يكون بحكم العقل لزوم البناء على الظن .

هذا . واستشكله المحقّق النائيني قدس سره (1) بعدم انحصار العلم الاجمالي بما في دائرة الأخبار بل هناك علمان آخران ينحلّ الأوّل بالثاني ولا ينحل الثاني الذيهو أوسع دائرة من العلم الاجمالي بما في دائرة الأخبار وأضيق من العلم الأوّل

الاستدلال بالعلم الاجمالي

ص: 289


1- . فوائد الاُصول 3/199 وما بعده .

بالعلم الاجمالي بما في دائرة الأخبار .

ببيان آخر: انّه قد علم ممّا تقدّم ان مراد الشيخ قدس سره اثبات حجيّة الظن الذي هو طريق واصل بنفسه في دائرة الأخبار بما سبق من العلم الاجمالي بصدور كثير منها متفرقة في اصناف الأخبار وحيث لا علم لنا بتعيينها بالخصوص واللازم هو الاحتياط والأخذ بالجميع لكنه موجب للعسر والحرج . فحينئذٍ لابدّ بمقتضى حكم العقل وانه يقبح ترجيح المرجوح على الراحج وعدم جواز الاحتياط من استكشاف جعل طريق واصل بنفسه وهو الظن فيكون الأخبار المظنونة حجة دون المشكوكات والموهومات بما ذكرنا من التقريب .

هذا وذكرنا ان المحقق النائيني قدس سره أورد عليه بأن العلوم الثلاثة التي في المقام:

أحدها العلم الاجمالي بوجود أحكام كثيرة في الشريعة والدين وانه عبارة عن ذلك .

والثاني العلم الاجمالي باشتمال الأخبار التي بأيدينا والشهرات والاجماعات المنقولة التي توافق الأخبار ولا توافقها على كثير من الأحكام التي جعلت في الشريعة .

والثالث: اشتمال الأخبار المختلفة الأصناف من المظنونات والمشكوكات

والموهومات على ذلك فهذه العلوم الثلاثة ينحل الأول منها بالعلم الثاني ولا ينحل الثاني بالثالث وبما في دائرة الأخبار . بشهادة بقاء العلم بعد عزل الأخبار ( أو المظنونات مطلقا أو بالقدر الموافق للمعلوم بالاجمال عددا ) وانضمام الباقي إلى الشهرات والاجماعات . فعلى هذا لا موجب لانحلال العلم الثاني بعد بقائه

ص: 290

على حاله وعدم صيرورته شكا بدويّا بعزل ما ذكرنا من الأخبار عنه . وهذا كما في اجراء الأصول العدميّة من الاستصحاب والقواعد الآخر في الشبهات الحكميّة أو الموضوعيّة . فانه لا مانع من الاجراء حال العلم حيث انه لا تكون بأجمعها موردا لابتلاء الفقيه فلا مانع من اجراء كلّ واحد على التدريج الا انه يعلم اجمالاً

بعد اجراءها بمخالفة بعضها للواقع وان وقع الترخيص من الشارع في مخالفته في مواردها .

والحاصل اما أن نقول بتماميّة التقريب على حذو تماميّة مقدّمات الانسداد الكبير على ما سيأتي في محلّه من ان لها ثلاث تقريبات ينتج الكشف على بعضها والحكومة عى الثاني وحكم العقل بلزوم الاطاعة الظنيّة والتبعيض في الاحتياط على التقريب الثالث . فانه لا فرق في تقريب المقدمات وتماميتها بين الانسداد الكبير وهذا الانسداد الذي في المقام .

وكيف كان فاما ان يكون نرتضيه في ذلك المقام فلا اختصاص له بخصوص ما في دائرة الأخبار بل يكون العلم الثاني بحاله لا ينحل بما في دائرة المظنونات لبقائه على حاله بعد عزل مقدار موافق للمعلوم بالاجمال من المظنونات . أو يكون هذا التقريب من رأس باطلاً لتماميّة التبعيض في الاحتياط ولاينحل على هذا . إذ على تقدير الحكومة لا يمكن الفتوى بمؤدّى الامارات ولا بساير ما بأيدينا من الأدلّة الظنيّة حيث انه لم يكن ذلك موجبا للعلم بل بحكم العقل العمل على الظن في مقام الفراغ فيكون كالظن الخاص ولابدّ من ملاحظة النسبة مع الآيات الناهية والتخصيص لو كانت النسبة هي العموم مطلقا أو بعد رجوعها إلى العموم المطلق كما انه على الحكومة أو الاحتياط لا مجال للفتوى ولذلك لا وجه

ص: 291

للتقليد بل المجتهد يبيّن طرق الاحتياط للمقلد فتدبر .محصل البحث وفذلكته قد علم استدلال الشيخ على انحلال العلم الاجمالي الكبير بما في دائرة الأخبار بالعلم بصدور كثير منها ولزوم العمل بمظنون الصدور منها بما تقدّم من البيان . واستشكله المحقّق النائيني(1) بأنّه لو كان المراد انحلال العلم الاجمالي بجعل حجة في البين غير متعينة محتملة الانطباق على كلّ واحد من دائرة الأخبار وغيرها من الامارات كالشهرات والاجماعات فاللازم حينئذٍ بمقتضى العلم الأخذ بالمظنونات وما يفيد الظن لعدم احتمال حجيّة الشكّ لعدم كونه طريقا . فلا معنى لجعله الشارع طريقا ولا لجعله حجة . وحينئذٍ فلابدّ من ملاحظة الامارات من كون العلم بوجود حجّة مشكوكة مظنونة مختصّا بدائرة الأخبار ويكون بعد عزلها أو طائفة منها بمقدار المعلوم بالاجمال شكّا بدويّا في باقي الامارات المظنونة من كونها هي الحجّة فيكون هنا مجال لانحلال العلم الكبير بما في دائرة الأخبار المظنونة الصدور وينحصر العمل على الأخبار والا فان لم ينحل العلم الاجمالي الواسع بما في دائرة الأخبار فلا وجه للانحلال وانحصار الحجّة بدائرة الأخبار كما هو المعلوم بالتجربة والامتحان فانا لو ضممنا مقدارا من الأخبار إلى الأمارات الاخر وعزلنا عنها كذلك بمقدار المعلوم بالاجمال يكون العلم بعد على حاله ولا ينحل .

وهذا بخلاف ما اذا لوحظ الواقع المظنون فحينئذٍ يكون العلم منحلاً لكون المدار حينئذٍ على ما يظنّ انه الواقع ولا عبرة بظن الحجّة . فعليه لابدّ من ملاحظة

الانحلال بالنظر إلى الواقع وعدمه . وفيه أربع احتمالات في ثلاث منها لا ينحل

ص: 292


1- . فوائد الاُصول 3/201 وما بعده .

العلم وفي واحدة ينحل . ويكون بالنظر إلى الزائد على ما في دائرة الأخبار شكابدويا . لا مانع من اجراء البرائة فيه . ويكون ضم غير مورد الأخبار إليها كضم الحجر إلى الانسان فان الحال لا يخلو من تغاير مورد الامارات مع كلّ من الأخبار التي تعزل ويبقى ( وضم الأخبار بعضها إلى بعض ) فتكون منجزة بالنسبة إلى الجميع لعدم الانحلال . ومع احتمال الاتحاد فيكون الشك بدويا بالنسبة إلى الزائد على ما في دائرة الأخبار . كما انه اذا كان هناك ثلاث اناءات في ناحية الدار الشرقيّة وثلاث اخرى في الناحية الغربيّة فاذا وقعت قطرة دم في احد الاناءات من أحد الطرفين فاللازم الاجتناب عن الجميع بخلاف ما إذا كان أحد الطرفين منجزا بعلم سابق فوقعت قطرة في احديها أو في طرف آخر فان الطرف الآخر لا يكون طرفا للعلم بالاجتناب على كلّ تقدير لأنّه على تقدير وقوع القطرة في الطرف المنجز بالعلم السابق فلا يكون وقوعها مؤثرا في تنجيزه ثانيا لتنجزه بالسبب السابق ولا يكون الطرف المقابل اصابه شيء وإلاّ فان وقعت في الطرف للعلم الثاني فيكون مؤثّرا فالتأثير لم يحرز على كلّ تقدير فيكون بالنسبة إلى الطرف للعلم الثاني شكّا بدويّا كما انه لو وقعت قطرة في أحد الأطراف الشرقيّة وقطرة اخرى مقارنا لوقوع الاولى الشرقية في الغربية يكونان منجرين معا بخلاف ما إذا كان زمان أحد المعلومين أسبق من الآخر وإن كان العلم حاصلاً بعد فان المعلوم السابق يكون(1) قد تنجز بالعلم اللاحق ولا موقع للمعلوم اللاحق وإن تقدّم حصول علمه على العلم بالسابق عليه معلوما . ثمّ انّه قرب الكلام بوجه آخر يسلم من الاشكال الوارد على التقريب السابق بناء على تسليم قول صاحب الفصول وأخيه صاحب الحاشية على كوننا مكلّفين بمؤدّى الأمارات في حال

انحلال العلم الاجمالي الكبير

ص: 293


1- . فيه منع بل المناط تقدّم العلم ولا عبرة بتقدّم المعلوم لدوران التنجّز بدل العلم حدوثاً وبقاءً.

الانسداد ولا تكليف علينا بالنسبة إلى الواقعيّات فحينئذٍ يمكن عدم ورودالاشكال المتقدّم .

تكميل: فقد ظهر ممّا سبق عدم تماميّة التقريب المذكور لحجيّة الأخبار وهنا تقريب آخر لصاحب الفصول وأخيه يفيد على فرض تماميّته حجيّة الطريق وهو الظن ولا مساس له بالواقع وفي قباله تقريب آخر مخصوص بالواقع ونتيجته لابدّ وأن تكون حجيّة الطن بالواقع أو الأعم من الواقع ومن الطريق .

وعلى كلّ حال فلنقدم الثاني الذي هو مخصوص بحسب الظاهر بالمؤدّى وان احتمل العموم . وهو أن يقال انا نعلم اجمالاً بصدور أخبار كثيرة في ما بأيدينا من الروايات في الكتب المتداولة عندنا ولا ريب في لزوم الامتثال لها حيث ان الحكم والتكليف لا ينفك عن لزوم الامتثال ولا يمكن اجراء البرائة في أطرافه ولا اهمال هذه الأحكام للاجماع على عدم الجواز ولاستلزامه الخروج عن الدين بمعنى كونه معدودا عاصيا ولا يمكن الاتيان بجميع المحتملات . اما للزوم اختلال النظام بالاحتياط في جميع أطراف العلم ويلزم الحرج الشديد والاقتصار على ضروريّات المعاش في الأكل والنوم وغيرهما بمقدار ما يسد به الرمق وتقتضيه الضرورة أو للاجماع على عدم لزوم الاحتياط أو لاستلزامه الحرج على اختلاف الوجوه التي تستند إليها المقدمة الثالثة من مقدّمات الانسداد كما ان جعل المقدّمة الاولى منها هي العلم الاجمالي بالأحكام لا وجه له بل العلم هو مدرك عدم جواز الاهمال لا انه مقدمة برأسها .

والحاصل حيث انه لا يمكن الاتيان بجميع المحتملات لأحد الوجوه الثلاثة ويلزم الجزم في النية وقصد الوجه فلابدّ بمقتضى هذه المقدّمات من جعل

ص: 294

حجّة في البين يكون هو المايز بين الأطراف في لزوم امتثال متعلّقها ودفع الباقي لأحد الأمور الثلاثة من لزوم الاختلال والأمرين الباقيين .ثمّ انه حيث ان ترجيح المرجوح على الراجح قبيح فاللازم انكشاف جعل الشارع الظن حجّة في تشخيص ما يمكن معه قصد الوجه وحصول التمييز بين دائرة الأخبار . وعلى هذا فيكون الظن حجّة شرعيّة على متعلّقه ويمكن مع حجيّته اتيان العمل متميزا معلوما جزميّا كما إذا علمنا بالدليل الشرعي ان الشارع جعل الظن حجّة . غاية الأمر يفترق البرهان المذكور عن الدليل الشرعي بكونه طريق استكشافه العقل هذا .

ولا يخفى ان هذا الوجه غير الوجه الآتي من تقريب صاحب الفصول وصاحب الحاشية من استنتاج حجيّة الظن بالطريق بل المايز بين هذا الوجه والوجه المبتني عليه ذلك التقريب هو رجوع هذا الوجه إلى حجيّة نفس الخبر المظنون وكون الظن حينئذٍ حجّة شرعيّة في مقام الامتثال للتكاليف المعلومة في الشرع سواء كان المظنون الصدور مظنون الاصابة للواقع وعدمه . وسواء كان هناك صادرا في مقام بيان حكم اللّه الواقعي أو في مقام التقيّة والاعطاء من جراب النورة بخلاف الوجه الآتي . فان نتيجته اثبات حجيّة الظن بالطريق دون الظن بالصدور وحينئذٍ فيرد على هذا الوجه الاشكالات الواردة على الوجه الأوّل السابق من عدم تماميّة المقدّمات وغاية ما يلزم هو التبعيض في الاحتياط بلا استلزام جعل الظن بالصدور حجّة في مقام الافراغ للذمّة ويرد عليه اشكال آخر يختصّ بالمقام .

ص: 295

وهو ما ذكره المحقّق النائيني(1) من انّ الحجّة المجهولة لا يترتب عليها آثار الحجيّة ومراده قدس سره من ذلك هو اشتراط ترتب الأثر على الحجّة بالعلم بها لااختصاص الحجّة بالحجّة المعلومة لامكان وجود حجّة في البين مجهولة لا نعلمها .

وحينئذٍ لا تخرج عن الحجيّة كما اذا كان في البين رواية في باب من الأبواب على حكم من الأحكام لا نعلمها بعينها فانّها لا تخرج عن الحجيّة بالجهل بل اللازم في ترتّب الأثر عليه حصول العلم به تفصيلاً . وإلاّ فالاجمال أيضا لا يفيد في حصول الغرض المطلوب . فما لم نعلم بالحجّة المجعولة في البين لا معنى لاحراز اصالة الظهور ولا ترتيب ساير ما له من الأحكام من حرمة مخالفته وحرمة التجري بالنسبة إليه وغيرها من المنجزيّة . فكيف يمكن ترتيب آثار الحجّة على الأخبار المعلومة في البين صدورها اجمالاً مع عدم العلم بها وكيف يمكن بذلك انحلال العلم الاجمالي الكبير بل هو بعد باق على حاله فتدبّر جيّدا .

توضيح وتكميل: قد عرفت ما يمكن أن يقال في تقريب الوجه الأخير الذي ذكرناه عن بعضهم على حجيّة الظن في خصوص دائرة الأخبار ويتم بتقريب منا بانحلال العلم الاجمالي الكبير الحاصل في دائرة الأخبار والاجماعات والشهرات بهذا العلم الحاصل بالخصوص في دائرة الأخبار لانطباق ضابط الانحلال عليه حيث انه اذا أخرج بمقدار المعلوم بالاجمال عن دائرة الأخبار يكون الباقي موردا للشك البدوي مع العلم به بالمقدار المخرج فالشكّ في الباقي لا يناسب وجود التكليف وطرفية العلم الا ان المخرج معلوم

ص: 296


1- . فوائد الاُصول 3/207 - 208 .

بخلاف العلم الاجمالي في ساير الموارد . واذا لم يكن هناك علم آخر فانه لو عزل أحد الأطراف المحتمل انطباق المعلوم بالاجمال عليه . فانه وإن كان الباقي أيضا مشكوكا حصول التكليف فيه لكن هذا المعزول أيضا لا يكون معلوم الحصول فيه التكليف . بل التكليف يكون على سبيل المنفصلة وضم قضيّته معلومة إلى قضيتينمشكوكتين أو أكثر . وحينئذٍ فاذا انضم الباقي من الأخبار إلى الشهرات أو الاجماعات يكون وجود التكليف فيها محتملاً لا معلوما لاحتمال انطباق التكليف المعلوم في خصوص دائرة الاخبار عليها فيكون شكّا بدويّا ويكون منطبقا عليه ضابط الانحلال الذي هو تبدل العلم بالتكليف شكّا ( أقول لا يخفى عدم انطباق ضابط الانحلال الحقيقي بل الحكمي لبقاء الشكّ والحقيقي ما اذا لم يبق شك أصلاً ) .

ولكن المحقّق النائيني قدس سره (1) استشكل أيضا على الانحلال في هذا المقام بعدم زوال العلم الأوّل وبقائه على حاله حيث ان نتيجة المقدمات لم تتم على طريق كشف حجّة في البين يكون ميزانا لتشخيص موارد وجود التكليف المعلوم بالاجمال في البين كي يؤتى به متميّزا ويكون الباقي مشكوكا مجرى للأصل بل يحتمل بقاء التكليف في باقي الأطراف التي لم يأت بها وكون المأتي بها مباحات لا واجبات . وحينئذٍ فالتكليف الأوّل بحاله لم ينحل وذلك لأن العسر والحرج وإن أوجب عدم وجوب الاحتياط باتيان الجميع لكن لا موجب للانحلال بعد أن لم يكن مورد انطباق العسر والحرج خصوص التكاليف المعلومة بل بعض أطرافها فالمقام حينئذٍ يكون من التوسط في التنجيز لا التوسط في التكليف كما اذا اضطرّ

اشكال الانحلال

ص: 297


1- . فوائد الاُصول 3/209 إلى 211 .

إلى ارتكاب أحد الأطراف المعلوم اجمالاً بوجود حرام فيها فان المرتكب للشرب اضطرارا على تقدير أن يكون هو متعلّق التكليف لا تنجز للتكليف فيه للاضطرار . بخلاف ساير الأطراف حيث يحتمل وجود النجس فيها فالتكليف عليه منجز لا قصور فيه ولا معين في كون التكليف متوسطا فيه لا في تنجزه فالعلمبعد بحاله لم ينحل وموجبه الاحتياط في الجميع . غاية الأمر من حيث عدم امكان الاحتياط في الكل اما للزوم اختلال النظام أو العسر والحرج فاللازم هو التبعيض في الاحتياط بلا تعين التكليف في مورد الارتكاب ودائرة المظنونات ولا انه يمكن معه قصد الوجه والتميز .

فالنتيجة على هذا هو التبعيض في الاحتياط لا كون الظن حجّة شرعيّة لتشخيص موارد التكاليف كي يكون الباقي موردا للشكّ والشبهة البدويّة ويجري فيه الأصل .

هذا كلامه قدس سره في هذا المقام . ولكن يمكن أن يقال بانحلال التكليف الواسع بالعلم الصغير لكونه نظير ما اذا علم بوجود شاة في القطيع من الغنم مغصوبة واريد اخراجها بالقرعة فانّه لو علم بوجود شاة كذلك في البيض منها وكذلك يعلم بوجود شاة أيضا مغصوبة في الغنم بلا علم له بكونها في البيض فبعد اخراج الشاة من البيض بالقرعة يكون الباقي مشكوكا فيه وجود شاة كذلك مغصوبة ويكون العلم مرتفعا وشكّا بدويّا .

وبييان آخر: ليعلم انّه تارة يكون حصول العلم الصغير الدائر قبل العلم الكبير الواسع فيما يكونان متفقي المورد ويكون المعلوم بالاجمال في العلم الصغير بعض أطراف المعلوم بالاجمال بالعلم الكبير . واخرى يكون حصول العلم

ص: 298

الصغير بعده ففي الأوّل لا يكون العلم الكبير بحسب الحقيقة علما بل هو صورة علم . والا ففي الحقيقة لا يكون الا شكّا منضمّا إلى علم . هذا اذا كان الطرف المتعلق للعلم الصغير محتملاً انطباقه على متعلّق العلم الكبير بقدره في أطرافه . والا فلا مجال للشكّ أصلاً مثاله ما اذا فرض تعلق العلم بنجاسة أحد الانائين في مكان معلوم بخصوصه وعلم آخر بنجاسة انائين في أحد الأمكنه من المكانالأول ومن غيره وكانت تلك الأمكنة موردا للابتلاء فحينئذٍ اذا عزلنا الانائين المعلوم نجاستهما في المكان الأوّل عن موارد العلم الثاني فيبقى شكّا بدويّا بخلاف العكس فانه اذا ضممنا هما إلى باقي الأطراف يكون علما بالتكليف .

وأمّا في الصورة الثانية فبناءً على ما حقّق في محلّه بكون جريان الأصل المثبت في أحد أطراف المعلوم بالاجمال موجبا لانحلاله . ينحل العلم الواسع ويكون علما تفصيليّا في الطرف الجاري فيه العلم أو الامارة الشرعيّة أو الأصل وشكّا في الطرف أو الأطراف الآخر ويناسب التسمية لموردها .

هذا ما يتعلّق بالتقريب أو التقريبين في حجيّة أخبار الآحاد بما ذكر من البيان .

وتلخّص انّه على فرض تماميّة المقدّمات وامتناع الاحتياط وعدم جوازه في الشرع فتصل النوبة إلى جعل طريق يكون قابلاً بنفسه وواصلاً من جانب الشارع يكون هو معيّنا ومميّزا لموارد وجود التكليف كي يمتثل ببركته الأحكام تفصيلاً وينتج حينئذ الكشف للظن لانحصار الطريق الواصل بنفسه به وهكذا الكلام لو جعلنا العلم في ناحية الطريق والحجة . بأن قلنا نعلم اجمالاً بجعل حجّة في البين في أطراف الأخبار أو الاجماعات أو الشهرات المورثة للظن يكون هو

الانحلال بجريان الأصل

ص: 299

مرجعا في تعيين التكليف في الأطراف كي يكون به الامتثال فرارا من الاحتياط وتكون حينئذٍ نتيجة المقدّمات حجيّة الظن بالطريق ولا ربط لها بحجيّة الظن بنفس الأحكام كما هو طريقة صاحب الفصول وأخيه على ما يظهر في شرح دليل الانسداد .

لكن الاشكال كما تقدم في عدم قيام دليل على عدم جواز الاحتياط في الأطراف بل إنّما يكون الحرج والعسر مقتضيين لعدم لزوم الاحتياط في جميعالأطراف فتنتج المقدّمات لذلك التبعيض في الاحتياط ولا يترتّب عليه حينئذٍ تخصيص العام الكتابي ولا يمكن بالاستناد إليها الفتوى ولا مجال للتقليد بل يتمحّض بالاحتياط وارائة سبيله وينحصر حظّ المجتهد بذلك .

وعلى ذلك أيضا يعرف الطريقة التي سلكها صاحب الوافية قدس سره لاثبات حجيّة الأخبار وهي العلم الضروري بوجود تكاليف في الشريعة نحن مكلفون بها ولا يمكن استفادتها من الكتاب والاحتياط أيضا غير ممكن في العبادات لقيام الاجماع على عدم جواز سلوكه فيها . فاللازم جعل الشارع طريقا لتعيين التكليف في أطراف المحتملات وينحصر بالظن في مورد الأخبار فيكون حجّة لدوران الأمر بين الظن والشكّ والوهم ولا يكون الأخيران حجّة فيتعين الأوّل .

هذا تمام الكلام في الأدلّة الأربعة التي أقاموها على حجيّة أخبار الآحاد بخصوصها .

الكلام في ساير الأدلّة التي أقاموها على حجيّة مطلق الظن .

منها الدليل الرابع المعروف بدليل الانسداد . الاول ما هو مسلم ان دفع الضرر المظنون أو المحتمل واجب عقلاً فانه اما أن يكون اخرويا عقابيّا فالعقل

ص: 300

يستقلّ بلزوم دفعه وإمّا أن يكون دنيويّا في مورد المحرّمات من المفسدة فايضا واجب الدفع . نعم يمكن التوقف في لزوم تحصيل المصلحة في مورد الواجبات اذا لم ترجع إلى الضرر كي يندرج في دفع المفسدة الواجب عقلاً . هذا هو الكبرى وأمّا الصغرى فاستلزام الظن بالحكم الظن بالضرر والهلاك الاخروى العقابي وكذا الدنيوي على ما تقرّر . ثمّ اذا تمت هذه الكبرى فلا مجال للاستدلال على عدم اللزوم بقاعدة قبح العقاب بلا بيان لأن بما ذكرنا من الكبرى العقليّة الضروريّة وانكشاف حكم الشرع بقاعدة الملازمة يكون ذلك بيانا فلا يبقى مجال شبهة فيعدم البيان .

ولا يخفى عليك ان احتمال الضرر الاخروي وان كان مسلما لا شبهة فيه ويرشد إليه ما أجاب به الامام علیه السلام (1) عن اشكال الزنديق الذي استشكل عليه عليه السلام حج البيت والاعمال التي تفعل بها هناك من ابداء احتمال صدق النبي صلی الله علیه و آله وأن يكون هناك عقاب على ترك الزاماته والا فلا مجال لايجاب من لا تدين له بشرع بالنظر في المعجزة . لكن ذلك اذا كان التكليف المنجز تنجزه معلوما واحتمل انطباقه على مورد الاحتمال أو الظن بخلاف ما اذا لم يكن هناك إلاّ احتمال الواقع الذي لم يجعل في مخالفة نفسه العقاب .

هذا . وقد اختلف كلام المحقّق النائيني قدس سره (2) في الضرر وكون وجوب الاجتناب عن محتمله كمقطوعه من واد واحد بحكم العقل باللزوم فيهما على منوال واحد ومناط فارد كمسئلة قبح التشريع حيث دلّ العقل والنقل على اتّحاد

لزوم دفع الضرر الاخروي

ص: 301


1- . بحار الأنوار 10/209 - 210 .
2- . فوائد الاُصول 3/52 .

المناط في محتمل المصادفة للواقع ومحتمل المخالفة له ومقطوع المخالفة كقوله علیه السلام (1) ( رجل قضى بالحق وهو لا يعلم فهو في النار ) أو انه من باب لزوم الاحتياط في المال المحتمل انه لغيره وكون المناط في محتمله غير المناط في المقطوع كونه للغير ( ثمّ ان حكم العقل على قسمين فقسم منه واقع في سلسلة علل الأحكام وهو مربوط بقاعدة الملازمة وانكشاف حكم الشرع للقاعدة وحكمهعلى طبق حكم العقل باللزوم فعلاً أو تركا . وقسم منه واقع في سلسلة معلولات الأحكام وامتثالها وعصيانها واطاعتها وهو لا يكون مرتبطا بقاعدة الملازمة ولايكون محقّقا لموضوع القاعدة ولا مجال لانكشاف حكم الشرع فيه وحيث ان احتمال الضرر الاخروي من موارد الاطاعة والعصيان في مورد التكاليف فلا يكون فيه مجال لحكم الشرع بل حكم العقل متمحض بكونه في سبيل الامتثال ) وعلى كلّ حال فلا شبهة في الكبرى وهي لزوم دفع الضرر المحتمل الاخروي لكن الكلام في الصغرى وهو كون الظن بالتكليف ظنّا بالضرر . فانما هي مسلمة فيما إذا كان التكليف واصلاً بنفسه أو بطريقه أو بطريق طريقه أمّا وصوله بنفسه فواضح . اما الوصول بطريقه فهو بايجاب الاحتياط عليه ولا اشكال في امكانه شرعا وقد تقدّم إليه الاشارة في بعض مباحث القطع ويجيء البحث عنه في محّله أيضا .

وملخّصه كونه ايجابا نفسيّا ظاهريّا اما في غير هذه الصورة وكان بعد الفحص اللازم إلى حصول القطع بعدم وجود الحكم واليأس عنه فلا مجال لاحتمال العقاب .

ص: 302


1- . الوسائل 27 الباب 4/6 من أبواب صفات القاضي .

بل في هذا المقام يكون مورد انطباق قاعدة قبح العقاب بلا بيان التي يرهن عليها عقلاً . ولا يمكن تحقق قاعدتين مسلمتين عقلاً في مورد واحد تنطبقان عليه اذ مع انطباق قاعدة دفع الضرر المحتمل لا مجال لقاعدة القبح . وفي موردها لا مجال للقاعدة الاولى وأمّا قبل الفحص عن الحكم فلا عذر هناك للمكلّف ولا يكون معذورا في مخالفة الواقع قبل الفحص اذ الجهل بما هو ليس عذرا والا فللمكلّف عدم رفعه وعدم تحصيل العلم للحكم أصلاً . وهو خلاف البداهة فاذا فحص ولم يظفر ويأس عن الحكم فنقطع حينئذٍ بعدم العقاب . فكيف يكون احتمال الضرر الاخروي كي يجب دفعه بمقتضى حكم العقل ( وحينئذٍ فلا نحتاج إلى البيان الشرعي ببرائة الذمّة فلو ورد يكون ارشادا أو رفعا لايجاب الاحتياطالشرعي ) .

نعم لو كان للواقع بما هو واقع أهميّة فقد تقتضي وتدعوا المولى إلى جعل ايجاب الاحتياط كما ذكرنا فلاموضوع للقاعدة حينئذٍ . بخلاف قبل الفحص حيث انه قد أقيم وجوه عديدة لوجوب الاحتياط قبله مذكورة في محلّها غير مرتبطة بمسئلة كون الأصل في الأشياء هو الحظر أو الاباحة . ولزوم الاحتياط في هذه الموارد نظير لزومه في ما اذا خرج أحد الأطراف المعلوم بالاجمال عن مورد الابتلاء حيث نقول بلزوم الاجتناب عن الباقي لاحتمال مصادفة الواقع المنجز على ما بقي .

ثمّ انه على فرض تماميّة الصغرى والكبرى فلا يكون هناك حكم شرعي بوجوب دفع الضرر ومخالفة الحكم العقلي لا تستتبع شيئا هذا بناءً على كون المراد بالضرر هو العقاب الاخروي .

وجوب الاحتياط قبل الفحص

ص: 303

بيان أوضح: قد ظهر بما ذكرنا حكم احتمال العقاب وان العقل يستقل بلزوم دفعه ولو كان محتملاً فضلاً عمّا إذا كان مظنونا ولا مجال استكشاف حكم الشرع في المقام لكونه واقعا في سلسلة معلولات الأحكام التي تختص بالحكم العقلي هذا في الكبرى . وأمّا الصغرى وهو كون الظن بالتكليف ظنّا بالضرر الاخروي العقابي فممنوع بعد ما تبين من حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان . ولا مجال مع البيان للقاعدة كما لا مجال في مورد القاعدة لاحتمال الضرر لما هو محقق من كون مورد احتمال الضرر الاخروي ما اذا كان في الشبهات البدوية قبل الفحص اذا لم يعمل العبد بما تقتضيه وظيفة العبوديّة له من الفحص عن الظفر بمرادات المولى حيث ان على المولى أيضا بيان مراده بالطريق الواصل . والا فان كان هناك اخلال من ناحية المولى أو من جانب الوسائط في الايصال أو عرضسبب آخر لعدم الوصول فلا خطر على المكلف لعدم تقصير من جانبه بعد فحصه عن ما يقتضيه وظيفته في موارد العثور على مراد المولى . وحينئذٍ ففي ما اذا لم يصل التكليف إلى المكلّف يستقل عقله بقبح العقاب على المراد الواقعي لو كان وخالفه . ومع جريان القاعدة العقليّة في ما بعد الفحص في الشبهات البدويّة لا احتمال للضرر فضلاً عن الظن به بل لا مجال لجريان البرائة الشرعيّة حينئذٍ اذ لامنّة في رفع ما لا يعلمون على هذه الاُمّة لقبح العقاب بلا بيان مطلقا في حقّ ساير الامم أيضا .

فعلى هذا لابدّ في جريان البرائة اما من تعلّقها بايجاب الاحتياط أو محمل آخر . والا فيشكل الأمر خصوصا بناء على مبنى من يقدّر المؤاخذة في رفع ما لا يعلمون كما انه ان قلنا بعدم تقييد دليل الرفع لأدلّة الأحكام الواقعيّة والأوليّة فلا

ص: 304

يكون إلاّ ترخيصا في المخالفة للواقع .

وفي صورة انكشاف الخلاف لا أجزاء .

والحاصل انه لا مجال لاحتمال الضرر أو ظنّه في ما لا بيان للمولى واصل إلى المكلّف . هذا ان اريد بالضرر هو الاخروي العقابي واما ان اريد بالضرر هو الضرر الدنيوي واريد بالاستدلال بيان حرمته وكون الظن بالتكليف مستلزما للظن بالضرر فيكون حراما بمقتضى قاعدة الملازمة بين ما حكم به العقل والشرع لكون الظن بالضرر محكوما بلزوم دفع مظنونه عند العقل فيمكن الاشكال فيه أيضا صغرى وكبرى .

نعم يمكن استفادة حرمة الاضرار بالنفس من الموارد الجزئيّة الواردة في المقامات المختلفة كما ان حرمة قتل النفس أيضا ربما تكون ضروريّا كما هومختار صاحب الجواهر قدس سره (1) حتى انه ربما يمكن أن يقال بلزوم حفظ النفس فيمااذا يعلم بتلفها ولو بمقدار ساعة أو ساعتين وأقل حتى بدقائق فيدافع عن نفسه في الدقيقتين فحفظها فيهما . كما انه يمكن استفادة لزوم حفظها من الموارد الجزئيّة التي روعى فيها جانب النفس في موارد المزاحمة . كما انه عند الفقهاء مرسل مسلم ارسال المسلمات ولم يرد دليل على جواز اتلافها . ولا وجه لتوهم شمول رواية(2) الناس مسلّطون على أنفسهم بل هي مخصوصة المورد بالأموال . هذا في الضرر بالنفس ومثله الضرر بالأطراف التي فيها الدية للغير كما يكون في الانسان واحد أو اثنان ففيهما الدية وكما اذا شرب شيئا أو أكله فزال عقله أو جعل نفسه

الاشكال في دفع الضرر

ص: 305


1- . جواهر الكلام 41/655 .
2- . بحار الأنوار 2 الباب 33/7 ص272 ما يمكن يستنبط من الآيات والأخبار .

عقيما أو صار ناقصا من جهة من الجهات وأمّا الضرر المالي وحفظ المال ولو مال الغير فلم يرد دليل عليه بخصوصه .

نعم ورد عناوين خاصّة كالاسراف والتبذير يمكن انطباقها على اتلاف المال . لكن الكلام في قيام الدليل على نحو الكليّة والاطلاق في لزوم حفظ المال . نعم ورد في بعض(1) الروايات ما يظهر منه ان المقتول دون ماله شهيد لكن يلزم تقييده بما اذا لم يظن تلف النفس .

وعلى كلّ حال فالمراد بالضرر ان كان هو الضرر الدنيوي واريد به المصالح والمفاسد فهو لا اشكال فيه اذ التحقيق كون أحكام الشرع تبعا للمصالح والمفاسد النفس الأمريّة ولا يدور وجود المصالح والمفاسد مدار العلم بالحكم والتكليف وعدمه ولا نقول بكون المصلحة في نفس جعل الخطاب حتّى ان الأوامرالامتحانية لا مجال للالتزام بكون المصلحة فيها . بل المصلحة فيها أيضا انما تكونفي اظهار العبد والمأمور الانقياد والاطاعة .

ثمّ ان المصالح والمفاسد على قسمين فتارة يكون الشيء دخيلاً في حفظ النظام ممّا يقوم به معايش العباد كالصياغة والخبازة والتجارة والزراعة وغيرها من المكاسب والامور التي يقوم بها نظام النوع الانساني مما تعود مصالحها إلى النوع فهي تكون واجبات كفائيّة لا تجب على الأحاد باعيانهم .

نعم لو انحصر في من به الكفاية فيجب عليهم كما انه قد يجب طلب المال لقوت نفسه أو عياله الواجبي النفقة وقد يستحب كما في مورد عدم الحاجة .

وقسم منها تعود مصالحها أو مفاسدها إلى الأشخاص والآحاد كالمحرّمات

ص: 306


1- . الوسائل 28 الباب 4/1 - 2 من أبواب الدفاع .

والواجبات العينيّة كالصلاة والزكوة والزنا وشرب الخمر وغيرها وان كان لها تعلق بالنظام أيضا .

إذ في كلّ واحد منها مصالح كثيرة قد بين بعضها على ما يحتمله عقولنا ويسعه ظروفنا في الأخبار وليس مدار الأحكام على قياس العقول . ولكن يكفي في قبال الأشاعرة مجرّد اشتمال هذه على المصلحة ولو النوعيّة للخروج عن محذور الجزاف .

والحاصل ان المصلحة لا يكون ضرر في فوتها فالضرر لو كان فانما هو ارتكاب مظنون الضرر . فحينئذٍ يقال بكون الظن بالضرر موجبا عند العقل للاجتناب فنكشف بقاعدة الملازمة ونحكم بها بالحرمة شرعا لكشف الملاك لحكم الشرع بالعقل فيكون موردا للقاعدة لكونها في سلسلة العلل . والشيخ قدس سره بعد أن سلم الكبرى والصغرى صار بصدد الجواب عن هذا الدليل بنحو آخر فانتظر . ولا يخفى ان هذا الدليل لا يختص بحال الانسداد بل على فرض انفتاح باب العلم أيضا يمكن تمشيه في مورد ظننا بالضرر فيه فيكون واجب الدفع عقلاً وبحكمقاعدة الملازمة يحرم شرعا إلى آخر ما قرر في وجه الاستدلال .

فالشيخ الأنصاري قدس سره بعد أن سلّم الملازمة بين الظن بالتكليف للظن بالضرر والمفسدة وكذلك سلم تماميّة الكبرى وان الظن بالضرر موضوع لحكم العقل بلزوم الدفع فنكشف بتماميّة قاعدة الملازمة الحرمة التكليفيّة الشرعيّة . تصدى للجواب عن ذلك بانه انما يتم ذلك اذا لم يكن الضرر متداركا .

وفي فرض التدارك فلا مورد للحكم ولا موضوع للحرمة . وذلك لكشف الترخيصات الشرعيّة كدليل الرفع واصالة الحل والاستصحاب عن كون موردها

ملازمة الظن بالتكليف للظن بالضرر وجوابها

ص: 307

متداركا ضرره لو كان صادف مجاريها ضررا واقعا وتكليفا الزاميّا .

وأورد عليه المحقّق النائيني قدس سره (1) ثلاثة اشكالات . احداها ان ذلك انما هو في فرض انفتاح باب العلم وتمكن المكلف من تحصيله . ففي هذا المقام لو أوجب الترخيص الشرعي الوقوع في خلاف الواقع فلابدّ وان يكون متداركا لقبح التفويت بلا تدارك فنلتزم بكون المؤدّى ذا مصلحة جابرة ان لم يكن اجماع على خلافه للتصويب والا فنلتزم بالمصلحة السلوكيّة بخلاف فرض الانسداد وذلك لحكم العقل الضروري بقيح العقاب بلا بيان . فالشارع لم يزد على حكم العقل شيئا بترخيصه للمكلّف في ارتكاب الواقع الذي لم يقم عليه بيان وكان مجرى قاعدة القبح العقلي . الثاني بأن على فرض تماميّة قاعدة الملازمة لا معنى للتدارك اذ ندعى انصراف أدلّة الأصول والترخيصات عن مورد الظن بالضرر لتوقف جريانها على ثبوت التدارك ولا يمكن اثبات التدارك بها لكونها من الأصل المثبت ولا يلزم من عدم جريان الأصول في مورد الظن بالضرر محذور اللغوية لبقاء مواردالمشكوكات والموهومات مجرى للقاعدة بلا مانع .

نعم لو كان ثبوت اللازم العقلي ممّا يلزم من عدمه لغويّة الدليل رأسا أو قلّه المورد له أو انه ورد الجريان في مورد بخصوصه فهناك نلتزم باثبات اللوازم للزوم محذور اللغويّة على فرض عدم الالتزام . وهذا بخلاف الأدلّة المطلقة للأصول فانّها لا يلزم لغويّتها من عدم جريانها في بعض الموارد المتوقفة على اثبات اللوازم بل يختصّ جريانها بغيرها .

وثالثا: انه على فرض تماميّة قاعدة الملازمة لا مجال لجريان الأصول

ص: 308


1- . فوائد الاُصول 3/222 إلى 224 .

حيث انها واردة أو حاكمة عليها لكونها بياناً فيرتفع به موضوع قاعدة القبح بلا بيان وحجّة فتكون غاية لجريان الاستصحاب وعلما فيمنع جريان الأصل المرخص بالحل أو البرائة ولا مجال لتوهم جريان الأصول مع وجود الدليل وتماميّة قاعدة الملازمة وانكشاف حكم الشارع بها بالحرمة أو الوجوب من باب الظن بالضرر المحكوم بلزوم الدفع عقلاً من باب انكشاف الملاك لديه الواقع في سلسلة العلل الجاري فيه قاعدة الملازمة . بل العمدة في الاشكال هي هذا الأخير .

بيان آخر والمناقشة: قد عرفت استدلال الشيخ على وجوب دفع الضرر الدنيوي الراجع إلى باب المصلحة والمفسدة بما سبق واشكاله بمنع الصغرى بتدارك الضرر كما سبق تقرير الاشكالات الثلاث التي أوردها المحقّق النائيني على استدلال الشيخ .

لكن الحقّ في المقام هو منع قاعدة الملازمة لعدم احاطة العقل بالجهات الدخيلة في الأحكام الشرعيّة .

نعم لو كان تحصيل الغرض لازما وإن لم يطالب العبد بذلك فمعه لا مجال لجريان البرائة . بل لابدّ من الاتيان بكلّ ما يحتمل دخله في ذلك كما في قصدالقربة وان كان الأصل في الأقل والأكثر الارتباطي هو البرائة . الا ان الاشكال في ذلك وثانيا ان الكلام في كشف ان غرضه ذلك .

هذا ما يتعلق بالكلام في الدليل الأول من أدلّة حجيّة مطلق الظن عقلاً والثاني والثالث أيضا يرجع كلّ واحد منهما إلى دليل الانسداد بحذف بعض مقدّماته وإلاّ فلا يكونان دليلين برأسهما ولايتمان انفرادا .

والأوّل منهما للسيّد المجاهد . بالعلم بوجود تكاليف في الشريعة وحيث انه

مناقشة قاعدة الملازمة

ص: 309

لا يمكن الاحتياط فالعمل بالظن . والثاني منهما راجع إلى المقدّمة الأخيرة من مقدّمات دليل الانسداد وهو قبح ترجيح المرجوح على الراجح فالعمدة حينئذٍ بيان دليل الانسداد وما يتعلّق به من الكلام .

ولنقدّم اشارة لا بأس بها وهي ان المدرك لحجيّة الظنّ مطلقا أو في مورد خاص أو من سبب خاص في رتبة خاصّة لو كان هو هذا الدليل فيقال انه ظن مطلق وقائله قائل بحجيّة مطلق الظن ولو كان المدرك له غيره من الأدلّة فيطلق عليه انه ظنّ خاصّ كما اذا قال واحد بخصوص الظن الحاصل من الأخبار فلنرجع إلى المقصود من بيان مقدّمات دليل الانسداد . وقد جعلها الشيخ قدس سره اربعة بحذف الأولى التي يكون بها خمسا كما جعله صاحب الكفاية(1) وذلك لكون الاولى مدركا للمقدّمة الثانية . وهي عدم جواز اهمال أحكام الشريعة . ومدرك ذلك اما العلم الاجمالي أو قيام الاجماع أو الضرورة أو لزوم الخروج من الدين . وكيف كان فاولى المقدمات على مبنى الشيخ انسداد باب العلم والعلمي بالأحكام في المعظم والثانية . عدم جواز اهمالها والرجوع إلى الأصول المرخصة . والثالثةعدم جواز الرجوع إلى الغير بتقليده والأخذ عنه وكذلك لا يمكن الاحتياط اما للزوم اختلال النظام أو لزوم العسر والحرج .

الرابعة قبح ترجيح المرجوح على الراجح . فيدور الأمر بين الأخذ بالمظنونات أو المشكوكات والموهومات . فالاولى مقدمة عليهما لما عرفت هذا .

فان تمّت المقدمات فالنتيجة اما أن تكون هي الكشف على بعض تقاريرها أو كفاية الامتثال الظني على بعض آخر كلية أو مهملة على ما سيجيء إن شاء اللّه

ص: 310


1- . كفاية الاُصول 2/114 .

فالعمدة تماميّة المقدّمات .

اما الاولى منها فلا اشكال في صدقها بالنسبة إلى العلم الوجداني بخلاف العلمي فانه غير منسد الباب بل في حجيّة الاخبار الموثوق الصدور غنى وكفاية بمعظم الفقه بل في كلّه الا نادرا فلامجال للرجوع إلى دليل الانسداد .

نعم المقدمة الثانية لا مجال لانكارها بخلاف المقدمة الاولى في انسداد باب العلمي إلاّ انّه بناء على انحصار حجيّة الأخبار بالصحيح الذي يكون كلّ واحد من رواته مزكّى بعد لين ولم نقل بحجيّة الخبر الموثوق بصدوره فحينئذٍ يكون باب العلمي منسدا كما افيد . لكن قد تقدّم ما تبيّن به ضعفه . أو بناء على حجيّة الأخبار في حقّ المشافهين لاختصاص الخطاب بهم دون غيرهم وكونهم مقصودين بالافهام وقد تقدم الكلام على هذا الوجه . وقلنا ان المكلّفين مشافههم وسائلهم وغير مشافههم وسائلهم كلّهم من المقصودين بالخطاب والافهام فلا اختصاص للحكم والخطاب بالمشافهين ولاهم المقصودون بالافهام كي يكون احتمال وجود القرينة المفقودة عندنا مانعا من الأخذ بظهورها بل حالنا كحالهم في جواز الأخذ بظاهر الخطاب . فحال الروايات حال الكتب المصنفة التي لا يراد بالخطابات الواردة فيها بنحو أعلم وتأمل وتعرف وأمثالها شخص خاص بل كلّمراجع لها .

نعم يمكن أن يدعى لزوم الاستعانة بدليل الانسداد في اثبات حجيّة الظهورات حيث ان الظهور في الأخبار واضح لعدم استعمال الألفاظ التي تحتاج في فهم معانيها إلى مراجعة لغوي وكتاب لغة فيها غالبا . نعم في بعض الروايات ربما يحتاج إلى ذلك كروايات عمار للنقل بالمعنى فيضطرب المتن كروايته في

المقدّمة الثانية للانسداد

ص: 311

الجماعة ولكن عند التأمّل ينعقد لها ظهور . فلا يبقى مجال شبهة كما ان الصدور صار موثوقا به وهكذا جهة الصدور وانه لبيان حكم اللّه الواقعي بخلاف حجيّة الظهورات فانها تكون من باب الظن فلا محيص في اثبات الحجيّة عن دليل الانسداد فانّه وإن كانت العقلاء يأخذون بالظهورات ولكنّها ليست معلومة المراد بل إنّما يكون الحاصل لهم الظن . لكن جوابه منع عمل العقلاء على الظن بل بنائهم على الأخذ بالعلم والاطمئنان العادي وحالنا في ذلك كحال المخاطب بخطاب المعصوم سلام اللّه عليه في حصول الوثوق والاطمئنان له بالمراد فلا مجال للارتياب في ذلك .

فقد عرفت عدم انسداد باب العلمي بالأحكام لما تقدّم من اثبات حجيّة ما هو وافٍ بمعظم الفقه بما يتوقف عليه من الجهات الأربع وانّا في غنى عن الرجوع إلى دليل الانسداد فالكلام عليه على هذا يكون على سبيل الفرض والتقدير .

نعم على ما تقدم من اختصاص الخطاب بالمشافه ولكونه من قصد افهامه أو لكون الظهور حجيّته عند العقلاء من باب الظن لامكن التسليم في الجملة الا ان الكلام في ذلك .

وأمّا المقدّمة الثانية من مقدّمات الانسداد وهي عدم جواز اهمال الأحكام ممّا لا شبهة فيها اجماعا بل هي ضروريّة لا مجال للارتياب فيها فلا نحتاج إلىالاستناد إلى العلم الاجمالي بالأحكام ومنجزيّته وان كان الاجماع الذي في المقام تقديريا لعدم عنوان المسئلة سابقا بل هي حادثة لكنها بمثابة من الوضوح بحيث لو التفت إليه السابقون لحكموا بعدم جواز الاهمال على فرض انسداد باب العلم والعلمي . وان كان يمكن استناد هذا الاجماع إلى الضرورة القاضية بعدم

ص: 312

جواز الاهمال أيضا فحينئذٍ لا يكونان دليلين بل مرجعهما إلى دليل واحد .

وكيف كان ففرق هذا الدليل أو فرقهما مع العلم الاجمالي واضح لابتناء عدم جواز الاهمال استنادا إلى العلم الاجمالي على منجزيته واقتضائه الموافقة القطعيّة كحرمة المخالفة القطعيّة وهي محلّ الكلام .

فذهب بعضهم إلى كون العلم الاجمالي كالشكّ البدوي لا يوجب اشتغال ذمّة المكلّف العالم بشيء لعدم كون الأطراف كلّ واحد إلاّ شكّا . كما انه ذهب بعضهم إلى عدم جواز ارتكاب جميع الأطراف . بل في غير المقدار الذي يساوي المعلوم بالاجمال والاول لا يرى حرمة ارتكاب هذا المقدار بعد احتمال كون مورد العلم والتكليف هو الأوّل الذي ارتكبه .

نعم بعد ارتكاب الجميع يحصل له العلم بارتكاب حرام أو مخالفة تكليف في البين وهو ليس محذورا لعدم حرمة تحصيل العلم بارتكاب الحرام . فحينئذٍ لو كان دليل المقدمة الثانية العلم الاجمالي فلا يلتزم به الذاهب إلى عدم منجزيّته من هذه الجهة بخلاف ما إذا كان المدرك هو الاجماع أو الضرورة فيتفق الكل في عدم جواز الاهمال لعدم اختصاص الأحكام بالمشافهين . بل الأحكام مشتركة بين العالم والجاهل كما انها لا اختصاص لها بخصوص زمن الحضور فيستوي أهل الأعصار فيها اجماعا وضرورة وسنة وهو المناسب لجعل الأحكام على نحو القضايا الحقيقيّة ولم تنسخ الأحكام المجعولة في الشريعة .ثمّ ان النتيجة في المقدمة الثالثة تختلف باعتبار استناد المقدمة الثانية إلى العلم الاجمالي أو الوجهين الاولين من الاجماع والضرورة . فانه على فرض استنادها إلى العلم لا مجال للكشف ولا لجعل الاحتياط الشرعي بخلاف كونه

مبنى عدم جواز الاهمال

ص: 313

أحد الوجهين فيمكن استنتاج جعل الشارع طريقا للامتثال وهو الظن أو انه جعل الاحتياط فيها واجبا شرعا ولا يمكن تأتي ذلك في ما اذا كان المدرك هو العلم الاجمالي بل عليه فينحصر النتيجة في حكومة العقل بالاطاعة الظنيّة او التبعيض في الاحتياط على ما سيجيى ء شرح ذلك وتوضيح المقال .

تكميل وتوضيح: قد سبق منع المقدّمة الاولى من مقدّمات دليل الانسداد وهي انسداد باب العلم والعلمي لما تقدم من الأدلّة الدالّة على حجيّة الخبر الواحد وانه وافٍ بمعظم الفقه مع تحقق سائر شرايط العمل بالخبر وان البحث على هذا عن دليل الانسداد يكون فرضيا وانه على تقدير انسداد باب العلم والعلمي بالأحكام ما هي الوظيفة في مقام العمل . كما قد عرفت ان للمقدمة الثانية ثلاث مدارك تختلف النتيجة بحسبها فالمدرك ان كان العلم الاجمالي بالأحكام الذي سبق نقل الخلاف في كونه المقدمة الاولى أو عدم احتسابه من المقدّمات فالعلم لو كان المدرك فيجب الاحتياط عقلاً في أطراف المعلوم بالاجمال ووجوب الموافقة القطعيّة كحرمة المخالفة القطعيّة . الا انها حيث توجب اختلال النظام الذي لا يمكن معه الا الاقتصار على ضروريّات المعاش بترك كلّ محتمل الحرمة وفعل كلّ ما يحتمل وجوبه في أطراف العلم فيتعين الاحتياط في دائرة المظنونات بعد تقدر الضرورة بقدرها .

نعم لو لم يجز الاحتياط في الشريعة أصلاً ورأسا فيكون الظن حجّة على ما سيأتي شرحه . هذا اما اذا لم نقل بمنجزيّة العلم الاجمالي وتعين المدرك في أحدالأمرين الآخرين فيمكن انكشاف كون الاحتياط هو حجّة مجعولة من قبل الشارع لمّاً وذلك بعد تسلم عدم جواز الاهمال فلابدّ من جعل ما هو واصل بنفسه

ص: 314

أو بطريقه أو طريق طريقه وهكذا . والأول أي الواصل بنفسه واصل كذلك فلا يحتاج إلى عناية له بخلاف الثاني فانه لابدّ في ذلك من تعلّق عناية به وجعله حجّة . وعلى هذا فينكشف كون الاحتياط واجب العمل من نفس عدم جواز الاهمال وعليه فلا مجال لما أورد المحقّق الخراساني(1) على نفسه في المقام بأنّه يكون العقاب بلا بيان لاحتمال التكليف . وذلك لكونه بيانا لا مجال معه للبرائة العقليّة بل يكون من احتمال العقاب الذي يستقل العقل بلزوم دفعه على ما مرّ إليه الاشارة في بعض المباحث السابقة .

أمّا الظن فانه لابد منه في جعل الاحراز له وتتميم كشفه الذي لا حاجة إليه في الاحتياط .

أمّا المقدّمة الثالثة فبالنسبة إلى عدم جواز التقليد فواضح . اما الرجوع إلى الأصول النافية للأحكام أو المثبتة فيرد عليها مضافا إلى ما أوردوه من الاشكالات من لزوم الخروج عن الدين في الاولى وعدم وفاء الثانية لقلّتها بالأحكام الثابتة في الشريعة واشكال نقض اليقين في بعض اطرافها باليقين الموجب لعدم جريان الأصل . ان الفرض انسداد باب العلم والعلمي فلا حجيّة لأدلّة الأصول مثبتة أو نافية مضافا إلى اختصاص جريان الأصل المثبت بالموضوعات لعدم جريان الأصل الحكمي في الأحكام لاختصاص الاستصحاب بما اذا كان الشك في وجود الرافع أو رافعيّة الموجود الذي لامساس له بباب الأحكام والشكّ فيها ولذا قلنا بعدم جريان استصحاب عدم النسخ بل يرجع إلى الأخذ بالاطلاق على ما هو محرر في محلّه .

المقدّمة الثالثة

ص: 315


1- . كفاية الاُصول 2/117 - 118 .

والحاصل المقصود الآن بيان صحّة الرجوع إلى الاحتياط أو عدمه . فنقول انه بناء على كون المدرك في المقدّمة الثانية هو العلم الاجمالي فيكون وجوب الاحتياط عقليّا كما هو واضح ولو ورد الخطاب به من الشارع فمحمول على الارشاد نظير قوله تعالى: أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول(1) فيجب الاحتياط التامّ في محتملات الأحكام بمقتضى العلم الاجمالي بحكم العقل .

ثمّ انه اذا كان ذلك مخلاّ بالنظام فيقطع بعدم لزومه إلى هذا الحد فلا يجب ما يوجب اختلال النظام . أمّا بالنسبة إلى باقي المراتب فيمكن عدم الزام من العقل ولكن تتقدّر الضرورة بقدرها ولا محيص عن الالتزام بلزوم الاحتياط في الباقي واذا لزم العسر والحرج فهل يرتفع الاحتياط بمقدار يوجب للضرر أم لا ؟

ذهب المحقّق الخراساني قدس سره (2) إلى عدم امكان حكومة القواعد النافية كلا عسر للاحتياط لكونه من حكم العقل ولم يكن في أصل التكليف عسر وحرج وانما جاء من قبل الجمع بين الأطراف الذي هو حكم العقل . الا ان تجري القاعدة في أصل الحكم ومنشأه الموجب للزوم الاحتياط المؤدّى إلى العسر وهو ممّا لا مجال للالتزام به .

ثمّ انه استثنى هنا بقوله ما اذا كان الواجب هو الاحتياط الشرعي ولم يبينوجه الخروج من هذه المقدمة إلى المقدمة اللاحقة لكنّه رتّب اللاحقة على نحوتنتج الكشف لا الحكومة وأشار باستثنائه إلى بعض ما حقّقه المحقّق النائيني قدس سره

في الاحتياط الشرعي فانه وافق المحقّق الخراساني في عدم مجال لجريان دليل

ص: 316


1- . سورة آل عمران الآية 133 .
2- . كفاية الاُصول 2/118 - 120 .

نفي العسر في ما اذا كان المدرك هو العلم الاجمالي لكونه من حكم العقل .

امّا إذا كان المدرك هو الاجماع أو محذور الخروج من الدين فبمقتضى ما ثبت في المقدمة السابقة من انكشاف جعل الاحتياط بناء على هذين الوجهين ذهب الى انه لا مجال لجعله مطلقا حتّى فيما اذا أوجب اختلال النظام . فهذا ممّا يمكن دعوى الاجماع فيه مضافا إلى الضرورة بعدم جعله من الشارع . وأمّا في مورد العسر والحرج الباقي بعد خروج ما يوجب الاخلال فذهب إلى عدم حكومة أدلّة العسر والحرج على أدلّة الاحتياط لكون المقام من قبيل جعل الزكوة والحج والجهاد ممّا يكون طبع التكليف ضررا وحرجا وعسرا . حيث انه لا مجال لحكومة دليل العسر عليه لكون العسر والحرج في هذه الموارد كالمقتضى فلا يكون مرفوعا بدليل العسر لعدم معقوليّة كون مقتضى الشيء رافعا له كما اذا ثبت حكم على النسيان فلا يرتفع به .

والحاصل ان الضابط في جريان دليل العسر والحرج في مورد من الموارد اتّصاف المورد بالعسر وعدمه والحرج وعدمه بمقتضى طبعه فهناك يكون دليل نفي العسر والحرج رافعا له بخلاف ما إذا كان نفس المورد حرجا وعسرا فلا حكومة لدليل نفي العسر عليه .

فتلخص ممّا ذكرنا مذهب المحقّق الخراساني ونتيجة الوجوه الثلاثة على رأيه وكذا المحقّق النائيني قدس سره وتبين عدم جريان دليل نفي العسر والحرج عنده فيما اذا كان الاحتياط واجبا شرعيّا من جهة الاجماع على عدم جواز الاهمال أو لزوم الخروج من الدين لكونه مجعولاً في مورد الضرر والعسر فلا يمكن أن يرتفعبه . ويمكن جريان العسر في الاحتياط العقلي على ما عرفت من الاشكال . كما ان

جريان دليل العسر والحرج في المقام وعدمه

ص: 317

المحقق الخراساني نفي لزوم الاحتياط المخل بالنظام بلا اشكال كما نفى الاحتياط العسري والحرجي فيما يكون المدرك هو العلم الاجمالي لا للحكومة بل للتوفيق بين دليل نفي العسر والحرج وبين أدلّة الأحكام حيث انه قدس سره تخيّل اختصاص الحكومة بما اذا كان دليل الحاكم بمدلوله اللفظي متعرضا لحال المحكوم ومفسرا له وشارحا فينحصر بما اذا كان بلسان التفسير والشرح بأي كما في بعض الأخبار الواردة في باب الطلاق بل وجه التقدم لدليل العسر والحرج وأمثالهما على أدلّة الأحكام الأوليّة هو التوفيق العرفي بينهما وبين تلك لأنّ النسبة بين كلّ واحد مع دليل كلّ حكم يشتمل موضوعه على موضوع أحدهما هو العموم من وجه ففي مادة الاجتماع لو قدم ذلك الدليل على هذه الأدلّة النافية تبقى حينئذٍ بلا مورد .

مثلاً الوضوء الضرري يكون مادة الاجتماع للضرر وللوضوء وهكذا الغسل والقيام وغيرها فالعرف يوفق بين دليل نفي هذه الامور وبين أدلّة الأحكام الاوليّة بذلك . وهذا بخلاف مثل تقدم دليل قاعدة الفراغ على الاستصحابات العدميّة في موارد القاعدة فانه لو لم تجر الاستصحابات وقدمت القاعدة يبقى للاستصحاب مجاري في غيرها .

ثمّ انه قدس سره بعد وصوله إلى المقام سكت عما بعده وذلك لا لعدم التفاته بل لأن مبناه في باب العلم الاجمالي هو الملازمة بين لزوم الموافقة القطعيّة وحرمة المخالفة القطعيّة ولذلك لا يجوز ورود خطاب شرعي ولو خصوصا بالترخيص في بعض الأطراف تعبدا . نعم لا مانع من وروده اخبارا عن كون المعلوم بالاجمال في غير هذا الطرف المرخص فيه . وذلك خارج عن الفرض لانحلال

ص: 318

العلم بذلك حقيقة .

وعلى هذا فاذا جاز ارتكاب موارد يعسر الاحتياط فيها فلم يجب الموافقة القطعيّة فلا تحرم المخالفة القطعيّة أيضا . لكشف الترخيص عن عدم فعليّة التكليف وانه قاصر لا ان العلم قاصر اذ لا قصور في العلم بل في المعلوم وحينئذٍ فلا مانع من ارتكاب جميع أطراف الاحتمال حتى ما لا عسر فيها فضلاً عن موارد العسر بلا فرق بين حدوث الاضطرار مع العلم أو قبله أو بعده فان الاضطرار إلى أحد الأطراف بعينه أو لا بعينه موجب لجواز ارتكابه قطعا فاذا جاز فلو كان المكلف به هو ذاك الطرف فلا تكليف في الطرف الآخر . وحيث انه يشكّ في ذلك فيكون شكا في التكليف بدويا في الطرف الآخر فيجري البرائة . والعسر حاله حال الاضطرار فيجري فيه ما جرى فيه من عدم تكليف فعلي في مورده .

نعم . يقع الكلام في الفرق بين الاضطرار إلى أحدهما وبين تلفه في بقاء الحكم بالتنجز على حاله في الثاني دون الأول ( وقد أشار إليه في بحث الاشتغال في المتبائنين )(1) .

فتحصل ممّا ذكرنا انه على تقدير وصول النوبة إلى المقدمة الثالثة فالنتيجة بناءً على العلم الاجمالي هو جواز المخالفة القطعيّة للأحكام . ولكنّه على فرض تماميّة المقدّمات السابقة وقد عرفت عدم تماميّة المقدّمة الاولى وهي انسداد باب العلم والعلمي لمنع الثاني .

أمّا المحقّق النائيني(2) وافق المحقّق الخراساني في انكشاف جعل

ص: 319


1- . كفاية الاُصول 2/216 - 218 .
2- . فوائد الاُصول 3/249 إلى 259 .

وجوب الاحتياط شرعا على الوجهين الآخرين في عدم جواز اهمال الأحكام الواقعيّة المعلومة اجمالاً لكن ناقشه في ما أفاد على فرض كون المدرك هو العلم الاجمالي .

أوّلاً في انكار الحكومة في دليل العسر والحرج وأمثالهما على الأحكام الأوليّة بأنّه لا تنحصر في ما كانت بنحو التفسير والشرح . بل لها أقسام وضابطها أن يكون دليل الحاكم متعرّضا لشيء لا يتعرض له دليل المحكوم . كما اذا كان اكرام العالم واجبا فورد دليل من الشرع على كون زيد عالما فانه من الحكومة ولا يلزم تعرضه لدليل المحكوم لفظا . ووجه تقديم الحاكم على المحكوم ليس هو التوفيق العرفي كما أفاد في دليل العسر وأمثاله بل الحاكم يقدم على المحكوم ولو كان المحكوم أقوى ظهورا وأخصّ منه والحاكم عاما وأضعف لعدم ملاحظة النسبة بينهما ولا اقوائيّة الظهور . وأمّا الورود فهو عبارة عن كون الدليل بنفس تعبّده مذهبا لموضوع الآخر كما في الاحتياط الشرعي بالنسبة إلى قبح العقاب بلا بيان . فان ايجاب الاحتياط بيان والحكومة باثباتها للمؤدّى والتخصص هو خروج تكويني لموضوع عن موضوع حكم آخر والتخصيص ما اذا كان تقدم أحد الدليلين على الآخر لاخصيّته فيما اذا كان بينهما لسان المعارضة .

فذلكة البحث:

قد عرفت اختلاف النتيجة بناءً على اختلاف المدرك في المقدمة الثانية فانه تارة يكون هو العلم الاجمالي واخرى الاجماع أو الضرورة بعدم جواز الاهمال فالاول مقتضاه وجوب الاحتياط في جميع الأطراف عقلاً في غير ما يوجب الاخلال بالنظام فاذا تعلق العسر بالباقي وكان الاتيان بجميع المحتملات عسريا

ص: 320

فهنا اختلف كلام المحققين الخراساني والنائيني . فالخراساني يذهب إلى عدم(1) لزوم الاحتياط في الباقي بعد جواز ارتكاب مورد العسر بخلاف الثاني فانه يوجب(2) الاحتياط في غير العسري والأوّل يرى تقييد الموضوع من أوّل الأمر بعدم الاضطرار فالاضطرار(3) اذا حدث في الأثناء بعد العلم أو كان قبله يوجب جواز ارتكاب متعلقه ويكون الطرف الآخر مشكوكا ولا مجال للعلم حينئذٍ . فيكون مع الشكّ مجرى البرائة . والمقام يكون كالاضطرار . غاية الأمر فرقهما بالاضطرار والعسر فكما ان الاضطرار يوجب خروج المضطر إليه من مورد التكليف والباقي لا يعلم انه مكلف به في الاضطرار إلى غير المعين كذلك تعلق العسر في المقام يوجب جواز الارتكاب وعدم الاحتياط في مورد العسر ومقداره معلوما وغير معلوم والباقي لا مجال للزوم الاحتياط فيه . بل هذا الكلام لا يختص بما بعد الاضطرار لجريانه في مورد الاخلال بالنظام العقلي أيضا ومعه يكون الخارج عن مورد الاخلال والاضطرار مشكوكا .

فانه على تقدير انطباق الاضطرار على المباح فالكليف باق يجب امتثاله وعلى تقدير انطباقه على الحرام لا يجب الاجتناب عن المباح لفناء موضوعه .

وعلى هذا فيبقى اشكال الفرق بين الاضطرار وتلف أحد الانائين المعلومنجاسة أحدهما اجمالاً مثلاً . ومحصل الفرق بينه وبين المقام هو(4) عدم تقيد الامتثال في التكليف ببقاء موضوعه كما انه ذهب في(5) حاشيته في المقام إلى ما

ص: 321


1- . كفاية الاُصول 2/120 - 216 .
2- . فوائد الاُصول 3/251 إلى 254 .
3- . كفاية الاُصول 2/120 - 216 .
4- . كفاية الاُصول 2/216 - 218 .
5- . حقائق الاُصول 2/298 - 299 وإن كان يخالف ما في المتن .

اختاره في التلف وهو كونه من قبيل التكليف المردّد بين الساعة والساعتين فتعلق الاضطرار به في الساعة الاولى لا يوجب سقوط العلم في الزائد عليها .

كما اذا علمنا بوجوب احدى الصلاتين اما الجمعة أو الظهر فلو كانت الجمعة لكانت قاصرة الوقت ووقتها هو الساعة الأولى . أو الظهر فوقته باق إلى الغروب مثلاً فالاضطرار إلى ترك الصلاة في الساعة الأولى التي لو كانت الجمعة واجبة يصح الاتيان بها فيها لا يوجب سقوط العلم رأسا فاذا زال الاضطرار يأتي بالظهر وهذا في مورد العلم الاجمالي .

فيكون من التوسط في التنجيز والاضطرار إلى غير المعين لا ينافي التكليف .

لكن ذهب المحقّق النائيني إلى لزوم الاحتياط في الباقي بعد تعلّق العسر بمورد معينا أو غير معين للزوم الامتثال عقلاً مهما أمكن فبالعسر أو الاضطرار إلى البعض لا يخرج العلم عن كونه علما ويلزم امتثاله في الباقي بمقدار الامكان واما بناءً على كون المدرك هو الوجهين الاخرين .

فالمنكشف بالمقدمات هو لزوم الاحتياط في جميع الأطراف بمقتضى حكم المدرك بعدم جواز الاهمال اذ معناه انه يريد امتثال أحكامه وطريقه في مورد الجهل منحصر بالاحتياط لأنه الطريق الواصل بنفسه بلا مؤنة اعتبار كشف أو تتميم له . غاية الأمر اذا كان مخلاً بالنظام أو عسريا فهو قدس سره يذهب إلى التوفيق بين دليلي نفي الضرر والحرج وأمثالهما على الأحكام الواقعيّة بالجمع بتقديم تلك النافية على أدلّة الأحكام .

ويبقى غير مورد العسر خلافا للمحقّق النائيني حيث يرى عدم جواز

لزوم الاحتياط في الباقي بعد العسر

ص: 322

حكومة دليلي نفي العسر والحرج على دليل الاحتياط في حال الانسداد على تقدير كون المدرك هو غير العلم لكونه حينئذٍ واجبا بعنوان العسر والحرج فلا مجال لرفعه لكونهما كالمقتضى ولا يكون مقتضى الشيء رافعا له فلا يمكن أن ينفي بنفي العسر والحرج ولا يرى المحقّق الخراساني ذلك حيث انه لا يرى في نفس الأحكام الواقعيّة ضررا وحرجا لكونه جائيا من قبل الاحتياط الا أن يقال بتعلّق دليل النفي بالمنشأ فينفي . ويمكن أن يقال هذا أيضا في ناحية الدليل الذي اختاره المحقق النائيني من طبعه بعنوان العسر والحرج فلا يرتفع بأن يقال بكونه ذا مراتب فترتفع المرتبة العسرية دون باقي المراتب لاطلاق الأحكام في حال العلم والجهل يلزم الاحتياط في حال الجهل ) وإلاّ فيلزم تقييدها بالعلم وهو محال حتى بنتيجة التقييد على ما مرّ في محلّه .

توضيح وتكميل: قد عرفت مبنى المحقّق الخراساني قدس سره في ما يتعلّق بمسئلة الاضطرار والعسر وأمثاله وانه لا يجوز ورود الترخيص في ترك الاحتياط في بعض أطراف العلم الاجمالي ولو ورد يكون كاشفا عن قصور المعلوم وعدم كونه حكما فعليّا يلزم موافقته ويحرم مخالفته .

ولذلك يرى في المقام ان العسر كالاضطرار في أحكامه وما يترتب عليه فكما ان الاضطرار إلى ارتكاب أحد أطراف المعلوم بالاجمال يوجب انحلال العلم وكونه بلا أثر لعدم العلم حينئذٍ بالتكليف في الطرف الباقي لكونه شبهة بدويّة

لا يجب فيها الاحتياط فكذلك تعلّق العسر والحرج في أطراف التكاليف المعلومة اجمالاً في الشرع في ظرف انسداد باب العلم بلا فرق بين تعلق الاضطرار الى أحد الأطراف المعين أو غيره وكذلك العسر كما لا فرق بين حصول الاضطرار قبل

العسر كالاضطرار

ص: 323

العلم أو معه أو بعده ولا يخفى ان كلامه قدس سره صحيح على مبناه في العلم . والاشكاللو كان ففي المبنى والا فلا اشكال على البناء .

أمّا المحقّق النائيني فهو يرى الفرق بين حصول الاضطرار مع العلم وقبله وحصوله بعده كما لا يرى مانعا عن ورود الترخيص على ارتكاب أحد أطراف المعلوم بالاجمال تبعا للشيخ قدس سره وحينئذٍ فلا يكشف ورود الترخيص عن عدم كون المعلوم غير تكليف ولا أنّه تكليفا غير فعلي . فالاضطرار تارة يكون بعد العلم واخرى لا بعده فان كان الثاني فهو موجب لعدم انعقاد العلم الاجمالي علما بالتكليف لعدم حصول العلم حين حصوله متعلّقا بالتكليف الفعلي على كلّ تقدير فانه لو كان الطرف المضطر إليه معينا أو غير معين هو متعلق العلم فلا معلوم ولا تكليف في البين بالنسبة إلى الباقي لجواز ارتكاب الطرف المضطرّ إليه في المعين وغيره فيكون الشكّ في الباقي وانه شبهة بدويّة بخلاف ما اذا كان حصول الاضطرار بعد العلم فان الأطراف لتعلّق العلم بها صارت منجزة به وذلك لا يكون من باب تعين المعلوم في كلّ واحد لكونه محالاً وخلاف الفرض بل لاحتمال انطباق المعلوم على كلّ واحد . فانه لو صادف المرتكب في غير صورة الاضطرار إلى أحدهما الواقع لكان منجزا ويعاقب عليه للاحتمال . فهذا الاحتمال كما كان بعد حصول الاضطرار إلى أحدهما بالنسبة إلى الطرف الآخر فانه يحتمل كون متعلّق التكليف واقعا هو هذا الباقي وهذا الاحتمال منجز لا يكون العقاب على مخالفة التكليف المحتمل فيه عقابا بلا بيان ولا موجب لجريان الأصول المرخصة فيه .

نعم في المقام احتمال كفاية العلم في التنجز حدوثا أو انه لا يكفي حدوثه

ص: 324

انا ما في التنجز دائما بل دائر مداره كما هو الحق المحقق لكن الاحتمال لا يوجب منع كونه منجزا والعقاب على مخالفة التكليف الحاصل في مورده عقابا بلا بيان .هذا فعليه فلننظر في المقام انه من أي القبيلين ولا اشكال في كونه من الاضطرار والعسر المقارن للعلم لعدم حصوله بعده فلا يكون حينئذٍ العلم علما بالتكليف لاحتمال كون مورد العسر هو التكاليف الواقعيّة ولا تكليف في الموارد الباقية الخالية عنه .

ويمكن الاشكال في المبنى وان مجرد الاحتمال لا يكفي في التنجز بل التكليف دائر مدار موضوعه وهو مرتفع بارتفاع موضوعه ولا يعقل بقاء العلم بالتكليف بعد ارتفاع أحد الأطراف المحتمل كونه متعلق التكليف الواقعي وحينئذٍ فلا يبقى لنا علم بالتكليف كي يكون الاحتمال منجزا له . وعليه يشكل الفرق بين صورة الاضطرار أو تلف أحد الأطراف . ولكن جعل بينهما فرقا المحقق الخراساني وأشكل الأمر على المحقق النائيني حتى الجأه إلى الميل أو القول بكون التلف كالاضطرار . ولا يخفى عليك ان ما ذكرنا من المحقق الخراساني هو ما في كفايته لكنه لا يقول به في حاشيته . بل ذهب فيها إلى ما نقلناه سابقا والاشكال إنّما هو على في الكفاية على ما قرّرناه .

بيان آخر: سبق التفصيل بين حصول الاضطرار مع العلم أو قبله وبين حصوله بعد العلم وان في الأول لا أثر للعلم الاجمالي بخلاف الثاني على ما سلف من التعليل باحتمال انطباق المعلوم بالاجمال عليه . وان الاحتمال منجز لكونه بعد العلم . لكن هذا التفصيل في الاضطرار ومثله العسر انما هو في صورة الاضطرار وتعلق العسر بأحد الأطراف معينا كما اذا كان في أحد الانائين ماء

التفصيل في الاضطرار بعد العلم وقبله ومعه

ص: 325

وفي الآخر دبس وعلم بوقوع نجاسة في أحدهما واضطرّ إلى شرب الماء . فانه على كلّ حال سواء كان الماء هو الذي لاقاه النجاسة أم لا بل كان طاهرا مباحا يجوز شربه بلا اشكال لعدم امكان رفع العطش المضطر إلى دفعه لخوف تلفالنفس بالدبس بل يزيده عطشا . اما اذا كان الاضطرار الى غير المعين فلا يجري هذا التفصيل بل حاله حال الاضطرار بعد العلم في بقاء التنجز في الطرف الآخر على حاله . فحينئذٍ لا فرق في الاضطرار إلى غير المعين ومثله العسر كذلك بين حدوث الاضطرار أو العسر كذلك قبل العلم الاجمالي أو معه أو بعده ففي جميع هذه الصور الثلاث يكون العلم منجزا لعدم منافاة بين المعلوم بالاجمال والترخيص لعدم وقوع الترخيص بالنسبة إلى الحرام في البين . بل الحكم الواقعي بالنجاسة والاجتناب على موضوعه لا يتخلف عنه ولم يرتفع عنه . ولا يكون الاضطرار إلى أحدهما موجبا لرفع الحكم عن موضوعه ولا لتقييده اذ حال العلم الاجمالي كالتفصيلي فكما انه اذا علم النجس في البين في أحد الانائين واضطر إلى شرب أحدهما لا بعينه لا يجوز رفع اضطراره بالحرام بل لابدّ من رفعه بغيره كذلك في العلم الاجمالي . غاية الأمر جهله بالحرام في البين أوجب العذر له والشارع رخّص له في رفع الاضطرار بأحدهما لا بالحرام الواقعي . فهذا الترخيص الظاهري لا ينافي ولا يصادم الحكم الواقعي بل يلائمه . وعليه فيكون احتمال انطباق التكليف المعلوم بالاجمال وهو الحرام في البين على الطرف الباقي منجزا . فانه لو كان الباقي هو الحرام فلا يكون معذورا في ارتكابه ولا يكون العقاب عليه عقابا بلا بيان . فالحكم الواقعي منجز على تقدير اصابته بالطرف الباقي وغير منجز على تقدير عدم الاصابة لأن للشارع جعل الاحتياط

ص: 326

في ظرف الشك لحفظ الحرام الواقعي وعدم ارتكابه . لكنه لم يجعل بل رخص تخييرا في رفع الاضطرار بأحدهما لمكان الجهل . فهذا الترخيص الظاهري في ظرف الشكّ لا يصادم الحكم الواقعي فانه على موضوعه لم يتخلف عنه والترخيص الظاهري لا ينافي الحكم الواقعي . فالمقام كالأقل والأكثر الذي يشكّفي الأكثر ويكون الأقل معلوما حيث انه يكون الاتيان بالاجزاء المعلومة من الأقل واجبا واحتمال تقييدها بالمشكوك وهو الذي يكون معه أكثر مرفوع بحكم البرائة . فتكون الاجزاء المعلومة مطلقة اطلاقا ظاهريّا لكنه لو ترك الأقل في هذا الحال يكون معاقبا لا من حيث ترك الأكثر الذي لم يقم عليه بيان لعدم المنجز ( الظاهر ارادة جواز العقاب على ترك الأقل على تقدير كون الواجب هو الأكثر فان الأقل لو أتى به وان كان ليس مأمورا به لكن خطابه منجز بالنسبة إليه فمن جهته يصح العقاب ) لا أقول بتقييد الحكم بالعلم به فانه لا مجال له كما لا اشكال معه حينئذٍ ولا يفيد تعدد الرتبة بين الحكم الواقعي والظاهري لعدم اجدائه ما لم يرجع إلى تعدد الموضوع . بل المدعى عدم منافاة ورود الترخيص في ظرف الجهل بارتكاب الحرام ( ولا ) يصادم الحرام الواقعي لعدم كون العلم الاجمالي أولى بالامتثال من العلم التفصيلي ولا انه يكون اقتضائه في تنجّز التكليف أشدّ مع ورود الترخيص في ترك الواقع في مورد العلم التفصيلي كما في موارد جريان قاعدة الفراغ والتجاوز . فان الركوع الجاري فيه القاعدة لو لم يأت به لا تكون الصلاة صلاة ولا انه يجوز اتمام ما بيده ومع ذلك رخص بل أوجب عليه الشارع اتمامها واكتفى بهذا عن امتثال المعلوم التفصيلي وقنع به .

نعم لا يقيّد الواقع بل يكون بدلاً ما دام الجهل فاذا علم بعدم اتيان الركوع

ص: 327

يكشف عن عدم كفاية البدل بل عليه الاتيان بالمجهول فليكن كذلك العلم الاجمالي . فللشارع التصرف في مقام الامتثال بجعل الترخيص في ارتكاب أحدهما تخييرا حتى الحرام لو صادفه .نعم بناءً على ما بنى عليه المحقق الخراساني قدس سره (1) من تصوير الفعلي منجهة يصح ما بنى عليه من الالتزام بعدم وجوب الاجتناب للتوسط في التكليف فانه يكون تكليفا على تقدير وغير تكليف على تقدير وعليه يكون مشكوكا بدويا لا علم معه بالتكليف الاّ ان الكلام في المبنى .

والحاصل حيث ان العسر في المقام يكون من العسر المتعلق بغير المعين فلا محيص عن الالتزام بوجوب الاحتياط في الباقي على كلّ تقدير وفرض سواء كان بعد العلم أم لا .

نعم لو كان من قبيل الاضطرار إلى المعين حاصلاً مع العلم أو قبله فلا علم بالتكليف فلا احتياط .

هذا محصل ما افاده المحقّقان وللنظر فيه مجال فانتظر لتحقيق الحال .

تكميل وتوضيح قد عرفت الفرق على مبنى المحقق النائيني قدس سره (2) بين الاضطرار الى المعين وغير المعين اذا حصل الاضطرار قبل العلم .

ولا فرق بينهما اذا كان بعد العلم في لزوم المحافظة على الطرف الذي لم يتعلّق به الاضطرار أو لم برفع به الاضطرار . وصورة المقارنة كصورة تقدم العلم واعلم انه لا يمكن الالتزام بكون جعل الأحكام من قبيل القضايا الخارجيّة لكون

بقيّة كلام المحقّقين

ص: 328


1- . كفاية الاُصول 2/27 .
2- . فوائد الاُصول 4/93 إلى 100 .

الموضوع حينئذٍ من قبيل الملاك للحكم ولازمه تعدد الانشاءات في كلّ آن يوجد ويتحقق موضوع فلا تنقطع الانشاءات الجديدة مادامت الموضوعات تتجدد إلى غير ذلك من التوالي الفاسدة . فاللازم هو جعلها على نهج القضايا الحقيقيّة . فحينئذٍ

يكون الموضوع محفوظا بحدوده وقيوده وينشأ الحكم عليه ويتبع فعليّة الحكمفعليّة موضوعه ولا يمكن تخلفه عنه لكونه منه كالمعلول بالنسبة إلى علته والا يلزم الخلف والمناقضة على ما مرّ غير مرّة .

وعلى هذا لو كان الاضطرار من قيود التكليف ومقيدا للواقع فلا يمكن التفصيل بين حصول الاضطرار الى المعين وغير المعين بل كلاهما يكون الشكّ في مورده شكّا في التكليف ولابدّ من الالتزام بمقالة المحقّق الخراساني قدس سره (1) حيث انه لا موضوع محرزا كي يكون احتماله منجزا للشك في تحقق الموضوع المقيد إذ ان الاضطرار لو كان تعلق بأحدهما المعين أو غير المعين يكون مقيدا للواقع ولا يكون النجس المضطر إليه حراما واقعا . فاذا اختار أحدهما معينا أو غير معين في الصورتين يكون الباقي مشكوك التكليف لا مشكوك التنجز . والشك في التكليف مجرى البرائة . بخلاف ما اذا بيننا على عدم تقيد الواقع بالاضطرار فحينئذٍ التكليف المعلوم بالاجمال على حاله والاضطرار المتعلّق باحدهما معينا بعد العلم أو لا بعينه قبل العلم يتعلّق بما هو الحرام واقعا اذ لو كان الحرام معلوما تفصيلاً في كلتا الصورتين كان لا يجوز رفع الاضطرار به بل بالآخر ( في ما يكون الاضطرار إلى أحدهما لا بعينه ) .

كما انه لو كان الاضطرار تعلق تفصيلاً بالحرام في البين والمعلوم تفصيلاً

تعلّق الاضطرار بالحرام بعينه

ص: 329


1- . كفاية الاُصول 2/216 .

كان يجوز له دفع الاضطرار بارتكابه لا من جهة تقييد الحكم بصورة عدم الاضطرار بل من ناحية تقدم الأهم المتوقف على ارتكاب المضطر إليه حفظا له . وإلاّ فلا يمكن أن يقال يكون الاضطرار مقيدا للواقع مطلقا ولا يمكن القول برفع وجوب عرفات وركنيتها اذ اضطرّ إلى تركها فلم يصل وكذلك لا يمكن الالتزامبارتفاع قيديّة المسح في الوضوء على البشرة اذا اضطرّ إلى تركه فيكون ساقطا بل من حيث تقدّم الأهم لابدّ من رفع اليد عن المهم وارتكابه حفظا له من باب المزاحمة . فاذا لم يكن الاضطرار مقيّداً للواقع بل موجبا للترخيص في ارتكاب المضطر إليه أو تركه فالتكليف المعلوم بالاجمال على حاله لتعلق العلم به في الاضطرار الحاصل بعد العلم وكذا في غير المعين ولو مقارناً أو قبل العلم بمقتضى فعليّة موضوعه المحقق يكون حكمه منفيا ولو كان في الواقع يمكن رفع الاضطرار بالمباح

فلم يجز ارتكاب الحرام . غاية الأمر لجهل المكلف جاء الترخيص في ارتكاب أحدهما في مورد رفع الاضطرار لعدم امكان توجيه التكليف بالاجتناب عن الحرام الواقعي وعلى هذا فبعد الاضطرار احتمال التكليف باق وهذا الاحتمال منجز عند العقل(1) بالاجتناب عن الطرف الاخر الباقي لعدم المؤمن

ص: 330


1- . لكون ذلك من قبيل العلم الاجمالي المتعلق بأحد الانائين فانه اذا تلف أحدهما لا مجال لرفع اليد عن اجتناب الباقي لوجوب الاحتياط للعلم اجمالاً بوجود تكليف منجز متعلق بين الاناء التالف إلى حدّ تلفه أو تكليف منجز متعلق بالاناء الباقي الاخر الذي لم يتلف فاللازم الاجتناب عن كلا الانائين وبتلف أحدهما لا يكون الاحتياط مرتفعا عن الآخر فكذلك الحال في الاضطرار في ما نحن فيه الذي التزمنا على مبنى المحقق النائيني بوجوب الاحتياط عن الباقي الذي لم يتعلّق به الاضطرار وكما في مسئلة العلم اجمالاً بوجوب احدى الصلاتين في يوم الجمعة اما الظهر الباقي وقته إلى قبيل الغروب بمقدار أداء العصر أو الجمعة المضيّق وقتها فبذهاب وقت الجمعة لا يمكن رفع اليد عن الاحتياط باتيان الظهر هذا اذا لم نقل بكون الظهر لقضاء الجمعة والا فالمثال ليس ممّا نحن فيه .

الشرعي ولا القطع في عدم موافقة التكليف المحتمل فيه لفرض عدم تقيد الواقع بعدم الاضطرار . غاية الأمر في صورة الاضطرار وقع الترخيص في الارتكاب وهذا الترخيص لم يتعلّق بالحرام . اذ لو كان معلوما لم يجز ارتكابه فالجهل بمتعلق التكليف أوجب التزاحم بين خطاب حفظ الأهم وخطاب التكليف المعلومبالاجمال في البين . وعلى هذا فلا محيص من هذا التفصيل بين الاضطرار إلى المعين قبل العلم ومعه وبين الاضطرار إليه بعده . ففي الصورة الثانية يكون احتمال التكليف منجزا كالاضطرار إلى غير المعين مطلقا بخلاف الصورة الاولى فانه من الشكّ في التكليف . ولا يمكن هذا التفصيل مع الالتزام بتقييد الواقع بالاضطرار ويخرج من باب التزاحم ويكون داخلاً في باب التعارض كتعارض الاطلاقين .

وهذا خلاف مبنى المحقق النائيني(1) اذ لا يقول بالتعارض الا فيما اذا كان التعاند دائميا والا ففي التعاند الاتفاقي بجعله من باب التزاحم وحيث ان التعاند بين حفظ النفس الأهم وبين ارتكاب الحرام ليس دائميا فلا يكون من باب التعارض وهكذا الحال في ساير الفقرات الواردة في حديث الرفع فانه لا يمكن الالتزام بكونها مقيدة للواقع على هذا المبنى بل كلّها من باب المزاحمة والا فيكون التعاند والتزاحم في مقام الجعل والمقتضي لا في مقام قدرة المكلف .

وقد بينّا في محلّه ان القدرة ليست داخلة في ملاك التكليف بل هي شرط عقلي لحسن الخطاب .

إذا لم يكن التعاند دائميّاً

ص: 331


1- . فوائد الاُصول 1/221 .

والحاصل انه لا يمكن هذا التفصيل مع الالتزام بتقييد الواقع بالاضطرار والاّ فلابد من الالتزام بمبنى المحقّق الخراساني مع انّ المحقّق النائيني لا يلتزم

بذلك بل يجعل حال ما ذكر من موارد الاحتياط كحال التلف بعد العلم في وجوب الاحتياط بالنسبة إلى الطرف الباقي .

فتحصل ممّا ذكرنا انه بناءً على مبنى المحقّق الخراساني قدس سره تكون النتيجة

بناءً على كون العلم الاجمالي هو المدرك في المقدمة الثانية عدم وجوب الامتثالوعدم التبعيض في الاحتياط رأسا لما عرفت بخلاف ما بنى عليه المحقّق النائيني بناءً على كون المدرك هو العلم فان الضرورة تتقدّر بقدرها فبالمقدار الذي تعلق به العسر لا يكون الاحتياط واجبا وفي الباقي لا محيص عن الاحتياط لما ذكر من الوجه .

هذا اذا كان حدوث الاضطرار بعد العلم(1) . اما اذا كان قبله أو معه كما في ما نحن فيه حيث ان العسر والحرج في الاحتياط في أطراف المعلوم بالاجمال حاصل مع العلم لا بعده فلا يكون هناك علم بالتكليف فلا احتياط ولا تبعيض .

اللهم الا أن يكون هناك علم اجمالي خاص فى دائرة المظنونات أو مع المشكوكات التي لا عسر فيها .

اما اذا كان المدرك في المقدمة الثانية هو أحد الوجهين الآخرين من الاجماع على عدم جواز الاهمال أو محذور الخروج من الدين من الاهمال . فحينئذٍ يكون ذلك ملازما للعلم بجعل الشارع طريقا إلى ذلك وهو الاحتياط

ص: 332


1- . ولا مانع من جريان دليل العسر والحرج في رفع ما يوجب العسر والحرج ولو كان في أطراف العلم الاجمالي لكونه من شؤون التكليف المعلوم بالاجمال فيمكن أن يشمله دليل نفي العسر والحرج .

الواصل بنفسه في غير ما يخل بالنظام . اذ هو أمر مرغوب عنه شرعا لا يلزم به العقل أيضا ولكن لا مجال في المقام لجريان دليل العسر والحرج لنفي وجوب الاحتياط لما عرفت من ان وجوب الاحتياط حينئذٍ بعنوان العسر والحرج وهو يكون من قبيل الموضوع ولا يمكن أن ينفي بدليل نفي الحرج والعسر فهو من قبيل ما جعل ضرريّا وحرجيّا من أصله كوجوب الزكوة والخمس والحج والجهاد ولا مجال لرفع ذلك بنفي الضرر والحرج وأمثالهما لعدم حكومة هذه الأدلّة على أدلّةهذه الأحكام التي هي مجعولة على نحو الخصوص بعنوان الضرر والعسر والاحتياط في حال الانسداد بناء على ان الاجماع أو لزوم الخروج من الدين في مدرك المقدمة الثانية من هذا القبيل ولا يمكن حكومة دليل نفي الحرج والعسر عليه كما اذا جعل على مورد النسيان حكم من الأحكام فلا يمكن أن يرفع بالنسبان لاستحالة كون مقتضى الشيء رافعا له .

ان قلت: ما الوجه في التفكيك بين كون العلم الاجمالي هو المدرك في المقدمة الثانية وبين كونه هو أحد الوجهين الآخرين من جريان دليل نفي العسر والحرج في الأوّل دون الآخرين .

قلت: الفرق بينهما ان العلم الاجمالي انحلالي فلا مانع من جريان دليل نفي العسر والحرج في كلّ مورد من الموارد حسب تحقّق الموضوع لهما بخلاف الوجهين الآخرين فان متعلّقهما هو حكم جعل بعنوان المجموع فاذا ارتفع بنفي الحرج أو الضرر أو العسر مرتبة منه فلا موجب للاحتياط في الباقي . وحينئذٍ فيلزم من جريان هذه الأدلّة في مواردها انتفاء الحكم رأسا فتدبّر جيد في أطراف ما ذكرناه .

تفترق النتيجة في مدرك المقدّمة الثانية

ص: 333

طور آخر من البيان والتقرير: قد تحصل ممّا ذكرنا ان المدرك في المقدّمة الثانية لو كان هو العلم الاجمالي فالاحتياط لازم عقلاً في غير ما يوجب اختلال النظام كما انه اذا استلزم ذلك العسر والحرج سواء كان ذلك في المحرّمات أو الواجبات يكون مرخّصا في ترك الاحتياط بمقدار العسر والحرج ويبقى لزومه في الباقي الذي لا عسر ولا حرج فيه بحاله .

فاذا كان الاحتياط العسري في دائرة معينة فيكون ترك الاحتياط فيها مرخصا فيه بلا اشكال . اما اذا لم يكن في دائرة معينة بل يكون الاحتياط في تمامالأطراف من المظنونات والمشكوكات والموهومات عسريا ويرتفع العسر بترك الاحتياط في احديها فاللازم جعله في دائرة الموهومات . فان ارتفع العسر والحرج فيحتاط فى المظنونات والمشكوكات والا فيترك الاحتياط في كلّ المشكوكات أو مقدار منها يرتفع به العسر . كما انه لو كان اقتصار الاحتياط في المظنونات أيضا عسرياً فبمقدار رفع العسر والحرج يترك الاحتياط فيها مخيرا لتساوي اقدام كلّ فرد من كلّ طائفة لو دار أمر الاحتياط فيها بخلاف ملاحظة المشكوكات والموهومات إلى المظنونات أو الموهومات إلى المشكوكات فان العقل لا يرى لها التساوي . فحينئذٍ لو لم يكن العسر في احداها معينا فاللازم اختيار ما هو الأخف عند العقل والاحتياط في الطرف الذي هو أقرب إلى الواقع . ولهذا قدمنا الاحتياط في المظنونات على الباقي وكذا المشكوكات وخصّصنا ترك الاحتياط بالموهومات وكذا بمقدار من المشكوكات أو كلّها ان بقي بعد اخراج الموهومات عسر وحرج .

والحاصل انه لا مجال للكشف على هذا المبنى ( بل ذلك انما يكون في

ص: 334

مورد الشبهة الموضوعيّة كالقبلة اذا لم يمكن الاحتياط في جميع الأطراف فان كان أحد الأطراف أو أكثر منها مظنونا فيتعيّن اختيارها اذا لم يمكن الاحتياط في جميع الأطراف الأربعة التي وجب الاحتياط فيها بمقتضى النص(1) والا فالقاعدة

تقتضى أكثر من ذلك واذا لم يسع الوقت الاتيان بالجميع فالمظنون لو كان واحدا كما انه لو كان أزيد ولم يكن الوقت واسعا فالتخيير ) كما لا مجال لرفع اليد عن الاحتياط بالكلية . لكن هذا لو لم يكن هناك مانع عن الاحتياط كالاجماع علىعدم جواز الاحتياط في الشريعة أو على جواز ترك بعض محتملات الوجوب أو اتيان بعض محتملات الحرمة باجراء البرائة فيها فحينئذٍ لا يمكن الاحتياط .

وهذا على فرض قيام مثل هذا الاجماع كما ادّعى من السيّد الرضي على ما نسب إليه وقرّره عليه أخوه السيّد المرتضى لكن الكلام في صحّة النسبة كما انه على فرض صحّة هذا الاجماع يمكن الاشكال في اطلاقه باختصاصه بما اذا كان الامتثال التفصيلي ممكنا لاجتهاد أو تقليد بخلاف صورة انسداد باب العلم كوضوح اختصاصه بالعبادات بخلاف المعاملات فانه لا مجال للخدشة في جواز الاحتياط فيها بل الاشكال في حسن الاحتياط مخصوص بالعبادات من جهة قصد القربة وغيرها .

وكيف كان فهذا الذي أشار إليه الشيخ في رسائله وأورد على نفسه سؤالاً وأجاب عنه في الحاشية لكن المنقول ان المكتوب في الحاشية لم يكن من الشيخ بل انما هو من الميرزا الشيرازي قدس سره لكنّه بتفويض الشيخ لعدم وفاء عمره رحمه الله على أزيد من تنقيح ما كتبه إلى مباحث العلم الاجمالي . ونتيجة هذا الاجماع ان تحقق

اشكال اجماع السيّد المرتضى

ص: 335


1- . الوسائل 4 الباب 8/1 - 5 من أبواب القبلة .

هو كون الظن حجّة شرعا لدوران الأمر بين أمور كلّها باطلة فحدس ان الظن حجّة لأنه اما أن لا يكون حكم في حال الانسداد أو يكون ولا يريد الشارع امتثالها وهذان باطلان قطعا .

ثمّ انه بعد تسلم ثبوت الأحكام وارادة امتثالها فاما ان يكون بالاجتهاد أو التقليد والثاني باطل لأن مبنى الانسدادي هو الجهل بالأحكام الواقعيّة وعدم انفتاح باب العلم والعلمي . فمن يدعى الاجتهاد يكون دعواه خطأ عند الانسدادي فكيف يجوز الرجوع إليه كما ان الأوّل أيضا لا مجال له بعد انسداد باب العلم والعلمي بالأحكام حسب الفرض وقد بطل الامتثال العلميالاحتياطي بمقتضى الاجماع فيبقى جعل الشارع حجّة في البين قابلاً لتعلق جعله به وينحصر في الظن لعدم قابليّة غيره من الشك والوهم لذلك . فتكون نتيجة المقدّمات على هذا هو الكشف بلا فرق بين كون مدرك المقدّمة الثانية التي هي عدم جواز اهمال الأحكام الثابتة في الشريعة هو العلم الاجمالي أو الوجهين الآخرين من الاجماع والضرورة للخروج عن الدين ولا تصل النوبة إلى تقرير الحكومة بل إمّا ان تنتج المقدمات الكشف أو التبعيض في الاحتياط على ما عرفت .

نعم يمكن أن يقال بعدم انحصار ما هو قابل لجعله حجّة في حال الانسداد على هذه المقدمات بالامور الثلاثة بل يحتمل جعل الحجيّة في امور آخر كالاستخارة أو النوم أو القياس والرمل والجفر وغيرها سواء كانت هذه مفيدة للظن أم لا كما هو مبنى من يأخذ بالظواهر مطلقا حتى مع الظن بالخلاف فضلاً عن الظن النوعي فضلاً عن الشخصي ( نعم بناء على كون حجيّة الظواهر من باب

ص: 336

الاطمئنان فلا اشكال بل لا يمكن الفتوى بدون الاطمئنان والعلم العادي ) وعلى هذا الاحتمال فلا نستفيد الا جعل حجة في البين مهملة لاحتمال خصوصيّة ظن خاص من أحد هذه الأمور كما يحتمل جعل أحدها حجّة مطلقا ولو مع الظن على الخلاف .

فحينئذٍ لابدّ من اجراء مقدمات الانسداد في تعيين ما هو الحجّة المجعولة في البين .

تكميل وتتميم قد عرفت اختلاف النتيجة حسب اختلاف المدرك في المقدمة الثانية وانه على فرض كون المدرك هو العلم الاجمالي فاللازم الاحتياط في خصوص دائرة المظنونات وعدم وجوبه فيما يخل بالنظام ووقوع المكلّف فيالعسر والحرج في الاحتياط في الباقي فحينئذٍ يتبعض الاحتياط . فاذا كانت الأطراف متساوية الاقدام يكون المكلف مخيّرا في تطبيق الميسور من الأطراف على كلّ طائفة منها . اما اذا لم يكن هناك تساوي في المحتملات وكان بعضها أرجح من بعض والفرض انه لا اطلاق لدليل الأخذ بالميسور وعدم الاحتياط في ما يوجب العسر كي يستفاد التخيير ولو على فرض وجود المزية ورجحان بعضها على بعض فالعقل بمقتضى قبح ترجيح المرجوح على الراجح يعيّن دائرة التطبيق على الراجح . فاذا كان الاتيان بجميع دوائر المحتملات من المظنونات والمشكوكات والموهومات عسريا ويرتفع العسر بترك بعض الموهومات فيأتي بالباقي أو بكلها ففي المظنونات والمشكوكات . واذا لم يرتفع العسر بذلك فيترك الاحتياط في بعض المشكوكات على حد يرتفع العسر واذا لم يرتفع العسر فيتركها

اختلاف النتيجة باختلاف مدرك المقدّمة الثانية

ص: 337

كلاًّ ان ارتفع والا فبضم مقدار من المظنونات(1) . فحينئذٍ تكون النتيجة على هذا هو الاحتياط بعضا كما انّه على الوجهين الاخرين كانت النتيجة هو الاحتياط ولو مع العسر والحرج . لكن هذا اذا جاز الاحتياط في الشريعة ولم يجز الرجوع إلى الأصول الجارية في مجاريها وكذا لم يجز التقليد كما يدلّ على الثاني ما ذكرنا من كونه رجوعا إلى الجاهل . وهكذا يدل على الأول عدم جواز الرجوع إلى الأصول النافية اما لمخالفة العلم أو للامرين الآخرين والمثبتة لعدم وفائها على تقدير تماميّة المجرى بمعظم الأحكام . هذا اذا كان لنا علم سابق في الشبهة الحكمية وطرء شك لاحق وقلنا بجريان الاستصحاب في الشبهة الحكميّة . والا فالتحقيقعدم تحقق الموضوع للشبهة الحكميّة استصحابا كما انه لا مجال لواحد من الأصول الشرعيّة لفرص انسداد باب العلم والعلمي فلا دليل على حجيّة هذه الأصول شرعا فبقي مجرد قاعدة القبح بلا بيان والحاصل انه لا موضوع لبعض هذه الأصول في كثير من الموارد لعدم تحقق علم سابق بالتكليف كما في الاستصحاب ولا دليل على حجيّتها مطلقا شرعا لفرض الانسداد فيبقى بطلان الاحتياط فلو قام على بطلانه وانه لابدّ من الاتيان على وجهه والامتثال التفصيلي والاتيان بمتعلق التكليف رجاءً أمر مرغوب عنه شرعا . فحينئذٍ بضميمة المقدمة الثانية وهي عدم جواز الاهمال إلى هذه المقدمة من بطلان الامور الثلاثة من الرجوع إلى فتوى الغير والأصول الشرعيّة والاحتياط يستنتج وجود حجة مجعولة في البين .

ص: 338


1- . هذا اذا لم يكن لنا علم اجمالي في خصوص دائرة المظنونات والا فمن اول الأمر ينحصر الاحتياط بدائرتها على فرض ارتفاع العسر والحرج بالمشكوكات والموهومات .

اذ بعد عدم جواز الاهمال ووجود الأحكام وعدم جواز الامتثال الاحتمالي الذي بنائه على عدم معلوميّة التكليف في كلّ واحد من الأطراف وحده والاتيان رجاءً إمّا أن يأتي ببعضها برجاء احتمال الواقع فهذا لا يجوز على الفرض أو يشرّع بكونه متعلق التكليف فهذا حرام . أو برجاء المخالفة فواضح بطلانه . فعلى هذا نستكشف وجود حجة مجعولة في البين كي يكون هو المرجع في تعيين التكاليف تفصيلاً . فان تمّ هذا الاجماع فيكون للاشكالات الثلاث التي ذكرها الشيخ في رسائله ( أو على حاشيته على النسخ التي ألحقها بها السيّد الشيرازي قدس سره بأمر منه أو رضاه ) مجال والا فلا مجال لها كما انه يمكن الاشكال في أصل قيام الاجماع اذ ليس إلاّ احتماله من كلام السيد الرضي وتقرير أخيه له والمنقول منه ليس إلى هذا المعنى وعلى فرض حجيّته انما يتمّ في العبادات لا في المعاملات بالمعنى الأعمّ لامكان الاحتياط فيها باتيان الصيغة بالعربيّة وعدمالمعاملة مع من لا يلتزم بالعربيّة أو لا يرى للفصل بين الايجاب والقبول منعا من انعقاد العقد وغير ذلك مثلاً كما انه في العبادات على فرض التمامية لا معنى لاطلاقه حتى اذا لم يتمكن من الامتثال التفصيلي كما هو الحال في فرض الانسداد أو احتمال لزوم قصد الوجه في الامتثال . وهذا أيضا كذلك لا يمكن مع عدم العلم وانما يمكن في فرض تحقق العلم بالتكليف معينا كي يمكن من قصد الوجه والاتيان به على وجهه . ولذلك ذهبوا الى عدم صحّة عمل تارك طريقي الاجتهاد والتقليد لبطلان الاحتياط عندهم في غير المعاملات .

وعلى كلّ حال فان تمّ الاجماع(1) ولا يتم وعلى فرض تماميته فيكون

إن تمّ الاجماع ينكشف وجود حجّة

ص: 339


1- . كما يقول الشيخ ان كان مظنونا أو معلوما يدل على حجيّة حجة في البين .

المنكشف وجود حجّة في البين وافٍ بمعظم الفقه فاما أن يكون هو الظن أو الشكّ أو الوهم ولا قابليّة للأخيرين فينحصر بالظن الواصل بنفسه ( أو بطريقه على تعبير المحقق النائيني ) هذا لكن وسع دائرة الاحتياط سيّدنا الأستاذ تغمده اللّه برحمته باحتمال تعلّق الجعل بالاستخارة أو القرعة أو النوم أو الرمل والجفر وغيرها اما تعيينا أو مع الظن فلا ينحصر الاحتمال بالأمور الثلاثة اللهم إلاّ أن يقال بعدم وفاء

بعضها أو أكثرها بمعظم الفقه . والباقي اما يفيد الظن أو لا ولا يمكن جعل ما لا يفيد

حجّة مع الغاء الظن لبعده في نفسه . فحينئذٍ ينحصر الاحتمال بالظن . كما انه على فرض الانسداد وكون الأطراف في الحجّة هو الظن والأمور الباقية من النوم والاستخارة والقياس وغيرها لا يمكن الاحتياط فيها حسب الفرض ولا يجوز الغائها بالمرّة والاهمال فيبقى الاشكال فلابدّ من انتهاء النوبة إلى العقل وتعيين الظن وان احتمل كون الظن ممنوعا حسب الآية الشريفة ( ان الظن لا يغني منالحق شيئا )(1) .

تبين مما ذكرنا ان نتيجة المقدمات هو الكشف عن جعل حجة وسبق الاشكال في انحصار الحجة بالظن وبل الظن ذو مراتب فكيف يكون مطلقه حجة لاحتمال حجيّة مرتبة قويّة منها دون الضعيفة أو كونه حجة من سبب خاص أو في مورد خاص دون ساير الموارد كما في موارد الأموال والنفوس فلا يكون الظن فيها حجة بل يجب الاحتياط بل حينئذٍ نعلم بوجود حجّة مجعولة في البين فيجري المقدّمات فيها وبالاخرة يكون الخبر الصحيح المزكّى كلّ واحد من رواته بعد لين مظنون الحجيّة وهو واف بمعظم الفقه .

ص: 340


1- . سورة يونس الآية 37 .

والحاصل ان الاحتمال قائم في ناحية الظن سببا وموردا ومرتبة ومعه لا مجال لانكشاف حجيّته مطلقا من الجهات الثلاث ) على نحو لو تجرى الأصول الشرعيّة المرخصة في الباقي منها لا يلزم محذور ولا مخالفة للعلم الاجمالي فالمتحصل من المقدمات على هذا أي على فرض بطلان الاحتياط هو حجيّة الظن بالطريق الوافي بمعظم الفقه لا الظن بنفس الأحكام ولا التبعيض في الاحتياط كما لا مجال للحكومة على هذا الفرض . والنتيجة إلى الآن على أنحاء . اما أن يكون الكشف أو التبعيض في الاحتياط أو جعل الحجّة المجهولة واجراء المقدّمات في تعيينها . لكن الشيخ قدس سره بعد ابطال المقدّمة الثالثة وهي الرجوع إلى الطرق الثلاثة من التقليد والأصول الشرعيّة والاحتياط انتقل إلى المقدّمة الرابعة بعد اختياره في المقدّمة الثالثة الاتيان بالمظنونات من باب حكم العقل وانه مستقل بلزوم الاتيان بالأحكام تفصيلاً علميّا وحيث لا علم فيكون امتثالها واجباعلى نحو الاجمال تفصيلاً بأن يكون كلّ واحد من الأطراف محتملاً لكن يعلم بامتثال التكليف فيها وبعد بطلانه بقيام الاجماع على بطلان الاحتياط تصل النوبة إلى المرتبة الظنيّة ودونها الاحتماليّة . فانه يرد على الشيخ قدس سره انه بعد لزوم الطريقة الظنيّة هل يكون الاتيان بها جزما أو بالاحتياط فان كان الثاني فهو عين ما أبطله من التبعيض في الاحتياط وان كان الأوّل فهو تشريع . ونقل عن المحقّق النائيني ان السيد محمد الاصفهاني قرب عشرين يوما المقدمة الثالثة بتقريبات للانتقال منها إلى المقدّمة الرابعة وكان يرد الاشكال فانتقل منها إلى الرابعة ولم يعترف لورود الاشكال على الشيخ قدس سره بل اعترف بعدم فهمه كلام الشيخ .

تنبيه: لا يخفى ان الشيخ قدس سره اختار مذهب الحكومة العقليّة وفرض العلم

اجراء الشيخ المقدّمات

ص: 341

بالأحكام مسلما واجرى المقدمات على حسب ذلك . فحينئذٍ يكون الامتثال

واجبا قطعا تفصيلاً وحيث انه لا يتمكن في حال الانسداد من ذلك لعدم العلم التفصيلي بها فيكون الامتثال التفصيلي الاحتمالي واجبا بحكم العقل كما سبق التنبيه على ذلك في مبحث القطع من كون الاحتياطي الاجمالي في عرض التفصيلي . نعم استشكل في العرضيّة . وحيث قام الاجماع بمقتضى المقدمة الثالثة على عدم جواز الاتيان بالمحتملات احتياطا لبطلان الاحتياط تصل النوبة إلى المرتبة الثالثة من الامتثال وهو الامتثال الظني كما انه لو لم يتمكن منه يتعين الامتثال الاحتمالي شكّا أو وهما . فعلى هذا لا مجال للاشكال على الشيخ قدس سره بكون نتيجة المقدّمة الثالثة هو التبعيض في الاحتياط فكيف ابطله الشيخ وانتقل إلى المقدمة الرابعة وذلك لوضوح كون مراد الشيخ وصول النوبة إلى الامتثال الظني بعد عدم التمكّن من المراتب السابقة اما لاختلال النظام به أو لقيام الاجماع والعسر والحرج بدون كشف جعل حجّة من الشارع وافٍ بمعظم الفقه فانه علىهذا تكون النتيجة هي الكشف . وعلى هذا وإن كان الامتثال الظني بحكم العقل ولكنه لا يمكن الاتيان بقصد الوجه كما في التبعيض في الاحتياط الاّ ان الطريق مختلف كما هو الحال في أصل تعيّن المرتبة الظنيّة من الامتثال في موارد اشتباه القبلة لو كان الوقت غير واسع للاحتياط في جميع أطراف المحتملات .

والحاصل انه بعد وضوع مراد الشيخ لا مجال للاشكال عليه كما لا مجال للاشكال على ما ذكر في حاشية الرسائل من انه بقيام الاجماع قطعيا أو ظنيّا على جواز الرجوع في المشكوكات إلى الأصول اذ معناه ان نتيجة الاجماع هو الكشف عن جعل الظن حجّة على نحو الكشف وذلك لعدم ورود هذا الاشكال على

ص: 342

الشيخ

قدس سره لاعتراف المحقق النائيني قدس سره على عدم كونه من الشيخ بل الحقه بالمقام

بعض تلامذته كما نقلنا عنه سابقا . وعلى هذا فلا اشكال على عبارة الشيخ في المقام ولا على ما سينتج على هذا لترتيب المقدمات .

بقي التنبيه على أمور:

أحدها: ان نتيجة المقدّمات هل هو الظن بالواقع أو بالطريق والمؤدى أو الأعم ؟

اختار الشيخ الأخير . خلافا لصاحب الفصول تبعا لما اختاره أخوه

المحقّق صاحب الحاشية من افادتها حجيّة الظن بالطريق لا المؤدّى ولا يخفى ان هذا الاختلاف راجع إلى الاختلاف في مصب المقدّمات . فانه لو أجرينا المقدّمات على الأحكام المعلومة في الشرع فتكون النتيجة اما خصوص الظن بالواقع أو الأعم منه ومن الواقع لما أفاده الشيخ قدس سره من لزوم تحصيل المؤمن اما بظن الامتثال أو بالاتيان بما يظن ان الشارع جعله مبرئا للذمّة ومفرّغا لها وبكلّ منهما يحصل المؤمن الظني الذي يلزم تحصيله بحكم العقل . واما لو جعلنا مصبالمقدمات هو خصوص الطريق والامارة فالنتيجة لا محالة هو حجيّة الظن بالطريق .

بيان ذلك: ما أفاده في الفصول ملخّصا لما عن أخيه قدس سره من انا نقطع بأنّنا مكلّفون بأحكام الشريعة ونقطع أيضا بجعل الشارع طريقا عليها وحجّة موصلة إليها ومرجع القطعين إلى أمر واحد وهو اننا مكلّفون بمؤدّى الامارات واحتمال اختفاء هذا الطريق والفرق بينه وبين مسئلة الخلافة حيث أنكروها مدفوع بوضوح الفرق .

ملخّص ما أفاده في الفصول

ص: 343

لكن استشكل هذا الفرق ووضوحه سيّدنا الأستاذ قدس سره بانكار اختفاء مسئلة الولاية حيث انهم لم ينكروا ذلك بل رووها في كتبهم بطرقهم المختلفة لكنّهم وجّهوها بتوجيهات وأوّلوها كما انّ بعضهم حيث أنكرها إنّما أنكرها لعناده واعتقاد بعضهم على انه عليه السلام فوّض إلى المتقدّمين عليه أمر الخلافة والتصدّي ظاهرا وجعلهم نوابا له عليه السلام وانكار الولاية لهم واعتقاد امامتهم .

وكيف كان فعلى هذا المبنى لا اشكال في اجراء المقدّمات في تعيين هذا الطريق وتكون النتيجة هي حجيّة الظن بالطريق وليس في ما بأيدينا من الطرق ما يكون قابلاً للجعل أو محتملاً له بحيث يكون وافيا بمعظم الفقه غير الظن . غاية الأمر يمكن اختصاصه بدائرة الأخبار لو وفى والا فيضم إليه الشك وهكذا إلى ان يفي بمعظم الفقه ولهذا جعلوا دليل الانسداد من الأدلّة العقليّة الدالّة على حجيّة مطلق الظن أو على خصوص الظن الخبري . وظاهر هذا المبنى هو التصويب . لكن لابدّ من توجيه كلامهم على نحو لا يرد عليه هذا الاشكال ولا غيره من الاشكالات الخمس التي أوردها عليه الشيخ قدس سره وتصدّى المحقّق النائيني لتوجيه كلامه على وجه يندفع كثير من هذه الاعتراضات أو جميعها .تبيين وتوضيح وتكميل: أشرنا إلى استفادة صاحب الفصول كاخيه من المقدّمات حجيّة الظن بالطريق دون الواقع وبينا وجهه منه بظاهره الذي يرد عليه اشكال التصويب كما أورد عليه الشيخ قدس سره خمس اشكالات وأجاب المحقّق النائيني(1) عن أربع منها بما لا يدفع الاشكال إلاّ عن بعضها والتزم بورود الاشكال الخامس عليه فانه قدس سره قد وجّه كلام صاحب الفصول وحمله على غير

ص: 344


1- . فوائد الاُصول 3/282 إلى 286 .

ظاهره ولذلك اندفع بنظره أربع اشكالات ولكنه لا يكون كلام صاحب الفصول ولا ظاهره . بل الظاهر ورود الاشكالات التي أوردها الشيخ عليه على ظاهر كلامه ولا مدفع عنها الا برفع اليد عن كونه كلامه ونسبة كلام آخر إليه .

وتبديله فانه قدس سره وجهه بانا نقطع بكوننا مكلفين ضرورة كما نقطع بنصب الشارع طرقا موصلة إلى الأحكام الواقعيّة والتكاليف بما يكون واقيا بمعظم تلك الأحكام أو كلّها . ومقتضى القطعين انحلال العلم الاجمالي بدائرة التكاليف بالعلم بما في دائرة الطرق المنصوبة وتوظفنا بالعمل بمؤدى الطرق وحيث لا علم لنا بالطريق المنصوب فاللازم اجراء المقدّمات في استنتاج حجيّة الظن بالطريق لا الواقع لانحلال العلم بالواقع بما في دائرة الطرق فوجّه النائيني كلامه فى نصب الطريق باحتماله أو ارادته أعم من الامضائي أو التأسيسي . فيمكن الايكال إلى الطرق العقلائيّة وامضائها . وعلى هذا لا يرد عليه اشكال الشيخ بأنّه لو كان الطريق

منصوبا لوصل إلينا واشتهر . أو بعدم العلم بنصب الطريق . ولكن ظاهر كلام صاحب الفصول يأبى حمله على الأعم من التأسيسي والامضائي . كما انه لأخيه قدس سره وجه آخر في حجيّة الظن بالطريق لا مجال لايرادات المحقّق النائيني قدس سره عليه بل على فرض تسليم المقدّمات لابدّ لنا من الالتزام بما استنتج منها لحجيّة الظن بالطريق دون الواقع . وهذا الطريق الذي سلكه أوضح من الطريق الأول والوجه السابق الذي نقلناه عن صاحب الفصول .

وحاصله لزوم تحصيل المؤمن على الواقع بعد العلم القطعي بوجود تكاليف لازمة الامتثال . وعلى هذا فحيث لا علم لنا بالمؤمّن الذي جعله الشارع مؤمّنا فيكفي الظن به فالعبرة بالظن بالمؤمن لا بالظن الواقع إذ مع الظن بالواقع لا يظن

ص: 345

بالبرء والفراغ فلا مؤمّن لنا بالاكتفاء به .

والحاصل انه سنتكلّم إن شاء اللّه في بيان صحّة أو فساد هذين الوجهين ولكن يمكن أن يقرب دليل صاحب الحاشية بنحو آخر يكون نتيجته حجيّة الظن بالطريق . بأن نقول انا نعلم علما قطعيّا بوجود تكاليف موجهة إلينا لا نعلمها تفصيلاً ولذا لا يجوز اهمالها وعدم التعرض لها بوجه . للخروج عن الدين ومخالفة شريعة سيّد المرسلين . وحينئذٍ فمقتضى القاعدة الأوليّة الاحتياط في أطراف المعلوم بالاجمال بما يمكن تامّا أو مبعضا .

ثمّ انه اذا قام الاجماع على عدم جواز الامتثال الاحتياطي وبطلانه ولزوم الامتثال تفصيلاً فلا محالة يكون الظن حجّة في مقام اثبات التكاليف لدوران الأمر بين رفع اليد عن الأحكام في حال عدم العلم بها وانسداد باب العلم والعلمي بها أو عدم ارادة امتثالها وجواز اهمالها أو ترخيص الامتثال علميّا احتياطا أو جعل طريق وافٍ بمعظم الأحكام كاشفا عنها كشفا تفصيلاً بحيث يمكن معه جريان الأصول المرخصة في الباقي . وحيث ان الاحتمالات الثلاث الأول باطلة بداهة بطلان رفع الأحكام كبطلان عدم ارادة امتثالها وتجويز مخالفتها واهمالها وهكذا بطلان الامتثال الاحتياطي لقيام الاجماع على المنع . فحينئذٍ لابدّ من جعلحجّة مثبتة لها يمكن معها الامتثال التفصيلي بحكم العقل . فنرجع إلى الطرق القابلة للاثبات فبعضها قطعي العدم في تعلق الجعل بها وبعضها موهوم وبعضها مشكوك وبعضها مظنون الجعل . ولو اجرينا مقدمات الانسداد في هذا الطريق المجعول وأردنا الاحتياط فيه فيلزم المحذور الكائن في نفس امتثال الأحكام . فلا جرم لعدم التمكن من العلم يكون نوبة الظن بحكم العقل ويكون مظنون الجعل هو

ص: 346

الحجّة . وهو منحصر بدائرة الأخبار لافادة أدلّة حجيّتها الظن لو لا القطع حسب الفرض من الآيات والأخبار . بخلاف الشهرة والاجماع والأولويّة الظنيّة فانّها مشكوك الحجيّة . فهذا الظن في فرض انسداد باب العلم والعلمي وتماميّة المقدّمات السابقة يكون حجّة قطعا بلا اشكال . لبطلان الاحتمالات المقابلة لها بحكم العقل والفرض . وعلى هذا فيكون دليل الانسداد دليلاً عقليّا على حجيّة أخبار الآحاد في قبال الأدلّة النقليّة المقامة على حجيّتها ويصح عد دليل الانسداد من الأدلّة العقليّة التي أقاموها على حجيّة الخبر . نهاية الأمر عدم وصول النوبة إلى اجراء المقدّمات لكونها فرضيّة لبطلان المقدّمة الأولى من انسداد باب العلم والعلمي بالنسبة إلى انسداد باب العمل لانفتاحها بالنسبة إلى العلمي بأسهل ما يكون حسب ما تقدم من الأدلّة عليه .

تتميم: انّ المحقّق النائيني قدس سره بعد دفع باقي الاشكالات ( غير الأخير ) بعد انسداد باب العلم والعلمي كما هو مفروض المقدّمة الاولى من المقدّمات وبطلان الاحتياط واخويه يردّد(1) الأمر بين امور يكون حجيّة الظن بالخبر من بينها حقا على ما سبق حيث ان الأدلّة المقامة على حجيّة الخبر الواحد لو لم تفد العلمبالحجيّة فلا مجال ( لانكار ) افادتها الظن بالحجيّة وحينئذٍ فتكون النتيجة حينئذٍ حجيّة الظن بالطريق وهو خصوص الخبر الواحد . وأمّا باقي ما يحتمل جعل طريقيته فيكون مشكوك الجعل فلا يفيد شيئا وكذلك الظن بالواقع لعدم اجدائه من الحق شيئا .

وعلى هذا فلا يتوجه عليه الاشكال أصلاً . واما ما أفاده أخوه ( صاحب

تحليل كلام صاحب الفصول وأخيه

ص: 347


1- . فوائد الاُصول 3/234 .

الفصول

قدس سره ) صاحب الحاشية . فهو انه لا اشكال ان اللازم علينا تحصيل العلم بالفراغ أو تحصيل العلم بجعل الشارع المفرغ بالنسبة إلى الأحكام لنا بمعنى جعله شيئا يكون لازمه الحكم بالمفرغيّة وهذا هو الذي عبّر عنه الشيخ قدس سره بأنّه حكم حكما جعليّا بأنّه هو الواقع أو هو المراد .

وظاهر العبارة وان كان لا يناسب الأصول الا ان المراد على الظاهر منها ان الشارع جعل حكما ظاهريّا يكون سلوكه مبرئا للذمّة مفرغا عنها ولو كان ذاك الطريق المجعول هو غير تأسيسي بل امضائيّا وهذا ممّا يظهر بالتأمّل والتدبّر في كلامه قدس سره ولا مجال لتوهّم اختصاص الحجّة في كلامه بخصوص التأسيسي لا انه يقيّد الواقع ويكون مراده الواقعي هو مؤدّى ما جعل كي يكون مستلزما للتصويب . وعلى هذا ففي حال التمكن لابدّ من أحد الأمرين . فاذا تمّت المقدّمات وانسد باب العلم والعلمي بالواقعيّات وبطل الاحتياط بمعنى قيام الدليل المعتبر على عدم جواز الاتيان بما يخل بالنظام ولا بأدون منه ولا يريد الشارع امتثال أحكامه كذلك فلا محالة يكون الظن قائما مقام العلم في الجهة التي كان طريقا فيه وهو تعلّقه بنفس الواقعيّات أوباتيان المفرغ للذمّة .

وحينئذٍ فبعد تماميّة المقدّمات يكون الظن قائما مقام العلم وتكون النتيجة حينئذٍ حجيّة الظن بالطريق وهو منحصر بخصوص الخبر الواحد الذي يظن جعلالشارع اياه حجة دون غيره من الشهرة في الفتوى وغيرها . اذ هو أي خبر الواحد هو الذي يظن جعل الشارع له مفرغا للذمّة لا غيره .

بل غيره يكون مشكوكا . وعلى هذا التقريب وسابقه الذي سلكه أخوه يصحّ جعل دليل الانسداد من الأدلّة العقليّة المقامة على حجيّة الخبر الواحد .

ص: 348

ثمّ انه لا مجال لجعل الظن بالواقع أيضا حجة . وهذا لعدم ملازمة الظن بالواقع للظن بالمفرغ بل الظن بالطريق هو الملازم للظن بالمفرغ الذي جعله الشارع مفرغا الذي هو في عرض المفرغ الواقعي .

وعلى هذا ففرق بين العلم والظن حيث ان الأول تكون حجيّته ذاتيّة له لا تنالها يد الجعل نفيا واثباتا بسيطا ولا مركبا ويكون حجّة مطلقا سواء تعلّق بالطريق أو المفرغ أو الواقع بخلاف الظن فانه يحتاج إلى الجعل والمقدمات على هذا التقدير لم تجر الا فيما يكون نتيجته هو خصوص حجيّة الظن بالطريق المفرغ الذي يكون بسلوكه مظنون الفراغ من الأحكام الواقعيّة فتدبّر جيّدا فانه على هذا بعد تسليم المقدّمات أيضا لا مجال للاشكال فيه .

تذكار: في ما أورده المحقّق النائيني على ما افاده صاحب الحاشية المحقّق طاب ثراه في عبارته في المقام أوّلاً بانه لا معنى لحكم الشارع بافراغ الذمّة حيث ان الاتيان بالمأمور به على وجهه وموافقة الأمر يجزي عن الواقع قهرا لكون الانطباق قهريا والاجزاء عقليا فلا وجه لحكم الشارع بالاجزاء وفراغ الذمّة كما انه لو لم يحصل الامتثال والفراغ بالاتيان به مرّة واحدة فلا يكون اتيانه

مجزيا بعدها أيضا لكون حكم الامثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحدا . كما انه اذا لم يكن المأتي به موافقا للمأمور به فلا يكون مجزيا ومفرغا قطعا .

وعلى كلّ حال فامر الاجزاء والحكم بافراغ الذمّة ليس بيد الشارع . بل هوأمر عقلي فان كان موافقا للأمر فمفرع والا فلا . وفي صورة الموافقة وحصول الاجزاء عقلاً لا معنى لحكم الشارع بالاجزاء والافراغ لكونه من تحصيل الحاصل بالوجدان بالتعبد الذي هو من أسوء أنحاء تحصيل الحاصل . واما ثانيا

ص: 349

فانه لا وجه لجعل حكم الشارع بالافراغ مطلقا حتّى في فرض حصول العلم بالفراغ لما فيه من المحذور الذي هو كونه من تحصيل الحاصل بل من أسوء أنحائه . وثالثا يرد على هذا الوجه والوجه السابق الذي استند إليه صاحب الفصول قدس سره انه لا أثر للطريق المجعول المجهول الذي لم يصل اذ لا يكون له آثاره من المنجزية واصالة الظهور والحجيّة وغيرها . بل انما تترتب هذه الآثار على الطريق الواصل المحرز فمجرّد جعل الطريق الذي لا يعلم أي طريق هو من بين الطرق لا يكفي في المنجزية ولا تترتب آثار الحجيّة عليه . ورابعا انه لا ينحصر الملازمة بين الظن بالطريق والظن بالفراغ بل يمكن تحقق الملازمة بين الظن بالواقع والظن بالطريق المفرغ أيضا وهذا الأخير سيجيء الكلام عليه .

وأمّا الوجوه الثلاثة المتقدّمة فقابلة الدفع عن المحقّق صاحب الحاشية قدس سره

اما الاول . فلانه ليس مراد المحقق ان الشارع يحكم بالفراغ وان المكلف صار بريء الذمّة بقوله ابرأت ذمتك أو حكمت بابرائها بل مراده قدس سره من عبارته ما أفاده الشيخ الأنصاري قدس سره وارتضاه المحقق النائيني بل كان يعجبه تعبير الشيخ فكان يكرر ذكره في مواضع من أبحاثه من جعل الشارع شيئا يكون هو هو وبعبارة اخرى يحكم حكما بانه المراد وهو المراد من جعل هو هو وان كان هذا التعبير أيضا لا يخلو من الاشكال لانه ان كان هو الواقع فلا يحتاج إلى الجعل والا فيكون تنزيلاً لغيره منزلته .

وكيف كان فمراد المحقّق قدس سره جعل الشارع طريقا ولو امضائيّا يكون المكلفبسلوكه بريء الذمة . وهذا غير جعل المؤدّي في عرض الواقع ويكون الاتيان بكليهما مجزيا كي يرد عليه اشكال النائيني بأن المؤدّى لا يغير الواقع . بل الامارة

ص: 350

ليس فيها الا الطريقيّة فان أصابت والا فليس الا المعذوريّة حتى انه لو الجأنا إلى شيء فنلتزم بالمصلحة السلوكيّة على نحو لا يلازم التصويب هذا . كما انه لم يجعل حكم الشارع على ما ذكرنا في فرض العلم حال الانفتاح على نحو يكون مع العلم مجال لحكم الشارع بفراغ الذمّة . بل التدبّر في مقدّمات كلامه وما أفاده قدس سره في هذا المقام يرشد إلى ما ذكرنا من امضاء الشارع الطريق المسلوك عند العقلاء لعدم حصول العلم من قول الراوي الذي يحتمل عدم انفهام كلام الامام علیه السلام على وجهه كما يحتمل انه نسيه ولم ينقله على ما سمعه . وكذلك يحتمل الاشتباه ومع هذه الاحتمالات لا يحصل العلم بخبره . مع انه أخذ بقوله ولم يرد عنا الشارع عنه بل امضاه وعلى كلّ حال فلا يرد عليه هذا الاشكال أيضا كما لا يرد عليه الاشكال الثالث لكونه (لاحظه) المحقق لتصحيح حجيّة الأخبار التي بأيدينا التي بقي الكلام في خصوص حجيّتها وصدورها بعد الفراغ عن أصل الظهور وانعقاده لها وساير الجهات فليس على نحو يكون الطريق المجعول مجهولاً كي لا يكون منجزا .

والحاصل ان غرضه قدس سره ان الأدلّة التي أقاموها على حجيّة خبر الواحد من الآيات والأخبار وغيرها لو لم تفد القطع بحجيّتها فلا أقل من افادة الظن بالحجيّة وهذا الظن ملازم للظن بالفراغ في حكم الشارع بخلاف الظن بنفس الواقع لعدم ملازمة بينه وبين الظن بالمؤمّن لعدم ظن حجية هذا الظن المتعلّق بالواقع . ولذلك لم يكن في عرض الظن بالحجيّة ومساويا له . فحينئذٍ بعد تماميّة ساير المقدّمات ينتج حجيّة الظن بالحجيّة وجعل الطريق الذي بسلوكه يكون ذمّة المكلّف فارغةظنا حيث انه مع العلم بجعل الطريق كيف كان سلوكه مؤمنا قطعا فحال الانسداد

ص: 351

يتبدل العلم بالظن ويكون الظن بالجعل ملازما للظن بالمؤمن .

فتلخص ممّا ذكرنا حجيّة خصوص الظن بالطريق على هذا المبنى ويمكن ترتيب المقدّمات على نحو يكون النتيجة ما أفاده الشيخ قدس سره من الأعم ولكن كلّ مبتنى على مقدمات والنزاع يرجع إلى المبنى .

تنبيه: قد سبق ذكر اشكال المحقّق النائيني على كلام صاحب الحاشية في حكم الشارع بالفراغ .

ان قلت: قد تقدّم في بعض المباحث السابقة في الانسداد اختيار المحقّق النائيني امكان تصرّف الشارع في مورد حكم العقل كايجاب الاحتياط في أطراف العلم الاجمالي فليكن المقام كذلك فانه قدس سره اختار ذلك .

بيانه انّ الاحتياط تارة جعله في ما لا مجال لحكم العقل واخرى يكون جعله في مورده . فالاول لا اشكال في جوازه ولا دليل على منعه كما في موارد الشبهة في القبلة حيث ان الشارع اكتفى(1) بأربع جهات عن القبلة الواقعيّة ولو لا حكمه بذلك لم نكتف بها بل كان اللازم الاحتياط في الأطراف أزيد منها إلى حد يوجب العلم بتوجه القبلة في الصلاة بناءً على لزوم استقبال نفس الكعبة لا كفاية الجهة حتى مع اتّساع المحاذاة فانه لا يوجب التوسعة الا جزئيا فان الشارع قد حكم في هذا المورد بما لا مجال للعقل به وليس له . والثاني كما في أطراف العلم الاجمالي لاستقلال العقل بالاحتياط مقدمة لامتثال التكليف المعلوم بالاجمال فيها وهذا الذي يمكن الاشكال فيه بأنّه مع استقلال العقل بلزوم الاحتياط فلامجال لحكم الشارع بذلك تعبّدا بل انما يصحّ ارشادا .

ص: 352


1- . الوسائل 4 الباب 8/1 - 5 من أبواب القبلة .

ان قلت فما تقولون في اجراء البرائة الشرعيّة في موارد الشبهات بلا بيان مع استقلال العقل بقبح العقاب بلا بيان فانه لا يحتمل اختصاص ذلك بامة دون امة بل الأمور المرفوعة عن الامة المرحومة دون الأمور التي يستقل العقل بها .

قلت امّا أوّلاً فانّ النقض ليس بجواب فلنا ان نلتزم بذلك في ذلك المقام أيضا . وثانيا انه يمكن ترتيب الأثر على جعل البرائة الشرعيّة مضافا إلى حكم العقل لأن شأن العقل محض ادراك الحسن والقبح ولا يمكنه تشريع حكم أو الترخيص بخلاف الشارع . فاذا رخّص في ارتكاب الشبهة البدويّة بعد الفحص فيمكن اسناد ذلك الترخيص إلى الشارع والقول بأنّه حلال لنا ظاهرا وانّ الشارع حلّل المشكوك لنا . وهذا غير حكم العقل . وبذلك نجيب عن أصل الاشكال المتوجه على ايجاب الاحتياط في أطراف العلم الاجمالي فان اللغويّة وعدم الأثر إنّما يتأتى اذا حكم الشارع بما حكم به العقل بخصوصه . واما اذا كان الشارع قد حكم بغير ما يحكم العقل في مورد العلم الاجمالي فلا دليل يمنع من ذلك . بل له ذلك ويكون ايجاب الاحتياط شرعيّا ويمكننا أن نقول كلّ واحد من الأطراف لازم الاجتناب بحكم الشارع ونسند ذلك إليه بخلافه في الاحتياط العقلي لكونه حراما وتشريعاً وهذا بناء على الاغماض عن أصل اشكال تصوير الاحتياط الشرعي . والا ففيه اشكال حيث ان في الموارد الثلاثة التي قالوا فيها وهي الأموال والنفوس والأعراض لا يمكن الالتزام بلزوم الاجتناب وجعل الشارع ذلك حتّى فيما اذا كان المشتبه مباحا للمصيب كان يكون مال نفسه فلا يكون حراما اذ لو كان الاجتناب عنه لازما مطلقا سواءً كان لنفسه أو غيره فيخرج عن موضوع الاحتياط ويكون حكمه بالعنوان الثانوي هو الحرمة مطلقا . كما ان

ترتيب المقدّمات على نحو تنتج ما أفاده الشيخ

ص: 353

تخصيص لزوم الاجتناب بحال كونه مال الغير لا فائدة فيه لكفاية الحكم الأولى المجعول عليه وحكم الشارع بتخصيص الأصول المرخصة في مورده لو صادف الحرام لا ينتج شيئا بعد عدم علم المكلف بهذا التقدير . اذ معناه على هذا حرمته على تقدير مصادفة الحرام وحليته على تقدير عدمه . نعم لا مانع من جعل الشارع جواز التصرّف على المال المعلوم انه مال المتصرّف وهذا أمر آخر غير ايجاب الاحتياط . وبالاخرة فايجاب الاحتياط الشرعي لا يخلو عن الاشكال . والنقض بالامارات وان المدار فيها على ذلك وهو كون احتمال المصادفة فيها منجزا لا فائدة فيه لعدم ابتناء الامارات على هذا المبنى . بل لها طريق آخر وبالجملة فلا يرد الاشكال على ما أورده المحقّق النائيني على المحقّق صاحب الحاشية بايجاب الاحتياط الشرعي الذي التزمه هو في ما سبق كما ان الأمر في مورد حكم العقل بالبرائة وجعل الشارع الاحتياط أوضح .

والحاصل ان ظاهر عبارة صاحب الحاشية لا يخلو عن الاشكال وان كنّا قد وجّهنا عبارته وانه قدس سره لا يقول بالتخيير بين الاتيان بالواقع ومؤدّى الطريق مطلقا بل غرضه موافقة الأصول والقواعد الجارية في وادي الفراغ كما التزمه المحقق النائيني في مورد العلم التفصيلي أيضا وهذا نظير ما وجهنا به عبارة صاحب الفصول قدس سره في ما قاله من ان مرجع القطعين إلى أمر واحد وهو كوننا مكلفين بمؤدّى الامارات . فان ظاهره التصويب الذي لا يناسب اصول المخطئة ووجهناه بما سبق كما انك عرفت اندفاع الاشكالات الآخر التي أوردوها عليه ومنها ما هو مشترك بينه وبين أخيه من عدم منجزيّة الطريق المجهول وقلنا ان مراده قدس سره هو خصوص الأخبار التي بأيدينا حيث ان الأدلّة المقامة على حجيّتها

اشكال عبارة صاحب الحاشية

ص: 354

لو لم تفد العلم بحجيّتها فلا أقل من الظن بالحجيّة . فتكون مظنونة الحجيّة فهيمعلومة لا مجهولة بحيث لا يعلم ما هو الحجة المجعولة في البين وبهذا صحّ جعل هذا الوجه من الوجوه الدالّة على حجيّة خير الواحد بالخصوص وعليه فلا يكون العمل بالأخبار من باب الاحتياط ولا الرجوع إلى الانسدادي هذا خارجا عن حد أخذ الفتوى منه بخلافه على فرض الاحتياط فانه لا فتوى ولا تقليد بل كله رجاء واحتياط .

وهكذا لا مجال لايراده الأخير الذي هو انكار الملازمة بين الظن بالواقع والظن بحكم الشارع بالفراغ . حيث ان المحقق النائيني قدس سره أورد عليه بأن العلم بالواقع واتيانه كيف يكون ملازما للعلم بالفراغ وحكم المولى بافراغ الذمّة وهكذا الظن بالواقع فانه لازم للظنّ بالفراغ وحكم الشارع به ولا فرق بين العلم والظن . فانه اذا تعلق أحدهما بأحد المتلازمين يلزمه اللازم الآخر . ولكن قد ذكرنا ان المحقق لم يعتبر الظن بالواقع لقيام الأدلّة على خلاف حجيّته من الآيات الناهية عن اتباع الظن بخلاف الظن بالطريق فانه بضميمة بقية المقدمات ينتج كونه حجّة في طريق استنتاج الأحكام من الشارع فلا اشكال عليه .

توضيح وتأكيد: قد سبق انه لا مجال للاشكال الذي أوردوه على المحقّق صاحب الحاشية بعدم اعتبار الظن بالواقع بثبوت الملازمة في المقامين فكما ان الملازمة محقّقة بين الظن بالطريق والظن بالفراغ كذلك بين الظن بالواقع والظن بالفراغ فان الظن بالواقع أيضا ملازم للظن بالفراغ . فلا وجه لاختصاص الحجيّة بالظن بالطريق دون تعميمه إلى الظن بالواقع مع وجود ما هو المناط عند المحقّق قدس سره في حجيّة الأوّل في الثاني . وجه عدم توجه الاشكال عليه انه قدس سره

ص: 355

لا بنكر الملازمة في الظن بالواقع أيضا وإنّما مراده عدم قيام دليل على حجيّة هذا الظن في المقام لأنّ الذي دلّ عليه الدليل حسب ترتيب المقدمات انما هو حجيّةالظن بالفراغ المستند إلى الظن بالطريق لا مطلق الظن بالفراغ من أي سبب حصل . وعلى هذا فالنتيجة هي خصوص الظن بالفراغ المستند إلى الظن بالطريق كما استنتجها المحقق ولا يرد عليه الاشكال .

نعم لو كان كلام ففي ترتيب المقدمات . فانه يمكن اجراءها وترتيبها على نحو تكون النتيجة أعم . وذلك لأن انسداد باب العلم والعلمي وعدم جواز الاهمال وبطلان الرجوع إلى الطرق المقررة للجاهل على حسب ما مرت يوجب حجيّة الظن بكلّ من الواقع والطريق لعدم انحلال العلم الاجمالي الكبير في الوقائع المشتبهة بما في دائرة خصوص الأخبار المظنونة كي تكون النتيجة ممحضة في الظن بالطريق على ما ذهب إليه المحقّق . فالنتيجة هي حجيّة الظن بكلّ من الواقع والطريق . وبالجملة فاختلاف النتيجة إنّما يستند إلى اختلاف جريان المقدمات فتارة تجري كما اجراها المحقق وأخوه صاحب الفصول . واخرى كما اجراها المحقق النائيني . والنتيجة على الأول حجيّة الظن بالطريق وعلى الثاني هو كلّ من الطريق والواقع كما سلف من ترتيب المقدّمات واستنتاج جعل الظن حجة لانحصار القابل به دون ساير الأمور المحتملة من الجفر والرمل والنوم والمشورة وغيرها فانها مشكوكة الاعتبار أو مقطوع العدم فينحصر ما هو القابل للجعل كشفا بخصوص الظن . وعليه لا يمكن بناءً على الكشف استنتاج خصوص حجيّة الظن بالطريق دون الواقع .

نعم حيث ان الظن مختلف موردا وسببا وقوّة وضعفا فللكلام في الاطلاق

ص: 356

والاهمال مجال في الموارد الثلاثة . وهو انه بناءً على تماميّة تقريب الكشف وقطع النظر عن اشكال التبعيض في الاحتياط الذي لا تصل النوبة معه إلى الكشف هل تكون نتيجة المقدمات مهملة وهي حجيّة ظن خاص في مورد خاص والحاصلمن سبب خاص أم مطلق الظن يكون حجّة في كليّة الموارد بجميع مراتبه حتى أدنى مرتبة الرجحان الذي يكون الظن به ظنا فان الظن حيث ان طريقيّته ليست ذاتيّة كالعلم فيحتمل قصر حجيّته بحسب الجعل بظن خاص في الموارد الثلاثة لكونه من هذا الحيث كالقطع الموضوعي الذي اعتباره بيد من بيده الاعتبار .

وحينئذٍ فان دلّ الدليل واستنتج من المقدّمات حجيّة الظن مطلقا بحسب الجهات الثلاث فهو . وإلاّ فلابدّ من الأخذ بالقدر المتيقن فيها . فان المتيقن هو حجيّة خصوص الظن القوى الذي هو الظن الاطمئناني دون باقي مراتبه كما ان المتيقن هو خصوص الظن الحاصل من دائرة الأخبار دون غيرها من الشهرات والاجماعات . وكذلك المتيقن جعله في خصوص غير ما تكون كثير المفسدة ولها مزيد اهميّة كالاعراض والأموال والنفوس وجعله فيها يكون مشكوكا . لكن اقتصار الحجيّة بخصوص الظن الاطمئناني والخبر الصحيح الاعلائي المزكّى كلّ واحد من رواته بعدلين لا يوجب الوفاء بمعظم الفقه فلا يمكن الاقتصار عليه . كما لا يمكن الاقتصار على حجيّته في غير الموارد الثلاث وكذلك السبب فانه يمكن عدم وفاء خصوص الحاصل من سبب خاص كالخبر أيضا .

نعم لا مانع من الاقتصار على أقوى مرتبة الظن أو خصوص القوى وهو الظن الاطمئناني لوفائه بمعظم الفقه بحيث لا يلزم محذور في الباقي من الموارد الخالية عنه فنقتصر عليه وحينئذٍ فيوافق الانسدادي لغيره في حجيّة أخبار الآحاد

افتراق النتيجة حسب اختلاف ترتيب المقدّمات

ص: 357

الموجبة للظن القوى الاطمئناني .

عود على بدء ببيان آخر:

لا يخفى اختلاف نتيجة مقدّمات الانسداد في كونها هي حجيّة الظن

بالطريق أو حجيّة الظن بالواقع ولا ثالث لهما بأن يكون حجيّة الأعم منهما . نعم لوتمت على التبعيض في الاحتياط فتكون نتيجة ثالثة ولا تصل النوبة إلى استنتاج حجيّة الظن . فالمذاهب في المقام ثلاثة . حيث ذهب بعضهم إلى ان نتيجتها هي حجيّة الظن بالواقع وآخر إلى حجيّة الظنّ بالطريق كصاحب الفصول وأخيه صاحب الحاشية وثالث إلى حجيّته فيهما . لكن لا يمكن تقريب المقدّمات على نحو تنتج الأعم لأن مصب المقدّمة الاولى والثانية ليس إلاّ الواقعيّات وكذلك المقدّمة الثالثة بالنسبة إلى الرجوع إلى الأصول والتقليد إنّما هي الواقعيّات وكذلك

الاحتياط .

ثمّ انه تارة يكون المدرك في المقدّمة الثانية وهي عدم جواز الاهمال هو العلم الاجمالي .

فالنتيجة فيها هي الاحتياط باتيان جميع المحتملات وإلاّ فمهما أمكن لأن الضرورة تتقدر بقدرها .

فحيث لا يمكن الاحتياط في جميع الأطراف لقيام الاجماع أو استلزامه اختلال النظام والعسر والحرج فبمقدار يمكن وترك الاحتياط فيما يوجب الاحتياط فيه مع الباقي اختلال النظام أو العسر والحرج . غاية الأمر بضميمة المقدّمة الرابعة لابدّ في تعيين ذلك في الموهومات وان بقي العسر والحرج فيضم إليها المشكوكات ويقتصر دائرة الاحتياط على خصوص المظنونات .

ص: 358

وهذا لو كان المانع من الاحتياط في جميع الأطراف هو العسر والحرج

وأمّا لو كان هناك اجماع فهو على نحوين . فتارة على عدم جواز الامتثال رجاءً واحتمالاً . بل اللازم الاتيان بها بقصد الوجه وهذا وإن كان لا دليل عليه وعلى فرض قيام الدليل على ذلك والقول به فينحصر موضوعه بحال التمكن من ذلك ولكنه على فرض عمومه والالتزام به حتى في حال الانسداد فلا يمكن معهالاحتياط في العبادات أصلاً . وحينئذٍ لابدّ من الكشف عن وجود مثبت منجز في البين يتمكّن معه من الامتثال التفصيلي ويتعين بالظن لعدم قابليّة غيره لجعله منجزا محرزا وهو الظن بالواقع .

واخرى على عدم لزوم الاحتياط في جميع الأطراف وتركه في بعضها والاقتضار على المظنونات أو مع المشكوكات . وعلى كلّ حال فقد تقدّم استنتاج جعل حجيّة الظن على فرض قيام الاجماع على النحو الأول بالواقعيّات سواء كان المدرك في عدم جواز الاهمال هو العلم أو قيام الاجماع والضرورة .

كما ان في العسر والحرج أيضا نقتصر على ما لا يلزم منه العسر والحرج ان كان المدرك هو العلم والا فقد استشكلنا فيه كما تقدم واطلق التبعيض في الاحتياط سيّدنا الأستاذ قدس سره في المقام لكنه خلاف ما تقدم منه هناك وهكذا الأمر على الحكومة وحكم العقل بلزوم امتثال الأحكام والتكاليف فانه يحكم أو لا بلزومه تفصيلاً والا فظنا كما في الظن بالقبلة . فاذا لم يمكننا الصلاة إلى القبلة المعلومة فيكفي القبلة المظنونة اذا لم يتمكن من الاحتياط وهكذا إلى أن تصل النوبة إلى الامتثال الاحتمالي . وحكم العقل في مقام الامتثال أيضا موضوعه الواقعيّات لا الأعم ولا خصوص الطريق . فعلى ما ذكرنا لا وجه لحجيّة الظن

النتيجة حجيّة الظن بالطريق أو الواقع

ص: 359

بالأعم ولا بالطريق كما انه لو اجرينا المقدمات إلى المقدّمة الثالثة وقلنا ان الشارع كما قد كلّفنا بتكاليف كذلك قد جعل لنا طرقا إليها ومرجع القطعين إلى أمر واحد كما عن صاحب الفصول أو ان اللازم هو الخروج عن عهدة التكاليف في حكم الشارع علما وإن لم يكن فظنا ولا عبرة بالظن باتيان الواقع . فالنتيجة هي حجيّة الظن بالطريق ولا يكون الظن بالواقع مفيدا على هذا المبنى الا باستلزامه للظن بالفراغ وليس كذلك .نعم يمكن اتفاق وقوع ذلك وهكذا بناءً على تقريبها بما سلف لا تنتج الظن بالطريق شيئا ما لم يوجب الظن بالواقع بجريان المقدمات بالنسبة إليه ولا ملازمة في المقامين بين الظن بالطريق المجعول واتيان الواقع ظنا كما ان الاتيان بالواقع ظنا لا يلازم الظن بالطريق والفراغ ولا تقريب ثالث يكون جامعا بين النحوين ينتج أعميّة النتيجة من الظن بالواقع أو الطريق .

والحاصل ان النتيجة أحد الأمور الثلاثة اما التبعيض في الاحتياط بناء على عدم تماميّة الاجماع على عدم الاحتياط وأمّا حجيّة الظن بالطريق وأمّا حجيّة الظن بالواقع . وقد عرفت فيما تقدّم انّ الحق هو تقريبها بالنسبة إلى الواقع ولا مجال لما ذهب إليه صاحبا الفصول والحاشية من جعل حجّة مجعولة في البين مجهولة لعدم جريان الأصول الأربعة من الحجيّة والظهور والجهة والصدور فيها ما لم تكن مشخّصة معلومة ولا انه تنجز مؤدياتها . وقد عرفت الاشكال أيضا على ظاهر عبارة الفصول من رجوع القطعين إلى أمر واحد من كونه يلازم التصويب . ولا يمكن الالتزام به ولا انه يلتزم به وان لم يكن مانع عقلي على ايجاب قيام الامارة ملاكا أقوى من ملاك مؤداها لو خلى وطبعه يوجب كون الحكم على وفقه

من النتائج التبعيض في الاحتياط

ص: 360

أو اشتراط الحكم بقيام الامارة على وفقه لكنه خلاف المذهب . لقيام الاجماع على بطلان التصويب . هذا ما يتعلّق بالتنبيه على الأمر الأوّل وقد علم من مطاوي ما ذكرنا عدم مجال لجريان الأصول بناء على الانسداد خصوصا الشرعيّة التي مدركها الأخبار لعدم حجيّتها فكيف يمكن جريان الأصول بلا مدرك لحجيّتها .

الأمر الثاني:

هل النتيجة لمقدّمات الانسداد هي مهملة أو كليّة من حيث المورد والسبب والقوّة والضعف ؟ لا يبعد دعوى عموم النتيجة سببا وعموما وموردا وقوّه وضعفالحجيّة الظن لما أشرنا إليه من عدم مجال لجريان الأصول فلا يحتمل كونها هي المرجع في بعض الموارد والفرض انه لا علم لنا بالتكاليف لانسداد باب العلم والعلمي فلا محالة تكون النتيجة حجيّة الظن كلية فتدبر جيدا .

وكيف كان فالنتيجة تختلف حسب اختلاف المباني في تقرير مقدمات الانسداد فعلى بعضها يكون النتيجة كلية كما انه على آخر تكون مهملة والمراد بالكلية انه يعم حجيّة الظن مطلقا في جميع الموارد من حيث السبب ومن حيث المورد سواء كان في مورد الأموال والأعراض والنفوس أم غيرها ومن حيث القوّة والضعف وعلى هذا المبنى يحتاج الرجوع إلى الاحتياط في بعض الموارد إلى قيام الدليل عليه بالخصوص والا فلا يمكن مع أخذ النتيجة كليّة . القول بالاحتياط في مورد من الموارد بغير دليل قطعي . كما انه لو فرض كونها مهملة فقد يتوهم خلوها عن الفائدة . اذ في غير القدر المتيقن من الجهات الثلاث لابدّ من الرجوع إلى البرائة أو الاحتياط ويعود المحذور وجريان المقدّمات . لكنه توهم فاسد باطل حيث انه على فرض عدم الكليّة يمكن قيام دليل معمم للنتيجة في غير

ص: 361

المورد المتيقن كما سيأتي الاشارة إليه . ويأتي الاشارة أيضا ثانيا إلى انه بناء على تماميّة المقدّمات على أيّ وجه فرض يمكن عدم ورود اشكال على الانسدادي من حيث عدم صحّة معنى على فرض الانسداد للاجتهاد والتقليد بل لا فرق بين الانسدادي وبين العوام الذين يرجعون إليه في ان كلاًّ منهما يسلك سبيل الاحتياط غاية الأمر يكون الانسدادي العالم مرشدا للعمل بالطريقة . وسنشير عنقريب إلى امكان تقريب الدليل على نحو ينتج حجيّة خصوص الأخبار فانتظر . كما يرشد إلى ذلك مراجعة كتبهم الاستدلاليّة فانظر جامع الشتات للمحقق القمي رحمه الله تراه بحرا من الروايات والاستنباط منها والاستدلال بها . وكيف كان فالفرق بين القولبكليّة النتيجة ابتداءً أو بعد كونها جزئيّة هو كون الطريق في الأول وأصلاً بنفسه وفي الثاني بطريقه بل ربما يحتاج إلى طريق طريقه وهكذا إلى استنتاج النتيجة .

واعلم ان الشيخ قدس سره بعد اعترافه في تقرير المقدّمات بقوله قلت(1) . مرجع الاجماع قطعيّا أو ظنيّا الخ بعدم مجال لجريان الأصول في مواردها استشكل على المحقق القمي رحمه الله في أخذ النتيجة كلية ومنع جريان البرائة كلية بأنّه لا دليل على منع جريان البرائة والاحتياط والاستصحاب في كلّ مورد بل الممنوع جريانها في كلّ المسائل ومجموعها .

ثمّ استنتج من ذلك اهمال النتيجة وأورد المحقّق النائيني على الشيخ مع التزامه وبنائه على تنقيح كلام الشيخ تبعا لسيّده الأستاذ السيّد محمّد الاصفهاني واذا لم يتضح كلام الشيخ ولم يوافق القواعد ما كان يورد عليه الاشكال بل يعترف

ص: 362


1- . فرائد الاُصول 1/205 .

بعدم انفهام مراد الشيخ . أورد(1) عليه في المقام حيث لم يجد إلى ذلك سبيلاً بأنّه إنّما يتمّ ما ذكره الشيخ بناءً على جعل مدرك بطلان الاحتياط هو العسر والحرج . فانه لو كان المدرك هو أحدهما لا يمكن القول بمنع جريان اصل الاحتياط كلية كما انه لو كان المدرك في المقدمة الثانية هو لزوم المخالفة القطعيّة الكثيرة الموجب للخروج عن الدين فلا مانع من جريان البرائة في ما لا يستلزم ذلك . وهذان لا يمنعان عن جريان البرائة والاحتياط في كلّ مورد . بل في المجموع من حيث المجموع . ولكن بناءً على الوجهين الآخرين في مدرك المقدّمة الثانية وهوالعلم الاجمالي والاجماع وبناءً على استناد بطلان الاحتياط إلى قيام الاجماععلى لزوم امتثال الأحكام بعناوينها الخاصّة فلا يتمّ . بل لا يكون إلاّ كليّة لأنّه اما

أن لا يريد المولى امتثالها أو لا يكون هناك حكم أو يريد امتثالها قطعيّا بعناوينها

كما هو المفروض من بطلان الاحتياط . وحينئذٍ فلا محيص عن القول بالكشف وجعل الطريق الواصل بنفسه الوافي بمعظم الفقه وليس هو الا الظن فاين الاهمال وعلى كلّ حال فاشكال الشيخ ليس في محلّه .

فذلكة البحث: قد عرفت انه على تقدير قيام الدليل على بطلان الاحتياط وكذا على عدم جواز الرجوع إلى البرائة انما قام على الانحلال وعدم جواز الاحتياط في كلّ واقعة واقعة بل اللازم الاتيان به على عنوانه الخاص ولا يجوز الرجوع إلى البرائة في كلّ واقعة واقعة .

ومقتضى قيام الدليل على هذا النحو في الموردين وتماميّة المقدّمة الأولى وانسداد باب العلم والعلمي فلا محالة تكون النتيجة كلية لا محالة لجريان الدليل

فذلكة البحث

ص: 363


1- . فوائد الاُصول 3/298 - 299 .

على بطلان الرجوع إلى البرائة والاحتياط على نحو الانحلال لا المجموع من حيث المجموع اذ على هذا يكون حكم الظن في حال الانسداد بمعونة المقدمات حال القطع الطريقي . فكما انه مطلق الحجيّة بلا تقيد بسبب خاص ولا مورد خاص ولا مرتبة خاصّة كذلك الظن في الجهات الثلاث .

غاية الأمر يمكن المنع عن حجيّته في مطلق المراتب لعدم اقتضاء الدليل ذلك وهذا على فرض وفاء الظن الاطمئناني المتأخم للعلم بمعظم الفقه . فانه على تقديره ينحل العلم الاجمالي بالأحكام بل ويبقى حينئذٍ مجال للتعميم في ساير المراتب لعدم تماميّة الدليل فيها . هذا بحسب المرتبة ويمكن الخدشة في عموم النتيجة من حيث المورد أيضا والاطلاق والكلية من حيث السبب بدعوى ان في الوقايع موارد تكون لها أهميّة عند العقلاء بحسب فطرتهم بحيث لا تكون علىحذو ساير الوقايع الآخر وذلك يقتضي مزيد عناية بها بعدم الاكتفاء فيها بالظن كموارد النفوس والاعراض وهذا يقتضي عدم الاكتفاء بالظن بل اهميّة هذه الموارد ليست فطريّة بالنسبة إلى خصوص نوع الانسان حتى ان لساير أنواع ذوات الشعور التفاتاً إلى ذلك كما في الصيد والفريسة فاذا سبق أحدها إليه لا يجسر الآخر على التقدم إليه ولو كان غالبا وأقوى من السابق وليس ذلك إلاّ لارتكاز الاولويّة والاحقية للسابق بذلك فلا كاشف مع هذا الاحتمال عن كليّة حجيّة الظن في الموارد .

واجيب عن هذا الاشكال بأن مجرّد احتمال الأهميّة في الملاك لا يكفي في المراعاة لاستيفائها ما لم يلزم الشارع بها وعلى فرضه يرجع إلى جعل الاحتياط ومرجعه إلى تبعيض الاحتياط وانكار المقدّمة الثالثة وهو خلاف المفروض اذ

ص: 364

على فرض تماميّة المقدّمة الثالثة وبطلان حجيّة الظن في هذه الموارد يقع السؤال عن الوظيفة فيها فاما أن يجوز الرجوع إلى البرائة أو الاحتياط وإلاّ فلا محيص عن حجيّة الظن كساير الموارد غيرها .

نعم لو قام دليل على عدم جواز العمل بالظن في هذه الموارد فيخصص به عموم النتيجة من حيث المورد كما تخصص بأدلّة حرمة العمل بالقياس المتواترة عموم النتيجة من حيث السبب وتخصّص الأسباب الموجبة للظن بغير القياس . واما بالنسبة إليه فلا يكون الظن الحاصل منه حجة اذ بعد تماميّة المقدّمات لا فرق عند العقل في كشفه الحجيّة في الجهات الثلاث بين المراتب والموارد والأسباب الا أن يقوم الدليل الخارجي . والا فالنتيجة كلية . فاذا فرض حصول الظن بصدق دعوى امرئة بأنّها خلية أو انقضت عدّتها فلا مانع من تزويجها لحجيّة الظن بالانسداد ولو كان في مورد الاعراض . ومجرّد احتمال الأهميّة بلا الزام منالشارع لا يكفي في منع العموم .

وقد أورد على هذا الجواب بأن بطلان الاحتياط من مقدّمات دليل الانسداد واذا كان هذا الاحتمال قائما في هذه الموارد فلا يمكن بطلان الاحتياط بعموم النتيجة المترتبة على هذه المقدمة لتقدم رتبة هذه المقدمة وكونها مقوّمة للنتيجة والشيء لا يهدم مقوّمة ولا يمكن أن يصدمه . وفرق بين قيام الدليل على بطلان العمل والاتّكاء بالقياس وبين المقام الذي يكون بطلان مرجعيّة الاحتياط من مقدّمات عموم النتيجة .

هذا والانصاف ان هذا الاشكال كلام ظاهري لا عمق له لأنّه اما أن نقول بتماميّة المقدّمة الثالثة وبطلان الاحتياط في كلّ واقعة واقعة فلا مجال لهذا الكلام

ص: 365

ولا يمكن الالتزام بعدم عموم النتيجة موردا والا فتكون النتيجة هي التبعيض في الاحتياط فلا تتمّ المقدّمات على ما عرفت .

بقي هنا الاشارة إلى امور:

منها: ان الظن على فرض عموم حجيّته فهل هو حجّة في موارد النفي والاثبات مطلقا أو يختصّ بما اذا كان مثبتا لا مسقطا . فاذا قام الظن على الاباحة أو عدم التكليف فلا يكون حجّة وهذا الأمر وإن لم يترتب عليه ثمرة عمليّة لجريان المقدّمات في موارد النفي كموارد الاثبات أو نقول بالرجوع إلى البرائة الا انه بحث علمي فائدته جواز تخصيص العام الكتابي وغيره من آثار الحجيّة عليه .

ومنها ان المراد بالكشف المذكور في صدر كلامنا بحكم العقل لمقدمات الانسداد ليس هو الحكومة بل هو راجع إلى ما أفاده صاحب الحاشية على ما سيظهر .ومنها: هل اللازم في عموم النتيجة بطلان كلّ من الرجوع إلى البرائة والاحتياط في كلّ مسئلة مسئلة أم يكفي بطلان أحدها وسيأتي تحقيقه . ولا يخفى عليك ان بطلان الرجوع إلى الأصول من البرائة والاحتياط الشرعي والاستصحاب أمر بديهي على فرض تماميّة المقدّمة الاولى وهي انسداد باب العلم والعلمي لكونها مستندة إلى الروايات وقد فرض انسداد بابها فلا أصل لنا في وادي الاثبات ولا الفراغ ولا يحتاج إلى زيادة بحث في بطلان الرجوع إليها اذ لا يبقى لنا على فرض الانسداد الاّ الضروريّات والقطعيّات .

وقد اشتمل بحث الانسداد على عدّة أبحاث مفصلة لم يكن البحث له

هل الظن حجّة في موارد النفي والاثبات

ص: 366

ارتباط إلاّ باجمال منها واستوفيت في محلّها من البرائة والاشتغال وصارت بذلك مكرّرة طويلة الذيل والا فبحث الانسداد كان ينبغي ان يحرّر اخصر من هذا .

تتميم وتوضيح: قد عرفت ما ينتج اهمال النتيجة وقد يدعي كلتيها بقيام المعمم لها في كليّة الموارد بالنسبة إلى كل الأسباب وذلك لبطلان الترجيح بلا مرجح وحجة أو استحالة بحسب اختلاف الموارد ولا يمكن التخيير في ذلك للاتفاق على منعه فاللازم حينئذٍ كلية النتيجة موردا وسببا لتساوي الظنون الحاصلة من أحد الأسباب والظنون الحاصلة من غيره منها وكذلك في الموارد فاللازم حينئذٍ عموم النتيجة .

لكن قد يدعي قيام المرجح في البعض وخلو الباقي منه والترجيح بامور ثلاثة:

أحدها: كون بعض الظنون متيقن الاعتبار والباقي مشكوك فاللازم الأخذ بالمتيقن وهذا مرجح له .

والثاني: بالقوّة والضعف فان جعل الحجيّة واعطاء الطريقيّة للظن القويأولى من الضعيف ولا مجال مع القوى لحجيّة الضعيف .

الثالث: الترجيح بمظنون الاعتبار ومرجوحيّة مشكوكة .

بيان ذلك:

أمّا الأوّل فواضح .

أمّا الثاني: فانّه لو فرض مثلاً ان الظن الحاصل من الخبر أقوى من غيره من الظنون كالحاصل من الشهرة أو عمل الأصحاب فهذا يوجب ترجيحه وقصر الحجيّة عليه دون الضعيف فلا يكون الضعيف معه حجّة .

وجوه ثلاثة في الترجيح

ص: 367

أمّا الثالث: فلكون الأخذ بمظنون الاعتبار يوجب اما حصول الواقع أو ما هو بدل الواقع وهو المصلحة في سلوك الطريق المخالف له الذي هو ادّانا الى الحكم الظاهري . وعلى كلا التقديرين قد حصلنا على شيء كما في ما اذا تردّد دواء المريض يبن أمرين أحدهما يظن كونه هو ذاك الدواء الذي ارجعنا الطبيب إليه أو انه موجب لحصول بعض مراتب نفعه وما يترتّب عليه . بخلاف الآخر فانه ليس بهذه المثابة . فان اللازم حينئذٍ الأخذ بالمظنون ورفع اليد عن المشكوك . وهذه الوجوه الثلاثة شريكة في الضعف وهي ما بين ما لا يكون مرجحا وبين ما لا يفيد فان الثاني لا يكون وجها للترجيح لامكان حجيّة الظن الضعيف دون القوي اذ لا يلزم من قوّته تعينه للحجيّة . كما ان الوجه الأوّل خلاف الفرض لاهمال النتيجة فلا تعيّن بالاعتبار وأمّا الترجيح بالوجه الاخير فلا يفيد للزوم كون المرجح حجّة كما اعترف به الشيخ قدس سره في غير هذا المقام . وهذا الظن لو كان معتبرا فلا حاجة إلى الترجيح معه .

فظهر بما ذكرنا سقوط الوجوه الثلاثة للترجيح كما انه لا يتم الدليل المذكور للتعميم لعدم ايجابه عموم النتيجة واخراجها من الاهمال إلى التعيين والتعميم .ثمّ انه يظهر من الشيخ وكذا المحقّق النائيني (1) ارتضاء المعمّم وانه لا يرد عليه اشكال فالوجه الأول من المعمّم الذي تقدم تقريره لا اشكال عليه عندهما لكن قد يظهر من بعض عباراتهم بعد ذلك عدم المعمّم حيث ينبه على ظهور عدم المعمم وان الاهمال لا يمكن تعميمه وكيف كان سواءً ارتضيا أم لا فاللازم النظر إلى تماميّته وعدمها .

ص: 368


1- . فوائد الاُصول 3/309 إلى ما بعده .

وقبل ذلك لا بأس بالاشارة إلى ما استشكل(1) به المحقق الخراساني على الشيخ في المقام بناء على مبناه في اجراء المقدمات وترتيبها . حيث انه رتبها في مقام الامتثال ومعه لا مجال لكون الظن حجّة شرعا كشفا . بل لو ورد الدليل على ذلك من الشارع لابدّ من كونه ارشادا من ابتناء منع الشيخ الترجيح بمظنون الاعتبار على كون النتيجة هو الطريق الواصل بطريقه أو الطريق ولو لم يصل أصلاً وأمّا بناءً على كون النتيجة هو الطريق الواصل بنفسه فلا يتم منع الشيخ قدس سره .

وتفصيل ما ذهب اليه صاحب الكفاية في المقام بناءً على مبناه في ترتيب المقدّمات يحتاج إلى مجال أوسع ولعلّنا نشير إليه فيما بعد .

ثمّ انه يمكن الاشكال في تعميم الشيخ النتيجة على فرض كونها مهملة بحسب عبارته هنا في التعميم . بأنّه ان اريد الترجيح بلا مرجّح عند المولى فمسلم وانه لا يرجح بلا مرجح . فان كان الظنون عنده متساوية الاقدام وملاكاتها وكان الملاك في الكل داعيا إلى الجعل واعطاء الطريقيّة ولم يكن هناك مانع من الجعلفاللازم تسوية الكل في ذلك واعطاء الكل حظّه من جعل الطريقيّة له ويتم التعميمولكنه يحتاج إلى احراز ذلك وهو لا يمكن بالنسبة إلى غير علام الغيوب . فمن أين لنا طريق بالملاك ووجوده في الكل كي نحكم بعموم النتيجة . وعلى فرضه فلا كلام بل البحث حينئذٍ يكون على خلاف الفرض لكونه من أوّل الأمر ينتج عموم الكشف والنتيجة فلا حاجة إلى التعميم لخروجه عن الفرض . وان اريد الترجيح بلا مرجح عندنا فهو لا يفيد لكون المحتمل رجحان الظن الضعيف عند المولى واقربيّته إلى الواقع فيكون هو الحجّة دون القوي وكذلك الحال في المورد

ص: 369


1- . كفاية الاُصول 1/114 وما بعده .

والأسباب فلا يمكن التعميم ولا محرز له .

والحاصل الاهمال في النتيجة المبتنى على بطلان الاحتياط كلية لا يلائم كلية النتيجة وعمومها اذ مع فرض عدم بطلان الاحتياط كلية وامكان التبعيض فلا شكّ لنا على عموم الحجيّة بل يكون النتيجة هو التبعيض في الاحتياط ولا يمكن استنتاج الكلية(1) .

ومجمل الكلام ان في فرض الاهمال ان كان معين لها موردا وسببا أو مرتبة فهو وفي الباقي نحتاط أو نجري البرائة والا فعلى فرض عدم انحلال العلم أو لزوم المحاذير تجري المقدمات ثانيا وثالثا إلى ارتفاع المحذور فتدبر جيدا .ثمّ انه بناء على اهمال النتيجة اذا لم يكن هناك قدر متيقن وكان المحتمل حجيّة ظن خاص عند المولى غير واصل إلينا فاللازم الاحتياط في دائرة الظنون وأخذ الطريق وكشف الحجّة وبالاخرة ينتهي اما إلى الاحتياط في الفروع الذي فرضنا بطلان الاحتياط فيها أو إلى اجراء المقدّمات في الطريق كما ذكر عن صاحب الفصول وأخيه بما فيه من الاشكال سابقا واذا بطل الاحتياط فيمكن

ص: 370


1- . لأنّه بالنظر إلى بطلان الترجيح بلا مرجح فيما ذكر فيكون النتيجة من أوّل الأمر كلية بلا حاجة إلى المعمم وبدونه فمهملة ويكون النتيجة هو التبعيض في الاحتياط فكيف لا تكون كلية ثم تكون بعد اهمالها كذلك اذ بعد الاهمال اما أن يكون قدر متيقّن في البين وافٍ فهو والا فاللازم جريان مقدمات الانسداد في تعيين الحجّة المجعولة في البين . فان علم بها وكان وافيا فهو والا فاللازم جريان المقدمات مرّة اخرى في الواقعيّات كالمقدّمات الجارية من أول الأمر أو من الثانية الجارية في تعيين ما هو الحجّة . وعلى هذا إلى أن تكون النتيجة كلية وافية بحيث لا يكون لجريان البرائة بعد ذلك مانع من العلم أو لزوم المخالفة الكثيرة وغيرهما . كما انه على فرض الاهمال وجريان المقدمات لتعيين الحجّة فان لم يبطل الاحتياط في بعض الموارد واحتمل لها الأهميّة فيمكن جعلها في غيرها والاحتياط في الموارد النافية كالأموال والفروج والنفوس لاحتمال أو تسلم اهميّتها .

التمسّك بالاطلاق واحراز انتاج المقدّمات كليّة النتيجة . بدعوى ان لو كان المراد حجيّة ظن خاص كان على المولى الارشاد إليه وبيانه وحيث انه لم يبين فانكشف كليّة الحجيّة وعدم اختصاصها بمورد خاص أو سبب خاص . وذلك كانكشاف الاطلاق من ما ورد(1) في حجيّة الظن في الركعات الأخيرة أو مطلقا وان الشك مبطل في الاولين مطلقا ثنائية أو ثلاثيّة أو رباعيّة كما يرشد إليه قوله علیه السلام ( إذا لم تدر كم صليت ولم يذهب وهمك إلى شيء فاعد )(2) فهو اما مختص بقرينة أعد بالاولتين أو ان الشك مطلقاً ولو في الأخيرتين مبطل غاية الأمر خرجتا بالتخصص . فانه نقول لو كان المراد حجيّة ظن خاص أو مرتبة خاصة من الوهم لبيّن . وحيث انه لم يبين فمنه نكشف الاطلاق . فلو استفيد من مقدمات الانسداد حجيّة مطلق الظن بحيث كان قطعيّا فهو . وحينئذٍ يكون دليل الانسداد كاشفا عن حجيّته في قبال الأدلّة الخاصّة الدالة على حجيّة الظن .

والفرق هو كون المقدّمات تنتجه لها دون الأدلّة الخاصّة فلا يحتاج إليهاولكن الكلام بعد ذلك في المعمّم وبطلان الترجيح بلا مرجح واحراز التساوي فيالملاك الداعي للجعل . واذا لم يتم هذا الوجه من المعمّم الذي هو أعلى الوجوه وله صورة جيدة فلا يتم الوجهان الباقيان اللذان لا صورة لهما مضافا إلى عدم المعنى .

اذ الثاني هو العلم بتخصيص بعض الظنون المشكوكة الاعتبار للظن المظنون الاعتبار فاللازم الأخذ بالجميع .

والثالث: ان القاعدة تقتضى في مقام الشك الاحتياط بأخذ كلّ أطراف

عموم النتيجة واهمالها

مقتضى القاعدة

ص: 371


1- . الوسائل 8 الباب 1 - 7 - 10/1 - 2 - 10 - 3 - 5 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . الوسائل 8 الباب 15/1 من أبواب الخلل في الصلاة مع تفاوت في اللفظ لا يضرّ .

الظنون ومحتملاتها لا الاقتصار بظن خاص فيمورد الرتبة .

وفيه انه خلاف فرض ترتيب المقدّمات اذ لا يكون مع فرض بطلان الاحتياط معنى لهذا الكلام كما انه لا يكون كاشفا عن حجيّة شيء بل يكون احتياطا لا فرق فيه بين العالم والجاهل بل كلاهما محتاطان جاهلان .

وفي الثاني منع العلم اولاً لا الاقتصار على قدره والتخصيص به دون المشكوك ثانيا وما ورد على الوجه الثالث ثالثا فهذان الوجهان غير واردين ولا مترتبين على حسب القواعد ولا ترتيب فيهما بل ناشئان من عدم المراعاة في ترتيب المقدمات على وجهها . فاذا لم يتم التعميم فلا يمكن كلية النتيجة بل اما تكون مهملة أو معينة في البعض لو كان قدر متيقن في البين . كما يمكن أن يدعي في بعضها بأنّه لو كان مطلق الظن حجّة فالظن الحاصل من الخبر حجّة واذا لم يكن مطلقه فالظن الخبري حجّة وكذلك مثلاً نقول في ناحية المراتب بالنسبة إلى المرتبة القويّة الاطمئنانيّة فانّ حصل العلم أو ارتفع المحاذير فهو وإلاّ ففي الباقي

لابدّ من ترتيب المقدّمات هذا حسب ما رتبنا المقدمات . كما انه على ما رتبها المحقّق الخراساني في مقام الامتثال لا يمكننا اتيان المظنونات بعنوانها لعدم جريان المقدّمات إلاّ في مقام الاسقاط لأخذ العلم الاجمالي احدى المقدّمات لا مدركا للثانية وحينئذٍ فاللازم بمقتضى العلم هو الموافقة القطعيّة بالاحتياط فيأطراف المعلوم بالاجمال وبمقتضى تقدر الضرورة بقدرها يلزم التبعيض في الاحتياط لبطلان الموجب لاختلال النظام والعسرى والموجب للحرج . وحينئذٍ فلا يتعين الاحتياط في المظنونات الاّ بمعونة قبح الترجيح بلا مرجّح ويتعين الاحتياط في دائرتها . لكن لا يمكن قصد العنوان في المظنونات لما عرفت من

ص: 372

عدم كون الظن حجّة شرعا بل عقلاً في مقام الامتثال ولو ورد البيان من الشارع لكان ارشادا .

ثمّ ان المحقّق الخراساني حاول(1) رفع النزاع من البين في كليّة النتيجة

واهمالها وانه يمكن أن يكون مدعى الشيخ قدس سره حقا لو فرضنا كون النتيجة هو الطريق الواصل ومدعى خصمه لو جعلناها غير واصلة أو الواصل بطريقه فيكون مهملة فراجع وتدبّر .

فذلكة: قد مرّت الاشارة إلى وجوه التعميم والاشكال في الوجه الأوّل بأنّه مبنى على فقد المرجح وقد ذكر للترجيح وجوه ثلاثة أحدها الترجيح بمتيقن الاعتبار قبال مشكوكه وقد أخذ متيقن الاعتبار ما يكون جامعا لقيود كثيرة تبلغ ستّا أو أكثر بأن يكون الخبر رواته كلّ واحد مزكّى بعدلين وقد عمل به الأصحاب ويكون الفتوى على طبقه ويكون مفيدا للظن الاطمئناني عالي السند إلى غير ذلك فان وفي بمعظم الفقه بحيث لا يكون جريان البرائة في الباقي مستلزما لمحذور فهو .

ولا يخفى انه أقل قليل في الفقه . فالحق انّ القدر المتيقّن ليس هو خصوص ما ذكر جامعا للشرايط بل مطلق الخبر الموثوق بصدوره وان لم يكن رواته كذلكبل ولو لم يكن معدلاً بل موثقا عدلاً في مذهبه . وهذا القدر يمكن وفائه بمعظم الفقه بحيث لا يستلزم الرجوع إلى البرائة في الباقي محذورا . ثمّ انه إن لم يف ففي الباقي أيضا نأخذ بالقدر المتيقّن وهكذا إلى أن ينتهي إلى حد عدم استلزام المحذور .

ص: 373


1- . كفاية الاُصول 2/141 .

والحاصل انه لا يمكن أخذ النتيجة كليّة من أوّل الأمر وقد عرفت فيما تقدّم ان لازم الكشف جواز الاتيان بالذي قام عليه الامارة بعنوانه لكونه حجّة شرعيّة يمكن معها الاتيان بالتكاليف على وجهها وعناوينها بخلاف الحكومة . فانه ليس الا الاحتياط والاتيان رجاءً وهو قبال الاتيان بالعنوان لا يمكن أن يجتمعا .

ثمّ ان نتيجة المقدّمات على ما ذكرنا هو حجيّة الظن الاطمئناني الحاصل من الخبر وان لم يف فالمراتب النازلة منه ولذا عدّ دليل الانسداد رابع الأدلّة العقليّة المقامة على حجيّة الخبر الواحد ولا ربط لذلك بالحكومة ومقام الامتثال بل يناسب الكشف وكونه حجة مثبتا للتكاليف والأحكام . والفرق بين هذا الوجه وساير الوجوه المذكورة من الأدلّة غير الأدلّة العقليّة هو ان في دليل الانسداد تكون الحجيّة مستفادة منه الخالي من ساير الأدلّة .

فان تمت دلالة ساير الأدلّة وفرض حجيّة الظن الاطمئناني مطلقا أو من خصوص خبر الواحد فلا يمكن ترتيب مقدّمات الانسداد لفرض ابتناء المقدّمة الأولى على انسداد باب العلم والعلمي . وحينئذٍ فلا تصحّ كي تصل النوبة إلى ساير المقدّمات . فالفرق بين دليل الانسداد الدال على حجيّة الخبر الواحد المفيد للظن الاطمئناني وغيره من الأدلّة المتقدّمة ان في دليل الانسداد تكون حجيّة الخبر حاصلة من المقدّمات والا فبدون اجراءها لا يمكن حجيّته بخلاف الأدلّة الكتابيّة أو ما هو راجع إلى السنّة فتدلّ على فرض تماميّتها على حجيّة الخبر بلا معونة منالمقدّمات .

وعلى كلّ حال فالمتحصّل من المقدّمات على ما رتبنا هو حجيّة الطريق لا حجيّة الظن بالواقع . وذلك للكشف من دليل الانسداد كون الظن الاطمئناني من

نتيجة المقدّمات على المختار

ص: 374

الخبر حجّة في استطراق الواقعيّات والأحكام . كما ان الفرق بين الحكومة والكشف ان في الحكومة يكون الحاكم هو العقل بلزوم الامتثال مهما أمكن بترتيب مراتبه بخلاف المقام فان العقل كاشف لا حاكم وان احتمل كونه حاكما ويمكن ترتيب المقدّمات على نحو تنتج حجيّة الظن بالواقع بأنّه بعد بطلان الاحتياط التام وكذا المرتبة اللاحقة له ممّا يوجب العسر والحرج ودوران الأمر بين الأخذ بالموهومات والمشكوكات أو المظنونات وترك الباقي بمقدار يوجب رفع الحرج وان لم يرتفع فبانضمام مقدار من المظنونات يكون الباقي بلا عسر .

فالمتعين هو الأخذ بالمظنونات لقبح ترجيح المرجوح على الراجح فنكشف من المقدّمات على هذا حجيّة الظن بالواقع .

وعلى كلّ حال فلا تكون النتيجة بما ذكرنا الا حجيّة الظن اما طريقا إلى الظنّ بالواقع لا حكومة كما انه تكون كلية بناءً على بطلان الاحتياط تاما في كلّ واقعة واقعة وكذلك الرجوع إلى البرائة ومهملة بناءً على كون أحدهما على نحو المجموع لاستناده إلى لزوم محذور الخروج عن الدين أو الاجماع إن كان مفاده المجموعي .

ثمّ انّه على فرض الاهمال فاللازم هو الأخذ بالقدر المتيقن إن وفى والا فلا يمكن التعميم بما ذكر من الوجوه المتقدّمة لما فيها من الاشكالات .

فحينئذٍ لابدّ من اجراء المقدّمات ثانية وثالثة إلى أن ينتهي إلى عدم المحذور .ولا بأس بالاشارة إلى ملخص ما ذهب إليه المحقق صاحب الكفاية في المقام .

ص: 375

فنقول: انه قدس سره (1) جعل المقدّمات خمسا بزيادة العلم الاجمالي بالأحكام في الشريعة أوّلها . والثانية انسداد باب العلم والعلمي بالأحكام . والثالثة عدم جواز اهمال الأحكام . والرابعة بطلان الرجوع إلى ساير الأصول من الاستصحاب والبرائة حتّى الاستصحاب المثبت لفرض كون دليلها الأخبار التي فرضت غير حجّة واللازم هو الاحتياط غير ما يخل بالنظام كما ان المقدار الموجب للعسر والحرج مرفوع بهما . واللازم هو الاحتياط في الباقي لتقدر الضرورة بقدرها وحينئذٍ فيدور الأمر بين جعل الاحتياط في دائرة المظنونات تماما أو بعضا أو مع اضافة المشكوكات أو شيء منها وهكذا الموهومات إليها اذا كان الحرج في الباقي أو جعلها في دائرة الموهومات والمشكوكات وترك المظنونات رأسا أو بمقدار ما يرتفع به العسر والحرج . فالعقل يلزم ويقبح الترجح بلا مرجح وكون اللازم هو جعل الاحتياط في دائرة المظنونات .

هذا إن كان العلم الاجمالي حجّة منجزة للأحكام وكان اللازم هو الموافقة القطعيّة كحرمة المخالفة القطعيّة وإلاّ فيمكننا كشف عدم جواز الاهمال واجراء قبح العقاب بلا بيان العقلي لمّاً للزوم محذور الخروج عن الدين والاجماع على عدم الاهمال والعلم بلزوم الامتثال للأحكام .

وإن لم يكن العلم الاجمالي بنفس الأحكام منجزا ولازم ذلك هو الاحتياط بما لا يلزم من اهمال الباقي مخالفة الاجماع أو الخروج من الدين كما انالموجب للعسر والحرج والمخلّ بالنظام أيضا لا يجب . وهنا أيضا لابدّ بمقتضى حكم العقل بقبح الترجيح بلا مرجح بل ترجيح المرجوح على الراجح جعل

ترتيب المقدّمات من المحقّق الخراساني

ص: 376


1- . كفاية الاُصول 2/114 .

الاحتياط في دائرة الراجح من المظنونات وترك الباقي كصورة العلم هذا .

ولكن لا يخفى عليك انه لا يمكن مع هذا البيان الاتيان بالمظنونات بقصد العنوان لكونه من التبعيض في الاحتياط الممتنع معه قصد العنوان الا تشريعا حراما والاّ فاللازم هوالامتثال والاتيان بالرجاء .

ثمّ انّه قدس سره (1) بعد تقرير المقدّمات واستنتاج التبعيض في الاحتياط جعله هو الحق والتحقيق . لكنه بعد ذلك يتوهم منه مخالفة ما في المقام . الا انه ليس مناقضا له لكون الأبحاث المتأخّرة عنه جارية عن سبيل الفرض كما ان بحث الاهمال والكليّة ينتج الكليّة بناءً على الحكومة في السبب والمورد دون المراتب اذا لم يكن الدليل على لزوم الاحتياط في بعض الموارد المهمّة كالأموال والنفوس والأعراض . ولكن هذا خلاف الفرض لعدم استفادة الأهميّة الا من الأخبار التي فرضت غير حجّة إلاّ بعد تماميّة المقدّمات وأمّا بحسب المرتبة فقد عرفت عدم تساوي الاقدام في نظر العقل هذا .

وأمّا بناء على الكشف فالنتيجة كليّة بحسب الأسباب لو كانت النتيجة هو الطريق الواصل بنفسه اذا لم يكن متيقن في البيين . كما انه كذلك بحسب الموارد دون المراتب لاحتمال كونه هو خصوص الاطمئناني ولو كانت هي الطريق الواصل ولو بطريقه فلا اهمال سببا في صورة تساوي الاقدام . اما مرتبة فمهملة كما ان موردا كلية لو لم يكن متيقن .ثمّ انه قدس سره بناءً على ما اختاره من الحكومة دفع الاشكال في امكان استفادة الكشف بقاعدة الملازمة فانه لا مورد لها في ما يكون أمره راجعا إلى مقام

ص: 377


1- . كفاية الاُصول 2/124 - 125 .

الامتثال والاطاعة والعصيان بل يتمحض في كونه ارشادا كما في ( أطيعوا اللّه وأطيعوا الرسول )(1) اذ مورد القاعدة في سلسلة علل الأحكام وكشف مدرك الحكم دون المعلولات ومقام الامتثال فانه لا يمكن تماميّة القاعدة ولا بكلّ نحو سواءً كان اطلاقا أو تقييدا لحاظيّاً أو نتيجتها .

تنبيه: بناء على الحكومة العقليّة التي يمكن الالتزام بها وتصحيحها ويقول بها الشيخ والمحقق صاحب الكفاية لا يكون الظن حجّة على نحو يمكن معه قصد العناوين بل ليس الا الاحتياط والاتيان رجاءً كما في الشبهة الموضوعيّة في باب القبلة اذا ضاق الوقت عن اتيان أربع صلوات لأربع جهات وكان بعض الجهات مظنون القبلة وبعضها مشكوكا والآخر موهوما فحينئذٍ يلزم تقديم المظنون لحكم العقل بذلك ولا مرخص لتقديم غيره عليه وذلك لاهميّة الوقت ولولاها فيصبر ويأتي بجميعها أو يعلم فيأتي بالمتيقن ويمكن تطبيق الرواية الواردة في الصلاة على أربع جهات على القاعدة وجعلها دليلاً على سعة المحاذات بالبعد عن الجسم ولولا ذلك فالقاعدة تقتضى الاتيان بما يوجب اليقين باتجاه القبلة ولو بعشر صلوات .

والحاصل ان مراتب الامتثال عند العقل أربع . فاذا لم يتمكن من العلمي تفصيلاً أو اجمالاً قطعيّا فتصل النوبة إلى الامتثال الظني كما في المقام وهو مقدم على الامتثال الاحتمالي ولا مرتبة بعد الاحتمالي وعلى هذا فلا حجيّة ولا كشفبل ليس الا الامتثال الاحتياطي الرجائي لادراك الواقع ولا يمكن قصد الوجه والعنوان لعدم تشريع العقل للأحكام بل شأنه ووظيفته ادراك حسن الأشياء

النتيجة بناء على الحكومة العقليّة

ص: 378


1- . سورة النساء الآية 60 .

وقبحها وعلى هذا المعنى الصحيح للحكومة التي مرجعها إلى التبعيض في الاحتياط لا مجال للاشكال فيها بخروج الظن القياسي وبالظن المانع والممنوع وذلك لعدم كون الظن حجّة لاثبات الأحكام كي يكون ممنوعا بالقياس بل الظن الحاصل من القياس على هذا نظير الظن الحاصل من الرواية التي لا اعتبار بها على فرض الانسداد في صلاحيّة الاتكاء على كلّ في الاتيان بمتعلّقه في الاطاعة الظنيّة وعدم جواز الاعتماد به في قصد العنوان لكونه تشريعا . وعليه فلا مجال للاشكال على هذا الوجه بل الظن القياسي كغيره في صحّة كونه موجبا لصحّة الاتيان بمتعلّقه رجاءً .

هذا بناء على الحكومة . وأمّا بناءً على الكشف فلا اشكال أيضا سواءً كانت النتيجة كلية أم مهملة على الوجهين السابقين في تقرير المقدمات من بطلان الاحتياط والبرائة مجموعيّا أو انحلاليّا حيث انه على الأوّل فالنتيجة وإن كانت كلية على فرض المقدّمات ولكن جعل الحجّة بيد الشارع فكما انه يمكن جعل ظن في مورد حجّة دون مورد كذلك يمكن في حال الانسداد جعل الحجيّة للظن الحاصل من غير القياس وعدم جعلها له حيث ان ملاكات الأحكام عنده فلا يرى ملاك الجعل في القياس وهكذا الحال في الاهمال لتواتر(1) الأخبار بعدم جواز الاتكال على القياس . اما بناء على كون النتيجة حجيّة الظن عقلاً على الحكومةبالمعنى الذي لا يمكن الالتزام به ولا تصحيحه ولا انه موافق للأدلّة فيتوجه الاشكال بأنّه بعد حكم العقل في حال الانسداد بكون الظن حجّة والفرض انه لا

ص: 379


1- . الوسائل 27 الباب 6/2 إلى 4 - 10 - 11 - 12 - 18 - 20 - 22 - 23 إلى 28 - 32 - 39 - 41 - 43 - 44 - 49 - 50 من أبواب صفات القاضي .

اهمال ولا اجمال في حكم العقل فكيف يمكن التخصيص في حكمه مع ان العقل ما لم يحط باطراف موضوعه وملاك حكمه لا يمكنه الحكم . ولا شكّ في حكمه بل لو شكّ في مورد فلا حكم له أو انه يحكم على فرض التعليق وانه لو كان كذا لكان كذا ومع ذلك فكيف يمكن الالتزام بتخصيص هذا الحكم العقلي للظن بكونه حجّة مطلقا في حال الانسداد كالعلم في مطلق الأحوال الذي حجيّته داتية ليست قابلة للجعل بل إليه يرجع كلّ حجة تعبدية والا فلا يمكن تحقق حجّة لنا .

اللهم الا أن يخصّص نظر أخبار المنع عن القياس بحال الانفتاح وامكان الوصول إلى باب الأحكام وأخذها منهم أو من أصحابهم الواصلين الآخذين عنهم علیهم السلام أو انه ينكر أصل قطعيّة هذه الأخبار(1) في المنع لعدم تواترها والا فعلى فرض التواتر كما هو كذلك في واقع الأمر وعدم اختصاصها بحال الانفتاح يقع الاشكال في حكم العقل بحجيّة الظن مطلقا كالقطع الطريقي ولابدّ من العلاج . بل من ورود المنع في مورد عن الاتكاء بالظن ينفتح باب الاحتمال في غيره من الظنون فلا يبقى لنا جزم وقطع بحجيّة ظن منها قياسيّا أو خبريا أو شهريا والاّ فبعد

رفع الاشكالات عن امكان جعل الظن حجّة والكلام في وقوع الحجّيّة ووصول النوبة إلى الدليل الرابع فلا مانع حينئذٍ في الحجيّة مطلقا حيث انه مع فرض الامكان الذاتي لا يمكن منع الفيض واعطاء الوجود والقابل الا لمانع هناك ومع فرض المانع أو احتماله فلا حكم للعقل . وأجيب عن الاشكال بان حكم العقلتعليقي كما في الكفاية(2) واختاره المحقّق النائيني (3) ولعلّه ذهب إليه الشيخ

ص: 380


1- . الوسائل 27 الباب 6 من أبواب صفات القاضي .
2- . كفاية الاُصول 2/144 .
3- . فوائد الاُصول 3/320 .

أيضا .

تكميل: أجاب الشيخ قدس سره (1) عن اشكال خروج الظن القياسي عن عموم حجيّة الظن بحكم العقل حال الانسداد بوجوه اختار سادسها كما سبق لكن أكثر هذه الوجوه خارج عن الفرض وبعضها راجع إلى منع حصول الظن من القياس لكون بناء الشرع على تفريق المجتمعات وجمع المتفرّقات . وهذا يكذبه الوجدان ضرورة وقوع التعدّي عن الموارد المنصوصة إلى غيرها في الفقه كثيرا ولا وجه الا القياس كما في ما اذا برء المريض في شهر رمضان قبل الزوال ولم يفطر قبله فانه لا نص على كفاية نيته حينئذٍ والامساك والاجتزاء به عن صوم ذاك اليوم .

بل ما ورد(2) من الاكتفاء والنيّة في المسافر اذا حضر قبل الزوال وأمسك ولم يكن أفطر قبله .

وفي الناسي إذا نسي النيّة وهذان مخالفان للقاعدة من لزوم النيّة في تمام اجزاء العمل فهذا المنع ليس في محلّه .

وقد أورد عليه الشيخ قدس سره أيضا بأنّ الشرع قد جمع بين المجتمعات كثيرا ومرجع نيف منها إلى اختصاص المنع بحال انفتاج باب العلم دون الانسداد وعدم امكان أخذ الأحكام عن مباديها .وفيه انه على فرض الاطلاق وعموم المنع لحال الانسداد لا يكون هذا جوابا بل هذا انكار الاشكال وهو غير الجواب عنه . فالعمدة في الجواب هوالسادس الذي اختاره الشيخ فيما سبق واختاره المحقّق الخراساني(3) وهو موافق

اشكال خروج القياس

ص: 381


1- . فرائد الاُصول 1/253 إلى 260 .
2- . الوسائل 10 الباب 6/4 إلى 7 من أبواب من يصحّ منه الصوم .
3- . كفاية الاُصول 2/144 وما بعده .

على مبناهم في ترتيب المقدمات بل لا يصح الجواب غيره وهو عدم مجال للمنع عن الظن القياسي بناءً على الحكومة حيث انه بعد عدم تمكن المكلف من الامتثال العلمي بنحويه فالعقل يستقل بلزوم الاطاعة الظنيّة اذ لا مرتبة للامتثال بعد امتناع

العلمي الا الشكي الوهمي فاما أن يكتفي بهما أو بالظني ولا اشكال في استقلال العقل بتقدم المرتبة الظنية على الشكي والوهمي كاستقلاله بعدم جواز الاهمال مضافا إلى كونه احدى المقدّمات .

وهذا ليس الا احتياطا وامتثالاً رجائيا ولا مجال لحكم الشارع بمنعه أو امضائه بل لو فرض ورود حكم في هذا الوادي من ناحية الشرع لا يكون الا ارشادا اذ المنع من العمل بالظن القياسي ليس راجعا إلى الاتكاء به في الاحتياط لعدم دليل عليه بل المراد من المنع منه هو جعله دليلاً كما كان عليه العامّة فيتكلون

عليه في الفروع الواردة عليهم عنادا منهم وتكبرا على الأئمّة الطاهرين أبواب علم النبي صلی الله علیه و آله ومعدن الرسالة .

وإلاّ ففي حال الانسداد وعدم امكان وصول المكلف إلى أخذ الأحكام ولا طريق له إلى الامتثال العلمي بأحد نحويه فلا يمكن لأحد حينئذٍ منعه عن العمل بالظن بمعنى الاكتفاء بالاطاعة الظنيّة في امتثالها وعدم جواز الاهمال والاكتفاء بما دونها من المراتب النازلة لدوران الأمر بين الاطاعة الظنيّة والمراتب النازلة عنها فالمنع عن القياس من اول الأمر لا يشمل هذا المورد ومثل هذا النحو من الاطاعة الظنيّة كي يحتاج إلى الجواب . بل المنع يراد منه المنع عنه على معنىمساوق للتشريع بجعله دليلاً وحجّة لاثبات الأحكام والبناء عليه والفتوى على طبقه . وأمّا الاتكاء عليه في الاحتياط والامتثال الظنّي فلا مانع منه ولا مجال له

منع العمل بالظنّ حال الانسداد

ص: 382

إذ لا يكون أسوء حالاً من الرواية التي ليست معتبرة ولكنّها توجب احتمال مصادفة الواقع موهوما مع ان الظن القياسي يوجب الظن بمطابقته للواقع . ولا منع من أحد من الاحتياط الاحتمالي اتكالاً على الرواية التي لا اعتبار لها فكيف بالظن المستند إليه الاطاعة الظنيّة . بل كما ذكرنا لا مجال لمنع الشارع ولو سلّمنا

قاعدة الملازمة بين حكمه وحكم العقل لاختصاص موردها بما اذا كان ما أدركه العقل واقعا في سلسلة علل الأحكام وملاكاتها .

والحاصل ان الاشكال واضح الاندفاع . بل غير وارد بناءً على الحكومة التي قرّرها الشيخ التي مرجعها إلى الاطاعة الظنيّة الاحتياطيّة . اذ المنع عن الظن

القياسي مساوق لمنع الاطاعة الظنيّة ولا معنى له لاستقلال العقل بخلافه .

نعم مجال لهذا الاشكال لو فرض دعوى ان العقل في حال الانسداد يجعل

الظن حجّة واقعا في طريق اثبات الأحكام . فحينئذٍ لابدّ من الجواب لتوجّه الاشكال وهذا غير ممكن أوّلاً لعدم صلاحيّة العقل الناقص لآحاد البشر الاحاطة بمصالح الأحكام وملاكاتها كي يكون مشرعا بل لو فرض ادراكه لشيء فانّما هو ادراك لحسن أو قبح . وليس شأنه تشريع حكم وجعل حجّة في اثبات الحكم وغيره . وثانيا انه على فرض هذا المحال بمعنى وقوعه من العقل وجعله للظن حجّة مثبتا للأحكام في حال الانسداد كالشارع الذي جعل الظن حجّة فلابدّ أن يكون مستقلاًّ ضروريّا له . وإذا كان كذلك فلا يمكن ورود المنع من الشارع لتقبيح العقل ذلك منه على هذا الفرض . واحتمال صدور القبيح منه تعالى العالم القادر الحكيم الغني بالذات في الاستحالة كالقطع به . بل لابدّ حينئذٍ من تأويل النقل وإلاّيلزم طرح العقل والنقل معا . اذ على فرض ورود المنع عن الظن القياسي ينقدح

ص: 383

احتمال المنع من غيره من الظنون ومعه لا حكم للعقل لاستلزام الشك لعدم الحكم وحينئذٍ فلا حكم كي يكون القياس الظني خارجا عنه ويقع الاشكال فيه . إذ من ورود المنع نكشف عدم استقلال العقل في جعل الظن حجّة وإلاّ فلو كان مستقلاًّ فاللازم تأويل النقل .

فظهر بما ذكرنا عدم مجال للاشكال وان الحق في دفعه على الحكومة هو ما أشرنا إليه كما انه على الحكومة بالمعنى الثاني لا محيص من أحد أمرين .

أمّا تأويل النقل أو الكشف عن عدم استقلال العقل لجعل الظن حجّة .

ثمّ انّه استطرد في المقام بحث وجه المنع من العمل بالقياس وان كان لا ارتباط له بما نحن فيه .

وملخّص الكلام ان الاشكال فيه كالاشكال في جعل الظن حجّة من اشكال ابن قبة وما زدنا عليه فصار ذا أربع شعب . وانّه إمّا أن يكون الحكم يبقى بلا ملاك أو تحريم الحلال أو عكسه إلى غير ذلك ممّا تقدّم .

غاية الأمر في الظن كان الاشكال واقعا في حجيّته وانه قد يخطئ فيقع الكلام في انّ الحجيّة هل هي مختصّة بالمصيب منه دون المخطئ أم الأعم . فان كان الأعم فاللازم هو الجمع بين الضدين في مورد المخالفة . كما انه لو كانت مختصة بالمصيب ففي مورد الشكّ في الاصابة وعدمها لا يمكن ترتيب الآثار عليه لكونه تمسّكا بالعام في الشبهة المصداقيّة وفي صورة العلم بالاصابة لا نحتاج إلى الظن والامارة وفي القياس يقع الاشكال من ناحية منع العمل به مع انه قد يصيب الواقع فهل هو مغير للحكم الواقعي بقيامه عليه أو لكونه مشروطا بعدم قيام القياس عليه الخ .

ص: 384

في الظن المانع والممنوع

قد وقع الكلام في الظن المانع من الظن الآخر بناءً على حجيّة الظن في حال الانسداد سواءً كان في طريق الاثبات الذي أحلناه أو في طريق الاسقاط أو بناء على الكشف .

مثاله ما إذا ظنّ من الشهرة بعدم حجيّة الظن الحاصل من الأولويّة الظنيّة أو قام الظن على عدم حجيّة ظن آخر راجع إلى حال انسداد موضوع اللفظ أو ظهوره أو غيره كصدوره ممّا هو راجع إلى قيود موضوع الحجيّة العلميّة . فهل يقدم الظن المانع أو الممنوع أو يتعارضان فيتساقطان ؟ وجوه اختار المحقّق النائيني قدس سره (1) انّ الحجيّة في حال الانسداد للظن المانع دون الممنوع تنظيرا له أو جعلاً له من قبيل الأصل السببي والمسببي فانّهما اذا تعارضا يقدم الأصل السببي على المسببي دون العكس والمقام من هذا القبيل . ولكن الشيخ قدس سره قد ردّ هذا الوجه أيضا وأورد عليه بما هو محرّر في رسائله مع ساير الوجوه وخدشاتها فراجع .

فانّه

قدس سره قد أتى بما لا مزيد عليه وجعل أحسن الوجوه في حلّ الاشكال الجواب الخامس المذكور من أجوبة خروج الظن القياسي وقد مرّ الاشكال عليه في كلامه .

أمّا بيان مرام المحقّق النائيني قدس سره في كون المقام من قبيل الشكّ السببي والمسبّبي في باب الاستصحاب أو غيره من الأبواب الذي لا يجري مع جريان

في الظن المانع والممنوع

ص: 385


1- . فوائد الاُصول 3/322 .

السببي الأصل المسببي للحكومة . فهو ان الأصلين أو الامارتين المتعارضتينلتخالف مدلولهما لا يمكن شمول كليهما لدليل الامارة أو الأصل وبعبارة اخرى لا يشمل دليل الحجيّة كليهما لتزاحمهما في الفرديّة حيث انّهما يتدافعان فلا يشمل الدليل كليهما معا وشموله لأحدهما بعينه دون الآخر ترجيح بلا مرجح . كما ان شموله لواحد لا بعينه لا معنى له لعدم كون الواحد لا بعينه فردا . فحينئذٍ لا يشمل أحدا منهما وهذا معنى التعارض بمعنى تزاحمها في شمول دليل الحجيّة لهما وفي فرديتهما للعام .

ولكن يمكن الاشكال في ذلك بأنّه أيّ مانع لاشتراط كلّ بعدم الأخذ بالآخر إذ ليس معنى غير معقول كما التزمنا مثله في الخبرين المتعارضين فيكون الحجيّة مشروطة بالأخذ وهذا قابل للانطباق على كلّ منهما . والشيخ قدس سره مع انه ( انكر ) الترتب في طرف واحد التزم في المقام بالترتب من الطرفين ويرجع كلامه قدس سره هذا بناء على تساويهما في الفرديّة فيتساقطان وليسا كالخبرين المتعارضين كي يكونا مشمولين للأدلّة العلاجيّة ويكون مختارا في الأخذ بأيّهما شاء بل الظنان على هذا كالآيتين هذا .

وأمّا وجه تقديم الأصل السببي فهو انه لا يتوقف فرديته للعام على شيء بخلاف الأصل المسببي فانه وإن كان فردا للعام لو لا الأصل السببي . إلاّ ان فرديته للعام يتوقف على عدم شمول العام للأصل السببي ولذلك يقدم عليه دون العكس .

بيانه ان الأصل المسببي اشترط فيه امور ثلاثة مرجعها إلى تسبب الشكّ من الشكّ السببي وكون الترتب شرعيّا كما انه لابدّ من كونه أثرا شرعيّا للأصل

وجه تقدم الأصل السببي على المسبّبي

ص: 386

السببي . فاذا اجتمع هذه القيود يجري الأصل السببي ولا مجال للمسبّبي لحكومة السببي واعدامه موضوع المسببي باخراجه من تحت العام اذا لحكومة تارةبادخال فرد كما في زيد عالم لموضوعه في أكرم العلماء واخرى باخراجه كما في انه ليس بعالم لاخراجه . وعلى كلّ تقدير يكون دليل الحاكم متعرّضا لشيء لا يتكفّله دليل المحكوم لعدم تعرّض الكبرى لصغرى نفسها . فاذا لم يكن ترتب أو كان ولم يكن المترتب أثرا شرعيّا للمرتب عليه أو لم يكن تسبب بينهما . بل كان سبب كلّ غير الآخر فلا حكومة . كما انه اذا كان الشكّ السببي مسبّبا من الشكّ المسببي فلا مجال للحكومة . فالمثال المعروف لهذا البحث هو الشكّ في طهارة الثوب المغسول بماء مشكوك الطهارة والنجاسة ولابدّ فيه من كون الشكّ في الطهارة في الماء من غير ناحية غسل الثوب النجس به فانه اذا كان الماء في حد نفسه طاهرا لكنّه مشكوك الكريّة فيشكّ بعد ما لاقاه الثوب النجس في نجاسته وطهارته لملاقاة الثوب له فهذا ليس من الشكّ السببي والمسبّبي . وبجريان أصل الطهارة في الماء لا يبقى مجال للشكّ في طهارة الثوب . بل لابدّ في كونه من أمثلة المقام كون الشكّ في طهارة الماء مع قطع النظر عن ملاقاة النجس له . وحينئذٍ فعند ملاقاة النجس له وغسله له بالوجه المعتبر إن كان قليلاً فبالتعدد والا فبدونه يشكّ في طهارة الثوب وبقاء نجاسته . حيث انه إن كان الماء طاهرا فقد طهر الثوب قطعا وإلاّ فنجاسته السابقة باقية . فالشكّ في طهارة الثوب مسبب من الشكّ في طهارة الماء ويكون طهارة الثوب بالماء الجاري فيه أصل الطهارة بغسله به على الوجه المعتبر من آثار طهارة الماء الشرعيّة . فأركان الاستصحاب السببي تامّة وشرايط حكومته على المسببي أيضا حاصلة فلا مجال معه لجريان المسببي .

ص: 387

هذا في أصل الشكّ السببي والمسبّبي . وأمّا تطبيق ذلك على المقام فهو انه بمقتضى حجيّة الظن في حال الانسداد فيكون كلّ ظن فردا له لكن فرديّة المانع لا يتوقّف على عدم فرديّة الممنوع بخلاف العكس لأن معنى حجيّة المانع هو حجيّةمؤدّاه وترتيب الأثر عليه ومفاده ومتعلّقه عدم حجيّة الظن الممنوع فعدم حجيّة الممنوع من آثار المانع الشرعيّة والشكّ في حجيّة الممنوع أيضا ممحض من ناحيته فاركان المنع تامة لا مجال للممنوع بخلاف المانع هذا تقرير الكلام ووجه كونه من ذاك القبيل وقد أجاب الشيخ عن هذا فراجع رسائله .

توضيح وتكميل: قد عرفت توجّه الاشكال في الظن المانع والممنوع وتقدّم أيّهما وسبق شطر من الكلام في كونه نظيرا للشكّ السببي والمسبّبي الذي يقدم السببي بشرايطه المذكورة وكذلك بناء على الحكومة يقدم الظن المانع لعدم توقّف للعقل بناء عليها في حجيّة مطلق الطن نعم حيث انّهما متضادان لا يجتمعان فلابدّ من الالتزام .

بتعليقيّة حكم العقل في ناحية الممنوع بعدم قيام دليل على المنع منه . وحيث ان المعلّق عليه حاصل خلافه وانه حكم العقل في ظرف الانسداد للظن الممنوع فلا يكون حجّة بخلاف المانع اذ لا تردّد في فرديّته للظن ولا توقّف بخلاف الممنوع فانّه على تقدير خروج المانع يكون حجّة . كما انه يمكن فرض الكلام في ما اذا كان الممنوع قائما على خلاف الاحتياط فانه ولو لم يكن المانع حجّة يمكن تقدّمه وأولويّته . وعلى تقريب الحكومة فقد عرفت الحال وإلى هذا يرجع ما أفاده المحقّق النائيني في دفع الاشكال والشيخ يحوم كلامه حول ما أشرنا إليه أولا مع شرح وزيادة .

ص: 388

وأمّا على فرض الكشف فلا اشكال أيضا لكون الدليل القائم على المنع من الممنوع يكون مخصّصا على تقدير الكليّة وشمول المانع والا فيكون مهملة .

هذا تمام الكلام في مقدّمات الانسداد وظهر بما ذكرنا عدم تماميّة المقدّمات رأسا وان غير الثانية باطلة جميعا لا مجال لها . ثمّ انّ انسدّ باب العلموالعلمي في ما يرجع إلى الأحكام من الموضوعات لها وتعيين حال الرواة بقول أهل الرجال وأمثال ذلك فهل الظن في حال الانسداد يقوم مقام العلم أم لا ؟ قد أشرنا سابقا إلى انه ان رجع إلى انسداد باب العلم في الأحكام وتمت المقدّمات فهو والا فلا وحينئذٍ فبناءً على الكشف تكون النتيجة كما سبق من الكليّة والاهمال وان المتيقن الظن الاطمئناني دون غيره من المراتب على تقدير الوفاء . كما انه على الحكومة لا فرق بين أنحاء الظن سببا وموردا . وأمّا مرتبةً فيقدم القوي على الضعيف إلى آخر ما سلف .

ثمّ انّهم جرّوا الكلام في بحث الانسداد إلى فرض انسداد باب العلم في الأصول وهي أولى بفرض الانسداد فيها من الفروع ولا يمكن الاكتفاء فيها بالعلمي بل لابدّ فيها من العلم والعلم له مراتب أعلاها اليقين الكامل الذي ورد في بعض(1) الروايات انه لا شيء أقلّ من اليقين ولا يمكن التمسّك فيها بالروايات لأن المعارف قد ذكرنا لزوم كونها يقينيّة . فاذا انسدّ فيها باب العلم فهل يكفي الظن

أو يعقد القلب على العنوان الواقعي للشيء وانفتاح باب اثبات الصانع بفطريّة احتياج المخلوق والمصنوع والأثر إلى الصانع والمؤثّر والخالق انما يوجب هذا المقدار دون باقي المراتب من الأمور اللازمة في الاعتقاديات من التوحيد

عدم جريان المقدّمات في اُصول العقائد

ص: 389


1- . مرآة العقول 7 ص324 - 328 .

وغيره .

فليعلم انه لا معنى لتكليف كلّ الناس بمعرفة المعارف حتى ضعفاء العقول ومن كان أوائل بلوغه بحيث ليس له انس ولا معرفة بالأصول الا بما يكون مقدورا لهم لاستقلال العقل بقبح تكليف العاجز عن شيء به . فحينئذٍ لابدّ وأنيكون قد نصب للكل طريقا يمكنهم الوصول إلى العقائد بسلوكه بحيث لا يخصّ الأوحدي منهم ولا صنفا ممتازا من بينهم . وإلاّ فاللازم اختصاص التكليف بهم دون غيرهم هذا .

ثمّ انّه نقول يكفي نفس أخبار الأنبياء والرسل بوجود صانع حكيم موصوف بما يجب منزه عمّا لا يليق به قد أرسل الرسل وبعث الأنبياء وأوجب على الناس التكاليف . وذلك لعدم معقوليّة عدم حصول العلم من أخبارهم كما انه يمتنع عدم حصول العلم في أخبار عدد التواتر أيّ عدد اشترطنا فيه . فانه اذا فرضنا انه أخبر عدّة رجال صلحاء أخيار أبرار لا داعي لهم إلى الكذب قد جرّبناهم بالصدق وعرفناهم به وقد فاقوا جميع أصناف البشر بكرائم الأخلاق وفضائل الصفات وهم قد اتّفقوا على الخبر عن مكّة ووجود البيت مثلاً وانه كذا بنائه وكذا ترتيبه إلى غير ذلك ممّا يتعلّق به فيحصل العلم من قولهم لكلّ أحد . غاية الأمر تختلف الأشخاص في الاكتفاء بالعدد الذي يوجب اتّفاقهم العلم وحصوله له فسواء كان العدد عشرة أو لم يكتف بها بل اشترطنا مائة أو أزيد إلى أيّ حدّ اكتفينا به فقطعا يحصل العلم ونقف على قولهم وأخبارهم فكيف يمكن مع وجود أنبياء يبلغ عددهم مائة ألف وأربعا وعشرين ألفا وهم قد اتّفقوا على الأخبار عن صانع حكيم مدبر فاعل الخيرات خالق الأرضين والسماوات مكلّف

ص: 390

العباد بالتكاليف الشك أو التوقف في تصديق قولهم إذا لم يعاند وجدانه ولم يكابر نفسه ولم يكن مباهتا . ولو فرض انّ أخبارهم ذلك لا يكون مستندا إلى الحسّ بل في الأمور العقليّة التي يجوز الخطأ إلاّ ان فرض التوقّف مع هذا الصلاح وظهور المعجزات الواصلة إلينا بالتواتر على أيديهم يمنع من ذلك ولا يتوهّم ان هذا اثبات التوحيد بالنبوّة بل المراد الاستدلال بصدق الأنبياء وتفوّقهم في فضائلالأخلاق على ساير أفراد البشر على صدقهم في أخبارهم عن اللّه مع ظهور الكرامات والمعجزات منهم .

وهكذا الحال في ساير الامور العرفيّة وغيرها والاّ فمن أين يثبت الانتساب للابن إلى أبيه وبعد موته يمكنه حيازة ارثه واستملاكها . اذ لا طريق إلى العلم بكونه ولده الا الشياع والتواتر المفيدين للعلم . وإلاّ فيجري اصالة عدم الانتساب لامكان كونه لقيطا غير مولود على فراش هذا الأب . وهكذا البناء على الشياع والتواتر ) في الانتساب في باب الخمس . وكما انه يمكن الاستدلال بالقرآن الذي لا شكّ في اعجازه على وجوب حصول المعرفة باللّه وصفاته والايمان بأنبيائه ويكفي كونه معجزا في كونه حقّا وليس ذلك دورا ( نعم ) لمن يؤمن بالقرآن التمسّك به بلا اشكال ولا توقّف على كونه معجزا عنده وفي الآيات الشريفة ارشادات وايماءات وأوامر إلى الايمان والتوحيد والزام تحصيل المعرفة . وهذا يكفي في انفتاح باب العلم في العقائد كما انه في المورد الذي لا يتمكن من تحصيل العلم فيمكن عقد القلب على واقع الأمر كائنا ما كان حتّى في الصفات الثبوتيّة والسلوب كما ان الامر لعلّه كذلك .

إذ لا يمكن للممكن الاحاطة بالواجب وبعد هذا فلا نحتاج إلى الاعتصام

في المعارف الاعتقادية

ص: 391

بحكمة يونان وأقوال حكمائهم مع عدم تماميّتها وورود الاشكال عليها في كلّ باب بل غاية ما حصل لهم على طول هذا العلم هو الشكّ والتحير والجهل بل ربما يكون سلوكه حراما لمن يحتمل ابتلائه بوساوس الشيطان التي لا نجاة منها .

الكلام في مباحث الشكّ

قد علم ممّا ذكرنا أوّل الدخول في مباحث القطع ان الكلام يقع في مقاماتثلاث: القطع والظن والشكّ .

وقد فرغنا عن أبحاث الاولين وبقي الثالث والآن أوان الشروع في مباحثه فنقول وباللّه التوفيق وقبل الشروع ينبغي التنبيه على أمور:

الأوّل: انّ الشكّ قد يؤخذ موضوعا للحكم الواقعي ومغيرا له ومبدلاً وقد يكون موضوعا للحكم الظاهري كما انّه قديتعلّق بالواقعة الجزئيّة الشخصيّة التي حكمها جزئي فالمشكوك هو الحكم الجزئي أو الموضوع الجزئي وقد يتعلّق بالحكم الكلي فالشك في شرب التتن من حيث انه واقعة من الوقايع الكليّة هل هو مباح أم حرام . فالشكّ المبدّل لحكم الواقع الذي أخذ موضوعا للحكم الواقعي كالشكّ في ركعات الصلوات اليوميّة . حيث انّه يوجب تبدل وظيفة الشاكّ من اتّصال الركعات بالانفصال فانه على تقدير تماميّة صلاتها صلاة الاحتياط المنفصلة عنها نافلة وعلى تقدير النقص متمّمة لها ملاكا وجزئا على ما ذهب إليه المشهور وبعضهم شيّد أركان هذا المعنى وأصرّ عليه خلافا لآخر حيث انّه يرى كونها متمّمة ملاكيّا لا جزئيّا .

ونظهر الثمرة بين القولين بتخلّل ما ينافي الصلاة مطلقا عمدا وسهوا بين

ص: 392

الصلاتين فعلى تتميم الملاك محضا لا يوجب البطلان وعلى تتميم الجزئيّة أيضا يكون مبطلاً لها حتى ان لازم من يرى عدم الجزئيّة لها انّه لو تعمّد الترك ولم يأت بها ولو بعد سنين فلا يجب عليه إلاّ الاتيان بالاحتياطيّة ولو منفردة ولا يمكنه الاتيان بالصلاة رأسا .

أمّا الشكّ الذي يكون موضوعا للحكم الظاهري بناءً على تعدّد الحكم فهو الشكّ في الحكم الواقعي في موارد الأصول . فانّه موضوع للحكم الظاهري من البرائة أو الاحتياط أو الاستصحاب على التفصيل الآتي في مجاريها ومواردهاوسبق التنبيه عليه في أوّل مباحث القطع . والشيخ قدس سره قد أطلق على هذا الحكم العنوان الثانوي بلحاظ طرو الشكّ المغاير للحكم المحمول على الطبيعة بعنوانها الأولي بلا لحاظ الشك والعلم وغيرهما . وذلك لترتّب العلم والشكّ والجهل على وجود الشيء وتحقّقه فلابدّ فيه من التحقّق فيعلم أو يجهل أو يشكّ فيه . كالفرق بينهما بالرتبة ورتبة الحكم الواقعي متقدّمة على الحكم الظاهري أو المجعول بالعنوان الثانوي الذي هو متأخّر رتبة عن رتبة الجعل . كما انّ الدليل الدال على الحكم الأولي الواقعي يسمّى دليلاً اجتهاديّا والدليل الدال على الحكم الظاهري أصلاً عمليّا . اما العلم فلا يطلق عليه الدليل على ما سبق في أوائل بحث الظن وقد يصطلح هنا اصطلاحا آخر كما عن الوحيد قدس سره من تسمية الدليل الدال على الحكم الواقعي دليلاً اجتهاديّا والدالّ على الثاني دليلاً فقاهيا والذي أوجب تأسيس هذا الاصطلاح ما تداول بينهم من تعريف الفقه بالعلم بالأحكام الشرعيّة الخ ولا يخفى ان الامارات لا يحصل منها العلم بالواقع بخلاف الأصول فانها توجب العلم بالحكم الظاهري المجعول في ظرف الشكّ فأراد ادخال هذا الحكم في تعريف

حكم الشك في التكليف

ص: 393

الفقه وذاك في تعريف المجتهد ولا مشاحة في الاصطلاح .

فعلى هذا يسمى فقيها باعتبار استفادته حكم ظرف الشكّ في موارد

جريان الأصول ومجتهدا بلحاظ حصول الظن له من الأدلّة الاجتهاديّة بالحكم الواقعي ولكن هذا كلّه على فرض تسليم تعدّد الحكم والجواب عن اشكال ابن قبة ذي شعب أربع من المحاذير الخطابيّة والملاكيّة . ولو فرضنا دفع الاشكال في الامارات من ناحية تسليم الطريقيّة والوسطيّة بلا لزوم جعل حكم في موردها كي يلزم اجتماع الضدين في مورد المخالفة للواقع أو المثلين في مورد الموافقة لايمكننا الجواب في موارد الأصول لفرض جعل الحلية مثلاً والاباحة فيموردها . فكيف يجامع هذا الحكم الحكم الواقعي على تقدير كونه هو غير الاباحة . والتزم الشيخ قدس سره على ما يظهر من كلامه بكون الحكم الواقعي هو الانشائي والظاهري هو الفعلي ولذا أورد عليه المحقّق الخراساني(1) ما أورد . منها عدم ايجاب تعلّق العلم بالحكم الانشائي لزوم الانبعاث على وفقه وأمّا التنزيل فان ظهر من كلام بعض تلامذة الشيخ في بعض المقامات ولكن في رسائله لا اشارة إليه . والمحقّق الخراساني قدس سره (2) كان رأيه سابقا بأن للحكم أربع

مراتب لكن في كفايته عدل عن هذا وجعل للحكم قسمين من الفعلي الأولى الفعلي الذي لو علم به لتنجز والثاني الفعلي المتنجز . وبعضهم تصدى لدفع الاشكال بعدم تصور التضاد الا في مرحلة الجري العلمي والداعويّة نحو الفعل والترك عند المكلّف والا فلا تضاد لها بما هي مجعولة واقعا . بل التضاد لها في

ص: 394


1- . كفاية الاُصول 2/27 .
2- . كفاية الاُصول 2/27 .

مرحلة الجري العملي فما لم يعلم الحكم الواقعي فلا تضادّ مع الحكم الآخر المعلوم الذي ينبعث المكلف منه ونظّر ذلك بالحب والبغض وان الاشياء لا تقبل كونها محلاً للعوارض الخارجيّة المتضادّة كالسواد والبياض ولو من شخصين متعددين بخلاف العوارض النفسانيّة كالحبّ والبغض فانّه يمكن كون شيء واحد محبوبا مبغوضا بالنسبة إلى شخصين أو شخص واحد في حالتين وجعل الأحكام من قبيل القسم الآخر الذي لا يكون اتّصافها بالأمور العارضة الخارجيّة .

ولكن الاشكال في ناحية اللّه وفي تنظيره فانه من المحال كونه تعالى محلاًللحوادث من الحب والبغض وأمثالهما بل اتّصافه تعالى بهذه وأمثالها إنّما هوبالمجاز فكانّه اريد به غايات الحب والبغض بخلاف الرازق والخالق وغيرهما فانه تعالى يتّصف بهما حقيقة سواء كان راجعا إلى صفات الذات أو الأفعال .

والحاصل ان الحكم الواقعي اما أن يكون مقيّدا بحال العلم به وهو محال لاستلزامه الدور كما أشار إليه العلاّمة في بعض كلماته وأخذ الجماعة منه قدس سره

مضافا إلى لزوم التصويب المجمع على بطلانه وكذلك لا يبقى مجال التمسّك ( للشكّ ) فيه في مورد الشكّ إذ بالشك نعلم ( انه ) لا حكم للشاكّ كما انّه اذا قيد

الموضوع للحكم بقيد المعلوميّة وكان الخمر المعلوم حراما ففي المشكوك خمريّته نعلم بعدم الحرمة واقعا فلا مجال للشكّ . نعم يمكن أخذ العلم بحكم موضوعا لحكم آخر كما إذا قال اذا علمت بوجوب الصلاة فتصدّق . وإمّا أن لا يكون مقيّدا بالعلم بل مطلق من هذه الجهة ولا دخل للعلم والجهل بوجود الحكم وعدمه . فحينئذٍ يلزم الاشكال المعروف من أين قبة باغصانها . لكن الشيخ على مبناه من انتزاع الطريقيّة من الحكم التكليفي بوجوب العمل التزم في الجمع بين الحكم

حال الحكم الواقعي

ص: 395

الواقعي والظاهري بما ذكرنا من كون الواقعي هو الانشائي والظاهري هو الفعلي .

ثمّ انه حيث ان الامارة لا توجب بقيامها رفع الشكّ وحصول العلم بمؤداها فالشكّ بعد قيامها متحقّق كقبله وهذا الشكّ أيضا موضوع للحكم الظاهري المجعول في موارد الأصول فلابدّ من الجمع بينهما أيضا . ويظهر من المحقّق النائيني قدس سره (1) انّه فهم من كلام الشيخ انه أراد أن يجمع بين موضوع الامارة والأصل بما جمع بين الحكم الواقعي والظاهري فاستشكل عليه لكن التأمّل في كلام الشيخ قدس سره يوجب عدم مجال لما أورد عليه المحقّق النائيني فراجع كلامهتعرف مرامه .

فذلكة: قد عرفت ممّا مرّ ان مذهب الشيخ قدس سره في الامارات وجوب العمل بها الذي ينتزع منه الطريقيّة وطريق الجمع بين وجوب العمل بالامارة والحكم الواقعي ما سلف من كون الحكم الواقعي مجعولاً على نفس موضوعه بلا لحاظ الشكّ بخلاف الحكم الظاهري فانه مجعول في ظرف الشكّ على نحو يسلم من اشكال التصويب وساير اشكالات ذلك ملاكا وخطابا التي سلك كلّ في مقام رفع الاشكال مسلكا غير ما سلكه الآخرون .

وبالجملة حيث ان قيام الامارة لا يوجب حصول العلم عند من قامت عنده بل بعد على شكه والظن كالشكّ أيضا لعدم حجيّته ذاتا بل يحتاج إلى الجعل والاعتبار فعند قيام الامارة على الحكم الشرعي يبقى الشكّ وجدانا خصوصا على مبنى القوم من بنائهم في الامارات على الظن النوعي . وحينئذٍ فحيث ان موضوع الأصول العمليّة أيضا هو الشكّ فاللازم جواز اجراء الأصول في مورد

ص: 396


1- . فوائد الاُصول 3/326 .

قيام الامارة فلابدّ من الجواب والتفصي عن هذا الاشكال . وربما يستفاد من كلام الشيخ التنزيل ولكنه مجمل اذ يحتمل ان مراده تنزيل الامارة منزلة العلم كما انه يحتمل تنزيل المؤدى منزلة المقطوع ولا وجه لكليهما كما أشار إليه في الكفاية(1) من لزوم الجمع بين لحاظين الالي والاستقلالي وان الظاهر كونه بلحاظ الآلية لا الاستقلاليّة فيكون حينئذٍ تنزيل المؤدّى منزلة الواقع فيما اذا كان القطع مأخوذا في الموضوع .

والحاصل ان عبارة الشيخ هاهنا مجملة فلعلّه يقول بتقدّم الامارة علىالأصل بلحاظ كون الامارة نزل مؤدّاها منزلة الواقع تعبّدا . وهذا يوجب عدم مجال لجريان الأصول لعدم بقاء الشكّ الذي أخذ موضوعا فيها مع التعبّد بالواقع تعبّدا لكنه لا يناسب مبناه من وجوب العمل بالامارة الذي لا يوجب تبدل الواقع فيما اذا كان مؤدى قول العادل أو الامارة القائمة على خلاف الواقع . فانه ينتزع منه الطريقيّة وهي لا توجب جعل الحكم في مورد الطريق كما التزم به أخيرا صاحب الكفاية قدس سره (2) في مبحث الظن وعدل عن ما بنى عليه اول مباحث القطع من اختيار تنزيل المؤدى منزلة الواقع . اذ يرد على مبنى تنزيل المؤدّى عدم الفرق بين الامارات والأصول . اذ ليس المجعول على هذا الاّ وجوب العمل والأمر بترتيب أثر الواقع على المؤدّى . وهذا لا يوجب زوال الشكّ لا وجدانا ولا تعبّدا اذ لسانه على هذا لسان الأصول ولا يمكن معه اثبات اللوازم العقليّة التي يرتّبونها على الامارات بل بعينه تكون كالاستصحاب ولا وجه لتقدّمها على الأصول حتى

وجه تقدّم الامارة على الاصول

ص: 397


1- . كفاية الاُصول 2/21 - 22 - 44 .
2- . كفاية الاُصول 2/21 - 22 - 44 .

ان ( مقتضى ) القواعد الخاصّة المجعولة في موارد الأصول النافية كاصالة الصحّة وقاعدتي الفراغ والتجاوز وأمثالها الجارية في موارد جريان استصحاب عدم الاتيان بما هو دخيل في ذي الأثر شرطا أو جزءا كما اذا شك في ان اذن البايع في الرهن قبل البيع أم بعده فالشكّ في صحّة البيع وعدمها كيف يمكن معه جريان أصل الصحّة مع استصحاب عدم الصحّة أو عدم ترتب الأثر وقلنا انه لمكان الأخصيّة تقدّم أدلّة هذه القواعد على الاستصحاب والأصول العدميّة الآخر لو تخالفنا ( ولا يمكن اجراء وجه لتقدم هذه القواعد على تلك الأصول النافية في المقام ويكون ذلك وجها لتقدم الامارة على الأصل وذلك لعدم جريان ذلك الوجهفيها .

اذ النسبة إنّما نلاحظ بين دليلي اعتبار الامارة والأصل ولا يلاحظ النسبة بين الامارة الشخصيّة والأصل الجاري في المورد الخاص فانه لابدّ من قطعيّة دليل الامارة والأصل وان كان المؤدّى في الامارة ظنيّا وفي الأصل حكما ظاهريّا لكنه لابدّ من مستند قطعي . وحينئذٍ فالتعارض إنّما يقع بين دليلي اعتبارهما حيث انّهما متخالفان بالعموم من وجه فيتساقطان . وذلك لأن دليل اعتبار الامارة مطلق من حيث قيام الأصل على وفقها وعدمه كما انها لا توجب العلم المعدم لموضوع الأصل . ودليل الأصل مطلق من حيث قيام الامارة على خلاف مفاده وعدمه فهما متخالفان بالعموم من وجه فيتساقطان ولا يكون أحدهما حجّة لعدم المرجح . اذ الوجوه الموجبة لتقدّم الامارة على الأصل تبتني على هذه المباني التي ليست بتامّه فلا يصحّ الجمع فلا يبقى أصل ولا امارة . وهذا بخلاف المبنى الصحيح المختار من عدم جعل في الامارات تأسيسا بل إنّما هي

ص: 398

منجملة الحجيّة . والشارع إنّما ارشد إلى ذلك ولا تعبد في البين بل كلّها ارشاد لما في الطريقة من حجيّة العلم النظامي العادي الذي يحصل من قيام الامارة وجدانا وحينئذٍ فوجه تقدّم الامارات على الأصول واضح على هذا المبنى . فالامارة حجّة في ظرف الشكّ لعدم معقوليّة حجيّتها في ظرف العلم لاستلزامه تحصيل ما هو حاصل بالوجدان بالتعبد وهو محال . بل إنّما هي مجعولة أو حجّة في ظرف الشك والشك ليس موضوعا اذ لو أخذ موضوعا فاللازم تحري وجه آخر في تقدّمها على الأصول ولكن لا نقول بذلك بل لأنّ الشكّ ليس إلاّ ظرفا فيها . وعلى هذا فبقيامها يحصل العلم الذي لا مجال معه لموضوع الأصول لورودها عليها والشيخ قدس سره كأنّه اختار حكومة الامارات على الأصول وذلك لقيام الحجّة علىالواقعيّات ومعه لا مجال لجريان الأصل . وأفاد في تعريف نفس الحكومة أن يكون أحد الدليلين متعرّضا لحال دليل الآخر وما اريد منه وإن لم يكن بلفظ التفسير كاى واعنى ولا يكون لذلك الآخر تعرض لحال هذا وبالجملة خروج موضوع عن عموم عام له وجوه أربعة .

فتارة يكون خروجا تكوينيّا كخروج زيد الجاهل عن عموم أكرم العلماء وهذا نسمّيه تخصّصا . واخرى يكون بلسان المعارضة وهذا يسمّى تخصيصا . وثالثه يكون بنفس التعبّد بالدليل الآخر بلا اثباته للمؤدى ورابعة باثباته للمؤدى .

فالثالث هو الورود كايجاب الاحتياط الشرعي الموجب لعدم بقاء موضوع قبح العقاب بلا بيان بناءً على تقديم أخبار الاحتياط مطلقا أو في مورد خاص . والرابع هو الحكومة وأورد المحقّق النائيني(1) على الشيخ قدس سره بأنّه جمع بين

الوجه الصحيح في حجيّة الامارة

ص: 399


1- . فوائد الاُصول 3/326 .

الامارات والأصول بما جمع به بين الحكم الواقعي والظاهري . لكن الشيخ قدس سره

يعطى كلامه غير ما فهمه منه المحقّق النائيني اذ في مورد الحكومة لا يكون للمحكوم تحقق البقاء فكيف يكون هناك حكمان يجمع بينهما بذلك . وهذا بخلاف الحكم الواقعي والظاهري والامارات بالنسبة إلى الواقع لو قيل بكون الامارة حكما ظاهريّا أو مستتبعة له فلا مجال لاشكال النائيني على الشيخ فراجع .

وخلاصة الكلام حيث ان دليل اعتبار الامارة ودليل اعتبار الأصول العمليّة من الاستصحاب والبرائة وغيرها هو الأخبار وهي بحسب الظاهر متخالفة فلا يمكن شمول الدليل لهما اذ قيام الامارة لا يوجب ذهاب الشك الموضوع في الأصول العمليّة وجدانا بل بعد هو على حاله .والفرض ان هذا الشك بعينه موضوع الأصول ففي مورد تخالف مؤدّى الامارة مع حكم الأصل لا يكون شمول صدق العادل الذي هو مفاد أدلّة حجيّة الخبر والامارة التي هي الدليل لحجيتها والأخذ بمؤداها كما انهما الدليل للاستصحاب وساير الأصول . وذلك لأن اللازم في كليّة الامارات والأصول كون حجيّتها قطعيّة وإن لم يكن مفادها كذلك . وعلى هذا فلابدّ من رفع التنافي على وجه يمكن معه شمول الدليل لكلّ واحد منهما وإلاّ فيلزم عدم حاجة إلى الامارة ولا انه يعتني بها لوجود الأصل وتحقّق موضوعه . اللهمّ إلاّ أن يقال بالأخصيّة لوجود الأصل في كلّ مورد يكون مقام قيام الامارة ولا عكس . فحينئذٍ يقدم دليل الامارة على الأصل للأخصيّة ولعدم لزوم اللغو . والشيخ قدس سره ذهب في المقام إلى ان مفاد دليل الامارة هو التنزيل وبهذا يقدم على الأصل . لكن الكلام في ان التنزيل اما أن يكون راجعا إلى الأمارة وكونها كالعلم أو إلى مؤدّى الامارة وتنزيله

ص: 400

كالمتيقن وأيّا ما كان فلا يمكن إلاّ بلحاظ ترتب أثر العلم أو المتيقن المعلوم على ما نزل منزلة العلم أو المتيقن وإلاّ فالتنزيل لا يمكن بلا ترتب أثر عليه . وحينئذٍ

فما وجه حجيّة الامارة حتى في المثبتات لكونها على هذا كالاستصحاب الذي لا يلتزمون بحجيّته في المثبتات مع انه انما يوجب هذا التنزيل تقدم الامارة على غير الاستصحاب من الأصول التي لا تنزيل فيها بل أخذ فيها الشكّ موضوعا محفوظاً للحكم المرتب عليه . فيمكن أن يقال فيها بأنّ العلم الذي هو الغاية فيها ظاهر بنفسه في العلم الوجداني وبقيام دليل حجيّة الامارة وتنزيلها منزلة العلم يتحقق فرد آخر من العلم بالحكومة على ذاك الدليل الأولى الظاهر علمه في الوجداني فيقدم الامارة على هذا على الأصل بالحكومة .

وأمّا في الاستصحاب فلا يجري هذا الكلام لكونه كالامارة من كونه تنزيلاًإمّا للشكّ منزلة العلم واليقين أو المشكوك منزلة المتيقن وأيّاً ما كان فهو تنزيل في عرض تنزيل الامارة أو مؤدّيها . ولهذا يقدم على ساير الأصول . ولكن لا وجه لتقدم الامارة عليه وليس المقام كتنزيل الطواف(1) بالبيت بالصلاة أو تنزيل الرضاع(2) وكونه لحمة بالنسب في كون التنزيل من طرف واحد . اذ التنزيل في المقام شامل لكليهما فكما ان الامارة نزلت منزلة العلم أو مؤدّاها منزلة المعلوم كذلك الاسيتصحاب فهما تنزيلان عرضيان لا تقدم لأحدهما على الآخر فلا مجال لدفع الاشكال حتّى بالأخصيّة والأعميّة لعدم أعميّة دليل الاستصحاب من دليل الامارة ولا انها أخص موردا منه بخلاف الاستصحاب وساير القواعد

تنزيل المستصحب والاشكال

ص: 401


1- . الوسائل 13 الباب 38/6 ونحوه مستدرك الوسائل 9 الباب 38/2 من أبواب الطواف واللفظ فان فيه الطواف بالبيت صلاة ونحوه، مستدرك الوسائل 9 الباب 38/2 .
2- . الوسائل 20 الباب 1 روايات عشر من أبواب ما يحرم من الرضاعة وليس فيها لحمة .

المجعولة في ظرفها كالفراغ والتجاوز والصحّة وغيرها حيث انّها تقدّم على الاستصحاب بلحاظ الأخصيّة .

ثمّ انّ الشيخ قدس سره ورد في بيان الأصول وحصرها في الأربعة ومجاريها فأفاد في الأول ان الشك إمّا أن يتصرّف فيه الشارع أو لا والثاني إمّا أن يكون مجال الحكم بأحد طرفي الشك أم لا .

وعلى الأوّل إمّا أن يحكم بالنفي أو الاثبات وإمّا باقي الأصول الحكميّة كقاعدة الطهارة وأمثالهما راجع إلى هذه الأصول .

وأمّا حصر مجارى الأصول في الأربعة لأنّه إمّا أن يكون الشكّ يلاحظ فيه الحالة السابقة أو لا .وعلى الثاني إمّا أن يكون جنس الالزام معلوما أم لا وعلى الأوّل إمّا أنيمكن فيه الاحتياط أو لا .

فالأوّل هو مجرى الاستصحاب والثاني مجرى الاحتياط والثالث مجرى التخيير والرابع مجرى البرائة وهذا الكلام في المقام أحسن ممّا أفاد في أوّل مباحث القطع من جعل العلم بنوع التكليف ميزانا للاشتغال والبرائة لعدم لزوم التداخل في المجاري ( لكن الكلام في التزام الشيخ بالاشتغال في مورد معلوميّة جنس الالزام والاكتفاء به أو لزوم معلوميّة نوعه .

تكميل وتوضيح: قد عرفت انّ دليل الامارة على ما أفاده الشيخ قدس سره في المقام يكون مقدّما على دليل الأصل لافادة تنزيل المؤدى منزلة الواقع أو تنزيل الامارة منزلة العلم . وعلى كلّ حال فيوجب حصول الغاية المأخوذة في الأصول العمليّة غير الاستصحاب وتقدم بذلك على الأصول حكومة وذلك لايجاب دليلها

ص: 402

تقدّمها عليها باثبات المؤدّى لا بنفس التعبّد بها .

أمّا الاستصحاب فهو تنزيل كتنزيل مورد الامارة وحينئذٍ فيشكل تقدّم الامارة عليه . لكن يمكن الالتزام بتقديمها عليه أيضا وذلك لأنّ الاستصحاب وإن كان بلحاظ الشكّ المأخوذ فيه موضوعا حكم فيه بالمتيقن أو باليقين ونزل منزلة العلم أو الواقع ولكن ورد في بعض أخباره(1) الأمر بنقضه بيقين آخر واليقين

الوارد في المقام كالعلم الوارد في أدلّة ساير الأصول وإن كان ظاهرا في الوجداني ولكن دليل الامارة يوجب توسعة فيه ولذلك يقدم عليه فهذا وجه تقدم الامارة عليها على مذهب الشيخ .

وظاهر سيّدنا الأستاذ قدس سره ايراده على نحو لا يرد عليه الاشكال واناستشكله فيما سلف .

ثمّ انّه نقل عن المحقّق النائيني كون الامارة وحجيّتها في طول العلم لا في عرضه ويشكل باستلزامه اختصاص دليل حجيّتها بحال الانسداد وأجاب بعدم ورود اشكال وامكان حجيّتها في حال الانفتاح والطوليّة ( لكنه لا يستقيم ) .

ثمّ انّ الشيخ قدس سره جعل الأصول أربعة ولابدّ من توجيه كلامه في المقام بأن يكون مراده إمّا الأصول الجارية في جميع أبواب الفقه من العبادات والمعاملات والأحكام كهذه الأربعة بخلاف القواعد الفقهيّة كقاعدتي الفراغ والتجاوز فانّهما مثلاً لا تجريان في باب الديات وان جرتا في باب الحج وكذلك اصالة الصحّة في باب الديات لعدم مجال لها ولا موضوع بخلاف تلك الأصول الأربعة فانّها من الممكن فيها ذلك ويكون على هذا ذكر ساير الأصول والقواعد استطراديّا أو ان

انحصار الاُصول في أربعة

ص: 403


1- . الوسائل 1 الباب 1/1 من أبواب نواقض الوضوء .

الحصر عقلي والباقي يرجع إليها فانّه في صورة الشكّ إمّا أن يتصرّف في الشكّ ويجعله كالعلم أو لا وعلى الثاني إمّا أن يحكم بالوجود وثبوت المشكوك أو بعدمه أو بالتخيير وهذا حصر عقلي ولا ينافي ذلك كون التخيير أصلاً عقليّا أو كون البرائة والاشتعال أيضا كذلك . وعلى هذا تكون الأخبار الواردة في مواردها ارشادا لحكم العقل .

واعلم ان بحث البرائة والاشتعال غير مرتبط بمسئلة كون الأصل في الأشياء هو الحظر أو الاباحة لاختلاف جهة البحث في المقامين امّا بالعنوان وان البحث في الثاني عن العنوان الأولي مع قطع النظر عن حكم الشرع أو قبله زمانا أو بالجهات . فالبحث في الثاني من جهة التصرّف في ملك المولى أو من جهة المضار التي تحتمل أو يقطع بها في بعضها .

والحق ان الاختلاف من الجهة الاخيرة دون الاوليين حيث ان ( القبليّة )الزمانيّة لا معنى لها لأنّه لو كان الحكم هو الاباحة أو الحظر فلا معنى لحدوث ملاكه بورود الشرع بل تابعة للمصالح والمفاسد النفس الأمريّة الكامنة في الأشياء فلا يفرق فيها زمانا .

نعم مجال لاحتمال الحظر من جهة استلزامه التصرف في ملك الغير . وفرق بعضهم بجريانه في موارد الموضوعات الخارجيّة وإن شمل التكلّم والتنفس وغيرهما ممّا لا يتعلّق تصرّف الانسان بالموضوعات الخارجيّة ولكن الانصاف عدم المجال لهذا التفصيل وان صدر من جليل .

فان التكلم أيضا تصرّف . وعلى كلّ حال لو اخترنا الاباحة لقوله تعالى:

ص: 404

« خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا »(1) أو اخترنا الحظر لما ذكر من الوجه لا يغنينا عن البحث في البرائة والاحتياط لان الغاية والغرض هو حصول المؤمن . فاذا اخترنا الحظر في تلك المسئلة فلنا ان نختار البرائة في هذه ونستريح إليها . كما ان يمكن اختيار الاباحة هناك واختيار الاحتياط في هذه لقوّة الأدلّة ولا مجال للتفكيك في بعض الموارد فانه لو اخترنا البرائة واجريت فيلازم ذلك الاذن وجواز التصرّف فلا يتوقّف في كون الأصل هو الحظر مثلاً .

واعلم أيضا ان العلماء قاطبة اصوليهم واخباريهم اتّفقوا على الاحتياط في الشبهة الحكميّة قبل الفحص وإنّما الخلاف في حكمها بعد الفحص في الشبهة التحريميّة فافترقوا فرقتين: اصولي واخباري .

فالأوّلون طرا على البرائة والاخرون كذلك على الاحتياط . وربما يقال بكون عدد قليل من الطرفين اختار مذهب الآخر لكنه لم يتحقّق . بل الظاهرخلافه .

وعلى كلّ حال فربما يقال ان اللازم على الأصولي أتعاب النفس في اقامة الدليل وتصحيح سند الأخبار ودلالتها على مدّعاه من البرائة وانقلاب الأصل بعد الفحص إلى البرائة بخلاف الأخباري فانّه في فسحة من ذلك لكون الاحتياط هو وفق الأصل .

فاذا تعارضت الأخبار ولم ترحج البرائة فاللازم هو الاحتياط فالأصولي لابدّ له من الجواب عن اخبار الاحتياط والخروج عنها وتحكيم أدلّة البرائة عليها وتقديمها . هذا في الشبهة الحكميّة التحريميّة . وأمّا الوجوبيّة فاختار الاحتياط

افتراق الاصولي مع الاخباري في اجراء البرائة بعد الفحص

ص: 405


1- . سورة البقرة الآية 30 .

فيها فريق من كلا الفريقين .

كما ان صورة اجمال النصين أو تعارضهما أو التقابل في البين بل التحقيق ان هذا هو أصل مادة النزاع بينهم الا ان الوجوه التي ذكروها في الفرق بين الطائفتين انهاها بعضهم إلى سبعين لا تتم بل الصحيح هو هذا .

تنبيه: لما ذكرنا اتفاق العلماء قاطبة على وجوب الاحتياط في الشبهة الحكميّة قبل الفحص فربّما يتوهّم ان على الأصولي القائل بالبرائة بعد الفحص اقامة الدليل على انقلاب الوظيفة واختلاف الحكم بعد الفحص لما قبله اذ الاحتياط على طبق الأصل فيحتاج في الخروج عنه إلى دليل .

وجوابه عدم تحقّق مناط وجوب الاحتياط قبل الفحص لما بعده حيث انهم ذكروا في المقام وجهين وان ذكروا في لزوم الفحص في الامارات وجوها ربما تبلغ خمسة منها العلم الاجمالي وأوجبوا الفحص هناك عن المعارض أو المخصص والمقيد إلى حدّ جعله بعضهم اليأس عن الظفر بالمقيد الموجب للعلم بعدمه .والوجهان اللذان استند إليهما في وجوب الاحتياط:

أحدهما العلم الاجمالي بالأحكام المجعولة في الشريعة في الوقايع المشكوكة والموارد المشتبهة . وحيث ان البرائة إنّما تتمحض حسب الفرض بصورة فقد النص المعتبر فالفحص إنّما هو لتحقّق موضوع فقد النص . فاذا اقتضى هذا الوجه جواز التمسّك بالبرائة بعد الظفر بمقدار المعلوم بالاجمال الموجب لانحلال العلم الاجمالي فلا موجب للفحص بعده لأن بعده يكون العقاب بلا بيان فلا مجال للاحتياط بعد الظفر بالمقدار الموجب لانحلال العلم لعدم موجب

ص: 406

للاحتياط بل يكون مجال التمسك بقاعدة القبح بلا بيان .

الثاني: طريقة العبيد بالنسبة إلى الموالي العرفيّة في مقام التوصل إلى أغراضهم والمشي على مرامهم .

حيث انه لا يمكنهم الاعتذار بمجرّد الشكّ لعدم كونه بما هو شكّ عذرا عند العقلاء ما لم ينطبق عليه قاعدة القبح بلا بيان وحينئذٍ فطريقتهم الفحص عن ما يوجب علمهم بمراد المولى وبعد اليأس يرون أنفسهم معذورين .

وهذا الوجه سواء تمّ أو لا فيكفي الوجه الأوّل .

وكيف كان فلا يتمّ هذا الاشكال لتغيّر المناط بعد الفحص عمّا هو المناط قبله للاحتياط وحينئذٍ فان تمت اخبار لزوم الاحتياط كأخبار التثليث او الوقوف عند الشبهة فهو والا فتجري قاعدة القبح في الموارد المشكوكة بعد الفحص .

فالعمدة هي تماميّة أدلّة الاحتياطي وحكومتها وتقدمها على أدلّة البرائة من الكتاب والسنّة والعقل .

وأمّا الأخباريّون فلم يتمسّكوا بالعقل والاجماع .

وذهب قاطبتهم في الشبهة التحريميّة لفقد النص بعد الفحص إلى الاحتياطخلافلاً لقاطبة الأصوليّين فاختاروا البرائة .

ولنقدم احتجاج الاصوليّين ثمّ النظر في أدلّة الأخباريين التي عمدتها حكم النقل ولا يرون للعقل في قبال النقل حكومة .

استدلّ الأصوليّون من الكتاب بآيات منها قوله تعالى: « لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا »(1) تقريب دلالة الآية الشريفة على عدم وجود التكليف في صورة

أدلّة الاُصوليين

ص: 407


1- . سورة الطلاق الآية 8 .

عدم اعلام الحكم للمكلّف وهذا على تقدير أن يراد من الموصول الشيء مفعولاً به والمراد بالايتاء هو الاعلام والايصال . فالمفاد هكذا لا يكلف اللّه نفسا بشيء الا

بما اعلمها به وبينه لها فحرمة شرب التتن لا يكلف اللّه العباد بها في صورة عدم اعلامهم بها فلا مانع من ارتكابهم لشرب التتن لعدم التكليف . ويمكن ارادة الاعطاء من الايتاء والمال من الموصول والمعنى لا يكلف اللّه نفسا بالمال إلاّ بما

أعطاها .

فلا تجب الزكوة على الذي لا مال له بل إنّما تجب على من ملك أربعين غنما أو ملك نصاب احدى الغلات وهكذا . كما انه يمكن ارادة الاقدار من الايتاء والتكليف من الموصول بأن يكون مفعولاً مطلقا وحينئذٍ تكون نتيجتها نتيجة قوله تعالى: « لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَها »(1) فاذا لم يقدر المكلّف على الفعل فلا يكلّف به أو على الترك فلا تكليف عليه ثمّ انّه لا جامع بين هذه المعاني المختلفة في المفعوليّة فبعضها مفعول مطلق وبعضها مفعول به لعدم امكان تحقّق جامع يجمعشتاتها ويكون رابطا للمفعول بقسميه واذا لم يظهر من الآية أحد هذه المعانيبخصوصه فتصير مجملة خارجة عن صلوح التمسّك بها .

تتميم: لا يخفى ان ظاهر الآية الشريفة بحسب السياق وذكرها بين آيات آخر عدم التكليف بما لا يطاق أو ما يكون حرجيّا وفيه مشقة . وحينئذٍ فلا مجال لما قيل أو يمكن أن يقال فيها من الاحتمالات . فعلى الأول تكون ارشادا إلى حكم العقل بقبح التكليف بما لا يطاق بلا اختصاص لأمّة دون اُمّة ولذلك لم يخصص فيها وعلى الثاني وزانها وزان أدلّة نفي الحرج . وكيف كان فلا ترتبط

ص: 408


1- . سورة البقرة الآية 287 .

بالبرائة اذ الاحتياط في المشتبه الحكم في الشبهة التحريميّة لا يكون تكليفا بما لا يطاق ولا فيه عسر وحرج .

نعم لو لزم امتثال الأحكام بعناوينها وقلنا بلزوم قصد الوجه فحينئذٍ يدخل الحكم المشكوك في مقام الامتثال في الآية الشريفة لكونه حينئذٍ تكليفا لا طريق للمكلّف إلى العلم به والاتيان به الا تشريعا وهو حرام . فيمكن حينئذٍ نفيه لو قيل بلزوم قصد الوجه مطلقا كما انه لا وجه للاشكال في المقام بلزوم عدم توجه التكاليف إلى الكفار حيث يعلم اللّه تعالى انهم لا يؤمنون فتكليفهم به يستلزم جهل الباري تعالى نفوذ باللّه من ذلك أو انه لا مجال لتكليف الكافر بالحج .

اذ حال الكفر لا يصح منه وبعد اسلامه يجُبُّ الاسلام(1) ما قبله فلا يكون

تكليفا بما يطاق لعدم ارتباط له بما نحن بصدده وإن قال بعض الأشاعرة بجواز تكليف ما لا يطاق ولعلّه استدلّ عليه بعموم قدرته تعالى لكلّ شيء ومنه تكليف المكلّف بما فوق طاقته فهو يجوز . وفيه ما لا يخفى ولذلك لم يلتزم بهذه المقالةوأشباهها محققوهم كانكار الحسن والقبح العقلييين وإن ذهب بعضهم إلى احتماله وعدم ادراك العقول لها .

وكيف كان فالاستدلال على البرائة بالآية الشريفة إنّما هو في فرض عدم ظهور لها في ما قلنا وذلك إمّا بأن يراد بالموصول الأعم من التكليف المجعول والفعل والترك والمال ويراد من الايتاء الاعطاء ودعوى كون ايتاء كلّ شيء واعطائه بحسبه أو يدعى اختصاص الآية بخصوص التكليف .

الاستدلال بالآية

ص: 409


1- . مستدرك الأحكام 7/448 - 449 الباب 15/2 - 3 من أبواب أحكام شهر رمضان، بحار الأنوار 40/230 واللفظ فيه هدم الاسلام ما كان قبله .

وعلى الثاني فتدلّ الآية على نفي التكليف واقعا اذا لم يؤته . ويراد بالايتاء الايصال فالتكليف الذي لم يصل ولم يبين للعباد لم يشرع ولم يجعل وحينئذٍ فتكون النتيجة والمفاد اختصاص الأحكام والتكاليف بالعالمين بها .

فاذا لم يعلم فلا تكليف له واقعا وأين هذا ممّا نحن بصدده من حفظ الشكّ واجراء البرائة في ظرف الشكّ . بل الآية عليه دالّة على نفي وجوده واقعا فيما يشكّ اذ بعدم العلم نعلم ونقطع بعدم وجوده واقعا ولا نحتمل ثبوته فكيف تجري البرائة مع القطع بعدمه .

وهذا محال لعدم امكان أخذ العلم بالحكم في متعلّقه وبعين امتناع التقييد يمتنع الاطلاق بناء على العدم والملكة .

نعم يمكن تقريبها على هذا بوجه آخر وهو انه لا يكلف اللّه العباد بشيء إلاّ أن يبيّنها فلا تكليف له غير مبيّن .

فاذا تفحّصنا عن تكليف وما علمنا وما ظفرنا فنعلم بعدمه لا ان مجرد الشك يكفي بل انما يكفي في فرض الفحص وعدم الظفر به فيما بأيدينا .

وأمّا الأوّل فقد يشكل كما عن الشيخ وغيره بتوقفه على وجود جامع بين هذه المعاني في الموصول ويكون على بعضها مفعولاً به وعلى بعضها الآخر مفعولاًمطلقا ولا جامع في البين يمكن أن يضم ( يعم ) هذه الشتّات من المعاني والاضافات .

ودفع هذا الاشكال المحقّق النائيني قدس سره (1) بدعوى ارادة الشيء من الموصول ويكون الموصول مفعولاً به ويراد من التكليف نتيجة الانشاء والجعل

ص: 410


1- . فوائد الاُصول 3/332 .

ونفس المعنى المصدري لاستلزامه بيان كيفيّته في الآية وحيث انه لم يسبق له وجود فلا مجال لبيان كيفيّته . ولكن على تقدير ارادة النتيجة من التكليف والانشاء كالوجوب مثلاً يكون هذا الوجوب أيضا شيئا كالمال وكالفعل والترك يمكن ارادتها من الشيء ويكون الجميع مفعولاً به وينفي بالآية الشريفة وقوع التكليف بها اذا لم يؤته والمراد بالايتاء الاعطاء وهو يختلف بحسب اختلاف موارده ففي المال التمليك وفي الفعل والترك الاقدار وفي الأحكام هو البيان .

هذا كلامه قدس سره لكنه لا يخفى ما فيه من الاشكال .

وأمّا دفع الاشكال بكون نفس الموصول هو الجامع واستفادة الخصوصيّات الشخصيّة ليست من الموصول كي يوجب تعدّد اللحاظ فهو نظير الانسان الموضوع للطبيعة المنطبقة على الأفراد المختلفة في الخصوصيّات الشخصيّة ولكن اختلافها ليس مستفادا من ناحية اللفظ .

ففيه انه ليس إلاّ وجود الطبيعة والطبيعة مهما تحقّقت يكون لها وجود كالآباء والأولاد بلا لحاظ الشخصيّات وأين هذا ممّا نحن فيه . ( تدبر ) .

تنبيه: قد ذكرنا ظهور الآية الشريفة بقرينة السياق وتوسطها بين آيات في كون المراد منها عدم التكليف بما لا يطاق . والمراد بالايتاء على هذا هو الاقدار أويراد بها رفع العسر والحرج وأيّا ما كان فلا ترتبط بمسئلة البرائة . اذ لو كان الاحتياط واجبا لأدلّته لا يكون غير مقدور ولا انه عسري .

اذ وزان الآية على هذا وزان قاعدة قبح مطالبة العاجز كآية « لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَها »(1) وان كان اسلوب التعبير فيهما مختلفا .

كيفيّة الاستدلال بالآية

ص: 411


1- . سورة البقرة الآية 287 .

نعم ربما يمكن الاستدلال بها على البرائة بظهورها في البيان بقرينة ما ورد في رواية عبدالأعلى من السؤال عن تكليف الناس بالمعرفة وجواب المعصوم سلام اللّه عليه بأنّ التكليف بعد البيان وانه على اللّه البيان .

ثمّ التكليف إنّما يكون بعد البيان والاستشهاد لذلك بالآية الشريفة فحينئذٍ يظهر ان المراد بالايتاء هو الاعلام والبيان ويتمّ الاستدلال بها على المدعى الا ان

الاشكال في سند الرواية وإلاّ فلا يمكن جعل الرواية الضعيفة سنداً لكشف المراد من الآية والاستدلال بها على البرائة كما ان الاشكال في المراد بالمعرفة ومتعلّقها أهو فروع الأحكام كي تفيدنا أو خصوص الاعتقاديات مع عدم امكان توقف التكليف في الاعتقاديات في مسئلة التوحيد والنبوّة على البيان . وحينئذٍ فالآية لا تدلّ على المطلوب لعدم ظهورها في ما يفيد القائل بالبرائة وعدم وضوح كيفيّة الاستدلال مع عدم تحقق اعتبار سند الرواية .

تذكرة: قد عرفت تصدّي المحقّق النائيني قدس سره في بيان امكان ارادة نفي التكليف المشتبه من الآية الشريفة بدعوى أخذ الموصول هو المفعول به ويراد من التكليف المشتبه نتيجة التكليف والأمر الحاصل منه الذي هو من الامور الاعتباريّة كالملكيّة والمناصب المجعولة وليست من الأمور الخارجيّة والأعيانالموجودة في عالم الخارج ولا من الأمور المنتزعة العقليّة المحضة الخياليّة بل الاعتباريّات لها وجود غير وجود هذين القسمين .

وبالجملة فالمراد بالموصول يمكن أن يكون هو خصوص الأمر الحاصل والنتيجة المترتبة من الانشاء والجعل . وعلى هذا فالتكليف عبارة عن انشاء الحكم ويؤخذ الحكم المجعول مفعولاً به .

ص: 412

أو يراد من الموصول هو الأعم من الحكم المجعول ومن الاقدار والمال والايتاء في المقامين معنى الاعطاء واعطاء كلّ شيء بحسبه ففي الأحكام عبارة عن جعلها وانشاءها هذا ( ولا يخفى ما فيه من الاشكال اذ على هذا يكون معنى قوله تعالى: « لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَها »(1) انه لا ينشأ اللّه حكما إلاّ ما أعلمه ولا يبقى لقوله منشأ في الآية معنى ) مع انه احتمال في قبال الاحتمال الذي ذكرنا من كون مساقها مساق لا يكلف اللّه نفسا إلاّ وسعها ولا يوجب الا الاجمال في المراد فلا يمكن الاستدلال بهذه الآية على مدعى الأصولي .

ومن الآيات ما جعله بعضهم أظهرها دلالة على البرائة وهو قوله تعالى: « وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً »(2) مدار الاستدلال بها على وجهين:

إمّا بأن يكون مفادها مفاد قاعدة قبح العقاب بلا بيان أو مفاد حديث الرفع وعلى الأوّل فلا ينفع في قبال الاخباري لكون أخبار الاحتياط عنده دليلاً على الحكم ولا يكون للآية دلالة أزيد من حكم العقل بقبح العقاب فهي ارشاد إليهوأخبار الاحتياط مقدّمة على حكم العقل والنقل الذي يرشد إليه .وعلى الثاني يمكن الاستدلال بها كحديث الرفع وينفع الأصولي في قبال الأخباري .

ثمّ انّه استدلّ بهذه الآية جماعة من الأخباريّين على انكار قاعدة الملازمة بين ما حكم به العقل وحكم الشارع على طبقه .

اذ لو كانت الملازمة تامّة فاللازم منه عدم حصر العذاب ببعث الرسول

ص: 413


1- . سورة البقرة الآية 287 .
2- . سورة الإسراء الآية 16 .

لامكان ادراك العقل قبح شيء أو حسنه وبقاعدة الملازمة كان يحكم الشارع على طبق حكم العقل وحينئذٍ فمخالفته أيضا توجب العقاب وهذا ينافي حصره في بعث الرسول .

وردّهم الفاضل التوني بأن مفاد الآية نفي الفعليّة لا الاستحقاق فحينئذٍ لا تدلّ على نفي الاستحقاق فيبقى مجال لحكم العقل وقاعدة الملازمة .

وأورد عليه المحقّق القمي قدس سره بذهابه إلى اجتماع المنتناقضين حيث انه في المقام رد مقالة الأخباري بدعوى كون الآية نافية لفعلية العذاب لا استحقاقه وقد استدلّ في مقام آخر على البرائة بهذه الآية اذ استدلاله بها للبرائة إنّما يتمّ على

تقدير دلالتها على نفي الاستحقاق وحينئذٍ فالاستدلال بها على البرائة مقتضى لجعلها لنفي الاستحقاق . ورد الملازمة إنّما هو بنفي الفعليّة لا الاستحقاق فذهب إلى اجتماع النقيضين الذي لا يمكن تحقّقه حتّى في ما يمكن تحقّق ارتفاع النقيضين وهو عالم الماهيّة اذ هناك أيضا لا يمكن اجتماع الوجود والعدم وهذه المناقضة الحق انه لا جواب عنها .

بل الاشكال وارد على المحقّق الفاضل التوني لجعله الآية دالّة على نفي الفعليّة في مقام رد الاخباريّين وانه يمكن كون ما حكم به العقل ( حراما عند الشارع ولكنه لا يعذب العباد فعلاً عليه الا اذا بعث الرسول وبدون البعث لا عذابوان كان هناك مجال للحكم والتشريع فحينئذٍ يكون نظير ما ورد في العفو والتكفير عن السيّئات باجتناب(1) الكبائر مع ان الصغائر السيّئات أيضا محرّمة .

وأورد عليه بأنّ الأخبار بالعفو يوجب حمل العباد على مجرى التجرّي

الاشكال على الفاضل التوني

ص: 414


1- . سورة النساء الآية 32 .

على المعصية حيث انهم آمنون بالعفو عنها وعدم العقاب عليها .

فحاصل الاشكال على الفاضل أمران: أحدهما مناقضة استدلاله على البرائة لردّ مقالة الأخباري في انكار الملازمة . والثاني استلزام جعل نفي التعذيب التعذيب الفعلي لا الاستحقاقي للتجري . والاشكال الثاني يمكن الجواب عنه بأنّه لو لا هذه الآية لكفى دلالته على العفو عن الصغائر الآية الواعدة على تكفير السيّئات باجتناب الكبائر وان كانت الذنوب كلّها كبائر إلاّ انّ الصغائر إنّما هي بالاضافة إلى ما أكبر منها سمّيت صغائر وقد وردت الرواية(1) بتفسير الكبائر بما أوعد عليه النار .

فالغيبة ليست على هذا من الكبائر لعدم الوعيد عليها بالنار وإن كانت أشدّ من القتل .

ولكن يندفع بأنّ الآية الشريفة جعلت اجتناب الكبائر مادام العمر موجبة لتكفير الصغائر . فحينئذٍ لا تجري فيها على المعاصي كما ان الوعد بالعفو أيضا ليس مطلقا لما ورد في بعض الروايات(2) من اشتراطه بالوفاء بالعهد حيث ان السائلسئل عن المعصوم عليه السلام أو شكى إليه الدعاء وعدم الاستجابة فأجابه حسب الرواية باشتراط وفائه بعهده بوفاءكم بعهدكم لما قال اللّه تعالى: « أَوْفُوابِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ »(3) وحينئذٍ فلا تجري ولا شيء لاشتراطه بالوفاء ومن هنا يظهر ان معارضة هذا لقوله تعالى: « إِنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ »(4) ليست

ص: 415


1- . الوسائل 15 الباب 14/1 - 2 - 6 من أبواب جهاد النفس .
2- . بحار الأنوار 93 الباب 24/3 من أبواب الذكر والدعاء .
3- . سورة البقرة الآية 41 .
4- . سورة آل عمران الآية 9 .

في محلّه

لاشتراط الوعد لا انه مطلق .

ثمّ انّه وإن كانت الملازمة صحيحة ثابتة لكن الاشكال في احاطة العقل بمصالح الأحكام واستعدادات مقتضياتها والمقدار المسلم هو ادراكه قبح الظلم وان اعطاء شيء لما هو لا قابليّة له أو نقصه عن قابليته طلم وأمّا في الصغريّات فلا

طريق له إلى التشخيص .

تتميم: قد ذكرنا سابقا ان الاصوليّين استدلّوا على البرائة بالأدلّة الأربعة ولا يخفى ان استدلالهم بالعقل على البرائة من باب قبح العقاب بلا بيان وكذا مفاد الآيات على تقدير تماميّة دلالتها كما في البعض لا يزيد على حكم العقل فتكون حينئذٍ ارشادا إليه ( كما لا تتمّ دلالة آخرى كقوله تعالى: « وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا

بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ »(1) لو كان الاضلال بمعنى الخذلان ) ولا شبهة في تقدم أدلّة الاحتياط على فرض استفادة وجوبه من الأخبار عليها لكونه بيانا فلا مجال لجريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان .

فالعمدة في البرائة هي الأخبار وهي ان تمّت دلالتها على نحو جمع بينها وبين أدلّة الاحتياط بتحكيمها على تلك فهو والاّ فلابدّ من الاحتياط سواءً فيالشبهة الحكميّة أم الموضوعيّة .

والأخبار الدالّة على البرائة كثيرة . منها حديث الرفع(2) المشهور بينالفريقين على اختلاف المرفوع ففي بعضها التسعة المعروفة وفي بعض(3) رواياتها

ص: 416


1- . سورة التوبة الآية 116 .
2- . الوسائل 8 الباب 30/2 من أبواب الخلل في الصلاة والوسائل 7 الباب 37/2 من أبواب قطع الصلاة .
3- . الوسائل 8 الباب 30/2 من أبواب الخلل في الصلاة والوسائل 7 الباب 37/2 من أبواب قطع الصلاة والوسائل 15 الباب 56/1 من أبواب جهاد النفس والوسائل 23 الباب 12/12 من كتاب الايمان والباب 16/3 إلى 6 .

أقل ولكن من الأخبار المجموع من حيث المجموع تتمّ دلالتها على رفع التسعة والكلام في الحديث يقع في دلالته لكون سنده قطعيّا لا مجال للبحث فيه .

ولابدّ قبل الشروع في البحث عن فقه الحديث وما يستفاد منه من تقديم نكتة وهي انه لا اشكال في أتحاد السياق في كون المرفوع في الأمور التسعة هو واحداً . فان كان هي المؤاخذة فلابدّ من كونها مقدرة في الجميع كما انه لو كان هو الحكم أو أثر شرعي آخر فكذلك مع ان تعلّق الرفع وإن كان تشريعا ولكنه بنفس هذه التسعة الا انه لابدّ أن يكون بلحاظ الأثر وهو ليس إلاّ الحكم الذي أمر رفعه وضعه بيد الشارع .

اذ اللازم فيه امور ثلاثة: أن يكون المرفوع مجعولاً لامكان الرفع التشريعي به ومجهولاً لأنّه اذا كان معلوما فلا مجال لتعلّق الرفع به في ( ناحية ) ما لا يعلمون

والثالث أن يكون في رفعه منّة فالاباحة المجهولة لا مجال لتعلّق الرفع بها لأنّه خلاف المنة لكون حديث الرفع امتنانيّا .

نعم الحرمة أو الوجوب المجهولان يمكن تعلّق الرفع بهما للمنّة والجهل وكون أمر وضعهما بيد الشارع ) ثمّ انّ الرفع بمعنى الازالة في قبال الدفع الذي يمنع المقتضي في تأثيره في وجود الشيء والفرق بينهما تعلّق الرفع بالموجود والدفع انما يكون دافعا لما لم يتحقق وله مقتضى التحقق وحينئذٍ فنقول ان كانالمرفوع في ما لا يعلمون نفس الحكم الواقعي فيلزم التصويب واختصاص الأحكام بخصوص العالمين وهذا خلاف مذهب المخطئة . ولكن قد يقال بأن

تعلق الرفع بالحرمة والوجوب المجهولين

ص: 417

الحكم الواقعي لا يكون مرفوعا بل متمّمه في ظرف الجهل حيث ان المتمم على ثلاثة أقسام أحدها ما يكون نتيجته تقييد الموضوع أو اطلاقه كما في ما لا يمكن أخذ قيد في ناحية متعلّق الحكم أو موضوعه .

الثاني ما يكون نتيجته وجوب المقدّمة قبل وجوب ذيها . والثالث ما يكون متمّما لقصور الخطاب كما في ايجاب الاحتياط حيث ان الحكم لا يمكن شموله لمرتبة الجهل به بنفسه لقصوره عن ذلك فبالاحتياط الواجب يمكن تتميم هذا القصور منه ويكون واجبا أو حراما في ظرف الجهل به وحيث أن ايجاب الاحتياط مقتضيه يتحقق في ظرف الجهل بالحكم الواقعي فتعلّق الرفع به ورفعه صار مانعا من ايجاب الاحتياط ولكن بعد رجوع الرفع إلى الدفع لاستحالة وجود الرافع والمرفوع في آن واحد كما في الحدث فانه لا يمكن حال تحقّقه وآنه يكون الطهارة أيضا متحقّقة بل إنّما يكون قبل حدوث الحدث مقتضى الطهارة في الأزمنة اللاحقة موجودا متحقّقا فبالحدث يندفع مقتضى التحقق فلا يتحقق الطهارة بعد حصول رافعها فيرجع الرفع إلى الدفع وإنّما الفرق بينهما بالاعتبار وان الرفع باعتبار تعلّقه بالموجود ودفع مقتضيه والدفع من أوّل الأمر .

بيان آخر: حول حديث الرفع ليعلم ان في الحديث جهات من البحث:

الأولى: في كون الرفع مرادا به الدفع وتحقيقه ما ذكرنا من استحالة اتّحاد زمان وجود الرافع ووجود المرفوع بل بتحقّق الرافع لا يكون المرفوع موجودا والا لم يكن الرافع رافعا له فحينئذٍ لابدّ من اشتراك الرفع والدفع في منع كلّ واحد

منهما من وجود الشيء غاية الأمر فرقهما بالاعتبار فلو تعلق بازالة الموجود فهوالرفع والا فهو الدفع وهذا المقدار من الفرق الاعتباري لا يوجب منع استعمال

الكلام في حديث الرفع

ص: 418

الرفع في الدفع بعد اشتراكهما في عدم وجود المرفوع والمقتضي حال تحقّق الرافع والدافع كما ان الأمر كذلك في النسخ اذ مرجعه على التحقيق إلى الدفع لا الرفع لاستحالة البداء في حقّ اللّه تعالى وإنّما هو الدفع الا ان اللازم في الرفع هو تحقق

المقتضى كما في الدفع اذ من هذه الجهة هما كالمانع بل عينه فاذا لم يكن مقتضى للاحراق فلا مجال لاسناد المنع إلى الرطوبة في المحل كما هو واضح فالمنع إنّما هو من تأثير المقتضى أثره الخاص بعد تحقّقه ( بل يمكن أن يقال بكون الرفع بمعناه الحقيقي بعد كونه منة على الامة المرحومة في قبال ساير الأمم اذ لا منّة في رفع تكليف ما لا يطاق عن الامة المرحومة لعدم اختصاصها بذلك بل قبح ذلك لا يختصّ به امّة دون امة اخرى . وحينئذٍ فاختصاص الامة المرحومة بالرفع لابدّ وان يكون بلحاظ تحقق هذه الامور في باقي الامم فرفعت عن هذه الامة ) .

الثانية: قد يقال بأن قوله ( ما لا يعلمون ) ظاهر في كونه من الشبهة الموضوعيّة بلحاظ وحدة السياق المقتضية لكونه كساير الأمور المذكورة المرفوعة بأنفسها كالخطأ والنسيان وما لا يطيقون والطيرة وغيرها فلا يشمل الشبهة الحكميّة بل إنّما يكون الحديث من أدلّة عدم وجوب الاحتياط في الشبهة الموضوعيّة التي اتّفق كلّ الأصحاب على عدم وجوب الاحتياط فيها . لكنه لا مجال له بعد كون المرفوع لابدّ وأن يكون بلحاظ الأثر الشرعي . وحينئذٍ فالشبهة الموضوعيّة لا دخل له في ذلك بل هي أحد أسباب الشكّ في الحكم الكلّي . اذ منشأ الشك تارة يكون هي الامور الخارجيّة واخرى اجمال النص أو فقده أو تعارضهما وفي الكل يكون الشبهة والشك راجعا إلى الحكم . انما الاختلاف والفرق في ناحية المنشأ وهو لا يوجب اختصاصا للحديث ببعضها دون بعض . بل

ص: 419

الأولى اختصاصه بالحكميّة لأنّها التي تقبل الجعل الشرعي ابتداءً لكون أمر وضعه ورفعه بيد الشارع وعلى كلّ حال لا اشكال في اطلاق الرفع في ما لا يعلمون للشبهتين الموضوعيّة والحكميّة .

الثالثة: في غير ما لا يعلمون من العناوين المرفوعة لا شبهة في تحقّق المقتضى للجعل وانما المنّة ومصلحة التسهيل اقتضت عدم الجعل على طبق المقتضى فيها وان كان قد جعلت الأحكام على وفق المقتضيات في الشرايع السابقة كما في النسيان حيث انه يمكن على الانسان حفظ نفسه من الوقوع في النسيان ولو بالمشقّة ومزاولة الأمور الموجبة للذكر وعدم النسيان .

فهذا المعنى وان كان ممكنا وفيه مقتضى الجعل مثلاً لكنه مرفوع وهكذا الأمر في الثلاثة الأخيرة وهي الطيرة والوسوسة في التفكر في الخلق والحسد فارتفعت بنفسها ولم يجعل حكم على طبقها .

وأمّا ما ورد(1) في عدم خلو الأنبياء عن امور منها الحسد فالظاهر ان المراد به المحسوديّة لا وقوع الحسد منهم فانهم منزهون عن هذه الرذائل كما ان التفكر والوسوسة في الخلق يحتمل أن يراد به ما اشير(2) اليه في بعض الاخبار من وسوسة الشيطان في نفس الانسان انه من خلق اللّه بعد جوابه عن سؤال تعلق بنفس المكلف وان اللّه هو خالقه . كما انه يحتمل أن يراد به في ناحية المخلوق لا في كيفيّة الخلق .ثمّ انّ لازم تعلّق الرفع بالأمور المذكورة في غير ما لا يعلمون هو رفع الآثار الشرعيّة التي جعلها بيد الشارع عن مورد هذه الأمور . فاذا كان أثر يترتّب

المراد بالطيرة والتفكّر في الخلق والحسد

ص: 420


1- . الوسائل 15 الباب 55/8 من أبواب جهاد النفس ومرفوعة الأشعري، بحار الأنوار 11/75 و73/254 عن الخصال .
2- . مرآة العقول 11/268 - 271 - 3 - 5 .

على عنوان أعم من الخطأ والنسيان فبالنسيان لا يترتّب ذلك الأثر وهكذا بالخطأ كما انه لو نذر مثلاً ان لا يشرب من ماء دجلة فاذا شربه نسيانا لا يتحقّق به الحنث لارتفاع النسيان بمقتضى الحديث .

تنبيه: المراد بالامة تارة يكون جميع الخلق الذي عليهم قبول الدعوة الاسلاميّة بعد بعثة النبي صلی الله علیه و آله باعتبار ان اللازم عليهم ذلك وان لم يلتزمو به فعلاً .

فعلى هذا يكون الرفع عاما لجميع المكلّفين واخرى يراد به خصوص التابعين اذ لا يطلق هذه اللفظة على من لم يتابع ولا ينقاد ولا مانع من اختصاص هؤلاء بالرفع دون باقي الناس من الذين يجب عليهم قبول الاسلام وذلك لشرفهم دون غيرهم فاقتضى العناية برفع هذه الأمور وآثارها عنهم ولا يراد بالامة في المقام ما يطلق على الواحد بلحاظ تماميّته وجامعيّته لصفات الكمال الانساني .

الرابعة: ظاهر الحديث الشريف ان الرفع تعلّق بنفس هذه التسعة فلو اريد التقدير كالمؤاخذة فلابدّ وان يقدر في الجميع كما انه لو لم يقدر شيء بل أخذ بظاهر الاسناد وكون المرفوع نفس هذه بلحاظ الآثار الشرعيّة فكذلك في الجميع وعليه فلا يكون المرفوع في ما لا يعلمون امّا المؤاخذة والعقاب على الحكم الواقعي المجهول أو انه يكون الجهل من أسباب رفعه وعدمه وهذا بظاهره ليس إلاّ التصويب لاستلزامه اختصاص الأحكام بالعالمين بها وقد تقرّر بطلانه وان الأحكام يستوي فيها العالم والجاهل وان العلم لا يمكن أن يكون قيدا في الموضوع فأوجب ذلك والجأ المحقّق النائيني(1) إلى التزام تعلّق الرفع في ما لا يعلمون بايجاب الاحتياط لاستلزام تعلّق الرفع بنفس الحكم الواقعي التصويب

ص: 421


1- . فوائد الاُصول 3/345 .

مع انه اذا شكّ يقطع بعدم الحكم ولا يحتمل ثبوت حكم في الواقع لفرض رفع الحكم الواقعي بناء على عدم تقدير المؤاخذة .

وأمّا ايجاب الاحتياط فلا يوجب رفعه رفع الحكم الواقعي ولا يتوجه من تعلّق الرفع به محذور التصويب لبقاء الحكم الواقعي على ما هو عليه من الموضوع والقيود بحاله . غاية الأمر تارة يتعلّق به العلم واخرى يكون مجهولاً ولا يوجب تعلّق الجهل به وكونه مجهولاً انتفائه في الواقع فيكون نتيجة الحديث في ما لا يعلمون هو الرفع الظاهري وهو رفع ايجاب الاحتياط لا الواقعي بخلاف غيره من العناوين الآخر .

ثمّ انّه قدس سره يجعل الاحتياط متمّما لقصور الخطاب في ناحية الداعويّة إلى الامتثال لا انه متمّم لملاك الحكم الواقعي ولا متمّما لشموله وسعة دائرة موضوعه بل متمّما لسعة دائرة الوصول المستتبع لتحقّقه في حق الجاهل كالعالم ثم انه ليس خطابا واقعيّا نفسيّا والا لكان الاحتياط واجبا بالعنوان الثانوي ويكون ملاك جعله هو احتمال الواقع في مورده . فاذا احتمل الواقع يكون الاحتياط واجبا سواء كان هناك أم لا . وعلى هذا بكون ايجاب الاحتياط حكما مجعولاً من قبل الشارع نفسيّا وله امتثال وعصيان يخصّانه بلا ارتباط له بالواقع ونفس الأمر الا بكون ملاكه هو الواقع ولا يكون هذا احتياطا في حقّ المكلّف ولا حفظا للمحتمل بل المولى إنّما حفظه بايجاب الاحتياط وإنما هو ايجاب تتميمي طريقي وملاكه حفظ الواقع فاذا أصاب الواقع فليس شيئا في قباله بل هو هو لكون ملاكه هو ملاك الواقع وحيث ان التحقيق في وحدة الخطاب وتعدّده هو كون العبرة بوحدة الملاك وتعدّده .

ص: 422

ففي صورة وحدة الملاك يكون جميع الخطابات المتعدّدة الناشئة عن ملاكواحد راجعا إلى خطاب واحد كما ان في صورة تعدد الملاك يتعدد الخطاب بتعدد الملاك حقيقة .

وعلى هذا فايجاب الاحتياط في المقام حيث ان ملاكه ليس إلا ملاك الواقع في ظرف الجهل ورتبة الشكّ فلو صادف الاحتياط الواقع لا يزيد عن الحكم الواقعي ولا يخالفه بل يكون هو هو كما انه اذا لم يكن هناك واقع وأخطأ الاحتياط الواقع لم يكن هناك شيء لعدم الملاك . حيث ان قوام المتمم بالموضوع وموضوعه الحكم الواقعي الذي يكون الاحتياط متمّما له ففي صورة عدم الموضوع والمتمم لا مجال لوجود المتمم والحكم .

وعلى هذا يشكل الأمر في تصوير مثل هذا الاحتياط وانه كيف يمكن جعله اذ لا يكون نفسيّا كي يجب في صورة الشك والاحتمال الاحتراز عن الوقوع في محذور مخالفة الملاك الواقعي للحكم المجهول . كما انه في صورة عدم النفسيّة بل تبعيته للواقع لا يمكن التحرك من قبله في فرض الشكّ لكونه من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة .

وكيف كان فهذا الانشاء لا يترتب عليه أثر لأنّه على تقدير النفسيّة وإن كان ينحفظ الواقع على كلّ تقدير ولكنّه غير ايجاب الاحتياط بل جعل لحكم نفسي مستقل ملاكه الاحتياط ورعاية الواقع من ناحية المولى . كما انه على تقدير الطريقيّة وتبعيته للواقع لابدّ من احراز الواقع في مورده في التحرك من قبله وتحقق موضوعه ومعه لا مجال له للعلم به كما هو واضح .

هذا لو كان رفع ايجاب الاحتياط انشاءً فانه يتوجّه عليه الاشكال من

ملاك ايجاب الاحتياط

ص: 423

ناحية عدم توقّفه على الرفع الشرعي اذ الرفع الشرعي انّما يتعلّق بما يكون قابلاً للوضع التشريعي والجعلي .اما لو اخبر بأنّه يريد حكمه المجهول وان الواقع المجهول لم يرفع يده عنه في ظرف الجهل بل يريده وان خطابه الواقعي شامل لحال الجهل بلا احتياج أو استتباع في ذلك للانشاء فلا محذور فيه . اذ لا يتوجه عليه محذور النفسيّة في النفسيّة ولا التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة في ما يكون راجعا إلى المتمم وجعل ايجاب الاحتياط خطابا متمما لقصور الحكم الواقعي في الشمول لحال الجهل وكونه موصلاً له وبه يصل الحكم الواقعي في صورة المصادفة إلى المكلّف الجاهل فحينئذٍ يمكن وصوله إلى غرضه بالأخبار بارادة الواقع وأمّا انشاءا فلا كما عرفت ( لكن سيّدنا الأستاذ قدس سره صرّح بعد ذلك بامكان جعل ايجاب الاحتياط.

تكميل: ان ايجاب الاحتياط على وجهين: فتارة على ما ذكره المحقّق النائيني قدس سره (1) من الخطاب المتمِم ويكون المتمَم في صورة مصادفة المتمم هو هو وفي صورة عدمها فلا مجال للمتمم بالكسر لعدم الموضوع له على ما سلف بما فيه من الاشكال من التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة والنقض والابرام وهو ايجاب طريقي ( هذا الوجه هو الذي جعله السيّد محمّد قدس سره ظاهر عبارة الشيخ وفسّر كلامه في المقام به لما سئله المحقّق الآقاضياءالدين العراقي ولا يخفى عدم مساعدة كلام الشيخ له بل ظاهره الوجه الثاني ) . والوجه الآخر ما يظهر من عبارة الشيخ في المقام وهو أن يكون ايجابه ايجابا نفسيّا ظاهريّا ويكون ظاهرا لكونه في رتبة الشك في الحكم الواقعي وفيه يكون الحلال الواقعي في مرحلة الشك في

ايجاب الاحتياط على وجهين

ص: 424


1- . فوائد الاُصول 3/339 .

حكمه حراما كساير الموارد التي تتغير الأحكام المجعولة على موضوعاتها

الأوليّة بعناوينها الأوليّة بطرو العناوين الثانويّة ويوجب تبدّل الحكم مادام العنوانحاصلاً متحقّقاً باقيا واذا زال العنوان الثانوي كالشكّ في المقام وارتفع الشبهة فلا حكم ولا احتياط لانعدام موضوعه .

ثمّ انّ الشيخ قدس سره استشكل على هذا الوجه أيضا باستلزامه وقوع العقاب عليه لا لأجل الواقع الذي في مورده وهذا مخالف لظواهر اخبار الاحتياط لدلالتها على الوقوع في مفسدة الواقع لا ايجاب الاحتياط .

ثمّ انه لا يخفى عليك توجه اشكال الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري الوارد في ساير المقامات كمورد الحلية الظاهريّة والحرمة الواقعيّة في المقام أيضا .

غاية الأمر مع اختلاف في الكيفيّة . حيث ان في المقام لابدّ من الجمع بين الحلية الواقعيّة والحرمة الظاهريّة . وذاك المقام بين الحلية الظاهريّة والحرمة الواقعيّة وأمّا في مورد غير البرائة فربما يكون الأمر كالمقام ولابدّ من الجمع بينهما

كما انه يمكن الجمع في المقام بما جمع به في ذاك المقام . فاللازم رفع الاشكال في مثل الموارد التي يقال بانقلاب الأصل من البرائة إلى الاحتياط فيها في الشبهة الموضوعيّة كالاعراض والنفوس والأموال ولا يخفى عدم تماميّة تلك الوجوه المذكورة للجمع بين الحكمين على ما سلف ذكرها والاشكال عليها بل الجمع بين الحكمين من المحالات .

ومنها عدم تضاد الأحكام الا في مرحلة البعث والزجر .

ومنها كون العلم بالحكم في المرحلة السابقة موجبا لترقيه الى مرحلة

ص: 425

الفعليّة التنجزيّة الموجبة للبعث والزجر والانبعاث من قبله وان الحكم الواقعي هو ما لم يصل إلى هذه المرحلة والظاهري هو الواصل .

ومنها غير ذلك كما انه لا يمكن القول باجراء الوجه الذي كان يوجبالأخذ بالامارات من باب العلم الاجمالي في المقام لعدم امكان تعلّق الجعل في الامارات بمطلقها مخطيها ومصيبها بل انما تعلق بخصوص المصيب فاشتباهه بالمخطى يوجب الأخذ بالجميع للعلم الاجمالي . وذلك لعدم علم اجمالي في المقام بل المقام من الشبهة البدويّة .

وبالجملة فالخروج عن محذور اجتماع الخطابين مشكل وان أمكن دفع الاشكال الملاكي بالمصلحة والاهميّة وغيرها .

وذهب بعضهم إلى لزوم الاحتياط من باب قاعدة اقتضاء تعليق حكم على أمر وجودي للحكم عليه بحكم ضدّه حتّى يثبت ذاك الأمر الوجودي .

نعم يمكن تصوير الاحتياط الشرعي في المقام بوجه آخر وهو لزوم الاتيان بالمشكوك برجاء الواقع واحتماله لا انه يكون واجبا بلا هذا العنوان كي يجتمع الخطابان فبهذا يمكن الخروج عن محذور اجتماع الحكمين اذ في مورد لزوم الترك رجاءً لا يكون الواقع متبدّلاً عن ما هو عليه من الحال والحكم . غاية الأمر انما وجب الترك رجاءً وهذا غير وجوب الترك لنفسه كي يكون عليه وجوب الترك هذا . الا ان النظر في أخبار الاحتياط يوجب القول بكونها ارشادا إلى حسن كف النفس ومنعها من الرعى حول الحمى لخوف أن يقع فيه وهذا أمر وجداني فانه لا يكاد ينفك مرتكب الشبهات عن ارتكابه المحرّمات ووقوعه فيها فلا يتعارض هذه لأدلّة البرائة وقاعدة قبح العقاب بلا بيان هو كما هو واضح .

تصوير الاحتياط الشرعي واشكاله

ص: 426

فحينئذٍ لا مجال لايجاب الاحتياط أو البرائة الشرعيين ولو أمكن ايجاب الاحتياط الشرعي بالوجه الذي ذكرنا فهو بمعزل عن مفاد أخبار الاحتياط فتبصر .

تنبيه: اعلم ان النزاع بين الطائفتين في البرائة والاحتياط واختيار كلّفريق واحدا من القولين انما هو بعد الامكان والفراغ عن مرحلة الثبوت فاختار الأصولي البرائة في الشبهة التحريميّة بعد الفحص لعدم المناط للاحتياط بعده واختلاف حكمه لما قبل الفحص واختار المحدّث الأخباري الاحتياط لاخبار الاحتياط . وحينئذٍ فاللازم تصوير امكان الاحتياط الشرعي كي يكون اخباره ناظرة إليه .

وقد ذكرنا وجهين له واستشكلناهما كما انه استشكل الوجه الثاني الذي نقلنا عن ظاهر عبارة الشيخ هو نفسه قدس سره . وهنا وجه ثالث لا يرجع إلى أحد الوجهين الاولين وهو أن يكون الاحتياط واجبا مع بقاء الواقع على ما هو عليه من الحكم فاذا كان مشتبه الحكم الذي يجب فيه الاحتياط أو يستحب على اختلاف الاستفادة من الأخبار فلا يكون الواجب أو المستحب هو الواقعة المشكوك حكمها الذي قد يخالف حكمه الواقعي لوجوب الاحتياط أو استحبابه بل متعلّق الوجوب والاستحباب في الاحتياط شيء ومتعلّق الحكم الواقعي وموضوعه شيء آخر فالحكم المجهول موضوعه نفس الواقعة والواجب أو المستحب ليس هو هو بل الاتيان بالواقع احتياطا أو تركه كذلك بلا ايجاب . وهذا الحكم المجعول على الاحتياط لا يغير الواقع عن ما هو عليه من الحكم . وعلى هذا فلا يكون الواقع حراما وواجبا . بل هو على ما عليه من الحكم الواقعي

ص: 427

والواجب أو المستحب اتيانه لرعاية الواقع وحفظه وبينهما بون بعيد لا يكاد يشتبه أحدهما بالآخر . اذ لا يمكن لأحد على هذا الالتزام باستحباب الواقع أو وجوبه ولا انه يسري حكم الاحتياط إلى الواقع بل الموضوعان متعددان والحكمان مختلفان ولا سراية لأحدهما في أحد الطرفين إلى الآخر مطلقا .

فان قلت: فعلى هذا لا مساس لهذا الاحتياط بالواقع فيكون واجبا أومستحبا نفسيّا له مخالفة وموافقة مستقلّة نفسيّة ويكون الثواب والعقاب عليه بلحاظ نفسه بل لا يدور مدار الواقع وعدمه . فالاحتياط واجب أو مستحب حتّى اذا لم يكن للواقع في مورده أثر . وهذا رجوع من الاحتياط إلى الوجوب النفسي الذي هو أشد محذورا من تصويره نفسه .

قلت: ليس الأمر كذلك بل يدور هذا الواجب أو المستحب مدار وجود الواقع فاذا لم يكن للواقع تحقق فلا احتياط فلا يكون العقاب والثواب عليه بلحاظ نفسه ولا انه حكم مجعول مطلقا حتّى في فرض مخالفة الواقع وعدم مصادفته له . ومجرّد احتمال مصادفة الواقع منجّز للواقع الموجود على فرض تحقّقه في ظرفه ويصل المولى إلى مراده ويتوصل بذلك إلى غرضه ولا اشكال ولا يرجع هذا الوجه إلى ما ذكره المحقق النائيني قدس سره من خطاب المتمم والمتمم بل فرقهما واضح كما لا يخفى .

فاذا أمكن ايجاب الاحتياط الشرعي بهذا النحو بلا محذور النفسيّة ولا كون العقاب والثواب عليه بلحاظ نفسه ولا انه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة فليكن أدلّة الاحتياط على فرض تماميّتها ناظرة إليه وحديث الرفع وساير أدلّة البرائة يرفع مثل هذا الوجوب للاحتياط لعدم امكان رجوع الرفع في

ص: 428

ما لا يعلمون إلى الواقع نفسه للزوم محذور التصويب .

والحاصل ان احتياط المقام واجب غيري تهيّأي نظير وجوب المقدّمات

التهيئيّة وإن لم يكن من ذلك القبيل . ( قلت اشكال التمسّك بالعام آتٍ هنا كما ان منجزيّة الاحتمال آتٍ في الوجه الذي أفاده المحقّق النائيني فتبصر ) هذا وأمّا ساير الأمور المذكورة في الحديث كالخطأ والنسيان والاضطرار فلا اشكال في دلالة الحديث على رفع آثارها وهي على قسمين تكليفيّة ووضعيّة . أمّا التكليفيّةفمرفوعة بلا اشكال منّة لتحقّق المقتضي للجعل في مورد الخطأ والنسيان والاكراه والاضطرار لكن الشارع منّة على العباد لم يجعل الحكم على طبقه بل جعله مخصوصا بغير مواردها فهو تقييد واقعي واللازم في تحقّق المنة كونه منة على المكلّف وان لا يلزم ضرر وخلاف منة على الغير . والاشكال في الآثار الوضعيّة فاذا نوى في صلاة الاستيجار انها عن أبيه خطأً فلا يدل الحديث على كون الخطأ مرفوعا فيكون عن المنوب عنه لأن ذلك من لوازم الوضع والحديث انما يرفع لا انه يضع ويجعل . وأما الاكراه على الجنابة أو الاتلاف وأمثالهما فتارة يكون موضوع الأثر هو أعم من هذه العناوين أو مجعولاً بعنوانها الخاص ففي الثاني لا مجال لرفع الحديث لها لعدم امكان كون مقتضى الشيء رافعا له .

فذلكة البحث قد عرفت امكان ايجاب الاحتياط بما ذكرنا من الوجه وانه قد يكون للواقع في ظرف الجهل أهميّة تقتضى ايجاب الاحتياط رعاية لحفظه وقد لا يكون كذلك فيرخص في الترك والمخالفة ولا يستلزم ذلك محذورا لأنّ الذي يمتنع هو ترخيص المولى في المعصية وأمّا ترخيصه في مخالفة الواقع بما هو واقع فلا محذور فيه لعدم معلوميّته وتنجزه كي يكون الترخيص فيه

يدور الاحتياط مدار الواقع

ص: 429

ترخيصا في المعصية بل ورد الترخيص في موارد القواعد المفرغة كقاعدة الفراغ والتجاوز في مورد معلوميّة الحكم تفصيلاً .

فكيف بالمقام وهذا ليس جريانه مخصوصا بالأصولي دون غيره . بل يشترك الكل في اجرائها في مواردها مع توجه استصحاب عدم الاتيان وشغل الذمّة لو لا هذه القواعد .

وعلى كلّ حال فلا يهمنا الجواب عن اشكال جعل الحكم الذي رخص في مخالفته في موارد تلك القواعد وانه أي فائدة في جعله بل الجواب عنه موكول إلىمحلّه وقد أجبنا عنه بوجوه فليراجع .

انما الكلام في ان المرفوع في لا يعلمون أيّ شيء هو وقد تقدم بيان كونه هو ايجاب الاحتياط . فالقائل بالبرائة يدعى تماميّة أخبار البرائة وأدلّتها على الترخيص في مخالفة الواقع في مورد البرائة لو كان وانه مأمون عليه ولا يجب عليه الاحتياط رعاية له والاحتياطي يذهب إلى الاحتياط وان المولى أوجب رعايته نظرا إلى تماميّة اخبار الاحتياط ودلالتها عنده على المدعى . وأشرنا إلى تماميّة دلالة الحديث على رفع ايجاب الاحتياط في الشبهة الموضوعيّة والحكميّة بلا فرق لكون الجامع بينهما هو الاشتباه في الحكم . غاية الأمر يختلف المنشأ في الموضوعيّة معه في الحكميّة وهذا لا يوجب فرقا . وعلى ذلك يشكل الأمر على الاحتياطي القائل بالبرائة في الموضوعيّة مع انّها أيضا من الشبهة الحكميّة فاما أن يلتزم بالبرائة في الحكميّة أيضا أو يلتزم بالاحتياط في الموضوعيّة لكون الشكّ في المقامين شكّا في التكليف .

ثمّ ان من العناوين المضاف إليها الرفع في الحديث الشريف هو عنوان

ص: 430

الخطأ والنسيان وظاهر تعلق الرفع بهما انهما مرفوعان . ولكن حيث ان الرفع من ناحية الشارع فالمرفوع انما يكون مرفوعا بخلوّ صفحة التشريع عنه في قبال عالم العين والذهن فالشارع في صفحة التشريع لم يفرض الخطأ والنسيان . ولازم ذلك عدم ترتب أثر لهما لو كان الأثر غير مخصوص بهما بلحاظ أنفسهما وان أبيت الا من كونه رفعا للحكم بلسان نفي الموضوع كما في حديث لا ضرر(1) فلا بأس أيضا لعدم فرق في ناحية النتيجة (1 على ما يقول به المحقّق الخراساني(1) خلافاللمحقّق النائيني (2) حيث انه جعل الضرر عنوانا ثانويّا للحكم فالوجوب الضرري لا جعل له كما ان الوضوء الضرري لا وجوب له وجعله كدليل نفي الحرج راجعا إلى نفس الأحكام ) وعلى أيّ تقدير فالآثار المترتبة لا يترتب على الخطأ والنسيان وهذا في باب الصلاة لا كثير فائدة فيه لوجود حديث لا تعاد(3) وانما الفائدة فيه في ساير الأبواب كما ان في الصلاة أيضا يمكن ترتيب الأثر مع قطع النظر عن القواعد الاخر كلا تعاد وغيره . فحينئذٍ اذا نسى الفاتحة فهل يمكن اجراء حديث الرفع أم لا ؟ ذهب المحقّق النائيني(4) إلى عدم امكان جريانه لكون اللازم

في جريان الحديث كون الرفع بلحاظ الأثر الشرعي وكون أمر وضعه ورفعه بيد الشارع ومفاد الحديث ليس إلاّ الرفع لا الاثبات فلا مجال لاجرائه في نسيان الفاتحة من جهة اثبات ان ترك الفاتحة كعدم تركها واتيانها لأنّه ليس رفعا بل اثباتا كما ان الأجزاء وانطباق المأمور به على المأتي به أيضا ليس أمرا قابلاً

المرفوع في ما لا يعلمون

ص: 431


1- . كفاية الاُصول 2/268 - 269 .
2- . منية الطالب 2/201 وما بعده .
3- . الوسائل 7 الباب 4/4 من أبواب قواطع الصلاة .
4- . فوائد الاُصول 3/353 إلى 355 .

للرفع والوضع التشريعي بل ذلك عقلي فلا وجه لتطبيق الحديث في ناحية الاجزاء والانطباق ولا اجرائه في ناحية وجوب الفاتحة وكذلك لا يمكن بناء على كون النسيان بمعنى المنسي لأن المنسي في المقام هو الترك والترك بنفسه معدوم فلا مجال للحكم بعدمه في صفحة التشريع وكذلك الامر بناء على جعله بمعنى المنسيّ فيه بأن تكون الصلاة المنسي فيها الفاتحة مرفوعة لكونه خلاف المنة فحينئذٍ حيث ان الوقت باقٍ يأتي بها ثانيا كاملة الأجزاء .عود على بدء: قد اشتمل الحديث على رفع عنوان الخطأ والنسيانوالوسوسة في الخلق والطيرة والحسد وقد أشرنا سابقا إلى ان المراد بالحسد ليس بمعناه الفاعلي والا لا يناسب(1) شؤون الأنبياء والأوصياء حيث ورد ان هذه الثلاثة لم يخل منها نبي من لدن آدم إلى نبيّنا محمّد صلی الله علیه و آله بل المراد به المحسوديّة كما ان المراد بالطيرة وقوع التطيّر بهم وهكذا في الوسوسة فهي من الناس في خلقهم وانّهم هم الخالقون وادّعاء الالوهيّة في حق بعضهم لما ورد في بعض الروايات الآخر حيث ان الروايات يفسر بعضها بعضها .

فتحصل من مجموع هذه الروايات ما ذكرنا كما ان المرفوع فيها كساير الأمور الآخر المذكورة هو الحكم بلسان نفي الموضوع وهكذا الأمر في الخطأ والنسيان .

وذهب المحقق النائيني قدس سره في التعبير عن ذلك بوجه آخر وهو(2) اسناد

رفع الخطأ والنسيان

ص: 432


1- . لا يخفى ان الحسد في الحديث بمعناه الفاعلي ولم ينسب إلى الأنبياء في هذا الحديث وما ورد في حديث [ الوسائل 15 الباب 55/8 من أبواب جهاد النفس ] آخر ثلاثة لم يخل منها نبي الخ فهو المراد بالمحسوديّة فتدبّر وكذا الطيرة .
2- . فوائد الاُصول 3/342 - 348 إلى 350 .

الرفع إلى الخطأ والنسيان حقيقة في عالم التشريع لا التكوين لوجودهما فيه كثيرا كما انه ذهب في حديث نفي الضرر إلى ان المنفي هو الحكم الذي يلزم منه الضرر ويكون المراد به هو الحكم لكونه هو العنوان الثانوي للحكم هذا ولكنه لا يقول برفع آثار الخطأ مطلقا وخلو صفحة التشريع منه رأسا . بل اذا لم يكن الحكم مجعولاً على خصوص عنوان الخطأ والنسيان فحينئذٍ مجال لتطبيق الحديث وان الخطأ هو مرفوع بمعنى عدم جعل حكم له في تلك الصفحة لكن الانصاف عدم الاحتياج إلى تبعيد المسافة في المقامين بل الأمر فيهما واحد وهو ما أفادهالمحقّق الخراساني قدس سره (1) فيهما من كون نفي الحكم بلسان نفي الموضوع حتى في مثل الضرر الممكن بتعسف جعل الضرر عنوانا للحكم بخلاف الخطأ فانه لا مجال له كما لا يقول هو قدس سره بكون الخطأ والنسيان عنوانا ثانويّا .

وكيف كان فالمراد والنتيجة نفي أحكام الخطأ والنسيان وذلك أي انطباق الحديث وجريانه للرفع موقوف على تحقق أمور ثلاثة: أحدها كون الأثر مجعولاً شرعيّا ويكون أمر وضعه ورفعه بيد الشارع كي يمكن اسناد الرفع إليه .

الثاني أن يكون رفعه منة مطلقا أو أن يكون وضعه خلاف المنّة وفي رفعه منة .

الثالث عدم كون الأمر مجعولاً بعنوان الخطأ والنسيان أو غيرهما من العناوين الآخر كالاضطرار والاكراه والا فلا يمكن نفيه بهذا الحديث لاستحالة كون مقتضى الشيء رافعه فاذا تمت هذه القيود يكون مجال للاستدلال بالحديث على رفع الأثر .

ص: 433


1- . كفاية الاُصول 2/174 - 175 لكن لا ظهور لكلامه في ما ذكر في المتن .

ثمّ انه تارة يراد تطبيقه على الأمر الوجودي واخرى في العدمي وعلى كلّ تقدير سواء كان للحديث اطلاق برفع جميع الآثار وضعيّها وتكليفيها مطلقا أو انه لم نقل بذلك بل كان مخصوصا برفع بعضها فاللازم اجتماع القيود وبها لا مانع من تطبيقه على الأمر الوجودي لو كان له مع قطع النظر عن حديث الرفع أثر فيجري الحديث لرفعه ونفيه كما في مورد النذر فانه اذا نذر ترك فعل من الأفعال مع الشرايط المعتبرة في انعقاد نذره وأتى بالمنذور تركه نسيانا أو خطأً فحيث انه تجب الكفارة للحنث فببركة الحديث تنفي الكفارة لتنزيل وجود الفعل منزلة عدمهفي صفحة التشريع . فلم يجعل لهذا المنسي حكم التكفير والحنث . ولكن يشكل التمثيل بالنذر حيث انه تابع لقصد الناذر فاذا قصد في النذر الترك في غير حال النسيان والخطأ ففيهما لا موجب للكفّارة ولو مع قطع النظر عن حديث الرفع فلا حاجة إليه لنفي الكفّارة برفع الفعل وتنزيل وجوده منزلة العدم وهكذا اذا نذر انه لو

أكره على كذا يصوم ثلاثة أيّام في نذر المجازاة زجرا أو شكرا فلا مجال لرفع وجوب المنذور وهو الصوم بالاكراه لكون مقتضيه نفس الاكراه فلا يرتفع به بنفسه .

والحاصل ان التمثيل بالنذر ليس في محلّه .

نعم في مورد يكون قصد الناذر عموم لحالتي النسيان والخطأ يمكن التمسّك بالحديث لتنزيل وجود ما يوجب الكفّارة منزلة عدمه وسيأتي الكلام على ان المرفوع هل جميع الآثار أو بعضها كما انّه سيجيء الكلام في تقدّم حديث الرفع على لسان الأدلّة الأوليّة وإن كانت النسبة بينها وبينه هي العموم من وجه(1)

ص: 434


1- . وذلك لأنّ دليل مانعيّة التكلّف أو اشتراط القبلة أو مانعيّة التكلّم يظهر منه الركنيّة المطلقة والدخل والمنع المطلقان بلا اختصاص بغير حال الخطأ والنسيان كما ان دليل نفي الخطأ والنسيان لا يختص بباب الموانع والشروط للصلاة فالنسبة هي العموم من وجه .

وانه يقدم الحديث بكلّ مبنى على تلك الأدلّة لحكومته عليها ولا تلاحظ النسبة فينطبق الحديث على غير باب الصلاة أيضا اذا لم يكن دليل الأثر مخصوصا بحال النسيان أو الخطأ أو مثل الاضطرار والاكراه والا فلو رتب الأثر على خصوص حال النسيان أو الخطأ فلا يجري حديث الرفع كما في باب دية قتل الخطأ حيث ان الخطأ بخصوصه موضوع الأثر وهكذا اذا لم يكن للدليل اطلاق أو عموم يشمل حال الخطأ والنسيان فلا حاجة إلى حديث الرفع لنفي الأثر .نعم في المورد الذي لا اختصاص له بأحدها بل أخذ عنوان عامّ شامل للخطأ والنسيان وغيرهما ببركة حديث الرفع يمكن التمسك لتنزيل وجود ما يترتّب عليه الأثر منزلة عدمه في عدم ترتب الأثر ويكون في باب الصوم مفاده مفاد الرواية(1) الواردة في من أفطر نسيانا انه رزق رزقه اللّه ويكون الدليل هو كلّ واحد ولا مانع منه .

هذا حال التمسّك بالحديث لنفي الأثر في حال الخطأ والنسيان في ناحية الوجود . اما في ناحية الترك فذهب المحقق النائيني(2) إلى عدم مجال لتطبيق الحديث على الترك نسيانا أو خطأً حيث ان الترك بنفسه مرفوع فلو اريد بالحديث انه كالوجود فيكون هذا وضعا لا رفعا وشأن الحديث ليس الا الرفع . فلا مجال للتمسك به في كون الترك كلا ترك وانه كالموجود كما انه ليس نظره في منع التمسك بالحديث على صورة الترك نسيانا أو خطأً إلى أن ترك الشرط أو الجزء

التمسك بالحديث في الترك

ص: 435


1- . الوسائل 10 الباب 9/9 من أبواب ما يمسك عنه الصائم .
2- . فوائد الاُصول 3/352 إلى 354 .

المنسي اذا تركه نسيانا أو خطأً ليس مجعولاً شرعيّا لعدم كون الجزئيّة والمانعيّة قابلة للجعل لامكان الجواب عنه بامكان رجوع الرفع إلى منشأ الوجوب وملاكه الذي أوجب جعل الحكم أو الدخل التكويني أو الجزئيّة والمانعيّة المنتزعة فلا يجري لنفيهما بل نظره في المنع إلى ان المنسي بنفسه مرفوع متروك . فالتمسّك لرفعه بالحديث إمّا أن يكون لأجل كون تركه كلا ترك وهذا اثبات ووضع لا يثبته الحديث وإمّا لكون النسيان والخطأ متعلّقاً بنفس الحكم فيكون المرفوع هو نفسالحكم ( مع ان اجراء الحديث لنفي جزئيّة الجزء المنسي معناه اثبات كون الباقيهو المأمور به وليس هذا شأن الحديث فتدبّر كي يظهر لك انه لازم التطبيق لا بلحاظه ) وهذا أيضا لا معنى له لأنّ الحكم إمّا أن يكون معلوما أو مجهولاً سواءً بالجهل الابتدائي أو الطاري ولا معنى لنسيانه بل النسيان تعلّق بالسجدة فالسجدة صارت منسية مثلاً هذا لو اريد بالنسيان في صورة الترك هو المنسي . اما لو اريد به المنسي فيه وهو الصلاة المتروك فيها السجدة فرفعها لا يوجب شيئا بل هو خلاف المنّة كما ان جعل الرفع في الترك بمعناه الظاهر بلا اثبات للوجود لا فائدة فيه بل هو خلاف المنّة .

تنبيه: لا يخفى ان الآية الشريفة « رَبَّنَا لاَ تُؤاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا »(1) دالّة على رفع المؤاخذة في مورد الخطأ والنسيان فلو كان مفاد الحديث الشريف رفع المؤاخذة فانما يفيد مفاد قبح العقاب بلا بيان ولا يصلح الحديث على هذا لمعارضة أخبار الاحتياط على تقدير دلالتها على وجوب الاحتياط . ولكن لا ينافي رفع المؤاخذة في الآية لكون المرفوع في الحديث جميع الآثار .

مدلول الآية الشريفة

ص: 436


1- . سورة البقرة الآية 287 .

ثمّ انّ الحديث انما يفيد الرفع التشريعي منّة . فلابدّ في جريانه في كلّ مقام اريد تطبيقه من كون المرفوع أمرا مجعولاً شرعيّا أو بلحاظ آثاره وكون ذلك منّة فلو فرض ان في رفعه خلاف المنة فلا مجال لجريان الحديث والتمسّك به . كما انه لابدّ من تعلّقه بالموجود فينزل وجوده منزلة عدمه فلا يتعلّق بالمعدوم لكونه مرفوعا بنفسه ولابدّ في عدم كون الأثر مجعولاً على خصوص عنوان الخطأ والنسيان أو باقي العناوين المرفوعة الاخر كالاكراه والاضطرار ولا مجعولاً على عنوان يقابله كالعمد وإلاّ فلا حاجة إلى الحديث في الثاني ولا مجال له في الأوّللما عرفت مرارا . بل إنّما يمكن رفع الأثر الذي أخذ موضوعه أعمّ من الخطأ والنسيان أو الاكراه أو الاضطرار كي يمكن رفعه بلحاظ الخطأ أو غيره من الأمور الباقية . وعلى هذا فلا مانع من تطبيق الحديث على اتيان الفعل نسيانا أو خطأً أو اكراها أو اضطرارا فانه لو فرض انحصار الدليل في باب الصلاة بهذا الحديث ولم يكن عندنا حديث لا تعاد ولا ساير الأدلّة الخاصّة الواردة في أبواب الخلل فيمكن التمسّك بهذا الحديث لرفع(1) دخل الفعل الذي أتى به نسيانا أو خطأً أو اكراها أو اضطرارا كما اذا استدبر القبلة بناءً على كونه مانعا وان الاستقبال ليس بشرط في جميع أحوال الصلاة وإلاّ فلا تصل النوبة إلى اسناد الابطال إلى وجود المانع بل إلى عدم الشرط وذهب المحقّق النائيني قدس سره (2) إلى صحّة جريانه في وجود المانع لتعلّق الرفع بالوجود وتنزيله منزلة العدم بلحاظ أثره لا برفع المانعيّة

كي يقال بعدم كونها مجعولة بل بمنشأ انتزاع المانعيّة في حال النسيان فلا يبقى

ص: 437


1- . فيه منع ولا دلالة ولا قوّة للحديث برفع الآثار الوضعيّة في كلّ الموارد نعم في بعضها لا مانع منه .
2- . فوائد الاُصول 3/356 .

اطلاق للمنشأ في حال النسيان بل الرفع يتعلّق بالوجود بلحاظ أثره وشرايط تحقّقه فيوجب اختصاص المأمور به بالباقي كما في لا يعلمون على كلام سيأتي بيانه في بحث الاشتعال إن شاء اللّه .

والحاصل انه لا مانع في التمسك بالحديث لرفع الموجود الذي تحقّق

نسيانا أو خطأً فيه . اما الترك فلا مجال لتطبيق الحديث عليه لحصول أصل الترك بنفسه فلو اريد برفعه اثبات وجوده وانه أتى به فهذا مفاد الوضع والحديث انمايفيد الرفع لا الوضع . كما لا مجال لتطبيقه على الحكم وهو الوجوب وجزئيّةالسورة والفاتحة مثلاً لعدم تعلّق النسيان بالحكم بل يعلم بالحكم ويعلم بعدم اتيان الركوع أو الفاتحة مثلاً فكيف يمكن التمسك بالحديث لرفع الجزئيّة أو دخلها مع ان قاعدة الفراغ أو التجاوز اللتين شأنهما اثبات مشكوك الاتيان لا مجال لهما في صورة العلم بعدم الاتيان فلا يكون حديث الرفع الذي شأنه الرفع لا الوضع مفيدا ورافعا للجزئيّة وانحصار المأمور به بالمأتي به . وأمّا الاجزاء فلا يكون أثرا شرعيّا كي يفيده الحديث . وهكذا الكلام على تقدير ارادة المنسي فيه من النسيان كالصلاة التي نسي فيها الفاتحة أو شيئا آخر فتركها ولم يأت بها فيما يكون مركبا لا في الأمور البسيطة المتروكة فلا مجال فيها لتعلّق الرفع بالمنسي فيه لعدم تركب كي يصح تعلّق الرفع فيه بلحاظ النسيان لبعض أجزائه وأجراء الرفع في المنسي فيه أيضا لا يفيد الاثبات بل هو خلاف المنة لاثبات ان وجوده كعدمه فلا يترتب عليه أثر بل لابدّ من الاستيناف .

والحاصل ان النسيان إنّما يتعلق بالترك والترك لا أثر له شرعي ولا يمكن تعلّق الرفع به لعدم كونه امرا موجودا متحقّقا ولا ان رفعه يفيد اثباته فعلى بعض

متعلّق النسيان

ص: 438

التقارير يختل بعض شرايط التمسك بالرفع وعلى بعض يكون الاختلال في الكل فلا منة ولا موجود قابل لتعلّق الرفع به ولا ان هناك أثرا شرعيّا .

تنبيه: أشرنا إلى كون الحديث امتنانيّا ولذا يفصل بين صورة الاضطرار والاكراه في بيع ماله . فانه في صورة الاضطرار يكون رفع الصحّة وامضاء المعاملة خلاف المنة بخلاف صورة الاكراه فترتفع بالاكراه دون الاضطرار هذا . ولكن هذا التفضيل مبني على الدقة العقليّة وتفصيل في اضافة رفع النسيان بين الترك والفعل . اما بالنظر إلى العرف فالنسيان ينطبق على كلا الموردين فيكون المنسي عنوانا لمورد الترك كما يقولون في مورد لزوم التقصير وتركه عن نسيان انه نسي التقصيروكما يتمسكون بالحديث في هذا المقام يتمسكون به في مورد الأمر الوجودي وتنزيله منزلة العدم ونفي أثره أي الحكم كمورد نسيان التظليل فظلل نسيانا أو غطى الرجل رأسه أو امرأة وجهها .

ثمّ انه يبتني على الوجهين ثمرات في موارد كثيرة . منها ما اذا نسى التلبية التي بها يتم الاحرام فلو قلنا بشمول الحديث لرفع الترك بمعنى رفع وجوب المنسي المتروك فالاحرام منعقد يترتب عليه الآثار من وجوب الكفارة في ارتكاب تروكه واما لو لم نقل به فلا احرام له كي يترتب عليه الكفارة .

نعم لا مانع من التمسّك به في موارد ارتكاب محرّمات الاحرام نسيانا بلحاظ اطلاقه كما انه يشكل الأمر في موارد كثيرة لم يتمسّكوا برفع النسيان ولا تعرّضوا له كما اذا نسى قصد العنوان في باب الغسل أو الظهريّة والعصريّة في باب الصلاة فانه لا يتحقق للعمل في المثال الأول عنوان شرعي ولا يتعين في المثال الثاني كونها ظهرا أو عصرا . ويمكن أن يقال برفع ذلك وإن لم يقل به أحد . ويؤيّده

ص: 439

ما ورد في انها أربع مكان أربع فيما اذا نسي فقدم العصر ) كما انه يتوجّه على التمسّك به في رفع المنسي تركا كما في باب الصلاة اذا ترك جزءً نسيانا انه لا مجال به في نسيانه في جزء من الوقف مع تذكره في ما بقي منه . كما لا مجال أيضا للتمسك به في نسيانه في تمام الوقت اذا تذكر خارجه .

نعم لا مانع من ذلك فيما اذا نسيه تمام العمر .

والحاصل ان انطباق رفع النسيان على ايجاد المانع الوجودي وتنزيل

الحكم منزلة عدمه من ناحية تحقق الوجود لا اشكال فيه بخلافه على فرض الترك فلا وجه له كما لا مجال أيضا لما يقال من رفع الحكم بلحاظ ايجاب الترك للفساد الذي هو ناش من وجود الأمر في مورد تحقق الترك الموجب لتحقق الفساد منقبل نفس هذه الجهة يكون كالجزئيّة والمانعيّة لا مانع من تعلّق الرفع بمنشأهما . فانه يقال ان الفساد ليس أثرا للترك اذ الأجزاء وعدمه إنّما هو بلحاظ انطباق المأمور به على المأتيّ به وعدمه وهذا ليس مجعولاً ولا قابلاً له .

هذا مع قطع النظر عن الآية الشريفة وإلاّ فيمكن أن يقال بأنّ المرفوع إنّما هو المؤاخذة والعقاب فلا عقاب على المنسي ولا على ما أخطأ ولا على ما لا يعلمون .

وهكذا في باقي الأمور وذلك بلحاظ وحدة السياق في التسعة مع ما ورد في الآية الشريفة من قوله تعالى « رَبَّنَا لاَ تُؤاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا »(1) فان الظاهر تحقق لحاظ المؤاخذة والدعاء انما هو في فرض تحقق المقتضى للمؤاخذة الا أن يقال ان تكليف الناسي قبيح عقلاً لعدم الالتفات فحينئذٍ لابدّ أن يرجع الأمر

ص: 440


1- . سورة البقرة الآية 287 .

إلى ايجاب التحفّظ وان معنى لا تؤاخذنا سؤال عدم جعل الحكم على نحو يقتضي ايجاب التحفظ وهو وان كان خلاف ظاهر الآية لكنّه لابدّ منه حفظا لما يظهر منها أيضا من تحقق مقتضى المؤاخذة ولو بجعل الحكم لا انه كان الحكم مجعولاً مقتضيا فعليّا للعقاب والمؤاخذة على مخالفته في حال النسيان:

هذا مضافا إلى ان الخطاب لو كان منشأ انتزاع وجوب الجزء والشرط أو دخل عدم المانع فلا تكليف في ناحية الناسي بهذه الأمور لعدم امكان توجه الخطاب إليه . فاللازم حينئذٍ جعل الرفع في مورد النسيان بما يمكن تعلّقه به شرعا وهو الملاك فالنتيجة تقييد الملاك في الناسي .

والحاصل انه يشكل الأمر في التمسّك بالحديث في هذه الموارد لأنّه ما لميثبت انحصار الأجزاء بالبقيّة فلا ينتج نتيجة ومجرّد رفع العقاب والمؤاخذة لا يريده الخصم فحينئذٍ لابدّ من جعل الرفع في النسيان بايجاب التحفّظ وفي الاكراه والاضطرار يقال بالتقييد الواقعي مع اجتماع القيود ومنها أن يكون منّة عليه ولا يكون خلاف المنّة على الغير . واما في ما لا يعلمون فظاهره متعلّق بأصل الحكم الواقعي المجهول وإلاّ فبايجاب الاحتياط على ما سلف .

ثمّ انه بقي الكلام في وجه تقدّم حديث الرفع في مورد النسيان والخطأ وغيرهما على الأدلّة الأوّليّة مع كون النسبة هي العموم من وجه على ما أشير إليه سابقا والوجه فيه حكومته على تلك الأدلّة ومعها لا مجال لملاحظة النسبة على ما تقرّر في محلّه فالحاكم يقدم على المحكوم ولو كان أعمّ والمحكوم أخصّ كما يقال بالحكومة بين حديث لا تعاد والأدلّة المتكفّلة لحال الأجزاء وشرايط الصلاة ولا يخفى ان الحاكم لابدّ أن يتعرّض لشيء لم يتعرّض له دليل المحكوم سواء كان

نسبة الحديث مع الأدلّة الأوّليّة

ص: 441

في عقد الوضع أو عقد الحمل . لكن هذا المعنى غير متحقق في ما بين الأدلّة الأوليّة وحديث الرفع ولا بينها في باب الصلاة وبين لا تعاد حيث ان لا تعاد الصلاة لا تعرض له لبيان كيفيّة دخل الأجزاء والشرايط وانما باطلاقه ينفي الحكم عن غير الخمسة في صورة النسيان بناءً على اختصاصه بمورده أو الأعم منه ومن الجهل بالحكم ولو تقصيرا وخروج صورة العمد فقط لو كان أعم . وأدلّة الأجزاء والشرايط وكذلك الموانع مطلقة في جميع الأحوال وظاهرها الدخل الركني المطلق سواء كان قادرا أم لا متمكنا أم لا مضطرا إلى الترك أم لا وهكذا فباطلاقها الأحوالي تشمل صورة النسيان كغيرها فليس ممّا لا يتعرّض الدليل الأولي لحال الجزء أو الشرط وكيفيّة دخلهما اذ لا اهمال فيها بل ظاهرها الاطلاق .

وهذا المعنى هو الذي تعرض له حديث لا تعاد أيضا في صورة النسيانفنسبته مع دليل كلّ واحد من الأمور الدخيلة في الصلاة هي العموم من وجه ولا ينطبق عليه ضابط الحكومة كما ان الحال كذلك أيضا في حديث الرفع اذ الأدلّة الأوليّة في كلّ باب لها الاطلاق الأحوالي لحال النسيان وغيره من الأحوال حيث ان مورد جريان حديث الرفع انما هو في هذا الفرض كما عرفت . وحينئذٍ فتلك الأدلّة مطلقة شاملة لحال النسيان ولا اهمال فيها بالنسبة إليه وهكذا حديث الرفع باطلاقه شامل لحال النسيان في كلّ مورد كان للدليل اطلاق وعليه يتحقق العموم من وجه ويتعارضان في مادّة الاجتماع . والتعارض اما أن يقع بين دليل اعتبار كلّ واحد من المتعارضين أو بين أنفسهما .

وعلى كلّ حال فاما أن يقدم أحدهما لمرجّح والا فيتساقطان ويرجع إلى الدليل الذي يكون مرجعا أو إلى الأصل العملي إن لم يكن دليل عام . فالاحرام

ص: 442

الذي نسي فيه التلبية لو جرى حديث الرفع فيه فنتيجته رفع دخل التلبية المنسية وان الاحرام متحقق بلا تلبية ويترتب عليه جميع الآثار من الكفارة بارتكاب الصيد مطلقا عمدا وخطأً وغيره عمدا . ومقتضى اطلاق دخل التلبية عدم كون الاحرام الذي نسي فيه التلبية احراما فدخلها في الاحرام في حال النسيان انما هو بالاطلاق كشمول حديث الرفع لنسيان التلبية في الاحرام فكيف يقدم هذا دون ذاك .

وبالجملة في مورد كان الدليل منحصرا بخصوص الحديث يشكل الامر في مقام الجمع بينه وبين الدليل الاوّلي المطلق واما اذا كان دليل فلا حاجة إلى لا تعاد

ففي باب الصلاة اذا نسى المسافر فاتم الصلاة وكان عالما بالحكم وردت الروايةبالتفضيل(1) بين خارج الوقت وداخله بالاعادة في الثاني وعدمها في الأول ولاحاجة بنا إلى حديث الرفع لنسيان الحكم .

نعم مع قطع النظر عن الدليل الخاص يقع الاشكال في كيفيّة تطبيق رفع النسيان على نسيان القصر وكذا غيره من الأمور المنسيّة الدخيلة في المركب الاعتباري وانه يكفي النسيان في جزء من الوقت في رفعه ولو مع التذكر بعده أو انه يعتبر النسيان في تمام الوقت في عدم القضاء خارجه أو مطلقا إلى تمام العمر وكذلك الحال في تمسّك بعضهم بحديث الرفع في عدم لزوم اعادة الصلاة التي صلاها في النجاسة ناسيا حيث نقله الشيخ قدس سره في الرسائل في مقام كون المرفوع هل هو جميع الآثار أو بعضها فان النسبة بين حديث رفع النسيان وبين دليل اعتبار الطهارة أو مانعيّة النجاسة هي العموم من وجه فكيف يقدم حديث الرفع

التعارض بين لا تعاد وأدلّة الاجزاء والشرايط

ص: 443


1- . الوسائل 8 الباب 17/2 من أبواب صلاة المسافر .

دون ذلك الدليل . هذا مع معارضته للرواية(1) الواردة في الصلاة مع دم الرعاف ناسيا والأمر بالاعادة ولا خصوصيّة لدم الرعاف فاللازم الالتزام بالاعادة ولو مع تقديم حديث الرفع على الأدلّة الأوّليّة لأخصيّة دليل الاعادة وكونه بالنسبة إلى حديث رفع النسيان خاصّا فلا مانع من تخصيصه به ( أقول: أمّا مسئلة العموم من وجه بين لا تعاد والأدلّة الأوّليّة وعدم الحكومة فيمكن تسليمها لعدم انطباق ضابط الحكومة وأمّا في حديث الرفع فيمكن انطباق الحكومة لكونه من قبيل زيد ليس بعالم الذي هو حاكم على قوله أكرم العلماء أو من قبيل قوله زيد ليس بعالم اذا كان عالما حقيقة فانه في الأوّل يكون دليل الحاكم موسعا ومتعرّضا لعقد وضع دليل المحكوم بلا امكان تكفل دليل المحكوم لعقد وضعه ( صغرويّا ) بل إنّما هوحكم على فرض تحقّق الموضوع وكذلك في الثاني وحديث الرفع حاله بالنسبة إلى الأدلّة الأوّليّة كذلك اذ ينفي النسيان وتحقّقه تعبّدا وعناية لا حقيقة تكوينا وإن شئت فعبّر بنفيه تشريعا كما في زيد ليس بعالم فهو يتعرّض لبيان عقد وضع الأدلّة الأوّليّة بالتضييق وعدم تحقّق النسيان وإن كان مآل كلّ عقد وضع في التعبّدات الشرعيّة إلى عقد الحمل لكونه أثرا له ولكن اللسان مختلف فتارة يكون مصب التوسعة والتضييق نفس الحكم وعقد الحمل واخرى بواسطة تعلّقه بعقد الوضع فلا مانع من تقدّم الحديث بالحكومة مع انه على فرض عدم تماميّته يقدم حديث الرفع بلحاظ عدم لزوم اللغوية لأن نسبته مع كلّ واحد من الأدلّة الأوّليّة هي العموم من وجه فلو قدم في كلّ مقام ذلك الدليل للغى حديث الرفع كما انه يقدم الدليل الأولى في بعض الموارد دون بعض لا لمرجح ترجيح بلا مرجّح .

الحكومة على قسمين

ص: 444


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 41/1 من أبواب النجاسات .

توضيح وبيان: وليعلم انّ الحكومة تارة تكون واقعيّة واخرى ظاهريّة كما انّها تارة تكون راجعة إلى عقد وضع المحكوم واخرى إلى عقد حمله وثالثة خارجة عنهما بل تكون من قبيل التفسير والشرح بأي واعني . وكذلك تكون موسّعة للموضوع ومدخلة في أفراده فردا بالتعبّد أو مضيقه بالاعدام(1) كما في حكومة الأصل السببي على المسببي فان نتيجتها اعدام فرد بافناء موضوعه تعبّدا وفي الكل يكون دليل الحاكم متعرّضا لما لا يتعرّضه دليل المحكوم ولذلك لاتكون بينهما معارضة بل يقدم الحاكم وإن كان عاما على المحكوم ولو كان خاصّا لعدم المعارضة .

ففي حديث الرفع يكون تقدّمه على أدلّة الأحكام الأوليّة بالحكومة لتعرّضه لعقد وضع ساير الأدلّة ببيان عدم تحقّق النسيان في عالم التشريع وكذلك الاكراه والاضطرار . ومعنى ذلك انّ الموضوع العام المطلق الشامل للنسيان أو الاكراه رفع عن مورد النسيان حيث ان الرفع إنّما هو بلحاظ الأثر ويعتبر فيه المنّة كما سبق كما انّ في قولنا لا شكّ لكثير الشكّ معناه خروج هذا الفرد من الشكّ عن تحت الدليل العامّ الذي يكون مطلق الشكّ موضوعا له بنحو القضيّة الحقيقيّة وهكذا في جميع الموارد وقوله اذا شككت(2) فابن على الأكثر معناه انه مهما وجد شيء في العالم

ص: 445


1- . فالحكومة في مورد نفي الحرج وحديث نفي الضرر راجع إلى عقد الحمل وفي مثل لا شك لكثير الشكّ أو رفع النسيان والاضطرار والاكراه راجعة إلى عقد الوضع لتعرّض دليل الحاكم إلى عقد وضع دليل المحكوم وفي مثل قوله علیه السلام الطواف بالبيت صلاة تكون واقعيّة وفي رفع ما لا يعلمون ظاهريّة أثرها عدم الاجزاء المترتب آثاره في صورة انكشاف الخلاف كما ان في مثل زيد عالم مدخلة وفي زيد ليس بعالم مخرجة كلّ ذلك بالتعبّد والا فلا مجال لحمل الكلام بلحاظ التكوين والخارج بل في عالم التشريع .
2- . وسائل الشيعة 8 الباب 8/1 - 1 من أبواب الخلل في الصلاة واللفظ إذا سهوت فابن على الأكثر .

وكان شكّا فهو محكوم بالبناء على الأكثر ومقتضى دليل الحاكم عدم تحقّق هذا التقدير أي وجود الشكّ بالنسبة إلى كثير الشكّ . لكن الدليل لم يتضمّن هذا المضمون بل انما ورد في انه(1) اذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك ومرجعه إلى بناء كثير الشكّ على الصرفة سواءً كان في ناحية النقصان أو الزيادة ولا يعتني باحتمال الزيادة المبطلة كما لا يعتني باحتمال النقصان المخلّ بل يبني على الأقل في الأوّل وعلى الأكثر في الثاني وهكذا . فدليل المحكوم ناظر إلى جعل الحكم على الأفراد الحقيقيّة التي في ظرف وجودها تكون متّصفة بالوصف العنواني للموضوع ودليل الحاكم متكفّل لاثبات هذا التقدير أو نفيه وكذلك الأمر في موردرفع ما استكرهوا عليه أو اضطروا إليه فلو انطبق رفع الاكراه أو الاضطرار على خصوص الفعل الذي أتى به اكراها أو اضطرارا فيكون أثره مرفوعا فقط .

وان كان ينطبق على الترك كالفعل كذلك يكون أثره مرفوعا وعلى هذا فربما يرد النقض في كلا الموردين كما(2) انه اذا أكره على مباشرة الصبيان للعقد دون البالغين فيكون الاكراه في ترك البالغين لتصدّى العقد أو اكره على ايجاد العقد الذي اشترطنا فيه العربيّة بغيرها فيكون الاكراه في الترك أو الفعل أي غير العربيّة وإذا كان مرفوعا بمعنى اثبات العربيّة فاللازم ترتّب الأثر على العقد غير العربي فيوجب انطباق حديث الاكراه على ترك القيد أو الجزء اكراها كون الفاقد

ص: 446


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 8/1 - 1 من أبواب الخلل في الصلاة واللفظ إذا سهوت فابن على الأكثر .
2- . كما انه اذا اكره على الجنابة فهل يجري حديث رفع الاكراه في عدم كونها سببا للغسل أو اذا اكره على ترك الغسل فهل يكون تركه كفعله في ترتب الأثر اذا اجرى الحديث ونطبق على الترك وهكذا الحال في النسيان اذا اجنب نفسه نسيانا .

هو موضوع الأثر كما ان في جانب الفعل اذا اكره عليه يكون خارجا عن الدليل العام للاكراه .

ولكن يمكن الجواب عن بعض النقوض التي منشأ ورودها ورود روايات خاصّة في الموارد الخاصّة أو كون النسيان أو الاكراه بخصوصه موضوعا للأثر في دليله .

فانّ الكلام في انطباق الحديث في كلّ من هذه المذكورات إنّما هو في مورد كون الدليل الأولى عامّا شاملاً لحالتي وجود العنوان وعدمه كالاكراه وعدمه والاضطرار وعدمه . فاذا كان مترتبا على عنوان الاكراه أو العمد كما في الافطار في شهر رمضان بالنسبة إلى وجوب الكفّارة أو على خصوص النسيان فلا يكون الحديث رافعا له لما عرفت من اعتبار قيود في جريان الحديث في موارد انطباقهومنها المنّة .

بقي الكلام في انّ المرفوع بعض الآثار أو جميعها ؟

قيل بكونه بعضها وقيل كلّها وقيل بكونه هو الأثر الظاهر .

ونقل الشيخ قدس سره في رسائله عن بعضهم كلاما في اختصاص المرفوع بكونه بعضها المتيقّن اذا شككنا في كونه هل هو الجميع أو البعض . وهو انه حيث انعقد للدليل العام المتكفّل لبيان الأحكام بعناوينها الأوليّة ظهور في الاطلاق .

فلو شككنا في كون المرفوع هو جميع الآثار أو بعضها فنأخذ بالقدر المتيقّن وندفع الشكّ بالدليل العام كما اذا اشتبه زيد الذي ورد الدليل بعدم اكرامه

بقوله لا تكرم زيدا بين زيد العالم الذي يجب اكرامه لوجوب اكرام كلّ عالم بالدليل العام وبين كونه غيره فنتمسك باطلاق قوله أكرم العلماء بكون زيد هو غير

في عموم الرفع وخصوصه

ص: 447

العالم للشكّ في التخصيص فندفع الشكّ عن زيد باطلاق المطلق وبعموم العام ونجعل زيدا الذي يحرم اكرامه هو زيداً الجاهل .

ثمّ انّه قدس سره استشكله كما هو كذلك فانّه لا صغرى له ولا كبرى . فاللازم تحقيق الكلام في هذا الحديث في كون المرفوع هل هو جميع الآثار أو بعضها وما سلكه بعضهم في استلزام كثرة لزوم الاضمار لا وجه له لتخصيص الرفع بأحدها .

تتميم: قد يقال بأنّ المرفوع هي المؤاخذة بلحاظ منشأها في مثل النيسان والخطأ لكون المؤاخذة عليهما بلحاظ أنفسهما قبيحة لكونهما غير اختياريين بل الممكن فيهما هو ايجاب التحفّظ الموجب لعدم حصول النسيان والخطأ وعدم وقوعهما وحينئذٍ فالمقتضي فيهما متحقّق لكنه رفع عنهما تأثيره في الجعل ولم يجعل الحكم على طبق دعوته منة على العباد حيث ان الامتنان لا معنى له إلاّ فيما تحقّق المقتضى للجعل .أمّا إذا لم يتحقّق المقتضي أو كان هناك مانع من الجعل غير مصلحة التسهيل المناسب للامتنان فالجعل قبيح فلا معنى للمنّة في رفعه وعدم اعطاء مقتضاه من الحكم . فالمنّة إنّما هو في مورد تماميّة المقتضى في الجعل وعدم منع مانع عنه فاللازم حينئذٍ بمقتضى الحكمة الكاملة التي توافق العدل وتعطى كلّ شيء ما يناسبه ويضع كلّ شيء موضعه القابل جعل الحكم لتماميّة قابلية الموضوع ولكن المصلحة اقتضت رفع ذلك من الامة المرحومة لاستيهاب النبي صلی الله علیه و آله إيّاها من اللّه تبارك وتعالى عند سدرة المنتهى كما في الرواية(1) وهذا إنّما يكون فيما لا يستحيل العقل جعله لعدم اختصاص عدم جعله ورفعه بامّة دون امّة كالمشاق

ص: 448


1- . بحار الأنوار 18 باب اثبات المعراج 26 ص312 وما بعده و34 ص319 - 329 .

والآصار المجعولة على الامم السابقة فرفعت عن هذه الأمّة وكايجاب التحفّظ في النسيان فرفع وهكذا وكجعل الحكم المجعول على العنوان الاولى في صورة الاضطرار إليه أو الاكراه عليه فان المقتضى في جميع هذه الموارد متحقق ودفع عن تأثيره في الجعل للامتنان .

ثمّ الأثر المجعول الذي يرتفع برفع موضوعه في مورد النسيان أو الاكراه أو الاضطرار أو ما لا يطيقون الذي لا يكون غير المقدور العقلي بل ( المشاق ) العرفيّة الذي لا تختصّ كما توهّم بخصوص أثر خاص تكليفي أو وضعي بل لا مانع من ارتفاع مطلق الأثر سواء كان تكليفيّا أو وضعيّا قابلاً للجعل التشريعي بنفسه أو بمنشأه فانه في جميع ذلك يمكن رفعه وتطبيق كلّ واحد من العناوين لرفعه وعدم كون موضوعه موضوعا له باخلائه في صفحة التشريع عن الحكم .هذا وأمّا الآثار التكوينيّة الخارجيّة فلا يقتضي الحديث رفعها كالسكر الحاصل من شرب الخمر فانه يترتب عليه ولو نسيانا كما انه لا يقتضي الحديث رفع الآثار القهريّة المترتّبة على المرفوع أيضا مثل ما اذا اقتضى أسوداد القلب فان الاضطرار أو الاكراه لا يوجب رفعه بل الرفع له انما هو بالتوبة . وبالجملة المرفوع في مورد العناوين المأخوذة في الحديث موضوعا للرفع انما هي الآثار الشرعيّة القابلة للجعل والرفع التشريعي لا الآثار التكوينيّة القهريّة كما ان المرفوع

لا يكون هو الأثر الشرعي أيضا اذا كان المكلّف هو الذي أوقع نفسه بسوء اختياره في الاضطرار أو الاكراه وغيره .

حيث ان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار فانه وان لم يمكن توجيه

ما يرتفع بالاكراه والاضطرار

ص: 449

الخطاب إليه في حال عجزه عن امتثاله كما اذا عجز نفسه عن حفظ بدنه بالقائه من الشاهق فان خطاب احفظ نفسك لا يمكن توجهه إليه لكن لا ينافي ثبوت العقاب عليه وحسن مؤاخذته لكونه بسوء اختياره . وانما المرفوع اذا لم يكن ذلك باختياره .

ثمّ انه كما أشرنا إليه لا يختص الأثر بخصوص التكليفي بل هو عام للوضعي أيضا ولو كان جزءا للمركب أو شرطا فاذا أكره أو اضطرّ إلى زيادة ركعة في الصلاة أو ترك الصوم أو شرب الخمر مثلاً فبانطباق رفع الاكراه يكون هذه الزيادة كالعدم في عدم ترتّب الفساد والبطلان للصلاة(1) بسببها وكذلك لا يكون الاكراه على شرب الخمر موجبا للحرمة اذا شربه عن اكراه لكونه مرفوعا وأمّا الاضطرار فرفعالأثر في بعض الموارد ربما يكون خلاف المنّة كما اذا اضطرّ إلى بيع أمواله للضيافة فان عدم صحّة بيعه خلاف المنّة .

ثمّ انّه قد علمت ممّا أشرنا إليه سابقا ان محلّ البحث في كلّ من النسيان وماأخطأوا أو ما استكرهوا عليه أو اضطروا إليه وما لا يطيقونه انما هو ما اذا كان الحكم لا بشرط عن أحد هذه العناوين فاذا كان مقيدا بما لا يلائم أحدها أو مقيدا به بأن يكون موضوعه النسيان أو الاكراه أو الخطأ فلا يقتضي الحديث حينئذٍ رفع الأثر في أحد المقامين حيث ان الأثر في الأوّل بنفسه غير ثابت في النسيان مثلاً أو الاكراه أو الاضطرار كي يوجب النسيان رفعه وكذا في الثاني إنّما يكون النسيان مقتضيا للأثر وموضوعا له فكيف يمكن كونه رافعا له . كما ان الكلام إنّما هو في ما يستفاد من ظاهر الحديث بلحاظ نفسه مع قطع النظر عن ورود دليل

ص: 450


1- . فيه منع .

خاص من نص أو اجماع على خلافه . وحينئذٍ فبذلك يمكن الخروج عن الاشكالات والنقوض المتوجّهة على التمسّك بالحديث في الموارد المختلفة فاذا أكره على الاجناب فالموضوع للأثر ليس هو الاجناب كي يوجب الاكراه رفعه أو وجوب الغسل وإن كان يمكن أن يرفع الاكراه وجوب الغسل المترتب على الجنابة بلحاظ تعلّق الاكراه بسبب الجنابة وهو الاجناب .

لكن الحق خلافه حيث ان الجنابة أمر قهري لا يقبل الاكراه وما يقبل الاكراه لم يترتب عليه وجوب الغسل .

نعم اذا كان له أثر خاص في بعض الموارد يمكن رفعه بالاكراه عليه كما انه اذا نسى النية فيمكن الجواب بعدم جريان الحديث في الترك فلا ينطبق على نسيان النية وان كان الصلاة لا تحتاج إلى النيّة في أصل قوامها بل إنّها شرط لصحّتها .نعم في الغسل يمكن تصوير هذا بأن ينسى العنوان رأسا وهكذا الأمر في مورد الاضطرار فانه اذا اضطرّ إلى بيع كتابه أو قبائه لما اضطرّ إليه بسببه فلا يكون

نقضا على الحديث وذلك لاشتراط جريانه بالمنة ولا منة في رفع الأثر أي الصحّة في الفرض بل رفعه خلاف المنّة .

فتلخّص ممّا ذكرنا انه لا مانع من عموم المرفوع للآثار التكليفيّة والوضعيّة كما انه ظهر جريان الجواب عن اشكال تعلّق الرفع بالنسيان والخطأ في الآية الشريفة حيث يقول تعالى فيها: « رَبَّنَا لاَ تُؤاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا »(1) .

الخلاصة: تلخص ممّا ذكرنا ان الرفع في الحديث الشريف إمّا أن يكون

مورد تطبيق رفع الاكراه والاضطرار

ص: 451


1- . سورة البقرة الآية 287 .

بمعنى الدفع ومنع المقتضيات(1) في الأمور التي اضيف إليها الرفع في الحديث عن التأثير في الحكم منة على العباد لكن المناسب جعله لكلّ واحد أو انه يؤخذ بما هو الظاهر منه بلحاظ ثبوتها على الأمم السابقة لكن النبي صلی الله علیه و آله استوهبها اللّه تبارك وتعالى فرفعها عن هذه الأمة فعلى هذا يكون تعلّق الرفع بشيء موجود وأثره منع مقتضى البقاء على ما كان عليه في الأمم السابقة .

ثمّ ان ظاهر تعلّق الرفع بلحاظ جميع الآثار كما سبق أعم من الوضع

والتكليف بلا اختصاص بالثاني اذ لا موجب لتوهم اختصاصه به فكما ان التكليف حكم من الأحكام يكون مرفوعا بلسان نفي موضوعه كذلك الوضع فلا معنى لتقدير المؤاخذة في الرفع كما لا وجه للتسك باطلاق أدلّة الأحكام الأوليّة التييعرضها أحد هذه الأمور من نسيان أو خطأ أو الاكراه والاضطرار وغيرها لدفعالشكّ عن اجمال المخصّص وتردده بين الأقل والأكثر اذ رفع التكليف معلوم والوضع مشكوك . فلا يعلم تخصيص تلك الأدلة في موارد تحقق أحد هذه العناوين زائدا على ما ترتب عليها من الأحكام التكليفيّة فنتمسك باطلاقها لدفع اجمال المخصّص لكونها من الأصول اللفظيّة العقلائيّة وهي كما انها حجّة في مواردها كذلك حجّة في لوازمها وآثارها . كما انه اذا شككنا في كون الفاسق هل هو مختص بمرتكب الكبيرة فقط أو الأعم منه ومن الصغيرة فيمكن التمسك باطلاق أكرم العلماء لدفع الشكّ في مرتكب الصغيرة وعدم كونه فاسقا هذا . لكنّه ضعيف كما انّ الشيخ قدس سره لبداهة ضعفه لم يتعرّض لوجهه .

بقي الكلام في ما يتعلّق برفع الاكراه والاضطرار . فنقول انّ المنّة كما انها

ص: 452


1- . كما انه الى ذلك رجع النسخ فانه في الحقيقة دفع لا رفع .

قيد في جريان الحديث في مورد رفع النسيان والخطأ وساير ما اشتمل عليه الحديث كذلك لابدّ منها في رفع الاكراه والاضطرار حيث انهما كالنسيان والخطأ لم يتعلق بهما الرفع بلحاظ وجودهما الواقعي . فلابدّ من كون الرفع فيهما نفيا للحكم بلسان نفي الموضوع اذ الاكراه كالنسيان والاضطرار متحقّقان في الخارج ولا مجال لرفعهما كما انه لا مجال لاضافة الرفع بنفس الأحكام الشرعيّة في مواردهما لعدم تعلّق الاضطرار والاكراه بنفس الحكم بل بمورده وموضوعه . وحينئذٍ فيلاحظ في تطبيق الحديث تحقق المنة . فاذا أكره على عمل واجب عليه فأتى به كرها أو اضطرارا وفرض تحقّق جميع قيوده الدخيلة فيه فلا يمكن التمسّك برفع الاكراه لرفع الاثر عنه وجعله كالمعدوم لانه خلاف الامتنان وهكذا في ما اذا اضطرّ لأجل قوت نفسه وعياله من بيع كتابه ومتاعه مثلاً فانّه إذا فرض جريان رفع الاضطرار فيه فيلزم عدم صحّة المعاملة ووقوعه في المحذور أشدّ ممّا كان . كما لا مجال للتمسّك به في ما اذا أكره على البيع بغير العربي لو اشترطنا فيهالعربيّة لترتب الأثر على هذا العقد لكونه خلاف المنّة كما لا يمكن تكفّله للوضع وكون غير العربي كالعربي . هذا مضافا إلى عدم تحقّق الاكراه على النتيجة والمعنى الذي يفيده اسم المصدر بل في المعاملات ما هو القابل للاكراه هو الأسباب والآلات لا نفس النتيجة . ولذلك ربما يشكل الأمر في الرواية(1) الواردة في الحلف بالعتاق والطلاق اكراها وتمسّك الامام علیه السلام لعدم صحّته بحديث الرفع في رفع ما استكرهوا عليه حيث ان الاكراه لا يقع على النتيجة ولابدّ من تحقّقها

بقيّة الكلام

ص: 453


1- . الوسائل 23 الباب 12/12 من كتاب الايمان .

بلا اكراه كما ورد نفي الاكراه في موارد عديدة منها في الطلاق(1) ومنها في العتق(2) مع عدم صحّة الحلف على الطلاق والعتاق ولو بلا اكراه وذلك لأنه اذا كان راجحا حين الحلف ومرجوحا عند العمل فلا يجب الوفاء به لو حلف على الفعل .

كما انه لو كان مرجوحا في الحالتين فكذلك .

نعم إذا كان راجحا حين الوفاء فيجب الوفاء به .

وأمّا في النتيجة فلا تصحّ بل ولو مع الرجحان بل لا ينعقد فكيف يتمسك الامام علیه السلام لنفي البأس أو عدم العتاق والطلاق برفع الاكراه .

والجواب عنه ان التمسّك بالحديث وتطبيقه على المقام يمكن أن يكون تقيّة باعتقادهم وقوع ذلك وصحّته وذلك لا يضرّ بصحّة الحديث وتماميّة الكبرى والتمسّك بها لرفع الآثار الوضعيّة كما ورد نظير ذلك التطبيق في الافطار بافطارالسلطان حيث قال علیه السلام (3) ان أفطر السلطان افطرنا وإن صام صمنا ولكن تطبيقهعلى ذاك الفاسق كان تقيّة مع صحّة الكبرى في نفسها وفي ذلك تأمّل وكيف كان فلو اكره على الطلاق بغير العربي فحديث نفي الاكراه لا يوجب صحّة الطلاق لعدم تحقّق شرايط تطبيقه من المنّة والرفع أو الوضع .

ثمّ انه لا بأس بالاشارة إلى الفرق بين الاكراه والاضطرار بما يتّضح به تحقّق الاكراه على نفس الأسباب لا النتائج فنقول: العمل الصادر من الانسان تارة يكون موافقا لميله ومشتهى نفسه واخرى لا يكون كذلك ولكنه يرتكبه

الفرق بين الاكراه والاضطرار

ص: 454


1- . الوسائل 22 الباب 37/1 إلى 4 من أبواب مقدّمات الطلاق .
2- . الوسائل 23 الباب 19/1 - 2 من أبواب العتق .
3- . الرواية ان صمت صمنا وان أفطرت أفطرنا بعد قوله علیه السلام ذاك إلى الامام حين سأله أبوالعبّاس بالحيرة . [ الوسائل 10 الباب 57/5 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ] .

برضاه لترتب نتيجة عليه مطلوبة له مع عدم رضاه بنفس الفعل وعدم طيب النفس به وثالثة يرتكبه لا طيّبة النفس به ولا انه يريد تحقق النتيجة ولا يرضى بها فالآخران هو الاكراه والأول هو الاضطرار ففي الاضطرار يكون الرضا بالنتيجة ولكن لا طيب له بالعمل وفي الاكراه لا يكون الرضا حتى بالنتيجة لكن ورد في المقام رواية(1) تعرّض لها الشيخ في المكاسب من ان الجبر من السلطان والاكراه من الوالد أو الوالدين ويشكل ظاهرها بان الاكراه لابدّ فيه من توعيد على ترك المكره عليه وفي حمل الوالدين الولد على فعل لا يكون الا الخجل وهو ليس موجبا لصدق الاكراه وفي هذه الرواية اعضال من جهة اخرى يرفع بتعلق الجملة التي وقعت بعد قوله الجبر من السلطان جوابا بالسؤال الذي ورد من السائل قبل السؤال الثاني ولم يمهل الامام للجواب واجابه بعد جواب سؤاله الثاني .

ثمّ انّ هاهنا بحثا مهمّا يليق بالكلام وهو ان هذه الأمور هل هي مقيداتللواقع بمعنى عدم كون الملاك في موردها للحكم الأولى مع قطع النظر عن طروّ أحد هذه العناوين أو انها لا تقيد الملاك بل انما ترفع الوجوب والا لزام المحقّق في موردها وأمّا الملاك فأمر لا يقبل الرفع ؟ الظاهر هو الثاني حيث ان الحديث الشريف في مقام الامتنان على الأمة برفع هذه الأمور وهذا يقتضي تحقق المقتضى للجعل في مواردها ولكن دفع المقتضي عن التأثير في الجعل منة على العباد وتوسعة عليهم وهذا هو المناسب للرفع والا فلو كانت مقيّدة للملاك فلم

ص: 455


1- . الوسائل 23 الباب 16/1 من أبواب كتاب الايمان واللفظ: الجبر من السلطان ويكره الاكراه من الزوجة والاُم والأب وليس ذلك بشيء ورواها الشيخ في كتاب البيع في اشتراط الاختيار في المتعاقدين .

يكن هناك منّة في عدم الجعل بل كان ذلك مستندا إلى عدم المقتضي كما انه لا معنى للرفع حينئذٍ .

ان قلت: من أين نستكشف الملاك والمصلحة في موارد هذه الأمور مع انه لا أمر بل الاضطرار والاكراه إنّما يرفع الوجوب من باب الأهميّة فاذا كان هناك شيء أهم في نظر الشارع مراعاته من الأمر الذي ابتلى به فلا بأس بارتكاب الذي ابتلى به لأجل ذاك الأهم كحفظ النفس اذا توقف على شرب الخمر مثلاً فانه لا يتحقق الاضطرار فيه الا اذا كان حفظ النفس اهم في نظر الشارع من شرب الخمر والا فاللازم هو اجتناب الشرب ولو فرض انه يموت بتركه .

قلت: يكفينا نفس هذا الدليل المتكفل للرفع منّة وتوسعة فانه يدلّ على وجود الملاك والمقتضي ولم يجعل على طبقه الحكم ولم يلزم اللّه العباد توسعة عليهم كما انه كذلك الأمر في دليل نفي الحرج ونفي الضرر فانّهما أيضا إنّما يرفعان الالزام لا الملاك فلا يقيد في موردهما الواقع وحينئذٍ فيمكن للمكلّف الايتان بالوضوء الضرري أو بالقيام الحرجي في الصلاة وهكذا في ساير الموارد بقصد الملاك والمصلحة ويكون مجزيا عن الواقع ويسقط الأمر ويكون آتيا بالوظيفة .إن قلت: فعلى هذا يلزم العرضيّة بين الوضوء والتيمّم إذا كان الوضوء ضرريّا وتحمل الضرر وتوضأ مع انه مشروع في حقّه التيمّم .

قلت: لا ضير فيه بأن يكون في هذا الحال مخيّرا بين المحصّلين واختيار أيّهما شاء في تحقيق تحصيل الطهارة به لعدم كونه أمرا محالاً ولا مستلزما له .

هذا اذا لم يوجب اقدامه على تحمل الضرر سابقا على الوضوء وعدم ترتب ضرر عليه والا فلا اشكال فيه . كما انه لا مجال للخدشة في التمثيل بالاضطرار

ص: 456

على شرب الخمر بأنّه لا مورد له إلاّ صورة التداوي به وهو مدفوع لما ورد(1) في عدم تحقّق حرام يترتب عليه فائدة إلاّ وخلق اللّه مثله من الحلال اذ ذلك لا ينافي الاحتياج إلى الحرام لعدم الوصلة إلى الحلال أو عدم معرفته ونحو ذلك .

والحاصل انه يمكن استكشاف الملاك من نفس هذه الأدلّة الامتنانيّة لما ذكرنا من الوجه . فما ذكره المحقّق النائيني من عدم كشف الملاك لا يخفى ما فيه من المغالطة . كما ان الكلام ليس في ما إذا اعتقد الضرر الواقعي وأخطأ في اعتقاده فتبين عدم الضرر أو اعتقد عدم الضرر فتبين وجوده بل نفرض الكلام في الضرر الواقعي وانه اعتقده ونقول انه في هذا المقام لا مانع من الاقدام على الضرر وتحمله ويكون مستوفيا للملاك ويكفي في سقوط الأمر وامتثال التكليف المحقق في البين والاتيان بالوظيفة التي عليه .

ان قلت: فأيّ وجه في الفرق بين باب الوضوء وباب الصوم حيث يختلف

الكلمات في البابين ولم يجروا على منهاج واحد مع ان مقتضى القاعدة في الجميعواحد .

قلت: ما ذكرنا من وجود الملاك ليس أمرا منضبطا في كلّ مقام بل المقامات مختلفة ففي باب الصوم لم يوجب الشارع الصوم على من يضرّه وكذا اذا(2) خاف على عينه الرمد . والخوف بنفسه أمر واقعي ولو لم يكن ضرر واقعا كما ان الضرر لابد أن يناط حكمه مدار وجوده الواقعي وعدمه مدار عدمه واقعا فان كان هناك دليل على ان رفع ايجاب الصوم من باب الامتنان فنلتزم بصحّة

العرضيّة بين الوضوء والتيمّم

ص: 457


1- . الوسائل 25 الباب 20/1 - 5 - 7 من أبواب الأشربة المحرّمة والمستفاد عدم جعل دواء أو شفاء في ما حرّم اللّه وانّه لا ينبغي لأحد أن يستشفي بالحرام .
2- . الوسائل 10 الباب 20/1 - 2 - 5 - 6 - 9 من أبواب ما يصحّ منه الصوم .

الصوم اذا تحمل الضرر وأتى به كما نلتزم بصحّة القيام للصلاة الذي يكون حرجا عليه اذا تحمّله وأتى بالصلاة قائما وربما لا يفي الدليل في مقام الاثبات لكشف الملاك فلا يمكننا الالتزام بالاتيان بقصد الملاك والمصلحة . كما ان ما ذكرنا انما هو اذا لم يصل إلى حد الاضرار بالنفس والا فلا اشكال في حرمته .

وكيف يمكن قصد الملاك في ما هو حرام بل يرجع الأمر معه إلى باب النهي في العبادة ويكون حراما لا يمكن معه قصد التقرب . فالكلام ليس في موارد حرمة الاضرار إذ لا مجال للاكتفاء بالملاك فيها لعدم امكان تحققه وعدم امكان تأتي قصد القربة بل كلامنا في الموارد التي لم يثبت حرمة الاضرار وانه اذا تحمل الضرر في مورد العبادة وأتى بها فهل يجزيه لتحقق الملاك ووجوده أم لا .

وما ورد(1) في حليّة ما ينفع وتحريم ما يضر فليس له اطلاق قابل للتمسّك به في امثال هذه الموارد . وبالجملة فمقتضى القاعدة جريان الحديث في كلّ منفقراته من ما لا يطيقون والخطأ وما استكرهوا عليه وما اضطرّوا إليه سواء كان منالأحكام التكليفيّة أو الوضعيّة في المركّبات الاستقلاليّة أو الأجزاء والشرايط في العبادات وغيرها وذلك لا ينافي قيام الدليل في بعض الموارد أو كثير منها على خلاف ما يقتضيه القاعدة الأوليّة لعدم كونه نقضاً على القاعدة بل تخصيصا لموردها وتضييقا في دائرة انطباقها فتدبّر جيّدا .

فذلكة:

قد تبيّن ممّا ذكرنا فى ¨معنى الحديث عدم رفع هذه خارجا لوجودها فيه بل الرفع تشريعي بمعنى عدم كونها موضوعة للآثار المترتبة على الموضوعات التي

ص: 458


1- . بحار الأنوار 65/132 - 162 .

تعم حال هذه من الخطأ والاكراه والاضطرار وغيرها .

وقلنا ان التقييد فيها ليس واقعيّا كما ان الأمر كذلك في رفع الحرج والضرر فانهما أيضا ليستا ممّا يقيّد الواقع والملاك . ويكفي في كشف الملاك فيها نفس هذه الأدلّة المتكلّفة للرفع والنفي فانها بلحاظ كونها امتنانيّة ظاهرة في تحقّق المقتضي

والملاك وان الرفع والنفي انما هو بلحاظ المنة تسهيلاً . وحينئذٍ فلا مانع من جريانها في كلية الموارد والمقامات التي يكون عدم الالزام من الوجوب والحرمة منة على العباد سواء كان حرجيّا أو ضرريّا أو عسريّا ولا بأس بعرضيّة البدل للمبدل في مورد الوضوء الضرري أو الحرجي أو العسري اذا تحمل المشقّة وأتى بالوضوء أو الغسل فانه يكون مجزيا مسقطا للتكليف . كما انه اذا أتى بالتيمّم فانه أيضا مجزي ولكن هذا اذا لم يكن الضرر بالغا إلى حدّ الحرمة . فان الضرر تارة يكون بدنيّا وأخرى ماليّا ولا بأس بتحمّل الضرر المالي لمصالح اذا لم ينطبق عليه أحد العناوين المحرّمة وأمّا البدني فتارة يرجع إلى غرض عقلائي كالفصد والحجامة فهذا لا بأس به ومن هذا القبيل التتبير (التطبير) الذي لا يبلغ حدّ الاضرار بالنفس واخرى لا يرجع إلى شيء فهذا حرام ولا مصلحة فيه ولا كلام لنافيه .

بل الكلام انما هو فيما اذا لم يصل الحرج أو الضرر والعسر إلى حد يكون تحمله حراما لكونه من قبيل القاء النفس في التهلكة أو تفويتا لبعض المنافع كحاسة الذوق والشم وغيرهما ممّا يكون في الانسان واحداً أو متعدّدا كحاسة السمع أو من الأعضاء فانها يحرم اتلافها وتفويت منافعها أو قطعها وتحمل الضرر فيها . فاذا كان في مورد الوضوء والغسل مثلاً منه فلا اشكال في حرمته لعدم

كشف الملاك عن ما يدلّ على الرفع والنفي

ص: 459

الملاك فيه وكذلك الأمر في باب الصوم فانه اذا لم يكن بالغا حدّ الاضرار بالنفس الحرام فلا اشكال في صحّته والاجتزاء به . كما ان المرضعة اذا كان الصوم يضر بها أو بالطفل على هذا النهج فكذلك . وعلى هذا فلا وجه لما في وسيلة الاصفهاني قدس سره

من الاحتياط في القضاء للصوم الذي كان حرجيّا ومنشأه التردّد في تقييد دليل الحرج للواقع وعدمه والا فبناء على استظهار أحد الأمرين من التقييد أو عدمه لا مجال للاحتياط بل بناء على المنة فلا اشكال في عدم القضاء كما انه بناء على التقييد لابدّ منه ولا يكون في الصوم مصلحة .

اما نحن فحيث اخترنا عدم التقييد للملاك فلا وجه لنا للاحتياط في القضاء ويترتب على مسئلة التقييد الواقعي وعدمه فروع كثيرة ومسائل مهمّة في أبواب الفقه .

منها باب الحج واشتراط الرجوع بالكفاية للحرج فانه اذا تحمله ومشى إلى الحج وكان واجدا لساير قيود الاستطاعة فانه مجز لا يجب عليه ثانيا حجة الاسلام بخلافه على التقييد فانه لا يجزي ما أتى به أوّلاً حرجيّا بل عليه حجّة الاسلام اذا استطاع بلا حرج .

وكيف كان فبناء على ما استظهرنا لا يرد النقض بمورد مسلم ويجريالكلام في تمام الموارد بلا كلام ما لم يمنع عنه مانع من نص واجماع . هذا .

ثمّ ان المرفوع في ما اضطروا إليه وما استكرهوا عليه أيضا هو الآثار لا نفس الاضطرار بل الظاهر تعلق الرفع بنفس العمل الذي اضطرّ إليه أو استكره عليه بلحاظ رفع الآثار .

ويمكن ارجاع الاضطرار والاكراه إلى أمر واحد حيث ان طيب النفس في

ص: 460

كليهما مفقود اذ في مورد مسيس الحاجة إلى حفظ عرضه وشرفه اذا باع متاعه الذي هو في غاية المحبوبيّة له لا طيب له وجدانا بحصول النتيجة خارجا وهو ما يؤديه اسم المصدر من المعنى وهو النقل والانتقال لعدم الاضطرار إلى نقل المتاع وبيعه وانشاء البيع اذ هذا لا اضطرار اليه بل الاضطرار انما تعلق بالنتيجة وهو لا يكون طيب النفس بها . كما ان الاكراه أيضا لا طيب للنفس بحصول النتيجة فيه مع انه أيضا تعلّق بالنتيجة وما يكون معنى اسم المصدر لعدم تعلق غرض المكره الا بالنتيجة وحصولها وخروج المال في الاكراه على البيع مثلاً من يده فعلى هذا يرجعان إلى معنى واحد . لكن يمكن الفرق بينهما مع ذلك بأن في الاكراه لا يتعلق غرض المكره بالفتح بالفعل الصادر منه الا لرفع محذور الأمر المتوعد عليه به بخلاف الاضطرار فانه يرجع النتيجة إلى نفسه ويتعلق بها غرضه لمساسها به حيث ان في الاكراه لابدّ من كون المكره مهدّدا على ايقاع ضرر به على ترك المكره عليه ويكون قادرا على ذلك ويكون المكره بالفتح عالما أو كالعالم بأنّه إن لم يأت بالمكره عليه يوقع الأمر المتوعد عليه به وحينئذٍ يرتكب المكره عليه مع كونه على خلاف طبعه غير طيب نفسه به بخلاف الاضطرار فانه لا يتعلق بالمضطر عليه غرض غيره كما في الاكراه بل تعلق به غرضه ويرضى بالمضطر عليه لحفظ الأهمالذي يترتب عليه كحفظ عرضه أو حفظ النفس حيث ان اللازم في الاضطرار وجود أهم في البين يرتكب المهم لأجله سواء كان شرعيّا أو عقليّا كحفظ الشأن والشرف .

وكيف كان فيصح تقسيم الفعل الصادر من الانسان اختيارا إلى ما يكون

امكان ارجاع الاكراه والاضطرار إلى أمر واحد

ص: 461

خارجا عن الاكراه والاضطرار وإلى ما يكون اكراهيّا كما حمله غيره عليه مهدّدا على تركه وإلى ما يكون اضطراريّا كما اذا توقف عليه حفظ أهم بلا اكراه من الغير أمّا الفعل الخارج عن الاختيار كايجار الماء في حلقه في يوم الصوم فخارج عن المقسم .

في تحقّق العناوين بالترك هل يجري الحديث في مورد تعلّق أحد العناوين المذكورة فيه من النسيان والخطأ والاضطرار والاكراه بالترك أم لا ؟ فاذا كان الفعل في مورد التكاليف الالزاميّة الوجوبيّة حرجيّا وعسريّا فلا اشكال في نفي دليل نفي الحرج والعسر لوجوبه . لكن هل الترك كذلك اذا كان عسريّا أو حرجيّا كان لم يصبر نفسه عن الحرام بل يكون حرجا عليه أو انه اضطرّ إلى الترك ؟ فيه اشكال . الذي يظهر منهم اختصاص مجراه بالوجودي وانه اذا كان الترك في التكاليف المحرّمة حرجيّا لا مجال للتمسك بحدث نفي الحرج في رفع الحرمة بل المجري مخصوص بخصوص التكاليف الوجوبيّة دون التحريميّة سواء كان حرجيّاً أو عسريّا فاللازم مراعاتها . هذا . ولا مجال لانكار تعلّق العسر والحرج بالترك أو الاضطرار اليه فانه لا شبهة في وقوعه وتحققه خارجا .

نعم يمكن ارجاع الترك الذي هو أمر عدمي إلى الابقاء الذي هو الفعل الوجودي واجراء العسر والحرج فيه أو إلى الكف عن الحرام في التكاليفالتحريميّة والكفّ أيضا فعل وجودي فيجري الحديث .

وكيف كان يظهر منهم عدم جريانه في الترك . ثمّ انا قد أشرنا سابقا إلى بعض الكلام في الأسباب والمسبّبات الشرعيّة واشباع الكلام فيها حسب ما يقتضيه المقام هو انه تارة يقع البحث في الأسباب وفرض تعلق النسيان أو الاكراه

ص: 462

أو الاضطرار أو غيرها بها واخرى في المسببات وهي النتائج المترتبة على الأسباب وثالثة في الآثار والأحكام المجعولة عليها شرعا ولا اشكال في جواز التمسك بالحديث لرفع مطلق الأثر سواء كان تكليفيّا أم وضعيّا لما عرفت من عدم اختصاص الرفع ببعض الآثار بل يعم مطلق الآثار .

البحث في جريان البرائة في مورد اجمال النص

اعلم ان البرائة كما تجري في مورد فقد النص في الشبهة التحريميّة كذلك تجري في مورد اجمال النص بلا اشكال ومثلوا له بالنهي اذا احتمل أن يكون للحرمة كما أمكن أن يكون للتنزيه لكن المثال لا يناسب ما بنى عليه من كون المنشأ في الأوامر والنواهي هي النسبة وان الظاهر انه بداعي الجدّ فينتزع من ذلك الوجوب في الأمر والحرمة في النواهي ولا مانع من اشتمال حديث واحد أو جملة واحدة على امور بعضها محرم وبعضها مكروه بداعي التنزيه وبداعي الجد كما في باب الأمر نظير قوله اغتسل للجمعة والجنابة فالأنسب المثال له بالغناء ومثله سماع الغيبة فان الأول المتيقن منه ما اذا كان جامعا للقيود الأربعة بأن يكون الصوت مشتملاً على الترجيع مطربا الخ فاذا فقد بعض أوصافه كما اذا لم يكن فيه ترجيع أو لم يكن مطربا فيشك في شمول المفهوم له وكما في الغيبة فانّها ليست مطلق ذكر الشخص في غيبته فتجري أدلّة البرائة فيهما وفي غيرهما منموارد اجمال النص وتردّده بين الأقل والأكثر في غير الأكثر بخلاف باب الأوامر فان الأقل فيها متيقن والأكثر مشكوك هذا بلا فرق بين البرائة العقليّة والنقليّة .

لكن قد يقال بلزوم الاحتياط نظرا إلى انه من الشك في الامتثال لأنّ

جريان البرائة في الشبهة لاجمال النص

ص: 463

الشارع بين الحكم فلا اجمال من هذه الجهة والموضوع تعلّق به الحكم بماله من المعنى وحينئذٍ فاللازم في الخروج عن عهدة الحكم ترك المشكوك كونه غنا أو غيبة في ناحية الترك .

وفيه انه لو كان التكليف تعلق بالمفاهيم والماهيات على ما هي عليه بلا تعلق الوجودات الخارجيّة فكذلك ومع ذلك يكون لا يكون طريق الامتثال ذلك بل في صورة تعلّق التكليف بالمفاهيم أو الماهيّات حرمة تصور الماهيّة وايجاد صورتها الذهنيّة في الذهن .

وأمّا لو كان التكليف إنّما تعلّق بالوجودات الخارجيّة وتعلّقه بالمفهوم ليس بما هو هو بل بما هو طريق ومرآة إلى الوجودات الخارجيّة فلا مجال للاشكال في جريان البرائة عقلها ونقلها لرجوع الشكّ في سعة المفهوم وضيقه إلى الشكّ في التكليف وان الفاقد هل تعلّق به الحرمة أم لا ؟ لما هو بين في غير مورد من انحلال التكاليف بتبع تعدّد الأفراد والوجودات فكلّ فرد له تكليف وجوبي أو حرمة تخصه ولذلك عممنا أدلّة البرائة النقليّة للشبهة الموضوعيّة التي اتّفق كلام الأصحاب فيها على البرائة بتقريب رجوع الشبهة فيها إلى الشكّ في الحكم والتكليف فالمقام كذلك . هذا في اجمال النص .

أمّا إذا كانت الشبهة من جهة تعارض النصين فكذلك لا مانع من جريان البرائة لعدم دوران الأمر مثلاً بين المحذورين لاحتمال كون الحكم الواقعي في ماإذا تعارض نصّان في مورد الوجوب والحرمة غيرهما بل كان هو الاباحة ولكن لا(1)مانع من بقاء دلالتهما الالتزاميّة على نفي الحكم الثالث لعدم استلزام سقوط

ص: 464


1- . سيجيء في باب التعارض سقوط الدلالة الالتزاميّة في مورد تعارض النصين .

المطابقيّة سقوط الالتزاميّة حيث ان دليل الاعتبار لا يشمل المتعارضين للتعارض من أوّل الأمر في دلالتهما المطابقيّة وهذا ضرورة تقدر بقدرها في المطابقيّة بخلاف الالتزاميّة إذ لا ضرورة توجب سقوطها عن الحجّيّة .

بل ذهب بعضهم إلى بقاء حجيّة واحد منهما بالنظر إلى القاعدة وتقدر الضرورة بقدرها أو من جهة الاخبار العلاجيّة فجعل كلّ واحد حجّة عند عدم الآخر كما انّه قد تصدّى الشيخ قدس سره في بحث التعادل والتراجيح لتصحيح الترتب من جهتين في الحجيّة مع انكاره له من طرف واحد .

فحينئذٍ ينتفي الحكم الثالث بهما كما في مورد تعارض العموم من وجه حيث انّه يتفكّك الرواية والدليل الواحد باعتبار مضامينه في مادّة الافتراق والاجتماع .

اللهمّ إلاّ أن يشكل ذلك باباء العرف تفكيك سند واحد في الحجيّة وعدمها .

وعلى كلّ حال فحيث انّهما بنفي الثالث لا يخرجان الشبهة عن الشكّ في الحكم فلا مانع من شمول أدلّة البرائة في الحرمة لكونها مشكوكة وكذلك الوجوب لكونه كذلك وتجري أدلّة البرائة العقليّة أيضاً لعدم انفكاك مجراها عن مجرى البرائة الشرعيّة وجوداً وعدماً .

فلا اشكال في جريان البرائة في مورد تعارض النص .

أمّا الشبهة الموضوعيّة فجريان البرائة فيها أظهر والاتفاق فيها أشهر مع عدم جريان البرائة قبل الفحص في مورد الشبهة الحكميّة والفرق بين الحكميّةوالموضوعيّة بعد اطلاق أدلّة الأصول للشكّ وعدم تقيده بالفحص وعدمه كون الحكميّة من قبيل التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة والتمسّك بالكبرى لاحراز

جريان البرائة في الشبهة الوجوبيّة

ص: 465

الصغرى لورود المقيدات والمخصّصات على العمومات اجمالاً وتعنوتها بعنوان زائد على عناوين العام فاللازم في ترتب الحكم احراز العنوان وقبله لا يمكن التمسّك بالدليل اللفظي بخلاف الموضوعيّة .

ثمّ انه تمسّك بعضهم بعدّة أخبار على جريان البرائة في الموضوعيّة كرواية مسعدة بن صدقة(1) بعد بيان عدّة موارد محتمل في بعضها السرقة كالثوب أو كونها أخت الرضاعة وغير ذلك ( ان الأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير هذا أو تقوم به البيّنة . فهذا الظاهر ينفي لزوم الفحص ولا يجب تحصيل الغاية في موضوع أدلّة الأصول وتبديل الشكّ علماً . لكن الاشكال في ان موارد ترخيص الامام علیه السلام في مورد رواية مسعدة وفي موارد نظيره كموارد حرمة التزويج كاحتمال كون المرأة مزوجة أو ذات عدّة لنا فيها حجّة معتبرة كاليد في مورد احتمال السرقة فانّها امارة الملك وجريان اصالة عدم الرضاع في مورد احتمال كونها أحث الرضاعة فالأحس ما قاله الشيخ .

أنّا في غنى عن التمسّك بهذه الأخبار بتسلّم كون الشبهة الموضوعيّة مجرى البرائة . هذا تمام الكلام في الشبهة التحريميّة .

أما الوجوبيّة: فذهب كثير إلى كونها كالتحريميّة تجري فيها البرائة عقلها ونقلها حتّى انه ذهب جماعة من المحتاطين في التحريميّة إلى البرائة في الوجوبيّة أمّا شذوذ المولى محمّد أمين الاسترآبادي فليس بضار لشذوذه واختصاصهبممشى شاذ وتجري في المقام أدلّة البرائة المتمسّك بها في التحريميّة الا بعضها

ص: 466


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، ح4 .

لاختصاصها بالتحريميّة كرواية(1) كلّ شيء مطلق حتّى يردّ فيه نهي لكن يكفيا حديث الرفع(2) الذي هو أظهر أدلّة الباب .

تتميم: قد سبق(3) البحث والكلام في دلالة أدلّة البرائة والجمع بينهما وبين أدلّة الاحتياط في الشبهة التحريميّة فلنعطف الكلام إلى بعض التنبيهات التي تعرض لها الشيخ قدس سره: أحدها ان محل الكلام في المقام هو ما إذا كان الشكّ في الوجوب النفسي دون الغيري فان محلّه صورة الشكّ في المكلّف به والكلام فيه .

الثاني انه إذا دار الأمر بين الوجوب والاباحة مثلاً دون الاستحباب فهل يمكن الاتيان بالعمل بعنوان الاستحباب ويمكن الفتوى به جزماً إذا كان عبادة مثلاً أي لو كان له الأمر كان أمراً عبادياً ؟ قوى الشيخ قدس سره في المقام العدم وهو خلاف ما بنى عليه في أوائل الكتاب وهو في المقام يذهب بمنه ويستره .

والوجه الذي استند إليه الشيخ قدس سره ان العباديّة تحتاج إلى الأمر وفي مورد الاحتياط في محلّ الكلام لا علم بالأمر أصلاً لا تفصيلاً ولا إجمالاً فلا يمكن الاحتياط في العبادة ولا مجال للتمسّك باصالة الاحتياط لتصحيح العباديّة بدعوى تعلّق الأمر بذات العمل واستفادة الاستحباب من الأمر ويكون قصده أوكيفيّة أخذه في المقام كقصد الأمر في أمر الصلاة بلزوم الاتيان بقصد الأمر اما لتحصيل الغرض أو بالأمرين أو لتوقّف الملاك في احرازه واستيفائه على ذلك أوغير ذلك من الوجوه المقرّرة في محلّه لما فيه من استحالة أخذ ما يتأتى من قبل

هل العباديّة تحتاج إلى الأمر

ص: 467


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 67 من أبواب صفات القاضي .
2- . الوسائل 8 الباب 30/2 من أبواب الخلل في الصلاة .
3- . كنت في السفر ولم أحضر البحث في بحث البرائة في الشبهة التحريميّة لفقد النصّ . لكن يظهر مرام سيّدنا الأستاذ قدس سره في مطاوي الأبحاث وترجيح أدلّة البرائة على أدلّة الاحتياط .

الأمر في متعلّقه وموضوعه حيث ان الغرض والفرض تصحيح العباديّة بأمر الاحتياط والأمر لابدّ له من الموضوع فلو توقّف عباديّته على الأمر يتوقّف الأمر على نفسه ويلزم الدور .

ولكن يشكل على الشيخ قدس سره انّه كيف يقول بالاحتياط في الجوانب الأربع في مورد اشتباه القبلة أو بأقل من ذلك إذا ضايقه الوقت وكيف يقول به في ساير موارد العلم الاجمالي كما إذا تردّد ثوبه الطاهر بين طاهر ونجس فاللازم له أن يقول ببطلان الاحتياط رأساً كما هو مختار من يبطل طريقيّة الاحتياط ويذهب إلى بطلان عمل تارك طريقي الاجتهاد والتقليد وربما ينسب ذلك إلى السيّد الرضي وانّه ادّعى الاجماع عليه وقرّره عليه أخوه المرتضى لكن النسبة غير صحيحة فان العبارة لا يظهر منها ذلك . هذا . مع ان للامتثال مراتب أربع كما تقدّم في مبحث القطع وان الرابع من المراتب الاحتمالي ويتنزل الأمر إليه عند عدم التمكّن من المراتب السابقة مع انه لو لزم قصد الأمر أو احرازه فكيف يصلي الظهر يوم الجمعة من يتردّد بين وجوب صلاة الظهر عليه أو الجمعة مع عدم ترجيحه لأدلّة أحد الأمرين وهكذا في ساير موارد الدوران . فحينئذٍ لابدّ من التقييد في قصد الأمر أو الوجه أو احرازه عند من يلتزم بها وتخصيصه بمورد التمكّن مع انّه لا دليل عليه فظهر ان ما استند إليه الشيخ في المقام لعدم امكان الاحتياط في العبادة ضعيف .

لكن المنقول عن القدماء والمتقدّمين هو الاستحباب وانّهم يفتون بذلك فاذا احتمل المكلّف وجود خلل في عباداته من الصوم والصلاة لا من جهة الشكّ في جواز تقليد من قلّده أو يقلّده فان لازمه تطبيق العمل على فتوى من يجوز تقليده

ص: 468

ولو بالنسبة إلى الأعمال السابقة كما انه إذا علم بصحّة تقليده وشكّ في صحّة أعماله السابقة فانّ له البناء على الصحّة لكن في هذا الفرض ومحلّ الكلام إذا احتمل خللاً في صلاته كما إذا أفتى من يقلّده بكفاية تسبيحة واحدة في الركوع والسجود أو بكفاية مرّة من التسبيحات ولم يزد على ذلك مع وجود من يوجب الثلاث فهل يستحب له اعادة الصلاة التي صلاّها مكتفياً فيها بمرّة في الموردين أم لا ؟ قد يتوهّم أو يمكن أن يتوهّم كفاية أخبار الاحتياط لذلك .

لكن فيه ان المقام لا مسرح لها حيث ان الاحتياط نوع من الانقياد وهو والاطاعة والعصيان واقعة في سلسلة معلولات الأحكام ولا يمكن استفادة حسنها أو قبحها الشرعي من الشرع اتكالاً على حسن الاحتياط عند العقل وقبح المعصية كما لا يمكن أن تكون هذه الأخبار اشارة أو دليلاً عليه بل لا مجال للمولويّة فيها فهي ارشاديّة محضة ( نعم يمكن تشريع الأمر الحرام والاتيان به كذلك لكنّه ليس من الاحتياط في شيء بل التشريع ضدّ الاحتياط وفي قباله ) .

وربما يتوهّم ان الموضوع والمتعلّق وإن لم يحرز عباديته من جهة الشكّ في الأمر والا يخرج عن كونه محتاطاً فيه إذ الاحتياط ليس إلاّ الاتيان بالعمل رجاءً في ناحية العمل أو تركه في ناحية الترك وهذا سهل في ما إذا كان المحتاط فيه توصلياً كما انه كذلك إذا كان الأمر دائراً بين الوجوب والاستحباب لاحراز جهة عباديّته وامكان الاحتياط فيه لكن محلّ الكلام ما إذا يحتمل الأمر وعدمه ولو كان أمراً كان عباديّاً وإلاّ ففي التوصليّات يمكن اتيانها طرّاً بقصد الاطاعة ولا

يتوقّف حصول ملاكاتها واستيفائها على قصد الأمر والامتثال فيتوهم اكتساب المتعلّق من الأمر جهة العباديّة وتكون عبادة .

اشكال انطباق الكسر والانكسار

ص: 469

لكن استشكله المحقّق النائيني قدس سره بعدم انطباق ضابط الاكتساب والكسروالانكسار على المقام حيث انه تارة يكون العمل كصلاة الليل لنفسه أو تبرّعاً عن الميّت أو الحي كما ربما يظهر من عدّة(1) من الأخبار حيث اشتملت على تعاهد

ثلاثة على الاتيان بها وغيرها وإن لم تخل عن الاشكال أو مثل الزيارة عن الحي فانها ممكنة فان ذلك العمل كصلاة الليل مستحبّة في نفسها وينذرها بأن يأتي بها واخرى يكون صلاة الغير الواجبة أو المستحبّة عليه ويستأجر لاتيانها فان بين المقامين فرقاً وهو انه يمكن الاكتساب في الأوّل بأن يكتسب الأمر الوجوبي بالوفاء بالنذر جهة العباديّة من ذات العمل وهي صلاة الليل كما انها تكتسب الوجوب من جهة النذر لوحدة متعلّق الاستحباب والنذر لعدم تقييد النذر باتيان الصلاة بعنوان كونها مستحبّة بأن يكون قصد الاستحباب وعنوانه في حيز النذر بخلاف باب الاجارة فان العمل للغير وأخذ فيه عنوان الوجوب أو الاستحباب على الغير وهو يستأجر على اتيان العمل بداعي أمره المتعلّق به على الغير بداعي أخذ الاجرة لوجوب الوفاء بالنذر فأمر الوفاء في طول أمر الصلاة فحينئذٍ لا مجال لاكتساب صلاة الغير المستحبّة مثلاً الوجوب من الأمر الاجاري ولا جهة لاكتساب الأمر الاجاري العباديّة من المتعلّق وان اختار سيّد العروة اكتساب الامر الاجاري ذلك من متعلّقه إذا كان عبادة . هذا إذا كان نذره لصلاة الليل المستحبّة فان نذره يمكن أن يؤثّر في وجوبها ويكتسب الصلاة الوجوب بخلاف

ص: 470


1- . ثلاثة تعاهدوا على اتيان الصلاة والصوم وايتاء الزكوة عن من مات منهم فكان صفوان بن يحيى آخرهم موتاً يأتي ب- 150 ركعة صلاة وثلاثة أشهر صوماً وثلاث مرّات زكوة . تنقيح المقال 2 ص101 . الوسائل 8 الباب 12/16 وغيره من أبواب قضاء الصلوات .

ما إذا أخذ عنوان الاستحباب في متعلّق النذر فانه باطل لعدم امكان الاتيان بهابعد النذر مستحبة .

وأمّا إذا تعلّق النذر بالواجب فلا اكتساب ولكنه يوجب هذا النذر ترتب آثار من جهة اثبات حق زائد على ما يقتضيه الواجب بنفسه على نفسه له آثار وإن لم نقل بالمراتب ولا بالتأكد ولا بالتركب في باب الواجب والمستحب لكن لا مانع من اجتماع حقوق متعدّدة لأسباب مختلفة كما في باب الخيار فانه حق أثره السلطنة على الفسخ وهذا أمر واحد لا يقبل التعدّد والتأكّد ولكن يقبل الاسقاط من ناحية خيار الشرط دون المجلس أو بالعكس فيمكنه أخذ شيء في قبال اسقاط حق من هذه الخيارات دون الباقي فالآثار مترتبة على حقوق متعدّدة .

تذنيب: سبق بيان الفرق بين نذر العمل المستحب كصلاة الليل والاستيجار على عمل وان النذر إنّما يتعلّق بذات العمل لا بقيد كونه مستحباً والا يخرج عن كونه مقدوراً إذ حال الوفاء بالنذر لا يقدر على الاتيان به مستحبّاً لكونه واجباً بالنذر .

لكن للاشكال فيه مجال واسع حيث انه لا مانع من تعلّق النذر بالعمل الذي يكون مستحبّاً لأنّه يؤخذ الاستحباب في مرتبة موضوع النذر وإنّما يتعلّق النذر بالعمل المستحب ولا مانع من كونه واجباً بالنذر لتعدّد المورد والموضوع إذ الواجب ليست ذات صلاة الليل في الفرض المزبور بل الواجب إنّما هو امتثال الأمر الاستحبابي المتعلّق بذات صلاة الليل فلم يتّحد مورد الأمرين ولا صار الأمر الاستحبابي وجوبيّاً والمستحب واجباً وإذا لم يأت بهذا المستحب بقصد أمره يكون مستحقاً للعقاب واجباً عليه الكفّارة للحنث وعلى هذا فلا كسب ولا

ص: 471

اكتساب للوجوب والاستحباب بخلاف ما إذا قلنا باتّحاد المتعلّق فانّه قهراً لا يبقى مجال للاستحباب بالاتفاق بل الضرورة ولابدّ من كونه هو الأمر الوجوبيكما انه يكون حينئذٍ عبادياً على ما سبق هذا .

ويدفع هذا الاشكال ان النذر إنّما يتعلّق بذات العمل ويكون هو الواجب اتيانه ولو فرض انه نذر اتيان العمل بقصد أمره الاستحبابي إذ المقيّد شامل للمطلق فذات العمل الذي تقيد بالاستحباب يتعلّق به الأمر الوجوبي وهذا كاف في صحّة ما قلناه أوّلاً إذ لا معنى لتعلّقه بالأمر بل الواجب هو الوفاء بكلّ ما دخل تحت نذره وصار منذوراً له فالوفاء يجب له وهذا كأنّه نذر امتثال الأمر الاستحبابي ولو فرض انه يكون في رتبة الامتثال لكنه لا يخرج عن كون المتعلّق للوجوب ذات العمل سواء تبيّن الفرق بينه وبين الأمر الاجاري أم لم يتبيّن إذ المقصود في المقام هو بيان استحباب الاحتياط في العبادة وان الأمر الاحتياطي يمكن أن يكون مثل الأمر النذري في جهة الكسب والاكتساب بأن يكتسب ذات العمل المحتاط فيه الوجوب أو الاستحباب من أوامر الاحتياط على فرض القول بالوجوب أو تماميّة دلالة الاستحباب فيها ومن المسلم ان المحتاط فيه ليس مطلقاً من جهة قصد القربة والأمر بأن يأتي به سواء قصدها أم لم يقصدها لعدم كونه توصليّاً إذ الكلام حسب الفرض فيما يكون الدوران بين الواجب والمباح فيما لو كان واجباً كان أمره أمراً عبادياً كما انه ليس مقيداً بعدم قصد القربة والأمر بل لو كان فهو مقيّد

بقصد القربة كالأمر النذري في محلّ البحث .

وكيف كان فلو قلنا بتوقف الاحتياط في العبادة على الأمر فاللازم حينئذٍ بطلانه في محلّ الكلام لعدم الأمر الجزمي وعدم كفاية الاحتمالي وتصحيح الأمر

ص: 472

بنفس أوامر الاحتياط فيه انه لا موضوع للاحتياط بعد كي يكون الأمر متعلّقاً به للزوم أخذ ما يتأتّى من قبل شيء فيه وكشف الأمر من أخبار المقام بقاعدة الملازمة فيه انه ليس المقام مقام القاعدة لاختصاصها بسلسلة علل الأحكاموكشف المصالح والمفاسد لا المعلولات كباب الاطاعة والعصيان وعلى هذا فينسدّ باب الاحتياط في العبادات .

أمّا التوصليّات فالأمر فيها سهل إذ لا يترتب على الاحتياط فيها محذوره في العباديات لتوقّفه على الأمر فأمّا أن يبطل أو يكون المحتاط مشرعاً في الأمر وذاك حرام لكون اللازم اتيان العمل رجاء كونه واجباً لكونه ضد التشريع ومع توقفه على الأمر كيف يمكن حصوله بدون التشريع إلاّ ان الذي يسهل الخطب عدم توقفه على الأمر وبطلان المبنى من رأس والشيخ قدس سره كان كلامه في المقام منع ذلك الا انه في أوائل الرسائل يصحّح ذاك بقوله بالمراتب الأربع للامتثال منها الاحتمالي الذي تصل النوبة إليه بعد المراتب السابقة الثلاث وكلامه هذا متأخّر في النظر والاختيار عن قوله في المقام بالعدم لكونه عدولاً عنه حسب ما ثبت من تجديد نظره بعد تأليفه الرسائل ولم يف عمره رضوان اللّه عليه لتجديده إلى المقام .

نعم هذا قول بعض من يعتبر قصد الوجه في الامتثال من الأصحاب أو لازم قوله .

هذا تمام الكلام في الشبهة الوجوبيّة فيما إذا لم يكن نص معتبر ودليل معمول به سواء كان مورد فقدانه أو اجماله أو تعارضه .

أمّا إذا كان هناك خبر ضعيف على وجوب شيء أو كراهته فالمشهور كما

ص: 473

نسب إليهم على القول بالكراهة أو الاستحباب فيما دلّ على الاستحباب تسامحاً في أدلّة السنن لكنّه لا يناسب توقف الأحكام الشرعيّة على الدليل بلا فرق بين الالزاميّات وغيرها لكونه اسناداً إلى اللّه تعالى وافتراءً عليه فيما لم يكن دليل

معتبر وهو تشريع محرم . نعم ربما يمكن بملاحظة بعض الأخبار الواردة في البابالقول باستحباب نفس العمل أو اتيانه بداعي الرجاء .

فنقول تعارف اطلاق التسامح في أدلّة السنن في مورد الاستدلال على الكراهة أو الاستحباب بالأخبار الضعاف وقد أشرنا إلى انّهما كالوجوب والحرمة حكمان يحتاج اثباتهما إلى الدليل المعتبر فلا وجه للتسامح إلاّ ان نظر القوم في ذلك إلى الأخبار الواردة في ان(1) من بلغه شيء من الثواب على عمل فعمله رجاء ذلك الثواب أوتيه وإن لم يكن كما بلغه وفي بعضها(2) التماس ذلك الثواب واشتمل آخر(3) على الخير والاحتمالات في هذه الأخبار أربعة أو أزيد فانّه لو كان البلوغ مختصّاً بما إذا كان المبلغ مأخوذاً بقوله ثقة فينحصر بمورد قيام الخبر والرواية المعتبرة على مستحب أو واجب موعود به الثواب الاخروي لا ترتّب فوائد وخيرات دنيويّة كزيادة الرزق أو سعة العيش والرفاه فيه وغيرها فانه إذا كان المبلغ ثقة واشتمل خبره على عدّة ثواب على العمل أو على الخير يؤتى الآتي بالعمل ذلك الثواب وإن كان المبلغ كاذباً أو واهماً في نقل الخبر ولعل هذا

التسامح في أدلّة السنن

ص: 474


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/18 - 2 - 3 - 6 إلى 9 من أبواب مقدّمة العبادات مع اختلاف في بعض الألفاظ .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/18 - 2 - 3 - 6 إلى 9 من أبواب مقدّمة العبادات مع اختلاف في بعض الألفاظ .
3- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/18 - 2 - 3 - 6 إلى 9 من أبواب مقدّمة العبادات مع اختلاف في بعض الألفاظ .

الاحتمال أظهر احتمالات الحديث .

الثاني عدم اختصاصه بكون المبلغ كذلك بل يشمل مطلق الوصول ونقل

الخبر بلا اختصاص لكونه ثقة وعليه اما أن يراد بقوله في الخبر ( فعمله ) ما هو ظاهر فيه من كونه اخباراً كما يرشد إليه قوله التماس ذلك الثواب أو رجائه فيكونمفاد الرواية اعطاء الثواب لمن عمل العمل الموعود به الثواب أمّا مطلقاً بأن يكون البلوغ جهة تعليليّة لاعطاء الثواب أو تقييديّة بأن يختصّ بالخبر البالغ الموعود به الثواب فحينئذٍ لا يشمل ما إذا لم يأت بلا رجاء والتماس ولا دلالة على استحباب نفس العمل بل إنّما يستفاد منه رجحان الاتيان رجاءً والتماساً .

ثالثها ارادة الانشاء من قوله ( عمله ) بأن يكون معناه فليعمل أو اعمل أيّها البالغ إليه الخبر الثوابي فيستفاد على هذا استحباب ذات العمل إلاّ انّه يبعده قوله رجاء أو التماساً ولو انه لا جهة للاشكال في دلالة الماضي على الانشاء لكثرة استعماله والمضارع في الانشاء كقوله في اخبار سجدة السهو ( يسجد سجدتي السهو ) إلى غير ذلك بل دلالتها آكد من الانشاء .

رابعها: أن تكون هذه الأخبار من أدلّة حجيّة خبر الواحد الضعيف في نفسه وهذا بعد استفادة حجيّة الأخبار بالقطع بصدور مضمون واحد من الأخبار الدالّة على حجيّة الخبر وانه متواتر اجمالاً يكون هذا الخبر دالاّ على حجيّة كلّ خبر ثقة كي يشمل أخبار المقام وببركتها يستفاد حجيّة كلّ خبر ضعيف قائم على المستحبات أو الواجبات موعوداً فيه الثواب والمسئلة على هذا الاحتمال الأخير اصوليّة كما انه على الثالث فقهيّة وعلى الثاني كلاميّة .

توضيح وتتميم: لا يخفى ان لازم قولهم التسامح في أدلّة السنن هو

في دلالة أخبار من بلغ

ص: 475

الظاهر من الكلام في وقوع التسامح في دليل المستحب مثلاً وانّه لا يلزم أن يكون له من الاعتبار ما يعتبر في موارد الأحكام الالزاميّة لكن حيث ان الاسناد إلى اللّه

تعالى ما لا يعلم تشريع محرم بالأدلّة الأربعة فلا دليل نقلي ولا عقلي يجوّز ذلك فاللازم اقامة الدليل على هذا التسامح في المقام ونظر المشهور في ذلك إلى أخبارمن بلغ(1) فاذا تمت دلالة الأخبار على ذلك فهي تكون دليلاً على حجيّة خبرالواحد في مورد المستحب والمسئلة على هذا كما أشرنا إليه تكون اصوليّة غاية الأمر لو لا ثبوت حجيّة نفس هذه الأخبار بالأدلّة المقامة في محلّه لم يمكننا التمسّك بها في اثبات المدعي في المقام . وحينئذٍ فنقول ان البلوغ في هذه الأخبار لا يمكن الأخذ باطلاقه لكل خبر وإن كان عن غير ثقة بل لا اطلاق له حيث ان الروايات واردة في بيان حكم آخر وليست بصدد الاتيان والتعميم لكلّ خبر سواء كان المخبر صحيحاً خبره أو موثقاً أو غيره فهو نظير التمسّك باطلاق قوله تعالى: « فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ »(2) لطهارة موضع عضّ الكلب من الصيد في الوهن كما انه على هذا لا اطلاق للعمل يستفاد منه كون الاتيان به رجاءً ادراك الثواب الموعود بل ربما يمكن استظهار الخلاف منه لأنّه متفرّع على البلوغ فاللازم كونه بمثابة من القوّة كي يكون قابلاً للاعتناء به وحينئذٍ فينحصر في الخبر الصحيح المعتبر .

وأمّا قوله رجاء ادراك الثواب أو التماس فلا يكون قرينة على كون العمل رجاءً ودخله في ترتّب الثواب بل هذا اشارة إلى أمر عرفي مرتكز عقلائي من

ص: 476


1- . الوسائل 1 الباب 18 من أبواب مقدّمة العبادات .
2- . سورة المائدة الآية 4 .

كون اتيان الأعمال في هذه الموارد ونظائرها لادراك الثواب ووصول الخير إليهم وهذا أمر طبيعي لكون غالب عبادة الناس من قبيل اعمال الاجراء فهو في الوهن نظير التمسّك بالبدئة بالأعلى في غسل الوجه من الأئمّة علیهم السلام على وجوب الترتيب في غسل الوجه من الأعلى فالأعلى إذ هو أيضاً أمر طبيعي . هذا .

وبناء على كون الرواية بصدد ( بيان استحباب العمل بأن يكون قوله فعمله )بمعنى الأمر والانشاء الذي يكون آكد في المطلوب من صيغة الأمر فيكون معنى قوله ( عمله ) فليعمل به أو اعمل به .

فاللازم حينئذٍ الآخذ باطلاق العمل والبلوغ ولا ينافي كونه في مقام البيان لترتب الثواب .

غاية الأمر بيانه راجع إلى الجهتين اذ اللازم في مقام تشريع الحكم تحديد الموضوع حيث انّه لم يقيّد البلوغ ولا العمل ببلوغ أو كيفيّة خاصّة فالانشاء مطلق الموضوع إلاّ انّه ليس في كلّ مورد حتّى مع العلم بالكذب .

بل إنّما الانشاء على هذا الاحتمال أمر الارشاد والاخبار مع الاحتمال الأوّل في مورد احتمال الصدق والصدور لكونه تعبّداً في مورد الشكّ لا العلم بالخلاف هذا .

ولكن على الاحتمال الأخير الذي نتيجته استحباب العمل البالغ عليه الثواب لا يختصّ الأمر ولا الثواب ولا الخير بالمستحب بل يشمل الواجبات وعليه فيشكل الأخذ باطلاقه من التسامح في مورد الواجبات من جهة دليله والاعتناء بكلّ خبر ضعيف موجب للبلوغ لعدم عمل العقلاء على الاحتمال ولا على الظن بل على الاطمينان . وغاية ما يمكن التخصيص في أدلّة حجيّة الخبر

احتمالات الأخبار

ص: 477

الواحد هو مورد المستحبّات بل مطلق غير الالزاميّات بلا فرق في هذه الجهة بين مشارب الحجيّة من كونها أمراً انتزاعيّاً أو تتميم الكشف أو بناء العقلاء أو غير ذلك

فتدبّر جيّداً .

بيان آخر: يحتمل في أخبار من بلغ كما ذكرنا انّها بصدد بيان استحباب العمل الذي بلغ الثواب عليه بأن يكون بلوغ الثواب من الاُمور والعناوين الثانويّة الموجبة لاستحباب العمل البالغ عليه الثواب .كما ان النذر من العناوين الثانويّة الموجبة لوجوب العمل المنذور .

وعلى هذا يكون لسانه لسان ما ورد في ترتب الثواب على كثير من الأعمال الذي يستفاد منه استحباب العمل من الدعوات والصلوات من قبيل من دعا بهذا الدعاء فكذا أو من سرّح لحيته فله كذا . حيث يستفيدون من الثواب عليه استحبابه ولا يضرّ تخلّف الثواب الموعود ولو كان دنيويّاً غير مرتبط باُمور الآخرة في بعض الموارد لتوجّه ذلك في عدّة من الاُمور التي قام الدليل المعتبر على ترتب الآثار عليها وقد تخلّف لامكان اشتراطها باُمور مقيّدة لاطلاق دليل الترتب بل الآية الشريفة ( ادعوني أستجب لكم ) لا مجال لتطرق احتمال النسيان أو الخطأ فيها ومع ذلك كثيراً لا يستجاب الدعوات .

وقد ورد في بعض الروايات انّه مشروط بالوفاء بالعهد مضافاً إلى ذلك لزوم دخله في النظام الأحسن أو تعلّق الارادة الالهيّة وكذلك الأمر في الثواب الاُخروي .

وكيف كان فعلى هذا الاحتمال يكون العمل مستحبّا موافقاً لمبنى المشهور في أمثال هذه الموارد كما انّه يحتمل انها بصدد اعتبار الخبر الضعيف في

ص: 478

المستحبّات والمسئلة عليه تكون اُصوليّة وان المخبر كلّ من كان يكون خبره في أبواب المستحبّات معتبراً مأخوذاً . ولا مجال أيضاً للاشكال في عدم اطلاق البلوغ للخبر الضعيف من جهة كونها واردة في بيان حكم آخر إذ لا يضرّ ذلك إذا كان بصدد بيان أمرين . فمن عدم تقييد البلوغ بكيفيّة ونوع خاص يستفاد الاطلاق وحينئذٍ ربما يشكل على الاحتمال الأخير بوقوع التعارض بينها وبين أدلّة اعتبار العدالة في الخبر كآية النبأ الملغية حجية خبر الفاسق . فأي مزيّة لهذه الأخبار كي تكون موجبة لتقدّمها على تلك الأدلّة فيؤخذ بمفادها وتحكم على أدلّة اعتبارالعدالة في الخبر بل يتعارضان ويتساقطان في مادّة الاجتماع وهو قيام الخبر الضعيف على المستحب . ويكون مجرّد الشكّ في حجيّة الخبر كافياً في عدم جواز ترتّب آثار الحجيّة عليه .

وقد يجاب عن الاشكال كما عن بعضهم بأن أخبار من بلغ محقّقة لموضوع تلك الأدلّة لكنه فيه اشكال كما انّه يتوجّه الاشكال على الوجهين(1) الذين افادهما في المقام المحقّق النائيني قدس سره أحدهما اختصاص آية النبأ بالواجبات والمحرّمات بقرينة الذيل فلا تشمل المستحبّات والثاني ان هذه الأخبار حاكمة على أدلّة اعتبار العدالة ومن قبيل الاستثناء لها وحينئذٍ فيجمع بين هذه وتلك باختصاص حجيّة الخبر الضعيف بغير الأحكام الالتزاميّة بل بالمستحبّات واعتبار العدالة في الحجيّة بالاخبار الواردة في الواجبات . إذ لو لم يعمل بأخبار من بلغ في المقام لا يبقى لها مورد فهي تكون كقاعدة التجاوز والفراغ في مورد الاستصحاب اللتين إذا لم يعمل بهما في ذلك المورد وعمل بالاستصحاب لا يبقى

اشكال الدلالة

ص: 479


1- . فوائد الاُصول 3/414 - 415 .

لهما مورد يعمل بهما فيه .

تتميم: ذكرنا احتمالات روايات المقام وانّه على بعضها يكون العمل البالغ عليه الثواب مستحباً وعنوان البلوغ من الاُمور المغيرة للواقع والمسئلة على هذا كما سلف فقهيّة وطريق استفادة الاستحباب هو ترتّب الثواب على العمل . الا انّه ربما يكون كذلك في الواجبات وبناءهم على جعل هذا البيان دليلاً على كون العمل مستحبّاً كما انّه إذا ورد التوعيد بالعذاب والعقاب على عمل يجعلونه مكروهاً ويرد عليهم في المقامين عدم الدليل والشاهد على هذا الحمل .نعم ربما يكون قرائن خاصّة في بعض الموارد شاهدة على جعل الاُمور المذكورة في رواية مستحبّة أو مكروهة لوحدة السياق وتسلّم استحباب أو كراهة بعضها لكنّه ليس بمطرد في جميع الموارد كي يبنى عليه القاعدة هذا .

وعلى بعضها تكون المسئلة اُصوليّة لو كانت هذه الأخبار بصدد جعل الحجيّة للأخبار الضعيفة في الاُمور المستحبّة وعليها . حيث يكون في مقام البيان يمكننا الأخذ باطلاق البلوغ واستفادة الحجيّة للخبر الضعيف الوارد في المستحبّاب وتقع المعارضة بينها وبين أدلّة حجيّة الخبر الواحد كالآيات .

ولو كانت المعارضة بالعموم من وجه فمرجع هذا التعارض إلى التباين ولابدّ من طرح المخالف للكتاب لكونه زخرفاً وباطلاً ولا مجال لملاحظة السند في الطرفين لكون الكتاب قطعي السند .

ولكن الشيخ قدس سره أجاب في المقام عن المعارضة بانحصار التعارض اما على فرض كون المسئلة اصوليّة بآية النبأ دون غيرها من الآيات والمعارض الثاني لها هو الاجماع .

ص: 480

أمّا آية النبأ فموردها بملاحظة التعليل الوارد في ذيلها لا تشمل الامور المستحبّة بل تختصّ بالواجبات والمحرّمات لامكان حصول الندامة بالاصابة جهالة كما ان الاجماع لا يشمل الأخبار الضعيفة لبناء المشهور على حجيّة الخبر الضعيف في المستحبّات هذا .

والمحقّق النائيني كما سبق لا يرتضى(1) جوابي الشيخ واعترض عليه بعدم انحصار الملاك في آية النبأ بل لنا أدلّة غير آية النبأ على حجيّة الخبر الواحدوتكون المعارضة بينهما بالعموم من وجه وذكر في الذب عن الاشكال وجهين تقدّم ذكرهما والانصاف ( كما استشكلنا ) عدم مجال لما ذبّ به عن الاشكال كما لا وجه لايراده على الشيخ بل الحق في المقام ما أفاده الشيخ قدس سره لانحصار المعارض لهذه الأخبار بآية النبأ لايجاب التبين والفحص شرطاً للعمل بخبر الفاسق فهي يمكن معارضتها لأخبار المقام بخلاف باقي الأدلّة العامّة للمحرّمات والمستحبّات وغيرها فانّها لا تنفي حجيّة الأخبار الضعاف بل إنّما تثبت حجيّة الأخبار الموثوق بصدورها وساكتة عن الضعاف فهي بالنسبة إليها لا اقتضاء .

وأخبار المقام تعطي للضعاف اقتضاء الحجيّة فلا معارضة كما ان الشك في الحجيّة كافٍ في عدم جواز ترتيب آثار الحجيّة على الخبر ولا مجال للاستدلال بغيره بل لورود يكون ارشاداً إلى حكم العقل المستقل .

ولكن من حيث صلاحيّة الخبر الضعيف للحجيّة في المقام وورود الدليل على حجيّته لا يبقى مجال للشكّ كما لا موضوع لحكم العقل .

ثمّ انّه على فرض استفادة الاستحباب فيكون حكماً واقعيّاً موضوعه البلوغ

على فرض استفادة الاستحباب

ص: 481


1- . فوائد الاُصول 3/414 .

ويكون من العناوين المغيّرة للواقع كما سبق ويجعل العمل البالغ عليه الثواب مستحباً واقعاً بخلاف الحجيّة فانّه إنّما تكون حجّة في ظرف الشكّ فتفيد على هذا استحباباً ظاهرياً .

ولكن يشكل بأنّه إذا انكشف الخلاف فهل ينكشف عدم الاستحباب من أوّل الأمر أو انه لا يبقى للاستحباب موضوع من حين انكشاف الخلاف وعلى الثاني فلا معنى لجعل الاستحباب ظاهرياً .

ثمّ ان الحق في أخبار المقام انها ارشاد إلى تفضل الثواب بالانقياد ولا مجال لاستفادة اعطاء الحجيّة لضعاف الأخبار ولا استحباب العمل الذي بلغ عليهالثواب فتدبّر جيداً .

فذلكة البحث: يمكن تصوير الاحتمال الأوّل وهو استفادة الاستحباب وكون المسئلة فقهيّة على وجهين فتارة لا بعنوان كون العمل معنوناً بالبلوغ بل الاستحباب ترتّب على ذات العمل الذي بلغ عليه الثواب واخرى على نحو دخالة البلوغ وكونه مغيّراً للواقع ومبدّلاً لملاكه وموجباً لحصول ملاك الاستحباب فيه وكون الثواب على العمل البالغ عليه الثواب لا على ذات العمل .

وبالجملة استفادة الاستحباب من هذه الأخبار مبتنية على كونها في مقام بيان ذلك كقوله ( من سرح لحيته فله كذا ) وكساير الأدلّة الواردة في الموارد المختلفة المستفاد منها حكم المورد من هذا اللسان لعدم انحصار لسان الوجوب أو الاستحباب أو غيرهما بالجملة الانشائيّة بل تارة يكون بالأمر على نحويه أو بالنهي كذلك واخرى يكون بالجملة الخبريّة المرتّبة للثواب والعقاب والنار والجنّة على ارتكاب العمل فان استفدنا من أخبار المقام ذلك فيمكن القول بالاستحباب

ص: 482

لكنه يشكل الأخذ باطلاقها لكون البلوغ بأيّ نحو من الخبر ولو كان ضعيفاً غير حجّة في نفسه قائماً على وجوب شيء فان اللازم حينئذٍ بمقتضى دلالة هذه الأخبار على هذا الوجه كونه مستحباً وتبدل وجوبه الواقعي لو كان في الواقع واجباً . بل وكذا لو كان له غير الوجوب من ساير الأحكام إلى الاستحباب واقعاً وهذا يشكل الالتزام به .

مع انه يحتمل سوقها لترتب الثواب على الانقياد نظير قوله تعالى: « من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها »(1) اذ لا دلالة لتضاعف الثواب عشر أمثال علىاثبات الحسنة بل لابدّ من احراز كونها حسنة في ذلك ولا يمكن اثبات الأمر وتحقيق الحسنة به .

وكذلك في المقام يحتمل ترتب الثواب على العمل الذي أتى بعنوان الرجاء وطمعاً في ادراك الثواب خصوصاً مع تقيد الترتب في بعضها بالرجاء والتماس الثواب .

هذا ولكنه يمكن الذب عن الاشكال بأنّه يكون المقام نظير ترتب الهلاك على ارتكاب الشبهة في أخبار الاحتياط حيث استفيد فيها بالملازمة تحقّق الحكم الواقعي والحرمة في البين وأمّا ترتّب الثواب على العمل بعنوان الرجاء فليس في جميع أخبار الباب بل فيها ما هو مطلق وليس المقام مقام حمل المطلق على المقيد لعدم حصول شرايطه بل نأخذ بالمطلق ويكون ترتب الثواب غير مشروط بالاتيان رجاءً .

وممّا يؤيّد ذلك ويبعد كون الثواب على الانقياد ترتب الثواب الموعود في

اشكال في الدلالة على الاستحباب

ص: 483


1- . سورة الأنعام الآية 161 .

الخبر البالغ فيه الثواب على العمل .

وفي مورد الانقياد ليس الأمر كذلك . اذ لا يتقدر ثوابه به . فحينئذٍ فالعمدة في الاشكال اما التوقف في دلالة هذه الجملة على الاستحباب باستبعاد كونه أي البلوغ مغيّراً للواقع ومحصّلاً لملاك الاستحباب أو على ظهورها في الاستحباب لاحتمال الانقياد أو شمول البلوغ للخير الضعيف . هذا .

نعم لا مجال للتوقف في ظهور الثواب في كونه اخروياً فيشكل اثبات

الاستحباب على فرض تسليم استظهار الاستحباب من هذه الأخبار فمورد البحث للامور التي وردت أخبارها باثبات الثواب الدنيوي من قضاء الحوائجورفع الكروب والتنفيس عن الآتي بالعمل ككثير من الصلوات والدعوات والزيارات .

ولكن في هذه الموارد استفيد الاستحباب من أدلّة اخرى .

وهذه لبيان خصوصيّات اخر فلا اشكال .

وكيف كان فاحتمال عدم ترتب الثواب كي يكون الاتيان للعمل رجاءً آتياً في ما قام الخبر الصحيح عليه أيضاً لكونه حكماً ظاهريّاً غير قطعي لاحتمال الكذب والخطأ خصوصاً على مبنى حجيّة الخبر الواحد بالظن النوعي ولو مع الظن بخلاف مضمون الخبر .

نعم لو كان المبنى هو كونه من باب الاطمئنان وايجاب الخبر للعلم العادي والركون إلى الخبر فلا مجال حينئذٍ للاشكال .

ثمّ انه على تقدير استفادة الاستحباب لا يمكن استظهار جواز النسبة والاسناد في نقل الأخبار الضعاف كأكثر قضايا الأئمّة والأنبياء علیهم السلام فلو استفدنا

ص: 484

من قوله: ( من بكى أو أبكى أو تباكى على الحسين علیه السلام وجبت له الجنّة )(1) الاستحباب للابكاء فلا يمكن استفادة جواز النسبة واسناد جميع ما ذكر في المقاتل من القضايا الواردة والمصائب إلى المسند إليه اذا كان اماماً وان كان ربما يتأيد جواز النسبة بما ورد في انّهم أي الظالمين لو أوصى النبي صلی الله علیه و آله بايذاء أهل بيته ما زادوا على ما فعلوا .

بل من ذلك ربما يشكل الاعتماد على أقوال علماء الرجال حيث انهم لم يدركوا أصحاب الأئمّة والرواة فالتوثيق والجرح غالباً يستند إلى ابن عقدةوالنجاشي الذين لم يدركا أرباب الروايات والأحاديث ولكن لا مجال لهذا الاشكال في ناحية علماء الرجال بل ابن عقدة وإن لم يكن صحيح الاعتقاد لكنّه أدرك أصحاب الأئمّة علیهم السلام وجميع ما عنده كان منهم علیهم السلام . بل ربما نسب إليه حفظ وضبط ثلثمائة ألف حديث .

وعلى كلّ حال فانّما يجوز في علم الرجال وغيره من موارد الحاجة كأداء الشهادة والجرح للشهود ذكر بعض المعايب وأمّا إذا لم يكن المقام مقام ذلك فيدخل في عناوين آخر كالغيبة إذا اجتمعت قيودها الأربعة اللازم اعتبارها في التحريم وغيرها .

تذنيب: قد ذكرنا توجّه الاشكال في الاعتماد على علم الرجال ولكن في كثير من الموارد يقع الاطمئنان وليس كلّه مستنداً إلى النقل بلا تدرب وضبط ووثوق بالمنقول كما انّه في قسم منه يمكن دعوى كونه فنّاً خاصّاً والركون إلى قولهم من باب الخبرويّة .

حصول الاطمينان من أقوال الرجاليين

ص: 485


1- . عوالم العلوم 17/532 عن اللهوف مع اختلاف في الألفاظ .

وهكذا الكلام في كثير من القضايا المنقولة في مصائب الأئمّة علیهم السلام خصوصاً سيّد الشهداء علیه السلام . فانّا نقطع بتحقّق كثير منه وحجيته وفي الباقي يكون الاعتماد على الرواة وأرباب المقاتل . حيث بنوا على ضبط القضايا الصحيحة ونقد الاسناد ونقل ما يصحّ عندهم .

هذا تمام الكلام في الشبهة الوجوبيّة التعيينيّة .

أمّا إذا شككنا في الوجوب التخييري فهل تجري البرائة أم لا ؟

فنقول: لا اشكال في ان قوام جريان البرائة باُمور ثلاثة كون المجرى مجهولاً وأمر وضعه ورفعه بيد الشارع ويكون في رفعه منة .

فاذا تمّت هذه القيود في مورد من الموارد تجري فيه البرائة وإلاّ فلا . فاذاعلم ذلك فليعلم ان الشك في الوجوب التخييري على نحوين فانّه تارة يكون مع العلم بوجوب الأمرين كليهما ولكنّه يشكّ في كونه على نحو التعيينيّة أم لا . واخرى يتحقّق مع الشك في وجوب الأمر الثاني والعلم بوجوب الأمر الأوّل . والمثال له كثير:

منها: مورد خصال الكفّارة من انّه على نحو التعيين ووجوب كفّارة الجمع أو انّه يكفي كلّ واحدة من الخصال تخييراً .

ومنها: ما إذا ضاق الوقت عن التعلّم لواجبات القرائة وكان هناك جماعة فهل يكون الجماعة واجبة عليه أو انّها باقية على استحبابها .

وقد ذكر صاحب العروة موارد لوجوب الجماعة منها إذا ضاق الوقت وكان هناك جماعة يدرك منها الركعة بلا لزوم الاشتغال بالقرائة الموجب لفوات الوقت وقوع بعض من صلاته خارجة . ومنها بعض موارد القتل . .

ص: 486

وليعلم ان التخيير على ثلاثة أقسام:

منها: في باب التعارض عند تكافؤ الخبرين . ومنها: في باب التزاحم . ومنها: في باب الأخذ بالفتويين المخالفتين ومحل البحث هو خصوص التخيير بين الواجبين والشكّ في التعيين والتخيير . ولا بأس بنقل الوجوه المتصوّرة في الواجب التخييري .

وليعلم ان محل البحث إنّما هو في الانشاء الواحد وانّه كيف ينشأ الوجوب التخييري بين أمرين أو اُمور وأمّا بالكلامين أو الانشائين وتعقيبهما بكلام يستفاد منه التخيير فليس من خصائص الاُصولي . فقد قيل كما في الكفاية بأنّه نحو من الوجوب وسنخ منه يباين الوجوب التعييني كما انه يباين الكفائي والعيني والنفسي والغيري واختلاف آثارها يكشف عن اختلافها في أنفسها .وأمّا حقيقة الوجوب التخييري فليست بمعلومة عندنا وكلامه في التخيير بين العتق والصيام والاطعام ناظر إلى جامع في البين يكون هو الواجب ويترتّب عليه الأثر ويكون الغرض حاصلاً به . وكلّ من الخصال فرد منه . وتصوير هذا النوع من الجامع وامكانه قد سبق وتكرّر منّا الكلام عليه في موارد عديدة من انه ليس باب الشرعيّات من قبيل الامور التكوينيّة من التأثير وان كان لا الاشكال حينئذٍ في تصويره وفرقه من التخيير العقلي لأنّه لنا أن نقول الواجب المخيّر الشرعي على هذا يكون بيانه من الشارع وليس تشخيص افراده بيد المكلّف بخلاف التخيير العقلي ومن المباني في تصوير الواجب التخييري كونه في كلّ واحد من العدلين مشروطاً بعدم اتيانه بالاخر ومرجعه إلى واجبين تعيينين مشروطين . وليس من الواجب التخييري في شيء .

اشكال الجامع بين خصال الكفّارة

ص: 487

وكيف كان فاذا شككنا في وجوب شيء تعييناً أو تخييراً بعد العلم بأصل الوجوب فما هو الممكن جريان البرائة فيه للشكّ فيه يكون قيده الثالث مختلاًّ . أي تحقّق المنّة في رفعه وهو وجوب العدل اذ وجوب العدل بعد العلم بوجوب الأمر الأوّل وإن كان حسب الفرض مشكوكاً وأمر وضعه ورفعه بيد الشارع ويكون مجهولاً لكنه لا يوجب جعل العدل لواجب ضيقاً على المكلّف بل فيه السعة فلا تجري البرائة لكونه خلاف المنّة . نعم المنّة في رفع الوجوب التعييني . لكنه ليس وجوبه مشكوكاً فيه كي تجري فيه البرائة وإنّما المشكوك خصوصيّة التعيينيّة وهي ليست أمراً مجعولاً وإن كان في رفعها المنّة ومجهولة .

توضيح وتكميل: سبق ان جريان البرائة في محلّ البحث كساير المقامات تتوقف على أركان ثلاثة كون الأمر الذي يراد جريان البرائة فيه مجهولاً وأمر وضعه ورفعه بيد الشارع ويكون في رفعه المنّة وتوسعة على العباد فاذااختلّ أحد هذه الأركان فلا مورد لجريان البرائة بلا اشكال .

وأشرنا إلى ان التخيير على أقسام ثلاثة قسم منها محل البحث والباقي لا بحث لنا عنه في المقام والأقسام كما سبق الواجب التخييري الشرعي الابتدائي وسبق فيه الكلام .

والثاني التخيير في الواجبين المتزاحمين اذا تساويا في الملاك ولم يكن لأحدهما أهميّة ولا موجب للترجيح غيرها .

والثالث في مورد الأخبار العلاجيّة في باب الخبرين المتعارضين المتكافئين في جهات الرجحان على ما استقرّت عليه الآراء من الطريقيّة دون السببيّة لأنّه عليه يكون المتعارضين كالمتزاحمين لا يمكن الجمع بينهما في

ص: 488

الامتثال ولا يكون قسماً برأسه . ومن هذا الباب التخيير في الفتويين المتخالفتين .

ثمّ الشك في الوجوب التخييري على أنحاء منها الشك في أصل الوجوب حيث لا علم للمكلف بجعله أصلاً ويحتمل جعله كما يحتمل عدم جعله .

نعم على تقدير جعله يعلم قطعاً انه على نحو التخيير وهذا القسم لا اشكال في جريان البرائة فيه لتماميّة أركانها وحصول السعة على المكلّف برفعه والبرائة عنه .

نعم ربما توهم عبارة الشيخ من قوله بجريان البرائة فيما إذا كان واجباً تعيينياً مجعولاً للشارع اصالة أو عرضياً منعه جريانها فيه الا انه بعده بقليل تفيد عبارته الجريان فيه فلا وجه للاشكال على الشيخ قدس سره . وقسم من الشك في التعيين والتخيير ما إذا علمنا بجعل الوجوب وكان الشكّ في التعيين والتخيير وهذا تارة مع العلم بجعل وجوبين على أمرين يشكّ في كونه تعيينياً في كلّ منهما أو تخييريّاً يسقط كلّ منهما بفعل الآخر واخرى مع العلم بوجوب واحد يشك في جعل شيءآخر عدلاً له يكون اتيانه موجباً لسقوطه وحصول الواجب في الخارج وثالثة يشك مع العلم بوجوب أمر في كون شيء مسقط للواجب أو مانع عن استيفاء ملاكه مباحاً أو مستحباً أو انه عدل للواجب وهذه الفروض إنّما هي احتمالات عقليّة لا مثال لها في الفقهيات الا على نحو الفرض .

نعم قد مثّلوا للأخير بالسفر المباح المسقط لصوم شهر رمضان . لكنه خارج عن الفرض حيث انه لا موضوع لوجوب الصوم حينئذٍ كما انه مسقط لوجوبه وكذلك الحيض وغيره من الموانع الا انه وقع الكلام في كون الجماعة عدلاً للواجب أو انها مستحب مسقط له . اذ القرائة واجبة على المكلّف فاذا اختار

الشك في التعيين والتخيير

ص: 489

الجماعة يكون الأمر المستحب مسقطاً عن القرائة الواجبة عليه . كما انه وقع الكلام في كون الجماعة واجبة على من وظيفته الاكتفاء بمقدار ما يعلم من سورة الحمد أو التكبير والتهليل بدلها تخييراً أو انها باقية على استحبابها بالنسبة إليه .

وتفصيل الكلام في أحكام هذه الأقسام في صورة الشك انه اذا كان الشك بعد العلم بوجوب كلّ منهما في الجملة في كونه على نحو التعيين أو التخيير ولا اشكال في ان فرض الشك إنّما هو فيما إذا لم نستفد الاطلاق من كلام المولى الموجب لرفع الشك بل اعطى مثلاً ثلاث جمل ( خصال ) في مجلس واحد للافطار في شهر رمضان وصار منشأ للشكّ في انها على نحو التعيين أو التخيير بل كان الكلام بنحو لا اطلاق فيه فحينئذٍ لا مجال لجريان البرائة لاختلال بعض أركانها اذ لو اريد جريانها في التعيينيّة فلابدّ وان تكون هي مجعولة شرعاً كي تجري ولا اشكال في انها ليست الا عبارة عن عدم جعل العدل اذ ليست من حالات التكليف وكيفيّاته وخصوصيّاته لعدم كونها حالاً ولا تميزاً ولا وصفاً له بل ولا قيداً كما انه كذلك امثالها في العينية والنفسية اذ هي ليست الا منتزعة عن عدمجعل العدل أو ضم شيء آخر معه في الوجوب أو عدم جعله على الغير أو على عدم تقيده في الوجوب بالغير بل إنّما مقابلاتها قيود ولا تجري البرائة في بعضها لعدم الامتنان في رفعه . فحينئذ لا مجال لجريان البرائة في محلّ الكلام لعدم تماميّة أركانها كما لا تجري في الشكّ في النفسيّة والغيريّة في نفسيته ولا في عينيته بأن يكون كفائياً للعلم بتوجه التكليف إليه . ولو كان واجباً على غيره بنحو الكفائي فيسقط عنه بفعل الغير . فالشك يرجع إلى مقام الاسقاط ولابدّ من العلم بفراغ الذمّة فيه . وإذا لم تجر البرائة في القسم من الأوّل من التخيير فاولى بعدم

ص: 490

جريانها في القسم الثاني وهو المتزاحمان . كما انه أولى بعدمه في القسم الثالث .

فذلكة: سبق ان محلّ الكلام في الشك في التعيينية والتخييرية هو القسم الأوّل الذي هو التخيير الابتدائي وعلى المبنى الأوّل في تفسير الوجوب التخييري من كونه سنخاً مبايناً للتعييني لا مجال لجريان البرائة كما انّه على المبنى

الذي رجع إلى الواجبين المشروطين لا مورد للتخيير غاية الأمر كما ان الوجوب قد اشترط في بعض الموارد بشرط له قد اشترط في المقام وجوب كلّ واحد بعدم الاتيان بالآخر فالترتب بينهما من الطرفين لأن الخطاب أي خطاب فرض لا يمكن اطلاقه لحال امتثاله وعصيان متعلقه فكما انّه يشترط وجوب الصلاة بترك أداء الدين ولا يكون من طلب الجمع بل من الجمع في الطلب كذلك في المقام قد اشترط وجوب كلّ بعدم الآخر وتحقّق الصارف عنه ويتأخّر الخطاب في الواجب عن خطاب الآخر برتبتين . ولازم هذا عدم وجوب كلّ واحد منهما اذا أتى بهما معاً بل الواجب إنّما يتحقّق بواحد اذا تقدّم على وجود الآخر لتحقّق شرطه من عدم وجود الآخر عند اتيانه كما ان اللازم من ذلك وجوب كليهما عند ترك كلّ واحد منهما .كيف كان فعليه يمكن جريان البرائة في كلّ منهما عند وجوب الآخر(1) حيث ان وجوب كلّ عند اتيان الآخر مشكوك فيمكن جريان البرائة فيه للشك في حدوث التكليف على تقدير اتيان كلّ للآخر لان الوجوب في حال عدم الآخر مسلم له بخلاف حال اتيانه لأنّه مشكوك ولا يجري هذا التقريب في الوجه الأوّل . لأنّه ليس في البين إلاّ بجعل العدل وقد عرفت عدم كونه مجراها .

وإن شئت توضيح المرام أزيد من ذلك فاعلم انّه بناءً على كون الأحكام

لا اشكال في كيفيّة ايجاب الواجب التخييري

ص: 491


1- . الظاهر وجود .

جعليّة لا مجعولة قهراً يقع الاشكال في كيفيّة ايجاب الواجب التخييري وانشائه فان الانشاء لا يقبل التدريجيّة بأن ينشأ أحدها ثمّ الآخر على نحو التخييريّة وانشاء كلّ واحد يفيد الوجوب التعييني لأن انشاء النسبة بين كلّ فعل والمخاطب مفاده ذلك وإن لم يتعدّد الانشاء بل كان الانشاء واحداً وإنّما يفيد التخيير بأو ونحوه من الألفاظ الدالّة على ذلك وبسط النسبة فهذا معناه جعل العدل ولا مجال لجريان البرائة فيه على ما قلنا ولو انّه هو القابل بجريانها فيه مع قطع النظر عن لزوم الضيق على المكلّف من قبل جريان البرائة فيه . لأنّه هو الذي يحتاج إلى مؤونة زائدة ثبوتاً واثباتاً .

نعم لو لم يكن الأحكام مجعولة بل إنّما يكون انشائها قهريّاً لا اختياريّاً وإنّما هو اظهار الشوق وابراز الارادة المستتبع بروزها بمباديها فربما لا نحتاج إلى تحقيق الحال أمّا على مذهب المحقّق الخراساني من كون الواجب هو أمراً واحداً في البين وهو الجامع بين العتق والاطعام مثلاً فلا اشكال في الواجب التخييري . لكن العلم به إنّما يتحقّق بوحدة الأثر المترتّب على الأمرينالمتخالفين . إذ المتبائنان بما هما كذلك لا يمكن يصدر منها أمر واحد فلابدّ وأن يكون الأثر الواحد مترتباً على مؤثر فارد وأمر واحد يكون هو السبب والمؤثّر بحيث لا ينطبق إلاّ على الصوم والاطعام والعتق مثلاً وإن لم نعرفه ولم نشخصه بعينه وحينئذٍ فيكون كلّ واحد من هذه الامور فرداً له ويكون مرجع هذا التخيير إلى التخيير العقلي وإنّما نسمّيه بالشرعي لأن تشخيص الافراد وانطباق الجامع عليها إنّما يكون المرجع فيه الشارع . هذا .

واعلم انّه بناءً على ما ذكرنا من الاشتراط في الواجب التخييري وجريان

ص: 492

البرائة فيه على هذا التقدير إنّما هو إذا كان الواجبان حدوثاً مشروطين بعدم الآخر أمّا إذا كانا في عالم البقاء كذلك فلا مجال للبرائة بل يكون المرجع المجرى فيه الاشتغال للشكّ في المسقط . ولا مجال للبرائة فيه . فتدبّر جيّداً .

( أقول: لا اشكال في جريان البرائة في التعيينيّة والتخييريّة على كلا المذهبين في الواجب التخييري . أمّا على مبنى الاشتراط فواضح كما انّه على مبنى انّه سنخ آخر مقابل الوجوب التعييني يكون نتيجة الجعل هوالواجب التخييري في حال عدم الفرد الآخر ولا اطلاق لوجوبه في حال وجود الآخر فحينئذٍ مرجع الشكّ في التعيين والتخيير إلى العلم بوجوب كلّ واحد في حال عدم الآخر والشكّ حال وجوده فيكون الشكّ من الأقل والأكثر ولا مجال لمنع جريان البرائة فيه فتأمّل .

تنبيه: اعلم انّه وإن قال(1) بعضهم بعدم كون الأحكام انشائيّة بل ليست الألفاظ إلاّ كاشفة عن ما في الضمير من الحبّ والارادة والكراهة وغيرها منالصفات وان الارادة هي الشوق المؤكّد لكن المشهور ذهبوا إلى كونها انشائيّة على خلافهم في المنشأ في باب الأوامر فبعضهم جعله الطلب وانّه المنشأ وما هو المتّحد من الطلب مع الارادة هو الطلب النفساني مع الارادة النفسانيّة بخلاف الانشائيّة فانّه لا يتّحد معها وبعضهم كالمحقّق النائيني قدس سره جعل المنشأ هو النسبة وإن ليس في المقام سوى انشاء النسبة والنسبة من المعاني الحرفيّة التي لا تحصل لها في عالم المفهوم وإنّما تتحقّق في عالم الانشاء وموطنها ذلك المقام والمنشئ إنّما ينشئ المصداق التي هي ليست إلاّ ما لا يمكن تصوّرها إلاّ بالمعاني الاسميّة .

قول بعضهم بكون الأحكام كاشفة

ص: 493


1- . نهاية الأفكار 1/169 .

وليس الطلب هو المنشأ لكونه معنى اسمياً .

وكيف كان ففي تصوير الوجوب التخييري مذهبان حسب ما قدّمنا شرحه

آنفاً . فقد يقال بأنّ التخييري سنخ مغاير للتعييني وهما مختلفان في الآثار وقد يقال بكون الفرق بينهما بجعل العدل وعدمه وهما يرجعان إلى معنى واحد . في قبال المذهب الآخر الذي يرجع إلى ان الواجب التخييري هو الواجب المشروط بعدم الآخر فالواجبان التخييريان مألهما إلى واجبين مشروط وجوب كلّ بعدم الآخر . وقد سبق ان لازم هذا الأخير وجوب كلّ منهما عند ترك كلّ وترتّب عقابين على تركهما . وهذا لا يكون وجوباً تخييريّاً بل وجوب تعييني مشروط بشيء مغاير لساير شرايط الواجبات المشروطة بموضوعاتها . وكما ان الحج مشروط بالاستطاعة بل كلّ حكم مشروط بوجود موضوعه كذلك الوجوب المشروط المتصور به الوجوب التخييري . ولا اشكال في انه على هذا المبنى اذا وصلت النوبة إلى الشك ولم يكن أصل لفظي موجب لاطلاق كلّ من الواجبين يجري البرائة عن المشكوك للشكّ في تحقّق شرط الوجوب . إذ حال اتيان كلّ منهما يشكّ في تحقّق وجوب الآخر وعدمه . اذ لو كان واجباً مشروطاً فلا يجبوإلاّ فيكون واجباً فتجري البرائة لتماميّة أركانها بلا اشكال . كما انّه على المذهب المختار وهو كون الفرق بينهما بجعل العدل وعدمه . امّا بأن ينشأ واجبين وبكلام آخر يدلّ على كونهما من الوجوب التخييري وانّه لا يريد اتيان الآخر عند الاتيان بواحد منهما أو انّه ينشأ في كلام واحد ويبين العدليّة باو كما انّه في مقام الجمع يدلّ على وجوب الجمع بالواو لا مجال لجريان البرائة لعدم الامتنان في رفع وجوب العدل . وعدم جريانها في التعيينيّة لعدم كونها مجعولاً شرعيّاً فحينئذٍ لا

ص: 494

مجال لجريانها . فلابدّ من الاتيان عند الشك للاستصحاب وأصل الاشتغال والشكّ في الامتثال . للعلم بالوجوب والشكّ في ان اتيان الآخر هل مسقط عنه أم لا . اذ لا اشكال في وجوب كلّ عند عدم الآخر سواء كان على نحو التعيينيّة أو التخييريّة وإنّما ظهور الثمرة في صورة الاتيان بواحد وعدم الآخر فعلى التخييريّة لا يجب وعلى التعيينيّة يجب فحيث يكون الشكّ في الاسقاط فلابدّ من الاشتغال كما انّه على المذهب الأوّل وهو الوجوب المشروط لو فرض الاشتراط في عالم البقاء والاستمرار والامتثال بعدم الآخر . فعند الشكّ لا مجال للبرائة أيضاً . للشكّ في الاسقاط والامتثال .

( لا يخفى ما في ذلك على ما تقدّم الاشكال منافيه اذ الشك من أوّل الأمر في الوجوب ولا يصل إلى هذا الحدّ ) .

فذلكة: قد تقدّم انّ الوظيفة في صورة الشك في كون أمرين واجبين تعينيين أو تخييريين مع العلم بوجوب كلّ واحد منهما . الاشتغال للشكّ في الامتثال للعلم بوجوب كلّّ والشكّ في ان الآخر هل هو مسقط أو واجب بملاك آخر حيث انّه في صورة اتّحاد الملاك بينهما يعلم بكونهما واجبين تخييراً .

فيحتمل تعدّد الملاك . كما يحتمل وحدته . إذ لابدّ في الوجوب التخييريمن وحدة الملاك والجامع الملاكي .

وقد سبق بعض الكلام في تصوير الجامع الأصيل وغيره في بحث الصحيح والأعم .

وما ذكرنا من الاشتغال هو الذي بنى عليه المحقّق النائيني . هذا إذا كان الأمر ان معلومي الوجوب .

موارد الشك بين الوجوب التعييني والتخييري

ص: 495

أمّا إذا علمنا بوجوب شيء وان الشيء الآخر مسقط له وتردّد بين كونه واجباً تخييريّاً له أو انه مفوّت لملاكه أو مانع من استيفائه فهل تجري البرائة أم لا ؟ ومثّلوا له بصلاة الجماعة بالنسبة إلى الصلاة فرادى وتترتّب على ذلك الثمرة .

واعلم ان في الجماعة احتمالات ثلاث فتارة تكون فرداً للصلاة الواجبة تخييريّاً والمكلّف بالخيار بين اختيار هذه أو تلك .

غاية الأمر تكون أفضل فردى الواجب التخييري . كما انّه يحتمل أن تكون مستحبّة في حدّ نفسها واجدة لملاك الفرادى وأزيد بحيث اذا استوفى ملاكها تكون مانعاً أو مفوّتاً لملاك الفرادى ( يدلّ على ذلك مشروعيّة الجماعة بعد الفرادى بخلاف العكس . فانّه إذا أتى بصلاة الجماعة فلا يشرع الفرادى بعدها .

وزاد المحقّق النائيني الاحتمال الثالث . بأن يكون قرائة الامام في الجماعة منزّلة منزلة قرائة المأموم لا فرداً للواجب التخييري ولا مفوّتاً لملاك الفرادى . ومستوفية لملاكه أزيد . فالمأموم مختار بين أن يختار القرائة بنفسه . أو بلسانه ونائبه وهو الامام المقتدى ويترتّب الثمرة على هذه الوجوه . فانّه لو كانت الجماعة فرداً تخييرياً للفرادى . فالمكلّف بالخيار بينها وبين الفرادى . ولو فرض عجزه عن الفاتحة لا يجب عليه الجماعة بل يأتي ببدل الفاتحة . كما انّه على الوجه الثاني لا يجب عليه أيضاً اختيار الجماعة بل مستحبّة غاية الأمر مسقطة أومفوتة أو مانعة لملاك الفرادى . وعلى الثالث فاللازم على المأموم القدوة إذا عجز عن القرائة بنفسه لقدرته على اتيانها بنائبه أو بلسانه وهو الامام فيجب لكن لم يختر المحقّق النائيني هذا الوجه الأخير وذلك لأنّه إنّما يكون قرائة الامام نازلة منزلة قرائة المأموم اذا اختار الجماعة . ولا تكون الجماعة واجبة . بل هي باقية على استحبابها . وفي ظرف اختيارها تكون موجبة سقوط القرائة عن المأموم .

ص: 496

كما يدلّ عليه ما ورد في الأخبار من ضمان الامام لقرائة المأموم . فعلى هذا فتخرج عن كونها مثالاً لما نحن فيه .

وكيف كان فاذا فرض الدوران بين كون أمر واجباً تخييريّاً أو مباحاً أو مستحبّاً مسقطاً للوجوب . فعند تعذّر الواجب لا يجب هذا المشكوك لجريان البرائة لتماميّة أركانها حيث ان وجوب المشكوك موجب للضيق وأمر وضعه ورفعه بيد الشارع ووجوبه مجهول فتجري البرائة فلا يجب اتيانه عند تعذّر ذاك الواجب كما ان عند القدرة على الواجب لا يجوز اتيان المشكوك الوجوب لاحتمال كونه مفوّتاً لملاك الواجب لمنعه عن استيفائه .

قد عرفت ان التخيير على ثلاثة أقسام: أحدها ما تقدّم الكلام فيه من التخيير الابتدائي الجعلي.

الثاني والثالث: التخيير في باب التزاحم والتخيير في الفتويين أو الخبرين المتعارضين .

أمّا الأوّل فانّه لا اشكال في صورة تزاحم الواجبين أو مطلق التكليفين في قدرة المكلّف بعد الفراغ عن مقام الجعل بأن جعل المولى كلاًّ منهما ولم يكن هناك مانع واتّفق التزاحم في قدرة المكلّف في عالم الامتثال فاذا كان لأحدهما أهميّة في الدين بحيث يكون مزيته موجبة للترجيح وجوبا فاللازم صرف القدرة فيالأهم كما انه اذا لم يكن هناك مزيّة فالمكلّف بالخيار في اختيار أيّهما شاء ولا يكون هناك مجال التوقف في العمل خارجا اذ لا يجب كون المرجح ذاتيّا بل يكفي المرجح العارضي وحينئذٍ فقرب المختار من أيّهما يمكن أن يكون موجبا لاختياره فلا يعبأ بالاشكال بالرغيفين أو الطريقين للجائع والهارب من الأسد أو لزوم وقوف الاسطوانة الكبيرة اذا جعلت ووضعت على رأس ابرة على التساوي

التخيير على أقسام ثلاثة

ص: 497

من جوانبها فانها فروض ( بحته ) لا خارجيّة لها .

نعم لو فرض عدم وجود المرجح فاللازم ترتب اللوازم .

هذا اذا احرز الأهم فيجب تقديمه كما اذا احرز التساوي فهو بالخيار اما اذا شكّ في الأهميّة ويكون أحدهما بالخصوص محتمل الأهميّة فالعقل يرى تعينه للاختيار لدوران الأمر بين التخيير والتعيين ويكون اتيانه على كلّ حال متيقنا ويشكّ في الآخر انه عدل له أو لا .

بالجملة فحكم العقل بسقوط التكليف يتوقف على المقدار الذي لا قدرة له عليه وحيث ان له القدرة على أحدهما فلا موجب لسقوط التكليف بالكلية بل يبقى بالأهم اذا كان والا فيكون أحدهما لا بعينه واجبا والمكلّف بالخيار لأن الضرورة تتقدّر بقدرها ولا مجال لجريان البرائة عن التعيينية في المقام لكونه في مقام الامتثال ولو فرض امكان جريان البرائة في التعيينيّة في غير المقام وفرضنا انها صفة وجوديّة في رفعها المنة وجعلها ووضعها ورفعها بيد الشارع فان المقام مقام الامتثال .

هذا بناء على كون المقام مقام التزاحم ولكن لو قلنا بتعارض الخطابين

للتزاحم وانهما كالتزاحم في مقام الجعل وعدم اختصاصه بما اذا كان هناك تزاحم في المقتضى والتكاذب في مقام الاثبات بل يعم ما اذا كان التزاحم في القدرةفحيث لا مجال لملاحظة الكسر والانكسار وغلبة أحد الملاكين كما في ما يكون التزاحم في عالم المقتضى وإلاّ يكن غالب فيكون الحكم هناك حكما ثالثا لا يجعل على طبق أحد المقتضيين كما انه لا مجال للترجيح السندي لوقوع ذلك في مقطوع السند أيضا كالآيتين أو أمر واحد كما في انقاذ الغريقين فانه ليس خطابا متعلّقا بصرف الوجود بل يجب حفظ النفس المحترمة من كلّ أحد فلا يختصّ

ص: 498

الحكم بواحد دون واحد فينحل الحكم إلى أحكام عديدة حسب تعدّد أفراد الموضوع الخارجي فلا مجال لملاحظة الترجيحات السنديّة بل اللازم ملاحظة الأهم فان كان فيختص الأمر به ويسقط عن الآخر بالمرّة كما انه اذا لم يكن أهم يتساقطان فلا أمر بأحدهما لعدم القدرة على كلّ منهما وتعيين واحد منهما بالخصوص ترجيح بلا مرحج فيسقط الخطابان وذلك لاشترط القدرة في حسن الخطاب لا الملاك كما ان العلم شرط التنجيز ولكن لمكان وجود الملاك في كلّ واحد منهما يحكم العقل تخييرا بلزوم انقاذ أحدهما أي خطابا تخييريّا بانقاذ كلّ منهما ويكون الحال كالخطاب التخييري الابتدائي من صور الشكّ على هذا المبنى والمبنى السابق وانه لا مجال لجريان البرائة عن التعيينية كما انه اذا شكّ في الأهميّة وعدمها فيكون اتيان محتمل الأهميّة مسلما اما لتعين الخطاب واختصاصه به أو لكونه عدل التخيير بخلاف الآخر فاللازم اختياره دون الآخر عقلاً .

أمّا التخيير في الفتويين فحيث يكون البناء على الطريقيّة فاذا تخالفتا فان كان هناك أعلم فيكون الأخذ بفتواه لازما للترجيح كما انه اذا تساويا أو تساووا وكان الحكم واحداً فلا يلزم اسناد العمل إلى واحد بل يكون الحال كما في ورود روايات متعددة مدركا لحكم واحد فيكون كلّ واحد مدركا أو يكون الجامع هوالمدرك .

نعم في صورة الاختلاف والتساوي فعلى الطريقيّة لازمه السقوط ولا مجال للمرجّحات الروائيّة في البين لاختصاصها بالأخبار دون الفتاوى الا ان دليل اعتبار الفتوى وحجيّتها جعل الحجّة صرف الوجود من المجتهدين

ص: 499

المختلفين في الفتوى فايّهم اختار يكون قوله حجّة في حقّه ويلزم العمل بقوله كما في وجوب الوضوء بالماء والتيمّم بالتراب فانّه لا يلزم استيعاب جميع أفراد المياه والتراب بل اللازم هو صرف الوجود فتدبّر جيدا .

ففي القسم الثالث من التخيير وهو التخيير في الأخذ باحدى الفتويين والتخيير بين الخبرين المتعارضين ولا اشكال في انه عند تعارض الخبرين لا يشمل دليل الحجيّة واحدا منهما لأنّه بناءً على الطريقيّة في باب الامارات على مااستقرت عليه الآراء كما انه كذلك الأمر في باب الفتوى يتساقطان فلا مجال للأخذ بهما كما انه كذلك الأمر في مطلق أبواب التعارض سواء كان بين القاعدتين أو الاستصحابين فان معناه عدم شمول دليل الحجيّة لهما .

ثمّ انّ بمقتضى الأخبار العلاجيّة لو كان لأحدهما مزيّة ليست في الآخر يتعين الأخذ بذي المزيّة ولا حجيّة للآخر واذا احتمل أن يكون في أحدهما دون الآخر فيتعين للحجيّة دون الآخر للشكّ في حجيّته والقطع بحجيّة الآخر اما لكونه حجّة تعيينا أو للتخيير بينه وبين الآخر حسب أخبار التخيير الواردة في السعة في الأخذ بأيّهما ومع الشكّ في حجيّة أحدهما المعين لا نحتاج إلى استصحاب عدم الحجيّة بل يكفي الشكّ في الحجيّة وعدمها وهكذا الأمر في الفتويين اذا تخالفتا فانه اذا احتمل تعين الأخذ بأحداهما يكون هي المتعينة والشكّ في الاخرى كافيا في عدم حجيّتها .هذا على ما أفاده المحقّق النائيني ولكن الحق انه ليس باب الفتوى وباب الخبرين المتعارضين من باب واحد بل الأمر فيهما مختلف فان في باب الأخبار المتعارضة لابدّ من الرجوع إلى المرجّحات على أنحائها والمرجح لابدّ أن يكون

ص: 500

حجّة عقلاً أو شرعا وحيث انه لا طريق إلى العقل في ذلك فينحصر كونه شرعيّا ومع وجود أحد المرجّحات في أحد المتعارضين وخلوّ الآخر عنه يتعين كونه حجّة دون الآخر كما انه لو تعدينا من العلّة المذكورة لترجيح المشهور بأنّه لا ريب فيه إلى كلّ ما لا ريب فيه بالاضافة إلى غيره فيكون المناط في الترجيح الأقربيّة إلى الواقع ولا مجال بعد ذلك للشكّ في التعيين والتخيير اللهمّ إلاّ في الشبهة المصداقيّة وحينئذٍ لابدّ بمقتضى القاعدة الأخذ بما يتيقن حجيته اما لكونه على التعيين أو للتخيير بينه وبين غيره ولا يجوز الأخذ بالآخر للشكّ هذا .

وأمّا في الفتويين فتارة ينظر فيهما من باب الأخبار وسيأتي الكلام فيه وأخرى يكون النظر فيهما من جهة حكم العقل . ولا اشكال انه على الأخبار أو على حكم العقل أيّ شيء فرض دليل التقليد لا مانع من العمل عند اتفاق الفتاوى سواء كان هناك ذو مزيّة أم لا في جهة من الجهات لعدم لزوم الاستناد إلى الفتوى في العمل بل يكفي مجرّد المطابقة ويكون بذلك معذورا ولو فرض استناده إلى غير من يجوز أو يجب تقليده فانه بموافقته في الفتوى لمن يجوز تقليده كانه قلّد ذاك وأمّا في صورة الاختلاف في الفتاوى . فتارة يكون هناك ذو مزيّة عند العقل من الأعلم أو الأورع على فرض التساوي في العلم بخلاف ساير المزايا فانها بعد اجتماع ملكتي العدالة والاجتهاد لا اعتبار بها .

نعم لو فرض أحدهما مجتهدا مطلقا والآخر متجزى فلا اشكال في كون العبرة بالمطلق وان كان المتجزي رأيه حجة في حقّ نفسه .وكيف كان فعند الاختلاف في المزايا يكون العقل حاكما بلزوم الأخذ بقول ذي المزية ويشكّ في الآخر فيكون مجال القاعدة المشار إليها من كون الوظيفة

العبرة بالمجتهد المطلق لا المتجزي

ص: 501

هو الأخذ بالمتيقن على كلّ تقدير . كما انه اذا كان أحدهما أعلم في بعض الأبواب والآخر في آخر فاللازم التلفيق في التقليد . اما اذا فرض تساويهما في المزايا اما بالفحص أو بالاختبار فبناءً على كون التقليد طريقا لا موضوعيّة فيه كما هو الحق المحقّق فيتساقطان لعدم امكان حجيّة كليهما مع تخالفهما في المؤدّي فلا حكم للعقل حينئذٍ بالأخذ بأيّ منهما شاء بل لا حجيّة عنده لأحد منهما سواء كان التقليد من باب الرجوع إلى أهل الخبرة أو غيره لكونه على خلاف القاعدة على كلّ تقدير ولم يستقر بناء العقلاء على الأخذ بقول أهل الخبرة في صورة الاختلاف مع تساويهم في الخبروية وما يعتبر فيها . فهل حينئذٍ يحتاط بالجمع بين القولين اذا أمكن أو الأحوط منهما أم لابدّ من الرجوع إلى حكم العقل كما هو المقرّر في باب الانسداد للعلم الاجمالي بالأحكام ولا طريق لنا إلى الخروج عنها فاللازم هو الاحتياط التام اذا لم يخلّ بالنظام والتبعيض فيه في صورة الاختلال كما هو كذلك . وهو النتيجة عند انسداد باب العلم اذ لا دليل على حجيّة مطلق الظن فيكون الوظيفة حاله هو التبعيض في الاحتياط حسب ما قرّرناه في مباحث الانسداد . ولا يجدي في ذلك شبهة بعض في جواز الاحتياط ولو كانت على خلاف التحقيق كما ان لبعضهم الشبهة في التقليد والاجتهاد وخصوصا الظنون الاجتهاديّة وذلك لأن العامي اذا آل أمره إلى ما ذكرنا مع كون الفرض كون الدليل في باب التقليد حكم العقل لا اعتناء له بهذه الشبهات ولا التفات وان فرض التفاته فالمتبع هو حكم عقله .

فذلكة البحث: قد عرفت ممّا تقدّم ان محتمل الرجحان والترجيح فيباب تعارض الخبرين لا يكون متيقن الحجيّة . بل المدار على المرجّحات

المدار في الفتويين على المرجحات المنصوصة

ص: 502

المنصوصة وبعدها فلا مجال لاحتمال الترجيح . فان تحقّقت في مورد أوجبت رجحانه وتيقن وتعين العمل بها ويطرح الآخر والا فمجرّد الاحتمال لا يجدي بل الحكم هو التخيير ( ان قدمنا أخباره ولم نقل بالتوقف ) نعم لو احتمل في بعض الموارد الترجيح لأحد الخبرين المتعارضين على نحو الشبهة في المصداق وتحقق بعض المرجحات في أحدهما دون الآخر فهنا نلتزم بتعين الأخذ بالمحتمل وترجيحه على الآخر لليقين بحجيّته على كلّ . تقدير اذ الحال لا يخلو من أمرين . إمّا أن يكون فيه الترجيح ويكون متعين العمل واما لا ترجيح فيه فيتخير بينه وبين الآخر .

وكيف كان فنتيقن حجيته بخلاف الآخر هذا .

وأمّا في باب الفتويين المتعارضتين فتارة يكون الملاك في باب التقليد هو حكم العقل واخرى الأخبار . فان كان الأوّل فلا اشكال في انه اذا كان لأحد المجتهدين رجحان على الآخر في العلم والفقه فيتعين الأخذ به عند العقل كما انه اذا احتمل أن يكون أحدهما أعلم وأقدم .

فان أوجبنا الفحص وعرف ذلك بالفحص بالرجوع إلى أهل الخبرة العادل

واحدا على اشكال ومتعدّدا يقينا أو انه يكون نفسه من أهل الخبرة فيتعين تقليده والا فاللازم عند العقل تقليد المحتمل للدوران . الا ان الاشكال كلّه في الضابط للأعلميّة ثمّ الاشكل منه تشخيص الأعلم لعدم العبرة بحسن البيان والتقرير ولا مانعيّة حصره في التكلم ولا عبرة بالهوسات التي يتهوس الناس بها . كما ان الأعلم اما أن يراد به كونه مطلقا في قبال المتجزي فهو خارج عن محل الفرض وان اريد كونه أجود استنباطا فيشكل الأمر بعدم ابتناء الفقه الا على الاستظهارات

اشكال الأعلميّة

ص: 503

عرفيّة في الغالب والظهور العرفي ليس أمرا يختلف فيه الناس كما ان الاشتباه وعدمه لو كان ميزانا لكون الذي لا يحصل له الاشتباه أعلم فهذا ليس بشيء . اذ الاشتباه وصدوره تارة يكون لتقصيره في الاجتهاد فهذا لا يجوز الأخذ بقوله واخرى يكون اتفاقا فلا يقدح وهكذا لو كان المراد بالأعلم والأفقه المذكور في المقبولة في مقام ترجيح أحد المدركين في باب القضاء الذي له الاطلاع بالعام والخاص والمطلق مع قيده لا خصوص المطلق بلا قيده ولا العام بلا خصوصه .

والحاصل ان جودة الاستنباط لا محصّل لها كما ان التقصير في المقدمات وعدمه فيها ليس ميزانا وهكذا الأحفظيّة والاحاطة بالأخبار والأدلّة يوجب عدم جواز تقليد الآخر اذ هو ناقص لا علم له .

ثمّ انه ربما يشكل الأمر في المقام من جهة اخرى وهو ان التقليد لو كان بالنظر إلى حكم العقل وفطريّا للعقلاء من باب رجوع الجاهل إلى العالم فلا ينطبق على تقليد الظان بالأحكام لعدم كونه عالما ولا انه يصدق عليه ما ورد في الأخبار بكونه حكما وقاضيا من عرفان الأحكام لعدم المعرفة له بها بل هو ظان كما ان الحكم الظاهري أيضا لا نقول به في باب الامارات .

نعم يمكن الالتزام به في موارد الأصول . وعلى كلّ حال فلابدّ من دفع الاشكال ويستريح من لا يلتزم في باب الأمارات إلاّ بالطريقيّة والظن الاطمئناني ولا يقول بالحكم الظاهري فانه يكون عالما اطمئنانيّا يجوز الرجوع إليه من الجهال .

خلاصة الكلام: قد علم ممّا سبق عدم جريان البرائة في الشكّ في التعيين والتخيير اذا كان التخيير ابتدائيّا جعليّا من الشارع في الأحكام الفرعيّة وكون

عدم جريان البرائة في التعيين والتخيير

ص: 504

الوظيفة هو الاشتغال وأوضح منه التخيير في باب المتزاحمين وأوضح من الثانيالتخيير في باب المتعارضين والفتويين . وانه اذا احتمل أن يكون أحدهما ذا مزيّة يكون هو المتيقن والا فالتخيير على ما سبق الكلام فيه .

لكن المحقّق النائيني لم يتعرّض في المقام لصورة تساوي المجتهدين واختلافهما ولا بأس بالتعرض له .

فنقول: تارة يكون المشرب فيه الموضوعيّة والسببيّة كما في الأمارات ( بناء على ما ذهب إليه بعض المتقدّمين أوالمشهور منهم ) بأن يكون الفتوى موضوعا كساير الموضوعات ولها حكم مخصوص وتكون بقيامها موجبة لحدوث مصلحة في المؤدّى غالبة على ملاك الواقع . وان الواقع إنّما يجب استيفاء ملاكه اذا لم تقم الامارة على الخلاف ولم يفت المجتهد على خلافه والا فيكون تابعا لفتواه وموضوعا للزوم العمل فحينئذٍ في صورة الاختلاف مع التساوي يتخير المقلّد في تقليد أيّهما شاء وهذا في ما اذا لم يوجب هرجا ومرجا فلا اشكال لكن قد يشكل الأمر في ما اذا أخذ كلّ بقول مجتهد وكانا مخالطين أحدهما يرى نجاسة الغسالة والآخر طهارتها كما انه يشكل الأمر في صورة تبدل الفتوى وان اللازم البناء على صحّة ما أتى به من الأعمال السابقة عبادة كانت أو معاملة أو غيرهما ولكن لا يلتزمون بذلك كلّه مطلقا فاذا كان المجتهد رأيه الاكتفاء بفري الواحد من الأوداج الأربعة اذا لم ينفصل بالآلة الحديدية مع الشرايط السبب خارجي أو غيره وانقطع حسب ما يرى كفايته فتارة يكون صاحب اللحم قد باعه وأخذ الثمن وأكله الناس وتبدل رأيه . فهذا لا مجال للاشكال ولا لمكان تبدل الرأي فيه واخرى يكون اللحم باقيا على حاله ولم يبعه

ص: 505

ولم يأكله ففي هذه الصورة اذا تبدّل الرأي لا يمكن للقائل بالموضوعيّة والسببيّة الالتزام بجواز أكله وبيعه وحلية ثمنه لحكمه الآن بكونه ميتة .فالفتوى على الموضوعيّة إنّما تكون موضوعا مادام المجتهد ( عليها ) ولم يتبدّل رأيه إلى غيرها وإلاّ لا يمكن البناء على صحّة ما أتى به على حسب الفتوى السابقة ولو كانت الموضوعات باقية خصوصا في الوضعيّات فلا يمكن الالتزام بعدم لزوم تجديد العقد بالعربيّة اذا تبدّل رأيه عن جواز غيرها وفرض حياة الزوجين فاللازم حينئذٍ تجديد العقد على حسب رأيه الجديد ولو فرض الالتزام بالموضوعيّة والسببيّة فلا يلتزمون بها إلى هذا الحدّ وهذه السعة وأمّا على الطريقيّة

فالأمر واضح . حيث انه لو كان المدرك في جواز التقليد هو حكم العقل فيكون المجتهد كالمقلّد ورأيه رأيه وتتبعه واجتهاده تبع المقلّد واجتهاده وبالاخرة عمله عمل المقلّد وهو نازل منزلته ونائب عنه ولا شبهة في سقوط كلتا الفتويين المتخالفتين عنده عن الاعتبار بناءً على الطريقيّة لتخالف مؤدّاهما فتسقطان عند العقل عن كونهما طريقين . وأمّا على فرض الطريقيّة وكون الملاك هي الأخبار نظير قوله علیه السلام ( فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا )(1) بناءً على كونه دليلاً للتقليد

حيث لم يرجع إلى الروايات بل إلى الرواة بخلاف ما ورد في حق بني فضال من قوله علیه السلام ( خذوا ما رووا وذروا ما رأوا )(2) حيث منع من العمل برأيهم وهذا يوجب تخصيص اطلاق الرجوع إلى الرواة فلا يجوز الأخذ بقول كلّ راو ومجتهد

ص: 506


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/9 من أبواب صفات القاضي .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/13 من أبواب صفات القاضي .

بل اللازم اعتبار بعض الأوصاف فيه .

لكن الاشكال فيه انه يحتمل عدم انطباق الرواية على التقليد . بل راجع إلىالرواة في الأمور الحادثة الواقعة التي ترجع إلى غير المسائل الدينيّة لعدم كون مثل الشكّ بين الثلاث والأربع من الحوادث الواقعة التي يسئل عن حكمها ويرجع الامام إلى الرواة .

نعم لا بأس بالرواية الواردة من العسكري علیه السلام (1) وفيها ( وان كان ارسال ) ولكن متن الرواية يشهد بصدورها عن الامام علیه السلام واشتمل هذا الخبر على المنع عن الأخذ بقول غير من اتصف بالصفات التي اعتبرها علیه السلام في المجتهد المقلّد وبيّن ان بعض من لا يجوز تقليده ضرره أشد وأكثر من جيش يزيد بن معاوية . ولكن لا يستفاد من الأوصاف التي اعتبر في المقلّد غير العدالة لا المرتبة العليا التي تتلوا

العصمة كما ربما يتوهم . وحينئذٍ فحيث انه ليس على سبيل الاطلاق العمومي بحيث يشمل كلّ مجتهد بنحو العموم ويكون المطلوب هو مطلق الوجود كما في لزوم تصديق قول العادل بل من قبيل آية التيمم يكون المطلوب هو صرف الوجود فحينئذٍ لا يكون المكلف المقلّد موظفا الا بالأخذ بواحد من المجتهدين المخالفين في الفتوى ومعه لا مجال للاشكال لعود الاختلاف والحال هذه .

ان قلت لابدّ وأن يكون قول كلّ حجّة طريقا له قبل اختياره واحدا منهم كما في آية التيمّم فيلزم احراز الترابيّة ثمّ الاكتفاء بصرف الوجود فيه ومع اختلاف الفتاوى فلا طريقيّة كي يختار المقلّد واحدا منها .

قلنا لا اشكال في ان كلّ واحد من المجتهدين لا يكون رأيه إلاّ حجّة لنفسه

مقتضى الروايات في التقليد

ص: 507


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 10/20 من أبواب صفات القاضي .

ولو خالف الآخر لا يعارض فتواه فتوى الآخر لعدم حجيّتها على غيره كما في واجدي المني في الثوب المشترك حيث تجري البرائة في حقّ كلّ منهما ويكونانكما طاهرين ويجوز اقتداء كلّ جماعة بكلّ واحد منهما فيصلّي واحد منهم بجماعة والآخر بآخرين فالمقام بعينه من هذا القبيل فكلّ مقلّد يختار واحدا منهم في مقام العمل والتقليد فيأخذ برأيه ولا اشكال .

النتيجة فقد علم جواب الشبهة في لزوم التناقض عند حجيّة قول كلّ من المجتهدين وعرفت ان المقام بعينه كالجناية المردّدة بين شخصين حيث يجري كلّ منهما الأصل في حقّ نفسه ولا يعارضه أصل الآخر ولا علم بالتكليف في البين لما علم في محلّه من لزوم اتّحاد الموضوع في مورد العلم ومورد المثال خارج عن موارد العلم بالتكليف حيث ان المقام إنّما يكون قطع كلّ من المجتهدين المتخالفين في الفتوى حجّة في حق نفسه فالمقلّد اذا اختار رأي واحد منهما على نحو صرف الوجود يكون أخذا بقوله ولا تناقض ولا تنافي بالنسبة إليه لكون الموضوع في باب التقليد هو صرف الوجود والخصوصيّات ليست بمرادة بل إنّما يوجد الكلي معها وزائد ولو فرض امكان تحقق الكلي في الخارج بلا خصوصيّه لكان من الجايز ترتيب آثاره وأحكامه عليه وإلى هذا يكون الاشارة في بحث الانقلاب والاستحالة من دوران الحكم على الاسم أو المسميّات وبعبارة أخرى على العناوين كما هو التحقيق أو على المواد .

ثمّ انه هل من الواجب تقليد الأعلم أم لا . بل راجح لا متعين ؟ يمكن أن يقال بالنظر إلى حكم العقل يكون المتعين الأخذ بقول الأعلم عند الاختلاف

هل يجب تقليد الأعلم

ص: 508

ولكن بحسب الروايات الدليل كرواية الاحتجاج(1) مطلق مع اختلاف الرواة في زمن صدور الرواية واختلافهم في درجات الفقاهة وكان عليه السلام في مقامالبيان ولم يقيد كون المرجع هو الأعلم .

فهذا الاطلاق يلغي قيد الأعلميّة في المرجع والمقلد كما انه يستفاد اعتبار الاجتهاد والفقاهة في المرجع من هذه الرواية ومن الرواية(2) الواردة في جعل الحكم والقاضي من كونه ناظرا في الحلال والحرام حيث يدلّ على كونه أهل النظر . ويمكن استفادة اعتبار الأعلميّة من المقبولة(3) في مقام الاختلاف في الحكم في فرض السائل اختلاف رجلين في دين أو ميراث وان الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث .

ثمّ انه يفرض السائل تساويهما في هذه الصفات حيث ان المرجح لابدّ وأن يكون في باب القضاء اذا اعتبر المدرك مرجّحا في باب الفتوى فعلى هذا نكشف بالملازمة بين البابين كون هذه المرجحات معتبرة عند الاختلاف في الفتوى والا فلا مجال لكون العبرة بها في باب القضاء .

ثمّ انه يشكل على الرواية من جهات عديدة . منها فرض الراوي رجلين متساويين في الصفات فأمر عليه السلام بالأخذ بقول من مدركه مشهور بين الأصحاب وأمر بطرح الآخر الشاذ وهذا يكشف عن كون الرجلين الحكمين غير عارفين بالشاذ والمشهور فكيف يمكن المرافعة عندهما . هذا . مع انه يشكل من جهة اخرى وهو عدم الحكم على المتحاكمين من شخصين بل لابدّ وأن يختارا

جواب الاشكال عن المقبولة

ص: 509


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 10/20 من أبواب صفات القاضي .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/1 من أبواب صفات القاضي .
3- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/1 من أبواب صفات القاضي .

رجلاً واحدا برضا المدعى عليه وتعيينه أو اتفاقهما على رجل يحكم بموازينالقضاء فكيف جوز في الرواية النظر في المدرك مع اختيار كلّ رجلاً .ويمكن الجواب بامكان كونهما قاضي التحكيم . كما انه يجاب عن اشكال عدم معرفة الحاكمين بالموافق والمخالف للعامّة وساير المرجّحات بأن الراوي انما فرض ذلك لا انه اتفق كذلك رجلان حاكمان بين المتخاصمين . ويستفاد من هذه الرواية حرمة نقض حكم الحاكم . لكن له شروط باجتماعها يتحقق الحرمة والا فلو فرض حكم أحدهما بمجرّد النكول والاخر لا يرى لذلك مدركا معتبرا فلا مجال لحرمة النقض .

وكيف كان فيمكن استفادة اعتبار الأعلميّة من هذه الرواية بنحو ما ذكرنا ويؤيّده ما في بعض الأخبار(1) في باب الجماعة وغيرها من تقديم الأفضل والأعلم وانه اذا قدم غيره يكون الأمر في سفال أو يرتفع الخير من بينهم .

تذكرة للشيخ قدس سره في التنبيه الثالث كلام لم يتحصل على ناظريه فاستشكلوا عليه ولا بأس بذكر مراده قدس سره في هذا التنبيه قال قدس سره (2) ان البرائة انما تجري في ما اذا كان المشكوك واجبا تعيينيّا بالذات بالذات أو بالعرض . ومراده بالعرض ما كان عدلاً للواجب التخييري فانحصر الفرد به وتعذر الفرد أو الافراد الآخر فزعم الشيخ قدس سره وجوبه تعيينيّا بالعرض وجوبا شرعيّا . لكنه لا يتمّ ما ذكره إلاّ بناءً على رجوع الوجوب التخييري إلى الوجوب المشروط وا ءلاّ فبناءً على ( المباينة ) السنخيّة فلا يتمّ .

مبنى الشيخ في الواجب التخييري إذا لم يتعذّر العدل

ص: 510


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 26/1 إلى 5 من أبواب صلاة الجماعة .
2- . فرائد الأصول 1/385 مع تفاوت في العبارة غير مضرّ بالمقصود .

وكيف كان فلا تجري البرائة عنده قدس سره في الواجب التخييري اذا لم يتعذّرالعدل وذلك لاختلال أركانها عنده . لأنّ البرائة إنّما تجري في ما اذا كان المجرىواجبا لا يجوز تركه مطلقا ويكون على تركه العقاب والواجب التخييري ليس كذلك لأنه يجوز تركه في حال الاتيان بالآخر لكن الشيخ فرض الكلام في ما إذا علمنا بوجوب شيء بخصوصه وشك في شيء آخر في انه عدل له أم لا مع كونه مستحبّا مسقطا للواجب . وفيما اذا علمنا بوجوب اكرام زيد ولكن شككنا في انه من باب كونه عالما وانطباق عنوان العالم عليه بحيث يكون العالم موضوعا للحكم ومنه زيد أو يجب اكرامه بالخصوص . فحينئذٍ عند التعذّر في المقامين لو كان المشكوك وجوبه تخييريّا واجبا في الأول أو كان الموضوع لوجوب الاكرام كلّي العالم يجب اكرام غير زيد من العلماء كما يجب الاتيان بالفرد الآخر في الفرض الأوّل . فهل تجري البرائة عن هذا المشكوك أم لا ؟ ذهب قدس سره إلى منع جريان البرائة لما ذكرو اما أصل العدم فلا مانع منه بل يجري ونتيجته عدم وجوب المشكوك وجوبه لعدم اشتراط أصل العدم والاستصحاب بما اشترط في البرائة ومجراه حينئذٍ عدم تعلّق انشاء بوجوب هذا المشكوك . وحينئذٍ فنكون من قبله في راحة . ويترتب على جريان اصالة عدم وجوب المشكوك ترتب لازمه الوضعي وهو عدم سقوط ذلك الواجب المعلوم بفعل هذا المشكوك اذ لو كان واجبا عدليّا ليسقط يفعله .

نعم قد اجرى أصل البرائة اذا تعذّر ذاك الواجب المعلوم وعلم بأن هذا المشكوك مسقط له ويشكّ في كونه واجبا أم مباحا كالسفر الذي يتخيّر المكلّف بين اختياره وعدم الصوم وبين الحضر والصوم أو مستحبّا فحينئذٍ تجري البرائة

ص: 511

عنه اذ لو كان واجبا صار تعيينا على مذهب الشيخ قدس سره .

ثمّ ذكر مسئلة الايتمام ووجوبه على العاجز عن القرائة وأجاب بكونه عدلاًلا مستحبا مسقطا الخ واستشكل كلام الشيخ المحقّق النائيني (1) بعدم ترتب فائدةعلى هذا البحث لأنّه اذا كان المختار الاشتغال باتيان ما علم وجوبه وعدم جواز تركه لكونه المتيقن على كلّ تقدير فلا أثر للبحث عن وجوب الآخر وعدم وجوبه وجريان الأصل فيه وعدمه لسقوطه حتى انه لو اخترنا البرائة في التعيينيّة لما كان للبحث في وجوب الآخر وجريان الأصل فيه وعدمه أثر . ولكن الحق ترتب الثمرة على هذا البحث اذ لو تعذّر ذاك الواجب المعلوم فيوجب جريان أصل عدم الوجوب أو البرائة عنه الا من عن اتيانه فلا يجب اتيانه .

هذا تمام الكلام في دوران الأمر بين التعيين والتخيير في المسائل الثلاث .

الشكّ في الواجب الكفائي:

أمّا الواجب الكفائي والشكّ فيه والعيني فكما في الواجب التخييري . غاية الأمر في الكفائي يكون التكليف واحدا والمكلّف متعدّدا وفي التخييري يكون المكلّف واحدا والتخيير بين المكلّف به .

ثمّ ان الواجب الكفائي انما يتحقق في ما إذا لم يكن المورد قابلاً للتكرار وطلب وجوده من المكلفين كالقتل فانه لا يقبل التكرار اذا حصل منه موجبه أو كان قابلاً ولكن لم يكن المطلوب الا صرف الوجود كما في ردّ السلام أو الصلاة على الميّت .

نعم في بعض الموارد ربما ورد الدليل على جواز أو رجحان الاتيان به ثانيا

الشك في الواجب الكفائي

ص: 512


1- . فوائد الأصول 3/430 وما بعده بتفاوت .

أو ثالثا لكنه خارج عن محلّ البحث وكما في التسليم من الجماعة على الجماعة فانه مستحب كفائي اذا اذا أتى(1) به واحد أدى وظيفة الاستحباب ولا يجبالجواب من الكل بل لو ردّه واحد سقط وظيفة الرد . اما اذا كان المطلوب مطلق الوجود من كلّ واحد فهذا ليس من الوجوب الكفائي .

تتميم اذا شككنا في الوجوب الكفائي والعيني بأن علمنا الوجوب وكان الترديد في الخصوصيّة فهل تجري البرائة أم لا ؟ فيه تفصيل فانه لو كان الواجب الكفائي من الوجوب المشروط فتجري والا فلا .

توضيح ذلك ان في تصوير الواجب الكفائي وجهين . بعد الاتفاق على انه اذا أتى به واحد يسقط عن الجميع واذا لم يأت به عوقبوا على الترك . اما كل واحد عقابا مستقلاًّ أو ينبسط عقاب واحد على الجميع . كما ان محل الكلام ما اذا كان المطلوب هو صرف وجود ايجاد المتعلق في الخارج . فالثاني ليس بمطلوب واذا اتى به على قصد الورود فيكون محرما للتشريع الا رجاء وأحد الوجهين انه يكون التكليف والخطاب متوجها إلى واحد من المكلفين غاية الأمر بشرط الترك وعدم حصوله من أحد . فهذا يرجع إلى الواجب المشروط بل إلى الواجب العيني التعييني كما أشرنا اليه في بحث الشك في الواجب التخييري ويزيد على الشرايط العامة انه اشترط بالترك من الباقين كما . ان اشكاله ذاك الاشكال الذي وجهناه هناك وحينئذٍ فاذا أتى به واحد فلا يجب في حق الباقين كما انه اذا لم يأت به أحد يكون واجبا على الكل لحصول الشرط في حق الكل .

الثاني أن يكون المكلف هو الكلي وصرف الوجود والخطاب متوجه إليه

ص: 513


1- . وسائل الشيعة 12 الباب 46/1 إلى 4 من أبواب أحكام العشرة .

لكن حيث ان الكلي بما انه كلي لا يتحقق في الخارج بل انما يتحقق بالافراد وكل فرد يكون وجودا للكلي ونسبته إليه نسبة الاباء المتعدّدة إلى الأولاد ينطبق هذا العنوان على كلّ واحد لكونه انسانا بالغا عاقلاً لا لخصويّته الفرديّة لكونها خارجةوذلك لعدم امكان كون الكلي بما هو كلي محلاً للخطاب ومتوجها إليه الحكم . بل لابدّ وأن يكون النظر إلى الأفراد لا بالخصوصيات الفرديّة والتشخصات الخارجيّة لكونها لوازم الوجودات خارجة عن حيز التكاليف . وحينئذٍ فاذا قام به واحد انطبق عليه صرف الوجود ولا مجال لاتيانه من الباقين . كما انه اذا تركه الكل فيكونون عصاة لانطباق الصرف على كلّ واحد منهم وان شئت زيادة وضوح فقايس المقام بالمطلق البدلي كما اذا أوجب اكرام عالم فانه يشمل هذا الاطلاق كلّ عالم وينطبق عليه وبأيّهم وقع الاكرام كان المخاطب ممتثلاً وآتيا بالمأمور به فكذلك المخاطب في الواجب الكفائي على هذا الوجه هو صرف الوجود والوجود البدلي المنطبق على كلّ بدلاً . هذا حسب ما يمكن تصوره لنا وإلاّ فحقائق الأمور لا يحيط بها إلاّ اللّه تعالى وإنما نعرف بعض خواص الأشياء ويكون وسيلة واشارة إليها .

وكيف كان . فان كان الواجب الكفائي على النحو الأوّل فعند الشكّ في الوجوب العيني والكفائي يكون الشكّ عند اتيان الغير بالمكلّف به شكّا في الاشتغال ويكون مجرى البرائة لأنّه اذا كان واجبا عينيّا فلم يسقط بفعل الغير وان كان كفائيّا فلم يجب على الشاكّ لعدم حصول الشرط بناءً على الوجه الأول .

وأمّا على الوجه الثاني فيكون الشكّ في الاسقاط والامتثال ولابدّ من الاشتغال على ما ذكرناه بلا حاجة إلى الاستصحاب على ما مرّ في الواجب

تصوير الواجب الكفائي

ص: 514

التخييري .

نعم يمكن القول بالاشتغال على الوجه الأوّل أيضا اذا كان الوجوب في حال الحدوث غير مشترط وطرء الاشتراط أو العسر في حالة البقاء وانه انما يشترط بقاء الوجوب اذا لم يأت به الغير فان أتى به فالوجوب يسقط .فحينئذٍ(1) عند الشكّ في اتيان الغير يكون الشكّ في الامتثال .

هذا تمام الكلام في ما يتعلّق بالشكّ في الوجوب بأنحائه من التعييني والتخييري والعيني والكفائي وعرفت جريان البرائة على بعض الصور والاشتغال على بعضها الآخر وتحصّل عدم جريان البرائة الا في الوجوب التعييني لا التعيّني إلا على تقريب تقدم سابقا . ولم يذكر الأصحاب صورة الشكّ في الوجوب النفسي والغيري . وباقي الكلام في أحكام الشكّ في الوجوب لتعارض النصين أو اجماله على حذو الكلام في الشبهة التحريميّة كما ان الشبهة الموضوعيّة هنا أيضا مجرى البرائة بلا احتياج إلى الفحص كالشبهة التحريميّة ولكن اذا كان الشكّ في متعلّق المتعلّق كالعالم في مثال أكرم العلماء حيث ان الكبرى لا تحرز الصغرى بل لابدّ من العلم بانطباقها على الأفراد والموارد في لزوم الحكم عليها بحكم الكبرى فتجري البرائة عند الشكّ للانحلال .

نعم اذا كانت الشبهة الموضوعيّة في مقام الافراغ كما اذا كان الحكم بدليّا فلابدّ من اليقين ولا مجال للبرائة كما في باب الخمس . فاذا ادعى أحد السيادة فلا

نتيجة البحث على المباني

ص: 515


1- . أقول: لنا مقامان أحدهما الشك في أصل توجه الخطاب المردّد بين العيني والكفائي والثاني الشك في الكفائيّة والعينيّة بعد العلم بأصل الخطاب وما ذكرنا وتعرضنا له هو الشق الثاني لا الأوّل . اما هو فيمكن توجه اشكال الشيخ في التخييري فيه كما انه يمكن الجواب المذكور هناك آتيا فيه فراجع .

يكتفي بمجرّد دعواه ما لم تثبت بالتواتر أو الشياع المفيد للعلم العادي والاطمئناني كما انه وردت الرواية(1) بثبوت سبعة أشياء أحدها النسب بالشياع لكن اذا أفاد الاطمئنان فلا يكفي الدعوى ولا المشجرات الخالية عن قرائنالاطمئنان ثم انه ذهب المشهور في صورة تردّد الفوائت بين الأقلّ والأكثر إلى الاحتياط وحكموا بوجوب الاتيان إلى حدّ يحصل الاطمئنان بفراغ الذمّة مع انه مجرى البرائة لكونه شكّا في الأقلّ والأكثر غير الارتباطيين .

نعم لو كان ارتباطيّا لأمكن القول بالاحتياط كما هو مذهب جماعة ولكن في غير الارتباطي لا مجال له فتدبّر جيّدا .

عود على بدء قد علم ممّا تقدّم جريان البرائة في الشبهة الوجوبيّة لفقد النص أو اجماله أو تعارض النصين حسب القاعدة مع قطع النظر عن الأخبار العلاجيّة كما انّه لا مانع من جريانها في الشبهة الموضوعيّة خصوصا في غير الارتباطيّة بل لا يعرف قائل بوجوب الاحتياط فيها فتجري البرائة أو الأصل الموضوعي الموافق لها في النتيجة كاصالة عدم الضمان أو عدم اشتغال الذمّة بمال الغير . وبالجملة فالشك في التكليف يكون مجرى البرائة بلا فرق بين مناشئ الشبهة والشكّ من فقد الدليل أو اجماله أو تعارضه أو الأمور الخارجيّة وتجري في الشبهة الموضوعيّة كالشبهة الحكميّة لكن المنسوب إلى المشهور وجوب الاحتياط في تردّد الفوائت بين الأقل والأكثر في خصوص الصلاة لا غيرها من العبادات كالصوم ولا غير باب العبادات مع ان مقتضى قاعدة الحيلولة بخروج

جريان البرائة في الشبهة الوجوبيّة

ص: 516


1- . الفتوى في سبعة جواهر الكلام 40/55 لكن الرواية ( وسائل الشيعة 27 الباب 22/1 من أبواب كيفيّة الحكم اشتملت على خمسة .

الوقت الحكم بالاتيان وبرائة الذمّة . وهذه القاعدة اما أصل تنزيلي كالاستصحاب أو قاعدة الفراغ أو انها امارة بناء على تحقق شروط الامارة فيها من وجود الكشف فيها ورعاية الشارع جانب الكشف والاماريّة والا فاصل .

وكيف كان فتقدم على الاستصحاب الجاري في موردها كاصالة عدم الاتيان أو استصحاب الاشتغال أو اصله بناء على اتّحاد الأمر القضائي والأدائي وعدم احتياج القضاء إلى أمر جديد ( أو عدم كون الفوت الا عبارة عن عدمالاتيان المتحقّق في كليّة موارد الشكّ ) فاذا شكّ بعد الوقت مطلقا أي حتى الاضطراري في أصل الاتيان وعدمه فالقاعدة تحكم بالاتيان وعدم وجوب القضاء .

نعم لو شكّ في الوقت ولو الاضطراري لابدّ من الاتيان لبقاء الوقت وعدم مجال لحيلولة الوقت بلا فرق بين مناشئ الشكّ سواء كان من جهة نومه اياما متعددة متّصلة يشك في عددها بين القليل والكثير أو غيره .

نعم قد يقال في توجيه مقالة المشهور كما عن المحقق صاحب الحاشية قدس سره

باختصاص جريان القاعدة بما إذا لم يكن الشكّ مسبوقا بالعلم وإلاّ فلا مجال لجريانها وذلك لتنجز التكليف عليه بالعلم . والقاعدة انما تقتضي البناء والحكم على الاتيان في ما إذا كان الشكّ حادثا بعد الوقت بلا سبق علم . وحينئذٍ فبمقتضى العلم بالاشتغال بدخول الوقت حال كونه جامعا لشرايط التكليف لابدّ من الخروج عن عهدته اما علما أو بتعبد الشارع .

وفي المقام لا مؤمن له من أحد الطريقين فلابدّ من الاتيان إلى أن يعلم بفراغ ذمّته من الصلوات قضاءا لحق العلم بالاشتغال ولا مانع من منجزيّته ولا

توجيه فتوى المشهور في تردد الفوائت بين الأقل والأكثر

ص: 517

أصل يثبت في المقام الاتيان هذا .

وكان المحقّق النائيني قدس سره في بعض دورات بحثه يعظم هذا الكلام ويرتضيه ولكنه عدل عنه أخيرا كما هو القابل لذلك حيث ان العلم المتصرم المنقضي المتبدّل بالشكّ الساري انما كان منجزيّته مادام موجودا والحال لابدّ من ملاحظة الحالة الفعليّة فمقتضى الدليل كون هذا الشكّ أيضا موضوعا لقاعدة الحيلولة ولا انصراف يوجب اختصاص الحكم بغير هذا المورد . اذ الانصراف انما يكون في مقام يكون تقييد المطلق بغير المنصرف إليه تأكيدا لا تقييدا ويكون السلبصحيحا كان يقال ليس هذا ماءً بخلاف ساير الانصرافات كغلبة الأفراد أو انس الذهن بالفرد أو الأكمليّة فانها لا توجب الانصراف الذي يكون معتدّا به معتبرا مع ان اللازم التزام المشهور بذلك في باب الصوم كما اذا فات منه أيّام ترددت بين الأقل والأكثر فيما اذا كان يجب القضاء عليه كما اذا فات لمرض غير مستمر إلى رمضان آخر أو سفر أو غيرهما مع انه لا يكون في باب الصوم دليل الحيلولة التي تجيى ء في باب الصلاة بعد انقضاء الوقت . وأمّا احتمال استناد المشهور إلى رواية(1) واردة في باب قضاء النوافل وأمر الامام علیه السلام بالقضاء حتّى يعلم أو يغلب على ظنّه قضاء كلّ ما فاته فضعيف . لعدم شمول قاعدة الحيلولة للنافلة بل تختص بالفريضة مع انه على تقدير الشمول لا يمكن اثبات الحكم بثبوته في النافلة في الفريضة بمجرّده لكونه قياسا خصوصا مع خلو كلامهم عن ذكر المدرك .

ولزيادة التوضيح نقول اذا لم يكن لنا دليل على قضاء ما فات من الواجبات في الوقت المضروب له لم يمكننا اثبات الوجوب بمجرّد الترك والفوت

اشكال وجوب اتيان الفائتة المرددة بين الأقل والأكثر

ص: 518


1- . وسائل الشيعة 4 الباب 18 - 19 من أبواب اعداد الفرائض .

في الوقت بل كان الظاهر من الدليل فوته بفوات الوقت ولا يترتب حينئذٍ عليه الا مجرّد استحقاق العقاب فالنتيجة المستفادة على هذا من دليل التكليف هو وحدة المطلوب الا انه حيث ان دليل القضاء لابدّ في ايجابه القضاء بالفوت من مصلحة فلا محالة يكون كاشفا عن بقاء المصلحة الاولى الوقتية وان دخل الوقت كان لأجل مصلحة اخرى فاتت بفوت الوقت بلا دخل لها بأصل المصلحة الصلاتيّة أو الصوميّة أو غيرها من ساير الواجبات التي تقضي بعد فوت وفتها .

وعلى هذا فمع قطع النظر عن كلّ شيء . مقتضى القاعدة اذا شكّ في ايتانالواجب عليه فيجري استصحاب عدم الاتيان به المتيقن في أوّل الوقت ولكن في القضاء وخارج الوقت لابدّ من الكاشف عن بقاء المطلوب الأول كما انه في الوقت اذا شكّ في الامتثال تجري قاعدة الاشتغال المستدعى للفراغ اليقيني مضافا إلى استصحاب عدم الاتيان به وذلك لأن التكليف اليقيني لابدّ من الخروج عن عهدته وحصول المؤمن اما عقليّا أو المؤمن الشرعي كقاعدة الفراغ حيث ان في الشكّ في تماميّة المأمور به ونقصانه منه مع العلم بالدخول في المأمور به تجري بعد الفراغ عنه وتوجب امن المكلف من العقاب وتريحه من ناحية التكليف الصلاتي المنجز عليه . ولكنه لمكان حفظ الواقع على حاله ولزوم الاعادة بعد انكشاف الخلاف إنّما تكون القاعدة موجبة للأمن مادام المكلّف على حال الشكّ وعدم العلم . ولكنه اذا علم فلا مجال للحكم بالفراغ اذا كان المجرى للقاعدة لنقصانها أو زيادتها موجبا لبطلان الصلاة وإلا فلو فرض ان القاعدة موجبة للأمن دائما فلا يمكن الحكم بلزوم الاعادة لتعدّد الموضوع . كما ان في مورد قاعدة التجاوز لا يمكن في الحكم بالمضى من احراز الدخول في العمل والخروج عنه

الفرق في الشك في الوقت وخارجه

ص: 519

لعدم الشكّ حينئذٍ في اتيان العمل وفحينئذٍ لابدّ من ارادة تجاوز المحل لا تجاوز نفس الشيء بخروجه عنه . وأمّا في ما اذا لم يتجاوز المحل فلابدّ من الاتيان واما مجرد احتمال الاتيان بالمشكوك اتيانه بحيث يكون اتيانه حينئذٍ زيادة فلا يضر لالغاء احتمال الزيادة من ناحية الشارع . وحيث ان مورد الشك بعد خروج الوقت قد جعل الشارع قاعدة الحيلولة موجبة للامن ولو فرض عدم الاتيان به في الواقع فعند الشكّ تجري القاعدة وتوجب الأمن .

هذا إذا لم يحرز الدخول في الصلاة .

وأمّا اذا احرز الدخول فتجري معها قاعدة الفراغ أيضا .وكيف كان ففي صورة الشكّ بين الأقل والأكثر لا مانع من جريان البرائة عن الأكثر في مثل الصلوات الفائتة لجريان قاعدة الحيلولة الموجبة للأمن .

وفي هذا لا فرق بين الالتزام بتعدّد المطلوب أو وحدته كما انه تجري البرائة وأمّا في ساير المقامات كصوم شهر رمضان أو في السفر فاذا شكّ في الأقل والأكثر فتجري البرائة ولا قاعدة هناك توجب الأمن غيرها وحينئذٍ فيبقى على هذا فتوى المشهور بلا دليل . نعم يمكن توجيه فتواهم بطريق منحصر وهو انه لا اشكال في تعلق علم المكلف بالفوت في كلّ فائتة كما هو الحال عادة . وحينئذٍ فاذا علم بالفوت لابدّ من القضاء لتوجه الأمر القضائي ولا مجال حينئذٍ لقاعدة الفراغ ولا الحيلولة لعدم الموضوع لأي منهما اذ لا مورد لجريانهما في صورة العلم بعدم الاتيان وتحقّق الفوت الذي ليس أمرا وجوديّا في قبال الترك بل هو عبارة عن الترك وعدم الاتيان بالشيء بحيث اذا لم يكن لنا قاعدة الحيلولة كان التمسك بأصل عدم الاتيان كافيا في وجوب القضاء .

جريان البرائة في الأقل والأكثر في الصلاة والصوم

ص: 520

هذا في صورة العلم .

وأمّا في القرض حيث تردّد بين الأقل والأكثر فيحتمل وجوب الأكثر عليه كما انه على تقدير فوت الأكثر كان يعلم بفوتها .

فهذا الاحتمال في المقام موجب للتنجز وانه لو كان في الواقع الفائتة هي الأكثر وأزيد ممّا علم به يقينا وهو الأقل لكان منجزا ولا مؤمن له لا عقلاً ولا شرعا كما هو الحال في أطراف العلم الاجمالي اذا علم اجمالاً بفوت احدى صلواته ولا يعلم بترك احداها بعينها ومع ذلك لابدّ من الاتيان بالمحتملات لاحتمال انطباق المعلوم الاجمالي على كلّ واحد من أطراف الاحتمال ولا مانع من جريان الأصل في الأطراف لعدم افادة الأصل البرائة عن المجموع من حيثالمجموع كي يتنافى للعلم بل تجري في كلّ واحد بخصوصه مع انه لا نقول به بل لابدّ من الاحتياط وهكذا الحال في مسئلة الانائين المشتبهين وصورة خروج أحد الأطراف بعد العلم عن الابتلاء اما بانصباب أو غيره فان المعلوم لزوم الاجتناب عن كلا الانائين وعن الباقي من الأطراف وليس الا لاحتمال انطباق التكليف الذي علم به على كلّ منهما وعلى الباقي من الأطراف وانه لو انطبق عليه لكان منجزا فيمكن أن يكون نظر المشهور في فتواهم بوجوب قضاء الفوائت المردّدة بين الأقل والأكثر واتيانها إلى أن يعلم أو يغلب على ظنه الفراغ هذا فتدبّر وتأمّل جيدا .

وعلى هذا يمكن توجيه مقالة المشهور في ذهابهم إلى الاحتياط ولزوم الاتيان بالفائتة إلى أن يعلم أو يغلب على ظنه الوفاء بانه اذا كان المكلّف يعلم بفوت كلّ ما فاتته من صلاة كلّ يوم أو في كلّ شهر مثلاً أيّاما معدودة فلا مجال

توجيه فتوى المشهور

ص: 521

حينئذٍ لجريان قاعدة الحيلولة اذ لا شكّ له حينئذٍ كي يكون مجال للقاعدة وعليه اذا طال به الزمان مثلاً فلم يدر ان فوائته أي عدد فلا يمكن جريان البرائة ولا قاعدة الحيلولة لأنّه كما ذكرنا لا شكّ له في الفوت بل كل ما فات منه علم به . انما

الشكّ الآن في تحقّق ما يتقدر ولا أصل لنا يحقق ما ينافي هذا الاحتمال فبمقتضى القاعدة لابدّ من الخروج عن عهدة هذا الاحتمال كما هو الحال في أمثال المقام كما اذا اهرق ماء أحد الانائين المشتبهين فحينئذٍ لا مانع من جريان الأصل النافي في الباقي ولكن لا يقولون به بل يلزمون الاحتياط وليس الا لما ذكرنا من منجزيّة الاحتمال . هذا .

ان قلت لا يتم منع جريان الأصل في مورد بقاء أحدهما لدوران التنجز

مدار وجود العلم حدوثا وبقاءً بل نقول بالمنع من جهة كونه ترخيصا في محتملالمعصية .

قلنا: هذا المبنى لا يتم منه المشي في كلية المقامات اذ صرّح من يقول به بانحلال العلم الاجمالي بجريان الأصل المثبت في أحد أطراف العلم فانه لو كان فناء طرف العلم لا يوجب خللاً في العلم فلم يجري الأصل المثبت ويوجب انحلال العلم بجريانه .

هذا في مسئلة الصلوات الفائتة وقس عليها الحال في ساير المقامات التي يشكّ في الأقل والأكثر اذا كان من هذا القبيل كما في الصوم وكما في الدين فان في الدين اذا يعلم بكونه مديونا بما في الذمّة ويشكّ في شمول الذمّة بالأقل أو الأكثر فلا يمكنه اجراء أصالة عدم الضمان وعدم الاشتغال كما انه اذا علم بفراغ ذمته من ديون زيد وشكّ ساريا فيه فليس له الاتكال على فراغ الذمّة بل بمقتضى

جريان الكلام في الدين المردد بين الأقل والأكثر

ص: 522

الاشتغال لابدّ من الخروج عن العهدة والأداء إلى أن يعلم بالفراغ .

لكن يمكن دعوى وجود الأصل الموضوعي المقدم على الأصل الحكمي في باب الدين وهو الفارق بين هذه المسئلة ومسئلة الفوائت حيث لم يلتزمون في الدين بالاحتياط وهو اصالة عدم الضمان وهذا الأصل ليس له أساس في باب الفوائت فتأمّل فانّه لا يخلو من مصادرة .

وعلى كلّ حال فلو لم نفت في باب الفوائت بفتوى المشهور فلا أقل من الاحتياط الذي لا يترك .

هذا تمام الكلام في مسئلة البرائة وشقوقها وما يتعلّق بها .

خاتمة: قد عرفت ممّا تقدّم في أوّل بحث البرائة ان مجارى الأصول منحصرة في أربعة لأنّه اما أن يلاحظ فيه الحالة السابقة له أو لا سواء لم تكن له أو

كانت ولم تلاحظ ثمّ على الثاني أي عدم ملاحظة الحالة السابقة إمّا أن يكونعالما بالتكليف أو لا وعلى الأوّل إمّا أن يمكنه الاحتياط أو لا وعلى هذا فلا تداخل في ا لمجاري والأوّل مجرى الاستصحاب والثالث مجرى البرائة والثاني مجرى الاشتغال .

والرابع هو محل البحث هنا فنقول ان كان عالما بلزوم أحد الأمرين عليه من الفعل والترك ولم يكن هناك حالة سابقة كي يمكن جريان الاستصحاب ولا أصل آخر يوجب زوال الحيرة وتعيين الوظيفة في أحد الطرفين كما انه لا يمكن جريان البرائة للعلم بالتكليف ولا مجال للاشتغال لعدم امكان الاحتياط وكانت الواقعة متّحدة لا متعدّدة ففي هذا المقام لا خفاء في انه تكوينا اما أن يكون فاعلاً

أو تاركا ولا مجال لحكم الشارع بالتخيير لا ظاهرا أو لا واقعا لكونه من تحصيل

مجارى الأصول الأربعة

ص: 523

ما هو الحاصل بالوجدان بالتعبد وهو أسوء أنحاء تحصيل الحاصل فليس الا التخيير تكوينا والشيخ قدس سره في باب العلم الاجمالي من مباحث القطع وفي أوّل البرائة(1) قد اعتبر جنس التكليف وإن لم يكن نوعه معلوما لكنه خالف في بحث الاشتغال فاعتبر العلم(2) بالنوع ولم يعتبر العلم بجنس الالزام وبجعل المعلوم جنس الالزام يرتفع وتندفع الاشكالات التي أوردها المحقّق الخراساني قدس سره في حاشية الرسائل ) .

وكيف كان فاذا علم اجمالاً بوجوب شيء أو حرمته وكان العمل من

التوصليّات التي لا يعتبر فيها القربة ولم يكن هناك ما يوجب التصرف في الشكوالحاقه بأحد الطرفين سواء كان من جهة تعارض الروايتين والدليلين بلا ترجيحبينهما أو من جهة العلم الاجمالي بذلك من الخارج ولم يكن الفعل أو الترك محتمل الترجيح بل تساويا في ذلك احتمالاً في نظر الشارع فيدور الأمر حينئذٍ بين الفعل والترك ولا مجال لجعل التخيير بأنحائه لا التخيير الذي يكون في باب التزاحم ولا التخيير الواقعي ولا الظاهري . اما التخيير في باب التزاحم فان مورده ما اذا كان المتزاحمان واجدين لملاك الحكم والتكليف وإنّما الاشكال في قدرة المكلف حيث انه عاجز عن امتثال كليهما بل لا قدرة له إلاّ على أحدهما فحينئذٍ اذا لم يكن أحدهما أهم لا واقعا ولا احتمالاً يكون الحكم هو التخيير في اتيان أيّهما شاء بحسب حكم العقل . وهذا بخلاف المقام اذ لا يمكن وجود الملاك في كلّ من طرفي الشيء وجودا وعدما بل إمّا أن يكون فيه ملاك الفعل أو الترك

دوران الأمر بين الوجوب والحرمة

ص: 524


1- . فرائد الأصول 24 وما بعده 1/313 .
2- . فرائد الأصول 2/403 .

وعلى فرض وجود الملاك لكلا الطرفين فالحكم تابع للغالب فان غلب أحدهما على الآخر فالحكم على طبق الغالب إمّا وجوبا أو حرمة أو بالكسر والانكسار الاستحباب أو الكراهة وإلاّ فان تساويا فالاباحة .

وهذا ممّا لا اشكال فيه كما ان التخيير الواقعي أو الظاهري بين الفعل والترك لا فائدة فيه لأنّ المكلّف لا يخلو تكوينا من أحدهما فاما أن يكون قائما أو لا قائم ولا ثالث لهذين اذ لا يمكنه الخروج عن أحدهما واذا كان الأمر على هذا الحال فالتخيير الواقعي أو الظاهري لا يفيده شيئا ولا يترتب عليه فائدة . اذ لا

بعث ولا تحريك لهذا التخيير ولا ان اختيار أحد الطرفين يستند إليه لكونه من الأمر بتحصيل الحاصل بل بكون من أسوء أنحائه كما أشرنا إليه . فاذن التخيير المشار إليه في مجاري الأصول لا يكون حكما شرعيّاً بل فطريّا تكوينيّا غير خال عنه بحسب الخلقة فلا مجال على هذا لجريان أصالة التخيير . وأمّا ساير الأصول كأصالة الحل والاباحة فعذرها في المقام انه تناقض للمعلوم بالاجمالوحيث انه مفادها الترخيص في طرفي الفعل والترك وهذا مخالف للالزام المعلوم في البين وليس هذا الأصل كساير الأصول الجارية في ناحية الوجوب أو الحرمة أحدها بل انما مفادها في عدم الوجوب عدم الالزام بالفعل والترك وكذلك في ناحية الحرمة نعم يمكن دعوى جريان اصالة البرائة لتماميّة أركانها وانخفاظ مراتبها وتحقق شرايطها اذا لمرفوع لابدّ أن يكون مجهولاً وأمر وضعه ورفعه بيد الشارع وبعبارة اخرى يكون مجعولاً ويكون في رفعه منة ولا يلزم منه مخالفة عمليّة قطعيّة للمعلوم بالاجمال وهذه الشرايط حاصلة متحقّقة في المقام اذ ليس أصل البرائة كالاستصحاب من الأصول التنزيليّة كي يكون الترخيص في طرفيه

ص: 525

مناقضا للعلم كما انه يكون في رفعه منة ولا يلزم منه مخالفة عمليّة كما هو واضح .

توضيح وتكميل: كان الكلام في جريان البرائة وعدمه في مورد دوران الأمر بين المحذورين وهو الوجوب والحرمة وقلنا انّه يمكن دعوى جريان البرائة في كلّ من الوجوب والحرمة المشكوكين . وذلك لأنّ البرائة إنّما يشترط في جريانها كون المجرى أمرا مجعولاً أي يكون أمر وضعه ورفعه بيد الشارع ومجهولاً وفي رفعه منة كما انه يجب في جريانها ألاّ يلزم المخالفة العمليّة للتكليف وفي المقام لا اشكال في كون كلّ من الوجوب والحرمة بخصوصه مشكوكا ومعلوميّة جنس الالزام لا أثر له في المقام اذ لا يوجب لزوم الموافقة القطعيّة وحرمة المخالفة القطعيّة لعدم امكان المكلّف من أحدهما فلا أثر للعلم بالالزام . بل هذا العلم كساير العلوم التي لا ترتبط بالتكاليف فكلّ واحد من الوجوب المحتمل والحرمة المشكوكة مجهول بخصوصه وليس أصل البرائة كأصل الاباحة يفيد اباحة الفعل والترك جمعا كي يناقض المعلوم بالاجمال ويمتنع جريانه . بل إنّما مفاده في كلّ واحد رفع ذلك المجهول فالوجوببخصوصه مرفوع وكذلك الحرمة وهذا أي جريانه في كلّ واحد رتبة الجهل فيه محفوظة كما ان الرتبة الثانية أيضا كذلك اذ لا يكون أصل البرائة أصلاً تنزيليّا كالاستصحاب حيث يمتنع جريان استصحابين في أطراف المعلوم بالاجمال لمناقضته لأصل العلم ولو مع قطع النظر عن المخالفة العمليّة بل هو أصل غير تنزيلي ومحذورها مجرّد لزوم المخالفة القطعيّة للتكليف وحينئذٍ فلا اشكال في جريان الاصلين في رفع كلّ من محتمل الوجوب والحرمة .

وأمّا الرتبة الثالثة فهي أيضا محقّقة اذ لا يمكن حسب الفرض المخالفة

امكان جريان البرائة في فرض الدوران

ص: 526

القطعيّة العمليّة في المقام فلا اشكال من هذه الجهة أيضا .

نعم استشكل المحقّق النائيني(1) جريانها في المقام بأنّه فرع امكان جعل الحكم الواقعي في المقام وهو محال .

أمّا التخيير بأن يحكم المولى بالتخيير بين الأمرين فهذا لا يعقل لفرض تحقّق الملاك في أحد الطرفين فإمّا أن يكون في الفعل مفسدة ملزمة موجبة لجعل الحرمة أو فيه مصلحة ملزمة داعية لجعل الوجوب فلا يمكن جعل كليهما فحينئذٍ لا معنى للتخيير لعدم تحقّق ملاكه في البين كما انه لا معنى لجعل أحدهما تعيينا وعليه فلا معنى لجريان أصل البرائة أصلاً . هذا .

ولا يخفى ما في ذيل كلامه قدس سره فانّه ما أفاد في عدم امكان جعل التخيير في محلّه ولكن لا يصحّ ما أفاده في الذيل من عدم امكان جعل أحدهما تعيينا وذلك لأنّه إذا غلب جانب الفعل على الترك أو بالعكس بنحو الالزام فالحكم يكون هو الحرمة أو الوجوب فكيف لا يمكن جعل أحدهما تعيينا اذ لو لم يمكن فمن أيندار الأمر بين الوجوب والحرمة ومن أين علمنا بكون الحكم في المقام إمّا واجب أو حرام . فالحقّ في الاشكال في جريان البرائة أن نقول انه مختل من جهتين احداهما عدم تحقّق مرفوع في المقام اذ لابدّ في تحقّق الرفع وجريان البرائة من امكان جعل حكم ليكون حديث الرفع والبرائة رافعا له .

أمّا الحكم الواقعي فلا معنى لرفعه بحيث لم يكن في حقّ الجاهل لاستلزامه التصويب فحينئذٍ يبقى اختصاص الرفع بما يستدعيه ملاك الحكم الواقعي في مرحلة الشكّ وهو ايجاب الاحتياط والمقام حيث لا يمكن فيه الاحتياط فليس

لا مجال للتخيير شرعاً في فرض الدوران

ص: 527


1- . فوائد الأُصول 3/444 .

هناك حكم ظاهري أو امكان جعله كي يكون الرفع رافعا له . كما ان الجهة الأخرى هي عدم تحقّق المنّة في رفع المجعول اذ لا أثر لهذا الرفع فسواء رفع هذا الحكم المشكوك أو لم يرفع لا يؤثّر في ناحية المكلّف في مقام العمل لكونه على ما هو عليه .

فحينئذٍ لا يمكن اصالة التخيير لكون التخيير تكوينيّا ولا أصالة البرائة لما عرفت مضافا إلى عدم تحقّق الالزام وعدم معنى محصّل له إذ ليس هو حكما سادسا من الأحكام كي يكون مشكوكا يجري فيه البرائة بل لا يمكن تحقّقه بنحو الكليّة .

فاما أن يوجد في ضمن الوجوب أو الحرمة فلا معنى لجريان البرائة فيه فتأمّل فانّه لا يخلو عن خدش .

لأنه كما إذا علمنا بدخول انسان في الدار ولم نعلم انه زيد أو عمرو وامّا الاستصحاب فيختل الركن الثاني من أركان جريان الأصل فيه وهو المجهوليّة لأنّه حيث يكون فيه تنزيل المؤدّى منزلة الواقع وأمر المستصحب فيه بالبناء على المستصحب على انه هو الواقع فلا يمكن تحقق بنائين على عدم الحكم مع العلمبتحقّق أحد الحكمين إمّا الوجوب أو الاباحة فيه ولذا لا يفرق في عدم جريان الاستصحاب في أطراف المعلوم بالاجمال بين ما إذا يلزم المخالفة العمليّة ومخالفة التكليف الالزامي في البين أو لا يلزم . فلا يجري الاستصحابان في ما اذا كان المستصحبان طاهرين وتنجس أحدهما لا بعينه أو كانا نجسين وطهر أحدهما لا بعينه حيث انه وإن كان لا يلزم في صورة استصحاب نجاسة كليهما في المثال الثاني المخالفة العمليّة ولكن لمكان مخالفة البناء على نجاسة كليهما للعلم

اشكال جريان البرائة

ص: 528

بطهارة أحدهما لا مجال للأصلين .

وعلى هذا المبنى صار مختار الميرزا الكبير الشيرازي قدس سره بعد أن سافر إلى سامراء وكان بنائه قبل ذلك بعدم الجريان اذ الزم المخالفة العمليّة .

توضيح وتتميم: قد عرفت اشكال المحقّق النائيني في مورد دوران الأمر بين الوجوب والحرمة في أصل جعل الحكم تخييرا وكذا تعيينا ومخالفة البرائة لكلّ طرف من الفعل والترك أو في كلّ من الوجوب والحرمة للموافقة الالتزاميّة لامكان اجتماع الحكم الواحد والتدين به مع ورود الترخيص الظاهري على خلافه . بل الاشكال من جهة عدم ترتب أثر على جعل هذه الحرمة أو الوجوب لا بنفسه ولا بخطاب متممه .

أمّا الأول فلفرض الدوران بين الحكمين والخطاب لابدّ أن يترتّب عليه أثر كي يكون باعثا للمكلّف ومحرّكا له نحو العمل وفي المقام لا يتصوّر على جعل هذا الحكم أثر كما انه لا مجال للحكم الظاهري أو جعل الخطاب المتمّم لعدم امكان الاحتياط والحال هذه . فحينئذٍ لا يمكن جعل أحد الحكمين لعدم الفائدة ولزوم اللغويّة في جعل الخطاب الواقعي أو خطاب متممه فقهرا يكون الحكم مخصوصا بالعالم به على نحو ما تصوّرناه في بعض الموارد الآخر الواردة من الشرع الدالّةعلى امكان اختصاص الحكم في تلك الموارد بالعالم ولو بنتيجة التقييد كما في موارد القصر والاتمام والجهر والاخفات . ولو لم يمكن وصول المراد إلى المكلّف بخطاب واحد فبأزيد إلى أن يتمّ الغرض من حصول علمه بكيفيّة جعل الخطاب .

ويمكن دفع اشكال الدور ( بما تصوّر ) في تلك الموارد كما انه يرتفع بذلك ساير الاشكالات المتفرّعة على اختصاص الحكم بالعالم كلزوم اجتماع النقيضين

توضيح كلام المحقّق النائيني

ص: 529

لدى المكلّف .

فالحاصل ان عدم جريان البرائة هو لعدم امكان الجعل والوضع مضافا إلى ساير الاشكالات المتقدّمة .

فحينئذٍ لا يمكن الجعل لا لعدم الملاك بل لوجود المانع من الجعل كما في كثير من الأحكام أهمّها فرض الولاية حيث انّه قبل جعلها كان هناك موانع من الجعل ومجرّد وجود الملاك لا يكفي .

نعم يمكن على مسلك المحقّق الخراساني قدس سره من الالتزام بانشائيّة ذلك الحكم الواقعي . غاية الأمر لا يمكن وصوله إلى المرتبة الفعليّة وبهذا المعنى يرتفع

الاشكالات في كثير من الموارد كما انه بذلك رفع الاشكال المتوجه في باب الاجتماع على بطلان الصلاة حال الجهل بالغصب بناءً على اتّحاد المتعلّق لما بنى عليه من وحدة المتّحد وجودا بحسب الماهيّة وانه على هذا يرجع إلى باب التعارض ولا يكون من التزاحم في شيء . فاللازم بطلان الصلاة حتّى في حال الجهل بالغصب فأجاب بكونه في حال الجهل في مرتبة الانشاء ولو تحقّق المانع من الفعليّة قبله في ظرف الجهل كما يدلّ على ان لكل واقعة حكما من الأحكاميستوي فيه العالم والجاهل ما ورد(1) من الأخبار المتواترة المشار إلى بعضها فيمقدّمات الحدائق(2) وانّها وان لم تشتمل على لفظة يستوي فيه إلاّ انه مقتضى اطلاق تلك الأخبار فراجع الوسائل .

هذا في البرائة كما انه يجري هذا الوجه في جريان الاستصحاب ويمتنع

عدم جريان البرائة لعدم امكان الجعل

ص: 530


1- . وسائل الشيعة الباب 4 من أبواب مقدّمة العبادات .
2- . الحدائق الناضرة 1/87 وما بعده .

جريانه لأجل هذا المحذور مضافا إلى محذور اللغويّة في جريان الاستصحابين ولو مع تحقّق الجعل .

ولكن يظهر من المحقّق النائيني قدس سره اختصاص المانع بلزوم المخالفة الالتزاميّة لكون الاستصحاب من الأصول التنزيليّة .

لكنّه كماترى وليعلم ان الاستصحاب الأزلي بمعناه المتبادر لا يتصور بل لا يناسب المقام الربوبي فاللازم تصوّره في النفس البنوي أو الولوي الذي يكون أمر التشريع بيده .

تكميل لا يخلو من توضيح:

سبق الاشكال في جريان الأصول غير الاستصحاب في ما نحن فيه وتبين ان عمدة الاشكال في الاستصحاب عدم ترتب الأثر عليه ويشترك مع الاستصحاب في عدم ترتب الأثر ساير الأصول ومنها اصالة الاشتغال .

ان قلت: كيف تقولون بالتخيير الأصولي في مورد تعارض الروايتين بالأمر والنهي مع كونه كالمقام ونعلم اجمالاً بثبوت أحد الحكمين فليكن المقام أيضا من هذا القبيل فيكون أحد الاستصحابين حجّة تخييرا . بل لا يختصّ هذا الاشكال بالاستصحابين فيجري في الامارتين أيضا حيث ان التعارض لا يوجب سقوطكلتيهما عن الاعتبار بالكليّة بل لا مانع من جريان كلّ واحد عند عدم الآخر وحجيّة كلّ واحد عند عدم الأخذ بالآخر فليكن المجعول في الامارتين حجيّة مشروطة وعلى ما ذكرنا يكون التخيير المشار إليه في دليله بين الروايتين المتعارضتين على وفق القاعدة .

قلت: دليل الاعتبار إنّما يشمل كلّ واحد بعينه انحلاليّا فاذا تعارضتا

جريان الأصول غير الاستصحاب

ص: 531

أوجب ذلك سقوطهما فلا معنى لشمول احداهما لا بعينها ولا واحدا بعينه .

نعم حيث ان الدليل ورد في الروايتين بالتخيير فنأخذ به ولا يمكن التعدّي منه إلى ساير المقامات ولو آيتين أو اجماعين وغيرهما مضافا إلى استلزام الحجيّة المجعولة المشروطة في كلّ واحد بعدم الأخذ بالآخر حجيّة كليهما عند عدم أخذ واحد منهما وهو كما ترى فلا مجال لهذا الاشكال .

ثمّ انه اذا احتمل أهميّة الوجوب على الحرمة أو بالعكس أو كان المحتمل في أحدهما أقوى من الآخر فهل يوجب ذلك الترجيح أم لا ؟ كما اذا ظنّ بالحرمة وتوهّم الوجوب أو بالعكس أو كان الحكم على فرض الحرمة أشدّ منه على فرض الوجوب لكونه من أكبر الكبائر بخلافه على الوجوب فانه لا يكون إلاّ من الواجبات الابتدائيّة لا الشديدة .

التحقيق . انه لا صغرى لذلك بحسب ما يدركه عقولنا بل اللازم الرجوع إلى بيانات الأئمّة علیهم السلام في تشخيص الأهم من المهمّ . واما احتمال أهميّة دفع المفسدة بالنسبة إلى جلب المنفعة فعليه يقدّم جانب الحرمة فمدفوع بأنّه لا كليّة له بل ربما

تكون منفعة أهم من كثير من المفاسد بحيث يهم استيفائها في قبال دفع تلك المفسدة كما انه مبنى على تبيعية الأحكام للمصالح والمفاسد النفس الأمريّة الانحلاليّة في كلّ مورد وإلاّ فلو احتمل أن تكون نوعيّة دخيلة في النظام الكليفلا يتمّ هذا البيان .

تنبيه: قد يتوهّم في صورة تعدّد الواقعة وتكرارها لزوم الاحتياط بترك المخالفة القطعيّة الحاصلة بالبناء على اختيار ما اختاره أولاً في القضايا المتكرّرة فان اختار الفعل في الأوّل يختاره في البقيّة أو الترك فهكذا وذلك لأن في مخالفته

هل احتمال أهمية أحدهما يوجب الترجيح

ص: 532

يخالف التكليف المعلوم في البين . لأنّه اما أن يكون واجبا أو حراما فان كان واجبا فقد خالفه في احدى المرات قطعا أو حراما فكذلك بخلاف ما لو بنى على اختيار الأوّل فلا يكون إلاّ احتمال المخالفة .

ولكن لا مجال لهذا الكلام بعد عدم منجزيّة العلم الاجمالي نعم بناءً على قبول المخالفة للأمر المولوي يمكن تصور ما ذكر في التوهّم إلاّ انه لا مجال لامكان وقوع الخطاب المولوي عليها لكونها من قبيل الاطاعة والعصيان ممّا لا يكون الأمر بها أو النهي عنها إلاّ ارشادا كما هو واضح .

كما انه لا مجال لتوهّم ضمّ القضايا والوقايع المتكرّرة كلّ إلى الباقي والعلم فيها ودعوى امكان المخالفة القطعيّة وقدرته عليها فيكون العلم منجزا فيوجب حرمة المخالفة فيكون التخيير بدويا خروجا عن المخالفة .

وذلك لحصول العلم بالموافقة القطعيّة أيضا في البين . فظهر انه لا مجال لتأثير العلم الاجمالي للمنجزيّة لعدم العلم بالتكليف نوعا ومجرّد العلم بالالزام لافائدة فيه .

هذا كلّه إذا كان الدوران من جهة فقد النص اما اذا كان من جهة تعارض النصين فبناء على تقديم أخبار التخيير في صورة التعارض على أخبار التوقّف وفرض تساويهما في ما يكون مرحّجا أو لا مرجّح في أحدهما فيكون مخيّرا في الأخذ بأحدهما .فحينئذٍ يقال حيث ان التخيير في الأخذ في المسئلة الأصوليّة موجب لكون المقام ممّا قام عليه الحجّة فيخرج المكلّف عن التحير ولا يمكنه الأخذ بالرواية الاخرى في الواقعة الثانية وذلك لقيام الحجّة على الواقع فالتخيير بدوي لا

حكم تعدد الواقعة

ص: 533

استمراري .

ولكنه يمكن أن يقال انّ التخيير لا يوجب ذلك بل إنّما هو حكم على العمل حال التحير ولا يزول تحير المكلّف بابتلائه بالواقعة مرّة واحدة والأخذ بأحدهما فالتخيير استمراري .

وعلى هذا فللمكلّف الأخذ بأحدهما في كلّ مرّة .

ولكن يشكل الأمر في المفتي اذ اختار في كلّ مرّة أحدهما واعتمد عليه في مقام الفتوى . فتارة يقدم خبر الخروج من الثلث في منجزات المريض وأخرى من الأصل وتارة يختار طهارة الغسالة واخرى نجاستها .

نعم إذا كان هناك عام فوق الخبرين وقلنا ان المعارض للخاصّ غير معارض للعام فيكون العام مرجعا ولا أقلّ من كونه مرجّحا لما يوافقه من الخاصّين لكنّه لا مجال لهذا البناء لعدم حالة انتظارية للعام في وقوع المعارضة بينه وبين الخاص المخالف بل من أوّل الأمر تقع المعارضة بين الخاصّ المخالف وبين الخاصّ الآخر والعام الموافق له .

فالعمدة حينئذٍ دعوى اطلاق الروايات في الاستمرار في التخيير والا فيشكل الأمر ولا مجال لجريان الاستصحاب لعدم بقاء الموضوع أو الشكّ فيه لأنّ الموضوع في أوّل الأمر هو المتحير في الأخذ بأحد الخبرين لكن بعد الأخذ إمّا أن لا يكون هذا هو ذاك فالموضوع مختلف أو انه يشك في بقاء الموضوع ولا يجري الاستصحاب في صورة الشكّ في بقائه كما انه بناءً على تقديم أخبارالتوقّف فالمسئلة ترجع إلى فقد النص . واما إذا كان الدوران في الشبهة الموضوعيّة كما إذا دار الأمر بين الوجوب والحرمة في المايع الخاص الخارجي

حكم تعدد الواقعة في الدوران

ص: 534

أو في النكاح اذا نذر أحدا من الفعل والترك ولا يدريه بعينه فيمكن أن يقال بجريان اصالة الحل والاباحة لكون الشبهة الموضوعيّة هي القدر المتيقّن كما انه يشكّ في الوجوب فيمكن أن يقال بجريان البرائة عنه وهكذا ساير الأصول الموضوعيّة كاصالة الطهارة .

تكميل: نقل الشيخ

قدس سره (1) مثالين لما إذا كان الدوران بين الوجوب والحرمة من جهة الأمور الخارجيّة وناقش فيهما بوجود الأصل الموضوعي وأتى بمثال ثالث جعله مثالاً للمقام وانه لا مناقشة فيه .

أمّا الأولان كما اذا تردّد الأمر بين الوجوب والحرمة فيما اذا نذر الوطي في ليلة معلومة لزوجته وتردّدت بينها وبين الأجنبيّة وما اذا نذر أو وجب عليه بسبب آخر شرب المايع المخصوص المردّد بين كونه ماءً فيجب الوفاء بالنذر أو خمرا فتحرم . والمناقشة في المثال الأوّل فانقلاب الأصل في مورد الدماء والأموال والفروج فلا مجال لجريان اصالة الاباحة بل يحتاط ( أو انه لوجود الأصل الموضوعي وهو اصالة عدم وقوع العقد على هذه المردّدة ) وأمّا الثاني فلاصالة عدم انعقاد النذر وحينئذٍ يبقى الشكّ في كونه ماءً أو خمرا فتجري اصالة الحل والاباحة ولا مجال لجريان أصل البرائة عن الوجوب وعليه لا يجري الأصلان معا أي أصل الاباحة وأصل البرائة كي يعلم بكذب أحدهما .

ثمّ المثال الذي أتى به الشيخ قدس سره وهو تردّد الأمر بين كونه عالما أو فاسقا اذاكان اكرام العالم واجبا واكرام الفاسق حراما بناء على عدم رجوعه إلى باب الاجتماع بل إلى باب التعارض وحينئذٍ فيكون المجمع ومادة الاجتماع إمّا

ص: 535


1- . فرائد الأصول 1/402 .

واجب الاكرام أو حرام الاكرام بخلاف مادتي الافتراق فحيث لا أصل موضوعي في المقام يحرز انه عالم عادل لكونه حال البلوغ اما عادل أو فاسق فلا حالة تستصحب في ناحية العدالة ولا الفسق فيجري فيه كلّ ما ذكرنا في المسائل الثلاث المتقدّمة حرفا بحرف من عدم جريان الأصول وانه يتخير تكوينا بين الفعل والترك .

هذا تمام الكلام في ما يتعلّق بمسئلة التخيير .

بقي الكلام في ما أشار إليه الشيخ قدس سره من جريان البرائة في مورد الشكّ في غير مورد احتمال الحكم الالزامي كما اذا كان طرف الاحتمال استحبابا أو كراهة لا وجوبا أو حرمة فهل تجري البرائة أم لا ؟ بنى الشيخ قدس سره عدم الجريان على كون المرفوع هو المؤاخذة لكنه لا تجري ولو كان المرفوع غيرها اذ يختلّ الركن الثالث من شروط جريان البرائة وهي المنة اذ لا منة في رفع الاستحباب اذ على فرض معلوميّته كنا في راحة من تركه ومن فعل المكروه فكيف به والحال انه مجهول نعم لا بأس باتيانه رجاءً اما بقصد الورود فحرام كما لا يخفى .

جريان البرائة وعدمه في غير مورد الحكم الالزامي

ص: 536

فهرس المحتويات

الكلام في الأدلّة العقليّة والأصول العمليّة··· 5

المكلّف إذا التفت إلى حكم شرعي··· 7

ترتيب المحقّق الخراساني··· 8

ما أفاده المحقّق ا لعراقي··· 11

مجاري الأصول··· 12

عدم الجعل في الجري على القطع··· 15

آثار القطع··· 16

عدم اطلاق الحجّة على القطع··· 18

لا اشكال لو قلنا بمنجزيّة الاحتمال··· 20

في القطع الموضوعي··· 21

جواب اشكال المقدّمة الموصلة··· 23

أخذ العلم بنحو نتيجة التقييد··· 25

في رفع اشكال الجهر والاخفات··· 28

ص: 537

الأحسن في دفع الاشكال··· 30

قيام الامارات مقام القطع··· 32

جهات أربع للعلم··· 34

لا فرق بين القطع والامارات والاصول في المنجزية··· 36

حكم تنزيل المؤدّى··· 38

مبنى تتميم الكشف··· 40

معنى الحكومة··· 42

في قيام الامارة مقام القطع الموضوعي··· 44

مسلك المحقّق الخراساني··· 46

اشكال قيام الامارة مقام القطع الموضوعي··· 48

اشكال قيام الامارات··· 50

هل الأصول تقوم مقام القطع··· 52

الفرق بين الظن الحجّة وغيره··· 54

التجري··· 56

دليل المحقّق الخراساني··· 58

اشكال المحقّق النائيني··· 61 مختار سيّدنا الاستاذ··· 63

حكم التجري من الجهة الكلاميّة··· 65

ص: 538

الفرق بين القبح الفعلي والفاعلي··· 67

متعلّق التكليف هو فعل المكلّف··· 69

تقريب الصغرى··· 71

انكار الصغرى والكبرى··· 73

عدم تماميّة قاعدة الملازمة··· 75

الاستدلال على حرمة التجرّي··· 77

الاستدلال بالأدلّة النقليّة··· 80

الجمع بين الروايات··· 82

أظهر الوجوه في الرواية··· 84

استحقاق العقاب عقلي··· 86

كلام صاحب الفصول··· 88

امكان استفادة الحرمة من روايات العفو··· 91

قبح التجري بالوجوه والاعتبار··· 93

نظر سيّدنا الأستاذ··· 94

اشكال تداخل العقابين··· 96

في ما نسب إلى الاخباريين··· 99

عدم إمكان إنكار حسن الأشياء وقبحها كلاًّ··· 102

اشكال الأمثلة··· 104

ص: 539

كلام المولى محمّد أمين الاسترآبادي··· 106

العقل رسول باطني··· 108

الكلام في العلم الاجمالي··· 109

عدم اعتبار قصد الوجه··· 111

مراتب الامتثال··· 113

أدلّة عدم كفاية الامتثال الاجمالي··· 115

الاحتياط طريق··· 117

ثبوت التكليف بالعلم الاجمالي··· 119

الفرق بين نحوي العلم الإجمالي··· 123

امتناع الترخيص في مورد العلم الاجمالي··· 125

توجيه موارد جريان قاعدة الفراغ وأمثالها··· 127

شرايط تنجز العلم الاجمالي··· 129

في حكم الدرهم الودعي··· 130

بقيّة الشرايط··· 131

اشكال الدرهم الودعي··· 133

لا نقض بمورد مسلم··· 135

النجاة المعلومة المانعة··· 138

الفرق بين صورة الاشتباه والشركة··· 139

ص: 540

الملازمة بين وجوب الموافقة وحرمة المخالفة··· 141

في الموافقة الالتزاميّة··· 142

في التعبّد بالظن··· 145

اشكال جعل الظن حجّة··· 148

في المصلحة السلوكيّة··· 151

جواب اشكال الخطاب··· 153

وجوه الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري··· 155

جواب اشكال الحكم الواقعي والظاهري··· 157

جواب بعض المحقّقين··· 159

تتمّة الكلام··· 161

تعدّد موضوع الحكم الواقعي والظاهري··· 163

الاشكال في المبنى··· 165

حال الاُصول التنزيليّة وغيرها··· 167

الدفاع عن كلام المحقّق الخراساني··· 169

الحكم الانشائي والفعلي··· 171

في مختار المحقّق النائيني في الامارات··· 173

عدم الاجزاء إذا انكشف الخلاف··· 175

في مقام الاثبات··· 177

ص: 541

في كيفيّة جعل الامارة··· 179

الطريقيّة امضائيّة··· 181

حكم الشك في كيفيّة الجعل··· 184

نتيجة الجعل··· 186

لزوم العمل بخبر الثقة··· 187

كيفيّة وجوب العمل بالخبر··· 188

قبح التشريع··· 190

هل تسرى حرمة التشريع إلى العمل··· 193

جريان الاستصحاب وأصل الطهارة معاً··· 195

اشكال المحقّق النائيني··· 196

المسلم العمل بالاخبار على كلّ المباني··· 199

ما خرج عن حرمة العمل بالظنّ··· 201

حجيّة الظواهر··· 202

التفصيل في حجيّة الظاهر··· 204

تفصيل المحقّق القمّي··· 206

كلام الاخباريين··· 209

اختلاف القراءات··· 211

ظهور المفردات··· 212

ص: 542

المعنى الجملي من ضم المفردات··· 215

وثاقة كثير من الرواة··· 217

اشكال الفرق بين المخصص المنفصل والمتّصل··· 219

حجيّة الاجماع··· 220

الكلام في الاجماع المنقول··· 223

الكلام في مستند الاجماع المنقول··· 225

توجيه بعض الإجماعات··· 227

ما يمكن الاستدلال به على حجيّة الاجماع المنقول··· 229

موارد حجيّة الاجماع··· 231

تشرّف السيّد بحرالعلوم··· 232

جبر الرواية الضعيفة··· 235

وجه حجيّة الشهرة··· 238

نفي الاشكال في صدور المشهور رواية··· 241

أدلّة النافين لحجيّة الخبر الواحد··· 242

أدلّة المثبتين··· 244

اشكال آية النبأ··· 248

جواب الاشكال··· 253

تعارض مفهوم آية النبأ··· 254

ص: 543

اشكال الأخبار مع الواسطة··· 256

اشكال آخر··· 257

ردّ الاشكال على دليل الحجيّة··· 258

اندفاع اشكالات الأخبار مع الواسطة··· 261

الاستدلال بآية النفر··· 262

اشكال الاستدلال بالآية··· 264

الاشكال في دلالة الآية··· 267

الاشكال في الاستدلال بالآية··· 270

آية الاذن··· 273

الاستدلال بطوائف من الأخبار··· 275

الاستدلال بالأخبار··· 277

الاستدلال بالتوقيع··· 280

فذلكة البحث··· 282

أخبار حجيّة الثقات ارشاد··· 285

عدم معارضة الاجماعين··· 287

الاستدلال بالعلم الاجمالي··· 289

انحلال العلم الاجمالي الكبير··· 293

اشكال الانحلال··· 297

ص: 544

الانحلال بجريان الأصل··· 299

لزوم دفع الضرر الاخروي··· 301

وجوب الاحتياط قبل الفحص··· 303

الاشكال في دفع الضرر··· 305

ملازمة الظن بالتكليف للظن بالضرر وجوابها··· 307

مناقشة قاعدة الملازمة··· 309

المقدّمة الثانية للانسداد··· 311

مبنى عدم جواز الاهمال··· 313

المقدّمة الثالثة··· 315

جريان دليل العسر والحرج في المقام وعدمه··· 317

لزوم الاحتياط في الباقي بعد العسر··· 322

العسر كالاضطرار··· 323

التفصيل في الاضطرار بعد العلم وقبله ومعه··· 325

بقيّة كلام المحقّقين··· 328

تعلّق الاضطرار بالحرام بعينه··· 329

إذا لم يكن التعاند دائميّاً··· 331

تفترق النتيجة في مدرك المقدّمة الثانية··· 333

اشكال اجماع السيّد المرتضى··· 335

ص: 545

اختلاف النتيجة باختلاف مدرك المقدّمة الثانية··· 337

إن تمّ الاجماع ينكشف وجود حجّة··· 339

اجراء الشيخ المقدّمات··· 341

ملخّص ما أفاده في الفصول··· 343

تحليل كلام صاحب الفصول وأخيه··· 347

ترتيب المقدّمات على نحو تنتج ما أفاده الشيخ··· 353

اشكال عبارة صاحب الحاشية··· 354

افتراق النتيجة حسب اختلاف ترتيب المقدّمات··· 357

النتيجة حجيّة الظن بالطريق أو الواقع··· 359

من النتائج التبعيض في الاحتياط··· 360

فذلكة البحث··· 363

هل الظن حجّة في موارد النفي والاثبات··· 366

وجوه ثلاثة في الترجيح··· 367

عموم النتيجة واهمالها··· 371

مقتضى القاعدة··· 371

نتيجة المقدّمات على المختار··· 374

ترتيب المقدّمات من المحقّق الخراساني··· 376

النتيجة بناء على الحكومة العقليّة··· 378

ص: 546

اشكال خروج القياس··· 381

منع العمل بالظنّ حال الانسداد··· 382

في الظن المانع والممنوع··· 385

وجه تقدم الأصل السببي على المسبّبي··· 386

عدم جريان المقدّمات في اُصول العقائد··· 389

في المعارف الاعتقادية··· 391

حكم الشك في التكليف··· 393

حال الحكم الواقعي··· 395

وجه تقدّم الامارة على الاصول··· 397

الوجه الصحيح في حجيّة الامارة··· 399

تنزيل المستصحب والاشكال··· 401

انحصار الاُصول في أربعة··· 403

افتراق الاصولي مع الاخباري في اجراء البرائة بعد الفحص··· 405

أدلّة الاُصوليين··· 407

الاستدلال بالآية··· 409

كيفيّة الاستدلال بالآية··· 411

الاشكال على الفاضل التوني··· 414

تعلق الرفع بالحرمة والوجوب المجهولين··· 417

ص: 547

الكلام في حديث الرفع··· 418

المراد بالطيرة والتفكّر في الخلق والحسد··· 420

ملاك ايجاب الاحتياط··· 423

ايجاب الاحتياط على وجهين··· 424

تصوير الاحتياط الشرعي واشكاله··· 426

يدور الاحتياط مدار الواقع··· 429

المرفوع في ما لا يعلمون··· 431

رفع الخطأ والنسيان··· 432

التمسك بالحديث في الترك··· 435

مدلول الآية الشريفة··· 436

متعلّق النسيان··· 438

نسبة الحديث مع الأدلّة الأوّليّة··· 441

التعارض بين لا تعاد وأدلّة الاجزاء والشرايط··· 443

الحكومة على قسمين··· 444

في عموم الرفع وخصوصه··· 447

ما يرتفع بالاكراه والاضطرار··· 449

مورد تطبيق رفع الاكراه والاضطرار··· 451

بقيّة الكلام··· 453

ص: 548

الفرق بين الاكراه والاضطرار··· 454

العرضيّة بين الوضوء والتيمّم··· 457

كشف الملاك عن ما يدلّ على الرفع والنفي··· 459

امكان ارجاع الاكراه والاضطرار إلى أمر واحد··· 461

جريان البرائة في الشبهة لاجمال النص··· 463

جريان البرائة في الشبهة الوجوبيّة··· 465

هل العباديّة تحتاج إلى الأمر··· 467

اشكال انطباق الكسر والانكسار··· 469

التسامح في أدلّة السنن··· 474

في دلالة أخبار من بلغ··· 475

احتمالات الأخبار··· 477

اشكال الدلالة··· 479

على فرض استفادة الاستحباب··· 481

اشكال في الدلالة على الاستحباب··· 483

حصول الاطمينان من أقوال الرجاليين··· 485

اشكال الجامع بين خصال الكفّارة··· 487

الشك في التعيين والتخيير··· 489

لا اشكال في كيفيّة ايجاب الواجب التخييري··· 491

ص: 549

قول بعضهم بكون الأحكام كاشفة··· 493

موارد الشك بين الوجوب التعييني والتخييري··· 495

التخيير على أقسام ثلاثة··· 497

العبرة بالمجتهد المطلق لا المتجزي··· 501

المدار في الفتويين على المرجحات المنصوصة··· 502

اشكال الأعلميّة··· 503

عدم جريان البرائة في التعيين والتخيير··· 504

مقتضى الروايات في التقليد··· 507

هل يجب تقليد الأعلم··· 508

جواب الاشكال عن المقبولة··· 509

مبنى الشيخ في الواجب التخييري إذا لم يتعذّر العدل··· 510

الشك في الواجب الكفائي··· 512

تصوير الواجب الكفائي··· 514

نتيجة البحث على المباني··· 515

جريان البرائة في الشبهة الوجوبيّة··· 516

توجيه فتوى المشهور في تردد الفوائت بين الأقل والأكثر··· 517

اشكال وجوب اتيان الفائتة المرددة بين الأقل والأكثر··· 518

الفرق في الشك في الوقت وخارجه··· 519

ص: 550

جريان البرائة في الأقل والأكثر في الصلاة والصوم··· 520

توجيه فتوى المشهور··· 521

جريان الكلام في الدين المردد بين الأقل والأكثر··· 522

مجارى الأصول الأربعة··· 523

دوران الأمر بين الوجوب والحرمة··· 524

امكان جريان البرائة في فرض الدوران··· 526

لا مجال للتخيير شرعاً في فرض الدوران··· 527

اشكال جريان البرائة··· 528

توضيح كلام المحقّق النائيني··· 529

عدم جريان البرائة لعدم امكان الجعل··· 530

جريان الأصول غير الاستصحاب··· 531

هل احتمال أهمية أحدهما يوجب الترجيح··· 532

حكم تعدد الواقعة··· 533

حكم تعدد الواقعة في الدوران··· 534

جريان البرائة وعدمه في غير مورد الحكم الالزامي··· 536

فهرس المحتويات··· 537

ص: 551

المجلد 4

هویة الکتاب

بطاقة تعريف: رحمتي، محمد، 1307 -

عنوان واسم المؤلف: مباني أصول الفقه: تقریر بحث آیت الله سیدمحمود الشاهرودي/ مولف آيت اللّه شيخ محمد رحمتي.

تفاصيل المنشور: قم: قرآن صاعد، 1440ق.= 1398.

خصائص المظهر : 5 ج.

ISBN : دوره:978-600-7282-94-6 ؛ ج.1:978-600-7282-89-2 ؛ ج.2:978-600-7282-90-8 ؛ ج.3:978-600-7282-91-5 ؛ ج.4:978-600-7282-92-2 ؛ ج.5:978-600-7282-93-9

حالة الاستماع: فیپا

لسان : العربية.

ملحوظة : ج.2-5(الإصدار الأول: 1398).

عنوان آخر: تقریر بحث آیت الله سیدمحمود الشاهرودی.

مشكلة : أصول الفقه الشیعة -- قرن 14

Islamic law, shiites -- Interpretation and construction -- 20th century

المعرف المضاف: هاشمی شاهرودی، سیدمحمود، 1327-1397.

المعرف المضاف: Hashemi Shahroudi, Seyyed Mahmoud

ترتيب الكونجرس: BP159/8

تصنيف ديوي: 297/312

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 5841397

اطلاعات رکورد کتابشناسی : فیپا

مباني أُصول الفقه

مؤلف: آيت اللّه شيخ محمد رحمتي

الناشر: قرآن صاعد

وقت وسنة النشر: 1398

الطباعة والتجليد: زلال کوثر

الدوران: 1000 نسخه

ISBN: 6-94-7282-600-978

ISBN: 2-89-7282-600-978

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین

الرحمن الرحیم

مالک یوم الدین

إیاک نعبد وإیاک نستعین

اهدنا الصراط المستقیم

صراط الذین أنعمت علیهم غیر المغضوب علیهم ولا الضالین

لفت نظر

1 - رقم الآيات على حسب احتساب البسملة آية من السور غير سورة التوبة .

2 - مأخذ روايات الوسائل، طبعة ثلاثين مجلّداً .

3 - روايات المستدرك على طبعة 20 مجلّداً .

4 - صفحات الكفاية على طبعة جلدين مع حاشية المشكيني .

ص: 2

مباني أُصول الفقه

تقرير بحث المحقّق المدقّق آيت اللّه العظمى

السيّد محمود الشاهرودى قدس سره

لتلميذه آيت اللّه الحاج الشيخ محمد الرحمتي

الجزء الرابع

ص: 3

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحیم

الكلام في الشكّ في المكلّف به

وجواز الرجوع إلى الأصول فيه وعدمه ومحلّ الكلام فيما اذا علم بالحكم وتردّد المعلوم بين أمرين أو أزيد وبعبارة أخرى فيما علم بنوع التكليف اما اذا علم بجنسه لا بنوعه فهل الحكم فيه كما إذا علم بالنوع ؟ ربما يقال بعدم منجزيّته على تقدير منجزيّة العلم الاجمالي بنوع الحكم كالوجوب والحرمة كما ربما يستفاد من كلام الشيخ ( في أوّل بحث البرائة أو بحث القطع ) فحينئذٍ اذا علم اجمالاً بحرمة شيء أو وجوب آخر فيجوز جريان الأصل من كلّ منهما .

لكنّه خلاف التحقيق لعدم الفرق بين العلم بنوع الحكم من الوجوب أو الحرمة أو جنسه . بل التعبير بالجنس والنوع لا مجال له اذ في صورة دوران الحكم بين الوجوب المتعلّق بأمر أو حرمة آخر يعلم بالحكم ولكنّه هل وجوب متعلّق بهذا أو حرمة متعلّقة بذاك فيتأتّى فيه كلّما يتأتّى في صورة العلم بالوجوب أو الحرمة كلّ بخصوصه ففي ولد الزنا يحرم نكاحه على أبيه فيجوز النظر إليه أو يحرم النظر ويجوز نكاحه فيحتاط بترك النظر والنكاح ( ولكن يمكن أن يقال بعدم جواز النكاح لأمر آخر وهو ورود الدليل وإلاّ فمقتضى نفي الولادة شرعا

ص: 5

حرمة النظر وجواز النكاح ) .

وكيف كان فالأحسن في تحرير محلّ النزاع هو الضابط الذي ذكره المحقّق النائيني(1) من انه تارة يكون التكليف بنوعه وجنسه معلوما وأخرى بجنسه فقط وعلى التقديرين إمّا أن يمكن الاحتياط أم لا فما يمكن فيه الاحتياط من الموردين هو مجرى الاشتغال . وحينئذٍ فيشمل ما اذا علم بالنوع فقط كوجوب صلاة يوم الجمعة وتردّدت بين الركعتين والخطبتين وبين أربع ركعات متّصلات أو حرمة معلومة مردّدة المتعلّق كاشتباه المذكّى بالميتة مثلاً وما اذا تردّد الأمر بين

وجوب شيء وحرمة آخر فيكون مجرى الاشتغال أيضا وبالجملة مناط العلم الاجمالي هو القضيّة المانعة الخلو المنطبقة على صورة العلم بحرمة شيء ووجوب آخر .

والمناسب التعرّض لمسائل هذا المقام كترتيب البرائة من الابتلاء بالشبهة الحكميّة والختم بالموضوعيّة ولكن الشيخ قدس سره حيث قدم الشبهة الموضوعيّة في المقام لكثرة مباحثها وتشتت الآراء فيها وكونها محلّ الكلام بين الأصحاب فنتبعه في ذلك .

فنقول: الأقوال فيها مختلفة والمشهور بين المتأخّرين الذي استقرّت عليه آرائهم هو تنجّز المعلوم بالاجمال كالمعلوم تفصيلاً وحرمة مخالفته القطعيّة ولزوم موافقته . ولكن اختلفوا فمنهم من قال بجواز جريان الأصل في بعض أطرافه وورود الترخيص من الشارع فيه ومنهم من منع ذلك وقال بوحدة المناط في لزوم موافقته القطعيّة وحرمة مخالفته القطعيّة فاما أن يقال بالمنجزيّة ففي المقامين أو لا

تحرير محلّ النزاع في الشك في المكلّف به

ص: 6


1- . فوائد الأصول 3/325 .

يكون منجزا فيجوز مخالفته القطعيّة ولم يفكّك بين المقامين .

وفصّل المحقّق الخراساني قدس سره بين العلم والمعلوم وقال(1) بأنّه لا قصور في العلم الاجمالي وأمّا المعلوم فقد يكون فعليّا من جميع الجهات فيجب موافقته القطعيّة كحرمة مخالفته كذلك .

وقد لا يكون في ظرف الشكّ فعليّا من جميع الجهات فيجوز الترخيص في ارتكاب بعض أطرافه . وبعض الأساطين حيث لم يلتفت إلى كلام المحقّق الخراساني قدس سره فأعترض عليه في ذلك . وذهب جماعة إلى جواز ارتكاب الأطراف جميعا إلاّ بمقدار المعلوم بالاجمال ولكن يرد عليه انه حال ارتكابه للأوّل منها لا يعلم بوجود المكلّف به وانطباقه عليه فيجوز ارتكابه وهكذا وفي ارتكاب الآخر يحتمل كون المكلّف به غيره من الأفراد والأطراف التي خرجت عن تحت ابتلائه وارتكبها .

نعم بعد ارتكابه الذي به يرتكب المجموع يعلم بارتكاب الحرام في البين ولكن حصول العلم وتحصيله ليس بحرام اذ العلم بالكبرى وحدها لا يكفي في ترتب الحكم بالامتثال ما لم يعلم الصغرى وحيث تعدّدت الأفراد فكلّ فرد له حكم يخصّه اذ بتعدّد الأفراد ينحل الحكم لكلّ فرد يخصّه فاذا كان كلّ واحد بالخصوص مشكوك الحكم فكيف يقال بلزوم ابقاء واحد وهو الأخير ؟ وقد يقال بجواز ارتكاب الجميع وجريان الأصول المرخّصة وذلك لعموم أدلّتها للمقام كقوله ( كلّ شيء هو لك حلال(2) وكلّ شيء فيه(3) حلال وحرام فهو لك حلال

تفكيك بعض في موارد العلم بين المخالفة والموافقة

ص: 7


1- . كفاية الأصول 2/208 - 214 .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
3- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/1 من أبواب ما يكتسب به .

حتّى تعرف الحرام منه بعينه ) وهذه لا تحتمل العلم بالحكم الكلي بل تختصّ بالشبهة الموضوعيّة لتعبيره بالعرفان دون العلم وإن أمكن توجيه قوله ( بعينه ) فيه بكون المراد تطبيق الصورة العلميّة على الخارج وحصول الاعتقاد على طبقها فيتأكّد العلم وهذه عمدة أدلّتهم وإن كان لهم أدلّة أخر .

والشيخ

قدس سره لم يذكر في المقام رواية مسعدة(1) مع امكان الاستدلال بها ( كما ان صاحب العروة مال إلى الفتوى بجواز شراء ما في يد السارق اذا لم يعلم انه سرقة بعينه لرواية مسعدة ) كما يمكن الاستدلال بموثقة(2) سماعة في من أصاب من أموالهم فتصدّق ببعضه ووصل أرحامه ببعض وحجّ ببعض آخر تمسّكا بقوله تعالى: « إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ »(3) فردّه الامام علیه السلام بأنّ السيّئة لا تكفر خطيئة مثلها ) مع ان ذلك في مورد الأموال واحرى بالاحتياط فكيف بساير الأبواب ولكن الكلام ليس في مورد اليد كما هو مورد رواية مسعدة في محتمل السرقة كما لا نظر إلى الأموال المجهولة المالك كما لعلّه مورد رواية سماعة بل الكلام في قوله ( كلّ شيّ لك حلال ) وأمثاله .

تكميل وتتميم: اعلم ان مبنى الشيخ قدس سره لزوم الاحتياط في الشبهة المحصورة ومحلّ الكلام هي الشبهة الموضوعيّة التحريميّة لكن يشكل عليه اطلاق أدلّة الأصول المرخّصة لموارد العلم الاجمالي كالشبهة البدويّة لأن قوله في بعض تلك الاخبار حتى تعرف الحرام منه بعينه لا يناسب كون الغاية هو العلم ولو اجمالاً بل الغاية هو العلم التفصيلي وكون الحرام مميّزا معلوما بحيث يكون

في جريان الأصول المرخصة وعدمه في أطراف العلم الاجمالي

ص: 8


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/2 من نفس الأبواب .
3- . سورة هود: 115 .

قابلاً للاشارة الحسيّة إليه .

وهذا ممّا لا يمكن في مورد العلم الاجمالي ولو فرض تعلّق العلم بحرمة أحدهما لأن كلّ واحد منهما لا يمكن أن يشار إليه بأنّه هو الحرام والعلم بحرمة أحدهما ليس إلاّ عنوانا انتزاعيّا لا وجود له خارجا وحقيقة ( غير ) الطرفين ومجرّد العلم بالكبرى الكليّة لا يفيد ما لم ينضم إليه الصغرى الوجدانيّة كي ينتج لزوم الاجتناب وعلى هذا فنتيجة ملاحظة أدلّة الأصول مع الأدلّة الواقعيّة للأحكام هو تقييد موضوع تلك الأدلّة بصورة العلم التفصيلي وان الخمر اذا كانت معلومة تفصيلاً فتكون حراما والا ففي صورة الشكّ في كونها خمرا حلال لا ظاهرا بل واقعا وهذا لا يستلزم التصويب المجمع على بطلانه اذ هو في مورد الأحكام بأن يكون العلم بالحكم موضوعا له ولم يكن الحكم في حق الجاهل بل مخصوصا بالعالم وتفصينا في موارد عدم الحكم على الجاهل به بنتيجة الاطلاق والتقييد أو غيرها فراجع .

ولكن لا مانع من تقييد موضوع الحكم بالعلم به تفصيلاً كما في ساير الأوصاف فيكون معلوميّته أيضا واحدا من الأوصاف واذا لم يحرز هذا الوصف لم يترتب عليه الحكم .

اترى ترتب الحكم المرتب على العالم العادل على العالم المجهول عدالته ما لم يحرز عدالته وكذلك العادل المجهول كونه عالما فكذلك المقام لا مجال لترتب الحكم على المجهول كونه خمرا أو نجسا . وعلى هذا فتختص أدلّة البرائة وحديث الرفع بالشبهة الحكميّة ولزوم الجمع ين الحكم الظاهري والواقعي ومحذوره آتٍ هنالك دون المقام .

اشكال الاستدلال

ص: 9

ولا يمكن التفصّي عن هذا الاشكال في الجمع بين الحكمين في خصوص الحليّة والحرمة ولو قلنا بعدم تزاحم للأحكام الا في مقام المحركيّة ولا مجال للاشكال في سند هذه الروايات ولا في دلالتها ولا اعراض للمشهور عنها بل لو ثبت الاجماع فهو معلوم الملاك لا اعتبار به في مخالفة هذه الروايات وظهوراتها .

والتجأ الشيخ قدس سره (1) في مقام الجواب بالاستبعاد ولكنّه كما ترى لا يكون شبهة في مقابل دلالة الروايات بل ظاهرها عدم الحكم واقعا ولا استبعاد فيه اذا كان مقتضى الجمع بين الأدلّة . ولا حاجة حينئذٍ إلى الالتزام بجعل البدل بعدم ارتكاب مقدار المعلوم اجمالاً حذرا عن لزوم المخالفة القطعيّة كما ذهب إليه بعض إذ ذلك في فرض منجزيّة العلم وتعلّقه بالحكم وعلى فرض اختصاص الحكم بصورة العلم بموضوعه تفصيلاً لا علم للحكم .

نعم ولو كان العلم اجمالاً بموضوعه .

ثمّ انّ الشيخ قدس سره أورد على نفسه أسألة وأجاب عنها والانصاف انه قدس سره أتى

في المقام بما لا مزيد عليه وألجأه المستشكل أخيرا بنقضه بموارد العلم التفصيلي بالمخالفة كما أفتى المشهور فيما إذا أقر بما في يده لزيد ثمّ لعمرو ثمّ لخالد بلزوم

دفع ما في اليد إلى الأوّل وغرامته بقيمته للآخرين وقالوا بجواز معاملة ثالث للثلاثة بأن يبيع ويشتري إلى أن يحصل له العلم التفصيلي بحرمة بعض ما في يده ومع ذلك جوّز له الشارع مخالفة هذا العلم التفصيلي فكيف بالعلم الاجمالي .

ويمكن الجواب عن هذا النقض بالموضوعيّة في باب الاقرار وحكم

الحاكم كما أشرنا إلى جواب هذا الاشكال ومورد تلف أحد الدراهم الثلاث عند

أسألة والجواب عنها

ص: 10


1- . فرائد الأصول 2/404 وما بعده .

الودعى وان لازمه الاشتراك في ما بقي في يده وما ذهب ذهب منهما .

تنبيه هامّ: لا اشكال عند الأصحاب في عدم وجوب الاجتناب في الشبهة الموضوعيّة وجوبيّة كانت أو تحريميّة وليس ذلك إلاّ لانحلال الحكم إلى أحكام متعدّدة حسب تعدد الأفراد . فمن ذلك إذا جهل الموضوع يكون منشأ الشكّ في تحقّق الحكم فيه فيجري البرائة كما ذكرنا في مبحث البرائة وإلاّ فلو فرض عدم الانحلال وعدم رجوع قوله اجتنب عن النجس أو لا تشرب النجس أو لا تأكل الحرام إلى السالبة المحصلة بل إلى المعدولة فاللازم في مقام الفراغ اجتناب الأفراد المشكوكة لامتثال الحكم المجعول في البين وصيرورته لا شاربا للخمر أو للنجس ( ولا يكون جريان البرائة في الشبهات الموضوعيّة راجعا إلى التصويب كما في الشبهات الحكميّة حيث أجبنا عن شبهة التصويب وجمعنا بين الأحكام الظاهريّة والواقعيّة ) هذا حال الشبهات البدويّة .

أمّا في أطراف العلم الاجمالي فقد ذكرنا ان مقتضى الجمع بين الأخبار المرخّصة والأدلّة الواقعيّة لاجتناب المحرّمات وتحريمها تقييد الموضوعات للأحكام بصورة العلم بها تفصيلاً فانّه لو لا أدلّة الترخيص كان الحكم متحقّقا بتحقّق موضوعه إن كان معلوما فمعلوم بتبعه وإن كان مشكوكا فالحكم أيضا مشكوك لكن مقتضى الجمع بينهما تقييد موضوع الاجتناب والحرمة بصورة تميز الموضوع تفصيلاً كما في ساير موضوعات الأحكام فلا يترتب الحكم الا على صورة تحقّق موضوعه بتمام قيوده وما له الدخل فيه كما في استطاعة الحج حيث انه إنّما يجب الحجّ اذا صار مستطيعا بقيوده المعتبرة فيه وبانتفاء أحدها لا يكون الموضوع فعليّا متحقّقا . ولا مجال لترتب الحكم عليه كما انه بتحقّقه يستحيل

عدم وجوب الاجتناب في الشبهة الموضوعيّة

ص: 11

تخلّف الحكم عنه للخلف والمناقضة ولا يستلزم تقييد موضوع الحكم بالعلم به تفصيلاً للتصويب كما أشرنا إليه لا للدور اذ ما هو المستحيل أن يكون العلم بالحكم أو بشيء آخر دخيلاً في قوامه ولا يتحقّق إلاّ بالعلم به وذلك للزوم تعلّق العلم بشيء فما لم يكن هناك شيء لا معنى لتعلّق العلم به فكيف يتحقّق بالعلم الحكم أو ما اشترط العلم به في تحقّقه حتّى انه يستحيل أخذه قيدا بنتيجة التقييد .

نعم ما هو الممكن كون العلم بالانشاء موضوعا للفعليّة .

إن قلت مقتضى ما ورد انه ما من واقعة إلاّ وفيها حكم مشترك فيه بين العالم والجاهل ان النجاسة المعلومة اجمالاً لا تفصيلاً للّه فيها حكم فكيف تقول بعدم لزوم الاجتناب عنها والمصير إلى الاباحة .

قلت: مضافا إلى ان هذا مخصوص بالأحكام لا بالموضوعات ذاك مستفاد من الجمع بين الأدلّة وقلنا انه لم يثبت اعراض عنها ومقتضى ذلك يكون الخمر المشكوكة والنجاسة غير المعلومة حلالاً واقعا ولا مانع من ذلك لوقوع نظائر له في الفقه .

منها: النجاسة الخبيثة في الصلاة فانّها لا تكون مانعة إلاّ إذا كانت معلومة كما يستفاد من الرواية(1) الواردة في انه اذا كان جاهلاً أو لا يعلم بأن في ثوبه عذرة انسان أو سنور أو كلب فلا يعيد صلاته .

نعم لابدّ له في دخول الصلاة من مجوّز وما يعتمد عليه كما انه اذا صلّى غفلة فلا مانع .

ومنها في باب الغصب موضوعا وحكما فلا يكون مانعا بوجوده الواقعي

مقتضى الجمع بين الأدلّة والموضوعات

ص: 12


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 40/5 من أبواب النجاسات .

في الصلاة بل اذا كان معلوما ومعلوم الحكم عند المصلّى فيكون حينئذٍ معه الصلاة باطلة وبالجملة فليس بعديم النظير في الفقه .

إن قلت: فعلى هذا لا مجال لاطلاق الشبهة على الموضوع المشتبه إذا كان حكمها واقعا الحليّة مع ورود هذا العنوان واطلاقه في كثير من المقامات كما في رواية التثليث(1) ( حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجى من المحرّمات ومن ارتكب ( أخذ ) بالشبهات وقع في المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم .

قلنا: لا ينحصر الشبهة بالموضوعيّة بل يبقى الشبهات الحكميّة فهذه الاطلاقات ناظرة إليها ولا محذور فيه .

ولكن التحقيق ان هذه الأخبار متخالفة في حدّ نفسها بلا احتياج إلى المعارض الخارجي وذلك لأن قوله ( كلّ شيء(2) فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبداً حتّى تعرف الحرام منه بعينه ) يستفاد منه تحقّق الحرام والحلال المشكوكين وإلاّ فلا معنى لجعل الحليّة في ما إذا كان حلالاً واقعا وهذا لا يناسب كون المشكوك انه خمر أو مذكّى حلالاً واقعا ومعه لا مجال للحلال والحرام بل كلّه حلال ولا يمكن مع فرض الحليّة الواقعيّة جعلها ثانيا كما انّه يتوجّه الاشكال في قوله(3) كلّ شيء لك حلال حتّى تعرف انّه حرام بناءً على استفادة أحكام ثلاثة منها أحدها راجع إلى الأشياء بعناوينها الأصليّة والثاني راجع إلى الاستصحاب وابقاء هذا الحل إلى حال العلم بالحرمة والثالث إلى المشكوك المشتبه الخارجي .

ص: 13


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 12/9 من أبواب صفات القاضي .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/1 من أبواب ما يكتسب به .
3- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به مع تفاوت في اللفظ .

فعلى هذا لا مجال للالتزام بالحليّة الواقعيّة للمشكوك .

نعم ظاهرها جعل الحليّة ظاهرا وهذا لا ينافي الحرمة الواقعيّة فتدبّر جيّدا .

فذلكة البحث: قد تكرّر ذكر الاشكال في دلالة هذه الأخبار وقلنا ان مقتضى الجمع بينها وبين أدلّة المحرّمات الواقعيّة هو التقييد .

ولكن يدفع هذا الجمع ويطرده عدم امكان التقييد الواقعي فيها لا من جهة استحالة أخذ العلم بالموضوع جزءا له أو شرطا للحكم لأنّه بمكان من الامكان وليس كالعلم بأصل الحكم في الاستحالة كما أشرنا إليه سابقا بل لدلالة هذه الأخبار أنفسها على الحرمة في صورة الجهل تفصيلاً لأن قوله ( كلّ شيء(1) فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبداً حتّى تعرف الحرام منه بعينه ) ظاهره ثبوت الحرمة مع قطع النظر عن العلم كما ان رواية(2) عامل بني أميّة وصورة الاختلاط

غير مرتبط بما نحن فيه بل لابدّ بملاحظة الروايات(3) الاخر الواردة في باب الخمس من العمل بالمختلط تارة بتطهيره بالخمس والتصرّف في الباقي واخرى بالتصالح إلى غير ذلك من صور المسئلة وظاهر ما دلّ على طهارته بالخمس اثبات الحرمة فيه في ظرف الجهل بعين الحرام كما ان صورة الاشتباه لو الحقناها بصورة ( الخلط ) فكذلك وإلاّ فلها حكم آخر كما مرّ في باب بيان شرايط تنجيز العلم الاجمالي .

والحاصل فلا يمكن تقييد أدلّة الواقع بالعلم به تفصيلاً .

نعم غاية ما ثبت من هذه الأخبار هو ثبوت الحليّة والرخصة في ظرف

ص: 14


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/1 .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/2 .
3- . وسائل الشيعة 9 الباب 1/1 - 4 من أبواب ما يجب فيه الخمس .

الجهل وإنّما الكلام في ان العلم الاجمالي كالتفصيلي غاية للرخصة والحليّة أم لا ؟ وحيث ان لسان الأدلّة مختلف فظاهر قوله علیه السلام في حديث(1) الرفع وعدّه من التسعة ما لا يعلمون تبدّل الموضوع بالعلم لخروجه عن ما لا يعلمون وظاهر كلّ شيء لك حلال تغيي الحكم بالحليّة إلى حال العلم وحينئذٍ فالعلم الاجمالي كالتفصيلي غاية في هذه الأخبار لكونه علما بالحرام الموجود في البين .

نعم يمكن دعوى ظهور الغاية في بعض هذه الأخبار بكونه علما تفصيلاً فلا يشمل العلم الاجمالي كما في مورد الترخيص في شراء ما في يد السارق ما لم يعلم انه سرقة بعينه وقوله(2) حتى تعرف انه حرام بعينه لعدم تأتي التوجيه المذكور في الرواية الاخرى المتضمّنة لقوله كلّ شيء هو(3) لك حلال حتّى تعرف انه حرام أو تعرف انه حرام بعينه فيه حيث انه قيل في تلك الرواية بكون قوله بعينه تأكيد لتقرير كون الغاية هو العلم .

ولكن يمكن منع هذا الظهور . وكيف كان فلو قلنا بكون العلم الاجمالي كالتفصيلي في عدم جواز المخالفة القطعيّة فهل يجوز الاذن في بعض أطراف الشبهة بعد عدم جوازه في جميع أطرافها لكونه اذنا في المخالفة القطعيّة ؟ الحق انه لا يجوز وذلك لعدم الدليل على أحدها تخييرا كما لا دليل على أحدها بعينه وهذه الاطلاقات لا تصلح لاثبات التخيير ولا الاذن الخاص كما لا يخفى . نعم لو ورد دليل خاص بالاذن في ارتكاب بعض الأطراف فهو موجب للعلم بجعل الطرف الآخر بدلاً عن الواقع فلا مانع من ارتكاب المأذون فيه .

عدم تقييد أدلّة الواقع بالعلم تفصيلاً

ص: 15


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 30/2 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 .
3- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/1 من أبواب ما يكتسب به مع تفاوت لما في المتن .

بيان آخر: لا يخلو من اعادة لبعض ما تقدّم .

ظاهر ما ورد من روايات المقام المشتمل على لفظة بعينه تميز الحرام بشخصه وخصوصه في الخارج ولا عبرة بما وجهوها به لكونه خلاف الظاهر .

نعم هذه الروايات مع ما ورد في مورد الاشتباه مشتملاً على عنوان الاشتباه أو عنوان الاختلاط وانه(1) اذا اختلط الحرام بالحلال أو اذا اشتبه الحرام بالحلال مع استفاضة مضامين بعضها ممّا يورث القطع بصدور مضمون منها في الجملة يفيدنا استواء الجاهل والعالم بالأحكام وذلك بضميمة الاجماع المدّعى على عدم تقيّد الأحكام بالعلم كافٍ في المقام كما انه يستفاد منها عدم دخل العلم بالموضوع في ترتب الحكم المجعول عليه . والافلا معنى لاختلاط الحلال بالحرام أو اشتباهه اذ بمجرّد الشكّ في حرمته أو في كونها ميتة نقطع بعدم الحرمة أو بعدم النجاسة فكيف يمكن اختلاط الحرام بغيره مع فرض أخذ العلم بالموضوع دخيلاً في الحكم . وهذا مضافا إلى عدم دخل للعلم والجهل بالمصالح والمفاسد وملاكات الأحكام التي تترتب عليها .

نعم لا ننكر انّ للواهمة حظّا وافرا في تصوير ما يضرّ ولا حقيقة له بأن يكون التأثير بمجرّد الخيال لكن ليس الكلام فيه .

وعلى هذا فلابدّ بملاحظة ما ذكرنا استظهار غيره من الباقي من روايات الباب .

أمّا قوله علیه السلام: كلّ شيء هو(2) لك حلال حتّى تعرف الحرام منه بعينه أو انه

ص: 16


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/2 من أبواب ما يكتسب به مع تفاوت لما في المتن .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

حرام فيحتمل فيه في بادي الأمر أمور:

منها: تعلّق الجارّ والمجرور بالشيء بأن يكون المعنى كلّ ما هو في سلطانك وتحت تصرّفك فهو حلال حتّى تعرف انه حرام أي غصب مثلاً وعلى هذا فالظرف لا يتعلّق بالخبر وهو حلال . لكن ذلك خلاف الظاهر لكون الظرف متعلّقا بالخبر تقدّم عليه توسّعا .

ومنها: كون الشيء يردا به الشيء بعنوانه الأولى ومعناه على هذا كلّ شيء بعنوانه الاولى والواقعي حلال حتّى تعرف انه حرام بمعنى استمرار هذه الحليّة إلى أن تعلم انّه حرام ولكن هذا المعنى ينافي عناوين المحرّمات لوقوع المعارضة على هذا بينه وبين أدلّة المحرّمات التي ثبتت الحرمة لها بالعنوان الاولى . ومنها الشيء بعنوان كونه مشكوك الحكم فهو لك حلال حتّى تعرف انه حرام .

وعلى هذا يقع الاشكال في الجمع بين الحكم الواقعي للشيء وحكمه الظاهري .

قد أجيب عنه بوجوه مذكورة في محلّه . أحسنها ما اختاره المحقّق الخراساني من الانشائيّة والفعليّة ومن روايات المقام قوله علیه السلام: كلّ شيء(1) فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام منه بعينه . وظاهر لفظة في الظاهرة في الظرفيّة وجود القسمين فيه بالفعل فيشمل الشبهة الحكميّة التي علمنا بكون شيء حراما وشيء آخر حلالاً ولم نعلم الحرام من الحلال بالموضوع كما انه يشمل الشبهة الموضوعيّة .

ولكن الظاهر اختصاصه بما يتحقّق فيه وجود القسمين بالفعل لا ما إذا

الكلام في مفاد كلّ شيء لك حلال حتّى تعرف الحرام منه بعينه

ص: 17


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/1 .

ينقسم هو في حدّ نفسه إلى قسمين وصنفين كالميتة والمذكّى . فحينئذٍ يكون المعنى كلّ شيء فيه القسمان فهو أي ذاك الشيء لك حلال أي حرامه وأمّا الحلال فحلال حتّى تعرف انه حرام أي تشخص وتميّز قسمه الحرام هذا . ولكن ربما ينافي ما يستفاد من هذه الأخبار على بعض الوجوه وهو جواز التصرّف فيه اذا لم يميّز الحرام أخبار اخر مخالفة ومعارضة لها وهي أكثر عدداً وأوضح سنداً منها، ورد الأمر فيها بالاجتناب عن الشبهة المحصورة في عدّة موارد في الشرع كمسئلة المائين المشتبه طاهر هما بالنجس وأمر الامام علیه السلام (1) باهراقهما والتيمّم .

ومنها: ما ورد(2) في الصلاة في الثوبين المشتبهين .

ومنها: ما ورد(3) في الثوب المشتبه والأمر بغسل جميعه .

ومنها: ما ورد في(4) الجبن وانه اذا اختلط المذكّى بالميتة فلا تأكله . ويؤيّد هذا المضمون القريب من التواتر أو المتواتر قوله في المرسل الوارد(5) ( اترك ما لا بأس فيه لما فيه البأس ) وهذه الروايات مقدّمة على تلك لعدم صلاحيتها للمعارضة .

وقد تحصّل من مضمون هذه الأخبار الكثيرة ان الأحكام يستوي فيها العالم والجاهل وليس الحكم مخصوصا بالعالم .

كما يستفاد منها كما تقدّم عدم اشتراط الحكم بالعلم بموضوعه وحينئذٍ

ص: 18


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 64/2 من أبواب النجاسات .
2- . وسائل الشيعة 3 الباب 64/1 من أبواب النجاسات .
3- . وسائل الشيعة 3 الباب 7/1 - 3 من أبواب النجاسات .
4- . وسائل الشيعة 24 الباب 64/1 من أبواب الأطعمة المحرّمة .
5- . فرائد الأصول 2/414 مع تفاوت في اللفظ .

فيتعين حمل الحليّة الواردة فيها على الحليّة الظاهريّة وسيجيء الكلام فيها والجواب عن الأخبار المرخصة والاشكال الراجع إلى بعض هذه المعارضات .

أمّا رواية مسعدة بن صدقة(1) فلا تصلح للاستدلال بها في المقام حيث ان محلّ البحث والنزاع في الشبهة المحصورة التي قد تحقّق العلم بالتكليف المنجز الجامع للشرايط الخمسة التي ذكرت في منجزيّة العلم الاجمالي التي ترجع في الحقيقة إلى كونه علما بالتكليف . كما ان اللازم في تحقق التكليف كون أطراف الشبهة محلّ الابتلاء وما دلّ على جواز التصرّف في الأموال المشتبهة كرواية(2) أموال بني اميّة وأمثالها لا يمكن الأخذ باطلاقها لما ثبت من كون مطهر الشبهة الماليّة واختلاط المال الحلال بالحرام هو الخمس على ما تقدّم إليه الاشارة مضافا إلى عدم كون تمام أموال الظالم محلّ الابتلاء بل له يد على ما يأخذه الانسان منه واليد تكون امارة الملكيّة في كلّ مورد يحتمل أن يكون ملك ذي اليد . وبهذا يظهر الجواب عن رواية مسعدة في مورد السرقة إذ ليس كلّ ما عند السارق من أموال السرقة .

نعم غاية الأمر العلم بشمول أمواله على مال الناس إلاّ ان اليد امارة للملك بل يمكن الاشكال في ما ذكر من كون مورد رواية مسعدة من موارد العلم الاجمالي والشبهة المحصورة بعدم كونه كذلك بل من الشبهة البدوية لعدم العلم الاجمالي بين كون هذه الرضيعة أو غيرها مضافا إلى جريان الأصل الموضوعي وهو اصالة عدم الرضاع . نعم في محتمل الاختيّة لا يجري الا أصل العدم الأزلي لو قلنا به .

مفاد رواية مسعدة ورواية أموال بني اُميّة

ص: 19


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/2 من أبواب ما يكتسب به .

فهذه الرواية وأمثالها خارجة عن محلّ البحث لوجود الامارة في بعض موارد الاشتباه والأصل الموضوعي في آخر .

أمّا الاشكال في مورد الثوب فيمكن أن يقال ان اللازم في باب الصلاة هو احراز الطهارة في الثياب كما ان اللازم في الطهارة من الحدث احراز اطلاق الماء وطهارته . فحينئذٍ لو كان محتمل الاضافة ولو لم يكن مورد الشبهة لا يكتفي بالوضوء به وأمّا مورد النجس يمكن الاشكال فيه بعدم صدق الخلط على صورة الاشتباه بل الخلط عبارة عن حصول قرب بين المختلطين بحيث ينضم بعضهما إلى بعض بلا تميز بينهما وإن كان أوسع من المزج حيث ان في المزج لا تميز أصلاً كما اذا مزج اللبن الطاهر بالنجس وجعله جبنا . ومجرّد اشتباه الطاهر بالنجس لا يكفي في صدق الخلط بل الخلط من أفراد الاشتباه وليس كلّ اشتباه خلطا . وحينئذٍ ففي مورد الخلط لا مضايقة من الالتزام بعدم جواز الأكل فلا يكون شاهدا على محلّ البحث .

نعم يبقى الأمر بالاهراق(1) ورواية قطيع(2) الغنم شاهدين قويين على منجزية العلم الاجمالي والا فلو يجري أصل الطهارة في الماء لكونه مشتبها فيجوز الطهارة به ويصحّ ولا ينتقل الفرض إلى التيمّم كما انّ الاجتناب عن تمام القطيع قبل اخراج الواحد منه بالقرعة شاهد على ذلك .

لا يقال فنلتزم في ساير الموارد أيضا بالقرعة كما في مورد الرواية اذ لو كانت هي على القاعدة من منجزيّة العلم الاجمالي ووجود المقتضي وعدم المانع

ص: 20


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 64/2 من أبواب النجاسات .
2- . وسائل الشيعة 24 الباب 30/1 - 4 من أبواب الأطعمة والمحرّمة .

الا أخبار الحلّ التي أجبنا عنها أو بصدد الجواب عنها فاللازم الالتزام بالقرعة في جميع موارد العلم الاجمالي ونخرج الحرام والنجس بها .

لأنّا نقول محلّ الاستشهاد بالرواية لزوم الاجتناب قبل الاخراج من جميع القطيع وليس ذلك إلاّ من جهة منجزيّة العلم الاجمالي . هذا مضافا إلى الاجماع المركّب ممّن قال في مورد الرواية بمضمونها القول بالاجتناب في ساير المقامات ولم يفصل أحد بين موردها وبين ساير الموارد كما انه لا مجال للاشكال في ذلك بكون هذه الرواية اخصّ من روايات حلّ المشتبه بالشبهة المحصورة فنخصّص ذلك العموم بهذا الخاصّ .

تكميل وتوضيح: قد تحصّل ممّا ذكرنا ان الروايات على قسمين فقسم منها يمكن استظهار موافقته للقاعدة من منجزيّة العلم الاجمالي كرواية(1) الغنم المشتبه في القطيع ورواية المائين(2) المشتبهين ( وبعض ما(3) ورد مشتملاً على عنوان الخلط أو الاشتباه ) وقسم يخالف القاعدة ومحصّله الترخيص في ارتكاب تمام الأطراف ويمكن المنع من دلالة الروايات الموافقة للقاعدة على منجزيّة العلم الاجمالي .

أمّا رواية الغنم فباحتمال خصوصيّة المورد كما ان القرعة مختصّة بها ولا يمكن القول بها في مورد الانائين المشتبهين بل لا يجري في مورده غير القرعة حيث انها كما حرّر في محلّه إنّما تجري في مورد لم يمكن الخروج عن الحيرة بامارة ولا أصل ولو أصلاً عقليّا كما انه يمكن المنع من دلالة رواية الانائين وان له

الروايات على قسمين

ص: 21


1- . وسائل الشيعة 24 الباب 30/1 - 4 من أبواب الأطعمة المحرّمة .
2- . وسائل الشيعة 3 الباب 64/2 من أبواب النجاسات .
3- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/2 - 4 من أبواب ما يكتسب به .

خصوصيّة في باب الطهارة وتحصيل شرط الصلاة .

لكن الاشكال في روايات(1) الحل الشاملة لأطراف العلم الاجمالي فان مقتضاها كون العلم الاجمالي كالشكّ البدوي وهذا كما تقدّم من قبل يخالف ما استظهرناه من الأخبار السالفة من عدم تقييد الأحكام بالعلم بها ولا أخذ العلم جزءً الموضوعاتها في ترتّب الحكم عليها فحينئذٍ الميتة بوجودها الواقعي حرام بلا تقيد بصورة معلوميّة موضوعها وتميزها وذلك ممّا يمنع ورود الترخيص في ارتكاب جميع الأطراف لأنّه إمّا أن يكون الميتة بوجودها الواقعي حراما ولازمه تنجز التكليف بالاجتناب عنها بالعلم الاجمالي .

وهذا ينافي الترخيص لرجوعه إلى التناقض حيث ان في الترخيص لارتكاب تمام الأطراف ترخيصا في مخالفة الحكم بحرمة الميتة وذلك ترخيص في المعصية يأبى عنه العقل .

وامّا أن يؤخذ بتلك الترخيصات ولازمه تقييد الميتة في حرمتها بكونها معلومة تفصيلاً . فحينئذٍ لا مجال بعد فرض عدم تقييد الموضوع بالمعلوميّة والتميز تفصيلاً للترخيص في ارتكاب جميع أطرافه لكونه ترخيصا في المعصية وهو غير جائز بحكم العقل .

نعم لو لم يكن التكليف واصلاً إلى مرتبة البعث والمحركيّة لما كان هناك مانع عن الترخيص في مخالفته .

ولا مانع من ورود الترخيص في ارتكاب أحد الأطراف بمعنى الابقاء على مقدار الحرام والاذن في ارتكاب الباقي لعدم لزوم مخالفة عمليّة ولا العلم ولا

ص: 22


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/2 - 4 من أبواب ما يكتسب به .

يكون هو ترخيصا في المعصية إلاّ انّه يحتاج إلى الاذن بالخصوص لعدم وفاء الأدلّة العامّة بذلك . لعدم شمول كلّ واحد منها وشمول أحدها بعينه ترجيح بلا مرجّح ولا بعينه لا مصداق له ولا يدلّ عليه . وهذا كما في ساير الأصول حيث قلنا بعدم اثباتها وتكفلها للوازمها العادية والعقليّة بالأدلّة العامّة ولا مانع من اثباتها

بالدليل الخاص ولو كانت بوسائط عديدة . ولكن هذا الممكن لا دليل عليه في مقام الاثبات .

وربّما يتوهّم انه مقتضى الجمع بين الترخيصات الظاهريّة وأدلّة المحرّمات الواقعيّة حيث انه لو أخذنا بتلك الأدلّة محضا فاسقطنا الترخيصات كما انه لو أخذنا بها فاسقطنا الأدلّة الواقعيّة فالجمع بينهما بابقاء مقدار الحرام وتحريم ارتكابه لأدلّة تحريم المحرّمات وجواز ارتكاب الباقي لهذه الترخيصات .

ولكنّه توهّم فاسد لا مجال له اذا لحكم الظاهري لا يمكنه أن يزاحم الأحكام الواقعيّة كي يجمع بينهما بما ذكر نعم قلنا بجواز الترخيص والاذن في ارتكاب بعض الأطراف ويكون سلوك الدليل الدال على الاذن والرخصة جابرا للمفسدة الكائنة في المحرّم على فرض مصادفة الاذن للحرام الواقعي في البين .

ثمّ انّه يمكن أن يقال وإن لم يكن هنا دليل خاص على ارتكاب الزائد على مقدار الحرام ولا انه ممّا يمكن أن يكون مقتضى الجمع بين الطائفتين من الأدلّة ولكن حيث ان الترخيص في كلّ الأطراف مناقض للمعلوم بالاجمال فلذا يرفع اليد عن جريان الأصل بقدر الضرورة وما يرتفع به المناقضة ويجري في الزائد من هذا المقدار الباقي لانحفاظ مراتب الحكم الظاهري الثلاث فيه من كونه مشكوكا مجهولاً في رفعه منة حيث ان الضرورة تتقدّر بقدرها فلا وجه لمنع جريانه في

ص: 23

الباقي وهذه شبهة قويّة لابدّ من الجواب عنها .

توضيح وتكميل: قد علم ممّا ذكرنا ان العلم ليس من الشرايط العامّة ولا الخاصّة للتكاليف وفعليّتها بل هو شرط التنجز وموضوع حكم العقل بالامتثال فاذا تحقّق الموضوع بجميع ما له الدخل من القيود والشرايط خارجا فالحكم يكون فعليّا بفعليته ويترتب عليه كترتب المعلول على علّته وترتبه يكون ترتبا طبعيّا فاذا فرض تخلّف الحكم عن الموضوع فاما أن يكون بتقيد الحكم بالعلم به وهومحال ادّعى عليه الاجماع بل لا يمكن ذلك حتّى بنتيجة التقييد واما أن يكون بتقيد الموضوع في ترتب الحكم عليه بكونه مميّزا خارجا والفرض بطلانه على ماسبق . وامّا أن يكون بالنسخ ورفع الحكم وهو أيضا باطل خلاف الفرض . فحينئذٍ لابدّ من تحقّق الحكم بتحقّق موضوعه ويستحيل تخلّفه عنه للمناقضة . فاذا كان تحقّق الموضوع معلوما فالحكم أيضا معلوم وإذا كان مشكوكا فالحكم كذلك وذلك لانحلال الحكم بتعدّد أفراد الموضوع ويتكثر بتكثرها ولو لا ذلك لما كان جريان البرائة في الشبهة الموضوعيّة ممكنا بل اللازم الاجتناب عن كلّ ما احتمل فرديّته للموضوع لكون القضيّة السالبة معدولة لا محصّلة . ومن المعلوم انّ ترك الطبيعة بترك جميع أفرادها ولا يحصل العلم به إلاّ بالاحتناب عن الأفراد المشكوكة أيضا ويكون جريان البرائة في الشبهة الموضوعيّة لمعلوميّة الحكم والعلم بحرمة الخمر مثلاً أصعب من جريانه في الشبهة الحكميّة لعدم العلم به فليس ذلك إلاّ للانحلال . فعلى هذا يجوز ورود الترخيص الشرعي في الشبهة الموضوعيّة البدويّة لعدم المانع منه ولكن لا مجال له في الشبهة المحصورة لرجوعه إلى المناقضة اما واقعا وفي اعتقاد المكلّف معا أو فيه خصوصا إذ لو كان

ص: 24

علم المكلّف بوجود الحرام والنجس في البين وكان الشكّ في كون هذا مصداقه أو ذاك وهكذا بتعدّد الأفراد حيث ان مرجع العلم الاجمالي إلى قضيّة معلومة وقضايا مشكوكة بتعدّد الأفراد . فحينئذٍ اما أن يكون الحرام محقّقا واقعا في البين فالحكم بالاجتناب عنه أيضا فعلي لما عرفت ويمتنع الترخيص الشرعي في ارتكاب الطرفين اذ بحكم العقل لا يجوز مخالفة التكليف المعلوم المنجز في البين وليس حكمه معلّقا على عدم ورود الترخيص الشرعي بل يتنجز في حرمة المخالفة والعصيان فالترخيص الشرعي في ارتكاب كلا الطرفين لا مجال له للمناقضة فلابدّ إمّا من رفع اليد عن الحرام الواقعي المحقّق في البين بأحد الأنحاء المذكورة

آنفا أو انه لا مجال لهذا الترخيص لكونه ترخيصا في المعصية ومناقضة في الواقع لكون الشيء حراما وغير حلال وحلالاً وحراما كما انه اذا لم يكن الحرام في البين بل إنّما علم المكلّف على خلاف الواقع فلا يجوز في نظره أيضا الترخيص لكونه مناقضة في اعتقاده . اذ لابدّ في الحكم الظاهري من اجتماع ثلاثة قيود كون الموضوع مشكوكا وقابلاً لجعل الحكم فيه ويمكن للمكلّف امتثاله ولم يكن فيه مخالفة قطعيّة لتكليف . وفي المقام وإن كان ( القيد الأوّل ) حاصلاً لكلّ واحد من المشتبهين ولا مانع من جريان الأصل فيه وحده ولكن حيث يعلم في بعض الأصول بكذب أحدهما وفي آخر يلزم المخالفة العمليّة ولا يمكن ترتيب الأثر عليهما معا فيمتنع جريان الأصل في الأطراف كما تقدّم نظير ذلك في دوران الأمر بين المحذورين وقلنا انه لا يكون مقام الجعل محفوظا والا لأمكن أن يقال بجريان الأصل في كلّ واحد وكونه حلالاً ظاهريّا ومرجعه إلى تجويز المخالفة القطعيّة تدريجا .

العلم ليس إلاّ شرط التنجّز

ص: 25

نعم يمكن دعوى جريان الأصل في طرف واحد من الطرفين أو في الزائد على مقدار الحرام من الأطراف لانحفاظ الرتب جميعها فيه ولا يلزم المخالفة القطعيّة .

هذا بناء على كلام غير المحقّق الخراساني وأمّا هو قدس سره فتكرّر في كلامه انه لا قصور في العلم بل القصور في المعلوم .

نتيجة البحث: قد تلخّص ممّا تقدّم ان العلم الاجمالي ليس كالشكّ البدوي يمكن فيه الترخيص في تمام الأطراف لكونه ترخيصا في المعصية وهو قبيح عقلاً لا يحتمل صدوره من المولى الحكيم لكون العلم علّة تامّة لحرمة المخالفة .

نعم له الاقتضاء في الموافقة القطعيّة وليس علّة تامّة فيمكن منع هذا الاقتضاء بورود الترخيص الشرعي في أحد الأطراف لكنه يحتاج إلى دليل ومعه يكون الشارع قد جعل الطرف الآخر بدلاً عن الواقع .

ولو قامت امارة على نجاسة أحد الانائين بعينه فحيث انه يكون حجّه في لوازمه فيجعل الطرف الآخر طاهرا بلازمه فلا مانع من جريان الأصل النافي فيه بلا ريب ولا اشكال كما انه اذا علم بالنجس في البين بعينه ينحل العلم ولا مانع من جريان الأصل حينئذٍ .

أمّا جريان الأصول المرخّصة النافية في أطراف العلم الاجمالي فلابدّ من انحفاظ أمور ثلاثة رتبة الجهل والجعل وعدم لزوم مخالفة تكليف الزامي .

والرتبة الأولى منحفظة في جميع أطراف العلم الاجمالي لأن كلّ طرف بعينه مشكوك مجهول كما ان رتبة الجعل كذلك في كلّ طرف بعينه لعدم مخالفة

ص: 26

جريان الأصل في طرف لجريانه في طرف آخر ويكون نظير جريان الأصل لكلّ من المشتركين في الثوب النجس فان أصل كلّ إنّما يجري في حقّ نفسه دون نفسه وصاحبه .

وأمّا الرتبة الثالثة فكذلك إذا كان المعلوم بالاجمال غير الحكم الالزامي بخلافه إذا كان حكما الزاميّا وعلى هذا فالاستصحاب كغيره من الأصول يجري في ما اذا كان المعلوم بالاجمال غير الالزامي ولا يجري اذا كان حكما الزاميّا .

وعلى هذا جرى صاحب العروة قدس سره فأفتى(1) بجريان الاستصحاب في الانائين الذين كانا متنجسين فطهر أحدهما وذهب إلى نجاسة الملاقى لأحدهما بخلافه إذا كان حكما الزاميّا فمنع من جريان الاستصحابين . وحينئذٍ يكون الملاقى بناءً على غير السراية من كونه موضوعا من الموضوعات طاهرا لا موجب لنجاسته وفصل غيره أيضا بين المقامين كما فصّل هو قدس سره .

ولكن يظهر من آخرين عدم جريان الاستصحاب في المقامين وفرق بينه وبين الأصول المتأخّرة عن الاستصحاب فانها تجري في أطراف العلم إلاّ إذا خالفت الحكم الالزامي في العمل بخلاف الاستصحاب فانّه لا يجري في أطراف العلم الاجمالي لعدم انحفاظ رتبة الجعل فيه للعلم بكذب أحد البنائين لكونه ناظرا إلى الواقع فاما أن يكون الشارع يبني على المستصحب أو يأمر المكلّف بالبناء على الطهارة في الطرفين أو النجاسة في المقامين .

وبعبارة أخرى يكون علما تعبّديّا واحرازا ولذلك جعله الشيخ قدس سره في ما أشار إليه من كلامه في أوّل الرسائل بقوله يقوم مقام القطع بعض الأصول فان

اعتبار قيود ثلاثة في الحكم الظاهري

ص: 27


1- . العروة الوثقى مسئلة 2 من فصل طريق ثبوت النجاسة .

مراده الاستصحاب وما هو نظيره كقاعدة الفراغ كما انه كذلك الأمر بناء على لزوم ترتيب الأثر فانه يعلم بكذب أحد الأمرين . وكيف يمكن الحكم بترتيب الأثر في الموردين على كلا الطرفين مع العلم بأنّه يخالف في أحدهما الواقع . فاذا لم يجر الاستصحاب فتصل النوبة إلى الأصول المحكومة من الاحتياط أو الاباحة أو الطهارة .

فذلكة: قد عرفت عدم انحفاظ رتبة الجعل في الاستصحابين في أطراف العلم الاجمالي كما لا مجال لجريان غيره من الأصول والقواعد ولو لم تكن تنزيليّة كقاعدة الطهارة لو لم يجر الاستصحاب ) أو أصل البرائة والاباحة فانه لا مجال للجمع بينهما في الجريان للزوم المخالفة القطعيّة مطلقا وعدم انحفاظ رتبة الجعل في بعضها أو مطلقا للعلم بطهارة أحدهما فكيف يمكن تصديق المولى في ترتيب آثار النجاسة على كليهما .

وبعبارة اخرى كما ان كلّ واحد متيقن النجاسة سابقا ومشكوكها لاحقا كذلك أحدهما لا بعينه طاهر مباح للعلم به فالاستصحاب في أحدهما غايته حاصلة . فلا يمكن جريانه فيه وحيث اشتبه بالآخر فيكون مانعا عن جريان كلّ منهما لاشتباه الآخر الذي لم يحصل غايته به فجريانه في كلّ واحد يكون من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة فلا يجري ولا دليل على جريانه في واحد بعينه فالأصول لا تجري في أطراف العلم للمناقضة في الاستصحاب بالنسبة إلى صدر الحديث وذيله .

ص: 28

هذا مبنى الشيخ قدس سره وملخّصه عدم وفاء الدليل في مقام الاثبات على الترخيص في أحد الأطراف كما انه اليه يرجع كلام المحقّق النائيني قدس سره (1) من لزوم المخالفة العمليّة وعدم جريان الأصلين أي الاستصحابين لعدم انحفاظ رتبة الجعل أو لزوم المخالفة القطعيّة في غيره .

وهذا هو معنى التعارض سواء كان بالنسبة إلى الأصول أو الامارات بمعنى عدم شمول دليل الاعتبار لهما وحينئذٍ فيجب الموافقة القطعيّة باجتناب كلا المشتبهين كما يحرم المخالفة القطعيّة ومتلازمان حيث انه لم يتم دليل الترخيص ولا يمكن وروده في كلا الطرفين لكونه ترخيصا في المعصية . فعليه يكون التكليف منجزا يجب الاجتناب عن كلّ واحد من أطراف اشتباهه لاحتمال كون وجود المعلوم بالاجمال وتحقّقه فيه وبارتكابه يخالف التكليف المعلوم المنجز في البين اذ لا قصور في العلم ولا في المعلوم . فلا مؤمّن عقلاً على ارتكاب أحد الأطراف هذا .

نعم يجوز ورود الترخيص بالدليل الخاص على أحد الأطراف بعينه لكن لا ارتباط له بجعل البدل بل حيث انه يكون المولى عالما بالمباح من غيره النجس فلا يمكن ترخيصه في ارتكاب النجس .

فقطعا يجوز ارتكاب الطاهر وهذا موجب للعلم بنجاسة الطرف الآخر

فينحل العلم بلا جعل البدل ( كما ان الأمر كذلك في صفات الحيض التي جعلوها امارات فانها توجب العلم بالحيض لا انها امارات تعبديّة هذا ولكن ما ذكرنا إنّما هو في ما اذا ورد الترخيص بالخصوص في طرف بعينه بخلاف الأدلّة العامّة فانّها

عدم انحفاظ رتبة الجعل في الاستصحابين

ص: 29


1- . فوائد الأصول 3 - 4/78 - 693 .

لا تتكفّل لاثبات هذه الجهة اذ هي كما عرفت شاملة للطرفين وليست تشمل واحدا منها ) .

نعم يمكن تصوير جعل البدل في البينة اذا قامت على وقوع القطرة النجسة في أحدهما بعينه فتوجب انحلال العلم وكون الطرف الآخر بدلاً مباحا وهذا الطرف بدلاً عن النجس الواقعي لو كان هو الطرف الآخر لعدم ايجاب البينة العلم الوجداني ولذلك جعلها في رواية مسعدة بن صدقة(1) في قبال العلم ( وقال الأشياء كلّها على هذا حتى يستبين لك غير هذا أو تقوم به البيّنة ) وحيث انّ البيّنة

قد جعلها الشارع حجّة تكون مؤمّنة في مخالفة التكليف المعلوم لو فرض كذبها وخطأها في الواقع في تعيين النجس . وحينئذٍ فاللازم تدارك المفسدة الواردة على المكلّف والتزموا بالمصلحة السلوكيّة . ولبعض الأساطين كلام في حجيّة البيّنة وساير الامارات من عدم جعل الحجيّة لها كلاً سواء صادفت الواقع أم لا بل إنّما جعل الحجيّة والطريقيّة لخصوص المصادف وحيث اشتبه بالغير فنأخذ بالجميع من باب العلم الاجمالي باشتمال الجميع على المصادفات ولكن لا يمكن تصديق هذا الكلام .

توضيح وتحقيق: قد

عرفت من كلام الشيخ والمحقّق النائيني عدم جريان الأصل في أطراف العلم الاجمالي كلّ واحد منهما بمناط .

لكن الحقّ مع المحقّق النائيني قدس سره (2) حيث انه يرد على الشيخ عدم جريان الأصل في حقّ واجدي المني في الثوب المشترك للعلم ببطلان أحد الأصلين

تصوير جعل البدل

ص: 30


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
2- . يراجع الفرائد 1/35 وبعده .

وكون الجنابة منه فجريانه في كلّ يكون من الشبهة المصداقيّة ومع ذلك لا نزاع في جريانه بالنسبة إلى كلّ وليس ذلك إلاّ لانحلال الحكم بتعدّد أفراده إلى آحاد متعدّدة حسب تعدّد الأفراد ولذلك قلنا بجريان البرائة في الشبهة الموضوعيّة واتّفق الأصحاب عليه .

وحينئذٍ فنقول ان كلّ واحد من الانائين على فرض نجاسة كلّ منهما لكلّ خطاب بالاجتناب يخصّه ولا ربط له بالآخر الا في جريان اصالة الاباحة في دوران الأمر بين المحذورين فان مفاده حيث انه جمعي لا يمكن جريانه للعلم بالكذب بخلافها في غير هذا المورد وغيره مطلقا . فالاستصحابان في أطراف العلم الاجمالي كلّ واحد منهما مع قطع النظر عن لزوم المخالفة العمليّة والترخيص في المعصية موضوعهما متحقق وجدانا لحصول اليقين السابق والشكّ اللاحق في كلّ بعينه وليس مفادهما جمعيّا كي يمنع جريانهما أو جريان واحد لا بعينه منهما لعدم ارتباط في فرديته للعام بالآخر . وحينئذٍ فينحصر المحذور في مقام الجعل وان المولى لا يمكنه جعل طهارتين في أطراف العلم الاجمالي بنجاسة أحدهما أو العكس كما لا يمكن ترخيصه في أطراف العلم الاجمالي بالمعاملة لكلّ منهما معاملة الطهارة مع العلم بنجاسة أحدهما وهذا هو السر في عدم الفرق في منع جريان الأصل في أطراف العلم بين مستصحبي النجاسة أوالطهارة .

بل ذهب إلى ذلك بعض السابقين وليس الكلام حادثا ولا الشبهة جديدة .

فاذن الحق ما أفاده المحقّق النائيني قدس سره .

نعم يمكن جعل الترخيص بالدليل الخاص في واحد منهما بعينه كما انه لا مانع من قيام الامارة على طهارة أحدهما بعينه أو كون النجس هو الآخر وعلى

امكان الترخيص في واحد بعينه

ص: 31

فرض خطأها أو كذبها لابدّ من الالتزام بالمصلحة السلوكيّة أو غيرها على ما تقرّر في مبحث حجيّة الظن ومن الوجوه المذكورة هناك عدم زيادة خطأ الظن والأمارة بأزيد من العلم لو أوكل المولى المكلف إلى نفسه فلا تفويت حينئذٍ وحيث انه لا ترخيص خصوصي بل المرخص هي الأدلّة العامّة فلا يحتاج إلى أزيد ممّا ذكرنا .

ثمّ انه قد يقال أو يمكن أن يقال بعدم مانع من ترخيص ارتكاب أحدهما حيث انه لا يرد عليه محذور الاذن في المخالفة القطعيّة لعدم كونه اذنا في كليهما فلا يكون اذنا في المعصية وحينئذٍ فيكون المكلّف مأذونا في ارتكاب كلّ واحد منهما عند عدم ارتكاب الآخر لتقدر الضرورة بقدرها اذ المحذور في الاذن في كليهما مطلقا ولو مع ارتكاب الآخر .

فبهذا القدر نرفع اليد عنه ويبقى في صورة تقييد الاطلاق الأحوالي في كلّ منهما مقام الثبوت بلا محذور وفي مقام الاثبات لا قصور في الدليل . هذا .

وأجاب المحقّق النائيني عن هذا بخروجه عن أنحاء جعل التخيير الظاهري منها والواقعي . أمّا الواقعي فسيجيء شرحه وليس ما نحن فيه منها لعدم اضطرار أو غيره من العناوين الطارية .

اما التخيير الظاهري فهو اما من ناحية الدليل أو المدلول . والثاني في مورد التزاحم وعدم قدرة المكلّف على امتثال كلا الخطابين المتزاحمين كانقاذ الغريقين فحينئذٍ اما أن يقيد اطلاق كلّ منهما بحال عدم انقاذ الآخر أو يسقطان ويكشف العقل لتماميّة الملاك حكما تخييريّا . والأوّل كما اذا قال أكرم العلماء وعلم بخروج زيد وعمرو من هذا الخطاب ولكن شكّ في خروجهما مطلقا والتخصيص

ص: 32

افرادي بالنسبة إليهما أو انه إنّما لا يجب اكرام زيد عند اكرام عمرو والعكس فالقدر المتيقن من تقييد الخطاب هو في كلّ منهما هو صورة اكرام الآخر اما في صورة ترك اكرامه فيكون خروجه مشكوكا فيكون الشكّ في التخصيص الزائد ويستفاد حينئذٍ من الدليل تخيير المكلّف في اكرام كلّ واحد من عمرو وزيد وليس المقام بواحد منهما .

تكميل وعود على بدء: سبق الكلام في عدم جريان الأصول في أطراف العلم الاجمالي ولا دليل على ارتكاب أحدهما تخييرا لعدم الكاشف له لا من ناحية المدلول ولا الدليل .

اما من ناحية المدلول فانا لا نعلم مصلحة مسلمة موجبة للترخيص في أحد الأطراف لا عقلاً ولا نقلاً وليس المقام كباب التزاحم لرجوع المقام إلى باب التعارض وهو أجنبي عن باب التزاحم .

بل يحتمل في مقام الثبوت كون المصلحة في اجتناب كليهما كي يحصل الاجتناب عن الحرام الواقعي وأمّا في مقام الاثبات فقد سبق الكلام والنتيجة ان ما هو الممكن فلا دليل عليه اذ الدليل والاطلاق لا يدلّ على التخيير فما هوالمدلول لا يمكن الأخذ به وما هو الممكن لا دليل عليه .

ان قلت: قد جوز الشارع جريان الأصل والمخالفة الاحتماليّة في مورد العلم التفصيلي فكيف بالاجمالي وذلك كموارد جريان قاعدة الفراغ والتجاوز مع انه في صورة جريانها في مثل الركوع لعله قد تركه فتكون صلاته باطلة كما اذا لم يجز ويأتي به لعلّه قد أتى به فيزيد ولو سهوا فيكون مبطلاً بل قد يجري الأصل حتّى في الآية اذا دخل في الآية اللاحقة . وعن بعضهم تجويز المخالفة القطعيّة في

ص: 33

العلم الاجمالي بدعوى الملازمة بين الموافقة القطعيّة وحرمة المخالفة القطعيّة وانه لو جرى الأصل في أحد الأطراف فيكون كاشفا عن قصور المعلوم فانه لا قصور في العلم فربما يكون بحدّ لا يريد موافقته في ظرف الشك والجهل وقد يكون بحيث لا يرضى به ففي الثاني لا تجوز المخالفة كما تجب الموافقة قطعا وفي الأولى لا تحرم المخالفة هذا . وقد يدور الأمر في أطراف العلم الاجمالي بين المحذورين كما لو قد علمنا بعدم غسل أحد الميتين واشتبه بالآخر فان الدوران بين النبش الحرام وبين الغسل الواجب . لم يعطنا جواب ان قلت .

ومحصّل الكلام في عدم جريان الأصل في أطراف العلم الاجمالي ان الكلام في مقام الاثبات لابدّ أن يكون بعد الفراغ عن مقام الثبوت وامكان ورود الترخيص في أحدهما شرعا كي يبحث عن وروده وعدمه وقد ذكرنا سابقا ان ذلك يكون بجعل البدل والمتكفل لاثباته لابدّ أن يكون الدليل بالخصوص لعدم افادة الأدلّة العامّة لذلك كما سبق لعدم حجّيّة المثبت منها .

اما بتنصيص الشارع بالخصوص على الترخيص في أحدهما بعينه فيرجع إلى طهارته وحليته وكون الحرام هو الآخر فلا يبقى حينئذٍ شك لعدم معنى للترخيص في ارتكاب الحرام إنّما الاشكال في امكان الترخيص في أحدهما لا بعينه .

أي تخييرا وهذا يتصور على نحوين لا مجال لأيّ منهما . فانه إمّا أن يكون بالترخيص في ارتكاب كلّ واحد لمكان الشكّ فيه بالخصوص وبعد ارتكاب كليهما يعلم اجمالاً بارتكاب حرام في البين وتحصيل العلم بارتكاب الحرام لا محذور فيه والاشكال لو توجه في جريان الأصل في الطرفين وهو اشكال

ص: 34

المعارضة ويدفعه عدم معارضة بينهما من جهة الأصلين بل المعارضة ناشئة من جهة العلم اجمالاً عرضيّا وبعد انحلال التكليف حسب تعدّد الأفراد إلى تكاليف متعدّدة يكون لكلّ موضوع تكليف يخصّه وجريان الأصل فيه غير مرتبط بالآخر .

وعلى هذا فيلتزم بالتصويب في خصوص المقام ويقال بعدم حرمة المخالفة القطعيّة فضلاً عن وجوب الموافقة القطعيّة وإلاّ فلو لا هذا لا مجال للوجه الآخر وهو جعل البدل بأن يرخص الشارع في ارتكاب أحدهما حتّى انه لو صادف الحرام يكون حلالاً والطاهر بدلاً ظاهريّا عن الواقع .

فيكون امتثال التكليف إمّا وجدانا أو تعبديّا .

وبعبارة اخرى امتثال التكليف بالاجتناب إمّا بالاجتناب عن الحرام الواقعي أو ما جعله الشارع بدلاً عنه وهذا إنّما يكون في فرض الشكّ مادام الشكّ والا فلو فرض ان علم بارتكاب الحرام فلا وجه للاجتناب عن الحلال الباقي الا ان هذا متفرع على تحقّق المصلحة في جعل البدل بهذا النحوولا نعلم مصلحة في الترخيص في ارتكاب الحرام وكون ترك الحلال فيه مصلحة جابرة لتلك المفسدة فلا يمكن تصويره والتزامه اذ المانع من جريان الأصل على مبنى القوم هو احتمال مصادفة الأصل للحرام المسلم في البين حيث ان التكليف باجتناب الخمر معلوم في البين وفي كلّ طرف كان يكون منجزا كما انه بهذه الجهة التزموا بوجوب اجتناب الطرف الباقي من أطراف الشبهة اذا فقد بعض الأطراف أو تلف بعد العلم اذ ليس وجهه الا احتمال كون الحرام هو الباقي وتنجز التكليف بالاجتناب عنه بالعلم فلا يمكن جريان الأصل والالتزام بعدم وجوب الاجتناب . فالتفكيك بين

عدم الدليل في مقام الاثبات

ص: 35

وجوب الموافقة القطعيّة وحرمة المخالفة القطعيّة ممّا لا يمكن حتى بجعل البدل فالاشكال ليس في مقام الثبوت بل ورود الترخيص بارتكاب احدهما على البدل بأن يقول لا بأس بارتكاب أحدهما تخييرا أيضا لا مجال له .

بل يتوجّه الاشكال على منع ارتكاب الباقي من الأطراف بعد تلف بعضها بعد العلم بأن منجزية العلم دائرة مدار بقائه وبقائه فرع بقاء الأطراف فاذا فقد بعضها أوتلف فلا علم بوجود الحرام في البين فلا تنجز بخلاف المقام فان الحرام احتمال انطباقه على كلّ واحد من الأطراف منجز لصحّة العقاب عليه لو صادف الطرف الذي ارتكبه أيّ طرف كان فالحق ثبوت الملازمة بين المقامين وعدم امكان الترخيص والتخيير .

اشتراط تنجز العلم الاجمالي بكون تمام أطرافه مورد الابتلاء:

ليعلم ان العلم الاجمالي إنّما يكون منجزا ومانعا عن جريان الأصول اذا كان كلّ أطرافه موردا للابتلاء ويحسن الخطاب عليه ومعه لا فرق بين اندراجها تحت أمر وعنوان واحد وعدمه خلافا لصاحب الحدائق قدس سره فاشترط اندراجها

تحت عنوان واحد ولم(1) ينجز العلم في الثاني وربما يؤيّده الرواية(2) الواردة في عدم الاجتناب عن الدم الذي لا يستبين ولكن حملوها على خروجها عن مورد الابتلاء . فاذا تردّد النجاسة كالدم بين وقوعها في الاناء أو ظهره فهو لا ينجز ولا

يؤثر في التنجز لخروج الظهر عن مورد الابتلاء مثلاً كما انه كذلك الأمر لو تردّد بين الاناء أو الأرض الاّ انّه لا يكون في الثاني خارجا عن مورد الابتلاء لترتب

ص: 36


1- . الحدائق الناضرة 1/517 .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 8/1 من أبواب الماء المطلق .

الأثر الفعلي عليه من جواز السجود أو التيمّم عليه . وإن كان في الثاني يجري الأصل بلا معارض لعدم عرضيّة خطاب التيمّم مع خطاب الوضوء وكما انه يجب كونه موردا للابتلاء كذلك يجب عدم انحلال العلم حقيقة أو حكما وعدم انقلاب العلم شكّا . فاذا علم بنجاسة أحد الأطراف سابقا ثمّ وقعت مثل تلك النجاسة في أحد الأطراف التي هو أي السابق منها كان نجساً فلا يؤثّر العلم الثاني . كما انه إذا

علم بوقوع النجاسة في أحد الأطراف واعتقده علما وعلم بعد ذلك بوقوع نجاسة مثل تلك النجاسة في الحكم في أحد الأطراف بعينه فكذلك .

والثاني يسمّى انحلالاً والأوّل نعبر عنه بعدم تأثير العلم ولكن الانقلاب محال كما ان الانحلال الحقيقي إنّما هو إذا علم بكون النجس واقعا في أحد الأطراف بعينه فتدبّر جيّدا .

اعلم انه لا فرق في جريان الأصل المثبت في أحد الأطراف بين أن يكون علما وجدانيّا أو تعبديّا بجريان امارة أو أصلاً شرعيّا أو عقليّا . وظرف جريان الأصل المثبت قبل انعقاد العلم فاذا انعقد العلم لا يؤثر ويصير كالصورة السابقة . الا ان في تلك الصورة لمكان تقدم الانعقاد سمّينا عدم تأثيره بجريان الأصل انحلالاً ينحل ويصير العلم الاجمالي علما تفصيلاً وشكّا بدويّا وفي هذه الصورة من الأوّل ما انعقد علم اجمالي حقيقي بل صورة علم ومثال الصورتين ان يعلم اجمالاً بحرمة التصرّف في أحد الشيئين إمّا لكونه مصنوعا من الذهب والفضّة ولو بقيام امارة على انه مصنوع من ذلك أو مال الغير أو لكونه مستصحبا عدم ملكيّته أو بجريان أصل الحرمة فيه لكونه من الأموال أو كان سابقا موردا للعلم الاجمالي لحرمة التصرّف . وبعد ذلك يحصل له العلم بصوغ أحدهما المعيّن من أحدهما أو

لزوم الاجتناب عن الباقي بعد تلف بعض الأطراف

ص: 37

قام امارة على ذلك أو كان قبلاً مال الغير أو لكونه من الأموال أو موردا للعلم الاجمالي السابق فيصير العلم الاجمالي منحلاً إلى علم تفصيلي وشك بدوي بالنسبة إلى غير الطرف الذي علم بالأصل المثبت كونه محرم التصرّف . أو كان يعلم تفصيلاً بحرمة التصرّف في أحدهما بخصوصه وبعد ذلك صار موردا للعلم الاجمالي لحدوث موجبه بعد العلم ففي هذه الصورة لا يكون العلم مؤثّرا من أوّل الأمر بل في الحقيقة بالنسبة إلى طرف المعلوم بالتفصيل لا يكون علم . غاية الأمر بعد حدوث موجب التكليف اللاحق صار موردا للشبهة ومشكوكا فيجري فيه الأصول النافية للتكليف بلا معارض . وضابط الانحلال أن لا يكون التكليف ثابتا على كلّ تقدير . فانه لو صادف الذي كان محرما لا يؤثر ولو صادف الآخر كان مؤثّرا . وبهذا يتّضح ان مورد ذلك إنّما يكون اذا لم يوجب العلم الاجمالي تكليفا زائدا على ما علم أو يعلم بالتفصيل . والا فبالنسبة إلى التكليف الزائد يؤثر ويصير كما اذا لم يكن من أوّل الأمر علم تفصيلي وبعد ذلك اذا تبيّن . يتبيّن عدم تأثير العلم الاجمالي بالنسبة إلى التكليف الثابت سابقا .

وأمّا هذا القدر الزائد لم يكن ثابتا قبل وايا من الأطراف صادف يؤثّر ويثبت التكليف ويصير الأصول النافية بالنسبة إلى هذاالقدر من الطرفين متنافية فتساقط فيصير العلم باقيا على حاله ويؤثر كما اذا كان لم ينحل . ومنشأ التنافي عدم انحفاظ رتبة الحكم الظاهري في الأطراف فانه لابدّ في الحكم الظاهري الجهل بالواقع وإمكان الجعل بالنسبة إلى الأطراف وعدم لزوم المخالفة العمليّة وعدم انحفاظ الرتبة الأولى إنّما يكون في جريان اصالة الاباحة في دوران الأمر بين المحذورين فانه في دوران الامر بينهما يضاد نفس المجعول المعلوم فانه نعلم

ص: 38

تفصيلاً بجنس الالزام اما فعلي أو تركي واصالة الاباحة تريحنا من ذلك .

وقد يقال بمورديّة ما لو علمنا بعد الفراغ من الصلاة بفوات سجدتين إمّا من ركعتين أو ركعة واحدة لذلك .

وفي الأصول المحرزة وان كان الشك بالنسبة إلى كلّ من الطرفين موجودا بالوجدان إلاّ انه لمكان محرزيتهما يحصل المضادة بين أطرافهما والمعلوم بالاجمال . بلا فرق بين أن يلزم المخالفة العمليّة من جريانها في كلّ واحد من الأطراف أو لا يلزم ومحذور المخالفة العمليّة إنّما يكون في الأصول غير المحرزة النافية للتكليف اللازم من جريانها مخالفة تكليف الزامي وما يوجب انحلال العلم الاجمالي تارة يكون العلم بالتكليف التفصيلي بجريان الأصل في أحد أطرافه قبل انعقاد العلم الاجمالي فبعده لا ينعقد وتارة لا يؤثر في الانحلال كما لو كان يعلم بنجاسة أحد الانائين اجمالاً فصادف أحدهما المعين نجاسة من جنس تلك النجاسة ففي هذا الفرض يبقى الطرف الآخر بحاله لأن العلم بعد العلم ففي هذه الصورة لا ينحل العلم كما ذكرنا وتارة مع العلم كما اذا سقطت الأصول النافية الحاكمة على أصل مثبت بالتعارض فيجري هذا الأصل في مثل ما ذكرناه سابقا من علمه بعد الفراغ من الصلاة بنقصان سجدتين ولكن لا يدري أمن ركعة واحدة أو من ركعتين ففي مثل هذا المقام لا تجري قاعدة الفراغ لأن مؤادها يضاد المعلوم بالتفصيل وهو عدم لزوم شيء عليه مع صحة صلاته وهو يعلم اما بلزوم اعادة الصلاة أو بلزوم تدارك السجدتين وقاعدة التجاوز في كلّ من الركعتين معارضة لها في الأخرى لمكان العلم فاذا سقطت القاعدتان تصل النوبة إلى استصحاب عدم الاتيان بكلّ من السجدتين في كلّ واحدة من الركعتين .

جريان الأصل المثبت في أحد الأطراف

ص: 39

واستصحاب عدم الاتيان بسجدة من كلّ ركعة . فيلزم عليه تدارك الصلاة بعد تدارك السجدتين وكذا الاستصحابات أيضا متعارضة لعلمه بعدم نقصان صلاته من أزيد من سجدتين وإن لم يلزم المخالفة العمليّة بل المخالفة الجعليّة لعدم انحفاظ تلك الرتبة فاذا سقطت الاستصحابات أيضا بالتعارض تصل النوبة إلى اصالة الاشتغال بالصلاة ومقتضاه اعادة الصلاة من رأس وبها ينحل العلم الاجمالي فيجري البرائة من لزوم تدارك السجدتين .

هذا إذا قلنا بانحلال العلم الاجمالي بجريان الأصل العقلي والا فلابدّ من مراعاة الطرفين كما سبق .

هذا ما قرّره سيّدنا الأستاذ قدس سره . ويمكن أن يقال بعدم لزوم اعادة الصلاة في الفرض ولزم تدارك السجدتين أو السجدة الواحدة بتقريب أن يقال . جريان قاعدة التجاوز والفراغ إنّما يكون لتصحيح الصلاة المشكوك صحّتها . فاذا لزم من جريان كلّ واحد منهما في مورد بطلان العمل فلا موضوع لهما فلا تجريان وفي هذا الفرض تصير النتيجة كذلك . فلا جرم لابدّ من جريان قاعدة التجاوز بالنسبة إلى سجدة واحدة في كلّ من الركعتين كي تصح الصلاة . فاذا صحّت الصلاة فلننظر إلى السجدتين الأخريين من الركعتين . اما السجدة الثانية من الركعة الثانية يعلم تفصيلاً بعدم الاتيان بها على وجهها إمّا لترك السجدتين معا من الأولى أو من الثانية أو واحدة من الأولى واخرى من الثانية ففي صورتين يعلم بعدم الاتيان بها رأسا كما في الصورة الثانية والثالثه أو بعدم الاتيان بها على وجهها كما في الأولى وبالنسبة إلى الثانية من الاولى لا مانع من جريان القاعدة لو لا العلم . فاذا لم تجر

القاعدة يجري استصحاب عدم الاتيان بها فيأتي بهما بعد الصلاة مع الثانية .

لو علم بعد الفراغ بنقصان سجدتين

ص: 40

لا يقال ان لزوم الاتيان بالسجدتين إنّما يكون اذا علم بالفوات من الركعتين وفي المقام لا علم له بذلك لاحتمال فواتهما من ركعة واحدة فلا يجب تداركهما .

نعم لو كان أصل الفوات على كلّ تقدير مؤثرا في لزوم التدارك فيجب بعد الصلاة تداركهما . لكن يحتمل بطلان أصل الصلاة والقاعدة بالجريان في كلّ واحدة من السجدتين الاوليين من الأولى والثانية تصحح الصلاة ومن المعلوم ان اتيان أصل السجدتين ليس أثرا للعلم الاجمالي .

لأنّا نقول لمكان العلم بفوات السجدتين لا يمكن جريان القاعدة في الثانية من الأولى ولزوم تدارك السجدتين ومعلوم إذا كان الفوات في الصلاة الصحيحة وفي المقام وإن لم نعلم بصحّة الصلاة لكن بجريان القاعدة في الأولى من كلّ منهما يعلم بصحّة الصلاة تعبّدا . فاصل الصلاة يأتي بها بالوجدان والصحّة بالتعبد . فالجزء معلوم بالوجدان والآخر بالتعبد فيجب تدارك السجدتين مع سجدتي السهو مرتين .

هذا كلّه إذا كان الانحلال بالأصل المثبت على التفصيل المذكور وهل يتحقّق الانحلال أو لا يؤثر بجريان الأصل النافي للتكليف في أحد الطرفين أو الأطراف بلا معارض من الطرف الآخر أم لا ؟

يمكن أن يقال بتحقق الانحلال . وذلك لما ذكر سابقا من ان ضابطة الانحلال أن لا يكون العلم الاجمالي علما بالتكليف على كلّ تقدير . فاذا فرض مورد ينطبق عليه الضابط المذكور نقول بالانحلال لكن الكلام في المورد وهل يوجد مورد لذلك .

انحلال العلم بجريان الأصل النافي وعدمه

ص: 41

احتمل الاستاذ المرحوم على ما في التقريرات(1) ذلك في وادي الفراغ حيث علم اجمالاً بعد دخول المغرب بفوات احدى صلواته الخمس من هذا اليوم مردّدا بين أن تكون هي الظهر أو المغرب فقاعدة الشكّ بعد الوقت تنفي وجوب الظهر ولا أصل نافي في طرف المغرب فلا تعارض فينحل العلم ويصير بالنسبة إلى صلاة المغرب شكّا بدويّا .

ولو لم يكن في جانب المغرب قاعدة الاشتغال عند الشكّ في الامتثال لما كان عليه من ناحية العلم الاجمالي شيء . لكن هناك أيضا احتمل عدم مثاليته للمقام لأن الانحلال يمكن أن يكون بقاعدة الاشتغال المثبت للتكليف في جانب المغرب . ويمكن أن يقال ان الضابط المذكور ينطبق على ما إذا علم بنجاسة أحد الانائين المعلوم طهارة أحدهما المعيّن بالوجدان فالاستصحاب يجري في جانب متيقن الطهارة بالوجدان فيعارض اصالة الطهارة في الجانب الآخر فيسقطان في عرض واحد وأصل الطهارة في متيقن الطهارة لا معارض لها في الجانب الآخر فينحل العلم لأنّه لو صادف الجاري فيه القاعدة لما أثر ولو صادف الجانب الآخر يكون مؤثّرا . فالعلم بالتكليف ليس على كلّ حال فتجري اصالة البرائة من الوجوب .

ان قلت لو باشرهما بالرطوبة يحصل له علم تفصيلي بالاجتناب ومورد حصول العلم التفصيلي بمباشرة الأطراف هو بعينه مورد تأثير العلم الاجمالي لتنجزه على كلّ تقدير فيستحيل أن لا يحصل العلم التفصيلي بعد مباشرتهما .

قلنا ذلك لمكان العلم التفصيلي بالتكليف وليس لعدم انحفاظ الرتبة الثالثة

لو علم بعد دخول المغرب فوات احدى صلواته الخمس

ص: 42


1- . فوائد الأصول 4/47 .

في الأحكام الظاهريّة التي هي عدم لزوم المخالفة العمليّة من جعلها والمخالفة ليست في ذلك الطرف وانما هنا جعل حكم ظاهري بطهارة أحدهما بل جعل في الجانب الآخر .

إن قلت: البرائة الجارية في الطرف الآخر أصل وإن لم يكن موضوعيّا .

لكن المخالفة في مقام العمل تحصل فيهما ومن الأصل الموضوعي في المورد لجريان قاعدة الطهارة فهنا أيضا يتنافيان فيسقطان فيكون العلم منجزا .

قلنا البرائة إنما تجري بعد الانحلال الصائر المورد بجريانها مشكوكا بدوا لا في ظرف عدم الانحلال . ولكن لا مجال لهذا الاستدلال في حصول الانحلال وإن سلّمنا الكبرى وهو مذهب الاستاذ المحقّق النائيني أي انحلال العلم الاجمالي بجريان الأصل النافي للتكليف في أحد أطراف العلم الاجمالي لأن في المقام قاعدة الطهارة في جانب مشكوك الطهارة من أوّل الأمر لا تعارض للاستصحاب الجاري في الآخر بل التعارض إنّما هو في المفاد . فنحن وإن بينّا سابقا في أبحاثنا ان الحكم الظاهري إنّما هو ترخيص للعبد في مقام العمل ولا جعل حقيقة وما ذكروا في مقام الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري لا يتم واحد منها ومن جملتها اختلاف الرتبة . ويرد عليه انه وإن لم يمكن الحكم الظاهري أن يرتقى إلى مرتبة الحكم الواقعي لكن الحكم الواقعي . بنفسه يجيء في مورد الظاهري واذا كان الحكم الظاهري معناه هو الترخيص في مقام العمل فلا يعارض الامارات لأن مرجع التعارض هو التناقض . ولا تناقض بين جعل الحكم الواقعي وترخيص العبد في بعض موارد امتثاله . لأن في مرتبة الجعل لا يقاوم الظاهري الواقعي ولا يكون هناك شيء إلاّ الواقعي . والترخيص ليس حكما حتى يناقض الواقعي الا ان

لا يجتمع ترخيص في طرف القاعدة مع ترخيصه في طرف الاستصحاب

ص: 43

ترخيص المولى في طرف القاعدة لا يجتمع مع ترخيصه في جانب الاستصحاب والقاعدة انما تعارض مفاد الاستصحاب . ومفاد الاستصحاب هو الترخيص في جانب المستصحب . فلا يمكن المولى أن يرخص كلا طرفي العلم مع خطابه الفعلي بالحكم فاذا تعارضت القاعدة مع الاستصحاب وكلّ ما هو مؤدّىٍ فائدة الاستصحاب . لأنّ التعارض لعدم امكان الترخيص ولا خصوصيّة للاستصحاب فلو كان في جانب اصول متعدّدة وفي جانب آخر أصل واحد فهذا الأصل الواحد يعارض مفاده مفاد جميعها وتقدّم الاستصحاب على القاعدة وحكومته عليها إنّما يظهر أثره في الشكّ السببي والمسببي فاذا يمكن المولى ترخيص كلا طرفي العلم ولم يكن دليل على ترخيص واحد منهما بعينه ولا بعينه فالأصلان يستاقطان في جانب المستصحب كلّ أصل وفي جانب القاعدة نفس القاعدة فيبقى العلم الاجمالي بحاله ويؤثر في لزوم الاجتناب عن أطرافه ولا انحلال هناك أصلاً .

هذا مع تسليم أصل الكبرى من شيخ استاذنا المحقّق النائيني رحمه الله .

وللسيّد الأستاذ قدس سره منع أصل الكبرى أيضا وذلك لبقاء العلم الاجمالي مع جريان النافي أيضا بحاله ففي مثال الانائين المورد للبحث . اذا سلّمنا صغرويته مع قطع النظر عمّا يرد عليه من الاشكال لهذه الكبرى . وقلنا تجري القاعدة في جانب المستصحب بعد تساقط الاستصحاب في جانبه والقاعدة في الطرف الآخر فالعلم وجدانا باقٍ على حاله ولم يتغيروا لأن نعلم تفصيلاً بكون النجاسة في هذا الاناء أو ذاك كما اومى إليه آنفا بعد اصابة يد المكلّف هذا الاناء أو ذاك يحصل علم تفصيلي له باصابته النجس في البين فأين الشكّ في هذا الطرف وذاك بلاعلم حتى لا يكون هنا علم تفصيلي . مع انه يمكن أيضا أن يتصوّر في ذاك الجانب

ص: 44

معارضة البرائة التكليفيّة مع ما هو لازم القاعدة من البرائة عن الاجتناب في ذاك المورد ولكن هذا كلام آخر . فاذا لا يمكن انحلال العلم الاجمالي بجريان أصل ناف في أحد أطرافه بلا جريان مثبت في البعض الآخر لبقاء العلم بعد الجريان على حاله قبله مضافا إلى انه لا يمكن ذلك . وما وجدنا له مثالاً والأمثلة التي ذكروها في المقام وقد مرّ عليك بعضها لا تخلو من اشكال كما ذكر في هذا البعض .

فتحصّل من جميع ما ذكرنا ان العلم الاجمالي اذا جرى في بعض أطرافه أصل مثبت للتكليف يتبدل العلم شكّا حقيقة وإن كان صورة العلم باقية . فلا وجه لتسمية الانحلال انحلالاً تعبديا . لأنّ العلم حقيقة تبدل في صورة تقدّم العلم الاجمالي على العلم التفصيلي بنجاسة أحد الأطراف ولذلك سمّيناه انحلالاً لمناسبة في ذلك لأنّه كان شيئا منعقدا فاذا حصل العلم التفصيلي بحدوث موجب التكليف قبل العلم في أحد الأطراف ينحل حقيقة إلى علم تفصيلي في ذاك الطرف وشكّ بدوي في الآخر . كما اذا علمنا التكليف قبل حصول العلم الاجمالي ولذلك سمّيناه بعدم المؤثريّة فيجري الأصل النافي فيه بخلاف ما اذا كان الجاري أصلاً نافيا فانه لا ينحل العلم الاجمالي ويكون بعد الجريان على حاله قبله .

وينبغي التنبيه على أمور: الأوّل: انه لا فرق مع حصول شرايط العلم بالتكليف بين أن يكون متعلّق العلم عنوانا واحدا لأنّه علم على كلّ تقدير بتكليف فعلى من جميع الجهات أو عنوانين مثل أن يعلم اجمالاً بحرمة التصرّف في أحد الانائين ( للنجاسة أو الغصبية ) وإن لم يعلم عنوان متعلّقه فانّه لا موجب للقول باشتراط معلوميّة العنوان بعينه في تأثير العلم وانعقاده لأنّ العلّة الموجبة للتكليف

في معلوم العنوان متحقّقة في مردّد العنوانين ومتعددية غاية الأمر الجهل في ذلك

لا فرق بين تعلّق العلم بعنوان واحد أو عنوانين

ص: 45

من جهة واحدة وهي الجهل بمتعلّق متعلّق الاجتناب بعد العلم بمتعلّقه وهنا من جهتين وهو الجهل بمتعلّق التكليف ومتعلّقه وهو لا يضرّ فقد يحكى من صاحب الحدائق القول باشتراط معلومية العنوان المتعلّق للتكليف ولبداهة فساده لابدّ من القول بأن مراده في مورد يكون أحد الطرفين بلا أثر كما اذا أصاب مايع لواحد الانائين مع تردّده بين كونه بولاً أو ماءا . فانه في هذه الصورة العلم الاجمالي حاصل ولكن المعلوم قاصر من البعث والتحريك للاجتناب فانه لو كان المصيب بولاً يؤثر ويوجب الاجتناب عن كليهما أمّا لو كان ماءا فلا يؤثّر ولا أثر هناك مشتركا بين البول والماء .

أمّا في صورة مؤثريّته على كلّ تقدير بأن يكون أثر كلا العنوانين واحدا مشتركا كما اذا علم اجمالاً باصابة أحد الانائين دم أو مني أو بأن يكون لكلّ من العنوانين أثر بخصوصه لكن هناك قدر مشترك كما اذا تردّد المصيب بين كونه ما لا يوجب في المصاب الا غسله مرّة وما يوجب مرّتين فانّ العلم الاجمالي مؤثّر والاصلان في الطرفين متعارضان فيؤثر .

نعم بالنسبة إلى الأثر الزائد يكون شكّا بدويّا فلا تعارض للأصول . أمّا إذا كان على كلّ تقدير مؤثّرا ولم يكونا في الأثر مشتركا ولا قدر مشترك في البين فلا أثر هنا للعلم لأن مورده منحصر ظاهرا بدوران الأمر بين المحذورين كما إذا علم اجمالاً بوجوب وطي احدى الزوجتين أو وجوب طلاقها وهو خارج عن الفرض هذا ولكن الكلام في المحكي .

الثاني: وجوب الاجتناب عن الطرفين أو الأطراف عقلاً إنّما هو للارشاد إلى التحذّر عن مصادفة المتعلّق للتكليف فلو باشر أحد الطرفين ولم يكن متعلّق

اشكال كلام صاحب الحدائق

ص: 46

التكليف واقعا فلا تبعة عليه من جهة التكليف الواقعي فلو كان فمن باب التجري .

الثالث: يشترط في تأثير العلم الاجمالي أن يكون كلّ واحد من أطرافه ممّا يبتلي به المكلّف عادة . فاذا لم يكن كلّ واحد موردا للابتلاء فلا أثر للعلم الاجمالي لجريان الأصل النافي بلا معارض في الجانب المبتلى به .

الرابع: ولا اشكال في اشتراط حسن الخطاب بالقدرة العقليّة للمكلّف على متعلّقه سواء كان في باب الأوامر أو النواهي . وذلك لضرورة حكم العقل بقبح مطالبة العاجز وتكليفه ما لا يقدر عقلاً على امتثاله . ويلزم من مطالبة ذلك منه اما

( لعدم )(1) تحصيل الحاصل أو التكليف بما لا يطاق لأنّه اما ان يتعلّق الأمر بفعل شيء موجود بنفسه أو ترك المتروك بلا تأثير ارادة المكلّف في ذلك فالأوّل والا فلا معنى للأمر بما ليس مقدورا له ولا وجود له والنهي لما ليس مقدورا له وهو موجود بنفسه فيلزم الثاني وهو التكليف بما لا يطاق وكلا ذينك محال فلابد أن يكون تعلّق القدرة عقلاً بكلا طرفي التكليف وجودا وعدما على نحو سواء وكذا لابدّ أن لا يكون التكليف عسريّا وحرجيّا وضرريّا في الجملة لا لقبح الخطاب والتكليف بمثل ذلك . بل لما علمنا شرعا من انه لا يكون الا ميسورا غير حرجي ولا ضرري للمكلّف الا في موارد خاصة لا يشملها الدليل الحرجي والنافي للعسر ذلك من أوّل الأمر . وهذا ممّا يشترك فيه متعلّق الأمر والنهي . لكن يختصّ باب النواهي بأمر زائد ليس في باب الأوامر وهو امكان الابتلاء به عادة بمتعلّق النهي ووجهه استهجان الخطاب بالترك اذا لم يكن بما يبتلي به عادة فانه مستهجن تكليف المكلّف فعليّا بترك ما لا يكون من قدرته عادة فعل ذلك . فانه متروك

اشتراط تأثير العلم بالابتلاء

ص: 47


1- . اللازم في العبارة كلمة طلب وأمثاله .

بنفسه كما يستهجن تكليف المكلّف بما لا يكون تحت قدرته عقلاً . الا ان الاستهجان في غير المقدور عادة أقل من الاستهجان الذي يكون في غير المقدور عقلاً فانه قبيح لا يصدر من المولى الحكيم لامتناع القبح عليه . ولكن في هذا الباب يستهجن ويلغو وليس بتلك المرتبة من القبح . وإنّما اشترط ذلك في متعلّق النهي ولم يشترط في متعلّق الأمر لأن الأمر بعد ان اشترطنا في متعلّقه القدرة العقليّة عليه . فاذا تعلّق به أمر المولى بايجاده في الخارج لا يكون إلاّ لمصلحة ملزمة لذلك . فلابدّ للمكلّف من استيفاء تلك المصلحة وإن لم يكن ممّا يبتلى به عادة وليس ممّا يكون عادة ممّا يقدر عليه لا استهجان للخطاب وتكليف المكلّف ذلك . نعم يمكن غير بعيد في جانب الأوامر اشتراط متعلقاتها أن لا يكون ممّا لا يقدر عادة على تركها بل ممّا يقدر عادة على تركها حتّى لا يستهجن الأمر .

إن قلت: إن كان الموجب لاشتراط ذلك في متعلّق النواهي هو لزوم الاستهجان من عدم الاشتراط فيلزم أن لا يحسن تكليف المكلّف بفعل ما يأتي به بحسب طبعه وعادته بحيث يعسر عليه وكذا بترك ما لا يتركه وان اجتمع جميع الأنبياء في بيان ذلك والحث عليه وكذلك تكليفه بترك ما لا يتركه أبدا وهكذا تكليفه بترك ما يتركه طبعا فانه لا يشرب الخمر ولا يزني ولا يكشف عورته لما جبل عليه من استقباح ذلك واستحسانه وإن لم يكن ملزم شرعي فيختص كلّ من الأمر والنهي بما اذا لم يكن مريدا للفعل أو الترك حتى يصح تحريك ارادته إلى جانب الفعل أو الترك بذاك التكليف وهذا ما لا يلتزم به أحد .

قلنا ان الارادة لا يمكن أخذها قيدا وجودا أو عدما في متعلّق التكليف فانه يلزم على هذا عدم تحقّق العصيان فانه اذا اختصّ بمن كان مريدا للفعل أو

ص: 48

الترك خصوصا اذا قلنا ان الارادة لا تنفك عن المراد خارجا . فاذا لم يرد الفعل أو الترك فلا تكليف عليه واذا ترك المأمور به أو أتى بالمنهيّ عنه فما تحقق منه عصيان .

وكذا يلزم أن لا يتحقق أيضا اطاعة لامتناع الامتثال لمثل هذا التكليف فانه قبل الارادة لا تكليف وبعدها فالفعل موجود والترك أيضا فأيّ شيء يأتي أو يترك امتثالاً . وعدم القدرة التي يستهجن الخطاب عنده هو غير أن يكون المكلّف بحسب نفسه مريدا لما أراده المولى فعلاً أو تركا لعدم تحقّق الاستهجان هناك وتحققه هنا فالمناط هو ذلك لا ارادة كلّ واحد أو عدم ارادته .

هذا ما أفاده(1) الاستاذ المحقّق في هذا المقام تقريرا من بحث استاده المرحوم واستشكله بأن ما ذكر من عدم صحّة أخذ الارادة وجودا وعدما في التكليف لما ذكر صحيح ولكن لا ربط له بما استشكله المستشكل فانه يقول شيئا والجواب شيء آخر وإن كان متينا في نفسه .

فعلى هذا يلزم المحقّق المرحوم إمّا أن لا يحصر نتيجة الخطاب في تحريك ارادة العبد نحو الفعل أو تركه ويلتزم بأن له فوائد اخرى من اتمام الحجّة على المعاند ليهلك عن بيّنة وتقرير من يأتي بنفسه ولا يستهجن ذلك كما هوالحق من عدم انحصار نتيجة الخطاب في ذلك . واما أن يقول باستهجان ذلك في نحو هذه الموارد بالنسبة إلى هذه الأشخاص التي لا ينفعهم الخطاب الشرعي تحرك ارادة فعلي أو تركي بل بعد الخطاب باقون على ما كانوا عليه قبل توجه الخطاب إليهم .

وعدم صحّة أخذ الارادة وجودا أو عدما في الخطاب لا يرفع الاستهجان اذا خاطب .

اشتراط امكان الابتلاء في النواهي

ص: 49


1- . فوائد الأصول 4/51 وما بعده .

فاذا الخطاب الذي ظاهره توجّهه إلى كلّ أحد لابدّ أن يكون مخصوصاً حقيقة ومتوجهاً واقعا إلى غير هذه الأشخاص بل يكون مختصّاً بمن يصحّ أن يحرك الخطاب ارادته نحو الفعل أو الترك وهذا ممّا لا يرضيه أحد . فاذا لابدّ له من الالتزام بالوجه الأوّل وعدم انحصار نتيجة الخطاب في تحريك ارادة العبد . نعم لو كان المستشكل يقول له لم لا تكون الارادة مأخوذة في متعلّق التكليف قيدا له على نحو ساير القيود الشرعيّة الخاصّة التي اعتبرها الشارع في الأبواب المخصوصة لتكاليف خاصّة كالاستطاعة والقدرة العادية .

ممّا يمكن أخذه في التكليف كان هذا الجواب حاسما لاشكاله من رأس وإلاّ فلا كما ترى .

واستشكل الابتلاء وحصول القدرة العادية في أطراف العلم فلا اشكال ولا شبهة في فعليّة التكليف وتأثيره لزوم الاجتناب عن الأطراف لانطباق ضابط التأثير عليه أما إذا شك في الابتلاء به أم لا فلا علم لنا بالتكليف المنجز على كلّ

تقدير لأنّه مثلاً لو صادف النجاسة الاناء المشكوك الابتلاء به فلا علم لنا بالتكليف

ويشكّ فيه .

ولو صادف الطرف المعلوم الابتلاء به وحصول القدرة العادية عليه

فالتكليف فعلى مؤثر باعث للاجتناب فالان التكليف ليس بموجود على كلّ تقدير فلا معارض لأصل الخطاب ولا علم لنا بالتكليف لعدم الخطاب . لأن الشرايط المعتبرة في التكليف على أقسام ثلاثة شرط في الملاك وشرط في الخطاب وشرط في تنجيز الخطاب وبعثه الفعل والأوّل كالعقل والبلوغ فلا ملاك للتكليف في جانب غير البالغ والمجنون ومن الثاني القدرة العقليّة والعادية على

ص: 50

متعلّق التكليف وإن كان تام المصلحة والملاك الا انه لمكان عجز المكلف عن اتيان المكلّف به لا خطاب له ولا طلب فهو من قبيل الصبر على المكروه في جانب الموالى العرفيّة وإن قيل ان القدرة من القسم الأوّل وهو شرط الملاك والعلم بالتكليف من القسم الثالث . فانه لا بعث للتكاليف والأحكام الشرعيّة إلى متعلّقاتها ما لم يعلم المكلّف بها ومن المعلوم ان وجود القدرة العادية وابتلاء المكلّف بطرف الشبهة وإن لم يكن أحد الثلاثة اذ هو شرط لحسن الخطاب . الا انه بالاخرة يرجع إلى الشكّ في أصل الخطاب . فاذا شككنا في حسنه نشكّ في أصله واذا شككنا في أصله فيكون تكليفا مشكوكا فيصير موردا لجريان البرائة لامتناع صدور اللغو والمستهجن من الشارع الحكيم فلا يخاطب المكلّف بخطاب يستهجن ويلغو . وقيل بلزوم الاجتناب عن المعلوم لوجهين: أحدهما لتماميّة الملاك وإن لم يكن خطاب فانّه يصحّ من المولى الغير المخاطب مؤاخذة العبد العالم بملاك التكليف كما إذا أشرف على القتل والأسر والعبد عالم بذلك لكن لعدم تمكّن المولى من مخاطبة العبد بالخطاب التكليفي لا يخاطبه والعبد يعلم بأن انجائه من أيدي العدى في غاية المطلوبيّة للمولى ولكن يترك ذلك ومعلوم انه اذا عاقبه المولى وآخذه لا يستحسن من العبد الاعتذار بعدم الخطاب له . وهذا بناء العقلاء في تكاليفهم العرفيّة في باب العبيد والمولى وأمثاله . فاذا شكّ في الخطاب أيضا مع علمه بتماميّة الملاك فانه يلزم عليه قطعا الفحص حتّى يتبيّن له عدم القدرة على المشكوك فيصير التكليف في الجانب المقدور مشكوكا وتجري أدلّة البرائة وتؤمّنه من مؤاخذة ذلك التكليف .

ونظير المقام ما اذا علم في باب الأوامر التعبديّة والتوصليّة بأن غرض

لو شك في الابتلاء

ص: 51

المولى من الأمر بالتكليف الكذائي اتيانه بقصد القربة بمعنى قصد الأمر والامتثال ولكن لعدم تمكّنه من خطاب المكلّف هذا النحو من الخطاب يجرد الخطاب فانه لازم على المكلّف اذا علم ان غرض المولى ذلك أن يأتي بالمأمور به على نحو يحصل غرضه وإذا شكّ في ذلك فانّه لابدّ عليه من الفحص واذا يئس ولم يظفر بمرجح لأحد الطرفين فلازم عليه عقلاً أن يأتي بالمأمور به على وجه يقطع بالفراغ وسقوط الخطاب بامتثاله . فمحصّل هذا الوجه ان العلم بالخطاب ليس بلازم في جانب محركيّة ارادة العبد نحو الشيء . بل العلم بتماميّة الملاك هو تمام الموضوع في نظر العقل بلزوم تحصيل المؤمن . وليس هناك إلاّ الاجتناب عن المنهي المعلوم لمقدوريّته أو تحصيل العلم بعدم مقدوريّة الجانب المشكوك . ويمكن أن يستأنس لذلك بتتبع موارد في التكاليف الشرعيّة كباب القضاء فانّه من نحو ( اقض ما فات كما فات ) المتوجّه على النائم ومن عدم لزوم القضاء على المغمى عليه علمنا ان هناك ملاك التكليف موجود على النائم بخلاف المغمى عليه فانه على الخلاف ولا يرد على هذا عدم لزوم القضاء من موارد عديدة لأنّه بالدليل وكلامنا في موضع ما قام الدليل على عدم اللزوم فانه هناك ليس مؤمن .

هذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيه هذا الاستدلال . واستدلّ بهذا الوجه المحقّق النائيني رحمه الله على ما في(1) التقريرات ولكن سيّدنا الأستاذ قدس سره يأبى عن اسناد هذا الاستدلال عليه وانه ان وقع من المرحوم فعن غير التفات لأنّه يرد عليه النقض المذكور في التقريرات .

ومحصّله هو انه إن كان العلم بتماميّة الملاك موضوعا لوجوب الاجتناب

ص: 52


1- . فوائد الأصول 4/55 وما بعده .

فاى اختصاص له بما اذا كان أحد الأطراف مشكوك الابتلاء بل في صورة العلم بعدم الابتلاء أيضا الملاك تام في المعلوم . وهذا النقض لا مدفع عنه الا بأن يقال في صورة العلم بعدم المقدوريّة على أحد الأطراف نعلم بعدم تماميّة الملاك بخلاف صورة الشكّ فانّه يجب عقلاً معاملته معاملة العلم لعدم المؤمّن . ولكن ذلك يناقض العلم بعدم دخل القدرة في الملاك ومدخليّتها إنّما هو في حسن الخطاب . مع ان الجواب المذكور ايرادا كبرى وصغرى انما كتبناه اسنادا من الاستاد قدس سره إلى المرحوم على انه يلزم عليه عدم اشتراط امكان الابتلاء عادة بتمام الأطراف في تنجز العلم وتأثيره الاجتناب ( مع انه من الشرطين لذلك قطعا ) فيصير الاشتراط لغوا بل عدم العلم بالمؤمّن يصير هو المناط لا العلم بامكان الابتلاء والمقدوريّة عادة ولا الشكّ في ذلك . فتحصل ان نتيجة الوجه الأوّل هوالاشتغال عند الشكّ لا البرائة . وأورد على هذا الاستدلال صغرى وكبرى أمّا كبرى فلعدم لزوم تحصيل الغرض من الأصل وعدم لزوم تحصيل الملاك الغير المطالب لا في هذا الباب ولا في باب التوصليّة والتعبديّة . وأمّا صغرى فلان الأمثلة التي ذكروا في هذا المقام لا

ربط لها بما نحن فيه من الشكّ في القدرة العادية لامكان جعل خطاب طريقي للمشكوكات . فاذا ما جعل فلا يجب علينا تحصيل الملاك واستيفائه الا أن يقال ان الاطلاقات من أوّل الامر تشمل ما نحن فيه والشكّ بعد في تقييدها وتخصيص العمومات .

وهذا هو الوجه الثاني من الاستدلال . وتقريبه على وجه لا يرد عليه اشكال عدم جواز التمسّك بالعام في الشبهات المصداقيّة . بناء على عدم الفرق فيه بين المخصّص اللبي واللفظي . هو أن يقال ان الخطابات الواردة في باب النواهي

الاشكال على اشتراط الابتلاء

ص: 53

والعمومات فيه تشمل كلّ مورد وكلّ ما علم فرديته للعام ودخوله تحت اطلاق المطلق . خرج منها ما علم خروجه بدليل شرعي مخصّص أو مقيّد على نحو تقييدات أو تخصيصيات لا المقيّد الواحد المردد بين المتبائنين بل في باب العام من قبيل تخصيصات وفي باب المطلقات من قبيل اخراج عناوين بالمقيّدات المطلق نظير ما لو قيل أكرم العلماء وبعد ذلك ورد الدليل المخصّص المقيّد لا تكرم الفسّاق وشككنا في ان الفسق هل هو عبارة عن ارتكاب المعصية الكبيرة أو يعم الصغيرة . فانه في هذا المقام يكون المطلق من قبيل ( الكلّ ) سواء كانوا شاربين الخمر أم لا زانين أم لأمر تشين أم لا مغتابين أم لا تاركين لردّ السلام أم لا تاركين

النظر إلى الأجنبيّة أم لا مصرّين أم لا فانّه يكون الشكّ في تقييد سواء زائد على ما

علم تقييده من السواءات فعند الشكّ نتمسك باطلاق المطلق أو في العام وفي المقام كذلك . اذ من المعلوم ان القدرة لها مراتب بالنسبة إلى الأشخاص والأحوال والأوقات . فبالنسبة إلى بعض الأشخاص في بعض الأحوال والأوقات القدرة معلومة . وفي بعض الحالات القدرة العقليّة مشكوكة وكذا في جانب القدرة العادية . فما علم خروجه من تحت العام والمطلق وتخصيص ذلك وتقييده فهو . وإلاّ فبالنسبة إلى المشكوك يكون الشكّ في التخصيص الزائد فلا محيص إلاّ من التمسّك بالعام . وليس من باب التمسّك بالعام في الشبهات المصداقيّة بل من التمسّك به في الشبهة المفهوميّة المردّد بين الأقل والأكثر بهذا التقريب في جانب تصوير مراتب للقدرة . وهنا اشكال ذكره الاستاذ وهو ان ما ذكر انما يتم في المخصص والمقيد المنفصلين الذي انعقد ظهور العام والمطلق قبل ورودهما وأمّا بالنسبة إلى المتّصلين في اللفظي واللبي لا يتمّ . لأنّه من الاوّل لا ينعقد ظهور للعام

ص: 54

ولا اطلاق للمطلق لوجود ما يصلح للقرينيّة في الفرد والعنوان المشكوك المقدوريّة .

وجوابه ان المخصّص اللبي اذا لم يكن من المستقلات العقليّة كما في المقام يكون كالمخصّص المنفصل اللفظي فلا يضرّ بانعقاد الظهور والاطلاق .

ان قلت ان الاطلاق والظهور انما يثمران بعد الفراغ عن مقام الثبوت ومعلوميّة مقدوريّة الطرف الآخر .

قلنا: لو اشترطنا العلم بذلك لانسدّ باب الاطلاقات . اذ كلّ مورد شككنا في حصول قيد أو شرط في جانب التكليف تجري البرائة ولا نتمسك بالاطلاق . بل الأمر بالعكس فانه من اطلاق مقام الاثبات نرفع الشكّ عن العنوان والفرد المشكوك كما اذا شككنا في دخول شخص خاص منهم في مثل ( لعن اللّه بني اميّة قاطبة ) من جهة الشكّ في استحقاقه اللعن .

تقريب الاستدلال بالوجه الثاني: ان المقام لا يكون من قبيل تخصيص العام بعنوان خاص شكّ في بعض الأفراد انه من مصاديق العنوان المخصّص أو العام بل القدرة لها مراتب وبالنسبة إلى كلّ مرتبة تخصيص فيكون هناك عناوين متعدّدة معلوم عدم المقدوريّة ومشكوك المقدوريّة . فبالنسبة إلى المعلوم عدم الابتلاء به . المخصص العقلي يخصّص العام وبالنسبة إلى المشكوك . العقل ساكت لا يقول شيئا أي لا يحكم بالعدم .

وإذا علم ان المخصّصات العقليّة على قسمين بعضها من المستقلات التي لا يحتاج حكم التخصيص فيها على استحضار مقدّمات في الذهن وترتيبها بحيث تنتج قصر حكم العام على غير موردها فيكون من قبيل القرينة الحافة بالكلام التي

رفع الشك ثبوتاً باطلاق مقام الاثبات

ص: 55

لا تدع المطلق ينعقد له ظهور في الاطلاق ولا العام في الفرد المشكوك المقدوريّة وبعضها الآخر من العقليّات النظريّة التي يحتاج الحكم فيها إلى استحضار مقدّمات وأعمال فكر في ذلك التي تكون من قبيل القرينة المنفصلة التي لا تضر بانعقاد ظهور المطلق والعام في الفرد المشكوك . والمخصّص في محلّ البحث من الثاني فاذا التفت بعد انعقاد الاطلاق والعموم إلى المخصص والمقيد فالعقل في هذا الوادي بالنسبة إلى العنوان غير المعلوم خروجه من القدرة العادية لا يحكم بتخصيص العام لأنه يرى تمام موضوعه الذي هو استهجان الخطاب بفرد خارج عن تحت قدرة المكلف العادية ومنشأ هذا الحكم من العقل لزوم اللغوية وصدور القبح من المولى الحكيم الذي هو محال عليه فلا جرم هذا المقدار يعلم بخروجه وان الاطلاق مخصص وبالنسبة إلى الباقي العقل شاك أي غير حاكم بمعنى انه ساكت لأنّه لا يرى موضوعه ولا يقطع بعدمه فالشكّ يكون في تخصيص هذا العنوان بعد انعقاد العموم . ومقتضى الدليل الحكم بعدم التخصيص إلى أن يعلم فهذا المقدار الذي حكم العقل بخروجه عن تحت اطلاق الخطاب من باب القدر المتيقّن المعلوم انطباق كبراه عليه .

والباقي باق تحت اطلاق المطلق وعموم العام .

هذا محصل ما أفاده الاستاذ المحقّق المرحوم النائيني .

ويرد عليه ان فرض تعدّد المراتب في جانب القدرة لا يخرجها عن عنوان واحد حتّى اذا شككنا في تعلّق القدرة العادية من المكلف أي قادريته على فرد أو مقدوريّة ذلك الفرد ( بكون القدرة مأخوذة في المكلف أو متعلق التكليف ) يكون الشكّ في التخصيص الزائد . بل تمام موضوع حكم العقل باستهجان توجه

ص: 56

الخطاب المولوي بالاجتناب ونحوه وكليه هو الخارج عن محل الابتلاء فاذا علمنا ان الخمر الموجود في بلاد الهند خارج عن محل الابتلاء يكون خارجا قطعا ولا خطاب نحوه لعدم الحسن فيكون من أفراد المخصّص ومصاديقه والخمر الموجود في بلدنا نعلم بمورديّته للابتلاء والخطاب موجود بالاجتناب عنه . يعني باقٍ تحت العام يعني يشمله العام لأنّه من أفراده المعلومة . ويقع الكلام في الخمر الموجود في البلاد المتوسطة أهي محل ابتلائنا أم لا . فيقع الشكّ في أنّها من أفراد

العام حتّى يشمله خطاب اجتنب فيكون التكليف بالاجتناب معلوما أو من أفراد المخصّص ومصاديقه حتّى لا يكون علم بالتكليف فأين عناوين متعدّدة حتّى بالنسبة إلى المشكوك الابتلاء يكون الشكّ في تخصيص عنوان زائد عمّا علم تخصيصه فتصوير تعدّد مراتب للقدرة لا يجعل المقام من التخصيص بالمخصّص المجمل المفهومي المردّد بين الأقلّ والأكثر بل الشكّ في ذلك شكّ في الشبهة المصداقيّة لأنّ الشكّ في انه مصداق العام أو المخصّص ولا يجوز التمسّك بالعام في الشبهات المصداقيّة بل هذا شأن التطبيق وهو مرحلة بعد مرحلة التخصيص بالكلي يعني بعد الالتفات إلى التخصيص بالخارج عن الابتلاء تصل النوبة إلى التطبيقات وكثيرا ما يشكّ في باب التطبيقات ويشتبه الأمر وقد يقع الغلط بخلاف باب الكليات فانه يدرك أوّلاً ويخصّص ويسلّمه إلى مرحلة التطبيق .

فان قلت: فما تقول في ما اشتهر من جواز التمسّك بالعام في الشبهات

المصداقيّة اذا كان المخصّص لبيا كما في المقام . فاذا شككنا في فرد فباطلاق العام نتمسك ونرفع الشكّ عن ذاك الفرد ونحكم عليه بحكم العام كما مثّلوا في ذلك ب- ( لعن اللّه بني اميّة قاطبة ) فانّه باطلاقه بل بعمومه نتمسّك في رفع الشكّ في مثل

اشكال تعدد المراتب في القدرة

ص: 57

عمر بن عبدالعزيز ومعاوية بن يزيد وغيرهما ممّن ظاهره الصلاح من هذه الطائفة الخبيثة هل هو ممّن لا يجوز لعنه لايمانه فان لعن المؤمن قبيح أو ليس بمؤمن فلا قبح .

قلنا: لا فرق بين المخصّص اللفظي واللبي في المقام لأنّ الحكم لا يمكن أن يحقّق موضوعه للزوم تقدّمه على نفسه وهو محال . فاذا احرزنا ان هذا الفرد من مصاديق العام نحكم عليه بحكمه وإلاّ فلا .

فلا يجوز التمسّك بالاطلاق ولا أصل لهذا الكلام ولا أساس له .

نعم هنا شيء آخر وهو انه قد يكون أخذ العنوان في موضوعات الأحكام أخذا ملاكيّا فيكون الحكم على الأفراد الخارجيّة المتّحدة مع هذا العنوان لا الأفراد الحقيقيّة بلا دخل في ثبوت الحكم على الموضوع للملاك انعكاسا لا اطرادا . كما اذا صرّح بأن زيدا يدخل داري وهو في نفسه يعتقد ان زيداً عالم مع انه ليس بعالم في الواقع . فاذا شككنا في شخص انه ينطبق عليه الملاك فباطلاق العام وعمومه نتمسّك ونحكم عليه بحكم العام .

وببيان واضح: تارة يقول كلّ من كان صديقي يدخل داري على نحو القضيّة الحقيقيّة ففي هذا الفرض لا يجوز أن يدخل زيد العدو . وتارة يقول أكرم الحضّار ويعلم بعدم رضاه باكرام عدوّه . فاذا شكّ في مثل زيد انه صديق له أو عدو فبالاطلاق يرفع الشكّ ونقول انه واجب الاكرام .

وهنا إشكال آخر تقريبه ان التمسك بالاطلاق إنّما يصحّ اذا كان الاطلاق الواقعي معلوما . يعني في مقام الثبوت مطلق حتّى يجوز التمسّك بالاطلاق في مقام الاثبات . ونحن لا ندري ان الاطلاق الواقعي هنا موجود حتّى يكشف

الفرق بين القضيّة الحقيقية وغيرها

ص: 58

الاطلاق اللفظي عنه . لأنّا نشكّ في خصوص الفرد المشكوك هل انه في لب الواقع يشمله التكليف الواقعي وارادة المولى بالاجتناب موجودة بالنسبة إليه أم لا .

والحاصل ان مقام الاثبات بعد مقام الثبوت . فاذا فرغنا عن مقام الثبوت وصحّ تعلّق التكليف بذاك الفرد نتمسّك بالاطلاق في مقام الاثبات ونعلم انه منهي عنه فعلاً . وفي المقام من الأوّل الأمر مشكوك لا ندري هل مقام الثبوت مطلق بالنسبة إلى ذاك الفرد أم لا يعني يحسن خطابه خطاب الاجتناب بالنسبة إلى ذاك الفرد أم لا .

وإذاكان الأمر كذلك فكيف يصحّ التمسّك بالاطلاق في مقام الاثبات .

وجوابه ان هذا الكلام بمكان من الغرابة .

اما أوّلاً فلانا لا نحتاج إلى احراز للاطلاق الواقعي حتّى يصحّ التمسّك بالاطلاق اللفظي . بل كما اذا تعلق الأمر بشيء نستكشف عنه وجود المصلحة فهنا أيضا من اطلاق مقام الاثبات نستكشف اطلاق مقام الثبوت كشفا انيا من المعلول نستكشف وجود العلّة ولم الحكم وانه يحسن الخطاب بالنسبة إليه . وما ذكر انما يكون عند المولى . فان المولى بعد تماميّة ملاك الاطلاق عنده يخاطب المكلّف فعند المولى مقام الاثبات فرع مقام الثبوت . لكن عند المكلّف الأمر بالعكس يعني في مقام الاثبات يحصل له العلم بتماميّة مقام الثبوت وان الملاك تام عند المولى وإن لم يعلمه المكلّف .

وهذا واضح من بناء العقلاء والعرف في محاوراتهم فانهم لا يتوقفون في أمثال هذه المقامات حتّى يحرز لهم تماميّة الملاك الثبوتي . بل بمجرّد القاء الاطلاق إليهم يتمسّكون به وإن لم يعلموا بتماميّة مقام الثبوت لأصالة الاطلاق

عدم حاجة في التمسك بالاطلاق إلى احراز للاطلاق الواقعي

ص: 59

وعدم حجيّة التكليف غير الواصل لو كان مقيّدا بقيد ما وصل . لكن في غير المورد الذي يعلمون ان الملاك غير تام .

وثانيا لو اشترطنا ذلك لانسدّ باب التمسّك بالاطلاقات . اذ الأحكام الشرعيّة تابعة للمصالح والمفاسد النفس الأمريّة على ما هو الحق وعليه العدليّة خلافا للأشاعرة . وكلّ موضع شككنا في الاطلاق ليس ذلك إلاّ من جهة الشكّ في دخل قيد في المكلّف أو متعلّق التكليف حتّى يكون ما به تمام المصلحة أو المفسدة هذا القيد فيتم الاطلاق الواقعي فيكشف عنه الاطلاق اللفظي . واذا كان الأمر كذلك فلا يجوز لنا التمسّك باطلاق في مقام من أوّل الطهارة إلى الديات . وهذا خلاف ضرورة الفقه وليس ذلك إلاّ لعدم اعتبار ذلك في التمسّك بالاطلاق .

ان قلت: التمسّك بالاطلاق إنّما يصحّ إذا كانت القدرة من الانقسامات السابقة على الخطاب اذ الاطلاق على مبناكم عبارة عن عدم قيد في شيء يصلح للتقييد وهنا ليس كذلك . بل القدرة تكون من الانقسامات اللاحقة للخطاب . وبعد تعلّق الخطاب بشيء . فهذا الشيء إمّا أن يكون مقدورا أو لا . واذا كانت القدرة من الانقسامات اللاحقة للتكليف فمحال أن يشمله الاطلاق لعين برهان امتناع التقييد وهو عدم صلاحيّة دخل الحكم قيدا في موضوعه . فانه يلزم منه تقدّم الشيء على نفسه وان يكون الحكم المترتب على الموضوع الموجود بعده مأخوذا في رتبته أي في رتبة الموضوع ومحقّقا له . فالموضوع محقق للحكم والحكم محقق للموضوع فالحكم محقق للحكم وهو عين اجتماع النقيضين . يكون الحكم موجودا ومعدوما في آن واحد وهو محال . كما اذا كان العلم بالحكم موضوعا لنفس الحكم والعلم بوجود زيد في زمان يكون سببا لوجود زيد في ذاك الزمان .

ص: 60

نعم اذا كان التقابل بين الاطلاق والتقييد تقابل التضاد أو السلب والايجاب لأمكن أن يصحّ أن يكون واحد منهما ولا يكون الآخر وقد يكون السلب والايجاب ضروريّا وقد لا يكون الضرورة من أحدهما .

قلت: هذا الكلام لا أصل له من رأس . لأن القدرة العادية كالقدرة العقليّة ليست من الانقسامات اللاحقة للتكاليف بل الانقسامات اللاحقة الموجبة للتنجز منحصرة في العلم . فالتكليف إمّا معلوم أو مجهول للمكلّف . فالعلم شرط التنجيز وليست كذلك القدرة فانّها ليست شرطا لتنجز التكليف . بل متعلق التكليف قبل التكليف اما أن يكون مقدورا للمكلّف والمكلّف قادر بالنسبة إليه أو لا . فيمكن التقييد للخطاب بالقدرة . وعلى فرض أن تكون من الانقسامات اللاحقة ولا يمكن أخذها في الخطاب كي يكون الخطاب مطلقا بالنسبة إليها أو لا . لكن في لب الواقع ليس كذلك . فالمناط لب الواقع ونفس الأمر لأن المولى إمّا أن جعل للقدرة دخلاً في التكليف أو لا ولا يمكن أن نتصوّر اهمالاً في جانب الواقع من العاقل الملتفت بالنسبة إلى موضوع التكليف ولا من المولى الحكيم . غاية الأمر ان أخذها قيداً في الخطاب لابدّ من أن يبين ذلك بخطاب آخر فيصير اما نتيجة الاطلاق أو نتيجة التقييد فالامتناع في الخطاب الأوّل لا في حاق الواقع ولابدّ أن يكون بنحو الاخبار والا فيقع الشك في نفسه انه مطلق أو مقيد فيجييء الاشكال . فموضوع خطاب الأول شيء وموضوع هذا الخطاب الثاني شيء آخر نظير ما اذا قال اذا علمت بوجوب الصلاة فتصدّق ولابدّ أن يكون هذا الخطاب التتميمي واصلاً إلى المكلّف وإلاّ فلا تنجيز ولا تأثير للخطاب الأول . فتحصل ان الخطابات في أبواب المحرّمات تشمل الجميع وقد خصصت بما علم خروجه من مورد

القدرة ليست من الانقسامات اللاحقة

ص: 61

الابتلاء ويبقى الباقي تحت العام فاذا كان أحد أطراف العلم الاجمالي ما علم خروجه عن مورد الابتلاء فالعلم الاجمالي لا يؤثّر . لأن العلم الاجمالي بما هو علم اجمالي لا يؤثر . بل لابدّ أن يكون علما بالتكليف وهنا ليس كذلك . لأنّه لو صادف النجاسة ذاك الخارج فلا تكليف ولو صادف المبتلى به فالتكليف موجود . فلا علم بالتكليف على كلّ تقدير وإذا كان أحد أطراف العلم الفرد المشكوك الابتلاء به فكيف فيجب الاجتناب عن الفرد المعلوم الابتلاء لتحقّق العلم الاجمالي المؤثر على تقدير مصادفته النجاسة ايّا منهما فيصير المشكوك الابتلاء بحكم معلوم الابتلاء في توجه التكليف الفعلي بالاجتناب . هذا غاية ما يمكن أن يوجه به استدلال الشيخ رحمه الله في ذلك وقد وجّهه ونقحه شيخ استاذنا(1) المرحوم النائيني ولكن الانصاف ان الاستدلال باطلاقات الأدلّة في غير معلوم الخروج ليس بتام كما ذكرنا سابقا .

فتحصل ممّا ذكرنا ان شرط امكان الابتلاء إنّما يختصّ بالنواهي للزوم الاستهجان في صورة عدمه . لأن الترك من حيث هو ترك حاصل بنفسه وقبيح مستهجن أن يطلب من العبد ترك ما هو متروك بلا اختيار للعبد . وذلك كما ان الترك من حيث هو لا عسر فيه ولا حرج ما لم يرجع إلى الفعل الوجودي كما في صورة حرمة أكل الميتة وشرب المحرم المتوقف حفظ النفس عليه . بخلاف الفعل فانه بخلاف النهي في ذلك ( أي امكان الابتلاء والعسر فيه ) أي فالأول فيه غير لازم بعد فرض كونه مقدورا عقلاً والثاني أي عدم لزوم العسر والحرج فيه معتبر . وليعلم ان هذا الشرط غير مخصوص بمورد العلم الاجمالي . بل في الشبهات

اشتراط الابتلاء في خصوص النواهي

ص: 62


1- . فوائد الأصول 4/57 وما بعده .

البدويّة وكذا في الموارد المعلومة تفصيلاً موجود لتحقّق المناط هناك وهو لزوم اللغويّة واستهجان الخطاب . لكن في كلّ هذه الموارد إذا كان خطابا فعليّا .

وأمّا إذا كان على تقدير الابتلاء فلا قبح فيه ولا استهجان لازم . غاية الأمر في مورد العلم الاجمالي لا علم لنا بالخطاب المؤثّر الباعث فعلاً وعلى هذا يلزم اشكال .

وهو انّه أيّ فرق بين المقام وبين ما إذا كان يعلم بوجود خطاب في مورد علم اجمالي أحد طرفيه حاصل ظرفه والآخر بعد أيّام . مثل أن يعلم بحرمة شرب هذا الماء الموجود في هذا الاناء أو ماء اناء بعد أيّام يصل إليه . فانّه في هذه الصورة العلم الاجمالي مؤثّر بلا اشكال . وأيضا لو كان امكان الابتلاء شرطا كما تقولون فلابدّ أن تلتزموا بعدم وجوب الاجتناب عن أحد طرفي المعلوم بالاجمال الممكن الابتلاء فعلاً الممنوع شرعا التصرّف في طرفه الآخر المعروض للبيع وهوبصدد شرائه من مالكه أو يحتمل أن يستعيره أو يحصل عنده بأيّ سبب شرعي مع ان المانع الشرعي كالمانع العقلي . مع انكم لا تلتزمون وإن لم يحصل عنده الطرف الآخر . فان كان الابتلاء عبارة عن امكان وصول المكلّف إلى شيء عادة فلابدّ من أمثال هذا المقام وفيه أن تلتزموا بلزوم الاجتناب من الطرف الذي عنده . وإن كان الاناء موجودا في قصر السلطان الذي لا يسع لمثل هذا المكلّف الدخول إليه والابتلاء به ولا يتصوّر هذا مع انّه مثلاً جار السلطان .

وإن كان عبارة عن عدم الابتلاء فعلاً ولو شرعا ففي مثل المقام يعني فيما إذا كان أحد الطرفين في معرض الوصول إليه أن تلتزموا بعدم اللزوم .

ويمكن أن يدفع الثاني بالالتزام بأنّ الخطاب في الطرف الآخر معلّق

ص: 63

ومشروط ( لو ابتليت ) فالاجتناب لازم يعني لو اشتريت وحصل عندك .

أقول ويمكن أن يدفع الاشكال الأوّل أيضا بأنّ المثال خارج عن الفرض اذ الفرض عدم الابتلاء عادة يستتبع استهجان الخطاب الفعلي بالترك اللازم منه عدم وجود معارض في الطرف المعلوم الابتلاء بخلاف المثال . فانّه يعلم بالابتلاء غاية الأمر بعد زمان . فانّه في هذه الصورة الخطاب موجود فعلاً . اما في هذا أو في ذاك ولا مجال للاشكال بأن في المبتلى به فعلاً لا معارض من الطرف الآخر لأنّ الابتلاء به ليس في هذا الزمان . ومع تقدير حصول وقته لأنّه يلزم على هذا أن يقال بعدم لزوم الاجتناب عن الاناء المعلوم الابتلاء به فعلاً والاناء الآخر بعد ساعات مثلاً . الأوّل في أوّل الصبح والآخر في آخر العصر مع العلم الاجمالي بنجاسة أحدهما ولا يمكن أن يلتزم بذلك .

فعلم ممّا سبق انه اذا كان أحد الأطراف خارجا عن محلّ الابتلاء فلا مانع من جريان الأصل النافي في الطرف الآخر المبتلى به فعلاً لعدم المعارضة . لكن سيّدنا الأستاذ قدس سره بعد أن سلّم الكبرى وهي لزوم استهجان الخطاب بالاجتناب في أحد الأطراف تنظر متوقفا في أمثلة سردها مرجحا في جميع ذلك عدم جريان الأصل النافي للزوم الاجتناب .

كما إذا يعلم بنجاسة هذا الاناء المملوك الموجود عنده أو ذاك المملوك لغيره الحاصل فيه المنع الشرعي من التصرّف .

وكما يعلم بأنّ هذه البنت الموجودة في هذا البلد ذات البعل رضيعته أو المرئة الفلانيّة في أقصى بلاد الهند الحاصل فيه البعد المكاني المستوجب لعدم القدرة العادية والابتلاء الفعلي .

ص: 64

وفي صورة علمه بنجاسة انائه المبتلى به في بيته أو التراب الموجود في السكّة الفلانيّة الحاصل فيه بعد الاحتياج إليه للتيمّم به أو السجود عليه . من جهة

ان المناط ان كان حصول القدرة العادية وامكان الابتلاء الحاصل ولو بالمعصية بالتصرّف في مال الغير في الأول . غاية الأمر يكون فيه النهي من جهتين . من جهة كونه مال الغير ومن جهة نجاسته ولا تزاحم بين الخطابين . وإن كان هو ارادة التصرّف فيه وفيما اذا لا يريد لا علم اجمالي منجزا فيلزم النقض السابق من لزوم اختصاص الخطابات بالمريدين .

فاذا لابدّ من الالتزام بعدم وجوب الاجتناب عن أحد الانائين المبتلى به الموجود في بيته فعلاً . المورد للعلم الاجمالي بنجاسته أو نجاسة آخر المطروح في الانبار غير المحتاج إليه فعلاً ومن جهة عدم استهجان في الخطاب باجتنب ولا تزوّج بالنسبة إلى المرئة الكائنة في أقصى بلاد الهند فانه فيها تعليقان . لو أردت التزويج وابتليت بها وفي هذه البنت في هذا البلد تعليق واحد لو أردت التزويج اذا ما أراد التزويج لكونه بالغا اول مراحل البلوغ في الثاني ومن جهة ادعاء عدم الالتزام بعدم لزوم الاجتناب من الاناء الموجود في بيته في الثالث المستبعد اتفاق الحاجة إلى طرفه الاخر الذي هو تراب السكة وأنت ترى انّنا صائرون مصير المناط . وهو لزوم امتثال الخطاب الفعلي إذا كان المورد معلوم الابتلاء تفصيلاً . فاذا كان كذلك فالتكليف فعلي وعليه الاجتناب عن أطرافه وإن لم يكن كذلك فلا علم بالتكليف الفعلي ويكون بالنسبة إلى الطرف المعلوم الابتلاء شكّا بدويّا فتجري البرائة عن التكليف الالزامي كما سلّم هو نفسه الكبرى . غاية الأمر التوقف في مقام التطبيق وهو لايضر بالكبرى اذا وجد مورد نطبق عليه وقد التزم

جريان الأصل في الطرف المبتلى به

ص: 65

شيخه الاستاذ في المانع الشرعي جريان أحكام المانع العقلي عليه .

هذا تمام الكلام في ضابط تأثير العلم الاجمالي بالنسبة إلى اشتراط القدرة العادية على موارد وضابط انحلاله .

أقول: هنا كلام في الاستدلال باطلاقات أدلّة المحرّمات في لزوم الاجتناب عن المشكوك الابتلاء به .

وهو أنا اذا اشترطنا في حسن توجه الخطاب إلى المكلّف كونه مقدورا فعليّا وكان الأحكام الشرعيّة على نحو محمولات القضايا الحقيقيّة اذا وجدت موضوعاتها في الخارج فتحمل الأحكام عليها . فلا يبقى مجال للتمسّك بالاطلاق عند الشكّ في حصول شرطه وكذا في حسنه حتّى يرد عليه الاشكالات السابقة من ان المخصّص هل هو من الضروريّات التي يلتفت إليها المكلّف عند توجه الخطاب إليه حتّى يخصصه ولا يدعه إلى المطلق ينعقد له ظهور في المورد المشكوك أم لا . وبعد ذلك يقع الاشكال في انّها من الشبهة الموضوعيّة أم المفهوميّة الخارج من المطلق عنوان ذو مراتب حتّى يكون التقييد عن قبيل تقييدات فيبقى المطلق بحاله بالنسبة إلى المرتبة المشكوكة كما ذكرت مفصلة .

الرابع من الشبهات: في ان ملاقى أحد أطراف الشبهة المحصورة في ما اذا كان انائان وقع في أحدهما نجاسة هل هو بحكمهما أم لا .

ذكر سيّدنا الأستاذ عن شيخه الاية (1) في ملاقى أحد أطراف الشبهة المحصورة . ان قلنا بالسراية فيجب الاجتناب وإلاّ فلا ووضّح ذلك بما إذا علمنا اجمالاً بمغصوبيّة أحدى الدارين أو بعدم ملكية احدى الشجرتين .

الرابع من الشبهات

ص: 66


1- . فوائد الأصول 4/67 وما بعده .

فان قلنا في الفرض بلزوم الاجتناب عن تناول ثمرة أحدى الشجرتين أو سكنى احدى الدارين فيجب في المقام أيضا اجتناب ملاقى أحد الأطراف .

واستشكله سيّدنا الأستاذ قدس سره بأنّه كان ينبغي أن يجعل مسئلة الملاقى لأحد أطراف الشبهة أصلاً . واذا قال بوجوب الاجتناب يجعل حرمة تناول ثمرة احدى الشجرتين أو سكنى احدى الدارين متفرعا عليه لأنّ الكلام عليه أطبق وفيه أوضح .

وعلى أيّ حال فهل وجوب الاجتناب بشرب ما في الانائين من جهة

اشتباه ما في أحدهما بالآخر انه خمر أو ماء طاهر أو متنجس كما يقتضي عدم جواز شربهما يقتضي عدم جواز بيعهما وساير الآثار المترتبة عليهما أم لا ؟ لأن وجوب الاجتناب أمر تكليفي ولا تكليف في الوضعيّات . بل فيها ليس الا الصحّة والفساد ويترتّب عليهما حلّ التصرّف وأكل المال وعدمه . فيجوز على هذا بيع أحدهما ومقتضى اعتبار الماليّة والتمول في المبيع احراز ذلك قبل البيع . اما بعد البيع بالنسبة إلى أحدهما غافلاً عن احراز الشرط واعتبار البيع والنظر إلى انه أحد طرفي العلم أو لا مع الالتفات كما اذا حصل العلم بعد وقوع البيع . فهل تجري اصالة الصحّة لتصحيح البيع بناء على جريانها في كلّ ما شككنا في حصوله ممّا له دخل في تحقّق العقد صحيحا سواءً كان في المتبايعين من بلوغهما مثلاً أو في العوضين أو في الصيغة وهل مثلاً لقصد الانشاء أم لا . أو في خصوص بعض منهما سواء كان في عمل نفسه أو غيره . مثلاً باع ما في أحد الانائين وبعد البيع حصل له العلم الاجمالي بنجاسة أحدهما والثمن موجود في يده . فهل يجوز أكل الثمن أم

ص: 67

لا . فان اللّه (1) إذا حرّم شيئا حرّم ثمنه ( سواءً كان الجاري أي اصالة الصحّة هي قاعدة الفراغ أم أصلاً آخر ) ان سلم مدركه من الاشكال وصلح للاستناد إليه لا مانع من ذلك اذ الأصول الجارية في ظرف الشكّ في تحقّق البيع لبقاء العوضين بحالهما وعدم انتقالهما إلى المتبايعين محكومة باصالة الصحّة وجريانها إنّما يكون في مورد يكون من أوّل الأمر مشكوكا في تحقّق أحد شرايط البيع أو المبيع أو الثمن أو الطرفين ممّا هو دخيل في صحّة البيع شرطا أو جزءا وهنا ليس كذلك . وإلاّ فلا يبقى مورد لهذا الأصل والقاعدة وهذا بخلاف ما ذا باعهما معا أو باع الآخر بعد الأول .

ففي الأولى اصالة الصحّة في أحد الطرفين معارضة بها في الآخر لمكان العلم الاجمالي كليا وفي خصوص المورد المانع من جريان الأصلين . وذلك بعد الفراغ عن جريانها في الشبهة البدويّة وإلاّ فمن الأوّل لا يبقى مجال لمعارضة الأصلين وهو يعلم اجمالاً بأن البيع بالنسبة إلى هذا الاناء أو ذاك باطل لأنّه أكل المال بالباطل . فجزء من الثمن الذي وقع في يده مال صاحبه ولا أصل هناك يصحّح النقل وصحّة البيع بالنسبة إليه . وأمّا في الثانية فبعد وقوع بيع الثاني يحصل

له العلم كذلك وليس هناك إلاّ جريان الأصل النافي بلازمه في الطرف المبيع سابقا وهو اصالة الصحّة التي تصحح البيع الأول وبلازمه ينتفي كون النجس أو الخمر هذا الاناء المبيع . وان كان هذا الأصل مثبتا ولكنّه مرجعه إلى النافي . وإن قلنا بحجيّة ذلك وبانحلال العلم الاجمالي بجريان الأصل النافي في أحد أطرافه

ص: 68


1- . نقل عن السنن الكبرى 6/13 ومسند أحمد 1/247 - 392 والمستدرك 2 الباب 6 جواز بيع الزيت النجس ومستدرك الوسائل 13/2 دعائم الاسلام مع اختلاف في اللفظ .

فمجال لتصحيح المعاملة الثانية مطلقا لو وقعت بعد الأولى لو لا اشتراط احراز شرط المعاملة من كون المبيع متمولاً . والا ففي صورة الغفلة . ولكن قد ذكرنا سابقا ان العلم الاجمالي لا ينحل بالأصل النافي في أحد الأطراف وبعد وقوع المعاملتين يعلم البايع ببطلان أحديهما وعدم ملكيّته لأحد الثمنين ومعه كيف يمكن الالتزام بالانحلال هذا .

وكذا مثال الوضوء من الانائين المشتبهين نجسهما بطاهرهما مع قطع النظر عن الخبر الوارد(1) بأنّه يهريقهما ويتيمّم . فمقتضى القاعدة لو لا الخبر التمكن من الوضوء ولذا حمله بعض الأعلام على مورد لا يبلغ مقدار ما يتوضأ بهما ويتطهر بالثانية ) فانّه يعلم تفصيلاً بعد وصول الماء الثاني قبل انفصال الغسالة بنجاسة الموضع الواصل إليه الماء الثاني بعد الأوّل وبعد ذلك يشكّ في ارتفاع النجاسة بزوال الغسالة وانفصالها فيستصحب .

لا يقال في مثال اصالة الصحّة الجارية في أحد الطرفين المبيع وحده لا فرق بين هذه الصورة وبين ما اذا يريد أن يرتكب بعض الأطراف . فكما تقولون هنا بالجريان وصحّة البيع فهناك أيضا لا مانع من القول بالجواز .

فانه يقال لا مدخليّة للارادة في موضع التكليف هناك وإنّما موضوعه شرب النجس وهو فعل المكلّف فلا موجب للجواز بخلاف موضوع الصحّة هنا . فانّه البيع الواقع وهو لا يريد أن يبيع الطرف الآخر أو ما باعه ليتحقّق موضوع جريان أصل آخر فيه فيجري فيه الأصل بلا معارض . فيكون كالشبهة البدويّة بخلافه هناك فانه وإن ما أراد أن يشرب الآخر فأنّ التكليف فعلي والعلم موجود منجز

الفرق بين ما إذا باعهما معاً أو باع أحدهما بعد الآخر

ص: 69


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 64/2 من أبواب النجاسات .

مؤثّر بلا دخل لارادته في ذلك . ولكن التحقيق في المسئلة أن يقال من أوّل الأمر هو مسلوب السلطنة للعلم بعدم سلطانه على أحدهما من جهة نجاسته أو عدم قبوله الملكيّة ولا أصل قبل البيع يصحّح البيع والسلطنة على المبيع . فاذا لابدّ في

هذه الصورة ترتيب آثار المعلوم بالاجمال على كلّ من طرفيهما .

فالاجتناب عن أطراف الشبهة المحصورة بالنسبة إلى ملاقى أحد أطرافهما واجب .

بتصحيح كبرى وصغرى وجدانيّة . والكبرى هي ان كلّ ما للأصل من الآثار هل يتبعه الفرع في ذلك أم لا ؟ والصغرى هي ان المقام كذلك أي الملاقى يكون فرعا للملاقى فكلّ حكم ثبت للملاقَى يشمل الملاقِي . وبعبارة اخرى هل يسري كل ما للملاقَى إلى الملاقِي أم لا ؟ فاذا قلنا ان الملاقى باعتبار ملاقاته للماء المشكوك النجاسة في أحد الأطراف كانه صار طرفا للمعلوم بالاجمال من أوّل الأمر لنقله جزءا من ماء ملاقاه فيكون كما اذا بسط الماء المشكوك نجاسته المورد لعلم اجمالي بحصولها فيه أو في ماء آخر فان المبسوط عين الماءالسابق غاية الأمر حصل له صفة بسط .

فكلّ حكم ثبت للماء الاول يثبت لهذا الماء بل هو من أجزائه . واذا قلنا الملاقاة لها دخل في ذلك وانه جزء الموضوع . فعلى هذا يكون الملاقى نجاسته من النجاسات في عرض سايرها ولا يشمله الحكم المجعول لها لأنّها موضوع مستقل والملاقاة جزئه .

توضيح ذلك هو أن يقال تصور الفرع للأصل في موارد العلم الاجمالي لا يخرج عن صور ثلاث . إمّا أن يكون من قبيل منافع الدار يعني انتفاعها وإمّا أن

صور ثلاث في تصور الفرع للأصل

ص: 70

يكون من قبيل ثمرة الشجرة وإمّا أن يكون من قبيل الحمل للدابّة . فلنفرض حكم العلم التفصيلي بالاجتناب عن نفس الأصول في هذه الصور هل يسري إلى انتفاع الدار وثمرة الشجرة وحمل الدابّة أم لا ؟ وبعد ذلك نتكلّم في مورديّة أحدها للعلم الاجمالي .

فنقول: إذا كان من قبيل انتفاع الدار فلا شبهة في انه يشمله خطاب لا تصرف في الدار . بل التصرف في الدار أظهر مصاديقه الانتفاع بالسكونة فيها وكذا اذا نهى عن التصرّف في الشجرة يشمل غصن الشجرة وساقها يعني أجزائها ويشمل أيضا ثمرتها الموجودة غير المنفصلة عنها . وكذا في الدابّة فاذا استولى عليها فقد استولى على حملها على الاختلاف في جزئيّة الحمل لها أو كونها ظرفه واذا نهى عن التصرف فيها فيشمل حملها . فلا يمكنه اذا باع حملها مثلاً ان يعتذر عند المولى بأنّك نهيتني عن الدابة وما نهيتني عن الحمل وكذا نهيتني عن التصرّف في الشجرة لا التصرّف في الثمرة . فالخطاب الموجود في كلّ من هذه الثلاثة بعينه يسري إلى هذه الفروع الثلاثة ويجب الاجتناب عنها . غاية الأمر يختلف الحكم في باب الضمان بناءً على عدم ضمان المنافع غير المستوفاة . فاذا قفل الدار وما سكن فيها ولا اسكنها غيره أو فعل بالدابّة ما أخرجها عن قابليّة الحمل . أو بالبستان وأشجارها بحيث ما أفادت ما كان من شأنها افادته وعند غصب الغنم كان سمينا وعنده زال سمنها وهو ما استوفاه بخلاف التي ما دخلت تحت يده العادية كالمنافع التي تفيدها هذه الأشياء بعد عشر سنين أو التي استوفاها . فان في الأوّل لا اشكال في عدم لزوم الاجتناب وعدم الخطاب لعدم الموضوع . وفي الثاني يضمنها لأنّها داخلة تحت اليد وهي مستولية عليها . لكن الانصاف ان ثمرة

ص: 71

الشجرة الموجودة وحمل الدابّة وإن كانتا تابعتين في الوجود . الا انّه لا تابعيّة لهما في الحكم . بل لهما حكم مستقل نظير المنفصل منهما . فالنهي التفصيلي عن تصرّف الشجرة أو الدابّة لا يشملهما فلا يفيد في مورد العلم الاجمالي بحرمة التصرّف في احدى الشجرتين أو الدابتين وسراية الحرمة إلى حمل أحدهما أو ثمرته .

هذا في الموجود منهما وأمّا المعدوم غير الحاصل فلا اشكال في عدم خطاب فعلي له لأنّه لا اشكال في اشتراط الحكم بوجود الموضوع . فالحكم على الموضوع المعدوم لا يكون فعليّا . فلو فرض انا قبلنا ذلك هنا وسلّمنا سراية النهي إلى الفرعين وحصل العلم الاجمالي إمّا بحرمة هذا أو بحرمة الحاصل بعد عشر سنين فالعلم ليس علما بالحكم المنجز لأن أحد طرفي العلم بعد ما وجد . وهذا بخلاف منافع الدار يعني انتفاعها . فاذا علمنا بغصبيّة هذه الدار أو تلك فلا جرم نعلم بحرمة سكونة احداهما أيضا لسراية الخطاب التفصيلي بالحرمة إلى الانتفاع منها بالسكونة ونحوها .

وقد علم ممّا ذكرنا ان هذه الفروع الثلاثة وتنقيح البحث فيها لا ربط لها بمسئلة الملاقى لأن هذه الصور الثلاث شيء ومسئلة الملاقى والملاقى شيء آخر .

هذا حاصل ما أفاده سيّدنا الأستاذ قدس سره في المقام تقرير(1) البحث شيخه المحقّق .

واشكالاً عليه وفي المقام مجال للكلام وأورد الاشكال وقرّره ببيان آخر .

ص: 72


1- . فوائد الأصول 4/73 وما بعده .

اعلم انّه لا اشكال في ان الحكم تابع لموضوعه وجودا أو عدما ويستحيل تخلف الحكم عن الموضوع كما يستحيل تقدّمه عليه فاذا وجد خارجا يعرضه الحكم خارجا واذا لم يكن الموضوع موجودا خارجا فعلى نحو الفرض والتعليق وبالجملة الحكم يسير سير الحكم في أي وعاء من الأوعية الوجودية حقيقة واعتبارا . فاذا كان كذلك فما لم يوجد الموضوع في الخارج لم يكن حكم تفصيلاً واذا فرض ان الموضوع الكذائي وقع طرفا للعلم فلا ينعقد العلم مؤثّرا وليس علما بالتكليف الفعلي المنجز . ففي مورد الثمرة والشجرة اذا كانت الثمرة موجودة فالعلم بحرمة التصرّف حاصل ويؤثّر اذا كانت الثمرة موردا للعلم الاجمالي متعلّق بها أو شجرة اخرى فيجب الاجتناب بخلاف الثمرة المعدومة فاذا كانت ثمرة من احدى الشجرتين المشتبهتين في مورد العلم الاجمالي ولم تكن للاخرى ولكنها تثمر بعد حين أو سنين . فالآن لا علم بالتكليف الفعلي بالنسبة إلى هذه الثمرة الموجودة وتابعيتها الشجرة في الوجود لا تستلزم تابعيتها في الحكم بحيث يكون خطاب الشجرة خطابها خصوصا في النواهي الشرعيّة في باب المحرّمات . فانه قلّ مورد يكون ويكون الحكم فيه على صرف الوجود . بل لا يكاد يتفق الا والحكم على نحو مطلق الوجود أي منطبق على جميع أفراد الموضوع . وكلّ ما وجد في الخارج فردا له وهو ( أي الاستاذ المرحوم ) يلتزم بهذا فاذا جاء خطاب بحرمة التصرّف في الحيوان الخارجي فهذا الخطاب ينحل إلى خطابات عديدة حسب امكان تعدّد أجزاء الحيوان . وإن كان الحيوان في الخارج شيئا واحدا ولكنه مجمع لأجزاء كثيرة على كلّ جزء خطاب . كما اذا قال لا تصرف في مال الغير فبالنسبة إلى كلّ شخص خطاب كما انه بالنسبة إلى كلّ نوع وصنف شخص

تقرير الاشكال ببيان آخر

ص: 73

من أموال الغير الخطاب موجود لا بنحو التبعيّة ولا في جانب الامتثال وكذلك في جانب الحيوان بالنسبة إلى ما بطنه .

فان تابعيّته لوجود أمّه لا تستلزم تابعيته لخطابها . بل إذا كان موضوعا فعليه خطاب مستقل وإذا لم يمكن فلا شيء . فاذاً لا يمكننا تصحيح خطاب التبعيّة بالنسبة إلى حمل الحيوان وثمرة الشجرة المتّصلة .

نعم النهي عن التصرّف في الغنم نهي عن التصرّف في صوفه ولبنه .

فهذه المقدّمة التي مهّدها الاستاذ المحقّق أعلى اللّه مقامه لبيان لزوم الاجتناب عن الملاقي وعدمه غير محتاج إليها ولا ربط لها باصل المسألة فلابدّ أن نرجع إليها ونتكلّم عليها .

أمّا على القول بالسراية وهي عبارة عن انتقال جزء من أجزاء الموضوع

مكانا فلا ريب ان الحكم تبع له وكلّما يروح هو يتبعه ذلك . فاذا فرضنا مثلاً نجاسة مسرية بحيث اذا باشرها شيء تؤثّر فيه . فاذا وقع عليه طرف العبائة أو صببنا جزءا منها عليها فانتقل هذا الجزء من مكانه الأولى إلى هذا المكان . ولا ريب ان حكمه معه فالآن يجب لنا معاملة هذا الطرف من العبائة معاملة أصل النجاسة لا من باب الموضوعيّة . بل لأن الموضوع هنا موجود والخطاب عليه . فاذا يكون خطاب الملاقِي عين خطاب الملاقى ولا شيء يعد بجنبه . غاية الأمر كان أولا مجتمعا فصار متفرقا أو منبسطا . فاذا عدم النجاسة من العبائة فالحكم أيضا يسقط ويرتفع لعدم الموضوع كما اذا لاقاها قطرة بول فجفت فما دامت رطبة وبها وجودها فالحكم موجود والا فالحكم يرتفع(1) كما انه تقدم . فاذا كان كذلك فلو

ص: 74


1- . لكن المحل متنجّس لا يطهر بجفاف القطرة .

كانت النجاسة مشتبهة بين ما يعين ولم تعلم بعينها فالحكم بوجوب الاجتناب موجود غاية الأمر لعدم تعين موضوعه .

يحكم العقل بلزوم الاجتناب عن كليهما من باب انحصار طريق الامتثال لهذا الخطاب والتكليف عنده بهذا . والآن شرايط وجود العلم بالتكليف موجودة محقّقة . فلا مؤمّن له . فيلزمه الامتثال بهذا النحو . فاذا وقعت قطرة من أحد الطرفين على العبائة أو وصلت إلى أحدهما فانتقل جزء من أجزاء أحد المايعين المشكوك في حدّ نفسه طهارة ونجاسة فالحكم الذي كان عليه قبل الانتقال طارئ عليه ودائر معه ويلازمه أينما وقع .

فلابدّ حينئذٍ الاجتناب عن ملاقِى أحد الأطراف في الشبهة المحصورة لتوقف حصول العلم بامتثال التكليف الاجتنابي عن النجس المعلوم في البين بهذا فاذا ما اجتنب عن هذه القطرة المصيبة للعبائة واجتنب عن ساير القطرات في كلّ الانائين من المايعين فما امتثل التكليف علما ولا مؤمّن له . فكما كان يلزمه العقل في كلّ من الطرفين قبل الانتقال فالآن يلزمه بالاجتناب عن ثلاثة أطراف . وعلى هذا فيجب الاجتناب عن كلّ ما لاقى أحد الأطراف على الشرايط المعتبرة في الملاقاة على هذا المبنى .

في نجاسة ملاقى النجس على نحو السراية وجهان:

أحدهما: السراية الموضوعيّة وقد تقدّم بيانها لأنّه يلزمهم الالتزام بتبعيّة الحكم للموضوع فاذا افتقد الموضوع أو جفّ مثلاً فلا(1) يجب الاجتناب لأن الأثر الباقي مثلاً ليس من النجاسات حتّى يقال بلزوم الاجتناب عنه .

النتيجة على السراية وغيرها

ص: 75


1- . تقدّم الاشارة إلى بقاء التنجس .

والثاني: هو السراية الحكميّة وهي ان يحدث الحكم بلزوم الاجتناب عن تمام الماء الملاقى للنجاسة بملاقاة أحد سطوحه فيحدث الحكم ويثبت الالزام باجتناب جميع السطوح وإن كان غير الملاقِى منها ملاقيا للملاقى بسطحه المخالف الغير الملاقى للنجاسة وإن كان موضوعات متعدّدة وسطوح مختلفة . لكن لمكان أن العرف يرى جميعها في المايعات واحدا يسري حكم بعض السطوح أي الملاقى منها للنجاسة إلى ساير السطوح غير الملاقية .

أو لأنّ السطوح الباقية تلاقي السطح الملاقِى . فعلى المبنى الاؤل يعني السراية الموضوعيّة في باب تنجّس الملاقى لو كان الملاقِى لاقى أحد أطراف العلم يعني المعلوم الملاقاة لو قلنا بوجوب الاجتناب عن الملاقِى للنجس كما يجب الاجتناب عنه نفسه لأنّ الملاقى ينجّس كما ان النجس ينجّس .

إذ لاقى أحد أطراف العلم بالنجاسة فيجب بمقتضى الالزام العقلي الاجتناب عن الملاقى وهذا ظاهر لان حكم هذا الملاقِى حكم الملاقى وفي عرضه ولا ترتيب بينهما . غاية الأمر كان مجتمعا فصار متفرقا فكما يروح الموضوع الحكم يتبعه ويقفوه .

وأمّا على السراية الحكميّة . فلان بملاقاة أحد السطوح وجب الاجتناب عن جميعها . أمّا لحصول قذارة في جميعها أو لحصول حالة فيها أو لشيء لا نعلمه كما لا نعلم الاولين أيضا .

فظاهر . لكن في الملاقاة التفصيليّة يعني بملاقاة الملاقِى للنجس المعلوم أو بملاقاة نفس النجس المعلوم تفصيلاً في كلتا الصورتين أمّا إذا كانت النجاسة محصورة بين أطراف أو المتنجس بالنجاسة كذلك فبملاقاة أحد الأطراف لا نعلم

ص: 76

ذلك ولا يكون كالمبنى الأوّل حتى يكون الملاقِى في عرض الملاقَى لأنّ النجس أو المتنجس انتقل بل في طول الأوّل . فلو كان في الواقع لاقَى المتنجس أو النجس فالآن الحكم موجود . وإلاّ فلو كان الملاقَى هوالطرف الآخر غير النجس أو المتنجس فلا علم بالتكليف .

وهذا كما يكون من أوّل الأمر جعل الشارع الملاقاة تمام الموضوع لوجوب الاجتناب عن الملاقى جعلاً موضوعيّا بلا سراية موضوعيّة أو حكميّة والمبنى الآخر في المسألة كانه جعل النجاسات مثلاً مزيدا فيها واحد وهو الملاقى لأحدها على الشرايط بخلاف الصورة الاولى فانه يكون لزوم الاجتناب عن الملاقِي في التفصيلي عقليّا بلا خطاب مولويّ . كما انه في صورة العلم الاجمالي يكون من باب المقدمة العقليّة . فانه لا يحصل الاجتناب عن النجس الواقعي في البين الا بالاجتناب عن جميع أطراف العلم أوّلاً والملاقِي وعلى هذا فيكون الملاقي لأحد الأطراف في الشبهة المحصورة مشكوك النجاسة . لأنا نعلم الملاقاة بالوجدان لكن لا علم منا بتعلّقها بالنجس . فان الملاقاة للنجس تمام الموضوع فالآن موضوعيّة هذا الملاقى مشكوك فالشكّ في الحكم فيصير شبهة بدويّة طوليّا بالنسبة إلى الأطراف فتجري فيه الأصول بلا معارضة لطرف من أطراف العلم والمعارضة في الأصول انما هي بين الأطراف . لأن نجاسة هذاالملاقى مسبّبة عن نجاسة الملاقى فالشكّ يكون من الشك السببي والمسببي . فاذا جرى في السبب لا يجري في المسبب .

والفرض ان الأصل في السبب وهو الملاقًى ساقط لمكان المعارضة مع الأصل الجاري في الطرف الآخر المتحققة بالعلم بنجاسة أحدهما فيتساقطان .

ص: 77

فتصل النوبة إلى أصل الملاقي ويكون مجال لجريانه بلا معارض ولا حاكم . فلا التفات إلى تثليث العلم بتقريب أن يقال لنا ثلاثة علوم بعد الملاقاة لأحد الأطراف . علم بنجاسة الملاقِي أو الملاقِى وآخر بنجاسة الملاقِي والطرف الآخر وآخر بنجاسة الطرف والملاقِي والملاقَى معا . فيجب بمقتضى العلوم الثلاثة الاجتناب عن ثلاثتها .

وذلك لان العلم الثاني وهو المتعلّق بنجاسة الملاقَى والطرف الآخر قد انعقد تفصيلاً فبمقتضاه يجب الاجتناب عن طرفيه فلا أثر للعلمين الآخرين بعد العلم بوجوب الاجتناب عن الطرفين بعد العلم الأوّل والثالث أو قبلهما أو أحدهما لعدم الأثر في بعض اذا كان قبلهما والانحلال في آخر كما في الباقي بجريان الأصل المثبت في غير الملاقى بناءً على انحلال العلم الاجمالي بجريان المثبت .

اذا كان أصلاً عقليّا . فلا علم له بالتكليف على هذا المبنى . لأن العلم ليس علما بالتكليف . فانه لو كان الملاقى هو النجس فيجب الاجتناب ولو كان غيره فلا وجوب الا بعد الملاقاة على نحو التعليق . فالعلم ليس علما بالتكليف الفعلي المؤثّر لزوم الاجتناب بخلاف السراية . فانّه يجب الاجتناب عن الملاقِى ووجوبه في عرض وجوب الملاقَى بلا فرق بين أخذ بعض الأطراف وعدمه وخروجه بعد العلم عن مورد الابتلاء وعدمه . وذلك لتحقّق التكليف المنجز المؤثّر . فلو كان بعد الفقد غير المفقود الباقي هو النجس أو المتنجس . والفرض ان المولى يطلب الاجتناب عنه في ظرف الشكّ كما كان قبل الافتقاد لذلك البعض . فالآن هو ملزم بالاجتناب عن هذا الطرف الباقي كصورة الاضطرار إلى ارتكاب طرفه الآخر . ولو كان الاضطرار ابتداءً متعلّقا به حتّى يكون اضطرارا على المعين . فانه لو كان

ص: 78

الباقي هو النجس فالمولى يطلبه الا أن يرفع الحكم أو يبدل الموضوع . ولذا ما فرق المرحوم صاحب الكفاية بين لزوم الموافقة القطعيّة وحرمة المخالفة القطعيّة .

فانّه لا يمكن أن يطلبه فعلاً حتّى في ظرف الشكّ ويرخص في الترك على خلاف مذهب الشيخ العلاّمة قدس سره بالفرق بينهما بالالتزام بحرمة المخالفة القطعيّة وعدم لزوم الموافقة القطعيّة . وإذا كان المستفاد من الأدلّة هو الموضوعيّة للملاقاة . فاذا لاقَى أحد الأطراف نشكّ في ثبوت تكليف ابتدائي للملاقى فيشمله أدلّة الطهارة والبرائة وغير ذلك . والأدلّة التي أقاموها على استفادة الموضوعيّة بالسراية على خلاف مطلوبهم ادل من آية « والرجز فاهجر »(1) وخير الفارة المروي(2) عن عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن أبي جعفر علیه السلام انه أتاه رجل فقال له وقعت فارة في خابية فيها سمن أو زيت فما ترى في أكله . فقال أبو جعفر علیه السلام: لا تأكله . فقال الرجل الفارة أهون عليّ من أن أترك طعامي من أجلها . فقال له أبو جعفر علیه السلام انك لم تستخفّ بالفارة وإنّما استخففت بدينك . انّ اللّه حرّم الميتة من كلّ شيء ( لأنّه لا معنى هنا للسراية خصوصا بنحو الموضوعيّة ) بل الظاهر منها ومن نحو(3) اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه ومن نحو اذا كان(4) الماء قدر كرّ لم ينجسه شيء . المفهوم منه اذا لم يكن كرا ينجسه شيء . ومعلوم ان ذلك يحصل ويكون بالملاقاة هو الموضوعيّة للملاقاة حتى يكون الملاقى لأحد النجاسات وكذا للمتنجسات بناء على استفادة ذلك من الأدلّة هو

الفرق بين مذهب الشيخ والمحقّق الخراسانى

ص: 79


1- . سورة المدثّر: 6 .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 5/2 من أبواب الماء المضاف .
3- . وسائل الشيعة 3 الباب 8/3 من أبواب النجاسات .
4- . وسائل الشيعة 1 الباب 9/1 - 2 - 4 - 5 - 6 .

واجب الاجتناب بلا دخل لانتقال الأجزاء النجسة سراية . فظهر ان المستفاد من الأدلّة ظاهرا هو كون نجاسة الملاقي بحسب جعل الشارع لا بنحو التبعيّة بلا جعل .

تنبيه: لا يخفى ان ما ذكرنا من تنظير السراية الحكميّة بالملاقاة كانّه مستنبط من كلام سيّدنا الأستاذ قدس سره وسئلناه عن تفصيل ذلك وانه كيف يكون حكم ملاقى أحد أطراف الشبهة المحصورة بناء على السراية الحكميّة فاجمل الجواب وقد أفاد في وجه تنجس المتنجسات ان العرف مثلاً يرى الماء الملاقى لبعض أجزاء النجس شيئا واحدا بخلاف مثل الجوامد وإن كان في الحقيقة القطرة الواقعة في الاناء ما لاقى الا أحد أجزاء الماء الموجود فيه وان كان هذا الجزء ملاقيا بسطوحه الآخر سطوحا متقاربة من أجزاء المياه الباقية . وهكذا لو استهلك القطرة الواقعة في أقل من الكرّ بحقّة مثلاً عدمت فيه بل لو تجزئته لاخر جناها منه .

وعلى أيّ يلزم على المبنيين في وجه نجاسة المتنجس اشكالات مذكورة في بابها فلتطلب من هناك . وانما في المقام اشارة اجماليّة والمهم هو البحث في المسألة من جهتها الأصوليّة . وخلاصة الكلام وزبدة المرام انه على القول بالسراية الموضوعيّة يكون وجوب الاجتناب عن ملاقِى أحد أطراف الشبهة عقليّا لعين وجوب الاجتناب عن الأطراف انفسها من باب المقدمة العلميّة لامتثال النجس المعلوم في البين ولا حكم للشارع مستقلاً هنا على الملاقِى . غاية الأمر أحد أجزاء أحد الأطراف انتقل مثلاً إلى الماء الملاقى لأحد الأطراف ولمكان مجهوليته يلزم الاجتناب عن تمام أجزائه لتوقف الامتثال والاجتناب عن الجزء المنتقل على ذلك .

ص: 80

وهذا بخلاف ما لو قلنا بالملاقاة . فانه على هذا يكون الملاقاة جزء الموضوع وجزئه الآخر تعلّق الملاقاة بالنجس الواقعي . فاذا لاقى الملاقى أحد الأطراف فالملاقاة حاصلة بالوجدان لكنها ليست تمام الموضوع . بل الملاقى للنجس واجب الاجتناب بحكم الشارع وجعله موضوعا مستقلاًّ ذا حكم وهو الاجتناب في عرض ساير النجاسات . فاذا حصلت الملاقاة لأحد الأطراف فجزء الموضوع محقق ولا علم وجدانا ولا تعبداً هنا بجزئه الآخر . فالشكّ في تحقّق الموضوع المستتبع للشكّ في الحكم فيبقى موضوعا مستقلاًّ مشكوكا من أوّل الأمر فتجري فيه الأصول الموضوعيّة أو الحكميّة . وعلى هذا فلا ينفع فيه كون الشكّ في نجاسة الملاقِي مسببا عن الشكّ في نجاسة الملاقَى واذا جرى الأصل في جانب السبب فلا يجري في جانب المسبب . بل جريان الأصل فيه إنّما يكون بعد تساقط الأصلين الجاري أحدهما في السبب أي ( الملاقَى ) والآخر الجاري في طرف الملاقِي .

وفي المقام يكون الأمر كذلك . اذ مثلاً استصحاب الطهارة أو قاعدة الطهارة الجارية في طرف الملاقِي محكومة بجريان الاستصحاب أو القاعدة في الملاقَى المعارض مع الطرف الآخر المتساقطتين وهو أي ( المرحوم النائيني ) مذهبه كما سبق في الانحلال بالأصل النافي . مع انا استشكلنا عليه بعدم الانحلال بالمنافي وإن لم يكن له معارض لأن العلم باقٍ وجدانا وقد مضى في محلّه . لكن الكلام هنا على تسليم الكبرى وكون المورد صغرى مع انه لا يكون صغرى أيضا كما بيّن في السطور الآتية ان الأصل الجاري في أحد الأطراف يعارض ما هو المجعول في الطرف الآخر مع مفاده سواء كان استصحابا أو قاعدة . فاذا كان في أحد الأطراف

حكم ملاقى أحد أطراف النجس اجمالاً

ص: 81

مثلاً تجري قاعدة الطهارة لأنّه من أوّل الأمر كان مشكوك الطهارة وفي الطرف الآخر تجري هي والاستصحاب أيضا لمكان العلم السابق بطهارته فلا مجال لحكومة الاستصحاب في الفرض على القاعدة . فاذا تساقط الاستصحاب والقاعدة في الطرف الآخر تصير القاعدة في المستصحب جارية بلا معارض ولا حاكم لأن القاعدة في الطرف تعارض ما هو مفاد المجعول في الطرف المستصحب الطهارة فيسقط الاستصحاب والقاعدة في عرض واحد لمعارضة القاعدة في ذلك الطرف فليكن المقام كذلك . فيكون الأصل الجاري في الطرف يعارض الأصل الجاري في الملاقَى والملاقِي معا . يعنى يعارض مفاد الأصل الجاري في هذه الناحية سواءً كان حكميا أو موضوعيّا فتسقط الأصول جميعا في عرض واحد . والعلم باقٍ على حاله فيجب الاجتناب عن الملاقِي والملاقَى وطرفه لأن المولى اما أن يتصرف في الشكّ أو يحكم في ظرفه .

وعلى كلّ فاذا فعل في أحد الأطراف بالطهارة ففي الطرف الآخر لا يمكنه الحكم بها لمكان العلم . وذلك لأنّا بيّنا ان الملاقِى بناء على موضوعيّة الملاقاة موضوع مستقل نشكّ ابتداءً في تنجسه . فكما ان العلم الاجمالي بين الانائين اللذين في أحدهما بول وفي الآخر ماء لا ينفع في وجوب الاجتناب عن اناء آخر نشك انه اصابه دم أم لا . فكذا هنا لأنه موضوع وموضوع وحكم أحدهما لا يسري إلى الآخر بل له حكم مستقل يترتب عليه اذا احرزناه . فاذا شككنا في وجود الموضوع كما هنا فالشكّ يكون في الحكم . فيكون الملاقي جاريا فيه الأصل الموضوعي أو الحكمي بلا طرفيته للعلم الاجمالي ولا للطرف .

أقول: هنا كلام ذكره بعض حاضري البحث من الفضلاء وهو انه اذا قلتم في

ص: 82

مورد العلم الاجمالي بوجوب الاجتناب عن أطرافه عقلاً . فهل يكون معنى وجوب الاجتناب هذا الا اذا أصاب أحد أطرافه موضعا نتجنب عنه كما اذا كان المعلوم في البين بولاً ويجب الاجتناب عن شرب الطرفين مقدمة لترك الشرب المحرّم المتعلّق بالبول . وذلك كما في الاستصحاب فاذا جرى الاستصحاب الموضوعي أو الحكمي في شيء مثلاً كان الشيء الفلاني سابقا نجسا والآن نشكّ فيجري الاستصحاب فهل معنى فائدة لجريان الاستصحاب هنا الا ترتيب الآثار المترتّبة على النجس الواقعي المحرز بالوجدان وهذا لا يناسب عدم وجوب الاجتناب عن الملاقى لأن الاجتناب عن الملاقى بحكم العقل مقدمة وطريقيا هو الاجتناب عن ملاقيه في ( الطهارة ) والنجاسة وعن شربه في الأكل والشرب وعن عدم التوضؤ به وعدم استعماله في رفع خبث مثلاً به .

قلت: يمكن أن يفرق بين الملاقِي والملاقَى بأن الملاقَى يحتمل أن يكون هو النجس الواقعي فاذا تركنا الاجتناب عنه وباشرناه في الأكل والشرب فعلنا حراما ولا يمكن أن يرفع به الحدث والخبث لأنّهما بالماء الطاهر . وهذا ليس محرز الطهارة وفي كلّ ذلك لا مؤمّن لنا في ارتكابه بخلاف الملاقِي فانه ليس طرفا للعلم بل نحتمل مصادفته الحرام الواقعي في البين وعلى تقدير المصادفة يحدث لنا تكليف بالاجتناب عنه نفسه وهو مشكوك بدوا . فيجري الأصول الموضوعيّة والحكميّة فيه بالنسبة إلى التكليف والوضع ولا مانع من استعماله وأكله حتّى في ما إذا كان الاستعمال أو الأكل مشروطا بالطهارة محرزة . كما اذا علمنا من أوّل الأمر انه أصاب هذا الاناء إمّا ماء أو بول فانه لا علم لنا بالتكليف فيكون كما هنا .

الفرق بين الملاقي والملاقى

ص: 83

وهنا اشكال . وهو ان في صورة ملاقاة الملاقِي أحد أطراف العلم الاجمالي بنجاسة ما في أحدهما بعد حصول النجاسة وإن كان الشكّ وجدانا في تعلّق تكليف ابتدائي به من حيث ان الملاقِى بناء على الموضوعيّة موضوع في جنب ساير الموضوعات وعليه حكم مستقل مجعول شرعي . لكن في المقام لنا ثلاثة علوم وجدانا يعني بعد أن لاقى الملاقِى أحد الأطراف وكان فيها نجس أو متنجس والا فاذا لاقاها جميعا فضلاً عن أحدها قبل حصول النجاسة في أحدها وإن كان يعلم تفصيلاً وبعد الملاقاة تنجس أحدها فلا أثر ولا تنجس . وهذه العلوم علم اجمالي بنجاسة الملاقَى أو الطرف وهذا هو العلم الأصيل في هذا الباب وعلم اجمالي بنجاسة الملاقِي أو الطرف لأن قطرة الدم الواقعة في أحدهما إمّا أن لاقت نفس الطرف فهو تنجس أو لاقى الملاقَى فبالملاقاة يتنجس الملاقِي والثالث علم اجمالي بنجاسة الملاقِي والملاقَى معا أو الطرف ولا مجال لانكار أحد من العلوم الثلاثة . والآن علم مؤثر منجز فعلى . فمن باب المقدمة العلميّة يجب الاجتناب عن الملاقِي أيضا في الصورتين اللتين هو أحد طرفيهما لتساقط أصله وأطرافه بالمعارضة .

وجوابه مبتنى على مقدمة قد مرّت في الأبحاث السابقة الا انه لا بأس بالاشارة إليها وهي انا اذا فرضنا ان نجاسة اناء معلومة عندنا تفصيلاً بأحد أسبابه العلم الشرعي منها أو العقلي وبعد ذلك وقعت نجاسة اما فيه مثلاً أو في اناء طاهر بأحد أسبابها فبالنسبة إلى الاناء الطاهر يكون شكا بدويا فيصير مجرى البرائة والاستصحاب وهذا ظاهر . لأنّه اذا وقعت النجاسة في ذلك الاناء الذي كان واجب الاجتناب سابقا والفرض انها من سنخ تلك النجاسة السابقة فلا يؤثّر شيئا

ص: 84

وان وقعت في هذا الطاهر .

فالآن هو نجس ولمكان العلم التفصيلي بنجاسة الاناء المتنجس واحتمال وقوع هذه القطرة فيه نشك في نجاسة هذا الاناء الطاهر شكّا بدويّا فيجري فيه الأصل بلا معارض من الطرف الآخر . وهذا العلم وان كان علما الا انه ليس علما بالتكليف زائدا على السابق . غاية الأمر اذا علمنا بوقوع القطرة بعد العلم بنجاسة الاناء فالعلم الثاني لا يؤثّر واذا كان بالعكس بعد حصول العلم الثاني يعني الالتفات إلى نجاسة الاناء سابقا على العلم الأول ينحل هذا العلم . وكلا الوجهين متّحدان نتيجة . لان المناط بالمعلوم لا العلم . فاذا كان المعلوم سابقا والعلم به بعد

العلم الاجمالي الحاصل فلا أثر لهذا الحاصل اذا علمنا بالمعلوم سابقا . وإذا كان المعلوم لاحقا والملاقاة سابقة وعلمنا بها فلا أثر أصلاً . فالمناط بالمعلوم فاذا كان

ظرفه قبل ظرف الملاقاة فمفيد وإن كان العلم به بعد العلم بالملاقاة وإن لم يكن فلا فائدة فيه ولا فرق بين العلم بنجاسة ذاك المتنجس وجدانا أو بجريان استصحاب أو قيام امارة شرعيّة أو أصل عقلي فان الأصل العقلي لو كان موجبا لاجتناب هذا الاناء مثل انه كان موردا لعلم اجمالي سابق باصابته النجاسة أو اناء آخر ففي كلّ هذه الموارد اذا حصل لنا بعد طرف معلوم . بعد ذاك العلم التفصيلي فلا يؤثر لأنّه يصير شكّا في التكليف فتجري الأصول بلا معارض في الطرف غير المعلوم تفصيلاً لزوم الاجتناب عنه .

اذا تمهّدت هذه المقدّمة فنقول ان المقام من هذا القبيل للزوم الاجتناب عن غير الملاقى من أطرافه فلا تنجز بالنسبة إليه .

وخلاصة الكلام: انا اذا قلنا بأن جريان الأصل المثبت في أحد أطراف

المناط بالمعلوم لا العلم

ص: 85

العلم الاجمالي يوجب انحلال العلم وكون العلم بالنسبة إلى الطرف الاخر شكّا بدويّا وإن كان هذا المثبت أصلاً عقليّا . فهذا الاشكال لا يتوجه علينا لأن في الصورتين الأخيرتين وهي صورة العلم بنجاسة الملاقِى أو الطرف وصورة العلم بنجاسة الطرف أو الملاقىِ والملاقَى . أحد الطرفين يجري فيه الأصل المثبت الموجب لزوم الاجتناب عنه وهو في المقامين العلم الاجمالي السابق . ففي الصورة الأولى الطرف واجب الاجتناب وفي الثانية هو والملاقى ففيهما يكون في الملاقى شكّا في التكليف فيجري فيه الأصل النافي بلا معارضة للنافية في الملاقى والطرف لتساقطهما قبل ذلك فالاجتناب عن الملاقى غير لازم .

وهذه الصور للعلم الاجمالي لا تفيد الا الاولى منها وهي التي لا مثبت جاريا في أحد أطرافها فتصير الأصول متساقطة ويجب الاجتناب عنها .

توضيح وتبيين: بعد ما تبيّن ممّا ذكرنا اشتراط اتّحاد رتبة الملاقَى وزمانه لرتبة الملاقى وزمانه في طرفيّته للعلم حتى يصير أصله في ظرف أصله فيسقط كما يسقط هو . والا فيجري أصل الملاقى بلا معارض ويكون الشبهة فيه بدوية لا مجال للاشكال بأنّه وإن سلّمنا في الفرض السابق ( أو مع قطع النظر عنه ) ان رتبة الملاقى متأخّرة عن الملاقَى وطرفه وجريان الأصل المثبت في الصورتين صار موجبا لانحلال العلم وصيرورة الملاقِى مشتبها بدويّا الا انه يمكن تصوير العلم الاجمالي بنحو آخر مؤثّرا منجزا وهو أن يقال ان الملاقاة وان سلّمنا انها جزء الموضوع المستقل وليست على حد السراية الموضوعيّة والحكميّة الا انه إذا لاقى الملاقى مثلاً متنجسّا يتنجس الملاقى بنفس ما نجس المتنجس كما في مثال الانائين اللذين أصابت أحدهما النجاسة وفيهما الماء فان

ص: 86

النجاسة ابتداء تصيب الماء الا ان الكأس لمكان ملاقاته للماء الموجود يتنجس لا بسبب آخر غير النجاسة الواقعة في مائه بل ينجس ذلك ولذا لو قسمنا ماء أحد الانائين المشتبهين في انائين يجب الاجتناب عن هذا الاناء الثالث بمائه وليس ذلك إلاّ أن تأثير السبب المؤثّر في الاجتناب عن الانائين الأولين كتأثيره في هذا الثالث وفي عرضه ولا سببيته ولا مسببته في البين .

فعلى هذا يصير الملاقى لأحد أطراف الشبهة داخلاً في أطرافها لأن الفرض انه لو لاقي المتنجس الواقع في البين يتنجس بنفس النجاسة المنجسة لهذا المتنجس فيكون في عرضه فيسقط أصله في الصورتين السابقتين ويصير طرفا ويلزم الاجتناب عنه أيضا من باب المقدّمة العلميّة . والتأخّر الزماني لا يعدد السبب بل هو على وحدته باقٍ فيصير نظير ما اذا لاقى بعض أطراف الشبهة اناءً وبعضها الآخر اليد فيحدث لنا علم اجمالي في هذين الملاقيين لأطراف الشبهة .

اما هذه اليد لاقت المتنجس فتنجست أو ذاك الاناء أو العباء والمفروض ان العباء لاقى بعضا واليد بعضها الآخر فاصابة المتنجس الواقعي في البين معلوم غاية الأمر مصيبه مشتبه بين اليد والعباء وهذا العلم الاجمالي لا ربط بالعلم الاجمالي السابق بين الانائين .

لأنه اذا جفّ ماء الانائين أيضا يكون هذا العلم بحاله ولا يؤثّر فيه لأنّه بالملاقاة والترتيب في زمان حصول النجاسة . لكن السبب في كليهما واحد لأن النجاسة المشتبهة من العباء أو اليد بنفس النجاسة المنجسة لماء أحد الانائين المشتبهين فيكون الأصلان بالنسبة إلى نفس الملاقيين متعارضين بلا ربط للعلم السابق بهما ولا تعارض بينهما وبين الأصلين الجاريين المتعارضين في الانائين

الملاقى لأحد الأطراف داخل في الأطراف

ص: 87

فيكون في وجوب الاجتناب عنهما كما اذا قسمنا ماء أحد الانائين نصفين فوجوب الاجتناب عن هذا الاناء الثالث ليس وجوبا غير ذاك الوجوب السابق لأن السبب وان كان واحدا ان لاقى الملاقى لأحد أطراف الماء أو الاناء المتنجس يتنجس بنفس ما تنجس الاناء أو الماء .

الا ان العلم الاجمالي السابق المتعلّق بنجاسة أحد الانائين الموجب عقلاً من باب المقدّمة للاجتناب عن كلا الانائين يوجب انحلال هذا العلم المتعلّق بأحد الأطراف والملاقى الحادث بعد الأوّل وان علمنا بمعلومه بعد الثاني . وإن كان لو لاقى الملاقِى المتنجس يتنجس بنفس ما نجسه الا ان الشبهة تصير بدويّة لانحلال هذا العلم وهذا لمكان اختلاف الزمان وان اتحدت المرتبة في كليهما وليس كما اذا كان يد هذا المكلف في اناء من الانائين ووقعت القطرة أو الماء النجس فيه أو في الآخر .

فانه في هذا الفرض اليد مورد الشبهة وتكون أطرافها ثلاثة والعلم الاجمالي بنجاسة هذا الاناء أو ذاك في عرض العلم الاجمالي بنجاسة اليد وذاك الاناء ويكون مثل ما أصابت القطرة اما هذين الانائين أو ذاك الثالث بلا سراية لأحدهما على الآخر بعد الوقوع .

وعلى هذا ففي انقسام ماء أحد الانائين بقسمين نلتزم بلزوم الاجتناب عن الماء وكأسه الأول ونقول بطهارة هذا الكأس الذي يصيب فيه القسم من الماء مع لزوم الاجتناب عن مائه لأنّه ليس طرفا للعلم بخلاف مائه فانه كان من حين حدوث العلم الاجمالي طرفا لما مرّ فيه لزوم الاجتناب وفي عرض الانائين السابقين المصيب ماء أحدهما النجاسة .

ص: 88

تفصيل المحقّق الخراساني قدس سره (1): انه قدس سره صوّر صورا أربع وأوجب في ثلاثتها لزوم الاجتناب عن الملاقى لأحد الأطراف وفي الرابعة أوجب عن الملاقَى دون الملاقِى .

بيانه ان العلم بالملاقاة لأحد الأطراف بعد نجاسته قد يحصل بعد تحقّق اصابة النجاسة لأحد الانائين والعلم بذلك أوّلاً .

ففي هذه الصورة يجب الاجتناب عن الملاقَى والطرف ولا يجب الاحتناب عن الملاقِى وهي الصورة الأولى .

والثانية: ان يعلم ابتداءً بتنجس الملاقِى أو طرف الملاقَى ولا يدري سبب النجاسة وبعد ذلك يعلم اما بتنجس الملاقى أو طرفه وهذه النجاسة هي النجاسة الاولى الدائرة بين سببيته للزوم الاجتناب عن الملاقِى أو طرف الملاقَى .

والثالثة: أن يعلم إمّا أن هذا الاناء تنجس أو ذاك وأحدهما خارج عن محل ابتلائه لكن لاقى الملاقِى ذاك الخارج والملاقِى محل الابتلاء وبعد ذلك يصير الملاقَى أيى الخارج عن الابتلاء مورده .

الرابعة: أن يعلم اما ان طرف الملاقَى تنجس أو الملاقِى والملاقَى وفي هذه الصورة يجب الاجتناب عن الملاقِى وطرف الملاقى ولا يجب الاجتناب عن الملاقَى .

ومعنى هذا التفصيل هو موضوعيّة العلم للزوم الاجتناب وعدم العبرة بالمعلوم والانحلال للعلم الاجمالي بالاصل المثبت لأحد أطرافه وان كان العلم السابق الموجب للانحلال متأخّرا معلوما عن هذا الثاني وبالعكس . فانه في

الصور الأربع في كلام المحقّق الخراساني

ص: 89


1- . كفاية الأصول 2/224 - 227 .

الصورة الاولى انعقد العلم المؤثّر التام الفعلي فيجب الاجتناب عن طرفيه وهما الملاقَى وطرفه دون الملاقِى لجريان الأصل النافي فيه بلا معارض ولا يتوقف امتثال التكليف المعلوم في البين على اجتناب الملاقِي . وفي الثانية والثالثة لمّا انعقد العلم الاجمالي بين الطرفين وجب الاجتناب عنهما مقدمة للاجتناب عن المتنجس الواقعي . وهذا العلم علم فعلي تام .

فاذا علم في الثانية ثانيا ان الاناء الطرف الملاقِى تنجس أو هذا الاناء الذي باصابته ملاقاه يجب الاجتناب عن الملاقِى ولا سبب لنجاسة الملاقِي الا ملاقاة هذا الاناء وما كان سابقا طرفا للعلم والآن تذكر المكلف ان المتنجس أوّلاً كان دائرا بين الملاقَى والطرف والملاقِي ما كان داخلاً في أطراف العلم . بل الملاقاة حصلت بعد التنجس . فالعلم الاجمالي الأوّل مؤثّر في طرفيه وهذا العلم الثاني لمّا تعلّق بطرفين أحدهما كان لازم الاجتناب بالعلم الأوّل فلا يؤثّر .

لأن في الطرف الآخر وهو الملاقي يكون شكّا بدويّا فيصير مجرى البرائة بلا معارض .

وفي الثالثة العلم الأول باصابة النجاسة الملاقَى الخارج عن الابتلاء أو طرفه المورد للابتلاء ما كان مؤثّرا فاذا لاقى الملاقِى ذاك الخارج والفرض ان الملاقِى مورد الابتلاء فيحصل علم اجمالي بنجاسة هذا المورد للابتلاء والطرف للعلم الأول أو تنجس هذا الملاقي باصابته للملاقِى وملاقاته إيّاه . ولما كان الملاقِي داخلاً في مورد الابتلاء فالعلم يؤثر . وبعد ذلك اذا صار الخارج عن الابتلاء موردا للابتلاء فلا يؤثّر العلم بنجاسته أو الطرف لأن بالعلم السابق بين الملاقِي والطرف يجب الاجتناب عن الطرف .

ص: 90

ففي الملاقَى يصير شكّا بدويّا فتجري البرائة ولا يتوقف في كلتا الصورتين امتثال التكليف المعلوم في البين بالاجتناب عن الملاقَى .

وفي الرابعة لما حصل العلم دفعة امّا الملاقِي والملاقى متنجسان أو طرف الملاقَى وإن كانت الملاقاة بعد تنجس أحدهما .

فالعلم من أوّل الأمر يؤثّر لزوم الاجتناب عن الثلاثة ويتوقّف الاجتناب وامتثاله على الاجتناب عن هذا الملاقِي لأنّه مورد للعلم من الأوّل .

وهذا بناء على مبناه صحيح .

أقول: والمبنى أيضاً لا غبار عليه لأن العبرة بالعلم لا المعلوم لكن سيّدنا الأستاذ قدس سره يرد عليه النقض بما إذا علم بنجاسة أحد الانائين وبعد ذلك علم تفصيلاً ان هذا الاناء المعلوم كان متنجسا بعين تلك النجاسة التي أصابت أحدهما . ففي هذه الصورة لابدّ أن يلتزم بناءً على مبناه بلزوم الاجتناب عن كلا الانائين لان المناط العلم والعلم حاصل . فاذا علم ثانيا تفصيلاً بنجاسة أحدهما المعين لا يؤثّر لأنّه حصل بعد العلم الأوّل المؤثّر .

والفرض ان العلم في لزوم الاجتناب مأخوذ على نحو الموضوعيّة لا الطريقيّة حتّى يدور لزوم الاجتناب مدار الواقع . مع انه لا يقول بلزوم الاجتناب في الفرض وهو قائل بعدم التأثير لزوم الاجتناب عنهما بل يكون في طرف المعلوم بالتفصيل شكّا بدويّا . ولذا لو قامت امارة على تنجس احدهما تفصيلاً معينا قبل العلم أو جرى استصحاب بعد العلم في ذلك وهكذا لو علم بلزوم الاجتناب عن الواحد المعين من باب مورديّته لعلم اجمالي سابق على هذا العلم .

فان كان قائلاً بانحلال العلم الاجمالي بما اذا جرى في أحد أطرافه مثبت

الاشكال على المحقّق الخراساني

ص: 91

عقلي فلابدّ أن يقول في المقام كما نلتزم نحن بذلك فاذا جرى المثبت وكان علماً اجمالياً في أحد أطراف العلم اللاحق وصار موجباً لعدم التأثير في أطراف اللاحق فليكن كذلك . اذا انعقد العلم وبعد ذلك انكشف ان أحدهما كان طرفاً لعلم اجمالي سابق . ونحن بينّا سابقاً ضابط تأثير العلم الاجمالي وانحلاله وان المناط هو المعلوم لا العلم فانّه طريق . وعلى كلّ حال لا يوجب الانحلال . بل اذا كان معلوماً مقدماً على معلوم اللاحق . فلا يبقى لك ارتياب في فساد هذا التفصيل .

فذلكة: تبين ممّا ذكرنا ان تأثير العلم الاجمالي بالتكليف إنّما يكون اذا لم يجر في أحد أطرافه مثبت للتكليف سابقا على العلم أو لاحقا مع فرض تقدّم المعلوم وهذا الذي كان موجبا لسلامة أصل الملاقِي عن المعارض في الموارد المتحقق فيها العلم بينه وبين غيره فاذا فرضنا ان أحد الأطراف في ظرف حدوث العلم كان خارجا عن محلّ الابتلاء ولو بالأصل الجاري فيه الذي هو الاستصحاب . لكن لاقاه ملاقى هو محل ابتلائنا فيحصل لنا علم اجمالي بلزوم الاجتناب عن المتنجس في البين لمكان العلم بنجاسة أحدهما .

أما هذا الملاقى على تقدير اصابة النجاسة ملاقاه أو ذاك الطرف .

فالعلم الاجمالي تامّ الأجزاء والأركان حاصلة هنا فيجب علينا بمقتضاه الاجتناب عن أطرافه ولا خصوصية لخروج الملاقى عن مورد الابتلاء بل لو كان الاضطرار قبل حدوث العلم بالتكليف إلى أحدهما المعين كما لو كان ماءً رافعا للعطش والاخر ليس ( برافع ) فالمورد الآخر الباقي في مورد الاضطرار وفي صورة الخروج عن الابتلاء المذكورة آنفا يصير مشكوكا بدوا . فيجري البرائة في كلتا الصورتين . ففي المقام لابدّ من الاجتناب للعلم المؤثّر . وذلك لأنّ الأصل

ص: 92

الجاري في الملاقَى مثلاً وهو استصحاب الطهارة لا يجري لعدم تماميّة أركانه وأحدها لا أثر لعدمه ( أي الأثر ) فاذا كان الطرف وحده مشكوكا بدوا .

ولكن في المقام حصل لنا علم اجمالي من مورديّة الملاقِي للملاقَى الخارج عن الابتلاء للابتلاء فاذا ما جرى الاستصحاب في الملاقَى فلا معارض لهذا العلم الحاصل في جانب الطرف غير الملاقِي لأن عدم معارضة أصل الملاقِي في الصور السابقة المذكورة انما كان لأجل انحلال العلم بجريان المثبت في طرفه ( أي الملاقِي ) المسبب عن تحقق المعارضة بين العلم الأول الحاصل بين الملاقَى وطرفه ولمكان سببيّة أصل الملاقى للملاقي كان غير معارض للطرف فيجري فيه الأصل النافي بلا معارض وهو مثلاً استصحاب طهارته أو قاعدتها . ولكن حقيقة كان طرف العلم بخلاف المقام فانه لا مثبت في أحد الأطراف في الرتبة السابقة حتّى ينحل العلم .

والأصل الجاري في الملاقي في عرض الأصل الجاري في طرف الملاقى فيتساقطان فيبقى العلم بحاله فيؤثر لزوم الاجتناب عن كليهما .

إلى هنا ذكر سيّدنا الأستاذ بحث شيخه المحقّق النائيني وبعد ذلك اسند إلى المرحوم انه بعد تأثير العلم الاجمالي لزوم الاجتناب عن الملاقِي والطرف اتفق ان صار الخارج عن الابتلاء موردا للابتلاء وهو الملاقَى فلا يجب الاجتناب عنه لمكان منجزيّة العلم الثاني الحاصل بين الملاقِي والطرف وهذا العلم وان كان لاحقا للعلم الأوّل الحاصل بين الملاقَى وطرفه لكن معلومه سابق على معلوم العلم الأوّل والمناط في انحلال العلم الاجمالي اللاحق المتقدم عليه علم سابقا هو مؤثريّة الأوّل لتقدم موضوعه حتّى يصير سببا لانحلال اللاحق ولا اعتبار بتقدمه

كلام المحقّق النائيني

ص: 93

عليه أو تقدّمه بل المناط بتقدم المعلوم وإن كان حدوث العلم متأخّرا عن العلم الأوّل وفي المقام كذلك .

اذ معلوم العلم الأوّل الحاصل بين الملاقَى وطرفه لاحق لمعلوم العلم الثاني لأن العلم بالتكليف إلى الآن ما كان حاصلاً . والآن حصل وقبل الآن انما هو صورة علم بلا أثر . ومعلوم العلم الثاني لما كان مقدما على معلوم الأول فأثر العلم لزوم الاجتناب عن طرفيه . فاذا تحقّق معلوم الأول لصيرورة الملاقَى موردا للابتلاء فالعلم الأول حاصل وصار العلم بالتكليف فعليّا دائرا بينه وبين الطرف ولما كان الطرف لازم الاجتناب بالعلم الثاني المتعلّق بالطرف والملاقي المؤثر لزوم الاجتناب عنهما .

فهذا العلم الحاصل معلومه يصير بلا أثر ويكون منحلاً فلا يلزم الاجتناب عن الملاقَى وبعد ذلك اذا جرى في الملاقَى الأصل بلا معارض وكان غير لازم الاجتناب وبحكم الشارع طاهرا فلا معنى لطهارته الا اذا لاقاه شيء لا ينجس ويجوز شربه والتوضؤ به ونحو ذلك من آثار الطهارة لان الشك في نجاسة الملاقِي كان مسببا عن الشك في الملاقَى فاذا جرى الأصل النافي في الملاقَى أثره الشرعي طهارة ملاقيه فاذا ينحل العلم الثاني الذي كان بين الملاقِي والطرف بجريان النافي في أحد طرفيه فيلزم الاجتناب عن الطرف وحده لانحلال العلم وصيرورة الملاقِي غير لازم الاجتناب .

واستشكل عليه بأن رتبة الملاقَى مقدمة على الملاقِي غاية الأمر إلى الآن ما كان موردا للتكليف وإنّما كان خيال الخروج عن الابتلاء أو الخروج الحقيقي .

فاذا علمنا انه مورد الابتلاء وصار مورده فيجري الأصل فيه معارضا

ص: 94

للأصل الجاري في الطرف .

وفي رتبته يؤثر العلم الأول فيجب الاجتناب عن الملاقَى وطرفه دون الملاقِي مضافا إلى ما ذكرنا سابقا من عدم تسليم المبنى من انحلال العلم الاجماليبجريان الأصل النافي في أحد أطرافه أحد صغرياته انحلال العلم الثاني بين الطرف والملاقِى بجريان الأصل النافي في الملاقي لأن معنى طهارة ملاقاه ذلك كما ذكر لبقاء العلم الاجمالي بحاله كحال قبل الجريان .

خلاصة الكلام: وتحقيق المرام في المقام أن يقال لنا علم اجمالي في المورد .

ومفروض المقام انا نعلم اجمالاً بنجاسة هذا الاناء المورد للابتلاء أو اناء آخر المعلوم خروجه عن الابتلاء لكن لاقاه شيء . فتارة نفرض الكلام في الملاقِى واخرى في الملاقي كلاًّ مع الطرف .

فنقول: لا اشكال ولا ريب في انه اذا كان الملاقى خارجا عن الابتلاء لا تكليف علينا بالنسبة إليه للضابط الذي ذكرناه قبل . فلو كانت النجاسة واقعة فيه فلا أثر له ولو كان في الآخر الطرف فله أثر . فاذا كان الطرف بلا فرض ملاقِي الملاقَى فيصير العلم بالنسبة إليه شكّا بدويّا لعدم كونه علما بالتكليف على كلّ حال وضابط التأثير كان ذلك فلا ينطبق هنا فلا يؤثر في الطرف .

فاذا صار الخارج عن الابتلاء موردا للابتلاء فيحصل موضوع العلم بالتكليف فيؤثر بلا اشكال لأن غير خصوص الابتلاء ما افتقد قيد بالنسبة إلى الخارج فاذا حصل القيد فيؤثر العلم كما لو كان التكليف والعلم تفصيلاً متوجها إليه .

إذا كان الخارج عن الابتلاء مورداً له

ص: 95

هذا بالنسبة إلى الخارج عن الابتلاء الملاقى مع الطرف وكذلك الملاقي مع الطرف قبل صيرورة الخارج عن الابتلاء موردا له كان التكليف مؤثّرا بالنسبة إليه لعرضيّة أصله لاصل الطرف . فبالتعارض يتساقطان وبعد التساقط يجب الاجتناب عن طرفيه وأحدهما الملاقِي . فبعد ذلك اذ فرضنا ان الخارج الملاقَى صار موردا للابتلاء .

فان قلنا تقدم تأثير العلم المؤخر زمانا يوجب الانحلال اذا كان العلم الأول الحاصل بين الملاقَي وطرفه بلا تأثير من اول الحصول لعدم تماميّة موضوعه .

فاذا تمّ الموضوع وان كان علما بالتكليف الا انه بعد انحلاله بالمثبت العقلي في أحد أطرافه وهو الطرف لا أثر له . فلابدّ من الالتزام في هذا الفرض بلزوم الاجتناب عن الملاقِي والطرف بلا لزوم الاجتناب عن الملاقَى .

وان ما ساعدنا الاعتبار على ذلك ( لأنه بعد التنجز أثّر فاذا صار الملاقى محل الابتلاء لا يوجب ذهاب العلم الأوّل ولا عدم تأثيره .

اذ بعد التنجيز مات أحد طرفي العلم أو عدم بحيث خرج عن تحت قدرة

المكلّف ففي الباقي يؤثّر العلم ويبقى على حاله فلابدّ من الالتزام بلزوم الاجتناب عن الأطراف الثلاثة الملاقى والملاقي والطرف فيجيء هذا الكلام فيما ذكرناه سابقا من انحلال العلم الاجمالي الدائر بين الملاقِي والطرف ويصير الملاقى أيضا هناك لازم الاجتناب فهدمنا ما بنينا ونقضنا ما أبرمنا فانه ان كان الانحلال ممكنا بجريان المثبت اذا كان أصلاً عقليّا بالمنجز السابق ففي كلا الفرضين لابدّ أن نلتزمه فيما اذا كان الملاقَى والطرف كلاهما موردا للابتلاء وفي ما اذا كان العلم مؤثرا في الملاقِي والطرف لخروج الملاقي عن مورد الابتلاء . فاذا حصل العلم

ص: 96

الثاني يحصل منحلاً بلا أثر . ففي الأوّل بالنسبة إلى الملاقِي وفي الثاني بالنسبة إلى الملاقَى يصير شكّا بدويّا . واذا كان كذلك فالملاقى بجريان الأصل النافي غير المعارض يصير طاهرا بحكم الشارع ومن آثار طهارته صحّة الوضوء به وعدم لزوم الاجتناب عن ملاقيه كما ذكرنا في البحث السابق فاذا يلزم من ذلك عدم لزوم الاجتناب عن الملاقِي الطرف للعلم المنجز أولاً لانحلاله بالتعبد الخاص الذي هو الأصل استصحابا أو قاعدة الطهارة الجاري في الملاقَى خصوصا الذي من آثاره الشرعيّة طهارة ملاقِيه فيبقى الطرف لازم الاجتناب بلا لزوم في الملاقِي والملاقَى وما لا يمكن الالتزام به هو شمول الدليل العام في أطراف العلم الاجمالي أحد أطرافه والمقام ليس كذلك . بل الالزام العقلي في المقام يجنبنا اصابة الملاقِي فاذا جاء التعبد من الشارع فلا اشكال في ذهاب حكم العقل لأنّه في أحد الأطراف .

لكن الكلام بعد في الانحلال بالمثبت . فانه إنّما يكون ذلك اذا كان التساقط للأصلين الجاريين بالعلم المنجز السابق مخرجا لهما عن عرضيّة أصل الملاقَي لهما فاذا لم يمكن ذلك وكان الأصل الجاري في الطرف معارضا لمفاد الأصل الجاري في مقابله فيكون أصل الملاقَى بعد صيرورته موردا للابتلاء كأصل الملاقي في عرض أصل الطرف فيتساقطان جميعا فيجب الاجتناب عن الأطراف الثلاثة كما اذا كان أحد طرفي الشبهة اناءاً واحداً وفي الطرف الآخر اناءات تسعة فهذا الأصل الجاري لطهارة الاناء الواحد يعارض مفاد كلّ أصل جاري في طرفه مثاله في باب الامارات اذا وصل إلينا خبر من زرارة معارضا لخبر محمّد بن مسلم مثلاً فدليل الاعتبار لا يشملهما وهذا معنى التعارض لأنّ المجموع لا

الكلام في انحلال العلم بالمثبت

ص: 97

يجتمعان فلا يمكن شموله له وواحد بالخصوص أيضا لا دليل عليه . والدليل العام قاصر عن تعيينه بالخصوص واحدهما لا بعينه ترجيح بلا مرجّح . فاذا لم يمكن ان يشملهما دليل الاعتبار يتساقطان وبعد ذلك وصل إلينا خبر من ابن أبي يعفور رضوان اللّه عليهم جميعا موافقا لخبر زرارة مخالفا لمفاد خبر محمّد بن مسلم فهل يقولون يشمل هذا الخبر الصادر من ابن أبي يعفور الواصل إلينا بعد ذينك الخبرين دليل الاعتبار أم لا تلتزمون بأن هذا أيضا في عرض ذينك فاذا لم يمكن شمول الدليل لمعارضتهما لا يمكن أن يشمل هذا لمعارضته كأحدهما فلا يشملهما جميعا دليل الاعتبار فيتساقطان جميعا عن الاعتبار لأنّ المناط امكان الجمع في الجعل لا في عالم الوصول فكذا هنا على ما قدّمناه سابقا من تعارض كلّ من الخبرين والأصلين لمفاد الآخر فيكون أصل الملاقَى بعد صيرورته محلّ الابتلاء كأصل الملاقِى قبل ذلك ويكونان معا معارضين مفادا لأصل الطرف فيجب الاجتناب عن الثلاثة .

أقول: يمكن القول في الفرض بلزوم الاجتناب عن الملاقَى والطرف بلا لزوم في جانب الملاقِي وذلك لجريان الأصل النافي في الملاقى وصيرورته موردا للابتلاء المقدم رتبة على الأصل الجاري في الملاقِي وبمعارضة الأصل الجاري في الطرف يسقطان فيبقى الملاقِي جاريا فيه الأصل بلا معارض بعد لزوم الاجتناب لمكان العلم عن الملاقَى وطرفه . وتعارض الأصل في الطرف إنّما يكون مفاد الأصل في طرفه وهو أصل الملاقى لا الملاقي لانحطاط رتبته عن رتبة أصل الملاقَى لكن هذا بعد محلّ النظر .

هذا ما أفاده سيّدنا الأستاذ في ليلة الاثنين 9 من ذي القعدة وأفاد في ليلة

ص: 98

الثلاثاء 10 ذي القعدة آخر البحث .

ان الاشكال في طهارة الملاقِي في الليلة الماضيّة كان على المغالطة وذلك بعد أن بين صورة الشكّ في ان نجاسة الملاقِي للمتنجس أهي من باب السراية أو من باب الموضوعيّة يعني التعبّد . اذا علمنا واستفدنا من الأدلّة في الفقه ان لزوم الاجتناب عن ملاقي المتنجس من باب السراية الموضوعيّة . فلا اشكال في لزوم الاجتناب عن ملاقِي أحد أطراف الشبهة وكذا اذا علمنا انه من باب الموضوعيّة للملاقاة والتعبّد من الشارع بجعله الملاقى للمتنجس عنوانا مستقلاً إذا حكم في عرض ساير العناوين اللازم الاجتناب عنها . مثل اجتنب عن الميتة . اجتنب عن الدم أو البول وأمثال ذلك . فلا اشكال عند الشك الحاصل من ملاقات الملاقى لأحد الأطراف في عدم لزوم الاجتناب لعدم تحقّق موضوعه والشكّ فيه والحكم تابع للموضوع .

والملاقَى لأحد الأطراف ليس تمام الموضوع بل جزئه فاذا شككنا وتحيّرنا في المستفاد من الأدلّة فهل مقتضى الأصول الصناعيّة جريان البرائة وساير الأصول الرافعة للتكليف مطابقة أو التزاما في نفس السراية حتّى تكون النتيجة عدم لزوم الاجتناب عن الملاقى لا من باب اثبات نفي هذا كون المقام من قبيل التعبديّة بل مجرّد نفي السراية يكفينا . فلا اشكال من جهة المثبتيّة مثل ما اذا علمنا انه على هذا النحو أم لا . وبعبارة اخرى هل يمكن أن تكون السراية الموضوعيّة أي كون الاجتناب عن الملاقي من مصاديق اجتنب عن النجس ومن جزئيّاته موضوعا للأصول المجعولة في حال الشكّ في الحكم الواقعي المثبتة للأحكام الظاهريّة حتّى يجري البرائة مثلاً في المقام عن نفس السراية لاقتضائها

بقية بحث الملاقى

ص: 99

أثرا زائدا على الأثر الذي في لزوم الاجتناب عن الملاقي بناءً على التعبّديّة في ظرف الشكّ فانّه بناءً عليها في حال الشكّ في الشبهة المحصورة لا يلزم الاجتناب عن الملاقي كما بينّا . بخلاف السراية ففي حال الشكّ لابدّ في المقام الاجتناب عن الملاقي لتوقف الامتثال لخطاب اجتنب عن النجس أو المتنجس في البين على الاجتناب عن هذا الملاقي . فهذا الأثر الزائد يكون موردا للبرائة وينفي من جهة اقتضائه ضيقا على المكلف بخلاف التعبديّة فانه بالنسبة إلى السراية تقتضي الضيق من هذه الجهة نظير ما اذا شككنا في تعيينيّة شيء في باب التكاليف أو كونه فردا تخييريّا فان التعيينيّة تقتضي أمرا زائدا موجبا للضيق على المكلّف بخلاف التخييريّة فان له أن يأتي بهذا أو ذاك وكلاهما يحصل المطلوب ويسقط امتثاله الأمر فتجري البرائة عن التعيينيّة .

ومثاله الفقهي ما اذا شككنا في ان قرائة سورة واحدة بقيد الوحدة تجب علينا في الركعتين الأوليين أو القران بين السورتين مانع مبطل للصلاة فان كانت قرائة سورة بقيد الوحدة وان يؤتى بها وحدها واجبة علينا فعند الشكّ في تحقّقها أصله الجاري فيه الاشتغال لابدّ من الاحراز . وان كان الآخر أي القران مانعا فعند الشكّ مجراه أصل العدم والبرائة ففيه نوع سعة على العباد ليس في الآخر فيكون موردا للبرائة باعتبار هذا الأثر الزائد الموجب للضيق في مقام الامتثال عند الشكّ في شرطيّة السورة بقيد الوحدة أو مانعيّة القران .

ففي المقام صغرى وكبرى والكبرى هي جريان البرائة عن الشيء الحاصل

بالعنوان الثانوي العارض لموضوع التكليف المشكوك حكمه الواقعي . والصغرى كون الملاقي عند الشكّ داخلاً حكمها تحت هذه الكبرى فيكون موردا للبرائة

ص: 100

ويكون كما اذا استفدنا من أوّل الأمر انه على نحو التعبد وموضوعيّة الملاقاة للتنجس . فان أركان البرائة كلّها موجودة حكم مجعول ومجهول وفي رفعه منة ولا يكون الحكم بالعنوان الثانوي مجعولاً على الموضوع .

أي من جهة خصوصيّة الشكّ في الحكم الواقعي والحق انه لا يمكن قبول ذلك والكلام كبرى وصغرى وتنظيرا باطل لأن عدم الأثر الزائد الذي يتوهم في المقام ليس على كلّ تقدير من جهة جريان أصل نافٍ برائة أو أصل العدم . فانه ليس في كلّ موضع لنا أصل العدم والبرائة حتى اذا كان من قبيل المانع مثلاً يجري فيه الأصل ويوجب السعة مع انه لا فرق بين أن يكون التكليف مثلاً في باب الصلاة على النحو الأوّل أي الشرطيّة أو على النحو الثاني أي المانعيّة فان كلّ ذلك

من القيود المعتبرة في المأمور به ولابدّ من الاحراز غاية الأمر ربما يجري في المانع أصل العدم فيصير النتيجة البرائة ولا يكون ذلك في الشرط .

لكن ذلك أيضا ممنوع فان في جانب الشرطيّة ربما يكون استصحاب

موضوعي كما في الطهارة المشترطة بها الصلاة ومجرّد فرض مقام يكون على الشرطيّة غير جاري فيه النافي بخلاف المانعيّة لا يصلح فارقا لزيادة الأثر في ذلك لأنّه على هذا لا يكون له أركان البرائة وساير الأصول في المقام تامّة من جهة عدم كون الضيق مستندا إلى الجعل حتى يكون موردا لها فلا يكون ركنها الأول حاصلاً وهو أن يكون مجعولاً وهذا الضيق اللازم إنّما هو من باب عدم طريق في مقام الامتثال لاحراز الشرط في بعض الاحيان وهو غير أن يكون الضيق من ناحية الجعل . ففي ناحية الجعل كلاهما مثلان لابد من الأحراز فالضيق في كلّ واحد منهما من ناحية الجعل وقد مرّ في الأبحاث السابقة عدم جريان

جريان البرائة في التعيينية

ص: 101

البرائة في مورد التعيين والتخيير من جهة ان التعيينيّة ليست أمرا مجعولاً حتّى تكون موردا للبرائة بل من توابع الجعل يعني من منتزعاته . ويشكل في المقام جريان الأصل الموضوعي مثلاً الاستصحاب في الملاقي من جهة الشبهة المفهوميّة . وفي دوران الأمر بين الأقل والأكثر في باب الصلاة عند الشكّ في الحكم يعني الشبهة الحكميّة ويكفينا الاطلاقات اللفظيّة في المقامات بخلاف الشبهة الموضوعيّة فانّها الأهم القابل للبحث . والذي يسهّل الخطب هو أن نقول ما أشرنا إليه سابقا من عدم استفادة العرف من الأدلّة الواردة في باب تنجّس الماء القليل وكذا في باب الكر وغير ذلك السراية وعدم لزوم الاجتناب عنه من . جهتها بل يرى فيه اذا أصاب المتنجس أو النجس مثلاً قذارة يتنفّر عنها الطبع وإن كان يعلم انه ما سرى إلى جميع أجزائه كما في القطرة الواقعة من الدم في الماء القليل بحيث ما انتشرت إلا فيما حولها ومع ذلك هم يرون الاجتناب عن جميع الماء وليس الاّ من جهة نقلهم عن سلفهم ذلك بحيث غرس في اذهانهم ذلك أو المتّصل إلى صاحب الشريعة أو لما قلنا . وهذه الخصوصيّة في الماء وأمثاله من المايعات السيّالة بخلاف مثل الدهن والماست المنجمدين غير السيالين من المايعات وبخلاف مثل الماء الملاقى متنجس مع كون الرطوبة الملاقية له متّصلة بالرطوبات الكائنة على غير ذلك الموضع من أعلى العباء واسفله وطرفيه فاذا تلخص .

وتبين ممّا ذكرنا عدم لزوم الاجتناب عن ملاقي أحد أطراف الشبهة المحصورة وللّه الحمد .

استدراك: في الانائين المشتبهين الخارج أحدهما عن محلّ الابتلاء الذي لاقاه ما هو محل الابتلاء الحاصل من ذلك علم الاجمالي بينه وبين طرف ملاقاه

ص: 102

قلنا سابقا انه قبل صيرورة الخارج موردا للابتلاء يجب الاجتناب عنه يعني عن الملاقي والطرف من جهة العلم بينهما لعدم جريان الأصل في جانب الملاقي لعدم الأثر حتّى يعارض الطرف فيبقى أصل الملاقي بلا معارض . لكن حقّ المقام أن يقال في صورة خروج الملاقي عن مورد الابتلاء وملاقاة الملاقي اياه وان لم يجر استصحاب الطهارة أو القاعدة في الملاقي لعدم الأثر في نفسه الا انه لا يلزم في الاستصحاب أو القاعدة أن يكون الأثر مترتبا من كلّ الجهات بل يكفي ترتب الأثر عليه في الجملة .

وفي المورد وان لم يترتب أثر على أصل نفس الملاقي لكن لا اشكال في جريانه بلحاظ عدم لزوم الاجتناب عن ملاقيه ولا مانع من ذلك .

فعلى هذا لو صار الملاقي محلاً للابتلاء فالأثر يترتب عليه نفسه ويكون أصل الملاقِي جاريا بلا معارض بخلاف قبل صيرورته محلّ الابتلاء فانه لا معنى هناك لجريان أصل الملاقَي بهذا اللحاظ وفي صورة صيرورته يكون لجريانه معنى في نفسه .

وموضوع الملاقاة للنجس في الملاقي غير محرز فلا مانع من جريان أصله ولا يعارضه أصل الطرف لجريانه معارضا بأصل الملاقي لترتب الأثر على نفسه وان كان الجريان من أول الأمر .

فعلى هذا يرتفع الاشكال المقرر في الأبحاث السابقة ويجري الأصل في الملاقي بعد صيرورة الملاقي موردا للابتلاء بلا اشكال .

أقول: حقّ المقام أن يقرّر كما يأتي . في صورة خروج الملاقي عن مورد الابتلاء جريان أصله الاستصحابي أو قاعدة الطهارة لا أثر له لأنّه سواء كان نجسا

خروج الملاقى عن مورد الابتلاء

ص: 103

أو طاهرا لا مساس للمكلّف به فاذا لاقاه شيء وهو مورد الابتلاء له فهنا يترتب أثر على جريان الاستصحاب أو قاعدة الطهارة في الملاقي لترتب الأثر عليه من ناحية الملاقِي وهو عدم لزوم الاجتناب عنه وبجريان الاستصحاب أو القاعدة نخرج عن الشكّ في دخول الملاقِي تحت عنوان ملاقاة النجس أو الطاهر الحاصل قبل الجريان المقتضي لعدم ترتب أثر أحدهما عليه . وهذا الشكّ في صورة حصوله كما يجعل الملاقي موضوعا مشتبها بين موضوعين مختلفي الحكم كذلك يوجب عدم جريان استصحاب نفسه لكونه مشكوك المصداقيّة لدليل الاستصحاب من جهة تقدّم استصحاب الملاقَي أو قاعدته الطهاريّة عليه . وان كان بعد ذلك في الملاقِي يكون المرجع الأصل الحكمي . فاذا جرى الاستصحاب في الملاقَي بلحاظ هذا الأثر يبتلي بالمعارض وهو الاستصحاب أو القاعدة في الطرف فيتساقطان . وبعد التساقط يجب الاجتناب بحكم العقل عن طرفي العلم والفرض ان الملاقَى خارج عن محل الابتلاء فيؤثر ذلك في لزوم الاجتناب عن الملاقِي ولا يجري فيه الأصل . أصل الطهارة أو الاستصحاب أو غيرهما لمكان العلم الثاني المتعلّق به وبالطرف بلا انحلال لطرفيه بالعلم السابق . فاذا صار الخارج عن محلّ الابتلاء موردا فالعلم الأوّل يكون منجزا بالنسبة إليه وإلى الطرف فيجب الاجتناب عن الملاقَي والطرف . والعلم الثاني ينحل بالمثبت في أحد أطرافه وهو الطرف أو يخرج أصله عن حكومة أصل حاكم عليه لسقوط الحاكم بالمعارضة فيجري بلا معارض .

ثمّ أقول يتحقّق عدم الانحلال للعلم الثاني بعينه في صورة كونه موردا للابتلاء . اذ لعل مبنى هذا الجواب والاستدراك على القول بالسراية الموضوعيّة

ص: 104

لأنّه لو كان على التعبّد والموضوعيّة للملاقاة فبعد جريان أصل الملاقى يترتب الأثر عليه من ناحية الملاقِي . ومعارضة هذا الأصل لأصل الطرف وتساقطه لا يوجب الا الاجتناب عن الملاقى والطرف .

غاية الأمر: الملاقى خارج عن محل الابتلاء فعن الطرف وحده فينحل العلم الثاني بهذا النحو من أوّل الأمر . لا اذا صار الملاقى موردا للابتلاء وترتب الأثر على الأصل في الملاقَى . اذا كان يجري تفصيلاً لا يوجب لزوم الاجتناب عن الملاقِي في صورة خروج الملاقى عن الابتلاء وكون الملاقى محلا للأثر أو في الطهارة اما في لزوم الاجتناب فلا لما كان العلم الاجمالي بمجرّده لا يوجب الاجتناب بل إذا كان علما بالتكليف .

والملاقى بنفسه موضوع مستقل والحكم العقلي لا يحقق موضوع الملاقاة حتّى يجب الاجتناب عن الملاقى إلاّ بالعلم الثاني وهو موقوف على عدم انحلاله بالمثبت القبلي . فاذا حصل الاضطرار بأحد أطراف العلم المعين قبل الملاقاة وقبل العلم فبعد الملاقاة أي ملاقاة أحد الأطراف على سبيل الاجمال نجاسة والعلم بذلك نشك في ثبوت التكليف بالملاقاة لأنه لو صادف النجاسة هذا المعين فبحكم الاضطرار مباح بل في بعض الاحيان يجب شربه عيناً اذا كان ماءا والآخر دبسا وحفظ النفس متوقف على شرب الماء وهو هذا الماء لأنّ الاضطرار كالحرج والعسر والضرر من العناوين الرافعة للتكاليف الابتدائيّة الأوليّة . فاذا كان المكلّف

يعلم بتعلق تكليف به مشتبه بين متعلقين:

أحدهما حرجي أو عسري والآخر ليس كذلك فلا علم له بالتكليف هنا

للأدلّة الخاصّة لهذه العناوين الموجبة لرفع الأحكام الأوليّة أي عدم جعلها من

الاضطرار بأحد الأطراف

ص: 105

قبيل قوله تعالى: « يريد اللّه بكم اليسر ولا يريد بكم العسر »(1) « وما جعل عليكم الدين من حرج »(2) أو رفع ما اضطروا(3) إليه حتّى في صورة العلم التفصيلي فضلاً عن صورة الاجمالي . ولو صادف غير هذا المعين المضطر اليه فالآن يجب عليّ اجتنابه أكلاً وشربا وساير الآثار فمن الأول اذا يحصل العلم غير مؤثّر أي لا يكون ولا ينعقد علماً بالتكليف لعدم ثبوته على كلّ تقدير . بل على بعض التقادير وهو اصابة غير هذا المعين . وهذه الصورة هي المتفق عليها بين الكل . من يقول المناط حصول العلم في تأثيره التنجز والاجتناب عن أطرافه ومن يقول المناط تقدم المعلوم . فهنا يقدم الاضطرار على العلم والمعلوم فلا يجب الاجتناب عن الآخر لعدم تأثير العلم .

ولا يخفى ان عدم التأثير إنّما هو بالنسبة إلى خصوص الأثر الذي اضطرّ من جهته فلو كان شرب النجس حراما لكنه في أحد أطراف الشبهة واضطر إلى أحدهما المعيّن شربا أو أكلاً فبالنسبة إلى هذا الأثر الخاص وهو الحرمة لا يؤثر العلم ولا يجب الاجتناب من هذه الجهة عن الباقي بخلاف ما ليس مضطرا من جهته كالاجتناب عن نجاسته لأنّه لا حرج فيه فمن الأطراف الباقية يجتنب من حيث هذا الأثر الوضعي ولا يستعملها في وضوء ولا غسل .

هذا إنّما هو إذا كان الاضطرار بعد العلم والملاقاة كما اذا يعلم بنجاسة أحد الانائين فاهريق أحدهما فيلزمه الاجتناب عن الباقي لأن العلم أثّر لا اذا كان الاضطرار قبل . فانه في هذه الصورة ترتب الآثار بالنسبة إلى الباقي يكون

ص: 106


1- . سورة البقرة: 186 .
2- . سورة الحج: 79 .
3- . وسائل الشيعة 8 الباب 30/2 من أبواب الخلل في الصلاة .

مشكوكا الا اذا حصل له العلم التفصيلي كان شرب الماء اضطراراً والدبس فانه يعلم تفصيلاً بنجاسة فمه لكن اذا لا يأكل لا مانع له من بيع الدبس لجريان استصحاب الطهارة فيه . .

هذا الذي ذكرته تقريرا عن الاستاذ في صورة جريان الاستصحاب أو

القاعدة في الملاقى الخارج عن الابتلاء بلحاظ الأثر المترتب على طهارة ملاقيه مع الاضطرار الواقع فيه بحسب ما سمعته وفهمته من كلامه وكأني حين بيانه قدس سره عرضتني الغفلة وقد سبقني إلى حضور البحث بعض تلامذته وهكذا قرّره من الأستاذ ( ان الأصل في الملاقى في صورة خروجه عن مورد الابتلاء يجري بلحاظ الأثر المترتب على ملاقِيه وإن لم يكن نفسه محل الابتلاء وأصله مؤثرا في نفسه لعدم الفائدة فيه وجريان الأصل في الملاقَى لحكومته على أصل الملاقي بلحاظ السببيّة والمسببيّة لأن معنى طهارة الملاقى بلسان الاستصحاب أو القاعدة أو غير ذلك هو عدم لزوم الاجتناب عنه وعدم نجاسة ملاقيه فكانه ناظر إلى الملاقِي فلو كان في الملاقى أصل لا يجري في ظرف جريان الأصل في الملاقَى لحكومة أصل الملاقَى على أصل الملاقِي . فاذا جرى بلحاظ الأثر فيصير معارضا مع الأصل الجاري في الطرف فيتساقطان ويجب الاجتناب عن طرفيه . ولما لم يكن الملاقى موردا للابتلاء يجب الاجتناب عن الطرف . فاذا صار موردا للابتلاء يجب الاجتناب عنه أيضا . فاذا تساقط الأصلان بالمعارضة فلا حاكم للأصل الجاري في الملاقي فيجري بلا معارض فقبل صيرورة الخارج موردا للابتلاء وبعده حال الملاقِي واحد وفي كلتا الصورتين علمه العلم الدائر بينه وبين الطرف منحلّ بجريان المثبت في أحد طرفيه بالمنجز السابق . وهو العلم بين الملاقَى

ص: 107

والطرف . فاذا جرى المثبت في الطرف فالعلم الاجمالي الدائر بين الملاقِي والطرف يصير بلا أثر لتنجز أحد طرفيه بالمنجز السابق والمثبت السابق فعلى هذا يرتفع الاشكال في ناحية الملاقِي والملاقَى وانه كيف بعد صيرورة الخارج موردا للابتلاء لا يجب الاجتناب عن الملاقي مع تنجزه بالمنجز السابق على ما مرّ في المباحث السابقة . وهذا بخلاف ما سبق من لزوم الاجتناب عن الملاقِي في ظرف خروج الملاقَى عن مورد الابتلاء والحمد للّه على كلّ حال وله الثناء بكلّ مقال .

في انحلال العلم الاجمالي بالاضطرار إلى ارتكاب أحد طرفي الشبهة المحصورة التحريميّة .

ليعلم ان من الأسباب الموجبة لانحلال العلم الاجمالي وعدم تأثيره الاضطرار وهو قسمان الاضطرار إلى معين أي إلى أحد أطراف الشبهة المعيّن وغير معيّن أي إلى أحد الأطراف لا على سبيل التعيين .

والقسم الأوّل أي الاضطرار إلى معين تارة يكون قبل سبب التكليف والعلم به كليهما واخرى قبل العلم بعد سبب التكليف وثالثة بعدهما . كان يضطر إلى شرب ماء الاناء المعيّن من الانائين اللذين أحدهما دبس قبل أن يحدث سبب التكليف بالاجتناب وهو وقوع قطرة دم مثلاً في أحدهما بأن تقع القطرة في أحدهما ويحصل الاضطرار بعد إلى شرب الماء الذي في أحدهما وهو أحد طرفي الشبهة قبل حصول العلم للمكلّف بوقوع النجاسة في أحدهما وأن يكون ذلك بعد العلم .

لا اشكال في عدم تنجز التكليف في الصورة الأولى وعدم لزوم الاجتناب

عن الدبس الذي في البين لعدم علم بالتكليف لأنه لو أصابت القطرة الذي اضطرّ إليه وهو الماء فلا أثر له فلا يجري الأصل أصل الطهارة وان وقعت في الدبس فله

انحلال العلم الاجمالي بالاضطرار

ص: 108

أثر ويجري الأصل فاذن يكون الدبس مشكوكا وقوع النجاسة فيه فيجري فيه الأصل بلا معارض من الطرف الآخر لعدم كون التكليف على كل تقدير فاذن يرتكبهما المكلّف ولا اشكال فيه .

وكذا لا اشكال في الصورة الثالثة وهو ما اذا كان الاضطرار بعدهما في لزوم الاجتناب عن الدبس الباقي لمنجزيّة العلم . وحصول الاضطرار بعد العلم لا يؤثّر في انحلال العلم . كما انه في الصورة الثانية أيضا لا يكون العلم علما بالتكليف وهو ما اذا كان الاضطرار بعد سبب التكليف قبل العلم لأنّه في ظرف حصول الاضطرار لا يجري الأصل لعدم تحقّق موضوعه وهو اليقين والشك الفعلي في الاستصحاب أو الشك في القاعدة مثلاً وبعد العلم بعد الاضطرار يشك في تكليف فعلى لازم المراعاة عليه .

لأنّه لو كان المصاب من الانائين هو الذي فيه الماء فلا يجب الاجتناب وان يكن الآخر فيجب فليس العلم علما بالتكليف على كلّ تقدير بخلاف الصورة الثالثة فانه علم بالتكليف غاية الأمر بين تكليف امده مثلاً ساعتان إذا كان المصاب الماء وهو إلى حين الاضطرار وتكليف امده مثلاً إلى زمان بقائه فرضا مثلاً عشرين ساعة فيجب مراعاة هذا التكليف المعلوم في البين المردّد الامد .

وهل يمكن في هذه الصورة ( أي الثالثة ) لحوقها بالصورة الاولى أم لا ؟ الحق انه لا يمكن كما قلنا لأن في ظرف حصول العلم كان الأصلان جار بين في الطرفين لتحقق موضوعهما وهو اليقين والشك الفعليان فسقطا بالمعارضة وعدم امكان الجعل للطهارة فيهما فأثر العلم لزوم الاجتناب عنهما . وبعد ذلك اذا اضطر إلى أحدهما لا يرفع هذا الأثر كما اذا كان بعد تحقق العلم الاجمالي وتأثيره لروم

لحوق الصورة الثالثة بالاولى وعدمه

ص: 109

الاجتناب عن أطرافه تلف أحد أطرافه . فانه في هذه الصورة يجب الاجتناب عن الباقي لتنجز التكليف بالنسبة إليه بخلاف الصورة الثانية . كما إذا تلف أحد أطراف الشبهة قبل حصول العلم باصابة النجاسة أحدهما فحال الاضطرار بعينه حال العلم فكلّما يقال في التلف بعينه يقال في الاضطرار .

إن قلت: انّ الفرق بين الصورة الثانية والثالثة لا يصح على مبناكم من جعل المناط في ثبوت التكليف تقدم المعلوم على الاضطرار سواء كان حصول العلم قبل ذلك أو بعده ففي هذين الموردين المناط بالاضطرار . والاضطرار في كلتا الصورتين انّما حصل بعد تحقق سبب التكليف فالمناط تحقق سبب التكليف وتقدمه على الاضطرار والعلم بتحقق سبب التكليف قبل الاضطرار أو بعده لا يغيّر المعلوم . فالمعلوم وهو حصول سبب التكليف مقدم على الاضطرار والعبرة إنّما هو به . وهذا بخلاف الصورة الأولى فان فيها الاضطرار قبل سبب التكليف فاذا حصل سبب التكليف وعلمنا به لا يحصل لنا علم بالتكليف في البين وهو لزوم الاجتناب عن هذا الاناء أو ذاك .

فالعبرة في ثبوت التكليف وعدمه بتقدّم سبب التكليف على الاضطرار وتقدّم الاضطرار على السبب والعلم لا مناطيّة له ففي كلتا الصورتين الاخيرتين لابدّ أن تلتزموا على مبناكم بجعل مناط التكليف هو تقدم السبب وان تأخّر العلم به عن الاضطرار بلزوم الاجتناب لا الاقتصار على الصورة الثالثة الاخيرة .

قلت: إنّما اعتبر العلم هنا مناطا لركنيته في تحقق المعارضة بين الأصلين ففي ظرف حصول العلم يتحقّق المعارضة بين الأصلين لتحقّق موضوعهما بلا اضطرار فيسقطان فيجب بمقتضى العلم الاجتناب عن كليهما والاضطرار في هذه

ص: 110

الصورة يصير حكمه حكم التلف بعد التنجز وقد عرفت لزوم الاجتناب عن الباقي بعد التالف .

فالعلم هنا لتحقق المعارضة وبعد الاضطرار فالتكليف منجز مؤثر بخلاف الصورة الثانية وهي التي فيها الاضطرار مقدم على العلم فانه في ظرف الاضطرار لا علم له بالتكليف حتى يثبت التعارض بالشكّ في طهارة الطرفين وبعد العلم بشكّ في أصل ثبوت التكليف لأنه في هذا الفرض على تقدير وان كان المرحوم المحقّق الميرزا النائيني قدس سره كان من أوّل الأمر يقول بمناطيّة المعلوم ولا يفرق بين صورة تقدّم العلم على الاضطرار أو تقدم الاضطرار على العلم بعد تقدم سبب التكليف عليهما لكنه رجع أخيرا إلى ما ذكرنا ولا بأس به .

ولا يخفى ان عدم لزوم الاجتناب عن الباقي بعد الاضطرار في الصورة الأولى انما هو في الأثر المضطر إليه .

أمّا إذا كان له أثر غير هذا كلزوم الاجتناب عن ملاقيه في فرض اصابته النجاسة مثلاً فليس الأمر كما ذكر بل يكون الأثر الملاقَي المضطر إليه في هذه الصورة وإن لم يكن يترتب أثر على نفسه لتحقق الاضطرار بالنسبة إليه . لكن الأصول تجري بلحاظ بعض الآثار كما تجري بلحاظ كلّ الآثار .

وفي هذه الصورة يجري الاستصحاب في الماء المضطرّ إلى شربه لترتّب آثار الطهارة في ملاقيه من عدم لزوم الاجتناب عن أكله وشربه وجواز لبسه في الصلاة كما انه اذا لم يكن الاضطرار إليه يترتب عليه أثر جواز التوضؤ به .

فاذن في هذا الفرض يؤثر العلم الاجمالي في الدبس الباقي لجريان أصل الملاقَى المضطر إليه بلحاظ ترتب بعض الآثار عليه وهو طهارة ملاقيه مثلاً لتقدم

ص: 111

أصله على أصل الملاقي لمكان السببيّة والمسببيّة فانه ليس معنى طهارة موضوع الأصل السببي إلاّ رفع الحدث والخبث به اذا استعمل في ذلك . فاذا جرى بلحاظ هذا الأثر فيعارض الأصل الجاري في الطرف فيتساقطان وبعد التساقط يبقى العلم بحاله فيؤثر في الباقي وهو الدبس فيجب الاجتناب عنه . فما ذكروه من الانحلال وعدم الأثر إنّما يتمّ اذا لم يكن المضطرّ إليه موضوعا لأثر ولو بلحاظ نفسه .

ان قلت في الفرض يتعارض الأصل الموضوعي في الملاقَي المضطر إليه مع الطرف غير المضطر اليه ويتساقطان . لكن الأصل الحكمي المحكوم فيهما وهو البرائة يجري في الباقي وهو الدبس بعد عدم جريان الأصل الحكمي في المضطر إليه لعدم الأثر والشكّ موجود فموضوعه محقّق ولا حاكم عليه . الأصل الموضوعي وهو استصحاب الطهارة مثلاً فيهما .

قلت: لا مجال لهذا الكلام لأنّ الأصل في المضطر إليه الموضوعي يعارض مفاد الأصل الجاري في الطرف موضوعيّا كان أم حكميّا لعدم امكان جعل كليهما وليس مفاد الأصل الحكمي الا عدم لزوم الاجتناب كما ان مفاد الأصل الموضوعي ذلك بلحاظ أثره والا فلا يجري بلا أثر .

فتبين . ان الاضطرار إنّما يكون سببا لعدم مؤثريّة العلم الاجمالي اذا لم يكن للمضطر اليه أثر سوى الحكم التكليفي فانه بالنسبة إلى هذه الجهة والأثر لا يجري الأصل في المضطر اليه حتى اذا كان نجسا تفصيلاً لا يجب الاجتناب لمكان الاضطرار اليه بل قد يجب فضلاً عن العلم الاجمالي بينه وبين غيره . فلو ترتب أثر على المضطر اليه اما بلحاظ نفسه أو بلحاظ ملاقيه مثلاً فانه أيضا أثر

ص: 112

من آثاره أي طهارة الملاقي ونجاسته من آثار المضطر إليه الملاقَى ففي هذه الصورة يجري الأصل بالنسبة إلى المضطر إليه لأن الضرورة تتقدر بقدرها . وبالمعارضة مع أصل الطرف يسقط كما يسقط هو فيؤثر في الطرف لزوم الاجتناب . واذا فرض ان جريان أصله كان بلحاظ طهارة ملاقيه ففي هذه الصورة يجري أصل الملاقِي بلا معارض . والعلم الاجمالي بين الملاقي والطرف ينحل بلحاظ مؤثريّة الأصل المثبت السابق لزوم الاجتناب عن الطرف غير المضطر إليه . فانحصر انحلال العلم الاجمالي في صورة الاضطرار إلى أحد أطرافه المعين بما اذا كان الاضطرار قبل السبب والعلم أو قبل العلم ولم يكن أثر يترتّب على المضطر إليه بلحاظ غير جهة الاضطرار فيصير التكليف بالنسبة إلى الطرف مشكوكا بدوا فيجري فيه أصله ( والظاهر انه اذا كان الاضطرار مقارنا للسبب بل ومن المعلوم أيضا ان العلم منحل اما لو كان الاضطرار حصل مع العلم فالظاهر أيضا عدم تأثيره وكونه في الطرف شكا بدويا كما سبق ) .

هذا كلّه اذا كان الاضطرار إلى أحد أطراف العلم المعين .

أمّا لو كان الاضطرار إلى أحدهما غير المعين ففي جميع صور المسألة اذا كان الاضطرار قبل السبب والعلم أو بعدهما أو قبل أحدهما وهو السبب بعد الآخر أو مقارنا مع السبب أو العلم فيلزم الاجتناب عن جميع الأطراف لعدم مؤثريّة الاضطرار في هذا الفرض . أمّا لو كان بعد العلم والسبب فكالاضطرار إلى المعين لا يؤثر بل يجب الاجتناب عن الباقي و أمّا قبل ذلك فبيان يأتي مبنى على منجزية العلم وكونه واسطة في التنجز لا الثبوت اما لو كان لا على هذا المبنى والمولى لا يطلبه في ظرف الشك ولا خطاب في هذا الفرض متوجّها منه إلى العبد

حكم الاضطرار إلى غير المعين

ص: 113

بالاجتناب عن ارتكاب النجس في البين فيكون شكا والموضوع بعد ما تحقق . فلا يجب الاجتناب عن الباقي بعد الاضطرار يعني عن اطرافه لعدم امكان الطلب الفعلي وكونه مرخصا في ارتكاب أيّهما شاء في دفع الاضطرار بذلك .

وأمّا بيان لزوم الاجتناب وكون الصورتين اللتين في المعين لا يجب الاجتناب عن الباقي فيهما في الاضطرار إلى غير المعين كالصورة التي تحقّق الاضطرار بعد العلم . فهو انه في الفرض اذا اضطرّ العبد إلى ارتكاب أحدهما بل كلاهما مثلاً ماء أو أحدهما ماء مطلق والآخر ماء الرقي رافعان للعطش المتوقف عليه حفظ النفس فالاضطرار بالنسبة إلى النجس ما تحقق مطلقا والعقل لا يرى مانعا من خطاب المولى بالاجتناب عن النجس ورفع الاضطرار بغيره ولا تناف بينهما لأن الأحكام غير مقيدة بالعلم والجهل . لا العلم قيد وجودي . ولا الجهل قيد عدمي بل المدار نفس الموضوع فاذا تحقق الموضوع يصير الحكم فعليّا على ترتيب القضايا الحقيقيّة التي اذا وجدت موضوعاتها يصير حكمها فعليّا والاّ يلزم الخلف أو المناقضة لمعلوميّة دوران الحكم مدار موضوعه وجودا وعدما . فعلى تسليم هذه المقدّمات ان العلم والجهل غير داخلين في موضوع غير مأخوذين فيه . وبفعليّة الحكم بوجود موضوعه يصير التكليف بالاجتناب فعليّا والفرض ان الاضطرار ليس على النجس بل على أحدهما . فالحكم فعلى على كلّ التقادير لا على تقدير الحكم موجود وعلى تقدير ليس هنا حكم . لأن الفرض ان العلم ما كان واسطة في الثبوت . بل فرضناه واسطة في التنجز . فالان في مورد المشتبهين نجسهما بالطاهر على المكلف خطابان خطاب بدفع الاضطرار وخطاب باجتناب النجس . فمن ناحية الجعل لا مانع ولا اشكال والخطاب فعلى غاية الأمر لمّا لم

ص: 114

يمكن المكلف في مقام الامتثال تشخيص موضوع النجس عن الطاهر لأنّ الاضطرار حاصل بأحدهما لا بالنجس الذي في البين فهنا مخير في ارتكاب أحدهما ولو كان هو نجسا في الواقع . فلو صادف المرتكب الواقع وكان هو النجس فالمكلّف معذور في ذلك وعلى فرض عدم المصادفة وكون الباقي غير المرتكب هو النجس فالمولى يطلبه ويعاقب عليه وهو حرام ارتكابه للخطاب الفعلي . لكن منجزيّة هذا الخطاب على تقدير المصادفة فعلى احتمال يجب الاجتناب عن الباقي وهو لو كان هو النجس وعلى آخر لا يجب لو كان هو المرتكب بالاضطرار بأحدهما غير الممكن رفعه بالطاهر المباح المشتبه بالنجس المانع هذا الاشتباه من تنجز التكليف باجتناب النجس فيكون كما اذا تلف أحد أطراف العلم بعد تنجز العلم . لو كان التالف هو النجس فلا يجب الاجتناب عن الباقي ولو كان هو الطاهر فيجب الاجتناب عن الباقي وهذا هو الشأن في جميع تقادير التلف لأحد الأطراف بعد العلم فيجب الاجتناب عن الباقي غير المرتكب في المقام كما يجب هناك ( أي في صورة التلف بعد العلم ) بل هنا احسن لفعلية التكليف على كلّ حال بخلاف صورة التلف فانه على تقدير أن يكون الباقي هو النجس .

هذا تمام الكلام بالنسبة إلى الارتكاب الدفعي الذي هو مقابل الخطاب التدريحي وفيه أقوال:

قول بعدم لزوم الاجتناب فكلّ من الأطراف يرتكبه وبعد ارتكاب الجميع

يحصل العلم بارتكابه في البين وحصول العلم قهري وليس بحرام . وللشيخ رحمه الله على ما يظهر من الأمثلة التي ذكرها في المقام تفصيل بين مثل الحيض والربا

الارتكاب التدريجي

ص: 115

والنذر حيث قال بلزوم الاجتناب في النذر المردّد مثلاً بين يوم الخميس والجمعة دونهما . ومثال الأولين ان يشتبه أيّام حيض المرئة ذات الوقت المعين ونفرض مثلاً كان عددها خمسا بين الخمسة الأولى من الشهر والوسط والآخر . فانه في هذه الصورة أطراف العلم تدريجي اذا يرتكب يرتكب تدريجا ولا يمكن جمعها في الارتكاب .

أو مثلاً يعلم بربوية أحد المعاملات التي يوقعها في هذا اليوم أو الشهر أو السنة مثلاً كما انه يحصل مثل ذلك للمفتي بل ربما لا يخلو من ذلك في الموارد التي يجري فيها الأصول .

أمّا قبل الافتاء والجريان أو بعد الجريان يعلم ان أحد هذه الأصول التي اجراها في الموارد المختلفة قطعا كان مخالفا للواقع . ففي مثال الحيض لو كانت ذات العادة العدديّة أيضا وإن لم تكن ذات العدديّة مثل الوقتيّة فقط . فالثلاثة التي

أقلّ الحيض يجري الاستصحاب بالنسبة إليها فكلّ خمسة تمضي من الشهر تجري الاستصحاب إلى الخمسة الاخرى الباقية من الشهر وفيها تجري قاعدة الطهارة أو البرائة في الجميع . كلّ أصل جرى في الأيّام المختلفة بالنسبة إليها وإلى زوجها وبعد ذلك يعلم الزوج والزوجة ان الخمسة التي كان عدد حيضها وقعت في البين والأصل الجاري بالنسبة إليها كان مخالفا للواقع وكذا في الربا بالنسبة إلى كلّ معاملة .

وللمحقّق النائيني رحمة اللّه عليه(1) بيان يظهر منه التفصيل بين المقامات . فكلّ مورد كان العلم الاجمالي علما بالتكليف لابدّ أن يجتنب وإلاّ فلا . فالنزاع

ص: 116


1- . فوائد الأصول 4/108 وما بعده .

صغروي ومهد لذلك مقدمة . وهي ان الزمان يمكن أن يكون بالنسبة إلى متعلّق التكليف على نحوين . إمّا أن يكون له دخل أو لا . بل لمكان ان الفعل المكلف به أمر زماني لابدّ أن يقع في زمان فالزمان ظرف له لا انه مأخوذ فيه . والدخل تارة يكون في الملاك كان يكون للزمان خصوصية في متعلق التكليف نظير دخل حلول الحول في باب الزكوة فالزمان فيه دخيل في الملاك وفي الخطاب . أو ليس له دخل الا في الخطاب وحده فان كان في باب الحيض من قبيل الأوّل أي يكون للأيّام في عادتها موضوعيّة سواء كان الدم بصفات الحيض أو لم يكن بل كانت صفرة مثلاً أو كان مخالفا لصفات الحيض فيحكم بكونه حيضا لخصوصية في نفس الأيّام لا لصفة الدم بخلاف غير هذه الأيّام فالمناط بغلبة الصفات لو كان الاشتباه بين دم الحيض والاستحاضة أو القروح والجروح .

أمّا من باب رافعية الشك وحصول الاطمئنان بها بأن الدم حيض مثلاً أو امارات تعبديّة في هذا الظرف . وان بقى الشك ولم نظن فضلاً عن الاطمئنان أو ان لم يكن فقاعدة الامكان لو كان موردها وسلّمناها في خصوص الاستحاضة والحيض على أيّ . فان كان للأيّام دخل الموضوعيّة ففي هذه الصورة يشكّ في ثبوت التكليف لأنّه لو كانت الأيّام هذه الأيّام الاولى مثلاً فالآن لازم عليها أن تتحيّض وتفعل فعلها وان لم تكن هذه الأيّام فلا تكليف لها فعليّا . اذ الواجب المعلق ما تصورناه بنحو يكون الوجوب فعليّا بل لو كان فالواجب اذ لا يمكن تقدم الموضوع على الحكم كالعكس اذ الموضوع كالعلّة للحكم وان لم يكن العليّة فيه اذ الجعل بيد المولى ولا يمكن أن يتقدّم الحكم على الموضوع أو يتأخّر عنه للزوم المناقضة . والتقدّم للموضوع رتبي فاذا ما أمكننا تصوير الواجب المعلّق

ص: 117

على هذا النحو فلو كان الأيّام الأيّام الآتية من وسط الشهر أو آخره مثلاً فالان لا تكليف اذ فرضنا ان الأيّام دخيلة في الملاك فبناء على هذا لا يلزمها الاجتناب لعدم كون هذا علما بالتكليف لأنّه على تقدير تكليف وعلى تقدير لا تكليف فلا علم بالتكليف الفعلي في البين .

واذ قد استفدنا من الأدلّة في باب ذات العادة الوقتيّة انّ الأيّام لها دخل في الملاك وان كان بصفات الاستحاضة والاستحاضة في أيّام الحيض حيض .

فعلى هذا يكون هذا الباب ممّا لا علم بالتكليف الفعلي فيه ويكون أحسن من الخروج عن الابتلاء لأنّ الملاك هناك تام والابتلاء إنّما هو شرط حسن الخطاب بخلاف المقام فانّ الأيّام دخيلة في الملاك والخطاب كليهما فتجري الأصول في كلّ خمسة أو ثلاثة مثلاً متفرقات أو مجموعات لكون كليهما من الشبهة البدويّة وبعد ذلك اذا يعلم تفصيلاً بارتكاب الحرام لا يضره كما في الشبهة غير المحصورة بتقريب ان الظاهر من الثلاثة هي المتوالية منه لا البياض الذي يكون في طرفي دمه يكون من الحيض في الأيّام فلا يلزمه الاجتناب ويجوز له ارتكاب الجميع تدريجا وكذا يجوز لزوجها أن يأتيها في كلّ يوم مثلاً من الأيّام في هذا الشهر . وكذا لو استمر الاشتباه كلّ شهر ويعلم بمصادفة الأيّام التي تكون فيها حائضا . ووظيفة المرئة في هذه الأيّام اذا رأت الدم الأعمال التي للمستحاضة . واذا ما رأت الدم مثلاً ويحتمل أن يكون النقاء المتخلل بين أيام الحيض فطاهر والترتيب الذي بين في العروة في هذا المقام من الاحتياط في كلتا الصورتين بين تروك الحائض واعمال المستحاضة سهو اذ في البياض لا دم حتى يمكن أن يكون استحاضة بل يكون بين أعمال الطاهرة وتروك الحائض .

ص: 118

ولكن سيّدنا الأستاذ قدس سره قال بعد تسليم هذا التقريب وتماميّته مع ذلك نقول بالاحتياط وعدم جواز الارتكاب وهذا بخلاف باب الربا والنذر مثلاً . فانه يمكن أن يكون في باب النذر بحسب نظر الناذر أن تكون الأيّام دخيلة في الموضوع ويمكن أن تكون ظرفا . فان كانت ظرفا كما في صورة الربا ليس للزمان خصوصيّة ملاكيّة بل الزمان ظرف والحرام انما هو المعاملة الربويّة والواجب هو موافقة النذر والوفاء به . ففي هذا الفرض العلم بالتكليف موجود غايته لا ندري ظرفه هذا اليوم مثلاً أو اليوم الآتي وهنا ليس مثل باب الحيض حتّى يكون الزمان دخيلاً في الملاك بل لحسن الخطاب فعلى هذا يتّجه التفصيل المذكور من الشيخ بهذا التقريب .

فذلكة: قد تبيّن انه ان كان للزمان دخل في التكليف فلا يكون علما بالتكليف وتجري الأصول بالنسبة إلى أطراف الشبهة وبعد ذلك يعلم بارتكاب الحرام الواقعي في البين . ولابأس بذلك اذ الحرام الواقعي بما هو حرام لا يوجب الاجتناب ما لم يتنجز ولم يعلم المكلف به . كما في الشبهة البدويّة فانه بعد ارتكاب عدّة من الشبهات يحصل له العلم بارتكاب حرام في البين أو ترك واجب فيه ولا اشكال في ذلك كما في الصلاة فان للوقت دخلاً فيها وفي الصوم والحج وغير ذلك من التكاليف المعتبر فيها الوقت بخلاف ما لو كان الوقت ظرفا للمكلّف به لا دخيلاً فيه فان في هذه الصورة العلم بالتكليف حاصل في البين غاية الأمر تمام أطرافه ليست آنيّ الارتكاب للمكلّف بل بتدرّج الزمان يحصل أطرافه ويرتكبها فالعلم علم بالتكليف الفعلي المنجز ولا فرق بينه وبين الدفعي الا خصوص تمكن المكلّف فيه اختيار أي الأطراف شاء عرضا لا دفعة في تمام

فذلكة البحث

ص: 119

الموارد فانه لا يمكن أن يأكل جميع الدبس الذي أصابه أو الماء نجاسة . مثل ما اذا يعلم اجمالاً بأن هذا الكأس نجس أو الكأس الذي يوجد في الغد أو يصل إليه ونظير ما اذا علم بنجاسة هذا الاناء أو الاناء الذي اذا أراد شرب مائه يصل إليه بعد

ساعة فانه في كلّ هذه الصور التكليف الفعلي موجود وظرف تمكنه من الارتكاب بعد ذلك وهذا معنى مقالة الشيخ من دفعية الأطراف فانه لا معنى صحيح لكلامه الا هذا .

فعلى هذا يلزمه الاجتناب في مثال الربا والنذر وأمثال ذلك بخلاف الحيض وغيره من الموقتات التي للوقت دخل فيها ( فيجري في مثال الحيض استصحاب الطهارة إلى ثلاثة أيّام أو خمسة بقيت من الشهر وبالنسبة إلى هذه الثلاثة أو الخمسة مثلاً إن كان الاستصحاب أو أصل موضوعي آخر أحد أركانه غير تام ولا يجري فالأصل الحكمي هو البرائة موجود لتماميّة أركانه .

ولعلّ الوجه في عدم جريان الاستصحاب في الثلاثة الأخيرة هو عدم اتّصال زمان اليقين بالشكّ .

أقول: وان أفاد سيّدنا في المقام ما سطرناه عن شيخه أو قولاً من نفسه الا ان البرائة لا تجري في المقام لعدم المنّة في هذه الموارد لوجوب الصلاة عليه والصوم وإن رفعت تكاليف آخر وحللت لها اشياء ورفعت السر عنها فتأمّل ولكن المحقّق النائيني رحمه الله وان قبل ذلك في الحيض وارتضاه وصحّحه بحسب الصناعة

العلميّة الا انه تصدى للاجتناب والاحتياط من طريق آخر ولا يلتفت إلى ما يمكن أن يقال في المقام بأنّ للمكلّف في كلّ طرف يجري الاستصحاب أو أصلاً آخر علماً اجماليّاً اما فعل الصلاة لها واجب أو حرام وكذا الصوم فيكون في أمثال

ص: 120

هذه التكاليف دوران الأمر بين المحذورين . فالنتيجة التخيير العقلي بمعنى انه اما فاعل أو تارك ولا مجال لجريان الاصول في طرف العلم . بخلاف مثل دخول المساجد أو مس كتابة القرآن فانه ليس العلم الاجمالي فيهما منعقدا .

وذلك لأنّ الاستصحاب الموضوعي يعين ان المقام مقام الطهارة وبعد ذلك يجب عليها أفعال الطاهر أو المستحاضة ( كما لعله يوجد لها في الفقه أمثلة كثيرة ) حتى في الشبهة البدويّة أيضا ذلك اذ الشك بما هو شك ليس عذرا ما لم يكن قاعدة قبح العقاب بلا بيان أو البرائة الشرعيّة تؤمنه ( فانه اذا كان هناك ماء مشكوك الطهارة وليس له ماء غير هذا وهو محدث في وقت الصلاة فانه لو كان نجسا يحرم التوضؤ والصلاة به ولابد أن يتيمم وإن كان طاهرا يجب ومع ذلك يجري الاستصحاب وذلك لأن موضوع الأصول الشك واذا كان هناك شك لا مانع من جريانها ) .

وهذا الطريق الذي للمحقق النائيني أعلى اللّه مقامه هو العلم بالملاك فانا نعلم بوجود ملاك التكليف وإن لم نعلم بالخطاب بل ونعلم بالخطاب أيضا لكن علمنا بالملاك فعلي اما في هذه الخمسة أو في تلك أو تلك وكذلك . واذا كان الوقت والزمان حاصلاً ينتج وهذا الملاك أمر من أمر وينشأ منه شيئان أمر يتعلّق بالموضوع وأمر تولّدي يتعلّق من الموضوع إلى مقدّماته وهذا الأمر التولدي المترشح من خطاب ذي المقدمة اذا لم تكن هي فمن الملاك لاستقلال العقل بلزوم حفظ الملاك حتّى لا يفوت في وقته فيكون من قبيل المقدّمات المفوتة . فانه لو لم يتحقق المسير يلزم منه عدم حصول فعل المناسك في وقتها فيلزمه بحكم العقل حكما استقلاليّا الاحتياط في أطراف الشبهة حتى لا يفوت الملاك الذي يحصل

ص: 121

منه الخطاب في وقته والدخيل فيه . فمن هذه الخمسة وهذه وتلك وتلك إلى تمام أطراف الشبهة . فعلى هذا لا فرق بين باب الحيض وأمثاله وغيره في كلام الشيخ .

لكن سيّدنا الأستاذ قدس سره استشكل عليه بأن ليس للعقل حكم فانّه ليس مشرعا بل الخطاب إن كان فاللازم الامتثال والا فلا يلزم المكلف بشيء .

اذ مع جريان الأصول وعموم أدلّتها لزمان الشك بتمامها أيّ حكم للعقل وفي الشبهة البدويّة أيضا الأمر كذلك ما لم يدلّ دليل عقلي أو نقلي على الترخيص أي لم يؤمّن المكلّف من ارتكاب الشبهة فعلاً وعدمه تركا . فانه لا يمكنه الخطاب الفعلي بالعمل والاذن في تركه فاذا ورد الترخيص لابدّ أن يحمل على عدم مطالبته فعلاً يعني لا خطاب له بالفعل واستواء العالم والجاهل في الأحكام في هذه الصورة يصحّح العهدة واشتغالها ولكن لا خطاب ولا مطالبة كالاشكال المعروف في قاعدة الفراغ مع الخطاب بالصلاة التي أصبحت عويصة لم تنحلّ . فانه يقال مادام الشك فاذا تبدل الشك وانكشف الخلاف يصير الأمر شيئا آخر وما ذكره في تصحيح القول بوجوب المقدميّة في باب الحج وقياس المقام بذاك قد أجبنا في موضعه عن كلّ الوجوه التي أقامها على هذا وقلنا لا يصح شيء منها .

وفرق بين المقدّمة المفوتة والمقام بيّن .

نعم لو قيس المقام بالشكّ في حصول الاستطاعة أو كان السرب ممنوعا من السير أو كان مانع في المكان الشريف وشك في رفع هذه الموانع وحصول الاستطاعة يجري البرائة كان في محلّه ولكن مع هذا لا يقبل الوجدان والذوق ذلك في باب الحيض فتجري الأصول .

أقول: يمكن أن يستشكل فعليّة التكليف في بعض صور مسألة الربا والنذر

اشكال سيّدنا الأستاذ

ص: 122

وأمثالهما فانه ليس تمام الأطراف مبتلى به فعلاً ويقال بجريان الأصل في كلّ الأطراف كلّ في ظرفه فان الكبرى بما هي كبرى لا تحقق الصغرى بل في ظرف حصولها تشملها بمحمولها وتنطبق عليها وللشيخ في المقام في مثل الربا كلام .

وهوانه فرق بين جريان الأصول العمليّة أو اللفظيّة أم لا ؟ فاذا جرى في مورد أصل عملي لمكان المعارضة والابتلاء بالعلم الاجمالي يكون حال الأصول اللفظيّة كحالها أم لا ؟ يظهر من الشيخ رحمه الله فرق بين المقامين . لكن لم يبيّنه . الا انه لا احتياج إلى ذلك في الأصول اللفظيّة اذ الأصول اللفظيّة اذا شككنا في فرديّة شيء للعام أو انطباق المطلق على شيء لا تجري بلا حصول علم اجمالي حتّى يمنع العلم عن ذلك وبعد ذلك هل ملازمة بين الحرمة التكليفيّة والفساد في مثل المعاملة الربويّة . وكذا ملازمة بين الحلّيّة والاباحة والصحّة أم لا ؟ ربما يكون المكلّف بالنسبة إلى الحكم التكليفي غير معاقب لنسيانه أو قصوره ولصغره ومع ذلك تكون المعاملة فاسدة فكلّما شككنا في صحّة معاملة وحرمتها تجري البرائة التكليفيّة ونحكم بعدم صحّة تلك المعاملة وان النقل والانتقال ما حصل . وما كان هذا سببا له فلننقح الكلام . واستشكل سيّدنا الأستاذ قدس سره كلام شيخه باعتبار أمر زائد في المعاملة الربويّة وهو تساوي المالين على ما ببالي أي قيد هذا قيد زائد على اعتبار شروط المتعاملين أو العوضين .

وكيف كان تبين ان في باب الحيض وكل ما هو مثله ( فانه لا خصوصيّة له ) اذا كان الزمان له دخل موضوعي سواء كانت الأطراف دفعيّة أو تدريجيّة لا علم بالتكليف وتجري الأصول في أطراف الشبهة حسب القاعدة . لأنّ المناط العلم بالتكليف . فاذا لم يكن علم بالتكليف بل كان على تقدير فالأصول جارية بلا

ص: 123

معارضة بخلاف مسئلة الربا ونحوه ممّا ليس للزمان فيها دخل موضوعي .

فهناك علم بالتكليف الفعلي على كلّ تقدير فلا مجال لجريان الأصول . وفي باب الحيض جريان الأصول مختصّ بذات العادة الوقتيّة سواء كانت عدديّة أم لا على ما يظهر من كلام سيّدنا الأستاذ ( الناسية للوقت لكن اذا كان الوقت له دخل موضوعي في باب الحيض وأمثاله فأي اختصاص له بذات العادة الناسية لعادتها ) غير المبتدئة فان لغيرها أحكاما في مورد الشكّ لابدّ من الرجوع إليها .

أمّا الرجوع إلى عادة أهلها أو أقرانها إلى غير ذلك وفي الناسية أيضا اذا لم يكن لها اقبال في الدم ولا ادبار ولكن في باب الحيض هذا مجرد فرض اذ الروايات الواردة في باب اشتباه دم الحيض بالاستحاضة تغنينا عن كلّ شيء في موارد الشكّ خصوصا المرسلة(1) الطويلة التي قال الامام علیه السلام في صدرها مضمونا لا يتحير أحد في موضع فانه متضمن لتمام خصوصيّات المسئلة وأطرافها ورواية(2) يونس ورواية قصيرة(3) إلى غير ذلك المطلوبة في مظانها . الا ان مراد الشيخ رحمه اللهمن عنوان المسئلة والتمثيل بالحيض في قبال الشيخ الطوسي رحمه الله حيث يقول لابدّ من الاحتياط . ان مقتضى القاعدة لو لا الأدلّة الواردة في المقام الرافعة

للتحير المبينة حكم هذه الموارد ذلك أي جريان البرائة ) بالنسبة إلى المرئة والرجل كليهما .

واستشكل أي على القائل بالاحتياط في صورة اشتباه الدم واستمرار

الاشتباه في تمام أيّام الشهر حيث لابدّ لها على هذا القول من الجمع بين تروك

ص: 124


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 3/4 من أبواب الحيض .
2- . وسائل الشيعة 2 الباب 5 - 7 - 6/1 - 2 - 1 من أبواب الحيض .
3- . وسائل الشيعة 2 الباب 5 - 7 - 6/1 - 2 - 1 من أبواب الحيض .

الحائض وأعمال المستحاضة ( ولو لزم العسر والحرج ) وكذا لو استمر الاشتباه في الأشهر الآتية .

وأجيب عن الاشكال بأن لا حرج في حكم الشارع . انما الحرج لزم من ناحية اشتباه المكلف به الواقعي الذي لا عسر فيه من ناحية الشارع . فالعسر إنّما لزم من ناحية العقل في مقام الامتثال فتصير النتيجة في مثل هذه الموارد بالاخرة إلى التبعيض في الاحتياط على ما مرّ في مبحث الانسداد مفصّلاً . وإلاّ فبعد الرجوع إلى الأدلّة والعمل بالامارات الرافعة للشكّ تعبّدا أو وجدانا أو بناءً على اعتبار الظن في هذا الباب بأن أخبرها عدل ضابط لأيّام حيضها فتعمل على مقتضاها . وكذا هذا المثال في باب الربا والنذر ليس على ما ينبغي . لأن في باب النذر وان كان مقتضى القاعدة والصناعة هذا لو كان بناءً على الدخل الموضوعي حسب نذر الناذر الا انه لا يقول به أحد مع علم الناذر بأن زمانه إمّا هذا اليوم أو اليوم الآتي مثلاً فهي قاعدة تضرب على الجدار ( هكذا عبّر سيّدنا الأستاذ ) وفي باب الربا هل يمكن تصوير ذلك . بأن يعلم اجمالاً ان أحد معاملاته التي يوقعها في هذا اليوم مثلاً ربويّة كيف يمكن ذلك حال الالتفات فان موضوع الربا معلوم عند هذا الشخص وهكذا حكمه حسب الاجتهاد أو التقليد في المكيل والموزون . مثلاً هل المناط بزمان النبي صلی الله علیه و آله أم بزمان صدور الروايات أم بلد المتبايعين .

نعم يمكن تصويره في حال السهو أو مثلاً يشتبه عليه ان هذا المبيع من الربوي أم لا ويلتفت بعدا ( أو كما قال بعض الحاضرين لمجلس البحث ضبط عليه شخص معاملاته في اليوم السابق ويعامل مثلها في اليوم اللاحق ولفته ان احديها ربويّة على فرض نادر ) .

لزوم العسر من ناحية حكم العقل

ص: 125

نعم المثال بباب النظر والمساس للأجنبيّة حسن لعلمه الاجمالي في بعض الموارد بمصادمته لصدور مكشوفة ووجوه ورقاب غير مخدورة منهنّ وأراد الخروج مثلاً إلى السوق أو التشرف بالحضرة الشريفة العلويّة على مشرفها السلام أو يبتلي بغيبة في ذلك المجلس الفلاني . ولكن الأمثلة أيضا لا ربط لها بالمقام لأنّ

الذهاب إلى السوق والمجلس غير حرام لفاصلة اختياره الثاني ( وكذا في الأوّل في بعض الموارد إلاّ أن يقال في بعضه الآخر وان كان قهرا بلا اختيار ولكن الشارع أراد أن لا يقع هذا العمل في الخارج لا عن ارادة واختيار بل مطلقا ولا يلزمنا ذلك ( أي وجوب الاحتياط في هذه الموارد ) إلى القول بالواجب المعلّق فانه محال لبرهان الخلف والمناقضة ( نعم في باب الصلاة بالنسبة إلى كلّ جزء إلى الآخر صوّرناه على نحو التعليق .

اشارة تتعلّق بالأفعال الخارجيّة وهي فعل المكلّف به هذا وللشيخ كلام(1) في الفرق في هذه الموارد كما قلنا آنفا بين الأصول اللفظيّة والعمليّة التي في مورد العلم الاجمالي بين أطراف الموارد . لكن من المعلوم انه لا كلام في جريان الأصول العمليّة في بعض الموارد لا في جميعها لا لقصور في أدلّة الأصول بل لقصور في هذه الموارد في المدلول فان المدلول في هذا لا ينطبق في مقام الجعل على كلّ الموارد للمناقضة .

نعم اذا كان واحد من الأطراف لا يجري فلا اشكال في جريان الأصل

بالنسبة إلى الأطراف الباقية ولا يمنع العلم الاجمالي من ذلك لأن مورد جريان

ص: 126


1- . فرائد الأُصول 2/427 كلام الشيخ في الفرق انما هو في مورد العلم الاجمالي بين المشتبهات التدريجيّة .

الأصول هو الشك فان كان العلم يمنع من ذلك بل يختص موردها بما اذا لم يكن علم بالخلاف فيلزم لغوية جعل الأصول لا ان كل مورد حتى في الشبهات البدويّة لا نعلم ذلك . وانه هل في هذا المورد جعل على الخلاف أم لا ؟ فيكون من باب التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة . واذا علمنا أيضا ان لا علم بالخلاف فلا حاجة إلى جريان الأصل وهذا بخلاف باب الأصول اللفظيّة عند الشك وإن كان في الشبهة البدويّة لا يجوز اجراءها لعدم جواز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة ولا تصل النوبة إلى تأثير العلم الاجمالي ذلك .

نعم لو أغمضنا عن ذلك وقلنا في الشبهة المصداقيّة البدويّة لا مانع من الجريان فللكلام في العلم الاجمالي مجال . ولكن أين موضع هذا القول ( فاذا شككنا في فساد المعاملة وصحّتها تجري الاصول العمليّة في المقامات . لكن لا يمكن التمسّك بالأصول اللفظيّة للشكّ في مصداقيّة المورد لها لانّ الكلام في العلم الاجمالي ) وبعد ذلك هل ملازمة بين حليّة المعاملة وصحّتها وكذا بين حرمتها وفسادها أم لا ؟ لا كلام ولا اشكال في ملازمة الحليّة التكليفيّة والصحّة وكذا في باب النواهي في المعاملات فان النواهي في هذا الباب على قسمين . نهي نفسي ونهي غيري والنهي الغيري كالأمر الغيري يرجع إلى الارشاد إلى مانعيّة شيء والأمر إلى شرطيّة شيء في المتعاملين أو العوضين أو الصيغة . فهذا القسم من النواهي لا ملازمة بينها وبين الحرمة التكليفيّة . والقسم الآخر من النواهي وهي النواهي النفسيّة التي تعلّق النهي بنفس المعاملة ففيها النزاع . هل يوجب فساد المعاملة أم لا .

وفيها أيضا الحق انه لا يوجب الفساد ما لم يرجع إلى معنى الاسم

جريان الأصل وعدمه لفظيّاً أو عمليّاً في مورد الشك

ص: 127

المصدري الذي معناه رجوع النهي إلى قصر سلطنة أحد المتعاملين ومحجوريّته وهو راجع إلى قيد وجودي في المعاملة ففي كلّ شيء فيها أي المعاملات في شروط الصيغة أو المتعاملين أو العوضين في باب البيع والاجارات والمساقاة وكذا جميع العقود والايقاعات . اذا تبين عدم حصولها على وجهها فالمعاملة فاسدة مع انها غير حرام قطعا . وان كان المحقّق النائيني قدس سره كان يقول في أوّل الأمر بالملازمة لكنه رجع أخيرا فقال بخلاف ما قال الشيخ من الملازمة . والحق هو ما قال أخيرا ورجع إليه .

هذا تمام الكلام في الشبهة المحصورة .

الكلام في الشبهة غير المحصورة:

أمّا الكلام في الشبهة غير المحصورة فالمعروف والمشهور بينهم بل ادّعى عليه الاجماع عدم وجوب الموافقة القطعيّة وعدم حرمة المخالفة القطعيّة لكن المسئلة خلافيّة .

والكلام يكون تارة بحسب متعلّقات التكليف وقد مرّ مشروحا مفصّلاً في باب الانسداد وما تراكم عليه أفكار المتأخّرين تنقيحا وتحقيقا لموارد البحث من المتقدمين بما لا مزيد عليه . وتارة يكون في الماليات وهي أيضا لابدّ من أن يفرض على نحو لا يكون موضوعا خارجا من الفرض .

اذ مثل اللقطة والمال مجهول المالك وان كانا موضوعين من موضوعات الماليّات الا انه لا مساس لهما بمورد البحث من الشبهة غير المحصورة .

فمثال ما نحن فيه هو مال بيده لا يعرف صاحبه في محصور فما وظيفته في مثل هذا الفرض وذمته مشغولة بالنسبة إلى أيّ شخص ( لا يخفى ان مبنى المثال

في الشبهة غير المحصورة

ص: 128

على تعميم الكلام في المسألة في الشبهة الموضوعيّة التحريميّة ) والوجوبيّة وإن كان بينهما فرق في بعض الموارد الا ان محل البحث هنا هو التحريميّة وان كان في الشبهة المحصورة في باب الماليات لا يمكنه أن يأخذ من كلّ شخصين عمل لهما أجيرا واعطاه كلّ واحد دينارا فأصبح أحد الدينارين قلبا فلا يمكنه أن يأخذ من كلّ منهما دينارا وهما أيضا ان لم يعلما بحقيقه الحال لابدّ لها أن يفرغا ذمّتهما فبالاخرة ينجرّ إلى الاحتياط والتصالح .

وربما فرق بين الموافقة القطعيّة والمخالفة القطعيّة فيقال في مورد البحث بحرمة الثاني دون وجوب الأول .

وقد اختلف كلمات الأصحاب في بيان ضابط الشبهة غير المحصورة وكذا في الاستدلال على حكمها . فعن بعض ما تكون نسبته إلى أطرافه نسبة الواحد إلى الألف . وعن آخر ما لا يمكن المكلف ارتكاب تمام أطرافه . ولعله دفعة أو ما يلزمه العسر في الاجتناب عنها والكل غير منضبط وغير مطرد ولا منعكس فلازم الأول اذا كان واحد حبة من حنطة مثلاً في ألف حنطة . انه لا يلزم الاجتناب والثاني هو عدم العلم بالتكليف . اذ الكلام في الشبهة المحصورة وغير المحصورة بعد الفراغ عن ثبوت التكليف فيهما والا فلو لم يكن التكليف فعليا أو لم يكن تكليف فلا مجال للكلام . فبعد مسلمية هذا المقدار وهو كون الأطراف ممّا في ظرف قدرة المكلّف تنقسم الى المحصورة وغير المحصورة .

واذا كان لا يمكن المكلف ارتكاب تمام أطرافه فهذا المقدار منها في التكاليف التحريميّة بنفسها متروك فلا معنى للزوم الاجتناب من ناحية نهي المولى بلزوم اللغوية والاستهجان . فلابدّ في حسن الخطاب من كون الفعل على طرفيه

ص: 129

تركه وفعله مقدورا للمكلف حتى يلزم بأحدهما اما الترك أو الفعل ( وبناءً على زيادة قيد دفعة في التعريف يلزم النقض بالمحصورة اذ ارتكاب جميع أطرافه أيضا دفعة ربما لا يمكن في كثير من الموارد ) .

والثالث أيضا يلزم فيه الاجتناب بمقدار يرفع العسر فلابدّ من تعيين ضابط للشبهة غير المحصورة ينطبق على جميع موارده . وبه يمتاز عن الشبهة المحصورة وهو أن يقال عدم مقدوريّة المكلّف على ارتكاب بعض الأطراف الدخيل امكانه في حسن الخطاب بالاجتناب عن ذلك الطرف .

تارة يكون من جهة البعد وإن كانت الأطراف محصورة . وتارة من جهة عدم الابتلاء به الذي يكون مرجع البعد إلى هذا . وتارة يكون من جهة كثرة الأطرف بحيث توجب كثرتها خروجها عن تحت قدرة المكلّف على نحو لا يمكنه ارتكاب جميعها . فهذا القسم من الشبهة هي الشبهة غير المحصورة ولابدّ منه ونحن لسنا دائرين مدار التسمية أذ لفظ المحصورة وغير المحصورة ليس في لسان الأدلّة . فالمناط هو عدم المقدوريّة يعني المناط في عدم لزوم الاجتناب من الأطراف . وفي هذا المورد كثرة الأطراف أوجبت ذلك ولا نضائقكم في التسمية فبأي شيء تريدون سمّوه ولا يرد عليه النقوض الواردة على غيره من التعريفات .

فيرتكب جميع أطراف الشبهة تدريجا وان بقي إلى أن تمكن من ارتكاب

جميعها ففي هذا الفرض لابدّ من الاجتناب عن الباقي كما يقول به الشيخ لا لكونه من الشبهة غير المحصورة بل لقلب الفرض . وذلك فبما انها كانت من القسم الذي تحت قدرة المكلّف وممكن له ارتكاب أطرافها كما يلتزم به القائل بالتعريفات السابقة في هذا الفرض ( أو يستفاد من كلامه ) من انه لا يلزمه الاجتناب فيرتكب

ص: 130

تدريجا إلى أن يبقى مقدار من الأطراف قابل للانطباق من الشبهة فبعد ارتكابه يعلم بارتكاب الحرام في البين . بل لا حرام واقعا اذا كان مرخّصا اذ حصول العلم بالحرام وارتكابه ليس بحرام وعند وصول الأطراف إلى هذا الحد يحتمل أن تعلق التكليف والاجتناب كان من التي ارتكبها سابقا . وببيان هذا الضابط للشبهة (غير) المحصورة علم الاستدلال بعدم لزوم الاجتناب عن أطرافها اذ لا علم بالتكليف لعدم مقدوريّته على ارتكاب الأطراف . وارتكاب بعض وامكانه إنّما يحسّن الخطاب بالاجتناب عنه لو كان هو الحرام في البين . ولمكان الجهل بذلك وإنّما الموجود مجرّد احتمال الشك يجري البرائة بلا معارضة من الأطراف الاخر لعدم حسن الخطاب بالنسبة إليها لو كانت متعلق التكليف لو ابتلى بها على ما تقدم سابقا .

فعلى هذا يتوجه هنا جميع ما كان يتوجّه في المحصورة من الاشكالات المسلم بعضها والمجاب آخر . وهذا هو الاستدلال الصحيح الذي يليق الاعتماد عليه . اذ ما استدلّوا به على الحكم المدعى المذكور في الباب من عدم لزوم الموافقة القطعيّة وعدم حرمة المخالفة بالنسبة إلى تمام الأطراف إلى سوى ما يبقى قابلاً لانطباق الشبهة عليه لا يخلو من خدشة .

فمنها الاجماع . وفيه ان الاجماع بما هو لا يكون مدركا للحكم الشرعي ما لم يكن كاشفا عن قول المعصوم علیه السلام .

ولو بانكشاف قول زرارة وغيره من خواص أصحاب الامام علیه السلام بحيث لو شافهنا بالخبر المنقول عنه في الأبواب الفقهيّة لقطعنا بقول الامام علیه السلام .

ومن هنا كان مرجع الأدلّة إلى واحد اذ الاجماع والعقل كواشف عن قول

ضابط غير المحصورة

ص: 131

الامام وقول الامام قول الرسول صلی الله علیه و آله وقال الرسول قال اللّه كما ورد في الخبر مضمونا ما(1) رويته عني فاروه عن أبي وجدّي عن اللّه عن الرسول .

وفي المقام يحتمل استناد المجمعين في ذلك إلى سائر أدلّة الباب كما يحتمل استنادهم إلى ما ذكرنا من الاستدلال . والاجماع المدركي المناط بمدركه.

ومنها لزوم العسر والحرج . وفيه ان ذلك يرفع حكم مورده ويقتصر عليه فيه ويوجب التبعيض في الاحتياط .

ومنها الخبر(2) الوارد في الجبن كما ورد الاستدلال في الرسائل عن محاسن البرقي عن أبي الجارود قال سألت أبا جعفر علیه السلام عن الجبن . فقلت له أخبرني من رأى انه يجعل فيه الميتة . فقال امن أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم جميع ما في الأرضين إذا علمت انّه ميتة فلا تأكله وان لم تعلم فاشتر وبع وكل .

واللّه انّي لاعترض السوق فاشترى بها اللحم والسمن والجبن واللّه ما أظن كلّهم يسمون هذه البرية وهذه السودان .

والامام علیه السلام قرّره على اعتقاده ميتيّة الانفحة ونجاستها . مع ان ما في الانفحة حكمه حكم اللبن وهو طاهر الا ان مع الجلدة اذا أصاب الجبن تنجس بالملاقاة ولكن حكم العقل بتأثر الملاقى ووجوب الاجتناب عنه في هذا المورد قد خصّص بنص الشارع ( لا يخفى ان ما هنا ينافي ما بنى عليه سيّدنا الأستاذ قدس سره من الموضوعيّة للملاقى ) ولكن أورد الشيخ الأنصاري قدس سره اشكالاً عليه لو لا ورود هذا الاشكال لكان صريحا في المطلوب . وهو احتمال عدم لزوم الاجتناب عن جبن

ص: 132


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 8/86 من أبواب صفات القاضي .
2- . وسائل الشيعة 25 الباب 61/5 من أبواب الأطعمة المباحة .

الأماكن التي غير هذا المكان المعلوم جعل الميتة فيه لا انه لا يجب الاجتناب عن كلّ جبن يحتمل أن يكون من ذلك المكان .

وبعد ذلك يقع الكلام في الشبهة الوجوبيّة غير المحصورة هل هي مثل التحريميّة في عدم لزوم الاجتناب عن الأطراف . فلا يجب فيها شيء أم بمقدار يمكن ولا يلزم منه عسر وحرج ؟

لعل ظاهر كلمات الأصحاب ذلك ( يعني الأول ) ولكن لابدّ من الاتيان بنحو الاحتياط في الفرض بالمقدار الذي لا يلزم منه عسر ولا حرج .

فذلكة: استدلّوا على عدم لزوم الاجتناب عن أطراف الشبهة غير المحصورة بالاجماع وجها أولاً .

وقد علم هذا الاجماع . والوجه الثاني الأخبار الواردة في كيفيّة جعل التكاليف وان الشريعة شريعة سمحة سهلة . وان « اللَّهُ يُرِيدُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ »(1) ومثل « ما جعل عليكم في الدين من حرج »(2) .

وفيه ان لا حرج ولا عسر في جعل الأحكام وان العسر والحرج قد يكون في مقام الامتثال والا فحكم الشارع ليس بحرجي .

فان كان الاحتياط مخلاًّ بالنظام فلا يجب وإذا كان عسريّا أيضا فلا يجب .

فعلى هذا يجب الاحتياط بمقدار لا يلزم منه العسر ولا يلزم في الباقي اللازم منه العسر . مع ان الكلام أعم من ذلك اذ كلّ مورد لا يلزم من الاجتناب منه عسر ولا حرج .

دليل عدم لزوم الاحتياط

ص: 133


1- . سورة البقرة: 186 .
2- . سورة الحج: 79 .

الوجه الثالث: ان الجمع بين الأخبار الواردة في حليّة المشتبهات من نحو ( كلّ شيء هو لك حلال )(1) والواردة في الاجتناب عنها من نحو خبر التثليث(2) حرام بيّن وحلال بيّن وشبهات بين ذلك إلى ومن اجتنب الشبهات نجى من المحرمات وفي بعضها(3) من ارتكب الشبهات وقع في المحرمات وهلك من حيث لا يعلم . فان الأوّل نص في الشبهات غير المحصورة وظاهر في المحصورة بخلاف الثاني فانه نص في المحصورة التي أطرافها متعلق العلم الاجمالي وظاهر في الشبهة غير المحصورة فيجمع بينهما بذلك .

ولكن هذا الجمع لا شاهد له . فان في هذه الأخبار احتمالات قد مضت بعضها في البرائة .

ومنها: اختصاص خبر التثليث وأمثاله بالشبهة الموضوعيّة في أطراف العلم الاجمالي وأخبار الحل بالشبهة البدويّة .

فتبقى الشبهة غير المحصورة . فاما أن تلحق بالشبهة المحصورة فلابدّ من معاملتها معاملتها واما ان نلحقها بالشبهة البدوية اذ بناءً على هذا خارجة عن مورد كلتيهما . فان الحقناها بالشبهة المحصورة يلزم أن لا يكون مورد لأخبار البرائة والشبهة البدويّة . اذ في عدة موارد يجري الأصل يعلم اجمالاً بمخالفة أحدها للواقع وإن لم نعلمه تفصيلاً . وعلى الظاهر لا يقول أحد بذلك . وأيضا من المسلم عدم لزوم الاحتياط في الشبهة الموضوعيّة التحريميّة بين المحدثين

الوجه الثالث لعدم وجوب الاحتياط واشكاله

ص: 134


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 12/9 مع تفاوت في بعض العبارات .
3- . وسائل الشيعة 27 الباب 12/9 مع تفاوت في بعض العبارات .

والأصوليين . وكذا ورد في خبر(1) السارق ما علمت انه بعينه مال السرقة فلا تشتره المعطى جواز الارتكاب وإن كان في مورد العلم الاجمالي في الشبهة المحصورة وقد جمع روايات ذلك في حاشية المكاسب وقال لو لا ذهاب المشهور على خلافها لم يكن مانع من القول بمقتضاها والفتوى على طبقها .

فعلى هذا يكون صورة العلم الاجمالي أيضا غير لازم الاجتناب فما علم انه ميتة بعينه فلا تأكله .

ولكن يحتمل أن يكون المستند في ذلك اليد .

أقول ويمكن كونه أيضا الخروج عن الابتلاء بالنسبة إلى بعضها .

الرابع: خبر(2) الجبن المروي سابقا عن أبي الجارود ولم يرد فيه مدح بالخصوص بل الوارد عدة(3) روايات في ذمّه .

نعم قد ورد فيه عموما مدح من كونه من أصحاب الباقر علیه السلام فان الامام

علیه السلام وصفهم ومدحهم بامثال ( لو لا هؤلاء لاندرس آثار أبي )(4) و ( أنتم القرى الظاهرة ونحن القرى الباطنة )(5) لكن لم يوثقه واحد وسبق نقل الخبر عن المحاسن وفيه احتمالات . أحدها منطبق على المقام وصريح في المطلوب وهو قوله علیه السلام فما

ص: 135


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 53/6 من أبواب ما يكتسب به عن شراء الخيانة والسرقة قال إذا عرفت ذلك فلا تشتره إلاّ من العمال .
2- . وسائل الشيعة 25 الباب 61/5 من أبواب الأطعمة المباحة .
3- . معجم رجال الحديث 7/322 الى 324 .
4- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/20 من أبواب صفات القاضي واللفظ رحم اللّه زرارة بن أعين لولا زرارة ونظراؤه اندرست أحاديث أبي علیه السلام وفي رواية 11/26 ان أصحاب أبي كانوا زينا احياء وأمواتاً ثم سمى زرارة ومحمد بن مسلم وليث المرادي وبريد العجلي .
5- . الوسائل 27 الباب 11/46 - 47 مع تفاوت لا يضر .

علمت فيه ميتة فلا تأكله .

اعطاء قاعدة ( وهي عدم لزوم الاجتناب عن تمام الجبن الذي يكون في البلد بمجرد علمه ( أي السائل ) بكون بعض الجبن الذي يدخل في البلد المسكون فيه مجعولاً فيه الميتة . كما يؤمى إليه ذيل الخبر ما أظن ان هذه البرية كلّهم يسمون

بناءً على ظهوره في علمه بعدم تسمية بعضهم وفيها من لا يسمى ولا رجحان لهذا الاحتمال من بين ساير الاحتمالات التي يكون في الخبر . ومنها أن يكون قوله علیه السلام فما علمت انه ميتة بعينه فلا تأكله مخصوصا بما اذا علم تفصيلاً . فعلى هذا ينتج خلاف المقصود . فلا يجب في الاجمالي في المحصورة وغيرها الاجتناب بل يختص صورة الاجتناب بما اذا علم تفصيلاً المجعول فيه الميتة خصوصا بملاحظة قوله ( اني اعترض السوق ) فانه ليست خارجة عن الحصر مع العلم الاجمالي يكون بعضها ممّا لم يسم عليه .

والاحتمال الآخر أن يكون المراد ( ممّا عملت انه ميتة يعني المكان الذي دريت انهم يجعلون فيه الميتة فلا تأكله . اذا كنت في ذاك المكان مثلاً تدري ان العشيرة الفلانيّة يجعلون فيه الميتة فاذا حضرتهم فلا تأكل من جبنهم . ولكن ذلك لا يمنعك من أكل الجبن الذي لا تدري انه منهم الوارد في هذا البلد . فعلى هذا يكون الشكّ في فرد يبن دخوله في طرف الشبهة التي يعلم فيها بجعل الميتة فيها ودخوله في غير تلك الأطراف فلا يجب الاجتناب عن هذا الفرد . واحتمال آخر وهو انه لا يكون من هذا القبيل بل يدري ان في العشيرة الفلانيّة يجعلون الميتة في الجبن ويسئل عن سببية ذلك لحرمة الجبن وان لم يكن من الجبن الذي يعمله تلك العشيرة بمجرد احتمال . فعلى هذا لا يمكن القطع بذلك مضافا إلى ما أورد

ص: 136

الشيخ رحمه الله على هذا الخبر والاستدلال وقد مضى آنفا . مع ان هذا الخبر بعد الغضّ عن سنده معارض بعدة روايات وردت في طهارة الانفحة والظاهر ان الميتة التي كان في كلام السائل ذكرها ليست الا هي وهي في الحيوان قبل أن يعلف بل مادام يرتضع وهي اما اسم لما في الجلدة في اللبن المنجمد المستحيل أو لتلك الجلدة نفسها وعلى أي حال يعصر اما مع كيسها في اللبن الذي يريدون صيرورته جبنا أو بعد الجفاف مع الجلدة منها في اللبن فتنفذ الرطوبة في أعماقه فيعصرون منه ما به يخثر اللبن فيصير جبنا وهذه . الخصوصيّة لها مادام لم يعلف الحيوان فاذا علف تذهب هذه الخصوصيّة وتسمّى هذه بعد ذلك كرشا . وعلى أي ان اللبن المنجمد فالاخبار واردة بطهارته فيكون كفارة المسك . ففي خبر قتادة يسئل عن الامام علیه السلام عن الجبن(1) وانه يجعل فيه هذه والامام علیه السلام يقول ما مضمونه عدم البأس بذلك فيكون مثل البيض من الدجاجة التي ماتت فكما انه اذا حضنت فصارت البيضة فرخا تأكل الفرخ وكذا نفس البيض فافحم وما أجاب بانه يستحيل وحيوان خارجي وهذه تعدّ من أجزاء الميتة . وعلى أيّ فاما أن لا تكون الانفحة من أجزاء الحيوان فاذا ماتت بغير تذكية فتكون طاهرة لعدم كونها من أجزائه ولا انها لمكان اتصالها بالجلدة في فرض تأثير رطوبة الجلدة فيها تتنجس لانها ما تحلها الحيوة فاذا صارت الحيوان ميتة فتنجس أو تعدّ من أجزاء الميتة . ولا تتنجس بالنص الخاص . وعلى أيّ حال لا اشكال في طهارتها ( أقول فرض المعارضة بعد تسليم السند ومقبولية الرواية في الجملة انما يمنع العمل بها في المقام لابتلائها بالمعارض اما دلالتها على المطلوب ان تمت لا يصير عدم العمل

معنى رواية الجبن

ص: 137


1- . وسائل الشيعة 24 الباب 33/1 من أبواب الأطعمة المحرمة .

بها لابتلائها بالمعارض وجها لعدم القول بمقتضاها ) وزاد سيّدنا الأستاذ قدس سره بيانا شرحا لهذه الرواية وهو انه يستفاد منها أشياء . حجيّة خبر الواحد في الموضوعات لقول السائل اخبرني بعض من رأي وعدم استفصال الامام علیه السلام بقرينة قوله . امن اجل مكان واحد يجعل فيه الميتة وترك الاستفصال يدل على العموم .

ومنها: جعل الميتة فيه والامام عليه السلام قرّره على ذلك ولابدّ من السبر والتقسيم ايجعل فيه لحم الميتة أم شعرها أو عظمها . ليس الا الانفحة لانها هي المناسبة لذلك . وهل هي الجلدة مع اللبن المنجمد رطبة أم يابسة فتدق فتجعل فيه خلاف المتعارف في بلادنا أم اللبن وحده . وعلى تقدير أن يكون اللبن طاهرا فبالملاقاة مع الجلدة يتنجس فيحرم . فيدل على تنجس الملاقي للمتنجس وعلى منجسيّة المتنجس . فيكون اللبن المنجمد من الحيوان الذي ما ذكى نجسا فيعارض الأخبار الواردة في طهارته(1) وحليته . ومنها(2) الخبر الوارد في جعلها كالبيض أو تكون طاهرة وان كانت محرمة من حيث انها من أجزاء الميتة فان بعض الأصحاب ( صاحب المدارك ) قائل بانصراف أدلّة الميتة عنها الدالّة على نجاستها فلا تشملها والا فلو لم تكن حراما فلا معنى لعدم جواز أكله فعلى مذهب صاحب المدارك ليس تخصيص في عدم انفعال الأنفحة باتصالها بالجلدة لقوله بانصراف الأدلّة عنها . لكن هذا قول من يقول بحلول الروح في الجلدة تكون ميتة ونجسة فلابدّ أن يلتزم اما بعدم انفعال اللبن بالميتة مع انه ينفعل بالبول فمنها

ص: 138


1- . وسائل الشيعة 24 الباب 33/1 - 2 - 4 - 9 - 10 - 12 - من أبواب الأطعمة المحرمة .
2- . وسائل الشيعة 24 الباب 33/1 من أبواب الأطعمة المحرمة .

اشكل . نعم يمكن أن يقال بالانفعال والعفو لان الحكم بيد الشارع يحكم حسب ما يريد . وقوله علیه السلام من(1) أجل مكان واحد يجعل فيه الميتة كانه سلم سواء كان المراد بالمكان الواحد خصوص بيت من بيوتات العشيرة الواحدة أو نفس العشيرة . لأنه على هذا الوجه أيضا لا تكون في تمام العشيرة . بل الخبر صريح في انه يجعل فيه الميتة ولا يلزم أن يكون الجعل في تمامها بقرينة الجواب . وعدم اعادة السؤال من السائل يعلم ان جواب الامام علیه السلام منطبق على فرض السائل وان سؤال السائل كان من الجبن الذي يكون في السوق ولا يدري انه من أطراف الشبهة أم من غيرها والامام علیه السلام بين له انه لا يلزم الاجتناب فلا ربط له بالمورد لأنّ المقام من الشكّ في كون هذا الجبن من أطراف الشبهة حتى يلزم الاجتناب أو لا من غيرها فمن الأول غير داخل في الأطراف ويكون شبهة بدوية والضابط لا يشمله اذ لابد فيه من حفظ كلية الكبرى فلا ينتج هذا بعض الجبن أو جبن وبعض الجبن حرام من جهة جعل الميتة فهذا حرام اذ هو صرف احتمال فعلى هذا يشمله أدلّة الحل والبرائة ولا اختصاص له بمن يعلم اجمالاً وقوله علیه السلام ( واللّه (2) اني لأعترض السوق فاشترى بها اللحم والسمن والجبن واللّه ما أظن كلهم يسمون هذه البرية وهذه السودان من جهة ان اللحم يكون من المذكى القابل للتذكية وتارة يباع من المذكى غير القابل أو المشكوك التذكية . وكذا السمن والجبن وان التذكية لها شرايط . منها التسمية فنفس الأفعال لا توجب الحلية بل مع التسمية ومع عدمها عمدا يكون ميتة والسمن المأخوذ منه والجبن المعمول منه يكون من جهة ميتيته

باقي الكلام في خبر الجبن

ص: 139


1- . وسائل الشيعة 25 الباب 61/5 من أبواب الأطعمة المباحة .
2- . وسائل الشيعة 25 الباب 61/5 من أبواب الأطعمة المباحة .

حراما مع انه يعلم ان في اللحم والسمن والجبن بعض ما ليس بمسمى عليه . لكن من جهة السوق ويد المسلم لا مانع من ذلك لان السوق امارة للتذكية في ظرف الشك في حصول التذكية . فاذا كان امارة فلا يبقى مجال للعلم الاجمالي على فرض تحققه في المورد . بل يكون في مورد الشك في حصول التذكية ولا يجرى استصحاب عدم التذكية . ولو كان الشكّ غير متّصل بزمان اليقين من جهة الشكّ في كيفيّة زهوق روحه . فعلى هذا يشمله أدلّة الحل وان كان لبعض الأصحاب في أدلّة السوق واليد كلام . وهو ان الاخبار(1) في هذا المقام طائفتان طائفة صحاح

ومؤادّها مؤدّى اصالة الحل وطائفة غير صحاح تدلّ على السوق واليد .

منها الخبر(2) الوارد في الخفاف المشتراة من سوق الجبل ( عليكم أن تسئلوا اذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك فاذا رأيتم يصلون فيه فلا تسألوا . فعلى هذا الاشكال في هذه الرواية من جهات مع عدم سند . وعمل الأصحاب واستنادهم بها أيضا غير معلوم وحينئذٍ لا يمكن الاستناد في باب الشبهة غير المحصورة بأدلّة الحل والاحتياط وان مقتضى الجمع هو عدم لزوم الاجتناب في غير المحصورة بعدم الشاهد لهذا الجمع . ولا يمكن الاستناد بهذه الرواية لأنه على احتمال تكون دليلاً على المورد وكان فيها بعض الاحتمالات الآخر التي تخرجها عن صلاحيّه الاستناد ودلالة لها معتمدا عليها مع قطع النظر عن سندها . مع ان الاحتياط في الشبهة الموضوعيّة غير لازم ومن يقول لأخبار الاحتياط يقول في الشبهة الحكميّة كما تقدّم سابقا في محلّه وقد علم حال الاجماع .

ص: 140


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 50 .
2- . وسائل الشيعة 3 الباب 50/7 من أبواب النجاسات مع اختلاف في اللفظ غير مضرّ .

وهنا وجه آخر لعدم لزوم الاجتناب في الشبهة غير المحصورة ان تمّ وان استحسنه الاستاذ وقرّبه بأنّه إذا كان أطراف العلم كثيرة فلا علم حقيقة ( وردّه بأنّ

العلم حقيقة موجود بالوجدان ) فيكون حكم الأطراف حكم الشبهة البدويّة فانا اذا أخبرنا ان الحكومة تريد أسر بعض أهل العراق فلا يؤثر شيئا فان علمنا أسره بعض أهل هذه البلدة الشريفة أيضا فلا يؤثّر شيئا وان علمنا انها تريد أسر بعض أهل العلم وأخذه فهنا ينقدح بعض الأشياء في الخاطرة واجرى الكلام إلى أن قال ( فان علمنا انها تريد أخذ واحد من ساكني مدرستنا ( مدرسة الآخوند الكبرى ) فكلّ من يكون هناك يحتمل ذلك في حقّه فعند ذا ترفع الأيدي إلى السماء دعاءً وتضرّعا وليس ذلك إلاّ لكون العلم الأول كلا علم من جهة كثرة الأطراف بحيث لا يوجب شيئا في النفس أصلاً . وكذلك الكلام في الشبهة غير المحصورة فان كثرة الأطراف وإن علمنا ان فيها نجسا وحراما عند ارتكاب كلّ واحد . لا ينقدح في النفس شيء بخلاف الشبهة المحصورة مع انه ليس للمولى خطاب بالاحتياط في أطراف المحصورة بل يحتمل في كلّ واحد هذا أو ذاك وان فقد بعض الأطراف أيضا مع ان العلم ليس في البين حقيقة وإنّما الباقي طرف واحد يكون مشتبها بدوا ومع هذا لا يمكننا الارتكاب لاحتمال كون المشتبه ذاك الذي أصابه النجاسة فالعلم يوجب الاحتياط وبتعلّقه بالأطراف يتنجز وبالنسبة إلى كلّ واحد ليس الا الاحتمال فيكون الاحتمال في كلّ منجزا والا لامكننا أن نرتكب جميع الأطراف إلاّ واحدا فنبقيه .

طور آخر من الاستدلال بأن يقال كثرة الأطراف تارة توجب أن لا يكون بالنسبة إلى كلّ واحد من أطرافها علما بل يكون الأطراف غير داخلة تحت

وجه آخر لعدم وجوب الاجتناب

ص: 141

أطراف الشبهة وحينئذٍ هذا الفرد الذي ابتلى به أو هذه الخمسة التي مثلاً له الابتلاء بها يعلم بخروجها عن تحت أطراف الشبهة . فتارة كثرة الأطراف توجب هذا المعنى . وتارة لا بهذه المثابة بل توجب ضعف الاحتمال بالنسبة إلى كلّ واحد من أطرافها بنحو اذا رتب الأثر على هذا الاحتمال يعدونه وسواسيا . فلصاحب هذا الاحتمال بالنسبة إلى الأطراف علم عادي بعدم كون هذا الفرد وذاك منطبقا عليه الشبهة فيكون خروج تخصصا من مورد العلم . وعلى هذا لا يجب عليه الاجتناب لو كان مناط الاجتناب وملزمه هو العقل وبالنسبة إلى كلّ واحد من الأطراف يصير شبهة بدوية فان هذا الاحتمال الموهوم موجود في الشبهة البدويّة أيضا . ولو كان مبني لزوم الاجتناب عن أطراف الشبهة هو لزوم دفع الضرر المحتمل الاخروي الذي يكون حاكما على قاعدة القبح بلا بيان فلا يجييء هنا بخلاف الشبهة المحصورة فانه وان لم يكن في كلّ واحد من أطراف الشبهة بيان . الا ان العلم بنفسه هناك بيان وبالنسبة إلى كلّ واحد من أطرافه يكون احتمالاً . فمن باب وجوب دفع الضرر المحتمل الذي يستقل به العقل كما في النظر إلى المعجزة فلعله يكون صادقا في ما يدعيه فيعاقب في ترك اجابته . يلزمه أن يجتنب من الأطراف بحيث لو صادف الحرام ما ارتكبه لكان معاقبا ولا يلزمه ذلك في المقام لضعف هذا الاحتمال بحيث لا يرى الحرام أو النجس في ما يأخذه من سوق البلد من واحد من البقالين مع علمه بنجاسة ما في يد أحدهم كما لا يرى كلّ واحد من أهل البلد أحدا الذي يكون منطبقا عليه بل كلّهم يراه غيره .

فعلى هذا يرتكب الأطراف .

ان قلت: يعلم بمخالفة التكليف الذي في البين وانه ارتكب الحرام الواقعي .

ص: 142

قلت: الحرام الواقعي بوجوده لا يؤثر ما لم يتنجز على المكلف كما في الشبهة الابتدائيّة . فان المكلّف ربما يعلم انه ارتكب الحرام ويحتمل في كلّ شبهة انّه حرام ولا مانع من ذلك لترخيص الشارع .

نعم لابدّ أن يجتنب عن الباقي اذا صار محلّ الابتلاء كالتي ابتلى بها وذلك لكشف ان من اول الأمر كان خيال الشبهة غير المحصورة فعند التحقيق يصير انقلاب الموضوع .

وهذا الوجه يختلف بحسب اختلاف الموارد وأفراد الضرر فتارة يكون المعلوم بالاجمال فيالبين نجسا ففيه ما عرفت وتارة يكون محتملاً فهنا سكون النفس كما انه تارة يكون معلومه أربعة آلاف في ملايين فعلى هذا يكون كالحبّة من حقة الحنطة أو الارز الذي يمكنه أكله ولو تدريجا في أيام على انه لا يجيء هذا الوجه في كلّ مورد بل مورد يكون كثرة الأطراف موجبة لعدم حصول العلم من جهة عدم منجزيته على كلّ تقدير فان الأطراف كلّها ليست تحت ابتلائه وقدرته فعلى هذا يكون المناط هو ذلك فلو تمكن بعد ذلك من ارتكاب بعض أطرافه فلابدّ من الاجتناب لانقلاب الموضوع فهذا الوجه والوجه السادس الذي هو العلم بخروج بعض الأطراف عن الابتلاء يكون معناه عدم حصول العلم على كلّ تقدير . بل الوجه السادس هو الضابط الذي يقال في الشبهة المحصورة . والا فلو كان علم بالتكليف لوجب الاجتناب فربما يكون في الشبهة المحصورة لا يلزم الاجتناب عن الأطراف لخروج بعضها عن الابتلاء وعلى الوجه الآخر يجب الاجتناب في الشبهة غير المحصورة ( أي كثير الأطراف ) من جهة حصول الابتلاء والقدرة لكلّ أطرافه .

وجه آخر لعدم لزوم الاجتناب

ص: 143

فعلى هذا سواء كان الكثير في الكثير أو القليل أو الواحد في الكثير المناط هو حصول العلم وعدم حصوله .

ان قلت فأيّ فرق بين الشبهة المحصورة وغير المحصورة .

قلت: لا فرق بينهما الا أن في الشبهة المحصورة خروج بعض الأطراف بسبب البعد مثلاً يوجب عدم لزوم الاجتناب وفي الشبهة غير المحصورة كثرة الأطراف تصير سببا لذلك . بحيث يكون في مورد الابتلاء شبهة بدويّة فانا قد بينّا ان الضابط في الشبهة غير المحصورة أن تكون الأطراف على كثرة توجب عدم حصول العلم المنجز الفعلي من جهة خروج بعضها عن مورد الابتلاء فاذا علم خلافه فيعلم انه كان من أوّل الأمر خطأً فيجب الاجتناب لمكان العلم كالشبهة المحصورة . الا انه حينئذٍ ينقلب الموضوع شبهة محصورة .

ان قلت: كثرة الأطراف ربما توجب العسر والحرج ولو في النواهي . فاذا علم بأن احدى هذه النسوان الكثيرة العدد في هذا البلد أو ذاك رضيعته أو مرضعته واذا يريد أن يترك خطبة جميعها من باب المقدمة لترك الحرام منهنّ يقع في حرج عظيم .

قلت: لا اختصاص لهذه العناوين بالشبهة غير المحصورة . بل في كلّ مورد من متعلّقات التكاليف يكون اللازم رفع الالزام بمقدار رفع العسر . والحرج فينتج التبعيض في الاحتياط بالنسبة إلى الباقي بعد العسر كما انه في الشبهة المحصورة قد يكون اضطرار وينتج هذا .

فعلى هذا صار المناط في الشبهة غير المحصورة هو كثرة الأطراف بحيث توجب خروج بعضها عن الابتلاء .

ضابط غير المحصورة كثرة الأطراف

ص: 144

والشيخ قدس سره بعد أن ذكر الوجوه الستة وخدش في كلّ واحد منها(1) قال الا ان الجميع يشرف على القطع بعدم لزوم الاجتناب في المقام وما أعجبنا من الشيخ هذا الكلام .

وبعد ذلك يذكر تنبيهات الا انه لعدم فائدة مهمّة يترتب عليها لا نتعرض لها .

هذا تمام الكلام في الشبهة التحريميّة الحكميّة والموضوعيّة أي ما كان منشأ الشبهة فقد النص أو اجماله أو تعارض النصين أو الأمور الخارجيّة .

الكلام في الشبهة الوجوبيّة وهي على قسمين:

إمّا بين المتنائنين أو بين الأقل والأكثر . والبحث يقع أوّلاً بين المتبائنين مثل ما إذا شكّ المكلّف بوجوب صلاة الجمعة أو الظهر في ظهر يوم الجمعة بعد علمه تفصيلاً بوجوب احديهما . وهذا اذا لم نستفد من الأدلّة تعيين احداهما أو التخيير بينهما . فان في هذه المسئلة أي صلاة الجمعة في زمان الغيبة أقوالاً بعد أن من المسلم وجوبها في زمن الحضور مطلقا أو لخصوص المنصوب بالخصوص . وقد اختلف الأعلام في زمان الغيبة هل للفقيه عقد الجمعة مع حصول الشرايط أم لا .

انه هل هي الركعتان والخطبتان أو الأربع ركعات . وكذا في كيفيّتها هل هي جهر أو اخفات اذا كانت ظهرا . وقد استفيد من الأدلّة في بابه انه اذا صلّى الجمعة يأتي بالظهر ولا يكتفي بها . وايّا ما كان فالكلام في جهتها الأصوليّة فمقتضى ما ذكرنا سابقا ( من منجزيّة العلم الاجمالي لاطرافه ووجوب الموافقة القطعيّة وحرمة المخالفة القطعيّة ) فلابدّ من أن يأتي بصلاة الجمعة أوّلاً مع اجتماع

الشبهة الوجوبيّة

ص: 145


1- . فرائد الأصول 2/435 مع تفاوت في التعبير .

الشرايط وبقاء الوقت وبعدها بالظهر والا أي مع عدم اجتماع الشرايط أو مضي الوقت فبالظهر والتقريب في تأثير العلم لزوم الموافقة وحرمة المخالفة القطعيتين . التقريب المتقدّم في الشبهة التحريميّة بعينه يجري في الأجزاء والشرايط وفي الشبهة الموضوعيّة كالصلاة في ثوبين مشتبهين أحدهما بالطاهر وكاشتباه الماء المطلق بالمضاف فلابدّ من أن يتوضّا بكليهما ويصلّي فيهما .

والكلام الكلام والاشكالات الاشكالات وبعد ذلك يقع الكلام في جهة انه أوهم الشبهة الوجوبيّة بالبحث عنه عن الشبهة التحريميّة بأنّه أي موجب كان لهذا بعد ان كليهما علم اجمالي مشتبه المورد ولابد من الموافقة القطعيّة من باب المقدّمة هذه وجودا وتلك عدما تعبّداً ولكن في الشبهة الوجوبيّة مزيد خصوصية من جهة ان الشبهة الوجوبيّة هنا غير المحصور بخلاف الشبهة غير المحصورة هناك كما يأتي ولذا بعض من قال هناك بعدم حرمة المخالفة القطعيّة ووجوب الموافقة القطعيّة التزم هنا بذلك كالمحقق الخونساري والمحقق القمي رحمهما اللّه المذكور كلام الأوّل في باب الاستنجاء وتنظيره بوجوب الموافقة القطعيّة للمورد بعد أن ذكر كلاماً في الصلاة الواجبة من الجمعة أو الظهر من انه لابد أن يأتي بكلتيهما الا ان يقوم دليل يقتضي الاكتفاء وعدم وجوب اتيان كلتيهما . ولكن في باب صلاة المسافر وصلاة ظهر يوم الجمعة يقولون من جهة الاجماع المسلم والضرورة بالاحتياط وفي غير هذين الموردين في الواجبات التعبديّة لا يجب على المكلّف شيء اذ المولى لو أراد أحدهما بالخصوص لبين مع حضور وقت الحاجة وحيث انه ما بين وآخر البيان عن وقت الحاجة فما يريد أحدهما لاستقلال العقل بقبح تأخير البيان عن وقت الحاجة فلا معلوم لنا في البين ولا

ص: 146

تكليف لنا بشيء ما لم يبين لنا ما يريده . اذ المعلوم الواقعي بوجوده الواقعي لا يجب على المكلف الخروج عن عهدته فنحن لسنا مكلفين بالواقعيّات بل بمؤدّى الامارات وحيث لم يظهر منها احدى الخصوصيتين فلا يجب لأحد وجوه .

القول بعدم لزوم الاحتياط في الشبهة الوجوبيّة المردد بين المتبائنين في التكاليف التعبديّة وفي المقام وجوه هذا احدها ( ومنها ) عدم تمكن المكلف من اتيان المردّد بينهما من جهة وجوب قصد الامتثال تارة ومن جهة لزوم قصد الوجه في المتبائنين اخرى . وحيث انه لا يمكنه التمييز بين الواجب منهما مثلاً فيقصده بأمره أو يأتي به بعنوان الواجب واذا قصد الامتثال أو الوجوب بأحدهما يكون تشريعا . واذا لم يقصد ويحتمل وجوب ذلك عليه فلا قدرة شرعية له على امتثال العبادة المرددة بين المتبائنين من جهة المانع الشرعي والمانع الشرعي كالمانع العقلي فعلى هذا لا تكليف بالنسبة إلى امثال الموارد .

لكن هذه الوجوه كلّها واضحة الدفع والفساد وقد مرّ في محلّه الجواب عنها وأيضا ان الاحتياط طريق امتثال التكاليف واطاعة المولى في عرض الاجتهاد والتقليد والاجماع المدعى من السيد وتقرير اخيه عليه ليس كما ادعوا أو كما فهموا اصلاً . بل الاحتياط أحسن طريق في مورده فلا نعيد ذكرها هنا . الا ان في المقام دعوى تمكن المكلف من امتثال نحو هذا التكليف المعتبر فيه قصد الامتثال والوجه بتقريب ان المكلف يأتي بأحد المرددين وبعد الاتيان يشك في انه هل امتثل التكليف الذي كان عليه أو لا فيستصحبه فيأتي بالصلاة الثانية بقصد أمره ووجوبه وهي صلاة الظهر في مثالنا . اذ يحتمل ان صلاة الجمعة ما كانت عليه . لكن هذا الوجه لا يصلح الاعتماد فانه يقع الكلام في صلاته الاولى كيف يأتي بها

الاحتياط في الشبهة الوجوبيّة بين المتبائنين

ص: 147

ويصليها وليس كما اذا شك في انه هل صلى الظهر أم لا يستصحب وجوبه ويأتي به نعم بناءً على كفاية قصد الرجاء وانطباق المأمور به على أحدهما يصح ويمكن لو قلنا بل يجب الا ان للشيخ رحمه اللّه هنا كلاما في بيان جريان الاستصحاب فيما لو شك في انه هل صلّى الظهر أم لا مع قوله قبل ذلك بعدم جريان الاستصحاب لو صلّى احدى الصلاتين وعقب كلامه المحقّق النائيني قدس سره لكن وقع الكلام هل هذه الصورة التي هي صورة الشكّ في الامتثال الذي هو تمام الموضوع لحكم العقل بالاتيان بالصلاة الثانية مجرى الاستصحاب أم لا فيكون من تحصيل ما الحاصل بالوجدان بالتعبد كما في مبحث الظن في صورة الشكّ في حجيّة شيء ان الشكّ في الحجيّة تمام الموضوع لعدم الحجيّة عقلاً فلا معنى للاستصحاب . وهل معنى لجريان الاستصحاب هنا يقولون بعد أن أتى بالاولى يشكّ في فراغ الذمّة عن المردد المعلوم بين المتبائنين فيستصحب ذلك المردد ولما لم يكن استصحاب المردد ذا أثر بالنسبة إلى الصلاة الاولى مع شكه في تحقق الامتثال بها فينحصر النتيجة والأثر في وجوب الثانية اذ بها يحصل فراغ الذمة وهو أثر شرعي يجري الاستصحاب لأجله فيكون واجبا عليه شرعا اتيان الثانية ويكون كما اذا كان للاستصحاب أثر زائد على ما يستقل به العقل . اذ الاستصحاب يعين الواقع بخلاف حكم العقل في ما نحن فيه فانه لمحض المقدمية . واذا كان للاستصحاب بل مطلق الأصل الشرعي اثر لا يكون للأصل العقلي فيجري الأصل لأجل ذاك الأثر كما في المقام فانه تعبد تعيينها عليه شرعا لا من باب المقدّمية . ولكن هذا غفلة عن الحق في المقام اذ الاستصحاب انما يجري اذا كان له أثر وكان الشكّ في بقاء شيء بعد معلوميّة حدوثه وليس المقام كذلك . بخلاف ما لو شكّ في انه صلّى

ص: 148

الظهر أم لا الذي(1) مثل به الشيخ وقال بجريان الاستصحاب فيه من جهة دفع توهم عدم جريان الاستصحاب في الأمور العدميّة مع ان المستصحب في المثال ليس الا عدم الاتيان بصلاة الظهر لا من جهة قاعدة الاشتغال .

ففي المقام المردد بما هو مردد لا أثر له بل الأثر لنفس الخصوصيتين واستصحاب المردد لاثبات الخصوصيّة يكون مثبتا . مع ان الشك هنا في حدوث وجوب الثاني لا في بقائه حتى يكون موردا للاستصحاب . وبالنسبة إلى الاولى أيضا لا يجري لأنه أتى به متيقنا . فقول الشيخ رحمه الله بعدم جريان الاستصحاب في المقام من هاتين الجهتين وليس كما توهموا . وكما اذا كان للمردد بما هو مردد أثر يعني للجامع بينهما كما في صورة الشك في باب الغسل أو الوضوء عليه . فان الجامع هنا ذو أثر فبعد الاتيان بأحدهما يجري الاستصحاب لترتب الأثر عليه وهو مثلاً مسّ الكتاب كما في الآية الشريفة « لا يمسّه إلاّ المطهّرون »(2) الذي هو أي الطهارة جامع فيه بين الغسل والوضوء بخلاف المقام .

والحاصل: ان جريان القاعدة في موضع دون الاستصحاب وبالعكس الذي

تنبّه له المتأخرون يعني من المسلم عند بعض ميزانه هو هذا . فكل مورد يكون للعقل حكم مستقل ويكون التعبد من الشارع فيه غير مؤثر أي بلا فائدة . واذا قال به الشارع أيضا فهو من باب الارشاد فهنا لا مجرى للاستصحاب وتجري القاعدة واذا يكون للاستصحاب أو مطلق التعبّد الشرعي أثر زائد عمّا يقوله العقل المستقل فهنا يجري الاستصحاب . ولا مجال لجريان الحكم العقلي . بل بنفس التعبد يذهب

المردّد بما هو مردّد لا أثر له

ص: 149


1- . فرائد الأصول 2/714 .
2- . سورة الواقعة: 80 .

موضوع حكم العقل بخلاف الصورة الأولى التي يستقل العقل بالحكم في مقام تحقق موضوعه . فانه هناك يصير من باب تحصيل ما هو حاصل بالوجدان بالتعبد . وهو من أردء وجوه تحصيل الحاصل الذي يكون تارة حاصلاً بالوجدان والتحصيل أيضا بالوجدان وتارة كلاهما بالحجّة والدليل وثالثة من قبيل مقامنا تحصيل الحاصل بالوجدان بالتعبد . ففي مورد الشك في حجيّة شيء من الظنون لا مجال لجريان الاستصحاب اذ الشك بنفسه تمام الموضوع لحكم العقل المستقل بعدم الحجيّة . وكذا في اصالة الطهارة واستصحاب الطهارة يكون الاستصحاب مقدما بخلاف باب التشريع فان اسناد غير معلوم الثبوت من الشارع اليه افتراء وحرام بالأدلّة الأربعة . وفي المقام أيضا لا مجال لجريان الاستصحاب اذ الشك في الامتثال تمام الموضوع للزوم الاتيان بالباقي بلا ترتب أثر زائد على الاستصحاب لو جرى لقاعدة الاشتغال . فان الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني بحكم العقل المستقل ) . اذ الفرد المردّد بالنسبة إلى الباقي بعد الاتيان بالاولى يعني صلاة الجمعة في المثال وهي صلاة الظهر مشكوك من أوّل الأمر فالشكّ في الحدوث لا في البقاء والاستصحاب انما يجري في صورة الشك في بقاء الحادث ) ونفس الخصوصيتين كانت مشكوكة من اول الأمر فصلاة الجمعة مأتي بها بالوجدان وصلاة الظهر مشكوك الحدوث فاستصحاب الفرد المردد للزوم الاتيان بالظهر لا معنى له لعدم تماميّة أركان الاستصحاب .

ان قلت: الجامع الذي هو الصلاة مشكوك البقاء فيستصحب .

قلت: الجامع بما هو جامع لا يترتب عليه أثر لترتبه على خصوصيّة الظهر والجمعة وليس من قبيل الشك في بولية الخارج من المتطهر ومنويته الذي يتصور

لا أثر لاستصحاب الجامع

ص: 150

هناك جامع الطهور مترتبا عليه الأثر فهناك مكان لجريان الاستصحاب بخلاف المقام ووجوب الاتيان بالثانية وهي صلاة الظهر من باب حكم العقل بالخروج عن عهدة التكليف المعلوم في البين . وليس مقصود الشيخ رحمه اللّه من بيان عدم جريان الاستصحاب في المقام انكار استصحاب الكلي اذا كان له أثر . اذ هو لا ينكر هذا كما لا ينكر جريان الاستصحاب في الأمور العدمية التي من موارده الشكّ في الخروج عن عهدة التكليف المعيّن عليه مثل صلاة الظهر وبعد مضي مقدار من الوقت خصوصا اذا كان متعوّدا باتيانه في الشكّ في الاتيان كما صرّح به الشيخ في كلامه فعدم اجراء الشيخ الاستصحاب في المقام إنّما هو لعدم تماميّة أركانه فلا معنى لتوهم شيء من عبارة الشيخ . وبعد ما علم انه لا فرق بين الشبهات الوجوبيّة والتحريميّة في مورد العلم الاجمالي في لزوم الموافقة القطعيّة وحرمة المخالفة القطعيّة . لكن في الوجوبيّة بمقدار يمكنه ( ولو كان هذا في التحريميّة أيضا ) .

هنا كلام ذكره الشيخ بعنوان ان قلت(1): وافرده بالبحث تنبيها المحقق النائيني(2) رحمهما اللّه وهو انه موردنا الذي هو العلم الاجمالي بوجوب شيء اذا كان عباديا لابدّ من قصد كليهما بعنوان الامتثال اذ العبادى بلا قصد الامتثال أو المصلحة والقربة لا يمتثل ( فاذا قصد الامتثال الاحتمالي في هذا أو ذاك فلا يتحقق الامتثال لعدم قصده الامتثال ) فيقصد هذا بقصد الامتثال وذاك أيضا . يعني امتثال هذا أو ذاك تحقيقا لا احتمالاً حتى لو صادف المأتي به هذا كان اتيانه بهذا

ص: 151


1- . فرائد الأصول 2/447 وما بعده .
2- . فوائد الأصول 4/37 أو بعده .

القصد امتثالاً له وكذا في ذاك . فعلى هذا لو قصد امتثال أحدهما باحتمال أمره وما قصد الآخر وصادف المأمور به هذا المأتي به ما حصل الامتثال لعدم قصده الامتثال هكذا فهم المحقق النائيني عبارة الشيخ رحمهما اللّه ونسبه إليه ويفرق بين الشبهة البدويّة والعلم الاجمالي ففي الأول يقول إذا يأتي يكفي قصد أمره الاحتمالي أو باحتمال أمره وفي الثاني لابد أن يقصد كليهما بقصد الأمر وامتثال هذا أو ذاك وايهما كان مأمورا به في الواقع ينطبق المأتي به عليه لاشتراط الامتثال في العباديات بقصده واذا ما تحقق منه القصد كذلك فالامتثال غير حاصل بل أتى بالمأمور به بلا قصد امتثاله وعقب تعقيبا شديدا بأنّه ما مراد الشيخ من ذلك . ايشترط أن يكون الامتثال بقصد أمره المعلوم . ففي الشبهة البدويّة لا يمكنه القول بتحقق الامتثال وإن كان هناك يكتفي بقصد احتمال الأمر والداعويّة الاحتماليّة فهنا أيضا كذلك . اذ الشكّ في كلّ واحد من الطرفين موجود بالوجدان ففي كليهما احتمال المصادفة . غاية الأمر بعد اتيانهما يحصل له العلم باتيان الواقع

بينهما .

فهذا الكلام من الشيخ رحمه الله في المقام لا محصل له . ووجّه سيّدنا الأستاذ قدس سره

كلام الشيخ بتوجيه وهو انه لو كان مراد الشيخ رحمه الله أن يكون قاصدا على كلّ تقدير . يعني يكون قاصد الأمر لا قهرا بل يكون من قصده اتيان هذا وذاك لأجل امتثال الأمر لا بعنوان التقيد أي آتى بهذا مثلاً صلاة الجمعة لو كانت هي مأمورا بها ولا آتى بصلاة الظهر فهنا لو صادف المأمور به صلاة الجمعة فهذه الآتي ما امتثل أمرهما بل أتى بالمأمور به مصادفة وما تحقق منه القصد التنجيزي إلى الامتثال بل امتثال تعليقي وترديد في النية فهو ما قصد الأمر وما أتى بالمأمور به عن داعيه .

ص: 152

فلو كان مراد الشيخ هذا المعنى فله وجه صحيح بحيث لا يرد عليه الاعتراض من المحقق المذكور ويترتب عليه لو أتى بالاولى قبل الاتيان بالثانية وانكشف له كون الاولى هي المأمور بها فلا شيء عليه بل الامتثال حصل لتحقق قصده منه .

لكن هذا الكلام مبتني على بطلان العمل الاحتياطي العبادي وان تارك طريقة الاجتهاد والتقليد عمله باطل . وفي قبال هذا القول بطلان الاجتهاد وبنفس بطلان الاجتهاد يبطل التقليد اذ أيّ دليل على موضوعيّة ما فهمه شخص لآخر ووجوب جريه على طبقه مع ان الأحكام الواقعيّة معلومة الثبوت . فبالاحتياط لا يمكن الامتثال وكذا بالاجتهاد والتقليد فيلزم عدم لزوم الامتثال ورفع قلم التكليف في البين وهو خلاف الضرورة من الدين . ومن يقول ببطلان العمل الاحتياطي يقول في موضع يمكن الاجتهاد أو التقليد . فيختصّ بصورة التمكن وكذا المتكلمون بما هو متكلمون مشترطون لقصد الوجه في العبادة لكن بما هم متكلمون من حيث ترتب الثواب والعقاب على ذلك . ويقول في صورة يمكن تكرار العمل فاذا أراد الاحتياط لا يمكنه اذ الاحتياط في قبال التشريع فاذا أتى بكليهما هذا وذاك لا بقصد الوجوب والندب مثلاً فيحتمل دخلهما فيه فما اطاع وان قصد ذلك شرع وفعل فعلاً حراما فلا يمكنه العمل بالاحتياط في هذه الموارد أصلاً . واذ قد علم ان الاحتياط أحسن طرق الامتثال وأيضا في المقام لا سبيل له الا هذا فالأمر منحصر بالاحتياط فلا معنى لما احتملناه في كلام الشيخ ولا ما هو صريح كلامه المنقول حكايته آنفا ( فلا اشكال في كفاية هذا القصد وتحقق الامتثال به ) وهنا تفصيل من بعض بين الأجزاء العباديّة في مورد الشبهة والشرايط فقال بلزوم الاحتياط والموافقة في الأجزاء دون الشرايط . في غير

بطلان العمل الاحتياطي في العبادات

ص: 153

الحدث . اذ فيه لابد اذا كان الماء المطلق مشتبها بالمضاف من أن يتوضأ بكليهما وكذا ان يتطهر بالوضوء والغسل كليهما فيما لو اشتبه الناقض مثلاً لطهارته فاذا كان عنده ثوبان أحدها نجس مشتبهان فيكفي بالنسبة إلى الشرايط التي أحدها اللباس والساتر الموافقة الاحتماليّة فيصلي في أحد الثوبين ويكفيه ذلك وبعض قال ( لابد من أن ينظر إلى دليل الشرطيّة ) وآخر فصل بين ما كان دخله في العبادة مستفادا من نحو لا صلاة إلاّ بطهور وبين ما كان مستفادا من نحو اقرأ في صلاتك وبعد التأمّل فالانصاف يقتضي خلاف هذين التفصيلين وانه لا معنى لهما الا بمقدمتين الأولى اختصاص الخطابات وظهورها بمورد يعلم الموضوع ) فاذا لم يعلم بالموضوع ولا بشخصه فما جاء ليس ذاك الموضوع فعلى هذا يصلي في أحد الثوبين المشتبهين الذين أحدهما نجس ولا شيء عليه . ففي الأول لابدّ من الاتيان والاحتياط وفي الثاني اذا لا يعلم لا يتوجه عليه خطاب .

ثانيتهما كون العلم كالقدرة والجهل كالعجز فاذا لا يعلم تفصيلاً بمتعلق التكليف يكون كغير القادر على الاتيان به واذا جهله يكون كالعاجز فيسقط ذلك الخطاب عنه فيأتي بالباقي بدليل الميسور . بل على هذا يسقط عنه التكليف المقيد لتعذر قيده ( لكن لو لا قاعدة الميسور ) غاية الأمر ان قاعدة الميسور في الصلاة تسلك مسلك الأدلّة الخاصّة في أبوابها فكلّما سلكت تلك وسوت الطريق فترتدى متنعّلة عقيبها بخلاف باب الوضوء مثلاً فلا تجيء هنا لعدم قيام دليل بالخصوص وهذه المسألة أي عدم كون العلم والجهل كالقدرة والعجز وإن كانت معركة للآراء بين الأسلاف الا ان اليوم صارت من الضروريات لبداهة حفظ قدرة المكلف على اتيان متعلق التكليف وان لم يعلم بخلاف ما لو عجز عنه .

ص: 154

نعم إنّما العلم وما هو قائم مقامه مصحح العقاب . فاذا عاقب المولى العالم بالتكليف فيما لو عصاه فيه ما كان عليه تشنيع من العقلاء .

تكميل: قالوا بوجوب الاحتياط في الشبهة الوجوبيّة فاذا كان الماء المطلق مشتبها بالمضاف مع الانحصار يتوضّأ بهما وكذا في الثوب اذا كان الطاهر مشتبها بالنجس ولم يكن له سواهما وكذا في ما اذا كان الاناء مشتبها مباحه بالمغصوب مع اباحة الماء في كليهما . ففي أصل المسئلة اذا كان الاغتراف مرّة فتوضأ بما أخذه لا اشكال في صحّة وضوئه غاية الأمر عصى في التصرف في المغصوب أو الآنية الذهبيّة . لكن اذا كان الاغتراف مرات فيغترف مع بنائه على الاغتراف مرة اخرى فالمسئلة خلافيّة وهكذا في الثوبين المشتبهين أحدهما بالحرير .

والأمثلة كثيرة ومن مواردها اشتباه القبلة فحسب ما مر من لزوم الاحتياط لابد أن يصلي ويكرر صلاته إلى أن يعلم وقوعها إلى القبلة . الا انه ورد النص(1) الخاص وهو رواية خراش بكفاية اتيان الصلاة إلى أربع جهات وان لم يعلم بوقوعها إلى القبلة ولو صلى إلى رأس الضلع الشعاعي من الزوايا القوائم المتشكلة من الدائرة .

الا انه يعلم بوقوعها بين المشرق والمغرب ( ما بين المشرق والمغرب قبلة كلّه )(2) وهذا اذا لم يكن له طريق اجتهاد والا فيجتهد فان لم يتمكن فالى أربع جهات .

وجوب الاحتياط في الشبهة الوجوبيّة

ص: 155


1- . وسائل الشيعة 4 الباب 8/5 من أبواب القبلة .
2- . الوسائل 4 الباب 2/9 من أبواب القبلة .

فاذا كان عليه صلاتان مترتبتان كالظهرين فيصلّيهما كذلك أي إلى أربع جهات حتى يحصل الامتثال .

لكن وقع الكلام في انه هل يلزم عليه استيفاء محتملات الظهر قبل الاتيان بأحد محتملات العصر أم لا ؟ فيجوز اذا صلى إلى جهة ظهرا يصلي عقيبها عصرا وهكذا إلى استيفاء الجهات الأربع ؟

ذهب إلى كلّ من القولين فريق ومن القائلين بلزوم استيفاء تمام محتملات الظهر قبل الشروع في اتيان محتملات العصر الشيخ(1) الأنصاري والمحقق

النائيني (2) بنوا المسئلة على طولية الامتثال الاحتمالي للامتثال التفصيلي . ومن الشيخ في هذا الباب عدم جواز الصلاة مكررا اذا أمكنه الاطاعة التفصيليّة فاذا لم يتمكن في موضع من الامتثال التفصيلي تصل النوبة إلى الامتثال الاحتمالي التفصيلي أو الاجمالي ( لا مشاحة في الاصطلاح ومبناه حكم العقل والعقلاء بتقدم هذا النحو من الامتثال على ذاك الذي هو الاحتمالي من باب الشك في اطاعيّة هذا النحو من الاتيان والشك في الامتثال تمام الموضوع لحكم العقل بوجوب الامتثال لقاعدة الاشتغال وهو ليس الا التفصيلي فاذا كان الامتثال التفصيلي ممكنا في الشبهة الحكميّة بنحو الاجتهاد أو التقليد أو في الشبهة الموضوعيّة بالفحص أو السؤال والاجتهاد في مورد يكون منحصرا لا مفر له من ذلك فلابد منه وليس له العدول عنه إلى الاحتمالي بأن يأتي بالقصر والاتمام كليهما في مورد اشتباه الحكم عليه مع تمكنه من الاجتهاد أو يصلي في الثوبين

ص: 156


1- . فرائد الأصول 2/457 وبعده .
2- . فوائد الأصول 4/137 وبعده .

المشتبهين الذي يمكنه باشعال السراج المستعين بنوره على تعيين الطاهر . فلابدّ في ما نحن فيه أيضا تقدم الاتيان بجميع المحتملات للظهر قبل الاتيان بأحد من محتملات العصر لمكان الترتيب المعتبر بينهما لتمكنه من احراز الترتيب تفصيلاً بهذا النحو فيشكّ في غيره امتثل به الأمر أم لا . فبحكم العقل الذي تقدم ادعاء استقلاله في المقام لابدّ من أن يأتي بجميع محتملات الظهر مقدما على كلّ من محتملات العصر لتقدم الامتثال التفصيلي على الاحتمالي الاحتياطي . هذا غاية ما يمكن أن يوجه به مقالتهم رحمهم اللّه تعالى في المقام .

لكن هذا فاسد صغرى وكبرى . أمّا الكبرى فلما تكرر منا ان الامتثال الاحتمالي الاحتياطي في عرض الامتثال التفصيلي ولا شك للعقل في ذلك . بل كلاهما امتثال فله أن يأتي بهذا النحو وأن يأتي بذاك . الا ان يتعبده الشارع بالامتثال التفصيلي فلابدّ من الاقتصار عليه والا اذا شككنا فالأصل يجري لأن المقام مقام جريان الأصل وأركانه تامة ولا يسمع ما يقال من لزوم اللعب بأمر المولى في صورة الاحتياط لبداهة فساده وبطلانه .

وأمّا الصغرى فلعدم انطباق الكبرى على فرض تسليمها على المقام . اذ لا يمكنه أن يأتي بالتفصيل ويمتثل . فلو فرض انه أتى بجميع محتملات الظهر مقدمة على العصر فكلّ واحد من محتملات العصر اذا يأتي به لا يدري انه عصر أو لا وحصل الشرط بالنسبة إليه أم لا فكذلك في تلك الصورة فأيّ امتثال تفصيلي حصل في المقام وأي خصوصية زائدة في هذا النحو من الامتثال ليست في ما اذا أتى بمحتملات العصر كلّ واحد بعد كلّ واحد من الظهر . فكما انه بعد الفراغ يعلم بوقوع أحد محتملات العصر عقيب الظهر الذي أتى به فارغا مسلما . فكذلك في

الامتثال الاحتمالي في عرض التفصيلي

ص: 157

تلك الصورة أيضا . يعلم بعد الفراغ بذلك فانه لو كانت القبلة في هذه الجهة وقع الترتيب المعتبر بينهما . وكذلك في الأطراف الآخر فالترتيب الواقعي حاصل على هذا النحو أيضا فلا فرق في المقام بين الامتثالين للزوم استيفاء المحتملات الأربع على كلّ تقدير وليس ممّا يلزم من الاحتمالي التكرار الذي لا يلزم في التفصيلي نعم لو كان قصد الأمر المتعلق بالعبادة شرطا وانه لابد أن يأتي به بعنوان أمره والعبادية ففي المقام لا يمكن الامتثال أصلاً لا على هذا النحو ولا على ذاك فلابدّ من التزام عدم تكليف له في البين .

وكذا يصحّ هذا الكلام إذا كان المقام من قبيل ما إذا فرضنا اشتباه القبلة مع اشتباه ثوبيه المنحصرين المشتبهين المتمكن من رفع الجهل عنهما وتعيين الطاهر من النجس .

فعلى هذا لا يصلي إلى أربع جهات الا في واحد منهما فبالنسبة إلى الثوب يمكن الامتثال التفصيلي بخلاف القبلة فلابدّ في الثوب ذلك وليس له تكرار صلاته في الثوبين إلى أربع جهات حتى تصير ثمانية لأن عدم التمكن من الامتثال التفصيلي من جهة لا يوجب الغائه بالكلية . ففي ما اذا أمكن لابدّ منه بخلاف ما إذا لم يتمكن ولو من جهة .

ومسئلتنا من هذا القبيل اذ الأربع لابدّ من الاتيان بها على كلّ تقدير . الا أن يقال بلزوم المراعاة بالنسبة إلى مقدار يمكن اذ عدم تمكن المكلف من تشخيص صلاة العصر التي يأتي بها يوجب انتقال الامتثال إلى الاجمالي الاحتمالي بخلاف شرطه الذي هو الترتب لتمكنه أن يحرزه قبل الشروع في محتملات العصر .

فكلّ واحد من هذه كان إلى القبلة يعلم بحصول شرطه قبل الدخول فيه

ص: 158

فلابدّ من مراعاة هذا القدر . وهذا لا يكون في ما إذا أتى بكلّ واحد من محتملات العصر عقيب كلّ واحد من محتملات الظهر وبعد الفراغ من العصر واستيفاء محتملاته يحصل له العلم بوقوع العصر عقيب الظهر . ولكن هذا أيضا لا دليل عليه اذ لا يطلب المولى أزيد من مراعاة الترتيب بين الصلاتين وهو حاصل بغير هذا النحو بل بما إذا أتى بواحد من العصر عقيب واحد من الظهر .

فتبين ان هذا التفصيل في المقام والفرق بين الامتثالين وتقدم هذا على ذاك لا دليل عليه .

إذ القيد إذا كان معتبرا في شيء ولم يحصل التمكن من اتيانه في المقيد .

فلا دليل على بقاء المقيّد ولزوم الاتيان به بلا قيد بل وسقوطه عن المطلوبيّة دليل خاص على الاكتفاء به في الأبواب الخاصّة ( أقول: لابدّ أن ينظر إلى دليل الترتب أهو ناظر إلى حصول الظهر مقدما على العصر على أي نحو اتفق وان لم يشعر المصلى أم لابد من احرازه كساير الشروط المعتبرة في العبادة . والظاهر قبل المراجعة إلى الأدلّة الخاصّة هو الثاني كما في ساير الشرايط .

فذلكة وتكميل: مقتضى ما ذكرنا لزوم الاحتياط في الشبهة الوجوبيّة الموضوعيّة اذا كانت الأطراف محصورة .

وما اشتهر من عدم لزوم الفحص في الشبهة الموضوعيّة فهو لا مورد له في ما إذا كان الموضوع شرطا لتكليف في ناحية الامتثال كالقبلة في مثالنا ففي هذه الصورة لابدّ من الاحراز لقاعدة الاشتغال .

أمّا إذا كانت غير محصورة فستأتي سواء كانت ( في التكاليف الاستقلاليّة أو الضمنيّة ) أو في الشرايط ومن الأمثلة الكثيرة التي توجد لهذا القسم من الشبهة

اشكال عدم الفحص في الشبهة الموضوعيّة

ص: 159

ما إذا اشتبهت القبلة . فعلى القاعدة لابدّ من الاحتياط . الا انه لمكان الجمع بين الأخبار الخاصّة الواردة في الباب لابد أوّلاً من الاجتهاد ( اجتهد رأيك وتعمد القبلة جهدك )(1) فاذا كانت الأطراف مظنونة ومشكوكة وموهومة فيقدم المظنونة عليهما واذا تساوت الأطراف فيصلي إلى أربع جهات وفي كلتا الصورتين اذا ظهر عدم مواجهة القبلة فمقتضى القاعدة الأوليّة والثانويّة من دليل لا تعاد(2) لابدّ من الاعادة لأن القبلة من الخمسة المستثناة . الا ان الدليل(3) قائم في ما اذا كان بين المشرق والمغرب لا النقطتين والاستدبار بعدم لزوم الاعادة في الوقت وخارجه .

وفي الاستدبار والنقطتين خلاف . وهذا الدليل يمكن أن يوجه بانه يوسع القبلة حتى لا يخصص القبلة المستثناة . فبعد هذا اذا صلى الصلوات إلى أربع جوانب وظهر له بطلان أحداها معينا من غير جهة القبلة اما من جهة زيادة أو نقص ركوع أو صلاتها بلا طهارة فهل في هذه الصورة وظيفته اعادة الصلوات الأربع أو احداها لا معينة إلى أي جهة أو لا شيء عليه أصلاً ؟

ربما يقال بلزوم اعادة الصلاة الأربع عليه من جهة تعارض قاعدة الفراغ المفرغة له فى كلّ من هذه الأربع لمخالفتها للعلم الاجمالي فتسقط فيها وهو شاك في امتثال التكليف الواقعي الذي عليه بلا مؤمّن من الشارع .

لكن لا مجال لهذا التوهم من جهة عدم جريان القاعدة في ثلاث من الأربع لعدم الأثر والأثر الذي يترتب على القاعدة وهو تصحيح الصلاة تعبدا هو المترتب على الواقعة إلى القبلة التوسعيّة في المقام لو لم يعلم بوقوع أحدها إلى

ص: 160


1- . وسائل الشيعة 4 الباب 6 - 10/2 من أبواب القبلة .
2- . وسائل الشيعة 4 الباب 9/1 من أبواب القبلة .
3- . وسائل الشيعة 4 الباب 6 - 10/2 من أبواب القبلة .

القبلة الواقعيّة . ففيها وحدها تجري القاعدة وأثرها تصحيح الصلاة من غير جهة القبلة التي حصلت في ناحية اتيانه بالأربع ويكون العلم الاجمالي فيها شكا بدويا لعدم أثر يترتب عليه كالعلم الاجمالي بين زيادة ركوع في صلاته أو نقص مسمار أو وتد في المصراع الذي صنعه . فلا أثر يترتب عليه فيكون شكا بدويّا ويكون للقاعدة وجريانها فيها مجال كما اذا شك بعد اتيانه بصلاة في غير المورد بنقص شيء أو زيادة مضرة بصلاته سهوا أو عمدا . فكما انه هناك تجري القاعدة فكذا هنا لأن المقام نظيره فعلى هذا تجري القاعدة ولا شيء عليه .

نعم اذا قلنا ان الصلاة إلى أربع جهات تعبد من الشارع وجعلت وظيفة لعنوان الشاك في القبلة في هذا الظرف لا من جهة الطريقيّة إلى احراز القبلة الواقعيّة تعبدا فمقتضى القاعدة جريان قاعدة الفراغ في كلّ من هذه الأربع لترتب الأثر عليه وهو صحّة العمل وخروجه عن عهدته الذي هو تكليف مستقل فيتعارض القاعدة في كلّ فتتساقط ولابدّ في هذه الصورة من اعادة الصلوات الأربع للعلم بعدم اتيانه بالوظيفة المجعولة له بالنسبة إلى أحدها . ومن جهة اشتباه هذه الجهة التي صلّى إليها هذه الصلاة لابدّ من تكرارها إلى أربع جوانب التي صلى إليها من جهة العلم الاجمالي ( وأمّا إذا كان من جهة اكتفاء الشارع عن امتثال التكليف الواقعي إلى القبلة بهذه الجهات الأربع اما تعبدا أو من جهة توسعته لقبلة الشاك فلا تجري القاعدة في الأربع .

وإنّما الجاري واحدة وهي التي وقعت إليها .

أقول: قد يمكن في بعض الموارد مع علمه الاجمالي بوقوع نقص أو زيادة مبطلة على وجهه المعتبر في احدى هذه الصلوات علمه بوقوع احداها إلى القبلة

الصلاة إلى أربع جهات في اشتباه القبلة

ص: 161

كاملة صحيحة . اذ ربما يمكن أن يكون المشرق والمغرب اللذان هما جهتان من الجهات التي صلى إليهما غير خارجتين عن مشرق القبلة ومغربها .

فاذا علم اجمالاً ببطلان صلاة من الأربع ويحتمل انطباقها على واحدة من هاتين يعلم بعدم انطباقها على اخرى فيعلم بوقوع أحدها إلى القبلة لكن هذا الفرض يتحقق ما إذا علم بعد الصلوات أو بعضها جهة القبلة وعلم بالنسبة .

بقي في المقام تنبيه وهو آخر التنبيهات .

وهو انه إذا كان المعلوم بالاجمال مردّدا بين الشبهات غير المحصورة

بالضابط الذي ذكرنا في التحريميّة فهل يجب عليه شيء أم لا يجب ؟ والواجب هل استيفاء تمام الأطراف بالاحتياط . فربما بل من المسلم في كثير من الموارد لو لم يكن في أكثر يوجب اختلال النظام ولا أقل من العسر والحرج الشديدين يمكن أن يقال بعدم لزوم شيء عليه وكونها كالشبهة غير المحصورة التحريميّة التي مضت سابقا ان الكثرة والبعد كليهما أوجب خروج بعض الأطراف عن مورد الابتلاء الذي كان شرطا في حسن الخطاب بالاجتناب اذ ما كان فرق بينها وبين المحصورة الا هذا كما مضى في محلّه . فيكون الشبهة الوجوبيّة كالتحريميّة . فيجب الاجتناب(1) في المحصورة على ما سبق ولا يجب في غير المحصورة بل في غير المحصورة هنا عدم الاحتياط وعدم لزوم شيء عليه اولى . اذ في التحريميّة ما كان سوى الاجتناب والترك شيء عليه لا اختلال النظام ولا العسر والحرج الا في بعض الموارد التي كان الرجوع فيها إلى أمر وجودي بخلاف المقام . فان في الفعل خصوصا في الأطراف الكثيرة على هذا الضابط حصول

ص: 162


1- . الظاهر ان الصحيح الاتيان .

العسر والحرج مسلم ( فيقال هل استيفاء جميع الأطراف عليه يسير إذا كانت تكليفاً ابتدائيّة . فيقال لا فكذلك اذا كان تكليف واحد مشتبه بينها ) فكما ان هناك

أوجب خروج بعض الأطراف عن الابتلاء الشك في ثبوت التكليف فكذا هنا لأن الواجب الذي يعلمه اجمالاً بين المحتملات الكثيرة لو كان مثلاً في هذا الذي في طرف ابتلائه وهو قادر عليه فعلاً وتركا فالتكليف ثابت عليه لازم الامتثال . وإذا كان الواجب في ذاك الطرف الذي بعيد عن ابتلائه وغير قادر عليه فعلاً فهو شاك في حصول شرط الوجوب من جهة الشكّ في انطباق الواجب على ما في طرف ابتلائه وغير عسري اتيانه عليه ولا يلزم منه اختلال النظام .

فاذن كان الواجب عليه أن يأتي بالأطراف إلى أن يحصل له العسر أو يلزم الاختلال فيحتمل مع هذا الابتلاء أن لا يكون الواجب في هذه الأطراف التي في طريق الوصول إلى العسر فاذا يحتمل فهو شاك في الوجوب فتجري البرائة بالنسبة إلى هذه الأطراف وتلك أيضا من جهة العسر والحرج أو لزوم الاختلال . فعلى هذا يصير المقام من قبيل الشبهة التحريميّة غير المحصورة وذلك من جهة انه شك في هذا وذاك أن يكون هو الواجب لأن أطراف العلم يشملها وما هو غيرها الخارج البعيد عن ابتلائه الفعلي الذي يلزم العسر في الاحتياط عن جميعها إلى ذاك الحد .

فاذا كان الأمر هكذا فالشكّ في انطباق الواجب المعلوم على هذه الأطراف والشكّ في الانطباق مساوق الشكّ في الوجوب . مع انه من المسلم بينهم ان الشبهة الوجوبية لا فرق فيها بين المحصورة وغيرها وقالوا لأن التكليف المجعول من قبل الشارع ليس فيه عسر ولا يلزم منه اختلال النظام فمقتضى القاعدة امتثال ذلك

الوجوب إلى حدّ العسر أو لزوم الاختلال

ص: 163

التكليف الذي لا عسر في جعله ولا يلزم منه الاختلال . والعلم والجهل أيضا خارجان عن موضوع التكليف اذ الكلام على هذا . فيلزم عليه امتثاله وحده لو علمه تفصيلاً واذا علمه اجمالاً لابدّ من الاحتياط لاستقلال العقل بذلك إلى أن يثبت مانع عقلي أو شرعي فاذا لزم اختلال النظام فبمقدار يلزم الاختلال لا يجب عليه بخلاف الباقي . اذ المخالفة القطعيّة في مسئلتنا ممكنة فهي حرام بترك جميع المحتملات . نعم الموافقة القطعيّة حيث لا تمكن فينتقل إلى الموافقة الاحتماليّة بالنسبة إلى قدر يمكن .

وإذا ما كان هناك اختلال بل اللازم العسر والحرج فالمقدار الخارج عن لزوم الاحتياط فيه ما يلزم منه العسر والحرج لا ما لا يلزم بناء على تعميم أدلّة العسر والحرج لما إذا كان في ناحية الامتثال من جهة اشتباه الأطراف . بتقريب أن يقال مرجعه بالاخرة إلى جعل التكليف وهو منفي بادلته فيصير النتيجة التبعيض في الاحتياط .

وعلى هذا . فالفرق بين المقام وبين التحريميّة في غاية الوضوح اذ المانع هناك إنّما كان من ناحية عدم ثبوت التكليف من جهة كثرة الأطراف . بخلاف المقام فان التكليف فيه معلوم وانما المانع من ناحية الامتثال فيلزم عليه الامتثال والاحتياط بمقدار يتمكن . اذ لزوم الاختلال والعسر والحرج لا يرفعان أصل التكليف فاللازم الاقتصار بمقدار لا يلزم منه ذلك اذ الضرورة تتقدر بقدرها .

أقول وجه لزوم الاحتياط احتمال انطباق الواجب على كل واحدة ومع الخطاب الفعلي المتوجه إلى المكلف باتيانه فالاحتمال منجز .

وسيّدنا الأستاذ قدس سره بعد بيان هذا التقريب استحسنه وركن إليه وقال ان

ص: 164

الشبهات التي أوردوها في المقام لا أساس لها .

أقول: يمكن أن يقال ان دليل العسر والحرج وكذلك الاختلال كدليل الاضطرار ممّا يقيد الواقع . فاذا كان الاضطرار في أحد الأطراف قبل العلم أو معه يلزم أن لا يكون العلم بالتكليف علما به لاحتمال أن يكون في ذلك الغير المضطر إليه الذي هو غير لازم الاتيان قطعا بل واجب الارتكاب في الشبهة التحريميّة فكذلك العسر والحرج يكونان ممّا يرفعان التكليف واقعا في مورد يلزمان . فعلى كلّ تقدير موردهما والاختلال غير لازم الاتيان . فبالنسبة إلى باقي الأطراف يكون الشبهة شبهة وجوبية بدوية فلا يلزم عليه شيء لجريان البرائة .

نعم اذا كان الاختلال والعسر والحرج بعد جعل أصل التكليف وتوجه خطابه إلى المكلف في ناحية الامتثال فما ذكره ونقلناه سابقا صحيح كالاضطرار إلى أحد الأطراف المعين بعد تنجز الخطاب الواجب على المخاطب به اتيان غير المضطر إليه فتأمّل جيدا .

هذا تمام الكلام في دوران الأمر بين المتبائنين .

الكلام في الأقل والأكثر وهو على قسمين ارتباطي وغير ارتباطي وكلا ذينك يتصور في الشبهة التحريميّة والوجوبيّة . اما الشبهة التحريميّة غير الارتباطي الدائرة بين الأقل والأكثر كالشكّ في حرمة تصوير كلّ جزء من الحيوان ذي الروح انسانا أو غيره مع عدم ارتباط حرمته لحرمة جزئه الآخر وكما في سور العزائم اذا اشتبه من ناحية الأخبار لا من جهة الشبهة في الموضوع .

وأمّا الارتباطي في هذه الشبهة فكالمثالين المذكورين اذا كان الشكّ في حرمة كلّ جزء مشروطا بحرمة الآخر كما اذا صور نصف انسان مع علمه بحرمة

الشبهة الوجوبية في الأقل والأكثر

ص: 165

كله ولكن يشكّ في ان نصف جسده طولاً من عرضه حرام مشروطا بتصوير نصفه الآخر كذلك أم لا ؟

وكما في سورة العزيمة فانه تارة يشكّ في حرمة كلّ آية ومنها البسملة منها مستقلة عن ساير الأجزاء وتارة يكون الشكّ في الحرمة من ناحية انه اذا أتى بالاجزاء الباقية بعد البسملة تصير البسملة حراما .

لا اما اذا أتى بها مجردة ولو بقصد احدى تلك السور والقوم وان لم يعقدوا للشك بين الأقل والأكثر الارتباطي وغير الارتباطي في الشبهة التحريميّة بابا وإنّما الموجود في كلماتهم رموز و اشارات الا انه لا فرق بين الشبهة الوجوبيّة والتحريميّة في ذلك لاتّحاد المناط . ومجرّد انه في الشبهة التحريميّة يكون الأكثر معلوم الحرمة بخلاف الأقل وفي الوجوبيّة يكون الأمر بالعكس لا يصلح فارقا كما اذا شككنا في ان الغيبة المحرمة هل هي الجامعة للقيود الأربعة أم تكفي ثلاثتها أو أقل بلا طريان عنوان الايذاء أو عنوان آخر محرّم في نفسه . وهذا في صورة الشكّ في كلّ من هذه الامثلة . وإلاّ فلابدّ من الرجوع إلى الأدلّة الدالّة على

أحكامها في موضوعاتها . ولا فرق في ذلك بين الشبهة الموضوعيّة والحكميّة من جهة اجمال النص أو فقده ففي غير الارتباطي تجري البرائة في كلا قسمي الشبهة وجوبيّة كانت أو تحريميّة لوجود المقتضى وعدم المانع . اما المقتضي فتماميّة أركان البرائة لأن المورد مشكوك مجهول ومجعول وفي رفعه منة واذا لم يكن هناك أصل موضوعي تجري البرائة عقلها ونقلها . انما المانع المتصور في المقام هو العلم الاجمالي وهو لا يصلح مانعا لعدم لزوم المخالفة العمليّة في المقامات فاذا ما أتى بالغيبة جامعة للقيود الأربعة فأين يحصل له العلم بالمخالفة القطعيّة .

ص: 166

نعم اذا كان المورد من الأموال والفروج والدماء المجعول فيها الاحتياط لا مجال للبرائة ولا فرق بين الشبهة الوجوبيّة والتحريميّة . فاذا استقرض من بقال من البقاقيل أشياء . فتارة يشكّ في اشتغال الذمّة بمقدار معلوم فهناك مجرى للبرائة إذا لم يكن استصحاب ( كما في ) الدفعي والا فيجري الاستصحاب بالنسبة إلى المرّة المشكوكة في التدريجي منه وتارة يكون الشكّ في افراغ الذمّة فلابدّ من الأداء بمقتضى الاشتغال إلى أن يحصل له العلم بالفراغ .

فتحصل ان في الشبهة الوجوبيّة والتحريميّة بين الأقلّ والأكثر تجري البرائة لتماميّة أركانها وعدم منع العلم الاجمالي من ذلك وعدم صلاحيته لذلك المعنى .

الكلام في الشبهة الوجوبيّة بين الأقل والاكثر الارتباطيين وهنا اختلاف بين الأعلام فبعض اجرى البرائة عقلها ونقلها .

وبعض اقتصر على النقل دون العقل . وخالف جماعة هنا فقالوا بوجوب الاحتياط مع قولهم في التحريميّة بالبرائة .

والشكّ في الأكثر والأقل الارتباطيين تارة يكون في متعلّقات التكاليف وتارة يكون في موضوعاتها . وعلى كلا التقديرين تارة يكون الشبهة حكميّة واخرى من جهة الشبهة في الموضوع . والحكميّة اما أن تكون تحريميّة أو وجوبيّة اما من جهة فقد النص أو اجماله وقد مضى الكلام في الأقل والأكثر في باب الأسباب العقليّة والعادية والشرعيّة بعدم جريان البرائة في محلّه وكذا في الشبهة التحريميّة بأقسامها وقد تصورنا فيها دوران الأمر والشكّ بين الأقل والأكثر الارتباطيين . الا انه بخلاف الوجوبيّة كما سبق وكذا مضى الكلام في جريان

الأكثر مجرى البرائة

ص: 167

البرائة في الأقل والأكثر غير الارتباطي في الوجوبي كما اذا شكّ في ان عليه عشرة دراهم أو أحد عشر فتجري البرائة بالنسبة إلى الزائد من المعلوم وهو درهم واحد والكلام في موضوعات التكليف سيجيء .

انما المهم هنا البحث في الموضوع الذي يكون منشأه اشتباه الأمور الخارجيّة لأن في الشبهة الحكميّة في متعلّقات التكاليف الوجوبيّة الارتباطيّة الاطلاقات المقاميّة موجودة مع الصلوات البيانيّة فنحن مستريحون من اجراء الأصول لمكان وجود الدليل الاجتهادي .

الا ان الشيخ رحمه الله(1) إنّما تعرّض لها تفصيلاً فاذا شككنا في وجوب الاستراحة أو الاستعاذة أو السورة فالاطلاقات تغنيا وتزيل عنّا الشك .

أقول الا ان بعض الموارد لنا حاجة إلى البرائة اذا لم يمكن استنتاج دخل شيء أو عدمه من الاطلاقات والصلوات البيانية وإن قال سيّدنا الأستاذ البحث عن الشبهة الحكميّة الوجوبيّة المورد للبحث ساقط لذلك .

وأشار إلى الشبهة الموضوعيّة اشارة والمقام غير خال عن الأبحاث العلميّة الشريفة اتبعنا الشيخ رحمه الله في ذلك .

فنقول في الشبهة الحكميّة في الأقل والأكثر الارتباطيين في متعلّقات

التكاليف في الأجزاء من حيث الاشتغال والبرائة أقوال ثلاثة بين المتقدمين والمتأخرين ومن قارب عصرنا . منها جريان البرائة عقلاً ونقلاً وهو مختار الشيخ وبعض أساتيد مشايخنا قدّس اللّه أسرارهم . ومنها جريان البرائة النقليّة دون

ص: 168


1- . فرائد الأصول 2/460 .

العقليّة وهو مختار المحقّق النائيني رحمه الله(1) ومنها الاشتغال وعدم جريان البرائة

بقسميها الا نحن على الترتيب نشرح مداركهم في ذلك .

ومحصل ما أفاده الشيخ في جريان البرائة بقسميها هو وجود المقتضى وعدم المانع اما المقتضى في البرائة العقليّة فقاعدة قبح العقاب بلا بيان فاذا شككنا

ان الاستعاذة واجبة في الصلاة أم لا فنعلم بوجوب أشياء تسعة أو عشرة مثلاً ونشكّ في وجوب شيء زائد عليها فلنا شيئان علم بوجوب الأجزاء المعلومة تفصيلاً وشكّ بدوي بالنسبة إلى الاستعاذة فالعلم الاجمالي المتعلق بالأجزاء مع الاستعاذة أو بلا استعاذة منحلّ إلى علم تفصيلي وشكّ بدوي لأنّ الأقل على كلّ حال واجب إمّا بالوجوب النفسي وإمّا بالوجوب المقدّمي الذي وقع في كلام الشيخ ومعناه غير ترشح الوجوب المقدمي من وجوب ذي المقدمة بل المعنى وجوبه النفسي ووجوبه مقدمة شرطيّة للجزء العاشر لو كان الأكثر واجبا وهذا هو معنى الارتباطي فكلّ جزء منه واجب جزءا وشرطا للأجزاء الآخر .

ولوشا فهمنا الشيخ رحمه الله بالوجوب المقدمي للأقل لاجللناه أن ننسب إليه الوجوب المقدمي بالمعنى المتقدم .

المترشح إليه الوجوب من وجوب ذي المقدّمة ولقطعنا بأن مراده غير ذلك وقد مضى في محلّه ان المقدّمة الداخليّة والخارجيّة لا معنى لها .

وعلى أيّ حال فالبرائة العقليّة جارية في المقام لانحلال العلم الاجمالي والمانع المتصور ليس بمانع من جريان البرائة وهو العلم لانحلاله إلى علم تفصيلي وشكّ بدوي فاذا اتينا بالواجب المعلوم وهو الأقل واتّفق انّ الواجب كان هو

دليل الشيخ في جريان البرائة

ص: 169


1- . فوائد الأصول 4/150 .

الأكثر . فالعقاب على ترك الأكثر عقاب بلا بيان .

وأمّا البرائة الشرعيّة فلتماميّة أركانها من الجهل والجعل والمنّة في رفع المشكوك . فانّ الجزء العاشر مثلاً مجهول الوجوب ومجعول شرعي وفي رفعه منة والقيد الرابع والخامس لجريان البرائة اللذان هما عدم جعل الحكم على المورد بالعنوان الثانوي الشكّي وعدم جريان أصل موضوعي هناك حاصل . فتجري البرائة الشرعيّة عن وجوب الأكثر والمانع هناك ليس إلاّ العلم وهو منحل بما تقدّم ( والمانع ليس الا لزوم المخالفة وهو في المقام مفقود . فأيّ وقت نحن نعلم ويلزم المخالفة بمخالفة التكليف المردّد بين الأقل والأكثر في باب الارتباطي اذا اقتصرنا على امتثال الأوّل وما أتينا بالزائد . نعم لو تركنا الأقل والأكثر لخالفنا ) .

وأورد على هذا الاستدلال وإن لم يكن من الشيخ ( الا انه نقّحه ) من المحقّق صاحب الحاشية على تقدير عدم رجوع كلامه إلى ما سيجيء من المرحوم الآخوند قدس سره وعلى كلّ فهذا الاشكال وان لم ننسبه إلى المحقّق لعدم التحقّق وقد اسند إليه(1) المحقّق النائيني ( ولعلّه ما أعطى التأمّل في عبارة صاحب الحاشية ) له صورة ومعنى وان عبّرناه بلسان ان قيل . برجوع الشكّ في وجوب الأكثر فيما نحن فيه إلى الشكّ بين المتنائنين الذي تقدّم انه لابد فيه من الاحتياط

لأنّ الأجزاء التسعة معلومة ولو كان الأكثر واجبا تكون مشروطة بالجزء العاشر فتصير من الماهية بشرط الشيء . وإن لم يكن واجبا فتكون من الماهية لا بشرط ومعلوم ان النسبة بين الماهيّة بشرط شيء واللا بشرط نسبة العداوة والتضاد فشكنا في المورد بين الأقل والأكثر دائما راجع إلى وجوب الماهيّة اللابشرط عن

ص: 170


1- . فوائد الأصول 4/152 وبعده .

الجزء العاشر أو بشرطه . فلو أتينا بالأقل واتّفق انّ الأكثر كان واجبا تصحّ عقوبتنا على ذلك لعدم القبح فيها . فلا عقاب بلا بيان مع وجود العلم الاجمالي بالتكليف على هذا النحو . فالجامع في البين وهو الأجزاء التسعة معلوم غاية الأمر مجهول انها بهذا التطور والكيفيّة أو بذاك . فلابدّ من الخروج عن عهدة التكليف المعلوم في

البين نظير ما اذا علمنا بوجود اناء متنجس بين انائين الماضي وجوب اجتنابهما والبرائة الشرعيّة أيضا لا مجال لجريانها لأن الاجزاء التسعة معلومة وهي الجامع بالتفصيل فلا مجرى للأصل . والخصوصيّة وهو وجوبها مع جزء عاشر أو وحدها مشكوك فالخصوصيتان وإن كانتا مجهولتين . الا ان أدلّة البرائة لا تشملهما جمعا لمكان العلم وجريانها في واحد لا على التعيين ترجيح بلا مرجح وفي واحد معين ليس من شأن أدلّة البرائة العامّة ذلك فلابدّ . في المقام باتيان الأقل في ضمن الأكثر تحصيلاً لفراغ الذمّة عن التكليف المعلوم في البين .

وهذا الاشكال ليس له صورة وحدها بل لها معنى فلابدّ من الجواب . فتارة يكون المستفاد من الأدلّة الاجتهاديّة وجوب شيء في العبادة وارتباط المعلوم الوجوب بالمشكوك الوجوب تكليفا وامرا أو عدمه فلا كلام ولا اشكال ولا تصل النوبة إلى الأصل .

وتارة يكون مقام الشكّ . وفي هذا المقام لابدّ من حلّ الاشكال . وقد أجاب عنه المحقّق النائيني قدس سره (1) بما ملخّصه عدم رجوع الشكّ في المقام إلى الشكّ بين المتبائنين بناءً على مبناه من كون تقابل الاطلاق والتقييد تقابل العدم والملكة .

جواب الاشكال

ص: 171


1- . فوائد الأصول 4/154 - 155 .

فالجزء العاشر المشكوك الوجوب لو كان واجبا تكون الاجزاء التسعة مقيّدة به وإلاّ فلا شيء إلاّ وجوب نفس تلك الأجزاء وليس هناك إلاّ عدم التقييد في شيء كان من شأنه أن يقيد . فالأجزاء المعلومة من شأنها ان تقيد بوجوب الجزء العاشر وما قيّدت . فالأوّل يكون مقيدا والثاني مطلقا . والتقابل تقابل العدم

والملكة لا الايجاب والسلب ولا تقابل التضاد فهذا القيد مشكوك فيه فتجري البرائة بالنسبة إليه عن الأجزاء المعلومة فتكون هي واجبة بلا رجوع إلى المتباينين . ولكن مع ذلك لا يقول بجريان البرائة العقليّة من جهة لزوم انحلال العلم الاجمالي بنفسه وهو محال .

فذلكة: فحاصل الكلام في الأقلّ والأكثر الارتباطي كان عند الشيخ رحمه الله

وجوب الأقل والبرائة عن الأكثر من جهة الانحلال .

وقيل في المقام بعدم الانحلال والتقريبات في ذلك مختلفة إلاّ ان عمدتها ثلاث أحدها من صاحب الحاشية وواحد من المرحوم الآخوند وآخر من المحقّق النائيني رحمهم الله ولا يهمّنا التعرّض لساير التقريبات .

أمّا التقريب من صاحب الحاشية فهو بداهة تخالف الماهيّة اللابشرط مع بشرط الشيء تخالفا تضادا تباينا عناديا ولو كان الأقل وحده واجبا فهو لا بشرط عن الزائد . اما لو كان الأكثر هو الواجب فالأقل المعلوم الوجوب بشرط شيء وهو الزائد فما هو المعلوم في البين والجامع ليس إلاّ نفس الأقل والخصوصيّة مشكوكة إمّا بهذه الخصوصيّة أي لا بشرط عن الزائد أو بتلك أي بشرط الزائد . فالأمر دائر بين المتبائنين ويصير مرجع الشكّ في الأقلّ والأكثر الارتباطي إلى المتبائنين .

ص: 172

ولا مجال لقاعدة قبح العقاب بلا بيان لأنّة لو ترك الزائد وما أتى به بل اقتصر على الأقل وأتّفق ان الأكثر كان هو المأمور به لا يقبح العقلاء المولى على عقاب التارك للأكثر المقتصر على الأقل . فلو أتى بالأقل يشكّ في الفراغ والامتثال وما حصل الامتثال لو كان الواجب هو الأكثر . بخلاف ما لو أتى به لأنّ الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني . فهو يعلم ان ذمّته مشغولة للصلاة وأمرها دائر بين هاتين الخصوصيّتين فلابدّ من الخروج عن عهدة التكليف في البين ولا يمكن الا باتيان الأكثر ( كما اذا يعلم ان عليه صلاة لا يدري انها المغرب أو العشاء

فلابدّ من اتيان كلتيهما حتى يتيقن بالفراغ والبرائة . كما انه تارة يعلم بصلاة في عهدته دائرة بين الظهر والعصر غير المختلفتين في الخصوصيّات فيقصد بصلاة ما في ذمّته من أي واحدة منهما .

وتصدى المحقّق النائيني رحمه الله للجواب عن هذا الايراد بعدم الانحلال . ان المركب الارتباطي معناه كما بين هو انه كلّ جزء جزء وشرط للاجزاء الاخر فالتكبيرة التي يكون متعقبة بالركوع جزء وواجب وكذا الركوع الذي تقدّمه التكبير واجب وجزء الا ان الشكّ بين الأقل والأكثر لا يرجع إلى الشكّ بين المتبائنين . بل يكون الشكّ بين الأقل والأكثر . لأنّ الجزء الزائد على تقدير وجوبه

يكون قيدا زائدا على الماهيّة الأقل فهي تصير مقيّدة بقيد زائد لا انه تكون مبائنة للأقل بل الأكثر هو الاقل مع قيد الجزء والأقل هو طبيعة الأكثر بلا قيد . فمرجع الأقل والأكثر إلى العدم والملكة وتقابلهما يكون تقابل العدم والملكة من جهة شأنيّة الأقل ان يقيد بالزائد ولا يقيد . وبحسب التكليف نفس الأقل معلوم والشكّ في تقييده بقيد زائد على ما هو المعلوم . فالمقام من باب المطلق والمقيد الذي

الجواب بعدم الانحلال

ص: 173

يكون التقابل فيه تقابل العدم والملكة لأن التقييد عبارة عن اعتبار قيد زائد على ما هو صالح لذلك والاطلاق عبارة عن عدمه . لا انه يلاحظ عدمه قيدا ولا تتداخل أقسام الماهيّة فيصير اللابشرط بشرط لا أو بشرط الشيء لان موضوع الحكم بالنسبة إلى كلّ شيء من الزمان والزماني والعوارض والطوارى اما أن يلاحظ بشرط وجوده وهو بشرط الشيء أو بشرط عدمه فيقيد بعدمه فتكون الماهيّة بشرط لا واما لا يقيد بوجوده ولا بعدمه وهذا بالنسبة إلى كلّ شيء . فيمكن أن يكون الحكم بالنسبة إلى شيء مطلقا موضوعه أي بلا دخل لوجوده وعدمه في ترتبه على موضوعه وبالنسبة إلى شيء آخر مقيدا بوجوده أو عدمه فالاطلاق عبارة عن كلّ شيء ونقيضه أي لا هذا دخيل ولا ذاك وهذا هو مقتضى التسوية . فيمكن أن يتصور في جانب موضوع الحكم سواء ات عديدة فوجوب اكرام زيد حاصل سواء كان عالما أو لا جاهلاً أو لا جالسا أو لا . قائما أو لا لا انه

يكون جالسا أو قائما بل كلّ شيء ونقيضه . فاذا لوحظ الطبيعة من حيث هي فبالنسبة إلى حكمها . اما أن تكون مطلقة من جهة دخل وجود شيء أو عدمه فيها أو مقيدة بوجوده أو عدمه فنفس الطبيعة المخلاة المعراة هو اللابشرط المقسمي .

غاية الأمر في مقام الملاحظة لأن تصير موضوعة لحكم تكون الماهيّة لا بشرط سواءً كان في الأحكام الشرعيّة أو العرفيّة . فالطبيعة اللابشرط المقسمي التي ما لوحظ شيء معها وخليت حتى عن الذهن وتشخصها فيه هو الطبيعة اللابشرط القسمي في عالم الموضوعيّة وهي وإن كانت معاندة ومباينة للطبيعة بشرط الشيء وبشر اللا الا ان هذه المباينة ليست المباينة بالايجاب والسلب ولا مباينة التضاد بل مباينة العدم والملكة أي من شأنه أن يقيد وما يقيد كزيد القابل

ص: 174

للقيام ما قيد اكرامه بالقيام لا كالجدار فلا يقال عليه أعمى لعدم قابليته لملكة الأبصار فالتقابل بين المطلق والمقيد ليس الا تقابل العدم والملكة كما قال المحقّق الخراساني رحمه الله في أوّل بحثه للمطلق والمقيد ان اسلم التعريفات للمطلق والمقيد وأحسنها هذا .

نه به دام قيود قيد شدم . نه باطلاق نيز صيد شدم .

فاذا كان التقابل تقابل العدم والملكة فكلّ جزء يزاد على الماهيّة القابلة لزيادة شيء عليها فتصير هذه الماهيّة مقيّدة به واذا ما زيد ما قيد . فالاطلاق ليس الا عبارة عن أمر عدمي وهو عدم التقيد بالوجودي ولا العدمي والاّ فتصير بشرط الشيء أو بشرط لا كما اذا كان العلم بوجوب الصلاة جزء الموضوع لوجوب الصلاة يعني يجب الصلاة على العالم بوجوبها . فكما هناك يستحيل تقيد موضوع الوجوب بما هو طارئ عليه ويتعلّق به ويوجد بعده كذاك اطلاقه فبعين امتناع التقييد يكون امتناع الاطلاق . فاذا كان الاطلاق أمرا عدميا فلا يكون الشكّ بين الأقل والأكثر دائرا بين المتبائنين بل بين الأقل والأكثر . فالتقابل بينهما تقابل الاطلاق والتقييد الذي هو تقابل العدم والملكة . فالأقل معلوم الوجوب فلابدّ من أن يأتي به والأكثر مشكوك . والشك في تقييد الأقل بأمر زائد . فالانحلال حاصل بالعلم بوجوب الأقل والشكّ في تقييده بقيد . فارجاع الشكّ بين الأقل والأكثر إلى المتبائنين مغالطة . فلا يكون بينهما مضادّة بل القيد وعدم القيد حتى لا بلحاظ انه معدوم القيد . فعدم الانحلال إنّما يكون اذا كان الأمر دائرا بين المتبائنين وهو إنّما

يكون إذا كانت الماهيّة بشرط الشيء واللابشرط تقابلهما تقابل التضاد وهو مستلزم للمحال من جهة تداخل أقسام الماهيّة . لأنه اذا لوحظت بقيد

ص: 175

اللابشرطيّة فتكون بشرط لا فيلزم أن تكون الماهيّة اللابشرط ماهية بشرط اللا وهو محال.

فاذا لا يكون مرجع الشكّ بين الأقل والأكثر إلى المتبائنين لما قلنا من لزوم المحال بل إلى الأقل والأكثر فلا مانع من الانحلال من هذه الجهة .

توضيح وتكميل: ذهب عدّة من المحقّقين في الشكّ بين الأقلّ والأكثر إلى عدم الانحلال منهم المحقق الآخوند رحمه الله(1) وتقريب الاستدلال له على ذلك ومحصله ان من الانحلال يلزم عدم الانحلال . لان انحلال العلم الاجمالي بوجوب الأقل والأكثر موقوف على تنجز التكليف بالأقل على كلّ تقدير وذلك متوقف على تنجز التكليف بالأكثر اذ لو لم يكن الأكثر منجزا ما يكون العلم بوجوب الأقل منجزا على كلّ تقدير . بل على تقدير أن يكون منفردا لا على تقدير أن يكون منضما وتنجز التكليف بالأكثر يوجب عدم انحلال العلم الاجمالي بوجوب الأقل والأكثر بوجوب الاقل . بل بالأكثر فمن الانحلال يلزم عدم الانحلال وما يستلزم وجوده عدمه فهو محال .

وأورد عليه المحقّق النائيني رحمه الله(2) بأن وجوب الكل معلوم على كلّ تقدير

سواء كان بهذه الخصوصيّة أو تلك . فانّه لو كان في الواقع الركوع مع الاستعاذة واجبا فذات الركوع واجبة ولو لم يكن الاستعاذة واجبة . وأيضا فالركوع واجب فعلى كلّ تقدير ذات الركوع في الواقع واجبة مع ساير الأجزاء العشرة مثلاً الا ان الخصوصية مشكوكة ودائرة بين أن تكون مقيدة بوجوب الاستعاذة أو جلسة الاستراحة أو لا معهما .

لا يكون الشك بينهما من المتبائنين

ص: 176


1- . كفاية الأصول 2/228 - 232 .
2- . فوائد الأصول 4/156 - 157 .

فعلى أيّ تقدير العلم بذات الركوع ووجوبه حاصل . غاية الأمر لا ندري أمستقلاً أو في ضمن الأكثر فذات الأقل في المقام معلوم الوجوب مع قطع النظر عن الخصوصيّة الا انه في ضمن الأكثر أو مستقلاً مشكوك وهذا الشكّ لا يوجب خروج العلم بوجوب الركوع بذاته عن العلم . بل العلم بوجوب الركوع والأقل حاصل سواء كان في ضمن الأكثر أو كان بنفسه مستقلاً . اذ معنى العلم الاجمالي هو هذا العلم بشيء والشكّ في خصوصياته كالانائين اللذين يعلم بوجود النجس فيهما الا انه اما هذا أو ذاك . لأنّ العلم الاجمالي عبارة عن ضمّ قضيّة معلومة إلى

قضيّة مشكوكة يحصل منهما قضيّة منفصلة مانعة الخلو لا تمتنع في بعض الأحيان ان تكون مانعة الجمع أيضا فنعلم بوجوب الركوع . فالركوع وساير الأجزاء المعلوم الوجوب واجب اما منفردة أو منضمة وأي ربط وخصوصية للتنجز في الانحلال فانه لو اعتبرنا ذلك أي كون التكليف بالأكثر منجزا يلزم اعتبار العلم التفصيلي في العلم الاجمالي أي نعلم تفصيلاً على كلّ تقدير بوجوب الأقل مستقلاًّ ومنضمّا في ضمن الأكثر ويكون وجوبه منجزا علينا حتى نعلم بوجوبه تفصيلاً فينحل ذلك العلم الاجمالي إلى العلم التفصيلي بوجوب الأقل وذلك لا يستقيم ومحال فمن هذه الجهة لا يمكن الاشكال في عدم انحلال العلم الاجمالي إلى وجوب الأقل تفصيلاً والشكّ في وجوب الزائد .

ولكن يرد على المحقّق النائيني قدس سره انه لا ربط لما ذكره بما قاله المحقّق الخراساني قدس سره اذ هو ملتفت إلى هذا المعنى . بل نظره إلى شيء آخر ولذا أورد البحث في مجال التنجز . لأنّ الكلام في البرائة العقليّة وجريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان فلابدّ في جريان القاعدة في جانب الأكثر أن يكون العقاب بلا بيان فلو

الاشكال على ايراد المحقّق النائيني

ص: 177

كان العقاب بلا بيان وما صلح العلم الاجمالي بالتكليف المردّد بينهما للبيانيته يجري البرائة العقليّة عن الزائد عن الأكثر ولا تجري بالنسبة إلى الأقل لتنجزه على كلّ تقدير فمجرى القاعدة مورد عدم البيان . كما انه لو كان هناك بيان لا تجري ويكون العقاب هناك مع البيان ولا قبح فيه أصلاً . والانحلال إلى وجوب الأقل تفصيلاً لابدّ وأن يكون لعدم جريان القاعدة لتماميّة البيان . وذلك موقوف على أن يكون العلم بوجوب الأقل منجرا على كلّ تقدير سواء كان هو بنفسه ومستقلاًّ واجبا أو في ضمن الأكثر . فلو لم يكن العلم بوجوب الأقل منجزا على كلّ تقدير . بل كان هناك نفس الوجوب مع جهل الخصوصتين فالأقل غير منجّز . بل معلوم الوجوب ومشكوك الخصوصيّة . فاذا كان مشكوك الخصوصيّة وطبيعة الأقل المهملة لم تكن مطلوبة للمولى بل باحدى الخصوصيتين فوجوب الأقل غير معلوم ولا منجز مطلقا وعلى كلّ تقدير بل على تقدير أن يكون هو بنفسه ومستقلاً بلا دخل للزائد الذي به يكون الأكثر فالشكّ بعد باقٍ وما انحل العلم الاجمالي إلى التفصيلي .

وانحلاله إنّما يكون اذا كان على كلّ تقدير سواء كان واجبا مستقلاًّ أو ضمن الأكثر حتّى يكون الشكّ في قيد زائد والتكليف به بلا بيان فيكون مجرى لقاعدة قبح العقاب بلا بيان فتجري فيه دون المنجز وهو خلاف الفرض . إذ بناءً على هذا يكون هناك علم تفصيلي بوجوب الأقل فيلزم من الانحلال عدم الانحلال وتوقف الانحلال على العلم التفصيلي بوجوب الأقل بلا موجب ولا أصل مثبت ولا حجّة شرعا ولا عقلاً تعبّدا أو وجدانا علماً أو علمياً وهو من المحالات . فلا يمكن انحلال العلم الاجمالي بنفسه بلا أصل مثبت للتكليف في أحد أطرافه من علم أو

ص: 178

علمي عقلي أو شرعي اذ الأقل من أطراف العلم .

فاذن يبقى العلم الاجمالي بحاله ولا يمكن انحلاله إلى العلم التفصيلي بوجوب الأقل لعدم تنجزه على كلّ تقدير .

فالعلم بحاله متعلق بوجوب الأقل مشكوك الخصوصية ومقتضى العلم الاجمالي الخروج عن عهدة المعلوم ولا يمكن إلاّ باتيان الأكثر اذ الأكثر لو لم يكن واجبا أيضا لا يضرّ الاتيان بما به يكون الأقل أكثر .

إذ الكلام في غير مورد دوران الأمر بين شرطيّة شيء أو جزئيته وبين مانعيته فالاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني وهو لا يمكن إلاّ بذلك ولا يكون العقاب على ترك الأكثر لو صادف المأمور به الواقعي عقابا بلا بيان . بل نفس العلم الاجمالي بالتكليف المردّد بين الخصوصيّتين بيان فلا مجري لقاعدة القبح بلا بيان .

فاذا كان نظر المحقّق الخراساني رحمه الله هذا فلا ربط لما ذكره المحقّق النائيني رحمه الله به بل هو أيضا والشيخ رحمه الله لا يعدلان عن ذلك . إذ على هذا يلزم انحلال

العلم الاجمالي بنفسه إلى وجوب الأقل تفصيلاً وهو محال فلا معدل عن ذلك إلاّ انّ للآخوند رحمه الله كلاما بعد ذلك وهو انه لابدّ من تحصيل غرض المولى . فاذا شككنا ان بالأقل يحصل غرضه من التكليف أم لا فلابدّ من الخروج عن ذلك والاتيان بالأكثر الذي يعلم عنده حصول غرض المولى وهذا مطلب آخر غير مسلم في محله .

أقول: ( يظهر من مطاوي التقريب وتقلّباته كون الأقل الذي يكون الأمر دائرا بينه وبين الأكثر الأقل بشرط اللا عن الزائد فيرجع المقام والكلام إلى الشكّ

توجيه كلام المحقّق الخراساني

ص: 179

بين المتبائنين ويستقيم التقريب ويتم ويكون في غاية المتانة . لكن للكلام فيه مجال خصوصا على مبنى سيّدنا الأستاذ قدس سره في الأقل والأكثر كما نقل عن استاده وقربه من كون التقابل بينهما من تقابل العدم والملكة . فعلى هذا وجوب الأقل معلوم على كلّ تقدير ومنجز علينا ولا ريب في ذلك ولا اشكال والشكّ في وجوب الاستعاذة وجلسة الاستراحة مثلاً يكون شكّا بدويّا والعقاب عليه يكون عقابا بلا بيان . وهنا تصل النوبة إلى مبنى تحصيل الغرض فلو تم وان كان المقام مقام جريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان إلاّ انه وارد عليها وحاكم في مورده لا مجرى للقاعدة .

طور آخر من البيان: ذكر المحقّق الآخوند قدس سره كلاما محصّله(1) نعم لو كانت للأقل مصلحة ملزمة في حدّ نفسه وإن كان الشكّ في الاكثر فحينئذٍ لابدّ من جهة تحصيل غرض المولى من اتيان الأقل ويكون بالنسبة إلى الأكثر شكّا بدويّا . وهنا يصحّ الانحلال للعلم بكون الأقل ذا مصلحة لازمة الاستيفاء على كلّ تقدير سواء كان الأكثر واجبا أو لا فانّه فيه أيضا مصلحة ولكن تلك المصلحة لما كانت مشكوكة مع كون الأقل ذا مصلحة ملزمة لا مانع من جريان البرائة من الأكثر وهو قاعدة قبح العقاب بلا بيان . اما لو لم يكن الأمر كذلك بل الأقل على تقدير وجوب الأكثر ذو مصلحة ولا مصلحة مستقلة له في حدّ نفسه . فهنا لا مجال لجريان القاعدة فهو نظير كلامه في صورة الشكّ في باب التعبديّة والتوصليّة حيث يقول هناك لا مجال إلاّ للاشتغال ولو قلنا بجريان البرائة في الأقل والأكثر الارتباطيين من جهة الشكّ في الخروج عن عهدة التكليف . ولكن كلامه هناك صحيح الا ان

ص: 180


1- . كفاية الأصول 2/228 - 232 وما بعده .

في المقام لا يمكن الالتزام به وان ذكر بعد ذلك الاشكال بان هذا بناءً على مذهب العدليّة وأمّا على مذهب الأشاعرة لا يصح ذلك . الا أن الأشاعرة أيضا بين أقوال فجماعة منهم أنكروا الحسن والقبح العقليين الا من جهة الشرع وجماعة منهم انكروا ادراك العقل للمصالح والمفاسد مع الالتزام بكون الأشياء هكذا وجماعة منهم لما رأوا ذلك من القبيح والمنكر فلم يمكنهم عدم الالتزام بحسن الاحسان وقبح الظلم رجعوا من مقالة أوائلهم وهؤلاء هم المحقّقون منهم . وأيضا العدليّة ليس مبناهم في ذلك واحدا بل هم بين الملتزم يكون المصالح والمفاسد في المأمور به والمنهي عنه وبين قائل بكونها في نفس الأمر والنهي وان الواجبات السمعية ألطاف في الواجبات العقليّة وقد تحقّق معناه في محلّه وليس هنا مجال تحقيقه . الا ان القدر المسلم في باب التكاليف انها ليست بجزافية ولا يمكن الالتزام بمبنى تحصيل الغرض .

بل نحن والأدلّة فما ظهر منها لابدّ من امتثاله وإلاّ فلا نعلم ان القاعدة في تشريع الأحكام إلى من تعود وعلى أيّ كيفيّة ونحو حتى يجب علينا تحصيل غرض المولى ولا ندري ما الغرض في ذلك .

وبعد ذلك يقول لا مجال في المقام إلاّ باتيان الأكثر لأن به الخروج في المقام عن عهدة التكليف المعلوم في البين والاشكال بعدم معرفة الوجه وعدم تميز الواجب الذي أوجبه الشارع على المكلف في ذلك أهو الأقل أو الأكثر ويجيب عنه بأن ذلك مانع من الاحتياط في العبادات وقد بين بطلانه وعدم اعتبار قصد الوجه ومعرفته في العبادة وامكان الاحتياط فيها . إلاّ ان كلّ هذا لا ربط له بما نحن فيه وما كان فيه الربط هو الذي بيناه .

ص: 181

وهذا كلّه على تقدير فانه لو قلنا كذا لصار كذا .

ومن التقريبات التي في المقام بعدم الانحلال هو التقريب الذي ركن إليه المحقّق النائيني رحمه الله(1) وإن كانت التقريبات التي في المسئلة بعدم الانحلال كثيرة ذكرها الشيخ وأجاب عنها التي لا محصل لها .

وإنّما العمدة هما التقريبان الذان تقدما ولا يرتضى المحقّق النائيني واحدا منهما بل له شيء آخر . في الاستشكال على انحلال العلم الاجمالي إلى التفصيلي بوجوب الأقل الذي ادّعاه الشيخ وأقام عليه البرهان بأن معنى ذلك هو انحلال العلم الاجمالي بنفسه . فان العلم الاجمالي وإن لم يقل أحد بانحلاله إلى التفصيلي في موضع بنفسه إلاّ أن ما ذكر هنا هو بعينه في كلام الشيخ .

فان العلم التفصيلي بوجوب الأقل والشكّ في الزائد شكّا بدويا هو بعينه العلم الاجمالي بوجوب الأقل والأكثر فلم سميتموه علما اجماليّا بل تقولون من أول الأمر علم تفصيلي بوجوب الأقل وشكّ بدوي في وجوب الأكثر وهذا بعينه هو العلم الاجمالي . فان كلّ علم اجمالي حاله هذا العلم التفصيلي بشيء والشكّ في خصوصيّاته . فالركوع واجب إمّا على الكيفيّة اللاشرطيّة أو على كيفيّة بشرط شيء ( وهذا هو معنى العلم الاجمالي بشيء في ضمن شيئين على سبيل منع الخلو إمّا على هذه الخصوصيّة أو مع تلك وهو الاستعاذة مثلاً أو جلسة الاستراحة . فان الارتباطي معناه تعلّق أمر واحد باشياء متعددة لها وحدة اعتباريّة فلو كان الواجب والمتعلّق به الأمر هو الأكثر فلا امتثال بالأقل بل هو في عرض عدم الاتيان به أصلاً فلا فرق بين تركه الصلاة حينئذٍ أصلاً أو اتيانه به مثلاً بلا طهارة

تقريب المحقّق النائيني

ص: 182


1- . فوائد الأصول 4/159 وبعده .

ولا جلسة الاستراحة فانّ الركوع الواجب الذي شمله الأمر هو الركوع المتعقّب بساير الأجزاء المأمور به الذي أحدها هذا الركوع فاتيانه بتمامها الا واحدا من أجزائها أو شرايطها في حكم تركها رأسا وليس باب الأقل والاكثر الارتباطي كغيره فان الأقل والأكثر غير الارتباطي حتى يكون تعلّقات مستقلّة بأشياء متعدّدة فمتعلّق تكليف مستقلاًّ بالركوع وتكليف كذلك بالسجود وهكذا حتى لا يكون بينها ارتباط في عالم التعلق والامتثال وما هو معلوم في البين هو ذات الركوع اما مع القيد أو مع عدم القيد أي بلا قيد والخصوصيتان مجهولتان .

ولما كان المقام مقام جريان البرائة العقليّة وهو قبح العقاب بلا بيان فلا يمكن الالتزام بجريان البرائة العقليّة من جهة خروج المكلّف عن عهدة التكليف المعلوم عليه وإن كانت الخصوصيتان عليه مجهولتين وهذا هو معنى الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ القطعي .

فلو كان الواجب في الواقع هو الأكثر وهو ما أتى به بل اقتصر على الأقل فللمولى عقابه على ترك الأكثر والخصوصيّة المشخّصة للأمر بالأقل الذي هو ذات الركوع وعدم اتيانه بقيده ولا مجال لجريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان .

ففي مقام الامتثال هو شاكّ في انطباق المأمور به على المأتي به إذا كان أقل فهنا لا انطباق فلا أجزاء مؤمّن للمكلّف فلابدّ له من تحصيل المؤمن وحيث لا مؤمّن له فيجب عليه الاتيان بالأكثر خروجا عن استحقاق العقاب على ترك الأكثر لو كان هو الواجب الحاصل من ضم الخصوصيات الزائدة على الأقل المعتبر .

نعم لو جرت البرائة عن الأكثر لو كان هو في الواقع واجبا ففي مقام الظاهر

لابدّ من اتيان الأكثر

ص: 183

يتعين تكليفنا بالأقل ولا عقاب علينا من جهة ترك الأكثر ولو كان هو في الواقع واجبا .

وذلك لانطباق المأمور به على المأتي به ولو باعانة البرائة وحيث لا مؤمن وفرض الكلام في البرائة العقليّة وهو قبح العقاب بلا بيان . فلا محيص عن الاتيان بالأكثر لانطباق المأمور به عليه قطعا وبه يحصل الأمن من العقاب للمكلّف فيقع في رفاهيّة عن ذلك . وما ذكره الشيخ في هذا المقام من العلم التفضيلي بوجوب الأقل اما نفسا وإمّا مقدمة للأكثر لا يستقيم .

إذ للأجزاء المتعلّق بها أمر واحد وليست إلاّ وجوبها نفسيّا وإن كان التصريح في كلام الشيخ بوجوبها المقدمي ولكن أوّلنا كلامه لعدم صحّته . وبعد ذلك يذكر في ضمن ان قلت شيئا . وهو انا نعلم بوجوب الأقل والشكّ في الخصوصيّة الزائدة وهو وجوب الاستعاذة مثلاً وتعلّق الأمر بها مجهول مشكوك والعقاب عليه بلا بيان ولكن لا محصل لهذا .

ان قلت: اذ هو معنى العلم الاجمالي الذي فرض المقام هو هذا ويذكر ان قلت بعد ذلك وهو ان شكنا في حصول الامتثال بالأقل والاكتفاء به مسبب عن الشكّ في وجوب الأكثر وأنتم تقولون في الشكّ السببي والمسبّبي اذا اجرينا الأصل في السبب فلا يجري للأصل المسببي كما في الاستصحاب . ففي المقام وإن كان الشكّ في الامتثال يوجب الاتيان بالأكثر لحصول الفراغ القطعي للتكليف المعلوم اشتغال ذمتنا به الا انا اذا اجرينا قاعدة قبح العقاب بلا بيان بالنسبة إلى

الأكثر فلا يبقى موضوع ومجرى للأصل المسببي وهو وجوب الاتيان بالأكثر من جهة حصول العلم والقطع بالفراغ القطعي .

ص: 184

ويجيب عن هذا الاشكال بأنّا قد بينّا في مبحث الاستصحاب ان لجريان الشكّ في السبب وموجبيّته لعدم جريان أصل المسبب أركانا أحدها أن يكون الشكّ في الثاني مسببا عن الشكّ في الأوّل .

الثاني أن يكون للأصل السببي آثار شرعيّة مترتبة عليه . وثالثها أن يكون من آثاره حكم المسبب وذهاب الشكّ منه . فالشكّ في بقاء نجاسة الثوب المغسول بماء مشكوك الطهارة المستصحبها مسبب عن الشكّ في طهارة الماء ولكن استصحاب طهارة الماء المغسول به معناه طهارته وطهوريّته لكلّ شيء قابل لغسله به ومنها الثوب النجس . فبنفس جريان الاستصحاب في السبب يذهب الشكّ ويعدم عن المسبب ويجري عليه أحكام الطهارة من جهة ان معنى طهارة الماء مستصحب الطهارة بحكم الاستصحاب هو هذا وذلك أثر شرعي رتبه الشارع عليه .

وأين هذا من الشكّ السببي والمسببي في الأصل العقلي فان العقل ليس بمشرع حتى يقول ويحكم بذهاب الشكّ عن المسبب فانه مثبت ولا اعتماد عليه في الأحكام الشرعيّة . فالمقام وإن كان مجرى قاعدة القبح بلا بيان بالنسبة إلى وجوب الأكثر إلاّ انها لا تعين وظيفة المكلف في الأقل بل الشكّ في الامتثال باق على حاله ولا يذهب بجريان قاعدة القبح فلا محيص عن الاتيان بالأكثر توقفا دون قاعدة الشغل .

هذا محصل ما أفاده المحقّق النائيني في المقام .

واعتمد عليه ( أقول هذا التقريب لو لم يكن عين التقريب الذي اعتمد عليه المحقّق صاحب الحاشية والتقريب الذي بيّنه المحقّق الخراساني رحمهم الله الاّ انه راجع

رجوع تقريب المحقّق إلى كلام المحقّق الخراساني وصاحب الحاشية

ص: 185

إليهما أو لا أقل إلى واحد منهما وقد بين في ما سبق ان ذلك مبنى على أن تقابل الأقل للأكثر في المقام من تقابل الضدين فلا معدل على اتيان الأكثر قضاءً لقاعدة الشغل ووقوفا دونه . والا فلو كان التقابل تقابل العدم والملكة فانا وإن نشكّ في خصوصيّة الأقل أهو بشرط جزء زائد حتّى لا يكون الاتيان به منطبقا عليه أمره أو ليس مشروطا بهذه الخصوصيّة إلاّ ان الأقل على كلّ تقدير معلوم تفصيلاً مهملاً والشكّ في الخصوصيّة شكّ بدوي وليس ما إذا تبين ان الأقل في ضمن الأكثر واجبا تبين مضادا للأقل بل يبين ان له شرطا إلى الآن كان مجهولاً .

فالتكليف الذي لا يجري فيه قاعدة القبح بلا بيان هو هذا التكليف بذات الأقل المهمل المرسل عن خصوصية زائدة عليه والخصوصية تقيد الأقل بها مشكوك فان الشكّ في تعلق الأمر تعلّقا زائدا على ما علم تفصيلاً وهو مجرى قاعدة القبح بلا اشكال .

فالعقاب على ترك الخصوصيّة التي بها يكون الأقل أكثر عقاب بلا بيان والأقل المعلوم الوجوب وإن كان الشكّ في امتثاله إلاّ ان لي من ناحية العقل مؤمّناً

لا يلزمني بأكثر من الأقل المعلوم وجوبه عليّ فبالأقل يحصل امتثال أمره إذ هو المعلوم والشكّ ليس في امتثال الأقل اذ اتيان الأقل المعلوم وجوبه ينطبق عليه أمره بلا ريب ولا شكّ في ذلك واحتمال دخل الخصوصيّة ليس من ناحية الامتثال حتّى يلزمنا عقلاً القطع بالامتثال بل من ناحية الأمر وهو مرفوع بجريان القاعدة فلا معنى لما ذكره من مثبتية الأصل العقلي الجاري في الشكّ السببي اذ ليس علينا إلاّ تحصيل المؤمّن عقلاً وهو حاصل فلا يبقى موضوع بعد ذلك لقاعدة الشغل وليس باب الاطاعة بيد الشارع حتّى يكون جريان الأصل السببي مثبتا

ص: 186

للأصل المسببي فيمتنع ذلك ولا يثبت به موضوع شرعي بل المجال مجال العقل والميدان ميدانه وهو لا يلزم بأكثر من ذلك .

نعم يمكن المنع من انحصار التكليف في الأقل لو أجرينا البرائة الشرعيّة من جهة انها لا تنفي الجزء والقيد المشكوك لا انه يرفع التقيد أي تقيد الأقل بقيد زائد وهو أيضا لا يصح على هذا المبنى من تقابل العدم والملكة بين المطلق والمقيد الذي منه باب الأقل والأكثر الارتباطي الذي بحثنا فيه فتأمّل .

توضيح وتتميم: ذكرنا سابقا ان في جريان البرائة بالنسبة إلى الأقل والأكثر الارتباطي أقوالاً ثلاثة: فقول بجريان البرائة مطلقا وقول بعدم الجريان مطلقا وقول بالتفصيل بين العقلي فلا تجري والنقلي فتجري . واختار المرحوم المحقق الخراساني(1) في متن الكفاية هذا القول ولكن رجع في تعليقته عنه وقال بالقول الثاني .

ومن القائلين بعدم جريان العقلي دون النقلي المحقّق النائيني رحمه الله وذلك لأن أدلّة البرائة العقليّة من قبح العقاب بلا بيان ما تمت عنده فلا ينحل العلم الاجمالي

في نفسه ويقتضي الموافقة القطعيّة على كلّ تقدير . فعلى تقدير أن يكون الأقل واجبا اذا اقتصر عليه امتثل وخرج عن عهدة التكليف وعلى تقدير أن يكون الأكثر هو الواجب ما امتثل التكليف في صورة الاقتصار على الأقل . فالمولى أراد منه الركوع لا مطلقا بل المشروط بتقدم السورة كاملة مثلاً والمتعقب بجلسة الاستراحة منه والمركب مركب ارتباطي فكلّ جزء يكون جزءا وقيدا للأجزاء الأخر .

الأقوال الثلاثة في المقام

ص: 187


1- . كفاية الأصول 1/235 .

ولما لم يكن من شأن البرائة العقليّة رفع شيء ولا وضعه فجريانها في المقام لا يثمر ويكون الشكّ باقيا وجدانا والتكليف المردّد بين الأقل والأكثر منجز عليه لابدّ من الخروج عن عهدته وتحصيل البرائة القطعيّة باتيان الأكثر قضاءً للاشتغال اليقيني والفرض في المقام ان الجلسة على تقدير عدم وجوبها واقعا غير مضر بالصلاة وللأجزاء الباقية فلو كانت الأجزاء مقيدة بها أو بالاستعاذة أو بالسورة الكاملة فأتى بها وخرج عن عهدتها كالأجزاء الباقية المتيقن وجوبها ولو لم يكن الواجب إلاّ الأجزاء المعلومة الوجوب . فهذا الشيء أتى به برجاء الواقع ولا ما تقيده بها فلا ماحي للصورة ( فلا يدخل تحت عنوان من العناوين المانعة للصلاة فالرفع والوضع للجزء والقيد والشرط في التكاليف شأن الشارع فاذا جرت البرائة الشرعيّة في المقام تنجز عليه التكليف بالأقل ويكون بالنسبة إلى الزائد شكّا بدويّا وإلاّ فانحلال العلم الاجمالي إلى العلم التفصيلي بوجوب الأقل والشكّ البدوي في الأكثر قد مرّ انّه بناء على التضاد بين المطلق والمقيد لا يمكن ولا يفيد

شيئا أصلاً فبناءً على هذا المبنى التفكيك بين البرائة العقليّة والنقليّة لا يمكن والتفكيك بينهما في جريان النقلي دون العقلي وإن كان مستصعبا بخلاف النقلي فانه كان لاستدلاله صورة الا انه في المقام لا صورة له أيضا .

الا ان المحقّق النائيني تصدى للاستدلال على مذهبه من التفكيك ونحن نزين ما أفاده قدس سره وسعنا وهو رحمه الله بنى جريان البرائة النقليّة دون العقليّة على أمرين .

فاذا لم يتم الأمر الأوّل فلا تصل النوبة إلى الثاني وإن تمّ فلنجيء إلى الثاني .

الأمر الأوّل أن يثبت أدلّة البرائة الشرعيّة الجارية في المقام ان الأجزاء

ص: 188

المعلومة ليست مقيّدة بجزء آخر مشكوك والواجب هي الأجزاء المعلومة مع ان أدلة البرائة من الأصول الشرعيّة التعبديّة والأصول التعبديّة كلّها سواء كانت تنزيليّة أو غيرها لا تثبت لوازمها العقليّة والعادية فالاستصحاب وقاعدة الفراغ والتجاوز والشكّ بعد مضي الوقت ( قاعدة الحيلولة ) من الأصول الشرعيّة لا ترفع ولا تثبت الاّ هو بيد الشارع . فاذا كان وضع شيء بيد الشارع أو رفعه فيمكن اجراء الأصل في مورده برفعه أو بوضعه وإلاّ فلا فائدة في جريانها ولا تجري .

الثاني: أن يجوز الترخيص في أحد أطراف العلم الاجمالي بأن يفكّك بين حرمة المخالفة القطعيّة فلا يرخص فيها وبين الموافقة القطعيّة فلا يطلبها . بل يكتفي بالموافقة الاحتماليّة ويقنع في مقام الامتثال . وذلك متوقف على الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري . ويكون شأن البرائة وساير ما شابهها من الأصول التعبديّة رفع شيء أو وضعه في مرحلة الظاهر لا أن تكون مقيّدة للواقع بنحو يكون وجوب السورة المشكوك الوجوب في الصلوة أو جلسة الاستراحة أو الاستعاذة مشروطا بالعلم بوجوبها . بل يكون في مرحلة الواقع الحكم مجعولاً بنحو يشمل صورة الشكّ .

وهذا الثاني أشكل من الأوّل وهو رحمه الله بنى الأمر الاوّل على ما هو مبناه من التقابل بين الاطلاق والتقييد تقابل العدم والملكة وإن ثبت ذلك في محلّه الا ان مجمل الكلام كما تقدّم ( في بعض الأبحاث السابقة ) أن يكون الاطلاق هو عبارة عن عدم القيد فانه تارة يكون في المكلّف به شيء مأخوذا وجودا وتارة يكون لعدمه دخل وتارة لا دخل لوجوده ولا لعدمه بحيث يبقى تقابل الأقسام على حاله .

تقريب كلام المحقّق النائيني

ص: 189

وهذا في شيء من شأنه أن يقيد بشيء ولا يقيد اذ في عالم الحكم لا يخلو الحال من أحدى هذه الصور والا فالاهمال لا يمكن واللابشرط القسمي هو اللابشرط المقسمي الذي برز عالم الوجود .

ولا يدخل بعضها في بعض ففي ما يلاحظه في عالمه من اللابشرط المقسمي حتّى انه يخليه عن الوجود الذهني . اما أن يلاحظ وجود شيء من الزمان أو الزمانيات فيه أو عدمه أو لا وجوده ولا عدمه فالاطلاق والتسوية بين العدم والوجود في متعلّقات التكاليف . وإنّما قلنا لوجود شيء من الزمان والزماني بناءً على المعروف بينهم ان تقييد المطلق من جهة لا ينافي اطلاقه من غيرها . فالاطلاق كلّ شيء ونقيضه فالركوع المعلوم الوجوب يكون مع وجود جلسة الاستراحة أو الاستعاذة أو لا وكذا . وهذا لابدّ من أن يكون بنحو يرفع القيديّة برفع الجزئيّة . وذلك معنى الاطلاق الذي قلنا هو عبارة عن عدم التقييد . فاذا وجب الركوع مع السورة فالركوع مقيد في عالم الجعل الذي يتبعه عالم الامتثال بالسورة والا فمطلق أي ما قيد بها لا لوجودها دخل فيه ولا لعدمها . فهما سيان بالنسبة إليه . فاذا شككنا في جلسة الاستراحة أو الاستعاذة أو السورة مثلاً فمعنى الشكّ في ذلك هو الشكّ في تقييد الركوع والتكبيرة وساير الأجزاء المعلوم الوجوب بها ولمّا كان أركان البرائة كلّها حاصلة في المقام من أن يكون الجاري فيه البرائة مجهولاً ومجعولاً وفي رفعه منة ولا يكون هناك أصل حاكم موضوعي فوجوب الاستعاذة مشكوك وبيد الشارع وفي رفعه منة ولا أصل من الاستصحاب أو غيره يعينها فيجري البرائة بلا اشكال و اذا جرت البرائة عن وجوبها يكون معناه عدم تقييد الاجزاء المعلومة بها فبالنسبة إليها وجودا و عدما

ص: 190

سواء . وهذا إذا علمنا وجدانا انها ليست بمانعة والا فبالنسبة إلى المانعيّة أيضا تجري البرائة بهذا النحو . فاذن معنى البرائة الشرعيّة الجارية في المقام هو رفع القيديّة عن الركوع والأجزاء الباقية المعلوم الوجوب بالسورة والاستعاذة وكلّما شككنا في دخله فيها .

إن قلت: ان البرائة إنّما يرفع الوجوب عن الاستعاذة والسورة مثلاً وهو عبارة عن عدم بسط الوجوب وتعلّقه على نحو يشمل الاستعاذة في الأجزاء المبحوث عنها في المقام وتنتزع منه ان هذه الأجزاء المعلومة هي الواجب منحصرة وهي مطلقة بالنسبة إلى المشكوك فيها وجودا وعدما وأين هذا من العينيّة بين جريان البرائة عن الجزء المشكوك ورفع الوجوب عنه وبين اطلاق الباقي فان بينه وبين ذلك واسطة وهو ينافي العينيّة ما لم يثبت ان الباقي هو المكلّف به وإن وجوبها مطلق فلا ينفع وليس هذا من شأن البرائة .

قلت: هذا غاية ما يمكن الاستشكال للتقريب به في المقام وهو ليس بشيء اذ الوجوب اذا يتعلق بالاستعاذة فبنحو الضميمة فيكون منشأ لانتزاع القيديّة منه فاذا رفع الشارع الوجوب فلا شيء هناك ينتزع منه القيديّة لساير الأجزاء المعلومة فلا شكّ يبقى معه في مرحلة الظاهر وهذا هو عين اطلاق الأجزاء المعلومة الوجوب وعدم تقيدها بالاجزاء المشكوكة .

أقول: نتيجة الجريان هو انحلال العلم الاجمالي بجريان البرائة عن الزائد وهي وان لم تكن أصلاً مثبتا معينا لأحد الأطراف إلاّ انّه بناء على هذا المبنى مثبتة

للأقل أو منها ومن العلم يجب الأقل ولا يجب الزائد لا انه مثبت فتأمّل .

والحاصل جريان البرائة بأدلّتها من حديث الرفع ورفع ما لا يعلمون

اشكال التقريب

ص: 191

والناس في سعة ما لا يعلمون وغيرهما لا ينفع ما لم يكن مثبتا ان الأقل هو المأمور به ومعلوم ان هذه الأدلّة من شأنها الرفع لا الوضع والاثبات لشيء يكون في الرفع امتنان فلو جرت البرائة عن الجزئيّة بأدلّتها فالارتباطيّة والقيديّة غير مرفوعة وما لم يرفع البرائة القيديّة والارتباطيّة لا يثبت ان الأقل هو المأمور به وبه يخرج عن عهدة التكليف المنجز عليه .

ومعلوم ان شأنها لس اثبات شيء بل الرفع بقيوده المعتبرة .

هذا هو الاشكال الوارد في المقام . والجواب انّه لابدّ أن ينظر في كيفيّة الأوامر الشرعيّة من حيث تعدّدها ووحدتها وانه بم تعلّق الأمر وان الأمر بالصلاة هل هو أوامر متعدّدة مستقلّة إلاّ انّ الترتيب معتبر بينها شرعا كالترتيب المعتبر بين

الظهر والعصر مع انهما واجبان مستقلاّن فاذا جرت البرائة من واحد لا ربط له بالآخر من حيث الوجوب والقيديّة . أو أمر واحد تعلّق بالجامع بين هذه المتباينات لا نعرفه أو نعرفه ونشكّ في ان الأقل هل هو محصّل له أو لا . ففي هذه الصورة لا يمكن القول بالبرائة أصلاً اذ في الشكّ في المحصل لابدّ من الاتيان بكلّ شيء يحتمل دخله في تحقّق الجامع .

أولا على هذا النحو ولا على ذاك النحو بل كما هو الظاهر المسلم في محله انه تعلّق الأمر بأشياء متعدّدة لا ربط لتعلّق أحد الأمرين بالآخر فهنا واجبات عديدة غير مرتبطة وامتثال كلّ غير امتثال الآخر . ولو تعلّق بأشياء متعدّدة بحيث تعدّ شيئا واحدا كالمعاجين المركبة حقيقة . فهنا يكون ارتباط بين الأجزاء . غاية الأمر ليس التركيب حقيقيّا بل تركيب اعتباري . والضابط تعدد الأمر ووحدته فالأمر الواحد المتعلّق بعشرة أجزاء المنبسط على جميعها ينتزع بالنسبة إلى كلّ

ص: 192

منها الجزئيّة ويكون به أمر ضمني فمن هذا الأمر ينتزع أوامر ضمنيّة بهذا وبهذا وبذاك وبذلك ولو قلنا ان الوضعيّات امور مجعولة شرعا الا ان بالنسبة إلى الجزئيّة والشرطيّة يستحيل ذلك مع انه أثبتنا في محلّه ان الأمور الوضعيّة ليست قابلة للجعل ( لعله لا جميعها ) .

وإنّما الجزئيّة والشرطيّة أمور انتزاعيّة من التكاليف المتعلّقة بالكل والمشروط . فاذا تعلّق الأمر بالركوع وكان متعلّقا بالسجود وكذا بالاستعاذة وجلسة الاستراحة فمن هذا التعلّق بكلّ واحد من هذه ننتزع جزئيته للمأمور به ولما كان الجزئيّة بهذا المعنى تحت يد المولى فله أن يعلّق أمره بعشرة أجزاء أو أقل أو أكثر بحسب ما يراه من المصالح وكذا الشرطيّة المأخوذة في المأمور به بدخلها التقيد فيه وإن كان القيد خارجا كالطهارة . والارتباطيّة بين أجزاء المأمور به أيضا تنتزع من تعلّق هذا الأمر الواحد بكلّ منها .

فالأمر جعل هذه المتبائنات شيئا واحدا فاذا أتى بالأقل وكان الأكثر واجبا فالأقل لا ينفع ولا يفيد بل التكبيرة والركوع وكذا السجود المتعقبّة بالسلام مثلاً تحت الأمر . فبنفس تعلّق الأمر بكلّ واحد من هذه الأمور وانسباطه عليها كما ينتزع الجزئيّة لكلّ منها . فكذلك ينتزع الارتباطيّة وقيديّة كلّ لآخر . فكلّ جزء جزء وقيد للأجزاء الباقيّة وذلك في باب الصلاة قد علم بالصلوات البيانيّة والقوليّة

انّها على هذا النحو من نحو(1) تحليلها التسليم وتحريمها التكبير وإنّما صلاتنا(2)

تقريب الكلام

ص: 193


1- . وسائل الشيعة 6 الباب 1/1 - 8 من أبواب التسليم وفيه تحريمها التكبير وتحليلها التسليم .
2- . مستدرك الوسائل 4 الباب 1/9 من أبواب أفعال الصلاة عن عوالي اللآلي عنه صلی الله علیه و آله انما صلاتنا هذه تكبير وقرائة وركوع وسجود .

ذكر ودعاء وقرائة وغير ذلك . فليست أوامر متعدّدة بكلّ من الركوع والتكبيرة والقرائة وباقي واجباتها مستقلّة مع مراعاة الترتيب بل أوامر ضمنيّة منتزعة من تعلّق الأمر الواحد بها ولذلك لو أتى بتمام أجزائها إلاّ جزأً واحداً بقي في عهدة تمام المكلّف به والأجزاء لمكان القيديّة والارتباطيّة واذا كانت القيديّة والارتباطيّة تنتزع من نفس ما ينتزع منه الجزئيّة وهو تعلّق الأمر الواحد بهذه الأشياء فاذا جرت البرائة ورفعت الجزئيّة للاستعاذة المشكوك وجوبها أو جلسة الاستراحة مثلاً فمعناها رفع تعلّق الأمر بهذا الجزء فاذا رفع الجزئيّة فيرتفع تبعاتها

بعين ارتفاعها لا انه هناك مثبت بل الرفع للجزئيّة وتعلّق الأمر وانبساطه على هذا الجزء المشكوك هو رفع القيديّة بالنسبة إلى ساير الأجزاء فعلى هذا لا اشكال في جريان البرائة وينفع في المقام .

واستشكل سيّدنا الأستاذ قدس سره بان ذلك مبنى على انحلال العلم الاجمالي بالأصل النافي يعني في المقام هي البرائة فبها ينحل العلم وينحصر المأمور به في الأقل .

والمحقّق النائيني قدس سره وإن كان مبناه ذلك وإنّما خدش في الامثلة المذكورة انّها من قبيل انحلال العلم الاجمالي ببطلان احدى الصلاتين لمن سافر سفرا شرعيا فوصل إلى موضع الشكّ في انه خارج عن حدّ الترخّص أم لا فصلّى بمقتضى الاستصحاب تماما وعند الرجوع أيضا وصل إلى ذاك المكان والشكّ بدخوله في حدّ الترخّص فبمقتضى الاستصحاب يصلّي قصرا . فيعلم اجمالاً ببطلان احدى صلاتيه وانّها مخالفة للواقع . لكن لما كان هناك قاعدة الحيلولة فبالنسبة إلى الأولى تجري وبجريانها يصير الشكّ في ما بيده شكّا يدويّا إلاّ انّه

ص: 194

استشكلنا ذلك عليه في محلّه وقلنا بعدم انحلال العلم الاجمالي بالأصل النافي والمقام من هذا القبيل .

لكنّه وان انحل العلم الاجمالي بالأصل النافي فالاشكال من جهة اخرى وهو ان جريان البرائة إن كان معناه انحصار المكلّف به في الأقل واقعا بحيث يكون العلم والجهل داخلين في الموضوع .

فمن لم يعلم بوجوب السورة فليست بواجبة في حقّه واقعا . فهذا المعنى وإن كان لا يبقى بعده اشكال الا انه يلزم منه التصويب . وتقييد الأحكام الواقعيّة بالعلم بها محال . ونتيجة التقييد وإن كانت ممكنة الا انها خلاف الاجماع . فلا يجب بناء على هذا لو انكشف الخلاف اعادة ما صلى بل لا انكشاف حقيقة للخلاف هنا . وانما هو تبدل موضوع بموضوع نظير صيرورة المسافر حاضرا فليس الواجب عليه في الواقع الا الأقل . وهو الصلاة بلا سورة مثلاً أو بلا استعاذة وجلسة الاستراحة . وإن كان مقتضى جريان البرائة هنا انحصار التكليف في عالم الظاهر بالأقل . لكن احتمال وجوب الأكثر باقٍ على حاله والواقع لم يتغير عمّا عليه واقعا . فذلك مبنى على الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري بأنّه مع الوجوب الفعلي كيف يرفع . فان كان واجبا فكيف يرفعه ولا يطلبه . وإن لم يكن واجبا فخلاف الفرض . اذ الفرض انه على تقدير وجوبه واقعا كيف تجري البرائة في مقام الظاهر مع انه لا يقيد الحكم الواقعي بصورة العلم . فلو كان واجبا على هذا الفرض فلا يمكنه رفعه وإن كان غير واجب فكيف أخذه في الوجوب . ولما لم يمكن الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري فلابدّ من الالتزام بالترخيص في ترك شيء والقناعة في مقام الامتثال . فان حكم العقل بوجوب الامتثال من جهة

اوامر الواجب الارتباطي أوامر ضمنية

ص: 195

احتمال الضرر الاخروي واحتمال الضرر الاخروي منجز فلابدّ من الاحتياط باتيان الأكثر . فالبرائة العقليّة ما جرت في المقام من جهة احتمال وجوب الأكثر ودخل الزائد في الباقي .

والبرائة الشرعيّة اذا جرت تؤمّن المكلّف . وتقول على فرض وجوب الزائد في الواقع وقيديّة هذا الجزء للأجزاء الباقية أيضا لا عقاب عليك . فللمولى الترخيص على هذا النحو . وليس المقام بأكثر ممّا اذا علم تفصيلاً بوجوب التكبيرة ومع ذلك يكتفي منه في مقام الامتثال بالامتثال الاحتمالي . فانه إذا شكّ في التكبيرة ودخل في القرائة يمضي . وكذا اذا دخل في الركوع أو هوى إليه وشكّ في القرائة يمضي مع ان وجوبه معلوم عليه تفصيلاً . فكلّما تقولون هناك نقول هنا فالمولى في مقام الامتثال قنع بهذا المقدار وهو الأقل كما يقنع بالامتثال الاحتمالي في ذاك المقام مع بقاء الشكّ . ولو انكشف الخلاف فلو كان المشكوك من الخمسة حيث يكون له الجزئيّة بالاعادة فبعد تجاوز المحل العمدي أو قبله لابدّ من اتيانه أو اعادة الصلاة وإلاّ لو لم يكن من الخمسة فما دام محله السهوي باقيا .

هذا تمام الكلام في شرح مرام المحقّق النائيني قدس سره لكن الكلام في القناعة في مقام الامتثال وانّه هل تمكن أو لا .

فذلكة البحث: جهة الاشكال في الأقل والأكثر الارتباطي من ناحية جريان البرائة الشرعيّة فمنحصرة في انه كيف يرخص المولى على تقدير وجوب الأكثر في حكمه ويكون الوظيفة في مقام الظاهر هو الاتيان بالأقل مع بقاء الأمر الواقعي على اطلاقه فامّا ان لا يريد المولى الأكثر في ظرف الشكّ ويحصر المراد

ص: 196

في الأقل فيكون الواقع الأقل فالشكّ في المقام يصير نظير الاضطرار والعسر المقيدين للواقع فيلزم التصويب . ولا يمكن أن يريده بحسب الواقع ولا يريده لان لايريد ويريد لا يجمع بينهما . واما ان يجعل الأقل بدلاً عن الأكثر وهو أيضا ليس في المقام واما أن يقنع في مقام الامتثال والقناعة في مقام الامتثال أيضا مجرّد لفظ .

واختار المرحوم الآخوند في متن الكفاية(1) جريان البرائة الشرعيّة عن الأكثر لكنه رجع في تعليقته من ذلك . وهو صحيح على مبناه من عدم التفكيك بين حرمة المخالفة القطعيّة ووجوب الموافقة القطعيّة . لأنه اذا حرمت المخالفة القطعيّة

تجب الموافقة القطعيّة أيضا . ولا يمكن الترخيص في ترك التكليف المنجّز على تقدير بل لابدّ أن يأتي بالأكثر .

لكن يستشكل عليه في مقام قاعدة الفراغ والتجاوز مع ان التكليف فيهما معلوم ولا محيص له في دفع الاشكال هناك ولا جواب عن هذا الاشكال . وعلى أيّ تقدير الاشكال علمي لابدّ من الجواب عنه وهو ساري في المقام وفي قاعدة التجاوز والفراغ . وكلّ قد أجاب بجواب . فتارة يجاب بكفاية الامتثال الاحتمالى واخرى بجعل الأقل بدلاً عن الأكثر على تقدير وجوب الأكثر . وثالثة بأنّ المولى اكتفى وقنع بهذا في مقام الامتثال ( وكفاية الامتثال الاحتمالي ( وجعل البدلية في المقام ليس لأن معنى جعل البدل هو تقييد الواقع ووجوب الأقل لا غير ) ويمكن أن يقال في شرح القناعة في مقام الامتثال بأنّه في ظرف الشكّ ما يريد منه المولى لا مطلقا وإلاّ لا معنى لانكشاف الخلاف بل مادام شكّه باقيا فاذا انكشف الخلاف

البرائة الشرعية تؤمن

ص: 197


1- . كفاية الأصول 2/235 .

فان علم انه ما اتى بالواقع المشكوك في قاعدة الفراغ والتجاوز انكشف عن انه من أوّل الأمر كان غير صحيح فما أتى به معلّق على عدم انكشاف الخلاف ولو انكشف له الخلاف فعلم انّه ما أتى به لا مجرى للقاعدة هناك . فحينئذٍ إن كان المنسي غير المأتي به من الأركان التي لها في الصلاة الجزئيّة بالاعادة فيعيد الصلاة وإلاّ فهناك ببركة لا تعاد لا شيء عليه . وإذا أمكن الجواب عن الاشكال بهذا الوجه والأخبار واردة من الشارع أيضا فلا كلام بعد ذلك .

ولكن يمكن أن يجاب في مقامنا أي في الأقل والأكثر الارتباطي بجواب آخر . وهو انه اذا كان ما يشترك فيه العالم والجاهل اشتغال الذمّة بالتكاليف الواقعيّة لا المطالبة بها . والتصويب المجمع على بطلانه هو التصويب بهذا المعنى حتى يكون الاشتغال متوقفا على العلم بالاشتغال وأمّا المطالبة والخطاب فمشروط بالعلم به فيمكن الجواب عن ذلك في المقام بأنّه لما لم يعلم بوجوب الأكثر مع ورود الرخصة في تركه فلا يطالبه المولى في ظرف عدم العلم بالخطاب . فما هو الباطل غير لازم وما هو لازم غير باطل . الا ان ذلك لا يتأتى في قاعدة الفراغ ونظائرها للعلم بالخطاب .

هذا تمام الكلام في الأقل والأكثر الارتباطي . ولما كان جرى البحث على ترتيب الشيخ رحمه الله(1) وهو استثنى من موارد جريان البرائة العقليّة والشرعيّة في الأقلّ والأكثر الارتباطي على مذهبه مورد الشكّ في العنوان والغرض فلابدّ من شرح مرامه ومراده من العنوان والغرض .

فنقول: فمراد الشيخ قدس سره من العنوان لو عطف عليه الغرض بالواو واحد ولو

جعل البدل أو كفاية الامتثال الاحتمالي

ص: 198


1- . فرائد الأصول 2/461 - 478 .

عطف باو فشيء لابدّ من بيانه . وعلى أيّ فالعنوان المعنون في كلامه هو المسبب التوليدي فاذا شككنا في حصوله بالأقل وإن كان ترتبه عليه مشكوكا الا انه ليس فيه منة والأكثر الذي في رفع سببيّته منّة وليس مسببيته مجهولة مشكوكة بل معلومة أيضا من رفع سببيته لا يلزم سببيّة الأقل الا بناء على الأصل المثبت وكون البرائة مثبتة ومثبتها حجّة وتثبت اللازم العقلي وليس من شأنها ذلك .

والحاصل: اذا شككنا في مورد في المسبب التوليدي وترتبه على الأقل أو الأكثر فعلى الأكثر معلوم وبالنسبة إلى الأقل يكون الشكّ في المحصل ولا مجال للبرائة سواء قلنا بجعل السببيّة أو لم نقل . لأنّ الطلب لو تعلّق بها على السببيّة فيما يترتب عليها المسبب فالغسل والمسح بما انه يتطهر به كما هو الظاهر من ان الشارع رتب المسبب عند وجوب السبب وحكم بذلك الا انه كالتكوينيّات كالالقاء في النار المسبب عنه الحريق أو ارسال الماء نحو الجدار المسبب عنه خرابه الذي يكون فعل المكلّف الجزء الأخير للعلّة التامّة المفروق بينه وبين ما اذا باشر توسط شيء غير شاعر وعدمه . كما اذا ضرب بالعصا أو أرسل الكلب ليعض انسانا فانه بالمباشرة بخلاف المقام فانه بالتسبيب وايجاد السبب . ففي كلّ مورد يحصل لنا الشكّ في باب التكاليف والوضعيّات يكون النتيجة في الأولى الاحتياط وفي الثانية الفساد . فاذا شككنا ان الوضوء المأمور به شرعا والطهارة الخبثيّة في الاستنجاء المحدود بالنقاء وتطهير الظروف الكبار . هل الوضوء يحصل بما اذا نكس المسح أو نكس الغسل أو ما أثرت الرطوبة في الممسوح وكذا النقاء هل يحصل باثنين أو ثلاث وتطهير الظروف هل يكفي فيه المرتان أو لابدّ من ثلاث مرّات المنحصر ظاهرا مورد الشكّ في حصول العنوان والمسبب

لا مجال للبرائة في الشك في المحصّل

ص: 199

التوليدي بهذه الأبواب فلابدّ من مراعاة ما يحصل معه اليقين بوجود الوضوء وتحققه عند فعله وفعل غيره

وكذا لابدّ من التكرار حتى يعلم بالنقاء أو يغسل بالماء إذا شككنا . وفي الثالث ثلاث مرّات لكي يحصل اليقين بحصول المسبب التوليدي . لكن الظاهر من الأدلّة في باب الوضوء ان نفس الغسلات والمسحات مأمور بها لا انها مقدمات لحصول أمر معنوي هو الطهارة . وفي الثانية إذا شككنا في دخل شيء في تحقق عنوان البيع وحصول المسبب المترتب عليه آثاره الشرعيّة كشروط المتعاقدين أو العوضين أو العقد من كون الصيغة عربية ومن لزوم أصل اللفظ . ومن ان المعاطاة هل هي بيع أم لا يكون الأصل الفساد وبقاء كلّ من العوضين في ملك صاحبه قبل حصول هذا المشكوك فهذا ما أراده الشيخ رحمه الله من العنوان .

والمحقّق النائيني رحمه الله عقب الغرض الواقع في كلام الشيخ ويتعرّض له في كلّ دورة من بحثه وان مراده تعلق الطلب بالملاكات .

الا ان الانصاف انه اتعب نفسه وما اتى بشيء ( أقول ان هذا البحث لا ربط له بالأقل والأكثر في باب التكاليف أو الوضعيّات وذلك لأنّ الشكّ في المحصّل وعقد الباب لما اذا كان الشكّ في تعلق التكليف النفسي بالأقل والأكثر لا من باب المقدميّة المحصليّة الا على القول بجعل السببيّة ) فالنتيجة ان مراد الشيخ من المستثنى الذي هو العنوان والغرض المذكوران في كلامه هو المسبب التوليدي من العنوان فالشكّ في سببيته الأقل لا تجري فيه البرائة لعدم الامتنان بلزوم خلافه وسببية الأكثر معلومة فلا تجري البرائة . ومراده من الغرض يحتمل أن يكون ملاكات الأحكام ويمكن أن يريد التعبد بالامر .

إذا شك في تحقق العنوان

ص: 200

فان الشكّ تارة بين الأقل والأكثر بالنسبة إلى متعلّقات التكاليف كما بينّا في الصلاة بالنسبة إلى الاستعاذة مثلاً . وتارة بالنسبة إلى كيفيات التكاليف الراجعة بالاخرة إلى عالم الامتثال والسقوط فانه من المستحيل أن يكون قصد الأمر يتعلّق به الأمر لأنّه من الانقسامات المتأخّرة عن الخطاب . فاذا شككنا بناءً على هذا يكون الشكّ بين المتبائنين فان الأمر التعبدي هو ما يكون ليتعبّد به فلا يسقط إلاّ بقصد الامتثال . بخلاف التوصلي فانه يحصل بأي نحو كان .

فالشكّ بين الأقل والأكثر على هذا النحو لا يرجع إلى العلم التفصيلي بشيء والشكّ البدوي في شيء آخر . فان أصل التكليف معلوم غاية الأمر اما بهذا النحو والكيفيّة أو بذاك فلابدّ في مقام الامتثال امتثاله بنحو القطع به وهو لا يكون إلاّ

بالاتيان بقصد الامتثال ( لكن المرحوم النائيني يريد أن يقول مع كونه أيضا كذلك يمكن جريان البرائة لرجوعه إلى الأقل والأكثر ) الاّ ان الأنسب بكلام الشيخ أن يكون مراده ملاكات الأحكام وعلى هذا فكلما شككنا في حصول الملاك يكون الشكّ في المحصل وفي الشكّ في المحصل لا محيص عن الاحتياط كما يقول المحقّق الخراساني رحمه الله في باب التعبديّة والتوصليّة . وفي هذا الباب فان البرائة العقليّة استشكل فيها بما تقدم نقله ولا تجري البرائة الشرعيّة أيضا لأنّ الأحكام تابعة للمصالح أو المفاسد في نفسها لا في الأمر كما يقوله بعض العدليّة ولا كما يقوله الأشاعرة من انها ليست تابعة لمصلحة ولا مفسدة بل الأحكام ليست بجزافيّة فاذا يأمر المولى بشيء لابدّ من خصوصيّة فيه يترتب عليه أثر لا يترتب هذا الأثر على غيره فيأمرنا لأجل حصول هذا الأثر فاذا شككنا في حصول هذا الأثر الذي هو غرض المولى من أمره لابدّ من الاتيان بكلّ شيء يحتمل دخله في

إذا شك في المحصّل

ص: 201

حصوله ولا مجال لجريان البرائة اما عقلها فللعلم بالتكليف . ولا مجال لجريان قاعدة قبح العقاب بلا بيان وأمّا نقلها فلا يجري عنده كما بين في تعليقته على الكفاية مع قوله بالجريان في متنه وعلى ما يظهر من بعض كلامه ولعله رجع عن ذلك في الشرايط غير قصد الامتثال لعدم كونه مجعولاً شرعيا لكنه يستشكل عليه بما لا محيص له عن التزامه من لزوم الاحتياط حتى في الشرايط اذ هي أيضا ممّا لها دخل في المأمور به الذي أمر به لغرض .

فاذا احتملنا دخل شيء في المأمور به لتحقق الغرض الداعي للمولى للأمر بالمأمور لابدّ لنا من اتيانه تحصيلاً كما اذا احتملنا في الصلاة بالنسبة إلى الاستعاذة اذا شكّ يكون في المحصل وليس فيه الا الاحتياط ولا مجال للبرائة فيكون باب الملاكات باب المسبب التوليدي وفي المسبب التوليدي بينا انه اذا شككنا لابدّ من اتيان الأكثر المتيقن عنده ترتب الأثر الداعي للمولى بالأمر بمحصله ولذا يسقط عنده الأمر بحصول الغرض فيكون الأمر بالأسباب حينئذٍ لجهلنا بالمسببات والأغراض للمولى فاذا علمنا بأن الصلاة لا تكون إلاّ بطهور فلما لم نعرف الطهور بين محصلاته بأنّه غسلتان ومسحتان والتيمم ضربتان ضربة للجبهة وضربة لليدين مثلاً . فالأمر بهذه الأسباب حقيقة يكون حينئذٍ ارشاديا لترتب المسبب عليها . فاذا كان كذلك ففي كلّ مورد حصل لنا الشكّ لا مجال لجريان البرائة أصلاً ويكون تمام التكاليف من هذا القبيل لقيامها بمصالح ومفاسد في متعلّقاتها والشكّ في ترتبها عليها موضوع حكم العقل بالاحتياط .

وعلى هذا ما أفاده المرحوم المحقّق الخراساني عين ما أفاده الشيخ .

وما أجاب به الشيخ عن الوجهين في كلامه من انا نتكلّم على مذهب

توجيه كلام الشيخ

ص: 202

الأشاعرة كما ترى لا يحسم مادة الاشكال . فلنبيّن ضابط المسبب التوليدي أولاً ونتصدى للجواب عن الاشكال ثانيا بحول اللّه وقوته لأنّ الاشكال على كلّ حال في المقام .

فنقول: المسبب التوليدي هو مالا يكون بينه وبين فعل الفاعل واسطة أو يكون واسطة غير ذي شعور فاعل مختار . أو يكون فعل الفاعل الجزء الأخير للعلة التامة أو من المعدات لترتب الأثر المطلوب كالاحراق بالنار . فان عمل الفاعل هو الالقاء في النار والاحراق هو من النار . الا انه يستند إلى الفاعل . ويمكن توجيه الخطاب نحوه بالاحراق كما يمكن توجيهه بنحو الق في النار وخرب القصر الفلاني أو اجر الماء نحوه فان في هذه الموارد ما هو عمل العامل والفاعل هو شيء في ظرف حصول مقدمات لفعله من الحطب واشتعال النار وعدم رطوبة الملقى وإنّما فعله الالقاء والاحراق عمل النار بلا اختيار وشعور وارادة وقصد . فان كان الضابط ينطبق على الملاكات وكانت بهذه المثابة فلا مجال للبرائة فيها أصلاً ولكن الكلام في ذلك فان الضابط في الملاكات في انطباق المسبب التوليدي عليها وكونها منه أن تكون هي بنفسها ممّا يمكن القاءها إلى المكلّف ويطلب منه كالاحراق الذي مثلنا فانه يمكن أن يطلب من المكلف الاحراق كما انه يمكن أن يطلب منه الالقاء .

وخلاصة الكلام لابدّ من كونه قابلاً لتعلق الخطاب به والقائه إلى المكلف ولابدّ أن يكون في قدرة المكلف بحيث يترتب على فعله لا أن يكون فعله معدا له وساير مقدماته انما تحصل بفعل الغير كما في صيرورة الزرع سنبلاً فان عمل العامل وما باراداته وتحت اختياره انما هو حرث الأرض ونثر البذر و أمّا اشراق

تعريف المسبب التوليدي

ص: 203

الشمس وتنمية الأرض ونزول الأمطار وغير ذلك ممّا يؤثر فيه من تربية الملائكة ليس بيده .

كما يلقى الاحراق إليه تارة فيطالب به والالقاء في النار اخرى كذلك ويكون عنوانا لهذه الأسباب والأفعال المترتب عليها كما في الاحراق فانه عنوان للالقاء وبالالقاء يقولون احرقت الثوب كما يقولون القيته في النار وفي متعلقات التكاليف لا يكون مورد كذلك الا باب الوضوء فانه احتملنا ذلك فيه فليس باب المصالح والملاكات من قبيل المسببات التوليديّة التي يمكن أن تلقى إلى المكلف ويطالب بها ( اذ لو كان كذلك لكان تكليفا بما لا يطاق لجهل المكلف بما هوالملاك في التكاليف ) بل من الدواعي لجعل المولى كالربح الذي يكون داعيا للتاجر في تجارته ممّا يترتب على عمله احيانا ولا يترتب اخرى . ولو شككنا ان التكاليف بمتعلقاتها هي من باب المسببات التوليديّة أم لا . فهنا لو حصل الشكّ وما استفدنا من الأدلّة الاجتهاديّة شيئا يكون مقام الامتثال ولابدّ فيه من الاحتياط وإن كان من المحقق النائيني جريان البرائة الا انه يمكننا اسناد القول بالاحتياط إليه لو فرض انه لقى الشكّ ( فالمحصل أن الجعل ليس جزافا بل له داعي الا انه ما كلفنا المولى الا بما بين لنا ووجه الخطاب به إلينا وهو رحمه اللّه أمر بالتأمّل والظاهر ان مراده هو هذا .

عود على بدء: تحصل ممّا ذكرنا عدم جريان البرائة الشرعيّة في الأقل والأكثر الارتباطي الذي هو مورد البحث الا ان الشأن في الاحتياج إلى جريان البرائة اذ في باب الصلاة والحج والصوم والغسل والتيمم والوضوء وكلّ مورد من موارد التكاليف الشرعيّة في الأقل والأكثر الارتباطي في الشكّ في جزئيّة شيء

ص: 204

أو في شرطيته فيها اطلاقات الأدلّة من الصلوات البيانيّة والفعليّة موجودة . فلو كان لشيء آخر دخل في ذلك لكان عليه البيان . وحيث لم يبين فما بين هو المأمور به هذا في الشكّ في الجزئيّة وأمّا بالنسبة إلى الشرطيّة فسيجيء الكلام فيه

إن شاء اللّه ومعلوم ان جريان البرائة في مورد لم يكن هناك دليل اجتهادي . ففي الشبهة الحكميّة في الأقل والأكثر الارتباطي لا احتياج لنا إلى جريان البرائة اذ الشكّ ينفي ببركة الاطلاقات ولو فرض هناك شك فتجري البرائة كما بينا .

نعم جريان البرائة في الشبهة الموضوعيّة كما اذا شككنا في اللباس المشكوك له مجال لعدم كونه من الشكّ في الشبهة الحكميّة بل من جهة الأمور الخارجيّة وليس بيان ذلك من وظيفة الشارع فهنا مجال لجريان الأصول الا ان الشيخ رحمه الله اطنب في الحكمية وأجمل في الموضوعيّة .

وعلى أيّ نحو فقد قال(1) بعدم جريان البرائة في المقام لجريان الاستصحاب الحاكم على الأصل المحكوم أي البرائة .

ومع وجود الأصل الحاكم لا مجال لجريان الأصل المحكوم وان وافق الحاكم في المفاد وجريان الاستصحاب هنا يتصور على أنحاء ثلاثة لا رابع لها وهو إمّا في عدم الجعل والتكليف بالأكثر قبل وجود المكلف وهوالمسمّى بالعدم الأزلي اذ الجعل أمر حادث شكّ فيه فيستصحب .

وأمّا في عدم التكليف في حال صغر المكلف فانه ما كان عليه تكليف في ذاك الحال قطعا .

وتارة في المكلف البالغ العاقل الجامع لعامة شرايط التكليف قبل دخول

كفاية الاطلاقات في دفع الشك

ص: 205


1- . فرائد الأصول 2/478 .

الوقت في الموقتات الشرعية . الاّ ان المحقق النائيني رحمه الله(1) استشكل جريانه في كلّ من هذه الثلاث وقال بعدم الجريان ولابدّ من نقل كلامه أولاً فما لم يمكننا المساعدة عليه فنستشكله .

يقول رحمه الله في خصوص الاستصحاب قبل وجود المكلّف انه تارة يتصور في العدم المحمولي الذي يحمل على الطبيعة والماهيّة كالوجود اذ الماهيّة في صقع نفسها قابلة لحمل الوجود والعدم عليها . فاول محمول عليها أحد الوجود والعدم الذي مفاد أوّلهما مفاد كان التامة ومفاد ثانيهما ليس التامة وبعد أن وجدت تكون موضوعا للمحمولات الاخر من القيام والقعود . فالمحمول في القضيّة الأولى جزء الموضوع في القضايا الثانية التي مفادها كان الناقصة فالوجود والعدم ليس مأخوذا في ناحية ذات الماهية فهي من هذه الحيثيّة قابلة لحمل كلّ منهما عليها فارتفاع النقيضين بحيث لا موجودة ولا معدومة هو في تلك الرتبة . وتارة في العدم النعتي والمستصحب هو لابدّ أن يكون ماله أثر ففي رتبة موضوعية الموضوع للحكم في الموالي العرفيّة لحاظ الموضوع مقدم على كلّ شيء وبعد اللحاظ يجعل والجعل ان كان غير منفك عن المجعول الا انه يمكن فرضهما منفكين محالاً ليختبر بذلك ان الأثر لايهما . ومعلوم ان الأثر ليس للحاظ اذ اللحاظ والتصور وأمثالهما من الروية والفكر ليس في ناحية ذات الباري جلت عظمته اذ هي مبرأة ومنزهة عن كلّ ذلك وليس محلاً للحوادث . بل ذلك في نفس النبي صلی الله علیه و آله اذ كان أمر التشريع مفوضا إلى الأنبياء علیهم السلام فاللحاظ هناك أمر موجود حادث وهو وإن كان أمراً متيقّناً والشكّ طاري عليه ولكن ليس له أثر اذ ليس

ص: 206


1- . فوائد الأصول 4/182 وبعده .

اللحاظ موضوعا لحكم شرعي ولابدّ في الاستصحاب من الشكّ واليقين سابقا عليه واتصال زمان اليقين بالشكّ وعدم وجود حاكم والأثر الشرعي وفي الجعل بلا مجعول أيضا لا أثر فالاستصحاب مجراه المجعول اذ الأثر يترتب عليه والمجعول لم يكن له جعل في التكاليف الالزامية من الوجوب والحرمة اذ هو أمر حادث فقبل وجود المكلف لم يكن هناك مجعول من الوجوب والحرمة أبعد وجوده نستصحب عدم المجعول إلى حين الشكّ .

وقد يقال في المقام بجريان الاستصحاب في أصل الحكم من الاباحة والوجوب والحرمة وساير الأحكام اذ قبل وجوده لم يكن مجعول فبعد وجوده يكون الشكّ في المجعول الا انه بناءً على هذا الترخيص والاباحة أيضا محتاجة إلى الدليل .

اذ الاباحة أيضا لم تكن مجعولة ففيها أيضا يجري الاستصحاب الا انه لامكان العقل . بل المستصحب هو الالزاميات من الوجوب والحرمة . فان كان الاستصحاب استصحاب العدم المحمولي بالنسبة إلى الأكثر بتقريب ان الأكثر لم يكن له جعل والآن هو مشكوك فنستصحبه . ففيه ان هذا الاستصحاب لا موضوع له ولا يترتب عليه أثر اذ ثبوت الأقل من اللوازم العقليّة لهذا الاستصحاب وهو مثبت فالاستصحاب بالنسبة إلى عدم الأكثر بالعدم المحمولي لا أثر يترتب عليه فهو سالبة بانتفاء الموضوع . وان كان الاستصحاب بالنسبة إلى العدم النعتي فليس له حالة سابقة .

ان قلت له حالة سابقة يعني لعدم وجوب الأكثر وهو حين توجه الخطاب وتعلقه بأوّل جزء من الواجب المردّد بين الأقلّ والأكثر . فعند وجوده التعلق

اشكال الاستصحاب

ص: 207

موجود والشكّ في تعلقه بالجزء الزائد فنستصحب عدم التعلق الحاصل حين وجود الخطاب متعلّقا بالجزء الأوّل .

قلنا: ان ذلك يتم لو كان الخطاب على التدريج وليس كذلك اذ تعلقه بالجزء الأوّل ليس مقدما على الجزء اللاحق له وهكذا كعالم الامتثال . بل الخطاب اذا وجد ينبسط على أجزاء المأمور به فان كانت خمسة تعلقات فخمسة والا فأزيد أو أقل .

فقبل وجوده لا تعلق وجودا وعدما حتى نستصحبه بعدم تعلقه بالأكثر اذ التعلق بالأكثر بالخطاب . فالخطاب موضوع له وبعد وجود الخطاب اما أن يكون غير انحلالي في التعلق بالاجزاء فلابدّ من سدّ باب البرائة . اذ الخطاب موجود والعلم بالتكليف حاصل فلا يمكن البرائة . فلابدّ من القول بالانحلال في جريان البرائة عن الأكثر والجزء الزائد لتحقق الشكّ في الزائد ووجوب الأقل تفصيلاً وعند حصول الخطاب لا علم لنا بكيفيّة تعلّقه .

اذ هو على نحوين: إمّا أن يتعلّق بالأكثر أو بالأقل وكلاهما له حالة سابقة فقبل الخطاب ما كان متعلّقا بالأكثر ولا بالأقل وبعده لا يقين بشيء حتّى يحقق موضوع الاستصحاب بالشكّ فيه لاحقا .

ان قلت: على هذا يلزم عدم جريان البرائة عن الزائد أيضا .

قلت: البرائة لا تحتاج إلى يقين سابق في جريانها بل موضوعها نفس الشكّ في وجوب الأكثر الزائد فلها مجرى بخلاف الاستصحاب .

فمصب الخطاب ليس بمعلوم فلا مجال للاستصحاب فما هو المعلوم والمتيقن سابقا لا يترتب عليه أثر وما يترتب عليه الأثر ليس له حالة سابقة هذا

ص: 208

اذا كان الاستصحاب في العدم الأزلي .

وأمّا إذا كان جاريا بالنسبة إلى حال صغره فله تقريبان . تارة يقرب كما في التقريب السابق يجري الاستصحاب في العدم ففيه ما سمعت . وتارة يكون مجرى الاستصحاب وهو اللاعنانى والمرخى العناني في حال صغره بعد تولّده فيستصحب إلى حين بلوغه خمسة عشر سنة . وفيه أيضا ان المراد المرخى العناني العقلي بمعنى رفع القلم فهو منتقض قطعا بالبلوغ وإن كان المراد المرخى العناني الشرعي فلا موضوع له اذ قبل بلوغه لا عنان حتى يكون مرخى او غير مرخى فيجري الاستصحاب في عدم ارخائه فلا يجري في المقام واحد من الاستصحاب وسيّدنا الأستاذ قدس سره ما تعرّض لنتيجة البحث بعد ما شرع بعد تعطيل عشر المحرم الأولى في ليلة الثلاثاء 14 المحرم سنة 1371 وعلى أيّ حال هذا تمام الكلام في الشكّ في الأجزاء . .

أمّا الشكّ في الأقل والأكثر بالنسبة إلى القيود الوجودية التي هي عبارة عن الشرايط والعدمية التي هي عبارة عن الموانع فهل تجري فيها أيضا أم لا تجري لا العقليّة ولا النقليّة .

والتحقيق في الشرايط أيضا انه تجري البرائة اذا كان لمتعلق التكليف موضوع خارجي سواء كان الشكّ في الشبهة الحكميّة من جهة فقد النص أو اجماله أو تعارض النصين أو الموضوعيّة أمّا إذا لم يكن لمتعلّق التكليف موضوع خارجي مثل ما إذا أوجب اكرام حيوان له النطق أو عتق رقبة مؤمنة فان الناطق والمؤمنة في الموضوع ليسا شيئين خارجين حتى يتعلّق الجعل بهما جعلاً على حدة زائدا على جعل أصل الحيوان والرقبة . بل الحيوان اما لوحظ مع الناطق أو لا

جريان استصحاب حال الصغر

ص: 209

وكذا الرقبة . ولابدّ في جريان البرائة من تماميّة أركانها في المقام . وإن كان الشكّ في جعل التكليف وتعلقه بالناطق والمؤمنة مجهولاً وفي رفعه أيضا منة الا ان الركن الركين لجريان البرائة في المقام مفقود وهو أن يكون المشكوك مجعولاً شرعيا اذ الناطق والمؤمنة لا يتعلّق بهما جعل زائد على جعل الرقبة والحيوان وليس كالصلاة بحيث ينبسط الأمر على الأجزاء بحيث يكون له تعلق بكلّ منها غير تعلقه بالآخر فهنا المؤمنة ليست مجعولاً شرعيا فلا جهل في الخطاب بل تعلقه بالحيوان والرقبة معلوم والشكّ في الخصوصيّة ولا مجال هنا لجريان البرائة كما عن الشيخ في التعبديّة والتوصليّة حيث نسب إليه القول بعدم جريان البرائة من التعبديّة ولزوم قصد الامتثال من جهة العلم بالخطاب والشكّ في الخصوصيّة الا ان المختار في المقام أيضا جريان البرائة كما في الأجزاء . ولا فرق بين الأجزاء والشرايط ولا بين الشبهة الحكميّة بأقسامها وبين الشبهة الموضوعيّة التي اشتباهها من جهة الأمور الخارجيّة ومن هنا كان جريان البرائة في اللباس المشكوك بلا اشكال اذ قوامه بهذا على ما لعله سيجيء إن شاء اللّه .

والحاصل إن كانت القيود الوجوديّة التي هي الشرايط والعدميّة التي هي الموانع كالأجزاء بحيث يتصور فيها معلوم ومشكوك فحالها حالها من حيث جريان البرائة عقليّة وشرعيّة أو خصوص الشرعيّة . وإن كانت كالمتبائنين فلا مجال لجريان البرائة لما تقدم سابقا من وجوب الاحتياط لعدم الانحلال سواءً في ذلك ما اذا كان من قبيل الطهارة بالنسبة إلى الصلاة التي يكون منشأ انتزاع الشرطيّة وتحقق القيديّة في الصلاة أمرا خارجيا وهو نفس الطهارات لا كالايمان بالنسبة إلى الرقبة . وعمدة النظر هنا في انه هل يمكن تصوير معلوم ومشكوك كما

ص: 210

في الأجزاء بحيث يكون تعلق الخطاب بشيء معلوما وبآخر مشكوكا أو ليست بحيث تدخل تحت الخطاب ويشملها . وكلما يقال في الشرايط يقال في الموانع الا ان بينهما فرقا من جهة امكان تصور الشبهة الموضوعيّة في الموانع دون الشرايط فان الكلام هنا كما في الاجزاء تقع في أربع جهات . في الشبهة الحكمية من جهة فقد النص أو اجماله أو تعارض النصين أو الشبهة الموضوعيّة . اما في الشرايط مثلاً شككنا في لزوم الطهارة للتشهد والسجدة المقضيتين أو لسجدة التلاوة واعتبار الايمان في الغسل للميت ولزوم قصد القربة في أداء الحقوق الماليّة في العباديات كالخمس والزكوة . فانه تارة يمكن أن يكون نظره إلى ادائه إلى شخص معين أن يكون معينه في بعض ما يجري عليه اتفاقا ويتفق له من الحوادث ويدفع عنه من جهة كونه معروفا مجللاً عند أهل الحاكم ومراجعها فبلا قصد القربة يكون الدفع كعدمه مثلاً أم لا .

وبالجملة الأمثلة في هذا الباب كثيرة . ومنشأ الشبهة اما فقد النص أو اجماله أو تعارضهما مع قطع النظر عن الأخبار العلاجيّة . وأمّا الشبهة الموضوعيّة التي يكون منشأها اشتباه الأمور الخارجيّة ففي باب الشرايط لما لم يكن لها تعلق بالموضوعات الخارجيّة فلا تصور لها بل كلّما توهّم فهو من ما يكون يجري في مورده الاشتغال من جهة عدم الانحلال فيها . بل المطلوب صرف الوجود كما اذا وجب عليه التيمم وهنا شيء لا يدري أهو أرض أم قير أو شيء لا يجوز التيمم عليه سواء كان في هذا المقام أو في مسح الأقدام بها أو مثلاً في السجود عليها وليس بحيث يكون الشكّ في الأقل والأكثر وذلك يتصوّر في القيود العدميّه التي هي الموانع من جهة انحلال التكليف فيها لتعلّقها بالموضوعات الخارجيّة والفرق

موارد جريان البرائة

ص: 211

بينها وبين الأجزاء يمكن أن يكون من جهة ان الأجزاء بمنشأ انتزاعها مجعولة فللمولى أن يبسط الخطاب على الاستعاذة أو جلسة الاستراحة المجهولتين وفي الشرايط ويلحق بها الموانع أمرهادائر بين أن يكون مثل الأجزاء بحيث يمكن بسط الخطاب عليها فيكون معلوم ومشكوك ويجري البرائة في المشكوك من جهة انه مجهول مجعول وفي رفعه منة ولم يكن هنا أصل موضوعي ولاجعل الحكم بالعنوان الشكي . ويمكن أن يكون مثل الانسان المنحل إلى حيوان وناطق . فاذا شككنا ان متعلّق الخطاب في أكرم الحيوان بلا قيد أو الانسان الذي هو الحيوان الناطق فلا مجال هنا للبرائة والانحلال في الأجزاء التحليليّة العقليّة وإلاّ

فمتعلّق التكليف لو كان هو الانسان والقيد قيد الناطقيّة مثلاً ما حصل فلا يجري قاعدة الميسور هناك من جهة عدّه موضوعا على حدة في جنب ساير الموضوعات فالفصل الكائن به الانسان ليس بمثابة ينبسط عليه الخطاب .

فان كانت الشرايط من هذا القبيل فلا مجال هنا للبرائة ولا قال أحد بها من جهة عدم كونها أي الأجزاء التحليليّة يتعلّق بها الخطاب وينبسط عليها . بحيث اذا علمنا تعلق خطاب أكرم بحيوان وشككنا في تقيده بالناطق يعني انه يكون انسانا نكتفي باطعام حمام .

وخلاصة الكلام انه ذهب المحقق النائيني(1) في المقام إلى أن حال الشرايط هنا حال الاجزاء فكما تجري البرائة الشرعيّة فيها تجري فيها ويقاس عليها الموانع فكما اذا شككنا في وجوب السورة مثلاً تجري البرائة برفع منشأ انتزاعها الذي هو المجعول الذي يقبل الجعل الشرعي فكذا إذا شككنا في باب

ص: 212


1- . فوائد الأصول 4/203 .

الشرايط والموانع فالكلام فيها الكلام في الأجزاء . والضابط الذي بينه في المقام هو أن يكون الجعل في عالم الثبوت والاثبات محتاجا إلى عناية زائدة فيكون مجرى البرائة ومعلوم ان الطهارة متى قيد الصلاة بها كان يصلي عن طهارة أو الايمان في الرقبة أو الصلاة إلى القبلة كلّ ذلك يحتاج إلى عناية زائدة في عالم الثبوت والاثبات .

والمراد من عالم الثبوت واحتياجه إلى العناية الزائدة على العناية المعلومة حتّى تكون مشكوكة مجرى للبرائة هو أن يكون محتاجا إلى جعل زائد وتكليف كذلك لا التصور فقط في غير المبدء الأعلى تعالى عن ذلك وعن الرويّة والفكر وأمثالها علوّا كبيرا فانّها بالنسبة إليه كفر . اذ التصوّر واللحاظ انما هو من الأمور

التكوينيّة ولا مجرى للبرائة فيها فاذا كان كذلك بحيث يمكن أن يتعلّق به الخطاب الغيري أو يكون اعتباره من جهة الخطابات النفسيّة التي تتحقّق في باب التزاحم فتجري البرائة وجميع أركانها تامّة وإلاّ بان كان من الأمورالتحليليّة التي تقدّم الكلام فيها فلا مجال للبرائة لعدم تماميّة أركانها من الجعل الشرعي فيها إلاّ ان الجهل والمنّة موجودان .

توضيح وتتميم: ذكر سيّدنا الأستاذ قدس سره لتقريب كلام المحقّق النائيني رحمه الله في المقام بأنّه يمكن هنا وجوب واجبات مستقلّة متقدّم بعضها على بعض كالظهرين ويمكن أن يكون واجبات تركيبيّة اعتباريّة لا كالمعاجين الصغار ولا الكبار بل اعتباريّة تصورها أولا وبسط الخطاب عليها . فاذا كان من الممكن تصور المقام هكذا فلو بسط الخطاب على كلّ منها وكذلك الرفع بأن رفع ما كان يمكن أن يضع والرفع هنا تشريعي لا تكويني والاّ فالدخل التكويني ليس قابلاً

كلام النائيني في الشرايط

ص: 213

للرفع . بل الخطاب والتعلق الذي هو فعل المولى قابل للرفع التشريعي ومحتاج في الجعل وبسط الخطاب إلى عناية زائدة اثباتا وثبوتا . وأركان البرائة في المقام كلّها حاصلة موجودة لان تعلّق الخطاب الزائد على ما علم تعلّقه به مجهول وأيضا مجعول للشارع لأنّ البسط بيده وفي رفعه منة ( وحكم ) بين الجعل بالعنوان الثانوي فيتعلّق بها الرفع لا بأنفسها بل بمنشأ انتزاعها لأن الجزئيّة وكذا الشرطيّة

والمانعيّة ليست مجعولة بل المجعول هو بسط الخطاب ودخل شيء في آخر فبرفع منشأ انتزاع الجزئيّة بالبرائة يرتفع وجوب الجزء المشكوك ظاهرا . هذا في الأجزاء ولا ريب ان ذلك يتصوّر في الشرايط أي القيود الوجوديّة وكذا الموانع . فكما ان باب الأجزاء كان من الشكّ بين الأقلّ والأكثر كذلك باب الموانع والشرايط من ذلك فكلّ ما كان الكلام والاشكال في الأجزاء فيأتي فيهما فالحال الحال والكلام الكلام . لأن مناط جريان البرائة في الأجزاء بالنسبة إلى الجزء المشكوك بعينه موجود في الشرايط والموانع فلا جرم عند من يقول بجريان البرائة عقلها ونقلها يجرى هنا أيضا أو نقلها فكذلك ومن لا يقول بالجريان في الأجزاء لا يقول هنا وفي الشرايط والموانع أيضا العناية الزائدة موجودة في عالم الثبوت والاثبات وذلك لأن مرجع الأوامر والخطابات الشرعيّة والمانعيّة إلى الارشاد بدخل شيء في متعلّق التكليف فهي أوامر غيريّة تتضمّن دخل شيء أو عدمه في المأمور به بحيث يكون مقيدا بشيء . فاذا أتى لا مع هذا القيد فلا ينطبق عنوان المأمور به عليه كالطهارة والقبلة والستر وأمثال ذلك . وكالقيام في قوله لا صلاة(1) لمن لم يقم صلبه فانها تتكفّل الارشاد إلى تقيد المأمور بها وإن كانت هذه

ص: 214


1- . وسائل الشيعة 5 الباب 2/1 - 2 من أبواب القيام والعبارة من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له .

الأشياء خارجة عن حقيقة المأمور به لأنّ الطهارة والقبلة والتوجّه إليها والستر ليست من أجزاء الصلاة بل يؤتى بها مقيّدة بها . فالصلاة عن طهارة والصلاة عن قيام وكذا وهذا يجري في شرايط أجزاء الصلاة وكذا في شرط الشرط من أجزائها . بل يمكن تصوّر الخطابات الغيريّة في الأجزاء أيضا فلا اختصاص لها بالشرايط والموانع . فاذا كان كذلك ففي مرحلة الثبوت يحتاج إلى شيء زائد على الأجزاء نفسها وكذا في مرحلة الاثبات فيبسط الأمر على الأجزاء .

ونتيجة الخطابات الغيريّة بسط الأمر عليها فالبسط في الأمر والضيق في عالم الوجود فان الشيء اذا كثرت قيوده قلّ وجوده فاذا شكّ في مورد بالنسبة إلى قيد وجودي أو عدمي فتجري البرائة عنه لتماميّة أركانها ويتصوّر في الشرايط الأقل والأكثر كما بينّا بلا اشكال . فلا يكون من المتبائنين فكما تجري البرائة في الاجزاء برفع منشأ الانتزاع كذا هنا برفعه أيضا وقد تقدّم الكلام مفصلاً في الأجزاء فلا كلام هنا زائدا عليها الا ما سيأتي من أفرادها بالبحث . ولا فرق في ذلك بين أبواب الفقه من أوّل الطهارة إلى الديات ويجيء الكلام في باب العقود والايقاعات إذا شككنا في دخل شيء في صحّة معاملة أو ايقاع . فكما انه للمولى وضع شيء ودخله فيها فكذا له رفعه اما امضاءً اذا كان لهم بناء عرفي فيها أو بتعبّد منه إذا لم يكن دخل شيء واشتراطه عقلاً أو عرفا منهم فتصوّر وجود الأقل والأكثر الارتباطي لا يختصّ بباب العبادات بل يجري في العقود والايقاعات . فكلّ مورد تمّت أركانها تجري .

ولا فرق في ذلك بين الشبهة الحكميّة والموضوعيّة . الا ان الشبهة الموضوعيّة لا تصور لها في جانب الشرايط اذ الواجب فيها ليس مطلق الوجود .

الخطابات الغيرية في الأجزاء

ص: 215

بل صرف الوجود فانّه تارة يكون للخطاب تعلق بالموضوع الخارجي وتارة لا يكون . فان لم يكن تعلق فلا يتصور الشبهة الموضوعيّة . فهي إنّما تتصور اذا كان لمتعلّق الخطاب تعلّق به ولكن في الشرايط لا يكون من الشكّ بين الأقلّ والأكثر فاذا وجب عليه التيمّم بمطلق وجه الأرض مثلاً وشكّ في شيء انه منها أو من غيرها كما اذا شكّ في الخزف أو النورة مثلاً قبل الطبخ أو بعض الجواهر أو وجب عليه في الصلاة لبس ما اتخذ من مأكول اللحم فالشكّ يكون في الامتثال وحصول الشرط في هذه الموارد لأن الحكم هنا معلوم فليس هنا شبهة حكميّة . بل يدري الحكم لكن الشكّ في انه هل هذا من الأرض أو من مأكول اللحم أم لا والشكّ في هذه الجهة غير الشكّ في التكليف الزائد الدائر مداره باب الأقل والأكثر الارتباطيين .

نعم يتصوّر ذلك في الموانع كما سيجيء إن شاء اللّه .

فالشبهة الموضوعيّة التي يكون الشكّ فيها شكّا بين الأقل والأكثر الارتباطي إنّما هي في الموانع من جهة مطلق الوجود وينحصر الشكّ بين الأقل والأكثر الارتباطيين في الشرايط والأجزاء في الشبهة الحكميّة من فقد النص أو اجماله أو تعارضهما .

فهذا جهة الكلام في تقريب جريان البرائة في الأجزاء والشرايط والموانع الا انه افرد الشرايط بالبحث لنكتة وامر وهو انه منشأ انتزاع الشرطيّة والمانعيّة تارة يكون هو الخطاب النفسي وتارة يكون هو الخطاب الغيري وثالثة يتصوّر وجود كليهما سواء كان بلسان لا صلاة(1) إلاّ بطهور أو صلّ إلى القبلة من قوله

ص: 216


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/6 من أبواب الوضوء .

تعالى: « فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرام »(1) .

وحاصل الكلام هنا انه ان كان منشأ انتزاع الشرطيّة والمانعيّة هو الخطاب النفسي فانّه تارة يكون المستفاد منه دخل الشيء بوجوده العلمي . فاذا شككنا في هذه الصورة فلا واقع هنا حتى نشكّ فيه بل ليس هنا مورد جريان البرائة للعلم بعدم شيء كما هو أقوى الوجهين في باب الغصب والخلوة مع الأجنبيّة . فالمصلّى اذا لم يعلم بالغصبيّة فلا مانع هنا من حصول قصد القربة له اذ دخل عدم الغصبيّة والاباحة من جهة قصد القربة وتحقّقها . وإلاّ فلو فرض محالاً انه يمكن أن يقع منه قصد القربة وإن كان يعلم بالغصب فلا اشكال هنا في صحّة صلاته . اذ لا مزاحمة هنا للغصب في قصد القربة على الفرض . اذ هو شيء وذاك شيء آخر . غاية الأمر اذا حصل الانضمام يصير من باب التزاحم وفي باب التزاحم كلا الخطابين فعليان فيقبح حيث الصدور من المصلى فلا يحصل قصد القربة . فاذا لم يعلم فلا مانع هنا أصلاً وتصحّ صلاته بلا إشكال لتحقق القصد منه متقرّبا . ففي باب التزاحم لا يكون الاتّحاد بين المتزاحمين وإلاّ فيكون من النهي في العبادة . فالعلم في هذا الباب اما

تمام الموضوع أو جزئه .

وإن لم يكن الدخل مستفادا على هذا النحو بل الدخل الدخل الواقعي

فيكون المقام من باب التعارض فالشيء بوجوده الواقعي مانع فهنا فرق بين كلام الشيخ والمحقّق النائيني حيث انّ الثاني يفرق بين جريان الأصل المحرز وعدمه . فاذا كان هنا أصل محرز يجري في نفي منشأ الانتزاع الذي هو الخطاب النفسي فمع جريانه لا يبقى مجال وموضوع لجريان الأصل في جانب المنتزع

ص: 217


1- . سورة البقرة: 145 .

الذي هو القيد . إذ لا يجري الأصل المسببي عند جريان الأصل السببي بخلاف الشيخ رحمه الله فانّه لا يفرق . وهنا فرق بين كلام المحقّق المزبور وبين غيره في ما اذا كان هنا خطاب نفسي وغيري كما في باب الصلاة في الحرير فانه ( لا تلبس(1) الحرير ولا تصلّ(2) في الحرير ) أولهما نفسي وثانيهما غيري فاذا جاز له لعذر لبس الحرير فيسقط النهي النفسي فلو انتزع منه المانعيّة في الصلاة هي أيضا تسقط بخلاف ما اذا انتزعت المانعيّة من الخطاب الغيري فبسقوط الخطاب النفسي لا يسقط هو . فلابدّ له في مورد الجواز من نزعه والصلاة في غيره .

فذلكة علم ممّا ذكرنا سابقا ان حال الشرايط والموانع حال الأجزاء فكما يجري فيها البرائة عند من يقول بها فكذا فيهما عقلها ونقلها أو نقلها فقط على التفاصيل والتقاريب المتقدمة ومن يفرق بين الأجزاء والشرايط لا يقول فيها بالبرائة كما تقدّم ان الأقل والأكثر يتصوّر في الشرايط والموانع في التكاليف سواء كان للشرايط منشأ انتزاع في الخارج كالطهارة أم لا . بل لا يكون لها منشأ انتزاع كالايمان في الرقبة فانه لا منشأ له في الخارج فتصورنا فيها الشكّ بين الأقل والأكثر الارتباطي لكن ذلك في المحمولات بالضميمة لا في خارج المحمول . بل بابه باب المتبائنين كالجنس والفصل فاذا شككنا في ان الحيوان الواجب الاكرام هل هو الانسان أم مطلق الحيوان لا يمكننا اجراء البرائة عن قيده وهو الانسانيّة يعني عن فصله وهو الناطق ) فنكتفي باكرام حمار فبابه غير باب الأقلّ والأكثر .

وفي المحمول بالضميمة لا فرق بين العنوان المبدئي والاشتقاقي الا ان في

ص: 218


1- . وسائل الشيعة 4 الباب 11/3 - 5 - 9 - 11 - 12 من أبواب لباس المصلي .
2- . وسائل الشيعة 4 الباب 11/1 - 2 - 6 - 7 - 8 من أبواب لباس المصلي .

باب التكاليف في موضوعاتها يكون العنوان الاشتقاقي ) وذلك لا فرق بين الشبهات الحكميّة والموضوعيّة . والحكميّة سواء كان من جهة فقد النص أو اجماله أو تعارض النصين وقدمنا ان الشبهة الموضوعيّة لا تتصوّر في الشرايط بحيث يكون لها أثر ويصير من الشكّ في الأقلّ والأكثر الارتباطي بخلاف الموانع وللشيخ رحمه الله تأمّل في كون المحمولات بالضميمة كالايمان في الرقبة كالأجزاء فتجري فيها البرائة كما سبق البحث عنه وذكر سيّدنا الأستاذ كلام المحقّق النائيني في نكتة الشرايط الموجبة لافراده البحث عنها وعن الموانع وان كان في كلامه حسب التقرير خلط بين الشرايط والموانع ولابدّ في تمييز البحث حتى يحفظ أطراف المطلب . فيقال ان منشأ انتزاع الشرطيّة والمانعيّة تارة يكون هي الخطابات النفسيّة وتارة يكون هو الغيري وفي موارد يكون كلاهما . وإن كان انتزاع الشرطيّة من الخطابات النفسيّة لا يتصوّر الا انه يمكن في باب الموانع .

واذا كان منشأ الانتزاع هي الخطابات النفسيّة فتارة يكون الشيء بوجوده العلمي منشأ انتزاع القيديّة مثلاً واخرى بوجوده الواقعي . فان كان الأوّل أي ما كان بوجوده العلمي دخيلاً في المكلّف به لا يتصور في جانب الشرايط كما انه ما كان منشأ انتزاعه هو الخطاب الغيري انما يكون دخله بوجوده الواقعي . فما كان دخله للخطابات الغيريّة في باب الشرايط أو الموانع فعند الشكّ فيها تجري البرائة بلا اشكال لا في المنتزع بل في جعل المولى دخله شيئا وجودا وعدما في متعلّق التكليف لأن بسط الخطاب وتعلّقه بوجود هذا الشيء أو عدم ذلك مشكوك فبرفعه يكون متعلق التكليف غير مقيد بوجود هذا أو عدم ذاك . وأمّا إذا كان منشأ انتزاع القيديّة هو الخطاب النفسي بوجوده العلمي كما في باب الغصب والتصرّف في مال

الفرق في الانتزاع بين الوجود الواقعي والعلمي

ص: 219

الغير فانّ الخطاب الغيري بأن لا تصل في المغصوب ليس هنا . بل التكليف والفعل الخارجي لما كان من الزمانيات فاذا يوجد يوجد في زمان كما يوجد في مكان فالزمان والمكان من ملازماته الوجوديّة . فاذا صلّى في المغصوب يلازم الغصب الصلاة وجودا كما انّه يتحقّق الغصب في القعود والقيام والنوم فكذا يتحقّق في الصلاة فاما أن يكون هنا تزاحم في متعلّق الأمر والنهي ويسري متعلّق النهي أي متعلّق النهي ومتعلقه إلى متعلّق الأمر فالفعل الواحد يكون واجبا وحراما ( فهنا يكون من النهي في العبادة فينتج التقييد بغير ذلك الفرد ) ولذا لابدّ من الصلاة في غير المغصوب ( اما من جهة اتّحاد متعلّق الأمر والنهي فيتعارضان أو لا بل من جهة التزاحم في هذا الفرد المعنون بكليهما وسراية كلّ منهما إلى لوازم وجود الفرد والمصداق ) واما يقال ويقرب في المقام ما عن المحقق النائيني رحمه الله(1) من انه لا يكون هنا تعارض وتزاحم في أصل الجعل بالنسبة إلى الأمر والنهي . بل التزاحم إنّما هو في ناحية الفرديّة والأوامر والنواهي تكون متعلقة بالطبايع . بمعنى

انه ليست خصوصيات الافراد داخلة فيهما لا ان يكون معنى النزاع في تعلّقهما بالطبايع والأفراد هو الطبيعة من حيث هي والفرد . بل المراد من الطبيعة ما كان في مقابل الفرد بخصوصيته الفرديّة وإلاّ فالطبيعة من حيث هي ليست الا هي . فلابدّ أن يكون متعلّقهما هي الأفراد . الا ان النزاع في سرايتهما إلى لوازم أفرادهما . وحيث انه لا يسري ولا يتعدى كلّ واحد من الأمر والنهي إلى خصوصيات الأفراد ولوازمها الوجوديّة فالتصرّف المحقّق للصلاة يكون تصرّفا حراما من جهة التصرف والغصب وصلاة ولا يسري الوجوب من الصلاة إلى التصرّف ولا حرمة

ص: 220


1- . فوائد الأصول 1/414 .

التصرّف إلى الصلاة فالتركيب انضمامي فاطاع وعصى . وحيث انه لا يتعدد فحيث الصدور من الفاعل في مثل هذا التصرف فامّا أن يكون قبيحا أو لا يكون . وليس بحيث يكون قبيحا باعتبار الغصب وحسنا باعتبار الصلاة . وحيث غلبنا جانب النهي فيكون صدور هذا الفعل قبيحا وحيث انه قبيح يلزم عدم حصول قصد القربة . فمن جهة عدم حصول قصد القربة الذي هو قيد الصلاة يكون اعتبار عدم الغصب قيدا فيها وينتزع من القيدية بان لا تكون الصلاة في المغصوب . ولو لا هذه الجهة لا قبح لها أصلاً فلو فرض تحقق القربة مع الغصب فلا اشكال . كما انه في الدين المطالب يصح صلاته مع قدرته على أداء الدين والتكسّب له في أوّل الوقت . وإن كان صلاته ملازما لترك أداء الدين الحرام وليس ذلك الا لعدم تزاحهما في الوجود بل هو شيء وذاك شيء آخر .

نعم في مثل اجراء الماء على المحل اذا كان الماء مغصوبا يمكن أن يكون من غير جهة القربة بل نفس التصرف وضوء . فهناك اتّحاد فالفساد من هذه الجهة فاذا كان اباحة اللباس والمكان من جهة تحقق قصد القربة وكان جاهلاً بالغصب من حيث الموضوع الذي هو اتفاقي الكل أو الحكم عند بعض فلا مانع من تحقق قصد القربة وحيث لا مانع فالصلاة صحيحة . لأن منشأ المانعيّة هو التزاحم والتزاحم قوامه بالتنجز والتنجز إنّما يكون بالعلم فحيث لا علم له لا تنجز واذ لا تنجز فلا تزاحم وحيث لا يكون هناك تزاحم فالقربة متحققة . ولا قبح لحيث صدور الفعل من المصلى . فاذا شككنا في هذا المورد فنفس الشكّ ملازم مع القطع بعدم المانعيّة لعدم وجود منشأ انتزاعها فلا تصل النوبة إلى جريان البرائة عند الشكّ اذ هو من تحصيل ما هو حاصل بالوجدان بالتعبد .

ص: 221

وزاد سيّدنا الأستاذ قدس سره كلاما من جنابه وهو ان مع قطع النظر عن هذا لا موضوع للبرائة هنا .

اذ الأمر الانتزاعي الذي هو المانعيّة والمنتزع ليسا مجعولين . والتزاحم في الخطابين الذي هو منشأ انتزاع المانعيّة ليس أمرا مجعولاً بل هو أمر تكويني ولا مجال لجريان البرائة في التكويني ( ولا أثر لجريانه ) وإن كان منشأ انتزاع القيديّة

هو الخطاب النفسي فهنا بوجوده الواقعي . فعند الشكّ في وجود الخطاب النفسي يتحقق الشكّ في القيديّة والخطاب التبعي . فاذا كان هنا أصل محرز كالاستصحاب فبجريانه في طرف النفسي يرتفع الشكّ في القيديّة . اذ الاستصحاب قائم وساير الأصول التنزيليّة قائم مقام العلم الثالث الذي هو الجري . فكأنّه يعلمون ان ليس قيد هنا ولا موضوع ومجال لجريان الأصل في المسبب بعد جريان الأصل السببي . وإن لم يكن هنا أصل محرز ويكون الجاري في طرف السبب الذي هو النفسي هو البرائة واصالة الحلّ مثلاً فليس من آثاره رفع الشكّ عن المسبب بل لابدّ في جريان الأصل فيه على حدة لأنّ الشكّ باقٍ والحليّة النفسيّة لا تلازم شرعا عدم المانعيّة . فالأصل في طرف المسبب يكون المتيقن هو الأقل . كما انه لو كان الخطاب النفسي والغيري كلاهما موجودين كما في الحرير ( لا تصل في الحرير ولا تلبس الحرير ) فعند الشكّ في أحدهما تجري البرائة فيه بلا جريان في الاخر بل لابدّ له من الجريان اذا كان الشكّ فيه . فما ذكره

( الشيخ ) ذيل تنبيهات البرائة باسطر من جريان البرائة مطلقا منظور فيه لما ذكرنا بل الحق التفصيل .

توضيح وتكميل: ذكرنا ان النواهي تارة تكون غيريّة واخرى نفسيّة

لو كان منشأ النزاع الشرط والمانعية الخطاب النفسي

ص: 222

والنفسيّة على قسمين . قسم منها بوجوده العلمي ينتزع منه المانعيّة للصلاة وقسم بوجوده الواقعي يصير منشأ لذلك . والنواهي الغيرية اذا شككنا فيها فتجري البرائة عنها كما تقدّم سواء كان في الشبهة الحكميّة أو في الموضوعيّة . فاذا شككنا في ان هذا الثوب مأخوذ من غير مأكول اللحم أم لا فبجريان البرائة عن قيديّة الصلاة بعدمه تكون لا بشرط عن هذا . ومعلوم ان ذلك اذا لم يكن الاطلاقات البيانيّة والمقامية المتكلفة لما يعتبر في العبادة وجودا أو عدما رافعة للشكّ . والا اذا كان هناك اطلاق فلا شكّ ولا تصل النوبة إليها فلا يحتاج إلى اجراء البرائة وذلك في غير الشبهة الموضوعيّة .

أمّا القسم الأوّل من النواهي النفسيّة وهو ما يكون بوجوده العلمي منشأ لانتزاع المانعيّة للصلاة كما في باب الغصب فعند الشكّ فيها يقطع بعدم المانعيّة اذ لا منشأ لانتزاعها هناك واقعا فلا مجال للتعبد بالبرائة اذ هو تحصيل الحاصل بالوجدان بالتعبد وينحصر ذلك عند المحقّق النائيني رحمه الله بباب التزاحم في اجتماع الأمر والنهي . اذ ليس عنده من وحدة المتعلّق للأمر والنهي بل ركوع وتصرف ولا يسري الأمر والنهي إلى متعلّق الآخر . وباب الاجتماع لا يكون عنده من التعارض بل من باب التزاحم فلا يكون هنا نهي في العبادة حتّى يكون البطلان من هذه الجهة بل من جهة فقد قصد القربة وقبح صدور الصلاة المتحقّق بها الغصب بحيث يكون العمل صلاة وتصرّفا في مال الغير قبيحا مانعا عن تحقّق القربة به . فينتزع من ذلك المانعيّة للغصب بالنسبة إلى الصلاة فلابدّ أن لا تكون في المغصوب . وإنّما ذلك في خصوص تزاحم باب الاجتماع من الأبواب الخمسة للتزاحم . فلا يقول ذلك في باب التضاد . فالمصلى وإن كان يطالبه الغريم له في

الفرق بين النواهي النفسية والغيرية

ص: 223

أوّل الوقت بالدين يشتغل بالصلاة وتصح عنده صلاته فيعصى ويطيع اذ الأمر بشيء لا يكون نهيا عن ضدّه فاذا شكّ هنا في الغصبيّة يقطع بعدم المانعيّة اذ ملاك باب التزاحم فعليّة الخطابين بالتنجز بالعلم وليس في المقام والمفروض انه لا يكون بوجوده الواقعي مانعا ولا تصل النوبة إلى جريان البرائة لعدم موضوع لها . اذ مجراها الشكّ في تحقّق منشأ الانتزاع وهنا قاطع بعدم منشأه كما انه في الطهارة الخبثيّة الأمر كذلك . وكالجهر والاخفات والقصر والاتمام وإن كان الأخيران في الحكم . ومثال الطهارة الخبثيّة والشكّ في وجود النجاسة في مانعيّة الموضوع .

والقسم الثاني من النواهي النفسيّة التي يكون بوجودها الواقعي منشأ انتزاع المانعيّة بحيث انتزاع المانعيّة يكون منها لا من الخطاب الغيري في موردها بالنسبة إلى العبادة فانه يمكن أن يكون كلاهما كما مثلنا في مثل ( لا تلبس الحرير ولا تصل في الحرير ) فان كان الخطاب الغيري فكما تقدم وان كان الخطاب النفسي فعند الشكّ في وجود الخطاب النفسي الذي هو منشأ انتزاع المانعيّة يجري البرائة عند الشيخ رحمه الله عن الخطاب النفسي . ولما كان الخطاب النفسي منشأ لانتزاع المانعيّة فالشكّ في المانعيّة مسبب عن الشكّ في الحرمة النفسيّة فبجريان البرائة عن الحرمة النفسيّة يرتفع موضوع المانعيّة كما هو الشأن في جميع موارد الشكّ السببي والمسبّبي حيث انه لابدّ أن يكون الشكّ في المسبب مسببا عن الشكّ في السبب ويكون المسبب من الآثار الشرعيّة للسبب والسبب ذا أثر شرعي كما في الشكّ في طهارة الثوب النجس المغسول بماء قليل مشكوك الطهارة على النحو المعتبر في غسله . حيث انه يكون الشكّ في طهارة الثوب مسببا عن الشكّ في طهارة الماء فاذا جرى الاستصحاب في ناحية السبب الذي معناه رتب أثر

ص: 224

المعلوم على المشكوك ان هذا الثوب طاهر اذ هو من آثار السبب الشرعيّة . فلا يكون هنا اشكال من جهة فرديّة كليهما لعموم الاستصحاب . اذ جريانه في الأول رافع لموضوع الثاني ومنه المقام . فعند الشكّ في المانعيّة وجريان البرائة في الحرمة النفسيّة لا يبقى موضوع للمانعيّة اذ الشكّ فيها مسبب عن الشكّ في الحرمة النفسيّة وللحرمة النفسيّة آثار منها مانعيّة المحرّم للصلاة .

الا ان للمرحوم المحقّق النائيني التفصيل(1) بين ما اذا كان هناك أصل محرز وبين ما اذا لم يكن هناك أصل محرز يحرز وجود منشأ المانعيّة أو عدمه وهو الحرمة النفسيّة . فمن آثاره مانعيّة المحرّم للصلاة أو عدم مانعيته لها فهو المتبع . والا فتجري البرائة عن الحرمة النفسيّة ويكون في الظاهر حلالاً له . الا انه

لما كانت المانعيّة هنا ناشئة من وجود الحرام الواقعي بوجوده الواقعي فبجريان البرائة لا يرتفع الشكّ هنا بل البرائة واصالة الحل غايتهما الترخيص في مقام الترك وجعل في ظرف الشكّ وليسا كالاستصحاب بحيث يتصرّف في الشكّ ويكون كما اذا لم يعلم . فحينئذٍ لابد من جريان البرائة عن المانعيّة للصلاة في عدم تقيدها بالمشكوك . فمن يقول هنا بالبرائة كما في الشرايط والأجزاء فعنده تجري البرائة والا فالاشتغال . وحيث انه مضى المختار منه قدس سره كون باب الموانع كالشرايط مثل الأجزاء تجري فيها البرائة فتجري البرائة مستقلّة في المانعيّة . لكن هذا مبنى على ترخيص المولى بترك الصلاة التامة والاتيان بالناقصة والجمع بين الحكم الظاهري والواقعي الذي يكون فعليا في عهدته وان يتعلق الرفع بايجاب الاحتياط حيث انه اذا صادف الواقع يكون النتيجة عدم مطالبة الواقع . والا

التفصيل بين ما إذا كان أصل محرز وغيره

ص: 225


1- . فوائد الأصول 1/466 وبعده .

فالحكم الواقعي ليس قابلاً للرفع على ما مضى عند الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي ولا جعل بدل وقد جمعوا بينهما بوجوه . أحدها أن يكون الحكم الواقعي عبارة عن اشتغال الذمّة بلا مطالبة ولا يصحّ هذا(1) ولا القناعة في مقام الامتثال ولا ساير ما تقدّم في بابه من ما قيل مع ورود الترخيص بقاعدة الفراغ مع العلم التفصيلي بالتكليف .

وقد مضى في بعض المباحث السابقة الاشارة إلى كيفيّة الجمع في هذه الموارد والجواب عن الشبهات والاشكالات اجمالاً فراجع . ولكن مع هذا الكلام مع المحقّق النائيني رحمه الله حيث يقول(2) بجريان الاستصحاب لرفع الشكّ في المانعيّة بضابط الشكّ السببي والمسببي فان المقام ليس من الشكّ السببي والمسببي . اذ المانعيّة ليست من آثار الحرمة النفسيّة الشرعيّة حتى يمكن جريان الاستصحاب العدمي في جانب الحرمة النفسيّة رافعا لموضوع المانعيّة . بل المانعيّة إنّما هو أمر

انتزاعي غير مجعولة فلا يمكن رفعها بالاستصحاب في جانب الحرمة النفسيّة وحيث ان نفسها ليست مجعولة فلا تعدّد للجعل أحدهما يتعلّق بالحرمة النفسيّة التي هي منشأ انتزاع المانعيّة والآخر بنفس المانعيّة . فلا يمكن أن يجري الاستصحاب بالنسبة إليها مضافا إلى ما مرّ من الاشكال في جريان الاستصحاب بأقسامه المتصوّرة قبل البلوغ وقبل التكليف بشيء بعد البلوغ وقبل التكليف بل قبل حضور وقته فلا يكون هنا إلاّ البرائة فنظره في اطلاق كلام الشيخ بجريان البرائة في المقام منظور فيه لما ذكرناه .

ص: 226


1- . قد تكرّر من سيّدنا الأستاذ قدس سره الجمع بالعهدة بدون المطالبة .
2- . فوائد الأصول 1/468 لكن يخالف ما في المتن .

هذا مع ان ما ذكر هنا من منشأيّة الحرمة النفسيّة للمانعيّة لا وجود له في أبواب الفقه . بل ظاهر كلّ ما ورد في الشرع من الأمر بشيء في شيء أو مع شيء أو النهي عن شيء في شيء الجزئيّة والشرطيّة في الأمر والمانعيّة في النهي . فالحرمة النفسيّة لا تكون منشأ انتزاع المانعيّة بل ممّا يحقّق ويبيّن القدرة على المأمور به حتّى مع المحرم . والا فلا يمكن أن يكون شيء حراما نفسا في عبادة مع مانعيّته عنه اذ المانعيّة مما يستلزم عدم تحقق ما هو مانع فيه مع وجوده والحرمة النفسيّة ممّا يلازم ( يستلزم ) تحقّق ما هو حرام نفسا فيه حتّى معه . وإن قالوا في باب الصوم بالنسبة إلى الارتماس من انه يكون حراما نفسا للصائم لا انه مانع مبطل الا ان ظاهر دليله الارشاد إلى المانعيّة وكذا في نكاح الزائد على الأربع حيث يبطل العقد مع الحرمة النفسيّة وباب الحج في تروك الاحرام وباب المعاملات من مثل قوله علیه السلام ( لا بيع إلاّ في ملك )(1) ( لاتبع ما ليس عندك )(2) وكذا نهى النبي صلی الله علیه و آله عن بيع الغرر وكذلك بالنسبة إلى الربا حيث انه يكون حراما مع فساد المعاملة فلا يمكن أن يرد الزائد ويتصرّف في الباقي . بل بالنسبة إلى المساوي أيضا العقد باطل إلاّ انّه في جميع هذه الموارد من أبواب الطهارات والصوم والحج وأبواب المعاملات والنكاح وباب الرضاع ظاهر الخطابات الغيريّة أي ما أوجب شيئا في شيء أو مع شيء أو ينهى عن شيء في شيء كما ذكرنا الارشاد إلى الجزئيّة والشرطيّة والمانعيّة . والحرمة النفسية أو الوجوب غير مستفاد منها حتى الخلوة مع الأجنبيّة الوارد فيها النهي لا يلازم بطلان الصلاة فيها .

ظاهر الأمر بشيء في شيء أو النهي عن شيء في شيء

ص: 227


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 1 - 2 من أبواب عقد البيع الحديث 5 - 8 - 12 .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 12/12 - 13 .

وللّه درّ سيّدنا المحقّق الأستاذ قدس سره وأعجب به من متبحر في الفقه بحيث اذا استنطقته في باب أورد عليك ويفرغ الكلام من أبواب ويقلبها لك ظهر البطن ثمّ يبقرها بقرا فتصور عن جنابه عارفا بعدة من أبواب الفقه مستبصرا متبصرا فيها بعد ما كنت واردا عليه ببضاعة مزجاة ما أقل أمثاله بل عقم أم الدهر من ولادتهم .

فذلكة وعود على بدء: تبين ممّا ذكرناه ان الشكّ في الأقلّ والأكثر الارتباطي مجرى البرائة سواء كان بالنسبة إلى الأجزاء أو القيود الوجوديّة والعدميّة ولا فرق بين ما إذا كان منشأ الشكّ فقد النصّ أو اجماله أو تعارض النصين أو الأمور الخارجيّة المتحقّق شكّها في الشبهة الموضوعيّة المتصوّرة في القيود العدميّة لا الوجوديّة كما مضى سابقا وكذا لا فرق في القيود بين ما اذا كان القيد والمقيد متحدين في الوجود كما في الرقبة والايمان المعتبر فيها حيث ان وجود المؤمنة ليست بمنحازة عن الرقبة بل وجوده عين وجود الرقبة .

أو كان في الخارج لوجود القيد وجود زائد على وجود المقيد الا انه وقع الخلاف في القيود يعني الشرايط حيث قالوا لا تجري فيها البرائة وان قالوا بجريان البرائة عن دخل قصد القربة فيما إذا كان الشكّ بين الأقلّ والأكثروذلك في كلّ ما إذا كان العنوان الاشتقاقي قيدا كالرقبة المقيّدة بالايمان بالنسبة إلى المؤمنة فان المؤمنة عنوان اشتقاقي فيما إذا لم يكن لوجود القيد وجود زائد على وجود المقيد حيث يكون حال هذه القيود مع مقيداتها حال المركبات التحليليّة العقليّة كالجنس والفصل من جهة انه لا يكون وجود الفصل غير وجود الجنس بل وجودهما واحد فلا يحتاج إلى جعل زائد يتعلّق بالقيد والفصل على لحاظ الجنس وجعله .

ص: 228

فاذا شككنا على هذا في ان الواجب في العتق هل هي الرقبة مطلقا أو الرقبة المؤمنة أو شككنا في الغاسل للميت هل يعتبر فيه أن يكون مسلما أو بعد الاسلام أن يكون مؤمنا اثنى عشري أو بعد ذلك مماثلاً مثلاً ففي جميع هذه الموارد لا مجال للبرائة حيث ان ليس لوجود الشرط والقيد المشكوك وجود زائد على وجود المقيد والمشروط بها وإن كانت ليست من المركّبات التحليليّة العقليّة بل من المركّبات العرضيّة الا انه لا تجري البرائة . وتأمّل في الجريان بعض فحالها ليس كحال المركبات الخارجيّة التي لوجود الشرط انحياز عن وجود المشروط . وبعض قالوا بالجريان في القيود الوجوديّة والعدميّة كالأجزاء . الاّ انّه منع في ما

إذا كان المشكوك هي الشبهة الموضوعيّة أي التي تتحقّق بالنسبة إلى الموانع . فقال بالاشتغال وعدم جريان البرائة . وعن بعضهم تفصيل بين ما إذا كان منشأ الشبهة فقد النص فتجري واجمال النص فلا مجال للجريان . فالأقوال في المسئلة عدم الجريان مطلقا والجريان في خصوص الأجزاء أو مع القيود الا في الموضوع مطلقا أو في غير اجمال النص .

ولكن لا مجال للتوقّف في القيود الوجوديّة التي تركيبها تركيب عرضي بحيث لا يكون لها في الخارج وجود منحاز عن وجود مقيداتها . اذ ضابط جريان البرائة ينطبق عليها كما ينطبق على الشرايط التي يكون لها منشأ انتزاع في الخارج كالطهارة والستر اذ تحتاج إلى مؤنة زائدة في أصل الجعل وفي عالم الاثبات .

فالرقبة إذا اعتبر فيها الايمان لابدّ من ملاحظته معها . فانّه إمّا أن يكون

بعض موارد عدم جريان البرائة

ص: 229

للايمان دخل وجودا أو عدما أو لا دخل . فاذا كان هناك اطلاق لفظي فكما نتمسك لعدم قيديّته بالاطلاق ويكون الموضوع للتكليف ومتعلّقه لا بشرط بالنسبة إلى المشكوك في دخله على النحوين ونقول انه مطلق بالنسبة إليه . فكذا إذا لم يكن هناك اطلاق نتمسك بالأصل وهو البرائة . فتجري بالنسبة إلى القيد الزائد ونتيجته عدم دخل المشكوك في متعلّق التكليف بالنسبة إلى الحكم الذي تعلّق به وإن كان له دخل في الواقع .

فالمناط هو المناط واذا منعنا الجريان في هذه الموارد لا يمكننا اجرائها في ما إذا كان للشرطيّة منشأ انتزاع في الخارج . إذ الطهارة والستر مثلاً ليسا حقيقة قيد الصلاة بل التقيد بهما شرط والتقيد داخل والقيد خارج . والطهارة إنّما هي مقدّمة وجوديّة لحصول التقيد المشترط به الصلاة .

نهاية الأمر لما لم يكن معرفة للمكلّف بالطهارة بين له في الحدث والخبث بأن الوضوء غسلتان ومسحتان والتيمّم مثلاً ضربتان ضربة للجبهة وضربة لليدين وان الطهارة من الخبث مثلاً في الاستنجاء بالبول بالغسل وفي الغائط هو الأفضل إلى النقاء وهكذا . لا أن تكون الطهارة قيدا فالتقيد الذي للصلاة هو كونه معها كما انه لابدّ أن يصلّي إلى القبلة . والقبلة خارجة والتقيد للصلاة إليها داخلة وإذا كان

كذلك ففي مثل الايمان في الرقبة أيضا الأمر كذلك فالمؤمن لحصول ايمانه مقدمات وجوديّة ( فلابدّ له من النظر إلى الأدلّة كي يحصل له الاعتقاد المعتبر في الموضوع كما انّ الاسلام كذلك . غاية الأمر ظرف مثل حصول المقدّمة الوجوديّة للطهارة هو الخارج وظرف ذلك الذهن . والا فهو أمر زائد وله وجود زائد على أصل المشروط وذلك أيضا كذلك . فان منع المانع من جريان البرائة في مثل هذه

ص: 230

الشرايط منعه في مطلقها لما ذكرناه . والا فاذا قال بالجريان في مثل الطهارة لابدّ من القول بالجريان في الايمان وأمثاله .

نعم اذا لم يكن من المركبات الخارجيّة باصطلاحهم ولا من المركبات العرضيّة بل من المركبات التحليليّة العقليّة فهنا ليس مجال لجريان البرائة ويخرج من باب الأقل والأكثر كما اذا وجب اكرام انسان فان الانسان ما لوحظ حيوانيته والصورة النوعيّة الانسانيّة له المعتبر من الجنس والفصل بل الانسان ينحل عقلاً إلى ذلك وإلاّ فالوجود واحد كما ان الموضوع كذلك . فلو حصل في مورد له الشكّ بأن الموضوع للتكليف هو الحيوان المطلق أو خصوص الانسان فلا تجري البرائة بخلاف ما اذا وجب عليه اطعام حيوان فله الاكتفاء باطعام حمار ( وإن كان يمكن أن يبين الانسان بالحيوان الناطق أيضا الا انه اذا حصل الشكّ يخرج عن باب الأقلّ والأكثر وسر ذلك ان بيان الانسان بالجنس والفصل توسعة في عالم الاثبات فالشكّ يكون بين المتبائنين ولا يكون المركبات العرضيّة من هذا القبيل كما بينّاه .

وأيضا اذا كان منشأ الشبهة اجمال النص لا مجال للاشتغال والشكّ في الأقلّ والأكثر في مورد اجمال النص يتصور على نحوين . إمّا في الشبهات الوجوبيّة أو الشبهات التحريميّة . وفي كلا القسمين تارة يكون الشكّ في متعلّق التكليف وتارة في متعلّق المتعلّق وهو موضوع التكليف الخارجي .

فان كان الشكّ في الشبهات الوجوبيّة بين الأقلّ والأكثر الارتباطي في متعلّق التكليف فالأقلّ معلوم والأكثر مشكوك فبالنسبة إلى الأقل لا تجري البرائة وبالنسبة إلى الأكثر يكون الشكّ في التكليف الا انه مع حفظ الارتباطيّة . كما اذا وجب عليه الاكرام للضيف ولم يدر ان الاكرام هو خصوص اطعامه أو مع زيادة

ما خرج عن باب الأقلّ والأكثر

ص: 231

تقبيل يده أو وجب عليه اطعامه ودار أمر الاطعام بين اطعامه خصوص الخبز المأخوذ من الحنطة أو مع الارز المطبوخ والقصاع من الادام فالأقل عليه واجب وبالنسبة إلى الزائد عن الأقل تجري البرائة فيجب عليه في الفرض اطعامه خصوص الخبز لا أزيد وخصوص اطعامه في المثال الأوّل بلا زيادة تقبيل يده وهذا بخلاف الشكّ في متعلّق التكليف في الشبهات التحريميّة . فان الأكثر هناك متيقن والأقل مشكوك مجرى للبرائة . فاذا شكّ في ان الغناء الذي هو حرام في لسان الشرع هل هو خصوص الصوت الحسن المطرب ذي الترجيع أو الصوت الحسن وإن لم يكن مطربا أو معه وان لم يكن مرجعا . فهنا الجامع للقيود مسلم الحرمة ولا مجال للبرائة فيه والفاقد لبعض القيود ليس بحرام فتجري البرائة كما ان الشكّ في موضوع التكليف في الشبهات التحريميّة أيضا كذلك . فاذا حرم عليه اكرام الفاسق وشكّ في ان الفاسق هو هل مطلق العاصي ولو بالصغيرة أو مع الكبيرة فمرتكب الصغيرة لا يكون فاسقا حتى يحرم عليه اكرامه فيحرم عليه اكرام مرتكب الكبيرة إذ هو المسلم من الفاسق ولا يحرم عليه اكرام مرتكب الصغيرة للشكّ في حرمته فيجوز له اكرام المرتكبين للصغائر وكذلك الأقل والأكثر في موضوع التكليف في الشبهة الوجوبيّة . فاذا شكّ في ان الصعيد الواجب عليه عند التيمّم به هل هو مطلق وجه الأرض أوالتراب منه والحجر خارج عن الصعيد .

أو شكّ في ان الأربعين غنما الواجب في اجتماع الشرايط عندها دفع الزكوة هل هو خصوص السائمة في تمام السنة أو في الغالب مثلاً فلا يضرّ العلف يوما أو يومين أو شكّ في انّها مطلق الغنم ولو كانت اكولة أو ربّياً أو خصوص

ص: 232

غيرهما وأمّا إذا كان بعض النصاب أو تمامه منهما أو أحدهما فلا تجب وإن كان النص(1) ورد في انهما غير محسوبين .

وجمع بعض الأصحاب بينهما بحمل أو شكّ في ان الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحجّ هل خصوص الجامع لستّة قيود أو يكفي خمسة . أو ان المالك للنصاب الواجب عليه الدفع هل يعتبر فيه أن يكون له سنة أو أقل له أم لا كما احتمله أو قال به بعض . أو الايمان في مستحق الزكوة(2) شرط أم لا في غير زكاة الفطرة(3) فانّه يمكن أن يدفع إلى المسلم مطلقا .

بل يمكن أن يدفع إلى السني أو مع الايمان هل يعتبر العدالة أم لا فلو دفع السني إلى مثله وضع شيئا في غير محلّه فاذا استبصر لابدّ له(4) من الأداء كما هو كذلك .

ففي هذه الصور وأمثالها . الأكثر وهو الجامع لجميع القيود واجب عليه في بعضها من جهة قاعدة الاشتغال للشكّ في الامتثال . وفي بعضها لأنّه المتيقّن والباقي الأقل الفاقد لبعض القيود مجرى البرائة . ففي مثال الصعيد يجب عليه بالتراب وفي مثل المؤمن الفقير العادل إذا كان الشكّ في اعتبار العدالة وذلك للشكّ في الامتثال بعد ثبوت أصل التكليف وفي غيرها من الأمثلة الأقل مجرى البرائة والأكثر متيقن مشمول للحكم . والفرق بين ما تجري في أقلّه البرائة وبين ما لا تجري واضح اذ الأوّل الشكّ في ثبوت التكليف والثاني في سقوط التكليف

مجرى البرائة في بعض موارد الشك

ص: 233


1- . وسائل الشيعة 9 الباب 10/1 من أبواب زكاة الأنعام .
2- . وسائل الشيعة 9 الباب 3/1 - 2 - 3 من أبواب المستحقّين للزكاة .
3- . وسائل الشيعة 9 الباب 15/1 - 2 - 3 - 5 - 6 من أبواب زكاة الفطرة .
4- . وسائل الشيعة 9 الباب 3/1 - 2 - 3 من أبواب المستحقّين للزكاة .

المعلوم فتبين انه اذا كان الشكّ بين الأقل والأكثر في الشبهة في موضوع التكليف تحريميّة أو وجوبيّة الأكثر متيقن والأقل مشكوك مجرى البرائة في التحريميّة وفي غير ما إذا نعلم بجعل التكليف في الوجوبيّة . كما ان في الشكّ في متعلّق التكليف في التحريميّة الأكثر متيقن معلوم والأقل الفاقد مجرى البرائة وفي متعلّق التكليف في الوجوبيّة الأمر بالعكس الأقل متيقن الاعتبار والزائد على الأقل مشكوك مجرى البرائة .

توضيح وشيء من العود على البدء: سبق ان منشأ الشكّ بين الأقلّ والأكثر قد تكون هي الأمور الخارجيّة وموردها الشبهة الموضوعيّة والشكّ تارة يكون في التكاليف التحريميّة واخرى في الوجوبيّة وعلى كلا النحوين تارة يكون استقلاليّا واخرى غيريّا . لا اشكال ولا خلاف بل الاجماع بين الأصوليّين والمحدثين باصصلاح سيّدنا الأستاذ في التعبير عن الأخباريين في جريان البرائة في الشبهة الموضوعيّة في التكاليف النفسيّة الاستقلاليّة التحريميّة . ووقع الخلاف في الشبهة الغيريّة المنتزع منها المانعيّة هل حالها حال النفسيّة أم لا . فبعض قالوا بجريان البرائة كما في النفسيّات واخر بعدم الجريان . ومنشأ الاشكال والخلاف هو انه إن كان الشكّ فيها شكّا في الامتثال فلا مجال لجريان البرائة بخلاف ما لو كان الشكّ في التكليف فانه يمكن اجراء البرائة ولكلّ فيها مشرب . فبعض قالوا حالها حال صل ولا تغصب مشروط مانعيتها بحال العلم فاذا اشتبه الموضوع الخارجي المأخوذ كليّاً مانعا عن الصلاة مثلاً فلا مانعية له وبعض من جهة اجراء أدلّة البرائة كاصالة الحل . فاذا شكّ في ان لبس هذا الشيء المشكوك كونه حريرا أو من غير المأكول حراما أم لا فيجري البرائة عن الأكثر . ولكن جريان البرائة في

ص: 234

التكاليف النفسيّة التحريميّة ولو كانت موضوعيّة على الانحلال ورجوع الشكّ في الشبهة الموضوعيّة إلى الشكّ في التكليف .

بيان ذلك ان قوله لا تشرب الخمر ينحل إلى تكاليف متعدّدة بعد ما لمتعلق متعلق التكليف من الوجودات الخارجيّة . فان التكليف له متعلق كالصلاة والاكرام والشرب . في بعض الموارد له متعلق المتعلق أي لمتعلق التكليف أيضا متعلّق وهو ما يكون مفعولاً به كالماء والخمر في نحو اشرب الماء ولا تشرب الخمر والعالم في قوله أكرم العالم . فاذا علم فردا من أفراد الخمر في الخارج يعلم حكمه أيضا ويحرم عليه شربها وان شكّ في فرد خارجي انه ماء أو خمر فهنا يشكّ في حرمته من جهة انطباق كبرى الخمريّة في الحكم التحريمي عليه الناشى من اشتباه هذا الفرد عليه فبالاخرة يرجع الشكّ إلى الشكّ في التكليف والمرجع هنا البرائة . والا لا مجال لجريان البرائة أصلاً ويكون الجريان هاهنا اشكل من الجريان في الشبهة الحكميّة لأن في الشبهة الحكميّة التكليف مجهول وغير معلوم ولكن في الموضوعيّة التكليف بالكبرى الكلية معلوم وتوقّف امتثال الكبرى على الاجتناب عن جميع أفرادها المعلومة منها والمشكوكة . فلو امتنع من شرب جميع أفرادها الا انه وقع في فرد ما امتثل الكبرى والطبيعة أصلاً ولا وجه لجريان البرائة في الشبهة الموضوعيّة الا رجوعها إلى الحكميّة ولا وجه لذلك الا الانحلال كما قلنا ولا يكون الانحلال إلاّ اذا كان كلّ فرد موضوعا من الموضوعات على نحو يكون له حكم يخصه ثبوتا وسقوطا والا فمعلوم ان ترك الطبيعة بترك جميع أفرادها ولا يكون ذلك إلاّ في اذا كان لمتعلّق التكليف موضوع خارجي وإلاّ فالشكّ لا يكون شكا في التكليف من ناحية الموضوع الخارجي . كما إذا حرم قول آمين والتكتف

جريان البرائة في بعض الموارد

ص: 235

في الصلاة فانه ليس لهما تعلّق بالموضوع الخارجي ( أقول هنا كلام فانه يمكن تصور ذلك في مثل ما اذا لم يكن لمتعلق التكليف موضوع خارجي كما في آمين فاذا تلفظ بنحو شكّ في ملفوظيته بنحو آمين أم امين مثلاً فانه شبهة موضوعيّة فالشكّ في مانعية مثل هذه للصلاة الا انه لا مجال لهذا الكلام بعد ما اذا كان من هذه الجهة أيضا حكميا ولا موقع للبحث بعد ما كان رجوع الموضوعيّة الى الحكميّة في أثر جريان البرائة غير الموضوعيّة مثل بعض أدلّتها كلّ شيء حلال الخ فتأمّل ) ومع ذلك لا يكون المتعلّق صرف الوجود بل مطلق الوجود والا فلا مجال في صرفه من الاشتغال للشكّ في الامتثال في التقليد حيث يجب تقليد من(1) كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه يقتضي قوله فللعوام أن يقلّدوه فانّه ليس بلازم تقليد كلّ من كان بهذه الصفة بل التقليد يكفي فيه واحد فاذا شكّ في اجتماع هذه الأوصاف المعتبرة في شخص فلا يمكنه تقليده . وإذا كان هناك أشخاص متعددون فله التخيير لو توافقوا أو تخالفوا . غاية الأمر لو كان هناك توافق لا يلزم التعيين واذا تخالفوا ليس المقام مقام التعارض كي يجب بعد عدم الترجيح التخيير فله الأخذ بقول أيّهم شاء لا انه بالتعارض يتساقطان فلا حجّة عليه .

أقول: ليس اللسان هنا لسان صرف الوجود بل مطلق الوجود لمكان من كان وكذلك يجوز له عند التوافق الرجوع إلى كلّ واحد وإن كان التقليد يحصل بواحد فالصرفيّة بين ناحية التقليد لا من ناحية قوله ( من كان الخ ) لكنه لا يخفى ان صرف الوجود مطلق الوجود في الجعل صرفه في الامتثال الاّ انه قد يكون

ص: 236


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 10/20 من أبواب صفات القاضي .

المؤدّى هو مثل أكرم عالما وقد يكون كما في الباب بلسان العموم في جعل الأفراد مع حصول الغرض بواحد بخلاف عالما فانه في معنى عالما واحدا لأن المطلوب اكرام طبيعة العالم لا بما هي طبيعته .

كما في التكاليف الوجوبيّة مثل اكرام عالم مثلاً فانّه لابدّ من احراز عالمية من يكرمه في الامتثال وكذا بالنسبة إلى الوجوبيّة الغيريّة كما إذا شكّ في ماء انه مطلق أو مضاف فانه لا يمكنه أن يتوضّأ به ويصلّي بهذا الوضوء أو وجب عليه الصلاة في المتخذ من المأكول من الحيوان أو في القطن مثلاً اذ الشرط لابدّ من احرازه . فانه لا يجب عليه في مثل هذه المقامات الوضوء بكل ماء مطلقا أو الصلاة في كلّ جلد مأكول اللحم بل وجود واحد يكفي ولابدّ من احرازه بخلاف ما لو كان مطلق الوجود فانه مجال لجريان البرائة كما اذا وجب عليه التواضع لكلّ عالم . فاذا شكّ في فرد انه عالم أم لا فالشكّ يكون في الأقلّ والأكثر وبحكم الانحلال غير ارتباطي فالمشكوك موضوع والمعلومات موضوعات متعدّدة ويجري فيه البرائة كما في التكاليف النفسيّة التحريميّة .

( أقول: لو لم يجر الأصل الموضوعي وهوانه غير عالم ) كما مثلنا بلا تشرب الخمر فجريان البرائة في المشكوك الخمريّة بلا اشكال . لأنّه موضوع مستقل مجهول الحكم .

والحكم فيه مجعول وفي رفعه منة وليس الجعل لعنوان ثانوي وهذا الضابط بعينه متحقّق في محلّ البحث وهو التحريميّة الغيريّة . غاية الأمر هنا منشأ الانتزاع مجعول كما في الجزئيّة والشرطيّة والا فنفس الشرطيّة أو الجزئيّة والمانعيّة امور انتزاعيّة لا جعل يتعلّق بها . فاذا منع الشارع الصلاة في الحرير من الألبسة أو غير

لو شكّ في شيء انّه مصداق المانع

ص: 237

المأكول من الجلود فالشكّ في شيء انه حرير مثلاً أو متّخذ من غير المأكول يكون في تعلق التكليف بهذا الفرد وهو مرفوع فلا مانع من الصلاة فيه كما في الشبهة الحكميّة لان كلّ فرد موضوع مستقل وله حكم . فبتعدّد الموضوع يتعدّد الحكم وهو المانعيّة فمانعيّة الفرد المشكوك مجهولة ومانعيّة ما علم معلومة ولا مانع من جريان البرائة في المجهولة لمنشأ انتزاعها لرجوعه إلى الحكميّة والا فلا مجال للبرائة . ومن هنا قالوا في التحريميّة النفسيّة الموضوعيّة بالبرائة وفي الوجوبيّة

الصرف الوجودي بالاحتياط لأن في الأوّل الشكّ في التكليف والثاني في الامتثال والا فلا وجه لذلك ولا يمكن الالتزام بأن أخبار الترخيص في الشبهة الموضوعيّة تعبد لذلك اذ لا ثالث لاثنين .

أمّا المشكوك ليس من أفراد الطبيعة المعلوم الحكم والمقام مقام الامتثال وبهذا يلزم من يقول بالبرائة في التحريميّة الموضوعيّة وبالاحتياط في التحريميّة الحكميّة كما عن صاحب الوسائل من الاستشكال في الفرق بين الشبهة في طريق الحكم أي الشبهة الموضوعيّة وفيه نفسه وإلاّ فحال الموضوعيّة أسوء من الحكميّة كما أشرنا إليه .

يبقى هنا اشكال ان أجبناه يسلم جريان البرائة في المقام وهو انه إن كان متعلّق المتعلّق بوجوده السعي متعلقا له لا بوجوده الأفرادي حتى يكون موضوعات متعدّدة ولا بوجوده الطبيعي حتى يكون موضوعا واحدا يكون المرجع فيه الاشتعال والأوّل البرائة أو يكون المتعلّق نحو تعلّقه تعلّق العام المجموعي لا العام الافرادي الاستغراقي فيمكن منع جريان البرائة عن النحوين كما إذا كان متعلّقه هي الطبيعة ولما ذكرنا ظهر حال ما اذا كان متعلّق التكليف هو

ص: 238

صرف الوجود فانه لابدّ فيه من الاحتياط في الشبهة الحكميّة والموضوعيّة . والموضوعيّة تقدم مثالها اما الحكميّة فكما اذا شككنا في اعتبار كون المسح للرجل اليمنى متقدما على اليسرى وكون اليسرى باليد اليسرى واليمنى باليمنى . فتارة يكون نفس هذه الأفعال هي المأمور به فالشكّ في اعتبار شيء جزءا أو شرطا مجرى البرائة كما تقدّم أو مانعا . وتارة يكون المتعلّق الأفعال بما هي يصدر منها الطهارة كما قيل به ويكون هو الطهور فيكون الشكّ هنا في انطباق المأمور به على المأتي به ولا مجال للبرائة أصلاً اذ الشكّ حينئذٍ في العنوان والمحصل وهو مجرى الاشتغال ) .

توضيح وتبيين: بعد أن كان من المسلم جريان البرائة في الشبهات الموضوعيّة التحريميّة بل المسئلة اجماعيّة من المحدّثين والأصوليّين وكان جريان البرائة في الشرايط والموانع أيضا كجريانها في الأجزاء لا انه يختصّ بها فقط . لا يبقى مجال للاشكال في جريان البرائة في الشبهات الموضوعيّة التحريميّة غير الاستقلاليّة . إذ الضابط الذي ذكرنا في جريانها في الاستقلاليّة بعينه

موجود هنا منطبق وهو اذا كان الشكّ بين الأقلّ والأكثر في متعلّق المتعلّق يكون المقام مجرى البرائة عن الأكثر يعني عن الزائد عن الأقل .

أمّا الأقل متيقن بلا فرق بين التحريميّة والوجوبيّة وأمّا إذا كان في متعلّق التكليف ففي جانب النواهي كان الأقل مشكوك الحرمة مجرى البرائة بخلاف الأمر فانّه متعين بعكس الوجوبيّة في غير صرف الوجود كما مضى . فالشكّ في المقام بين الأقل والأكثر . غاية الأمر منشأ الشكّ اشتباه الأمور الخارجيّة فالمورد مشكوك الحكم وحكمه مجهول مجعول في رفعه منة وباقي أركان البرائة موجودة

المرجع الاشتغال بناء على بعض الوجوه

ص: 239

فلا محالة تجري كما في الشبهات الحكميّة . اذ ما لم يرجع إليها لا تجري البرائة . فلو شكّ في شيء انه مانع أم لا تجري البرائة عن قيديّة الصلاة به فلا مانع من الاتيان منه . فعلى هذا لا بأس بالصلاة في الألبسة المشكوكة من الماهوت وما يجلب من بلاد الكفار مثل الشعريّة وغيرها إذا شككنا فيها انها من غير المأكول لما ذكرناه .

الا ان الشيخ رحمه الله قال(1) في المقام بالاشتغال وذكر أمثلة . منها ما لو شكّ في اعتبار شيء في الطهور المتحصّل من الأفعال الوضوئيّة أو في باب التيمّم . ومنها ما لو نذر صوم شهر ما بين الهلالين أو فات عنه صوم شهر رمضان ولا يدري ان الفائت ثلاثون أو أقل بيوم . ومنشأ الشكّ هو الأمور الخارجيّة فالتزم هنا بالاشتغال بخلاف الشبهات الحكميّة في ما مضى من كلامه حيث قال بالبرائة . ولكن لا وجه للتفصيل والاشتغال بعد ما علم ضابط البرائة والشبهة الموضوعيّة وانه يكون في التحريميّة والوجوبيّة من الشكّ بين الأقل والأكثر في متعلّق المتعلّق وقد تقدّم جريان البرائة وما ذكره من الأمثلة غير خالية من النظر .

أمّا مسئلة الشكّ في الطهور المتحصّل من الأفعال فهو وإن كان من الشبهة الموضوعيّة ( على اشكال ) ويشكّ في جواز الدخول في الصلاة اذا توضأ بلا حصول ما يشكّ في اعتباره الا ان المقام مقام الشكّ في العنوان . فالشكّ يكون في المحصل وقلنا ان الشكّ في المحصل لا مجال للبرائة فيه بل لابدّ من الاشتغال سواء كان المحصل شرعيّا أم عقليّا . الا انه لا يبقى شكّ مع المطلقات اذ لو كان شيء معتبر زائد على ما بين الشارع لبيّنه وكذا مسئله النذر تتصور على اقسام .

ص: 240


1- . فرائد الأصول 2/478 .

فتارة يكون شهرا مطلقا بلا تعيين التام والناقص فله مصداقان أحدهما تام والآخر ناقص ومقتضى ذلك الاكتفاء في الامتثال بأحدهما وتارة يكون شهرا تاما ولا يدري ان الشهر تمّ أو ما تمّ فهنا يستصحب الشهر بلا اشكال كما في صوم شهر رمضان اذا تردّد بين الثلاثين ويوم أقل إذا لم يكن مورد القضاء فانه في القضاء لابدّ من الفوت فاذا شكّ في الفوت فلا مجال لوجوب القضاء بل تجري البرائة واستصحاب الشهر بعد المضي عند القضاء لا يثبت ان الشهر الثلاثين من رمضان فلا يجب عليه صومه ويكون الشكّ بين الأقل والأكثر غير ارتباطي إن قلنا بالانحلال وان التكليف بالشهر يتعلّق بكلّ يوم على حدة وكذا لعنوان القضاء عن الميت . وارتباطي ان قلنا ان الظاهر تعلقه بمجموع الشهر . وعلى أيّ نحو كان فهو مجرى البرائة كما تقدّم مفصلاً ولو كان نظر الشيخ رحمه الله إلى الشكّ في العنوان ففيه ان عنوان الشهر ليس بواجب صومه كما انه لا يجب عنوان الصلاة في التكليف بالصلاة بل المعنونات هي محطّ الخطابات والتكاليف . فعلى أيّ لا يستقيم كلام الشيخ رحمه الله إن أراد ما ذكرنا اذ في الطهور الشكّ يكون في المحصل ( مضافا إلى انه شبهة حكميّة على ما ظهر من تمثيله به ) وفي الصوم في بعض الموارد أصل موضوعي مثبت موجود ومن شرايط البرائة عدم أصل موضوعي مثبت للأقل والأكثر كما انه إذا لم يكن اطلاق والا فلا تصل النوبة إلى الشكّ وبعضه الآخر يكون الشكّ شكّا في التكليف فلا ثالث للاحتمالين الشكّ في التكليف أو لا في الشبهة الموضوعيّة فلو كان شكّا فيه كما في الشبهة التحريميّة الموضوعيّة الاستقلاليّة فهنا أيضا كذلك . ودليله دليله وقد قال بجريان البرائة في التحريميّة الموضوعيّة من لم يقل به في الحكميّة وإلاّ فلا مجرى ومجال للبرائة حتّى في

استصحاب الشهر

ص: 241

الاستقلاليّة . ويبعد أن يكون نظره قدس سره إلى ما ذكره من فتوى المشهور في باب الفوائت من وجوب الاتيان والقضاء إلى أن يعلم أو يظن بفراغ ذمّته في من كان عليه فوائت لا يدري كم هي وذلك لتنجز التكليف على تقدير الفوت وقد مضى تقريب الكلام فيه في محلّه وتوجيه فتوى المشهور من المحقّق صاحب الحاشية ( أعلى اللّه مقامه ) بأن المقام من الشكّ في مصداقيّة جريان البرائة اذ لو فات منه

وبعد الفوت علم بذلك ثمّ نسيه فلا مجرى للبرائة وحين ما يشكّ الآن فلا يدري من أيّ القبيلين ولو كان الفوت تحقّق منه في الواقع فلا ترخيص له من المولى ويعاقبه فلا جرم يلزم عليه أن يأتي بالأكثر أو بمقدار يظنّ ويعلم بالبرائة وفراغ ذمّته . والشيخ رحمه الله ما قبل هذا المعنى ولا قال به في موضعه من الصلاة فكيف يرتضيه في باب الصوم فالأدب أن نقول أراد شيئا ما نعقله ولو أراد ما ذكرنا فحالها ما عرفت ( أقول مضى من سيّدنا الأستاذ عند تقريب كلام المحقّق صاحب الحاشية الاشكال عليه وذكر سيّدنا الأستاذ قدس سره عن استاذه المحقّق النائيني قدس سره

تقوية كلام صاحب الحاشية ولعلّه لا يخلو من وجه وقوّة ) فتحصل من جميع ما ذكرنا ان جريان البرائة في القيود العدميّة من جهة الأمور الخارجيّة ( أي الشبهة الموضوعيّة التحريميّة ) بلا اشكال لما ذكرنا وليس ذلك لما قيل من وضع الألفاظ للمعاني المعلومة وتبين ان الجريان فيها على حدّ الجريان في الشبهات الموضوعيّة التحريميّة بل العمدة في باب الأقل والأكثر هو جريان البرائة في الشبهة الموضوعيّة اذ ليس من وظيفة الشارع بيان فرديّة شيء وتشخيص موضوع تكليفه بأن هذا من المأكول أو غير المأكول فلابدّ فيه من الركون إلى البرائة أو الاشتغال كلّ على مذهبه وأمّا في الشبهات الحكميّة من جهة فقد النص أو اجماله

ص: 242

فلا اشكال في عدم وصول النوبة إلى البرائة إذ لو كان فيها شيء معتبرا لكان عليه البيان وحيث لم يبين فما بيّن هو تمام المطلوب ومعلوم ان الاطلاقات اللفظيّة في المقامات موجودة فلا تصل النوبة إلى البرائة في الأجزاء والشرايط والموانع من جهة الشبهة الحكميّة .

هذا تمام الكلام في الشبهات الدائرة بين الأقل والأكثر الارتباطي وعلم من ما ذكرنا جريان البرائة في المسائل الأربع من الثلاث الحكميّة والواحدة الموضوعيّة في الأجزاء والشرايط والموانع على حد جريانها في غير الارتباطي .

وينبغي التنبيه على امور:

منها: هل الأصل في كلّ جزء وشرط . ومانع الركنيّة في الصلاة أم لا . وحيث لم يكن الركن لها بالمعنى العرفي جاريا عليه الاصطلاح فلابدّ من بيان المعنى المراد .

فتارة يكون الركن بمعنى أن يكون تركه عمدا وسهوا مبطلاً للصلاة وأخرى بأن يكون زيادته ونقصانه عمدا وسهوا توجب بطلان الصلاة .

اما النقصان العمدي فلا اشكال في انه يوجب بطلان العمل وحيث ان النقصان العمدي لا يختصّ ابطاله بالأركان بل يعمّ غيرها فيقع البحث في الركنيّة بمعنى ايجاب تركه سهوا بطلان العمل .

امّا الزيادة السهويّة ففيها كلام . مثل أن يترك ركوعا سهوا أو سجدة أو قرائة أو طهارة أو سترا أو يصلّي في غير المأكول أو يحمل عليه شيء من غير المأكول كما إذا علاه هرة فهل الأصل يقتضي الدخل المطلق فيها بالنسبة إلى الصلاة أم لا . والأصل هنا بمعنى الاطلاقات اللفظيّة والاّ فلو ثبت اعتبار شيء في العمل من

هل الأصل في الجزء والشرط الركنيّة

ص: 243

اجماع أو دليل لبي آخر فلا يكون مقتضاه ما يأتي .

لا اشكال في ان مقتضى الأصل والدليل ذلك أي الركنيّة وبهذا المعنى كي تبطل الصلاة بنقصانه سهوا ولا وجه للتفصيل بين ما إذا كان لبيان نفي الحقيقة عند عدم أحد هذه مثل لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب أو بطهور أو كان بلسان النهي والامر بعد انه من المسلم انهما في الغيري ارشاد إلى الدخل فلا يصغى إلى ما قيل من الصحّة عند نسيان أحد هذه لو كان بلسان الأمر أو النهي اذ لا خطاب لغير الملتفت والقادر وذلك لان أصل الصلاة أيضا كذا . مثل قوله صلّ فلو جرى فيه ما ذكر يجري فيها مع انه لو كان قبل غروب الشمس إلى بعد طلوع الفجر كان نائما فانتبه بعد ذلك يجب عليه قضاء صلاتي ليله . وذلك لأن القدرة إنّما هي شرط الخطاب لا شرط الدخل والمصلحة فليست جزء الموضوع بل لا خطاب عند عدم القدرة على الامتثال والا فعليه منجز ومعلوم ان موضوع القضاء فوت مصلحة الصلاة . فهي في حال النسيان والنوم أيضا موجودة . وما قيل من ان هذا الأصل هنا غير اصيل كلام غير اصيل وطوى سيّدنا الأستاذ قدس سره البحث عن كيفيّة جعل التكليف ثبوتا وخطابه اثباتا للناسي كما انه طوى تحقيق الكلام في الاشكال في ما ذكره سابقاً من كون الطبيعة بوجودها السعي تحت النهي أو تكون كالعام المجموعي . ولعله لوضوح ذلك بعد تكرار الكلام في مطاوي هذه الأبحاث من جريان البرائة في الأقل والأكثر سواء كان ارتباطيّا أو غيره اذ العام المجموعي ارتباطي في الجعل والامتثال .

والتحقيق انه لا اشكال في انه إذا كان الاطلاق اللفظي مدركا لاثبات جزئيّة شيء أو شرطيّته أو مانعيته . عدم اختصاصه بحال الذكر بل مقتضاه شموله لجميع

تحقيق الكلام

ص: 244

حالات المكلّف سواء اضطرّ إلى تركه اولا أو كان ذاكرا له أم لا فاذا حصل له العذر بترك جزء أو شرط من المأمور به مقتضى ذلك سقوط التكليف من المجموع وامّا اتيان الباقي والفاقد لهذا الجزء أو الشرط فلا يتكفّله أدلّة الجزئيّة والشرطيّة

وكذا المانعيّة فلابدّ من وجوب اتيان الباقي عن التماس دليل آخر لو كان والا فتبيّن ان مقتضى الاطلاق الدخل المطلق في جميع أحوال المكلّف فبعد حصول العذر الموجب لعجزه عن الاتيان بجزء أو غيره ممّا يعتبر في المأمور به يرتفع التكليف عن هذا الجزء بدليل لا حرج ولا ضرر ولا عسر وأمثالهما مما لسانه رفع التكليف في حال حصول موضوعاتها وليس من شأنها اثبات الفاقد . فاما أن يكون هناك دليل كما في باب الصلاة حيث انه اذا عجز عن الاتيان بالحمد يجب عليه الباقي واذا ما تمكن من الستر يصلّي عاريا أو من القيام فيها يصلّي جالسا أو لم يتمكّن من اقامة الصلب فيرتفع عنه مع ان الوارد فيها لا صلاة(1) إلاّ(2) بطهور ومثل لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب ولا صلاة لمن(3) لم يقم صلبه ممّا ظاهره الدخل مطلقا .

أمّا بالنسبة إلى الطهور اذا لم يتمكّن حيث لم يكن هناك دليل بلزوم الاتيان بالصلاة بلا طهور حتّى يكون الطهارة من قبيل اخواتها من باب تعدّد المطلوب فمقتضى القاعدة عدم لزوم الفاقد للطهور عليه لعدم القدرة عليه . فما هو المأمور به المقيّد بالطهور غير مقدور وما هو مقدور له غير مأمور به وحيث لم يكن هنا أمر

ص: 245


1- . الوسائل 1 الباب 1/1 من أبواب الوضوء .
2- . الوسائل 6 الباب 1/1 - 6 من أبواب القرائة في الصلاة .
3- . الوسائل 5 الباب 2/1 - 2 من أبواب القيام واللفظ من لم يقم صلبه فلا صلاة له أو لم يقم صلبه في الصلاة .

بلزوم اتيان الباقي ولا ما يسقط المأمور به ممّا هو ليس مأمورا به فلا شيء عليه لا في الوقت ولا في خارجه الا أن يشمله أدلّة القضاء فيجب حينئذٍ . وأيضا لا اشكال في ان المدرك لاعتبار شيء في المأمور به لو كان دليلاً لبيّا مثل الاجماع فاذا شككنا في عمومه لحالات المكلف فما هو المتيقن مسلم الدخل وبالنسبة إلى غيره ومنه في حال النسيان يكون الشكّ في الأقلّ والأكثر وقد تقدّم انه مجرى البرائة كما ان في الفرض السابق بالنسبة إلى لزوم الاتيان بالباقي والفاقد كان المرجع البرائة . فنتيجة الفرض الأوّل الركنيّة بالمعنى الذي يكون نقصها سهوا مبطلاً ومقتضى الوجه الثاني والفرض الثاني عدم الركنيّة واختصاصه بحال الذكر .

إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم انّ الشيخ رحمه الله قد أطال الكلام في المقام في التعرّض لما تعرّض له السابقون عليه من انه فرق بين ما إذا كان المدرك مثل لا صلاة وبين ما إذا كان مثل أقيموا ممّا ظاهره الأمر من تصوير للمكلّف بالفاقد وانه هل يكون من شأن حديث الرفع اثبات شيء بالنسبة إلى الباقي او يختصّ في مقام الاثبات الدليل بخصوص لا تعاد وأمثاله . ومحصل ما أفاده عدم الفرق بين لا صلاة وأقيموا وعدم امكان التكليف الناسي بما هو فاقد وانه ليس من شأن حديث الرفع اثبات الباقي . وحيث كان المحقّق النائيني قدس سره بصدد تنقيح كلام الشيخ بيّن على ترتيب هذه الأمور وتعرض لحالها وأفاد فيها بما لا مزيد عليه بعد ذكر ان الركن له معنيان فالكلام يقع في مقامات .

المقام الأوّل انه بعد ما كان مقتضى الاطلاقات دخل كل شيّ ممّا كفلته في متعلّقها مطلقا بلا اختصاص بحال دون حال . وان مقتضى حديث الرفع للنسيان ولا ضرر رفع التكليف بما اضطر إليه أو نسيه أو فيه ضرر أو حرج عليه . هل يمكن

ص: 246

تكليف الناسي بالفاقد وغير الجزء المنسي من الأجزاء الاخرام لا وزاد سيّدنا الأستاذ قدس سره ان هذه المسئلة لا ربط لها بمسئلة أجزاء الأمر الظاهري لأن مفاد رفع النسيان والاضطرار والاكراه وما لا يطيقون التقييد الواقعي والرفع الواقعي بخلاف ما لا يعلمون فانه من جهة لزوم التصويب قلنا انه رفع ظاهري . ومعلوم ان مثل الاضطرار وعدم الطاقة والاكراه غير النسيان يمكن أن يؤخذ العناوين الاشتقاقيّة منها موضوعا للتكليف ويخاطبون يا أيّها المضطر يا أيّها المكره ويا من لا يطيق كما يصح يا أيّها المدرك للوقت يا أيّها البالغ يا أيّها المستطيع . إنّما الاشكال في النسيان حيث انّه بعنوانه لا يمكن أن يكون موضوعا للتكليف لأن من وجوده يلزم عدمه حيث ان الناسي اذا أخذ قلب ووجه هذا الخطاب إليه ينقلب ذاكرا .

وما افيد في المقام من جواب الاشكال وحلّه وجوه ثلاثة . أحدها عن الشيخ رحمه الله في غير رسائله من تصوير ذلك ثبوتا فبان يكون الناسي موضوعا للتكليف بالباقي الفاقد للجزء المنسي إذ لا يلزم من ذلك محال . وفي عالم الاثبات يبين المولى ان الناسي له كذا وعليه كذا والذاكر له أو عليه كذا . وحيث يمكن من الناسي امتثال أمره المتعلّق به وان لم يكن بالالتفات إليه والبعث عنه فلا مانع منه في عالم الاثبات أيضا . غاية الأمر يرى نفسه من باب الاشتباه في التطبيق ذاكرا وبخيال الأمر الذكرى يأتي بالفاقد والقربة وقصد الأمر عنه حاصلان .

واستبعده المرحوم المحقّق النائيني(1) لانحصار امتثاله دائما بالاشتباه في التطبيق ولا يمكنه ولو مرّة أن يمتثل أمره بعنوانه وينبعث عنه . لكنّه مجرّد استبعاد

اشكال خطاب الناسي

ص: 247


1- . فوائد الأصول 4/211 - 212 .

اذ ما يعتبر في الامتثال وهو الانبعاث وقصد الأمر حاصل غايته ليس ملتفتا إلى انه ناسي فلا يأتي بالمأمور به بعنوان انه ناسي وذلك غير مضر .

وثانيها وثالثها عن المحقّق الخراساني قدس سره (1) أوّلهما . أن يكون الموضوع للتكليف عنوانا ملازما للنسيان لا نفس النسيان حيث يلزم عليه الاشكال مثل أن يكون عنوان البلغمي أو طويل القامة وأمثالهما ممّا يمكن ملازمته لحالات النسيان في المكلّف موضوعا للتكليف . وهذه العناوين ممّا يمكن التوجّه إليها فهو يعرف نفسه انه بلغمي أو شلجمي مثلاً ( كما أفاد سيّدنا قدس سره في فاكهة البحث ) فيخاطبه المولى بهذا العنوان ويمتثل الفاقد عن أمره بلا اشكال . وما ارتضاه المحقّق النائيني من جهة عدم وجود موضوع وعنوان يلازم النسيان للجزء مثلاً خصوصا وفي كلّ مرة ينسى جزءا فربما يكون المنسي سورة وربما تشهدا وربما غير ذلك وربما ركعة . فيلزم على هذا عدم تكليف للناسي .

وثالث الوجوه هو الذي ارتضاه المحقّق النائيني(2) بأن يكون عنوان الذاكر واجبا عليه التكليف بالأكثر على نحو يكون لعنوان الذكر دخل في وجوب المذكور عليه فاذا نسى ذلك لا يجب عليه شيء . والذكر على هذا لابدّ من أن يتعلّق بشيء وهو الجزء أو الشرط . ولا يخفى انه لابدّ له من فرض جزء يلتفت إليه المكلّف تارة وينساه اخرى وهذا ليس بمحال ولا يلزم عليه محذور فيكون لعنوان الذكر دخل في الملاك . فاذا التفت إلى الموضوع يجب عليه ويكون الحكم عليه فعليا بخلاف ما لو كان ناسيا فلا يجب عليه ذلك المنسي ولا يكون أخذه في

ص: 248


1- . كفاية الأصول 2/240 - 244 .
2- . فوائد الأصول 4/214 .

موضوع الحكم في حد أخذ العلم للزوم الدور . وليست الأحكام ممّا يستوي فيها الذاكر والناسي بل المسلم هو تساوي العالم والجاهل . وحيث لم يكن أخذ الناسي موضوعا عنواناً للتكليف بالباقي ولا الوجه الأوّل الذي قاله الشيخ ولا الثاني الذي أفاده المحقّق الخراساني فيكون المعوّل على ثالث الوجوه . إذ لا يرد عليه من الاشكال والاستبعاد ما يرد على غيره وإن كان نتيجة الوجوه تصوير ذلك في مقام الثبوت . فهذا القدر المشترك فيه بينها غاية الأمر في مقام الاثبات تختلف في الانبعاث وعدمه .

والحاصل: انه يمكن تصوير الخطاب بالنسبة إلى الناسي وان يكون مكلفا بما عدى الجزء أو الشرط أو المانع المنسي من الأجزاء أو الشرايط أو الموانع المعتبرة في المأمور به بهذه الوجوه الثلاثة . وأحسنها ما أفاده الشيخ رحمه الله ولا يرد عليه شيء . والاستبعاد الذي من المحقّق النائيني في المقام لا وجه له بعد صحّة الانبعاث عن أمر الذاكر اذ قصد الأمر والامتثال حاصل والتقرب بما يأتي به ممكن . غاية الأمر هو يرى نفسه ذاكرا وخطاب الذاكر متوجها إليه فينبعث منه وينطبق على ما هو مكلف به فعلاً ( فينبعث من خطاب نفسه بعنوان انه خطاب الذاكر ) ولا يلزم أن يكون منبعثا عن خصوص خطابه بعنوان انه ناسي . بل يكفي مطلق الانبعاث ولو من باب الاشتباه في التطبيق . وهو يرى انه يأتي بتمام المأمور به بخيال انها تسعة أجزاء وفي الواقع عشرة . وليس بواجب عليه إلاّ التسعة . ولا يلزم أن يكون في مقام الاثبات مخاطبا بعنوان الناسي أو البلغمي لو كان ملازما لنسيانه دائما . وعلى هذا فلا خطاب ولا تكليف للناسي مطلقا ولا ضابط له بأن يكون الأركان واجبة عليه أم غيرها . بل في كلّ ما يمكن أن ينسى شيئا يكون

تصوير الخطاب للناسي

ص: 249

مخاطبا بباقي أجزاء المأمور به فربما ينسى التشهد وربما الركوع وربما السورة وربما التكبيرة ولا مانع من ذلك في مقام الثبوت بأن يكون النسيان ( موجبا ) عذرا واقعيا كما ان الاضطرار والاكراه وعدم الاطاقة اعذار . وانما الفرق بينها وبين النسيان ان المتصف بكل واحد من هذه يأتي بعنوانه الاتصافي في مقام الاثبات بخلاف الناسي فاذا خوطب ينقلب ذاكرا . وسيجيى ء تصوير الخطاب إليه في مقام الاثبات بأن يستظهر من الأدلّة ان الواجب عليه ما هو وحيث ان ( المنسي ) يجب رفع الخطاب عنه ولمكان دخل المنسي في المركب بحسب الاطلاقات اما ان يدلّ دليل آخر بوجوب الباقي كدليل الميسور أو غيره ويدلّ على ان غير المأمور به من الباقي مجز عن المأمور به أو مباح آخر يسقط المأمور به . ويمكن أن يكون النسيان كساير الاعذار لذويها مقيدا للواقع بأن يكون للصلاة الصحيحة مثلاً عرض عريض ( انها لا تترك بحال ) فاذا لم يتمكّن من القيام الاختياري فالاضطراري والا فالقعود والا فاضطجاعا والا على الأيمن أو مستلقيا وهكذا إلى صلاة الغرقى وربما يكون الواجب عليه خصوص الفاقد في مقام الثبوت الذي هو المقام الأوّل من البحث .

أمّا مقام الاثبات والاستظهار من الأدلّة وهو المقام الثاني فيمكن الاستفادة من مثل لا تعاد(1) الصلاة بالنسبة إلى المستثنى منه .

وسيجيء اشباع الكلام فيه وإنّما في المقام اشارة إليه بناء على اختصاص مورده بحال النسيان وما يجري مجرى النسيان فيكون مبينا لمقدار دلالة الأدلّة الأوّليّة وان اطلاقها وارد لخصوص حال الذكر . اما في حال النسيان فليست

ص: 250


1- . وسائل الشيعة 6 الباب 10/5 من أبواب الركوع .

بواجبة فيكون المستفاد على هذا ان الأجزاء والشرايط على قسمين الجزئيّة والشرطيّة باعادة الخمسة ثلاثة منها من الشرايط واثنان من الأجزاء . وما له الدخل بخصوص حال الذكر فالدخل الجزئي والشرطيى له بغير الاعادة بالنسبة إلى الناسي وما يجري مجراه من الذاكر غير الممكن الذي اذا كان لازما عليه أن يأتي بالأجزاء والقيود على ما اعتبر في لسان الدليل لا يمكنه ذلك إلاّ بالاعادة . فدليل لا تعاد يقيد الواقع ويكون الناسي لغير الخمسة غير مكلف بالمنسي . وليس في حقّه إلاّ ما كان ذاكراً له سوى الخمسة غاية الأمر ورد الدليل المخصّص للا تعاد وان مثل التكبيرة أيضا لها الدخل المطلق حتى بالاعادة وكذلك خصّص بعض الخمسة المذكورة في لا تعاد المستثناة منه لمن صلّى قبل الوقت معتقدا دخوله ووقع جزء من صلاته في الوقت فلا اعادة عليه . وكذا إذا أدرك ركعه من آخر الوقت يكون مدركا للوقت . لكن يمكن فيه ان الاعادة ظاهرة في خصوص الوقت بناء على ان القضاء بأمر جديد وحيث لا يمكنه أن يعيد في الوقت فلا خطاب عليه بالاعادة ) وكذا القبلة لمن اجتهد ووقع بين المشرق والمغرب مثلاً فاما أن يكون تخصيصا للاتعاد بالنسبة إلى هذه الموارد أو توسعة في الوقت والقبلة ويمكن ( أن يكون مبيّنا لمقدار أدلّتها وموردها فيكون حاكما عليها لو لم يرجع إلى أحد الوجهين ) هذا اذا قلنا ان الظاهر من لا تعاد بيان حال الاطلاقات بالنسبة إلى ما تضمنته بأن لبعض ما تضمنته دخلاً مطلقا ولبعضها في خصوص حال دون حال . ويمكن أن يكون لا تعاد واردا لبيان ان الأجزاء الباقية فيها غنى وكفاية عن المأمور به لا أن يكون المأمور به في حال النسيان غيرها فيكون كقناعة في مقام الامتثال . وما ذكرنا مبنى على أن يكون لا تعاد لحال النسيان وما

الاستظهار من لا تعاد

ص: 251

يجري مجراه اما لو كان له اطلاق يشمل حال العمد فالكلام فيه غير ما ذكرنا ( ربما يتحقّق المعارضة بينه وبين أدلّة الأجزاء والشرايط .

واستدلّ بعضهم ونسب إلى الوحيد البهبهاني ( تعرّض ذلك الشيخ في الكتاب ) التفصيل بين ما لو كان لسان الدليل المتكفل للاعتبار مثل لا صلاة إلاّ بطهور وما لو كان مثل ولّ وجهك شطر المسجد الحرام ممّا يكون تكليفا الزاما وأمرا بأنّ الثاني لا يدلّ الا على صورة قدرة المكلّف على الاتيان بمتعلّقه بخلاف الأوّل لأنّ التكليف النفسي بشيء ممّا يدلّ نفس الدليل على اشتراطه بحال القدرة فبالنسبة إلى غير القادر ليس هناك خطاب ولا تتوجّه الخطابات النفسيّة المنتزعة منها الشرطيّة والدخل إلى غير القادر من اول الامر . واما من جهة ان العقل يرى لزوم الامتثال في حال القدرة . فاذا لم يقدر وكان عاجزا فلا يجب عليه . فاذا سقط الخطاب عن لزوم الاتيان بمتعلّقه فالدخل المستفاد منه يسقط . لأن الجزئيّة ليست أمرا مجعولاً وكذا المانعيّة والشرطيّة بل منتزعات من خطابات في مواردها وبسقوط الخطاب ومنشأ الانتزاع يسقط الدخل المنتزع في المكلّف به .

وتعدّى المحّق القمي رحمه الله وأجرى الكلام في العلم فاذا لم يعلم ليس الخطاب متوجها إليه وإن كان قادرا على الامتثال لو علم . ومعلوم ان من مورد المعذوريّة الموجبة لعدم القدرة وخروج المتعلّق عن تحت المقدوريّة مورد النسيان لجزء أو شرط أو مانع من المأمور به . فاذا نسى شيئا من هذه الأمور فلا خطاب بالنسبة إليه لو كان من غير الخمسة وبناء على ما أفاده المحقّق القمّي في حال عدم العلم أيضاً لا دخل لها .

والجواب انّه لا فرق بين لا صلاة ونحو صلّ ولا تصلّ في ما لا يؤكل لحمه

ص: 252

في استفادة دخل المأمور به والمنهي عنه في ما لمتعلقاتها أصلاً لأنّ الأمر والنهي لو كانا نفسيّين فلا يستفاد منهما الا صحة المأمور به كما قاله من قاله من مخالفينا

لا انه يكون من الأمر بالدخل في المكلّف به . بل ظاهر الأدلّة الواردة في بيان وجوب شيء أو حرمته في شيء آخر الارشاد إلى دخله فيه جزءا لو كان يترتب المركب به وشرطا في غير ذلك اما مطلقا أو في خصوص الأفعال الصلاتيّة كالطهارة من الحدث في الأوّل ومن الخبث في الثاني . هذا اذا كان بلسان الأمر ولو كان بلسان النهي فيستفاد منه المانعيّة لو كان لخصوص حال الأفعال ونسميه بالقاطع وكان في مطلق الأحوال كالاستدبار . مثلاً وكذا لا وجه لتعدّي المحقّق القمّي إلى العلم لوجود الأخبار(1) المستفيضة بل المتواترة معنى وتحقّق الاجماع وإن كان مدركه هذه الأخبار بأن الأحكام الشرعيّة لا اختصاص لها بالعالم . ونتيجة تلك الأخبار انها ممّا يستوي فيها العالم والجاهل . وان لم يكن بهذا اللفظ الا أن هذا المعنى مستفاد منها واستثنى من هذه الكلية موردان مورد الجهر والاخفات ومورد المسافر والحاضر وإذا كان العلم دخيلاً في الملاك بأن يكون الحكم لخصوص العالم لزم اشكالات من الدور وغيره حتّى أجابوا عن ذلك بأحسن وجه . وهو أن يكون ذلك بنتيجة التقييد على ما هو مقرر في محلّه فتبين ان ما ذكروه من كون القدرة والعلم دخيلين في الملاك لا يستقيم بل المسلم ان العلم شرط لتنجز الخطاب والا فالخطاب فعلي كما انه بالنسبة إلى العالم كذلك بالنسبة إلى الجاهل إلاّ انه لا تنجز له في حقّه مادام جاهلاً . واستدلّوا في مقام الاثبات بحديث الرفع وإن أشار إلى تقريبه اجمالاً ونتيجة ما نسب إلى

العلم شرط التنجز

ص: 253


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 4 من أبواب مقدّمات العبادات .

البهبهاني رحمه الله هو عدم الاحتياج إلى اجراء البرائة عند الشكّ لأنّ اطلاق الخطاب لا يشمل حال عدم القدرة لان ذلك من تحصيل الحاصل بالوجدان بالتعبد .

وكذا يظهر من مثل السنة(1) لا تنقض الفريضة ان الركعتين الاوليين لا يجري فيهما ما يجري في الاخيرتين بل السهو والشكّ مختصّ بهما أي الاخيرتين فلذا فللاوليين الدخل المطلق .

نتيجة ما سبق: قد تبيّن ممّا ذكرنا امكان تكليف الناسي بما عدا الجزء المنسي وان يكون الواجب في حقّه خصوص الأجزاء غير المنسيّة وان يكون الذاكر والملتفت مكلفا بالجزء المنسي فعلى هذا يكون العلم بالموضوع أي السورة مثلاً جزءا للموضوع أعني التكليف باتيان المكلّف به ( الصلاة التامّة ) للملتفت موضوعا للخطاب . فاذا لم يكن المكلّف ملتفتا فلا يجب عليه إلاّ أن يدلّ دليل خاص كما اذا كان الواجب عتق رقبة مؤمنة فتعذّر قيد الايمان فاما ان يسقط التكليف رأسا واما أن يقوم هناك دليل بوجوب عتق الرقبة المطلقة أو جعل البدل للمؤمنة بالكافرة . فحال الأدلّة الأوليّة بالنسبة إلى حال النسيان والذكر مطلقة من

حيث الدخل ولا مقيد متصلاً بالكلام فلابدّ من تقييد اطلاقها بغير الناسي من مقيد منفصل كدليل لا حرج(2) ولا ضرر ولا شكّ لكثير الشكّ(3) مما لسانه لسان الحاكم على الأدلّة الواقعيّة مثل رفع(4) ما اضطرّوا إليه واستكرهوا عليه وما لا يطيقونه ( أو رفع النسيان ) حيث يقتضي دلالة الأوّل عدم جعل الأحكام الحرجيّة أو

ص: 254


1- . وسائل الشيعة 6 الباب 29/5 من أبواب القرائة في الصلاة .
2- . سورة الحج: 79 .
3- . الوسائل 8 الباب 16/1 - 2 - 3 - 6 من أبواب الخلل في الصلاة .
4- . الوسائل 8 الباب 30/2 من أبواب الخلل .

خصوص نفي الالزام حيث ان رفع المصلحة ليس من شأنها بل الدخل ليس مرتبطا بالقدرة والعجز ولسان الثاني الحكم على فرض الموضوع ( أي الشكّ لكثير الشكّ ) حيث ان لسانه لسان الحاكم فيكون حاكما على الأدلّة التي تضمنت بيان وظيفة الشاكّ ومقتضى دلالة رفع ما اضطروا واستكرهوا هو تقييد الواقع بهما .

فاما اذا اضطرّ إلى ترك السورة أو استكره عليه يسقط التكليف عن اتيان الكلّ أو يكون هذه مقيّدة للأدلّة الأوّليّة بأنّ الواجب في حقّ المستكره والمضطر غير ما اضطرّ واستكره عليه .

فيكون الجزء المنسي مرفوعا منهم وان كان له دخل في المصلحة لأن ذلك مورد الامتنان والا فلا موقع للامتنان حيث انه بنفسه مرفوع لعدم دخله إلى الباقي به والنسيان أيضا مما رفع في الحديث المبارك على حدّ رفع ساير ما تضمّنه إلاّ ما لا يعلمون فانه رفع ظاهري وباقي الفقرات من قبيل ما استكرهوا وما اضطروا وما لا يطيقون الذي هو المعسور وفيه المشقة لا ما لا يطيقونه عقلاً مرفوعة واقعا .

وذلك لأن ما لا يعلمون حكم على ظرف الشكّ على نحو موضوعيّة الشكّ . فاذا علم ينقلب الموضوع وباقي الفقرات لسانها لسان الحكومة ولا تلاحظ النسبة بين الحاكم والمحكوم وانها أقسام أحدها حكومة المقيد على المطلق حيث ان المطلق اذا اطلق يخيل قبل ورود المقيد انه مراد باطلاقه وبورود المقيد يعلم المراد وانه خصوص الباقي بعد التقييد .

لا يقال حديث رفع النسيان حكم ظاهري كرفع ما لا يعلمون ولا مجال له بعد وجود المطلقات من الأدلّة الأوّليّة الواقعيّة . لأن رفع النسيان على حد رفع

الاضطرار إلى ترك السورة أو الاكراه أو نسيانها

ص: 255

الاضطرار والاكراه دليل اجتهادي لا أصل فنتيجته مع الأدلّة الواقعيّة اختصاصها بما عدا حال الاكراه والاضطرار والنسيان واستدلّ على اختصاص الأجزاء في الصلاة وكذا ساير القيود الوجوديّة والعدميّة بحديث الرفع وسيأتي بيانه .

إن قلت ان الادلّة الواقعيّة الأوّليّة لا يمكن أن تكون مطلقة للذاكر وغيره وذلك لامتناع الاطلاق فان الاطلاق عبارة عن عدم تقييد ما من شأنه ان يقيد وما يقيد نظير العلم حيث لا يكون ولا يمكن أن يكون جزءا لموضوعه كي يكون موضوع الأحكام العالمين بها للزوم الدور وتوقّف الشيء وتقدّمه على نفسه الا أن يكون هناك موضوع التكليف الحكم الانشائي واذا تعلق به العلم يصير فعليّا . وإلاّ فالحكم الفعلي لا يمكن أن يكون مقيّدا بالعلم به .

قلنا: نعم لكن يرتفع الدور بنتيجة التقييد . اما ببيان الاطلاق واما ببيان المقيد كما في العلم بالأحكام حيث انه لا دخل له بفعليّة التكليف ويستوي فيه العالم والجاهل الا انه ورد الدليل في باب المسافر وفي الاخفات والجهر بأنّ الجهل والنسيان غير مضر ففي المقام يستكشف من دليل لا تعاد التقييد لغير الخمسة بحال الذكر وكون موضوعها الذاكر إلاّ انّه خصّص المستثنى منه بالتكبيرة نسيانا مثلاً وبالنسبة إلى الخمسة الاطلاق في جميع الحالات ) .

واستدلّ على اختصاص الناسي بما عدا الجزء المنسي ورفع الجزء المنسي في حقّه بحديث الرفع حيث ان من التسعة المرفوعة النسيان بتقريب ان الجزء المنسي أو القيد الوجودي أو العدمي اذا تعلق به النسيان فيكون مرفوعا عن الناسي فلا عليه الا الباقي .

ص: 256

وأورد هذا الاستدلال المرحوم المحقّق النائيني بلسان اهميّة فقال(1) وهم ودفع . وقال في دفعه ان جريان حديث الرفع متوقّف على امور . منها أن يكون في الرفع منة وتوسعة على العباد حيث ان النسيان من الأمور التي استوهبه النبي صلی الله علیه و آله ومنها أن يكون في الرفع أثر شرعي ومنها وهو وما قبله عمدتها أن يكون المرفوع شاغلاً صفحة الوجود وذلك لأنّ الرفع عبارة عن ازالة الموجود في مقابل الدفع حيث انه كالمانع يمنع المقتضى من الوجود فاذا لم يكن في وعاء مناسب للمرفوع من الذهن ووعاء التشريع .

أو التكوين وجود له فلا معنى للرفع وإن كان قد يستعمل الرفع بمعنى الدفع وبالعكس مجازا فالمعدوم الذي ليس شيئا لا رفع له ولا يحتاج إليه بل الرفع انما يتعلّق بالموجود وبعد بيان هذه المقدمة شرع في بيان جريان الحديث وعدمه حيث قال ان ظاهر تعلّق الرفع بالنسيان أن يكون النسيان بحسب التكوين حيث انه أمر من الامور الوجوديّة مرفوعا وهو يقتضي أن يكون الناسي في مورد ذاكرا تكوينا وليس في الواقع كذلك . فلا يمكن أن يكون المراد رفع النسيان تكوينا حيث انه في الخارج موجود وكذا لا يمكن أن يكون من قبيل لا حرج ولا ضرر حيث تعلّق النفي بهما باعتبار الأثر وهو عدم جعل حكم ضرري وحرجي . وذلك لأنّ النسيان ليس من الموضوعات التي لها حكم خاص بحسب الجعل الشرعي حتّى يكون الحديث ناظرا إلى رفع تلك الاثار . فلابدّ من التصرّف في النسيان بارادة المعنى المفعولي من المصدر فيكون المنسي مرفوعا والمنسي إمّا أن يكون هو الحكم وامّا أن يكون الموضوع والحكم فيكون مرفوعا باعتبار عدم ترتب

كيفيّة جريان حديث الرفع في الناسي

ص: 257


1- . فوائد الأصول 4/221 وما بعده.

آثاره عليه . والحكم اما لذات المنسي واما على حيث صدوره وعلى النحوين تارة يكون في التكاليف الوجوديّة وتارة يكون في العدمية يعني في المحرّمات والواجبات . فاذا كان المنسي من الامور المحرمة وكان الحكم مجعولاً عليه بلحاظ ذاته فيشمله الحكم حيث ان الحرمة موضوعة عليه بلحاظ نفسه وذلك من اول الفقه إلى آخره إذا يكون للحكم تعلق بالموضوع الخارجي كما اذا استثنى من لبس الحرير المحرم لبسه . وأما اذا كان الحكم موضوعا بلحاظ صدوره فكذلك هو لانه يستلزم النسيان ( ترك ) امتثاله به مثل من نهى عن شرب الخمر بالنسبة إلى جريان الحدّ فيه حيث ان الحدّ للشرب عن عمد وموضوعه حيث صدور الفعل من عمد فلو نسى وشرب فيكون النسيان مرفوعا فان الشرب عن نسيان كلا نسيان فيكون كمن شرب عمدا وذلك خلاف الامتنان فلا يجيء الحديث هناك أو يقال لمّا كان حديث رفع النسيان لترتب الأثر فشموله هذا المورد يوجب أن يكون النسيان عمدا ) وأمّا بالنسبة إلى الامور الوجودية ومنها السورة فيكون النسيان تارة للسورة في الصلاة التي نسيت سورتها أو الجزئيّة للسورة والحكم . واخرى يكون النسيان للصلاة فلو كانت السورة منسية وما أتى بها في الصلاة فلا يتعلّق بها رفع لما عرفت من لزوم تعلقه بالوجود والسورة منسية ليست شيئا يتعلّق الرفع بها . مضافا إلى عدم أثر شرعي في ذلك لأن الأثر الموجود هنا على السورة هو الاجزاء وهو أثر عقلي ورفع السورة يقتضي عدم الاجزاء وهو خلاف الامتنان . وكذا لا مجال لجريان الحديث لو كان المنسيّ جزئيّة السورة لان ذلك يرجع إلى نسيان الحكم والحكم حيث علم به فنسيه فيكون من الجهل الطارى ( والكلام في الجهل المركّب الذي هو يتخيل به انه اتى بجميع الاجزاء حتى المنسي الذي ينسى

ص: 258

حكمه ) ولا مجال لجريان الرفع في الكل الذي نسى جزئه كالصلاة الفاقدة لبعض الاجزاء فان ذلك يستلزم الاعادة حيث ان وجود الصلاة الفاقدة للمنسي مرفوعة مضافا الى ان الأثر المترتب على الرفع ليس الا وجوب الاعادة ( من ناحية عدم الاجزاء وهو حكم عقلي ) فتبين ان جريان حديث الرفع لاثبات جزئيّة الباقي ورفع المنسي يجري فيه ما ذكرنا فلا اعتماد عليه في المقام . نعم يمكن التمسك بلا تعاد بالنسبة إلى ما تضمنه .

توضيج وتبيان: اذا كان المنسى من الامور الوجودية المطلوب فيها صرف الوجود فلا يجري فيها حديث رفع النسيان كما اذا نسى بان يأتي بالسورة في الصلاة كما في الحج بالنسبة إلى من تمتع بالعمرة فانه بعد التقصير يجب عليه الاحرام بالحج . وافضل المواضع المسجد فلو نسى التقصير تمسكوا بحديث رفع النسيان وذلك ان الرفع لابد وان يتعلق بشيء موجود شاغل لصفحة الوجود حتى صح تعلق الرفع به فيرفعه مثل الشك لكثير الشك حيث انه ذو أثر شرعي ترتب على الشك مثل ابن على الأكثر مثلاً والرفع كالوضع بيد الشارع وفي رفعه امتنان وتوسعة على المكلّفين فينفي الحكم بلسان نفي الموضوع . والا فلو لم يكن حكم للشكّ فيكون قوله لا شكّ بلا اثر ( والشك ليس أثرا يترتب عليه بطلان الصلاة بل البطلان من جهة اخرى وذلك لانه لا يمكنه المضي على الشك . فاما أن يستأنف بمجرّد استقراره أو يتروى احتياطا حتّى تنمحي صورة الصلاة ) فلا مجال لجريان حديث رفع النسيان بالنسبة إلى التقصير بل الاضطرار والاكراه أيضا لا يقيّد المكلّف به فلو كان عليه دين لزيد فأداه إلى عمرو نسيانا فلا يمكن التمسّك بحديث الرفع لعدم وجوب أداء الدين إلى زيد . وأمّا جريان الحديث بالنسبة إلى

بيان جريان حديث الرفع

ص: 259

السورة المنسية في الصلاة أيضا لا مجال له . اذ السورة المنسية اما أن يتعلق النسيان بجزئيتها وليس من نسيان الموضوع بل من نسيان الحكم والجهل به فيكون مما لا يعلمون . واما أن يتعلّق النسيان بها أي بايجادها حيث ان الوجوب قد تعلق بايجاد السورة لا لماهيتها ولا لها مطلقا بل بايجادها في الخارج . والايجاد اذا نسى فهو بنفسه مرفوع ليس شيئا يرفع بحديث الرفع . لأن المعدوم لا يمكن أن يتعلّق به الرفع ولا يتعلّق بها الرفع أيضا بلحاظ حكمها وهو الوجوب . اذ الوجوب ليس منسيّا مضافا إلى انه لابدّ أن يكون موجودا في عالم التكوين حتى يصح تعلق الرفع به في عالم التشريع بلحاظ وجوبها مع انه يستلزم خلاف الامتنان حيث ان الأثر المترتب على وجود السورة هو الاجزاء والاجزاء امر عقلي لا يصحّ تعلّق الرفع بلحاظه . وإن قيل بجريان الحديث في المنسي فيه وهو الصلاة الفاقدة للسورة مثلاً فهو شيء موجود في الخارج ولكن لا يمكن أن يكون هناك أثر شرعي له يترتب على الفاقدة المنسيّة فيها الا البطلان وعدم الاجزاء وهو ليس أمرا شرعيّا .

وملخص الكلام: انه لابدّ لجريان الحديث من الأمور الثلاثة المشار إليها . أن يكون المرفوع شاغلاً لصفحة الوجود حتّى يصح تعلّق الرفع به وأن يكون له أثر شرعي حتّى يرفع ويكون في رفعه منّة وحيث ان النسيان تكويني فلابدّ أن يكون الرفع بلحاظ غيره ولغيره فلو كان لحيث الصدور فالفعل الصادر عن نسيان كلانسيان فهو خلاف الامتنان من جهة لزوم الحد على شارب الخمر نسيانا وكذا اذا تعلّق بنفس المنسي يرفعه كما اذا صلى نسيانا فيكون بحديث الرفع مرفوعا وذلك خلاف الامتنان فيكون مخصصا للمطلقات الدالّة على التكاليف حيث

ما هو متعلّق الرفع

ص: 260

تشمل كلتا الحالتين الذكر والنسيان مطلقا وفي صورة ما اذا أتى لها ذاكرا فيكون الاختيار في امتثال التكاليف قيدا كما اذا وضع جبهته على التربة وارتفعت قهرا حيث انه لابدّ من مقدار قبل الوضع أن يكون باختياره . ولو تعلق بالجزء المنسي أيضا لا يجري حديث الرفع لأن الحكم غير منسي والايجاد المنسي امر متروك غير موجود لا يمكن تعلق الرفع به ولو بلحاظ حكمه وهو وجوبه والمنسي فيه أيضا وإن كان أمرا وجوديّا الا ان تعلق الرفع به لا أثر له فلا يجعل الفاقد تاما مع

ان الاجزاء الذي بلحاظه يجري حديث الرفع في المقام أمر عقلي فلا يمكن التشبث بحديث الرفع لنسيان السورة المنسية ورفع جزئيتها . ولو سلمنا ان النسيان عرفا يصدق على نسيان السورة فتكون مرفوعة ونتيجة ذلك الاجزاء . فانما هو اذا كان النسيان مستوعبا على اجزاء الوقت حيث صدق نسيان طبيعة المأمور به أو في المضيق . وأمّا إذا كان المأمور به في الوقت وليس موقتا مضيقا بل واجب موسع فلا يجري فيه . فان كان الفرد الذي يأتى به في جزء من الوقت ناسيا لجزئه ليس مأمورا به بل المأمور به هو صرف الوجود القابل للاتيان به في كلّ جزء من الوقت ولم يكن الفرد المأتي به في جزء من الوقت مع نسيان بعض أجزائه مأمورا به بخصوصه فليس قابلاً للرفع بل مقتضى القاعدة أن يأتي بالمأمور به واجدا لجميع أجزائه . فلو نسى بعض الاجزاء وفات بوصوله إلى الركوع كما في القرائة فانه ليس يجري فيه حديث الرفع على هذا بل لابدّ من التماس أدلّة خاصّة في أبوابها من لا تعاد وغيره من القواعد المبيّنة .

ومع الغض عن ذلك كلّه لا مجال لجريان حديث النسيان في الجزء المنسي من جهة ان جزئيته ليست إلاّ مستفادة من تعلق طلب واحد بسيط منبسط عليه .

حكم النسيان المستوعب للوقت وغيره

ص: 261

ويبقى الاحراز لأنّ الطلب الواحد بسيط ولذا لم يرجع العقد الواحد إلى عقود متعدّدة أو عقدين ولا يمكن تصحيح العقد الواقع على ما يملك وما لا يملك وأمثاله في خصوص ما يملك . ويورد المحقّق النائيني قدس سره (1) اشكالاً بين المقام وبين ما لا يعلمون حيث يقولون بعدم وجوب السورة غير المعلومة مع معلوميّة باقي أجزاء الصلاة مع ان الضابط واحد والطلب في كلا المقامين على أمر واحد . ويجيب بان في ما لا يعلمون لا يمكن ان يتعلق الرفع بالمجموع حتى الاجزاء .

وليس كذلك المقام فان غير المنسي من باقي الأجزاء الكلّي لا مانع من رفعه مع الجزء .

وخلاصة الكلام: انّ المحقّق النائيني قدس سره بعد أن اورد اشكالات على جريان حديث الرفع في خصوص ما اذا نسى السورة أورد اشكالاً(2) آخر وهو انه اذا جرى الحديث بالنسبة إلى رفع السورة فلازمه جريانه بالنسبة إلى كلّ الصلاة اذ الخطاب الموجود في البين ليس الا بالمركب وهو ينبسط على الاجزاء ولا يمكن أن يتصور فيه التقطيع فيكون بالنسبة إلى بعض مرفوعا وبالنسبة إلى بعض غير مرفوع اذ ذلك شأن الخطابات الانحلاليّة التي لها تعدد ولو ضمنا فرفع السورة في المقام مساوق لرفع الكل الذي هو الصلاة من جهة ان المجموع مرفوع ولها خطاب واحد فامّا مرفوع وامّا غير مرفوع . وهذا بالنسبة إلى ملاحظتها بعد الخطاب الذي هو يجمع الامور المتباينة ويركبها اعتبارا والا فبملاحظة حالها قبل الخطاب أشياء متعدّدة ليس جامع لها . وذلك كما في جريان قاعدة التجاوز في

كلام المحقّق النائيني

ص: 262


1- . فوائد الأصول 4/227 - 228 .
2- . فوائد الأصول 4/227 وما بعده .

الوضوء والغسل حيث ان المجموع عمل واحد فلا يصدق التجاوز عنه مادام مشغولاً به فلو شك في غسل الوجه وهو يغسل يده اليمنى أو اليسرى فما تجاوز العمل بل هو فيه فلا مجال لجريان القاعدة . بل جريانها اذا فرغ من الوضوء ودخل في غيره ممّا يترتب عليه الصلاة ومرجع قاعدة التجاوز والفراغ واحد ولا فرق بينهما وان فرق بينهما بعض(1) .

وذلك لما ذكرنا من وحدة الامور المتعددة قبل الخطاب بعده والا فبملاحظة حالها قبل الخطاب اعمال واشياء وفي باب الصلاة لأنّ جريانها من باب التصرف في المصداق حيث انه اذا دخل في القرائة ونسي التكبير أو في الركوع ونسي القرائة فهو على خلاف القاعدة لا عدم جريانها في باب الوضوء على خلاف القاعدة على ما سيظهر . فحيث ان المنسي في موردنا على فرض تسليم الاشكالات السابقة ومنها ( رفعها في خصوص حال النسيان لا في الوقت المستوعب في الموقت وما كان وقته مادام العمر ) ليس عملاً واحدا بلحاظ الخطاب . بل الخطاب أمر واحد تعلّق بالمجموع فلا يقبل التبعيض والتقطيع فلازم الجريان رفع جميع المركب وذلك خلاف ضرورة الفقه . وبعد ذلك يورد(2) اشكالاً على نفسه بأن ما قلتم هنا لا يسالم جريان ما لا يعلمون في السورة أو الجزء المنسيين لما ذكرتم مع ان من المسلم عندكم الجريان . وليس هناك إلاّ خطاب واحد متعلّق بالمجموع فله تعلّق بكلّ جزء . غاية الأمر بعضها معلوم التعلق وبعضها مشكوك فتجرون البرائة من المشكوك .

ص: 263


1- . هو الحق كما سيجيء في محلّه .
2- . فوائد الأصول 4/227 .

ويجيب بأن ذلك المقام لا يمكن رفع جميع العمل . وذلك لأن مناط الرفع هناك هو الجهل وما لا يعلمون . واذا كان الخطاب معلوما بالنسبة إلى عدّة اجزاء ولم يكن معلوم التعلق بالنسبة إلى بعض لا يمكن جريان ( شمول ) رفع ما لا يعلمون بالنسبة إلى الجميع فان ذلك مستلزم للتناقض . فيكون المعلوم مجهولاً وما يعلم ما لا يعلم بخلاف المقام فان رفع اصل العمل الذي نسى بعض اجزائه بلحاظ نسيان البعض لا محذور فيه من هذه الجهة .

هذا ما أفاده المحقّق النائيني رحمه الله في المقام ويرد على الأخير ان ذلك خلاف مبناه في الأوامر حيث يلتزم بأن الأمر الواحد المنبسط على اجزاء والخطاب الواحد كذلك ينحلّ إلى خطابات عديدة ووجوبات بالنسبة إلى كلّ جزء وفرد ممّا انبسط عليه .

وكذا جريان البرائة لا يمكن الا بهذا اللحاظ والا فالعمل الواحد لا يمكن أن يكون مجهولاً ومعلوما حتى يرفع المجهول ويبقى المعلوم ولا يسلم ذلك المبنى إلاّ بالانحلال كما في بيع ما يملك وما لا يملك حيث قالوا بالنسبة إلى ما يملك وهو الشاة في بيع الشاة والخنزير وما يملك وهو مال نفسه في ما اذا باع ملك غيره مع مال نفسه ولم يجز المالك يصح البيع مع خيار تبعض الصفقة وذلك لان مرجع هذا إلى الشرط غير الصريح ولا فرق بينه وبين الصريح كما في تخلف الوصف فان مرجع جميعها إلى تخلف الشرط وهو موجب للخيار ولا يصح ذلك الا بالانحلال حيث ينحل العقد المتعلق بهذه الامور الى عقود متعددة بالنسبة إلى ما يملك وما لا يملك . وما صدر منه رحمه اللّه في المقام ليس من شأنه فانه غفلة وعلى أيّ لا اشكال من هذه الجهة ولا مانع من أن يكون ( النسيان مقيدا ) للواقع

ص: 264

وموجبا رفع خصوص المنسي وذلك بالانحلال . فلا مجال لما حققه قدس سره أصلاً اذ يصدق عرفا على المنسي المتروك انّه منسيّ بلحاظ وجوده وعدمه ولا يلاحظون ذلك فيعلقون النسيان على الترك على ما هو عليه العرف في المقام وفي موارد عديدة استعمل بهذا المعنى وما لو خط ايجاد المنسي أو تركه كما في قوله تعالى: « وما أنسانيه الا الشيطان »(1) « ونسيا حوتهما »(2) وعلى هذا فالمناط الفهم العرفي وهو الميزان في فهم مراداتهم وعليه المعول . والمتفاهم العرفي كما ذكرنا هو تعلق النسيان بنفس المنسي سواء وجد نسيانا أو ترك فتعلّق الرفع بالمنسي بهذا اللحاظ يكون من نفي الحكم بلسان نفي الموضوع والوجود للمنسيّ لا يلزم أن يكون في عالم الخارج بل في عالم التشريع اذا كان وجود يكفي في صحّة ( تعلق ) الرفع به كما في المقام فبملاحظة النسيان يرتفع وجود المنسي من عالم التشريع وهو وجود فيكون الباقي هو المأمور به فتبين ممّا ذكرنا صحّة جريان حديث الرفع لرفع المنسي وذلك للصدق العرفي كما بينا مضافا إلى الاستدلال في موارد عديدة بالحديث في صرف الوجود كما من نسى أن يقصر فاحرم مع ان المنسي أمر ترك وما كان له وجود في الخارج فتعلق الرفع به وان كان النص الخاص(3) أيضا هناك موجودا ولا يختص جريان الحديث بخصوص باب الصلاة بل هو دليل تام يجري في كلّ مورد فيكون حاكما على الأدلّة الأوليّة الا ان يكون له مخصص في رتبته كما بالنسبة إلى لا تعاد(4) حيث انه من الأدلّة الثانويّة في

ايراد كلام المحقّق النائيني

ص: 265


1- . سورة الكهف 64 .
2- . سورة الكهف: 62 .
3- . الوسائل 13 الباب 6/1 - 4 من أبواب التقصير .
4- . الوسائل 6 الباب 10/5 من أبواب الركوع .

رتبة حديث الرفع وخصّصه بالنسبة إلى الأركان . وأيضا نفس لا تعاد خصص بادلة خاصة على ما هو المضبوط في محلّه . فما ذكروه في المقام وتمسّكوا بحديث الرفع الذي في المتروكات صحيح لا غبار عليه .

هذا تمام الكلام بالنسبة إلى الجهة الثانية التي هو مقام الاثبات بعد الفراغ عن مقام الثبوت وامكان تكليف الناسي بما عدا الجزء المنسي . الا ان الدليل العام منحصر بخصوص حديث النسيان واما لا تعاد فبالنسبة إلى خصوص الصلاة وحديث النسيان أيضا خصص في خصوص الصلاة بتخصيصات بالنسبة إلى ما تضمّنه حديث لا تعاد وبغيره ممّا يستفاد من الأدلّة الخاصّة المضبوطة المذكورة في محلّها ( أقول: ما ذكر في جريان حديث الرفع بالنسبة إلى كلّ المنسي واشكال سيّدنا الاستاذ قدس سره عليه مبني على كون الخطاب مرفوعا وبتبعه يرتفع المنتزع من الخطاب والا فلو كان نفس الجزء مجعولاً موضوعا فلا يجيء الاشكال بل يرفع هو ويبقى الباقي فتأمّل .

خلاصة الكلام: قد علم ممّا ذكرنا جريان حديث النسيان لرفع المنسي وان كان النسيان تعلق بتركه غاية الأمر حيث لم يكن للمنسي وجود حتى يرفع بل هو بنفسه مرفوع فتعلّق الرفع بوجوبه الموجود في عالم التشريع فيكون نظير لا ضرر ولا حرج من نفي الحكم بلسان نفي الموضوع . انما الكلام في انه هل اثبات باقي الأجزاء غير المنسي في حق الناسي مقتضى الجمع بين دليل الاجزاء والشرايط الاوليّة وبين دليل رفع النسيان فلا يحتاج إلى دليل آخر يثبت الباقي في حق الناسي . بل دليل النسيان يقيد الواقع كالاضطرار أو لا ؟ بل يحتاج إلى دليل خاص يتكفل اثبات الباقي فيكون مثل رفع ما لا يعلمون حيث ان رفع الجزء

ص: 266

أو القيد المشكوك ظاهرا لا يثبت ان الباقي هو المأمور به .

لا يخفى ان دليل رفع النسيان لا يكون أصلاً أخذ في موضوعه الشك كدليل رفع ما لا يعلمون بل هو على حد لا حرج ولا ضرر ورفع الاضطرار وأمثالها دليل اجتهادي يثبت اللازم والملزوم لا الملزوم وحده . وحيث ان دليل الاضطرار يقيّد الواقع فيكون النتيجة خصوص الباقي بالنسبة إلى المضطر والناسي فاذا صار الناسي ذاكرا ينقلب الموضوع ونتيجة هذه انه لو توضّأ المضطر أو المعذور أو المبتلى بالعسر لا يكون عمله تحت الأمر لتعدد الموضوع كالمسافر والحاضر كما اذا كان المراد من لم تجدوا ) في آية التيمم لم تتمكنوا فيكون المتيمّم موضوعا في مقابل المتوضى ففي هذا الحين لو توضّأ لا يكون عمله صحيحا اذ لا أمر له من حيث عدم كونه هذا الموضوع لكن بناء هذه الاستفادة على أن يكون دليل رفع الاضطرار والنسيان امارة لا اصلا . والا فيحتاج إلى ما ذكرنا في أول التقرير فيقيد الواقع ويكون وجوب الباقي مقتضي الجمع للدليل الاجتهادي وحكومة حديث الرفع على الأدلة الاولية ولا اشكال في ان دليل رفع الاضطرار والنسيان امارة لا أصل اذ ضابط الامارة يختصّ بما إذا لم يؤخذ في موضوعها الشكّ بخلاف الأصل فانه أخذ في موضوعه الشكّ . والمولى امّا أن يتصرّف في الشكّ أو يحكم على الشكّ اما بالفعل أو بالترك أو بالتخيير حصرا عقليّا لا أزيد ولا انقص . والاول الاستصحاب والثاني الاحتياط والثالث البرائة والرابع التخيير وباقي الأصول من قاعدة الفراغ وأمثالها راجعة إلى هذه .

ثمّ ان في المقام ليس الشك مأخوذا في لسان الدليل فيكون دليل رفع النسيان امارة ودليلاً اجتهاديّا .

دليل الرفع اجتهادي

ص: 267

ان قلت: هل الذكر له دخل في الملاك والخطاب معا أو في الخطاب وحده وعليه ( فان كان دخيلاً في الملاك فلم يأت بالمأمور به الاختياري بعد مع اضطراره لعدم وفاء هذا الدليل بالمصلحة والذكر وان كان دخيلاً في الخطاب لا في الملاك فالباقي غير المنسي والمضطر إليه الباقي يكون كلا شيء فلا يلزم الاتيان به بل من بقاء الملاك والمصلحة(1) ومن دليل القضاء واطلاق دليل الاداء

لو كان نستكشف ( انه لم يختص وجوبه بالوقت ) بل من باب تعدد المطلوب وهذا الاشكال سيال يأتي في الأحكام الظاهريّة والاجتهادات الحاصلة في موارد جريان البرائة في كلّ مورد سواء كان بحديث الرفع أو غيره .

قلت: هذا أمر مربوط بباب الاجزاء بعد الفراغ عن ان الاتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي في ما إذا كان المأمور به صرف الوجود مجزياً عن الواقع في الامتثال الأول ( ولا يحتاج إلى الامتثال الثاني ) فان حكم الامثال في ما يجوز وما لا يجوز واحد . ولازمه أن يأتي بالمأمور به بلا امتثال . وذلك لأن انطباق المأمور به على المأتي به قهري والاجزاء عقلي . ويقع البحث في ان الاتيان بالتكاليف الاضطراريّة مجز عن الواقع أم لا يجزي بعد الجزم بأن الاتيان بالمأمور

ص: 268


1- . ويمكن أن يكون ما هو المبحوث عنه في كلّ مقام أن يكون دخيلاً في الملاك والخطاب معاً ويمكن أن يكون في الخطاب وحده ففي باب الاغماء حيث لا شيء عليه يقولون ان القدرة دخيلة في الملاك وفي باب النوم والنسيان تكون دخيلة في الخطاب مع ان عدم القدرة في كلا البابين ففي مورد النسيان يمكن أن يقال بل هو كذلك أن تكون القدرة دخيلة في الخطاب ولكن في المغمى عليه حيث لا يختل له العقل دخيلة في الملاك واستفادة ذلك انّما تكون من الأدلّة . فاذن القدرة لو كانت شرعية لأخذت في الخطاب كما في الحجّ وكما في القيام حال الصلاة لقوله اذا قوى فليقم فعلى هذا لازم المورد وهو النسيان أن يأتي بالمأمور به بعد الذكر وكذا المضطر حيث يستفاد اطلاق الأمر الأوّل بالنسبة إليه من دليل القضاء .

به بالأمر الظاهري لا يجزي وهذا مثل ما يعنونونه في باب تبدل رأي المجتهد حيث كان اجتهاده السابق خلاف ما اجتهده لاحقا فيفصلون بين ما إذا بقى التكليف وبين ما اذا فقد كما اذا كان مقتضى الاجتهاد السابق في الشبهة الحكميّة هو عدم لزوم فرى الأوداج الأربعة في حليّة الذبيحة بل يكفي اثنان أو لا يلزم أن يكون الذابح موافقا بل ذبيحة المخالف أيضا حلال . وكما اذا كان اجتهاده عدم اعتبار العقد بالعربيّة في النكاح فبفقدها إلى حين التبدل يكون الوطي بالشبهة وإلى البعد يلزم تجديد العقد على النحو الثاني بالاجتهاد الثاني فتبدل رأيه ان الفرى واجب للأوداج الأربعة ولابدّ أن يكون الذابح موافقا ولا يجزي بالمخالف بل المخالف يكون كالكتابي ( كما ربما يستفاد من رواية(1) الامام عليه السلام وضع يده أو اصبعه على فمه وبعد هنيئة قال لا بأس ففي هذه الصورة يلزم الاجتناب والجري على طبق الاجتهاد الثاني الا ان في باب الصلاة يدعون الاجماع على صحّة الأعمال السابقة الماضية على طبق الاجتهاد الأوّل .

وأدلّة التكاليف الاضطراريّة على نحوين: نحو يتكفل ان المأمور به في حال الاضطرار هو العمل الاضطراري وان الأدلّة الواقعيّة في غير هذا الحال . ونحو لا يتكفل ذلك بل ساكت فمن الأوّل ( لا صلاة لمن لم يقم صلبه )(2) حيث ان دليل القيام والانتصاب ( قم منتصباً )(3) يدل على أصل القيام والانتصاب مطلقا

هل اتيان المأمور به الاضطراري مجز

ص: 269


1- . وسائل الشيعة 24 الباب 28/2 - 3 - 4 - 5 - 6 - 9 - 10 من أبواب الذبائح واللفظ الناصب، النصاب، الحرورية أو من كان على الخلاف أو المجبّرة أو بمعنى المجسمة .
2- . الوسائل 5 الباب 2/1 - 2 من أبواب القيام .
3- . الوسائل 5 الباب 2/1 - 2 من أبواب القيام .

في الصلاة ويحكم عليه مثل دليل ( من لم يستطع أن يصلّي قائما )(1) فيصلّي جالسا واذا ما تمكن من القيام حنى ظهره حيث يستفاد منهما ان اشتراط الانتصاب وقيام الصلب مختص بما اذا كان قادرا كما يستفاد من دليل لا تعاد(2) ان الاعادة بالنسبة إلى ما نسيه ليست بلازمة في الوقت وفي خارج الوقت فيكتفي بهذا المأتى به في غير الخمسة . ولكن هذا القسم خارج عن محل البحث . والقسم الثاني لابدّ له من دليل خاص أو تكفل هذه الأدلة بيان الاكتفاء والاجزاء ( ومثل مرسلة سفيان بن السمط )(3) في نسيان النقيصة حيث قال تسجد سجدتي السهو في كلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان الظاهرة في النسيان كما يشهد بذلك ( تدخل عليك ) ومحل الحاجة هو النقصان . وما ورد من قضاء التشهد والسجدة المنسية وفي بعض الموارد لا شيء عليه المستفاد من المجموع ان الصلاة المأتى بها مع هذه القيود والوظائف مجزية غير محتاجة إلى الاعادة ) وأمّا دليل النسيان فتمسكوا به في موارد عديدة في أبواب متفرقة كباب الصوم والحج وفي باب الصلاة وغيرها بالنسبة إلى الاضطرار ولابدّ من الاستيعاب لصدق الاضطرار ومقتضى التقييد الواقعي جواز البدار اذا علم بعدم ارتفاع العذر في تمام الوقت وكذا ساير ذوي الأعذار والا فالى آخر الوقت .

والبدار أيضا ان انكشف الخلاف لا يكفي بل لابدّ من الاعادة . والنسيان حيث انه يتعلّق بجزء في جزء من الوقت ففي جريان الرفع فيه تأمّل . اما اذا استوعب تمام الوقت فلا اشكال في انه مرفوع بهذا الحديث .

ص: 270


1- . الباب 4/18 من أبواب القيام مع تفاوت في اللفظ .
2- . الوسائل 6 الباب 10/5 من أبواب الركوع .
3- . الوسائل 8 الباب 32/3 من أبواب الخلل في الصلاة .

فقد تبين ممّا ذكرنا حال نسيان الجزء وانّه بالنسبة إلى بعض الأجزاء كان مقتضى الدليل الركنية بخلاف بعضها الآخر فكان اشتراطه في خصوص حال الذكر .

أمّا الكلام في الزيادة ففيها أيضا جهات ثلاث بعد أن كان محلّه هو بالنسبة إلى الزيادة العمدية وهل هي موجبة للبطلان أم لا وكذا الزيادة مطلقا سواء كان عمدا أو سهوا حتّى يكون للمأمور به الركنيّة بهذا المعنى .

فالجهة الاولى في تصوير الزيادة وهل يمكن تصويرها أم لا . والاشكال فيه تارة من جهة ان الزيادة ليست من فعل المكلف فلا تتصور بالنسبة إليه . وإنّما هي فعل المولى فيوسع متعلق أمره تارة ويضيق والمكلف وان أتى بشيء زائدا على ما طلب الشارع لو كان بقصد انها تصير جزءا وقيدا زائدا في المأمور به لا يصير ذلك زيادة فضلاً عمّا إذا لم يكن بقصد التشريع . واخرى بما هو المعروف من ان المأمور به اما أن يكون لا بشرط عن الشيء أو بشرط شيء أو بشرط لا فبشرط الشيء يكون خارجا عن تحت الزيادة لأن بوجوده يتحقق المأمور به جزءا شرطا وعدمه يكون مخلاًّ ومضرّا على نحو . ومرجع بشرط لا أيضا يكون إلى النقيصة بنقص القيد العدمي في المأمور به واذا كان لا بشرط أي ما لو خط الماهيّة في مقام الوجود والحكم بوجوده ولا بعدمه فيكون لا بشرط فلا يضر وجوده فيه . ولا يصدق عليه انه زيادة فيه فان الماهيّة اذا لم يلاحظ معها شيء بل كانت من حيث هي هي ومهملة فهي عارية عن جميع القيود فهي اللابشرط المقسمي الذي يكون في الأقسام الثلاثة لها ففي عالم الحكم لا يمكن أن تكون مهملة .

الزيادة في الصلاة

ص: 271

فامّا أن يكون وجود شيء معتبرا فيها أو عدمه أو كلاهما بالنسبة إليها سيّان فالزيادة على كلّ شقّ من هذه الأقسام لا تتحقّق لما ذكرنا . والمحقّقون من الاصوليّين يقبلون ويسلمون الاشكال ولكن ذلك بالنظر إلى الدقة العقليّة . اما اذا كان المناط والميزان هو الصدق العرفي فلا مجال لهذه التدقيقات العقليّة ويرونه زيادة يجري عليه أحكام الزيادة وإن لم تكن زيادة عقلاً . بأن كان منقصة حقيقة اذ ليس بالتسمية . فالزيادة العرفية يسمونها نقيصة ولا مشاحة في ذلك . فلا ريب ان من صلّى ركعتي الفجر ثلاثا انه زاد في صلاته . وكذا الوقوف بالموقف يوم العاشر مضافا إلى التاسع والصوم بعد الغروب والزيادة في العقد وفي صيغته وفي الوقوف بالمسجد ولا يتوقف الصدق على القصد . بل اذا كان في النوم أيضا يصدق زيادة الوقوف في المسجد على ما كان يقصده .

والحاصل ان الزيادة معنى عرفي ولها موارد كثيرة في الامور الشرعيّة والعادية . فالاولى بيان موارد صدقه .

قال بعضهم كالمحقّق النائيني قدس سره (1) اذا كان المزيد من غير جنس المزيد فيه ومباينا له فيلزمه قصد الزيادة فيكون زيادة مبطلة للعمل واذا كان من سنخ المزيد فيه ومن جنسه . ففرق بين ما لو كان العدد معتبرا فهناك يصدق الزيادة مطلقا كمن ركع ركوعين أو صلّى صلاة المغرب أربع ركعات . والا ان كان صرف الوجود واجبا فصدق الزيادة دائر مدار القصد كالنصف من سورة البقرة مثلاً بعد الفراغ من الحمد والسورة التامة المعتبرة . فاذا قرأها بقصد القرآنيّة فلا يكون زيادة وإن كانت من سنخ الصلاة بناءً على أن يكون المراد من ( صلاتنا ذكر ودعاء

ص: 272


1- . فوائد الأصول 4/230 - 231 .

وقرآن )(1) ان يكون الصلاة ظرفا لهذه الأشياء . لا أن تكون مركبة من هذه الثلاثة من القرآن والحمد والسورة والدعاء والذكر وغيرها . وان كان قرأها بقصد الجزئيّة والوجوب فهنا قصد الزيادة وتبطل صلاته .

ومثال الأوّل: أي المباين ان يحرك يده في الصلاة بقصد الجزئيّة . أو يأكل ويشرب بهذا القصد لا بنحو يكون ماحيا للصورة حيث يعدون من مبطلات الصلاة الأكل والشرب في عداد الفصل الكثير . مع ان مبطلية الأكل والشرب من جهة انّهما فعل كثير والفعل الكثير من جهة انه ماحي للصورة وهو أيضا يرجع إلى الموالاة . لكن لا وجه لهذا التفصيل لانّ المباين وان قصد أن يكون جزءا للعمل . لا يكون وان فعل محرما من حيث التشريع . اما بطلان العمل من هذه الجهة فلا كما اذا قرأ البنّاء سورة من القرآن في حين بنائه بقصد أن يكون جزءا لعمله المسلم عدم دخوله في بنائه ولا تكون السورة جزءا له بخلاف ما اذا أضاف إلى جداره الذي يرفعه لبنة أو آجرة حيث انّهما يكونان من سنخ ما يبني يصدق الزيادة على ما بنى سابقا وللعمل . وكذا التفصيل بين العدد وغيره لا وجه له فان المعدود وان كان من المسلم انه اذا أتى أكثر من ما اعتبر يصدق الزيادة عليه بلا اشكال كما قلنا . الا ان صرف الوجود حيث يعتبر ويكون واجبا مأمورا به أيضا يكون كذلك اذ ثاني الوجود يكون زائدا على صرف الوجود الملحوظ اعتباره في العمل ولا دخل للقصد وعدمه في صدق الزيادة وعدمها في المسانخ وانما نقول بعدم البطلان في الذكر والقرآن والدعاء من جهة الدليل الخاص الوارد في الصلاة . ولو قلنا بالزيادة

بطلان الصلاة بالزيادة

ص: 273


1- . مستدرك الوسائل 4 الباب 1/1 من أبواب أفعال الصلاة واللفظ عنه صلّى اللّه عليه وآله انما صلاتنا هذه تكبير وقراءة وركوع وسجود .

فهو اذا لم يأت مثلاً بسورتين رجاءً أن تكونا واحدة كالضحى والم نشرح والفيل وقرينته لا من حيث القران . فانه ما ورد دليل يستفاد مانعيّة القران بين السورتين في الصلاة فراجع .

والحاصل انه لا ريب في صدق الزيادة في اضافة عدد إلى المعدود كما في سجدة الى السجدتين أو ركوع إلى ركوع أو ركعة خامسة مثلاً إلى أربع ركعات الظهر عرفا ولا يحتاج صدقها إلى قصد الجزئيّة أو الالتفات . بل يصدق الزيادة ولو قصد الخلاف فضلاً عن الوفاق . اذ لا حقيقة شرعيّة ولا متشرعية للزيادة حتى يبحث عن دليلها عموما وخصوصا بل هي معنى عرفي كساير المعاني العرفيّة . ولا اشكال في صدق الزيادة في نحو هذه الموارد . والرواية(1) الواردة في النهي عن سجدة التلاوة أصدق شاهد على ذلك

وليست تعبّدا بل تعين مصداقا للمعنى العرفي حيث تقول ( انها زيادة في المكتوبة ) وان كانت في النافلة أيضا زيادة الا انه قام الدليل(2) على عدم كون النافلة كالفريضة في الزيادة فلا بأس بهذه الزيادة اما في النقيصة فكالفريضة وكذا لا ينبغي الريب في صدق الزيادة على الأذكار والتسبيحات المضافة إلى المقرر من الركوع والسجود والتشهّد والقرائة الا انه اذا أتى بها بقصد الجزئيّة يكون تشريعا محرما اما اذا لم يكن بهذا القصد بل بقصد مطلق الذكر والدعاء والقرآن مثلاً فقد ورد الدليل بالجواز إلا في الركوع(3) فقد ورد الدليل بالنهي عن قرائة

ص: 274


1- . وسائل الشيعة 6 الباب 40/1 - 2 من أبواب القرائة في الصلاة .
2- . وسائل الشيعة 6 الباب 40/1 - 2 من أبواب القرائة في الصلاة .
3- . الوسائل 6 الباب 8/1 إلى 6 من أبواب الركوع .

القرآن المحمول على الكراهة من نحو قوله ( إنّما صلاتنا ذكر ودعاء وقرآن )(1) لكن اذا لم يكن ماحيا للصورة . اما اذا أتى بذكر أو قرائة أو تكبير في غير محله بقصد الورود ) كان كبّر حين رفع الرأس من السجدة قبل الاستقرار بقصد الورود ولا يضر بالصلاة إلاّ إذا رجع إلى فقد قصد القربة والامتثال بان يقيد امتثاله مثلاً

باتيان هذا الزائد واما اذا لا يريد ذلك بل يقصد الصلاة باجزائها غاية الأمر يدخل جزءا فيها فيكون محرماً تشريعا ولا ضرر له بالامتثال .

أمّا القنوت فهو مستحب في واجب زائد على الواجب لا على أصل الصلاة فالفرد الذي يشتمل على القنوت من الصلاة أكمل بالنسبة إلى غيره وغيره كامل وما زيد فيه شيء . بل على اجزائه الواجبة اضيف شيء آخر . هذا في ما اذا كان المضاف من سنخ الصلاة وأمّا إذا لم يكن من سنخ الصلاة فلا اشكال في عدم صدق الزيادة وإن قصدها . وذلك لعدم مساعدة العرف في ذلك فلا يقال لمن حرك يده في صلاته وان كان بقصد الجزئيّة انه زاد أو كان فقير في جنبه وكان عليه شيء من الدين فأعطاه . وكذا اذا أحدث في صلاته مثلاً بل ذلك يرجع إلى نقص في الصلاة . نعم لو قرء سورة على سورة فيقال زاد أو ذكراً مثلاً كما انه لا يقال للبناء

انه زاد في بنائه إذا قرأ من القرآن سورة حين بنائه بل ان اضاف لبنة على اللبن البنائي يقال زاد كما انه زيادة المالية والغنم وساير الأشياء على هذا النحو . فلا يقال لمن زاد ماله زاد علمه أو علم شيئا زاد ماله وذلك معلوم لا حاجة إلى بيانه .

فتبين وتحصل ان صدق الزيادة انما يكون اذا كان مسانخا للمزيد فيه وفي غيره لا يكون زيادة حتى اذا قصد . غاية الأمر في ما لو قصد في الصلاة زيادة

ما يعتبر في صدق الزيادة

ص: 275


1- . تقدّم الايعاز إليه .

شيء بالجزئيّة مثلاً قصد محرما وفعل ما لا يجوز وشرع في قلبه فيكون كالنظر إلى الأجنبيّة لا يسري إلى الصلاة . الا اذا رجع إلى فقد قصد القربة فيكون مضرا من حيث النقصان فلا وجه لما عن بعض من دوران صدقها مدار القصد وعدمها مدار عدمه في غير المسانخ .

إذا علم هذا فنقول يستفاد من الأدلّة الواردة في باب الصلاة ان الزيادة مضرّة فعدمها يكون دخيلاً في الصلاة فاذا أتى العبادة الصلاتيّة مع زيادة فما أتى بالمأمور به على وجهه مع قيوده وحدوده فلا ينطبق المأمور به على المأتي به فيكون فاسدا بمعنى عدم جواز الاكتفاء به . فمن الأدلّة الواردة في المقام .

وهو الجهة الثانية من جهات البحث قوله علیه السلام (1): من زاد في صلاته فعليه الاعادة . يستفاد منه ان كلّ شيء من المسانخ للصلاة اذا أتى به فيها يكون زائدا مبطلاً لها سواء كان عن قصد . أو عن غير قصد حتى لو كان ذكرا فيكون من جهة الاطلاق لحال العمد أعم من لا تعاد الصلاة(2) إلاّ من خمس .

الوقت والطهور والقبلة والركوع والسجود . لأن لا تعاد لا يمكن أن يشمل حال العمد فيكون النتيجة مع الأدلّة الواقعيّة بعد المعارضة اختصاص الاعادة بهذه الخمسة . الا ان ذلك خلاف الاجماع والضرورة فلا يبقى محل للادلة المتكفلة للاجزاء والشرايط وما وقع في بعض العبارات فعن سهو الكتّاب . الا انّ لا تعاد يكون من جهة أعم من من زاد حيث اشتمل على الاعادة من الوقت والطهور والقبلة غير المتصور فيها تحقق الزيادة فلا تعاد أعم

ص: 276


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 19/2 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . وسائل الشيعة 6 الباب 10/5 من أبواب الركوع .

من حيث الزيادة والنقيصة الا انه مختص بصورة السهو ومن زاد أخص

من حيث الزيادة ومخصوص بها وأعم من العمد والسهو . فمادة الاجتماع غير الركوع والسجود حيث ان لا تعاد بعقد المستثى منه يدلّ على عدم لزوم الاعادة بخلاف من زاد فباطلاقه الشامل لحال السهو يلزم بالاعادة . فالمقام مقام تعارض العموم والخصوص من وجه ولا يشمل عقد المستثنى على غير الخمس من التكبير(1) الوارد فيه والقيام(2) لزوم الاعادة سهوا اذا نسى الثاني والأوّل . الا ان هناك دليلاً آخر وهو قوله علیه السلام (3) إذا استيقن انه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتدّ بها وهو مختصّ بصورة الغفلة لأنّه الظاهر من استيقن انه زاد في صلاته باتيان شيء وما التفت إلى حين استيقن والا فلا معنى لاستعمال هذه اللفظة . فهو من حيث اختصاصه بالسهو كلا تعاد . الا انه من جهة اختصاصه بالزيادة يكون أخص من لا تعاد لعدم اختصاص لا تعاد بالزيادة . فيخصص لا تعاد في عقد المستثنى منه ويكون منقلبا نسبة مع من زاد بناءً على تسليم المبنى ( لكن لا يجري معه أيضا ) لعدم محل لتخصيص من زاد . ولكن ورد الدليل بأنّه لا تعاد(4) الصلاة من سجدة وتعاد من ركعة بناء على لا يكون من سجدة مرادا بها الجنس . بل واحدة . الا ان مرسلة(5) سفيان بن سمط تدلّ على لزوم سجدتي السهو لكلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان وبقرينة تدخل عليك تختصّ بصورة الغفلة . فيكون من حيث عدم لزوم

أدلّة ابطال الزيادة

ص: 277


1- . الوسائل 6 الباب 2 - 3/1 الى 7 - 1 من أبواب تكبيرة الاحرام .
2- . الوسائل 5 الباب 13/1 من أبواب القيام .
3- . الوسائل 8 الباب 19/1 من أبواب الخلل .
4- . الوسائل 6 الباب 14/2 - 3 من أبواب الركوع .
5- . الوسائل 8 الباب 32/3 من أبواب الخلل في الصلاة .

الاعادة في غير الخمسة نظير لا تعاد .

والحاصل دل قوله(1) من زاد في صلاته فعليه الاعادة على ان عدم الزيادة قيد للصلاة وان من زاد في صلاته قيد كما ورد مثل ذلك في الطواف(2) وكذا في المسافر اذا زاد(3) فعليه الاعادة فبمقتضى هذه الرواية لابدّ من الاعادة بمطلق الزيادة وان كان يظهر من بعضهم اختصاصها بصورة العمد فلا تشمل السهو . الا ان هناك خبرا آخر ظاهرا في خصوص حال السهو وهو قوله(4) من استيقن انه زاد في صلاته فلا يستقبل صلاته والخبر مصحح(5) زرارة وبكير ( إذا استيقن انه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتدّ بها واستقبل صلاته استقبالاً اذا كان قد استيقن ذلك يقينا ) وفي بعض النسخ وضبط المحدثين زيادة ركعة بعد المكتوبة . وحيث اختلف نقل هذا الخبر فيقع الكلام في ان الأصل هل هي الزيادة أو النقصان . والظاهر ان النقصان يقع كثيرا سهوا والزيادة ليست كذلك . فعلى هذا لا يصلح الخبر باطلاقه لاثبات الاعادة في غير الركعة فيختص بها كما في أخبار(6) الكر حيث ان ما ذكروا من الزيادة والنقصان في النصف يجري فيه ان النقصان هو الظاهر فيكون مقتضى الجمع بين اخباره اثنين واربعين شبرا وسبعة أثمان اشبر ولا ينطبق ما ذكروا من سبعة وعشرين شبرا على الأخبار . وما ذكرنا ينطبق عليه بحسب نقل التواريخ في الرطل فيقارب الوزن والمساحة وان كان رواية إسماعيل

ص: 278


1- . الوسائل 8 الباب 19/2 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . الوسائل 13 الباب 33 من أبواب الطواف .
3- . الوسائل 8 الباب 17/1 - 2 - 4 - 6 - 8 من أبواب صلاة المسافر .
4- . الوسائل 8 الباب 19/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
5- . الوسائل 1 الباب 9/8 - 7 من أبواب الماء المطلق .
6- . الوسائل 1 الباب 10/1 - 4 من أبواب الماء المطلق .

بن جابر(1) يؤيّد القول بستة وثلاثين شبرا . وعلى أي فلا ينعقد اطلاق للخبر المذكور فلا تعرض له بلا تعاد . بل مختص بالركعة سواء كان المراد من الركعة تمام الركعة أو خصوص الركوع . وحيث انه مختص بالزيادة للركوع أو الركعة وظاهر في السهو فلا يعارض لا تعاد الصلاة في عقد المستثنى منه بل هو موافق له في المستثنى . الا انه قد وردت(2) عدة أخبار بعدم قدح زيادة الركعة بل والركعتين . ولكن الأصحاب ما عملوا بهذه الروايات مع ان عليها جمهور المخالفين حتى الاوزاعي وأبي حنيفة وأحمد ومالك . وصدور هذه الروايات في زمانهم حيث لا يرون الاعادة بزيادة الركعتين محتمل لو لا مقطوع وهذا القدر كاف في عدم الظهور الدلالي المعتبر اللازم للأخذ مع ان كلّما ازداد صحة ازداد بعدا حيث لا عمل للمشهور على طبقها . وفي بعض الأخبار(3) انه اذا تشهد وفي بعضها(4) اذا جلس بعد الرابعة في صورة زيادة الخامسة فقد تمت صلاته ( او تامة ) ويضيف ركعة إلى الركعة فتكون نافلة . والجلوس في لسان الأخبار استعمل كثيرا في التشهد فيحتمل أن يكون في المقام كذلك والتشهّد اذا كان المراد به التشهد الطويل فهو مشتمل على السلام فخرج عن الصلاة فلا زيادة في صلاته ويمكن أن يشهد لذلك ضم الركعة فتصير نافلة . وعلى أيّ حال ليس العمل بهذه الأخبار فاطلاق ما تقدّم بحاله وعلى ما ذكرنا(5) في من استيقن فيكون مفاده متّحدا مع مفاد قوله(6)

ص: 279


1- . الوسائل 6 الباب 14/1 .
2- . الوسائل 8 الباب 19/7 - 9 من أبواب الخلل في الصلاة 1 الى 5 . مستدرك الوسائل 6 الباب 17/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
3- . الوسائل 6 الباب 13 من أبواب التشهّد 1 إلى 5 .
4- . الوسائل 8 الباب 19/4 - 5 - 6 من أبواب الخلل في الصلاة .
5- . الوسائل 8 الباب 19/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
6- . الوسائل 6 الباب 14/2 من أبواب الركوع .

عليه السلام في صحيح منصور ( سألته عن رجل صلّى فذكر انه زاد سجدة قال عليه السلام لا يعيد صلاة من سجدة ويعيدها من ركعة ) والظاهر ان المراد بالركعة هو الركوع بقرينة مقابلته للسجدة ولو كان الركعة أيضا فهي مشتملة على الركوع فكلاهما يختصان بالركن فيكونان من هذه الجهة موافقين مع لا تعاد(1) .

حيث ان في ذيله ( ثمّ قال القرائة سنة والتشهّد سنّة ولا تنقض السنّة الفريضة الظاهر عدم لزوم الاعادة بالاخلال بغير الخمس . والمراد من السجود هو السجدتان وما ذكرنا سابقا من التعارض بالعموم من وجه بين لا تعاد وبين من زاد انما كان بناءً على عموم لا تعاد لصورة الزيادة . اما لو كان مسوقا لبيان حكم النقيصة كما هو ظاهر ومعلوم انه مختص بصورة السهو فقط فلا تعارض اصلاً لان لا تعاد يبين حكم النقيصة ومن زاد حكم الزيادة . وقد عرفت ان العموم المطلق بينه وبين من استيقن انما كان من حيث الاطلاق . فان لا تعاد مختص بصورة السهو مطلق في النقصان والزيادة ومن استيقن مختصّ بصورة السهو قطعاً مطلق من حيث الركن وغيره بالنسبة إلى الزيادة ففي الزيادة بالنسبة إلى الأركان متفقان بالاعادة . وفي الزيادة السهويّة لغير الأركان يعارض من استيقن عقد المستثنى منه في لاتعاد فحينئذٍ يخصص لا تعاد لانه في رتبته فيصير لا تعاد مخصصا ويبقى في النقصان السهوي لغير الأركان على حاله . فاذا تعارض لا تعاد مع من زاد فيخصّص بمن استيقن وذلك بناءً على أن يكون لا تعاد شاملاً لحال الزيادة ومن زاد أعم من السهو والعمد . والا فلو اختص من زاد بالسهو فيكون أخص من لا

ص: 280


1- . الوسائل 6 الباب 29/5 من أبواب القرائة في الصلاة .

تعاد فيخصصه كلّ ذلك اذا كان لا تعاد أعم من الزيادة والنقصان والا فلا تعرض لأدلّة الزيادة بالنسبة إليها . وكذا منه إليها ولو كان من زاد ومن استيقن غير مختص

بالركوع فيخصص الثاني بدليل لا يعيد صلاة(1) من سجدة ويعيدها من ركعة الظاهر في حال السهو وكذا الاول فيصير النتيجة من مجموع ذلك هو لزوم الاعادة عمدا وسهوا للأركان وعدم لزوم الاعادة في السهو لغير الأركان . بل في بعض الأخبار(2) لا شيء عليه وفي بعضها(3) يقضي بالنسبة إلى بعضها . وفي بعضها(4) مع سجدتي السهو . واذا لم يعد من سجدة كما في الأخير(5) فلا يعيد من تشهد

وقرائة ونحوها . ويعيد من الركوع وكذا ما في مرتبة الركوع من الأركان . فأدلّة الزيادة مع قطع النظر من لا تعاد افادت الاعادة للأركان وعدمها لغيرها سهوا للزيادة . وفي بعض الصور كان لا تعاد ( بمعزل ) عنها وقد يوافقه بعضها في عقد المستثنى كيعيد من ركعة ومن استيقن بناء على زيادة ركعة . وفي بعض الصور كانت المعارضة بالعموم من وجه . وعلى أيّ انتج الجمع بينها بناء على اطلاق من استيقن . وكذا لو كان مقيدا بخصوص الركعة لزوم الاعادة للأركان وعدمها بالسهو لغيرها على ما هو المسلم اليوم . الا ان مرسلة(6) سفيان بن سمط الظاهرة في السهو النصّ في الزيادة والنقصان تعارض الجميع حيث ان الظاهر منها ان بفعل السجدتين تصح صلاته بلا حاجة إلى الاعادة بضميمة المسلم من عدم لزوم

عدم البطلان بغير الخمس

ص: 281


1- . الوسائل 6 الباب 14/2 من أبواب الركوع .
2- . الوسائل 8 الباب 3/9 من أبواب الخلل .
3- . الوسائل 8 الباب 23/7 من أبواب الخلل .
4- . الوسائل 8 الباب 26/2 من أبواب الخلل .
5- . الوسائل 8 الباب 26/4 من أبواب الخلل في الصلاة .
6- . الوسائل 8 الباب 32/3 من أبواب الخلل في الصلاة .

السجدتين اذا كانت باطلة . لكنها مطلقة بالنسبة إلى الركن وغيره لما تضمنت كليهما حيث انها ناطقة بتسجد سجدتي السهو لكلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان . الظاهر من تدخل ان ذلك قهرا لا بالاختيار فبالنسبة إلى الأركان يخصّصها لا تعاد بلزوم الاعادة وتبقى في غير الأركان على حالها من لزوم سجدتي السهو الظاهر في الوجوب قوله تسجد بل آكد من الأمر ولكن من بعض الأخبار الصحيحة يظهر الاستحباب ففي بعضها(1) انه لا شيء عليه . وعلى أيّ حال لو كان لها سند تصلح مدركا لما يفتون من لزوم السجدتين لكلّ زيادة ونقصان لا لخصوص خمسة موارد أو أكثر .

وممّا ذكرنا يظهر حال المرسلة(2) مع قوله لا يعيد من سجدة ويعيد(3) من ركعة هذا .

ولا يخفى انه لو لم يكن لمن زاد اطلاق بالنسبة إلى العمد

والسهو فتخصص لا تعاد بالاخصيته والا فالنسبة عموم من وجه ولا وجه لاختصاصه بالعمد لعدم دلالة المادة ولا النسبة على ذلك . غاية الأمر الانصراف وهو على تقدير تسليمه بدوي . بل ظاهر حال من يريد أن يصلّي هو الاتيان بجميع ماله دخل في الصلاة فالسهو عن شيء خلاف طبعه الأول وكذا التعمد بالترك فرد نادر . ولذلك اعتبر في قاعدة الفراغ أن يكون بطبعه الاولى مريدا للاتيان والشكّ من ناحية الصارف فعلى هذا يكون امارة كاشفة عاديا عن الاتيان بالمشكوك . وكيف كان لو تعذر أحد القيود المعتبرة في المأمور به أو جزء منها فهل يسقط التكليف بالباقي أم لا ؟

بل يجب الباقي .

نسبة لا تعاد مع بعض الأخبار

ص: 282


1- . الوسائل 8 الباب 3/9 من أبواب الخلل .
2- . الوسائل 8 الباب 32/3 من أبواب الخلل .
3- . الوسائل 6 الباب 14/2 من أبواب الركوع .

قال الشيخ رحمه الله في ذلك وجهان . بل قولان . الا ان في باب الصلاة بحسب الأدلّة الثانويّة يجب الباقي غير باب الطهور . لكن البحث عام لجميع الأبواب سواء كان باب العبادات كالصلاة والصوم والزكاة وأمثالها أو غيرها كباب الكفارات الا ان التكليف تارة يكون متعلّقا بموضوع خارجي وتارة لا يكون له موضوع خارجي .

ففي الاول مقتضى القاعدة الأوليّة سقوط المقيد بانتفاء قيده فاذا وجب عتق رقبة مؤمنة أو اطعام مسكين وتعذرت الرقبة المؤمنة فهل يجوز عتق المطلق ولو كافرة فيكون ميسوره مثلاً أم لا ؟ بل اذا كان له عدل تخييري يتعين في صورة الانحصار أو تعذر وجود الحنطة مثلاً في الاطعام وقلنا بعدم الاكتفاء بالقيمة فهل يمكن كلّ شيء مثلاً أم لا ؟ لا مجال في هذه الموارد لوجوب الباقي بعد تعذر المتعذر لمكان الارتباطيّة حيث ان المولى يطلب المقيد فعند انتقاء القيد يشك في وجوب الفاقد وهو مجرى البرائة كما تقدم الكلام في ذلك في ما اذا كان لمتعلّق التكليف موضوع خارجي في التكاليف التحريميّة والوجوبيّة من وجوب خصوص الأقل وحرمته والشكّ في الزائد فتجري البرائة . وكذا لو لم يكن لمتعلّق التكليف موضوع خارجي بل كان كالصلاة عبارة عن الأفعال الخارجيّة فلا تعلّق لها بموضوع خارجي حيث تقدّم ان الجامع للقيود في التحريميّة ( حرام ) والأقل المتيقن في الوجوبيّة ويكون الفاقد في التحريميّة لبعض القيود أو الأقل في الوجوبيّة حيث انه فرد مشكوك الوجوب والتعلّق مجرى البرائة في التكاليف الاستقلاليّة ولا فرق بينها وبين غيرها وذلك لمكان الاطلاق من أدلّة الاجزاء

وجوب الباقي بعد العجز

ص: 283

والشروط سواء كانت مثل لا صلاة إلاّ(1) بطهور أو بلسان ان الشيء الفلاني شرط في كذا أو بلسان الأمر والنهي ( أيت بكذا أو لا تلبس الحرير في الصلاة ) وليس للقدرة دخل في الملاك بل هي شرط حسن الخطاب حيث يقبح مطالبة العاجز فلو فرض محالاً انه متمكن من اتيان المأمور به فالملاك في حقه فعلى .

فاذا تعذر عليه جزء أو قيد تعذّر الكل لتقيده بهما والاطلاق شامل لحال القدرة والعجز وليست القدرة شرطا شرعيّا في هذه الموارد ولو أخذت في لسان الدليل لأن القدرة المأخوذة في لسانه تكون على نحوين فتارة يكون مفاد الدليل مفاد لا حرج « وما جعل عليكم في الدين من حرج »(2) و « يريد اللّه بكم اليسر »(3) واخرى تكون مثل الواجد للزاد والراحلة أو البالغ المدرك للوقت وتسمّى الثانية بالقدرة الشرعيّة في قبال الاول فان القدرة العقليّة ليست مرادة وموضوعة للتكاليف في قبال المشاقّ العرفيّة بل القدرة هي ما لا يكون في متعلّقها مشقّة على المكلف فتكون عقليّة وإلا فزاد شرطا أخر بلا مشقة فتكون شرعيّة وتبيّن ان مقتضى القاعدة هو سقوط الباقي كما ذكرنا فلا يكون التكليف بالباقي بعد تعذر جزء أو قيد لتقدّر الضرورة بقدرها وذلك لان الملاك يمكن أن يكون محفوظا ولو بعد التعذر فلا يقيّد بسقوط الجزء أو القيد المأمور به وينحصر بالباقي . بل لابدّ في ذلك من قيام دليل وقد قام في باب الصلاة الأدلّة الخاصّة كمن

عجز عن القيام(4) يجلس ومن عجز عن الانتصاب ينحني غاية الأمر بالنسبة إلى

ص: 284


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/6 من أبواب الوضوء .
2- . سورة الحج: 79 .
3- . سورة البقرة: 186 .
4- . الوسائل 5 الباب 1 من أبواب القيام.

بعض أفراد القيام ومراتبه لا اطلاق كما اذا قدر على القيام كهيئة الراكع بالنسبة إلى غير المتقوس خلقة أو انزل من الركوع إلى أن يصل إلى حد يرفع فخذيه فقط . فلا يصدق القيام حينئذٍ . وكذا اذا لم يقدر على الاستقلال فيعتمد(1) على عصا أو جدار أو لم يتمكن من القيام مستقرّا بل مضطربا مثلاً فيجلس واقفا متمكنا . ولكن بالنسبة إلى غير باب الصلاة وبالنسبة إليها في غير هذه الموارد . الأدلّة موجودة كدليل الميسور ( واذا أمرتكم(2) بشيء فأتوا منه ما استطعتم ) ( وما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه )(3) حيث انه لا يحتاج إلى سند بعد شهرته وارتكازيّة معناه بين العقلاء حتّى الصبيان وان كان الاخيران قابلين للاشكال من جهة أن يكون المراد من الشيء هو الكلي لا الكل كما هو مورده في الحج حيث سئل(4) رسول اللّه صلی الله علیه و آله أفي كلّ عام الاّ ان لنا غنى مع الميسور . وهو يشمل المركبات الاعتباريّة والماهيّات المخترعة . وظاهر ان الميسور من الشيء لا يسقط بالمعسور منه بالنسبة إلى خصوص الكل لا الكلّي فيكون الميسور بعض أفراد العام الاستغراقي وتعسر بعض أفراده الآخر . بل الظاهر شموله أو اختصاصه بالكلّ الاعتباري وتشخيص موارده موكول إلى العرف فاذا رأوا شيئا ميسورا عن شيء فيجب بسقوط المعسور منه وليس ذلك أمرا مبهما أو مجملاً فيصدق على المسحة الواحدة من الوضوء أو غسلة كذلك انها ميسورة من الوضوء . ولكن الاشكال فيه إنّما من جهة عدم عملهم به الا في بعض الموارد في الصلاة ( فيكون مثل دليل القرعة حيث انه

ص: 285


1- . الوسائل 5 الباب 10/1 إلى 4 من أبواب القيام .
2- . بحار الأنوار 22/31 عن مجمع البيان .
3- . عن عوالي اللئالي 4/58 ح207 .
4- . بحار الأنوار 22/31 عن مجمع البيان .

ما عملوا بها الا في بعض الموارد ) وما عملوا به على اطلاقه كما في باب فاقد الطهورين حيث ان الباقي ميسور . ولكن ما التزموا به وكما في مفطرات الصوم وبعض موارد الحج حيث يكون ميسور ومع ذلك ما قالوا في التيمم والوضوء وإن كان في الثاني ورد الدليل(1) بأنّه لا يتبعض الا انه لم يرد في التيمم .

وهنا كلام للاستاذ المحقّق النائيني قدس سره (2) وهو ان المعسور ربما يكون بمرتبة

من الأهميّة يكون باقي أجزاء العمل أو قيوده في جنبه كالحجر في جنب الانسان فلا يصدق على هذا الباقي انه ميسوره . بل يكون مباينا للمأمور به غير مرتبط به كما استكشفنا ذلك في الطهور . حيث ان مع فقدان جامعه يسقط أصل الصلاة . وكما في الركوع والسجود حيث ان الفاقد لهما لا يتكفل شيئا فلهما بالنسبة إلى غيرهما من أجزاء الصلاة وقيودها أهميّة ليست لغيرهما . فحينئذٍ عند التعذّر لا يكون الباقي ميسورا واذا استكشفنا ذلك من الأدلّة . فهو والا فليس تشخيصه بنظر العرف بل هو أمر منوط إلى الشارع وللميسور الواجب شرط وهو أن يكون متضمّنا للأهم ولا يكون المعسور شيئا يكون الباقي بالنسبة إليه كلا شيء فحينئذٍ يكون لكلّ الفقهاء في الموارد الخاصّة متواصلاً عن السلف إلى الخلف ومن الخلف إلى السلف إلى زمان أصحاب الأئمّة حيث أخذوا ذلك عنهم وهم بيّنوا لهم . وكشفوا لهم فعند ذلك لابدّ من الاقتصار على مورد العمل من حيث استكشافه موارد تطبيق القاعدة وجريانها .

اشكال: استشكل في جريان قاعدة الميسور في ما اذا تعذر جزء أو شرط

ص: 286


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 33/2 من أبواب الوضوء .
2- . فوائد الأصول 4/256 وما بعده .

من المأمور به والمكلّف به . بأنّه إنّما تجري فيما اذا كان المتعذّر غير مقوم للمكلّف به فان الاجزاء والقيود يمكن أن تكون بحسب الواقع لكلّ منها دخل تقوّمي بمعنى ان بوجوده يتحقق حقيقة الشيء والباقي كأنّه زائد . وتارة يمكن الدخل بغير هذا النحو . فاذا أمكن هذا النحو ان في مقام الثبوت فلابدّ في جريان القاعدة من احراز ان الجزء أو الشرط ليس على النحو الأوّل فيكون مقوّما للشيء . وإلاّ فلا ميسور للشيء بل هو شيء مباين لا ربط له بالمكلّف به ويمكن استكشاف ذلك في مقام الاثبات عن بعض الأدلّة مثل ما ورد في ان الصلاة ثلثها(1) طهور وثلثها ركوع وثلثها سجود . وحيث ان تثليث الصلاة بهذه الاثلاث لمكان مقوميتها لها كي لا يكون الصلاة تصدق بدونها الا أن يكون المقوّم هو معظم الاجزاء فاذا لم يكن الصلاة مع الطهور فلا صلاة أصلاً لا انه يأتي بها بلا طهور . كما أفتوا بعدم اللزوم

وكالوقت مثلاً حيث ان له دخلاً ركنيّا . وليس كذلك الستر والقيام مثلاً . فاذا لم يتمكن من القيام يجلس وإن لم يمكن فيضطجع والا فيستلقي وهكذا . ولما لم يعمل أصحاب في كلّ مورد بالقاعدة مع صدق الميسور في بعض الموارد وربما يشخصون المقوم من غيره وليس عليه العمل فيستكشف من ذلك ان القاعدة ليست على اطلاقها بل لها مورد خاص أخذ اللاحق من السابق إلى ان وصل إلى زمان المعصوم سلام اللّه عليه وكشف تقريره عليه السلام لهم في ما يعملون بالميسور وفي ما لا يعملون عن مورده . وان المقوم ايّها وايّها ليس من المقوم بل من الغير الركني الذي لا يدور عليه المكلف به وليس ذلك ببعيد . بل البعيد أن يكون للرواية قيد أو مخصّص تواطؤا على عدم كتبه فان الورع والتقوى لهم

اشكال قاعدة الميسور

ص: 287


1- . وسائل الشيعة 6 الباب 9/1 من أبواب الركوع . مع تقاوت في اللفظ غير مضرّ .

يمنعهم عن القول والعمل بلا دليل . فكيف ما عملوا باطلاق هذه القاعدة وكيف كتموا ما لو صدر عن المعصوم في مثل هذه المسئلة مع ان الامام عليه السلام يحث(1) أصحابه على الكتب بل ربما كان ينظر(2) في ما كتبوا وان يضبطوا الكلمات(3) بالاعراب وليس من السابقين من العلماء والرواة الا فتاوى بعضهم ومن فتاويهم نستكشف عملهم الكاشف عن تقرير المعصوم عليه السلام . وحيث ان السيرة بنفسها دليل كاشف عن موارد القاعدة ما احتاجوا إلى كتبها . بل تناقلوها صدرا عن صدر . ولو كان الامام عليه السلام في بعض الموارد بين لهم بقول لكتبوه بل اما منعهم في بعض الموارد فما عملوا او لم يعملوا الا في بعضها فقررهم . ومعلوم ان تقرير الامام كفعله وقوله عليه السلام حجّة . وهذه السيرة أيضا باعتبار كاشفيتها عن ذلك تكون حجة والا فبما هي هي ليست شيئا . كما ان الاجماع الذي نقول بحجيته هو ما يكشف عن وجود دليل لو ظفرنا به لحكمنا على مقتضاه أو يكشف(4) عن رأي أصحاب الامام والمعصوم عليه السلام الكاشف عن رأي زعيمهم وهو الحجّة . فبهذا الاعتبار ليس الاجماع دليلاً في جانب ساير أدلّة الفقه . بل هو راجع إلى السنّة وإلاّ فلا يصلح الاعتماد عليه . والسنة أيضا راجعة إلى الكتاب كدليل العقل فالدليل واحد فقول الامام قول النبي

ص: 288


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 8/16 - 17 الى 21 - 31 - 32 - 74 الى 78 من أبواب صفات القاضي .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 8/16 - 17 الى 21 - 31 - 32 - 74 الى 78 من أبواب صفات القاضي .
3- . وسائل الشيعة 27 الباب 8/25 من أبواب صفات القاضي .
4- . كما في اعتبار كون مال المضاربة من النقدين لا غيرهما سواء كان اسكناسا أو من العروض ولا دليل لهم في ذلك إلاّ الاجماع واعتبار ذلك مسلّم عندهم .

صلوات اللّه عليه وآله وقوله قول اللّه . هذا ممّا لا اشكال فيه . فهذه السيرة القطعيّة

العمليّة من الفقهاء متصلة إلى زمان المعصوم وأصحابه وتكشف عن رأي الامام عليه السلام في موارد جريان القاعدة وتشخيص المقوم من غيره . وما اذا يصدق الميسور مما لا يصدق . والا فبالنظر إلى نفس الرواية لا اشكال فيها ودلالتها ظاهرة . فاما ان كانت مقيدة بشيء سقط عن الرواية وما ضبطوه في كلّ مورد وجامع نقلوا هذه الرواية . وامّا أن تكون ما قلناه مع ان ليس لها مخصص ومقيّد في الجوامع الأربع المتقدّمة ولا الثلاث المتأخّرة وكذا في غيرها مثل الاشعثيّات والدعائم والفقه الرضوي وما كان لهم خدشة في سند الرواية . فان الرواية عمل الأصحاب بها في بعض الموارد وهو كاف في جواز الاعتماد عليها . وليست دلالتها غير واضحة بل لها ظهور في الميسور العرفي بعد المعسور ففيما صدق الميسور للشيء بعد سقوط بعض اجزائه وقيوده تدلّ على لزوم الاتيان . به وان الفاقد لازم الاتيان ومعلوم ان الظهور كما ثبت في محله حجّة متبعة لازم الأخذ بها . ولكن تريهم يجرونها في ما لا يصدق الميسور العرفي ولا يجرونها في ما يصدق الميسور العرفي .

( وإذا شككنا في مورد ان الميسور هل هو الفاقد أم لا من جهة احتمال المقومية لشيء تعسر فلا مجال لجريان استصحاب الاجزاء السابقة على حال العسر . وذلك لعدم اليقين ببقاء الموضوع لاحتمال ان الباقي شيء مباين للسابق المتيقن . فلو جرت القاعدة لا تصل النوبة إلى الاستصحاب والا فلا يجري الاستصحاب أيضا كما يأتي بيانه في محلّه إن شاء اللّه . وذلك يكشف عن كون نظرهم في ذلك إلى تشخيص المقوم من غيره كما قالوا في باب الوضوء لمن يجف

اعتبار قاعدة الميسور ومجراها

ص: 289

بلّة يده اليمنى للمسح وكلّما يتوضّأ يجف . انه لابدّ اذا من المسح بالبلة فانه من باطن الكف فاذا جف فمن الظاهر وان لم يكن فمن أعلى اليد والا فمن اليسرى إلى أن يصل إلى بلّة الحاجب واللحية غير المسترسلة وذلك من جهة احتمال مقومية البلة في المسح للوضوء . وكذا عن بعضهم ان لو تعذر البلة فجنسها من ماء جديد وعن بعضهم أصل المسح باليد وإن كانت جافة لاحتمال مقوميّة أصل المسح . وعن بعض ضمّ التيمم وليس ذلك الا لاختلافهم في المقوم وورعهم يردعهم من القول بلا دليل والمشي على غير سبيل . هذا محصل تقريب الاشكال وخلاصته في جريان القاعدة ان الاجزاء والقيود المعتبرة في المأمور به تارة تكون من الاركان ومقوّمات المأمور به والباقي انما هو بمنزلة كماله . فاذا تعذر مثل هذه فلا محل لجريان القاعدة اما اذا كان المعسور غير هذه بل من ساير القيود والاجزاء التي ليس لها دخل في ركنيته ومقومية المأمور به فلا يسقط ميسورها وما هو المقوم والركن بالمعسور الذي هو غيرها . ففي مورد علم ان المتعذر هذا أو ذاك فلا كلام . وتجري فيما إذا كان المعسور من غير المقوم ولا تجري اذا كان منه .

وإذا شككنا ولم يستفد من بيان الشارع ذلك فيكون التمسك بالميسور في وجوب الباقي أو بقائه على ما كان عليه . من التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة ومن المسلم انه لابدّ من جريان الكبرى وتطبيقها على مورد من وجود صغرى له وعلى هذا فيكون حقيقة القاعدة غير مرادة باطلاقها . بل كانها مقيدة بقيد . ولابدّ من تشخيص مواردها ومصاديقها من دليل من الشارع .

ولكن كون المناط هو المقوم والركن لا يستقيم . فأيّ خصوصيّة في الطهور حيث تسقط الصلاة لأجله مع مساعدة العرف ان الفاقد للطهورين ما اعوزه

ص: 290

المقوم . بل الصلاة مجردة عنه ميسورة بالنسبة إليه . وكذا نرى كثيرا في الأركان اذا تعذر يجرون القاعدة في الباقي . إلاّ أن يقال في باب الصلاة لأنّها لا تترك(1) بحال . اليوميّة والطواف(2) لما في النصوص الخاصّة لابدّ له من فعل الباقي . وكذا يدعي الاجماع بالنسبة إلى فاقد الطهورين من انه لا تكليف عليه . فبهذا تختص القاعدة بغير باب الصلاة من أبواب الفقه . الا انه مع ذلك لا يمكن الالتزام بهذا وانهم كانوا سمعوا من المعصوم علیه السلام موارد جريان القاعدة أو قررهم عليه السلام وهم ما ضبطوا ذلك وما نقلوه إلينا مع شدّة حرصهم في ضبط الأحاديث وكتبها كالكليني رحمه الله حيث جمع الكافي في مدّة عشرين سنة لتصحيح الروايات اسنادا إلى رواتها . وكذا ساير المؤلّفين من الأصحاب في الحديث حتى انه ما كان له الصبر إلى الصباح في قرائة الكتاب عن شيخ الاجازة مع صحّة اسناد الكتاب إليه . بل قرءوا عليهم وعرفوا صحّة اسناد المؤلّفات إلى مؤلّفيهم فضبطوا ذلك في جوامعهم بتوسط مشايخ الاجازة . فهنا ظهر فائدة الاجازة والانتفاع بمشايخها . واذا لم يكن الرواية في كتاب بعض فرواه آخر أو سقط في ما سقط ما كتبه ابن أبي عمير . الا ان أمثال هذه الكتب والأحاديث ما كان منفردا بنقلها بل نقلها غيره من أصحاب الأئمّة علیهم السلام . بل هو نفسه أيضا أرسل الروايات وإنّما الضايع اسنادها ولا يوجد موضع من اجماع وغيره الا ومنهم عليهم السلام رواية ولو مرسلة واردة فيه حتى ما قلناه في مثل المضاربة واعتبار كون المال من النقدين ومع هذا فوصل إليهم بيان في ذلك أو تقرير وما نقلوه وما ضبطوه ومسئلة فاقد الطهورين أيضا

موارد تطبيق القاعدة

ص: 291


1- . الوسائل 2 الباب 1/5 من أبواب الاستحاضة وردت في المستحاضة .
2- . الوسائل 13 الباب 47/1 إلى 8 من أبواب الطواف .

لابدّ فيها من تشخيص ان الوقت أهم أو الطهور وإنّما استكشف تقدم الوقت على خصوص المائي من الطهارة وبالنسبة إلى الجامع يمكن أن يكون هو مائي الجامع أهم فيلغوا خصوصيّة الوقت ويأتي في خارجه مع ان الاجماع المدعى في سقوط التكليف عنه أداءً ليس اجماعا بل شهرة عظيمة بذلك وفي المقابل قال بعضهم بوجوب الصلاة عليه في ذاك الحال فاقدا ( كما لعلّه عن والد السيّد المرتضى أو هو نفسه ) وبعض قالوا بوجوب القضاء عليه في قبال من أسقط عنه كليهما أو ثبت كليهما وذلك من جهة فوت الصلاة عنه أو ( من فاتته فريضة فليقضها )(1) وان كان فيه ان الفوت ما تحقّق بالنسبة إليه لأنه ما كان شيء واجبا عليه حتى فاته فيجب قضائه . ولكن النص في لزوم القضاء في المقام موجود وهو من صلّى بغير طهور ( زرارة(2) عن أبي جعفر علیه السلام اذا نسيت صلاة أو صلّيتها بغير وضوء أو كان عليك قضاء صلوات أبدأ بأولهنّ فاذّن وأقم وهو باطلاقه شامل لمن كان عنده الماء ونسي وصلّى بغير طهور أو لم يكن له ماء وصلّى . الا ان يدعى منع الاطلاق وشموله لفاقد الطهورين وهو بمكان وأيضا إن كان المناط هو صدق الميسور بالركنيّة ويكون الباقي من الأركان فتقدم انه كثيرا ما ليس على هذه ( الحال ) فقد قالوا في مشتبه القبلة بلزوم الصلاة عليه إلى الجهة المحتملة مع عدم نص الا الى أربع(3) جهات وتجري القاعدة وان كان عملهم كاشفا من الحجّة المعتبرة فهو أنّما يفيد اذا لم يكن مستندا إلى المدرك والا فننظر إلى المدرك ونريهم قد يتمسكون في الموارد بأدلّة اخرى وذلك يخرج المقام عن كون المدرك هو الاجماع

ص: 292


1- . الوسائل 8 الباب 6/1 من أبواب قضاء الصلوات مع تفاوت في الألفاظ .
2- . الوسائل 8 الباب 1/4 من أبواب قضاء الصلوات .
3- . الوسائل 4 الباب 8/4 - 5 من أبواب القبلة .

التعبّدي . ونفس الشكّ في ذلك كافٍ كما انّه ربما تمسّكوا بمثل لا صلاة(1) إلاّ بطهور في بيان عدم لزوم الصلاة بلا طهور فيكشف من ذلك ان قوامها بالطهور . وذلك أيضا ممنوع لأنّ لسان لا صلاة إلاّ بطهور مع لسان لا صلاة(2) إلاّ بفاتحة الكتاب ومن لم يقم(3) صلبه متّحد . ولا فرق بينها ويبن أدلّة اعتبار الأجزاء والقيود بمثل الأمر وكون المراد من الميسور شيئا خاصّا مع انّه ألقى الخطاب إلينا وهو كتمه عنا وما بين موارد يكون فيها المقوم باقيا فتجري القاعدة ومتعذّرا فلا تجري ممنوع غايته وكيف من الشارع ذلك .

نعم إذا كان هناك اجماع على النحوين اللذين تقدّما ما إذا كشف عن وجود دليل لو ظفرنا به لحكمنا على مقتضاه وما كشف عن رأي المعصوم يكون متّبعا إلاّ أنّ أحدهما لا يوجد والآخر بعيد من بين الأربعين وجها ذكر مدركا لحجيّة الاجماع بأقسامه من اللطفي والحدسي والذي ركن إليه المتأخّرون من باب كشف اتّفاق جماعة عن رأى الامام علیه السلام . ومعلوم انّ ذلك إذا أفاد القطع يكون حجّة . والتشرفي الذي يتشرّف فيه المدعى للاجماع خدمة الامام علیه السلام ولمكان مانع من اظهار ذلك يبين السبب ويعبّر عنه بالاجماع . وعمل الأصحاب في الموارد مختلف من جهة تشخيص المقوم . فبعضهم قال في مسئلة الميت المتعذّر في تغسيله الخليطان بلزوم تغسيله بالقراح من جهة ان المقوم هو الماء والخليطان إنّما هما كمال ذلك ولا يكون بالعكس . إذا لم يكن الماء فيلزم الخليطان ولو بغير الماء وبلا ماء . وبعضهم قال بوجوب القراح عليه ويسقط الخليطان عند التعذّر . وآخر

المناقشة في تطبيق القاعدة

ص: 293


1- . الوسائل 1 الباب 1/1 - 6 من أبواب الوضوء .
2- . الوسائل 6 الباب 1/2 - 6 من أبواب القرائة في الصلاة .
3- . الوسائل 5 الباب 2/1 - 2 من أبواب القيام .

إلى لزوم الاحتياط بتغسيله ثلاث مرّات بالماء وضمّ التيمّم أيضا من جهة انّه لابدّ من أحد الأمور وحيث اشتبه فجمع بينها . وبعضهم استفاد الاكتفاء بالماء من المحرم الذي لا يقربه الكافور حيث يغسل بالقراح بتنقيح المناط القطعي . فكشف ان المقوم هو الماء . الا ان الالتفات إلى قضيّة أبان(1) يمنع ذلك . حيث انّ فيها انّ السنّة إذا قيست محق الدين فيما إذا استبعد بل قطع بكذب أن يكون لثلاث أصابع المرأة ثلاثون وللأربع عشرون فان هنا من أحسن موارد القياس وأقواها أفادة للظن بل العلم . فاذا تبين أن لا يمكن تخصيص القاعدة بمثل هذه الأمور إلاّ انّه ربما يمكن الاستفادة من رواية عبدالأعلى(2) ما يفيد في المقام حيث انّ الامام علیه السلام قال له: يعرف هذا وأشباهه من كتاب اللّه عزوجل « ما جعل عليكم في الدين من حرج »(3) مع ان المسح الذي يكون على العضو يجتزي به على المرارة واستفادة ذلك من الآية الشريفة ( ما جعل عليكم في الدين من حرج ) ممّا لا يعرفه أفهام العرف فيكون شاهدا لما نحن فيه .

عود على بدء قد مرّ ان المستفاد من قاعدة الميسور اعتبار أن يكون عرفيا الا ان عمل الأصحاب لم يكن على حسب ذلك بل ربما يكون المورد ميسورا عرفيا ولا يجرون فيه القاعدة بخلاف بعض آخر فيجرون كما في باب الصلاة في حقّ من لا طهور له فانّ الميسور صادق عرفا على الصلاة بلا طهارة وما قالوا بلزوم الأداء .

نعم قيل عن جماعة بلزوم القضاء . فهذا يكشف عن انّ الميسور لا يراد به

ص: 294


1- . وسائل الشيعة 29 الباب 44/1 من أبواب ديات الأعضاء .
2- . الوسائل 1 الباب 39/5 من أبواب الوضوء .
3- . سورة الحج: 79 .

العرفي بل الميسور هو الميسور الشرعي . الا ان تشخيص ذلك منوط بعمل الأصحاب حيث ان الورع وتقويهم يمنعهم من القول والفتوى بغير دليل فعملوا بالميسور مثلاً في باب الصلاة وما عملوا في الوضوء والغسل وعملوا في التيمّم وإن كان في الوضوء النص(1) بعدم التبعض . فاما ان ظفروا بدليل في المسألة يبين لهم الضابط في الميسور فعملوا به في ما عملوا وأخذوا به دون ما نرى موردا وليس ينطبق عليه الضابط أو ان الأئمّة علیهم السلام يبنوا لهم وقرروهم على جريانها في مواردها خصوصا مع ما كانوا عليه من الحرص على جمع الأخبار وتدوينها في كلّ باب حتّى الخلوات والأكل والجلوس على المائدة وغيرها . فاذن يكشف لنا فتواهم المتّصلة إلى زمان المعصوم علیه السلام وإليه عن رضاه وتقريره وبيان مواردها أو اعطاء الضابط الكلي اذا أمكن الانضباط بحسب الموارد وإن كان في باب الصلاة مثلاً توجد النصوص في كلّ مورد وتتبدّل الوظيفة من حال إلى حال إلى أن يكتفي بالاخطار بالبال أو الاكتفاء من كلّ ركعة بالتسبيحات أو غير ذلك بل ربما لا يصدق هناك الميسور .

هذا محصّل ما ركن إليه المحقّق النائيني قدس سره في المقام الا ان للاشكال فيه مجالاً واسعا اذ احتمال أن يكون الميسور هو الميسور الشرعي وإن الأصحاب بين لهم ذلك وما ضبطوا ذلك وما كتبوا بل أوصلوه إلى أخلافهم من الصدور إلى الصدور أو كان هناك نصّ لو ظفرنا به لقلنا بمقالتهم في موارد ما قالوا واجروها مقطوع العدم . فلا نحتمل ذلك بل نقطع بخلافه بل الميسور هو الميسور العرفي فاذا صدق في مورد عنوان الميسور كان مجرى القاعدة واذا لم يصدق لا تجري غاية

الاشكال على كلام النائيني

ص: 295


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 33/2 من أبواب الوضوء .

الأمر في بعض الموارد الذي يصدق الميسور ولا عمل للأصحاب هناك إنّما هو لمكان النصّ الخاص حيث ان القاعدة دليل مطلق عام قابل للتخصيص والتقييد كما في باب الوضوء فلم يعملوا بالقاعدة هناك وكذا في باب الصوم اذا يقدر على الصوم الاّ نصف اليوم وكما في بعض أبواب الحجّ في الوقوف حيث ورد الدليل بالاجزاء بالميسور بخلاف بعضها الآخر فلم يعملوا ( يشهد بذلك تمسك الأصحاب في موارد العمل بالقاعدة بصدق الميسور العرفي ) وليس المراد من الميسور هو الميسور عند الشارع حتى يحتاج تشخيصه بعمل الأصحاب . بل دليل القاعدة وسندها مستغني عن الكلام فيه ودلالتها واضحة في الميسور العرفي وظاهرة في خصوص الميسور من اجزاء الكل فاذا لا يبقى مورد كان العمل عليها وتكون هي المعوّل الا ويصدق الميسور العرفي وليس مورد يصدق ولا تجري الا لمانع من مخصّص أو دليل خاص هناك حتى في باب صلاة فاقد الطهورين الذي أفتى الأصحاب بسقوطها عنه واجروها مجرى قصد القربة يمكن أن يكون تعويلهم على الرواية(1) الواردة في الصلاة بلا طهارة مع القوم حيث يهدّده بالخسف .

فتبين ممّا ذكرنا ان ليس المراد من الميسور في القاعدة الا العرفي في اجزاء الكل ويمكن أن يكون في العام أيضا وإن عدم العمل في مورد صدق الميسور إنّما هولمكان الدليل الخارجي الذي هو بمنزلة المخصّص والمقيّد للقاعدة . وممّايؤيّد القاعدة في مضمونها خبر عبدالأعلى(2) في المسح على

ص: 296


1- . الوسائل 1 الباب 2/1 من أبواب الوضوء .
2- . الوسائل 1 الباب 39/5 من أبواب الوضوء .

المرارة حيث انه علیه السلام يبيّن للسائل انّ المسح على المرارة مع ان المرارة تباين البشرة وان تعذر المقيد لا يوجب سقوط المطلق بل المسح على المرارة ويعطي الضابطة الكليّة لقوله علیه السلام هذا وأشباهه يعرف من كتاب اللّه وبين مورد الاستفادة

وانه آية « ما جعل عليكم في الدين من حرج»(1) وإن كان يمكن الخدشة في ذلك بأن يعرف معلوم ولكن الكلام في ان العارف من هو اهو يكون من خوطب بالقرآن(2) فان القرآن إنّما يعرفه من خوطب به . الا ان ذلك ضعيف بأن المراد من هذا علم الناسخ والمنسوخ والمتشابه من القرآن والا فمعرفة الظهور منهم غير منكر فما ورثك(3) من القرآن أو ورثه حرفا في غير الظواهر . ومن هنا يظهر وجه الاستدلال في نحو ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه(4) وانه يستفاد منه عدم ترك المقدور والميسور بغيره في الأفراد من العام وفي الأجزاء من الكل لعموم ما لكليهما . وأمّا قوله علیه السلام اذا أمرتكم(5) بشيء فأتوا منه ما استطعتم . فالمحقّق النائيني مع قوله في ما لا يدرك بالعموم للكلّ والكلّي لأجزاء الأول وافراد الثاني فيبقى الممكن من فعلهما على حالهما ولا يتركان بغير الممكن والميسور منهما . قال في(6) هذا الخبر باختصاصه بأفراد الكلي وذلك لقوله فيه ( منه ) وإلاّ فالشيء يشمل أفراد الكلي وأجزاء الكل كليهما كما يشمل ما في الأوّل وان منه للتبعيض وهو إمّا أن يكون في أجزاء الكل أو أفراد العام ولا جامع قريب بينهما يجمعهما

ص: 297


1- . سورة الحج: 79 .
2- . الوسائل 27 الباب 13/25 من أبواب صفات القاضي .
3- . الوسائل 27 الباب 6/27 من أبواب صفات القاضي .
4- . عن عوالي اللئالي 4/58 - 207 .
5- . بحار الأنوار 22/31 .
6- . فوائد الأصول 4/254 - 255 .

فلابدّ من الاختصاص بأحدهما فيصير مجملاً . الا انه لمّا طبق وورد في خصوص أفراد الكلي فيصير قرينة على ارادة ذلك المحتمل فيكون مخصوصا بأفراد الكلي .

فقد روى انه قال صلی الله علیه و آله (1) في خطبته ان اللّه كتب عليكم الحج فقام عكاشة أو سراقة بن مالك فقال في كلّ عام يا رسول اللّه . فأعرض عنه صلی الله علیه و آله مرّتين أو ثلاثا فقال: ويحك وما يؤمنك أن أقول نعم . واللّه لو قلت نعم لوجب ولو وجب ما استطعتم ولو تركتم لكفرتم فاتركوني ما تركتكم وانما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم إلى أنبياءهم فاذا أمرتكم بشيء فاتوا منه ما استطعتم واذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه . والكفر المذكور ليس معنيا في مقابل الاسلام بل له معاني واستعمالات .

تكميل وتوضيح: قوله علیه السلام فاذا(2) أمرتكم بشيء فأتوا منه مااستطعتم مع قطع النظر عن المورد ظاهر في التبعيض في الأجزاء فيصير المعنى اذا أمرتكم بشيء فأتوا من أجزائها ما استطعتم . فيدلّ على المقام نظير قاعدة الميسور بناءً على اختصاصها بالأجزائي واحتمال أن يكون من فيه بمعنى الباء أو البيان خلاف الظاهر . فالرواية بناءً على تبعيضيّة من تكون كقاعدة الميسور كما قلنا . وبناءً على أن يكون من بمعنى الباء يكون المعنى فأتوا به مااستطعتم أي ما دمتم مستطيعين قادرين على الاتيان فيدلّ على لزوم التكرار في الأوامر ويختصّ بالأفراد ويحتمل أيضا كون ما موصولة أي فأتوا من افرادها أي الطبيعة الافراد التي تقدرون وتستطيعون على اتيانها . وبناءً على بيانيّة من فأتوا ما استطعتم الذي هو

شمول دليل القاعدة للكل والكلّي

ص: 298


1- . بحار الأنوار 22/31 .
2- . عن عوالي اللئالي كما مرّ .

الشيء فيدلّ أيضا على التكرار في الأفراد ( ولا يكون ما استطعتم بناءً على بيانيّة من ظرفيّة ) ويمكن قريبا على الاحتمال الأوّل الذي كان مبناه على التبعيض أن يكون ظاهرا في الأفراد أيضا غاية الأمر قدم الظرف وهو منه فالمعنى ما استطعتم منه أي الأفراد التي تستطيعون من هذه الطبيعة والشيء المأمور به . ولا مانع من أن يكون ظاهرا في كليهما كما استظهرنا ذلك في قاعدة الميسور . فان الشيء هو الجامع بين الفردين والقسمين ( أقول: كون الشيء هو الجامع لا يجدي لأنّه ليس متعلّقا لأمر فاتوا ) .

وكيف كان فالظاهر من الخبر مع قطع النظر عن المورد هو التبعيض ( أقول لما كان منه راجعا ضميره إلى الشيء المذكور يقوي بناءً على التبعيضيّة اختصاصه بالأجزاء بل لعلّه يتعين فتأمّل ) .

وذانك الاحتمالان بعيدان أحدهما أبعد من الآخر الا انه لما كان المذكور في الرواية موردا السؤال عن لزوم التكرار كما يدلّ عليه قوله أفي كلّ عام وهو لا يناسب كون الخبر واردا في بيان الأبعاض والأجزاء الا ان فيه بعدا من جانب آخر حيث ان ظاهر قوله فأتوا منه الوجوب وبقرينة المورد لابدّ أن يحمل على الأفرادي لا الأجزائي . ولما كان صدر الرواية انه لا أقول نعم فلو قلت لوجب وتركتم لعدم الاستطاعة وكفرتم فهو صريح في عدم قوله نعم وانه ليس بصدد ذلك ويكون قوله بعد هذا فاذا أمرتكم بشيء الخ لا يستقيم فانّ فيه تنافيا مع صدر الرواية ويتهافت الكلام فيقرب كون قوله علیه السلام ذلك ابتداء كلام وعنده انتهى جواب السائل وختم .

وانه لا يقول نعم وما قال فيجب صرف الوجود من الحج ولكنه تفضل بعد

المناقشة في دلالة الخبر

ص: 299

ذلك لبيان كلام آخر ( لعلّه الزمهم لا يسئلون عنه بأنّه إذا أمرتكم بشيء فأتوا من هذا الشيء عند عدم القدرة على الاتيان به ما استطعتم من أجزائه ولا تتركوه عند فقد القدرة على بعض أجزائها . الا أن يقال ان قوله علیه السلام الجواب في الرواية وتأبيه عن قول نعم لما ذكر لمكان تقدّمه يصير قرينة حافة بالكلام موجبة لظهور الأمر في الاستحباب فيدلّ على استحباب التكرار في المأمور به أي شيء كان وينطبق على المورد مع ورود الدليل باستحبابه في كلّ عام . ولا ينافي ذلك عدم قولهم بذلك حتّى الاستحباب مثلاً في الصلاة فبعدان صلّى الظهر بقصد الوجوب فلا يرون له أن يكرّرها بعنوان الاستحباب وكذا في الأبواب الاخر وان ذلك لمكان الاجماع على الخلاف فان الرواية عام قابل للتخصيص . فعلى أيّ لا يمكن الأخذ بظاهر الأمر في الوجوب بقرينة صدر الرواية وكذا كون الذيل في بيان شيء آخر تفضّلاً لعلّه بعيد . لكن حمل من في الرواية على البيانيّة حتّى بالنظر إلى المورد أيضا بعيد فيبقى أن يكون ظاهرا في معنى الباء أو التبعيض للأفراد . ويحتمل كما قدمنا أن يكون جامعا بين الأجزائي والافرادي كليهما مع حفظ المناسبة للمورد . فانّه إذا كان أعمّ من الأجزائي فينطبق على المورد بلحاظ الأفرادي ولا بأس به ولا منه مانع فيكون الرواية في تقدير اذا أمرتكم بشيء بالكل أو كلي فأتوا منه ما استطعتم أي الأجزاء التي استطعتم من الكل أو الأفراد التي تقدرون من الكلي والانطباق على المورد من جهة الثاني لحفظ المناسبة ومن الأول أيضا لا لخصوصيّة المورد .

هذا محصل ما أفاده الشيخ وغيره في المقام . وملخّصه ظهور من في التبعيض مع قطع النظر عن المورد واختصاصه بالأجزاء واختصاصه بالأفراد مع

ص: 300

النظر إلى المورد مع احتمال العموم في هذه الصورة وفي الأولى وظهورها في معنى الباء الا ان المحقّق النائيني رحمه الله(1) لا يرتضى ذلك لعدم الجامع بين الأفراد والأجزاء فالنظر في الكلي إلى الأفراد كلّ بعد الآخر . وإلى الأجزاء النظر آليّ ولايمكن الجمع بين اللحاظين فيكون أسوء من استعمال اللفظ في أكثر من معنى ( وذلك لأنّ لحاظ الأجزاء إنّما يكون بحالها قبل تعلّق الأمر حيث انّها امور متباينة لا ارتباط بينها والأفراد بعد تعلّق الأمر بالأجزاء ولحاظها أمرا واحدا اعتباريّا . ومعلوم ان النظر بعد الأمر يختلف معه قبله بحيث لا يمكن الجمع بينهما مضافا إلى ان الشيء الذي يتصوّر ويتخيل جامعا لهما إمّا أن يكون المراد منه مفهوم الشيء أو مصداقه فان كان المفهوم ففيه ما ذكرو إن كان المصداق فلا يمكن الجمع أبدافعلى هذا إمّا أن يكون في الأجزاء أو الأفراد وقرينة المقام توجب تعين الثاني وإن كان مع قطع النظر عن ذلك ظاهرا في التبعيض المختصّ بالأجزاء وارتضى سيّدنا الأستاذ قدس سره هذا الاشكال من المحقّق النائيني استاذه المرحوم .

هذا ملخّص الكلام في هذه الأدلّة التي استفيد منها لزوم الاتيان بالميسور عند تعذّر المعسور .

هذا بعد أن كان مقتضى القاعدة الأوليّة سقوط المقيد بانتفاء قيده أو المركب بانتفاء جزئه ولابدّ في اثبات الفاقد من دليل مثبت وإلاّ فلا يمكن اثبات الباقي بالأمر الأوّل . اذ الظاهر منه دخل كلّ شيء يتضمّنه فيه وكذا النهي المتعلّق به ففي باب التيمّم الذي يلزم فيه مسح الجبهة واليدين مثلاً الاكتفاء بالجبهة فقط والصلاة مثلاً لابدّ أن يكون مستندا إلى دليل . وكذا الاكتفاء من البشرة مسحا بالمرارة فان

سقوط المقيد بانتفاء قيده والمركب بانتفاء جزئه

ص: 301


1- . فوائد الأصول 4/254 - 255 .

التعذّر يوجب سقوط المقيّد والفاقد لم يكن مأمورا به ويجري في هذه الموارد وأمثالها قاعدة الميسور ويصح التكليف بالفاقد فعلى هذا يصير للصلاة الصحيحة ذات عرض عريض بالنسبة إلى كلّ واحدة منها . الا ان في دوران الأمر بين فقد شرط وجزء أو جزء وجزء أو جزء ومانع أو مانع وشرط لا يمكن تصحيح ذلك بقاعدة الميسور فان جريان القاعدة في أمثالها يكون من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة . فان القاعدة ليس من شأنها اثبات الميسور بل عند تميزه توجبه فلابدّ فيها من الترجيح بالاهميّة وغيرها من مرجّحات باب التزاحم لأنّ الدوران بينها في هذه الامور يكون من باب التزاحم . وهناك مرجّحات عند المزية لأحد المتزاحمين والا فالتخيير .

ومن المعلوم ان الدوران والتزاحم إنّما يكون ويتحقّق اذا لم يكن في سعة الوقت وكان الوقت أهم وإلاّ فيصبر إلى خارجه حتّى يتمكّن .

نعم في غير الموقتات أيضا يتحقّق التزاحم في آخر العمر ولم يمكن التكرار وإلاّ فلو أمكن يلزم ولو كان أحد المتزاحمين أهمّ من الآخر فانّ الأهميّة إنّما توجب تعين ذيها في ضيق الوقت ففي السعة يكرّر اذا أمكن فيكونان كالستر والقبلة وكلاهما واجبان وهو يتمكّن من اتيانهما ولو بالتكرار سواء كان أحدهما أهم أو كانا متساويين وفي الضيق يتعين أحدهما إذا كان أهم وإلاّ فالتخيير فتشخيص الميسور لابدّ له من ملاحظة المرجّحات وبدونها لا مجال لجريان القاعدة لأنّ التعذّر لأحدهما غير المعين وهنا لا مجال للتمسّك بالعام حتّى يتشخص الاخذ بأحدهما .

خلاصة ما تقدّم: ان مقتضى القاعدة الأوليّة سقوط المقيد بتعذّر الجزء أو

ص: 302

الشرط أو وجود المانع ولابدّ في اثبات الفاقد من دليل آخر كقاعدة الميسور أو دليل لاحرج وما شابههما حيث يتكفل لاثبات كون الباقي هو المأمور به في حقّ المضطر غير القادر على المتعذر الميسور وذكرنا عدم مجال للتمسّك بقاعدة الميسور عند الدوران بين سقوط شرط ووجود مانع أو سقوط شرط أو شرط آخر أو جزء أو جزء أو جزء ووجود مانع بل لابدّ من تشخيص المقدم من الأمرين المعسور أحدهما فاذا كان يمكنه الاتيان بكليهما ولو بالتكرار فيحتاط بذلك . وإن كان أحدهما أهمّ وإن لم يمكن لضيق الوقت المقدّم على كلّ شيء إلاّ الطهور فان كان هناك أهم فليقدم ويكون هو الميسور مع الباقي غير المعسور والمهم يكون ساقطا بحكم القاعدة وإن لم يكن هناك أهم ولا محتمل الاهميّة فيتخيّر ولابدّ في تشخيص الأهميّة من التتبّع فانّ الجهة الأصوليّة للمسئلة هي هذا المقدار والمسائل الدورانيّة كثيرة فتارة يكون الدوران بين أجزاء المركب وقيوده وتارة بينها أو بينهما أو بينها أو بينهما وبين الواجبات النفسيّة أو واجب نفسي وآخر كالتزاحم بين صاحبة الوقت وغيرها من الكسوف في ضيق الوقت بالنسبة إلى كليهما الذي يقدّم فيه صاحبته . أو حرام أو حرام وحرام فالقبلة لازم مراعاتها في الصلاة وكذا الستر والحرير مانع . فتارة يقع الدوران بين تحري القبلة وطلب الساتر وتارة تقع المزاحمة بين الستر والمانع اذا كان حريرا مثلاً والضابط ما ذكرناه ولا خصوصيّة للجزء دون الشرط حتى يقدم الأوّل فانّه منوط بالأهميّة ولا كلية في هذه الموارد فلا وجه لما عن بعضهم من الذهاب إلى تقدم الجزء في مورد المزاحمة على الشرط بتقريب ان الجزء مقدم في اللحاظ وهو ممّا يوجد ويتقوّم به المركب وهو الأصل بالنسبة إلى الشرط وهو الوصف . والأصل والموصوف مقدم على الوصف

ص: 303

اذ ذلك ليس في عداد الأدلّة ولا يستند إلى المعصوم علیه السلام إذ هو من عباراتنا .

نعم له ظاهر معجب نغترّ به فلابدّ في التقديم من الاستفادة من النصوص . ولو دار أمر الشيء بين كونه مانعا للمأمور به أو شرطا فاذا أمكن الاحتياط بتكرار المأمور به فاقداً له مرّة واجدا اخرى فمتعين . لأن ذلك من موارد دوران الأمر بين المتبائنين في العلم الاجمالي المنجز الذي لازمه الاحتياط ولا يكون مجرى البرائة اذ ليس من باب الشكّ بين الأقل والأكثر بل من باب الشكّ بين الماهيّة بشرط الشي والماهيّة بشرط لا لا اللابشرط حتّى تجري البرائة .

ومن المعلوم ان هاتين الماهيتين متبائنتان . والدخل معلوم اما وجودا أو عدما فليس لا لوجود هذا الشيء دخل ولا لعدمه وإذا كان المقام من موارد العلم الاجمالي فيتعين الاحتياط في صورة التمكّن من سعة الوقت وفي صورة التعذّر وعدم التمكّن من الاحتياط كان يكون في ضيق الوقت يكون الدوران بين المحذورين فيتخير أيّهما شاء .

بقي الكلام في وجه تقدّم ما ثبت بالميسور على البدل .

توضيح المقام هو انه قد يكون النصّ الخاصّ في مورد تعذر أو تعسر قيد أو جزء من المأمور به يرشد إلى لزوم الاتيان بالبقيّة كما في المسح على المرارة عند تعذّر أو تعسر مسح البشرة . وهذه الموارد لا اشكال في تقدّمه على البدل اذ النص الخاص يعين التكليف وانه المتعيّن والمكلف به بالنسبة إلى هذا الشخص كالوضوء الجبيري في موارد افراده الحقيقيّة ويجعل المسح والغسل على الجبيرة مكان المسح وغسل الموضع ويعين الميسور ويسقط المعسور .

وقد لا يكون في المقام نصّ خاص بل تجري القاعدة ومقتضاها لزوم

يقدم الأهم في التزاحم

ص: 304

الاتيان بالميسور من المعسور وسقوط المعسور كما قالوا في مسئلة المسح لمن يجف ماء وضوئه حتّى بالاسباغ والتكرار عند المسح يمسح بماء ظهر الكف وإلاّ فمن باقي اليد وإلاّ فمن الوجه وإلاّ فمن اللحية أو الحاجبين مع انه لا نصّ في المقام . وكذا إذا لم يمكنه ذلك انه يمسح باليد الجافة ثمّ بالماء الجديد ثمّ ضم التيمم في الموارد الملحقة بالجبيرة مع ان في جميع هذه الموارد متمكن من التيمم اذ هو بدل عن الوضوء فكما ان الوضوء على هذا النحو يقوم مقام الوضوء المختاري فكذا ينوب التيمم بل التيمم مقدم لأنّه البدل للوضوء الاختياري عند عدم تمكّنه منه ولكن ذلك غفلة عن ما هو الحق المحقق في المقامين .

فان الانتقال من تكليف إلى آخر يكون على أنحاء ثلاثة: إمّا من باب تبدّل الموضوع كالحاضر والمسافر . وخاصّة هذا الوجه جواز ايجاد ( موجب ) الموضوعيّة كان تأكل المرأة شيئا محيضا أو يسافر الحاضر . وأمّا من باب البدل والمبدل كما في التيمّم من الغسل والوضوء حيث انّه بدل عنهما وخاصّة ذلك والذي يأتي بعده عدم جواز تحصيل الموضوع البدلي والاضطراري اختيارا فواجد الماء لا يجوز له صبّ الماء والتيمّم للصلاة أو احداث نفسه وابطال طهارته وإذا فعل في غير مورد الضرورة عصى .

وإمّا أن يكون من باب السقوط والاكتفاء بالباقي . وفي مورد باب السقوط لا يجوز أن يعجز نفسه عن الصلاة القيامي اختيارا في غير مورد الاضطرار . ولمّا كان باب السقوط من مصاديق المأمور به غاية الأمر لهذا الصنف من المكلّف فهذا الفاقد . الميسور في حقّه تكليف واقعي فيكون حاله حال الوضوء للكامل المختار لا يجوز عند التمكّن منه التيمّم ولا ان يحصّل موضوع التيمّم ويصيّر نفسه من

انتقال التكليف على ثلاثة أقسام

ص: 305

افراده فهذا الوضوء الجبيري في حقّه هو الوضوء الكامل للمختار المتمكّن .

فعلى هذا لا فرق بين أن يثبت الباقي بالنصّ الخاصّ أو بالدليل العام كقاعدة الميسور أو لا حرج أو غيرهما . الا ان هذه الأدلّة عمومات قابلة للتخصيص فكما ان ما ثبت من الوضوء الناقص بالنص الخاص بالنسبة إلى المختار لغيره مقدم على التيمّم لمكان فرديته للوضوء لهذا الصنف فكذا ما ثبت بغير النصّ الخاص وفي موارد الاحتياط حيث يضمون التيمّم أيضاً ذلك من باب الشكّ في جريان القاعدة وإلاّ فلو جرت لا مجال للتيمّم كما في الموارد الملحقة بالجبيرة من الجرح الذي يضرّه الماء إلاّ من وراء شيء وهو مكشوف قبل الوضوء وكذا الترديد من بعض في تشخيص الأهم والمعسور والميسور والشكّ في جريان القاعدة أوجب قوله في باب من يجف وضوئه بلزوم المسح باليد الجافّة ثمّ بالماء الجديد ثمّ التيمّم . لاحتمال أن يكون أصل المسح هو الأهمّ الميسور والمعسور الماء من الوضوء فيسقط ذلك القيد واعتبار المائيّة وأن يكون الأهم الميسور المسح بالماء ويسقط كونه من ماء الوضوء والشكّ في أصل الجريان أوجب ضمّ التيمّم لاحتمال وجوب البدل حيث لا نصّ في المسئلة . الا ان هنا وظيفته الاحتياط بالمسح باليد الجافّة ثمّ التيمّم ولا يلزم المسح بالماء الجديد ولا اختصاص لذلك بالوضوء بل يجيء في الغسل أيضا ميسورا وسقوطا وبدلاً فتتبع .

تنيبه: وعلى تعبير الاستاذ بقي في المقام شيء ذكره الشيخ رحمه الله(1) وهو انه لو دار الأمر بين وجوب شيء وحرمة آخر وحرمته ووجوبه ذهب الشيخ رحمه الله إلى تقديم الموافقة الاحتماليّة مع لزوم المخالفة الاحتماليّة على الموافقة القطعيّة مع

ص: 306


1- . فرائد الأصول 2/505 .

المخالفة القطعيّة . فعلى هذا يترك أحدهما ويفعل الآخر لأنّه لو تركهما أو فعلهما وان وافق أحدهما اجمالاً ففي الصورة الأولى امتثل النهي المتعلّق بالحرام وفي الثاني امتثل الأمر المتعلّق بالواجب قطعا ووافقهما الا انه ترك الواجب في الأوّل وفعل الحرام في الثاني قطعا .

واذا دار الأمر بين الموافقة القطعيّة التي لازمها المخالفة القطعيّة والموافقة الاحتماليّة التي لا يلزم منها ذلك بل إنّما هي مخالفة احتماليّة مع احتمال الاصابة

الفعليّة للواجب والتركيّة للحرام ولا نص في المسئلة فهنا مجال العقل وهو يرى ويحكم بتقدم الثاني أي الموافقة الاحتماليّة التي لايلزم منها المخالفة القطعيّة وهذا

المقدار لا اشكال فيه ويقبله المحقّق النائيني رحمه الله إلاّ انه يزيد(1) موضعا لا يجيى ء فيه هذا الامكان ناظرا إلى اطلاق كلام الشيخ وهو انه إذا كان لأحدهما أهميّة فلو كان واجبا فيه أهميّة يقتضي الاهتمام بشأنه وحفظه لمزيد نفعه ومصلحته . ولو كان حراما فيه ضرر في الدين مثلاً كاكرام زيد في دوران الأمر بينه وبين اكرام عمرو فهنا وإن كان مجرّد فرض ونظر الشيخ لعلّه إلى الدوران المتعارف الذي مورده غير هذه الصورة والنائيني رحمه الله متذكر لهذا فلا يتوجه عليه انه خارج عن فرض كلام الشيخ . وذلك لأن هذا زيادة فرض ينبغي التنبيه عليه حتّى لا يبقى كلام الشيخ خاليا عن هذا الفرض ولا يطلق ولا يهمل الا انه يكون من باب التزاحم الذي بحكم العقل لابدّ من صرف القدرة في الأهمّ حيث انّ في ذاك الباب كلّ من المتزاحمين يشغل المكلف عن الاخر ويعجّزه عنه ويطلبه صرف القدرة عنه فيه مع فرض تماميّة الملاك وفعليّة الخطاب في كليهما . لكن التزاحم في المقام ليس

الموافقة القطعيّة الملازمة للمخالفة القطعيّة

ص: 307


1- . فوائد الأصول 4/263 - 264 .

من سنخ ذاك التزاحم اذ الذي في المقام في تنجيز أحد الخطابين في مورد العلم الاجمالي وإذا كان أحدهما المعين أهم فالآخر المهم لا يكون في عرضه حتّى يتحقّق المزاحمة بينهما بل الأهم يوجب الاعتناء بشأنه ويكون الدوران بين فعله وتركه فيتيخير بينهما وأمّا الآخر فلا يكون طرف المزاحمة . نعم لو كانا مهمين فكلام الشيخ هناك صحيح وتقدم الموافقة الاحتمالية على القطعيّة في المقام لما ذكر . ففي مورد الأهميّة يكون التأثير للعلم الاجمالي تنجيزا وفي المهمين يكون على تقدير كالمثال السابق اذا لم يكن بينهما أهميّة ويمكن فرض المثال الفقهي بصلاة الجمعة والظهر من وجوب أحدهما وحرمة الآخر وبدعيته .

أقول: ما ذكرنا سابقا في دوران الأمر بين وجوب شيء وحرمته مع حرمة شيء آخر ووجوبه يعني علم بوجوب أحد الشيئين وحرمة آخر واشتبها عن المحقّق النائيني وارتضاه سيّدنا الأستاذ وأمر بعده بالتأمّل وما بيّن نتيجة الفرق

العلمي الا انه لابدّ أن يبين وحينئذٍ نقول على ما أفاده المحقّق النائيني يكون في كلا المتزاحمين وأحدهما أهم دوران أمر بين وجوبه وحرمته بلا ارتباط بالآخر اذ الأهميّة أخرجت الأهم عن عرضيّة المهمّ له فاذا كان كذلك يكون الوظيفة في كليهما التخيير التكويني لا العقلي ولا الشرعي بخلاف ما أفاده الشيخ رحمه الله من فعل أحدهما وترك الآخر فانه كان مقتضى حكم العقل في المقام بالمقدار الممكن من الامتثال للتكليفين لكن الذي يظهر من تقريرات بحث النائيني رحمه الله انّه لابدّ من

تقديم موافقة الأهم القطعيّة وان استلزم المخالفة القطعيّة لآخر لأنّه للاهميّة صار

منجزاً فاثّر علمه المتعلّق به فلو كان الأهمّ من التكليفين هو الواجب فهو المقدم اللازم مراعاته بالاتيان بكلا الشيئين وإن كان فيهما حرام . ولو كان الأهم هو

ص: 308

الحرام فيلزم ترك كليهما مراعاة له والتكليف الآخر المتعلّق به العلم الاجمالي بابتلائه بالاهم يؤخّر عن التأثير فاذن تارة يلزم فعلهما لو كان الأهم واجبا واخرى تركهما لو كان حراما . الا ان تقرير سيّدنا الاستاذ كان محطّه الشيئين المتعلّق بأحدهما الوجوب وبالآخر الحرمة حسب ما كتبنا عنه قدس سره فليتأمّل .

لا يخفى ان مرجع ما ذكره سيّدنا الأستاذ إلى اشتباه الحكم في الموضعين الأهم والمهم لا من باب اشتباه موضوع الحكم كما يظهر من تقريرات(1) استاذه المرحوم المحقّق النائيني ومعلوم ان في فرضه علمين تفصيليين بجنس الالزام في كلا الموضوعين بلا ربط لأحدهما بالآخر . والمرجع فيه التخيير التكويني لو لم يكن مجرى الأصل بخلاف فرض استاذه المرحوم فالمتعين فيه في كلّ واحد من الحكمين الاحتياط في امتثاله بترك كلا المشتبهين اذا كان الحكم الحرمة وفعلهما اذا كان الوجوب في مورد كان كلّ واحد من الحكمين وحده .

وفي فرض المقام لما توارد حكمان على موضوعين مشتبهين لهما فلا

محالة كلّ علم يقتضي موافقته وحيث لا يمكن موافقتهما قطعا ولا أحدهما لعدم المرجح في كلام الشيخ فحينئذٍ يسقط الامتثال القطعي وينحصر في الاحتمالي لأنه المقدور الممكن في المقام . واشكال النائيني في ما إذا كان لأحد الحكمين مرجح يقتضي لتقدّمه في التأثير التنجيزي بموافقته تغليبا له على الآخر . فان كان هو الوجوب فيفعلهما أو الحرمة فيتركهما . فتبين ان ما ذكره سيّدنا الأستاذ قدس سره لا ربط له بمسئلة العلم الاجمالي بين موضوعين مشتبهين بل موضوعان مستقلان كلّ مشتبه الحكم والربط إنّما هو في استلزام وجوب أحدهما حرمة الآخر

ص: 309


1- . فوائد الأصول 4/263 .

وبالعكس للعلم الاجمالي فهذا العلم خلاصة علمين تفصيليين بجنس الالزام في كليهما

هذا تمام الكلام في البرائة والاشتغال الا ان هنا خاتمة يذكر فيها أمران:

الأمر الأوّل: في الاحتياط وقد وقع النزاع في طريقيّته . فذهب جماعة إلى بطلان العمل بالاحتياط بل لابدّ من الاجتهاد أو التقليد فتارك طريقة الاجتهاد والتقليد عمله باطل وذلك عند التمكّن من الاحتياط وهو إمّا أن يكون تامّا فيراعي في المسئلة جميع الاحتمالات أو يكون بالنسبة إلى أقوال الأحياء فقط أو أحوط القولين في المسئلة مثلاً سواء كان الاحتياط مستلزما لتكرار العمل أو لم يكن فعلى كلّ لا يجوز . وفصل بعض بين ما لو كان مستلزما للتكرار أو لم يكن فالجواز في الثاني والعدم في الأوّل . والمجوّزون للاحتياط أيضا مختلفون في خصوصيّاته كلزوم تقديم مؤدّى الامارة اذا كان هناك امارة ثمّ الاتيان بالاحتمال للاحتياط اذ عكس ذلك خلاف الاحتياط عندهم .

واستندا لما نعون واستدلّوا على المنع بوجوه:

منها: عدم تمشي قصد القربة والجواب انه بعد التمكّن .

منها: ان مراعاة الاحتمال ليست باطاعة بل الاطاعة عند العقل عند التمكّن هي الاطاعة التفصيليّة وهو لا يرى الاحتماليّة اطاعة .

منها: لزوم قصد الوجوب ومنها اعتبار قصد الوجه في العبادة . وعلى هذا لا يمكن الاحتياط لا انه لا يجوز لأنه لا يتصور فانه لو كان يأتي بقصد الوجه بلا معلوميّة عنده فيشرّع وليست عبادة ولو كان معلوما فاطاعة وليست باحتياط . لكن المختار في ذلك ان الاحتياط طريق في عرض الاجتهاد والتقليد وعليه

ص: 310

صاحب العروة وجماعة بل لعلّه أكثر المتأخّرين والمعاصرين .

طور آخر في الاحتياط ربما يقال ببطلان أعمال تارك طريقة الاجتهاد والتقليد وفي قبال هذا القول انكار الاجتهاد والتقليد ولا وجه للقولين . أمّا الثاني

فلأن رجوع المكلّف بنفسه إلى الأخبار والأدلّة الشرعيّة والفحص عن معارضاتها والنظر في وجه دلالتها وغير ذلك ممّا يذكرون هو بنفسه اجتهاد وإنّما سمّيتموه أنتم رجوعا إلى الأخبار وإن كان النظر إلى الظنون الاجتهاديّة التي لم يقم على تحقّقها دليل بأن يقال الفقه هو العلم بالأحكام الشرعيّة وانّ الظن ليس من العلم في شيء ولا يشمل أمثال هذه الظنون أدلّة الاعتبار كقوله(1) عرف احكامنا ففيه تفصيل .

وهو انه تارة يكون هناك بناء من العقلاء ومشي منهم في امورهم بحيث يطمئنون به ويسكنون إليه ويقفون دونه كما في العلم العادي الذي لا يبقى الشكّ عنده قابلاً للاعتناء بل لا يعتد به وكأنه ليس فيجرون على هذا الاطمئنان والانكشاف عندهم والشارع امضى هذه الطريقة ولم يردعهم عن هذا الجرى على وفق الممشى فهذا لا يتوجه عليه اشكال أصلاً لأنّ أنفسهم حصل لهم الاطمئنان والشارع بسكوته امضى هذه الطريقة فزادهم اطمئنانا ولا اشكال في الحجيّة بهذا المعنى الحاصل من الجري على وفق تلك الطريقة .

وإن كان مراد من يقول في الامارات الشرعيّة بتتميم الكشف فمرحبا بالوفاق .

وتارة يكون النظر إليها دون هذه الجهة فهناك كلّ على مبناه من تصحيح

طريقة العقلاء

ص: 311


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/1 من أبواب صفات القاضي .

العمل بالظن من آية النبأ وغيرها من الامارات الشرعيّة التي توجب جواز العمل على وفق الظن على تقدير تماميّة أدلّتها عند القائلين بالحجيّة في هذه الموارد تعبّدا . وإن فرض انه لم يحصل من خبر الموثق وثوق بما تضمنه ذلك الخبر فايضا لا تعويل على الظن من حيث هو بل جرى على مقتضى الدليل الشرعي الا أن يكون النظر إلى مثل ( لا يخلو من رجحان ولا يبعد ) الذي لا يكون عنده اطمئنان ولا سكون نفس فهذا هو الحق المحقق ونحن معكم اذ لا دليل على حجيّة امثال هذه ولا يمكن الاستناد إليها في مقام الفتوى .

هذا في الأدلّة الاجتهاديّة ( وإن كان الجرى على وفق مبنى الشيخ من انتزاعيّه الحجيّة من الخطاب التكليفي بالجرى فاحسن ولا اشكال عليه من هذا الجهة ) .

وأمّا غيرها من العقل عند عدم دليل اجتهادي وانسداد باب العلم والعلمي من الأدلّة فتارة تتمّ مقدّمات الانسداد على الكشف فحسب التقريب لابدّ من الرجوع إليه عند عدم التمكّن من المرتبة التي فوقها ويكون طريقا مسلوكا عندئذٍ وإلاّ فعلى تقرير الحكومة فهناك حكم العقل بلزوم الجرى في امتثال أحكام الشارع حسب امكانه . هذا في الاجتهاد .

وأمّا التقليد فان كان بناء العقلاء عليه فلا اشكال وإلاّ فيمكن استظهار جوازه من الأخبار . من جملتها خبر الاحتجاج وهو وإن لم يكن مسندا الاّ انه كما عن بعض الأعاظم يلوح من نفس الخبر آثار الصدق وانه صدر عنه ولا نريد في الخبر غير صدوره عن المعصوم علیه السلام (1) من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا

ص: 312


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 10/20 من أبواب صفات القاضي .

لدينه مخالفا لهواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه .

وأمّا انكار جواز الاحتياط فان كان المستند فيه هو الاجماع المدعى في كلام السيّد الرضي وتقرير أخيه السيّد المرتضى عليهما الرحمة فعلى تقدير صحّة النسبة والمنسوب مع ان فيهما ما فيهما ولم يدع السيّد الاجماع ولا قرّره عليه أخوه .

ان المستند في مثل هذا الاجماع معلوم وهو اعتبارهم قصد الوجه في العبادة . فعلى هذا يكون النظر إلى مدركهم . وإن كان غير الاجماع فنطالبهم به ومعلوم انه ان اعتبرنا قصد الوجه لا يمكن الاحتياط بل يكون مستحيلاً لأنّه إن لم يعلم ويقصد فقد شرّع وفعل حراما كما استظهرنا من الأدلّة ان نفس الشكّ في حجيّة طريق مساوق لعدم الحجيّة وان لا يأتي فلا امتثال ولا مدرك لهم في ذلك واعتبار هذا من الفقهاء المتكلّمين حيث اعتبروا قصد الوجه وقصد الغاية أيضا بأن يأتي بالواجب لوجوبه وقالوا بمقالتهم في الكلام في الفقه . ويمكن حمل ذلك بعيدا على ان المكلّف والعبد ينبغي أن يعرف ذلك وان يكون بين يدي مولاه في ذلّ وخضوع ويكون عمله المأتي به لوجوبه لا لشيء آخر ومعلوم ان اعتبار مثل قصد الوجه من القيود المعتبرة في المأمور به كقصد القربة والمولى وان لم يتمكّن من خطاب المكلّف بذلك في نفس خطاب التكليف الا انه يمكن بنتيجة التقييد ان يتوصل إلى غرضه ولا يوجد في الأخبار والآثار بعد التتبّع التام ما يستفاد منه ذلك . ومن المواضع التي يكون أصل عدم الوجدان وانه يكون دليل العدم هذا مع شدّة احتياج المكلّفين في كلّ موارد ابتلائهم بمثل هذا ومن المكلّفين تلامذة الأئمّة علیهم السلام فلا يسئلون ولا يبتدونهم أئمّتهم عليهم السلام ببيان ذلك . وان لم

وجه اعتبار قصد الوجه

ص: 313

يحصل . قطع بعدم اعتباره وشككنا فتصل النوبة إلى البرائة وتجري كما في ساير ما يعتبر في المأمور به ولا دليل عليه من الشارع . وقصد القربة واعتباره في العبادة صار من الضروريّات عند المتشرّعة وان يمكن استظهاره من بعض الآيات والأدلّة على عسر . وعلى أيّ قام الاجماع على اعتباره في العبادات كالصلاة والصوم والزكاة والخمس على اشكال فانه يلحقونه بالزكاة . ويظهر من بعض الأخبار ان الخمس عوض الزكاة لأهله وإن كان القائل بالمنع يستند في ذلك إلى لزوم اللعب بأمر المولى فهو ممنوع فيما نقول بالجواز لا ان يصلي صلاة في خمسين ثوبا واشتبه واحد منها طاهر بالباقي الانجاس وهو متمكّن من التمييز وان كان الدليل في ذلك عدم صدق الاطاعة وانه عند التمكّن من الامتثال التفصيلي ليس اطاعة هناك احتمالي قطعي كما يظهر من بعض . فان للاطاعة أربع مراتب التفصيلي القطعي والاحتمالي الاجمالي القطعي بأن يأتي بأطراف المشتبه بأسرها ويحصل له العلم بالموافقة والظنّي الاحتمالي وانه عند التمكّن من مرتبة أعلى لا تصل النوبة الى ما هو أسفل كما ركن إلى ذلك المحقّق النائيني في بعض الدورات في خصوص ما يستلزم التكرار وفاقا للشيخ الا انه رجع عن ذلك بل ضمّ إليه وان لم يستلزم التكرار مضافا إلى انه يقولون يجوز المضى في صلاته لمن عرض له حالة فيها وهو لا يدري لزوم الجرى أو عدمه لكن لا وجه لذلك لأنّ الاطاعة الاجماليّة ليست بحيث لا يراها العقل في عرض الاطاعة التفصيليّة القطعيّة بل يراهما في عرض ( ان لم ير الاجمالي التفصيلي أحسن ) .

نعم اذا حصل الشكّ فلا مجال للقول به للشكّ في طريقيّة شيء وحجيّته وهو مساوق لعدمهما وحرمة الجرى عليه شرعا .

ص: 314

فتبين ممّا ذكرنا فساد القول بمنع الاحتياط سواء استلزم التكرار أو لم يستلزم بل الاطاعة الاجماليّة القطعيّة اطاعة في عرض التفصيليّة وعند الشكّ يكون المتعين التفصيليّة تحكيما لما هو قضيّة دوران الأمر بين التعيين والتخيير وليعلم ان محلّ النزاع هو ما اذا تمكن من الاجتهاد أو التقليد والاحتياط .

توضيح وتكميل: بناء على اعتبار الامتثال التفصيلي وان الامتثال الاجمالي التفصيلي والاحتمالي ليس بامتثال والاطاعة هكذا ليست بها فيكون قيد لزوم الامتثال التفصيلي من القيود المعتبرة في المأمور به ومن الانقسامات المتأخّرة الثانية حسب تقسيم المرحوم النائيني فانه رحمه الله نقّح ذلك وقسم القيود إلى ما قبل الخطاب وما بعده والمتأخّر عنه فالمأمور به وموضوع التكليف في لحاظ المولى وموضوعيته للتكليف بالنسبة إلى كلّ شيء من الزمان والزماني اما ان يكون مقيدا بوجوده أو عدمه أو لا هذا ولا ذاك فان الاهمال لا يمكن في عالم الثبوت ولا رابع لهذه الأقسام الثلاثة . فبالنسبة إلى الزمان يكون من الموقتات أو غيرها وبحسب الزمانيات تصوراته كثيرة والضابط ما تقدم .

هذا بالنسبة إلى ما قبل الخطاب الذي يسري عليه الخطاب وينبسط على ما اعتبره المولى في موضوعه تقييدا وجودا أو عدما او اطلاقا بدونهما ونسميه بالانقسامات الاوليّة أي ما قبل الخطاب والسابقة عليه .

وأمّا أن لا يمكن لحاظ شيء في رتبة الموضوع قبل الخطاب حتى ينبسط

الخطاب عليه بل يكون من قبيل المعلول لعلّته بالنسبة إلى الخطاب وموضوعه ويكون اعتبار ذلك متأخرا عن المأمور به بمرتبة واحدة فلا يمكن أخذه في رتبة المأمور به ويكون موضوع الخطاب كالموضوع له كالامتثال التفصيلي فيما نحن

ما يلاحظ قبل الخطاب وما يلاحظ بعده

ص: 315

فيه فكأنّ المولى قال صلّ تفصيلاً وائت بالمأمور به كذلك ولا يمكن لحاظ هذا القيد في رتبة الموضوع والخطاب لأنّه به يوجد ويتحقّق وما يأتي من قبل الخطاب لا يمكن أن يكون موضوعه فالأمر الأوّل لا يتعلّق به فهو نظير قصد القربة حيث ان المولى لابدّ له من خطاب آخر غير الخطاب الأوّل والخطاب الأوّل يكون كالموضوع له ان كان قصد القربة والوجه دخيلاً في غرضه ولمّا لم يمكن دخل هذا في الخطاب الأوّل وبيّنه بالخطاب الثاني فهذا الخطاب متمم للأوّل ويكونان خطابا واحدا لاتّحاد الملاك فيهما بل في صورة اتّحاد الملاك ولو صدر في التوصل إلى غرضه ألف خطاب يكون واحدا ولما قيد امتثال المأمور به فهو ينتج نتيجة التقييد حيث لا يمكن التقييد في رتبة المقيد . وعلى هذا فلا يمكن الامثتال الا بالاجتهاد أو التقليد وتارك هذين الطريقين اعماله العباديّة باطلة . فان محلّ النزاع العبادات والفساد بمعنى عدم انطباق المأمور به على المأتي به لنقص جزء أو قيد من المأمور به فما أتى به ليس مأمورا به وما هو مأمور به ليس بمأتي به . ومحلّ الكلام هو ما إذا تمكّن من الاجتهاد أو التقليد فلابدّ أن يكون التمكّن محرزا فان اعتبار هذا القيد في هذا المقام كان يكون المدارك والقوة القدسيّة موجودة حاصلة عنده والوقت يسع لذلك واذا يلزمه مباحث أو من يسمع كلامه في الاجتهاد هو أيضا حاصل حاضر أو ان المجتهد العادل الجايز التقليد موجود يتمكّن من تقليده .

وفصّل القائلون بالمنع كما سبق بين ما اذا استلزم التكرار فلا يجوز وبين ما اذا لم يستلزم التكرار فيجوز كما هو مذهب الشيخ والنائيني في بعض الدورات

ص: 316

السابقة على الاخيرة الا انه رجع اخيرا وقال بالمنع(1) مطلقا . لكن لا يمكننا المساعدة على الانحصار أصلاً استلزم التكرار أو لم يستلزم . فان الاطاعة الاجماليّة التفصيليّة كما أشرنا آنفا أيضا اطاعة ولو شككنا فهي مجرى البرائة حيث ان اعتبارها بيد الشارع ويمكنه بيان اعتبار ذلك في المأمور به ولم يبين أو لم يصل . على انه يرد على هذا التفصيل أيضا انه إن اعتبر قصد الوجه ففي كلّ العمل سواء كان مستلزما للتكرار أو لم يستلزم فهذه السورة التي يأتي بعنوان الرجاء لو كانت في الواقع تحت الأمر لا ينطبق عليها المأمور به لعدم تحقّق قيدها وهو الاتيان بقصد الوجه من الوجوب أو الندب وإن لم يكن معتبرا فلا وجه لاعتباره في الجل لا الكلّ والمنع من التكرار . بل اما معتبر مطلقا أو ليس كذلك . وليعلم أيضا ان هذا التفصيل بالمنع في صورة التمكّن من التفصيلي وعدمه لا يختصّ بباب دون باب بل يجري في الشبهات البدويّة وموارد العلم الاجمالي والحكميّة والموضوعيّة سواء كان المقام الزاميا أو غيره ولا وجه للتفصيل بينهما بالجواز في الثاني والعدم في الأوّل فاذا كان عنده ثوبان أحدهما نجس والآخر طاهر ويتمكّن من التمييز لا يجوز له أن يصلّي صلاتين فيهما بل لابدّ من التمييز والصلاة في طاهرهما وكذا البدويّة وموارد العلم الاجمالي في الحكميّة اذا تمكّن من الاجتهاد أو التقليد واذا لم يجز الامتثال الاجمالي ولم يكن طاعة فلا يختصّ بالالزامي دون غيره .

بقي تنبيهان: الأوّل بناء على لزوم الموافقة التفصيليّة في العبادات فلو كان عند المكلّف ماءان أحدهما مضاف والآخر مطلق مشتبها بالآخر وكان هناك

نتيجة البناء على تقدّم الامتثال التفصيلي

ص: 317


1- . فوائد الأسول 4/272 .

ماء مطلق موجودا فلا يجوز التوضّأ بهذا المائين بل لابدّ من اختيار الماء المطلق المعلوم وإن لم يكن عنده ماء مطلق فلا يتمكن من الاطاعة التفصيليّة فتصل إلى الاحتماليّة الاجماليّة القطعيّة .

وهذا صحيح على مذهبهم ويفتون به وبناءً على ما اخترناه فيتخير بين الوضوء بالمائين المشتبه مطلقهما بالآخر وبين المطلق الآخر .

ولو كان له ثوبان منحصر أحدهما نجس مشتبه بالطاهر ولم يكن له غيرهما فاما ان يصلّي عاريا للاطاعة التفصيليّة بسقوط الشرط واما ان يصلّي في الثوبين ويسقط اعتبار الموافقة التفصيليّة . ونسب إلى بعضهم الصلاة عاريا في هذا الفرض لأهميّة الاطاعة التفصيليّة عند دوران الأمر بينها وبين جزء أو شرط كما في المقام . الا ان في المنسوب تأمّلاً ولا يقول بذلك أحد بل لعلّه احتمال في الدرس جعلوه قولاً له .

وعلى أيّ يسقط هنا اعتبار الاطاعة التفصيليّة لأن ذلك عند التمكّن وفي المقام لا يتمكّن منها الا دورا كما بيّنه(1) المحقّق النائيني قدس سره من توقفها على سقوط الشرط وسقوطه متوقف على اعتبار الامتثال التفصيلي وهو يتوقف على التمكّن منه وذلك أيضا متوقف على سقوط الشرط ويمكن من مراعاة الشرط ولو بالتكرار فيجب فاذن يسقط الدوران بين الاطاعة التفصيليّة وبين شرط أو جزء لتقدم الجزء أو الشرط على ذلك بل لو اعتبرت مطلقا لا يبقى مجال للاحتياط ولا تصل النوبة إلى الامتثال الاحتمالي ومنع ذلك وان كان يمكن تصوير الدور في

ص: 318


1- . فوائد الأصول 4/273 .

جانب الستر الذي هو شرط أيضا الا انه لا تصل النوبة إلى هذا المقام لعدم الدوران رأسا .

الثاني لو عرض له في أثناء صلاته ما أوجب ترديده في حكم عمله وشكّ في تكليفه الفعلي لنسيان مبناه وفتواه أو فتوى مقلّده ( أو الجهل بها ) كما إذا شكّ

في انّ الظن في الأفعال حكمه حكم اليقين أو الشكّ والمحل باقٍ فان كان في حكم اليقين فلا يعتني بشكّه ويمضي وإن كان بحكم الشكّ فلابدّ من الاتيان بالسجدة الثانية المظنون الاتيان . وهذه المسئلة كثير الاتّفاق حتّى قد يتّفق لأهل العلم ولابدّ من فرض الكلام في سعة الوقت وسيّدنا الأستاذ قدس سره وإن أطلق الا ان في التقريرات(1) فرض الكلام في ما إذا لم يكن الترديد لطروّ ما يحتمل المانعيّة او القاطعيّة .

ولا يخفى وجهه وربما يستفاد هذا من بحث سيّدنا الأستاذ قدس سره أيضا وعلى أيّ ففي المسئلة احتمالات بل أقوال اربعه الأوّل وجوب المضي رجاءً على المظنون في جميع الصور مجتهدا كان ناسي المبنى أو الفتوى أو مقلّدا أو أحد طرفي الشكّ اذا لم يظن وبعد الفراغ ان طابق الواقع فهو والا فيعيد .

الثاني القطع والاستيناف مع الامتثال والقصد التفصيلي .

الثالث التخيير بين القطع والمضي على العمل رجاءً والاعادة عند عدم المطابقة .

الرابع وجوب اتمام ما بيده رجاءً والاستئناف من رأس وإن طابق الواقع وهذه الآراء صادرة من المحقّقين المشترطين وغيرهم . هذا مع اتّفاقهم على صحّة

لو عرض في الصلاة حالة لا يعلم حكمها

ص: 319


1- . فوائد الأصول 4/273 .

الأعمال التي عملها المكلّف عند عدم تعيين المجتهد الذي يقلّده بعد اذا وافقت فتواه ( ولا يستقيم هذه الفتوى مع بنائهم على لزوم الامتثال التفصيلي .

بل لابدّ من تعيين من يقلّده أو الاخذ بأحوط القولين أو الأقوال عند الاشتباه وعدم التعيين هذا ما يتعلّق بشرايط الاحتياط وانه يجوز أو لا يجوز على ما مرّ من مختار الأساتيد والعلماء وقد علم موارد المناقشة فيها .

ومدرك هذه الأقوال للأول ان صلاة المكلّف إلى الآن يعني عند عروض الشكّ صحيحة وفي هذا الحين أيضا كذلك لا من جهة الاستصحاب والصحّة التأهليّة بل ذلك متيقن ويحرم قطع العمل لورود آيات من قبيل « لا تبطلوا»(1) أعمالكم في الصلاة دون غيرها ( في الأثناء ) ودون التوصليّات وروايات ذكرها صاحب الحدائق واعتبار الامتثال التفصيلي مختصّ بصورة التمكّن وفي المقام لا يتمكّن منه لحرمة قطع الصلاة على تقدير الموافقة للواقع ) فبعد الفراغ من العمل ان لم يطابق الواقع يستأنف من رأس .

والثاني: ان حرمة ابطال العمل ليست في المقام فلا يجوز التمسّك بدليلها لأنّه من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة غير الجائز عندهم . فاذا جاز القطع يستأنف الصلاة مع الامتثال التفصيلي . اما جواز القطع وعدم جواز التمسك بالعام من جهة الشكّ في صحّة العمل بعد الشكّ على النحو الذي يأتي بباقيه ويتمه أو مطلقا وحرمة الابطال مختصّة بما إذا كان العمل صحيحا وهنا مشكوك الصحّة . بل زاد عليه سيّدنا الأستاذ قدس سره حيث انّه اختاره(2) ( القول الثاني ) استاذه المحقّق

ص: 320


1- . سورة محمّد صلی الله علیه و آله: 34 .
2- . فوائد الأصول 4/276 .

النائيني قدس سره بأنّه لا يجوز بناء على هذا المبنى يعني لزوم الموافقة التفصيليّة اتمام العمل لا انّه يجوز القطع وذلك لأن اتمام العمل يمنع من تمكّنه مع هذا الشكّ من الاعادة بالامتثال التفصيلي بل يأتي به احتمالاً ورجاءً . فاذن لابدّ له من القطع والاستئناف من رأس ( أقول بناء على اعتبار الموافقة التفصيليّة لا يمنع هذا المأتي به عن القصد التفصيلي وامتثال المعاد كذلك بل الشكّ يوجب بطلان العمل لكشفه عن عدم امكان حصول قيده وهو الامتثال التفصيلي في باقي العمل .

والثالث: ان المقام من باب دوران الأمر بين الواجب والحرام ولا أهميّة لأحدهما فأيّهما اختار قدمه لحرمة القطع ووجوب الامتثال التفصيلي وعدم تمكّنه من الجمع بين امتثال الالزاميين في المأتي به وعند تبين عدم المطابقة في صورة تقديم امتثال حرمة القطع يعيد الصلاة . وحكى هذا الوجه عن الميرزا الرشتي رحمه الله .

والرابع: انه متمكن من امتثال التكليفين ترك الحرام وهو قطع الصلاة والامتثال التفصيلي فيأتي بالعمل بعد الصلاة متمة تفصيلاً وإن صادف المأتي به الواقع ولا يكتفي بما أتى به المصادف للواقع . واستشكل أحد الاخيرين على الآخر والمظنون هو الرابع بعدم معنى للزوم الاتيان بكليهما العمل تماما والاعادة بل يتخير ويعيد على فرض الاتيان واختيار الاتمام وعدم المصادفة والمطابقة للواقع .

وهنا كلام ذكره المحقّق النائيني رحمه الله(1) وهو انه هل يجوز العمل بالاحتياط مع الاجتهاد أو التقليد بمراعاة الجانب المحتمل والطرف الآخر كما في

ص: 321


1- . فوائد الأصول 4/265 .

التسبيحات بأن يأتي ثلاث مرّات عند اعتقاده أو مقلّده كفاية المرّة أم لا ؟ واختار الجواز لاحتمال خطأه أو مقلّده لكن يقدم العمل بالفتوى والاجتهاد على الاحتياط ( أقول ذكر ذلك في ما إذا كان المستند للفتوى الامارات أو الظنّ من باب الكشف واعتبره وذكر في وجهه ان دليل الامارة يقتضي الغاء احتمال الخلاف والعمل بجانب الخلاف . والاحتمال منافٍ لهذا وأيضا لزوم الامتثال التفصيلى وتعينه عند التمكّن كما في المقام وكلا الوجهين لا يصلحان للاعتماد عليهما في ذلك فالأقوى جواز العمل بالاحتمال مقدما على الفتوى ومؤدّى الاجتهاد سواء كان المستند فيهما امارة أو أصلاً والحمد للّه أوّلاً وآخرا .

شرائط البرائة: الكلام في شرايط البرائة يقع في جهات ثلاث:

الأولى: في وجوب الفحص وعدمه . الثانية: هل يستحقّ تارك الفحص

العقاب على الركون إلى البرائة أم لا ؟ الثالثة: في صحّة العمل العبادي الذي يتّفق

موافقته لمقتضى البرائة قبل الفحص وعدمها كما إذا احتمل عدم وجوب السورة في الصلاة وكان يصلّي بلا فحص بلا سورة وانكشف له بعد عدم وجوبها . وعنوان الكلام في شرايط البرائة على هذا النحو احسن ممّا عنون الشيخ في تثنية المقامين: الأوّل في استحقاق العقاب على ترك الفحص في الأخذ بالبرائة والثاني كالثالث ( لكن بعد المراجعة إلى رسائل الشيخ الأنصاري أعلى اللّه مقامه رأينا انه قدم الكلام(1) في الجهة الأولى مفصّلاً وعنون الجهتين الاخرين ببقى الكلام(2) في حكم الأخذ بالبرائة فاذن الجهات الثلاث معنونة في كلام الشيخ كما عنونا من

شرائط البرائة

ص: 322


1- . فرائد الأصول 2/510 وبعده .
2- . الفرائد 2/512 .

كلام النائيني قدس سره وسيّدنا الأستاذ قدس سره كأنّه يعذر الشيخ بأنّ الجهة الأولى كانت مسلّم الحكم والوجوب عنده ) .

الكلام في الجهة الأولى وهي وجوب الفحص وعدمه . لا اشكال في عدم لزوم الفحص في العمل بالبرائة في الشبهات الموضوعيّة التي منشأ الاشتباه فيها الأمور الخارجيّة . بل ذلك اجماعي بين الأصحاب سواء في ذلك الأصوليّون منهم والمحدّثون . والكلام في الشبهات الحكميّة ( التحريميّة ) التي قال بعضهم بالاحتياط ترجيحا لأخباره وبعض بالبرائة كذلك بعد البناء على جريان البرائة وسيجيء اشباع الكلام في الشبهات الموضوعيّة .

فان المستثنى منها موارد قالوا فيها بلزوم الفحص كما اذا لم يدر بلوغ ماله النصاب في الزكوة والشك في حصول الاستطاعة للحج وليعلم انّ محلّ البحث ما لو قدر على الفحص وامّا العاجز فلازمه الاحتياط وأيضا عمدة النتيجة بل كلّها مبنيّة على حجيّة ما بأيدينا من الأخبار بعد أن صحّحنا وجوّزنا العمل على الأخبار الصحيحة والموثقة و( الحسان ) الممدوح رواة الأولى بالعدالة مع كونهم اماميّين والثانية بها في مذهبهم سواءً كان مبناه حصول الاطمئنان أو التعبّد بأقسامه . وإلاّ فيجيى ء تفصيل الانسداد بنتائجها الثلاث المتقدّمة في محلّه على التقريبات من حجّيّة الظن كشفا أو حكومة أو لزوم التبعيض في الاحتياط وحيث انا قد أثبتنا ذلك في محلّه وقلنا بحجيّة الأخبار الصحاح والموثقات ( والحسان لو أوجبت الاطمئنان ) على الاصطلاح الجديد أو الصحيح على اختيار القدماء في الاصطلاح فنحتاج إلى البحث عن الفحص ومقداره وكيف كان فقد استدلّ على لروم الفحص في الشبهات الحكميّة التي هي مورد البحث بوجوبه عقلاً من باب

دليل وجوب الفحص

ص: 323

وجوب النظر في معجزة من يدعي النبوّة وذلك بعد الفراغ عن مرحلة الاثبات والتوحيد بالأدلّة والبراهين أو من أيّ سبب حصل الاعتقاد كان يكفي كما اختاره سيّدناالأستاذ قدس سره فانّ اللّه تعالى يمكن أن يبعث رسولاً إلى عباده يرشدهم إلى صلاح دينهم ودنياهم فلو ما نظر في المعجزة وأجرى البرائة ما حصل له الاطمئنان والأمن من العقاب اذ مناط البرائة عقلاً قبح العقاب من غير بيان . والعقل لا يرى قبحا فيه على تقدير صدق المدعى والتفات هذا الشخص إلى دعواه وعدم اجابته أو مطالبته بما يوجب سكون نفسه وركون شخصه إليه وهذا معنى حكم العقل بالنظر في المعجزة بالوجوب والا فالعقل لا يحرم ولا يوجب بل إنّما يدرك الحسن والقبح وعند دعوى المدعى لا يرى ولا يدرك قبح العقاب لو كان حقا .

( وما أجابه أو طالبه بمسكن النفس ومزيل الريب ) بل الاتيان بالشريعة وبعث الرسول إنّما هو عبارة عن الأحكام التي يجيء بها صاحبها فوجوب النظر في المعجزة عقلاً وجوب الفحص عن الأحكام .

واستدلّوا أيضا بلزوم الفحص عقلاً للعلم الاجمالي بوجود أحكام في الشريعة وذلك مقتضى للفحص وعدم جريان البرائة في أطرافه لتنجزه إلى أن يثبت عدّة أحكام بعدد ما نعلم اجمالاً فينحل العلم الاجمالي بذلك كما اذا علمنا بعشرة أحكام تحريميّة وفحصنا ووجدنا .

وقد استشكل على هذا تارة بأنّه أخصّ من المدّعى واخرى بأنّه أعم . اذ المدعى لزوم الفحص حتّى في الشبهة الحكميّة الواحدة ومقتضى هذا الدليل عدم وجوب الفحص بعد الظفر بعدّة أحكام وتكاليف ينحل بها العلم الاجمالي في باقي

ص: 324

الأطراف وبأنّه مقتضى الاستدلال لزوم الفحص أزيد فيما بأيدنا من الكتب والأخبار لأنّ العلم الاجمالي ما تعلّق بوجود أحكام مسطورة مضبوطة في الكتب التي بأيدينا أو فيما بأيدينا من الأخبار . بل العلم الاجمالي تعلّق بوجود أحكام كثيرة في الشريعة فلعلّ الصادق علیه السلام لم يبيّن لنا بعضها ولم يكن الأصحاب سألوه علیه السلام عن ذلك ( سلّمنا ) الا ان الأخبار التي ضاعت ولم تنقل إلينا هي أو غيرها قد تضمنت(1) من الأحكام شطرا وافرا كاربعين ألف حديث من ابن أبي عمير وهذا لا يناسب النتيجة المترتّبة المطلوبة على هذا الاستدلال من لزوم الفحص فيما بأيدينا والاقتصار على ذلك واجراء البرائة فيما عداه ومرجع هذا الوجه إلى عدم انحلال العلم الاجمالي بما بأيدينا من الأخبار .

وأجاب المحقّق النائيني(2) عن الاشكال الأوّل بما حاصله: ان العلم الاجمالي تارة يتعلّق بعدّة أمور بلا عنوان وعلامة خاصّة كما إذا علم اجمالاً بوجود محرّمات عشرة كذلك وفحص وأصاب عشرة محتمل الانحصار فيها فحينئذٍ ينحلّ العلم الاجمالي ويكون في الباقي احتمالات . وتارة يتعلّق بعنوان خاصّ ومعلّم بعلامة كما إذاعلم اجمالاً بأن ما يطلب منه صاحبه ما هو مكتوب في الدفتر أو الطومار ويعلم اجمالاً بكتابة خمسين دينارا فيه فتصفح أوراق الدفتر فوجد قلماً بهذا المقدار . وفي هذه الصورة لا ريب في عدم الاقتصار على هذا المقدار بل لازم له أن يتصفّح تمام الدفتر إذ لو كان أخذ منه زائدا على هذا

كلام المحقّق النائيني

ص: 325


1- . ولهذا قلنا في باب المطلق والمقيد ان الخاص الذي نجده في كلام الصادق أو الامام العسكري عليهماالسلام وعامّه مذكور في كلام النبي صلی الله علیه و آله ما كان بيانه مؤخّرا إلى ذاك الحين بل لعلّ الراوي نسيه أو ما بينه لمن بعده . هذه فذلكة البحث .
2- . فوائد الأصول 4/278 وما بعده .

القدر فيجب عليه أداؤه منجّزا قطعا . ومقامنا من هذا القبيل فانّه قد تنجّزت علينا جميع الأحكام المثبتة في ما بأيدينا من الكتب في الأخبار .

وعن الثاني: انّ ما بأيدينا من الكتب المثبت أخبارها للأحكام أدلّة مصادفة للواقع وموصلة بمقدار محتمل الانطباق عليه ما في الشريعة لأنّ مثل أخبار ابن أبي عمير إنّما تلفت أسانيدها وأيضا أمثال كتبه من الكتب قد تضمّنت أخبار الكتب المفقودة الضائعة ومضامين الأخبار التي لم تصل إلينا .

واستشكل سيّدنا الأستاذ قدس سره على المحقّق النائيني بأنّه لو كان مناط الانحلال هو الاحتمال ففي الصورة الأولى حيث كان المتعلّق ذا علامة أيضا الاحتمال موجود فلم ما التزمتم به ( فاما تلتزمون به في المقامين أو لا تلتزمون به كذلك .

لكن أفاد بامكان الفرق بين المقامين بأن في الصورة الأولى العثور على مقدار من الأحكام التفصيليّة يوجب انحلال العلم الاجمالي الحاصل في بابها إذا كان بعدد المعلوم بالاجمال . وفي الثانية لا ينحلّ العلم كما في ما إذا كان عدّة من

الشياة في قطيعة غنم وكان البيض من غنم القطيعة من مال آخر في ماله لا على نحو اختلاط المال الحرام بالحلال بحيث لا يجوز تصرّفه في تلك البيض ويعلم اجمالاً ان البيض عشرة من الغنم ويحتمل أكثر من ذلك فبعد أن تفحّص عن البيض في غنمه التي في مرابضها وصادف عشرة بمقدار المعلوم بالاجمال وما فحص عن البقيّة هل فيها بيض أم لا التي في الصحراء للرعى فبعد أن عثر على هذه العشرة يبقى معه العلم الاجمالي بحاله ولا ينحل بتلك العشرة أصلاً وذلك لأنّ العلم معلّم بعنوان البيض فيلزم عليه الفحص حتّى يتيقن حال الباقي . والمقام من

ص: 326

هذا القبيل . حيث انا نعلم بعدة من الأحكام أخبارها مدونة في الجوامع العظام من الواجبات والمحرّمات فبعد أن سردنا الوسائل وعثرنا على مقدار منها يساوي عدد العدة فلا ينحل العلم الاجمالي بهذا فانه نحتمل وجود أخبار أحكام الشريعة ومداركها في غير الوسائل ممّا بأيدينا من الكتب فلابدّ من الفحص من تلك الأحكام المحتملة في الكتب ولا يجوز اجراء البرائة قبله وبعد ذلك يصدق رفع(1) ما لا يعلمون أو في سعة ما لا يعلمون .

والمثال وإن كان لا ينطبق على الممثّل من جميع الجهات الا ان في جهة لزوم الفحص وعدم الانحلال مشتركان هذا . ولكن يمكن أن يقال بأنّ العلم الاجمالي بالأحكام ما حصل بل كان أصحاب الأئمّة علیهم السلام يتلقّون منهم الأحكام في الموضوعات والوقايع واحدا بعد واحد تفصيلاً وعلى هذا فلا وجود للعلم الاجمالي حتّى يبحث عن لزوم الفحص قبله أو عدمه .

ويمكن الاستدلال للزوم الفحص بما اشتهر من صاحب الحدائق رحمه الله في مقدّمات كتابه(2) من ورود أخبار متواترة في الشريعة بأن في كلّ واقعة حكما يستوي فيه العالم والجاهل والعبارة المذكورة وإن لم تكن بهذا اللسان في الأخبار الا انها مضمونها ويظهر من جملتها وذكرها في الوسائل(3) ان لكل واقعة حكماً للّه تبارك وتعالى وعليه فيجب الفحص عن الحكم المجعول على الواقعة اما الزام فعلي أو تركي أو رجحان الفعل أو الترك أو تساويهما وهي الاباحة فكلّ واقعة نشكّ في حكمها نعلم اجمالاً انّ عليها أحد الأحكام . فعلى هذا لا يجوز اجراء

ص: 327


1- . الوسائل 8 الباب 3/2 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . الحدائق الناضرة 1/77 وما بعده .
3- . وسائل الشيعة 1 الباب 4 من أبواب مقدّمة العبادات .

البرائة قبل أن يفحص الانسان عن حكم القضيّة والواقعة وبعد الفحص وعدم العثور على شيء يكون من الواقعة المشكوك حكمها . اما مشكوك الاباحة والحرمة أو الوجوب أوالحرمة أو الوجوب وغير الاباحة . وحينئذٍ فمن يقول بالاحتياط يقدم أخبار الاحتياط لأن حكم قبل الفحص عنده حكم بعد الفحص . فكما انّه لا يجوز اجراء البرائة قبل الفحص فكذا بعده تقديما لأخبار التثليث أو الاحتياط . ومن يقول بالبرائة يقدم أخبارها ولا يرى مانعا منها وكلّ في ذلك مستندون إلى الأخبار وعند البرائي يكون فرق بين الشبهة قبل الفحص وبعده فبعده يجري البرائة ومع عدم تماميّة هذه الوجوه يبقى كون لزوم الفحص من شؤون لزوم النظر في المعجزة فيجب الفحص عن الأحكام كما يجب الفحص عن المدعى للنبوّة بالنظر إلى المعجزة التي أتى بها . بل النظر في المعجزة لأجل ذلك مع ان لزوم الفحص عن الواقعة المشكوك حكمها اتّفاقي بين الأصحاب . والخلاف إنّما هو في حكمها بعد الفحص هل هو مثله قبله أم لا على التفصيل . وذلك في غير ما حدث بعدهم عليهم السلام مثل شرب التتن والشاي وأمثالهما ممّا لم يبيّن حكمه في كلامهم فهذا محلّ الخلاف بين الاحتياطي والبرائي خارجا عن محل نزاع العلم الاجمالي وكان سيّدنا الأستاذ قدس سره يميل إلى كون الدليل في المقام من شؤون النظر في المعجزة .

وكيف كان فانّما هذه تقريبات العلم الاجمالي في الأحكام في مورد فقد النص أو اجماله أو تعارضهما .

أمّا الشبهة الموضوعيّة فلها محلّها .

ص: 328

هذا تمام الكلام في الجهة الأولى وتبين وجوب الفحص قضيّة للعلم الاجمالي .

الجهة الثانية: في ما إذا عمل بالبرائة بغير الفحص وانّه هل يستحقّ العقاب ولو طابق الواقع أم لا وان العقاب على ترك الواقع أو على ترك التعلّم مطلقا أو على مخالفته للواقع لا عليه في ذلك أقوال ولعلّ الكلام في هذه المسئلة من جهة الكلام في المقلد حيث يقولون لو عمل بلا تقليد فطابق العمل فتوى من يقلّده بعد يصحّ وعن صاحب المدارك رحمه الله انّه قال باستحقاق العقاب ولو طابق الواقع . كأنّه ركن في ذلك إلى أخبار(1) وردت في انّه هلا عملت فيقول المسئول ما علمت فيقال هلا تعلمت . حيث يستفاد منها وجوب التعلّم نفسيّا ولا يكون هلا تعلمت جوابا عن عذره ما علمت ارشادا كما يقولون بوجوب تعلّم مسائل الشكّ على المقلّد وان لا يبتل بها ويدري ذلك ويحصل منه القربة ومع ذلك يقولون بفسقه لو ترك ولا ثمرة عمليّة في كون العقاب على تقدير المخالفة على ترك الواقع أو على وجوب التعلّم أو الاحتياط المؤدّى إلى الواقع . الا انه لابدّ في البحث عن وجوب التعلّم وانه واجب نفسي أو غيري أو غيرهما . ومقتضى القاعدة انّه ليس بواجب نفسي لعدم دليل عليه وهل يكون كوجوب السير إلى الموسم لدرك الحجّ أو كغسل المستحاضة قبل الفجر لصوم يومها حيث يقولون بوجوبهما مع انه ما ورد ذلك في نص .

والوجوب المقدمي لا يصلح هنا لأنّ الوجوب المقدمي فرع وجوب ذي المقدمة وقبل وقته لا يكون الواجب واجبا لاستحالة التعليق فلا وجوب لذي

إذا عمل بالبرائة بدون الفحص

ص: 329


1- . بحار الأنوار 2/29 مع تفاوت في الألفاظ غير مضر بالمقصود .

المقدمة اذ الحكم لا يكون قبل موضوعه حتى يترشح الوجوب من ذيها إليها .

وكذا في لزوم حفظ الماء قبل وقت الصلاة في فرض عدم وجدان الطهور ولو ترابيا بعد دخول الوقت وهل يكون التعلّم كأحد هذه الأشياء .

وخلاصة الكلام: هل يستحقّ تارك الفحص لجريان البرائة في الأحكام العقاب أم لا ؟ قالوا باستحقاقه على ترك الواقع اذا خالفه بجريان البرائة ولا عقاب في صورة المصادفة واختار بعضهم ان العقاب على ترك التعلم حين مخالفة الواقع وهذان القولان قبال قول المحقّق الأردبيلي وصاحب المدارك من استحقاق العقاب على ترك التعلّم . ويظهر منه ان العقاب على ذلك مطلقا لا عند الأداء إلى مخالفة الواقع والا فعند مصادفة الواقع محرز مأتي به ولا معنى للعقاب على شيء الا على ترك التعلم نفسيّا لعدم تصور المقدميّة حينئذٍ .

ويستدلّ الشيخ(1) على ذلك بوجوه: منها الاجماع القطعي على عدم جواز العمل بالبرائة قبل استفراغ الوسع في الأدلّة .

ومنها: بعض ما دلّ على مؤاخذة الجهال والذم لفعل المنهيّات المجهولة عند العاملين وما ورد من الآية بضميمة التفسير في قوله تعالى: « قل فلله الحجّة

البالغة »(2) يقال للعبد يوم القيامة(3) هلاّ علمت فان قال نعم قيل فهلا عملت وان قال لا قيل له هلا تعلمت حتى تعمل وقول النبي صلی الله علیه و آله (4) فيمن غسل مجدورا

أصابته جنابة فكزّ فمات قتلوه قتلهم اللّه ألا سئلوا الاّ يمّموه ويذكر الدليل العقلي

ص: 330


1- . فرائد الأصول 2/510 وبعده .
2- . سورة الأنعام: 150 .
3- . بحار الأنوار 2/29 مع تفاوت في العبارة غير مضر .
4- . الوسائل 3 الباب 5/1 من أبواب اليتيم وليس فيه قتلهم اللّه .

أيضا . لكن الاجماع في هذه المسئلة التي لكلّ فيها مدرك لا يكشف عن قول المعصوم سلام اللّه عليه فان مناط كشف الاجماع عن قول المعصوم أن يكون على نحو يظهر من اتفاقهم ذلك أو كان عندهم من الدليل ما لو ظفر به لقلنا بمقالتهم . اما

الحدسي والدخولي واللطفي وغير ذلك من وجوه الاجماع ومداركه فقد مضى في محلّه عدم اعتبار شيء منها وما هو معتبر من الوجهين من كشفه تعبدا أو عن الدليل غير حاصل في المقام والشيخ رحمه الله كانه يركن إلى الاجماع وبعد ذلك كلّه يقول في الاجماع القطعي كفاية مع ان الاجماع قد عرفت ما فيه والآية بتفسيرها غير تامّة لضعف ما ورد في التفسير ويجيب عن كون المؤاخذة على ترك التعلّم بأن ما يظهر منه وجوب التعلم نفسيّا إنّما هو لئلاّ يقع في مخالفة الواقع فان ذلك من قبيل الاطاعة لا يمكن أن يوجه الخطاب المولوي إليه فما ورد اما أن يحمل على الارشاد أو في الوجوب النفسي وحيث انه لا وجه للوجوب النفسي فمحمول على الارشاد ولا يكون العقاب من جهة التجري فانه لو كان ففي ما يعلم لا في ما لا يعلم .

وعلى أيّ لا يكون هنا وجوب نفسي لما ذكر فلابدّ من بيان وجه آخر في عدم معذوريّة الجاهل المقصّر وكون العقاب عند مخالفة الواقع لا على ترك التعلّم مطلقا . وحاصل نزاع محلّ الكلام في المقام هو ما أشرنا إليه سابقا من مساواة حكم الشبهة الحكميّة والواقعة المشكوك حكمها فحكمها بعد الفحص كقبل الفحص فكما لا يجوز اجراء البرائة قبل الفحص فكذا بعده كما ذهب إليه جماعة من أصحابنا حيث يقدمون الاحتياط بعد الفحص أيضا لتقديم أخباره على أخبار البرائة وتوقف بعضهم . ولكن اخبار البرائة بعد الفحص مقدمة على اخبار

مناقشة دليل الفحص

ص: 331

الاحتياط والتوقف والتثليث ومضى تمام الكلام في محله . واذا لم يمكن الوجوب النفسي هنا يعني في التعلم مع ان العلم والالتفات إلى خصوصيات المكلّف به ممّا هو لازم في الامتثال ليمكنه الامتثال فلابدّ فيتوجيه ذلك وبيان الوجه فيه والفرق بينه وبين ساير المقدمات . وتصدّي لذلك المحقّق النائيني رحمه الله لما في كلام الشيخ من خلط وقع في المقدّمات .

تكميل: لما وقع(1) في كلام الشيخ قدس سره من قياس التعلم بالمسير إلى الحج من حيث وجوبه وكان هذا عند المحقّق النائيني غير خال عن الاشكال فلذا أورد على الشيخ قدس سره (2) وقسم المقدّمة أوّلاً إلى قسمين: قسم كالسير إلى الحج حيث ان دخله في أفعال الحج ليس إلاّ من حيث توقّف وجود الأفعال على المسير وتحصيل القدرة عليها ولا دخل له في الملاك أصلاً فان أفعال الحجّ سواء وجبت المقدّمة المسيريّة أم لا على ما هي عليها من المصلحة .

القسم الثاني ما له دخل في الوجود لذي المقدمة في ملاكه كالاغتسال قبل الفجر لصوم يومه على من وجب ذلك عليه وكالطهارة للصلاة حيث ان الصلاة بلا طهارة لا شيء وتكون كالمعلق في الهواء وكما في الطهارة بجامعها قبل الوقت لمن لم يكن له تمكّن من الطهور بعد دخول الوقت والماء موجود له قبل دخوله وهذان القسمان يختلفان في الوجوب في نحوه . فان الثاني يكون وجوبه قبل وجود ذي المقدمة ووجوبه ويكون وجوبه من سنخ وجوب ذي المقدّمة وجوبا نفسيّا فانّه متمّم لوجوب ذي المقدّمة ويكون من الانقسامات المتأخّرة عن

المقدّمة على قسمين

ص: 332


1- . فرائد الأصول 2/514 .
2- . فوائد الأصول 4/282 وما بعده .

الخطاب حيث ان الخطاب الأوّل لا يمكن أن يتكفّل ذلك بل لابدّ من متمّم في الجعل ثانيا أو خطابا ثالثا إلى أن يصل المولى إلى غرضه ومطلوبه . والفرض ان للاغتسال يعني للطهارة خصوصيّة لا يكون ملاك الواجب الذي هو الصوم في المثال موجودا ومتحقّقا بدونها وقبل أن يطلع الفحر لا وجود لذي المقدّمة ولا وجوب فان عدم تحقق موضوعه يمنع من وجود خطاب نحوه فان الامساك الواجب في الصوم انما يتحقق وجوبه عند اول جزء من الوقت ولا وجوب قبل ذلك حتى يترشح هذا الوجوب على المقدمة وهو الاغتسال فيصير واجبا مع ان في الاغتسال كيفيّة لابدّ أن تقارن اول جزء من الصوم فعند زمان الاغتسال لا وجوب للصوم حتى يجب الاغتسال به وعند زمان الصوم لا زمان للمقدّمة فلا جرم يخاطب خطابا نفسيا بايجاد هذه المقدمة قبل الفجر لوصوله إلى غرضه بذلك وفي الأوّل لا يكون للمسير دخل في الواجب أصلاً وهو أفعال الحج بل هو محصل للقدرة عليها فبدونها لا يتمكن من فعل المأمور به ولا يمكن ترشح الوجوب المقدمي من ذي المقدمة أيضا على هذه المقدمة لعدم وجوبها يعني أفعال الحج قبل الموسم فان وقوف يوم عرفة بعرفات لا يجب الا يومه وقبل تحقق موضوعه لا وجوب فان الحكم بمنزلة المعلول للموضوع . فلذا التجأوا إلى القول بوجوب هذه المقدمة نحو الوجوب المعلق بأن يكون الوجوب فعليا ويكون الموسم ظرفا للواجب أو على نحو تصوير الشرط المتأخر .

فيكون الموسم في تحقّقه شرطا للوجوب الفعلي ويصير ذلك سببا إلى

وجوب المقدّمة وهو المسير عند اول قافلة لو لم ير من نفسه السير مع الآخر وذهب المرحوم الآخوند صاحب الكفاية إلى ذلك ورأى نفسه مستغنيا عن القول

ص: 333

بالواجب المعلّق لتصحيح وجوب هذه المقدّمة نظرا إلى جعل العلّة الغائيّة في التصور شرطا أو موضوعا . وذلك بمعزل عن التحقيق . فان تصور الشيء بما هو وما يلزمه من مقتضياته وشروطه ممّا لابدّ منه في جعل الحكم عليه ونحن لما أثبتنا في محلّه استحالة الواجب المعلّق والشرط المتأخّر ولم يمكن في مثال الحج أن يؤثر وجوب ذي المقدمة في المسير اذ عند وجود الواجب لا وقت للمقدّمة ولا يتمكن من ذلك وعند تمكّنه من فعل المقدّمة لا وجوب .

هذا حال السنة الأولى وكذا في السنين الآتية ويفوت الواجب عند ترك هذه المقدمة ولذا سمّيناها بالمفوتة ولا يؤثر المتأخر في المتقدم . وكذا في الشرط فانه من العلّة التامّة والشيء لا يتحقّق إلاّ بعد تحقّق علّته فلم يمكننا القول بوجوب

المقدمة المفوتة لذلك .

وهذه المقدّمة شرط تحقق القدرة والقدرة وإن لم تكن شرطا في الملاك فليس كالبلوغ والعقل الاّ انّها شرط حسن الخطاب وعند عدم القدرة لا خطاب ولو كان ذلك بسوء اختياره . فان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا وينافيه خطابا فيقبح تكليف العاجز ولو القى نفسه من شاهق وسلب اختيار نفسه لذلك فلابدّ في التوصل إلى ذي المقدمة من وجوب المقدّمة وجوبا للغير لا وجوبا طريقيّا بل وجوبا نفسيّا للغير في الأوّل والثاني فيجبان بخطاب مستقل أحدهما للملاك والآخر للقدرة .

اذا تبيّن ما ذكرنا فلننظر ان التعلّم من أي المقدّمتين ولا يكون من سنخ الاغتسال قبل الفجر دخيلاً في الملاك فلا يكون له وجوب نفسي لدخله في ملاك التكليف ولا يكون من سنخ المسير إلى الحجّ من المقدمّات المفوّتة إذ لا يتوقّف

وجوب التعلّم

ص: 334

وجود ذي المقدّمة وهي التكاليف على التعلم بل يمكنه أن يأتي فيصادف الواقع قهرا ويستعلم حال التكاليف فينكشف مطابقته أو عدمها كما يعمل المقلّد أعمالاً وبعد ذلك يرى مطابقتها لفتوى من يقلّده بعد أو كان عليه تقليده ولا ضير في ذلك فلا يمكن تصحيح وجوب المقدميّة في التعلم بكلا النحوين لا على الأوّل فيكون نفسيّا ولا على الثاني فيكون وجوبه من سنخ وجوبه .

فظهر ان وجوب التعلّم لا يكون من الوجوب المقدمي لا من قبيل وجوب السير للحج من المقدمة المفوّتة ولا من قبيل الاغتسال قبل الفجر لصوم يومه ممّا يكون وجوبه في الأوّل وجوبا نفسيّا للغير وفي الثاني كذلك وله دخل في ملاك الصوم بل يكون وجوبه من الوجوب الطريقي وجوبا واقعيا لا ظاهريا فان التعلم لا يتوقف عليه امتثال التكاليف كالسير إلى الحج وذلك لامكان الاتيان رجاءً والتبين بعد ذلك ولا ممّا له دخل في ملاك التكاليف وذلك واضح الا ان الدخل في مقام الامتثال بجامع الاحتياط والتقليد والاجتهاد غير منكر فان هذه الثلاثه طرق لامتثال التكاليف والأحكام الشرعيّة كلّ في عرض الآخر وذلك عند التمكّن من ثلاثتها وإلاّ فعند تعذّر أحدها أو اثنين ينحصر الطريقيّة في الباقي هذا .

والأدلّة الدالة على وجوب التعلم كثيرة ( وعلى هذا فلو خالف ما أتى به للواقع فالعقاب لا يكون عند المشهور الا على الواقع خلافا للمحقّق النائيني حيث يرى(1) العقاب على الواقع المجهول قبيحا بل على ترك التعلم المؤدّي إلى ترك الواقع وأمّا ثبوته على ترك التعلّم نفسه فلا يناسب الوجوب الطريقي فانه دائر

ص: 335


1- . فوائد الأصول 4/281 .

مدار ذي الطريق(1) هذا في الجهة الثانية وهو استحقاق تارك الفحص للعقاب وعدمه وتبين ان المدار في ذلك هو الواقع اما على تركه أو على ترك ما يؤدّي إليه ( وأيضا فلو ترك المقدمة وهو السير وان لم يصل وقت الوجوب عصى لان بتركه للمقدمة ترك الواجب في ظرفه ولا يتمكن منه أصلاً .

الكلام في الجهة الثالثة وهي صحّة العمل وفساده إذا أتى به بلا فحص فتارة يقع الكلام في العبادات واخرى في غيرها . وفي العبادات تارة لا يقصد القربة فخارج عن محلّ البحث . فالكلام في هذه الجهة إنّما هو اذا قصد القربة فيها ففي هذا الفرض تارة نقول ببطلان الاحتياط وانه لابدّ من الاجتهاد أو التقليد فلا اشكال أيضا في عدم جواز الاكتفاء بما يأتي به على هذا النحو .

أمّا إذا قلنا بكفاية الاحتياط كما هو المختار وانه في عرض الاجتهاد والتقليد فالمدار هو الواقع فلو كان ما أتى به مطابقا للواقع فمجز والا فلا وبناء على لزوم الاجتهاد أو التقليد يشكل صحّة أعمال من لا تقليد له ولا يكون مجتهدا بل إنّما يعمل بلا التزام لفتوى أحد واستناد إليها ولو فرض حصول قصد القربة منه وذلك لأنه لابدّ في مقام العمل من حجّة معتبرة والحجّة بوجودها الواقعي لا أثر لها والشكّ في الحجيّة وعدمها مساوق لعدمها فلابدّ من احرازها والاستناد إليها . وبعد ما علم هاتان المقدمتان يعلم الوجه في عدم صحّة عمل من عمل بغير استناد حين العمل إلى فتوى من عليه تقليده لكنه قلّد بعد ذلك من يطابق عمله فتواه بالنسبة إلى الأوّل والصحّة بالنسبة إلى الثاني إذ الاستناد فيه حاصل ولو كان من

صحّة العمل وفساده لو أتى به بدون الفحص

ص: 336


1- . وظني ان سيّدنا الأستاذ قدس سره ذهب إلى كون العقاب على نفس مخالفة الواقع كما عليه المشهور .

جهة لزوم الاعادة أو القضاء .

فذلكة البحث: أفتوا في من لا يعمل بالاحتياط ولا عن تقليد واجتهاد بصحّة أعماله إذا وافق فتوى من يقلّده بعد ذلك لا المجتهد الذي يجب أو يجوز عليه تقليده حين العمل مع قولهم ببطلان عمل من يعمل بغير تقليد ولا يكون محتاطا ولا مجتهدا . وهاتان الفتويان لا تستقيمان الا على اعتبار الاستناد في التقليد فيكون عمل العامل بغير تقليد حين عمله باطلاً اذا لم يقلّد بعد من يفتى بمضمون ما عمله . ومطابقته لفتوى من يجوز أو يجب تقليده حين العمل لا تؤثّر في ذلك لأن فتوى المجتهد طريق للمقلد . ولابدّ من تعيين الطريق الذي يسلكه في مقام احراز الواقع لأن الحجّة بوجودها العلمي معتبرة . ونفس مطابقة العمل لفتوى المجتهد لا تكفي في صحّة عمل المكلّف . وعند تخالف المجتهدين في الفتوى هو مخير في الاستناد إلى أيّهم شاء ولابدّ من التعيين فيكون من جهة كالخبرين المتعارضين الذين لابدّ بحسب الأخبار من التخيير بينهما عند ما أمر الشارع بذلك حسب ما يرشد إليه قوله علیه السلام في الرواية الواردة(1) ( بأيّهما أخذت من باب التسليم وسعك ) الا ان ذلك في مورد الخبرين على خلاف القاعدة فان القاعدة تقتضى عند معارضته الخبرين التساقط وليس المقام من هذا القبيل فان لسان الأدلّة في باب التقليد من أوّل الأمر جعل التخيير في الأخذ بأيّ المجتهدين شاء ولا مانع من ذلك ولا يلزم من ذلك تعارض بين الطريقين المتخالفين بحسب فتوى المجتهدين .

هذا بناء على لزوم الاستناد والالتزام في التقليد . وأمّا بناء على ان التقليد

ص: 337


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/6 من أبواب صفات القاضي .

هو مطابقة العمل لفتوى من يلزم تقليده أو تطبيق العمل وإن لم يكن عن استناد والتزام بل وإن لم يعرف المجتهد من هو بل المطابقة القهريّة تكفي في المقام فلو كان ما يعمله حين العمل مطابقا لفتوى من عليه تقليده فيصح العمل وإن لم يكن موافقا لفتوى من يقلّده بعد ولو كان موافقا لفتوى كليهما فأحسن .

ولو قلّد بعد ذلك من لا يرى صحّة أعماله السابقة لكن كانت مطابقة لفتوى مجتهده حين العمل الذي كان عليه تقليده فيكون كالعدول حيث ان بعد مدّة عمل على فتوى مجتهد ومضت أعماله عليها ثمّ عدل عنه إلى آخر .

ولو لم يكن عمله مطابقا لفتوى مجتهده حين العمل الذي يجب عليه تقليده أو يجوز ولا على طبق فتوى من يقلّده بعد فلا يمكنه الاكتفاء بما عمل لأن ليس له الطريق إلى الواقع لا اجتهاد ولا تقليد ولا احتياط ( كما انه لا اشكال في الصحّة بناء على المطابقة موافقة عمله لفتوى من يقلّده ) وأيضا لا اشكال في عدم صحّة عمله غير المطابق لفتوى من لا يقلّده حين العمل بناء على الاستناد يعني لا يستند في العمل إلى فتواه وإن كان مطابقا لفتوى من يقلّده بعد . فانّ العمل حين ما يعمله لا يكون عن استناد إلى من يجب تقليده فلا يكون مجزيا على هذا المبنى ولا يطابق فتوى من يقلّده بعد ذلك ولو يستند في العمل عليه . وذلك لعدم المطابقة وهذا بلا فرق بين مطابقته لفتوى من يجوز عليه تقليده حين العمل وعدمها لأنّ الواقع وقع بغير استناد .

وقد علم ممّا ذكرنا ان عند مطابقة فتاوى المجتهدين لا يجب عليه التعيين بل يكون الجامع هو الحجّة للمكلّف كما في الروايات في أيّ باب من الأبواب الفقهيّة متفقة الدلالة على معنى . فان الجامع بينها يكون هو الحجّة للحكم الشرعي.

العمل بلا تقليد أو التقليد بعد العمل

ص: 338

هذا كلّه في العبادات التي لابدّ فيها من قصد القربة وانّه عند الموافقة تصحّ على كون التقليد هو التطبيق أو المطابقة بأن ترك السورة أو الاستعاذة واتّفق الفتوى كذلك وما احتاط أصلاً بل أتى بعمله رجاءً وصادف ما أفتى به من عليه تقليده ولا يصحّ على لزوم الاستناد والالتزام وان طابق . وقد علم ممّا ذكرنا ما في افادات المحقّق النائيني من الاشكال(1) .

اما لو احتاط باتيان كلّ ما يحتمل دخله في المأمور به والمكلّف به فهو بنفسه طريق في عرض الاجتهاد والتقليد ( كما مرّ مرارا ) وذلك فيما لم يحتمل دوران الأمر بين الشرط أو الجزء والمانع حيث لا يمكنه الاحتياط ( وإن كان يمكن أيضا كما قدمنا سابقا بتكرار العبادة ) .

هذا في العبادات . وأمّا المعاملات فلااشكال في صحّتها لو أتى واحتاط فيها باتيان ما يحتمل دخله رجاءً وإن لم يكن عن استناد والتزام كما لو عقد بالعربيّة وتيين اشتراطها عند المجتهدين أو لزوم فري أربع أوداج مع جريه هكذا وكذلك الأمر في كلّ ما لا يعتبر فيه قصد القربة ممّا ليس بعبادي .

وهاهنا كلام ينبغي التنبيه عليه في ما إذ ابتدل رأي المجتهد أو رأي مقلده أو مات وعدل إلى آخر وكان ما يرى الآن حسب اجتهاده أو اجتهاد مجتهده خلاف ماعمل سابقا فهل يجب عليه اعادة ما عمله سابقا أم يكون ما عمله طريقاً إلى الآن ومن الآن طريقه الفعلي اجتهاده الفعلي أو اجتهاد مقلده ؟ لا اشكال في جواز التعويل على الاجتهاد ورأي مقلده الفعليين بالنسبة إلى الأعمال اللاحقة . اما بالنسبة إلى الأعمال السابقة فحيث ان مقتضى الطريقيّة هو الطريقيّة المطلقة هو

ص: 339


1- . فوائد الأصول 4/285 وما بعده .

لزوم اعادة ما انكشف بطلانه بحسب الاجتهاد الفعلي فيكون كالقطع أو الامارة المنكشف مخالفته للواقع فانه عند وجوده يكون عذرا للمكلّف مانعا من استحقاق العقاب لكن الأجزاء وعدمه دائر مدار الواقع فلو طابق الواقع فمجز وإلاّ فعلى القاعدة لابدّ من الاعادة والتدارك فيما له ذلك بلا فرق بين العبادات وغيرها من العقود والايقاعات والأحكام فلو قلّد مجتهدا يرى كفاية غسل الجمعة عن الوضوء ومضى على ذلك برهة من الدهر ثمّ يرجع عن ذلك اما مجتهده أو مات أو اجتهد نفسه فعلى القاعدة لابدّ من الاعادة وكذا في باب العقود والايقاعات لو عقد بالفارسيّة على فتوى مجتهد فقلّد آخر قائلاً بعدم صحّة العقد الفارسي فلابدّ من تجديد العقد . غاية الأمر إلى الآن يكون الوطي وطيا بالشبهة ولا عقاب . فان ذلك هو معنى الطريقيّة في أمثال المقام .

هذا بالنسبة إلى ما بقي موضوعه اذ يمكن ترتيب بعض الآثار عليه كما اذا ذبح أو نحر حيوانا بفقد شرط يراه لازما من يقلّده فعلاً خلافا لمن كان يقلّده إلى الآن ولحمه وجلده باق فيكون اللحم حراما لأنّه ميتة ولا يجوز الصلاة في جلده كما إذا فرى ثلاثة أوداج ولا يكون المقام من تعارض الفتوى الاولى مع هذه الثانية ولا من طريقيّة الأولى دائما أو عند عدم الثانية والثانية بوقتها هذا .

الا ان يدل دليل على الاكتفاء بما أتى به أولاً . وقد ادعى الاجماع في باب العبادات في الجملة لكنه لم يتحقّق ولو تحقّق فيكون من قبيل قاعدة الفراغ والتجاوز حيث ان الشارع اكتفى بالموافقة الاحتماليّة في أمثال المقام لأنّ الكشف القطعي على مخالفة الواقع لم يثبت بل الظني بالامارة مع ان الاجماع لو لم يكن او لم يثبت فلا يضرّ كثيرا بباب الصلاة مع وجود بعض القواعد يقتضي صحّة

ص: 340

العبادة مثل لا تعاد(1) . الا انه يقع الكلام في هذه الموارد في تقديم لا تعاد(2) أو قاعدة الصحّة على فتوى من يقلّده أو العكس بالنسبة إلى ما عمل سابقا في فرض المقام اما في باب المعاملات من العقود والايقاعات والأحكام حسب القاعدة لابدّ من مراعاة الاجتهاد الثاني في ما بقي موضوعه كالمال الذي انتقل إليه بغير ما يراه المجتهد الفعلي مملكا .

تنبيه هام قد علم ممّا ذكرنا الملازمة بين صحّة العمل وعدم استحقاق العقاب الا انه استثنى من هذه الملازمة موردان: أحدهما الجهر والاخفات في القرائة لجهله بالحكم باتيان أحدهما في موضع الآخر . والثاني القصر والاتمام بأن يتم في موضع القصر . ومعلوم ان ذلك في مورد لا يكون الجهل بالحكم عن قصور فانه لا تنخرم الملازمة فيه بل في ما اذا كان الجهل عن تقصير فيتمكن من رفع الجهل ولا يفعل . فهنا يصح عمله في الموردين مع استحقاق العقاب الا ان في تصحيح ذلك اشكالاً قد تفصّى عنه كلّ بوجه وسيجيء بيانه إن شاء اللّه .

فمنها ما عن الشيخ الكبير من تصوير ذلك على نحو الترتب في الموردين .

ومنها ما أفاده المحقّق الخراساني رحمه الله(3) من امكان أن يكون لصلاة الاتمام في حال الجهل بصلاة القصر ولزومها عليه مصلحة لا تكون تلك في غير هذه الصورة . فاذا أتى بصلاة التمام كان ذلك مانعا عن استيفاء المصلحة التي في صلاة القصر . فان ذلك يتصوّر على نحوين تارة يكون مصلحة القصر أهم الا ان عند الاتيان بالمهم الذي هو صلاة الاتمام لا يمكن استيفاء باقي مصلحة الأهم . وتارة

لزوم التدارك

ص: 341


1- . الوسائل 6 الباب 10/5 من أبواب الركوع .
2- . الوسائل 6 الباب 10/5 من أبواب الركوع .
3- . كفاية الأصول 2/260 - 261 - 262 .

تكون المصلحة في كليهما على حد واحد وقدر فارد . الا ان خصوص القصر مطلوب المولى وصلاة الاتمام أيضا فيها هذه المصلحة . فاذا أتمّ صلاته كان عمله وافيا بتمام المصلحة أو بمقدار بتفويت الباقي فان الشيء إذا فات لا يبقى له حكم(1) .

وهنا يتصور على نحوين تارة يكون الاتمام مأمورا به أيضا في طول القصر واخرى يكون مشروطا بترك القصر أو لا هذا ولا ذاك بل غير واجب مسقط للواجب وفيه ملاك الواجب . ولو كان كلام المحقّق الآخوند مطلقا في الاتمام توجّه عليه اشكال المحقّق النائيني (2) في ذلك بأن صلاة الاتمام إمّا أن تكون واجبة مشروطة بترك صلاة القصر فعلى هذا لا يكون ترك القصر وفعل الاتمام موجبا للعقاب بل كان تكليفه الاتمام وأتى به . ومعلوم ان عند عدم حصول شرطه لا يكون واجبا وإن لم يكن كذلك بل كان فيهما مصلحة غاية الأمر في احدهما أكثر فاللازم حينئذٍ التخيير بين القصر والاتمام .

كيفيّة وجوب الاتمام مع وجوب القصر

ص: 342


1- . كما نقل في تصوير ذلك سيّدنا الأستاذ قدس سره مثالاً من المحقّق الآخوند رحمه الله في خادم مدرستنا الكبيرة مدرسة الآخوند الكبرى حيث كان لها في سابق الازمان خادم مشهورا ( مشهدي علي جان ) وكان للمدرسة أشجار ورد يسقيها ذلك الخادم بالماء العذب المشتري من خارج المدرسة فاذا فرضنا ان الخادم لزم عليه سقي تلك الأشجار بالماء العذب الا انه ما فعل ذلك وسقاها بالماء الاجاج الخارج عن البئر الموجود في المدرسة وصارت أرض الأشجار وما حولها مملوّة من الماء هذا . فلا يبقى محل سقيها بالماء العذب لعدم صلاحيّة الموضوع لذلك وإن كان قدرة الخادم كالمصلى في مقامنا غير قاصرة عن السقي بالماء العذب لكن المحل لا صلاحيّة له وحينئذٍ فيكون صلاة الاتمام مفوتا للموضوع أو مانعا عن استيفاء الزائد عن المصلحة في صلاة القصر .
2- . فوائد الأصول 4/292 .

لا تعين خصوص الاتمام ولا القصر والفرق بينهما هو الفرق بين الأفضل وغيره حيث يكون التخيير بينهما فان الصلاة المقصورة فيها مصلحة زائدة على مصلحة الصلاة الاتماميّة موجبة لأفضليّتها عليها ولا يختصّ ذلك في وقت دون وقت بل لازمه التخيير مطلقا في حال العلم والجهل . فحاصل الاشكال من المحقّق النائيني على ما أفاده المحقّق الخراساني هو مشروطيّة صلاة القصر بعدم الاتمام أو كونها في عرض صلاة القصر وعلى كلتا الصورتين لا يعاقب على ترك المقصورة عند اختيار الاتمام وتصحّ ولو في حال العلم والالتفات . الا ان هذا الاشكال الذي أورده بتضعيف ما بينه لا يتوجه على الآخوند رحمه الله لأنّه صرّح بكون المصلحة في صلاة الاتمام في حال الجهل بالحكم على القصر وحينئذٍ فلا يكون من التخيير ولا من باب المشروطيّة . بل على تقدير الأمر فالمأمور به مهم اسقط الأهم وعلى تقدير عدم الأمر بشيء اسقط الموضوع وأفنى فان ارتفاع الحكم اما بالامتثال واما بافناء الموضوع لا بالمعصية والمقام من الثاني .

ومنها: ما ذهب إليه الشيخ من كون العقاب على ترك التعلم أولاً وباسقاط صلاة الاتمام التي ليست مأمورا بها عن الصلاة المقصورة التي تعلّق بها الأمر وهذا الوجه يرجع إلى ما ذكره الآخوند رحمه الله .

ومنها ما أشرنا إليه من الشيخ الكبير كاشف الغطاء قدس سره من ان المقام يكون من الترتب بين المتزاحمين والأمر متعلّق بكليهما وان الواجب عليه أولاً هو صلاة القصر الا انه عند ما خالف ذلك وما أتى بها وتركها وجب عليه صلاة الاتمام كما في باب المزاحمات في الترتب . وفي المقام حيث لا يكون لخطاب القصر اطلاق من ناحية متعلقه لامتناع التقبيد وبعين امتناع التقييد يمتنع الاطلاق فلا يمكن أن

ص: 343

يكون خطاب قصر اذا كان المكلّف جائيا بصلاة القصر فعليه القصر وكذا اذا لم يأت بها فمن هذه الجهة يمتنع الاطلاق . فاذا كان كذلك فالحكم ساكت وقاصر عن شمول حال ترك القصر ولما كان الحكم متأخّرا برتبه عن موضوعه فالخطاب بالاتمام يكون متأخّرا من موضوعه وموضوع ذلك الخطاب هو ترك صلاة القصر ولما كان رتبة النقيضين واحدة فيكون خطاب الاتمام متأخّرا برتبتين عن القصر من جهة تأخّر خطاب الاتمام عن موضوعه وموضوعه ترك امتثال الأهم وهو صلاة القصر وترك الامتثال والامتثال في رتبة واحدة وهو أي الترك موضوع عند الجهل لخطاب اتمم المتأخر عن موضوعه رتبة المتأخّر عن الأمر بقصر برتبتين .

والحاصل أمر قصر مقدم برتبة على امتثاله وتركه وهما في رتبة والترك عن جهل موضوع لخطاب اتمم فالترك متأخر رتبة عن أمر قصر وأمر اتمم برتبة عن الترك فيكون اتمم متأخّرا برتبتين عن قصر ( ولعل فيه ما فيه ) فعلى هذا عند الجهل بحكم صلاة القصر يتحقّق موضوع خطاب الاتمام ولا يكون المقام ينفع فيه تعدّد الرتبة كما في الحكم الواقعي عند الشكّ فيه فان ذلك لا يسوي شيئا فان حكم الشكّ وإن لم يمكنه الصعود إلى الحكم الواقعي الاّ انه موجود في ظرفه ( لكن هذا الكلام لا يستقيم مع ما قلنا سابقا باسطر وقرّرنا منه قدس سره الا أن يكون النظر إلى المكلّف فيصح ) ولا يكون الخطاب في المقام الا بأحدهما وليس لعدم قدرة المكلّف على الجمع بينهما فلا يكون هناك خطابان . بل لو فرض امكان المكلّف من الجمع بين التكليفين لا يكون المطلوب الا صلاة القصر والترتب الذي يليق بالبحث هو هذا النحو . لا ان يصرح بأنّه عند عدم وجود الماء يتيمّم بل هناك خطابان فعليّان عن ملاك فعلي في كليهما الا ان موضوع أحدهما متقدم على

امر التقصير مقدم

ص: 344

الآخر كما تصوّرناه آنفا فعند عدم الاتيان بالأهم يجب عليه الاتيان بالمهم وهو صلاة الاتمام وذلك كما في ساير أبواب المزاحمات كخطاب أداء الدين وصل فعند ترك أداء الدين يصلي عن مصلحة وخطاب موجودين فعليين . فعلى هذا لا يرد اشكال المرحوم الميرزا محمّد تقي الشيرازي في المقام من حيث عدم تصوّره قدرة المكلّف على كليهما فلا فعليّة لخطابين . وبما ذكرنا ظهر عدم ورود ما استشكله المحقّق النائيني(1) على هذا الوجه من منع صغرى الترتب في المقام من حيث عدم تماميّة الملاك في كليهما وانحصار المانع في عدم القدرة على امتثالهما في مقابل الشيخ المانع من كبرى الترتب من رأس .

فذلكة البحث: تبين بما ذكرنا عدم ورود اشكال المحقّق النائيني على ما تفصّى به الآخوند رحمهم الله عن الاشكال في المقام . ومحصّله امكان كون الجهل دخيلاً في حكم الاتمام وتبين أيضا ما ذكره الشيخ رحمه الله وان لم يجب عن الاشكال في المقام بل ردّد كلامه فتارة يمنع كون المقام من الترتّب الذي في التيمّم بالنسبة إلى

الوضوء عند اراقة الماء الموجود عنده . وتارة يجعل العقاب على ترك التعلّم . مع ان الترتب الذي هو محل النقض والابرام ليس ما يمنعه الشيخ هنا . وتبين ما ذكره الشيخ الكبير من الترتب بأن يكون الخطابان موجودين فعلاً على ما قربناه وتصحيح الخطاب بقصر لما لم يمكن بدخل العلم به في موضوعه للزوم تقدّم الشيء على نفسه ولا يمكن وجود الحكم قبل موضوعه ( الموضوع كما مرّ مرارا كالعلّة للحكم فما لم يتحقّق العلم بخطاب قصر وبالتكليف لم يتحقّق موضوع قصر وما لم يتحقّق الموضوع لا يتحقّق الحكم ويستحيل دخل الحكم في موضوع نفسه

ص: 345


1- . فوائد الأصول 4/293 .

لا موضوع حكم آخر فانّه بمكان الامكان ولا يرتفع ذلك المحذور بنتيجة التقييد . بل لو أتى المولى بألف خطاب لا يمكن ذلك وإلاّ يلزم الخلف أو المناقضة . فلابدّ في تصحيح ذلك من وجه قابل لأن يعتمد عليه . ويمكن في المقام أن يكون الاشتغال والعلم بالاشتغال وإن عهدته مشغولة بالقصر موضوعا لخطاب قصر والمطالبة له بذلك كما في أدّ الدين عند العلم باشتغال ذمّته بالدين إذ يكون الحكم في رتبة موضوعا لرتبة اخرى . فاذا علم به في رتبة الانشاء يصير فعليّا بالنسبة إليه فيكون المسافر الذي حصل عنده الشرايط مع علمه باشتغال ذمّته بصلاة القصر أو بانشاء حكم القصر في حقّه موضوعا لخطاب قصر الفعلي الذي لو خالفه يعاقب ولا مانع من ذلك الا الاجماع على منع التصويب واستواء العالم والجاهل في الأحكام الشرعيّة والا فيمكن عقلاً التصويب بهذا المعنى المجمع على خلافه ولا يمنع في المقام مع وجود الروايات على الفرق فيخصّص الاجماع أو لا يشمل المقام .

هذا كلّه بناء على تسليم الاشكال في المقام على ما يظهر من المشهور وتصدّي هؤلاء الأفاضل للجواب وإلاّ فحكم مجعول اطاعه المكلّف ووافق المأمور به الا ان ظاهرهم يعطي مخالفة المأمور به وصحّة ما أتى به . والاجماع على استحقاق العقاب في المقام لو كان فضلاً عن ما اذا ادّعى لا يكون له اثر في خصوص المسئلة العقليّة لأن استحقاق العقاب ليس أمرا تعبديّا يكشف عنه الاجماع .

اللهمّ إلاّ أن يكون على ما هو ملزوم لهذا الاجماع وهو وجود خطاب في المقام بالتقصير حيث انه عصاه عن تقصير .

ص: 346

هذا حاصل دفع الاشكال في خصوص القصر والاتمام وكذا في الجهر والاخفات والقصر في موضع الاتمام كما قال به جماعة خلافا للمشهور استنادا إلى رواية صحيحة(1) مرويّة في الباب واضحة الدلالة على عدم الاعادة لمن صلّى قصرا ولا يدري انّ عليه الاتمام لجهله بأن المقيم يتم وما ذكرنا إنّما هو في خصوص جهل الحكم . والمحقّق النائيني(2) بعد ما أورد الاشكال على أجوبة

هؤلاء الفحول أنكر الاشكال واستحقاق العقاب في المقام أوّلاً ثمّ على فرض ثبوت ذلك أجاب عن القصر والاتمام وعن الجهر والاخفات كل في موضع الآخر بأجوبة مرجعها إلى واحد . الا ان لكلّ من هذه الثلاثة أعني القصر في موضع الاتمام والعكس والجهر والاخفات خصّ تقريبا الا تقريب الجواب عن الجهر والاخفات فهو أن يكون جامع الجهر والاخفات وهو الصلاة أو القرائة واجبا نفسيّا في حال جهله بوجوب أحدهما في محلّه ويكون الجهر في موضعه والاخفات كذلك واجبا نفسيّا ظرفه الصلاة إذا لم يعلم بذلك . وإذا علم باحدى الصور التي تقدم تصحيح ذلك بها تكون الصلاة والقرائة مقيّدة بالجهر أو الاخفات ففي الأولى يعني عند جهله إذا أتى بالصلاة جهرا في موضع الاخفات أو بالعكس أطاع واجبا نفسيّا وعصى آخر فالصحّة للأوّل والعقاب على الثاني . وفي الصورة الثانية التي علم فيها بالخطاب بالاخفات أو الجهر الذي تتقيّد الصلاة بأحدهما فيها لو ترك عن عمد لا تكون صلاته صحيحة للتقيد بأحدهما . فما وافق الأمر .

أمّا الجواب عن الاتمام في موضع القصر فهو أن يكون الواجب النفسي في

توجيه أمر الاتمام

ص: 347


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 17/3 من أبواب صلاة المسافر .
2- . فوائد الأصول 4/300 - 301 .

المقام هو ما فرضه اللّه تعالى من الركعتين ولا تكون الركعتان مقيدتين في حال الجهل بعدم اتيان الآخريين عقبيهما بخلاف صورة العلم فتصير بشرط لا وهذا هو الموجب في عدم صحّه صلاة من لا ينوي من ابتداء الأمر القصر أو الاتمام مطلقا في أيّ موضع وذلك لأن الأوّل مقيد بعدم الزائد فهو بشرط لا بخلاف الثاني فانه بشرط الشيء ومقيد بالزائد .

هذا حاصل ما أجاب به المحقّق النائيني من الاشكال في هذه المقامات .

فعند الركعتين الأوليين لابدّ له أن يسلّم الا انه أخّر السلام عن موضعه وخرج عن الصلاة بغيره فانه يكفي في الخروج عن الصلاة الاشتغال بشيء يصدق عنده ذلك ولا تكون هاتان الركعتان زائدة في الصلاة فصلاته على هذا صحيحة موافقة للمأمور به الا انه لمكان تركه السلام يعاقب على ذلك .

والتقريب بعكس هذه الصورة أن تكون الركعتان اللتان فرضهما اللّه واجبتين نفسيّا وما فرضه النبي صلی الله علیه و آله نفسيّا آخر غير مرتبط بالأوّل عند الجهل مرتبطا بالأوّل عند العلم الا ان الأوليين لا تكونان مقيدتين بعدم الاخريين في حال الجهل بل لا بشرط عن ذلك وبشرطهما عند العلم فعند الجهل حيث ان الأوليين مأمور بهما نفسا فباتيانهما يسقط الأمر ويحصل الامتثال ويعاقب على ترك الاخريين وعند العلم لا يحصل الامتثال الا بالأربع مجموعة وبعد الاتيان لو علم لا يمكنه الصلاة أربعا لاتيان المأمور به قبل ذلك .

خلاصة الكلام: ان المحقّق النائيني قدس سره (1) أفاد في القصر موضع الاتمام ان الواجب هو الركعتان المفروضتان من اللّه تعالى والركعتان الأخيرتان واجب

حكم القصر في موضع الاتمام

ص: 348


1- . فوائد الأصول 4/298 وبعده .

نفسي آخر كما يستفاد من الروايات الا انه لقيام الاجماع في صورة العلم على الخلاف لا يمكن مخالفته وفي حال الجهل يبقى على أصل الاستفادة ويكون ما أتى به قصرا صحيحا غاية الأمر انه ترك واجبا نفسيّا آخر غير مرتبط بالأوّل فالعقاب عليه والصحّة للأول . وفي العكس يعني الاتمام في موضع القصر ان الواجب في حال الجهل هو الركعتان لا بشرط عن الزيادة ولا بشرط وجودها . الا انه عند العلم يكون الواجب مقيدا بعدم الزيادة ويتبدّل الموضوع . فعلى هذا لا يبقى جهة للعقاب إلاّ أن يكون السلام واجبا نفسيّا في الركعتين الأوليين الواجب عليه وهو تركه والمخرج من هذه الصلاة إنّما هو السلام الذي يأتي به أخيرا بعد الاخريين فيكون الواجب في الصورة الاولى الركعتين لا بشرط وجود الزيادة وهي الأخيرتان وفي الثانية لا بشرط عدمها عند الجهل وعند العلم تكون الاولى مشروطة بوجودها والثانية بعدمها .

فعلى هذا يتخيّر المصلى في الصورة الثانية يعني الاتمام في موضع القصر أن يأتي بالركعتين بلا زيادة وأن يأتي بهما مع الزيادة . وعند العلم يتعين أحد فردي الواجب التخييري عليه وهو القصر فيكون المسافر الجامع للشرايط المعتبرة وجوديا وعدميّا عالما بالحكم واجبا عليه القصر . اما الجامع لها الا العلم

فلا بل هو مخير ونظير المقام بتبدل التخيير تعيينا ما إذا كان صلاة الجمعة التي هي عبارة عن الركعتين مع الخطبتين واجبة تعيينا عند حضور الامام واقامته عليه السلام للجمعة أو نائبه الخاص أو العام اذا كان له الولاية على هذه الا ان المستفاد من الأخبار ان الولاية بيد الامام وليس للفقيه المأذون عاما ذلك مع ان في غير هذه الصورة أحد فردي الواجب التخييري من الركعتين والخطبتين أو الركعتين مع

ص: 349

الركعتين الأخيرتين يقرء في الاوليين جهرا أو كما اذا نذر المصلى أن يصلي في الحضرة العلويّة على مشرفها آلاف التحيّة والسلام أو أحد الأعتاب المقدّسة أو المسجد وصلّى في غير ذلك الموضع فقبل ذلك ما كان عليه الصلاة ( مثلاً صلاة ظهره ) معين الاتيان في الموضع المعين وبالنذر حصلت له خصوصيّة لا تكون لغيره فصلاته في غير الموضع صحيحة ويعاقب على مخالفة النذر الجائي من قبله الخصوصيّة .

هذا حسب القاعدة في تصحيح المقام وجواب الاشكال . فانه يمكن ذلك ولازم هذا صحّة صلاة الجاهل بالقصر قصرا أو اتماما لأن كلتيهما فردا واجب تخييري . الا ان ظاهر الأصحاب لا يوافق على هذا فيظهر منهم تعين الاتمام على ذلك الجاهل وانه لو أتى بالقصر لا يصحّ منه وان تحقّق منه القربة .

وهذا لا يستقيم إلاّ مع الوجوب التعييني ولا يصحّ هذا الجواب وقد رجع عنه المحقّق النائيني رحمه الله بعد ما كان بنائه عليه وكان فرحا بتنظيره بتعين الجمعة عند حضور الامام علیه السلام . وذلك لعدم مساعدة أخبار الباب وعدم موافقة كلمات الأصحاب . فعلى هذا لا محيص عن انكار العقاب في المقام خصوصا في مثل هذه المسئلة العقليّة التي لا يتحقّق فيها الاجماع التعبّدي مضافا إلى اختلافهم في المدرك حيث ان قول بعضهم بالعقاب من جهة ايجابه التعلم نفسيّا وأخبار الباب أيضا تدلّ على انّه مكلّف بالاتمام كما ورد في انه(1) اذا قرء عليه آية التقصيروفسرت له يعيد الصلاة والا لا يعيد ولو في الوقت وإن لم تكن الرواية دالّة على دخل العلم في موضوع القصر الا ان عدم الاعادة ولو في الوقت وظاهر الخبر

اشكال كلام المحقّق النائيني

ص: 350


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 17/4 من أبواب صلاة المسافر .

من تفسير الآية له بأن لا جناح لا يكون ترخيصا بل عزيمة ممّا يظهر منه ذلك ومعلوم انه اذا كان العلم دخيلاً في الموضوع فيكون كساير قيود الموضوع والتكليف غير واجب التحصيل . فيكون كالعقل والبلوغ وكالاستطاعة وتحصيل النصاب وغير هذه من قيود الموضوع . وشروط التكليف غير واجب التحصيل . فعلى هذا تبقى الملازمة بين صحّة المأتي به وعدم العقاب بحالها ولا يستثنى منها مورد ولو كان هناك عقاب فيكون على واجب نفسي لا نعلمه لأن الأربع ركعات في الفرض المذكور هي المأمور بها والسلام في محلّه وموضعه على انه قد تقدم منع ذلك فلا عقاب .

هذا تمام الكلام في لزوم الفحص وما يتبعه في الشبهات الحكميّة .

بقي الكلام في الشبهات الموضوعيّة ولزوم الفحص فيها وعدمه .

وليعلم ان المعروف والمشهور بل ادّعى الاجماع على عدم لزوم الفحص في الشبهات التحريميّة الموضوعيّة ووقع الكلام في الوجوبيّة لكن الاجماع لم يتحقّق .

نعم في بعض الموارد كباب النجاسة والطهارة ذلك محقق .

وتحقيق الكلام هو عدم جواز اجراء البرائة المتّفق عليه في الشبهات الموضوعيّة بين المحدّثين والأصوليّين قبل الفحص وذلك لأنّ البرائة فيها إنّما يكون من جهة رجوع الشبهة الموضوعيّة إلى الشكّ في التكليف والا لم تجر البرائة أصلاً وقد تصدى لدفع الايراد المورد على نفسه في الفرق بين الشبهات الموضوعيّة والحكميّة في التحريميّة صاحب الوسائل وما صنع شيئا فعلى هذا يكون مقتضى القاعدة عدم جواز اجراء البرائة قبل الفحص في الشبهات

حكم الفحص في الشبهات الموضوعيّة

ص: 351

الموضوعيّة التحريميّة لرجوعها إلى الحكميّة وقد تقدم تقريب الأدلّة الأربعة على لزوم الفحص إلاّ في باب النجاسة فلو شكّ انه ماء أم بول يجوز التوضي به(1) وذلك في الشبهات البدويّة وقد وردت الرواية(2) من الامام علیه السلام انه رشّ الماء على بدنه أو لباسه وانه لا يبالي أبول أصابه أم ماء الا أن يكون في الموارد الخاصّة أصل موضوعي كالاستصحاب والا فلا يجوز ذلك وما ورد في خصوص الشبهات الموضوعيّة أو الأعم منها ومن الحكميّة كما يذكر بعد ذكر موارد من المال والمرأة والأشياء(3) كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير هذا أو تقوم به البيّنة وإن كان ظاهره وغيره مثل كلّ شيء(4) لك حلال حتّى تعلم أو تعرف انه حرام بعينه عدم وجوب الفحص .

الا ان الاصحاب ما عملوا باطلاقها بل في خصوص باب النكاح والمرأة المردّدة بين كونها محرما أو أجنبيّة الاجماع ظاهرا على الخلاف . وإن كان جريان الاستصحاب في المرئة المعتدة محقّقا في صورة الشكّ عن خروج العدّة .

نعم لو ادّعت انها خلية يقبل قولها ما لم تكن متّهمة والاجماع المدعى في المقام يعني في عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعيّة التحريميّة مدركي لابدّ أن ينظر إلى المدرك . الا أن يقال ان وجوب الفحص في الشبهات الموضوعيّة يحتاج إلى دليل بعد ورود أخبار مطلقة في البرائة كما تقدّم ان الأشياء كلّها على هذا وكلّ شيء لك حلال حتّى تعرف انّه حرام بعينه وظاهر بعضها عموم الحكم

ص: 352


1- . هذا ممنوع للزوم احراز ان ما يتوضّأ به أو يغتسل به أو يغسل المتنجس ماءً .
2- . الوسائل 3 الباب 37/5 أبواب النجاسات لكن بدون ذكر الرشّ .
3- . الوسائل 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
4- . الوسائل 17 الباب 4/1 من أبواب ما يكتسب به .

للحكميّة والموضوعيّة كما في كلّ شيء(1) مطلق حتّى يرد فيه نهي الذي قلنا

بظهوره في الوصول وفي الشبهة الحكميّة إنّما قلنا بوجوب الفحص من جهة ورود أدلّة خاصّة كخبر الا سألوا الا(2) يمموه الظاهر في الحكميّة وأخبار هلا تعلّمت(3) والشكّ في الشبهة الموضوعيّة وإن كان يرجع إلى الحكميّة الا ان منشأ الشكّ مختلف وفي هذه الأخبار دلالة على اختصاصها بالحكميّة التي لا يكون منشأ الشكّ فيها هي الأمور الخارجيّة . نعم لو قدمنا أخبار الاحتياط على البرائة فلا فرق بين الفحص وعدمه فان اللازم هو الاحتياط الا انه سبق في محلّه تقدّم أخبار البرائة في الحكميّة وظهور أخبار الاحتياط في الموضوعيّة في مورد العلم الاجمالي .

والحاصل انه لا وجه لوجوب الفحص بعد اطلاق الأدلّة في الموضوعيّة التحريميّة وإن كان دليل العقل في الحكميّة يشمل ذلك الا ان الأصحاب يظهر منهم عدم قولهم بالبرائة ولزوم الفحص في موارد الأموال والنفوس والأعراض حيث يدعون ان الأصل الأولى فيها هو الاحتياط ولا يشمل هذه الموارد دليل الاباحة وذلك لانقلاب الأصل فيها . فالأصل فيها عدم جواز التصرّف في الأوّل ما لم يتبين انه مال نفسه وفي الثاني والثالث الأصل الاحترام حتى يثبت المهدوريّة في الثاني وعدم الحرمة في الثالث ( فالاحتمال في هذه الموارد منجز ) والمدرك في ذلك مختلف .

فتارة من جهة قاعدة المقتضى والمانع واخرى من جهة ادعاء الملازمة

ص: 353


1- . الوسائل 27 الباب 12/67 من أبواب صفات القاضي .
2- . الوسائل 3 الباب 1/5 من أبواب التيمّم .
3- . بحار الأنوار 2/29 .

الظاهريّة في مثل لا(1) يحلّ مال امرءٍ مسلم إلاّ عن طيب نفسه حيث انه ظاهر في جريان حكم عدم الحليّة في ظرف الشكّ فان كلّ أمر علّق على أمر جودي يحكم عليه بحكم ضدّه حتّى يثبت ذلك الأمر الوجودي ومن هنا قالوا بانفعال المشكوك الكرية التي لا يعلم له حاله سابقة اذا لاقته النجاسة .

وثالثة من جهة استثناء التمسّك بالعام في الشبهات المصداقيّة في هذه الموارد عن أدلّة عدم الجواز ورابعة من جهة كشف الأهميّة في هذه الأشياء . وكلّ هذه الوجوه قابلة للخدشة وتقدّم الكلام في كلّ أمر علّق على أمر وجودي في عدم تماميّته في محلّه .

وعلى أيّ حال فالحق المحقق هو جواز اجراء البرائة في الشبهات الموضوعيّة التحريميّة إلاّ في ما قام الدليل على وجوب الفحص . ومن الموارد المختلف في جريان الاطلاقات مورد الشكّ في الدم أمن الانسان أو من البقّة حيث ان بعضهم يقولون الأصل في الدم النجاسة . وليعلم ان الاجماع لمّا ادّعى أو قام على عدم وجوب الفحص وهو عبارة عن التصدّي والطلب لكشف شيء كما إذا توقّف حصول العلم بطلوع الفجر على صعود السطح فالنظر في الاُفق في مثال الصوم .

فلو لم يصدق ذلك في مورد تجري البرائة كما اذا توقف رفع الشبهة بالنظر فمجرّد النظر إلى المشكوك الخمريّة والخليّة يميزانه انّه أيّهما أو كما اذا كان على

السطح في ليلة رمضان ويشكّ في طلوع الفجر وعدمه وبمجرّد النظر إلى الأفق

ص: 354


1- . الوسائل 5 الباب 2/1 - 3 أبواب مكان المصلّي ولفظ الأول لا يحل دم امرء مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفسه .

يتبين له ذلك فلا تجري البرائة في هذا المورد ولا يجري الاستصحاب وذلك لأن هذا الحال في حكم العلم والاخبار الواردة في الحلية والبرائة لا تشمله لعدم صدق لم تعلم وصدق تعلم .

فتبين ان وجوب الفحص في جريان البرائة يحتاج إلى دليل وقد قالوا في بعض فروع النكاح وفي أموال الغير والأعراض ذلك وقالوا فيها بانقلاب الأصل بأدلّة تقدّمت وسبق إمكان الخدشة فيها أمّا في باب الطهارة والنجاسة فلا يجب الفحص اتفاقا وورد مثل قوله علیه السلام (1) الماء كلّه طاهر حتّى تعلم انّه قذر كما ورد كلّ شيء(2) نظيف حتّى تعلم انه قذر .

هذا ملخّص الكلام في جريان البرائة قبل الفحص في الشبهات الموضوعيّة التحريميّة وتبين ان ظاهر الأخبار التبين بنفسه كما يؤمى إليه ( حتى يستبين لك غير هذا )(3) وأمّا الكلام في الشبهة الموضوعيّة الوجوبيّة فالحق هو التفصيل بين ما إذا كان صدق الاستبانة بدون الفحص فلا يجب وبين ما اذا لا يتحقق ذلك كما في استطاعة الحج أوّل عام فان ذلك لا يتحقّق غالبا الا بالفحص . فلو لم نقل بوجوب الفحص في أمثال المورد كما في بلوغ ماله النصاب يلزم اللغويّة في جعل الشارع وايجابه للحج فورا على حسب(4) الرواية والاجماع عند أوّل عام . وذلك لأن التبيّن لا يتحقّق بنفسه بخلاف الموارد التي لا تكون كذلك ولا يتوقّف الاستبانة فيها على الفحص غالبا .

لزوم الفحص في موارد

ص: 355


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/5 من أبواب الماء المطلق .
2- . الوسائل 3 الباب 37/4 من أبواب النجاسات .
3- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
4- . الوسائل 11 الباب 6/3 إلى 9 - 11 - 12 من أبواب وجوب الحجّ .

نتيجة البحث: قد تبيّن ممّا ذكرناه جريان البرائة بلا فحص في الشبهات التحريميّة الموضوعيّة وما ذكر من الاخبار ( كلّ شيء هو لك حلال )(1) وأمثاله مختصّ بها إلاّ بتكلف يدخل في موردها الشبهة الحكميّة . فجريان البرائة في التحريميّة بلا فحص مقتضى القاعدة حيث ان الوجوه المقامة على وجوبه إنّما تدلّ على الحكميّة لا الموضوعيّة الا دليل العقل منها فانه يشمل كلتيهما لكن الأخبار الخاصّة في الموارد الخاصّة في خصوص الشبهة التحريميّة موجودة فاذن لزوم الفحص في الشبهات الحكميّة يحتاج إلى الدليل المخصّص لهذه العمومات . منها الناس(2) في سعة ما لا يعلمون بالتنوين أو بلا تنوين ( في كلمة سعة ) ورفع(3) ما لا يعلمون فان ظاهرهما جريان البرائة مطلقاً بلا توقف على الفحص حتى تعلم . هذا في الشبهات التحريميّة . اما الوجوبيّة فكذلك أيضا والاشكال في شمول حديث الرفع(4) للشبهة الموضوعيّة بعدم جامع بين الحكم والموضوع دفعناه بارجاع الشكّ في الموضوع إلى الشكّ في الحكم . إذ منشأ الشكّ تارة يكون هي الأمور الخارجيّة واخرى عدم النص أو اجماله وهذا لا يوجب فرقا في هذه الجهة ففي الوجوبيّة أيضا مقتضى القاعدة عدم وجوب الفحص . وذلك لمقدّمة هي ان متعلق التكليف تارة له موضوع خارجي واخرى ليس له . فان كان له موضوع خارجي فينحلّ التكليف إلى تكاليف متعدّدة بعدد ما للموضوع من الوجود والعلم بالكبرى الكلية لا يكفي في ذلك ما لم يعلم التكليف الخاص للموضوع والموجود

عدم وجوب الفحص في الشبهات الوجوبيّة

ص: 356


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
2- . مستدرك الوسائل 18 الباب 12/4 من أبواب مقدّمات الحدود .
3- . الوسائل 8 الباب 30/2 من أبواب الخلل في الصلاة .
4- . وسائل الشيعة 8 الباب 30/2 من أبواب الخلل في الصلاة .

الخاص وثالثة يكون متعلّق التكليف له موضوع عام مجموعي وبالنسبة إليه أيضا يتصور بحسب السعة والضيق للافراد فما لم يعلم التكليف في الموضوع الخارجي تجري البرائة . وعلى هذا يكون لكلّ موضوع حكم ويدخل االشبهة الموضوعيّة بهذا البيان تحت الشبهة الحكميّة ويشملها أدلّة رفع الشبهة الحكميّة كحديث(1) الرفع الذي هو عمدة ما في الباب إذ الرفع الحقيقي لا معنى له هنا بل هو رفع تشريعي نتيجته عدم ثبوت الحكم ( عدم وجوب الاحتياط ) وضابط وجوب الفحص في الشبهات الوجوبيّة في جريان البرائة هو لزوم اللغويّة من جعل الشارع للحكم في موردها على تقدير عدم الفحص كما ذكرنا مثال الحج والاستطاعة . فان الغالب لا يعلم ذلك عند أوّل درجة الاستطاعة عند من لا يكون له أصل موضوعي . اما من له أصل موضوعي ويصل المال إليه تدريجا فلا تجري البرائة بل الأصل الموضوعي مقدم الجريان وكما في الزكوة والخمس حيث نقول فيهما بحصول الشركة بين المستحق وصاحب المال فالشكّ هنا دائر بين التصرّف في ماله أو مال غيره ولا يجوزون ذلك في الأموال بما تقدّم إليه الاشارة الا أن يأكل فيكون الأصل هنا أصل عدم الضمان والبرائة .

ومحصّل الكلام انه لو كان اجماع في المقام وكان كاشفا عن رأي

المعصوم علیه السلام أو كان كاشفا عن دليل لو ظفرنا به لكان حجّة عندنا أيضا فهو مفيد أمّا إذا لم يكن كذلك بل كان مدركهم في هذه الموارد التي في التحريميّة والوجوبيّة بعض ما أشرنا إليه سابقا من الوجوه فيكون الاجماع هنا مدركيّاً إلاّ أن نقول بالموضوعيّة له في قبال ساير الأدلّة وانه من حيث هو دليل ولا نقول بذلك

ص: 357


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 30/2 من أبواب الخلل في الصلاة .

ونحتمل في المقام أن يكون نظرهم إلى هذه الوجوه بل لو كان مدركا لابدّ أن يكون من المدارك التي تناولوه صدرا عن صدر أو ما كتبوه وضبطوه لخصوصيّه وهذا بعيد فلا يمكن الركون إليها فالقاعدة في المقام عدم وجوب الفحص في التحريميّة والوجوبيّة إلاّ في موضع يكون الأصل منقلبا فيه أو قام دليل من الخارج أو لزوم اللغويّة يقتضي ذلك في جميع الأبواب فان الاستطاعة المستبانة ربما تكون في فرد نادر ولو اجرينا البرائة في المقام وقلنا بعدم وجوب الفحص من الاستطاعة لاضعنا حكم الشارع بالحج في العام الأوّل ففي هذا المورد يدّعي ان نفس جعل الحكم يقتضي وجوب الفحص عن موضوعه ومقدمته وهو الاستطاعة فيحجّ ان استطاع ولا يحجّ إن لم يستطع وأمّا الموارد التي لا تكون كالمقام كالتروي في الشكّ فانّه لتحقّق الشكّ .

هذا تمام الكلام في الشبهات الموضوعيّة التحريميّة والوجوبيّة.

تنيبه: قد ذكر لأصل البرائة شرطان آخران أحدهما أن لا يلزم منها ثبوت حكم وهذا الشرط يحتمل أن يكون اشارة إلى أن مثبتات الأصول ليست بحجّة فانّ الاستصحاب الذي هو أقواها ليس من شأنه ذلك فضلاً عن أصل البرائة الّذي هو اضعف الأصول . وذلك لأن شأن البرائة هو الرفع وحديث الرفع(1) الذي هو من أقوى أدلّتها لا يتكفّل إلاّ رفع التكليف لا الوضع فلا تكون الأصول مثبتة للوازم العقليّة والعاديّة . فعلى هذا يكون شروط البرائة كماتقدّم في محلّه أن يكون

المرفوع مجعولاً شرعيّا ورفعه ووضعه بيد الشارع ويكون مجهولاً في رفعه امتنان ولا يكون الحكم مجعولاً بعنوان الجهل الذي لا يمكن رفعه بهذه الأصول .

ص: 358


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 30/2 من أبواب الخلل في الصلاة .

فان كان المراد هذا فلا كلام فيه وليس شرطا زائدا على الشرايط الأربعة المتقدّمة . وإن كان المراد انه لا يستلزم من رفعها في بعض الموارد اثبات حكم آخر فلابدّ أن ينظر فيه . ويظهر من بعض أمثلتهم هذاالمعنى وهذا هو الظاهر وإن كان بعض الامثلة يناسب المعنى الأوّل الا ان هذا المعنى يليق بالبحث عنه لأنّ الأوّل مفروغ عنه في محلّه فمقتضى هذا الشرط بهذا المعنى انه لو لزم من ذلك ثبوت حكم آخر لا مجال لجريان البرائة وذكروا للمورد أمثلة .

فمنها: ما ذكره المحقّق القمّي في خصوص الحج حيث يشكّ انّ في ذمّته دينا لأحد فلا يجب الحجّ لعدم حصول الاستطاعة فانّه يشترط فيه الشروط المعروفة مع وجدان الكفاية عند الرجوع وان لم يكن عليه دين . فالمال الموجود الحاصل لديه يكفيه مؤنة الحج والكفاية والشرايط الآخر حاصلة فلو جرى أصل البرائة عن الدين فلا يجب عليه فهو مستطيع فلزم من جريان البرائة في المقام تكليف آخر وهو وجوب الحج وينكر في هذا المقام وجوب الحج . لكن هذا ليس المثال المناسب للمقام لأن في مورده لا تصل النوبة إلى أصل البرائة فان اصالة عدم الأخذ موجودة قبل البرائة أو ما يناسب هذا الأصل في الموضوعات فالأحسن أن يمثّل بمثال الزوجة المعلوم الزوجيّة المشكوك دوام عقدها وانقطاعه بناء على أن يكون الدوام والانقطاع في العقد حقيقتين مختلفتين لا ان تكون حقيقتهما واحدة والانقطاع إنّما هو لذكر مدّة للأجل فلو ترك ذلك نسيانا يصير دائما وذلك لأنّه على هذا يكون هناك اصل موضوعي يعيّن العقد انه دائم . وتظهر الثمرة في باب الارث ووجوب النفقة فعلى الأوّل يعني كونهما حقيقتين فلا أصل موضوعي في المقام محرز يثبت أحدهما فتصل النوبة إلى الأصول المتأخّرة

شرطان آخران لجريان البرائة

ص: 359

الحكميّة وفي المورد هو أصل البرائة من وجوب النفقة فان ذلك لا يترتب على الجامع بل على خصوص العقد الدائمي فاذا نفى وجوب النفقة فالاستطاعة حاصلة له « وَللّه ِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً »(1) أو المثال في خصوص وجوب نفقة من عدا العمودين وان علت الأجداد والعمودان والأولاد وإن كانت من البنت من ساير الأقارب ووجوب الحجّ فيجري في المقام أصل البرائة ويلزم منه وجوب الحج لحصول الاستطاعة .

والمحقّق القمّي رحمه الله يثبت وجوب الحج في هذا المثال ويجري البرائة فيلزم ذلك ويقول في المثال الآخر الذي يذكره في الكرّ بجريان الأصل ويستشكل عليه الشيخ رحمه اللهلعدم الفرق بين المقامين .

وتوضيح الكلام في هذا المقام هو أن يكون ماء مخلوق دفعة لايعلم انه كر أو قليل لاقته النجاسة فبعض قالوا بالانفعال كالشيخ حيث قوى ذلك في كتاب الطهارة وبعض لا يقول بالنجاسة بل هذا الماء طاهر وهذا في موضع لم يكن له حالة سابقة للقلّة أوالكريّة فيستصحب فلا يكون من المقام لجريان الأصل الموضوعي ومدرك القائلين بالانفعال تارة جواز التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة وتارة من جهة قاعدة كلّ أمر وجودي علّق على أمر وجودي يحكم عليه بحكم ضدّه حتّى يثبت ذلك الأمر الوجودي . وثالثة من جهة قاعدة المقتضي والمانع ولهذه القاعدة صورتان . فتارة يكون من قبيل قيام معركة تقتضي قتل زيد لا يعلم انّه قتل أو لا ولا وجه للقاعدة على هذا التقريب أصلاً لعدم مساعدة عرف ولاشرع واخرى يقرب بحصول المقتضي فعلاً والمانع محتمل كما إذا أصابت

ص: 360


1- . سورة آل عمران: 98 .

البندقة والرصاص جسم زيد ولزيد قابليّة تامّة للقتل بذلك إلاّ انّه يشكّ في وجود مانع هناك من دعاء أو حرز يدفع ذلك عن زيد والقاعدة بهذا التقريب لها صورة جميلة وقال بها بعض في المقام الا انه لا يمكننا المساعدة على ذلك أيضا للشكّ في وجود هذا البناء من العقلاء في امثال المقام . والوجوه التي تمسّكوا بها في الانفعال في المقام كلّها مخدوشة والمسئلة معركة للآراء ما بين الاعلام ولها صور وخصوصيّات الا انّه يكفي هذا المقدار . وهنا زيادة توضيح لا بأس بها وهو انه بناء على جريان قاعدة المقتضي والمانع في المقام يكون الماء تاما في القابليّة بحسب طبعه والنجاسة تامّة في المؤثريّة ويشكّ في وجود الكريّة التي هي عاصمة عن النجاسة لكن لا تختصّ العاصميّة بالكر بل الاتّصال بالمادة والجريان أيضا عاصمان فلا وجه لقول صاحب العروة وغيره بالنجاسة في المقام .

وهنا فرض آخر وهو وجود ماء كر فعلاً قليل سابقا ملاقٍ للنجاسة ولا يدري تقدّم الملاقاة على الكريّة أو الكريّة على الملاقاة . فان هنا ثلاث آنات . آن

الكريّة والملاقاة علما وهو هذا الآن وآن القلّة السابقة وآن في البين لاقت النجاسة هذا الماء فلا يعلم تقدم الكريّة أو الملاقاة . والمحقّق القمّي رحمه الله يقول في هذا المقام بالطهارة للجمع بين الاستصحاب ( يعني أصل عدم كريّة الماء ) وقاعدة الطهارة . واستشكل الشيخ على الفرق بين المقام وبين مثال الدين في الحج .

ولكن الانصاف(1) ان الفرق واضح فان في المقام أصل الطهارة موجود .

ص: 361


1- . يمكن جريان استصحابين استصحاب عدم الكريّة المحمول على هذا العدم الانفعال حيث ان وجود الكر مانع لا القلّة في الانفعال بل الانفعال لماء ليس بكر واستصحاب طهارة الماء فيتعارضان فيبقى قاعدة الطهارة سليمة هذا إذا لم يكن طهارة الماء من ناحية القاعدة والا فلا يجري الاستصحاب في الماء فتأمّل .

وتارة يقرب وجه النجاسة باستصحاب القلّة إلى حين الملاقاة فالملاقاة حاصلة بالوجدان والقلّة وعدم الكريّة محرزة بالاستصحاب وهذا ينكره المحقّق القمّي لما تقدّم من قوله بجريان القاعدة وإن كان يجري اصالة عدم الكريّة وتفصيل الكلام موكول إلى محلّه .

وعلى أيّ فنرجع إلى أصل الشرط والكلام عليه . وللمحقّق النائيني قدس سره (1) هنا كلام لابدّ من نقله ثمّ النظر في صحّته وعدمها . وهو يقسم عدم هذا الشيء الجاري فيه البرائة على ثلاثة أقسام . فاما أن يكون عدمه الواقعي شرطا لحكم آخر كالحج فان عدم الدين واقعا شرط لوجوب الحج فلو كان عليه الدين وهو لا يعلم وحج فلا يكون حجّه حجّة الاسلام وعليه لو استطاع الحج لمنع الدين في المقام من حصول الاستطاعة الماليّة . وتارة يكون عدم الشيء ظاهرا موضوعا لحكم آخر وثالثة يكون عدم تنجزه كما في باب التزاحم ويذكر أمثلة . منها مثال الحج فلو كان من قبيل الأوّل ويكون العدم الواقعي موضوعا لحكم آخر فأصل البرائة وكذا غيرها من الأصول والامارات لا يمكن أن يثبت بها العدم الواقعي فلو تبيّن الخلاف لا يكون الحجّ حجّة الاسلام . نعم تجري البرائة ونتيجتها عدم التكليف ورفع العهدة عن أداء الدين إمّا واقعا أو ظاهرا لو قلنا في الحكم الظاهري بالجعل وأمكننا الجمع بينه وبين الواقعي أو يكون نتيجة جريان البرائة الترخيص في الترك لأداء الدين بناءً على ما حقّقناه في محلّه من عدم تكفّل هذه أي البرائة وأمثالها للجعل الظاهري بل ترخيصات في العمل بمقتضاها بل لو قطع أيضا لا يفيد .

ص: 362


1- . فوائد الأصول 4/303 - 304 .

نعم في الحلف خصوصيّة تقتضي عدم جواز تصرّف المالك في المال المعين له عند المنكر الحالف وان يعلم انه يكذب لما ورد(1) من ان اليمين ذهبت بحق المدعى .

( أقول: الكلام في أمثلة الماء وذكرها هناللزوم الاجتناب عن الماء بناء على جريان عدم بلوغ الملاقي للنجاسة كرا واصالة عدم تقدم الكريّة حيث يعلم بحدوثها على ملاقاة النجاسة فان الأصل في هذه الموارد لو جرى يوجب الاجتناب عن الماء كما عن التونى الذاكر لهذا الشرط .

توضيح كلام المحقّق النائيني ان دخل عدم الحكم في حكم آخر على انحاء ثلاثة: إمّا لعدم تنجّزه دخل في موضوع حكم آخر أو لعدمه الواقعي أو لعدمه الظاهري بأن ينفي ظاهرا فيثبت حكم آخر لتمام موضوعه . ومثال دخل العدم الواقعي مثال الدين والحج حيث ان الدين بعدمه الواقعي دخيل في ثبوت الحج ووجود التكليف به فلا تجري البرائة لذلك ولا تفيد لأنّ البرائة أصل وشأنه رفع التكليف ظاهرا ولا يتعدّى عن هذا إلى الواقع فيثبت شيئا واقعا أو ينفي . ومثال ما كان للحكم بعدمه التنجزي دخل في حكم آخر في فعلية وجوده يعني عدم تنجزه دخيل في فعلية حكم آخر كما في باب التزاحم . حيث ان التزاحم إنّما يتحقّق في مرحلة العلم فلو لم يعلم بأحد الخطابين فلا يزاحم ذلك الخطاب واقعا الخطاب الآخر ولا يسلبه قدرته ولا يدعوها ولايكون التزاحم إلاّ في مرحلة الامتثال والقدرة على متعلّق كلا الخطابين حاصلة . الا ان في المقام كلّ يدعو القدرة الواحدة إلى نفسه وذلك إنّما يتحقّق بالعلم بالخطابين وإلاّ فلو جهل

توضيح كلام النائيني

ص: 363


1- . الوسائل 27 الباب 9/1 من أبواب كيفيّة الحكم .

أحدهما فلا مزاحمة واقعا اذ منشأ التزاحم هو العلم فعند انتفائه ينتفي التزاحم واقعا . فالشكّ في وجوب الخطاب الأهم مثل أدّ الدين وصلّ أو ازل النجاسة وصلّ تمام الموضوع للحكم بالصلاة وفعليته بلا حاجة إلى اجراء البرائة بل خطاب المهم يكون فعلاً بالشكّ في وجود خطاب الأهم المزاحم الا ان البرائة ممّا لم نستغن عنها فنحتاج إلى قاعدة قبح العقاب بلا بيان وكذا البرائة الشرعيّة لرفع الخطاب ظاهرا .

أقول: لا ربط لذلك بمسئلة فعليّة المهم فتأمّل .

( فتجري البرائة ولا يكون خلاف امتنان لأن عليه أحد التكليفين قطعا ولا اشكال في لزوم الاخر وان ثبت بالبرائة ) .

وأمّا مثال ما لو كان نفي الحكم ظاهرا دخيلاً في وجود حكم وفعليته فهو ما ورد(1) من انه لا تطوع لمن عليه الفريضة أو في وقت الفريضة فلا يجوز لمن كانت ذمّته مشغولة بالصلاة الواجبة الصلاة نافلة فلا تنفل(2) أو لا نافلة لمن عليه الفريضة وكذا لا يجوز لمن عليه قضاء شهر رمضان الصوم الندبي وفي الاستيجاري كلام وإن كان الوقت في كليهما موسعا الا انه ورد المخصّص بأنّه اذا اضرّت(3) بالفريضة فلو شكّ في اشتغال ذمّته بالفريضة فيمكن باجراء البرائة اثبات خلو ذمّته ظاهرا المأخوذ في موضوع حكم التطوّع وتشريعه .

هذا ملخّص ما أفاده المحقّق النائيني رحمه الله .

الا انه نظر فيه سيّدنا الأستاذ قدس سره ولم ير فرقا بين مثال الحجّ وبين هذا المثال

اشكال كلام المحقّق النائيني

ص: 364


1- . وسائل الشيعة 4 الباب 35/3 - 6 الى 9 - 11 من أبواب المواقيت .
2- . وسائل الشيعة 4 الباب 35/3 - 6 الى 9 - 11 من أبواب المواقيت .
3- . وسائل الشيعة 4 الباب 61/7 - 8 من أبواب المواقيت عن نهج البلاغة مرسلتين .

لا من جهة المثال بل كلامه على تفصيل المحقّق المزبور وقال بعدم الفرق بين الصورتين على ما يساعد عليه ظاهر الدليلين . فكما يجوز التمسّك بالبرائة لخلوالذمّة عن الفريضة والتطوّع كذلك يجوز التمسّك بها لاثبات وجوب الحجّ لأنّ البرائة تنفي الدين ووجوب ادائه لو كان ظاهرا فعلاً كما هو شأن ساير الأصول وأقواها الاستصحاب على ما يقتضيه جعلها حجّة فلو صادفت الواقع فهو وإلاّ فالمكلّف معذور في ما أتى به تكليفا وعليه ما يلزمه وضعا لو كان ففي المقام ينفي بالبرائة الدين فتجري البرائة منه ويجب عليه الحجّ ولا يضرّ الجريان اثبات حكم آخر منه وحصل له الاستطاعة كما لو كان مؤجّلاً ولا يطالبه وليس له المطالبة أو كان الدين لا يضرّ بالاستطاعة فيجب الحج في هذه الصور ولو تبين الخلاف بعد ذلك فلا يجزئه ما أتى به عن حجّة الاسلام لو حصلت له الاستطاعة فيما بعد لأنّه من أوّل الأمر لم يكن مستطيعا وشأن الأصول وكذا الامارات ليس جعل الواقع اذ لا سببيّة لها وإنّما هي طرق مجعولة حجّة كما قلنا والمناط هو الواقع .

نعم ان الحلف يكون مانعا عن جواز تصرّف صاحب المال في ماله والمقاصة عن الحالف وفيه كلام في محلّه . فعلى هذا لا نرى وجها لهذا التفصيل من تثليث الأقسام .

بل الحق المحقّق في المقام وإن كان يمكن أن يرجع إليه كلام المحقّق

النائيني رحمه الله ولو كان بعيدا عن ظاهره كما كتبوه وكتبنا عنه أن يفصل بين ما إذا كان عدم هذا الحكم تقييدا دخيلاً فيموضوع الحكم الآخر بأن يكون مقيّدا بعدم هذا ويكون العنوان الانتزاعي له الدخل سواء كان عرضا ومحلاًّ أو عرضين ومحلّين

ص: 365

أو غيرهما من أقسام التقييد على ما يأتي في باب الاستصحاب إن شاء اللّه كما في رفع رأس الامام من الركوع بالنسبة إلى المأموم المريد الاقتداء حيث انّه لابدّ أن يقتدي ويدرك الامام قبل رفع رأسه من الركوع فيستصحب عدم رفع رأس الامام في الركوع ويكبّر ويلحقه اذ لا يثبت ذلك عنوان القبليّة بأن أدرك قبل رفع رأسه فلا يجري . لأنّ البرائة وغيرها من الأصول لا تثبت ذلك . نعم الامارات من البينة وغيرها لها ذلك حيث لا تقتصر على خصوص مؤدّياتها بل تثبتها ولوازمها العقليّة وغيرها . وبين غيره ممّا لم يؤخذ العدم قيدا ولا الحكم الآخر مقيّدا بهذا العدم بل خصوص التركيب مناط وجود الحكم . واجتماع العدم مع شيء آخر كافٍ في ذلك بلا دخل لعنوان الاجتماع أيضا ( بل الاتّحاد الزماني وربما لا يكون . فعلى هذا يجري البرائة ويثبت بها هذا الجزء والجزء الآخر مثبت بالوجدان ويتحقّق هناك ضابط الجزء بالوجدان والجزء بالأصل هذا هو التفصيل الذي يليق بالمقام وملخّصه عدم جريان البرائة وعدم نفعها في ما إذا كان عدم المنفي وصفا وقيدا دخيلاً في الحكم الآخر والجريان فيما اذا لم يكن كذلك بل مجرّد العدم تركيبا مع غيره فتأمّل جيّدا .

نتيجة البحث قد تبين ممّا ذكرنا عدم محل للتفصيل الذي ذكره المحقّق النائيني رحمه الله وان الحق في المقام هو ما قلناه بالضابط الذي تقدّم ذكره ولو انطبق هذا الضابط على الأمثلة التي ذكرها فكما ذكروا لا فلا يستقيم . ففي مثل لا صلاة(1) لمن عليه الفريضة لو كان المراد اشتغال العهدة بالفريضة في الواقع وإن لم يكن في الظاهر مطالبا بذلك فالاستصحاب فضلاً عن البرائة لا يتكفل اثبات ذلك بل شأنها

تحقيق الكلام

ص: 366


1- . وسائل الشيعة 4 الباب 35/3 من أبواب المواقيت واللفظ فاذا دخلت الفريضة فلا تطوّع .

ليس إلاّ الترخيص وإنّما يكون حجّة وعذرا عند المخالفة ولا موضوعيّة ولا سببيّة له ولا يثبت واقعا بل الواقع على ما هو عليه وإنّما هي ترخيصات . وهو في حقّ العالم والجاهل سواء أو كان الحكم الواقعي عبارة عن الانشاء ويجوز أن يكون الخطاب مختصّا بالعالمين به على المباني في ذلك حيث ان في جميع هذه الصور شأن البرائة رفع الخطاب أو ترخيص المكلّف في الترك وهو غير العهدة والاشتغال بالفريضة واقعا .

فعلى هذا لا يمكن أن يثبت بالبرائة جواز الدخول في النافلة لعدم تماميّة موضوعها أمّا لو كان المراد من ذلك التكليف بأداء الفريضة فعلاً اما بالجمع بين الحكم الواقعي والظاهري بالخطاب والانشاء أو بالعهدة والمطالبة واختصاص الحكم بالعالمين به والاستواء في العهدة فالبرائة الجارية في ذلك ترفع المطالبة ظاهرا أو ترخص المكلّف في الترك وتنفي ذمّته ظاهرا .

وعلى هذا يتمّ موضوع النافلة ويجوز للجاري في حقّه البرائة عن الفريضة التنفّل وإن احتمل اشتغال ذمّته واقعا بالفريضة لما في موضوع النافلة من عدم المطالبة بالفريضة لا الاشتغال والعهدة واقعا .

ومجمل الضابط في أمثال المقام وإن كرّرناه في أبحاثنا عن المحقّق النائيني رحمه الله وهو نقح ذلك هو التركيب ودخل شيئين بوجودهما الواقعي لا بنحو التقييد لأحدهما بالآخر ومثاله المعروف الذي كان دائراً في كلام النائيني رحمه الله هوالاستيلاء على مال الغير وجدانا وعدم رضاه السابق المستصحب حين الاستيلاء ووضع اليد على ما له فيتحقّق الموضوع المركّب بوجود طرفيه أحدهما واقعا وجدانا والجزء الآخر بالتعبد وهو في المقام الاستصحاب الجاري في عدم

جريان الاستصحاب في الموضوع المركّب

ص: 367

رضاه بالتصرّف السابق على التصرف .

وبذلك يضمن المتصرف حيث ان موضوع الضمان الاستيلاء على مال الغير بلا رضاه ولا يصح الاستدلال على الضمان بقاعدة على اليد إذ هو تمسّك في الشبهة المصداقيّة ولا بقاعدة المقتضي والمانع لعدم تماميّتها ولا بقاعدة كلّ أمر علّق أمر وجودي الخ لعدم أصل لها .

وورود الاشكالات عليها . وهذا هو ضابط الجزء بالوجدان والجزء الاخر بالأصل أي جعل كان الذي ملاكه التركيب ويتحقّق ذلك فيما إذا كانا عرضين لمحلين أو جوهرين وعرضين لمحل لا يكون أحدهما قيدا للآخر حيث لا يصحّ فيهما أن يكون أحد العرضين عرضا لمعروض العرض الآخر بل كلّ عارض على معروضه فوضع اليد عارض على المال والرضا عارض على مالكه كما في الجوهرين حيث يمتنع اتصاف أحدهما بالآخر فزيد لا يتّصف بعمرو لو كان الموضوع هما . وشرط ذلك أن لا يكون العنوان الانتزاعي أيضا موضوعا أو دخيلاً فيه والا فلا يثبت الأصل ذلك . فلو كان الموضوع مركّبا على هذا النحو الذي ذكرنا فيمكن اجراء البرائة وساير الأصول لاثبات الموضوع ولا يكون من جريان الأصل المثبت بخلاف ما إذا كان العنوان الانتزاعي دخيلاً كما لو كانت القبليّة في ركوع المأموم بالنسبة إلى رفع رأس الامام فلا يمكن اثبات ذلك العنوان بالاستصحاب فيهوي المأموم إلى الركوع ويستصحب عدم رفع رأس الامام فيركع ويثبت بذلك ركوعه قبل رفع رأس الامام .

كما في ذلك اسلام الوارث(1) قبل القسمة حيث لا يثبت ذلك بالأصل ولو

ص: 368


1- . الظاهر كما ذكرنا في مباني ارث المنهاج عدم اشتراط القبليّة . مباني ارث المنهاج 29 - 30 .

كان أحد الشيئين مقيّدا بالآخر ويكون الموضوع مقيّدا بشيء فلا يمكن اثبات ذلك بالاستصحاب فضلاً عن البرائة وذلك إنّما يكون في العرض والمحل عرضا لمحل واحد ففي مثال النافلة حيث ينطبق الضابط الأوّل التركيبي فيمكن اثبات الجواز بالأصل برائة كان او استصحابا حيث ان ذمّته كانت فارغة سابقا فيستصحب ذلك والجزء الاخر وهو حصول باقي شرايط النافلة من الوقت والخصوصيّات الاخر محرزة بالوجدان فيجوز له التنفّل أو حيث لم يجر استصحاب يجري أصل البرائة من لزوم أداء الفريضة فلا يجب عليه الفريضة وليس مطالبا بها ولو ترخيصا والجزء الآخر بالوجدان فينتقل . هذا ولكن يبقى الفرق بين المقام وبين مثال الحجّ حيث لا يجري البرائة المحقّق المزبور رحمه الله فيمكن أن يستصحب عدم الدين

المطالب أو عدم الدين حيث ان الدين لو كان مطالبا يضرّ بحصول الاستطاعة بالنسبة إلى هذا المكلّف فاذا لا دين عليه ولا يجب عليه الأداء فيحصل له الاستطاعة فيجب عليه الحج حيث اجتمعت شرايط وجوب الحجّ ومنها عدم واجب أهم ومنها حصول الاستطاعة بفروعها(1) ولو كان هذا المكلّف مطالبا بدين

ص: 369


1- . ففي مثال الحجّ ليست الاستطاعة مقيّدة بعدم الدين بل وجود الدين المطالب مانع في مورده عن حصول الاستطاعة فلا يكون من التقييد والعرض والمحل بل ينطبق ضابط التركيب . الاستطاعة وعدم دين مطالب فالمقارنة للاستطاعة وعدم الدين لا اتصاف الأوّل بالثاني ( أقول ذكر بعض حاضري بحثه قدس سره ايراد اشكال عليه وميله أو تسليمه الاشكال في مثال البرائة ولعلّه يجيء في الحجّ أيضا وهو ان ضابط التقييد ينطبق عليه حيث ان من ليس عليه فريضة عنوان الحكم المستفاد من قوله لا ( وسائل الشيعة 4 الباب 35/4 من أبواب المواقيت مع تفاوت في اللفظ ) نافلة لمن عليه الفريضة فالاتّصاف داخل في العنوان ويمكن بمقتضى النظر عدم ورود الاشكال بل من موضوع والعدم عدم محمولي أي لا يكون عليه الفريضة لا أن يكون متّصفا بالعدم وفي مثال الحج عدم وروده أظهر فتدبر .

فحيث ان أداء الدين واجب عليه يمنع ذلك من حصول الاستطاعة فلا يجب كما ان في مسئلة النذر لو نذر أن يعرف بكربلاء على مشرفها السلام فاتفق حصول الاستطاعة له في ذاك العام فلو كان النذر أهم فلا يجب عليه الحج حيث ابتلى بالأهم والا فيكشف ذلك عن عدم انعقاد النذر من أوّل الأمر(1) .

والانحلال ليس لاشتراط الحج بالقدرة الشرعيّة اذ النذر أيضا كذلك(2) وإن قال بعضهم في هذه المسئلة بعدم وجوب الحج من جهة اخرى . وعلى أيّ لا يصحّ تفصيل المحقّق النائيني بل الحق ما حقّقناه كما اتّضح ان ما ذكره بعض الأساطين في المقام من الأمثلة لا ترتبط به من منع جريان البرائة في أحد الانائين المشتبهين للزوم وجوب الاجتناب عن الآخر اذ في هذه الصورة يجري الأصل بالنسبة إلى كلا الطرفين منعا واجتنابا وأن لا يتضرّر بأعمال الأصل مسلم فلو كان المراد ان أصل البرائة وساير الأصول لا تثبت اللوازم العقليّة والعادية فهذا مسلم قد تقدّم وإن كان المراد منع بعض ما ذكرنا فقد سمعت الحق ووضح لك فتدبّر .

تكميل: قد سبق انه ذكر لجريان البرائة شروط . منها أن لا يكون الأصل مثبتا لحكم آخر وقد سبق ما يحتمل في هذا الشرط وصار المسلم عدم مثبتيّة الأصول بأجمعها وأيضا جريان البرائة لو كان تكليف آخر مركبا من أجزاء أو

يشترط في البرائة أن لا يكون مثبتاً لحكم آخر

ص: 370


1- . ولمّا عليه المبني للابتلاء بالأهم وهو الحجّ فلا يجب الوفاء بالنذر لمكان الحج وهذا وإن كان موافقا نتيجة مع ما يقوله المحقّق النائيني رحمه الله الا انه مخالف له مدركا من حيث قوله بالانحلال .
2- . مبنى السيّد الأستاذ قدس سره عدم اشتراط الحج والنذر بالقدرة الشرعيّة كما سبق في باب التزاحم وهو الحق خلافاً للسيّد الخوئي قدس سره حيث يرى اشتراط النذر بالقدرة الشرعيّة .

جزئين يثبت أحدها البرائة . ومنها أن لا يكون الجاري فيه البرائة جزء عبادة ويرجع هذا إلى المنع في الأقلّ والأكثر الارتباطيين وقد تقدّم الكلام في ذلك مفصّلاً وسبق ان في أمثال المقام لا نحتاج إلى البرائة لوجود الاطلاقات المقاميّة والصلوات البيانيّة فلو كان لشيء آخر غير ما تضمّنه هذه دخل لبينوا وحيث ما بينوا والفرض انهم علیهم السلام بصدد البيان فيكشف الاطلاق وهذا مسلم لأن مع وجود الدليل الاجتهادي لا مجال لجريان الأصل وكذا لا يجري الأصل لو كان مجعولاً بالعنوان الثانوي كعنوان الجهل أو النسيان في رفع النسيان وأن لا يكون هناك أصل موضوعي وبالجملة هذه من المسلّمات والشروط المضبوطة هي أن يكون الحكم مجعولاً مجهولاً وفي رفعه منة .

ومنها: ان لا يتضرّر بأعمال البرائة أو مطلق الأصل مسلم أو لا يلزم ضرر مطلقا . وهذا الشرط يعني عدم لزوم ضرر من أعمال الأصل ذكره الفاضل التوني وبعض من تأخّر عنه وكتبوا في هذا يعني قاعدة لا ضرر كراريس وذكر الفاضل أمثلة لما ذكره . الا ان الشيخ والمرحوم النائيني (1) وغيرهما استشكلوا عليه وأوردوا عليه اشكالات بعضها من المتقدّمين عليهم وفسروا كلامه بما لا يكون مراده ومراده ما ذكره ويساعد الأمثلة وشأن الفاضل فانه لا يريد ما ليس له معنى ولا صورة حتى يورد عليه هؤلاء .

وتوضيح مراده قدس سره هو ان الشرط المهم والركن الأعظم في جريان البرائة هو الشكّ ولما كان محلّ الكلام وعمدته هوالشكّ في التكليف من جهة فقد النصّ فيكون هو المنظور والشبهة الخارجيّة ترجع إليه . وذلك في قبال من يقول

ص: 371


1- . فوائد الأصول 4/304 - 305 .

بالاحتياط من أصحابنا الأخباريين في الشبهة الحكميّة والواقعة المشكوك حكمها ولا نصّ فلابدّ في ذلك من احراز الموضوع . وحيث يكون هناك دليل اجتهادي يمنع عن جريان البرائة فلا موضوع لها وقد يوجد موارد في الفقه يشكّ في شمول الدليل إيّاها فلا نقطع بشمولها ولا بعدم الشمول فيصير ذلك منشأ للشكّ في حكم المورد ولا يجوز التمسّك بالدليل لأنّه تمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة ولا يجوز اجراء البرائة لعدم احراز موضوعها . ففي الأمثلة التي ذكرها الفاضل رحمه الله

من فتح القفص وطيران الطائر وحبس الحر وشرود دابته ومثال حبس شاة الغير ودابته ومات ولدها لا يكون الشكّ في حرمة ذلك قطعا اذ ذلك مسلم من انه لا يجوز والفاضل لا يريد ذلك . بل المراد بيان الشكّ في حصول الضمان في هذه الموارد فالكلام في المقام من جهتين:

1 - التعزير لكلّ معصية ولو شككنا في هذا تجري البرائة لأن التعزير على المعصية .

2 - هي الضمان ولما كان الضمان في بابه مستندا إلى أشياء قد يكون من جهة قاعدة اليد فان وضع اليد على الشيء يوجب الضمان والرافع لحكم هذا والمانع عن مقتضاه هو اقدام المالك . فلو أقدم المالك وسلّط شخصا على ماله لا تجري قاعدة على اليد وذلك إنّما يكون في ما اذا لم يجعل الضمان في مقابل الاخر بماله والا فقاعدة على اليد أيضا توجب الضمان ولذا قلنا بأن كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده وذلك لأن الاقدام اقدام على الضمان قبال الاخر معاملة لا انه سلطه على ماله مطلقا وان وردت على هذه القاعدة اشكالات ولم تكن في معقد اجماع لذكرهم تعليلات بعد بيان القاعدة الا انا دفعنا الاشكالات في محلّه

الضمان لوضع اليد

ص: 372

من البيع فحيث ان مورد حبس الرجل وشرود دابته ما وضع يدا على دابّته بل حبس الشخص وصار ذلك لعدم تمكنه من حفظ دابته فشردت أو لعدم تمكّنه من تعمير سطوح داره فسقطت داره فلا يشمل هذه الموارد قاعدة اليد لعدم مورد لها وكذا في مثل ركوب دابة وتلف ولدها حيث ان وضع اليد لم يكن إلاّ على نفس الدابّة والولد إنّما تبع امه فلا يد على الولد ولا يمكن تصحيح الضمان من جهة اليد ويبقى قاعدة الاتلاف ولا ضرر والاولى لم تكن مضمون خبر بعينه الا انه يستفاد من الأخبار ان من أتلف مال الغير فهو له ضامن . وفي المقام يشكّ في الاتلاف وانه صار سببا لذلك فاتلف بالتسبيب وكذا الثانية من جهة احتمالات فيها يشكّ في شمولها للمقام . حيث ان فيها احتمال ارادة عدم جعل التكليف الضرري ويختص بباب التكاليف . فما يكون معنونا بالعنوان الثانوي بالضرر حكمه الأولى مرفوع فاذا كان هناك وجوب فيرتفع من ناحية صدق الضرر ورفعه لا ان يكون المرفوع حكم نفس الضرر فان حكمه الحرمة ولا يكون مرفوعا قطعا . ويحتمل فيه أن يكون نفي الحكم بلسان نفي الموضوع لا خارجا حيث ان ذلك ليس بيد الشارع بل الرفع التشريعي وعدم حكم الشارع بالضرر تكليفا ووضعا فيكون المراد نفى ذلك . ويحتمل النهي وكونه انشاءا لا اخبارا وفيها احتمالات مذكورة في محلّه من بيان قاعدة لا ضرر وبما انه يشكّ في شمول القاعدة لهذه الموارد وتكفلها اثبات ضمان على هذا الشخص فانه يرفع وينفي الضرر وحديث الرفع يرفع أيضا.

فلو كان مجرى لا ضرر فهو يرفع رفع حديث الرفع(1) ولا مجال لجريانه

ص: 373


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 30/2 من أبواب الخلل في الصلاة .

حيث تقدّم القاعدة عليه سواء كان في التعزير أو رخصة العمل أو في الضمان لكن لما لم يكن قطع بأحد الطرفين بل الاحتمال في شمول القاعدة لهذه الموارد باقٍ فيوجب ضمان هذا الشخص لا ضراره بالغير أو للاتلاف وتسبيبه ذلك وعدم شمولها وجريان البرائة عن الضمان أو اصالة عدم الضمان واستصحاب عدمه فليس المناص عن التراضي والصلح للشكّ في الدليل الاجتهادي وانه يعمّ المشكوك وكذا الشكّ في موضوع البرائة فانه حيث لا دليل والمقام مشكوكه فان في مثال الحر لا يكون ضمان على نفس الحر لانه ما قتله وما آذاه .

نعم لو كان سببا لذلك فيجري عليه أحكامه الخاصّة من العمد والخطأ وغيرهما وكذا لا يضمن عمله الا إذا كان أجيرا للغير . وبالجملة فلو كان مراد الفاضل رحمه الله ذلك فله صورة ومعنى وان توجه عليه الاشكال فعلى المبنى في ذلك وفي باب الضمانات فروع كثيرة مختلف فيها بين الأعلام توقف في بعضها ممّا ذكرنا العلامة رحمه الله وتفصيل ذلك موكول إلى محلّه من باب الغصب والضمان .

هذا ما هو مراد الفاضل رحمه الله من زيادة هذا الشرط .

تذنيب: قد ذكرنا مراد صاحب الوافية من الشكّ في مصداقيّة الضرر والشكّ في صدق الاتلاف اذ ذلك مسلم ان عند وجود الدليل الاجتهادي لا مجال للأصل وما يتوهم ذلك أحد حتى يقول بذلك هذا المحقق ومن الأمثلة التي ذكرها في المقام وإن لم يكن كلّها مناسبة لمراده يظهر ان مراده ما قلناه لا ما نسبوا إليه وفهموا من كلامه واستشكلوا عليه وذلك كما في حبس الحر اذا لم يكن أجيرا وفي حبس الدابّة وامساكها واخراجها وركوبها مع تبعيّة ولدها إيّاها أو فتح قفس مع تعود الطائر بالعود .

توجيه كلام الفاضل

ص: 374

أمّا إذا لم يكن كذلك بأن كان الطائر وحشيّا لا يعود إذا اطلق . فلا اشكال في الضمان ومنشأ ترديد صاحب الوافية في هذه المقامات الاختلاف الذي في بعض الفروع من العلماء كالعلاّمة وغيره من الفحول من صدق الاتلاف واليد . فانه تارة يجعل اليد على المال ويتلف مباشرة أو تسبيبا فلا اشكال في الضمان . وتارة يشكّ في ذلك ولا يجوز التمسّك بقاعدة الاتلاف في امثال هذه المقامات مع الشكّ لكونه من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة وكذا جريان البرائة للشكّ في موضوعها .

ونقول لتنقيح البحث ان الضمان مستند إلى الاتلاف وإلى قاعدة اليد والاستيلاء على مال الغير اذا لم يكن من رضى المالك واذنه . والاتلاف يكون بشيئين بالمباشرة والتسبيب .

أمّا المباشرة فهو من فعل الشخص سواء كان اختياريّا أم بلا اختيار فلو ضرب في النوم على قارورة الغير وكسرها يضمن لتحقّق الاتلاف وهو من أسباب الضمان .

فالمباشرة عبارة عن حصول الفعل من الانسان بالأعم من الاختياري .

والثاني . التسبيب وضابطه أن لا يكون بين فعل الفاعل والنتيجة توسط ارادة فاعل ذي شعور مختار . فلو توسطت الارادة يخرج عن باب التسبيب بحيث ينسب الفعل إلى السبب . فاذا اطلق السبع والكلب مثلاً وعضّ انسانا ينسب إلى ذلك الشخص لعدم توسط ارادة فاعل مختار بل كان الكلب بمنزلة الآلة كالعصا والسيف له عند قتل زيد أو أرسل الماء إلى حائط الغير أو أجج النار في منزله زائدا على المعتاد فاحرق البيدر بجنبه للغير .

ص: 375

ففي أمثال هذه وإن كان الاحراق وتخريب الحائط وعض الانسان من غير فعله بل من فعل الماء والنار والكلب الا انها تنسب إليه لأنّه كان السبب في ذلك وعدم عبرة بهذه الأشياء لعدم ارادة مستقلّة في بعضها وعدم ارادة مطلقا في الآخر فصاحب الوافية أراد بما ذكر هذه الموارد في صورة الشكّ .

ولا يخفى ان الامثلة المذكورة لا تنطبق على مراده الا الأخير منها الذي هو امساك رجل وهربت دابته فان هذا مورد الشكّ ويمكن أن لا يكون هذا أيضا من موارد الشكّ لأنّه ما صار سببا للتلف ولا مباشرا لأن اخذ المالك لا سببيّة له في هلاك الدابّة ولا هو مباشر له كما اذا ركب الدابة وتبعها ولدها فأكله السبع .

نعم من حيث الضرر يحتمل ذلك وسيجيء شرحه .

وخلاصة الكلام في المباشرة والتسبيب ما ذكرنا وهو أن تكون في الثاني النتيجة مستندة إلى الفاعل وإن كانت من فعل الغير لعدم العبرة به اذ لا شعور له وفي الأوّل يكون نفسه هو الفاعل بلا توسط شيء وارادة . فلو كان بحيث يعد الفعل فعله والنتيجة مستندة إليه فهنا يكون الضمان محققا كما إذا القى انسانا في المسبعة فانه ما قتله ولكنه كالقتل فان الالقاء في المسبعة كالسيف في القتل الا ان في المقام بعض فروع صارت محل الكلام والشبهة . منها ما لو حفر بئرا في منزله أو بستانه المختصّ به لغرض أو عبثا ودخل شخص وسقط في البئر ومات . فتارة يكون بلا اذنه فلا ضمان . وتارة يكون باذنه فهنا يقولون لا ضمان على صاحب المنزل لأنه ما فعل الا حفر البئر والالقاء ما حصل منه بل هو كان مشتغلاً بتفرج البستان والأخذ من الأثمار فسقط غفلة فيه مع قولهم بالضمان في مثل هذا الفرض في ما لو كان حفر البئر أو نصب السكين أو القى قشر البطيخ في المعبر العام الذي

الفرق بين المباشرة والتسبيب

ص: 376

يكون لكلّ أحد حق العبور منه ولكن اذا لم يكن هو ملتفتا إلى ذلك وغير عابى ء به اذ لو كان كذلك ويتوسط ارادة الفاعل المختار يسقط الضمان ولا يثبت على هذا الفاعل فلو كان ذلك أي الضمان بالتسبيب ففي كلا الموردين سواء كان في منزله أو في الطريق فلابدّ أن يكون ضامنا على كلا الحالين . وإن لم يكن تسبيب فكذلك . لابدّ أن لا يكون ضامنا في الصورتين . إلاّ انّه يمكن الفرق بين المقامين بأن الحفر في الطريق والالقاء للقشر ونصب السكين مظنون عليها ترتب القتل والسقوط والضرر على الغير بلا ارادة منه فيكون هذا الفاعل كالسبب لهذه النتائج اذ لا يشعرون على الفرض بما في الطريق بل مشغولون بأفكارهم بخلاف فعله في منزله فانه لا مظنّة لترتّب هذه النتائج عليه ومعلوم ان الضمان في خصوص الطريق والبئر إذا كان مزاحما بالمارّة التي لها حق المرور . اما اذا لم يكن فعل هذا

الشخص مزاحما لها فيشكل الضمان فلو كان سكينه موضوعا على جنب الجدار وهو قاعد لشغله بلا مزاحمة مع أحد من الناس واتّفق مرور شخص وجرحه بالسكين فلا نقول بالضمان أذ ذلك خارج عن ضابط الباب هذا .

وفي موارد يقولون بأقوائيّة المباشر من السبب أو بالعكس . ولا يخفى ان الضابط لابدّ أن ينطبق وإلاّ فلا مجال لهذه ففي مثل القتل وأخذ شيء من انسان قهرا وإن كان بأمر الآخر الا ان المباشر هو الذي أتلف النفس ومال الغير والضمان عليه . والآمر وإن كان له معصية وفي الآمر بالقتل يحبس إلى الأبد . لكن مجرّد الأمر لا يجعله سببا للتلف ولا قاتلاً بل الآخذ يكون هو الضامن ولو انتقل المأخوذ إلى غيره فهكذا يكونون ضمناء . ولكن ضمان واحد على الطوليّة على النحو المتصور في تعاقب الأيادي . والمالك ممّن أخذ ماله يأخذ المأخوذ منه من الآخر

ص: 377

الذي تلف عنده على التفصيل المذكور في محلّه .

فتبين ممّا ذكرنا ان الضمان إنّما يكون بالاتلاف تسبيبا أو مباشرة وباليد على مال الغير كما في الأخذ على التفصيل المذكور في محلّه . ولا وجه لترديد صاحب الوافية في ذلك . وإذا كان هذه المواضع التي ذكرها لا تشملها أدلّة الضمان قطعا أو شكّ في ذلك فتجري البرائة واصالة عدم الضمان بلا اشكال اذ مجراها عند الشكّ . نعم لو كان مجرى القاعدة للاتلاف واليد فلا اشكال في تقدّمها على الأصول ولا يتوهّم خلافه . وترديد المحقّق من جهة الضرر والشكّ في عمومه للأحكام الوضعيّة بل يكون مختصّا بالتكليفيّة أو يشمل الوضعيّة أيضا ولكن يشكّ في المصداق أو في الصدق أيضا لا وجه له . وفي هذا أيضا لا مجال للتوقّف فيجري الأصل بلا اشكال حيث ان مورده الشكّ والفرض ان الدليل الاجتهادي لا يشمل المورد فلا وجه للتوقّف والترديد .

فعلى أيّ لو كان هذه القواعد أو بعضها تشمل المورد وتوجب عليه الضمان فلا كلام والا فعند الشكّ في الحكم الوضعي سواء كان لاجمال النص أو في الصدق أو الشكّ في المصداق أو عدم النصّ يجري الأصل عن التكليف والوضع .

نعم اذا استفيد من لا ضرر الحرمة لا الوضع للضمان كما في حبس الحر حيث لا يكون أجيرا للغير فيكون عمله مملوكا له فيترتب عليه التعزير من الحاكم .

هذا ما يتعلّق بذكر ما أراده المحقّق صاحب الوافية وتبين عدم تماميّته .

وحيث ان الشيخ رحمه الله ذكر في المقام قاعدة لا ضرر للمناسبة في انجرار الكلام فيليق بنا ان نقع في ذلك .

ص: 378

قاعدة لا ضرر

فنقول ان هذه القاعدة من القواعد المعروفة المعمول بها عند الأصحاب في موارد عديدة من الفقه حيث تراهم يتمسّكون بها لاثبات الحكم في المقامات .

ويبنغي ان يعلم ثمرة البحث في لا ضرر . والعمدة في ذلك هو حكومته على الأدلّة الأوليّة نظير لا حرج ولا عسر فكما انهما عند مورده لا يكون مورد الأصول كذلك تكون بالنسبة إلى الأدلّة المتكفّلة لاثبات الأحكام وهذه ثمرة مهمّة . والكلام تارة يقع في سندها واخرى في لفظها وثالثة في دلالتها . اما السند فلا نحتاج إلى الكلام فيه بعد ان هذه القاعدة بهذه اللفظة يعني ( لا ضرر ولا ضرار )

أو بما يقرب منه وردت في عدّة موارد في أخبارنا وأخبار العامّة وذكرها أحمد بن حنبل مجرّدة عن الزيادات التي تروى الخاصّة بل عدّها في عداد اقضية النبي صلی الله علیه و آله حيث نفى الرهبانيّة وبنيان الكنائس . ومنها الضرر ومن الاماميّة ينسب أخبار هذه القاعدة ويرويها عقبة بن خالد لكن مع زيادات في باب الشفعة وفي قضيّة سمرة ابن جندب . ويقع الكلام في ان الأصل هو الزيادة أو النقيصة . ويقولون ان الزيادة خلاف القاعدة بل احتمال النقيصة مقدم فهو مثل أصل نفي السهو والغفلة المبني عليه عند العقلاء . فالأصل يقتضي تقدم النقيصة عند احتمالها والزيادة لأنّها خلاف الأصل . الا ان في المقام خصوصيّة تقضي بعدم الزيادة وأن يكون الأصل هو الناقص لا مع الزيادة التي في بعضها من ( في الاسلام ) أو ( على المؤمن ) ويرد اشكال في المقام وهو ان التمسّك بلا ضرر مع ان في بعض أخباره من قبيل الملاك كما في خبر الشفعة وفي بعضها من قبيل الموضوع لا يستقيم لعدم

الكلام في قاعدة لا ضرر

ص: 379

جامع بينهما فاما أن يكون ملاكا لموارده أو يكون موضوعا . وهذه عويصة على هذه القاعدة الا انا مستريحون عنها وفي غنى عن جوابها بعد ما بين المرحوم الشريعة الاصفهاني قدس سره ان القاعدة لم تكن مع هذه الزيادات التي في مورد تطبيقها . بل ذلك إنّما أتى من جهة تقطيعهم الأخبار فرأوا المناسبة في ذكرها عقيب أخبار الشفعة وقضيّة سمرة فلا يتوجّه الاشكال على هذا أصلاً ( أقول لا يخفى عدم امكان الركون إلى ذلك بعد ملاحظة هذه الأخبار وكيفيّة بيان لا ضرر فيها فراجع ) .

ثمّ انّ الكلام في هذه القاعدة الشريفة المستدلّ بها في موارد الفقه يستدعي جهات من البحث ممّا له الدخل في مدلول لا ضرر أو يحتمل ذلك ونبيّن اولاً ما أفاده المحقّق النائيني في كلّ مورد ثمّ نتعرض لما يرد عليه ان كان له مورد .

الجهة الاولى في لفظة الحديث الشريف وهل هي لا ضرر ولا ضرار أو يكون فيه زيادة لا يخفى ان روايات لا ضرر على قسمين مسندات ومرسلات . اما المسندات ففيها(1) لا ضرر ولا ضرار بلا زيادة شيء بخلاف المرسلات كالمرسل الذي نقله العلاّمة رحمه الله وكما أورده ابن اثير(2) في نهايته فان في بعضها زيادة في الاسلام وفي آخر على المؤمن أو على مؤمن بالتنكير . ويحتمل في هذا الاختلاف أمران: الأوّل تعدد صدور هذا المضمون عن النبي صلی الله علیه و آله فان رواياتنا(3) في ذلك مسندة إلى عقبة بن خالد عن الصادق علیه السلام عن النبي صلوات اللّه وسلامه

حديث لا ضرر

ص: 380


1- . وسائل الشيعة 25 الباب 5/1 من كتاب الشفعة والباب 7/2 من كتاب احياء الموات والباب 12/1 - 3 - 4 - 5 والباب 15/1 .
2- . عن نهاية ابن الأثير 3/81 .
3- . كما سبق الايعاز إليها .

عليه وآله وكذا رواياتهم التي جمعها أحمد بن حنبل(1) أيضا عن النبي صلی الله علیه و آله فيمكن أن يكون في جملة الاقضية الواردة عن النبي صلی الله علیه و آله (2) بلا زيادة كما في أمثاله من لا

بنيان كنيسة ولا رهبانيّة(3) من كلماته الجامعة وفي غيرها مع بعض هذه الزيادات .

الثاني صدور المضمون مرّة واحدة عن النبي صلی الله علیه و آله واختلاف الرواة عنه في الرواية بالزيادة والنقصان . وعلى هذا فاما أن يكون من بعضهم زيادة أو من آخر نقصان والا فلا يمكن أن يكون الخبر الصادر مرّة عنه له ذيل ولا له ذيل .

وهذا كما في أخبار الكر التحديديّة حيث ان في بعضها(4) ثلاثة أشبار في مثلها وفي آخر ثلاثة(5) ونصف كذلك فيحتمل أن يكون النقص من راوي زيادة النصف .

أو يكون الزيادة من راوي الثلاثة الا أن فيما نحن كالقاطع بصحّة ما تضمن زيادة النصف ولا يبقى لفتوى القميين وجه خصوصا مع عدم توافق مساحة السبعة والعشرين شبرا مع وزن الماء بأي ماء يوزن .

وقد يدّعى ان في موارد احتمال الزيادة والنقصان تجري الأصول المسلّمة العقلائيّة من أصل عدم الغفلة وعدم السهو والا فلا يمكن العمل برواية من

ص: 381


1- . عن مسند أحمد 6/446 - 447 ح22272 .
2- . في النبوي: ( لا تبنى الكنيسة في الاسلام ) . جواهر الكلام 21/284 عن كتاب نصب الراية 3/454 لشيخ الشريعة الاصفهاني عن الجامع الصغير 2/725 وفيض القدير 6/380 قاعدة لا ضرر ولا ضرار ص38 .
3- . مستدرك الوسائل 14 الباب 2/2 من أبواب مقدّمات النكاح .
4- . الوسائل 1 الباب 9/7 من أبواب الماء المطلق .
5- . الوسائل 1 الباب 9/8 من أبواب الماء المطلق .

الروايات خصوصا ما منها رويت بوسائط عديدة . ولما كان المقام بناء على اتّحاد الصدور لا يحتملهما فلا يمكن اجراءها في الزيادة والنقيصة للقطع بالغفلة والسهو اما في طرف النقصان بان نقص رواة المسندات الزيادة التي رواها المرسلون أو في جانب الزيادة بأن زاد المرسلون كلّ بعض هذه الزيادات . والأصل في أمثال المقام هو ترجيح جانب النقيصة فان الزيادة وان تنفق الا ان وقوع النقيصة أكثر وذلك موجب لرجحان جانبها والعقلاء يبنون على هذا فيكون الأصل في المقام هو ما رواه المرسلون مع الزيادة .

وهذه الدعوى لو سلمت وان من العقلاء البناء على ذلك في مثل المقام لا تفيدنا شيئا اذ نفي الضرر ممّا بنفسه يقتضي أن يكون في الاسلام فكانه يطلب ذلك وان جرد اللفظ عنه خصوصا بناء على جواز نقل الحديث بالمعنى . فقد زاد في النقل بلا ضرر .

لأن النفي سواء كان للحكم أو موضوع الحكم أو كان نهيا لا يقع ولا يكون الا في الدين والاسلام مضافا إلى عدم ترتب فائدة في هذا البحث اذ لا نتيجة له لأن الغرض المهم في لا ضرر ان يكون حاكما على الأدلّة الواقعيّة وذلك يتحقّق سواء كان بلا زيادة في الاسلام أو معها ولا يتوقّف على ان يكون هذه الزيادة محققة فما عن بعضهم ( ولعلّه الشيخ بل ظ ) من ترتيبه تلك النتيجة على الزيادة لا وجه له . هذا إذا كان التقدير تقدير زيادة قيد ( في الاسلام ) اما لو كان زيادة قيد

( على مؤمن ) أو ( على المؤمن ) فان كان يترتب عليه نتيجة وهي عدم شمول المؤمن في ذلك نفس المكلّف سواء كان نفيا أو نهيا فيكون معناه لا تضروا مؤمنا أو المؤمن ولذلك يختصّ بالمؤمن والمراد به اما خصوص الاثنى عشريّة من

ص: 382

الشيعة فيخرج جميع فرق الشيعة سواهم ومن سواهم من فرق الاسلام وغيرهم أو من آمن بالنبي صلی الله علیه و آله وصدقه وان أخطأ في مسئلة الامامة فيخرج غير المسلمين . الا انه مع ذلك ليس له لسان نفي حتى ينافي ما ورد في خصوص نفس المؤمن بالنسبة إليه وكذا غير المؤمنين من أهل الذمّة والمعاهد في حقن دمهما واحترام مالهما وعرضهما فالضرر والأضرار إمّا أن يكون بالنفس باهلاكها فينهى عنه قوله تعالى: « وَلا تُلقُوا بِأيديكُم إلى التهلُكَة »(1) أو غير النفس من ساير أطراف البدن

مثلاً الادماء وهو قد يتعلّق به غرض صحيح عقلائي فلا اشكال في جوازه ( والا فلا يجوز ) وقد يستشهد لذلك برواية الجار حيث ان فيها الجار كالنفس(2) لا ( غير ) مضار ولا آثم ممّا فيه مسلّم عدم الاضرار بالنفس .

الجهة الثانية في موارد هذا الحديث الشريف وهو على حسب ما تتبع أهله ورد مجردا عن مورد خاص بل من الكبريات الكلية القابلة للانطباق على كلّ مورد وجد موضوعه كما في الدعائم(3) وأيضا ورد مع المورد في خبر سمرة

بن جندب(4) المشهور بين الفريقين على ما يأتي في محلّه إن شاء اللّه تعالى وفي الشفعة(5) وفي مورد منع(6) فضل الماء والكلاء الا ان ورده في خبر سمرة على نحو الكبرى الكلية للمورد حيث انه من صغرياته كصغرى الشكل الأول من القياس الذي يكون الحديث كبراه في هذا الشكل كما في مثل الصغريات

موارد الحديث

ص: 383


1- . سورة البقرة: 196 .
2- . الوسائل 25 الباب 12/2 من أبواب احياء الموات .
3- . مستدرك الوسائل 17 الباب 9/1 - 2 من كتاب احياء الموات .
4- . الوسائل 25 الباب 12/3 من أبواب احياء الموات .
5- . الوسائل 25 الباب 5/1 كتاب الشفعة .
6- . الوسائل 25 الباب 7/2 - 3 من كتاب احياء الموات .

الوجدانيّة والكبريات المنطبقة عليها مثل هذا خمر وكل خمر حرام أو الخمر حرام لأن كلّ مسكر حرام لا من قبيل المثال اذا بدل لأن كلّ مسكر حرام بقولنا لاسكاره حيث اضيف الاسكار إلى خصوص الخمر فانه ظاهر في الملاك والمناط الذي اصطلح عليه بعلّة الجعل بخلاف علّة المجعول فانها مطردة في جميع موارد صغرياتها وذلك معنى عموميّة العلّة حيث ان العبرة بذلك لا خصوص المورد . وعلى ما روى في خبر سمرة فيستفاد منه الكلية فيتعدّي عن مورده إلى كلّ مورد يكون الضرر مسببا توليديّا أو الجزء الأخير على ما يأتي تفصيله . ولو كان خبر منع فضل الماء والشفعة كبرى كلية فلا خصوصيّة للمورد بل العبرة بعموم العلّة ولما كان معنى الضرر هو عدم النفع فكلّ مورد يلزم عدم نفع من ناحية الغير وان لم يكن من فعله واختيارياً له فيشمله لا ضرر وينفيه كما في منع خبر(1) فضل الماء حيث ان منع ذلك للماشية من ناحية المانع يوجب عدم انتفاع هذا الشخص من ماشيته أو زرعه لو تعدينا عن ذلك اليه .

فنقول في ما إذا كان منعه من البسة الغير اللازمة له ومن بيوته المتعددة غير المحتاجة وأمواله الفاضلة عن مقدار الحاجة وإن لم يكن مسببا في ذلك لورود ضرر على الغير وكذا في الشفعة لو كان علّة نتعدى عن موردها إلى مورد كلّ ناقل سواء كان عقد معاوضة أو لم يكن فيه معاوضة وسواء كان في موردها حيث انه في الأراضي والمساكن وفي البيع المشاع أم لم يكن بل كان في غيرها من ساير ما يباع وينقل بالبيع أو بالهبة وغيرهما من النواقل ولو فتحنا باب هذه التعدية للزم تأسيس فقه جديد ولا يمكن الالتزام بذلك . وحيث انه لا يمكن أن يكون الضرر

ص: 384


1- . الوسائل 25 الباب 7/1 - 3 من كتاب احياء الموات .

في هذه الموارد موضوعا بأن يدور الحكم مداره وأن يكون مناطا للجعل بل اما أن يكون مناطا وإمّا أن يكون علّة فان عنوان الضرر ليس من العناوين الاوليّة للأفعال حيث توجد فان الأفعال على ثلاثة أقسام:

الأوّل: ما هو بعنوانه الأولي ولا يحتاج إلى القصد بل يجتمع مع قصد الخلاف أيضا كالأكل والشرب والغمس في الماء . والقسم الثاني منها ما يحتاج إلى القصد والارادة بخلاف الأوّل فانّ الشرب يصدق وإن كان بلا اختيار وكذا الأكل والثاني من قبيل الغسل حيث انه بدون القصد لا يتحقق وفي العرفيات كالتعظيم والقسم الثالث . برزخ بين هذين القسمين ويحتاج إلى الارادة . والضرر سواء كان بمعناه المصدري أو اسم المصدري ليس من العناوين الأوليّة للافعال بحيث يوجد فعل في الخارج بلا تبعيّة شيء آخر ويكون معنونا بهذا العنوان . بل دائما يكون تبعا للعناوين الاخر مثل الاتلاف وأمثاله وتكون هذه بالنسبة إلى عنوان الضرر كالمحلّ والمعروض بالنسبة إلى الحال والعرض .

وتكون هذه موضوعا للضرر وحينئذٍ تارة يكون فعله علّة تامّة للضرر وبتحقّقه يتحقّق الضرر ولا يتخلّف عن ذلك أصلاً وتارة يكون بمنزلة المقتضي له والمعد حيث انه بدون ما به يتم أثره لا يتحقق بمجرده عنوان الضرر كما في المسهل فانه مقتضى ومعدّ للضرر البدني ولكن بشرط أكل الخبز وكذا في نفس الخبز فان هذه ليست علّة تامّة للضرر واشتداد المرض بل في ظرف حصول ساير ما له دخل في تماميّة أثر المقتضي . وكذلك يكون الضرر في مورد الشفعة ومنع فضل الماء لأن بيع حصّة أحد الشريكين ليس علّة تامّة لورود ضرر على شريكه . بل ذلك مقتضى فربما لا يكون المشتري سيّى ء الخلق بل له لين العريكة وسهولة

ما به يتحقّق الضرر

ص: 385

الجانب وحسن الخلق فيتبهج به شريك البايع وقد يتفق خلاف ذلك بل ينضمّ إلى هذا المعدّ والمقتضي باقي المؤثر فيصير ذلك سببا لاذى الشريك وورود الضرر عليه . ولو كان علة للزم أن يكون مختصا بكل مورد يلزم منه الضرر مع انه في كلية الموارد في بيع أحد الشريكين بخلاف قضيّة سمرة فان الضرر هناك علّة للمجعول وعلّة تامّة للضرر كما يشهد بذلك منطوق الخبر بملاحظة خصوصياته والفرق بين علّة الجعل والمجعول واضح فان في الأوّل يكفي وجود العلّة في بعض أفراد كليه فيصير مناط الجعل الكلي لمقدمية باقي الأفراد لحفظ هذا المورد بخلاف الثانية فلابدّ أن تكون العلّة في كلّ فرد فرد من ما ينطبق عليه الكلّي موجودة فهي مرادة بخلاف الأولى . لكن الشأن كلّه في وجود ما يكون المناط فيه مناط الجعل وملاكه .

واستشكل سيّدنا الأستاذ قدس سره ذلك وكذا في أمثلتهم التي ذكروها لبيان ما يكون العلّة فيه علّة للجعل كاختلاط المياه في العدّة وأرياح الآباط في غسل الجمعة في عدّة موارد من أمثالهما وذلك لأنّ الجهة والملاك ليست منحصرة بواحدة حتى يستكشف بانتفائها كونها مناطا وملاكا لا علّة للمجعول . فان العدّة قد تكون ولا يكون هناك اختلاط مياه كما في عدة الوفاة بل ذلك للاحترام وكذلك في غسل الجمعة(1) فانّ فيه فوائد كثيرة تترتب عليه في الدنيا والبرزخ والآخرة ممّا وردت في الأخبار .

توضيح وتكميل: قد ذكرنا ان ما أجاب به المحّق النائيني رحمه الله(2) عن

ص: 386


1- . الوسائل 3 الباب 6 من أبواب الأغسال المسنونة .
2- . مينة الطالب 2/196 .

الاشكال في حديث لا ضرر بالنسبة إلى موارده هو جعل الضرر في قضيّة سمرة موضوعا وفي غيرها من مورد منع فضل الماء والكلاء وفي مورد الشفعة من قبيل الملاك والموضوع يدور الحكم مداره وجودا وعدما وله انعكاس واطراد في جميع موارده بخلاف الملاك فانه لا يلزم أن يطرد وينعكس . بل ربما يكون الملاك موجودا ولا حكم وقد يكون الحكم موجودا ولا ملاك اذ في هذا المورد يكون الملاك علّة الجعل لا علّة المجعول وهو الموضوع فيكون الشفعة في مورد المساكن والأراضي عند الاشاعة وكون المالك شريكين وعدم تجاوزهما عن الاثنين والناقل هو البيع موجودة والحق ثابت للشريك الآخر وإن لم يكن هناك ضرر بل ربما يكون هذا المشتري الجديد بالنسبة إلى الشريك أحسن وأصلح من شريكه المالك سابقا ولا يكون الشفعة هناك ثابتة وربما يكون في غير المساكن والأراضي وفي غير البيع من النواقل كالصلح والهبة الملاك موجودا ولا خيار وذلك ليس إلاّ لأجل جعل الضرر في هذه الموارد ملاكا لا موضوعا .

هذا ملخّص ما أفاده المحقّق النائيني واستشكله سيّدنا الأستاذ وأورد عليه بأن هذا التفصيل غير تام اذ لا يكون حكم من أحكام الشريعة في مورد من الموارد الأوله ملاك يميّزه عن الآخر ولا يمكن أن يكون ملاك الحكم شيئا في غيره بلا خصوصيّة في الشيء نفسه خصوصا بناءً على ما عليه العدليّة من تبعيّة الأحكام للمصالح والمفاسد النفس الامريّة فلا يكون حكم في مورد مجعولاً لا عن ملاك مختص به . وما ذكروه من موارد كون الحكم لأجل الملاك في بعض أفراد موضوعه وإن لم يكن في الكل كمورد العدة التي جعلها لأجل عدم اختلاط المياه ومثل غسل الجمعة حيث شرع لدفع أرياح الآباط ليس من هذا القبيل . بل

لكلّ حكم ملاك

ص: 387

المذكور ملاكا ليس منحصرا في أمثال هذه الموارد فان الملاكات عديدة وعلل التشريع كثيرة لا ندركها بعقولنا ولا يمكننا درك ذلك . والمذكور لنا بعض هذه ممّا ظاهره عدم الاطراد والانعكاس بل العدة قد تكون لأجل الاحترام فانه أيضا من عللها . ولغسل الجمعة فوائد كثيرة كما ورد(1) في علل التشريع له . والملاك الذي يكون الحكم لأجله لابدّ أن يكون في كلّ مورد من موارده موجودا ويكون من قبيل الموضوع للحكم الا في غير ما له دخل ملاكي في الحكم بل لأجل قبح المطالبة بمقتضى الحكم كالقدرة والعلم حيث لا دخل لهما في الملاك بل دخلهما دخل خطابي لقبح مطالبة العاجز حتّى ان محققي الأشاعرة رجعوا عمّا لفقه سابقوهم من الالتزام بعدم حسن وقبح للعقل وإنكار ذلك من العقل مطلقا بل الحسن ما حسنه الشارع والقبح كذلك في مقابل جماعة حيث قالوا بثبوت ذلك الا اننا لا ندركها بعقولنا . وعلى أيّ فالعاقل اذا فعل شيئا لا يفعله الا لغاية صحيحة وغرضٍ مقصود ولا يعبث في فعله وهذا حالهم سواء كانوا من أهل الأديان أم لم يكونوا . بل بما هم عقلاء ولا يجرون في أفعالهم الا لمقاصد مطلوبة . فكيف ظنك بالشارع الحكيم الغني بالذات فلا يفعل ما يفعل لحصول نفع له ولا لدفع ضرر عنه ولا يمكن أن يجعل الحكم كليا مع قيام الملاك بصرف الوجود دون مطلقه . فلابدّ أن يكون كلّ حكم عن ملاك فلو كان في أحد أفراد الطبيعة ملاك الوجوب لا يمكن جعل الوجوب على باقي الأفراد لذلك بل ينظر حال الباقي فان كان فيه هذا الملاك فيجعل الحكم عليه أيضا وإن لم يكن بل المصلحة والمفسدة فيه متقابلتان أو ليس شيء منهما فلا محالة يكون الحكم هناك هو الاباحة . وعلى أيّ فالملاك

ص: 388


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 6/7 - 14 - 15 - 16 - 18 من أبواب الأغسال المسنونة .

لابدّ أن يكون في كلّ مورد يجعل حكم وسبيله سبيل الموضوع .

إن قلت: كون الحكم لأجل الملاك وعدم امكان جعله الاّ له مسلم الاّ انه يكفي وجود الملاك في فرد من أفراد الموضوع والطبيعة الكلية المجعول عليها هذا الحكم فاذا كان ذلك في مقام الثبوت فيكون هذه الموارد التي استظهروا منها كون الحكم لأجله من موارده ومنها لا ضرر في قضيّة الشفعة(1) ومنع(2) فضل الماء والكلاء .

قلت: هذا الفرد الذي قام به الملاك ان كان فيه اهميّة تقتضي حفظه فلا ينحصر سبيله بايجاب تمام أفراد الطبيعة بل ينبه المولى ولو ببيانات متعددة بعناوين كذلك حتى لا تنطبق تلك العناوين الا على هذا الفرد فيصل إلى غرضه ولا موجب لايجاب باقي الأفراد . مضافا إلى انه لو ما أمكن ذلك للمولى فلا وجه لايجاب الباقي نفسيا بل يجعل الوجوب مثلاً على ذلك الفرد ويكون الباقي مقدمة لحفظه بلا ملاك نفسي قائم بها فيكون الحال في الباقي حال أطراف الشبهة المحصورة حيث ان وجوب الاجتناب فيها وجوب مقدمي لحفظ الواجب الاجتناب في البين وامتثاله .

والمحقق المزبور لا يدعي ذلك بأن يقول الوجوب مثلاً في هذه الافراد مقدمي اذ ذاك خلاف المدعى . فعلى هذا لا يمكننا المساعدة في دفع الاشكال الوارد على موارد لا ضرر بهذا الوجه الذي بينه المحقّق النائيني فلا نجد موضعا .

الا والحكم فيه لملاك مخصوص لكون الملاك موضوعا لحكمه الخاص

ص: 389


1- . وسائل الشيعة 25 الباب 5/1 من أبواب الشفعة .
2- . الوسائل 25 الباب 7/2 - 3 من كتاب احياء الموات .

بالمورد فلابدّ في دفع الاشكال من وجه آخر يصلح لذلك . ويمكن الدفع بما أفاده المرحوم شيخ الشريعة الاصفهاني حيث استظهر بتتبعه موارد لا ضرر كنظائره في أخبار العامّة والخاصّة ان أصل الحديث في غير مورد سمرة بن جندب ليس الا قوله لا ضرر ولا ضرار بلا زيادة المورد من الشفعة وغيرها ( أو بزيادة في الاسلام أو على مؤمن ) وكتب في ذلك رسالة مستقلّة وذكر قرائن متعدّدة على هذا المعنى .

منها: ورود ما جمع من أقضية النبي صلی الله علیه و آله وبلغ خمسين أو جاوزه من طريق العامّة متفرّقة على طرقنا وكلّ ما كان من كلماته الجامعة على هذا النحو جمعه أحمد بن حنبل مسندا إلى عبادة بن الصامت الذي هو من خيار الصحابة عن النبي صلی الله علیه و آله وفيه لا ضرر ولا ضرار كما لا رهبانيّة ولا بنيان كنيسة . ولا ذيل لهذا العنوان في خبر الاقضية التي جمعها فيه أحمد وهو رحمه الله ( أي شيخ الشريعة ) وجد جميع ما جمع في رواية أحمد متفرّقة في أخبارنا في الموارد المتفرّقة وكان يدعي ان الاقضية كذلك كانت من طرقنا حيث ان جميعها أي روايات لا ضرر تنتهي إلى عقبة بن خالد عن الصادق علیه السلام الا ان الأصحاب لما قطّعوا الأخبار وذكروا كلّ خبر في مورد مناسب له وباب يليق به الحقوا لا ضرر ذيل خبر الشفعة(1) وكذلك خبر(2) منع فضل الماء ويؤيّد ذلك ان خبر سمرة(3) لما كانت مذيّلة بلا ضرر من تطبيق النبي صلی الله علیه و آله نقله الخاصّة والعامّة كذلك . فعلى هذا لا تعدد لمورد لا ضرر بل ذلك الحاق من الأصحاب بالعطف بالفاء أو الواو هذا الخبر على خبر مواردها وأقام وجوهاً اخر وقرائن غير هذه كلّ من يراجع رسالته يقطع بما أفاده رحمه الله الا ان

ص: 390


1- . الوسائل 25 الباب 5/1 من أبواب الشفعة .
2- . الوسائل 25 الباب 7/2 - 3 من كتاب احياء الموات .
3- . الوسائل 25 الباب 12/3 من كتاب احياء الموات .

هذه القرينة التي نقلناها عنه رحمه اللهبمجرّدها لا تفيد الا الظن ولا يمكن دفع الاشكال به فلابدّ من بيان وجه يمكن الدفع به فتأمّل .

تتميم: نقل سيّدنا الأستاذ خلاصة ما أفاده شيخ الشريعة الاصفهاني قدس سره في رسالته المكتوبة في لا ضرر لينفعه في قبره ويخدم بذلك أهل العلم انه لما وجد اختلاف الأصحاب في جملة من الفروع المتنازع فيها في احياء الموات كمسئلة منع(1) فضل الماء على بئره المحفور لنفسه عن شرب أغنام غيره المرعيّة في حدود بئره وعن أراضي الغير المزروعة أو نخيله على حسب الترتيب بالنسبة إلى الماء المباح الذي يسقي زرع المانع به أو نخيله تصدى لدفع ذلك وحل المعضل حتّى يتسالم على ذلك الأصحاب ويكون النزاع مرتفعا من البين .

فتتبع جميع موارد ورود الحديث في أخبارنا حيث ان لا ضرر ورد في موضع للشفعة(2) وفي آخر لمنع فضل(3) الماء ونقع البئر . ووجدها جميعا تروى عن عقبة بن خالد وهو يروي عن الصادق صلوات اللّه عليه . وقاس ذلك بروايات العامّة في صحاحهم وكتبهم في السنن والفقه وتتبع جميع ما وصل إليه من تلك الكتب صحاحا وغيرها من ائمّتهم ومن غيرهم وكذا ما كتبه السيوطي الذي ليس في العامّة بعد الأئمّة من يعترفون باجتهاده غيره وسرد أسماء تلك الكتب وطوى ذكر جملة ممّا يطول به الكلام ونتيجة هذا التتبع في أخبار العامّة وكتبهم عثوره رحمه اللّه على جميع أقضية النبي صلوات اللّه عليه وآله الواردة بنحو قضى رسول اللّه بكذا وبين أهل البادية لأهل المدينة وما ورد بهذا اللسان وما ورد من كلماته

الكلام في حديث لا ضرر

ص: 391


1- . الوسائل 25 الباب 7/2 كتاب احياء الموات .
2- . الوسائل 25 الباب 5/1 من أبواب الشفعة .
3- . الوسائل 25 الباب 7/3 كتاب احياء الموات .

الجامعة عقيب لا كمثل لا بنيان كنيسة ولا رهبانيّة مجتمعة في رواياتهم كحديث الأربعمائة من طريقنا الجامعة لشتات من الأحكام . منها لا ننقص اليقين بالشكّ أوما يقرب من هذا التعبير ومسندة إلى عبادة بن الصامت وابن عباس وهما يرويان عن النبي صلوات اللّه عليه وآله بعض كلّ هذه . ووجد ذلك مجموعا في مسند أحمد بن حنبل وفي جملة ما ورد بلسان النفي بلا حديث لا ضرر ولا ضرار بلا تذيّله بشيء من مورد الشفعة والبئر والماء المباح بل كلّ موضع ذكر وروى في كتبهم روى مستقلاًّ غير متعقب بشيء . ووجد أيضا جميع ما كان مقرونا بلا ضرر في مسند أحمد بن حنبل في روايته التي جمعت هذه واردة في أخبارنا متفرقات في كلّ موضع ومع اتفاق الفريقين على رواية سمرة بن جندب على اختلاف نقلها بحسب طرقه فصار ذلك سببا لجزمه رحمه الله بأن هذه الاقضية وما ورد بلسان نفي لا كما انها مجتمعة في رواياتهم كذلك كانت في رواياتنا عن عقبة بن خالد . الا ان الأصحاب رحمهم الله لما صاروا بصدد تبويب الأخبار لم يجدوا موضعا مناسبا لذكر حيث لا ضرر فذيلوا به ما ورد مذيلاً به وان العطف بالفاء في بعض أخبارنا لحديث لا ضرر على المورد تصحيف بل إنّما هو واو كبعض الموارد الآخر مضافا إلى ان مثل عبادة بن الصامت وابن عباس يجلاّن عن كتم شيء من الرواية وأئمّة الحديث ما كان ذلك يضرّ بهم حتى يسقطوا صدر الروايات ويذكروا لا ضرر مجردا اذ لم يكن صدره في فضائل الأئمّة علیهم السلام لكي ينفق أسواقهم وتكسد تجارة هؤلاء بل كان لازما لهم في امورهم حيث ان له مساسا بمعاشهم واشغالهم وكان ذلك ينفع الناس . على ان النظر إلى أخبارنا المذيلة بلا ضرر غير المضطرب لأجلها كلمات الأصحاب في الفقه مع ان جميعها مستندة إلى عقبة يورث الظن

ص: 392

المتراكم مع تطابق جميع ما كان مجتمعا عندهم في رواياتهم مسبوقة وملحوقة بلا ضرر ورودا في روايتنا المتحصّل من مجموعهما القطع والجزم بعدم تذيل الأخبار الواردة المذيلة بلا ضرر به كما عن طرق العامّة حيث ذكروا هذه الأخبار ونقلوها مجرّدة عن الذيل .

اضف إلى ذلك ما يلزم من تذيل هذه به وكونه مناطا للحكم يدور مداره وجودا وعدما من تأسيس فقه جديد .

فانظر إلى ما اختلف عليه الأصحاب في كتاب احياء الموات تعرف حقيقة ذلك واختلافهم في ذلك ناشٍ عن التمسّك بحديث لا ضرر وعدمه في أمثال الموارد التي ذيلت أخبارها به كمنع فضل الماء . الا ان ذلك في منع فضل الماء مبنيّ على خلاف ما يقوله الشيخ رحمه الله في المبسوط من اشتراك الناس في الماء والكلاء ولعلّه يزيد النار اذ على ذلك لا يكون هناك ضرر لأحد على أحد بل جميع الناس فيها شرع سواء كما ورد بذلك(1) الرواية . ولعلّ الشيخ نظر إلى بعض هذه الأخبار التي ذيلت بلا ضرر . نعم في موارد يثبت للمقدم حق الاولوية وليس له أن يمنع مازاد لأن كلّ الناس سواء لمكان وصول الماء مثلاً في يده بتحمل مشقّات شديدة أو بدون ذلك كما في حريم الموات للقنوات والقرى بمقدار رعى انعامهم . وليس لأهل قرية اخرى رعى اغنامهم في حريمهم . ولا يملكون ذلك خلاف العمران فانها لا حريم لها وعلى ما هو المشهور في مقابل الشيخ المتفرّد بذلك كما في الجواهر(2) ففي الماء المباح كالنهر يشترك الناس غاية الأمر الأول

ص: 393


1- . الوسائل 25 الباب 5/1 من كتاب احياء الموات مع تفاوت في اللفظ غير مضرّ .
2- . جواهر الكلام 38/131 .

فالأول على حسب ترتيب قربهم إلى الماء وتقدم بنائهم على اختلاف في ذلك واذا استوفى ما يصلح لزرعه أو نخيله من الماء فالباقي لمن بعده كذلك إلى أن ينفد الماء هذا .

ولكن سيّدنا الأستاذ قدس سره لا يجزم بذلك وإنّما يصدق شيخ الشريعة في تتبعه حسب ما بين في كتابه الذي لخص قرائته بما كتبنا عنه حتّى انه قال كانا كنا معه اذ يسبر اوراق الكتب ويتفحص فيها الا ان ذلك انما يفيد اذا حصل القطع . اما بدون ذلك لا فائدة فيه ولعلّ المراجع يحصل له ذلك فاذا لم يمكن الجواب بما أجاب به المحقّق النائيني والشريعة رحمهم الله فيمكن بما أفاد هو قدس سره بأن النفي والاثبات الذي في كتب القوم وكتبنا لا تنافي بينهما بأن يكون لا ضرر واردا على طرقهم وطرقنا على طرقهم مجردا عن ذلك وكذلك على طريقنا الا ان الامام علیه السلام حيث يبين موارد الشفعة ومنع فضل الماء وأمثالهما ممّا ورد مذيلاً بلا ضرر عن النبي صلی الله علیه و آله طبق نفسه لا ضرر على الموارد كالنبي صلی الله علیه و آله في قضيّة سمرة . فاذن لا ضرر ليس ذيلاً لهذه الموارد بل طبق الامام فيها وجعل المورد صغرى له ويكون الأصل في نقل الرواية قضى رسول اللّه صلی الله علیه و آله كذا فقال كما في احدى الروايات لا كما في اخرى من العطف بالواو بل يحتمل تصحيف ما ورد بالواو ( لكن الفصاحة في ورود ( الواو ) في المقام على هذا المعنى والتقدير وافادته معنى الفاء في غير المقام فتأمّل .

الا انه بعد ذلك يقع الكلام في التطبيق ويمكن أن يكون التطبيق في هذه الموارد باختلاف الدواعي كما في هيئة افعل حيث ان اختلاف الدواعي في استعمالها يوجب اختلاف ما يراد منها فتارة بداعي الجد فتفيد الوجوب وتارة لا

مناقشة سيّدنا الاستاذ

ص: 394

بذاك الداعي فتفيد مقتضى داعيه . والقدر المشترك بين مقتضيات الدواعي هو معنى الهيئة وهو الطلب لكنّه يرد عليه عدم جامع اصيل للاضرر في مواردها .

توضيح وتكميل: قد ذكرنا ما أجاب المحقّق النائيني قدس سره عن الاشكال وهو أحسن الأجوبة الا ان ما أفاده رحمه الله لا يرجع إلى أصل أصيل وكذا بينا خلاصة ما أفاده شيخ الشريعة قدس سره عن ذلك وهو رحمه الله وان رجى بذلك النفع في قبره وان شاء اللّه ينفعه ذلك لكن ما نفعنا ما أفاده في رسالته بحيث يوجب لنا القطع بما أفاده من

عدم الزيادة للاضرر في ذيل الأخبار المذيلة به . ويمكن أن يكون العامّة خذلهم اللّه نقصوا لا ضرر عن ذيل الروايات التي نقلت عن النبي صلی الله علیه و آله وحفظه أخبارنا على النحو الوارد في قضيّة الشفعة ومنع فضل الماء . وذكرهم جميع ما ورد بطرقنا متفرقات مجتمعات على طرقهم من اقضية النبي صلوات اللّه عليه وآله بمجرده لا يفيد بل نقلهم قضيّة الشفعة ومنع فضل الماء والقضاء لأهل المدينة وبين أهل البادية بلاذيل ربما يؤيّد ذلك . فانهم لما نظروا في موارد هذه الأخبار لم يجدوا الضرر منطبقا عليها بنحو تكون الموارد من صغريات الضرر فاسقطوا هذا ورووا الموارد مجردات . فأيّ ربط بالضرر لمورد الشفعة وكذا في غيرها من موارد ورودها ذيلاً لها مع ان في قضيّة سمرة ورد منطبقا عليها . فان كان ملاكا ففي كلّ الموارد يكون كذلك أو علّة فكذا . وكونه علّة يقتضي التعدّي عن المورد إلى ما يوجد مصداقا للكبرى موجودا فيه العلّه وملاكا لا يقتضي ذلك . فلو كان علّة في منع فضل الماء ممّا لمالكه لصحّ التعدّي إلى موارد لا يكون الضرر هنا موجودا بالفعل بل يكون مقتضيا أو معدا وتماميّة الضرر يحتاج إلى ما يتمها فيتحقق الضرر وفي هذه الموارد إمّا أن يكون من قبيل المعد أو من قبيل المقتضي وعليته بهذا

ص: 395

الطور توجب التعدّي في الشفعة إلى ما كان المبيع غير المساكن والأراضي أو الشركاء أزيد من اثنين والناقل غير البيع من الهبة والصلح إلى اللوازم الكثيرة التي تترتب على عليته ممّا لا يلتزم بأحدها فقيه . ويمكن أن يكون لا ضرر من كلام الامام علیه السلام المطبق اياه على مورد الشفعة كما يمكن زيادة في الاسلام أو على مؤمن من السائل ولعلّه خلاف ظواهر هذه فلربما يتعين حذفهم لا ضرر في رواياتهم العاميّة . فعلى أيّ لابدّ في دفع الاشكال فان العلية توجب الموسعة والملاك يوجب الضيق ولا يمكن أن يكون شيء واحد موسعا ومضيقا بل أحدهما .

ان قلت: يمكن أن يكون لا ضرر على ما أفاده المحقّق النائيني رحمه الله في هذه الموارد ملاكا لا منحصرا بل الملاكات الاخر أيضا موجودة لم تتبين في الموارد وعلى هذا فيرتفع الاشكال . أو يقال ليس الضرر تمام الملاك بل جزئه والأجزاء الباقية غير مبيّنة بمجموعها اقتضت جعل هذه الأحكام في هذه الموارد ولا يسري إلى غيرها ممّا لا يتمّ فيها أجزاء الملاك بل الموجود جزء منها والباقي لم يتحقق فلا ينافي هذا ما أفدتم سابقا واستشكلتم به على النائيني رحمه الله من عدم وجود حكم بلا ملاك يكون هو الموضوع .

قلت: هذا الذي أتى به في ذيل هذه الموارد لا ينطبق عليها لأن الضرر غير محقق فيها والملاك وإن كان لم يلزم اطراده وانعكاسه الا ان لابد أن ينطبق على المورد حتى يصلح للتذيل به والاشكال ان الضرر غير محقق في نفس هذه الموارد .

ويمكن أن يدفع الاشكال بما سنح به الفكر وجاد به الخاطر . وهو أن يكون

اشكال الدلالة

ص: 396

لا ضرر منطبقا على مورد أخبار(1) منع فضل الماء ويكون علّة لا ملاكا لأنّ المالك ليس له سلطنة على ماله حتى اذا توقف على التصرف فيه حفظ نفس شخص أو دابته وان كان لا يخرج عن ملكه ويستحق على تصرف الغير قيمته أو اجرته لكن تقصر عن منع التصرف الا في ما اذا كان التزاحم بينه وبين غيره فيمكن أن يختصّ هو به ولما لم يكن ماء حول المرتع الذي كان صاحب الأغنام مثلاً يرتع أغنامه فيه كلأً حتى يسوقها هناك ولم يكن له بدّ في حفظ أغنامه الا بالرعى حول هذا الماء الذي كان لصاحب البئر والماء ممّا يتوقف بقاء الحيوة عليه فلو منع صاحب الماء من فضل مائه يتضرّر صاحب الأغنام بموتها أو وصول ضرر إلى نفسه فبين في الحديث الشريف ذلك وان ليس له سلطنة المنع بلا ضرر ولا ضرار . ولا شكّ انّ هذه الكبرى كما ترى منطبقة على المورد عامّة في جميع المواضع التي يوجد لها مصداق .

وان أردت التوضيح أكثر من هذا فنقول: ان ذلك متوقّف على بيان معنى الضرر وانه في كلّ مورد استعمل بمعنى واحد أو في كلّ بمعنى لا يكون مستعملاً في غيره . وقد اختلف كلمات اللغويين في بيان معنى الضرر فبعضهم جعله في مقابل النفع تقابل التضاد بحيث لا يمكن اجتماعهما في مورد واحد من جهة واحدة وان كان يمكن من جهتين كما في بعض الأدوية والعقاقير النافعة لبعض أعضاء البدن الضارّة لبعض آخر .

نعم يمكن أن يوجد مورد يكونان مرتفعين فيه بان لا يكون هناك نفع ولا ضرر الا ان في مورد وجود أحدهما يمتنع وجود الآخر لرجوع الضدين إلى

معنى الضرر

ص: 397


1- . الوسائل 25 الباب 7/2 - 3 كتاب احياء الموات .

النقيضين الممتنع حصول كليهما في زمان واحد في موضوع واحد . وعن بعضهم تفسيره بالضيق وسوء الحال كما عن آخر ايقاع المكروه بالمتضرّر . وعن النهاية الاثيرية ومجمع البحرين(1) الاول منهما كالثاني عند العامة الموضوعة لتفسير لغات القرآن والحديث ولفظ الثاني ( وفي حديث(2) الشفعة قضى رسول اللّه صلی الله علیه و آله

بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن وقال لا ضرر ولا ضرار في الاسلام يقال ضرّه ضرارا وأضرّ به اضرارا الثلاثي متعد والرباعي بالباء أي لا يضرّ الرجل أخاه فينقصه شيئا من حقه الخ ومعلوم ان اختلاف هؤلاء من جهة اختلاف الاستعمالات حيث استعمل الضرر في كلّ واحد من هذه المعاني وقد نقل في مجمع البحرين معنى للضرر عن القيل وهو الضرر ما تضرّ به صاحبك وتنتفع أنت به والضرار أن تضره من غير أن تنتفع به . وقيل هما بمعنى والتكرار للتأكيد وإذا كان كذلك فلا مانع من أن يكون الضرر مستعملاً في ما يناسبه من المعاني المذكورة في كلّ مورد من موارد هذه الأخبار . ففي بعضها بمعنى ايصال النقص في النفس أو الطرف أو العرض أو مال الغير كما في قضيّة سمرة وفي آخر في التضييق والعسر والحرج وفي بعض مقابل النفع وفي كلّ مورد لا يكون للمالك أو لغيره ممن نفى الضرر بالنسبة إليه لغيره ذلك . ويجتمع ذلك مع حكم كل واحد من الموارد ففي قضيّة الشفعة حيث يريد الشريك الاستقلال وما يبيع الشريك الآخر حصته لا ضرر عليه اما اذا باع حصته اذا كان واحدا أو باعوا جميعا اذا كانوا متعدّدين فلو منع من الاستقلال لكان في ضيق عن ذلك أو نقص . فجعل له الشارع

ص: 398


1- . مجمع البحرين مادة ضرر .
2- . الوسائل 25 الباب 5/1 من كتاب الشفعة .

السلطنة على ضم مال الغير إلى ماله على نحو الشفعة اذا كان حقا أو أجاز له حكما كجواز الرجوع في الهبة .

وعلى أيّ له أن يضم الحصّة المبيعة إلى ماله فيستقل وله أن يتركها لمشتريها ولا ينافي هذا اختصاص هذا الحكم بمورده اذا كان الظاهر ان المعروف والمشهور لم يتعدوا في مسئلة الشفعة عن البيع بل لعلّه يكون هنا اجماع اختصّ لذلك به . وفي قضيّة منع فضل الماء استعمل الضرر بمعنى ايقاع المكروه أو النقص ويكون لا للنفي في بعضها وللنهي في آخر فيستفاد من المنع الكراهة .

وعلى أيّ نحو يمكن بذلك رفع النزاع من البين والجمع بين مختلفات الكلام بذلك فتدبر .

أقول: ما أفاده في قضيّة منع فضل الماء أوّلاً بما ذكرناه قبيل هذا ينافي ما هنا فان عدم سلطنة المالك على منع فضل مائه لحفظ نفس الغير أو دابته لا يناسب كراهة المنع الا أن يكون المراد من الأوّل ما يجامع الثاني ولعلّه غير ممكن فتأمّل .

تكميل: قد عرفت التفصى عن اشكال لا ضرر اذا كان متعقبا لقضيّة الشفعة وخبر منع فضل الماء بالوجوه المتقدمة التي خدشنا فيها الا الأخير الذي جاد به فكر سيّدنا الأستاذ قدس سره وعلى هذا لو كان مبنيّا على أن يكون لا ضرر متعقّباً لبيان العلة حيث ان ضابط العلّيّة لا ينطبق على هذه الموارد التي قلنا سابقا في تقريب الاشكال لو كان كبرى كلية للزم التعدي عن خصوص البيع إلى كلّ ناقل حسبما ينطبق لا ضرر كانطباقه على المورد في الشفعة ولا يختصّ بالأراضي والمساكن ولا ما اذا لم يكونا الا اثنين أو أكثر وكان البايع سوى واحد يثبت له الشفعة ممّا لو

قيل بها لما استقرّ حجر على حجر . الا ان بالنظر إلى ظاهر الرواية مع قطع النظر

ص: 399

عن سندها حيث لا صحّة لها يستفاد شيء آخر وهو ان الرواية كما في الوسائل(1) والجواهر(2) مشتملة على ثلاث جملات على الترتيب . قضى رسول اللّه صلی الله علیه و آله

بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن وقال لا ضرر ولا ضرار وقال اذا رفّت الرفوف وحدّدت الحدود فلا شفعة . وهذه الرواية وإن كان فيها احتمال أن يكون لا ضرر ولا ضرار من قول الامام علیه السلام كماتقدّم بتوجيهه الا انه مع ابقائها على ظاهرها وانه من كلام النبي صلی الله علیه و آله لا يرد اشكال ولا ينبغي ذلك لأن لا ضرر منفصل عن ما قبله وما بعده فكان الخبر ثلاثة أخبار . كلّ يتضمّن حكما من الأحكام ويكون لا ضرر كليا لا لبيان الانطباق على المورد والا لكان مثل لا تشرب الخمر لأنه مسكر أو قوله تعالى في ذيل آية النبأ(3) ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين .

بل القسمة الاولى من الرواية تتضمن أصل ثبوت الشفعة بلا تعليل بلا ضرر ويكون ذكر لا ضرر لمجرد انه اذا لزم من الأخذ بالشفعة ضرر فلا شفعة كما يشهد لذلك القسمة الأخيرة من الخبر حيث اذا افرزت الأرض وحددت ولو بجعل كومة فلا شفعة . فالضرر هنا ليس علة لجعل الشفعة وان له أن يأخذ وان يترك والا فهو بعد الشفعة أيضا متحقق بل الشركة إنّما توجب ذلك لكن لا على وجه الضرر بل يكون الشريك أولى من غيره الا انه ممنوع من الاضرار ومنهى عنه فليس له أن يأخذ بالشفعة بأقلّ من الثمن بل بالمقدار . فالشفعة انما تثبت له الأولويّة فاذا لزم

ص: 400


1- . وسائل الشيعة 25 الباب 5/1 كتاب الشفعة واللفظ إذا ارفت رفت الارف وحدّت الحدود فلا شفعة .
2- . جواهر الكلام 243/37 .
3- . سورة الحجرات: 7 .

الضرر فلا شفعة كما إذا حصلت القسمة بما ذكر فلا شفعة ويكون ذكر لا ضرر هنا مضيقا لدائرة حق الشفعة ويقصره على ما اذا أراد الأخذ بالثمن . ولا مانع من ذلك بل الرواية ظاهرة في هذا المعنى . ولا موجب للتكلف بما ذكرنا في الجواب عن الاشكال الذي خدشنا فيه ويكون هذا الخبر كساير أخبار الشفعة حيث لم تقترن بلا ضرر ولم يروها عقبة بن خالد . فان هذا الخبر مروي عن أبي عبداللّه علیه السلام وتكون الأخبار الآخر مفسرة له ولو كان فيه ابهام رافعة له كما ان المعنى الذي ذكرنا سابقا في خبر فضل الماء من أن يكون النهي لقصر سلطنة المالك عن النهي عن تصرف الغير اذا توقف حفظ نفسه أو دابته به بأن يصل إليه الضرر سواء كان لا ضرر معطوفا بما قبله بالواو كما في الرواية الأولى أو بالفاء كما في الثانية .

فعلى هذا نتعدى عن خصوص هذين المقامين إلى كلّ مقام ومورد ونقول بمقتضى الكلية ولابأس . فتبين ممّا ذكرنا ان لا ضرر كما هوظاهر موارد وروده ذيلاً أن يكون كذلك الا انه خبر مستقل بلا استشهاد به على المورد بنحو الانطباق بل لمجرّد ربط ولو تضييقا لخصوص المقامين وان يكون كبرى كلية فاذا صفت المسئلة عن الاشكال وعرف المراد في المقام فلنعطف الى:

الجهة الثالثة: وهي بيان معنى لا ضرر ونقول قبل ذلك ان الكلية للا ضرر ثابتة في المقامين كما في قضيّة سمرة بن جندب(1) أيضا فكذلك لا لخصوصها وهذا سمرة من المعاندين كما يشهد له هذه القضيّة بطرقها المختلفة وكان وضاعا للحديث وهو الذي اطمعه معاوية إلى أن قال بنزول آية « وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي

ارتباط لا ضرر بحديث الشفعة

ص: 401


1- . الوسائل 25 الباب 12/1 - 3 من أبواب احياء الموات .

نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ »(1) في ابن ملجم وسبيله سبيله .

وحقيقة المقام انه اما أن كان العذق الذي لسمرة داخل بستان الأنصاري أو بيته أو لم يكن كذلك بل كان الطريق من ذاك الصوب . وعلى الترتيب الأول يمكن أن يكون البيت أو البستان أوّلاً لسمرة وباعه من الأنصاري وجعل هذا العذق باقيا لنفسه أو يكون للأنصاري والعذق لسمرة لا لمعاملة بينهما كما يمكن أن يكون العذق مغروسا باذن الأنصاري . وعلى التقادير كان سمرة اذادخل إلى عذقه لا يستأذن الأنصاري بل يفاجئه على حال لا يحب وسواء كان له حق المرور لازما أو جائزا أولم يكن بل كان العذق خارج البستان وهو يستطرق الطريق الذي بجانب البستان أو البيت ولم يكن البستان أو البيت كالبيوت والدور التي تكون لها دروب أو معلّقة على أبوابها الستور تمنع المار النظر إلى ما في الدار والبيت وهو كان إذا يمرّ داخل البيت أو من خارجه كانوا على حال يطلع على اعراضهم فكانوا بذلك في الأذى . فلو كان الطريق غير هذا بل من الموات فليختر ذاك والنبي صلی الله علیه و آله بعد أن أعلمه شكاية الأنصاري الذي كلمه في أن يستأذن وما قبل من الانصاري وكذا من النبي صلی الله علیه و آله فشاء منه أن يخلي عنه بنخلة أو أزيد في الدنيا أو في الجنّة فأبى فما بدل النخلة ولا قبل أن يستأذن فاذن لا يكون الا مضارا كما في خبره .

فقال النبي صلی الله علیه و آله للأنصاري اذهب فاقلعها وارم بها إليه فانه لا ضرر ولا ضرار وفي بعضها(2) فاغرسها حيث شئت .

ص: 402


1- . سورة البقرة: 208 .
2- . الوسائل 25 الباب 12/4 كتاب احياء الموات .

ان قلت ان الضرر في المقام لا يكون علة لقلع العذق .

قلت لا موجب لتوهم غيره وذلك لأن التخلّص منه منحصر بهذا حيث ان المقام لابدّ وأن يكون من غير ما اذا كانت الأرض مملوكة له لا يحصل غرض الأنصاري ولسمرة بعد قلع العذق أن يمرّ إلى أرضه كما الى نخلته قبل القلع فينحصر التصورات إلى ما اذا كان عن عارية أي غرس النخلة في أرض الأنصاري أو عن حق لازم أو جائز .

وعلى كلّ الوجوه اذا استلزم ضررا فيقصر سلطانه حينئذٍ عن المنع فلو كان عن حق لازم لازم الضرر اما نهى عنه أو هو منفي . وكذا اذا كان عن حق جائز فان له أن يرجع . والأحسن ذكر خبر من طريق زرارة(1) موثقا وهو ان سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الانصار وكان منزل الأنصاري بباب البستان وكان سمرة يمرّ به إلى نخلته ولا يستأذن فكلّمه الأنصاري أن يستأذن اذا جاء فأبى سمرة فجاء الأنصاري إلى النبي صلی الله علیه و آله فشكى إليه فخبّره بالخبر فارسل رسول اللّه صلی الله علیه و آله وخبّره بقول الانصاري وما شكاه وقال صلی الله علیه و آله اذا أردت الدخول فاستأذن فأبى فلمّا أبى ساومه حتى بلغ به من الثمن ما شاء اللّه فأبى أن يبيع فقال صلی الله علیه و آله لك بها عذق في الجنّة فأبى أن يقبل فقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله للأنصاري اذهب فاقلعها وارم بها اليه فانه لا ضرر ولا ضرار .

وفي رواية الحذّاء(2) عن أبي جعفر علیه السلام أيضا ما أراك يا سمرة إلاّ مضارّا والظاهر ان قوله علیه السلام (3) في بعض هذه الأخبار فاغرسها حيث شئت يكون كناية

دفع اشكال رواية سمرة

ص: 403


1- . الوسائل 25 الباب 12/4 - 3 كتاب احياء الموات .
2- . الوسائل 25 الباب 12/1 كتاب احياء الموات .
3- . وسائل الشيعة 25 . 12/4 كتاب احياء الموات .

عن ارادته بالخشبة ما أراد لا انه كان قابلاً للغرس في مكان آخر ( وإن كان ذلك ممكنا ومجيء سمرة لتربيته بالسقي وغير ذلك .

وعلى ما يظهر من هذه الأخبار ان سمرة ما أنكر ما شكاه الأنصاري حتى يحتاج إلى الشهود .

فتبين ان معنى الحديث ينطبق على قضيّة سمرة وقلع نخلته .

الجهة الرابعة لبيان فقه الحديث الشريف والكلام يقع في ثلاثة أشياء:

الأوّل: في معنى الضرر ومعنى الضرار وفي الهيئة التركيبيّة .

أمّا الضرر فبعد انه من المسلم عدم اصطلاح خاص للشارع في بيان ما يريد من خطاباته إلى المكلفين وعدم اصطلاح خاص غير اصطلاح منه كان يكون اصطلاح المتشرعة يدور الأمر بين الجري على المتفاهم العرفي أو القاء المعاني طبقا للغة ولا سبيل إلى الثاني في مورد التعارض . اذ الخطابات صادرة على حسب فهم العرف وملقاة إليهم . فهم المتبع ( المتبعون ) في فهم الكلمات وما أراد الشارع من الخطابات . ولو كان للشارع اصطلاح آخر أو أراد غير ما يفهمه العرف لكان عليه البيان فيوصل غرضه إليهم حسب ما يريد ومن المعلوم ان الظهورات لا تختص حجيّتها بمن قصد افهامه من الخطاب لو سلم فضلاً عما اذا لم نسلم هذا المعنى وان الحجيّة لا تختصّ بهم ولو تنزلنا فنحن أيضا من الذين قصد افهامه وخوطب بالخطابات فلم يكن ذلك مخصوصا بالصدر الاول . والمتفاهم العرفي في معنى الضرر هو النقص الجامع الأطراف في العرض والمال والنفس والطرف . فهو المفهوم وهذه مصاديقه اذ هو في مقابل النفع والنسبة بينهما هي التضاد بحيث يمكن ارتفاعهما ولا يمكن اجتماعهما في مكان واحد من جهة

ص: 404

واحدة . ويمكن أن يكون شيء غير ضارّ ولا نافع كما في تجارة التجار وعمل الانسان في موارد يتحقق ذلك فيها وهذا المعنى هو المتحصل من تفاسير الضرر في معاجم الفقه وكتب لغات الأخبار كنهاية ابن الأثير ومجمع البحرين فعن بعضهم تفسيره بخلاف النفع وعن آخر بضدّه وآخر سوء الحال أو الضيق وان يفعل مكروها بالغير وما يقارب هذه المعاني الحاصل من جميعها معنى واحد هو في طرف النفع ويكون أمرا وجوديّا وهو مستعمل في العرف كثيرا في ما ذكرنا وعلى هذا لا اختلاف بين اللغة والعرف أيضا في معنى الضرر بل يتّفقان على النقص في مقابل النفع في المورد القابل لكليهما .

أمّا الضرار: فقد قيل انه تكرار الضرر فجيء به للتفنن في العبارة . وقيل هو الجزاء على الضرر فمعنى نفي الضرر أو النهي عنه عدم جواز الأضرار بالغير أو عدم كونه في الشرع ومعنى الضرار عدم الاضرار بالغير في قبال ضرره الوارد على الشخص بأن تسبّه حيث سبّك او تنقصه حق احترامه في مقابل فعله ذلك بك ولا يخفى انه على هذا المعنى قابل للتخصيص . فلو كان في بعض الموارد منافيا لقاعدة الاعتداء الشريفة التي يكثر الاحتياج إليها في خصوص هذه الأزمان وان كان لا خصوصية ولعل اللّه وفّقنا لبحثها مستوفي فانها لا تقصر عن قاعدة لا ضرر بل تكون انفع فيخصصه القاعدة كما في مورد النفس في القصاص أو المال في الأموال بضابط بيناه في البيع . وقيل هنا بمعنى التعمد والاصرار على الضرر فالمجرد بمجرد الضرر والضرار للاضرار والاكثار منه واتّصاف الفاعل بالمبدء كالمقاتل والمحارب والمسافر والمجاهد حيث تكون المبادى نعوتا لمن تشتق الصفة له منها لكن الأنسب من هذه المعاني هو الأخير بالنظر إلى المورد حيث وقع

الفرق بين الضرر والضرار

ص: 405

وورد في قضية سمرة ولم يصدر الضرر من الأنصاري متوجها على سمرة حتى ينفي اضرار سمرة جزاءً عليه ولا يناسب المبالغة التي أحد التفاسير هنا في معنى الضرار سواء كان بالفتح من باب التفعيل كما لعلّه الأنسب إلى المبالغة أو من باب المفاعلة كما ورد في موارد بهذا المعنى اذ انتفاء الأقل يوجب نفي الأكثر بالأولويّة فلا يترقى من الأقل إلى الأكثر في النفي ولا النهي . بل الأمر بالعكس فيقال ما جائني مائة رجل بل ولا خمسون لا ما جائني خمسون رجلاً بل ولا مائة أو المثال الأحسن ما عندي خمسون درهما ولا مائة اذ الأقل اذا انتفى فالأكثر منتف عنده قطعا ( لكن إذا لم يكن يفيد الخصوصيّة كما لعله ينطبق عليه المثالان اذا اريد بهما ذلك فتأمّل ) .

وبيان انسبية المعنى الأخير انه بعد أن ثبت اضرار سمرة على الأنصاري بدخوله إلى عذقه بغير اذنه ومفاجئته اياه على حال لا يحب كما في بعض أخباره تحقق الموجب لقطع شجرته حيث انه ما رضى أن يستأذن فاستدعى منه النبي صلی الله علیه و آله ( أو الأنصاري في بعض المحاورات على احتمال ) أن يبيعه وأن يبدله بأزيد منه ثمنا أو عينا في الدنيا وأن يبدله بعذق له في الجنّة فأبى وقام على اصراره في مقابله صلی الله علیه و آله فصار ضارّا كما في بعض رواياته ومصرّا على الضرر حيث قال له صلی الله علیه و آله

ما أراك يا سمرة إلاّ مضارا والضرر منفي فكيف بالضرار الذي هو الاصرار عليه والتكثير منه فامر صلی الله علیه و آله بقطع عذقه والرمي به اليه مع ان الضرر كان يوجب ذلك أيضا فكيف بالضرار على الاصرار . هذا في هذا الخبر اما الأخبار غير الواردة في مورد خاص فيمكن ظهور الضرار فيها في أحد هذه المعاني غير التكرار الذي لا يحمل كلام الأفصح بل الفصيح عليه واذا لم يمكن فلا محيص عن التكرار .

ص: 406

ان قلت ان الضرار مبالغة في الضرر والمراد من نفيه هنا تأكيد النفي كما في قوله تعالى: « وما ربك بظلام للعبيد »(1) .

قلت: تأكيد النفي لا معنى له بعد ان الطبيعة تنفيه فتأمل . ويكون الضرار قائما بالطرفين ولا من طرف واحد بل يلزمه الجانبان ) وعلى أيّ حال لا يوجب التلوّن في معنى الضرار توقفنا في الاستدلال بالضرر الذي تحقق معناه انه عبارة عن النقص والخسارة في قبال النفع . وأمّا الهيئة التركيبيّة فبعد ان المسلم وجود الضرر التكويني في الخارج كثيرا ولا يمكن حمل الكلام على هذا ( ولكن على معنى النفي لا النهي وإلاّ فلا معنى له الا هذا ) فاختلفوا في معناه على وجوه . الأول

ان المراد نفي الحكم بلسان نفي الموضوع(2) فمعنى عدم الضرر عدم جعل الحكم

الضرري سواء كان تكليفا أو وضعاً فاللزوم الضرري لا جعل له في باب المعاوضات والعقود كما ان الوضوء الضرري غير مجعول في باب التكاليف ولا وجوب عليه بل لا جواز . وحاصل هذا رفع الحكم المجعول بالأدلّة الأوليّة والعنوان الأولي بالعنوان الثانوي الضرري بالدليل الثانوي ويكون فرقه مع المعنى .

الثاني: في مجرّد المفهوم واما النتيجة ففيهما واحدة . اذ الثاني أن يكون الضرر هو نفسه والمراد بالرفع رفع نفسه اللازم من لا التي لنفي الحقيقة ولكن حيث ان الشارع إنّما يرفع ما يرفع بما انه شارع فيكون المرفوع(3) ما من شأنه أن يجعله الشارع ويكون أمر وضعه ورفعه بيده وهذا كما ذكرنا يرجع إلى الأوّل الا

ص: 407


1- . سورة حم فصّلت: 47 .
2- . كما هو ظاهر كلام المحقّق الخراساني . كفاية الأصول 2/268 .
3- . كما يظهر من الحقائق . حقائق الأصول 2/380 .

ان يفرق بينهما بوجه لعلّه يأتي إن شاء اللّه .

تتمّة الكلام: ما قيل في معنى لا ضرر ولا ضرار ان كان لا للنفي فمعناه نفي طبيعة الضرر نفيا بسيطا على ما هو مفاد ليس التامة لكن في عالم التشريع على تفصيل يأتي بيانه إن شاء اللّه سواء كان في التكاليف أو الوضعيات . وسبق انه قيل لنفي الحكم بلسان نفي الموضوع كما عن المحقّق الآخوند في(1) كلمات كفايته وغيرها . فالمراد بنفي الضرر نفي آثاره اما نفي تمام الطبيعة أو بعض أفرادها . وهذا المعنى راجع إلى النفي التركيبي كالأوّل إلى البسيط ولكن لا بمعنى ان الضرر لا حكم له . فالاضرار بالغير حسب الأدلّة حرام ويكون المراد من النفي بلحاظ الآثار هو رفع تلك الحرمة . وقيل كما عن بعض لنفي الضرر غير المتدارك لا مجرد الحكم التكليفي . بل بحيث يوجب اشتغال الذمّة ولا مساس له بجواز الاضرار بالغير أو عدمه لأن هذا المعنى بلحاظ ان كل ضرر وقع على شخص فيشتغل ذمّة المضرّ بمثله أو قيمته أو اقرب إلى التالف سواء كان التالف مثليا أو قيميا على اختلاف في ذلك فعلى هذا يكون لا ضرر قاعدة من القواعد الفقهيّة مفادها مفاد قاعدة الاتلاف في الضمان . والشيخ رحمه الله جعل هذا الاحتمال أردء احتمالات في الخبر وان قال به بعض الفحول .

ولكن المحقّق النائيني رحمه الله وجّهه بما ذكرنا ولا بأس به لو كان ظاهرا .

وأمّا النهي فهو أن يكون لا ضرر معنيّا به النهي عن الاضرار بالغير وان الاضرار حرام فيكون الخبر مسوقا لبيان حرمة الأضرار ساكتا عن اشتغال ذمّة المضر وبهذا القول قال صاحب العناوين واستشهد له بورود لا في موارد كثيرة

ص: 408


1- . كفاية الأصول .

بهذا المعنى واستعملت في افادة النهي كما في قوله تعالى: « فلا رفث ولا فسوق

ولا جدال في الحجّ »(1) وفي لا عسر ولا حرج ومثل ما ورد من لا بنيان كنيسة ولا اخصاء ولا رهبانيّة وشيد اركان هذا القول المرحوم شيخ الشريعة الاصفهاني قدّس اللّه أسرارهم . واختار القول الأول الشيخ(2) والمحقق النائيني (3) وأفاد في تحقيق هذا القول وتقريبه ما ملخصه ان لا ظاهر في معنى النفي وتأتي لنفي الحقيقة اما حقيقة كما لا رجل في الدار أو ادعاء كما في يا أشباه الرجال ولا رجال . وما أمكننا حفظ ظهور لا في النفي وفي نفي الطبيعة لا الآثار فمقدم على غيره من المعاني وإذ لم يمكن فنتنزّل إلى نفي الآثار واذا لم يمكن ذلك فلا يكون ظاهرا في نفي الطبيعة ولا لنفي الآثار فتصل النوبة إلى أن تكون لافادة النهي . ولا اشكال في صحّة ارادة نفي الطبيعة والحقيقة من لا في المقام . اذ المراد من المنفي ليس هو الضرر التكويني الخارجي اذ هو في الخارج كثير غايته . بل حيث كان النفي نفيا في عالم التشريع فالنفي إنّما يكون ممّا جعله ووضعه بيد الشارع كماان رفعه لابدّ أن يكون كذلك . وحينئذٍ فنقول تارة يكون عنوان الضرر منطبقا على متعلّق التكليف في الخارج كالشرب الخارجي والوضوء الذي يتوضّأ المكلّف اذ الوضوء عبارة عن الأفعال وهي في الخارج تكون جزء العلّة التامّة الاخير فما يكون بحسب العنوان الأولي منطبقا عليه عنوان الضرر بأن يكون الجزء الأخير

في معنى الضرار

ص: 409


1- . سورة البقرة: 198 .
2- . فرائد الأصول 2/534 - 535 .
3- . منية الطالب 2/207 واختاره في القواعد استاذنا المحقّق جامع المعقول والمنقول السيّد البجنوردي كما هو اختيار السيّد العلاّمة الخوئي قدّس اللّه أسرارهم . مصباح الأصول 47/615 - 616 .

من العلّة التامّة لحصول الضرر يكون منفيا .

ومن المعلوم ان أمر المولى وتشريعه الوضوء لا يوجب ذلك اذ الحكم وايجاب الوضوء بنفسه ليس ضرريا بل اللازم منه الضرر والجزء الأخير لتمام العلّة له هو الفعل الخارجي وامرار الماء على اليد في الوضوء الضرري مثلاً فهو يكون داخلاً تحت النفي . وتارة لا يكون المتعلّق كذلك بل الضرر من ناحية الحكم فننظر في العقد الضرري نرى ان نفس العقد بما هو ليس ضرريا منطبقا عليه الضرر وكذا حكم الشارع بصحته اذ صحّة العقد لا يوجب الاضرار بالغير بل ما يلزم منه الضرر ويكون مضرا هو لزوم العقد . فهذا اللزوم اللازم من قبله الضرر يكون مرفوعا .

إن قلت: فرق بين الحكم اللازم منه الضرر في لزوم العقد حيث ان الضرر مولود نفس هذا الحكم وإنّما يأتي من قبله وبين حكم الشارع باتيان الوضوء الضرري فلا يجري فيه ما ذكر في اللزوم من كون الحكم الجزء الأخير من العلّة التامّة لحصول الضرر . اذ أمر الشارع في باب الوضوء ومثله ليس يوجب ضررا ولا مضرا وكذا المكلف اذ أراد الوضوء ليست الارادة ضررا بل الضرر عمله وهو صب الماء في الخارج فلا يجيء فيه التقريب في غيره حتى يرفع الحكم بالوضوء .

قلت: نعم ذلك صحيح الا ان المكلف حيث ينظر إلى خطاب المولى يراه واجب الاطاعة فاذا لم يطع يتحقق منه العصيان ويترتب على العصيان العقاب واذا لم يجد ما يحذر به عن العقاب فلا جرم يرتكب الوضوء الضرري ويتحمل المشقّة في ذلك فبالاخرة عمل المكلف ينتهي إلى حكم المولى وتشريعه الوضوء

ص: 410

في الضرر وتوجهه إليه لا انه يكون مجبورا على العمل كما قيل بأن(1) الأمر يسلب من العبد جانب الترك والنهي جانب الوجود ويكون مجبورا مقهورا فيكليهما لامتثال متعلّقهما ورتب القائل على هذا عدم صحّة الاستيجار لصلاة المكلّف بوجهين أحدهما هذا فانّ العمل لابدّ في الاجارة أن يكون مملوكا للغير وكذا يصل نفع إلى المستأجر بذلك وفي المقام حيث ان اختيار المكلّف في العمل مسلوب فلا يكون تحت قدرته حتى يملكه الغير وكذا لا يصل نفعه إليه وذلك لأنّ الأمر والنهي لا يوجبان تضييقا في ناحية ارادة المكلّف نحو الفعل والترك ولا يسلبان اختياره فكما ان قبل الأمر والنهي مختار في أن يفعل وان لا يفعل فكذا بعد توجه الخطاب بالفعل أو الترك إليه يكون كذلك ولا يلزم في الاجارة أن يصل نفع العمل إليه بل يكفي مجرّد تبهّجه بصلاة هذا المصلى اذ ربما يكون سروره بهذا أعظم من سروره عن وصول مال إليه .

وعلى أيّ فلا يوجب التكليف ضيقا في اختيار المكلّف تكوينا نعم يحصره في الفعل والترك تشريعا والاختيار بعد باق . « انا هديناه السبيل اما شاكرا وإمّا كفورا »(2) .

فثبت ان حكم الشارع في باب الوضوء أيضا ضرر أي يلزم منه ضرر على المكلف ويكون سببا لذلك ومحصلاً لشيء عنده يتضرر العبد وإن شئت فقس المقام بلا حرج ولا عسر حيث انهما أظهر دلالة على رفع الحكم إذ: « مَا جَعَل عَلَيكُم فِي الدين مِن حَرَج »(3) ظاهر في نفي الحكم الذي ينشأ منه الحرج

تقريب القول الأوّل

ص: 411


1- . قاله المحقّق النائيني واستشكله سيّدنا الأستاذ قدس سره .
2- . سورة هل أتى: 4 .
3- . سورة الحجّ: 79 .

ويوجب ضيقا عليه كما في: « يريد اللّه بكم اليسر ولا يريد بكم العسر »(1) ومفادهما مفاد لا ضرر بعينه الا ان في لا ضرر نوع خفاء ليس فيهما لمكان فيالدين والمراد النفي فيه فيهما .

فذلكة: رتب المحقّق النائيني قدس سره مراتب في حمل معنى لا عليها عند امكان المرتبة العليا لا موجب للسفلى .

الأول: أن يكون المنفي الطبيعة وكون الطبيعة بما هي منفية نفيا بسيطا سواء كان متعلق الحكم وموضوعه امضائيا كما في العقود أو يكون تأسيس من الشارع فنفس الضرر في هذه الموارد مرفوع منفي . كما في الثاني الحكم الذي يكون هو ضررا ويوجب ذلك منفي . وفي الأول ما عنون بعنوان الضرر ثانيا فيكون النفي في الامضائيات للامضاء وفي التأسيسيّات لها بأنفسها وذلك لان حكم الشارع في هذه الموارد يوجب الضرر . ولذا يعبر عن ذلك بالحكم الضرري وهو منفي واذا لم يمكن أن يتعلق النفي بالطبيعة فيكون متعلقا بآثارها ويكون من نفي الحكم بلسان نفي الموضوع . وإن لم يمكن فيحمل على النهي والا فالمعنى الرابع كان يكون نفي الضرر غير المتدارك . ومن المعنى الأول جعل لا ضرر ولا حرج ولا عسر فكما ان لا حرج ولا عسر يعني بهما عدم جعل الحكم الذي يلزمان منه وان الحرج ما جعل في الدين وكذا العسر لأن اللّه « يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر »(2) وبهذا المعنى يختصّ لا ضرر بنفي طبيعة الضرر اذ الزم على حكم واذا لم يمكن هذا المعنى في مورد فألي المعنى الثاني كما في مراتب الاطاعة وحيث

ص: 412


1- . سورة البقرة: 186 .
2- . سورة البقرة: 186 .

ان التفصيلي مقدم على الاجمالي العلميين وهما على الظني وهو على الاحتماليوهو نفي الحكم بلحاظ الآثار وبلسان نفي الموضوع كما في لا شكّ(1) لكثيرالشكّ لضابط يأتي إن شاء اللّه ويذكر له شروطا ثلاثة . ثالثها أن لا يكون الحكم المجعول على الموضوع الحرمة بل يكون من قبيل الوجوب والاباحة فلا يصار إلى هذا الاحتمال ففي لا شكّ لكثير الشكّ يتعين المعنى الثاني بمعنى عدم ترتيب آثار الشكّ عليه يعني الآثار التي تكون عند الشكّ . وإلا فنفس الشكّ لا أثر له بل لما لم يمكن المضي على الشكّ في الركعتين الأوليين ولابد فيهما أن يكون بالاحراز ويحفظهما فما يأتي في حال الشكّ يكون غير مأمور به ويبطل الصلاة على هذا والا فلو ثبت إلى ان زال عنه الشكّ بحصول العلم ولم تفت الموالاة يمضي على صلاته ( هذا في الأوليين واما في غيرهما فظاهر اذا شككت(2) فابن على الأكثر ان الموضوع للحكم هو الشكّ الا ان يمنع بان الشكّ ظرف لا موضوع كما يشهد له ظاهر الشرطيّة ) ومن الآثار البناء على الأكثر في غير ما يوجب بطلان الصلاة الا انه خصّص في حق كثيره ووظيفته البناء على ما هو أقل مؤونة له واذا لم يمكن المعنى الثاني بعدم اجتماع شروطه الثلاثة فالمعنى الثالث وهو النهي كما في لا اخصاء ولا رهبانية وعند عدم امكان هذا فالى غيره . والمحقّق النائيني قدس سره رتّب(3) امورا لبيان ظهور الخبر في المعنى الأول .

مراتب النفي

ص: 413


1- . الوسائل 8 الباب 16/3 - 6 من أبواب الخلل في الصلاة . واللفظ اذا كثر عليك السهو أو في الصلاة فامض في صلاتك أو على صلاتك ولا تعد .
2- . الوسائل 8 الباب 8/3 من أبواب الخلل في الصلاة واللفظ اذا سهوت وقريب منه الحديث 4 .
3- . منية الطالب 2/201 وما بعده .

الأمر الأول: انه لا ريب ولا اشكال في ان النفي هنا ليس نفيا تكوينيا بل تشريعي اذ لا يحتمل أحد أن يكون تكوينا مع وجوده في الخارج في غاية الكثرةوان النفي متعلق بالطبيعة . فطبيعة الضرر مرفوع لكن تشريعا كما في رفع(1) ما لايعلمون حيث انه أيضا لنفي الطبيعة غاية الأمر في رفع استعمل الرفع وافيد به معنى النفي بخلاف لا ضرر فانه افيد بلا والرفع والنفي فيهما تشريعي متعلق بنفس المرفوع والمنفي وفي حديث الرفع تعلق الرفع بالتسعة بجامع واحد الا ان الرفع في كلّ منها ينتج نتيجة ففي ما لا يعلمون يكون نتيجة الرفع حسب ما يقول عدم ايجاب الاحتياط اذ ظاهر رفع وتعلقه بما لا يعلمون الرفع الواقعي ولمّا لم يمكن الرفع الواقعي للزوم التصويب واختصاص الأحكام بالعالمين المجمع على بطلانه الذي يقول به المعتزلة في قبال التصويب الذي تقوله الأشعريّة المحال لورود الأخبار(2) متواترة في هذا المعنى بأنّ الأحكام لا تخص العالمين بها بل تعم العالم والجاهل وليس للعلم دخل في جعل الحكم وليس كما اشتهر لفظ يستوي وإن نسب إلى صاحب الحدائق فانه ذكر اخبارا(3) في بعض مقدّمات حدائقه يستفاد منها هذا المعنى كما ذكر في الوسائل(4) فالرفع في ما لا يعلمون ينتج رفع الحكم الظاهري وهو ايجاب الاحتياط لأنّه متمّم للحكم الواقعي وحيث يطابقه يكون هو والا فنفس الحكم الواقعي لا يكون مرفوعا .

وقال في ما لا يعلمون بعمومه للشبهة الحكميّة والموضوعيّة فلا يرد

الدليل على المعنى الأوّل

ص: 414


1- . الوسائل 8 الباب 30/2 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . الوسائل 1 الباب 4 من أبواب مقدّمة العبادات .
3- . الحدائق الناضرة 1/77 وما بعده .
4- . الوسائل 1 الباب 4 من أبواب مقدّمة العبادات .

الاشكال باستعمال اللفظ في أكثر من معنى اذ ذلك إذا لم يتصور جامع والجامع نفس الحكم اذ مرجع الموضوعيّة إلى الحكميّة . الا ان منشأ الشكّ هي الأمورالخارجيّة . وهذا القدر لا يوجب فرقا فيما نحن بصدده كما استشكل ذلك المحقّقالقمي

رحمه الله في كلّ شيء هو لك حلال(1) من شموله للحكمي والموضوعي . ولكن

الذي جعله أصلاً في المقام لبيان قاعدة لا ضرر ويريد ترتب ما يأتي بعده على ذلك لا يتم . كما لا يمكن أن يكون العلم جزء الموضوع بل اذا بيّن ذلك بألف خطاب أيضا لا يصحّ وقد مر في بعض أبحاثنا ما هو حقّ التحقيق في ذلك ( في تحقيقات القصر والاتمام ) والحكم الذي يستوي فيه العالم والجاهل هو العهدة ويكون الخطاب مختصّا بالعالمين بالحكم المستوى فيه هما .

توضيح وتكميل: ذكرنا مختار المحقّق النائيني في معنى لا ضرر وورود النفي على الطبيعة نفيا بسيطا على حذو وروده في التسعة المذكورة في حديث الرفع .

وذكر هنا ملخص ما قاله في معنى حديث الرفع مفصلاً وهوان الرفع تشريعي وهو ما قابل الوضع التشريعي وذلك فيما يناله الجعل اثباتا ونفيا سواء كان تأسيسيّا أو امضاءً والمراد بالتأسيسي هو الأحكام الخمسة التكليفيّة ( وبعض الوضعيّات ) والامضائي ما كان اعتباره حاصلاً عند العقلاء والشارع يمضي ذلك الاعتبار اذ الأحكام مجعولة على التحقيق اعتبارا .

فاذا يظهر الشارع ارادته وطلب الشيء من العبد ينتزع عنه الوجوب خلافا

ص: 415


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

لبعض المحقّقين كالشيخ عبدالكريم الحائري في درره(1) حيث ذهب إلى انالأحكام ليست مجعولة بل هي امور تكوينيّة والخطابات عبارة عن اظهار ما في التكوين وعمّا في الواقع لا انه بطلبه الخارجي يجعل الشيء . بل ذلك اظهاروالحكم هو وذاك سواء كان الشارع الجاعل لهذا الحكم الذي نعتبره وجوبا أو حرمة وهكذا هو اللّه تبارك وتعالى أو كان هو النبيّ صلوات اللّه عليه وآله فان هذا

لا يهمّنا ولا يخلّ بما هو المقصود في المقام .

والمراد بالنفي التشريعي والرفع والوضع التشريعي ايجاد الشيء في عالم التشريع وصفحته قبالاً لعالم الخارج وصفحته فانّ الشيء تارة يكون موجودا مع قطع النظر عن اعتبار المعتبر وهذا ما له وجود عيني خارجي .

وتارة يكون وجوده بالخيال في الذهن واذا لم نتصوره لا يكون له وجود وهذا في الأمور الذهنيّة والوجودات الخياليّة وتارة يكون حقيقته وتكوينه بالاعتبار بأن نحسبه شيئا باعتبار آثار تترتب عليه . فلو كان المراد من الرفع الرفع

التكويني لزم أن يرفع الخطأ والنسيان وغيرهما ممّا في حيّز الرفع في الخبر الشريف في الخارج بأن لا توجد تلك فيه فيكون حديث الرفع اخبارا عن ذلك والا فيلزم الكذب . لكن رفع هذه الأشياء ليس تكوينا بل ذلك رفع تشريعي بمعنى اعدامها عن صفحة التشريع بأن تكون خالية عن هذه الأمور . ونسبة الرفع إلى الأشياء التسعة حسب اقتضاء السياق واحدة . الا انه في كلّ ينتج نتيجة فلا يلزم الجمع بين المعنيين وأن يكون المرفوع في بعضها حكمه وفي بعضها نفسه بل النفي تعلق بها على سياق متّحد وبينا في محلّه معنى الرفع وانه لا يستشكل في ذلك بانه

ص: 416


1- . درر الاُصول .

في ما اذا تحقق وضع والا فلا رفع وذلك لأنّ الرفع هنا بلحاظ تماميّة المقتضى الا ان مصلحة التسهيل صارت مانعة عن ذلك وان يؤثر المقتضى في ناحية الجعل . فالرفع بهذا اللحاظ أو ان الرفع لما اختصّ بالامة المرحومة فالمراد بذلك رفع ماكان ثابتا في الشرايع السابقة بمعنى النسخ والاعلام بتماميّة مدته وانه انقضىامده لا البداء المستحيل في حقّه تعالى من الآصار والمشاق العرفيّة التي لاتتحمل عادة ممّا استوهبها النبي صلی الله علیه و آله من الخطأ والنسيان والاضطرار والاكراه وغيرها فالرفع على معناه لا ما لا يطيقونه عقلاً اذ احتمال تكليف ما لا يطاق من العاقل محال فضلاً عن المولى الحكيم .

ومع الغضّ عن هذا فنقول الرفع حقيقة هو الدفع ولا فرق بينهما الا بالاعتبار وذلك لان الدفع عبارة عن سد المقتضى في التأثير ابتداءً والرفع استمراراً اذ حين يحصل الرافع يستحيل وجود المرفوع بل المرفوع يرتفع بوجود الرافع والا فيلزم اجتماع الوجود والعدم بالنسبة إليه . فاذا حصل الرافع يدفع المرفوع ويخلّي صفحة الوجود عنه كأن لم يكن . فالرفع في المقام استعمل في معناه بلا عناية بل الرفع أيضا دفع ( أقول: قد مضى منّا الاشكال عند تقريب معنى الحديث في باب البرائة بأن مجرّد رجوع الرفع إلى الدفع لا يجعل الدفع رفعا حقيقة حتى يكون استعماله في معناه حقيقة ولو كان الفرق بينهما اعتبارا ) فمعنى رفع هذه الأشياء تشريعا عدم جعل لها في عالم التشريع من ما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطرّوا إليه والخطأ والنسيان .

ففي الخطأ والنسيان تعلّق الرفع بهما حقيقة تشريعا ومعنى ذلك عدم جعل لهما فان الرفع في مقابل الجعل والوضع وعدم الجعل فيهما عبارة عن عدم العبرة

معنى الرفع

ص: 417

بهما في ترتيب الآثار التي تترتب على العمل الذي يصدر تارة خطأً أو نسيانا وتارة بدونهما .

فالنتيجة في هذه وأمثالها الا ما لا يعلمون عدم جعل الحكم الذي يكون على الأعم منها . ومعنى ذلك نفي الحكم عن هذه الأشياء الذي يقوله المحقّق الخراساني فيها ( في خصوص المقام في لا ضرر ) ويكون المحصل من حديثالرفع في غير ما لا يعلمون هوالتخصيص الواقعي وفيه رفع الحكم الظاهري وهوايجاب الاحتياط . وذلك لأنّ الحكم الواقعي لما لم يمكن رفعه وإلاّ يلزم اختصاص العالمين بالأحكام بها . وهذا هو التصويب المجمع على بطلانه فلا جرم يكون المرفوع هو ايجاب الاحتياط الذي يكون الحكم الواقعي في ظرف الشكّ فيه مقتضيا لذلك .

إن قلت: رفع ايجاب الاحتياط وان كان أيضا ممّا لا يعلمون الا ان ظاهر ما لا يعلمون هو الحكم الواقعي .

قلت: ايجاب الاحتياط اذا صادف الواقع هو عين الواقع والا فلا واقع ولا احتياط . وهذا معنى ما يقوله الشيخ من الايجاب النفسي الظاهري . فان الاحتياط حيث لم يكن طريقيا بل لتتميم قصور الحكم الواقعي عن البعث في ظرف الشكّ فيه يجعل الاحتياط لحفظه في هذه المرتبة فباعتبار ان وجوده لتتميم قصور الحكم الواقعي عن المحركيّة يكون عين المتمَّم وهو الحكم الواقعي فيكون وجوبه نفسيا وباعتبار انه جعل في ظرف الشكّ في الحكم الواقعي مع حفظ الشكّ فيكون وجوبه ظاهريا .

وهذا هو مختار المحقق النائيني في حديث الرفع وما لا يعلمون .

ص: 418

الا انا استشكلنا عليه بأن السياق في جميعها واحد فكما ان الرفع حقيقي في غير ما لا يعلمون ويتعلّق بنفس هذه فكذا فيه ولا يلزم التصويب أبدا .

أقول: مبنى سيّدنا الأستاذ

قدس سره في هذا المقام على ان الحكم الذي يستوى فيه العالم والجاهل ويشتركان فيه هو ما اشتغلت عهدتهما به ولا مدخلية للعلم والجهل في ذلك فاذا علم بالعهدة فعليه الامتثال فلا مطالبة بنفس اشتغال العهدة بمجرّده . وأمّا الخطاب فجائز أن يختصّ به العالم بالحكم الواقعي . لكن بهذاالمبنى لا يمكن تصحيح الرفع في ما لا يعلمون بنفس الحكم الواقعي لأنه موجودوان لم يطالب به ولابدّ أن يقول ان الجاهل بالاشتغال لا اشتغال له الا ان يريد بما لا يعلمون الخطاب فان الخطاب لا يعلمه الجاهل فهو مرفوع عنه اذا كان عن قصور ولكن ذلك يستدعي نوعا من العناية في لا يعلمون بأن يكون هو الخطاب لا العهدة الا ان يقول ان الرفع التشريعي في ما لا يعلمون عبارة عن عدم المطالبة فان ذلك مما تناله يد الجعل اثباتا ونفيا فان في هذا نحواً من تسليم مبنى الآخوند رحمه اللّه تعالى .

والمحصّل من هذا ان النفي في لا ضرر نظير الرفع في ما لا يعلمون متعلق بنفس الطبيعة وهو يقتضي عدم جعل الشارع الحكم الذي يلزم منه الضرر في الوضعيّات كاللزوم الضرري في المعاملات الغبنيّة وغيرها من الضرريّات عند تبعض الصفقة وتخلف الشرط وكايجاب الوضوء الذي يترتب عليه الضرر واللزوم ( كما تكرر منّا ) في الأوّل امضائي وما أمضى فيه كالايجاب في الوضوء وما أوجب .

والحاصل كما تعلق الرفع في هذه التسعة بأنفسها كذلك تعلق النفي في لا

مبنى سيّدنا الأستاذ

ص: 419

ضرر بنفس الطبيعة التالية لاداة النفي كما في لا رجل في الدار حيث انه نفي الطبيعة أوضح من تعلق الرفع بالتسعة لما في الحديث في بعضها بلحاظ الآثار بخلاف لا ضرر فالنفي على نفس الطبيعة نظير لا حرج ولا عسر ورفع القلم فان كلّها يؤدّي معنى واحدا واستعمل في مفهوم فارد وهو النفي التشريعي ففي لا ضرر ما كان ينشأ منه الضرر ويكون موجبا له مرفوع . فاللزوم في العقد الغبني الذي اذا رتب الأثر عليه يكون ضرريا رفع فهو ليس بموجود في صفحة التشريع ومرفوع عنها والا اذا لم يترتب عليه الأثر واستقال أحدهما وأقال الآخر فلا ضرر هناك .بل الضرر انماينشأ في ترتيب آثار اللزوم على العقد بأن يكون المتعاملان ملزمينبذلك .

وكذلك الوجوب في الوضوء الذي يلزم منه الضرر مرفوع لترتب الضرر عليه وكونه منشأ له كما ان في لا يعلمون الحكم الذي لا يعلمونه مرفوع وفي ما اضطروا إليه العمل الذي اضطرّ إليه فهو مرفوع فلا يترتب عليه حكم كان يترتب على مطلق العمل . وليس الضرر المرفوع والمنفي في الحديث الشريف هو ما يحمل عليه الضرر بالعنوان الثانوي بأن يكون كالاحراق المستند إلى الملقى في النار بل هو ما يلزم منه الضرر وينشأ منه ومعلوم ان في الالزام العقدي أو التكليفي في الوضوء ليس الضرر إلاّ من قبل الحكم والا فالعليّة مفقودة وليس ترتب الضرر على الحكم كترتب المعلول على العلّة بحيث لا يكون هناك فاصلة في البين بل الحكم إنّما يوجب ويقتضي ذلك ولذا يعبّر عنه بالحكم الضرري أي الذي يلزم منه الضرر والا فلا يحمل الضرر على الوجوب واختيار المكلف في الاطاعة والعصيان باقٍ . لكنه هذا الالزام ينشأ منه الضرر ويكون موجبا له في اطاعته

ص: 420

وكذلك « ما جعل عليكم في الدين من حرج »(1) حيث ينفي ما ينشأ منه الحرج ويكون موجبا له خصوصا باقترانه ( بلفظي في الدين ) يظهر في نفي الحكم الذي يكون منشأ للحرج وكذا العسر على المكلّفين ونتيجة لا ضرر في مقامنا نتيجة لا حرج بلا فرق بينهما وفي تعلّق الرفع والنفي في هذه بالطبيعة التالية للنفي درجة فرق ففي لا حرج ولا ضرر أقوى من رفع ما لا يعلمون والباقي وفي حديث الرفع(2) لا يكون الظهور بهذه المثابة سواء كان ذلك إنشاءا أو اخبارا . فاذا كانانشاءا يكون معنى الرفع والنفي عدم الجعل الذي هو نقيض الجعل في التشريع . فالرفع عدم التشريع كما ان الوضع والجعل هو التشريع . وكذا لو كان اخبارا يكون اخبارا عن عدم جعل ما يلزم منه الضرر . فقد ظهر بما ذكرنا انه لا وجه لتفريع المحقّق النائيني(3) ظهور النفي في لا ضرر متعلّقا بالطبيعة والموضوع متفرعا على ظهوره في حديث الرفع . فقد بينّا ان في لا ضرر ذلك أظهر وظهر أيضا انه لا تصل النوبة مع صحّة تعلّق النفي بالطبيعة إلى جعل النفي فيه نفي الحكم بلسان نفي الموضوع كما في لا شكّ لكثير الشكّ فان الشك بنفسه موجود في الخارج فلا يتعلّق به الرفع ولا وجه لجعل الشكّ بمعنى المشكوك كما ( في النسيان ) لأنّ المشكوك هو الاتيان بالركعة وكذا المشكوك فيه فان حكم الركعات معلوم فانها واجبة الركعة الثانية والثالثة مثلاً وليس نفي الشكّ بمعنى نفي الحكم الوجوبي المجعول على ركعات الصلاة فلا يناسب فيه الا نفي الحكم المجعول على مورد الشكّ بلسان نفي الشكّ وذلك فيما اذا كان الحكم مجعولاً ويكون نفي هذا الحكم

المراد بالضرر ما يلزم منه وينشأ منه

ص: 421


1- . سورة الحج: 79 .
2- . وسائل الشيعة 8 الباب 30/2 من أبواب الخلل في الصلاة .
3- . منية الطالب 2/201 .

بهذا اللسان اخراجا لهذا الفرد من الموضوع عن دليل العام كما في أكرم العلماء اذا عقبه بأن زيدا ليس بعالم مع انه في الواقع عالم فيكون النفي اخراجا للفرد عن حكم العام وتخصيصا بغيره وهذا أحد أنحاء الحكومة . وضابط نفي الحكم بلسان نفي الموضوع هو ما اذا اجتمعت شروط ثلاثة . أن يكون الحكم مجعولاً قبل ذلك حتى ينفي بهذا اللسان وأن يكون المتعلّق اختياريّا وأن لا يكون الحكم هو الحرمة . واختلف بيان سيّدنا الأستاذ قدس سره فتارة قال ذلك . وتارة جعل الثالث عدمكون الحكم هو الجواز لما يلزم من نفيه ما ينافي الامتنان ( وجعل المفقود في لاضرر هو الأخير من هذه الثلاثة وذلك لأنّ الحكم المجعول على الضرر في الشرايع السابقة والأمم السالفة هو الحرمة ورفع الحرمة عن الاضرار بالغير وبالنفس خلاف الامتنان بخلاف لا شك لكثير الشكّ فمعناه نفي الحكم المجعول في ظرف الشكّ من وجوب البناء على الأكثر مثلاً عن موضوعه وهو كثير الشكّ .

ولا يخفى انه يمكن أن يكون لا ضرر نفيا للحكم بلسان نفي الموضوع كما أفاد بأن يكون المشاق التي كانت على الامم السالفة في تكاليفهم من قرض لحومهم بالمقاريض مرفوعة عن هذه الامة ويكون فيه كمال الامتنان والمنة على الأمة المرحومة الا اذا جعلناه بمعنى الاضرار فحينئذٍ لا محيص عن جعله بمعنى النهي ولا يستقيم المعنى الأول والثاني أي نفي الطبيعة ونفي أحكامها فتأمّل .

طور آخر من البيان حاصل كلام المحقّق النائيني قدس سره ان النفي يتعلق بنفس الطبيعة وذات الشى ء تارة وذلك من المحمولات الاولية فان الوجود والعدم كذلك وإن كانت رتبة الذات أعلى من امتناع اجتماع النقيضين فان النقيضين الوجود والعدم ورتبة الطبيعة متقدمة عليهما فان الماهية من حيث هي ليست الا هي لا

النفي يتعلّق بنفس الطبيعة

ص: 422

موجودة ولا معدومة . وان كان لابدّ بالنسبة إلى الخارج من أحدهما فاما تلازم الوجود أو العدم واصطلح على هذا القسم من النفي بالنفي البسيط لتعلّقه بنفس الطبيعة باعتبار الوجود والوجود خارج عن الماهية . والا لزم تحصيل الحاصل في قولنا زيد موجود واجتماع النقيضين في قولنا زيد معدوم . بل بنحو يمكن أن يحمل عليها العدم كما يحمل عليها الوجود ويجتمع هناك النقيضان كل شيء وعدمه لا قائم ولا لا قائم لا قاعد ولا لا قاعد كما قلنا نظير ذلك في الاطلاق بالنسبة إلى متعلق الحكم . وتارة يتعلق النفي بالماهيّة فتسلب عن الشيء أو يسلبالشيء عنها وكلّ ذلك أي النفي البسيط والتركيبي تارة يكون في ما يمكن تعلقالنفي بنفس الطبيعة بأن تناله يد الجعل اثباتا أو نفيا فتكون النتيجة عدم الجعل في صفحة التشريع إذا كان حكما تكليفيّا وتارة في غير ذلك أو عدم التأسيس والاختراع أو الامضاء والتقرير اذا كان تالي لا أو ليس من الامور المعتبرة عند العقلاء وأهل العرف أو انتزاعيا تأسيسيّا للشارع ( واخرى يكون النفي حقيقة ورابعة مع الادعاء والمبالغة فالأول كلا صلاة الا بفاتحة الكتاب(1) في نفي الصحّة والثاني لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد(2) في نفي الكمال فافهم ) .

فمثال النفي في ما إذا يمكن تعلق الجعل بنفس تالى لا لا عسر ولا حرج اذا فرض كونهما بهذا اللسان فينفي بهذا اللسان الحكم الذي ينشأ منه الضرر على نحو ما بيناه سابقا في لا ضرر . ومثال ما لا يمكن تعلق الجعل بالمنفي بل بالنفي أي يكون تحت الجعل أو نفي الجعل لا صلاة الا بفاتحة الكتاب(3) واذا كان النفي نفيا

ص: 423


1- . الوسائل 6 الباب 1/1 - 2 - 6 من أبواب القرائة في الصلاة .
2- . الوسائل 5 الباب 2/1 أحكام المساجد واللفظ الا في مسجده .
3- . الوسائل 6 الباب 1/1 - 2 - 6 من أبواب القرائة في الصلاة .

تركيبيا فينتج المانعيّة في ما اذا سلب الشيء عن الماهيّة كما في لا شكّ(1) في المغرب أو وضع(2) احدى اليدين على الاخرى في الصلاة عمل و( ليس ) في الصلاة عمل والشرطيّة في ما إذا سلب الماهيّة عن الشيء أو الجزئيّة كما لاصلاة(3) الا بطهور والا بفاتحة الكتاب . وإذا لم يمكن تعلّق النفي بالطبيعة على نحو رفعها ولم يكن النفي أيضا ممكنا كما في لا صلاة(4) إلاّ بفاتحة الكتاب ممّا كان النفي تحت الجعل فتصل النوبة إلى المعنى الثاني . وذكر في التقريرات(5) لهاثلاثة شروط ذكرناها قبل وهي كون الحكم مجعولاً قبل ذلك لاقتضاء هذا المعنى ذلك امّا في الشريعة السابقة أو في دليل عام ( وذكر أو عند العرف ) والنفي بسيط كما تقدّم مثاله وتركيبي مثل لا طاعة(6) لمخلوق في معصية الخالق أو لا شكّ لكثير(7) الشكّ ومثل وجوب اطاعة الوالدين التي هي بعد اطاعة اللّه والنبي صلوات اللّه عليه وآله واطاعة أوليائه ووجوب(8) البناء على الأكثر . وبهذا يتضيق

موضوع الحكم المنفي بلسان نفي الموضوع ويختصّ بغير هذا . وهذا أحد أنحاء الحكومة قبال الورود بأن يكون الحكم باعتبار اثباته للمؤدى أو بالتعبّد كما هنا على التفصيل المشروح في محلّه خلافا للمحقّق الخراساني حيث حصر الحكومة

ص: 424


1- . الوسائل 8 الباب 2/3 إلى 11 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . الوسائل 7 الباب 15/4 من أبواب قواطع الصلاة .
3- . الوسائل 1 الباب 1/1 من أبواب الوضوء .
4- . الوسائل 6 الباب 1/1 - 2 - 6 من أبواب القرائة في الصلاة .
5- . منية الطالب 2/201 وما بعده .
6- . الوسائل 16 الباب 11/7 من أبواب الأمر والنهي .
7- . الوسائل 8 الباب 16 من أبواب الخلل في الصلاة بعبارات تفيد ما في المتن .
8- . الوسائل 8 الباب 8/1 - 3 - 4 من أبواب الخلل في الصلاة .

بنفي الحكم بلسان نفي الموضوع .

والثاني أن يكون اختياريّا للمكلّف لعدم فائدة في رفع غير المقدور كما لا فائدة في جعله فلا ربط للرفع والنفي به ولا اشكال في هذا الشرط ونتيجة الرفع في ذلك لا يكون اثبات الحكم الأوّل بل في غيره ولا يمكن أن لا ينفيه فان هذا من قيود الموضوع والاشكال .

في الشرط الثالث الذي ضبطه مقرّروا بحث المحقّق النائيني رحمهم اللّه جميعا ولم يجده الاستاذ في ما كتبه من تقريراته وهو أن يكون الحكم المرفوعبلسان نفي موضوعه هو الجواز(1) لا الحرمة . اذ لو كانت هي الحرمة فلا يمكن تعلق الرفع بها على هذا المعنى أي الثاني ومثل له في التقريرات(2) مثلاً بلا ختانولا طلاق ولا تعدد زوجات وظاهره فرض حكم هذه هي الحرمة وعدم رفع الحرمة بتعلق النفي لها . وهذا لا يستقيم اذ لا فرق بين الحكم أن يكون حرمة أو جوازا وجوبا أو غيره خصوصا في مورد الامتنان ولعلّه أراد بذلك عدم مخالفة الرفع للمنة على الامة وهذا حق لا يختص بخصوص الحرمة . بل لو كان الجواز وكان رفعه مخالفا للامتنان لم يتعلق به النفي . اما اذا كان فيه منّة فلا اشكال كما في لا رهبانيّة(3) في الاسلام التي كانت جائزة في شريعة عيسى على نبينا وآله وعليه السلام ونسخ حكمها في شريعة الاسلام منة على الامة مع وجود ما هو أفضل وأحسن وأعظم أجرا من أمثال هذه الرياضات .

واشترط سيدنا الأستاذ قدس سره أن لا يلزم من النفي اثبات حكم والا ففي

الاشكال في الشرط الثالث

ص: 425


1- . المنية 2/204 .
2- . المنية 2/204 .
3- . مستدرك الوسائل 14 الباب 2/2 النكاح .

الحقيقة جعل حكم لا رفع حكم كما لو رفع الجواز فبدلالته الالتزاميّة يجعل الحرمة فهنها اثبات بهذا اللسان ولا مانع من كون الحكم هو الحرمة فينفي بلسان نفي الموضوع .

وعلى أيّ فلو كان لا ضرر من نفي الحكم بلسان نفي الموضوع كما هو أحد الاحتمالات فالمنّة تقتضي أن لا يلزم من نفي حكمه خلاف منّة على الامّة من جواز الاضرار كما لا يمكن ذلك فنتيجة الشرط الثالث عدم مخالفته للمنة بأن يكون فيه منة على العباد سواء كان رفع حرمة أو شيء آخر ( كما لا يبعد أن يكون لا ضرر بهذا المعنى صحيحا بأن يراد من الضرر الحكم الذي ينشأ منه الضرر ولو في الشرايع السابقة كقرض(1) اللحوم بالمقاريض في الطهارة أو في الجاهليّةحتى ينفي تارة بلسان نفي الموضوع أو يمضي اخرى كما امضى ما سنه عبدالمطلب(2)فتأمّل .

واذا ما انطبق ضابط نفي أصل الحكم أو الحكم بالنفي ولا نفي الحكم بلسان نفي الموضوع تصل النوبة إلى النهي المعنى الثالث الذي جعل(3) المرحوم شيخ الشريعة الاصفهاني على هذه التراكيب لما ورد بلسان لا ضرر ظاهرا في هذا المعنى خلاف الظاهر الذي يكون استعمال لا فيه في النهي .

توضيح في بيان اعتبار الشروط الثلاثة:

أمّا بالنسبة إلى الشرط الأوّل وهو كون الحكم موجودا إمّا في الشرايع السابقة أو في هذه الشريعة أو في العرف اذ لو لم يكن كذلك فلا يكون من نفي

اعتبار الشروط الثلاثة

ص: 426


1- . الوسائل 1 الباب 1/4 من أبواب الماء المطلق .
2- . بحار الأنوار 15/67 - 69 تاريخ نبيّنا صلی الله علیه و آله: 127 - 129 .
3- . رسالة لا ضرر ولا ضرار: 40 .

الحكم بلسان نفي الموضوع بل لابدّ أن يكون للموضوع حكم حتى يرفع بالنفي وينسخ اما في زمن النبي صلی الله علیه و آله وإمّا من زمن الأئمّة ببيانهم عليهم السلام فانه ربما يكون امد الحكم إلى زمانهم اذ النسخ ليس بداءً بل انما للحكم الأوّل ظهور اطلاقي في الدوام ولا مصلحة لهذا الحكم الا الى امد معلوم وفي زمان نبي أو قبل الشريعة التالية لها ويتم أمده فيبيّن في لسان صاحب الشريعة الآتية أو حفاظها عليهم السلام أو يكون أمد الحكم إلى زمان حفاظ هذه الشريعة ولم يبين في لسان صاحبها كما يمكن في نجاسة النواصب مع كونهم معاشرين للناس في زمن النبي صلی الله علیه و آله ولم يبين نجاستهم إلى زمان الأئمّة علیهم السلام وإن كان يمكن توجيه هذابوجوه آخر منها كون الأئمّة علیهم السلام .أو الناس في التقيّة عن اجتنابهم الا انه لابدّ أن تقدر بقدر الضرورة ( ووجه منى وهو العسر الشديد أو عدم تحمل الناس مع قرب عهدهم بالاسلام ) ولمّا كان الحكم المنسوخ له ظهور اطلاقي في دوامه في الأزمان فلذا اذا شككنا في النسخ لا نحتاج إلى استصحاب عدمه اذ الاطلاق حاصل واذا حصل الناسخ فلا شك .

وأمّا اعتبار الشرط الثاني فواضح اذ رفع الحكم لابدّ أن يكون للحاظ الأثر واذا لم يكن طرفا المتعلق تحت اختيار المكلف فأيّ فائدة في رفعه كما لا فائدة في جعله .

وباصطلاح الشيخ والآخوند رحمهما اللّه تعالى لابدّ أن يكون موضوع الحكم فعلاً اختياريا وباصطلاحنا متعلق الحكم اما موضوع الحكم هو المفعول به المتعلق به المتعلق كما في لا تشرب الخمر فالخمر موضوع الحكم الذي تعلق به الشرب أو اكرم زيدا والا فالموضوع على اصطلاحنا لا يتعلق به الحكم ولو تعلق

ص: 427

فيكون المراد صنعة ذلك الشيء كالخمر فانه حينئذٍ اختياري .

اما بالنسبة إلى الشرط الثالث الذي ذكره صاحب التقريرات فاشتباه منه اذ كون الحكم هو الجواز لا الحرمة لا يحقق موضوع نفي الحكم بلسان نفي الموضوع فربما يكون الحكم هو الحرمة وترفع وتنفى بلسان نفي الموضوع . بل ذلك لبيان امتناع ارادة المعنى الثالث وهو النهي اذ لو كان الحكم هو الحرمة فلا يمكن تعلق النهي بالموضوع ( الا أن يكون ارشادا وهو خلاف ما نحن فيه ) وتكون الأمثلة في الأصل لبيان امتناع ارادة المعنى الثالث كما لو قيل لا ختان ولا طلاق ولا تعدد زوجات اذ لو كان الحكم في هذه هي الحرمة وكان النفي بمعنى النهي لا يفيد الا التأكيد ويكون الثابت بالنهي عين الحكم الثابت سابقا ( إذ يكونمن تحصيل الحاصل ) هذا في النفي البسيط كما في لا رهبانيّة(1) في الاسلام ولابنيان كنيسة . اما النفي التركيبي فمرجعه على هذا المعنى إلى التخصيص كما في أكرم العلماء وزيد ليس بعالم مع كونه عالما تكوينا فالنفي في زيد ليس بعالم نفي تشريعي بلحاظ رفع وجوب الاكرام المجعول على العلماء عن زيد الذي هو موضوع متعلق الحكم أو بعبارة أحسن ووجه أقرب نفي اكرام زيد عن الاكرام الذي تعلّق به الوجوب في أكرم العلماء ومن ذلك لا شكّ لكثير(2) الشكّ الذي حدّد في بعض الأخبار بشكه في ثلاثة صلوات ( متواليات ) لا الوسواسي فانه بمجرّد احراز كونه وسواسيّا لا يترتب على قطعه ولا على شكه أثر فيما اذا خرج عن المتعارف . واذا لم يمكن النفي بفقد بعض هذه القيود بأن لم يكن الحكم

ص: 428


1- . مستدرك الوسائل 14 الباب 2/2 من أبواب النكاح .
2- . وسائل الشيعة 8 الباب 16/2 - 6 - 7 من أبواب الخلل في الصلاة مع تفاوت في اللفظ .

مجعولاً في الشريعة السابقة لو تصورنا ذلك أو غير معلوم لنا وإن كان مجعولاً ( أو لم يكن مع النظر إليه ) أو لم يكن الفعل اختياريا وإن كان لا يمكن انفكاك هذين أو لم يكن الرفع بلحاظ أثر ( وإن كان مستغنى عنه ) فتصل النوبة إلى المعنى الثالث وهو النهي ولابد أن يكون متعلقه أيضا اختياريا مقدورا بطرفيه للمكلف حتى ينهى عنه وذلك كلا غش بين(1) المسلمين أو لا اخصاء(2) « ولا رفث ولا فسوق

ولا جدال في الحج »(3) . فان هذه لم يكن لها حكم حتى ينفي أو يمكن أن ينفي وإن كان لها حكم فيكون معنى لا النهي عن ايجاد هذه في الخارج في مواردها .فالغش يصير حراما وكذا الاخصاء أو مكروها اذا كان النهي تنزيهيا ( أقول يمكن أن يكون في « ولا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج »(4) من قبيل نفي الحكمبلسان نفي الموضوع من قسم التركيبي منه فيبيّن ظرف هذه الأفعال بالنسبة إلى أحكامها كما ان هذا القسم من النفي وهو التركيبي في اصطلاح النائيني كان يبين افراد الموضوع ويحدد الحكم بحدودها فهذا يكون محدد الموضوع والحكم وقتا فتأمّل والنفي هنا لا يكون بمعنى نفي الفسوق وعدم وجوده خارجا تكوينا اذ وقوع ذلك ممّا لا شكّ فيه فلو كان اخبارا يلزم الكذب لو جعلنا النفي على حاله وما جعلناه كناية عن النهي بابلغ وجه وأفصح بيان كأنّه لا يوجد هذا الشيء في الخارج ولا يمكن نفي تالي لا بلحاظ المنفي ولا بلحاظ لا ولا يمكن جعله من نفي الحكم بلسان نفي الموضوع اذ حكم ذلك هو الحرمة ويكون في الحج أشد .

ص: 429


1- . عن سنن الدارمي 2/248 .
2- . الجامع الصغير 2/725، فيض القدير 6/380 .
3- . سورة البقرة: 198 .
4- . سورة البقرة: 198 .

فلابدّ من جعل ذلك بمعنى النهي اما ارشادا أو تأكيدا للأحكام السابقة على هذه الموضوعات من الحرمة بلحاظ خصوصيّة واثر كلزوم الكفارة أو المانعيّة كما في الكذب على اللّه ورسوله صلی الله علیه و آله في الصيام .

نعم الرفث الذي يمثل به لا يكون من هذا المعنى اذ يمكن أن يكون بلسان نفي الموضوع نفي الحكم وهو الجواز ( فعلى هذا يكون جعل الحرمة أو الارشاد إلى المانعيّة حيث قال سيّدنا الأستاذ قدس سره ببطلان العمل فلابدّ أن يأتي بالحج في العام القابل ولا يجتمعان في موضع العمل . وأمّا النهي أيضا فلابدّ أن يكون متعلقه اختياريّا أيضا وكما يمكن أن ينشأ بصيغة افعل كذلك يمكن أن ينشأ بغير صيغته بل بطريق النفي الوارد على الفعل المضارع كلا يعيد والأمر بلسان المثبت يعيد وذلك من وجوه البيان للأفصحيّة من نحو النهي الصريح كما في لا تغش ولا تغشّوا بالنسبة إلى لا غشّ بين المسلمين الذي هو من أمثلة النهي .توضيح بعض ما سبق: ذكر المحقّق النائيني قدس سره (1) لتحرير هذا المطلب امورا: منها ان الأخبار والانشاء ليسا من المداليل للكلام بحيث يستعمل لفظ لافادتهما بل هما من المداليل للسياق فتارة يكون المستعمل بصدد بيان تحقق النسبة بين الفعل والفاعل في الماضي أو انه يتلبس به بعد ويكون هناك قرينة سياقيّة تدلّ على ذلك ففعل الماضي أو المستقبل مثلاً يعيد أو سجد سجدتي السهو ( أو لا يرفع رأسه قبل الامام ) أو بعتك أو زوجت ففعل الماضي والمضارع الذي يتكلم به يكون لافادة هذا المعنى ويصير اخبارا بالقرينة . وتارة يكون بصدد ايجاد مصداق لنسبة ملحوظة بمعناها الاسمي ولا تحقق لها الا في عالم الايجاد

ما عن المحقّق النائيني لتحرير المطلب

ص: 430


1- . منية الطالب 2/204 - 205 .

وبنفس التكلم يوجد النسبة ويكون ظرف استعمال الكلام والنطق به ظرف تحققها وتحصلها فيكشف ذلك بالقرينة باستعمال اللفظ والنطق به للايجاد . وتحقيق ذلك ان النسبة ليست بحيث تلاحظ بنفسها بل لحاظها إنّما هو في معناها الاسمي ولا لفظ موضوعا بازائها حتى يستعمل ويراد به النسبة بل قد تقرر في محله ان الحروف ليس لها معاني حتى تخطر بالذهن فيستعمل اللفظ لافادتها سواء كان منها ما ليس للنسبة أو كان لها والأمر في النسبيّة منها اشكل بل هي ايجاديّة بمعنى ان ظرف المفهوم ظرف المصداق والتحصل . فتارة يريد فعل الطبيعة من المكلف فينشأ النسبة ويوجد مصداقا منها بين الفعل أي الطبيعة والفاعل وهو المخاطب وينتزع منه الوجوب واللزوم وأن يكون المخاطب فاعلاً تكوينا كما جعله المولى فاعلاً تشريعا أي كن كذلك مثلاً مصليا في صل وكذا بالنسبة إلى جانب التركيستعمل الكلام وينطق به ويوجد وينشأ نسبة تركيّة في الخارج أي في عالمالتحصل وبها يكون العبد تاركا تشريعا ولابدّ أن يكون تكوينه حسب تشريع المولى . وليست النسبة هنا موضوعا لها لفظ حتى يستعمل فيها وتراد به اذ الطبيعة أي المتعلّق ليست الا ما يفعلها المكلّف ويوجدها وهي لا دلالة لها إلاّ على نفسها والهيئة إنما هي للربط بين الفعل والفاعل وليس معناها الطلب اذ الطلب معنى اسمي ولا يكون مفادها . واذا كان كذلك فالمصدر أو اسمه في الجملة الاسميّة لا مانع من أن يكون على هذا الترتيب مرادا به النهي اذا قرن بلا النافية قبله كما في مثل لا غشّ(1) بين المسلمين اذ الأخبار والانشاء من مداليل السياق وحيث ان مقام الشارعيّة يقتضي الجعل والانشاء فيكون للكلام ظهور في ارادة كون

ص: 431


1- . عن سنن الدارمي 2/248 .

المخاطبين غير غاشين . واذا صح هذا فيوجد المولى موضوع حكم العقل بوجوب الاطاعة للمولى الحكيم اما بتّا أو تنزيهيّا .

وكيف كان . اذا وصلت النوبة إلى معنى النهي عن الاضرار بالغير عن لا ضرر وإن كان اسم مصدر أو مصدرا واذا(1) لم يمكن ارادة هذا المعنى بعد تعذر

ارادة المعاني السابقة في النفي فنتنزل إلى التنزيل وان النفي بلحاظه فكان النافي نزّل الموجود منزلة المعدوم حقيقة .

بيان ذلك انه ربما يكون التاجر في تجارة واحدة في عدّة أجناس يتضرّرفي جنس منها وينفع في بعض الا انه يكون مقدار ما نفع مساويا لما تضرّر أوأزيد . فيصح حينئذٍ أن يقال عرفا انه ما خسر في تجارته لما في النفع من جبران الضرر الذي توجّه إليه من ناحية الجنس المتضرر به بلا تجوز ولا تكلف . واذا كان كذلك وصح عرفا فلا مانع من أن يكون لا ضرر على فرض عدم امكان ارادة المعاني السابقة المذكورة مرادا به هذا المعنى فالضرر الذي يتوجه إلى شخص باتلاف ماله أو تلفه من ناحية انسان اذا حكم الشارع عليه وضعا بوجوب دفع العوض والبدل أو الأقرب إليه بناء على أن يكون اللازم في باب البدل ذلك سواء كان مثليا أو قيميا بلا فرق في ذلك .

فلو كان التالف غنما فيدفع المتلف غنما بذاك الوصف الذي كان عليه التالف

ترتب ارادة المعاني

ص: 432


1- . واذا أنشأ المولى وأراد فعل شيء أو تركه من المكلف فيجب عليه بمقتضى الزام العقل بوجوب الاطاعة أن يجعل تكوينه على طبق تشريع المولى ولا مجال هنا للخطاب المولوي حتى في عالم اللب أيضا بأن يوجب عليه الاطاعة . بل ما ورد من ذلك في الشرع ارشاد إلى حكم العقل من نحو« أطيعوا اللّه ورسوله » . سورة الأنفال: 2 . إذ لو لم يكن ما ينتهي اليه بالعرض فلا يستقر حجر على حجر وحكم العقل بعد أن المولى مولى والعبد عبد بوجوب اطاعة المولى على العبد بتّي ولا يبتني على شيء آخر .

فضلاً عن المثل أو بمقتضى قاعدة اليد الزمه وشغل ذمته اذا تلف مثله أو قيمته فلا يكون هناك تلف لغنمه ولا حيف عليه بل كما ان عند وجود العين وردها إلى صاحبها بمقتضى على اليد لا خسارة عليه ولا وصل إليه ضرر لوصول عين ماله إليه وادّى هو كذلك إلى هذا المالك فكذلك عند تلفه وردّ شغل ذمّته بالأقرب إلى التالف . فعليه أن يدفع إليه غاية ما هناك ضاعت شخصية عينه وتقوم ماليتها بعين اخرى مثلها أو الأقرب إليها مطلقا . وعلى هذا فلا اشكال عليه لو كان بهذا المعنى لا بمجرد وجوب الدفع تكليفا فان الوجوب التكليفي لا يصحح التنزيل بهذا النحو .

هذا ما بيّنه المحقّق النائيني رحمه الله ولكن يرد هنا ما أورد الشيخ على المعنى الرابع وجعله بذلك أردء الاحتمالات وهو انه لا يوجب جبران الضرر حكم المولى تكليفا بوجوب الجبر على المتلف فان ذلك لا يصحّح التكوين ولا يجعل المالك لعشرين غنما التالف واحد منها بعمل الغير بلا اذنه مالكا لذلك خارجا . كماأن ايجاب الزكوة والخمس لا يرفع فقر أهله ومستحقّيه حتى يصح ان ينفي عندذلك الفقر والجوع عنهم . فيقال لا جوع ولا فقر لمستحق الخمس والزكوة وذلك لان اشتغال ذمّة المتلف أيضا لا يوجب الجبران خارجا اذا لم يكن المشغول ذمّته ممن اذا صار عليه شيء يكون في قوّة المال الموجود عند المشغول له الدائن له . والا فهذا المعنى كما استحسنه المحقّق النائيني وقربه بهذا الوجه متعيّن كما عنده اذا تعذر المعاني السابقة ولا يكون ضعيفا بل له وجه وجيه لا كما استضعفه الشيخ رحمه اللهوجعله أردء المعاني .

الايراد على الشيخ

ص: 433

تنبيه وتكميل: ما أورد المحقّق النائيني على هذ الذي جعله الشيخ(1) أردء الاحتمالات بأن يكون وجود الضرر كعدمه تنزيلاً بوجوب الاداء لما أتلف مثلاً بأنّه لا يوجب تدارك الضرر بل الموجب لتدارك الضرر والخسارة الواردة عليه من ناحية الغير هو الضمان واشتغال ذمّة المتلف أو التالف عنده بلا اذن مالكه في تصرفه ولو كان التلف سماويا . وبهذا الوجه أمكن أن يحمل قوله علیه السلام لا ضرر بمعنى تنزيل الضرر الموجود منزله عدمه اذ يتدارك باشتغال عهدة الغير به لكن ما أورده المحقّق المزبور رحمه الله بعينه يرد على ما ذهب إليه نفسه . اذ الحكم الوضعي بالضمان لا يوجب تدارك الضرر ولا يصحح النفي التنزيلي للموجود .

وعلى أيّ عند تعذّر المعاني الثلاثة المتقدّمة لابدّ من المصير إلى هذا المعنى لعدم خلو الكلام عن الفائدة . وعلى هذا إمّا أن يكون لا ضرر انشاءً بأن يكون أحد موجبات الضمان كما ان التلف والاتلاف أحدهما امّا مباشرة أو بأن يكون تحتيده بآفة سماويّة . فيصير قاعدة فقهيّة كقاعدة اليد والاتلاف لكن كناية اذ معناهالحقيقي هو النفي التنزيلي . أو لا يكون انشاءا بل اخبارا عن ان الضرر اذا ورد على شخص فالشارع جعل على ذلك حكما واشغل ذمّة المضر ببدل ما أتلفه اذا تعذّر عليه عينه مثلاً أو قيمة بأن يحفظ ماليّة ذلك التالف في ضمن مال آخر اذ الشخصيّة بعد التلف لا مجال لها . فلا ضرر بهذا المعنى الأخير لا يكون قاعدة ولا انشاءا يمكن أن يتمسّك به في الموارد . بل المرجع تلك القواعد التي تتضمن الأخبار جعلها انشاءا في الموارد الخاصّة لأسباب خاصّة كقاعد اليد والاتلاف

ص: 434


1- . قال الشيخ رحمه الله بعد بيان المحامل الثلاثة للاضرر ثم ان أردء الاحتمالات هو الثاني مشيرا به إلى معنى الضرر المجرّد عن التدارك وإن قال به بعض الفحول لأن الضرر الخارجي لا ينزل منزلة العدم بمجرّد حكم الشرع بلزوم تداركه وانما المنزل منزلة الضرر المتدارك فعلاً الخ .

وغيرهما اذ المعنى الأوّل وهو كون لا ضرر متكفّلاً للانشاء على هذا الوجه وهو النفي التنزيلي لا يستقيم لا صغرى له ولا كبرى اذ لم يرد ان من اضر بغيره ضامن لذلك ( أقول: عدم الورود لا يوجب طرح الرواية على فرض تعذر المعاني السابقة وصحّة السند وظهورها في الانشاء الا أن يكون هناك اعراض ) .

نعم يمكن توجيه كلام المحقّق النائيني رحمه الله بأن يكون النفي هنا بلحاظ بعض الآثار كان يحسب ما تضرر به من الغير زكوة أو خمسا ( أو صدقة عليه ) لو كان أهل ذلك هذا . وبعد ان ذكر الأمور الثلاثة لبيان ضوابط الوجوه الاربعة في لا ضرر صار بصدد بيان امتناع بعضها في خصوصه وإن لم يمتنع بالنسبة إلى مواردها وتعيّن بعض . فانه قد علم ممّا رتّبه من المقدّمات لتقدم بعض الوجوه على آخر عدم المصير إلى الرابع لما ذكرنا من اردئيته حسب لزومه حمل النفي على الانشاء . وكذا لا يصار إلى النهي اذ لا يناسب مورد خبر سمرة(1) وخبر البعير(2)المريض فان في قضيّة(3) سمرة لو كان بمعنى النهي فلا يقصر سلطنته عن التصرّففي طريق عذقه مع ان المورد يأبى عن ذلك فانطباق لا ضرر عليه وكونه صغرى له انما يتحقق بغير النهي وكذا في مورد رواية البعير الذي رواها هرون بن حمزة الغنوي عن أبي عبداللّه علیه السلام في بعير مريض اشتراه رجل بعشر دراهم وشاركه الآخر بدرهمين بالرأس والجلد . فقضى أن برء البعير وبلغ ثمنه دنانير فقال علیه السلام: لصاحب الدرهمين خمس ما بلغ فان قال اريد الرأس والجلد فليس له ذلك هذا الضرار الخ فان قوله علیه السلام فليس له ذلك هذا الضرار لا يناسب النهي بل هو صريح

ص: 435


1- . الوسائل 25 الباب 12/1 - 3 - 4 من أبواب احياء الموات .
2- . الوسائل 18 الباب 22/1 من أبواب بيع الحيوان .
3- . الوسائل 25 الباب 12/1 - 3 - 4 من أبواب احياء الموات .

في النفي ويؤيّد ظهور لا ضرر في النفي لو لم يكن نفس هذا الكلام اشارة إلى لا ضرر كما ظهر من كلمات سيّدنا الأستاذ قدس سره ظاهرا عن بحث استاذه . وهذه الرواية وإن كان في تصوير المشاركة فيها كلام . وانه هل هي الشركة الحقيقيّة كما اذا كان شريكه في الثلث والربع مشاعا أو ليست الشركة هنا لانحياز المالين أحدهما عن الآخر فالرأس والجلد منحازان عن اللحم كالعكس لا يضرنا في مورد البحث إذ لو أراد صاحب الرأس مع بلوغ قيمة البعير دنانير رأس بعيره لزم الضرر على صاحبه . فليس له ذلك كما هو منطوق الرواية ولا يناسب حمل لا ضرر في خصوص المقام على نفي الحكم بلسان نفي الموضوع للزومه وجود حكم في الشرايع السابقة أو عند العرف حتى ينسخ ذلك الحكم بسيطا كما في قوله علیه السلام لا رهبانيّة في الاسلام(1) اذ بدون ذلك لا يمكن رفع الحكم بلسان نفي الموضوع .

فان من شرايطه أن يكون له أثر واذ لم يكن حكم مجعول أو كان ولم يعلم فلا أثر . أو مركّبا الذي يكون معناه سلب شيء عن شيء بمفاد ليس الناقصة لا نفيالشيء والتالي بمفاد ليس التامة كما في لا سهو في سهو(2) على بعض الاحتمالات الاثنى عشر ولا مثل لا شكّ لكثير الشكّ(3) الذي له لسان الحكومة على دليل

الشكّ . فان ذلك على بعضها ينتج عدم حكم له أصلاً في كلية الموارد لا في خصوص سجدة السهو وصلاة الاحتياط . وتحقيق ذلك في الفقه . ولا ضرر لا يمكن أن يكون بهذا المعنى أي نفي حكمه فان الحكم الذي كان للضرر في الشرايع السابقة هو الحرمة وهي لا ترفع في هذه الامة بأن يجوز الاضرار بالغير .

من الشرائط أن يكون له أثر

ص: 436


1- . مستدرك الوسائل 14 الباب 2/2 من أبواب النكاح .
2- . الوسائل 8 الباب 25/1 - 2 - 3 من أبواب الخلل في الصلاة .
3- . وسائل الشيعة 8 الباب 25/3 من أبواب الخلل في الصلاة .

فانّ الشارع لا يحكم بما هو قبيح عند العقل ولو لم يكن حكم الشرايع السابقة معلوماً فحكم العقل بقبح الاضرار يمنع كونه نفي الحكم بلسان نفي الموضوع . فالشارع في هذه الموارد إمّا ينشأ الحكم على طبقها أو يرشد إلى ما هو عند العقل اخبارا فلا يكون الحكم جوازا حتى ينفي وينتج الحرمة ولا يستقيم ما ذكره الآخوند الخراساني رحمه الله في هذا المقام لتصحيح نفي الحكم بلسان نفي الموضوع من الملازمة بين عدم الجواز للاضرار بالغير تكليفا والضمان وضعا الا في موارد ورود الدليل بالجواز تكليفا والضمان وضعا . فالأكل في المخمصة ببيان ان المنفي جواز الاضرار بالغير ووجوب تحمل الضرر منه . اذ على الضابط الذي ذكرنا لا يصح ما قاله لاستلزامه كون حكم الضرر جوازا في الشرايع السابقة أو في العرف وذلك مسلم العدم فتأمّل .

تذكرة: قد ذكرنا عدم مناسبة ظهور لا ضرر في المعنى الرابع ولا الثالثولا نفي الحكم بلسان نفي الموضوع لا بسيطا ولا تركيبيّا الذي نتيجته التخصيصكما في لا شك لكثير(1) الشك حيث ينفي الحكم الثابت على الشكّ عن كثيره وكما في الوسواسي أو نظير لاطاعة لمخلوق(2) في معصية الخالق اذ ليس للأب على

هذا الزام ابنه بخلاف ما أمر اللّه تعالى فبين مقدار دلالة أدلّة الحكم المنفي من المورد وليس لا ضرر واردا على هذا اللسان التركيبي حتى يرفع حكم ضرر عن كلي حكم الضرر . نعم بناء على كون في الاسلام أو على مؤمن زائدا في الخبر الشريف يختص الحرمة بهم وبالمعاهد والذمّي الّذين أجار الأوّل منهما دولة

استظهار المعنى الأوّل

ص: 437


1- . وسائل الشيعة 8/2 - 3 - 6 الباب 16 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . الوسائل 16 الباب 11/7 من أبواب الأمر والنهي .

الاسلام أو أحد من المسلمين لحفظ ماله وقد مضى ماله دخل في استظهار كون في الاسلام زيادة من الراوي لمناسبة انس الذهن الا اذا كان بنحو لا وضوء ضرريا أو لا عقد كذلك حتى ينفي الحكم المجعول على الكبرى عن هذا الفرد وهو خلاف ما ورد عليه أخبار الباب فينحصر الحمل على المعنى الأول وهو النفي باعتبار نفس الضرر . وليس هذا صحيحا اذ الضرر كثير في الخارج مع ان ذلك لا ربط له بالشارع من حيث هو شارع نعم اذا كان الضرر عنوانا ثانويّا للحكم صح نفيه بهذا الاعتبار وأن يتعلّق به الرفع .

بيان ذلك ان المسبب التوليدي ما هو يحصل عند حصول سببه ويصح تعنون السبب بعنوان المسبب اذا لم يشاركه شيء آخر في ذلك فالالقاء في النار الذي يوجب في الخارج احتراق الملقى بالنار قابل للتعنون بعنوان الاحراق ويقال على الذي القى انه محرق كما انه ملقى . وضابط ذلك ما بينّا مرارا من عدمتوسط ارادة فاعل مختار ذي شعور بين فعل الفاعل والنتيجة . بل يكون فعلهوالسبب الجزء الأخير للعلّة التامّة للمسبب . فلو أرسل الكلب إلى انسان ليعضّه أو الماء إلى جدار فخر به صحّ في ذلك اسناد التخريب إليه والقتل والجرح كذلك كما في الاحراق . وان كان كلّ هذه من غيره من النار والكلب والماء . فلننظر لا ضرر هل يصحّ على هذا الضابط ويستقيم تعلق الرفع بنفس الضرر فينفي .

فنقول الحكم الشرعي تارة يكون بحيث يترتب عليه الضرر ويكون هو الذي ينشأ منه ذلك ويكون سببا له وذلك واضح في المعاملات . فاللزوم الذي يوجب من طرف الشارع تكتف المتعاملين عن التخطي عن ما تعاقدا عليه أو أحدهما كما في العقد الغبني ممّا يكون سببا للضرر على المغبون لا نفس العقد ولا

ص: 438

صحته . اذ الصحة ما لم يطرء عليها اللزوم لا توجب ضررا على أحدهما فاذا كان كذلك صحّ أن يحمل الضرر على نفس الحكم وهو اللزوم فيقال لا ضرر ويراد منه لا لزوم أو لا وجوب كما في الحكم التكليفي مثل الوضوء الضرري . غاية الأمر في الوضوء قابل التعلق بنفسه وبحكمه وبمناسبة مقام الشارعيّة نحمل الحديث على نفي الحكم .

إن قلت: ما ذكرت من السببيّة والمسبّبيّة وتعنون السبب بعنوان المسبب إنّما يصحّ في خصوص الحكم الوضعي فاللزوم الذي مثلت به حيث يوجب ضررا على المغبون جاز أن يطلق عليه الضرر وينفي لأنه سبب له وهو مسبب عنه فلا ضرر أي لا حكم واما بالنسبة إلى الحكم التكليفي فلا يستقيم اذ ما يلزم منه الضرر ويكون سببا هو العمل الذي يصدر من المكلف امتثالاً اذ الحكم بما هو حكم لا يترتب عليه الضرر . بل غايته ان يكون كالمعد الذي الى حصول المسبب يتوسط أشياء كما في سقي الزرع المعد لصيرورته سنبلاً . فان الذي يصدر من الشخصانما هو السقي واما اشراق الشمس وهبوب الريح وأمثالهما ليس من عمله بل منالشمس مثلاً وإن كانت غير ذي شعور . الا ان عقد الحب وغير ذلك من تقلباته إلى حين يصير سنبلاً من التصرّفات الملكوتيّة قد توسطت بين البذر أو غرس الشحر وأثماره وكذا في الوضوء الذي يكون ضرريّا الضرر انما حصل من ناحية الفعل وأمّا الحكم فلا يوجب ذلك مع توسط ارادة المكلف المختار في اطاعة المولى وعصيانه .

قلت: في هذا المقام أيضا الضرر مستند إلى الحكم ويصح أن يكون الضرر محمولاً عليه في النفي ويكون مرفوعا منفيا .

ص: 439

توضيح ذلك ان المكلف بعد أن يتأمّل ما يترتب على عصيانه واطاعته لا يبقى له مقام تأمّل في اطاعة المولى فيما أمره به ونهاه عنه من عذاب النيران والحور والغلمان وتفتح أبواب الجنان . فذلك اذا يتأمّل فيها لا يبقى له اختيار في الاطاعة حذرا من النار في ما اذا عصى ولم يطع المولى . وبهذا المعنى يمكن أن يسند الاضرار إلى المولى حيث ان جعل هذا الحكم أوجب ذلك على المكلف اذ لو لا ذلك ما كان يتحمل هذه المشقة فكانه قهر على الاطاعة ولا ارادة للمقهور في جنب ارادة القاهر ولا المكره في ناحية المكره اذ هذه الارادة من هذين استحقت السلب منهما ( اذ المانع الشرعي كالمانع العقلي وذلك لا ينافي الاختيار ولا يلزم الجبر اذ هو في طرف ممّا نحن فيه ) فعلى هذا يصحّ حمل الضرر على الحكم كما يصحّ حمل ذلك على الفعل وهو الوضوء . وقد أشرنا سابقا إلى أن المناسب لمقام التشريع هو الحمل على الأول فيكون معنى لا ضرر لا حكم ضرريا أي لا وجوب مثلاً . وبهذا المعنى يدخل الحكم الوضعي والتكليفي كلاهما تحت النفي اذا كانا بحيث أوجبا الضرر وصارا سببا له فيصح عرفا حمل الضرر عليهما بالحمل الشايعالصناعي كما في هذا رجل وذاك شجر فعلى هذا يكون معنى لا ضرر مفاد لا حرج« ما جعل عليكم في الدين من حرج »(1) أي ما يوجب حصول الحرج على المكلّفين ويعنون بالعنوان الثانوي بذلك ما جعل . فالضرر كالحرج مرفوع منفي وضعا وتكليفا .

هذا ما يتعلّق ببسط الكلام في استظهار هذا المعنى من لا ضرر وحمله على ما ذكره المحقّق النائيني من كون التالي هو المنفي حقيقة بما ذكر ولعل سيّدنا

ص: 440


1- . سورة الحج: 79 .

الأستاذ

قدس سره يتفضل بافكار وتحقيقات في ذلك وتحصل الفرق بين المقامين في صحّة اسناد الضرر إلى فعل المكلف أيضا في الوضوء دون اللزوم العقدي فانه مستند إلى نفس الجعل لا غير .

طور آخر من البيان: أفاد سيّدنا الأستاذ قدس سره انه قد ذكرنا ما كان في وسعنا من تقريب ما بيّنه المحقّق النائيني قدس سره من حمل لا ضرر على النفي بلحاظ المنفي وكونه هو الضرر بوجوده التشريعي . وحيث ان ما ذهب إليه هو الأساس للنتايج المترتبة على لا ضرر كما سيأتي فلابدّ من تحقيق الحق في ذلك وليس دأبنا الاشكال عليه رحمه اللّه ما وسعنا مساعدته في ما اختاره الا ان في النفس شيئا اذا صح كون الحكم التكليفي والوضعي معنونا بعنوان الضرر فلا اشكال في صحّة ما أفاده ( بلا تجوز ولا اضمار فلا يكون الضرر الا بمعناه المصدري لا بمعنى المضرّ ) وان المتقدم حفظ لا في النفي والا فالنهي بعد عدم امكان نفي الحكم بلسان نفي الموضوع الذي اختاره الآخوند رحمه الله وليس غرضه من ذلك ان الضرركان حراما فارتفع حرمته اذ لا يقول بذلك أحد(1) بل المراد ان الفعل الخارجيالذي يكون ضررا على المكلّف لا حكم له . فالوضوء الذي يكون ضررا لا وجوب له كما ان هذا المعنى يراد ظاهرا من قوله تعالى: « يريد اللّه بكم اليسر»(2) وقوله تعالى: « ما جعل عليكم في الدين من حرج »(3) .

ومن المسلّم الواضح ان الذي يكون فيه الضرر ويعنون بعنوانه إنّما هو

بيان آخر

ص: 441


1- . فكيف بمن هو علم في التحقيق وكان المرحوم السيّد الشيرازي قدس سره نقل عنه ان الآخوند ملاّ محمّد كاظم الخراساني نهاية أفكار غيره .
2- . سورة البقرة: 186 .
3- . سورة الحج: 79 .

اجراء الماء في الوضوء على الأعضاء فيكون كارسال الكلب أو الماء لتخريب حائط الغير الذي يعنون بالعنوان الثانوي بالجرح أو التخريب وكذلك ذلك الاجراء والوضوء يعنون بالضرر لتولّده من الاجراء ولا دخل لأمر المولى في ذلك الا بنحو الاعداد اذ الأمر لا يسلب اختيار الترك كما ان النهي لا يأخذ القدرة على الفعل . بل المأمور به والمنهي عنه باقيان على حالهما قبل تعلقهما بهما ولا يوجبان ضيقا في ناحية قدرة المكلّف . ولو كان بالنظر إلى العقاب والجنّة والثواب يرغب نحو العمل المأمور به ويحذر المنهي عنه تارة كما انه يكون على خلافه اخرى ولا وجه لتوهم ان امر المولى ونهيه يسلبان اختياره ويكون مجبورا على الفعل أو الترك كما عن المحقّق النائيني رحمه الله في عدم جواز استيجار الانسان في صلاة نفسه لنفسه بتقريب ان أمر المولى سلب عنه اختيار الترك وصار عمله مملوكا للمولى فلا يمكن عليه الاجارة اذ لابدّ فيها مضافا إلى وصول نفع إلى المستأجر أن يكون عمل الأجير مملوكا له وليس كذلك في ما نحن فيه .

وعلى أيّ لا يكون أمر المولى ونهيه الا كالمعدّ في مثالنا هذا بأن حفر انسانبئرا في الطريق و جاء واحد نحو البئر فالقاه آخر بلا اختيار منه ( أي الاول ) فيالبئر فان القتل إنّما يسند إلى من كان عمله جزء العلّة التامّة الأخير وهو الأخير لا من حفر البئر إذ بين حفره والقتل توسط عمل ذاك الشخص بخلاف ما لو سقط بنفسه من غير شعور فيها فحينئذٍ يستند القتل واذهاب النفس إلى الحافر لأنّ الوسائط كلّها غير اختياريّة .

( أقول يمكن الاشكال في هذا بأن مجيء الشخص إلى هذا المكان كان باختياره وإن لم يكن لترتب هذا القصد فتدبّر فانّه يمكن تصحيح ذلك بالاسناد

ص: 442

العرفي ) فلا يصحّ باب التسبيب التوليدي في ما نحن فيه للا ضرر في الحكم التكليفي وكذا الوضعي مضافا إلى ان الوضعيّات ليست إلاّ امورا انتزاعيّة غير مجعولة فالملكيّة منتزعة من جواز تصرّف البايع في الثمن والمشتري في المثمن وجوازات اخر من نقل ما انتقل إليه بالبيع والهبة وغيرهما فعند البيع ينتزع السببيّة

والملكيّة وجواز التصرّف كما ان السلطنة لها ايجاب وسلب . فالايجاب ينتزع من عدة امور من الجواز والسلب من عدّة نواهي ( ولا ضرر يترتّب على جعله ما لم يتحقّق العمل في الخارج على طبقه في موارد يلزم ذلك فتدبّر جيدا .

عود على بدء ما ذكرنا من الاشكال في تعنون الحكم الوضعي والتكليفي بعنوان الضرر على ما افاده المحقّق النائيني وقلنا أن ما يحمل عليه الضرر ليس الا ما يتعلّق به الحكم كالوضوء فاجراء الماء على الأعضاء يضر فيعنون بالمضر والضرر وكذلك الأمر في لا حرج وغيره من المشاق والاصار لا يمكن أن يراد بها الحكم الذي يجعله الشارع ولا يصح اطلاق الحرج عليه الا اذا كان سببا للحرج والعسر بحيث يتولّد ذلك منه .

ولا بأس بنفي الحكم بلسان نفي الموضوع سواء في ذلك النفي البسيط أوالنفي التركيبي ويستقيم هذه المعاني كلّها بلا فرق في لا حرج ولا عسر ولا ضررفمعنى لا ضرر على هذا أي العمل الضرري لا حكم له كالوضوء في التكليفيّات وكذلك الوضعيّات . العقد الذي يكون ضرريّا لا حكم له ( بأن يكون لازما ) وكذلك معنى « ما جعل عليكم في الدين من حرج »(1) أي الحكم الذي يوجب الحرج ويتعلّق بما يكون فعله حرجيّا على المكلّف ليس مجعولاً . فعلى هذا يكون

نفي الضرر نفي الحكم

ص: 443


1- . سورة الحج: 79 .

لا في هذه الموارد بتعلّقها بالموضوع كناية عن نفي الحكم له وليس ارتكاب غير ذلك باولى من جعل الضرر عنوانا للحكم مجازا فيكون قد اطلق عليه تجوّزا لا بضابط السببيّة إذ أحد المجازين ليس باولى من الآخر . فابقاء النفي على حاله من تعلّقه بالحكم الذي تعنون بالضرر يكون في عرض جعله كناية عن نفي الحكم بجعل الضرر بمعنى المضرّ .

وكيف كان فلا اشكال في ورود لا ضرر ذيل خبر سمرة بطرق متعدّدة وحاصل الكلام في ذلك انه كان سمرة معاندا للانصاري حسب ما يظهر من نقل الرواية بطرقها ومصرّا على ايذائه وما قبل من رسول اللّه صلی الله علیه و آله معاوضة عذقة بمثلها متعدّدا أو غير متعدّد في الدنيا ولا رضى بما في الآخرة وفي الجنّة وأبى أن يستأذن وكان عذقه بحيث يمرّ إليه اما من منزل الأنصاري ويستطرق داره أو كان ممرّه بباب داره .

وعلى أيّ كان له حقّ الاستطراق . واما ان العذق كان من الأنصاري وباعه إيّاه أو كان الدار له وباعها من الانصاري أو صار العذق إليه بسبب آخر من ارث أو هبة أو غيرهما وكذا الدار والبستان للأنصاري فلا يضرّ ابهام ذلك بما هوالمقصود من الاستدلال .ويمكن أن يكون غرسه باذن الأنصاري .

وملخّص الكلام في ذلك ان الانسان اذا اذن لغيره في وضع جذوع على جداره لداره فلو رجع عن ذلك لابدّ من تحمّل الخسارة التي ترد على المأذون له من ذلك ( كما انه أعار له جذعا يضع في جوف جداره ) على المشهور الذي كاد أن يكون اجماعا . وذلك في مواضع منها ما ذكرنا . ومنها ما لو اذن للمصلى أن يصلّي

ص: 444

في داره فرجع في أثناء صلاته أو لدفن الميّت فرجع عن ذلك فليس ذلك له في هذه الموارد أي لا أثر له كما انه لو كان عن حق ليس لمن عليه الحق منع ذلك .

فلو كان غرس نخلة في بستانه مثلاً عن حق لازم فليس له الرجوع أو عن اذن في الغرس الذي لازمه بقاء سنين . ولو رجع في ما لو كان له الرجوع أو كان الابقاء ضررا على من يبقى في ماله فلو قلع المغروس صاحب الشجرة فعليه طمّ الأرض التي خربت بقلع الشجرة . ولو أخرجها وقلعها صاحب الأرض فيضمن ما تفاوت من قيمة المغروس . وربما يكون في بعض الموارد على صاحب المغروس الخروج عن ما تضرّر من ناحية حفر أرضه لاخراج شجرته . امّا لو كان الغرس غصبا فليس لعرق ظالم احترام وللمالك أن يقلع ذلك ويرمى به إليه امّا مع الضمان لما نقص من شجرته أو بدون ذلك على اختلاف الوجهين في ذلك . وأمّا في مورد خبر سمرة فيظهر من الرواية(1) انّه لم يكن عن غصب وإلاّ فلا وجه لهذا الترداد في قبوله العوض أو الاستيذان اذ له الابقاء لشجرته عن حق على ما يظهر أو عن اذن لازم . وحيث انه لو كان باقيا في موضعه فهو يتردّد إليه ويتأذّى الأنصاري بذلكفلو كان ينتهي عن المرور فلا يستأصل مادة الفساد بل يبقى له عذر الترداد ملكاللشجرة . فالأنسب هنا أن يقلع مادّة الفساد بحيث لا يبقى له عذر ايذاء الأنصاري . وذلك لا يمكن مع بقاء النخلة إذ كان يصرّ على عدم قبول العوض ومتعمدا في ابقائها وذلك كان مضرّا بحال الأنصاري . فقال له رسول اللّه صلی الله علیه و آله اذهب فاقلعها وارم بها إليه فانّه لا ضرر ولا ضرار وقوله في ذيل هذا الخبر وهو

ص: 445


1- . الوسائل 25 الباب 12/1 - 3 - 4 - 1 من أبواب احياء الموات .

رواية الحذاء(1) عن أبي جعفر علیه السلام فانّه لا ضرر كبرى كلية بحيث كان المورد صغرى لها من قوله اذهب فاقلعها وارم بها إليه .

كما ان قول رسول اللّه صلی الله علیه و آله في خبر(2) زرارة بعد ما بلغ مقابلته بعشر أعذق وتأبيه ومقابلته بعذق في الجنّة واباؤه ( انّك رجل مضار ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن ) قال ثمّ أمر بها رسول اللّه صلی الله علیه و آله فقلعت ثمّ رمى بها إليه . وقال له رسول اللّه صلی الله علیه و آله انطلق واغرسها حيث شئت .

في ظاهر القضيّة بمنزلة الصغرى وقوله ولا ضرر ولا ضرار كبرى له فيكون هاتان الصغرى والكبرى المذكور اوليهما بلازمها في قوله انّك رجل مضار بمنزلة الخمر مسكر وكلّ مسكر حرام فالنتيجة على ترتيب الشكل الأوّل فالخمر حرام فقوله رجل مضار ملزوم الصغرى أي أنت موجد للضرار وفاعله .

ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن فلا ضرار منك .

ويكون نتيجة ذلك قلع الشجرة لأنّ الضرار إنّما كان من ناحية ابقائها لأن أصل الابقاء بلا ايذاء الأنصاري لم يكن موجبا للضرر بل الابقاء مع اصراره علىعناده وكونه بصدد عدم الاستيذان المضرّ على الأنصاري . فأمر صلوات اللّه عليهوآله بذلك فيستفاد من هذا الخبر كون لا ضرر في هذا المقام كبرى انطبقت عليه بمعنى يناسب المورد وليس هو النهي بل النفي وعدم سلطنة على الابقاء . وكذا ورد في البعير(3) المريض ما يناسب هذا المعنى من قوله له هذا الضرار وجيء بالضرار وفي الأوّل بالمضار لعلّه للاصرار والمبالغة .

لا ضرر ولا ضرار كبرى

ص: 446


1- . الوسائل 25 الباب 12/1 - 3 - 4 - 1 من أبواب احياء الموات .
2- . الوسائل 25 الباب 12/4 من أبواب احياء الموات .
3- . الوسائل 18 الباب 22/1 من أبواب بيع الحيوان .

وتوضيح وشرح أزيد ربما يكون في معاندة سمرة واصراره في قبال رسول اللّه صلی الله علیه و آله ما يسقط احترام ماله كما انه لا احترام لنفسه على ما يظهر من ترجمة حاله في اختلاقه الرواية ونسبة نزول الآية الكريمة النازلة في شأن أميرالمؤمنين صلوات اللّه سلامه عليه « وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ »(1) بعد تطميعه من ناحية معاوية وأخذ مال كثير إلى ابن ملجم لعنه اللّه وما فعل من الظلم في ولايته على الكوفة وكذا على البصرة من قتل خلق كثير من البرءاء وكان من الحاثين للخروج إلى قتل أبي عبداللّه الحسين صلوات اللّه عليه وعلى آبائه الطاهرين وأولاده المعصومين ومن موارد وصول ايذائه على الناس مورد الرواية الواردة في عذقه في حائط الأنصاري بطرق عن ابن مسكان(2) وزرارة(3) وغيرهما فانه كان يفاجئ الأنصاري ولا يستأذنه في الدخول والمرور إلى عذقه . وقال لا استأذن في طريقي وكان ذلك أذى على الأنصاري وفي احدىالروايتين(4) قال له رسول اللّه صلی الله علیه و آله انّك رجل مضار ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن

قال ثمّ أمر إلى فقلعت واطلاق المضار عليه الذي هو من باب المفاعلة . المضارّةوالضرار لاصراره في العناد والانكار في قبال النبي صلوات اللّه عليه وآله وفي هذه الرواية يحتمل أن يكون لا ضرر ولا ضرار كبرى كلية للمورد ويحتمل كونه غير مرتبط به بل حكم بيّنه علیه السلام وظاهر في النهي خصوصا بقرينة على مؤمن فانّه كان يضر بالأنصاري في

احتمال عدم ربط لاضرر بالمورد

ص: 447


1- . سورة البقرة: 208 .
2- . الوسائل 25 الباب 12/4 - 3 من أبواب احياء الموات .
3- . الوسائل 25 الباب 12/4 - 3 من أبواب احياء الموات .
4- . الوسائل 25 الباب 12/4 - 3 من أبواب احياء الموات .

عدم استيذانه فنهى عن ذلك لحرمة الضرار على المؤمن واما إن قلع الشجرة مستند إلى النهي عن الضرار فلا .

بل لابدّ من تصحيح ذلك بوجه آخر . فانّه إمّا أن كان ابقاء نخلته في حائط الأنصاري عن حق غير لازم كالعارية إذا قلنا في هذه الموارد بعدم لزومها فلا يكون لا ضرر مستندا لقلع بل كان للأنصاري الرجوع عن اذنه . وإن قلنا ان العارية في هذه الموارد تصير لازمة ( كما في ما إذا أعار ليرهن أو أذن ليدفن أو يصلّي فليس له الرجوع على ما هو المشهور شهرة تقرب من الاجماع ) أو لم يكن الابقاء على نحو العارية بل عن حق لازم آخر على ما سبق احتمالات ذلك ( ويشهد على ذلك سياق الرواية لا انه كان رسول اللّه صلی الله علیه و آله ( على شي ظ ) للارفاق إليه وكذا الأنصاري وإن كان له حق التخليص والرجوع عن اذنه فان ذلك خلاف ظاهر الرواية . فهنا يحتاج القلع إلى دليل موجب وإلاّ فمجرّد عدم استيذانه لا يكون سببا لقصر سلطنته وسلطنة الغير على ماله .

فنقول في موثقة زرارة(1) عن أبي جعفر علیه السلام بعد اباء سمرة عن قبول العوض فقال رسول اللّه صلی الله علیه و آله للأنصاري اذهب فاقلعها وارم بها إليه فانّه لا ضرر ولا ضرار .وذيل هذه الموثقة(2) وإن كان فيه احتمال أن يكون قوله فانه لا ضرر ولاضرار أن يرجع الضمير إلى قلع الأنصاري . وان القلع في هذا المورد ليس بضرر ولا ضرار لأنّه هتك احترام ماله من ابائه عن الاستيذان الذي يوجب ضررا على الأنصاري . الا ان ذلك خلاف ما يستفاد حسب الظاهر من الرواية . فانّها ظاهرة

ص: 448


1- . الوسائل 25 الباب 12/3 من كتاب احياء الموات .
2- . وعلى ما يظهر من الترداد للنبي صلی الله علیه و آله في مساومته وأمره بالاستيذان يظهر انّه كان ذا حق في الابقاء .

في ان قوله فانه لا ضرر تعليل للقلع الذي يقع بعد الأمر به وهنا يتوجّه اشكال وهو ان عدم الاستئذان لا يوجب جواز قلع شجرته .

ودفع هذا الاشكال بأنّه لم يكن ليستأذن وكان ذلك ضررا على الأنصاري ولا يمكن دفع ضرره وشرّه عنه إلاّ بما يقلع مادّة الفساد فلا يناسب هنا جعل الحرمة على مروره إلى نخلته فينحصر الضرار هنا في ابقاء نخلته وعذقه في أرض الحائط . فهنا توجه الضرر على الأنصاري فأمره بقلع الشجرة وتخليص أرضه منها حيث ان الابقاء عن غير حق وليس لعرق ظالم احترام .

والقاعدة تقتضي أن يؤمر نفسه بقلع شجرته عن أرض الحائط ولكنه حيث لا يقبل العوض عن نخلته فكيف يقلعها عن موضعها . فلذا توجه أمر النبي صلی الله علیه و آله إلى الأنصاري بالقلع لما لم يكن لها احترام ويكون لصاحب الأرض تخليص أرضه عن عرق الغير اذا كان غاصبا كما انّ سمرة كان بعد سقوط حقّه غاصبا وأمّا ضمان صاحب الأرض للأرش فله محلّ آخر .

فتحصّل ممّا ذكرنا ان الابقاء كان ضررا على الأنصاري وقال رسول

اللّه صلی الله علیه و آله فانه لا ضرر ولا ضرار كبرى كلية وبمناسبة المورد وظهوره في التعليل يكون ظاهرا في نفي الحكم بلسان نفي الموضوع أي الحق الضرري ليس لأحد .فان الحكم الضرري لا جعل له وحق الابقاء في المورد كان ملازما للضرر على الأنصاري في فرض عدم استيذانه فهو منفي واذا انتفى ولا يخلص أرض الأنصاري نفسه فأمر الانصاري بالقلع لما في الابقاء من الضرر وحقّ الابقاء الضرري لاجعل له بمقتضى كلية الكبرى إذ لو كانت جزئيّة فلا يناسب به التعليل كما في ان الانسان حيوان وبعض الحيوان أبيض بخلاف ما لو قال الخمر مسكر

ص: 449

وكلّ مسكر حرام فالخمر حرام .

إن قلت: ان الكبرى الكلية إنّما تلزم التعليل إذا كان بصدد الاستدلال وأمّا إذا كان بصدد بيان الحكم الواقعي فلا يجب كلية الكبرى بل يمكن أن يلقى الجزئيّة لاحتمال أن تشمل المورد .

قلت: هذا لا وجه له في ظاهر الخطابات ويمكن أن يكون وجه أمره في الخبر الذي ورد لاضرر بلسان النهي الذي استظهرنا منه ذلك لأنّه صلی الله علیه و آله أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن باب الولاية العامّة أمر الأنصاري بالقلع كما قيل .

وكيف كان فالابقاء وإن كان عن حق الا ان في خصوص المقام لما طرء عليه عنوان الضرر والظلم على المؤمن فليس فيكون في قوّة القياس على ترتيب الشكل الأوّل ابقاء العذق في ملك الأنصاري أو في محلّه السابق ضرر ولا ضرر ولا ضرار فالابقاء ليس له فينفي سلطنة هذا اللعين على الابقاء ويكون في ابقائه ظالما وليس لعرق ظالم احترام .

غاية الأمر عليه القلع إمّا بنفسه وإمّا الأنصاري ولا ربط للضمان وعدمه بما هو المهم في الاستدلال .فيستفاد من هذا الخبر ( خبر زرارة الموثق )(1) الكبرى الكلية النافعة فيالموارد ويكون النفي واردا على نفس الضرر والمنفي في المقام الذي انطبق عليه هذا العنوان هو الابقاء الذي هو مادة الفساد وقلعها بقلع العذق .

لا ما يقوله المرحوم الآخوند من نفي الحكم بلسان نفي الموضوع ولا النهي كما يقول به شيخ الشريعة بل نفي الحكم الضرري لا الموضوع الضرري بحكمه

احتمال كون أمر القلع من باب الولاية

ص: 450


1- . الوسائل 25 الباب 12/3 من كتاب احياء الموات .

فسبيله سبيل نفي الحرج فكما ان نفي الحرج في نفس الحكم فكذلك نفي الضرر .

وفي رواية اخرى لزرارة في الكافي(1) عن أبي جعفر علیه السلام بعد تأبيه عن قبول ما قال له النبي صلی الله علیه و آله فقال له رسول اللّه صلی الله علیه و آله انّك رجل مضار ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن ثمّ أمر بها رسول اللّه صلی الله علیه و آله فقلعت ثمّ رمى بها إليه . قال له رسول اللّه صلی الله علیه و آله انطلق فاغرسها حيث شئت .

وقوله علیه السلام: لا ضرر ولا ضرار بالواو لا يناسب إلاّ الحرمة والنهي حيث قال له انّك رجل مضار ولا يناسب كونه كبرى كلية وليس ظاهرا في هذا المعنى . وهذا يوجب الاشكال في لا ضرر حيث ان القضية واحدة لسمرة والراوي زرارة عن أبي جعفر علیه السلام واحتمال تعدّد السماع عن الامام علیه السلام ليكون بذلك روايتين كما هو ظاهر التعدد وإن كان المضمون واحدا أو قريبا منه بعيد . كماحتمال زيادة أو نقيصة وان الأصل النقيصة فالظن في جانبها أقوى منه في جانب الزيادة . اذ لا وجه لذلك في المقام الذي وردت الكيفيّة على نحوين مع حفظ الخصوصيّة فتارة ولا ضرر ولا ضرار بعد قوله انّك رجل مضار واخرى فانه لا ضرر ولا ضرار بعد الأمر بالقلع .فاما ان قال ذلك بالفاء او بالواو والخلط انما وقع من الرواة . وعلى هذا فيشكل الأمر في ظهور الخبر في معنى واضح . فلو كان ( الأمر بالقلع في الخبر الأخير قبل قوله ولا ضرر ولا ضرار لأمكن أن يكون هو في معنى السابق ومفيدا إيّاه إلاّ انّه عبّر عن ذلك بثمّ أمر النبي صلی الله علیه و آله ويحمل لا ضرر بعد أن من المقطوع

وروده عن أهل البيت علیهم السلام فيكون الأمر دائرا بعد كونه علّة وكبرى كلية ظاهرة في

احتمالات الرواية

ص: 451


1- . الوسائل 25 الباب 12/4 من كتاب احياء الموات .

نفي الضرر أو نفي الحكم بلسان نفي الموضوع وفي النهي فيكون حراما كأحد المحرّمات الكبيرة الغليظة لا من الصغائر إلاّ انّه يمكن رفع الاجمال بالمناسبة التي

ذكرت في الموثقة وأن يكون الأمر بالقلع والرمي بها وجهه في غيرها معلّلاً بالاضرار المنفي حيث ان بمجرد تحريم الاضرار لا يمكن دفع شر اللعين المصر على الضرر المبالغ فيه . بل بقصر سلطنته فيظهر قوله ولا ضرر ولا ضرار أيضا في ذلك لا أن يردّد بين هذا المعنى والنهي .

أو يقال بأنّ الأمر بالقلع إنّما كان من جهة انّ النبي صلی الله علیه و آله أولى بالمؤمنين بالتصرّف في أموالهم ( لكن هذا لا يصير تعليلاً ولا يرفع الاشكال ) وهذا لا يزيد ذلك على الامكان . ويمكن الاستشهاد بخبر البعير في ذلك أيضا حيث ينفى الصادق علیه السلام الضرار لصاحب الرأس والجلد على الآخر المالك لباقي أجزاء البعير المريض الذي برء وبلغ ثمنه دنانير بعد أن اشتراه بعشرة دراهم واشترك صاحب الرأس والجلد بدرهمين . فلو كان نفي الضرار هنا بمعنى حرمة الاضرار والمطالبة بالرأس وجلد البعير المضر بصاحبه المانع عن انتفاعه القاصر سلطنته على ذلك لكان لصاحب الرأس والجلد المطالبة لأنّه كان عن حقّ وإن كان حراما ولما قال علیه السلام لصاحب الدرهمين خمس ما بلغ .فان قال اريد الرأس والجلد فليس له ذلك الضرار وقد أعطى حقه إذا أعطىالخمس .

فذلكة وتوضيح: قدمنا الكلام في لا ضرر في جهات وملخّص ذلك ان لا ضرر قد ورد بعدّة طرق مختلفة في موارد متعدّدة وورد في بعض الموارد ما يقرب

ص: 452

منه لا بهذا اللفظ كما في خبر طلحة بن زيد(1) عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: انّ الجار كالنفس غير مضار ولا اثم .

والحاصل انّ من ورود هذا الكلام بطرق خصوصا في قضيّة سمرة عن زرارة(2) وغيره(3) عن الباقر علیه السلام فرواها في الوسائل(4) في كتاب احياء الموات بخمسة طرق وثبت انّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله قال هذا الكلام في مورد قضيّة سمرة وبخصوصيّة المورد كان الظاهر منه في هذه القضيّة المعنى الأول من المعاني التي سردناها سابقا وهو أن يكون نفي أصل الحكم بأن يكون الابقاء ضررا ولا ضرر ولا ضرار يكون كبرى له . وأمّا الاحتمالات الآخر فلا يناسبها المقام .

وعلى أيّ حصل القطع بصدور هذا المضمون من هذه الطرق فمن جهة السند لا اشكال وكذا من جهة الدلالة وان الأصوب هو الأوّل لا نفي الحكم(5)بلسان نفي الموضوع الذي اختاره المحقّق الخراساني وانّه في غير صورة النهي وفي الاخير أيضا لابدّ أن يكون حكم مجعول سابقا خصوصا بناء على نفي الحكم بلسان نفي الموضوع وإلاّ فيلغوا هذا الكلام ويصير بلا فائدة ( فلابدّ أن يكون الحكم أو الموضوع أي متعلّقه ضررا حتّى ينفي الضرر .وعلى أيّ إنّما ينفي بلا ضرر الحكم الذي ثبت على الموضوع بالعنوان الاولى الأعم من الضرر لا الحكم الذي جاء بنفس الضرر لأن مقتضى الشيء لا

لا ضرر ينفي الحكم على الموضوع الأعمّ

ص: 453


1- . الوسائل 25 الباب 12/2 من كتاب احياء الموات .
2- . الوسائل 25 الباب 12/3 - 1 من كتاب احياء الموات .
3- . الوسائل 25 الباب 2/3 - 1 من كتاب احياء الموات .
4- . الوسائل 25 الباب 1/12 من كتاب احياء الموات .
5- . كفاية الأصول 2/268 .

يكون رافعه .

والضرر في ما إذا كان موضوعا للحكم الذي ثبت بعنوانه إنّما هو مقتضى لذلك الحكم كما في الجهاد والزكوة والخمس وباب الانفاق فلا يمكن أن ينفي بنفس دليل الضرر فهو نظير رفع ما لا يعلمون وما عطف عليه في حديث الرفع يختصّ برفع ونفي ما ثبت للأعم من هذه العناوين الشاملة لها ولغيرها ويكون مرجع الحكومة كما في الورود والتخصيص إلى التخصّص لاستحالة البداء في المبدء الأعلى .

بل ذلك في مقام الاثبات لمصلحة وأمّا في مقام الثبوت فالحكم على موضوعه مشخص معيّن فلا روية ولا فكر تعالى اللّه عمّا يقول الظالمون علوّا كبيرا .

بقي الكلام في نسبة هذا الخبر إلى ساير الأدلّة العامّة والمطلقات وهي على ما يظهر منهم خصوصا المتسالم عليه بين المتأخّرين التقدّم على الأدلّة الأوّليّة بنحو الحكومة لا الورود ولا التخصّص أو التخصيص . وليعلم ان بعد تسلم أصل التقدّم ربما يفرق في الخصوصيّات فانّه لو كان بنحو الحكومة ( كما في جميع مواردها من حكومة لا عسر ولا حرج ورفع النسيان ودليل الميسور وقاعدة الفراغ على الاستصحاب ولا تعاد على أدلّة الاجزاء والشرايط فيقدم الحاكم ولو كان في أدنى درجة الظهور على المحكوم حتّى في ما لو كان المحكوم كتابا ) فلا تلاحظ النسبة بينه وبين الأدلّة المحكومة لما في بابها من عدم ملاحظة ذلك ولوكان المحكوم خاصا والحاكم عاما أو أعم منه ولو من وجه . فالأحرى صرفالكلام إلى بيان ضابط أنحاء التقدم وعدم شمول دليل الموضوع .

ص: 454

فنقول: خروج فرد عن موضوع دليل ( عام أو مطلق ) تارة يكون بالتكوين واخرى لا به بل بالتعبد وما يخرج بالتعبد إمّا بلسان المعارضة أو لا به وما ليس به إمّا بنفس الحجيّة يقدم على الآخر أو بنفي موضوعه أو لا بل باثباته للمؤدّى .

فالأوّل أي الخروج التكويني يصطلح عليه بالتخصّص .

والثاني أي الخارج بلسان المعارضة خروجه يكون تخصيصا في العام وتقييدا في المطلق . والتخصيص إنّما أن يكون باعدام الفرد ويكون بموته والتقييد ان يعنون العام أو المطلق بعنوان فيضيق دائرة عمومه واطلاقه بذلك ومن هذا الباب قرائن المجاز .

والثالث: أي الخروج بنفس الحجيّة نسمّيه بالورود ولا مورد له في الفقه الا جعل الاحتياط . فان ايجاب الاحتياط بنفسه مذهب لقبح العقاب بلا بيان ونصطلح عليه بالورود كما ان الثاني أي التخصيص لا مورد له في الفقه إلاّ في « قُلْ لاَ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ »(1) فيجيء بعد ذلك ما يخصّص هذا ويجعله من المحرّمات(2) .

والرابع: هو الحكومة وهي عبارة عن اخراج فرد عن موضوع الدليل عاما أو مطلقا باثبات المؤدّى لا بلسان المعارضة .مثاله لا شكّ لكثير(3) الشكّ فانّ العام بما هو لا يتكفل اثبات الفرد بل حكمه والحاكم إنّما يبيّن الفرد ويدخل أو يخرج كما في مثل من ملك أربعين(4) غنما

خروج فرد عن موضوع دليل على أنحاء

ص: 455


1- . سورة الأنعام: 146 والآية لها ذيل استثناء .
2- . بل له موارد متعدّدة منها آية العدة والمطلقات يتربصن إلخ فخصصت بتخصيصات عديدة .
3- . الوسائل 8 الباب 1 - 3 - 5 - 7 من أبواب الخلل في الصلاة .
4- . الوسائل 9 الباب 6/1 زكاة الأنعام .

سائمة فعليه مثلاً الزكوة . وثبت بالدليل ان السوم ما عمّ تمامها في السنة ولا معارضة بين دليل أكرم العلماء وزيد ليس بعالم لأنّ الحاكم يتكفل شيئا لا يتعرّض له المحكوم فهو مثل رفع النسيان ولا عسر ولا حرج فلاحظ وتدبّر .

فضابط الحكومة . أن يكون أحد الدليلين مخرجا لفرد من أفراد موضوع الدليل الآخر بالتعبد لا بلسان المعارضة بل باثباته للمؤدّى وسيجيء في آخر البحث تتمّة بيان لهذا إن شاء اللّه .

وعن الشيخ رحمه الله في بيان ضابط الحكومة(1) أن يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي متعرّضا لمدلول الدليل الآخر .

وأورد عليه المحقّق الخراساني(2) بعدم انطباق هذا الضابط في موارد

يدعون فيها الحكومة . منها لا ضرر الذي يقول الشيخ رحمه الله بحكومته على أدلّة الأحكام الواقعيّة .

وأجاب الميرزا رحمه الله(3) انه لا وجه لورود هذا الاشكال والايراد بعد إن لم يكن الحكومة منحصرة بما إذا كان بنحو التفسير والشرح بنحو اى واعنى أو اردت من قولى كذا . فانه تارة يكون أحد الدليلين متعرّضا لما تعرّضه الآخر نحو ما إذا أوجب المولى اكرام العلماء الشامل لزيد وجاء دليل آخر نحو لا تكرم زيدا بحرمة اكرامه ففي هذا المقام يرى العقل حسب بدو النظر معارضة بين كلاميالمولى في خصوص زيد فانّه إمّا واجب الاكرام أو حرامه ولا يمكن كلاهما . إلاّانّه بعد أن رأى ان المولى كان ملتفتا لحكمه وموضوعه يكشف عن مجموع

الحكومة انحاء

ص: 456


1- . فرائد الأصول 2/750 .
2- . كفاية الأصول 2/379 .
3- . فوائد الأصول 4/710 - 711 .

الدليلين اختصاص الاكرام بغير زيد فيجمع بين الدليلين بهذا لأخصيّة دليل لا تكرم زيدا من اكرم العلماء وأظهريّته بالنسبة إليه ويعيّن مراد المولى بهذا النحو ويرفع التنافي المتخيّل في بدو النظر . فهذا نسمّيه بالتخصيص حيث انّه بلسان المعارضة وحاصله الجمع بين كلامي المولى بالعقل . واما الحكومة فهي ما إذا كان الجمع بين كلامي المولى بنفس اللفظ . فحاصل نتيجة العقل يستفاد من اللفظ وبه يبين مراد المولى وهي تارة تكون في قرائن المجاز واخرى في غيرها .

وأمّا في قرائن المجاز فعلى ما بنى عليه المحقّق النائيني رحمه الله من تصوّر المجاز في الكلمة فواضح . كما إذا قيل رأيت أسدا يرمي . فالأسد ظاهر حسب ما وضع له اللفظ للحيوان المفترس بالوضع ويتبادر المعنى منه إلى الذهن . ويرمى مع انه ممكن الانطباق على الرمي بغير النبل كالتراب وبالعصا والحجارة . الا انه ظاهر عند الاطلاق في الرمي بالنبل . ومن المسلم أقوائيّة الظهور الوضعي من الاطلاقي . لكن لما كان يرمي قرينة على الأسد وانّه الانسان الشجاع يقدم على ظهور الأسد الوضعي وإن كان أقوى منه .

والوجه في ذلك أي تقدّم القرينة على ذيها الحكومة لها عليه . وضابط التشخيص هو ان القرينة بصدد بيان الملابسات من الحال والتمييز والظرف وأمثالها ممّا لا يتكلّفه أصل الكلام والنسبة وهو المبتدأ والخبر أو الفعل والفاعل .

فلو قيل جائني زيد وقيل بعد ذلك راكبا فلا إشكال في تقدّم الراكب اطلاقا على اطلاق جائني زيد ويستفاد من ذلك مجيء زيد في حال ركوبه . فذلك إنّما يكون في العرض والمحل والعرض يطلب المحل .وأمّا غير قرائن المجاز فكباب الاطلاق والتقييد حيث ان المحقّق في محلّه

ص: 457

عدم مجازيه المطلق في المقيّد وكذا العام في الخاص . بل حيث ان انعقاد الاطلاق والعموم كان من عدم التقييد والتخصيص فببركة مقدمات الحكمة نستكشف الاطلاق والعموم فلو كان لشيء آخر دخل في ذلك لبيّنه المولى . فليس ذلك إلاّ عدم التقييد والتخصيص ويكون المطلق هي الماهيّة لا بشرط المقسمي التي ما تلوّنت بلون حتّى في صقع الذهن . وهي التي تنقسم إلى الأقسام الثلاثة من لا بشرط القسمي وبشرط اللاعن شيء وبشرط الشيء . وأحسن ما قيل في تعريفه على ما استفدنا من المحقّق الخراساني رحمه الله هو ما قيل بالفارسيّة .

« نه به دام قيود قيد شدم، نه به اطلاق نيز صيد شدم » فاذا جاء المقيّد والمخصّص فيكون بيانا وقيدا ولا معارضة بين العدم والوجود فلا اطلاق ولا عموم حتّى يعارض المخصّص والمقيّد . غاية الأمر تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة كان لمصلحة حسب ما يراها الشارع فيبيّن مراد الشارع من المطلق والعام وان المراد ليس كما تخيّل .

وهذا أيضا من أنحاء الحكومة .

ففي أمثال ذلك ما هو نتيجة حكم العقل في باب التخصيص استفيد من نفس الدليل . فهي ما يكون أحد الدليلين متكفلاً لشيء لا يتكفّله الآخر .

ويثبت شيئا لا يثبته أو ينفيه الآخر أو يثبت شيئا كان الحكم معلّقا على ثبوته في الآخر فيرجع المحكوم إلى القضيّة الشرطيّة فنحو أكرم العلماء معناه انه إن وجد عالم فهو واجب الاكرام . والحاكم مثل زيد ليس بعالم مع كونه عالما ينفي كونه عالما ولا ينافي ذلك دليل العام كما انّه اذا أدخل جاهلاً تكوينا تعبدا في العلماء وقال عمرو عالم فكذلك .

ص: 458

ولا يخفى ان الحكومة إنّما تكون تعبّدا في اخراج فرد أو ادخاله فلو كانزيد جاهلاً تكوينا فلا يكون قوله ليس بعالم من باب الحكومة بل ذلك بالتخصّص وأظهر أفراد الحكومة هو ما يكون بنحو الشرح والتفسير ويبين المراد من المحكوم وهي تارة يكون تصرّفا في عقد وضع المحكوم واخرى في عقد حمله .

وثالثة في الحكم أي النسبة الحكميّة القائمة بالطرفين أي ما ينتزع منهما عند الانشاء .

فانّ الوجوب والحرمة وساير الأحكام إنّما تنتزع من الانشاءات كما في باب العقود حيث ان البايع ينشئ البيع في الخارج بالايجاب لا انه يخبر عن ما في ضميره ويكشفه لمقابله . فالأحكام ليست بالقهريّة بل إنّما هي بالانشاء لا انّه يكشف المولى عنها على ما شرحنا ذلك في محلّه . فنحو افعل وصل وأمثالهما يكون لها عقد وضع كما ان لها عقد حمل فعقد وضعها المصلى التشريعي الذي يجعله المولى كذلك .

أي ينشئ النسبة بينه وبين الصلاة أو يطلب منه ايجاد الصلاة في الخارج على المبنبين في ذلك .

وعقد الحمل لها وجوب الصلاة على ترتيب المحمول المنتسب . فاذا قال أكرم العلماء فمن حيث انه عام وكبرى ( على نحو القضيّة الحقيقيّة ) لا يتكفّل اثبات صغريات نفسها بل لابدّ في ذلك من دليل مثبت كما في خصوص الموضوعات المتعلّقة للتكاليف فان شأن الفقيه بيان الحكم الكلي مثل ان البول نجس .

وأمّا تشخيص ان هذا بول أم لا فليس من شأنه بل ذلك محوّل إلى عهدة

نتيجة الحكومة

ص: 459

المكلّف وشأن الحاكم بيان الصغرى اثباتا أو نفيا .فلو قال في الحاكم ان زيدا ليس بعالم فلا تنافي له بالنسبة إلى الكبرى لأنهذا بيان شيء ما ينفيه الكبرى ولا تثبته بل تشمله على تقدير أن يكون عالما وحيث ان الشارع تصرف في عقد وضع الكبرى وأخرج هذا الفرد عنه بالتعبد فلا شمول للكبرى لذلك كما لا معارضة ومن الأمثلة الفقهيّة ( لا شكّ لكثير الشكّ )(1) بالنسبة إلى ( اذا شككت فابن على الأكثر )(2) فانّه حاكم عليه بعدم اثبات الشكّ

بل ينفيه .

فظهر ان الحكومة سواء كانت واقعيّة أو ظاهريّة إمّا تتصرّف في عقد وضع المحكوم أو في عقد الحمل أو النسبة القائمة بين الطرفين وفرق بينها وبين التخصيص لأنّ التخصيص لسانه لسان المعارضة بخلاف الحكومة وحال المحكوم حال القضيّة الشرطيّة لو كان كذا لكان كذا حيث ان جميع القيود من الحكم والموضوع راجعة إلى الموضوع والموضوع شرط للحكم .

وقد فرغنا من ارجاع القيود إلى الموضوع وان لب القضايا الشرطيّة للموضوع بالنسبة إلى الحكم في محلّه .

وكيف كان فالحكومة تارة تضيق وتخرج فردا من أفراد المحكوم واخرى توسع فتدخل فردا في موضوعه أو في أصل المتعلّق .

ومثال ما إذا أدخل فردا(3) كالاخبار بالواسطة فان خبر الكليني رحمه الله برواية

ص: 460


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 16/1 - 2 - ولفظه إذا سهوت فابن على الأكثر .
2- . وسائل الشيعة 8 الباب 8/3 ولفظه إذا سهوت فابن على الأكثر .
3- . أو انّه في الأوليين من الصلاة الرباعيّة وكذا الثنائيّة والثلاثيّة تنزيل الظن منزلة اليقين فيوسع دليله .

من يروي عنه اذا شمله دليل التصديق فيوجد بذلك خبر عن قول من يرويالراوي عنه الكليني فيدخل تحت دليل تصديق العادل . ومقتضى تصديقه وجودخبر الواسطة الاخرى وهكذا كلّ صدق يثبت موضوعا لآخر بالانحلال إلى أن يصل إلى محمّد بن مسلم وهو أيضا داخل تحت كبرى وجوب التصديق فيرتفع بذلك الاشكالات الواردة على الأخبار بالواسطة نحو اتّحاد الحكم والموضوع أو تقدّم المعلول على العلّة على ما أجبنا عن ذلك في محلّه .

ومثال آخر لاخراج الفرد استصحاب طهارة الماء المشكوك الطهارة المغسول به الثوب النجس المشكوك التطهير . فانه حاكم على استصحاب نجاسة الثوب بعد الغسل به ويخرجه عن تحت دليل الاستصحاب . وفي الموضوع لابدّ أن يكون موجودا حتّى يتعلّق به الحكم وكذا المتعلّق يتصوّره الآمر فيأمر بايجاده والا فلا يتعلّق الأمر بالموجود فانّه حاصل ولا حفظ للموضوع وللمتعلّق وللحكم لا نفسها بل لابدّ أن يثبتها شيء آخر . والحاكم تارة يثبت فردا واخرى ينفي ولا ينافي ذلك شرطيّة الثلاثة للحكم .

وأمّا الحكومة في جانب المتعلّق فكما امر بالتواضع ودلّ الحاكم على ان تقبيل اليد مثلاً ليس بتواضع مع انه منه أو اطعامه العقيقة ليس مع كونه منه وكذا ادخال الفرد بأنّ التسليم عليه من التواضع وهذا لا اشكال فيه .

إنّما الكلام في تصوير الحكومة في الحكم بأن يدلّ دليل على ضيق الحكم أو توسعته ولم يكن بلسان المعارضة .

وما ذكر من المثال في ذلك كان يقول ليس الوجوب على اكرام زيد مثلاً من افراد المخصّص ولا يكون من الحكومة في شيء . ويشكل تصوير الحكومة

الحكومة توسع وتضيق

ص: 461

في الحكم بنحو لا يرجع إلى التخصيص . فان مثل أكرم العلماء الشامل لزيد مع قوله اكرام زيد ليس بواجب أو ايجاب الاكرام على غيره بعينه لسان المعارضةوالأخصيته لدليل الخاص واختصاص الاكرام بغير زيد . ولكن الذي ثبت عندنامن بيانات المحقّق النائيني الذي تعريف الحكومة كساير مالها من القسيم منه رحمه الله

وكان يكرّر ذلك في البحث ان الحكم لا يقدر على حفظ نفسه بل لابدّ له من جعل وجاعل يجعل الحكم . كما انّه لابدّ من رافع في رفعه . واذا كان كذلك فدليل المجعول أي الحكم ناطق بثبوت الحكم أي المجعول على تقدير الجعل .

فان جعل فله وجود وإلاّ فليس بشيء والحاكم على هذا له أن ينفي الجعل عن مورد كلاضرر مثلاً حيث ان له الحكومة على الأدلّة الاوليّة بهذا الترتيب فانها في ظرف ثبوتها بالجعل موجودة وجعلها ووجودها ووجوبها بالغير في مورد الضرر وغيره فلا تعارض دليل نفي الضرر حيث انّه ينفي الحكم الضرري الذي يعنون بالضرر بالعنوان الثانوي . فحال الحكومة في الحكم حالها في الموضوع والمتعلّق فكما ان المحكوم فيهما كان على تقدير الثبوت من الموضوع والمتعلق بمعنى انه ان ثبت كون شيء موضوعاً لمتعلق الحكم أو فردا لنفس المتعلّق فحكمه كذا مثلاً يجب اكرامه أو يتحقّق به الامتثال في مثل الدلالة حيث لم يكن ذلك باكرام أو التقبيل ليس به في عدم الامتثال فالحكم أيضا كذلك كما في استمرار الحكم . حيث ان الحكم على تقدير وجوده له استمرار والناسخ يرفع ذلك الاستمرار الخيالي الذي استكشفناه من عدم التوقيت ويكون النتيجة هي التوقيت . وكذا العسر في الوضوء مثلاً فالوضوء العسري لا جعل له وإن كان مقتضى الاطلاق لو لا دليل نفي العسر والضرر ثبوت وجوبه . وهذا مراد المحقّق

ص: 462

النائيني رحمه الله من هذا الكلام .

وإلاّ فيرجع إلى باب التخصيص إذا كان عموم وخصوص مطلقا كما في النسخ حيث يقطع استمراره أو تعارضا اذا كان بالتباين .هذا ملخّص الكلام في بيان ضابط الحكومة وما لها من القسيم وتبين انهامشتركة مع الورود في ثبوت كليهما بالتعبّد في اخراج الفرد أو ادخال الحكومة له لا بلسان المعارضة . ويفرقهما إن الاولى تدخل أو تخرج باثباتها المؤدّي بخلاف الورود فبنفس دليل التعبّد والحجيّة .

( أقول قد سنح بخاطري الفاتر في حكومة الحكم ما إذا كان المحكوم أي الحكم مهملاً من حيث شموله لفرد أو خروجه عنه ويكون الحاكم مفسرا ومبينا ان الاكرام الواجب في قولي اكرام العالم واجب حيث لم يسقط الاطلاق شامل لزيد ومعلوم انه بهذا اللسان يكون حاكما على دليل الحكم ويتعرّض لشيء ما تعرض له المحكوم لاهماله بيان ذلك فتأمّل .

توضيح لا يخلو عن تكرار: قد تقدّم بيان ضابط الحكومة على مختار المحقّق النائيني وان لها افرادا . فتارة بنحو الشرح والتفسير بأي واعنى وأمثالهما وهي أظهر الافراد . واخرى يتصرف الحاكم في أحد ثلاثة . عقد الوضع أي الموضوع الخارجي كالمفعول به ويعبّر عنه بمتعلّق المتعلّق كزيد في اكرم زيدا أو الخمر في لا تشرب الخمر . وعقد الحمل أي متعلّق التكليف والحكم كالاكرام بأن تقبيل اليد ليس اكراما مع كونه تكوينا منه . ونفس الحكم والفرق بين الموضوع والمتعلّق ان الثاني فعل المكلّف ولا يتعلّق الحكم به مقيدا بوجوده ولا بعدمه بخلاف الموضوع فانّه يمكن فيه الوجود ( بل واقع في القضيّة الخارجيّة ) فانّ

ص: 463

الحكم لا يمكن أن يكون مقيّدا بحال وجود موضوعه أي متعلّقه أو عدمه واذا استحال التقييد يستحيل الاطلاق بعين وجه استحالة التقييد ( فالمتعلّق لا يمكن أن يتعلّق به الحكم إذا كان موجودا بل يتعلّق به وبعده يكون ايجاده على المكلّف ) .

وقد حقّقنا الكلام في ذلك في باب الترتب والعمدة فيه أن يكون الحكمانفعليين منجزين في زمان واحد في آن واحد على مكلّف واحد وإلاّ فلو كان نحو:« فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا »(1) فلا مجال للنزاع فيه الا ان الموضوع

متعدّد كالدين والصلاة بنحو لو قدر المكلّف محالاً على امتثال كليهما لم يكن الواجب الا أحدهما فيبقى اشكال المحقّق الخراساني بلا جواب .

وعلى أيّ حال فأحسن الحكومات في مقامنا بناء على ما ذهب إليه المحقّق النائيني رحمه الله هو الحكومة على نفس الحكم والجعل حيث ان دليل الحاكم مقدم على المحكوم لعدم قدرة المحكوم على حفظ نفسه فهو ثابت على تقدير الجعل والحاكم ينفي جعله كما في مقامنا في خصوص لا ضرر فهو حاكم على أدلّة الأجزاء والشرايط بهذا المعنى أي تعلّق النفي بنفس الجعل كما في الحرج حيث ان الحكم أي الوجوب والحرمة مثلاً يعنون بالعنوان الثانوي بالضرر بضابط المسبب التوليدي الذي قد مرّ الكلام فيه والنفي في الحديث تعلّق بتالي أداة النفي وهو الضرر أي الحكم والجعل فينتج عدم جعل الأحكام الضرريّة في الشريعة ويبيّن المراد من أدلّة الاجزاء والشرايط باللفظ كما ان في التخصيص يبين المراد بالعقل وهذا هو الفارق بين البابين . وإن كان مرجع الحكومة أيضا إلى الاخراج . غاية الأمر لا بلسان المعارضة بل يبين المراد باللفظ كما في دليل الناسخ بالنسبة

ص: 464


1- . سورة المائدة: 7 .

إلى المنسوخ الذي مرجعه إلى باب التقييد . والتخصيص العنواني أيضا راجع إلى باب التقييد وفي هذا الباب قبل ورود المقيد كان الحكم مستمرا في الأزمان بخيال الاطلاق وفي جميع الشرايع الالهيّة كما انه شامل لجميع العناوين للموضوع لكن بورود المقيّد في العنوان والمخصص فيه والنسخ في الأزمان علمنا ان المرادمن الحكم الملقى أو العام أو المطلق لم يكن في جميع الأوقات ولم يكن للحكماستمرار في لب الواقع . وكذا شمول الموضوع لجميع العناوين ولا تعارض في البين ولا تخصيص أصلاً بل الناسخ حاكم على المنسوخ كما ان المقيد والمخصّص العنواني على المطلق والعام ولذا انكرنا استصحاب عدم النسخ في محلّه فانه ليس الا مجرد لفظ .

وعلي أيّ فمن أقسام الحكومة الحكومة على نفس النسبة الحكميّة بل تعلّق الحاكم بها أولى فان في الموضوع والمتعلّق أيضا رجوعا إليها وإذا لم يمكن تعلّق النفي بأصل الجعل والحكم بأن لم يعنون بالعنوان الثانوي بالضرر فعلى حسب ما رتبه المحقّق النائيني رحمه الله يكون نوبة نفي الحكم بلسان نفي الموضوع . فانه ليس شأن الشارع بما هو شارع الأخبار عن ثبوت شيء أو عدمه في الخارج كالضرر . فلابدّ أن يكون راجعا إلى اثبات حكم ورفعه فانّه بيده بما هو كذلك . فالوضوء الخارجي الذي يعنون بالعنوان الثانوي تعلّق به النفي نفيا بسيطا بمفاد ليس التامّة كما في الحكم ويكون النتيجة عدم تعلق الحكم به وخروجه عن تحت أفراد الوضوء حكما فاذا قال الوضوء الضرري ليس بوضوء فمعناه رفع الحكم ونفيه عن هذا القسم من الوضوء وعدم تعلّق الانشاء أي الحكم الذي جعله الشارع به . وإن لم يمكن هذا المعنى فالى الثالث وهكذا حسب الترتيب المتقدم سابقا . فثبت من

في حكومة الناسخ على المنسوخ

ص: 465

جميع ما ذكرنا تصور الحكومة بأقسام متعدّدة وان حديث نفي الضرر حاكم على نفس النسبة وإنشاء الأحكام الاوليّة ولا تعلّق له بالموضوع حتّى يكون نفي الحكم بلسان نفي الموضوع بواسطة اخراج الموضوع تعبدا أو المتعلق كذلك . وينطبق على ما ذكرنا ما أفاد الشيخ في معنى الحكومة بأن يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي متعرّضا لحال دليل آخر ومتفرّعا عليه . فالمراد ليس خصوصتفسير اللفظ بل بيان المراد الذي في التخصيص الذي لسان المعارضة بالعقلباللفظ . ولا يرد ما أورده عليه المحقّق الخراساني في الحاشية من عدم تعرّض لا ضرر بمدلوله اللفظي لحال الأدلّة .

هذا بناء على تسليم ضابط الحكومة على نحو ما ذكرنا وإن أنكرنا ذلك وخصصناها بما يفسر لفظا ويشرح بنحو أي أو أعني وأنكرنا تعنون الحكم بالعنوان الثانوي بالضرر فلابدّ في تصحيح تقدّم لا ضرر على أدلّة الأحكام الأوليّة من وجه آخر وقد افيد في المقام وجوه خمسة وعلى كلّ ينتج التقدّم .

والفرق بين مختار المحقّق النائيني من ورود النفي على الحكم وبين نفي الحكم بلسان نفي الموضوع كما هو مختار المحقّق الخراساني انّه على مختار النائيني يختصّ لا ضرر بالضرر المعلوم واما غيره فباقٍ تحت اطلاقات الأدلّة وعلى مذهب الخراساني الذي مفاده ان الوضوء الضرري لا حكم له والعقد الضرري لا حكم له أي لا لزوم له . فعند النائيني يتعلّق النفي بأصل الجعل والحكم فالوجوب في الوضوء ليس وكذا اللزوم يعم المجهول فلو كان الوضوء على هذا في الواقع ضرريا ولم يعلم به المكلف فباطل أيضا فضلاً عمّا لو كان يعلم .

ص: 466

وعلى أيّ يكون على المبنيين ما أفاده الحاج آقا رضا الهمداني قدس سره (1) بأنّه كما تقولون ان النفي في العقود إنّما يتعلّق باللزوم ووجوب الوفاء بها واما الصحة فتبقى فيكون العقد الضرري صحيحا وإن لم يلزم الوفاء به فكذلك في الوضوء اذا كان ضرريا ما يتعلّق به النفي إنّما هو الالزام والوجوب من الشارع . وأمّا الصحّة ولو للملاك فلا مانع من بقائها فيتوضّأ بقصد الملاك كما في الضد الذي أمر بضدّهحيث ان التحقيق عدم الأمر به لا النهي عنه . ومع هذا فالملاك باقٍ فيأتي بالوضوءبقصد الملاك ويقصد بذلك القربة بداعي الهي بأحد أنحائه بأن يقصد القربة بالفعل الذي يكون اراديا .

وما أجاب النائيني رحمه الله عن هذا حلا واشكالاً فلا يتم ( من لزوم تأخر الأمر إلى المرتبة المتاخّرة عنه برتبة في الوضوء الضرري فيجوز له أن يتوضأ تخييرا بينه وبين التيمّم مع ان التيمّم متأخّر عن الوضوء كما في الآية الشريفة « فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا »(2) وإلاّ فما ورد من ان التراب(3) أو الصعيد أحد الطهورين يقتضي العرضيّة في التيمم للوضوء اذ أي اشكال في ذلك فليكن مخيرا في هذا الحال بالجمع بين هذه الأدلّة ولا محذور ) إذ ظاهر لا ضرر كونه منة والمنة إنّما تتحقّق في ما كان المقتضى لجعل الأحكام موجودا في حال الضرر أيضا حتى يمنع عنه كون الشريعة سمحة سهلة ولا يجعل حكم حسب المقتضى وينفي لأجل المنة ( وهذا هو الجواب عن ما قاله النائيني غير الاشكال من عدم كشف الملاك

ما أفاده المحقّق الهمداني في المقام

ص: 467


1- . مصباح الفقاهة 6/150 .
2- . سورة المائدة: 7 .
3- . وسائل الشيعة 3 الباب 21 - 23/1 - 1، 24/2 من أبواب التيمّم واللفظ فان التيمّم أحد الطهورين .

في هذا الحال إذ نفس لا ضرر اذا لم يكن بمعنى النهي كما هو الفرض يشهد لهذا ) .

وقد قيل في المقام بوجوه اخر لتقدّم لا ضرر على أدلّة الأحكام كلّها سقيمة .

أحدها: ما أشار إليه الشيخ قدس سره (1) طي كلماته وظاهره انه نقل عن بعض الاعاظم وذلك تقدم لا ضرر على أدلّة الأحكام بعد التعارض بالعموم والخصوصمن وجه لموافقة أصل البرائة لحديث نفي الضرر في بعض الموارد اذا لم يكنأصل موضوعي أو كان ولكن سقط مثلاً بالتعارض ووصل النوبة إلى الحكميّة أو أصل آخر كالبرائة وعمل الأصحاب . وهذا على بناء المتقدمين من جعلهم الأصل دليلاً في عداد ساير الأدلّة من باب افادته الظن ( النوعي ) بناء على الانسداد وكان

عند آخرين مرجحا في مقام تعارض الخبرين لما يوافق مضمونه على الخلاف المعروف عندهم من تقديم المقرّر على الناقل . وكانوا يصدّرون الأدلّة الاستدلاليّة بالأصل ثمّ يردفون الاجماع والكتاب والسنّة عقبيه . ومعلوم ان كلّ مورد من الموارد الفقهيّة يكون له أصل فيعنونون الأصل أي شيء حتّى عند التعارض حتى يجعل مرجعا أو مرجحا ولا يخفى ما في كلا الوجهين .

أمّا المرجعيّة . ففي المقام مثلاً اذا تعارض لا ضرر مع الأدلّة بالعموم من وجه فيتساقطان والمرجع إمّا البرائة أو مثلاً بقاء كلّ من المالين في ملك صاحبه حسب الاستصحاب ولا يكون هذا عملاً بأحد الدليلين بل اسقاطهما ورفع اليد عنهما إلاّ أن يكون المراد كون المرجع هو الأصل لو لا الأخبار العلاجيّة والتخيير في الأخذ بأحد الدليلين المتعارضين ( على فرض شمولها لما نحن فيه ( ويكون

ص: 468


1- . فرائد الأصول 2/535 .

عمل الأصحاب موجبا لاختيار لا ضرر فتأمّل ) .

وأما المرجحيّة فاشكل من الاولى اذ الحكم الظاهري لا يزيد على

الترخيص وانى له بفناء دار الحكم الواقعي وسرادقه حتى يكون مرجحا له وانما يكون الشك في الواقعي مأخوذا في موضوعه فهو يأخذ طريقا وذاك آخر ويستحيل أن يؤدّي الظاهري ما يؤدّيه الواقعي . بل ظاهر الرفع في ما لا يعلمون أيضا رفع أصل الخطاب فيكون صريحا في التصويب الا انّا وجهنا بوجه والحكم الظاهري يعني الأصل إنّما يكون مرجحا لو أفاد مفاد الواقعي وهو بمعزل عن ذلكوالا فالرفع بمعنى الازالة وعلى أي أيّد مع ذلك .الثاني: ان صدوره في مقام المنة على العباد يكون كافيا في ترجيحه على تلك الأدلّة أي أدلّة الأحكام وإن كانت النسبة عموما من وجه وإلى هذا أشار الشيخ ولعلّه ما ركن إليه . وفيه نظر لأنّه إن رجع الامتنان إلى الحكومة فهو تلك وتكون هي وجه التقدم وإلاّ فمجرّد المنّة لا يوجب التقدّم وعليه فلا محصّل لهذه الدعوى بلا دليل .

الثالث: حمل الحكم في مورد الاجتماع على الاقتضائي ونفي الضرر على الفعلي بدعوى ان العرف يوفّق بينهما بذلك وهذا الوجه افاده المحقّق الخراساني لما أورده على الشيخ من عدم حكومته على الأدلّة لعدم تعرّضه لها بلفظه واختصاص موردها بما يكون بلفظ أي وأعني .

وفيه ما لا يخفى اذ اي حكومة أوضح من نحو لا شك لكثير الشكّ(1) مع صراحته في ذلك وذلك منه عجيب فلعلّه غفلة منه رحمه الله والا فأيّ عرف يرى ذلك في

وجوه حكومة لا ضرر على الأدلّة الأوليّة

ص: 469


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 16/1 الى 3 - 6 من أبواب الخلل في الصلاة مع تفاوت في العبارة .

المقام مع انا أيضا منهم ولا نرى من أنفسنا ذلك . ومراده من الاقتضائي ظاهرا هو ما يرجع إلى ما يقوله النائيني رحمه الله من الانشائي والتعبير لو كان به كان أحسن ولا يكون مراده ما بنى عليه من تربيع مراتب الحكم . أولها مرحلة الاقتضاء في حاشيته على الرسائل لرجوعه عنه في كفايته واختار مرتبتين رجوعهما إلى ما يقول به النائيني قدس سره وإن كان ربما يكون فرق بينهما حيث ان الفعليّة جعلها ذات مرتبتين ثانيتهما ما لو علم به لتنجز وبذلك انجى نفسه من الحصر في الغصب حيث جعل الوجه في صحّة صلاة الجاهل عدم كون الخطاب بلا تغصب منجزا .الرابع: كون لا ضرر كلاحرج بالنسبة إلى مجموع الأحكام أخصّ مطلقاوإن كان بالنسبة إلى كلّ واحد من وجه . فبهذا الوجه يقدم عليها بضابط لسان المعارضة والجمع عقلاً بين كلامي المولى فان الحرج ما جعل في الدين فهو راجع إلى الدين لا إلى حكم واحد فكذلك يكون لا ضرر .

الخامس: تقدّم لا ضرر فرارا من كونه بلامورد لو قدمنا في مورد التعارض معارضه بالعموم من وجه ومن الترجيح بلا مرحج في تقديم بعض المعارضات دون بعض .

بيان الدليل تفصيلاً لمختار المحقّق النائيني:

من نفى التالي بمعنى نفس الحكم المعنون بعنوان الضرر بضابط المسبب التوليدي على ما قرر في محله يكون مورد لا ضرر ما إذا كان الضرر موجودا في الواقع وكان معلوما أيضا والدليل على القيد الأول فهذا لابدّ منه اذ الضرر موضوع النفي فالنفي تعلّق به فالمنفي في الوضوء الضرري أي الوضوء الذي يكون ضررا المعنون حكمه بالعنوان الثانوي بذلك بمعنى كون الحكم هو الملقى له في الضرر

توضيح معنى نفي الضرر

ص: 470

حتى يعنون بالضرر والا فلو فصل بين الحكم والوضوء ارادة فاعل مختار فلا نفي حيث لا موضوع للضرر لأن العناية في تعنون الحكم بعنوان الضرر حيث يوجب ذلك واما سببيّته له فلا محيص عنه على هذا المعنى .

فبعد أن كان من المسلم وضع الألفاظ للمعاني الواقعيّة لا المعلومة سواء كان الوضع بمعنى التعهّد والالتزام أو الجعل أو كان جبلي البشر في افاداتهم حيث انه لابدّ لهم من وضع الألفاظ أو استعمالها اذ لا يمكن القاء جميع المعاني بالاشارة

وما شابهها فالخمر ليس بمعنى الخمر المعلوم وكذا لفظة الضرر لم يكن مجعولاً بازاء الضرر المعلوم كالماء وساير الموجودات والمعاني وكذا ليست موضوعةللمعاني الخياليّة التي ربما تفرض في الذهن ولابدّ في مقام المحاورات ان يعلمالمستعمل بالوضع ويستعمل . فبمجرّد قدرته على النطق لا يمكن استفادة مراده فلو تصادف عطشه مع نطقه بما يفيد هذا المعنى بلغة يجعلها فهذا ليس من الاستعمال والارادة .

وعلى أيّ لا دخل للعلم والجهل في وضع الألفاظ بالنسبة إلى معانيها فالموضوع له هو نفس المعنى بلا اعتبار شيء من العلم به معه .

وأمّا القيد الثاني فلعدم الموضوع حيث لا علم بالضرر أو عدم الفائدة في نفي الحكم .

بيان ذلك ان رفع الحكم والوضوء الضرري ونفيه يتوقف على تعنون الحكم بهذا العنوان أي يكون معلوما . وإنّما يكون كذلك إذا علم ان الوضوء فيه ضرر عليه حتى يعنون بذلك الوجوب والزام المولى والفرض انه لا يعلم .

ان قلت: ان الموجب للوضوء الملقى إليه إنّما هو الحكم أي الالزام

ص: 471

والوجوب على الوضوء والمكلّف يعلم ذلك الوجوب ويتوضّأ ويكون هذا الوضوء ضررا عليه فيعنون الحكم بالضرر . غاية الأمر لا يعلم بالضرر بما هو ضرر وذلك ليس بمضرّ اذ المناط هو الضرر وكون الحكم موجبا له .

قلت: لمّا لا يعلم المكلّف في الفرض الضرر عليه من جهة الوضوء فجهله بذلك يكون مؤثّرا في بعثه نحو الوضوء كما اذا لم يكن هناك وجوب واراد استعمال الماء فكما لا يرى ضررا في الاستعمال ويستعمل فكذا هنا واذا كان الحال هذه فهو لا يرى نفسه مكلفا(1) بالتيمم والتمسّك بنفي الضرر في رفعموضوعه يكون حينئذٍ كالتمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة وغير ممكن له رؤية الخطاب متوجّها نحوه . وعلى هذا فربما تلزم اللغويّة فلابدّ أن يكون عنده معلوما حتّى يؤثر في النفي . هذا على المعنى الأول . وأمّا إذا كان المختار نفي الحكم بلسان نفي الموضوع كما ذهب إليه المحقّق الآخوند فيكون المفاد نفي الوضوء الضرري باعتبار حكمه فلا حكم لوضوء يكون ضرريا فقهرا يختصّ واقعه كذلك ولا دخل للعلم فيه . فحينئذٍ اذا علم بالضرر ولم يكن في الواقع ذلك فيكون وضوئه والحال هذه صحيحا على كلا المعنيين إذا فرض تحقّق القربة منه فيه واذا كان واقعا لم يعلم به يكون باطلاً على المعنى الثاني دون الأوّل .

واذا علم بالضرر وكان كذلك في الواقع فباطل على كليهما . كما ان التيمّم يبطل على الأوّل فيهما وعلى الثاني في الأوّل صحيحا وفي الثالث لكن لم يلتزموا في باب الوضوء على ما ذكرنا من مقتضى القاعدة . ودكر صاحب العروة خمسة

ص: 472


1- . أقول: لا اختصاص لهذا القيد على هذا بالمعنى الأول فيجري في الثاني لاتّحاد المناط ووجوده فيه أيضا .

وجوه في المسئلة أفتى بصحّة الوضوء في بعضها وفي آخر كالكلّ بعد ذلك احتاط . ولكن الذي يسهّل الخطب انه ربما يكون في بعض الموارد من ناحية قاعدة اخرى أو شيء يوجب الترخيص في التيمّم أو التعيين فيه .

ولذا احتجنا إلى زيادة قيد آخر في الضابط وهو ان لا يوجب نفي الضرر مشقة عليه حيث ان سياقه سياق المنة فلا مورد له في غيرها .

ولذا لو تخيل عدم الضرر في الوضوء وكان في الواقع مضرا وتوضّأ وصلّى نقول بصحّة وضوئه وكذا اذا تخيل كون الضرر في مقام وتيمم وصلى فتبين عدمه لما في الحكم ببطلان وضوئه في الأولى وتيمّمه في الثانية من الكلفة عليه في اعادة ما صلى أو عدم الاعتناء بما أتى به مطلقا . وعلى هذا فلا فرق بين المبنيينعلى كلا القولين فبترتب عليهما ثمرة واحدة .

كما في الخوف فانه لا واقع له بل نفسه واقع فاذا خاف على عينه الرمد من الوضوء وتبين عدم الضرر أو في الصوم يتخيل الضرر فخاف فلا اشكال في تركه وإلاّ فمقتضى القاعدة هكذا واما في العقد الغبني فاذا كان عالما بالضرر والغبن ومع ذلك أقدم على المعاملة فلا يستند الضرر إلى اللزوم لو جاء من قبل الشرع لتوسط فعله بين الجعل وورود الضرر عليه بخلاف ما اذا كان جاهلاً به فاللزوم سند الضرر وموجب له .

وأمّا هذا في غير باب الغبن والوضوء والغسل والصوم من ساير التكاليف فالضابط على استقامته كباب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ( الا أن يكون شأن للخوف هناك ) .

تذنيب: قد ذكرنا معنى لا ضرر على القولين وما يترتب على المعنى الأول

نتيجة اخلاف المبنيين

ص: 473

وما يعتبر فيه وانه اذا كان هناك ضرر ولم يعلم به فماهو الملقى ليس إلاّ الاعتقاد كما اذا لم يكن ضرر أصلاً ومن الواضح ان الاعتقاد ليس بضرر . وحينئذٍ لا فائدة في رفع خطاب الوضوء لو كان ضرريا للمكلّف مع عدم توجه خطاب التيمم إلى نفسه حسب اعتقاده . وهذا شاهد عدم كون الملقى على فرض وجود الحكم اياه بل هو يعلم الحكم اذ لا اشكال في اعتبار العلم بأصل الحكم والجعل للوضوء . والرفع للوضوء الضرري والنفي له ولابدّ من أن يعلم الحكم . وكذا يعلم بعدم جعل الوجوب للوضوء الضرري الا ان اعتقاده في المقام بعدم الضرر يمنعه من ترك الوضوء فالملقى في الوضوء الضرري اياه هو اعتقاده بعدم الضرر . فهنا لم يعنون الحكم بالضرر بل الاعتقاد وهذا غير اشتراط العلم بالضرر في تعنون الحكم علىالمبنى الأول . وأمّا على المبنى الثاني فالمناط واقع الضرر ولا تعنون علىهذاالمبنى وذلك واضح . هذا حسب ما يقتضيه القاعدة . ونتيجة ما تقدّم اتفاق المبنيين في صحّة التيمّم لو كان الضرر حاصلاً وعلم به واتفاقهما في بطلان التيمّم إذا علم الضرر ولم يكن أصلاً(1) .

ولو حصل منه القربة بالوضوء في الفرض فلا اشكال في الصحّة .

وأمّا لو كان الضرر في الواقع ولم يعلم به وتوضأ فعلى الأوّل صحيح وعلى الثاني باطل لعدم التكليف به واقعا لكن يظهر من الأصحاب عدم العمل حسب القاعدة في باب الوضوء وأمثاله . ففي ما اذا علم بالضرر ولم يكن ضرر في الواقع

ص: 474


1- . وذلك لأن الاعتقاد لا يجزي لما تحقّق في بحث الاجزاء ان بمخالفة القطع لا يسقط الأمر ولا توجب الامتثال بل يبقى التكليف على عهدته ولو قيل بالاجزاء فانما مورده في الأوامر الظاهريّة والامارات لو أخطأت وتبين الخلاف الا ان التحقيق عدم الاجزاء فيهما أيضا وتفصيل الكلام في محلّه .

قالوا بصحّة الصلاة مع التيمم مع ان القاعدة تقتضى البطلان على المبنيين ولزوم الوضوء واعادة الصلاة . وكذا فيما اذا كان الضرر في الواقع ولم يعلم به قالوا بصحّة

الوضوء والصلاة مع ان مقتضى المعنى الثاني من رفع الحكم في مورد الضرر الواقعي بطلان الوضوء وتكليفه بالتيمم فلابدّ من خصوصيّة في ذلك الباب .

أمّا الصورة الأخيرة فللامتنان فانّ لا ضرر لما كان للمنّة على العباد ورفع المشقّة عنهم فاذا لزم من جريانه في مورد وقوع المكلّف في العسر فلا يجري فلو ما صحّ الوضوء على الفرض الأخير كان صلاته باطلة ومقتضاه لزوم الاعادة مع ( التيمّم ) وهذا إنّما لزم على تقدير جريان لا ضرر وذلك خلاف المنّة فلذا قالوا بصحّة الوضوء والصلاة على هذا الفرض . ولا يخفى ان ما ذكرنا في لا ضرر يجري بعينه في عموم الأحكام الامتنانيّة كرفع الحرج والعسر ولازم ذلك عدمصحّة ما تحمل فيه المشقّة من التكليف في مورد حسب ما اقتضت القاعدة من رفع الحرج واقعا الا ان يكون في بعض الأبواب ما يقتضي خلافه .

أمّا الصورة الأولى فاستدلّ له ببعض الأدلّة من الآية وغيرها لكون الاعتقاد ذا موضوعيّة في باب الوضوء وربما يمكن جريان قضيّة الامتنان فيه أيضا .

ثمّ لا يخفى ان الضرر له جهتان توجبان الحاقه بذيهما .

فيمكن الحاقه بالتشريع الذي حكم العقل بقبحه في ما لم يكن واقع أصلاً وفي ما كان ولم يعلم به وشرّع سواء ولا خطاب طريقي في المحتمل ويمكن أن يلحق بما محتمله ذو حكم طريقي ومقطوعه يعني واقعه ذو حكم نفسي . ويمكن الاستدلال لتصحيح ما يظهر من الأصحاب في الموردين بآية التيمّم حيث تدلّ على لزوم التيمّم إن لم يجدوا ماءً فلو كان المراد من عدم الوجدان ما هو ظاهره

اتّفاقهما في النتيجة في بعض الموارد

ص: 475

على بعض الوجوه وانه لم يكن الماء موجودا فلابدّ من الحكم ببطلان التيمّم في ما اذا كان في مقدار الغلوة للطلب وطلب ولم يجد . لكنهم لا يقولون بذلك بل أفتوا في هذه الصورة يعني اذا تفحّص ولم يجد في مقدار غلوة سهم أو سهمين مع الشرايط المعتبرة من كون الرامي والقوس معتدلين وإنّ الفحص في أربعة جوانب على أيّ نحو اعتبرناه بصحّة التيمّم والصلاة كما اذا تخيل عدم وجود الماء فتيمّم وصلّى وتبيّن وجوده في رحله . ولا يمكن تصحيح ذلك إلاّ بما قيل في الآية وكان مقتضى الجمع بينها وبين أخبار الوضوء والتيمّم من أن يكون المراد من لم تجدوا لم تتمكّنوا .

فاذا اعتقد عدم وجود الماء في ما اذا فحص على الوجه المعتبر فيصدق عقلاً حينئذٍ انه غير متمكّن من استعمال الماء كما ان عدم القدرة على الماء وإنكان موجودا ويعلم ذلك كذلك . ولو كان الماء في الصورة الأولى موجودا لأنوجوده الواقعي لا يجعل هذا الشخص متمكنا منه بل لابدّ من العلم بوجوده وعدم مانع منه عقلاً .

ومن المعلوم انه اذا اعتقد عدم وجوده ولو كان في رحله يكون غير متمكّن اذ مع هذا الاعتقاد لا يقدر على استعمال الماء ولو قلنا ان المانع الشرعي كالمانع العقلي فاذا خاف مرضا له أو ضررا من ناحية وضوئه فهو أيضا غير متمكن . واذا اعتقد الضرر ولم يكن في الواقع فبحسب اعتقاده لا يمكن له الوضوء الا بالعصيان والخروج عن أمر المولى لما يرى نفسه غير مكلّف بخطاب الوضوء بل عليه أن يتيمّم .

فهذا الذي تخيّله مانعا من الوضوء يمنعه استعمال الماء ويوجب عدم تمكّنه

ص: 476

منه عقلاً اذا عطفنا المانع الشرعي على العقلي . وعلى هذا فليس عليه إلاّ التيمّم .

لكنّه لا يخفى ان موارد الوضوء وكذا الغسل والتيمّم لما كان في فرض عدم وجود الماء أو لا يجد نفسه متمكنا من استعماله عقلاً أو شرعا يكون داخلاً في مسئلة ذوي الأعذار .

فلو قلنا بجواز البدار في غير ما اذا لا يرجو الزوال فمقتضى ما ذكرنا صحّة تيمّمه مع صلاته وإن حصل التمكّن من الاستعمال في الوقت بعد أن صلّى . وإلاّ فحيث ان الشارع إنّما أوجب الصلاة مع الطهارة وقيدها بها فلابدّ من العلم بحصول قيدها معها امتثالاً لتكليف المولى فلو اكتفى بهذا التيمّم وصلّى ووجد الماء في الوقت وتمكّن من الاعادة فلا يعلم حصول قيد الصلاة وانه حصلت الطهارة في الفرض بالتيمّم فلا يجوز له البدار الا اذا حصل اليأس عن ارتفاع العذر لما ان الواجب صرف الوجود من الصلاة مع قيد الطهارة والستر وغير ذلك .ومع ذلك لو تبيّن الخلاف في الوقت فلا موجب للأجزاء والاحوط أن يؤخّرالصلاة في غير هذه الصورة إلى حين اليأس وضيق الوقت وتفصيل الكلام موكول إلى محلّه .

هذا في باب الوضوء واعطف عليه باب الغسل وباب الصوم اذا اعتقد الضرر مع انه لم يكن في الواقع . غاية الأمر فرق بين هذا الباب وباب الوضوء والغسل .

فعلى ما ذكر لا اعادة للصلاة مع التيمّم هناك . وفي المقام لابدّ من قضاء الصوم الا انه ما عصى لاعتقاده الضرر فيه وكذلك لا كفارة عليه أكل شيئا وأفطر أم

دخول مسئلة الطهارات في حكم ذوي الأعذار

ص: 477

لا اذا قلنا بلزوم الكفارة لمطلق ترك نيّة الصوم هذا(1) وقد ورد اشكال(2) على بطلان الوضوء في ما إذا وجب عليه التيمّم في ما ذكرنا من الفروض على أيّ المبنيّين من الحاج آقا رضا الهمداني قدس سره بأنّه لما كان لا ضرر امتنانياً فمورده ما إذا يكون امتنان في رفع التكليف ولازمه التوسعة على المكلّف فلا موجب لبطلان الوضوء فيما اذا كان الوضوء مرفوع اللزوم بنفي الضرر اذا كان وضوئه ضرريا . بل للمكلّف أن يكلّف نفسه تحمل الضرر خصوصا إذا كان يسيرا كشين ظهر الكف لبرد الماء أو لحصول الحمّى وعروضها عليه في بضع أيّام ويأتي بالوضوء أوالغسل مثلاً الا اذا كان مورد التهلكة أو احتملنا فلا يجوز وسبق الاستدلال للجوازبرفع الالزام فلم لا يبقى الجواز ( كما يذكرون في باب النسخ هل الجواز يبقى مع نسخ الوجوب أم لا ) مع حصول القربة بفعل الوضوء لتحصيل الطهارة ويكون باب الوضوء كباب المعاملات حيث ان العقد اذا كان ضرريا فانّما ينفي بحديث نفي الضرر لزومه واما صحّته مع انها حكم وضعي شرعي ورفعه ووضعه بيد الشارع تبقى لأنها عبارة عن حصول النقل والانتقال ويكون رفع اللزوم منة على الذي له الخيار برفع اللزوم لأجله في أن يختار امضاء العقد وأن يفسخ . وأجاب عن هذا

ص: 478


1- . وأمّا ساير الأبواب كباب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي فيه أبحاث نفيسة عالية بحثها ومدارستها الزم وما يذكر فيها من التحقيقات أقوم من البحث في فروع المعاملات والبيع وكذا بابا النكاح والطلاق فيبقى الحديث مع مقتضاه من المعنى الأول وكذا الثاني الاّ ان يدل دليل خاص في هذه الأبواب في مورد على ما يخرج عن القاعدة من حديث نفي الضرر كما ان حديث الجار كالنفس [ الوسائل 25 الباب 12/2 من أبواب احياء الموات ] غير مضار ولا اثم يدلّ على عدم جواز الاضرار بالنفس حيث جعل النفس أصلاً لحكم عدم اضرار الجار واثمه مما يكنى بذلك عن ثبوت الحكم في الأصل بيّنا فان لا ضرر يدل على عدم جواز الاضرار أيضا .
2- . مصباح الفقيه 6/150 وما بعده .

الاشكال المحّق النائيني قدس سره .

عود على بدء: قد ظهر ممّا ذكرنا من حكومة لا ضرر على الأدلّة الأوليّة ان المنفي والمرفوع هو الحكم والالزام الذي يلزم منه الضرر في التكليفيات كالوضوء مثلاً والوضعيّات وجوب الوفاء بالعقد فالزامه منفي ولا يبقى بعد ذلك شيء بلا فرق بين الحكومة الواقعيّة أو الظاهريّة كحكومة الامارات على الأصول وحكومة رفع ما لا يعلمون على الحكم الواقعي الذي يرجع على مبنى المحقق النائيني إلى رفع ايجاب الاحتياط حذرا من لزوم التصويب كما بنينا نحن على تعلّق الرفع بنفس الحكم والخطاب بجعله الذي يستوي فيه العالم والجاهل وهو اشتغال العهدة كالدين غير المطالب وعلى مبناه يكون حكومة باب اليد وحكومة البينة وبعد رفع الضرر يكون الرفع بشراشره أي الحكم الضرري بماله من الشؤون فلا يبقى بعده جواز أصلاً على المعنيين في لا ضرر وتعيين الوظيفة بالأدلّة الاخرى فاما أن يكتفي بما أتى به بلا لزوم شيء عليه أو يرفع اليد عن العمل أو يبني على اتيان الزائد لعدم تعرض الرفع للجعل والوضع . هذا مقتضى القاعدة على ما حقّقه المحقّق النائيني وهو الذي ثبت عن المشهور على ما نسب إليهم وقدخرجنا عن مقتضى هذه القاعدة الأوليّة التي تقدم ان حكومتها تتحقق بقيدين وهوأن يكون هناك ضرر وأن يكون معلوما في باب الوضوء والصوم وفي باب الغبن وما مثل هذه . ففي باب الوضوء لما دلّ على صحّة غير الجامع للقيدين حسب ما استظهر على ما تقدّم ولما أشرنا إليه أيضا انه يكون في الوضوء والصوم موضوعيّة للخوف وإن لم يكن له حقيقة الا تخيل ما يصل إليه من الضرر في النفس أو المال في موارده . ويبقى باب الغبن ويشكل على القاعدة المستفادة والاستظهار من

نتيجة الحكومة رفع الالزام

ص: 479

لا ضرر بأن الرفع والنفي اذا تحقّق القيدان وفي المعاملة الغبنيّة لم يلتزموا بالخيار ونفي اللزوم اذا كان المشتري عالما بالغبن أو البايع كذلك مع اجتماع القيدين .

والجواب أوّلا فلأن الضرر لم يستند إلى اللزوم الشرعي المجعول المستفاد من نحو أوفوا بالعقود(1) وقد سبق انه لابدّ من استناد الضرر إلى الحكم على نحو السببيّة لا المعد وفي مورد الغبن يريد المغبون أن يعامل ويعطي زائدا على القيمة مع علمه بالغبن فقبل أن يكون عليه حكم والزام تحقق الضرر بنفسه من قبله وأوجب على نفسه . فلو أوجب الشارع تلك المعاملة والزمه بالوفاء بها لم يلقه في الضرر كما اذا جعل له الخيار ونفى الوجوب يبقى على ما كان عليه من اختيار مضي المعاملة حسب ما أوقعها . وثانيا استناد الخيار إلى حديث نفي الضرر لا وجه له بل يرجع إلى الشرط الضمني . فان المتعاملين كما يقصد أن البدليّة للعوضين وان يتعاوضا الاضافة المتحقّقة بينهما والعوضين فان الاضافة تارة تتبادل أصلها كما في المعاملة البيعيّة وتارة يكون التبادل للمضاف كما في العينين وثالثة في المضاف إليه كما اذا مات وورثه وارثه فهنا تحقق بدليّة المضاف إليه .وفي المبايعة يتحقّق تبادل العينين والاضافة تتبعهما في الموضعين كذلكيقصدان تساوي مالية البدلين .

غاية الأمر يبني العقد على ذلك ويكون كالمذكور فيه كما ان اطلاق العقد يقتضي نقدية الثمن وان يكون نقد البلد ممّا يطلق العقد عنه ويكون مقصود المتعاملين ومنها هذا الذي نحن فيه من الغبن فان البناء النوعي قصد التساوي للمالين والعوضين في مقام المعاملة ويكون العقد مقيّدا بهذا وذاك بالنسبة إليه

جواب الاشكال

ص: 480


1- . سورة المائدة: 2 .

كالشرط الضمني فثبوت الخيار لهذا وليس ذلك في المقام أصلاً . حيث ان قصده خلافه بل يريد أن يوصل مالاً إلى البايع أو المشتري زائدا على ما يستحقه عوضا لماله حسب قيمته الواقعيّة . كما اذا وهبه ذلك وكم فرق بين ما نحن فيه وبين غيره فان المقام يخرج عن موضوع الضرر بالعلم بالغبن هذا . وعليه فلو تخلف هذا الشرط الضمني في مورد فالالزام منفي وأمّا صحّه العقد فلا ربط لها بالالزام ولا لزمت من ناحية الضرر بل ذلك خلاف الامتنان .

ان قلت: فعلى هذا يكون الالزام الموجب للضرر على المكلف في باب الوضوء منفيا ويبقى الجواز للامتنان اذا تحمل لمشقة وأراد المكلّف أن يدرك المصلحة ( لو كانت ) ولا يلازم رفع الالزام رفع الجواز لأن المنّة تتحقّق برفع الأول .

قلت: قد أجاب المحقّق النائيني عن هذا الاشكال الذي أورده الحاج آقا رضا الهمداني قدس سره ( ولعلّ غيره أيضا ) اولاً بالنقض بلا حرج ولا عسر وأمثالهما كلا شك لكثير الشكّ(1) حيث ان جميع هذه امتنانيّة . وهو أي الحاج آقا رضا لا يلتزمفيها ببقاء الجواز كما يدعيه في المقام وعلى ما قرّبه وحرّره كان ينبغي أن يعم ذلكفيها أيضا حيث لا فرق بينهما وبين لا ضرر فان لم يكن هذا للمنّة فكذلك تلك وان استفيد الامتنان من حديث الرفع بحيث يشمل بعضها فيكون لا ضرر هكذا حيث ان في بعضها زيادة على مؤمن أو زيادة في الاسلام ولا امتياز لبعضها على آخر بل الحكومة في جميعها على نسق واحد أعمّ من لا حرج ونفي العسر والضرر . والامتنان أيضا كما في بعض موارد الحكومة . وثانيا بالحل وهو ان الوجوب

ص: 481


1- . الوسائل 8 الباب 16/1 - 3 - 6 من أبواب الخلل في الصلاة .

والالزام ليس معنى مركبا من طلب الفعل مع المنع من الترك حتى ينازع في انه اذا رفع الوجوب هل يبقى الجواز أم لا على الخلاف المعروف في بابه من تقوّم الحكم بفصل ومن رفع الفصل الوجوبي يلزم بقاء الجنس بغير فصل بل ليس الوجوب إلاّ ما ينتزع عن مرتبة من الطلب أي الذي يوجد مصداقه المولى في الخارج في مقام ارادة شيء من العبد بأن يكون فاعلاً له كما ان الاستحباب أيضا ينتزع عن الطلب وليس هو إلاّ أمرا بسيطا لا يوجب فيه اختلاف الخصوصيّات من الاجهار والاسرار والتأكيد وغيره معنى زائدا . بل حيث ما رخص في الترك يستفاد الوجوب واذا رخص فالاستحباب . وكذلك في جانب الحرمة والكراهة فاذا رفع الضرر والالزام بالوضوء فينتفي المشروعيّة من رأس ولا محل للجواز فيه بعد ذلك . واذا كان بداعي التعجيز فهو وكذا التهديد وغير ذلك من الدواعي ولا تكون الصيغة في جميع ذلك الا مستعملة لمعنى واحد وحصول مصداق فارد من الطلب فلا تركيب ولا جنس وفصل . فالوجوب انما ينتزع من الصيغة اذا كان بداعي الجد فاذا ورد دليل بأنّه لم يكن مرادا فلا يبقى شيء حتّى يكون هو الجواز لأن الحكم في غاية البساطة ولا شائبة فيه من التركيب مضافا إلى مثل لا شكّلكثير الشكّ(1) لا يمكن فيه ذلك .ولا يخفى ما في هذا الايراد لأنّ الاشكال إنّما هو على المبنى فيمكن في ما إذا كان تخصيص أيضا أن يلتزم أصحاب هذا المبنى ببقاء الجواز بعد رفع الالزام كما يمكن أن يقولوا برفع الجواز أيضا . وهو أيضا كان ملتفتا فمن الأول استثنى

ص: 482


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 16/1 إلى 3 - 6 من أبواب الخلل في الصلاة مع تفاوت في الألفاظ .

مورد لا شكّ لكثير الشكّ فانه لا امتنان فيه كما في لا بنيان(1) لكنيسة .

وثانيا يلزم أن يكون التيمّم الذي هو متأخّر عن الوضوء والغسل في رتبتهما اذا قلنا ببقاء الجواز بعد ورود دليل نفي الضرر . فان التيمّم في طولهما وإنّما يجب بعد ان لم يتمكّن منهما بل حسب المستفاد من الآية ان المتيمّم هو من كان فاقدا للماء كالمتوضى هو من كان واجدا له أو يكون الثاني متمكّنا منه والأوّل غير متمكن .

وعلى أيّ فقد وجب الوضوء والغسل على عنوان الواجد أو المتمكن

حسب بيان الآية الشريفة لما ورد من انّ التراب(2) أو الصعيد أحد الطهورين بأنّ الماء مقدّم على التراب إذا كان المكلّف واجدا له متمكّنا من استعماله فاذا جاز الوضوء لمن عليه الضرر في الوضوء فلا يكون غير متمكّن من الماء وإذا لم يكن فلا يجوز عليه التيمّم ولابدّ له من الطهور للصلاة وليس إلاّ الوضوء لتمكنه من الماء وجائز استعماله له شرعا . وعلى أي فبناءً على جواز الوضوء لمن عليه الحرج والضرر فيه وأن يكون المرفوع بهما هو الالزام فقط فلا يمكن شمولعنوان الفاقد لمثل هذا أصلاً فكيف بالتخيير بين الوضوء والتيمّم ( وهل هذا الاكر على ما فررتم منه ) وذلك ان التفصيل قاطع للشركة والمتيمّم لا يجزيه الوضوء كما في العكس .

على الواجد الطهارة المائيّة وعلى الفاقد الترابيّة

ص: 483


1- . عن الجامع الصغير 2/725 وفيض القدير 6/380 .
2- . الوسائل 3 الباب 21 - 23/1 - 5 - 6 - 4 - 13 من أبواب التيمّم واللفظ فان التيمّم أحد الطهورين . ان اللّه جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً، ان ربّ الماء هو ربّ الصعيد لكن لم يرد الصعيد أحد الطهورين أو التراب أحد الطهورين ان رب الماء هو رب الأرض أو هو رب التراب .

هذا غاية تقريب مرام المحقّق رحمه الله إلاّ انّه لا يتوجه اشكاله وما أورده على القائل أصلاً فانّه لا محذور في كون المقام مخيّرا فيه بين الوضوء والتيمّم وكم له من نظير . لأن مقتضى دلالة حديث التراب(1) أحد الطهورين كون التراب كالماء

محصلاً للطهارة المشروط بها الصلاة . لكن الآية الشريفة الواردة في بيان حكم الوضوء أوجبته والغسل وجعلتهما مقدمين على التيمّم وخصّته بصورة عدم وجدان الماء أو عدم التمكّن منه حسب ما فسّر بذلك .

ومقتضى الجمع بينهما اختصاص التيمّم بمن لم يتمكّن من الماء عقلاً أو شرعا الا ان دليل رفع الحرج والضرر بمالهما من الحكومة على الأدلة الأوليّة رفعا الالزام للوضوء عن من يتضرّر به أو يكون له فيه الحرج فيجوز له أن يتوضأ اذا أراد وتحمّل المشقّة في ذلك وان يتيمّم . فيختصّ الآية الشريفة بما إذا لم يكن ضرر على المكلّف في الوضوء والغسل وأمّا في موردهما فيبقى الحديث على اطلاقه ويكون العرضيّة للتراب باقية للماء في هذه الصورة .

فمن يتمكّن من الماء عقلاً وشرعا بأن لم يكن عليه ضرر فعليه الوضوء ومن يكون عليه الضرر فهو وإن تمكّن إلاّ انّه جائز له الوضوء وان ييتمّم والتيمّميجب على خصوص غير المتمكّن من استعمال الماء غير المتضرّر . فبالنسبة إلى المتضرّر لا الزام من الطرفين . وعلى أيّ فالحقّ واضح في المقام . بل أوضح من ما

ص: 484


1- . الوسائل 3 الباب 21 - 23/1 - 5 - 6 - 4 - 13 من أبواب التيمّم واللفظ فان التيمّم أحد الطهورين . ان اللّه جعل التراب طهوراً كما جعل الماء طهوراً، ان ربّ الماء هو ربّ الصعيد لكن لم يرد الصعيد أحد الطهورين أو التراب أحد الطهورين ان رب الماء هو رب الأرض أو هو رب التراب .

يكون الحكم المباين على الموضوع لحكم آخر صار في عرضه وأوجب سقوط أصل الحكم والاكتفاء بالأوّل كما في موارد القصر والاتمام .

فان الحاضر والمسافر موضوعان مختلفان بحيث يجب على أحدهما ما فاته من الصلاة في الحال الاخرى كما فاته ان سفرا فقصرا وإن حضرا فتماما ومع ذلك في موارد التخيير يكون القصر في عرض الاتمام . فبايّهما تعلّق ارادة امتثاله وأتى به يكون هو المجزي عنه مع ان الاختلاف في الموضوع في الحاضر والمسافر أشدّ وأوضح منه في باب البدل والمبدل منه كباب التيمّم . فان ما تقدّم عن النائيني رحمه الله من اختلاف العنوانين وان الفاقد يجب عليه التيمّم والواجد الوضوء لا يستقيم لأن في باب البدل والمبدّل لا يتمّ ما ذكره . ويشهد عليه وجوب الوضوء لقضاء ما فاته في ما إذا أتى به أتى بالتيمّم وليس هذا إلاّ لان التيمّم بدل

عن الوضوء لا موضوع في مقابله وإلاّ لكان الواجب في الفرض هوالصلاة مع التيمّم وكذلك في باب السقوط فاذا تحمّل العاجز عن القيام مشقته وقام فيصح منه الصلاة في هذا الحال مع سقوط القيام عنه في الفرض وذلك لان الجلوس ليس موضوعا في عرض القيام .

وعلى أيّ حال فما ورد من التخيير في مواطنه ومثل البيّنة على(1) المدعى واليمين على من أنكر مع ما ورد بالدليل المنفصل ( في بعض الموارد بكون(2)البيّنة على المنكر أيضا أو اليمين على المدعى فراجع ) يقطع ما ذكره من ان التفصيل قاطع للشركة . غاية ما في المقام توجه الاشكال في استفادة الملاك

ص: 485


1- . الوسائل 27 الباب 3 - 4 - 7/1 الى 6 - 1 من أبواب كيفيّة الحكم .
2- . الوسائل 27 الباب 3 - 4 - 7/1 الى 6 - 1 من أبواب كيفيّة الحكم .

للوضوء الضرري بعد رفع الالزام ويكفي في ذلك نفس دليل نفي الضرر حيث انه ورد في مقام المنّة وهي تقتضي بقاء الجواز والملاك والمصلحة فيأتي به بداعي المصلحة ولا اشكال فيه .

واستجود هذا التقريب سيّدنا الأستاذ قدس سره بعد أن حصره بجوانبه وهو الحق .

تقريب لتصحيح كلام المحقّق النائيني . يمكن أن يقرّب بأن لا ضرر ولا حرج وأمثالهما بعد ان كانت حاكمة على أدلّة التكاليف الملزمة كالوضوء مثلاً فيخرج مثل هذا الوضوء عن تحت مدلول أدلّة تلك التكاليف وليس عليه إلاّ التيمّم . اذ بعد ورود حديث نفي الضرر على الوضوء الضرري فالملاك والمصلحة وإن كان كافيا قصده في التقرب من المولي الا انه لابدّ له من كاشف وحيث يكون الأمر هو الكاشف عن الملاك فاذا لا أمر حسب الفرض فليس شيء يكون الكشف به الا ان يأتي برجاء المصلحة . لكن الرجاء لا يحرز شرط العبادة ولا يمكن أن يكتفي بمثل هذا الوضوء كما لا يجوز الدخول في الصلاة أيضا الا رجاءً وأنت تدري ان بالرجاء لا يحرز الامتثال وبقي التكليف على عهدته . اذ مجرّد الشكّ في كون الوضوء ذا مصلحة يكفي في عدم الاكتفاء به ولسنا نمنع كفاية قصد الملاك الا انه ليس محرزا في المقام هذا .

وأجاب سيّدنا الأستاذ قدس سره من هذا الاشكال بأن نفس ورود لا ضرر في مقام المنّة يكفي في كشف المصلحة والملاك اذ لا منّة حيث لم يكن المقتضى للجعلموجودا . بل الاشكال إنّما هو حيث المقتضي وإذ لم يكن المقتضي لشيء فعدمالجعل ليس فيه منّة على العباد .

إذ الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد النفس الامرية فان كان في شيء

ص: 486

مصلحة ملزمة فيجعل على طبقها ويلزم المكلّف باتيانه واستيفاء تلك المصلحة وإن كان هناك مفسدة ملزمة فيجعل الحكم على طبقها ويحرم ارتكابه على المكلّف وإذا كان لشيء مصلحة للجعل الا ان هناك مانعا من جهة اخرى تمنع جعل الحكم على طبقها فلا جعل للمولى ولا الزام . فهنا يمكن أن يجعل الحكم حسب ما اقتضاه الجهات والمصلحة الأقوى اذ لا يأمر الاّ بالحسن ولا ينهى إلاّ عن القبيح وليس للعقل كشف القبح والحسن على نحو يحيط بذلك بحيث يطلع على موضوع جعل المولى . بل البارئ الحكيم يفيض على الموجودات حسب استعدادها وما في وسعها حسب صلاحها اذ لا بخل فهو غنيّ بالذات عليم حكيم لا يفعل القبيح بل لا احتمال لصدوره من الحكيم فضلاً عن المولى العالم العادل . وفي ما نحن فيه حيث ان مصلحة التسهيل على المكلّفين كانت أهم فصارت مانعة عن الجعل حسب ما يقتضيه المصلحة في ذلك الوضوء الضرري مع بقاء المصلحة على ما هي عليه وإنّما رفع الالزام للمنّة على العباد حيث ان ذلك من المشاق العرفيّة التي ربما يوجد من يتحمّلها لدرك المصلحة . وإلاّ فلو كان من المشاق العقليّة فلا منّة في عدم جعل الحكم ورفعه بل تكليف العاجز قبيح محال . ولا معنى للاستدعاء منه تعالى لرفع الآصار والخطأ والنسيان بل لم يكن التكليف الشاق العقلي غير المقدور مجعولاً حتى في الامم السابقة . فما كان إنّما هو من المشاق العادية فرفعها عن هذه الامة منّة عليهم لا بحيث ان رفع المصلحة أيضا . بل هي باقية كما كانت فلم تصر المصلحة في الوضوء الضرري مفسدة حتّى يكون حرامامنهيّا عنه . بل رفع الالزام مع بقاء المصلحة ويكون سند البقاء نفس المنّة في رفعمقتضى المصلحة حسب ما يدلّ عليه الرفع الامتناني الذي هو بعد تماميّة

كفاية نفس نفي الضرر في جواز الوضوء

ص: 487

المقتضى . فلا اشكال من هذه الجهة كما انه يكفي قصد الملاك على ما حققناه في محله وهو أيضا معترف بذلك رحمه الله من تصحيح ذلك والترتب . فان الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضدّه بل يقتضي عدم الأمر به الا انه لا يوجب انطماس المصلحة واضمحلالها فيأتي حسب قصد الملاك أو الأمر الترتبي والتفصيل راجع إلى محلّه .

فلم يبق إلاّ ما استشكله ثانيا من عدم كون ما في طول شيء في عرضه اذ التيمّم إنّما هو حيث لم يكن موضوع للوضوء فلو كان يمكنه الوضوء فلا تصل النوبة إلى التيمّم اذ هو متأخّر رتبة عن الوضوء لقضيّة البدليّة عنه فذلك كتأخّر رتبة

الحكم عن موضوعه والمعلول عن علّته وكذا يلزم أن يكون من عليه الضرر في الوضوء متمكنا من استعمال الماء وغير متمكّن منه وكيف يمكن جمع الليل والنهار حيث ان الأوّل في ما إذا لم يكن الثاني كالثاني ويستحيل تقدّم المتأخّر رتبة حتّى يكون في عرض المتقدّم بل استحالة ذلك أوضح من استحالة اجتماع الليل والنهار .

لكنه لا يخفى عليك عدم ورود هذا الاشكال أصلاً بل ذلك مغالطة واضحة لأنّ المستفاد من حديث التراب(1) أحد الطهورين كون التيمّم في عرض الوضوء كما ذكرنا الجمع بينه وبين الآية آنفا وعلى هذا لا اشكال في كفاية الوضوء الضرري لكونه ذا مصلحة ويكفي في التقرب به قصد ملاكه ومصلحته .ولا يخفى ان لا ضرر إنّما ورد في مقام المنّة على المكلّفين وليس نهيا كماسبق .

ص: 488


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 23 - 24/5 من أبواب التيمّم 21/1 واللفظ التيمم .

تنبيهان: الأوّل: لو تحمّل الضرر من يكون الوضوء والغسل مثلاً عليه ضرريّا بأن غمس بدنه أو أعضاء وضوئه في الماء إلى أن تضرر بذلك بحيث لا يتفاوت زيادة الغمس وامرار الماء عليها بالنسبة إليه بذلك يكون خارجا من باب الضرر وليس وظيفته إلاّ الوضوء اذ لا ضرر عليه في الوضوء بعد هذا حتّى ينفي الزامه لتعنونه بالضرر إذ ذلك قبل التحمّل واما بعده فلا . حتى لو اخترنا مذهب النائيني قدس سره من ان رفع الالزام من باب المنّة على العباد يلازم رفع الجواز فلا يبقى وجه لجواز الوضوء اذ في الفرض يتعين الوضوء والغسل عليه لعدم موضوع للضرر ولا يكون التيمّم جائزا .

نعم لو حصل بسبب الوضوء زيادة ضرر فالحديث يجري بالنسبة إلى هذا المقدار ويجييء فيه ما تقدّم من التبدّل إلى التيمّم على ما اختاره تعيينا والتخيير

بينه وبين الوضوء على ما بنينا عليه .

الثاني: ما ذكرنا من بقاء الجواز بعد رفع الالزام في الوضوء الضرري لاقتضاء المنّة ذلك إنّما يكون فيما إذا لم يصل الضرر إلى حدّ المفسدة والاضرار بالنفس وإلاّ فلا مقتضى لبقاء الجواز في هذه الصورة لان هذه الأعمال الوضوئيّة أو الغسليّة تكون محرمة عليه من جهة الاضرار بالنفس لعدم امكان كون الحكم حرمة وجوازا كما لا يمكن اجتماع الوجوب والحرمة على شيء واحد فيكون ذلك من باب اجتماع الأمر والنهي ولا يمكن التقرب بمثل هذا الوضوء الضرري المحرم من اللّه تعالى .

اذ لايبقى الجواز ولا مصلحة للوضوء حتّى يصحّ وضوئه بداعي الملاك وأنيتقرّب بذلك وإنّما مورد ما ذكرنا من بقاء مصلحة الوضوء الضرري وكفاية قصد

لو تحمّل الضرر

ص: 489

ملاكه هو اذا لم يصل إلى هذا الحدّ . بل يكون ضررا يسيرا ومشقّة عرفيّة وحرجا وعسرا كذلك اذ لا يختصّ ذلك بالضرر بل يجري في مثل لا عسر ولا حرج وأمثالهما .

ففي هذه الصورة لأهميّة مصلحة التسهيل عند مزاحمتها مع مصلحة الالزام قلنا بعدم وجوب الوضوء .

أمّا مصلحته فباقية بخلاف ما إذا كان محرما فلا مصلحة حتّى يصحّح الوضوء ولو بالترتب .

فاذا تحمل المشقّة غير المحرّمة التي لا مفسدة فيها ويدرك مصلحة الوضوء والغسل فيصح عمله وهذا لا اشكال فيه .

إنّما الكلام في خصوص الضابط وان الأضرار المحرّم بالنفس ما ميزانه ؟ فمن المسلّم انّ الأضرار بالتهلكة والقاء النفس فيها أو قطع اليد والرجل وأمثالهما يكون محرّما كما انّ المشقّة الجزئيّة والضرر اليسير القابل للتحمّل لا تكون محرّمة

يجوز معها ترك الوضوء والغسل والتيمّم بدلهما ولم يرد في الأدلّة الشرعيّة ما يكون قاعدة كليّة وميزانا كذلك ليكون معيارا لتشخيص الضرر المحرّم من غيره .

إنّما ورد النهي واستفيد عدم الجواز من الموارد الجزئيّة فمثل الغسل لمن يصير محموما أو مزكوما بسببه ولا يكون عليه كثير مشقّة بالاستحمام فيعرق بدنه ويترشّح أعضائه فيذهب عنه الحمّى والزكام لا يكون من الأضرار المحرّم اذ لا مفسدة في ذلك كما اذا أمكن رفع ما عرضه من الكسل والتواني بمثل شرب لسان الثور ونحوه من الأدوية والعقاقير . وورود النهي عن ما إذا كان شرب شيء أو أكله موجبا لطول مرضه .

لا يجوز الوضوء إذا وصل إلى حدّ المفسدة

ص: 490

ولعلّ عدم ورود الاخبار المبنيّة لذلك المشخّصة لمواردها لأن ذلك مسلمعند الناس بحيث يتمكّنون من تشخيص موارده حسب جبليّتهم وسيرتهم . ولذا لم ينعقد لذلك باب في الأخبار لعدم ورود ما يكون صالحا لأجله . وعلى أيّ فمثل قطع اصبع الغير ولو بأذنه يكون محرما ومثل اللطم واللدم وأمثال ذلك ممّا فيه شعاريّة للاسلام ولاقامة مراسم التعزية الدينيّة لا إشكال فيها ( واستفيد من بيان الأستاذ قدس سره عدم الاشكال في مثل ضرب السيوف على قدام الرأس الذي يعبّر عنه بالتطبير وكذا ضرب السلاسل على الصدور على ما هو المرسوم اليوم في المآتم الاماميّة ) وكذا قطع الرجل يده أو اصبعه يكون حراما قد استفدناه من باب الديات وغيره من الموارد الجزئيّة الخاصّة كما ان الاضرار جاز في بعض الضرورات اذا صار إلى حد به يسدّ الرمق كأكل مال الغير لكنه مع الضمان كما يجوز في الضرورات أكل الميتة من المأكول وغيره حتّى لحم الآدمي إلاّ إذا كان نبيّا أو وليّا فيأكل من لحم نفسه لسدّ رمقه ولا يأكل من لحمهما وتفصيل الموارد الجزئيّة موكول إلى الفقه هذا .

وفذلكة ما ذكرنا بقاء الجواز إذا لم يكن فيه مفسدة في باب التكاليف ولا يرفع الجواز مع الالزام وكذلك في باب المعاملات اذا كان العقد ضرريّا كما اذا غبنه البايع فبحديث نفي الضرر يرفع لزوم ذلك العقد لكنه لا يوجب رفع الصحّة إذ فيه خلاف المنّة .

مضافا إلى ان الضرر لا يستند إلى الصحّة بل المعنون به إنّما هو اللزوم وأن يكون ملزما بوجوب الوفاء بمقتضى العقد .

وقد ذكرنا ان المنفي لابدّ أن يكون علّة للضرر وجزءا أخيرا لها . ومن

موارد جواز الاضرار بالنفس وبالغير

ص: 491

المعلوم ان الصحّة ليست في ذلك من شيء بل لها دليل وهو أحلّ اللّه البيع(1)بمقتضاه صار البيع جائزا نافذا ولا ينافي ذلك رفع اللزوم الآتي من قبل أوفوا بحديث نفي الضرر هذا .

ايقاظ: قد ذكرنا سابقا ضابط جريان نفي الضرر وانه لابدّ من الضرر الواقعي والعلم به وعلى هذا يتوجه نقض اشكالاً على ذلك بأنّه يلزم فساد البيع المحاباتي والصلح وأمثالهما ممّا يقدم أحد المتعاملين على ضرر نفسه فيعطى الثمن زائدا على قيمة المبيع أو يصالح بأكثر ممّا يكون قدر الحق على نحو لا يعد باليسير لانطباق الضابط في المقام من كون الضرر واقعا وعلمه به مع انهم لا يقولون به .

وحلّ الاشكال بما ذكرنا وأشرنا إليه مرارا من انّه لابدّ في مورد جريان لا ضرر أن يعنون الحكم به وضعيّا كان أم تكليفيّا . ولا يخفى انه في الفرض لا يكون اللزوم المجعول من ناحية الشارع ملقيا للمقدم على الضرر إليه بل هو ألقى نفسه فيه وأقدم عليه .

فلو جعل اللزوم والزمه على الوفاء لا يكون ما ألقاه فيه الضرر مستندا إلى الجعل الشرعي اذ العلّة له اقدام نفسه قبل الالزام المولوي .

وهذا بخلاف باب التكاليف فانّ الضرر إنّما يأتي من قبل جعل المولى وفعل المكلّف واقدامه لا يوجب استناد الضرر إلى نفسه لأن بعثه إلى الوضوء الضرري إنّما يكون من المولى فالضرر مستند إليه وإذا كان الاقدام موجبا لاستناد الضرر إلى المقدم فيعلم الوجه فيما أفتى به الفقهاء في موارد متعدّدة يتوهّم فيها جعل

ص: 492


1- . سورة البقرة: 276 .

السلطنة الضرريّة للمالك .منهاما لو استأجر الأرض إلى مدّة قليلة وزرعت فيها ما لا يحين حصاده إلاّ بعد مضى وقت الاجارة أو غرس فيها شجرا يبقى مأة سنة أو أكثر كالنخل مع كون المدّة المستأجر فيها خمس سنوات في الأخير وستّة أشهر في الأوّل الذي يتجاوز زمان حصول الزرع إلى حين حصاده عنه بشهرين مثلاً فللمالك يعني صاحب الأرض أن يطلب تخلية أرضه وافراغها من النخل والزرع وله السلطنة على ذلك وعلى الافراغ لو لم يخلّ صاحب النخل والزرع كما انه إذا لم يكن الغرس والزرع عن حق بل كان عن غصب . لصاحب الأرض ذلك .

والاشكال انه قبل تمام المدّة كان مأذونا في أنواع التصرّفات في أرض المالك وليس للمالك منعه لأن ذلك عن حق لازم . وهو قد أذن له بمقتضى عقد الاجارة فبعد تمام المدّة لو كان للمالك قلع الشجرة واخراج الزرع عن الأرض يتضرّر المستأجر بذلك ولم يكن حسب الفرض غاصبا حتّى لا يكون لعرقه حق على ما نطق به الخبر ( ليس لعرق ظالم حق )(1) ولا يكون في الابقاء إلى حصول زمان حصاد الزرع ضرر على المالك لأنّه لا يتصرّف في أرضه ولا يمشي عليها بل يبقى زرعه فيها والبقاء من الزرع ولا يوصل ضررا على المالك حتّى يدخل في مسئلة تزاحم الضررين التي ستعنون إن شاء اللّه بل يبذل اجرة الأرض المشغولة ويمكن فرض المثال في ما هو أوضح من ذلك .

كما إذا تخيّل المستأجر بقاء مدّة تسع زرع الأرض وحصاده فزرعها وغرس شجرا فيها ثمّ تبيّن خطأه في ذلك ولم يبق مثلاً إلاّ ثلاثة أشهر وعلم بذلك

إذا زرع في الأرض المستأجرة ما يبقى بعد مدّة الاجارة

ص: 493


1- . الوسائل 25 الباب 3/1 من أبواب الغصب .

بعد مضي الثلاثة .فانّ الزرع والغرس لم يكن إلاّ عن حقّ . بل في الأمثلة المذكورة ولو كان يعلم تصرّم زمان الاجارة قبل درك الثمرة وزمان حصول الزرع وصلاح النخل إلاّ انه له الانتفاع بهذه قبل تمام المدّة .

وعلى كلّ التقادير فلو كان للمالك بعد انصرام مدّة الاجارة في هذه حق القلع وتخليص أرضه من الشجرة والزرع في ما ذكرنا من مسئلة الاجارة أو في العارية وما إذا أذن لاشغال أرضه يكون الغارس والزارع متضرّرا بسلطنة المالك وتوجب هذه السلطنة ضررا عليه فليكن المقام من قبيل مسئلة الاجناب التعمدي بل كما قال سيّدنا الأستاذ قدس سره عمل فعلاً جائزا حتّى انه كان يميل إلى جواز صبّ الماء والتيمّم بلا اثم عليه ( وإن كان كلاهما لا يخلو من اشكال من حيث الجواز التكليفي

خصوصا مع عدم جعله باب التيمّم والوضوء موضوعين مختلفين كالحاضر والمسافر ولذا يوجب الفقهاء قضاءا ما فاته بالتيمّم لو صلاّه بالوضوء فالانصاف انه لا يجوز الاجناب ولا صب الماء تكليفا لبدليّة التيمّم عن الاغتسال والوضوء وذلك من خصائص هذا الباب . فيجري في نفي الزام الغسل الضرري عليه حديث نفي الضرر فلعلّ مسئلة غرس الشجر يكون عدم الجريان أولى للفصل الزماني الطويل بين غرسه وتصرّم المدّة .

والحل جوابا عن الاشكال ان الاقدام على ما يكون ضررا على نفسه ولو بعد حين يوجب عدم جريان حديث السلطنة وقصرها في غير المقام . فانّ الناس مسلّطون على أموالهم ولا يكون لا حد سلطنة على مال الغير فنفس الاقدام في

ص: 494

هذا المقام يمنع من جريان حديث نفي الضرر بالنسبة إلى الغارس والزارعوبالجملة فلا يوجبون على المالك قبول الاجرة وابقاء الزرع والشجر من مالكهماولا يوجبون على مالكهما قبول رضى المالك وعدم جواز القلع . ومع ذلك كلّه فالمسئلة غير خالية عن الاشكال وتفصيل المباحث موكول إلى الفقه . والضابط الكلي هو عدم سلطنة المالك على ماله بحيث توجب ضررا على الغير وتكون علّة تامّة لتضرّر جاره كما إذا حفر بالوعة يرمي فيها بالماء وينفذ في سرداب جاره أو يؤجج النار في هبوب ريح عاصفة فتسري إلى مال الغير فتحرقه أو يفتح دكانا جنب دكان العطار يفسد بعمله عطره . ففي هذه المقامات سلطنة هذه الأشخاص حتى إلى هذا الحدّ توجب الضرر على جيرانهم وتكون علّة تامّة لتضرّرهم وليس لهم هذا الحق وتلك السلطنة . كما ان في كلّ مورد يكون الضرر في مرتبة الامتثال وفي طريقه يجري حديث نفي الضرر وفي ما إذا يكون في رتبة ينشأ عنها الحكم فلا مجرى له . وبعبارة أوضح ان الاقدام لو كان في سلسلة علل الحكم لا يجري الحديث بخلاف ما لو كان في سلسلة معلولاته وعليك بالتأمل في أمثال هذه المقامات والمراجعة إلى أبواب الفقه خصوصا الغصب تجد بيانات شافية هناك والحمد للّه على كلّ حال .

ومنها: في ما إذا أعار شيئا ليرهنه أو ليدفن فيه الميّت إذا قلنا بجواز رجوعه في العارية إذ هي من العقود الجائزة أو أعار خشبا فبنى عليه المستعير فلو قلنا بجواز رجوعه في ما اعاره لا يكون ذلك من السلطنة الضرريّة بل عمل المستعير اقدام منه في الضرر ولو بعد حين الاّ ان في مورد عارية الرهن ودفن الميّت أو الاذن في الصلاة لا يقولون بجواز الرجوع .

عدم سلطنة المالك على ماله لو أوجبت ضرراً على الغير

ص: 495

أقول: الاّ ان يوجه ذلك برجوع العارية في هذه الموارد إلى عقد لازم آخر كالمصالحة وغيرها وإلاّ فلزوم الهتك للميّت وبطلان الصلاة لا يوجب قصر سلطنةالمالك على ملكه كما في الفرض الآخر الذي بيّنه سيّدنا الأستاذ قدس سره من انّه إذااستأجر مثل المحصّل الذي أصبح لجنتهم وجماعتهم فقراء لا فلوس لهم دارا إلى مدّة فحان الوقت وتصرّم الزمان ولا مال له لاستيجار دار اخرى ولا لباس له ولا لعياله ليتوقى بذلك البرد مثلاً فاخراجه من الدار يوجب تضرّره لذلك . بل ربما يكون هتكا له وكأنّه لاح من كلامه عدم جواز الاخراج كعدم تأثير الرجوع في الاذن في عارية الموارد المتقدّمة فتدبّر .

منها: ما لو غصب الدار أو اللوح فنصبه في السفينة وبنى في الدار بناءً وربما يتحمّل الضرر الكثير ويصرف المال العزيز لتمام البناء الا ان لصاحب الدار تخريب هذا البناء . لافراغ أرضه وداره اما في اللوح لا يجوز المطالبة والاستقلال به وسط البحر لتلف النفوس بذلك . فهناك لابدّ من مراعاة حرمة اتلاف المؤمن للمزاحمة بين الأهمّ والمهم إلى أن يصل إلى الساحل فيطالب به بلا مزاحمة الأهم .

وعلى أيّ فسلطنة المالك في هذه الموارد لم تكن ضررا ومعنونا به لما من اقدام الغاصب والمستأجر والمستعير على الضرر بأنفسهم .

وفي هذا الباب فروع كثيرة في الفقه فيكون للزارع ابقاء زرعه في أرض المالك المستأجر منه بعد مضي مدّة الاجارة وعليه أداء اجرة المثل أو لا وكذا هل الحب المأخوذ من الغير غصبا المزروع يكون تلفا له في أصل الزرع للمتلف أو يكون الحب للمغصوب منه وزرعه وحاصله له واجرة الأرض وعمل الحارث

ص: 496

عليه وقد وردت اخبار(1) في الأخير بعضها بعين الأوّل والآخر الأخير .هذا حاصل الكلام في هذا المقام في خصوص المعاملات وقد عرفت انالاقدام فيها يوجب صحّة العقد الذي أقدم على الضرر فيه أحدهما .

وقاس باب الوضوء على هذا الباب بعض من جعل الاقدام على الضرر في الوضوء الضرري موجبا لصحّته وقد علمت ما هو حقّ المقام .

توضيح في من أجنب نفسه متعمّدا مع كون الغسل ضررا يوجب عليه المشقّة .

ولا يخفى وضوح جريان لا ضرر في هذه المسئلة أيضا بعد ما كان الضابط له تعنون الحكم الشرعي بالضرر اذ المقدم على اجناب نفسه إنّما يوجد موضوعا لخطاب اغتسل والفرض ان الموجب عليه الاغتسال ليس الا الشارع واقدامه كان محصلاً للموضوع والمورد لخطاب اغتسل مع انه يكون ضررا عليه فلا يجب عليه الاغتسال لعدم كون اقدامه موجبا لاستناد الضرر إلى نفسه فجريان حديث نفي الضرر في حقّه لا اشكال فيه لاستناد الضرر إلى الشارع الموجب عليه الغسل وقد ورد في ذلك دليل(2) على وجوب الغسل الا انهم لم يعملوا به ولم يفتوا بمضمونه .

تتميم: ذكر الفقهاء موارد في العارية وانه لا يكون للمالك الرجوع وعدم نفوذه في بعضها كمسئلة الدفن والصلاة والرهن واعار خشبة يبني بناءً وادعى في بعضها الاجماع ولا مدرك لذلك مع ان للمالك السلطنة على ماله وما يملكه وان سلم عدم جواز الرجوع وعدم نفوذه في بعضها كمسئلة الدفن والصلاة فيشكل

جريان الضرر في من أجنب نفسه متعمّداً

ص: 497


1- . الوسائل 25 الباب 2/1 - 2 من كتاب الغصب .
2- . الوسائل 3 الباب 17/1 الى 4 من أبواب التيمم .

اطراد الحكم في جميع الموارد وتفصيل ذلك موكول إلى الفقه فليراجع .

التنبيه الرابع: من تنبيهات لا ضرر هل حديث نفي الضرر كما يجري فيالأحكام الضرريّة التي يكون الضرر في اثباتها وتوجب الضرر على المكلّفيجري في ما إذا لم يكن الضرر الا من ناحية عدم جعل الحكم أم لا ؟

وبعبارة اخرى هل يختصّ الحديث بما إذا لزم الضرر من وجود الحكم فيجري لرفعه كحديث الرفع أو يعم ما إذا لم يكن حكم والضرر جاء من هذه الجهة فيجري الحديث لاثبات الحكم ويذكر لذلك موارد .

منها: ما إذا لم يرض أحد الشريكين في دار مثلاً مشاعة بالقسمة ولا بالايجار فانه لا اشكال في ان القسمة سبب لتحصّص حصّة الشركاء على ما هو الحق في بحث الشركة في انه لا تكون في الأجزاء المفروزة .

فاذا فرض الدار بين شريكين فتنصف أوّلاً وكلّ هذين النصفين أيضا كالكلّ مشترك بينهما فنصف النصف لهذا النصف المنصف من كلّ القسمين للآخر وهكذا في كلّ نصف نصف الأربعة يكون النصف لأحدهما والنصف الآخر للآخر إلى ما يمكن القسمة فيه خارجا بالحسّ . وبعد ذلك تكون في التجزئات الوهمية إلى أن لا يقف لحدّ لامتناع الجزء الذي لا يتجزئ بل تتحقق الشركة بين الدار فنصفها لهذا ونصفها لذاك مثلاً بالاشاعة .

الا انه حيث لا تكون حصّة كلّ واحد معيّنة فلا يجوز التصرّف إلاّ برضى الاخر أو بالافراز والقسمة حتّى يكون مالكا استقلاليّا . وعلى هذا لا اشكال في تحقّق الوقف بالمشاع فيكون بعض الموقوفة ملكا طلقا والآخر حرّا فيكون ذلك بالاشاعة لا بأن يفرض كلّ جزء ويكون نصفه رقا والآخر حرّا مفكوك الملك وكذا

هل ينطبق لا ضرر في مورد عدم الحكم

ص: 498

هذا النصف حتى . . .

ومنها: مسئلة الموقوفة في ما اذا كان بعضها مثلاً على المتولي والباقي لآخرين فهل يجوز القسمة في هذه الموارد اذ الزم الضرر من جهة عدم جوازالقسمة وتضرّر الشريك كما إذا لا يكون له منزل سكنى ولا مال يستأجره .ومنها: ما إذا تزوج شخص فصار لا يقدر على النفقة أو غاب عن زوجته مدّة مديدة ولم يأت لها خبره ولا يكون للزوجة ما تنفق في لوازم معاشها ولا يوصل إليها معاش من خمس أو زكوة أو ساير الوجوه ويكون الصبر على هذا الحال حرجا عليها وضررا فان من اختصاص الطلاق بالزوج وعدم جعل الحق في ذلك لها يلزم الضرر عليها فيثبت بحديث لا ضرر جواز طلاقها بنفسها والامثلة والموارد لذلك كثيرة .

وحاصل الكلام ان لا ضرر إنّما يرفع الحكم الذي يكون ضرريّا أو ضررا لما انه ينفي ذلك كحديث الرفع فانّه أيضا إنّما يرفع ما في سياقها من الأشياء المذكورة وليس من شأنهما الاثبات. فاذا لم يكن حكم ومن عدم جعل الحكم حصل الضرر أو الحرج مثلاً فليس للحديث لسان نفي الضرر لاثبات هذا الحكم . هذا ملخص الكلام .

إنّما الكلام في هذه الأمثلة وغيرها فلو كان هذه من هذا القبيل فليس الاثبات للحكم المناسب للمورد الذي لا يكون الحكم من شأن حديث نفي الضرر . ففي مسئلة التزويج ليس الضرر إلاّ من جهة اختصاص الزوج بالطلاق حسب ( الطلاق بيد من أخذ بالساق )(1) فلا جعل لهذا الحق بالنسبة إلى الزوجة إذ

لا مجال لجريانه في مورد عدم الحكم

ص: 499


1- . مستدرك الوسائل 15 الباب 25/3 كتاب الطلاق .

لو كان لما وقعت في الضرر بل تطلّق نفسها .

فهنا لا وجه لجريان الحديث سواء قلنا ان الضرر حصل عليها من عدم الجعل فيجعل لها الحق في تطليق نفسها أو ارجعناه إلى أمر وجودي وضعيكاختصاص الزوج بهذا الحق .فلو أجرينا الحديث لنفي الاختصاص حيث ان وجوده وجعله في هذا الحال صار موجبا للضرر فلا يرفع الضرر اذ لابدّ من اثبات السلطنة والحق للزوجة ورفع الاختصاص لا يثبت سلطنة لها .

وكذلك الكلام في القسمة فانّها أمر وضعي موجب لتعين حصّة الشريك من الآخر وما لم يكن الرفع موجبا للاثبات لا فائدة في جريان الحديث ولا مورد له .

فلو جرى لنفي القسمة وانها لا تكون مشروطة برضى الآخر في ما إذا لزم من اشتراطه ضرر لا يفيد المتضرّر بذلك لأن المال مشاع بينهما .

ففي مقام القسمة يمكن أن يفرز النصيبان لكلّ واحد على أنحاء كالدار فانها قابلة للقسمة على التنصيف بالطول والعرض فقد يتحقّق في العرض الوقوعي عدد من التقسيم لها فأيّ النصفين أم أي الانصاف يكون لمن لا يرضى بالقسمة وأيّها للمتضرّر حيث ان المال مالهما .

وكيف كان فقد وردت(1) روايات في خصوص الزوجة الكذائيّة بأن للامام أن يفرق بينهما فلو ثبت من الأدلّة ان كلّ ما للامام من المراتب الولويّة يكون للفقيه الجامع لشرايط الافتاء سوى ولايته علیه السلام على الأنفس والأموال .

ص: 500


1- . الوسائل 22 الباب 13 من أبواب أقسام الطلاق واللفظ الوالي والسلطان .

« فانّ النبيّ أولى بالمؤمنين من أنفسهم »(1) فلا اشكال في الفرض لجواز الطلاق من قبل الفقيه كما ربما يستفاد من خبر تحف العقول المفصل الذي بعض قطعاتها ما هو المشهور من ان ( مجاري الأمور بيد العلماء باللّه الأمناء على حلالهوحرامه )(2) فكلّ ما للامام يكون لهم من الأمور الدينيّة السياسيّة في السلطنةالدنيويّة وتجنيد الجنود وتشكيل الأساس لدفع المهاجمين وجعل حقوق المقاسمة وتعيين مواردها وضوابطها لا انه يكون لهم خصوص القضاء والافتاء وتولية ما لا متولى له من الأوقاف والنظر في أموال القصر والغيب فان ذلك لا اشكال فيه(3) بل الكلام في عموم الولاية لهم في سوى الأموال والأنفس الّتي ربما يكون للامام هذه المرتبة العليا فلو استفيد من الأدلّة منها ( مجاري الأمور بيد العلماء الخ )(4) كما يشعر صدر الرواية وذيلها بأنّ المراد من العلماء ليس خصوص الأئمّة علیهم السلام بل الرواة للأخبار والآثار فكلّ من اتّصف بالأوصاف المذكورة في رواية الاحتجاج(5) يجوز له التصدّي لهذه المقامات والنيابة عنهم علیهم السلام . الا انه مع ذلك فقد اشكل على القائلين بثبوت العموم في تزويج الصغيرة الا ان يرجع ذلك إلى الحسبة ومن باب لزوم المفسدة وغير ذلك يكون لهم . فعلى هذا ترجع الزوجة إلى نائب الامام عجّل اللّه فرجه الشريف في تطليقها كما اتّفق ذلك في عصر السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي قدس سره فطلقها بعد أن

عموم ولاية الفقيه

ص: 501


1- . سورة الأحزاب: 7 .
2- . تحف العقول 242 مع اختلاف في الألفاظ .
3- . كما انه يمكن ثبوت الأولويّة على طبقات الوارث في أمر الميّت والامام أولى .
4- . تحف العقول من كلام الامام الشهيد أبي عبداللّه الحسين علیه السلام 240 المترجم بالفارسيّة .
5- . الوسائل 27 الباب 10/20 من أبواب صفات القاضي .

راجع زوجها في أن يعطيها النفقة فلم يفعل أو يطلّقها هذا .

( روى أبو بصير(1) قال: سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول: من كانت عنده امرئة فلم يكسها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها كان حقا على الامام أن يفرقبينهما ) .

هذا إذا كان لهم بسط اليد وإلاّ فلو ثبت لعدول المؤمنين ذلك . والا فلتصبرفان ذلك بليّة ابتليت بها ولا حقّ لها في تطليق نفسها ولا يثبت الحديث هذا .

تكميل وتوضيح: لا يخفى جريان الكلام في نفي الحرج والعسر وغيرهما ممّا هو كلا ضرر في رفع الحكم الثابت وانه هل تختص هذه بالاثبات بمعنى جريانها لرفع الأحكام اللازمة منها هذه الأمور أو تجري في ما إذا لم يكن هناك حكم والضرر والحرج والعسر حصل من ذلك كما إذا لم يمكن قليل المال الذي له أغنام عديدة لا تبلغ النصاب أو يبلغ ويؤدّي زكاتها الاستقلال برعيها واستنتاج منافعها ولابدّ من الشركة لمن لا يؤدّي الزكوة المتعلّقة بالمال والأغنام التي جاوزت حدّ النصاب . فانه على التحقيق يتعلق حق الفقراء بالعين على نحو الاشاعة لا بنحو الكلي في المعين ولا يكون كحق الجناية ولا كحق الرهانة . وعلى هذا فيخلط ماله بمال شريكه في المنافع المستوفاة من هذه الأغنام من اللبن والدهن وغيرهما فلو تصرف في ماله لم يكن مميزا مقسوما ولو لم يتصرّف فكيف يفعل وإن كان الشريك غاصبا لحقوقهم . الا ان ذلك لا يخرج المال عن الاشاعة ولا يختصّ هذا في الشركة بل سارىٍ في معاملات هذا الشخص التي يجعل أثمانها أعيان هذه المنافع أو نفس هذه الأغنام التي صارت ثلاثة أو أكثر منها حقّ

ص: 502


1- . الوسائل 21 الباب 1/2 من أبواب النفقات .

الفقراء وكذا في مسألة خمس أرباح المكاسب .

وعلى أيّ فالملاّك والشركاء ثلاث طوائف: طائفة هذا الشريك واخرى المالك للجلّ وغيرهما الفقراء والمساكين أو السادة . بل ربما يكون تمام غنمه متعلّق حقهم فيجب دفعها إليهم للنتاج بطونا وتلف الأغنام .

وعلى أيّ حال ففي هذه المسئلة ومسئلة الزوجة التي لا ينفق عليها زوجها اما لعدم تمكنه أو لعصيانه مع يساره أو غيبته ولا يكون لها ما تعيش به ويشقعليها الصبر .ففي هذه الأمور ليس الضرر إلاّ من ناحية عدم حق للشريك للقسمة فما يصل إليه يكون مع حق الفقراء أو السادات فيجري لا ضرر أو لا عسر ولا حرج مثلاً في حقّ الزوجة لرفع اختصاص زوجها بالطلاق أو يكون أمر الطلاق بيد الحاكم الشرعي اذ لولاه يلزم العسر والضرر عليها فينفي بلا ضرر مثل هذا النحو من الاختصاص ويجعل السلطنة والحق لنفسها أو للحاكم والفقية لطلاقها وكذا يثبت لهم نظير هذا الحق والشأن في غير الأمور الحسبيّة . إذ لو رجع إليها فلا مانع من ذاك الباب كان يزوج الصغيرة أو يطلق زوجة المعتوة والقاصر والمجنون إذا كان هناك ما يجوّز موضوعا فيكون الفقيه في مثل هذه الأمور كالأب والجدّ حيث انه لهما تزويج الصغير وإذا بلغ فليس له رد ذلك .

نعم لو شاء يطلق والموارد لما نحن فيه كثيرة. وكيف كان فيمكن أن يقال أو قيل بجريان لا ضرر في الموارد التي لا يكون ضرر الا من جهة عدم جعل الحكم حلاًّ للاشكال في هذه الموارد ونقضا .

قيل بجريان لا ضرر في موارد عدم الحكم

ص: 503

اما نقضا فبمسئلة الشفعة(1) ومنع فضل(2) الماء وقضيّة الرحى التي كان لصاحبها على نهر قرية فأراد صاحب النهر تغيير مجرى الماء ويضرّ بذلك صاحب الرحى بل تبقى مهملة . فعن(3) أبي محمّد العسكري علیه السلام انه لا يضرّ أخاه المؤمن ورواه الصدوق كما في الوسائل ( والشيخ وعن أبي محمّد علیه السلام توقيعا كتب إلىالفقيه

علیه السلام رجل كانت له رحى على نهر قرية والقرية لرجل فأراد صاحب القرية أن يسوق إلى قريته الماء في غير هذا النهر ويعطل هذه الرحى أله ذلك أم لا ؟ فوقّع علیه السلام: يتّقى اللّه ويعمل في ذلك بالمعروف ولا يضرّ أخاه المؤمن .

وأمّا حلاًّ فبان الحكم كما يكون بالجعل مستندا إلى الشارع كذلك من ناحية استمرار عدمه أيضا يستند إليه . وعلى هذا يصحّ النهي عن فعل مع انه ليس الا طلب تركه والترك أمر عدمي بأن يستمره ويبقيه . فالابقاء للعدم وان يتركه مستمرا قد طلب منه بالنهي لا على نحو القضيّة المعدولة بأن يكون لا فاعل هذا الشيء بل على نحو القضيّة المحصّلة . غاية الأمر انحلاليّا بالنسبة إلى كلّ فرد من أفراد متعلّقه

لأنّه لا مانع من انشاء المولى على هذا النحو ويطلب منه الترك . كما ان جريان الاستصحابات العدميّة أيضا يصحّ بهذا الوجه فان العدم من حيث هو لا يكون مجعولاً بل لمّا كان في جهة البقاء والاستمرار قابلاً للرفع فقد يكون موردا للاستصحاب بأن يبقى كما كان إلى الآن خصوصا في الاعدام الازليّة

ص: 504


1- . الوسائل 25 الباب 4 - 5/2 - 3 من أبواب الشفعة الباب 7 - 15/2 - 3 - 1 من كتاب إحياء الموات .
2- . الوسائل 25 الباب 4 - 5/2 - 3 من أبواب الشفعة الباب 7 - 15/2 - 3 - 1 من كتاب إحياء الموات .
3- . الوسائل 25 الباب 4 - 5/2 - 3 من أبواب الشفعة الباب 7 - 15/2 - 3 - 1 من كتاب إحياء الموات .

واستصحاباتها . وعلى أيّ لا مانع من كون العدم بقاءً مستندا الى الجعل ويكون أمرا يتعلّق به الضرر ويلزم من ناحيته ذلك فيكون مرفوعا بحديث نفي الضرر .

هذا . ولكن لا يخفى ضعف كليهما ( أي الحل والنقض ) اما الحل فحيث قاس المقام بما اذا نهى الشارع عن شيء فلا إشكال في ان النهي إنشاء النسبة تركا بين الفعل والفاعل بأن يبقى الشيء على عدمه ويستمر ذلك العدم . ولا اشكال في جواز مثل هذا الانشاء ويكون المطلوب استمرار العدم . والحكم بهذا المعنى تحت الجعل فيمكن أن يطلب منه الايجاد وعدم الايجاد بأن لا يوجد في الخارج ما لم يكن موجودا وفرق كثير بينه وبين المقام حيث انه لا جعل شيء فيه لا وجودا ولاعدما . فلو لزم الضرر من عدم الجعل فليس للاضرر حكومة على الذي لا جعل له .مثلاً اذا كان معنى لا ضرر نفي الحكم بلسان نفي الموضوع فليس هنا موضوع للضرر حتى يرفع حكمه بلا ضرر وينفي عنه فيكون من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع . وهذا بخلاف ما إذا كان الترك ضرريّا فحيث كان الحكم باستمراره مجعولاً فللشارع رفع هذا الحكم اذا كان ضرريّا في بعض الأحيان هذا في الحل .

وأمّا في النقض الذي أورد على ما ذكرنا بقضيّة منع فضل الماء وقضيّة سمرة والرحى التي كانت على نهر القرية والاستصحابات العدميّة فمحصّلها ان الضرر حيث كان في هذه الموارد من ناحية عدم جعل الحكم الشرعي فالشارع حكم باثبات أحكام في هذه الموارد حسب ما اقتضاه كلّ واحد . ففي بعضها يرجع إلى الضمان وفي آخر بعدم السلطنة واثبات حق وانه كيف لا يكون العدم قابلاً للرفع كما في هذه الموارد .

وملخّص الكلام . انه إذا لزم الضرر من عدم الحكم يجري حديث لا ضرر

الجواب عن بعض الموارد

ص: 505

لنفيه فيكون على هذا قاعدة لا ضرر مثبتة لحكم في قبال قاعدة الاتلاف واليد بالتسبيب أو المباشرة . فانّه لا إشكال في ضمان من أتلف مال الغير ولو لا عن قصد بل كان في النوم وكذا لو صار سببا لذلك بايجاد ما يوجب تلفه أو بالمباشرة . ففي هذه الموارد يكون قاعدة الاتلاف واليد موجبتين لضمانه ما أتلف . فلو حصل الضرر في بعض هذه الموارد وانطبق عليه بعض تلك القواعد فلا اشكال في الضمان . بل مورد الكلام ما إذا لم يكن شيء الا الضرر وهو بمجرّده يوجب الضمان كما اذا فتح قفص طائر اذا لم يدخل تحت بعض هذه القواعد وتضرر صاحب الطير بعدم رجوعه أو حبس حرّا في أيّام وكان صانعا فتضرّر بذلك فيكون ضامنا لما فات من نفع الحر وتضرّر به صاحب الطير لو صح .وفيه انه لا يكون قاعدة لا ضرر مثبتة للضمان في هذه الموارد . اذ هذه إنّماتكون إذاكان لا ضرر بمعنى عدم جعل الضرر غير المتدارك ذاك المعنى .

الرابع الذي قلنا انه أردء الوجوه ولا تصل النوبة إليه إلاّ بعد تعذّر ارادة أحد الثلاثة الأول . وعلى هذا فيخرج حديث لا ضرر عن كونه حاكما على أدلّة الأحكام الوضعيّة والتكليفيّة اذ لا نظر له إلى اطلاق حكم حتّى يكون حاكما عليه رافعا له في ما اذا انطبق عليه عنوان الضرر وان اخترنا حسن هذا المعنى بما تقدّم ورددنا اشكال الشيخ ووجهنا الوجه الرابع بما يقبله الذهن . الا ان ذلك بعد أن لم يمكن ارادة المعاني المتقدّمة . ولو وصل النوبة إلى هذا فيكون قاعدة من القواعد العامّة ومقتضاه عدم وصول الضرر إلى شخص فلو استند الأضرار إلى شخص وبسببه توجه إلى غيره فيكون هو الضامن واذا لم يكن له ما يجبريه الضرر الوارد على غيره أو لم يكن حصول الضرر من ناحية أحد فيكون جبره من بيت المال

ص: 506

ويكون الوالي هو الذي يخرج عن عهدة ذلك كما في بعض أقضية(1) أميرالمؤمنين سلام اللّه عليه في تهاجم العسكر على البصرة وتلف بعض النفوس فودى المقتول من بيت المال .

والحاصل: انه لا يكون لا ضرر في بيان اثبات الضمان بالضرر كما في حبس الحر حيث انه لا يد عليه ولا على منافعه اذ لم تستوف بخلاف ما إذا حبس الدابّة أو العبد لرجوع ذلك إلى الاتلاف فلو صدقت القواعد أو بعضها في مورد الضرر فالضمان بها وإلاّ فلا يمكن اثبات ذلك به لما عرفت انه سيق لرفع الأحكام الثابتة اذا لزم في موردها الضرر على ماتقدم تفصيل ذلك وليعلم ان الضمان هناأحد أنحاء الضمان الّتي منها الضمان الذي هو على مذهب الاماميّة نقل الذمّة عن المديون والمضمون عنه إلى ذمّة الضامن للمضمون له لا كما يقوله العامّة من ضم الذمّة إليها . فيكون الضمان توسعة في الذمّة .

ومنها: الضمان في المعاملات فاذا لم يكن لا ضرر موجبا للضمان ومثبتا للحكم في ما إذا حصل الضرر من ناحية عدمه فلنتصد للجواب عن النقوض .

أمّا مسئلة الاستصحاب العدمي فكان المستشكل لم يتدرّب في الأصول وإنّما أوهمه لفظ العدم وقاس المقام به ولم يدر ان الاستصحابات العدميّة امّا بنفسها أثر شرعي وحكم بعدم النقض فتكون مجعولة شرعا أو يكون المستصحب والمتيقّن بلحاظ أثره جاريا فيه الاستصحاب إذا كان عدميّا ذا أثر أو بلحاظ أثر ضدّه فيما إذا لم يكن لنفس المتيقّن أثر يجري لأجله . وليس كذلك ما نحن فيه فلا

ص: 507


1- . الوسائل 26 الباب 10/3 من أبواب موانع الارث . وليس هناك قتل بل امرأة ففزعت فطرحت ما في بطنها فمات ثمّ ماتت أُمّه من بعده .

مجعول ولا جعل بل لا تعرض لذلك وجودا ولا عدما . وكذلك مسئلة منع فضل الماء اذ هو كما قدمنا سابقا ليس الضرر إلاّ لتلف النفس . وانه يجب في هذه الموارد حفظ النفس وليس من لزوم الضرر من عدم الجعل لشيء .

أو نقول بماأجاب به المحقّق النائيني(1) من كون الضرر في هذه الموارد كموارد اخر ملاكا للمجعول لا للجعل لو تمّ هذا . ولا يكون تشريع الأحكام للمصالح النوعيّة إلاّ شأن الشارع وليس للفقيه التعدّي واسراء ذلك إلى كلّ مورد .

وأمّا النقض بقضيّة سمرة الملعون فقد تقدّم ان قوله علیه السلام فانّه لا ضرر ولا ضرار في الاسلام حيث أمره بالقلع فهو إمّا لنفي حق مرور سمرة الضرري علىباب الأنصاري إلى عذقه . أو لرفع حرمة التصرّف في عذق سمرة في خصوصالمقام لما فيه من الضرر على الأنصاري . فجاز لذلك القلع ولم يكن هنا تشريع الحكم للضرر اللازم من عدمه حتّى يكون ثابتا بلا ضرر .

وأمّا لا ضرر في غير هذا الخبر وانك أو أنت رجل مضار فليس ممّا نحن فيه كما تقدّم .

وأمّا مسئلة الرحى فمضافا إلى انّ الجواب فيه اشعار بكون ذلك غير الزامي وإنّما هو اخلاقي والا لم يناسب الموعظة بأنّه يتّقى اللّه ويعمل في ذلك بالمعروف ان تغيير النهر لا يوجب ضررا على صاحب الرحى بحيث يكون سببا لذلك بل يكون من المعدّله وتخرج الرحى بذلك عن الانتفاع ومجرّد ذلك لا يوجب النهي ولا الضمان مع انه لم يعلم انه كان عن حق لازم له ولمن كان قبل ذلك من آبائه مثلاً على نهر القرية .

الضرر ملاك للمجعول لا الجعل

ص: 508


1- . منية الطالب 2/222 .

اللهمّ إلاّ أن يرجع ذلك إلى الاتلاف ويكون التغيير متلفا للرحى وذلك ممنوع كما في باقي الموارد الاخر مثل ما إذا لم يبعه بايع البانزين ولزم من ذلك تعطيل المكائن ونزول قيمتها السوقيّة أو لم يبع من يبيع العلف لمن له عدّة أغنام فتلفت فلا يكون الضمان على الممتنع من البيع في المثالين ولا يمكن الفتوى بذلك الا أن يلزم في مورد تلف النفس فيجب هناك من باب لزوم حفظها . وبمجرّد أن يكون تغيير النهر موجبا لتعطيل الرحى لا يمكن منع صاحب النهر .

ويمكن تقريب النقض بالرحى على نحوين: 1 - ان جواز تغيير النهر كان ضرريّا على غير صاحب النهر وهو صاحب الطاحونة فليس له هذا الضرر بل يتقى اللّه ولا يضر أخاه المؤمن وهذا التقريب لا مساس له بما نحن فيه ولا يكون نقضا على عدم اثبات لا ضرر حكما في مورد فحقّ التقريب أن يقال .2 - ان صاحب الرحى لما كان رحاه محتاجة في الدوران إلى الماء وكانالماء من هذا النهر على مجراه الأوّل يوجب دورانها فلو تغير المجرى يوجب ذلك عدم الدوران لأنّه لا يكون له ماء يحرك حجر الرحى وذلك مفضى إلى تعطيلهاوعدم الانتفاع بها وهذا ضرر على صاحبها أوجبه تغيير مجرى النهر . وقد ينقض أيضا بما إذا رفع أستار الحائل بين داره ودار جاره المانع عن الاطّلاع على صحن الدار فرفعه يوجب انكشاف دار جاره فلا يتمكنون من المجيء إلى سطح الدار بل ينكشف صحن الدار وربما يحصل الاطّلاع على عياله . وهذا يوجب الضيق والحرج والضرر عليه . فورد الخبر في الأخير بأنّه يعيد ذلك الستار والشرافة الساترة بين داره ودار جاره وكذا يعيد الماء في مجراه السابق ومعلوم ان وجوب اعادة الشرافة والساتر لم يكن الامن ناحية ان عدمه يوجب الضرر .

حول رواية تعطيل الرحى

ص: 509

فالضرر إنّما حصل من عدم الحكم ولا ضرر كان مثبتا له في هذين الموردين فلا يتم ما ذكر من اختصاصه بالأحكام الثابتة بل من شأنه اثبات الحكم اذا لزم الضرر من عدمه .

وأجاب المحقّق النائيني(1) عن الأخير بأنّه لم يجد الخبر الذي رووه في مجامع الأخبار . ولكن عدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود فلعلّ المتتبّع يعثر عليه في غير المجامع الأربعة من الكتب الحديثيّة المعروفة وغير المعتبرة بل يمكن ذكر هذا المضمون ذيل خبر آخر أو ضبط خبره المخصوص في باب غير مناسب أو مناسب استطرادا .

وعن الأوّل بأنّه لا تدلّ الرواية(2) الواردة المتقدّمة على لزوم الاعادة وعدمجواز تغيير النهر اذ لسانها لسان الموعظة كما سبق بأنّه يتقى اللّه ويعمل في ذلك بالمعروف ولا يضرّ أخاه المؤمن ولم يكن فيها ما يوجب ارجاع النهر على حاله بعد أن غير المجرى . هذا أوّلاً .

وثانيا يمكن أن يكون لصاحب الرحى حق لزوم له أو عن من يتملكها سابقا من أبيه أو من باعه ايّاها وهذا التصرّف يوجب تضييع الحق وليس ذلك لصاحب النهر .

وثالثا على فرض التسليم يمكن ان الرواية وردت لبيان عدم جواز تصرّف صاحب النهر في هذا المورد حيث يوجب تضرّر الغير اذ تغيير مجرى النهر تعطيل أو مفضى إلى تعطيل الرحى وليس لصاحب المال سلطنته على ماله حتى فيما لو

مسئلة تغيير مجرى النهر

ص: 510


1- . منية الطالب 2/222 .
2- . الوسائل 25 الباب 15/1 من كتاب احياء الموات .

تضرّر بذلك الغير وللشارع أن يخرج هذا الفرد ويستثنى هذا النحو من التصرّف عن عموم تسليطه على ملكه وماله اما بلسان المعارضة أو بلسان الحكومة ببيان متصل أو منفصل . هذا ملخص الجواب . وكذا في الساتر لا يجوز رفعه اذا أوجب ضرر الغير . فعلى الجواب الأوّل لا حكم حتّى يكون نقضا على ما ذكرنا سابقا وعلى الثاني والثالث خارج عن الفرض لأنّه رفع الحكم الثابت لا اثبات الحكم بعد ان لم يكن . فالسلطنة الثابتة بالعموم للمالك في ملكه رفعت في هذه الموارد التي تكون ضرريّا على الغير . وهذا ليس من مسئلة اثبات حكم لم يكن لرفع الضرر بذلك . بل رفع الحكم الثابت لرفع ضرر الغير . وبعد أن أجاب ثالثا عبّر عن الجواب بعبارة اخرى . وقال الذي يتولّد منه الضرر ليس مجرّد التحويل والتخريب بل نتيجة ذلك فهي منفيّة بقاعدة الضرر .وانك تدري ان هذه العبارة لاتناسب الجواب الثالث بل حق التعبير ان هذهالسلطنة لما أوجبت الضرر على الغير وصارت مولّدة له فليست لصاحبها . وإلاّ فلو لم تكن كذلك لا وجه لعدم ثبوتها ورفعها .

هذه ثلاثة أجوبة منه رحمه الله .

والجواب الأوّل غير بعيد عن الصواب خصوصا لو كان له حقّ لما عبّر عن ذلك بلا يضر أخاه المؤمن بل ليس له حقّ التصرّف وتضييع حقّ الغير فالتعبير بذلك إنّما يناسب انه لم يكن له حق ملزم حتى يكون تغيير المجرى اسقاطا وتضييعا له .

وبهذا يظهر عدم حسن في الجواب الثاني إذ ظاهر الرواية انه لم يكن هناك حق ملزم مع ان الاحتمالات في ذلك كثيرة الاّ انّ الحقّ الظاهر هو ما أشرنا إليه .

اشكال بعض الأجوبة

ص: 511

إن قلت: لعلّه اذن له في ذلك وهذا يوجب الضرر عليه اذا بنى الرحى وهو غير المجرى .

قلت: الاذن لا يوجب تملك النهر وما اذن له فيه بل نفرض الكلام فيما إذا لا يكون تصرّف في ملك هذا الشخص بل شغل اراضي الموات في أطراف نهر هذا الشخص باذنه وبنى رحى أو غرس شجرا أو أحدث بستانا الا ان لصاحب النهر الرجوع عن اذنه متى شاء لأن له التصرف في ماله بما يشاء وكيف شاء . وليس لأحد المنع من ذلك . وما ذكر في بعض الموارد من عدم السلطنة أو عدم الجواز للمالك فيما اذن واعار خشبة أو لوحا ففي مورد كان مزاحمة الأهم والمهم كما في مسئلة الصلاة . فلو اذن له أن يصلي ورجع في أثناءها فهناك مزاحمة بين الأهم وهي ادامة الصلاة وجوبا والمهم وهو حرمة التصرّف في ملك الغير فيقدم الأهم . اذ لا دليل لهم في هذه المسئلة وكذا في الدفن اذ اذن فرجع تكون المزاحمة بينحرمة التصرّف وهتك احترام الميت وهذا أهم . فلذا نقول بعدم التأثير . ولذا لوفرض عدم هتك الميت بالنقل من مكانه إلى آخر من جهة النبش أو اخرى فلابدّ من ذلك ولا يجوز ابقائه في ذلك المكان . وتضرّر المستعير في بعض الموارد كما إذا غرس شجرا في الأرض المستأجرة أو المستعارة أو نصب لوحا في سفينته في غير ما اذا يوجب النزع تلف النفوس كما في وسط البحر ليس إلاّ لاقدامه على ذلك حيث ان سلطنة المالك مطلقة والاذن أيضا لا يكون لازما موجبا لانتقال المال إليه أو عدم جواز رجوعه أصلاً . وعلى هذا الفرض بنى المستعير وغرس المستأجر وأحدث صاحب البستان والرحى . فللمالك الرجوع ولا يوجب تضرّر الغير عدم سلطنته على ملكه أو تخصيصها . وإلاّ فلابدّ من القول بذلك في كلّ مااذا

ص: 512

لزم من تصرّف المالك في ملكه وماله ضرر على الغير أو حرج عليه . فلو كان بزازا أورد أقمشة يبيعها باسعار رخيصة يوجب تضرر من يغالي في القيمة فلابدّ من القول بعدم جواز ذلك له وإذا كان لأحد لحافان ويكون هناك من لا لحاف له ويوجب البرد ضررا وحرجا شديدا عليه أن يجب عليه اعطاء لحافه له وليس له ابقائه وهكذا . والالتزام بذلك تأسيس فقه جديد ولا يستقر حجر على حجر . بل يكون ذلك مذهب الشيوعيين فليس لأحد أن يكون مثريا وهناك فقراء كثيرون وتضرّرهم بالصبر وتحمّل الجوع والعرى .

وبالجملة فلا يستقيم الجواب الثاني أيضا . وممّا ذكرنا عرفت ضعف الوجه الثالث الذي أجاب به أخيرا . وحمل الرواية على ما إذا لم يكن له حق أحسن كما هو المساعد منها وما أجاب علیه السلام ولا يكون قاعدة الحرج والضرر حاكمة على حديث السلطنة على أموالهم حتّى اذا لزم من السلطنة والتصرّف حرج على الغير لا يكون له هذا التصرّف بل تنفي بها .نكتة: لا يبعد حمل قضيّة الرحى بل هوالظاهر منها على لزوم الضرر علىصاحب الرحى بتصرف صاحب القرية بتغيير مجرى مائه . ولا إشكال في انّه إذا كان تصرّف الشخص في ماله موجبا لضرر جاره ليس له هذا النحو من السلطنة وبالجملة كلّما كان تصرّف صاحب المال علّة تامّة لتضرّر غيره فليس له هذا التصرّف لحديث نفي الضرر فهو يرفع هذا النحو منها وليس ذلك مرتبطا بما نحن فيه من كون الضرر لازما من عدم الحكم بل الضرر إنّما حصل من جهة وجود السلطنة فارتفعت به .

وأمّا قضيّة الشركاء وعدم حضور أحدهم للقسمة في ما يكون عدمها ضررا

الجواب عن قضيّة الرحى

ص: 513

على الباقي فيمكن هناك أيضا اجراء حديث لا ضرر لعدم اعتبار رضى ذلك الممتنع في سببيّة القسمة لافراز حصة كلّ واحد من الشركاء على ما هو الحق في مسئلة الشركة . انه لا تكون على نحو اشتراك كلّ واحد في كلّ جزء يتصوّر . بل تكون الشركة بالاشاعة . غاية الأمر لابدّ من رضا هذا الشريك في تعيين الحصّة المشاعة لكلّ واحد من الشركاء فانه يمكن مثلاً في الدار المشتركة بينهم ان تتعين الحصّة لكلّ واحد من جهة شرق الدار أو غربها أو ساير جهاتها فبحديث نفي الضرر ينفي اعتبار رضاه فيقسمون هم أنفسهم أو يتولى الحاكم ذلك من قبل هذا الشخص . الاّ ان الجزم بذلك مشكل ونحن بعد في تأمّل من هذا الفرع لأن حديث نفي الضرر إنّما يفيد إذا ثبت سببيّة رضا الباقين في حصول القسمة وملكيّة كلّ واحد للحصّة المعيّنة لهم وليس له هذا اللسان وان ارتفع اعتبار رضا الممتنع فان ذلك لا يلازم شرعا سببيّة رضاهم في حصول القسمة . كما ان رفع جزئيّة المنسي في حال النسيان لا يفيد في اجزاء الباقي لانه ما لم يتعين الباقي للامر لا فائدة فيه

لسقوط الاعادة .نعم انما يرتفع المنسي وليس على هذا الناسي عتاب وعقاب في تركالمأمور به فاذا تذكر فيأتي بالكل حسب أمره الأوّل الارتباطي فرفع المنسي بلا اثبات أمر بالباقي لا يوجب كون الباقي هو تمام المأمور به . وإنّما قلنا في رفع ما لا يعلمون بالاطلاق والتقييد بأن يكون رفع المجهول عين اثبات المعلوم وتخصّصه بالأمر .

ان قلت: صونا لكلام الحكيم عن اللغوية ومراعاة للمنّة في جريان رفع النسيان الذي على ما قلتم يجب اعادة ما صلّى بعد تذكر المنسيّ لابدّ من حمله

ص: 514

في المورد على ما يلازم سقوط الأمر وكون الباقي هو المأمور به .

قلت: ان الأجزاء أمر عقلي لا يناله يد الجعل فان كان المراد بالفائدة في كلام الحكيم هذا فليس أمرا مجعولاً وإن كان المراد رفع جزئيّة المنسي فنقول به في هذا الحال غاية الأمر نقول بحصول المنة بترك الكلّ والي آخر الوقت لو فرض دوام النسيان مثلاً .

إن قلت: قد ذكرتم فيما سلف ان رفع النسيان بمعنى المنسيء والترك ليس شيئا مجعولاً حتّى يرفع فلابدّ من جعل المنسي هو الجزئيّة ورفع الجزئيّة عين اثبات الباقي كما تقدّم ذلك في تنبيهات الاشتغال .

قلت: لو صحّ ما ذكر فلا اشكال فيه . إنّما الكلام في اثبات الأمر بالباقي فتبين ممّا ذكرنا اشكال جريان حديث نفي الضرر لاثبات سببيّة رضا الباقين لحصول القسمة . نعم اذا كان هناك ولي للميّت لا يحضر ولا يأذن في تجهيزه حيث يكون أولى به مقدما على غيره فمن جهة مزاحمة حرمة الميت لحق الوليّ نقول بجواز تجهيزه بأمر الحاكم الشرعي وكذا اذا كان غائبا . وبالجملة فروع قاعدة الضرر كثيرة ولها تطبيقات لا تحصى من أراد بعض ذلك فليراجع جامع الشتاتللمحقّق القمّي رحمه الله .فتلخّص ممّا ذكرنا عدم امكان اثبات الحكم بلا ضرر إذا كان الضرر من عدم الحكم وكذلك قاعدة الحرج والعسر فلا جريان لهذه في مورد عدم الحكم .

وكذا كون الضرر ملاكا في قضيّة منع فضل الماء لكن استشكلنا عليه في محلّه بانكار الملاك بوجوه تقدّمت واجبنا عن الاشكالات وقلنا ان حديث لا ضرر اما حديث برأسه كما عن الشيخ الشريعة ضبطه اتفاقا في عقيب قضيّة منع

اعتبار رضا الشركاء في القسمة

ص: 515

فضل الماء والشفعة أو يكون واقعا في موقعه ووجهنا تصحيحه بما قدمناه هناك فراجع إن شئت .

التنبيه الخامس هل الضرر في حديث نفي الضرر هو الضرر الشخصي أو النوعي وما يكون فيه الضرر على النوع فلو تضرّر شخص واحد ولكن لا ضرر على غيره بنفس ما تضرّر به فلا رفع هناك أو بالعكس فاذا تضرر شخص في مورد وان لم يتضرّر نوع الناس فالمناط ذلك ؟ قال المحقّق النائيني بالأوّل(1) أي ان المناط هو الشخصي لأن بذلك تتحقّق الحكومة لحديث الضرر على أدلّة الأحكام وتكون دائرة مدار الضرر الشخصي . اذ التكاليف الشرعيّة تنحل إلى حكم حكم بحسب تعدّد أفراد المكلّفين وحالاتهم فلو كان حكم في مورد ضرر على أحد أو كان في متعلّقه ضرر فبمقتضى حكومة لا ضرر يكون مرفوعا سواء في التكاليف أو الوضعيّات . كما ان مقتضى المنّة أيضا أن يكون المناط بالضرر الشخصي . هذا في الضرر وقس عليه قاعدة الحرج وأمثالها . فاعطاء الدرهم ضرر على الغني والفقير خصوصا اذا فسّر الضرر بالنقص فيكون مرفوعا إذا كان في بعض الموارد( لا ما يكون موضوعا بعنوان الضرر ومجعولاً عليه بذلك اذ الشيء لا يكون رافعالمقتضيه ولا مقتضى الشيء رافعا له ) وهذا بخلاف الحرج فلو وجب الحج على الذي يتمكّن من ذلك ولكن لا معيشة له حين الرجوع فذلك يكون عليه حرجيا مرفوعا بخلاف من لا يؤثر في حقه ذلك حيث ان له أموالاً كثيرة فلو صرف في الحج ورجع يكون له ما يعيش به .

هل المراد بالضرر الشخصي أو النوعي

ص: 516


1- . منية الطالب 2/222 .

هذا مضافا إلى ورود الأخبار(1) باعتبار الكفاية عند الرجوع . وعلى كلّ فكون هذه دائرة مدار الضرر والحرج والعسر الشخصيّات واضح وعليه مدار الحكومة التي تقدّمت سابقا من تعنون الحكم بالضرر على مبنى النائيني وضعا أو تكليفا ايجابا ولزوما أو حرمة أو كون نفي الحكم بلسان نفي الموضوع الذي كان في رتبة متأخّرة عن نفي أصل الحكم على ما تقدم تفصيلاً .

وعن المحقّق النائيني رفع نجاسة الحديد للحرج وانه ملاك لذلك .

في تعارض الضررين أو تزاحمهما:

التنبيه السادس: اذا توجّه ضرران على شخص واحد أو شخصين يكون الضرر في اجتماعهما وينفي بنفي أحدهما فلو نفى هذا يتوجه ذاك ولو رفع ذاك يتوجّه هذا الحكم . فهل المقام من باب تعارض الضررين أو يكون مخيرا في اختيار أيّهما شاء بلا ملاحظة حال الكثير والقليل كما هو المشهور بين الأصحاب .

لا اشكال في عدم وجوب تحمل الضرر عن الغير كما لا يجوز اضراره الا انهم ذكروا اختيار اخفّ الضررين في ما إذا توجه إليه أحدهما ويدفع بتحمّل الآخر وكذا لو دار الأمر بين ضرر نفسه أو غيره انه يلاحظ الأكثر فيدفع .

وينبغي تحرير المسئلة على نحو يتّضح المرام . فنقول تارة يتوجّه الضررأوّلاً وبالذات إلى شخص نفسه فله دفعه لكنه قد يتّفق في صورة الدفع توجهه إلى الغير كما اذا توجه السيل إلى السكّة فلو منعه من داره بالسد يتوجّه إلى دار الجار ويخربها وكذا لو فعل الجار يتوجّه إلى الغير أو مثلاً اذا توجه الذئب إلى غنمه فدفعه وتوجه بذلك إلى غنم الجار . فهل للشخص في هذه الصورة ذلك أم يكون

ص: 517


1- . وسائل الشيعة 11 الباب 9 من أبواب وجوبه وشرائطه .

من باب توجيه الضرر إلى الغير خصوصا مع عدم فاصلة بين عمله وحصول النتيجة وهو تضرّر الغير بارادة الفاعل المختار . فينطبق على المقام ما ذكرنا سابقا

من كونه داخلاً في ضابط السبب التوليدي غير الجائز الموجب للضمان وإن منع كون المقام منه فلا يبقى مورد لتوجيه الضرر إلى الغير اذ كلما تصوّرنا فيكون لدفع الضرر عن نفسه . ولكنه مجال لمنع ذلك بأن يقال لا ينطبق الضابط في الفرض اذ خراب الدار لا يستند إلى الجار بل إلى السيل غاية الأمر منعه عن داره فلو لا منعه لم يخرب الدار وهذا القدر لا يوجب اسناد الضرر حقيقة إلى الجار والحكم بضمانه . فمورده ما اذا كان مثلاً طريقان لدفع السيل الوارد في السكّة طريق إلى دار الجار وطريق لا إليها فوجهه إلى الأوّل وإلاّ فلابدّ من الالتزام بوجوب تحمّل الضرر عن الغير .

وان تضرّر به المتحمّل مع انه ممنوع .

وعلى كلّ تقدير المراد بالضرر في ما نحن فيه هو مقتضيه ولا يجب التحمّل عن الغير ولو باليسير ولو توجّه إليه كثيرا يصير كما إذا دفع إلى الحرامي قليل مال لدفع شرّه عن غارة قرية مثلاً فلا يجب كما انه لا يجوز اذا كان مولدا لتضرّر الغير لا ما إذا كان دلالته على الغير موجبا لتخفيفه عن نفسه كان عرّف من يتعلّق به الحقوق السلطانيّة فخفّف المتصدّي ما يطالبه عنه اذ في هذه الصورة توسط ارادةالفاعل المختار واضح .وبالجملة فلو وقع رأس البقر في الخابية بحيث لا يمكن تخليص أحدهما إلاّ بذبح البقر أو كسر الخابية فلا اشكال إذا كانا ملك واحد . ولكن إذا كان كلّ واحد لمالك مثلاً وفرضنا انه لم يكن تفريط من أحدهما فلا يكون كسر الخابية

ص: 518

أولى من ذبح البقر لأنّ الضرر على صاحب الخابية أقل من الوارد على صاحب البقرة . وذلك لعدم مساعدة دليل على ذلك بل لا يجب حفظ المال حتى على صاحبه فضلاً عن مال الغير فلو ما رضى أحدهما بأحد المناصين فلا أولويّة لجريان أحد الضررين المنفي .

نعم ربما يكون مزاحمة النفس والمال والعرض فالنفس لا يعد لها شيء إلاّ الدين فتقدم في غير مورد الدين هذا .

وأمّا توجّه الضررين إلى شخص واحد فلا اشكال في جريان حديث النفي بالنسبة إلى كليهما وإن كان أحدهما أقل من الآخر كما اذا كان الصوم والصلاة قائما مثلاً أو الوضوء له ضرريا ( ومثل سيّدنا الأستاذ قدس سره بما إذا كان حمل الزكوة إلى غير البلد موجبا لتضرّره بالمال وكذا ذهابه إلى الحج مع ان الأوّل أقل فلا اشكال في جريانه لكليهما ولا معارضة ولا مزاحمة هنا . فما هو المعروف من اختيار أقلهما انما هو في مورد يتوجه أحد الضررين إلى الشخص على نحو الواجب المشروط بأن يكون توجّه هذا إذا لم يكن ذاك وذاك إذا لم يكن هذا فحينئذٍ يختار الأهم في النفي ولا يكون هنا من باب تعارض الضررين بل من باب توجه أحدهما إلى المكلّف فالتعبير بذلك لا يخلو من مسامحة .

ويترتب على ما ذكرنا جواز التولي من قبل الجائر إذا كان في تركه الضرر على نفسه وان استلزم ذلك اتلاف أموال الغير ما لم يصل إلى حدّ النفس اذ ( التقيّةإنّما شرعت لتحقن بها الدماء )(1) وهذا المسئلة ذكرها الشيخ في مواضع من

لا يجب تحمّل ضرر الغير

ص: 519


1- . الوسائل 16 الباب 31/1 - 2 من أبواب الأمر والنهي .

تأليفاته كالمكاسب المحرّمة والرسائل والرسالة المعمولة في لا ضرر(1) وكان المسلّم عندهم اختيار أيّهما اذا لم يكن بينهما ترجيح في توجه أحدهما إليه والأقل في غيره .

تنبيه وتذكرة: قد ظهر من مطاوي ما ذكرنا في قاعدة لا ضرر انه حاكم على أدلّة التكاليف والوضع ومسلم عندهم انه اذا لزم من تصرفه في ماله ضرر على الغير انه ليس له هذا النحو من السلطنة لحكومة قاعدة لا ضرر على حديث السلطنة للناس على اموالهم . إنّما الاشكال والكلام في ما إذا لزم من ترك الاضرار بالغير من ناحية تصرّفه في ماله تضرّر نفسه كما إذا حفر بئرا يتضرّر به الجار لخراب حائطه لسريان مائه المنصب فيه إليه ويكون عدم حفره ضرراً عليه فهل يكون حديث السلطنة محكومة بلا ضرر الجاري في حقّ الغير في هذه الصورة أم لا بل يجري في حقّ نفسه ؟

ذهب كلّ إلى وجه . فالشيخ رحمه الله ذكر كلاما(2) وللميرزا النائيني (3) كلام آخر .

وهل المقام يكون من باب توارد الحرج على نفسه والضرر على الغير

فليلاحظ تقدّم الحرج على الضرر أو العكس أو يكون بينهما عموم وخصوص مطلقا ويدور الأمر بين تعيين المراد من الحرج وانه هل يكون بمعنى ما لا يطيقونفمسلّم انّه لا جعل له ولا معارضة لدليل معه أو يكون من قبيل « ليس على الأعمى

ص: 520


1- . فرائد الأصول 538 .
2- . فرائد الأصول 2/538 .
3- . منية الطالب 2/224 وما بعده .

حرج »(1) كان يجب عليه ما يوجب عليه الحرج من التحفّظ .

وبالجملة سيأتي الكلام في نسبة لا ضرر إلى لا حرج إن شاء اللّه .

ومن أمثلة المقام أي ما يكون تصرّف الشخص في ماله موجبا لتضرّر الجار والغير وتركه في حقّ نفسه ما ذكرنا من مسئلة البقر والخابية وما اذا وقعت الليرة في جرة الغير ولا يمكن الاخراج إلاّ بكسرها والا فالابقاء بلا تمكن من التصرف ولا بدل لها حيلولة مع انه في كمال الضيق والحاجة إلى الليرة أو وقوع ساق شجرة اليقطين بزهرته في شربة الغير فانعقد يقطينا كبيرا مستوعبا لها لا يمكن الاخراج إلاّ بكسرها أو بقطعه مع عدم نفع لصاحبه في القطع أو ما اذا وقعت الدابّة في سرداب الغير ولا يمكن اخراجها إلاّ بخراب رأس السرداب وبالجملة فالفروع في المقام كثيرة وربما لا يكون أكثر ما ذكره الأصحاب في كتبهم مورد الابتلاء والاتفاق وإنّما فعلوا ذلك لدفع طعن العامّة خذلهم اللّه على الاماميّة باقتصارهم على ذكر الأخبار وعدم بضاعة لهم في العلم فأخذوا بعض هذه الفروع من كتبهم كالشافعي وأبي حنيفة وأضرابهم من قياساتهم في موارد الفقه وتناقضاتهم ومناقضتهم على أنفسهم خصوصا في أبواب المعاملات ذات الفروع الكثيرة .

وعلى أيّ حال فقد ذكر الشيخ رحمه الله في(2) هذا المقام انه يلاحظ أهمّ الضررين فيدفع . وإن لم تكن أهميّة في البين فتقع المعارضة بين لا ضرر في حقّ الغير وحق مريد التصرف ولا تقدم لأحدهما على الآخر فيتساقطان فيكون عمومالفوق مرجعا أو قبل ذلك مرجحا . وهو في المقام حديث السلطنة فيجوز التصرّف

دوران الأمر بين ضرر نفسه وضرر الغير

ص: 521


1- . سورة النور: 61 .
2- . فرائد الأصول 2/538 .

في ماله وإن لزم بذلك تضرّر الجار وخرب منه الجدار وإن لم تجر قاعدة السلطنة لكونها محكومة بلا ضرر الجار قبل معارضته بلا ضرر هذا الشخص وتساقط اللاضررين منه ومن الجار فتصل النوبة حينئذٍ إلى أنّ الأصل في الأشياء هل هي الاباحة أو الحظر فيعمل بمقتضاه والا فالى الأصل من البرائة ( أو الاحتياط . وأورد عليه المحقّق النائيني بمنع(1) الصغرى والكبرى(2) . وكيف كان فكليّة باب تزاحم الحقوق كالأمثلة التي ذكرناها وغيرها لو وقعت المزاحمة بين النفس فقد قدمنا تقدم النفس على غير الدين وإلاّ فيشكل ما ذكروه في المقام من لزوم ملاحظة الأهميّة وجريان الحديث في الأهم وإن فرّع على ذلك صاحب(3) الجواهر قدس سره عدّة فروع وصار منشأ لتأمّلنا في ذلك إلى أن نكشف له مدركا صحيحا معتمدا عليه . ولذا وجهوا كلام الشيخ على ما نسب إليه رحمه الله من جواز أخذ جذوع

الجار لمنع وقوع الجدار المشرف على الانهدام واسناده بها بلا اذن من صاحبها لكون الضرر على صاحب الجذوع أقل على ما إذا لزم من انهدامه تلف النفوس فانّه يجب في هذه الصورة ذلك لا الجواز فقط غاية الأمر يضمن بدل الانتفاع وإلاّ فللجار في غير هذه الصورة أخذ جذوعه وان لزم خراب الجدار كما انه يجوز نزع لوحه اذا وضعه منصوبا على سفينة وإن لزم خرابها في ما إذا غصبه إلاّ في مورد تلف النفوس فيصبر إلى الساحل ويأخذ أجرته وإلاّ فيجوز الأخذ وإن لزم سقوطظروف السكر في البحر كما انه في صورة تلف النفس يلاحظ الأهم فلو كان الام

ص: 522


1- . منية الطالب 2/224 .
2- . منع السيّد الخوئي جريان الحديث لتصادم الضررين وجريان كل مخالف للمنة على الآخر . مصباح الأصول 47/657 .
3- . جواهر الكلام 37/207 - 213 .

سالمة وما حصل جرح في أعضاء ولادتها يتوقف حفظها على تقطيع الولد يتقطّع .

وأمّا إذا حصل الجرح فيكون الولد والام متساويين فلو ابقيناهما يلزم تلفهما جميعا وكيف كان فلمنع ملاحظة الأهميّة في الضررين على شخصين مجال واسع ولا يخفى انه يجب بذل بعض المال اذا توقف حفظ الباقي عليه في المال الودعي وإلاّ فيكون تركه تفريطا موجبا لضمان المستودع وكذا في الأموال الموقوفة إذا توقف استنقاذ المال على دفع بعضه إلى أصحاب الادارات يجب على المتولّي أو الحاكم الشرعي ولو امتنعا فضاع الوقف أو المال والحاصل يكونان في الضمان وكذا كلّ من كان من الموقوف عليهم دخيلاً في ذلك اذا امتنع واستند الاتلاف إليه .

التنبيه السابع: قد سبق ان المحقق النائيني منع(1) ما ذكره الشيخ في ما إذا لزم الضرر على المالك من عدم تصرّفه في ملكه لو استلزم الضرر على الغير وقال بتعارض لا ضرر الجاري في حقّ الغير مع لا ضرر الجاري للمالك وبالتساقط اما يكون عموم الفوق ( وهو قاعدة السلطنة ) مرجعا أو مرجحا والا يكن فالمرجع القرعة أو الأصل العملي من الاباحة والحظر أو البرائة والاحتياط أو يكون من تعارض نفي الضرر للغير بالحرج في حقّ المالك وحكومة قاعدة نفي الحرج على قاعدة نفي الضرر أو التعارض والرجوع إلى المرجع أو المرجح فمنع ذلك المحقّق النائيني قدس سره صغرى وكبرى .

أمّا الصغرى وهو كون ما نحن فيه من تعارض لا ضرر الجار وصاحب الدارفلما يأتي وكذلك من تعارض لا ضرر مع لا حرج . وأمّا الكبرى فهي تقدّم لا ضرر

مورد تعارض الضررين

ص: 523


1- . منية الطالب 2/224 .

المالك أو يكون المرجع عموم الناس ( مسلّطون على أموالهم )(1) في حقّ المالك فانّه عموم الفوق وكذا تقدّم لا حرج على لا ضرر .

بيانه ان تصرّف المالك في ملكه إذا يلزم الضرر على الغير على أنحاء . فانّه أما أن يكون تركه ضررا على نفسه كما اذا حفر البالوعة بجنب حائط الجار يخرب منه الجدار واذا حفرها في موضع لا يضر بالجار يخرب جدار نفسه ويتضرّر بذلك وإمّا أن لا يكون كذلك بل يكون الترك حرجا عليه كما إذا لزم من حفره المرحاض سقوط جدار الغير لسراية الرطوبة وتركه يكون حرجا شديدا عليه .

وإمّا أن لا يكون في ترك ذلك ضرر ولا حرج عليه وإنّما يريدان يعبث بذلك ويلغو وهذا اما أن يكون بقصد الاضرار بالجار أو لا فالصور أربعة لا غير وكأنّه يظهر منهم تسلّم تقدّم حق صاحب الملك على غيره في الصورتين الأوّليين .

والمحقّق النائيني رحمه الله(2) أيضا قائل بذلك إلاّ انّه يمنع بناء المسئلة على ما بنى عليه الشيخ . وهذا من موارد تزاحم الحقوق وهو باب في الفقه كساير الأبواب ذوالفروع الكثيرة ولها مرجّحات مخصوصة . وهي خمسة باب التعارض وله مرجّحات مخصوصة وباب التزاحم للخطابين وهو أيضا كذلك وتعارض البيّنات من الداخل والخارج وتعارض اليدين وباب آخر والسادس باب تزاحم الحقوقولكلّ من هذه الأبواب مرجّحات خاصّة سنتعرض لها إن شاء اللّه .

ص: 524


1- . بحار الأنوار 2 كتاب العلم الباب 33/7 .
2- . منية الطالب 2/224 وما بعده .

وعلى كلّ فمنع المحقّق النائيني الصغرى في المقام وهو تعارض الضررين من الطرفين وذلك لعدم جريان لا ضرر في الضرر المتولّد من جريانه .

ان قلت على ما بيّنتم من انحلال القضايا الحقيقيّة خصوصا إذا كان لها موضوع خارجي حسب تعدّدها ( أي أفراد موضوعاتها لا مانع من تولّد لا ضرر في جريانه في مورد كما ان ذلك داخل في الحكومة التي هي على قسمين:

تارة تتحقّق في ادخال فرد في موضوع حكم تعبّدا واخرى في اخراجه كما في جريان الأصل في الشكّ السببي فانّه يوجب عدم بقاء الشكّ المسبّبي ويفنى موضوع أصله .

وذهاب الشكّ في نجاسة الثوب تعبّدا . كما انّه في جانب الادخال يبتني على الانحلال ما انحلّ به الاشكال في الأخبار مع الواسطة كما تقدّم تفصيله في بعض الأبحاث السابقة وانه يتعدّد الحكم بتعدّد أفراد الموضوع على الانحلال .

ولا يلزم اتّحاد الحكم مع موضوعه ولا تقدّم المعلول على العلّة ولا ساير ما أوردوها من اللوازم الباطلة على ذلك فكذلك يقال في لا ضرر فانه قضيّة كليّة تنحل حسب مواردها إلى قضايا يجري كلّ حكم على موضوعه . فاذا جرى لا ضرر في حق الجار لتضرّره بتصرّف الجار يجري لا ضرر له حاكما على سلطنة جاره فليس له اضراره ويلزم على هذا حدوث موضوع لضرر المالك الممنوع من التصرّف في ماله بما يضر بالجار فيجري لا ضرر في حقّه .

اذ لا اشكال في ذلك على الانحلال المبنى عليه موارد عديدة . منها ما أشرنا إليه من قضيّة الأخبار مع الواسطة . الا ان ذلك ممنوع في المقام لعدم كون الضرر الثاني في رتبة الضرر الأوّل حتّى يصلح للمعارضة بل إنّما حدث من ناحيةجريان لا ضرر الأوّل فلو جرى لا ضرر لنفيه يلزم ضرر آخر ثانيا على الجار

ص: 525

فينفي وهكذا وليس للشيء المعارضة مع علّته . ولا ضرر الأوّل يكون علة لتولّد الضرر الثاني فلا جريان للثاني مضافا إلى أن لا ضرر حاكم على الأدلّة الأوّليّة حكما تكليفا أو وضعا ولا ضرر الجار جرى لنفي سلطنة جاره باضراره وكان حاكما عليها .

هذا مع أنّه لا اشكال في استلرام جريان الثاني لمحكوم يكون حاكما مقدما عليه وليس في المقام الا لا ضرر الأول الجاري في حقّ الجار ولا يصلح الثاني أن يكون حاكما على الأول وليس شيء هناك يكون محكوما له وثانيا ان الضرر إنّما لزم من ناحية عدم الحكم وعدم جعل السلطنة للمالك على اضرار الجار وقلنا ان لا ضرر إنّما يجري في ما اذا لزم الضرر من جعل الحكم ويكون حاكما على دليله لا من عدم الجعل . نعم لو كان الحكم المجعول هناك هو الحرمة فمجال لجريان الحديث لنفيها .

تتميم: سبق ان في تصرّف المالك في ملكه المستلزم لتضرّر الجار أربع صور وأفاد المشهور في الصورتين الاوليين بجواز تصرف المالك في ملكه وان تضرر بذلك الجار ومنعوه من التصرّف في الصورتين الأخيرتين وكانّ ذلك مسلم بينهم وأفاد الشيخ رحمه الله(1) لتصحيح هذه الفتوى في الصورتين الأوليين بتعارض لا ضرر في حقّ الجار مع لا ضرر الجاري في حق المالك في ما اذا لزم من ترك التصرّف تضرّر المالك ( يعني الصورة الاولى ) الا ان حديث سلطة الناس على أموالهم إمّا أن يكون مرحجا للاضرر الجاري للمالك ويجوز تصرفه على هذا وانتضرر بذلك الجار لسقوط لا ضرره بترجيح لا ضرر المالك عليه بالمرجح

الخارجي وهو عموم سلطنة الناس على أموالهم أو يتساقط للاضراران من

ص: 526


1- . فرائد الأصول 2/539 .

الجانبين وعموم الفوق يكون مرجعا فيجوز أيضاً للمالك التصرّف لعدم معارض ولا مزاحم له في هذه الصورة أو يكون على المبنى الثالث المقتضى لتوارد لا ضرر الجار على لا ضرر المالك وسلطنته على ماله فيرد على المحكوم وهو سلطنة المالك والمعارض ( وهو لا ضرره ) دفعة واحدة فيتساقط الجميع ويكون المرجع الأصل في المسئلة حيث انها داخلة في القضيّة المشكوك حكمها . فاما أن يكون الأصل في الأشياء الاباحة فيجوز التصرّف أيضا أو الحظر فلا تصح فتوى المشهور أو يرجع بعد عدم تماميّة ذلك كلّه إلى الأصل الآخر من البرائة والاحتياط . فالذي يقول بالبرائة يجريها في المقام حيث ان الشبهة تحريميّة كشرب التتن وتصح الفتوى أيضا ومن يقدم أخبار الاحتياط على اخبار البرائة وأدلّتها يقول بالاحتياط ويمنع المالك من التصرّف .

وعلى كلّ حيث ان المختار في محلّه البرائة فيجوز اذا وصلت النوبة إلى هذا المقام أن يتصرّف المالك التصرّف المضر بالجار في الصورة الأولى .

وأمّا الصورة الثانية وهي ما إذا يلزم من ترك تصرّف المالك في ملكه ومنعه عنه الحرج عليه فتكون من تعارض لا حرج مع لا ضرر فاما أن يكون لا حرج مقدما على لاضرر بالحكومة فيجوز للمالك التصرّف الموجب منعه الحرج عليه .

أو يكون كالصورة الأولى بعد عدم حكومته على لا ضرر فيكون عموم الفرق مرجعاً أو مرجحاً أو يرجع إلى الاصل حسب ما قرّر .

وتارة يبني الشيخ تصحيح فتوى المشهور على المسئلة السابقة وهي عدم وجوب تحمل الضرر المتوجه على الغير .

هذا بيان ما استند إليه الشيخ في هذه الفتوى صغرى وكبرى . اما الصغرىففي الصورة الاولى تعارض الضررين وفي الثانية تعارض لا ضرر ولا حرج .

صورة تصرّف الملك في ملكه

ص: 527

وأمّا الكبرى كون العام مرجعا أو مرجحا . وفي الثانية هذه اذا لم يكن للا حرج حكومة على لا ضرر والا فهي الكبرى والكبرى الاخرى في الموردين عدم وجوب تحمل ضرر الغير وقلنا ان المحقّق النائيني رحمه الله منع ما استند إليه الشيخ صغرى وكبرى . اما الصغرى الاولى وهي تعارض لا ضرر الجار والمالك فبما سبق من عدم معارضة للضرر المتولد من جريان لا ضرر معه وبينا عدم تصحيح التعارض حتى على ما يلتزمه المحقّق النائيني وبعض آخر من الانحلال في الأخبار مع الواسطة المبتني على ذلك حلّ الاشكالات الواردة عليها أو أكثرها .

وذلك لعدم تساوي رتبة هذا اللاضرر الثاني رتبة للاضرر الأول فلا شأن له في العرضيّة حتّى يعارضه . وأمّا منع كبرى تلك الصورة فبان قضيّة تعارض الضررين وكون العام مرجعا أو مرجحا الخ على فرض تسليم الصغرى إنّما تكون في ما اذا ورد معارض للمخصّص الوارد على العام المانع من تخصيصه . فان مرجع ذلك إلى الشكّ في تخصيص العام ويجوز أن يكون مرجحا أو مرجعا على ما ذكر كما في منجزات المريض حيث ان هناك طوائف ثلاثا من الأخبار . عمومات(1) دالّة على جواز تصرف الانسان في ما له دام حيّاً وخصوصات(2) دالّة بعضها على كون تصرّفات المريض في مرض موته من الأصل واخرى(3) دالّة على كونها كذلك من الثلث . فهنا يتحقّق مورد الشكّ في تخصيص العموماتفامّا أن يكون العموم مرجحا للخاص الموافق له أو يكون هو المرجع بعد تساقط الخاصين كما ذهب إلى الترجيح أو المرجعيّة الميرزا محمّد تقي الشيرازي قدس سره

ص: 528


1- . وسائل الشيعة 19 الباب 17 روايات متعددة من كتاب الوصايا .
2- . وسائل الشيعة 19 الباب 17 روايات متعددة من كتاب الوصايا .
3- . وسائل الشيعة 19 الباب 17 روايات متعددة من كتاب الوصايا .

وهذا بخلاف ما إذا كان تخصيص العام مسلّما ونقطع بخروج فرد من العام فحينئذٍ لا مرجحيّة للعام ولا مرجعيّة وليس كما اذا ورد أكرم العلماء عامّا ولا تكرم الفسّاق منهم واكرم الفساق منهم خاصين فان في المقام خرج التصرّف الضرري على الغير عن عموم سلطنة الناس على أموالهم . وتولد الضرر على المالك من جريان لا ضرر الجار لا يوجب منع لا ضرر من تخصيص قاعدة السلطنة بل يبقى لا ضرر المالك بلا مورد حيث لا محكوم له لامتناع حكومته على لا ضرر الجار ( وهذا في الحقيقة رجوع إلى منع الصغرى اذ مقتضاه عدم عرضيّة الضرر المتولّد من جريان لا ضرر الجار لضرره وإن كان كلاهما داخلين في كبرى الضرر .

وأمّا منع الصورة الثانية فقد أفاد رحمه الله بأن ذلك يتوقّف على أمرين:

الأمر الأوّل: أن يكون معنى لا ضرر بحيث يكون أعمّ من الحرج فيكون كلّ حرج ضررا ولا عكس حيث ان الحرج لا ينفك عن الضرر كما اذا كان الضرر بمعنى الضيق وذلك ممنوع لعدم كون الحرج أخص من الضرر بل ربما يكون هناك حرج ومشقّة في الجوارح وربما يكون حبس المالك موجبا لحرجه روحا ولا ضرر في هذه الصورة بخلاف الاولى وربما يكون ضرر على الشخص ولا حرج عليه ليساره فقد يجتمع الضرر والحرج وقد يفترقان فيكون هذا في مورد لا يكون ذاك وبالعكس فلا يمكن التعارض بينهما وتقدّم لا حرج على لا ضرر من حيث الاخصيّة ولا انه يوجب بقاء لا حرج بلا مورد اذا قدمنا عليه لا ضرر بخلاف العكس كالعكس . وبالجملة ان الحرج انما يلزم في المقام من ناحية جريان لا ضرر ويكون لا حرج في هذه الصورة كلاضرر الثاني في الصورة السابقة بلا محكوم حيث لا شيء يتقدّم عليه ولا يمكن أن يكون في عرض لا ضرر المولّد لهوفي رتبته .

بيان حكم بعض الصور

ص: 529

الأمر الثاني: أن يكون لا حرج على فرض تسليم صغرى التعارض وكونه في عرض لا ضرر حاكما عليه وناظرا له حتّى يكون مقدّما عليه وذلك ممنوع لأنّهما دليلان ناظران إلى أدلّة الأحكام الواقعيّة الاوّليّة ولا نظر لأحدهما على الآخر بالتفسير ولا بغيره من انحاء الحكومات .

فتلخّص ممّا ذكرنا أوّلاً منع الصغرى وكون لا حرج معارضا للاضرر بل لا يكونان في رتبة واحدة . وثانيا منع تقدّم لا حرج على لا ضرر لاخصيّته منه أو بقائه بلا مورد ان لم يقدم عليه لا حرج أو منع حكومته على لا ضرر .

والوجه الأوّل راجع إلى منع الصغرى والثاني إلى الكبرى . وأمّا كون المسئلة من قبيل عدم وجوب تحمّل الضرر من الغير فهو ممنوع مع تسليم أصل الكبرى اذ لا يكون عدم تصرّف المالك في ملكه ومنعه عنه تحمّلاً لضرر الغير كالجار في مثال حفر البالوعة مثلاً بل ذلك اذا ورد ضرر من السماء دائر أمره بين وروده على المالك أو جاره فانه لا يجب تحمله لدفع الضرر عن الجار كما انه لا يجوز توجيهه إليه بل له دفعه عنه ولا يجب عليه تحمّله واستقباله منعا لوروده على جاره .

ولا يخفى ان المحقّق النائيني لا يرد فتوى المشهور بل إنّما خدش في ما جعله الشيخ مدركا اذ هو يصححها بوجه آخر .

إلى هنا أفاد سيّدنا الأستاذ قدس سره في تحرير ما بيّنه المحقّق النائيني رحمه الله .

وبقي كلام يختم به المرام لليلة الأربعاء 22 من جمادي الثانية فصادفت وفاة الزاهد المعروف الآقا شيخ على القمي أعلى اللّه مقامه الشريف فختم بذلك بحث لا ضرر وحانت الأيّام الزيارته ودام التعطيل إلى ليلة الأحد السابع عشر منشهر رجب 1371 المطابق للرابع والعشرين من فروردين 1331 .

ص: 530

فهرس المحتويات

تحرير محلّ النزاع في الشك في المكلّف به··· 6

تفكيك بعض في موارد العلم بين المخالفة والموافقة··· 7

في جريان الأصول المرخصة وعدمه في أطراف العلم الاجمالي··· 8

اشكال الاستدلال··· 9

أسألة والجواب عنها··· 10

عدم وجوب الاجتناب في الشبهة الموضوعيّة··· 11

مقتضى الجمع بين الأدلّة والموضوعات··· 12

عدم تقييد أدلّة الواقع بالعلم تفصيلاً··· 15

الكلام في مفاد كلّ شيء لك حلال حتّى تعرف الحرام منه بعينه··· 17

مفاد رواية مسعدة ورواية أموال بني اُميّة··· 19

الروايات على قسمين··· 21

العلم ليس إلاّ شرط التنجّز··· 25

اعتبار قيود ثلاثة في الحكم الظاهري··· 27

عدم انحفاظ رتبة الجعل في الاستصحابين··· 29

تصوير جعل البدل··· 30

امكان الترخيص في واحد بعينه··· 31

ص: 531

عدم الدليل في مقام الاثبات··· 35

لزوم الاجتناب عن الباقي بعد تلف بعض الأطراف··· 37

جريان الأصل المثبت في أحد الأطراف··· 39

لو علم بعد الفراغ بنقصان سجدتين··· 40

انحلال العلم بجريان الأصل النافي وعدمه··· 41

لو علم بعد دخول المغرب فوات احدى صلواته الخمس··· 42

لا يجتمع ترخيص في طرف القاعدة مع ترخيصه في طرف الاستصحاب··· 43

لا فرق بين تعلّق العلم بعنوان واحد أو عنوانين··· 45

اشكال كلام صاحب الحدائق··· 46

اشتراط تأثير العلم بالابتلاء··· 47

اشتراط امكان الابتلاء في النواهي··· 49

لو شك في الابتلاء··· 51

الاشكال على اشتراط الابتلاء··· 53

رفع الشك ثبوتاً باطلاق مقام الاثبات··· 55

اشكال تعدد المراتب في القدرة··· 57

الفرق بين القضيّة الحقيقية وغيرها··· 58

عدم حاجة في التمسك بالاطلاق إلى احراز للاطلاق الواقعي··· 59

القدرة ليست من الانقسامات اللاحقة··· 61

اشتراط الابتلاء في خصوص النواهي··· 62

جريان الأصل في الطرف المبتلى به··· 65

الرابع من الشبهات··· 66

ص: 532

الفرق بين ما إذا باعهما معاً أو باع أحدهما بعد الآخر··· 69

صور ثلاث في تصور الفرع للأصل··· 70

تقرير الاشكال ببيان آخر··· 73

النتيجة على السراية وغيرها··· 75

الفرق بين مذهب الشيخ والمحقّق الخراسانى··· 79

حكم ملاقى أحد أطراف النجس اجمالاً··· 81

الفرق بين الملاقي والملاقى··· 83

المناط بالمعلوم لا العلم··· 85

الملاقى لأحد الأطراف داخل في الأطراف··· 87

الصور الأربع في كلام المحقّق الخراساني··· 89

الاشكال على المحقّق الخراساني··· 91

كلام المحقّق النائيني··· 93

إذا كان الخارج عن الابتلاء مورداً له··· 95

الكلام في انحلال العلم بالمثبت··· 97

بقية بحث الملاقى··· 99

جريان البرائة في التعيينية··· 101

خروج الملاقى عن مورد الابتلاء··· 103

الاضطرار بأحد الأطراف··· 105

انحلال العلم الاجمالي بالاضطرار··· 108

لحوق الصورة الثالثة بالاولى وعدمه··· 109

حكم الاضطرار إلى غير المعين··· 113

ص: 533

الارتكاب التدريجي··· 115

فذلكة البحث··· 119

اشكال سيّدنا الأستاذ··· 122

لزوم العسر من ناحية حكم العقل··· 125

جريان الأصل وعدمه لفظيّاً أو عمليّاً في مورد الشك··· 127

في الشبهة غير المحصورة··· 128

ضابط غير المحصورة··· 131

دليل عدم لزوم الاحتياط··· 133

الوجه الثالث لعدم وجوب الاحتياط واشكاله··· 134

معنى رواية الجبن··· 137

باقي الكلام في خبر الجبن··· 139

وجه آخر لعدم لزوم الاجتناب··· 143

وجه آخر لعدم وجوب الاجتناب··· 141

ضابط غير المحصورة كثرة الأطراف··· 144

الشبهة الوجوبيّة··· 145

الاحتياط في الشبهة الوجوبيّة بين المتبائنين··· 147

المردّد بما هو مردّد لا أثر له··· 149

لا أثر لاستصحاب الجامع··· 150

بطلان العمل الاحتياطي في العبادات··· 153

وجوب الاحتياط في الشبهة الوجوبيّة··· 155

الامتثال الاحتمالي في عرض التفصيلي··· 157

ص: 534

اشكال عدم الفحص في الشبهة الموضوعيّة··· 159

الصلاة إلى أربع جهات في اشتباه القبلة··· 161

الوجوب إلى حدّ العسر أو لزوم الاختلال··· 163

الشبهة الوجوبية في الأقل والأكثر··· 165

الأكثر مجرى البرائة··· 167

دليل الشيخ في جريان البرائة··· 169

جواب الاشكال··· 171

الجواب بعدم الانحلال··· 173

لا يكون الشك بينهما من المتبائنين··· 176

الاشكال على ايراد المحقّق النائيني··· 177

توجيه كلام المحقّق الخراساني··· 179

تقريب المحقّق النائيني··· 182

لابدّ من اتيان الأكثر··· 183

رجوع تقريب المحقّق إلى كلام المحقّق الخراساني وصاحب الحاشية··· 185

الأقوال الثلاثة في المقام··· 187

تقريب كلام المحقّق النائيني··· 189

اشكال التقريب··· 191

تقريب الكلام··· 193

اوامر الواجب الارتباطي أوامر ضمنية··· 195

البرائة الشرعية تؤمن··· 197

جعل البدل أو كفاية الامتثال الاحتمالي··· 198

ص: 535

لا مجال للبرائة في الشك في المحصّل··· 199

إذا شك في تحقق العنوان··· 200

إذا شك في المحصّل··· 201

توجيه كلام الشيخ··· 202

تعريف المسبب التوليدي··· 203

كفاية الاطلاقات في دفع الشك··· 205

اشكال الاستصحاب··· 207

جريان استصحاب حال الصغر··· 209

موارد جريان البرائة··· 211

كلام النائيني في الشرايط··· 213

الخطابات الغيرية في الأجزاء··· 215

الفرق في الانتزاع بين الوجود الواقعي والعلمي··· 219

لو كان منشأ النزاع الشرط والمانعية الخطاب النفسي··· 222

الفرق بين النواهي النفسية والغيرية··· 223

التفصيل بين ما إذا كان أصل محرز وغيره··· 225

ظاهر الأمر بشيء في شيء أو النهي عن شيء في شيء··· 227

بعض موارد عدم جريان البرائة··· 229

ما خرج عن باب الأقلّ والأكثر··· 231

مجرى البرائة في بعض موارد الشك··· 233

جريان البرائة في بعض الموارد··· 235

لو شكّ في شيء انّه مصداق المانع··· 237

ص: 536

المرجع الاشتغال بناء على بعض الوجوه··· 239

استصحاب الشهر··· 241

هل الأصل في الجزء والشرط الركنيّة··· 243

تحقيق الكلام··· 244

اشكال خطاب الناسي··· 247

تصوير الخطاب للناسي··· 249

الاستظهار من لا تعاد··· 251

العلم شرط التنجز··· 253

الاضطرار إلى ترك السورة أو الاكراه أو نسيانها··· 255

كيفيّة جريان حديث الرفع في الناسي··· 257

بيان جريان حديث الرفع··· 259

ما هو متعلّق الرفع··· 260

حكم النسيان المستوعب للوقت وغيره··· 261

كلام المحقّق النائيني··· 262

ايراد كلام المحقّق النائيني··· 265

دليل الرفع اجتهادي··· 267

هل اتيان المأمور به الاضطراري مجز··· 269

الزيادة في الصلاة··· 271

بطلان الصلاة بالزيادة··· 273

ما يعتبر في صدق الزيادة··· 275

أدلّة ابطال الزيادة··· 277

ص: 537

عدم البطلان بغير الخمس··· 281

نسبة لا تعاد مع بعض الأخبار··· 282

وجوب الباقي بعد العجز··· 283

اشكال قاعدة الميسور··· 287

اعتبار قاعدة الميسور ومجراها··· 289

موارد تطبيق القاعدة··· 291

المناقشة في تطبيق القاعدة··· 293

الاشكال على كلام النائيني··· 295

شمول دليل القاعدة للكل والكلّي··· 298

المناقشة في دلالة الخبر··· 299

سقوط المقيد بانتفاء قيده والمركب بانتفاء جزئه··· 301

يقدم الأهم في التزاحم··· 304

انتقال التكليف على ثلاثة أقسام··· 305

الموافقة القطعيّة الملازمة للمخالفة القطعيّة··· 307

طريقة العقلاء··· 311

وجه اعتبار قصد الوجه··· 313

ما يلاحظ قبل الخطاب وما يلاحظ بعده··· 315

نتيجة البناء على تقدّم الامتثال التفصيلي··· 317

لو عرض في الصلاة حالة لا يعلم حكمها··· 319

شرائط البرائة··· 322

دليل وجوب الفحص··· 323

ص: 538

كلام المحقّق النائيني··· 325

إذا عمل بالبرائة بدون الفحص··· 329

مناقشة دليل الفحص··· 331

المقدّمة على قسمين··· 332

وجوب التعلّم··· 334

صحّة العمل وفساده لو أتى به بدون الفحص··· 336

العمل بلا تقليد أو التقليد بعد العمل··· 338

لزوم التدارك··· 341

كيفيّة وجوب الاتمام مع وجوب القصر··· 342

امر التقصير مقدم··· 344

توجيه أمر الاتمام··· 347

حكم القصر في موضع الاتمام··· 348

اشكال كلام المحقّق النائيني··· 350

حكم الفحص في الشبهات الموضوعيّة··· 351

لزوم الفحص في موارد··· 355

عدم وجوب الفحص في الشبهات الوجوبيّة··· 356

شرطان آخران لجريان البرائة··· 359

توضيح كلام النائيني··· 363

اشكال كلام المحقّق النائيني··· 364

تحقيق الكلام··· 366

جريان الاستصحاب في الموضوع المركّب··· 367

ص: 539

يشترط في البرائة أن لا يكون مثبتاً لحكم آخر··· 370

الضمان لوضع اليد··· 372

توجيه كلام الفاضل··· 374

الفرق بين المباشرة والتسبيب··· 376

الكلام في قاعدة لا ضرر··· 379

حديث لا ضرر··· 380

موارد الحديث··· 383

ما به يتحقّق الضرر··· 385

لكلّ حكم ملاك··· 387

الكلام في حديث لا ضرر··· 391

مناقشة سيّدنا الاستاذ··· 394

اشكال الدلالة··· 396

معنى الضرر··· 397

ارتباط لا ضرر بحديث الشفعة··· 401

دفع اشكال رواية سمرة··· 403

الفرق بين الضرر والضرار··· 405

في معنى الضرار··· 409

تقريب القول الأوّل··· 411

مراتب النفي··· 413

الدليل على المعنى الأوّل··· 414

معنى الرفع··· 417

ص: 540

مبنى سيّدنا الأستاذ··· 419

المراد بالضرر ما يلزم منه وينشأ منه··· 421

النفي يتعلّق بنفس الطبيعة··· 422

الاشكال في الشرط الثالث··· 425

اعتبار الشروط الثلاثة··· 426

ما عن المحقّق النائيني لتحرير المطلب··· 430

ترتب ارادة المعاني··· 432

الايراد على الشيخ··· 433

من الشرائط أن يكون له أثر··· 436

استظهار المعنى الأوّل··· 437

بيان آخر··· 441

نفي الضرر نفي الحكم··· 443

لا ضرر ولا ضرار كبرى··· 446

احتمال عدم ربط لاضرر بالمورد··· 447

احتمال كون أمر القلع من باب الولاية··· 450

احتمالات الرواية··· 451

لا ضرر ينفي الحكم على الموضوع الأعمّ··· 453

خروج فرد عن موضوع دليل على أنحاء··· 455

الحكومة انحاء··· 456

نتيجة الحكومة··· 459

الحكومة توسع وتضيق··· 461

ص: 541

في حكومة الناسخ على المنسوخ··· 465

ما أفاده المحقّق الهمداني في المقام··· 467

وجوه حكومة لا ضرر على الأدلّة الأوليّة··· 469

توضيح معنى نفي الضرر··· 470

نتيجة اخلاف المبنيين··· 473

اتّفاقهما في النتيجة في بعض الموارد··· 475

دخول مسئلة الطهارات في حكم ذوي الأعذار··· 477

نتيجة الحكومة رفع الالزام··· 479

جواب الاشكال··· 480

على الواجد الطهارة المائيّة وعلى الفاقد الترابيّة··· 483

كفاية نفس نفي الضرر في جواز الوضوء··· 487

لو تحمّل الضرر··· 489

لا يجوز الوضوء إذا وصل إلى حدّ المفسدة··· 490

موارد جواز الاضرار بالنفس وبالغير··· 491

إذا زرع في الأرض المستأجرة ما يبقى بعد مدّة الاجارة··· 493

عدم سلطنة المالك على ماله لو أوجبت ضرراً على الغير··· 495

جريان الضرر في من أجنب نفسه متعمّداً··· 497

هل ينطبق لا ضرر في مورد عدم الحكم··· 498

لا مجال لجريانه في مورد عدم الحكم··· 499

عموم ولاية الفقيه··· 501

قيل بجريان لا ضرر في موارد عدم الحكم··· 503

ص: 542

الجواب عن بعض الموارد··· 505

الضرر ملاك للمجعول لا الجعل··· 508

حول رواية تعطيل الرحى··· 509

مسئلة تغيير مجرى النهر··· 510

اشكال بعض الأجوبة··· 511

الجواب عن قضيّة الرحى··· 513

اعتبار رضا الشركاء في القسمة··· 515

هل المراد بالضرر الشخصي أو النوعي··· 516

لا يجب تحمّل ضرر الغير··· 519

دوران الأمر بين ضرر نفسه وضرر الغير··· 521

مورد تعارض الضررين··· 523

صورة تصرّف الملك في ملكه··· 527

بيان حكم بعض الصور··· 529

ص: 543

المجلد 5

هویة الکتاب

بطاقة تعريف: رحمتي، محمد، 1307 -

عنوان واسم المؤلف: مباني أصول الفقه: تقریر بحث آیت الله سیدمحمود الشاهرودي/ مولف آيت اللّه شيخ محمد رحمتي.

تفاصيل المنشور: قم: قرآن صاعد، 1440ق.= 1398.

خصائص المظهر : 5 ج.

ISBN : دوره:978-600-7282-94-6 ؛ ج.1:978-600-7282-89-2 ؛ ج.2:978-600-7282-90-8 ؛ ج.3:978-600-7282-91-5 ؛ ج.4:978-600-7282-92-2 ؛ ج.5:978-600-7282-93-9

حالة الاستماع: فیپا

لسان : العربية.

ملحوظة : ج.2-5(الإصدار الأول: 1398).

عنوان آخر: تقریر بحث آیت الله سیدمحمود الشاهرودی.

مشكلة : أصول الفقه الشیعة -- قرن 14

Islamic law, shiites -- Interpretation and construction -- 20th century

المعرف المضاف: هاشمی شاهرودی، سیدمحمود، 1327-1397.

المعرف المضاف: Hashemi Shahroudi, Seyyed Mahmoud

ترتيب الكونجرس: BP159/8

تصنيف ديوي: 297/312

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 5841397

اطلاعات رکورد کتابشناسی : فیپا

مباني أُصول الفقه

مؤلف: آيت اللّه شيخ محمد رحمتي

الناشر: قرآن صاعد

وقت وسنة النشر: 1398

الطباعة والتجليد: زلال کوثر

الدوران: 1000 نسخه

ISBN: 6-94-7282-600-978

ISBN: 2-89-7282-600-978

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین

الرحمن الرحیم

مالک یوم الدین

إیاک نعبد وإیاک نستعین

اهدنا الصراط المستقیم

صراط الذین أنعمت علیهم غیر المغضوب علیهم ولا الضالین

لفت نظر

1 - رقم الآيات على حسب احتساب البسملة آية من السور غير سورة التوبة .

2 - مأخذ روايات الوسائل، طبعة ثلاثين مجلّداً .

3 - روايات المستدرك على طبعة 20 مجلّداً .

4 - صفحات الكفاية على طبعة جلدين مع حاشية المشكيني .

ص: 2

مباني أُصول الفقه

تقرير بحث المحقّق المدقّق آيت اللّه العظمى

السيّد محمود الشاهرودى قدس سره

لتلميذه آيت اللّه الحاج الشيخ محمد الرحمتي

الجزء الخامس

ص: 3

ص: 4

الاستصحاب

بسم الله الرحمن الرحیم

والكلام يقع في ما هو المراد منه وفي تعريفه وفي حجيّته وعدمها .

الاستصحاب لغة عبارة عن أخذ الشيء مصاحبا له ومنه ما يذكرونه من استصحاب اجزاء ما لا يؤكل لحمه في الصلاة ولعلّ هذا المعنى يختصّ بالاختياري لا الأعم منه ومن غيره كما في المصاحبة وفي اصطلاح الأصوليّين والفقهاء عبارة عن معنى معلوم اختلفت تعبيراتهم عنه .

فكلّ عرفه بتعريف اسدّها واخصرها على ما قاله الشيخ(1) هو ابقاء ما كان وعرف بالحكم ببقاء ما كان لكونه كان .

ولا يخفى ان هذه التعريفات ليست لتحديد الاستصحاب بعد أن كان معلوما عندهم بل هي اشارة إليه . الا ان لبعضها تمام مساس بذاك المعنى وأجمع للافراد ودفع للاغيار حسب الرسم من غيره ولوحظ في الجميع المناسبة للمعنى اللغوي بالنظر إلى المعنى . والمراد بابقاء ما كان وغيره من التعاريف هو الجري العملي على وفق الحالة السابقة وكذلك الحكم بدوام ما ثبت .

في تعريف الاستصحاب

ص: 5


1- . فرائد الأصول 2/541 .

وذلك بعد انه من المسلم في الاستصحاب عدم بقاء اليقين السابق في حال الشكّ متعلّقا بالمشكوك المتيقن قبل . فانه ليس كلّ ما ثبت يدوم ولا كلّ ما ثبت لا يدوم ولا يبقى خصوصا اذا عممنا المؤثّر في الزوال لمرور الزمان فان له تأثيراً في زوال بعض الأشياء كما ان الغالب تأثير العوامل الخارجة عن الزمان من ساير الزمانيّات . فالمراد من الابقاء أو الحكم بالبقاء ادامة الجري العملي في حال الشكّ

في متعلّق اليقين السابق والبقاء عليه وترتيب آثار بقائه على الشكّ فيه . وقيد الحكم إنّما يكون مأخوذا في ما إذا لم يعرف الاستصحاب بالابقاء والا فالابقاء هو الاستصحاب وتقييده بالحكم أو بالعكس أخذ للحكم في الموضوع .

وعرفه المحقّق النائيني(1) بعدم انتفاض اليقين السابق المتعلّق بشيء من حيث الأثر والجري العملي بالشكّ في بقاء المتعلّق وهو قدس سره لاحظ امورا في تعريف الاستصحاب فرارا عن ما أوردوا على تعريفات القوم ممّا يرد وممّا لا يرد . فقد أورد على تعريفه بابقاء ما كان أو الحكم ببقاء ما كان لكونه كان بوجوه ستّة والتعرّض لها ودفعها أو الالتزام بها لا يناسب الاختصار في ما لا يهمنا .

ومن الامور التي لاحظها في التعريف انطباق أخبار الباب عليه فان لفظ الاستصحاب ليس في الاخبار حتى ندور مدار لفظه فعبر بعدم الانتفاض لخروج الشكّ من حيث المقتضى عن حيّز الاستصحاب فانه ليس حجّة عنده على التحقيق .

ومنها تميز الاستصحاب عن قاعدة اليقين المعروف بالشكّ الساري

وقاعدة المقتضى والمانع فانّ الاستصحاب يكون متعلّق الشكّ واليقين فيه واحدا

ص: 6


1- . فوائد الأصول 4/307 مع تفاوت يسير في العبارة .

والزمان مختلف كما اذا علم بعدالة زيد يوم الخميس وشكّ فيها يوم الجمعة يعني في بقائها . اما في يوم الجمعة أو في نفس يوم الخميس فانه من الاستصحاب أيضا فالشكّ تعلق بالعدالة المحرزة يوم الخميس باعتبار بقائها بعده في يوم الجمعة ولم يسر إلى يوم الخميس . وليس كذلك قاعدة اليقين . بل يكون الشكّ ساريا من حينه حتّى إلى زمان حدوث المتيقن السابق فاليقين زائل فيه وبهذا الاعتبار لا يجتمع زمان اليقين والشك كما اذا علم بعدالته في يوم الخميس وشكّ فيها يوم الجمعة وانه هل كان يوم الخميس ذا عدالة أم لا .

وبهذا الوجه سموه الشكّ الساري لسريانه إلى وقت اليقين السابق ونفسه فيزول بذلك .

وأمّا قاعدة المقتضى والمانع على النحو الذي سنحرّره إن شاء اللّه فلا يكون متعلّق الشكّ واليقين فيه واحدا . لأنّ اليقين تعلّق بالمقتضى والمقتضى تام في اقتضائه بحيث لو لا المانع لأثّر أثره إلاّ انّه يشكّ في وجود المانع كما إذا كان نار

على الثوب مع الشرايط المعتبرة في الاحراق ويشكّ في الرطوبة المانعة وعدمها وبدون ذلك لا تحقّق للمقتضى كما إذا لم يكن المماسة بل بينهما بعد المشرقين .

ومنها عدم كون الاستصحاب من الامارات بل هو من الأصول المأخوذة

في موضوعها الشكّ كما ان المراد من ابقاء ما كان أي لأنّه كان . فعلة الابقاء هو كونه كان بناء على كونه من الامارات لظنّ البقاء في غالب الأشياء وهذه العلّة أوجبت الظن عند القائلين به وحجيّته عندهم كالمحقّق القمي رحمه الله ومدرك حجيّته

الأخبار الواردة في الباب على ما سيأتي التعرّض لها إن شاء اللّه . لا كونه من بناء

العقلاء في امورهم كما ربما يقال في قاعدة الفراغ وانها من الامارات . وكيف كان

ص: 7

فقد تبين ان المراد من الابقاء ليس هو ابقاء عين ما كان بل أثره والجري العملي على طبقه فانّه الذي يكون قابلاً للحكم ببقائه والتعبد به .

تنبيه: جرت عادتهم بعد تعريف الاستصحاب على البحث في انه مسئلة اصوليّة أو قاعدة فقهيّة أو مسئلة فقهيّة . وهذا بعد أن ذكرنا ان معنى الاستصحاب واضح معروف عندهم . يظهر ذلك ببيان تعريف المسئلة الأصوليّة والقاعدة الفقهيّة ومسئلتها والفرق بين هذه وإن كانت التعريفات لفظيّة لا يراد منها شرح حقيقة؛ المعرّف وبيانها بل مجرّد الاشارة إليه وإن كان بعضها أعرف من بعض لكونه أجمع لشتاته .

فنقول بعون اللّه الملك المعبود: ان ما يقولون هذه مسئلة اصوليّة أو ذلك البحث بحث اصولي للفرق بينه وبين الفقهي وغيرهما . فان في كلّ علم يبحث عن أحوال شيء يكون موضوعه وكذلك علم الأصول فانه يبحث فيه عن حال موضوعه وعرف بتعاريف أحسنها وأجمعها العلم بالكبريات التي تقع في طريق استنباط الحكم الفرعي عن أدلّتها إمّا واقعا أو ظاهرا بعد يأس المجتهد عن الدليل الاجتهادي وذلك التعريف أسدّ من انه العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحكام أو التعريف الذي عرف به الآخوند رحمه الله في أوّل الكفاية بأنّه(1) صناعة يعرف بها القواعد التي يمكن أن تقع في طريق استنباط الأحكام أو التي ينتهي إليها في مقام العمل الخ .

وذلك لأن علم الأصول إنّما يكون آخر العلوم المبنيّة عليها استنباط

الأحكام وباقي العلوم من اللغة والصرف والنحو حيث ان من الأدلّة الكتاب

تعريف علم الأصول

ص: 8


1- . كفاية الأصول 1/9 .

والسنّة ولابدّ في معرفة ذلك منها وكذا علم الرجال من العلوم الستّة المقدميّة إنّما يتشكّل منها صغرى الاستنباط ومعلوم ان الصغرى ما لم ينضم إليها الكبرى لا تفيد شيئا كالعكس . فلابدّ في قياس الاستنباط من صغرى وكبرى والمتكفّل للصغرى باقي العلوم المقدّميّة للاستنباط . مثلاً اذا علمنا ان هذا الخبر خبر الثقة فنجعله

صغرى وجدانيّة ونضمّ إليها كبرى المسئلة الأصوليّة وهي كلّ خبر ثقة حجّة . اذن صارت نتيجة البحث ذلك أو كلّ خبر عادل أو ممدوح ولو بالعدالة في مذهبه فينتج ان هذا الخبر حجّة وإذا اكتشفنا ما يتعلّق بباب ألفاظ الخبر ومتنه وما يظهر من مفرداته عند اطلاقها ومن الهيئة الكلاميّة يستفاد منه كلي فرعي قابل للالقاء إلى المكلّف والافتاء حسبه ومن هنا تبين رتبة علم الأصول وانّه متأخّر عن باقي العلوم الدخيلة في الاستنباط اذ تلك واقعة في طريق تشكل صغرى الاستنباط .

وهذا لتحقيق الكبرى ويكون كبرى القياس يعني نتيجته يكون كبرى القياس كما مثّلنا وذلك وجداني اذ يتحلّل إلى القياس الذي صغراه نتيجة باقيها والكبرى نتيجة المسئلة الاصوليّة فهي ما تكون نتيجته كبرى قياس الاستنباط كان يبقى بعد حذف الوسط حكم كلّي فرعي يلقيه المجتهد إلى المكلّف ويجعله كبرى قياس عمله اذا أطاع .

كان يقول هذا خمر وكلّ خمر نجس أو يحرم شربها لما أفتى به المجتهد فهذا نجس يحرم شربه فلا يشربه .

ولا يخفى ان هذا التعريف الذي ذكرنا لعلم الأصول والضابط الذي ذكرنا لتشخيص مسئلته عن الفقهيّة بناء على عدم انسداد باب العلم والعلمي . وإلاّ فعلى تقرير الحكومة لا استنباط ولا فقيه ولا يكون هناك مسئلة اصوليّة كما في تبعيض

ص: 9

الاحتياط وذلك إنّما يستقيم على انفتاح باب العلمي وعدم الانسداد لاستنتاج الأحكام ولو التي تكون أدلّة فقهيّة كالأصول العمليّة . فانّ البحث عن هذا أيضا بحث عن مسئلة اصوليّة ولذا عمّمنا التعريف لها فصار أحسن من تعريف الشيخ الحائري في أوّل(1) درره حيث قال فاعلم ان علم الأصول هو العلم بالقواعد الممهّدة لكشف حال الأحكام الواقعيّة المتعلّقة بأفعال المكلّفين سواء تقع في طريق العلم بها كما في بعض القواعد العقليّة أو تكون موجبة للعلم بتنجزها على تقدير الثبوت أو تكون موجبة للعلم بسقوط العقاب كذلك اذ فيه من التطويل والتعسف ما لا يخفى .

وأمّا المسئلة الفقهيّة فهي ما تكون نتيجته تنفع المكلّف كما مثّلنا ولا اختصاص لذلك بالمجتهد بل هو أيضا من هذه الجهة كأحدهم يجعل نتيجة المسئلة الفقهيّة كبرى القياس العملي وليس عليه ولا له تعيين الموضوعات وتشخيصها في مقام العمل حيث لا فرق في هذه الجهة بينه وبين المقلّد . نعم يكون قوله في بعض الموارد شهادة وتصديقا ينفع مثله وغيره كالعكس .

وأمّا القاعدة الفقهيّة فهي التي انطوى عنها عدّة أمور كلّ واحد منها يخصّ المكلّف وقابلة الانطباق على الموارد الجزئيّة أيضا كقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده ومن ملك شيئا ملك الاقرار به وأمثال هذه من القواعد الفقهيّة كقاعدة الفراغ والتجاوز ويمكن الفتوى بها فانها نافعة للمقلّد بخلاف المسئلة الأصوليّة وقاعدتها فلا مساس للمكلّف المقلّد بحجيّة الخبر الواحد وعدمها وبل تنفعه بواسطة القياس الذي يكون فيه المسئلة الأصوليّة نتيجتها كبراه بخلاف

تعريف المسئلة الفقهيّة والقاعدة الفقهيّة

ص: 10


1- . درر الأصول 1/31 - 32 .

القاعدة الفقهيّة . ولكن القاعدة في ما اذا يستفاد منها الحكم الكلي تبين وظيفة المقلّد وباقي المكلّفين بلا احتياج إلى قياس آخر يكون المستفاد منها كبراء للاستنباط بل إذا كان فللعمل كما بينّاه .

وممّا ذكر ظهر الفرق بين المسئلة الأصوليّة والفقهيّة والفرق بين الاصوليّة والقاعدة الفقهيّة .

وأمّا الفرق بين المسئلة الفقهيّة وقاعدتها فهي ان القاعدة حاوية لعدّة امور جامعها اشتراكها في الحكم الذي تتكفّله القاعدة وما يكون محمولها كما في ما يضمن فانه لا اختصاص له بموضوع خاص أو عقد خاص بل يشمل كلّ العقود التي تكون كذلك بخلاف مسئلتها كحرمة الخمر ووجوب تثليث التسبيحات الأربع مثلاً في الصلاة فهي موضوع واحد لا يسري إلى غيره .

وبما ذكرنا ظهر ان البحث عن بعض المسائل اللّغويّة في الأصول بحث استطرادي كمباحث الوضع وما يكون موضوعا له الألفاظ والظواهر إلى الأوامر فان ذلك حيث لم يدون ولم يبين في علم آخر يكون البحث عن هذه من أحوالها ذكر في مبادي علم الأصول استطرادا لمساس لها بمسائله شديدا .

هذا ملخّص الكلام في ضابط هذه الأمور . ومحل ذلك أوّل الأصول . وعلى هذا فالاستصحاب إذا كان جاريا في الأحكام يكون المستفاد منه حكما كليا فرعيا ولو ظاهريا وبتوسطه علمنا به وصار واسطة في الاثبات كباقي مسائل الأصول فانها تقع واسطة في الاثبات ونتيجتها تختص بالمجتهد بلا احتياج إلى وجود الموضوع خارجا بل هي على نحو القضايا الحقيقيّة يفرض الموضوعات يبيّن محمولاتها وهي الأحكام الكليّة المتعلّقة بها .

ص: 11

أمّا الاستصحابات الجارية في الموضوعات فهي لا تكون من المسئلة الأصوليّة وقاعدتها بل داخلة في ضابط القاعدة الفقهيّة التي ذكرنا ان نتيجتها تختص بغير المجتهد بمعنى انه أيضا أحد من يكون له نفع منها هذا .

لكن الكلام كلّ الكلام في صغرى الاستصحاب الحكمي بحيث يكون فرق بينه وبين عدم النسخ الذي يكون منشأ الشكّ فيه مرور الزمان وذلك الذي تفطنا به أثناء أبحاثنا وكانّ المحقّق النائيني أيضا يلتفت إلى هذا المعنى .

وكيف كان فالاستصحاب الحكمي إنّما يكون اذا لم يكن يقين ببقاء الموضوع ولا بارتفاعه ولا الشكّ في بقائه بل يكون المشكوك نفس الحكم الكلي الشرعي من غير جهة النسخ الذي يكون بمرور الزمان ( أقول في تقرير بحث المرحوم النائيني ذكر المقرر بعد كلام له والسر(1) في ذلك هو ان متعلّق الشكّ في الاستصحابات الحكميّة إنّما هو الحكم الكلّي المترتّب على موضوعه المقدر وجوده مع تبدل بعض حالات الموضوع وبذلك يمتاز عن استصحاب عدم النسخ عند الشكّ فيه فانه في استصحاب عدم النسخ لا يحتاج إلى فرض وجود الموضوع وتبدل بعض حالاته . وأمّا استصحاب الحكم الكلّي في الشبهات الحكميّة فيحتاج إلى فرض وجود الموضوع وتبدّل بعض حالاته ولا يحتاج إلى تحقّق الموضوع خارجا كما هو الشأن في الاستصحابات الجارية في الشبهات الموضوعيّة الخ ) .

تكميل وتوضيح: قد تبيّن ممّا ذكرنا انطباق ضابط المسئلة الأصوليّة على الاستصحاب الجاري في الأحكام اذ لا يفتى المجتهد بالاستصحاب بل

انطباق ضابط المسئلة الأصوليّة على الاستصحاب

ص: 12


1- . فوائد الأصول 4/311 .

يجعل نتيجة أعمالها ملقاة إلى المكلّف فالبحث عنه يكون اصوليّا . إذ يماسّ العمل بالواسطة وهذا بخلاف الاستصحابات الموضوعيّة فانّها ( لا ) تكون من المسائل الأصوليّة إذ للمجتهد أن يفتى فيها بالاستصحاب وهذا لا اشكال فيه . إنّما الاشكال والكلام في صحّة الاستصحاب الحكمي ووجود صغرى لكبراه وذلك لأنّ الاستصحاب لا جريان له في ما إذا كان الموضوع مقطوع البقاء أو مقطوع الارتفاع اذ الحكم من الموضوع كالمعلول من العلّة يستحيل تخلّفه عنه وإلاّ يلزم الخلف والمناقضة وكلاهما محالان . كما انه يستحيل تقدّم الحكم على موضوعه فاذا كان الموضوع متيقن البقاء فلا شكّ في الحكم كما إذا كان مقطوع الارتفاع لا اشكال في عدم الحكم . وكذلك إذا كان الشكّ في بقاء الموضوع اذ لا جريان للاستصحاب في هذه الموارد .

نعم يمكن أن يكون الشكّ في الحكم من غير ناحية الموضوع والزمانيّات بل من نفس الزمان ومروره . وهذا إنّما هو استصحاب عدم النسخ .

والكلام في استصحاب الحكم المشكوك البقاء من غير ناحية الزمان اذ الاستصحاب في الحكم المشكوك الذي يكون منشأ الشكّ فيه هو الزمان لا مجال لجريانه بعد أن كان هناك ما يستفاد منه الاستمرار من الأدلّة اللفظيّة كالاطلاق كما

في العام والمطلق فالتمسّك بالعام والمطلق في ظرف الشكّ في التخصيص والتقييد ليس من الاستصحاب بشيء ولا تصل النوبة إليه بعد ان كان نفس ظهور دليل الحكم يتكفل ذلك امّا بالنظر في الأخبار الواردة في ان حلال(1) محمّد صلی الله علیه و آله حلال

ص: 13


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 12/52 من أبواب صفات القاضي واللفظ عن الباقر علیه السلام قال جدّي رسول اللّه صلی الله علیه و آله أيّها الناس حلالي حلال إلى يوم القيامة وحرامي حرام إلى يوم القيامة .

إلى يوم القيامة وحرامه حرام كذلك فينحصر الشكّ منشأً بالزمانيّات من حيث وجود الرافع أو رافعيّة الموجود .

وهذا يختصّ بالاستصحاب الموضوعي ويخرج الاستصحاب عن كونه أصلاً اصوليّا بل يكون قاعدة فقهيّة لو كان له موارد عديدة تنطبق عليها كقاعدة ما يضمن بصحيحة يضمن بفاسده واين الاستصحاب الموضوعي من ذاك إذ ليس له موارد عديدة بل يكون كالكلّي وتطبيقاته إنّما هي مصاديق لذلك الكلّي وافراد له .

فينحصر على هذا في المسئلة الفقهيّة ولا يكون مسئلة كلامية ولا اصوليّة بل فقهيّة متكفّلة لبيان حرمة نقض اليقين بالشكّ في ما إذا كان هناك شرايطه موجودة من اتّصال زمانه بالشكّ وغير ذلك وهذا لم يحتمله أحد .

كما إن كلمات الشيخ قدس سره بين ما يلوح منه كونه مسئلة اصوليّة أو قاعدة فقهيّة ومع ذلك فقد يعمل في موارد المسائل الأصوليّة كما في استصحاب حجيّة العام المخصّص بالنسبة إلى الباقي بعد التخصيص لو لم يكن هذا اصالة العموم ولا اختصاص لذلك بالاستصحاب بل لقاعدة العسر والحرج أيضا جريان في أمثال المورد من الموارد الأصوليّة كما إذا كان الفحص عن المخصّص للعام عسريّا موجبا للحرج فينفي ما يلزمه ذلك بهما مع انهما قاعدتان فقهيّتان ومورد جريانهما المسئلة الأصوليّة التي يتمّ نتيجتها بذلك .

والحاصل ان الاستصحاب الحكمي الذي تكون اركانه تامة وشرايطه موجودة والشكّ يكون في نفس الحكم لا في الموضوع من غير جهة الزمان لا وجود له(1) . اذ كلّ ما يكون منشأ للشكّ في بقاء الحكم من الزمانيات اما ان لا

بيان كونه مسئلة اصوليّة

ص: 14


1- . ذهب السيّد المحقّق البجنوردي منتهى الأصول 2/384 - 386 والمحقّق العراقي (نهاية الأفكار 4/12 - 13 ) إلى الجريان في الأحكام الكلّيّة والسيّد الحكيم ( حقائق الأصول 2/396 ) والسيّد العلاّمة الخوئي قدس سره م ( مصباح الأصول 48/42 - 45 ) يعارضه باستصحاب عدم الجعل بنحو الاطلاق .

يكون له دخل في بقاء الحكم فلا وجه للشكّ في بقائه بل يكون مقطوع البقاء كالموضوع كما انه اذا لم يكن كذلك بل له دخل فحينئذٍ يكون الشكّ في بقاء الموضوع ولا اشكال في اعتبار اتّحاد القضيّة المتيقنة مع المشكوكة موضوعا ومحمولاً .

نعم ربما يقال ان استصحاب نجاسة الماء المتغير الزائل تغيّره من قبل نفسه من هذا القبيل فانه لا اشكال في ان الماء سواء كان قليلاً أو كثيرا ينفعل بالتغير ويكون اتّصال الكر به أو الجاري أو القاء كرّ ممتزجا في هذه بالعاصم أم بدونه مطهّرا له كما في ماء البئر لأن له مادّة لا ينجس بدون التغير الا انه نشك في زوال النجاسة العارضة على نفس الجسم المائي وبقاء وجوب الاجتناب عنه الموجود عند زوال التغير الذي لا يكون معروض النجاسة لاستحالة قيام العرض بالعرض كاللون فالتغير والنجاسة حكم الماء ووصفه وهو الجسم ولا اشكال في بقاء الماء النجس المتغير بعد زوال تغيره وانما الزائل تغيره غير الدخيل في قوام الماء وهذا أمر خارج صار منشأ للشكّ في بقاء النجاسة وارتفاعها التي حكم شرعي وضعي .

لكنه يجيء في هذا المثال الفريد ما أشرنا إليه آنفا من انه إن لم يكن دخيلاً في الموضوع فلا وجه للشكّ في بقاء الحكم كما في المثال الاخر الذي هو وجوب اكرام العالم وهو زيد فزال عنه العلم . وشككنا في بقاء وجوب اكرامه وارتفاعه وان كان يمكن وجود أمثلة كثيرة بعضها حكمي وبعضها موضوعي .

وكذا اذا كان دخيلاً ولا أقل من الشكّ في دخله وعدمه فيمتنع جريان

ص: 15

الاستصحاب لاحتمال كون التغير من حالات الموضوع الدخيلة . فعلى هذا يكون الفاقد لهذه الصفة وهي التغيّر مباينا لذلك الواجد وموضوعا آخر لكون الوصف مقوما له . الا أن يقال بكونه ملاكا للحكم فيكتفي بوجوده في الجملة في الحكم لابقائه ودوران الحكم مداره وجودا وعدما حتى يكون الفاقد بعد الوجدان مباينا له فيكون كالعبد المبيع بشرط كونه كاتبا أو إذا كان كاتبا فتبين عدم كونه كذلك بخلاف ما إذا باع عبدا حبشيّا فطلع حمارا وحشيا وذلك لكونه غير ذلك وكون الحبشيّة كالعبديّة مقوّما له ولذلك نظائر كما في الملاكات التي يذكرونها كدفع ارياح الاباط في غسل الجمعة وعدم اختلاط المياه في العدّة في غير الخمس التي لا عدّة لهن فان الغسل مشروع حتّى في حق من استحم يوم الخميس فصار نظيفا غايته وكذلك العدّة لازمة على من لا ولادة لها وغيرها فلا مانع من كون وجود شيء في الجملة موجبا لعموم الحكم في غيره ولطائفة خاصّة موجبا لعمومه على الطبقات والطوائف لا أن يكون مخصوصا بمن يسكن الحجاز فينتن عرقه وبدنه .

وعلى أيّ فوجوده في بعض أفراد جنسه زمانا أو طائفة أو غيرهما يكون سببا للجعل على العموم فيكون التغير في ما نحن فيه كذلك بأن يكون له دخل حدوثي في الحكم وفي موضوعه فبزواله يبقى الحكم كما كان .

وفيه ما ذكرنا مرارا من عدم انحصار الملاك في ما يعلل به بعض الأحكام فكم من تعليل علل الأئمّة علیهم السلام به الأحكام حسب استعداد افهام الناس واحتمال عقولهم واضعاف ذلك لم تبين لهم لنقصهم فانّ العدّة لا تكون علّتها منحصرة في عدم اختلاط المياه بل الاحترام أصل أصيل في بابها كما في عدّة الوفاة مع فراق عشر سنين بينهما . فمن حين العلم بها تعتدّ عدّتها مع عدم انحصار المثال

ص: 16

للاستصحاب الحكمي في المثال المذكور وفيه ما سمعت .

وعلى كلّ حال حسب الضابط يكون الاستصحاب الحكمي من المسائل الأصوليّة سواء كان وجوبا أو عدما وجد له مورد أم لم يوجد وأمّا الموضوعي فله موارد لا تحصى وهي بين ما يكون منشأ الشكّ احتمال كون الموجود مزيلاً أو احتمال وجوده .

تذكرة: يمكن الاشكال بالاستصحاب الجاري في الحكم الذي لا يكون وجوديا كالحرمة والاباحة والوجوب إذا شككنا في بقاء أحدها لكنه مبني على جريان الاستصحاب في العدم الأزلي وقد فرغنا(1) عن عدم تماميّة أركان ذلك في محلّه برائة واستصحابا لعدم فائدة في المحمولي منه وعدم حالة سابقة للنعتي فيه حتّى في الموضوعي فضلاً عن الحكمي . ومع ذلك لعلّ من الممكن تصوير مورد له بأن يدخل به الاستصحاب في المسائل الأصوليّة في باب ذلك ونظائره في العدميات وهو ما ذكروه وعنونه السيّد اليزدي رحمه الله في كتاب المضاربة من العروة وهي المسئلة الستون(2) فقال رحمه الله: ( إذا حصل تلف أو خسران فادعى المالك انه أقرضه وادّعى العامل انه ضاربه قدم قول المالك مع اليمين واختار المحقّق النائيني . ذلك والسيّد أبوالحسن الاصفهاني رحمه الله على اشكال .

ومجمل الكلام في ذلك انه عند تلف المال حيث لا أصل موضوعي هناك يحرز به ان الأصل تقديم قول المالك بسببه أو العامل كان يكون قرضا أو مضاربة وتعارض الأصلين العدميين من الطرفين . فانه يقتضي عدم كونه مضاربة كما

الاستصحاب الحكمي

ص: 17


1- . سيجيء تحقيقه إن شاء اللّه وانّه جاري .
2- . العروة الوثقى، كتاب المضاربة .

يقتضي عدم كونه قرضا فتصل النوبة حينئذٍ إلى الأصول المتأخّرة ونتيجتها مختلفة بالنسبة إلى قبل التلف وبعده فقبله لو كان العامل مدّعيا مضاربة فيكون للمالك ولا يكون على العامل ضمان لو تلف بخلاف ما لو ادّعى انه قرض . فالتلف يكون من ماله وعليه المثل أو القيمة وقبل التلف في ما لو ادّعى مضاربة يكون الربح للمالك على ما اشترطا عليه فلابدّ في المقام من تشخيص المنكر من المدعى ومصب الدعويين وإن كان القرض والمضاربة الا ان المآل إلى دعوى الضمان وعدمه . فالمالك يكون مدّعيا على العامل وربما يعكس الأمر لو كان قبل التلف . فلا أصل موضوعي هنا يكون مجرى الاستصحاب على القاعدة حيث ان قبل التلف لم يكن ضمان على العامل فانه لو كان قرضا كان يده يدا غير عدواني . غاية الأمر تعلّق الدين بذمّته وكان جريان الاستصحاب بلا مانع لتماميّة أركانه في عدم ضمان العامل لو لم يكن عدم الضمان مرتبا على عنوان والا فحين وصول المال في يده . امّا ان كان قرضا أو مضاربة ولا محرز لأحد العنوانين فلا مجرى للاستصحاب ولا أصل آخر للاحراز . بل لو كان في موارد انطباق ضابط التركيب كما ان اليد على مال الغير ولم يكن اذن يتحقّق به الضمان حيث انه من التركيب لا التقييد الذي لا يمكن تصحيحه جزءا بالوجدان وهو وضع اليد على مال الغير والجزء الآخر بالأصل وهو عدم الاذن أو رضى المالك فيكون القول قول العامل في ما نحن فيه لعدم احراز عنوان بخصوصه يوجب الضمان ويختلف الأثر بعد التلف فانه مادام باقيا ( ويمكن على بعض الوجوه رجوع المالك إلى عين ماله فلا ضمان ) .

وكيف كان فمقتضى القاعدة عدم ضمان العامل لعدم موجب له ويجري

الاستصحاب في المقام وهو عدم الضمان واشتغال ذمّته بالنسبة إلى المالك لكن

ضمان العامل وعدمه

ص: 18

الرواية الواردة في الوديعة من اسحاق بن عمّار قال(1): سألت أبا الحسن علیه السلام عن رجل استودع رجلاً ألف درهم فضاعت فقال الرجل كانت عندي وديعة وقال الآخر إنّما كانت لي عليك قرضا . فقال المال لازم له الا ان يقيم البيّنة انها كانت

وديعة ( رواها في كتاب وديعة الوسائل وروى(2) أيضا عن أبي عبداللّه علیه السلام في رجل قال لرجل لي عليك ألف درهم فقال الرجل لا ولكنها وديعة فقال أبو عبداللّه علیه السلام القول قول صاحب المال مع يمنيه .

ورواها في كتاب الرهن . لو تعدينا منها إلى المقام تدلّ على خلاف القاعدة أو لعلّها توافق قاعدة اليد الا ان في على اليد اشكالاً مضى فانه لا يد عدواني في المقام ) بل الأصل يقتضي عدم ضمانه والرواية(3) على خلافه ولعلّ نظر السيّد الاصفهاني رحمه الله في اشكاله إلى ذلك . وعلى أيّ حال فالمسئلة غير صافية وتشخيص المنكر من المدعى في أمثال المقامات ممّا يفترق حال قبل التلف وبعده في غاية الصعوبة وذلك من أهم ما يجب على القاضي في باب القضاء ولا يوجد إلاّ في المجتهد المطلق الذي يكون هذه الموارد محكا لمعرفة اجتهاده وانّه مطلق وكذلك يمكن جريان الاستصحاب في الملكيّة الحاصلة بسبب المعاطاة لو فسخ بعدها وشككنا في الانفساخ ورجوع الملكيّة . وذلك مبنى على ما ذهبنا إليه

ص: 19


1- . الوسائل 19 الباب 7/1 من كتاب الوديعة .
2- . الوسائل 18 الباب 18/1 من كتاب الرهن .
3- . وصدر من بعض المحشّين في المقام ما لا يمكن توجيهه ولا مساس له به أقول لعلّ المراد به هوالسيّد البروجردي رحمه الله فانّه علّق على قول صاحب العروة المتقدّم قدم قول المالك بقوله لاصالة الضمان في الأموال التالفة عند غير مالكها الثابتة بالنص والفتوى ولولاها لكان القول قول العامل لاصالة عدم القرض وكون دعوى القراض غير ملزمة لا يتوجه بها حلف على منكرها .

من عدم كون الملكيّة حاصلة على نحوين وكذا في بقاء المال في ملكيّة المالك في المسئلة السابقة قبل تلفه لو حصل التداعي بينهما .

ولعلّه يوجد موارد كثيرة من هذا القبيل في الاستصحابات العدميّة الحكمية حتى تنقض ما قلنا وادّعيناه من عدم وجود مورد للاستصحاب الحكمي وانحصار ذلك بالشكّ من ناحية الزمان والتوقيت الذي ابطلنا جريانه فيه اذ التوقيت أمر زائد يحتاج إلى مؤنة زائدة ثبوتا واثباتا وما لم يثبت لا يصار إليه بل نأخذ بالاطلاق ودوام الحكم بلا احتياج إلى الاستصحاب كما تقدّمت الاشارة إليه . لكنه كما ترى لا مساس لهذه الموارد بمدعانا فانه لو جرى في هذه الموارد لا يزيد على قاعدة فقهيّة لا تقع في طريق استنباط الحكم الكلي الفرعي ولا تصير كبرى الاستنباط بالضابط الذي تقدّم بيانه بل ينحصر الاستصحاب بالشكّ في وجود الرافع أو رافعيّة الموجود الذي يختصّ بسببهما في الموضوعي وان اصررت على كون الاستصحاب قاعدة اصوليّة واقعة في طريق الاستنباط فلا ننازعك فيه لو وجدت له موردا على الضابط المذكور . وباقي الكلام في مطاوي الأبحاث إن شاء اللّه كما ان الأمور المتقدّمة على البحث إنّماوقعت على الرسم والا

فالكلام فيها مستوفى في المباحث الآتية لكن تقديمها للاعانة والاستمداد في ما سيأتي .

ومن الأمور بعد تعريف الاستصحاب في الأمر الأوّل وكونه مسئلة اصولية أم لا .

يقع البحث في الثاني وبيان الفرق بينه وبين قاعدة اليقين والمقتضي والمانع في الأمر الثالث وذلك لحمل اخبار الاستصحاب الآتية على قاعدة اليقين

الفرق بين الاستصحاب وقاعدة اليقين

ص: 20

من بعض وعلى المقتضي والمانع من آخر كما استفيد منها الاستصحاب على المعروف . وبعضهم حاول تصوير جامع بينها ويطبق الأخبار على الثلاث فلذا ينبغي بيان الفرق بين كلّ واحد من هذه تتميما لما مرّت إليه الإشارة .

فنقول: يعتبر في الاستصحاب اتّحاد متعلّق اليقين والشكّ موضوعا ومحمولاً فقوامه وحدة القضيّة المشكوكة والمتيقّنة واختلافهما حسب الزمان بأن يكون المتيقن غير المشكوك زمانا وعينه موضوعا ومحمولاً مع تقدم اليقين على الشكّ لا العكس . فانه من الاستصحاب القهقرى الذي سيجيء في محلّه بطلانه إن شاء اللّه وأمّا اختلاف زمان نفس اليقين والشكّ الوجدانيين فغير معتبر .

وأمّا قاعدة اليقين فقوامه اتّحاد زمان المتيقن والمشكوك حيث يتعلّق الشكّ بنفس ما تعلّق به اليقين في زمانه متأخّرا عنه . وذلك خلاف قاعدة المقتضى والمانع بأي من المعاني الثلاثة المتصوّرة فيه حسب ما بيّنه المحقّق النائيني رحمه الله .

فانّ اليقين في هذا الموارد تعلق بشيء والشكّ بشيء آخر .

الأوّل منها أن يكون المقتضى تكوينيّا كالمانع واحرزناالأوّل وشككنا في الثاني . مثاله ما إذا علمنا بوجود نار محرقة مماسة مع الثوب وشككنا في وجود البلّة المانعة عن الاحراق فيحكمون في هذه الموارد لاحراق الثوب بالضمان مستندا إلى القاعدة ولهذا الوجه أمثلة كثيرة مضحكة أيضا .

الثاني: أن يكونا تشريعيين لا باقتضاء من طبعهما كما إذا علمنا ببيان الشارع ان الملاقاة مع النجاسة مقتضية لنجاسة الماء الملاقى وعلمنا ان العاصم من ذلك هو كثرة الماء بحيث يكون كرا فوجد ماء دفعة غير مسبوق بالقلّة ولا الكثرة ولاقاه النجاسة ولم ندر انه كرّ أم قليل فحكم بعضهم فيه

ص: 21

بالانفعال مستندا إلى ذلك .

ويظهر من الشيخ في كتاب الطهارة الميل إليه وكذا المحقّق النائيني رحمه الله في بحثه كان يقبل القاعدة بهذا الوجه . وقد يعلل ذلك بجواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة .

وقال السيّد الاصفهاني رحمه الله في وسيلته بالنجاسة .

أقول: هكذا ببالي في افادته قدس سره في الدرس لكن الذي وجدته في الوسيلة هكذا: ( مسئلة: الماء المشكوك الكريّة ان علم حالته السابقة يبني على تلك الحالة والا فالأقوى عدم تنجسه بالملاقاة وان لم يجر عليه باقي أحكام الكر . وسيّدنا الأستاذ موافق في حاشيته على الوسيلة للماتن رحمه الله ونظير ذلك عن صاحب العروة(1) فيها ومن يقول بالنجاسة كانه يجري الأصل في عدم المانع . ولو لم نقل بتماميّة القاعدة فلابدّ من المصير إلى قاعدة الطهارة .

الثالث: أن يكون المراد بالمقتضى هو الملاك للحكم الشرعي والمانع ما يمنع عن تشريع الحكم على طبق الملاك كما اذا علمنا بالبديهة العقليّة حسن الاحسان وشككنا في كون شقاوة المحسن إليه مانعة عن ذلك .

ومرجع هذا إلى قاعدة الملازمة بين ما حكم به العقل وما حكم به الشرع واقعا أو ظاهرا الا انه عبارة اخرى عنه والمقتضى والمانع بكل واحد من هذه المعاني له قائل وإليه مستند الا انا لسنا الآن بصدد بيان بطلان ذلك تفصيلاً لكن مجمل الكلام عدم تماميّته بأحد هذه الثلاثة خصوصا الأخير . فانّا قد بينّا في محلّه عدم ملازمة بين حكم العقل والشرع واقعا ولا ظاهرا بمعنى عدم تماميّة

ص: 22


1- . العروة الوثقى المسئلة 7 في المياه، فصل الراكد .

القاعدة بهذا المعنى . وحيث لم يعلم ان القائل بالمقتضى والمانع ايّها أراد فقد ذكرنا وجوه القاعدة . ومن الواضح الفرق بينها بوجوهها وبين الاستصحاب وكذا بينهما وبين قاعدة اليقين وبين الأوّل والأخير فلا يمكن تطبيق أخبار الباب إلاّ على واحد من هذه الثلاث ولا جامع بينها كما لا جامع بين بعضها مع بعض فتدبّر .

( أقول: يمكن تصوير الجامع بين قاعدة اليقين والاستصحاب بأخذ الشكّ أعم من الزمان بعد اليقين أو هو فتأمّل ) .

تكميل: لا يخفى ان المقتضى إنّما يؤثّر في المقتضى اذا اجتمع مع ما هو شرط التأثير ولم يمنع منه مانع وبدون ذلك لا يطلق عليه اسم المقتضى ومن شرايطه قابليّة القابل فلو لم يكن للشيء قابليّة التأثير كما في التكوينيّات بعضها من بعض فلا يكون أحدهما مقتضيا للذي لا قابليّة له مثل عدم قابليّة الخشب لتأثير الكهرباء فيه . وما يقال في بعض الحيوانات . وقلنا ان قاعدة المقتضى والمانع يمكن أن تفسر على أحد الوجوه الثلاثة تكوينيّا وتشريعيّا وملاكيا ومثلنا لبعضها وأشرنا إلى عدم تماميّتها بأي من المعاني الثلاثة وإن ذهب بعضهم إلى اعتبارها في التشريعي كما اذا وجد ماءً دفعة لم يعلم انه كر أو لا لاقاه النجاسة فحكم بنجاسته من باب قاعدة المقتضى والمانع . فان المقتضى وهو انفعال الماء بدليله موجود ويشكّ في كريته المانعة عن التأثر بالملاقاة مع النجاسة وقال بعض بالتأثر من باب ان كلّ حكم علّق على أمر وجودي حكم عليه بحكم ضدّه إلى أن يثبت ذلك الأمر الوجودي . ويوجد الايماء إليها في كلمات بعض السابقين كصاحب الجواهر قدس سره الا انه شيّد أركان هذه القاعدة المحقّق النائيني رحمه الله وبعض آخر كالسيّد في بعض المواضع ( والظاهر انه صاحب العروة ) ذهب إلى جواز

أثر المقتضي

ص: 23

التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة والموضوعيّة في خصوص المقام لخصوصيّة لا يسع المقام تفصيلها ولا أصل لأحد من هذه المباني والقواعد كما انه لا تتم بناء على ارادة الملاك المانع من الجعل حسب اقتضائه .

نعم يمكن في المسئلة السابقة تصحيح الفتوى بنجاسة الماء لو كان من باب التركيب الذي حقّقه المحقّق النائيني كما سيأتي إن شاء اللّه .

بما إذا كان عرضان لمحلين أو جوهر وجوهر لا كما إذا كان من قبيل عرضين لمحل كما يريد أن يجعله منه .

ومثال ذلك ما إذا وضع اليد على مال الغير بالوجدان ولم يعلم رضاه ولم يكن له اذن فهناك يقال بالضمان استنادا إلى هذه القاعدة التي تتمّ فيكون احراز جزء من المركب بالأصل والآخر بالوجدان وهو وضع اليد . ولكن إذا كان من باب التقييد فلا يجري فيه ذلك . والتشخيص راجع إلى أدلّة الموضوع .

والحاصل ان قاعدة المقتضي والمانع يختلف فيها متعلّق اليقين والشكّ فالأوّل يتعلّق بالمقتضي الذي لا يتعلّق الشكّ به بل بالمانع وبذلك يفترق عن الاستصحاب فيعتبر فيه اتّحاد متعلّق الشكّ واليقين بأن يكون المتيقّن عين المشكوك كما تفترق القاعدة عن قاعدة اليقين التي يعتبر فيها اتّحاد متعلّق الشكّ واليقين أيضا وتفترق هذه القاعدة أي قاعدة اليقين عن الاستصحاب باعتبار اتّحاد الزمان في المتيقن والمشكوك في القاعدة كما في عدالة زيد يوم السبت المتيقنة المشكوكة بعينها يوم الأحد على عكس الاستصحاب . فيعتبر فيه اختلاف زمان المتيقن والمشكوك كما في عدالة زيد يوم السبت المتيقّنة المشكوكة لا بعينها يوم الأحد بل بقائها . وإن كان لا يلزم اتّحاد زمان اليقين والشكّ فيمكن تقدّم

ص: 24

الثاني على الأوّل كما سنشير إلى ذلك إن شاء اللّه .

والمقصود عدم اتّحاد قاعدة اليقين مع الاستصحاب فان ما يكون في القاعدة متّحدا يكون فيه مختلفا وبالعكس . فيعتبر في القاعدة اتّحاد زمان المتيقّن والمشكوك واختلاف زمان اليقين والشكّ على عكس الاستصحاب فيعتبر فيه اختلاف زمان المتيقن والمشكوك يعني يكون المتيقن سابقا مشكوكا لاحقا واتّحاد زمان اليقين والشكّ فيتيقن بالمتيقن في السابق ويشكّ فيه بالاعتبار اللاحق .

إذا عرفت ما ذكرناه علمت عدم انطباق أخبار الاستصحاب الآتية على كلّ واحد من هذه القواعد الثلاث فانّه لا جامع بينها كما لا جامع بين بعضها مع بعض ولما كان النظر في حجيّة الاستصحاب إلى الأخبار وليس مستنده الظن فلذا اتبعنا المحقّق النائيني في الاشارة إلى اختلاف هذه في المقام فيكون على ذكر منك فينفعك في غير مقام .

الأمر الرابع: يعتبر في الاستصحاب امور:

الأوّل: كون اليقين والشكّ اللذين ينعقد بذلك باب الاستصحاب ويبتني أساسه على ذلك مجتمعين في الزمان فلو لم يكن يقين ولا شكّ فلا استصحاب كما انه لو لم يكونا مجتمعين وذلك بلا فرق بين تقدّم حدوث اليقين على الشكّ أم لا . بل حصلا دفعة واحدة كما إذا علم بنجاسة يده يوم الأربعاء في يوم الجمعة بعد أن توضّأ يوم الخميس والجمعة مثلاً ولا أثر للعين في عضو الوضوء وشكّ في تطهيرها أم يكون حصول اليقين متأخّرا عن الشكّ .

الثاني: تقدّم زمان اليقين على الشكّ يعني المتيقن يكون متقدّما زمانا على

عدم انطباق الأخبار على قاعدة اليقين

ص: 25

المشكوك سواء كان العلم واليقين أيضا كذلك أم لا فانّه يعتبر في الاستصحاب تقدّم المعلوم زمانا على المشكوك .

أمّا العلم فلا عبرة بتقدّمة فلو علم بنجاسة شيء في هذا اليوم وشكّ بعد ذلك في نجاسته في يومين أو أمس اليوم فلا يكون من الاستصحاب بأن يمتد اليقين قهقرى إلى آخر زمان الشكّ .

ووجه ذلك عدم انطباق أخبار الباب عليه وعدم صدق النقض على البناء على الطهارة في مثل المثال خلافا لمن يراه من النقض فيقول باعتبار الاستصحاب القهقرى كما انه لا يعتبر في الاستصحاب أن يتقدّم اليقين حدوثا على الشكّ بل المعتبر تقدّم المعلوم وإن تأخّر العلم . وتأخّر المشكوك .

وإن تقدّم الشكّ كما إذا عكسنا المثال فعلم في يوم الجمعة طهارة بدنه ولباسه يوم الأربعاء مع انه كان شاكّا في ذلك يوم الأربعاء والخميس .

الثالث: أن يكون الشكّ واليقين فعليّين وقد يعد هذا الأمر عمدة الأمور المعتبرة في الاستصحاب ويتفرّع عليه فروع . الا ان لكلّ دخلاً في ذلك ويكون منشأ لاختلاف الفروع وسرّ اشتراط هذا الأمر واضح بعد أن كان دخلهما دخلاً موضوعيّا في الاستصحاب بخلاف الامارات فانّه يكون الشكّ ظرفا لها فلا عبرة باليقين والشكّ التقديريين لاستحالة تخلف الحكم عن موضوعه وتقدّمه عليه وتأخّره عنه ولو بقدم أو شعرة وإلاّ يلزم الخلف والمناقضة ولهذا الشرط اختصاص بموضوع الأصول .

وأمّا موضوعات التكاليف فغير مشروطة بالعلم كما ان الأحكام أيضا كذلك .

ص: 26

وفي الأوّل يكون الحكم على الخمر الواقعي وعلى الأربعين غنما الواقعي البالغ حدّ النصاب سواءً علم بذلك أم لم يعلم . كما انه يستحيل دخل العلم بالحكم فيه للزوم الخلف المناقضة فان العلم بوجوب صلاة الظهر لا يمكن أن يكون دخيلاً في وجوبها وذلك لتقدّم الموضوع رتبة على الحكم والفرض ان الحكم الذي هو الوجوب أخذ في موضوعه العلم به المتأخّر عن وجوده .

نعم يمكن ذلك بنتجة التقييد كما في أعميّته بالاطلاق المتقابلين المستحيل الثاني منهما بعين استحالة الأوّل ولا مانع من كون العلم بموضوع أو حكم دخيلاً في حكم آخر فلا محذور فيه . وكيف كان فظاهر أدلّة الأصول كلا تنقض(1) اليقين بالشكّ ورفع ما لا(2) يعلمون وكلّ شيء(3) لك حلال حتّى تعرف انه حرام الخ

والأشياء(4) كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير هذا أو تقوم به البيّنة وأمثالها هو فعليّة الشكّ بنحو الموضوعيّة فلو لم يكن متيقنا فعلاً فلا جريان للاستصحاب في حقّه كما انه لو لم يكن شاكّا بعد أن كان متيقّنا ويتفرّع على هذا فروع:

منها: انه لو تنجّست يده في المثال المذكور آنفا ولم يلتفت إلى ذلك حين الوضوء والصلاة فصلى ثمّ التفت فشكّ بعد الفراغ في تطهيرها . فهنا تصحّ صلاته ووضوئه وليس ذلك لتقدّم القاعدة على الاستصحاب أي استصحاب النجاسة والحدث في المثال الآخر . بل لعدم جريان الاستصحاب في المقام حيث انه كان غافلاً عن ذلك . الا ان بالنسبة إلى الصلاة الآتية لابدّ من التطهير وكذا بعد الوضوء

نتيجة اعتبار الفعليّة في اليقين والشكّ

ص: 27


1- . الوسائل 1 الباب 1/1 من أبواب نواقض الوضوء .
2- . الوسائل 8 الباب 30/2 من أبواب الخلل في الصلاة .
3- . الوسائل 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
4- . الوسائل 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

لابدّ من تطهير يده . وهنا من الموارد التي حصل الانفكاك بين اللوازم والملزومات للتعبّد الشرعي فانّه لو كانت يده قبل الوضوء طاهرة فالوضوء صحيح كالصلاة ويمكنه أن يصلّي الصلاة المتأخّرة عن الالتفات بهذا الوضوء وإلاّ فلا يصح الوضوء ولا الصلاة هذا بخلاف ما اذا التفت قبل الصلاة إلى انه أحدث فغفل وصلّى .

فحينئذٍ لابدّ بعد الالتفات من التطهير والاعادة لتوجه الخطاب إليه بالاعادة وحصول موضوع وجوب التطهير .

توضيح وبيان: ذكرنا ان الشرط الثالث في الاستصحاب اعتبار كون اليقين والشكّ فعليين لأنّه موضوعه ولا اشكال في عدم الحكم قبل وجود موضوعه ولا تخلفه عنه بآن بل هما كالعلّة والمعلول وتقدّم الاولى على الثاني إنّما هو في الرتبة فكذلك الموضوع والحكم في التشريعيّات وإلاّ يلزم ما فرضناه موضوعا ان لا يكون موضوعا فيسأل عند وجوده وعدم حصول الحكم هل الموضوع تمام الحصول أم لا فان اجيب ببقاء جزء أو شرط في ترتب الحكم فذلك خلاف الفرض وإلاّ فيلزم الخلف وعلى هذا الأمر الواضح البديهي بيننا استحالة الواجب المعلّق والشرط المتأخّر .

هذا إذا كان الحكم والموضوع كذلك وإن قلنا بجعل السببيّة والشرطيّة والجزئيّة والمانعيّة وأمثالها ممّا يستحيل جعلها كذلك تشريعا لا ايجادها تكوينا فيترتب عليها ما رتب الشارع وله قلب الماهيّة فيكون باب التشريعيّات كالتكوينيّات فعند حصول السبب والشرط مثلاً يحصل الحكم بلا جعل إلاّ انا منعنا ذلك لاستحالة جعل ما ليس بسبب لخصوصيّته فيه سببا وكذلك البواقي .

ص: 28

غاية الأمر عند وجودها يحكم الشارع على طبقها لأن سببيّة السبب ذاتيّة فلا تحتاج إلى الجعل وكذلك الكلام في باب المعاملات والعقود والايقاعات فان الشارع إمّا أمضاها أو اسّسها أي الأحكام المترتّبة على الموضوعات الخاصّة عند حصول الأسباب ولا سببيّة بل يكون الأمر فيها بعينه في غيرها من جعل الشارع الملكيّة أو امضائها بناءً على جعلها وساير ما يشابهها عند حصول الجزء الأخير من العلّة التامّة . ولذا كان مقتضى القاعدة صحّة الفضولي في جميع أبواب المعاملات بالمعنى الأعم حتّى في النذر فضلاً عن غيره إلاّ انّه منع ذلك في باب الطلاق والعتق للنص(1) ففي باب البيع ما هو جزء العلّة التامّة الأخير رضى المالك ليس إلاّ صدور الايجاب والقبول من أيّ شخص فانّ ذلك ليس إلاّ مجرّد لفظ وايجاد المصداق لا يترتّب عليه أثره ما لم تتم العلّة وإذا رضى المالك فأجاز أو المكره فتتم العلّة . فنقول عند ذلك بالأثر على النقل لاستحالة الكشف ولا مانع من ذلك اعتبار الموالاة في صدور العقد ورضى المالك واذنه وذلك لصدق التجارة(2) عن تراض عليه . وعلى أيّ حال فلا اختصاص لما ذكرنا بالاستصحاب بل لابدّ في الحكم من وجود الموضوع ولو في غيره من باقي الأصول أو الامارات محرزا تنزيليّا كان أم غيره أم غير محرز على ما اصطلح عليه المحقّق النائيني وأشار إليه الشيخ في أوّل الرسائل عند قوله في القطع ( ثمّ من خواص(3) القطع الذي هو طريق إلى الواقع قيام الامارات الشرعيّة وبعض الأصول العمليّة مقامه في العمل

امضاء أو تأسيس الأحكام على الموضوعات

ص: 29


1- . يمكن استفادة ذلك من رواية ابن سماعة وذيلها وكلّ ما سوى ذلك فهو ملغى الوسائل 22 الباب 16/1 - 3 مقدّمات الطلاق .
2- . سورة النساء: 30 .
3- . فرائد الأصول 1/6 .

الخ وذلك ان القطع له جهات .

الاولى: جهة كونه صفة قائمة بنفس العالم وصورة ذات اضافة وهذه الجهة يقوم مقام القطع فيها الظن لو نزّله الشارع منزلته من هذا الحيث .

الثانيّة: جهة احرازه حيث يتعلّق بالمنكشف أي ذي الصورة المتعلّق به الصورة الحاصلة منه المعبّر عنه بالقطع ويقوم مقامه من هذه الجهة الامارات .

والثالثة: تطبيق الجهة الثانية على الخارج وترتيب الأثر عليه حيث انه إذا علم بوجود الأسد في المكان الكذائي الذي يقرب منه ويلتفت إلى الصورة فيحرز وجود الأسد القاضي عليه بالفرار . ويقوم مقام القطع في هذه الجهة الاستصحاب ولذا يقدم عليه الامارات كما يقدم هو على الأصول التي لا اعتبار بالجري العملي فيها وإنّما هي تنجيزيّة محضة . وهي الجهة الرابعة في القطع الحاصلة في كلّ من الامارة والأصل تنزيليّا أو غيره .

وعلى كلّ حال فلابدّ في جميع ذلك من تحقّق الموضوع لما أشرنا إليه من استحالة ترتب الحكم على غير موضوعه وتخلّفه عنه أو تقدمه عليه وكذلك الاستصحاب سواء كان اعتباره من باب الظن أو التعبد فيعتبر فيه حصول اليقين بالمتيقن السابق على المشكوك فيكون اليقين المتقدّم مستند العقلاء في بنائهم على استصحاب المتيقن في ظرف الشكّ لاحقا وكذا بناءً على حجيّته من باب الأخبار فانّها كما تأتي تنطبق على ما إذا تقدّم اليقين على الشكّ من جهة المتعلّق .

وإن تقدّم الشكّ حدوثا على اليقين . وما لم يكن الموضوع فعليّا فلا يترتّب عليه الحكم فيلزم في الاستصحاب فعليّة اليقين والشك مضافا إلى ما تقدّم من الشرايط والا لا حكم بعدم النقض أو حرمته والبناء على المتيقن عملاً وجريا عليه

جهات القطع

ص: 30

ويتفرّع على هذا أمور كثيرة في أمثلة كذلك . منها ما بيّنّاه سابقا من انه إذا أحدث فأبطل طهارته وغفل عن ذلك وصلّى فالتفت بعد الفراغ إلى انه كان محدثا وشكّ في التطهير قبل الصلاة حتّى يكون عن طهارة امّا قيدا لنفس المكلّف بأن يكون طاهرا حال صلاته أو قيدا للصلاة بأن يؤتى بالاجزاء عن طهارة فهناك تجري قاعدة الفراغ بلا اشكال ولا معارض لعدم حصول موضوع الاستصحاب وهو اليقين والشكّ قبل الصلاة حتّى يتوجّه إليه الأمر بالتطهر فعند الصلاة يكون غير محرز للطهارة فيستصحب ذلك وبتقدم الاستصحاب على القاعدة يلزمه الاعادة بل احدث وغفل ولا حقيقة لليقين والشكّ زائدة على كونهما صفتين وجدانيين فلا يشكّ انّه شاك أم لا فكذلك يكون شكّه في الطهارة كساير الأجزاء والشرايط جاريا فيها قاعدة الفراغ بعد الصلاة وبالنسبة إلى الصلوات المتأخّرة لمّا حصل موضوع الاستصحاب للحدث بالشكّ في التطهّر يجب عليه التطهّر .

إن قلت: فعلى هذا لا يبقى مورد لجريان القاعدة لعدم خلو مجاريها عن الاستصحاب فكما يقدم الاستصحاب في ما إذا شكّ قبل الصلاة في التطهّر بعد الحدث على القاعدة بل لا مجرى لها حيث انه كالقاطع(1) بعدم اتيان الصلاة مع الطهارة غير الجاري في حقّه القاعدة فيقدم في كلّ الموارد لعدم الفرق بينها وبين المقام وهذا يوجب عدم بقاء مورد للقاعدة مع كونها أخصّ من الاستصحاب .

قلت: في مجاري القاعدة لا يجري الاستصحاب لحكومتها عليه كحكومته على الأصول غير التنزيليّة من البرائة والاحتياط العقلي المنحصر جهة قيامها مقام

الاستصحاب في مورد قاعدة الفراغ

ص: 31


1- . ولا موضوع للاستصحاب قبل الصلاة مثلاً حيث لا يقين بعدم اتيان شيء من أفعالها بعنوانها .

العلم بالتنجز كما أشرنا إليه آنفا .

بل كلّ موارد جريان القاعدة من قبيل الأوّل في المثال ممّا لا موضوع للاستصحاب(1) وإلاّ فيقدم كما في المثال بعد الالتفات الحاصل عقيب فراغه من الصلاة بالنسبة إلى الصلوات الآتية وهذا كما أشرنا إليه من موارد الانفكاك بين اللوازم والملزومات . فانه يعلم إمّا ببطلان ما صلّى من جهة عدم كونه متطهّرا في الواقع مع كون الطهارة شرطا واقعيّا أو بجواز الصلاة بلا تطهر بعد شكّه والتفاته إلى

انه كان محدثا كما فيما إذا توضأ بعد كون عضو من أعضائه نجسا فشكّ بعد الوضوء في تطهيره ولم يكن الالتفات إلى ذلك حين الوضوء فيقال بصحّة وضوئه ووجوب تطهير العضو مع انه اما أن يكون الوضوء باطلاً لعدم حصول شرطه من طهارة العضو وإمّا أن يكون العضو طاهرا للملازمة الواقعيّة بين الأمرين كما فيما تقدّم من مثال الحدث والشكّ في التطهير فكيف يمكن التفكيك بين هذه الاُمور بعضها من بعض مع عدم تخصيص في اشتراط الصلاة بالطهارة كما يرشد إلى ذلك وجوب اعادة الصلاة بعد الالتفات إلى عدم طهارته حين ما صلّى علما .

وغاية ما يقال في المقام الأوّل جواز الانفكاك بين الملازمات تعبدا وفي ما نحن فيه الاكتفاء بالامتثال الاحتمالي والقناعة بذلك .

وفي الأول انه لا يساعده انظار العرف وفي الأخير انّه يوجب عدم لزوم

ص: 32


1- . ولا يخفى انه لا ينافي ما ذكرنا جريان القاعدة في ما إذا حصل اليقين والشكّ أثناء الصلاة بالنسبة إلى فعل من أفعالها والشكّ بعد الفراغ في اتيانها وعدمه ( وذلك لعدم توارد الاستصحاب والقاعدة على شيء واحد حتّى يقدم الاستصحاب بل لا يكون ذلك أولى من القطع كما في أوّل الصلاة حيث يعلم بعدم اتيانه بشيء من أفعالها ومع ذلك تجري قاعدة الفراغ في موردها .

الاعادة بعد ان التفت إلى عدم كونه متطهّرا واقعا حين ما صلّى سواء في ذلك التعميم في جريان قاعدة الفراغ أو اختصاصها ببعض الصور وهو ما إذا كان محرزا لبنائه على اتمام العمل . ولا اختصاص لها بباب العبادات بل تجري في كلّ مقام وموضوع من موضوعات الفقه لعدم اختصاص دليلها بمورد خاص بل لو ذكر فيه فللمثال .

نعم يختصّ جريانها في أبعاض باب الصلاة للتصرّف التعبّدي من الشارع في ذلك وإلاّ فقاعدة التجاوز والفراغ قاعدة(1) واحدة مختصّة الجريان بما إذا فرغ من العمل وعلى هذا فلا نحتاج إلى ما تكلّف به الحاج الآقا رضا قدس سره (2) في الجواب عن اشكال ( صادفه في المقام وان ذهب مذهبا جيدا فراجع .

توضيح وتكميل: قد أشرنا مرارا إلى ان نسبة الحكم إلى موضوعه كنسبة المعلول إلى علّته يستحيل تخلّفه عنه أو تقدّمه عليه وحصوله بدونه والاّ يلزم الخلف والمناقضة . فبوجود الموضوع وتحقّقه يتحقّق الحكم فكذلك في ما نحن فيه من الاستصحاب إنّما يحرم النقض ويجب اجرائه في ما إذا تحقّقت قيود الموضوع وصار فعليّا من اجتماع اليقين والشكّ وتقدّم زمان المتيقّن على المشكوك واتّصال زمانه بزمانه ووجود الأثر الشرعي وأن يكون اليقين والشكّ فعليين حسب ما أشار إليه دليل الاستصحاب .

فاليقين والشكّ التقديريان بمعنى انه لو التفت شكّ لا يفيد . بل ما ذكرنا من فعليّة الموضوع لا اختصاص له بالاستصحاب فيجري في جميع الأبواب حتّى في

مجرى قاعدة الفراغ

ص: 33


1- . هذا خلاف ظاهر الأخبار فانّهما قاعدتان كما سيحقّق في محلّه .
2- . لعلّ المراد ما في المصباح 3/180 وما بعده .

الامارات فلو لم يكن ملتفتا إلى موضوعه أو لم يحصل عنده قيوده فلا حكم .

كما انه لابدّ أن يعلم ذلك فانّ الحجّة غير المعلومة لا أثر لها . فعليه لابدّ في الاستصحاب من فعليّتهما كما ذكرنا وحينئذٍ يصحّ ما فرع على ذلك من لزوم الاعادة على من التفت إلى حدثه وشكّ فغفل وصلّى . لتنجز خطاب الاستصحاب عليه لتحقق موضوعه بخلاف من لم يكن له التفات إلى بعد الصلاة فيجري في حقّه قاعدة الفراغ وبالنسبة إلى ما أتي بعد ذلك يكون الخطاب منجزا عليه فلابدّ له من التطهّر وذلك واضح بعد ما ذكرنا وانّه لا معنى للشكّ في انه شاك أم لا بل لا واقع للشكّ واليقين سواهما اذ ليسا من الامور التي تبقى اذا غفل عنها .

ففي هذا الحال ليسا بموجودين حقيقة فلا شكّ في انّهما باقيان أم لا حتى يمكن الاشكال في ما ذكرنا بعدم الفرق بين الصورتين بما لا وجه له هذا .

الا ان الاشكال في جريان قاعدة الفراغ في أمثال هذه الموارد في غير الخمسة المستثناة من عمومه كعدّة موارد اخر خصّصت باخراجها عن عموم المستثنى منه بدليل في عرض لا تعاد(1) منها تكبيرة الاحرام(2) ومنها اذا ترك القرائة كلّ(3) من المصلّيين الواقفين بقرب الآخر زعماً منهما انه يقتدي بالآخر مع ان القرائة سنّة من غير الخمسة للنصّ(4) الخاص .

ومنها ما لو كبّر بزعم ادراك ركوع الامام فرفع رأسه قبل أن يركع أي يصل إلى حدّه فانّه لا اشكال في عدم صحّة ركوعه وانّه يسجد ولا يقرء في الركعة

ص: 34


1- . الوسائل 7 الباب 1/4 من أبواب قواطع الصلاة .
2- . الوسائل 6 الباب 2 من أبواب تكبيرة الاحرام .
3- . الوسائل 8 الباب 29/1 من أبواب صلاة الجماعة .
4- . الوسائل 7 الباب 1/4 من أبواب قواطع الصلاة .

المأتي بها بعد اذا كان الامام قارئا وتكون من الاوليين . بل ذلك من جهة عدم حسبان ما أتى به ركعة بخلاف ما اذا تخيّل ان الركعة من أوليى الامام من الاخفاتى فترك القرائة فيما إذا كان الامام في الثالثة فانه تصح صلاته في هذا المقام لفرق دقيق بينه وبين ما اقتد يأ كلّ بالآخر وتحقيق ذلك كلّه في الفقه .

والحاصل انّه كيف يمكن الحكم بصحّة صلاة من يترك القرائة في ما إذا تصحّ صلاته أو التشهّد أو الطهارة في ما نحن فيه مع عدم تقيد دليل ذلك بصورة خاصّة فانه إمّا أن يرفع اليد عن الطهارة في ما نحن فيه لو كان في الواقع محدثا والفرض انها شرط واقعي وإلاّ فلا يمكن جريان القاعدة أو لا تعاد(1) في غير الخمسة من مواردها التي لم تخرج بالتخصيص فانّ الجمع بينهما مساوق للجمع بين المتناقضين واجيب بوجوه غير وجيهة:

منها: ان يكون المولى قنع في مقام الامتثال بالاحتمال في قبال من يقطع بعدم الاتيان وهذا الوجه مستلزم اما للتقييد أو ما يلازمه من كون انكشاف الخلاف من باب تبدّل الموضوع فانّه لا اشكال في وجوب الاعادة فيما هو دخيل جزءا في الصلاة حتّى بالاعادة اذا علم بعدم مراعاته بعد جريان أيّ قاعدة كما إذا علم في ما ذكرنا بعدم وجوب الاعادة وصحّة الصلاة لكونه غافلاً حين الصلاة بكونه محدثا وإلاّ لو لم نقل بالتقييد وكون ذلك من باب تبدّل الموضوع فكيف لنا التفوّه بالقناعة في مقام الامتثال . إلاّ أن يقال بأن ذلك مادام الشكّ باقيا ويقرر ذلك بأنّه إنّما تكون القاعدة جارية واقعا في حق من لا يعلم بعد شكّه هذا ولا يلتفت إلى عدم مراعاته ما اعتبر في العبادة ركنا مثلاً فانّه لا مشاحة حينئذٍ بالنسبة إليه

القناعة في مقام الامتثال

ص: 35


1- . الوسائل 7 الباب 1/4 من أبواب قواطع الصلاة .

من التقييد أيضا . ويرد عليه عدم جواز اجراء القاعدة في حقّ أحد لأنّه من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة لعدم احراز شرطه وهو بقاء شكّه أبدا .

ومنها: ان المصلحة غير المستوفاة ليست بحيث توجب الاعادة كما أشار إلى هذا الموضوع المحقّق الآخوند رحمه الله في كفايته في بحث الاجزاء(1) فيما يثلث الموارد بما يوجب الاعادة وما لا يقتضي الاعادة لعدم كونها بحيث تكون من ذلك وما إذا يمنع ما أتى به عن اتيان المصلحة غير المستوفاة فيكون ما نحن فيه بالنسبة إلى من يبقى في الشكّ ممّن تقصر المصلحة الباقية عن ايجاب الاعادة عليه أو تكون مصلحة اخرى قائمة مقامها على قدرها .

وبالجملة لا مجال للاشكال بعد ورود النص بالمضيّ في أمثال هذه الموارد كقاعدة الحيلولة(2) فانّه من الممكن عدم اتيانه بالصلاة في هذا اليوم بعد ان تخلف عن عادته الجارية في التعجيل بها فللمولى الترخيص بالترك وعدم الاتيان وتوسعة المأمور به . وهذا مع بقاء الأمر بلا تنجز مستلزمٍ للتناقض كما انه لا اشكال

في ما اذا شكّ في المحل في لزوم التدارك وان كان من الركوع المستلزم زيادته البطلان كنقصانه فان احتمال الزيادة لا يضرّ كاحتمال النقصان فيما سمعت وإن كان الاشكال في الأركان أشدّ .

وعلى هذا فيأتي بالركوع في محلّه ولا يعتني بالشكّ في اتيانه بعد المضي والتجاوز .

بقي هنا اشكال الفرق بين الاثناء وبعد الفراغ بناء على اتّحاد قاعدة الفراغ

ص: 36


1- . كفاية الأصول 1/128 وما بعده .
2- . وسائل الشيعة 4 الباب 60/1 من أبواب المواقيت .

والتجاوز . وذلك مدفوع بما أشرنا إليه من مطاوي أبحاثنا وسيأتي في محلّه إن شاء اللّه من تصرّف الشارع بالنسبة إلى مصاديق قاعدة الفراغ في باب الصلاة وجعل اجزاء الشيء كالشيء .

ولا يخفى انه إذا لم يأت بمثل الركوع مثلاً في محلّه فالاجزاء السابقة عليه كاللاحقة تبقى مهملة غير داخلة في المأمور به وغير قابلة للامتثال بها لعدم حصول شرطها لمكان الارتباطيّة . وعلى ذلك ريما يشكل الأمر في وجوب دوام الصلاة وحرمة نقضها بعد أن كان انكشاف الخلاف كاشفا عن عدم صحّة ما أتى به كما في ما اذا لا تكون ناقصة أصلاً فتدبّر في أطراف ما ذكرناه جيدا .

الأمر الخامس: حيث ان الاستصحاب لم يكن متّفقا على حجيّته ولا عدمها مطلقا قسمّوه باعتبار المستصحب إلى الوجودي والعدمي والكلي والجزئي والحكمي وغيره الموضوعي والتكليفي في الحكمي والوضعي وباعتبار دليله إلى ما يكون حكم العقل والاجماع في قبال الكتاب والسنّة وباعتبار منشأ الشكّ إلى ما يكون الشكّ في البقاء من جهة وجود الرافع أو رافعيّة الموجود وما يكون الشكّ في بقاء المقتضى .

فقال بعضهم بالحجيّة مطلقا كالاخر النافي حجيّته مطلقا وفصّل جماعات كلّ في أحد هذه الوجوه .

وبالجملة فالوجوه ربما تعادل الستين ولا يهمنا التعرّض لذلك . بل الكلام في ما اختار الشيخ قدس سره (1) فاختار حجيّته في غير الشكّ في بقاء المقتضى بالمعنى الذي سيجيء في محّله إن شاء اللّه لكن في غير ما كان مستند الحكم الشرعي دليل

تقسيمات الاستصحاب

ص: 37


1- . فرائد الأصول 2/561 .

العقل وربما لا يكون له موافق .

ومحصل ما أفاده الشيخ في وجه مختاره من التفصيل الأخير انه لا يتصور شكّ في موضوع حكم العقل بل ما لم يحرز موضوعه لا حكم له ولا اختصاص لذلك بالعقل فاذا حكم بحكم في مورد كما إذا أدرك قبح الكذب الضار فحكم بذلك فاذا زال قيد المضريّة عن موضوعه فاما ان يقطع بعدم مدخليّة الضرر في حكمه بالقبح فحكمه غير مشكوك بل متيقن البقاء . ولو رأى فيه الدخل في موضوع حكمه فاذا انتفى هذا القيد ينتفي الحكم بانتفائه ولا ثالث للحالتين . الا ما اذا شككنا في الدخل وعدمه ولا ريب في انه عند الشكّ في تحقّق الموضوع لا حكم كما انه لا نقض فانه يعتبر في الاستصحاب ما ذكرنا سابقا من تقدّم المتيقّن على المشكوك واجتماع اليقين والشكّ وفعليّتهما واتّصال زمان الأوّل بالثاني ووجود الأثر الشرعي ومن المعلوم انه عند عدم اجتماع هذه القيود لا جريان للاستصحاب كما اذا لو كان الشكّ مقدما على المتيقن فانه من الاستصحاب القهقرى الذي يكون بمعزل عن مفاد أخبار الباب على ما تقدّمت إليه الاشارة وأيضا لابدّ من اتّحاد القضيتين لصدق النقض فينطبق على ذلك الاخبار بالمعنى الذي عن المحقّق رحمه الله فانّه اصطلح على التمسّك بعموم العام واطلاق المطلق عند الشكّ في التخصيص والتقييد بالاستصحاب .

وقال بالاضراب والاعراض عن الاستصحاب بغير هذا المعنى ( ويمكن أن يكون نظره وغيره إلى عدم تماميّة دلالة الأخبار على الاستصحاب بل استفاد منها قاعدة اليقين ) ومعلوم فيما نحن فيه ان ما لم يكن هناك تحقّق الاتّحاد لا مجال للجريان لعدم دليل عليه ففي أيّ من هذه الصور لا جريان للاستصحاب لعدم

ص: 38

تماميّة أركانه .

فعلى هذا لا يتصوّر جريان الاستصحاب في نفس حكم العقل لما ذكرنا .

إن قلت: يمكن جريانه في الحكم المستكشف من دليل العقل بقاعدة الملازمة في ما تتم لو سلم عدم اطلاقها .

فاذا زال قيد الضرر عن الكذب الذي كان محكوما شرعا بالحرمة فيوجب ذلك الشكّ في رفع الحرمة وبقائها وإن لم يكن شكّ في موضوع حكم العقل لكنّه يمكن في الحكم الشرعي كما إذا علمنا بحكم ابتداءً من الشرع ولم نعلم ملاكه فنستصحبه عند الشكّ .

قلت: لا مجال لذلك في المقام بعد فرض ان نفس الحاكم وهو العقل اما قاطع بارتفاع موضوعه فيكون الكذب الخارج عن الضرر كالصدق النافع أو ببقائه أو يشكّ كما فصّلنا . فيكون لا يترتب عليه ضرر ولا نفع وفي هذه الصورة لا وجه لاستصحاب حكم الشرع بعد تحقّق الشكّ في صدق النقض في ما هو موضوع مدركه .

وهذا منع صغرى النقض بعد تسليم أصل الكبرى .

مضافا إلى عدم تماميّة قاعدة الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع حيث ان العقل لا حكم له وليس مشرعا حتّى في حسن الاحسان وقبح الظلم . بل انما يدرك حسن الشيء أو قبحه في مورده ولا يكون الحكم الشرعي مبتنيا على الحكم العقلي خصوصا بعد ما ورد في النصوص في الموارد المتعدّدة التي لا تحصى ما يشفى العليل وينقع الغليل كما ورد في الحلف(1) كاذبا على اصلاح ذات

منع قاعدة الملازمة

ص: 39


1- . بحار الأنوار 72/4 - 5 - 19 - 21 .

البين وجواز الكذب حينئذٍ وورد في حرمة الكذب(1) الضار أو مطلقا ( وكذا لا الزام للعقل في مسئلة النظر والمعرفة إلى المعجزة بل ذلك ارشاد إلى دفع المحذور عن نفسه واستحقاقه العذاب والعقاب لو خالفه .

والتحقيق انه لا مجال لانكار شكّ العقل في موضوع من الموضوعات لأنّه لا يحيط بتمام الأشياء علما تامّا فيدرك حسنها وقبحها بل يتوقّف في موارد عديدة لا يميز الحسن من القبح فيها كما يرى ان انقاذ المؤمن فيه حسن لان حسن الاحسان عنده ذاتي كما ان التعدّي والظلم قبحه كذلك الا انه قد يتوقّف في خصوص الكافر هل الاحسان إليه حسن أم لا حسن فيه فيكون قبيحا .

وحاصل الكلام في المقام ان الحكم بحسن شيء في بعض الموارد إمّا بالوجوه والاعتبارات أو لحسن الشيء الذاتي أو قبحه وحكمه يتصوّر على وجوه كان يكون من باب انطباق عنوان آخر على المورد ولعدم حصوله مجردا عن فعل بل مشوبا به كان ذلك الفعل والمعنون بهذا العنوان أيضا حسنا لحسنه أو قبيحا لقبحه كما في مثال قبح الكذب الضار فانه يمكن أن يكون حكم العقل بقبحه لانه مضر فالعنوان القبيح عنده إنّما هو المضريّة والضار أينما انطبق وبأيّ عنوان اتّحد ويمكن أن يكون لقبح الكذب في حدّ نفسه واحد مصاديق ذلك الكذب الضار وقد يكون له التوقّف كما اذا زال وصف المضريّة عن الكذب . فلو كان للضرر أو الكذب عنده مدخل في حكمه فلا مجال للشكّ حينئذٍ في عدم قبحه في الأوّل وفي بقائه في الثاني وإلاّ فلا يؤثّر زوال الوصف .

وبالجملة ظاهر كلام الشيخ وان أوهم عدم تصوّر الشكّ في موضوع حكم

ص: 40


1- . بحار الأنوار 72/2 - 7 - 8 - 14 - 24 - 27 - 31 - 37 .

العقل لعدم معنى له فلا يحكم العقل عند عدم موضوعه وكلّما يحكم عنده له دخل موضوعي الا انه لا يريد عدم تصوّر توقّف العقل في بعض الأحيان بل المراد نفي اتّحاد الموضوع المشكوك المتوقّف في حكمه عند العقل مع الموضوع المتيقن الذي هو عين المشكوك فيه مع وصف زائد كالضارية في المثال فاذا كان هذا ببالك فالوجوه ثلاثة: ان يكون للوصف دخل فعند الزوال مقطوع انتفاء حكمه واما ليس له دخل فمقطوع البقاء والشكّ لا ربط له بهذا الموضوع بل موضوع آخر عند العقل لا يرى فيه حكما كالكذب الخالي عن الضرر لعدم مسبوقيّة هذا الموضوع بعلم حكمه . بل من أوّل الأمر يتوقّف العقل في تقبيح مثل هذا الكذب . فاذا لم يكن مجال للعقل في هذه الصورة ولا يكون هذا الموضوع ذاك المتيقن الحكم يجري هذا الكلام بعينه في الحكم الشرعي المستكشف من الحكم العقلي بناءً على تماميّة قاعدة الملازمة بين كلّما حكم به العقل وبين ما يحكم به الشرع من هذا الطرف اذ الحكم الشرعي على هذا تبع الحكم العقلي في موضوعه وحكمه .

واذا لم يكن مجال لاستصحاب الحكم العقلي لاختلاف الموضوع من جهة بناء العقل على الدقّة لا يبقى محلّ لاستصحاب مثل هذا الحكم الشرعي لا لعدم كونه من شأن حكم الشارع باستصحابه كاستصحاب حكم العقل وموضوعه بل لعدم تماميّة اركان الاستصحاب من اتّحاد القضيّة المشكوكة والمتيقنة .

هذا ملخّص ما أفاده الشيخ في بيان عدم جريان الاستصحاب في هذا المقام وظاهره عدم تصور مورد يشك العقل في موضوعه بل يحكم من باب القدر المتيقن .

ص: 41

وفيه ما أورده المحقّق النائيني قدس سره (1) اوّلا من امكان عدم درك ملاك حكمه

كما في هذا المثال فانه يحكم بقبح الكذب الضار وان لا يدري ان مناط القبح هو الكذب وحده أو عنوان الضارية لشهادة عدم حكمه مثلاً بالقبح لو انفرد كلّ من العنوانين عن الآخر . فعلى هذا لا مانع من تحقق الشكّ في موضوعه الدقى الموجب لجواز تحقق الشكّ في بقاء الحكم الشرعي المستكشف منه بقاعدة الملازمة وقتئذٍ كما في ساير مقامات الشكّ في الحكم الشرعي الذي يكون المشكوك القضيّة المتيقّنة سابقا وإن انتفى بعض قيودها . فاذا كان كذلك فلا مانع من اجراء الاستصحاب في نفس الحكم الشرعي دون العقلي ولا يكون ما ذكره الشيخ وجها للمنع الا راجعا إلى منع اتّحاد القضيتين للشكّ في بقاء الموضوع المعتبر في الاستصحاب ولا يكون ذلك موجبا للتفصيل في المسئلة . بل يتأتى في كلّ دليل سواء كان العقل أو الشرع بكتابه أو سنته أو الاجماع لاعتبار بقاء الموضوع فلو فرضنا ان الشرع كان حاكما بقبح الكذب الضار فانتفى عنه المضريّة فلو جرى الاستصحاب في هذه الصورة يجري في تلك أيضا وان لا فلا يجري في المقامين .

وحاصل هذا الايراد امكان شك العقل في موضوعه لحكمه من باب القدر المتيقّن .

ولقائل أن يقول ان القدر المتيقّن إنّما يتصوّر في حكم العقل بالنسبة إلى موضوعه واما الشرع فملاك حكمه معلوم واضح عند الشارع بلا سترة . بل لو جوزنا الشكّ في ذاك الصقع ربما يوجب الكفر فالحكم عنده اما على دخل

اشكال المحقّق النائيني على الشيخ

ص: 42


1- . فوائد الأصول 4/321 وما بعده .

موضوعيّة الضرر أو لا بخلافه عند العقل كما قرّر . فحينئذٍ ربما يكون لمنع جريان الاستصحاب مجال واسع لعدم تصوّر الشكّ في الحكم فانه إن كان موضوعه باقيا عند الشارع فالحكم باقٍ على التحقيق وإلاّ فلا . بل لو تنزّلنا يكون الشكّ في بقاء الموضوع ومعه لا مجال لجريان الاستصحاب .

نعم ربما يكون في بعض الموارد خصوصيّة توجب ورود الحكم على نفس الموضوع وعدم دخل لوصفه في ذلك كما في الماء المتغير فانه لا ريب في ورود النجاسة وهو حكم من الأحكام وعرض على الجسم وهو الماء المتغير لمناسبة بين هذا الحكم وموضوعه أوجبت صرف الكلام من أوّل الأمر وظهوره في ما يناسبه كالقرينة الحافّة بالكلام كما إذا أوقف مالاً خطيرا وجعل التولية في ذلك لأولاده مع ان هذا المال ربما لا يناسب توليته الا من جرب الامور وقلبها ظهر البطن لكثرة المنازعة فيه المستلزمة شدّة التدرّب والمواظبة عليه غير المناسب أصلاً وخصوصا لشؤون النساء فلو بقى من اناث اولاده من يصلح لتولي الوقف في الطبقة العالية لا يرجع إليها بل يكون الأمر بعد إن لم يكن رجل من تلك الطبقة إلى رجال الطبقة المتأخّرة وأولاد أولاده وهكذا حسب ما أوقف . لكنّه يبقى على هذا سؤال حصول مناط الشكّ في بقاء النجاسة بعد زوال وصف التغير مع انه لم تكن النجاسة الا عارضة على الماء . والجواب ان ذلك للشكّ في كون التغير ملاكا أوله دخل موضوعي .

توضيح وتكميل: سبق ايراد المحقّق النائيني على ما افاده الشيخ من التفصيل في جريان الاستصحاب في ما إذا كان مدركه حكم العقل وما إذا لم يكن فاورد اولاً بما مرّ عليك واستنتج جواز جريان الاستصحاب في ما اذا كان مدرك

اشكال استصحاب ما مدركه العقل

ص: 43

الحكم العقل وثانيا على فرض تسليم ان العقل لا يكون له شكّ في موضوع حكمه بل كلّما يأخذ في موضوعه له دخل قوامى عنده لترتب الحكم الكذائي وكونه ذا حسن أو قبح الا انه لا يزيد على موضوع الحكم في القضايا الواردة في الأدلّة اللفظيّة التي لا تكون لها مفهوم . وذلك لأنّ القضايا التوصيفيّة ما يذكر فيها من القيود إنّما هو دخيل في موضوع الحكم ويمكن أن ينعقد اطلاق له بالنسبة إلى الواو الذي اصطلحنا عليه بعدم تقييد الموضوع بقيد زائد بعد صلاحيّته للتقيد بالزمان والزماني وجودا وعدما المنكشف من عدم البيان عدم دخل عنده في ذلك المنعقد بذلك الاطلاق فانه عبارة عن تساوي الشيء ونقيضه في ترتب الحكم على موضوعه فاذا أوجب اكرام العالم ولم يعطف عليه بالواو ان يكون عالما بكذا وذا وصف كذا ينعقد للموضوع اطلاق واوي كما انه اذا رتب عدّة أوصاف للموضوع فبانتفاء أحدها تكون القضيّة سالبة بانتفاء الموضوع كما اذا أوجب اكرام زيد الجائي المعطى للفلوس المقبل يد المولى فاذا لم يحصل تمام هذه القيود لا موضوع للقضيّة فانتفائها بانتفاء موضوعها ولا مفهوم لها . اذ المفهوم

انما يؤخذ اذا كانت القضيّة تامّة القيود كما في الغنم اذا كانت سائمة ففيها الزكوة

مثلاً واذا تمّ الموضوع ورتّب عليه الحكم الا انه لم يعطف على الموضوع موضوعا آخر باو مثلاً نكشف من ذلك انحصار الموضوع بذلك الحكم أو على ما اصطلح عليه الآخوند(1) يكون هناك عليّة منحصرة وهذا الاطلاق الذي تصوّرناه في ناحية الموضوع بعينه يمكن أن يكون من ناحية متعلّق الحكم كالاكرام بالنسبة إلى الزمان والزماني على ما بين .

ص: 44


1- . كفاية الأصول 1/302 .

فتبين ان القضيّة الوصفيّة لا مفهوم لها بل لا حكم عند انتفاء القيود لا انه حكم بالعدم على ما قرّر في محلّه كما انه لا مفهوم أيضا للقب فاذا كان هذا حال القضايا الواردة اللفظية القابلة للمفهوم في غير دليل العقل فيكون حاله أيضا كذلك فلا مفهوم له عند انتفاء بعض قيود موضوعه فاما ان يحكم حينئذٍ في الكذب غير المضر بالحسن مثلاً أو يكون له توقّف في ذلك فلا حكم له . وعلى كلّ حال لا يكون له مضافا على العقد الايجابي عقد سلبي ينفي الحكم عن غير ما اجتمع فيه قيود الموضوع . وإذا كان كذلك فيمكن أن يكون لتمام هذه القيود دخل في نظر الشارع بل يكون موضوع الحرمة والوجوب المستكشفين من دليل العقل بالملازمة أوسع دائرة من موضوع حكم العقل وأعم فيكون له عين هذا الحكم في الموضوع المفتقد منه بعض قيوده المأخوذ في دليل العقل دخيلاً دخلاً موضوعيّا . فلا حكم للعقل في هذا الفرض بخلاف الشرع فان من المحتمل بقاء حكمه على هذا الموضوع وعدم تأثير زوال الوصف الكذائي كالضرر في زوال الحكم .

وليعلم ان هذا الذي شرحناه في القضايا اللفظيّة التي لا يكون لها عقد سلبي ربما يترتب عليه ثمرات كما في باب الوقف إذا وقف ماء البئر الغزير على الحمام مثلاً فزاد عليه فيجوز حينئذٍ صرف الزائد في ماء حوض المسجد وكذا اذا أوقف المدرسة على طالب العلوم فوسعتهم ولم تعوزهم فيجوز على هذا اسكان من ليس منهم في بعض حجرات المدرسة . كلّ ذلك لعدم عقد سلبي في موضوع الموقوف عليهم كما اتّفق لسيّدنا الاصفهاني رحمه الله في هذه الأواخر فانّه كان يفتى بذلك لما ذكرنا ( أقول كنا نصرّ على سيّدنا الأستاذ قدس سره في الدرس بعدم وجه للاشكال الثاني فانّه مع فرض تسلّم عدم الشكّ للعقل في موضوع حكمه لا يبقى مجال للشكّ

ص: 45

والترديد في الفاقد لبعض القيود اذ معنى هذا ان الحكم في مجتمع القيود إنّما صدر من باب القدر المتيقّن وهذا عين الاشكال الأوّل وكان اصرار سيّدنا الأستاذ لتصحيح ما أفاده النائيني أكثر فيجيب تارة بامكان حكم العقل في الفاقد بعدم الحسن أو القبح فيه في قسم ويتوقّف في قسم آخر والشكّ فيه وتارة بتنظيره المقام بالأدلّة اللفظيّة .

وأنت ترى ان العقل لا وجه لقياسه بالأدلة اللفظيّة فان شأنها بيان المجعول بها ويمكن أن لا يكون جعل للمولى في مثل زيد الجائي العالم غير المقبّل يد المولى مثلاً وليس كذلك العقل لأن شأنه ادراك مصالح الأشياء ومفاسدها

التي يرتبط بها كشفه عن حكم الشارع بالحرمة أو الوجوب وغيرهما وإذا أدرك المفسدة أو المصلحة في موضوع مع فرض دخل تمام قيوده في المصلحة أو المفسدة لا يمكن أن يشكّ في الفاقد الا أن يكون حكمه من باب وجود ذاك الوصف الزائل وبه مداره وهو غير ما نحن فيه من الفرض . بل بناء على تسليم عدم حكم للعقل في الموضوع الفاقد لبعض الخصوصيّات الدخيلة المأخوذة في جامعها كما يعترفون بذلك ولذلك لا معنى لاستصحاب حكمه أيضا ولو لم يكن عدم كون بيان استصحاب الحكم العقلي من حيث انه عقلي شأن الشارع مانعا لاختلاف الموضوع المتيقن وهذا الفاقد . وكذلك الشرع فان للعقل تصوّر حكم في هذا الفاقد في الموارد العديدة في الموضوعات المختلفة ويكون نظره كاشفا عن ملاك حكم الشارع وحكمه فتدبّر جيّدا فانه لا يبعد أن يكون الحق عدم جريان الاستصحاب في ما كان مدركه حكم العقل ) .

تتميم: لو كان المقام مقام استكشاف الحكم الشرعي عن حكم العقل

شأن العقل ادراك المصالح والمفاسد

ص: 46

فليس المستصحب الا حكم الشرع . وحينئذٍ فلا يقصر مثل هذا الموضوع عن الموضوع المأخوذ في لسان دليل الكتاب والسنة والاجماع مثلاً فكما انه يمكن جريان الاستصحاب في مثل الموضوعات التي تكون في لسان هذه الأدلّة .

ومراد النائيني يحتمل أن يكون موضوع الحكم في لسان الدليل أو في الاستصحاب .

والعرف يرى انه أوسع ممّا أخذ في لسان الدليل لعدم دخل بعض الأوصاف عنده حقيقة في موضوعيّة الموضوع غير الضار بوحدة القضيّة المشكوكة والمتيقّنة حسب الموضوع والمحمول . فكذلك الموضوع المأخوذ من دليل العقل حاله كحالها فلو وجب اكرام زيد العالم فلا يرى العرف العالم جزءا للموضوع بل ليس العلم المأخوذ بعنوانه الاشتقاقي قيدا وصفة لزيد الا حالاً من حالاته لدى العرف ولذا اذا زال وصف العلم عنه يقولون هو . بعينه هو ولا اختصاص لذلك في باب الأوامر والنواهي بل يجري في الانشائيّات والعقود أيضا . فلو باع الكاتب أو العبد الكاتب لا يكون المبيع عند العرف إلاّ ذات العبد . فلا فرق عندهم فيها مع كون المبيع هو نفس العبد في العقد . ففي كلّ هذه ليس المبيع الا العبد والعقد واقع عليه

غاية الأمر يكون وصف الكتابة مرغبا فيه موجبا لزيادة الثمن . فلذا لو يكن العبد كاتبا يكون للمشتري الخيار في مورده وليس ذلك إلاّ من جهة ان مصبّ العقد في كلّ هذه هو العبد بخلاف ما لو طلع العبد الحبشي حمارا وحشيّا فلا صحّة للعقد في هذه الصورة في الشخصي .

وإلاّ ففي الكلي له التبديل ويوضح ما نحن فيه التمثيل بالمثال المعروف وهو الماء المتغيّر العارض عليه حكم النجاسة فانّه حيث ان التغير والنجاسة

عدم دخل بعض الأوصاف في موضوعيّة الموضوع

ص: 47

كلاهما أمران عرضيان ولا معنى لعروض عرض على عرض فمناسبة الحكم لموضوعه تقتضي في المثال عروض النجاسة على ذات الماء . فاذا شكّ في بقاء الحكم فالموضوع عنده الموضوع السابق بلا تبدّل لعدم اعتباره التغير جزءا للموضوع بل يراه من قبيل الملاك . ولذا يكون اتّحاد القضيّة المشكوكة مع المتيقنة المعتبر في الاستصحاب حاصلاً عند ذلك فيجري الاستصحاب بلا اشكال ولا يخفى ان الشكّ حينئذٍ في بقاء الحكم مع اتّحاد القضيتين غير المتصوّر تخلف الحكم عند بقاء موضوعه وحصوله إنّما هو من ناحية الملاك وهو التغير . فيحتمل أن يكون الملاك في الحكم عند الشارع ليس إلاّ التغير الحدوثي كان يكون بوجوده الآني موجبا للحكم الدوامي البقائي على الماء وأن يكون ملاكا للحكم حدوثا وبقاءً يدور الحكم مداره وحيث ان الملاك لابدّ أن يصدر عنه الحكم وأن يكون الحكم بوجود ملاكه الا انه لا يضرّ عدم بقائه في اتّحاد الموضوع لعدم دخله فيه . بل المعتبر هو أن يكون للحكم ملاك إمّا بقائه واحرازه فليس بشرط وما كان الاستصحاب مشروطا باحراز ملاكه كما كان مشروطا باحراز موضوعه فلا يجري عند الشكّ في بقائه . بل يمكن أن يجري وإن لم يحرز الملاك لاحتمال عدم اعتبار كونه حدوثيّا وبقائيّا .

فعلى هذا يكون الشكّ في كون الملاك حدوثيا أو حدوثيّا وبقائيّا منشأ للشكّ في بقاء حكم الموضوع المحرز ويجري الاستصحاب لتماميّة أركانه وإن كان الحكم في الواقع امّا باقيا أو زائلاً قطعا لكن الشكّ في كون الملاك آنيا حدوثياً أو حدوثيّا وبقائيّا يوجب الشكّ المصحّح لجريان الاستصحاب في صورة زوال التغير وبالجملة لو كان الشيخ قائلاً بجريان الاستصحاب في مثل الموضوع

ص: 48

العرفي الذي لا يكون تبدّل بعض حالاته مضرّا ببقائه عند العرف في ما يكون مدرك الحكم غير العقل فلابدّ أن يقول فيه وإلاّ فليس هذا اشكالاً على الشيخ رحمه الله اذ هو على مبناه في كلّ هذه الموارد وينحصر الاستصحاب حينئذٍ في الشكّ في رافعيّة الموجود والشكّ في وجود الرافع .

هذا ملخّص ما أفاده سيّدنا الأستاذ قدس سره في بيان كلام النائيني وارتضى نفسه هذا الكلام الأخير عن المحّق النائيني واستجوده وهذبه بما ذكرنا . الا انه أورد عليه بعدم معنى لكون الملاك حدوثيّا آنيا تارة وحدوثيّا وبقائيّا اخرى كي يصح ما اشتهر من ان ملاكات الأحكام لا تطرد ولا تنعكس . بل هذا كلام لا حقيقة له اذ ليس مورد في الفقه يكون ملاكه حدوثيّا وما ذكر لذلك من الأمثلة ليس من هذا القبيل كمثال العدّة وغسل الجمعة لعدم انحصار ملاك ذلك بما بيّن أو تخيّل . بل الملاكات مطردة ومنعكسة اذ لا يكون الموضوع موضوعا إلاّ بملاكه فالملاك ليس شيئا زائدا على ذلك خارجا عن الموضوع . فالأربعون غنما المعتبر في نصاب الزكوة الواجبة عنده ليس شرطا للخطاب وتنجزه بل موجبا لوجوبها . نعم القدرة خارجة عن موضوع التكليف وليس لها ملاكيّة إلاّ للخطاب . أمّا دخلها في الحكم فليس إلاّ في بعض الموارد بل هي شرط الخطاب عند تحقّق المصلحة التامّة ومع كمال ميل المولى لانقاذ ابنه فلا يخاطب العبد العاجز لما يرى من قبح مطالبة العاجز مع تحقّق الملاك وتماميّة الموضوع . والعلم أيضا لا يكون له دخل في الملاك .

نعم هو موجب للتنجز . وكيف كان فحال دليل العقل حال باقي الأدلّة لو جرى الاستصحاب في موضوع أحد منها عند تغير بعض الخصوصيّات يجري فيه

تغير الماء ملاك النجاسة

ص: 49

كذلك وإلاّ فينحصر جريانه في ما إذا كان الموضوع باقيا بحدودوه وقيوده وانحصر الشكّ بوجود الرافع أو رافعيّة الموجود .

( أقول: اختلف بيان سيّدنا الأستاذ قدس سره لايراد المحقّق النائيني الثاني لرجوعه في صدره إلى الايراد الأوّل وصيرورته أخيراً كلاما مستقلاًّ كما ان نفس الايراد كذلك ولا بأس عليه في التقرير جزاه اللّه عنّا وعن باقي روّاد أهل العلم جزاء الخير .

عود على بدء وتتميم: ذكرنا كلام الشيخ في استصحاب حكم العقل وايراد المحقّق النائيني عليه على ما سبق . لكن لا يمكن المساعدة على ما أفاده المحقّق النائيني وذلك ان ملاكات الأحكام لا يمكن أن لا تكون منعكسة ومطردة لامتناع المجازفة في الأحكام الشرعيّة بناء على مذهب العدليّة القائلين بالمصالح والمفاسد النفس الأمريّة المقتضية لجعل الأحكام حسب ما تقتضيه خلافا لغير محقّقي الأشاعرة المنكرين لذلك الحاصرين الحسن والقبح فيما حسنه أو قبحه الشارع ولامتناع الترجيح بلا مرجح اذ يكون حينئذٍ انه لم صار الشيء حلالاً ولم يكن حراما وذلك لا يكون حلالاً وصار حراما . ومجرّد كون فرد من أفراد الطبيعة الواحدة أو جنس ذا ملاك لا يكون مرجحا لترتب الحكم على الباقي . اذ كلّ منها يقتضي ملاكا بنفسه ولا يمكن تخلّف الحكم عن الملاك حدوثا وبقاءا . اذ الملاك أمّ الموضوع فكما ان الحكم لا يتخلّف عن الموضوع ولا يوجد بدونه كذلك لا يتخلّف ولا يوجد بدون الملاك . وليس للخصم الا النقض بموارد عديدة كغسل الجمعة لدفع الأرياح وتشريع العدّة بملاك عدم اختلاط المياه ممّا لا يكون الملاك فيه مطردا ولا منعكسا بل في غالب الأفراد محقّق العدم . ولكن فيه منع انحصار

اشكال ايراد المحقّق النائيني

ص: 50

الملاك في ذلك بل لهما ملاكات عديدة تقصر أفهام الناس عن ذلك . ولذا لم يقع السؤال عن جميعها أو لم يهتدوا إليها ولم يتنبهوا . بل وقع السؤال حسب أفهام السائلين فاعطوا الجواب من منابع الحكم والعلم ومع ذلك فقد ورد في نحو غسل الجمعة في الأخبار ما يخرجه عن امكان النقض به على ما ذكرنا فراجع .

وما ذكرنا من المثال لمناسبة الحكم للموضوع مع عدم ثاني له فيه ان العرف إنّما يحكمون بما هم عقلاء وإلاّ فعدم امكان عروض العرض على مثله ليس حكما عرفيّا .

اذا عرفت ما ذكرناه تعرف ان حكم العقل وكذا الشرع لابدّ أن يكون عن ملاك مطرد ومنعكس ولا سبيل إلى ذلك في ما إذا علمنا حكم الشرع بتوسط الحكم العقلي بمجرّد احتمال عدم دخل الضرر والتغير في بقاء الحكم . بل يكون الموضوع الفاقد للوصف أمرا مشكوكا من أوّل الأمر بلا مجال لاستصحاب حكم هذا الموضوع اذا كان مقيّدا بوصف . اذ عند تغير الوصف وزواله نحتمل بقاء الموضوع كما كان ونحتمل عدم بقائه على الاشكال الأوّل بمعنى كون الفاقد محكوما بحكم الواجد وعدمه فيكون موضوعا مستقلاًّ . فهذا المشكوك لم يكن حدث عند ذلك بل كان أوّلاً كذلك هذا في الأحكام وكذلك الكلام في الموضوعات فعند تغير بعض أوصافها لا مجال للاستصحاب كما يأتي في بابه .

إن قلت: بناء على كون الموضوع في الاستصحاب أمرا عرفيّا والمدار في تشخيص اتّحاد القضيّتين والحكم بذلك هو العرف فلا يبقى ما يكون مورد الاعتراض من كلام المحقّق النائيني اذ هذا انما هو مع اتّحادهما وعدم دخل الوصف عند العرف موضوعيّا بل حتّى الشيخ قدس سره بنى على جريان الاستصحاب

ص: 51

عند تغير بعض أوصاف الموضوع ممّا لا يؤثّر عند العقلاء في بقاء الموضوع ووحدته مع الموضوع السابق .

قلت: هذا ممّا أجرء المحقّق النائيني على الشيخ رحمهم الله فأورد عليه ما أورده ويرد على الشيخ مع اتّحاد الموضوع في الصورتين بنظر العرف اذ على هذا فرقه رحمه الله بين ما كان موضوعا عند العقل وعند غيره من باقي الأدلّة تحكم . فاما أن يكون الموضوع مرادا به الموضوع في لسان الدليل فلابدّ من بقائه عند الاستصحاب سواء كان مدركه العقل أو الشرع كتابا أو سنّة أو اجماعا اذ دليل الاستصحاب إنّما ينظر إلى نفس الموضوع المأخوذ في لسان الدليل والمسامحة في موضوع دليله لا ربط لها باعتبار بقاء الموضوع في المستصحب والا فلا فرق بين العقل وغيره لجريان المسامحة العرفيّة بتخلّف بعض أوصاف الموضوع في كليهما .

فالتحقيق في المقام هو ما أفاده الشيخ قدس سره هنا الا ان ما يذكره هناك من عدم ضرر زوال بعض الأوصاف وتغيرها باتّحاد الموضوع يناقض مع ما هنا .

وقد أشرنا إلى ان مناسبة الحكم والموضوع لا تؤثّر في ذلك وقد سمعت ما في مثال الماء المتغيّر . فالحق منع جريان الاستصحاب في المقام وكذا ما في بابه إن شاء اللّه عند تغير بعض أوصاف الموضوع خلافا للشيخ رحمه الله حيث لابدّ له من القول بعدم الجريان في الموضعين الا انا ارتضينا ما حقّقه في المقام وجعلنا ما هناك مناقضا لما أفاده هنا(1) .

مصادقة الشيخ في ما اختار

ص: 52


1- . ويظهر من المحقّق البجنوردي منتهى الأصول 2/387 - 388 والعلاّمة آقا ضياء العراقي (نهاية الأفكار 4/21 ) والسيّد الحكيم ( حقائق الأصول 2/397 - 398 ) والسيّد العلاّمة الخوئي ( مصباح الأصول 48/41 ) اجراء الاستصحاب في محلّ البحث .

هذا تمام الكلام في التفصيل الذي عن الشيخ في المسئلة في مدرك الاستصحاب الا ان له رحمه الله كلاما وتفصيلاً في ذلك بالنسبة إلى الشكّ في المقتضي فلا يجري الاستصحاب وعند الشكّ في وجود الرافع أو رافعيّة الموجود أو حصول وجود الغاية فيجري .

وأشرنا سابقا إلى قبول الاستصحاب لتقسيمات كثيرة حسب المستصحب من كونه أمرا وجوديا أو عدميا وكونه حكما شرعيّا كليا أو جزئيّا أو موضوعا والحكم إمّا تكليفي أو وضعي المضروب في تقسيماته حسب دليل المستصحب من أحد الأدلّة اجماعا أو دليل العقل أو الكتاب والسنّة الحاصل من الجميع أربعون قسما المضروب في تقسيماته حسب الشكّ في وجود المقتضي ووجود الرافع أو رافعيّة الموجود وحصول الغاية الحاصل من الجميع مائة وستّون قسما .

وكيف كان فلمّا كان الشيخ رحمه الله لا يقول بجريان الاستصحاب في الشكّ في بقاء المقتضي بخلاف باقي الأقسام من الشكّ في وجود الرافع والباقي ويترتب على هذه المسئلة آثار لعظمها واطردت كلمات محشّى مكاسب الشيخ بالنقض عليه في موارد يجري الاستصحاب بعدم قوله بذلك عند الشكّ في بقاء المقتضي كالآخوند والسيّد الطباطبائي رحمهم الله .

لذا تصدّى المحقّق النائيني لبيان المراد من المقتضي في كلام الشيخ رحمه الله(1) .

فانّ المقتضي يمكن أن يراد به الملاك لتشريع الحكم على طبقه وان يراد ماله أثر عند الشارع بجعله له تأسيسا أو بامضائه ولكن المراد ليس هذا ولا ذاك بل المراد منه في الشيء ما يكون فيه من استعداد البقاء عند عدم تأثير من زماني

تفصيل الشيخ في الشك في المقتضى ووجود الرافع ورافعيّة الموجود

ص: 53


1- . فوائد الأصول 4/315 - 373 - 374 .

فيه في النبات والجماد والحيوان عند وصول ما يحتاج إليه للبقاء إليه . وقد يمثّل لذلك بالسراج المشتعل عند عدم ما يكون سببا لاطفاء ناره . فانه بحسب استعداده بما فيه من النفط يكون مشتعلاً وفي الحيوان والانسان يكون ذلك معبّرا عنه بالعمر الطبيعي .

تحقيق الكلام: إن حاصل ما يتصور من المقتضى في كلام الشيخ نظرا إلى تفصيله في المقام كبعض من تقدّم عليه وتأخّر عنه بعدم قولهم بحجيّة الاستصحاب عند الشكّ فيه ثلاثة لا سبيل إلى اثنين منها لعدم كونهما مرادين له قدس سره

وهما ان يكون المراد بالمقتضى ملاك تشريع الحكم على طبقه حسب اقتضائه المستدعى للجعل . فالشكّ فيه إنّما يكون في بقاء المقتضي عند الأمر الكذائي مثلاً واستعداده واقتضائه للحكم .

وبعبارة اخرى وجود المقتضي للتشريع ورافع هذا القسم من المقتضي هو ما يكون مزاحما للجعل على طبقه فالشكّ في ان هذا الأمر رافع أم لا يكون من الشكّ في رافعيّة الموجود وفي وجود ما هو مسلم الرافعيّة من الشكّ في الرافع .

والثاني: أن يكون المراد ما يقتضي ترتّب المسبب عليه من الأسباب التي يرتّب عند الشارع الأحكام والمسبّبات عليها كما يقال ان العقد مقتضى للملكيّة والوضوء للطهارة والنكاح للزوجيّة والشكّ في المقتضى بهذا المعنى يرجع إلى بقاء الاقتضاء في ما هو مشكوك كما في العقد هل هو اذا وقع وحدث كان مغيي بغاية أم لا بل حدث على الدوام فهذا من الشكّ في المقتضى وان الملكيّة الحادثة هل يبقى اقتضاء مقتضيها حتّى عند قول أحدهما واختياره الفسخ في بعض المواقع وفي بقاء الوضوء واقتضائه الطهارة بعد المذي والودي مثلاً .

بيان المقتضي

ص: 54

فهذه من الشكّ في المقتضي ومانعهما ورافعهما يكون ما يختصّ بهما من الطلاق أو الفسخ وأمثالهما فاذا شكّ في ان الفسخ هل يحصل بمجرّد رضى أحدهما مثلاً بالرجوع أو يزول علقة الزوجيّة بمجرّد القاء القناع على رأس زوجته أو عند قول أنت خليّة أو بريّة أو بالفارسي أو زوال أثر الوضوء المقتضي لبقاء الطهارة حسب نفسها بعد المذي يكون من الشكّ في رافعيّة الموجود وفي وجود ما يزيل أثر هذه المقتضيات ونحوها يكون من الشكّ في الرافع كما اذا شكّ في وقوع الفسخ أو الطلاق وخروج البول المسلم مزيلتهما آثار مقتضيات ما ترفعه هذه بل مراد الشيخ رحمه الله من المقتضي معنى آخر وهو مقدار استعداد الشيء حسب طبعه للبقاء مقدارا من الزمان في عمره الطبيعي وهذا سواء كان في موضوع الحكم أو نفسه .

وتوضيحه انه لا اشكال في ان كلّ ما يكون من اصناف الموجودات من الجماد والنبات والحيوان بأنواعه والانسان له بحسب استعداد نفسه مع قطع النظر عن المؤثرات الخارجيّة من الزمانيّات بقاء لا يؤثر فيه إلاّ الزمان وهذا يختلف في هذه الأشياء من أقسام الماهيّات المتبائنة فما يكون لبعض الحيوانات من استعداد البقاء كالفيل لا يكون للبق وكذا بعض الطيور بل قد يكون موجود لا يكون له من ذلك الا حظّ يوم وليلة بلا خصوصيّة لذلك في الحيوان بل النبات ما يكون منه كذلك والجمادات أيضا حسب اقتضاء مؤثّرها لها بقاء ويعبّر عن ذلك بالعمر الطبيعي في الانسان إلى الستين أو السبعين أو أكثر مثلاً وهذا لابدّ من تصوّره في غير جهة الزماني فلا يكون منه ما اذا حدث مرض أوجب هلاكه . اذ المؤثّر في

ص: 55

الرفع في هذه الصورة هو غير تمام اقتضاء الشيء بل أثر فيه الزماني فأوجب موته .

فالمقتضى بهذا المعنى الذي ذكرنا إنّما هو ما للشيء من حظ البقاء الذي لا يتجاوزه قطعا بل يصل إليه ويكون منتهى سيره الطبيعي وانقضاء عمره الذي جعل له بمشيّة الباري تعالى . والرافع في هذا القسم ما يوجب عدم تأثير المقتضى أثره الذي يترتّب على الموضوع لو خلّى وطبعه فالشكّ . في المقتضى في استعداد بقائه بنفسه مع قطع النظر عن الزماني بل والزمان لأن تأثير الزمان إنّما هو اعتباري وإلاّ

فلو فرض الكلام في غيره لا يتعدى الموضوع ما لو كان في الزمان لا يتعداه بمقداره فقد يكون اشراق الشمس مؤثرا في فناء الموجودات كما في تربيتها وإن كان المثال لا يخلو عن مناقشة لأن الاشراق أيضا زمانيّ .

فاذا لم يعلم بقاء الحيوان الكذائي مثلاً بلا تأثير زماني فيه بعد تجاوزه عن السن الكذائي المقدر بمقدار من الزمان حسب اختلاف أفراده وشككنا في بقائه فهذا شكّ في المقتضى والرافع لهذا القسم ما يوجب هلاكه من اصابة الرصاص أو المرض المهلك كما ان في كلّ هذه يتصوّر الشكّ في رافعيّة الموجود .

وفي كلّ اصناف الموجودات يتصور الشكّ في المقتضى في غير القدر المتيقّن من الطرفين وكذا البناء الواقع على ساحل البحر وشاطئ النهر لا يكون له اقتضاء البقاء بنفسه مثلاً ما يكون لغيره لابتلائه برطوبة المكان وقد يكون هذا من الرافع وإن كان فيه كلتا الجهتين .

وعلى كلّ حال فتصور الشكّ في المقتضى والرافع في الموضوعات . ومنها الوضوء الموجب يقين بقاء الموضوع بقاء حكمه لا يحتاج إلى التكلف لبداهته

توضيح المقتضي في كلام الشيخ

ص: 56

ووقوعه . وأمّا الأحكام فالشكّ في المقتضي والرافع يتصور فيها أيضا . فان الحكم تارة يكون مرسلاً وعلى الدوام فان حلال محمّد صلی الله علیه و آله (1) حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة مثل حرمة شرب الخمر وكون الوضوء موجبا للطهارة والصلاة واجبة وأمثال هذه التكاليف والأمور الثابتة في الشرع الأقدس التي لم يهمل بيان أمدها ولا ربط في هذه بالموضوع . بل نفس الحكم بين استمراره وارسل لا مهملاً والرافع لهذا القسم في الأحكام ما يكون موجبا لرفع الحكم ومنعه من بقائه كما كان من العناوين الثانويّة كالامتنان والضرورة المبيحة لشرب المسكر مثلاً ولو دواءً عند عدم وجدان المبيح المعالج به أو عدم تشخيصه فان هذه تزاحم المقتضى وتوجب تقيده بعد ان كان مطلقا من حيث امد الزمان مستمرا ولا يكون ذلك من النسخ .

فاذا شككنا في امد الحكم من حيث طول الزمان مثلاً وقصره يكون من الشكّ في المقتضى للحكم كما اذا لم نعلم ان المغرب الذي غاية حكم الصلاة اليوميّة هل هو عبارة عن استتار القرص أو علو الحمرة على الليل فوق السواد ( أي السواد كما هو مسطور في بعض المواضع فوق الجبل في الخبر(2) الوارد في

ص: 57


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 12/52 من أبواب صفات القاضي . واللفظ عن الباقر علیه السلام: « قال جدّي رسول اللّه صلی الله علیه و آله: أيّها الناس حلالي حلال إلى يوم القيامة وحرامي حرام إلى يوم القيامة » .
2- . وسائل الشيعة 4 الباب 16/4 - 14 من أبواب المواقيت فاذا جازت الحمرة قمّة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الافطار وسقط الفرض وفي الثاني في مكاتبته إلى العبد الصالح علیه السلام يتوارى القرص ويقبل الليل الى وتستتر عنا الشمس ويرتفع فوق الليل حمرة إلى أفاصلي حينئذٍ وأفطر إن كنت صائماً أو انتظر حتى يذهب الحمرة التي فوق الليل ؟ فكتب إلي: أرى لك أن تنتظر حتّى تذهب الحمرة .

تحديد الوقت ) أو وصول السواد(1) إلى قمّة الرأس فالشكّ في بقاء الوجوب عند استتار القرص إلى ما يكون متيقنا من الليل شكّ في مقتضى الحكم للشبهة المفهوميّة . وكذا بقاء وقت الصلاة الليليّة من المغرب والعشاء إلى الفجر الوارد فيه

بعض(2) النصوص كالمغرب الوارد فيه من الجانبين ولكن في امتداد وقت المغرب نصّه وارد(3) بالنسبة إلى بعض ذوي الأعذار ولذا به يثلث وقت المغرب فوقت الاضطرار ووقت الفضيلة ووقت الاجزاء .

وكذا الشكّ في انّ الفجر هو الكاذب أو الصادق كلّ ذلك يكون من الشكّ في المقتضى من الشبهة المفهوميّة في الأحكام وعرفت تصوّر الشكّ في الرافع فيها .

أمّا الشكّ في طلوع الشمس الذي جعل غاية لوقت صلاة الصبح أو في تحقّق المغرب الشرعي من غير جهة الشبهة المفهوميّة فشكّ في ما ملحق بالموضوع قبال الحكم اذ لا شكّ في أصل الحكم بل الوقت وهو أيضا لا يؤثّر فيه الزماني بل هو عبارة عن تصرّم الزمان باجزائه فيلحق بالشكّ في الموضوع . فتبين ممّا ذكرنا ان المراد بالمقتضى والرافع في كلام الشيخ قدس سره إنّما هو المقتضى

والرافع بالمعنى الأخير ولا اختصاص ذلك بالموضوعات للأحكام بل يتحقّق في

ص: 58


1- . وسائل الشيعة 4 الباب 16/4 - 14 فاذا جازت ( الحمرة قمّة الرأس إلى ناحية المغرب فقد وجب الافطار وسقط الفرض وفي الثاني في مكاتبته إلى العبد الصالح علیه السلام يتوارى القرص ويقبل الليل الى وتستتر عنا الشمس ويرتفع فوق الجبل حمرة إلى أفاصلي حينئذٍ وأفطر إن كنت صائماً أو انتظر حتى يذهب الحمرة التي فوق الليل ؟ فكتب إلي: أرى لك أن تنتظر حتّى تذهب الحمرة .
2- . الوسائل 2 الباب 49/7 - 10 إلى 12 من أبواب الحيض .
3- . الوسائل 2 الباب 49/7 - 10 إلى 12 من أبواب الحيض والباب 10/9 .

أنفسها كما عرفت .

توضيح وتكميل: قد تبيّن ممّا ذكرنا ضابط الشكّ في المقتضى وإن المراد منه عند المفصلين هو المعنى الثالث ولا يمكن ارادة المقتضى بأحد المعنيين الأولين عندهم فيجري الاستصحاب في غيره ولا يجري فيه اذ لو منع جريانه في الشكّ في المقتضى بأحد المعنيين الأولين ويشترط في جريانه القطع ببقائه لزم سدّ باب الاستصحاب في غالب الموارد . بل لا يبقى مورد الا ويكون الشكّ في الملاك أو في سبب الحكم وموضوعه . لأنّه لا ينزل الملك المخبر عن بقاء الملاك ولم يعين مقدار استعداد بقاء المستصحب حتّى يكون المقتضى محرزا هذا مضافا إلى ان الشيخ وغيره من المفصلين يجرون الاستصحاب في الموارد التي يكون المقتضى أي الملاك وباب الأسباب والمسبّبات مشكوكا ويلزم على تفسيره بغير الأخير عدم بقاء مورد يكون الشكّ من ناحية رافعيّة الموجود أو وجود الرافع كما إذا شككنا في انتقاض التيمّم لدى رفع العذر الموجب لجواز التيمّم أو شككنا في انتقاضه لدى وجدان الماء والتمكّن من استعماله قبل الدخول في الصلاة الذي لم يرد النص لذلك والوارد(1) في ما لو كان داخلاً فيها قبل الركوع أو حصل الشكّ من ناحية نفس الوجدان وعدم التمكّن من استعماله لضيق الوقت . ففي كلّ ذلك مجال لجريان الاستصحاب مع ان سببيّته التيمّم مشكوكة وانه هل يقتضي الطهارة عند هذه الأمور . وكذا لو حصل الشكّ في حصول الرافع لعلقة الزوجيّة عند قول الزوج خلية أو برية ممّا يشكّ في وقوع الطلاق به فهذه كلّها وأمثالها مجرى الاستصحاب حتّى عند المانعين من جريانه عند الشكّ في المقتضى مع انه لا

المقتضي هو المعنى الثالث

ص: 59


1- . الوسائل 3 الباب 21/1 - 2 من أبواب التيمّم .

احراز له اذا كان بمعنى الملاك أو السببيّة .

وأمثلة ذلك كثيرة كأمثلة الشكّ في وجود الرافع كما ان في الوضوء يحصل الشكّ في رافعيّة الموجود بالنسبة إلى الودي هل هو ناقض أم لا .

وبالجملة فمراد المفصل معلوم وانه لا يجري عند الشكّ في المقتضى بالمعنى الثالث ولا ريب في امكان ذلك إذا كان المستصحب من الأمور الخارجيّة التي تكون موضوعات للأحكام لما لكلّ شيء من استعداد بقائه في ظرف الزمان بحيث لا يؤثّر فيه شيء إلاّ مرور الزمان المتصرّم بذلك هذا الشيء المنقضي عمره لتمام استعداده وعدم صلاحيّته للبقاء له حينئذٍ حسب اقتضاء طبعه .

وأمّا في الأحكام الشرعيّة فقد يشكل الأمر من حيث انه لا اقتضاء لها كما لا اقتضاء لعدمها فانها ليست من الموضوعات الخارجيّة المقتضية للبقاء حسب طبعها وإنّما حصول ذلك فيها بالنظر إلى الدليل .

فلو كان الدليل الدال على الحكم في غير الأحكام المغياة بغاية مرسلاً حسب الزمان فلا اشكال في جريان مقدّمات الحكمة لاطلاقه بحسب الأوقات والأزمنة وانه لا حدّ له .

كما اذا لم يكن الليل غاية للحكم في آية الصوم فانّ قوله تعالى « ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ »(1) يحتمل فيه كون الليل غاية للموضوع والمغييّ بهذه الغاية المجعول عليه الحكم فلا غاية للحكم بل هو مرسل لأنّ الاطلاق يقتضي الدوام كما يقتضي العينيّة والتعيينيّة والنفسيّة وأمثالها فلا قيد للوجوب ويحتمل فيه كون الليل غاية للحكم فيكون مغييّ بهذه الغاية ويصير الموضوع كلّ آن آن وله حكم

ص: 60


1- . سورة البقرة: 188 .

بوجوب الصوم يخصّه .

وتارة يعلم الدوام للأحكام من غير ناحية مقدّمات الحكمة بل لأن حلال محمّد صلی الله علیه و آله (1) حلال إلى يوم القيامة وكذا حرامه صلی الله علیه و آله والشكّ في هذه الموارد إنّما يتصوّر في رفع الحكم ونسخه أو طرو عنوان من العناوين الثانويّة المغيّرة للحكم كامتنان للضرر أو العسر والحرج أو حكم الحاكم . فان شرب الخمر في نفسه حرام والوضوء واجب للغايات المعيّنة وقد يحصل عنوان موجب لصيرورة الحرام واجبا كما لو توقّف حفظ النفس على شرب الخمر أو للاضطرار ونحوه وكذلك اذا كان عليه دين ولم يكن عنده ما يكفيه فلا اشكال في انه عند التمكن يجب عليه أداء الدين وعند عدم وفاء ماله بتمامه يوزع على ديون الديان حسب النسبة ويجعل لنفسه ما يقوت به كما ورد به الرواية(2) ولو لم يؤد بخيال العسر عليه يضيق عليه الأمر وجرب ذلك فلو حصل الشكّ في ان هذا الحرج اللازم عليه من تلك الجهة هل يوجب رفع الوجوب المتوجه إليه لأداء الدين ام لا فهذا يكون من الشكّ في رافعيّة الموجود . كما ان حكم الحاكم وإن كان مخالفا لفتوى من يحكم عليه يجب اتباعه لتقدمه على الفتوى ولا تحكم الفتوى على الحكم فلو لاقى غسالة البول لبنا موجبا لتنجس اللبن عند أحد المتعاملين المترافعين عند الحاكم وهو بان على طهارته فحكم بصحّه المعاملة يجب الاستسلام لحكمه فان حكمه اذا كان بحكم الأئمّة علیهم السلام لا بحكم الطاغوت يلزم اتباعه .

ص: 61


1- . الوسائل 27 تقدّم إلى مصدره الاشارة قريباً .
2- . الوسائل 18 الباب 27/1 من أبواب الدين لكن لا تنطبق على ما في المتن كمال الانطباق وفي الجواهر تعليقاً على الشرايع فيعطي هو وعياله نفقة ذلك اليوم . جواهر الكلام 25/340 .

والحاصل ان أمثال الموارد من الشكّ في وجود الرافع أو رافعيّة الموجود كما ان الشكّ في وجود المقتضي في الأحكام يكون في ما إذا لم ندر ان غاية وقت صلاة العشاء هو ثلث الليل أو انتصافه فبعد الثلث إلى النصف الشكّ في المقتضى من جهة الشبهة الحكميّة لاختلاف الأخبار ومثله الشكّ في الغروب الذي يكون غاية وقت الظهرين وأوّل وقت المغرب هل هو مجرّد استتار القرص أو عبارة عن زمان ذهاب الحمرة العالية فوق الليل أي السواد الذي يكون حاصلاً عند غروب الشمس في جانب المشرق لا فوق الجبل ( والرواية أيضا الليل لا الجبل )(1) الذي يكون على هيئة المستطيل المظنون فيها الارتفاع إلى قمّة الرأس أو الانتشار والعدم وهذا من جهة الشبهة المفهوميّة والشكّ فيه يكون من الشكّ في المقتضى في الزائد على الاستتار الا انّه يستفاد من بعض(2) الأخبار الشاهدة للجمع بين المختلفات ان ذلك أي علو الحمرة وانتشارها يكون علامة الاستتار فراجع والشكّ في وجود الرافع كما اذا لم ندر هل طلعت الشمس من يومنا هذا أو دخل وقت المغرب لا من جهة الشبهة المفهوميّة من حيث الزمان . وممّا ذكرنا ظهر الفرق بين الشكّ في المقتضى والرافع ورافعيّة الموجود .

في أدلّة حجيّة الاستصحاب: قد ذكرنا مبنى الشيخ قدس سره في الاستصحاب وانه يراه حجّة في جميع أقسامه سوى الشكّ في المقتضي وما اذا كان دليل المستصحب حكم العقل وسبق ان أشرنا إلى ان في المسئلة أقوالاً متشتّتة منشأهااختلاف المدارك من بناء العقلاء والاجماع والأخبار فقد يدعى

الشك في وجود الرافع

دليل الاستصحاب

ص: 62


1- . الوسائل 4 الباب 16/14 من أبواب المواقيت .
2- . الوسائل 4 الباب 16/3 - 4 - 7 - 11 .

اختصاص الأخبار بغير الشكّ في المقتضي وتارة يدعى اختصاصها بقاعدة اليقين والعمدة النظر في مدرك الاستصحاب فمن ذلك بناء العقلاء .

وقد ادّعى المحقّق النائيني قدس سره (1) ثبوت ذلك البناء للعقلاء في امور معاشهم وجعله ممّا يحفظ به نظام ذلك فلولاه لاختلّ النظام ولم تصلح أمورهم بل ربما لو منع من ذلك ما استقرّ حجر على حجر .

وبالجملة فهم بمقتضى جبلتهم وفطرتهم يبنون في مثل هذه الموارد على عدم الاعتناء بالاحتمال المخالف لطرف الحالة السابقة للشيء بل يمشون على طبق الحالة السابقة وهذا البناء منهم لا يحتاج في اثباته إلى أزيد من مراجعة الوجدان فانظره تراه شاهدا بالعيان حتّى ان الحيوانات لها أيضا هذا البناء وليس ذلك إلاّ لعدم الاعتناء بالاحتمال المخالف مع وجود الشكّ وجدانا . الا ان مجرّد وجود الشيء في الزمان السابق لا يكون عندهم موجبا للبناء على وجوده لاحقا مطلقا بل في ما إذا كان الشكّ في وجود رافع كما يشاهد في مراسلاتهم وتجاراتهم فيبيعون ويشترون ويرسلون الأجناس ويطلبونها من البلاد البعيدة لحصول النفع لهم بذلك بناءً منهم على بقاء المشكوك كما كان .

لا يقال هذا البناء إمّا من جهة حصول القطع وأمّا ولو بعض الموارد من جهة الرجاءولم يعلم بنائهم على عدم الاعتناء بالاحتمال المخالف في امورهم في غير مورد الرجاء إلى أن يحصل لهم القطع .

لأنّا نقول انّ الرجاء إنّما هو في ما إذا لم يكن يترتّب على مخالفته ضرر لا يتحمل والا فمجرّد احتمال النفع لا يوجب البناء رجاءً بل إذا استوى الطرفان لا

ص: 63


1- . فوائد الأصول 4/332 .

يعلم منهم عمل على أحدهما . وفي ما إذا كان احتمال الضرر في مخالف المرجو فبمقتضى عملهم لا يقدمون على ما يرجى فيه النفع لأن دفع الضرر أولى من جلب المنفعة . وبالجملة فباب الرجاء وإن كان واسعا وله موارد كثيرة في مراجعاتهم للطبيب وفي اقداماتهم على الأمور الخطيرة الا ان ذلك في ما قوى الرجاء يعني المرجو عندهم ولم يكن ضرر في خلافه بل في مراجعة الطبيب ربما يكون يرون كثيرا تلف النفوس بما يعالج به الأطبّاء من الأدوية المخترعة خصوصا في عصرنا الحاضر غير المتدارك ضرره اذا أخطأ المتطبب .

ومع ذلك كله فيراجعون بحيث لابدّ لهم غالبا من ذلك .

هذا كما انه لا قطع للعقلاء البانين على طبق الحالة السابقة بل الشكّ منقدح في نفوسهم ويبنون على طبق الحالة السابقة . ولا ربط لما ذكرنا بقاعدة المقتضى والمانع فانه لا يوجب بنائهم على بقاء الموجود السابق مثلاً في ما إذا شكّ في بقائه لاحقا البناء على تحقّق المقتضى اذا حصل المقتضي وشكّ في وجود المانع والرافع من تعويذ وغير ذلك . وذلك لأنّه لم يعلم منهم البناء على تحقّق المقتضى ( بالفتح ) عند العلم بتحقّق المقتضى وان شكوا في وجود الرافع ما لم يقطعوا بعدمه .

هذا ملخّص ما أفاده المحقّق النائيني . الا انه هنا كلاملاً ما تذكر له في المقام ويظهر منه الجواب في الاستدلال على حجيّة الاستصحاب بالأخبار في ذيل خبر(1) زرارة فيتشبث هناك لتمام الاستدلال ببناء العقلاء وارتكازهم على حجيّته عند قوله ( لا تنقض اليقين أبداً بالشكّ ) أو ( ليس ينبغي لك أن تنقض اليقين

ص: 64


1- . الوسائل 1 الباب 1/1 من أبواب نواقض الوضوء .

بالشكّ )(1) وهو بعد تسلّمه ( أي المحقّق النائيني رحمه الله ) وغيره على عدم بناء تعبدي للعقلاء في امورهم فانّهم ما اجتمعوا ولا عقدوا هنجمنا لأمر من امورهم يبنون جميعهم عليه كيف يمكن بنائهم في ما نحن فيه على بقاء الموجود السابق في ما إذا حصل الشكّ في بقائه لاحقا مع انه لا طريقيّة عندهم للوجود السابق بالنسبة إلى البقاء ولا تنزيل لهم كما في الخبر الواحد بل بما يسكنون إليه نفسا . فانّه اذا

أخبر أحدهم بعدم سارق في الطريق ولا من يقطع عليهم السبيل يحصل لهم الاطمئنان بمقتضى ما أخبر ولا يعتنون باحتمال خلاف ذلك . بل يكون عندهم كعدمه ويحصل لهم العلم العادي النظامي ويمشون عليه في امور معاشهم وهذا هو المعنى للسيّد رحمه الله في دعواه قطعيّة الأخبار التي بأيدينا المحفوفة بالقرائن المفيدة للقطع أي العلم العادي الذي به يتمّ نظام امور العقلاء وأهل العرف لا اليقين الذي يكون له الانكشاف التامّ بحيث لا احتمال خلاف في جنبه لا يعتني به ويبني على عدمه .

والحاصل مع عدم التنزيل ولا التعبد في أفعالهم والفرض عدم السير على الشكّ لأنّ الشكّ لا طريقيّة له الى شيء فيمكن منهم البناء على وجود المشكوك لاحقا المتيقن سابقا .

فان قال رحمه الله كما يظهر من كلامه في ذيل الخبر كما سيجيء إن شاء اللّه بحصول الارتكاز لهم وممشيهم إنّما هو ممشى ارتكازي بحيث جرت فطرتهم وجبلتهم على ذلك كما نشاهد في من يمشي من المدرسة مثلاً إلى الصحن الشريف مباحثا رفيقه في مسئلة دقيقة علميّة فانّه مع مشيه غافل عنه متوجه بتمام

ص: 65


1- . الوسائل 1 الباب 1/1 من أبواب نواقض الوضوء .

حواسه إلى البحث والايراد في مناظرته مع صاحبه فهذا يعبّر عنه بالارتكاز الذي هو أشبه شيء بالغفلة . فهذا ينافي ما مرّ منه سابقا من اعتبار الفعليّة في الشكّ واليقين المتعلّقين بالمستصحب وإلاّ فمع حصول الشكّ وجدانا فعلاً فكيف الاستصحاب والبناء على عدم الاعتناء بالطرف المخالف .

وبالجملة فالاشكال متوجه على ما أفاده قدس سره في المقام . فانّه لا بناء للعقلاء مطلقا في امورهم على غير اليقين . وفي الموارد التي ادّعى عليهم البناء على تحقّق المشكوك إمّا أن يكون هناك بناء منهم على ذلك رجاء نفع اذا لم يكن الضرر بخطير أو يحصل لهم العلم العادي النظامي على تحقّق المستصحب فلا شكّ حينئذٍ في بقائه وما ادّعى على العقلاء من البناء على العمل على الظن أو على الحالة السابقة أو غير ذلك افتراء عليهم لعدم بناء منهم على غير العلم ولو العادي منه الذي يركن إليه النفس وتطمئن به إلاّ فلا تنزيل منهم ولا تعبد ولا الطريقيّة المشكوكة في موارد الشكّ .

نعم ما أفاده من عدم الربط لما نحن فيه من بناء العقلاء بمسئلة المقتضي والمانع متين جدا كما عرفته سابقا .

تتمّة الكلام: قد علمت ان ما استدلّوا به لحجيّة الاستصحاب بناء العقلاء والاجماع والاخبار .

أمّا بناء العقلاء فقد عرفت ما فيه وانه لم ينعقد إلاّ على الاطمئنان والوثوق فاذا اطمأنّوا بشيء وجودا أو عدما فيمشون على طبقه ويجرون عليه والا فيحتاطون لو كان عندهم ذو خطر يترتب على تركه ما لا يتحملونه .

اما الاجماع وان ادّعى في المقام الذي كثرت الأقوال فيه حتّى انّه نسب

الاستدلال على الاستصحاب

ص: 66

القول بالانكار إلى السيّد والمحقّق رحمة اللّه عليهما الا انه ان كان مدركه بناء العقلاء فالمسئلة عقليّة لا طريق للاجماع إليها . وإن كان مدركه الأخبار فهي مدار البحث ولا يفيد الاجماع في ذلك شيئا . على انك قد عرفت عدم انعقاد الاجماع وعدم صحّته مع كثرة الأقوال ولا ظهور لكلام المحقّق فيما نسب إليه . بل كما يظهر من صدر كلامه وذيله انه لا ينكر الاستصحاب مطلقا . ويقول بالجريان في غير الشكّ في المقتضي وإن كان ظاهر بعض كلماته ان مراده بالاستصحاب اصالة الاطلاق واصالة العموم . وهذا لا ربط له بمسئلة الاستصحاب . فالعمدة اذن في الباب الأخبار وهي وإن كانت كثيرة إلاّ انها مختلفة الدلالة فمنها صحيحة(1) زرارة التي لا وجه لنقد السند فيها بعد كونها قطعيّة بحيث لا سترة عندنا ونقطع بصدورها من الامام علیه السلام ولا يضرّ اضمارها بذلك بعد علم ان مثل زرارة لا يضمر الا عن الامام علیه السلام بخلاف حريز(2) فانّه لما يرى من نفسه عدم اجتماع شرايط الأدب لحضوره بتشرّفه مجلس الامام علیه السلام ينقل غالبا بالواسطة وهو زرارة ونادرا ينقل عن الامام علیه السلام بلا واسطة في الاسناد . هذا مضافا إلى شهادة نفس الخبر والرواية بصدورها عن الامام علیه السلام خصوصا مع ملاحظة رفعة شأن زرارة في أصحاب الباقر علیه السلام فانّه من أجلّة الفقهاء والمتكلّمين من أصحابه صلوات اللّه عليه بخلاف هشام فانّه اشتهر في الكلام قال: قلت له: الرجل ينام وهو على وضؤ

ص: 67


1- . الوسائل 1 الباب 1/1 من أبواب نواقض الوضوء .
2- . هذا خلاف التحقيق اذ ان الامام علیه السلام حجبه لفتواه بقتل الخوارج في سيستان أو شهر السيف ولم يظنوا ان ذلك من ناحية الشيعة لقلّة عددهم فلما علموا خربوا المسجد وقتلوهم إلى أن توسط بعض الأصحاب فالامام علیه السلام عفى عنه ورخص له في الحضور عنده . معجم رجال الحديث 4/249، 252، تنقيح المقال في موضعين 1/252 - 262 ترجمة حذيفة بن منصور وفي ترجمة حريز .

أيوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء ؟ قال: يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والاذن فاذا نامت العين والاذن فقد وجب الوضوء .

قلت: فان حرّك في جنبه شيء وهو لا يعلم . قال: لا . حتّى يستيقن انه قد نام حتّى يجيء من ذلك أمر بيّن وإلاّ فانّه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين بالشكّ أبدا ولكن ينقضه بيقين آخر .

والكلام يقع في مفردات الجمل قبل الاستدلال . قوله: قلت له: أي الامام علیه السلام قوله ينام وهو على وضوء لا يكون المراد من النوم في المقام هو النوم الحقيقي بل الشروع فيه وإلاّ فلا يناسب قوله وهو على وضوء لان ظاهر الواو الحاليّة وكيف يكون النوم مع الوضوء الذي لا يبقى عنده وهو يعلم ذلك . فسؤاله يكون عن الخفقة والخفقتين هل توجبان الوضوء شبهة حكميّة كما هو ظاهر السؤال . وهذا قرينة أخرى على عدم كون المراد بالنوم هو النوم الحقيقي . والا فيكون حال النوم في الناقضية أدون من الخفقة حيث انه بعد حصوله يسئل عن ايجاب ذلك الخفقة والخفقتان فكانّ المراد من ينام انه عرض له حالة الكسالة والنعسة التي قبل النوم وانه هل يوجب ذلك نقض الوضوء حتّى يجب عليه لحصولها بعد ان النوم لا محالة ناقض خلافا للعامّة(1) فعندهم لو كان مطمئنا بعدم حدوث حدث عند نومه لا نقض للوضوء .

ولما كان النوم ذا مراتب مختلفة في الشدّة والضعف فسأل عن حكم بعض مراتبه وانه هل له . الناقضيّة أم لا بل ذلك إنّما هو النوم الذي هو أعلى المراتب

الاستدلال بصحيحة زرارة

ص: 68


1- . بعضهم وافق الاماميّة في الجملة كالحنابلة والشافعيّة والمالكيّة لا يرون النقض بالنوم الخفيف . الفقه على المذاهب الأربعة 1/80 - 81 .

حتّى يحصل عنده نوم القلب والاذن والعين المتلازمات . ولا عكس من ناحية نوم العين كما في الرواية وكذا من ناحية القلب فيكون قد نام ولم تنم العين . بل لو نام القلب فالعين تكون نائمة وذلك قد يحصل لغير من نام قلبه أيضا فصدر منه علیه السلام حكم الشبهة وانّه ما لم تنم الاذن والعين معا المتلازمتان لنوم القلب فلا نقض للوضوء . بل اذا نامت العين والاذن فقد وجب الوضوء .

وهذا جواب منه علیه السلام عن سؤاله عن حكم الخفقة وانّها لا تكون كالنوم ولا اماريّة لها بل الموضوعيّة منحصرة بالنوم من بين جميع مراتبه أو يكون النوم امارة على حصول الناقض لا ان له موضوعيّة . ويحتمل أن يكون السؤال عن الشبهة الموضوعيّة وان الخفقة هل هي ملحقة بالنوم ومن مراتبه الذي هو مفروغ الناقضيّة عند زرارة . الا انه يبعده عدم انطباق الجواب الا على الوجه الأول ولا يكون الناقضيّة إلاّ لخصوص نوم العين والاذن لا باقي مراتب النوم . وما نفي النوميّة عن الخفقة . بل قال قد تنام العين ولا ينام القلب والاذن فالرافعيّة مختصّة بما ذكر علیه السلام لا غير .

وقد يكون في السؤال الثاني اشعار وتأييد لما ذكرنا من كون الشبهة حكميّة هذا . ولما علم زرارة انه لا ينقض الوضوء الا النوم وان الموجود لا ينقضه إلاّ أن يكون نوما غالبا على الحاستين .

وقبل حصول هذا الحال يجري الاستصحاب جعل السؤال عن الشبهة الموضوعيتة وصور ذلك بما سئل عنه علیه السلام فان حرّك في جنبه شيء وهو لا يعلم وانه هل يكون هذا نوما ناقضا فانه يمكن فرض الشبهة الموضوعيّة كما فرضه وان كان النوم اذا حصل لا شبهة فيه ولا شكّ يعتري حصوله . فأجابه علیه السلام بقوله لا فلا

ص: 69

يجب عليه الوضوء حتى يستيقن انه قد نام حتى يجيء من ذلك أمر بيّن ويعلم باليقين بنومه .

فعند الشكّ يبني على وضوئه ولا يرتب عليه آثار المرفوع والمنقوض .

وقال

علیه السلام: وإلاّ أي وان لم يستيقن ذلك ولم يجيء من ذلك أمر بين .

والخلاصة أي لم يتيقّن بالنوم اذ بمجرّد عدم شعوره بتحريك شيء في جنبه لا يحصل اليقين بنومه بل لابدّ من قطعه .

نعم ذلك قد يكون اذا كان لباسه منزوعا من بدنه أو لحافه وما يتّكئ عليه مأخوذا من محل تمدّده وهو ما علم فعند ذلك يحصل اليقين بنومه وإلاّ فانّه على يقين من وضوئه وهذا جواب الشرط أي والا .

يعني ان لم يستيقن الخ فانه على يقين من وضوئه سواء كان نفس هذا الكلام جوابا للشرط أو يكون هذا تعليلاً .

والجواب فلا يجب عليه الوضوء . إلاّ ان ذلك يوجب حصول التكرار في كلامه علیه السلام بعد أن بيّن حكم ذلك بقوله لا وأجابه عن الشبهة الموضوعيّة . فحمل قوله فانّه على الشرطيّة أحسن . وإذا كان في الكلام نكتة لذكر قوله من وضوئه متعلّقا باليقين فلا ينحصر الوجه في حمله على الاحترازيّة التي توجب التقييد بالوضوء فقط ويكون قوله علیه السلام ( لا تنقض اليقين بالشكّ أبدا ) كبرى لهذه الصغرى الخاصّة بباب الوضوء بل لمّا كان العلم واليقين من الأمور ذات الاضافة ولا يمكن كونهما بلا متعلّق فذكر الوضوء متعلّقا لليقين لأنّه كان الكلام فيه وفرض حصول اليقين به فلا يكون قيدا موجبا لانحصار الكبرى عليه . بل هو مصداق من مصاديق اليقين وذكره لنكتة عدم كون اليقين بلا متعلّق لمناسبة السؤال ذلك .

بيان صحيحة زرارة

ص: 70

فيصحّ قوله ( ولا ينقض اليقين بالشكّ أبدا ) كبرى غير منحصرة بباب دون باب دالاًّ على اعتبار الاستصحاب المتنازع فيه .

ملخص ما سبق: تقدّم تقريب الكلام في استفادة الكليّة وانّه مبنيّ على عدم كون من وضوئه قيدا لليقين كي يمنع من الكليّة . وسبق ان لا خصوصيّة له بل ذكر لنكتة وهي سبق ذكر الوضوء وكون العلم كاليقين من الأمور التي تضاف إلى متعلّقاتها .

فيستفاد الكليّة على هذا على ترتيب الشكل الأوّل سواءً كان قوله وإلاّ فانّه على يقين من وضوئه نفس الجزاء أو كان الجزاء محذوفا أو مقدرا لدلالة قوله لا قبل ذلك عليه مع حفظ فصاحة الكلام وبلاغته . ولا مانع من أن يكون فانّه على يقين من وضوئه علّة الجزاء المحذوف وهو لا يجب عليه الوضوء قام مقامه فاستغنى عنه وكذا يمكن كونه محذوفا بقرينة الجواب السابق كما ذكرنا .

ويقوله الشيخ(1) من ان قوله فانّه علّة الجزاء ويورد لذلك نظائر من الكتاب كقوله تعالى ومن كفر فانّ(2) اللّه غنيّ عن العالمين . وإن يسرق(3) فقد سرق أخ له من قبل وان تجهر(4) بالقول فانّه يعلم السرّ وأخفى .

وأمّا احتمال كون الجزاء قوله ولا ينقض اليقين أبدا بالشكّ فسخيف غايته وذلك لعدم معهوديّة عطف الجزاء على الشرط بالواو أو بغيره لو كان هذا الواو للعطف وكذا لا معنى للاستيناف .

ص: 71


1- . فرائد الأصول 2/563 - 564 .
2- . سورة آل عمران: 98 .
3- . سورة يوسف: 78 .
4- . سورة طه: 8 .

اذ لا يكون حينئذٍ جوابا للشرط وكون فانّه فاصلة بين الشرط وجوابه اشعارا للعليّة فالجواب حينئذٍ إمّا محذوف وهو فلا يجب أو قوله فانّه على يقين من وضوئه وعلى الأوّل فيكون ذلك تعليلاً إمّا تعبديّا أو ارتكازيّا للعقلاء .

بيان ذلك ما ذكره المحقّق الخراساني قدس سره (1) في كفايته انه لا ريب في ظهور هذا الكلام في النهي عن نقض اليقين بالشكّ في مطلق ما عرض عرفا وإن كان من المحتمل كون ذلك مختصّا بباب الوضوء إلاّ ان الاستشهاد بهذه الكبرى المذكورة في هذه الرواية في غير باب الوضوء في الروايات(2) الاخر يؤيّد ظهور الكبرى في الكليّة غير المختصّة بباب دون باب على ان قوله علیه السلام ( ولا ينقض اليقين أبدا بالشكّ ) اشارة إلى قضيّة ارتكازيّة للعقلاء بما هم عقلاء . فانّهم بمقتضى بناءهم وارتكازهم لا يفرقون بين اليقين والشكّ في باب الوضوء وساير الأبواب بل كلّ ما حصل لهم يقين بشيء فعند الشكّ في بقائه يبنون عليه حسب ما جبلت عليه طباعهم وجرت عليه فطرتهم . واحتمال كون اللام للعهديّة في قوله علیه السلام ولا ينقض اليقين أبدا بالشكّ ان بقي مع ما ذكرنا فمضافا إلى ان مجرّد الاحتمال لا يوجب التوقّف خصوصا كونه للعهد خلاف الظاهر . بل الأصل فيه الجنسيّة فالعهديّة محتاجة إلى القرينة . ان الجنسيّة ممّا تناسب المقام وتلائمه كمالها ولكن هذا بعد أن كان قوله على يقين من وضوئه غير مقيّد بأنه كان من وضوئه متعلّقا بالظرف لا أن يكون متعلّقا بيقين فيكون في قوّة هذا فانّه ثابت من طرف وضوئه على يقين فاليقين على هذا يكون بلا تعلّق بقيد أو ما يحتمل فيه القيديّة وتصلح صغرى

استدلال الكفاية

ص: 72


1- . كفاية الأصول 1/282 .
2- . الوسائل 3 الباب 41/1 و2/174 من أبواب النجاسات .

للكبرى الارتكازيّة العقلائيّة غير المختصّ بباب الظاهر حسب المتفاهم العرفي في عدم جواز نقض مطلق اليقين بالشكّ . ولا ربط لذلك بالمتيقن لأنّ اليقين بما هو يقين عندهم موضوع للبناء على بقاء متعلّقه عند الشكّ فيه . ولم يزد المحقّق النائيني قدس سره (1) بيانا على هذا الاّ انه جعل البحث عن كون الجزاء فانّه أو محذوفا بلا فائدة لعدم دخل ذلك في ما هو المهمّ في المقام . اذ العمدة ظهور الكليّة للكبرى وعدم القيديّة لقوله من وضوئه لاصالة الجنسيّة في اللام الموجبة لكون ولا ينقض كبرى كليّة للشكل الأوّل منطبقة على صغرى وجدانيّة وهي فانّه على يقين من وضوئه فالصغرى هي هكذا والكبرى عقليّة ارتكازيّة للعقلاء وقد تقدّم في ما مضى عدم وقوع الشكّ للعقل في موضوع حكمه بناء على تسليمه كما مرّ .

بل كلّ ما يحكم عنده له دخل في موضوع حكمه ولو من باب القدر المتيقّن ولا يكون أيضا اشارة إلى قاعدة اليقين بل لا تنطبق إلاّ على الاستصحاب .

هذا مضافا إلى اختلال الاستدلال لو كان اللام للعهد واليقين مختصّا بباب الوضوء لأنّ المدّعى ودليله يكون حينئذٍ شيئا واحدا . فانّ الكلام يكون كما إذا قال العالم متغير والعالم المتغير حادث . مع انه يشترط في كبرى الشكل الأوّل الكليّة فلابدّ أن يكون اللام للجنس حتّى يكون لكلّ يقين ويصحّ الاستدلال اذ بدونه يكون دليل حرمة النقض نفس الصغرى اذ الصغرى فانّه على يقين من وضوئه والكبرى على هذا يكون لا تنقض هذا اليقين أبدا بالشكّ لم يزد فيها شيء سوى تكرار أصل الصغرى غير القابلة للاستدلال الممتنع امثال ذلك من أهل الفصاحة فضلاً عن الامام علیه السلام .

ص: 73


1- . فوائد الأصول 4/335 وما بعده .

هذا ملخّص مرامهم وزبدة كلامهم في المقام . الا انه لا يمكن الجمع بين كون الاستصحاب من الأصول التنزيليّة التي تحتاج إلى عدّة من الشروط منها اتّصال(1) زمان الشكّ باليقين وتقدّم اليقين على الشكّ والاثر الشرعي وعدم كون مثبته حجّة وبين ما هو لازم استدلال هذين العلمين اذ على ما ذكراه لا يزيد على كونه امارة من الامارات العقلائيّة دليلاً امضائيّا لا تأسيس للشارع فيه . وأنت خبير بأن ذلك جمع بين المتناقضين . فامّا أن يكون أصلاً تنزيليّا فلا يمكن الاستناد في حجيّته إلى بناء العقلاء وارتكازهم بل لا سبيل فيه الا التعبّد الشرعي .

واما أن يكون امارة عقلائيّة وبناءً ارتكازيّا منهم فلا يكون أصلاً ويستحيل الجمع بين شيئين هما على طرفي نقيض بل قد عرفت سابقا منّا عدم تعبّد للعقلاء ولا جرى لهم في صورة الشكّ على التعبّد بل اما أن يحتاطوا أو يسيرون على العلم ولا تنزيل لهم كما انه ليس لهم تعبّد في مورد .

والجواب عن هذه المناقضة محصّله ان زرارة رضوان اللّه عليه سئل الامام علیه السلام عن حكم الشبهة الموضوعيّة بأنّه اذا شكّ في حدوث النوم وحصوله بما سأله بان حرّك في جنبه شيء وهو لا يعلم فأجابه علیه السلام بقوله لا إلى قوله علیه السلام والا فانه على يقين من وضوئه بلا تكرّر السؤال عن زرارة وعلل الجزاء بأنّه على يقين من وضوئه ممّا هو وجداني . لأنّه كان على الوضوء وحصل له الشكّ في حدوث الرافع له الا انه لما لم ينقطع ما منه يسئل زرارة الامام علیه السلام وكان موضع أن يقول كيف يمكن أن يدخل في الصلاة ويجيء بكلّ ما مشروط بالطهارة بلا تجديد وضوء في حال شكّه في طهارته مع ان هذه الأمور مشروطة بها ولابدّ في الشرط

اشكال الاستاد

ص: 74


1- . يأتي الكلام على هذا الشرط .

من الاحراز . قال علیه السلام ولا ينقض اليقين أبدا بالشكّ كبرى للمورد ولغيره تعبديا شرعيا مجعولة لا منجعلة امضائيّة بأن احاله على الارتكاز العقلائي لما له من الغفلة عن ذلك فيكون أرشده إلى ذلك بأن البناء العقلائي في كلّ مورد كان لهم يقين بشيء وشكوا في اللاحق فيه على بقائه لتكون كبرى ارتكازيّة عقلائيّة لكن نبّهه على ذلك بل ذكر العلّة وهي قوله فانّه على يقين من وضوئه توطئة وتمهيدا لبيان الكبرى المجعولة الشرعيّة المنطبقة على المقام وعلى كلّ مقام كان مثله ممّا كان له يقين فشكّ في ذلك .

وهذا لان أمر وضعه ورفعه بيد الشارع فله أن ينزل المشكوك منزله المتيقّن فيرتب عليه آثاره وله ان يرفع وينفي فعلى هذا أعطاه وأفاده علیه السلام كبرى كليّة شرعيّة مجعولة بلا اختصاص لها بمقام خاص دون آخر . سواء كان الشكّ في وجود الرافع أو في رافعيّة الموجود .

والحاصل ان منشأ اليقين كلّ ما كان كان وكذا منشأ الشكّ اذ لا عبرة بخصوصيّة معتبرة موجودة في مورد مفقودة في مورد آخر . بل المدار باليقين والشكّ الفعليين . واضافة اليقين إلى المورد وهو الوضوء لأنّ الكلام كان فيه ومفاد ذلك ان كلّ من شكّ في وجود الرافع لوضوئه أو لمتيقن آخر أو في رافعيّة الموجود لمتيقنه فيبنى على بقائه كما كان أوّلاً وجدانا ويرتب عليه آثاره وتشمل الكبرى ما إذا كان الشكّ في البقاء من ناحية المقتضى لأنّ الكبرى كليّة وهي لا تنقض اليقين بالشكّ واحتمال اختصاصها بالوضوء ليس إلاّ من جهة كون اللام للعهد ومنشأ الشكّ احتمال اضافة اليقين إلى الوضوء للتقييد وهو بعيد .

وذلك لأنّ الكلام والسؤال إنّما كان فيه وممّا يشهد لعدم التقييد بل لاحتياج

ص: 75

العلم إلى طرف مضاف كاليقين قوله فانّه على يقين من وضوئه فأتى بلفظة من التي لا يتعدى اليقين بها بل بالباء فهي متعلّقة بالظرف ويكون الكلام في قوّة أن يقال فانّه كان على يقين حاصلاً من وضوئه أو فانّه ثابت من وضوئه على يقين فلا تقيد لليقين بشيء فلا . تصلح قرينة على ظهور اللام في اليقين في قوله ( ولا ينقض اليقين ) في العهديّة وتكون ظاهرة حسب تأيده بالأصل في اللام أيضا في الجنسيّة وتصير كبرى كليّة للمورد ولغيره في الشكّ في الرافع ورافعيّة الموجود والمقتضى لو تمّت أركانه ولم يكن فيه اشكال من جهات اخرى ولا خصوصيّة رجل خاص كما لا خصوصيّة للشكّ في النوم وبباب الوضوء . بل يكون تنزيلاً شرعيّا اما واقعيّا أو ظاهريّا . غاية الأمر لمّا لم يكن غير خال عن أخذ الشكّ في موضوعه يكون تنزيلاً ظاهريّا وتعبّدا كذلك .

ويترتّب على ذلك لزوم الاعادة مثلاً ما لو انكشف الخلاف وانه لم يكن على وضوء حين ما صلّى . ومقتضى التعبّد والتنزيل للشكّ منزلة اليقين حسب ما يستفاد من قوله لا تنقض الممتنع حمله على ظاهره لعدم كونه تحت الاختيار وبداهة انتقاض اليقين قهرا حال حصول الشكّ به لزوم حمل كلّ أثر للمتيقن على المشكوك كما في الطواف(1) بالبيت صلاة المستفاد منه ترتيب كلّ ما للصلاة على الطواف من كونه متطهّرا ذا موالاة في أشواطه الاّ ما إذا قام الدليل على التخصيص بأنّه اذا عرض له حالة فترك ما نقص من أشواطه يتمّها من موضع القطع مثلاً .

بقي الكلام في ان قوله علیه السلام: ولا ينقض اليقين أبدا بالشكّ وانه يكون بمنزلة اليقين غير منقوض ويناسب نفي نقض كلّ يقين غير المنافي لنقض البعض لملائمة

معنى عدم نقض اليقين بالشك

ص: 76


1- . مستدرك الوسائل 9 الباب 38/2 من أبواب الطواف .

سلب العموم مع اثبات البعض .

نعم لو كان سالبة محصلة يفيد العموم وإن كلّ فرد من اليقين لا نقض له ولو كان لعموم النفي فمع اثبات البعض لجواز نقضه يكون على طرف نقيض له وذلك كما صار منشأ للشكّ في قوله علیه السلام: الماء(1) إذا كان قدر كرّ لم ينجّسه شيء ومفاد مفهومه بقرينة المقابلة بين السلب والايجاب انه إذا لم يكن قدر كرّ بل قليلاً ينجّسه

شيء ولا ينطبق إلاّ على ما إذا غيّره الملاقي فلا يمكن التمسّك به على هذا بانفعال القليل بمجرّد ملاقاة النجس ( بخلاف ما إذا لم يكن كذلك بل كان المفهوم ينجّسه كلّ شيء المستفاد من قوله لم ينجّسه شيء أي كلّ شيء شيء من النجاسات لا بالعنوان المجموعي وإن كان في الصورة السابقة أيضا لا يستفاد منه انه ينجس بكلّ شيء إذا غيّره لأن النكرة في سياق النفي استيفد منها العموم بخلاف الاثبات فعلى وحدتها .

وبعبارة اخرى: الحاصل من لا تنقض اليقين الخ هل عموم السلب أو سلب العموم وفرق الأوّل مع الثاني ان العموم في الثاني مسلوب فهو موضوع بخلاف الأوّل ففيه السلب عام لموضوعه .

وملخّص الكلام في ذلك انه تارة يكون المقام ممّا إذا يتصوّر المعنى قبل الحكم عليه كما في لفظة الكل والمجموع والجميع وأمثالها فاذا طرء على أحدها السلب يكون الكلّ مثلاً موضوعا للسلب ومقتضاه عدم ثبوت الحكم على المجموع فلا ينافي ثبوته للبعض كما اذا قال لا تأكل كلّ رمانة سواء كان ذلك في النفي أو النهي بلحاظ المعنى .

ص: 77


1- . الوسائل 1 الباب 9/1 - 2 - 4 الى 6 من أبواب الماء المطلق .

وتارة لا يمكن تصور المعنى لعدم كونه اسميا بل اذا استعمل اللفظ يحصل له الوجود بالانشاء والايجاد . فحينئذٍ يستحيل كون السلب واردا على العموم المستفاد من المعنى الحرفي كالألف واللام سواء كان الجمع أو المفرد المحليّان بالألف واللام موضوعين بهذه الهيئة للعموم على نحو التركيب أو لا فلا محالة يكون المعنى والمراد عموم السلب وعلى نحو يشمل كلّ فرد من موضوعه بلا فرق بين استفادة العموم من الوضع أو الاطلاق كما في النجس .

فعلى هذا قوله ( ولا ينقض اليقين الخ ) يفيد عموم السلب لا سلب العموم وحاصل المعنى حرمة نقض كلّ يقين بالشكّ .

تنبيه: قد تخيّل من قوله علیه السلام أو استشكل بعدم استفادة عموم السلب المفيد قاعدة كليّة هي حرمة نقض كلّ يقين بالشكّ بل المستفاد سلب العموم غير المنافي بجواز نقص بعض أفراد اليقين بالشكّ .

وتصدّى المحقّق النائيني قدس سره (1) لدفع هذا التوهم ببيان علمي وبرهان منطقي خارج عن دعوى الظهورات المبتنية عليها استفادة المطالب في المحاورات وأراد سيّدنا الأستاذ قدس سره في بدو كلامه شرح غرضه قدس سره الا ان عنان الكلام لم يستقم على لسانه وجال في ميادين نائية عن المقصد ولا بأس بذكر ما جرى منه على القلم فقال قدس سره: لا مجال لهذا التوهّم مع قطع النظر عن ذيل المضمرة بأن يكون المفاد

سلب العموم مع صرف النظر عمّا مرّ من كون المعنى الحرفي ايجاديا . واما معه فلا وجه له بداهة ظهور الكلام حينئذٍ في حرمة نقض كلّ فرد من اليقين بالشكّ اذ قوله في ذيلها ( ولكن ينقضه بيقين آخر في قوة حصر الناقض باليقين . فكيف يجامع

دفع توهم ارادة سلب العموم

ص: 78


1- . فوائد الأصول 4/338 وما بعده .

جواز التخصيص بغيره من الشكّ هذا . وما يمكن أن يكون شرحا لمراد المحقّق النائيني قدس سره هو ما أفاده من امتناع كون مقتضى الشيء رافعا له كما ان علّة عدم الشيء لا تكون موجبة لوجوده وحصوله .

ومن المعروف عن أهل الأدب ان حرف النفي لو تقدّم على المنفي يكون المستفاد ثبوته للبعض ( قال في التلخيص نقلاً عن عبدالقاهر انه إن كانت كلمة كلّ داخلة في حيّز النفي بأن أخّرت عن أداته نحو ( ما كلّ ما يتمنّى المرء يدركه ) أو معمولة للفعل المنفي إمّا فاعلاً نحو ما جائني القوم كلّهم أو ما جائني كلّ القوم أو

مفعولاً نحو لم آخذ كلّ الدراهم أو كلّ الدراهم لم آخذ توجه النفي إلى الشمول خاصّة وأفاد الكلام ثبوت الفعل أو الوصف لبعض أو تعلقه به والأعمّ كقول النبي صلی الله علیه و آله (1) لما قال له ذواليدين اقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول اللّه كلّ ذلك لم يكن الخ ) .

وهذا لو كان فا بمعنى والا ففي مثل ان اللّه لا يجب كلّ مختال فخور(2) لا ثبوت للبعض ونظير هذه الأمثلة ما يقال من ان ليس كلّ ما يعلم يقال أو كلّ ما يعلم ليس يقال وفي هذه الموارد وأمثالها لابدّ من كشف الأصل وتحرير القاعدة لو لم يكن قرينة والاّ فعند القرينة لا اشكال في استفادة العموم للنفي أو نفي العموم

كما في لا تأكل كلّ رمانة في البستان ممّا يمكن أكل الجميع .

والحاصل انه اختلفت كلمات الأصحاب في انّ للعموم صيغة تخصّه كما للخاص ومثل المثبت بكلّ والجميع وما شاكلهما في افادة معنى العموم كنفس لفظة

ص: 79


1- . بحار الأنوار 17/111 - 124 نقلاً عن العامّة .
2- . ان اللّه لا يحبّ من كان مختالاً فخوراً . النساء الآية 37 .

العموم كلّها من حيث المعنى كما في باقي اختلافاتهم في ما يستفاد من فنون تصاريف الكلام وأنحاء تطوّراته من جواز استعمال اللفظ في معنيين بعد أن كان اللفظ قالبا بتمامه للمعنى الا ان زبدة المقال انه اذا كان العموم متأخرا رتبة عن أداة

النفي كلّ ما كانت لا أو ليس أم ما أو غيرها فلا يمكن ما أوجد الشيء ان يرفعه وإلاّ فان كان متعلّقا وموضوعا لاداة النفي وهي ترد عليه فهنا يمكن أن يسلب العموم في غير ما اذا كان المعنى ايجاديا بل كان قابلاً للتصور في الرتبة السابقة .

ففي مثل النكرة في سياق النفي لا يمكن أن يستفاد سلب العموم لأنّ العموم إنّما يحصل بعد ورود أداة النفي فكيف ينفي بها وذلك لجريان مقدمات الحكمة واستفادة العموم الاطلاقي من اللفظ كما في مثل اذا كان(1) الماء قدر كر لم ينجسه شيء ففي هذا الكلام المسلوب تنجس الماء بالشيء المطلق الواقع في حيّز النفي وبمقتضى دلالة السياق استفيد عقلاً عموم السلب للتنجيس والا فالنفي لم يرد إلاّ على الطبيعة بلا تنوين للأفراد . فالعموم متأخّر رتبة عن أداة النفي فلا يكون منفيا

بها وداخلاً في حيّزها ولما كان المقام في باب المفاهيم مقام الاستفادة فكلّ ما يكون من العموم والخصوص للمنطوق بمقتضى دلالة المفهوم يكون له ولو كان نقيض السالبة الكليّة الموجبة الجزئيّة لعدم كون باب المفاهيم على التدقيق بل من باب ظهور الكلام . فلا غرو في دعوى كون المفهوم انه اذا لم يكن قدر كرّ ينجسه كلّ شيء أو شيء المراد به الطبيعة لا الوحدة فيستفاد من ذلك عموم التنجيس لمطلق النجس اذا لاقى الماء . وأمّا في مثل كلّ والجميع من المعاني الاسميّة القابلة

للتصوّر فالنفي يرد عليها وهي تقبل ذلك .

ص: 80


1- . الوسائل 1 الباب 9/1 - 2 - 4 إلى 6 من أبواب الماء المطلق .

فيستفاد منها في بعض الموارد أو غالبا نفي العموم وسلبه لتعدّد الدال والمدلول وتصورهما معا مع امكان ورود النفي في هذه الصورة أيضا على تالي لفظة الكل فيكون المستفاد عموم السلب . كما في لا تكرم كلّ فاسق فانّه قابل للوجهين وأمّا المفرد أو الجمع كذلك فقد تكون الكلمة بمجموعها موضوعة للعموم كما هو أحد القولين فهي قابلة للتصور ولا يرد النفي الا عليها وتسلب الكلية غير المنافية لثبوت البعض تحت الحكم كالكل . واخراج البعض ربما يكون بالتخصيص الذي هو اعدام الفرد إمّا تكوينا كما بالموت أو تعبّدا في مقابل التقييد فانّه عبارة عن الاخراج في حال مقابل الاطلاق الأحوالي . الا ان هذا كلّه يمكن أن يكون على نحو المجموعيّة أو الشموليّة وإمّا في غير هذه من المطلق البدلي والمفرد المحلّى باللام فبناء على ما حقّقه المحقّق النائيني وبنى عليه من ايجاديّة

المعنى الحرفي فلا تقدم للعموم في المحلّى على النفي فهو والبدلي سواء في استفادة العموم بعد ورود النفي منهما ولا يمكن جريان نفي العموم في ذلك كما في لا تنقض اليقين وبناء على كون المعنى الحرفي أيضا قابلاً للتصوّر كما في الاسمي غاية الامر لا بالاستقلال فيمكن فيه أيضا ما في الكلّ وكذا لام الاستغراق .

توضيح وتكميل: قد ذكرنا ما يقرب الاستدلال على حجيّة الاستصحاب من جهة الاخبار في صحيحة(1) زرارة ولها صحيحة(2) اخرى مضمرة ولا يضر اضمارها كما في الاولى فقد روى انه قال قلت له أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شيء من منيّ فعلمت أثره إلى أن اصيب له (من ) الماء فاصبت وحضرت

الاستدلال على عموم السلب

ص: 81


1- . الوسائل 1 الباب 1/1 من أبواب نواقض الوضوء .
2- . الوسائل 3 الباب 7/2 من أبواب النجاسات، التهذيب 1/446 .

الصلاة ونسيت ان بثوبي شيئا وصلّيت ثمّ انّي ذكرت بعد ذلك .

قال علیه السلام: تعيد الصلاة وتغسله .

قلت: فاني لم أكن رأيت موضعه وعلمت انه أصابه فطلبت فلم أقدر عليه فلمّا صلّيت وجدته .

فقال

علیه السلام تغسله وتعيد .

قلت: فان ظننت انه أصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا ثمّ صلّيت فيه فرأيت فيه قال علیه السلام تغسله ولا تعيد الصلاة .

قلت: لِم ذلك ؟ قال: لأنّك كنت على يقين من طهارتك ثمّ شككت فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك أبداً .

قلت: فاني قد علمت انّه قد أصابه ولم أدر أين هو فاغسله .

قال: تغسل من ثوبك الناحية التي ترى انه قد أصابها حتّى تكون على يقين من طهارتك .

قلت: فهل عليّ إن شككت انه أصابه شيء أن أنظر فيه ؟

قال: لا ولكنّك إنّما تريد أن تذهب الشكّ الذي وقع في نفسك .

قلت: إن رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة .

قال: تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته وإن لم تشكّ ثمّ رأيته رطبا قطعت الصلاة وغسلته ثمّ بنيت على الصلاة لأنّك لا تدري لعلّه شيء أوقع عليك . فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشكّ وهذا الخبر قد اشتمل على قطعات من صورة العلم التفصيلي بوقوع النجاسة في الثوب والعلم الاجمالي وصورة النسيان لها وفي أثناء الصلاة ومن القطعات ما علّل فيها الحكم بعدم نقض

ص: 82

اليقين بالشكّ .

وقد تكلّم سيّدنا الأستاذ قدس سره في جملة منها في ما أفاد في ليالي شهر رمضان بعنوان البحث التعطيلي وقد فاتنا ضبطه وأتى بما لا مزيد عليه الا ان ما له ربط بالاستصحاب هو قوله فان ظننت انه أصابه ولم اتيقن ذلك فنظرت فلم أر شيئا ثمّ صلّيت فيه .

قال

علیه السلام: تغسله ولا تعيد الصلاة .

قلت: لِمَ ذلك ؟

قال: لأنّك كنت على يقين من طهارتك فشككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبدا .

حيث علّل علیه السلام عدم اعادة الصلاة بعدم اليقين بوقوعها في النجاسة حسب ما وقع في كلام زرارة بقوله لانك كنت على يقين من طهارتك وليس ينبغي الخ واستشكل بأن الاعادة حينئذٍ لا تكون من نقض اليقين بالشكّ بل باليقين . لأنّه قد علم ان المعادة لم تقع في الطهارة التي هي شرط أو لم تكن فاقدة للمانع الذي هي النجاسة واجيب بوجوه:

منها: ان التعليل إنّما هو لجواز الدخول في الصلاة وأمّا بعد اليقين فالتزم بما ذكر .

ومنها: ان ذلك من جهة اقتضاء الأمر الظاهري الاجزاء ودليله نفس تلك الرواية وإن كانت الطهارة بواقعها شرطا .

ولا يخفى ما في هذين الجوابين فانّه كيف يكون لأنّك تعليلاً لجواز الدخول في الصلاة مع ظهور الرواية بخلافها مع ان فيه ما لا يخفى . ويبقى حينئذٍ

الكلام في صحيحة اخرى لزرارة

ص: 83

عدم الاعادة بلا وجه . وأجاب المحقّق النائيني رحمه الله(1) عن الاشكال وفصل في المقام وأطال الكلام الا انا نذكر ملخص ما أورده لدفع الاشكال .

قال

رحمه الله: ان الصلاة بالنسبة إلى النجاسة يمكن أن تكون مقيّدة بعدمها الواقعي بمعنى كونها مانعة بوجودها الواقعي وإن لم يعلم بها المصلّى ويمكن أن تكون الطهارة شرطا إمّا بوجودها الواقعي أو الأعم من ذلك ومن الاحراز فمن يكون ملتفتا إلى ذلك فبالنسبة إليه . الشرط . الاحراز ومن لم يكن كذلك فالشرط الوجود الواقعي اذ لو كان الاحراز مطلقا شرطاً للزم بطلان صلاة من صلّى مع الطهارة واقعا بلا التفات فيحرز ذلك وكذا لا يمكن أن تكون النجاسة بوجودها العلمي مانعة . والاحراز في ما ذكرنا والعلم تارة يكون بنحو الصفتية والموضوعيّة واخرى يتصوّر بنحو الكاشفيّة والطريقيّة . وذكر جهات القطع والعلم الاجمالي وارجعها إلى أربع . بماهي صفة . وبما هو كاشف . وبما هو يترتب عليه الأثر في مقام العمل . وبما هو منجز ( وليعلم ان مبنى الاشكال والجواب بناء على كون المنكشف بعد الصلاة هي التي ظنّ وجودها قبلها وإلاّ فان احتمل وقوعها بعد الصلاة أو في الاثناء ومن أوّل الأمر فينطبق على الصورة التي فرضها السائل بعد ذلك وأجيب بأنّه لعلّه شيء أوقع عليك ) .

والحاصل ان الاستصحاب يقوم مقام القطع بالنطر إلى جهتيه الاخيرتين

كساير الأصول بالنسبة إلى الأخيرة فله جهة احراز ويكون من الأصول المحرزة ( وتختلف عبارات الاستاذ في ذلك فتارة يجعل حظّ الاستصحاب من الأربع جهات الأخيرتين ويقدمه بذلك على باقي الأصول التي لا تكون محرزة كما يقدم

قيام الاستصحاب مقام القطع في جهتيه

ص: 84


1- . فوائد الأصول 4/344 وما بعده .

عليها الامارات لأن لها الجهة الثانية من القطع وهي كاشفيّتها واخرى يعبر عنه بالأصل المحرز وهو الكاشف الا ان يريد كشفه تعبّدا ) وأمّا الجهة التنجيزية فيشاركه فيها الأصول حتّى الاحتياط بقسميه كالشرعي في الأموال والأعراض والنفوس والعقلي في أطراف الشبهة المحصورة . فانّه يقوم مقام القطع في جهة التنجز . فلو كان الاحراز في ما نحن فيه شرطا فينطبق قوله علیه السلام في التعليل لأنّك كنت على يقين الخ غاية الأمر كان الامام علیه السلام نبّهه على ان الاستصحاب في المقام من جهة فعليّة اليقين والشكّ بالنسبة إليه حيث لم يتيقّن من الفحص بالعدم حتّى يخرج عن الاستصحاب . بل اليقين السابق على ظنّ الاصابة والشكّ اللاحق الحاصل بعد حصول الظن لا اليقين الحاصل من الفحص حتّى يكون قاعدة اليقين فانّه خلاف ظاهر الخبر . ويكون المتيقن من موارد عدم لزوم اعادة الصلاة حسب اتّفاق أخبار الباب عليه المفصل بعضها بين من فحص وغيره وكذا لو كان المانع هي النجاسة . الا انه يتوجّه على المحقّق النائيني رحمه الله انّه لو كان المانع هي النجاسة بوجودها العلمي والطهارة عن النجاسة المعلومة كانت شرطا فعند الشكّ يكون قاطعا بحصول الشرط وفقد المانع ولا واقع وراء ذلك . فحينئذٍ تعبده بالاستصحاب يكون من باب تحصيل الحاصل من ارائة الذي هو للحاصل بالوجدان بالتعبد فتأمّل .

توضيح وتبيان: قد مرّ تقسيم جهات القطع عن المحقّق النائيني قدس سره إلى أربع أوّلها بما هو صفة قائمة بنفس القاطع وفي هذه المرتبة والمرحلة لا يقوم مقامه شيء من الأمارات والأصول ويمكن أن يكون منه اليقين في ركعتي الرباعيّة الأوليين والثنائيّة كما انه يمكن أن يكون مأخوذا بعنوان الكاشفيّة

ص: 85

والاحراز وهي الجهة الثانية من جهاته وفي هذه الرتبة يقوم مقامه الامارات والأصول المحرزة ومنها الاستصحاب وهو المراد ببعض الأصول في تعبير الشيخ(1) بقيامه مقام القطع الطريقي في أوّل رسالة القطع . وحينئذٍ ففي الاوليين من الرياعيّة والثنائيّة فيما ذكرنا يحصل اليقين والعلم بهذه الجهة بالامارة كخبر العادل الواحد وكالظن فان له اماريّة وكاشفيّة والثالثة جهة التنجز أو هي الرابعة والثالثة تطبيق الصورة على الخارج وكونه القاطع وفي هذه المرتبة يقوم مقام القطع الأصول غير المحرزة بأقسامها من التنزيليّة وغيرها وحسب ترتب هذه المراتب تتقدّم الأمارات على الأصول ولو الاستصحاب ويقدم هو على باقي الأصول من حيث الرتبة الثالثة وهي كونه كالقاطع في العمل بخلاف ساير الأصول فانّ لها التنجّز لموضوعها لا غير وفي تربيع الجهات نظر من حيث عدم احراز في الاستصحاب بل له التنجز كساير الأصول وهي الرتبة الثالثة وان يعمل عمل القاطع وبينه وبينها فرق من جهة تصرّف الشارع تعبّدا في الشكّ بخلاف باقي الأصول فحكم على موضوعها بلا تصرّف . وفي رتبة التنجز يقوم كلّ شيء مقام القطع حتّى الأصل العقلي اذ لا يكون العلم الاجمالي كالتفصيلي بحيث يبيّن المعلوم انه هذا أو ذاك وإلاّ لخرج عن كونه اجمالاً بل هو قضيّة معلومة مضمومة إلى قضيّة اخرى مانعة الخلوّ إلاّ ان له المنجزيّة فلو ارتكب أحد أطرافها في المحصورة مثلاً وصادف الواقع يعاقب وكذا الأصل الشرعي من الاحتياط وغيره وبما ذكرنا ظهر وجه انحصار الأصول في الأربع عقلاً وأفاد سيّدنا الاستاذ قدس سره انه إمّا أن يتصرّف الشارع في الشكّ أم لا وحينئذٍ فاما يحكم بالترك أو بالفعل أو

ص: 86


1- . فرائد الأصول 1/6 .

بالتخيير هذا . ويمكن كون العلم مأخوذا في موضوع الحكم لمانعيّة النجاسة بنحو الكاشفيّة وكذا التنجزيّة واما الصفتية فاعترف بعدم العثور عليها وعدم مورد لها في موضوعات الأحكام وكذا يمكن أن تكون الطهارة شرطا للصلاة عن النجاسة المعلومة وينطبق التعليل على المقام بكلّ هذه الوجوه الا انه من جهة تعليل الحكم بعدم الاعادة بالمورد والاستصحاب كليهما في المقام استفاد أخذ العلم بنحو التنجز والاستصحاب دخيل في ذلك على هذا الوجه . ولو كانت النجاسة الواقعيّة بما هي غير مانعة والطهارة عنها لم تكن شرطا لكان التعليل بقوله علیه السلام لأنّك ما علمت بالنجاسة اذ حسب الفرض لا دخل لواقعها فيها لكنه يعلّل بذلك ولم يقتصر على المورد فقط بيان ذلك . ان السؤال ابتداءً في الصحيحة وقع عن النجاسة المعلومة تفصيلاً غاية الأمر عن نسيان وعقبه بسؤال ما إذا لم تكن معلومة الا اجمالاً وحيث ان العلم الاجمالي لا يؤثّر في الأطراف إلاّ التنجز . وعلى تقدير المصادفة يستحق العقاب والأطراف بعد باقية على مشكوكيّتها فالجامع بين الصورتين ما اذا علم تفصيلاً وما علم اجمالاً هو التنجز للعلم . وعليه فلابدّ أن يجتنب عن النجاسة الخبثيّة المنجزة في الصلاة في مفروض الفرضين حسب الجامع .

وأمّا ما نحن فيه فحيث لم تكن النجاسة منجزة بل ظنّ الاصابة والظنّ اذا لم يعتبره الشارع فلا يكون له حجيّة فعلّل عدم لزوم الاعادة بعد انكشاف الخلاف بأنّه كان على يقين من طهارته فلم تكن النجاسة معلومة له منجزاً لزوم الاجتناب عنها في الصلاة فلا يكون لوجودها الواقعي أثر . غاية الأمر حيث ان الشكّ بما هو شكّ لا يكون عذرا ما لم يجعله الشارع كذلك ولذا لا يمكن الاعتذار في الشبهات

امكان كون الشرط الطهارة عن النجاسة المعلومة

ص: 87

البدويّة بالشكّ في الحكم ما لم يدلّ دليل عقلي أو لم تقم حجّة شرعيّة على البرائة وخلو الذمّة عن شاغل فاحتيج إلى ما يكون عذرا للدخول في الصلاة حين الشكّ بأن يكون له احراز فاتى بالاستصحاب متمّما للعلّة حيث انّه تصرّف في الشكّ تعبّدا بأن يعمل حينئذٍ عمل المتيقن ولو اقتصر على غير المورد فقط وهو الاستصحاب لكان يكشف عنه دخل العلم بجهة الاحرازي الا انه لمكان حصول التعليل بالمورد وتحصيل الوجه بكونه موضوعا مأخوذا على المنجزيّة .

وعلى هذا فلا نحتاج إلى الجمع بين الأخبار الواردة في المقام بما أفادوا من الجمع الذي صار إليه سيّدنا الأستاذ قدس سره في بحث شهر رمضان من كون الغافل غير معتبر في حقه شيء بخلاف الملتفت فلابدّ من الاحراز وبدونه لا وجه لصحّة صلاته لو كانت في النجس . وإلاّ ففي غير صورة تحقّق قصد القربة ومن غير هذا الجمع بل من أوّل الأمر يدّعي كون النجاسة بوجودها العلمي المنجزي مانعة وأمّا وجودها الواقعي فلا سواءً في حقّ الغافل أو غيره بل الغافل لا مانع له واقعا .

وأمّا الملتفت الشاكّ فيحتاج إلى مجوز للدخول في الصلاة فرجع دعوى المحقّق في المقام إلى أمرين: أحدهما كون التعليل الصغرى اى المورد والكبرى أي الاستصحاب معا فاستنتج منه ما ذكر والآخر جمعه بين الأخبار بما سمعت وجعل الأمر الأوّل قرينة على ارادة المنجزيّة من قوله علیه السلام إن كان لا يعلم فلا يعيد في خبر(1) عبدالرحمن عمّن صلّى في عذرة انسان أو سنور أو كلب الا ان في افاده أخيرا من كون الشكّ ليس بمجرّده عذرا لا محصّل له في المقام بل هو إنّما يصحّ في الشبهات الحكميّة وأمّا فيما اذا لم يكن العلم طريقا بل أخذ على نحو

ص: 88


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 40/5 من أبواب النجاسات .

الموضوعيّة فلا موضوع لهذا الكلام ولا محصل له فتدبر .

طور آخر من البيان: محصّل ما أفاده المحقّق النائيني قدس سره وأراده في المقام للتعليل المعلّل به عدم الاعادة بعد انكشاف وقوع الصلاة في النجاسة . ان التعليل لو كان منحصرا بالاستصحاب بلا ضم المورد إليه كان هناك بدلالة الاقتضاء لحسن التعليل بالكبرى ( أي لا تنقض اليقين بالشكّ أحد شيئين . اما اقتضاء الأمر الظاهري للأجزاء واما كون الشرط هو احراز الطهارة أو كون الطهارة أعم من الواقعيّة والظاهريّة . وذلك لعدم حسن التعليل بالاستصحاب الا بذلك وحيث لا معين لأحد الاحتمالين يكون التعليل مجملاً لا يستفاد منه شيء بخلاف ما اذا ضمّ المورد إليه وكانا تعليلاً معا لعدم لزوم الاعادة بعد انكشاف وقوع الصلاة في النجاسة الخبثيّة وذلك لرفع الاجمال عن وجه التعليل وتعينه في بيان نفي المانع التي هي النجاسة المنجزة لا بواقعها فحينئذٍ يكون تمام التعليل بالاستصحاب لكن بجهته التنجزيّة لا بما هو محرز للواقع تعبّدا بتصرّف من الشارع في الشكّ . الا ان التعليل بالمورد وهو انك كنت على يقين من طهارتك كان محتاجا إليه من جهة الشكّ . فلابدّ من رفعه للدخول في الصلاة بأصل أو بالوجدان أو امارة وحيث ان المقام مقام الأصل الموضوعي قدم على اصالة البرائة وأمثالها اذ الشكّ بما هو شكّ لا يكون عذرا كما تقدّمت إليه الاشارة ما لم يجعله الشارع كذلك . وفي الشبهات الحكميّة يكفينا الاطلاقات المقاميّة وغيرها الا ان في الشبهات الموضوعيّة كما في المقام فلم يعلم حمّاد مثلاً بأيّ نحو أوقع الامام علیه السلام الصلاة بالنسبة إليها في مثل النجاسة الخبثيّة . فلذا لابدّ من تحري ما به يدخل في الصلاة ولو كان المقام مقام استفادة ان النجاسة بواقعها لا تكون مانعة بل بما هي منجزة مع

بيان المحقّق النائيني

ص: 89

قطع النظر عن باقي أدلّة الباب ولا مضايقة في التعابير بل ما أفاد المرام متّبع اذا كان تام الدلالة على المطلوب والمدعى .

فمحصّل مرامه قدس سره إلى هنا .

ان المستفاد من المورد ومن كبرى الاستصحاب ان النجاسة بواقعها لا تكون مانعة ولا الطهارة عنها شرطا . وسيق المورد لجواز التلبّس بالصلاة حال الشكّ في النجاسة وعدمها فربما احتمل أن يكون الشارع أوجب الاحتياط والكبرى ( لتعميم التعليل ولابدّ فيها أن تكون منطبقة على المورد وعلى غيره كما هو الشأن في مطلق الكبريات فانّها ما لم تكن كلية لا تقع كبرى لصغرياتها بحيث يستنتج منها الأحكام حسب ترتب الشكل الأوّل كما هو الغالب . الا ان جهة كاشفيّة الاستصحاب واحتمالها اندفعت بضمّ المورد إليه مع دلالة الاقتضاء المقتضي لحسن التعليل لو كان بالاستصحاب وحده .

إن قلت سلّمنا ما ذكره قدس سره الا ان النجاسة المانعة لو كانت هي المنجزة المعلومة . فمجرّد الشكّ في النجاسة كافٍ في جواز الدخول في الصلاة بلا احتياج إلى الاستصحاب بل كان التعليل بعدم منجزيّة النجاسة فلم تكن بواقعها مانعة والطهارة عنها شرطا . فكان الامام علیه السلام من أوّل الأمر يقول في جوابه لم ذلك . لعدم تنجزها عليك حيث كنت شاكّا فيها .

قلت: انّ النجاسة لم تكن منعزلة كلية بحيث لا يكون لواقعها أثر أصلاً بل يستكشف من الأدلّة الدالّة على اعتبار خلو المصلّى عنها في لباسه وبدنه انّ لذلك مصلحة دخيلة في باقي ما يعتبر في الصلاة من الأجزاء والشرايط ولذا عبّرنا عن ذلك بالنجاسة المنجزة ولكن حيث كان المستفاد من ما ذكرنا عدم دخل كليا

ص: 90

لواقعها في الصلاة فاذا وقع الشكّ فيها فيمكن أن يكون الشارع أوجب الاحتياط حينئذٍ كما أوجب في الأموال والفروج والنفوس .

ولا اشكال في لزوم متابعته عند ذلك وعدم جواز الدخول في الصلاة على حال الشكّ بل لو لم يكن الا الاحتياط العقلي أيضا فخالف وصلى وانكشف وقوعها في النجاسة كان عليه الاعادة لتنجزها عليه .

ولما ذكرنا وقع في تعبير المحقّق النائيني المنجزة ولو بوجه وهو كالاحتياط العقلي . فعلى هذا لابدّ في صورة الشكّ من مجوز للدخول في الصلاة ولو كان أصل البرائة اذ كررّنا إنّ الشكّ لا يكون عذرا لاحتمال ايجاب الاحتياط من الشارع .

فاذا كان الأمر كذلك فحيث ان ما نحن فيه من الشبهة الموضوعيّة وكان له أصل موضوعي قدم على البرائة وجرى لاحراز عدم النجاسة كي يدخل في الصلاة . وعدم الاعادة بعد انكشاف الوقوع في النجاسة إنّما هو على القاعدة لعدم دخل للواقع بما هو واقع في ذلك . ولو لم يكن مقام الأصل الموضوعي كان المقام من الأصل الحكمي فاما أن يصار إلى الاحتياط أو البرائة على المبنيين في الأقل والأكثر الارتباطيين في الشكّ في المكلّف فيه .

ولو لا جريان البرائة لما جاز الدخول في الصلاة والتلبّس بها لتوقّف امتثال الاجزاء والشرايط المعلومة على ذلك وربما جرى استصحاب الاشتغال في بعض الموارد ولا ينافي ذلك كون النجاسة بوجودها التنجزي مانعة والطهارة عنها شرطا . اذ الاتيان بالباقي مربوط به للفرق بين الشكّ في اعتبار شيء في شيء وفي اشتغال الذمّة بشيء ابتداءً مع ان فيه أيضا نحتاج إلى البرائة ولا يجوز بمجرّد

لابدّ من مجوّز للدخول في الصلاة

ص: 91

الشكّ التقحم فيه . وعلى هذا فما استشكلنا عليه قدس سره من كفاية نفس الشكّ في جواز الدخول في الصلاة في ما كان النجاسة المعلومة مانعة لا يرد عليه ولا وجه له كما علمت ممّا ذكرنا في بيان مرامه قدس سره فتأمّل في أطراف ما ذكره جيدا .

فذلكة: قد تبيّن ممّا ذكرنا انه لو كان المورد والاستصحاب معا تعليلاً لعدم الاعادة فيستفاد منه انّ النجاسة المنجزة مانعة بالتقريب الذي تقدّم وقد أستظهرنا ان ذلك هو التعليل لا الاستصحاب فقط . والمورد ذكر توطئة كما قيل مثل ذلك في مضمرة زرارة(1) الأولى ولو كان الاستصحاب بنفسه تعليلاً للمورد فيستفاد أحد أمور ثلاثة على نحو الاجمال . اما ان الطهارة شرط أي الطهارة المستصحبة لا احرازها . وذلك لأنّ الاستصحاب لا اماريّة له حتّى يكون من شأنه الاحراز بل إنّما هو أصل عملي مقتضاه لزوم عمل الشاكّ عمل المتيقّن ممّن يشكّ وبعد يقينه ولا معنى للاحراز التعبّدي كما هو الدائر على الألسنة . وذلك لأن الاحراز عبارة عن الكشف وهو من شؤون الامارات فالاستصحاب بمعزل عنه بمعنى ان الشرط أعم من الطهارة الواقعيّة والظاهريّة المستصحبة أو الثابتة بالأصل غير التنزيلي . أو

يفصل بين الغافل والملتفت فالاحراز شرط للثاني دون الأوّل فلا شرطيّة في حقّه أصلاً وأمّا إنّ النجاسة بوجودها التنجيزي مانعة . واما أن الأمر الظاهري مقتضى للاجزاء وذلك لأنّ التعليل بالاستصحاب في حدّ نفسه لا حسن فيه بعد ان لم تكن النجاسة بواقعها مانعة وإلاّ فالاعادة بعد كشف وقوع الصلاة فيها ليست من نقض اليقين بالشكّ بل باليقين . فدلالة الاقتضاء في المقام تقتضي تتميم التعليل بأحد الأمرين اما الاشارة إلى كفاية الاحراز يعني الاستصحاب فلا دخل للواقع . أو

ص: 92


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/1 من أبواب نواقض الوضوء .

اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء ( أقول كان الاحتمال الثالث وهو كون مانعيّة النجاسة بوجودها التنجزي لم يقع في كلام النائيني على هذا التقدير وهو زيادة بيان من سيّدنا الأستاذ لاستقصاء الاحتمالات .

وعلى هذا فانطباق التعليل عليه إنّما هو لبيان عدم تنجز النجاسة لا لخصوصيّة في الاستصحاب . بل الاستصحاب في المقام صار مانعا من تنجز النجاسة في الحكم . والوجهان السابقان لهما الموضوعيّة لا من باب المورديّة وحينئذٍ يرد عليه بأنّه خروج عن محلّ البحث . اذ هو مبنى على أن يكون التعليل بنفس الكبرى وفي المقام لم تقع الكبرى تعليلاً بل قوله ( لأنّك كيف على يقين الخ ) لأنّه مانع عن تنجز حكم النجاسة ولو بتبعيّة الكبرى وكونه فردا لها . وحينئذٍ

لا تكون الكبرى بنفسها تعليلاً بل يرجع إلى أنّ التعليل وقع بكليهما فيرجع إلى ما تقدّم البحث فيه . بل يمكن أن يقال بعدم كفاية التعليل بالاستصحاب نفسه في الصورتين ما لم ينضم إليه المورد . الا ان فيه انه لا احتياج إلى ضم المورد الذي وقع في كلام الامام علیه السلام بقوله ( لأنّك ) بل نفس الكبرى والتعليل واردان على المورد للسؤال وهو الشبهة الموضوعيّة ) .

إن قلت: كون النجاسة منجزة ومانعيتها على هذا التقدير تستلزم الدور وذلك لأنّ التنجّز ليس من أحكام نفس النجاسة اذ هي اما موجودة تكوينا أو لا بل ذلك من أحكام الحكم والتكليف فلابدّ أن يكون لواقعه دخل وجعل حتّى يكون تنجزه متمّما لموضوع المانعيّة في الصلاة للنجاسة . والفرض ان بالتنجز تحصل المانعيّة فالمانعيّة موقوفة على التنجز والتنجز موقوف على المانعيّة أي الحكم وإن لم يكن منجزا وهذا هو الدور .

الكبرى وحدها لا تكون تعليلاً

ص: 93

قلت: نعم إذا كان حكم النجاسة منحصرا بالمانعيّة فيلزم ما ذكرت من الدور وامّا إذا كان للنجاسة بوجودها الواقعي أحكام من حرمة الأكل والشرب والاستعمال في غير الصلاة ممّا هو مشروط بالطهارة وتنجس ملاقيها فيمكن ان يكون تنجز حكم النجاسة بالنسبة إلى هذه الأمور موجبا لحصول المانعيّة وبالجملة يكون الحكم ولو بتعبير المحقّق الخراساني ثبوت له في مرحلة الاقتضاء دون التنجز وهذا ليس من أخذ العلم بالشيء في متعلّق نفس ذلك الشيء موضوعا أو حكما حتّى يجري فيه الدور . وهذا من آثار نفس النجاسة بذاتها لا بوجودها في محل حتّى يستشكل بفرض مورد لا يكون له هذه الآثار لوجودها في ذلك المحل غير القابل للأكل والشرب وانحصار أثره بالمانعيّة للصلاة كما أوردوا ذلك على سيّدنا الأستاذ قدس سره في البحث بالعباء النجس مع ما في هذا المثال أيضا من الخدشة بعدم الانحصار لحكمه فيما ذكر . بل يمكن أن يكون موردا للاحتياط الشرعي أو العقلي بالاجتناب عنه ولو عن ملاقيه لا في الصلاة بل بالرطوبة في الأكل والشرب ( وكذا لا اشكال في تقيد الحكم بالعلم بالنجاسة بنحو انه اذا علمت بالنجاسة فلا تصل فيها الا ان ذلك بوجودها الاحرازي والطريقي وخارج عن محطّ البحث ) . وعلى هذا فلا مانع على تقدير كون التعليل نفس كبرى دليل الاستصحاب بلا ضم المورد إليه بل هو إنّما وقع توطئة لبيانها كما في مضمرة زرارة(1) الأولى من قوله علیه السلام ( والا فانه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين أبدا بالشكّ ) وينطبق التعليل على المورد أيضا ( أقول: ما ذكره هنا من مقايسة المقام بمضمرة زرارة الأولى لا يخفى ما فيه لأن كون والا فانه على يقين بناء على

ص: 94


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/1 من نواقض الوضوء .

ذكره أي فانه الخ تمهيدا وتوطئة للكبرى يمنع من صيرورة الكبرى كبرى حيث ان اللام يكون ظاهرا في العهديّة ولا صغرى لهذه الكبرى . بل يقع جوابا لقوله إلاّ وقد مرّ تزييفه في محلّه بعدم معهوديّة ربط الجزاء بالشرط بالواو بل بمطلق حرف العطف الا ان انطباقه على المورد بتتميم ذلك بضم اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء حيث لا يصحّ ولو بدلالة الاقتضاء فلابدّ من الحمل على اشتراط الطهارة الظاهريّة أو على عدم تنجز النجاسة .

ولكنّه على هذا يقع الاشكال بكفاية الشكّ في جواز الدخول في الصلاة بلا احتياج إلى الاستصحاب على التقدير الثاني وبجريان البرائة على الأوّل . والأوّل مدفوع بعدم اجتماع شرايط البرائة في المقام وإن كانت الشبهة موضوعيّة موردا لجريانها الا انه لمكان الأصل الموضوعي اختلّت أركانه الأربعة من كون المجرى مجعولاً مجهولاً وفي رفعه منّة وعدم جريان الأصل الموضوعي فيه وهو في المقام الاستصحاب والثاني بما وقع في كلام المحقّق النائيني في تذييله الأبحاث المتقدّمة في مقام الجمع بين الأخبار الدالّة على اشتراط الطهارة ودلالة بعضها على عدم الاعادة عند تبين وقوع الصلاة في النجاسة بأحد وجوه ثلاثة امتنها عنده القناعة في مقام الامتثال بكون الأمر الظاهري في كلّ مقام واجدا لمصلحة الواقع بتمامها غاية الأمر يكون في طول الواقع بدلاً تخييريّا بهذا النحو لا عرضيا كالتخيير بين القصر والاتمام في اماكنه وطبّق كلام الأصحاب عليه .

والوجهان الآخران غير خاليين عن المناقشة عنده وهما كون النجاسة بوجودها العلمي مانعة فاذا لم يعلم بها فلا مانعيّة أصلاً وكون الشرط هو الأعم من الواقع والوجود العلمي للطهارة .

اشكال كفاية الشك في جواز الدخول في الصلاة

ص: 95

الا ان ما ذكره في التذييل مناقض لما ذكره في هذه الأبحاث كما سنبين وعلى تقدير صحّته فلابدّ من اجرائه في كلّ مقام من مقامات الأوامر الظاهريّة .

الا ان الأمر الظاهري لا أصل له بل لو كان مخالفا للواقع فيلزم اجتماع المتضادين أو موافقا فليس شيئا زائدا وبهذا ابطلنا دلالة اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء وهو رحمه اللّه ادّعى دلالة الدليل ذلك في المقام وتسليمه القبول بكلّ ما ورد من أمثال المقام .

اشارة: تخيل المحقّق النائيني قدس سره قيام خبر(1) الجارية معارضا لبعض روايات الباب الا انه من أول الأمر ليس له نهضة في قبالها لاشتمالها على بعض ما يمنع من ذلك ولا بأس بذكرها .

روى ميسر قال قلت لأبي عبداللّه علیه السلام آمر الجارية فتغسل ثوبي من المني فلا تبالغ في غسله فاصلّي فيه فاذا هو يابس قال علیه السلام: أعد صلاتك . اما انك لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شيء .

وذلك لتنجز النجاسة له في فرض الرواية وعلمه بعدم مبالغة الجارية في غسلها . وعمدة النظر حينئذٍ إلى ما ذكره قدس سره في وجه الجمع بين الروايات وطبّق عليه كلمات الأصحاب في المسئلة الفقهيّة في الطهارة وكيفيّة دخلها في الصلاة تذليلاً للبحث . فانه لو كان للنجاسة بوجودها الواقعي دخل ويتحقق لها المانعيّة بهذه المثابة فيلزم بطلان صلاة من احرز الطهارة عنها وهو خلاف عليه المشهور على الظاهر من الأصحاب ( وكذا لو كان بوجودها التنجيزي شرطا أو مانعا فيلزم عدم المانعيّة واقعا فيما إذا شكّ في وجودها . الا انا وجّهنا ذلك حسب ما أفاده في

ص: 96


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 18/1 من أبواب النجاسات .

التعليل الظاهر في كونه المورد والاستصحاب في ما ذكرنا سابقا الذي يناقض ظاهرا ما ذكره هنا كما يظهر ذلك حيث ان هناك جعل النجاسة مانعة بوجودها التنجيزي وهنا قال بالقناعة ومانعيّة النجاسة الواقعيّة وكون قيام مجوز للصلاة فيها

بأصل بدلاً عن احراز عدمها أو الطهارة عنها واختلطت الكلمات بعضها ببعض ولا تثريب على المقرّر ) .

وكذا إذا كان الشرط هي الأعم من الطهارة الواقعيّة أو الاحرازيّة أي المستصحبة فانّه لا يخلو عن ضعف الا ان اسلم الوجوه الثلاثة التي بها جمع الأصحاب بين روايات الباب هو كون النجاسة بوجودها الواقعي مانعة لازما عنها الطهارة الا ان المولى يقنع في مقام الامتثال لقيام الدليل . وهذا بحث كلي جاري في كلّ مقام كان له المشابهة بما نحن فيه كباب اعتبار عدم وقوع الصلاة في ما لا يؤكل لحمه . وضابط ما ذكرنا هو أن يأتي المكلّف بالعمل العبادي بعنوان الامتثال وقصد الأمر لا الرجاء فانّ له بابا آخر لسنا فعلاً بصدده . الا ان ذلك ليس مطلقا وعلى كلّ حال بل في ما قام الدليل على الاجتزاء به من المولى وامكانه لا ريب فيه . غاية الأمر نتوقف في القول به على مورد الدليل . ولذا نقول في باب النسيان بلزوم الاعادة وان قصد الأمر وأتى بعنوان الامتثال لعدم الاجتزاء بما أتى به مع النجاسة المعلومة سابقا بخلاف المقام لورود(1) الروايات بالاجتزاء وعدم الاعادة في الغافل الذي يتمشى منه قصد الأمر . لا بعنوان التشريع والمحرز لعدم النجاسة والطهارة عنها ولو بالأصل استصحابا كان أم غيره ولا نقول باجزاء الأمر

اسلم الوجوه في الجمع بين الروايات

ص: 97


1- . لعلّ نظره قدس سره إلى رواية عبدالرحمن في من صلّى مع عذرة انسان أو سنور أو كلب . وسائل الشيعة 3 الباب 40/5 من أبواب النجاسات .

الظاهري بل لاشتمال هذا العمل الذي أتى به على هذا النحو على تمام مصلحة المأمور به الواقعي بحيث لم يبق حتّى ما به يستحب اعادته في صورة كشف الخلاف .

ولا نقيّد الروايات بعضها ببعض بل نبقيها على اطلاقها كما هو ظاهرها ونجمع بينها بهذا الوجه وهذا أي القناعة في مقام الامتثال لا تختصّ بالمقام بل تجري هذا في صورة قاعدة الفراغ مع علم المولى بعدم اتيان المكلّف أيضا وكذا قاعدة التجاوز وما شابهها .

فالمتحصّل هو دخل النجاسة بوجودها الواقعي ولها المانعيّة لا بوجودها العلمي . غاية الأمر اذا أتى بالعمل معها في حال الغفلة عن أصلها أو في صورة الشكّ مع مجوز الدخول في العمل ولو بأصل عملي كما أشرنا إلى ذلك سابقا يكون واجدا لتمام المصلحة في المأمور به الواقعي . وهذا أي القناعة في مقام الامتثال كان رحمه اللّه يكرّرها في دورات بحثه كالدورة الأولى والثانية والثالثة التي كتبت

التقريرات فيها .

وعلى أيّ حال فعلى ما ذكرنا يتوجه عليه الاشكال كما أورده على نفسه .

بأن قلت . يلزمك على ما ذكرت كون المكلّف مخيّرا في الاتيان بأيّ الفردين من الواجد للشرط والفاقد له بقصد الامتثال لكون الثاني أيضا واجدا لتمام مصلحة الأوّل .

قلت: الاشكال في امكان اجتزاء المولى بما يكون بقصد امتثال الواجد للشرط الفاقد للمانع حسب ما جعله ولنا الشاهد على ذلك باب القصر والاتمام في المواطن الأربعة . فانّ المكلّف مخيّر بينهما من أوّل الأمر فيستكشف من هذا

ص: 98

ان المصلحة قائمة بكليهما ولا يكون هذا التخيير في حرم أميرالمؤمنين صلوات اللّه عليه مع انّه لا مكان أشرف منه ( لعلّه ممنوع بل بلا لعلّ ) الا ان بين الصورتين

فرقا فانّ المكلّف في مسئلة القصر والاتمام من أوّل الأمر مخيّر في الاتيان بأيّ نحو من الكيفيتين شاء ولهما العرضيّة تحت الأمر كما انه نتيجة جميع الروايات(1) المجموعة بعضها مع بعض الواردة في صلاة المسافر الواجب عليه القصر مع اجتماع الشرايط الا في هذه المواطن فيتخيّر . وفي مقامنا الأمر ليس كذلك بل الأمر بالبدلي أي القناعي يكون في طول الأوّل .

وبعبارة اخرى يكون من الانقسامات المتأخّرة عن الأمر الممتنع أخذه في متعلّق الأمر وأفاد سيّدنا الأستاذ قدس سره بيانا في تصوير ذلك ما ارتضيناه واستشكلنا عليه .

وأجاب بأنّه لما كان المدعى ترتب أحد الخطابين على الآخر أي الطوليّة بينهما يعني بين الخطاب الواقعي الاولى بكونه طاهرا أو مصليا في غير النجاسة والخطاب الآخر أي اجتزاء الشارع بما أتى به امتثالاً للخطاب الأول ولو اعتقادا بأن يكون هذا الثاني بدلاً عن المأمور به الواقعي بحيث يكون وافيا بمصلحته اما بجلّها أو كلّها فلا يبقى ما به يستحب اعادته لعدم امكان كون الخطاب بلا ملاك وعن غير صفة كما في تعبير الشيخ الطوسي قدس سره ولا يكون في عرض الواقع فيكون المكلّف مخيّرا من ابتداء الأمر على تصوير التخيير بنحويه العقلي والشرعي ودفع الاشكال الوارد على الثاني على بعض المباني . فكلّ قد اختار مذهبا كما ذهب النائيني إلى مذهب والخراساني رحمهم الله إلى آخر وصار سيّدنا الأستاذ قدس سره إلى ثالث

أمر القناعي في طول الأمر الأوّل

ص: 99


1- . وسائل الشيعة 8 أبواب صلاة المسافر والباب 25 .

ولمّا كان عمدة الكلام في تصوير هذه الطوليّة تصدى سيّدنا الأستاذ شرحا لمرام شيخه المحقّق النائيني رحمهم الله إلى تمهيد مقدّمة في كيفيّة تصوير الاطلاق والتقييد دخيلة في ما نحن فيه .

وهي انّه لا ريب في ان موضوع كلّ خطاب بحسب لب الواقع ونفس الأمر

بالنسبة إلى الزمان والزماني من الجواهر والاعراض بأنواعها وأقسامها من الحالات والاطوار والصفات وغير ذلك من الأمور أي بالنسبة إلى كلّ زمان وزماني . إمّا أن يكون مربوطا بأن يكون لزمان خاص أو زماني خاص دخل في متعلّق الخطاب وموضوعه أم لا والدخل إمّا وجودي فيكون لوجود وقت خاص أو زماني خاص بأن يأتي به على كيفيّة خاصّة وفي وقت خاص عند تحقّق أمر مثلاً في متعلّقه وموضوعه هذا الدخل أو عدمي كذلك فالأقسام ثلاثة بحسب الواقع ونفس الأمر ولا رابع لها سواء كان في التكليفيّات أو الوضعيّات . فتارة يكون للاختيار دخل فلا يترتّب الأمر على غيره كما في الايقاعات مثلاً فيشترط فيها القصد الاختياري . وتارة لا دخل لوجوده ولا لعدمه كما في باب الضمانات ولا رابع لهذه الأقسام . اذ يستحيل غير هذا الا أن يكون مهملاً والكلام ليس في هذا بل حسب الواقع . ولذا يمكن أن يكون للحكم اطلاق من جهة وتقييد من اخرى فذلك يلاحظ بالنسبة إلى كلّ شيء وعدمه أي نقيضه فاذا خصّص العامّ بالنسبة إلى بعض الأفراد فيكون حجّة في الباقي ( لأنّ الاطلاق عبارة عن عدم دخل شيء في المتعلّق وعدم تقيّده به أي سواء كان كذلك أم لا فتقييده بالنسبة إلى سواء لا يوجب تقيده بالباقي ) فالتقييد عبارة عن هذا الدخل بنحويه وجودا أو عدما بالنسبة إلى الزمان والزماني والاطلاق عبارة عن عدم هذا التقييد . بأن

ص: 100

يكون شيء صالحا لأن يقيد به موضوع الحكم وله الدخل في الحكم فالحكم بالنسبة إليه مقيّد بوجوده أو عدمه والا فمطلق .

فالمطلق هو الذي لم يقيد في ما يمكن التقييد . هذا بالنسبة إلى ما يمكن أن يتصوّر بالنسبة إلى الحكم قبله المصطلح عليه حسب اصطلاحنا بالانقسامات الأوليّة التي تكون رتبتها قبل الخطاب وكذا بالنسبة إلى ما يكون متأخّرا عن الخطاب بحيث لا يمكن لحاظها قبل الخطاب المصطلح عليه بالانقسامات المتأخّرة عنه من كون امتثاله منوطا بقصد الأمر والقربة كما في العباديّات بحيث ان ذلك ركنه الثاني والركن الأوّل قصد الفعل والعمل بعنوانه وقصد العنوان وقصد الوجه عند من يعتبره . فان ذلك كلّها من قبيل الثاني ولا يمكن لحاظها قبل الخطاب والأمر بحيث تكون دخيلة في موضوعه كما ان العلم والجهل بأصل الخطاب أيضا كذلك .

أمّا بالنسبة إلى المتعلّق لشيء آخر فلا اشكال فيه وذلك لاستحالة كون العلم بالخطاب مأخوذا في متعلّق نفسه للزم الدور المحال . وذلك في عالم الخطاب فلا يمكن تقييد الخطاب بالعالم بالحكم أو بالجاهل غير العالم أو الأعم لاستحالة الاطلاق بعين استحالة التقييد بناءً على مبنى من يقول ان تقابلهما تقابل العدم والملكة لا الايجاب والسلب ولا التضاد . وقد دللنا في محلّه عدم صحّته إلاّ بهذا النحو أي العدم والملكة لأنّ التقييد بذلك يوجب ما أشرنا إليه من لزوم الدور فلا يتحقّق إلى الأبد مصداق لهذا الموضوع المقيّد حكمه بالعالم أو بغير العالم أو الأعم لما في العلم من استلزام كون معلوم فلا يمكن علم بلا معلوم وقبل تحقّقه .

( أقول: كأنّه غفلة عمّا ورد من ان اللّه تعالى عالم بالأشياء قبل كونها وخلقها

لا يمكن لحاظ الانقسامات المتأخّرة في الخطاب

ص: 101

كما انّه تعالى عالم بها بعد خلقها وعليه اتفاق الاماميّة على الظاهر إلاّ ما قد ينسب إلى بعضهم وفي النسبة تأمّل بل كأنّه افتراء أو جهل بوجهه ) فاذا القى هذا الخطاب إلى المكلّفين فلا يراه أحد متوجها إلى نفسه اذ كيف يمكن أن يكون خطاب اذا علمت بوجوب الصلاة فهي واجبة عليك أو اذا لم تكن عالما بها فتجب عليك وكذا في جانب الأعم .

ولذا لابدّ للمولى من بيان مراده الواقعي الذي لا يمكن الاهمال فيه بل اما أن يكون للعالمين أو لغيرهم أو للأعم من خطاب آخر يفسر مراده من الخطاب الأوّل بملاكه يسميه المحقّق النائيني رحمه الله متمّم الخطاب .

ويكون حاصل هذا الخطاب تارة نتيجة التقييد واخرى نتيجة الاطلاق وذلك لاستحالة تخلف الحكم عن موضوعه وتقدّمه عليه وإلاّ لزم الخلف والمناقضة بل نسبة الحكم إلى موضوعه نسبة المعلول إلى علّته . فكما انه لا يكون فصل زماني بين العلّة والمعلول في التكوينيّات فكذا في الحكم إنّما هو الرتبة فرتبة العلّة متقدّمة على المعلول وهي مقدّمة عليه بالرتبة فكذا الحكم بذينك البرهانين اللذين يوجبان استحالة الواجب التعليقي وعدم امكانه بوجه .

هذا في الخطاب وأمّا في لبّ الواقع ونفس الأمر فيلاحظ المولى قيام المصلحة في المتعلّق إمّا بالعالمين أو بغيرهم أو الأعم لعدم الاهمال هناك غاية الأمر على نحو القضيّة الحقيقيّة التي يتصوّر قيام المصلحة فيها بالذين يكونون علماء بالحكم أو الأعم منهم ومن الجهال لاستواء غير العالمين معهم في كون الخطاب بالنسبة إليهم فعليّا . الا انه لا يستقيم ما ذهب إليه النائيني فلابدّ من التزام

مبنى الشيخ والمحقّق الخراساني رحمهم الله من كون الحكم بالعلم بوجوده الانشائي

ص: 102

موضوعا للخطاب الفعلي .

( أقول قد اعترف حسب تقرير كلام النائيني رحمه الله بعدم الاهمال في لبّ الواقع فانّه إمّا أن يكون مقيّدا بالعالمين أو بالجاهلين ( أي غير العالمين ) أو الأعم وهذا

يسري في كلّ ما كان سبيله سبيل ما ذكر من كون تقيد الحكم أو الامتثال به في الانقسامات اللاحقة والزم النائيني بأن يلتزم مبنى الشيخ والآخوند كما ذكرنا وللكلام والنظر في ذلك مجال واسع بل صرّح نفسه بامكان ما ذهب إليه استاذه المحقّق النائيني من تصور قيام المصلحة بحصوص العالمين وذلك بأن يكونوا بذواتهم أو بعنوان العلم الطارى عليهم بعد ذلك . الا انه لما لم يمكن هذا التقييد في

موضوع الحكم مع كونه مرادا في الواقع فلذا تمّمه بما يبين المراد من الخطاب الأول غير القابل للاطلاق والتقييد بما يطرء عليه من العلم والجهل وغيرهما وليس هذا الا ما ذكره بعض المحقّقين قدس سره المعبّر عنه بالحصّة الملازمة وذلك كما بيّن بأن يكون المصلحة قائمة بخصوص العالمين بالأحكام ويمكن ملاحظة ذلك بذواتهم أو بعنوان ملازم للعلم ولو بألف قيد في الكل أو على اختلاف أقسام العالمين وأصنافهم ويكون القيد منوعا ولا اشكال في ذلك بالغاء خصوص جهة العلم على نحو التقييد فالعالم موضوع للحكم بذاته لا بما هو عالم وهذا قبول لهذا المبنى من حيث لا يشعرون فتدبّر جيّدا والحمد للّه على كلّ حال ) .

نتيجة التحقيق: قد تبين ممّا ذكرنا عدم امكان تقدّم العلم بشيء قبل كونه وان يعلم بالحكم قبل جعله ( وليعلم ان هذا في الاشياء التي يكون وجودها بالانشاء وإن كان كلّها كذلك والمراد بالعلم بها العلم بها بما هي موجودة لا بماهياتها وان كان قد استشكلنا على سيّدنا الأستاذ قدس سره لاطلاق كلامه المانع من

حلّ الاشكال بقبول الحصّة الملازمة

ص: 103

تحقّق ذلك الموجب لعدم صحّة العلم بقيام زيد لمن تحقّقت عنده مقدّمات ذلك من طريق كاشف . والاشكال أظهر في الباري تعالى قبل خلقه الأشياء كما أشرنا إليه الا أن يقال هنا كما قيل عن جماعة من أهل الفلسفة أو التفلسف والكلام بكون الذات للمعدومات وليس المقام مجال البحث في ذلك ) لأن رتبة العلم بشيء بما هو موجود أو معدوم بعده ويكون من الانقسامات اللاحقة للخطاب لاستحالة أخذ العلم بالحكم في موضوعه ومتعلّقه بخلاف حكم آخر .

الا انه لو أتى بالمأمور به الفاقد لقيد معتبر فيه بقصد أمره المتأخّر عن الخطاب فيمكن أن يكون فيه المصلحة الموجبة لاستيفاء ملاك الأمر الواقعي . واذا كان كذلك فلا يبقى الأمر الأوّل الواقعي بعد ذلك ضرورة انتفاء الحكم بانتفاء ملاكه . ولا يلزم من ذلك كون المقام من باب التخيير بين الأقلّ والأكثر والقصر والاتمام في مواضع التخيير لأن في ذلك المقام التخيير عرضي فالمولى من أوّل الأمر يجعل المكلّف بالخيار بين الفردين الذين يكون مصلحتهما سواء وما نحن فيه الاجتزاء بالمأمور به بقصد امتثال الأمر وإن لم يكن في الواقع منطبقا عليه الأمر الواقعي . الا ان فيه مصلحة المأمور به الواقعي وحيث ان رتبة العلم والجهل متأخّرة عن رتبة ذات الشيء فالبدليّة لهذا المأتي به عن المأمور به الواقعي في طول الواقع كما في كلّ ما يكون الشيء بدلاً عن آخر على أنحائه وأقسامه . فاذا أمكن ذلك فنتوقّف في مقام الاثبات على قيام الدليل ولنا ظاهر الأدلّة الواردة(1) في عدم اعادة من صلّى غافلاً أو باعتقاد الطهارة عن النجاسة أو عدم النجاسة ولو

ص: 104


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 20 - 21 - 40 - 44/2 - 1 - 2 - 3 - 5 - 7 - 10 - 2 من أبواب النجاسات .

بأصل تنزيلي أو غيره في ما اذا انكشف الخلاف على نحوي الفرض من كون الطهارة شرطا أو النجاسة مانعا ولا نقول بذلك في الناسي لورود الدليل الخاص بالاعادة(1) كما هو مبنى النائيني قدس سره ولا علينا لو لم نعلم السر في عدم الاجزاء في صورة النسيان واجتزائه في غيره .

اذ بعد فرض صدق النبيّ صلی الله علیه و آله ووسائط الخلق إلى اللّه وسفرائه وخلفاء رسوله عليهم السلام فلابدّ من تصديق كلّ ما جاءوا به وإن لم نعلم سرّه وفلسفته لعدم طوقنا تحمل فلسفة الأحكام إلاّ القليل في بعض الموارد وهم ما ضايقوا عن بيان ذلك فمع كون حضرة العلويّة المشرّفة على ساكنها آلاف السلام وأشرف البقاع بعد بقعة النبي صلی الله علیه و آله فمع ذلك لا يكون للمكلّف التخيير بين القصر والاتمام إذا كان مسافرا مع ما ورد(2) في الصلاة فيها من كثير الثواب والفضل بالنسبة إلى مسجد النبي صلی الله علیه و آله والكوفة وغير ذلك . ويكون التخيير مجعولاً بالنسبة إلى مسجد الكوفة والحائر الحسيني وإن كان للحائر مختصّات اخرى فان بابه أوسع وسفينته أسرع صلوات اللّه عليهم . وكذا لا غرو في كلّ مورد كان حسب ظاهر الأدلّة لشيء اشتراط واقعي ودخل كذلك وجودا أو عدما ومع ذلك ورد الدليل الثانوي بالاجتزاء بما هو فاقد له كالصلاة(3) في ما اعتقد انّه ماكول فبان عدمه بخلاف الميتة مثلاً الا ان في بعض الموارد يمكن أن يكون التكليف حسب الجمع بين الأدلّة تقييديا كما في موارد عدم استثناء لا تعاد(4) الصلاة الا من خمسة ففي

مقتضى الجمع بين الأدلّة

ص: 105


1- . الوسائل 3 الباب 40/7 - 42/2 - 4 - 5 - 6 من أبواب النجاسات .
2- . الوسائل 14 الباب 23 من أبواب المزار .
3- . الظاهر ان دليله حديث لا تعاد .
4- . الوسائل 6/7 الباب 10/5 و1/4 من أبواب الركوع ومن قواطع الصلاة .

الخمسة تجب الاعادة لركنيتها الموجبة لجزئيّتها بالاعادة بخلاف غيرها فلا يكون بهذه المثابة .

وهذا نظير المقام وإن لم يكن منه وكذا في موارد قاعدتي الفراغ والتجاوز وما شابههما من غيرهما ففي نحو لا تعاد لحكومته على أدلّة الاجزاء والشرايط تكون النتيجة هي التقييد بحال الالتفات والعمد في غير الخمسة . فلو لم يأت بها نسيانا فلا بأس بخلاف الخمسة ولو عمّمنا لا تعاد بحال الترك عن جهل فيوجب التقييد بذلك الا ان تقييد الأحكام بالعالمين يوجب التصويب المجمع على بطلانه الذي يقول به المعتزلي لا التصويب الذي يقول به الأشعري فانه محال .

ووردت على الأوّل روايات(1) مستفيضة بل متواترة مقتضاها استواء

الجاهل بالحكم مع العالم به في كونهما مرادين به وعلى كلّ حال فحيث ان لا تعاد وما مثله من الأدلّة الحاكمة على الأدلّة الأوليّة متكفّلة لحال الأدلّة الأوليّة فحكمها

حكم القرينة فكما ان القرينة المبيّنة لحال ذي القرينة حاكمة عليه وهو متكفّل لبيان العرض والمحل وتلك للكيفيّة كما في جاء زيد راكبا فلا تلاحظ النسبة بينهما بل تقدّم عليه وينتج ما ذكرنا . ولا يكون ما نحن فيه من ذاك القبيل لاتفاق الأصحاب ظاهرا على اعتبار احراز الطهارة بوجه للملتفت . وهذا الاتفاق مع روايات الباب الظاهرة بعضها في دخل الطهارة بوجودها الواقعي يوجب الجمع بينهما .

وما ورد من الاكتفاء بما اذا انكشف الخلاف بما ذكرنا فلا تنطبق هي إلاّ على ذلك وهذا هو الأمتن والأسلم عن الاشكال ولو كان للطهارة شرطيّة في

ص: 106


1- . الوسائل 1 الباب 4 من أبواب مقدّمة العبادات .

ظرف العلم بالنجاسة فلا وجه لاعتبار احراز الطهارة عند الدخول في الصلاة بل نفس الشكّ يكفي في احراز عدم اعتبارها فيها . وكذا كون الشرط أعم من الظاهريّة والواقعيّة مع ان الغافل لا احراز له ولا اشكال في صحّة صلاته حسب منطوق رواية عبدالرحمن(1) ( ان كان لا يعلم فلا يعيد ) وروايات اخر(2) ظاهرة أو مصرحة بدخل الطهارة أو مانعيّة النجاسة بوجودها الواقعي الذي يكون قد سلب الماهيّة عن فاقدها الموجب للشرطيّة أو الجزئيّة في قبال سلب الشيء عن الماهيّة الظاهر في المانعيّة . فلو كان المقام تقييديا لما كان لما ذكر وجه اذ لا يمكن

التخيير بين فردين أو طبيعتين يكون العلم بأحدهما بأمره موضوعا للأمر بالآخر ولا يرد على ما ذكرنا ان ذلك ينتج نتيجة التخيير العملي بالاخرة فالمكلّف بالخيار في الامتثال مع واقع الشرط أو القيد أو بقصد امتثال المأمور به المعتبر فيه ذلك .

وذلك لعدم زيادة دعوى النائيني على طوليّة الأمرين والنحوين في مقام الجعل والمصلحة .

وأمّا بالنسبة إلى مقام الامتثال فالأمر كما ذكر ولا يكون أيضا مقامنا من اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء للفرق بينه وبين المقام بما لا يخفى عند التدبّر فتدبّر .

أقول أراد بعض أصحاب البحث تصوير العرضيّة بين النحوين بأن يقول المولى صلّ مع الطهارة أو مع اعتقادها وبعبارة أوضح ائت بالاجزاء الصلاتيّة مع الطهارة أو ائت بها اذا اعتقدت بالطهارة .

ص: 107


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 40/5 من أبواب النجاسات .
2- . وسائل الشيعة 3 الباب 40 - 41/2 - 9 - 3 - 4 .

ولا يخفى ما في هذا الفرض وان سلم عن اشكال ترتب الأمرين ولكن وجه ثالث للمقام أو يكون توسعة للثاني وهو أو قام لك الحجة على كونك طاهرا وهو عبارة اخرى عن اقتضاء الأمر الظاهري للأجزاء أو كون الشرط احراز الطهارة الآبي الاخبار عن حملها على هذا الوجه حسب ما ادّعى النائيني(1) وان كنّا قد أوردنا على سيّدنا الأستاذ قدس سره بأن مختار النائيني بعينه اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء غاية الأمر هو يقول عند قيام الدليل الخاص كما في المقام ولم يجب الا بما أشرنا إليه .

خلاصة الكلام: قد تبيّن ما ذكره المحقّق النائيني قدس سره (2) في تذييله بحثه

من الجمع بين الأخبار وان الأسلم والامتن عنده هو ما بينه من كون الاتيان بقصد امتثال الواقع مجزيا عنه ومسقطا له بحيث يستوفي ملاكه فلا يبقى ما به يكون واجبا بعده ولكن حسب ما يرشد إليه ظاهر الأدلّة بعد جمع مضامينها ومعلوميّة عدم امكان أخذ العلم بالحكم في موضوع نفسه ( للزوم تقدم الشيء على نفسه وعدم استحالة أخذه في موضوع حكم آخر فيكون هذا في طول الواقع ولا اشكال في ذلك بعد ورود الدليل ضرورة ادليّة الوقوع من غيره على الامكان ولذلك نظائر في موارد اخر كالتخيير بين القصر والاتمام في مواطنه . غاية الأمر فرق بينها وبين المقام من عدم قيام المصلحة بما يأتي امتثالاً على نحو يوجب كونه في عرض الواقع بخلاف ذلك المقام لقيام المصلحة بالجامع أو بكل واحد منهما في موارد التخيير . الا ان هذا الذي ذيل به البحث ينافي ما تقدّم منه سابقا

اشكال مختار المحقّق النائيني

ص: 108


1- . فوائد الأصول 4/344 وبعده .
2- . فوائد الأصول 4/354 وما بعده .

في الكلام عن المسئلة الأصوليّة عند دفع الاشكال الوارد على عدم كون الاعادة بعد انكشاف الخلاف من النقض بالشكّ .

فاختار هناك ان النجاسة بوجودها التنجزي مانعة بمعنى ان العلم بالحكم التكليفي بالنجاسة كوجوب الاجتناب عنها يكون موضوعا للمانعيّة أي الحكم الوضعي والا فالحكم بالمانعيّة لا يمكن أن يكون موضوعا لنفسه لما ذكرنا . ولا فرق في ذلك بين الامارة التي يكون كشفها ذاتيا كالعلم أو الامارة التعبديّة أو أصل تنزيلي ( احرازي ) أو غيره لحصول التنجز بكلّ هذه حسب ما مرّ عليك مفصّلاً .

ولا يخفى رجوع ذلك إلى التقييد وعدم دخل النجاسة بوجودها الواقعي بخلاف ما بيّنه في المسئلة الفقهيّة إلاّ ان ذلك لعله عدول عن مختاره في المسئلة الاصوليّة أو غفلة منه قدس سره أو من المقرّرين . وأيّا ما كان فهذا الذي جعله أسلم الوجوه في المسئلة الاصوليّة مذهب حسن ينبغي البناء عليه لدفع عويصات في مقامات كثيرة .

منها في موارد قاعدة الفراغ والتجاوز فانه مع طلبه المأمور به المشكوك اتيانه كيف يمكن أن يحكم بالمضي عليه خصوصا مع امكان الرجوع أو اعادة أصل العمل وعدم اكتفائه بما أتى به خاليا عن بعض الاجزاء والشرايط في ما إذا انكشف الخلاف كموارد الاستثناء عن دليل لا تعاد(1) الموجب لتقييد الواقع وبعد امكان اشتمال المأتيّ به الفاقد لجزء أو شرط مستثنى عن المستثنى منه في دليل لا تعاد على مصلحة المأمور به الواقعي الواجد له وقيام الدليل عليه شرعا فلا وجه

ص: 109


1- . وسائل الشيعة 6 الباب 10/5 من أبواب الركوع .

للتوقّف من المصير إليه . وإلاّ فكيف يمكن أن يقال بالقناعة في مقام الامتثال بالامتثال الاحتمالي مع حكم العقل بلزوم الامتثال علميّا وتقدّمه على الظنّي وتقدّمه على الاحتمالي ( الا أن يكون رجع المولى عن أمره وطلبه وبالنسبة إلى هذا الشخص الناسي مثلاً أو معتقد الخلاف لا امر له . وهذا بظاهره لا يمكن الالتزام به للزوم المحذور ) لكن قد مضى في بحث ليالي شهر رمضان ان لا حاجة لنا إلى ما اختاره في المقام للجمع بين أخبار الباب في المسئلة الفقهيّة المرتبطة بالأصوليّة بعدم شرطيّة الطهارة بالنسبة إلى الغافل غير الملتفت أصلاً واشتراطها في حقّ الملتفت أعم من الواقع والمستصحبة لدفع تهافت الأخبار بما ذكرنا . فيكون جمعا موضوعيّا رافعا للنزاع من البين .

أمّا الناسي فقد اختار المحقّق النائيني لزوم الاعادة عليه وذلك لورود الأخبار(1) في ذلك ولعلّه لا بأس به في الوقت وأمّا خارجه فلا اعادة وعلى ما اخترناه فلا وجه للقول بمانعيّة النجاسة بوجودها التنجزي بل يشترط الطهارة على الملتفت سواء كان جاهلاً مركبا أم لا ويكتفي بذلك بمعنى كونها أعم من الواقعيّة أو الحاصلة بالاستصحاب حسب ورود الدليل وعدم التعدّي عن مورده إلى ما كان بأصل الطهارة فلو دخل في الصلاة بأصل غير الاستصحاب وانكشف الخلاف فعليه الاعادة لاختصاص دليل الاكتفاء بغير الطهارة الواقعيّة للملتفت بالاستصحاب أي ما استصحبت من الطهارة .

ورواية الجارية(2) لا تنافي ما ذكرنا للعلم بالنجاسة له حسب منطوقها .

اشكال مختار المحقّق النائيني

ص: 110


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 42/1 - 2 - 4 - 5 - 6 من أبواب النجاسات .
2- . وسائل الشيعة 3 الباب 18/1 من أبواب النجاسات .

فعلى كلّ تقدير حصلت له المانعيّة ولم يوجب غسل الجارية للثوب سقوط العلم بالنجاسة عن منعه الاعادة لفرض انها لم تبالغ في غسله . هذا .

وممّا ذكرنا من تقريب مرام المحقّق النائيني في المقام ظهر ما أفاده في الكفاية(1) في دفع اشكال الرواية وان لم يزد على احتمال دلالتها على اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء وكون الشرط أعم من الواقع والطهارة المستصحبة شيئا . وجعل نفس الاستصحاب في المقام كاشفا اِنا عن أحد الأمرين . الا انك قد عرفت ان المحقّق النائيني لم يقتصر على هذا بل جعل الاحتمالات ثلاثا والثالث كون النجاسة بوجودها التنجزي مانعة باستظهار كون التعليل مركبا من المورد وكبرى الاستصحاب وأورد صاحب الكفاية(2) على نفسه ايرادين: أوّلهما ما ذكرنا من الاشكال المعروف في هذه الرواية وأجاب بما تقدّم . والثاني: عدم ترتّب أثر على جريان الاستصحاب في المقام مع انه لا اشكال في اعتبار جريانه من الأثر الشرعي لو كان موضوعا . وإلاّ فنفس المستصحب يكون هو الأثر وكلا الأمرين مفقودان في المقام . فانه وان جرى الاستصحاب واحرز الشرط الأعم من المستصحب وواقع الطهارة الا ان الجريان موقوف على كون الواقع ذا أثر وفي الفرض لا أثر للواقع بعد كون الشرط أعم وعدم لزوم وقوع الصلاة للملتفت في الطاهر الواقعي .

وأجاب عن الاشكال الثاني بما يوافق مبناه من الاكتفاء في الأثر على الأثر الاقتضائي فانّ النجاسة وإن لم تكن محرزة حسب الفرض ولكنّها لا تكون

ص: 111


1- . كفاية الأصول 2/290 - 292 - 293 .
2- . كفاية الأصول 2/292 - 293 .

منعزلة بالمرّة بعد اقتضائها لصيرورتها مانعة عند العلم بها أو موجبة لعدم حصول الشرط وهي الطهارة . فاستصحاب الطهارة التي هي ملازمة لعدم النجاسة وترتيب آثار المعدوم الواقعي على مشكوكها جاري لذلك دافعا عن اقتضاء النجاسة المشكوكة في هذا الحال مانعة أو موجبة لعدم حصول الطهارة التي هي شرط بأحد نحوى وجوديها . ولكن ذلك لا يستقيم على مذهب النائيني لعدم تصوّره الحكم في مرحلته الاقتضائي أو الفعلي غير المنجز الذي هو أحد قسمي الفعلي حسب ما اختاره صاحب الكفاية(1) أخيرا وعنده ذلك عبارة عن استعداد في الموضوع لاجتماع قيوده وعند تمامها يكون الحكم فعليّا .

وظهر من سيّدنا الأستاذ قدس سره الميل إلى تصوير مراتب للحكم حسب مذهب الآخوند رحمه الله للزوم ذلك في موارد وقد بنى أو ادّعى نفسه في شهر رمضان كفاية جريان الاستصحاب بلحاظ نفسه . اذ هو حكم شرعي بعدم النقض وأوردنا عليه ان ذلك يستلزم كونه موضوعا لحكم اعتقادي بأن يكون معتقدا للحكم الكذائي في هذا الحال وهو لم يجب ولعلّه لعدم تبين وجه صحيح عنده فيه لم يشر إليه في المقام .

توضيح كلام المحقّق الخراساني: قد تبيّن مراد المحقّق الخراساني قدس سره

وانّه يجعل صحّة جريان الاستصحاب في المقام من حيث اقتضاء وجود النجاسة واقعا لتنجز الحكم بالاجتناب والمانعيّة أو شرطيّة الطهارة وله في مراتب الحكم مذهبان رجع عن اولهما الذي كان مختاره في الحاشية إلى الثاني الذي اختاره في

مراد المحقّق الخراساني

ص: 112


1- . كفاية الأصول 292 .

الكفاية(1) وجعل الفعلي على نحوين .

ثانيهما التنجزي الذي يتعقب البعث من المولى وحيث كانت للنجاسة بوجودها الواقعي هذه المرتبة من الأثر ولها الحكم الفعلي غير التنجزي أو الاقتضائي على مختار حاشيته فيستصحب الطهارة بلحاظ هذا الأثر على ضده في المقام ويكون الشرط أعم من الطهارة الواقعيّة واحرازها أو المستصحبة بدلالة اقتضاء التعليل بالكبرى ذلك مع احتمال أن يكون اشارة إلى اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء . الا انه بناء على ما ذكره المحقّق(2) النائيني لا ينحصر الوجه فيما ذكر بل ربما تكون الاحتمالات أربعا فينطبق الكبرى على كلّها بدلالة الاقتضاء فانه يمكن أن يكون اشارة إلى اقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء أو كون الشرط أعم من الطهارة واحرازها أو الطهارة المستصحبة . وان يكون عدم العلم بالنجاسة موجبا لعدم المانعيّة واقعا . أي المانع هي النجاسة المنجزة أو كفاية اتيان

غير المأمور به بداعي امتثال المأمور به على نحو البدليّة . غاية الأمر ربما لا ينطبق

ما ذكرنا على كبرى الاستصحاب الا بلحاظ كونه موردا ويشترك الجميع في اقتضائها شيئا ينضم إليها كي يصح التعليل ضرورة توقف جعلها دليلاً في قياس الاستدلال على ذلك . فانه لو لا هذا لكان الاشكال بلزوم نقض اليقين باليقين في الاعادة واردا كما قرّرنا . فانحصر حسن التعليل حيث لم يكن معلوما قبل ذلك مفروغا عنه على أن يكون نفس المقام دليلاً عليه كما في نحو لا تشرب الخمر لأنّه مسكر أو فانّه مسكر . فلابدّ من كون ذلك كبرى كي تنطبق على المقام والا لا يصح

ص: 113


1- . كفاية الأصول 293 .
2- . فوائد الأصول 4/344 وما بعده .

التعليل لأنّه يكون في قوّة أن يقال: لا تشرب الخمر لأنّه مسكر وبعض المسكر حرام فانّه لا يكون حسنا لاحتمال أن يكون هذا البعض غير الخمر ولا يكون أحد هذه الاحتمالات أظهر من الآخر على تقدير كون الكبرى منحصرا بدليل الاستصحاب بلا ضم المورد إليه ( وقد قلنا انه لا يلزم أن يكون اشارة إلى الكبرى الكليّة كما أشار إليه سيّدنا الأستاذ قدس سره وبنى على ذلك في تعدّيهم عن المورد وجعله من المنصوص العلّة إلى الموارد الاخر غير المورد على هذا لعدم انحصار حسن التعليل بما ذكر .

بل يجوز أن يكون بضم خصوصيّة المورد إلى الاسكار يكون حراما بلا حصول تلك الخصوصيّة في غيره فتدبّر ) .

ولا يلزم على ما ذكرنا من حسن التعليل بلحاظ كفاية الاتيان بداعي الامتثال كونه في عرض الواقع بل يصح بالطوليّة كما في اقتضاء الأمر الظاهري للأجزاء . غاية الأمر يكون في هذين الموردين على نحو تقييد الحكم الواقعي بما اذا لم يأت بالمأمور به بغير وجهه المسقط عنه بداعي امتثاله أو بقيام أمر ظاهري موجب للاجزاء كما ان من موارد لا تعاد يستفاد تقييد الاجزاء بحال العلم غير الخمسة وكذا الشرايط بل الموانع . نهاية الأمر لا تكون شاملة لترك أحدها عمدا للمناقضة مع أدلّة الاجزاء والشرايط .

وتحقيق الكلام في لا تعاد في محلّه من الفقه والحمد للّه على كلّ حال .

تتمّة الكلام: قد ذكرنا ما أفاده المحقّق النائيني قدس سره (1) في الجملة الوسطى

الكلام في باقي فقرات الرواية

ص: 114


1- . فوائد الأصول 335 - 336 .

من مضمرة زرارة(1) المشتملة على الاستصحاب . فلنشرع الآن في البحث عن الجملة الاخرى التي فيها أيضا ذكر الاستصحاب وهي الصورة التي فرض العلم بالنجاسة في أثناء الصلاة . قال بعد كلام:

قلت: ان رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة ؟ قال علیه السلام: تنقض الصلاة وتعيد اذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته وإن لم تشكّ ثمّ رأيته رطبا قطعت الصلاة وغسلته ثمّ بنيت على الصلاة لأنّك لا تدري لعلّه شيء أوقع عليك فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ الخ بخلاف الجملة الوسطى التي تقدّم الكلام عليها .

فان الفرض فيها العلم بوقوع الصلاة في النجاسة بعد الصلاة .

وحاصل الكلام في هذه الجملة على ما في تقرير بعض السادة من الأصحاب ان الامام علیه السلام فصّل بين ما إذا علم بالنجاسة قبل الصلاة وما إذا لم يعلم بوجوب النقض والاعادة في الأوّل والقطع والغسل والبناء في الثاني الذي وقع الاستشهاد فيه بالاستصحاب للطهارة وحصول الشرط . وهذا بناءً على أن يكون قوله ( إذا شككت في موضع منه ) يراد به العلم بالاصابة والشكّ في موضعها وحينئذٍ يشكل جواز الدخول في الصلاة الا انه بعد ان المقام مجرّد فرض يدفعه احتمال ان ذلك في مورد تقدّم له العلم بالنجاسة من جهة احساس البرودة أو الرطوبة مثلاً وفحص قبل أن يدخل في الصلاة فما أصاب شيئا ويتقّن بالعدم وكونه طاهرا ثمّ رآها أي النجاسة التي يستفاد من قوله ان رأيته ) اشارة بالضمير إلى ما صدر به السؤال من الدم أو المني أو غيرهما وانكشف خلاف الواقع من قطعه وفيه ان ذلك خلاف ما استظهرناه من الجمع بين الاخبار من عدم كون واقع

ص: 115


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 44/1 من أبواب النجاسات .

الطهارة شرطا والنجاسة مانعة . ويمكنه حين العلم باصابة النجاسة في الصلاة أن ينزع ثوبه أو يغسله ويتم الباقي مع الشرط وبالنسبة إلى ما أتى به لم يكن واقعها شرطا بل الأعم من الواقع والمحرزة وهو حاصل بالفرض .

الا أن يقال بالتفصيل بين العلم بها بعد الصلاة والعلم بها حينها . فلابدّ في الثاني من كونها واقعا ولا يكفي صرف الاحراز بخلاف بعدها فكشف الخلاف لا يضرّه وذلك للتعبد من الشارع . وهو مردود بأنّه لم يقل بذلك أحد وما سمعنا بهذا في آبائنا الأوّلين .

نعم يمكن الفرق بين القطع وغيره بأنّه لا وجه للاجزاء به في ما إذا انكشف الخلاف كما في فرضنا هذا بخلاف مثل الاستصحاب الذي هو حجّة شرعيّة وغيره من الأصول بالاكتفاء بها ولازمه كون الطهارة أعم من الواقع ومن الحاصل ظاهرا بأحدها .

وليس القطع كذلك بل الاتفاق واقع على عدم الاجتزاء بما خالف فيه الواقع الا انه على هذا يعارض ما تقدّم من خبر(1) الجارية المفصل بين غسله بنفسه

وغسل الجارية بعدم الاعادة في الأوّل مع ان التوجيه الذي وجهنا به الرواية في المقام آتي هناك .

هذا ما يتعلّق بقوله ( إن رأيته في ثوبي الخ ) امّا القطعة الاخرى وهي قوله ( وإن لم تشكّ ثمّ رأيته رطبا )(2) والمراد من قوله لم تشك ينحصر في أمرين بعد عدم امكان ارادة الأمر الثالث وهو اليقين بالنجاسة لمخالفته لذيل الخبر وهما

الكلام في فقرات الرواية

ص: 116


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 18/1 من أبواب النجاسات .
2- . وسائل الشيعة 3 الباب 44/1 من أبواب النجاسات .

القطع بعدم النجاسة والغفلة عنها .

ولا مجال للثاني أيضا لمخالفته لقوله ( فلا ينبغي أن تنقض اليقين بالشكّ ) ممّا هو ظاهر في المقام وغيره كما أشرنا إليه سابقا من ظهورها في اليقين والشكّ الفعليين وكيف يكون الغافل ملتفتا إلى شيء حتّى يتيقن أو يشكّ فيه هذا مع عدم شرطيّة للطهارة للغافل أصلاً كما تقدّم .

تنبيه: بيّن سيّدنا الأستاذ قدس سره ما قرّره بما ينضبط بأنّ فرض الكلام في جملة صحيحة زرارة(1) المضمرة في أثناء الصلاة ولابدّ من أن يكون النجاسة الواقعة أو محتملة الوقوع ممّا يمكن أن تكون من أوّل الصلاة وإلاّ فلا مجال لما فصّل الامام علیه السلام بقوله ( تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته وان لم تشكّ ثمّ رأيته رطبا قطعت الصلاة وغسلته ثمّ بنيت على الصلاة لأنّك لا تدري لعلّه شيء أوقع عليك فليس لك أن تنقض اليقين بالشكّ ) وفقه الرواية ان قوله علیه السلام اذا شككت في موضع منه يحتمل وجهين:

أحدهما أن يكون الشكّ في موضع منه شكّا في أصل الاصابة . غاية الأمر كان باقي مواضع ثوبه معلوم الطهارة مثلاً عنده وكان شاكا في اصابتها موضعا منه فعلى هذا الفرض لابدّ له من الاعادة ونقض الصلاة لأنّه كان شاكّا من أوّل الصلاة في الاصابة وكان متردّدا وإن كان جريان استصحاب الطهارة أو أصلها في حقّه بلا اشكال . الا انه فرق بين اثناء الصلاة وبعدها في انكشاف وقوع الصلاة في النجاسة وبهذا القدر يمكن رفع المناقصة لهذه الجملة مع ما تقدم من ظنّ الراوي اصابة النجاسة وانكشاف الخلاف بمعنى خلاف الاستصحاب بعدها للزوم النقض

ص: 117


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 44/1 من أبواب النجاسات .

بالشكّ لو أعادها للعلم بوقوعها فيها بعدها .

وعلى هذا الوجه يكون قوله ( وإن لم تشكّ ثمّ رأيته ) تصريحا بالمفهوم للقضيّة الشرطيّة وعدم الشكّ يجامع ثلاثة أشياء: العلم بالنجاسة والعلم بالطهارة والغفلة فكلّ واحد من هذه الثلاث يكون موردا لمصداق عدم وقوع الشكّ منه . أمّا صورة العلم بالنجاسة فخارجة عن ما يكون محمولاً عليه بقوله قطعت الصلاة وغسلته إلى قوله لأنّك لا تدري .

لفرض الكلام في ما لم يعلم بالنجاسة ( وإن كان نوع النجاسة مختلفا لا في الحكم ) فتبقى صورة الغفلة والعلم بالطهارة . والغافل وإن لم يمكن له اجراء الاستصحاب لانخرام القاعدة العقليّة التي تقدّمت في اعتبار كون اليقين والشكّ فعليّين لأنّهما موضوع الاستصحاب الا ان امكان جريانه بعد الالتفات حين الصلاة حاصل ( وإن كان الجريان في أوّل الصلاة لا وجه له مضافا إلى ما ذكرنا للزوم كونها شرطا واقعيّا فيناقض ما تقدّم منّا الكلام عليه تفصيلاً من عدم اشتراط صلاة الغافل بها ولا وجه صحيحا لخروج الغافل عن محتمل المقام .

الا أن يقال بعدم فرض حصول يقين ولو قبل الصلاة له قبل الغفلة . وفيه ما لا يخفى .

وعلى كلّ حال فلا يدفع احتمال الغفلة الا أن يقال بقرينة الروايات الاخر بالجمع بينهما بعدم اشتراطها للغافل فيكون نفس الرواية دليلاً على انحصار ذلك بالصورة الباقية فيكون ظاهرها العلم بالطهارة . ولكن عند العلم بالاصابة يحتمل انّها باقية من أوّل الصلاة ولا منافاة لكونها رطبا لأن الفرض في ذلك . الا ان الشكّ

لاحقا في كونها من أوّل الصلاة فيستصحب بالنسبة إلى موضع اليقين ويحرز

ص: 118

بالنسبة إلى الباقي كما هو مفروض الرواية فيكون دليلاً على الاستصحاب على هذا الفرض .

ان قلت: على هذا لا وجه لكونها دليلاً على الاستصحاب لأنّ الفرض كون الشكّ من وقوع النجاسة من أوّلها فيكون الشكّ ساريا بالنسبة إلى اليقين الحاصل قبل الصلاة فلا يكون إلاّ دليلاً على قاعدة اليقين .

قلت: اليقين تارة يلاحظ بالنسبة إلى قبل الصلاة فبالنسبة إليه يكون الشكّ ساريا . وأمّا اليقين الذي كان قبل ذلك اليقين الذي لم ينقض بناقض فيمكن أن يكون هو المراد بل ذلك هو المتعين .

إن قلت: هذا لا يستقيم أيضا لأن مدرك اليقين الثاني إنّما كان هو الأوّل أو مستند الأوّل فيسري لا محالة بالاخرة إلى الأوّل فاين اليقين المحفوظ حتّى يستصحب عند الشكّ .

قلت: الاشكال وارد على كلّ حال الا ان يجعل قوله ( وليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشكّ ) قرينة على فرض المقام في مورد الاستصحاب كما في لا تضرب أحدا فان الاحد قرينة على عدم عموم الضرب للأموات لا أن يكون الضرب مرادا به الشتم حيث استشهد بالاستصحاب لاحتمال ايقاعها من أوّل الصلاة الا ان الأظهر هو الاحتمال الثاني . وهو أن يكون المقام من فرض العلم بالاصابة والشكّ في موضعها لحسن التعبير عن هذا المعنى بهذه العبارة وعدم حسن عن المعنى الأول مضافا لوقوع الجواب بقوله ( ان شككت في موضع منه ولا وجه للموضع الخاص بذلك . بل يمكنه أن يقول ان شككت في اصابة النجاسة مضافا إلى كون الفقرات السابقة في العلم الاجمالي الا الصورة التي قبل فرض

دفع الاشكال في دلالة الرواية على الاستصحاب

ص: 119

السؤال . وهكذا استفاد منه المحقّق النائيني حيث جعل الفرض مورد العلم بالنجاسة والشكّ في موضعها وينطبق على القاعدة لفرض صلاتها في النجاسة على كلّ مبنى سواء كان المانع هو وجودها تنجزا أو واقعا ويكون قوله ( وان لم تشك ) على هذا ظاهرا في صورة الشكّ في الاصابة لأن مفهوم قوله ( إن شككت ) الظاهر في ان علمت بالنجاسة ولم تدر الموضع إنما ينحصر في أمرين باضافة ثالث وهو الغفلة كما في الفرض الأوّل لكنه مستبعد في المقام .

والأمر ان العلم بعدم النجاسة والشكّ البدوي ( الاستظهار للظهور في الشكّ البدوي بأن يقال ان لم تشك يعني لم يكن لك علم فتكون شاكا ) واستظهر سيّدنا الأستاذ قدس سره .

الثاني منهما ولعلّه بقرينة الروايات الاخر في باب الاستصحاب حتّى ينطبق على المورد ويستفاد من الذيل أيضا انه لو علم بوقوع النجاسة من أوّل الصلاة فلابدّ من الاعادة حيث ان التعليل بلعلّه شيء أوقع عليك لا يستقيم إلاّ مع ما ذكرنا . ويلزم على هذا المناقضة بين صدر رواية زرارة(1) حيث انه ما جعل عبرة بالعلم بوقوع الصلاة في النجاسة بعد الصلاة . ويستفاد من الذيل على هذا لزوم الاعادة لو علم في الأثناء فيسقط الخبر عن الاستدلال . وكلّ ما ذكروه في توجيه ما يترائى منه المناقضة للموارد الاخرى يكون هباءً منثورا .

الا ان يرفع المناقضة بظهور قوله ( ان لم تشك ثمّ رأيته رطبا ) في عدم كون المرئى هو نفس المشكوك بل من جنسه أي نجسا غير ذلك المشكوك . فعلى هذا لامناقضة بين أخبار الباب . والا فعلى ما ذكرنا لا تسلم عن المناقضة ولا تصلح

ص: 120


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 43/1 من أبواب النجاسات .

للاستدلال ولا يخفى ما في ما استظهره سيّدنا الأستاذ قدس سره وكذا لم نعلم في اخراج صورة الغفلة عن كلا الموردين وجها صحيحا فتدبّر .

تلخيص: قد ذكرنا ما يتعلّق بصحيحة زرارة(1) الثانية . وملخص الكلام فيها ان قوله ( لعلّه شيء أوقع عليك ) يستفاد منه لزوم الاعادة لو كان علم في الاثناء على ما استظهرناه ولا ينافي الجملة الوسطيّة لأنّ الأخيرة تكون قرينة على المراد منها إذ ليس في الجملة الوسطيّة الا هذا ( قلت: فان ظننت انه أصابه ولم ايتقن ذلك فنظرت ولم أر شيئا فصليت فيه فرأيت فيه ) وهذا لا يكون صريحا أو ظاهرا في ان ما راه هو الذي ظنّه من أوّل الأمر كي ينافي ذيل الرواية من لزوم الاعادة اذا وجدها في الاثناء وكان من أوّل الصلاة . فحينئذٍ يجمع بين الأخبار بهذا بلا حاجة إلى ما أفاده القوم . فكلّ ما ذكروه يكون اتعابا للنفس بلا حاجة لما أطال فيه البحث المحقّق النائيني والمحقّق الآخوند وغيرهما رحمهم الله ودلالة الصحيحة(2) على حجيّة الاستصحاب لا غبار عليها ( بالنسبة إلى الوسطيّة وأمّا الأخيرة فقد عرفت الكلام عليها .

صحيحة(3) ثالثة لزرارة قد استدلّ بها في المقام على حجيّة الاستصحاب . قال: قلت له: من لم يدر في أربع هو أم في ثنتين وقد احرز ثنتين . قال يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ويتشهّد ولا شيء عليه .

ومورد الاستدلال بها ذيلها وهو ( وإذا(4) لم يدر في ثلاث هو أو فى أربع

الكلام في صحيحة ثالثة لزرارة

ص: 121


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 43/1 من أبواب النجاسات .
2- . وسائل الشيعة 3 الباب 43/1 من أبواب النجاسات .
3- . وسائل الشيعة 8 الباب 11 - 3 من أبواب الخلل في الصلاة .
4- . وسائل الشيعة 8 الباب 10/3 من أبواب الخلل في الصلاة .

وقد احرز الثلاث قام فاضاف إليها اخرى ولا شيء عليه ولا ينقض اليقين بالشكّ ولا يدخل الشكّ في اليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر ولكنّه ينقض الشكّ باليقين ويتمّ على اليقين ويبنى عليه ولا يعتدّ بالشكّ في حال من الحالات .

وفقه الرواية ان المراد بقوله يركع ركعتين وأربع سجدات يحتمل وجهين بأن يكون لبيان الاتيان بما ذكر مفصولة بقرينة قوله وهو قائم بفاتحة الكتاب كي لا يبقى توهّم جواز الاتيان بها متّصلة بالتسبيح وفي حال الجلوس كما في بعض الركعات الاحتياطيّة وأن يكون لمطلق ذلك بلا اشعار بالاتصال والانفصال . وهذا هو الظاهر الا انه بقرينة الأخبار الواردة في ذلك يتبيّن المراد ويتعيّن في كون الاتيان بذلك منفصلة بتعين الحمد . والا فمجرّد اشتمال هذا الجواب على تعين الحمد لا يجعله قرينة على ارادة ما ذكر منه بل يكون من أخبار تعين الحمد المجموع بينها وبين أخبار التسبيح والتخيير بينهما بالتخيير وقوله ( وإذا لم يدر في

ثلاث هو أو أربع يحتمل أن يكون في الثلاثيّة وأن يكون في الرباعيّة الا ان الظاهر هو الثاني والمراد من احراز الثلاث ليس احرازها منحازة عن الركعة المشكوكة بل يتعيّن مصداقا لاحراز الثلاث بعد اتيان السجدتين ثمّ هو يشكّ في ان هذه الركعة هي ثالثتها أو الرابعة . والا فلابدّ من كون الشكّ في الأربع والخمس بناء على عدم كون المشكوكة داخلة في المحرزة .

ان قلت: يلزم على هذا اختصاص صحّة الصلاة في الشكّ بين الثلاث والأربع بما اذا رفع الرأس من السجدة الثانية وهذا ينافي ما اتّفقوا عليه ظاهرا من كونها مطلقة يبني فيها على أربع كما هو معلوم .

قلت: كون هذا الفرض إنّما هو بعد السجدتين لا ينافي ثبوت جواز البناء

ص: 122

على الأكثر أي الرابع مطلقا في أيّ حال من حالات الصلاة لدلالة المطلقات عليه كما وردت بذلك روايات(1) بعضها غير معمول بها عند الأصحاب واخرى(2) مورد الاستدلال لهم كما بيّن في محلّه من الفقه .

وتوهّم اختصاص هذه الصورة أيضا بالصلاة الاحتياطيّة التي تكون الوظيفة في الفرض التخيير بين الاتيان بركعة قائما أو ركعتين من جلوس بقرينة قوله قام المستغنى عنه في أثناء الصلاة ضرورة معلوميّة ذلك بلا احتياج إلى ذكره فلابدّ أن يكون لهذه الجهة . مدفوع أوّلاً بالمعارضة بقوله ( فاضاف ) ممّا هو ظاهر في الاتّصال خلاف الانفصال .

وثانيا على تقدير الاغماض عن الأوّل كما لم يرتضه سيّدنا الأستاذ قدس سره عدم ظهور لذلك بل العادة جارية في أمثال هذه المقامات بذكر مثل هذا الكلام وإن كان معلوما فلا ينحصر وجه حسنه بنكتة حيث ان ظاهره في فرض المورد نهي أو بحكم النهي عن نقض اليقين بالشكّ فيكون من روايات الباب ويستفاد منه ان الاتيان بالركعة المشكوكة الاتيان وهي الرابعة لازم بحكم الاستصحاب ( وان الاستصحاب ليس بمنعزل في الصلاة بل يجري فيها ) .

وهاهنا اشكال تنبّهنا له ولم يسبقنا إليه ظاهرا أحد بأنّ المقام مقام الفراغ والامتثال ولم يكن الشكّ في الأمر بل إنّما وقع في الاتيان امتثالاً . وهنا لا مجال

للاستصحاب ضرورة استقلال العقل بلزوم الاتيان بالرابعة تحصيلاً لليقين بالبرائة وهنا من الموارد التي مع وجود القاعدة لا مجال لجريان الاستصحاب لأن نفس

ص: 123


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 8/2 - 3 - 4 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . وسائل الشيعة 8 الباب 8/2 - 3 - 4 من أبواب الخلل في الصلاة .

الشكّ تمام موضوع حكم العقل بلا حاجة إلى احراز ذلك تعبدا بالاستصحاب كما في المشكوك الحجيّة .

وهذا الاشكال مع الغض عنه فيتمّ تقريب الاستدلال بأن يقال لما كان اتيان الركعة مشكوكا فيستصحب عدمه أو يستصحب الأمر كي يلزم عليه الاتيان لأنّه هو أثره بعد عدم خلوّ استصحاب عدم الاتيان عن اشكال عدم الأثر الشرعي لأن أثر عدم الاتيان وبقاء الأمر لا يكون إلاّ العقاب على تقدير عدم الاتيان والاجزاء لو أتى به . وهذا أمر عقلي لا مجال لجريان الاستصحاب له . الا أن يقال ان المتيقّن بعدم الاتيان كان لازما عليه الاتيان فتنزيل الشاكّ فيه منزلة المتيقّن يوجب الاتيان والالزام عليه . ويرد على الثاني ان لا اشكال في الأمر ولا شكّ فيه بل الشكّ في البقاء وعدمه مستند إلى الشكّ في الامتثال .

هذا الا ان الذي وجّه به الرواية المحقّق النائيني قدس سره بقرينة باقي أخبار الصلاة الاحتياطيّة والشكّ هو كون المراد من قوله ( ولا ينقض اليقين بالشكّ البناء بحكم الاستصحاب على عدم الاتيان بالركعة الرابعة . وأمّا كيفيّة الاتيان بها فلا مجال للعقل فيها فبيّن علیه السلام بقوله ( ولا يدخل الشكّ في اليقين ) ان الركعة المشكوكة لابدّ أن يؤتى بها مفصولة غير داخلة في التي تعلّق بها اليقين بالاتيان وكذا لا يخلط أحدهما بالآخر فلا اشكال على هذا على الرواية .

تكميل وتوضيح: ينبغي قبل النظر في مطابقة الرواية لما عليه الاماميّة الكلام في مدلولها حسب الظهور العرفي .

فنقول وباللّه نستعين ان ظاهر الرواية من قوله ( اذا لم يدر في ثلاث هو أو أربع الى ولا شيء عليه هو لزوم الاتيان بالركعة الرابعة المشكوك الاتيان . والوجه

الكلام في مدلول الرواية

ص: 124

في ذلك قوله ( ولا ينقض اليقين بالشكّ ) فيستفاد منه ان ذلك تعليل لذلك الحكم وان الاستصحاب جاري في الشكّ في الركعة الرابعة وليس بمعزل عن الصلاة وجريان الاستصحاب في المقام مع ان الشكّ في الامتثال تمام الموضوع لحكم العقل بالاشتغال ولزوم الاتيان لأجل انه لا موضوع للقاعدة هنا من حيث ترتب الأثر على نفس الواقع .

بيان ذلك انه على تقدير الاتيان بالركعة المشكوكة لو أتى بها أيضا لأجل الشكّ فتكون زائدة في الصلاة موجبة للبطلان كما انه لو اقتصر بنفس الشكّ عن الاتيان واكتفى بهذا المأتي به الذي احرز فيه الثلاث يحتمل نقصانها عن المأمور به الواقعي . فالشاكّ حينئذٍ متحيّر لا يدري أيّ شيء يفعل للزوم الاشكال عليه على كلّ تقدير كما في الشكّ في الركوع قبل الهويّ أو بعده إلى السجدة فلو كان مأتيا به يكون ما يأتي للشكّ زائدا عمدا في الصلاة موجبا لبطلانها وإن لم يكن عمدا ولم يأت يحتمل النقصان الذي لا يعفي عنه في خصوص المستثنى من الخمسة في لا تعاد وإن كان مرجع الزيادة في الحقيقة هو النقصان أيضا لأنّ الصلاة مقيّدة بقيد عدمي وهي مشروطة بعدم الزيادة فاذا أتى بالزائد أتى بالماهيّة المقيّدة لا مع قيدها فلا ينطبق عليه المأمور به فاذا كان المقام من هذا القبيل فبيّن(1) علیه السلام بقوله قام فاضاف إليها اخرى ان الوظيفة في هذا المورد الاتيان

ص: 125


1- . ولما كان الاستصحاب جاريا لترتّب الأثر على الواقع كما أشرنا إليه فلا وجه لتقدّم القاعدة عليه كما في الشكّ في حجيّة مشكوك الحجيّة . فان ذلك تمام الموضوع للقبح في الاستناد إليه وموضوع لأدلّة الحرمة سواء كان كذبا أم لم يكن لعدم دوران الحرمة مداره بل تمام المناط الجهل بكونه حجّة وليس للشكّ طريقيّة كي يكون مجرى للاستصحاب بل التشريع ادخال ما لم يعلم من الدين فيه وإن كان في الواقع منه كما ورد وسائل الشيعة 27 الباب 12/66 من أبواب صفات القاضي في ان من قضى بالحق وهو لا يعلم انه في النار وليس التشريع ادخال ما ليس في الدين فيه كما حقّقنا ذلك في محلّه فراجع بل في المقام يقدم الاستصحاب على القاعدة لما بيّنّا .

بالرابعة متّصلة على ما هو ظاهر الرواية ولا يعبأ باحتمال الزيادة لحصول المؤمن من الشارع فلا اضطراب بعد ذلك . وحيث ان واقع الرابعة يترتب عليها آثار ( من حرمة التنفل في وقت الفريضة ) أو تقدّم القضاء على الأداء أو غير ذلك فالاستصحاب له مجرى . ولذا صار قوله ( ولا ينقض اليقين بالشكّ ) بمنزلة علّة لذلك الحكم أي ولا ينقض اليقين بعدم الاتيان بالرابعة قبل الصلاة أو بعد أن تلبس بها بالشكّ في اتيانها بل يأتي بها حتّى يكون من نقض اليقين باليقين لا بالشكّ .

إن قلت ان الاستصحاب يحتاج إلى أثر شرعي وهو في المقام مفقود .

وأيضا هذا بناء على جريان الاستصحاب في العدم الازلي الذي كان قبل الصلاة وإلاّ فلا مجال للاستصحاب لعدم حصول يقين بعدم الاتيان بالركعة الرابعة في حال كونه مصليا بعنوان انه مصلى واليقين الباقي قبل الصلاة غير اليقين المتعلّق بالعدم النعتي .

قلت: اما جريان الاستصحاب في العدم النعتي فهو مفروض المقام حيث ان المصلى بعد تلبّسه بالركعة الأولى من الصلاة متيقن بعدم الاتيان بالرابعة وفي حال الصلاة له يقينان قبل الصلاة الباقي حينها واليقين بالعدم النعتي الحاصل حينها .

فلا اشكال وأمّا الأثر الشرعي المترتّب على عدم الاتيان الذي هو المتيقّن فهو أيضا حاصل بعد ان معنى الاستصحاب عبارة عن جعل الشاكّ منزلة المتيقن والشكّ منزلة اليقين في ترتيب الآثار المترتّبة عليه .

ولو كان متيقن العدم فكان ينبغي له أن يأتي بالرابعة متّصلة فكذا فيما لو

نتيجة الاستصحاب في المقام

ص: 126

كان شاكّا فيكون نتيجة الاستصحاب هاهنا لزوم الاتيان بالمشكوك على نحو كان لازم الاتيان لو كان تعلّق به اليقين .

أو يقرّر على وجه آخر . وهو تعلّق اليقين بعدم الرابعة لا متّصلة بالثلاث بل مطلقاً فحينئذٍ معنى الاستصحاب لترتّب الأثر هو عدم الاتيان وأمّا تعيين كيفيّة الاتيان فموكول إلى بيان الشارع . بل ظاهر الخبر يحتمل من جهة الاستصحاب لايجادها متّصلة بالثلاث المحرزة أو منفصلة لأن كليهما كيفيّتان لذلك الا انه بيّن كيفيّة الاتيان قبل التمسّك بالاستصحاب . وهو انه قام فأضاف إليها اخرى وأشار إلى ابقاء يقين العدم بأصل اتيان الرابعة بالاستصحاب . هذا .

الا ان في الصورة الاولى لابدّ في تعيين الكيفيّة من بيان آخر من الشارع لمنع اطلاق الرواية من ناحية اقتضاء الاستصحاب لاتيانها مطلقا . بل نهاية أثرها في المقام عدم الاتيان بالركعة ويكون قوله علیه السلام ( ولا يدخل الشكّ في اليقين ولا يخلط أحدهما بالاخر لبيان ان المشكوكة لابدّ أن يؤتى بها مفصولة عن الباقي ولا يخلطها بالمتيقن أي الثلاث المحرزة باليقين كما بيّن ذلك المحقّق النائيني ومنع اطلاق الرواية في عموم استصحابها لاتّصال الركعة وانفصالها اذ يتشبت بظهور قوله قام فأضاف بقرينة قام إلى لزوم الاتيان منفصلة لعدم احتياج إلى القيد على تقدير الاتّصال وصيرورته لغوا لو لم يعارض بظهور قوله فأضاف في العكس وهو الاتيان متّصلة . والانصاف ان ظهوره في الانفصال والاتّصال لا وجه له لصلاحيّة هاتين قرينتين احداها للاتّصال والاخرى للانفصال فلا ينعقد له ظهور في أحدهما .

توضيح وتتميم: قد ذكرنا ما يظهر من الرواية وانه بيّن وظيفة الشاكّ في

ص: 127

اتيان الرابعة وانه يضيف الى ما أتى به اخرى وانه لا اشكال في جريان الاستصحاب في المقام لعدم اتيان الرابعة وترتّب أثر اليقين بالعدم الذي لازمه اتيان الركعة عليه وليس من الموارد التي تكون القاعدة العقليّة بلزوم الاتيان بها بالشكّ في افراغ الذمّة عن شيء ويتعين الاشتغال جارية مقدّمة على الاستصحاب لأن موردها في ما اذا كان يترتب على القاعدة الحكم الواقعي كما في الشكّ في حجيّة مشكوكها فانه لا حاجة إلى احراز عدم جعل الحجيّة له حتّى يجري الاستصحاب بخلاف المقام فانه من أردء أنواع تحصيل الحاصل ما بالوجدان بالتعبّد . فان الأثر يترتب على الواقع بلحاظ ما تقدم الكلام عليه . ومقامنا نظير تقدم استصحاب الطهارة على قاعدتها ولا يكون الاستصحاب في المقام مثبتا لعدم كون هذه الركعة المشكوكة رابعتها بل هي منشأ الشكّ في اتيان الرابعة ويجري الاستصحاب للعدم ولازمه عقلاً وشرعا الاتيان وكونه مأمورا به .

إن قلت: انّ الاستصحاب لا مجرى له من حيث انّ اليقين لم يتعلّق بالرابعة مستقلاًّ عن الكلّ فاستصحاب وجوب الركعة الذي هو عبارة اخرى عن عدم اتيان الرابعة يكون من قبيل استصحاب مرتبة ضعيفة من السواد بعد ذهاب المرتبة القويّة منه ونشكّ في تبدّله بالبياض أو بقاء مرتبة ضعيفة منه وهو أحد أقسام الاستصحاب التي لا يكون المتيقّن مشكوكا فيه بل له بالوجود الاستقلالي مباينة للمرتبة المستصحبة فلا يكون استصحابها جاريا لعدم تماميّة أركانه من ناحية عدم كون المشكوك متيقّنا سابقا .

هذا الاشكال أوردته على سيّدنا الأستاذ قدس سره وما أجاب عن الاشكال إلاّ بقياس المقام بباب اجراء البرائة في الأقلّ والأكثر الارتباطي مع كون السورة

اشكال الاستصحاب

ص: 128

المشكوكة جزءا من الكلّ . لكن تجري البرائة هناك ولا يضرّ عدم الاستقلال ويترتّب عليه الأثر وهو عدم لزوم اتيان السورة في الصلاة فكذا في المقام . وعلى كلّ حال فيمكن الاشكال في جريان الاستصحاب في المقام لعدم مساعدة العرف لمباينة المشكوك المستصحب مع المتيقن سابقا فتأمّل .

وأمّا قوله ولا ينقض اليقين بالشكّ فتعليل للاستصحاب الجاري في عدم الاتيان بالركعة المشكوكة . وأمّا كيفيّة الاتيان بها فمع قطع النظر عن وجوب البناء

على الأكثر حسب استفادة ذلك من الأخبار(1) الاخر المخصّصة للاستصحاب على تقدير كونه مقتضيا في المقام لاتيان الركعة متّصلة بالباقي فيمكن أن يستفاد من القطعات التالية للخبر .

وذلك لأن مقتضى الاستصحاب عدم الاتيان بالركعة الرابعة ونتيجة ذلك لزوم الاتيان بها الا انه لما كان الاتيان بها محتمل الزيادة حيث ان زيادة الركعة بوجودها الواقعي مبطلة للصلاة كالنقصان فيدور أمر الركعة اللازم الاتيان بين كونها زيادة على المفروضة ومتمّمة لنقصانها . وكذلك عدم الاتيان بها لعلّه مورد نقصان المأمور به الذي أخذت بحيثيتين أن لا تكون ناقصة عن الأربعة ولا تكون زائدة عليها فلو أتى بالركعة متّصلة حصل إلا من من جهة النقيصة ويبقى في الشكّ من جهة الزيادة ولا احراز له بحصول القيد العدمي وهو عدم الزيادة على الأربع فأشار الامام علیه السلام إلى عدم الاكتفاء بهذا المأتي به بقوله ( ولا يدخل الشكّ في اليقين ضرورة عدم ارادة اليقين والشكّ بما هما صفتان وعدم ادخال أحدهما في الآخر اذ عدم امكانه ضروري . بل المراد عدم ادخال الشكّ في الامتثال باليقين

ص: 129


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 8/2 - 3 - 4 من أبواب الخلل في الصلاة .

بالامتثال . فانّ الثلاث محرزة يقينا والاكتفاء بالشكّ في الرابعة ادخال الشكّ في اليقين الحاصل من اتيان الثلاث وكذا قوله ( ولا يخلط أحدهما بالآخر ) وإن كان الطريق لا ينحصر بذلك بل له التبديل للامتثال بأن يأتي بالمأمور به مستأنفا لكن لما كان وظيفة الشاكّ في هذه الموارد غير وظيفة غيره . ففي حقّه تبدّلت الأربع ركعات بالترقيعي بأن يتمّ ما نقص بذلك . فلو لم يأت بالمنافي وشرع في صلاة اخرى ما حصل الامتثال ولم تكن مأمورا بها . بل لابدّ أن يتمّ المشكوك فيها بالاحتياط بل تعدي بعض الأصحاب حتّى قال بعدم صحّة ما يأتي به مستأنفا بعد اتيان المنافي الاّ اننا ما ساعدنا الدليل على ذلك . فاذن الوظيفة منحصرة في هذا المقام باتمام المشكوك فيها وضم الركعة الاحتياطيّة إليها تتميما لها حتّى لا يكون خلط الشك باليقين ولما كان زرارة فهم كلام الامام علیه السلام ولو بقرينة الأخبار الاخر فلذا لم يستوضح المراد من هذه القطعات في كلامه علیه السلام وهذا من شؤون هذا الراوي الجليل وكان المقام مقام تقيّة في الافصاح عن الوظيفة ولا يوجب ذلك مخالفة الخبر لما هو مسلم عند الاماميّة من عدم جريان الاستصحاب في الركعات الصلاتيّة اذ هو أمر مردود . الا ان تخطئة العامّة من جهة اتّصال المشكوك بالمتيقن ودفعه ببيانه علیه السلام ومجرّد احتمال صدور الخبر تقية لا يوجب التوقف اذ لابدّ لها من جهة عارضة وما لم تحرز لا وجه للحمل على التقيّة . وموافقة الاماميّة في جريان الاستصحاب للعامّة لا يوجب حمل الخبر على التقيّة كما لا يخفى .

وكيف كان فدلالة الخبر على الاستصحاب واضحة وصدور القطعات التالية

لتوضيح المراد وتأكيد جريان الاستصحاب الا ان في كيفيّة الاتيان مخالفة للعامّة ولما لعلّه مقتضى الاستصحاب من جهة دفع محذور احتمال زيادة الركوع الجاري

ص: 130

في لزوم الاعادة في مورده لا تعاد الصلاة(1) .

والخلاصة دلالة قوله علیه السلام ( قام فاضاف إليها اخرى ) في الركعة المتّصلة وان الاقتصار على الثلاث المحرزة نقض اليقين بالشكّ بلا اشكال . فجرى الاستصحاب ولا يلزم من جريانه اثبات ان هذه الركعة المشكوكة هي الثالثة أو التي يأتي بها هي الرابعة بل مجرّد عدم الاتيان أو بقاء الوجوب وهو لا يلازم شرعا بالتعبد ما ذكر . كما ان استصحاب شهر رمضان وانه باق لا يثبت ان اليوم الآتي من رمضان واقعا أو يوم عيد .

وقد أشرنا إلى تقدّم الاستصحاب على القاعدة مع ان الشكّ في الامتثال تمام موضوع العقل بوجوب الاتيان وجريانه دونها بالضابط الذي تقدّم بيانه من انه لو كان الواقع في ظرف الشكّ محفوظا وله حكم وفي مقام الشكّ أيضا له شيء آخر ( وحكم آخر ) فالمقام ظاهرا مقام الاستصحاب . والا فلو لم يكن كذلك فمجرى القاعدة كما في حجيّة مشكوكها . وحيث ان الواقع محفوظ في المقام ويترتب عليه الأثر وهو نفس بقاء الوجوب والاتيان بالركعة استنادا إلى ذلك فيجري الاستصحاب .

وأمّا القاعدة فلازمها وحكمها في كلّ مورد لزوم الاتيان بالمشكوك

الامتثال . امّا ان الأمر الواقعي باق أم ليس بباقٍ فليس بيانه من شأن القاعدة . هذا

غاية الأمر في المقام حسب حكم الشارع لابدّ من اتيان الركعة المشكوكة منفصلة لاحتمال الزيادة وإن كانت مساوية للنقيصة مع ان لوجودها الواقعي في الأركان أثر البطلان وإن كان سهوا ولا عن علم بخلاف غيرها فيختص البطلان بما اذا كان

ص: 131


1- . وسائل الشيعة 6 الباب 10/5 من أبواب الركوع .

عن علم وحيث ان بحكم الاستصحاب يلزم الاتيان بالرابعة ولم تكن الزيادة غير موجبة للبطلان بل لو كانت هذه الركعة زائدة على المأتي بها على تقدير كونه أربعا فيبطل العبادة فلذلك بدلّ الشارع المتّصلة بالمنفصلة .

إن قلت: معنى الاستصحاب في المقام بقاء الرابعة والغاء احتمال ضدّه .

وعلى هذا فلا وجه للانفصال مراعاة لعدم الزيادة كما ان في الشكّ في الركوع قبل الوصول إلى السجدة الأولى ( أو الثانية ) الغى الاحتمال والا فلا مخلص للمكلّف لدوران الأمر بين المحذورين فلو لم يأت ولم يعتن بالشكّ فمحتمل النقصان . وإن أتى فالزيادة وليس حكم العقل في هذه الموارد الا الاتمام رجاءً والاعادة الا ان معنى المضي على الشكّ مع تجاوز المحل اذ لزوم التدارك في المحل الغاء احتمال المخالف لطرف الحكم .

قلت: فرق بين ما نحن فيه وتلك المقامات فان الأمر هناك كما ذكرت وربما لا يكون في غير الأركان مزيد خصوصيّة عليها فيكتفي الشارع في هذه الموارد بالمضي على طرف .

ولو انكشف الخلاف لما ذكرنا سابقا من كون المأتي به ذا خصوصيّة وافية بمصلحة الواقع على نحو القناعة في مقام الامتثال على ما مرّ . حتّى انه ربما لا يوجب شيئا في انكشاف الخلاف كما في القرائة حتّى سجدتي السهو وفي بعضها يلزم الاتيان بهما وفي الأركان لابدّ من الاعادة إن انكشف الخلاف وإن لم ينكشف فالقناعة بداعي امتثال الأمر .

وأمّا المقام فلم يكن الواقع منعزلاً بالكلية ولا الغى احتمال الخلاف بل راعي ذلك على نحو لو كانت الركعة الرابعة ناقصة فهذا السلام والتشهّد لم يكن في

الفرق بين القاعدة والاستصحاب في المقام

ص: 132

محلّه وإن كان باذن الشارع لا يوجب البطلان بل تكون هذه المنفصلة متممة للملاك والجزئيّة كليهما للصلاة الناقصة عن الرابعة وإن كان المأتي بها تمام المأمور به فالسلام وقع في محلّه وكانت هذه نافلة .

وهذا في المقام من حكم الشارع والا لو انحصر الميدان للعقل فربما ما استقلّ بلزوم الاتيان بالمشكوكة على هذا الترتيب . فتبين من ذلك ان لجريان الاستصحاب في المقام أثراً بخلاف العامّة فانّهم يجعلونها متّصلة بالمأتي بها .

إن قلت: ان جريان الاستصحاب في المقام لم يوجب الا أن يأتي المكلّف بالرابعة منفصلة وعلى تقدير نقصان المأتي بها تمامها ملاكا وجزءا وإلاّ فنافلة .

وهذا القدر كان من شأن القاعدة لأن الفرض ان الاستصحاب لم يكن آمرا بالاتيان بل جرى في نفس بقاء الوجوب والالزام ولزوم الاتيان حكم العقل والقاعدة حاكمة بعينها على هذا الترتيب .

نعم لو كان تبدّل الاتصال بالانفصال من أثر الاستصحاب لكان له التقدّم على القاعدة الا ان الفرض خلافه . وثانيا ان الاستصحاب لا مجرى له من جهة اخرى وهي ان الأمر بالرابعة حيث كان ضمنيا في الأمر بالكل والفرض اتيان ثلاث ركعات وسقوط الأمر بمقدارها بناءً على تدريجيّة الامتثال ولازم ذلك عدم امكان اجراء الاستصحاب لعدم الأمر بالكل . والأمر بالرابعة لم يكن مستقلاً حتى يصح استصحابه بل هو من قبيل استصحاب الكلي من القسم الثالث الذي نستصحبه بعد ذهاب المرتبة القويّة من السواد في الشكّ في تبدلها بالبياض أو بمرتبة اخرى ضعيفة والعرف ليس بمساعد في هذه الصورة لجريان الاستصحاب لتعدّد الموضوع حينئذٍ عندهم . والجامع المتقوم بفرد خاص لابقاء له بعد ذهاب

ص: 133

ذلك الفرد الا على جريان الاستصحاب في القسم الثالث وهو ممنوع .

قلت اما الاشكال الأول فجوابه يعلم ممّا ذكرنا سابقا ولا بأس بالشرح فنقول وإن كانت نتيجة القاعدة والاستصحاب في أصل الاتيان بالمشكوك واحدة الا ان بينهما فرقا واضحا . وذلك لأن أثر الاستصحاب بقاء نفس الأمر بالواقع فيجوز حينئذٍ للمكلّف الاتيان بالركعة بقصد أمرها الواقعي بخلاف القاعدة . فليس إلاّ عدم المؤمّن للشّاك في الرابعة وأما اتيانها بما هي رابعة فليس ذلك من شأنها بل ليس له حينئذٍ وظيفة الا ان يعيّن اعادة أصل الصلاة أو اتمام ما بيده قبلها لمكان حرمة القطع ولكن رجاءً .

وهذا المقدار من الأثر كافٍ في جريان الاستصحاب لأنّه على هذا التقدير حاكم على القاعدة كما في حكومته على اصالة الطهارة وإن كان يوافقها فيها .

( أقول: الاشكال بحاله لأن الفرض مراعاة زيادة الركعة حسب ما حكم الامام علیه السلام في نفس هذه الرواية على ما فسّره الاستاذ وهذا لازم أيضا على تقدير جريان القاعدة الا ان يقال تعبد الشارع بالاتيان مفصولة بتكبير وتشهد وتسليم لم يكن من حكم القاعدة وربما ذلك بلحاظ الاستصحاب والا فمجرّد كون الاستصحاب ذا أثر وإن لم يجر بلحاظه لا يوجب تقدّمه على القاعدة .

اللهم إلاّ أن يقال جواز الاتيان بالركعة الاحتياطيّة بقصد أمر الواقع وكونها متممة للملاك والجزء أثر ولم يذكره الاستاذ ولم يجعله أثرا أو يقال ان الاستصحاب جاري في نفس الركعة لوجوبها وهذا أثر شرعي بلا حاجة إلى هذه التكلفات .

وعلى هذا فيتضح جواب الاشكال الثاني وتقريره ببيان أوضح ان الثلاث

ص: 134

ركعات لو كانت غير مرتبطة بالركعة الباقية كان لاستصحاب نفس الرابعة مقام لان المركب الارتباطي يكون كلّ جزء منه جزءا وقيدا للأجزاء الاخر .

فلو اقتصر الشاكّ على هذا المشكوك ولم يحرز القيد الوجودي للصلاة وهي كونها أربع ركعات فهذه الثلاث المحرزة أيضا لم يسقط أمرها قطعا بل يشكّ في ذلك فمجرى لاستصحابها أمرا وإن أتى بالمشكوك متّصلاً بها لم يحرز القيد العدمي وهو عدم الزيادة .

فعلى كلّ تقدير لم يحرز امتثال الأمر بالثلاث ركعات لعدم كون الامتثال تدريجيّا بمعنى سقوط أمر كلّ جزء بمجرّد الاتيان به بل بعد تمام الاجزاء والقيود على النحو المعتبر ينكشف كون الاجزاء المأتي بها موافقة للأمر وإن الامتثال وقع بها فعلى هذا يمكننا أن نقول خلافا للعامّة ان المستصحب هو وجوب الأمر بالصلاة المنحل إلى أربع ركعات لا انه هو الركعة الرابعة أو عدم الاتيان بها .

فلا يبقى بعد هذا مجال للاشكالين أصلاً . اذ لابدّ أن يكون الامتثال عن قطع وفي غير ما ذكرنا يكون من خلط التقين بالشكّ لو كان الثلاث ركعات غير مرتبطة بالباقي فيكون اليقين بالاتيان بها داخلاً فيه الشكّ في الرابعة ومخلوطا به وهو منهي عنه وعلى الارتباطيّة لا يكون خلط اليقين بامتثال ثلاث ركعات بالشكّ في الرابعة الا على تقدير ذلك صورة لاحقيقة لتعلّقها بالرابعة المجهول حالها أو يكون نفسها بلا تقيدها ) بل يمكن استصحاب نفس الاشتغال بالصلاة المنكشف التابع للحكم التكليفي .

وهذا معنى ما يقال ان كلّ تكليف يستتبع وضعا ولذا بعد ان مات الميت وسقط التكليف نستصحب مثلاً اشتغال ذمّته بالصلاة والصيام أو نخرج ما يبذل

ص: 135

لقضائها إن لم يكن له الولد الأكبر من أصل المال لكون ذلك من حقّ اللّه وديونه(1) .

وعلى كلّ حال فانكشف معنى الرواية وصحّة التمسّك بها للاستصحاب بما ذكرنا . وإلى ما ذكرنا يرجع ما ذكره المحقّق الآخوند والمحقّق النائيني فانّ الثاني(2) قال ان دلالة الرواية على لزوم الاتيان بالركعة متّصلة بالاطلاق لكنّها قيّدت بالروايات الآخر الدالّة على لزوم الاتيان بها منفصلة بتكبير وسلام .

والمراد من الاطلاق على هذا اطلاق المادّة وإن كان المراد ان استصحاب الركعة في عدم اتيانها متّصلة يوجب الاتيان بها كذلك لا ان يكون جريانه ولزوم الاتيان بها يلازم تخييره في الكيفيّة وإلاّ فلو لم يجر الاستصحاب على هذا النحو فمعناه عدم الجريان بالأصل . اذ الفرض ان الرابعة مشكوك الاتيان بها وهي مجرى الاستصحاب ومعنى الاستصحاب كون الشاكّ كالمتيقّن في ترتيب آثار اليقين على المجرى والمورد فهو كانه متيقن ولا يكون تقييد للاطلاق الا انه غير مراد له بل نفس الرواية ولو بضميمة صدرها يمكن أن تكون ظاهرة في التقييد مع الغض عن الفقرات المذيل بها هذه الرواية . وعن الشيخ قدس سره (3) احتمال صدور هذه

الرواية تقية وهو خلاف الظاهر ولذا احتمل وجها آخر كان تكون الرواية تطبيقا منطبقة على التقيّة بلا لزوم تقيّة في أصل الكبرى . فعلى هذا يجوز التمسّك بالكبرى في ساير الموارد وإن كان تطبيقها على المورد تقيّة واستشهد لامكان

ص: 136


1- . لكن الأقوى عدم خروج الاجرة من أصل المال .
2- . وسائل الشيعة 8 الباب 10/3 من أبواب الخلل في الصلاة .
3- . فرائد الأصول 1/569 .

ذلك في المقام بما ورد من قول الامام علیه السلام (1) في قضيّة واردة حاكية عن قوله علیه السلام في مجلس اللعين جوابا عن سؤاله عن الافطار في اليوم الذي شهد فيه بعض المسلمين بأنّه يوم العيد ( ذاك إلى إمام المسلمين ان صام صمنا معه وإن أفطر أفطرنا معه ) .

الرواية التي استدلّ بها على ثبوت الهلال بحكم الحاكم وإن كان بيان الامام علیه السلام إنّما كان لأجل التقيّة تطبيقا والقى الكبرى التي ليس فيها تقيّة ليوهم انطباقها على المورد ليحفظ نفسه فليكن المقام من هذا القبيل بأن يكون تطبيق الكبرى على عدم اتيان الرابعة كي يلزم الاتيان بها متّصلة تقية ولا تقية في أصلها .

وذلك لا يضرّ بالاستدلال بها في ساير الموارد إلى ان حمل الشيخ هذه الرواية ولو بعيدا على ان المراد باليقين اليقين بالبرائة بالبناء على الأكثر واتمام الصلاة كذلك

والاتيان بالركعة منفصلة احتياطا . وقد عبّر عن هذا العمل في غير واحد من الروايات بالبناء على اليقين إلى آخر ما قال . إلاّ ان ذلك كلّه أتعاب للنفس بلا موجب لما بينّا من دلالة الرواية على الاستصحاب بلا تقيّة في البين بيانا وإن كانت فسيجيء بيانها والقضيّة التي استشهد بها لا صغرى لها ولا كبرى ( مع ان قوله علیه السلام إلى ذاك إلى امام المسلمين ) إلى اخره صحيح ولا تطبيق في المقام لأن قوله ان صام صمنا معه وان افطر أفطرنا معه لا يوجب تطبيقا بعد ان كان المراد من الضمير هو امام المسلمين وليس في البين الا ايهام المخاطب انه هو وهو لا يكون تطبيقا ) .

التقيّة في التطبيق لا في أصل الكبرى

ص: 137


1- . وسائل الشيعة 10 الباب 57/5 من أبواب ما يمسك عنه الصائم مع تفاوت في الألفاظ .

وفي كلام المحقّق الخراساني رحمه الله(1) أن يكون الاستصحاب جاريا في نفس الركعة .

ولا يخفى ما فيه لما عرفت من ظهور الرواية فيما ذكرنا سابقا . بل يمكن توجيه الرواية على وجه تنطبق على فتوى العامّة وعلى فتوى الخاصّة كي يستفيد كلّ فريق منهم ما يوافق مذهبه بأن يكون المراد من اليقين والشكّ في قوله ولا يدخل الشكّ باليقين ولا يخلط أحدهما بالآخر ولا ينقض اليقين بالشكّ عدم الاقتصار على هذه المشكوكة كي يكون من نقض اليقين بالشكّ وخلط الامتثال اليقيني بالشكّ في الرابعة وادخال الشكّ بالاتيان بالرابعة باليقين باتيان الثلاث ركعات وهذا بناء على مذهب العامّة الجاري عندهم الاستصحاب يكون بأن يأتي بالناقص المستصحب منضما إلى الثلاث فيبنى على اليقين .

من جهة عدم النقيصة التي عدمها قيد للصلاة فيكون ممتثلاً يقينا وعلى مذهب الخاصّة يمكن أن ينطبق على هذا المعنى وتقييده بالروايات الاخر أو ان يكون ظاهرا بقرينة الصدر في الركعة الاحتياطيّة حيث ان الوظيفة قد تقدّمت على بيان التعليل بلا تقييد أصلاً .

وعلى هذا الوجه فالرواية يمكن استفادة جريان الاستصحاب في عدم الاتيان بالرابعة على المذهبين فلا يكون منعزلاً عن الشكّ في عدد الركعات .

وفي المقام توجيه آخر موافق لظاهر الرواية أشرنا إليه ونزيده هنا بيانا وهوأن يكون المراد من الاستصحاب والفقرات التالية لقوله ولا ينقض مراعاة الصلاة بقيودها الوجوديّة والعدميّة حيث ان اتيان الركعة الرابعة على كلّ تقدير

توجيه آخر للرواية

ص: 138


1- . كفاية الأصول 2/295 .

لليقين بالقيد الوجودي وهو وجود أربع ركعات . فبناء على مذهب العامّة يجري الاستصحاب ويكون هذا القيد محرزا الا ان في المقام لما روعيت جهة الزيادة ولم تكن ملغاةً رأسا فلذا لابدّ من الاتيان بالركعة المشكوكة على نحو لو كان المأتي بها ناقصا عنها تكون متمّمة لها وعلى تقدير تمامها فتكون نافلة وتستلزم أن يكون لها راسم وحدة .

فلذا شرعت بالتكبيرة والفاتحة اذ لا صلاة إلاّ بفاتحة الكتاب ولا تكون التسبيحات قائمة مقام الحمد على هذا الفرض ويكون معنى لا يخلط أحدهما بالآخر ولا يدخل الشكّ في اليقين هو عدم خلط الشكّ في القيد العدمي أي عدم الزيادة في اليقين بحصول القيد الوجودي وهو اتيان الرابعة وعدم ادخال هذا الشكّ في اليقين الذي يحصل على النحو المذكور .

فقوله لا ينقض اشارة إلى احراز القيد الوجودي أومع العدمي والفقرات

التالية إلى لزوم احراز القيد العدمي من جهة الزيادة فتبين ممّا ذكرنا عدم مخالفة هذه الرواية لمذهب الخاصّة بل هي منطبقة على المورد دالّة على الاستصحاب بأحسن وجه وروعى فيها احتمال الزيادة فسّد ذلك بتشريع الركعة المنفصلة على ما ذكرنا فتكون متمّمة للملاك أو مع الجزئيّة كما أشرنا إليه سابقا . وبناء على استظهار تبدّل وظيفة الشاكّ إلى الاتيان منفصلة بين الركعات بالتكبير وبالسلام فنقول بمقتضاه من كون الأربع ركعات وظيفة غير الشاكّ أي الذاكر غير الساهي . وأمّا من شكّ فوظيفته هكذا ولذا لو لم يأت بالركعة الاحتياطيّة واستأنف الصلاة من رأس لا تكون مجزية مسقطة للامر مع عدم فاصلة حدث . والا فيستأنف بل بعضهم تعدى حتى في هذه الصورة فالتزم بزوم الركعة الاحتياطيّة ولا وجه له

ص: 139

وشرح ذلك في الفقه . ولا ينافي ما ذكرنا ظهور الرواية في تعين الركعة من قيام وذلك للجمع بين هذه الرواية والأخبار الآخر الواردة(1) بركعتين من جلوس بالتخيير وأفضليّة الجلوس ولا تكون قرينة على كون المراد الركعة الاتصاليّة كي يكون تقية هذا .

وقد استشكل في الرواية بعدم ظهورها في القاعدة الكليّة لاحتمال كون الفقرات المذكورة فيها مبنيّة للفاعل .

كما استشكل في الصحيحة الاولى من كون المراد من اليقين فيها اليقين بالوضوء ولا ينقضه بالشكّ اشارة إلى موضوع من لم يدر في ثلاث أم في أربع .

وعلى هذا فلا ربط لهذه الرواية بالاستصحاب أصلاً كما أشار إلى هذا الاشكال المرحوم المحقّق الآخوند قدس سره (2) الا انه لا يخفى امكان البناء للمفعول كما أشار إليه هذا المحقّق بقرائن اخرى منها صدور مضمونها مناسبا للمفعول في باقي الروايات . ولا ينافي ذلك كون المراد من الفقرات الذيليّة أي قوله ( يبني على اليقين ويتمّ على اليقين ولا يعتدّ بالشكّ في شيء من الحالات . الفاعل والتعليل أي قوله لا ينقض على المفعول .

وعلى كلّ حال فقد عرفت ظهور الرواية في حجيّة الاستصحاب في غير مورد ولا تكون محمولة على التقيّة كما سمعت .

وبما ذكر ظهر ما في كلام الشيخ العلاّمة الأنصاري بمخالفة كون المراد من اليقين والشكّ في لايدخل الشكّ في اليقين الثلاث ركعات والركعة الرابعة

ظهور الرواية في الاستصحاب

ص: 140


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 10/1 - 2 - 4 - 5 - 6 - 7 - 8 - 9 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . كفاية الأصول 2/295 .

المشكوكة بأن يأتي بها مفصولة للفقرات الست أو السبع مع ان الفقرات الست أو السبع لا تكون في الرواية الا على كون المراد بها هي كلّ من قوله ولا يخلط ولا يدخل ويتم الخ .

ومن الروايات المستدلّ بها على حجيّة الاستصحاب رواية محمّد بن مسلم(1) عن أبي عبداللّه علیه السلام ( من كان على يقين فشكّ فليمض على يقينه أو فليبن على يقينه وفيها احتمال أن يكون اشارة إلى قاعدة اليقين والشكّ الساري .

وهذه الرواية نقلت على أنحاء منهاما عن أبي عبداللّه قال: قال أميرالمؤمنين عليهماالسلام: من كان على يقين فشكّ فليمض على يقينه فانّ الشكّ لا ينقض اليقين .

ومنها: ما يقارب(2) هذا المضمون من انه يبنى على يقينه أو فليبن على يقينه ويحتمل تعددها لذلك ودلالتها على الاستصحاب مبنيّة على عدم ظهورها في قاعدة اليقين أو يكون الأعم من الاستصحاب والقاعدة فيشمل الاستصحاب أيضا .

والتعبير فيه بقوله من كان على يقين فشكّ أو ثمّ يشك يناسب القاعدة فقد يقال بظهورها فيها لا في الاستصحاب لصراحتها في اختلاف زمان اليقين والشكّ وهذا ليس بلازم في الاستصحاب . لأنّ الاستصحاب مورده في الشكّ في البقاء وهذا يمكن أن يكون مجتمعا مع اليقين بالحدوث بخلاف القاعدة . فانّ الشكّ فيها يتعلّق بعين المتيقن سابقا في حدوثه ولذلك يسمّى بالشكّ الساري أيضا . ففي

ص: 141


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/6 من أبواب نواقض الوضوء .
2- . وسائل الشيعة 8 الباب 8 - 9 - 10/2 - 5 - 2 - 3 من أبواب الخلل في الصلاة .

مورد القاعدة لا يمكن اجتماع اليقين والشكّ بل بالشكّ لا يقين وهذا بخلاف الاستصحاب فليس يعتبر فيه اختلاف زمان اليقين والشكّ لعدم كون متعلّق اليقين هو متعلّق الشكّ بعينه بل متعلّق اليقين الشيء بوجوده الحدوثي ومتعلّق الشكّ الشيء بوجوده البقائي فالشكّ وإن كان متعلّقا بنفس الشيء الا انه ليس في الحدوث بل في البقاء بعد بقاء اليقين بالحدوث .

فعلى هذا يتصوّر فيه اجتماع اليقين والشكّ بخلاف القاعدة كان تيقّن بعدالة زيد في يوم الجمعة ثمّ شكّ يوم السبت في نفس عدالته يوم الجمعة فتعلّق الشكّ في الزمان الثاني بعين ما تعلّق به اليقين به في الزمان الأوّل .

وعلى تقدير أن يكون ظاهرا في القاعدة فالمراد بالمضي على اليقين ليس على اطلاقه بل بالنسبة إلى آثار حال اليقين غير الباقي فلو كان أثر لذلك في البقاء فلا يترتّب عليه كان صلّى يوم الجمعة عقيب زيد فلا يعيد ذلك من جهة الشكّ في عدالته بعد يومها .

نعم في زمان الشكّ يترتّب عليه آثار الشكّ الفعلي حسب ما هو مبين في أدلّته . وأمّا لو يترتّب على العدالة أثر بقاءً فلا يترتّب عليه لعدم استفادة ذلك من القاعدة كما إذا كان يقلّد مجتهدا وذهب رأي المجتهد إلى جواز الأكل للذبيحة بودج واحد بقي منه أو جواز أكلها وحليّتها لو قطعت الأوداج ممّا يتّصل بالرأس بخلاف ما إذا لم يبق اتّصال في الأوداج أصلاً . بل في هذه الصورة يمكن أن يبنى على جواز نحر الذبيحة من منحره وكان على هذه الفتوى مدّة من الزمان فشكّ في الأزمنة المتأخّرة في مدرك الحكم .

وإن ما حكم به سابقا وأفتى به هل كان هو حكم اللّه أو أخطأ . فبالنسبة إلى

لو استفيد القاعدة

ص: 142

الآثار المعدومة فيمضي من نجاسة يده أو الأكل من الذبيحة كذلك وبيعها وأمّا لو كانت باقية فلا يجوز الأكل منها أو بيعها إذا كانت منفعتها منحصرة بالأكل لعدم الاحراز .

وكذا لو كان فتواه أو مجتهده عدم جواز بيع اللبن المتنجس لعدم منفعة محلّلة مقصودة وكان طرف المعاملة والطرف الآخر بخلاف ذلك عن اجتهاد أو تقليد فتنازعا وتحاكما إلى من كان يحكم بمقتضى فتواه على جواز البيع فينقض هذه الفتوى في المقام لتسلّم تقدّم الحكم على الفتوى أمّا إذا لم يكن قاطعا بفساد الحكم بخلافه فحينئذٍ لابدّ من امضاء حكم الحاكم والبناء على صحّة المعاملة كما هو مسلم بين الفقهاء . أو كان يقلّد شخصا بخيال انه حي مع البناء على عدم جواز تقليد الميّت ابتداءً وبعد مدّة شكّ في حياته حين رجع إليه .

فهذا كلّه من موارد قاعدة اليقين وعلى تقدير تماميتها لابدّ من القول بمقتضاها في هذه الموارد وأشباهها .

وليعلم انّ ذلك اذا لم يكن قاطعا ثانيا على الخلاف بل تبدّل الاجتهاد لقيام الامارة عنده على خلاف ما أفتى به وذهب إليه سابقا وكذا مورد الكلام ما إذا لم يطرء عنوان آخر على ما ذكرنا من هذه الموارد بل في كلّ مورد ويمكن القول في فرض تقدّم حكم الحاكم على الفتوى ان اللازم على من فتواه على خلاف الحكم التعبد بصحّة المعاملة .

وأمّا جواز الأكل والشرب أو الاستعمالات التي تكون عند الحاكم محلّلة فلا ) .

وعلى كلّ حال فالقاعدة على تقدير قيام الدليل عليها لا اشكال في ترتب

ص: 143

الحكم والآثار عليها . إنّما الكلام في الدليل وهذا الخبر المبحوث عنه في المقام يحتمل انطباقه على القاعدة بأن يكون المراد من اليقين والشكّ ما يظهر منهما لا المتيقن والمشكوك ويكون المتعلّق للشكّ هو المتعلّق لليقين فكما انّ اليقين تعلّق بالحدوث فالشكّ كذلك ويلزم على هذا أن يكون ماضيا على اليقين كما هو المناسب للرواية . ويمكن أن يراد منها خصوص الاستصحاب وذلك بأن يكون المراد من اليقين والشكّ ظاهرهما وإن كان الأوّل مقدما على الثاني وجودا إلاّ انه ليس بلازم بل يمكن اجتماعها في زمان واحد ولكن الاستصحاب لا ينافي تقدّم اليقين على الشكّ كي لا يمكن استفادته من هذا الخبر بل الغالب في مورده هو تقدّم اليقين على الشكّ والمتعلّق في اليقين هو المتيقن بوجوده الحدوثي والشكّ يتعلّق بذلك المتيقّن لاحقا ومقتضاه كون الشكّ في البقاء مع بقاء أصل اليقين بالحدوث .

وأمّا لو تعلّق اليقين بشيء والشكّ بشيء آخر فذلك خارج عن مدلول الخبر ويكون من قاعدة المقتضى والمانع ولا ربط لها بالاستصحاب . ويمكن ارادة الأعم من الاستصحاب والقاعدة . والأكثر فهموا من الرواية الاستصحاب وجعلوها دليلاً عليه وإن قال بعضهم بالأعم منهما أو لعلّه بخصوص القاعدة . والأظهر في الرواية بل الظاهر الذي يساعده الوجدان هو اختصاصها بمورد الاستصحاب وذلك لمكان قوله ذيلاً فليمض على يقينه .

الذي من المسلم عدم موضوعيّة له في متعلّق نفسه .

نعم يمكن أن يكون موضوعا لحكم آخر إمّا في مورده فله الطريقيّة عقلاً ولا مساس للجعل والتعبّد الشرعي أثرا له . فيقرب على هذا كون المراد من اليقين

ص: 144

هو المتيقن وهو كما إذا تيقّن عدالة زيد وشكّ في بقائها فليمض على متيقّنه ويرتّب آثار العدالة عليه بقاءً ولا يمكن الالتزام بهذا في قاعدة اليقين كما إذا طلّق

زوجته عند من تيقّن المتزوّج بها بعد العدّة بعدالته وشكّ لاحقا في أصل العدالة حين الطلاق مع انّه قبل الشكّ وطئها افترى دلالة الخبر على جواز وطئها ثانيا وثالثا حين الشكّ وبعده في عدالة من طلقت عنده واما في الاستصحاب فلا يرد ذلك أصلاً هذا .

وعلى تقدير عدم الظهور في ما ذكرنا فلا أقل من الاحتمال المسقط له عن كونه دليلاً عليه وعلى القاعدة .

ملخّص الكلام: قد ذكرنا دلالة الرواية على الاستصحاب ولو كان المراد منه الأعم من القاعدة والاستصحاب فالاستصحاب يكون داخلاً قطعا وذلك بأن يراد من اليقين اليقين مطلقا ويتعلّق الشكّ بذلك ولكن حيث انّ اليقين ليس له حكم الا الأحكام العقليّة فالمراد منه في الرواية هو المتيقّن الذي جعل موضوعا للمضي ثانيا . غاية الأمر جهة الشكّ مختلفة فتارة يكون في الحدوث واخرى هو البقاء وعلى هذا التقدير فالجامع هو اليقين . وإلاّ فلا جامع بين الاستصحاب والقاعدة على نحو يشمل خصوصيّة كليهما .

وأشرنا إلى انّ ليس لليقين أثر شرعي إلاّ ما يترتّب عليه عقلاً .

فعلى هذا ليس المراد من يقينه الذي لابدّ من المضي عليه الا المتيقّن اذ هو الذي يكون موضوعا للأحكام الشرعيّة .

وعلى كلّ تقدير فالخبر شامل للاستصحاب متيقنا .

وأمّا القاعدة فلو كان لها أساس في أدلّة الشرع فيمكن استفادة حجيّتها من

استظهار كون الرواية في مورد الاستصحاب

ص: 145

هذا الخبر على هذا التقريب . وإلاّ فلا وجه ولا دليل عليها . بل لم يعلم العمل بها في مورد وما يتخيّل كون القاعدة فيه دليلاً فليس بصحيح . اذ من هذه الموارد قضيّة تبدّل رأي المجتهد والبناء على صحّة أعماله السابقة له ولمقلديه والصلاة عقيب من كان جنبا واقعا أو كان يهوديّا أو فاسقا وأمثال هذه وليس الدليل فيها هي القاعدة فان عدم اعادة المأموم واعادة الامام في ما إذا كان جنبا كما ورد(1) من ان الامام يعيد ولا يعيد المأمومون فلم يبين الوجه في ذلك الخبر لكنّه ينطبق على قاعدة لا تعاد بالنسبة إلى المأمومين اذ لم ينقص من صلاتهم الا القرائة وهي لا تعاد الصلاة من جهتها اذا كان تركها عن ( سهو ) لا عن عمد كما في المورد ويمكن أن يكون العلم بالعدالة موضوعا للجواز وصحّة الصلاة لا واقعها أو ( اكتفى بالظاهر ) وعلى هذا فدلالة الرواية على الاستصحاب واضحة .

وقد استدلّ على حجيّة الاستصحاب بمكاتبة(2) علي بن محمّد بن القاشاني أو القاساني .

قال: كتبت إليه وأنا بالمدينة أسأله عن اليوم الذي يشكّ فيه من شهر رمضان هل يصام أم لا ؟

فكتب

علیه السلام: اليقين لا يدخله الشكّ صم للرؤية وافطر للرؤية .

ويظهر من بعض الرجاليين ان راوي هذا الخبر ضعيف وصدرت منه أشياء

أو أقوال منكرة وعن آخر أو آخرين مدحه لكنه مشترك بين اثنين(3) أحدهما

ص: 146


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 1/36 من أبواب صلاة الجماعة .
2- . وسائل الشيعة 10 الباب 3/13 من أبواب أحكام شهر رمضان .
3- . راجع تنقيح المقال 2/305 - 308 ومعجم رجال الحديث 12/149 - 150 - 172 - 175 .

علي بن محمّد بن شيرة والثاني بلا زيادة ويظهر من تتبع كتب الرجال ان أحدهما كان من جبل عامل وهو القاساني اسم محلّة أو موضع أو بلد لهم والآخر هو القاشاني كان اصبهانيّا تعد قاشان من توابع اصبهان والذي كان عامليا كانه غير مقدوح بخلاف الثاني ولاشتراكهما يحتاج التميز بينهما كما في ساير موارد الاشتراك بين الاسمين أو الأسماء إلى ما يشخص أحدهما أو أحدهم عن الآخر بروايته عن شخص خاص أو كونه في طبقة خاصّة دون الآخر أو من أصحاب امام خاص أو غير ذلك من المميزات .

وعلى كلّ حال فراوي هذا الخبر كأنّه هو القاشاني بالمعجمة الذي قد سمعت ما فيه .

ويظهر انّه كان من أصحاب الهادي علیه السلام ويمكن ادراكه الجواد علیه السلام في شبابه وعلى تقدير الاغماض عن السند فلابدّ من النظر في دلالتها . وتقريب الاستدلال بها على الاستصحاب ان اليوم الذي يشكّ فيه من رمضان له فردان . احدهما ما يشكّ فيه انّه من شعبان والثاني مشكوك انّه من أوّل شوال وقوله هل يصام أم لا سؤال عن وجوب الصوم وعدمه . فأجاب في المكاتبة بقوله علیه السلام ( اليقين لا يدخله الشكّ ) وذلك فانّ اليقين بشعبان لا يرفع اليد عنه بالشكّ في خروجه ودخول رمضان وكذا في اليوم المشكوك انّه من شوّال لا يرفع اليقين برمضان بالشكّ في شوال وكلّ ذلك لعدم دخول الشكّ في اليقين .

فلو بنى على دخول رمضان في الأوّل وشوّال في الثاني وصام هذين

اليومين أو أحدهما كذلك على انّه من أحدهما فدخل الشكّ في اليقين . وذلك لا يجوز وعلى هذا فيصح قوله ( صم للرؤية وافطر لرؤية ) تفريعا على هذه الكبرى

الاشكال في سند الرواية

ص: 147

وهذا لا اشكال فيه وانّه دليل على الاستصحاب . ولذا جعل الشيخ(1) هذه الرواية أظهر الروايات في دلالتها على الاستصحاب الا ان المحقّق النائيني قدس سره م احتمل(2) وجها آخر في الجواب . وذلك بأن يكون صادرا في اعتبار اليقين برمضان في وجوب الصوم فقبل يقين موضوع رمضان لا يجوز أن يصوم بنيته كما ورد(3) في الروايات الاخر الدالّة على ذلك حتّى انّه لو اتّفق ما صامه بنيّة رمضان رمضانا لا يقع له .

نعم يجوز بنية آخر يوم من شعبان أو بنيّة صوم آخر ويقع رمضان . فعلى هذا لا مساس لهذه الرواية بباب الاستصحاب بل هي أجنبيّة عن ذلك وقوله افطر للرؤية وصم للرؤية بيان لحكم وجوب الصوم والافطار لحرمة الافطار في رمضان والصوم في يوم العيد فعلّق وجوب الصوم والافطار على الرؤية .

وأمّا صوم يوم الشكّ فلم يتعرّض له في الجواب هذا إلاّ ان ذلك لا يوجب ظهور الرواية في ما ذكره المحقّق النائيني رحمه الله لأن استفادة الحكم من الروايات الاخر وعدم جواز صوم يوم الشكّ على انّه من رمضان أو شعبان على انه من رمضان لا ربط له بما هو مورد الرواية وهي ظاهرة فيه .

والانصاف ان الرواية ظاهرة في الاستصحاب(4) مضافا إلى بعد ما ذهب إليه النائيني انه لم يبين حكم يوم الشكّ من شوّال ( بل ظاهر الرواية انّه يصام للاستصحاب .

ص: 148


1- . فرائد الأصول 2/570 .
2- . فوائد الأصول 4/366 .
3- . وسائل الشيعة 10 الباب 1/4 - 7 - 8 من أبواب الصوم المحرّم .
4- . كما استظهر ذلك استاذنا المحقّق البجنوردي قدس سره . منتهى الأصول 2/434 .

هذه عمدة روايات الاستصحاب التي ذكر الشيخ رحمه الله(1) بعد ايرادها وبعض الروايات الاخر ان المجموع باعتبار التعاضد والتجابر دال على الاستصحاب وانّه حجّة . ومراده رحمه الله ان بعضها كصحاح(2) زرارة أو الاولى(3) والثانية(4) دالّ على الاستصحاب ولو في الجملة ( وفي باب الوضوء والخبر(5) الأخير في الصوم وباقي الأخبار(6) في الطهارة والنجاسة الخبثيّة وغيرها فبالمجموع تستفاد القاعدة أي الاستصحاب وينجبر سند بعضها بالآخر ) مع صحّة السند وبعض الأخبار الآخر وان لم يكن صحيح السند الا انه تام دلالة فيمكن الاتّكال على المجموع خصوصا الخبر الأخير الذي ذكرنا انّه أظهر الروايات عند الشيخ لا أن يكون السند مأخوذا متعددا في بعضها ونأخذ الدلالة من آخر حتّى يصحّ الاستناد إلى المجموع في ذلك .

وعلى كلّ حال فقد عرفت عدم أظهريّة الأخير وعرفت ان دلالة كلّ هذه الأخبار على النحو الذي قربناه في كلّ واحدة منها تامة بلا حاجة إلى التعاضد والتجابر . وعرفت الاشكال من المحقّق النائيني في الأخير وربما يستدلّ ببعض الأخبار الواردة في بعض المقامات على الاستصحاب كقوله علیه السلام: كلّ شيء(7) لك

دلالة الروايات على الاستصحاب

ص: 149


1- . فرائد الأصول 2/570 .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 1 ح1 من أبواب نواقض الوضوء .
3- . وسائل الشيعة 1 الباب 1 ح1 من أبواب نواقض الوضوء .
4- . وسائل الشيعة 3 الباب 37 - 41 - 44/1 - 1 - 1 من أبواب النجاسات .
5- . الوسائل 10 الباب 3/13 من أبواب أحكام شهر رمضان .
6- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/5 من أبواب الماء المطلق و3 الباب 37/4 من أبواب النجاسات .
7- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

حلال حتّى تعلم انّه حرام أو كلّ شيء(1) لك حلال حتّى تعرف انّه حرام بعينه .

وقوله علیه السلام كلّ شيء(2) نظيف حتّى تعلم انّه قذر والماء كلّه طاهر حتّى تعلم انه قذر وليس في الأخبار كلّ شيء طاهر حتّى تعلم انّه قذر وان ادّعى صاحب الحدائق ذلك .

( أقول(3): قد اعترف على خلاف ما اسنده الاستاذ إليه في أوّل باب النجاسات ) واستند بعضهم إلى هذه المضامين في حجيّة الاستصحاب والقاعدة معا كصاحب الفصول . والمحقّق الخراساني(4) زاد على هذا استفادة الحكم الواقعي في قبال آخر مستفيد دلالتها على خصوص القاعدة .

والمحقّق الخراساني في تقريب الكلام للدلالة على هذا المدعى تارة يوافق ما في كفايته واخرى يعبر بأن في الكفاية كذا ونحن نقول كذا وقد رجع رحمه الله في درسه وكان يصرّح على خلاف ما في الكفاية في مواضع:

منها: ما أفاد في باب الطلب(5) والارادة الذي أورد فيه كلمات لا توافق الاختيار وأخذها من غيره وقرّبها بما ظاهره الجبر عند قوله ما جعل اللّه المشمشة مشمشة ولكن أوجدها وإن الذاتي لا يعلل إلى ( قلم اينجا رسيد سر بشكست ) حتّى عبّر عنه بعض المحشّين في هذا الموضع بالزنديق الهروي الا انه لم يكن قام أحد بحذف ذلك من كفايته فطبع مرّة بعد اخرى إلى ان اشتهر في الآفاق .

ص: 150


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
2- . الوسائل 3 الباب 37/4 من أبواب النجاسات والوسائل 1 الباب 1/5 من أبواب الماء المطلق .
3- . الحدائق 5/11 .
4- . كفاية الأصول 2/298 - 300 - 301 .
5- . كفاية الأصول 1/99 إلى 101 .

ومنها: ما أفاده في أوّل بحث حجيّة الظن الا ان كلامه هنا اهذب . وكيف كان فيمكن تقريب الدلالة على استفادة المطالب الثلاثة من قوله كلّ شيء(1) لك حلال حتّى تعلم انّه حرام واخته بأن يستفاد الحليّة الواقعيّة والظاهريّة والاستصحاب المنحصر دلالة هذه عليها وإن كان الاحتمالات تصل إلى سبعة بأن يراد كلّ هذه الثلاثة واثنين منها وهما القاعدة والاستصحاب وهو والحكم الواقعي وهو والقاعدة وهذه أربعة وكلّ واحد من الثلاثة فتكمل السبعة . وذلك بأن يكون المراد من الشيء العنوان الاولى له أي شيء كان من الذوات التي تكون موضوعة لمتعلّقات التكاليف أو يكون من المتعلّقات وإن كان مرجع الأوّل أيضا إلى الثاني . اذ الحرمة والطهارة إنّما تتعلّق باعتبار التصرّفات القابلة التعلّق بالحرام والشيء

بالمعنى الأوّل اشارة إلى الماهيّات والعناوين الخارجيّة كالحنطة والشعير وكلّ ما يمكن أن يتعلّق فعل المكلّف به من الموضوعات الخارجيّة ويكون حكم هذا الشيء من الفعل والموضوع الخارجي اللذين هما فردان للشيء منطبقين على الموارد الكثيرة التي تكون لها حسب افرادها بالنسبة إلى كلّ مكلّف الحلية بحسب العنوان الاولى بلا تعلّق شكّ بحكمه .

وعلى هذا فيكون نظير اصالة الاباحة في الأشياء وإن كان يتصوّر فيه المنع من جهة تصرّف المكلّف في ملك المولى بخلافه هنا . الا من حيث طرو عنوان عارضي كالغصب وأمثاله ومثله في ذلك قوله كلّ شيء(2) مطلق حتّى يرد فيه نهي لو اريد به الوصول إلى المكلّف لا ما اذا كان المراد بالورود مجرّد جعل الحكم

ص: 151


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
2- . الوسائل 27 الباب 12/67 من أبواب صفات القاضي .

على خلاف اطلاقه .

وهذا أي استفادة الحكم الواقعي بهذا النحو يلازم كون المصلحة في كلّ شيء بعنوانه الاولى موجبة لجعل الحليّة على نحوها إلى ان يطرء عليه عنوان آخر من جهة اخرى تكون مزاحمة للمصلحة الاوليّة موجبة لجعل الحرمة وتخصيص الحليّة الأوليّة الذي مرجعه إلى التخصّص لأن مرجع التخصيص والتقييد حقيقة إلى ان الواقع مقيد ونحن كنا نتخيل(1) له العموم والاطلاق فزال بالمخصّص

والمقيّد إذ ليس المقام ممّا يطرق فيه البداء بل باب التشريع والتكوين من واد واحد .

فالجهة الموجبة لجعل الحرمة لا محالة تغلب الجهة الاولى في الشيء الموجبة لجعل الحلية .

والحاصل ان مورد الكلام ما اذا لم يوجب العنوان الطارى والجهة العارضة الكراهة حسب ما تدعوا كلّ جهة إلى جعل المولى حكما يناسبه .

ومفاد هذا الخبر على هذا البيان يوافق قوله تعالى: « خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا »(2) وذلك لأن الانتفاع بكلّ شيء على حسب ما يقتضي . فالانتفاع بالمأكول في أكله والمشموم في شمّه والماء في شربه فكلّ شيء بحسبه فيما يكون له من النفع متوقعا اذ معنى قوله تعالى: « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ »(3) ليس حرمة لحومهن بل الانتفاع الحاصل من نوعهن . هذا في دلالته على حكم الشيء بعنوانه الاولى الذي لم يؤخذ في موضوعه الشكّ في الحكم الاولى . ولو

ص: 152


1- . هذا خلاف التحقيق .
2- . سورة البقرة: 30 .
3- . سورة النساء: 23 .

أخذ فيه الشكّ فيكون المراد الشيء المشكوك حكمه كالتتن والواقعة المشكوك حكمها فله الحليّة الظاهريّة . إذ موضوع الحكم الظاهري هو الشكّ في الحكم بالعنوان الاولى فالشيء على هذا يراد به الأعم من الموضوع الواقعي ومتعلّق التكليف كذلك . وهما بما هما مشكوكان حكما . ولما كان كلمة حتّى دالّة على قطع استمرار المغييّ بها في خصوص المقام وبعض الموارد الاخر وإن كان استعمالها غالبا في اتّحاد حكم ما بعدها لما قبلها أي الغاية للمغييّ الا ان في المقام لا يعقل

ذلك فهو ينظر إلى عدم كون بعد الغاية داخلاً في ما قبلها بل يختلفان . فالعلم موجب لعدم الحليّة وكون الحكم هو الحرمة فذلك دال بالالتزام على استمرار الحكم الاولى والثانوي على موضوعيهما إلى زمان العلم بالخلاف . وهذا هو الاستصحاب وأمّا تقريب استفادة القاعدة والاستصحاب فظاهر ممّا ذكرنا بكون الشيء هو خصوص الشيء المشكوك الحكم وأمّا دلالته على القاعدة فقط فتقريبه بأن يقال ان العلم بالحرمة والقذارة ليس غاية للحكم كما في التقريبين السابقين بل داخل في الموضوع فيكون الحكم مطلقا غير مغييّ بغاية والموضوع الواقعة المشكوكة حكما هو الفعل المتعلّق للتكليف كذلك أي كلّ شيء لم يعلم قذارته في الثاني أو لم يعلم حرمته في الأوّل طاهر أو حلال .

فلا يستفاد منه شئسوى القاعدة .

هذه ثلاث تقريبات وجعل سيّدنا الأستاذ قدس سره أقربها الأخير كي ينطبق على القاعدة ويكون الاستصحاب والحكم الواقعي بمعزل عن مورد تلك الأخبار .

توضيح وتبيين: قد ذكرنا تقريب دلالة قوله علیه السلام كلّ شيء(1) لك حلال

ما يستفاد من الرواية

ص: 153


1- . الوسائل 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

حتّى تعلم انّه حرام وكلّ شيء(1) نظيف حتّى تعلم انّه قذر على الاستصحاب ولا بأس لتوضيح المقام من بيان آخر وهو ان الشيء المدخول للفظة كلّ هو الشيء بعنوانه الاولي الذي يطرء عليه الحكم الواقعي المجعول أوّلاً بلا لحاظ شك فيه سواء كان من متعلّقات التكاليف أو من موضوعات المتعلّقات . وذلك فيما يكون له موضوع خارجي كالحنطة والشعير وغيرهما والحكم في الخبرين على هذا يكون هو الحلية الواقعيّة والطهارة والنظافة كذلك .

هذا مع قطع النظر عن الذيل المشتمل على قوله حتى الظاهرة في كونها غاية للحكم كما في الموارد الآخر حيث انها لبيان انتهاء امد الحكم المجعول أو لموضوعه مثل العصير حلال حتّى لم يغل أو يجوز التنفّل في وقت الفريضة حتّى لم يضيق الوقت ( في صحّة استعمالهما نظر ) الا ان الفرق هو تقيدهما بغير العلم والجهل بخلاف هاتين الروايتين وأمثالهما ممّا قيد المغييّ بالعلم بالخلاف ومن ذلك نكشف عدم كون الحكم فيهما حكما واقعيّا بل هو حكم ظاهري موضوعه الشكّ غاية الأمر مع ابقاء صدرهما على ظهوره في عدم كون الموضوع مقيدا بالشكّ . فالاستفادة من الذيل بدلالة الاقتضاء الموجبة لكون المستمر إلى حين العلم غير المجعول أولاً والا فلا وجه لتأجيله إلى العلم بالخلاف بل إلى ما يوجب رفعه من حكم ضدّها واستشكل عليه المحقّق النائيني قدس سره (2) بعدم وجود لفظة ( وهذا الحكم مستمر إلى حين العلم بالخلاف كي يكون دالاًّ على الاستصحاب الذي موضوعه اليقين والشكّ الفعليّان ولابدّ من وجود المتيقّن محرزا في ظرف

توضيح المستفاد من الرواية

ص: 154


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 37/4 من أبواب النجاسات .
2- . فوائد الأصول 4/370 - 371 .

الاستصحاب . والفرض ان صدر الكلام ظاهر في خصوص الحكم الواقعي وليس في الكلام ما نستفيد منه الاستمرار وفرض تيقن المتيقن كي يصح الاستصحاب . اذ الغاية غاية واحدة فاما ان يكون غاية للحكم أو غاية للموضوع وعلى كلا التقديرين لا وجه لاستفادة حكمين أحدهما بدلالة الاقتضاء والالتزام بل الظاهر من الجملتين هو القاعدة المجعولة في ظرف الشكّ في الطهارة والحلية .

وبعبارة اخرى فيما اذا لم يكن حجّة عقليّة أو شرعيّة عليهما لدخول الظن غير المعتبر أيضا في الشكّ .

بيان ذلك ان ظاهر القضيتين كما ذكرنا ان الشيء هو الشيء بعنوانه الاولى اذ لم يقيد بالشكّ في حكمه بل ولا فرض له حكم حتى يشكّ فيه فضلاً عن أن يكون مأخوذا فيه . والحكم المجعول على هذا الشيء بهذا العنوان منحصر في الحكم الواقعي .

ومن المسلم عدم كون العلم بالحكم الواقعي والجهل به مأخوذا في

موضوعه كما انه لا اختصاص له باحدى الطائفتين دون الاخرى لاستواء العالم والجاهل فيه . وحينئذٍ فلا يمكن كون المراد بالشيء الشيء بعنوانه الاولي . اذ لا يناسبه الغاية الظاهرة بالعلم بالخلاف لعدم دخل للعلم بالخلاف في ثبوت الحكم بل على هذا يكون ظاهرا في عدم النسخ ويوافق من وجه ما ورد من ان حلال محمّد صلی الله علیه و آله (1) حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة ) ومعناه ان الحكم المجعول ما لم يعلم نسخه وارتفاعه بطريان ضدّه فهو مستمر موجود .

ص: 155


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 12/52 من أبواب صفات القاضي . واللفظ عن الباقر علیه السلام عن جدّه رسول اللّه صلی الله علیه و آله: أيّها الناس حلالي إلخ وحرامي إلخ .

وذلك لا مدخل له بباب الاستصحاب ولا القاعدة ( بل كانه يكون من تطبيقات قاعدة كلّ حكم علّق على أمر وجودي يحكم عليه بحكم ضدّه إلى أن يعلم ذلك الأمر الوجودي ) مضافا إلى عدم معقوليّة أن يقال ان الحلال ما لم تعلم انّه حرام فهو حلال لو كان غاية للحكم . فاذا لم يمكن استفادة ذلك منه ولا القاعدة والاستصحاب اذ الأمر فيه اشكل ولا الحكم الواقعي كما هو مفروض المقام وكذا ما سبق إليه الاشارة من كونه ظاهرا في ثلاثتها فلا محيص لما ذكرنا عن كون المراد بذلك هو القاعدة وذلك لمناسبتها تامّة في صيرورتها مغيّاة موردا بالعلم بالخلاف .

وعلى ذلك فالغاية غاية للموضوع لعدم امكان كونها غاية لهما معا ولا للحكم لدورانه مدار موضوعه . ومع فرض بقاء الموضوع بعينه فلا تقيد للحكم فمعنى قوله كلّ شيء لك حلال حتّى تعلم انّه حرام على ما ذكرنا .

انه كلّ شيء لم يعلم انّه حرام وشكّ في حرمته فهو لك حلال .

فالموضوع مقيّد والحكم مطلق ولا أمد له بل باقٍ مادام الموضوع باقيا . فاذا زال الشكّ يزول الحكم تبعا لعدم موضوعه اذ الموضوع على هذا عبارة عن الشيء بوصف كونه مشكوك الحكم وعند العلم بخلاف الحكم المشكوك أو بوفاقه فلا شكّ .

والحاصل انه لا يمكن استفادة شيء من هذه القضيّة الا القاعدة وعلى فرض التنزل والتسليم فاحسن ما يمكن فيها هو ما أفاده المحقّق الخراساني(1) من كونها ظاهرة في الحكم الواقعي بلحاظ صدرها والاستصحاب بلحاظ ذيلها .

ما يمكن استفادته من الرواية

ص: 156


1- . كفاية الأصول 2/298 - 300 - 301 .

الا ان المحقّق النائيني ما ساعده على ذلك وأورد(1) عليه بعدم فرض موضوع للاستصحاب . اذ تقدير الكلام على ما ذهب إليه المحقّق الخراساني رحمه الله انّ كلّ شيء لك حلال وهذه الحليّة مستمرّة إلى زمان العلم بالخلاف مع خلو القضيّة عن هذا الحكم مستمر وإن كان يمكن استفادة الاستمرار من حتى . وتقريب استفادة مختار الآخوند رحمه الله بما تقدّم من ظهور الذيل بدلالة الاقتضاء من فرض الشكّ في الحكم بلحاظ العلم بالخلاف الذي لا يناسب الا الحكم الظاهري وما يفرض فيه العلم بالخلاف أمدا للحكم ليس الا الاستصحاب الذي هو قسم من الحكم الظاهري فمفاد الذيل مفاد انقضه بيقين آخر . الا ان ذلك بعد محل تأمّل لامكان أن يبقى الغاية على ظاهرها في غير المورد من ورودها مورد التقييد والغاية الواقعيّة وان استفيد منها على هذا غير الاستصحاب والقاعدة لعدم دوراننا مدار استفادتها أو أحدها بل نتبع الظهورات .

تنبيه: قد تقدّم بيان التقريبات ولا يمكن استفادة حكمين الحكم الواقعي والظاهري ولا يمكن اجتماع لحاظين في استعمال واحد لاستحالة الجمع بين المعاني المتعدّدة مضافا إلى تعدّد الرتبة اذ رتبة الحكم الواقعي مقدّمة على رتبة الحكم الظاهري بمرتبتين كما ان موضوعه كذلك .

إن قلت: لِم لا يجوز استفادة حكمين من قوله علیه السلام (2) كلّ شيء لك حلال

حتّى تعلم انّه حرام كما جازت في نحو لا(3) يحلّ مال امرء مسلم إلاّ عن طيب نفسه فاستفادوا منه حكمين واقعي وهو حرمة التصرّف في مال الناس المعلوم

ص: 157


1- . فوائد الأصول 4/370 - 371 .
2- . الوسائل 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
3- . الوسائل 5 الباب 3/1 من أبواب مكان المصلّي مع اختلاف في اللفظ .

عدم رضاهم وظاهري وهو حرمة التصرّف في أموالهم المشكوك رضاهم وطيب أنفسهم بالتصرّف حرمة ظاهريّة ممّا علّق الحكم أي الحليّة على أمر وجودي وكلّ ما كان الحكم معلّقا على أمر وجودي يحكم عليه بحكم ضدّه إلى أن يثبت ذلك الأمر الوجودي . وجعلوا هذه الاستفادة أحد مدارك اصالة الاحتياط المنقلبة عن الأصل الأوّلي في الأموال كما في النفوس والأعراض وأشار إلى ذلك صاحب الجواهر(1) في كتاب النكاح .

اذ لابدّ من احراز ان هذه المرئة ليست من المحرمات رضاعا ونسبا اللهمّ إلاّ أن يقال قوله تعالى: « وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ »(2) عام يشمل المشكوكات والا فللكلام فيه مجال وان نوقش في القاعدة أو في عمومها بل قيل باختصاصها بما إذا كان الأمر المعلّق عليه الوجودي تسهيليّاً كحلية التصرّف في المثال المزبور .

قلت: ان استفادة ذلك على تقدير تسليمه ليست من انشاء واحد بل استفادة الحكم الظاهري من باب الملازمة العرفيّة بين تعليقه على ذلك الأمر الوجودي واقعا ولزوم الاحتياط والحرمة قبل ذلك ظاهراً لفهم العرف ذلك فحقيقة الاستفادتين راجعة إلى تعدد الدال والمدلول والشارع إنّما أنشأ وجعل الحرمة الواقعيّة وبيّنه بهذا البيان واستفاد أهل المحاورة منه ذلك . وهو يعلم باستفادتهم فليس ذلك من باب استعمال قوله لا يحل في معنيين وانشاء حكمين . فالمقام نظير قاعدة الملازمة بين حكم العقل والشرع فيستفيد العقل حكما وبقاعدة

الأظهر في مدلول الرواية

ص: 158


1- . جواهر الكلام 29/133 - 255 والجواهر 30/310 عن جامع المقاصد .
2- . سورة النساء: 24 .

الملازمة لو تمّت نكشف حكم الشارع بمقتضى حكمه . وهذا بخلاف ما نحن فيه اذ لا يمكن أن تكون الحرمة مقيّدة بالعلم بها كان يقول المولى إذا علمت بالحرام يحرم عليك . اذ ذلك يستلزم تقدّم الجعل على الحرمة في الرتبة المتقدّمة كي يتعلّق به العلم تارة والشكّ والجهل اخرى .

ويكون العلم بالحرمة دخيلاً في موضوعها مضافا إلى لزوم اختصاص الأحكام بالعالمين مع ان المذهب قد استقرّ على استواء العالم للجاهل في الأحكام إلاّ في ما استثنى وذلك موردان .

نعم هنا يمكن الاستفادة بنحو آخر وهو كون الصدر ظاهرا في ارادة

الموضوع بعنوانه الاولى كما هو قضيّة عدم تقيد الشيء بالشكّ واذن فالحكم المجعول لا يمكن أن يكون إلاّ الواقعي كما تقدّم إليه الاشارة . لكن بقرينة حتى الدالة على استمرار السابق للاّحق في خصوص أمثال المقام يستكشف حكم آخر غايته العلم بالخلاف وذلك المستمرّ هو الحليّة المختصّة بالشيء المشكوك الحكم بقرينة الغاية المناسبة للحكم الظاهري دون الواقعي لعدم كون العلم بالخلاف غاية له . وهذا وإن كان بنحو تعدد الدال والمدلول إلاّ ان بينه وبين قاعدة الملازمة فرقاً

واضحاً لاستفادة الحكم الثاني في المقام من قوله حتّى الدالّة على الاستمرار الظاهر بقرينة الغاية في الحكم الظاهري . وهو اما خصوص الاستصحاب فقط أو هو مع القاعدة واحتمال أن يكون قوله حتّى تعلم غاية للموضوع بعيد . وعليه فليس المستفاد من القضيّة الا القاعدة . ويكون الكلام في قوّة أن يقال كلّ شيء مشكوك الحلية حلال بلا غاية للحكم . بل هو مطلق مرسل كما بينّا . ومن ذلك عرفت عدم انحصار ما يدلّ عليه الخبر في خصوص الحكم الواقعي لعدم مناسبة

ص: 159

الغاية أي العلم له كما ان الظاهر عدم كونه ظاهرا في القاعدة للزوم ارجاع الغاية إلى الموضوع وهو خلاف الظاهر خصوصا اذا قلنا ان الشيء من أوّل الأمر اريد به المشكوك الحكم اذ عليه يكون حتّى تعلم جييء به بلا فائدة لعدم بقاء الحكم بعد انتفاء موضوعه عقلاً فبعد تبدّل الشكّ في الحكم باليقين لا مجال لبقاء حكم الشكّ .

فالأظهر في مدلول الرواية هو ما اختاره المحقّق الآخوند رحمه الله(1) من كونها مفيدة للحكم الواقعي والظاهري الذي هو الاستصحاب لأن الأنسب بقوله حتى الظاهرة في الاستمرار هو ذلك .

وممّا ذكرنا تعرف ما في كلام المحقّق النائيني على ما قرّره(2) صاحب التقريرات .

اعلام: يمكن أن يقال ان قوله علیه السلام (3) كلّ شيء لك حلال وكذلك كلّ شيء

نظيف(4) ظاهر ان في الحكم الظاهري لعدم مناسبة العلم بالحرمة والنجاسة غاية للحكم الواقعي فيكون هذا قرينة على ان المراد من الشيء هو الشيء المشكوك الحكم فان الشيء بعنوانه الاولى لا يكون غايته العلم بخلاف الحكم المجعول عليه بهذا العنوان .

نعم يمكن ارادة عدم النسخ من قوله حتّى تعلم كان يكون كلّ شيء حلال واقعا إلى أن يعلم نسخه . وهنا يتصوّر تارة كون النسخ الواقعي غاية للحكم

ص: 160


1- . كفاية الأصول 2/298 - 300 - 301 .
2- . فوائد الأصول 4/367 - 371 .
3- . الوسائل 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
4- . الوسائل 3 الباب 37/4 من أبواب النجاسات .

الواقعي كما في الليل والغليان غاية لوجوب الصوم وحلية العصير .

فعلى هذا فيكون استمرار الحكم الاولى إلى زمان العلم بالنسخ من الاستصحاب . بل لا استصحاب حقيقة للتمسّك بالاطلاق . فانّ الاستصحاب إنّما مورده ما إذا لم يتكفّل الدليل الاولى للمتيقن حكم زمان الشكّ . وبناءً على أن يكون الحكم في زمان الشكّ في النسخ غير ما جعل اولاً فيما اذا نسخ فيخرج ذلك عن كونه استصحابا واحرى أن يكون الأمد العلم بالنسخ فيكون وزانه وزان قوله حلال(1) محمّد صلی الله علیه و آله حلال إلى يوم القيامة وحرامه كذلك ولا ربط لذلك بالاستصحاب أصلاً .

وعلى هذا فلا يناسب قوله في القضيتين للحكم الواقعي لما ذكرنا ويدور الأمر بين أن يراد منه القاعدة المضروبة أصلاً وحكما ظاهريا مأخوذا في موضوعه الشك . وحينئذٍ فغايته عقلاً رفع الشكّ بتبدل الموضوع أو يراد منهما الاستصحاب بأن يكون الشيء الشيء المتيقن الحكم سابقا حلية كانت أو طهارة مستمراً طهارته وحلّيته إلى أن يعلم بالخلاف فلذلك يكون العلم بالخلاف غاية عقلاً وحيث ان الاستصحاب لابدّ فيه من فرض اليقين بالحكم أوّلاً وتعلّق الشكّ به ثانيا على نحو يتعلّق اليقين بالحدوث والشكّ في البقاء وذلك ممّا يأبى ظاهر القضيتين عنه . بل يحتاج إلى تقدير وأن يكون ذلك الحكم مستمرا إلى حين العلم فيتعين أن يكون المراد من ذلك هو القاعدة في الحلية والطهارة لكلّ ما هو مشكوكهما كما اختار ذلك المحقّق النائيني(2) وممّا ذكرنا ظهر عدم امكان كونهما

مجرى الاستصحاب

ص: 161


1- . الوسائل 27 الباب 12/52 من أبواب صفات القاضي مع اختلاف في الألفاظ .
2- . فوائد الأصول 4/371 .

دليلين على القاعدة والاستصحاب معا . وتوهم اطلاق الشيء لما سبق باليقين بالحكم أو لم يسبق فيشمل الاستصحاب والقاعدة معا مدفوع بما ذكرنا . وكيف كان فيمكن كون الظاهر هو خصوص القاعدة ويمكن أن يدلّ على الحكم الواقعي والاستصحاب كما ذهب إليه المحقّق الخراساني(1) بالتقريب المتقدّم وإلى أيّهما

صار المصير فهو حسن وكان الاستاذ قدس سره كان يميل إلى ما اختاره استاده النائيني قدس سره (2) .

ويظهر من الشيخ قدس سره أيضا استفادة حكمين من قوله الماء كلّه(3) طاهر حتّى تعلم انّه قذر ولا وجه للفرق بينه وبين القضيتين السابقتين والوجه فيه ما ذكرنا وتقدّمت إليه الاشارة من عدم مناسبة كون العلم بالخلاف غاية للحكم الواقعي بخلاف ما إذا كان العلم بشيء دخيلاً في موضوع حكم آخر كما في مشكوك الخمريّة فيحكم الشارع بطهارته وجواز شربه إلى العلم بالخمريّة ويترتّب عليه قبل ذلك حكم الماء وذلك لا اشكال فيه .

إذا عرفت ما ذكرناه ودريت وعلمت الدليل على حجيّة الاستصحاب وإن ما ذكرنا صالح لكون كلّ منها دليلاً عليه وان تأمّل الشيخ في ذلك وجعل تجابرها وتعاضدها من حيث المجموع متمّا للدلالة والسند ونظره قدس سره إلى استفادة الاستصحاب في الجملة من بعض ما له سند ولو في خصوص باب الوضوء

ص: 162


1- . كفاية الأصول 2/298 - 300 - 301 .
2- . لعلّه اشارة إلى ما ذكره الشيخ ذيل الحديث لكن على خلاف ما اسنده إليه الأستاذ . فرائد الأصول 2/571 - 574 .
3- . الوسائل 1 الباب 1/5 من أبواب الماء المطلق .

لاحتمال أن يكون اللام في اليقين في صحيحة(1) زرارة للعهد .

الا انه بقرينة ما لا سند له واشتماله على هذه القضيّة بعينها في مورد آخر غير مورد الوضوء كعدم دخول شهر رمضان مثلاً يعلم ان المراد بالقضيّة ليس هو الاهمال بأن يكون في خصوص مورد خاص بل هي عامّة في جميع الأبواب وعلى كلّ حال فقد تعرّض الشيخ للأقوال في المسئلة وتفاصيلها وايراد حجج المفصلين وردها بالنقض والابرام من التفصيل بين المستصحب الوجودي والعدمي والجزئي والحكم الكلي والموضوع الخارجي وغيره وباعتبار مدرك المستصحب من الاجماع ودليل العقل وغيره والتعرض لذلك ممّا لا يهمّنا .

إنّما المهم هو ما يستفاد من الأدلّة وان الاستصحاب قاعدة كليّة جارية في جميع أبواب الفقه من الطهارة إلى الديات بخلاف بعض القواعد الآخر لاختصاصه بخصوص باب دون باب كباب الصلاة والمعاملات . وهي لابدّ فيها من اليقين السابق والشكّ اللاحق ووجود الأثر الشرعي واتّصال زمان الشكّ باليقين .

ولابدّ من النظر في الأدلّة كي يعلم مقدار دلالتها فيتبع .

الكلام في عموم الاستصحاب وخصوصه:

الأقوال في ذلك وان كثرت الا انها حادثة ولم تكن معروفة بين المتقدمين واختار المحقّق الخراساني حجيّته مطلقا(2) كما هو مختار قوم واختار الشيخ الأنصاري قدس سره ومن تقدّمه عدم حجيّته الا فيما إذا كان الشكّ في وجود الرافع أو

عموم الاستصحاب وخصوصه

ص: 163


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/1 من أبواب نواقض الوضوء .
2- . كفاية الأصول 2/285 واختار الاطلاق المحقّق نهاية الأفكار 3/87 العراقي والعلاّمة الخوئي (مصباح الأصول 48/35 ) ووافق المحقّق البجنوردي ( منتهى الأصول 2/393 ) أعلى اللّه مقامهم الشيخ .

رافعيّته الوجود وهو الذي اختاره المحقّق النائيني قدّس اللّه أسرارهم .

وعلى كلّ حال فلابدّ من بيان عدم دلالتها على ما إذا كان منشأ الشكّ في البقاء الشكّ في وجود المقتضى واستفادة ذلك من قوله علیه السلام في الصحاح(1) ( ليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أو لا تنقص اليقين بالشك وكذا قوله من كان(2) على يقين فاصابه شك فليمض على يقينه . وعلينا ان نرجع كلّ ما في الباب من ما يستفاد منه حجيّة الاستصحاب إلى ما ذكرنا .

وحاصل الكلام في ذلك ان دعوى انحصار حجيّة الاستصحاب في غير ما إذا كان الشكّ من جهة المقتضي تنحل إلى دعويين . الاولى دلالتها على حجيّة الاستصحاب في غيره ولا ريب في ذلك لظهور أخبار الباب كما أشرنا إليه في ذلك . والدعوى الثانية عدم دلالتها عليه مع كون اليقين عاما في كلّ يقين وكذا الشكّ واثبات هذه الدعوى بمدعاها موقوف على أمرين لو تما تتمّ الدعوى ويثبت المدعى . وهما كون النقض قرينة على التصرّف في اليقين وبعبارة اخرى عدم شمول النقض لما إذا لم يكن يقين بالمقتضى يوجب كون المراد باليقين اليقين في غير المقتضى وانحصاره فيه . والاخر بيان المراد من النقض وانه هل يكون المراد منه معنى لا يناسب الشك في المقتضي . ولابدّ من تقديم الكلام في الثانية ثمّ التكلّم في الجهة الاولى .

فنقول لا اشكال في عدم كون المراد بالنقض معناه الحقيقي لاستحالة ذلك

ص: 164


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/1 من أبواب نواقض الوضوء والوسائل 3 الباب 37 - 41 - 44/1 - 1 - 1 .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/6 من أبواب نواقض الوضوء والمستدرك 1 الباب 1/4 من أبواب النجاسات واللفظ للأخير .

في المقام من حيث عدم قدرة المكلّف من نقضه وابرامه وابقائه على حاله اذ بالشكّ لا بقاء لليقين تكوينا فلا معنى لحمل النقض على معناه الحقيقي بالنسبة إلى نفس اليقين لما ذكرنا . ولا ريب أيضا في ان المراد باليقين ليس هو اليقين الموضوعي ولا بما هو يترتّب عليه أحكامه العقليّة وكأنّه مسلم . فيبقى كون المراد باليقين هو بما انه طريق إلى المتيقن ولا اشكال في عدم بقاء المتيقن على اليقين به عند الشكّ . إذ الشكّ حقيقة يتعلّق به وعلى هذا فالمراد بعدم نقض اليقين بالشكّ عدم نقض آثار المتيقن المترتبة عليه حال اليقين اذ المراد بالنقض رفع اليد عن الاستمرار على الشيء اذ المتيقن يبني على ما تيقن به ويرتب عليه آثاراً مستمرة مادام اليقين باقيا . فرفع اليد عن ترتيب هذه الآثار يكون نقضاً لليقين أي بلحاظ تلك الآثار سواء في معنى النقض نقض العهد والعزم أو الجدار من المحسوس والمعقول وان كان الاطلاق في أحدهما مجازيا وفي الآخر حقيقيّا الا ان النقص عبارة عن قطع هذا الاستمرار وفصل المتّصل وعلى هذا فلو لم يكن يقين بالشيء من ابتداء الأمر فلا يعقل كون عدم ترتيب الأثر على شيء لم يتعلّق به اليقين نقضا وإنّما مورد صدق النقض وما يمكن أن يقال في مورده ما اذا تعلق اليقين بالمقتضى فان الشيء بحسب ماله من اقتضاء العمر في شأنه أن يبقى مقدارا من الزمان كما تقدّم الكلام في المراد من المقتضى سابقا مفصلاً وعلى هذا فيستفاد من ذلك تقدّم اليقين بالمقتضى لبقاء الشيء واليقين به والشكّ فيه وكونه ذا أثر حال الشك لاعتبار جميع ذلك مضافا إلى استمرار اتّصال زمان الشكّ واليقين في تحقق النقص اذ لو لم يكن للمتيقن في ظرف بقائه حال الشكّ أثر فلا وجه لصدق النقص لعدم مورد وشيء يكون رفع اليد عن اليقين نقضا بلحاظه فما لم يكن هناك أثر

ص: 165

يترتّب على اليقين والمتيقن لا يتحقّق معنى النقص ولا وجه لصدقه فاذا ثبت هذا فنقول ان اتمام الدعوى موقوف على تماميّة الأمر الثاني وعدم كون اليقين قرينة على التصرّف في النقص بل يكون الأمر بالعكس وذلك بالضابط المعين في كلّ مورد كان أحد الشيئين قرينة والاخر ذا القرينة يكون الأول مقدّما على الثاني لحكومته عليه حيث انه يتعرض لشيء لا يتعرض له الآخر اذ لا اشكال في ان القرينة حاكمة على ذي القرينة لبيانها متعلّقات المحمول والعرض العارض على المحل كما في نحو جاء زيد راكبا فراكبا مضافا إلى تقريره أصل ثبوت المجيء لزيد يزيد عليه انه كان في حال الركوب ولا ينفي هذا المعنى ذو القرينة بل لا تعرض له بالنسبة إليه ولو كان له تعرض فيتحقق المعارضة ولابدّ من رفعها بنحو وكذلك القول في نحو رأيت أسدا يرمي وكلّ ما كان من قبيل القرينة وذي القرينة لدخول ذلك في عنوان الحاكم والمحكوم والحاكم مقدم على المحكوم وإن كان اعم واخفى دلالة من المحكوم لعدم لحاظ النسبة بينهما ولا الدلالة . الا ان المقام ليس من مصاديق كبرى القرينة وذي القرينة حيث ان النقض اسند إلى اليقين بسبب الشكّ ولا تعرض في القضيّة لحال الملابسات والمتعلّقات الا من جهة الشكّ كما في مثل زيد قائم ولكن لنا وجه آخر في كون المراد باليقين هو غير المتيقن في خصوص المقتضي لا الأعم وهو خارج عن باب القرينة وذي القرينة . وذلك عدم معقوليّة أعميّة الموضوع من المحمول . وإن كان العكس ممكنا .

كما انه لا اشكال في امكان تساويهما اذ لا يمكن حمل المحمول الأخص على الموضوع الأعم فالمقام نظير ما لو قال لا تضرب أحدا فان الأحد وإن كان يشمل الأحياء والأموات الا ان عدم تعلّق الضرب بالميت خصوصا من صار بدنه

ص: 166

ترابا ولم يبق إلا نفسه الناطقة غير القابلة والمقدورة لتعلّق الضرب بها يكون موجبا لكون المراد بالأحد خصوص الاحياء كما انه لا يراد به الجدار والهواء والماء . وكون المحمول قرينة على بيان الموضوع أخص أولى من التصرّف فيه بتأويله بما يناسب عموم الموضوع كما في المثال بأن يكون المراد بالضرب الشتم .

فاذا تمت هاتان الدعويان يتم المطلوب وهو عدم شمول أخبار عدم نقض اليقين بالشكّ صورة كون منشأ الشكّ هو المقتضى وينحصر بما إذا كان المقتضى موجودا تعلّق به اليقين كي يصدق النقض بلحاظ أثره حال الشكّ فتدبّر .

شرح وتوضيح: تقدّم منّا الاشارة إلى المقتضى وانه يطلق على المصالح والمفاسد التكوينيّة الموجبة لجعل الأحكام على طبقها كما يطلق على المقتضيات باعتبار التعبّد وتقدّم المثال له بدليل انفعال الماء وكون الكثرة مانعة وقلنا ان له

اطلاقا ثالثا وهو المراد بالبحث هنا والذي فصلّ في جريان الاستصحاب بالنسبة إليه جماعة كما عن آخرين عدم القول بذلك اذا كان الشكّ في البقاء مستندا إلى الشكّ في المقتضى . والمراد به كما سبق ما يكون للشيء بحسب طبعه من استعداد البقاء لو خلّى وطبعه ولم يمنعه مانع . وهذا يختلف حسب اختلاف الأشياء من النبات والحيوان والانسان وكلّ شيء حتّى الأحكام حسب ما يقتضي دليل جعلها فالانسان مثلاً لو لم يمنعه مانع له استعداد البقاء وان يعمر إلى كذا سنة كما ان الشيء الفلاني من أوّل الأمر ليس له ذلك . والمقتضى بهذا المعنى قد يقع فيه الشكّ من ان له هذه الخصوصيّة وذلك الاستعداد إلى هذا الوقت من العمر .

المراد من المقتضى

ص: 167

وذهب الشيخ قدس سره (1) إلى عدم حجيّة الاستصحاب في الشكّ في المقتضى من جهته فتخيل بعض محشي مصنفاته كالسيّد الطباطبائي والمحقّق الخراساني غير ذلك المعنى وأوردوا عليه في ما يقول بجريان الاستصحاب فيه بأن هذا الشكّ في المقتضى وهو لا يقول به .

وعلى كلّ حال فلابدّ من بيان الوجه في عدم شمول قوله لا تنقض اليقين بالشكّ لما اذا كان الشكّ في الاستصحاب من ناحية المقتضى مع ان ظاهر القضيّة ان اليقين ليس يقينا مخصوصا بل يعمّ كلّ يقين . وذلك يتمّ ببيان مقدمة وقبل ذلك ينبغي أن يعلم ان قوله لا تنقض ليس خطابا تكليفيّا بحيث يكون مخالفته حراما من ناحية التكليف ويختصّ بخصوص التكاليف . بل يجري في الوضعيات .

وتلك المقدّمة هي ان جهة اسناد النقض إلى اليقين واستعمال هذه اللفظة في المقام دون العلم والقطع لابدّ أن يكون لنكتة وهي انه لما كان للعلم جهات بحسب المراتب فانه انكشاف للمنكشف الخارجي والمعلوم كما انه صفة للنفس ويوجب الجري العملي على طبقه فاختلف في حقيقته لذلك فجعله بعضهم من الكيفيّات النفسانيّة كالارادة والتمنى وأمثالهما وجعله بعضهم من الاضافات إلى غير ذلك مع ان له تمام هذه الجهات . الا ان نظر كل في تعريفه إلى جهة منها .

وهذا في علم المخلوق وأمّا في علم الباري جلّت عظمته فالأقوال فيه بلغت خمسا وعشرين مع ان جلاًّ منها لا مجال لها وتتنزه تلك الساحة المقدّسة من مثل هذه الأوهام ويتعالى مقام الالوهيّة عن تلك .

فلما كان الانكشاف يحصل ابتداءً في الذهن في أيّ مخزن كان له وبعد ذلك

ص: 168


1- . فرائد الأصول 2/561 .

له تعلق وانطباق على الخارج وباعتبار توجه العالم حينئذٍ إلى الخارج وعدم التفات إلى ما في نفسه كانه يرى الخارج ولذا يقع في مقام الجري العملي على وفقه وإن لم يكن كذلك في ما لو كان المعلوم غير معلوم عنده . فقد يحصل له العلم بوجود العقرب في ذلك المكان أو الأسد ويفرّ من الثاني كما انه يعدّ لقتل الأوّل ولذا يعبرون عن ذلك بأن المؤثر الشيء بوجوده العلمي والا فربما بل يتفق كثيرا ان لا علم للانسان بشيء كالأسد مع انه في البيت وينام على حاله ورسله بلا توجه واضطراب . فحيث ان العلم ينطبق على الخارج وله تعلق به كانه يراه ولذا يجرى على وفقه يقال له في هذه المرتبة اليقين كما ان له مراتب اخرى وذلك معروف مضبوط في محلّه عند أهله كعلم اليقين وعين اليقين وحق اليقين فان لكلّ هذه مرتبة محفوظة في مقامه .

اذا عرفت ذلك علمت ان للعلم علاوة انه صفة من صفات النفس حاصلة فيه جهتين اخريين . الانكشاف والجري . ولو جعلنا ذلك لما كان له منكشف واقعا لا يرد النقض بالجهل المركب . والاستصحاب إنّما يقوم مقام العلم من هذه الحيثيّة الثالثة وهي الجري العملي ولذا يكون من الأصول غير المحرزة . فان هذه الحيثيّة تختصّ بالامارات مع ما فيها من المشارب من لزوم حصول الوثوق ويعبّر عنه بالعلم العادي أو منجزيّة الاحتمال أو تتميم الكشف ولا مجال لهذه في الأصول كالاستصحاب . فانه إمّا خطاب تكليفي ينتزع عنه الحجيّة كما هو مبنى الشيخ قدس سره

ومن يرى الاستحالة في جعل الحجيّة أو يجعل فيه الحجيّة والجري على طبقه من آثارها التعبّد الشرعي .

وعلى هذا فاذا لم يكن وجود علمي للمنكشف والمعلوم لا جرى على وفقه

جهات العلم

ص: 169

كما انه لو كان متيقنا يجري . فمعنى قول الشارع لا تنقض اليقين بالشكّ هو الواسطة بين هذين المعنيين بلحاظ ان العلم واليقين له الطريقيّة إلى المتيقن الا ان

اليقين استعمل بمعنى المتيقن كما مال إليه الشيخ وأورد عليه المحقّق النائيني(1) بعدم صحّة الاستعمال حتّى كاد أن يلحق بالاغلاط فلابدّ أن لا ينقض عند الشكّ وهذا المعنى إنّما يكون إذا كان العلم بالمقتضى متحقّقاً والا فلا نقض حقيقة كما إذا

لم يكن له علم ويقين أصلاً بشيء وإلى ذلك يرجع دعوى من يقول بعدم حجّيّة الاستصحاب في الشكّ في المقتضى .

وعلى كلّ حال فلابدّ في الاستصحاب ان يرجع إلى الشكّ في البقاء لدلالة قوله لا تنقض عليه كذلك لا ان ما ثبت يدوم كي يكون نظير قوله علیه السلام حلال محمد صلی الله علیه و آله حلال إلى يوم القيامة وحرامه كذلك(2) .

وعلى فرض اختصاص اجراء الاستصحاب في الوضع فالسبب والمؤثر من العقد الخارجي مثلاً اما تام أو ليس بتام ولا ربط لمعنى وجوب البناء أو حرمة النقض بكون العقد موجبا للانتقال .

بيان آخر وتقريب: ان اليقين ولعلّه هو العلم المنطبق على الخارج او ما استحكم واستقرّ في الذهن اذا تعلق بشيء يتم اقتضائه وسببيّته لما يترتّب عليه من أثره المختصّ به كلّ شيء حسب أثره فالأسد مثلاً مع قطع النظر عن تعلق العلم واليقين بوجوده في مكان كذا معرض لمساس العالم والمتيقن به مقتضى للفرار وبعد ما تم اقتضائه لاحتياجه إلى ما يكون جزء العلّة التامّة الأخير وهو العلم . اذ

ص: 170


1- . فوائد الأصول 4/374 .
2- . سبق الايعاز إلى مصدره .

لا ريب ان الأسد غير المعلوم لا يحكم العقل بالفرار عنه كما انه بوجوده التصوري بحيث لا يكون له حقيقة في الخارج لا اقتضاء له في الفرار والتخدر عنه . إنّما الأثر والحذر اذا كان معلوما ويكون صورته حاصلة عند العالم بحيث لا يرمي إلاّ الأسد الخارجي مع عدم التفاته إلى انه يرمى في ذهنه كذا بل نظره إلى الخارج ويرى الأسد موجبا ومقتضيا للفرار وإن لم يكن الأسد حاصلاً بوجوده الخارجي في ذهنه لاستحالة ذلك . بل بوجوده الذهني لكن لا بما هو هو كما أشرنا إليه بل بالوجود الذي يكون الذهن عين الخارج ويكون كانّ ما في ذهنه هو الخارج أو الصورة صورة خارجيّة وبأيّ تعبير شئت فالمراد معلوم ولا نقض بالجهل المركب بوجود الأسد في مكان كذا مع انه موجب للفرار للفرق بينه وبين المقام بأنّه لو علم انه لم يكن الا الصورة التخيليّة فقط لا فرار له أصلاً بل لا تضطرب نفسه لهذا أبدا .

إذا عرفت هذا علمت ان اليقين بما هو يقين لا أثر له في المقام بل إنّما هو طريق إلى المتيقن بلحاظ آثاره وقائم مقام القطع في مرحلة الجري العملي . وذلك لما في حصول العلم واليقين بالمقتضى المؤثر من ترتب جرى استمراري كانما هو أمر متصل وشيء قد انعقدوا شبه الجدار في لبناته حيث وضع كلّ واحدة على الاخرى فحصلت لها هيئة تركيبيّة متصلة ذات ابرام لا تزول الا بالنقض وانفصال تلك بعضها عن بعض فحيث لا لبنة لا جدار كما انه لاهيئة هناك مبرمة مستحكمة فكذا لو لم يكن أسد لا موجب للفرار والتحذّر عنه . كما انه لو شككنا في وجوده فالأمر كذلك ولو علمنا بأنّه يكون في المكان الكذائي الا انه لم نعلم ببقائه فيه ولا

احرزنا المقتضى حيث ان بقائه مستلزم لآجام وغياض فيها قصبات ومياه وغير ذلك تكون مرتع الحيوانات ومصيدة الأسد لا نحكم في هذه الصورة بلزوم الجري

قيام الاستصحاب والأصول الآخر مقام العلم

ص: 171

على اليقين بوجوده سابقا ولا نوجب الفرار وببيان أوضح بمثال مقرب ولكن من باب الطريقة العقلائيّة وجريهم في امورهم حسب فطرتهم .

فانا نراهم يفرقون بين ما اذا احرزوا مقتضى الأثر وبين ما لم يحرزوا الا مجرد احتمال فلا يعتنون في الثاني بخلاف الأول . وإن حصل عندهم احتمال الرافع والمزيل كما اذا علمنا بوجود قطّاع الطريق في طريقنا إلى كربلاء المشرّفة من عشيرة فلان بحيث نظنّ بقائهم واحرزنا المقتضى لبنائهم بيوتا حصلت منها قرية بين الخان الفلاني والخان الآخر فبعد مدّة كستة أشهر طالت بنا المسافرة إلى البلاد لو أردنا الرجوع إلى النجف الأشرف من ذاك الطريق فلا نقدم على المجيء إلاّ بعد أن يثبت لنا رحيلهم من ذلك المكان أو اجبارهم واخافتهم من جانب الحكومة بعدم التعرّض للمسافرين . والاّ ففي فرض استحكام بنائهم وقريتهم الكاشف عن استيطانهم ذلك المكان وعدم العلم والظن بالمزيل نتوقف ولا نسافر الا مع الحذر . وما يمكن أن يكون دافعا لهم بخلاف ما إذا لم يكن توقفهم في المكان المزبور الا بعد تخييمهم ونصب أعمدتها الا انه يحتمل بقائهم أو رجوعهم لعلّة حصلت أوجبت للبقاء فلا نعتني به في الثاني بخلاف الأوّل . وعلى هذا فلا عبرة باليقين من حيث هو يقين بل المناط المتيقن وهو كما رأيت اقتضى الجري في الأوّل دون الثاني . والفارق ليس الا وجود المقتضى للبقاء وعدمه أو عدم احرازه مع احتمال حصوله عند الشكّ وهذا ديدن العقلاء في امور معاشهم بل والحيوانات حيث لو احرزوا المقتضى يبنون عليه إلى أن ينكشف لهم خلاف ذلك برافع ومزيل فلا ينقضون بنائهم في مورد احراز المقتضى وينقضون في صورة الشكّ بل لا بناء لهم أصلاً على وجوده وعليه ففرق يبن جريان الاستصحاب في

الفرق بين احراز المقتضي وعدمه

ص: 172

الشكّ في غير المقتضي والشكّ من ناحيته .

هذا غاية ما يمكن تقريب الكلام في انحصار مورده بغير الشكّ من ناحية المقتضى الا انه ان تمّ فيكون من باب الظن العقلائي وعلى بناء القدماء في اجراء الاستصحاب من باب الظن حيث ان بنائهم على اجراء الاستصحاب في ما لم يظنوا عدمه وعلموه سابقا . ومقتضى ذلك كون مثبتاته أيضا حجّة وقد عرفت في أوائل مبحث الاستصحاب عند بيان الأدلّة التي استدلّوا بها على حجيّته تزييف هذا القول وأدلّتهم واما على حجيّته من باب التعبد للاخبار المتقدّمة فلا فرق بين الشكّ من جهة المقتضى ووجود الرافع ورافعيّة الموجود .

نعم لو كانت الأخبار مرشدة إلى طريقة العقلاء أمكن الفرق بما سمعت وذلك خلاف المبنى . وما فرّق(1) به المحقّق النائيني قدس سره بناء على التعبّد ومرجعه إلى عدم صدق النقض لا وجه له ولا يصح أصلاً اذ لا فرق في ما اذا احرزنا المقتضى للبقاء مثلاً في الحيوان الكذائي ثلاثة أيّام وشككنا من أوّل الأمر في وجوده ولو لم يكن مانع وقاطع لاستمرار حياته في اليوم الرابع بين الشكّ في حدوثه في اليوم الثاني اذا شككنا في وجود الرافع أو رافعيّة الموجود وبين الشكّ في حدوثه من رأس في اليوم الرابع.

نعم ان علمنا بوجوده ثلاثة أيّام قبل الثلاثة وعلمنا بعدم وجود مانع ورافع ولا ما يشكّ في رافعيّته أمكن الفرق ولكنه كما ترى يرجع إلى الشكّ الساري لحصول الشكّ في ما تيقناه سابقا ويرجع العلم شكّا وحيرة ومجرّد ان العلم بوجود المقتضى للبقاء إلى ثلاثة أيّام في الثلاثة دون الرابع فهو مشكوك من أوّل الأمر لا

ص: 173


1- . فوائد الأصول 4/376 .

يصلح فرقا بين المقامين كي يختصّ الجريان بالصورة الأولى دون الثانية لما عرفت من رجوع كليهما إلى الشكّ في الحدوث . بل يرجع الاستصحاب على هذا إلى قاعدة المقتضى والمانع وهو ينكرها أشدّ الانكار كما عرفت في المباحث السابقة وعلى كلّ حال فلا يمكن تصديق المحقّق النائيني في ما أفاده في المقام فرقا بين الصورتين .

توضيح وتأكيد: سبق ذكر ما يمكن أن يكون وجها لتعميم اليقين والشكّ في ما إذا كان الشكّ في ناحية المقتضى بعدم الفرق حقيقة بين أفراد الشكّ من جهة حصوله من أيّ سبب كان كما ان الأمر في اليقين أيضا كذلك فسواء كان الشكّ من ناحية المقتضى أو جهة الرافع أو كون الموجود هو الرافع اذ كلّ ذلك شك ولا ينقض اليقين بالشكّ . ولا فرق بين ما إذا علمنا اقتضاء البقاء في المتيقن مثلاً إلى

ما بعد اليوم الثالث أو كان مشكوكا من أوّل الأمر لعدم الأثر في ما هو المناط من كون اليقين متقدّما على الشكّ كما ان النقض إنّما يكون حقيقة في ما إذا كان للمنقوض ابرام وأحكام كما في اليقين لما في ورود النقض عليه إنّما هو بهذا اللحاظ لكن أصل ذلك في المحسوس الخارجي الذي يكون فيه اتّصال وابرام واستعماله في المعقول للتنزيل والتشبيه بالمحسوس كما في نحو كان بيننا وبين قوم حبل فنقضناه وان استعمال ذلك في العهد والبيعة بهذا اللحاظ .

وبالجملة موارد استعمال النفض مشتركة في أصل الأحكام والابرام كي يصحّ ورود النقض الا انّها تختلف حسب كونها محسوسة خارجا كنقض البناء والجدار ونقض الحبل وقطعه وكونه معقولاً مشبّهاً بالخارج المحسوس بالعناية كتناقض الكلمتين والعهد واليقين فان لكلّ واحدة من الكلمتين بحسب نفسها

جريان الاستصحاب في الشكّ في المقتضي

ص: 174

اقتضاء وابرام موجب لعدم الآخر الذي ينافيه . وبهذا اللحاظ صحّ التناقض من الطرفين وكذلك الوجود والعدم حيث ان نسبة المناقضة بينهما إنّما هي بلحاظ كون كلّ مقتضيا لنفي الاخر ولا يناسب ثبوته هذا .

ويمكن أن يقال في المقام تصحيحا لكلام المحقّق النائيني قدس سره بأنّ اليقين وإن كان له ابرام واستحكام الا ان النقض لا يعقل أن يسند إليه حقيقة لانتفائه وجدانا حين الشكّ كما لا يناسب أن يكون ورود النقض والنهي عنه بلحاظ آثاره لعدم أثر له حسب الفرض . اذ هو طريق إلى المتيقن فما عن المحقّق الخراساني(1) من عدم فرق بين الشكّ في المقتضى والشكّ في غيره في جريان الاستصحاب لصدق النقض ووجود العناية المصحّحة لاستعمال هذه اللفظة باعتبار اليقين . ان اريد به نفس اليقين فهو مسلم البطلان . وكذا ان اريد بلحاظ آثاره . فلم يبق الا أن يكون بلحاظ المتيقن سواء قلنا ان اليقين طريق إلى المتيقن وحرمة النقض إنّما هو بلحاظه أو قلنا بكون المراد من اليقين هو المتيقن(2) كما عن الشيخ قدس سره . اذ لا اشكال ظاهرا في صحّة استعمال اليقين بمعنى المتيقن لوجود كمال المناسبة فما عن النائيني(3) اعتراضا على الشيخ لا يخفى ما فيه حتى انّه أراد أن يلحق ذلك بالاغلاط وعلى كلّ فالنقض إنّما اريد حرمته بلحاظ المتيقن بماله من الآثار اذ هوالمستصحب فاذا كان كذلك فيمكن الفرق بين ما كان احرز المقتضى لبقائه مثلاً إلى اليوم الرابع وحين الشكّ بحيث لو لم يكن مانع ودافع لأثر المقتضى أثره بلا رادع له الا ان الشكّ وقع في حصول الأثر من ناحية احتمال وجود الرافع مثلاً فلم

ص: 175


1- . كفاية الأصول 2/285 .
2- . فرائد الأصول 2/574 .
3- . فوائد الأصول 4/374 .

ندر هل حصل للمرمي قتل حتى يكون ميتا بسبب اصابة البندقة المقتضية للقتل لولا المانع كان يكون معه عوذة وحرز ودعاء يكون مانعا من اصابته وتأثير ذلك في قطع حياته ( لا يخفى ان ذلك مجرّد المثال فلا يورد على انه من باب قاعدة المقتضى والمانع ) أم لا فاثرت في موته كما ان في الأسد كذلك حيث انه بوجوده العلمي مقتضى للفرار لكن عند عدم مانع خارجي يمنع ذلك كيأسه عن الحيوة وعدم رغبته فيها . فحينئذٍ لا يفر وهذا استدراك لما بينّاه قبل من كون المقتضى وجود المعلوم واقعا والعلم جزء اخير للعلّة التامّة المقتضية للأثر بل تمام المقتضى

إنّما هو وجوده العلمي ولا ربط للواقع بذلك بل يفرّ من تصور وجود الأسد في هذا المكان مثلاً بخيال انه فيه وإن لم يكن الا البقر .

وهذا بخلاف ما اذا لم يكن له علم لعدم المقتضى للفرار حينئذٍ . فالوجوه المتصوّرة إنّما هي ثلاثة: تارة يعلم ببقاء المقتضى واخرى يعلم بعدم بقائه وثالثة يشكّ والنقض للمتيقن والعناية المصحّحة لاستعماله يكون في الصورة الأولى عند الشكّ في وجود الرافع أو رافعيّة الموجود .

وعلى كلّ حال فيمكن أن يفصل بين الشكّ في المقتضى والشكّ في وجود الرافع أو رافعيّة الموجود من جهة عدم صحّة استعمال اللفظة فيما اذا لم يكن للمتيقن اقتضاء البقاء اذ لا يعقل كون الموضوع أعم من المحمول وإمكان عكسه فلو حللنا قضيّة لا تنقض إلى قضيّة حملية فلابدّ من امكان حمل النقض على اليقين مطلقا كان يقال اليقين غير منقوض مطلقا بالشكّ وإن كان من جهة المقتضى .

وبيان ذلك يتمّ بمثال أقرب إلى الذهن . وذلك بأن يقال انّ العلّة مقتضية

الوجوه في المقتضي ثلاثة

ص: 176

لوجود المعلول في التكوينيّات ولا يعقل تقدّم أحدهما على الآخر زمانا فعند وجود العلّة يوجد المعلول والتقدّم إنّما هو بالرتبة .

كذلك التكليفيّات من الوضع والتكليف فعند استفادة العموم ودوام الحكم في التكاليف الشرعيّة التي هي من سنخ الاعتباريّات قبال التكوينيّات ولو من ناحية ما ورد من ان حلال محمّد صلی الله علیه و آله حلال إلى يوم القيامة(1) كما انه يستفاد الدوام من العموم أو الاطلاق وإن كان فيما اذا خصّص أو قيد ونسخ نكشف ان ما زعمناه اطلاقا أو عموما إنّما هو تخيّل(2) ذلك لرجوع كلّ تخصيص إلى التخصّص

لبا يقتضي هذا الدوام والعموم كون المكلّف مخاطبا بمضمون خطابات الأحكام فعند الشكّ في ورود المقيّد والمخصّص يحصل الشكّ في قطع استمرار مخاطبته ولزوم جريه حسب التكليف المعلوم سابقا المقتضى لو خلّى وطبعه ولم يردعه رادع من تقييد أو تخصيص أو نسخ لكون المكلّف عاملاً عليه على الدوام .

قال المحقّق رحمه الله فيما حكى عن معارجه لو(3) اريد بالاستصحاب هذا المعنى فنحن موافقون وان اريد غير ذلك فنحن معرضون عنه انتهى .

فعند الشكّ في ورود المخصّص والمقيّد والناسخ يتمسّك بالاطلاق والعموم من جهة كشف تماميّة الاقتضاء الا ان الشكّ في الرافع من جهة احتمال طرو عنوان ثانوي أوجب تقيد الحكم كعنوان الضرر والحرج وغيرهما .

فعلى هذا لو رفعنا اليد عن المقتضى والدوام المستفاد من أدلّته من الجري على وفقه في صورة الشكّ في طرو عنوان الرافع نكون قد نقضنا اليقين بالشكّ

ص: 177


1- . سبق الاشارة إلى مصدره .
2- . تقدّم منعه .
3- . معارج الأصول: 208 مع تفاوت في المورد والعبارة .

ولابدّ ان ننقضه بيقين آخر . وينبغي أن يعلم انه لا يعقل ورود الرافع حال بقاء المرفوع كما ان الدفع أيضا كذلك لرجوع ذلك إلى اجتماع الوجود والعدم وذلك محال . بل الرافع حين تحقّقه موجب لعدم المرفوع هذا الحين والدفع أيضا كذلك الا ان الفرق بينهما بالاعتبار . وقد عرفت فيما تقدم ان المقتضى إنّما هو الوجود العلمي واما واقع الشيء بلا احراز فلا يوجب شيئا .

فعلى هذا فلا يمكن في صورة الشكّ في وجود المقتضى في غير محل الفرض كما اذا خاطب الشارع المكلفين بحكم ولم نعلم ان له الدوام ولم نستفد ذلك لا من دليله ولا من دليل خارجي بل نحتمل أن يكون مختصا بالساعة الاولى وينتهي بعد ذلك ولا يبقى صدق النقض أصلاً اذ لم نعلم المقتضى للبقاء واحتمال كون ذلك واقعا لا يؤثر ما لم نحرزه . وهذا بخلاف ما قربناه في احراز المقتضى للبقاء والشكّ حصل في الرافع اذ يصدق النقض حقيقة بالعناية ولو شككنا في صدق النقض لليقين في ما اذا كان منشأ الشكّ عدم احراز المقتضى والشكّ فيه اما من جهة الشبهة الصدقيّة لعدم سعة المفهوم عرفا كي يشمل ذلك اليقين أو للشكّ في المصداق فلا يجوز التمسّك أيضا حينئذٍ بعموم لا تنقض للشكّ في المقتضى اذ هو من قبيل التمسّك بالعام في الشبهة المفهوميّة والمصداقيّة . وقد تحقّق في محلّه عدم

جواز التمسّك بالعام في الموردين كما في الشكّ في كون زيد عالما كي يكون داخلاً في عموم اكرم العلماء . فنفس الشكّ في ذلك مساوق للقطع بالعدم فلا يمكن الا اجراء الاستصحاب في خصوص الشكّ في الرافع لوجود العناية المصحّحة لاستعمال النقض وفي غيره اما مقطوع العدم أو مشكوك .

وبما ذكرنا من عدم امكان اعميّة الموضوع من الحكم يتّضح فساد اسراء

توجيه عدم جريان الاستصحاب في الشك في المقتضي

ص: 178

الحكم للشكّ في المقتضى الا ان يقطع بالصدق .

وأمّا الشكّ في رافعيّة الموجود أيضا فيمكن تقريب الكلام فيه بعينه .

هذابالنسبة إلى الأخبار التي اشتملت على نقض اليقين بالشكّ وأمّا التي مثل قوله(1) من كان على يقين فشكّ فليمض على يقينه بناء على استفادة الاستصحاب منه كما تقدّم فتارة نقف في سنده لعدم العمل الجابر للضعف والا فيشكل الأمر حيث ان اشتمل على مضى الذي كان على يقين بلا اختصاص له بصورة احراز المقتضى من أوّل الأمر .

الاشكال في ما تقدم: قد تقدّم تقريب الكلام في التفصيل لجريان الاستصحاب بين الشكّ في المقتضى وغيره من رافعيّة الموجود ووجود الرافع بالبيان الأخير الا ان مرجع ذلك إلى انكار الاستصحاب وذلك لاستفادة العموم والاطلاق من الدليل فما لم يعلم له المقيّد والمخصّص لنا التمسّك بالعموم والاطلاق وهذا استصحاب باصطلاح المحقّق رحمه الله مع وضوح عدم احتياج إلى

جريان الاستصحاب في ما اذا كان مقام التمسّك بالاطلاق والعموم بل منعه ( والحاصل ان عند الشكّ في المقتضى للبقاء لجريان الاستصحاب يشكل الأمر في غير الأحكام الا بالمعنى الذي ذكرناه من المحقّق ( وهو راجع إلى المقتضى التشريعي والمانع كذلك ) وله موارد متعدّدة فالخيار مثلاً بناء على كون مدركه في الغبن الضرر فيمكن القول بكونه بمقدار يمكن ذوه الفسخ اما فعلاً أو قولاً وبناء على رجوعه إلى الشرط الضمني كخيار تخلّف الشرط والوصف فالخيار باق لعدم

ص: 179


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/6 والمستدرك 1 الباب 1/4 من أبواب نواقض الوضوء واللفظ للأوّل .

ارادته العقد الا مشروطا وليس قابلاً للاسقاط لعدم كونه حقا بخلاف خيار المجلس والحيوان لكونهما حقين ) وعلى كلّ حال فلا يبقى الا دعوى الانصراف في مثل قوله لا تنقض إلى غير الشكّ في ناحية المقتضى ويمكن منع الانصراف ولكن الشكّ في الاطلاق كاف في عدم الجريان عند الشكّ في المقتضى .

وما أفاده المحقّق الخراساني رحمه الله(1) في غاية المتانة حيث ان عناية النقض

موجودة حتى في ما اذا لم يكن اقتضاء البقاء الا انه في الآثار المترتبة على اليقين وهذا ليس محلّ الكلام .

وأمّا مثال صحّة استعمال النقض في ما اذا لم يكن للسراج اقتضاء بقاء اشتعاله لعدم وجود نفط فيه مثلاً فهذا راجع إلى المصالح والمفاسد النفس الامريّة ومقتضيات الجعل ولا ربط له بالمقام .

وأمّا في غير ما ورد بلسان لا تنقض فيمكن استفادة العموم من خبر(2) محمّد بن مسلم بناءً على ما تقدّم من استفادة حجيّة الاستصحاب منه وان المراد بالمضي على اليقين على اليقين السابق الاستصحابي كخبر القاشاني(3) مع قطع النظر عن ضعف السند وعدم كون الشكّ في حصول الغاية للصوم أو شعبان . والا فلا مجال لذلك وعلى كلّ حال فحيث لم يحصل لنا الجزم بالعموم والاطلاق فلا موجب لاطالة الكلام .

هذا كلّه في التفصيل بين الشكّ في المقتضى ووجود الرافع .

وأمّا التفصيل بين رافعيّة الموجود وغيره فلا يجري في الاول بخلاف الشكّ

جواب الاشكال

ص: 180


1- . كفاية الأصول 1/285 .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/6 من أبواب نواقض الوضوء .
3- . وسائل الشيعة 10 الباب 3/13 من أبواب أحكام شهر رمضان .

في وجود الرافع فلا وجه له أصلاً لوضوح عدم الفرق بين ما اذا كان الشكّ في رافعيّة الموجود أو وجود الرافع بعد كون مرجع الأوّل إلى الثاني واحراز المقتضى للبقاء في كليهما وما ذكر وجها في كلام المفصّل ( وهو المحقّق الخونساري رحمه الله ) من كون ذلك نقضا لليقين باليقين حيث ان مشكوك الرافعيّة متيقن الوجود ممّا يضحك به الثكلى ولعلّه أراد به غير ظاهره والاّ فكيف يمكن أن يكون اليقين بوجود شيء آخر ناقضا ليقين آخر كما اذا علمنا الطهارة سابقا وتيقّنا بوجود زيد فأيّ عقل يرى اليقين بوجود زيد ناقضا لليقين بالطهارة بل لابدّ من كون الناقض ناقضا لليقين السابق ومتعلّقا بخلاف ما تعلّق به الأوّل .

لا يقال ان الشكّ في رافعيّة الموجود راجع في الحقيقة إلى الشكّ في ان المقتضى هل يكون حتى مع وجود المشكوك أم ليس له اقتضاء لرجوع المقتضى بهذا المعنى إلى ملاكات الأحكام وهو غير المقتضى في ما نحن فيه ممّا قد ذكرناه مرارا من كونه عبارة عن عمر الشيء بحسب استعداده بل المقتضى بهذا المعنى محرز في الشكّ في رافعيّة الموجود . غاية الأمر الشكّ في ان هذا المذي أو الوذي هل يرفع اقتضاء الوضوء للبقاء ويقطعه أم هو باقٍ على اقتضائه كما كان وعليه مبنى الشيخ وهو يرى المقتضى بهذا المعنى مدار كلامه الا انه اشرنا مكررا إلى وقوع الخلط من بعض في مراد الشيخ وجعلوه من مقتضيات الجعل من المصالح أو المفاسد .

والحاصل ان عند الشكّ في وقوع الطلاق بغير لفظ طالق من الكتابة أو باقي الألفاظ كقوله أنت خلية أو برية فالشكّ حقيقة في وجود الرافع ومجال واسع للاستصحاب في مثل هذا المقام .

ص: 181

وأمّا في الأحكام فتقدّم فيما سبق وسيأتي إن شاء اللّه في موضعه من عدم احراز الموضوع فيها .

فتحصّل ممّا ذكرنا عدم الفرق بين الشكّ في وجود الرافع وبين رافعيّة الموجود كما لا وجه لباقي التفاصيل الموجودة في الاستصحاب وأكثرها لا يستأهل البيان الا ان هنا تفصيلاً بين الحكم التكليفي والوضعي بالجريان في الثاني دون الأوّل وكان منشأ ذلك تخيل انتزاعيّة الأحكام التكليفيّة من الوضعيّة ففصّل المفصل .

ولما كان مناسبة للمقام بالتعرض للأحكام الوضعيّة وبسط الكلام فيها فتصدى المحقّق النائيني قدس سره كغيره ممّن تقدّمه أو عاصره لبيان تفاصيلها وشرح ذلك بأحسن وجه ورتب(1) امورا لتوضيح مرامه .

الأمر الأوّل: في حقيقة الحكم وانّه عبارة عن العلم بالمصالح والمفاسد أو هو مع الابراز والاظهار التابع لحصول الحب من ناحية العلم بالمصلحة أو البغض من ناحية المفسدة الداعيين للمولى الى الاظهار المعبّر عن ذلك بالشوق المؤكّد فتارة يستتبع ذلك انبعاث الشائق بنفسه وحركة عضلاته نحو المحبوب مثلاً واخرى يطلبه من الغير باظهاره الحب له والبغض كي يأتي به في الأوّل ويتركه في الثاني . أو ان الأحكام عبارة عن الانشاءات الحاصلة في نفس الحاكم في مقام الثبوت وهذه الخطابات الاثباتيّة منطبقة عليها وطريق إليها . ومن الواضح ان الحكم لو كان عبارة عن العلم بالمصالح والمفاسد بلا استتباع جعل وانشاء على حسبه لا مجال للتفصيل بين الوضع والتكليف لاستوائهما في الجريان وعدمه . بل

في الأحكام الوضعيّة ···ص: 182


1- . فوائد الأصول 3/379 - 403 .

لا وجه لجريان الاستصحاب حينئذٍ أصلاً لا في الأحكام ولا في الموضوعات للشكّ في أصل كيفيّة العلم وهل هو متعلّق بالأعم من حال متعلّق اليقين حاله والشكّ أو مختصّ التعلّق بالأوّل . ولا وجه لاجرائه بالنسبة إلى الصلاح والفساد لعدم علمنا به الا من قبل اللّه تعالى بتوسط سفرائه الكرام صلوات اللّه عليهم أجمعين وحينئذٍ فلا معنى لحصول الشكّ .

وحاصل الكلام: هو انه وقع الاتّفاق في أصل العلم بالمصالح والمفاسد من الفريقين والنزاع إنّما وقع في استتباع ذلك الانشاء في عالم التشريع الذي هو عبارة عن التكوين للأحكام او ليس الا ابراز الارادة والكراهة فعن صاحب الدرر والغرر الشيخ عبدالكريم الحائري رحمه الله في درره(1) ذلك كما انّ المحقّق آقاضياء العراقي(2) كان يصر بذلك ولا يرى معقوليّة الانشاء والجعل للأحكام . بل ليس إلاّ ابراز الحب والبغض بتوسط الانبياء ولهم مقام الوساطة والتبليغ بلا تفويض للجعل من المبدء الأعلى إليهم وعدم تصور ما يمكن أن يكون مجعولاً هناك .

قال سيّدنا الأستاذ قدس سره وكنا نصر عليه بالجعل وان للمولى صفحة تشريع في عالمه هوعالم تكوين الأحكام كتكوين الخارجيّات ووقع الكلام والبحث منا مع المحقّق العراقي رحمه الله مرارا حتّى انه جعل الحكم بيني وبينه صاحب العصر عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف .

وخلاصة الكلام انّه يتصوّر في الموالي العرفيّة بالنسبة إلى عبيدهم بعد العلم لمصلحة فعل حالة نفسانيّة مستتبعة لانشاء الطلب الخارجي منهم فعلاً أو تركا كما

في أنّ الأحكام مجعولة

ص: 183


1- . درر الاصول 1/71 .
2- . نهاية الأفكار 1/57 - 157 .

هو واضح . اما بالنسبة إلى المولى الحقيقي فمحصل المرام ان له عالم تشريع وانشاء سوى عالم بالعلم بالمصلحة والمفسدة وفي كيفيّة ذلك اعتقادنا ما اعتقده جعفر بن محمّد صلوات اللّه عليهما لعدم ميدان لنا للحوم حول هذا المقام لتقدّس الذات وتنزهه عن كونه محلاً للحوادث كما انه ليس صفاته زائدة على ذاته بل ورد في الأخبار(1) التعبير عن القادر بانه ليس بعاجز اذ ليس تركب هناك تعالى اللّه عمّا يقول الظالمون علوا كبيرا . ولذا منعنا عن اطلاق اسم لم يرد من قبلهم .

ولو كان أمر الجعل بيد النبي أو الولي صلوات اللّه عليهما فهناك يتصوّر الحالة النفسانيّة التي يمكن تصوّر الانشاء والجعل منه ولقد أشار المحقّق الخراساني إلى هذا المعنى في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري(2) فانه لو كان أحدهما هو الجاعل كما وردت بذلك أخبار(3) التفويض فيمكن اجتماع ارادتين احداهما متعلّقة بالواقعة من حيث هي هي والاخرى بما هي مشكوكة .

تحقيق الكلام: قد تبيّن ممّا تقدّم بطلان دعوى كون الحكم هو العلم بالمصالح والمفاسد بلا استتباع جعل وانشاء بل لا مانع من الجعل والانشاء للحكم في عالم الثبوت وتكون هذه الخطابات الواردة كاشفة عنها وبمنزلة الآلة كما للنجّار وذلك يتّضح بالقياس إلى جعل المولى للتكوينيّات فان أمكن تصور ذلك بالنسبة إلى المبدء الأعلى وان يكون له عالم خلق وعالم أمر تكويني تكوينه اعتباره وايجاد النسبة بين الفاعل والفعل المنتزع عنه عنوان الوجوب والحرمة وباقي عناوين الأحكام الخمسة مثلاً . وإن لم يمكن ذلك بالنسبة إلى المبدء

المراد من الحكم

ص: 184


1- . بحار الأنوار 4/136 ح3 - 4 - 8 الى 11 - 17 - 21 الى 24 .
2- . كفاية الأصول 2/49 - 50 - 52 وما بعده .
3- . بحار الأنوار 25 فصل في بيان التفويض ص328 وبعده ح1 - 6 الى 9 - 11 - 12 - 13 .

الأعلى فلا محيص عن الالتزام بذلك في بعض المبادي العالية كنفس النبي صلی الله علیه و آله وكنفس الولي عليهما السلام لتصوّر حالة نفسانيّة هناك الا انك خبير بفساد الجعل والانشاء لو كان مستلزما لتصوّر مقدّماته من العزم والجزم والشوق المؤكّد بداهة امتناع ذلك في المبدء الأعلى . نعم يتصوّر ذلك بالنحو الذي قلناه كما وافق عليه الروايات غاية الأمر تكون(1) هذه الخطابات كاشفة عنها بلسان جبرئيل النازل على النبي صلی الله علیه و آله أو يكون قد الهم النبي صلی الله علیه و آله وأوحى إليه وهو انشاء وجعل منشأ

انتزاع الأحكام كما ورد في بعض الروايات مثل سبع ركعات فرضها النبي صلی الله علیه و آله (2) بل انكار الجعل في المبدأ الأعلى كان ان يكون اجتهادا في مقابل النص لورود الروايات(3) من النقش في اللوح وكتابة القلم إلى أن يتّصل بالنبي صلی الله علیه و آله ولا يمكن الالتزام بأن كلّ ذلك اخبار واظهار لما في الفعل من المصلحة والمفسدة . ولا وجه لانكار الجعل بعد ان كان للمولى نحوان من الارادة: ارادة متعلّقة(4) بالأشياء كالتكوينيّات فليكن المقام مثلها اذ لا مانع من ذلك وارادة ذاتيّة هي عين الذات كما انه هو الخالق والرازق والمميت والمحيي من الأفعال المتعلّقة بالتكوينيّات .

فاذا تحقّق ما ذكرنا وتبيّن فساد التخيل كما انه لا مجازفة في الأحكام وكذا لا يوجد المصلحة بالجعل كان تكون فيه أو في المجعول فان بعضه محال وبعضه الاخر غير معقول .

ص: 185


1- . ولذا التزمنا بأن انتزاع الوجوب عن ذلك مثلاً يستدعي مولويّة وإلاّ فخطاب الفقير للغني باعطاء الفلوس ربما يمكن أشد من مولى مالك للعبد مع عدم لزوم اتباعه وعدم الزام لاطاعته .
2- . الوسائل 4 الباب 13/2 - 14 - 19 - 22 من أبواب اعداد الفرائض .
3- . بحار الأنوار 18 باب كيفيّة صدور الوحي الحديث 9 - 10 - 11 .
4- . بحار الأنوار 4 كتاب القدرة والارادة الأحاديث 4 - 5 - 16 .

فاعلم ان النزاع وقع بين الاعلام في ان الحكم الوضعي هل هو مجعول أصلاً بعد الاتفاق الا من قليل على كون الأحكام التكليفيّة مجعولة فنفي بعضهم الجعل فيها رأسا أصلاً لا اصالة ولا تبعا ( كما في مقدّمة الواجب لوقلنا بترشح ارادة المولى من الامر وان كان غافلاً إلى المقدّمة بالتبع فانه من لوازم ذلك ) بخلاف آخرين فذهبوا إلى انها كالتكليفيّة يتعلّق بها الجعل ابتداءً . وفصل بعض بين مثل الشرطيّة والسببيّة والمانعيّة والجزئيّة فنفى فيها الجعل وجعل الباقي قابلاً

له دونها فهي منتزعة وذلك كالملكيّة مثلاً فيمكن انتزاعها من نحو يجوز التصرّف للذي حاز ما لم يسبقه إليه غيره ولا يجوز التصرّف لغيره كما انه يمكن انتزاع ذلك من نفس الايجاب والقبول وقس عليه كلية باب الأسباب والمسببات فيمكن الجعل فيها ابتداءً لمنشأ الانتزاع ويمكن تصور الجعل ابتداءً للملكيّة والاعتبار لها

سواء كان ظرف العروض والاتصاف في الذهن أو الأوّل في الخارج والثاني في الذهن الذي يعبر عن مثل ذلك أهل المعقول بالمعقولات الثانية حيث ان المنطق إنّما هو مرتبط بنحو المعقول وبحث المنطقي يدور مدار المعقولات . وإلاّ فالملكيّة وعدم الجواز أوالجواز ليس عارضا في الخارج على متعلّقاتها ومن له الملكيّة بل ذلك مثل المبتدء والخبر كما أشار إلى ذلك المحقّق الطوسي الخواجه نصيرالدين في كتابه التجريد(1) وكذا أهل المعقول كشراح التجريد من ان الوضع والحمل من الامور الانتزاعيّة التي لا حقيقة الا لمنشأ انتزاعها وإنّما هي أوصاف تعرض لها في الذهن كالكليّة والجزئيّة والنوع والجنس وبعضها ظرف عروضها الخارج وظرف اتصافها الذهن ويمكن كون الوحدة والكثرة من هذا القبيل .

ص: 186


1- . تجريد الكلام: 66 .

والحاصل ان الموضوع والمحمول كزيد قائم الذي قد يعبّر عنهما في لسان أهل المعقول والحكمة بالامور الانتزاعيّة وقد يعبّر في لسان أهل المنطق بالمعقول الثاني كما انه عند أهل الأدب زيد مبتدء مسند إليه وقائم خبر ومسند لا حقيقة لهما في الخارج الا ان زيدا له وجود متأصّل وليس بازاء الحمل والوضع والمسند إليه والمسنديّة شيء خارجا فليس وعائها الا الذهن . فهو ظرف اتصاف الموضوع بالموضوعيّة والمحمول بالمحموليّة كما ان مثل الانسان كلي ونوع ظرف الاتّصاف والعروض كلاهما ذهني كما يعلم ذلك أوضح من هذا في نحو زيد واجب الوجود بالغير ممكنه بالذات وامتناع اجتماع النقيضين ممّا يكون فيه المعروض والعروض والاتّصاف كلّها في الذهن اذ لا اجتماع للنقيضين في الخارج كي يحكم عليه بالامتناع فالامكان والوجوب والامتناع التي هي جهات الوجود والعدم في الموجودات والمعدومات طرا والموجود والمعدوم باعتبار انتزاع عناوين اخرى على الأشياء المتصوّرة وإن كان لها ما بحذاء في الخارج .

كلّ ذلك من التي يكون لها منشأ انتزاع تنتزع منه وإلاّ فليس في الخارج إلاّ زيد واما انه ممكن أو واجب فليس له في الخارج شيء وكذا الامتناع في نحو شريك الباري واجتماع النقيضين .

نعم نفس الذات وحقيقة الشيء لا بما انها حقيقة ليس معقولاً ثانيا كي تكون منتزعة عن شيء بل لها تأصّل في نفسها وليس كلّ ذلك من الخيال والوهم كان لا يكون في عالم الوجود والعين شيء أصلاً بل كلّ ما في الكون وهم أو خيال لفساد ذلك وبطلان هذه الدعوى ضرورة . وعلى كلّ حال فقد وقع الخلط من بعض بين المعقولات الثانية والانتزاعيّات والاعتباريّات .

ما يكون ظرف العروض والاتّصاف له هو الذهن

ص: 187

وتصدّى المحقّق النائيني رحمه اللهلكشف النقاب عن وجه الحق في ذلك ففسّر الشيء باعتبار عالمه(1) إلى ثلاثة . ما يكون له وجود عيني لا دخل للاعتبار وعدمه في ذلك . بل هو موجود في عالمه ولو مع قطع النظر عن تصوّره بل مع تصوّر عدمه والبناء على اعتبار عدمه . وذلك مثل كلّ الممكنات الوجودية التي تلبّست بلباس الوجود فلها وجود عيني حقيقي لا ربط للاعتبار ولا دخل للانتزاع فيها . وما يكون وجوده بالنظر إلى اعتبار المعتبر ووجوده في عالم الاعتبار كالتكويني الحقيقي في عالم الحقيقة والعين . غاية الأمر له هذا النحو من الوجود . والثالث ما يكون منتزعا عن أحد هذين . وهو موجود تبعا لمنشأ انتزاعه ووجوده إنّما هو بالنظر إليه .

توضيح وتكميل: سبق انّ التفصيل بين الوضع والتكليف إنّما هو بناء على جعل الأحكام كما ينشأ الموالي العرفيّة بحصول مقدّماته من الشوق المؤكّد لكنّا نلتزم بالجعل على نحو يمكن في ذاك الصقع تعالى اللّه عن ما يكون للمكنات ويعرضها علوا كبيرا . بل الحاصل انه يوجد النسبة بين الفعل والفاعل ويكون هذا المنشأ والموجد بالانشاء غير المتخلّف عنه تمام الموضوع لحكم العقل بلزوم الاطاعة فيعتبر المولى عبده مصلّيا تشريعيّا ليكون تكوينه على حسب تشريع المولى وهذا الاعتبار بيد من بيده الاعتبار كما في ساير الاعتباريات وليس هناك مجرّد العلم بالصلاح والفساد بل يكون ذلك داعيا إلى الجعل كالتكوينيّات .

غاية الأمر للاعتبار عالم آخر وإن كان خارجيا كما ان الانشائيّات كلّها من هذا القبيل واللفظ يكون آلة للايجاد والانشاء في عالمه .

كيفيّة جعل الحكم

ص: 188


1- . فوائد الأصول 4/381 وما بعده .

توضيح المقام: ان الانسان قد يخطر الشيء بباله بلا ارادة منه أو بالنظر إلى شيء أو بنحو آخر ويتوجّه إليه وحينئذٍ فاما ان يكون له ميل إلى حصوله أو كونه كذا وكذا أو لا أو إلى عدمه وبالجملة الميل والحب إلى طرف منه ورجحان عنده يترقى من هذه المرحلة إلى أن يحصل له العزم والجزم والشوق المؤكّد إلى حصول وجوده مثلاً لا عدمه .

وفي هذه المرتبة تارة يتصدّى بنفسه لايجاد المتعلّق في الخارج كان يريد شرب الماء ويشربه بعد حصول الارادة بمقدّماتها منه ولو في لحظة بل وأقل . وتارة حسب تدريج الزمان كما يعلم ذلك وعلم بالتجارب . واخرى في مقام التصدي يرى مصلحة في حصول متعلّق الارادة والشوق من آخر غيره فيترتب المقدّمات إلى أن يطلب منه بايجاد النسبة بين الفعل والفاعل كي يوجده في الخارج وعالم العين . وعلى هذا فعلم انه كم فرق بين الطلب والارادة وأين هذا من تلك . اذ بينهما مراتب ومراحل كما ترى . وعلى كلّ فهذه النسبة الايجاديّة الحاصلة من المولى والآمر اعتبار بين الفعل والفاعل أوجدها وأنشأها نظير باقي الانشائيّات كالعقود والايقاعات حيث ان البيع مثلاً ليس عبارة عن التبدّل المكاني للعوضين وإلاّ فيمكن أن يحصل ذلك في مقام اعتبار البيع تارة واخرى لا يحصل . بل يمكن أن يكون من سنخ الاضافات القائمة بين المضاف والمضاف إليه ولا وجود لهذه الاضافة الا في عالم الاعتبار اذ في الخارج لا يكون الا التبديل وتعويض المضاف أو المضاف إليه كان يموت شخص ويقوم مقامه آخر . بل البيع عبارة عن تبديل المالين والملكين في عالم الاعتبار بأن يكون هذا بازاء ذاك أو عبارة عن تبديل الاضافة باضافة اخرى مثال ذلك في الخارجيّات أنّه

ص: 189

يتصوّر أن يكون كلّ انسان فرضناه بايعا أو مشتريا فيما بعد أن يحصل له شدّ بالحبل الموصول بينه وبين المال الكذائي مثلاً فهذا الحبل أحد طرفيه مشدود بوسط المالك والطرف الآخر على المال فاينما يتوجه المالك فالمال بعقبه وله السلطنة المطلقة عليه بأيّ نحو شاء لانه في حيطة سلطنته مشدود رأسه بالحبل أو تعلّق على عنقه . وليس له الفرار عن سلطان المالك كما ان للمالك الآخر الذي يريد أن يكون مشتريا مثلاً هذا النحو من الاتّصال بالنسبة إلى ماله بمثل ذلك الحبل فكما ان لهما أن يتبادلا في الخارج ويضع كلّ ماله في موضع مال الآخر ويجعل رأس الحبل على عنقه ورأس حبل ماله على عنق مال الآخر وأن يحلّ الحبل المعقود المشدود على وسطه برأسه الآخر المعلّق على عنق الحيوان مثلاً ويشدّه في وسط الآخر وهو يفعل ذلك به كذلك يمكن أن يكون مثل ذلك في عالم الاعتبار بأن يجعل رأس حبل الاضافة الحاصلة بينه وبين ما يملكه على عنق مال الآخر أو شدّه على وسط الآخر كي يعبر عن ذلك بالبيع غاية الأمر في عالم الاعتبار فيكون المالك بعد ذلك الآخر الذي شدّ رأس الحبل بوسطه وبالعكس بالنسبة إلى المالين كما عبّر عن ذلك آقا ضياءالدين العراقى رحمه الله وكذلك الزوجيّة

المعبّر عن الايجاب والقبول المتعقب أحدهما بالآخر عن العلقة فانّه لا محالة يوجد هذا الاعتبار وتلك العلقة وإن لم يكن بين الزوجين قرب مكاني بل بينهما كمال البعد مثلاً . وإن لم يكونا منضمّين كي يناسب الزوجيّة . بل الحاصل عند ذلك هو المعنى الذي يعبّر عنه بالفارسيّة ( زناشوئى ) وكذلك في الطلاق والعتاق والهبة فانّ الهبة عبارة عن سلب الاضافة وايجادها عقيب السلب . فانّه يستحيل أن يكون كلّ واحد من المتعاقدين في الخارج آخذا بزمام المال مستقلاًّ في زمان

ص: 190

واحد . ومال واحد بل لابدّ أن يخليه أحدهما ويأخذه الآخر كما انه لا يعقل أن يكون لمال المالكين إلاّ بالاشتراك فيسلب اضافة المالكيّة ابتداءً الواهب له ويوجدها ويجعلها على المتهب الموهوب له لا مجرّد جعل المال عنده خارجا وكذا في المعاطاة فانّه لا يعقل أن يكون بيعا لأنّها عبارة عن الاعطاء والقبض الشخصيين ولا يكون ذلك في الكلي وليس هذا الا عبارة عن العمل والتبادل التكويني ومجرّد هذا لا يكون بيعا كي يكون لازما أو جائزا اذ لا انشاء للفعل فكيف يقال ان بالانشاء يوجد مفهوم البيع وبالمعاطاة مصداقه .

نعم يمكن أن يقال بالمعاطاة يحصل مصداق للبيع ويكون هذا النقل والانتقال الخارجي التكويني يتحقّق به البيع .

فعلى هذا هي بيع لا عقد وحاصل فيها نتيجة العقد خارجا وبهذا الاعتبار لابدّ أن نلتزم بما قاله المفيد رحمه الله من كونه بيعا لازما .

وبالجملة بالمعاطاة أي الاعطاء والقبض الخارجيّان يوجد مصداق للبيع وتحصل تلك الاضافة كما تحصل بالألفاظ ولا وجه لدعوى عدم معقوليّة ذلك لأنّ الفعل الخارجي لا يكون سببا لحصول الاضافة الاعتباريّة لتعدّد المقولة اذ هو من مقولة الفعل أي الاعطاء والقبض والبيع من مقولة الاضافة . وذلك كما ان الأمر في ألفاظ البيع كذلك . لأنّهاعبارة عن الفعل أو المسموعات والمعاني والموجدات من مقولة المعاني .

إذا تحقّق هذا فاعلم: ان انشاء الحكم أيضا على هذا النحو من الايجاد والوجود فكما ان الموجب والقابل يعقدان باللفظ وينشآن بالآلة وهي الألفاظ المعلومة العقد والايقاع في الاعتبار كذلك يوجد النسبة بين الفعل والفاعل الحاكم

تصوير المبادلة في البيع

ص: 191

على غيره بحكمه فيوجد النسبة وهي الايجاب ولا فرق بين الايجاب والوجوب إلاّ بالاعتبار ويكون الوجوب عين الايجاب كما في باقي الأحكام .

غاية الأمر ما ذكرنا من المراتب المقدّميّة للارادة إنّما هي في الممكنات الفاعلين بالارادة غير الموجب منها وأمّا بالنسبة إليه تعالى فلا شيء الا الغاية من

هذه المقدّمات وإلاّ فلا عزم ولا جزم ولا ميل تعالى اللّه لما يقول الظالمون علوّا

كبيرا .

بل غير هذا خلاف ما ورد من الآيات والروايات ويكون هذه الألفاظ الواردة في الكتاب والسنّة دالّة على الحكم ولابدّ أن نقول انه حاصل بها الانشاء كما ان الانشاء في باقي الاعتباريّات يحصل بالألفاظ واللفظ إنّما هو بمنزلة الآلة كآلة النجارة للنجّار .

تلخيص وتتميم: قد تبيّن في الأمر الأوّل الذي رتّبة المحقّق النائيني اوّل الأمور المتقدّمة على المطلب ان الأحكام مجعولة وليست هي تبرز في الخارج ارادات كما ان في الانشائيّات مثلاً في الزوجيّة والبيع يتحقّق معنى لم يكن حاصلاً قبل بل وجد بنفس الانشاء وإلاّ فأيّ معنى كان موجودا قبل الزوجيّة والبيع المترتّب عليهما آثار .

الأمر الثاني: الذي رتّبه قبل بيان المطلب لبيان تحقّق الوجود الاعتباري وانه في مقابل الوجود العيني الحاصل في عالم العين وفي قبال الانتزاعي الذي لايتجاوز مجرّد الخيال والوهم بخلاف الاولين فانّه مع قطع النظر عن الانتزاع وجود حقيقي للموجود في عالم العين كالانسان والحيوان والحنطة والشعير وكلّ ما من سنخ عالم العين بالوجودات الخاصّة الخارجيّة وكذا الاعتباري الحاصل

ص: 192

باعتبار المعتبر فانّ المدّعى ان الوجود الاعتباري غير الوجود الانتزاعي الذي يكون بتبع منشأ الانتزاع . بل لا شيء في الحقيقة إلاّ مجرّد التصوّر كزوجيّة الأربعة . فانّ الموجود في الخارج أو الذهن هو المعدود أي الأربعة وينتزع منه ثانيا عنوان الزوجيّة وفرق كثير بين هذه الزوجيّة والزوجيّة المنشأة بالعقد أي الايجاب والقبول فانّ له تحقّقا في عالمه مع قطع النظر عن من ينتزع هذا الوجود الخاص عن شيء .

غاية الامر سنخ وجود متوسط بين الوجود العيني والانتزاعي الذي لا يكون إلاّ السراب المحض .

وتقريب ذلك انّه انه لا اشكال بالنظر إلى الأمور الخارجيّة ان السلطان القاهر الذي بيده أمور مملكته له أن يعتبر شيئا خاصّا بلحاظ اشتماله على بعض الخصوصيّات ذا أثر ونتيجة تترتب عليه كما في القراطيس والكواغذ المنقوشة بالنقوش الخاصّة الرائجة عند الدول فانها تبذل بازائها الليرات والفضّة والذهب وساير مالها ماليّة وإن كان في الخارج ليس إلاّ نفس القراطيس بلا انضمام شيء إليها إلاّ بلحاظ ذلك الحيث الحاصل لها من قبل اعتبار السلطان حصل لها خصوصيّة باعتبارها يكون الواجد لمقدار معتنى بها منها مثريا والمحتاج إليها فقيرا وذلك الاعتبار بيد من بيده الاعتبار كالسلطان كما ان له رفع هذا الاعتبار والغائه فلا يكون هناك شيء ولا يبذل بازائها شيء وكذلك في الفضّة والذهب وساير الاعيان الكونيّة الا ان هناك تارة ما يكون اعتباره حسب فطرة العقلاء بلا اجتماع منهم وبناء على أن يكون للشيء الفلاني كذا من الاعتبار وهذا الأثر الخاص كما في الحنطة فانّها إذا أكلها انسان يشبع حقيقة فالخصوصيّة الموجودة

الفرق بين الوجود الاعتباري والانتزاعي

ص: 193

فيها التي هي عبارة عن الانتفاع بها بذاتها حتى تكون ذات منفعة أوجبت رغبة العقلاء فيها فاعتبر لها حيث شخصيّة ونوعيّة وماليّة كما ان في القيميّات اعتبر خصوص الشخص والقيمة . فعند التلف لابدّ من اداء القيمة المتفاوتة حسب تفاوت رغبات يوم التلف والاداء . فالاعتبار الخاص فيها الحاصل حسب فطرتهم دعى إلى تفاوت قيمتها ورغباتهم إليها . وتارة لا خصوصيّة موجبة فيه لذلك . بل يعتبره معتبر ويبنى على ذلك ويروجه في ملكه بالسكّة أو النقش الخاص وبدون ذلك لا حظّ له من ذلك لعدم الانتفاع به بنفسه وبلحاظ ان فيه منفعة أو نفسه منفعة موجبة لعدمه عند ذلك كاختلاف حقيقة البيع والاجارة والعارية فان الأوّل موجب لانتقال العين والثاني للمنفعة والثالث مقتضى لانتفاع المستعير وليس ما ذكرناه عبارة عن مجرّد التصوّر والخيال لعدم منشأيّتهما للآثار المترتّبة على هذا النحو . وهذا واضح لا اشكال فيه فكذلك الملكيّة الحاصلة بالايجاب والقبول والزوجيّة فانّهما مع قطع النظر عن عالم الخيال والتصوّر لهما وجود حقيقي تأصلي لا تبعي بتبع منشأ انتزاعهما من شيء .

غاية الأمر حقيقة عالمهما غير عالم العين وإن كان تشترك مع الانتزاعيّات

بعدم حصول رؤية لهما كما ان في الأشياء الحقيقيّة الكونيّة ما يكون من سنخها كوجع الرأس والعين وفرق واضح بين الاعتباري بهذا المعنى وبين الأمر الانتزاعي كزوجيّة الأربعة لعدم حصول الثاني إلاّ بلحاظ منشأ الانتزاع واعتبار توجه والتفات إليه بخلاف الاعتباري فانه بعد أن وجد في عالم اعتباره الخاص لا يلزم التصور والالتفات إلى شيء يكون تابعا له . فاذا حصل الايجاب والقبول مثلاً لايجاد علقة الزوجيّة في عالم اعتبارها فيوجد هناك شيء لم يكن قبل ذلك

ص: 194

كما ان العدم الباقي إلى هذا الحين يعدم ويتبدّل بالوجود الحاصل منه آثار مخصوصة مترتبة عليها وإن كنّا لا نعرف حقيقة الزوجيّة والعلقة الحاصلة فتارة يعبّر عنها بالزوجيّة واخرى بلسان آخر الاّ انّ حقيقتها غير منكرة بل لها تأصّل .

غاية ما هناك ان اعتبار الشارع لها مع كونها ممّا تعلّقت به عناية العقلاء لابدّ أن يكون بنحو يصحّح استصحابها عند الشكّ فيها .

وبعبارة اخرى لابدّ أن يكون للشارع اعتبار فيها وإن لم يكن تأسيسيّا .

وان شئت قلت لا نعقل فرقا بين الأمر الاعتباري والانتزاعي بل كلّ ذلك لا حقيقة له خارجيّة ونعقل الفرق بين ذلك وبين ما يكون في عالم العين وإن لم يكن مرئيا كوجع الأعضاء بل عند الايجاب والقبول ينتزع عنوان خاص معبّر عنه مثلاً بالبيع أو بالتزويج والنكاح مستتبع لآثار خاصّة أو يعتبر حقيقة كذائيّة لعدم كوننا بصدد اثبات ان لنا عالم انتزاع مغاير لعالم الاعتبار بل تمام المهمّ في اثبات ان هنا

عالم اعتبار سواء كان مخالفا لعالم الانتزاع أم لا والانتزاعيّات أيضا رجعت إلى الاعتباريّات الا ان في الثاني توسعة لعالم الاعتبار وارى ان الأمر صار واضحا لا يحتاج إلى مزيد بيان .

لكن هنا نكتة لابدّ من التنبيه عليها . وهي ان المحقّق النائيني قدس سره على ما في تقريراته(1) صار بصدد بيان ان للملكيّة مراتب تكون بذلك من الموجود الحقيقي . أعلاها ملكيّة الباري تعالى للسموات والأرضين واحاطته بها وانها عبارة عن مراتب وجودها في قبال أهل المعقول المعبّرين عن ذلك بالجدة فانّهم قسّموا الممكن إلى جوهر وعرض والثاني إلى نسبيّة وغير نسبيّة وجعلوا منها الجدة

عالم الاعتبار

ص: 195


1- . فوائد الأصول 4/383 - 384 .

وفسّروها باحاطة شيء لشيء آخر كالرأس للعمامة الموضوعة عليه أو كالبدن للقميص وكون الانسان متقمّصا والتسربل والتنعل والتقبقب فانّ لها حظّا من الوجود في قبال الاعراض الباقية . وهذه هي أدنى مراتب الملكيّة ولا وجه لقصر هذه المقولة عليها . ونظّرها ومثل لذلك بالصور النفسانيّة المخلوقة لها أو احاطة العلّة بالمعلول لاستحالة كون معطئ الشيء فاقدها وهذا اما غفلة منه أو من المقرّر أو لايراد بظاهره فانّه لا يناسب مقامه الشامخ لاستلزامه المحذورات التي لا مفرّ عنها بعد ان كانت الماهيّة أمرا اعتباريّا عدميا والمجعول بالأصل هو الوجود لتوقف التوحيد المحض عليه بخلافها .

وللفرار عن بعض هذه المحاذير جعلوا الوجود ذا مراتب حذرا من لزوم وحدة الموجود . وذلك بخلاف ما عبروا به من الفيض والوجود الترشحي . نعم يصحّ القياس على الممكنات بالنسبة إليها فالنفوس الخالقة للصور تكون واجدة لها غير مقصور بلحاظ ذلك مقولة الجدة في أدنى مراتبها كما سمعت .

توضيح وتكميل: قد عرفت حقيقة الأمر في الأمور الاعتباريّة ووجودها في عالم الاعتبار الذي هو مقابل عالم العين والانتزاع . وهي تارة تأسيسيّة من الشارع واخرى امضائيّة بمعنى ان للعقلاء ذلك في امورهم مع قطع النظر عن تعرض الشارع له . فان لهم نصب السلطان ولهم عزله نظير اعتبارهم اختصاصا لكلّ انسان بالنسبة إلى ماله وملكيّته له وغير ذلك من شؤون حياته . بل ذلك حاصل حتى بالنسبة إلى الحيوانات كما يعلم ذلك بالتجربة فترى ان للكلب اختصاصه بالجيفة التي سبق غيره عليها وهو يرى ما له من التقدم . غاية الأمر ربما يكون للشارع تخطئة للعقلاء وأهل العرف في بعض الموارد فالذي يهب ماله لغيره

ص: 196

مثلاً إنّما يوجد معنى لم يكن من قبل بلحاظه يسلب مالية نفسه ويجعلها للغير كما في ساير العقود والايقاعات فان لكلّ عندهم حقيقة وليس حكما تكليفيّا بل اعتبار فانّ السلطنة مثلاً عبارة عن اعتبار عقلائي حاصلة للمالك بالنسبة إلى ملكه وكذا الماليّة للمال وليس للمالك سلب هذه السلطنة عن نفسه الا أن يقال مثلاً بالاعراض وان له تأثيرا في ذلك وبعد ذلك .

فقد وقع الخلاف في عدد الوضعيّات وان كلّها أحكام في قبال التكليفيّات . فعدّ بعضهم كلّ ما لم يكن بتكليف وللشارع فيه اعتبار وجعل من الأحكام الوضعيّة وحصرها بعضهم في ثلاثة السببيّة والشرطيّة والمانعيّة وبعض في أربعة وآخر في خمسة بزيادة الجزئيّة والعلّة والعلامة وآخر في تسعة أو أزيد الا انه يتوجه على الأوّل كون القضاوة والولاية بل والامامة والنبوّة التي هي من المناصب من الأحكام الوضعيّة باعتبار ان للشارع جعلاً فيها اما بالاصالة وتأسيسا كالنبوّة والامامة واما امضاءً كالقضاوة والولاية والوكالة التي هي بجعل من له ذلك لغيره . فانها اعتبارات شرعيّة وليس الشارع لم يتصرّف فيها ولو امضاءً .

وعلى الثاني انّه ليس مثل الوصاية التي يجعلها من له ذلك والولاية والقضاوة ونحوها من الاعتبارات الشرعيّة لحصره الأحكام الوضعيّة في ما ذكر فالحق ان القوم أفرطوا وفرطوا ولم يأخذوا بالجادّة الوسطى .

وذلك لأن الامور الاعتباريّة على قسمين قسم منها من المناصب وهي كالنبوّة والامامة والقضاوة لا تستحقّ اسم الحكم واطلاقه عليها لانها اعتبارات خاصّة وجعل شيء للمتلبس بها والمجعول لهم هذه . وقسم آخر من الأحكام

ص: 197

الوضعيّة كالمالكيّة والبيع والمعاملات التي تشتمل على التكليف ويتوجه على المكلّفين خطابات شرعيّة متعلّقة بأفعالهم بواسطة هذه الاعتباريّات بخلاف الأحكام التكليفيّة فان الجعل يتوجه إليها ابتداءً بلا توسط عنوان آخر فيتعلق الحكم والخطاب بالفعل وللفعل قد يكون متعلق خارجي مفعول به كالخمر في نحو لا تشرب الخمر . وهذه الأحكام الوضعيّة التي تستحقّ اطلاق اسم الوضع عليها اعتبارات شرعيّة تأسيسيّة أوامضائيّة للشارع يترتّب عليها آثار خاصّة . مثلاً تنفذ الوصيّة اذا بلغت الوصي بعد الموت . وليس له الاباء عن ذلك كما انه فيها ما يمكن لمن توجه إليه الوضع أن يسلبه عن نفسه ويسقطه وذلك في ما يكون تحت يده بخلاف ما يكون عليه . فله اسقاط حق الخيار وماله في ذمّة مديونه وليس له اسقاط الزوجيّة ولا تبديلها . بل له الطلاق كما ان الحريّة والرقيّة أيضا لا يكون للمكلّف حقّ الاسقاط والتصرّف فيها .

ومن ذلك يشكل اطلاق الحكم الوضعي على مثل هذه فالاعتبارات التي تكون تحت يده وله اسقاطها كالملكيّة بالاعراض مثلاً بخلاف ما ليس له فيها ذلك ويشكل الفرق بين نوعي الاعتباريّات واعتبار ميزان عامّ في المناصب لا يكون في غيرها من باقي الاعتباريّات مع ان كلّ هذه من مجعولات الشارع كما ان القضاوة والنيابة الحاصلة للفقيه عموما من الامام علیه السلام التي قلنا انها من المناصب تستوجب امضاء من بيده الاعتبار ورضاء الحجّة صلوات اللّه عليه بما يعملونه في هذه الموارد . وللقوم وجوه استحسانيّة من الطرفين لمثل التصرّفات الواقعة من الفقيه بعنوان النيابة تشبه قياسات العامّة لعنهم اللّه ولابدّ من احضار ما يكون جوابا

والاتّكاء في مثل ذلك إلى البرهان والدليل .

ص: 198

وعلى كلّ حال فالأحكام الوضعيّة هي من سنخ الاعتبارات الحاصل نظيرها عند العقلاء كما في اعتبار الذمّة فانّها ليست شيئا خارجيّا مع مالها من الوسعة وينقسم الوضع إليها وإلى غيرها من المناصب المجعولة نحو القضاوة في نحو ( فاني(1) قد جعلته قاضيا عليكم أو حاكما عليكم أو مثل فانظروا(2) إلى رجل قد روى حديثنا ونحو ذلك . وللشارع في هذه الأمور والموارد أحكام خاصّة مترتّبة على العناوين بواسطة الوضعيّات . وقد يشتبه بعض ذلك ببعض فان الامور الحسبيّة مثلاً تخالف تولية الأوقاف في جريان النزاع في انها هل للحاكم توكيل الغير في النظر إليها كأموال القصر والقيمومة على الصغار فينعزل بموت المجتهد الموكل لذلك الغير المنصوب من قبله أو من قبيل اعطاء المنصب كتولية الأوقاف فتبقى مادام المنصوب باقيا ولا يلزمه كسب الاجازة والاذن ثانيا بعد موت الناصب الأوّل ولذلك قد وقع لبعض المحشين لعروة السيّد اليزدي رحمه الله(3) الاحتياط بكسب الاذن والاجازة مجددا . والمحقّق النائيني رحمه الله(4) رتّب في مقدّماته بعض الامور المفروغة عنها ككون الأحكام مجعولة على نحو القضايا الحقيقيّة ممّا لا يستحقّ بحثا عنه للكلام فيه في محله .

الا ان الاشارة إلى كيفيّة جعل الامور الاعتباريّة التي هي أحكام وضعيّة لا تخلو من فائدة . فقد وقع الخلاف في انها مجعولة اصالة أو تبعا فانكر بعضهم

سنخ الأحكام الوضعيّة

ص: 199


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 1/5 من أبواب صفات القاضي مع اختلاف في الألفاظ .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 1/5 من أبواب صفات القاضي مع اختلاف في الألفاظ .
3- . العروة الوثقى مسئلة 51 من التقليد .
4- . فوائد الأصول 4/388 .

كالشيخ رحمه الله(1) الجعل الاصالي لها بل هي تنتزع من الأحكام التكليفيّة في مواردها وكلامه في الرسائل مشوش لا يمكن الجزم بطرف من ذلك . وذهب آخر إلى انها مجعولة بالاصالة كالأحكام التكليفيّة .

وفصل ثالث كما هو المختار بعدم مجعوليّة بعضها وانها بتبع منشأ الانتزاع كما ان للشارع الجعل في آخر موضوعا ومحمولاً أو حكما كالفقراء في آية الزكوة وجعل الخمس لأهلها فانّ هذه لا يد لغير الجعل فيها فاعتبر الموضوع موضوعا الذي هو من المعقولات الثانية وكذا المحمول ورتب الحكم وجعله على هذا الموضوع الخاص .

تكميل وتتميم: رتب المحقّق النائيني قدس سره أمرا آخر(2) تمهيدا لتحقق الحال في الأحكام وضعيّة كانت أو تكليفيّة . وحاصله ان موضوعات الأحكام تارة تكون مجعولة للشارع ولا دخل للعقلاء في ذلك واخرى تكون امضائيّة للشارع . الا ان موضوعات الأحكام التكليفيّة دائما من التأسيسيّات . كما ان محمولها أي نفس الأحكام أيضا كذلك سواء كان متعلّق المتعلّق أو هو المكلّف وذلك غير ملاكات الأحكام والمصالح والمفاسد النفس الأمريّة فانّ الأمر السادس ممهّد وأمّا بالنسبة إلى الوضعيّات والاعتباريّات يختلف فالغالب انها امضائيّة كما انه ربما يكون للشارع فيها جعل وتأسيس لموضوعاتها .

والسرّ في ذلك عدم ادراك العرف والعقلاء ما هو الملاك والميزان لجعل الأحكام على متعلّقات التكاليف الشرعيّة فمثل الولد الذي لم يبلغ الحلم ولم

ص: 200


1- . فرائد الأصول 2/518 .
2- . فوائد الأصول 4/386 - 387 الى 389 .

يدرك ربما يكون في الامور الماليّة ارشد من الذي بلغ عشرات سنين ومع ذلك فلم يعتد الشارع بمعاملاته وجعل عمده في الديات في حكم الخطأ الوارد على العاقلة .

كما انه لم يرد منه غسل الجنابة ونحوها مع عدم تمييز العرف فرقا بين البالغ الكامل ومن لم يبق إلى بلوغه مثلاً إلاّ دقيقة أو يوم الا في بعض الموارد الخاصّة فاستثنى(1) تصرّفاته اذا كان بالغا عشرا . والمسئلة وان كانت خلافيّة في نفوذ تصرّفاته إذا كانت باذن الولي كان يبيع ويشتري ولعلّ الحقّ عدم نفوذ ذلك لا اصالة ولا باذن الولي على نحو الانضمام لا الاستقلال .

لكن المقصود في المقام مجرّد التمثيل كما ان العقلاء لا يدركون ولا يفهمون ما في وجوب الحج على كيفيّاته المعهودة المعلومة المشتملة على الطواف والسعي الذين ربما يتحيّر العقول فيهما حتّى من بعض أنحائها قد يصدر ما يكون فيه استهزاء الا ان الحكمة في ذلك خفية عنّا وان اشير إلى بعض ما يحتمله عقولنا وكذا كون البالغ العاقل المدرك للوقت أو المالك للنصاب موضوعا لكذا من الحكم وهذا أيضا لا اشكال فيه .

والمهم الذي يستدعي عناية به ما بينه في الأمر السادس(2) من تقسيم العلّة إلى علّة الجعل وعلة المجعول . والمراد بالأوّل ملاكات الأحكام من المصالح والمفاسد النفس الأمريّة الداعية للجعل . وبالثاني ما يكون له دخل في موضوع التكليف والحكم وبيان ان الأوّل لا دخل له إلاّ بوجوده العلمي بل ربما لا يكون

ما بيّنه في الأمر السادس

ص: 201


1- . وسائل الشيعة 19 الباب 44/1 - 18 من أبواب كتاب الوصايا والباب 15/1 الى 4 من كتاب الوقوف .
2- . فوائد الأصول 4/390 - 392 .

لواقعه دخل أيضا ويعبر عنه بالعلل الغائيّة فان الفعل إنّما يقع لأجلها ويستحيل كونها موجبا لجعل الحكم في ظرف وجودها بخلاف الثاني فان لوجوده الواقعي دخلاً في الحكم وقبل وجوده يستحيل وجوده لأنّه من قبيل العلّة بالنسبة إلى الحكم والحكم كالمعلول له .

فكما يستحيل الانفكاك بين العلّة والمعلول في التكوينيّات ولا يمكن تقدّم المعلول على العلّة ولو بآن وتخلّفه عنها ولو بشعرة والا يلزم الخلف والمناقضة والتقدّم للعلّة بالنسبة إلى معلولها ليس بالزمان بل بالطبع وكذلك موضوع الحكم بالنسبة إليه لا يمكن وجود الحكم بلا موضوع وتخلّفه عنه أو تقدّمه عليه وإلاّ يلزم المناقضة .

ولهذا كان الشرط المتأخّر من المحالات كان يكون شرط التكليف الذي هو شرط الوجوب وله الدخل فيه دخلاً موضوعيّا متأخّرا عن مشروطه ويوجد الحكم مع ان موضوعه لم يتحقّق أو لم يتمّ بعد . اذ ذلك من قبيل انفكاك العلّة عن معلولها وتقدّم المعلول على العلّة فكما انه يستحيل ذلك كذلك الحكم بالنسبة إلى موضوعه .

وما صدر عن بعض فانّما هو لبيان معنى آخر واختلاف في الاسلوب وتبديل الطريق وإلاّ فلا ينكر أحد استحالة تقدّم الحكم على الموضوع الذي هو بمنزلة تقدّم المعلول على علّته .

وعلى كلّ فقيل وجود الموضوع لا جعل للحكم ولا انشاء بخلاف العلل

الغائيّة التي تقدّم انها بوجودها العلمي مؤثّرة في الجعل لوضوح عدم امكان جعل وجوب بعد أن صلى المكلّف وأوجد الصلاة ووصل إلى الغاية المطلوبة منها . كما

ص: 202

ان التاجر في تجارته أيضا كذلك . بل بناء العقلاء في امورهم على ذلك وليس لهم البناء في كلّ الموارد على التحرّك عن العلم بل ربما يكون الاطمئنان موجبا للجري العملي كما انه تارة بنائهم على الاحتمال والرجاء فيما لم يترتّب على مخالفه الاحتمال والرجاء ضرر أو تلف أموال ونفوس لا يتحملونه ففرق بين العلل الغائيّة التي هي ملاكات الجعل وعلله وبين علل المجعول وهو الحكم الشرعي .

ولابدّ في الثاني من الوجود الخارجي في ترتب الأثر المطلوب عليه فقبل بلوغ الطفل لا تكليف عليه بالصلاة والحج وغير ذلك بخلاف الأوّل .

فدخله انما هو بوجوده العلمي أو الاحتمالي أو الاطمئناني على ما تقدّم .

الا انه قد وقع خلط في كلمات المحقّق الخراساني في المقام بين علل الجعل والمجعول في تصويره امكان الشرط(1) المتأخّر فقرب الكلام وأتى بما لا مزيد عليه وحقّق المرام في العلل الغائيّة بأحسن وجه وأجود من أهل الحكمة والمعقول وارجع الشروط المتأخرة إلى كون اشتراطها بالوجود العلمي مثل اغتسالها في الليل لصحّة صوم اليوم الماضي إلى أن قال ولم يسبقني أحد إليه فيما اعلم .

وقال في موضع آخر(2) بعدم احتياج تصور الواجب المعلّق بعد أن حقّقنا ذلك .

مناقشة صاحب الكفاية

ص: 203


1- . كفاية الأصول 1/146 - 148 .
2- . كفاية الأصول 1/161 .

وفيه ان ذلك لو تمّ يكون هو عين الواجب المعلّق الا ان الكلام في ذلك ليس لدخل هذه بالوجود العلمي فمرجعه إلى الوجود المقارن والشرط كذلك . بل الشرط في هذه من شرايط المجعول ويستحيل تخلف الحكم عنه وكونه مقدما على شرط موضوعه . ولذا بيّن المحقّق النائيني في هذا الأمر الفرق بين نحوي الشرط حذرا من وقوع الخلط ودفعا للتوهّم .

وبالجملة فما لم يتحقّق شرط المجعول فلا تحقّق له ولا بعث على المكلّف ولا وضع عليه بخلاف الجعل فعند كون المصلحة والمفسدة على الشيء يجعل الحكم عليه ولا تأسيس لأصل موضوع المصلحة إلاّ بالتكوين . فغير البالغ يمكن أن يجعله الشارع بالغا تكوينا كما انه يجعل عليه الحكم بعد أن صار بالغا وإلاّ لا معنى لكونه بالغا بالجعل التشريعي . وكذلك المصالح والمفاسد ليست امورا تأسيسيّة بل هي اما موجودة في الأشياء كالشيء الكذائي وكونه ذا مصلحة أو مفسدة أو لا ويرتب الشارع عليه الحكم ويجعله موضوعا بهذا النحو .

فالجعل إنّما يتعلّق بالحكم على موضوع خاص معتبر في نظر الشارع يرتب عليه الحكم وبذلك يفترق عن الحق فلا يقبل الاسقاط ولا جعل للموضوع بذاته إلاّ تكوينا .

إذ باعتبار الشارع لا يكون المكلّف مصليّا تكوينا .

نعم في المخترعات الشرعيّة الموضوع أيضا يكون تأسيسا كما في المناصب كالامامة فان الامام ليس اماما تكوينا بل بالجعل يكون اماما وتشريعه كذلك .

إذا تمهدت هذه المقدمات فلنشرع فيما هو المقصود من تحقيق الكلام في

ص: 204

الحكم الوضعي وانه هل شيء زائد على الحكم التكليفي الذي تقدّم انه مجعول للشارع بانشائه النسبة بين الفعل والفاعل أو طلب الفعل منه وان يوجده في الخارج أو تركه كذلك سواء كان الحكم عبارة عن خطاب اللّه المتعلّق بأفعال المكلّفين كما ذهب إليه الأشاعرة أو كان عبارة عن طلب مؤدّى الخطاب وهو إمّا فعل أو ترك على أنحاء الطلب .

فنقول قد اختلف العلماء في الحكم الوضعي فذهب فريق إلى أن المجعول بالاصالة هو الحكم التكليفي ولا حكم لنا سوى الأحكام الخمسة التكليفيّة لا أصلاً ولا تبعا . وفريق إلى ان الأحكام على قسمين وضعيّة وتكليفيّة والجعل يتعلّق بكليهما على حد سواء .

غاية الأمر استثنى بعضهم بعضها كالسببيّة فذهب إلى امتناع جعلها للشارع لا اصالة ولا تبعا وزاد بعض بالحاق الشرطيّة والمانعيّة والجزئيّة أيضا بالسببيّة في

عدم كونها مجعولة للشارع . وبعضهم إلى كون الجعل المتعلّق بالوضعيّات تبعيّا ولا فرق عند من استثنى السببيّة بين سببيّة الأسباب في الأحكام التكليفيّة أو الوضعيّة كالملكيّة مثلاً الحاصلة بالايجاب والقبول .

هذا حاصل الاختلاف وينبغي سوق الكلام على نحو يتبين انه هل يمكن أن يكون وراء حكم الشارع على متعلقاتها شيء مجعول أم لا .

فنقول: امّا المصالح والمفاسد النفس الأمريّة الكائنة في الأشياء فلا تنالها يد الجعل التشريعي اثباتا ونفيا . بل هي موجودة في الأشياء أين ما وجدت توجد معها وكذا موضوعات الأحكام ومتعلّقاتها الخارجيّة كالانسان البالغ المستطيع مثلاً وكالخمر الخارجي الذي يكون مفعولاً به للفعل الذي تعلّق به التكليف وكذلك

اختلاف العلماء في الأحكام الوضعيّة

ص: 205

فعل المكلّف فهو مولود قدرة المكلّف ولا يكون الجعل التشريعي سببا لكون المكلّف فاعلاً للفعل أو تاركا له فليس المجعول في هذه الموارد إلاّ الأحكام .

اما بايجاد النسبة في عالم الاعتبار أو بطلب الفعل من المكلف أو تركه منه مثلاً ولا تعلّق ليد التشريع في المصالح والمفاسد الداعية إلى الجعل إلى متعلّقات التكاليف وفي موضوعاتها الخارجيّة الا ان الشارع يعتبر هذا الشيء واجبا يلزم المكلّف الاتيان به أو حراما لابدّ أن ينتهي عنه .

كلّ ذلك على نحو أشرنا إليه من انشاء النسبة أو الطلب لما في ذلك من الالزام على المكلّف والأحكام والاتقان عليه كما يرشد إلى ذلك مادة حكم في تصاريفها فان الجامع بينها هو الأحكام والاتقان كما في الحكمة والحكيم والحكمة التي هي اسم للجام الموضوع في فم الفرس فكما تمنعه عن الطغيان وتقوده إلى الانقياد عن الشماس فكذلك الحكم المجعول من الشارع يمنع المكلّف في عالم الاعتبار من المخالفة سواء كان في جانب الفعل مع المنع من الترك أو في جانب الترك بأن لا يخالفه إذا كان عن جد ولو كان بداعي التهديد أو الحث والترغيب وغير ذلك فذلك يكون مستحبا أو مكروها الا ان الداعى لما لم يكن جدا بل للحث فيكون الحكم المجعول هو الاستحباب أو الكراهة .

فالمناسبة الحاصلة بين المعنى اللغوي والحكم المصطلح هي كون العبد مقودا حيث يقوده المولى . فعنان المكلّف بيده لكن في خصوص هذه الأحكام الأربعة وأمّا في الاباحة فينشأ الاباحة وتساوي طرفى الفعل والترك بالنسبة إلى المكلّف . ولذا ذهب بعضهم كالمحقّق النائيني رحمه الله(1) إلى عدم جواز أخذ الأجرة

ص: 206


1- . منية الطالب 1/19 - 20 .

على الواجبات حيث ان الفعل مملوك للمولى وهو ساق المكلّف نحوه كما يقال في العدالة انّها عبارة عن ترك الأفعال المنهي عنها وفعل الواجبات عن داعي الهي حيث ما يقوده لجام أمر المولى ونهيه لا بداعي نفساني هذا .

وهل يعقل معنى زائد يكون مجعولاً للمولى وراء هذه الخمسة التكليفيّة التي اطلاق الحكم على بعضها بالمسامحة أم لا ؟ والحق هو وجوده وان للشارع وراء حكمه بالترك أو الفعل على نحو ما شرح حكم آخر وانشاء غيرها في ما ذكرنا يتعلّق بأفعال المكلّفين ومايوجدونه في الخارج .

فعند وجود سبب كذائي يحكم على ترتب المسبّب على السبب كما في باقي الموارد التي للشارع فيها حكم على موضوع . الا ان الحكم ربما لا يتحقّق لعدم تحقّق ما هو دخيل في موضوعه كالوقف والاستطاعة فعند وجود تمام ما له دخل في الحكم فالشارع يحكم في التكاليف وكذلك في غيرها من ما يكون للعقلاء فيها اعتبار خاص أو يرونه في الأشياء من الأثر الخاص .

غاية الأمر في بعضها حكم الشارع تأسيسي لعدم فهم العرف وكشفهم عنه وفي بعض آخر كما هو الغالب له حكم امضائي بامضاء ما هو عندهم من الاعتبارات الخاصّة في البيع وغيره . الا انه باضافة بعض القيود والحدود كما في شرايط العوضين والمتعاملين ونفس العقد والقبض في ما هو شرط فيه وفي الهبة وغيرها من العقود والايقاعات . فامضائه بمثل أحلّ اللّه البيع(1) والصلح جائز(2) بين المسلمين امضاء لما هو المعتبر عند العقلاء من ترتب المسبّب عند وجود سببه

ص: 207


1- . سورة البقرة الآية 276 .
2- . وسائل الشيعة 18 الباب 3/2 من كتاب الصلح .

الخاص اذا كان البيع عبارة عن معنى اسم المصدر وحصول النقل والانتقال فاحلّ عبارة عن ترتيب الأثر وكذا الجواز في الصلح جائز جواز وضعي امضاء لما عند العقلاء وحق ذلك عدم بناء وتعبد للعقلاء في مثل هذه الأسباب والمسبّبات بل يرون المسبب عند وجود السبب غاية الأمر في عالم الاعتبار . فالدلوك سبب لوجوب الصلاة كالايجاب والقبول سبب للملكيّة عبارة عن ايجاب الشارع عند حصول السبب الصلاة وترتيبه الأثر على الايجاب والقبول بالملكيّة .

نهاية الأمر نصطلح على ذلك في التكاليف بالموضوع وفي الوضعيّات بالأسباب فالعقد سبب والدلوك موضوع كما ان المكلّف موضوع وسببيّة السبب ليست مجعولة بل امّا أن يكون في الشيء خصوصيّة تقتضي ترتب المسبب عليه أو لا .

فان كان فالشارع يرتب عليه والا فلا يمكن اعطاء السببيّة لما ليس بسبب الا بالتكوين ولا تصرف ليد التشريع هناك وليعلم قبل ذلك وقوع الكلام في ضابط الحق والحكم .

فقيل الأول ما يقبل الاسقاط والثاني ما لا يقبله الا ان تطبيق هذا الضابط في موارده ربما يكون من قبيل المصادرة . كما قيل الحق ما لا تعلّق له بفعل المكلّف بخلاف الحكم فكيف يمكن تطبيق هذا الضابط على مثل خيار الحيوان والمجلس وخياري تخلف الوصف والشرط حيث ان في بعضها حكم وفي آخر حق أو في المعاطاة وفي البيع العقدي بالفرق بين حق التراد بأصل العقد بخلاف المعاطاة فانّه يتعلّق بالعوضين . الا ان حق المقام ما تقدّم من كون ذلك لما في رؤية الشارع ما يراه العقلاء من الحق المخصوص عند الحيازة أو ايجاد العقد

للشارع حكم وضعي

ص: 208

الخاص فيرتب على ذلك أحكاما خاصّة ويجعل السلطنة التشريعيّة للمالك الذي انتقل إليه المال ويجعل تصرّف غيره حراما الا باذنه . فالموجب ينشأ البيع والقابل يقبل هذا المنشأ ويتحقّق السبب الذي هو موجب لحصول الملكيّة في عالم الاعتبار وعقيب ذلك يكون مورد الناس مسلّطون على أموالهم(1) .

ومحصّل الكلام: ان في هذه الموارد حكم الشارع على قسمين: تأسيسي وامضائي والامضائي عبارة عن تنفيذ ما يراه العقلاء عندهم من ترتب المسبب عند وجود سببه والشارع أيضا يراه ويمضي وفي التأسيسي لا يرون الخصوصيّة كما في القمار فيحرم عليهم .

نتيجة ما تقدّم واضافة: حاصل الكلام في الوضعيّات والاعتباريّات التي لا تكون أحكاما تكليفيّة انه لا وجه لحصر الشيء في العيني الخارجي والانتزاعي العقلي الذي يكون له وجود تصوّري وان تخيّل ذلك جماعة فرأوا الوجود في هذين القسمين ونفوا أمرا آخر يكون واسطة بين هذين الأمرين يسمّى بالأمر الاعتباري الذي وجوده وتكوينه باعتباره وانشائه في عالم نفسه قبال عالم العين والتأصل سواء كان في الأمور النسبيّة أو غيرها . فالجدة مثلاً حصروا مصاديقها في التعمّم والتنعّل وغيرهما من الوضع الذي يكون من احاطة شيء بشيء آخر غافلين عن وجود أمر آخر في المقام اعتبره العقلاء وهو كثير في امورهم وعليه بنائهم كالملكيّة الحاصلة بين المالك والمملوك فانّه نسبة بينهما كالجدة وهي من مراتبها بل وراء العالم العيني والعالم الذهني الذي يتعقّل فيه الصور والمفاهيم عالم آخر هو عالم الاعتبار وهو ليس بمنكر وجوده وحصوله

ص: 209


1- . بحار الأنوار 22/2 كتاب العلم ص272 ح7 غو .

وليس كلّ موجود اما موجودا تاصليا عينيا أو انتزاعيا عقليا حتى صار انكار ذلك من قدماء الفلاسفة سببا لتعجّب المتأخّرين منهم وانهم هل كانوا عقلاء في ذلك فصار ذلك موردا للمثال المعروف ( كم ترك الأوّل للآخر ) فصار ببركة الاكتشافات كثير من المعاني حاصلة معلومة ( بلا ربط لذلك بما هو كانوا بصدده ولا شاهد عليهم ( وكذا لا وجه لاعتبار الجدة بنحو تكون الملكيّة قسما منها ) لأن وعاء ذلك وعاء الاعتبار بخلاف الجدة فانها من الاعراض التسعة المنقسم بها وبالجوهر الممكن ولا ازيد منها كما اعترف به سيّدنا الأستاذ قدس سره فلم يمكن تعقّل ذلك في عالم نفسه وهو الاعتبار لا العين ) .

وعلى كلّ فانكار الوضع ليس إليه سبيل لوضوح الأمر وكثرة الاعتبارات

عند العقلاء التي تتزايد كلّ يوم تغنينا عن اقامة البرهان على امكانه اذ أدل دليل على الامكان الوقوع . وكذلك في الشرعيّات فجعل الأحكام بعد أن تسلّم في محلّه انّها مجعولة من الشارع منحصرا بخصوص التكليفيّة لا معنى له وجعل الوضعيّة مطلقا منتزعة عنها لا يتعلّق بها الجعل لا أصلاً كوجوب ذي المقدّمة ولا تبعا كوجوب المقدّمة أو انكار ذلك في خصوص السببيّة والقول بجعل المسبّب أو مع القول بجعل السبب فالمجعول في بابها اثنان السببيّة والمسبب وترتبه على السبب كلّ ذلك لابدّ له من شاهد ولا يعقل انكار الحكم الوضعي وجعله مطلقا منتزعا عن التكليفي بلا جعل له أصلاً بنحويه . اذ ربما يكون وضع ولا تكليف كالطفل الساقط حيا الذي يرث من مورثه مع انه لا حكم هناك وكباب الضمانات . فالنائم وإن كان لا يتوجه إليه التكليف الا ان اتلافه شيئا للغير موجب للضمان واشتغال العهدة . بل الصبي الذي لم يبلغ عمده خطا في الدية وهي على عاقلته مع

حكم الشارع الوضعي على قسمين

ص: 210

انه لا قلم عليه كما ان في باب الضمان العقدي مادام لم يكن نقل الذمّة إلى الذمّة لا ضمها إليها كما يقول العامّة لا يكون هناك خطاب . أو كباب الدين خصوصا الدين الالهي فانّ الذي مات لا خطاب عليه بعد ذهاب الموضوع مع ان من المسلم ان الصلاة والزكوة والصوم والحج لابدّ أن تؤدّي عنه بل في بعض الأخبار ( ان دين اللّه أحق من دين الناس )(1) ولهذا ذهب السيّد صاحب العروة أعلى اللّه مقامه في مسائل مربوطة بالباب إلى الميل إلى هذا المعنى(2) فيستثنى ثمن الاستيجار من أصل ماله وإن لم يوص مع ان الوضع لو كان في هذه الأبواب منتزعاً من التكليف فلا تكليف حتّى ينتزع منه الوضع مع تسلّم وجوب الصلاة عن الميت لاشتغال ذمّته . ليس هذا الا ان أصل الوضع أمر مجعول وهو حكم .

وقد أشرنا إلى وجه العناية في تسمية الوضع حكما لأحكام ذلك واتقانه كما في الأحكام التكليفيّة على ما يرشد إلى ذلك تصاريف حكم من حكيم والأحكام والاستحكام والحكمة . بل يمكن أن يقال وإن لم يقل بذلك أحد أو لم نعرف القائل ان كلّ تكليف مشتمل على تكليف ووضع . غاية الأمر ربما يكونان معا فيتعلّق بهما الجعل وربما يتقدّم الوضع على التكليف ويوجب التكليف واخرى بالعكس بل الحق المحقّق ان الوضع لا معنى له في ما لا تكليف ولا يترتب عليه أثر تكليفي مع التمكن .

كان يكون انسان مديوناً مشتغلاً ذمّته لشخص آخر ويتمكّن من أداء ذلك ولا يتوجه إليه خطاب ادّ الدين . الا انه تارة يكون الوضع بوجوده الحدوثي

ص: 211


1- . مستدرك الوسائل 2 الباب 18/3 من أبواب وجوب الحجّ .
2- . العروة الوثقى المسئلة 83 من مسائل الحج .

موجبا للتكليف ولو باقيا واخرى لا بل بحدوثه الحدوث وان لم يبق فلا بقاء للوضع وشواهد ما قلنا في هذه الأبحاث في الفقه كثيرة . بل من أوّل باب الطهارة إلى باب الديات يمكن تصوير ذلك فيه . وكذا في ردّ السلام وغيره من الواجبات فانه وغيره وان كان غير موقت فالوضع باق يوجب الخروج عن عهدته وإن كانت موقتات ولها قضاء لا على نحو التعدّد المطلوبي كما في صلاة القضاء فكذلك . والا فان عدم الوضع فلا . كذلك الكلام في الغيبة وغيرها .

وان ابيت في بعض ما يرجع إلى ما ذكرنا عن اطلاق الحكم الوضعي فلا تضائق في أصل الوضع والوضع أي الحكم الوضعي بل والتكليفي يفارق الحق . والأقرب أن يكون الفرق بينهما بكون الحق ينفع الانسان وله بخلاف الحكم فانّه عليه لو سلمت هذه القاعدة عن النقض بمثل المباحات بل والمستحبات التي هي من الأحكام الشرعيّة . والحق يستتبع الحكم التكليفي اذ مطلق الحكم فان كان وضعيا يقبل الاسقاط لو لم يكن علّة تامّة للحكم بل مقتضيا والا فلا يتعلّق به الاسقاط لكونه علّة تامّة للأثر الخاص .

وبهذا الضابط نفرق بين الشرط المخالف للكتاب والسنّة والموافق الذي لا يخالفهما كخيار الغبن والعيب ونحوهما ممّا يقبل الاسقاط بخلاف مثل خيار الحيوان . الا ان الذي بقي في المقام هو انكار فريق جعل السببيّة كما أشرنا إلى ذلك بعدم تعلّق الجعل التشريعي بما لا يكون سببا وآلة حقيقة ضرورة عدم ربط للتشريع بالتكوين . فالعقد اما أن يكون آلة وسببا لايجاد الملكيّة أو لا .

فعلى تقدير العدم لا وجه لاعتبار الشارع إيّاه كذلك بلا فرق بين التأسيسي والامضائي . ويمكن النقض عليهم بوضع الألفاظ بناءً على بطلان ما هو المعروف

اثر الحكم الوضعي

ص: 212

من سليمان بن عباد الصميري من كون المناسبة الذاتيّة بين اللفظ والمعنى بلا احتياج إلى الجعل وهو مشيعه حتى في الأعلام الشخصيّة ضرورة فساد ذلك ( كما في الألفاظ الدالّة على المتضادين فلا يمكن الضدان بما هما ضدان إن لم يكونا أثراً لشيء واحد بما هو واحد فاللفظ الواحد يدلّ على هذا المعنى وذاك بلا اعطائه الاعتبار بل بالمناسبة الذاتيّة امر غير معقول ) .

وإن كان ربما يؤيّد ذلك باقتضاء الأوضاع الطبيعيّة في كلّ قطر وصقع خصوصيّة في الأوضاع اللفظيّة والتكلّمات وبناء على البطلان كما هوالمسلم .

فلابدّ في الدلالة من الوضع وهو عبارة عن اعتبار شيء سببا لشيء آخر بعد أن كانا متبائنين لا ربط بينهما فيكون أحدهما سببا للانتقال إلى الثاني وحصوله في الذهن وفهم المراد منه وليس هذا إلاّ من جعل السببيّة مع انها أمر اعتباري .

( أقول: هذا الذي ذكره سيّدنا الأستاذ قدس سره في الألفاظ جاري في كلّ المعاملات والايقاعات العرفيّة بداهة بطلان كون عملهم كاشفا عن سببيّة السبب بلا اعتبار واعطاء للأسباب تترتب عليها المسبّبات بذلك .

تذييل: وقع في كلام سيّدنا الأستاذ قدس سره الاشارة إلى أن المؤمنون(1) عند شروطهم حكم وضعي ويشمل الشروط الابتدائيّة ولا وجه لما عن القاموس من ان الشرط التزام في التزام .

توضيح: لا يخلو عن تكرار: مقتضى كلام العلمين المحقّقين الخراساني(2) والنائيني(3) رحمة اللّه عليهما ان الجزئيّة والشرطيّة والمانعيّة والسببيّة غير مجعولة

عدم تعلّق الجعل بأمور

ص: 213


1- . الوسائل 18 الباب 6/1 - 2 - 5 من أبواب الخيار .
2- . كفاية الأصول 2/303 .
3- . فوائد الأصول 4/392 - 393 .

للشارع بل هي انتزاعيّة صرف وكان كلام الشيخ رحمه الله(1) أيضا يساعد على انتزاعيّة هذه .

وحاصل الكلام على ما أشار إليه المحقّق النائيني ان هنا شيئين . المصلحة القائمة بالمتعلّق والموضوع وهي أمر تكويني لا مجال لأن تناله يد التشريع بما هو تشريع فلا يعقل تصور الجزئيّة والشرطيّة وغيرهما أن تكون مجعولة ولا شيء بعد ذلك الا أمر الشارع وطلبه وايقاع ما تعلّق به المصلحة في الخارج وهو تعلّق بالمجموع بعد لحاظه فينتزع بعد الأمر الجزئيّة بالنسبة إلى شيء والمانعيّة بالنسبة إلى آخر والشرطيّة كذلك ولا شيء وراء هذين الأمرين قابلاً لأن يتعلّق به الجعل التشريعي من المولى .

هذا في غير السببيّة . وأمّا هي فقد يظهر منهم انّها أدون من هذه الثلاثة ولكنّه لا يخفى أن بناءً على امتناع جعل السببيّة أيضا كما هو المحقّق عندهما لا يمكن جعل الجزئيّة والشرطيّة والمانعيّة فانه على ذلك محال في محال . وملخص الأمر في ما نحن فيه عدم امكان تعلّق الجعل التشريعي بأن يكون شيء جزءا لشيء أو مانعا مثلاً الاتكوينا وذلك بقلب الماهيّة أو اعطاء الفاقد خصوصيّة الواجد أو أخذها من الواجد كما في يا نار كوني(2) بردا وسلاما على إبراهيم كما انه ربما يكون صورة الأسد باذن الامام علیه السلام أو دعائه أسدا حقيقيّا .

وعلى كلّ حال فكون المكلّف مصليا في الخارج أمر تكويني لا تشريعي

وكذا المصلحة القائمة بالشيء فما فى البين ممّا يمكن أن يتعلّق به الجعل ليس إلاّ

ص: 214


1- . فرائد الأصول 2/602 - 603 .
2- . سورة الأنبياء الآية 70 .

الحكم بانشاء المولى وهو بعد ملاحظة قيام المصلحة مثلاً على نحو دخل هذا الجزء وعدم دخل هذا ودخل عدم ذاك وهكذا .

هذا ملخص مرامه قدس سره في هذه .

وأمّا السببيّة فقد جعلها(1) أيضا كهذه . وقبل بيان دليله فيها ينبغي التعرض للنظر في ما أفاده في هذه الثلاثة فانّه يمكن أن يقال بل قيل كما عن بعض القدماء أن جعل المولى لهذه الثلاثة بل والسببيّة بأن يلاحظها قبل الأمر فان المتصوّر منا قبل أن يحكم بشيء لابدّ من لحاظ موضوع حكمه والا فلا يحكم ولو حكم فلا وقع لحكمه وهذا المعنى وان لا نقوله ولا نعتقده في حق الباري تعالى وجلّ شأنه الا انه قد اشير إلى امكانه في نفس النبي صلی الله علیه و آله .

فهذا اللحاظ لكلّ واحد من الأمور المتركب منها الكل هو جعل الجزئيّة اذا كان لكلّ منها دخل في غرضه بحيث يترتّب على وجودها أو بلحاظ عدمه في المانعيّة وكذلك لكن إن كان أمر الشارع ارشادا إلى دخل الأشياء وجودا أو عدما مثلاً في غرضه ولب الواقع الذي هو أمر تكويني لا مجال لتعلّق الجعل به وأمر الشارع في ذلك كأمر الطبيب في ترتب أثر مخصوص على معجون واجزاء مقوّمة.

فكما ان أمره ليس جعلاً لجزئية هذا الجزء وذاك فكذلك أمر الشارع بعد ان كان عن مصلحة في نفس المتعلّق فلا معنى لنسبة الجعل إليه . ولذا لم يكن فرق بين الجزئيّة والشرطيّة والمانعيّة والسببيّة التي يكاد المحقّقان أن يفرقا بينها كان يكون الاستحالة في هذه الثلاثة أشد من السببيّة بل لو أمكن ففي الكل كما انّه لو لم يمكن ففيه .

ص: 215


1- . فوائد الأصول 4/394 .

ووجه استحالة جعل السببيّة أمران:

أحدهما(1) بعد أن جعل الدلوك مثلاً سببا لوجوب الصلاة والاستطاعة للحج والعقد لحصول الملكيّة وكذا باقي الأسباب بالنسبة إلى مسبّباتها فلا جعل له بالنسبة إلى الحكم أي وجوب الصلاة لأن معنى كون الشيء سببا كونه علّة بحيث يكون وجوده محصلاً لوجود مسبّبه بلا احتياج إلى أمر زائد كما في النار للاحراق فاذا القى القطن فالاحراق من النار لا من الملقى وكذا اذا اجرى الماء أو أوقد النيران وإن فعلا ما فعلا فانّ ذلك كلّه يترتّب على وجود العلّة والسبب الذي يترشّح من وجوده وجود المعلول والمسبب . ولا معنى لتعلّق الجعل به ثانيا بعد أن كان موجودا .

والثاني ان مذهب العدليّة تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد النفس الأمريّة قبالاً للأشاعرة بكون الحسن ما حسنه الشارع والقبيح كذلك ولا قبح ولا حسن للشيء . وهذا المعنى باطل بضرورة الوجدان بلا لزوم تجشم اقامة برهان . فاذا جعل الدلوك سببا لوجوب الصلاة فان كان ساعة قبله معه مساوية فيكون من الترجيح بلا مرجح وهو اما محال أو قبيح . وكلاهما مستحيل صدوره من الحكيم وكذا كلّ حكم اذ بعد أن جعل الحكم لا معنى لوجود المصلحة بالحكم فيسأل الجاعل عن جهة ترجيحه هذا الشيء وجعله علّة وسببا للأمر الفلاني . فاذا تسلم بطلان هذا فلابدّ أن يكون ذلك عن خصوصيّة في نفس هذا الشيء مستدعية للجعل وداعية للمولى الجاعل أن ينشئ ويجعل الحكم حسب ما تقتضيه وكلا

دليل استحالة جعل السببيّة

ص: 216


1- . مرجع هذا الوجه إلى قضيّة شرطيّة وقياس وهي ان جعل السببيّة معناه هذا ومقتضى ذلك عدم كون المسبب من فعل الجاعل بل من السبب فلا وجه لنسبته إليه والتالي باطل فالمقدّم مثله .

الأمرين موضع النظر . اذ في الأوّل ان ذلك يكون من المسبب التوليدي وفي الثاني انه قد مرّ في محلّه من بحث المفهوم اعتبار المحقّق النائيني خصوصيّة(1) في الشرط المترتب عليه الجزاء وهي أن يكون باعتبار ارتباط بينهما غير مستند إلى الاتفاق بل لعليّة بينهما يوجب وجود الأوّل حصول الثاني وإذا كان الجزاء في إذا جائك زيد فأكرمه أو زيد إن جائك فأكرمه بما هو محمول منتسب مترتبا على الشرط فيكون علّة له موجبا انتفائها انتفائه وهذا منه صريح بجعل السببيّة لكن على نحو العليّة المنحصرة وهذا يناقض قوله هنا الا انا قد وجهنا كلامه هناك وكلام المحقّق الخراساني رحمه اللهعليهما ان المراد بذلك هو الاشارة إلى الموضوع بمعنى كونه دخيلاً فيه وانتفاء الحكم بانتفاء موضوعه عقلي .

تكميل وتبيان: حاصل الكلام في جعل السببيّة ما بيّنه المحقّق الخراساني في كفايته(2) وهو انه لابدّ للسبب في كونه سببا من خصوصيّته ذاتية فيه وإلاّ يلزم أن يكون كلّ شيء سببا لكلّ شيء . فاذا لا يمكن جعل السببيّة لما ليس بسبب ولا يكون فيه هذه الخصوصيّة التي توجب له المزيّة على غيره بلحاظها يتحقّق له الجعل .

كما ان في التكوينيّات يترتّب على كلّ منها أثر خاص وكلّ يشتمل على خصوصيّة ليست في غيره ولا يمكن اعطائها الغير إلاّ بالتكوين ولا معنى لتشريع ما ليس بسبب في التكوينيّات كي يكون له السببيّة بالتشريع . بل حقّ المقام ان السبب يشتمل على خصوصيّة ذاتيّة غير قابلة للانفكاك ولا مجعولة . بل ذلك تابع

دليل عدم جعل السببيّة

ص: 217


1- . فوائد الأصول 1/479 وما بعده .
2- . كفاية الأصول 2/303 - 304 .

وجودها أينما وجدت يوجد معها لامتناع تخلف ذاتي الشيء عنه تدعوا المولى إلى الجعل على طبقها . وليس شأن المولى جعل السببيّة واعطائها السبب بل شأنه جعل الحكم من الوجوب والحرمة عند أسبابها الخاصّة فيشرع الصوم والصلاة عند أسبابهما ويرتّب المسبّبات عليهما فالترتب والأثر كلاهما شرعيّان كما في مسئلة الشك السببي والمسبّبي التي ستجيء في محلّها ويعلم هناك انّه لابدّ في ذلك من كون الأثر والترتب كليهما شرعيّين وجريان الاستصحاب في السبب يوجب عدم شمول لا تنقض الشكّ في ناحية المسبب كي يعارض السبب بعد ان كانا في عرض واحد بالنسبة إلى دليل العام . وبذلك يتقدّم الشكّ السببي لكون المسبّب من أثره وترتّبه عليه شرعي اذ بغير هذا المعنى لا يكون وجه لتقدم الأول على المسبب بل يمكن العكس . فعلى هذا لابدّ أن يكون الترتّب والأثر شرعيّين . بل اشتراط كون الأثر شرعيّا يغني عن شرعيّة الترتّب .

وليعلم انّ هذا كلّه على تقدير كون الأحكام مجعولة على نحو القضايا الحقيقيّة فيلاحظ البالغ العاقل المدرك للوقت أو المستطيع ويجعل عليه الحكم لدخل كلّ هذه في الموضوع المستتبع لجعل الحكم . وإلاّ فعلى تقدير كونه مجعولاً على نحو القضيّة الشخصيّة فلا موضوع الاّ ذات زيد وهذه الأشياء تكون من قبيل ملاك الجعل ودواعيه والحكم مجعول على ذات المكلّف بلا لحاظ عنوان خاص في جعله عليه إلاّ على نحو الملاكيّة لا الموضوعيّة .

وملخّص: مرام النائيني قدس سره (1) في ذلك عدم جعل السببيّة ولا يجعل المولى الا المسبب ويرتبه عليه عند وجود سببه الخاص على نحو القضيّة الحقيقيّة سواء

ص: 218


1- . فوائد الأصول 4/394 - 395 .

في ذلك التكليف والوضع ولا وجود ولا انتزاع للسببيّة وكذا للشرطيّة وغيرهما ممّا تقدّم الا بعد حكم الشارع بترتّب المسبب وبسط الأمر على الأجزاء الدخيلة في غرضه المجموعة المعتبر وحدتهابلحاظ دخلهافي غرض واحد وأثر كذلك . فقبل بسط الأمر لا معنى لجزئيّه المأمور به وشرطيّته اذ لا أمر حتّى ينتزع المأمور به وجزئه وشرطه . وفي كيفيّة بسط الأمر على الاجزاء والشرايط وكلّ ما له دخل في غرض المولى تفصيل يقتضي مقاما آخر لشرحه .

بخلاف المحقّق الخراساني رحمه الله فانّه في الاجزاء يوافق النائيني قدس سره (1) وكذا المانعيّة والشرطيّة اذ لا يعقل انتزاع الشرطيّة قبل اعتبار الشارع الشرط دخيلاً في

غرضه بلحاظ أمره باشتماله عليه . وكذا في الاجزاء فانتزاعهما يكون في رتبة متأخّرة عن منشأ الانتزاع الذي لا يتحقّق إلاّ بالأمر وقبله لا يكون هناك مأمور به وإن كان عدّة امور متبائنة يجمعها دخلها في غرض واحد . الا ان المحقّق النائيني يخالف الخراساني رحمهم الله في السببيّة اذ عرفت عدم فرق النائيني بين هذه الثلاثة وبين السببيّة بخلاف المحقّق الخراساني فانّه يذهب إلى امتناع كون السبب سببا يترتّب المسبب عليه اذ بعد ان كان السبب بذاته كذلك لخصوصيّة مستدعية لترتب المسبب عليه فيكون من قبيل العلّة بالنسبة إلى المعلول ولا يعقل التخلّف بينهما ولو بآن بل عند وجود السبب يوجد المسبب كما في التكوينيّات فالسببيّة على هذا منتزعة عن مقام ذات السبب بلا لحاظ ترتب مسبب عليه كي يكون من المحمولات بالضميمة كالأعراض التي وجودها في المعروضات عين المعروض وإن كان لها وجود حقيقي وحمل الأسوديّة على الأسود إنّما يكون بعد عروض

ص: 219


1- . كفاية الأصول 2/304 - 305 .

السواد الذي هو أمر حقيقي خارجي عليه وبضميمة ذلك ولذا اصطلح عليه بذلك . بخلاف ما نحن فيه من السببيّة لما عرفت من عدم معقوليّة انتزاع السببيّة بعد وجود المسبب مع ان السبب بنفسه قبل المسبب وهو أمر تكويني فانتزاع السببيّة عنه كانتزاع عنوان الواجب والممكن والعلّة والمعلول من ذات الواجب والممكن وغيرهما في كونها من خارج المحمول الذي ليس بازائها شيء في الخارج بخلاف باب الجزئيّة وغيرها فان اعتبار انّه جزء المأمور به لا يمكن إلاّ بعد انبساط الأمر على هذا الجزء في عرض باقي الأجزاء للمأمور به كي ينتزع لكلّ منها هذا العنوان .

هذا محصّل كلام هذين المحقّقين والمحقّق النائيني نسب الآخوند (1) إلى الخلط بين علل الجعل والمجعول وبعبارة اخرى بين ملاكات الأحكام وموضوعاتها . فان الملاك يكفي وجوده العلمي في جعل الحكم اما وجوده الواقعي فبعد تحقّق المجعول خارجا اذ هو من العلل الغائيّة الداعية إلى الجعل والفعل لأجل حصولها بخلاف علّة المجعول فانّها عبارة عن موضوعه ومسلم ان وجود الموضوع لابدّ له في وجود الحكم ولا يمكن تخلّفه عنه . وإلاّ يلزم الخلف والمناقضة . وهذا بخلاف ملاك الجعل وعلّته التي كفى تصوّره ووجوده العلمي والحق عدم نزاع بينهما في ما يرجع إلى معنى محصل يترتّب عليه فائدة لائقة بالبحث . اذ لو كان الدلوك مثلاً سببا لوجوب الصلاة والعقد للملكيّة فعند كليهما مسلم ان عند وجود السبب يتحقّق حكم الشارع ويجعل المسبب ويحكم بترتبه عليه كما ان المسلم أيضا عدم كون السببيّة مجعولة قابلة له تشريعا بل عند كليهما

محصّل كلام المحقّقين

ص: 220


1- . فوائد الأصول 4/395 - 397 .

في السبب خصوصيّته مستدعية لترتب المسبب عليه فاذا كان السبب بمعنى العلّة فلا ينفك وجودا عن المسبب ( وكأنّه لا احتياج إلى ترتب المسبب عليه في انتزاع السببيّة له .

نقاش: في كلام المحقّق النائيني:

قد عرفت كلام المحقّقين في باب السببيّة وكانّ كلام الآخوند رحمه الله أقرب إلى الصواب . ويمكن المناقشة في اطلاق كلام المحقّق النائيني رحمه الله في الوجه الثاني بعد مسلمية الأمر الأوّل اذ كما أفاده وحقّقه الآخوند اذا كان السبب بمعناه الحقيقي أي العلّة فعند وجودها يوجد المعلول ويترشح منها ومن المعلوم اذن ما ليس فيه اقتضاء الترشح طبعا وبحسب تكوينه لا معنى لكونه موجبا له بالتشريع كما مثلنا مرارا ان باعتبار الشارع غير المصلي مصليا لا يصير مصليا تكوينا وكذلك لو كان الأثر والتأثير منوطا باذن الشارع .

اما لو كان اطلاق السبب على الموضوع الذي يشرع عنده الشارع الحكم فلا مشاحّة في الاصطلاح كما انه لابدّ أن يسأل من يدعي جعل السببيّة ان ذلك في ما ليس سببا أو عبارة عن ترتّب المسبب على السبب ولا يعقل الأوّل كما عرفت ولا ننازعه في الثاني . واطلاق السبب على ما حكم الشارع عنده بوجود شيء آخر .

وعلى كلّ حال فيمكن منع كلام المحقّق النائيني بأن ذلك من قبيل المسبب التوليدي . فاذا جعل الشارع شيئا سببا وأعطاه السببيّة فترتب المسبّب وإن كان بلا جعل مستقل حينئذٍ لأن بوجود السبب يتحقّق وجود المسبب الا انه حيث لم

ص: 221

يفصل بين فعل الشارع وهو اعطاء السببيّة وبين الأثر والنتيجة فعل فاعل مختار بارادته .

فيستند النتيجة إلى الشارع ويكون الحكم من فعله وانشائه كما اذا أرسل انسان الماء إلى بيت جاره فخربه أو أرسل الكلب إلى غيره فعضّه . فالفعل وإن كان من قبل الماء والكلب الا انهما حيث لم يكن لهما شعور يصدران عنه بارادتهما فيستند إلى من صار سببا لذلك وفعل الارسال كما هو أحد قسمي الفعل المستند إلى الفاعل . والقسم الآخر الصدور بالمباشرة فكان الماء والكلب بمنزلة الآلة للمباشر كالنجار في نجارته . لكن الانصاف عدم انطباق ضابط المسبب التوليدي في المقام . اذ ضابطه على ما عرفت ما اذا لم يتوسط بين فعل الفاعل وحصول الأثر ارادة فاعل مختار كما في المثالين وما اذا القى ما يقبل الاحتراق في النار فاحرقته .

وهذا لا ينطبق على ما نحن فيه اذ بعد ان اعطى السببيّة للسبب فيكون السبب كالماء في اقتضائه رفع العطش أو كالنار في اقتضائه الاحراق أو السكين في حصول القتل بسببه ويكون الصانع للسكين انما حصّل المعدّ للقتل لكن تمام العلّة وجزءها الأخير إنّما يحصل بفعل الفاعل الذي يقتل بالسكين أو يلقى في النار أو يوجر الشراب في حلق الغير بلا اختيار منه . مع ان في هذه الأشياء اقتضاء هذه الآثار ولم يكن المعطى للأثر والخالق لهما ذات أثر هو القاتل أو المشرب وكذا في ما نحن فيه العقد المعطى سببيّة للملك إنّما يوجد بفعل الموجب والقابل والشارع بجعله سببا لا يكون فاعلاً له وموجدا إيّاه .

نعم ذلك إنّما يتمّ في ما إذا كان السبب من الأمور القهريّة كالزمان في

فعل الفاعل على قسمين

ص: 222

الدلوك فانه يمكن الالتزام بأن الجعل من الشارع .

إن قلت: سلّمنا ذلك في الجملة لكن لايلزم أن يكون ما ذكر ساريا في الوضعيّات والتكليفيّات كلاًّ فيمكن حصر ذلك في خصوص الأسباب القهريّة للتكاليف كالدلوك مثلاً . واما في الأحكام الوضعيّة في باب العقود والايقاعات وباقي الاعتبارات فالاعتبار والجعل بيد الشارع ولا يكون نظير ذلك البعض الذي لابدّ من الالتزام فيه بعدم جعل السببيّة أوّلاً وترتب المسبب شرعا على السبب واستناد ذلك إلى الشارع بمجرّد جعل السببيّة ثانيا بل الجعل في الاعتباريّات ويمكنه أخذ كلّ شيء في موضوع حكمه واعتباره .

قلت: أمّا التكاليف فكالدلوك مثلاً سبب قهري فالحكم إنّما يكون مستندا إلى الشارع وأمّا في الوضعيّات فلا يكون امضاء الشارع انشاء حكم بل الشارع يرى ما يراه العرف . اذ هم يرون عند وجود الأسباب الخاصّة آثارا يرتبونها عليها ولا تعبد عندهم كما لا جعل ولا بناء والشارع انما يصوّبهم في ذلك وربما يخطئهم في المصداق فلا جعل حتّى يلتزم فيه بالسببيّة أو عدمها . بل لو فرض ان اعطى السببيّة ولو محالاً فيلزم المحذور الذي ذكره المحقّق النائيني من عدم استناد ذلك إلى الشارع بل يكون الموجد للعقد والسبب الذي يترتّب عليه الملكيّة هو الموجب والقابل ولا اعتبار عند الشارع بالموضوع والمحمول كي يستند إليه انه جعل الموضوع موضوعا بل الموضوع فيه خصوصيّة تكوينيّة رتّب عليه الحكم .

فملخص الكلام: ان السببيّة لا تقبل الجعل اذ يلزم أن يكون كلّ شيء سببا لكلّ شيء بل لابدّ في السبب من خصوصيّة داعية مستتبعة للمسبب .

وعلى فرض امكان جعل السببيّة فيلزم المحذور المذكور الا في ما اذا لم

الأحكام الوضعيّة على قسمين

ص: 223

يكن السبب أمرا اختياريا ايجاديا للمكلف . وذلك في متعلّقات التكاليف وأسبابها وليس اعتبار الاستطاعة اعتبارا شرعيّا بل لدخلها في مصلحة التكليف . فالجعل من الشارع في نفس التكليف ولا جعل له في الوضعيّات بل امضاء لعمل العقلاء وما يرونه هم في الأسباب الخاصّة عند وجودها من الآثار المخصوصة المختلفة فلا جعل هناك حتّى يقال يجعل السبب أو المسبب واباء جعل السببيّة .

خلاصة البحث: فقد تبيّن ممّا تقدّم محل نزاع المحقّقين الخراساني والنائيني بعد اتّفاقهما على عدم مجعوليّة السببيّة بل الخصوصيّة المستدعية للجعل لابدّ أن تكون في السبب كي بها يمتاز عن غيره والا كان كلّ شيء سببا لكلّ شيء ولزم الترجيح بلا مرجح . فالنزاع إنّما هو في انتزاعيّة السببيّة عن مقام ذات السبب كما يدّعيه المحقّق الخراساني(1) بلا دخل للمسبب في ذلك وضعا أو

تكليفا كي يكون بهذا اللحاظ من الخارج المحمول أو من ترتب المسبب(2) على السبب وترتب الأثر على ذلك كي يكون من المحمولات بالضميمة كما هو مدعى النائيني قدس سره .

وحقّ المقام أن يقال ان السببيّة تارة يراد بها الخصوصيّة الذاتيّة التي كمنت في ذات السبب بها يكون السبب موجبا لترتّب المسبّب عليه كالنار بالنسبة إلى الاحراق فهي منتزعة عن مقام الذات بلا دخل للمسبب في الانتزاع . واخرى يراد منها السببيّة المجعولة التي تترتب على سببها المجعول والمعلول قهرا عند وجوده في الاعتبار . أو ترتب المسبب عند وجود السبب فحينئذٍ مجال لتصديق المحقّق

امكان تعلّق الاعتبار بالسبب

ص: 224


1- . كفاية الأصول 2/303 .
2- . فوائد الأصول 4/394 - 395 .

النائيني بكون السببيّة أمرا انتزاعيا من ترتب المسبب والأثر . اما على النحو الأوّل بأن يوجد في الاعتبار عند السبب الاعتباري الذي أعطى السببيّة أو بنفس اعتبار الأثر عند وجود العقد الكذائي .

وحاصل الكلام: انّه يمكن أن يقال بتعلّق الاعتبار بنفس السبب بلحاظ خصوصيّته ذاتيّة فيه أوجبت أثرا خاصا حصل الاعتبار والجعل من جهته كان يكون العقد الكذائي موجبا لحصول الملكيّة واعتبار العربيّة فيه وكونه بصيغة الماضي صريحا لا بنحو أبيع ولا بنحو الكناية مثلاً فالمعاطاة على هذا لا تكون بيعا عقديا . بل توجب الملكيّة المتزلزلة عند الأصحاب كما فسّر بذلك عباراتهم ترجمانهم المحقّق الكركي رحمه الله أو تكون لازما كما عند المفيد رحمه الله ولو لم تكن بيعا متزلزلاً لزم تأسيس فيه جديد للاشكالات التسعة إلى غير ذلك ممّا فرع على ذلك وكذلك الفضولي لا يكون على وفق القاعدة من جهة ويوافقها من جهة اخرى اما بلحاظ المباشرة وصدور العقد فلن يستند إلى المالك إلى الأبد .

وأمّا النتيجة فهي مستندة إلى المالك وهو الذي يوجد الجزء الأخير للعلّة التامّة فهي مستندة إليه كما انه يمكن أن يتعلّق الاعتبار والامضاء بالمسبب كمعنى الاسم المصدري في البيع بلحاظ أحلّ اللّه البيع(1) .

غاية الأمر اعتبار هذه الألفاظ الخاصّة إمّا بلحاظ انها هي الأسباب التي يوجد بها المعنى والنتائج أو هي بمنزلة الآلة كما في الفاس والمنشار للنجار في نجارته والأصوب ان الألفاظ وكذا غيرها ممّا يقوم مقامها بمنزلة آلة الايجاد في التكوينيّات والموجد حقيقة هو الموجب والقابل لا ان اللفظ سبب والعقد كذلك اذ

ص: 225


1- . سورة البقرة الآية 276 .

ربما يكون المنشار موجودا كالفاس واللفظ ولا أثر ولا نتيجة كما انه ربما يكون الموجب والقابل والنجار موجودا ولا شيء فلا يكون المقام مقام العلّة والمعلول كي يعبر عن اللفظ بالعلّة وعن النتيجة بالمعلول لأن ذلك لا يكون في الفاعل بالاختيار والارادة .

كما ذهب إلى ذلك بالنسبة إلى الممكنات جماعة من الحائدين عن طرق الصواب فالتزام ذلك التزام بأنّ الممكنات قديمة زمانا حادثة ذاتا لعدم الانفكاك بين العلّة والمعلول فاذا كانت العلّة قديما فالمعلول كذلك اذ قد تحقّق في محلّه بطلان هذا المذهب الفاسد ولا داعي إلى المصير إليه خصوصا مع ان اللّه تبارك وتعالى إذا أراد شيئا(1) أن يقول له كن فيكون بل ذلك لا يمكن الالتزام به حتى في أفعالنا وبالنسبة إلينا فكيف به تعالى عمّا يقول الظالمون علوّا كبيرا فالفاعل إنّما

يوجد بالآلة في مثل المخلوقين . اما الباري تعالى فذاته بريئة عن كلّ احتياج وبالجملة .

محصّل مرام المحقّق الخراساني قدس سره تقسيم الوضعيّات(2) إلى أقسام ثلاثة: الأوّل ما لا يمكن فيه الجعل لا اصالة ولا تبعا فالأوّل كجعل وجوب ذي المقدّمة والثاني كوجوبها التولدي من وجوب ذيها وإنّما هي مجعولة بتبع موضوعه تكوينا وذلك كالسببيّة والرافعيّة والشرطيّة والمانعيّة والجزئيّة لما هو سبب للتكليف اذ الخصوصيّة الذاتيّة المستتبعة للجعل في نفس السبب وكذا ما يكون في ذات المانع والشرط ليست مجعولة ولا منتزعة من التكليف أو الوضع المتأخر من نفس

ص: 226


1- . سورة يس: 87 .
2- . كفاية الأصول 2/302 وبعده .

السبب والشرط وهذا إنّما يتمّ في السببيّة التكوينيّة التي فيها خصوصيّة ذاتيّة للسبب موجبة وداعية لترتب المسبب والأثر عليه فلا يقبل الجعل التشريعي أصلاً ووجه ذلك ما تقدّم إليه الإشارة وفي هذا القسم السببيّة منتزعة عن ذات السبب بلا انتظار لترتب المسبّب وإنشاء الحكم والأثر عقيب المؤثر والسبب ولو اطلق على انشاء الشارع الحكم أو اعتباره الوضع الخاص انه سبب للتكليف أو الوضع فعنده مجاز وكناية عن الخصوصيّة المستتبعة لانشاء الشارع الداعية إليه .

القسم الثاني ما يمكن فيه الجعل أيضا كذلك الا انه منتزع عن انشاء الشارع وجعله وذلك كالجزئيّة والشرطيّة والمانعيّة للمأمور به فان هذه منتزعة بعد ورود الأمر ولا يمكن فيها قبل ذلك اذ ما لم يكن أمر فلا مأمور به حتى يكون له جزء أو شرط أو مانع .

وما يكون قبل تعلّق الأمر من الدخل التكويني للجزء أو الشرط مثلاً أو لاعتباره عند التصور أيضا لا يتّصف بجزء المأمور به أو شرطه اذ ذلك بعد تعلّق الأمر فقبله انما يكون جزءا للمصلحة أو دخيلة فيها وله الدخل التكويني ولا يقبل الجعل كما ان التصور والاعتبار قبل تعلّق الأمر أيضا لا يوجب وصفه بأنّه جزء للمأمور به أو شرطه وكذلك . فتبين مراد المحقّق الخراساني رحمه الله ولا موقع لورود

النقض عليه بالتناقض في كلامه بانكاره الانتزاعيّة عن التكليف للشرط والمانع مثلاً والتزامه ثانيا بانتزاعيّتهما وغيرهما عن التكليف . اذ الأوّل في سبب التكليف

باجزائه من الشرط والجزء وفي الرافع والمانع . والثاني في المكلّف به بعد ورود التكليف فهو رحمه اللّه أورد الكلام بنحو لا يرد عليه النقض وكان ملتفتا إلى ما يقول ولم يقع في كلامه خلط بين علل التشريع وموضوعات الأحكام كما نسبه

أقسام الوضعيّات

ص: 227

إلى ذلك المحقّق النائيني فلا موقع لاشكاله على الآخوند رحمه الله .

نعم بقى على المحقّق الخراساني شيء ياليته أشار إليه في كلامه في السببيّة والشرطيّة للتكليف من تصوير المراتب الثلاث في ذلك كما فعل بالنسبة إلى المكلّف به قبل الأمر والتصور في مقام دخل الجزء تكوينا والشرط والمانع كذلك .

وثانيا في الاعتبار واللحاظ الذي بالنسبة إلى هذين الأمرين يتّصف الجزء بالجزئيّة والشرط بالشرطيّة لكن لا للمأمور به بل للمصلحة والمتصوّر والمعتبر والثالث بعد تعلّق الأمر فينتزع الجزئيّة للمأمور به والشرطيّة له اذ يتصوّر هذه المراحل في السببيّة من الدخل التكويني في المصلحة والمفسدة والاعتبار وبعد ترتّب المسبّب فاخلى كلامه عن غير الخصوصيّة الذاتيّة والاعتبار .

والقسم الثالث ما يمكن فيه الانتزاع من الأحكام والآثار في مورده كما انه يمكن فيه الجعل ابتداءً بلا توسط انتزاع وذلك كالملكيّة والزوجيّة والحريّة والوكالة والنيابة والقضاوة . الا ان مع تصور كلا الأمرين وامكان كلتا الجهتين استظهر تعلق الجعل بها ابتداءً بلا انتزاع بل منع أخيرا من امكان انتزاعيتها عن التكاليف في مواردها كان يكون الملكيّة منتزعة عن حرمة التصرّف في المال وجواز تصرّف المالك والزوجيّة من جواز مباشرته للزوجة . وذلك للزوم ملاحظة التكاليف في الانشاء وهو لا يختصّ بباب دون باب بل في العقود والايقاعات طرا ممّن بيده الاعتبار والاختيار وكان ابداله الاختيار بدلاً عن الاعتبار بلحاظ جواز تصرّف الولي وغيره في المال . عن صاحب المال وملاحظة التكاليف ربما تكون مشكلة في النظر .

تفسير كلام المحقّق الخراساني قدس سره

ص: 228

فالمراد هو ان تكون منشأة بانشائه الايجاب والقبول أو تكون ملحوظة كي تحصل في الخارج لزوم(1) عدم وقوع ما قصد وان يقع غير ما قصد لأن العقد لم يتعلّق بالتكاليف مثلاً أو ربما يتعلّق بها ولا ملكيّة ولعلّ غرضه ينطبق على انشاء هذه الأحكام كي يلاحظ جواز التصرّفات كما انّ تسمية العقد والايقاع بالسبب دون الموضوع بلحاظ التسبب بها إلى المسبّبات والآثار في قبال الموضوعات في متعلّقات التكاليف فانّ الخمر لا يوجب حرمتها ولا يحصل التسبب بها إلى حكمها وأثرها الشرعي واذا كان الجعل والاعتبار تعلّق بنحو الملكيّة والقضاوة ونحوها ممّا في كلام المحقّق الخراساني فتصوّره بامضاء عمل العقلاء وبنائهم واعتبارهم حصول الملكيّة عقيب العقد مثلاً وليتدبّر في كلام المحقّق الخراساني كي يعلم هل يصحّ تعلّق الجعل والاعتبار بمثل هذه أم لا فتأمّل .

ومن المعلوم ان عند العقلاء اعتبارات خاصّة كنصب وزير أو أمير أو سلطان وعزل آخر واعطاء الأوّل الاعتبار فيقتل ويحبس ويأخذ ولا يترتب عليه وعلى أمره وفعله الآثار التي يوقعها في حال تعلّق الاعتبار به في غير هذا الحال ولا يجب في الاعتبار الخصوصيّة الذاتيّة . بل ما كان منشأته عقلائيا لذلك ولو بالترجيح عنده . غاية الأمر تارة يمضي اعتباره الشارع ويرتّب عليه الآثار المطلوبة منه عرفا المترتبة عليه عندهم فيكون ذلك صحيحا عنده واخرى لا يرتب الآثار والثمرات المترتبة عندهم فيكون فاسدا(2) .

ص: 229


1- . كفاية الأصول 2/306 .
2- . ورأى المحقّق البجنوردي انّ كلّما هو مجعول شرعي من المحمولات الفقهيّة وليست من الأحكام الخمسة المعروفة فهو حكم وضعي ولم يفرق بين ما كان مجعولاً ابتداءً واستقلالاً أو اعتباره ينتهي إلى الجعل الشرعي وان الجزئيّة والشرطيّة والمانعيّة للمكلّف به والصحّة والفساد والقضاوة والولاية والحجيّة والملكيّة والزوجيّة والرقية والطهارة والنجاسة من الأحكام الوضعيّة ولم ير الماهيّات المخترعة منها . منتهى الأصول 2/396 - 397 . وفرق المحقّق العراقي بعد جعل جزئيّة الواجب انتزاعيّاً بين شرط الواجب ومانعه وبين كونهما للوجوب والتكليف فلم ير شرط الواجب ومانعه من الأحكام الوضعيّة المجعولة وما للحكم من الامور الاعتباريّة وأضاف إليهما سببيّة الحكم . نهاية الأفكار 4/91 - 94 والعلاّمة الخوئي بعد أن ناقش المحقّق الخراساني في بعض ما اختاره في الأحكام الوضعيّة قسمها على قسمين قسم مجعول بالاستقلال كالملكيّة والزوجيّة وقسم منتزع من التكليف وناقش الشيخ في الطهارة والنجاسة وصحّح مجعوليّة الطهارة شرعاً بكلا قسميها الواقعيّة والظاهريّة . مصباح الأصول 48/93 - 101 .

توضيح وتكميل: فسّر سيّدنا الأستاذ قدس سره ما سبق في كلام المحقّق الخراساني ( من قوله وقع ما لم يقصد وقصد ما لم يقع ) بانّ الواهب مثلاً في انشاء الهبة وايجاد العقد إنّما نظره إلى تمليك المتهب المال الموهوب وليس له النظر إلى جواز تصرّفه كي يكون بلحاظه ينتزع ملكيّته له بالهبة . وبضميمة عدم جواز تصرّف غيره والفرض ان ما قصده الواهب الموجب لم يقع لفرض انتزاعيّة الملكيّة عن الحكم التكليفي من عدم جواز تصرف الغير وجواز تصرف الموهوب له وهذا أيضا لم يكن مقصودا للمتعاقدين كي كان وقع ما قصداه وقوله وما وقع لم يقصد لا يستقيم . إذ في المثال المزبور ما لم يكن هناك مال لا يترتّب عليه الحكم بجواز التصرّف وحرمته اذ الناس مسلّطون على أموالهم والفرض ان الموهوب لم يصر مالاً للمتهب بنفس الايجاب والقبول وتصوره كون المتهب مالكا لا يوجب له الملكيّة وحكم الشارع الذي ينتزع عنه الملكيّة لا موضوع له كي ينتزع عنه ذلك لأن موضوعه المال والموهوب بعد باق في ملك مالكه الأصلي ولم ينتقل بالايجاب والقبول إلى غيره .

ص: 230

نعم في مثل حيازة المباحات أو الارث يتحقّق موضوع المال فيحكم الشارع بجواز التصرّف وعدم جوازه لغير الحائز .

وحاصل الاشكال ان المنتزع لا يتحقّق قبل وجود منشأ انتزاعه وتحقّقه . ونفس تصور منشأ الانتزاع لا يوجب صحّة الانتزاع وترتب الأثر عليه فلابدّ أن يتحقّق موضوع الماليّة لمن نريد أن يحكم الشارع بجواز تصرّفه وحرمة تصرّف الغير في ما يتصرّف هو فيه . ومنشأ الانتزاع للملكيّة في ما نحن فيه عبارة عن حكم الشارع بجواز تصرّفه في هذا المال وحرمة مزاحمته من الغير . وموضوع هذين الحكمين هو مال من يجوز له التصرّف ويحرم مزاحمته والفرض انا نريد اثبات الماليّة بنفس هذا الحكم من الشارع .

فهذا دور واضح لا معدل عنه ولا يرد هذا في مثل حيازة المباحات وباب الارث اذ الموضوع تحقّق هناك لأن في الثاني هو الموت فعنده يحكم الشارع مثلاً عند اجتماع شرايط الارث وعدم المانع في الوارث بما يمكن أن ينتزع منه الملكيّة وفي الأوّل نفس حيازته خارجا فلا تقدّم للحكم على الموضوع بخلاف ما سبق ولا انشاء لنفس الأحكام من المتعاقدين وحكم الشارع لابدّ له من موضوع . بل في هذه الموارد اعتبارات للعقلاء في عالم الاعتبار في الأسباب والمسبّبات ويرتبون الثانية على الأولى لما يرون فيها من الخصوصيّة وإن لم تكن ذاتيّة بل يكفي المرجح الخارجي ولا وجه لدعوى انحصار العالم في عالم الذهن والخارج العيني وانتزاع نحو الملكيّة من عالم الذهن اذ ذلك واضح البطلان . بل هناك عالم الاعتبار وعند وجوب أسباب خاصّة يعتبر من بيده الاعتبار معنىً يكون منشأ لانتزاع آثار خاصّة وهذا عالم له تحقق في قبال هذين العالمين الذهن

الانتزاع بعد منشأ الانتزاع

ص: 231

والعين والشارع تارة يوافق نظره نظر العرف واعتباراتهم ويصحّحها واخرى يخطئهم في ذلك .

وخلاصة الكلام: قد يضيق المفهوم العرفي وقد يوسع فيرون للقمار سببيّة للنقل والانتقال وهو يخطئهم ويرون البيع سببا وهو يمضي ذلك وقد يزيد قيودا ويضيف على ما عندهم شرايط ويرى بيع الربا باطلاً ولا سببيّة له عند الشارع لحصول النقل والانتقال .

وعلى كلّ حال فمثل أحلّ اللّه (1) البيع يدلّ على امضاء الشارع وموافقته لما هو بيع عند العقلاء والعرف فاذا شككنا في اعتبار قيد في البيع الكذائي فلنا مجال لدفع الشكّ بالتمسّك بأحلّ اللّه البيع(2) وكذا اذا شككنا في مشروعيّة معاملة

خاصّة معهودة أو غير معهودة عند العقلاء فيمكن التمسّك في ذلك بعموم واطلاق تجارة عن تراض(3) اذ لا تأكلوا أموالكم بالباطل(4) لم يتعلّق بمثل الأراضي المبيعة والعقار لعدم صلاحيّتها للأكل فكان الشارع قال في هذه الآية الشريفة لا تسبّبوا بكلّ سبب الا أن يكون تجارة عن تراض . فهذه ونحوها من مثل أوفوا بالعقود(5) امضاء لعمل العقلاء واعتباراتهم وبهذا المعنى يكون البيع وساير المعاملات صحيحا عند الشارع وفي قبالها ما لم يتعلّق به الامضاء ولم يرتضه الشارع فيكون ناقصا وفاسدا بمعنى عدم ترتّب الآثار المطلوبة منه عليه .

ص: 232


1- . سورة البقرة: 276 .
2- . سورة البقرة: 276 .
3- . سورة النساء: 30 .
4- . سورة النساء: 30 .
5- . سورة المائدة: 2 .

فالتصرّف قد يتحقّق في عالم الأسباب التي يتسبّب بها لايجاد المسبّب وترتّبه عليها عرفا كان يعتبر العربيّة في العقد أو الرضا المقارن أو مطلقا وأمّا في

ناحية المسبّب فمثل الملكيّة أمر بسيط فهو إمّا حاصل أو ليس بحاصل كما ان الربا لم يمضه الشارع بقوله وحرّم الربا(1) وإن كان ربما يشكل بطلانه على القاعدة في غير ما اذا كان المعاملة معاملة شخصيّة كما اذا وقع العقد على الكلي لامكان ردّ الزائد في المكيل والموزون . وأمّا الشخصي فيمكن تصوير البطلان فيه على وفق القاعدة لأن تلك الزيادة المرجوعة لا يعلم انها تكون هذه أو تلك مثلاً كما اذا وقعت المعاملة على النقدين . وأمّا ما في ما راج في هذه الأزمنة فلا يتحقّق فيه الربا المعاملي كما يتحقّق الربا القرضي وهي الاسكناسات كما لا يتحقّق فيها الزكوة بخلاف الخمس وأمّا امضاء الشارع العقد والسبب الخاص وترتّب المسبّب عنده على الأسباب ربما ينتزع عن عدم الردع ولكنّ الامضاء أمر وجودي ولذا قد يشكل جريان الاستصحاب في مثل هذه الأمور العرفيّة العقلائيّة إذا لم يتصرّف الشارع فيها بتخطئة وردع .

إذ لابدّ في الاستصحاب من كون المستصحب أمرا مجعولاً تشريعيّا ومجرّد عدم الردع أو الامضاء لا يصحّح الجعل إلاّ أن يقال بكفاية ذلك في كونه أمرا تشريعيّا مستندا إلى الشارع .

فلو كان مثل أحلّ اللّه البيع(2) عبارة عن معنى اسم المصدري ونتيجة البيع أي المسبّب فلا يلازم ذلك امضاء الأسباب بخلاف العكس فامضاء السبب امضاءً للمسبّب .

امضاء السبب امضاء المسبّب لا العكس

ص: 233


1- . سورة البقرة: 276 .
2- . سورة البقرة: 276 .

وذكر الشيخ كلاما في ما ذكره الشهيدان واستشكل في ذلك ووجه ذلك بنحوين اخيرهما ان الاسم المصدر والبيع بمعنى المصدر والفرق بينهما اعتباري فكأنّه لا يلزم تعدّد الامضاء أحدهما يتعلّق بالسبب والآخر بالمسبّب إلاّ ان هذا الوجه لا يخلو عن نظر في حلّ الكلام فان الشارع قد يرى ما يراه العقلاء في هذه الموارد فيمضي ويوافق نظره نظرهم وقد يرى غير ذلك فيعتبره ( وملخص مدّعى الأستاذ في هذه ان عالم الاعتبار كعالم العين فكما ان في عالم العين مجعول ومنجعل فكذا في عالم الاعتبار وسألته بعد الدرس في مثال الانجعال فمثل بمثل رؤية حق في ما إذا سبق كلب على الجيفة او اوى إلى مأوى فلا يعتدى إلى ذلك غيره وهذا أمر ارتكازي لهما فضلاً عنا لرؤيتهم أمرا وحقا في هذه الموارد لا أن يكون لهم بناء واعتبار فهذا يكون انجعالاً كما ان الجعل في عالم الاعتبار في غالب أفعال العقلاء خصوصا في هذه الأزمان التي ذهب تمدّن البشر مرقىٍ عظيما وأنت ترى انّه لا يمكن الالتزام بذلك بل يمكن كون المصلحة في اعطاء السببيّة لمعاملة خاصّة على نحو خاص من باب الخروج عن التوقّف والتحيّر فيكون هذا مرجحا خارجيّا موجبا للخروج عن الترحيج بلا مرجّح إذ لا يلزم المصلحة والخصوصيّة التكوينيّة في ذلك وبعبارة اخرى المصلحة في الجعل وأمر الالتزام لا المجعول والملتزم به فتدبّر جيّدا .

في النزاع لبعض ما تردّد أمره:

وقع النزاع في عدّة أمور انّها مجعولة للشارع أم لا . منها الرخصة والعزيمة ومنها الطهارة والنجاسة ومنها الصحّة والفساد وهذا بعد ما علمت مجعوليّة الحكم الشرعي وانّه ليس عبارة عن الارادة والحبّ والبغض بل له انشاء وإن العناية

ص: 234

المصحّحة لاطلاق الحكم على الوضع أيّ شيء وان الامور الوضعيّة على أنحاء وتبيّن عدم مانع من تعلّق الجعل بالسببيّة في الأمور الاعتباريّة كما اعتبر الشارع لفظا خاصّا مثلاً في الايجاب والقبول أو في الايقاعات . نهاية الأمر ترتّب المسبّب عليه قهري ولازم ذلك عدم امكان استصحاب المسبّبات بناء على هذا لعدم كونها مجعولة للشارع .

أمّا الأسباب ففي غير الشكّ في وجود الرافع ورافعيّة الموجود لا مجال له لتغير بعض ما يشكّ معه في بقاء الموضوع ومن ناحية وجود الرافع أو رافعيّة الموجود لا يتصوّر الشكّ لعدم تعلّق الشك بالأسباب من هذه الناحية لعدم فرض تيقّن سبب يشكّ مع تحقّقه في وجود الرافع له لان بتحقّق السبب يترتّب المسبّب والفسخ في البيع ليس رافعا بل حلّ العقد اذ يشكّ معه من ناحية تأثيره في حلّ العقد .

نعم قد يشكّ في وقوع هذا العقد بالكناية أو بلفظ المستقبل أو بالأخبار بالجملة الاسميّة كما في أنا بايع مثلاً الا ان مثل أحلّ اللّه البيع(1) امضاء لنفس المسبّب الذي هو عبارة عن ما يترتّب على الانشائين انشاء للبايع وآخر للمشتري لقبول انشاء البايع وعند حصول السبب يحصل المسبّب وكان الألفاظ آلات الايجاد كما في آلات التكوين كمنشار النجار وفرق بين هذه وبين موضوعات التكاليف وإن كان الكل موضوعا إلا ان المناسبة اقتضت تسمية الموضوعات التي توجد بالألفاظ أسبابا . وكذلك المعاطاة فانّه بيع يعتبر فيها جميع ما يعتبر في البيع العقدي إلاّ اللفظ فحقيقة البيع تصدر من البايع وهو المنشأ

في بعض ما تردّد أمره

ص: 235


1- . سورة البقرة: 276 .

لها والمشتري إنّما يقبل ذلك بانشاء القبول وليس البيع غير هذا وإن قيل في حقيقته وجوه أخرى كلّها سخيفة لا يمكن المساعدة على أيّ منها .

منها كون البيع انشاء الايجاب والقبول وهذا لا معنى له بل اطلاق البيع عليهما مسامحة . ومنها صدور الايجاب على نحو يوجد مقارنا لوجود القبول من المشتري أو بشرط القبول أو على نحو الحصّة الملازمة وإن كان هذه المباني تحقيقات عند قائليها إلاّ انّه يترتّب عليها لوازم لا يلتزمون بها .

وممّا ذكرنا تذكرت النحو الآخر من الحكم الأمر الوضعي وهو ما يكون قابلاً للانشاء وتعلّق الجعل به ابتداءً كما في الملكيّة التي تحصل عند العقلاء من أسباب خاصّة والشارع يمضيها باعتبارها عند العقلاء أو في الشرايع السابقة ولا يمضي الربا ويحرمه ومحط ذلك هو البيع المنتج من الأسباب اي النقل والانتقال ويكون للشارع اعتبار ألفاظ خاصّة . وإن كنّا نذهب إلى كفاية كلّ ما يؤدّي مضامين الحقائق المعامليّة كما في البيع فيحصل ولو بلفظ آخر مرادف للبيع لا الكناية وكذلك الوقف وكما في نحو القضاوة فانّها قابلة للجعل كما في قوله علیه السلام فانّي(1) قد جعلته حاكما عليكم، أو ينصب قيما وغيره من المناصب .

والفرق بين العقود والايقاعات على ما ذكرنا كون الثاني يحصل بانشاء واحد كلفظة أنت طالق الموجب بحصوله رفع النكاح الثابت بأسبابه الخاصّة بلا حاجة إلى شيء غير ما هو دخيل من الشرايط الخاصّة واحتياج الأوّل إلى انشائين كما عرفت .

تتميم: أشرنا إلى وقوع الخلاف والاشكال في أمور وانّها مجعولة أم لا .

ص: 236


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/1 من أبواب صفات القاضي .

منها: الصحّة والفساد وهما يطلقان ويراد بالاولى كون الشيء واجدا للمصلحة وكائنا فيه الأثر المطلوب بحيث يترتّب عليه واقعا في قبال الفساد بهذا المعنى الذي لا يكون فيه تلك المصلحة وذلك الأمر والأثر المترتّب على الشيء الكامن فيه . وهما بهذا المعنى من الأمور التكوينيّة لأن مصلحة الشيء ليست قابلة للجعل إلاّ انّها منتزعة عن الشيء بل الشيء إمّا واجد لها أو فاقد . وقد يطلقان ويراد بالصحّة سقوط الاعادة والقضاء باصطلاح الفقهاء ومطابقة المأتي به للمأمور به وعدم مطابقته له في اصطلاح المتكلّمين .

وبهذا المعنى وإن قال المحقّق النائيني(1) انّهما أمران انتزاعيّان الا ان فيه تأمّلاً بل ليسا إلاّ أمرا واقعيّا لأنّ المأتي به إذا حصل جامعا للقيود المعتبرة فيه فهو ينطبق عليه المأمور به قطعا كما في انطباق الكلّي على الفرد وليس هناك أمر ينتزع ذلك منه كما اانه إذا لم يكن مطابقا للمأمور به فليس بصحيح بل هو فاسد وهذا أمر واقعي قهري وذات الشيء امّا مطابق جامع للقيود أو فاقد . وإن أبيت إلاّ عن كونهما بهذا المعنى أمرين انتزاعيّين فلا نضائقك . فهما أمران منتزعان عن واجديّة المأتي به وعدم واجديّته ما اعتبر في المأمور به ( وكذلك في المعاملات ) وأمّا الأمر الظاهري فمرجع الصحّة والفساد فيه أيضا إلى ما ذكرنا .

غاية الأمر ان من جهة قناعة الشارع في مقام الامتثال . وذلك بأن يكون الفاقد واجدا لمصلحة الواجد بنحو لا يبقى للواجد ولو في الوقت ما يلزم المكلّف استيفائه أصلاً ولو استحبابا أو بنحو الأوّل . وعلى هذا فيلزم كونه في عرض الواقع ويتعلّق به الأمر تخييرا كما في القصر والاتمام في مواضع التخيير .

القناعة في مقام الامتثال

ص: 237


1- . فوائد الأصول 4/398 - 400 .

غاية الأمر التخيير بين الأقل والأكثر . لكنّه قد تقدّم في بعض المباحث السابقة ان ليس للقناعة في مقام الامتثال معنى صحيح . وهو أن يكون للشيء بدل طولي في ظرف الشكّ فيه يأتي به ويكون في هذا الحال واجدا لتلك المصلحة فلا يلزم تعلّق أمر تخييري بهما عرضا ومجرى ذلك في مثل قاعدة الميسور والفراغ وربما يكون للشيء كالصلاة بذلك عرض عريض حتّى للصحيح منها ولا يتصوّر جامع بين أنواعها . فربما يكون فرد منها واجدا لشيء يكون الفرد الآخر فاقدا له . وفي حال يكون فرد مجزيا ولا يجزي في حال آخر . وهذا المعنى راجع إلى اعتبار الشارع وجعله الاعتباري والصحّة والفساد في هذا الفرض أيضا يرجع إلى ما ذكرنا ولا يكون أمرا زائدا أو حقيقة مبانية لما تقدّم(1) .

أمّا الطهارة والنجاسة: فهل تكونان من الأمور الواقعيّة كان يكون في الشيء أمر حقيقي معنوي عبّر عنه بالنجاسة وعلى هذا فالطهارة تكون أمرا عدميّا ويحسن تنظيرها أي النجاسة بالقذارة الخارجيّة التي هي منبسطة على البدن المجتمعة عند كيس الدلاك وإن لم يكن أمرا مرئيّا الا لون البشرة فقط غاية الأمر الشارع كشف عنها لعدم وصول العرف والعقلاء إلى حقيقة ذلك كما يقول(2) بذلك

ص: 238


1- . فصّل السيّد الخوئي بين الصحّة والفساد الواقعيين والظاهريين وان الأولى غير مجعولة والثانية مجعولة بلا فرق بين العبادات والمعاملات . مصباح الأصول 48/102 . كما رأى الطهارة مجعولة من قبل الشارع بقسميها الواقعيّة والظاهريّة مصباح الأصول 48/101 . والمحقّق العراقي بعد ان نفى كون الصحّة متأصلة بالجعل تأسيساً أو امضاء قسمها بالواقعيّة المحضة والمنتزعة من مجعول شرعي كالصحّة في أبواب المعاملات من العقود والايقاعات . نهاية الأفكار 4/98 ووافق الشيخ في كون الطهارة والنجاسة من الأمور الواقعيّة في المحسوسة منهما كما رأى العزيمة والرخصة من الأحكام التكليفيّة . نهاية الأفكار 4/98 - 99 .
2- . فرائد الأصول 2/609 .

شيخنا الأنصاري رحمه الله أو تكونان أمرين واقعيّين بمعنى ان فيهما المصلحة والمفسدة الواقعيّة الموجبة لترتّب الآثار الخارجيّة المترتّبة عند الشارع عليهما فهما بهذا المعنى وإن لم تكونا أمرين قابلين للانكار إلاّ انّه لا يختصّ بهما بل الأحكام والخطابات الشرعيّة كلّها من هذا القبيل لتبعيّتها للمصالح والمفاسد التكوينيّة النفس الأمريّة وربما يصل العقل بنفسه إليها فيدرك حسنها أو قبحها وأخرى لا يحيط بذلك . لكن الشارع لاحاطته بالجهات المحسنة والمقبحة الكائنة في الأشياء يحكم عليها بذلك ولو أدرك العقل ذلك لحكم بحسن الاجتناب عن الخمر وعدم الاجتناب عن الماء وبهذا صح ما يقال من ان الواجبات الشرعيّة الطاف في الواجبات العقليّة فالشارع لطف وبيّن هذه الأمور ورتّب عليها آثارا خاصّة وجعل عليها أحكاما .

والحاصل: انّ الطهارة والنجاسة بهذا المعنى عبارة عن المصلحة والمفسدة الكائنة في ذوات الأعيان الخارجيّة كالخمر والخنزير والكافر والكلب فاستتبعت أحكاما خاصّة تكشف انّا من وجود هذه الأحكام كما في غيرها من الأحكام والتكاليف عن وجود الملاكات فهما ملاك الأحكام المترتّبة على الأعيان النجسة والطاهرة كما يدّعي هذا المعنى المحقّق النائيني ويجعلهما من الأمور الاعتباريّة المحضة .

وخلاصة الكلام ان هنا أمورا ثلاثة:

أحدها مفهوم الطهارة والنجاسة ومن المعلوم ان المفهوم من حيث هو هو لا يترتّب عليه ثمرة وهذا يشترك فيه الطهارة والنجاسة فانّ لهما مفهومهما .

والأمر الثاني الصدق وتطبيق المفاهيم على مصاديقها الخارجيّة وهذا كما

أمور ثلاثة

ص: 239

يقال في تطبيقات الملكيّة الحاصلة من أيّ جهة وملكيّة زيد أو عمرو وبالنسبة إلى المال والمملوك وكذلك في الطهارة والنجاسة . فالكلب نجس والكافر نجس . والخنزير نجس . غاية الأمر كما ان في الملكيّة وغيرها من الاعتباريّات ربما لا يدرك العقلاء شيئا ولا يرون أثرا خاصّا حاصلاً في مورد والشارع يكشف لهم ذلك وكما في رؤيتهم أثرا خاصّا والشارع يخطئهم . وكذلك في الطهارة والنجاسة فالعقلاء بطبعهم يستقذرون بعض الأشياء كالبول مثلاً ولا يستقذرون بعضها الآخر كالكافر والكلب والشارع كشف لهم ذلك كما في الملكيّة واعتبر كون ذلك الشيء نجسا وذلك الآخر طاهرا .

والأمر الثالث مرحلة الحكم المترتب وفي هذه المرتبة أيضا تشتركان فالملكيّة يترتّب عليها آثار من جواز التصرّف والنقل والانتقال . وكذلك الطهارة والنجاسة وليس هناك أمر يكون في الأشياء لا ندركه بحيث يكون أمرا معنويّا واقعيّاً خارجيّا ما استكشفناه .

فأيّ خصوصيّة في الكافر خارجا أوجبت النجاسة وإن كان يمكن ذلك في الكلب والخنزير خصوصا باعانة اكتشافات علماء الطب والتجزئة .

وعلى كلّ حال فيمكن كون النجاسة والطهارة أمرين واقعيّين كالحمى وإن لم تكن مرئيّة في الخارج وكالكهرباء المدركة بالآثار كما يقول الشيخ(1) ويمكن كونهما أمرين اعتباريين كما يقطع بذلك المحقّق النائيني(2) وليس لنا ما يوجب تعيّن أحد هذين الاحتمالين .

ص: 240


1- . فرائد الأصول 2/609 .
2- . فوائد الأصول 4/402 .

نعم يمكن كونهما أمرين اعتبارين مجعولين للشارع كما ذكرنا .

إلى هنا انقطع كلام سيّدنا الأستاذ قدس سره في الأحكام الوضعيّة وحصل لنا تعطيلات للزيارة ووفاة السيّد الجليل الخونساري رحمه الله وشرع بعد ذلك الأستاذ في بيان تنبيهات الاستصحاب التي جعلها المحقّق الخراساني رحمه الله أربعة عشر:

أحدها: ما تقدّم(1) الكلام عليه من فعليّة الشكّ واليقين .

الثاني: في(2) جريان الاستصحاب في غير العلم الوجداني من الامارات والأصول التنزيليّة وغيرها وان قوله علیه السلام لا تنقض اليقين بالشكّ هل يشمل مثل هذه الأمور حيث انّها لا تلازم الحكم الواقعي فيجوز موافقتها له كما يجوز المخالفة .

وبالجملة هل اليقين أعم من العلم الوجداني بالحكم الواقعي ومؤدّى الأمارات والأصول أو يختصّ اليقين في أخبار الاستصحاب باليقين والعلم الوجدانيين الذين يكونان بنفسهما طريقا إلى الواقع بلا احتياج إلى تنزيل أو تتميم أو امضاء وإن كان يشكل هذا الفرض في غير ما إذا كان الشكّ من ناحية النسخ الذي لا حاجة فيه إلى الاستصحاب بل الاطلاق الحاصل في مواردها ولو بالقرائن كافٍ في التمسّك به في رفع الشكّ .

وذلك لأن في خصوص الاستصحاب وباقي الأصول التنزيليّة وكذا الأصول غير التنزيليّة من البرائة وقاعدة الطهارة والحل وأمثالها لا يعقل الشكّ في بقاء الحكم المجعول في مواردها أو الوظيفة المعيّنة للمكلّف . اذ موضوع هذه

جريان الاستصحاب في مؤدّى الامارات والأُصول

ص: 241


1- . كفاية الأصول 2/308 - 309 .
2- . كفاية الأصول 2/308 - 309 .

الشكّ والشكّ بنفسه باق وحاصل فلا معنى لجعل الحكم المستفاد من الاستصحاب الذي موضوعه اليقين والشكّ مورد الاستصحاب وكذا بالنسبة إلى ساير الأصول وأمّا في مورد الامارات فحيث انّها لا توجب العلم بالحكم أيضا فيجري فيها هذا الكلام وكذا في مورد اليمين ( ونحو الملكيّة الحاصلة للمالك عند الشكّ في بقائها أو في صورة اليمين وإن قلنا انّه يقلب الواقع وحكم الحاكم بالملكيّة لغير المالك الواقعي يجعله مالكا فانّه يمكن تصوّر الشكّ في هذا المورد )

الا ان ذلك يكون يقينا تقديريّا حيث ان على تقدير انتقال المال إليه واقعا يكون مورد الاستصحاب .

وللمحقّق النائيني في هذا المقام كلام(1) في بيان جريان الاستصحاب في ما هو مؤدّى الامارات عند حصول الشكّ في بقائه قبال المحقّق الخراساني .

وحاصل كلامه انّه قد حقّقنا في أبحاثنا انّ للعلم والقطع جهات: فتارة يكون ملحوظا بما هو صفة وكيفيّة نفسانيّة . وأخرى من حيث كاشفيّته عن متعلّقه وارائته إيّاه وله جهة الانطباق على الخارج أي انطباق الصورة على الخارج والجري العملي على طبقه والتنجز الذي تقدّم انّه في كلّ من العلم والامارة والأصل ولو غير التنزيلي . وبلحاظ غير الجهة الاولى يقوم مقامه كلّ واحد من الامارات والأصول تنزيليّة وغيرها على الترتيب كما تقدّم الكلام عليها سابقا .

وحيث تبيّن وتذكّرت ذلك . فنقول انّه لا معنى لكون حجيّة الأمارات حكما تكليفيّا وإن نسب إلى الشيخ ولم يوجد في كلامه ( الا ان ذلك يرجع إلى كون لزوم العمل بالامارة من حيث الموضوعيّة والسببيّة لا من حيث الكشف عن المتعلّق )

في جريان الاستصحاب في مؤدّى الامارات

ص: 242


1- . فوائد الأصول 4/403 - 406 .

وكذا لا معنى لجعل الحجيّة والعذر .

والمحقّق الخراساني لا يرتضى ذلك اذ لا معنى لجعل العذر لعدم قبوله الجعل وكذا لا وجه لمنجزيّة الاحتمال لدوران الأمر حينئذٍ مدار مطابقة الواقع ومعلوم ان في صورة انكشاف الواقع لا مجال لجعل الطريق والتعبّد به وما يمكن أن يذهب إليه في هذا المقام هو الوسطيّة في مقام الاثبات . ومرجع ذلك إلى جعل فرد تعبّدي للعلم واحداث محرز تعبّدي يكون كالعلم الوجداني في ترتّب آثار الواقع المنكشف عليه . فالشارع أوجد مصداقا للعلم الذي هو طريق بنفسه وكشفه منجعل وحجيّته كذلك ومعنى قول الشارع لا تنقض اليقين بالشكّ أي لا تنقض الحجّة بالشكّ فيشمل الامارات طرا .

وحاصل الاشكال في جريان الاستصحاب في الأحكام المستفادة من الامارات انّها لا تكون معلومة بالوجدان كي يشملها لفظ اليقين في أدلّة الاستصحاب ويجري فيها عند الشكّ في البقاء إذ المسطورات في الرسائل العمليّة للمقلّدين التي يحصل التغيير والتبدّل لهابنظر المجتهد ليست أحكاما قطعيّة وضروريّة وإلاّ لا معنى للتقليد . بل هي ما أدّى إليه طرق المجتهد وهي محتملة الانطباق والوفاق على الواقع كما انّها محتملة الخلاف . فاذن لا يقين لنا بالحكم الشرعي كي نجعله مورد الاستصحاب ( مع ان اليقين في أخبار الاستصحاب ليس إلاّ عبارة عن الحالة النفسانيّة للانسان به يطمئن بالواقع ويكون انكشاف الواقع به قهريّا لانجعال حجيّته .

وأجاب المحقّق النائيني قدس سره (1) عن ذلك بأن هذا الاشكال إنّما يتّجه على

ص: 243


1- . فوائد الأصول 4/404 .

غير ما بنينا عليه في حجيّة الامارات من الوجوه التي استند إليها القوم من جعل العذريّة ومبنى رتب الأثر ومنجزيّة الاحتمال . وأمّا بناء على ما بنينا عليه من كون الشارع إنّما احدث فردا من العلم وأوجد مصداقا للمحرز في مورد الامارات فلا يتوجه الاشكال عليه أصلاً(1) .

بيان ذلك: في ضمن مقدّمتين:

الأولى: ما تقدّم سابقا ان للعلم جهات من الصفتيّة والكاشفيّة والمحرزيّة أو ترتيب الأثر والمنجزيّة .

والثانية: ان اليقين الوارد في أخبار الاستصحاب ليس المراد به إلاّ ما استظهرنا سابقا من كونه هو العلم والقطع بلحاظ الكشف فكانه قال لا تنقض الحجّة بالشكّ ( إلاّ ) بيقين أي حجّة مثلها حيث استفيد من الأخبار الواردة ان الشارع أوجد مصداقا لليقين والعلم وجعله وسطا في مقام الاثبات واعطاه صفة الاحراز كما ان لليقين هذه الجهة على ما في المقدّمة الأولى وتقدّم سابقا ان المراد

باليقين في لا تنقض اليقين ليس إلاّ المتيقّن بلحاظ كون اليقين طريقا إلى المتيقّن كاشفا عنه وإلاّ فنفس اليقين موضوع للأحكام العقليّة ولا ربط له بباب الاستصحاب وترتيب الآثار . ومعنى جعل الطريقيّة واعطاء الوسطيّة بهذا المعنى غير ما يقوله أهل البرهان من كون الكبرى وسطا لثبوت الحكم وحصوله على

المراد من اليقين في اخبار الاستصحاب

ص: 244


1- . ووافق المحقّق النائيني منتهى الأصول 2/438 استاذنا المحقّق البجنوردي واجرى الاستصحاب إذا كان المستصحب محرزاً بمحرز تعبدي كالامارات والأصول المحرزة كالاستصحاب كما هو صريح تقريرات المحقّق العراقي ( نهاية الأفكار 4/105 ) كما يظهر من تقريرات بحث السيّد الخوئي قدس سره الموافقة في مورد الامارات وفي قسم في مورد الأصول . مصباح الأصول 48/118 - 121 .

الصغرى كما هو واضح . وكون اليقين بمعنى الكاشف والحجّة لا اشكال فيه بعد تسليم أصل المبنى في ما ذهب إليه قدس سره الا انا أشرنا إلى انصراف اليقين إلى اليقين الوجداني المنجعل لا الجعلي الحاصل بتعلّقه بما جعله الشارع كذلك .

وعلى كلّ فلو سلّمنا ذلك المبنى في باب الامارات وقلنا بأنّ المجعول في تلك إنّما هو الوسطيّة في مقام الاثبات يتمّ مرامه قدس سره وبه يندفع الاشكال المتّجه .

ولا يستقيم ذلك بناءً على مبنى رتب الأثر في باب الامارات وتنزيل المؤدّى وعليه لا يكون لوازمها حجّة ثبتت بالدليل الشرعي وليس حقيقة الوسطيّة على هذا الا ما رتّب عليه المحقّق الخراساني قدس سره (1) في أوّل باب الظنّ انكار الحكم

الظاهري فبعد أن اطّلع على ذلك علماء سامراء قالوا قد نقض ما غزله من المباني السابقة التي اختارها وفرحوا بذلك واستراحوا من النقض عليه وهو رحمه الله كان ينكر ذلك المبنى أشدّ الانكار ولم يكن بنائه على ذلك إلاّ انّه لم يتغيّر ما كتب في الكفاية

وطبع على ما هو عليه اليوم من مباني قبل باب الظن .

وكيف كان فهو الحق الحقيق بالقبول وإليه يؤول معنى تتميم الكشف الذي هو مختار المحقّق النائيني حسب ما قرّرناه وقرّبناه . ولكن الكلام في هذا وهل يعقل أن يجعل الشارع غير العلم علما أو يتمّ ما نقص إلاّ تكوينا بأن يجعل الجاهل عالما كما انّه يجعل العالم جاهلاً وإلاّ فلا معنى للعلم التعبّدي والمحرز التعبّدي

الذي يكون عدلاً للعلم الوجداني كما انّه لا معنى لرتب الأثر في باب الامارات ويشكل الأمر في ذلك من حيث صدّق العادل وخذ بقول الثقة .

نعم لنا كلام أشرنا إليه سابقا من انّه ليس في باب الامارات تعبّد من الشارع

ص: 245


1- . كفاية الأصول 2/44 - 49 وما بعده .

ولا تنزيل بل العقلاء يمشون على نظامهم العرفي في أمور معاشهم ومشيهم على ذلك ليس إلاّ على العلم والاطمئنان العادي الذي يكون احتمال الخلاف في جنبه كالميّت الذي لا روح له وليس في لوح النفس حينئذٍ ما يكون رادعا عن المضيّ إليه كما انّهم لا يحتاطون في ذلك بل إنّما يحصل لهم الاطمئنان من قول الثقة الذي أخبر أحدهم فيبنون عليه ويمشون عليه وإن حصل لهم احيانا تردّد في جهة من ناحية فان كان موردا للاحتياط فيحتاطون فيه . وإلاّ فلو أخبر أحدهم بعدم اللص وقاطع الطريق فيه فلا يسيرون مع عدم حصول الأمن والاطمئنان بأن ينزل وجوده منزلة عدمه فيسير . وهذا المعنى من العلم لا يحتاج إلى تعبّد وتنزيل . غاية الأمر حيث امضى الشارع هذه الطريقة وخلاهم وأنفسهم زادوا اطمئنانا بمؤدّى الاخبار وبهذه العناية لو أطلقنا على ذلك تتميم الكشف ما ارتكبنا مجازفة فتدبّر جيّدا .

تبيان وتكميل: قد تبيّن مبنى المحقّق النائيني قدس سره في باب الامارات من امضاء الشارع للطريق العقلائي وحصول الاطمئنان بقول الثقة وسكون النفس الذي يكون احتمال الخلاف لا يعتني به من الضعف و يخرجون بذلك عن الوقفة والتحيّر ولا يوجب ذلك الاحتمال وقفة لهم وهو رحمه الله قائل بتعميم اليقين إلى العلم الوجداني وهذا الاطمئنان والسكون الحاصل من ذلك الطريق . الا ان للاشكال فيه والتأمّل عنده مجالاً واسعا فانّ للعلم كما حقّق في موضعه جهتين بما هو طريق وبما هو موضوع ودليل حجيّة الامارة يفي بقيام الامارة مقام العمل من جهة الطريقيّة والكاشفيّة عن المتعلّق .

أمّا من حيث الموضوعيّة وكونه من الصفات النفسانيّة فلا يقوم مقامه شيء

مبنى النائيني في الامارات

ص: 246

لأنّ اليقين والعلم ليس مرادا به وظاهرا الاّ في ذلك لا الاطمئنان أو أعم من الاطمئنان والعلم الوجداني .

وبعبارة أخرى المحرز فلابدّ من الاكتفاء بذلك من قيام دليل لقصور الأخبار الواردة في الاستصحاب عن شمول غير العلم الوجداني فلا يتمّ مرامه قدس سره

فاذا وجب مثلاً عند العلم بمجيء زيد التصدق بكذا فلا يمكن قيام خبر الثقة بمجيئه من حجّه مثلاً في وجوب العمل عليه لما ذكرنا . وإن كنّا لا ننكر قوّة الاطمئنان وسكون النفس عند امضاء الشارع تكوينا إلاّ انّه ما لم يصل إلى حدّ العلم الوجداني ويرتفع عن مقدار العلم العادي النظامي لا يكون فردا من اليقين ولا يشمله لفظه .

وكذا ما ورد في المواضع الاخرى من نحو باب الشكّ في الركعتين الأوليين فلابدّ من الاحراز ولا يحصل بالظنّ غاية الأمر قلنا بكفايته للنصّ(1) الخاص من النبوي والخبر(2) الآخر الذي يستفاد منهما ذلك كما حقّق في الفقه هذا .

وحيث عرفت توجّه الاشكال وانّه كيف يمكن جريان الاستصحاب في الأحكام مع اعتبار تعلّق اليقين بالمستصحب والشكّ لاحقا ( ولا يقين لنا بالحكم الذي يؤدّي إليه الامارة انه هو الحكم الواقعي ) .

تصدّى المحقّق الخراساني قدس سره (3) لدفعه أيضا على التحقيق عنده في باب الامارات من اختياره أخيرا جعل الحجيّة التي يكون مرجعها إلى الوسطيّة في مقام الاثبات الذي هو مرام المحقّق النائيني رحمه الله ورجوعه عن مبناه في أوّل المجلّد

ص: 247


1- . النبوي ضعيف مروي من طرق العامة .
2- . الوسائل 8 الباب 15/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
3- . كفاية الأصول 2/310 .

الثاني من قوله بالحكم(1) الظاهري بأنّ الاستصحاب يجري على تقدير . وذلك لأن على فرض الاصابة وتأدي الامارات إلى الحكم الواقعي وحصول الشكّ فيكون هناك يقين وتعبّد لاحقا بدليل الاستصحاب عند الشكّ المتعلّق بما تعلّق به اليقين من الحكم الواقعي وانّه يكفي هذا التعبّد .

ثمّ وجّه سؤالاً على نفسه بأنّه كيف يمكن ذلك والفرض ان التقدير لم يثبت فان جعل الملازمة بين جريان الاستصحاب واصابة الامارات للواقع لا يجدي في جريان الاستصحاب وترتب الأثر كما إذا تحقّقت الملازمة بين طلوع الشمس واضائة العالم ومن المعلوم ان مجرّد ذلك لا يوجب حصول التالي لاستلزام الشكّ في حصول المقدم تعلّقه بالتالي وكذا فيما نحن فيه . مجرّد تقدير الاصابة لا يصحّح جريان الاستصحاب .

فأجاب بعد التصديق بما حاصله انّ اليقين إنّما أخذ من حيث الكاشفيّة وانّه مرآة وآلة للمتعلّق ( وعند توجّه النفس إلى ذي الآلة أو المرئى والمنكشف لا توجّه له إلى المرآة ليكون التعبّد في بقائه والتعبّد مع فرض ثبوته إنما يكون في بقائه فافهم ) .

وهذا المعنى راجع بالحقيقة إلى محصّل مرام النائيني قدس سره من ان النظر في اليقين إنّما هو من حيث الطريقيّة إلى المتعلّق فكان اليقين ليس موضوع اخبار الباب وإنّما تمام النظر إلى المتعلّق والمتيقّن . وهو عند الشكّ في بقائه لابدّ من عدم النقض وهذا كما ترى في الحقيقة عزل اليقين عن كونه موضوع أخبار الباب . وبعد يبقى الاشكال لعدم حصول اليقين بالحكم الذي يجري فيه الاستصحاب

أخذ اليقين من جهة الكشف

ص: 248


1- . كفاية الأصول 2/310 .

على تقدير وكأنّه رحمه الله أشار إلى بقاء الاشكال بقوله فافهم ( وكان في جوابه يريد أن يشير إلى عدم الحاجة إلى الاحراز اليقيني بعد أخذ اليقين باعتبار كونه كاشفا فكان الحجّة الثابتة من الشارع اذا أدّت إلى شيء بمقتضى الجعل تكون كاشفة عن المؤدّى ويجري فيه الاستصحاب في ظاهر البناء على كونه هو الواقع . وهذا الكلام منه أخيرا بقوله ( ليكون التعبّد في بقائه الخ ) اشارة إلى ما عنون لأجله التنبيه الثاني من كفاية اليقين التقديري . فاليقين التقديري المتعلّق بالحكم الواقعي

باصابة الامارة يكفي في كونه موضوعا لجريان الاستصحاب . فانّ التعبّد على فرض ثبوته أي ثبوت التقدير وهو الاصابة إنّما يكون في بقائه أي بقاء الشيء أي المتيقّن ) وما أشار إليه كلامه من التحقيق تعريض منه إلى ما اختاره سابقا ونسبه إلى المشهور من كون مؤدّيات الامارات أحكاما ظاهريّة مجعولة عند المخالفة فهناك حكمان واقعي لم يصل إليه المجتهد وظاهري وهو مؤدّي الامارة ولذا اشتهر بينهم ان ظنيّة الطريق لا تنافي قطعيّة الحكم . فانّ الطريق مثلاً وهو الامارة

وإن كان وصولها إلى الحكم الواقعي ظنيّا الا ان ما وصل إليه يكون حكما ظاهريّا موردا للاستصحاب لكن ذلك أيضا يتوجّه عليه الاشكال من جهات:

منها: عدم وصول النوبة إلى استصحاب مؤدّيات الطرق والامارات المجعول ما أدّت إليه من الأحكام الظاهريّة لأن مورده هذه الطرق والامارات الموجودة وهي كيف تكون موردا مع انّ الشكّ إمّا أن يكون من جهة النسخ والفرض التمسّك بالاطلاق أو من جهة أخرى أيضا فنتمسّك بنفس أدلّة هذه الأحكام .

هذا في الأحكام نفسها وأمّا موضوعاتها فخارجة عن محلّ النزاع .

مورد التخيير في الأخذ باحدى الروايتين

ص: 249

ومنها عدم ثبوت النسبة للمشهور وإنّما الموجود ما حكاه في المعالم عن العلاّمة رحمه الله ومع ذلك ففيه احتمالان أحدهما ما اشتهر في معناه من كون مؤدّيات الطرق الظنيّة قطعيّة العمل . والبناء عليها لكونها أحكاما ظاهريّة يجب العمل بها .

والثاني انّ ظنيّة الطريق لا تنافي قطعيّة حكم الطريقيّة ( وانّها توصل إلى المؤدّى ولو ظنّا ) فحينئذٍ لا ربط له بمرامه .

ويمكن الجواب عن الاشكال الأوّل بتحقّق مورد لذلك في مورد الأحكام لا الموضوعات لها بأن يقال الحكم الثابت أوّلاً بالدليل الشرعي قابل لورود التخصيص عليه بالعنوان الثانوي من الضرر والعسر والحرج وأمثالها من العناوين الثانية الملازمة لعدم الحكم الاولى . وحينئذٍ فاذا حصل الشكّ في مورد انّه يصل الضرر أم لا فلا مجال للتمسّك بالعام لكونه تمسّكا به فىّ الشبهة المصداقيّة لحصول التخصيص بما يكون ضررا أو عسرا ونحوهما فلابدّ من الرجوع إلى الأصل حيث لا يكون هناك شيء مرجعا إلاّ هو أو المنحصر بالاستصحاب ولا مجال لاستصحاب نفس المعذوريّة لأنّها حكم عقلي فانتظر لتتمّة الكلام .

تذنيب: قد ذكرنا ما يتعلّق بمقام الثبوت في محلّ الكلام وانّه هل يمكن جريان الاستصحاب في مورد الأحكام وعلى فرض خلوّ ذلك عن الاشكال فهل يوجد مورد له فيها قابل للاستصحاب كي لا نحتاج إلى ما أشار إليه المحقّق الخراساني قدس سره في كلامه من اليقين التقديري الذي لا يمكن تصحيحه أصلاً . فنقول يمكن المثال لمورد حصول الشكّ في الأحكام ووصول النوبة إلى الأصل العملي ومنه الاستصحاب كي يتحقّق للاستصحاب في الأحكام مورد لا يكون مجرّد فرض ولا يرد عليه ما يقال من ان الامارة التي حصل فيها العلم ووصلت إلى

ص: 250

المؤدّى بطريقيّتها اما بالاصابة أو بالعذر إذا كانت موجودة كيف يتحقّق الشكّ فبالرجوع إليها يظهر المراد ويرتفع الشكّ ( أقول: لا وجه لهذا الكلام الذي أشار إليه سيّدنا الأستاذ لحصول الشكّ قبل تبدّل الرأي وتجديد النظر كما يومى إلى ذلك آخر كلامه على ما سيجيء ) .

والمثال هو مورد حصول الشكّ من ناحية تحقّق الضرر في الوضوء الذي يظهر بسببه البرودة الشديدة أو ما لا يكون منه الشين في ظهر الكف . فانّه قد يشكّ في بعض الموارد ان ذلك ضرر أم لا . فيمكن استصحاب الحكم السابق على هذا الحال فيما إذا لم يكن مثلاً عليه ضرر في مورد الشكّ في انتقال الفرض إلى التيمّم لعدم جواز التمسّك بالعام المخصّص بلا ضرر ودليل نفي الحرج والعسر لأنّه من التمسّك به في الشبهة المصداقيّة ولكنك خبير بأن ذلك مغالطة واضحة حيث ان منشأ الشكّ ليس غير الأمور الخارجيّة ولا يكون هناك شكّ من ناحية الحكم التكليفي . ويمكن أن يكون مورد التخيير بين الأخذ باحدى الروايتين في ما اذا تعارضتا من الشبهة الحكميّة التي تصل النوبة عندها إلى الأصل العملي من حيث ان التخيير هل هو دائما أو في الجملة أو بنحو آخر كان يتحقّق الشكّ في ذلك أي بقاء حكم التخيير من حيث انّه ابتدائي وبعده يرتفع التحيّر بسبب الأخذ باحدى الامارتين أو غير ذلك من الوجوه المقرّرة في محلّه ) أو التحيّر يبقى وهو مخيّر استمرارا وبقاءً كما كان كذلك حدوثا وابتداءً من حيث عدم ظهور في الكلام كي يرتفع به التحيّر والشكّ في الصورة الأولى فبعده يحتاج إلى الأصل في المسئلة الا ان ذلك أيضا واضح الفساد حيث انّه عند ذلك لا يخلو الأمر اما أن نقطع بعدم دخل الحادث في بقاء الحكم وفي هذا الفرض والفرض السابق في مثال الوضوء .

ظنيّة الطريق لا تنافي قطعيّة الحكم

ص: 251

أو نقطع بدخل العدم ففي هذين الفرضين نقطع بعدم بقاء الحكم كي نستصحبه أو يكون مورد الشكّ وعنده يكون الشكّ في بقاء الموضوع ولا مجال للاستصحاب عند ذلك . الا ان مثل حياة زيد ووجوده يمكن أن يكون مورد الشكّ في الموضوعات وجريان الاستصحاب فيه ويمكن أيضا أن يقال بتصوّر مورده في ما اذا حصل الجنون للمجتهد المفتى المذهب لرأيه أو الشكّ بسبب طعنه في السن كما يقال في المحقّق البهبهاني حتّى آل أمره إلى التقليد واعلام مقلّديه بذلك ومنعهم عنه فانّه لا اشكال حينئذٍ في ذهاب الطريقيّة بسبب ذلك .

ومن المسلّم عدم الموضوعيّة في رأي المجتهد ونظره حيث يستفاد اعتبار نظره من قوله ( ونظر(1) في حلالنا وحرامنا فنجري الاستصحاب في نفس الرأي والحكم السابق على هذا الحال من الوجوب والحرمة وأمثالهما ممّا ادى إليه نظره وان ذهبت الطريقيّة وناقشنا في استصحاب هذه الطريقيّة بل لا معنى لذلك حيث ان الجنون لا يلائمها وهو لا يشعر شيئا ولا رأي له حينئذٍ ولا يخفى عليك عدم معنى له بعد ان لم يكن هناك إلاّ الطريقيّة المحضة غير الملازمة لجعل الأحكام حسب مؤدّيات الطرق فبعد ذهاب رأي المجتهد فلا شيء يكون قابلاً للاستصحاب كي يكون مورده لجريان الكلام السابق فيه أيضا من القطع بالدخل أو بعدمه أو بالشكّ غير المجامع مع احراز الموضوع الذي لابدّ منه في جريان الاستصحاب .

نعم يمكن تسليم جريان الاستصحاب بعد عدم امكان جريانه بأحد هذه

الوجوه وعدم تماميّتها بالتزام جعل الأحكام الظاهريّة حسب تأدّى نظر المجتهد

ص: 252


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/1 من أبواب صفات القاضي .

ورفع الاشكالات الواردة من تضادّ الأحكام بأن ذلك في مقام المحركيّة والفعليّة الخارجيّة والاّ فلا مانع من اجتماع الحب والبغض إلى شيء واحد وهذا بخلاف اجتماع السواد والبياض في مورد واحد ولو من شخصين كان يريد هذا صيرورة الشيء أسود وذاك يريد أبيضيّته أو بالتصويب الذي يقوله المعتزلي من حصول مصلحة غالبة في سلوك مؤدّى الامارة على مصلحة الواقع أو لا أقل من التساوي وانشاء أحكام فعليّة حسب انظار المتفحّصين عن الأحكام الواقعيّة مع بقائها في وعائها بلا تغير ولا لزوم ايجاب الضدّين في بعض الموارد وغير ذلك من وجوه الاشكال إلاّ أنّه قد نبّهنا على اشتمال ذلك على المغالطة وفساد أصله في مواضع من أبحاثنا كمبحث اجتماع الأمر والنهي وبحث الظن بل ليس هناك إلاّ الطريق المحض فان أصاب فهو وإلاّ فمعذور ولا تعدّد للأحكام بل هي واحدة كما انشاء وليس المجتهد أو الروايات إلاّ طريقا إلى الوصول إلى الأحكام ولم يعلم اصابتها دائما فتارة يوافق الواقع ويصيبه وأخرى يخطئه فاذا لم يكن هناك حكمان ولم ينشأ في مورد الامارات أحكام ظاهريّة حسب تأديها إليها بالوجوه المقرّرة في مسلك القائلين بذلك المستلزمة للتصويب فلا شيء هناك يكون مورد الاستصحاب وما ذكرنا من الموارد في الشبهة الحكميّة المحتاجة إلى الاستصحاب ( وكذا مورد استصحاب الأحكام الوضعيّة كالملكيّة عند حصول الفسخ المشكوك التأثير وعند وقوع الطلاق بغير العربي كذلك ) فقد عرفت عدم سلامتها عن الاشكال بأجمعها ومن هنا ومن عدم صحّة جعل الأحكام الظاهريّة حسب تأدّي نظر المجتهد كما أشار إلى ذلك أي جعل الأحكام الظاهريّة فيما نسب إلى المشهور المحقّق الخراساني في هامش تنبيه استصحاب كفايته الثاني

ص: 253

تعرف عدم صحّة استصحاب رأي المجتهد ولو في حال حياته اذا زال عنه بعض ما يكون شرطا في جواز العمل برأيه من العقل المزيل للرأي أو حصول الخرافة له الموجبة لشكّه في مؤدّيات أنظاره السابقة وكذا استصحاب الحكم الذي كان يقول به في حال حياته بعد مماته حتّى فيما اذا قلّده في المسائل وذلك لزوال الطريقيّة في رأي المجتهد بسبب الموت والجنون وأمثال ذلك فلا رأي له كي يكون طريقا ولا التزمنا بجعل الأحكام حسب نظر المجتهد لاستلزامه التصويب فلا يبقى شيء هنا يمكن معه الاستصحاب .

ولما أشرنا إليه أيضا من ان الحياة إمّا مقطوع عدم دخلها اذا مات أو مقطوع دخلها فلا معنى هنا للاستصحاب وأمّا الشكّ فلا يستصحب شيء للشكّ في بقاء موضوعه . وهذه المسئلة عندنا بمكان من الوضوح حتّى انا قاطعون بها كالشمس في رابعة النهار فتفطن واعرف الوجه فانا نبهناك فاغتنم .

بل لو قلنا بجواز البقاء على التقليد لابدّ أن نقول بجوازه ابتداءً من الميّت بلا فرق بين الصورتين .

تتميم وتكميل: قد يقال في دفع الاشكال بتسلم جريان الاستصحاب في الموضوعات التي لم يعلم بتحقّق المستصحب وجدانا بل بنفس الامارة كاستصحاب العدّة واستصحاب حياة زيد والملكيّة الثابتات بغير العلم بل بالامارة الشرعيّة التي ما أوجبت اليقين بل يجري الاستصحاب في ما ثبت بالاستفاضة غير الموجبة لليقين الوجداني . فانّه لا اشكال في جريان الاستصحاب في هذه المقامات . ومن ذلك نشتكشف ان اليقين المأخوذ في دليل الاستصحاب ليس هو اليقين الوجداني بل يعمّ اليقين الشرعي وما ثبت بالحجّة المعتبرة كما أشار إلى

ص: 254

ذلك المحقّق الخراساني فيما(1) سبق من كلامه من انّه إنّما أخذ كشفا ومرآتا وحينئذٍ فمعنى قول الشارع لا تنقض اليقين إلاّ باليقين يكون لا تنقض الحجّة إلاّ بالحجّة ولما ذكرنا نظائر كاستصحاب ما ثبت بقول العدل الواحد لو قلنا باعتباره في الموضوعات هذا .

لكنّه لا يخفى انا قد نبّهنا على ان هنا مقامين مقام الطريقيّة ومقام الموضوعيّة وقدمنا ان دليل تعبّد الامارة يفي بقيامها مقام العلم الطريقي وأمّا العلم

الذي هو موضوع فلا دليل يفي في المقام بقيام الامارة مقامه وذلك نظير باب الشهادة فان مقتضى الجمع بين الأخبار الواردة في ذلك الباب هو اعتبار العلم في الشهادة كقوله صلی الله علیه و آله وقد سئل عن الشهادة ( هل ترى الشمس على مثلها فاشهد أو دع )(2) وقول الصادق علیه السلام في خبر علي بن غياث لا تشهدنّ(3) بشهادة حتّى تعرفهاكما تعرف كفّك .

والشهادة لابدّ أن تكون عن علم ولا اختصاص لها أن تكون بالعيان وعن شهود بالعين بل تحصل بكلّ واحد من الحواس الخمس الظاهريّة من اللامسة والذائقة كما انّها تحصل وتجوز بالعين كي تكون مستندة إلى العين والرؤية . إلاّ ان رواية حفص بن غياث(4) وإن كانت بحسب نفسها ضعيفة لكنّها عمل عليها الأصحاب وعوّلوا عليها في الجملة تدلّ على جواز الشهادة ولو استنادا إلى اليد .

قال له رجل ( أي ) لأبي عبداللّه علیه السلام إذا رأيت شيئا في يدي رجل يجوز لي

الشهادة باستناد اليد

ص: 255


1- . كفاية الأصول 2/310 .
2- . الوسائل 27 الباب 20/3 من أبواب كتاب الشهادات .
3- . وسائل الشيعة 27 الباب 8/20 ح1 - 3 من أبواب كتاب الشهادات .
4- . وسائل الشيعة 27 الباب 25/2 من أبواب كيفيّة الحكم .

أن أشهد انّه له ؟ قال: نعم، قال الرجل اشهد انّه في يده ولا اشهد انّه له فلعلّه لغيره . فقال أبو عبداللّه علیه السلام فيحلّ الشراء منه ؟ قال: نعم . فقال أبو عبداللّه علیه السلام فلعلّه لغيره . من أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكا لك ثمّ تقول بعد ذلك الملك هو لي وتحلف عليه ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك ثمّ قال أبو عبداللّه علیه السلام: ولو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق .

مع ان في مورد الرواية لا يعلم الشاهد انّه له واقعا وإنّما رآه في يده يتصرّف فيه تصرّف الملاك في أملاكهم هذا .

الا ان اماريّة اليد لا تتوقّف على الشهادة بل يمكنه أن يشتري منه ويرتّب على ذلك آثار اليقين الوجداني لكن بالنسبة إلى المعاملات التي تقع عليه ولا يشهد لان المتأخّرين لم يعملوا بالرواية في هذا المقام أي مقام الشهادة استنادا إلى اليد وإن كان ظاهرها بل صريحها ذلك والحق مع المتأخّرين .

فعلى هذا يشتري منه ويبيع في مورد الرواية ويشهد انّه رآه في يده وانّه كان سابقا ملكا له ولأجداده وآبائه لكن لا يشهد انّه له لعدم العلم والموضوع في الشهادة على ما عرفت والمتحصّل من أخبار الباب هو العلم ومن أين له العلم حتّى يشهد .

ومجرّد توقّف الشهادة على العلم لا يوجب كساد السوق وقعوده لترتيب

آثار الملك عليه من غير جهة الشهادة بل وما ورد في قضيّة(1) فدك وأبي بكر أيضا لا يكون دليلاً على جواز الشهادة بنحو ينفعنا في المقام . وعلى هذا فمن

ص: 256


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 25/3 من أبواب كيفيّة الحكم .

يقول بالمنع في باب الشهادة مع ورود رواية(1) حفص والعمل عليها فاولى به أن يمنع جريان الاستصحاب في ما نحن فيه من الأمثلة المذكورة لعدم ورود دليل ولو رواية ضعيفة هنا .

وأوّل شيء ننكر في المقام جواز جريان الاستصحاب في الأمثلة المتقدّمة اذا لم تكن مستصحباتها ثابتة بالعلم بل بالحجّة الشرعيّة كدعوى الزوجة وانّها في العدّة واستصحاب حياة زيد بمجرّد قيام الامارة على ذلك أو ثبوت الملكيّة من حكم الحاكم وغير ذلك من أسباب الملكيّة . بل كلّ ذلك يتوقّف على اليقين الوجداني . نعم دليل تعبّد الامارة إنّما يوجب قيام الامارة مقام العلم الطريقي من حيث الطريقيّة وكشفه عن المؤدّى . وأمّا قيامه مقام العلم الذي أخذ في الموضوع فمن أين وأنّى لنا باثبات ذلك من مجرّد دليل التعبّد مع اختلاف الجهتين اترى انّه إذا وجب التكليف الكذائي عند العلم بوجود زيد أو مجيئه فبمجرّد قيام الحجّة وأخبار العدل يجب علينا أن نمتثل ذلك التكليف كلاّ ما لم نعلم وجدانا انّه كذلك أو ثبت من دليل قيام الامارة مقام العلم واليقين الذي أخذ على الموضوعيّة كما في مقامنا في باب الاستصحاب فان العلم واليقين له دخل موضوعي ولايقوم مقامه شيء في هذه الجهة إلاّ بالدليل ولم يقم دليل .

والتعبّد بقول الثقة لا يجعل غير العلم علما ولا يعمّم .

نعم لو قام دليل كباب الشهادة نقول به ( فان الدليل دلّ على موضوعيّة العلم من قوله(2) على مثلها فاشهد ودلّ دليل آخر كرواية حفص(3) على جوازها

اشكال قيام الامارة مقام العلم الموضوعي

ص: 257


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 25/1 من أبواب كيفيّة الحكم .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 20/3 كتاب الشهادات .
3- . وسائل الشيعة 27 الباب 25/1 من أبواب كيفيّة الحكم .

استنادا إلى اليد . إنّما الكلام في انحصار الملاك بنفس دليل التعبّد بالامارة فانّه من حيث الطريقيّة اما الموضوعيّة فلا فاليقين والشكّ في باب الاستصحاب موضوعان وليس فيهما جهة الطريقيّة كي يثبت اليقين بأدلّة حجّيّة الامارة . ومن ذلك عرفت ان هذا التنبيه ساقط من أصله الا انّه استفيد من ذلك ما زدنا به بصيرة ولذلك لم يعقده الشيخ في تنبيهات الاستصحاب ولم يقل بقيام الامارة مقام اليقين في هذا الباب في أوّل الرسائل وقد كفيناك بما ذكرنا أمر فحصك شهرا فاغتنم والشكر والحمد للّه .

التنبيه الثالث: من تنبيهات الاستصحاب: ان المستصحب إذا كان موضوعا تاره يكون شخصيّا معيّنا أو مرددا وأخرى كليّا . لا اشكال في جريان الاستصحاب فيه اذا كان شخصا معيّنا كما يجري استصحاب حياة زيد عند الشكّ في بقائه لترتّب آثاره من وجوب النفقة عليه لتماميّة أركان الاستصحاب فيه من اليقين والشكّ واتّصال زمان اليقين بالشكّ وغير ذلك . وكذا لا مجال للاشكال في جريانه في ما إذا كان فردا مردّدا ومثاله في الفقه ما إذا علم المكلّف بوجوب احدى الصلاتين من الجمعة والظهر عليه في ظهر يوم الجمعة ولم يأت بأحدهما فحينئذٍ لا اشكال في جريان الاستصحاب الشخصي المردّد بين الظهر والجمعة ويترتّب على ذلك الأثر .

كما انّه يحتمل انّه أتى بكلتيهما أو أحداهما وذلك بخلاف ما إذا أتى باحدى الصلاتين فلا مجال لاستصحاب الفرد المردّد لعدم بقاء الموضوع فانّه مردّد بين ما هو مقطوع البقاء لو كان هي التي لم يأت بها بعد كصلاة الظهر مثلاً ومقطوع

ص: 258

الارتفاع لو كان هي الجمعة التي امتثلها فلا احراز للموضوع كي يجري الاستصحاب .

وقد تقدّم تفصيل الكلام في باب الاشتغال وقلناهناك ان ما يتوهّم من عبارة الشيخ من التناقض في جريان الاستصحاب في الفرض وعدمه ليس في محلّه بل هو قائل بالجريان والمنع من جهة أخرى تقدّمت إليها الاشارة فراجع .

نعم يمكن جريان الاستصحاب في الفرض لا في الشخص بل في الكلّي وهو خارج عن مفروض البحث وداخل في ما نحن بصدده الآن من بيان أقسام الاستصحاب في الكلّي .

فانّه تارة يجري في ما إذا يجري استصحاب الشخص أيضا ويترتّب عليه الأثر كما في الشخص وهو القسم الأوّل وأخرى يجري في ما لا مجال لجريان الاستصحاب في الشخص كما في المثال المتقدّم عند الاتيان باحدى الصلاتين أو كالمثال للآخر في من علم اجمالاً بالحدث اما بولاً فعليه الوضوء أو المني فعليه الغسل وأتى بالوضوء فحينئذٍ يجري الاستصحاب في نفس الجامع بين الحدثين لاستكشاف وجوده من ترتّب أثر مشترك على فرديه من حدث البول والجنابة لاستحالة صدور واحد من اثنين بما هما اثنان متبائنان الا أن يكون بينهما جامع وهو فرض المقام . وذلك للأثر المشترك كحرمة مسّ الكتاب وتوقّف استباحة الصلاة على الوضوء والغسل ولهذا الفرض شقوق كثيرة في ما إذا خرج المردّد قبل الاستبراء والطهارة أو بعد أحدهما .

وأصاب صاحب العروة والوسيلة في بعضها وأخطأا في الباقي وسنشير إلى بعضها ولهذا القسم أي القسم الثاني من استصحاب الكلّي مثال عرفي من حصول

جريان الاستصحاب في الكلي

ص: 259

العلم بوجود الحيوان في الدار إمّا فيلاً أو بقّا وشككنا بعد مضي ثلاثة أيّام التي ينتهي فيها عمر البق في بقاء الحيوان في الدار من ناحية المقتضى مع اقتضاء الفيل حسب طبعه للبقاء أزيد من خمسين بل مأة .

وأمّا الشكّ في الثلاثة فمن غير ناحية الشكّ في المقتضي بل من جهة حصول صيد للحيوان بالآلة مثلاً . وهذا المثال وإن لم يكن له أثر إلاّ انّه ينطبق عليه فرض المقام .

ففي هذا القسم يجري استصحاب الكلّي وإن كان جريانه في الفرد ممنوعا لما ذكرنا كما انّه يمتنع جريانه في الفرد إذا لم يدر ان الحاصل هو البول أو الجنابة

بعد أن أتى بمقتضى أحدهما من الوضوء أو الغسل . ولعلّ المثال الفقهي في ما اذا أمكن جريان الاستصحاب في الفرد والكلي منحصر في مسئلة المردّد بين البول والجنابة .

والقسم الثالث من الاستصحاب الجاري في الكلي ما إذا علم بارتفاع الفرد الا ان الشكّ في بقائه من جهة احتمال وجود فرد مقارن لوجود الفرد المرتفع من حين وجوده أو من حين ارتفاعه الذي يبقى قطعا على تقدير الوجود .

ولهذا القسم شعب وفروع سنتعرّض لها إن شاء اللّه .

وهذا القسم نافع في النسخ اذا نسخ الوجوب مثلاً . ولا يخفى ان المثال المذكور من استصحاب الكلي في المردّد بين البول والمني لا مجرى له في كلّ الموارد اذ ربما يكون مسبوقا بالأصغر فخرج المايع المردّد بينهما فحينئذٍ لا أثر لهذا العلم الاجمالي لأنّه لو كان بولاً فلم يزد تكليفا لفرض مسبوقيّة الحدوث بالحدث الأصغر ولو كان أكبر يجب عليه الغسل إلاّ انّه شكّ بدويّ يجري فيه

ص: 260

البرائة كما إذا خرج ما يكون مشتبها بينهما والوذي ولا أثر لكونه بولاً ما لم يحرز ولو بالأصل عدم الجنابة لأن المردّد لو كان منيّا فلا أثر للبول وسنبيّن تفصيل هذه الفروع إن شاء اللّه تعالى .

وتفصيل البحث: انّه لا اشكال في توقّف جريان الاستصحاب في كلّ مورد على الأثر الشرعي ولا اختصاص لذلك بباب الكلّي دون الشخصي . فالكلام في الجريان في الكلّي وعدمه إنّما هو من غير هذه الجهة والاشكال فيه وهل هو قابل للاستصحاب أم لا لا وجه له لعدم تحقّق أركانه فلا مجال لجريانه وإن منشأ الشكّ في بقاء الكلّي والجامع بين الأفراد هل هو مشكوك الحدوث عند القطع بارتفاع أحد الفردين والشكّ في حدوث الباقي أم لا .

وقد أشرنا إلى أن المثال الذي ينطبق على المقام ويمكن أن يمثل به فقها هو مسئلة المايع المردّد الخارج بين البول والمني وما ذكرنا في مسئلة صلاة يوم الجمعة المردّدة بين الظهر والجمعة . فانّه لا اشكال في الاستصحاب عند الشكّ في الاتيان كما لا اشكال في عدم جريان استصحاب الفرد المردّد عند ارتفاع أحد الفردين للشكّ حينئذٍ في المتيقّن . فما هو متيقّن البقاء مشكوك الحدوث وما هو متيقّن الحدوث متيقّن الارتفاع ولابدّ من فرض الكلام في مورد وعلى نحو يكون للعلم الاجمالي أثر وإلاّ لا يكون هناك تحقّق للجامع والكلي القابل للاستصحاب وهو ما إذا لم يكن بعد البول قبل الخرطات ولا بعد المني قبل الاستبراء بالبول فانّه

ملحق في الأوّل بالبول وفي الثاني بالمني وكذا اذا لم يكن مسبوقا بالحدث بل نفرض الكلام في ما إذا تطهّر غسلاً للجنابة أو وضوءاً وحصل له الاستبراء عن الحدث الذي صدر منه سابقا فخرج منه المايع المردّد بينهما لا بين الأزيد لعدم

استصحاب الكلي

ص: 261

الأثر أيضاً فحينئذٍ يتحقّق له العلم بنقض طهارته بحصول الحدث إمّا بولاً أو جنابة والفرض ان لكلّ منهما الأثر كما ان للجامع أثرا وهو حرمة مسّ الكتاب ( وعدم جواز الدخول في الصلاة والطواف الواجب ) فباعتبار تحقّق هذا الأثر الجامع لا مانع من استصحابه عند الشكّ في بقائه الا ان مورد الاستصحاب ما اذا أتى بأحد الأمرين من الوضوء وغسل الجنابة فانّ الواجب عليه متابعة العلم الاجمالي المؤثّر المنطبق على المقام بشرايطه الخمس وكونه قضيّة متيقّنة منضمّة إلى قضيّة مشكوكة مانعة الخلو كما في مثل العدد الحاصل إمّا زوج أو فرد فكذا في المقام .

الحدث الحاصل إمّا بول أو مني وسواء قلنا في باب العلم الاجمالي بتعارض الأصلين من جانبين أم لا .

فقد تحقّق في المقام العلم بالتكليف ومقتضى ذلك هو الخروج عن عهدته وعند الاتيان بالوضوء أو الغسل فقط لا علم له بارتفاع الحدث الجامع بين البول والمني الحاصل على الفرض في المقام فذلك نظير الانائين المشتبهين .

وعلى هذا فلابدّ من الوضوء والغسل معا بلا حاجة إلى الاستصحاب إلاّ ان الاستصحاب في المقام ليس بلا نفع بالمرّة بل عند الاتيان بأحد الأمرين من الوضوء والغسل يحتمل عدم بقاء الحدث لانّه يمكن أن يكون منيّا فارتفع بالغسل أو بولاً فبالوضوء فلا يجب عليه بعد ذلك ضمّ العمل الآخر إليه ونتيجة الاستصحاب هو بقاء أصل الحدث وانّه ليس مرتفعا بوجود أحد الفردين . وإن كان يمكن الاشكال في المقام بتحقّق العلم بالجامع وذلك لأنّ العلم بتحقّقه إنّما يحصل إذا كان البول والمني ذوي أثر وإلاّ إن لم يكن واحد منهما كذلك فلا علم لنا بالجامع ومن المعلوم ان البول مطلقا لا أثر له بل اذا لم يكن البائل جنبا فانّه لو كان

ص: 262

جنبا لا يؤثّر البول شيئا فلابدّ من جريان الأصل في عدم كون المايع منيّا كي يحصل العلم بالأثر الجامع على أحد تقديريه ويكون الأصلان معا متعارضين وأنت تدري بأنّ الأصل لا يعارض ما هو مقومه . فان أصل عدم كونه جنبا بمنزلة المقوم للأثر البولي فانه لابدّ أن يكون بولاً ولم يكن جنبا فيوجد الموضوع جزء بالوجدان وجزء بالأصل . وإذا كان كذلك فكيف يعلم بتحقّق الجامع بعد كونه متوضّيا . إلاّ ان هذا الاشكال مندفع بأنّ الأصل عدم كونه جنبا . هذا .

وقد يشكل جريان الاستصحاب في الكلّي مطلقا بتقريب أن يقال ان الكلي تارة يقال بأنّه أمر انتزاعي لا وجود له خارجا فحينئذٍ لا مجال للنزاع في جريان الاستصحاب فيه وعدمه واخرى يقال بوجوده في الخارج على نحو الأب والأولاد أو الآباء والأولاد فاذا وجد انسان في الخارج وانسان آخر فهناك اثنان هذا الفرد من الانسان وذاك ولا يعقل وجود الكلي بكليّته في كليهما بأن يكون كلّ فرد فردا وكليّا كي يكون هو الجامع .

بل أشرنا إليه من كونه على نحو الآباء والأولاد أو الأب والأولاد وحينئذٍ فاذا فرضنا في ما نحن فيه حدوث الحدث الرافع الطهارة للمكلّف فعند اتيان الوضوء أو الغسل فقط يعلم بارتفاع هذا الفرد من الحدث إن كان هو الحاصل من أوّل الأمر كارتفاع الولد الواحد من أولاد الأب الواحد أو أب آخر ومن المسلم انّه عند ارتفاع هذا الفرد لا وجود للكلي الجامع بين هذين الفردين كما لم يكن من أوّل الأمر ما يكون موجودا ثالثا سوى هذين الفردين فعلى هذا لا معنى لاستصحاب الكلي رأسا وأجاب المحقّق النائيني عن الاشكال بما لا محصّل له

اشكال استصحاب الكلي

ص: 263

من القول(1) باصالة الكلي وعدم كونه منتزعاً إلخ .

تحقيق الكلام: إذا خرج منه مايع مردّد بين البول والمني وكان متطهّرا بالاغتسال من الجنابة أو الوضوء بعد قيامه من النوم وكان مستبرئا ولم يكن جهة الترديد متعدّية إلى غير البول والمني فحينئذٍ لا اشكال في نقض طهارته فاذا تطهر بالوضوء فلو كان الحدث الحاصل بخروج المايع هو البول فزال أثره بالوضوء قطعا فلا بقاء له بخلاف ما اذا كان جنابة فهو باقٍ قطعا ولابدّ له من الاغتسال كما لو اغتسل وكان الحدث في الواقع جنابة فارتفع ولو كان الأصغر فهو باقٍ قطعا . فاذا أراد الصلاة فلابدّ حسب مقتضى العلم الاجمالي من الجمع بين الغسل والوضوء حتّى يحرز انه متطهّر للصلاة فانّه مقتضى العلم الاجمالي في كليّة الشبهات الوجوبيّة كالانائين المشتبهين وكما اذا علم بوجوب الدعاء عند رؤية الهلال أو الصلاة على النبي صلی الله علیه و آله عند ذكره وفي المقام يأتي بكلا طرفيه أو أطرافه بلا احتياج إلى الاستصحاب فمورد الاستصحاب في الفرض كما أفاد القوم هوما اذا أردنا اثبات حرمة مسّ الكتاب عليه .

وفي هذه الصورة أيضا تارة يكون الفرض جواز المسّ للمتطهّر أو غير المحدث واخرى يكون المحدث يحرم عليه مسّ الكتاب فاذا توضّأ أو اغتسل ولم يأت بالآخر فلا سبيل لنا إلى الزامه بالاجتناب عن المسّ إلاّ بالتمسّك بالاستصحاب الجاري لاثبات انّه محدث وإنّ الحدث لم يرتفع بالوضوء وإلاّ فالتمسّك بالعام لا يجوز في الشبهة المصداقيّة وليس عليه شيء مثلاً في فرض الاجتناب عن الانائين للمقدّمة العلميّة . وجريان الاستصحاب في المقام تارة

ص: 264


1- . فوائد الأصول 4/413 .

يكون في الفرد المردّد فهو لا مجرى له كما سبق وجهه وأخرى يكون في الجامع لفرض العلم بوجوده بخروج المايع فجامع الحدث خرج منه ويترتّب عليه الأثر في البقاء وحصول الوضوء أوجب الشكّ في بقاء هذا الجامع فيستصحب لترتّب أثره عليه . إلاّ انّه استشكل في جريانه تارة بعدم المقتضى للجريان واخرى بوجود المانع . أمّا الأوّل فحاصله انّ استصحاب الكلّي والجامع لو كان المراد به الأمر الانتزاعي فهو لا أساس له لعدم كونه موجودا في الخارج ولا حقيقة له إلاّ الانتزاع وهو تابع لمنشأ انتزاعه فلا معنى لجريان الاستصحاب فيه ( لعلّ الوجه رجوعه إلى الفرد المردّد غير الجاري فيه الاستصحاب ) ولو كان المراد به الأمر الحقيقي وان الكلي يوجد في الخارج وله وجود اصالى تحقّقي كالآباء والأولاد بأن يكون الكلي عبارة عن الفرد الموجود في الخارج مع انسلاخه عن اللوازم الفرديّة فهذا الفرد وجود الطبيعة وذاك أيضا وجود لها وهكذا فحينئذٍ للكلّي والطبيعة وجودات بعدد وجود الأفراد وإلى ذلك الاشارة بأنّ الحقّ ان وجود الطبيعي بمعنى وجود أفراده . فعلى هذا يتعدّد وجود الطبيعة بوجود الأفراد وليس عبارة عن المفهوم الصرف كما ان في باب تعلّق الأوامر بالطبائع والأفراد أيضا يتصوّر النزاع على نحوين . فتارة يقال بأنّ المراد بالطبائع هي من حيث هي التي ليست إلاّ هي فهي ليست إلاّ المفاهيم الصرفة ولا معنى لامتثالها بالخارجيّات بل بمجرّد الفرض والتصوّر يحصل الامتثال ولا واقع له وراء ذلك بل بهذا المعنى لا وجود لها ذهنا أيضا ولا يتفوه بهذا المعنى من له أدنى مسكة ولا يعقل جعلها موردا للنزاع والمراد بالفرد على هذا وجود الطبيعة كأن تكون بوجودها موردا للأمر والنهي . والنحو الثاني من تصوّر النزاع أن يكون المراد بالافراد لوازم

ص: 265

الأفراد وبالطبيعة وجودها مع قطع النظر عن الخصوصيّات اللازمة للوجودات فانّها خارجة عن حيّز الأمر والنهي لأن على سراية متعلّق الأمر إلى لوازم الأفراد وكذا سراية متعلّق النهي إلى الأفراد فيكون اجتماع الأمر والنهي حينئذٍ من صغريات باب النهي في العبادات . وليست هذه المقدّمة ممّا لا لها دخل بل تمام الدخل في نتيجة الباب إنّما هي لهذه المقدّمة فالتصرّف الغصبي على هذا في مثال الأمر بالصلاة والنهي عن الغصب له السراية إلى متعلّق الأمر وإلاّ فعلى عدم السراية يتحقّق هنا صغرى باب التزاحم لتزاحم المتعلّقين في مقام الامتثال وتفصيل الكلام في محلّه .

فاذا كان معلّق الأمر والنهي هو الفرد بوجوده الخارجي الذي هو عين الطبيعة وتتعدّد الطبيعة بتعدّد وجود الفرد كالاباء والأولاد فحينئذٍ ليس الكلّي إلاّ

الفرد فاذا توضّأ فزال وانصرم الفرد والجامع الذي حصل بوجود البول لو كان هوالمايع والجنابة والمني مشكوك الخروج والحدوث من أوّل الأمر فلا معنى لاستصحابها كما لا وجه لاستصحاب الجامع لو كان بولاً لارتفاعه قطعا .

هذا إذا كان المراد بالجامع على هذا النحو ووجوده بهذه الكيفيّة .

أمّا لو كان بنحو خارج عن التحقيق بأن تكون الطبيعة في ضمن الفرد والفرد يشمل وجودين فأيضا هذا الاشكال جاري فيه لزوال الجامع الذي حواه هذا الفرد بزوال نفس الفرد لو كان هو البول أو المني اذا اغتسل والآخر مشكوك الحدوث من أوّل الأمر ولا وجود في المقام للجامع وراء وجود فرديه حتّى يكون هو المستصحب دونهما هذا محصّل الاشكال .

وأنت خبير بأنّ الاشكال محطّه إذا كان للكلي وجود تحقّقي اصالي في

تعدّد الطبيعة بتعدّد الأفراد

ص: 266

الخارج وأمّا إذا كان انتزاعيّا فلا كلام ولا اشكال في ورود الاشكال .

فما أجاب به المحقّق النائيني قدس سره (1) بأنّه إنّما يرد الاشكال على الانتزاعيّة

دون التأصّل ليس بجيد ولا يكون جوابا عن هذا الاشكال وليس جوابه بجواب .

ولا يخفى انّ هذا الاشكال لو تمّ ولم يُردف بالجواب المقنع فيشكل الأمر حتّى في استصحاب القسم الأوّل للجامع فضلاً عن القسم الثاني الذي هو محلّ الكلام فكيف بالقسم الثالث الذي يكون أضعف أقسام استصحاب الكلي بأنحائه من التبدلي والتحقّقي .

ولا محيص عن هذا الاشكال ولا يمكن الجواب عنه إلاّ بأن يقال انّ وروده إنّما يتمّ على التدقيقات العقليّة وأمّا بناء على الاعتبارات العرفيّة فللعرف اعتبار الكليّات كما في باب السلف حيث يشترون ويبيعون الكلّي وإن كان الكلام في أمثال هذه المقامات حقّقناه في محلّه بالتضمين والتعهّد لا باعتبار الكلّي شيئا كما ان ما ذهب إليه السيّد صاحب الحاشية لا يتمّ وكذا ما أفاده غيره ولو لم يتمّ هذا الجواب فينسد باب استصحاب الكلّي بالمرّة ( لا يخفى ان هذا الجواب مغالطة لأن الكلي والفرد إنّما هو اعتباراتي عقلي فكيف يكون الاشكال أو مورد الاستصحاب عقليّا دقيا والجواب عرفيّا فلا اعتبار على هذا للكلّي أصلاً إلاّ الفرد وقد عرفت ما فيه في مورد الحاجة إلى استصحابه .

هذا ملخّص الاشكال الأوّل ومع قطع النظر عن هذا الاشكال فلا مورد للاشكال الثاني بتوهّم المانع عن جريان الاستصحاب في الكلّي في فرض المقام لتقدّم الأصل الحاكم وهو استصحاب عدم وجود الجنابة في ما إذا توضّأ كما

لا مورد للاشكال الثاني

ص: 267


1- . فوائد الأصول 4/413 .

أجاب عن هذا التوهّم صاحب الكفاية(1) والشيخ (2) ونقّح ذلك المحقّق النائيني(3) بما لا مزيد عليه فانّ الأصل السببي ومجرّد سببيّة شيء للشكّ في شيء آخر وجريان الأصل في عدمه أي السبب لا يوجب منع جريان الأصل في المسبب بل لابدّ أن يكون الترتب والأثر المترتّب على الأصل السببي كلاهما شرعيّين فلو لم يكونا أو أحدهما كذلك فلا مجال لمنع جريان الأصل في المسبّب .

وحيث ان وجود الكلي وعدمه بوجود الفرد وعدمه ليس أمرا شرعيّا ولايترتّب عدمه أو وجوده على وجود الفرد وعدمه كذلك فلا مجال لاثبات عدم الكلي بالأصل الجاري في الفرد لعدم الترتّب الشرعي ولا الأثر الشرعيّ لوضوح عدم الكلي بعدم فرده ووجوده بوجوده عقلاً وليس أثرا شرعيّا لعدم وجود الفرد .

تذنيب: يببغي الاشارة إلى بعض ما يتعلّق بمثال المردّد بين الحدث الأصغر أي البول أو الأكبر المني فانّ السيّد صاحب العروة وغيره رحمهم اللّه أفتوا بلزوم الجمع بين الغسل والوضوء للعلم الاجمالي في ما إذا كان متطهّرا سابقا كما فرضنا المسئلة كي يكون هناك أثر للخروج ومن المسلم ان ذلك عند عدم وجود الامارات التعبديّة والعلم بكون المشكوك بولاً أو منيّا .

فاذا خرج المردّد يعلم بانتفاض طهارته قطعا وحيث ان الصلاة مثلاً مشروطة بالطهارة فعند الاقتصار بالوضوء فقط ما احرز الطهارة كما في الاقتصار على مجرّد الاغتسال فان أجزاء غسل الجنابة عن الوضوء إنّما هو في مورد

ص: 268


1- . كفاية الأصول 2/311 - 312 .
2- . فرائد الأصول 2/638 - 639 .
3- . فوائد الأصول 4/416 - 417 .

معلوميّة الجنابة لا ما اذا شكّ فيها . فالعلم الاجمالي بكونه بولاً أو منيّا يوجب له بمقتضاه الجمع بينهما بلا حاجة في الوضوء قبل الاغتسال إلى الاستصحاب .

الا انه قد يستشكل حصول العلم الاجمالي أو عدم انحلاله بعد الحصول كي يكون في مثل ما اذا كان مسبوقا بالطهارة فخرج المايع المردّد الذي هو محلّ الكلام ومحطّ الفرض يجب عليه الجمع بل حيث ان البول إنّما يكون مؤثّرا عند ما اذا لم يكن جنبا وإلاّ فالجنب اذا بال لم يوجب البول تكليفا بل الغسل يجب عليه كما كان فلابدّ من احراز عدم كونه جنبا بالعلم أو بالأصل حتّى يؤثّر خروج البول في وجوب الوضوء عليه بخلاف الجنابة فلا تكون(1) مشروطة بعدم البول فأصل عدم كونه جنبا في مفروض المسئلة مقوم للأصل الآخر كي يكون جريانه للأثر كما هو مقتضى كلّ علم اجمالي على ما بنينا عليه من لزوم تعارض الأصلين أو الأصول في أطرافه حتّى يبقى العلم أو ينعقد بلا انحلال . وإلاّ فلو فرض عدم جريان الأصل النافي في طرف لعيب فيه فلا معارض هناك للأصل الآخر فيبقى بلا مزاحم ويوجب خلوّ ذمّة المكلّف من تكليف ظاهرا للانحلال أو عدم الانعقاد كما في جريان الأصل المثبت في طرف . . فاذا توضّأ يمكنه اجراء الأصل في نفي الجنابة ولا معارض هنا أو إذا لم يجر أصل عدم كونه بولاً لعدم الأثر فلا معارض هناك لأصل عدم الجنابة فيجري ولا يجب عليه شيء .

فاللازم حينئذٍ جريان الأصل لنفي الجنابة حتّى يكون وجود البول مؤثّرا

لا تكون الجنابة مشروطة بعدم البول

ص: 269


1- . لأن قوله تعالى: « إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ » ( سورة المائدة: 7 . إلى قوله: « وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا » يستفاد منه ان القائم من النوم إذا كان غير جنب يلزم عليه الوضوء وإلاّ فيغتسل ويتطهّر وذلك بخلاف مثل عقد الدوام والانقطاع فمتبائنان ولا يحتاج إلى نفي أحدهما في اثبات الآخر .

والأصل الجاري لنفيه ذا أثر . وإلاّ فلا مجرى له وحينئذٍ فكيف يمكن أن يعارض أصل عدم البوليّة واستصحاب عدمه ما هو مقوّم له من أصل عدم الجنابة .

ولا يخفى انّ هذا الاشكال إنّما يختصّ بخصوص البول والجنابة أمّا الدم أو غيره من النجاسات فلا يوجب ذلك الاشكال وكذا البول وغير الجنابة من موجبات الغسل ولا وجه لما قد يقال انّه كان سابقا غير محدث بالأكبر للنقض به في جريان عين هذا الكلام بالنسبة إلى عدم كونه محدثا بالأصغر فلا وجه لدعوى كفاية سبق رتبة جريان الأصل أو تقدّم العلم بعدم كونه جنبا . كما انّه لا وجه أيضا لدعوى العلم بمؤثريّته على تقدير كونه بولاً للعلم بأنّه ليس منيّا وذلك لأنّ الجريان على هذا لا يكون لأثر فعلي بل الأثر تعليقي لو كان بولاً لكان مؤثّرا لعدم الجنابة . ويظهر من المحقّق النائيني في طي كلماته جريان(1) الأصل من الطرفين وحصول التعارض وانعقاد العلم الاجمالي ووجوب الاحتياط لاقتضاء العلم لكنّه كما ترى لا وجه له بعد ما بينّا .

تتميم وتوضيح: قد عرفت الاشكال في جريان الأصل السببي في المقام لمنع جريانه في المسببي وان الوضوء لمن لم يكن جنبا فأصل عدم البوليّة إنّما يؤثر إذا احرز ولو بالتعبّد عدم كونه جنبا لأنّه إذا كان جنبا بال أو لم يبل لا أثر له كما هو مقتضى الآية فيظهر ان الغسل للجنب والوضوء لمن لم يكن جنبا فالموضوع مركّب فذلك نظير الترتّب في آية التيمّم لقوله تعالى: « فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا »(2) المترتّب على عدم وجدان الماء أو عدم التمكّن من

ص: 270


1- . فوائد الأصول 4/419 - 420 .
2- . سورة المائدة: 7 .

استعماله شرعا والترتّب في ما نحن فيه نظير الترتّب في ما إذا انحصر الماء والتراب عنده اذا وجب عليه الطهارة بما يعلم اجمالاً اصابة أحدهما منجس .

وعنونها في العروة والوسيلة ويفصلون بين ما اذا انحصر أثر التراب بالتيمّم فالأصل يجري في عدم نجاسة الماء استصحابا أو قاعدةً وبين ما إذا كان له أثر آخر غير ذلك كالسجود عليه مثلاً فيجري الأصلان ويتعارضان . ونتيجة ذلك في الأوّل اقتصاره على الوضوء فقط وفي الثاني الجمع بين الوضوء والتيمّم وسرّ ذلك عدم الأثر للأصل في عدم نجاسة التراب عند انحصار أثره في التيمّم لأنّه يجب على من لم يجد الماء فما لم يحرز كونه كذلك لا وجه للأصل في التراب فالأصل يكون في طول أصل عدم نجاسة الماء فيجري هو بلا معارض ولا ينعقد العلم أو ينحلّ ويجب عليه الوضوء لا غير بخلاف الثاني وهو ما إذا كان للتراب أثر آخر فحينئذٍ يكون الأصلان في رتبة واحدة جاريين ويتعارضان فيجب عليه الجمع بينهما للعلم الاجمالي واحتمل السيّد صاحب الوسيلة رحمه الله أو لم يستبعد الاكتفاء بالوضوء واختلف كلام المحشّين للعروة .

وممّا ذكرنا يظهر النظر في ما أفادوا من الجمع مطلقا أو الوضوء مطلقا كما انّه لا وجه لتقدّم التيمّم على الوضوء وإن ذكر له وجوه .

نعم لابدّ أن لا تكون أعضاء تيمّمه حينه رطبة بهذا الماء .

ولو أخّر الوضوء أيضا لحصول العلم التفصيلي بالنجاسة بخلاف ما اذا قدم الوضوء وجفّف أعضائه فيتيمّم وما نحن فيه مثل الفرض من حيث الترتّب بين الأصلين ولازم ذلك عدم جريان الأصل في نفي البوليّة فحينئذٍ يجري الأصل في عدم كونه جنابة فلا يجب عليه الغسل تعبّدا وإن كان عالما سابقا بعدم الحدث

ص: 271

الأكثر والأصغر معا فيتوضّأ ويحرز الطهارة لأنّ الفرض انحلال العلم فليس بمني تعبّدا ويعلم أيضا انّه محدث فبالوضوء يدخل في الصلاة كما إذا كان محدثا بالأصغر وخرج المردّد كالمقام فينفي الجنابة بالأصل هذا .

ولكنّه يمكن فرض ما نحن فيه من المثال بالصورة التي كان الأصلان في نظير المسئلة جاريين فيجمع بين الوضوء والتيمّم وذلك لأنّ للمنيّ أثرين أثر مختصّ به وهو حرمة قرائة العزائم ودخول المسجدين واللبث في المساجد وأثر مشترك بينه وبين البول وهو حرمة مسّ الكتاب أو مع عدم جواز الدخول في الصلاة ولو على وجه إمّا بالنسبة إلى الآثار المختصّة للجنابة فلا مانع من اجراء الأصل للشكّ البدوي فلا يعارضه الأصل في طرف البول لعدم أثر مختصّ بالبول وإلاّ فيجري الأصلان ويتعارضان بل البول ينحصر أثره بالأثر المشترك بينه وبين المني هذا .

أمّا بالنسبة إلى الأثر المشترك فأصل الجنابة وأصل البول في رتبة واحدة ولا ترتب بينهما ولذلك كلاهما يجريان ويسقطان بالمعارضة . وقد ذكرنا ان الأثر المشترك هو عدم جواز مسّ الكتاب ولذا لابدّ أن يكون في مورد يتمكّن من مسّ الكتاب كي يجري الأصلان . وعلى هذا فيصحّ ما ذكروه من وجوب الجمع بين الغسل والوضوء لأنّه يتمّ على هذا الفرض وإن فرض انحصار الأثر الحدثي في البول بحرمة المسّ المشتركة بينه وبين المني .

وليعلم ان ذلك لابدّ أن يكون عند اجتماع شرايط العلم الاجمالي فلو فرض سبق الوضوء على العلم يكون الشكّ شكّا بدويّا في حصول الجنابة ( لا يخفى انّه لو توقّف الدخول في الصلاة على الطهارة لزم الغسل لاحرازها لو لم يحرز

ص: 272

بالوضوء والأصل لكنّه في صورة تقدّم العلم على الوضوء للزوم مثبتيّة أصل عدم الجنابة في ما مرّ في كلام سيّدنا الأستاذ قدس سره .

لو كان أصل عدم الجنابة وحده جاريا لما تقرّر في محلّه ان أصل عدم أحد المتضادّين لا يثبت الآخر الاّ انّه لازم عقلي له فعند جريان الأصل لنفي المني لم يحرز عنوان ما يوجب الوضوء لأنّ المعلوم محصّله ما كان ناقضا لا بعنوانه فيلزمه عقلاً لاحراز الطهارة الجمع بين الوضوء والغسل وينحصر نتيجة اشكاله على المحقّق النائيني بالثمرة العلميّة دون العمليّة الاّ في ما إذا كان عدم الحدث موضوعا لشيء فيثبت بالأصل وبالوضوء لكن الطهارة لازمها ما ذكرنا لبقاء الشكّ وجدانا بعد الوضوء في انّه متطهر أم لا .

وكذا ينبغي أن يعلم ان جريان الاستصحاب في الكلي لابدّ له من اجتماع الشرايط على الجريان وإلاّ فلمنعه جهات ثلاث .

تارة من جهة عدم المقتضى كما علم بما ذكرنا واخرى من جهة عدم الأثر ومثال استصحاب الصلاة في ما إذا أتى باحدى الصلاتين من الظهر والجمعة في مورد العلم الاجمالي بوجوب احداهما من هذا القبيل لأن نفس الشكّ في الامتثال تمام الموضوع لوجوب الاتيان بالفرد الآخر من الصلاة كما انّه لا وجه لجريان الأصل بعد امتثال مقتضى العلم الاجمالي في أحد الأطراف فتوضّأ فيجري الأصل لنفي الجنابة لسقوطها بالمعارضة قبل ذلك فلا يرجع أحدهما بعد سقوطهما وعلى المتتبّع تفحّص الأبواب الفقهيّة لموارد الاستصحاب في الكلّي وموارد عدم جريانه فالعقد الواقع المشكوك دوامه وانقطاعه بعد انقضاء زمان يشكّ عنده من بقاء آثاره لاحتمال انقطاعه وانفساخ العقد كما يحتمل دوامه ولا ينحلّ إلاّ

ص: 273

بالطلاق من قبيل الشكّ في المقتضي .

كما في مثل البق والفيل . هذا كلّه بناء على جريان الاستصحاب في الكلي وأمّا بناءً على ما ذكرنا من الاشكال في عدم تحقّق المقتضي لذلك فلا أساس حتّى للقسم الأوّل ولا معنى لاستصحاب الكلّي وحاله كحال الفرد المردّد .

طور آخر من البيان: ينبغي أن يعلم ان عدم جريان الاستصحاب في الكلي بناء على جريانه لأحد أمور ثلاثة أمّا للاستغناء عنه بوجود العلم الاجمالي كما إذا صلّى أحدى الصلاتين من الظهر والجمعة اللتين يتردّد المكلّف به فيهما فلا يجري الاستصحاب للفرد لوجوب الصلاة الأخرى ( مضافا إلى عدم اثباته وجوبها ) لأن نفس الشكّ في الامتثال والخروج عن عهدة الاشتغال تمام الموضوع لوجوب اتيان الاخرى لتقدّم القاعدة على الاستصحاب بخلاف مقام استصحاب الطهارة وقاعدتها فهو مقدم عليها وإمّا لعدم المقتضى وإمّا لعدم الأثر .

أمّا مثال الأخير فيظهر بما ذكرناه في مثال الحدث الأكبر والأصغر وأمّا مثال عدم المقتضى فيمكن أن يمثل له بمثال البق والفيل كما انّ هناك عدّة موارد لابدّ من ردّها إلى الأصول . وينبغي للمستنبط المراجعة لأدلّتها وتمييزها والحاق كلّ بأحد هذه الموارد .

ومن هذه ما لو شكّ في العقد بين دوامه وانقطاعه ولو كان منقطعا انقطع بعد تمام شهر مثلاً فقبل تمام الشهر يجري الاستصحاب إذا تمّت أركانه . اما بعده فالاستصحاب يمكن أن يكون من قبيل ما إذا لم يكن للكلي مقتضى الابقاء والجري . وهناك بعض الموارد ممّا لا يكون داخلاً تحت أحد هذه الضوابط كما إذا وقع الفسخ فيما إذا لم يعلم ان له ذلك فلو كان له فأثّر وأوجب رد كل من المالين

عدم جريان الاستصحاب في الكلّي لأحد امور

ص: 274

إلى مالكه الاولى وإلاّ فهو باقٍ على ملك المشتري أو تردّد عقد بين القرض والهبة فالجامع في هذه الموارد الملكيّة .

فيمكن الاشكال في جريانه فيها بأحد هذه الوجوه أو يجري . لكنه لا مجال لذلك أصلاً لأن هذه المقامات من قبيل استصحاب الشخصي لعدم الفرق بين حصول الملكيّة في أسبابها فلا يوجب اختلاف الأسباب اختلافا في سنخ الملك فهو أمر واحد شخصي يستصحب عند الشكّ بعد وقوع فسخ أحدهما أو رجوعه إلى المال كما يمكن ارجاع مثال العقد المردّد أيضا إلى هذا فيكون شخصيّا جاريا فيه الاستصحاب عند الشكّ وإن كان هذا يحتاج إلى تأمّل زائد لا يحضرنا الآن أطراف المسئلة .

فانّ الزوجيّة أمر واحد ولو اختلف أسبابها وبالنسبة إلى الارث أيضا لو مات الزوج وفرض عدم اشتراط الارث ربما لا يجري الأصل . فظهر ان عدم جريان استصحاب الكلي في القسم الثاني في ما اذا يجري لأحد هذه الأمور فلا فرق بينه وبين القسم الأوّل من هذه الجهة لو ترتّب أثر على نفس الكلي في ضمن الفرد وبناء على ما ذكرنا فلا مجرى لهذا القسم من الاستصحاب كما يشكل الأمر في القسم الأوّل أيضا .

وهنا تنبيه: تنبّه له المحقّق النائيني(1) وأجاد في تقريره وتحريره . وهو ان القسم الثاني مورده ما اذا كان التردّد في نفس المردّد بين ما هو مقطوع البقاء ومقطوع الارتفاع .

أمّا إذا تردّد محلّه فلا يكون من هذا الباب أي استصحاب الكلي من القسم

اشكال استصحاب الكلي

ص: 275


1- . فوائد الأصول 4/421 - 422 .

الثاني بل حاله حال الفرد المردّد فمادام الفردان موجودين يمكن الاستصحاب لنفس المردّد في ما احتجنا إليه وبعد ذهاب أحدهما لا مجال للاستصحاب .

ولهذا أمثلة كثيرة منها الشبهة العبائيّة المعروفة وهي إذا حصل العلم بوقوع النجاسة على العباء إمّا في ذيله أو في أعلاه فيعلم تفصيلاً بنجاسة العباء ويتردّد محلّه بين الأسفل والأعلى وطهر الأسفل ولاقى الأعلى ملاقٍ فبناء على جريان أصل الملاقى لتعارض أصلي الملاقى وطرف علمه يشكّ في تنجّس الملاقى لاحتمال أن يكون المصاب بالنجاسة الأعلى ولاقاه الملاقى كما يحتمل أن يكون المتنجّس أسفل العباء فلم يؤثّر ملاقاة الأعلى نجاسة في ملاقيه . فاذا فرضنا المقام كذلك ولم يجب الاجتناب عن ملاقى الأعلى الذي هو مشكوك النجاسة فكيف يجامع هذا مع وجوب الاجتناب عمّا إذا جمعنا طرفي العباء مع فرض تطهير أسفله وابقاء أعلاه على حاله الشكّي لجريان استصحاب النجاسة في العباء بناء على جريان الاستصحاب في مثل المقام بعد تطهير الأسفل للزوم وجوب الاجتناب عن ملاقى النجاسة ومتيقّن الطهارة وعدم وجوب الاجتناب عن ملاقى مشكوك النجاسة .

ومن الأمثلة ما لو وقف مالاً له إمّا على التعزية أو على طائفة مخصوصة كالزوّار الذين لا معاش للرجوع لهم بحيث لا يجتمع الفرضان في مورد جامع واتّفق تعذر أحد طرفي العلم بأن لم يوجد زائر أصلاً .

أو في الدرهم(1) الودعي الذي ضاع عن أحد اثنين عنده إمّا عن صاحب الدرهمين أو من صاحب الدرهم الواحد ففي هذه الموارد لا مجال بعد ذهاب أحد

ص: 276


1- . وسائل الشيعة 18 الباب 12/1 من أبواب كتاب الصلح .

طرفي الترديد للاستصحاب الكلي لأنّه من الفرد المردّد . بل في مثال الدرهم يعلم تفصيلاً بكون درهم مال صاحب الدرهمين والدرهم الاخر يتردّد أمره بين جريان قاعدة القرعة فيه لأنّها لكلّ أمر مجهول أو يجري عليه ما يجري على مجهول المالك أو يقسم بالتنصيف مع مخالفة ذلك للعلم اجمالاً لأنّه امّا تمامه من صاحب الدرهم الواحد أو من صاحب الدرهمين لكنه للتعبّد والاحسن الاخير لذهاب الجهل ولو بالتعبّد الشرعي فلا مجال لجريان قاعدة القرعة . وهذه القاعدة أي قاعدة التنصيف التي يسمّونها بقاعدة العدل والانصاف قد استندت عليها جملة من الأحكام في أبواب متفرّقة في موارد فلا يقسم المال الموجود أي الدرهمان اثلاثا بينهما كما في مورد الوقف والجامع الذي يمكن تصوّره بناء على امكان جريان الاستصحاب هومطلق جهة الخير فيتعين الصرف بناء على الجريان والخلو عن الاشكال في الفرد الباقي .

ولا يخفى ان هذه الامثلة كلّها من قبيل الفرد المردّد فلا مجال لجريان الاستصحاب فيها بعد عدم أحد الفردين .

هذا تمام الكلام في القسم الثاني من استصحاب الكلّي الذي يجري عندهم استصحاب الفرد قبل زواله والكلي بعد زوال أحد الفردين وفي القسم الأوّل يجري في الفرد وفي الكلّي اذا فرض له أثر دون الفرد(1) . وأمّا عندنا فلا مجال

ص: 277


1- . أجرى الاستصحاب المحقّق البجنوردي قدس سره في الفرد وفي الكلي إذا كان الشك في بقائه للشك في بقاء الفرد كما يجري عنده إذا كان الشكّ لدورانه بين ما هو باق قطعاً ومرتفع كذلك كالحدث المردّد بين الأكبر والأصغر بعد أن توضّأ مثلاً إن كان للكلي أثر شرعي . منتهى الأصول 2/443 كما يجري الاستصحاب في الكلّي عند المحقّق العراقي . نهاية الأفكار 4/122 وهكذا السيّد العلاّمة الخوئي . مصباح الأصول 48/123 وعمّمه لما اذا كان الفرد مردّداً بين متيقن الارتفاع ومحتمل البقاء .

لاستصحاب الكلي في القسم الثاني .

بقي الكلام في استصحاب القسم الثالث من الكلّي وله ثلاث صور:

الأولى أن يكون الفرد متيقن الوجود وعلم بارتفاعه وزواله لكنّه يشكّ في مقارنة فرد آخر له ومصاحبته معه حتّى يكون بقاء الكلي بعد زوال الفرد الأوّل مستندا إليه كما إذا علم بوجود زيد في الدار فحصل الانسان فيها وبعد حين علم بخروجه ويشكّ في وجود عمرو ودخوله الدار مع زيد .

الثانية: أن يكون الفرد متيقّن الوجود الا انّه يشكّ في تبدّله حين ارتفاعه بفرد آخر كما إذا علم بارتفاع العمود الذي قامت به الخيمة الا انّه شكّ في قيام عمود آخر تقوم به هيئة الخيمة فيكون له فيء وظل يتظلّل به بلا تخلّل زمان بل متّصلاً بارتفاع العمود الاول .

وفي هذين القسمين ارتفع ما تعلّق به اليقين قطعا ويشكّ ابتداءً في حدوث فرد آخر إمّا مع الفرد المحقّق الارتفاع كما في الصورة الاولى أو مع ارتفاعه كما في الثانية وفي الاولى مقارني وفي الثانية تبدلي .

الصورة الثالثة: أن يكون ما تعلّق به اليقين مرتفعا قطعا لكنّه شكّ في بقاء مرتبة ضعيفة منه كانت من الأوّل موجودة معه وهذا تارة في الخارجيّات وأخرى في الاعتباريّات .

أمّا الخارجيّات فكما في السواد الشديد فاذا ارتفع هذه المرتبة من الشدّة للسواد قطعا يحصل له الشكّ في بقاء السواد بمرتبة ضعيفة التي تكون حقيقة السواد فيها أيضا موجودة اذ السواد بما هو سواد ضعيف والضعيف من السواد بما هو ضعيف سواد فلا فصل للسواد الضعيف بل مرجعه إلى عدم الشدّة وما به

صور استصحاب الكلي في القسم الثالث

ص: 278

الامتياز كان فيه عين ما به الاشتراك فيجري فيه الاستصحاب عند الشكّ لكنّه في الحقيقة ليس من استصحاب الكلي اذ هذه المرتبة كانت موجودة في ضمن المتيقّن وشكّ في بقائها .

وأمّا مثال الاعتباريّات فمثل له بالوجوب والاستحباب في باب النسخ فاذانسخ الوجوب يشكّ في بقاء الاستحباب الذي كان مع الوجوب كما يقع الكلام في بقاء الجواز الذي في ضمن الوجوب بعد نسخه بمعنى الطلب فان الوجوب مرتبة شديدة من الطلب بخلاف الاستحباب فانّه مرتبة ضعيفة ولكن لا أساس لهذا المثال اذ بنائه على جواز الاستصحاب مع الشكّ في النسخ .

وقد مرّ في محلّه انّه لا معنى لهذا اذ نفس الاطلاق ولو من غير ناحية الصيغة تغنيا عن الاستصحاب لعدم نسخ المشكوك من الاستحباب أو المرتبة الضعيفة هذا مع الاغماض عن فساد الصغرى أيضا اذ الوجوب والاستحباب ليسا من المعاني المركبة من الجنس والفصل كي يشكّ في بقاء الجنس بعد تيقّن ذهاب الفصل بل لا شدّة ولا ضعف فيهما لانتزاعهما عن إنشاء النسبة وهي عالم تحقّقها واستعمالها واحد لكونها معنى حرفيا ولو عبّرنا عنها بالطلب ينقلب المعنى الحرفي بالاسمي بل لا معنى ولا مفهوم لها فبالاستعمال توجد وتتحقّق في عالم الاعتبار وينتزع عن ذلك الوجوب لو كان بداعي الجد وإلاّ فالاستحباب إن كان بداعي الحثّ والترغيب فأين الشدّة والضعف كي يستصحب الثاني عند ارتفاع الأوّل . هذا مضافا إلى ما ذكره المحقّق الخراساني(1) على هذا المثال باختلاف حقيقة الاستحباب والوجوب عرفا فاذا قيل هذا العمل واجب يكون في قبال قوله

ص: 279


1- . كفاية الأصول 2/314 .

مستحب ولا يرون محمول الوجوب أمرين ولا يكون كذلك .

نعم مثال السواد جيد ويجري فيه الاستصحاب عندهم وبينّا الوجه فيه .

والأحسن التمثيل في الاعتباريّات بما إذا ارتفع الوجوب عن الوضوء الضرري حيث ان المرتفع ليس إلاّ الالزام . وأمّا جواز العمل ورجحانه فليس مرتفعا ولو شككنا يجري الاستصحاب اذا لم نتمسّك بالاطلاق وذلك لورود مثل لا ضرر للامتنان على الامة فما يوجب الحرج والضررهو الالزام لا الاستحباب .

هذه الصورة الأخيرة بين الصورتين الاوليين وأمّا الصورتان الاوليان فيشكل استصحابهما عندهم من حيث عدم الفرق بينهما وبين القسم الثاني من ارتفاع فرد متيقن والشكّ في حدوث فرد آخر كما في المقام غاية الأمر الفرد هنا معلوم التحقّق والارتفاع والفرد الآخر مشكوك الحدوث فالشكّ في حدوث فرد رأسا بخلاف القسم الثاني فانّ الشكّ يتعلّق بالكلي ( بلحاظ عدم تيقّن ان الفرد الباقي هو الحادث ) .

تقريب الاشكال انه بحصول زيد في الدار نعلم بوجود الانسان فيها كما نعلم بخروج زيد حين ما خرج غاية الأمر لا نعلم خروج الانسان وعدم بقائه فيها كما لا نقطع بالبقاء من جهة احتمال وجود عمرو مع زيد من أوّل الأمر أو حين خروجه . فاليقين تعلّق بكون الانسان في الدار وهو مشكوك . وأجاب المحقّق النائيني رحمه الله وفرّق بينهما بما جعله أبعد ممّا بين المشرق والمغرب وأفاد في وجه الفرق(1) بتعلّق اليقين بحصّة خاصّة من الكلي بوجود زيد في الدار وأمّا عمرو فحصّة أخرى فحال الكلي مع هذين الفردين حال الآباء والأولاد لا الأب الواحد

اشكال استصحاب صورتين

ص: 280


1- . فوائد الأصول 4/424 - 425 .

والأولاد فحينئذٍ فالفرد المتيقّن الحصول في الدار خرج عنها وتعلّق الشكّ بوجود آخر وأين هذا من استصحاب الكلّي .

وقد تقدّم في ما مضى ورود هذا النقض عليه في الكلّي للقسم الثاني أيضا فلا يتم الفرق ولا يكون فارقا .

توضيح وتبيين: ذكرنا عدم جريان الاستصحاب في القسم الثالث من الكلّي كالقسم الثاني وذكرنا مرجع هذه الصورة وان الصورة الاولى من القسم الثالث لا وجه لجريان الاستصحاب فيها بناء على كون نسبة الكلّي إلى أفراده نسبة الآباء إلى الأولاد فكلّما يفرض ويوجد ولد فله اب يختصّ به فيظهر وجه عدم الجريان في هذه الصورة وفاقا للمحقّق النائيني ) لأنّ الصورة الأولى ما لو شكّ بعد العلم بزوال الفرد الحادث في وجود فرد آخر من الكلّي مصاحبا للفرد الزائل قبال الصورة الثانية فالشكّ فيها عند ارتفاع الفرد الحادث ولا وجه لجريان الاستصحاب فيهما لأن في كليهما ما تعلّق اليقين به ارتفع قطعا وما يشكّ في بقائه لم يعلم حدوثه . والفرض ان الكلي يتعدّد بوجود أفراده لأنّه عبارة عنها أو يتحقّق في ضمنها مع قطع النظر عن خصوصيّات الأفراد لاستحالة وجوده في الخارج بكليته .

فالاولى كما اذا علم بدخول زيد الدار وانه خرج بعد حين فشكّ في بقاء الانسان فيها لاحتمال مصاحبة زيد حين الدخول مع عمرو . والثاني ما إذا تيقّن بارتفاع هيئة الخيمة التي كانت قائمة بعمود لارتفاع العمود فزالت الهيئة لكن يشكّ في وجود هيئة أخرى لخيمة أخرى(1) مقارنا لزوال هذه الهيئة من الخيمة .

ص: 281


1- . الظاهر انه اشتباه والمراد قيام نفس الخيمة بهيئة اخرى .

أمّا مثال قيام عمود آخر مقام العمود المرتفع فلا يكون مثال ما نحن فيه فالاولى التمثيل له بما ذكرنا ليتعدّد الفرد وعلى كلّ فقد تحقّق عدم الجريان في هاتين الصورتين لأن حالهما كحال الفرد المردّد بل هي هي بعينها .

وقد تقدّم ما في الفرق بينهما وبين القسم الثاني لعدم تماميّة ما وجّه به النائيني قدس سره .

أمّا الصورة الثالثة وهي ما لو شكّ بعد ارتفاع الفرد المعلوم الحدوث في بقاء الكلّي في ضمن مرتبة نازلة عن الميتقّن كمثال السواد الذي تقدّم سواء وجد السواد دفعة واحدة لشدّته أم على التدريج لأنّه لا يكون حصول الشدّة له من خلع لبس ولبس آخر بل لبس فوق لبس وليس الضعف فصلاً للسواد فاذا شككنا في بقاء مرتبة ضعيفة منه عند القطع بارتفاع المرتبة الشديدة أو تبدلها بالبياض فيمكن هنا جريان الاستصحاب وليس مثل الصورتين السابقتين كي لا يعلم مشكوك البقاء(1) .

الفرق بين أقسام القسم الثالث

ص: 282


1- . كما لم يجر الاستصحاب في الصورتين الأوليين من الكلي القسم الثالث السيّد المحقّق البجنوردي واجرى في فرض المتن . منتهى الأصول 2/448 - 450 وكذا المحقّق العراقي كما في تقرير بحثه نهاية الأفكار 4/134 . والسيّد العلاّمة الخوئي قدّس اللّه أسرارهم مصباح الأصول 48/136 - 138 ثمّ انّ السيّد الخوئي فرض قسماً رابعاً لاستصحاب الكلي وهو ما إذا علمنا بوجود فرد معين وعلمنا بارتفاعه لكن علمنا بوجود فرد معنون بعنوان يحتمل انطباقه على الفرد الذي علمنا ارتفاعه ويحتمل انطباقه على فرد آخر فلو كان العنوان المذكور منطبقاً على الفرد المرتفع فقد ارتفع الكلي وإن كان منطبقاً على غيره فالكلي باق وأتى بمثال له كما اذا علمنا بوجود زيد في الدار وعلمنا بوجود متكلّم فيها ثمّ علمنا بخروج زيد عنها واحتملنا بقاء الانسان فيها لاحتمال أن يكون عنوان المتكلّم منطبقاً على فرد آخر وأتى بمثال آخر واستظهر جريان الاستصحاب فيه . مصباح الأصول 48/124 - 141 .

ولهذا أمثلة كثيرة فربما يكون في النجاسة الخبثيّة في باب الطهارة وفي باب الوضوء والغسل لرفع الحاجب أثر كما إذا علم بارتفاع مرتبة شديدة من المانع بالدلك لكن يشكّ بعد الصلاة مثلاً في ارتفاعها بالكليّة فحينئذٍ لابدّ له من

احراز الطهارة بالنسبة إلى الصلوات التي يصلّيها بعده اما التي مضت يمكن تصحيحها بقاعدة الفراغ بل لا نحتاج في ذلك إلى الاستصحاب لأن نفس الشكّ كافٍ في عدم احراز غسل البشرة لوجوبه في الوضوء والغسل .

ومثل المحقّق النائيني(1) بكثير الشكّ فانّه إذا كان هذا العنوان موضوعا في الأدلّة لعدم الاعتناء بالشكّ الذي يعتني به غيره من بطلان الصلاة اذا مضى عليه في الثنائيّة والثلاثيّة وفي الأوليين من الرباعيّة بعد التروي واستقرار الشكّ بلا احتياج إلى التسليم احتياطا أو الصبر إلى تحقّق الماحي لشبهة حرمة القطع بل يعمل من أوّل الأمر على ما هو صرفته في غير هذه الموارد وفيها يبني على الاتيان وعدم بطلان الصلاة وهذا من يكثر عليه السهو أو يسهو في كلّ ثلاث وهو غير الوسواسي لعدم احتياج الوسواسي إلى ثلاث بل في اوليها أيضا وظيفته البناء على الاتيان .

وعلى كلّ فلو لم يكن العنوان محدّدا للكثرة بل كان لها مراتب فيمكن حصول الشكّ في شمول الحكم وعدم الاعتناء بشكّه لمن لم يشكّ في ثلاث صلوات ويشكّ في الرابعة بمقتضى طبعه كما اشترط في كثيره أيضا والا فعند اختلال الحواس ربما يمكن حصول شكوك كثيرة في صلاة واحدة للشكّ في صدق كثير الشكّ عليه لوضوح دخل هذا العنوان في الحكم حدوثا وبقاءً فليس

ص: 283


1- . فوائد الأصول 4/429 .

مبتنيا على مسئلة أعميّة المشتق وحقيقته في ما انقضى عنه المبدء .

نعم لو كان السهو في كلّ ثلاث على احتماليه بأن يسهو في ثلاث ولو مرّة أو في كلّ ثلاث متواليات تحديدا للموضوع والعنوان فمن لم يسه كذلك فليس بكثير الشكّ ولا وجه للاستصحاب . ويمكن التمثيل له أيضا بما اذا زالت الملكيّة التي هي المرتبة الشديدة بالنسبة إلى الحق وكلاهما في قبال الحكم الذي ليس قابلاً للعفو والاسقاط بما إذا كسر الحب لصاحبه فشكّ في بقاء الاختصاص الذي في قبال الحكم في حقّيته وإن لم يبذل بازائه المال حينئذٍ لكن ينفع صاحبه في بعض حوائجه بناء على كون الحقّ والملك عبارة عن معنى واحد وإنّما الاختلاف بالشدّة والضعف .

تنبيه: لما ذكر الشيخ قدس سره (1) لمناسبة الاستصحاب في الكلّي هنا كلاماً لابأس بالتعرّض له وهو لو شكّ في اللحم والجلد الملقيين مثلاً على الأرض حيث لا امارة عليهما للتذكية وعدمها من استعمال المسلم لهما ومعاملته لهما معاملة الطاهر أو يد المسلم وسوقه . بل مثلاً لو كان له يد فمسبوقة بيد الكافر .

فالمشهور كما قيل اجراء استصحاب عدم التذكية وحرمة اللحم والنجاسة

وكذا في الجلد والمخالف في المسئلة الفاضل التوني وجماعة حيث استشكل اجراء استصحاب عدم التذكية تارة من جهة عدم المقتضى وفقد المتيقّن وأخرى من جهة عدم الأثر واثبات اللازم العقلي فان للميتة عنده فردين أحدهما ما مات حتف أنفه والثاني ما وقع عليه الأفعال فاقدة للشرايط كما لو ذبح الكافر الحربي بخلاف المخالف أو الكتابي لو قلنا أو قالت العامّة بحلية ذبيحته أو لم تقع على

اللحم والجلد الملقيان

ص: 284


1- . فرائد الأصول 2/641 إلى 643 .

القبلة تعمّدا أو لم يسم اللّه تبارك وتعالى كذلك وحيث نشكّ في وقوع الأفعال عليه حين زهاق الروح أو بعده فلو وقعت حينه واستند الموت إلى ذلك فحلال طاهر وإن كان يمكن تقريب الاختلاف وعدم الملازمة كما لعلّه سيأتي إنشاء اللّه وإلاّ فنجس وحرام فباستصحاب عدم وقوع الأفعال عليه إلى حين الموت كي خرجت روحه بغير الأفعال ولازمه العقلي وقوعها في الفرض بعد الزهوق لا يمكن اثبات الحرمة والنجاسة وذلك لأنّه من قبيل استصحاب الكلي لاثبات خصوص الفرد . وقد عرفت ان لا جريان له وان قلنا بجريان الاستصحابات الكلية حتى في القسم الأخير في صورتيه الأوليين ولا يمكن الرد على الفاضل به لاشكال الاثبات فضلاً عن الاشكال في أصل جريان استصحاب الكلي فان الجاري في غير القسم الأوّل ليس الا خصوص الصورة الثالثة من القسم الثالث ومرجعها في الحقيقة إلى استصحاب الشخص كما عرفته .

وعلى كلّ حال فيتّضح الكلام في هذه المسئلة وإن لم يكن تمام ما يقرّر مقولاً للفاضل وأصحابه بأن يقال ان الميتة التي أخذت في الآية الشريفة موردا للحكم بالحرمة إمّا أن تكون هي خصوص ما مات حتف الأنف فلا وجه لاثبات ذلك باصالة عدم التذكية لعدم حالة سابقة لهذا الاستصحاب فان هذا الحيوان مادام حيا ليس بميت حتى يكون موته بحتف الأنف أو بغيره ولا أصل حكميا أيضا في المقام كي يجري في حال الموت ويترتّب عليه الأثر لأن عدم التذكية الذي كان للحيوان في حال الحياة من باب السالبة بانتفاء الموضوع . فالتذكية وعدمها إنّما هما من حالات الحيوان الذي يزهق روحه لم يكن له أثر الحرمة والنجاسة لجواز أكل السمك مثلاً في الماء وإن كان حيّا وإلاّ فاللازم الحكم بنجاسة من باشر

ص: 285

الحيوان الذي له الحياة بالرطوبة هذا .

وأمّا إذا كان معنى الميتة أعم ممّا مات حتف أنفه وما لم يذكّ على الشرايط المعتبرة فحينئذٍ للميتة فردان فلابدّ في الحكم بنجاسة الجلد أو اللحم المطروح من اثبات انه من هذا الفرد أو ذاك الفرد وحيث انّه يحتمل وقوع الأفعال عليه واستند زهوق الروح بها كما انّه يحتمل وقوعها بعد زهوق الروح مثلاً ويشكّ ويحتمل موته حتف الأنف ولا يكون لنا سبيل إلى اثبات الموت حتف الأنف فينحصر باصالة عدم التذكية التي عبارة عن عدم ورود الأفعال التي كانت في زمن حياة الحيوان متيقنة ونجر ذلك إلى حين الموت كي يكون الموت في حال عدم وقوع الأفعال ويكون فردا من الميتة بهذا المعنى الأخير . وهذا الوجه من الاستصحاب لا مجال لجريانه وإن كان لهذا الأصل أعني الاستصحاب بهذا المعنى حاله سابقة واتصفت الأفعال بالعدم حال حياة الحيوان لأنّه كان حيّا ولم يقع الأفعال عليه وكان غير مذكّى فيمكن استصحاب هذا المعنى والعدم إلى حال الموت . لكنّه لا أثر له إذ لم يترتّب أثر على نفس كون الحيوان غير مذكّى بل لابدّ من احراز وقوع الموت حال عدم ورود الأفعال واثبات هذا العنوان بالاستصحاب وإن كان جزئه أي الموت بالوجدان يكون من اثبات اللوازم العقليّة والعادية بالأصل والتعبّد منصرف عنهما وإن كان لم ينحصر في المقام الأصل الجاري باستصحاب العدم النعتي بل استصحاب العدم الأزلي أيضاً لو كان له أثر يجري في المقام ويؤكّد الاستصحاب النعتي لعدم لزوم انقلاب المحمولي نعتيا بوجود الحيوان في الخارج . بل كان له استصحابان فان اللازم اثبات وقوع الأفعال حين زهوق الروح واستناده إليها أو اثبات عدمه ووقوع الموت في غير الحين الذي وقعت

ص: 286

الأفعال وهذا المعنى لم يكن مسبوقا بالعدم لعدم الموت . فالتذكية وعدمها من حالات الحيوان حين زهوق الروح ويتّصف الازهاق بكلّ منهما لعدم الأثر على وقوعها وعدم وقوعها في غير هذا الحال وعدم يقين بالتذكية أو عدمها لهذا الحال .

هذا ملخّص مرام الفاضل وما يمكن أن يوجّه به كلامه ومرامه .

وأجاب المحقّق النائيني(1) عن ذلك بعدم خصوصيّة لعنوان الميتة بل العنوان المأخوذ موضوعا للحكم عبارة عن عدم المذكّى وغير المذكّى . غاية الأمر له فردان وهما ما مات حتف الأنف وما وقعت عليه الأفعال على غير الوجه المعتبر وهذا العنوان يمكن اثباته بالأصل لتماميّة أركانه وعدم كونه على نحو النعتية لعدم انطباق ضابط النعتي عليه . فانّه فيما إذا كان العرض عارضا على المحل الذي هو الجوهر بخلاف ما إذا كان هناك جوهران أو عرض وعرض فانّ القيام لا يوصف به الضرب كما لا يوصف بزيد عمرو وفي ما نحن فيه أيضا كذلك لم يؤخذ الأفعال وصفا للموت لكون كليهما وصفين غير قابلين لاتّصاف أحدهما بالآخر وكذا لا يكون هنا عنوان انتزاعي يكونان محقّقين له كعنوان القبليّة في ما إذا أسلم الوارث قبل القسمة أو قبل أن يرفع الامام رأسه في حكم المأموم وكذا نحو عنوان الاجتماع وغيرها من العناوين الانتزاعيّة بل مجرّد التقارن الزماني وينحصر الرابط بين الموت وعدم وقوع الأفعال بالزمان فعلى هذا لا مانع من جريان استصحاب عدم ورود الأفعال عليه ويتحقّق الموضوع المركّب من الحيوان وعدم وقوع الأفعال عليه ويترتّب على ذلك أثر الحرمة والنجاسة كما لا

اشكال استصحاب عدم التذكية

ص: 287


1- . فوائد الأصول 4/431 - 434 .

يخفى فتدبّر جيّدا .

طور آخر: من البيان لما كان بناء المشهور على ما قيل اثبات نجاسة اللحم والجلد المطروحين الذين ليس عليهما آثار التذكية ولم تقم امارة شرعيّة على ذلك وحرمتهما باستصحاب عدم التذكية استشكل عليهم الفاضل التوني قدس سره ومن تبعه بأن هذا الاستصحاب نظير استصحاب الضاحك الكلي المعلوم وجوده في الدار بحصول زيد فيها بعد ان علمنا بخروج زيد منها وترتيب أثر وجود عمرو عليه .

مع ان هذا الاستصحاب لا مجرى له أصلاً ولا يثبت به ما لازمه عقلاً وقد مرّ منّا الكلام في ذلك كما في القسم الثاني من الاستصحاب والقسمين الاوّلين من القسم الثالث للشكّ عند القطع بزوال الفرد المعلوم تحقّقه في الدار بقيام فرد آخر مقامه من أوّل وجوده وتحقّقه أو حين زواله كما انّه بناء على القسم الثاني من الاستصحاب يكون نظير اثبات وجوب صلاة الظهر يوم الجمعة بعد أن صلّى الجمعة ويشكّ في سقوط التكليف عنه ممّا تقدّم ان هذا استصحاب الفرد المردّد ولا مجرى له بعد زوال أحد الفردين وهذا المثال أي اثبات وجود عمرو اللازم من بقاء الضاحك في الدار للقطع بخروج زيد منها مورد قبولهم وارتضاه الشيخ وغيره والفاضل رحمه الله يدعى ان في ما نحن فيه أيضا استصحاب عدم التذكية من هذا القبيل لما يأتي من رجوع دعواه إلى شيئين . كون الميتة عبارة عن ما مات حتف أنفه وتعلّق الحكم عليها بالخصوص لا بعنوان عدم المذكّى وذلك لأن عدم المذكّى لازم أعم لملزومين الحيوة والموت . فالحيوان الذي لم يمت غير مذكى ولا أثر على هذا الفرد من غير المذكى وعلى هذا الملزوم للازم عدم المذكّى بل لو كان

ص: 288

فهي الطهارة والحلية بخلاف الفرد الآخر . وهو الموت حتف الأنف .

فالحيوان الذي مات حتف أنفه لم يذكّ فهو نجس وحرام وإذا كان الأثر أي النجاسة والحرمة مترتبا على هذا الملزوم أي الذي مات حتف أنفه فاستصحاب عدم المذكى في حال الحيوة لاثبات عدم كونه مذكى من قبيل ما ذكرنا من المثال لزوال هذا الفرد من غير المذكى قطعا ولا يثبت هذا الاستصحاب ما هو ملزومه من كون الموت حتف الأنف لأ نّه عنوان وجودي ولا يثبت بهذا الأصل .

ويجيب عن هذا الكلام المحقّق النائيني بما سمعت وسنفصله ونشرحه بعد إن شاء اللّه .

أمّا دعوى الفاضل فقد أشرنا إلى رجوعها إلى جهتين: الأولى كون الميتة ما مات حتف أنفه لا الأعم منه ومن غير المذكى شرعا حتّى يشمل مثل النطيحة والموقوذة والمتردّية وغيرها من أقسام المحرم التي لم تمت حتف الأنف وذلك لمقابلة الموت بالقتل وهذه العناوين في الآيات .

قال اللّه تعالى: « أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ »(1) وقوله تعالى:

« وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لاَءِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ »(2) مضافا إلى ما ذكره بعض المفسّرين ان أهل الجاهليّة يأبون من أكل الميتة التي ماتت حتف أنفه بمرض أو وجع ويعدون هذه الأشياء التي تضمّنتها الآية الثالثة بعد البسملة من سورة المائدة من النطيحة والمتردّية والموقوذة والمنخنقة حلالاً فيأكلون ويرون التردى والانخناق والنطح وغيرها ذكاة لهم وقتلاً قال اللّه تعالى: « حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ

ص: 289


1- . سورة آل عمران الآية 145 .
2- . سورة آل عمران: 159 .

وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ »(1) فردعهم اللّه تبارك وتعالى وحصر المباح والحلال بخصوص ما ذكى .

ومن المعلوم من الآية الشريفة وغيرها حرمة كلّ المذكورات في الآية ومقابلتها بالميتة تدلّ على انحصار الميتة بما ذكرنا وعدم كونها غير المذكى بل هذا العنوان انتزاعي من المذكورات ومن المذكى أي الذي لم يستوف الشرايط كما يرشد إلى ما ذكرنا الاستثناء الواقع عقيب المذكورات بقوله ( إلاّ ما ذكّيتم ) فلو كان

الميتة تعمها كان الاستثناء بلا فائدة ويرجع المعنى إلى أن يقول حرمت عليكم غير المذكى إلاّ ما ذكّى .

وعلى كلّ حال فالاستثناء في الآية الشريفة إمّا متّصل لو كانت المذكورات تقبل التذكية فالنطيحة على هذا على قسمين وكذا المتردّية وإن كان الحياة المستقرّة ليست شرطاً في تذكيتها بل يكفي الحياة التي يدرك بها ذكاتها كما روى عن الصادقين عليهماالسلام(2) ان أدنى ما يدرك به الذكاة ان تدركه يتحرّك اذنه أو ذنبه أو تطرف عينه .

نعم لا معنى لرجوع الذكاة إلى الميتة وهذا لو قلنا برجوع الاستثناء إلى الجميع وإلاّ فلو رجع إلى الأخير فيختصّ التحليل به ويكون ما اصطاده السبع مثلاً حلالاً لأنّه ذبح شرعي على الشرايط المعتبرة .

ولا يخفى ان الاستثناء ليس عن الموضوع بل يرد على الحكم ولو لم تقبل

ص: 290


1- . سورة المائدة: 4 .
2- . وسائل الشيعة 24 الباب 11/3 - 7 من أبواب الذبائح .

المذكورات كلاًّ التذكية كما لا يقبل خصوص الدم والميتة ولحم الخنزير فيكون الاستثناء منقطعا نظير قوله تعالى: « لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ »(1) هذا بيان كون الميتة عبارة عن ما مات حتف الأنف كما هو المعروف عند أهل التخاطب الذين القى إليهم القرآن اما تعليق الحكم عليها لا على غير المذكى فمعلوم من الآيات والروايات .

لا نقول ينحصر كلّ حكم في كلّ مورد على خصوص الميتة . بل لو كان لغير المذكّى حكم بين بلسان آخر وبيان كذلك كما دلّت الآية على تحريم المذكورات والروايات(2) على ما علمت انّه ميتة ورواية ابن بكير(3) الموثقة اشتملت على قوله علیه السلام فان كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره إلى جائز إذا علمت انه ذكّى قد ذكاه الذبح الخ .

وعلى هذا فما جعله القوم محلاًّ للكلام عن غير المذكى فانّما هو آتٍ من قبلهم ولا أثر له في الأدلّة الشرعيّة .

تتميم وتكميل: قد عرفت انّه علّق التحريم في الآية الشريفة من سورة المائدة على العناوين المذكورة من الميتة وما أهلّ(4) لغير اللّه إلى قوله تعالى إلاّ ما ذكّيتم . وهذه الآية استثناء وبيان لما ذكر في آية سابقة أوّل السورة حيث قال تعالى بعد قوله يا أيّها الذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلّت لكم بهيمة الأنعام إلاّ ما

رجوع الاستثناء إلى الحكم

ص: 291


1- . سورة النساء: 30 .
2- . الوسائل 17 الباب 1/1 - 4 - 6 - 7 - 9 من أبواب عقد البيع .
3- . الوسائل 4 الباب 2/1 من أبواب لباس المصلّي .
4- . سورة المائدة: 4 .

يتلى عليكم(1) فكان المذكورات في هذه الآية بيان لذلك وهي عبارة عن الميتة التي المراد بها بقرينة المقابلة وغيرها ما مات حتف الأنف من الحيوان بوجع ومرض والمراد بالبهيمة إمّا مطلق ذي أربع من دواب البرّ والبحر أو كلّ شيء لا يميّز كما عن الزجاج والاضافة إلى الأنعام للتأكيد .

والمراد بالبهيمة هي الأنعام ومعناه على هذا الابل والبقر والغنم كما عن الحسن وقتادة والسدي وغيرهم أو أجنّة الأنعام التي توجد في بطون اُمّهاتها اذا اشعرت وقد ذكّيت الامّهات وهي ميتة فذكاتها ذكاة اُمّهاتها كما روى(2) عن الصادقين عليهماالسلام وابني عبّاس وعمر أو وحشي الأنعام كالظباء وبقر الوحش وحمر الوحش . وإن قال في المجمع بعد هذه والاولى حمل الآية على الجميع . وذلك لأنّه على نقل بعض المفسّرين كانت العرب لا يأكلون الميتة ويخصّونها بذلك دون باقي المذكورات في الآية وقد اردفها بها وشملها حكم التحريم والاقتصار على لحم الخنزير لتعارف أكله عندهم كما هو الآن وما أهلّ لغير اللّه به أي رفع الصوت بغير اسم اللّه فانّه يشترط في الحليّة ذكر اسم اللّه الخاص أو يكتفي ولو بذكر بعض الصفات الخاصّة وهل يكفي قول يا اللّه فيه كلام . والمنخنقة والموقوذة وهي التي تضرب حتى تموت . والمتردّية وهي التي تقع من جبل أو مكان عال أو تقع في بئر فتموت . والنطيحة التي ينطحها غيرها فتموت . وما أكل السبع ( منه أو قتله السبع ) إلاّ ما ذكّيتم . وهذا الاستثناء إمّا راجع إلى الجميع ممّا هو قابل للتذكية كالنطيحة والموقوذة اذا بقى لها رمق يمكن تذكيتها وكذلك ما صاده السبع . أو راجع إلى

ص: 292


1- . سورة المائدة الآية 2 .
2- . الوسائل 24 الباب 18 من أبواب الذبائح .

خصوص الأخير والبواقي لا تطلق عليها عناوينها الخاصّة حتى يمتن إلاّ خصوص ما صاده الكلب المعلّم على الشرايط المذكورة من انزجاره عند الزجر وارساله عنده وأن لا يأكل إلاّ نادرا فلا يضرّ حيث قال تعالى: « قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ »(1) الخ وعلى هذا فالحكم على هذه العناوين الخاصّة كما انّ التحليل علّق على المذكّى . وعلى تقدير انقسام النطيحة وما شابهها إلى ما يمكن ذكاته وإلى غيره فالمستثنى منها خصوص الفرد المذكّى ولابدّ أن تكون التذكية على الشرايط المعتبرة . وإلاّ فيدخل في المحرّمات وان لم يشملها أحد هذه المذكورات لعدم كونه أي ما لم يستوف شرايط التذكية أحدا منها مع انه حرام قطعا كما لا وجه لتوهّم أن يقال بحليّة الكلب وغيره ممّا لم يذكر في هذه الآية استنادا إلى قصر ما ذكر في المحرم . حيث قدم اللّه تعالى الا ما

يتلى عليكم والمراد يتلى في الكتاب ولم يقل فيه غير هذه وذلك لأن بيان الأئمّة علیهم السلام أيضا عبارة اخرى عن الكتاب وهم تراجمة وحي اللّه .

فالمتحصّل من الآية اختصاص الحرمة في كلّ واحد من المذكورات بعنوانه الخاص لا بالعنوان الجامع وهو عدم المذكّى كما لا يمكن استظهار ذلك من الاستثناء بالاّ بدعوى تعنون العام بغير المذكّى بسبب الاستثناء بالاّ . وذلك لأنّه

إنّما يتمّ اذا كان الا بمعنى غير كي يعنون هذه المذكورات بكونها غير مذكاة كي تحرم واذا لم يعلم لا وجه لتحريمها .

وكيف كان فقد أشرنا سابقا إلى ان جريان استصحاب عدم التذكية وورود

اختصاص الحرمة بالعنوان الخاصّ

ص: 293


1- . سورة المائدة: 5 .

الأفعال الخاصّة لاثبات عنوان الموت وصدق الميتة على المشكوك لا وجه له بعد كون الميتة أمرا وجوديا وكون عدم التذكية لازما أعم بالنسبة إلى الموت حتف الأنف وجريان الاستصحاب لاثبات ذلك نظير جريان استصحاب الضاحك لاثبات كون عمرو في الدار بعد العلم بخروج زيد الذي علمنا بكون الضاحك في الدار بسببه عنها .

والمقام من استصحاب الفرد المردّد بعد زوال أحد الفردين بل يمكن أن يقال انّه لا يقين بالمستصحب كي يجري الاستصحاب بناء على عدم اطلاق غير المذكّى على الحيوان الذي لم يمت . بل عند زهوق الروح إمّا بورود الأفعال قبيله أو بحتف أنفه . وحيث انّه لا حالة سابقة لأحد الفردين فلا يجري الاستصحاب .

وعلى كلّ حال فاللازم تعلّق الحكم على عنوان غير المذكّى في الأدلّة كي يفيدنا جريان الاستصحاب وإلاّ فمجرّد عدم التذكية في الحيوان لا يثبت أحد هذه العناوين فلا يدخل المشكوك في أحدها ليشمله حكمها . كما ان ما ورد في بعض الروايات من ان(1) ما لم يذبح بالحديد فلا تأكل منه أو بما يؤدّي هذا المعنى لم يعلم دخل عدم المذبوحيّة في ذلك دخلاً موضوعيّا بل للاشارة والتنبيه الى ان حلية الأكل متوقف على كون الحيوان مذكّى والا ففي حال الحياة لا معنى لذلك بل لابدّ من احرازه عند الموت . ولا أصل موضوعي في المقام كما عرفت ( لا من ناحية عدم ورود الأفعال عليه ولا من ناحية عدم ثبوت الموت حتف الأنف لعدم اثبات كلّ منهما العنوان الاخر ) وحينئذٍ فيمكن استصحاب الحكم الذي كان على الحيوان حال الحياة من الطهارة وحلية الأكل لو قلنا بها وإلاّ فحرمة أكله حال

ص: 294


1- . وسائل الشيعة 24 الباب 1 - 2 من أبواب الذبائح .

الحيوة فنستصحب هذين الحكمين لعدم ثبوت جريان الأصل الموضوعي ولا امارة في الفرض على كون المشكوك مذكّى أو ميتة فيكون حراما أكله فانّه حتّى استعمال شسع من جلده طاهرا وهنا نعلم اجمالاً بمخالفة أحد الأصلين للواقع للملازمة الواقعيّة بين حرمة الأكل والنجاسة وحيث لا يكون حراما بل حلالاً فهو طاهر ولا اشكال في ذلك في الأصول الظاهريّة العمليّة .

نعم لو قلنا بعدم جريان الأصل في أطراف العلم الاجمالي لعدم شمول دليل الاعتبار مثل هذه الموارد فيسقط الأصلان عن الاعتبار ويكون المرجع الأصل الحكمي في المسئلة بعنوانها الفعلي ومقتضاه حلية الأكل وطهارته فيكون حلالاً وطاهرا .

تكميل: تصدّى سيّدنا الأستاذ قدس سره لتصحيح فتوى المشهور في نجاسة الجلد

المطروح باستصحاب عدم التذكية والجواب عن ما ذكره الفاضل التوني فاستدلّ بالآية الشريفة على كون الحلال منحصرا بالمذكّى .

توضيح الاستدلال ان المذكورات في الآية ليس لها خصوصيّة إلاّ ابتلاء الناس في الجاهليّة بها وأكلهم لها غير الميتة ( وإن كان يظهر من قوله تعالى: « وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ »(1) انهم كانوا يأكلون الميتة أيضا كما ذكر ذلك بعض المفسّرين ) فعلى هذا فالمستفاد من الآية ان الحرام على قسمين الميتة من الحيوانات والمقتول الذي لم يزهق روحه بالتذكية .

غاية الأمر ذكر النطيحة والموقوذة والمتردية لبيان المصداق فالمقتول على

تصحيح فتوى المشهور

ص: 295


1- . سورة الأنعام: 140 .

قسمين قسم بالسبب الشرعي لحلية الأكل وهو ما ذبح وذكّى على الشرايط منها القابليّة . والمقتول بغير السبب الشرعي ويمكن كون النطيحة والمتردّية وما مثلهما منقسمات إلى القسمين فيكون الاستثناء متّصلاً . غاية الأمر المستثنى منه على هذا التقدير وعلى تقدير أن لا يكون الاستثناء منها أيضا بل منقطعا كما سيجيء . العنوان الجامع وهو المقتول والميتة والمراد بالتذكية أيضا هي الأفعال الخاصّة التي ترد على الحيوان لكن بناء على أن لا يكون هي معنى بسيطا عبارة عن ما ذكر وقابليّة المحل وإلاّ فيشكل الأمر في الاستصحاب ( لعدم الحالة السابقة ) .

ولزيادة التوضيح: وتبيين المرام: نقول ان الاستثناء في الآية منقطع يستفاد منه شيئان انحصار سبب الحلية بالتذكية وحرمة الحيوان الذي لم يذكّ ولم يذبح ( أو نقول متّصل والمستثنى منه المقتول استثنى منه المذكى ) وهذه الاستفادة من نفس الاستثناء ودلالة الاّ ( لا يخفى انه وقع في كلام الاستاذ قدس سره الاستشهاد بجريان اصالة عدم التذكية التي هي عبارة عن عدم وقوع الأفعال على المحل القابل فيما اذا شككنا في قبول حيوان للتذكية أم لا مع ان موته مع الشكّ في قبوله التذكية واليقين بعدم وقوع الأفعال عليه بخلاف ما إذا كان السبب عدم قبول التذكية ) فاذا فرض هناك حيوان مقتول لم ندر انه قتل بالتذكية أو بغيرها من الامور المذكورة في الآية الشريفة من النطح والتردّي وغيرهما فيجري استصحاب عدم التذكية التي عبارة عن هذه الأفعال لكن في حال الحيوة قبيل أن يخرج منه الروح لأن المفيد إنّما هو هذا النحو غاية الأمر . يختلف منشأ اليقين والشكّ في الاستصحاب فاليقين بعدم ورود الأفعال لكونه حيّا فلم يكن قتل كي يكون بالتذكية أو غيرها . والشكّ إنّما هو من ناحية زهوق الروح وانه هل بهذه

ص: 296

الكيفيّة أو بتلك مع وجود آثار القتل مثلاً عليه .

ولا يخفى ان التذكية على هذا المعنى هي الأفعال الخاصّة والسبب أي الذي يجري على الحيوان فيزهق روحه لا المسبب .

والأمر الحاصل من ذلك وهو نتيجتها وهذا الاستصحاب إنّما جرى لترتب الأثر عليه وهو اثبات جزء الموضوع المركب من عدم ورود الأفعال والقتل وهو حاصل بالوجدان وذاك بالأصل فيترتّب على ذلك الحرمة لكن النجاسة لابدّ أن تثبت بدليل آخر وإن كان حرمة هذه المذكورات ونجاستها من المسلمات ( واستفيد من كلامه قدس سره انّه كان المحلّل منحصرا بنفس التذكية بلا حصول الموت وزهوق الروح فالاستصحاب يجري أيضا لترتّب الأثر على عدمه كما اذا فرضنا انه ذبح الحيوان وكان على نحو يمكن أكله قبل خروج روحه أو وردت عليه الأفعال وقبل خروج الروح وقع في الماء الكثير وانخنق ) وما يلزم في الاستصحاب أن يكون له أثر ولو كان ذلك الأثر دخيلاً في موضوع الحكم . فورود هذه الأفعال دخيل قبيل الموت في تذكية الحيوان وحليته والفرض انحصار المحلّل بها فيجري استصحاب عدمها في ذلك الحين لتوقّف الجريان على هذا وانحصار الأثر أيضا هذا الحال وما ذكرنا في الآية الشريفة نظير قوله تعالى: « لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ »(1) حيث يستفاد منها حكمان انحصار السبب المحلّل للأكل بالتجارة عن تراض وحرمة التصرّف في الأموال بغير هذا النحو . فاذا فرضنا موردا شككنا في حصول الرضا نستصحب عدمه ويترتّب عليه الحرمة لعدم حصول النقل والانتقال .

جريان استصحاب عدم التذكية

ص: 297


1- . سورة النساء: 30 .

والحاصل ان استصحاب عدم التذكية يجري بهذا البيان بلا حاجة إلى شيء آخر ولا استمداد من قاعدة كلّ أمر علّق على أمر وجودي يحكم عليه بحكم ضدّه حتّى يثبت ذلك الأمر الوجودي . ولكن النجاسة تثبت من دليل آخر هذا . وعلى تقدير عدم جريان هذا الاستصحاب لوجه من الوجوه تجري قاعدة الحل لعدم استبانة غير هذا أو عدم قيام البيّنة على الخلاف حيث ان في الخبر ( والأشياء(1) كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير هذا أو تقوم به البيّنة ) كما إذا حصل الشكّ في الطهارة ولم يكن هناك أصل موضوعي يجري الأصل الحكمي وهو الطهارة . الا ان ما ذكرنا يكفي في ردّ الفاضل التوني قدس سره وحاصله عدم انحصار موضوع الحكم بهذه المذكورات بل اما لا خصوصيّة لها والمراد بها مصداق الكلي المقتول أو تعميم ما في قوله ( ما ذكيتم ) إلى كلّ قابل للتذكية ويستفاد منه حكم سلبي وايجابي ويكفينا هذا البيان في ترتّب النجاسة المستصحبة على الحيوان وإن كان عدم التذكية في حال حياته لعدم الموضوع فتدبّر في أطراف ما ذكره الأستاذ قدس سره

جيدا فان في كلامه الأخير تأمّلاً واشكالاً ) .

تتميم: لا يخلو عن تذكرة لما سبق . قد تقدّم تقريب جريان استصحاب عدم وقوع الأفعال التي هي عبارة عن التذكية .

وملخّصه انّه لما كان لهذه الأفعال دخل في حلية الحيوان بمقتضى ما استفدنا من انحصار السبب المحلّل بالتذكية حسب ما تقدّم من قوله تعالى: إلاّ ما ذكّيتم(2) فلا محالة عند الشكّ في وقوع الأفعال يجري استصحاب عدمها بلا

ص: 298


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
2- . سورة المائدة: 4 .

احتياج إلى أمر زائد نظير استصحاب عدم وقوع التجارة عن تراض في ما اذا شككنا في حصولها ولو من ناحية حصول الرضا فكان الآيتين في المقامين في تقدير ( لا تسببوا بسبب في أكل المال وفي حلية الحيوان إلاّ بالتجارة عن تراض والا بالتذكية وهذا المعنى غير راجع إلى استصحاب عدم وقوع الأفعال لترتب الأثر على عدمها كي يكون عنوان عدم المذكّى موضوعا كما تقدّم تحريره سابقا في كلام سيّدنا الأستاذ قدس سره .

نعم لو قلنا بدخل العنوان الانتزاعي وأنّه لابدّ أن يثبت بالاستصحاب عدم وقوع الأفعال في حال زهوق الروح أو يثبت عنوان الميتة وهي أمر وجودي فلا مجرى له لعدم كونه مثبتا لغير اللوازم الشرعيّة ( وذلك أيضا على تقدير عدم كون الموت والأفعال عرضين لمحل واحد . سبق فيه الكلام .

التنبيه الرابع: في جريان الاستصحاب في الزمان والزماني حسب ما يقسم الاستصحاب باعتبار المستصحب الى الحكمي والموضوعي . والموضوع إمّا زمان أو زماني والزمان على قسمين: تارة له دخل في متعلّق الحكم واخرى هو موضوعه وإن لم يوجد مورد لخصوص دخل الزمان في كونه موضوعا غير دخيل في المتعلّق فمثال الدخل والموضوعيّة كقوله تعالى: « فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ »(1) ممّا هو موضوع لم يؤخذ الزمان شرط الوجوب بخلاف مثل ( إذا زالت(2) الشمس وجب الصلاة والطهور . فعند الشكّ في دخول الوقت أو

استصحاب الزمان والزماني

ص: 299


1- . سورة البقرة: 186 .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 4/1 من أبواب الوضوء واللفظ اذا دخل الوقت وجب الطهور والصلاة . الوسائل 4 الباب 4 من أبواب المواقيت الأحاديث 1 - 5 - 8 - 9 واللفظ اذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين ونحو ذلك .

دخول شهر رمضان بناء على كونه موضوعا يجري استصحاب العدم ويترتّب عليه الأثر . هذا في ناحية العدم والشكّ في تحقّق موضوع الوجوب . وأمّا في جانب دخل الزمان في المتعلق فمثال وجوب صوم ثلاثة أيّام في الحجّ عند تعذّر الهدى . فان الاتّفاق على انه إن صام الثلاثة في الحجّ يصوم السبعة إذا رجع ووقت الثلاثة إلى آخر ذي الحجّة فاذا شكّ في خروج ذي الحجّة وبقائه فهل يجري الاستصحاب بعد ان رجع إلى أهله ولم يصم الثلاثة في الحجّ أم لا . بل كان الصوم موقتا لكونه في الحجّ وبعد ذلك لا مجال للاستصحاب . هذا في الدخل في المتعلّق وأمّا كونه موضوعا فبقاء شهر ذي الحجّة . لا اشكال بالنسبة إلى ذلك في جريان الاستصحاب إنّما الاشكال في ناحية الوجود فان الأثر إنّما يترتّب على الاستصحاب وإنّما يجري إذا لم يكن مثبتا للوازم العقليّة والعادية . وعلى تقدير كون الواجب هو الصوم في شهر رمضان(1) والصلاة في الوقت فكيف يمكن اثبات وقوع الصلاة في الوقت بجريان استصحاب الوقت فان لازمه العقلي عند البقاء كون الصلاة الواقعة الصلاة في الوقت وما يكون قابلاً للاعتناء في هذا البحث هو حل هذا الاشكال الذي صار عويصة تعرض لها المحقّق النائيني رحمه الله ووعد الجواب فيما يأتي من مباحثه ولم يجب عنه أصلاً ولكن في باب الصلاة حيث ان الأمر بالقضاء كاشف عن بقاء الأمر الأوّل وكون ذلك على تعدّد المطلوب فنحن قاطعون ببقاء الوجوب وإن لم يكن حاصلاً لنا عند عدم قيام دليل على القضاء ومن المعلوم عدم دخل عنوان الادائيّة والقضائيّة في وجوب الصلاة . نعم لو ثبت اعتبار ذلك فيمكن توجه هذا الاشكال على الوجه الذي قرّروا ما في غير باب الصلاة

ص: 300


1- . وإن كان يمكن الخدشة في كون الصوم مثالاً له .

فيشكل وجود مورد ينطبق عليه هذا البحث الكلي ويكون ذا ثمر يترتّب عليه .

وكيف كان فقد استشكل في أصل جريان الاستصحاب في الزمان فيما يترتّب عليه الأثر بما حاصله ان الزمان عبارة عن الآنات المتبادلة التي لا يكون وجود اللاحق إلاّ بانصرام السابق وهذا التبدّل الوجودي ووجود آن وانصرامه وتبدّله بآن آخر يوجب تعدّد القضيّة المتيقّنة والمشكوكة المانع من انطباق كبرى الاستصحاب عليه ضرورة اشتراط اتّحادهما في جريانه . ولكن يجاب بأنّ الاستصحاب لو كان بنائه على التدقيقات العقليّة في اتّحاد القضيّتين كان لما ذكر وجه حيث انّه عند حصول اليقين بالآن الأوّل لا وجود للآن الثاني وعند تصرّم الأوّل يتحقّق الثاني فكيف يمكن الشكّ وعلى فرضه جريان الاستصحاب مع القطع بعدم البقاء ولازم هذا ان الليل والنهار مصاديق للزمان لا انّهما يعتبران قطعة

منه لهما اجزاء بل ذلك نظير استصحاب يد زيد لاثبات ان له رجلاً أمّا بناءً على كون المناط في ذلك هو العرف فلا وجه للاشكال لاعتباره الليل والنهار قطعة من الزمان يتيقّن بوجودها بأوّل جزء منه ويشكّ في بقائه فانّ الليل بين النهارين والنهار بين الليلين وتتّحد القضيّتان بما هو مناطه عرفا .

فقد تبيّن ممّا ذكرنا جريان الاستصحاب في الزمان وانّه لا مانع عند الشكّ في بقاء الليل والنهار جريان استصحاب بقائهما لاعتبار كلّ منهما في نظر العرف أمرا واحدا له اجزاء متّصلة لا تخلل للعدم بينها ويتحقّق كلّ منهما بأوّل جزء من أجزائه ويبقى إلى انتهاء وانصرام الجزء الأخير وانّهما ليسا من قبيل مصاديق الكلّي والليل والنهار طبيعتهما وإن كان في الحقيقة وجود كلّ آن بعد تصرّم الأوّل كما انّك عرفت ترتّب الأثر على مثل هذا الاستصحاب في مثل الشكّ في بقاء ما

جريان الاستصحاب في الزمان

ص: 301

يكون مشروطا بوجوده كصوم شهر رمضان فيجري الاستصحاب لبقاء الشهر ويجب أن يصوم . لكن الاشكال إنّما وقع في اتّصاف الزمان الجاري فيه الاستصحاب بأنّه من الليل والنهار واتّصاف الصلاة والصوم الواقعين فيهما بالاستصحاب بالوقوع فيهما . فان ذلك ليس شأن الاستصحاب للزوم كونه مثبتا للوازم العقليّة والعادية . بل ان جريان استصحاب الحكم لا أثر له في مثل الصلاة للعلم ببقاء الاشتغال حيث تعلّق التكليف بالذمّة أوّل الوقت ولم يأت ما يوجب سقوطه .

وعلى فرض الجريان لا فائدة فيه من حيث عدم اثباته لازمه العقلي وهو كون الصلاة في الوقت كما انه علم عدم اثبات ذلك باستصحاب نفس الوقت ولو لا ذلك لكان استصحاب الليل والنهار أولى بالجريان من استصحاب التكلّم الذي سيجيء بيان جريانه فيه لعدم التخلّل بين آنات الزمان بخلاف التكلّم .

وعلى فرض الجريان لا نحتاج إلى استصحاب عدم طلوع الشمس وعدم طلوع الفجر فيستصحب هذا العدم ويأكل في شهر رمضان مثلاً كما انّه يمكن استصحاب عدم حصول الغروب كما في ترتّب الوجوب على الصوم عند استصحاب بقاء رمضان أو عدم الوجوب عند بقاء شعبان .

وكيف كان فلابدّ من التفصّي عن الاشكال ولو فررنا منه في مسئلة الصلاة بعدم الأثر ووجود المفرّ بدعوى عدم كون القضاء والأداء عنوانين مقوّمين للصلاة بل الأمر الأدائي بنفسه باقٍ ولو بعد الوقت فلا حاجة لنا إلى استصحابه كما لا أثر له على فرض الجريان وجوب الصلاة على المكلّف على كلّ حال سواء في الوقت أو خارجه ولا يكون هناك أمران أحدهما للأداء والآخر للقضاء .

ص: 302

فيمكن تقريب الاشكال بوجه آخر يترتّب على ذلك الأثر وهو ما أشار إليه بعض الأصحاب بجريان الاشكال في خصوص وقت الاختصاص لصلاة العصر فانّ التحقيق عدم وقوع صلاة الظهر ولو غفلة ونسيانا في وقت العصر الاختصاصي كما يظهر من خبر داود بن فرقد(1) عن بعض أصحابنا عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: « إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتّى يمضي مقدار ما يصلّي المصلي أربع ركعات فاذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتّى يبقى من الشمس مقدار ما يصلّي المصلي أربع ركعات فاذا بقى مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي وقت العصر حتّى تغيب الشمس » .

وعلى هذا فلا يقع غير العصر من المشتركة في وقت اختصاصه ولا يمكن العدول لعدم الدليل فانّه في ما إذا شرع في اللاحقة فيعدل إلى السابقة لا العكس ولا يثبت الاستصحاب الجاري لبقاء الوقت ان الباقي من الوقت يسع أربع ركعات أو خمساً أو أكثر أو أقل وفرض اليقين التقديري إلى بقاء الوقت أربع أو أكثر أو أقل على تقدير كون الوقت باقيا لا يوجب رفع الاشكال خصوصا إذا كان قصد العنوان لخصوص العصر والظهر لازما .

ويمكن الخدشة في ما يقال من قصد الأمر الواقعي الذي توجّه عليه الآن لتوجّه الأمرين كليهما إليه .

نعم يمكن العدول من العصر إلى الظهر إذا صلّيها في وقت الظهر

الاختصاصي بخيال انّه صلّى الظهر فتبيّن الخلاف لكن هذا أيضا غير خال عن الاشكال حيث ان العدول في ما إذا كان ما يعدل منه واقعا صحيحا وأمّا إذا لم

ص: 303


1- . وسائل الشيعة 4 الباب 4/7 من أبواب المواقيت .

يكن يعتد به فلا وجه للعدول منه إلى سابقه لفساده من أوّل الأمر بخلافه في الوقت المشترك هذا .

لكن يمكن الجواب عن كلا الاشكالين:

أمّا عن الأخير الذي قرّبناه فبجريان الاستصحاب في بقاء مقدار ثمان ركعات من الوقت يسع كلتا الصلاتين ولو كان يقينه بذلك في ضمن العلم بسعة الوقت عشر ركعات فانّه لا اشكال في جريان الاستصحاب في ذلك إلاّ من ناحية الاشكال الأوّل وهو عدم اثبات الاستصحاب أن ما يأتي قد وقع في الوقت واتّصف بذلك .

وعن الأوّل فبانكار ذلك من رأس بل اللازم أن يصلّي وأمّا احراز وقوع صلاته في الوقت واتّصاف العمل به فلا دليل عليه كما يجري الاستصحاب في نظير المقام بل أولى بالاشكال منه في استصحاب الطهارة فان ذلك لا يوجب اتّصاف الصلاة بكونها عن طهارة ضرورة كونه من اللازم العقلي مع انّهم بقولون بجريان الاستصحاب فيها .

والحل ان ذلك لو كان من قبيل العرض والمحل جرى ما قيل فيه بخلاف ما إذا لم يجب إلاّ ايقاع الصلاة متطهّرا كما يرشد إلى ذلك نحو قوله علیه السلام لا صلاة إلاّ بطهور(1) فباستصحاب الطهارة يكون متطهّرا يوقع الصلاة عن طهارة نفسه فكذلك فيما نحن فيه بعد استصحاب بقاء الوقت ويترتّب عليه الأثر ويصلّي ويكون ذلك موجبا لفراغ الذمّة بلا اشكال .

اشكال استصحاب الوقت

ص: 304


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/1 من أبواب الوضوء .

وقد استشكل المحقّق النائيني(1) على الشيخ بجريان الاستصحاب عنده

في الحكم في الموقتات مثل الصلاة التي تقدّم الكلام عليها وكأنّه غفل أو لم يتأمّل اشكال الشيخ نفسه على هذا الاستصحاب في ذيل كلامه فراجع .

نتيجة البحث: قد علم ممّا ذكرنا جريان الاستصحاب في الزمان لاعتبار الليل والنهار أمرا عرفيّا واحدا ذا أجزاء متّصلة متبادلة تدريجيّة يجري بلحاظ هذه الوحدة الاستصحاب فيهما ولا يثبت اللوازم من كون هذا الزمان من الليل والنهار ولا نحتاج إلى استصحاب الملازمات من عدم طلوع الفجر أو عدم حصول الغروب وأمثال ذلك .

ولا بأس بالاشارة إلى فرع لم نر له عنوانا في كلمات القوم له ربط باستصحاب الزمان وهو ما إذا علم المكلّف باستلزام صلاتيه الظهر والعصر لثمان دقائق مثلاً من الزمان ولا يدري أبقي إلى آخر الوقت هذا المقدار أم لا وتارة عكس هذه الصورة بأن يعلم بقاء مثلاً ثمان دقائق لكنّه لا يدري أيسع هذا المقدار من الزمان لكلتا الصلاتين الظهر والعصر أم لا .

ففي الصورة الاولى لا اشكال في جريان استصحاب بقاء الوقت ويترتّب

عليه وجوب كلتا الصلاتين فيصلّي الظهر أوّلاً والعصر ثانيا ولكن الاشكال في الفرض الثاني فانّه يعلم بوجود الوقت وذاك المقدار فأيّ أثر يترتّب على استصحاب الوقت وكيف يجري بعد ان الفرض علمه ببقاء المستصحب إلى هذه الغاية الخاصّة فلو كان لا يسع هذا المقدار إلاّ خصوص أربع ركعات فقد انقضى

ص: 305


1- . فوائد الأصول 4/438 .

وقت الظهر بمقتضى ما تقدّم نقله من رواية داود بن فرقد(1) ولو بقي أزيد من الأربع مثلاً بل الخمس وأزيد بمعنى سعة الوقت بهذا المقدار المعلوم بقائه منه لكلتيهما أو لخمس ركعات فلم يخرج وقتهما بل بقي ولا اشكال في لزوم الاقتصار على الواجبات حينئذٍ وعلى فرض عدم الاشكال في الاستصحاب من جهته فيمكن الاشكال من ناحية كون الشكّ في المقتضي . وعلى فرض كشف الخلاف يبتني بطلان الصلاة وعدم وقوعها ظهرا كما لم تقع عصرا على ما إذا لم يكن اختصاص الأربع ركعات من آخر الوقت بالعصر لخصوص من كانت ذمّته مشغولة بالشريكة كما في أوّل الوقت .

وأمّا لو أتى بالشريكة بأن قدم العصر على وجه صحيح أو الظهر في قبل وقتها بحيث وقع جزء منها في الوقت فلا اختصاص لذلك بالمختصّ بها ظهرا كانت أو عصرا كما لا اختصاص بها بالنسبة إلى غير الشريكة مطلقا بل الوقت المختصّ لاحدى الصلاتين لا صلاحيّة له لوقوع الاخرى فيه وإن أتى بها والأوّل استظهار صاحب المصباح(2) والثاني من المحقّق النائيني. وعلى كلّ حال فيمكن تصحيح الصلاة على الأوّل ظهرا وإن لم يبق إلى آخر الوقت إلاّ خصوص ما يسعه بأن لم يزد هذه الثمان دقائق على وقت الظهر .

والحاصل انّه يمكن اجراء الاستصحاب وان كان بقاء الوقت ومقدار دقائقه متيقّنا في الوقت الاشتراكي لأن قبل زمان الشكّ كان متيقّنا بسعة الوقت الاشتراكي وبقائه لكلتا الصلاتين ويشكّ في بقائه أو في حصول غايته فيمكن

امكان كون الشك في المقتضى

ص: 306


1- . وسائل الشيعة 4 الباب 4/7 من أبواب المواقيت .
2- . مصباح الفقيه 9/100 وما بعده و449 .

جريان الاستصحاب في خصوص ذلك لا في بقاء أصل الوقت لعدم اثباته بقاء وقت الظهر والعصر لو سلم هذا الاستصحاب عن شبهة عدم الجريان من حيث الشكّ في حصول الغاية للوقت الاشتراكي وهو وإن كان ينقسم إلى ما يؤل إلى الشكّ في المقتضي كالشكّ في بقاء وقت وجوب الصوم وحصول الليل بغروب الشمس أو عند ذهاب الحمرة وإلى ما يؤل إلى الشكّ في وجود الرافع .

وقد بينّا الضابط في ذلك سابقا في أبحاثنا لكن يشكل وجود مورد يكون الشكّ في حصول الغاية فيه راجعا إلى الشكّ في وجود الرافع فانّ النهار أو الليل لا يكونان رافعين للآخر حقيقة بل ينقضي وقت كلّ واحد منهما عند حدوث الآخر .

ولا يخفى ان مقتضى رواية داود(1) ذهاب وقت الظهر ببقاء خصوص ما يسع وقت العصر وكونه حينئذٍ لو شكّ في أداء فرضه من الشكّ بعد الحائل كما إذا شكّ بعد حصول المغرب في انّه صلّى الظهر قبل العصر أي أتى بها أم لا .

هذا حاصل الكلام في هذا الفرع وكان الأصحاب لم يتعرّضوا له في الرسائل العمليّة وأمّا اشكال عدم اثباته بقاء وقت الظهر وكون الظهر مأتيّا بها في وقتها فقد علم الجواب عنه آنفا .

هذا ما يتعلّق باستصحاب نفس الزمان .

عود على بدء: تارة يقع الشكّ في سعة الوقت للوضوء والصلاة فلو كان الوقت ضيقا لا يسع كليهما فلابدّ من الانتقال إلى التيمّم ويصلّي وإن كان واسعا للوضوء والصلاة أربع ركعات مثلاً بالنسبة إلى خصوص العصر فيجب الوضوء قبل

ص: 307


1- . وسائل الشيعة 4 الباب 4/7 من أبواب المواقيت .

الصلاة فلو علم باستلزام الوضوء والصلاة مثلاً لعشر دقائق من الوقت ويشكّ في سعته فيستصحب هنا كما كان يستصحب في الفرع السابق ولو انعكس فتعلّق اليقين ببقاء عشر دقائق والشكّ في وسعتها للوضوء والصلاة فهنا يشكل أمر الاستصحاب للعلم ببقاء الوقت والاستصحاب لا يثبت ان الباقي واسع ولذا قالوا في هذه الصورة بالتيمّم حيث ان المقام من دوران الأمر بين الوقت والوضوء والوقت أهم من الوضوء فيحتمل عدم سعة الوقت وبقاء الصلاة خارج الوقت ولو بقدر فبقا عدّة تقدّم الأهم على المهم وتقدّم محتمل الأهميّة على المهم يقدم الوقت وليتيمّم ويصلّي ولا يمكن أن يتوضّأ إلاّ باطلاً أو بنيّة غاية أخرى غير الصلاة بناءً

على صحّة الترتّب وصحّحناه في محلّه .

ولكن في مثال الوقت بالنسبة إلى الصلاتين فقد ذكرنا جريان الاستصحاب في الصورة الأولى وهي ما لو علم باستلزام فعل الصلاتين مقدارا من الزمان ولا يدري بقائه فيستصحب ويأتي بها بخلاف العكس للعلم ببقاء الوقت والشكّ إنّما هو في سعته لكلتيهما والاستصحاب لا جريان له ولا يثبت السعة وعدمها كما انه لا مجال لاستصحاب الحكم وهو وجوب الظهر متعيّنا عليه مقدما على العصر للشكّ في بقاء موضوعه وهو الظهر للشكّ في سعة الوقت له .

نعم يمكن هنا اتيان أربع ركعات بنيّة ما في الواقع عليه هذا الحين فان كان الوقت واسعا لأزيد من أربع ركعات فيقع ظهرا ويأتي بعده أربعا أخرى بلا تعيين انّها ظهر أو عصر بل ما كان مطلوبا منه في الواقع وتشتغل ذمّته به وإن لم يكن الوقت واسعا أزيد من أربع فيقع ما يأتي به عصرا وما يأتي به ثانيا ظهرا ولا حاجة إلى قصد عنوان الظهر والعصر لأن ذلك حال التمكّن .

اختلاف تعلّق الشكّ في الوقت

ص: 308

أمّا لو كان هذا الفرض في العشائين فيشكل الأمر فيأتي بكلتيهما ويحتاط بقضائهما خارج الوقت .

استصحاب الزمانيات:

الكلام في استصحاب الزمانيات فمثل التكلّم وسيلان الدم ونبع الماء وغيرها فهل يجري فيها الاستصحاب بل كليّة الأفعال لحصولها تدريجيّا الا الاعتقاد فانّه أمر بسيط لا تدرج في وجوده .

نعم يتصوّر ذلك في مقدّماته .

وحاصل الكلام في هذا القسم من الزمانيّات ان الدم المشكوك البقاء إن كان عين الدم السابق بنحو يرجع إلى أحد الأقسام السابقة من الاستصحاب الشخصي والكلي الذي يجري فيه الاستصحاب فلا مجال لانكار كونه أيضا مجراه وإن كان اللازم على المرئة الاختبار في صورة الشكّ في تبدّل قسم استحاضتها مثلاً من المتوسّطة إلى غيرها ومن النافذ في القطن إلى خصوص ما لا يتعدّى الظاهر .

فتستصحب في مثل ذلك بقاء الدم أو بوصف النفوذ وترتّب عليه الأثر بل قيل ببطلان عبادتها إن لم تختبر وإن فعلت وظيفتها في هذا الحال الا انه لا وجه له بعد تمشّي قصد القربة منها .

وأمّا لو كان اليقين تعلّق بوجود شيء زائل والشكّ في استعداد الرحم واقتضائه خروج الدم مثلاً بغير ذلك المقتضى فلا وجه للاستصحاب لعدم اتّحاد القضيّتين بل اليقين تعلّق بشيء والشكّ بآخر وجرى دأب الأصحاب التمثيل بمثل التكلّم وبعض ما لا أثر شرعي عملي له إلاّ في باب النذر وكأنّه الاليق بما يكون له

جريان الاستصحاب في الزمانيّات

ص: 309

ذلك ونحن بعد التدبّر ظفرنا على مثال فقهي لعلّه يتمثّل به في المقام وهو ما إذا استأجر أو اجر شخصين للقضاء عن الميّت بالنسبة إلى صلواته المترتّبة مع لزوم الترتيب في مرتبات يوم واحد فلابدّ أن يفرغ المقدم حتّى يشتغل الآخر فاذا شكّ الثاني يمكن جريان الاستصحاب في انّه يصلّي الا ان هذا المثال أيضا قابل للخدشة للعلم بالاشتغال كلّ يوم والانقطاع .

الكلام في استصحاب التدريجيّات: لا اشكال في كون التدريجيّات كالزمان يجري فيها الاستصحاب فيما لو كان لها وحدة عرفيّة يكون بلحاظها المشكوك عين المتيقّن عرفا في أمثال ما أشرنا إليه كالدم والماء والتكلّم وربما غيرها ولا مجال للجريان فيما إذا لم يكن الوحدة محفوظة لأن فيها تعلّق اليقين بشيء والشكّ بشيء آخر ولا ينطبق دليل الاستصحاب على المجرى .

وقد ذكر لها الشيخ وغيره موارد وأقساما فانّه تارة يكون الزمان ظرفا وأخرى قيدا وفي الأوّل تارة لا يحتمل دخل الزمان في المستصحب وأخرى محتمل الدخل ففي ما إذا لم يحتمل الدخل في كون الزمان ظرفا يجري الاستصحاب ولا يجري في الباقيين .

وقد حقّقوا الكلام في ذلك وأجادوا فراجع .

نعم الذي ينبغي أن يبحث عنه في المقام ما اشتهر عن الفاضل النراقي قدس سره

وذكره الشيخ وعقبه المحقّق النائيني(1) وإن لم نجد لما فرضه قدس سره في كلامه مثالاً شرعيّا في أبواب الفقه ويمكن للمتأمّل العثور عليه وعلى كلّ حال . إذا علمنا بوجوب الجلوس في المسجد مثلاً من طلوع الشمس أو الفجر إلى الزوال ولم ندر

ص: 310


1- . فوائد الأصول 4/442 وما بعده .

انتهى التكليف بعد الزوال فلا شيء علينا أم يستمرّ الوجوب إلى الغروب فيجب علينا أن نديم الجلوس إليه فعارض قدس سره بين استصحاب وجوب الجلوس المتيقّن إلى الزوال وبين استصحاب عدم الوجوب الذي كان متيقّنا سابقا بالنسبة إلى ثلاث قطعات من الزمان أي قبل الطلوع ومن الطلوع إلى الزوال ومن الزوال إلى الأبد فانقطع اليقين وانتقض عدم وجوب الجلوس من الطلوع إلى الزوال بالعلم بتكليف المولى للجلوس إلى الزوال .

وينبغي فرض الكلام فيما إذا كان الزمان ظرفا والا فلا يتم .

أقول: بل كلامه مطلق ولابدّ أن يكون على اطلاقه كي يرد عليه ما أورده الشيخ وعقبه المحقّق النائيني قدس سره (1) .

فالاستصحاب يجري بعد الزوال إلى حين ماينتهي الشكّ إليه من امتداد

وجوب الجلوس المشكوك كالغروب مثلاً وذلك للعلم قبل ذلك بعدم الجلوس فالآن يشكّ فيجري الاستصحاب . ودفع هو رحمه الله الاشكال عن عدم اتّصال زمان اليقين بالشكّ بفرض العلم بالتكليف قبل وجود زمانه مثلاً كلّفنا المولى ليلاً بالجلوس من طلوع الفجر ولم ندر انتهاء زمانه ولكن نقطع امتداده إلى الزوال ونلتفت في الليل أيضا إلى ذلك فحينما نقطع ونعلم بعدم وجوب الجلوس بعد الزوال نشكّ في وجوبه فحصل اتّصال زمان اليقين والشكّ ولا مجال للشبهة في عدم الوحدة العرفيّة في المتيقّن والمشكوك بالنسبة إلى جريان الاستصحاب في وجوب الجلوس لأن وحدة الزمان لا اشكال في حصولها وتحقّقها بين الزوال وما بعده إلى الغروب وعدم ايجاب اليقين بالجلوس إلى الزوال والشكّ بعده إلى

جريان الاستصحابين

ص: 311


1- . فوائد الأصول 4/443 وما بعده .

الغروب تعدّد قبل الزوال وبعده كي يخرج بذلك عن الوحدة العرفيّة ولا معنى لدعوى لزوم اتّحاد زمان المتيقّن والمشكوك لأن في ذلك الفاصلة بين المشكوك والمتيقّن وما هو محلّ الكلام في الاعتبار عدم الفصل بين زمان نفس اليقين والشكّ وهو حاصل بما فرضه قدس سره .

اشكال الشيخ: استشكل الشيخ قدس سره (1) ما أفاده الفاضل النراقي من المعارضة بين استصحاب وجوب الجلوس وعدمه الأزلي بأنّ الزمان في وجوب الجلوس إلى الزوال إن كان قيدا فلا مجال بعده للاستصحاب بل يجري استصحاب العدم وان لم يكن قيدا بل أخذ ظرفا فالاستصحاب الجاري إنّما يكون استصحاب الوجوب ولا مجال لاستصحاب العدم لانقطاع العدم الأزلي بالوجوب ففي مورد جريان استصحاب الوجود لا مجرى لاستصحاب العدم وبالعكس اذ جريان الاستصحاب في الموقت الذي أخذ الزمان قيدا له يكون من قبيل اسراء حكم موضوع إلى موضوع آخر وهو بديهي البطلان . فلا مجال لاجتماع الاستصحابين كي يتحقّق التعارض وإلاّ فلا يمكن اجتماع النقيضين وهو محال .

وردّ هذا التفصيل بين جريان استصحاب العدم في ما إذا أخذ الزمان قيدا وعدم الجريان فيما كان ظرفا المحقّق النائيني(2) بدعوى جريانه فيما إذا كان الزمان ظرفا ولا يجري استصحاب العدم وكذلك إذا كان قيدا لعدم تماميّة استصحاب العدم الأزلي عنده .

فعلى كلّ تقدير لا مجال لاستصحاب العدم . نعم في صورة واحدة يجري

اشكال الشيخ على الفاضل النراقي

ص: 312


1- . فرائد الأصول 2/610 .
2- . فوائد الأصول 4/445 - 448 .

استصحاب الوجود وسيأتي الكلام على فساد جريان استصحاب العدم الأزلي الذي معناه عدم الجعل في الأزل وقبل خلق السموات والأرض وقبل كلّ شيء للتكليف إلى زمان الابتلاء والشكّ وذلك لكونه من السالبة بانتفاء الموضوع وله عليه اشكالات موجبة لعدم صحّته عنده وكذا لا مجال لاستصحاب حال الصغر وذلك لعدم الوضع حال الصغر لعدم التكليف الذي هو أعم من الاباحة وساير الأحكام .

نعم بالنسبة إلى الوضعيّات اذا حصل سببها قبل البلوغ كالجنابة فيغتسل بعد بلوغه .

وفي باب الخمس للكنز دلّ الدليل(1) الخاص على ذلك .

وبالنسبة إلى باقي العبادات من الحجّ والصوم والصلاة والزكاة لا دليل بل الدليل على الخلاف وبالنسبة إلى أرباح المكاسب فيه كلام وفي باب الضمانات يكون سببا لتعلّقه ويؤدّي عنه وليّه .

أمّا العبادات الخاصّة الواردة في بعض المقامات فبالنظر إلى الدليل الخاص وبعضها داخل في بحث ان الأمر بالأمر أمر حيث ان الوارد في بعض المقامات مروهم(2) بكذا عند سبع سنين أو خمس مثلاً ومعنى رفع القلم(3) في حديثه عدم الوضع .

والحاصل ان الاباحة الثابتة قبل البلوغ ليست إلاّ اللاحرجيّة العقليّة لتضاد

ص: 313


1- . الظاهر ان دليله العمومات .
2- . وسائل الشيعة 4 الباب 3/1 - 2 - 4 - 5 - 6 - 7 من ابواب اعداد الفرائض والألفاظ ما بين سبع وست سنين وست وسبع وثمان وتسع .
3- . وسائل الشيعة 28 الباب 8/1 - 2 من أبواب مقدّمات الحدود .

الأحكام الخمسة والاباحة منها واحتياجها إلى الجعل وانشاء واضح فكما ان الوجوب لابدّ له من الجعل كذلك الاباحة ولا اباحة ثابتة مجعولة شرعا لغير البالغ حتّى تستصحب بعد البلوغ وفرق بين الاباحة قبل البلوغ وبعده فلا موضوع للاستصحاب في ما نحن فيه .

وبالجملة لم يوضع قلم الاباحة ولا الحرمة ولا باقي الأحكام بالنسبة إلى غير البالغ وإن كان مميّزا .

نعم قبل وصوله إلى التمييز لا حرج عليه عقلاً وهو مرخى العنان وأمّا بالنسبة إلى حال التمييز خصوصا قبل البلوغ فلا يفرق العرف والعقلاء بينه وبين البالغ الذي بقى دقائق مثلاً من المراهق إلى سنّه إلاّ انّه حيث لا قلم عليه فاهمل عنه ولا يكون بالنسبة إليه جعل أيضا حتّى يستصحب إذ عدم الحكم ليس حكما ومجرّد قابليّة قلم الوضع لا يوجب جعل الاباحة الشرعيّة وهذا بعد الاغماض عن جريان استصحاب العدم حتّى بالنسبة إلى الاباحة فكما ان الأصل عدم الوجوب كذلك الأصل عدم الاباحة إذ قلم التكليف إنّما يوضع عليه حين البلوغ(1) على ترتيب الفضيّة الحقيقة سواء كان مستطيعا أم لا اذ ينشأ بالنسبة إليه حجّ إن استطعت وكذا ساير الأحكام الانشائيّة التي تكون فعليّة عند حصول أسبابها وفعليّة قيودها المأخوذة فيها كملك النصاب في الزكاة والاستطاعة في الحجّ وهكذا . بل الأحكام على هذا النحو لها الانشاء حتّى بالنسبة إلى الصغار فكما ان الاستطاعة قيد التكليف كذلك البلوغ وعلى كلّ حال فلا تتمّ مسئلة الاستصحاب

جريان الاستصحابين

ص: 314


1- . حسب ما ورد في ذلك أخبار متواترة وإن لم يكن اللفظ يستوي فيها العالم والجاهل الا انه بهذا المضمون فراجع الوسائل باب القضاء وسائل الشيعة 27 الباب 6/38 من أبواب صفات القاضي لم نجد ما يمكن منه الاستدلال على ما في المتن الا الرواية المشار إليها .

في هذا المقام للعلم بوضع القلم عليه حال البلوغ أيّ قلم كان وقبل هذا الحال لم يكن موضوعا عليه شيء كي يستصحب نعم عند الشكّ لابدّ من جريان الأصل الحكمي كالبرائة .

تكميل: ذكر الشيخ أمثلة ونظائر لمدعى الفاضل النراقي في تعارض الاستصحابين وأورد عليها بعد ان استظهر التباس الأمر على الفاضل رحمه الله .

منها: مسئلة الصوم(1) وحدوث المرض الذي يشكّ انّه يبلغ المرض الذي يجوز له الافطار فيجري الاستصحاب من الطرفين . استصحاب وجوب الصوم الثابت قبل هذا الحين الذي حصل له المرض واستصحاب عدم وجوب الصوم ازلاً قبل هذا الزمان . فان الخارج من تحت هذا اليقين بعدم الوجوب القطعة من اليوم الذي لم يحدث له المرض الكذائي والا فاليقين حاصل له قبل وجود شهر رمضان مثلاً بعدم وجوب صوم عليه . هذا الاستصحاب في العدم الأزلي الذي مفاده مفاد ليس التامّة وهو عدم وجوب الصوم عليه وقد تقدّم(2) تضعيف هذا الاستصحاب وإن كان كثير الجريان في أدلّتهم ودليله أخسّ الأدلّة وقد أشرنا إلى منع جريان استصحاب عدم التكليف والاباحة بكلا وجهيه سواء كان من السالبة بانتفاء الموضوع أو السالبة بانتفاء المحمول القائم بالعدم النعتي .

وعلى كلّ حال فيجري عنده استصحابان ويتعارض استصحاب الوجوب للشكّ في رافعيّة الموجود وذاك من جهة سبق العدم الازلي .

منها: مسئلة المتوضي الذي خرج منه المذي فيشكّ في بقاء الطهارة

ص: 315


1- . فرائد الأصول 2/604 - 605 .
2- . التحقيق خلاف ذلك .

الحاصلة بالوضوء مثلاً للشكّ في رافعيّة المذي فيستصحب الطهارة ويعارضه باستصحاب الحدث فان الخارج عن زمان تيقن حدث الحدث هو ما كان فيه متطهّرا ولم يخرج منه المذي وبعد ذلك يكون مورد الشكّ فيجري الاستصحابان .

ولا يخفى ان مرجع الشك في بقاء الطهارة بعد المذي إلى الشكّ في المقتضى بالمعنى الذي يجري الشيخ فيه الاستصحاب لا بالمعنى الذي أرجعنا كلامه في محلّه إليه الذي يرى منع جريان الاستصحاب فيه كمثال النفط والسراج والا فيشكل الأمر في الاستصحاب ويقل موارده جدا .

منها: مسئلة الخبث والشكّ في بقاء نجاسة المتنجس ببعض النجاسات بعد الغسل مرّة في القليل كالدم لا كمخرج الغائط(1) وإن جعلوا الاحتياط فيه بالغسل

مرّة بعد نقاء المحل(2) الذي جعل غاية الغسل أو التطهير في الخبر . لكن بعد زوال العين في المتنجس مثلاً بالدم والغسل مرّة يمكن حصول الشكّ فحينئذٍ يجري الاستصحاب للنجاسة ويعارضها استصحاب طهارة الملاقى وهو الماء ويسقط الاستصحابان عنده هذا . واستثنى من جريان استصحاب العدم في الصورتين الأخيرتين ما كان هناك استصحاب حاكم . ولا يخفى انّه لا حاكم في مثال الخبث وإن كان الجواب لما ذكره قدس سره واضحا .

وأجاب الشيخ عن ذلك بما سنشير إلى بعضه فانه أورد على كلامه ايرادات ثلاث . وذلك لعدم وصول النوبة إلى جريان استصحاب طهارة الملاقى لوجود

تعارض الاستصحابين

ص: 316


1- . فانّه ورد في بعض الأخبار الأمر ( وسائل الشيعة 1 الباب 28 - 29/1 - 1 - 2 من أبواب أحكام الخلوة ) بالغسل وإن لم يوجب الاجتناب عنه وفي آخر التصريح بأنّه طاهر ولو لم يكن كان معنى الأوّل العفو .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 13/1 من أبواب أحكام الخلوة .

الشكّ السببي من استصحاب نجاسة المتنجّس الذي جعل أثره الشرعي نجاسة الملاقى والاجتناب عنه بما بيّن في موضعه من انطباق ضابط الشكّ السببي والمسبّبي في ما نحن فيه وهو أن يكون أحد الأصلين رافعا لموضوع الآخر والآخر مترتّبا عليه .

ومن آثاره شرعا كما في مثال الماء والثوب النجس بالاستصحاب فعند الملاقاة يجري استصحاب نجاسة الثوب وأثره الشرعي نجاسة ملاقيه ولزوم الاجتناب عنه فلا مجرى لاستصحاب طهارة الماء الملاقى لعدم نظره إلى ذاك الاستصحاب وعدم افنائه لموضوعه وإلاّ فمجرّد تعدّد الشكّين وتسبّب أحدهما عن الآخر لا يجدي في حكومة أحدهما على الآخر ولو لا ذلك كان الأصلان متساويين في جريان أحدهما وعدم جريان الآخر فيجري استصحاب طهارة الماء ونجاسة الثوب .

وعلى كلّ فلم يعلم المراد من الأصل الحاكم في مسئلة الخبث على ما ذكره الشيخ من الايراد عليه .

وأمّا مسئلة الحدث فأورد عليها المحقّق النائيني قدس سره (1) علاوة على ما ذكره .

ان الحدث لابدّ أن يلاحظ بقوله ( إن منشأ الشكّ في ثبوت الطهارة بعد المذي الشكّ في مقدار تأثير المؤثّر وهو الوضوء وإنّ المتيقّن تأثيره مع عدم المذي لا مع وجوده أو انا نعلم قطعا تأثير الوضوء في احداث أمر مستمر لو لا ما جعله الشارع رافعا فعلى الأوّل لا معنى لاستصحاب عدم جعل الشيء رافعا إلى قوله وعلى الثاني لا معنى لاستصحاب العدم إذ لا شكّ في مقدار تأثير المؤثّر حتّى

ص: 317


1- . فوائد الأصول 4/449 .

يؤخذ بالمتيقّن انتهى كلام الشخ ) .

بما محصّله انّ الشكّ في رافعيّة المذي ليس في رتبة استصحاب الطهارة لتأخّر رتبة الرافع والمانع عن المرفوع فكيف يمكن جريان الاستصحاب من هذه الجهة والتعارض بينهما .

ولا يخفى وضوح جواب الفاضل النراقي . اما مسئلة الصوم فلا يخفى جريان استصحاب التكليف فيه لو كان الشكّ في حصول المرض الرافع للوجوب لولم يكن من باب تعدّد الموضوع وتبدّله .

ومثّل الشيخ لمورد تعارض الاستصحابين بما ذكره من مورد التقيّة فانّها اذا عرضت توجب أن يكون هذا الوضوء الذي صدر عن المسح على الخفّين مجزيا فاذا ارتفع العذر بعد الصلاة أو في أثنائها أو قبل الصلاة فحينئذٍ يحصل الشكّ في بقاء طهارته لارتفاع العذر واحتمال اختصاص ذلك بحالها ويحتمل بقاء الطهارة إلى وجود الرافع لا كالأوّل مثل التيمّم الذي وجود الماء والتمكّن من استعماله يوجب بطلانه وكذا يحسن المثال بالتكاليف الاضطراريّة والوضوء الجبيري بعد ارتفاع العذر هل يجب عليه تجديد الوضوء أم يكتفي بالوضوء السابق ومقتضى القاعدة تسوية الكلام في المقامين إلاّ انه يظهر منهم التفريق بين البابين فيقولون بلزوم التجديد في مورد رفع التقيّة بالنسبة إلى قبل الصلاة وقبل تمام الوضوء ويكتفون بالوضوء الجبيري وإن كان يقرب ما قالوا بل يكون أقوى في موارد الجمع بين التيمّم والوضوء لعدم العلم بما هو وظيفته وبطلان تيمّمه بالتمكّن من استعمال الماء .

نعم يمكن أن يتصوّر تعدّد المراتب في الخبث ورفعه كما في الأوساخ أمّا

الشك في بقاء الطهارة بعد ارتفاع العذر

ص: 318

الحدث فيشكل الأمر فيه الا ان يتشبّث بمثل الوضوء(1) على الوضوء نور على نور .

الخامس: من تنبيهات الاستصحاب جريانه في الأحكام الشرعيّة المستكشفة بالأحكام العقليّة فان ملاك الحكم الشرعي تارة هو الكتاب واخرى السنّة أو الاجماع أو دليل العقل وهذا مبنى على تماميّة قاعدة الملازمة بين ما حكم به العقل والشرع امّا واقعا كما عن بعض أو ظاهرا كما هو رأي صاحب الفصول وآخرون أنكروا الملازمة رأسا .

وينبغي الاشارة إلى مورد هذه القاعدة فنقول الحكم العقلي تارة يكون واقعا في سلسلة معلول الحكم الشرعي واخرى في سلسلة العلل فان كان الأوّل فلا مجال للكشف أصلاً وذلك كلزوم الاطاعة وعدم جواز المعصية للمولى الحكيم في ما يأمر العبد به وينهاه عنه ضرورة انتهاء كلّ ما بالعرض إلى ما بالذات والا لتسلسل أو لدار ( وكوجوب النظر إلى المعجزة فانّه لو كان بالشرع استحال بالدور أو التسلسل ) وذلك لا يختصّ بباب الأمور المعنويّة العقليّة بل جاري في الخارجيّات التكوينيّة أيضا وأحسن موارد جريانه باب الصانع والمصنوع فانّه لو لم ينته سلسلة المصنوعات والمعلولات إلى من يكون غنيّا بذاته مستغنيا في ذاته عن غيره فلا يوجد موجود مع ان في الخارج الموجودات إلى ما لا يحصرها حدّ فمن ذلك يعلم انتهائها من ناحية الأعلى إلى من هو غني في ذاته عن غيره أوجد الموجودات وأفاض عليها روح الحيوة .

ولا يخفى ان ذلك إنّما يقوم برهانا لوجود الصانع الذي يشعر به كلّ ذي

جريان الاستصحاب في الأحكام الشرعيّة المستكشفة بالأحكام العقليّة

ص: 319


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 8/8 من أبواب الوضوء .

شعور غاية الأمر الخطأ في التشخيص وأمّا برهان التوحيد فغير هذا . وإن كان الثاني بأن يكون الحكم العقلي واقعا في سلسلة علل الحكم الشرعي فهنا محلّ الكلام بناءً على تبعيّة الأحكام للمصالح والمفاسد النفس الأمريّة خلافا للأشاعرة المنكرين لحسن الأشياء وقبحها بل الحسن ما حسنه الشارع والقبيح كذلك ممّا يؤدّي إلى الجزاف . ولذا رجع محقّقوا هذه الفرقة عن هذا المبنى السخيف الفاسد والأحكام العقليّة أي ادراكاتها على قسمين تتمّ قاعدة الملازمة في قسم منها وهو ما كان ضروريّا للعقل الخالي عن شوائب الأوهام ويكون ذلك مستندا إلى المحسوسات وامّا ما يكون حكم العقل فيه بالنظر والتدبّر فلا مجال لجريان القاعدة بل في القسم الأوّل أيضا لابدّ أن يكون عالما بتمام جهات حسن موضوعه وجهات قبحه محيطا بها وأن لا يكون هناك مانع من جعل الشارع الحكم على طبق ما أدركه العقل . وإلاّ فلو اقتضت المصلحة عدم ابراز الأحكام وتكليف المكلّف بها فلا تتم كما في صدر الاسلام المكتفي فيه بالشهادتين وكما في الشرايع السابقة بالنسبة إلى أحكام دين خاتم النبيّين صلی الله علیه و آله الطيّبين وذلك لأنّ الدين عند اللّه الاسلام ودينه واحد ولا ريب في قلّة موارد احاطة العقل بهذه القيود والشروط المذكورة وانّى لنا بدرك مصالح الأشياء ومفاسدها ومع هذا التعالى والترقي في الفنون والعلوم تراهم لم يبلغ علمهم بدرك تمام جهات شيء واحد حقير كما نشاهد الأطبّاء لم يزالوا يخترعون ويستكشفون ويقصرون .

وكيف كان فبعد تماميّة المقدّمات واستكشاف الحكم الشرعي بقاعدة

الملازمة عن الحكم العقلي وقع الكلام في جريان استصحاب الحكم الشرعي عند الشكّ والتوقّف في ناحية الحكم العقلي لعدم جريانه في نفس الحكم العقلي لعدم

جريان استصحاب الحكم العقلي

ص: 320

الأثر كما لا مجال لجريانه في الملاك المستكشف . فمنع الجريان شيخنا الأنصاري قدس سره وقد مرّ كلامه وما أورد عليه المحقّق رحمه الله في ما سبق لقوله بالجريان فيها .

ومحصّل مرامه في المقام ان حكم العقل على موضوعه على نحوين . فتارة يكون له حكم واحد على موضوع أعم من العلم والظنّ والشكّ وذلك كما في ما لا يعلم انّه من الدين فان تمام موضوع حكم العقل بقبح الاسناد إلى المولى هو الشكّ لقبح الاسناد والتشريع ذاتا عند العقل وموضوع ذلك عدم العلم فما لا يعلم انّه من الدين يقبح عند العقل اسناده إليه وإلى مشرعه وورد مؤيّدا ومرشدا وممضيا لهذا الحكم العقلي في الأخبار من الذين في النار رجل(1) قضى بالحق وهو لا يعلم . . . وأخرى له حكمان حكم على موضوعه الواقعي الذي لا طريقيّة فيه ويدور مدار واقعه وحكم آخر على المشكوك منه طريقا لمحذور وقوع العاقل في ما لا يؤمن منه .

وذلك قبح التصرّف في مال الغير بداهة استقلال العقل بقبح الظلم على الناس وأكل مالهم بدون رضاهم واذنهم .

وقد ورد في التوقيع الشريف ما مضمونه انّه(2) لا يحلّ التصرّف في مال الغير إلاّ باذنه أو عن طيب نفسه فكيف بأموالنا وله في مقام الشكّ حكم طريقي لا بملاك حكمه النفسي بل بملاك آخر كما أشرنا وما يجري فيه الاستصحاب خصوص مورد الحكم الطريقي للعقل لعدم المؤمّن له فيجري الاستصحاب

ص: 321


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 4/6 من أبواب صفات القاضي .
2- . الوسائل 9 الباب 3/7 من أبواب الأنفال .

ويحصل له المؤمّن ولا يبقى مورد لحكم العقل الطريقي بعد اذن الشارع في ذلك أو عدم اذنه لتقدّمه على حكم العقل في المقام كما إذا لم يعلم انّه مال نفسه أو مال الغير وجرى الاستصحاب لأحدهما .

وأمّا الصورتان الباقيتان فلا مجال لذلك كما لا يخفى وجهه بل لا يتصوّر جريانه في مورده وينبغي استدراك ما لم نصدر كلام المحقّق النائيني رحمه الله به من تثليث موارد جريان الاستصحاب . فان عند استكشاف حكم الشرع من حكم العقل والشكّ في بقائه . هنا أمور ثلاثة الموضوع العقلي الذي كان محكوما بحكم العقل . والملاك المستكشف . ونفس الحكم الشرعي المستكشف . وما يجري فيه الاستصحاب منها هو الحكم الشرعي بالتفصيل المتقدّم ولا مجال لجريانه في الملاك ولا الموضوع لعدم الأثر والاثبات وجريانه في الحكم الطريقي إنّما هو في غير صورة الشكّ في المقتضي بمبناه المتقدّم سابقا ولو لم يجر الاستصحاب فلا مجال لاصالة الحل والطهارة وغير ذلك لتقدّم الحكم الطريقي العقلي على مثل هذه الأصول .

ونقلنا كلام الشيخ سابقا وشرحنا مرامه ولا بأس بالاشارة إليه في المقام .

فنقول: محصّل مرامه قدس سره انّه عند كشف الحكم الشرعي عن الحكم العقلي لاحظ العقل كلّ ماله الدخل في موضوع حكمه فعند الشكّ إمّا أن يكون موضوعه باقيا على حاله فلا معنى للشكّ بل نقطع ببقاء الحكم .

وأمّا ان لا يكون الموضوع باقيا على حاله فلا مجال للاستصحاب بل المشكوك موضوع آخر كما في الكذب الضار فان لوصف الضرر إمّا أن يكون دخل أو لا دخل له وعلى التقديرين لا مجال للاستصحاب لعدم شكّ العقل في

كلام الشيخ في الحكم الشرعي المستند إلى العقل

ص: 322

موضوع حكمه .

الا ان هذا الكلام من الشيخ قدس سره لا يتمّ لعدم احاطة كلّ عقل بمصالح كلّ شيء ومفاسده بل الموارد المشكوكة كثيرة يتوقّف العقل فيها حيران بخلاف الشارع لعدم معقوليّة حكمه من باب القدر المتيقّن فيحتمل كون المناط عنده في الحكم أوسع من مناط حكم العقل وقد مضى في كلام المحقّق النائيني قدس سره امكان حكم العقل من باب القدر المتيقّن فعند زوال وصف يحصل الشكّ .

ولعلّ مراده من عدم شكّ العقل في موضوع حكمه ان حكم العقل بقبح الكذب الضار من باب تطبيق كبرى قبح الضار على الكذب الضار فالموضوع عنده عنوان الضّارّ واتّفق التطبيق على الكذب كما في تطبيق كبرى حرمة الخمر على أفراده . فعند زوال الوصف والضرر لا موضوع للاستصحاب اذ يبقى نفس الكذب والعقل متوقف فيه من أوّل الأمر إذ لم يسبق حسب الفرض زمان لم يكن فيه شاكّا .

هذا بيان مرامه قدس سره خلافا للمحقّق النائيني فيجري الاستصحاب عنده في هذا الفرض الذي يتوقّف العقل فيه وما في تقرير(1) بحثه لا ينطبق على مبناه المسلم بل ينبغي توجيه كلام المحقّق النائيني بما نقول فليكن مرامه قدس سره ان في مورد التوقّف إمّا أن يكون للضرر دخل أو لا دخل له وعلى التقديرين لا مجال للشكّ فمورد الشكّ هو ما إذا يحتمل دخل الضرر في أصل المثال ومطلق الوصف والقيد الزائل موضوع في الأحكام العقليّة بنحو الموضوعيّة أو أن يكون دخلاً ملاكيّا وحيث ان لا جريان للاستصحاب عند عدم احراز الموضوع فلا مجال

ص: 323


1- . فوائد الأصول 4/451 - 455 - 457 .

للجريان أيضا في هذا الفرد . الا انه لا يوجب سدّ باب جريانه بدعوى عدم احراز الموضوع في كلّ مورد شكّ فيه لقيام احتمال الدخل الموضوعي . وذلك لأنّه يدّعي ان ذلك اذا احرزنا عدم دخله من باب الموضوعيّة بل الملاك .

غاية الأمر حيث انّه يرى عدم اطراد الملاكات للأحكام بل يمكن أن يكون الملاك القائم في فرد علّة للجعل العام في تمام أفراد الطبيعة لا يمنع عنده جريان الاستصحاب على هذا الفرض الاخير للشكّ في دخل الملاك حدوثا وبقاءً أو حدوثا مع حفظ الموضوع في كلتا الحالتين وينبغي أن يكون هذا كلامه في مثال الماء المتغيّر .

وقد علمت سابقا ورود الاشكال عليه منّا وان الملاك يدور مدار الخطاب وكلّ ما يكون هناك خطاب يكون له ملاك بنفسه يخصّه فعند الشكّ في الملاك لا يقين بالموضوع فلا مجال لجريان الاستصحاب أصلاً فراجع .

( لا يخفى ان مرام النائيني قدس سره على ما يستفاد من كلامه ومن تحرير ما كتبنا ان الشكّ في الحكم الشرعي العقلي ان كان من جهة الشك في بقاء الموضوع للحكم العقلي ان كان حكم العقل على الشك في الموضوع والقطع به والظن بملاك واحد ومناط كذلك فلا شكّ في الحكم كي يستصحب وإن لم يكن كذلك . فان كان هناك أصل محرز للموضوع من استصحاب وغيره فكذلك يثبت على الموضوع الاستصحابي حكمه ولا مجال في هذا الحال للحكم الطريقي العقلي . وإن لم يكن هناك محرز للموضوع وذلك في مورد كون الحكم الطريقي للعقل وتوقّفه فحينئذٍ إمّا أن يحرز الموضوع العرفي في باب الاستصحاب بدليله وإن لم يحرز موضوع حكم العقل فكذلك يجري استصحاب الحكم لا الموضوع وإلاّ فيكون من الشكّ

ص: 324

في بقاء الموضوع . والفرض عدم كون حكم العقل حينئذٍ بمناط حال القطع فلا أصل إلاّ الاحتياط عند العقل إن لم يكن أدلّة البرائة والحل مقدّمة عليه كما في مورد ثبوت الاحتياط في الأموال والأعراض والنفوس وإن لم يكن كذلك فيكون مجرى البرائة والحل فتدبّر .

التنبيه السادس: في الاستصحاب التعليقي وذلك كما يظهر من ما يأتي إنّما ينفع في مثل تبدّل العنب زبيبا فيغلي فهل يكون حراما أو نجسا كما ان ماء العنب كذلك والعصير أم لا بعد الاتّفاق على حرمة العصير العنبي اذا غلا . غاية الأمر وقع الكلام في بعض فروعه وكذلك الكلام في مسئلة ما لو فسخ الجعالة وعقد السبق والرماية قبل الفعل واستحقاق الاجرة والجعالة .

ويظهر من الشيخ قدس سره جريان الاستصحاب عنده في مثال الزبيب وعدمه في باقي الأمثلة وعند الميرزا رحمه الله بل عبّر بأنّه(1) ليته عكس الأمر فقال بالجريان في الثاني وعدمه في مثال الزبيب .

وحاصل الكلام في الاستصحاب التعليقي انّه لو تم أركان الاستصحاب فيه فلا مجال للمنع فالبحث إنّما هو في ذلك فعلى هذا يكون البحث صغرويّا موضوعيّا وينبغي الاشارة تبعا للمحقّق النائيني إلى امور رتبها قبل الاستدلال وإن لم يكن للأول منها كثير ربط .

اذ هو عبارة عن اعتبار اشغال المستصحب اذا كان وجوديّا لوعاء العين أو الاعتبار كما انه لابدّ أن يكون جريان الاستصحاب لأثر وإلاّ فلا مجال ولا مجرى له فاذا لم يكن المستصحب موجودا في السابق ولم يكن محرزا فبأيّ وجه يمكن

في الاستصحاب التعليقي

ص: 325


1- . فوائد الأصول 4/462 .

ان يجري فيه الاستصحاب وهذا واضح .

الثاني ما يدور في ألسنتهم من ان الأحكام تدور مدار الأسماء أو لا تدور مدارها مثلاً في الحنطة إذا كانت حلالاً فيكون الحكم عليها مادام يصدق عليها ذاك العنوان ولا يكون صادقا على دقيقها ولا عجينها فلا يسري الحكم ولا يتعدّي عنها إلى ذلك أم لا بل الحكم المجعول على الأعيان الخارجيّة والموضوعات لا يدور مدار عناوينها بل متعلّق ومجعول على المادّة كما يقوي في المتنجّسات كالحطب النجس اذا صار فحما .

وعلى كلّ هذا البحث نافع في مسئلة الاستحالة كما إذا صار البول بخارا فانقلب واستحال ماءً أو الكلب ملحا أو عين النجس رمادا . وإن كان الحكم في الأعيان النجسة أوضح لعدم صدق الكلب على ما صار ملحا ولا العذرة على ما صار رمادا . ونظير هذا البحث بحث استهلاك بعرة الفأر مثلاً في وزنة حنطة مدقوقة فعجنت مع انها استهلكت كما في الدم المستهلك في فضاء الفم وكذلك بعد أن صار مسلما ان الحكم لا يدور مدار الاسم في مورد يقع الكلام في سعته وضيقه .

وهل المادّة وان تغيّرت وتبدلّت تكون موضوعا للحكم أو لا . بل إلى غاية خاصّة ونهاية معلومة فاذا صارت الحنطة دقيقا وعجينا يكون الحكم السابق باقيا عليها إلى أن تنقلب عن الحقيقة الأوّليّة مثلاً فيدخل في عنوان آخر من الخبائث . وبالجملة فحال الموضوعات بالنسبة إلى البحث الكلي على أحد أقسام ثلاثة . فأمّا أن يكون الحكم مختصّا حسب الاستظهار من الأدلّة في الموارد الخاصّة بالعنوان فاذا زال الاسم والعنوان فيقطع بعدم بقاء الحكم وكذلك إذا كان له سعة يعم

ص: 326

العنوان وغيره في الحالات المتبادلة من الذات والمادّة الخاصّة الكذائيّة فأيضا لا مجال للاستصحاب لعدم مورد له في الثاني ولزوم تسرية حكم موضوع إلى موضوع آخر في الأوّل . والظاهر ان قولهم ان الأحكام تدور مدار الأسماء اشارة إلى الصورة الاولى وقولهم بأنّه لا تدور مدار الأسماء إلى الصورة الثانية .

وقد يكون مورد يشكّ فيه أهو من قبيل القسم الأوّل أو الثاني وهو مورد جريان الاستصحاب لو تمّت أركانه وكانت الحالة الزائلة أو الحاصلة ممّا لا يضرّ بوحدة الموضوع ويكون بقائه محرزا عرفا وثابثا لعدم دخل الحال موضوعا بل له دخل ملاكي واكتفينا في الملاك بوجوده في فرد أو حال وزمان لبقائه إلى أزيد منه ولجعل الحكم على أصل الطبيعة وكلّيها لما اشتهر ان الملاكات لا تطرد ولا تنعكس كما يقول بذلك المحقّق النائيني ويجري الاستصحاب لو لا الاشكال من جهة اخرى في أمثال الموارد .

وقد تكرّر منّا في مطاوي أبحاثنا عدم تماميّة هذا المعنى وعدم جريان الاستصحاب . نعم لا اشكال في القسمين الأولين فانّه إذا علمنا انّ البلوغ والعقل لا دخل لهما في الحكم الكذائي فلا ريب في ترتبهما على أعم من البالغ والعاقل وكذلك اذا استظهرنا اعتبار درك الوقت أو حصول الاستطاعة الفعليّة أو اعتبار العدالة والاجتهاد حدوثا .

وعلى ما ذكرنا يكون النزاع في ان الأحكام تدور مدار الأسماء أو لا تدور فعن بعض تدور وعن آخر لا تدور لفظيّا .

الثالث: ان الحكم إمّا أن يكون جزئيّا على موضوعه الخاص لا يتعداه إلى غيره ولا يكون له سعة وبسط يشمل غير الموضوع الخاصّ مثلاً كزيد واخرى لا

محل قولهم الأحكام تدور مدار الأسماء

ص: 327

يكون كذلك بل يكون كليّا . والموضوعات الخاصّة موارد تطبيق هذا الحكم لعدم وجود الطبيعة إلاّ بوجود أفرادها والشكّ في الحكم الجزئي إنّما يكون من ناحية بقاء الموضوع . وأمّا الحكم الكلي فمنشأ الشكّ في بقائه امّا أن يكون احتمال نسخه أو من جهة تغير بعض حالات الموضوع والشك في بقائه كما اذا زال التغير من الماء المتغير الذي كان التغير سببا لنجاستة وثالثة من ناحية كون الموضوع مركبا وتبدل بعض حالاته قبل وجود الجزء الآخر كما في مثال العنب الذي اذا غلا يحرم فقبل الغليان صار زبيبا وبحث دوران الأحكام مدار الأسماء له كثير دخل في هذا المقام .

تنبيه: بناء على انشاء الأحكام على موضوعاتها المقدرة كما هو شأن القضايا الحقيقيّة لا اشكال في فعليّة الأحكام بفعليّة موضوعاتها بعد ان انشأت اولاً ازلاً لاستحالة تخلف الحكم عن موضوعه للزوم الخلف والمناقضة . هذا في الأحكام الكليّة حيث انّها اما ان تكون كلية أو جزئيّة مثل الحكم الجزئي الموضوع على شخص زيد . والموضوع في الأحكام الكلية اما أن تكون هي المادة كما في مثل الحنطة حيث كانت حلالاً مثلاً فانّه لا دخل لعنوانها الخاص في ذلك كما انّه يمكن أن يكون الحكم دائرا مدار الاسم والعنوان . وعلى كلّ حال فعند الشكّ في الحكم الجزئي لا اشكال في جريان الاستصحاب في ما قلنا بالجريان كما اذا كان مستطيعا سابقا وشكّ في ذلك فبالاستصحاب يثبت استطاعته ويجب عليه الحجّ.

وكما في مثل عقد السبق والرماية والجعالة حيث يفسخ قبل السبق واصابة الرمي ورد الضالّة . فان هذه العقود لو كانت جائزة لم تبق بعد الفسخ بخلاف إذا

ص: 328

كانت لازمة وحيث يقع الشكّ في ذلك يمكن الاستصحاب بلا اشكال خلافا للشيخ قدس سره ولا وجه للمنع فان هذه العقود كساير العقود مثل عقد البيع غاية الأمر لها امتياز يختصّ بها وهل يصح جعل الخيار فيها أم لا ؟ فيه كلام كما انّه لا خيار لها في حدّ انفسها وإن كان منشأ الشكّ في جوازها ولزومها فانّ الشكّ إنّما هو في رافعيّة الموجود كما ان في النسخ في وجود الرافع أو انتهاء المقتضى لكن لا بالمعنى الذي يمنع عن جريان الاستصحاب بل يكون في ذلك تمسّكا بالاطلاق .

أمّا الشكّ في الحكم الكلي فيتصور على أنحاء ثلاثة . الأوّل أن يكون من جهة النسخ كما إذا أنشأ الشارع حكما كليّا على الموضوعات المقدّرة وشككنا في انه ازالها ونسخها أم لا بناءً على عدم اعتبار حضور وقت العمل في النسخ كما هو الحق .

الثاني أن يكون من جهة تغير بعض حالات الموضوع والفرق بين هذه

الجهة والجهة السابقة ان السابقة لا تستلزم وجود الموضوع واشغاله صفحة الوجود خارجا بل يمكن أن يقع الشكّ في بقاء الحكم المجعول الذي لم يصر موضوعه فعليّا من جهة النسخ فاما أن يستصحب بقاء الحكم المجعول كذلك أو سببيّة الموضوع له على المبنين في جعل الأحكام وإن ذلك بجعل السبب المستتبع للحكم أو بجعلها عند وجود موضوعها فيجعل المسبّب حينئذٍ وفي هذه الجهة ربما يكون الموضوع موجودا كما انّه يمكن أن يكون شخصيّا كما في الماء الخاص الذي تنجس بتغيره بالنجاسة وزال التغير بنفسه ولا يخفى ان الاستصحاب في كلا هذين الفرضين تقديري تعليقى لكن بمعنى تعليق موضوعه أي لو وجد ماء وزال تغيره الموجب لنجاسته بنفسه فهل يجري فيه الاستصحاب ولا اختصاص لذلك

الشك في الحكم الكلّي

ص: 329

بهذين الوجهين بل الأمر هكذا يكون في كلّ مورد حتّى في الامارات والأصول العمليّة كرفع ما(1) لا يعلمون وكلّ شي لك حلال(2) وغير ذلك من موارد الفقه وليس الاستصحاب التعليقي بهذا المعنى موردا للنزاع بل بمعنى آخر يكون ثالث الوجوه وهو أن يكون الشكّ من ناحية تبدّل بعض حالات الموضوع المركّب قبل وجود جزئه الآخر كما في مثال العنب اذا صار زبيبا قبل الغليان فان المسلم حرمته ونجاسته لم تكن في ماء العنب بل فيه إذا غلا سواءً عممنا ذلك بالهواء أو بالشمس وبالنار أو قلنا باختصاص ذلك بمورد خاص وإن كانت النجاسة محلّ الكلام دون الحرمة . وهذا باستمداد من بعض الأمور المتقدّمة في المقدّمة حيث ان الأحكام تارة تكون موضوعاتها مورد الشكّ في انّها تدرو مدار أسماء عناوينها أو تكون أعم . وفرضنا في ما نحن فيه عدم استفادة التعميم ولا الاختصاص في مثال العنب والزبيب مع عد الزبيب هو العنب عرفا .

فكما انه يجري الاستصحاب في نفس العنب قبل الغليان سواء كان بنحو التعليق وقلنا ان العنب اذا غلى يحرم أو وينجس مثلاً أو بنحو الوصف كما في مثل العنب الذي غلا أو الغالي يحرم أو وينجس غاية الأمر في الأوّل في حكمه الذي يثبت له بعد الغليان وفي الثاني في نجاسته وحرمته أو حليته وطهارته لو فرضنا الشكّ في ذهاب الحرمة والنجاسة بذهاب الثلثين ولم نستفد ذلك .

فكذلك يجري في ما نحن فيه الذي لم يحصل الغليان للعنب فصار زبيبا

ويستصحب الحكم الثابت على العنب عند الغليان كي يكون بحصول الغليان فعليّا

ص: 330


1- . الوسائل 8 الباب 30/2 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

على الزبيب . هذا إذا كان المأخوذ في دليل الحرمة هو العنب وأمّا لو كان ماء العنب فيمكن أيضا تصوّره بعد حصول تمام الجفاف للعنب بعد أن صار زبيبا فان لذلك مراتب وأعلاها ما لا يكون فيه رطوبة أصلاً نعم في هذه الصورة لو وضع الزبيب وصبّ عليه الماء من الخارج وحصل له النشيش والغليان لا مجال لاسراء الحكم لعدم كونه ماء العنب ولا الزبيب بعد اعتبار ذلك حسب الفرض .

نتيجة البحث: حاصل الكلام في الاستصحاب التعليقي انّه تارة يقع البحث فيه من جهة الحكم الكلي واخرى من ناحية الشخصي . أمّا الأوّل فلا يخفى ان في العنب الكلي حكمه الحلية والطهارة وبسبب الغليان يطرء عليه الحرمة والنجاسة مثلاً .

فاذا شككنا في بقاء هذا الحكم الكلي من ناحية النسخ فلا اشكال في جريان الاستصحاب مع قطع النظر عن الشكّ بالاطلاق المغنى عن الاستصحاب وكذا إذا شككنا من ناحية أخرى كتغير بعض أوصاف الموضوع وأمّا ترتيب الحكمين المجعولين على العنب إذا غلا أو على العنب الغالي فلا وجه لترتيبهما على العنب اذا صار زبيبا نعم إذا كان هناك عنب شخصي وغلا وحصل له الحرمة والنجاسة وصار زبيبا فيمكن جريان الحكمين بالاستصحاب لو فرض عدم استفادة العموم والخصوص من الدليل المتكفّل لبيان الحكم وهو خارج عن فرض الكلي وراجع إلى الموضوع الشخصي .

وخلاصة الكلام في العنب الخارجي الذي صار زبيبا انّه تارة حصل له الغليان وتنجس وحرم ثمّ صار زبيبا فيجري الاستصحاب لفعليّة الحكم بسبب فعليّة جزء الموضوع كما في الماء المتغيّر إذا زال تغيّره بنفسه فانه لا مانع من

حاصل الكلام في الاستصحاب التعليقي

ص: 331

جريان استصحاب نجاسة هذا الماء اذا لم نستفد طهارته من الأدلّة بزوال تغيّره بنفسه كما انه تزول بالقاء الكر وكما يطهر ماء البئر بالنزح حيث ان له مادّة فاذا تغيّر الماء بالنجاسة فيصيبه نجاسة فعليّة واذا زال التغير بنفسه يحصل الشكّ الموجب لصحّة جريان الاستصحاب فان كان العنب هكذا بأن حصل له الغليان الموجب لطروّ الحرمة والنجاسة عليه فلا اشكال في استصحاب هذاالحكم الشخصي على الموضوع الشخصي لو قطعنا النظر عن الاشكال الوارد في جميع هذه الموارد وهو الشكّ في بقاء الموضوع لاحتمال دخل الرطوبة والتغير في العنب والماء في حكمهما وأمّا إذا لم يكن العنب الشخصي غاليا وصار زبيبا فلا حكم له حتّى يستصحب إلاّ الحليّة والطهارة وان فرض انه غلا بعد أن صار زبيبا لأنّه مادام باقيا على عنبيّته لم يغل حتّى ينجس ويحرم وبعد أن صار زبيبا لا حكم حتى نستصحبه والفرض انه لم يحصل لنا الشكّ في الحكم من جهة النسخ .

إن قلت: يمكن جريان الاستصحاب في الحكم التقديري وهذا يفيدنا في المقام .

قلت: اما الملازمة الثابتة بين غليان العنب وحرمته فلا شكّ فيها كي نستصحبها مع قطع النظر عن كونها عقليّة لا مجال لجريان الاستصحاب فيها وأمّا الحكم التقديري الانشائي الذي جعل على العنب اذا حصل له الغليان فمقتصر فيه على موضوعه فلو استفدنا من دليله دخل خصوصيّة العنب في هذا الحكم فلا اشكال في عدم جواز اسرائه ولو بالاستصحاب إلى الزبيب وكذا لو استفدنا منه عدم دخل في الحكم للخصوصيّة العنبيّة .

إن قلت يمكن فرض الشك في ذلك وأخذنا بالعنب من باب القدر المتيقّن

ص: 332

إذ على كلّ تقدير نقطع بجعل الحكم على العنب سواء كان بخصوصه موضوع الحكم وما إذا صار زبيبا وطرء عليه الحالات المتبادلة .

قلت: لا وجه للاستصحاب في هذا المقام اذ كما عرفت لو حصل لنا ظهور الدليل بدخل العنبيّة في الحكم أو بعدم دخلها وإن الحكم موضوع على العنب بما انه يشير إلى الذات ويشاربه إلى الجسم الخاص الذي أوّل حالاته يطلق عليه اسم العنب فلا مجال للاستصحاب لعدم الشكّ وفي مقام يمكن جريان الاستصحاب لا موضوع لنا لتباين العنب والزبيب عرفا .

والحاصل ان لنا كبريين أحداهما متيقنة والاخرى مشكوكة من أوّل الأمر فالاولى انه لو غلا يكون حراما ونجسا والثانية الزبيب لو غلا يكون كذلك ولا مجال لجرى حكم احدى الكبريين على الموضوع الاخر في كبراه الخاصّة به .

وعلى كلّ لسنا ننكر الاستصحاب التعليقي لأن من موارد جريانه عندنا مثال الجعالة وعقد الرمي والسبق والوصيّة سواء كانت عهديّة أو تمليكيّة ففي هذه الموارد نقول بجريان الاستصحاب مع ان المستصحب فيها معلّق على أمر لم يحصل بعد كردّ الضالّة في الجعالة واصابة السهم وحصول السبق . فلو رجع وفسخ أحد هذه العقود قبل حصول المعلّق عليها فيها فلا اشكال في جريان الاستصحاب وكذلك الأمر في الوصيّة التي تكون معلّقة على الموت لو رجع وأخذ بعض ما تعلّق به وصيّته .

أقول: لا يخفى ان الحكم الانشائي الذي يقول به هؤلاء الجماعة نحو سنخ من الحكم الذي بحصول المعلّق عليه يكون فعليّا كما صوروه والتزموا به في محلّه ولا اشكال في عدم اشتراط شمول دليل الاستصحاب لمورد أن يكون له الأثر

قبول الاستصحاب التعليقي في بعض الموارد

ص: 333

الفعلي أو تمام الأثر بل يمكن أن يكون بعض الأثر بالاستصحاب أو ما يكون دخيلاً في الأثر والباقي بغيره من الوجدان أو غيره من الدليل وفي ما نحن فيه الحكم المجعول على العنب أو مائه هو الحرمة والنجاسة مثلاً على تقدير الغليان ولا اشكال في ترتبهما على العنب اذا حصل له الغليان وكذا اذا صار زبيبا بعد ذلك ولو بالاستصحاب .

إنّما الكلام والخلاف في ترتبهما قبل الغليان بعد أن صار زبيبا ولا اشكال في فرض حفظ الوحدة العرفيّة بين العنب والزبيب وعدم استفادة التعميم للزبيب من دليل الحرمة بل بقينا في الشكّ يمكن جريان الاستصحاب في ترتب هذا الحكم التعليقي والتقديري ولا يخفى انه لا يوجب اثبات الاستصحاب للحرمة والنجاسة لأنّه نظير استصحاب عدم النسخ لو جرى ونظير استصحاب بقاء نجاسة الماء الزائل التغير بنفسه ولا يكون المستصحب هو الملازمة .

نعم لو عدّ الزبيب موضوعا آخر عرفا غير العنب فلا مجرى للاستصحاب لعدم حفظ أركانه وعلى كلّ حال اشكال المحقّق النائيني(1) في هذا الاستصحاب لم يعلم انه ناظر إلى أيّ جهة مع التزامه بجريانه في ما إذا شككنا في نسخ الحكم فليكن المشكوك مثل هذا الحكم الانشائي بل يصرّح بذلك أي الحكم الانشائي وإن لم يعمل به في مورد كون الموضوع مركّبا وقبل حصول الجزء الآخر حصل التبدّل الموجب للشكّ فلا يستصحب حكم الحرمة والنجاسة وهو كما ترى دعوى بلا دليل بل لو كان صدوره من غير هذا الفحل لكان للضحك عليه سبيل فتدبّر كي لا تضحك علينا أيّها الجليل .

ص: 334


1- . فوائد الأصول 4/469 - 471 .

خلاصة الاشكال: على الاستصحاب التعليقي: انّه لو كان الدليل المتكفّل لبيان حكم العنب اذا غلا شاملاً لحاله اذا صار زبيبا فلا شكّ من أوّل الأمر في حرمة الزبيب ونجاسته اذا غلى وإن استفيدت الخصوصيّة واختصاص الحكم بالعنب بما هو عنب ولهذا العنوان دخل في الحكم . فلا اشكال في عدم سعة الحكم

حتّى يشمل حال الجفاف والزبيبيّة وفي الحالة المشكوكة أي حال عدم العلم باحد الأمرين وان العنب من باب القدر المتيقّن واحتمال كون وصف العنبيّة ملاك الحكم فيتوجّه الاشكال الوارد في أمثال هذه المقامات من عدم احراز الموضوع وبقائه اذ جريان الاستصحاب في المقام فرع كون موضوع الاستصحاب عرفيّا ووصف العنبيّة ملاك الحكم ولا يلزم اطراد الملاكات ولا انعكاسها بل يمكن أن تكون المصلحة أو المفسدة الكامنة في فرد علّة للجعل العام على جميع أفراد الطبيعة كما في مثال العدّة .

وهذا كماترى لا يمكن الالتزام به ولا يقول به المحقّق النائيني رحمه الله وإن أوهم تقريره في مورد ذلك فقد نقح في الموارد الاخر كما يعلم بالمراجعة إلى ما أفاد في مثال(1) الماء المتغيّر الذي زال تغيره بنفسه في جريان الاستصحاب فيه مع عدم ورود اشكال المقام فيه . اذ الشكّ إنّما هو من ناحية وجود الرافع والا فبالتغير صار الماء نجسا . إنّما الكلام في بقائها عند زوال التغير وانه أيضا من قبيل القاء الكر

مثلاً أم لا . وإلاّ فلا شبهة في كون الموضوع هو الموضوع السابق أي الماء الذي تغير ولا اشكال في ان التغير الطارئ عليه زال فلو جرى الاستصحاب اتّجه عليه هذا الكلام .

اشكال مثال العنب

ص: 335


1- . فوائد الأصول 4/462 .

وعلى كلّ حال لا مجال في مثال العنب للاستصحاب اذ لو استفدنا التعميم أو الخصوصيّة من لسان الدليل فلا مجال وفي صورة الشكّ لا يقين بالموضوع .

إن قلت: ان الموضوع للحكم في لسان الدليل يمكن أن يكون له حالتان ويشمله الحكم في لسانه باعتبار حالة من باب القدر المتيقّن فعلى هذا يمكن عند طروّ الحالة الثانية استصحاب الحكم لاتّحاد الموضوع عرفا .

وبعبارة أخرى حال ما نحن فيه من مثال العنب حال زيد العالم المحكوم في حال علمه بالاكرام اذا زال بعد ذلك العلم وصار منشأ للشكّ في بقاء الحكم .

قلت: مرجع هذا الكلام إلى ما ذكرنا سابقا لأنّه إمّا أن يكون حالته الأولى دخيلة أم لا دخل لها أو يشكّ في ذلك وعرفت الكلام في الكل وما يمكن جريان الاستصحاب فيه هو الأخير لو لا الشكّ في بقاء الموضوع بناء على جريان ما ذكرنا من الملاك وكفاية كون مصلحة الفرد ومفسدته ملاكا للجميع وقد عرفت ما فيه وإن كان على هذا المبنى والتقدير ينسد باب الاستصحاب غالبا اذ نحن والدليل فحيث ما ساعدنا نقول بمقتضاه وإلاّ فلا يمكن تقليد أحد في مدرك الحكم الشرعي .

كما لم يساعد إلاّ على خصوص ما إذا كان الشكّ في وجود الرافع أو رافعيّة الموجود على ما تقدّم سابقا .

نعم إن كان مرجع الاشكال والسؤال إلى تعدّد الموضوع حسب الدليل والاستصحاب فله وجه وسيتحّق الكلام فيه إن شاء اللّه .

بأن يكون الموضوع حسب شمول الدليل أضيق منه حسب مورد الاستصحاب لأنّ المناط في باب الاستصحاب هو العرف وهم يرون سعة في

ص: 336

الموضوعات قد لا يوافقهم الدليل عليها .

هذا . فتبيّن ان كبرى غليان الزبيب وحرمته ونجاسته مشكوكة من أوّل الأمر .

نعم لا مانع من جريان الاستصحاب في الأمثلة المتقدّمة لكونها من الاستصحابات التعليقيّة التي لا يتوجّه عليها اشكال الزبيب والعنب ولذا قال المحقّق النائيني(1) مشيرا إلى الشيخ رحمهم الله يا ليته عكس الأمر حيث منع من جريان

الاستصحاب في هذه الامثلة وقال بجريانه في مثال الزبيب وكذا لا اشكال في جريانه في الوصيّة مع ان كل هذه من الموضوعات التعليقيّة .

فلو شكّ في عقد الجعالة انّه لازم أم لا وفسخ قبل وجدان الضالّة وردّها إلى صاحبها حيث جعل له عينا خارجيّا كغنم مخصوص مثلاً لا مانع من جريان الاستصحاب التعليقي ونتيجته صيرورة الغنم مال الرادّ وداخلاً في ملكه وكذا لا اشكال في جريانه في باقي الامثلة حيث شككنا في جوازها ولزومها بعد تحقّق الفسخ ورجوع المالك قبل حصول الفعل المعلّق عليه كالرمي والسبق والموت فان هذه كلّها تعليقيّة ونلتزم بجريان الاستصحاب فيها لأنّ الجعالة عبارة عن قوله مثلاً

من ردّ عليّ ضالّتي فله كذا والوصية اذا مت فلزيد كذا ولو سبق أو سبقت فكذا وإذا أصبت برميك فالاشكال ليس في أصل جريان الاستصحاب التعليقي بل في مثال الزبيب والعنب لنا كلام عرفناك به .

وعلى كلّ تقدير فلو جرى الاستصحاب التعليقي في مورد فهل يكون

معارضا بالاستصحاب الجاري في مورد التعليق بالنسبة إلى الحكم الذي كان له

جريان الاستصحاب التعليقي في بعض الموارد

ص: 337


1- . فوائد الأصول 4/462 .

سابقا أم يكون التعليقي حاكما على غيره ؟

قد يقال بالمعارضة لعرضيتهما وعدم كون تسبب الشكّ في بقاء الحكم السابق للمورد عن الشكّ في الحكم التعليقي كي يكون مقدّما على ذلك بتقدّم الرتبة كما في استصحاب نجاسة الثوب المغسول بماء مستصحب الطهارة فيجري استصحاب حكم العنب الذي صار زبيبا ثمّ غلا الثابت له قبل الغليان وهو الحليّة والطهارة وكذلك يجري استصحاب حكم الزبيب التعليقي الذي حسب الفرض له المجرى فيتعارضان ويتساقطان حيث لا يمكن جمعهما في الجعل تحت دليل الاستصحاب ولا يشمل أحدهما المعين ولا دليل على أحدهما غير المعين مع انّه ترجيح بلا مرجّح فيرجع إلى الأصل العملي وهو الطهاره والحلية لأن كلّ شيء نظيف(1) وكلّ شيء(2) لك حلال .

اذ قد عرفت عدم تسبب الشكّ في أحدهما عن الآخر لأن منشأ الشكّ فىْ تنجسه وحرمته صيرورته زبيبا وكذا الشكّ في بقاء الحليّة والطهارة هو غليانه وكذا يجري الاستصحاب من الطرفين في الأمثلة المتقدّمة وأظهرها مثال الجعالة حيث يشكّ في تحقّق الانفساخ الذي هو في الشخصي نظير النسخ في الكلي فيجري استصحاب بقاء الغنم الخاص الذي كان جعالة في ملك مالكه وفي قباله استصحاب بقاء العقد وانّه لو ردّ ملك ماله .

ان قلت يمكن فرض جريان الاستصحاب في العنب اذا صار زبيبا بتقريب

أن كبرى الحرمة والنجاسة عند الغليان المحمولة على العنب تنحلّ إلى صغريات

ص: 338


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 37/4 من أبواب النجاسات .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

حسب أفراد العنب المقدرة التي تفرض موجودة في وعاء الخارج ويكون هذا الحكم التعليقي عليها فلكلّ جزئي للعنب وفرد له جعل عليه انه لو غلى يحرم وينجس فلو صار له الغليان قبل الجفاف لا اشكال في حرمته ونجاسته وتلتزمون بجريان الاستصحاب فيه اذا جفّ كذلك لا مانع من اجراء الاستصحاب اذا صار زبيبا ثمّ حصل له الغليان . غاية الأمر ذاك الحكم كان حكما فعليّا وهذا الأخير حكم تقديري معلّق على حصول المعلّق عليه الذي لم يحصل إلاّ بعد تغير الحالة وذلك نظير جريان الاستصحاب في مورد الضالّة والوصيّة وباقى الأمثلة المتقدّمة .

قلت: نعم الكبرى تنحلّ إلى صغريّات بتعدّد الموضوع إلاّ انّه فرق بين ما لو كان الغليان حاصلاً قبل فيستصحب الحكم الفعلي عند جفاف العنب الغالي وما لم يكن الغليان حاصلاً وتبدّل الحال إلى الزبيبيّة وغلى فلا مجرى للاستصحاب لعدم التوسعة في كبرى هذا الموضوع وهي مشكوكة من أوّل الأمر ومورد الجعل متيقّنا إنّما هو حال العنبيّة من الحكم التعليقي .

والأمثلة المتقدّمة للاستصحاب إنّما يجري فيها إذا كان موضوعها فعليّا ولذا لا يجري الاستصحاب في الملكيّة التي لم تحصل بعد ولا يقول به النائيني أيضا بل في العقد التعليقي الحاصل بالانشاء خارجا عند الشكّ في انفساحه وعدمه بعد الفسخ بفعل مشكوك حصول الفسخ به أو فيما إذا شككنا في لزوم العقد وجوازه كما تقدّم الكلام في ذلك أيضا في مثال الماء المتغيّر ثمّ زال وما نحن فيه لم يحصل فيه الغليان إلاّ بعد تبدّل الموضوع فلا يقين بالحكم في هذا الحال من أوّل الأمر ولا حكم فعلي قبل هذا الحال إلاّ الطهارة والحلية .

جريان الاستصحاب في ماء العنب الشخصي

ص: 339

توضيح الكلام: لا اشكال في صحّة جريان الاستصحاب في خصوص ماء العنب إذا حصل له الغليان وشككنا في بقاء حرمته ونجاسته لتغير الحالة وصيرورته زبيبا لكن هذا في العنب الشخصي وإلاّ فالكلي لا يتبدّل ولا يتغيّر فيصير زبيبا ولا معنى لكونه معيبا إذا وقع العقد عليه فان في مقام تعيّب الفرد المسلم إلى المشتري له أن يبدله بالآخر لسماع كلامه إن هذا الفرد لم يكن مبيعا من أوّل الأمر فلا يعقل الخيار وإنّما مورده خصوص الشخصي .

نعم يمكن وقوع الشكّ في الكلي من ناحية النسخ فقط فاذا لابدّ أن يكون مورد الكلام هو الشخصي بعد الفراغ من ورود كبرى نجاسة ماء العنب وحرمته اذا حصل له الغليان وإن ماء الزبيب وغليانه ولو بنحو ان يصب عليه ماء ثمّ يفور ويصدق عليه عرفاً انّه مائه مشكوك النجاسة والحرمة في صورة الغليان هذا مع قطع النظر عن ورود رواية خاصّة(1) في الباب . وعلى هذا فيكون حرمة ماء الزبيب ونجاسته إذا غلا مشكوكا امّا لفقد النص لعدم شمول دليل العنب له وعدم وصول دليل آخر أو لاجمال النص وعلى كلّ فيكون مجرى البرائة عندنا ومجرى الاحتياط عند آخرين .

ذينك المذهبين المعروفين في الشبهة الحكميّة التحريميّة . وعلى هذا فاذا شككنا في زوال نجاسة هذا ماء العنب الغالي وحرمته بذهاب ثلثيه بالهواء لا النار فيمكن جريان الاستصحاب لفعليّة الحكم والموضوع . كما انّه لا مانع من جريان استصحاب حليّة هذا الزبيب وطهارته إذا غلى . وهكذا في الماء المتغيّر الذي زال

امكان جريان الاستصحاب في ماء العنب وفي الزبيب

ص: 340


1- . وسائل الشيعة 25 الباب 8/2 من أبواب الأشربة المحرّمة وهناك روايات في ماء الزبيب وكيفيّة طبخه . وسائل الشيعة 25 الباب 5 من أبواب الأشربة المحرّمة .

تغيّره بنفسه يجري استصحاب النجاسة لفعليّة الحكم والموضوع في كلّ هذه ( وإن كان حال جريان الاستصحاب فيها مشكوكا من أوّل الأمر ) .

ولا يطرء على هذا الاستصحاب إلاّ الاشكال المطرد المشار إليه مرارا ولا يجري الاستصحاب في ماء العنب إذا لم يغل في غير مورد النسخ وتغير بعض حالات الموضوع ولا يكون هنا صورة ثالثة يجري فيها الاستصحاب لأن موضوع العنب مركب من جزئين العنب وحصول الغليان وقبل تحقّق كلا جزئيّة لا حكم عليه والحكم على العنب إذا غلا لا يترتّب على خصوص العنب بدون الغليان كما لا يترتّب على الغليان بدون العنب ومن المسلّم انّ الزبيب إذا غلى لا يكون عنبا .

إن قلت: يمكن تصوير جريان الاستصحاب بنحو لا يكون من القسمين المشار إليهما ولا من استصحاب مثل ما لوا انضم إليه جزئه الآخر لترتّب عليه الأثر ممّا يكون مقطوعا عقليّا ولا يفيد شيئا وهو نظير استصحاب الصحّة التأهليّة قبل وجود الاجزاء اللاحقة للمركّب ولحوقها بالاجزاء السابقة التي أتى بها بتقريب أن يقال هذا الحكم الذي علّق على وجود الغليان وطروّه على العنب إذا صار زبيبا .

قلت: إن رجع هذا الكلام إلى استصحاب دخل العنب في هذا الحكم

المجعول على الموضوع الخاص والشكّ في بقائه فيجري الاستصحاب لاثبات الموضوع المركّب من جزئين هما العنب والغليان والغليان . حاصل بالوجدان واثبات الجزء الأوّل وهو العنب بالاستصحاب لا بعنوان العنبيّة فنقول به ونلتزم له ولا يغرنّك التزامنا هذا ولا يذهب بك إلى التزامنا بالاستصحاب التعليقي في مثال

ص: 341

العنب والزبيب .

بل نقول إنّما نلتزم بصحّة هذا الاستصحاب وجريانه لأن جزء الموضوع له دخل فعلي فيه وعند الشكّ في دخله لا اشكال في استصحابه كما في كلّ مورد حصل لنا الشكّ في الموضوع المرتّب عليه الحكم من الشارع كالاستطاعة الحاصلة بالمال عند الشكّ في بقاء ماله فيستصحب المال الحاصل به الاستطاعة . أو الاستطاعة . إذ بعد أن جعل الشارع الحكم على الموضوع يكون لكلّ جزء من أجزائه دخل في ترتّب الحكم فعلاً وعند الشكّ في بقاء الموضوع نستصحب ذلك الجزء لترتّب هذا الدخل الخاص الذي هو الأثر المترتّب على جزء الموضوع عليه كما في كلّ مقام يجري الاستصحاب في ما يكون دخيلاً في الموضوع أو الحكم الشرعيّين . ولا يلزم أن يكون له تمام الدخل . وهذا غير ما يكون الموضوع فيه متحقّقا بالفعل .

وكم من فرق بين المقامين فان أردتم بالاستصحاب التعليقي هذا المعنى فنلتزم ونقول به . وإلاّ ففيه ما عرفت ولا يتوجّه عليه بعد هذا إن دخل الموضوع ليس شرعيّا لأن ذلك ليس إلاّ بجعل الشارع كما في استصحاب الاستطاعة ولا يبقى مجال الاشكال في هذا الفرض بما قرّبناه إلاّ عدم انطباق ضابط الموضوع المركّب الثابت بالوجدان والأصل .

هذا في غير العرض ومحلّه لكن عند التأمّل لا يصيبنا ذلك الاشكال

لاختصاصه بالموضوعات العدميّة إذا احتجنا إلى اثبات العدم النعتي . إذ لا مجرى لاستصحاب العدم المحمولي لعدم اثباته العدم النعتي والنعتي لا يتمّ فيه أركان الاستصحاب إلاّ إذا أجريناه في السالبة بانتفاء الموضوع وسلامته من اشكال

ص: 342

الاثبات .

والمقام ليس من ذلك القبيل إذ مقامنا من مفاد كان التامة الذي لا مساس له بذاك المقام بل يجري في كليّة الموارد استصحاب وجود الجزء الذي شككنا في بقائه عند وجود الجزء الآخر بالوجدان المنضمين لتحقّق الموضوع ويثبت به .

نعم في الموارد التي يكون المتوقّع من ذلك اثبات العنوان الانتزاعي من القبليّة والبعديّة لا مجال لهذا التفصيل في استصحاب النعتي الوجودي .

وممّا ذكرنا علمت انّه لا مجال لاستصحاب الملازمة بين حصول الغليان والحكم إذ هي عقلي لا مجال لجريان الاستصحاب فيها على انّها المقطوع بها لا الحكم المنشأ على تقدير الغليان لما ذكرنا من عدم تحقّق الموضوع .

تتميم: لا إشكال في جريان استصحاب جزء الموضوع على النحو الذي قربنا ومثله الكلام في كلّ مورد يشكّ في بقاء الموضوع أو بعض ماله من الأجزاء . من ذلك ما لو حصل له الشرايط الموجبة للحج وشكّ في الاستطاعة من ناحية بقاء ماله على ما يحصل به ذلك . فلا شبهة في جريان الاستصحاب . والقيود الاخر أيضا حاصلة بالوجدان ولا مجال لتوهّم اثبات هذا الاستصحاب لعدم انطباق ضابط التركيب على ما نريد استصحاب جزئه به . بل الموضوع مقيّد والاستصحاب لا يثبت ذلك وإنّما ينفع الاستصحاب إذا كان الموضوع مركبا من جزئين مثلاً فحصل أحدهما بالوجدان ويثبت الجزء الآخر بالتعبّد بالاستصحاب وذلك لان الفرق بين التقييد والتركيب إنّما يمنع من جريان الاستصحاب العدمي إذ العدم المحمولي لا ينفع . والنعتي ليس له حالة سابقة بخلاف ما نحن فيه فللمستصحب حالة وجوديّة شككنا في بقائه فانّ العنب تحقّق في الخارج قبل

الاشكال في استصحاب جزء الموضوع

ص: 343

وجود الغليان . نهاية الأمر صار تبدّل حال الرطوبة إلى الجفاف موجبا للشكّ في بقاء الموضوع فيجري فيه الاستصحاب وعند وجود الغليان يترتّب الأثر المطلوب الذي تعلّق به الجعل فهذا هو الاستصحاب التعليقي وإن أبيت إلاّ عن ذلك فلا تنازعك في تسميته استصحابا تعليقيّا لأنّ الموضوع فيه فعلي وليس كاستصحاب الحكم على الموضوع على تقدير الغليان ممّا عرفت الاشكال فيه هذا . وذلك لان مثل كبرى الزبيب إذا غلى حرم وليس مشكوك الحدوث ولا يقين بها حتّى يستصحب . هذا على تقدير الاغماض عن اشكالنا وإن تبدّل حالة الموضوع مع صدقه عرفا على المتبدّل لا يوجب منع جريان الاستصحاب . وإلاّ فيمكن طرا أن يقال ان عند تغيّر الحالة إمّا أن نقطع بعدم دخل الحالة المتبدّلة وإمّا

أن نقطع بدخلها فلا مجال للاستصحاب في كلتا الصورتين أو نشكّ في الدخل وعدمه فنشكّ في بقاء الموضوع فكيف يمكن جريان الاستصحاب .

وعلى كلّ حال اجراء الاستصحاب في الحكم للشكّ في جعله من أوّل الأمر في كبرى الزبيب مع كونه غير العنب ولا يمكن توسعة الحكم عليه بهذا . ولكن كلّ ذلك على تقدير أن يكون الكبرى المبحوث عنها ان العنب إذا غلى يحرم وينجس فلا يشمل الزبيب ويكون من أحسن موارد جريان البرائة عندنا والاحتياط عند المحتاطين . مع ان الكبرى المستفادة من الأخبار إنّما هي في خصوص العصير ولم يرد نص في ان العنب إذا غلى فيكون كذا .

ومقتضى الجمود على ظاهر هذا المعنى عدم تحقّق مورد يكون العصير زبيبا بل يكون دبسا بعد ذلك وان سامحناكم وازلنا خصوصيّة العصير وقلنا باستفادة العموم لماء العنب ولو في الحبّة بلا عصر أو خرج مائه بنفسه فيكون

اشكال استصحاب حرمة العنب إذا غلى

ص: 344

الموضوع أيضا هو ماء العنب ولا يشمل الزبيب ولا مائه خصوصا لو فرض انّه لم يبق للزبيب رطوبة .

نعم يمكن فرض رطوبة ماء الزبيب بأن يلقى في ظرف من الماء وينفذ فيه ويطلق عليه عرفا انّه ماء الزبيب فيسري إليه الحكم بالاستصحاب أو نفرض الكلام في ما لم يجف رطوبته بالمرّة بل بقي فيه بقيّة تخرج بالغليان فللاستصحاب وجه إلاّ ان هذا الفرض لا يخلو من مغالطة . حيث ان في صورة جفاف الزبيب بحيث لم يبق فيه رطوبة أصلاً والقاء الزبيب في الماء ونفوذه فيه وإن اطلق عليه انّه

ماء الزبيب عرفا إلاّ ان هذا الماء ماء خارجي امتزج بالزبيب واكتسب العنوان ولا حالة له سابقا أصلاً في مائيّته للزبيب ولا العنب كي يستصحب حكمه في هذا الحال بل هذا أمر مباين حدث جديدا فكيف يمكن جريان الاستصحاب لشمول هذا الفرد(1) وإن كان حكم الكبرى انحلاليّا ينحلّ إلى أحكام حسب تعدّد الأفراد نعم يمكن في صورة الشكّ في بقاء الرطوبة وعدم استصحابها فيما ينفع وعلى هذا فلا يبقى مجال ومورد لهذا الاستصحاب لعدم كون هذا الماء ماء الزبيب على نحو مائيّة الماء للبطيخ أو الدابوغة والرمّان .

هذا مع قطع النظر عن بعض الروايات الواردة في نفس الزبيب منها: رواية(2) زيد النرسي في أصله، سئل أبو عبداللّه علیه السلام عن الزبيب يدقّ ويلقى في القدر ويصبّ عليه الماء ويوقد تحته فقال علیه السلام: لا تأكله حتّى يذهب الثلثان ويبقى

ص: 345


1- . حتّى انا لو قلنا بجريان الاستصحاب في الحطب عند صيرورته فحما قل ورمادا لا يمكن أن نقول في المقام لأنّ الذات باقية في الفرضين وإن صارت فحما أو رمادا بخلاف المقام لأنّه شيء جديد حادث لم يكن ذات العنب ولا مائه .
2- . مستدرك الوسائل 17 الباب 2/1 من كتاب الأطعمة والأشربة .

الثلث فانّ النار قد أصابته .

قلت: فالزبيب كما هو يلقى في القدر ويصبّ عليه الماء ثمّ يطبخ ويصفى عنه الماء فقال علیه السلام كذلك هو سواء إذا أدّت الحلاوة إلى الماء فصار حلوا بمنزلة العصير ثمّ نشّ من غير أن يصيبه النار فقد حرم وكذلك إذا أصابته النار فاغلاه فقد فسد . وإلاّ فبمقتضى ذلك ان الماء الحلو الذي حصل له الحلاوة بطبخ الزبيب وكونه سببا لتغيّر طعم الماء واضافته يكون حراما إذا حصل فيه الوصف . وعلى هذا فما يلقى في الامراق وفي مثل الأرز من الكشمش والزبيب فاذا حصل له الغليان يكون حراما أو ونجسا فلا يجوز أكله .

نعم إذا لم يحصل العلم بذلك فلا مانع من أكله إلاّ ان الرواية في نفسها ضعيفة لا جابر لها من عمل المشهور أو غيره فيبقى حكم الزبيب ومائه إذا غلى مشكوكا جاريا فيه الأصل في الحلية والطهارة بلا اشكال والحمد للّه .

تذنيب: كان في زمان يتّخذ الخمر من أشياء كما يرشد إليه الرواية(1) عن عامر ابن السمط عن علي بن الحسين علیه السلام قال: الخمر من ستّة أشياء: التمر والزبيب والحنطة والشعير والعسل والذرّة وفي رواية(2) ابن اسحاق الهاشمي عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله: الخمر من خمسة العصير من الكرم والنقيع من الزبيب والبتع من العسل والمرز من الشعير والنبيذ من التمر . إلاّ ان هذا بالنسبة

إلى المتداول في زمانهم .

أمّا اليوم فقد تبين انه يصنع الخمر ويعمل من غير هذه الأشياء أيضا فلو لا

ص: 346


1- . الوسائل 25 الباب 1/6 من أبواب الأشربة المحرّمة .
2- . الوسائل 25 الباب 1/3 من أبواب الأشربة المحرّمة .

توسع المصنوعة في زمانهم علیهم السلام لكان أسماء مخصوصة كما ارشد الرواية إلى تسمية ما يعمل من الزبيب نقيعا . ولايخفى ان النبيذ الذي هو حرام لاسكاره غير النبيذ الذي اشير إليه في الرواية(1) الواردة عن أبي عبداللّه علیه السلام حيث سأله رجل كما روى حنان بن سدير ما تقول في النبيذ فانّ أبا مريم يشربه ويزعم انّك أمرته بشربه ؟ فقال صدق أبو مريم سألني عن النبيذ فأخبرته انّه حلال ولم يسألني عن المسكر ثمّ قال: ان المسكر ما اتقيت فيه أحدا سلطانا ولا غيره .

قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله كلّ مسكر حرام وما اسكر كثيره فقليله حرام .

فقال الرجل هذا النبيذ الذي أذنت لأبي مريم في شربه أيّ شيء هو ؟ فقال: أمّا أبي فكان يأمر الخادم فيجيء بقدح فيجعل فيه زبيبا ويغسله غسلاً نقيّاً ويجعله في اناء ثمّ يصبّ عليه ثلثة مثله أو أربعة ماءً ثمّ يجعله بالليل ويشربه بالنهار ويجعله بالغداة ويشربه بالعشي وكان يأمر الخادم يغسل الاناء في كلّ ثلاثة أيّام لئلاّ يغتلم فان كنت تريدون النبيذ فهذا النبيذ .

وكيف كان فربمايستدلّ على المطلوب بالمذكور في رواية(2) النرسي الماء

الذي أدى إليه حلاوة الزبيب اذا غلا بدخوله تحت عنوان المسكر وانه نقيع وان الغليان كاشف عنه فحينئذٍ وإن لم يكن هذا الخبر جامعا لشرايط الحجيّة لضعفه الا ان أخبار تحريم المسكر ونجاسته كافية في المقام فانّه لم يخالف أحد في تحريم المسكر ويكون حراما بلا اشكال وكذا نجسا على الصحيح وكذا قد يحتمل نجاسة وحرمة الكشمش المحشى بالارز فضلاً عن ما يلقى في الامراق بتوهّم صدق

كلّ مسكر حرام

ص: 347


1- . الوسائل 25 الباب 22/5 من أبواب الأشربة المحرّمة .
2- . مستدرك الوسائل 17 الباب 2/1 من أبواب الأطعمة والأشربة .

النقيع عليه . لكن لا وجه لهذا الاحتمال لعدم مكان لاحتمال صيرورته نقيعا وإن كان المرجع فيه أهل الخبرة وانّه هل بالغليان يحصل فيه هذه الخصوصيّة أم لا . وعلى تقدير الحصول لا معنى لكون ذهاب الثلثين محللاً ومطهرا له لعدم انقلابه عن حقيقته والخمر قليله مع كثيره سواء بل قطرة منه أيضا .

وعلى هذا فلا يمكن التمسّك بأخبار تحريم المسكر وبأدلّة نجاسته عليه وكذا لا وجه لما يستدلّ به على المطلوب من أخبار(1) البختج وأخبار تقسيم آدم ونوح عليهماالسلام العنب مع ابليس الثلثين له وفي بعضها ان(2) الثلثين من الخبائث وان الثلث ذاك .

الحلال الطيب يكون هذا دليلاً على الطهارة للثلث كما في قوله تعالى فتيمّموا صعيدا طيّبا(3) . تمسّكوا بذلك في مقام عدم دليل آخر ولا بأس به وعلى كلّ تقدير فقد يظهر من الأخبار خباثة الثلثين وانهما للشيطان ومقتضى هذه الشركة لو كانت بنحو الاشاعة الاشتراك في كلّ جزء جزء كما في الملك المشاع انّه لا يمكن التصرّف في كلّ جزء منه لاحتمال انه من الشيطان .

نعم حل الثلث لآدم ولنوح عليهماالسلام وعلى هذا المعنى في الشركة فقد يشكل أمر الوقف المشاع حيث لا يمكن الافراز على هذا . إلاّ أنّ ذلك كما ترى إذ لا يكون هذا دليلاً على المطلوب ( بل هذا هو الملاك في لزوم ذهاب الثلثين والا فالأخذ بظاهرها كما ترى لا يخفى ما فيه وكذلك بعض ما ورد في التمر حيث ورد(4) ان

ص: 348


1- . الوسائل 25 الباب 7/1 الى 4 .
2- . الوسائل 25 الباب 2/2 إلى 5 - 10 - 11 من أبواب الأشربة المحرّمة .
3- . سورة المائدة: 7 .
4- . الوسائل 25 الباب 2/6 - 7 - 8 .

الطلا ان طبخ حتى يذهب منه اثنان ويبقى واحد فهو حلال وما كان دون ذلك فليس فيه خير . ولا يذهب عليك ان ذهاب الثلثين ليس بمعنى ان كلّ ما يفرض فلابدّ أن يذهب ثلثاه للتسلسل غير المنتهى إلى حد بل بالمعنى المعلوم في المقدار الخاص من العصير بعد أن صار طاهرا وحلالاً لا يلزم ثانيا تكرار العمل .

وكيف كان فلا يمكن استفادة التحريم للعصير الزبيبي أي الماء المذكور في الرواية الممزوج بالزبيب الذي غلا وأدّت إليه حلاوته من هذه الأخبار والأدلّة التي سطروها فيكون من موارد الشكّ في التحريم ومورد البرائة حسب أخبارها بل يمكن أن يدّعى القطع في مثل ما يحشى به الازر ونحو ذلك .

نعم لو أراد أحد أن يحتاط فلا بأس به في ما يلقى في الامراق لاحتمال صدق النقيع كما ( لعلّه ذهب إليه الحاج آقا رضا واحتمله(1) في طهارته ) وهذا الاحتمال أيضا قطعي العدم وقد عرفت حال الاستصحاب التعليقي . هذا عمدة الكلام .

بقي في المقام فذلكة لا بأس بالاشارة إليها وهي انّه قد عرفت ممّا ذكرنا عدم الفرق بين ما التزم المحقّق النائيني(2) بجريان الاستصحاب فيه من مورد الضالّة في الجعالة والسبق والرماية وما أنكره على عكس ما فعل الشيخ وتمنى أن يكون الشيخ قد عكس الأمر بجريان كلّ ما قلنا في استصحاب العنب الغالي في مثل ردّ الضالّة والوصية فلو جرى الاستصحاب في هذه الموارد فيجري في مورد استصحاب العنب وإن لم يجر فيه فلا يجري فيها في الأمثلة أيضا .

الفرق بين مقامين في كلام المحقّق النائيني

ص: 349


1- . مصباح الفقيه 7/221 و222 لكن ظاهره خلاف ما في المتن .
2- . فوائد الأصول 4/461 - 462 .

وما ذكرنا سابقا من جريان الاستصحاب في العقد إنّما هو مغالطة وإلاّ فالعقود أيضا تعليقيّة لعدم تجاوزها عن تضمنها انشاء الملكيّة المعلّقة على الموت في الوصيّة وعلى حصول السبق واصابة الهدف وردّ الضالّة في باقي الأمثلة .

نعم لا مانع من جريان استصحابها عند الشكّ في بقائها وعدمه من ناحية الفسخ حيث يشكّ ان الشارع هل جعل بيدهم الخيار من جهة حكمه بجوازها لاعدام هذه العقود وابطال هذه الانشاءات أم لا فاذا فسخ يشكّ في البقاء فيكون مورد الاستصحاب وهذا يكون نظير النسخ في الحكم الكلي كما التزم به النائيني رحمه الله وقد عرفت مخالفتنا للمرحوم في جريان الاستصحاب في جزء الموضوع بخلافه فلا يجريه ( لا فرق بين ما التزم فيه المحقّق النائيني في الموردين وبين ما اختاره سيّدنا الأستاذ إلاّ في جريان الاستصحاب في جزء الموضوع بخلافه وذلك واضح بعد ان جعل الفسخ في هذه كالنسخ في الحكم الكلي وكذا يجري الاستصحاب كما لعلّه صرّح به فيما إذا تبدّل حال الموصي والموصي له بعد تحقّق الوصيّة وحصل الشكّ في بقاء العقد على حاله كما لا يخفى وجهه فتدبّر .

تذنيب: لا بأس ببيان مثال تمثل به النائيني رحمه الله(1) في بيان تعدّد موضوع الاستصحاب وموضوع الدليل وذلك لأن موضوع الدليل لا يشمل موضوع الاستصحاب وإلاّ لم نحتج إلى الاستصحاب فان موضوع الدليل كفرضه في مثال الحطب الذي صار فحما هو الحطب ورتّب حكما عليه كالحرمة والطهارة فانّه لا اشكال في مباينة الفحم عرفا للحطب .

ص: 350


1- . فوائد الأصول 4/469 - 470 .

فاذا قيل الحطب حكمه كذا لا يتوهّم أحد شموله للفحم ثمّ اذا تبدّل هذا الحطب بالفحم شككنا في بقاء حكمه من الحرمة والطهارة فنريد تعميم موضوع الدليل بالاستصحاب اذ موضوع الاستصحاب حسب نظر العرف فيه توسعة لا يكون تلك التوسعة في موضوع الدليل .

فعلى هذا بمناسبة الحكم والموضوع يفهم ويعلم ان موضوع الطهارة والحرمة هو ذات الحطب الا انه اذا تبدل هذا العنوان يشكّ في بقائه لاحتمال دخل الوصف الزائل في الحكم بحيث لا يبقى بعد ذهابه وزواله فهنا حيث يرى العرف الفحم الباقي هو الحطب الذي كان موضوعا لحكمه فلا اشكال في صدق نقض اليقين بحكم الحطب بالشكّ لو لم نجر على الفحم الحكم الذي كان ثابتا له بحسب دليله والمناط في جريان الاستصحاب هو ذلك فانّه لابدّ من صدق نقض اليقين بالشكّ حسب ما يرى العرف بقاء الموضوع الذي تشخيصه منوط بنظره وفي ما نحن فيه من مثال الحطب حيث ان أركان الاستصحاب تامّة فلا مانع من جريان الاستصحاب مع ان موضوع الدليل غير موضوع الاستصحاب .

وكلّ هذا بعينه يجري في محلّ الكلام من الزبيب الغالي لصدق النقض

بالشكّ لليقين عليه اذا لم نجر على الزبيب اذا غلا الحكم الثابت على العنب وإن كان عنوان الحكم وموضوعه هوخصوص العصير وماء العنب إلاّ انّه لا بأس حسب اقتضاء الاستصحاب اسراء الحكم إلى الزبيب أيضا لما يرى العرف انّه هو ذات الجسم الذي ثبت له الحكم المشكوك في بقائه فلا محالة يجري الاستصحاب ولا مانع إلاّ من ناحية بقاء الموضوع وهذا لا يختصّ بهذا القسم من الاستصحاب بل يجري في الاستصحاب التنجيزي أيضا لأنّ الوصف والحالة

لابدّ في الاستصحاب من بقاء الموضوع

ص: 351

الزائلة إن كان دخيلاً في الاستصحاب موضوعا أو غير دخيل فلا يجري الاستصحاب وإن كان مشكوكا فيكون الموضوع مشكوكا وعلى كلّ لا يجري الاستصحاب وعلى هذا فلا فرق بين الاستصحاب التنجيزي والتعليقي فان الحكم التعليقي أيضا يكون موردا للاستصحاب فكما انّه يجري الاستصحاب في التنجيزي في ما إذا شككنا في وجود الرافع أو رافعيّة الموجود وكذا من جهة النسخ فكذلك الكلام في التعليقي وإلى ذلك التقريب ينظر من يقول بجريان الاستصحاب التعليقي(1) وإلاّ فلابدّ من اختصاص أخبار الاستصحاب بموردها من الشكّ في نقض الوضوء وهو خلاف ما استفدنا من عمومها لكلّ مورد وانّه لا خصوصيّة للوضوء فحينئذٍ يجري في ما إذا تبدّل وصف من أوصاف الموضوع وصار منشأً للشكّ في زوال الحكم بل وكذا باب النسخ فانّه لابدّ في تشريع الحكم واثباته من غرض في الجعل ولو الامتحان وذلك يستلزم مرور زمان ثمّ بعد ذلك يكون مورد النسخ لخصوصيّة زمانا أو زمانيّا كما انّه يحتمل أن يكون من هذا القبيل نجاسة الناصبي فيكون بيان الناسخ لطهارته في زمن الأئمّة علیهم السلام فهذا أيضا يرجع إلى تغيّر الوصف والحالة من حالات الموضوع .

هذا كلّه على تقدير ان يكون لاستصحاب عدم النسخ أساس وإلاّ فكما سيجيء في مقامه انّه لا حقيقة له بل ذلك من التمسّك بالاطلاق .

هذا غاية ما يقال في تقريب الاستصحاب التعليقي . فعليه لا فرق بينه وبين

ص: 352


1- . يجري عند المحقّق الآقا ضياءالدين العراقي شيخ مشايخنا . نهاية الأفكار 4/162 - 166 وعند السيّد الجليل الحكيم حقائق الأصول 2/468 وما بعده والسيّد الخوئي مصباح الأصول 48/168 - 164 - 165 في العقود التعليقيّة في المتن ولا يجري في مسئلة الزبيب والمحقّق البجنوردي منتهى الأصول 2/466 وما بعده لا يجريه قطعاً .

الاستصحاب التنجيزي وكلّ هذه الموارد يجري فيها الاستصحاب بلا اشكال إلاّ انّه قد يعارض هذا الاستصحاب على تقدير جريانه الذي لا نقول به باستصحاب الحلية والطهارة الثابتة لهذا الزبيب قبل الغليان سواء كان منشأ الشكّ في بقاء الطهارة والحلية هو الغليان ومنشأ الشكّ في جريان الاستصحاب التعليقي هو زوال الوصف أو كان منشأ الشكّين أمرا واحدا وهو زوال الوصف فانّه لو لا ذلك فكان العنب إذا غلى يحرم وينجس فالسبب في الشكّ هو زوال الوصف والاستصحابان في عرض واحد لا يشمل كليهما دليل الاعتبار ولا أحدهما معينا للترجيح بلا مرجح ولا غير معيّن وهذا معنى المعارضة فيرجع إلى أصل الطهارة والحلية في مشكوكهما اذا غلى عصير العنب ولكن قد يمنع المعارضة ويقال في وجه عدم التعارض ما عن بعض المحقّقين ( هو الميزرا أو غيره ) بأن منشأ الشكّ في بقاء الحلية والطهارة هو الشكّ في ان عصير الزبيب هل ينجس ويحرم بالغليان أم لا الذي هو موضوع الاستصحاب التعليقي فاذا جرى الاستصحاب التعليقي فلا يبقى مورد للشكّ في جريان الاستصحاب الفعلي في الطهارة والحلية كما هو الشأن في كلّ استصحاب حاكم على غيره لأن شمول الدليل الحاكم فعلي بلا توقّف على شيء وفي المسبب على تقدير عدم شمول الدليل الحاكم ( ولا يتوجّه على هذا جريان المسبب باصله ونتيجته نجاسة الماء المشكوك الطهارة في ما إذا غسل به الثوب المستصحب النجاسة وقد بيّن جهة تقديم الاستصحاب الحاكم على المحكوم واشترط في ذلك أن يكون المسبّب من ما يترتّب شرعا على السبب ويكون ترتبه شرعيّا وإن كان مرجع الشرطين إلى أمر واحد فاذا كان كذلك فيجري الاستصحاب السببي وبه ينتفي موضوع الاستصحاب المسببي )

ص: 353

وقد بيّن ضابط الحكومة في محلّه والفرق بينها وبين الورود فانّ الحكومة كما عرفها الشيخ أن يكون أحد الدليلين متعرّضا لشيء لا ينفيه الآخر ويكون مذهبا لموضوع الدليل الآخر .

توضيح وتكميل: قد ذكرنا تقريب تعارض الاستصحابين وأشرنا إلى الجواب اجمالاً بأن يكون الاستصحاب التعليقي حاكما على الاستصحاب الآخر وضابط الحكومة سواء كان في الأصلين أو في الامارتين أن يكون أحدهما متعرّضا لشيء لا يتعرّض له الآخر أو يثبت شيئا لا ينفيه الآخر وبعبارة اخرى يكون لأحدهما الاقتضاء وللآخر لا اقتضاء له كما في قولك لا أدري .

مع قول الآخر أنا أدري انّ زيدا مثلاً فعل كذا وهذا يتّضح غايته في ما اعتاد التمثيل به لحكومة أحد الأصلين على الآخر من جريان استصحاب طهارة الماء المغسول به الثوب النجس في مورد تقدّم الأصل السببي على المسببي .

فان استصحاب طهارة الماء إذا جرى يثبت له الآثار المترتّبة على طهارته من عدم الانفعال إلاّ بالتأثّر وحصول طهارة المغموس به إذا كان كرّا أو كان قليلاً مع حصول باقي الشرايط من ورود الماء على النجاسة فان هذا من الشرايط وحصول العصر اللازم بقدر ما يتعارف بحيث لا يضرّ بقاء شيء من الرطوبة وإن كان يتوجّه على هذا اشكال ان الماء النجس الذي حصل له التنجّس بسبب وصوله إلى النجاسة كيف يمكن أن يصير طاهرا بالعصر حيث ان طهارة المغسول بذهاب الغسالة على المتعارف كما انّه يتوجّه أيضا اشكال آخر وهو ان الماء بعد وصوله إلى المحل يتنجّس فكيف يمكن أن يكون مطهّرا .

إلاّ انّه قد اجيب عن هذين الاشكالين وغيرهما في محلّه لقيام الدليل وإنّ

تعارض الاستصحابين

ص: 354

النقص في مثل الغسالة يكون مطهّرا كما انّ النقص في ذهاب الثلثين يكون كذلك لو قلنا بالنجاسة وهكذا إذا شككنا في بقاء كريّة الماء فبعد جريان الاستصحاب يترتّب عليه آثاره الثابتة في الدليل الشرعي على الضابط المعلوم في ذلك وهو أن يكون الترتّب والأثر شرعيّين ويكون أحد الأصلين سببا والآخر مسببا كي يزول الشكّ في المسبب بجريان الأصل في السبب بعد ان كان المسبب من الآثار المترتّبة على السبب وهذا كما في هذا المثال بخلاف عكسه فان استصحاب نجاسة الثوب .

لا يكون متعرّضا لنجاسة الماء بل يكون ساكتا عن ذلك بخلاف الاستصحاب الجاري في الماء المسبوق بالكريّة أو بالطهارة فان معنى بقاء كريّة الماء وطهارته شرعا هو منشأيّته للآثار المترتّبة عليه كذلك ومنها ذهاب نجاسة الثوب النجس إذا غسل به على الشرايط الآخر وبعد جريان الأصل في السبب لا بقاء للمسبب لعدم قدرته على المعارضة وهكذا يقال في ما نحن فيه فانّه بعد أن جرى الاستصحاب التعليقي يثبت انّ الزبيب وماء الزبيب بل أو العنب في كلّ أطواره ومنه الطور الزبيبي اذا حصل له الغليان ينجس ويحرم والاستصحاب الجاري في الحلية مقتضاه انّه طاهر وحلال الا ان ذاك الاستصحاب بدليل اعتباره يبين غاية هذا الاستصحاب وانّه ما اذا لم يحصل له الغليان لأن بالغليان يصير نجسا فتعرض لشيء لم يتعرّض له الاستصحاب الآخر .

إن قلت: لا اشكال في ان اثبات أحد الضدّين بالأصل لا يوجب نفي الآخر كما انّ العكس كذلك بل يكون هذا من الأصل المثبت الذي لا تقولون به مع ان جريان الاستصحاب التعليقي غايته ان العنب في ساير أطواره وأحواله ومنها

تقدّم الاستصحاب التعليقي على التنجيزي

ص: 355

حال كونه زبيبا إذا غلى ينجس فاذا حصل له الغليان يكون فعليّا لكنّه لا يثبت عدم الحليّة وعدم الطهارة كي يكون نافيا للاستصحاب الجاري فيهما ويكون هذا الاستصحاب مذهبا لموضوعهما بل لعدم كون عدم أحد الضدّين بوجود الآخر من الآثار المترتّبة شرعا على وجود الآخر بل إذ ذلك من اللوازم العقليّة فعند وجود أحدهما لا مجال للآخر وذلك عقلي لا ربط للاستصحاب ولا من شأنه أن يثبته .

وأجاب عن هذا الاشكال المحقّق النائيني رحمه الله(1) بأن ذلك إنّما هو في الاستصحاب الموضوعي وأمّا الحكمي فلا فانّ الموضوعي لابدّ أن يكون مقام تطبيق الكبرى الثابتة للاثر الخاص بخلاف الشبهة الحكميّة كما في ما نحن فيه من مثال الزبيب الذي يغلي فانّه مجهول الحكم ولا يلزم أن يكون هناك أثر شرعي للاستصحاب بل يكتفي بما إذا يكون نفسه أثرا شرعيّا كما في هذا المورد ) .

والتحقيق في الجواب أن يقال لو لم يكن في هذا المورد نتيجة الاستصحاب التعليقي نفي الطهارة والحلية يلزم اللغويّة فللصون عن اللغويّة يكون هذا معنى جعله ( وجعل التحقيق أخيرا سيّدنا الأستاذ قدس سره بأن معنى النجاسة عدم الطهارة وكذا العكس فاذا ثبت استصحاب النجاسة فان معناه عدم الطهارة وكذا الحلية والحرمة ) .

خلاصة الكلام: عدم ورود اشكال على الاستصحاب التعليقي الا اشكال اثباته اذ ليس من شأن الاستصحاب اثبات ما هو من لوازم المستصحب عقلاً وإنّما يترتّب بسببه اللوازم الشرعيّة إلاّ ان دفع هذا أيضا ظاهر بأن معنى الحرمة عدم الحلية شرعا وكذا النجاسة معناها عدم الطهارة فالأصل الذي يثبت الحرمة

ص: 356


1- . فوائد الأصول 4/476 - 477 .

والنجاسة يكون بمقتضى دلالته حاكما على الأصل الذي في فرض جريانه يثبت الطهارة والحلية .

التنبيه السابع: في استصحاب الأحكام الثابتة في الشرايع السابقة وقبل ورود البحث ينبغي التذكر إلى انّه لا وجه لتوهّم عدم وجود موضوع لهذا الاستصحاب على تقدير تماميّته بعد أن صارت كتبهم بحيث لا يمكن الاطمئنان بها وإن ما فيها إنّما هي شرايعهم لأنّه لا ينحصر طريق الاثبات بذلك بل ورد في أخبار فضلاً عن القرآن الكريم موارد متعدّدة لبيان أحكامهم وإنّ هذا الحكم كان عليهم كما انّه ورد تكليفهم بأحكام شاقّة عليهم وارتفع مثلها عن هذه الأمّة المرحومة .

وعلى كلّ حال فهذا الاستصحاب عبارة عن استصحاب عدم نسخ الحكم الكلي المجعول في الشريعة السابقة ولازم ذلك ثبوته على المكلّفين والمتديّنين بملّة نبيّنا محمّد صلی الله علیه و آله ومنشأ الشكّ في هذا الاستصحاب هو مرور الزمان الذي تقدّم انّه أحد وجوه الشكّ في بقاء الحكم الجاري فيه الاستصحاب فانّه حينئذٍ يستصحب الحكم الكلي لان الحال لا يخلو من أحد وجوه . اما أن يعلم بعدم النسخ أو بالنسخ فلا مجال للاستصحاب فيبقى الصورة الثالثة وهي الشكّ فيه فيجري الاستصحاب وهذا مع قطع النظر عن الاشكال والبيان الذي لنا في استصحاب عدم النسخ فانّه لا أصل له وليس إلاّ التمسّك باطلاق الحكم إلاّ انّهم غفلوا عنه ولم يجعلوه وجهاً ولم يجيبوا عن هذا .

ولا يتوجّه على هذا الاستصحاب اشكال إلاّ من جهتين أحداهما عدم بقاء الموضوع والثاني العلم الاجمالي بورود النسخ في أحكام الشريعة السابقة فكيف

استصحاب أحكام الشرايع السابقة

ص: 357

يستصحب مع هذا العلم .

تقرير الوجه الأوّل انّه لا اشكال في اشتراط جريان الاستصحاب باتّحاد القضيّة المتيقّنة والمشكوكة مع الأثر الشرعي واتّصال زمان اليقين بالشكّ فلابدّ أن

تكون القضيّتان متّحدتين موضوعا ومحمولاً بل اتّحاد الموضوع هو الركن الأعظم من الاستصحاب وهذا مفقود في استصحاب عدم النسخ للأحكام الثابتة في الشريعة السابقة اذ لم يبق منهم أحد حتّى يكون موردا للحكم ويجري في حقّه الاستصحاب وما ثبت في حقّهم اسرائه إلى الموجودين بعدهم والمتديّنين بشريعة نبيّنا صلی الله علیه و آله يكون من اسراء الحكم إلى غير موضوعه . هذا .

ولا يخفى ما في هذا الوجه من النظر كما لا يخفى ان مبنى ذلك على كون الأحكام على نحو القضايا الشخصيّة وأن يكون مثلاً قد أخبر الشارع بأن عند وجود كلّ فرد من أفراد المكلّفين ينشأ حكما مختصّا به ويكون أمر هذا الجعل بيد النبي أو الوصي عليهما السلام قرنا بعد قرن وجيلاً بعد جيل إلى أن يصل إلى زمان النبي ذى العزم ثمّ إلى خاتم الأنبياء صلی الله علیه و آله وهكذا إلى خاتم الأوصياء عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف ومن المعلوم ان عند موت من وضع وأنشأ عليه التكليف الكذائي لا مجال لبقاء الحكم ويكون ثبوت واثبات هذا الحكم إلى غيره اثبات حكم موضوع لموضوع آخر كما هو واضح لا خفاء فيه .

هذا مضافا إلى عدم وجه لجريان الاستصحاب للشكّ في أصل الجعل كي يستصحب الحكم .

وذلك لأنّ الأخبار ليس إنشاءا للحكم فيمكن حينئذٍ إن كان هناك مانع من الجعل في حقّ هذا الذي وجد في الخارج ولا مجال لتوهّم جريان اشكال النسخ

ص: 358

في هذه الصورة فانّه إنّما يكون عند اتّحاد الموضوع والمحمول وانحصار الشكّ بنشأه من ناحية مرور الزمان وإلاّ لا يكون من الشكّ في النسخ .

أمّا إذا قلنا بجعل الأحكام على نحو القضا الحقيقيّة وبتقدير وجود الموضوع خارجا وحصول انطباق العنوان الكلّي على الفرد والمصداق خارجا يصير الحكم المنشأ التقديري فعليّا لفعليّة وجود الموضوع كما في نحو انّه لو وجد شيء في الخارج وكان انسانا فهذا حيوان في نحو الانسان حيوان .

وعلى هذا فعند جعل الأحكام في غير الأزل الذي يقول به المحقّق

النائيني(1) لعدم مساعدة الاعتبار له يلاحظ ما يكون دخيلاً في موضوع الحكم من الأوصاف والعناوين ويجعل وينشأ الحكم كليّا عليه كما في الوضع العام والموضوع له العام ( الخاص ) بلا دخل خصوص شخص أو خصوص ملّة أو شريعة لعدم نقص في الدين والملّة في كلّ عصر بل الدين واحد عند اللّه وهو الاسلام من زمان آدم إلى الخاتم علیهم السلام غاية الأمر تارة يكون هناك مانع من الجعل والانشاء فلا ينشأ ولا يكون جعل وتشريع فيكتفي بالشهادتين لا ان مثل الصلوات وغيرها من الأعمال صارت في حقّنا ذات مصلحة بخلاف الموجودين في صدر الاسلام بل حسب الاستظهار من مثل وللّه على الناس حجّ البيت(2) الخ وغيره من أدلّة الأحكام والاعتبار استكشفنا ان جعل الحكم على نحو القضيّة الحقيقيّة وانّه عند وجود الفرد لانطباق الكلي والعنوان عليه يكون الحكم فعليّا نهاية الأمر تارة يكون هذا الحكم المجعول موقتا وأخرى مطلقا من ناحية الزمان

ص: 359


1- . فوائد الأصول 4/479 .
2- . سورة آل عمران: 98 .

فيشكّ في ان المورد مثلاً من أيّ القبيل وعند الشكّ في تقييده وتوقيته يجرى مقدّمات الحكمة للاطلاق لأنّه لو أراد التقييد كان عليه البيان كما انّه يمكن نسخ الحكم بعد جعله لمصلحة ولو في ناحية عدة قليلين لتشريع الحكم في حقّهم كي يوطنوا أنفسهم على الاطاعة مثلاً أو غير ذلك ثم¨ ينسخ بعد مدّة وإلاّ فلو لم يكن مكلّف في صفحة التكوين فلا فائدة في أصل تشريع الحكم ثمّ نسخه .

ثمّ ليعلم ان استصحاب عدم نسخ الأحكام الثابتة في الشرايع السابقة على فرض الجريان وعدم توجه الاشكالين كما هو التحقيق وعلى تقدير جريانه وعدم الجواز أو امكان التمسّك باطلاق الدليل لا موضوع له ولا صغرى حيث ان الأحكام الثابتة الباقية تعلّق بها الجعل في شريعتنا وما مثّلوا له من موارد عديدة في الشكّ في النسخ وعدم العلم أو عدم ورود حكمه هنا أو نسخا في شريعتنا لا يخلو من اشكال فالاحرى الاعراض عنه والانتقال إلى .

التنبيه الثامن: في بيان مثبتات الامارات وعدم حجيّة مثبتات الأصول .

ولا يخفى انه لو كان الامارة كما يقول المرحوم المحقّق الخراساني في أوّل كفايته في الأدلّة(1) العقليّة من تنزيلها منزلة القطع ومؤدّاها منزلة المقطوع فلا تتجاوز عن أن يكون بمعنى التنزيل ورتّب الأثر وبهذا المعنى يشكل الفرق بين الامارة والأصل الا انّه رحمه الله رجع عمّا ترشح من قلمه هنا في باب الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي .

ولتوضيح المرام قدّم المحقّق النائيني(2) أمورا في بيان الفرق بين الأصل

الكلام في مثبتات الامارات وعدم حجيّة مثبتات الأصول

ص: 360


1- . كفاية الأصول 2/20 - 21 .
2- . فوائد الأصول 4/481 وبعده .

والامارة موضوعا ومحمولاً وجعل الفرق الموضوعي ثلاثة وإن كان الثالث يرجع إلى الفرق الحكمي .

أحدها ان الشكّ مأخوذ في موضوع الأصل دون الامارة فان فيها لم يؤخذ إلاّ ظرفا لاستحالة التعبّد بما هو حاصل بالوجدان وإلاّ فلا معنى للامارة فانّه لابدّ

أن لا تكون علما يكون طريقيّته وحجيّته ذاتيّه غير محتاجة للجعل وقوام الأصول وموضوعها بالشكّ كما في دليل الاستصحاب اشارة إلى ذلك .

حيث انّه لا تنقض اليقين بالشكّ ولا يخفى ان المراد بالشكّ مطلق خلاف اليقين فيشمل الظن الذي لم يعتبر ولم يؤخذ في الامارة كذلك كما اشير إليه في عدّة أخبار:

منها: ما مضمونه(1) يونس بن عبدالرحمن ثقة آخذ عنه معالم ديني .

قال: نعم حيث قرّره على ذلك وإنّما كان سؤاله عن الموضوع كي يفرع عليه أخذ معالم دينه لئلاّ يكون قضيّة شخصيّة . وبالجملة لا فرق في أنحاء الأصول التنزيليّة وغيرها والشرعيّة وغيرها من كون قوامها الموضوعي بالشكّ ( باضافة ظهور دخل كلّ عنوان أخذ في موضوع الدليل لترتّب هذا الحكم عليه وكونه دخيلاً في موضوعه ) .

الثاني: ان فيها جهة كاشفيّة أي في الامارة دون الأصل كما أشرنا إليه في نحو كلّ شيء(2) لك حلال حتّى تعلم انّه حرام ورفع(3) ما لا يعلمون والناس(4)

ص: 361


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/33 من أبواب صفات القاضي بتفاوت يسير .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
3- . الوسائل 8 الباب 30/2 من أبواب الخلل في الصلاة .
4- . مستدرك الوسائل 18 الباب 12/4 من أبواب مقدّمات الحدود .

في سعة ما لم يعلموا أو ما لا يعلمون وأمثالها ان الامارة لا تخلو من كشف الا ان الفرق بالنقص والكمال ففي القطع والعلم جهة الكشف تامّة وليس في الامارة كذلك وارجع الجهة الثالثة والأمر الثالث سيّدنا الأستاذ قدس سره إلى الفرق الحكمي بين الأصل والامارة واستقرّت الآراء على الفرق بين الأصل والامارة بكون مثبتاتها حجّة دونه .

والأمر الثالث: كما في التقريرات(1) حاصله ان الشارع لا حظ جهة الكشف في الامارة والغى احتمال الخلاف فيها .

وأمّا الفرق الحكمي بين الأصل والامارة ان الامارة تقوم مقام القطع في المرتبة الثالثة منه إذ أشرنا إلى ان مراتبه أربعة أحدها الصفتيّة فانّ القطع صفة من صفات القاطع النفسيّة .

أمّا فعل أو اضافة وكيف ولا يقوم مقامه في هذه المرتبة شيء امارة أو أصل والمرتبة الثانية مرتبة الكشف والاحراز لمتعلّقه فانّ القاطع يتوجّه ابتداءً إلى الصورة الحاصلة وثانيا يطبّقها على ما في الخارج وثالثة يجري عليه ويتحرّك نحو مطلوبه أو يفرّ منه كما يتّضح ذلك بما إذا علم العطشان ان الماء في مكان كذا ولا مانع من طلبه فيه وكذا إذا علم ان الأسد بقربه وإن كان في بعض الأحيان يكون قد أخطأ في قطعه الا ان الجري العملي والتحرّك لا ينفكّ عنه ولازم له والمرتبة الرابعة مرتبة التنجّز وفي هذه المرتبة يشارك الامارات والأصول طرا بخلاف الأولى فانّها مختصّة به والثانية فيقوم مقامه الامارات بأدلّة اعتبارها والثالثة فتختصّ بالأصول أيضا إلاّ بعضها كما أشار إليه الشيخ فيقوم مقام القطع في

الفرق بين الامارة والأصل

ص: 362


1- . فوائد الأصول 4/482 .

المرحلة الثانية ( كما استفيد من كلام سيّدنا الأستاذ قدس سره ولعلّه لا يقول به ) والمستفاد بل المصرّح به في كلامه فيما سبق والمحمول على الظن ومطلق الامارة بالنسبة إلى المرتبة الثانية من القطع إمّا أن يكون الحكم التكليفي ووجوب العمل على وفق الامارة والسلوك إلى ما يذهب بالمكلّف كما هو مرام الشيخ رحمه الله وإمّا أن يكون تنزيل المؤدّى منزلة الواقع والقطع ورتّب الأثر وإمّا أن يكون مبنى تتميم الكشف أو جعل الطريقيّة والحجّيّة للطريق وبعبارة اخرى الوسطيّة في مقام الاثبات أو يكون منجزيّة الاحتمال ولكلّ من هذه المباني خطب طويل قد فصل وشرح في محلّه ولا أساس لها إلاّ منجزيّة الاحتمال فيكون لها أساس وأصل .

توضيح وتتميم: قد فرّق بين الأصل والامارة موضوعا ومحمولاً أمّا موضوعا فهو بما ذكرنا عنه قدس سره من أخذ الشكّ(1) في موضوع الأصل دون الامارة فانّ الشكّ فيها ظرف وذلك لعدم المعقوليّة التعبّد في مورد العلم فلابدّ أن يكون الامارة في مورد الشكّ ويكون ظرفا لها .

والفرق الثاني أيضا ما تقدّم من أنّ الامارة فيها جهة كشف بخلاف الأصل فلا كشف فيه أصلاً .

ص: 363


1- . والسيّد الجليل العلاّمة الخوئي قدس سره ناقش عدم أخذ الشك في موضوع الامارة ورأها مقيدة بالجهل بالواقع لباً وبعد أن تسلّم عدم دلالة أدلّة الاستصحاب على التعبّد بالآثار الشرعيّة المترتّبة على اللوازم العقليّة والعادية لم ير أدلّة حجيّة الخبر حيث ان الخبر والحكاية من العناوين القصديّة أخباراً عن لازم الشيء الاّ إذا كان لازماً بالمعنى الأخص أو لازماً بالمعنى الأعم مع التفات المخبر في الأخير إلى الملازمة ولا يكون الأخبار عن الشيء اخباراً عن لازمه الأعم مع عدم التفات المخبر إلى الملازمة مصباح الأصول 48/182 - 184 وهذا المبنى وإن كان قويّاً لكن لعلّه لا يثمر في الأخبار لالتفات المخبر وهو المعصوم علیه السلام إلى لازم كلامه فتدبّر .

غاية الأمر لا يصل كشفها إلى كشف العلم ودونه ولم ينسدّ احتمال الخلاف رأسا والفرق الثالث الذي فرّق به الميرزا قدس سره راجع إلى الجهة الثانية والفرق الثاني فانّه تارة يمكن أن يكون لم يعتن عند الشرع بجهة كشف الامارة وأعطيت جهة الموضوعيّة كما في البينته في بعض الموارد .

أمّا الفرق المحمولي فان الآراء اختلفت في الامارة اختلافا شديدا فعن ظاهر بعض كلمات الشيخ قدس سره ان المحمول والمجعول في باب الامارات حكم تكليفي بوجوب العمل على مؤدّاها وذلك يكون منشأ لانتزاع الطريقيّة .

وعلى هذا المعنى فلا فرق بين الأصل والامارة ولا يتفرّع عليه ان مثبتاتها حجّة أم لا وأورد المحقّق النائيني(1) عليه ان هذا الوجوب هل وجوب نفسي أو غيري وإن كان يمكن أن يفسّر كلام الشيخ بما يكون له مآل صحيح بقرينة كلامه في باب الانسداد من قوله رحمه الله ( انّه حكم حكما جعليّا بأنّه هو الواقع وعلى هذا فيكون الهوهويّة ومع ذلك أيضا قابل للاشكال كما تقدّم في محلّه .

وعن آخرين ان المجعول والمحمول هو الطريقيّة وهذه والحجيّة وجعل الوسطيّة في مقام الاثبات أمر واحد .

وقيل أيضا: تتميم الكشف بمعنى ان للامارة مع قطع النظر عن التعبّد

المولوي جهة كشف وارائة للواقع الا انها ليست تامّة وبعد أن ارتضى المولى هذه الطريقة المسلوكة للعقلاء في أمورهم فيمضيها حسب الأخبار الواردة القطعيّة والأخذ بمضمون الأخصّ منها والمستفاد منه حجيّة كلّ خبر ثقة وانه ليس(2)

اختلاف المباني في الامارات

ص: 364


1- . فوائد الأصول 3/105 وما بعده .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/41 من أبواب صفات القاضي .

لأحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا . كما اذا اخبر زرارة بخبر فانّه يحصل الوثوق بخبره عن الامام علیه السلام وجدانا بحيث يطمأنّ الانسان به ويعتمد عليه ويكون بصدد الجري العملي على طبقه والشارع حسب أدلّة الامضاء امضاه وبالامضاء يحصل الوثوق بهذا الخبر أشدّ وأكثر .

وهذا المعنى عبارة

عن تتميم الكشف وبهذا الوجه يمكن أن يستند إلى الشارع حيث امضاها وقبل هذه الطريقة وهذا الامضاء يوجب ويؤثّر أثرا تكوينا لزيادة الوثوق لا ان الشارع زاد ابتداءً في الوثوق لعدم امكانه فكما انّه لا يمكن جعل ما ليس طريقا طريقا واعطائه الكشف كذلك لا يمكن هذا المعنى بالنسبة إلى المرتبة الثانية من الكشف إذ ما ليس فيه جهة كاشفيّة لا معنى لاعطائه تعبّدا وما اشتهر ان للعلم فردين وجداني وتعبّدي إنّما هو مجرّد لفظ والا فكيف يمكن جعل العلم تعبّدا وهذا لا اشكال فيه ولا ريب يعتريه كي ينزل غير العلم منزلة العلم فانّه يكون حينئذٍ عبارة اخرى عن رتب الاثر والتنزيل مثل ( الطواف بالبيت صلاة )(1) وكان المحقّق النائيني فيما سبق من أبحاثه يبني على تتميم الكشف إلاّ انّه رجع أخيرا وكان ينكر هذا المعنى أشدّ الانكار هذا ولم يغيّر ما كتب من تقرير أبحاثه السابقة .

وهناك طريقتان اخريان أحدهما منجزية الاحتمال وفيها تفصيل والاخرى عدم ورود التعبّد أصلاً في مورد الامارات بل للناس في أمور معاشهم طريقة يسلكونها على الاطمئنان والسكون الذي يليق بأن نسمّيه العلم النظامي مع انه لا تعبّد لهم ولا تنزيل بل بمقتضى فطرتهم يكون مشيهم في ذلك .

ص: 365


1- . مستدرك الوسائل الباب 38/2 من أبواب الطواف .

وعلى ذلك في الأقارير والمكاتيب وساير أمورهم من حيث استقرار بنائهم الارتكازي على الاطمئنان والسكون فاذا اطمأنّوا بأنّ الشخص الفلاني له ديانة تقتضي أن لا يجعل عليه حقّا يستنيونه في الحج ويوجرونه للصلاة وهكذا مشيهم في كلّ باب كما في الملكيّة وساير الأمور المعتبرة عندهم وبعضها روعى فيه جهة اعتبار كالمسكوكات وما أشبهها

ولم يأخذوا في سلوك هذه الطريقة عن بناء وتعبد واجتماع ومدنيّة ولم يجعل الشارع لهم طريقة خاصّة ( ولا تعبدهم بشيء الا انه قبل منهم في الشرعيّات وارتضى لهم سلوك هذه الطريقة وهذا هو المعنى الذي اشتهر عن السيّد لأجله ادّعاء قطعيّة الأخبار وانّها معلومة اذ ذلك بسبب أخبار العدول والثقات والسيرة والطريقة العقلائيّة

في قبال الشيخ رحمه الله حيث أنكر هذا المعنى ( ولعلّه يكون نزاعهم لفظيّا ) .

وقد سبق منّا الاشارة إلى تربع مراتب القطع وان الامارة تقوم مقامه .

نعم إذا كانت مجعولة كما في باب القضاء وبعض الموارد الاخر فيكون بنائها على الموضوعيّة وحينئذٍ الغى جهة كشفها .

الثاني لا غرو في دعوى كون هذا النحو من المشيء والسلوك في طريقتهم

علما وله احراز وكشف وإن لم يصل إلى العلم الاعلائي الذي لا يكون مجال لاحتمال الخلاف فيه بل وذلك هوالسبب في كون مثبتات الامارات حجّة دون الأصول إذ لو كان المجعول في الامارات هو رتب الاثر أو اعطاء الحجيّة إن كان له معنى معقول أو تتميم الكشف فلا يفترق عن الأصل ولا يكون مثبتها حجّة دونه

ص: 366

بل يلزم عدم الاثبات في كليهما .

النتيجة: قد علم ممّا ذكرنا ان الامارة ليست مجعولاً شرعيّا بل هي كالعلم غاية الأمر بالامضاء وبعده فكما ان بالعلم يبني العالم على ما يترتّب عليه من الآثار فكذا إن قامت عنده الامارة يرتّب عليها آثار ما أدت إليه .

كما إذا علم ان هذا الشيء خمر فيرتب عليه الكبرى المعلومة له شرعا ( كلّ خمر حرام ( يستنتج منها ان هذا حرام فكذلك الامارة اذا قامت وأدّت إلى مؤدّاها .

هذا خلاصة الكلام في باب الامارات على ما تقدّم تفصيلاً وإلاّ فليس للشارع في ذلك الباب انّى نزلت الامارة منزلة العلم كما في مثل ( الطواف بالبيت صلاة )(1) وإذا لم يؤدّ الامارة في مورد العلم والاطمئنان ولم توجب السكون وكان الدليل قائما بأخذها فذلك من باب الموضوعيّة وتغيير الواقع هذا .

وأمّا الأصول فليس فيها امضاء الكشف بل إنّما هو البناء العملي على قسميه ما يكون التصرّف فيه للشكّ كالاستصحاب وقاعدة الفراغ وما لا تصرف فيه للشكّ بل يجعل الحكم في ظرف الشكّ وفي صورة بقائه وهي تنحصر مجرى عقلاً بثلاثة البرائة والاحتياط والتخيير فالمجعول في باب الاستصحاب حسب المستفاد من أدلّته السابقة ليس إلاّ البناء العملي على بقاء المشكوك بعد امتناع ارادة المعنى الحقيقي لقوله علیه السلام: ( لا تنقض اليقين أبداً بالشكّ )(2) لانتفاضه وجدانا

بل معناه كما مرّ في بابه اعمل عمل المتيقّن بوجود المشكوك وما يجري في مورده

طريقة العقلاء

ص: 367


1- . مستدرك الوسائل 9 الباب 38/2 من أبواب الطواف .
2- . الوسائل 1 الباب 1/1 من أبواب نواقض الوضوء .

الاستصحاب وحيث ان التصرّف التشريعي والتعبّد الشرعي قاصر عن شمول الآثار التكوينيّة واللوازم العقليّة فلذا يقتصر على مورد التعبّد ولا يثبت بالاستصحاب وكذا باقي الأصول الأنفس المتعبّد به بلحاظ آثاره الشرعيّة فكان التعبّد تعلّق ابتداءً بالآثار فمن كان سابقا متطهّرا متيقّنا بالطهارة فشكّ فيها أخيرا

يستصحب الطهارة ومعنى ذلك العمل في هذا الحال كما كان يعمل في ظرف اليقين بوجود الطهارة من الصلاة وكلّ عمل مشروط بالطهارة فحينئذٍ يكون مؤدّى الاستصحاب ترتّب الأثر المترتّب على الطهارة عند وجودها على حال شكّها فيصلّي وإن لم يحرزها فهو يصحّح الرخصة في الصلاة وأمّا الاجزاء وإنّ الأمر الظاهري هل يقتضي الاجزاء فهو غير مرتبط بهذا البحث وقد تقدّم في محلّه وأشرنا في بعض أبحاث الاستصحاب إلى معنى جعل البدل في طول الواقع وهو أن يأتي بالفاقد بعنوان الامتثال فيجتزي به وشبهناه بالقصر والاتمام للمخيّر في مواطنه ولا يخفى عدم امكان الجمع بين بدل الواقع والمبدل وتحقيق وتفصيل الكلام راجع إلى محلّه من مبحث الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي .

والحاصل ان للشيء المتيقّن لوازم وآثاراً عقلاً وخارجا وشرعا وما ثبت بالتعبّد بالاستصحاب وما يكون بصدد اثباته في ظرف الشكّ بلحاظ الآثار ليس إلاّ خصوص الشرعيّة لما ذكرنا من القصور وإلاّ فيمكن أن يتعلّق التعبّد حتّى بالآثار واللوازم العقليّة والعادية فاذا كان وجود زيد إلى سنة كذا عادة مستلزما لنبات اللحية لا يمكن ترتيبها على الاستصحاب فى ظرف جريانه بل إذا كان له أثر شرعي متعلّق بنفس وجوده يجري استصحاب بقاء حياته بلحاظ ذلك الأثر .

توضيح أزيد: اذا عرفت ما ذكرنا في حقيقة طريقيّة الامارة وامضاء

ما يثبت بالأصل

ص: 368

الشارع لها وانّها كالعلم تعلم انه كما ان العلم بالشيء يوجب بحكم العقل العلم باللوازم والملزومات .

وبعبارة اخرى العلّة والمعلول لها لاستحالة تخلّف العلّة عن المعلول كاستحالة وجودها بلا معلول وكذلك الامارة اذا قامت على شيء كوجود زيد توجب العلم والاطمئنان بوجود اللحية وغير ذلك من الآثار والمعلولات لحياته لو لم يناقش في مثال اللحية في انها من الملازمات لا المعلول للحياة وبالجملة فالعلم بالعلّة يوجب الانتقال إلى حصول العلم بوجود المعلول وهكذا ولو إلى ألف واسطة بحكم العقل وكذلك في ناحية المعلول . الا ان الكلام ومورد الحاجة لعلّه في غالب الأمر إلى الانتقال بالمعلول في ناحية العلل فالامارة التي يكون لها الطريقيّة عند العرف لها ذلك الكشف والسببيّة للانتقال منها بحكم العقل إلى لوازمها وملزوماتها بها وكلّ ما في سلسلة علل مؤدّاها ومعلولها ويكون من اللوازم اللازمة لا من قبيل الاتفّاقيّات .

كما لا يترتّب على وجود المعلوم بالعلم الحقيقي وجود الاتّفاقيّات من اللوازم كذلك لا تترتّب على الامارة وهذا بخلاف الأصول لأن مدارها بيد الشارع وهو من حيث الشارعيّة يجعلها موضوعا لترتّب آثارها الشرعيّة لمواردها والآثار العقليّة ليست بيده من حيث هو شارع فلا تكون مشمولة للجعل فاذا يترتّب على نبات اللحية أثر شرعي فلا يمكن ترتيبه باستصحاب حياة زيد لعدم كون الحكم الشرعي المترتّب على نبات اللحية ولا نفس اللحية من الآثار الشرعيّة المترتّبة على حياة زيد كي تكون داخلة تحت دليل التعبّد .

فالتعبّد بوجود زيد وحياته لا يتعدّى به إلى ذلك ولا يمكن ترتيب الحكم

ص: 369

الشرعي على لحية زيد أيضا على استصحاب حياته بقياس المساواة بدعوى ان الحكم أثر للحية زيد وهي أثر ومعلول نفس زيد فكما ان جزء الجزء جزء كذلك أثر الأثر أثر فاذا ثبت وجود زيد بالتعبّد فلأزمه ان يكون الحكم المترتّب على لحيته أيضا ثابتا .

اذ فيه ان قياس المساواة إنّما يجري في العلل والمعلولات التكوينيّة الطبيعيّة التي لا يتوسّط بين العلّة والمعلول والمؤثّر والأثر ارادة فاعل مختار فبوجود العلّة للمؤثر يوجد المؤثر لاستحالة التخلّف وبعده برتبه نازلة يوجد الأثر وهذا بخلاف باب التعبّد في الشرعيّات لعدم عليّة ومعلوليّة حقيقيّة في البين بل لابدّ أن ينظر إلى دليل التعبّد فان كان قابلاً لأخذ مورد الكلام وإلاّ فلا مجال لهذه

الدعاوي في اثبات المدّعي .

إن قلت: هب ان دليل التعبّد لا يسري به بقياس المساواة إلى اثبات الحكم المترتّب على لحية زيد فأيّ مانع من أخذ الحكم المترتّب من أوّل الأمر بلا توسط ثبوت اللحية أو حياة زيد .

قلت: يشترط في الاستصحاب أن يكون المشكوك تعلّق به اليقين سابقا وهذا الشرط مفقود في ما نحن فيه فأيّ زمان كان لزيد لحية أو حكمها المترتّب عليها متيقّنا كي يجري بلحاظه الاستصحاب في ظرف الشكّ بل كان المتيقّن عدمه فلا مجال للاستصحاب أصلاً كما انّه يقصر دليل التعبّد بأصل حياة زيد عن اثبات مثل هذه الآثار لعدم كونها ممّا بيد الشارع بل لو ثبت في مورد فيكون أخبارا بوجود اللحية وعدمها ولا ربط له بالتعبّد .

فعلم ممّا ذكرنا عدم قصور في ناحية أدلّة الأصول من شمولها الآثار العقليّة

عدم اثبات الأصل غير الأثر الشرعي

ص: 370

والعادية إنّما القصور في نفس الآثار والأصول حيث انّه ليس اللازم العقلي والعادي ممّا أمر وضعه ورفعه بيد الشارع وليس قابلاً للوضع والرفع التشريعي والتعبّد بذلك إلاّ خصوص الآثار الشرعيّة كما انّ في باب الامارات لا معنى لمثبيّتها إلاّ ثبوت اللوازم والملزومات من باب حكم العقل كالعلم في كلّ ما يقع في سلسليّتهما لأنّ النقص إنّما هو من ناحية نفس الأثر والأصل ولو كان ترتّب أثر عقلي في مورد فانّما هو أخبار من باب انّه عالم بالغيب فالانبات في مثال الحيوة ليس أثرا شرعيّا ولم يكن نفسه موردا ومتعلّقا لليقين بوجوده كي يستصحب لأجل الأثر الشرعي عند الشكّ .

ولا يخفى انّه لو تسلسلت الآثار الشرعيّة فكان للأثر أثر وهكذا لأثره أثر لا مانع من شمول أدلّة التنزيل والتعبّد لها بمعنى انّه لا مانع من جعل الشارع وتنزيله ولا يقتصر على خصوص الأثر الذي لا واسطة في ثبوته واثباته للمؤدّي والمجري فلو تسلسلت الآثار كلّها شرعيّة ولو إلى الف أثر يمكن تنزيل الجميع إلاّ انّه لو توسّط في البين أثر عقلي أو عادي فلا يمكن لدليل الأصل والتنزيل أن يشمله ويتعبّد به وبذلك تنقطع السلسلة كما في مثال استصحاب حياة زيد للانبات على فرض ترتّب أثر شرعي عليه فلا مجري للنبات أصلاً .

وينبغي أن يعلم انّه يمكن ترتيب الموجودات بعضها مرتبطا ببعض إلى أن ينتهي إلى موجد واجب الوجود لمثل هذه القاعدة التي أشرنا إليها في اثبات الامارة للوازم والملزومات العقليّة المترتّبة عليها الا انه لا يخفى عدم مجال لطروق باب العلّة والمعلول هناك لاستلزامه وجود تمام الموجودات بعد رتبة الموجد والعلّة لها إذا فرض عدم ارادة وانّ العلّة علّة غير اراديّة إلى غير ذلك من

ص: 371

التوالي الفاسدة . منها كون المخلوقات قديما زمانيّا بل استنتج من ذلك سيّدنا الأستاذ قدس سره كونها قدماء وان الأحسن التعبير في ذلك الباب بالموجد والايجاد .

وهاهنا فروع أشار المحقّق النائيني(1) إليها تنظيرا لعدم مثبتيّة الأصول

وعدم التعدّي عن مورد التعبّد إلى اللوازم .

منها باب الرضاع حيث انّه يحرم بالرضاع ما يحرم بالنسب وان الرضاع لحمة كلحمة النسب فالأخت من الرضاع حيث ارتضعت بلبن المرضعة التي هي اُمّ الطفل الكذائي لو فرض ان لها اختا أو أخا نسبا فلو ثبت بالرضاع وبأدلّته كون هذه الأخت أو الأخ اختا أو أخا لذلك الطفل الذي ارضعت امة المرتضعة اذ لا يشمل المنزلة والتنزيل غير الملزومات ولا يتعدّى به إلى اللوازم للعناوين من أخ الأخ أو أخت الأخ إلى غير ذلك .

تتمّة: ذكر(2) المحقّق النائيني رحمه الله بعد أن حقّق المقام وأدّى حقّ الكلام بعض

الأمثلة توضيحا للمرام من عدم مثبتيّة الأصول للوازم والملزومات دون الامارات .

منها: مسئلة اللباس المشكوك فانّه حسب المستفاد من الأدلّة لا يجوز الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه إلاّ انّه إذا شكّ في شيء انّه من أجزائه أم لا بل من أجزاء المأكول فلا اشكال في جريان مثل رفع(3) ما لا يعلم في عدم مانعيّة له بخلاف مثل كلّ شيء(4) لك حلال لنكتة ذكرناها في بحثنا الفقهي في اللباس

من آثار الأصل

ص: 372


1- . فوائد الأصول 4/492 - 493 .
2- . فوائد الأصول 3/490 - 491 .
3- . الوسائل 8 الباب 30/2 من أبواب الخلل في الصلاة .
4- . الوسائل 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

المشكوك .

إلاّ ان ذلك لا يلازم حلية لحم الحيوان الذي أجرينا الأصل لجواز الصلاة في أجزائه بل لو شمله الدليل فليس من حيث انه من لوازم هذا التعبّد بل لأنّه موضوع مستقل تمّ بالدليل . ومن ذلك ترتيب الآثار الشرعيّة على البيع أو العقود حكما في باب العقد الفضولي من البيع والنكاح على التحقيق من جواز الفضولي وصحّته فيهما بل وكلّ عقد وايقاع على القاعدة إلاّ العتق والطلاق .

فانّ المسئلة خلافيّة وبناءً على كون الفضولي على وفق القاعدة فيحتاج المخرج عنها إلى دليل كما في هذين الموردين والاّ يحتاج تصحيحه إلى دليل .

وعلى كلّ حال فلو تزوّج امرئة فضوليّا ثمّ أجاز الرجل أو المرئة بعد موت أحدهما مثلاً فبناء على عدم كون الاجازة ناقلة بل كاشفة فتارة يكون المبنى هو الكشف الحقيقي واخرى من باب استحالة انفكاك الأثر عن المؤثّر وتقدّم الشرط على المشروط وتأخّره عنه يقتصر على ترتيب الآثار الشرعيّة لورود الدليل من ناحية الشارع فيترتّب الآثار على المعقودة .

منها: استحقاق الميراث منه أو بالعكس حيث ثبت من الشرع هذا الحكم على مثل الطرفين لهذا العقد الا انه مقصور به على مورد التعبّد وورود الدليل ولا يجوز ترتيب آثار الزنا بذات البعل لو زنى زان بهذه المرئة قبل الاجازة وإن كان دليل ترتّب الأثر(1) من حيث الارث ليس أصلاً بل امارة الا ان الامارة أيضا لا تتعدى عن خصوص موردها للتنزيل بها لشيء من حيث جهة دون تمام الجهات والآثار لذلك لا يجوز التعدّي من الطهارة على الطواف لو كان مثل قوله الطواف

ص: 373


1- . فان بناء التعبّدات الشرعيّة على التفكيك بين اللوازم والملزومات .

بالبيت صلاة ناظرا إلى خصوص هذه الجهة من التنزيل وإن كان التنزيل حقيقيّا وليس دليلاً ومورده أصلاً فان المرئة حين الزنا لم تكن ذات بعل حقيقة والاجازة لا تجعلها كذلك والتعبّد والتنزيل وترتيب الآثار لم يثبت لها وعليها من هذه الجهة .

ومنها: ما أشرنا إليه من مسئلة الرضاع فلا يتعدّى إلى الملازمات للعناوين المحرّمة كامّ الأخ والأخت من جهة ملازمة ذلك لأم المكلّف أو زوجة أبيه في بعض الأحيان .

ثمّ انّ في المقام تنبيهات لا بأس بالاشارة إليها:

أحدها: ما عن بعض من الفرق بين الواسطة الخفيّة في الأثر الشرعي على التعبّد به في الأصول فتثبتها وبين الواسطة الجلية بحيث لا يتسامح العرف فيها فلا يثبتها الأصول وعن بعضهم التسوية بين الواسطتين فتثبته أي الأثر في كليهما .

والمحقّق النائيني رحمه الله(1) بنى تحقيق هذا البحث على مقدّمة إن تمّت فلا محيص عن الالتزام بعدم الفرق بين ما كانت الواسطة جليّة أو خفيّة في عدم ترتّب الأثر والاقتصار به إلى خصوص أثر المستصحب والمتعبّد به دون ما هو من آثار لازمه وإن كان خفيا .

وينبغي أن يعلم ان للعرف مسامحات في المفاهيم وفي مقام التطبيق الا انه ما كان راجعا إلى المسامحة في مقام أخذ المفهوم فنظرهم في ذلك هو المرجع وإن تسامحوا بما شاءوا ورأوا وإن كان ذلك في مقام التطبيق وتشخيص متعلّقات الأحكام في مواردها الخارجيّة فلا مجال للمسامحة أصلاً .

لا مسامحة في مقام التطبيق

ص: 374


1- . فوائد الأصول 4/494 - 495.

فالأوّل يحصل من ناحية مناسبة الحكم للموضوع وحفوف القرينة بالكلام بحيث يوجب ذلك ظهور الكلام الجملى والمتحصّل من جهاته في ان الموضوع لذلك الحكم لابدّ أن يكون كذا .

مثاله ما إذا رتّب على الماء المتغيّر النجاسة إذا تغيّر في أحد أوصافه بالنجس فان العرف بما عندهم من المناسبة لا يرون هذا الحكم الاّ محمولاً على خصوص الماء بلا أخذ عنوان التغير في الموضوع فانّ الحكم عندهم عارض على المادّة لا الصورة الخاصّة بحيث اذا زال التغير يزول الحكم بزواله كانتقال دم الانسان أو الحيوان إلى جسم البق فيعدّ من أجزائه ولذا يستشكلون في نحو ما إذا فرض حين المصّ الذي لم يصر بعد جزءا له وكذا إذا رتّب حكم وجوب الزكوة على ما إذا كان الغنم أربعين وان يسوم الحول بأن لا تكون معلوفة وان يكون الكر بالرطل(1) ألفا ومأتين أو المن التبريزي عبارة عن أربعين سيرا فانّ المفهوم في هذه الموارد معلوم عند العرف بحيث لا يجعلون مثل ما إذا نقص جزء من أربعين غنما أو يوم من تمام الحول قمريّا أو شمسيّا أو مثقال من الرطل أو المن موضوعا للدليل حيث ظهر الموضوعات في هذه الأمثلة عندهم للكامل .

والثاني في مسامحاتهم تشخيصا في الموازين والمساحات وباب الاعداد فيعدون من عنده أربعون غنما الا نصفا فانّه للغير مالكا للأربعين وكذا ما علفت في يوم من السنة سائمة فيها وهكذا .

وسر الفرق بين المسامحة في المفهوم والمصداق ومقام التشخيص إن في

ص: 375


1- . هذا إذا كان المراد به الوزن فلا يطابق تقدير الكرّ بالمساحة على أيّ قول سواء كان المسامحة بسبع وعشرين أو ثلاثة وثلاثين أو ستّة وثلاثين أو ما هو المعروف بخلاف ما إذا كان المراد به المكيل فينطبق على المساحة .

الأوّل حصل وتحقّق الامضاء من الشارع وتلقى أمرهم وعملهم بالقبول وإلاّ فلو فهموا غير ذلك وما ليس مرادا للشارع وهو لم يبين لهم يلزم الاغراء بالجهل خصوصا إذا كان الخطاب موجّها إلى من قصد افهامه .

وفي المقام الثاني لم يتحقّق ذلك أبدا لعدم المسامحة من ناحية الشارع بل المسامحة إنّما هي من قبلهم بل في الأوّل أيضا لا مسامحة حقيقة والتعبير عن ذلك بالمسامحة مسامحة فان القرينة والمناسبة بين الحكم والموضوع أدتهم إلى ذلك .

وعلى هذا فاذا ثبت هذه المقدّمة وفازت بالقبول والتلقي لا يبقى مجال للفرق بين نحوي الواسطة لأنّ الخفاء ان أوجب عدّه من مصاديق ما يعدّونه من مصاديقه عرفا من باب سعة المفهوم عند أهله فالموضوع من أوّل الأمر يعمّه بلا احتياج إلى خفاء ولا جلاء وإلاّ فيكون من المسامحة في التطبيق والموضوع شيء آخر ولا مجال لاسراء حكم موضوع إلى آخر فتدبّر جيّدا .

يشهد لما ذكرنا الاستطاعة المذكورة في الآية الشريفة فانّ الأذهان العرفيّة ربما لا ترى دخلاً في ذلك للزاد والراحلة أو لغيرها من الشرايط ولذا بيّن الشارع مراده باشتراطها بما تشترط به .

نتيجة البحث: لا إشكال في اتّباع نظر العرف في المفاهيم واتباع العقل وتدقيقه في التطبيقات والتشخيص الخارجي لموارد الصدق والوجه في ذلك ان ظهور الكلام الجملي بحسب ما يتحصّل بعد جمع أطرافه وحصول معانيه الافراديّة هو المتبع وان القرينة تكون حاكما على ذي القرينة .

بيان ذلك ان مثل رأيت أسدا يرمي له ظهور ان ظهور أفرادي وظهور

اتباع نظر العرف في المفاهيم

ص: 376

متحصّل والأوّل في خصوص المفردات فان معنى الأسد هو الحيوان المفترس ومعنى يرمى الرمي بالنبل هذا حسب استعمال المفردات ووضعها وإن كان يجوز أن يراد بالرمي في بعض الأحيان الرمي بالتراب الا ان هذا الظهور للأسد في الحيوان المفترس اذا انضم إلى ظهور يرمى في الرمي بالنبل ينصرف إلى الرجل الشجاع خصوصا اذا انضمت إليه القرائن الآخر مثل في الصحن أو في الحمام أو المسجد حيث ان هذه القرائن توجب عدم بقاء الظهور الاولى للأسد في الحيوان المفترس وصرفه إلى المعنى الذي يفيده الظهور المتحصّل من جمع أطراف الكلام لحكومة القرينة على ذيها ولذا تسمّى الصارفة وذلك لأنّ القرينة إنّما تكون هي لملابسات أركان الكلام من المبتدء والخبر والفعل والفاعل . وبالجملة العرض والمحلّ وهي توجب تفسير أركان الكلام فلذا تكون حاكمة عليها وإلاّ فيمكن أن يكون ظهور الأسد في الحيوان المفترس مقدّما على ظهور يرمي في الرمي بالنبل فيكون بالتراب هذا .

ومن القرائن التي توجب صرف ظهور مفردات الكلام إلى المعنى المتحصّل الجملي القرائن العقليّة الحافّة بالكلام .

ومنها: مناسبة الحكم للموضوع حسب ما عند العرف من القرائن الموجبة لكون الحكم محمولاً عندهم على الموضوع الكذائي ويشترط في ذلك أن يكون عند جميع أهل العرف لا مثل الواحد والاثنين لانس ذهنهم ببعض المناسبات العلميّة وغيرها .

فذلك لا يكون متّبعا والانصاف ان هذه القاعدة والبيان لا مجال لانكارها الا ان الشأن في الصغرى لها وانه هل يوجد في الفقه مورد يكون مناسبة الحكم

ص: 377

للموضوع أوجبت توسعة في المفهوم أو ضيقا . لا يبعد أن يكون مثل لعن اللّه بني اميّة قاطبة مثالاً في وجه لما نحن فيه وإن كان القرينة العقليّة أوجبت عدم ارادة المؤمن منهم ولو كان أتى بلفظة قاطبة لكن في هذا المثال خدشات معروفة فيمكن كشف عدم الايمان من هذا في أيّ واحد منهم . على انّه يقع الكلام في جواز لعن المسلم وإن لم يكن مؤمنا باصطلاحنا الخاص هذا .

وأمّا لو تبيّن المفهوم العرفي وما هو الموضوع للحكم عند الشارع فالتطبيق إنّما هو بالتدقيق . مثاله اذا استفدنا من الأدلّة اعتبار أربعة فراسخ في الذهاب والخروج عن حدّ الترخّص وكان المسافر جامعا لشرايط القصر وسافر فيجب عليه القصر الا انه لو نقص شيء من ما قدر تحديدا للمسافة والثمانية فراسخ أو أربعة ذهابا مثلاً من الاميال وان يكون الميل كذا ذراعا والذراع عبارة عن كذا اصبع وقدر الاصبع إلى أن جعل ذلك بالشعرة فلا ريب في مسامحة العرف في عد الناقص بمقدار أربعة وثمانية إلاّ انّه حيث بين المفهوم وشخص الموضوع للحكم فلا يجوز ترتيب حكم الأربعة على الناقص ولو بأربعة أصابع وإنّما يتبع نظر العرف في مورد تشخيص المفهوم لوجود القرينة عندهم التي يمكن أن يتّكل الشارع عليها في بيان مراده وإلاّ فيكون من الاغراء بالجهل والفرض انه يجري في عنوان المخاطبة على قوانينها كما ان كلّ عاقل يكون كذلك والا لاخل بمراده ولم يبين مقصوده فيما كان بصدد البيان فنقض الغرض وتسمية هذا من المسامحة مسامحة والا فالمراد به ما ذكرنا وعرفت عدم جهة للخلل في هذا الضابط .

وبعد هذا لابدّ أن ينظر إلى ما ذهبوا إلى ثبوته بالتعبّد من الواسطة الخفيّة فانّها إن كانت بحيث تعدّ عند العرف من موارد وجود الموضوع وان هذا الأثر

نظر العرف في تشخيص المفهوم

ص: 378

لنفس المستصحب حيث يرون فيه سعة حسب مناسبة الحكم للموضوع فلا نزاع غاية الأمر بين القائل مراده بجريان الاستصحاب بل مطلق الأصل لاثبات الواسطة الخفيّة بهذا اللسان وإلاّ ففيه ما ترى فانّه كيف يمكن اثبات أثر لشيء بجريان الأصل في آخر .

وما ذكرنا من ان أثر الأثر أثر مسلّم لعدم جواز التخصيص في القاعدة العقليّة ومن ذلك قياس المساواة إلاّ ان مجراه ليس في التعبّديّات بما سمعته منّا سابقا وكذلك الكلام في ما كانت الواسطة جليّة بل تعدى بعضهم فقال بجريان الأصل واثباته لأثر الواسطة كليّة واجرى الأصل واثبت عليه اللوازم مطلقا .

ثمّ انّ الشيخ رحمه الله ذكر بعض الفروع مثالاً لكون الواسطة خفيّة منها لو وقع الذباب الذي وقع احدى رجليه مثلاً في النجاسة المايعة فصارت رطبة ( بناءً على تأثّر الذباب بالرطوبة وقبوله لها والا فمثال آخر ) على موضع من بدن الانسان وشكّ في انّه كانت رطبة أم لا فيجري في هذا المقام استصحاب الرطوبة ولازم ذلك تأثّر الموضع بالرطوبة ويترتّب عليه التنجّس والاجتناب عنه في الصلاة مثلاً فانّ الواسطة وهي تأثّر الموضع وايجاب وقوعه رطبا للنجاسة والتأثّر عقلي لكنّه ليس جليّا يترتّب أثره على المستصحب .

الا ان هذا المثال يمكن أن يكون من الأصل المثبت الذي قلنا بهذا البيان الأخير بعدم ثبوت الواسطة بالأصل ويمكن أن يكون ممّا أخذ فيه الموضوع مركّبا من الجزء الثابت بالوجدان والاخر الذي يثبت بالتعبّد .

بيانه ان تأثّر المتنجّس بالنجس لو كان بالملاقاة دون السراية فيخرج المثال عن كون الواسطة خفيّة أو جليّة حيث ان الملاقاة حاصلة بالوجدان

ما لو كانت الواسطة خفيّة

ص: 379

والرطوبة بالاستصحاب ولا احتياج في التأثر الا ملاقاة النجس الرطب وهو حاصل من ضم الوجدان إلى الأصل بلا توسّط شيء ولو كان بالسراية فيكون من المثبت لأن وقوع الرطب في الموضع يلازم عقلاً سراية ماله من الرطوبة إلى ما وقع عليه فيتنجّس وهذا من ما يكون الواسطة فيه جليّة بلا خفاء وكيف كان فلا وجه لجريان الاستصحاب فيه بما سمعت .

فالقائل بالنجاسة في المثال إن كان مبناه في التنجّس بالسراية فالالتزام بالنجاسة ممنوع لاشكال الاثبات وإلاّ فقد عرفت انّ الموضوع مركّب بناء على عدمها ولا اشكال فيه . والأمثلة في هذا المقام كثيرة وقد أشرنا إلى المبنيين في ملاقى أحد أطراف الشبهة المحصورة وانه بناء على التنجس بالملاقاة يسهل جريان الأصل في الملاقى وبناء على السراية يشكل وإن كان التحقيق عدم ابتناء المسئلة على السراية والملاقاة فراجع .

توضيح ما سبق: انه لا ينبغي الاشكال بناء على مبنى نجاسة الملاقى للنجس بالملاقاة في جريان الأصل في مسئلة الذباب بخلاف مبنى السراية وانتقال جزء من النجس إلى المتنجس فان بالاستصحاب لا يثبت الا خصوص مورده وذلك بقاء الرطوبة المشكوك البقاء على رجل الذباب والملاقاة حاصلة بالوجدان والرطوبة بالتعبّد واللازم العقلي لبقاء الرطوبة مع حصول الملاقاة سراية النجس إلى المتنجس وليس كذلك إذا كان الملاقاة سبب التنجّس فانّ الأصل يثبت بقاء الرطوبة والملاقاة حاصلة بالوجدان فيثبت الموضوع المركّب من جزئين على الجزء بالوجدان والآخر بالأصل .

فانّه لا يلزم أن يكون الأثر مترتّبا تماما على المستصحب بل يكفي أن

ص: 380

يكون للمستصحب دخل في الجملة ولا اشكال في دخل جزء الموضوع فيه وفي ترتّب الحكم وليس من الاستصحاب التعليقي الذي تقدّم الاشكال فيه بل الاستصحاب تنجيزي لترتّب الأثر التنجيزي على جزء الموضوع ومن ذلك يظهر الحال في مثل ما لو تيقّن بوقوع ثوبه المتنجّس بعد زوال العين في الحوض أو الحفيرة التي كان فيها سابقا كرّ من الماء أو أزيد إلاّ انّه يشكّ ان حين وقوع الثوب

كان الماء باقيا أم لا ( بل جفّ مثلاً أو أخذ ) فانّ الفرض إن لو كان فيه الماء لا يحتاج إلى العصر بل بمجرّد نفوذ الماء الطاهر في المتنجّس يطهر فيتسصحب وجود الماء في الحوض أو الحفيرة والملاقاة أيضا حاصلة وجدانا ولازمه ان نفذ الماء في الثوب فيطهر فانّه لا وجه لجريان الاستصحاب في هذه الموارد طرا بناءً على عدم جريانه في ما يكون من اللوازم العقليّة والعادية لبداهة عدم كون الأثر في هذه الموارد أثرا شرعيّا بل في مثال الذباب لزومه عقلاً جلى لا خفاء فيه بناء على السراية وكذلك مسئلة الملاقاة والنفوذ في المثال الثاني فاما أن لا يقال بجريان الأصل المثبت ولازمه عدم جريان الأصل والاستصحاب في هذه الموارد لما ذكرنا من كون اللازم غير شرعي ولا خفاء فيه ولو كان أيضا لا مجال فيه بعد ما عرفت أو يلتزم بكون الاستصحاب امارة عقلائيّة فيمكن ابتناء كلام القدماء في مثل هذه الموارد على ذلك .

وامّا أن يجري الأصل المثبت ولا مانع من جريانه فيعمّ جميع الموارد ولا وجه لاختصاص بعضها دون بعض . كما ان جريان الاستصحاب في المثال الأوّل واضح بناء على كون عنوان المتنجّس ذا حكم مستقل تحت موضوع خاص ولا يكون بنائه على السراية على ما عرفت .

الفرق في تنجّس الملاقى بالملاقاة أو بالسراية

ص: 381

ومنها: مسئلة أوّل الشهر الذي كثيرا ما يتّفق في مثل شهر رمضان وشوّال وفي غيرهما خصوصا في مثل ذي الحجّة وعلى كلّ وإن كان الأمر في مثل شهر رمضان وشوّال سهلاً من جهة الافطار والصوم حيث انّ المناط بالرويّة فيهما لأنّه يفطر بالرؤية ويصوم لها لكن لابدّ أن يقع البحث في المسئلة كليّا لأخذ عنوان أوّل الشهر موضوعا بل في مثل الثامن من ذي الحجّة لو كان اليوم الأوّل معلوما فالثاني أيضا معلوم إلى الثامن والتاسع وهو يوم عرفة ولذلك نفع في بعض الاوقاف المعينة المصرف في أيّام من السنة والشهور الخاصّة .

والحاصل انّه تارة يقال ان الأوّل هو اليوم الذي لم يكن مسبوقا بمثله أو يوم مسبوق بضدّه فيكون أوّل الشهر مركّبا من جزئين يوم نحو مفاد كان التامّة وعدم المسبوقيّة فاذا شككنا انّ هذا اليوم من الشهر المنصرم أو الشهر القابل أو من شهر ذي القعدة أو ذي الحجّة فلا اشكال في ان الغد لهذا اليوم من ذي الحجّة لأنّه في الواقع امّا أوّل الشهر أو ثانيه إلاّ انّه لم يعلم انّه الأوّل فيستصحب عدم مسبوقيّته بمثله ولا اشكال حيث ان الموضوع مركّب ولم يؤخذ عدم كونه مسبوقا بمثله نعتا كي يستشكل في تصوّر المتيقّن لوجود الحالة السابقة في العدم المحمولي وجريان الاستصحاب لأجله عند الشكّ .

وهذا بناء على كون الموضوع مركّبا جزء من الوجدان وما ثبت بالأصل واضح لا سترة عليه ويترتّب على ذلك كون اليوم الغد اليوم الثاني وهكذا إلى الثامن والتاسع فان الغد من ذي الحجّة بلا اشكال وهو لم يكن مسبوقا بمثله ولو بالاستصحاب فالجزء محرز بالوجدان والآخر بالأصل ولا واسطة خفية أو جلية بل لا نحتاج إلى استصحاب ذي القعدة ولا اتّضاح حال يوم الشكّ .

ص: 382

لكن الكلام في كون الموضوع مركّبا فان الظاهر أن لا يكون هذه التعبيرات مفهوم الموضوع بل ما يتصوّر عند الواضع هو العنوان البسيط في غير ما يكون عنوانا مشيرا كالصلاة إلى الاجزاء الخاصّة وتكون موضوعا للحكم وحينئذٍ فيكون الأوّل كالاسبوع معنى بسيطا وعنوانا يكون عدم المسبوقيّة بالمثل أو المسبوقيّة بالضد موجبا لحصوله وإذا كان المفهوم بسيطا وعنوانا منتزعا عن منشأ الانتزاع ممّا يكون مؤدّى الأصل هو المنشأ واستصحاب عدم مسبوقيّة هذا اليوم بمثله بعد فرض اليوم لازمه العقلي ان هذا اليوم هو اليوم الأوّل اذ لم يكن الأوّل موردا للاستصحاب بل وجود اليوم وعدم المسبوقيّة بمثله وحينئذٍ فيشكل اثبات أوّل الشهر في غير شهر رمضان وشوّال حيث ان مضيّ العدّة من الأيّام والرؤية مغني عن تكلّف البحث لغيره .

والنتيجة عدم امكان جريان استصحاب عدم مسبوقيّة اليوم من شهر شوّال لاثبات انّه أوّل الشهر فاذا كان الاوّل موضوعا لحكم فيشكل ذلك وفي شهري رمضان وشوّال حيث ان قوله علیه السلام ( صم للرؤية وافطر للرؤية ) موجود يسهل الصوم والافطار ويبقى باقي الأحكام المترتّبة على شهر رمضان في أيّامه كساير الشهور لا يمكن جريان الاستصحاب لأجلها على ما عرفت .

ومن الفروع التي توهّم أو قيل بابتنائه على الأصل المثبت مسئلة ما لو أسلم الوارثان لميّت أحدهما في شهر شوّال والآخر في شهر ذي القعدة وقد علم ان موت المورث كان بعد شوّال لكن لم يعلم ان اسلام الوارث الثاني تقدّم على الموت أو الموت تقدّمه فاذا كان الأوّل فلا اشكال في ان المال بينهما نصفان لموته وكان له وارثان مسلمان سواء كان المورث مسلما أو لا وإذا كان الموت تقدّم

ما إذا كان الموضوع مركّباً

ص: 383

الاسلام فلا فائدة فيه ولا ارث .

نعم إذا كان الوارث متعدّدا فاسلم من يرث في طبقتهم قبل القسمة فيكون معهم إلاّ أن ذلك لا يفيد فيما لو كان الوارث واحدا فانّه لا قسمة ولو شكّ في انّ الاسلام كان قبل القسمة حتّى يؤثّر في اشتراكه في الارث أو بعدها كي لا يرث فلا يفيد الاستصحاب لعدم القسمة بعد تيقّن اسلامه حين الشكّ في القسمة لعدم اثبات العنوان الانتزاعي وهو القبليّة بالاستصحاب .

وهذا الفرع يبتني على ما سيحقّق إن شاء اللّه في التنبيه الآتي ويبيّن هناك ضابط التركيب والتقييد فانّه لا اشكال في ان الموضوع في ما نحن فيه لو كان مركّبا من موت المورث واسلام الوارث الثاني .

فلا اشكال في استصحاب حيوة المورث إلى ما ينقض فيه باليقين أو يستصحب الحيوة إلى حين اسلامه مع بقاء اسلامه فيما بعد اليقين بالموت فيكون الموت في حال اسلامه ويجتمعان في الزمان بلا دخل لعنوان الاجتماع في ذلك أصلاً بل من حيث ان الزماني لايمكن وقوعه في غير الزمان فلا محالة يجتمعان ولا يكون أحدهما وصفا للآخر ولا قيدا ( الا ان هذا الفرض حيث لا يكون الموت مؤدّى الاستصحاب ولا يكون أثرا شرعيّا للحياة لا فائدة فيه ويكون مثبتا لكون الموت حين الاسلام ولو بناء على مجرّد الاجتماع بلا دخل لعنوانه فيه الاّ أن يقال ان الموت عبارة اخرى عن عدم الحياة فالى أيّ زمان جرى استصحاب الحياة معناه التعبّد بعدم الموت وبعده يكون الموت والاسلام بالاجتماع للعلم به وجدانا ) .

فبناء على التركيب يمكن فرض اثبات الموضوع بالأصل لجزئه وهو

في تقدّم موت الوارث أو المورث

ص: 384

الموت ( على اشكاله كما سمعت ) والوجدان للاسلام .

وأمّا بناء على كون موضوع الارث الموت عن اسلام الوارث أو بدخل عنوان التقارن أو التقدّم وأمثال ذلك من العناوين الانتزاعيّة فلا فائدة في الاستصحاب لعدم اثباته للوازم العقليّة والعادية ولا يجري حتّى في ما يكون الواسطة خفيا كما ان في عكس الفرض لا اشكال في جريانه وعدم ارث من لم يعلم تقدّم اسلامه على موت المورث مع معلوميّة تاريخ الموت الا ان يثبت من دليل خارجي ظاهر قوة الظهور عدم دخل التقييد والوصف في ما يكون ظاهر الدليل اعتبار ذلك وكذا في العكس بأن يقوم دليل ظاهر الدلالة على دخل العنوان الانتزاعي في ما يكون ظاهر دليله التركيب .

ولا اشكال في امكان تصوّر دخل منشأ الانتزاع في مورد بلا دخل للعنوان الانتزاعي كما في ما نحن فيه فأيّ مانع من أن يكون الحكم مرتّبا على موت المورث في حين اسلام الوارث بلا دخل لهذا القيد لا أن يكون له دخل العدم ولا الدخل للأعم حتّى انّه لو مات في يوم الأحد والاسلام بعده مثلاً لا بل بنحو نتيجة القضيّة الحينيّة وإن لم يكن له دخل على نحو دخل الحصّة الملازمة للشيء في موضوع الحكم بلا دخل للازمه ولا ملازمه كما اذا فرض ان لحالات زيد بازائها في كلّ قطعة من الزمان وضع خيط بلا تقيد ولا دخل فيشير المريد إلى خصوص الحالة التي يكون زيد فيها ميتا بما يتحقّق به الاشارة وإن كان ذلك ملازما للقطعة الكذائيّة من الخيط(1) .

ويبتني على هذا المبنى المقدّمة الموصلة ومسئلة قصد القربة في العبادة

ص: 385


1- . ينبغي لتحقيق الحال مراجعة كتابنا مباني ارث المنهاج ص32 - 33 .

وفروع اخر منها مسئلة المشتقّ لو كان بناء الفقه على هذه التدقيقات وهذا أشبه شيء بحفر سرداب فوق رأس انسان كما عبّر به سيّدنا الأستاذ قدس سره .

هذا ملخّص الكلام في هذا الفرع والتحقيق فيه منوط بالتنبيه الآتي والفروع في المقام كثيرة:

منها: ما لو شكّ في تقدّم ملاقاة النجس للكر الذي كان قليلاً على كريّته وتماميّته كذلك وتأخّرها ففي الصورة الاولى يتنجس الماء القليل ولا يطهر بتتميمه كرّا كما ان في الثاني لا يؤثّر الملاقاة في التنجّس بل في بعض الموارد توجب طهارة الملاقي المتنجس ونعلم من الخارج ان الكريّة والملاقاة لم يكونا متقارنين بل تقدّم أحدهما على الآخر فهل يجري استصحاب عدم كريّة الماء إلى حين الملاقاة كي يثبت به ان الملاقاة حصلت للماء القليل فتنجس أو يستصحب عدم الملاقاة إلى حين الكريّة كي يثبت الملاقاة للكر كلّ ذلك لا سبيل إليه لاشكال الاثبات وعدم الأثر لا انه يجريان ويتزاحمان للمعارضة بل لا مجرى لهما من أوّل الأمر فلابدّ من العلاج بوجه آخر فلا يكون أصل جاريا في البين ( والأصل طهارة الماء ونجاسة المتنجس .

تنقيح مسئلة الكر والملاقاة لا اشكال في استفادة اقتضاء الماء للتنجس وقبوله بالسبب من الأدلّة كما لا شبهة في ان عناوين ثلاثة تكون عاصمة ومانعة من التنجس عنوان الكرية اذا كان الماء(1) قدر كر لم ينجّسه شيء وفي بعض الروايات كرواية معاوية بن عمّار(2) قال: سمعت أبا عبداللّه علیه السلام عن الماء الذي لا

تنقيح مسئلة الكر والملاقاة للتنجس

ص: 386


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 9/2 من أبواب الماء المطلق .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 9/6 من أبواب الماء المطلق .

ينجسه شيء فقال كر قلت(1) وما الكر الخ وعنوان ما كان له مادة والجاري وإن لم يكن كرّا فلو ثبت أحد هذه العناوين يكون مانعا عن نجاسة الماء الا فيما استثنى وإلاّ فلو لم يكن أي مانع فيتنجس الا انه اختلف الكلام في جريان استصحاب عدم الكريّة والملاقاة فيما يعلم حصولهما ولم يعلم أيّهما سبق الآخر .

ففي الجريان وعدمه مطلقا أو بالتفصيل بين ما اذا علم تاريخ الملاقاة دون الكريّة لا العكس وجوه وقد اختار المحقّق النائيني(2) منها الآخر أخيرا وذلك مبتنٍ على مقدّمة ان تمت فلا مجال لجريان الاستصحاب في مسئلة الكر والملاقاة . وهي انه لو حصلت ملاقاة النجاسة لماء قليل لا يبلغ كرا مقارنا لتتميمه كرا سواء كان التتميم بنفس الملاقى لو كان مايعا أو بغيره وحين التتميم لاقي بلا تقدّم وتأخّر لأحدهما على الآخر بحيث لا يكون مجال لتخلّل الفاء ولو بالرتبة فهل يكون هذا الملاقى طاهرا لأنّه لاقى الكر أم لا بل يتنجس الماء لملاقاة النجس الماء القليل أو لا يكون هذا ولا ذاك بل لوحصل التتميم بالمايع أو بماء متنجس يكون هذا البعض نجسا وغيره من الباقي طاهرا وجوه ؟

أوجهها الأوّل للزوم حفظ عنوان الموضوعيّة وترتّب الحكم بالعصمة على الماء كي لايوجب الملاقاة النجاسة والفرض خلافه لعدم تقدّم أحد الأمرين على الآخر فلم يلاق الملاقى الكر وإن لم يصدق انه لاقى القليل لعدم الاحتياج إلى ثبوت عنوان القلّة في ترتّب النجاسة على الماء ضرورة تقدّم الموضوع على الحكم رتبة بتخلّل الفاء ويتّضح هذا الفرض بتنطير له في مثل ما لو غمس يده

ص: 387


1- . هذا في رواية إسماعيل بن جابر 9/7 .
2- . فوائد الأصول 4/528 - 530 .

النجسة في الماء وقصد بذلك الوضوء أو وقع في الماء حال كونه بدنه نجسا بقصد الغسل بحيث لا يتقدّم طهارة البدن على الغسل أو الغسل في الوضوء فكما ان في هذه الصورة لابدّ من حفظ الشرط في الرتبة السابقة على الغسل والغسل كذلك ما نحن فيه لابدّ من ملاقاة الكر وهو إنّما يتحقّق بحفظ عنوان الموضوع في الرتبة السابقة فيقال كان كرّا فلاقاه النجاسة .

فاذا تمّت هذه المقدّمة فلا يبقى بعد اشكال في عدم جريان الاستصحاب في فروض المسئلة الا في بعض الموارد كما سيشرح . فانّه لو كان تاريخ الكريّة معلوما دون الملاقاة فلا مجرى لاستصحاب عدم الملاقاة إلى ما بعد الكريّة لأنّه لا يثبت ملاقاة الكر والعاصم .

نعم يجري الاستصحاب في عكس هذه الصورة وهو ما لو علم تاريخ الملاقاة ولم يعلم تاريخ الكريّة فانّه يجري استصحاب عدم الكريّة إلى حين الملاقاة فلاقى الماء الذي لم يكن كرّا للنجاسة ويترتّب على ذلك أحكامه .

والسر في ذلك عدم الحاجة إلى ثبوت عنوان القلّة بل مجرّد ان لم يكن عاصما يكفي في ترتّب أحكام قبول النجاسة عليه وكذا لو حصل التقارن كما في مثل التتميم كرّا ولو كان الماء كرا سابقا ونعلم بخروجه عن الكريّة في يوم السبت مثلاً مع حصول الملاقاة قبل هذا الزمان الاّ انه يشكّ في تقدّم نقص الكريّة على الملاقاة أو الملاقاة على النقص فلا فائدة فيه أيضا لأن استصحاب الكريّة إلى حين الملاقاة لا يثبت ان الملاقاة كانت للكر ( لكن قد يتأمّل في هذا الفرض ) ولو كان كرّا وشكّ في بقاء الكريّة وحصل التلاقي فلا اشكال في جريان استصحاب الكريّة ومقتضاه السعة في الموضوع .

ص: 388

فهذا الماء أيضا يكون كرّا يترتّب عليه أحكام الكريّة منها طهارة الملاقى المتنجّس .

وفي المقام بعض فروع آخر مثل ما اذا لو توضّأ بماء خرج عن الاطلاق ولا يدري سبق الخروج على الوضوء أو العكس والأحسن في هذا الفرع ونظيره المثال بوقوع النجاسة والملاقاة في يوم قبل هذا اليوم مع سبق القلّة للماء وهذا اليوم كلاهما حاصلان والشكّ في تقدّم أحدهما على الآخر فتدبّر .

ولو لم يجر الأصلان في الطرفين كما اذا لم يعلم المتقدّم منهما على الآخر أو في غيره من الموارد لاشكال الاثبات لا المعارضة فهل يرجع إلى القول بالنجاسة أو لا اشكال في اجراء قاعدة الطهارة ؟ لا اشكال في ان المقام مقام القاعدة خلافا لشيخنا الأستاذ المحقّق النائيني رحمه الله(1) حيث يذهب إلى النجاسة وعدل عن ما في رسالته وحاشية العروة وذلك لبنائه على ان كلّ شيء علّق على أمر وجودي يحكم عليه بحكم ضدّه حتّى يثبت ذلك الأمر الوجودي ففي زمان الشكّ يكون محكوما بالنجاسة حتّى يثبت الكريّة وعلى هذا بنوا في مقامات كالاحتياط في الدماء والأموال والأعراض وإن كان رحمه الله لا يقول به على اطلاقها بل في ما كان الحكم المجعول يناسب التسهيل فيحكم عليه بحكم ضدّه الا ان هذه القاعدة ليست بتامّة فالمدار على جريان قاعدة الطهارة في الماء ( ونجاسة المتنجس ) .

بقي فرع لا بأس بالاشارة إليه توهّم ابتنائه على الأصل المثبت ولذا تخيّلوا ان الشيخ رحمه الله قال بالأصل المثبت أو قال بذلك من باب قاعدة كلّ أمر علّق الخ أو

ما لو لم يجر الأصل في الطرفين

ص: 389


1- . فوائد الأصول 4/530 وربما يكون اختلاف بين التقريرات وما أفاده الأستاذ قدس سره .

من باب التمسّك باليد وعمومها وهو اذا تصرّف ووضع يده على مال الغير والمشهور على الضمان لكنّه من الموضوعات المركّبات التي يكفي فيها مجرّد الاجتماع في الزمان بلا دخل لعنوان انتزاعي في ذلك لأن اليد على مال الغير عرض من فعل المتصرّف وعدم الرضا قائم بصاحب المال فيستصحب عدم الرضا المعلوم سابقا لعدم كفاية الرضا التقديري والتصرّف ووضع اليد حاصل بالوجدان فيثبت اليد غير الاماني فيكون ضامنا ويكون من العرضين لمحلين الذي سيجيء تحقيق الكلام فيه في عدم اثبات الاستصحاب فيه .

تنبيه: ربما يتوهّم أو تخيّلوا ابتناء بعض الأحكام الشرعيّة على قاعدة المقتضى والمانع وعلى التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة وعلى قاعدة كلّ شيء علّق على أمر وجودي يحكم عليه بحكم ضدّه حتّى يثبت ذلك الأمر الوجودي أو على الأصل المثبت الا ان الاحرى بيان موارد جريان الأصل لاثبات بعض الموضوعات للأحكام الشرعيّة كي يتّضح فساد هذه الاخيلة بالنسبة إلى كثير من الموارد وقبل ذلك لا بأس بالاشارة إلى فرع قد بقي ممّا سلف .

وهو انه قد يتوهّم عدم اثبات الاستصحاب في عدم الحاجب لمثل عنوان

الغسل كما عن الشيخ رحمه الله في هذا المقام الا انه لا اشكال في اعتبار عنوان غسل البشرة وايصال الماء إليها فعند الشكّ في وجود الحاجب لابدّ من رفعه كي يتحقّق ذلك ولا وجه لجريان الاستصحاب لأن ترتب الغسل عليه يكون مثبتا من اللوازم العقليّة ضرورة لأن خلو المحل من الحاجب يلازم وصول الماء الجاري عليه وتحقّق عنوان غسل البشرة عقلاً ولا وجه لما يقال من قيام السيرة على عدم الفحص خصوصا بالنسبة إلى بعض الموارد التي يبتلي فيها بالبق والبرغوث

ص: 390

ويحتمل اصابتهما لبدنه وكونها مانعة من وصول الماء لعدم العبرة به لو قيل به عن أحد من العلماء فضلاً عن ان المورد مورد الاشتغال ( بل لا يجري قاعدة الفراغ بعد الفراغ مع الشكّ في الوصول لأن مورده فيما إذا احرز انّه كان ملتفتا حين العمل إلى خصوصيّاته ومنها الفحص عن الحاجب وعدمه فتجري القاعدة ) ولابدّ من الخروج عن عهدة التكليف فلنرجع إلى ما كنّا بصدده من بيان .

التنبيه التاسع: من تنبيهات الاستصحاب: وفيه بيان ضابط مورد ثبوت الموضوع للحكم حيث كان مركّبا من الجزء بالوجدان والجزء الآخر بالأصل حيث انّه يمكن ثبوت كليهما وجدانا ويمكن تعبّدا في كليهما أو أحدهما والآخر بالوجدان وإن أركان الاستصحاب في ما يذكر في هذا التنبيه من قبيل تقدّم أحد الاثنين على الآخر تامّة من حيث اليقين والشكّ واتّصال زمان اليقين بالشكّ في قبال المحقّق الخراساني رحمه الله(1) حيث توهّم عدم تماميّة أركانه كما في مسئلة تقدّم الوضوء على الحدث فيما يترتّب على كليهما الأثر وكمسئلة الاسلام والموت في الوارث ممّا يتغيّر الحكم بسبب التقدّم والتأخّر .

فليعلم ان الموضوع للحكم إذا كان مقيّدا لا وجه لجريان استصحابه لعدم الحالة السابقة له فالبحث في العدم يكون صغرويّا والعدم المحمولي لا يفيد استصحابه وهذا هو النزاع المعروف بين المحقّقين وبالجملة في هذا البحث فوائد جليلة وعنونه المحقّق النائيني(2) بمسئلة تأخّر الحادثين وانّه لا اشكال عند الشكّ في حدوث أمر من جريان الاستصحاب إلى أن يعلم بذلك الأمر وانّه وجد في

ضابط تركب الموضوع

ص: 391


1- . كفاية الأصول 2/337 - 338 .
2- . فوائد الأصول 4/503 .

الخارج وهذا لا اشكال فيه ويترتّب عليه كلّ أثر مطلوب منه في حال الشكّ الجاري لأجله الاستصحاب الا انّه قد يشكّ في حدوث حادث بالنسبة إلى حادث آخر ولم يعلم تقدّم أحدهما على الآخر ففي جريان الاستصحاب في كليهما مطلقا أو عدمه مطلقا أو التفصيل إذا علم تاريخ حدوث أحدهما وما إذا لم يعلم ففي الأوّل يجري في خصوص مجهول التاريخ وفي الثاني في كلا المشكوكين وجوه بل أقوال ؟ وقبل ذلك لا بأس ببيان ضابط الموضوع المركّب والمقيّد ولا اشكال في ان الدليل الشرعي يمكنه أن يرد في مورد المقيّد ويلغي جهة القيد فيجرد المقيّد عنه ويكتفي بخصوصه وكذلك في العكس يمكن أن يقوم دليل في مورد المركّب ويتعبّد بخصوص التقييد في ذاك المورد وقبل ذلك لا اشكال في ان العرض لا يقوم إلاّ بالجوهر .

وأجابوا عن مثل قيام السرعة بالحركة وكذلك الشدّة بها بأن ما به الامتياز عين ما به الاشتراك فيهما فالعرض لابدّ في قيامه من معروض جوهر يحلّ فيه ويقوم به فانّه وإن كان له ماهيّة مستقلّة لا ربط لها بغيرها إلاّ ان وجوده الخارجي

عين وجود الغير فاذا كان كذلك فالفروض المتصوّرة في المقام أربعة أو ستّة ويمكن أن يتصوّر أزيد من ذلك أيضا بدخل الجوهر والعرض في الموضوع .

فاما أن يكون الموضوع أمرا بسيطا لا تركب فيه أصلاً فهذا لا اشكال فيه ولا ربط له بما نحن بصدده وامّا أن يكون الموضوع مركّبا وحينئذٍ فإمّا أن يكون مركّبا من جوهرين كزيد وعمرو وإمّا أن يتركّب الموضوع من عرضين وذلك إمّا لمحلّ واحد أو لمحلّين كقيام زيد وقعود عمرو أو يتركّب من جوهر وعرض لمحلّ آخر غير هذا الوجود والجوهر واخرى يكون عرضا ومحلّه .

ص: 392

وممّا يكون ضابط التركيب فيه منطبقا ذا فائدة هو خصوص غير الأخير والباقي كلّها يكون من المركّب الذي لا اشكال في امكان ثبوت أحد جزئيه بالأصل والوجه في ذلك ان العرض وإن كان له ماهيّة مستقلّة في التصوّر وكذلك له وجود ذهني الا ان لحاظه قد يمكن أن يكون باعتبار وجوده الخارجي وبهذا الاعتبار يكون وصفا لمحلّه ويحمل على المحل بهذا الاعتبار حيث ان التغاير المفهومي والاتّحاد الخارجي يصحّحان الحمل فيه فانّ البياض أو القيام أو الأكل مباين مع زيد الاّ انّه يحمل كلّ واحد على زيد بلحاظ صدوره منه واللحاظ الاشتقاقي .

لا نقول ان المشتق عبارة عن ذات ثبت له المبدء بل المشتق عين مبدء الاشتقاق الا ان الفرق بينهما ان المبدء يكون بشرط اللا لا باللحاظ بل حقيقته على نحو لا يمكن حمله على الذات إلاّ غلطا كما في زيد ضرب بخلاف المشتقّ فانّه لا بشرط عن عدم الحمل فيقال زيد ضارب وهذا عينيّة في الوجود وإن كان زيد غير الضرب ولهذا لا يمكن البناء على اجتماع الأمر والنهي في بحثه لو أخذ المشتق متعلّقا لهما بل يلاحظ نفس المبدئين كالصلاة والغصب موضوعا ويكون أحدهما لازم وجود الآخر ويصحّح على ذلك البحث في تعلّق الأوامر والنواهي بالطبايع أو الافراد بمعنى تعلّقهما بوجود الطبيعة أو بما يلازمها فيسري متعلّق الأمر إلى النهي أو العكس وإلاّ فالطبيعة من حيث هي ليست شيئا حتّى تجعل محل نزاع ذلك البحث .

وبالجملة فلو كان مبدء الاشتقاق متعلّقا كذلك فللنزاع مجال والا فعلى فرض كون المشتق موضوعا لهما فيكون من صغريّات باب النهي في العبادات بلا

ميزان الحمل

ص: 393

اشكال .

والحاصل ان العرض باعتبار وجوده يتّصف به المحل كما في تعلّق الحكم في الزكوة بالفقراء ولا يعقل كون جوهر وصفا لجوهر آخر أو عرض محل خاص وصفا لمحل آخر فانّه أشبه شيء بأكل شخص وحصول الشبع من آخر وكذا في العرضين لمحلين فان قيام زيد لا يكون وصف قيام عمرو .

وأمّا خصوص العرضين لمحل واحد فانّ المحقّق النائيني رحمه الله(1) يجعله من التركيب لكن فيه اشكال بالنظر إلى الاتّحاد في الوجود كما مثلنا فان العالم العادل بالنظر إلى الوجود في محل واحد يكاد أن يتّصف أحدهما بالآخر فيكون قيدا لمحلّه وعلى هذا يمكن في المثال المذكور من اليد على مال الغير وعدم الرضا أن لا يقال بما تقدّم من جريان الاستصحاب في عدم الاذن والرضا والتصرّف واليد محرز بالوجدان فيتحقّق موضوع الضمان بل يمكن منع ذلك ويقرب بنحو التقييد فانّ الرضا من المالك يتعلّق بالتصرّف ذاك الفعل الخارجي(2) الحاصل من الشخص والتصرّف أيضا عبارة عن الحركة الخاصّة التي في كلّ مورد يكون من مقولة مقامه فقد تكون حركة جوهريّة وقد تكون في غيرها من المقولات وكلاهما أي التصرّف والرضا يتعلّقان بالمال فلا اشكال في اتّصاف التصرّف حين تعلّق الرضا به بأنّه التصرّف المرضي .

فعلى هذا يمكن منع ذلك فيه بل يكون من باب التقييد فتأمّل .

كما ان طيب النفس يمكن أن يتشبّت في مورده بقاعدة كلّ أمر بخلاف

ص: 394


1- . فوائد الأصول 4/505 .
2- . لا يخفى انّ التصرّف يتعلّق بالمال والرضا بالتصرّف فيختلف المتعلّقان وليس هذا مثالاً لما تخيّل .

موضوع الضمان لعدم جريان القاعدة في مورده وإن كانت الحركة عبارة عن الاستيلاء فليست من الجوهر ولا العرض بل من الأمور الاعتباريّة كالملكيّة وما ضاهاها من الأمور الوضعيّة .

توضيح وتكميل: قد تبيّن ممّا ذكرنا ان العرض بالنسبة إلى محلّه يكون وصفا فاذا لوحظ العرض موضوعا لحكم بهذا الاعتبار فيكون مقيّدا به ووصفا للمحل وفي هذا المقام بحث راجع إلى المشتق وربط بباب اجتماع الأمر والنهي وفي غير العرض والمحل له لا يكون من باب الوصف والتقييد فانّه لا يعقل أن يكون جوهر وصفا لجوهر آخر أو لعرض أو عرضان لمحلّين يكون أحدهما قيدا للآخر وكذا العرض لجوهر ومحل آخر ممّا تقدّم إليها الاشارة من أنحاأ التصوّرات ولو فرض دخل مثل هذه الأمور في موضوع الحكم الشرعي فيكون خارجا من باب التقييد بل يكون من باب التركيب وعند الحاجة إلى الاستصحاب يمكن جريانه في ما يكون له يقين سابق مع احراز الآخر بالوجدان فيتم الموضوع ويترتّب عليه الأثر المطلوب .

لكن ذلك إذا لم يكن للعنوان المتولّد والمنتزع عن مثل هذه دخل في الموضوع فحينئذٍ لا فائدة في الضابطة لعدم انطباقها على أمثال هذه الموارد كما إذا كان لعنوان السبق واللحوق والتقدّم والتأخّر وغيرها من الأمور الانتزاعيّة مدخليّة في ذلك فلا يمكن اثباتها بالاستصحاب إلاّ فيما كان هناك يقين سابق وإلاّ فبمجرّد جريانه في المستصحب العدمي لا يثبت مثل هذه العناوين .

مثال ذلك ما إذا كان على المأموم أن يركع قبل أن يرفع الامام رأسه من الركوع فالركوع من المأموم حاصل بالوجدان والامام في الركوع ولم يرفع رأسه

العرض لمحلّه يكون وصفاً

ص: 395

بالأصل حيث يهوي إلى الركوع لدرك ركوع الامام فلا يثبت بذلك دركه ركوع الامام أو ركع قبل أن يرفع الامام رأسه وإن كان هذا المقام من باب العرضين لمحلّين لأن رفع الرأس من الامام والركوع من المأموم .

وعلى كلّ حال فللشارع تجريد العرض عن محلّه في موضوع دليل حكمه بحسب ما يراه من المصلحة والمفسدة والملاك كما ان في مورد التركّب يمكن دخل عنوان الوصف والتقييد .

والحاصل انّه لابدّ في تشخيص موارد الضابطين من الاستظهار من أدلّة الأحكام فبعد تشخيص ان هذا المقام من الوصف أو التركيب يجري الاستصحاب في الثاني عند احراز الجزء الآخر بالوجدان أو الأصل ولا اشكال في تصوّر عدم دخل عنوان الاجتماع في الموضوع المركّب لأنّ نفس الاجتماع غير دخل عنوانه في الحكم بل من حيث ان الزماني لازم وجوده وقوعه في الزمان يجتمعان في الزمان وإلاّ فلو كان يمكن وجودهما في اللازمان لما كان مانع وعند الشكّ في ان المقام من أيّ المقامين فيتوقّف الاستصحاب للشكّ في مصداقه الجاري وانّه مؤثّر شرعا أو يكون مثبتا لللوازم فيكون من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة غير الجائز كما تقرّر في محلّه .

هذا وليس الملاك لهذا الضابط في الموردين إلاّ الوجدان والعقل ضرورة عدم معقوليّة اتّصاف الجوهر بعرض جوهر آخر أو نفس الجوهر ولو ورد في الدليل الشرعي ما يوهم ذلك فلابدّ من تأويله .

ثمّ انّه بعد ان ظهر انّ المناط في احراز الجزء بالوجدان والآخر بالأصل ليس إلاّ كون الموضوع ملحوظا في طرفيه بمفاد كان وليس التامتين وإنّ الوصف

ص: 396

والتقييد سواء كان في الوجود أو العدم إنّما يتصوّر مفادهما الناقص فقد يذكر في المقام أمثلة لا بأس بالاشارة إليها وتفصيلها موكول إلى محلّه من الفقه .

منها: مسئلة المرئة غير القرشيّة فعند الشكّ في ذلك لعدم انضباط الانساب مثلاً وعدم حصول الاطمئنان بالمشجّرات فقد يتوقّف في ترتيب آثار القرشيّة عليها في باب الحيض والطلاق بناء على كون حيضها إلى الستّين وبعده لا يكون الدم حيضاً وإن كان بصفاته وهل يكون كذلك في صورة العلم بالحيضيّة أم لا ؟ بخلاف غيرها والنبطيّة فإلى الخمسين فقبل الخمسين لا أثر يترتّب عليها من هذه الجهة بل من جهة الخمس وفي طرف ضدّه في ناحية الزكوة الا ان الاولى فرض المقام في ما لا يكون لضدّه أثر فاذا جازت الخمسين فهل يجري استصحاب عدم كونها قرشيّة كي يترتّب على ذلك أحكام غير القرشيّة في الطلاق والحيض أم لا ؟ لا اشكال في ان الأثر لو كان مترتّبا على العدم المحمولي فيجري استصحاب وجود الحالة السابقة من العدم الأزلي المحمولي .

إنّما الكلام والاشكال في ما إذا كان الأثر مترتّبا على العدم النعتي بعد تسلّم فرض ان استصحاب العدم المحمولي لترتّب الأثر المترتّب على النعتي يكون من الأصل المثبت غير الجاري ولا يكون ممّا ينطبق عليه ضابط التركيب فيقال ان المرئة الموجودة المفروضة لم تكن في الأزل ولم تكن قرشيّتها موجودة فالآن هي موجودة والشكّ في حصول القرشيّة فيستصحب عدم القرشيّة لسبق عدمها والجزء الآخر هي المرئة الموجودة وجدانا فيترتّب على ذلك الأثر .

ولا يخفى ان جريان استصحاب العدم المحمولي لا يثبت ان هذه المرئة

الموجودة متّصفة بأنّها غير قرشيّة لأن اثبات غير القرشيّة لهذه المرئة باستصحاب

استصحاب العدم الأزلي

ص: 397

العدم المحمولي يكون باثبات اللازم العقلي وهكذا الكلام في الفرض الآخر .

وهو الشرط المخالف للكتاب لا ما لا يوافق فاستصحاب العدم الأزلي المحمولي المتيقّن قبل وجود الشرط لا يثبت انه ليس مخالفا للكتاب .

نعم بناءً على امكان فرض وجود العدم النعتي في الأزل لا اشكال في جريانه وبه يثبت اتّصاف المرئة بغير القرشيّة في محلّ الحاجة ولا يتوجّه عليه اشكال الاثبات لأن وصف غير القرشيّة كان متيقّنا بنفسه في الأزل وعند الشكّ في تبدّله وزواله يجري الاستصحاب ويكون بنفسه مؤدّى الاستصحاب ولا يلزم من ذلك محذور لكن الكلام بعد في أصل المبنى(1) وإلاّ فالبناء واضح لا سترة عليه

فان هذا الاستصحاب يكون من ما موضوعه مسلوب بانتفاء الموضوع مع لزوم وجود المثبت له في ثبوت شيء له (1) .

وما يقال بالفرق بين المستصحب الوجودي فيحتاج إلى الاحراز والعدمي

فلا يحتاج إلى احراز الموضوع انّ الماهيّة وإن لم تكن لا موجودة ولا معدومة ولا يمكن خلوها عن أحد الوصفين الا ان لها عالم تقرّر كما ان لها عالم تصوّر لا شبهة في اجتماع النقيضين هناك بل ولا اشكال في ارتفاعهما لأن تلك المرحلة مرحلة ذاتها فانّ الوجود والعدم يحملان عليها لا في ذاك الصقع فلا شبهة في تقرر لها في وعاءها الخاص وحينئذٍ لم تكن مقرونة بوصف من أوصاف الوجود بل

ص: 398


1- . المبنى صحيح وفاقاً للمحقّق العراقي نهاية الأفكار 4/200 وما بعده شيخ مشايخنا واستاذنا المحقّق المدقّق السيّد يحيى المدرسي اليزدي تغمدهما اللّه برحمته كما هو مبنى السيّد العلاّمة الخوئي والسيّد الحكيم في الحقائق 2/501 - 502 نعم ما يجري الاستصحاب فيه الصفات والأحوال الوجوديّة لا لوازم الماهيّة اذا كانت معلومة العدم أو مشكوكة .

كلّها كانت مسلوبة عنها فعلاً وهي متّصفة بعدمها فعند الشكّ بعد وجود الماهيّة في عالم العين وحصولها في صفحة الوجود يجري استصحاب عدم النعت الكذائي .

كما ترى إذ لا وجه لاتّصاف شيء منتزع بوصف من الأوصاف بل لابدّ من الوجود كي يكون محمولاً للأوصاف ( لا يكون هذا دليلاً وجواب الشبهة بل البرهان ) إلاّ انّ في مسئلة المرئة يستظهر من الأدلّة حكم الشكّ بلا احتياج إلى البحث الأصولي في جريان مثل هذا الاستصحاب وعدمه فراجع مظانّها .

وقد ذهب المحقّق الخراساني(1) إلى جريان هذا الأصل إلاّ انّه رحمه الله جعل مورد الكلام في الاستصحاب الانتساب وعلى كلّ فقد عرفت ما هو مقتضى المقام في هذه المسئلة التي هي معركة آراء المحقّقين وليست حادثة في زماننا بل سبقنا الاعلام بالبحث فيه .

ثمّ انّه يقع الكلام في اعتبار اتّصال زمان اليقين بالشكّ وهي الجهة الثانية وهو عبارة عن عدم فاصلة يقين آخر بين اليقين الباقي والشكّ اللاحق اللذين هما ركنان من أركان الاستصحاب فانّه يشترط في جريانه أمور:

أحدها وجود اليقين السابق، ثانيها الشكّ اللاحق، والثالث وجود الأثر الشرعي اما بأن يكون نفس الأثر موردا للتعبّد أو يكون التعبّد متعلّقا بموضوعه بلحاظه والرابع اتّصال زمان الشكّ باليقين وهو بهذا المعنى الذي ذكرنا لا اشكال في اعتباره ولا ينبغي الكلام عليه فانّه إذا كان متيقّنا بالوضوء أوّل الصبح وعلم انّه أحدث بعده ثمّ شكّ في انه توضّأ بعد ذلك أم لا فلا وجه لاستصحاب الطهارة السابقة للعلم بانتفاضه فالشكّ إنّما هو في الحدوث لا البقاء ونظير المقام ما تقدّم

اعتبار اتّصال زمان اليقين بالشك

ص: 399


1- . كفاية الأصول 1/346 .

طي بعض التنبيهات السابقة من عدم جريان استصحاب العدم الأزلي المنتقض باليقين بوجوب الجلوس مثلاً في القدر المتيقّن من الزمان وهو إلى الزوال في يوم الجمعة بعد الزوال حيث يشكّ حينئذٍ ان عليه الجلوس مثلاً إلى الغروب أو كان غاية ما كلّف به هو الزوال فلا تكليف بعده فعن الفاضل النراقي جريان الاستصحابين في عدم وجوب الجلوس المتيقّن قبل التكليف المعلوم الانتفاض في قطعة من الزمان ومعارضته باستصحاب وجوب الجلوس المتيقّن إلى الزوال .

فقد يجاب بعدم جريان الاستصحاب العدمي بعدم اتّصال زمان الشكّ باليقين ونظير ذلك أيضا مورد الشكّ في كون الدم المصيب للباس أو البدن للمصلّي مثلاً هو من الدم المتخلّف في الذبيحة بعد خروج المتعارف الذي يكون النقص مطهّرا للمتخلّف أو من النجس والفرض انّه لم يصبه نجاسة من خارج .

وبالجملة فلمثل ما ذكرنا أمثال كثيرة ونظائر كذلك وبهذا يسهل أمر الجلود المجلوبة من بلاد الكفّار حيث انّ فيها من الجلود المجلوبة من بلاد الاسلام ما يوجب عدم اتّصال زمان اليقين بالشكّ المانع من جريان اصالة عدم التذكية .

والحاصل انّه إذا علمنا بنجاسة انائين لنجاسة وفرضنا ان أحدهما كان في المدرسة في حجرة والآخر في حجرة اخرى فاتّفق انّه أصاب أحدهما المطر المطهّر له وبقي الآخر على نجاسته ثمّ اشتبه أحدهما بالآخر فتارة لا يعلم الطاهر من النجس بعينه ففي هذه الصورة لا مجال لجريان استصحاب النجاسة للمعارضة من الطرفين حيث ان العلم الاجمالي بانتفاض النجاسة في أحدهما يوجب عدم كونهما تحت دليل الاستصحاب جمعا ويقصر عن شمول أحدهما لا بعينه وللترجيح بلا مرجّح واخرى يعلم الطاهر من النجس ثمّ بسبب من الأسباب يقع

ص: 400

الاشتباه بينهما فيشتبه الطاهر بالنجس .

فالكلام في انه مع قطع النظر عن اشكال عدم الموضوع للاستصحابين للعلم التفصيلي بنجاسة أحدهما وطهارة الآخر فلا يجري الاستصحاب وكذا مع قطع النظر عن اشكال عدم جريانهما في أطراف العلم الاجمالي لعدم شمولهما تحته جمعا أو للزوم المخالفة القطعيّة وعلى كلّ حال فهل يجري الاستصحاب في كليهما أو في أحدهما أم لا ؟ بل يمنع ذلك من جهة انّ الشكّ اللاحق أخيرا لا يتّصل بزمان اليقين للفصل باليقين بطهارة أحدهما والعلم السابق الباقي بنجاسة الآخر .

ومجمل الأمر انّ هناك ثلاث حالات: حالة اليقين بنجاسة كليهما فنفرض انّه كان يوم الأحد ويوم اصابة المطر أحدهما بعينه ولا يكون معلما كي لا يشتبه بل يشبه الاناء الآخر مثلاً ولكنّه علم بعينه ان قد طهر وذلك يوم الاثنين وحالة ثالثة لاحقة لكلتا الحالتين يشكّ في ان الطاهر هذا أو ذاك وهو يوم الثلاثاء فهل يجري الاستصحاب بتقريب أن يقال كان هذا متيقّنا نجاسته بعينه فالآن يشكّ فيه انّه طهر أم لا وكذلك الآخر مع انه لا اشكال في عدم جريان الاستصحاب ولو في أحدهما يوم الاثنين للعلم التفصيلي بأن هذا طاهر وذاك نجس .

وخلاصة الكلام: لا اشكال في اشتراط جريان الاستصحاب بوجود الشكّ واليقين ووجود الأثر الشرعي فلو لم يكن هناك شكّ فلا مجرى للاستصحاب كما سيجيء ما يترتّب على هذا .

نعم ذكر في العروة(1) انّه إذا كان اناءان نجسين فطهر أحدهما حكما بالبينة

توضيح المقام

ص: 401


1- . العروة الوثقى في المطهرات المسئلة 2 فصل إذا علم بنجاسة شيء وليس فيه ذكر المطر .

أو واقعا بالمطر واشتبه أحدهما بالآخر فهو رحمه الله يجري استصحاب النجاسة في كليهما واستشكله المحقّق النائيني رحمه الله(1) وكان ينقل عن المرحوم السيّد محمّد

حسن الشيرازي قدس سره التفصيل بين ما إذا لم يلزم من جريان الأصل في أطراف العلم الاجمالي مخالفة عمليّة فلا اشكال في الجريان وبين ما اذا تلزم فلا يجري وعلى ذلك يبتني التفصيل بين الانائين فيجري استصحاب نجاستهما وإن علمنا بطهارة أحدهما بما ذكرنا لعدم لزوم مخالفة عمليّة غاية الأمر لا يشرب طاهرا ولا يجري في صورة كونهما مسبوقين بالطهارة وتنجس أحدهما فلا يجري الاستصحابان بل يتعارضان للزوم المخالفة العمليّة للعلم بتكليف الزامي في البين .

ومقتضى التعارض عدم شمول دليل لا تنقض كليهما جمعا وكذا أحدهما لا بعينه للزوم الترجيح بلا مرجّح أو الترجّح وذلك لا يكون بالنسبة إلى الحكيم بل العاقل فضلاً عنه وكان مبناه على ذلك إلى أن انتقل إلى سامرّاء ( فرجع ولم يفرق بين كلتا الصورتين ) لكن المحقّق النائيني رحمه الله لا يفرّق بين هاتين الصورتين لاشتراط التعبّد عنده باجتماع الشرايط الثلاثة وهو امكان الجعل وموضوعه ومحصّله الشكّ وعدم مانع في المجعول وعدم لزوم المخالفة العمليّة ولو لم يكن نفس العلم مانعا عن جريان الاستصحابين في ما إذا كانا نجسين وعلمنا بطهارة أحدهما كما ذكرنا فلا اشكال على مبنى القوم لأنّ العلم في هذه الصورة إنّما صار منشأ للشكّ .

وإلاّ فالشكّ واليقين حاصل في كلا الطرفين بالنسبة إلى كلا الموضوعين

كما انّه لا اشكال ان عند العلم بطهارة اناء ونجاسة آخر لا مجال لجريان

ص: 402


1- . فوائد الأصول 4/515 .

الاستصحاب اذا اشتبه أحدهما بالآخر فاذا فرضنا في ما نحن فيه ان الانائين كانا مسبوقي النجاسة وطهر أحدهما بالمطر أو غيره وكنّا نشرب منه أيّاما فاتّفقت المقارنة وصار ذلك سببا لاشتباه الطاهر بالنجس والفرض أيضا انّه كان عندنا معلوما معيّنا فالآن حصل فيه الشكّ فلا مجال حينئذٍ لاستصحاب نجاسة أحدهما أو كليهما للاشتباه وعدم وجود موضوع لليقين السابق للعلم بانتقاض الحالة السابقة في أحد الانائين بالعلم بطهارته في البين والعلم بنجاسة الآخر فلو لم يطرء هذا الخلط والاشتباه ما كنا نجري الاستصحاب في أحدهما لعدم الشكّ .

فأيّ فرق بين هذه الصورة وهي صورة الاشتباه وبين الحالة السابقة عليها التي كنّا باليقين بطهارة أحدهما ونجاسة الآخر على التفصيل فكما لا مجال لجريان الاستصحاب في تلك الصورة كذلك لا يمكن في هذه .

ولا وجه لجعل المتيقن باليقين السابق على حالة اليقين المتوسّط اذ هذا يكون نظير استصحاب نجاسة انائين كانا متنجّسين على التفصيل ثمّ طهرناهما وبعد ذلك وقع في أحدهما مايع طاهر وفي آخر مايع متنجس ثمّ اشتبها فاستصحاب نجاسة هذين الانائين باعتبار الحالة التي سبقت التطهير لهما لا وجه له لعدم موضوع لذلك في البين إذ مضافا إلى امكان الجعل وعدم مانع في المجعول لابدّ من حصول موضوع الاستصحاب ولا موضوع له في ما نحن فيه وإن كنّا فرقنا في ما سلف في العلم الاجمالي بين دليل الاستصحاب وقاعدة الحلّ لعدم شمول القاعدة مثل موارد العلم الاجمالي لعدم امكان الجمع في الجعل في القاعدة بخلاف الاستصحاب إذ كلّ شكّ ويقين إنّما يلاحظ بالنسبة إلى نفسه ولذا يجري الاستصحاب في ما إذا لم يكن متعلّق الطهارة في أحدهما معلوما بعينه لكون العلم

لو فصل زمان بين زماني اليقين والشك

ص: 403

غير موجب لشيء إلاّ انّه نشأ منه الشكّ في الموضعين بالنسبة إلى حكمهما فيجري الاستصحاب .

فالنتيجة: عدم موضوع للاستصحاب في ما إذا فصل الزمان المتوسط بين الشكّ اللاحق بنجاسة الانائين واليقين بهما فيما إذا علمنا بطهارة أحدهما باصابة المطر دون الآخر إذ كلّ منهما يحتمل أن يكون هو الطاهر بالمطر وان يكون هو الاناء النجس بل هذا من اشتباه الطاهر بالنجس واشتباه موضوع بموضوع كما انه لا يمكن استصحاب النجاسة السابقة على الحال المتوسّط لانقطاع اليقين باليقين الثاني المتعلّق بكلّ من الانائين أحدهما طهارة والآخر نجاسة ولا موجب لعدم جريان الاستصحاب السابق على هذا الحال في هذا الفرض ولا مانع منه إلاّ عدم اتّصال الشكّ باليقين(1) بل توسط بينهما يقين لم يكن في برهة وجوده أحدهما ولا شاهد لذلك سوى الوجدان الحاكم في ما قلناه بلا شبهة وارتياب .

ولا يخفى ان الفروض في المقام ثلاثة . أحدها العلم الاجمالي بطهارة أحد الانائين بلا تعيين شخصه ولو اجمالاً بعنوان مشير ككونه في الجانب الشرقي أو في المدرسة والبيت ولا اشكال في جريان كلا الاستصحابين في هذا الفرض لعدم تعلّق العلم بأحدهما بعينه بل إنّما صار منشأ للشكّ فالشكّ في كلّ منهما متّصل بيقينه .

غاية الأمر حيث لا يكون في موردهما مخالفة عمليّة للتكليف الالزامي في البين فلا مانع من جريان الاستصحابين بلا تعارض عند من يفصل بين ما إذا

ص: 404


1- . وصرّح السيّد الخوئي قدس سره فيما عن تقريره بان المعتبر اتصال زمان الشك بزمان اليقين فيما إذا كان الشك حادثاً بعد اليقين بمعنى عدم تخلل يقين آخر بينهما ولا يعتبر سبق اليقين على الشك . مصباح الأصول 48/221 .

يوجب جريان الأصلين في أطراف العلم مخالفة عمليّة للتكليف الالزامي فلا يجريان بل بالتعارض يتساقطان وبين ما إذا لا يلزم فلا يسقطان بل كلاهما يجريان لعدم منافاة عنده بين جريانهما والعلم بطهارة أحدهما .

غايته ان المكلّف اجتنب عن طاهر في البين .

امّا على مبنى عدم امكان الجعل بالنسبة إلى كليهما لأنّ العلم مانع من الجعل والجعل في أحدهما ترجيح بلا مرجّح وإن لم يلزم مخالفة عمليّة فلا يجري الأصلان وذلك للعلم الاجمالي مع اتّصال زمان الشكّ باليقين وتحقّق باقي أركان الاستصحاب ولذا لو فرض عدم كون أحدهما محلاً للابتلاء يجري استصحابه بلا معارض فالمانع في هذا الفرض ليس إلاّ العلم الاجمالي .

الصورة الثانية: أن يكون اصابة المطر لأحدهما معينا وعلمنا به وميّزناه عن الآخر بل استعملنا منه برهة وعاملناه معاملة الطاهر حينا فاتّفق اشتباهه بالآخر النجس فصار موجبا للشكّ في كليهما في ان هذا نجس أو طاهر وكذلك ذاك فهذا يكون من قبيل اشتباه الحجّة بلا حجّة في باب التعارض ولا مجال لجريان الأصلين فيه لعدم اتّصال زمان الشكّ باليقين بالبيان السابق وعدم الموضوع .

الصورة الثالثة: هي بين الصورتين ولها مناسبة مع كلتيهما وهي أن يكون اصابة المطر والعلم بطهارة أحدهما لا بعينه بل بعنوان مشير إليه ككونه في المدرسة وهذا أيضا كالثاني إذ في زمان اليقين بطهارة هذا الاناء ولو بهذا العنوان المشير لا شكّ في طهارته ونجاسة الآخر فعند الاشتباه والخلط لا مجال لجريان الاستصحاب فيهما لترتّب النجاسة عليهما بما ذكر هذا . الا ان صاحب العروة رحمه الله

اطلق جريان الاستصحاب في ما يرجع إلى الصور الثلاث .

صور الشك في طهارة الاناء من الانائين

ص: 405

قال رحمه الله في المسئلة الثانية(1) من فصل الحكم ببقاء نجاسة شيء علم نجاسته ما لم يثبت تطهيره ( إذا علم بنجاسة شيئين فقامت البيّنة على تطهير أحدهما غير المعين أو المعين واشتبه عنده أو طهر هو أحدهما ثمّ اشتبه عليه حكم عليهما بالنجاسة عملاً بالاستصحاب ) بل يحكم بالنجاسة إلاّ ان الوجه في ذلك ما عرفت فلا يجري الاستصحاب في هذه الصورة لكن في الصورة الاولى التي أشار إليها في كلامه بغير المعين للعلم الاجمالي وفي الآخريين لعدم اتّصال زمان الشكّ باليقين للتين أشار إليهما بقوله أو المعين الخ .

وممّا ذكرناه علم الوجه في مثل الدم المشتبه انّه من المتخلّف في جوف الذبيحة بعد خروج المتعارف حسب طبعه واستفادة طهارته من الأدلّة بالاجماع والآية وغيرهما أو من الخارج فيجري فيه الصورتان الأخيرتان اذ حين ذبح الذبيحة قد علم في أحد الفرضين بنجاسة الخارج وطهارة المتخلّف ثمّ اتّفق انّه أصاب ثوبه أو بدنه قطرة لم يعلم انّه من أيّ منهما على كلتا الصورتين فلا يمكن استصحاب نجاسة هذه القطرة لكونها حين حياة الحيوان نجسة وإن كانت في الجوف لعدم اتّصال زمان الشكّ باليقين للفصل بين الذبح وخروج المتعارف وكذلك في المجلوبة من بلاد الكفّار فتدبّر .

وكيف كان فلا اشكال في تصوّر الصورة الثانية والثالثة من الصور الثلاث في الدم المشتبه بين الطاهر والنجس فانّه قد يتّفق تشخيص الدم الطاهر من النجس والطاهر وإن كان لم يكن عنوان المتخلّف في الذبيحة موضوعا للحكم إلاّ انّه قد استفيد من الأدلّة طهارة ما يكون هذا العنوان مشيرا إليه فحينئذٍ إذا اشتبه

ص: 406


1- . العروة الوثقى في المطهّرات .

مثل قطرة بين أن يكون من الدم النجس الذي خرج بالسفح أو من غيره ممّا بقي وتخلّف الذي يكون طاهرا وقد شخّصناه وميّزناه كما انّه يمكن اتّفاق العلم بعنوان الطاهر مثل انّه في الجوف والنجس بما خرج وإن لم يكن مشخصا أحدهما خارجا عند العالم من الآخر .

فبناء على نجاسة الدم في الباطن لا مجرى للاستصحاب في هاتين الصورتين لاختلال ركنه وهو اتّصال زمان الشكّ باليقين لفصل حين الذبح بين الحينين فيرتفع الاتّصال من البين ويكون قد حصل العلم بالطهارة للمتخلّف بأحد النحوين ولغيره بالنجاسة كذلك فيكون عينا من اشتباه الطاهر بالنجس الذي لا مجرى للاستصحاب فيه .

أمّا الصورة الأولى فالظاهر عدم امكان وقوعه في هذا الفرض .

نعم يمكن فرض المقام بنحو آخر وهو وقوع الاشتباه في دم انّه من الطاهر أو النجس وعلى فرض طهارته يكون من المتخلّف فيمكن استصحاب النجاسة المعلومة سابقا لهذا الدم بناء على نجاسته .

( ولا يخفى انّه على ذلك يكون الموضوع مركّبا من كون الدم من نجس الدم وعدم ثبوت طرو عنوان مطهّر له ) حيث يشكّ في جريان عنوان المطهّر وهو المتخلّف عليه أم لا فيستصحب نجاسته أو يكون الحكم فيه النجاسة بناءً على ان الأصل في كلّ دم النجاسة إلاّ أن يثبت عنوان الطاهر حيث يدعون انقلاب الأصل في الموارد المشكوكة من البرائة والحل بالاحتياط وعدم الجواز في خصوص الأموال والأعراض والنفوس والدماء(1) .

فرض آخر في المقام

ص: 407


1- . الظاهر انها كساير موارد جريان البرائة إذا لم يكن هناك أصل موضوعي كما صرّح به السيّد الحكيم قدس سره في الدرس . لا يخفى ان المراد بالدماء في كلام من احتاط فيها هو في مورد القتل وجرح الانسان محقون الدم ولا مساس له بباب الطهارة والنجاسة كما في المقام فليتدبّر .

أمّا بناءً على قاعدة كلّ حكم علّق على أمر وجودي يحكم عليه بحكم ضدّه إلى أن يثبت ذلك الأمر الوجودي أو لغير ذلك من الوجوه الأربعة المستدلّ بها في الأموال كما ان في الأعراض لا يجرون أصل البرائة ولا أصلاً آخر إلى أن يثبت عنوان الأجنبيّة في المعقودة وإن كان موضوع الحكم عنوان ما وراء ذلكم فانّه ما لم يثبت ذلك العنوان فيحكم عليه بحكم ضدّه .

هذا بناءً على تماميّة الدعوى حتّى في الدماء بل والمني والميتة يمكن الاستناد إليها في المقام للقول بنجاسة المشكوك وعلى هذا لا يختصّ مورده بمثل الفرض بل يجري في كليّة موارد الاشتباه وإن لم يرد نص في ان دم ذي النفس حرام إلاّ انّه يستفاد من النصوص والأدلّة فراجع الجواهر(1) .

نعم ورد في خصوص الميتة بعض ما يمكن دليلاً بعنوانها وكذا ثبت اغسل(2) ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه .

والحاصل ان القاعدة لا تتمّ إلاّ أن يستند في الموارد الثلاثة غير الدماء إلى دليل آخر كالاجماع .

ثمّ انّه إذا اشتبه الطاهر بالنجس كدم البق بالانسان أو دم السمك بغيره لا مانع على القاعدة من التمسّك بقاعدة الطهارة والحل إلاّ ان يدلّ دليل على خلافه من قاعدة ( كلّ حكم ) أو غيرها .

ص: 408


1- . جواهر الكلام 5/364 وما بعده .
2- . وسائل الشيعة 3 الباب 8/2 - 3 من أبواب النجاسات .

وليعلم ان من الموارد التي يمكن منع جريان الاستصحاب فيها هو مورد الجلود المجلوبة من بلاد الكفّار فانّ فيها صورا ثلاثا صورة العلم بأن ما يرسل إلى بلاد المسلمين ليس إلاّ خصوص ما لم يذكّ حيوانه على النحو الشرعي ممّا يذبح أو يقتل عندهم .

والثانية صورة العلم بأنّها خصوص ما ذكّى في بلاد المسلمين أو غير بلادهم إلاّ انّه ذكاها الذبح على النحو المعتبر وحكم هاتين الصورتين واضح .

الثالثة صورة الشكّ في ان هذه الجلود المجلوبة هل هي خصوص ما جلب من بلاد المسلمين من التي ذكيت بهائمها أو ما ذبح عندهم على غير التذكية الشرعيّة أو اختلط بل ربما يحصل العلم بالاختلاط .

وفي هذه الصورة الأخيرة لا مجال لاستصحاب عدم التذكية الجاري في الجلد المجهول المشكوك لعدم اتّصال زمان اليقين بالشكّ فانّه يتصوّر فيها الصورتان اللتان لم يكن الاستصحاب جاريا فيهما كما إذا علم بوجود المذكات بينها ثمّ حصل الاختلاط بغيرها أو بعنوان ما يجلب من بلاد المسلمين إلى بلادهم ثمّ اختلط وقد عرفت اعتبار اتّصال زمان الشكّ باليقين في جريان الاستصحاب وقد حصل بين الشكّ واليقين في هاتين الصورتين زمان اليقين بنجاسة هذه وطهارة تلك .

نعم إذا علم باشتمال ما سيق منها إلى بلاد المسلمين عند التاجر الفلاني يشكل الأمر من باب لزوم الاجتناب من حيث كونها مورد الابتلاء إلاّ أن يمنع ذلك في غالب الصور خصوصا مع عدم مناسبة كلّ فعل لرجله وهو لا يريد كلّ هذه إلاّ أن يكون مورد علمه خصوص هذه الطائفة التي يمكن اختياره فردا منها

ص: 409

بل بعض الأصحاب كصاحب المدارك اتّكى على رواية في طهارة المشكوك من الجلود وإن خالفوا المشهور لروايات ضعيفة عملوا بها إلاّ انّه رحمه الله ( أي صاحب المدارك ) لا يبالي بعد الظفر على رواية صحيحة على مخالفة المشهور بل ينام عليها ويفتي بمضمونها فراجع تعرف .

من ذلك رواية عليكم(1) أن تسئلوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك وفي كون أهل الكتاب من الكفّار نظراً فتأمّل(2) .

النتيجة: إذا عرفت ضابط عدم اتّصال زمان اليقين بالشكّ تعرف ما في كلام المحقّق الخراساني رحمه الله من الاشكال فيما هو راجع إلى مورد الكلام في تقدّم الشك فى(3) أحد الحادثين على الآخر وتأخّره مع ترتّب الأثر على كلا طرفيه والفرض إنّا نعلم بعدم تقارنهما في الحدوث كما في رجوع المرتهن عن اذنه في بيع الراهن للمرهون فانّه يشكّ في تقدّم الرجوع البيع فالبيع لا أثر له ولا يكون نافذا وتقدّم البيع على الرجوع فالبيع وقع نافذا والفرض انه يترتّب الأثر على كلا طرفي الشكّ تقدّم أحدهما زمانا أم تأخّر وهو رحمه الله فرض صورا خمسا في محلّ البحث ومنع من ترتّب فائدة على الاستصحاب في أربع منها لعدم الأثر الشرعي في صورة الاثبات وللتعارض في فرض آخر وعدم اتّصال زمان الشكّ باليقين في الثالث وعدم وجود المتيقّن السابق كي يستصحب .

والخامس ما هو إذا ترتّب الأثر على فرض خاص فيستصحب في صورة

تماميّة أركانه ولا اشكال في جميع ما ذكره رحمه الله لما تقدّم سابقا إلاّ انّه يستشكل عليه

اشكال الكفاية

ص: 410


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 50/7 من أبواب النجاسات .
2- . لا اشكال في كفرهم والاشكال كون كلّهم مشركين .
3- . كفاية الأصول 2/324 وبعده .

منعه جريان الاستصحاب في ما تخيله من عدم اتّصال زمان الشكّ باليقين فلنفرض انّه في الحادثين اللذين لا يمكن اجتماعهما في الزمان كالحدث والوضوء لا مثل الرجوع والبيع أو غيره مثلاً وهو صورة العلم بوقوع حدث ووضوء منه فهنا ثلاث حالات حال العلم بعدم كلّ منهما وحالة العلم بوجود أحدهما وحالة ثالثة لوجود الآخر المتعقّب للحالتين وهذا المثال وإن كان فيه خدشات وانظار وإن قيل فيه جريان ضدّ الحالة المتقدّمة عليهما الا ان مورد الشاهد هو بيان عدم وجه لما تخيّله من عدم اتّصال زمان اليقين بالشكّ ففي الحالة الأولى يعلم بعدم كلّ منهما كما ان في الحالة الثانية يعلم بوجود أحدهما فقبل تلك الحالة كان متيقّنا بعدم كليهما الا انه علم بوجود أحدهما وفي الحالة الثالثة يعلم بوجود كليهما فمنع هو رحمه الله جريان استصحاب عدم كلّ منهما إلى الحالة الثالثة وهي ظرف العلم بحدوث كليهما من جهة عدم اتّصال زمان اليقين بالشكّ بالفصل بينهما بالعلم بوجود أحدهما في الحالة الثانية . ولا يخفى فساده على ما بينّا من الضابط إذ العلم في ما فرضه من الصورة الثانية لما صار منشأ الشكّ فكيف يكون منشأ الشيء رافعه ويمنع الاستصحاب لذلك بل لا اشكال في جريان الاستصحاب بالنسبة إلى كليهما لأن في كلّ زمان من أزمنة وجود أحدهما إلى زمان العلم بوجود حدوث الثاني يشكّ في حدوث كلّ واحد منهما فالشكّ في كلّ واحد متّصل بيقينه السابق بلا اشكال فراجع الكفاية وتدبر في محلّ البحث قال فيه(1) .

التنبيه الحادي عشر: لا اشكال في الاستصحاب فيما كان الشكّ في

كلام الكفاية في الشك في التقدّم والتأخّر

ص: 411


1- . كفاية الأصول 2/333 - 334 .

أصل تحقّق حكم أو موضوع وأمّا إذا كان الشكّ في تقدّمه وتأخّره بعد القطع بتحقّقه وحدوثه في زمان فان لوحظ بالاضافة إلى أجزاء الزمان فكذا لا اشكال في استصحاب عدم تحقّقه في الزمان الأوّل وترتيب آثاره لا آثار تأخّره عنه لكونه بالنسبة إليها مثبتا إلاّ بدعوى خفاء الواسطة أو عدم التفكيك في التنزيل بين عدم تحقّقه إلى زمان وتأخّره عنه عرفا كما لا تفكيك بينهما واقعا ولا آثار حدوثه في الزمان الثاني فانّه نحو وجود خاص الخ .

مراده جريان الاستصحاب في كلّ حادث شك في تحقّقه إلى زمان العلم بحدوثه لكن ذلك إذا لم يكن عنوان التقدّم والتأخّر وأمثالهما دخيلاً فيجري الاستصحاب في العدم ويترتّب عليه إذا كان موضوعا للحكم ولا يترتّب إذا كان الأثر للوجود وأمّا إذا كان العلم بحدوث الحادثين حاصلاً ولم يعلم تقدّم أحدهما على الآخر وتأخّره عنه فلا اشكال في جريانه أي استصحاب العدم فيما إذا كان عدمه في الزمان الأوّل موردا للحكم إلاّ انّه لا يثبت عنوان التأخّر من الزمان الأوّل أو الحدوث في الزمان الثاني ولا يمكن أن يدعي ان استصحاب العدم في الزمان الأوّل معناه وجوده في الزمان الثاني إلاّ بناءً على الأصل المثبت كالامارة أو يقال ان هذا اللازم يكون الواسطة فيه خفيّة أو يستحيل عرفا التفكيك بين المتلازمين فيكون حينئذٍ تنزيل عدم الحدوث في الزمان الأوّل مساوقا لتنزيل تأخّره عنه ولا فرق بين الاثبات في ما ذكرنا بأن يكون عنوان التأخّر معلولاً للأثر أو الحدوث في الزمان الثاني فكما لا يثبت الاستصحاب في العدم في الزمان الأوّل التأخّر كذلك لا يثبت عنوان الحدوث في الزمان الثاني لأنّه نحو وجود خاص وليس مؤدّى الاستصحاب .

ص: 412

والحاصل ان الوجود له حصص متعدّدة وبازاء كلّ عدم فاثبات عدم حصّة لا يثبت الحصّة من الوجود الكذائي لتغايرهما قال رحمه الله(1) نعم لا بأس بترتيبها بذاك الاستصحاب بناء على انّه عبارة عن أمر مركّب من الوجود في الزمان اللاحق وعدم الوجود في السابق انتهى وهذا واضح إذ الموضوع المركّب بغير دخل عنوان الاتّصاف يمكن اثباته بضم الوجدان بالأصل هذا كلّه بالنسبة إلى الزمان لا الحادث الآخر .

قال وان لوحظ بالاضافة إلى زمان حادث آخر علم بحدوثه أيضا وشكّ في تقدّم ذاك عليه وتأخّره عنه كما إذا علم بعروض حكمين أو موت متوارثين وشكّ في المتقدّم منهما والمتأخّر فان كانا مجهولي التاريخ فتارة كان الأثر الشرعي لوجود أحدهما بنحو خاص من التقدّم أو التأخّر أو التقارن لا للآخر ولا له بنحو آخر فاستصحاب عدمه صار بلا معارض بخلاف ما إذا كان الأثر لوجود كلّ منهما كذلك أو لكلّ أنحاء وجوده فانّه حينئذٍ يعارض فلا مجال لاستصحاب العدم في واحد للمعارضة باستصحاب العدم في آخر لتحقّق أركانه في كلّ منهما .

هذا إذا كان الأثر المهم مترتّبا على وجوده الخاص الذي كان مفاد كان التامة .

والمراد بنحو خاص ان الحكم من حيث ثابت على أحدهما وليس للآخر هذا .

ملخّص مرامه رحمه الله انّه عند الشكّ في حدوث حادث لا اشكال في جريان استصحاب عدمه ويثبت عدم تحقّقه إلى زمان العلم بحدوثه إمّا في التقدّم والتأخّر

توضيح كلام صاحب الكفاية

ص: 413


1- . كفاية الأصول 2/334 .

فان كان الأثر مترتّبا على عدم حدوثه في زمان يجري ويترتّب عليه الآثار التأخريّة عن الزمان الأوّل لأن ذلك ليس مؤدى الاستصحاب بل لازم له وهذا لا يثبته الأصل إلاّ بدعوى خفاء الواسطة أو عدم اشكال في جريان الأصل المثبت أو الملازمة في الجعل والتنزيل فكما انّه ينزل مشكوك الحدوث منزلة متيقّن عدم حدوثه كذلك ينزل ذلك منزلة حدوثه في الزمان الثاني وتأخّره عن الزمان الأوّل فيكون قد صدر منه تنزيلان أحدهما متعلّق بأصل المشكوك ابتداءً والثاني بعنوانه التأخّري أو حدوثه في الآن الثاني كما ليس بمنكر إذا كان الأثر مترتّبا بالخصوص على الواسطة لا مؤدّى الأصل وذلك للحفظ عن اللغويّة بخلاف الأدلّة العامّة مثل لا تنقض اليقين فانّه لا يكون نظرها إلى ذلك أصلاً .

والحاصل انّه إذا كان لوجود يوم الخميس أثر لا يثبت ذلك باستصحاب عدم حدوثه في يوم الأربعاء فانّه نحو وجود خاص إلاّ بنحو التركيب على ما سمعت .

هذا بالنسبة إلى الزمان وكونه ظرفا للشكّ في التقدّم عليه أو التأخّر أمّا إذا لو خطّ الحادث بالنسبة إلى حادث آخر وكانا مجهولي التاريخ فإمّا أن يكون الأثر مترتّبا على كليهما أو على أحدهما وعلى الأوّل يجري الاستصحاب في الطرفين ويسقطان بالمعارضة ( بناء على لزوم المخالفة العمليّة أو مطلقا على المباني ) وعلى الثاني فيجري الاستصحاب في خصوص ما له أثر بلا معارضة في البين ولا يخفى صحّة جريان الاستصحاب لعدم وجود حادث مؤثّر للآثار لعدم ترتّب الآثار عليه كما إذا شككنا في تحقّق سبب الضمان فيستصحب عدمه لعدم ترتيب أثر الضمان عليه لكونه أصلاً موضوعيّا مقدّما على الأصول الحكميّة مثل

ص: 414

البرائة وأمثالها .

تتمّة البحث: قال في الكفاية(1) بعد جعل محلّ الكلام في المستصحبين

مجهولي التاريخ وذكر القسم الأوّل بشقوقه ( وأخرى كان الأثر لعدم أحدهما في زمان الآخر فالتحقيق انّه أيضا ليس بمورد للاستصحاب فيما إذا كان الأثر المهم مترتّبا على ثبوته للحادث بأن يكون الأثر للحادث المتّصف بالعدم في زمان حدوث الآخر لعدم اليقين بحدوثه كذلك في زمان بل(2) قضيّة الاستصحاب عدم حدوثه كذلك كما لا يخفى انتهى .

والمراد بقوله كان الأثر لعدم أحدهما في زمان الآخر إلى قوله على ثبوته المتّصف بالعدم في زمان الآخر ان الأثر إنّما يترتّب على ما إذا كان أحد الحادثين منصفا بعدم الوجود مقيّدا بزمان حدوث الحادث الآخر كالملاقاة المشكوك حدوثها بأن تكون موردا للأثر بوصف عدمها لا مطلقا بل عدمها في زمان حدوث الكريّة فاذا كانت الملاقاة كذلك فلا تكون منشأ للأثر إذا كانت متقدّمة على الكريّة

أو مقارنة لها بل إنّما تكون منشأ الأثر لو كانت بعدها وهذا هو اصالة تأخّر الحادث .

والحاصل ان الملاقاة لابدّ أن تكون معدومة متّصفة بالعدم في حال حدوث الكريّة لترتب الأثر ولا يخفى انّ الملاقاة بهذا الوصف لم تكن متيقّنة لأن كونها متّصفة بهذا الوصف مورده ما إذا حصل الحادث الآخر بوصف كونه موجودا تكون الملاقاة في حينه متّصفة بالعدم والملاقاة بهذا القيد لم تحصل لعدم حصول

اشكال الاستصحاب

ص: 415


1- . كفاية الأصول 2/335 .
2- . ليس هذه العبارة في المقام .

الكريّة الحادثة التي أخذ زمان حدوثها ظرفا لقيد الملاقاة العدمي ويتوجّه على هذا اشكال .

وهو ان هذا الاستصحاب من السالبة بانتفاء الموضوع وأيّ فرق بينه وبين استصحاب عدم قرشيّة المرئة مع التزامه بجريان الاستصحاب فيه دون المقام فان لا يجر الاستصحاب في العدم النعتي عنده فلم اجراه في المرئة القرشيّة فان في الأزل كما لم تكن المرئة موجودة كذلك لم تكن قرشيّتها فعند تبدّل العدم بالوجود في المرئة الموجودة يجري استصحاب عدم قرشيّتها مع جريان الفرض فيه لأنّ المرئة بوصف كونها موجودة لم نتيقن انّها غير قرشيّة كي نستصحبها حين الشكّ .

إلاّ ان هذا الاشكال يدفع بأن أخذ التقيّد قد يكون للموجود بأن يفرض الموجود بما هو موجود قيدا لما يستصحب كما في مثال الكريّة فان الملاقاة أخذ عدمها في ظرف وجود الحادث وحدوثها أي الكريّة صفة وتكون بهذا الوصف موردا للأثر ولا ريب في انّها لم توجد بهذا الوصف ولم تكن كذلك في حين بل كانت معدومة بهذا الوصف ولم تكن الملاقاة موصوفة بالعدم في حين حدوث الكريّة . واخرى يؤخذ قيدا للماهيّة بما هي هي مع قطع النظر عن الوجود والعدم بل هي في رتبة ذاتها التي لا تكون محمولة للوجود ولا للعدم وإلاّ كانت ضروريّة وربما يجتمع المتناقضان فتأمّل .

وإن كانت في رتبة حمل الموجود والمعدوم المتّحدين من هذا الحيث وحينئذٍ لم تكن وجودا ولا عدما ولم تكن قرشيّة أيضا فيمكن جرى هذا العدم وجره إلى زمان وجود المرئة ويكون موردا للأثر وعلى هذا فبناءً على مبناه أيضا لا يتوجّه عليه الاشكال فتدبّر في عبارته كى تعرف حقيقة الحال .

ص: 416

ومن هنا عرفت انّه لو كان العدم المحمولي موردا للأثر فيجري الاستصحاب في الطرفين الكريّة وعدم الملاقاة ويتعارضان كما في الصور السابقة .

وأمّا على ما اخترناه سابقا فلا يصحّ جريان الاستصحاب في هذا الفرض أي فرض أخذ القيود في رتبة الذات والحال كذلك بل لا شيء حتّى يستصحب فان السالبة أيضا تحتاج إلى وجود الموضوع وعند عدمه فعدم أوصافه إنّما هو لعدم الموصوف .

تكميل وتوضيح: قال صاحب الكفاية رحمه الله(1) بعد قوله السابق في عدم جريان الاستصحاب فيما إذا كان الأثر مترتّبا على الحادث المتّصف بالعدم في زمان حادث آخر الذي استشكلنا عليه بالفرق بين المقام وبين ما سبق عنه في العام والخاص من جريان الاستصحاب في عدم قرشيّة المرئة ودفعناه بما تقدّم .

قال عطفا عليه ( وكذا فيما كان مترتّبا على نفس عدمه في زمان الآخر واقعا وإن كان على يقين منه في آن قبل زمان اليقين بحدوث أحدهما لعدم احراز اتّصال زمان شكّه وهو زمان حدوث الآخر بزمان يقينه لاحتمال انفصاله عنه باتّصال حدوثه به . وبالجملة كان بعد ذاك الآن الذي قبل زمان اليقين بحدوث أحدهما زمانان: أحدهما زمان حدوثه والآخر زمان حدوث الآخر وثبوته الذي يكون طرفا للشكّ في انّه فيه أو قبله وحيث شكّ في انّ أيّهما مقدّم وأيّهما مؤخّر لم يحرز اتّصال زمان الشكّ بزمان اليقين ومعه لا مجال للاستصحاب حيث لم يحرز معه كون رفع اليد عن اليقين بعدم حدوثه بهذا الشكّ من نقض اليقين بالشكّ

ص: 417


1- . كفاية الأصول 2/335 - 336 .

انتهى ) .

مثال ذلك ما إذا استفدنا من الأدلّة ان وجود الاخوة مانع وحاجب في الارث عن نصيب الام الاعلى وينتقل بذلك إلى الأدنى فلا ترث إلاّ السدس إذا مات أخ من الأخوة وكانت الاُم حيّة فان الأثر يترتّب على عدم وجود الاخوة والحاجب حين حدوث الموت ولا دخل لاتّصاف شيء بالعدم في هذا الظرف فعلى تقدير أن يكون موضوع الارث مركبا من عدم وجود الاخوة وعدم تولّدهما والموت فالكلام في احرازه فيما إذا علمنا بحدوث الموت وتولّد الاخوة ونعلم بعدم التقارن إلاّ انّه يشكّ في تقدّم تولّد الاخوة على الموت فنصيب الام السدس أو بعد الموت فالثلث لعدم العبرة بالحمل مع اليقين السابق بعدم كلّ من تولد الاخوة والموت فهل يجري الاستصحاب لاحراز جزء الموضوع العدمي واحراز الآخر وهو الموت بالوجدان ولا يستشكل من حيث الاثبات لعدم سببه في المقام .

نعم لو كان كلّ من التولّد والموت منشأ للأثر فاستصحاب تأخّره يجري ويتعارضان ولكن ليكن الفرض فيما اذا لم يكن للموت أثر في استصحاب عدمه لحصوله بالوجدان ولا اشكال في انّه لو كان الموضوع مركّبا من العدم والوجود عدم الاخوة والموت فيمكن اجراء استصحاب عدم التولّد للاخوة ازلاً بل لا يحتاج إلى ذلك للعلم بعدم التولّد حين الحمل لهذا الاخ الموجود فله حالة سابقة في عدم التولّد نعتا لأنّه لم يكن حين حمله متولّدا فنستصحب هذا المتيقّن ويترتّب عليه الأثر وهو ارث الام للثلث . هذا .

وأمّا لو كان الأثر لعدم أحدهما في الزمان فيجري الاستصحاب عنده رحمه الله

ص: 418

إنّما الاشكال في ذاك النحو من الاستصحاب الذي سمعت عنه رحمه الله من عدم احراز اتّصال زمان اليقين بالشكّ فلنفرض ازمنة ثلاثة . زمان اليقين بعدم حدوث كلّ من الحادثين . وزمان حدوث أحدهما وهذا الظرف لم يكن زمان الشكّ في حصول التولّد حين الموت لأنّ الشكّ في ان الحادث إمّا موت أو تولّد .

إنّما الشكّ في التقدّم والتأخّر في الزمان الثالث وهو زمان حدوث الحادث الآخر فنشكّ حينئذٍ ان الموت تقدّم على التولّد أو بالعكس فلو اردنا استصحاب عدم التولّد الى حين الموت المتيقّن وجود كليهما يمنعنا من ذلك عدم احراز اتّصال زمان الشكّ وهو الحال الثالث والزمان المتأخّر بزمان اليقين وهو الزمان الأوّل الذي كنّا عالمين بعدم حدوث كلا الحادثين فانفصل زمان حدوث أحد الحادثين بين الزمانين الواقعين طرفين فالعلم الاجمالي حاصل بتقدّم أحدهما على الآخر فالحادث الأوّل امّا الموت وإمّا التولّد .

وذلك يمنع من صدق نقض اليقين بالشكّ على رفع اليد عن اليقين بعدم وجود التولّد في زمان الشكّ وهو حال حدوث أحد الحادثين ولا يلزم احراز عدم الانفصال بل عدم احراز الاتّصال كافٍ لعدم جريان الاستصحاب بهذا القيد بأن يكون في زمان الحادث الآخر في الآن الثاني الذي يكون ظرف أحد الحادثين ولا اشكال من غير هذه الجهة أصلاً .

ثمّ قال رحمه الله(1): لا يقال لا شبهة في اتّصال مجموع الزمانين بذاك الآن وهو بتمامه زمان الشكّ في حدوثه لاحتمال تأخّره عن الآخر .

مثلاً إذا كان على يقين من عدم حدوث واحد منهما في ساعة وصار على

ص: 419


1- . كفاية الأصول 2/336 .

يقين من حدوث أحدهما بلا تعيين في ساعة اخرى بعدها وحدوث الآخر في ساعة ثالثة كان زمان الشكّ في حدوث كلّ منهما تمام الساعتين لا خصوص أحدهما كما لا يخفى .

وأجاب عن هذا(1) الاشكال بقوله فانه يقال نعم ولكنّه إذا كان بلحاظ اضافته إلى أجزاء الزمان والمفروض انّه بلحاظ اضافته إلى الآخر وانّه حدث في زمان حدوثه وثبوته أو قبله ولا شبهة في ان زمان شكّه بهذا اللحاظ إنّما هو خصوص ساعة ثبوت الآخر وحدوثه لا الساعتين الخ فتدبّر فيه وفي ما قلنا في شرحه فانّه حقيق بالتأمّل .

توضيح وتبيان: مراد المحقّق الخراساني بعد تصوير جريان الاستصحاب إذا كان الشكّ في الحدوث بالنسبة إلى اجزاء الزمان وبعد تصوير ما إذا كان الأثر مترتّبا على ما إذا كان متّصفا بعنوان التقدّم وما شابهه وما إذا كان اتّصاف الشيء بالعدم في زمان حدوث الحادث الآخر دخيلاً في الحكم تصوير صورة ثالثة لا تكون هذا ولا ذاك وهو ما إذا كان الأثر مترتّبا على عدم أحد الحادثين في زمان حدوث الآخر واقعا مع العلم بتحقّقهما في الزمان المتأخّر والشكّ إنّما هو في تقدّم أحدهما على الآخر وتأخّره منه .

كما إذا علم بمجيء زيد وعمرو في شهر ربيع الثاني وكان قبل شهر صفر متيقّنا بعدم قدوم كليهما وعلم بمجيء أحدهما في شهر ربيع الأوّل وتيقّن في هذا الشهر بمجيء كليهما إلاّ انّه لا يعلم هل قدوم زيد تقدّم على قدوم عمرو أو بالعكس والفرض ان الأثر يترتّب على عدم قدوم زيد حال قدوم عمرو ولا شكّ

توضيح كلام الكفاية

ص: 420


1- . كفاية الأصول 2/336 .

من حيث اجزاء الزمان ولا يكون من قبيل الاتّصاف بعدم كون أحدهما في زمان حدوث الآخر .

ومحصّل مرامه في هذا الفرض عدم جريان الاستصحاب وإن كان مبناه جريانه في العدم الازلي النعتي الاّ ان في المقام لا اشكال عنده من هذه الجهة بل من حيث عدم اتّصال زمان الشكّ باليقين في خصوص مورد الشكّ لأنّ الشكّ في التقدّم والتأخّر إنّما يحصل اذا حصل الحادثان كلاهما والا فوجود أحدهما في الشهر الأوّل وهو شهر ربيع لا يوجب الشكّ في التقدّم والتأخّر بل إنّما يقع الشكّ في قدوم زيد أو عمرو كذلك في الشهر الثاني .

فلذا أجاب عن اشكال توجّه عليه بقوله ( لا يقال )(1) .

ومحصّل هذا الاشكال هو وقوع الشكّ في كلا الزمانين . الزمان الذي يوجد فيه أحد الحادثين والزمان الثاني الذي يحصل فيه الحادث الثاني فأين عدم اتّصال زمان الشكّ باليقين .

بقوله ما ملخّصه ان ذلك لو كان من جهة الزمان فكذلك الا ان الشكّ إنّما هو في تقدّم أحد الحادثين على الآخر .

ومن المعلوم ان زمان الشكّ في التقدّم والتأخّر لا يكون هو زمان حدوث أحدهما ما لم يحدث الحادث الآخر لأنّ الشكّ حينئذٍ إنّما يكون في تعيين هذا الحادث أيّهما هو فاذا وجد الحادث الآخر فحينئذٍ يحصل الشكّ في التقدّم والتأخّر ولا اشكال في انفصال زمان أحد الحادثين بين زمان اليقين بعدم حدوث كليهما وزمان اليقين بحدوثهما فلذلك لم يحرز اتّصال زمان اليقين بالشكّ فيمنع

ص: 421


1- . كفاية الأصول 2/336 .

جريان الاستصحاب .

والحاصل: انّه لو كان الشكّ في الحادثين بالنسبة إلى الزمان لم يكن مانع من جريان استصحابهما فيما كانا موردين للأثر ويتعارضان أو أحدهما لو كان هو بالخصوص كذلك وامّا إذا كان المطلوب ثبوت عدم الحادث في زمان الآخر بهذا القيد فلا يكون حينئذٍ ظرف الشكّ إلاّ ما إذا حصل الحادث الآخر وإلاّ فيكون من السالبة بانتفاء الموضوع ولا اشكال فيه من هذه الجهة أيضاً .

وأجاب المحقّق النائيني(1) عن ما ذكره المحقّق الخراساني موردا عليه ومستشكلاً عليه ان الزمان لا يخلو حاله من وجهين: فإمّا أن يكون ظرفا أو قيدا فلو كان ظرفا ولو زمان حدوث الحادث الآخر فلا اشكال في جريان الاستصحاب بخلاف ما إذا كان قيدا فانّه لم يكن له حالة سابقة .

ولا يخفى ان ما فرضه المحقّق الخراساني من اشكال عدم احراز اتّصال زمان الشكّ باليقين لا يختصّ بما إذا كان الحادثان مجهولي التاريخ بل لو كان أحدهما معلوم التاريخ أيضا يتّجه هذا الكلام كما ربما يستفاد من مطاوي كلماته .

وينبغي أن تعرف ان منشأ الشبهة له رحمه الله هو تخيّل اشتراط اتّصال زمان الشكّ باليقين في الاستصحاب ففيما فرضه لم يحرز ذلك لفصل الساعة الاولى وهي ساعة حدوث أحدهما بين زمان الشكّ وزمان اليقين غافلاً عن ان المناط في باب الاستصحاب إنّما هو المشكوك والمتيقّن والمراد باتّصال زمان الشكّ باليقين اتّصال زمان المتيقّن بالمشكوك وإلاّ فالشكّ مسلم انه لا يحصل إلاّ بعد حدوث الحادث الثاني .

اشكال المحقّق النائيني

ص: 422


1- . فوائد الأصول 4/519 - 520

وعلى اشتراط ذلك يمكن فرض حصول اليقين والشكّ في آن واحد كما في الفرض علم بقدوم زيد وعمرو وشكّ في تقدّم مجيء زيد على عمرو أو بالعكس ولم يكن له شك بهذه المثابة قبل .

فلو كان المناط ذلك فلازمه أن يجري الاستصحاب فيه بل المناط كلّ المناط إنّما هو المشكوك واتّصال زمانه بزمان اليقين ولا ريب في اتّصال زمانه في كلا الحادثين بالمتيقّن فانّ الساعة الاولى إنّما فصلت بين الشكّ واليقين زمانا الا ان الشكّ في التقدّم والتأخّر تعلّق بالمشكوك الذي ظرفه في كلا الحادثين متّصل بزمان اليقين والمتيقن وذلك واضح .

ثمّ قال رحمه الله: بعد ذلك بجريان الأقسام الثلاثة في ما ذكره في كلامه في الحادثين الذين لا يجتمعان في الزمان كالحدث والوضوء أو يمكن أن يجتمعا كموت الأخر وتولّد الأخ الآخر ففي مثال الحدث والوضوء يمكن فرض عدم اتّصال زمان الشكّ باليقين بأن يفرض المصلّى بعد أن قام من نومه توضّأ لصلاة الصبح مثلاً وبعد ساعة يعلم انّه توضّأ واحدث بالنوم أو بغيره لكنّه لا يدري ان الحدث هل تقدّم على الوضوء كي يكون وضوئه واقعا بعده أو بالعكس بأن حصل الوضوء بعد الوضوء الأوّل وكان تجديدا له فنقضه بالحدث فيعلم بوقوع حادثين في الزمان ولا يدري أيّهما مقدّم وأيّهما مؤخّر والفرض ترتّب الأثر على عدم كلّ في زمان حدوث الآخر فيكون من مثال عدم احراز اتّصال زمان اليقين بالشكّ عنده وقد عرفت ما فيه وفي المسئلة طول كلام .

قال رحمه الله بعد كلام ( كما انقدح(1) انه لا مورد للاستصحاب أيضا فيما تعاقب

ص: 423


1- . كفاية الأصول 2/338 .

حالتان متضادّتان كالطهارة والنجاسة وشكّ في ثبوتهما وانتفائهما للشكّ في المقدم والمؤخر منهما وذلك لعدم احراز الحالة السابقة المتيقّنة المتّصلة بزمان الشكّ في ثبوتهما وتردّدها بين الحالتين وانّه ليس من تعارض الاستصحابين الخ .

نتيجة الكلام: قد عرفت مرام المحقّق الخراساني في مثل الحادثين الذين هما كالوضوء والحدث والفرض ان الشاكّ لا يخلو من تقدّم حال حصول أحدهما من كونه محدثا أو متطهّرا وانه لا يجري الاستصحاب في كلّ منهما لعدم احراز اتّصال زمان الشكّ باليقين ولا اشكال في عدم ترتّب الأثر على كلّ من الحدث والوضوء اذا عقب حدثا مثله أو طهارة لأن المحدث بالنوم لا يزيد عليه حدثه البولي بعده شيئا وكذا التوضى لا يزيد وضوئه بعده، نعم هو نور على نور وعلى ذلك .

فليس كلّ ما شكّ في تقدّم الحدث أو الوضوء على الآخر ممّا يترتّب عليه الأثر بل حيث يكون حدوث أحدهما في حين حصول الآخر لا على نحو القيديّة ولا الظرفيّة المطلقة بل على النحو الثالث الذي تصوّرناه من قبل الذي لا يكون أزيد من كون وجود الحدث حال كونه متوضّأً أو وجود الوضوء حال كونه محدثا ولا يكون للحالية دخل عنوانا بل هو يشار به إلى القطعة التي للحادث فيها أثر وفي قبالها عدمها الذي يترتّب عليه عدم ترتّب الأثر المترتّب على الوجود الخاص الذي ينشأ منه الأثر .

فاذا شككنا في انتقاض عدم كلّ من الحدث والوضوء المتيقّن قبل حصولهما وان أيّهما مقدّم وأيّهما مؤخّر فلا يجري عنده الاستصحاب لعدم احراز اتّصال زمان الشكّ الحادث بعد حدوث الحادثين باليقين السابق بعدم كلّ منهما

عدم جريان الاستصحاب في الحادثين المتضادّين

ص: 424

لأن الشكّ في التقدّم والتأخّر والشك بهذا اللحاظ لا يمكن أن يحصل إلاّ بعد وجود الحادثين أو العلم بحدوثهما كان يعلم وقوع أحدهما بعد الآخر ولكن لا يدري انه ماذا هو الحدث أو الوضوء .

والحاصل: انه لا يجري استصحاب عدم كلّ من الحدث والوضوء في المثال لعدم احراز اتّصال زمان اليقين بالشكّ لاحتمال انفصاله عنه باتّصال حدوثه به بأن يكون كلّ من الحادثين الذين يشكّ فيهما انّه حدث في الزمان الثاني حادثا في الزمان الأوّل كما سبق تقريره وتقريبه ولا ينافي ذلك وقوع الشكّ بعد حدوث الحادثين . هذا .

إلاّ أنه يرد على ما علّل به عدم جريان الاستصحاب فيما ذكره مضافا إلى عدم تعقّل الشكّ في الشك وإن كان الشكّ في الاتّصال راجعا إلى الشكّ في الشكّ حتّى انّه رحمه اللهمعترف بذلك حيث ان الشكّ والظن كلاهما من الأمور الوجدانيّة التي لا وجه لوقوع الشكّ فيهما بل ان ترجح أصل طرفي المتصوّر فهو ظن وان تساويا شك وذلك واضح .

الا ان الشك في الاتصال مع كونه راجعا إلى الشكّ في الشكّ ومضافا إلى ان لازمه وقوع الشكّ في المشكوك لأن من شكّ لا يعقل أن يشكّ في ظرف شكّه وانّه لا يدري أشكّه فيه بالنسبة الى الزمان الأوّل أو الثاني .

( لا يخفى عدم توجّه هذا الاشكال إليه رحمه الله ) ان العبرة في اتّصال زمان الشكّ باليقين بالمتيقّن والمشكوك ولا اشكال في اتّصال المشكوك زمانا بالمتيقّن لأن ظرف المشكوك باعتبار تعلّق الشكّ به وانّه تقدّم على الآخر أو تأخّر عنه مجموع الزمانين كما لا يخفى وعرفت وجهه فتأمّل فيه جيدا .

ص: 425

تبصرة: ليعلم ان الاستصحاب تارة يجري في ما إذا كان كلا الحادثين مجهولي التاريخ واخرى فيما إذا كان أحدهما كذلك ولا مجرى في المعلوم وهو ما إذا كان الأثر مترتّبا على الحدوث في زمان الآخر كاسلام الوارث حال موت المورث ويظهر من بعضهم اطلاق عدم جريان الاستصحاب في معلوم التاريخ الا ان للمحقّق النائيني رحمه الله(1) فيه كلاماً وهو ان الاستصحاب يجري في معلوم التاريخ أيضا اذا كان الأثر مترتّبا على بقائه كما في الحدث والوضوء فاذا علمنا انا توضّأنا

أوّل الفجر وشككنا في وقوع الحدث الحادث بعده أو قبله فكما انّه يجري استصحاب بقاء الحدث كذلك يجري في الوضوء الا انا أوردنا عليه ان الحدث لا مجرى لاستصحابه لأن وقوعه إن كان قبل الوضوء فارتفع به أو بعده فيجري استصحاب العدم فيه فتأمّل .

( قلت: هذه مغالطة إذ استصحاب العدم في الحدث بعد الوضوء لا أثر له ولا يثبت ان المتوضى قبل متوضئ في الحال بل ان جرى يجري استصحاب الوضوء وهو محلّ الكلام والمعارضة مع استصحاب الحدث فتأمّل .

إن قلت: ان العلم بحدوث أحد الحادثين في الزمان الأوّل يوجب عدم اتّصال زمان الشكّ أي المشكوك في كلّ من الاستصحابين بزمان المتيقّن كما تدعون لاحتمال انطباقه أي المعلوم بالاجمال وهو أحد الحادثين على كلّ من الوضوء والحدث وضابط اتّصال زمان الشكّ أي المشكوك بالمتيقّن هو عدم انفصال يقين بالخلاف في البين وهو غير منطبق على ما هنا .

قلت: هذا علم اجمالي صار منشأ للشكّ في التقدّم والتأخّر في كلّ منهما

أقسام الاستصحاب في المقام

ص: 426


1- . فوائد الأصول 4/522 - 524 .

وإلاّ فلو علم ان الحادث أيّهما لم يكن هذا الشكّ .

فذلكة وتكميل: قد ذكرنا انقسام الاستصحاب في الحادثين على أقسام:

منها: جريانه في مجهول التاريخ وعدم جريانه في معلومه كمثال الاسلام وموت المورث .

ومنها جريانه في المعلوم والمجهول التاريخ كليهما وهو ما إذا كان الأثر مترتّبا على كلّ واحد منهما أو خصوص المعلوم .

بقاءً لا حدوثا وحده وذلك مثل الوضوء والحدث مع العلم بتاريخ الوضوء كأوّل طلوع الفجر أو الشمس ويعلم بوقوع حدث منه غير الحدث الذي حصل بسبب النوم القائم منه لكنّه لا يدري تقدّمه على الوضوء فنقض به أو تأخّره فنقض الوضوء والآن هو محدث الا ان في هذا الحال يعلم بحدوث كليهما ويشكّ في بقائهما مع العلم بتاريخ الوضوء فعند المحقّق النائيني رحمه الله(1) يجري الاستصحاب في كليهما لترتّب الأثر في حال البقاء أي حال العلم بحدوثهما ويتعارضان .

لا يقال استصحاب عدم حدوث الحدث إلى زمان الوضوء يجري ولازمه وقوع الوضوء قبل الحدث لاصالة تأخّر الحادث الذي يشكّ في تقدّمه على الوضوء وتأخّره عنه والحدث الذي وقع بعد الوضوء ينقض الوضوء ولا مجال للمعارضة .

لأنّا نقول اصالة تأخّر الحادث لا يثبت وقوع الوضوء قبل الحدث وان الحدث وقع بعد الوضوء بل هو مطلق إذا شكّ في حدوث حادث في زمان فالأصل عدمه ولا ينفعنا في المقام ثبوت تأخّره عن الوضوء وهذا ليس بمؤدّى

ص: 427


1- . فوائد الأصول 4/522 - 524 .

الأصل ولا وجه لتوهّم عدم جريان الاستصحاب في الحدث لأنّه يكون من استصحاب الكلّي في القسم الثاني وهو ما يكون المتيقّن بين متيقّن البقاء ومتيقّن الارتفاع .

فانّه لو كان الحدث قبل الوضوء فانتقض بالوضوء وإن كان بعده فقطعا باقٍ ولا شكّ في بقائه بل نعلم على الفرض انه باقٍ وقد تقدّم في تنبيه الاستصحاب في الكلّي انكار جريانه في الكلّي حيث ان الكلّي بما هو كلّي ليس من منشأ الأثر لأنّه أمر انتزاعي بل ما يترتّب عليه الأثر إنّما هو الافراد ووجود الفرد ليس بمعلوم ومتيقّن لدورانه بين الفردين الذين حالهما ما عرفت .

وذلك لأنّ المقام ليس من استصحاب الكلّي بل هو من استصحاب الشخصي لأنّ الفرض وجود العلم بحدث شخصي .

غاية الأمر الشكّ في زمانه فهو مردّد بين زمانين والشكّ والترديد في الزمان لا يجعله كالكلّي .

نعم يمكن توجيه الاشكال فيه بنحو آخر وهو ان المتيقّن لو كان حدث قبل الوضوء فنعلم بارتفاعه ووجوده بعد الوضوء مشكوك فما لنا يقين بالحدث بعد الوضوء نستصحبه إلاّ اليقين المتأخّر في حال الشكّ في البقاء فهذا من تقدّم الشكّ وتأخّر اليقين فاليقين لاحق والشكّ سابق ولا مجال لجريان الاستصحاب فيه ولا نحتاج إلى جريان الاستصحاب لعدم وجود الحدث بعد الوضوء كي يكون مثبتا لبقاء الطهارة بل نفس الوضوء يكون مستصحبا ولا نحتاج إلى استصحاب أو أصل آخر هذا .

وهنا فروض بعضها أو كلّها شبيه بهذا الفرض . منها ما إذا غسل يده أو عضوا

ص: 428

منه آخر بماء طاهر وماء نجس سواء كانت يده طاهرة أو نجسة والفرض ان المائين قليلان فيعلم في هذا الفرض بطهارة يده وانها تنجست ويشكّ في تقدّم الطهارة على النجاسة وتأخّرها عنها فيجري الاستصحابان كما في الفرض المتقدّم عند المحقّق النائيني رحمه الله ويتعارضان وخاصّة هذا الفرض انه يعلم تفصيلاً بنجاسة يده في حال ملاقاتها للماء الثاني لأنّه إمّا أن يكون هذا الماء الثاني نجسا فيده نجسة أو الماء الأوّل والغسالة ما لم تنفصل لا يكون المحل طاهرا فحين وصول الماء الثاني يعلم تفصيلاً لسبب اجمالي بنجاسة يده وتاريخه معلوم فان جرى الاستصحابان في مثل هذا الفرض وتعارضا ففيه أيضا كذلك وإن قلنا فيه كما قلنا في مسئلة العلم بتاريخ الوضوء فلا مجال لجريان استصحاب الطهارة لاستصحاب النجاسة المعلوم التاريخ ولم يعلم له ناقض .

والحاصل: انّه وإن أمكن أن يقال في مثل ما إذا كانت يده نجسة انّه علم بطهارتها تفصيلاً أيضا إلاّ ان العلم الاجمالي بنجاسة يده حال ملاقاتها للماء الثاني

يوجب جريان استصحابها بلا مانع فتأمّل في المقام والفرق بينه وبين المثال المتقدّم اذ كما انه فيه قد يتّفق طهارتان طهارة يده قبل ملاقاة أوّلها وطهارة للأوّل

إذا كانت طاهرة كذلك في الفرض السابق قد يتّفق وقوع الحدث قبل الوضوء مسبوقا بحدث آخر ( ما استشكل فيه أي الفرض الأوّل من كونه من قبيل استصحاب الكلي في القسم الثاني يمكن أن يتصوّر فيه كونه من الأوّل بناء على كون الشكّ في المقتضى كما أفاد الاستاذ في الدرس ويمكن كونه من القسم الثالث بأن يكون شبيهه لأنّه على تقدير كون الحدث قبل الوضوء ارتفع بالوضوء آن الوضوء والشكّ في الحدث بعده يكون ( مثل ) قريب الشكّ في حدوث فرد من

ص: 429

الكلي بعد رفع الفرد الأوّل حين ارتفاعه وفي الفرض بعد زمان فتأمّل كي تعرف اختلال ما ذكرنا .

دفع وهم: قد يستشكل جريان استصحاب النجاسة لكونه من قبيل استصحاب القسم الثاني من القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلّي وقد ذكرنا في محلّه عدم جريانه .

تقريب الاشكال: ان النجاسة السابقة لليد ارتفعت قطعا إمّا بالماء الأوّل لو كان طاهرا أو بالماء الثاني لو كان الأوّل نجسا لأن ملاقاته لم تزد على نجاسته شيئا فطهر بالماء الثاني وعلى التقدير الأوّل فتوسّط وتخلّل زمان الطهارة بالمآء الأوّل بين نجاسة اليد الأولى ونجاستها الثانية والفرض حصول تمام ما يعتبر في طهارة اليد في الغسلين بالماءين القليلين .

فعلى هذا لا وجه لجريان الاستصحاب لعدم جريانه في القسم الثالث سواء كان في الفرد القسم الأوّل منه الذي يكون الشكّ في حدوث فرد مع متيقّن الارتفاع حين حدوثه فيشكّ في حدوثه وعلى تقديره فهو باقٍ قطعا أو في الفرد الثاني منه وهو الكلي التبدّلي إذا شكّ في حدوث فرد آخر مقارنا لارتفاع الفرد الأوّل بل يكون حال الاستصحاب في النجاسة في ما نحن فيه أسوء من استصحاب القسم الثاني من الكلي إذ في ما نحن فيه تخلّل زمان الطهارة على تقدير نجاسة الماء الثاني بين الفردين . هذا ملخّص الاشكال وتقريبه .

وإنّما هو في خصوص ما إذا كانت الحالة السابقة لليد النجاسة .

ويرد عليه انّه لا فرق بين ما إذا كان الحال السابق النجاسة أو الطهارة اذ استصحاب الطهارة بعد الحالتين أيضا سبيله سبيل استصحاب النجاسة في ما

اشكال الاستصحاب في القسم الثالث

ص: 430

فرض في الاشكال والتوهّم لأنّ الماء الأوّل لو كان طاهرا فلم يؤثّر في اليد أو الثوب الطاهرين فتنجس بالماء الثاني وإن كان الماء الثاني طاهرا فارتفع قطعا الطهارة الأولى السابقة على الملاقاة بملاقاة الماء الأوّل وتخلّل زمان بقاء نجاسة اليد بالماء الأوّل بين الطهارة الأولى التي كانت لليد من قبل وبين الطهارة الثانية

الحاصلة بالماء الثاني .

هذا مضافا إلى ما أورده عليه المحقّق النائيني(1) من عدم كون ذلك من استصحاب الكلي وإنّما هو من الاستصحاب الشخصي لأن نفس الطهارة والنجاسة الحاصلتين لليد تكونان موردا للاستصحاب غاية الأمر الشكّ في تقدّم الطهارة على النجاسة أو العكس فيكون الترديد في الزمان على التقدّم والتأخّر وهذا غير أن يكون المستصحب كليّا وبينهما بون بعيد .

لكن عرفت ما استشكلنا به على المحقّق النائيني رحمه الله من العلم التفصيلي

بنجاسة اليد أو الثوب حال وصول الماء الثاني إمّا لنجاسته أو نجاسة الماء الأوّل فيجري الاستصحاب في معلوم التاريخ ولا مجال لجريانه في مجهوله لعدم متيقّن بعد اليقين التفصيلي على ما قرّرناه وجريان استصحاب النجاسة أو الطهارة في الفرضين إذا كان الماءان قليلين إنّما يكون من استصحاب الكلي بهذا النحو الذي هو أسوء من القسم الثاني من القسم الثالث(2) وأين هذا من الاستصحاب

الشخصي بعد العلم التفصيلي ومعلوميّة زمان النجاسة تفصيلاً فالأقوى في ذلك جريان الاستصحاب في معلوم التاريخ ولا مجرى له في مجهوله ومن ذلك تعرف

ص: 431


1- . فوائد الأصول 4/525 - 527 .
2- . لا يخفى ان في التقريرات التوهّم في خصوص الطهارة لا النجاسة عكس ما قرّره سيّدنا الأستاذ قدس سره فلا تغفل .

حقّ المقام في المسئلة المعنونة في كتب الفروع كالعروة وغيرها .

قال رحمه الله في المسئلة السابعة من فصل الماء المشكوك:

إذا انحصر(1) الماء في المشتبهين تعين التيمّم وهل يجب اراقتهما أو لا الأحوط ذلك وإن كان الأقوى العدم ) فانّه لا يمكن أن يأتي بالتكليف إلاّ على بعض الصور التي تعرفها ذيلاً ولهذا أوجب بعضهم التيمّم .

وأمّا المائان ففي موثقة سماعة(2) عن أبي عبداللّه علیه السلام في رجل معه انائان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر ولا يدري أيّهما هو وليس يقدر على ماء غيرهما .

قال

علیه السلام: يهريقهما جميعاً ويتيمّم . قيل ونحوها رواية عمّار(3) عنه علیه السلام .

وحمل بعضهم الرواية على ما إذا لم يف المائان للوضوء مع أحدهما والصلاة معه ثمّ تطهير مواضع الوضوء على تقدير أن يكون الأوّل نجسا ثمّ الوضوء ثانيا بالماء الثاني واعادة الصلاة وكذا ما يلزم من سعة الماء لما تنجّس بالماء الأوّل على تقدير النجاسة من أطراف البدن لو أمكنه التجرّد أو اللباس بأن يكونا قليلين .

وأمّا في فرض كفاية المائين لذلك أو أحدهما فرأوا ذلك وبعده يعلم قطعا بامتثال التكليف المولوي وإن كان حين كلّ واحدة من الصلاتين لا يدري أهي مجز أم لا بل قد يستشكل جواز الدخول في الصلاة له بالوضوء الأوّل لأنّه إمّا أن يكون مسبوقا بالطهارة للبدن فلم يحرز ان هذا الماء طاهر كي يكون يعلم بالطهارة من الحدث ويصلّي معه وإن كان مسبوقا بالنجاسة للبدن فيجري

الوضوء من الانائين المشتبهين

ص: 432


1- . العروة الوثقى 1 .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 8/2 من أبواب الماء المطلق .
3- . الوسائل 3 الباب 4/1 من أبواب التيمّم .

استصحابها فلا يمكنه الدخول في الصلاة مع استصحابها وان جرى استصحاب الطهارة في الصورة السابقة وكذلك يشكل الدخول في الصلاة الثانية حيث انه يعلم تفصيلاً حين صبّ الماء على أعضائه قبل التعدّد اللازم في التطهير بنجاستها .

أمّا لنجاسة هذا الماء أو الماء الأوّل الذي لم ينفصل غسالته بعد فيجري الاستصحاب حينئذٍ ولا يجوز له الدخول في الصلاة الثانية أيضا .

وعلى كلّ حال مع هذين الاستصحابين كيف يجوز له الدخول في الصلاة إلاّ أن يقال بالرجاء وهو قد يشكل من حيث عدم الأمر بالوضوء في هذه الصورة وعليه أن يتيمّم .

فعلى هذا فتكون الرواية على وفق القاعدة ويشكل أيضا فيما إذا ابتلى نفسه بهذه البليّة إلى أن ضاق الوقت ولم يقدر على الوصول إلى المطهّر فيطهر أعضائه الجاري فيها استصحاب النجاسة على ما بينّا كما انّه لا يجوز له أكل الرطب مع هذا اليد . نعم يلزمه الصلاة في هذا الحال بهذا النحو وإن عصى وابتلى بذلك وان احتاط بعضهم بضم التيمّم أيضا إلى هذا الوضوء .

تذكار: لو كان المائان في فرض المسئلة كثيرين فلا علم له تفصيلاً بنجاسة اليد أو الثوب بل يعلم بحصول النجاسة والطهارة له سواء كانت الحالة السابقة أيضا الطهارة أو النجاسة لكنّه إذا كان معلوم الطهارة أو معلوم النجاسة أو محكوما بأحدهما شرعا يمكن الاشكال في جريان استصحاب النجاسة فيما إذا كانت الحالة السابقة النجاسة وعدم استصحاب الطهارة فيما إذا كانت هي الطهارة بدعوى كون ذلك من قبيل استصحاب القسم الثاني من القسم الثالث من استصحاب الكلي الذي يكون الفرد متبدّلاً بفرد آخر مشكوك الحدوث حين

ص: 433

ذهاب الفرد الأوّل .

غاية الأمر بفاصلة زمانيّة في المقام التي توجب اسوئيّة حاله من هناك إلاّ انك عرفت اشكالنا في ذلك وفيه تردّد لامكان كون الميز ولو من حيث الزمان للطهارة الأولى السابقة على الحالتين وللثانية الحاصلة بملاقاة أحد المائين ( الأوّل أو الثاني على الظاهر ) موجبا لكونهما فردين من الكلي .

كما انّه يمكن تقريب الكلام بنحو يكون من الاستصحاب الشخصي كي يجري الاستصحاب في كليهما أي ما إذا كانت الحالة السابقة موافقة لأحد المعلومين أو مخالفة وإن كان يعلم بارتفاع الحالة السابقة ويشكّ في طريان ضدّها لاحتمال كون الماء الأوّل هو الموافق للحال التي كان عليها .

وأمّا إذا كان المائان مختلفين فان كان الأوّل كرّا والثاني قليلاً فحال ملاقاة الثاني أي القليل يعلم تفصيلاً بالنجاسة .

اما لنجاسة أو لنجاسة الماء الأوّل الذي لم يطهر منه بعد قبل انفصال الغسالة وإن كان بالعكس فكان الكرّ الثاني فلا علم له تفصيلاً بشيء بل حاله حال الصورة الثانية وهي إذا كان المائان كثيرين .

والحاصل تردّد سيّدنا الأستاذ تغمّده اللّه برحمته في المقام لجريان الاستصحاب في كلّ الصور التي يكون أحدهما معلوم التاريخ ويترتّب عليه الأثر بقاءً وكأنّه مال إلى ما أفاد شيخه الأستاذ المحقّق النائيني من جريانه في الفروض الثلاثة هذا .

ثمّ انّك عرفت اختلاف مجاري الاستصحاب في الحادثين فتارة يجري في كليهما إذا كانا مجهولي التاريخ ويتعارضان ويسقطان فيرجع إلى الأصل العملي

ص: 434

واخرى يجري في معلوم التاريخ ومجهوله كما في مثال المائين الذي يكون المرجع بعد جريان الاستصحاب وتعارضهما قاعدة الطهارة .

وأمّا نفس المائين فحيث يعلم اجمالاً بنجاسة أحدهما فيلزم الاجتناب عن كليهما .

وما ذكرنا إنّما هو بالنسبة إلى الملاقى كاليد فاليد في ما نحن فيه نعلم بنجاستها وطهارتها ولا نعلم أيّهما متأخّر فيدخل تحت عنوان مشكوك النجاسة والطهارة ويشملها دليل قاعدة الطهارة فيكون طاهرة وثالثة يجري في مجهول التاريخ ولا يجري في معلومه كما في مسئلة اسلام الوارث وموت المورث على بعض الوجوه وهنا فرض آخر لا يجري فيه في معلومه ومجهوله وهو ما إذا كان تاريخ الكريّة معلوماً والملاقاة للنجاسة مشكوكة فلا يعلم أهي تقدّمت على الكريّة أو بالعكس فلو لم يجر استصحاب عدم الملاقاة إلى زمان الكريّة فيمكن نجاسة الماء فلا يحصل منه الأثر المطلوب وهو طهارة المغسول به ولو جرى ذلك الاستصحاب أي استصحاب عدم الملاقاة لا يثبت به الأثر المطلوب أيضا لأنّه لا يثبت تأخّر الملاقاة عن الكريّة كي يكون الماء طاهرا والثوب المغسول به طاهرا ( كما ان الاستصحاب في الكريّة لا يجري ولو جرى لا أثر له مثل الاستصحاب الجاري في عدم حصول الكريّة إلى حين الملاقاة الذي لا أثر له .

وقد بنى هذه المسئلة المحقّق النائيني رحمه الله(1) على أن الماء قابل للانفعال والكريّة إنّما هي عاصمة ومانع كما يستفاد من قوله علیه السلام إذا بلغ الماء قدر كرّ(2) لم

ص: 435


1- . فوائد الأصول 4/528 .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 9/1 - 2 - 5 - 6 من أبواب الماء المطلق .

ينجّسه شيء الذي يدلّ بمفهومه على تنجّسه بكلّ شيء نجس ولا يتوهّم عدم دلالة المفهوم إلاّ على النقيض المنطقي وهو الايجاب الجزئي لأن مقام الدلالة والظهور غير باب الاقيسة والنقيض بل يستفاد من سلب العموم بحسب مفهومه التنجس بكلّ نجس ولا يكون ممّا سلب فيه العموم الذي لا ينافيه الايجاب الجزئي لأن ذلك حيث يكون الوارد عليه السلب مثل الكل وغيره ممّا هو مفهوم اسمي يلاحظ ويرد عليه السلب لا ما هو آلي وايجادي كالألف واللام أو النكرة في سياق النفي الذي إنّما يفهم النفي للعموم بعد ورود السلب .

وان احتمل الأمران في مثل لا تنقض اليقين بالشكّ إلاّ انّك قد عرفت التحقيق في محلّه ان ذلك من عموم السلب أي لا تنقض كلّ فرد فرد من اليقين بالشكّ لا سلب العموم بأن يكون المعنى لا تنقض كلّ يقين بالشكّ بل بعضه الا انّه يتوجّه هنا السؤال انّه يمكن أن يكون قد تعرّض له الحاج آقا رضا رحمه الله ولم يف عمر شيخنا المحقّق النائيني لتنقيحه وهو ان استفادة العموم من القضيّة الشرطيّة بعدم(1) انحصار الموضوع فيكون عدمه موجبا لعدم الحكم ويكون الحكم دائرا مداره وجودا وعدما مع عدم انحصار الموضوع فيما نحن فيه حيث انّه يشارك الكر في عدم الانفعال الجاري والقليل المتّصل بالمادة فأين استفادة انحصار الموضوع كي يعلّق عليه الحكم وينتفي بانتفائه .

اللهمّ إلاّ أن يقال ان الكر والجاري والقليل المتّصل بالمادة غير المحقون والمراد بذلك في الخبر إنّما هو المحقون يعني إذا بلغ الماء المحقون قدر كر لم ينجّسه شيء فيستقيم الانحصار حينئذٍ وتحقيق المسئلة في الفقه .

انفعال الماء القليل بالملاقاة

ص: 436


1- . الظاهر بانحصار الموضوع وكلمة عدم زائدة .

تكميل وتتميم: يمكن استفادة انفعال الماء الذي ليس بكر من قوله علیه السلام (1) ( إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شيء ولو بعد انضمام باقي ما يكون عاصما من أقسام المياه كالجاري والماء الذي يتّصل بالمادّة فيستفاد من نفي مجموعها بالجمع بين الأدلّة نفي الحكم أي عدم الانفعال بل ينفعل الماء وعلى تقدير المناقشة في ذلك وعدم انطباق ضابط القضيّة ذات المفهوم عليه ( حيث ان القضيّة الشرطيّة على قسمين فقسم منه يكون توقف المشروط على شرطه عقليّا كقوله تعالى: « وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا »(2) ضرورة عدم الاكراه في مورد عدم ارادتهنّ التحصّن ومثل اذا رزقت ولداً فاختنه حيث علّق الختان على رزق الولد فلا مفهوم هنا لعدم موضوع حتّى يكون الحكم في ظرف وجوده منقضيا فيمكن استفادته من نحو هو الكر بمضمونه الواقع في جواب السائل الذي يسأل الامام علیه السلام عن الماء الذي لا ينفعل لوروده مقام الحصر الظاهر في الانحصار غاية الأمر لابدّ من تقييد اطلاقه بماء الحمّام والجاري وما يتّصل بالمادّة على مايتفرّع على كلّ منها حيث ان الجاري لا قوّة لرواياتها في ذلك بل في بعض(3) الروايات تشبيه ماء الحمام بماء النهر الذي احتمل فيه أن يكون من التشبيه المعكوس ومن المعلوم ان عنوان الجاري أو ما يتّصل بالمادّة أعم من أن يكون كرّا .

وعلى كلّ حال فبعد تماميّة استفادة ان الماء العاصم الذي لا يقبل الانفعال بمجرّد الملاقاة هو الكر وما يتّصل بالمادّة من هذه الرواية الأخيرة أو من الرواية

ص: 437


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 9/1 - 2 - 5 - 6 من أبواب الماء المطلق .
2- . سورة النور: 34 .
3- . وسائل الشيعة 1 الباب 7/7 من أبواب الماء المطلق .

الاولى على تقدير عدم أولها إلى الوصفيّة كان يكون الماء النابع كرّا لا ينجّسه شيء حيث لا مفهوم له وان ضابط المفهوم ينطبق على الرواية الاخرى على التدقيق الصناعي وان الماء مطلقا مقتضى الانفعال وعنوان الكر والجاري وما يتّصل بالمادّة عاصم مانع على نحو قرّرناه في بعض أبحاث الاستصحاب .

حيث ان المقتضى لابدّ أن يكون مثل ما في الخارج من النار التي لو لا الرطوبة لاحرقت في ظرف حصول شرايطه ولذا لا يستند عدم الاحراق والمنع عنه إلى الرطوبة إذا لم تكن المماسة حاصلة كان يكون بين الثوب الرطب والنار فاصلة مانعة من وصول الحرارة إليه .

ومن ذلك يعلم وجه القول بنجاسة الماء المتمّم للكر لو كان نجسا هذا المتمم أو المتمم للزوم حصول الموضوع في الرتبة السابقة عن الملاقاة لكونه كالعلّة الخارجيّة في التكوينيّات .

فكما انّها مقدّمة على المعلول رتبة كذلك الموضوع شأنه مع المحمول والحكم كذلك وإلاّ فلو لزم تخلّل آن زماني فيلزم الخلف والمناقصة وذلك محال عقلي لا يقبل التخصيص بغير مورد ولذلك لا معنى لما قد يدّعي من حصول الطهارة للماء لو حصلت الملاقاة للنجاسة والكريّة معا بأن يكون الماء الملاقى نجسا متمّما للناقص من الكر بدعوى صدق ملاقاة الكر وانه لا يستحيل تخلّل الآن بين العلّة والمعلول فلا يشترط حصول الكريّة قبل الملاقاة ولو في آن من الزمان بل يكفي حصولهما معا في عدم الانفعال .

وذلك لما عرفت من عدم ابتناء ما ذكرنا على ذلك اذ هو فاسد وان أوهمته عبارة التقريرات بل حيث انه اشترط في العاصميّة كون العاصم كرّاً أو جاريا أو

لو حصلت الملاقاة والكريّة معاً

ص: 438

متّصلاً بالمادّة مثلاً ففي ما إذا حصلت الملاقاة والكريّة معا لم يحصل الموضوع كي يترتّب عليه الحكم بل كان حصول الكريّة معلول الملاقاة لأنّ الملاقاة عبارة عن الاتّصال فاذا اندفع المتمم على المتمم دفعة واحدة وكان أحدهما نجسا صار هذا الاندفاع والاتّصال موجبا في الرتبة المتأخّرة لحصول الكريّة فلم يلاق الكر النجاسة بل النجاسة والملاقاة تقدّمت الكريّة .

وكذا فيما إذا حصلت الملاقاة وتماميّة الكريّة دفعة واحدة وفي العرض .

وذلك في مثل ما لووقعت قطرات من النجاسة مع الماء الذي يتم الناقص عن الكر وإن كان بين هذا الفرض والفرض الأوّل فرق الا انه لا يوجب القول بطهارة الماء الثاني دون الأوّل بل كلاهما نجسان حيث لم يحرز الكريّة ولم تحفظ للماء في رتبة الموضوع للملاقاة .

ثمّ انه فهل يكون هذا الماء نجسا أم لا يل يكون الماء السابق الناقص عن الكر باقيا على حكمه والآخر أيضا كذلك ولو بالاستصحاب فيكون ماء واحد له حكمان أو يوجب استصحاب النجاسة في النجس نجاسة مستصحب الطهارة لعدم تأثيره في ذلك دون العكس .

ثمّ انّه لا مجرى للاستصحاب في ما إذا لم يعلم تقدّم الملاقاة على الكريّة أو العكس وإن علم تاريخ أحدهما إلاّ إذا علم تاريخ الملاقاة ولم يعلم تاريخ الكريّة فيجري استصحاب عدمها في الزمان المشكوك قبل الملاقاة إلى حينها فيحصل موضوع النجاسة بضمّ الوجدان إلى الأصل حيث ان الماء كان مقتضيا للانفعال والكر كان مانعا ولم يحرز بل ثبت بالأصل عدمه لكن ذلك في هذا الفرض واما اذا علم تاريخ الكريّة ولم يعلم تاريخ الملاقاة أو فيما إذا جهل التاريخان فلا مجرى

ص: 439

للاستصحاب لعدم أثر له .

فان في الصورة الاولى منهما يكون مثبتا لتأخّر الملاقاة عن الكريّة كي يترتّب عليه الأثر وليس هذا من شأن الاستصحاب وفي الثاني أيضا لا فائدة فيهما إلاّ أن يقال بجريان استصحاب النجاسة في متيقن النجاسة والطهارة في متيقّنها ولا اشكال لعدم محذور عقلي في ذلك فيكون ماء واحد له حكمان اذ لا يزيد ذلك على الاعراض الخارجيّة كالبرودة والحرارة فقد يكون طرف من الماء حارّا والطرف الآخر باردا الا انه خلاف ما يظهر من الأدلّة ولا يوافق المذاق الفقهي ولا يناسب القول به بل هو مجرّد احتمال مع ان هذا الماء إمّا أن تقدّم كونه كرّا على الملاقاة أو العكس فاما أن أوجب كريّته المتقدّمة طهارة المتنجّس الذي لاقاه فكلاهما طاهران أو سبقت الملاقاة حصول الكريّة فكلاهما متنجّسان فلا معنى لكونه نجسا وطاهرا مع انه لو قلنا به فكثيرا ما يشتبه المائان ولازم ذلك الاجتناب عن كليهما .

وعلى هذا فيكون مشكوك الطهارة والنجاسة فيكون موردا لقاعدة الطهارة فيكون طاهرا فتأمّل في أطراف ما ذكرناه جيّدا .

أو يقال في ذلك بالتمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة ويحكم بكون الماء نجسا أو يقال بالنجاسة تمسّكا بقاعدة المقتضى والمانع فاذا احرز المقتضى وإن لم يحرز عدم المانع يكفي في ترتّب الحكم مجرّد احراز الأوّل وكأنّه إلى ذلك مال الشيخ في هذا البحث من طهارته ويمكن أن يكون مراده من ذلك الاشارة إلى قاعدة كلّ حكم علّق على أمر وجودي يحكم عليه بحكم ضدّه إلى أن يثبت ذلك الأمر الوجودي كما بنى عليها المحقّق النائيني رحمه الله نجاسة المشكوك الكريّة

ص: 440

والاتّصال بالمادّة من القليل بالملاقاة .

وعلى هذا فاذا وجد ماءً وشكّ في انّه كر أم لا أو علم قلّته وشكّ في اتّصاله بالمادّة يحكم عليه بالنجاسة بالملاقاة لاقتضاء الماء قبول النجاسة والمانع هي الكريّة والاتّصال بالمادّة فاذا لم يثبت أحدهما يحكم على الماء بحكم ضدّه أي الانفعال والنتيجة في الماء القليل والمشكوك قلّته واتّصاله بالمادّة واحدة سواء جهل تاريخهما أو علم تاريخ أحدهما دون الآخر ولا وجه لجريان الاستصحاب في كلّ واحدة من الصور الثلاث لأنّ الاستصحاب الجاري في كلّ واحد منفردا وفيهما مجموعين لا يثبت تأخّر الملاقاة عن الكريّة واّنها وقعت بعد أن صار الماء كرّا أو بعد اتّصاله بالمادّة اذ لا أثر للاستصحاب في هذا الفرض إلاّ هذا بل الاستصحاب بنفسه لا يجري لا لعدم المتيقّن أو عدم اتّصال زمان يقينه بالشكّ بل لعدم الأثر .

إن قلت: فيما إذا كان تاريخ الكريّة معلوما يجري استصحاب عدم الملاقاة وبعد الكريّة لا أثر للملاقاة في تنجس الماء لأن الكر عاصم فعلى هذا يكون الشكّ في الملاقاة بعد الكريّة اذ قبلها تنفى بالاستصحاب ويترتّب على ذلك الاستصحاب أثر عدم نجاسة الماء وكونه طاهرا فحيث لم يثبت نجاسة الماء قبل الكريّة فلا تحصل بعدها لفرض الكريّة وعصمتها بلا احتياج إلى اثبات وقوع الملاقاة بعد الكريّة كما هو واضح .

قلت: هذا غفلة واشتباه ولا مجال لهذا القول فانّه على فرض جريان حكم القليل على مشكوك القلّة ويحكم عليه بحكم ضدّه ما لم يثبت ذلك الأمر الوجودي فيحكم عليه بالانفعال الذي هو ضد عدمه حيث نرتّب على الكريّة

لو كان تاريخ الكرية معلوماً

ص: 441

العاصمة حكما شرعيّا اذ الملاقاة معلومة وجدانا والشكّ في انها وقعت حال كريّة الماء أو قبله وفي حال عدمها وهل هذا إلاّ مشكوك القلّة الذي لاقاه النجاسة .

إن قلت: لابدّ في ترتّب الحكم على فرض تسلّم القاعدة من وقوع الملاقاة حال الشكّ وذلك يفرض في ما إذا وجد ماء دفعه واحدة مثلاً بنبعه من الأرض لا تدريجا ثمّ انقطع وشكّ في قلّته وكثرته ثمّ لاقاه النجاسة .

فهذا مصداق القاعدة بعد تسلّم الكبرى ( أي القاعدة ) أمّا ما ذكرت من الفرض لم يحرز فيه وقوع الملاقاة للمشكوك لاحتمال وقوعها بعد الكريّة لجريان استصحاب عدم وقوعها قبلها ولو لترتّب أثر الطهارة على هذا الماء قبل أن صار كرّا اذ الشكّ حاصل وجدانا في وقوع الملاقاة قبل الكريّة أو بعدها .

قلت: لم يبين المراد وان فرضنا اثبات ملاقاة النجاسة لماء مشكوك القلّة والكريّة وهو عين الفرض اذ نشكّ في ان الملاقاة أهي قبل الكريّة أو بعدها والاستصحاب لا أثر له اذ الملاقاة يترتّب عليها الأثر على كلّ حال .

نعم لو كان الاستصحاب يؤثّر في وقوع الملاقاة بعد الكريّة وكان يذهب بالشكّ ولو تعبّدا قبل الكريّة لكنّا مستريحين من ذلك لكن الفرض عدم المجرى للاستصحاب على هذا .

اللهمّ إلاّ أن يمنع أصل القاعدة والتعليق وترتّب حكم الضد ما لم يثبت الأمر الوجودي كما تقدّم فيه المناقشة .

هذا تمام الكلام في هذا التنبيه واقتفى سيّدنا الأستاذ قدس سره أثر شيخه الأستاذ المحقّق النائيني فلم يتعرّض لتنبيهين من تنبيهات الاستصحاب لتقدّم أحدهما في باب الأقلّ والأكثر .

جريان الاستصحاب في الأجزاء

ص: 442

وهو التنبيه العاشر في جريان استصحاب صحّة الاجزاء السابقة عند الشكّ في وجود المانع أو القاطع للهيئة الاتّصاليّة في باب الصلاة ( وعلى ماببالي لم يتعرّض سيّدنا الأستاذ له هناك أيضا ولوضوح عدم جريان الاستصحاب في ما المقصود منه الاعتقاد وعقد القلب من الأمور الاعتقاديّة وهو موضوع التنبيه الحادي عشر .

نعم لو كان الشكّ في حياة الامام علیه السلام فلا اشكال في جريان الاستصحاب ويترتّب عليه الأحكام المترتّبة على ذلك فالاحرى ان نتصدّى لبيان ما في التنبيه الثاني عشر المعنون باستصحاب حكم المخصّص أو الرجوع إلى حكم العام وهذا التنبيه يفيد في الفقه في موارد منها ما لو شككنا في كون خيار الغبن على الفور أو التراخي بعد أن ظهر الغبن فلا اشكال في ثبوت الخيار شرعا بجعل الشارع اما الخيارات المجعولة باختيار الطرفين أو أحدهما فلابدّ أن يكون معلوما إلى زمان معيّن والا فيبطل فاذا مضت ساعة بعد ظهور الغبن فهل يبقى له الخيار لو لم يفسخ أو لم يمض أو ينصرم ولا خيار له بعده لكونه على الفور فمن يقول بالتراخي يتمسّك بالاستصحاب في هذا المقام فالنزاع في فوريّة هذا الخيار وتراخيه .

وانهم على طائفتين فطائفة تقول بالفور واخرى بالتراخي ومرجع ذلك إلى التمسّك بعموم العام في ما عدا القدر المتيقّن أو استصحاب حكم المخصّص فالقائل بالفور يتمسّك في ما عدا القدر المتيقّن من زمان التخصيص بعموم « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ »(1) في المعاملة الغبنيّة وما يضاهيها وغيره يستصحب حكم المخصّص

حكم المخصّص أو التمسّك بالعامّ

ص: 443


1- . سورة المائدة: 2 .

لكن ذلك إذا لم يكن للمخصّص ما يرفع الشكّ بل إنّما هو يتكفّل لمجرّد ثبوت الحكم بلا تعرّض لدوامه وعدمه .

هذا إذا كان الزمان مفردا للموضوع أو المخصّص فلا يجري الاستصحاب بل يكون من قبيل اسراء حكم موضوع إلى آخر .

وعلى فرض عدم جريان الاستصحاب لمانع أو لعدم الاقتضاء فلابدّ من الرجوع إلى الأصول الآخر حسب اقتضاء المقام من البرائة والاحتياط وغير ذلك .

ثمّ انه لا ريب في ان عموم العام يمكن اثباته بطرق وانحاء وهو على قسمين فتارة يكون العموم فوق العام واخرى تحته ويكون الحكم واردا عليه .

اذ لا يخفى ان استمرار الحكم يكون من القيود والأمور التي تعرض الحكم فيكون في رتبة متأخّرة عنه ويكون الحكم مبتدءً وذاك خبره كان يقول الصلاة واجبة وهذا الوجوب مستمر ودائم فهذا يكون بالتصريح به بعد ثبوت أصل الحكم ويمكن أن يكون بأنّه لولاه لزم اللغويّة كما هو أحد طرق اثباته وانكشافه بدليل الحكمة ويمكن اثباته بدليل آخر غير دليل الحكم نفسه وغير دليل الحكمة مثل قوله علیه السلام حلال محمّد صلی الله علیه و آله (1) حلال إلى يوم القيامة الخ فانّ الأحكام المجعولة الشرعيّة يستفاد استمرارها وبقاءها إلى الأبد لا انّها تختصّ بزمان موقت فيدلّ هذا الكلام على عدم طروّ النسخ عليها الذي هو يكشف عن تقييدها حسب الزمان في لب غرض الواقع ونفس الأمر كما ان التقييد بالزماني يوجب كونها مقيّدة من

ص: 444


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 12/52 من أبواب صفات القاضي مع اختلاف في العبارة غير مضرّ .

غير جهة الزمان ولا ينتج ذلك التوقيت بعد استحالة البداء كما ان مثل أحلّ اللّه (1) البيع يشمل كلّ بيع بدليل الحكمة وقوله تعالى: « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ »(2) يكون دليلاً على وجوب الوفاء بكلّ عقد في كلّ زمان فيكون دليلاً على العمومين الزماني والافرادي فكما انه يشمل كلّ عقد يشمل كلّ زمان لأنّه لو لا ذلك بحسب الزمان لزم اللغويّة كما أفاد المحقّق الكركي رحمه الله بأنّ العموم الافرادي يستتبع العموم الأزماني والا لم ينفع العموم الافرادي وذلك لأنّ الوفاء بكلّ عقد في آن من الزمان لا معنى له ويكون بحكم عدم وجوب الوفاء وإن كان يمكن الخدشة والمناقشة في العموم مستمرّا إلى آخر العمر ودائما بكونه إلى شهر أو شهرين أو سنة أو أكثر حسب اختلاف المراتب وحيث ان كلّ ذلك لا دليل عليه والتقييد والتوقيت بزمان خاص يستدعى مؤنة زائدة ثبوتا واثباتا فيكون بحكم العقل ولزوم اللغويّة لو لا الاستمرار ظاهرا في الاستمرار . هذا مع قطع النظر عن معنى وجوب البيع في مثل البيعان بالخيار(3) ما لم يفترقا فاذا افترقا وجب البيع لأن معنى الوجوب لايناسب الوفاء وثبوت البيع في آن أو شهر أو أكثر بل يستدعي الدوام ويلازمه بحيث لا يقبل الانفساخ حتّى أن الاقالة والتفاسخ أيضا خلاف الأصل .

فعلى هذا يمكن ظهور نفس قوله وجب البيع في ذلك بل لا مانع من

الاشكال في عدم صدق الوفاء لو لا الدوام والاكتفاء بمقدار من الزمان في الآية الشريفة بعد عدم معنى في الوفاء والالتزام بمقتضى العقد فىّ آن من الزمان وليس

وجوب الوفاء بكلّ عقد في كلّ زمان

ص: 445


1- . سورة البقرة: 276 .
2- . سورة المائدة: 2 .
3- . الوسائل 18 الباب 1/3 - 4 من أبواب الخيار .

ذلك كالتكاليف التي تتعلّق بمتعلّقاتها حيث يكتفي فيها بصرف الوجود كالصلاة والزكوة بلا لزوم دوام وتكرار بل بأوّل ما أوجد من الطبيعة يحصل امتثال متعلّق التكليف لعدم مساعدة الاعتبار لذلك بعد ان الوفاء في كلّ شيء حسب مقتضى ذلك الشيء فالوفاء بعقد الاجارة التي لم تتجاوز مدّته سنة هو الالتزام بذلك والوفاء بعقد النكاح والانقطاع حسب مقتضاهما .

هذا فتحصّل ممّا ذكرنا ان طرق كشف الاستمرار في الأحكام والمجعولات الشرعيّة ثلاثة . الدليل المتكفّل للحكم بأن يكون شاملاً لاستمراره ودليلاً عليه متّصلاً به . ودليل آخر غير مقدّمات الحكمة . وهي في كلّ مقام حسب اقتضائه .

بيان: رتب في التقريرات(1) أمورا في كون الظاهر من الزمان انه ظرف للزماني كالمكان الا أن يقوم دليل على كونه قيدا فيكون حينئذٍ مفردا للموضوع وانّه على ثاني القسمين يمكن أخذه بنحو الارتباطيّة كما انّه يمكن أن يكون بنحو الاستقلاليّة إلاّ انّ سيّدنا الأستاذ قدس سره رأى عدم الحاجة إلى ذلك لما يأتي من المباحث الآتية ما فيه غنى عن هذين الأمرين .

والأمر الثالث: الذي نقح البحث فيها المحقّق النائيني ما ذكرنا من ان استفادة العموم الزماني يمكن بأحد الأمور الثلاثة أحدها مقدّمات الحكمة كما في مثل « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ »(2) على احتمال ذكرنا فيه وذكرنا مقالة المحقّق الكركي والأمر الثاني حسب تقسيم سيّدنا الأستاذ .

والرابع حسب تقسيم التقريرات ان الزمان يمكن أخذه على نحو القيديّة

ص: 446


1- . فوائد الأصول 4/532 .
2- . سورة المائدة: 2 .

في المتعلّق كما انّه يمكن أخذه قيدا للحكم وعلى الأوّل يرد الحكم على المتعلّق وقيده هو الزمان وعلى الثاني لا يمكن أن يتكفّل له دليل الحكم بل لابدّ من بيان آخر وبعبارة اخرى تارة يكون الزمان تحت الحكم والحكم يرد عليه واخرى يكون الزمان فوق الحكم وإن كان الأمر أن لا يختلفان في النتيجة فانّه لا فرق في وجوب الصوم والامساك من طلوع الفجر إلى الليل سواء كان هذا المقدار من الزمان قيدا للمتعلّق بأن يكون الامساك في كلّ آن آن من الطلوع إلى الغروب واجبا والوجوب واردا عليه وحكما له أو الامساك واجبا في كلّ آن آن إلى الغروب فعلى كلا التقديرين يجب الصوم من الطلوع إلى الغروب الا ان الفرق من جهة اخرى كما سنشير إليه .

والظاهر من موارد أخذ الزمان قيدا في لسان الدليل كونه قيدا للمتعلّق وإن كان يحتمل الأمرين في بعض الموارد فمثل دعى(1) الصلاة أيّام اقرائك يمكن أن تكون الأيّام قيدا للوجوب وحينئذٍ فترك الصلاة لم يقيّد بشيء ولكن وجوبه ثابت في أيّام الاقراء ويمكن أن يكون قيدا للمتعلّق وحينئذٍ لم يقيّد الوجوب بشيء بل ورد على ترك الصلاة في أيّام الاقراء . ومثل ذلك أكرم زيدا في كلّ يوم أو صم يوم الخميس الا ان الظاهر فيهما ان الوجوب لم يقيّد والزمان قيد لمتعلّق الوجوب ومن هنا تختلف النتيجة في مثل صوم من نسي النية من طلوع الفجر فتذكر قبل الظهر أو كان مسافرا فحضر قبله .

فبناء على كون الزمان قيدا للوجوب فيمكن التعدّي عن مورد النص(2)

عدم اختلاف النتيجة في الموردين

ص: 447


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 5/1 من أبواب الحيض .
2- . وسائل الشيعة 10 الباب 6/4 - 5 - 6 من أبواب من يصحّ منه الصوم .

والدليل الشرعي إلى غيره من الموارد ويقال في مثل المريض الذي برء من مرضه قبل الزوال ولم يأت بمفطر أن يكون صوم باقي اليوم مجزيا عنه لكون الزمان قيدا للوجوب وإن كان قيدا للمتعلّق فلا يمكن التعدّي عن مورد النص إلى غيره إلاّ بالقياس الذي لا نقول به وهو مختص بغيرنا خصوصا بعد قضيّة ابان(1) .

وعلى كلّ كان ذلك وفقا للقاعدة أو لم يكن فالنص موجود ولثمرة الخلاف والافتراق محل آخر .

نعم الفرق بين كون الزمان قيدا للمتعلّق وبين كونه قيدا للحكم نفسه جريان الطرق الثلاثة لاثبات العموم الزماني في ماإذاكان قيدا للمتعلّق وعدم جريان غير ما إذا كان دليله نفس دليل الحكم في ما إذا كان قيدا للحكم . ووجهه ان الحكم حينئذٍ يكون كالموضوع فكما ان الموضوع بالنسبة إلى المحمول مقدّم رتبة ولا يمكن اثبات المحمول بنفس الموضوع بل لابدّ له من دليل آخر .

فانّه يكون من قبيل التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة التي لابدّ فيها من احراز الصغرى حتّى يرد عليه حكم الكبرى كما لا يمكن اثبات الموضوع بالمحمول وليس ذلك من قبيل التكوينيّات الخارجيّة وخلق انسان وتلون بلون السواد فكما ان الانشاء والتكوين تعلّق بذاته تعلّق بلونه فخلق دفعة واحدة . بل الأمر في الاعتباريّات والانشائيّات التشريعيّة ليس كذلك فانّه لابدّ من وجود الموضوع أوّلاً ثمّ تقييده بالقصر والطول والدوام والاستمرار والتوقيت إلى حدّ معيّن وإن كان في نفس دليل أصل الوجوب .

وهذا الكلام منه دقيق وبه ينسدّ باب الاشكالات السبعة أو الثمانية الواردة

الفرق جريان الطرق الثلاثة لو كان الزمان قيداً للمتعلّق

ص: 448


1- . الوسائل 27 الباب 6/10 من أبواب صفات القاضي .

على الشيخ ( أقول ) أمّا استظهار رجوع القيد الذي هو الزمان إلى المتعلّق فهو بناء على انشائيّة الأحكام وكونها ايجاديّة وعدم معنى للحروف قابل للتصوّر واللحاظ ولو في ضمن الغير فحينئذٍ لابدّ من رجوع القيد إلى المتعلّق لعدم قابليّة الهيئة للتقيد

وحيث ان بناء المحقّق النائيني ومن تبعه منهم سيّدنا الأستاذ في بعض كلماته على ذلك فيرجعون القيود في أمثال هذه الموارد إلى الموضوع وإلاّ فلا اشكال في امكان كلا الوجهين وأن يكون راجعا إلى الموضوع كما انه يمكن رجوعه إلى الحكم ثم انه لا يخفى ان لحاظ القيد والموضوع مقدم على العرض والمحمول والحكم الا انه يمكن أن يتكفّل دليل اثبات الحكم لذلك بلا لزوم اشكال كان يقول يجب عليك الصوم مستمرّا أو في شهر رمضان بناءً على رجوع القيد إلى الوجوب ولا يختصّ بيانه بقوله يجب عليك كذا وهذا الوجوب مستمر إلى كذا .

والحاصل ان الحكم حينئذٍ يكون كالمعروض بالنسبة إلى العرض بالاضافة إلى الدوام والاستمرار والتقييد يحتاج إلى مؤونة زائدة ثبوتا واثباتا كما في جميع الموارد التي يتمسّك بالاطلاق لعدم دليل على التقييد لاحتياجه إلى ذلك مثل كون الواجب نفسيّا عينيّا تعيينيّا فانّه لا يستفاد ذلك إلاّ من عدم بيان على التقييد لعدم

ذكر العدل وعدم ذكر العدل للمكلّف وعدم ذكر انه للغير أو نحو ذلك فليست هذه إلاّ منتزعة عن عدم جعل العدل ولحاظ الغير والاكتفاء بعمل الغير ونحوه فتأمّل .

تبيين وتوضيح وتكميل: حاصل ما ذكره المحقّق النائيني في هذا المقام هو ان لحاظ الاستمرار والدوام تارة يكون في ناحية المتعلّق واخرى في ناحية الحكم وفي الأوّل يتصوّر على نحوين فانه يمكن أن يكون بنحو العام المجموعي بأن يجب اكرام جميع العلماء بنحو اذا امتثل امتثل خطابا واحدا فلو لم يأت

لحاظ الاستمرار في ناحية المتعلّق أو الحكم

ص: 449

بالاكرام في جميع الآنات لم يمتثل الخطاب كما انه يمكن أن يكون بنحو العام الأصولي الذي ينحلّ بعدد الأفراد والآنات فكلّ آن له خطاب يخصّه ويكون الدليل من هذه الجهة متكفّلاً لاثبات أحكام متعدّدة .

ثمّ انّه رحمه الله فرّق بين ما إذا كان الاستمرار والدوام مأخوذا في المتعلّق وقيدا له وبين ما إذا كان متعلّقا للحكم من جهتين: الأولى ورود الحكم على قيده كما يرد على متعلّقاته بخلاف الثاني فان القيد أي الاستمرار والدوام لم يؤخذ في موضوع الحكم كي يرد عليه ويشمله وعلى هذا فينحصر طريق استفادة العموم والاستمرار في الحكم بما إذا دلّ الدليل من الخارج نحو حلال محمّد صلی الله علیه و آله (1) حلال إلى يوم القيامة الخ أو بأنّه لولاه للزم اللغويّة ولا يمكن أن يدلّ نفس دليل الحكم عليه بخلاف الفرض الأوّل فانّه مضافا إلى إمكان استفادة الاستمرار والدوام فيه بالنحوين المزبورين يمكن أيضا بنفس دليل الحكم بأن يكون مأخوذا فيه موردا للحكم هذا . الا انه لا يستقيم إذ الحكم إمّا مطلق أو موقت ليس مطلقا دائما مستمرّا ولا اشكال في انه عند عدم نصب الدليل على التوقيت يستفاد بقرينة الحكمة عند تماميّة مقدّماتها الاطلاق وانّه لا يختصّ بحين من الأحيان لأنّ التوقيت قيد زائد محتاج إلى مؤونة زائدة .

والا فالحادث لا يزول إلاّ بمزيل نظير الملكيّة الحاصلة للمشتري بالبيع فانّ البايع لم يملكه دائما بحيث يكون الدوام مأخوذا في الموضوع أو دالاً عليه لفظ التمليك . حاشا . بل الدوام إنّما هو من ناحية ان الملكيّة الحاصلة للمشتري لا

ص: 450


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 12/52 من أبواب صفات القاضي مع اختلاف في الألفاظ غير مضر .

وجه لزوالها وارتفاعها عن ملكه الا لمزيل والا فلا اشكال في امكان الملكيّة الموقتة كما في الوقف الخاص الذي يتلقّى كلّ فرد من أفراد الطبقة اللاحقة الملك الموقت من الواقف من دون توسّط عنوان ارث من الطبقة السابقة .

ومن الموارد التي يمكن أن يكون مثالاً لما إذا كان الحكم مقيّدا بالاستمرار مثال الصوم فانّه لو كان عبارة عن الامساك ولو آنا فاذا وجب هذا الامساك من طلوع الفجر إلى الليل فيكون الاستمرار على هذا قيدا للحكم لا آتيا من قبله لا مأخوذا في مصبه كي يرد الحكم عليه وإن كانت النتيجة لا تختلف .

فانّه على كلّ تقدير يجب على المكلّف الصوم والامساك من طلوع الفجر إلى الليل لكن الفرق من ناحية اخرى ويظهر فيما إذا افطر مريد السفر قبل سفره قبل الظهر مثلاً أو التي تعلم بابتلائها في أثناء النهار بالحيض فانّهما أفطرا الصوم

حقيقة لأن الامساك من الطلوع إلى الغروب صومات متعدّدة وواجبات عديدة استقلاليّة أفطرا منها بعضا فتلزم عليهما الكفّارة على القاعدة بخلاف ما إذا كان إلى

الغروب قيدا للمتعلّق فان لزوم الكفّارة يحتاج إلى دليل .

وعلى كلّ فالدليل ورد في الكفّارة ولولاه ولو لا ظهور الدليل في انّه أي الاستمرار والغاية قيد للمتعلّق لا الحكم فبافطار واحد في أكل واحد كان يجب كفّارات عديدة لتعدّد الواجبات وإن كان يعدّ كلاً واحدا لكن الظاهر من الأدلّة انّه

قيد للمتعلّق لا الحكم فراجع .

الجهة الثانية: امكان جريان الاستصحاب فيما إذا كان قيدا للحكم دون ما إذا كان قيدا للمتعلّق وهذه الجهة لو تمت يرتفع الاشكالات المتوجّهة إلى الشيخ في قوله في الرسائل وكذا في المكاسب وإن لم تتم هذه الجهة ولم يكن

جريان الاستصحاب إذا كان الزمان قيداً للحكم

ص: 451

فرق بين كلامي الشيخ في وضوح الدلالة على مراده فيكون كما أوردوا عليه الاشكالات وكان مراده ما فهموه وأصابوا .

والحاصل: ان الاستمرار إذا كان قيدا للمتعلّق وكان على نحو العام الأصولي الانحلالي وورد مخصّص على العام بالنسبة إلى زمان وشككنا بعده فهنا وجوه إمّا أن يرجع بعد زمان الخاص إلى حكمه بالاستصحاب وهذا لا مساغ له حيث ان دليل الخاص لم يتكفّل إلاّ اخراج فرد من أفراد العام الأصولي الذي هو بالنسبة إلى أفراده مثل زيد وعمرو وبكر فاذا خصّص أحد هؤلاء وخرج عن العموم فلا مجال لاسراء ذلك إلى آن آخر وزمان غيره .

( كما انّه إذاشكّ في أصل التخصيص أو مقداره يرجع إلى العام ولا مجال للتمسّك بالاستصحاب كما لا يخفى ) لأنّه من قبيل تسرية حكم موضوع إلى موضوع آخر سواء ورد التخصيص لأوّل فرد من أفراد العام الزماني كما في صورة تخصيص « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ »(1) بدليل خيار(2) المجلس أو في الوسط كما في خيار التأخير فانّه قبل مضي ثلاثة أيّام يكون البيع لازما وبعده يكون جائزا فخصّص هذا الزمان ( وكما في خيار الغبن على بعض الوجوه ) ونظير ذلك في كونه عامّا أصوليّا ما قيل أو احتمل في المتعة بالنسبة إلى أشخاص متعدّدة الا انه لا يجري هذا الفرض فيه فلا يكون كالاجارة لان مضى المدّة كالطلاق فيها .

والحاصل انه لا مجال لاستصحاب حكم الخاص ولا العام لأنّ العام إن كان شاملاً للزمان اللاحق فيتمسّك به ويكون فردا غير ما خصّص وإلاّ فلا وجه

ص: 452


1- . سورة المائدة: 2 .
2- . الوسائل 18 الباب 1/1 - 6 من أبواب الخيار .

للتمسّك به كما لا وجه للخاص للزوم اسراء حكم موضوع إلى آخر بل لابدّ من الرجوع إلى أصل آخر .

ففي العبادات يكون مورد اصالتي البرائة والاشتغال وفي المعاملات اصالة الفساد وعدم الانتقال وبقاء الملك على مال صاحبه ونحو ذلك ولا مجال في كلّ مورد للرجوع إلى البرائة والاشتغال وربما تختلف الأصول وتتعارض كما في باب الدعوى مع مخالفة كلتا الدعويين للأصل ووجود المعارض فحينئذٍ يشكل تشخيص المدّعى من المنكر وهذا من الموارد التي يمتحن بها المجتهدون فان تشخيص ذلك لا يكون إلاّ بيد من هو مطلق في اجتهاده مطلق .

نعم بالاخرة يرجع في هذه الصورة إلى البرائة الأصل الحكمي .

هذا إذا كان الاستمرار قيدا للمتعلّق وأمّا إذا كان قيدا للحكم فلا مجال للاستصحاب أصلاً .

توضيح وتكميل: محصّل مرام المحقّق النائيني قدس سره في الجهة الثانية الفرق بين ما إذا كان الزمان قيدا للمتعلّق وما إذا كان قيدا للحكم وعدم المجال للرجوع إلى الاستصحاب في الأوّل أصلاً فان محلّ الكلام ما إذا كان هناك عام يشمل أفرادا فردّها الزمان لأنّه من الموضوعات الخارجيّة فصار لكلّ زمان حكم خاص وربما ينحل إلى الف حكم فخصّص واحد منها في زمان فحينئذٍ لو شكّ بعد هذا الزمان في الزمان اللاحق في انه ملحق بالعام في حكمه أو بالخاص .

ولا يخفى انه لا وجه للرجوع إلى الاستصحاب أصلاً لا بالنسبة إلى حكم الخاص لأنّه من اسراء حكم موضوع إلى موضوع آخر لأنّ الفرض ان ماخرج بالتخصيص إنّما هو الزمان الأوّل وبالنسبة إلى الثاني حيث انّه موضوع مستقل لا

الفرق بين نحوى الزمان في كلام المحقّق النائيني

ص: 453

يمكن جر حكم الموضوع الآخر الذي هو الآن السابق إليه .

وكذلك لا وجه لاستصحاب حكم العام لو لم يكن له عموم افرادي يشمل الزمان المشكوك وإلاّ فيرجع إليه بالنسبة إلى الزمان المشكوك اللاحق وهو كما يشمل الحكم المخصّص كذلك الذي يشكّ في تخصيصه وفي ذلك هو المرجع ولو لم يكن عموم للعام يشمل هذا الفرد وشكّ فيه فلابدّ أن يرجع إلى الأصول الآخر وفي العبادات هو البرائة والاشتغال كما أشرنا إليه .

ويمكن التمثيل لهذا بما إذا كان الصوم في كلّ يوم مستحبّا وورد النهي عن صوم يوم العيد وشكّ في خروج الستّة(1) أيّام التي بعده كما هو مضمون بعض

الروايات إلاّ انّه شكّ في ان هذا الحكم في العام هل هو مختصّ بخصوص هذه السنة أو لا بل يجري في السنين اللاحقة فبالنسبة إلى السنوات الأخيرة لا يمكن الرجوع إلى حكم العام لأنّه من اسراء حكم موضوع إلى موضوع آخر كما لا وجه في الرجوع إلى حكم المختصّ لاختصاصه مثلاً بالسنّة الأولى فبالنسبة إلى السنوات الأخيرة يكون من الشكّ البدوي ولا وجه لجريان الاستصحاب بدعوى ان السنة الاولى لم تكن مقيّدة وبنحو المفرديّة بالنسبة إلى أيّامها بل يمكن جريان حكمها في السنة الآتية وهكذا ضرورة كونه من استصحاب حكم موضوع إلى موضوع آخر .

وإن كان يمكن تصحيح ذلك بالنسبة إلى ما إذا ثبت حكم لمن أدرك شريعة سابقة فيشكّ في ثبوت هذا الحكم بالنسبة إلى من لم يدرك اذ الظاهر عدم دخل خصوص شخص المكلّف في تعلّق الحكم به بل الأحسن التمثيل بالمثال الفقهي

ص: 454


1- . الوسائل 10 الباب 5/1 من أبواب الصوم المندوب .

وهو ما إذا شكّ في ان السنة التي تكون مؤونتها مستثناة في باب الخمس أو الزكوة مثلاً قمريّة أو شمسيّة فبالنسبة إلى آخر يوم من السنة القمريّة لا إشكال في تيقنه بخروج مؤونته من تحت دليل لزوم الخمس ولا يتعلّق به ذلك . أمّا الشكّ في الأحد عشر يوما الباقية فلا وجه للتمسّك باستصحاب جواز التصرّف بلا اشتغال الذمّة بالخمس الثابت قبل يوم الشكّ ( بل يرجع إلى حكم لزوم الخمس وفي الزائد يكون الشكّ في التخصيص الزائد في العام والظاهر ان مراد سيّدنا الأستاذ قدس سره من التمثيل بهذا لأن يكون تمثيلاً لما إذا يكون المرجع باقي الأصول لما هو واضح من توجّه الخطاب بالتخميس والشكّ في خروج مؤونة الزائد عن السنة القمريّة بل ربما لا يكون مجال التمسّك بحكم الخاص ولا العام اذا خصّص آخر فرد من أفراد العام التدريجي الزماني ) هذا إذا كان الزمان قيدا للمتعلّق ويرد الحكم على المتعلّق وقيده فاذا كان صوم يوم الجمعة واجبا فالحكم يرد على الزمان كما ورد على المقيّد به وهو الصوم أمّا إذا كان الزمان قيدا للحكم فلا وجه للتمسّك بالعام عنده رحمه اللهوالمراد بكون الزمان قيدا للحكم انه ثابت في امد الزمان ولم يقيّد بوقت خاص بل مطلق كما إذا ثبت ذلك بالدليل الخارجي نحو قوله علیه السلام (1): حلال محمّد صلی الله علیه و آله حلال إلى يوم القيامة . وهذه المسئلة تعرّض لها الاعلام في بحث خيار الغبن ولكل من الفطاحل كلام في ذلك المقام لا يهمّنا التعرّض له بل بعد تنقيح البحث في ذلك وتحرير مرام المحقّق النائيني ونقل ما استشكل على الشيخ الأنصاري رحمهم اللهوالمحقّق الخراساني قدس سره يتّضح المراد وإن الحق مع أيّ من هؤلاء

ص: 455


1- . الوسائل 27 الباب 12/52 من أبواب صفات القاضي مع اختلاف في الألفاظ غير مضر بالمقصود .

الأعلام وإن شئت فراجع ذاك البحث ترى ما حكى عن صاحب الرياض وعن المحقّق الكركي وما قاله الشيخ وما عن المحقّق الخراساني وعن بحر العلوم رحمهم االله .

وعلى كلّ فقد أورد على الشيخ بعدم اطلاق كلامه في موردي النفي والاثبات في جريان الاستصحاب وعدمه .

ثمّ ان المحقّق الخراساني(1) قسم محلّ الكلام إلى أربعة أقسام إليها يرجع بعض الأقسام الزائدة وهي انّه إمّا أن يكون العام والمخصّص مطلقين من حيث الزمان ولم يؤخذ فيهما إلاّ ظرفا لا قيدا أو أخذ بنحو القيديّة والفرضان إمّا متّفقان

أو مختلفان فما كان الزمان قيدا لهما لا إشكال في الرجوع إلى العام في غير مورد التخصيص كما انّه إذا لم يقيّدا به يكون مجال التمسّك بحكم الخاص بالاستصحاب وإذا كان العام مقيّدا بالزمان وكان ظرفا للمخصّص يكون مقام الرجوع إلى حكم العام وفي العكس لا وجه لذلك .

ويفهم من كلام الشيخ قدس سره ان العام إذا كان بالنسبة إلى الزمان مقيّدا والزمان مفردا له فخرج فرد بالاجماع ونحوه من الأدلّة التي لا تكون ظاهرة في القيديّة فلا اشكال في الرجوع إلى العام بعد ذلك الزمان بالنسبة إلى ذلك الفرد فلو وجب اكرام العلماء في كلّ زمان بنحو أخذ الزمان مفردا وكلّ زمان يكون موضوعا سببا لأن يكون كلّ فرد من العام مستقلاًّ .

فقد خرج فرد كاكرام زيد يوم الجمعة وشككنا في الحكم يوم السبت فيرجع إلى عموم العام بعد ذلك الزمان .

وأمّا إذا لم يكن العام بالنسبة إلى الزمان مقيّدا بأن يكون الزمان مفردا له بل

تفصيل المحقّق الخراساني

ص: 456


1- . كفاية الأصول 2/342 - 343 .

دخله فيه دخل ظرفي وأخذ لبيان استمراره فعند الشكّ في بقاء الفرد المخرج بدليل التخصيص تحت دليل العام أو على حكم المخصّص يرجع إلى استصحاب حكم المخصّص .

وذلك لأنّ الزمان لم يكن قيدا كي يشكّ في التخصيص الزائد ويمنع عن استصحاب حكم الخاص .

وفي الفرض الأوّل لا وجه للرجوع إلى الاستصحاب في المخصّص وإن لم يكن دليل العام المفرد شاملاً لما بعده بل يرجع إلى الأصول الآخر من البرائة والاشتغال أو أصول المعاملات إذا لم يكن هناك أصل حاكم كما في الصورة الثانية فانّه في صورة الشكّ في بقاء حكم العام أو الخاص يرجع إلى استصحاب حكم الخاص ولا تصل النوبة إلى اجراء الأصول المحكومة كما انّه إذا كان هناك دليل اجتهادي لا مجرى للاستصحاب أيضا مثل ما إذا كانت الصورة الأولى الزمان المشكوك مشمولاً لدليل العام المتفرد من حيث الزمان .

واستشكل(1) صحّة اطلاق كلام الشيخ نفيا واثباتا المحقّق الخراساني وقسم العام والخاص إلى الأقسام الأربعة المذكورة آنفا ولم يرخص الرجوع إلى المخصّص وجريان الاستصحاب فيه بالنسبة إلى بعد زمان الفرد المخصّص في الصورة التي أخذ الزمان قيدا للعام والمخصّص لأنّه يكون من قبيل استصحاب الحكم الثابت على زيد لعمرو بل يرجع إلى العام لكون الشكّ في التخصيص الزائد وفي الصورة التي يكون ظرفا لهما فلا اشكال في عدم جريان الاستصحاب في العام لانقطاع استمراره بالتخصيص والفرض ان الزمان لم يكن بالنسبة إليه مفردا

ص: 457


1- . كفاية الأصول 2/342 - 343 .

كي يشكّ في التخصيص الزائد بل لابدّ أن يرجع إلى حكم المخصّص فنستصحبه كما هو الشأن في كلّ مورد لم يكن فيه دليل اجتهادي .

وفي الصورتين الأخيرتين يتمسّك بالعام فيما كان مفردا ولا يتمسّك بأحدهما في ما إذا كان ظرفا فيه ومفردا للخاص لانقطاع الاستمرار بالنسبة إلى العام وعدم كون الزمان ظرفا في الخاصّ كي يمكن أن يشكّ فيه فيستصحب .

والحاصل ان في الفروض الاربعة لا مجال للاستصحاب في ثلاثة منها لحكم الخاص اثنان منها ما إذا كان الخاص مفردا كان العام أيضا كذلك أم لم يكن بل كان ظرفا غاية الأمر الفرق بينهما مجال التمسّك بالعام في ما إذا كان الزمان مفردا فيه دون ما إذا كان ظرفا .

والثالث ما إذا كان العام مفردا دون الخاص وفي هذه الصورة أيضا يتمسّك بالعام بعد الزمان المتيقّن التخصيص ولا مجال لاستصحاب حكم الخاص . والرابع الذي يجري استصحاب حكم المخصّص فيه ما إذا أخذ الزمان ظرفا للعام والخاص كليهما ولا مجال لتوهّم أخذ الزمان ارتباطيّا في العام والرجوع إليه أيضاً بعد مضى زمان اليقين بالتخصيص كما هو واضح . هذا ملخّص ما أفاده في الكفاية .

وتصدّى المحقّق النائيني(1) لدفع الاشكال الوارد على الشيخ وان المحقّق الخراساني لم يعط التأمّل حقّه في كلامه قدس سره فان مراد الشيخ ما ذكرنا وان مورد النفي والاثبات في كلامه ليس في صورة واحدة بل في أحدهما أخذ الزمان قيدا مفردا للعام وفي الاخرى ظرفا لاستمراره سواء كان بنحو مستمرّا ودائما

تفصيل حكم الأقسام

ص: 458


1- . فوائد الأصول 2/544 - 545 .

وغيرهما وان اطلاق كلامه في النفي والاثبات في محلّه .

وعلى كلّ حال فقال سيّدنا الأستاذ قدس سره لا يمكننا المساعدة على ما فهمه المحقّق الخراساني من كلام الشيخ مع دقّة نظره وجودة تحقيقاته كما يعلم من الكفاية .

نعم يمكن أن يكون عبارة رسائله أوهمت الخراساني رحمه الله هذا التوهّم لكن عبارته في المكاسب في بحث خيار الغبن تنادي بما ذكرنا بل لو أعطى التأمّل حقّه في عبارة رسائله يستفاد بلا خفاء ما ذكره المحقّق النائيني فان محل كلامه في نفي جواز التمسّك بالاستصحاب هو ما إذا أخذ الزمان قيدا مفردا للعام فهناك مرجع التمسّك به والمورد الذي ذهب إلى التمسّك بالاستصحاب هو الصورة التي أخذ الزمان ظرفا .

وملخّص الكلام انه يفرق الأمر في جريان الاستصحاب بين ما إذا لم يؤخذ الزمان قيدا بل ظرفا وبين ما إذا لم يؤخذ إلاّ قيدا فلا مجال للرجوع إلى الاستصحاب في الثاني كما ان المتيقّن الرجوع إليه في الخاص في الأوّل كما ذكرنا .

هذا كلّه في مقام الثبوت وأمّا مقام الاثبات فنقول: لا اشكال في ان ظاهر أخذ الزمان في دليل الحكم انه أخذ بنحو الظرفيّة فانّ القيديّة تحتاج إلى مؤنة زائدة كما ان ظاهر أخذ قيد فيه أن يكون بنحو الاستقلال على ترتيب العام الأصولي فان المجموعي يحتاج إلى مؤونة زائدة ثبوتا فانّه لا فرق بين أخذ العام مجموعيّا واستقلاليّا إلاّ من ناحية لحاظ أحدهما استقلالاً والآخر بنحو المجموع وهذه كيفيّة زائدة في أصل اللحاظ .

ص: 459

ثمّ ان الظاهر أيضا ان في كلّ مورد كان للزمان دخل انه في الموضوع والمتعلّق اذ دخله في الحكم بأنحائه الثلاثة بأن يستفاد من دليل الحكمة أو لولاه لزم اللغويّة أو بدليل خارج لابدّ أن يقوم عليه دليل قوي .

فتحصّل ما ذكرنا ان اللازم في مثل خيار التأخير لا مجال للتمسّك بحكم العام وهو لزوم الوفاء بالعقد الثابت له قبل مضي الثلاثة وكذلك إذا شكّ في ان المعاملة الغبنيّة بعد أن ظهر الغبن هل لازمة بعد علمه بذلك وتمكّنه من الفسخ ولم يفسخ كي يكون الخيار على الفور أو لا بل يجوز له التروي فيما إذا كان دليل الجواز الشرط الضمني لعدم الفوريّة فيه فيكون على التراخي وإن كان مدركه دليل نفي الضرر فيمكن رفع الضرر بعد الاطّلاع بقدر ما يقول فسخت .

والحاصل ان لا اشكال في المعاملة الغبنيّة إنّما الكلام في باقي الفروع والموارد المترتّبة على هذا البحث .

أقول ان المحقّق النائيني وجه كلام الشيخ بان في مورد عدم جريان الاستصحاب والتمسّك بالعام مورد أخذ الزمان في المتعلّق قيدا بنحو يكون الحكم وارداً على المتعلّق وقيده الذي هو الزمان لا مجال للرجوع إلى الاستصحاب حينئذٍ وأمّا ما يجري فيه الاستصحاب هو الصورة التي لا مجال للتمسّك بالعام لعدم كون الاستمرار مصب الحكم وليس الحكم واردا عليه ويكون الزمان فوق الحكم وحينئذٍ فاذا خرج فرد بالتخصيص عن تحت دليل العام فالشكّ في خروجه في زمان أو أكثر من ذلك الزمان ليس شكّا في التخصيص الزائد فتدبّر جيّدا .

الكلام في مقام الاثبات وتوجيه كلام الشيخ

ص: 460

وعبارة تقريراته(1) صريحة في ذلك لا سترة عليه وأنت تعلم ان تقسيمات المحقّق الخراساني متينة في ما إذا كان الزمان مأخوذا في المتعلّق .

وكيف كان فان كان مراد الشيخ والمحقّق الخراساني رحمهم الله يوافق ما بيّنه النائيني رحمه الله وأفاده بتتميم منا في الصورة الثانية من تشقيقها بشقين فانّه تارة يكون المخصّص لعموم الحكم الذي أخذ الاستمرار في جانبه مفردا فلا مجال للتمسّك بالاستصحاب في جانب الخاص أيضا كما لا يرجع إلى العام وإن كان على نحو الظرفيّة فهناك يرجع إلى استصحاب الخاص بلا اشكال فلا كلام وفّاه هذاالمعنى كلام الشيخ رحمه الله أو لا وكانت عبارة رسائله مجملة أو صريحة واضحة كعبارة المكاسب فان مورد النقض والابرام هو المقال دون قائله وإن أرادوا غير هذا فلا يمكننا المساعدة عليه لوضوح أطراف الكلام وتحقيق المقام .

والحاصل ان المخصّص إذا ورد على العام فان كان مفردا فلا مجال لتوهّم الاستصحاب أصلاً لا في ناحيته ولا في ناحية العام سواء كان الزمان قيدا للمتعلّق أو للحكم مفردا لهما وان لم يكن المخصّص كذلك بل أخذ الزمان ظرفا له فان كان الحكم أيضا كذلك بأن لم يكن الزمان دخيلاً في الموضوع فيرجع إلى الاستصحاب كما عرفت وإلاّ بأن كان الزمان دخيلاً في المتعلّق فهناك أيضا تارة يكون قيدا ومفردا له فلا اشكال في التمسّك بالعام في مورد الشكّ واخرى لا يكون إلاّ ظرفا للمتعلّق كما في ناحية المخصّص فان كان التخصيص بالنسبة إلى أوّل أزمنة العام فيرجع بعده إلى حكم العام كما في خيار المجلس وخيار الحيوان وإن لم يكن كذلك بل ورد التخصيص في غير الزمان الأوّل فيرجع إلى استصحاب

ص: 461


1- . فوائد الأصول 4/539 .

المخصّص .

وممّا ذكرنا عرفت ما في ظاهر كلام المحقّق الخراساني ان أراد الاطلاق إلاّ ان ظاهر كلامه قدس سره في ما إذا كان الزمان ملحوظا في ناحية المتعلّق ويتفرّع على ما ذكرنا مسئلة الفور والتراخي في خيار الغبن والتأخير والعيب بناءً على حدوث الخيار عند ظهور العيب وخيار الفسخ في عيوب الزوجين وان في الغبن عند ظهوره لا اشكال في تخصيص حكم « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ » لعدم وجوب الوفاء بالعقد الغبني وحينئذٍ فهل يكون زمان الخيار خصوص ما يمكن معه إنشاء الفسخ القولي أو فعل الفسخ الفعلي لو لم يتمكّن من القول كي يكون على الفور أو يمتدّ الخيار فيكون على التراخي بعد عدم استفادة من المخصّص انّه على القيديّة أو الظرفيّة فلا مجال بناءً على ما ذكرنا في الرجوع إلى دليل العام لكونه ممّا أخذ الزمان ظرف استمرار الحكم ولم يؤخذ في ناحيه المتعلّق كما ان الامر كذلك في كلّ مورد يكون مثل المقام لكنّهم يدعون الاجماع على الفور في بعض الموارد والظاهر انّه في عيوب الزوجين فبعد مضيّ زمان تمكّن أحدهما الذي له الخيار من الفسخ ولم يمض ويفسخ يفوت الخيار ويكون العقد لازما إلاّ ان الخلاف بناءً على الفوريّة في انّه كذلك حتّى بالنسبة إلى غير العالم بالفوريّة أم لا بل في خصوصه بعد الاتّفاق ظاهرا على اعتبار العلم بالخيار في سقوطه لو لم يمض أو يفسخ .

هذا كلّه في مقام الثبوت وأمّا في مقام الاثبات فان علم واستفيد من القرائن ان الزمان أخذ قيدا فهو وإلاّ فالأصل والظاهر يقتضي أن لا يكون الزمان قيدا سواءً في ناحية المتعلّق أو في جانب الحكم وإن علم انّه أخذ قيدا وشكّ في انّه قيد

حكم الفور والتراخي في بعض الخيارات

ص: 462

للمتعلّق أو الحكم فالأصل أن لا يكون قيدا للمتعلّق ولا الحكم ولو شككنا في هذا الفرض في مجرى البرائة تجريى الا ان حقّ المقام أن ليس لمورد هذا الشكّ إلاّ الأحكام التكليفيّة اذ هي التي يمكن تعلّقها بالموضوعات وأن يكون الزمان ملحوظا بالنسبة إلى نفسها أو متعلّقاتها وإلاّ فالأحكام الوضعيّة لا مجال لتوهّم تعلّق الزمان ولحاظه في متعلّقاتها اذ لا متعلّق لها لأنّ الأحكام الوضعيّة بناءً على

انّها متأصّلة في الجعل انما يؤخذ الاستمرار ويلاحظ الزمان فيها فان لزوم العقد لا متعلّق له كي يتعلّق ويلاحظ فيه أخذ الزمان بل هو حكم مستمر ثابت بمقدّمات الحكمة وهذا لو كان « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ » ارشادا إلى لزوم العقد وإلاّ فان كان منتزعا عنه فهو محلّ الكلام كما يأتي تحقيقه .

فذلكة: ما تقدّم ان الزمان ان أخذ قيدا في ناحية المتعلّق بطريق التفريد فيتعدّد أفراد المقيّد حسب دخل الزمان فيه من الآن والساعة واليوم والاسبوع والسنة وغير ذلك غاية الأمر فرق بين هذا التعدّد الناشى ء من قبل تقييد المطلق والعام بالزمان المفرد وبين التعدّد الافرادي الملحوظ في العام فانّه عرضي وذلك طولي لاستحالة اجتماع الأزمنة التدريجيّة في آن واحد بخلاف أفراد العام في غير ما يكون على نحو القضيّة الحقيقيّة اذ لو كان كذلك يكون أيضا طوليّا في الوجود وإن كان عرضيّا في انطباق عنوان العام كالعالم عليها وعند طروّ تخصيص بأحد أفراد العام الطوليّة لا يجوز التمسّك بالاستصحاب عند الشكّ بعده كما لا مجال لاستصحاب حكم العام فيما إذا شكّ في أصل التخصيص بل المرجع في كلا الموردين هو عموم العام بحسب الأزمان كما ان الأمر كذلك في الأفراد العرضيّة للعنوان المأخوذ في حيز الحكم أمّا لو كان العموم الزماني والاستمرار واردا على

ص: 463

الحكم فلا مجال للتمسّك بالعام في الموردين أصلاً كما يأتي وجهه وتقدّم بل لابدّ من الرجوع إلى الاستصحاب إن كان وإلاّ فالى الأصول العمليّة الآخر والأمر كذلك عند عدم امكان التمسّك بالعام في الصورة الاولى . هذا كلّه في تنقيح كبرى البحث .

أمّا الصغرى فلا اشكال في انّه عند الشكّ في تقيد الحكم أو المتعلّق بالزمان فالأصل عدمه لاحتياجه إلى مؤنة زائدة ثبوتا وبيان ذلك اثباتا وعند الشكّ في التكليف يرجع إلى البرائة اما لو علمنا بورود التقييد على أحدهما من الحكم أو المتعلّق فعند المحقّق النائيني انّه يتعلّق بالحكم ويرد عليه لجريان اصالة الاطلاق

في المتعلّق حيث انّه يمكن فيه لحاظ الزمان قيدا له لأنّه من الانقسامات السابقة على الخطاب الممكن لحاظها في متعلّقه فانّه لو كان قيدا في عالم اللب والثبوت كان على المولى البيان وحيث لم يبيّن فتجري مقدّمات الحكمة في الاطلاق في مورد يمكن فيه الاطلاق وهو عبارة عن عدم التقييد فبذلك يستكشف اطلاق ذلك في عالم الثبوت أيضا .

ولا يمكن جريان المقدّمات عنده رحمه اللهفي الحكم أيضا كي تتعارض من الطرفين وذلك لعدم امكان لحاظ الاستمرار قيدا للحكم بل لو كان فبمعونة الموضوع والحكم بأن يجعل المعنى الاسمي الممكن الاشارة إلى المعنى الايجادي الحرفي موضوعا ويحمل عليه الاستمرار وغير ذلك ويستحيل أن يكون المحمول قيدا للموضوع سوى ما اريد منه من الاشتراط العقلي في كلّ موضوع بالنسبة إلى موضوعه نعم في طرف المتعلّق حيث انّه يمكن لحاظ القيود فلا اشكال في جريان مقدّمات الحكمة كما انّه تجري البرائة .

اشكال تقييد المعنى الحرفي

ص: 464

فلو شككنا في كون المتعلّق مشروطا بشيء فالأصل يقتضي عدم كونه مشروطا به وتجري البرائة ولامجال لذلك بالنسبة إلى الحكم لما ذكرنا .

والحاصل انّه لا يمكن لحاظ المعنى الحرفي وكذلك تقييده سواء كان هو الحكم التكليفي أو الوضعي كما سنشير إلى ذلك بمثال وهذا هو مراد المحقّق النائيني(1) حيث ادّعى في بعض الأبحاث السابقة عدم امكان تكفّل دليل الحكم استمراره في ما إذا كان العموم الزماني للحكم دون المتعلّق وحاشاه أن ينكر استفادة الاستمرار لأصل الحكم من كلام واحد ولو بقرينة المقدّمات الجارية للحكمة بل مراده رحمه الله انّه لا يمكن تقييد الحكم بالاستمرار ونحوه إلاّ بعد فرض وجوده ولحاظه باستعانة مفهوم اسمي كالوجوب والحرمة واللزوم ونحو ذلك وجعل القيد محمولاً عليه كما انّه لا اشكال بناءً على ممشى المشهور من كون مفاد هيئة الأمر هو الطلب من قول أطلب منك الأمر الفلاني دائما ومستمرّا بأن يكون القيد راجعا إلى الهيئة المرادفة لمفهوم الطلب .

الا انه يلاحظ في ضمن مفهوم اسمي كما أشار إليه سيّدنا الأستاذ قدس سره حتّى بناءً على انشائيّة النسبة وإن ظرف وجود المعنى هو وعاء الاستعمال والايجاد ولا مفهوم لها وإن كان يبعد التزامهم إلاّ انّه كما في الوضع العامّ والموضوع له الخاص .

وبالجملة فلو صحّ هذا المبنى ولم يتوجّه عليه الاشكال وأمكننا الالتزام بعدم معقوليّة تقييد الهيئة فيمكن تصحيح كلام المحقّق النائيني فانّه لا يمكن ملاحظة الاطوار والعوارض المتصوّرة في ناحية المتعلّق من كونه بالغا عاقلاً

ص: 465


1- . فوائد الأصول 4/536 - 537 .

مالكا للنصاب أو متعلّق الخطاب كان يأتي به في زمان كذا أو مع الطهارة وغير ذلك في جانب الحكم بل كلّ ذلك يكون قيدا للموضوع وشرطا للوجوب وجعله وبعده يكون فعليّا كما في قوله إذا زالت(1) الشمس وجبت الصلاة والطهور .

وبما ذكرنا يظهر تحقيق الحال في مثل « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ »(2) فانّه تارة يقال ان أوفوا اشارة وكناية إلى الحكم الوضعي ولزوم العقد فحينئذٍ كما ذكرنا ويأتي تحقيقه لا يمكن تقييد اللزوم بالاستمرار والدوام بل لابدّ من دليل آخر فان الحكم الوضعي بناءً على جعله يكون محمولاً على موضوعه فالعقد الذي أجازه الشارع وجعله لازما يكون موضوعا للمحمول الذي هو لازم وهذا المحمول لا تعلّق له بشيء يكون قابلاً للاطلاق والتقييد فالاستمرار وساير الطواري لابدّ أن يطرء عليه نفسه بأن يقال هذا اللزوم مستمر .

فدليل الحكمة فيما نحن فيه يدل¨ على استمرار هذا اللزوم المستفاد من الآية الشريفة المجعولة على العقد وبناء على ما ذهب إليه الشيخ من كون المجعول هو الحكم التكليفي والحكم الوضعي غير متأصّل في الجعل بل منتزع من الحكم التكليفي فكذلك أيضا إذ الوجوب المتعلّق بوفاء العقد لا يصلح أن يكون قيدا بالاستمرار والدوام إلاّ ببيان ودليل غير دليل أصله على هذا المبنى .

خلاصة البحث وثمرته: بناء على ما ذهب إليه المحقّق النائيني رحمه الله في ما إذا شككنا في مصب العموم الزماني هو المتعلّق أو الحكم يكون تعلّقه(3) بالحكم

نتيجة البحث بناء على مبنى النائيني

ص: 466


1- . وسائل الشيعة 4 الباب 4 - 5/1 - 5 - 7 - 8 - 9 - 10 - 11 - 20 - 7 من أبواب المواقيت والوسائل 1 الباب 4/1 من أبواب الوضوء مع اختلاف في اللفظ في المقامين .
2- . سورة المائدة: 2 .
3- . فوائد الأصول 4/548 - 549 .

لجريان مقدّمات الحكمة في ناحية المتعلّق ضرورة امكان تقييده واطلاقه قبل أن يلاحظ الحكم فعند الشكّ في تقييده بالعموم الزماني لا شبهة في جريان مقدّمات الاطلاق والأصل اللفظي في اطلاقه وانّه ليس مقيّدا بالعموم الا زماني ولازم ذلك ورود العموم على الحكم فهو يكون مستمرّا ويترتّب على ذلك ثمرة الاختلاف كما تقدّم وذلك لان الأصل اللفظي مثبت للوازم مع ان العموم إمّا ورد على المتعلّق وقيد له أو على الحكم فحيث نفى تعلّقه بالمتعلّق فجريان المقدّمات يثبت على الحكم فهو مصبّ للعموم ولا مجال لدعوى جريان المقدّمات في ناحية الحكم أيضا فيتعارضان من الجانبين ويبقى العموم معلّقا لا يثبت تعلّقه بالمتعلّق أو وروده على الحكم .

وذلك لامتناع تقييد الحكم وعدم قابليته واقتضائه لذلك وبعين امتناع التقييد يمتنع الاطلاق مضافا إلى عدم تماميّة مقدّمات الاطلاق لو سلّم بالنسبة إلى الحكم لأن منها عدم اطلاق المتعلّق فلو لم يكن كذلك بل كان المتعلّق مطلقا فلا تتمّ هي بالنسبة إلى الحكم مع ان هذا بناءً على التنزّل وإلاّ فمن الأوّل ننكر امكان

اطلاق الحكم اذ لا يمكن أن يرد عليه القيد زمانا أو غيره .

نعم يمكن ذلك بالنسبة إلى المتعلّق وهذا واضح ويستحيل تكفّل دليل الحكم لاستمراره وعمومه الزماني لتوقّفه على فرض الحكم فما لم يفرض الحكم ويثبت لا يمكن الاستمرار وإذا ثبت ذلك فيكون موضوعا والاستمرار محمولاً كما أشرنا إليه في ما سبق وعلى هذا فلو ورد التخصيص على العموم الزماني الوارد على الحكم لا مجال بعد زمان التخصيص الرجوع إليه لانقطاع الاستمرار بالمخصّص وليس ممّا يكون مفردا حسب الزمان بل لعلّه أشرنا في ما تقدّم إلى

ص: 467

امتناع ذلك كان يكون الحكم انحلاليّا بالنسبة إلى الأزمان بل محموله يكون هو الدوام والاستمرار وأمثالهما .

فاذا انقطع لا يبقى شيء حتّى يستصحب ومن هنا يعلم الحال في المعاملة

الغبنيّة فان « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ » له عموم أزمانيّ واردا على الحكم فالحكم مستمر وهو وجوب الوفاء ولزوم العقد فاذا انقطع هذا الاستمرار عند ظهور الغبن أو العيب بناءً على عدم كشفه عن كونه من الأوّل خياريّا وكما في خيار التأخير بعد الثلاثة أيّام فلا شيء من اللزوم والدوام يرجع إليه عند الشكّ في مقدار التخصيص لفرض استمرار الحكم على هذا العقد وليس متعدّدا بل حكم شخصي غاية الأمر له عموم زماني في استمراره في وعائه لا انّه يكون موضوعا مفردا له فانّه إذا حصل الغبن بمقدار لا يتسامح فيه العرف حسب الميزان الذي عليه ارتكازهم في مقام تعيين المفاهيم يكون العقد جائزا مثلاً منقطعا استمرار لزومه ولم يكن حكم آخر يرجع إليه بعد ذلك عند الشكّ إذا مضى مقدار يتمكّن معه من الفسخ على المقدار المعتبر لو اعتبر الفوريّة فلو شكّ في ذلك لا يمكن التمسّك بالعام لفرض عدمه بل لابدّ من التمسّك بالاستصحاب الجاري في المخصّص لعدم تكفّل دليل نفي الضرر أو الشرط الضمني أو الاجماع مقدار الخيار غاية الأمر فرق بين الخيارات التي تكون من أوّل الأمر على العقد موجبة لكونه من أوّل الأمر جائزاً كخيار المجلس وخيار الحيوان وبين باقي الخيارات فانّه بضميمة دليل البيعان(1) بالخيار ما لم يفترقا فاذا افترقا وجب البيع يعلم ان ابتداء العموم الزماني للحكم وهو وجوب الوفاء بالعقد بعد انقضاء خيار المجلس وإلاّ فمن حيث عدم قابليّة

ص: 468


1- . الوسائل 18 الباب 1/1 الى 4 من أبواب الخيار .

الاستمرار للتمسّك به بعد الانقطاع في الأثناء لا فرق بينهما وقد يجتمع خيارات متعدّدة في أوّل زمان العقد يترتّب على تعدّدها ثمرة اسقاط بعضها وابقاء بعض .

وبالجملة فهذا بحث فقهي فلنرجع إلى ما كنّا بصدده من استصحاب حكم المخصّص أو التمسّك بالعام وقد ظهر انّه عند وجود الدليل الاجتهادي لا مجال للرجوع إلى الاستصحاب كما اذا لم يكن هناك عموم يكون الاستصحاب هو المعول لو لم يكن المخصّص مفردا .

وفي المعاملة الغبنيّة وما شاكلها لا يمكن التمسّك بالعموم لانقطاعه في الأثناء بالخيار والحكم الواحد الشخصي لا دوام له بعد ذلك يرجع إليه نعم يمكن فرض العموم في ناحية متعلّق الحكم والمفعول به كالخمر في قوله لا تشرب الخمر كما انه يمكن ملاحظته في جانب الفاعل كان يكون متعدّدا وبالنسبة إلى الزمان فيكون المتعلّق في حكم زمان غيره في زمان الآخر لكن كلّ هذا لا مجال له في ناحية الحكم .

اللهمّ إلاّ أن يكون المولى كلّما انقطع زمان الحكم الأوّل يجعل حكما ثانيا وهو كما ترى .

كما ان الامر كذلك بالنسبة إلى دعوى انحلال هذا الوجوب أو اللزوم إلى الافراد الضمنيّة لعدم قابليّة المورد لذلك بل محلّه الموضوع المركّب ذات الاجزاء المتعلّق به الأمر فينبسط وينحل إلى أحكام ضمنيّة كما لا يخفى هذا . فظهر ان مورد التمسّك بالعموم هو ما إذا كان القيد والعموم الزماني على المتعلّق لا الحكم .

إذا عرفت هذا فينبغي أن تعلم ان الأمر كما ذكرنا في استصحاب حكم المخصّص في كليّة الأحكام الوضعيّة حيث انّها بناءً على التحقيق مجعولة تنالها يد

لا مجال للاستصحاب مع الدليل الاجتهادي

ص: 469

الجعل ابتداءً وليست منتزعة عن الحكم التكليفي فعلى هذا لا يمكن فرض تعلّق العموم بالنسبة إليها وكونها موجبا لصيرورتها أفرادا عديدة بل يتعلّق العموم الزماني بنفس الحكم الوضعي لعدم كون متعلّق له يكون انحلاليّا بالنسبة إليه .

فاذا لم يكن لها متعلّق فالعموم إنّما يرد عليها أنفسها وعند الشكّ يجري الاستصحاب على نحو ما تقدّم كاللزوم المجعول على العقد بناءً على استفادته من نحو « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ »(1) كما انه بناءً على عدم كون اللزوم مجعولاً ابتدائيّا يكون الأمر كذلك فان قوله: « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ » له عموم ازماني موجب لانتزاع اللزوم منه فلو كان هذا الحكم في كلّ زمان زمان على نحو الانحلال فينتزع منه كذلك اللزوم .

فاذا انقطع وخصّص فرد منها ينقطع اعتبار اللزوم ويستقيم بناءً عليه كلام المحقّق الكركي رحمه اللهمن ان العموم الافرادي يستتبع العموم الأزماني وعند

التخصيص بخيار الغبن يرجع عند الشكّ في بقاء الخيار إلى ذلك العموم الا ان ذلك فرع كون العموم ملحوظا في ناحية الحكم قيدا وإلاّ فلا تصل النوبة إلى ما ذكر بل يدور الأمر بين كون مصبّ العموم هو المتعلّق وهو نفس الحكم الوضعي بناءً على تأصّله بالجعل أو منشأ انتزاعه وأن يكون هو المتعلّق في ما يكون هناك متعلّق أو في ما نحن فيه في العقد والموضوع وبعد اجراء مقدّمات الحكمة في ناحية المتعلّق والموضوع يتعين كون العموم واردا على الحكم الوضعي أو التكليفي المنتزع عنه ذلك الحكم لعدم امكان تقييد الحكم بالموضوع كي يتعارضا إلاّ بناءً على امكان تقييد الهيئة فيكون من دوران الأمر بين تقييد الهيئة والمادّة بالعموم

ص: 470


1- . سورة المائدة: 2 .

الزماني ويدخل في بحث المعاني الحرفيّة وبعد إن لم يكن الحكم إلاّ موجودا بوجوده ومعدوما ومنفيا بعدمه بنفسه في كلا الموردين لا موجودا أو معدوما بالاستمرار له بقطعه فلا يمكن ورود التقييد عليه بل لا محيص إلاّ من اجراء مقدّمات الحكمة في ناحية المتعلّق والموضوع وبذلك الجريان يحصل المراد بلا احتياج إلى تعدّد الجريان ثانيا في ناحية الحكم بل نفس الجريان الأوّل يغني ويثبت كون العموم للحكم وهذا أحدى مقدّمات باب الترتّب فان لم يتم فينهدم أساس الترتّب فراجع وتدبّر .

طور آخر من البحث لا اشكال في الفرق بين الأحكام التكليفيّة والوضعيّة بناء على كون الثانية أيضا مجعولة في ناحية التعلّق بالمتعلّق والمفعول به الخارجي فيتصوّر ذلك في الأحكام التكليفيّة فبحسبه يمكن التعدّد والانحلال كما انه إذا لم يكن لها تعلّق خارجي بل ما يتعلّق به نفس التكليف لا الموضوع أو متعلّق المتعلّق أيضا يمكن تصوّر التقييد والتعدّد فيها كما في التكلّم والغناء فيمكن

تعلّق النهي بالغناء في كلّ زمان زمان كما إذا كان شرب كلّ خمر حراما بخلاف الأحكام الوضعيّة بناءً على تأصّلها بالجعل فانّه ليس لها متعلّق كي يجريى فيه ما ذكر .

فلو كان هناك عموم زماني أو غيره من القيود والطواري فلابدّ ولا محالة ان ترد على نفس الأحكام دون المتعلّق لفرض عدمه فيها مثلاً اذا حاز المكلّف بأحد أنحاء الحيازة سواء كان مثل الاحتطاب والاحتشاش أو بالاحياء فهو يملك ما فعل فيه ذلك ويعتبر في حقّه الملكيّة الدائمة المستمرّة ولا شيء يتعلّق به الدوام والاستمرار كما في نفس الملكيّة ( لعلّ السر تعلّق الحكم الوضعي بالذات بخلاف

الانحلال حسب تعدّد الأفراد

ص: 471

متعلّقات الأحكام فليس كذلك وإلاّ فلا ريب في امكان ورود ذلك على نفس ما ملك كما في اللزوم الوارد على العقد على نحو الدوام والاستمرار كما يمكن تعلّقه أي الدوام والاستمرار على العقد وبه يكون العقد بوجوده الاستمراري لازما ولا مانع من ذلك فتأمّل .

ففي مثل « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ » بناءً على كونه كناية عن الحكم الوضعي الذي

هو خلاف الظاهر بل ليس إلاّ الأمر بوجوب الوفاء بكلّ عقد بعد ان استفدنا اعتبار الدوام والاستمرار فيها في ناحية الحكم أو المتعلّق وإلاّ فالعقد الآني لا يتعلّق به

وجوب الوفاء يعني ان العقد بذاته يتعلّق به وجوب الوفاء الحاصل ولو في الآن الأوّل للروم اللغويّة على ما سبق تقريبه فلا جرم لوحظ فيه العموم فلو كان العموم قيدا للعقد فاذا خصّص بخيار الغبن فالحق مع المحقّق الكركي رحمه الله حيث يقول بفوريّة الخيار وإن كان العموم قيدا واردا على الحكم وهو وجوب الوفاء يعني لزوم العقد أو بناءً على ما ذكرنا من كون وجوب الوفاء هو منطوق الآية لا أن تكون كناية عن الحكم الوضعي وعلى كلّ حال فلو استفيد ان العموم الأزماني قيد للعقد والعقد في كلّ آن آن هو لازم أو واجب الوفاء فثمرته ما ذكرنا وإن كان العكس فلا محيص من التمسّك بالاستصحاب . هذا .

ويكون الحق مع الشيخ ونتيجة المقام هو تراخي الخيار ولو شككنا في ان العموم وارد على العقد أي قيد له أو للحكم ووارد عليه فلا يمكن التمسّك بعد زمان التخصيص بالقيد لعدم الاحراز ان العموم له قيد كما لا مجال للاستصحاب لعدم احراز موضوعه ويكون الشكّ في مورده والتمسّك به تمسّكاً بالعام في الشبهة المصداقيّة . هذا بناءً على عدم استلزام نفس الوفاء بنحو صرف الوجود

ص: 472

الدوام بل يحتاج في لحاظ العموم واستفادته من مقدّمات الحكمة ( اما بناءً على كون الوفاء هو الالتزام بمقتضى العقد فلا يحتاج إلى النظر في كون جريان مقدّمات الحكمة هل في الحكم أو كان العموم قيدا للعقد ) .

هذا وذكرنا ان مدّعى المحقّق النائيني في هذا المقام جريان المقدّمات في اطلاق العقد من حيث العموم الزماني ولازم ذلك كون العموم واردا على الحكم بتقريب أن يقال انّه يمكن لحاظ العموم الافرادي في ناحية العقد بمعنى العموم الأزماني والاستمرار فحيث لم يقيّد في الدليل ولم يثبت من الخارج يعلم ويكشف ان العقد لم يقيّد بقيد بل هو مطلق من هذه الجهة لاحتياج التقييد بالعموم الأزماني كساير القيود إلى مؤونة زائدة ثبوتا وبيان زائد اثباتا فحيث انه ليس فليس .

ولقائل أن يقول نجري كذلك المقدّمات في جانب الحكم فالحكم أيضا مطلق من حيث القيد مع العلم بورود العموم الأزماني أمّا على العقد أو على الحكم .

وبيّن مراد النائيني رحمه الله سيّدنا الأستاذ قدس سره بأن مقصوده من جريان مقدّمات الاطلاق في ناحية الحكم لحاظ عدم الاستمرار والدوام في ناحيته وبالجملة عدم ورود القيد عليه بوجه كي يصير بلحاظه مقيّدا فيجري الاطلاقان من الجانبين ويسقطان .

وجوابه ان جريان المقدّمات في ناحية الحكم يتوقّف على كون العقد مطلقا والاّ فلو لم يكن كذلك فلا وجه لجريانها بل لا تجري للعلم بالعموم أمّا من ناحية العقد أو الحكم وإذاثبت الاطلاق بجريانها في العقد فلا جرم يكون العموم في

لو شككنا في ورود العموم على العقد أو العكس

ص: 473

ناحية الحكم .

إن قلت: نعكس الأمر ونجريها في جانب الحكم ويتعيّن كون العموم للعقد .

قلت: هذا يتوقّف على أن يكون الحكم قابلاً للاطلاق والتقييد فيدور الأمر حينئذٍ بين ورود الاطلاق عليه أو على العقد ويقع الكلام في تقدّم أحدهما على الآخر وإلاّ فعلى التحقيق لا قابليّة للحكم لورود التقييد كذلك عليه كي يلاحظ فيه الاطلاق لأنّه لا يمكن أن يتكفّل بيان استمرار وجوده أو عدم نفسه لأنّ الخطاب لا يمكنه حفظ نفسه واستمرار وجوده ففي الحقيقة يخرج الفرض عن مورد دوران الأمر بين تقييد الهيئة أو المادّة والعقد وحكمه بل العقد مطلق والعموم لو كان فعلى

الحكم فتأمّل فهذا يحتاج إلى زيادة توضيح .

تبيين واشكال: ما ذكرنا عن المحقّق النائيني مبنى على مختاره في ان الحكم لا يمكن أن يتكفّل حال وجوده وعدمه ويبيّن استمرار نفسه فليس إلاّ ما يوجد في عالم الانشاء وهو عالم تكوينه ولا مفهوم له لأنّه من الهيئة المستحيل تقييدها لاستلزام ذلك تصوّر المعنى ولحاظه والمعنى الحرفي ومنه الهيئة الأمريّة والنهيّته وغيرهما لا معنى له بل ليس إلاّ آلة للايجاد فيوجد بها النسبة الخاصّة الحاصلة بين الفعل والفاعل المطلوب منه الفعل كما في الأمر أو الترك كما في النهي أو غير ذلك فيكون من هذه الجهة كالحقائق الاعتباريّة التي توجد بالآلات اللفظيّة كالملكيّة والزوجيّة اللتين توجدان باللفظ وقبل ذلك ليس شيء وعلى هذا فيتمّ مرامه قدس سره ويتعيّن رجوع العموم إلى الحكم .

الا ان تسليم المبنى لا يساعدنا الدليل وأيّ مانع من امكان تقييد المعاني الحرفيّة ورجوع القيد إلى الهيئة وأن يكون لها معنى قابل للتصوّر مرادف للطلب

ص: 474

كما يؤيّده الاعتبار العرفي وليس من معانيها الوجوب والاستحباب في هيئة افعل ولا التهديد وغيرها بل هذه كلّها دواعي الانشاء والطلب والمعنى في كلّها واحد لا يتغيّر ويجري فيه مقدّمات الحكمة حيث لم يقيّد بزمان خاص كما يرشد إلى امكان ذلك ووقوعه قوله علیه السلام حلال محمّد صلی الله علیه و آله (1) حلال إلى يوم القيامة وحرامه كذلك والحلال والحرام غير الحكم الشرعي ليس إلاّ ذلك .

وعلى كلّ حال فهذا المعنى كان يكون معنى أفعل هو ايجاد النسبة بين الفعل والفاعل لا غير ولا معنى غير ذلك فيه ما فيه وخلاف ما هو المرتكز في الاذهان العرفيّة وبعيد من التصديق فالحق ما حقّقه المحقّق الخراساني رحمه الله(2) في ذلك فحينئذٍ عند دوران الأمر بين عموم الهيئة والمادّة يدور الأمر في جريان الاطلاقين من الجانبين ويتساقطان ويبقى المورد وإن كان له عموم لا يلحق بواحد منهما بل لذا نقول بالتمسّك بالاطلاق في ناحية الحكم عند الشكّ في النسخ ولا مجال لجريان الاستصحاب فيه بجريان مقدّمات الاطلاق في ذلك فانّه لو كان هذا الحكم موقتا كان عليه البيان فمن عدم البيان ينكشف الاستمرار كما انه قد يستفاد من الدليل الخارجي .

والحاصل انّه على هذا المبنى وهو امكان تقييد الهيئة عند الدوران يتساقط الاطلاقان ولا أصل يرجع إليه في تقديم أحدهما على الآخر وعند الشكّ في مقدار التخصيص لا مانع من جريان استصحاب الخاص اذا لم يكن متفردا من حيث الزمان وعلى هذا عند الشكّ في تراخي الخيار وفوريّته يرجع إلى

اشكال التمسّك بعموم الحكم عند الشكّ في التخصيص الزائد

ص: 475


1- . الوسائل 27 الباب 12/52 من أبواب صفات القاضي مع تفاوت في الألفاظ .
2- . كفاية الأصول 1/14 - 16 - 19 .

الاستصحاب لتماميّة أركانه وعند الشكّ في وجود المانع بعد احراز الوحدة العرفيّة في الموضوع كما انه عند كون العام مفردا من حيث المتعلّق وعدم جواز التمسّك به لمانع يمكن جريان استصحاب حكم الخاص عند تماميّة أركانه هذا .

ودعوى التمسّك بعموم الحكم المستمر عند التخصيص والشكّ في التخصيص الزائد بتقريب كون الزمان مفردا للحكم واردا عليه ويكون معنى مستمر ثبوت الحكم على موضوعه الاوّل المحرز الثابت في كلّ آن آن وباعتباره يتعدّد أفراد الحكم وكلّ حكم يكون غير الآخر فعند طرو التخصيص لأحدها لا مانع من الرجوع إلى الآخر بلا حاجة إلى التمسّك بالاستصحاب بل حينئذٍ لا يجوز .

مدفوعة: بأنّ الزمان لو أخذ قيدا فاما ان يرجع إلى المتعلّق فيكون الاكرام مثلاً في كلّ آن آن واجبا كما ان الصلاة في كلّ حين تكون مطلوبا تركها في قوله ( دعى الصلاة أيّام اقرائك )(1) بناء على كون القيد للمتعلّق فعلى هذا يكون مثل المفعول به وهو الخمر في مثل لا تشرب الخمر يتعدّد الحكم بتعدّد أفراده وهذا خارج من تقيد الحكم بالزمان وإن لم يرجع إلى ذلك بل مع وحدة الموضوع مع تمام قيوده ينشأ عليه الحكم المستمر على نحو الانحلال فهذا يرجع إلى تأكيد الحكم ولا نعقل غير هذين المعنيين معنى ثالثا يمكن فرضه في المقام حيث ان الاستمرار للحكم بمعنى عدم تقييده بوقت خاص فالتكلّم بالغيبة مثلاً لم تغي حرمته بزمان خاص بل حرام مطلقا مستمرّا حرمته إلى الأبد وعلى كلّ حال .

ص: 476


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 5/1 من أبواب الحيض .

وممّا ذكرنا تعرف ما في التقريرات(1) من تصوّر العموم المجموعي الانحلالي في ناحية الحكم فلا يمكن فرض العموم الزماني في ناحية الحكم الوارد عليه إلاّ ظرفا للاستمرار لا فردا له الا بأن يرجع إلى المتعلّق وأن يكون معنى وجوب الاكرام في كلّ آن آن الاكرام في كلّ آن آن أو يوم يوم واجب فعند الشكّ في التخصيص لا مانع على ما ذكرنا من التمسّك بالاطلاق المنعقد من جريان مقدّمات الحكمة .

نعم بناءً على ما ذكره المحقّق النائيني لابدّ من استصحاب حكم العام كما انه يستصحب حكم الخاص عند الشكّ في التخصيص الزائد وبالنسبة إلى هذا الكلام نحن موافقون له كما عرفته سابقا من قطع الاستمرار ( في اطلاقه تأمّل ) .

إذا عرفت ما ذكرنا وصحّحت المبنى من إمكان تقييد الحكم والهيئة وكليّة المعاني الحرفيّة فاعلم انّه يمكن لحاظ الزمان في متعلّقات التكاليف على نحو يكون مفردا كما يمكن لحاظه في ناحية الحكم مثل لا تغتب المؤمن دائما أو مستمرّا ونحوهما فانّه على فرض ورود ذلك في الأخبار يمكن رجوعه إلى كلّ من الحكم والموضوع وهذا لا اشكال فيه وكذلك الأحكام الوضعيّة فيمكن فيها أيضا فرض كون الزمان مفردا للموضوع كما يمكن ورود العموم على الحكم ويكون اللزوم مستمرّا ثابتا على العقد لا ان العقد في كلّ آن آن لازما فكما يمكن لحاظ العموم في العقد من حيث الافراد يمكن لحاظه من حيث الزمان في كلّ عقد فيكون كلّ عقد في كلّ آن لازما ويترتّب على ذلك ثمرة البحث كما ذكرنا .

وبناءً على كون العموم مفردا للموضوع فعند الشكّ في جواز شرب الخمر

امكان لحاظ الزمان في متعلّق التكليف

ص: 477


1- . فوائد الأصول 4/535 .

للتداوي والعلاج يكون المرجع هو العموم كما ان الأمر في ما إذا كان العموم ملحوظا في ناحية الحكم أيضا كذلك بناءً على ما ذكرنا واستصحاب حكم العام بناءً على ما بيّنه المحقّق النائيني . هذا لو لا منع الصغرى لهذا الفرض فانّه لابدّ في كشف الانحصار وتوقّف حفظ النفس أو باقي ما يجب حفظه عليه بحيث لم يكن له بدل والقطع بذلك وأنّى لهم بذلك مع ورود انه لا شفاء في الحرام(1) إلاّ أن يفرض المقام مورد التقيّة أوالعطش الشديد المضر بالانسان لو لم يشرب الخمر أو المهلك له ولكنّه قد يستشكل من جهة اخرى وهي انه عند الاضطرار يجوز ارتكاب المحرّم كما ورد(2) انّه ما من شيء حرّمه اللّه إلاّ وقد أحلّه عند الضرورة ومن الضرورات التقيّة إلاّ انّه إذا شكّ في مصداق الضرورة وانّه هل هو جائز أم لا الذي هو محل الفرض والكلام من الشكّ في التخصيص أو الزائد على المتيقّن فكيف يجوز التمسّك بالعام وهو الحرمة ولو على المفرديّة في ما كان الشبهة مصداقيّة فانّه يكون نظير الشكّ بلا تكتّف في الصلاة عند الشكّ في كون المورد مورد التقيّة المبيحة لذلك قتدبّر .

تتمّة الكلام وثمرته: ما ذكرنا إنّما هو في مقام الثبوت وامّا في مقام الاثبات فهل العموم والاستمرار قيد وارد على الحكم أم لا بل هو قيد للمتعلّق في غير مثل ما دلّ على بقاء الأحكام وعدم نسخها وإلاّ فبانظر إليه فالأحكام عامّة حسب الأزمان مستمرّة إلى يوم القيامة .

وعلى كلّ حال فالفرق والثمرة إنّما هي في المسئلة الأصوليّة وإلاّ ففي

ص: 478


1- . وسائل الشيعة 25 الباب 20/1 - 7 من أبواب الأشربة المحرّمة .
2- . الوسائل 16 الباب 25/1 - 2 - 8 من أبواب الأمر والنهي .

المسئلة الفقهيّة لا فرق بين أن يكون العموم للمتعلّق أو للحكم فعلى كلا التقديرين الحكم ثابت على متعلّقه على نحو العموم إمّا من ناحية المتعلّق وإمّا من ناحية نفسه .

فاعلم انّه كما ينعقد العموم بالنسبة إلى الأزمان فيشمل الافراد الطوليّة كذلك بالنسبة إلى الأفراد العرضيّة وحينئذٍ فيقع الكلام في خصوص النواهي في ان المطلوب فيها هو ما يساوق القضيّة المعدولة المحمول أم لا بل يساوق القضيّة السالبة المحصّلة وإن كان على الظاهر لايرتبط تحقيق الكلام فيه بجريان الاستصحاب وعدمه لأنّه استطراد فان كان معنى قول الشارع لا تشرب الخمر الذي أنشأ فيه النسبة بين الفعل والفاعل على نحو الترك بداعي الجد هو الموجبة المعدولة المحمول كأنّه قال كن لا شارب الخمر فلازمه عدم تعلّق النهي إلاّ بهذا العنوان فاجتناب كلّ فرد من أفراد الخمر إنّما يكون مقدّمة لحصول الامتثال بالمأمور به الذي هو حصول العنوان المطلوب منه بل لازم اشتغال العهدة بذلك هو ترك الافراد المشتبهة في الشبهات المصداقيّة أيضا لعدم العلم بفراغ الذمّة عن التكليف المتوجّه إليه إلاّ بذلك إذ الشكّ حينئذٍ يكون شكّا في الامتثال والمحصّل ولا يكون مجرى البرائة بخلاف ما إذا لم يكن كذلك .

بل كان مركب النهي هو الطبيعة بلحاظ الأفراد وان معنى قول الشارع لا تشرب الخمر ان الخمر حرام وحينئذٍ فإمّا يستفاد عموم الأفراد للخمر من دليل مبيّن له وإلاّ فمن جهة كشف الملاك وقبح الترجيح بلا مرجّح لوجود كلّ ما في هذا الفرد في ذلك فتعلّق النهي به بخصوصه لا معنى له وحينئذٍ فمقتضاه عموم النهي في أفراد الطبيعة بكلّها فمن ذلك ينحلّ هذا الحكم المحمول على مثل طبيعة الخمر

في مقام الاثبات هل القيد وارد على الحكم

ص: 479

بلحاظ وجوداتها الخارجيّة التي في الحقيقة هي مركب للأمر والنهي لا بأن تكون موجودة أو معدومة لاستلزامه تحصيل الحاصل أو اجتماع النقيضين بل في الأمر يتعلّق بلحاظ الوجود وفي النهي بابقاء العدم واستمراره لا بالمفهوم في الأمر والنهي والوجود الذهني فعلى هذا فكلّ ما شكّ فيه انّه من أفراد الطبيعة المنهيّ عنها يكون مشكوك التعلّق بالنسبة إلى الحرمة فيرجع الشكّ على هذا إلى التكليف .

غاية الأمر من جهة اشتباه الأمور الخارجيّة فيجري البرائة بلا اشكال لعدم لزوم تحصيل العنوان ولم يكن تحصيله واقعا في حيز النهي هذا في الافراد العرضيّة ويمكن جريان هذا التقريب في الأفراد الطوليّة التي يكون الزمان وعاءً لوجودها ومن جهة تكون طوليّة لعدم خصوصيّة في الزمان فان كان الأفراد الموجودة في زمان حراما فلازم ذلك من باب قبح الترجيح بلا مرجّح حرمة كلّ فرد في وعاء الزمان إلى يوم القيامة أو من باب كشف الملاك أو من دليل آخر .

وكيف كان فيمكن أن يكون مستند العموم الأزماني وتعلّق النهي بالأفراد الطوليّة هذا .

كما يمكن استناده إلى ما يقال من ان متعلّق النهي حيث كان هو الطبيعة المهملة المرسلة فاذا تعلّق النهي بها بمعنى ابقاء العدم واستمرار الترك ويمكن ثبوتا أن يكون المراد والفرض حصوله بأوّل زمان من آونة إمكان ارتكاب المكلّف لها .

كما يمكن أن يكون المطلوب تركه أبدا فلو كان الآمر يريد توقيت ارادته للترك فكان عليه أن يبيّنه وحيث انّه لم يبيّن ولم يقيّد ويوقّت فيوجب ذلك تماميّة

ص: 480

مقدّمات الحكمة بعد ان لم نعثر في ما بأيدينا على موقت ومقيّد في ان المطلوب هو الترك دائما والنهي لم يتعلّق بالطبيعة بلحاظ كلّ فرد منها في أوّل آن بل لم يقيّد

بقيد فهو يدوم بدوام الموضوع والمكلّف هذا .

واختلفت تقاريب المحقّق النائيني كمختار انه قدس سره وكان يقول في ما قال(1) واختار ان مركّب النهي هو القدر الجامع بين الأفراد الطوليّة والعرضيّة وهذا لا يكون مخالفا لما ذكرناه أوّلاً إلاّ من حيث تغيير الاسم .

وقد عرفت في مطوى البحث ان متعلّق الأمر والنهي هو الطبيعة بلحاظ وجود الأفراد والابقاء على العدم واستمراره ولا يسري من كلّ إلى ما يلازمه وعلى ذلك يبتني مزاحمة الأمر والنهي في ما كان متعلّق كلّ ممّا يلازم الآخر ولا يكون من باب التعارض .

تذكرة: قد علم ممّا ذكرنا موارد التمسّك بعموم العام وموارد جريان الاستصحاب في ما إذا خصّص العموم ويقع الكلام في الصغريّات الفقهيّة مثلاً مسئلة حفظ النفس وحلية المحرّم عنده في ما إذا شكّ في التخصيص لو لم نقل بعدم وصول النوبة إليها أصلاً لحكومة لا حرج ولا ضرر ومثل قوله تعالى: « يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ »(2) على الأدلّة التي توجب حسب اطلاقها

ذلك في ناحية الواجبات بخلاف المحرّمات .

فانّه لم يعهد التمسّك بمثل هذه الأدلّة لرفع حرمة النظر إلى الأجنبيّة فقد يتمسّك لوجوب حفظ نفس الغير بالسيرة الثابتة من المتديّنين بعد اليأس عن الظفر

في الصغريات الفقهيّة

ص: 481


1- . فوائد الأصول 4/554 .
2- . سورة البقرة: 186 .

بدليل عليه من الكتاب العزيز والسنّة ويمكن منع هذه الدعوى بالنظر إلى الخارج فان المشاهد في كثير من الموارد العكس كالحفظ عن البرد أو الحرّ والجوع وأمثال ذلك خصوصا وعند المشقّة على الذي يريد الحفظ ولا دلالة لمثل « وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ »(1) على ذلك .

نعم يمكن بعض الاستفادة من ما ورد(2) في التقيّة وانّها لم تشرع في الدماء

وان الدماء لها أهميّة في نظر الشارع الا ان محل الكلام ما إذا كان نفس الغير في معرض التلف لمرض أو هرم أو غيره ويقدر الانسان على حفظه ولو ببذل عشر ممّا يبذل لأحد ممّن له علاقة به ولا وجه للاستشهاد له بباب التيمّم وجواز صرف الماء لحفظ النفس حتّى الكافر الذي لو لم يصرف فيه يقع الصارف في الحرج حيث انّه يقوم بلوازم أمره ويحتاج إليه في المورد .

وبالجملة فقد ادّعى المحقّق النائيني رحمه الله(3) انّه عند الشكّ في ذلك يتمسّكون

بالاستصحاب الا ان تصحيح هذه الدعوى يحتاج إلى تتبّع تام بعد ان لم تكن هذه المسئلة بخصوصها معنونة في كلمات الفقهاء وإنّما ذلك اصطياد من الموارد مع اختلافها .

ففي مثل أكل لحم الخنزير وردت الرواية(4) بالنهي حتّى في حال الضرورة

ص: 482


1- . البقرة: 196 .
2- . وسائل الشيعة 16 الباب 31/1 - 2 من أبواب الأمر والنهي .
3- . فوائد الأصول 4/552 .
4- . لم نعثر على هذه الرواية نعم ربما يدل على ما في المتن صحيحة الحلبي عن أبي عبداللّه علیه السلام . الوسائل 25 الباب 20/4 من أبواب الأشربة المحرّمة وفي رواية الفقيه مسندة إلى كتاب نوادر الحكمة عن الصادق علیه السلام من اضطرّ إلى الميتة والدم ولحم الخنزير فلم يأكل شيئاً من ذلك حتّى يموت فهو كافر . الوسائل 24 الباب 56/3 من أبواب الأطعمة المحرّمة .

وفي غيره عند الدوران بين لحم الانسان وغيره يقدم الحيوان وإن توقّف الحفظ على أكل لحم نفسه فيفعل .

ثمّ إذا شكّ في جواز ذلك وحرمته فهل يتمسّك بالعموم أو بالاستصحاب بل يمكن منع هذه الدعوى بعد التتبّع التمام وعلى كلّ حال فيشكل الأمر في ذلك بعد ان كان ما شمله حديث الرفع والآية الشريفة من التقييد الواقعي حتّى مثل ما لا يعلمون لو لا الاجماع على الخلاف .

ففي مثل هذه الأمور لا تشريع للأحكام حقيقة وبعضها رفع منّة على هذه الامة كما كان فيه مشقّة عرفيّة ضرورة قبح التكليف بما لا يطاق عقلاً فلا اختصاص في رفع ذلك بالاُمّة المرحومة بل ورد في النقل أيضا ما يؤكّد العقل .

نعم كانوا مكلّفين بالآصار والمشاق التي يعسر تحمّلها واستوهبها النبي صلی الله علیه و آله كما دلّ عليه الآية الشريفة: « رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ »(1) فاذا شكّ في مورد من الموارد انّه هل خصّص وقيد بأحد هذه الأمور أم لا بل تحت دليل العام .

وبعبارة اخرى للمشاقّ العرفيّة مراتب فالمرتبة الأقصى منها مرفوعة قطعا إذا وصل إلى ذلك الحد فلا تكليف ولا تشريع له .

إنّما الكلام في المراتب التي هي دونها كما في مسئلة القيام في الصلاة مثلاً فهل يرجع إلى استصحاب الجواز الثابت قبل ذلك للمرتبة العليا أم لا بل يرجع إلى حكم العام وهذا أيضا من فروع تلك الضابطة المتقدّمة التي فصلت بين ورود العموم على الحكم وعلى المتعلّق وإن كان المخصّص منفصلاً فانّ التحقيق سراية

ص: 483


1- . سورة البقرة: آخر آية .

اجمال المخصّص إلى العام وإن كان منفصلاً خلافا لظاهر المحقّق الخراساني(1) هذا .

ولا يخفى ان التمسّك بالعام من حيث الزمان والأحوال متوقّف على الاطلاق حتّى بالنسبة إلى الأحوال من الصحّة والمرض والقيام والقعود والاضطرار وغيره .

فاذا لم يكن اطلاق أحوالي للعام لا يغنى العموم الأزماني الأبدي ضرورة امكان ورود العموم الأبدي على خصوص حال الصحّة ولا يتعدّى إلى غيره وكذا في الحالات فما لم يلاحظ العموم الأحوالي لا يغني التمسّك بالعموم الأزماني من حيث الحالات وما يقال من الاستغناء عن العموم الأحوالي بالأزماني فلا يخفى ضعفه لماعرفت .

ولا اشكال في ان هذا يجري في كليّة الأحوال الطارية باعتبار المكلّف من كونه صحيحا أو مريضا أو مضطرّا أو فقيرا أو غنيّا وهكذا باعتبار متعلّق التكليف وزمانه من المزاحمة لواجب آخر أهم أو مهمّ آو غيرهما وهنا بحث مفيد في مثل ما نذر نذرا انحلاليّا في كلّ سنة أن يكون يوم عرفة زائرا للحسين علیه السلام في كربلاء المشرّفة . ثمّ ان بعض العناوين الثانويّة كالحرج والعسر والضرر وحفظ النفس وأمثالها قد يوجب تقييد الأحكام الأوّليّة الواقعيّة بغير مواردها اما لأنّها تقييد

واقعي لها ففي مواردها لا حكم واقعي أو للمزاحمة وان حفظ النفس مثلاً أهم ثمّ ان في مورد الدوران بين حفظ النفس والدين فالدين مقدّم وفي دوران الأمر بين النفس وترك واجب وفعل واجب آخر أو فعل محرّم فالنفس مقدّم وفي دوران الأمر بين حفظ النفس والعرض فقد قيل بتقدّم النفس .

التمسّك بالعام يتوقّف على الاطلاق

ص: 484


1- . كفاية الأصول 1/339 كلام المحقّق الخراساني صحيح متين .

وفي كلّ حال فمثل هذه المسلمات يورث القطع بضروريّة حفظ النفس ولولا ذلك لم يتقدّم على مثل هذه الامور وإن كان مثل عناوين الحرج والضرر والعسر لم يقل فيها بتلك التوسعة وإلاّ فيتوجّه عليه ما ذكرنا فان الحرج فسّر في اللغة بالعسر الشديد والآية الشريفة نفته كما نفت العسر في قوله تعالى: « يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ »(1) وإن كان بملاحظة ما ورد(2) في ما استوهبه النبي صلی الله علیه و آله من رفع الآصار التي كانت على الامم السابقة من توقّف توبتهم على القتل كما في بني إسرائيل يكون المرفوع مثل هذه المشاق لا المشاق التي لا تبلغ بهذه الدرجة من العسر فاذا شكّ في رفع غير هذه المرتبة منها فحينئذٍ يقع الكلام في التمسّك بالعام أو استصحاب حكم المخصّص .

ولا يخفى انّه قد يكون الأمر من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة كما في هذه وأمثالها ممّا ذكرنا من المقيّدات الواقعيّة فان الاطلاق إنّما يتمّ إذا لم نظفر

بما يوجب تقييده متّصلاً أو منفصلاً .

وكيف كان فلا اشكال في تقييد الأحكام الواقعيّة بالمرتبة العليا من هذه المقيّدات والشكّ في ما دونها ولا يختصّ أمثلة ذلك وتطبيقاتها بباب الوضوء والغسل والتيمّم بل بناءً على تماميّتها يجري في جميع أبواب الفقه فلذلك قد يشكل الركون إلى اطلاقاتها فان المعلوم عدم التوسعة فيها بذلك القدر فتتبع كي تظفر بما لمحنا إليه . هذا تمام الكلام في المحرمات .

وأمّا الواجبات فهي على قسمين اعتقاديّة وعمليّة أمّا الاعتقاديّة من

ص: 485


1- . سورة البقرة: 186 .
2- . بحار الأنوار 18 باب اثبات المعراج الحديث 26 - 34 ص314 - 329 .

الصراط والميزان والجنّة والنار والأئمّة علیهم السلام إلى غير ذلك فلا اشكال في عدم كونها موردا للبحث لأنّ المطلوب فيها الاعتقاد واليقين وعقد القلب .

نعم لو شكّ في وجوب البقاء على الاعتقاد وتحصيله فيمكن جريان الاستصحاب فيه امّا التمسّك به لاستصحاب الاعتقاد وعدم تبدّله إلى الشكّ فهو كما ترى .

وأمّا العمليّة التدريجيّة فلا اشكال في امكان كون العموم الزماني فيها قيدا للمتعلّق أو للحكم فيستمرّ في عمود الزمان وينحلّ إلى أحكام عديدة بخلاف ما إذا كان للمتعلّق فينحلّ كذلك وتكون الأحكام أحكاما مستقلّة لا ربط لأحدها بالآخر ولا يخفى ان الغرض من كون الزمان مصبا للحكم في ناحية المتعلّق وان الحكم يرد عليه كما يرد على المتعلّق هو كون الزمان مثل المفعول به والموضوع الخارجي كالخمر موجبا للانحلال وإلاّ فالحكم حقيقة لا يتعلّق إلاّ بمتعلّقه ونتيجة ذلك هو عدم جواز الافطار لمن يعلم ابتلائه في يوم رمضان بمانع منه لانحلال الصوم إلى صيام متعدّدة إذا كان قيدا للحكم ففي كلّ آن حكم بوجوب الصوم فهو موضوعات وأحكام مستقلّة لا ربط لأحدها بالآخر فيجب على من فرضناه الصوم في الآنات التي لم يبتل بالمانع فيها كما إذا طهرت من الحيض قبل الغروب ولو بلحظة يجب عليها الصوم بناءً على أن يكون الاستمرار قيدا للحكم واردا عليه بخلافه في ناحية المتعلّق إذا كان على نحو الارتباط والمجموعيّة يعني الامساك من الفجر إلى الليل واجبا فلابدّ في الكفّارة ووجوب الامساك قبل الابتلاء من دليل خاص بخلافه على الفرض الآخر فلزوم الكفّارة على القاعدة وهذا إنّما هو مجرّد فرض وتنبيه على الثمرة المترتّبة على البحث وإلاّ فالالتزام

اختلاف النتيجة في كون العموم الزماني قيد المتعلّق أو الحكم

ص: 486

بكونه من تقييد الحكم على هذا النحو كاد أن يكون خلاف ضروري الدين فضلاً عن المذهب .

ولا بأس بكون الموضوع حينئذٍ أخذ بنحو الارتباطيّة فان تصوير ذلك بل القول به ممّا لابدّ منه في موارد من الفقه كالصلاة التي كلّ جزء منها يكون شرطا للاحق والسابق حتّى الأوّل والآخر فتدبّر جيّدا .

طور آخر من البحث: الفرق بين تعلّق الاستمرار بالحكم أو كونه على الموضوع في باب الصوم .

وانّه على أن يكون الزمان في ناحية الحكم يكون مستمرّا في عمود الزمان والموضوع لم يقيّد بشيء أصلاً ولذا يتعلّق الحكم بالصوم الذي هو مجرّد الامساك أخذ متعلّقا لخطاب الشارع بالوجوب واستمرّ هذا الوجوب الشخصي عليه إلى الليل فالى الليل هذا الحكم موجود بوجوده الشخصي والموضوع ليس إلاّ المكلّف مع الشرايط المعتبرة في الصوم وفي الخطاب به من عدم كونه مسافرا وكذا كذا فعند طلوع الفجر إذا تحقّق جميع الشرايط فيكون وجوب الصوم عليه فعليّا سواء علم باختلال الشرايط فيما بعد قبل انقضاء اليوم أو احتمل أم لا حيث ان ذلك هو الاستمرار وإلاّ فالموضوع لم يؤخذ إلاّ بالقيود المعتبرة التي حصلت مجموعا عند الطلوع بلا انتظار لشيء فحينئذٍ يجب عليه الصوم .

وإذا اتّفق ان في أثناء اليوم سافر أو حصل له مانع آخر كالمرض أو الحيض فلا يجب عليه اتمام الصوم بل لا يصحّ منه ويكون زمان السفر وحدوث المرض والمانع انتهاء أمد الحكم وبه ينقطع استمراره وما امسك من الطلوع إليه يكون من الصوم حقيقة فلو أفطر قبل ذلك بأحد المفطرات فعل حراما وعليه الكفّارة على

الفرق في باب الصوم

ص: 487

القاعدة بخلاف ما إذا كان الزمان مأخوذا في ناحية المتعلّق فانّه حيث قام الدليل على أخذه بنحو الارتباطيّة والمجموعيّة فيجب الامساك من الطلوع إلى الغروب ولابدّ في ذلك من كونه جامعا للشرايط في تمام الوقت فلو علم انّه يسافر أو يحدث له المانع من حيض أو مرض فلا يجب عليه الصوم بل يكون نيّة الصوم وقصده حينئذٍ من التشريع لعدم كونه من الصوم الذي تعلّق به التكليف وعلى هذا فوجوب الامساك وقصد الصوم إلى حين حدوث المانع وان لم يفعل وأتى بالمفطر فالكفّارة على خلاف القاعدة اذ الفرض عدم حصول الشرايط وعدم تنجّز الخطاب عليه من هذه الجهة .

والحاصل انه لا يمكن تعلّق الخطاب بما يقصر وقته عن أدائه كان يكون المكلّف واجبا عليه صلاة أربع ركعات مع ان الوقت لا يفي بذلك بل لابدّ من سعة الوقت إلى تمام العمل وكونه واجدا لجميع الشرايط على الفرض من حين الطلوع إلى الغروب فلو كان يعلم انّه يسافر فلم يحصل شرايط الموضوع ولا خطاب عليه إلاّ بناءً على حرمة السفر في شهر رمضان .

وذلك لأنّه وردت الأخبار(1) بالمنع إلى الثالث والعشرين إلاّ انّها محمولة على الكراهة فلا يجب حفظ الموضوع وقيوده بل له التبديل بالمسافرة وغيرها وحينئذٍ فلا وجوب عليه ولا خطاب لارتباطيّة اجزاء الزمان التي أخذت ظرفا لمتعلّق الخطاب وذلك بخلاف الفرض الآخر فان الوجوب فعلى عليه لاجتماع الشرايط له فاذا اختلّ بعضها لا يكشف ذلك عن عدم توجّه الخطاب إليه من أوّل الأمر بل كان عمره إلى هذا الحد وإن وجب عليه القضاء ولكنّه لا يكون إلاّ الصوم

وجوب الكفّارة وعدمه في باب الصوم

ص: 488


1- . وسائل الشيعة 10 الباب 3/6 من أبواب من يصحّ منه الصوم .

بل لو انكشف الخلاف لما قطع بالمسافرة أو بحدوث المانع فيكون هذا الذي قصده واجبا عليه صحيحا منه ويديمه إلى الغروب بخلافه على الفرض الآخر فانّه لو حدث له المانع أثناء النهار يكشف عن عدم كون ذلك من الصوم حقيقة وإنّما هو امساك كالامساك يوم الشكّ بعد الظهر والافطار مثلاً مع وجوب القضاء عليه .

فتلخّص بما ذكرنا اختلاف الثمرة في مسئلة الصوم على الوجهين .

هذا كلّه في مقام الثبوت وأمّا في مقام الاثبات فقوله تعالى: « ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ »(1) يمكن فيه كلا الوجهين فان ظهر أحدهما فلا اشكال والا فيكون محلّ الشكّ والدوران وعلى ما بنى عليه المحقّق النائيني رحمه الله لابدّ أن يرجع العموم إلى الحكم وعلى ما ذكرنا لا ترجيح لأحدهما على الآخر بل يتساويان حكما وموضوعا هذا . الا انه قد عرفت فيما سبق من أبحاثنا امكان رجوع القيد الزماني إلى الحكم والمتعلّق وهنا نكتة تنبّهنا بها وهي عدم امكان كون المتعلّق ظرفا للزمان مقيّدا به الاّ فيما إذا كان للزمان دخل ملاكي في الحكم وهو يختصّ بباب الموقّتات وذلك يستلزم الاحراز وإلاّ فلا يمكن رجوع القيد الزماني إلى المتعلّق ولابدّ من رجوعه إلى الحكم وفي غير الموقتات فالأمر كذلك لم يؤخذ الزمان قيدا للمتعلّق وذلك لأنّ الزمان في ذاك الفرض يكون كالمفعول به ومتعلّق المتعلّق أي الموضوع الخارجي كالخمر فتأمّل جيدا .

دفع دخل قد يستشكل تصور النحوين في الزمان ورجوعه إلى المتعلّق أو الحكم في مثل الصلوات اليوميّة والصيام المستحب ونحو ذلك من التكاليف

ص: 489


1- . سورة البقرة: 188 .

المستمرّة المتخلّلة بينها ما لا خطاب فيه فيلزم على ذلك رجوع الزمان فيها الى المتعلّق وإلاّ فلو كان قيدا للحكم فلا يناسب انقطاعه في الأزمنة المتخللة وكأنه تخيل ان استمرار الحكم مقتضاه استمراره في كلّ الآنات وغفل عن ان ذلك تابع للمصلحة والمفسدة التي بها قوام الحكم والموضوع تابع لهما فالصلاة مثلاً واجبة في اليوم والليلة خمس مرّات وهذا الوجوب مستمر لكلّ من هذه الصلوات لكن في وقتها الخاصّ به فبعد المغرب لا يجب صلاة الظهر وهكذا ساير المستمرّات التي يتخلّل بينها ما لا يكون ظرفا للحكم .

فالحاصل ان فيها أيضا يمكن تصوّر الفرضين من كون مصب العموم هو الحكم أو المتعلّق فاذا كان المتعلّق فاللازم كون الصلاة واجبة من أوّل الظهر إلى العصر والغروب وهكذا في صلاة الصبح من أوّل الطلوع إلى طلوع الشمس وذلك لأخذ الزمان قيدا للمتعلّق والزمان متّسع من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وان لم يأخذ الزمان قيدا وارجع المصلحة إلى أصل الصلاة والزمان إنّما هو ظرف فيصير الأمر اشكل لاستلزام ذلك جواز الاتيان بها في خارج الوقت لعدم دخل للوقت في المصلحة الصلاتيّة . وكان المحقّق النائيني يظهر من كلماته كون الزمان ظرفا . وعلى كلّ فلابدّ من تصحيح الكلام وتنقيحه ولا محيص من الالتزام بقيام المصلحة بصرف الوجود وإن كان الوقت دخيلاً وحينئذٍ يكون التطبيق بيد المكلّف عقلاً أو شرعا فتفطن .

وينتج هذا البحث في مثل ما إذا كان السفر مقطوع الحكم بالاقامة ولم تكن قاطعة له موضوعا فان المسافر على هذا يجب عليه القصر بالخروج من حدّ الترخّص المحقّق للبعد المأخوذ لتحقّق السفر عرفاً مع اجتماع الشرايط الخمسة

تصوّر البحث في الواجبات المستمرّة

ص: 490

الشرعيّة إلى أن يرجع إلى وطنه ومنزله وهذا الحكم ( أي وجوب القصر ) قد خصّص في من أقام في بلدا ومكان على نحو ما اعتبر من الاكتفاء بصلاة رباعيّة ولو عشاءا مع قصد عشرة أيّام فلو كان الاستمرار قيدا للحكم ( أي وجوب القصر ) فبعد أن خرج من سور البلد عند بعض القدماء أو الى البساتين أو إلى أقل من أربعة فراسخ نشكّ في ان وظيفته الاتمام كما كان في محلّ الاقامة أو القصر فبناءً على كون الاستمرار لوجوب القصر لابدّ من الرجوع إلى استصحاب حكم المخصّص لعدم الدليل حينئذٍ على وجوب القصر بل الدليل الوارد في ذلك هو القصر إذا خرج أي يسافر واما لو كان قيدا للمتعلّق وهو القصر فلابدّ من التمسّك بعموم العام وهو القصر في كلّ صلاة رباعيّة دائما المخصّص بزمان الاقامة في البلد فبعده يكون المرجع العام فتدبّر جيّدا .

توضيح: ربما يستشكل انه لو كان الاستمرار قيدا للمتعلّق فلازمه أن يكون المكلّف مصلّيا من أوّل الظهر إلى الغروب ( لأنّه إذا زالت الشمس وجبت الصلاة والطهور )(1) إلاّ ان هذه قبل هذه ) فيصلّي على الدوام صلاة الظهر والعصر إلى الغروب وهكذا إلى أن ينتهي الوقت وظرف الصلوات التي انحلّ المكلّف به إليها ولو كان قيدا للحكم فلازمه استمرار حكم وجوب الصلاة إلى الغروب كما ذكرنا في الصوم وأن يكون مصلّيا مستمرّا لفرض تعلّق الخطاب بالصلاة وهذا الخطاب والوجوب مستمر وحينئذٍ فاذا استفيد من الأدلّة ان الخطاب باقٍ أيضا خارج الوقت فيكون من تعدّد المطلوب وهكذا وبناءً على هذا يتوجّه اشكال آخر وهو عدم وقوع المزاحمة بين أدلّة الاجزاء والشرايط والوقت .

ص: 491


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 4/1 من أبواب الوضوء .

فاذا تعذّر الستر مثلاً فحيث لم يستفد دخل الوقت بحيث يكون أهم والفرض استمرار الحكم إلى نهاية اليوم فاذا تعذّر عليه المأمور به الا بلا ستر أو بفقد غيره من ما يعتبر في المأمور به فلا دليل يوجب تقدّم الوقت والصلاة عاريا وكذا بالنسبة إلى المضطر غير القادر على امتثال المكلّف به على ما تعلّق به الأمر وكذلك الفرض لو كان الوقت ظرفا للصلاة التي هي زماني من الزمانيّات اذ حينئذٍ يمكنه الاتيان بها في خارج الوقت لعدم أخذ الوقت قيدا للحكم ولا للمتعلّق .

وعلى كلّ فيشكل الأمر في كلّ الفروض والاحتمالات المتصوّرة على ما ذكرنا .

والجواب ان الصلاة واجبة لكن صرف وجودها فالأمر لم يتعلّق إلاّ بها على هذا النحو فاذا أتى بصرف الوجود لا خطاب كما انّه لا موضوع للخطاب فالخطاب في مثل الفرض يسقط اما بالامتثال أو بفقد الموضوع وهو موت المكلّف(1) مثلاً أو بانتهاء عمره .

والحاصل انّه يمكن تصوير كون متعلّق الخطاب صرف الوجود من افراد الصلاة التي يمكنه الاتيان بها في جميع الوقت فله الاختيار في تعيين أيّها شاء وحينئذٍ يكون كلّ منها وافيا بمصلحة المأمور به ويكون منه حقيقة سواء كان أوّل الوقت أو آخره .

غاية الأمر استفيد من الأدلّة ان الفضل لأوّل الوقت إلى القدم والقدمين والقامة والقامتين فالعموم حينئذٍ بدلي في ناحية المتعلّق لا شمولي واستغراقي وان

وجوب صرف الوجود في الواجبات الموسّعة

ص: 492


1- . لا يخفى اتّحاد الموت وانتهاء العمر فلا وجه لما يأتي من السقوط بأحد الثلاثة بل بأحد الأمرين .

لوحظ ذلك في جانب الحكم فأيضا تعلّق الخطاب بصرف الوجود وهذا الخطاب غايته الغروب وقبله باقٍ لا مزيل له .

فتحصّل ان في مثل الواجبات الموسعة إنّما الواجب هو صرف الوجود والتخيير عقلي بيد المكلّف في تطبيق الأمر على كلّ فرد من الأفراد البدليّة شاء وهذا الخطاب المتعلّق بذلك صرف الوجود باق بنفسه ويسقط بأحد الثلاثة التي ذكرنا . وتظهر الثمرة بين كون الاستمرار والعموم الزماني ملحوظا في ناحية المتعلّق أو الحكم في مثل المسافر الذي خرج من بلد الاقامة إمّا من سوره أو بساتينه أو ما دون حدّ الترخّص أو تجاوزه إلى ما دون المسافة وقلنا ان الاقامة لا تقطع السفر موضوعا بل هي قاطعة لحكم السفر والا فالمسافر هو من بعيد عن وطنه فاذا خرج عن حدّ الترخّص الذي هو ميزان البعد وصدق السفر في الرواح وكذا إذا وصل إليه بينهما يكون مسافرا لكن الشارع زاد قيدا واعتبر شرايط خمسة وهذه الشرايط بعضها محقّق للموضوع وآخر ليس كذلك بل محقّق موضوع الحكم والاّ فالمسافر يصدق على الفاقد لها عرفا .

منها كونه قاصدا للمسافة وكون المسافة كذا من حيث الطول والفرسخ وأن لا يكون السفر معصية وأن لا يمرّ بوطنه ولا يكون كثير السفر بحيث يكون شغلاً له إلى غير ذلك ممّا اعتبر فيه موضوعا لتحقّق السفر أو قيدا لحكم القصر .

وكذا لو كانت الاقامة قاطعة حكما لا موضوعا فانّه لا يترتّب على كون الاستمرار قيدا للحكم أو المتعلّق ثمرة فيه بل هي إنّما في صورة قاطعيّتها للحكم فحينئذٍ على نحو ما اعتبرت الاقامة اما الرحلى أو المكثى إلى أن يخرج أي يسافر من بلد الاقامة فاذا خرج عن سور البلد أو أحد المذكورات بما لا يبلغ المسافة

ص: 493

على نحوه يترتّب عليه حكم القصر(1) .

فعلى تقدير كون الاستمرار قيدا للحكم لا مجال إلاّ من استصحاب حكم الاتمام الذي تعلّق به في زمان الاقامة اذ الفرض المسافر يقصر صلاته الرباعيّة دائما ومستمرّا فاذا انقطع هذا الاستمرار فلا محيص من الرجوع إلى استصحاب حكم الخاص وهو إتمام المقيم .

أمّا إذا كان قيدا للمتعلّق وهو المسافر فكلّ صلاة رباعيّة له في كلّ يوم وليلة يقصر إلى أن يرجع إلى وطنه فوجوب القصر إنّما ورد على الدوام والاستمرار الموجب لانحلال الصلاة المقصورة إلى أفراد عديدة بعدد أيّام السفر فاذا أقام في بلد عشرة أيّام أو علم انه يقيم وإن لم يقصد فيجب عليه الاتمام لكلّ صلاة أيضا فبعد الخروج عن بلد الاقامة بما يضرّ باقامته إلى ما دون المسافة الموجبة للشكّ في حكم الاتمام والقصر يرجع إلى عموم العام لفرض كلّ صلاة في كلّ يوم وليلة رباعيّة فردا .

فبالنسبة إلى الزائد عن مقدار الاقامة المحقّقة القاطعة لحكم السفر متيقّنا يكون من الشكّ في التخصيص الزائد فيرجع إلى عموم العام .

نعم لو كان المخصّص ظرفيّا لا مفردا ولم يكن الوجوب للقصر انحلاليّا والزمان مفرّدا له كان من الرجوع إلى الاستصحاب .

الرجوع إلى الاستصحاب في المخصّص الظرفي

ص: 494


1- . وللمحقّق الآقا ضياء العراقي قدس سره كلام في المقام قال طي كلامه على ما في التقرير ( ومن هنا نقول في المطلقات الواردة لاثبات القصر في السفر انه لو خرج المسافر المقيم عن بلد الاقامة أو ما بحكمه كالثلاثين متردّداً بعد قطع حكم سفره بالاقامة ( لا يحتاج في وجوب القصر عليه الى انشاء سفر جديد بل يكفيه مثل هذه المطلقات في وجوب القصر عليه لو لا دعوى اقتضاء اطلاق التنزيل لاجراء جميع آثار الوطن الحقيقي على اقامته في محل حتّى قصد المسافة الجديدة الخ . نهاية الأفكار 4/232 .

ولكن الفرض خلافه وكذا تظهر الثمرة في مثل من سافر وكان نفس سفره أو غاية سفره معصية فحينئذٍ يجب عليه الاتمام فلو رجع عن قصده والفرض انّه يكون قد قصد المسافة .

إلاّ انّه لا يبلغ الباقي بعد الرجوع عن عزمه المسافة أو يبلغ لكن الاياب أقل من أربعة بناءً على اشتراطه فلو شككنا في ان حكمه الاتمام أو القصر فكذلك يجيء القصر للبيان المتقدّم من الرجوع إلى استصحاب حكم العام أو الرجوع إلى حكم القصر والقدر الخارج مادام عازما على المعصية فاذا رجع فالباقي تحت عموم المتعلّق الوارد عليه حكم العام بوجوب القصر والتفصيل راجع إلى الفقه فتبصر.

ليعلم انّه بناء على كون المناط في الاقامة هو المكث فقصد الخروج من أوّل الأمر إلى ما يضرّ بالمكث كالخروج إلى الكوفة ومسجد السهلة من النجف الأشرف مضر بالاقامة وقصدها ويشكل الأمر بخلاف ما إذا لو كان المناط فيها هو حطّ الرحل فلا يتوجّه الاشكال بل يستقيم قصد الاقامة ويترتّب عليه الثمرات المذكورة في محلّها هذا وقد صدر من سيّدناالأستاذ قدس سره أثناء بحثه في التنبيه السابق ما يظهر منه عدم امكان رجوع العموم الزماني إلى المتعلّق بل لابدّ من لحاظه في جانب الحكم الا انه أنكر هذا المعنى وقال بامكان لحاظه في كليهما فعند الشكّ لابدّ من الرجوع إلى اضيق النتيجتين من الاستصحاب ان تمّت أركانه وإلاّ فالى الأصول الآخر فتأمّل .

التنبيه الثالث عشر: جريان الاستصحاب اذا تعذّر جزء أو قيد للمركب .

ربما يقال بجريان استصحاب وجوب المتعلّق بالماهيّة المتعذّر بعض

ص: 495

أجزائها وقبل الخوض في النقض والابرام لابدّ من تحرير محل الكلام فنقول:

لا اشكال في انّه إذا قام الدليل على دخل القيد أو الجزء في المركّب الشرعي مطلقا في مطلق الأحوال من التمكّن والاضطرار وغير ذلك فالمقيّد ينتفي بانتفاء قيده والفرض ان الدليل قام على دخله في جميع الأحوال وكذلك اذا قام على دخله في حال دون حال كحال التمكّن لا غيره من الأحوال فالأمر المتعلّق المنسبط على باقي القيود والاجزاء باق .

إنّما الكلام في ما اذا لم يقم دليل بالخصوص على أحد الوجهين وإنّما قام على دخل ذلك الجزء أو القيد وكان المتيقّن من ذلك هو حال التمكّن فهل عند التعذّر تجري قاعدة الميسور أو الاستصحاب وعلى تقدير عدم جريان القاعدة هل يكون محل الاستصحاب أم لا بل يتلازمان موردا فاذا لم تجر القاعدة لا يجري الاستصحاب .

ولا يخفى ان ثمرة هذا البحث إنّما تظهر في غير باب الصلاة التي قام الدليل(1) على انها لا تترك بحال من الأحوال وباب الحج الذي ورد الدليل(2) بأنّه من أدرك المشعر فقد أدرك الحجّ فهل يجري في باب الصوم بالنسبة إلى من لا يقدر إلاّ على الامساك في غير ساعة من آخر النهار .

وبالجملة فهذا البحث جاري في جميع أبواب الفقه من أوّلها إلى آخرها كباب المعاملات مثلاً اذا تعذّرت العربيّة في العقد .

وعلى كلّ حال فينبغي تقريب جريان الاستصحاب حتّى تصل النوبة إلى

ص: 496


1- . الوسائل 2 الباب 1/5 من أبواب الاستحاضة .
2- . الوسائل 14 الباب 23/6 - 8 - 9 - 13 - 14 من أبواب الوقوف بالمشعر .

القاعدة وانّها بالنسبة إلى المركّبات الارتباطيّة كالصلاة كأنّها مستغنى عنها لورود الدليل في مثل باب الصلاة على نحو يظهر اختصاص الجزء والقيد بحال التمكّن وبالنسبة إلى غيرها كالعام الانحلالي فلا يحتاج إليها للاستغناء عنها بالقاعدة الأوّليّة في العام وان الميسور(1) لا يسقط بالفرد المعسور وإذا(2) أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم .

فنقول: استشكل في جريان الاستصحاب في محل الفرض وهو الأمر والوجوب المتعلّق بالكل عند تعذّر البعض بعدم المتيقّن السابق إذ ما هو المتيقّن تعلّق الأمر بالواجد لهذا القيد المقيد به وهو لم يبق بالوجدان إلى زمان الشكّ والمقيد ينتفي بانتفاء قيده كما في مثل الرقبة المؤمنة فاذا تعذّر وجودها فلا اشكال

في عدم الانتقال إلى الرقبة الكافرة وكما في باب الكفّارات فاذا تعذّر اطعام ستّين مسكينا فليطعم خمسين أو إذا تعذّر عليه الاطعام بشيء آخر وهكذا .

نعم في ما له الابدال الشرعيّة لا كلام .

ومحصّل الاشكال اختلال أحد أركان الاستصحاب وهو المتيقّن السابق فما يستصحب لم يتعلّق به اليقين وما تعلّق به مقطوع الانتفاء والشكّ في هذا يرجع إلى الشكّ في المقتضي لا في مانعيّة الموجود والفرق بينهما على ما ذهب إليه الشيخ واضح فان الشكّ في رافعيّة الموجود فيما اذا يبقى المستصحب بحسب ماله من استعداد البقاء في طول الزمان .

نعم بناءً على بعض التفاسير للمقتضي فيرجع الشكّ في رافعيّة الموجود إلى

جريان الاستصحاب عند تعذّر جزء

ص: 497


1- . عن عوالي اللئالي 4/58 مع تفاوت يسير .
2- . بحار الأنوار 22/31 .

الشكّ فيه وتقدّم البحث في ذلك سابقا .

فنعلم ان البول والغائط رافع للوضوء ونشكّ في الوذي أهو كذلك أم لا مع القطع باستعداد الوضوء للبقاء لو لا قاطعيّة الوذي هذا .

وأجاب الشيخ رحمه الله بثلاث أجوبة خدش فيها المحقّق النائيني(1) وأجاب بجواب رابع لعلّه يرجع إلى أحدها بتبديل تقريب ولعلّه يسلم من الاشكال وهو أن يقال حال الماهيّة التي يتعلّق الأمر بها مع الأمر كحال الجسم الذي يتصوّر في المحسوسات الخارجيّة والبياض المنسبط عليه فحيث ما يكون هذا الجسم على طوله كذلك البياض المنبسط يتبعه فاذا انقطع مثلاً قطعة من آخره فلا محالة يتقّطع ذلك البياض بحيث يكون اقصر ممّا كان سابقا فكذلك المأمور به كالصلاة التي ينبسط على أجزائها الأمر فبازاء كلّ جزء من أجزائها بقيودها قطعة من ذلك الأمر ولم نعلم ان الوجوب المنبسط على كلّ جزء ضمنا مطلقا في مجموع الأحوال بحيث نقطع بانتفاء الوجوب المنبسط أي المتعلّقات الباقية على ساير الأجزاء حينئذٍ بل إنّما علمنا بالوجوب على الكلّ وعلى ذلك المفقود في حال التمكّن ولم يكن متعلّق الوجوب إلاّ هذه الأجزاء ولم يكن الوجوب مردّدا بين المقدمي والنفسي لعدم كون الصلاة عبارة عن المعنى البسيط الذي يكون الاجزاء محصّلاً له بل ليست إلاّ نفس الاجزاء فحينئذٍ لا اشكال في امكان جريان الاستصحاب في نفس هذا الوجوب المنبسط على باقي الأجزاء المفقود غير المتمكّن بعضها الآخر فالمتيقّن ليس غير المشكوك بل هو ذاك الاّ ان فقد هذا الجزء والقيد صار منشأ للشكّ في بقاء وجوب الباقي للشكّ في ان دخله كان دخلاً مطلقا كي ينتفي الكل

ص: 498


1- . فوائد الأصول 4/556 - 559 .

بانتفائه أو في حال التمكّن وليس التنظير ببياض الجسم من كلّ الجهات كي يستشكل بأنّ البياض محسوس انه باق على الجسم المقتطع منه قطعة بخلاف المأمور به لتعلّق الأمر بالكل لوجود ارتباط بين الأجزاء فكلّ جزء جزء وقيد للأجزاء الآخر بل إنّما التنظير من حيث التقريب وإن حال المأمور به يكون كذلك بحيث لا مانع من بقاء الوجوب على باقي الأجزاء وإن كان مقتطعا فتدبّر .

التنبيه الرابع عشر: قد عرفت الاشكال والاشارة إلى الأجوبة الأربع التي يمكن رجوع الرابع كما سبق إلى أحد الثلاثة بوجه أحسن وقد يتوجّه عليه اشكال بقاء الموضوع المضرّ باتّحاد القضيّة المشكوكة والمتيقّنة الذي ممّا لابدّ منه

في الاستصحاب وحينئذٍ فمن أوّل الأمر يكون وجوب الباقي مشكوك الحدوث والفرض سقوط الوجوب عن الكل بتعذّر الجزء فيرجع إلى البرائة وهذا إذا لم ينطبق عليه قاعدة الميسور وقد تقدّم الكلام في القاعدة والاشكال في موارد تطبيقها وإن عمل الأصحاب يكون كاشفا عن ذلك ففي كلّ مورد لم يعمل بها يكشف عن موهن لها فما لم يعمل الأصحاب بها في مورد لا يمكن التمسّك بها وقد أجاب سيّدنا الأستاذ قدس سره عن هذا الاشكال وأشرنا إلى عدم الاحتياج إلى القاعدة في باب الصلاة حيث انّه قام الدليل على خمس صلوات لا تترك بحال على ذلك ولا يتوهّم ان بناء على الصحيحي فلابدّ من احراز الموضوع وهو أوّل الكلام لا غناء قوله لا تترك عن ذلك كما هو واضح .

كيف كان فقد ذكرنا الوجه الذي ركن إليه المحقّق النائيني رجاء أن يكون سالما عن الاشكال على وجه لا يتوجّه عليه اشكال الوجوب المقدّمي والنفسي حيث فرض الكلام في الوجوب الشخصي المتعلّق بكلّ جزء جزء وإذا تعذّر منها

وجوب الباقي مشكوك الحدوث

ص: 499

جزء فلا يستشكل في بقاء الوجوب المنبسط على الباقي من حيث الشكّ في الحدوث لاختصاص هذا الاشكال بغير الفرض ممّا إذا كان كالكلّي والفرض ان الوجوب وجوب شخصي متعلّق بكلّ واحد من الأجزاء انبساطا وسعة للوجوب النفسي والمقصور بتعذّر جزء بغير ذلك الجزء من الأجزاء الباقية غاية الأمر تعذّر ذلك الجزء يكون منشأ للشكّ في الوجوب المتعلّق بباقي الأجزاء بعد اتّحاد القضيّتين فلا اشكال في شيء من أركان الاستصحاب وليس هذا الوجوب من الوجوب الكلي الذاهب أحد فرديه المراد باستصحابه اثبات فرد آخر كما في القسم الثاني ولا من استصحاب الكلي في القسم الثالث كما تقدّم الكلام في ذلك سابقا وان المقام نظير ما تقدّم في الشبهة العبائيّة حيث ان الوجوب شخصي وليس المستصحب إلاّ هو ولا يكون مردّدا أيضا بين المقدمي والنفسي كما يتوجّه عليه محذور كما سنشير إليه في تقريب استدلالات الشيخ قدس سره بل متعلّق الأمر ومركب المصلحة حيث كانت هو الاجزاء بأسرها على اختلاف دخلها كالقيود في الماهيّة المركّبة في جميع الأحوال من الاضطرار وغيره والتمكّن وغيره كالأركان بابدالها وما لا يكون كذلك بل قامت المصلحة فيه بخصوص حال من الأحوال وفقدها في غير ذلك الحال لا يوجب شيئا أو بعض ما لا يضرّ بالماهيّة وتعلّق به الأمر لتعلّق النسيان مثلاً بذلك الجزء أو الدخيل في المصلحة في ذلك الحال .

والحاصل ان الملاك أي المصلحة يختلف حال ماله الدخل فيها كاختلافه

في دخلها في المصلحة والملاك مطلقا كالبلوغ والوقت والاستطاعة مثلاً أو القدرة وما لا دخل له إلاّ في تنجّز التكليف فاذا فقد جزء أو قيد وتعذّر فلو علمنا بكيفيّة

دخله في الملاك والمصلحة فلا اشكال في استكشاف بقاء الأمر المنبسط على

ص: 500

الباقي أو ارتفاعه وذهابه عنها كما ارتفع عنه وإلاّ فيكون موردا للكلام في جريان الاستصحاب وعدمه بناء على الاشكال في بقاء الموضوع ووحدة القضيّتين كما هو الاشكال الذي أورد على الشيخ رحمه الله بأحد تقاريبه وان اتّحاد الموضوع عرفا في القضيّتين لا ربط له بباب الصلاة التي لا نعلم كيفيّة دخل كلّ قيد وجزء فيها ركنا أو غير ركن كما سنشير إليه إن شاء اللّه تعالى .

ثمّ وجّه الاشكال على نفسه بأنّه بناءً على هذا لابدّ من جريان الاستصحاب حتّى فيما إذا لم يبق إلاّ غير المعظم من الأجزاء لتعذّر المعظم مع ان المتسالم عليه بينهم عدم الجريان .

وأجاب بلزوم بقاء المعظم لصدق الاتّحاد العرفي فقد كرّ هاهنا على ما فرّ منه فيما أورد على الشيخ فلاحظ وتأمّل .

ثمّ انّه لا يخفى ان ذلك إذا كان بعد الوقت وتنجّز التكليف ولو فرض ذلك أي عدم التمكّن من بعض الأجزاء قبل دخول الوقت فلا تكليف حينئذٍ كي يستصحب الوجوب بلحاظه بل يشكّ في حدوث وجوب الباقي في أوّل الوقت .

طور آخر من الاستدلال: ان الأمر في المركّبات حيث انّه منبسط على تمام الأجزاء فله تعلّق بكلّ واحد منها مادام هذا الجزء موجودا متمكّنا منه فهذا الخطاب الواحد ينحل إلى خطابات عديدة تبعا لتعدّد الأجزاء المركّب منها المأمور به والمتعلّق فلو تعذّر واحد منها لا يكون الوجوب المنبسط على الباقي على تقدير بقائه غير الوجوب السابق المنبسط عليها بل هو هو بعينه .

غاية الأمر جريان الاستصحاب إنّما هو لأمر آخر وذلك من جهة كون تعذّر ذلك الجزء المفقود المتعذّر موجبا ومنشأ للشكّ في بقاء الوجوب والتعلّق المربوط

ص: 501

بالباقي حيث انّه يشكّ في دخل هذا الجزء في وجوب الباقي دخلاً مطلقا في جميع الأحوال أو في خصوص حال التمكّن .

ففي حال التعذّر حقيقة تكون الأجزاء الباقية متعلّق الأمر السابق والوجوب فيها باق على حاله وليس هذا الوجوب وجوبا مباينا سنخا للوجوب السابق المتعلّق بكلّ واحد من الأجزاء قبل تعذّر الجزء المتعذّر وان لم يبق ذلك الوجوب المنبسط على سعة تعلّقة وانبساطه .

والحاصل ان لا اطلاق للأمر في حال اتيان المتعلّق وعدمه بل بنفسه يقتضي اتيان المتعلّق وامتثاله وإلاّ فلا يعقل تعلّق الطلب بالحاصل والصلاة الموجودة فاذا لم يكن مجال للتقييد بحال اتيان المتيقّن وعدمه لا يمكن اطلاق الخطاب بعين امتناع التقييد حيث ان التقابل بينهما من العدم والملكة .

ولا يخفى ان دخل الاجزاء مختلف فبعضها يكون دخيلاً فيها مطلقا وبعضها لا يكون كذلك ولا اشكال في المركّب الارتباطي إن كلّ جزء منه جزء وشرط للأجزاء الباقية لاحقة أو سابقة وهذا المعنى لا محيص عنه في المركّبات الارتباطيّة فلو فرض ان الخطاب حيث يقبح تعلّقه بالمتعذّر سقط عن الجزء المتعذّر الا ان اشتراط الباقي به غير مرتبط بالقدرة لاحتمال دخلها في الملاك والمصلحة وهي أمر تكويني لا يرتفع بالتعذّر وعدم التمكّن من الجزء فلو كان في الواقع وجود هذا الجزء المتعذّر دخيلاً مطلقا في الملاك والمصلحة التي للمتعلّق فاذا تعذّر فلا أمر بالباقي لعدم تقوّم المصلحة بها مطلقا بل في حال انضمام الباقي إليها وإن لم يكن كذلك بل دخله إنّما هو في حال التمكّن والقدرة عليه فلا ريب في بقاء وجوب الباقي واطلاق المصلحة الموجب لاطلاق الطلب فيها وحينئذٍ

ص: 502

فيشكّ في بقاء وجوب الفاقد للجزء بعد تحقّق الخطاب في حال التمكّن وأمّا إذا لم يعلم تعلّق الخطاب به وعدمه لكون التعذّر قبل الوقت الذي هو دخيل في الملاك مثلاً في الصلاة فلا ريب في جريان البرائة كما انّه لا اشكال في جريانها لو شككنا في تقييد زائد في المأمور به المعلوم لو لا الاستغناء عن ذلك بالاطلاقات المقاميّة والأدلّة الاجتهاديّة البيانيّة .

وعلى كلّ حال فان قام دليل على اطلاق الجزء في دخله لمصلحة المأمور به فلا اشكال في احتياج وجوب الباقي إلى دليل وإلاّ فيسقط الوجوب اذ اثبات وجوب الباقىّ بمجرّد رفع جزئيّة المفقود ودخله يكون من اثبات أحد الضدّين بعدم الاخر ولا يخلو هذا من تأمّل فتأمّل .

وان قام أيضا على اطلاق الأمر بالباقي بمعنى دخله في حال التمكّن فيجب الباقي بالوجوب السابق . هذا مع قطع النظر عن قاعدة الميسور التي قد يستشكل جريانها في كلّ باب وكذا باب الصلاة التي ربما يستغني عنها بالأدلّة الواردة في عدم تركها في حال من الأحوال حتّى في حال الغرق بما أمكن على ما تحقّق في الفقه بل يجري ما ذكرنا في مثل أبواب المعاملات من العقود والايقاعات فاذا تعذّر العربيّة أو القبض في المجلس فيسقط ويكون الباقي غير ساقط أو إذا تعذّرت الكفّارات إلاّ الاطعام وتعذّر اطعام ستّين فهل يتبعض بالأقل أو إذا لم يوجد إلاّ أقل من العدد فهل يجري قاعدة الميسور ومنشأ الاشكال عدم جريانها عند الأصحاب في كلّ باب مع صدقها وكون المورد من موارد جريانها كمورد تعذّر جامع الطهور فمن ذلك يستكشف ان مناط تشخيص الميسور بنظر الشارع فكلّ ما عدّ في نظره ميسورا فتجري القاعدة ولذا يكشف عمل القدماء بها في

لو لم يقم دليل على اطلاق دخل الجزء

ص: 503

أبواب الفقه من كون ذلك المورد من الميسور عند الشارع .

وربما يقال بعدم شمول الميسور لا يسقط بالمعسور إلاّ خصوص أبواب التكاليف الوجوبيّة دون باب المعاملات والوضعيّات والأسباب والمسبّبات هذا .

وعلى ما ذكرنا في تنقيح كلامه فلابدّ من الالتزام بجريان الاستصحاب في كلّ مورد تعذّرت الاجزاء الباقية حتّى إذا لم يتمكّن إلاّ من سجدة واحدة مثلاً في باب الصلاة وإن كنّا كما أشرنا إليه لا نحتاج إلى هذه القواعد لوجود الأدلّة الدالّة

المريحة فيها إلاّ ان الكلام على الفرض .

وأورد هو رحمه الله سؤالاً على نفسه وأجاب بعدم مساعدة العرف في هذا الفرض من حيث كون الباقي مباينا لما تعلّق به الأمر الضمني المنبسط عليه ولابدّ من مساعدة العرف على ذلك لو لم نعتبر في الاستصحاب كون الموضوع متّحدا في القضيّتين بالدقّة العقليّة فلا أقل من الاتّحاد بنظر العرف كما انّه كذلك في قاعدة

الميسور فانّ البعض الباقي من الأبعاض الكثيرة من الأجزاء لا يكون عرفا ميسورا للمتعذّر منها إلاّ ان ما ذكرنا وإن كان سيّدنا الأستاذ قدس سره لم يقصّر في تحريره لكن لا يخلو من اشكال خصوصا ما ذكره أخيرا من اعتبار بقاء الموضوع واتّحاده عرفا في القضيّتين وذلك كما بيّنه سيّدنا الأستاذ قدس سره حين ما استشكل به على الوجه الثاني من استدلال الشيخ رحمه الله فكيف هو ركن إليه نفسه ( أقول: يمكن أن يكون نظره في ذلك إلى ان استصحاب الركوع والسجود وغيرهما مثلاً من أجزاء المركّب إنّما هو باعتبار التعلّق والوجوب الضمني فلو لم يكن مساعدة العرف على الباقي وانّه ما تعلّق به الأمر سابقا وان انحلّ إلى الأجزاء المتعدّدة لا يكون مجرى الاستصحاب وإن لم يكن نفس الموضوع مستصحبا إلاّ ان

ص: 504

استصحاب وجوب الاجزاء إنّما هو بلحاظه فتدبّر جيّدا والظاهر ان النتيجة في هذا التنبيه عند سيّدنا الأستاذ قدس سره كما أشار إليه في بحث فقهه عدم جريان الاستصحاب وعدم تماميّة الوجوه الأربعة في تقريب الاستدلال والحمد للّه .

وقع الكلام في تقدّم الاستصحاب على اليد والقرعة وتقدّمهما عليه .

أمّا اليد فلا اشكال في تقدّمها على الاستصحاب وذلك للزوم لغوتيها لو لا تقدّمها عليه لوجود مجرى الاستصحاب في كلّ مورد يكون لليد مجال ويمكن تقريب الاستدلال بنحو آخر وهو ان كلّ مورد قام الاجماع ودلّ الدليل على جريان قاعدة اليد فلا اشكال في تقدّمها على الاستصحاب وإن كان دليله بعمومه شاملاً للمورد لتقدّم النص على الظاهر والخاص على العام فانّ دليل الاستصحاب عام وما قام الدليل على اعتبار اليد فيه خاص ولا مجال لمعارضة اليد بالاستصحاب .

ثمّ انّ الموارد الجزئيّة التي يمكن الاستشهاد فيها لقيام الدليل على اعتبار اليد كثيرة لكنّها لا تفيد قاعدة كليّة .

منها: عموم الأخبار(1) الواردة في باب المدّعى والمنكر واعتبار البيّنة في الدعوى ففي صورة المنازعة إمّا أن تقام البيّنة أو الحلف أو يرد الحلف أو يحكم بالنكول وآخر الأمر ختم الدعاوي باليد وعلى كلّ حال فدلالة تلك الأخبار على ذلك واضحة .

تقدّم اليد على الاستصحاب

ص: 505


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 3 من أبواب كيفيّة الحكم .

ومنها: بعض الأخبار(1) الواردة في اعطاء أب الزوجة لها أو للزوج شيئا قابلاً لأن يكون عطيّته ايّاه أو من أب الزوج للزوجة فاذا مات أحدهما ففي الرواية التفصيل بينهما وبين الأجنبي ففيه يحكم باليد وفيهما لو ادّعى المعطى انّه لم يهب وأعطى عارية يسمع منه .

ومنها: ما إذا حاز من الموات واحيى بنحو من أنحائه حشيشا أو حطبا أو أرضا مواتا فلو لا في مقام احتمال البيع أو النقل للغير فنعلم بكون ذلك ملكا للحائز المحيي إلاّ بقيام هذا لاحتمال فيحكم بالملك لليد .

ومنهافي موارد توارد(2) اليدين من الزوجين في بيت واحد مثلاً على شيء .

ففي الرواية ان مختصّات أحدهما له إذا ماتا والمشترك بينهما بالاشتراك والتنصيف ولا أصل لهذه القاعدة في غير هذا الباب كما إذا كان مورد الوصيّة ومصرفه غير معلوم أو اشتبه بين طرفين أو نسي الوصي المورد المعيّن فلا مجرى لتلك القاعدة ( قاعدة التنصيف ) هناك .

ومنها: ما ورد(3) في باب بيع الجارية التي تدّعي انّها حرّة ومولاها يدّعي انّها أمة من انّه لا يسمع دعواها فان الحكم بذلك على قاعدة اليد والمراد بعدم سماع الدعوى انّه لا يطلب منها اقامة البيّنة مع ان اليد هنا مخالفة للأصل الذي هو عبارة عن خلق الانسان حرّا والرقيّة أمر عارضي وإلاّ فخلقة الانسان ليست بالعبوديّة للناس .

ص: 506


1- . الوسائل 27 الباب 23/1 من أبواب كيفيّة الحكم مع اختلاف لما في المتن .
2- . الوسائل 26 الباب 8/3 - 4 من أبواب ميراث الأزواج لكن الأخير في الطلاق .
3- . الوسائل 18 الباب 5/2 من أبواب بيع الحيوان لكن ليس فيه ومولاها الخ .

ومنها: الروايتان المعروفتان احداهما رواية حفص بن غياث ورواية مسعدة بن صدقة ففي الاولى(1) روى حفص عن أبي عبداللّه علیه السلام قال له رجل إذا رأيت شيئا في يدي رجل يجوز لي أن أشهد أنّه له ؟ قال: نعم . قال الرجل أشهد انّه في يده ولا أشهد انّه له فلعلّه لغيره فقال أبو عبداللّه علیه السلام: فيحلّ الشراء منه ؟ فقال: نعم . فقال أبو عبداللّه علیه السلام فلعلّه لغيره من أين جاز لك ان تشتريه ويصير ملكا لك ثمّ تقول بعد الملك هو لي وتحلف عليه ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك ثمّ قال أبو عبداللّه علیه السلام: لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق . إلاّ ان بعد كيفيّة ارشاد الامام علیه السلام السائل إلى نحو اماريّة اليد على الملكيّة يزلزله التعليل في الذيل فانّه يكاد يجعله شبيها بالأصل أو أصلاً .

أمّا الاخرى(2) فهي أيضا ظاهرة في حجيّة اليد خصوصا بقرينة ذيلها فروى مسعدة بن صدقة عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: سمعته يقول: كلّ شيء هو لك حلال حتّى تعلم انّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل الثوب عليك قد اشتريته وهو سرقة أو المملوك عندك ولعلّه حر قد باع نفسه أو خدع فبيع قهرا وامرأة تحتك وهي اختك أو رضيعتك .

والأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البيّنة . فذيل هذه الرواية قرينة ظهورها في حجيّة اليد ولو لا مقام المخاصمة لما احتاج إلى قيام البيّنة .

ثمّ لا يخفى ان اليد سواء كان تقدّمها وحجيّتها من باب كونها امارة أو انّها

أدلّة اليد

ص: 507


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 25/2 من أبواب كيفيّة الحكم .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

أصل أو برزخ ليس المراد على اطلاقها .

هل حجيّة اليد تعمّ صاحب اليد والغير أو تختصّ بالغير ؟

وعلى كلّ تقدير لم يستفد من هذه قاعدة كلية فلو كان صاحب اليد شاكّا فلا اماريّة له بل لا اعتبار بهذه اليد بالنسبة إليه بل لو علم الغير أيضاً انّه شاكّ فلا يعتني باستيلائه وكون المال تحت يده وكان ذلك في الحقيقة تحديدا لموضوع اليد .

وقد يستفاد من رواية جميل بن صالح(1): قال: قلت لأبي عبداللّه علیه السلام رجل وجد في منزله دينارا قال: يدخل في منزله غيره ؟ قلت نعم كثير قال: فهذا لقطة قلت: فرجل وجد في صندوقه دينارا قال: يدخل أحد يده في صندوقه غيره أو يضع فيه شيئا ؟ قلت: لا، قال: فهو له .

ان لا اعتبار باليد مع الشكّ من صاحب اليد بل ربما يمكن دعوى حصول القطع بالنسبة إلى ذيل الرواية فيما لا يدخل غيره يده في صندوقه بكون الدينار مال صاحب الصندوق لاختصاص التصرّف به كما إذا وجد في البيت المختصّ به ذلك بحيث لا يدخل أحد فيه .

والحاصل انّه يعتبر في اماريّة اليد أن لا يكون صاحبها شاكّا على ما هو ظاهر الرواية ويرشد إلى ذلك رواية اسحاق بن عمار(2) قال: سألت أبا

إبراهيم علیه السلام عن رجل نزل في بعض بيوت مكّة فوجد فيها نحوا من سبعين درهما مدفونة فلم تزل معه ولم يذكرها حتّى قدم الكوفة كيف يصنع ؟ قال: يسأل عنها أهل المنزل لعلّهم يعرفونها . قلت: فان لم يعرفوها ؟ قال: يتصدّق بها(3) فلم يعتن

ص: 508


1- . وسائل الشيعة 25 الباب 3/1 كتاب اللقطة .
2- . الوسائل 25 الباب 5/3 من أبواب كتاب اللقطة .
3- . صدر الرواية انّه وجدها ولم تكن له وذيلها بقرينة السؤال عن أهل المنزل وهو في الكوفة يمكن ارادة السؤال عن أهل منزله فيها وكأنّهم كانوا معه في السفر ويحتمل توجّه الجواب إلى وظيفته من بدو الأمر حين كان بمكّة فيسئل أهل منزل مكّه كما ليس ببعيد .

بمجرّد وجود الدراهم في منزلهم بل ربط الحكم بمعرفتهم بالدراهم وعدمها .

جهات من البحث في قاعدة اليد:

1 - حجيّة اليد سواء كانت امارة أو آصلاً هل موضوعها يتوقّف مع الاستيلاء على ما تحت اليد على شيء زائد على القدرة بحيث له ان يتصرّف فيه بما يشاء ( بأن يبيع أو يوجر ويزرع فيه وغير ذلك من التصرّفات كفعل الملاك وتصرّفاتهم في أموالهم أم لا ؟ بل لا يعتبر في حجيّتها سوى الاستيلاء . اشكال فربما يتأمّل في خصوص مجرّد الاستيلاء بلا تصرّف زائد لا أقل من عرضه للبيع وأمثاله من التصرّفات وترقى بعضهم فاشترط في اماريّة اليد واعتبارها دعوى الملك أيضا .

وبالجملة فيعتبر في كون اليد موضوعا لدليل الاعتبار عدم الشكّ من ذيها والاكتفاء وأن يكون مستوليا على المال كما وقع هذا التعبير في رواية(1) يونس بن يعقوب عن أبي عبداللّه علیه السلام في امرأة تموت قبل الرجل أو رجل قبل المرأة قال: ما كان من متاع النساء فهو للمرئة وما كان من متاع الرجال والنساء فهو بينهما ومن استولى على شيء فهو له .

إنّما الكلام في ما يتحقّق به الاستيلاء هل هو مجرّد ان له أن يتصرّف أو لا بل ذلك حكمه والاستيلاء ما أشرنا إليه من بيعه وعرضه لذلك واجارته وذلك يختلف حسب المقامات والأمتعة كما ان قوله علیه السلام (2) على اليد ما أخذت حتّى

شرط حجيّة اليد

ص: 509


1- . الوسائل 26 الباب 8/3 من أبواب ميراث الأزواج .
2- . مستدرك الوسائل 14 الباب 1/12 كتاب الوديعة .

تؤدّي .

المراد بالأخذ هو هذا المعنى من الاستيلاء بحيث لا يبقى معه للمالك قدرة التصرّف ولا سلطة له عليه بل قهره كلّه .

بقي أشياء: منها هل يكفي في حجيّتها حدوث الملك لذيها أو لا يلزم احراز ذلك بل يكفي مجرّد احتمال حدوثها في الملك ولذا لو لم يكن كذلك بل علمنا بحدوثها على نحو الأمانة أو الاجارة أو الغصب فلا موضوعيّة لها على الملك .

وهذا المعنى هو مؤدّي روايات الباب على اختلاف مضامينها ولايوجد رواية يكون لها الاطلاق من هذه الجهة بحيث يستفاد انّه لا يعتبر في اعتبار الملك لليد عدم احتمال الحدوث بل موردها جميعا ذلك وإن موضوعيّتها للملك ما إذا كان مجال لهذا الاحتمال كما يرشد إلى ذلك ما ورد(1) في باب الشراء لمجهول السرقة إن علمت بعينها انّها سرقة فلا تشتر وان علمنا بأنّ اليايع مثلاً عمله السرقة

من الناس إلاّ انّا نحتمل كون هذا المبيع الشخصي من مال نفسه غير مسروق من الناس وكذا في باب اللحم(2) المشتري من السوق إذا لم نعلم انّه بعينه ميتة فلا بأس أو فاشتر ولا دلالة وصراحة في تلك الأخبار الواردة في اليد والسوق في اعتبار اليد والسوق ولذلك جعلها صاحب المدارك من روايات مشكوك الحلية وان الأصل فيه الحلية فهذه الروايات لم تجعل المناط في موردها السوق فلا مورد لاصالة عدم التذكية .

ومنها: رواية الفحص(3) لو كان المشركون يبيعون الجلود من الميتة

ص: 510


1- . الوسائل 17 الباب 1/4 من أبواب عقد البيع مع اختلاف وزيادة .
2- . الوسائل 24 الباب 29 - 38/1 - 1 من أبواب الذبائح .
3- . الوسائل 3 الباب 50/7 من أبواب النجاسات .

وترتيب آثار الطهارة لو كان غير العارف يصلّون فيه وعلى هذا يتّجه بهذه التوسعة في اليد والاستعمال منهم مع ذهابهم إلى طهارة ذبائح أهل الكتاب اشكال قد أجبنا عنه .

والحاصل ان اليد لابدّ وأن يكون فيها احتمال الحدوث في الملك ولذا لو تنازع المستأجر وصاحب الدار فادّعى المستأجر ان البيت مثلاً ماله وملكه فعليه البيّنة ولا اعتبار باستيلائه على البيت والدار .

وقد أشرنا إلى عدم استفادة الكليّة في الأخبار على ان اليد امارة الملكيّة مطلقا بل لابدّ من استفادتها من موارد الروايات والتعدّي عن مواردها لا يمكن إلاّ بتنقيح المناط القطعي وليس له صغرى .

الكلام في انّها امارة أو أصل .

لا يخفى انّ اماريّتها تتوقّف على أمرين: اشتمالها على جهة كشف عن الواقع قابل لأن يلاحظ ويراعى بهذه الجهة فلو لم يكن فيها كشف أصلاً فلا معنى لجعل ما ليس كاشفا تكوينا كاشفا تعبّدا والثاني لحاظها بهذا الحيث فلو الغى جهة كشفها ولم تراع أصلاً فلا تتمّ اماريّتها فلابدّ بعد هذا من النظر إلى ما يفعله العقلاء

في موارد اليد إذ نعلم ان ليس لهم تعبّد وتنزيل بل بحسب طبعهم الجبلي يرون في اليد خصوصيّة ولصاحبها نحو اختصاص واضافة يعبّر عنها في صورة الشدّة بالملك ودونه بالحق بل ذلك جار ساري في الحيوانات ألا ترى إلى الكلاب حيث يتكالبون على الميتة ترى للمقدم السابق أولويّة على المعتدى .

وعلى هذا فيمكن جعل جميع الروايات الواردة في اليد مرشدة إلى طريقة العقلاء وامضاءً لما في الطريقة فكلّ مورد قامت السيرة على اعتبار اليد وردت

اليد امارة أو أصل

ص: 511

رواية بالاعتبار وكلّ مورد لا سيرة فيه ويتوقفون فلم يرد رواية أو لا بل يمكن كون الامضاء أقل من قيام السيرة وعلى كلّ حال يعلم ان اليد امارة الملكيّة .

بقي هنا اُمور:

إذا ادّعى أحد ملكيّة ما في يد الغير فالصور ثلاث . فانّه إمّا أن يقيم المدّعي البيّنة على ان هذا الشئكان ماله سابقا أو يعلم الحاكم بذلك وفي كلتا الصورتين لا يقرّ صاحب اليد بذلك وثالثة يقرّ ذواليد بأنّ المال كان سابقا مال المدّعى ولازم ذلك انتقاله إليه ببيع أو هبة ونحو ذلك من النواقل الشرعيّة فهل ينتزع المال من يد صاحب اليد بمجرّد دعوى المدّعى انّه ماله أو لا ؟

لا يخفى انه لا مجال لذلك كي يكون دعواه موجبة لانتزاع المال عن يد صاحب اليد وتسليمه إلى المدعى والمشهور على ان قيام البيّنة أو علم الحاكم لا اعتبار به في قبال اليد لكونها امارة الملكيّة فعلاً والبيّنة وعلم الحاكم تعلّق باعتبار

قبل حصوله في يد ذي اليد وهذا بخلاف ما إذا أقرّ ذو اليد على كون المال ملكا للمدعي قبل ذلك فانّهم بنوا على انتزاع المال من يد صاحب اليد وتسليمه إلى المدعى إلى أن يقيم البيّنة صاحب اليد على انتقاله إليه لانقلاب المنكر مدعيا فان ذا اليد قبل اقراره كان منكرا وانّما يدّعي ان المال ملكه ولا يبيّن السبب فالمدعى مدعى لكونه ملكه وعليه اقامة البيّنة لكنّه إذا أقرّ ان المال كان سابقا لملك المدّعى

فصار مدّعيا الا ان فيه مجالاً للكلام .

فأيّ فرق بين صورة الاقرار والصورتين المتقدّمتين فان في صورة الاقرار يقرّ ذو اليد بمضمون ما تؤدّي البيّنة وبمعلوم على الحاكم فلو أوجب الاقرار ذلك لكان اللازم مساواتهما له مع انه لا اشكال ان في الصورتين السابقتين لا مجال

ص: 512

لجريان استصحاب الملكيّة السابقة حسب البيّنة وعلم الحاكم للزوم المحذور الذي بيّن في الرواية وهو عدم قيام السوق للمسلمين .

فانا نعلم ان كلّ ما بيد كلّ انسان لم يكن له إلاّ خصوص بعض الأراضي التي أحياها من الموات مثلاً فانّه ملكه بلا مزاحمة لأحد وأمّا في غير هذه الصورة وغالب ما يباع في الأسواق فلا مجال لدعوى كون ذلك ملكا لذوي اليد إلاّ بهذا الاعتبار وهم يدّعون ان كلّها ملك لهم .

اللهمّ إلاّ أن يدّعي الفرق بين صورة ادّعاء مدّعى ان ما في يد زيد ملك له وبين غيره ففي الأوّل لو لم يعتبر اماريّة اليد لا يلزم عدم قيام السوق بخلاف ما لو

أسرينا ذلك إلى كلّ يد .

ويمكن التفصّي عن الاشكال بأنّ الاقرار له جهتان: جهة طريقيّة كساير الامارات ومنها البيّنة إن طابقت الواقع فهو وإلاّ فحكم ظاهري وله جهة موضوعيّة يؤخذ به وإن كان العلم بخلافه والشاهد على ذلك الفرع المعروف من انّه لو أقرّ بأن هذه العين الشخصيّة مال زيد وعقبه باقرار آخر لعمرو فيعطي المال لزيد ويغرم قيمته لعمرو مع ان المال إمّا أن يكون لزيد وإمّا لعمرو ولا نصيب لزيد وتصرّف أحدهما في المال تصرّف في مال الغير لكن مع ذلك كلّه يعطى المال ويغرم القيمة ولذا لابدّ في ما نحن فيه من اقامة البيّنة على ان ما أقرّ انّه للمدّعى انتقل بسبب

شرعي إليه لان اقرار العقلاء على أنفسهم جائز وإن كان نعلم بخلافه وما لم يقم بيّنة على انتقال المال يسلم المال إلى المدّعى وهو له حسب اقرار ذي اليد هذا .

الا ان هذا الفرق لا يسوي شيئا لعدم الفرق بين البيّنة والعلم وبين الاقرار فكما لا يطالب في هاتين بالبيّنة للانتقال كذلك في ما نحن فيه .

دعوى ما في يد الغير

ص: 513

وهذا الفرع وإن كان مسلما في محلّه إلاّ انّه لا يفيد في ما نحن فيه فعلى هذا لا فرق بين الصور الثلاث في الحكم بكون المال ملكا لذي اليد بمقتضى اليد نعم يكون صورة الاقرار مخالفا للمشهور . والمحقّق النائيني(1) وإن أتعب نفسه في تحرير المقام بحيث يوافق المشهور الا ان كلّ ذلك صورة لا حقيقة له وعند التأمّل غير وجيه ويوافق نتيجة ما ذكرنا في الاقرار ما ورد في محاجّة أميرالمؤمنين علیه السلام (2) مع أبي بكر .

توضيح وتتميم: ما ذكروه في الفرق بين صورة اقرار صاحب اليد على ان ما في يده كان سابقا ملكا للمدعى وبين صورتي العلم بذلك وقيام البيّنة لا يمكن المساعدة عليه إلاّ أن يكون للاقرار خصوصيّة تقتضي التمليك ولو كان على خلاف العلم ويكون اقرار العقلاء على أنفسهم جائزا ونافذا ولو كان علمنا بخلافه فلو كان كذلك يمكن الموافقة على الفرق الا ان فيه ما فيه وليس ذلك إلاّ في مورد لا أثر للاقرار في حقّ الغير فينفذ في حقّه وأمّا في مورد العلم بالخلاف فلا تساعد السيرة على ذلك بحيث إذا أقرّ بما في يده للغير وسلّمه إليه يشترون من المسلم عليه فحينئذٍ لا فرق بين الاقرار وبين قيام البيّنة والعلم فكما ان البيّنة لو

قامت على كون هذا المال ملكا للمدّعى قبل وصوله في يد صاحب اليد لا يوجب ذلك لغويّة اليد وعدم اعتبارها بل يترتّب عليها آثار الملكيّة ويعتبرونها ويرون لصاحبها التصرّف في هذا المال تصرّف الملاك في أملاكهم كذلك الاقرار بل غالب ما في أيدي أهل الأسواق كما أشرنا مسبوق بكونه ملكا للغير .

ص: 514


1- . فوائد الأصول 4/610 - 613 .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 25/3 من أبواب كيفيّة الحكم .

ومجرّد ذلك وادّعاء المدّعي لا يجعل اليد كعدمها بحيث يكون حال صاحبها كحال المدّعى ويستويان في ذلك فكما لا خصوصيّة تقتضي كون المال لصاحبها كذلك ليس في جانب المدّعى ذلك بل السيرة على ترتيب آثار الملك والاعتبار على اليد وما فيها إذا كان حال حدوثها مجهولاً وإن كان سابقا ملكا للغير على احد الأقسام المذكورة التي ذكرنا من قيام البيّنة أو علم الحاكم أو اقرار

صاحب اليد ولو لا ذلك لما قام للمسلمين سوق .

بل لازم ما ذكروه في اليد أو أقر ذوها بالملك السابق القول بذلك في صورة قيام البيّنة حيث ان اليد بمجرّد وقوعها في مورد الدعوى تسقط عن الحجيّة والاعتبار فيستوي حال صاحب اليد والمدعى ويقع الكلام في انطباق ضابط المدّعى والمنكر على كليهما على تفاسيرهما فان المدعى من إذا ترك ترك أو من يكون قوله على خلاف الأصل والمنكر من يكون قوله موافقا للأصل أو الحجّة فاما أن يكون كلاهما المدعيين بعد سقوط اليد عن الاعتبار أو يكون المدعى صاحب اليد حيث ان قوله مخالف للحجّة وهو الاستصحاب في جانب الآخر والخارج وذلك حجّة ولا معارض له بعد سقوط اليد لهذه الحجّة الظاهريّة فعلى الآخر أي صاحب اليد اقامة البيّنة ولا يلتزمون بذلك بل اتّفاقهم على مطالبة البيّنة

من المدّعى وليس ذلك إلاّ ان اليد حجّة ولا تنافي حجيّتها الفعليّة لذيها قيام البيّنة

على كون ما في يده ملكا لغير صاحب اليد في السابق أو علمنا بذلك فكذلك الاقرار ولا خصوصيّة للاقرار تقتضي الفرق بينه وبين غيره من البيّنة والعلم ولذلك يشكل الأمر في الفرع المعروف ولازم ذلك كون الاقرار كالتّلف يكون مملّكا فان على المدّعى اقامة البيّنة فاذا ما أقام فعلى غيره الحلف وإذا حلف يتصرّف في

لزوم انطباق ضابط المدعى والمنكر

ص: 515

المال بل لا محيص عن الالتزام بما يساعد عليه الأدلّة من كون اليد امارة الملكيّة وعليها الاعتبار في صورة الجهل وعدم العلم بالحال من غير صاحب اليد واما هو نفسه فلا يمكنه في صورة الشكّ أن يتصرّف ويعتني بيده ولازم ما ذكروا في الاقرار هو سقوط اليد بمجرّد الدعوى عن الاعتبار واستواء صاحبها والمدّعى فان أقام البيّنة أحدهما فهو وإلاّ فلا يجوز لأحدهما التصرّف .

هذا وما ورد الترخيص لأخذ الكيس في خبر منصور بن حازم(1) رواه في الوسائل في كتاب القضاء باب ما إذا كان جماعة جلوسا وسطهم كيس فقالوا كلّهم ليس لنا وادّعاه وأحد حكم له به عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: قلت عشرة كانوا جلوسا ووسطهم كيس فيه ألف درهم فسأل بعضهم بعضا ألكم هذا الكيس فقالوا كلّهم لا وقال واحد منهم هو مالي فلمن هو قال للذي ادعاه . فلم يعلم انه من اللقطة أو بكونه في يده .

وعلى كلّ فلا جهة توجب المساعدة على ما ذكروا في المقام لما عرفت من استلزامه ما ذكرنا وإن كان قضيّة انطباق الضابط في المدّعى والمنكر والاختلاف في ذلك صغرويّا فان تشخيص المدعى عن المنكر في غاية الصعوبة ويستلزم التضلّع في الفقه وقواعده كما انّه لا عبرة بعلم الحاكم ( فانّما اقضي بينكم بالبيّنات

والأيمان )(2) نعم في ظهور وليّ العصر عجّل اللّه فرجه الشريف الحكم على طبق الواقع .

فتحصّل ممّا ذكرنا عدم الفرق بين البيّنة والاقرار لعدم التنافي بين

ص: 516


1- . الوسائل 27 الباب 17/1 .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 2/1 من أبواب كيفيّة الحكم .

مضمونهما ومؤدّاهما مع اليد حيث ان الملكيّة السابقة تجتمع مع الملكيّة الفعليّة لصاحب اليد فلو انقلب المنكر مدّعيا في صورة الاقرار فليكن الأمر كذلك في صورة البيّنة ولا خصوصيّة للاقرار توجب الفرق بينها وبين الاقرار فلو الغيت اليد في صورة الاقرار فكذلك البيّنة مع ان المسلم شمول أدلّة الاعتبار هذه الصورة وقد قرّبنا الوجه في عدم حجيّة اليد في مثل هذا المورد لكن المسلم شموله تحت أدلته لأنّ الغالب إن ما في الأسواق كلّها مسبوق بيد الغير .

نعم بعض ما يحدث ملكا غير مسبوق بملك الغير كبعض المباحات المحوزة بالاحتشاش والاحتطاب ونحوهما من أقسام الاحياء فلا وجه لتخيل سقوط اليد في مثل الاقرار عن الحجيّة والاعتبار والمطالبة من صاحب اليد بالبيّنة بدعوى انقلاب الدعوى وصيرورة المنكر مدّعيا فعليه اقامة البيّنة فينزع المال بعدها من يد الخارج ويسلّم إليه لكون قول المقر وصاحب اليد على خلاف الأصل والاصل وهو عدم انتقال المال مع المدّعى وذلك لما ذكرنا من عدم المنافاة بين المقامين فان الملكيّة السابقه الثابتة بالاقرار أو البيّنة تجامع الملكيّة الفعليّة لغير المالك

الأوّل باليد وحجيّتها في موردها لا تنافي نفوذ الاقرار واعتبار البيّنة لاشتراط اجتماع الوحدات الثمانية أو أكثر في التناقض وإلاّ فالاستصحاب يثبت شيئا واليد شيئا آخر ولا معارضة لأحدهما مع الآخر .

وبذلك يتّضح صحّة ما فعله أميرالمؤمنين علیه السلام (1) في محاجته أبا بكر وافحامه بعدم مطالبته البيّنة من ذي اليد وإن كان تقبل البيّنة من ذي اليد والمنكر حيث ان قاطعيّة التفصيل للشركة وكون البيّنة على المدّعى واليمين على من أنكر

احتجاج أميرالمؤمنين علیه السلام على أبي بكر وافحامه

ص: 517


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 25/3 من أبواب كيفيّة الحكم .

هو تعيينيّا وأمّا إذا أقام المنكر البيّنة فلا مانع من قبولها بل وردت(1) الروايات بذلك وانعقد له باب وانفتح بحث فقهي في تعارض البيّنتين من الداخل والخارج مضافا إلى ان عدم قبول البيّنة من المنكر يكون على خلاف المنّة فان أميرالمؤمنين علیه السلام على ما في الاحتجاج قال لأبي بكر(2): أتحكم فينا بخلاف حكم اللّه في المسلمين ؟ قال: لا . قال: إن كان في يد المسلمين شيء يملكونه ادّعيت أنا فيه من تسأل البيّنة ؟ قال: إيّاك كنت أسأل على ما تدّعيه على المسلمين .

قال

علیه السلام: فاذا كان في يدي شيء فادّعى فيه المسلمون تسألني البيّنة على ما في يدي وقد ملكته في حياة رسول اللّه صلی الله علیه و آله وبعده ولم تسأل المؤمنين البيّنة على ما ادّعوا كما سئلتني البيّنة عليهم على ما ادّعيت عليهم الخ .

وذلك لأنّ اليد لم تسقط عن الاعتبار وإن كان في مقام الدعوى وإن أقرّت الصدّيقة سلام اللّه عليها بكون فدك ملكا لرسول اللّه صلی الله علیه و آله في زمان حياته لما ذكرنا من عدم التنافي بين الاقرار بالملكيّة السابقة وحجيّة اليد واعتبارها في حقّ صاحبها حين الاقرار فعلى المسلمين اقامة البيّنة على خلاف ذلك وانّه لم ينتقل إليها وإن فرض صحّة الخبر المجعول الذي رووه من انا معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه صدقة أو يصرف في مصالح المسلمين أو مسالحهم .

نعم على فرض تسليم ما ذكر في الفرق بين الاقرار والبيّنة يتوجّه الاشكال بعدم مناسبة اعتراض أميرالمؤمنين سلام اللّه عليه على الأوّل لمطالبته البيّنة بعد أن

ص: 518


1- . هذا مسلم في باب دعوى القتل . الوسائل 27 الباب 3/3 - 6 من أبواب كيفيّة الحكم وفي غيره 12/2 - 15 .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 25/3 من أبواب كيفيّة الحكم .

كان صدقة للمسلمين وفرض عدم توريث الأنبياء فحينئذٍ يجاب بما بيّنه المحقّق النائيني(1) في أقسام تبدّل الاضافة واطرافها على ما سيجيء إن شاء اللّه وكون المقام أسوء حالاً من الموصى له لعدم كون المسلمين وارثا لرسول اللّه صلی الله علیه و آله بعد فرض ان له حقّ مطالبة البيّنة بادّعاء ولايته عليهم وانتهاز ذلك عليهم وصحّة الخبر المجعول ولا بأس حيث ناسب المقام بذكر الرواية المعروفة المنقولة في كتب الشيعة المعتمد عليها كالكافي في ان العلماء ورثة الأنبياء فان أو لأن الأنبياء لم يورّثوا درهما ولا دينارا ولكن ورثوا العلم فمن أخذ بشيء منه أخذ بشيء وافر أو بحظ وافر والظاهر صحّة سندها وعدم فرض عدم معنى يوافق الأصول والقواعد المسلّمة بين الشيعة فالرواية بظاهرها تنفي عن الأنبياء أن يكون منهم توريث الأموال المكنّى عنها بالدرهم والدينار فاما أن يكون مخصّصة لعمومات الكتاب ( وورث سليمان داود )(2) يرثني(3) ويرث من آل يعقوب يوصيكم اللّه (4) في أولادكم للذكر مثل حظّ الانثيين أو تكون حاكمة أو واردة عليها حيث ان مفاد الآيات حكم الارث وانّه كذا وكذا وثبوت ذلك مستلزم لبقاء مال للمورث كي بموته ينتقل إلى وارثه والخبر ينفي ذلك المال فلا منافاة وكذلك ينافي صريحا ما ورد عن الزهراء سلام اللّه عليها من خطبتها واستدلالها عند أبي بكر بآيات الكتاب في الارث وان الأنبياء أيضا يورثون ومع قطع النظر عن رواة رواية الخطبة نفس مضمونها يلوح منه آثار الصدق وانها صدرت عن منشأ البلاغة

ص: 519


1- . فوائد الأصول 4/615 .
2- . سورة النمل: 17 .
3- . سورة مريم: 7 .
4- . سورة النساء: 12 .

ودوحة النبوّة والامامة ولو لم يكن كلّ شيء فنفس استدلال الصدّيقة سلام اللّه عليها بالآية يكون كالوحي المنزل بالمراد من الآية وان الأنبياء يورثون وإن كان تطبيق الكبرى في الارث على المورد من باب المماشاة وإلاّ ففدك كان بتصرّفهم في زمان رسول اللّه صلی الله علیه و آله نحلها إيّاها والقوم لمّا رأوا بقائها في أيديهم يوجب تسلّطهم وقدرتهم فاحتالوا لذلك وأخرجوا عمّالها منها وامتدت المنازعة إلى أن طالبهم بالشهود وما قبل شهادتهم ومنهم اُمّ أيمن مع عدم بينة للعين نفسه فافحم وخطبت الصدّيقة سلام اللّه عليها وانّه على فرض عدم صحّة شهادة الشهود وعدم قبولها وان الأمر كما تدعون من انها بقيت في ملك رسول اللّه صلی الله علیه و آله فتصل النوبة إلى الارث فمن باب الارث تكون حقّها والظاهر في معنى الرواية ان من شأن الأنبياء ليس جمع الأموال وتوريثها لقصور هممهم عن ذلك بل همّهم إنّما هو بثّ العلم والتوحيد خصوصا مع ورود الرواية بقوله وإنّما ورثوا العلم .

( أقول ) أمّا الرواية فقد أوردها صاحب تحفة العالم في خطبة المعالم هكذا قال رحمه الله أي الكليني(1): وعنه عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن خالد، عن أبي الحسن البختري، عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: ان العلماء

ورثة الأنبياء وذلك ان الأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا وإنّما ورثوا أحاديث من أحاديثهم فمن أخذ بشيء منها أخذ حظّا وافرا فانظروا علمكم هذا عمّن تأخذونه فانّ فينا أهل البيت في كلّ خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين . والظاهر ان الرواية ضعيفة السند وان وصفها

أدلّة توريث الأنبياء

ص: 520


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 8/2 من أبواب صفات القاضي وأوّلها عن محمّد بن يحيى الخ وليس أوله عنه .

بالاعتبار جد صاحب التحفة على ما في التحفة كما لا يخفى وفي المجمع بعد التعرّض لرواية نحن معاشر الأنبياء بيان عن بعضهم فيه يقرب ما نقلناه آنفا عن ثقة الاسلام الكليني عن الصادق علیه السلام فراجع .

الكلام في قاعدتي الفراغ والتجاوز وتقدّمهما على الاستصحاب أو العكس .

عبارة الشيخ في هذا المقام قد تختفي فتردّد الشيء بين كونه دليلاً أو أصلاً لاختفاء كون اعتباره من حيث كونه ناظرا إلى الواقع ومن حيث هو كما في اليد المغصوبة دليلاً وكذلك اصالة الصحّة عند الشكّ في عمل نفسه عند الفراغ واصالة الصحّة في عمل الغير وقد يعلم عدم كونه ناظرا إلى الواقع وكاشفا عنه وانه من القواعد التعبّديّة لكن يختفي حكومته مع ذلك على الاستصحاب الخ وقد تصدّى المحقّق النائيني لتوضيح كلام الشيخ على اجماله .

وحاصل ما قال(1) في هذا المقام ان استصحاب الحكم على تقدير وقاعدة الفراغ والتجاوز يبيّن التقدير ويتكفّل لاثباته ولا ريب في كون مثل ذلك أحد أنحاء الحكومة بل من أفرادها الجليّة مثل أكرم العلماء وزيد ليس بعالم كانّ معنى جريان الاستصحاب في مورد جريان القاعدة عدم الاتيان بالمشكوك أي محل ومورد كان القاعدة ومقتضى دليل القاعدة اتيان المشكوك في مورد الجواز عن المشكوك سواء اعتبرنا في ذلك الدخول في غيره أو لا وسيأتي بيان ذلك هذا . الا ان هذا الكلام قابل للخدشة لان معنى الاستصحاب بقاء الأمر وعدم الاتيان بالمأمور به بخلاف القاعدة فانّها تقتضي بلسانها اتيانه وعدم بقاء أمره وليس هذا

حكومة القاعدتين على الاستصحاب

ص: 521


1- . فوائد الأصول 4/618 - 619 .

إلاّ المعارضة .

ودعوى كون ذلك من أقسام الحكومة بتقريب تعرّض دليل القاعدة لشيء لا يتعرّض له دليل الاستصحاب حيث ان في بعض روايات القاعدة إنّما الشكّ(1) إذا كنت في شيء لم تجزه مع بقاء الشكّ وجدانا فليس ذلك إلاّ اخراج بعض أنحاء الشكّ ودليل الاستصحاب إنّما اعتبر اليقين والشكّ ويزيد على ذلك اعتبار اتّصال زمان اليقين بالشكّ والأثر الشرعي والقاعدة ناظرة بدليل اعتبارها لدليل الاستصحاب بحيث لو لا دليل المحكوم يلزم اللغو في دليل القاعدة وليس هذا إلاّ الحكومة فيبيّن دليل القاعدة ان مورد اعتبار الشكّ موضوعا وما يكون الحكم بحرمة نقض اليقين بالشك الشكّ الذي في غير مورد الجواز عن المشكوك . مدفوعة بعدم أثر للشكّ بل الأثر إنّما هو لليقين السابق ولولاه لم يلزم اجراء حكمه في اللاحق وفي مورد اليقين بالاشتغال فالحكم العقلي بلزوم الخروج عن عهدة التكليف المعلوم حيث ان الاشتعال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني فلا حكم هناك شرعي كي يكون قوله ( إنّما الشكّ ) ناظرا إليه حاكما عليه .

نعم لو لم يكن التعبّد الشرعي في المورد فالعقل كان لا يرى إلاّ لزوم الموافقة القطعيّة فعند احتمال زيادة جزء أو شرط أو نقصانه لو كان له طريق إلى تصحيح العمل الذي اشتغل به فهو وإلاّ فالاحتياط بالاتمام والاعادة على وجه يقطع بالفراغ القطعي غاية الأمر ان الشارع الغى احتمال الزيادة ولو في الركوع ولو لم يكن للعقل طريق بل دار الأمر بين المحذورين فلو كان من الشارع ما يخرج به عن التحيّر فهو المتعيّن .

ص: 522


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .

وكيف كان فان كان اعتبار الشكّ في مورد المشكوك وعدم الجواز عنه على وفق القاعدة وارشاداً إلى حكم العقل لكنّه لا يخلو عن التعبّد الشرعي حيث ان الشارع اكتفى بهذا العمل منه كما اكتفى باحتمال الامتثال في ناحية الجواز عن المشكوك على ما بينّا سابقا من تصحيح ذلك ودفع الاشكال الوارد من لزوم التصويب وغيره بجعل البدل ما لم ينكشف الخلاف على ما سبق في محلّه .

والحاصل انه لو كان الأمر كما ذكرنا فلا نحتاج إلى الاستصحاب في مورد القاعدة أصلاً حيث انّه لا مجرى له لجريان قاعدة الاشتعال العقلي المستدعى للفراغ القطعي .

وقد ذكرنا في محلّه الضابط في تقدّم القاعدة على الاستصحاب وان ذلك في مورد لم يكن للواقع أثر في المقام والظاهر ان ما نحن فيه كذلك وبهذا الوجه نستريح من بيان وجه تقدّم القاعدة على الاستصحاب لعدم المعارضة التي فرع جريان المتعارضين وعرفت عدم المجرى للاستصحاب لجريان القاعدة وهذا الوجه وإن كان وجيها في النظر لكنّه يحتاج إلى التأمّل .

فان تمّ وجها لتقديم القاعدة على الاستصحاب فهو وإلاّ فبالحكومة على نحو ما ذكرنا والا فبالأخصيّة حيث ان القاعدة أخص موردا من الاستصحاب ولا اشكال في تقدّم الخاص على العام كما هو واضح .

توضيح وتكميل: ما ذكرنا في تقريب الحكومة من المحقّق النائيني رحمه الله لا يساعده الاعتبار من كون الشكّ في بقاء الحالة السابقة مسببا عن الشكّ في حدوث ما يوجب رفع الحالة السابقة .

نعم يمكن تقريبها بوجه آخر كما أشرنا إليه وأن يكون قوله علیه السلام في بعض

الاشكال في تقريب الحكومة

ص: 523

روايات الباب اذا شككت في شيء من الوضوء(1) ودخلت في غيره فشكّك ليس بشيء . هذا وإن كان الشكّ موجودا وجدانا الا انه راجع إلى نفي الحكم بلسان نفي الموضوع وحيث ان التنزيل والتعبّد الشرعي لابدّ أن يكون بلحاظ الأثر الشرعيّ وفي مورد يكون قابلاً للرفع والوضع الشرعي فعلى هذا معنى قوله فشكّك ليس بشيء ان الشك بعد ان جزت هذا الشيء ودخلت في غيره لا حكم له بمعنى رفع الحكم الشرعي وهذا إذا كان الاستصحاب في عدم الاتيان وبقاء التكليف جاريا واضح فان معنى ذلك هو بقاء الأمر والتكليف حيث ان اليقين تبدّل بالشكّ ومقتضى لسان ما ذكرنا هو ان هذا الشكّ الذي حصل بعد الفراغ والدخول في الغير ليس بشيء وملغى فلا يكون موضوعا لجريان الاستصحاب وعلى كلّ حال فهذا الوجه إن تمّ فهو وإلاّ فبما ذكرنا من الاشتغال وعدم جريان الاستصحاب أصلاً لعدم وصول النوبة له .

نعم إن كان للواقع أثر في هذا الوادي فلا مانع من جريان الاستصحاب إلاّ أنّ القاعدة بما ذكرنا حاكمة عليه وإن لم يتمّ وجه الحكومة فبالأخصيّة التي لا اشكال في مرجعيّتها بعد اليأس عن تماميّة الوجهين الأوّلين فتأمّل جيّدا .

وكيف كان فلا اشكال في صحّة القاعدة وتقدّمها على الاستصحاب

فلنصرف الكلام إلى روايات الباب وهي على ثلاث طوائف: طائفة مختصّة بباب الوضوء واخرى: بباب الصلاة والثالثة: عمومات فمن الاولى وهي اتقنها سندا رواية زرارة(2) عن أبي جعفر علیه السلام قال: إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر

ص: 524


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/1 من أبواب الوضوء .

اغسلت ذراعيك أم لا فاعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه انك لم تغسله أو تمسحه ممّا سمّى اللّه ما دمت في حال الوضوء فاذا قمت عن الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حال اخرى في الصلاة أو في غيرها فشككت في بعض ما سمّى اللّه ممّا أوجب اللّه عليك فيه في وضوئه لا شيء عليك فيه فان شككت في مسح رأسك فاصبت في لحيتك بللاً فامسح بها عليه وعلى ظهر قدميك فان لم تصب بللاً فلا تنقض الوضوء بالشكّ وامض في صلاتك وان تيقّنت انّك لم تتمّ وضوئك فأعد على ما تركت يقينا حتّى تأتي على الوضوء .

وفي الوسائل بعد قوله على الوضوء لفظة الحديث الظاهر في ان له بقيّة ولكنّه كما روجع إلى الوافي لا يرتبط بما هو مورد الاستدلال فالتقطيع في مورده وهذه الرواية كما ترى تفصّل بين حال الوضوء والفراغ عنه بالاعتناء بالشكّ في حال الاشتغال والمضي بعد الفراغ في خصوص ما سمّى اللّه وهو الغسلات والمسحات غير الموالاة والترتيب المستفاد من الروايات .

ومنها: رواية(1) ابن أبي يعفور عن أبي عبدآللّه علیه السلام قال: إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكّك بشيء إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه .

وقوله: ( وقد دخلت في غيره ) لو كان المرجع هو الوضوء فيوافق الرواية الأولى من عدم الاعتناء بالشكّ بعد الفراغ ويحتمل كون المرجع هو الشيء . المراد بغيره هو غير الشيء مطلقا سواء كان من الصلاة أو الوضوء فتخالف الاولى ويبعد كون من الوضوء قيدا للشيء حتّى في غيره كي يكون المراد بالغير غير هذا الشيء

مفاد الروايات

ص: 525


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .

من الوضوء سند كون من الوضوء بيانا للشيء وجعل الشيخ رحمه الله هذه الرواية موافقة

لروايتين صدر بهما روايات الباب احداهما قوله علیه السلام (1) اذا خرجت من شيء

ودخلت في غيره فشكّك ليس بشيء ثانيتهما رواية إسماعيل(2) بن جابر عن أبي

عبداللّه علیه السلام قال: إن شكّ في الركوع بعد ما سجد الخ وذيلها موافق لما في الموثقة(3) ( كلّما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو ) نظرا إلى عدم اعتبار الدخول في الغير بخلاف الصدر فان ظاهره اعتبار ذلك الا ان مساعدة الشيخ رحمه الله فى ما قال لا يساعدها الرواية فان صدر الموثقة لابن أبي يعفور(4) ( إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره لو لم يكن ظاهرا في اعتبار الدخول في غير الوضوء فلا أقلّ من الاجمال فلا تصلح سندا لشيء فيفسره الرواية الاولى من زرارة التي صدرنا بها ما ذكرنا من الروايات خصوصا وذيل هذه الموثقة لا يناسب إلاّ بعد الوضوء لا اجزاءه حيث ان بعد الوضوء يمكن أن يحصل الشكّ للانسان في ترك جزء أو شرط فيمضي كما دلّ عليه قوله علیه السلام فيما سمعه محمّد بن مسلم(5) كلّما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكرا فامضه ولا اعادة عليك فيه . بخلاف اجزائه فان حين الاشتغال بالجزء لا معنى للشكّ فيه كي يقول إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه لامكان تقدير أو ظهور هذه الفقرة في محلّ الشيء لا اشتغاله خصوصا مع سهولة تصوّر الشكّ في غسل الوجه بعد اشتغاله

ص: 526


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . الوسائل 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .
3- . وسائل الشيعة 8 الباب 23/3 من أبواب الخلل في الصلاة .
4- . الوسائل 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .
5- . الوسائل 1 الباب 42/6 من أبواب الوضوء .

بغسل اليد ) .

ومنها: رواية بكير بن أعين(1) قال: قلت له: الرجل يشكّ بعد ما يتوضّأ قال هو حين ما يتوضّأ اذكر منه حين يشكّ . وظاهر هذه ان الذكر والالتفات والتوجّه إلى العمل حاصل للمشتغل به في أثنائه وكذا للمتوضى يبقى صورة العمل بعد الفراغ منه لكنّه حين العمل اذكر والالتفات إليه أكثر . واستدلّ بعضهم بهذه الرواية

على اعتبار ارادة المريد لتمام أجزاء العمل وخصوصيّاته كان يغسل جميع أجزاء يده في الوضوء فلو كان شكّه في وضوئه من ناحية وصول الماء بنفسه من غير ارادته وادارته فلا مجال للتمسّك بالقاعدة .

توضيح وتتميم: أشرنا إلى استظهار الشيخ قدس سره من روايتين(2) تقدمتا اعتبار الدخول في الغير في عدم الاعتناء بالشكّ وكذا الرواية(3) التي نقلها بعد

ذلك باعتبار صدرها لكن الذيل جعله موافقا للموثقة(4) إلاّ انا ذكرنا ان الموثقة الثانية التي نقلها الشيخ وجعل ذيلها كذلك اما ظاهرة في اعتبار الدخول في الغير أي غير الوضوء أو مجمل ويفسرها الرواية الاولى التي نقلناها من زرارة فيشرحها لرفع اجمالها واعترف الشيخ بعد ذلك بكونها تمام ما وصل إليهم من الأخبار العامّة غير المختصّ ببعد العمل بل يعمّها وغيرها الا ان لما ذكرنا من الروايات معارضا في الأخبار الآخر كرواية زرارة(5) قلت لأبي عبداللّه علیه السلام رجل

ص: 527


1- . الوسائل 1 الباب 42/7 من أبواب الوضوء .
2- . وسائل الشيعة 8/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
3- . الوسائل 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .
4- . الوسائل 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .
5- . وسائل الشيعة 8/3 من أبواب الخلل في الصلاة .

شكّ في الأذان وقد دخل في الاقامة قال يمضي قلت رجل شك في الأذان والاقامة وقد كبّر قال يمضي قلت رجل شكّ في التكبير وقد قرء قال يمضي قلت: شكّ في القرائة وقد ركع قال: يمضي قلت: شكّ في الركوع وقد سجد قال: يمضي على صلاته ثمّ قال: يا زرارة اذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشككت فليس بشيء .

وحيث ان ما ذكرنا من الروايات لم تلغ الشكّ في حين العمل بل اعتنت بشأنه والزمت العمل على مقتضى ذلك بخلاف هذه الرواية فانّها اكتفت في أجزاء الصلاة بمجرّد الدخول في الغير المذكور فيها وإن كان لم يذكر فيها النيّة والتشهّد والقنوت وفصول الأذان والاقامة أيضا من مصاديق الغير لكن الظاهر ان ذلك لا يضرّ بورودها توطئة للكبرى الكليّة الملقاة إلى زرارة بعد ذلك في ذيلها لأن هذا الترتيب للركعة الاولى كما انه لا يضرّ في فرض عموم الكبرى لاجزاء القرائة والتشهّد كون المذكورات في الرواية من أبواب الصلاة التي ربما يقال كما عن الشهيد اعتبار الدخول في باب آخر لعدم الاعتناء بالشكّ وإلاّ ففي أجزاء الباب كالقرائة لابدّ من الاعتناء .

وعلى ما ذكرنا يمكن رفع الاشكال بناءً على عدم اندكاك أجزاء المركّب الاعتباري في وحدتها الاعتباريّة فتعدّ مجموعا عملاً واحدا ولذا يلزم في عدم الاعتناء بالشكّ الدخول في غير العمل كما اعتبر كذلك في الوضوء بل لو خط كلّ جزء من أجزائها بحيال نفسه وبلحاظ قبل تعلّق الأمر به لأن كلّ واحد من هذه الأجزاء الصلاتيّة مثلاً من مقولة لا ترتبط بغيرها فلا وجه لعدّها شيئا واحدا ويحمل الشيء الوارد في الرواية عليه فان ذلك إنّما يتمّ في المعاجين والمركّبات

اعطاء الكبرى الكلية لزرارة

ص: 528

الخارجيّة التي اندكّت خصوصيّة كلّ جزء من أجزائها في المجموع المركّب وركبت شيئا واحدا له خاصيّته مثل ما يكون له مراج لا مثل السكنجبين الذي مثلاً لم يحدث من تركيب جزئيه مؤثّر ثالث ينافي خصوصيّة جزئيه .

وعلى هذا فيكون ما ذكر طيّ رواية زرارة على القاعدة وينطبق على تلك الكبرى ويرتفع الاشكال ويكون الخارج عن هذا العموم المستفاد من ذلك خصوص باب الوضوء ويلحق باب التيمّم والغسل والحج بباب الصلاة إذا شكّ في شيء منها قبل الفراغ وهذا بخلاف ما إذا قلنا ان المركب الاعتباري كالمركّب الخارجي وإنّما يخرج من ذلك بدليل والشارع حيث جعل قاعدة الفراغ عامّة لجميع الأعمال من العقود والايقاعات والعبادات ومقتضاه عدم الاعتناء بالشكّ بعد الفراغ والدخول في الغير وإنّما تصرف تعبّدا في باب الصلاة بجعله الأجزاء من الغير الذي قلنا انه لابدّ من كونه مخالفا لأصل الصلاة فاكتفى بهذا القدر .

والحاصل: ان للغير مصداقين: مصداق تكويني ينطبق عليه جميع الأشياء والأمور الشرعيّة التأسيسيّة والامضائيّة ومصداق تعبّدي بتصرّف الشارع في الغير وعلى ذلك فباب الوضوء يكون على وفق القاعدة ويلحق به باب التيمّم والغسل والحجّ وغير ذلك بالنسبة إلى الشكّ في أجزائها حين الاشتغال بالعمل الا انّه على ما ذكرنا لا يتوجّه الاشكالات الخمس المتوجّهة إلى المحقّق النائيني الذي نقلنا عنه ذلك التقريب .

تتميم: قد تقدّم ذكر رواية زرارة(1) وقد اشتملت على قطعات وأسئلة كلّها من زرارة وبذلك يظهر فساد ما استظهرناه من ذكر الموارد توطئة لبيان الكبرى

ص: 529


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .

ضرورة كون ذلك كذلك لو كان من الامام علیه السلام ابتداءً الاّ انّها كما هو صريح الرواية سؤالات الراوي وهو زرارة وبعد ان سكت عن سؤاله مريداً للسؤال بعد ام لا اعطاه الامام علیه السلام قاعدة كليّة نافعة في غير مقام وهو إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء وحيث ان المناط هو هذه الكبرى الكليّة فلا عبرة بموارد سؤال زرارة بل لو سئل هو عن رجل دخل في القنوت وشكّ في القرائة لأجابه علیه السلام بما أجاب به باقي الفقرات المسئول عنها وكذلك لو سئل عن التشهّد كما يرشد إلى ذلك رواية اخرى(1) واردة في الشكّ في الركوع بعد أن

أهوى إلى السجود وانّه يمضي التي وجّهها المحقّق النائيني القائل بالتصرّف التعبّدي من الشارع في باب الصلاة بعدّ اجزائها غيرا بأنّه أهوى إلى السجود وسجد أو دخل في السجدة .

والحاصل انّه لا عبرة بموارد السؤال حتّى يلتزم بلزوم كون المشكوك فيه من الأبواب لا ما يعمّ أجزائها بأن يكون هذه الموارد قرينة على كون الغير من قبيل ما ذكر في الروايه بل الاعتبار كلّه بالكبرى الكليّة سواء كان الغير ممّا يترتّب على المشكوك أم لا وسواءً كان من الأبواب أو المشكوك كذلك أم لا .

بل لو شكّ في اللّه من اللّه أكبر بعد أن دخل في أكبر أو في ربّ العالمين وشكّ في الحمد للّه فلابدّ من جريان القاعدة لكون ذلك كلّه ممّا تشمله الرواية بلا اشكال وظاهرها اعتبار الدخول في الغير .

وهل الغير ما يترتّب عليه شرعا أو مطلق ما يكون غيرا ومن مصاديق الغير النيّة فلو دخل في الصلاة وشكّ في النيّة فلا مانع من جريان القاعدة كما انّه إذا

مآل القاعدة

ص: 530


1- . وسائل الشيعة 6 الباب 13/6 من أبواب الركوع .

شكّ في ان ما بيده الظهر أو العصر كذلك على ما يبيّن في مورده ومحلّه .

ثمّ انّ المناط الشكّ في الشيء والدخول في الغير بأن خرج عنه والخروج عنه لا يتصوّر فيما إذا شكّ في أصل الوجود إلاّ بارادة الخروج عن محلّه والمضي منه .

نعم في الشكّ في الصحّة بعد أصل الوجود أيضا يرجع إلى الشكّ في ذلك أي الوجود الصحيح فحينئذٍ يقع الكلام في ان المحلّ هل هو خصوص المحل الشرعي وما يكون ظرفا للعمل شرعا أو أعم منه ومن العادي فلو اعتاد بالصلاة في أوّل الوقت جماعة أو باتّباع غسل الجانب الأيمن للرأس والرقبة في الغسل أو الأيسر للأيمن فهل تجري القاعدة أم لا كما إذا شكّ في آخر الوقت انّه صلّى الظهر أم لا فهل يكون مثل خارجه كان دخل حائل أم لا ؟ يشكل الالتزام بذلك وإن مال إليه أو قال به صاحب العروة(1) كما ان رواية زرارة(2) تنطبق على ما أفتى به هو رحمه الله في عدم اختصاص الغير بالأبواب .

تتمّة البحث: قد فرغنا من الجهة الأصوليّة لقاعدة الفراغ والتجاوز ومن المناسب كثيرا التعرّض لمباحثها الفقهيّة حسب ما ينساق إليه الكلام والبحث في ذلك تارة في وحدتهما وتعددهما واخرى في المراد بهما وثالثة في حكم ذلك .

أمّا الجهة الاولى وهي بيان انّه ما المراد من قاعدة الفراغ والتجاوز فلا يخفى ان قاعدة الفراغ تختصّ بالعمل بعد الفراغ منه وقاعدة التجاوز باجزاء العمل وأمّا ما لا تركب له فلا مجرى للقاعدتين(3) فيه أصلاً لاسيّما بناءً على لزوم

ص: 531


1- . العروة الوثقى مسئلة 19 من أحكام الأوقات .
2- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
3- . الصحيح جريان قاعدة الفراغ في الأمر البسيط وكذا في الأجزاء .

الدخول في الغير ولو من جهة استلزام تحقّق معنى التجاوز خارجا للدخول في الغير وإلاّ فمن جهة الجمع بين الأخبار ( إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء )(1) وقوله: ( إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه )(2) كما هو الميزان في المطلق والمقيّد ( وحمل القيد على الغالب خلاف الظاهر ) بل الأصل في ذلك الاحترازيّة كما هو كذلك في ربائبكم اللاتي في حجوركم(3) لو لا القرينة من الخارج . اللهمّ إلاّ أن يقال بكون الاطلاق منصرفا إلى الغالب أيضا .

وأمّا الكلام في وحدتهما وتعدّدهما فيعلم بالبحث عن الجهة الثالثة وهي حكم ذلك وهو المضيّ والامضاء للعمل الذي يشكّ في تماميّته وعدم تماميّته مع العلم تفصيلاً بالتكليف إلاّ ان في مقام الفراغ والاسقاط جعل له الشارع القاعدة وهي اما جعل البدل أو رفع اليد عن الأمر وتقييد المأمور به في حق مثل هذا الشخص بغير ما لم يأت به ممّا تجاوز عنه وفرغ منه ناقصا حيث ان مقتضى ما تقدّم عدم الاعتناء بالشكّ بعد الفراغ والاعتناء به في ما إذا لم يتجاوز محلّه لقاعدة

الاشتغال بل والاستصحاب ولازم ذلك انّه لو تذكّر النقص لم يجب عليه التدارك ولا يمكن الالتزام به كما يشكل الالتزام بالقناعة في مقام الامتثال وانّه ما لم يذكر

يكتفي به وهذه القاعدة على خلاف من لا يجوز الترخيص في أطراف العلم الاجمالي فهذا مورد العلم التفصيلي والشارع يرخص .

والأحسن أن يقال ان ذلك جعل الترخيص في ترك المأمور به لا رفع الأمر

ص: 532


1- . الوسائل 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .
2- . الوسائل 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .
3- . سورة النساء: 24 .

والتقييد الدخيل في المأمور به ومتعلّق التكليف أو الوضع عن مجرى القاعدة في صورة مصادفة الخلاف وعدم حصوله منضمّا إلى بقيّة أجزاء العمل وما هو دخيل فيه كما ان جميع الأصول التنزيليّة وغيرها كذلك والشارع رخّص في مواردها ترك التكاليف ومخالفتها لو صادفت هي خلافها .

وعلى هذا فلا فرق بين قاعدة الفراغ وساير الأصول التنزيليّة وهل هنا قاعدة واحدة لها مصاديق وموارد الانطباقات المتعدّدة أو لا ؟ بل المجعول كبريان وقاعدتان أحديهما لتمام العمل وحصول الشكّ في العمل من ناحية عدم حصول بعض شرايطه أو أجزائه وقيوده والاخرى مختصّة بالشكّ في وجود الجزء .

وبعبارة اخرى(1) هل المجعول كبريان مفاد احداهما مفاد كان الناقضة وصحّة المأتي به والاخرى مفادها مفاد كان التامّة وان الشيء أتى به في ظرف الشكّ في وجوده وحيث ان استفادة التعميم لابدّ أن يكون عن دليل شرعي فقد يدّعي رجوع الشكّ في صحّة المأتي به أيضا إلى الشكّ في تحقّق مصداق مفاد كان التامّة وانّه هل وجد مأمور به صحيح مثلاً كي يدخل على ذلك في مصداق الشيء في قوله علیه السلام في الرواية ( إذا شككت في شيء(2) ودخلت في غيره فشكّك ليس بشيء فان حال الصحّة والفساد للمأتي به أيضا يصدق عليه انه شيء كما ان نفس الشيء شيء وأورد عليه اشكالات خمس والعمدة هو امكان الجمع بين هذين المعنيين المتنافيّين مفاد كان التامّة ومفاد الناقصة المستلزم لجعل وجود

المجعول كبرى واحدة أم كبريان

ص: 533


1- . الحق انّهما قاعدتان كما في سؤال المتن مفادهما مختلف .
2- . الوسائل 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء واللفظ اذا شككت في شيء من الوضوء .

الشيء مفروضا بخلاف الآخر .

نتيجة البحث: قد ذكرنا ان القاعدة تجري في الشكّ في وجود الشيء وتحقّقه وهو مفاد كان التامّة وفي صحّته وتحقّقه على ما ينبغي أن يؤتي به وهو مفاد كان الناقصة لو شمل لفظة الشيء في قوله ( إذا شككت في شيء(1) ودخلت في غيره فشكّك ليس بشيء كلا المفادين بلحاظين وفرض الشيء في أحد مصداقيه موجودا وفي الآخر معدوما .

وعن الشيخ قدس سره ارجاع الشكّ في صحّة الموجود أيضا إلى الشكّ في وجود الصحيح فيرجع إلى الشكّ في مفاد كان التامّة وذلك لأن منشأ الشكّ في صحّة الموجود وما أتى به وانطباق ما جييء لأجل حصوله عليه إنّما هو الشكّ في اتيان بعض أجزائه أو حصول بعض شرايطه وإلاّ فلا ريب وجدانا في حصول الشيء فاذا كان كذلك فلا فرق بين الشكّ في أصل الجزء ابتداءً وتحقّقه وعدمه أو الشكّ في الكل وصحّته لرجوعه إلى الشكّ في وجود الصحيح .

وأورد عليه المحقّق النائيني(2) بأن مفاد أخبار القاعدة إنّما هو ثبوت وتحقّق الموجود صحيحا وإنّما هي بصدد اثبات صحّته وما قيل لا يوجب ذلك الابناء على الأصل المثبت من كون تحقّق وجود صحيح موجبا لكون هذا العمل صحيحا .

إن قلت: لا يلزم ذلك بل اللازم إنّما هو فراغ ذمّة المكلّف عن عهدة التكليف وإن لم يثبت صحّة ما أتى به والقاعدة تقتضي ذلك وانّه تحقّق مصداق

ص: 534


1- . الوسائل 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء واللفظ اذا شككت في شيء من الوضوء .
2- . فوائد الأصول 4/620 وما بعده .

صحيح .

وأجاب عن ذلك بأنّ الأمر وإن كان كذلك في التكاليف الا انه لا يتمّ في باب الوضعيّات لأنّ المهمّ ترتّب الأثر على هذا العقد الموجود وتحقّق عقد صحيح لا يلازم صحّة هذا الموجود وترتّب الأثر عليه أو جعله عوضا وبدلاً عن العقد الصحيح .

ولا يخفى ما في ذلك لأنّه كلّ ما كان مفاد أخبار القاعدة وعلى أيّ نحو انطبق على القواعد إمّا في باب التكاليف بجعله بدلاً أو قناعة في مقام الامثتال أو التقييد للتكليف أو التوسعة للوضعيّات بالنسبة إلى من يشكّ في صحّة ما أتى به وتحقّق المصداق الصحيح منه أو الجزء أو الشرط اللازم الاتيان به الا ان القناعة في مقام الامتثال ليس من شأن الشارع لرجوعه إلى التصرّف في مقام الامتثال ولا ربط له بالشرع ضرورة لزوم كون ما يرفع أو يجعل أثرا شرعيّا وقابلاً للجعل والرفع وذلك ليس كذلك وكذلك كلّ ما يكون مثل القناعة راجعا إلى مقام الامتثال فلابدّ من جعل البدل وكون هذا المأتي به مقام المأمور به الواقعي في ترتّب الأثر والترخيص في ترك الواقع في هذا الحال لو صادف الترك واقعا أو التقييد وكون مفاد الأخبار كمفاد حديث الرفع الا ان ذلك لا يمكن الالتزام به لعدم كون لسان هذه الأدلّة نظير لسان أدلّة الرفع فاما أن يجعل في مقام الواقع في ترتّب الأثر واما أن يرخّص في ترك الواقع وإمّا أن يتعبّد بالمصداق مع بقاء الأمر الأوّل على حاله .

غاية الأمر لزوم الاعادة إذا انكشف الخلاف نظير باقي الأصول الظاهريّة من التنزيلية وغيرها .

ولا يخفى انه بناءً على كونه من التقييد للواقع لا معنى لانكشاف الخلاف

جريان القاعدة في الوضعيّات كالتكليفيّات

ص: 535

والاعادة الا أن يكون لخصوص هذا الشخص في هذا الحال .

وكيف كان فكلّما قلنا في باب التكاليف لابدّ من الالتزام به في باب الوضعيّات سواءً طابق ما اريد اثباته من صحّة هذا الموجود أم لا . بل أفاد وجود عقد صحيح مثلاً الذي لا يفيدنا من حكم الشارع بترتيب أثر العقد الصحيح على هذا العقد .

وعلى هذا فيكون مفاد القاعدة كساير الأصول فانّها لو لم تكن أعلى منها فلا أقل من كونها مثلها من الاستصحاب والبرائة أو جعل هذا السبب الناقص مقام السبب التام لا بمعنى جعل السببيّة كما تقدّم منعها في الوضعيّات لما تحقّق من عدم كون السببيّة كالمانعيّة والشرطيّة والجزئيّة مجعولة بل بمعنى حكم الشارع بتحقّق المسبب والمشروط وترتيب المسبّب عند تحقّق السبب وإلاّ فليست السببيّة قابلة للجعل كما انّها ليست بأمر تكويني بل يجعل وينشئ الشارع المسبّب والمشروط وغير ذلك عند تحقّق ما ذكرنا والمقصود مجرّد اشارة إلى ذلك وإلاّ فقد تقدّم تفصيله في بحث أحكام الوضع .

فتحصّل ممّا ذكرنا عدم الفرق بين أن يكون مجرى القاعدة الوضعيّات أو التكليفيّات لوحدة لسانها ومؤدّاها في الجميع وما ذكره المحقّق النائيني واستشكل في الوضعيّات لاينبغي الالتفات إليه بعد وضوح عدم الفرق في مؤدّى هذه الأخبار ( لا يخفى ان مقصود المحقّق النائيني(1) المجادلة مع الخصم لا انّه بصدد قبول هذا في التكاليف دون الوضع فتدبّر في المقام ) .

لكن التحقيق في رفع الاشكال أن يقال ان المستفاد من الأخبار قاعدة

ص: 536


1- . فوائد الأصول 4/621 .

واحدة وهي المضيّ عند الشكّ في تحقّق الشيء بلا فرق بين أن يكون جزءا أو شرطا أو نفس المركب والكلّ وان الشكّ في الكل أيضا مرجعه إلى الشكّ في الوجود ولا احتياج إلى الجمع بين مفادي كان التامّة والناقصة في الشيء بل الشيء يشمل كلا الموردين لرجوع الشكّ في صحّه الموجود والكل الى الشكّ في تحقّق شرط أو جزء انيط صحّة الكل به وإنّما هذا الشكّ ينشأ من ذلك فاذا جرى الأصل في السبب يرتفع موضوع الشكّ المسبّبي ولو لم يرتفع أيضا لا نحتاج إليه بعد تحقّق المصداق وحصول المركّب جزء بالوجدان بالنسبة إلى غير الجزء والشرط المشكوك وهو بالأصل .

فاذا شككنا في تحقّق الستر الذي هو شرط في الصلاة من أوّلها إلى آخرها فلا مانع من اجراء القاعدة لحصوله والصلاة بالوجدان مأتي بها خصوصا اذا لم نعتبر كون الشاكّ ملتفتا إلى أجزاء العمل والتصدّي لخصوصيّاته حين ابتداء العمل لاتيانه وإلاّ ففيما إذا ذكر كونه متستّرا في أوّل الصلاة وكذلك بالنسبة إلى ساير القيود جزءا أو شرطا وذلك لكون الشيء شاملاً له بل نقول بجريان القاعدة في كلّ ما يكون مصداقا للشيء مع مساعدة العرف كالآية والكلمة بعد الدخول في الكلمة اللاحقة ولا يرد اشكال اثبات القاعدة لصحّة مجموع العمل لاندفاعه بكون جريان القاعدة إنّما هو لاثبات المشكوك على ما هوينبغي أن يؤتى به بقيوده وحدوده كما إذا شكّ في التشهّد بعد الدخول في الغير وتيقّن باتيان باقي أجزاء الصلاة وإلاّ فيلزم لغويّة القاعدة وعدم ترتّب أثر على جعلها وهو كما ترى . بل لا مانع من اجرائها في نفس أجزاء الكلمة الواحدة لو ساعد العرف على كون المشكوك مصداقا للشيء للشكّ في تحقّق الموالاة المفوّتة للكلمة أو لتحقّق إيّاك

جريان قاعدة التجاوز في أجزاء الصلاة

ص: 537

بفتح الهمزة أو بكسرها بعد لزوم الاتيان بها مكسورة .

والحاصل ان ذلك كلّه لا مانع من كونها موردا ومجرى للقاعدة وأمّا في السبب لو كان مثل الموالاة استفيد من الأدلّة كونها واجبة أو في المسبّب لو لم تجر في السبب لرجوع الشكّ إلى تحقّق الوجود على ما بيّنّا وذلك كلّه إذا دخل في الغير سواء الغير اللاحق أو اللاحق للأحق وهكذا هذا كلّه .

لكن الكلام والاشكال في ان الظاهر من الأخبار عد الاجزاء من الصلاة شيئا وإن كانت اجزاء المركّب بخلاف الوضوء فعدّ كلّه عملاً واحدا فلابدّ من العلاج على تقدير تحقّق المعارضة .

نتيجة واستنتاج قد قرّبنا اتّحاد القاعدتين أي اتّحاد ما يستفاد جعله من القاعدة من الأخبار الواردة في الباب وأورد على ذلك بخمسة وجوه:

الأوّل: ان اتّحاد القاعدتين يستلزم لحاظ الشيء بسيطا ومركّبا بمعنى جعل الوجود في صورة حاصلاً ممهّدا لشيء آخر وفي أخرى لا كذلك بل إنّما هو في نفس الوجود ولا يمكن الجمع بينهما في كبرى واحدة كما هو مدّعى اتّحاد القاعدتين وما هو المستفاد من أخبار الباب .

والثاني: اندراج الجزء من العمل كالركوع في كلّه من حيث انه عمل واحد له أجزاء تركيبيّة اعتباريّة اندكاكيّة في جنب لحاظ الكل فلا يمكن بهذا اللحاظ لحاظ الأجزاء بحيالها .

فالمراد من الشيء في قوله(1) إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه أو إذا

ص: 538


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .

شككت(1) في شيء ودخلت في غيره وأمثال ذلك من أدلّة الباب إمّا أن يكون بالنسبة إلى المركّبات الاعتباريّة وهو الكل وأمّا هو الاجزاء فعلى الأوّل تختصّ بقاعدة الفراغ عن مجموع العمل وعلى الثاني يصطلح عليه قاعدة التجاوز ولابدّ في هذا الاشكال من ضمّ كون الفرق مفهوما بين الجزء والكل ملحوظا في مفهوم الشيء والاّ فلو كان ما ذكر واشير إليه من خصوصيّة الكلّ والجزء من الخواص لمصداقيّة الشيء التي لا ربط لها بلحاظ المفهوم وسيعا أو ضيّقا فلا يتمّ كما هو واضح .

الثالث: لزوم التناقض في مدلول الأخبار مع فرض شمول الشيء للكلّ كما يشمل الجزء ومورد التناقض هو جزء العمل حيث ان مقتضى دخوله في الغير بالنسبة إليه لابدّ من الجواز وعدم الاعتناء ومن حيث انه جزء للمركّب ولم يتجاوز عن محلّه فيدخل في عموم قوله ( إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه )(2) ولابدّ من الاعتناء فلو كان هناك أظهر وظاهر ليمكن الجمع العرفي فهو وإلاّ فيلزم التعارض كما ذكرنا .

الرابع والخامس: ان التجاوز في جزء العمل كالركوع والتشهّد إنّما يتحقّق بالتجاوز عن محلّ الجزء المشكوك فيه بخلاف الكلّ فان التجاوز إنّما يتحقّق فيه بالتجاوز عن نفس العمل وأيضا متعلّق الشكّ في الجزء هو نفسه بخلاف الكل فانّه ليس مشكوكا فيه بل المشكوك بعض أجزائه أو حصول بعض شرايطه ولا يتمّ هذان إلاّ بضميمة ما ذكرنا في الاشكال الثاني من لزوم لحاظ ذلك في مفهوم

اشكالات اتّحاد القاعدتين

ص: 539


1- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة واللفظ إذا خرجت من شيء إلخ .
2- . الوسائل 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .

التجاوز كي يلزم ما تعقب هذا الاشكال وفي مفهوم الشيء كي يلزم المحذور المتعقّب لقولنا أيضا .

والحاصل ان الكلّ ظرف الشكّ والجزء متعلّق الشكّ ولا يخفى ان

الاشكالات حيث أوردت على تقدير وحدة الكبرى فلابدّ من الكلام في استفادة الوحدة والتعدّد وأيضا ان بناء الاشكالات على ذلك فلو التزم بتعدّد الكبرى ارتفعت والتزم بعض الأعلام(1) بتعدّد الكبرى في هذا المورد ولم يلزم عليه شيء منها وجمع المحقّق الهمداني بكون المستفاد من الأخبار هو عدم الاعتناء بالشكّ بعد تجاوز محلّه والشيء يشمل الأجزاء غاية الأمر خرج باب الوضوء بالتعبّد الشرعي فلابدّ في الشكّ في أثنائه من الاعتناء والعمل على ما يقتضيه القاعدة والأخبار وان باب الصلاة على وفق القاعدة فان شكّ في الركوع أو السجود أو غيرهما من أجزائها وقد دخل في غيره اللاحق وحدث الشكّ حينئذٍ أو بعد ذلك فلا يعتني به لانطباق أخبار الباب على ذلك وعكس هذا المعنى المحقّق النائيني قدس سره (2) وادّعى ان المستفاد من أخبار الباب إنّما هو قاعدة واحدة كما هو مدّعى المحقّق الهمداني غاية الأمر ان باب الصلاة إنّما خرجت بالتعبّد حيث ان المراد من الشيء لو فرض في باب المركّبات هو العمل باللحاظ التركيبي لا أجزائه قبل التركيب كما يدّعيه المحقّق الهمداني ثم¨ أجاب عن الاشكالات على

ص: 540


1- . بل هو مختار جمع منهم المحقّق السيّد الحكيم أعلى اللّه مقامه على ما يظهر كلامه في مسائل الشك في الوضوء في المستمسك شرح المسئلة 45 فصل شرايط الوضوء والسيّد المحقّق البجنوردي قدس سره في القواعد الفقهيّة 1/269 وما بعده في قاعدتي التجاوز والفراغ وشيخ مشايخنا الآقا ضياء العراقي . نهاية الأفكار 4/291 وكذا السيّد الجليل الخوئي قدّس أسرارهم . مصباح الأصول 48/335 .
2- . فوائد الأصول 4/623 - 624 .

هذه الدعوى إلاّ انّه قد ذكرنا الجواب عن الاشكال الأوّل سابقا وان مرجع الشكّ في صحّة الكلّ هو الشكّ في نقصان شرط أو فقدان جزء فاذا كان الشّك السببي موردا للقاعدة مجرى لها فلا موقع للشكّ المسبّبي ولا يلزم استعمال الشيء بلحاظيه الاستقلالي والاندكاكي في الاشكال الثاني كما هو مبنى الاشكال وكذا لا يبقى مورد للتناقض وأن يكون جزء العمل موردا للتعارض . وبما ذكرنا أيضا يعرف وجه اندفاع الاشكالين الأخيرين في كون متعلّق الشكّ في الجزء هو نفسه بعد التجاوز عن محلّه بخلاف الكل فانّه ظرف للمشكوك بعد التجاوز عنه نفسه .

والحاصل انّه لو كان المركّب الاعتباري كالمركّب الخارجي والمعاجين

الخارجيّة كي يزول أثر كلّ جزء باستقلاله ويتحصّل حقيقة خارجيّة مؤلّفة مركّبة واحدة لها خاصّة وأثر خاص كان لما ذكر في الاشكال الثاني وجه وإلاّ فقد عرفت عدم ورود الاشكال أصلاً غاية الأمر لابدّ من رفع الاشكال في رواية زرارة(1) الواردة في باب الوضوء وموثقة ابن أبي يعفور(2) حيث ان باب الصلاة

لوحظ فيه الأجزاء أعمالاً مستقلّة بخلاف باب الوضوء فلابدّ اما من الالتزام بوحدة الكبرى في البابين وتخصيص المورد والأخذ برواية باب الصلاة أو برواية باب الوضوء أو يكون المراد من الشيء في رواية باب الوضوء هو المركّب لا ما يشمل الأجزاء وفي باب الصلاة الأعم فيبقى ما لا يدخل تحت أحد الموردين خارجا عنهما فلابدّ من الالحاق إمّا بهذا أو ذاك كباب التيمّم والغسل والحج والمعاملات الا انّه قد ذكرنا سابقا وجه الجمع بينهما وأن يكون رواية زرارة(3)

ص: 541


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/1 من أبواب الوضوء .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .
3- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/1 من أبواب الوضوء .

مفسّرة لأحد الخبرين من حيث اجماله واحتمال أن يكون من في قوله ( إذا شككت في شيء في وضوئك وقد دخلت في غيره )(1) بيانيّة ويحتمل أن يكون تبعيضيّة ويوافق أخبار باب الصلاة فيفسّرها رواية زرارة المفصّلة المتقدّمة ويأتلف أخبار الباب فراجع ما ذكرنا أوّل البحث .

تتميم وطور آخر من البيان: أنكر المحقّق الهمداني(2) استفادة الكبرى الكليّة في باب الصلاة بخلاف باب الوضوء وقد عرفت مؤدّى خبر زرارة(3) المفصّلة الواردة في باب الوضوء وكذا ما تقدّم من روايته في باب الصلاة وان ظاهر بل صريح الاولى اعتبار الشكّ في أثناء الوضوء مادام لم يفرغ ولم يقم منه وان الثانية تدلّ على عدم الاعتناء بالشكّ في اجزاء العمل إذا كان في أثنائه بناءً على كون ما في ذيل كليهما كبرى كلية فيتخالف مدلول الكبريّين في خصوص الشكّ أثناء العمل إلاّ ان كلتا الطائفتين متّفقتان في عدم اعتبار الشكّ بعد الفراغ .

أمّا رواية زرارة(4) الواردة في باب الوضوء فظاهر وأمّا رواية الصلاة(5) فبالأولويّة حيث ان الشكّ في جزء العمل لو تجاوزه لم يعتبر ويعتن به فبالاولى بعد الفراغ عن العمل وصار في حال اخرى وعلى تقدير عدم استفادة الكلية من قوله ( إذا شككت في شيء ثمّ دخلت في غيره فليس بشيء في رواية الصلاة

كلام المحقّق الهمداني

ص: 542


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .
2- . مصباح الفقيه 3/181 .
3- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/1 من أبواب الوضوء .
4- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/1 من أبواب الوضوء .
5- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة واللفظ: إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكك ليس بشيء .

وقوله في ذيل رواية باب الوضوء ولا يخفى انه ليس لخبر زرارة(1) في باب الوضوء ما يمكن أن يدّعي فيه الكبرويّة وإنّما هو في موثق ابن أبي يعفور وهو قوله ( إذا شككت(2) في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكّك بشيء إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه ) وهذا يمكن استفادة قاعدة التجاوز منه بناءً على كون شيء من الوضوء بعض أجزائه ومن تبعيضيّة والمراد بالغير غير ذلك الجزء فاذا كان في غسل اليدين وشكّ في غسل الوجه فمقتضى ما ذكرنا عدم الاعتناء به فيخالف رواية زرارة(3) من الاعتناء بالشكّ في أثناء الوضوء لكنّه على تقدير عدم استفادة الكليّة فيعمل بكلتا الروايتين كلّ في بابها فرواية الوضوء يعمل في بابه وكذا رواية الصلاة(4) ويبقى باقي الأبواب من التيمّم والحج والعمرة والغسل على مقتضى القواعد الأوّليّة من الشكّ في الامتثال الموجب للزوم الاتيان والاعادة أداءً لحقّ الاشتغال فاذا كان الفاصلة بين الرأس والرقبة وما بين الطرف الأيمن في الغسل كثيرا بحيث يمكن أن يستند إليها في كون غسل الرأس والرقبة عملاً مستقلاً فلا دليل يعتدّ به يدلّ على الجواز والمضيّ وعدم لزوم الاعادة إلاّ انّه يمكن كون من في رواية ابن أبي يعفور(5) بيانيّة أو تبعيضيّة لكن المراد بالغير ومرجع الضمير هو الوضوء ومعنى الرواية على هذا .

( إذا شككت في شيء من أجزاء الوضوء وقد دخلت في غير الوضوء فلا

ص: 543


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/1 من أبواب الوضوء .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .
3- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/1 من أبواب الوضوء .
4- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
5- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .

يعتني بشكّك ويكون المراد من قوله إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه في مورد الوضوء ( إذا كنت في شيء من أجزائه لم تجز ذلك الغير ومحلّه حيث انّه لا معنى لرجوع الضمير إلى نفس الشيء ضرورة عدم معنى للشكّ في غسل الوجه مع كونه فيه وانّه جازه كي لا يعتني بالشكّ فلابدّ من ارادة الغير من مرجع الضمير وحينئذٍ فيصير المعنى إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجز ذلك الغير لا ذلك الشيء واستحسن سيّدنا الأستاذ قدس سره ابدال قوله إنّما الشكّ في رواية ابن أبي يعفور(1) بقوله لأنّ الشكّ كي يرتبط كثيرا بالمقام ويصلح تعليلاً له فتدبّر .

تتميم وتذكرة: قد تقدّم ذكر رواية زرارة(2) قال علیه السلام ( إذا كنت قاعدا على وضوئك فلم تدر أغسلت ذراعيك أم لا فأعد عليهما وعلى جميع ما شككت فيه انك لم تغسله وتمسحه ممّا سمّي اللّه ما دمت في حال الوضوء فاذا قمت من الوضوء وفرغت منه وقد صرت في حال اخرى في الصلاة أو في غيرها فشككت في بعض ما سمى اللّه ممّا أوجب اللّه عليك فيه وضوئه لا شيء عليك فيه فان شككت في مسح رأسك فاصبت في لحيتك بلّة فامسح بها عليه وعلى ظهر قدميك وإن لم تصب بللاً فلا تنقض الوضوء بالشكّ وامض في صلاتك وإن تيقّنت انك لم تتمّ وضوئك فأعد على ما تركت يقينا حتّى تأتي على الوضوء الحديث .

وقوله فان شككت في مسح رأسك الخ حملوه على الاستحباب كما انه في بعض الروايات الاخر كان الامام علیه السلام جعل برد الماء على الموضع علامة لغسله فلا يعتني بالشكّ فيه .

مفاد رواية زرارة في الوضوء

ص: 544


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/1 .

فعن الواسطي(1) عن بعض أصحابه قلت لأبي عبداللّه

علیه السلام: جعلت فداك اغسل وجهي ثمّ اغسل يدي فيشكّكني الشيطان اني لم أغسل ذراعي ويدي قال: إذا وجدت برد الماء على ذراعيك فلا تعد .

وقد تقدّم سابقا بعض الكلام أو عمدته في رواية زرارة(2) وعرفت دلالتها على اعتبار الشكّ في أجزاء الوضوء مادام في حاله قاعدا عليه .

نعم إذا فرغ منه وقام عنه وصار في حال اخرى فلا يعتني بالشكّ إلاّ في خصوص مسح الرأس من ذيل الرواية وعرفت الكلام فيها ( بل نفس الذيل فيه امارة الاستحباب حيث انه جعل لزوم المسح على الرأس والرجلين دائرا مدار وجود البلّة في اللحية وهو كما ترى ليس إلاّ للاستحباب وكذا عرفت الكلام في موثقة ابن أبي يعفور على ما يوافق هذه الرواية وكذا على مخالفتها وعرفت كيفيّة ذلك فيهما .

وهناك روايات آخر(3) منها: موثقة سماعة عن الباقر علیه السلام: ( كلّما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو ) .

وقال الصادق علیه السلام في رواية اخرى(4): ( كلّما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكرا فامضه ولا اعادة عليك فيه ) ويمكن حمل من في هذه الأخيرة على التبعيض وعليه يكون مقتضاها عدم الاعتناء بالشكّ في جزء العمل من الصلاة والطهارة بأقسامها لعموم الطهور لها من الغسل والوضوء والتيمّم إذ المراد بقوله

ص: 545


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/4 .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/1 .
3- . الوسائل 8 الباب 23/3 من أبواب الخلل في الصلاة والرواية عن محمّد بن مسلم .
4- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/6 من أبواب الوضوء .

فذكرته تذكرا احتملته احتمالاً أي احتملت اتيانه ومن المعلوم ان ذلك في مورد الشكّ فأمر بالامضاء وعدم الاعادة فيستفاد منه قاعدة التجاوز في الصلاة والوضوء ويمكن حمل من على البيانيّة وعليه فالمراد والمستفاد هو قاعدة الفراغ فاذا شكّ في اتيان جزء من أجزائها أو قيد من قيود الصلاة أو الطهارة فيمضي ولا يعيد وعلى هذا المعنى لا ينافي هذه الرواية رواية زرارة(1) المتقدّمة لأن موردها بعد الفراغ ومورد تلك في أثناء العمل ولم يدخل في غيره أي غير الوضوء كما انّه بناءً على احتمالها لكون المراد منها الشكّ في اتيان اصل الصلاة والطهور .

والمراد من قوله كلّما مضى من صلاتك أي مضى عن وقته أو مضى وقته كأنّه يشكّ بعد المغرب انه صلّى الظهر أو العصر أم لا فيمضي ولا اعادة عليه لأنّه ذكره تذكّرا .

أمّا دعوى كون المستفاد منها قاعدة الفراغ في الأجزاء لو ثبتت بتقريب ان قوله كلّما مضى من صلاتك(2) المراد بالموصول الجزء منها ومن للتبعيض كما إذا يشكّ في الركوع بعد أن دخل في السجود في انه اتى بالركوع صحيحا أم لا وهذا المعنى مستلزم لليقين بالاتيان والشكّ في الصحّة ولا يرتبط بما إذا شكّ في أصل الوجود مدفوعة برجوع الشكّ في الصحّة أيضا إلى الشكّ في الاتيان كما ذكرنا سابقا وقوله فذكرته تذكّرا مطلق سواء كان التذكر بعد الدخول في اللاحق أو في الجزء الأخير أو بعد الفراغ من الصلاة والطهور أو بعد أيّام لصدق المضيّ في كلّ ذلك . ثمّ انّه إذا كان المراد بالرواية ما ذكرنا أوّلاً من كون من للتبعيض فيمكن

الجمع بين الروايات

ص: 546


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/1 من أبواب الوضوء .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/6 من أبواب الوضوء .

تطبيق رواية ابن أبي يعفور(1) عليها بأن يكون قوله فيها إذا شككت في شيء من الوضوء المراد بالشيء هو الجزء والغير غير هذا الجزء فمقتضى ذلك المضي وعدم الاعتناء بالشكّ إذا كان قد دخل في غير المشكوك فيوافق هذه الرواية بخلاف قوله: ( كلّما شككت(2) فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو ) لاستفادة قاعدة الفراغ منه وعلى هذا فذيل رواية ابن أبي يعفور(3) ( إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه . الشكّ قبل الدخول في الغير هذا إلاّ انّه يعارض ما ذكرنا على تقدير ظهورها في عدم اعتبار الشكّ في أثناء الوضوء والمضي رواية زرارة المصدر بها البحث وفيها جهات من الدلالة في لزوم الاعتناء بالشكّ في أثناء العمل لقوله مادمت في الوضوء لو قلنا بأن له مفهوما فانّه يكون إذا لم تكن قاعدا بل قائما عنه وفارغا منه وهو منطوق قوله فاذا قمت منه وكذا لو كان لقوله فاذا قمت مفهوم كما هو الظاهر يكون هو منطوق قوله مادمت في الوضوء وإن كان لرواية زرارة(4) اطلاق فيشمل اعتبار الشكّ ولزوم الاعتناء به فيما إذا شكّ في غسل الوجه وهو في مسح الرجل بخلاف رواية ابن أبي يعفور لقوله فيها(5) إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه أي لم تدخل في غيره وفي غسل الوجه قد دخل في الغير فحينئذٍ يتعارض الروايتان إلاّ أن يمنع من ذلك ويقال بعدم ظهور الموثقة فيما ذكر بل موردها الشكّ في أصل الوضوء والدخول في غيره .

ص: 547


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .
2- . الوسائل 8 الباب 23/3 من أبواب الخلل في الصلاة .
3- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .
4- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/1 من أبواب الوضوء .
5- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .

ويوافقها قوله: كلّما(1) مضى من صلاتك وطهورك لكون الظاهر ان من للبيانيّة لكن على هذا تتحقّق المعارضة بين الموثقة لكون قوله إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه أي في عمل لم تجز ذلك العمل كالوضوء ويكون رواية زرارة مفسّرة له وبين رواية زرارة(2) الواردة في باب الصلاة ( يا زرارة إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء ) إلاّ ان كلتيهما أي رواية زرارة في باب الصلاة والموثقة متّفقتان على المضي بعد الفراغ من مجموع العمل وإنّما مورد المعارضة هو جزء العمل في أثنائه وبعد التساقط يكون المرجع هو الأصل العملي وهو الاعتناء بالشكّ إذا لم يكن هناك عام فوق هذا .

ومن الروايات قوله في رواية بكير بن أعين(3) في الرجل يشكّ بعد ما يتوضّأ هو حين ما يتوضّأ اذكر منه حين ما يشكّ وظاهرها الفراغ من الوضوء والتعليل ناظر إلى كونه ملتفتا حين العمل فلعلّه قد أتى ولكن بعد الفراغ نسيه .

فعلى هذا يختصّ بما إذا احرز كونه بصدد اتيان العمل وعدمه من حيث احتمال النسيان لما ابتدء به عن القصد الأوّل .

تتميم: لا يخلو عن تكرار: لا يخفى عدم اشتمال رواية زرارة(4) الواردة في باب الوضوء لكبرى كلية بل إنّما اشتملت على خصوص اعتبار الشكّ في حال الوضوء وانّه مادام في حاله لو شكّ في بعض ما سمّى اللّه عليه يجب عليه الاعادة له ولما يترتّب عليه سواء دخل في الجزء اللاحق له أو لم يدخل مادام في حاله

اختلاف مفاد الروايات

ص: 548


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/6 من أبواب الوضوء .
2- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
3- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/7 من أبواب الوضوء .
4- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/1 من أبواب الوضوء .

ولم يتجاوز عنه إلى حال آخر من صلاة ونحوها .

اما ذيل رواية(1) ابن أبي يعفور فيعطى كبرى كليّة وهي انحصار اعتبار الشكّ فيما إذا لم يتجاوز عن الشيء أي عن محلّه وهذه قاعدة كلية سواء سمّيناها بالتجاوز أو الفراغ ويستفاد منها عدم اعتبار الشكّ بعد الفراغ بالأولويّة حيث ان عدم اعتبار الشكّ بعد الدخول في الغير لو كان مناط القاعدة فبعد الفراغ تحقّق ذلك المعنى بالأحسن وعلى هذا فيوافق رواية زرارة(2) الواردة(3) في باب الصلاة فان المسلم استفادة قاعدة التجاوز في الأجزاء من تلك الرواية وتتحقّق المعارضة بعد استفادة الكبرى من رواية ابن أبي يعفور(4) بينها وبين رواية زرارة(5) الواردة في باب الوضوء ولا اشكال في ذلك لو جاز تخصيص المورد يكون رواية زرارة بالنسبة إلى ذيل الموثقة خاصّا فتخصّصه في خصوص الوضوء فالشكّ مطلقا في حاله معتبر .

وأمّا باقي الأعمال من العبادات الحجّ والعمرة والغسل والصلاة فداخلة تحت الكبرى ولا اعتبار للشكّ في أجزائها في الأثناء بعد تحقّق الدخول في الغير لعدم اشتمال رواية زرارة على كبرى كلية هو اعتبار الشكّ في أثناء العمل كي تعارض الموثقة . هذا .

ويمكن أيضا على تقدير عدم حسن تخصيص المورد وعدم مساعدة

ص: 549


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .
2- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
3- . وهذا عكس ما أفاده في المصباح من عدم استفادة الكلية من رواية باب الصلاة واستفادتها من باب الوضوء هو قاعدة الفراغ .
4- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .
5- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/1 من أبواب الوضوء .

الاعتبار والعرف عليه مع بقاء الكبرى على كبرويّتها وعدم انثلام ظهورها في ذلك تخصيص صحيحة زرارة(1) أي في باب الوضوء بالموثقة(2) حيث ان ما دمت في الوضوء مطلق شامل لما إذا شكّ في غسل الوجه واليدين ودخل في غيره أو لم يدخل فعن هذه الجهة لها اطلاق بخلاف الموثقة فاعتبر الدخول في الغير في الغاء الشكّ فهي بالنسبة إلى تلك مقيّد فيقيد اطلاقها باعتبار الشكّ إذا لم يتجاوز المشكوك ولم يدخل في الغير أمّا إذا دخل فيه وتجاوز المشكوك فلا عبرة بالشكّ وعلى هذا فلا يلزم تخصيص المورد فحينئذٍ لا يستفاد من مجموع هذه الروايات إلاّاعتبار قاعدة التجاوز والفراغ بالأولويّة في كلّ عمل سوى الوضوء وعلى ذلك يمكن تنزيل باقي الروايات الاخر من قوله ( كلّ ما(3) مضى من صلاتك وطهورك الخ ولو لم يكن مستفادا منها ذلك فلا أقل من استفادة قاعدة الفراغ وعدم المعارضة لما استفيد منها أي قاعدة التجاوز .

اللهمّ إلاّ أن يمنع اطلاق قوله مادمت في الوضوء في الصحيحة وكذا لا دلالة لشيء آخر من قوله وعلى جميع ما شككت فيه انك لم تغسله أو تمسحه لدلالة قوله مادمت بالوضع على اعتبار الشكّ إلى الفراغ من الوضوء وليس ذلك بالاطلاق القابل للتقييد كي يقيّده رواية ابن أبي يعفور .

فعلى هذا لا محيص إلاّ عن تخصيص الموثقة(4) وهو أيضا لا يساعد عليه الاعتبار خصوصا بعد عدم ظهور معتدّ به لاحتمال كون من للبيانيّة وللتبعيضيّة

استفادة قاعدة التجاوز

ص: 550


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/1 .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 .
3- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/6 .
4- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .

وعلى تقدير التبعيض يحتمل رجوع ضمير غيره إلى الوضوء كما لا يبعد ظهور من للتبعيض لا البيانيّة وإلاّ لقال إذا شككت في الوضوء ودخلت في غيره والظاهر عدم نكتة في البيانيّة كما في قوله تعالى: « فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ »(1) .

فاذا كان للتبعيض ورجع الضمير في غيره إلى الشيء يفيد قاعدة التجاوز الموافقة لرواية باب الصلاة وإذا رجع الضمير إلى الوضوء على التبعيضيّة أو البيانيّة

فلا يعطى إلاّ عدم اعتبار الشكّ بعد الفراغ والدخول في الغير وحيث ان المورد لابدّ أن يكون من صغريّات الكبرى ومن جزئيّاتها فعلى هذا يكون مفاد الذيل اعتبار الشكّ في أثناء عمل لم يتجاوز عنه كائنا ما كان وعلى تقدير منع الكبرويّة في قوله علیه السلام: يا زرارة(2) إذا شككت في شيء ودخلت في غيره فشكّك ليس بشيء بل إنّما قال الامام علیه السلام ذلك ابتداءً بعد سؤال زرارة عن عدّة اُمور في أجزاء الصلاة وعن مقدّماتها من الأذان والاقامة وسكت فأعطاه الامام علیه السلام قاعدة كليّة وضابطة كذلك لخصوص باب الصلاة وإلاّ فلو سأل زرارة عن الشكّ في فصل من فصول الأذان أو في السورة أو في الحمد أو في غيره من أجزاء الصلاة كلّ ذلك بعد الدخول في اللاحق أو تجاوزه عن اللاحق لاجابه بالمضي وعدم الاعتناء . هذا فلا تدلّ هذه الرواية على أزيد من عدم اعتبار الشكّ في أجزاء الصلاة بعد الدخول في الغير وتحقّق التجاوز ولا أقل من الشكّ ولا ينعقد معه ظهور في العموم فيبقى رواية ابن أبي يعفور(3) ظاهرة بحسب ذيلها في اعتبار الشكّ في الشيء ما لم يتجاوز ذلك الشيء أي ذلك العمل كان يشكّ في وضوئه ولم يجزه أو في

ص: 551


1- . سورة الحج: 31 .
2- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
3- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .

الصلاة .

غاية الأمر بالنسبة إلى باب الصلاة تكون رواية زرارة مخصّصة له كما هو واضح .

ومعنى قوله إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه أي حدوثه تحقّق في حال الاشتغال بالشيء وعدم التجاوز عنه وحينئذٍ فيكون قرينة على صدره وإن المراد بالغير غير الوضوء لا غير المشكوك من الوضوء .

وعلى كلّ فالمتحصّل من مجموع ما ذكرنا استفادة قاعدة الفراغ من الأخبار وعدم استفادة اعتبار قاعدة التجاوز الا في خصوص الصلاة فلاحظ وتدبّر(1) .

واستفادة قاعدة التجاوز وكلية الكبرى منها السارية في جميع الأبواب من الصلاة وغيرها مشكل لصلوح قرينيّة الموجود لكون قوله: يا زرارة إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء في صحيحة باب الصلاة مختصّا بها بحيث لا يتعدّى منها إلى غيرها والشيء تعميم لما لم يتعلّق به سؤال زرارة من الشكّ في السورة والدخول في القنوت والشكّ في السجدة بعد الدخول في التشهّد وهكذا .

نعم قاعدة الفراغ لا تختصّ بباب دون باب لاستفادة الكلية من قوله في موثقة ابن أبي يعفور إنّماالشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه وإن كان يحتمل اختصاص الشيء أيضا باجزاء الوضوء وشرايطه دون مطلق الشيء كي يتعدّى فحينئذٍ لا كبرى في غير بابه فيبقى غير الصلاة والوضوء على مقتضى الأصل من

ص: 552


1- . قد ذكرنا سابقاً تعدد القاعدتين وعموم قاعدة الفراغ للأجزاء أيضاً كما عليه غير واحد من المحقّقين .

الاعتناء بالشكّ للشكّ في الامتثال وفي حصول النتيجة والمسبّب عند الشكّ في تماميّة السبب .

وصحيحة زرارة(1) الواردة في التفصيل في الوضوء بين صورة الفراغ فشكّه لا يعتني به وبين عدم الفراغ فيعتني به ليست مذيلة لكبرى ( وقوله كلّ ما مضى من صلاتك وطهورة فامضه كما هو ) يحتمل القاعدتين التجاوز والفراغ وعلى تقدير كونها للتجاوز فلابدّ أن تخصّص بالنسبة إلى الوضوء بصحيحة زرارة(2) ويبقى الغسل والتيمّم كالصلاة فليعتبر قاعدة التجاوز فيها لكنّه على تقدير الظهور ولو لم يكن قاعدة الفراغ بالنسبة إليه أنسب فلا أقل من الشكّ كما انّه

يمكن ظهور الموثقة(3) في العموم لقاعدة التجاوز والمراد بالشيء كلّ ما يكون شيئا ولو من أجزاء العمل والجواز عنه باعتبار الجواز عن محلّه ومرجع الضمير في غيره الشيء من الوضوء أي جزئه الا ان الظاهر ان صحيحة زرارة(4) إمّا ظاهرة في اختصاص كبراها بباب الصلاة واعتبار التجاوز بالنسبة إلى هذا الباب فقط أو يشكّ في عمومها لغير الصلاة فيبقى بلا دليل .

ولا خفاء في صلاحيّة صحيحة الوضوء لتفسير الموثقة(5) وإن المراد إذا كنت في شيء لم تجزه في عمل لم تتجاوز عنه ولم تفرغ منه وحينئذٍ فيكون الذيل مفسّرا للصدر ويعيّن ان مرجع الضمير هو الوضوء لا جزئه .

تماميّة القاعدتين الفراغ لكلّ عمل والتجاوز للصلاة

ص: 553


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/1 من أبواب الوضوء .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/1 .
3- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 .
4- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
5- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 .

والحاصل ان من ضمّ هذه الأخبار بعضها إلى بعض يتحصّل ما ذكرنا وملخّصه تماميّة قاعدة الفراغ بالنسبة إلى كلّ عمل واختصاص قاعدة التجاوز بخصوص الصلاة أو يقال كما عن المحقّق النائيني قدس سره (1) ان أجزاء الصلاة نزّلت منزلة تمام العمل وعلى هذا المعنى فقد يشكل الأمر في مثل الطواف والسعي والرمي ممّا هي أجزاء للحجّ وليست أعمالاً تامّة .

والظاهر جريان القاعدة بالنسبة إليها فلابدّ في باب الطواف إمّا من التمسّك بالتنزيل المشهور ( الطواف بالبيت صلاة )(2) ويحتمل أن يكون الخبر في الطواف

بالبيت صلاة كما في الجواهر(3) أو الثابت كليهما .

والحاصل لم يجزم بكون التنزيل ثابتا .

وعلى أيّ حال فالنتيجة ما ذكرناه .

نعم بقي الكلام في بيان المجعول في القاعدتين وهل هو تصرّف في مقام الامتثال أو جعل البدل غاية الأمر البدل الطولي أو الترخيص في ترك الواقع لا العزيمة وجوه والمراد بالأوّل هو القناعة في مقام الامتثال بالاحتمالي منه وإن ذلك حكم العقل .

نعم بالنسبة إلى اعتبار الشكّ في الأثناء يكون ارشادا إلى حكم العقل ضرورة لزوم الخروج عن عهدة التكليف بافراغ الذمّة والمراد بجعل البدل أن يكون هذا المأتي به مقام الواقع كائنا ما كان لكنّه ليس في عرض الواقع بل في طوله إلاّ انّه ليس بدلاً مطلقا بل في حال عدم انكشاف الخلاف .

ص: 554


1- . فوائد الأصول 4/624 - 625 .
2- . مستدرك الوسائل 9 الباب 39/2 من أبواب الطواف .
3- . جواهر الكلام 1/14 وفي موضعين استدلّ بالرواية المشهورة 19/270 - 308 .

وعلى الثالث يكون مثل ساير الترخيصات الواردة في الأبواب المختلفة كالشبهة البدويّة غاية الأمر لو لا حكم الشارع بالترخيص لم يكتف العقل بمشكوك الامتثال .

وفي صورة انكشاف الخلاف لابدّ في الاكتفاء بما أتى به من مراعاة المصلحة الباقية وهل هي بنحو يستحب اعادة العمل معها أو يلزم استيفاء المصلحة بتّا بحيث لابدّ من اعادة العمل إلاّ أن يقوم دليل ثانوي على عدم الاعادة مثلاً في غير الأركان وإلاّ فظاهر الدليل يقتضي دخل ما اعتبر فيها على نحو الركنيّة .

هذا كلّه على تقدير تعين الامتثال بتصحيح العمل المورد للبحث الذي وقع الشكّ فيه كما في صلاة الاحتياط ومثل السجدات والتشهّد التي تقضي بعد الصلاة أو لا معنى للقضاء بل تبدّل التكليف بتبدّل المكان فوجب اتيانه بعد السلام ولو في مثل صلاة الاحتياط بعد تخلّل المنافي عند بعض لأنّ الفرض انتقل وتعيّن في خصوص ذلك لكن لا يساعده الدليل إلاّ في ما لم يتخلّل المنافي .

وأمّا لو قلنا بأن ورود الترخيص في أمثال هذه الأبواب نظير موارد العسر والحرج والضرر وأمثالها من العناوين الامتنانيّة كما عن جماعة أو بعض من المتقدّمين المقاربين لعصرنا وان الشارع أجاز ورخّص المكلّف في الاكتفاء بهذا النحو من الامتثال وقنع عنه به تسهيلاً ومنة عليه فلو شاء أن يعيد العمل ولو في باب صلاة الاحتياط يعيد الصلاة التي كان الشكّ فيها سببا لوجوب صلاة الاحتياط فلا وكانّ الآراء قد استقرّت في عصرنا بعدم كونها كذلك أي في ما نحن فيه لا مثل أبواب الحرج والضرر والعسر فقد اكتفى الحاج آقا رضا الهمداني قدس سره (1)

حاصل الجمع بين الأخبار

ص: 555


1- . مصباح الفقيه 6/144 - 145 - 150 وما بعده .

بالوضوء الضرري عن التيمّم ولم يوجب له ذلك لكن قد يشكل بكشف الملاك ولا يبعد كون هذه الموارد نظير التسعة المرفوعة منّة عن العباد لا أن يكون من باب انتقال الفرض وليس كذلك صلاة القصر كي يجوز له الاتمام وإن كان في ذهن الراوي بالنظر إلى الآية الشريفة ( فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة )(1) الخ ذلك .

تنبيه وتذكرة: قد ذكر سيّدنا الأستاذ قدس سره انّه تتبع الأبواب وما وجد خبرا في باب يمكن الاستناد إليه في اجراء قاعدة التجاوز في غير باب الصلاة .

نعم رواية جابر بن إسماعيل(2) يمكن الاستناد إليها في ذلك والظاهر انّها معتبرة ( وصفها في المستمسك بالصحيح ) عن أبي عبداللّه علیه السلام في حديث قال: إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض وإن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض كلّ شيء شكّ مما قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه .

وحيث ان اعطاء الحكم ابتداءً من الامام علیه السلام فيقوى كون الشيء في قوله كلّ شيء مطلق الشيء فيسري في ساير الأبواب من العبادات وغيرها في أثناء العمل إلاّ أن ذلك الاحتمال موجود بعينه هنا ومعه لا مجال لدعوى ظهور الشيء في العموم والاطلاق وليس غير رواية إسماعيل وصحيحة زرارة(3) في باب الصلاة والموثقة(4) ما يمكن كونه مدركا للعموم وقد عرفت تنقيح الكلام فيها والباقي ليس إلاّ في الموارد الجزئيّة وحينئذٍ فحاصل الجمع بين هذه الأخبار ان

ص: 556


1- . سورة النساء: 102 .
2- . وسائل الشيعة 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .
3- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
4- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .

للموثقة(1) عقدا سلبيّا وعقدا ايجابيّا فبالنسبة إلى العقد ( الايجابي ظ ) خرج باب الصلاة حيث انحصار كون الشكّ فيما إذا كان في شيء لم يجزه خصّص بها فليس الشكّ فيها شيئا إذا دخل في اللاحق للمشكوك .

وأمّا بالنسبة إلى العقد السلبي فلم يخصّص بشيء وهو ان الشكّ ليس بشيء إذا كنت جاوزت العمل وفرغت منه وكذلك على تقدير كون الموثقة(2) لاجزاء العمل فبالنسبة إلى الفراغ يدلّ بالأولويّة على عدم الاعتناء والمضي كالصحيحة في باب الوضوء . هذا .

بقي الكلام في نتيجة الأخبار والتعبير في بعضها فامض وليمض وفي اخرى إنّما الشكّ ليس بشيء سواء عمّمنا لمطلق الاجزاء في باب الصلاة أو خصّصناه بالأبواب فامّا أن يكون ذلك تصرّفا في حكم العقل الحاكم بلزوم الفراغ والامتثال ومقتضاه القناعة في مقام الامتثال بالاحتمالي أو يكون تقييد الواقع في صورة مصادفة ترك الواقع بالنسبة إلى ذلك الشخص ورفع الشرطيّة بالنسبة إلى الأجزاء والشرايط الباقية وجعل الباقي هو المأمور به مثلاً في باب الصلاة أو يكون ترخيصا في ترك الواقع .

غاية الأمر ان استمرّ الجهل والاشتباه يكون وافيا بتمام مصلحة المبدل منه وإلاّ فما دام لم ينكشف الخلاف وعلى كلّ حال فلا موجب لكون المجعول القناعة في مقام الامتثال حيث ان الشارع إمّا أن رفع اليد عن هذا الشيء في هذه الصورة أم لا وعلى تقدير عدم رفع اليد لا معنى للقناعة لاستلزامه لرفع اليد فلا يجتمعان

مقتضى الجمع بين الأخبار هل القناعة أو جعل البدل

ص: 557


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .

ولا يبعد أن يكون ترخيصا كما في ساير الأصول مثل الاستصحاب فيكون ما يأتي به بدلاً طوليّا للواقع أو نظير بدليّة ركعتين في صورة القصر للاتمام أربع ركعات وإن كان المصلحة مستوفاة بأيّتهما وهما تكونان محصّلتين لها والمصلحة لا بدل لها .

وما نحن فيه يكون في طول الواقع وبدلاً طوليّا بالفرق بين صورة استمرار الجهل والاشتباه وعدم انكشاف الخلاف فبدلاً مطلقا أو إلى صورة كشف الخلاف فترخيص في تركه إلى هذا الحين .

تنبيه: سبق ذكر الذيل لقاعدة الفراغ من موثقة(1) ابن أبي يعفور باعتبار ذيلها وهنا رواية محمّد بن مسلم(2) والظاهر كما من كتب الحديث والاستدلال

انّها رواية مستقلّة لا ربط لها بغيرها بحيث يكون ذيلاً أو لها متمّم وهي موثقته عن

أبي جعفر علیه السلام ( كلّما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو ) فهذا دليل على قاعدة الفراغ في جميع الأبواب وكلّ ما فرغ منه من عمل من الأعمال وأمّا رواية إسماعيل بن جابر(3) أو زرارة(4) فقد تقدّم عدم ظهورها إلاّ في خصوص قاعدة التجاوز .

تتمة: هل المراد من قول الشارع في مورد قاعدتي الفراغ والتجاوز هو الرخصة أو العزيمة فلا يجوز الاعتناء بالواقع سواء كان في مقام الثبوت ترخيصا في ترك الواقع أو تقييدا له أو جعل الباقي غير المشكوك المصادف للترك بدلاً عن

ص: 558


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .
2- . الوسائل 8 الباب 23/3 من أبواب الخلل في الصلاة .
3- . الوسائل 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .
4- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .

الواقع كما في موارد القصر والاتمام تخييرا .

والحاصل: ان المولى بعد أن فرغ من تشريع التكاليف حسب ما يراه من المصلحة فيتحقّق حينئذٍ موضوع حكم العقل بوجوب الاطاعة وعدم جواز العصيان وترك المكلّف به فرارا عن استحقاق العقاب .

وعلى فرض ورود أمر أو نهي من الشارع في هذا المقام كأطيعوا اللّه ورسوله(1) ليس إلاّ ارشادا إلى حكم العقل لأنّ العقل ما لم يحصل المؤمّن من العقاب واستحقاقه عنده يحكم بلزوم الاطاعة وعدم جواز الترك والعصيان وبعد فرض ان في مورد قاعدة الفراغ والتجاوز يعلم الجزء المشكوك أو العمل المشكوك الصحّة أو الاتيان تفصيلاً وبحكمه فلابدّ من الامتثال القطعي خروجا عن ما ذكرنا فاذا فرض ان المولى رخّص في هذا الحال أي حال الشكّ في ترك الواقع ما لو لم يأت به حينئذٍ فلا الزام للعقل بلزوم تحصيل المؤمن باتيان العمل وامتثاله قطعا لحصول المؤمّن من المولى في ترك ما أمر به ورخصته في ذلك وهذا كما في ساير الأوامر الظاهريّة من موارد المشكوك فانّ المولى إمّا أن يتصرّف في الشكّ أو يبقيه على حاله ويجعل ترخيصا أو حكما آخر عليه من الاحتياط أو التخيير أو البقاء على الحالة السابقة أو غيرها من موارد الشبهات البدويّة كما في مجرى البرائة فإمّا أن يكون هناك أمر أو نهي ظاهري أو ترخيص في الترك أو في الفعل ولا يرجع ذلك إلى التقييد أو إلى جعل البدل لأن هناك أمراً آخر غيرهما وهو العهدة واشتغال الذمّة غاية الأمر لا بعث له .

فهذا الجزء المتروك بترخيص قاعدة التجاوز لم يرفع جزئيّته في حال

حال الجزء المتروك بقاعدة التجاوز

ص: 559


1- . سورة الأنفال: 2 .

الشكّ كما انّه لم يقيّد بدليله والمضي عليه في حال الشكّ أدلّة التكاليف الواقعيّة وهو لزوم الاتيان بمجموع المركّب المشتمل على هذا الجزء المشكوك وذلك لبقاء الاطلاق في الأدلّة الواقعيّة على حالها الشامل لحالتي العلم والجهل ولو بنتيجة التقييد ولم يوجب الأمر بالمضي والترخيص فيه إلاّ جواز المضي على هذا المشكوك ولم يقيّد الباقي بل ذلك يحتاج إلى دليل آخر كما انّه ليس هناك الباقي بدلاً عن الواقع لاستلزامه عدم لزوم اعادة المشكوك بعد انكشاف الخلاف ولا يلتزم به حيث ان موضوع هذه الأوامر والترخيصات مقام الشكّ فاذا تبدّل الشكّ باليقين فلا اطلاق لها يشمل حالة اليقين كما انه لم يقيّد الأدلّة الأوّليّة بها مطلقا

فمقتضى القاعدة لزوم الاتيان بما تيقن تركه الا ان يجيء دليل ثانوي في المقام بالمضي وعدم لزوم اعادة المشكوك كما قام في باب الصلاة دليل لا تعاد(1) الموجب لعدم جزئيّة غير الخمسة في حال الترك لا عن عمد كما سيحقّق الكلام فيه إن شاء اللّه في محلّه وفي ساير الأبواب من الطواف والسعي وغيرهما وكذا باقي الأعمال وبالجملة فالكلام في هذا المقام هو الكلام في الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي وليس الواقع في مقام الترخيص في تركه فعلاً أو تركا إلاّ عبارة عن العهدة واشتغال الذمّة غاية الأمر لا بعث له فعلاً ولا منجزيّة له بل الشارع ابدء العذر في مقام الكشف لو تركه واقعا لكن الاحتياط بحاله لاحتمال عدم اتيان الواقع وتركه فيبقى للاحتياط في موارد هذه الترخيصات مجال واسع لا انه يتعيّن عليه المضي وعدم الاعتناء فلو كان شيء له حلالاً حسب الأمر والترخيص الظاهري فليس معناه لزوم ارتكابه ووجوب تناوله كما هو واضح . فلو لم يكن محذور من جهة اخرى لا مانع من الاحتياط كما في اتيان القرائة إذا

ص: 560


1- . وسائل الشيعة 6 الباب 28/1 من أبواب السجود .

شكّ بعد دخوله في القنوت أو شكّ في السورة كذلك فيعيد الحمد أو السورة ولا محذور في الاولى كما لا بأس بالقران بين السورتين ولو في الفريضة .

والحاصل ان التقييد للواقع لا يساعده دليل كما في جميع الموارد في الترخيصات وفي موارد الشكّ أو ظروفه وكذلك لا معنى لجعل البدل أمّا كون هذا بدلاً أو تقييدا للواقع في هذا الحال أي مادام باقيا على الشكّ أيضا فكلام صوري لا حقيقة له فمقتضى القاعدة جواز الاتيان بالمشكوك رجاءً لا(1) بقصد الأمر للتشريع لاحتمال الاتيان فكذلك ما نحن فيه .

فتبيّن ممّا ذكرنا ان المجعول في هاتين القاعدتين إمّا أن يكون هو الترخيص كالترخيص في الشبهات البدوية أو جعل البدل الموقت إلى حين العلم وانكشاف الخلاف فحينئذٍ ينظر فان كان مقتضى دليل آخر المضي وعدم الاعتناء فهو وإلاّ فمقتضى القاعدة عدم الاكتفاء وعدم الأثر .

والحاصل ان في ما نحن فيه جهة اشتراك للبرائة وإن كان يمتاز عنها بأن هذا بعد العلم بالتكليف تفصيلاً فانّ الجعل إنّما هو في مقام الفراغ والامتثال واسقاط العهدة عن التكليف المعلوم تفصيلاً وذلك المقام بعد لم يعلم بالتكليف لا اجمالاً ولا تفصيلاً ولذلك اصطلح عليه بالشبهة البدويّة لكن النتيجة في المقامين شيء واحد حيث ان الأمر بالمضي في مورد القاعدتين لا يمكن أن يكون للاتيان لأنّ الاتيان والامتثال وعدمه أمران تكوينيّان فلا معنى لتعلّق الجعل بهما فاذا لابدّ

من كونه تنزيلاً للمأتي به منزلة الواقع والاكتفاء عنه اما بأن يكون هذا المأتي به بدلاً عن الواقع موقتا أو ترخيصا في الترك وأيّا ما كان فلم يتعلّق الجعل إلاّ بنفس

ص: 561


1- . لكن في غير الركوع والسجود . بل في القرائة والأذكار .

مجرى القاعدة وإمّا دخل هذا المجرى في الباقي فلم ينفه الأمر بالمضي فيحتمل عقلاً ان المأمور به بعد لم يأت به المكلّف فاذا كان الأمر كذلك فينسلك في ما يبحث عنه في البرائة التي يكون رفع دليلاً له على ما هوالتحقيق في جريانها في كلّ ما تحقّقت فيه الشرايط من كونه مجهولاً مجعولاً وفي رفعه منّة ويتعلّق به بعنوانه الأوّلي بلا فرق بين المشتبهات الاستقلاليّة والمشكوكات الضمنيّة من القيود والشرايط والاجزاء فاذا احتمل ان الاستعاذة واجبة أو ارغام الأنف وكذلك السورة واجبة أو ذلك الشيء مانع ولم يقم دليل على نفيه أو اثباته وجرى فيه البرائة فالعقل بعد يحتمل دخل الباقي به فان الباقي لو كان هو المأمور به بلا تعلّق للمشكوك فلا اشكال في تحقّق الامتثال بخلاف ما إذا كان للمشكوك تعلّق حيث ان اجزاء المركّب الارتباطي يكون اللاحق شرطا للسابق وبالعكس ولابدّ من التزام الواجب التعليقي والمشروط فيها .

فلو كان الأكثر واجبا ودخيلاً في المصلحة الواقعيّة لا يكون الأقل المطلق المجرّد عن الجزء أو القيد الزائد أصلاً متعلّق التكليف ولا يمكن قصد الأمر به فيكون الاكتفاء بالأقل اكتفاء بالمشكوك الامتثال فالبرائة الجارية في هذه الموارد لا ترفع الاحتمال العقلي إلاّ انّه مضى منافي الأبحاث السابقة في البرائة والاشتغال ان مثل رفع إنّما يرفع تعلّق الأمر بهذا المشكوك ( تعبّدا ) فيكون الباقي

مطلقا عن هذا المشكوك لكن حيث ان التقابل عندنا بين المطلق والمقيّد تقابل العدم والملكة فاذا رفع تعلّق الامر بالمشكوك وانبساطه عليه فمعناه عدم تقيد الباقي به فيكون الباقي هو المأمور به بلا اشكال الاثبات كما في صورة كون التقابل من التضاد أو السلب والايجاب فان اثبات أحد الضدّين بنفي الآخر يكون

المأتي به في مورد القاعدة إمّا بدل أو رخص في ترك مجرى القاعدة

ص: 562

من أعلى أقسام المثبت فعلى هذا يسهل الأمر في باب البرائة وما نحن فيه إلاّ ان الواقع على حاله لم يتغيّر للزوم التصويب الباطل حيث ان الاجماع والاخبار على استواء العالم والجاهل في الحكم وإن لكلّ واقعة حكما فلابدّ أن يتعلّق الرفع بغير هذا التكليف وإلاّ فيلزم التصويب . نعم لو كان الشكّ الموضوع في أدلّة الأصول والظرف في موارد الامارات عنوانا ثانويّا للواقع وكالاضطرار الذي يكون التكليف عنده غير التكليف في حال الاختيار يكون واقعا ثانويّا وبدلاً اضطراريّا فلا اشكال في عدم لزوم الاعادة بل يكتفي بما أتى به كما ان المريض إذا لم يقدر على قيام الصلاة وصلّى جالسا لا يعيد ويكون ما أتى به وافيا بتمام المصلحة للواقع الاولى أو بمقدار لا يلزم عنده الاعادة مختارا وليس كذلك الشكّ لما ذكرنا من اشكال التصويب فلا محيص عن الالتزام بكون الحكم الواقعي عبارة عن اشتغال الذمّة والعهدة وما تعلّق به العهدة إلاّ انّه لم يبعث نحوه فعلاً كالدين الذي

يكون المديون مشغولاً به ذمّته ولا يطالبه به وهذا المأتي به يكون عملاً ظاهريّا يأتي به في هذا الحال بلا تغيير للواقع عن ما هو عليه ولا تعدّد للتكليف ويكون نظير التيمم الذي يباح به دخول الصلاة إذا لم يجد الماء فاذا وجد الماء لا بدليّة له

بل غاية البدليّة مادام غير متمكّن من الماء وفي ما نحن فيه نهاية البدليّة تبدّل الشكّ وصيرورة الأحكام كلّها ببركة ظهور وجود امام العصر عجّل اللّه تعالى فرجه الشريف معلومة .

وفي مورد الفراغ انكشف انّه لم يأت بالمشكوك أو يكون وافيا بمقدار من الطهارة وليكن مراد المقتصر على كون التيمّم مباحا به الصلاة ذلك وإلاّ لا معنى له ولا فرق بين وجوده وعدمه كما هو واضح وعلى هذا فيدور مدار الواقع ويكون

أوامر الترك في القاعدتين ترخيصات للتسهيل

ص: 563

هذه الأوامر ترخيصات في ترك الواقع للتسهيل وبعد انكشاف الخلاف فاما أن يكون مقتضى القاعدة اتيان المشكوك بعد الصلاة بتبدّل مكانه كالتشهّد المنسي والسجود أو يكون ببركة لا تعاد لا اعادة للصلاة أو بعمل آخر لدليل خاص له يكون المأتي به والموجود وافيا بمقدار من المصلحة أو كلّها ولا تكون مصلحة الواقع موجبة للاعادة ولو لا قيام الدليل على لزوم الاعادة في بعض الموارد لكنّا نقول بتقييد الأدلّة الواقعيّة بالمأتي به بلا لزوم الاعادة وحيث ورد بذلك نكشف عن بقاء الأدلّة الأوّليّة على اطلاقها وكذلك الكلام في موارد تبدّل رأي المجتهد وخطأه في الاجتهاد الأوّل وهكذا وبعد قيام الدليل وانكشاف الخلاف فلا موجب للعمل على ذلك لارتفاع موضوعه وهو الشكّ في الأمر والواقع والامتثال وعدمه فلو كان المجعول في باب القاعدتين ذلك فأيّ محذور يلزم عليه فليكن هذا هو خلاصة الكلام فيها وفي البرائة فتأمّل جيّدا .

تكميل: هل يعتبر في كلتا القاعدتين الدخول في الغير وما المراد بالغير هل اللازم في صدق الفراغ والتجاوز الدخول في الغير أو لا اقتضاء للفراغ أو التجاوز ذلك وعلى تقدير عدم أخذ ذلك في مفهومهما فهل أخذ في موضوع حكمهما أم لا وهل المعتبر في قاعدة التجاوز الدخول في مطلق الغير سواء كان من الأبواب المعنونة كالتكبير والقرائة والركوع وأمثالها كما يدّعيه الشهيد الثاني رحمه الله في الروضة أو لم يكن كما هو متقضى اطلاق الغير .

وعلى ذلك فقد يختلف التجاوز في الصدق وعدمه فلو اعتبرنا فيه الدخول في الأبواب فلا ريب في صدق التجاوز قبل ذلك ولو في بعض الموارد كالهوى للركوع والسجود فانّه تجاوز عن المشكوك إلاّ انّه لم يدخل في الغير المعتبر في

ص: 564

عدم الاعتناء بالشكّ بالدخول فيه وإلاّ فلو كان مطلق الغير فيكون التقييد بكون الدخول في الغير توضيحيّا ضرورة عدم صدق التجاوز إلاّ بالدخول في الغير ولابدّ أن يجعل معنى أهوى إلى الركوع في رواية عبدالرحمن(1) بن أبي عبداللّه ( أهوى إلى الركوع وركع في عدم الاعتناء بالشكّ في ما تقدّم على ذلك وكذلك في الجملة التي بعده وعلى تقدير عموم الغير فيكون الكلام في الفرع المعروف وهو ما إذا هوى إلى الركوع بقصده وتجاوز حدّه ولم يصل إلى السجود واضحا فانّه لو كان عمدا فيبطل لتركه الذكر والاطمئنان عمدا وإن أتى بالركوع وإن كان من غير عمد فلا اشكال في الصحّة وما قيل من رجوعه منحنيا إلى حدّ الركوع لا وجه له بل ينتصب قائما للهوى إلى السجود .

إن قلت لو فرغ من التشهّد وأتى به ولم يقم بعد فهل تجاوز عن محلّ التشهّد أم لا فان أجاب نعم فليكن كذلك في صورة الشكّ غاية الأمر حيث يرى نفسه متعبّدا للاتيان بالعمل الذي بعده من الاجزاء أو المقدّمات الآخر وإلاّ فقد كابر حيث لا يعتبر في صدق التجاوز عن المحل غير التجاوز عن محلّه الذي جعل له الشارع بالجعل الاولى وانّه لو كان ملتفتا كان يأتي به في ذلك الموضع .

ثمّ انّه لا ريب في ان الأمر كذلك في قاعدة الفراغ لو كان لا يصدق الفراغ والمضي إلاّ بالدخول في الغير حيث عرفت دلالة الروايات الدالّة على عدم اعتبار الشكّ في قاعدة التجاوز على اعتبار الدخول في الغير فاما أن يكون دخله في ذلك عقلاً لعدم صدق التجاوز إلاّ بالدخول في الغير أو بالتعبّد الشرعي كما في

ص: 565


1- . وسائل الشيعة 6 الباب 13/6 من أبواب الركوع وفيه أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع قال: قد ركع .

قاعدة الفراغ وإن كان مثل رواية محمّد بن مسلم ( كلّما شككت في شيء ممّا قد مضى فامضه كما هو )(1) مطلقا ولا يعتبر الدخول في الغير في تحقّق الموضوع لكنّه لااشكال في صلاحيّة رواية زرارة(2) في باب الوضوء وموثقة(3) ابن أبي يعفور لتقييد اطلاقها لاشتمال الأولى على قوله فاذا فرغت وقد صرت في حال اخرى من الصلاة أو غيرها والثانية ( إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه ) فأمّا مع

عدم الدخول في الغير لا يصدق الجواز فالعمل للشكّ باق وعليه أن يعتني به ولو بقرينة المورد ولزوم انطباق الكبرى على المورد وكونه من صغريّاتها وهومشتمل على الشكّ في جزء من الوضوء وشيء والدخول في غير الوضوء وحينئذٍ لا اشكال في تقييد ذلك الاطلاق بهما فلا معنى لما يقال أو يحتمل أن يتوهم في المقام من عدم صلاحيّة القيد في الروايتين لتقييد الاطلاق حيث انّه وارد مورد الغالب كقيد كون الربائب في الحجور في الآية الشريفة(4) ممّا ورد مورد الغالب فلا يصلح للتقييد لأن غالب موارد قاعدة الفراغ قد دخل في الغير ولو كان هو السكوت الطويل الماحي مثلاً .

وكذلك ما يقال دفعا للاشكال ان الاطلاق منصرف إلى الغالب وذلك لأنّ الأصل في القيد الاحترازيّة وكذلك نقول في الآيه الشريفة واستفادة غير التي في الحجور من الدليل الخارجي .

مع عدم الدخول في الغير لا يصدق التجاوز

ص: 566


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 23/3 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . الوسائل 1 الباب 42/1 من أبواب الوضوء واللفظ في الأولى فاذا قمت عن الوضوء وفرغت منه .
3- . الوسائل 1 الباب 42/2 من أبواب الوضوء .
4- . النساء: 23 .

لا من الآية وإن كون الاطلاق واردا على الغالب المقيد إنّما هو إذا كان منشأه التشكيك في الماهيّة وتفاوت مراتب الصدق وإلاّ فأفضليّته الأفراد لا توجب حمل الاطلاق وانصرافه إلى الغالب ما لم يكن في حكم التقييد اللفظي بحيث إذا جيء بالقيد بعده يكن لغوا كاجارة الدار .

فانّه في معنى كونك وحدك مثلاً حسب اختلاف مراتب المقام كما تبين ذلك كلّه في بحث الاطلاق والتقييد فراجع وتظهر الثمرة في الجزء الأخير والشكّ فيه فاذا لم يحرز الدخول في الغير لا يمكن عدم الاعتناء بالشكّ في مورد القاعدتين .

وعلى هذا فلا ثمرة ولا معنى للبحث في ان المراد بالمحل أعمّ من المحلّ العادي والشرعي أو خصوص الأخير ضرورة عدم صدق التجاوز ما لم يتجاوز عن المحل ولم يدخل في الغير فاذا كان من عادته عدم الفصل بين غسل الجانب الأيسر والأيمن في الغسل فاذا شكّ وتيقّن غسل الأيسر مثلاً فهل يعتني أم لا أو بعد أن أتمّ مناسكه أو أكثرها وشكّ في الوقوف بعرفات وانّه أتى به في وقته أم لا .

وقد يدّعي ان المحل في قاعدة الفراغ والتجاوز معتبر وان الشكّ بعد تجاوز الوقت من باب قاعدة الفراغ وإن كان الشكّ في أصل الوجود مع ان دليله أي الوقت حائل في الشكّ في أصل الوجود وليس مربوطا بقاعدة التجاوز والفراغ وان ناسب ذلك وكذلك ما ذكرنا من مسئلة الشكّ في الوقوف في عرفات وأنت خبير بعدم كون ذلك من موارد احدى القواعد لا الحيلولة ولا التجاوز لاختصاصهما بباب الصلاة ولا الفراغ لعدم تحقّق الفراغ عن حجّه(1) فتأمّل .

اشكال الجزء الأخير في قاعدة التجاوز

ص: 567


1- . هذا لو خصصنا القاعدة بالشك في العمل بعد تمامه واما على التحقيق فقد تجري في بعض العمل ثمّ على فرض الاختصاص فكلّ واجب أو منسك في الحج عمل مستقل .

تنبيهات: الأوّل: ما تقدّم بعض الكلام فيه من عدم الاشكال بناء على ما استفدنا في قاعدة التجاوز اعتبار الدخول في الغير كما هو ظاهر أدلّتها وكذا بناءً على اختصاصها بالصلاة بل وإن عمّمناها لغيرها من تحقّق التجاوز والدخول في الغير بالنسبة إلى غير الجزء الأخير لو شكّ في اتيانه وعدمه وقد دخل في غيره إنّما الاشكال في الجزء الأخير في الصلاة أو الأعمّ منها ومن غيرها من باقي المركّبات لو جرت القاعدة في أجزائها أيضا فانّ الغير المعتبر في ترتّب حكم التجاوز والمضي الدخول فيه لا يتصوّر بالنسبة إليها كي يكون بالدخول فيه متجاوزا عن محلّ التسليم والجزء الأخير ( لا اشكال في ان مثل الوضوء والغسل يتصوّر الغير بالنسبة إليهما كالدخول في الصلاة أو ما يترتّب عليها لو جرت القاعدة في الشرايط وكذلك بالنسبة إلى الصلاة كما يقع في كلام (الأستاذ) حيث ان بعد الجزء الأخير لا جزء للعمل كي يتحقّق المضي بالدخول فيه الا التعقيب وهو أيضا ليس جزءا للصلاة لكنّه يتحقّق به التجاوز لأنّه مترتب على الجزء الأخير والصلاة وأمّا مثل المنافيات بأقسامها سواء كانت عمدا أو سهوا منافية أو اختصّ منافاته بخصوص العمد فيشكل تحقّق التجاوز بالدخول إليها لأنّها ليست مترتّبة على الصلاة كصلاة الاحتياط وسجدتي السهو والأجزاء المنسيّة وأمثالها ممّا يترتّب على الصلاة وإن لم يكن أجزاءً لها . فلم يجعل الشارع محلاً لها .

نعم ما جعل له المحل ليس إلاّ خصوص أجزاء الصلاة واعتبر فيها وضعا أو تكليفا عدم المنافيات وهذا غير جعل محل لها .

ص: 568

ويظهر من المحقّق النائيني رحمه الله(1) تحقّق التجاوز ورتب الحكم بالدخول في المنافيات سواء كانت عمدا أو سهوا أو عمدا فقط فانّه حيث ان التسليم جعل سلامة للصلاة من الآفات وممّا يوجب عدم سلامتها وطرو البطلان والفساد عليها وسلامة باقي ما أتى به من الأجزاء والشرايط إنّما هو بها فان تحليلها التسليم فعلى هذا يستفاد بدلالة الالتزام ان محل هذا التسليم الذي من شأنه ما قلنا هو قبل الاتيان بالمنافي حيث ان الكلام في الصلاة الصحيحة وإلاّ فلا معنى لكون التسليم موجبا لسلامة الصلاة الفاسدة فهذه المنافيات لو أتى بها قبل التسليم واقعا فالصلاة باطلة وإن أتى بها بعده فهي صحيحة فاذا شكّ في التسليم وقد أتى بأحد المنافيات العمدية أو العمديّة والسهويّة معا والفرض سلامة باقي ما يعتبر في الصلاة فاذن لا أثر لشكّه ولا بد أن يمضي ولا يعتني به لأن تقديم المنافيات على التسليم لا يجوز بل لابدّ من أن يأتي بالتسليم ثمّ ان أراد اتى بالمنافي فهذه الدلالة

الالتزاميّة في ما نحن فيه توجب عدم الاعتناء بالشكّ لصدق التجاوز والمضي عن التسليم فتبين انه لا مانع من الجريان في الجزء الأخير .

وتوضيح ذلك هو انّه إذا شكّ في الجزء الأخير فاما أن دخل في التعقيب أم لا فان كان داخلاً فيه فلا اشكال في التجاوز والمضي لعدم اعتبار كون الغير من أجزاء الصلاة وعلى الثاني فاما ان أتى بالمنافي عمدا وسهوا أو عمدا كالكلام ومثال الأوّل الحدث ولا اشكال في صدق التجاوز والدخول في الغير وإن كان ساكتا ولم يأت بالمنافي ويشكّ فان كان ماحيا فلا ريب في المضي وإلاّ فيأتي بالتسليم لعدم صدق التجاوز ومحلّه بعد باق وإن شكّ أيضا يأتي به هذا .

ص: 569


1- . فوائد الأصول 4/628 وما بعده .

ولا يخفى انّه يتوقّف الصحّة والتجاوز في الدخول في غير التعقيب على أن يكون الغير الذي وقع في الرواية مطلقا ولم يعتبر أن يكون من أجزاء المركّب والظاهر انّه كذلك لاقتضاء مناسبة الحكم والموضوع كون الغير مطلقا هذا مع ان الغير في رواية زرارة(1) مطلق وما في صدرها إنّما هو من باب التطبيق حيث ان الغير المعتبر في ترتب المضي على الشكّ في أجزاء المركّب هو الجزء المترتّب على المشكوك وإلاّ فلم يعتبر الخصوصيّة الجزئيّة كما يرشد إلى ذلك صدر رواية زرارة(2) فقد جرت القاعدة فيه في الأذان والاقامة بل الأذان فقط مع انّهما من مقدّمات الصلاة لا من أجزائها فليكن كذلك في ما بعدها .

أمّا بالنسبة إلى الجزء الأخير حيث انّه لا يترتّب عليه جزء آخر فلا اشكال في الالتزام بمطلق الغير ولو كان من المنافيات إنّما الاشكال والكلام في ان المراد به هو المبوب والمعنون بالعناوين الخاصّة أو لا بل مطلق الأجزاء بل ومقدّماتها وهو التنبيه الثاني من تنبيهات البحث .

ومنشأ الاشكال اشتمال رواية إسماعيل بن جابر(3) كرواية أبي بصير(4) عن أبي عبداللّه علیه السلام على قوله ان شك في الركوع بعد ما سجد فليمض وان شكّ في السجود بعد ما قام فليمض وهو ابتداء من الامام علیه السلام .

ومن قوله في رواية عبدالرحمن بن أبي عبداللّه (5) قلت لأبي عبداللّه علیه السلام

ص: 570


1- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
3- . وسائل الشيعة 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .
4- . الوسائل 6 الباب 14/1 من أبواب السجود والرواية عن إسماعيل بن جابر .
5- . وسائل الشيعة 6 الباب 13/6 من أبواب الركوع .

رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع قال علیه السلام: قد ركع .

وقد جمع بين هاتين الطائفتين بوجهين .

ثمّ انّه لا اشكال بناءً على ما ذكرنا في اعتبار الدخول في الغير في قاعدة التجاوز لو جرت في الجزء الأخير من العمل في الاكتفاء بمطلق الغير ومن الغير الدخول في الدفن عند الشكّ في صحّة غسل غاسل الميت أو الاشتغال بالصلاة ( بل أو لبس الكفن ) إنّما الاشكال في صدق الغير على ما يجوز فعله في الصلاة كقتل العقرب فاذا دخل فيه فهل يعتني بالشكّ في التشهّد مثلاً أم لا ؟

لا ينبغي الريب في عدم الالتزام بذلك لعدم كون التشهّد ماضيا بالنسبة إلى قتل العقرب وليس هو مترتّبا عليه بناء على اعتبار الترتّب .

وليعلم انّ المحقّق النائيني(1) رتّب بحثه على مقامات فجعل المقام الأوّل والبحث الأوّل في اتّحاد الكبريين وتعدّدهما وقد مضى مفصلاً ما هو حقّ المقام .

والثاني بيان مورد التجاوز وتطبيق ذلك على الشكّ في الجزء الأخير في قاعدتي الفراغ والتجاوز وقد مضى أيضا وتبيّن ممّا ذكرنا من مثال قتل العقرب عدم الاكتفاء بمطلق الغير وكذا لا يكون المحل المحل العادي .

وجعل البحث الثالث في اعتبار الدخول في الغير في القاعدتين وقد مضى استظهاره في قاعدة التجاوز وفي قاعدة الفراغ في وجه .

والبحث الرابع في المراد بالغير وانّه مطلقه كما هو مقتضى بعض الكلمات لاطلاق الغير أو خصوص الأجزاء المستقلّة بالتبويب في الكتب الفقهيّة كالتكبير والقرائة والركوع والسجود وعلى الأوّل يشمل مثل مقدّمات الأفعال والأجزاء

الأقوال في المسئلة

ص: 571


1- . فوائد الأصول 4/636 - 638 مع اختلاف لما في المتن .

كالنهوض إلى القيام والهوى للركوع والسجود ؟ قيل بخروج المقدّمات والعموم بالنسبة إلى أجزاء أجزائها أيضا وقيل بدخول مثل الهوى للركوع وخروج هوى السجود لأنّه لا يكون غيرا رتّب الشارع عليه أثر المضي للمشكوك .

والحاصل ان هذه جملة الأقوال في المسئلة ومنشأها اطلاق الغير في رواية زرارة(1) وإسماعيل بن جابر(2) وعدم اطلاقه وشمول بعض روايات الباب على التصريح بالمضي مع الدخول في المقدّمات كرواية عبدالرحمن بن أبي عبداللّه (3) وورد بعضها الاخر ابتداءً من المعصوم علیه السلام في المضي في الشك في الركوع اذا سجد كما نشير إلى ذلك أثناء البحث حيث ان رواية إسماعيل بن جابر(4) قد ذكر فيها المضي في الشكّ في الركوع أو السجود بعد أن سجد وإن قام توطئة لبيان الكبرى وهو قوله كلّ شيء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه .

فعلى هذا لا يستفاد من اطلاق الشيء إلاّ خصوص الأجزاء المستقلّة مثل الركوع والسجود الذين ذكرا تمهيدا لبيان الكبرى لما لم يذكر في الرواية من باقي الأجزاء التي هي كذلك فان الكبرى كما توجب التضييق في الجزئيّات والصغريّات كذلك الصغرى قد تكون قرينة للكبرى ومضيقة لها هذا ومعارض هذا الظهور رواية عبدالرحمن وإنّما ذلك في رواية إسماعيل(5) حيث ان الامام علیه السلام

ابتداءً ذكر الموردين وشرع من الركوع ولم يذكر الشكّ في ما هو مقدّم عليه

ص: 572


1- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . الوسائل 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .
3- . الوسائل 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .
4- . الوسائل 6 الباب 13/6 من أبواب الركوع .
5- . الوسائل 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .

اعتمادا على كبرى الذيل بالمناسبة للصغريين وعلى هذا فلابدّ من العلاج ولا اشكال في انّ المعارضة إنّما تكون بعد أن تحقّقت شرايط الحجيّة في كلا الخبرين ثمّ يتعارضان بأن لا يشملهما دليل الحجيّة معا ولا أحدهما بعينه والا فلا مجال للمعارضة لعدم كونه حجّة ولو في غير موردها كما مال إلى ذلك في رواية الذيل سيّدنا الأستاذ بلحاظ شمول رجاله على أبي جعفر وسعد ولم يعرفهما سيّدنا الأستاذ بخلاف رواية عبدالرحمن(1) فانّه شخص ممدوح ثقة في لسان الأصحاب

وباقي رجاله أيضا معتبرون هذا . ولكن الأصحاب في كتبهم الاستدلاليّة وصفوا رواية إسماعيل بالصحّة وعبدالرحمن جعلوا روايته مصحّحة ولابدّ من المراجعة .

ولا يخفى ان ما في رواية إسماعيل(2) يعارض ما في رواية عبدالرحمن(3) .

قلت لأبي عبداللّه علیه السلام رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع قال قد ركع .

ثمّ انّ المحقّق النائيني رحمه الله(4) اختار كما سبق الجمع بين أخبار القاعدتين وإن جميعها راجعة إلى قاعدة الفراغ عن تمام العمل وإنّما لوحظت أجزاء العمل بلحاظ التركيب فلا تعتبر في حدّ أنفسها شيئا لاندكاكها في شيئيّة المركّب أي الكل .

غاية الأمر تعبدنا الشارع في باب الصلاة بتنزيل أجزائها بعضها بمنزلة تمام

جواب الاشكال

ص: 573


1- . الوسائل 6 الباب 13/6 من أبواب الركوع .
2- . الوسائل 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .
3- . الوسائل 6 الباب 13/6 من أبواب الركوع .
4- . فوائد الأصول 4/635 وما بعده .

العمل فلاحظها بلحاظ قبل التركيب ومقتضى ذلك هو الاقتصار على مورد النص والتعبّد ولا يجوز التعدّي إلى الزائد عنه فلا يمكن لحاظ الأجزاء قبل التركيب وبعده معا والقدر الذي ثبت التعبّد بخروجه عن ذلك ولو خط فيه قبل التركيب الاجزاء المستقلّة كما يرشد إلى ذلك رواية إسماعيل(1) وزرارة(2) ولا يضرّ بذلك عدم اشتمالهما على بيان المضي بعد الدخول في التشهّد بالنسبة إلى السجدة لكون موردهما هو الركعة الأولى والتشهّد من الأجزاء المستقلّة بالتبويب فيشمله الكبرى فيكون غيرا وكذا الشكّ فيه بعد أن قام فلا يعتني به .

وأمّا أجزاء الاجزاء كالسورة والأذكار فلم يرد التعبّد بأنّها اعمال مستقلّة فتبقى على حالها وحينئذٍ يتوجّه عليه الاشكال في ما صار بصدد دفعه في التنبيه الأوّل من التنبيهات الخمس التي ذيل البحث الرابع بها وهو اشتمال رواية(3) عبدالرحمن على المضي عند الشكّ في الركوع بعد أن أهوى إلى السجود ومقتضى ما ذكر هو لزوم الاعتناء والاتيان بالركوع لعدم كونه أي الهوى من الأجزاء المستقلّة بالتبويب .

ويمكن الجواب عن الاشكال بوجهين: أحدهما أن يراد بالهوى المرتبة

الأخيرة التي تلازم الوضع على ما يصحّ السجود عليه فانّ للهوى مراتب والرواية باطلاقها شملها فيكون رواية إسماعيل(4) قرينة على ان المراد بالهوى إلى السجود المرتبة الأخيرة التي تكون عند المحقّق النائيني محقّقة للسجود فانّه عليه

ص: 574


1- . الوسائل 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .
2- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الركوع .
3- . الوسائل 6 الباب 13/6 من أبواب الركوع .
4- . الوسائل 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .

مبناه في السجدة والركوع ويرى الوضع والهوى قبيلهما منهما وينطبق على مبناه وليس إلاّ رفع اليد عن الاطلاق بقرينة رواية إسماعيل(1) هذا وهو أولى من الجمع الذي نقله رحمه اللهعن بعض بأن يحمل لفظة وقد سجد أو بعد ما سجد في ذيل رواية زرارة(2) إسماعيل(3) بعد قوله شكّ في الركوع على الهوى لبعده هذا بل لا شاهد له وعلى تقدير التعارض فرواية زرارة(4) تكون محكمة وهي لم تزد على الأبواب

المستقلّة كما هو ظاهر .

عود على بدء: ان المراد بالغير أيّ شيء هو ؟ اهو مطلق ما يكون غيرا للمشكوك فيه سواء كان من الاجزاء أو مقدّماتها أم لا بل لابدّ أن يكون من الأبواب كالتكبيرة والقرائة وأمثالها ( لا يخفى عدم تماميّة التمثيل بالتكبيرة لعدم

سبق جزء من الصلاة قبلها ) أو غير ذلك ممّا احتمل بل قبل .

فنقول لا إشكال في ان العمدة في ذلك الروايات الواردة في المقام ولا بأس باعادتها في مورد الحاجة فمنها رواية زرارة(5) التي بعد سكوت زرارة أعطاه الامام علیه السلام قاعدة كليّة بقوله ( يا زرارة إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشي ) .

ومنها: صحيحة إسماعيل بن جابر(6) عن أبي عبداللّه علیه السلام في حديث قال:

( إن شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض وإن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض

في المراد بالغير

ص: 575


1- . الوسائل 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .
2- . الوسائل 6 الباب 13/1 من أبواب الركوع .
3- . الوسائل 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .
4- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
5- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
6- . الوسائل 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .

كلّ شيء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه وصحيح أو مصحّح عبدالرحمن(1) بن أبي عبداللّه عن أبي عبداللّه علیه السلام ( قلت لأبي عبداللّه علیه السلام رجل أهوى إلى السجود فلم يدر أركع أم لم يركع قال علیه السلام: قد ركع ) ورواية اُخرى(2) له وثقوها عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: ( قلت لأبي عبداللّه علیه السلام رجل رفع رأسه من السجود فشكّ قبل أن يستوي جالسا فلم يدر أسجد أم لم يسجد قال يسجد قلت فرجل نهض من سجوده فشكّ قبل أن يستوي قائما فلم يدر أسجد أم لم يسجد قال يسجد ) وهذه الرواية رجالها في طريق الشيخ رجال الرواية السابقة بأعيانهم مع انّهم وصفوا الأولى بالصحّة بخلافها فلابدّ أن يكون لسقوط بعض رجال السند في الوسائل من الأخيرة وإن كان لا فرق عندنا بين الموثق والصحيح في الحجيّة وأمّا عند القدماء فكلّ ذلك يوصف بالصحّة .

نعم قد يضرّ التوثيق عند من يشترط لجواز العمل بالرواية الصحّة ولذا حكى عن بعضهم عدم العمل بهذه الأخيرة بل عمله على مقتضى بنائه على القاعدة .

ولا يخفى انّه مع قطع النظر عن غير رواية زرارة ظاهرها الاكتفاء . بمطلق الغير في التجاوز وعدم الاعتناء بالشكّ فان زرارة(3) لو سئله علیه السلام عن الشكّ في التكبيرة بعد الدخول في الاستعاذة فالظاهر انّه كان يقول له بالجواز وأمّا غير رواية زرارة فظاهر رواية إسماعيل(4) حيث انّها في مقام التحديد لزوم كون الغير

ص: 576


1- . الوسائل 6 الباب 13/6 من أبواب الركوع .
2- . الوسائل 6 الباب 15/6 من أبواب السجود .
3- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
4- . الوسائل 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .

من أجزاء الصلاة سواء استفيد مع ذلك اشتراط كونه من ماله الباب أم لا وعلى هذا فلا يكتفي بمقدّمات الأجزاء كما يستفاد ذلك من مفهوم تحديدها الذي هو أقوى من غيره من المفاهيم وإلاّ فمع قطع النظر عن التحديد فالرواية تكون ذات اللقب ومفهوم اللقب لا حجيّة له إذ لا حقيقة له ومن مقدّمات الأجزاء الهوى إلى السجود الذي قد صرّح منطوق رواية عبدالرحمن(1) بكونه قد ركع في الشكّ في الركوع بعد أن أهوى إلى السجود ومنها النهوض إلى القيام مع تصريح رواية اخرى بعدم الاعتناء بهذا بل إذا شكّ في السجود يسجد فعلى هذا تتحقّق المعارضة بين رواية إسماعيل من جهة المفهوم في مقدّمة السجود الذي هو الهوى له وفي النهوض إلى القيام وبين أولى روايتي عبدالرحمن(2) وكذا بينهما أي الأولى والأخيرة لموافقة الأخيرة رواية إسماعيل(3) على تقدير تقدّم الصحيح على الموثق في مقام المعارضة لكن دفع معارضة روايتي عبدالرحمن بالاخذ بالاولى وطرح الثانية إلاّ انّه خلاف المبنى .

هذا مع قطع النظر عن المفهوم ويوافق رواية عبدالرحمن(4) الأولى القاعدة المعطاة لزرارة حيث انّه دخل في الغير الذي هو الهوى ثمّ شكّ مع فصل الانتصاب في المقام فيمكن تخصيص رواية زرارة(5) برواية عبدالرحمن(6) الموثقة في خصوص النهوض إلى القيام وانه لابدّ أن يسجد ويبقى الهوى إلى السجود موافقا

الجمع بين الروايات

ص: 577


1- . الوسائل 6 الباب 13/6 من أبواب الركوع .
2- . الوسائل 6 الباب 13/6 من أبواب الركوع .
3- . الوسائل 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .
4- . الوسائل 6 الباب 13/6 من أبواب الركوع .
5- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
6- . الوسائل 6 الباب 15/6 من أبواب السجود .

للقاعدة فلابدّ من العلاج بينه وبين مفهوم رواية إسماعيل(1) وعلى تقدير تحقّق المعارضة قد جمع بينهما بوجهين تقدّم بيانهما ولا يخفى ان الوجهين بعد تحقّق موضوع المعارضة وهو فرع استفادة المفهوم من رواية إسماعيل(2) وإلاّ فلو كانت لقبيّة أو شرطيّة لبيان تحقّق الموضوع كقولك إن رزقت ولدا فاختنه فلا مفهوم له وعلى فرض تحقّقه فمنطوق رواية عبدالرحمن(3) أقوى خصوصا مع موافقته لرواية زرارة(4) واطلاق الغير فيهما للمقدّمات ويمكن كون نكتة ذلك هو التمثيل بهذا الفرد الواضح من التجاوز والدخول في غير المشكوك أو بلحاظ ان الغالب في حصول الشكّ لغير الوسواسي الذي يشكّ في المحل وحين الاشتغال أيضا هو بعد الدخول في السجود لا بعد الانتصاب والهوى اذ هو نادر فلذلك مثل بالفرد المتعارف فلا مفهوم له وعلى ما ذكرنا من الغير فلا اشكال في شموله لكلّ ما هو غير عند العرف فيشمل المقدّمات والاجزاء واجزائها كالآية بالنسبة إلى الآية الاخرى بل وكذا الكلمة .

نعم يشكل مساعدة العرف في مثل الشكّ في صحّة أداء الهمزة من إيّاك بعد الدخول في الكاف .

والحاصل انّه بعد معرفة الميزان وانّه مطلق ما يكون غيرا بالنسبة إلى المشكوك فيه سواء كان جزءا مستقلاًّ أو من أجزائه لا محيص من القول بجريان القاعدة في هذه الموارد ولو كان الوارد في اعتبار التجاوز العمل لما كانت تجري

ص: 578


1- . الوسائل 6 الباب 13/6 من أبواب الركوع .
2- . الوسائل 6 الباب 13/6 من أبواب الركوع .
3- . الوسائل 6 الباب 15/6 من أبواب السجود .
4- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .

القاعدة في أجزاء العمل أصلاً لكنّه خلاف مفروض البحث واطلاق الغير الذي هو معنى عرفي القى إلى المكلّف والتشخيص واضح وتعيين المصداق بيده .

تذنيب: ربما يمكن استفادة التجاوز في الشكّ في الركوع في ما إذا شكّ في انّه ركع أم لا ولم يدخل في الهوى بل يشكّ في القيام أهو من الركوع أو بعده من رواية الفضيل بن يسار(1) قال: قلت لأبي عبداللّه علیه السلام استتم قائما فلا أدري أركعت أم لا قال: بلى قد ركعت فامض في صلاتك فإنّما ذلك من الشيطان .

وجوّز صاحب الوسائل حملها على صورة كثرة السهو بقرينة آخرها والشيخ حملها على ما إذا استتمّ قائما من السجود إلى ركعة اخرى فتأمّل .

تتميم: قد عارض بعضهم بين رواية عبدالرحمن(2) ورواية إسماعيل(3) حيث ان الأولى دلّت على المضي على الشكّ في الركوع بعد أن هوى إلى السجود والثانية في مقام التحديد بل وهي شرطيّة ذات مفهوم دالّة على أن ما يكون بالتجاوز عن المشكوك والدخول فيه من المبوبات كالسجود والقيام كما أشرنا إلى ذلك سابقا ثمّ يبيّن الكبرى في الذيل وبيان الصغريين في الصدر قرينة على ان الغير في الكبرى ليس مطلق ما يكون مغايرا للمشكوك بل لابدّ أن يكون من المعنونات والمبوبات بل التعدّي إلى القنوت أيضا مشكل فضلاً عن مقدّمات الأفعال كالنهوض إلى القيام والهوى إلى السجود حسبما يستفاد من رواية إسماعيل وعن بعضهم القول بالرجوع في الركوع أو السجود في الأوليين كي يكون على يقين منهما حيث ان في مثل رواية إسماعيل لم يذكر إلاّ خصوص

الأقوال في المسئلة

ص: 579


1- . الوسائل 6 الباب 13/3 من أبواب الركوع .
2- . الوسائل 6 الباب 13/6 من أبواب الركوع .
3- . الوسائل 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .

الركوع والسجود ولا ذكر التشهّد وغيره إلاّ ان ذلك لا وجه له بعد اطلاق الأخبار وورود مثل رواية إسماعيل بلحاظ الركعة الأولى فيكون ساير الركعات معلوم الحكم قياسا عليها وبذلك ورواية زرارة(1) يجاب عن تخصيص مجرى القاعدة بغير الأوليين كما هو واضح .

والحاصل ان المسئلة ليست ذات أقوال ثلاثة بل ذات أقوال كثيرة شاذّة وغيرها والمعتمد منها ما يساعده الدليل وقد سبق ذكر معارضة رواية عبدالرحمن الاولى للثانية ورواية إسماعيل وتقريب معارضة روايتي عبدالرحمن بدعوى القطع بعدم خصوصيّة مقدّمات الأفعال والأجزاء فلو كان الدخول في الغير مطلقاً حتّى بالنسبة إلى المقدّمات فليكن المقامان كذلك سواءً كان الهوى إلى السجود أو النهوض إلى القيام بل وقبل النهوض يمكن أن يقال بفاصلة جلسة الاستراحة وإلاّ فلم يجري التجاوز في الهوى دون النهوض وبعد التساقط يكون عام الفوق مرجعا أو مرجحا للموافق وهو رواية إسماعيل وظاهرها عدم اطلاق الغير بل موردها وظاهر الكبرى فيها خصوص المعنونات والمبوبات فلا يجوز التعدّي إلى مطلق الغير .

إن قلت: هذا بناء على تسليم مبنى انقلاب النسبة وإلاّ فطرف المعارضة لرواية عبدالرحمن(2) روايتان روايته(3) الاخرى ورواية إسماعيل(4) بل

ص: 580


1- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . الوسائل 6 الباب 13/6 من أبواب الركوع .
3- . الوسائل 6 الباب 15/6 من أبواب السجود .
4- . الوسائل 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .

المعارض لهاتين ليس منحصرا برواية عبدالرحمن(1) لوجود صحيحة زرارة(2) بلحاظ الكبرى الظاهرة في عموم الغير وشموله حتى للمقدّمات فيوافق رواية عبدالرحمن(3) .

والحاصل روايتان معارضتان لروايتين .

قلت: نعم رواية زرارة(4) وإن كانت مطلقة لكن الاشكال في تقييدها برواية إسماعيل(5) الواردة في مقام التحديد الذي على فرض انكار الشرطيّة وكونها ذات مفهوم ظهوره أقوى من غيره من باقي المفاهيم .

إن قلت: يمكن تقييد مفهوم رواية إسماعيل(6) برواية عبدالرحمن(7) حيث ان المفهوم إن لم يشكّ في الركوع بعد ما سجد فلا يمضي والمفهوم له مصاديق فانّه يصدق بعدم الشكّ أصلاً وبالشكّ قبل أن يسجد وإن كان بعد الهوى وبالشكّ فيه وإن كان قبل الهوى فلا مانع من تقييد الاطلاق بما إذا لم يكن أهوى للسجود وإلاّ فليمض .

قلت: لا مجال لذلك بعد عدم مورد لصدق التجاوز المعتبر كما في ذيل الرواية للكبرى المسوق لبيان الصغريين تمهيدا لهما .

هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب المعارضة كما انه الى ذلك نظر الشيخ

بعض الكلام في الجمع بين الروايات

ص: 581


1- . الوسائل 6 الباب 15/6 من أبواب السجود .
2- . الوسائل 8 الباب 1/23 من أبواب الخلل في الصلاة .
3- . الوسائل 6 الباب 13/6 من أبواب الركوع .
4- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
5- . الوسائل 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .
6- . الوسائل 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .
7- . الوسائل 6 الباب 13/6 من أبواب الركوع .

والمحقّق النائيني قدس سره م أي بلحاظ المفهوم المستفاد من رواية إسماعيل(1) . وفيه انّه مع قطع النظر عن رواية إسماعيل فلا معارضة بين روايتي(2) عبدالرحمن(3) كما عن صاحب المدارك فانّه عمل بكلتا الروايتين في المقامين لصحّتهما وهو ينام على الرواية الصحيحة ولا يبالي بشيء واطلاق رواية زرارة(4) قابل للتخصيص في مورد الشكّ في السجود قبل أن يستوي قائما إذ لا مانع من ذلك وفي مورد الشكّ في الركوع باقٍ على حاله فأيّ تناف بين المقامين وأيّ ملازمة توجب ذلك بعد فرض امكان التخصيص كما ذهب إليه صاحب المدارك وصاحب الجواهر(5).

هذا مضافا إلى انّه يحتمل ورود المضي في ذلك بلحاظ كون الشكّ في هذه الموارد يكون ناشيا من الوسواس فلا عبرة به ( إذ لا يحصل الشكّ لنوع الشاكّ في الركوع بعد أن أهوى إلى السجود وكذا إذا رفع رأسه من السجود كيف يشكّ فيه قبل أن يستوي جالسا ) .

وإن كان يدفعه الأمر بالرجوع والسجود في رواية عبدالرحمن(6) الثانية في الموردين إذ هو لايناسب ذلك وإن ناسبه روايته الأولى في فرض حدوث الشكّ حين الهوى إلى السجود وأمّا رواية إسماعيل(7) فلا مفهوم لها لمنع ورودها في مقام التحديد بل لمكان الغلبة لحدوث الشكّ في الركوع والسجود بعد السجود

جران القاعدة في الشرايط

ص: 582


1- . الوسائل 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .
2- . الوسائل 6 الباب 15/6 من أبواب السجود .
3- . الوسائل 6 الباب 13/6 من أبواب الركوع .
4- . الوسائل 8 الباب 23/1 من أبواب الخلل في الصلاة .
5- . جواهر الكلام 12/312 الى 314 - 316 .
6- . الوسائل 6 الباب 15/6 من أبواب السجود .
7- . الوسائل 6 الباب 13/4 من أبواب الركوع .

والقيام بل الشرطيّة فيها إنّما سيقت لبيان تحقّق الموضوع والمفهوم لابدّ أن يكون عين المنطوق بابدال السلب والايجاب بالآخر ففي المقام المفهوم على فرض تسليمه هو قولنا إن لم يشكّ في الركوع بعد ما سجد فلا يمضي ومن المعلوم ان صدق ذلك باليقين بالاتيان وعدمه الراجع إلى عدم أصل الشكّ وكذلك بالشكّ قبل أن يسجد وهو أيضا إلى نفي الموضوع كما إذا قلنا إذا جاءك زيد في يوم الجمعة فاكرمه فمفهومه مصداقان ما اذا لم يجيء أصلاً أو في غير يوم الجمعة وكلاهما راجع إلى انتفاء الموضوع هذا تمام الكلام في الأجزاء .

أمّا الكلام في الشرايط: فهي على أقسام منها ما هو شرط في تمام الصلاة ومنها شرط قبلها ومنها شرط في بعض أحوالها ويختلف جريان القاعدة في هذه الأقسام إلاّ انّه يشكل عدم الالتزام بعدم الحاجة إلى الطهارة بالنسبة إلى الصلاة الاخرى حيث جرت القاعدة في كونه طاهرا بالنسبة إلى الصلاة الماضية لعدم كون القاعدة أسوء حالاً من الاستصحاب لو لم تكن أولى خصوصا بالنسبة إلى بعض التعليلات الواردة في النصوص بل قد توضّأت ومن المعلوم جواز الصلاة بالطهارة المستصحبة في صلاة لصلاة اخرى .

تتميم البحث: إذا دخل في صلاة العصر في الوقت المختص أو لم يدخل وشكّ في انّه أتى بصلاة الظهر أم لا فيمضي لحيلولة الوقت بلا اشكال أمّا إذا تحقّق الشكّ في الوقت المشترك مثلاً في أثناء صلاة العصر في فعل الظهر أو أثناء كلّ صلاة بالنسبة إلى الوضوء فقد يدّعي التجاوز لكون الظهر قبل العصر بالجعل الشرعي كما يرشد إلى ذلك قوله علیه السلام ( إلاّ أن هذه قبل هذه )(1) وكذا في الوضوء

ص: 583


1- . وسائل الشيعة 4 الباب 4/5 من أبواب المواقيت .

يدّعي ان محلّه الشرعي قبل الصلاة للآية الشريفة « إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ »(1) الآية، فالشكّ في اتيان الظهر وحصول الوضوء بعد الدخول في العصر أو في الصلاة شكّ بعد تجاوز المحل فلا يعتني به إلاّ انّه لا يخفى ان لازم ذلك عدم التفكيك بين جريانها بالنسبة إلى الأجزاء اللاحقة في صلاته التي يشتغل بها وبين جريانها بالنسبة إلى الصلوات الآتيه لعدم كونها ولسانها قاصرين عن الاستصحاب والقاعدة ولسانهما ولا اشكال في جواز الصلاة بالطهارة الاستصحابيّة الحدثيّة والخبثيّة بالنسبة إلى الصلوات الآتية أيضا غير ما صلّى أوّلاً وكذا إذا كان مستندا إلى قاعدة الطهارة خصوصا والتعبير في بعض الأخبار بأنّه قد ركع أو قد ركعت أو امضه ونحو ذلك والفرق بين الصلوات التي لم يأت بها بعد وبين التي يشكّ فيها بعدم تحقّق مجرى لها بخلاف هذه كما ترى إذ الشاكّ إمّا متطهّر بالأصل فبالنسبة إلى جميعها وامّا انّه ليس كذلك فلا فرق أيضا فلابدّ من تصحيح الصلاة .

والحاصل ان الطهارة شرط للصلاة ولابدّ أن يكون عن طهر إمّا بالوجدان أو بأصل محرز فلو دلّ دليل شرعي من أصل أو غيره على كون المصلّي متطهّرا فلا اشكال في عدم الاقتصار على صلاة واحدة أو هذه التي يلتفت إلى ذلك فيها .

لكنّه لا يخفى ان مبنى القاعدة كما سبق مختلف فانّها إمّا أن تكون ترخيصا في ترك الواقع أو جعل البدل أو التقييد والمختار كون لسانها هو الترخيص ونتيجة كلّ من هذه أيضا تخالف الاخرى .

نعم لو كان المبنى ما ذكرنا من كون ذلك من بناء العقلاء لأمكن عدم

جريان القاعدة على بعض التقادير

ص: 584


1- . سورة المائدة: 7 .

التفكيك بين هذه الموارد لعدم فرق بين أجزاء هذه الصلاة وصلاة غيرها بعد تحقّق التجاوز الا ان هذا كلّه بناءً على تسليم كون الدخول في الصلاة خروجا عن الوضوء ودخولاً في غيره .

أمّا بناء على كون الطهارة شرطا لكلّ جزء من أجزاء الصلاة من أوّلها إلى آخرها فيرجع جواز جريان القاعدة وعدمه إلى رجوع الشكّ في الصحّة إلى الوجود فان رجع إليه فتجري القاعدة ويمضي على المشروط والشرط وإلاّ فلابدّ من الاحراز وحيث ان لا احراز في الأثناء فينحصر على هذا مجرى القاعدة ببعد الفراغ من الصلاة وحينئذٍ تجري قاعدة الفراغ ولا مجرى لها بالنسبة إلى الصلاة الاخرى .

وهذه الموارد ممّا تقدّم القاعدة على الاستصحاب بخلاف ما إذا تقدّم الشكّ أو اليقين على الصلاة فتيقن الحدث وشكّ في الطهارة أو بالنسبة إلى الخبث ودخل في الصلاة فلا يمكن اجراء القاعدة بعد الفراغ لأن أركان الاستصحاب تامّة يجري قبل الصلاة ويكون بذلك كمن دخل في الصلاة بلا طهارة .

غاية الأمر بالأصل المحرز الشرعي ولا مجرى لقاعدة الفراغ بالنسبة إليه نعم لو كان الشكّ واليقين بعد الصلاة فبالنسبة إلى الصلاة الواقعة بعد لابدّ من الاحراز لحصول مناط تقدّم الاستصحاب عليها وكذلك يشكل الأمر في نحو صلاة الظهر من حيث شرطيّتها لصلاة العصر والظاهر من الأصحاب جريان القاعدة في الوقت المختصّ بالنسبة إلى الشكّ في الظهر نعم له احتياط استحبابي وكان المسئلة ممّا استقرّت عليه الآراء وبالنسبة إلى الأثناء عندهم في ذلك اشكال .

ص: 585

تكميل: قد ذكرنا ان شرايط الصلاة ثلاثة أقسام فانّها إمّا أن تكون شرايط لها في حال الأجزاء أو للأجزاء نفسها أو شرط عقلي للجزء . والقسم الأوّل من الشرايط التي هي للصلاة كالستر والطهارة وإن قيل انّها شرط في حال الأجزاء ومثال ما كان شرطا للجزء كالجهر والاخفات في وجه فانّهما يمكن أن يكونا شرطين للقرائة ويمكن أن يكونا شرطين للصلاة حال القرائة ويترتّب على ذلك اختلاف الثمرة إلاّ انّه لوجود النص(1) لا يفترق الوجهان . والشرايط التي هي للصلاة على وجهين فانها تارة لها محل مقرّر شرعي واخرى ليس كذلك ثمّ انه إمّا أن يمكن ارادة الشرط بتبع ارادة المشروط فاعلاً لا تشريعا أو لا يكون كذلك ولم نستحضر الآن له مثالاً وأمّا النيّة فاذ انها ليست مقصودة وقابلة لتعلّق ارادة بها كي

تكون ارادتها تبع ارادة المراد المشروط بالنيّة وأمّا ارادة الشارع فلا اشكال في انّها تابعة لارادة العبد بمعنى أن يكون ما يمكن تعلّق ارادة العبد به يمكن للمولى تعلّق أمره ونهيه به والأحسن التعبير بالقدرة بأن بقال كلّما كان للمكلّف وفي قدرته أن يفعله ويتركه فللمولى أمره به ونهيه عنه وإلاّ فلا يخفى ما في التعبير بالتبعية من سوء الأدب .

وينبغي اخراج الشرط العقلي من مورد البحث لرجوع الشكّ فيه حقيقة إلى الشكّ في تحقّق المشروط فالشكّ فيه شكّ فيه فلو تجاوز عن محلّه جرى قاعدة التجاوز ولا يعتني بالشكّ

والحاصل ان الشرايط إمّا شرعيّة للصلاة أو لأجزائها أو شرط عقلي

للأجزاء وعلى الأوّل إمّا أن يكون للشرط محل مقرّر شرعي أو لا وامّا أن يمكن

ص: 586


1- . وسائل الشيعة 6 الباب 26/1 - 2 من أبواب القرائة في الصلاة .

تبعيّة ارادة الشرط للمشروط أو لا والظاهر انه بعيد لوجود الارادة للشرط كما للمشروط فهذه صور الشرايط . ثمّ انّه قد مثّل لماإذا كان لها محل مقرّر شرعي في الشرط للصلاة بصلاة الظهر للعصر والطهارة الحدثيّة للصلاة بدليل الآية الشريفة « إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ »(1) الآية ولا يخفى ان الآية ليست بصدد ذلك وإنّما ذلك لعدم امكان تحقّق الشرط مقارنا للمشروط وإلاّ فلو فرض ذلك مقارنا للتكبيرة على نحو المقارنة الحقيقيّة بأن يفعل الأفعال الوضوئيّة أو الطهارة بقسميها الآخرين أو في الاقامة حيث ان الأحوط ذلك فيها وكذلك التكلّم في أثنائها فان الدليل ورد بالاعادة نقول به ولا نعتبر تقدّمها على الصلاة .

والقيد إنّما يكون له مفهوم إذا كان في وجوده وعدمه تحت اختيار المكلّف وإلاّ فلا مفهوم له والمثال للأجزاء أو للصلاة في حال الأجزاء الطهارة من الحدث أو الخبث ولا عبرة بما يقال من كون ذلك شرطا مطلقا لعدم مساعدة الدليل .

ومن الشرايط الستر والمثال للشرط العقلي الموالاة لأجزاء الكلمة فانها معتبرة لتحقّق الكلمة وإلاّ فلو فصل طويلاً فلا تتحقّق والحق بالموالاة المذكورة الموالاة في الآية والآية وفي نفس الأفعال كما يظهر من الشيخ الا ان الموالاة بهذا المعنى كأنه لا يساعدها الدليل .

نعم يمكن استفادة عدم جواز الفصل الطويل في الصلاة من طائفتين من الأخبار الواردة(2) في جواز مثل ضم الولد وقتل العقرب والحيّة وقطع(3) الصلاة لاتّباع الغريم والغلام وحفظ المال وأمثال ذلك ممّا يظهر من اختلاف التعبير فيها

وجوه وأقوال في المسئلة

ص: 587


1- . سورة المائدة: 7 .
2- . وسائل الشيعة 7 الباب 24 - 19/1 - 2 - 1 - 2 - 3 من أبواب القواطع .
3- . الوسائل 7 الباب 21/1 - 2 - 3 من أبواب قواطع الصلاة .

منافاة مثل اتباع الغريم وحفظ المال بالذهاب إلى مكانه وأخذه للصلاة والحق بذلك بعض الأفعال ولو كان قليلاً كالرقص والوثبة ممّا لا يناسب الصلاة .

وعلى كلّ حال فلا اشكال في اشتراط العصر بتقدّم صلاة الظهر عليها فلو قدّمها عليها عمدا تبطل صلاته بلا اشكال .

إنّما الكلام في صورة الشكّ باتيان الظهر وعدمه وحينئذٍ فنقول مثل هذا الشكّ تارة يحدث في الوقت المختصّ بصلاة العصر لا بما إذا بقى من الوقت مقدار خمس ركعات فحينئذٍ لا نحتاج إلى قاعدة التجاوز لقاعدة الحيلولة للوقت واخرى في الوقت المشترك فحينئذٍ لا إشكال في تحقّق التجاوز إذا دخل في العصر بالنسبة إلى صلاة الظهر التي هي شرط للعصر أي تقدّمها فيمضي ولا يعتني ويتمّ صلاته إنّما الاشكال في لزوم الاتيان بالظهر بعد ذلك وهاهنا قد يفكّك بين المضي على الظهر وعدم الالتزام بالاعادة فيها وبين المضي في هذه الصلاة فانه من المحال بل إمّا ان لا عموم في ترتيب الآثار ولا اطلاق فلا يشمل المقامين كليهما وإن كان لهما ذلك فكذلك لا وجه للتفكيك بل لا يجب عليه بعد ذلك صلاة الظهر ودعوى ان المضي إنّما هو من حيث الشرطيّة فلا ينافي عدمه من حيث انّها واجبة نفسا كما ترى .

وحاصل الكلام ان في المسئلة وجوها بل أقوالاً ثلاثة: العدول إلى الظهر والاتمام عصرا والاستئناف من رأس وقيل بالصبر إلى أن يتحقّق انفصال صورة الصلاة .

أمّا مسئلة العدول فموردها ما إذا علم انّه لم يأت بالظهر فيعدل إليها حيث

مورد العدول إلى السابقة

ص: 588

ان هذه مثل(1) هذه الا انها قبلها ولا دليل على التعدّي عن مورد النص الا أن يقوم شيء مقام العلم وإلاّ فيشبه بل حقيقة يكون من استدلالات العامّة بمجرّد تنقيح المناط أو الاستحسان كما لا معنى للصبر إلى أن ينفصل صورة الصلاة للاحتياط بعدم توجّه شبهة حرمة قطع الصلاة لاحتمال صحّتها في الواقع وإن لم يتمكّن من الاتمام لعدم تعيّن الوظيفة له من جهة اشتباه الموضوع فلا يدري أيعدل حيث لا دليل أو يأتي .

وفيه أوّلاً انه حيث لا دليل يجوز القطع كما إذا لم يكن دليل للعدول وثانيا لا معنى للصبر حذرا من توجه شبهة القطع لأن نفس الصبر وعدم الاشتغال من القواطع ولقد قال أو قيل بنظير ذلك في بعض شكوك الصلاة وهو كما ترى ويمكن أن يلتزم بعموم ترتيب الآثار حيث ان القاعدة لا تقصر عن أصل محرز فلو قام على كونه متطهّرا فكيف يجوز أن يأتي به صلوات وأعمالاً بل يكون كالطهارة المحرزة في الآثار هذا . وإلاّ ففي التفكيك ما عرفت .

وصاحب العروة رأى العدول(2) في فرض المسئلة وجعل الأحوط بل نفي الخلو فيها عن القوّة في ما إذا علم بفعل العصر وشكّ في العصر بالاعادة .

ومن الشروط الشرعيّة الطهارة من الحدث بالنسبة إلى الصلاة حتّى في حال السكوتات فانّها إمّا أن يكون لها محل شرعي أم لا وعلى التقديرين إمّا أن يتحقّق الشكّ فيها بعد الفراغ من الصلاة واخرى بعد الشروع فيها . أمّا إذا كان الشكّ بعد الصلاة ولم يكن قبلها ملتفتا إلى حصول الطهارة وعدمه وحدث اليقين

ص: 589


1- . وسائل الشيعة 4 الباب 4/5 من أبواب المواقيت .
2- . العروة الوثقى المسئلة 20 من أحكام الأوقات مع تفاوت لما في المتن .

والشكّ في الحدث والطهارة بعدها ويحتمل احتمالاً عقلائيّا انّه تطهّر قبل الصلاة أو طهر بدنه فيمضي لقاعدة الفراغ بلا اشكال سواء كان لهما محل مقرّر شرعي أم لا وأمّا إذا كان حدوثه في أثناء الصلاة وكان غافلاً قبلها ولم يكن له يقين بالحدث وشكّ في الطهارة فعليين وقلنا ان الطهارة محلّها الشرعي قبل الصلاة فلا اشكال أيضا في جريان القاعدة للشكّ فيها وقد دخل في غيرها أي الصلاة فيمضي أمّا إذا كان قبل الصلاة له الشكّ واليقين الفعليّان فالاستصحاب مقدم على القاعدة ولا وجه لصحّة الصلاة سواء كان شكّ بعدها أو في أثنائها . وعلى ذلك أي جريانها في الاثناء ولم يكن الشكّ فعليّا قبل الصلاة ربما يشكل الأمر فيما التزموه من لزوم الطهارة بالنسبة إلى الصلاة الآتية اذ لا فرق حينئذٍ بين هذه الصلاة أو الصلاة الآتية

لتحقّق أركان القاعدة وثبوت انه متطهّر وبعد ذلك فلو لم يكن الطهارة البنائيّة المحرزة بالقاعدة أقوى من الاستصحاب فلا أقل من كونها مساوية له ولا اشكال في انه لو جرى الاستصحاب بالنسبة إلى الطهارة مع تحقّق أركانه وكان بحكم الشرع طاهرا فلا يفرق الأمر فيه بين الصلاة التي شرع بها أو فرغ منها أو التي يريد أن يأتي بها فيما بعد كما يدلّ على ذلك ( وإيّاك(1) أن تحدث وضوءا حتّى تستيقن انّك قد أحدثت ) ولا يلزم دخول الشاكّ في الغير بالنسبة إلى كلّ عمل بل قد تحقّق منه الدخول في الغير فالشرط للصلاة التي يأتي بها بعد العصر مثلاً أو الظهر أيضا حاصل ولا احتياج إلى التلبّس بالصلاة التي يريد أن يأتي بها بعد التي تلبس بها وهو قد شكّ في أثنائها إذ كما ان القاعدة ثبتت الطهارة بالنسبة إلى هذه الصلاة كذلك بالنسبة إلى التي بعدها كما إذا شككنا في التكبيرة وجرت القاعدة فيها فانها

ص: 590


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 44/1 من أبواب الوضوء .

تثبت أيضا شرطيّتها بالنسبة إلى الأجزاء الآتية التي صحّتها وصحّه الصلاة مشروطة بوجود التكبيرة بلا اشكال .

وتوهّم احتياج المضي بالنسبة إلى الصلاة اللاحقة إلى التلبّس بها وعدم مسبوقيّتها بالشكّ الفعلي كالتي تلبس بها وإلاّ لا يصدق التجاوز كما ترى .

مدفوع بعدم احتياج المضي إلى الدخول في كلّ غير بل الدخول تحقّق بالنسبة إلى كلّ ما يشكّ فيه ( لا يخفى عدم اندفاع التوهّم بما ذكر وجريان القاعدة لاثبات الطهارة للصلاة اللاحقة أشبه شيء بجريانها في التكبيرة لاثبات الركوع فتدبّر جيّدا .

خلاصة البحث: قد تبيّن الاشكال في التفكيك بين جريان قاعدة التجاوز في الأثناء لصحّة العمل الذي يأتي به بالنسبة إلى الشكّ في شرطه وعدم اثباته للشرط المشروط به العمل اللاحق كالطهارة إلاّ ان هذا على تقدير تسليمه وإن الطهارة لها محل مقرّر شرعي قبل الصلاة وإلاّ فلا مجرى لها أصلاً .

فعلى هذا لا محيص من الاستيناف وتحصيل الطهارة إلاّ ان المحقّق النائيني(1) قد بنى في هذا الجريان وكذا في صلاة الظهر بالنسبة إلى صلاة العصر لكن حيث ان القاعدة إنّما تجري من حيث اشتراط هذا العمل به فعلى هذا لا وجه للاكتفاء به في اثبات شرطيّتها لصلاة العصر أو للاكتفاء بذلك عن صلاة الظهر بعدها فعليه أن يأتي بها بعد العصر كما إذا شكّ بعد الصلاة في طهارة يدها المتنجسة فانّه لابدّ أن يطهّرها للصلاة اللاحقة والوضوء لو كان من مواضعه دون التي حصل الشكّ له بعدها في تطهيرها .

اشكال تفكيك جريان قاعدة التجاوز في الأثناء والشرط

ص: 591


1- . فوائد الأصول 4/642 .

وقد سبق منّا الاشكال ولا فرق في ذلك بين المباني السابقة في قاعدتي الفراغ والتجاوز فسواء كان من جهة القناعة في مقام الامتثال بالمعنى الذي تصوّرناه الراجع إلى الترخيص في الترك أو كان هو الترخيص فيقال ان المولى قد رخّص في ترك صلاة العصر حيث ان تقدّم الظهر شرط واقعي فالاكتفاء بهذه التي قد جرت القاعدة في شرطها إنّما هو من حيث الترخيص في تركها وعلى ما ذكرنا من الاشكال امّا أن يعدل إلى الظهر لو كان سالما من الاشكال الاخر الذي أشرنا إليه بأنّ المستفاد من أدلّة العدول والقدر المتيقّن منها هو صورة العلم بعدم الاتيان

وامّا الشكّ كما في ما نحن فيه فلا موجب له الا ان يقوم غيره مقامه والا فلا يمكن التعدّي عن مورده وعلى هذا لا يتوجّه شبهة حرمة القطع لعدم القطع بكونها صحيحة كي يحرم قطعها لاحتمالها الانقطاع والبطلان من رأس فلا وجه للاحتياط بالاتمام واستيناف الظهر والعصر بعدها أيضا .

هذا كلّه إذا شكّ في الأثناء . أمّا إذا شكّ بعد الفراغ فلا اشكال في جريان قاعدة الفراغ ولا يتوجّه عليها شيء لاختصاص مجراها بالشكّ في صحّة الموجود بعد فرض أصل الوجود وإنّما الشكّ في أصل الوجود مجرى قاعدة التجاوز وعلى كلّ سواء كان الشرط للصلاة في حال الاجزاء أو في مطلق أحوالها كالستر ولم يكن لها محل شرعي أو كان فبعد الفراغ يستوي الجميع في جريان القاعدة بالنسبة إليه لكنّه مختصّ بما إذا احتمل عقلائيّا تحقّق الشرط منه ولم يحتمل الترك عمدا بل لو تركه كان عن غفلة وفي ذلك لا خلاف بينهم بل المسلم عندهم جريان القاعدة لتصحيح الموجود في أيّ شرط أو جزء كان الشكّ لكن

ص: 592

يظهر من المحقّق النائيني قدس سره (1) الاكتفاء بجريان قاعدة التجاوز لكونها مجرى للشكّ في السبب الموجب للشكّ في صحّة الصلاة المسبّب عن الأوّل وبجريان القاعدة في الشكّ السببي لا يبقى مجال للشكّ المسببي وفي هذا لا فرق بين الأجزاء والشرايط التي لها محل مقرّر قبل الصلاة أو في أثنائها أو لم يكن كالستر والقيود ففي الجميع تجري قاعدة التجاوز بعد الصلاة وبذلك يحرز صحّة الصلاة وعلى هذا لا يبقى مجرى لقاعدة الفراغ في الصلاة إلاّ في الشكّ في الجزء الأخير لو لم نشترط في قاعدة الفراغ الدخول في الغير وإلاّ ففيه أيضا تجري قاعدة التجاوز .

إن قلت: يمكن الفرق في جريان القاعدة بين التي تقيدها شرط للصلاة فلا يفيد جريان القاعدة في اثباتها واحرازها بخلاف التي لا يشترط الا مجرّد وجودها لا تقيد الصلاة بها ففي القسم الأوّل لا محيص من جريان قاعدة الفراغ دون الأخير لعدم اثباتها أي القاعدة للآثار العقليّة غير الشرعيّة .

قلت: لسنا ملتزمين بعدم اثبات الأصول والقواعد غير الامارات للوازم الشرعيّة بل في ذلك نتبع الدليل فان كان من القواعد العامّة ولم يلزم من عدم جريانها في ما يثبت اللوازم غير الشرعيّة اللغويّة في الجعل فنلتزم بذلك أي عدم اثبات اللوازم الكذائيّة وإلاّ ففي صورة كون القاعدة من القواعد الخاصّة التي لا مجرى لها إلاّ في موارد ملازمة جريانها لاثبات اللوازم غير الشرعيّة فنلتزم باثباتها وإلاّ يلزم اللغويّة ومن ذلك قاعدة التجاوز فكما ان جريانها في التكبيرة بلحاظها ولحاظ اشتراط الأجزاء اللاحقة كذلك في الشرايط والقيود بلا فرق

امكان الفرق في جريان القاعدة

ص: 593


1- . فوائد الأصول 4/642 .

لاتّحاد اللسان والفرق إنّما هو من ناحية المجرى فتارة يكون هو الشرط والقيد واخرى هو الجزء بل لو كان في مورد يترتّب الأثر الشرعي على اللازم العقلي فتجري أيضا بلا شبهة لما ذكرنا وهذا واضح لا اشكال فيه إلاّ ان ذلك في مورد عدم سبق الشكّ الفعلي مثل الطهارة والغفله منها وحدوث الشكّ واليقين إنّما هو بعد الفراغ فحينئذٍ تجري القاعدة على ما ذكرنا وأمّا لو سبق الشكّ واليقين الصلاة ودخل فيها ثمّ بعد الفراغ التفت إلى ذلك فلا يمكن القول بتقدّم القاعدة على الاستصحاب لوجود الاستصحاب حيث لا مجرى للقاعدة وتقدّم القاعدة عليه إنّما هو في مورد جريانهما معا وعدم جريان الاستصحاب لأحد الوجوه المتقدّمة في تقدّم القاعدة عليه أمّا في صورة عدم مجرى للقاعدة فلا يجري أحد الوجوه كي تقدّم بعد تحقّق مجرى لها فحينئذٍ فرق بين ما إذا كان الشكّ واليقين قبل الصلاة فالاستصحاب يجري بلا اشكال وليس ذلك تقدّما وإذا كان بعد الفراغ منها فتجري القاعدة على الشرط المتقدّم بأن يحتمل الاتيان والترك لا عن عمد بل لو حصل فانّما هو عن غفلة وعلى ما ذكرنا تدري بعدم المجال لما يمكن أن يقال في صورة سبق فعليّة الشكّ واليقين الصلاة بأنّه بعد الفراغ يمكن له جريان القاعدة لعدم اليقين له بذلك بل يحتمل كذب الاستصحاب وانّه في الواقع كان متطهّرا فللقاعدة مجرى كما انّه يعلم الوجه في عدم الجريان في ما ذكرنا بعد الفراغ من الصلاة بلحاظ الشكّ واليقين الحاصلين قبلها والجريان في مثل الشكّ في التكبيرة بعد الدخول في القرائة مع تحقّق اليقين والشكّ الفعليّين وانّه لأحد الوجوه بخلاف صورة تقدّم الاستصحاب حيث لا مجرى للقاعدة .

تذنيب: هل تجري قاعدة التجاوز في ما إذا رأى نفسه في هيئة المقتدى

ص: 594

وشك في التكبيرة أو هل تجري في مثل الشكّ في السجود بعد الجلوس قبل القرائة أو وظيفة الركعة الثالثة أو الرابعة إذا كان لا يقدر أن يأتي بالقيام بل قيامه جلوس أم لا .

إلى غير ذلك من الفروع المترتّبة على مطلق التجاوز بدخول الغير مطلقا ممّا ذكرها في العروة والضابط في ذلك قد عرفته سابقا .

ففي مثل الشكّ في التكبيرة نقول إذا رأى نفسه في الصلاة يمضي ولا يعتني أو لم يرو لكن اشتغل في الاخفاتيّة بالتسبيح أو غيره ممّا يستحبّ للمأموم وفي الأخير اشكال بعدم جعل محل شرعي لهذه الأذكار بل هي مستحبّة في مطلق الأحوال وفي فرض الشكّ في السجدة بعد الجلوس أيضا قد استقر الرأي على انه ان اشتغل بالوظيفة لا يعتني والاّ يرجع كما انّه قد علم ممّا ذكرنا حال الشرايط التي ليس لها محل شرعي كالستر والاستقبال فانّه إن لم يكن اشكال من ناحية الاجزاء السابقة لكن الكلام في اللاحقة بأن يقال محل كلّ شرط من نحو هذه الشروط محلّ المشروط فبعد المضي لا يعتني وقبله حكمه حكم الشكّ في المحلّ هذا .

المبحث السادس أو السابع: هل القاعدة تجري في مطلق ما كان الشكّ في صحّة العمل واتيانه على الوجه المعتبر في انطباق المأمور به على المأتي به سواء كان الشكّ من ناحية الشبهة الحكميّة أو الموضوعيّة كان لا يدري ان الحكم أو فتوى من يقلّده في اللباس المشكوك الجواز أو عدمه أو هذا اللباس من المشكوك على فرض المنع أو هذا الدم من القروح والجروح كي يكون معفوّا أو لا أو مثلاً يدري انّه صلّى إلى هذه الجهة امّا لامارة أو رجاء كونها قبلة ثمّ شكّ بعد

جريان القاعدة في الشك من جهة الشبهة الحكميّة

ص: 595

العمل انّ هذه الجهة قبلة أم لا أو كان ذلك من جهة رجوع الشاهدين عن شهادتهما وتصريحهما بكذبهما أو لا بل نسي صورة العمل لكنّه يدري إن كان اتيانه بالصلاة إلى هذه الجهة فهي قبلة وإن كان إلى غيرها فليست قبلة ويشكّ في تحقّق العمل على أيّ جهة منها أو يأتي بالصلاة برجاء دخول الوقت أو بها على تقدير الرجوع إلى مجتهد أو مضى في المسئلة لعلّه يوافق ما أتى به ولو قهرا واتّفاقا وإن كان الرأي الذي استقرّ عليه الآن انه ان طابق فتوى من يجب عليه تقليده فصحيح وإلاّ فباطل أو شكّ في دخول الماء إلى تحت الخاتم فانّه لو وصله فقهرا وإلاّ فهو لم يلتفت إلى ذلك ولا حركه أو يختصّ بما إذا كان الشكّ ممحضا بالشكّ في الانطباق من ناحية الترك من غفلة لا من جهة الشبهة الحكميّة ولا الموضوعيّة ولا ما إذا حفظ صورة العمل ونسيه ؟ وجهان .

والذي ينبغي أن يقال انه إن كان الشكّ في الانطباق من جهة احتماله اتيان العمل صحيحا على الوجه المعتبر ولم يكن من جهة الشكّ في الشبهة الحكميّة أو الموضوعيّة كما مثّلنا كأنه دخل فيها مع الشكّ أو بالرجاء أو بالتعويل على امارة أو في مسئلة ذوي الأعذار في البدار ولم نجوّزه أو جوّزناه في صورة حصول الاطمئنان واليأس من زوال العذر إلى آخر الوقت فبادر وصادف البرء وإن كان الجمع بين هذا المبنى وما سلّمه القائل والذاهب إليه من عدم لزوم الاعادة في هذا الفرض مشكلاً فلا اشكال في انّه يمضي لأنّه القدر المتيقّن من مورد قاعدة التجاوز والفراغ كما انّه لا ينبغي الارتياب في عدم جريانها للشكّ في الصحّة من ناحية الشكّ في الشبهة الحكميّة أو الموضوعيّة وكان الشكّ من أوّل الأمر . وما هو قابل للكلام هو صورة عدم تذكر صورة العمل كما مثّلنا في مورد القبلة من انه

ص: 596

يتصوّر على وجهين فتارة يدري بأنّه صلّى إلى هذه الجهة ويشكّ في كونها قبلة واخرى يدري بأنّ القبلة هذه الجهة الكذائيّة ولا يعلم انّه أتى بها إليها أم لا فاطلاق

قوله ( كلّما مضى من صلاتك وطهورك فامضه كما هو )(1) يقتضي الجواز وعدم الاعتناء بالشكّ إلاّ ان التعليل في بعض أخبار الوضوء المتقدّمة سابقا وهو قوله ( هو حين ما يتوضّأ اذكر منه حين يشكّ )(2) يقتضي عدم الاعتناء بالمأتي به من جهة عدم التفات له ونظير هذا المضمون ورد في روايات(3) باب الصلاة وعلى

هذا فلو كان هذا تعليلاً للحكم واستفيد منه الكبرى الكليّة فلابدّ من اعتبار قيد زائد

بلحاظ ما في مجرى قاعدة التجاوز وجريانها وهو عدم كونه غافلاً حين العمل بل متذكرا له وملتفتا إليه متصدّيا لاتيان العمل على الوجه المعتبر لكن للمناقشة في كبرويّته مجال واسع لعدم انطباق ضابط منصوص العلّة على ما نحن فيه سواء اشترطنا وروده عقيب الفاء كما في بعض(4) أخبار لباس المصلّي ( فانّه دابّة لا تأكل اللحم ) أو عمّمنا حتّى بمثل أكرم زيدا لأنّه عالم بل حيث ان الغالب في ذلك كون الآتي بالعمل ذاكرا له وخصوصياته وملتفتا إليه فما بيّنه الامام علیه السلام ليس علّة للحكم والمجعول بل هو اعطاء الملاك ويمكن كونه تعبّدا أو ايناسا للحكم إلى ذهن السائل والراوي كما يرشد إليه ما في بعض الروايات من قوله: كلّما(5) مضى من صلاتك أو طهورك فذكرته تذكّرا فامضه الخ فقوله فذكرته تذكرا حصول

عدم جريان القاعدة في مورد احتمال الترك عمداً

ص: 597


1- . الوسائل 1 الباب 42/6 من أبواب الوضوء .
2- . الوسائل 1 الباب 42/7 من أبواب الوضوء .
3- . الوسائل 8 الباب 27/3 من أبواب الخلل في الصلاة .
4- . وسائل الشيعة 4 الباب 3/2 - 3 من أبواب لباس المصلّي .
5- . الوسائل 1 الباب 42/6 من أبواب الوضوء .

الالتفات بعد الصلاة وحدوث الشكّ إنّما هو حينئذٍ كما هو صريح في عدم اعتبار الاذكريّة بلحاظ قوله فذكرته تذكّرا أي احتملته احتمالاً فتدبّر .

وعلى هذا فلا مانع من اجراء القاعدة حتّى في مثل ما إذا لم يدر صورة العمل وانّه حرّك الخاتم أو لا بل وصل إليه الماء قهرا وأمّا في فرض علم الصورة وانّه أتى بالصلاة إلى هذه الجهة ويشكّ في انّها قبلة أم لا ويدري انّه ما حرّك الخاتم ويحتمل وصول الماء إليه إلى البشرة فللمنع عن جريان القاعدة مجال كما عرفت وجهه لعدم كون الشكّ ممحضا في ما القاعدة بصدد بيان الجري والمضي عليه وهو ما إذا احتمل الاتيان ومن ذلك الستر فانّه لا يدري انّه من أوّل الأمر كان

متستّرا أو منكشفا بل الانكشاف إنّما حصل بعد انقلاب الهواء فاللازم احراز الالتفات وطريان الشكّ لاحتمال طرو الغفلة أو حصول الصارف له ومنه ما إذا نسي صورة العمل ويحتمل فيه الاتيان على الوجه المعتبر .

المبحث السابع: لا مجال لجريان القاعدة في صورة احتمال الترك عمدا لعدم اطلاق أدلّة الباب مثل كلّ ما مضى(1) من صلاتك وطهورك فامضه كما هو أو

كلّ شيء شكّ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره حتّى لهذه الصورة .

الكلام في اصالة الصحّة: لا يخفى ان لاصالة الصحّة فردين فانّها تارة تجري في عمل نفس المكلّف فتسمّى بقاعدة الفراغ وقد مضت مفصّلاً واخرى في عمل الغير وهي التي ينصرف إليها الاطلاق .

والبحث الآن إنّما هو في الأخير وما يمكن أن يقع فيه النزاع بهذا المعنى وجوه: أحدها أن يكون المراد منها حمل عمل الغير على الصحيح لا بمعنى ترتيب

ص: 598


1- . الوسائل 1 الباب 42/6 من أبواب الوضوء .

الآثار بل مجرّد انّه لم يعمل سوءا وفاسدا ومنها أن يحمل على الصحيح عند الفاعل ويترتّب عليه الآثار كما إذا فعل المكلّف فعلاً وشكّ في صحّته وفساده فكيف يجري الأصل لصحّته ويرتّب عليه آثار الصحيح فكذلك هذا الوجه من اصالة الصحّة والظاهر عدم كونها بهذين المعنيّين محلّ النزاع ووجه الأخير عدم قابليّته لكلّ مقام فانّها في مقام جهل الفاعل بالصحيح والفاسد لا يفيد . فما ينبغي

أن يكون محلّ الكلام هو المعنى الآخر الذي هو الحمل على الصحيح الواقعي ويترتّب عليه جميع آثار العمل الصحيح من سقوط ذمّة من ناب عنه في الحجّ أو صلّى عنه وغير ذلك سواء في المعاملات بالمعنى الأعم أو الأخص وغيرها فانّها لا اختصاص لها بباب دون باب وقد استدلّ عليها بالمعنى الأخير بآيات وأخبار دالّة على عدم جواز ظنّ(1) السوء بالمؤمن ولا ريب في انّها بمعزل عن ما نحن فيه وكذلك ورد في(2) عدم تعرّضه لموضع الاتّهام فان فعل ذلك فلا يلومنّ إلاّ نفسه والظاهر حمل هذا على الكراهة كما ان المراد بحرمة سوء الظن ترتيب الأثر على ظنّه لا مجرّد الخطور الذي قلّما يمكن الفرار عنه .

والحاصل ان ما ورد في وضع(3) فعل أخيك وأمره على أحسنه وما إذا لم تجد له في الخير سبيلاً ولو على سبعين وجها لا يكون دليلاً على مورد الكلام الذي هو ترتيب الأثر على الفعل على النحو الصحيح الواقعي خصوصا والانسان لا يمكنه أن يلتفت إلى ما في ضمير الأشخاص غالبا ولو جعل على رأسه في نيابة الحج عدلين فانّهما لا يطلعان على نيّته وكذا في صلاته .

ما استدلّ به على اصالة الصحّة

ص: 599


1- . بحار الأنوار 75/90 روايات ثمانية .
2- . بحار الأنوار 75/90 روايات ثمانية .
3- . وسائل الشيعة 12 الباب 161/3 من أبواب أحكام العشرة .

ومن الوجوه التي استدلّ بها على المدّعي السيرة ولا يخفى انّها لا تنفع شيئا بما هي هي ما لم ترجع إلى قول المعصوم علیه السلام أو فعله وتقريره ومن ذلك لزوم اختلال النظام وهذا أيضا ممنوع وعلى فرضه فيقتصر على مورده الذي يلزم من عدم الحمل على الصحيح ذلك كما في العسر والحرج خصوصا مع حجّيّة اليد فانّها أيضا مقصورة على موردها .

نعم ان تمّ الاجماع على ذلك فهو وإلاّ فان احتمل أن يكون مدركه هذه الوجوه أو بعضها فلا دليل على اصالة الصحّة .

وللمحقّق النائيني رحمه الله(1) كلام هنا في الاجماع والظاهر انه مختصّ به فانه جعل الاجماع على وجهين: الوجه الأوّل أن يكون منعقدا على الموارد الجزئيّة كان يجمع على صحّة المعاملة لو شككنا في صحّتها وفسادها من ناحية شرايط النقل والانتقال في الصيغة والماضويّة وقصد الانشاء وأن يجمع على عدمها إذا شككنا في ذلك من ناحية قابليّة المال للنقل والانتقال أو من ناحية بلوغ العاقد لمنع صباوته عن ذلك بدون اذن الولي أمّا مع اذنه ورشد الصبي فالأقوى الصحّة . واخرى يكون انعقاده على نحو العموم اللفظي ونتيجته جواز كونه مرجعا أو مرجحا في صورة ورود الدليلين المتعارضين في أحد مصاديقه وصغريّاته بأن قلنا ان الدليل المعارض للخاص كما يعارضه يعارض العام أيضا ويكون العام مرجّحا أو يقال بوقوع المعارضة بين الخاصّين ويشكّ في تخصيص العام بعد سقوطهما عن المعارضة .

هذا: لكنّه لنا كلام في هذا المقام وهو عدم الجزم بالاجماع كذلك وعلى هذا

ص: 600


1- . فوائد الأصول 4/654 مع اختلاف في العبارة .

الوجه فكيف تصحّ دعوى الاجماع على هذه القاعدة واطلاق معقده مع عدم الالتزام من مدّعيه في الموارد العديدة من صغريات هذه الكبرى من حمل فعل المسلم على الصحّة سواء قلنا ان مبنى حجّيّة الاجماع هو اللطف أو التشرّف أو الكشف أو الحدس أو غير ذلك من وجوه حجّيّته التي ربما تبلغ أربعين وأزيد .

هذا فعلى ما ذكرنا لا يقوم لاصالة الصحّة وجه صحيح .

نعم يمكن الاستناد إلى رواية مسعدة(1) بن صدقة الواردة في مقام الشبهة

كما ذكره الشيخ الأنصاري رحمه الله في بعض ما كتب في حواشي الرسائل ( بالعلامة الخاصّة نسخة زياد ) والظاهر انّه منه رويت في الكافي والتهذيبين فلا اشكال في سندها وسيّدنا الأستاذ قدس سره ذكر ملخّص كلام الشيخ ومرامه واستشكل عليه بعدم تماميّة جوابه عن اشكاله الأوّل الذي أورده على نفسه والأولى نقل عبارة الشيخ قدس سره بعينها قال في الحاشية ( نسخة زياد ) ويمكن الاستدلال بموثقة مسعدة(2) بن صدقة عن أبي عبداللّه علیه السلام ( كلّ شيء لك حلال حتّى تعلم انّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة أو مملوك وهو حر قد باع نفسه أو خدع فبيع أو امرأة تحتك وهي اُختك أو رضيعتك .

والأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البيّنة ) فان الحكم بالحلية عند الشكّ في الحرمة في هذه الأشياء لا يجمعها إلاّ اصاله الحمل في تصرّفات الناس وعدم وجوب الاجتناب عنها إلاّ مع العلم أو قيام البيّنة وذلك

مفاد رواية مسعدة

ص: 601


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

لأن مثل الثوب الذي اشتراه مع اصالة عدم تملكه له المقتضية لحرمة التصرّف فيه لا وجه له إلاّ اصالة الصحّة في تصرّف البايع المقتضية للملك فالحكم بالحلّ وعدم الحرمة ليس من جهة مجرّد الشكّ في حل لبس الثوب وحرمته نظير المشتبه بين الخل والخمر وإلاّ لكان الأصل فيه التحريم نظير المشتبه بين زوجته والأجنبيّة بل من حيث الاشتباه والشكّ في معاملة الثوب وتردّدها بين الصحيحة المملكة وغيرها .

فموضوع هذا الحكم الظاهري هي المعاملة الواقعة على الثوب وإلاّ فلبس الثوب حلال من حيث كونه تصرّفا في ملكه بعد الحكم الظاهري بكون المعاملة بملكه لا من حيث الشكّ في كونه حلالاً وحراما . وكذا الكلام في العبد المشترى وكذا الحكم بحلّ المرئة المشتبهة بالاخت والرضيعة ليس من حيث مجرّد التردّد بين الحلال والحرام وإلاّ لكان الأصل عدم تحقّق الزوجيّة بينهما بل من حيث الشكّ في العقد الواقع وانّه كان صحيحا أم فاسدا .

والحاصل من ظاهر الرواية بقرينة الأمثلة ارادة ما يعم الحكم بالحل من حيث التصرّف الموجب لرفع الحرمة الثابتة باصالة فساد التصرف .

ان قلت: لعلّ الحكم بحلّ التصرّف في الثوب والعبد من جهة اليد وفي المرئة من حيث اصالة عدم النسب والرضاع فلا يدلّ على اصالة الحل في التصرّف من حيث هو .

قلت: ظاهر الرواية الحكم بثبوت الحل ظاهرا من جهة مجرّد التردّد بين الجائز والممنوع لا من حيث قيام امارة على الملك وعدم النسب .

فان قلت: ان الرواية كما تشمل ما إذا كان الشكّ في حل خبز للشكّ في

ص: 602

صحّة شرائه الرافع لحرمة أكله قبل الشراء أو شكّ في حلّ الصلاة في الثوب المتنجّس الذي غسله الغير للشكّ في صحّة غسله كذلك يشمل حل وطى امرأة تردّدت بين الزوجة والأجنبيّة وحل التصرّف في امة تردّدت بين أمته وأمة الغير ولو بنى على حكومة اصالة عدم الزوجيّة والملكيّة على مفاد هذه الرواية في هذين المثالين فليبن على اصاله عدمهما في موردها فلابدّ أن يكون منشأ الحكم بالحل في الرواية امارة حاكمة على اصالة العدم وهي اليد في الثوب والعبد واصالة عدم النسب والرضاع في المرئة لا مجرد الشكّ في حلّ المعاملة الواقعة عليها وعدمه .

قلت: فرق واضح بين مورد الحكم بالحل في المثالين ومورده في أمثلة الرواية وساير التصرّفات المردّدة بين الجائز والمخطور فان الشكّ في الحل في المثالين مسبوق بالحرمة المتيقّنة سابقا فتسصحب كما هو شأن تعارض أصل الاباحة مع استصحاب الحرمة بخلاف الشكّ في حلّ المعاملة الواقعة على الثوب والعبد والمرئة فانّه غير مسبوق بالحرمة فالحكم في الرواية بجوازه ونفي الحظر عنه يرفع حرمة التصرّف فيها المتيقّنة سابقا قبل المعاملة .

والحاصل ان اصالة الحرمة في مثالي المعترض حاكم على مؤدّى الرواية والأمر في مورد الرواية على العكس هذا ما يقتضيه النظر عاجلاً إلى أن يقع التأمّل هنا أنفسهم انتهى ما في الحاشية .

والحاصل ان الاشكال الأوّل الذي أورد الشيخ على نفسه لم يستطع الجواب عنه لعدم ظهوره في ما ادّعاه في ذلك بل ظاهر الرواية الحكم بحلية التصرّف ولم يجعل وجهه اصالة الصحّة والوجه الثاني الذي قرب دلالة الرواية به

امكان الاستدلال برواية مسعدة

ص: 603

على اصالة الصحّة جعل الاحتمال بين ثلاثة وجوه اصالة الصحّة في العقود كما يقتضيه ظاهر الأمثلة أو المطلق لاصالة الحلّ للتصرّفات ثمّ ان الرواية على ظاهرها وهو الحل تقتضى تأخّر المجعول فيها عن جميع الأمارات والأصول حيث جعل الغاية فيها هو الاستبانة التي هي العلم وقيام البيّنة غاية الأمر لم يعمل بهذه التوسعة .

وكيف كان هل يمكن استفادة اصالة الصحّة من هذه الرواية أم لا بل غاية ما يستفاد منها هي اصالة الحلّ وتمام موضوعها الشكّ ولذا نظر إلى ظاهرها صاحب المدارك وجعل حلية اللحم المشكوك وغيره لاصالة الحل لا لمسئلة السوق واماريّة اليد وقد روى في ذلك روايات وفي بعضها(1) عليكم أن تسئلوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك ولا يخفى انه مع قطع النظر عن مصير المشهور إلى خلاف ذلك ان ظاهرها جعل الحلية في كلّ مورد مشكوك نظائر المذكورات في الرواية الا ان المشهور لم يعملوا بظاهرها وعلى اطلاقها مع ان مورد التعارض بينه وبين استصحاب عدم التذكية وغير ذلك هو العموم من وجه ولاية خصوصيّة يقدم جانب الاستصحاب ولا يراعى جانب القاعدة والأصل ؟

والحاصل ان الرواية تصلح لاصالة الصحّة بلحاظ عدم مناسبة الحكم في المذكورات بما في الرواية مع عدم الجامع الصالح الا بما يلائمها كما ذكرنا تقريبه من الشيخ رحمه الله بما يوافق اصالة الصحّة في العقود أو بنحو آخر كما ذكرنا الاّ انا ذكرنا الاشكال في ذلك وان مجرّد صلاحيتها لذلك لا يوجب ظهورها فيه بل الظاهر ما أشرنا إليه في صدر البحث من ان المستفاد منها ضرب قاعدة في مقام

ص: 604


1- . وسائل الشيعة 3 الباب 50/7 من أبواب النجاسات .

الشكّ في المذكورات ونظائرها على حكم الاباحة وجعل الغايه فيها الاستبانة وقيام البيّنة ومنه يمكن استفادة عدم لزوم الفحص بلحاظ اشتمال الرواية على الاستبانة وجعل العدل لها قيام البيّنة سواء حصل منها العلم أو لا بل ومع الظن بالخلاف الا ان أمر البيّنة بين العلم والتعبّد .

وعلى كلّ حال حيث جعل الغاية فيها هو مجرّد الاستبانة وقيام البيّنة فلا غاية لها غير ذلك فهي في أسفل مراتب الاصول ولا وجه لدعوى كون الاستصحاب غاية له لكونه علما تعبّديّا لوضوح بطلانها بل ما ذكره المحقّق النائيني رحمه الله أيضا من ان الاستصحاب من الأصول المحرزة وانّه يقوم مقام العلم في المرتبة الثالثة أيضا مجرّد دعوى بل الاستصحاب كقاعدة الفراغ من الأصول التعبّديّة .

نعم ان ثبت كونه امارة فيمكن كونه غاية لاصالة الحل المستفادة من الرواية بما ذكر في محلّه اللهمّ إلاّ أن يدّعي ان الاستبانة أعمّ من الواقعي والظاهري فاذا حكم الشارع في مورد اصالة الحل بالحرمة من جهة الاستصحاب فقد بان وانكشف لنا الحكم ولو ظاهرا بل ويمكن التعدّي عن ذلك إلى الاحتياط وانه ان أوجب الشارع له أيضا لا يمكن الاستناد إلى اصالة الصحّة ومرجع ذلك إلى توسعة في ناحية الغاية بجعلها أعم من الواقعي والظاهري لو لا توجه الاشكال عليه بعدم مناسبة جعل البينة عدلاً لها هذا . فعلى ما ذكرنا نتيجة البحث ان الرواية بظاهرها أجنبيّة عن اصالة الصحّة ولا ربط لها بما نحن فيه .

وربما استند في اثبات اصالة الصحّة بلزوم الاختلال في أمر الدنيا ونظام معيشتها فانّه لا يمكن البيع والشراء ولا ترتيب آثار الملكيّة على المبيع وغيره

مدرك اصالة الصحّة في المعاملات

ص: 605

لاحتمال انّه سرقة وان المعاملة غير صحيحة لاختلال بعض ما يعتبر فيها الا ان هذا الوجه قد أشرنا إلى ضعفه فيما سبق من لزوم ذلك لو لا اليد التي تقدّم البحث في اماريّتها وانّها امارة الملكيّة بلا اشكال .

هذا لكن الذي يظهر منهم كونها ( أي اصالة الصحّة ) مسلمة في باب العقود بالمعنى الأعم الشامل للايقاعات ويدعون عليه الاجماع واشرنا إلى امكان استناده إلى المدارك المذكورة التي ناقشنا فيها كما يحتمل أن يكون مستند ذلك في الجملة اصاله الصحّة المستفادة من قاعدة الفراغ بعد الدخول في الغير ويمكن أن يكون باب العقود والايقاعات من باب القدر المتيقّن من الاجماع وإن كان الذي يظهر من المحقّق النائيني رحمه الله(1) انه لا يبعد تحقّق الاجماع فيها على الخصوص لكنك عرفت قريبا انّه لو كان المقامات المختلفة والموارد الجزئيّة قام عليها الاجماع فهو المدرك وإلاّ ففي موارد الخلاف لا يمكن تحقّقه فما ذهب إليه المحقّق المذكور من عدم قدح الاختلاف في التمسّك بالاجماع لو انعقد على نحو الاطلاق في معقده بأن يكون كالاطلاق اللفظي ضعيف لا وجه له .

والحاصل ان في باب المعاملات الذي يتحصّل من الأقوال في أبوابها المختلفة كما ربما يستفاد من كلماتهم وادّعاه المحقّق النائيني(2) في جريان اصالة الصحّة مطلقا سواء كان الشكّ في الصحّة والفساد من الشكّ في تحقّق شرايط العوضين أو المتعاملين أو شرايط العقد أم لا بل على التفصيل الآتي ثلاثة وجوه:

الأوّل: جريانها في كلّ مورد الشكّ في صحّة العقد وفساده أي عقد من

ص: 606


1- . فوائد الأصول 3/654 - 656 .
2- . فوائد الأصول 3/654 - 656 .

العقود كان وكذلك كلّ ما كان منشأ الشكّ سواء كان الشكّ فيها من ناحية قابليّة العوضين للنقل والانتقال من حيث كونهما مالاً أو من جهة الشكّ في تعلّق حقّ الغير به فيكون رهنا أو من باب عدم قابليته للنقل من حيث كونه وقفا أو من ناحية اختلال شروط المتعاملين من كونهما بالغين عاقلين لهما الرشد المعاملي وغير ذلك أو من حيث تحقّق شروط المعاملة من اعتبار الماضويّة في الصيغة لو اعتبرت أو مثلاً كون الايجاب مقدما على القبول أو حصول القبض في بيع الصرف ومعلوميّة العوضين بالكيل أو الوزن أو غير ذلك ممّا يرفع الجهل .

الثاني جريانها في ما إذا كان منشأ الشكّ خصوص تحقّق شرايط النقل والانتقال بعد احراز باقي شروط العوضين والمتعاملين فهذا الوجه إنّما هو من حيث صدور العقد عن المتعاملين تامّة الشرايط وعدمه فهي أي اصالة الصحّة على هذا القول إنّما تكون حاكمة على اصالة عدم النقل والانتقال في الشكّ من ناحية تحقّق شرايطه .

الثالث التفصيل بين ما يكون اعتباره عرفيّا فلا تجري بخلاف ما إذا كان شرعيّا فتجري حينئذٍ سواء كان ذلك أي أيّ الشرطين في شروط النقل والانتقال أو في العوضين أو المتعاملين فهذه وجوه الأقوال في المسئلة الا ان المتيقن من الجميع هو الجريان في الشكّ في شرايط النقل والانتقال لو فرض عدم جريان التفصيل الأخير فيه كما هو الظاهر . وعلى ما ذكرنا فيكون ما ذكره المحقّق الثاني من جريانها عند استكمال أركان العقد ناظرا إلى أحد الوجهين الأخيرين لظهور كلامه في اعتبار ما هو ركن في العقد بحيث لو لم يكن لا صحّة للعقد ولا مجرى لاصالتها.

نتيجة الأقوال

ص: 607

والوجه الأوّل لا استثناء في جريان أصل الصحّة في مورد فلم يعتبر فيه الركن من غيره وحينئذٍ فيمكن كونه الركن بمعنى ما يكون دخيلاً في ذلك عرفا فينطبق على الثالث وإلاّ فعلى الوجه الثاني وحيث ان الركن لم يكن له معنى في هذا المقام الا ما هو الظاهر منه عرفا ممّا به قوام العقد ويكون لو ترك سهوا أو عمدا ولم يأت في العقد موجبا لبطلانه كما في ركن الصلاة فيحتمل حينئذٍ أن يكون المراد الأعم من العرفي والشرعي فيكون محمل كلام المحقّق احتمالاً ثالثا .

اللهمّ إلاّ أن يدّعي كل ما هو ركن عند العرف ركن كذلك عند الشرع فالأعم إنّما ينطبق على الشرعي فقط فتدبّر . وحينئذٍ ينبغي أن يلاحظ في ذلك كلّ معاملة وعقد بحسب نفسها لاختلاف المعاوضات والعقود في ذلك قرّب شيء هو شرط وركن في معاملة وليس كذلك في المعاملة الاخرى أو في قسم من المعاملة كالبيع وليس كذلك في قسم آخر مثلاً اعتبار العلم بما يقع عليه العقد بحيث يرفع الجهل معتبر في عقد البيع لا الهبة أو القبض شرط في بيع الصرف والسلم وليس شرطا في غيرهما وكذا لا ركنيّة للمهر في عقد التزويج الدائمي بخلاف المتعة وربما يكون شيء ركنا وشرطا في جميع أبواب العقد والمعاملات كالبلوغ والعقل وكون ما يقع عليه المعاملة قابلاً للنقل والانتقال من حيث كونه مالاً عرفا وكالزوجين في عقد الزواج فان لهما الركنيّة فيه .

فالحاصل ان كلّ ما يكون شرطا وركنا في جميع أنواع المعاملات والعقود فهو ركن في الجميع وإلا فكلّ معاوضة ومعاملة وعقد يلاحظ في حدّ نفسه وممّا

ص: 608

يدّعي كونه شرطا في معاملة دون اخرى البلوغ واستشهد له المحقّق النائيني رحمه الله(1) بأن في مقام التنازع في عقد الضمان لو ادّعى أحد الطرفين كون الضامن صغيرا فيجعلون الأصل له ويحكمون بعدم الضمان بخلاف عقد البيع فيقدمون أصل الصحّة على الفساد ولا يعتنون بدعوى عدم البلوغ من أحد المتعاملين حين وقوع العقد وليس ذلك إلاّ لعدم رؤيتهم لغير البالغ ذمّة فان الضمان على التحقيق عندنا عبارة عن نقل الذمّة إلى ذمّة الضامن لا الضم إلى ذمّة المضمون عنه كما هو مذهب العامّة وحيث ان العرف لا يرون للصغير غير البالغ ذمّة فلذا يقدم عدم البلوغ ويقدم بلحاظه قول من يدّعي الفساد من هذه الجهة هذا .

ولكن فيه ان مراتب الصغر مختلفة فان كان غير مميّز فلا يعتبر شيء من أفعاله فهو كالبهائم وهو الذي مسلوب عبارته في باب العقود لعدم تمييزه بين الجواب بنعم ولا فحينئذٍ لا يعتبر له ذمّة ولا يرون له وأمّا من كان مميّزا قريبا من

البلوغ وله الرشد المعاملي فالعقلاء وأهل العرف يعتبرون في حقّه الذمّة ولذا يعاملونه نسيئة وغير ذلك فما ذكره ضعيف غايته .

نعم ربما لا يرى الشارع ماليّة شيء وهو مال عند العرف كما ربما يوافق العرف في ذلك وهذا غير مرتبط بكلامه قدس سره .

ثمّ انّه بعد معرفة الوجوه والأقوال الثلاثة . ان الدليل على القدر المتيقّن المشترك المتّفق عليه بين هذه الأقوال هو ما إذا كان الشكّ في حيث صدور المعاملة والعقد مع احراز شرايط العوضين والمتعاقدين ودليله على الظاهر هو الاجماع فالكلام الان يقع في هذا الاجماع لو كان تعبّديّا كاشفا عن رأي

القدر المتيقّن بين الأقوال

ص: 609


1- . فوائد الأصول 4/656 .

المعصوم علیه السلام فهو الحق الذي لا محيص عنه ولابدّ من القبول والا فلو احتمل أن يكون مستندا إلى أحد الوجوه المتقدّمة في اصالة الصحّة مطلقا في العقود وغيرها فلا يتمّ لعدم الوثوق بالكشف فحينئذٍ ان افاد قطعا بالحكم فحجّيّته من باب القطع وإلاّ فلا عبرة به ولابدّ من التماس دليل آخر فان كان المشكوك فيه مجرى قاعدة الفراغ فلا اشكال في جريانها والصحّة بهذا اللحاظ وإلاّ فللتأمّل فيه مجال واسع فتدبّر جيّدا .

نتيجة البحث: لا اشكال في عدم ارتباط الآيات والأخبار التي استدلّ بها على اصالة الصحّة بها بوجه بل إنّما هي تدلّ على حرمة الاخبار على المؤمن بشيء لتوهينه والتشنيع عليه وغير ذلك من المضامين المختلفة كما لا يخفى ان كلامنا ليس في الصحّة عند الفاعل اذ غايتها حمل فعله على الصحيح عنده .

أمّا الصحّة عندنا فلا فما هو محلّ الكلام من احتمالات اصالة الصحّة هو كونها بحيث توجب ترتيب آثار الصحيح الواقعي الذي يراه الشاكّ واقعا ولو بطريق ظاهري .

والحاصل ان الغرض في اصالة الصحّة أن يرتب على المشكوك الذي يراد اجرائها فيه كلّ أثر يترتب على المعلوم الواقعي أو الذي هو وظيفة الذي تجري في حقّه ويريد أن يكون عمله أي الغير كما إذا علم صدوره صحيحا جامعا لشرايطه وجميع ما يعتبر فيه فهي بهذا المعنى محلّ الكلام ولا يخفى شدّة احتياجنا إليها بهذا المعنى ولذلك أمثلة كثيرة في جميع الأبواب ففي باب الصلاة مثلاً قد يشكّ في صحّة اقتداء الغير بالامام كي لا يضرّ فصله بين الامام وبين الشاكّ ولا يدري ان صلاته التي شرع فيها أكان مع الوضوء أم لا وان وضوئه صحيح أم لا

ص: 610

وكذا ساير شرايطها وانه هل له نيّة الاقتداء أم لا ويريد الصلاة أم لا إلى غير ذلك من الاحتمالات وكما في عمل الأجير والنائب في صلاته وصومه وحجّه في أصلها وفي شرايط صحّتها وكما يدري قيام البيّنة على اجتهاد زيد وعدالة عمرو وهو قد اختبر من اقيمت له الشهادة فلم يره بالوصف أو علم بالخلاف فيحمل شهادة الشاهدين على الصحيح وان طلاق هذه المرئة كان في حضور العدلين أم لا وهل وقع بالصيغة الخاصّة أم لا إذ هو يريد أن يتزوّجها وما لم يحرز صحّة طلاقها لا يمكنه ذلك أو في عقود المعاوضة فهذا المال الذي يريد من بيده بيعه وقف أم لا ومتعلّق حقّ الغير أم لا وأهو بالغ أم لا بعد صدور العقد كاله أو وزنه بحيث يرفع جهالة المبيع إلى غير ذلك من الأبواب المتفرّقة الفقهيّة التي يكثر الشكّ في كلّ ذلك

فليس محلّ الكلام في اصالة الصحّة الصحّة عند الفاعل لعدم ترتّب أثر عليها على هذا بل الحاجة إلى ذلك لارادة ترتيب الأثر على الصحيح على المشكوك .

وما ذكروه من الآيات والأخبار وكتبوه كما ترى لا دلالة لها بوجه الا الاجماع لو أوجب القطع ولم يكن مستندا إلى هذه الوجوه لاحتمال اعتماد القدماء وأصحاب التأليف الذين لم يذكروا المدرك إلى ذلك وكان هو مدرك اجماعهم ودعوا هم في المسائل له ويمكن الاستناد ببعض ما تقدّم في قاعدة الفراغ والتجاوز من قوله ( كلّما مضى(1) من صلاتك وطهورك فامضه كما هو وكلّما شككت(2) فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو بتقريب عدم خصوصيّة للمخاطب بالخطاب أي الشاكّ في أن يكون عمل نفسه فالمراد بالخطاب هو

عدم تماميّة قيام السوق على حجّيّة اليد

ص: 611


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 42/6 من أبواب الوضوء .
2- . الوسائل 8 الباب 23/3 من أبواب الخلل في الصلاة .

الشاكّ كما هو المسلّم الا ان المشكوك فيه حيث ان ظاهر اسناد الفعل إليه وتعلّقه بعمله يرفع اليد عن ظهور خصوص عمله بكونه من باب المثال وانه على ( إيّاك أعني واسمعي يا جاره ) إلاّ انّ هذا التعدّي عن هذا الظاهر كما ترى(1) ويمكن الاستناد إلى التعليل الوارد في اليد في رواية(2) حفص حيث استقره على الشراء من ما في أيدي الناس وإن لم يدر انه ما لهم والشهادة على ذلك .

ثمّ قال لو لا ذلك لما قام للمسلمين سوق . بناءً على ما هو ظاهر الرواية من كون السوق مفرد الأسواق لا جمعا للساق على احتمال والمراد بالسوق حينئذٍ ليس خصوص ما يقع فيه البيع والشراء بل كناية عن ما يقوم فيه وبه أمر المعاش ونظام أمر العباد سواء كان ذلك في أمر البيع والشراء أو في ساير الاُمور ومن هذا التعليل الظاهر في الكبرويّة يستفاد ان حجيّة اليد إنّما هو من حيث استلزام عدمها أمرا فاسدا وهو عدم قيام سوق المسلمين فكلّما كان كذلك أي عدمه موجب للفساد فهو فاسد كما ان كلّ ما يكون مستلزما للباطل أو المحال باطل أو محال .

والحاصل: ان الانطباق والتطبيق إنّما هو لخصوص اليد وإلا فالعبرة بعموم التعليل .

ولا يخفى عدم تماميّة قيام سوق المسلمين مع حجيّة اليد لأنّه كما سبق إنّما ينفع في خصوص الشكّ من جهة الملكيّة أمّا ساير الجهات فلا فانّا لو فرضنا احراز ان هذا المال لهذا الشخص وهو باعه ولكن لم ندر أهو بالغ حين البيع أم لا أو ندري ولكن لا ندري أكاله أو وزنه أو حصل النقل بشرايطه لعمرو أم لا فلا

ص: 612


1- . الظاهر انّ الاستدلال تام يشمل عمل الغير كعمل نفسه .
2- . الوسائل 27 الباب 25/2 من أبواب كيفيّة الحكم .

يمكن التمسّك حينئذٍ باليد وحجيّتها لمثل هذه الاُمور كما ان العلم بحصول شرايط النقل والانتقال وعدم كون المتعاملين ممنوعين من التصرّف لا يجدي مع الشكّ في ملكيّة العوضين لهما فاليد إنّما هي انطبق عليها التعليل بلحاظ عقده السلبي وهو عدم قيام سوق المسلمين وأمّا من حيث عقده الوضعي وهو قيام السوق لهم فلا ينحصر التعليل به بل يقوم أيضا باصالة الصحّة التي هي محلّ البحث ونحن وإن كنّا زاعمين إلى الآن بأن اليد تكفي لذلك وإن بحجيّتها يصلح أمر العباد نظاما ومعاشا لكن تنبهنا أخيرا بعدم كفايتها لذلك بل في المقام أشياء كثيرة وموارد لا تحصى لا ترتبط باليد فاذا شككنا في ان صلاة زيد واقتدائه صحيحة أم لا فأيّ ربط لذلك باليد وحجيّتها أو كما ذكرنا في المعاملة الواقعة على المال الكذائي فانّه

لو لا حجيّة اليد لم يمكن الحكم بكون المبيع مالاً للبايع في صورة الشكّ فحجيّتها أفادت في هذه الصورة ولو علمنا بحصول جميع الشرايط الاخر في المعاملة كما انّ حجيّتها بنفسها لا تجدي في ما إذا شككنا من الجهات الاخر بل لو علمنا بكون المال المبيع للبايع لكن شكّنا لم يكن من هذه الجهة .

نعم نحن وإن قدمنا البحث في اليد ووجه تقديمها على الاستصحاب إلاّ ان ذلك يجدي في صورة الشكّ في الملكيّة والآن ففي شكّ في ذلك وكيفيّة تقدّمها ومقدار ذلك فليتأمّل وليلاحظ .

توضيح وتكميل: ليعلم ان اصالة الصحّة بالمعنى الأعمّ الذي لا تختصّ بخصوص المعاملات والعقود حسب ما يترائى في النظر انّها بهذه التوسعة تغنينا عن اليد وحجيّتها دون العكس ضرورة كون التصدّي للبيع لو حمل على الصحّة بالمعنى الذي هو عبارة عن ترتيب الآثار لو علمنا انّه مال نفسه يوجب الحكم

امكان الاستناد إلى التعليل

ص: 613

بكون ما يتصدّى لبيعه انّه له وليس كذلك ما لو كانت اليد امارة على الملكيّة أصلاً كذلك لاختصاصها بذلك أي الملكيّة فقط ويبقى ساير الأعمال من باقي العقود والايقاعات بلحاظ الشكّ من غير ناحية الملكيّة خاليا عن دليل يوجب الحكم والجري بالصحّة فيها .

فانا إذا علمنا ان اليد السابقة على هذا المال لم تكن غصبيّة ولم ندر النقل والانتقال هل كان مع غير البالغ أم لا فاليد على هذا المال لا تثبت البلوغ وبالجملة

فيمكن الاستناد لاصالة الصحّة بما ذكرنا من التعليل في ذيل الرواية في اليد ( لو لا

ذلك لم يقم للمسلمين سوق )(1) الا انه لم يعلم كونه كبرى كلية بل يشبه كونه ملاكا للجعل فعلى هذا لا يمكن التعدّي عن مورده إلى كلّ مورد كان فيه هذه المناسبة فان مورده لزوم الحرج على تقدير عدم كون اليد حجّة فأشار إلى نفي ذلك أي العسر والحرج في الرواية بما في ذيلها المحتمل كونه كبرى كلية وملاكا للجعل ولا يكون ظاهرا في الأوّل لو لم يكن في الثاني .

وقد تقدّم في بعض تنبيهات لا ضرر ان أمثال لا ضرر ولا عسر ولا حرج انّما مجريها مورد لزوم أحدها من جعل الحكم وكون الحكم الشرعي في موردها ولو لم يكن كذلك بل لزم من عدم جعل الحكم في مورد ضرر أو عسر أو حرج فلا ينفي دليلها مثل ذلك العسر والحرج ولذا لابدّ من الاقتصار على مورده وليس إلاّ خصوص اليد ولا يمكن التشبث لذلك بعدم لزوم القسمة في المياه المشتركة بين الوقف وغيره لو اختلط الميزان وخرج عن الانضباط والقانون بدعوى لزوم الحرج والعسر من عدم ارتفاع حكم القسمة ويمكن الاستناد في اصالة الصحّة إلى

ص: 614


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 25/2 من أبواب كيفيّة الحكم .

ما ذكر في رواية حفص(1) وكذلك رواية مسعدة(2) بانضمام دعوى عدم الفائدة المعتدّ بها في صورة اختصاص ضرب الحكم المجعول فيهما بمورده وهو الشكّ في سرقة المبيع أو كونه حرّا خدع مثلاً أو كون المرئة اخت الرضاعة بل جهات الشكّ مختلفة وليس جامع في الرواية بين شتات جهاتها الا اصالة الصحّة فتكون حينئذٍ قاعدة مضروبة لكليّة هذه الموارد وأمثالها والامام علیه السلام قرره في رواية حفص(3) على الشهادة على المبيع بأنّه ماله وإن لم يكن يدري انّه مال من اشترى منه حقيقة بتقريب ان المجعول في القاعدتين وإن كان يناسب حجيّة اليد لكن لم يصرّح بذلك فيهما بل ظاهرهما ترتيب كلّ أثر للمال الواقعي الذي يكون ملكا للشخص حقيقة من اتمام الاستطاعة والحجّ به والتصدّق وغير ذلك من التصرّفات من البيع والشراء على هذا المشكوك كما تقدّم احتماله في قاعدة الفراغ غاية الأمر لو كان في عمل نفسه تجري هذه ولو كان في عمل الغير تجري اصالة الصحّة فانا لسنا دائرين مدار لفظ اليد أو اصالة الصحّة بل النزاع في أمر معنوي وهو قيام دليل على حجيّة اصالة الصحّة في جميع الأعمال من العقود والايقاعات وغيرها بحيث توجب ترتيب كلّ أثر كان للواقع غير المجهول على المشكوك سواء كان الشكّ راجعا إلى جهة من جهات النقل والانتقال كالكيل والوزن والصيغة والقبض أو في غير ذلك كالبلوغ والملكيّة فان روايات اليد ليست بتلك المثابة من الحجيّة والظهور بل ظاهر مواردها خصوص الشكّ في حدوث اليد فلو لم نعلم كيفيّة حدوثها نقول بحجيّتها .

ص: 615


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 25/2 من أبواب كيفيّة الحكم .
2- . الوسائل 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .
3- . وسائل الشيعة 27 الباب 25/2 من أبواب كيفيّة الحكم .

أمّا إذا كانت مسبوقة فلا وحينئذٍ فتجري اصالة الصحّة لدفع الشكّ حتّى من هذه الجهة وتوجب الحمل على الصحيح والصحّة الواقعيّة في مال علمنا بوقفيّته وانتقل بلا واسطة أو بواسطة إلى من شكّ في النقل إليه من جهة من تلك الجهات .

نعم ورد في بعض موارد اليد ان(1) المال بينهما نصفان لكن ذلك مخصوص

بمواردها كما إذا كان زمام الناقة بيد شخص وآخر يركبها .

تذكرة: قد روى في الوسائل في باب وجوب الحكم بملكيّة صاحب اليد حتّى يثبت خلافها ثلاث روايات ثالثتها احتجاج(2) أميرالمؤمنين علیه السلام على أبي بكر باليد أوليها عن أبي الحسن الرضا علیه السلام (3) ذكر انّه لو افضى إليه الحكم لاقرّ

الناس على ما في أيديهم ولم ينظر إلاّ بما حدث في سلطانه وذكر ان النبي صلی الله علیه و آله لم ينظر في حدث أحدثوه وهم مشركون وإن من أسلم أقرّه على ما في يده وثانيتها رواية حفص بن غياث(4) عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: قال له رجل إذا رأيت شيئا في يدي رجل يجوز لي أن أشهد انّه له ؟ قال: نعم .

قال الرجل اشهد انّه في يده ولا اشهد انّه له فلعله لغيره فقال أبو عبداللّه علیه السلام: أفيحل الشراء منه ؟ قال: نعم فقال أبو عبداللّه علیه السلام: فلعلّه لغيره فمن أين جاز لك أن تشتريه ويصير ملكا لك ثمّ تقول بعد الملك هو لي وتحلف عليه ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك .

دلالة رواية حفص على اصالة الصحّة

ص: 616


1- . الوسائل 27 الباب 12/2 - 3 - 4 أبواب كيفيّة الحكم لكن لم يذكر فيها ان زمام الناقة بيد أحد .
2- . الوسائل 27 الباب 125/1 - 3 من أبواب كيفيّة الحكم .
3- . الوسائل 27 الباب 25/3 من أبواب كيفيّة الحكم .
4- . وسائل الشيعة 27 الباب 25/2 من أبواب كيفيّة الحكم.

ثمّ قال أبو عبداللّه علیه السلام لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق . وسيّدنا الأستاذ قدس سره بعد أن قرب الكلام في دلالة هذه الرواية على ما سبق نفي الاشكال في دلالتها على خصوص اصالة الصحّة لا اليد وإن ذكرت في الرواية لأنّ المراد بكون الشيء في يدي رجل الاستيلاء على الشيء والتصرّف فيه لا انّه مجرّد وضع الشيء في مكان كانكان مع استوائه لغيره في عدم التصرّف فيه بل اما أن يعرضه للبيع أو غيره من التصرّفات فحينئذٍ يحتمل الحكم بجواز الشهادة انّ المال والشيء له كما يحلّ الشراء منه حسب ما قرّر الامام علیه السلام السائل لكون حمل تصرّفه أي تصدّيه للبيع وعرضه له على الصحيح وهو بهذا المعنى لا يتوجّه عليه اشكال الاثبات لأنّ الصحيح على هذا المعنى عبارة عن صحّة المعاملة لأنّ المال والمبيع المعروض له ويقع الكلام في مرجع الضمير ذيل الرواية فيحتمل أن يكون هي الشهادة وإن كان قد يستشكل في ذلك بكون الضمير مذكّرا لكن باعتبار ما ذكر يصحّ التذكير كما يصحّ أن يكون مرجعه هو الشراء وظني انه جعله الأقوى من احتمال مرجعيّة الشهادة .

وحينئذٍ فيجوز الشراء بمجرّد ان تصدّى للبيع حملاً له على الصحيح وليس في المقام الا كونه ملكا له وإن كان يحتمل كونه وكيلاً أو وليا أو مأذونا وكذلك غصبا .

لكن المحمول عليه في الرواية غير الغصب بل انّه ملكه ويصحّ الاستدلال

على المدّعى وإن كان المرجع للضمير الشهادة لا الشراء بل لعلّه أولى ولا يخفى انّه على هذا الاحتمال كونه اشارة إلى اصالة الصحّة فيناسب ما استفدنا من تعليل

ص: 617

ذيل الرواية ( لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق )(1) بل انطباقه على الشراء أظهر ضرورة عدم لزوم عدم قيام سوق للمسلمين على فرض عدم جواز الشهادة على الملك استنادا إلى كونه في يده أو انه استولى عليه بل لو لم يجز الشراء منه وكذا غير الشراء من التصرّفات المناسبة له غير الشهادة يلزم المحذور المعلّل به جواز الشراء . هذا مضافا إلى عدم ورود اطلاق في اليد كي نتشبث به بل لابدّ من استفادة ذلك من الروايات المتفرّقة في الأبواب المختلفة كمورد احتمال المال لغيره احتمالاً عقلائيا على ما ارشد إليه رواية جميل بن صالح(2) عن أبي عبداللّه علیه السلام قلت له: رجل وجد في منزله دينارا قال يدخل منزله غيره ؟ قلت: نعم كثير قال: هذا لقطة قلت: فرجل وجد في صندوقه دينارا قال: يدخل أحد يده في صندوقه غيره أو يضع فيه شيئا ؟ قلت: لا قال فهو له وكما ورد في جعل البيّنة على مدعى كون ما بيد الغير له .

وممّا يشهد لذلك عدم الحكم بمقتضى اليد لو كان حالها معلومة سابقا ككون المال وقفا ثمّ بيع ولا ندري أكان هناك مجوّز للبيع أم لا فلا يمكن التشبّث باليد لدفع الشكّ بل يجري الاستصحاب في هذا ونظائره فليس الحكم بمضيّ البيع في أمثال الموارد لو قيل به إلاّ لخصوص اصالة الصحّة . لكن الذي يسهل الخطب احتمال الرواية لكلا الوجهين فانّها توافق اليد وحجيّتها كما توافق اصالة الصحّة لو لم نقل ان ظهورها في اليد أقوى .

والحاصل: انّها على تقدير الاحتمالين تكون مجملة خارجة عن صلاحيّة

ص: 618


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 25/2 من أبواب كيفيّة الحكم .
2- . الوسائل 25 الباب 3/1 من كتاب اللقطة .

الاستدلال بها لأحدهما .

أقول: ظاهر ذيل الرواية ان الامام علیه السلام كان بصدد اخراج الشبهة عن ذهن السائل حيث قرّره على الشراء باعترافه والحلف ثمّ استنتج من ذلك عدم الفرق بين المقامين فكأنّه افحم السائل في قوله اشهد انه بيده ولا اشهد انه له ثمّ ذيل ذلك

بقوله لو لم يجز هذا أي الشهادة كما يدلّ عليه قبله وهو ولا يجوز أن تنسبه إلى من صار ملكه من قبله إليك لم يقم للمسلمين سوق غاية الأمر عدم مناسبة التعليل لعدم جواز الشهادة فتأمّل ) وجزم سيّدنا الأستاذ قدس سره بورود رواية حفص(1) لخصوص باب اليد وان الاستدلال بها لليد صحيح وقد ركن إليها بعض فاستدل بها لاصالة الصحّة كما استدلّ برواية مسعدة(2) تارة لليد واخرى لاصالة الصحّة وهي بمعزل عن ذلك بل الأنسب استدلال من يريد اثبات حجيّة اليد برواية حفص ومن يريد الاستدلال على اصالة الحلّ برواية مسعدة وذلك لأن رواية مسعدة حسب الظاهر مختصّة باصالة الحل التي لا تكون غايتها إلاّ العلم والبيّنة مع ان القوم يقدمون الاستصحاب على اصالة الحل وتوجيه ذلك بكون الاستصحاب أصلاً محرزا غير وجيه حيث ان ظاهر قوله في رواية مسعدة حتّى يستبين لك غير هذا أو تقوم به البيّنة ان العلم والبيّنة الشرعيّة يوجب الخروج عن حكم الحلية وإلاّ يكن معنى لعطف البيّنة على الاستبانة لأن البيّنة حجّة شرعيّة واستبان لنا من قيامها ما هو خلاف حكم المشكوك في هذه الموارد فليس ذلك الا لأجل ان المراد بالاستبانة هو العلم لكن حيث ان البينة وهي شهادة عدلين يجب العمل بها

توضيح في رواية حفص

ص: 619


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 25/2 من أبواب كيفيّة الحكم .
2- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

وإن كان مظنون الخلاف لذا عطفه على العلم وليس دليل حجيّة الاستصحاب حاكما على أدلّة الأحكام المأخوذ في موضوعها العلم بدعوى ان المراد من ذلك هو الحجّة بجامع العلم والكاشف وذلك موجود في الاستصحاب ضرورة ان دليل الاستصحاب ليس إلاّ ترتيب أثر المعلوم والمتيقّن على المشكوك وهذا لأنّه ليس تصرّفا في عقد وضع العلم ولا في عقد حمله في موارد أخذه موضوعا ومن ذلك يشكل ظهورها في اصالة الحل لتقدّم الاستصحاب عليه .

نعم لو كان مفادها قاعدة الفراغ في عمل نفسه كما يحتمل ذلك حيث ان الشكّ من حيث صحّة المعاملة الواقعة على المبيع من الثوب والعبد بلحاظ عمل نفسه وكذلك في الامرأة فلذلك لزم المضي وعدم الاعتناء بالشكّ فحينئذٍ يصحّ تقدّمها على الاستصحاب بلحاظ الحكومة أو غير ذلك من الوجوه التي تقدّمت في أوّل بحث اصالة الصحّة في عمل نفسه أي قاعدة الفراغ كما ان ذلك أيضا لو كان من باب اليد السابقة على البيع في العبد أو الثوب خصوصا بلحاظ ما ورد في دعوى من عليه اليد الحريّة بأن عليه البيّنة ( بخلاف ما إذا تداعى المتداعيان في عبديّة كلّ منهما للآخر في قضاء أميرالمؤمنين علیه السلام (1) بنحو خاصّ ) كما استدلّ بهذه الرواية(2) بعض بتقريب كون هو لك كلّ شيء هو لك قيدا للشيء أو هو مبتدأ ولك متعلّق بالخبر المقدر من أفعال العموم يكون المراد بكونه لك أي مختصّ بك ويدك عليه ولذا اختصّ بك يكون لك حلالاً إلاّ ان الظاهر عدم ورود الرواية لاثبات حجيّة اليد بما ذكر أخيرا ولا بما تقدّم كما انّها ليست في مقام اصالة الصحّة

اشكال ظهور الرواية في اصالة الصحّة

ص: 620


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 21/4 من أبواب كيفيّة الحكم .
2- . الوسائل 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

في عمل نفس الشاكّ بقرينة انّ الشكّ لم يكن له من حيث عمل نفسه أكان العقد جامعا للشرايط المعتبرة في النقل بل الشكّ من حيث كون العبد حرّا أو الثوب مسروقا ممّا كان متعلّقا بالغير فهي مع قطع النظر عن أمثلتهاظاهرة بلحاظ صدرها في اصالة الحلّ وموضوعها المشكوك إلاّ ان بلحاظ الأمثلة لا يتمّ ظهورها في ذلك لجريان الاستصحاب والأصل في كلّ أمثلة الرواية ضرورة جريان اليد في العبد فيحكم بالملكيّة وكذا في الثوب وأمّا امرأة تحتك فاصالة عدم النسب أو الرضاع جارية وإن كان مجرى الاولى بناء على عدم التركيب متوقّفا على جريان اصالة العدم الأزلي ( نعم يشكل الأمر في المشكوك المشتبه بين الرضيعة وغيرها لكنّه ليس من فرض الرواية كما يرشد إلى ذلك امرأة تحتك وانّه مجرّد الشكّ والشبهة البدويّة ) ويمكن كون الرواية ناظرة إلى جهتين من الشكّ في عمل نفسه من جهة صدور العقد عنه كاملاً جامعا للشرايط مع الصيغة مثلاً وما يعتبر في ذلك وفي عمل الغير من جهة احتمال السرقة وكون العبد حرّا .

والحاصل انه لا يتمّ لها ظهور في اصالة الصحّة .

بل الظاهر منهم استفادة اصالة الحلّ من رواية مسعدة(1) .

فيبقى لنا خصوص الاجماع الذي نقله الشيخ قولاً وفعلاً الراجع إلى السيرة والاول قد عرفت مورده مع اختلاف الكلمات في ذلك .

نعم المسلم من مورده ما إذا تخالفا في اشتراط شرط مفسد في العقد

فيجعلون الأصل في جانب الصحّة هذا لو لم نقل باستناد ذلك إلى اصالة عدم الشرط الفاسد المفسد والثانية بلحاظ هذه الازمان فهي موجودة قطعا لكن الكلام

ص: 621


1- . وسائل الشيعة 17 الباب 4/4 من أبواب ما يكتسب به .

في حجيّتها واتّصالها إلى زمان المعصومين علیهم السلام وليس مورد الشكّ خصوص المعاملات بل لنا الحاجة الشديدة إلى أصل الصحّة في الطلاق مثلاً وانّه وقع صحيحا أم لا ولا اشكال في عدم الاعتناء باحتمال عدم الصحّة من العقلاء والمتديّنين في ذلك مع انه لم نجد رواية دالّة على حجيّتها كما ذكرنا لكنّه ربما يمكن أن يقال قويّا بأن عدم الردع في مقام يعتمد الناس عليه في امور دينهم أقوى شاهد على الامضاء بل يكفينا ذلك على تقدير عدم تماميّة دلالة الآيات والأخبار من نحو قولوا للناس حسنا(1) وضع أمر(2) أخيك على أحسنه فان عدم تماميّة دلالتها على المطلوب لا يلازم دلالتها على العدم فيكفينا عدم الردع .

تنبيه: ما ذكرنا من مفسديّة الشرط المفسد مبتنية على التقييد بمعنى انه إن لم يحصل هذا الشرط فلا يريد المعاملة وأمّا مع تعدّد المطلوب وكون الشرط التزاما في ضمن التزام فلا جهة للفساد .

ولا يخفى ان السيرة لم تنعقد على الجواز والمضي في الموارد المشكوكة لعدم تطرّق التعبّد في أفعال العقلاء بما هم كذلك وليس عملهم إلاّ من باب الاطمئنان والوثوق فاذا وثقوا بشيء في مورد يجرون عليه والا فيتوقفون ويحتاطون خصوصا في الموارد الأهم عندهم وربما يتوجّه عليهم الضرر العظيم .

نعم في الضرر اليسير ليس لهم هذا الاهتمام بل يقدمون عليه في بعض الأحيان ولو مع العلم فضلاً عن الشكّ وهذا هو عمدة الأدلّة في حجيّة خبر الواحد فبناء العقلاء وارتكازهم الذي لم يردع عنه الشارع يكون حجّة سواء كان في امور

ص: 622


1- . سورة البقرة: 84 .
2- . الوسائل 12 الباب 161/3 من أبواب أحكام العشرة .

المعاملات أو الأفعال الخارجيّة كالذبائح واللحوم وباب الجماعة والصلاة الاستيجاريّة ونحوها من موارد الحاجة والنظر إلى عمل الغير كالطلاق وليس للعقلاء انسداد ولا ظن فعند عدم الوثوق والاطمئنان فلا جهة لاصالة الصحّة ولا أصل لها عندهم حتّى ان ما ورد(1) في باب تصديق النساء ( هي مصدقات ) محمول على صورة حصول الوثوق بقولهن والاّ فالأخذ به مشكل .

والحاصل ان عمل العقلاء بما هم عقلاء ليس إلا على الاطمئنان والعلم العادي النظامي الذي يبنون عليه في امور معاشهم ويرون احتمال المخالف له معدوما أو كالمعدوم فلذلك لا يوقفهم من الجري على اطمئنانهم وكذلك عمل المتشرعة والمناط في ذلك المتشرّعة المتديّنون الذين ليس شأنهم شأن غير المبالين المقدمين على كلّ شيء ولا يهتمون بالامور الدينيّة حقّ الاهتمام وإلاّ فلو

كانت سيرة هؤلاء حقّا حجّة فهي منعقدة على الكذب والبهتان والزنا والفسوق بأنواعه .

أمّا المتديّنون من أهل كلّ ملّة أو خصوص ملّة الاسلام أو خصوص الشيعة المبالين فعملهم ليس إلاّ على ما ذكرنا فلا يمكن كشف حجّة تعبديّة في هذا الباب على الحمل على الصحّة بالمعنى الذي نريده في محلّ الحاجة .

فظهر ان الحمل لو كان فانّما هو في صورة حصول الاطمئنان كما في محاوراتهم ومكالماتهم في مقام أداء مقاصدهم فينسبون مفاد كلماته والحاصل المحصّل منها المعنى المتحصّل إلى المتكلّم ويحكمون عليه انه أراده .

فعلى هذا لو شككنا فلا أصل لنا يوجب الجرى على الشكّ ويكون حاكما

الحمل على الصحّة في مورد الاطمئنان

ص: 623


1- . الوسائل 2 - 22 الباب 47/1 - 2 من أبواب الحيض والباب 24/1 - 2 من أبواب العدد .

على الاستصحابات الموضوعيّة مثل اصالة عدم التذكية وبقاء النجاسة في الشكّ في غسل الثوب صحيحا وغير ذلك كاصالة عدم النقل والانتقال بل تجرى هذه الأصول كما في غير مورد الشكّ نعم امكن الاستناد في ذلك إلى رواية(1) ضع أمر أخيك على أحسنه بحمل الأحسن على الحسن في قبال القبيح بأيّ معنى أخذ الأخ في الرواية فان المتيقّن من ذلك الشيعة بل المسلم كما في الآية الشريفة إنّما المؤمون(2) اخوة وحيث ان ظاهر المعنى لا يمكن التعبّد به لعدم كونه قابلاً له فلابدّ من ارادة تنزيل الأمر المشكوك الظاهر في كلّ عمل من العبادات والمعاملات بالمعنى الأعم منزلة الأمر الحسن الذي صدر منه صحيحا حسناً فيترتّب عليه كلّ أثر يترتّب على الصحيح الواقعي كما هو ظاهر كون الأمر حسنا وعلى ذلك فيمكن كونه دليلاً لامضاء عمل العقلاء وتعبّدا في غير مورد عملهم وهو صورة عدم حصول الاطمئنان .

الا انّ سيّدنا الأستاذ لم يجزم بذلك وناقش الاجماع القولي بما سمعت وفي العملي الذي هو سيرة العقلاء ومشيهم بالمنع من المتديّنين بل يحتاطون إذا لم يعرفوا من المطلق للزوجة وانه يعرف بالعدالة أم لا وكذا الأمر في كلّ الأعمال الدنيويّة فضلاً عن أمر المعاد كما لا ينبغي الغفلة عن ان مزاحمات العقلاء في امورهم كثيرة فربما في مثل دوران الأمر بين المحذورين يختارون أقل الضررين وربما يكون في ترك التجارة بما يحتمل فيه الضرر مفسدة من جهة اخرى .

والحاصل ان دعوى الاجماع القولي مع اختلاف كلمات المجمعين حتى

ص: 624


1- . الوسائل 12 الباب 161/3 من أبواب أحكام العشرة .
2- . سورة الحجرات: 11 .

من الواحد في مقامين لا يتمّ وعهدتها على مدّعيها وعرفت ان باقي الوجوه المحتمل الاستناد إليها فحديث وضع(1) أمر الأخ على أحسنه لا يساعده الوجدان

ولا يقول به أحد وكذلك رواية(2) كلّما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو فالظاهر انّها لم تكن غير مصدرة ولا مذيلة وعلى فرضه فاطلاقها حتّى بالنسبة إلى عمل الغير مشكل خصوصا والعمدة من أدلّتهم الاجماع وسبق بيان القدر المتيقّن .

وبالجملة بعد استكمال أركان العقد وإلاّ ففي صورة الشكّ في قصد الانشاء وعدمه فلا تحقّق للبيع والظاهر ان المتعدى من مورد المتيقن إنّما يقول بالجريان بعد فرض تحقّق عقد ولو عرفا الا ان الحق كما هو واضح ان الشرايط المذكورة في ذلك غالبها شرايط عرفيّة كما في تنجيزيّة الصيغة وعدم فصل بين الايجاب والقبول وإذا شكّ في أحدها فلا بيع عرفيّا كي يشكّ في باقي جهاته وما يعتبر فيه فاذا لم يتم دليل على اصالة الصحّة بالمعنى الذي هو مورد النزاع فيليق بنا أن نقول ان اصالة الصحّة لا أصل لها .

وعلى فرض حجيّتها وبناء عليها ولو عند القائل بذلك ينبغي التنبيه على أمر قد تعرّض له الشيخ رحمه الله الذي هو من القائلين بها ولو في الجملة وهو انّه هل المعتبر في اصالة الصحّة الحمل على صورة احراز علم الفاعل بالصحيح والفاسد أو لا بل يكتفي بمطلق احتمال المصادفة للواقع مطلقا ؟ ينبغي جعل النزاع دائرا مدار الأدلّة فان كان عمدتها الاجماع فهو كما ذكرنا له القدر المتيقّن وهو ما إذا احرزنا

بيان أصل عدم الغفلة

ص: 625


1- . وسائل الشيعة 12 الباب 161/3 من أبواب أحكام العشرة .
2- . الوسائل 8 الباب 23/3 من أبواب الخلل في الصلاة .

علمه بالصحيح والفاسد وانّه أتى بالصحيح لكن شككنا في عروض المفسد .

خاتمة: بعد النقض والابرام في قيام الدليل المعتبر على اصالة الصحّة في عمل الغير أمكن عند سيّدنا الأستاذ قدس سره الاستناد فيها إلى أصل عقلائي ممضى للشارع غير مردوع عنه في نظره وهو أصل عدم الغفلة بيان ذلك ان للكلام ثلاث ظهورات ثالثها الظهور المتحصّل للكلام بعد ضمّ أطرافها وقبله ظهور ان آخران وقبل وصول دور الظهور الثالث الذي هو موضوع بحث حجيّة الظهورات من أين يعلم ان تمام السؤال والجواب الدائر بين الراوي والسائل والامام علیه السلام هو ما ذكر في الرواية ووصل إلينا فلعلّ هناك قرينة على ورود الجواب عليه كان هناك شرط أو قيد بأنحائه وكان هو مصب نفي البأس أو يعيد أو لا يعيد وأمثال ذلك من الأجوبة الصادرة عن الأئمّة علیهم السلام في بيان حكم اللّه الواقعي مع ان البناء في أمثال هذه المقامات ليس على التوقّف الذي لو كان هذا الاحتمال مؤثّرا في نفس الشاكّين تأثيرا تكوينيّا لكان هو ذلك الأثر أي التوقّف بل يعملون بظاهر السؤال والجواب ويحصل لهم الوثوق بأن تمام السؤال والجواب هو هذا الواصل إلينا ويلقون احتمال الخلاف الحاصل من احتمال الغفلة بل يبنون على عدم الغفلة ويسيرون عليه فبهذا التقريب والبيان لا بأس بأن نقول بكليّة هذه الكبرى فكلّ ما انطبقت عليه فنقول بمقتضاه ولا ردع للشارع عن هذه نعم لو ثبت الردع في موضع فنقتصر على مورده ولا نتعدى عنه إلى غيره فضلاً عن رفع اليد عن هذه الكبرى بالكلية .

وعلى هذا فلو قيل ان من عدم جريان هذا الأصل يختل النظام فكذلك

وكذلك لو قيل كما هو واضح ان بناء العقلاء عليه وذلك لما عرفت ان الاختلال

ص: 626

الذي يحصل من ناحية عدم اجراء هذا الأصل أعظم من كلّ نوع من أنواعه ولهذا نقول ان البحث في قاعدة الفراغ واجرائها وجريانها إنّما هو لهذه الجهة ولذلك يقتصر في مجراها على ما إذا تمحض الشكّ من ناحية الغفلة وإنّ الأدلّة الواردة في باب قاعدة الفراغ إنّما هي امضاء لما في الطريقة وعمل العقلاء في عدم اعتنائهم باحتمال الغفلة وليس مرجع هذا إلى عدم حصول الاطمئنان لهم بل هذه قاعدة مع الشكّ لأن موردها وإن كان هو الشكّ إلاّ ان معنى عدم الاعتناء باحتمال الغفلة انّه لا أثر له تكويني عندهم بحيث يوقفهم عن العمل بل وجود هذا الاحتمال كعدمه ولذا يحصل لهم العلم العادي النظامي .

فعلى هذا لابدّ في جريان هذا الأصل تمحّض الشكّ من هذه الجهة كما تقدّم منّا سابقا ان مع احتمال الترك عمدا لا مجرى لاصالة الصحّة في عمل نفسه الذي هو قاعدة الفراغ .

والحاصل ان موضوع قاعدة الصحّة في عمل الغير هو موضوع قاعدتها في عمل نفسه الا ان الفرق بينهما بذلك انّها تختصّ بعمل الغير وهذه بعمل نفسه ولذلك نشترط في مجراها كلّ شرط تقدّم في قاعدة الفراغ من أن يكون عالما بالحكم ولا يكون الشكّ من ناحية التصادف القهري بغسل اليد وعدمه وغير ذلك ممّا مرّ فيها .

وعلى هذا فلابدّ في اصالة الصحّة في عمل الغير احراز ان الغير لو شكّ في عمل نفسه يجري قاعدة الفراغ وإن لم تجر هي فعلاً لا يضرّ ذلك بالبناء منّا على مقتضى القاعدة .

ودعوى اختصاص مجرى قاعدة الحمل على الصحيح في عمل الغير بما إذا

الفرق بين عمل نفسه وعمل الغير

ص: 627

كان هو ملتفتا ومن جهة توجّه الخطاب بالمضي منه في قاعدة الفراغ يلزم غيره أن يعمل عليها أي قاعدة الفراغ كما ترى إذ لا ملازمة في ذلك بل نفس ان لو شكّ لاجرى يكفينا .

فقد ظهر ممّا ذكرنا حقيقة الحال في التنبيه الأوّل من تنبيهات الشيخ في اصالة الصحّة من ان موضوع الحكم بالصحّة هي الصحّة الفاعليّة أو الحامليّة وذلك لعدم مضى الأكثر إلى الاطلاق بل يقتصرون في مورد كون الشكّ في مجرّد الغفلة عن العمل وعدمها ومن ذهب إلى الاطلاق في اصالة الصحّة فأقل قليل .

وأمّا التنبيه الآخر وهو ان معنى أصل الصحّة في كلّ عمل هو ترتّب النتيجة المقصودة من هذا العمل فلو كان الشكّ في صحّة الايجاب فلابدّ من احراز تمام الشرايط المعتبرة في اصالة الصحّة في عمل نفسه ثمّ يجري القاعدة ومقتضاه حينئذٍ صحّة العقد لو انضمّ إليه القبول من القابل لا الصحّة بدون ذلك .

بقي الكلام في كلام المحقّق الكركي من جريان هذا الأصل في العقود عند استكمال أركانه في ان المراد بالأركان أيّ شيء ( أقول كان في كلام سيّدنا الأستاذ قدس سره ذكر لترتيب الآثار ولعله أوضح في كلامه احتمالاً لقاعدة الفراغ وأصل الصحّة ورتب على ذلك عدم الاشكال في التعبّد بشيء ولذا نقول في المعاطاة بناء على عدم افادتها الملك لا مانع من أمر الشارع بالحجّ بما حصل عنده بها ووجوب اعطاء الزكوة وغير ذلك ممّا هو من آثار الملك لأنّ التعبّد بترتيب آثار الملك على غير الملك لا مانع منه وبهذا يجاب عن الاشكالات التسع التي أورد الشيخ الكبير على ذلك .

الكلام في تقدّم الاستصحاب على قاعدة القرعة أو العكس:

ص: 628

يظهر من الشيخ والمحقّق النائيني (1) تحقّق مورد لذلك كي يقع البحث عنه لكن روايات باب القرعة على قسمين فقسم منها واردة في موارد خاصّة كالغنم الموطوء(2) وأمثاله وقسم منها(3) عام والظاهر عدم نقاوة سندها(4) .

وعلى تقدير ذلك فعمومها حتّى لمثل مورد جريان الاستصحاب محلّ الكلام والاشكال .

نعم بناء على كلامهما يمكن عموم دليلها لمثل دوران الأمر والشبهة بين الاحتمالين سواء في مورد العلم الاجمالي وغيره كالانائين وغيرهما المشتبهين وكالشكّ في نقض الوضوء بحدث وعدمه الاّ ان عمومها حتّى لمثل مورد الشبهة الحكميّة أوّل الكلام وفي الموارد الآخر لابدّ من تحقّق مجرى الاستصحاب على تقدير عدم جريان دليل القرعة كي يكون البحث عنه وانكر سيّدنا الأستاذ قدس سره ذلك بل ادّعى انّ في مثل العلم الاجمالي وأطرافه وإن كان للقرعة مجال الا ان الاستصحاب لا مجرى له فينحصر مفاد الأخبار العامّة أيضا بما أفاده الأخبار الخاصّة من اختصاص مجرى القرعة بمورد خال عن الدليل والأصل بأقسامه بل ربما يمكن أن يقال أو قيل بتقديم الاحتياط العقلي على قاعدة القرعة .

والحاصل ان النص الخاص(5) الوارد في مثل الغنم الموطوء من القطيع لا يمكن فيه جريان أصل من الأصول الظاهريّة ولا احراز واقعي في تعيينه إذ حكمه

موارد القرعة

ص: 629


1- . فوائد الأصول 4/678 - 680 .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 13/1 - 2 - 3 - 5 الى 19 - 21 - 22 من أبواب كيفيّة الحكم .
3- . وسائل الشيعة 27 الباب 13/1 - 2 - 3 - 5 الى 19 - 21 - 22 من أبواب كيفيّة الحكم .
4- . بل الظاهر اعتبار سند غير واحد منها .
5- . الوسائل 24 الباب 30/1 - 3 من أبواب الأطعمة المحرّمة .

الذبح والاحراق فلا يجرى البرائة كما لا يجرى التخيير والاستصحاب وكذلك الاحتياط وكذلك في مورد(1) الدرهم الودعي الوارد على قسمين ففي رواية الحكم بالتنصيف بينهما وفي اخرى في مورد اخر الحكم بالتثليث .

نعم يقع الكلام في مورد جريان قاعدة التنصيف في تقديم قاعدة القرعة عليها أو العكس وقد وقع ذلك في موارد في وسيلة السيّد الاصبهاني رحمه الله(2) وقدم دليل العدل والانصاف على قاعدة التنصيف وكذلك بحث السيّد في العروة ( وكذلك في مورد الخنثى فانّها ليست كمسئلة المهدوم عليهم والغرقى الوارد فيها النص الخاص(3) بتوريث كلّ من وارث الطائفتين غاية الأمر لا يورث ممّا ورث وارث الأوّل ثانيا على النحو المفصل في محلّه من احتمال مقارنة الموت أو عدمها وعدم العلم بما تقدّم موتا من المؤخّر ) لكن الكلام في ملاك قاعدة التنصيف ولو تمّ لها المدرك لا ينبغي الارتياب في تقديمها على القرعة فعلى ما ذكرنا يسقط هذا البحث من أصله ولا مجال لأن يقال هل الاستصحاب يقدم على القرعة أو لا لعدم تحقّق مجرى للقرعة في مورد أصل من الأصول الظاهريّة ولو أضعفها فضلاً عن الاستصحاب كي يبحث عن تقدّمها عليه وعدمه ( وعلى كلّ حال فما صدر عن الشيخ والمحقّق النائيني (4) في ان أدلّة القرعة لا يعمل بها بدون جبر عمومها بعمل الأصحاب أو جماعة ليس على ما ينبغي لعدم

ص: 630


1- . الوسائل 18 الباب 12/1 من كتاب الصلح .
2- . وسيلة النجاة السابع من موارد الخمس الحلال المختلط بالحرام اذا علم المالك في عدد محصور ولم يمكن التخلّص اختار توزيع المال عليهم بالسويّة وفي باب الصلح في ما إذا اتلف مقدار من الدراهم عند الودعي ولم يعلم أي المستودعين .
3- . الوسائل 26 الباب 1 - 3/1 الى 5 - 1 - 2 من أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم .
4- . فوائد الأصول 4/680 .

معقوليّه عدم ذكر الأصحاب مخصّص عمومها أو قرينة عدم العمل بها .

نعم يمكن أن يقال لم يعملوا بها واعرضوا عنها على تقدير تسليم العموم فتدبّر .

فالأحرى عطف عنان الكلام في بيان تعارض الاستصحابين وبينه وبين ساير الأصول .

الكلام في تعارض الاستصحابين:

وما إذا يقدم أحدهما السببي على الآخر المسببي ثمّ في صورة التعارض فيسقطان عن الحجيّة في الجملة على ما سيأتي بيانه ولابدّ في تقدم الأصل السببي على المسببي من أمرين أو امور ثلاثة مرجعها في الحقيقة إلى أمر واحد .

الأوّل كون الشكّ في المسببي مسببا عن الشكّ في الأصل السببي لا أن يكون كلاهما معلولي علّة ثالثة أو كلّ واحد مسبّباً عن سبب خاص فانّه لا تقدّم لأحدهما على الآخر وممّا يقال فيه ان الشكّ في أحدهما ناش عن الشكّ في الآخر العامان من وجه كقوله أكرم العلماء ولا تكرم الفسّاق فانّ الشكّ في صورة التعارض وهو مادّة الاجتماع في شمول الاكرام للفاسق مسبّب عن الشكّ في شمول الدليل الاخر له وكذا العكس وليس هذا ممّا نحن فيه بل يمكن منع السببيّة والمسبّبيّة فيه رأسا لأن المنشأ لكليهما هو العلم الاجمالي فتأمّل .

والثاني أن يكون المسبّب من الآثار الشرعيّة للسببب وأن يكون الأثر شرعيّا فلو لم يكن من الآثار الشرعيّة ولم يكن الأثر شرعيّا ليس من الأصل السببي والمسبّبي كما إذا كان الشكّ في بقاء الكلي من جهة اقتران وجود فرد منه مقطوع الارتفاع بفرد آخر مقطوع البقاء أو قيامه مقامه كعمود الخيمة المرتفع

تقدّم الاستصحاب السببي على المسبّبي

ص: 631

القائم مقامه عمود آخر في أصل بقاء الكلّي فانّ بقاء الكلّي وعدمه بوجود فرد منه وانتفاء جميع أفراده عقلي فلا يمكن ترتيب أثر البقاء أو العدم باستصحاب بقاء الفرد أو عدمه كما انّه لا يفيد اصالة الاباحة في الأكل من مشكوك الذبح في ما إذاعلمنا قبوله للتذكية وانّه من الحيوان المحلّل وفي جواز الصلاة في جلده لعدم جواز الصلاة في شيء ممّا حرّم اللّه أكله ) لعدم كون جواز الصلاة وعدمه من الآثار المترتّبة الشرعيّة على جواز أكل اللحم من الحيوان .

والحاصل انّه لابدّ في تقدّم الأصل السببي من الأمرين أو الامور الثلاثة وبانتفاء أحدها لا يستقيم وما يكون مثالاً للمقام ما إذا كان الشكّ في بقاء نجاسة الثوب المغسول بماء مشكوك الطهارة فانّ الشكّ في بقاء النجاسة في الثوب منشأه الشكّ في طهارة الماء قبل وصوله إلى المحلّ النجس ( للعلم بتنجّسه بملاقاة المحل ) بناء على نجاسة الغسالة مطلقاً أو ما إذا كان الأوّل أو الثاني في ذلك الفرض فانّ الماء كان قبل الوصول إلى الثوب طاهرا فلا اشكال في انّه إذا وصل إليه بما اعتبر في طهارته بالماء الطاهر من العدد والعصر حصل له الطهارة بلا اشكال وإن تنجّس الماء وإلاّ بأن كان الماء قبل ذلك نجسا فلا فائدة في ذلك ولا يحصل طهارة للثوب بذلك بل باقٍ على نجاسته ان لم تزد بالماء ومنشأ التقدّم ان من آثار طهارة الماء حسب استصحاب طهارته وترتيب آثار الطهارة عليه حصول الطهارة للثوب المغسول به وجواز شربه وغير ذلك من التصرّفات المتوقّفة على طهارته .

فتعرّض هذا الاستصحاب لأمر لم يتعرّض له استصحاب نجاسة الثوب إلاّ بعد عدم جريان استصحاب الطهارة في الماء والفرض ان دليل لا تنقض يشمل

ص: 632

الاستصحاب السببي بلا تعليق على شيء إلاّ ان شموله للمسببي يتوقّف على عدم شموله للسببي لعدم كونهما عرضيين بالنسبة إلى دليل العام وإن كان بين الأفراد يلزم أن يكون تساو . لأن مشموليّة المسبّبي تتوقّف على عدم مشموليّة السببي لدليل العام وذلك يتوقّف على مشموليّة المسبّبي بخلاف شمول العام للسببي فانّه لا تعليق فيه وليس من قبيل مثالنا هذا ما إذا شككنا في تحقّق الموضوع في الموضوعات المركّبة والواجبات المشروطة فانّ الشكّ في وجوب الحجّ مسبّب عن الشكّ في الاستطاعة والأثر والترتيب شرعي وذلك لأن عدم الحكم عند عدم الموضوع عقلي إذ لابدّ من احراز الموضوع في ترتيب الحكم .

والحاصل انّه لا مانع من تقدّم الأصل السببي على المسبّبي في مثالنا هذا ولا اشكال من جهة اخرى كنجاسة الماء وطهارة ما يبقى بعد العصر مع انّه قبل تمام العصر كان متنجّسا لأن نظيره ذهاب الثلثين وخروج القدر المتعارف من الدم غير المتخلّف .

ثمّ انّه ربما يستشكل في المقام ببقاء الشكّ في الاستصحاب المسبّبي أيضا لأنّ الأصل السببي بجريان الاستصحاب فيه لم يوجب ذهاب الشكّ فالشكّ بعد باقٍ على حاله وظاهر دليل الاستصحاب احتياجه إلى يقين آخر في نقض اليقين السابق ولا يقين من جانب الحاكم بل الشكّ في المحكوم باقٍ على حاله كما كان فانّه يقال نعم لكن الحكومة والتعبّد أوجب قيام الاستصحاب مقام اليقين وإن تردّدنا في محله .

وعلى كلّ حال فليس المراد باليقين اليقين الوجداني بل الأعم منه ومن ما قام مقامه شرعاً من الامارات والأصول بل يمكن قيام أدنى أصل من الأصول

ص: 633

مقام اليقين كاصالة الحلّ والطهارة كما انّه ربما يستشكل باتّحاد الحاكم والمحكوم من جهة ان الدليل للأصل السببي والمسبّبي كليهما هو قوله ( لا تنقض اليقين بالشكّ ويدفع بأن هذا الاشكال كالاشكال في الأخبار مع الواسطة من لزوم اتّحاد الموضوع والحكم والجواب هو الجواب فان بالتعبّد بصدق العادل يتحقّق مصداق لقول المفيد مثلاً وذلك هو نفسه مورد لصدق فيتحقّق مصداق آخر وهكذا ينحل الى الأفراد الطوليّة الزمانيّة على هذا الترتيب وفي ما نحن فيه أيضا المراد بعدم نقض اليقين بالشكّ هو عدم نقض كلّ يقين يتحقّق في مورد بالشكّ في ذلك اليقين وعلى هذا فأين قضيّة اتّحاد الحاكم والمحكوم بل فرد من لا تنقض حاكم على فرد آخر منه .

ثمّ انّ الحكومة التي أفادها المحقّق النائيني(1) في المقام وجها لتقدّم الأصل السببي ربما يمكن فيه التأمّل من حيث الصغرى وانطباق الضابط على المثال وإن كانت الكبرى في غاية المتانة وذلك لأن عدم شمول حكم الموضوع إمّا أن يكون من حيث خروج ذلك الموضوع عن موضوع ذاك الحكم تكوينا وهو التخصص أو بالتعبّد فهو الورود واما باثبات ذلك الدليل المؤدّي لدليل آخر موافقا له أو مخالفا فهو الحكومة وفي هذه الصور ليس في البين لسان المعارضة وإن كان بلسان المعارضة فتخصيص ومن المعلوم ان التخصيص لابدّ أن يرجع إلى اخراج فرد من تحت العام لا إلى التقييد الأحوالي له وتخصيص الأفراد غير المخصّصة بوصف وقيود كموت فرد من أفراد موضوع أكرم العلماء وفي الفقه ليس إلاّ التقييدات الأحواليّة كما انّ من البديهي إن ما نحن فيه ليس من قبيل التخصّص ولا

ص: 634


1- . فوائد الأصول 4/682 وما بعده .

من التخصيص والورود وأمّا الحكومة ففي النفس منها شيء والظاهر عدم تحقّقها في المقام بل يعارض هذا الاستصحاب الجاري في ناحية طهارة الماء اللازم منه حسب الأثر الشرعي طهارة الثوب المغسول به استصحاب نجاسة الثوب ولا يقدم أحدهما على الآخر فانّ المعارضة تتحقّق بالتصادم ولو في مورد واحد وإن كان مؤدّى الاستصحاب طهارة الماء المغسول به الثوب بعد الغسل أشياء آخر إلاّ ان التعارض يكفي فيه طهارة الثوب من هذا ونجاسته من ذاك ونظير هذا المثال ما إذا كان الماء متيقّنا كرّيته ثمّ نقص مقدار من مائه فأوجب الشكّ وجرى استصحاب الكريّة وغسلنا به الثوب النجس إلاّ في جهة نجاسة الماء فان في مثال القليل كنّا قاطعين بها بخلاف المقام للشكّ في تحقّق موضوع القليل أو يكون التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة أو من قبيل قاعدة المقتضى والمانع فانّ الماء مقتضى للنجاسة والكريّة مانعة عاصمة والشكّ في تحقّقها إلى غير ذلك من الوجوه التي افيدت في ما إذالاقى النجس مشكوك الاتّصال بالمادة في الفرع المعنون في الوسيلة(1) وقد ناقشنا فيها كلّها وقلنا بجريان استصحاب الطهارة بل قاعدتها الا ان الآن نحن في شكّ في صحّة ما أفدنا سابقا .

تتميم: استدلّ الشيخ الأنصاري رحمه الله لتقديم الاستصحاب السببي على المسبّبي بخبر زرارة(2) السابق في أخبار أدلّة الاستصحاب فانّ الامام علیه السلام بمجرّد فرض الراوي الشكّ في بقاء الطهارة حكم بكونه متطهّرا وليس ذلك اخبارا بل تعبّد بترتيب آثار اليقين بالطهارة من الصلاة ومس كتابة القرآن وغير ذلك من

كلام الشيخ في الأصل السببي والمسبّبي

ص: 635


1- . يمكن ارادته مسئلة اذا كان الماء قليلاً وشك في ان له مادة الخ .
2- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/1 من أبواب نواقض الوضوء .

آثار الطهارة مع ان الصلاة التي يشتغل بها بهذا الاستصحاب مع الشكّ في الطهارة وجدانا يجري فيها استصحاب الاشتغال بها المتيقّن قبل الصلاة والا يلزم لغويّة الاستصحاب في مورد الرواية .

نعم يمكن فرض عدم اللغويّة في موارد اخرى حيث يكون الشكّ في جواز مسّ كتابة القرآن وعدمه فان الاستصحاب لو لم يجر ويحرز كونه متطهّرا يجوز له المسّ ولا يمكن الحكم بعدم جواز المسّ وحرمته من جهة لزوم التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة وليس المرجع على فرض عدم جريان الاستصحاب إلاّ البرائة ولا معارضة بين الاستصحاب والبرائة .

والحاصل ان ملخّص كلام الشيخ هو ما ذكرنا الا ان الكلام على فرض تسليم ما أفاده في المقام في جواز التعدّي عنه إلى كلّ مورد يكون مورد الشكّ السببي والمسبّبي بل يمكن منع جريان الاستصحاب في بقاء التكليف والشكّ في الامتثال له حكم عقلي بلزوم الاشتغال بل صحيحة زرارة(1) الاولى لم يكن فيها إلاّ فرض الخفقة والخفقتين إلى قوله حتّى يستيقن انه قد نام حتّى يجيء من ذلك أمر بيّن وإلاّ فانّه على يقين من وضوئه ولا ينقض اليقين أبدا بالشكّ ( نعم في الثانية قلت(2) فان ظننت انّه أصابه ولم اتيقّن ذلك ( أي دم رعاف أو منيّ أو غيرهما من النجاسات ) فنظرت ولم أر شيئا ثمّ صلّيت فرأيت فيه قال تغسله ولا تعيد الصلاة .

قلت: لِمَ ذلك ؟ قال: لأنّك كنت على يقين من طهارتك فشككت وليس

ص: 636


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/1 من أبواب نواقض الوضوء .
2- . الوسائل 3 الباب 37/1 من أبواب النجاسات .

ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبدا الخ فتأمّل .

ومن الأمثلة التي وقع الكلام فيها ويمكن أن يوجب اُنساً بالمطلب ما إذا وقع رأس صيد في ماء قليل مشكوك طهارته للشكّ في موته حتف أنفه أو بالغرق وأمّا من جهة اصابة السهم أو غيره ممّا يترتّب عليه أثر الحليّة فالشكّ في المقام سببي ومسبّبي فقيل بجريان استصحاب طهارة الماء واستصحاب عدم التذكية .

وأمّا النجاسة فانّه كان قبل موته طاهرا فيمكن جريان استصحابها كمسئلة اخرى وقع الكلام فيها أيضا وهو ما إذا كان الشكّ في الاستطاعة للشكّ في الدين وهي يتصوّر على وجهين فتارة يعلم باشتغال ذمّته بدين ويشكّ في أدائه وعلى تقدير الأداء فالاستطاعة حاصلة له بالفعل ويجب عليه الحجّ ولو لم يؤدّ يجب عليه أداء الدين والفرض ان الدائن يطالبه به واخرى يشكّ في اشتغال ذمّته بالدين أصلاً فالشكّ في وجوب الحجّ لتحقّق الاستطاعة فيمكن أن يقال بجريان استصحاب عدم تحقّق الاستطاعة أو عدم وجوب الحجّ كما ان أصل عدم الدين أيضا جارٍ وإن كان الشكّ في وجوب الحجّ وتحقّق الاستطاعة مسبّبا عن اشتغاله بالدين فتجري اصالة عدم اشتغال ذمّته بالدين ويلزمه عقلاً تحقّق الاستطاعة حيث ان الاستطاعة أمر تكويني وليس تحقّقها مؤدّى الاستصحاب فان مؤدّاه عدم وجوب أداء شيء لعدم اشتغال ذمّته به وأمّا الاستطاعة محقّقة أم لا فلا يفيد ذلك وإن كان يمكن تقريب وجوب الحجّ بأن الدين مانع والاستطاعة حاصلة وجدانا فاذا دفعنا الشكّ بالاستصحاب عن المانع فموضوع الوجوب محقّق يجب عنده الحجّ إلاّ انّك قد عرفت عدم خلو هذا الكلام عن الاعتساف .

والحقّ انّ الاستصحاب ليس مفاده تحقّق الاستطاعة ووجوب الحجّ وإن

بقيّة البحث في الشكّ السببي والمسبّبي

ص: 637

كان الشكّ في وجوب الحجّ مسبّبا عن تحقّق الاستطاعة المسبب عن اشتغال ذمّته بالدين إلاّ ان مجرّد ذلك لا يوجب تقدّم الأصل السببي بل لابدّ أن يكون الأصلان متخالفين وإلاّ ففي صورة الاتّحاد والتوافق فلا كلام وكذلك لابدّ أن يكون المسبّب من الآثار الشرعيّة المترتّبة على السبب وليس كذلك ما نحن فيه .

فذلكة: تقدّم في الأصل السببي والمسبّبي وانّه لابدّ في السببي أن يكون منشأ للشكّ في المسببي .

وبعبارة اُخرى يتوسّط الشكّ السببي للشكّ المسبّبي ثمّ بعد ذلك لابدّ أن يكون المسبّب من آثار السبب في الحكم وجريان الأصل وإلاّ فلا يتمّ الضابط .

وعلى هذا الضابط فيتّضح الأمر في موارد كثيرة مختلف فيها كلام القوم فان بعضها لا ينطبق عليه الضابط كما إذا كان اليد نجسة وغمسناها في الماء المشكوك اتّصاله بالمادة وشككنا في انفعال الماء فانّ الشكّ في انفعال الماء ليس مسبّبا عن الشكّ في طهارة اليد ونجاستها وكذا العكس بل المثال الصحيح ما ذكرنا من مسئلة الثوب النجس والماء الذي يجري فيه الأصل عند الشكّ ويوجب ذلك عدم جريانه في ناحية المسبّب إمّا بالحكومة على ما تقدّم ضابطها وإمّا للاجماع المحقّق أو لما في بعض الموارد من التصريح ولو بحسب المورد بتقدّم السببي على المسبّبي كما في رواية زرارة(1) على اشكال في جريان الاستصحاب للاشتغال بل هناك مجرى قاعدته وإن كان الاستصحاب في الطهارة حاكما على قاعدة الاشتغال أيضا على الحكومة كما في مثل لا شكّ لكثير الشكّ(2) بالنسبة إلى نحو

ص: 638


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 1/1 من أبواب نواقض الوضوء .
2- . وسائل الشيعة 8 الباب 16/1 - 2 - 3 - 6 من أبواب الخلل في الصلاة .

( إذا شككت(1) فابن على الأكثر ) هذا الا ان في النفس من ذلك شيئا لأن ضابط المعارضة بعينه ينطبق على مثال الماء والثوب وأي تقدّم لاستصحاب طهارة الماء على استصحاب نجاسة الثوب بل كلاهما يجريان ويتعارضان وعند ذلك فالكلام في الأصل السببي والمسبّبي كغيره من أقسام الاستصحابات الجارية المتخالفة .

فنقول: الشيخ قدس سره قسم الاستصحابين المتعارضين في صدر بحثه على قسمين ما إذا كان يكون الشكّ في أحدهما مسبّبا عن الاخر وهو الذي كان البحث إلى الآن فيه وما إذا يكون الشكّ في كليهما مسبّبا عن أمر ثالث وقسم هذا القسم إلى ما يكون العمل بالاستصحابين مستلزما لمخالفة عمليّة وإلى ما لا يكون كذلك .

وهذا الأخير إمّا أن يقوم دليل من الخارج على عدم الجمع بينهما في الجريان وإمّا أن لا يقوم وفي الفرض الأخير أي ما لم يقم دليل كذلك صوّر قسمين . أيضا ما إذا ترتّب الأثر الشرعي في الزمان اللاحق على كل من المستصحبين وما لا يكون كذلك والظاهر عدم خلوّه عن الاشكال لخروجه عن مورد المعارضة والكلام إنّما هو في صورة المعارضة بين الاستصحابين فمثال ما إذا ادّعى الموكّل توكيل الوكيل في شراء العبد والوكيل في شراء الجارية خارج عن ما نحن فيه لأن بيع أحدهما لم يقع والبيع الواقع ينكره الموكل فلا معارضة بين الاستصحابين أصلاً وكذا في صورة استصحاب طهارة كلّ من واجدي المني في الثوب المشترك على ما قال الاستاذ والظاهر عدم الاشكال في صحّة التمثيل به وسيجيء الكلام في تنقيح هذه الأبحاث .

مسئلة الماء المتمّم كرّاً

ص: 639


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 8/3 من أبواب الخلل في الصلاة .

وينبغي أن نذكر أمثلة الشقوق على الترتيب فممّا إذا يلزم المخالفة العمليّة في جريان الاستصحابين ما إذا علم بنجاسة أحد الكأسين مع سبق طهارتهما فانّه لا اشكال في ان من جريان الاستصحابين يلزم مخالفة التكليف الالزامي في البين وهو اجتنب عن النجس ولو كانا نجسين وأصاب أحدهما المطهّر واشتبه بالآخر فيجري استصحاب النجاسة في كليهما بلا لزوم مخالفة عمليّة من جريان الاستصحابين في نجاسة كلّ منهما لعدم الارتكاب وإن لزم في بعض الموارد مخالفة تكليف كالوضوء إذا انحصر مائه بالمشتبه فهذا خارج عن محلّ الكلام والكلام فيما إذا يلزم المخالفة أو لا تلزم من نفس جريان الأصلين مع قطع النظر عن الطوارى .

ثمّ المثال لما إذا قام الدليل على عدم جريان الاستصحابين في الصورة الأخيرة أي عدم لزوم المخالفة مسئلة الماء المتمّم كرّا الذي كان نجسا فحصلت الكريّة والنجاسة إمّا بتقدّم الملاقاة على الكريّة أو معا فاذا لم يستفد طهارته أو

نجاسته من الأدلّة فحينئذٍ تصل النوبة إلى استصحاب الطهارة في الطاهر والنجاسة في النجس ولا تلزم المخالفة العمليّة الا ان دعوى الاجماع على اتّحاد حكم المائين في هذه الصورة تمنع على تقدير تماميّتها عن جريانهما ولو لاه لم يكن مانع من اختلاف حكم الماء الواحد كما إذا كان أكثر من كرّ وتنجّس أحد أطرافه بتغيّره بالنجاسة مع كون غيره المتّصل به كرّا أو أزيد .

أمّا إذا كان الماء مختلف السطوح وكان بعض أجزائه عموداً على النجس فلا ينجس ما فوق العمود المتّصل به أو المساوي لفوقه لقوّة التدافع المانع من سراية النجاسة من أسفله إلى الأعلى فهذه أقسام ما يتصوّر في الاستصحابين

ص: 640

المتعارضين .

ثمّ ان المباني في ذلك مختلفة لكن في غير الصورة الاولى فان الظاهر عدم جريان الاصلين في صورة لزوم المخالفة العمليّة من جريانهما في التكليف الالزامي عند الكلّ .

أمّا إذا لم يلزم المخالفة العمليّة الالزاميّة فيمكن القول بجريان الاستصحابين كليهما الا أن يمنع دليل خارجي على عدم جمعهما في الجريان ويمكن منع ذلك أيضا بدعوى قصور الدليل عن شمول كليهما لمنع نفس العلم عن ذلك وأمّا أحدهما لا بعينه فان كان لا مانع في مقام الثبوت عن جريانه إلاّ ان الدليل قاصر عن اثباته فعلى هذا المبنى ليس المانع عن الجريان لزوم المخالفة العمليّة بل لا فرق في لزومها وعدمه حيث ان القصور في الدليل فعلى هذا يتساقط الاستصحابان بمعنى عدم شمول دليل الأصل لأحدهما ولا لكليهما .

وفي صورة اختصاص المانع بالمخالفة العمليّة فيمكن دعوى تقدّر الضرورة بقدرها وهو عدم جريان الاستصحابين معا وأمّا أحدهما فلا مانع منه لعدم لزوم ذلك وعلى هذا فيتبدّل التعييني بالتخييري ويكون على نحو الترتّب كلّ واحد منهما في صورة عدم جريان الآخر فتدبّر في ذلك .

عود على بدء: كرّر سيّدنا الأستاذ قدس سره اشكاله في انطباق ضابط الحكومة

في مثال الشكّ السببي والمسبّبي بالماء المغسول به الثوب النجس وان لاستصحاب طهارة الماء آثارا منها جواز شربه والوضوء به . وغير ذلك ولا معارض في واحد منها إلاّ خصوص طهارة الثوب فله معارض من استصحاب نجاسته الجاري في ناحية الثوب .

اشكال تقدّم الأصل السببي

ص: 641

وذكر ان مسئلة تقدّم الأصل السببي على المسبّبي ليست مسلمة وان ادّعى الاجماع على ذلك .

ومسئلة الرواية(1) الواردة في استصحاب الطهارة الحاكمة على استصحاب الاشتغال بالصلاة إنّما تتمّ بناءً على جريان استصحاب الاشتغال عند قاعدته وإلاّ فعلى المنع ليس من محلّ الشاهد من شيء كما هو الحقّ لأنّ الشكّ في الامتثال تمام موضوع حكم العقل بلزوم الامتثال .

واختلفت كلمات الأعلام في هذه الموارد من القدماء وإن كان عند المعاصرين ومن قاربهم تقدّم السببي من الواضحات إلاّ انّه لا يخلو من كلام كما أشرنا إليه بل عند غيرهم كبعض المتقدّمين كغير السببي ولا يستفاد من اختلاف الكلمات في الموارد المختلفة ان منشأ الاشكال غير السببيّة والمسبّبيّة فأيّ اشكال ترى في الشكّ في بقاء العبد وحيوته وجريان استصحابه لجواز عتقه وصحّته ووجوب نفقته وفطرته .

نعم في مثال الشكّ في كون الماء متّصلاً بالمادّة أم لا وغسل النجس وغمسه فيه منشأ الشكّ واحد وهو أمر ثالث في كلا الاستصحابين فيجريان في الثوب للنجاسة وفي الماء للطهارة وبالتعارض يتساقطان فحينئذٍ لو قلنا ان الأصل المعارض يعارض ما يعارضه وما لا يعارضه فعلاً لوجود الحاكم فكذلك يسقط اصالة الطهارة في الماء وإن كانت محكومة بوجود الاستصحاب وإلاّ فبعد تساقط الاستصحابين تصل النوبة إلى قاعدة الطهارة في الماء وفي فرض عدم الجريان كما جعله الأستاذ حقّا لا مجال إلاّ للرجوع إلى الأصول الحكميّة .

ص: 642


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 4/1 من أبواب الماء المطلق .

والحاصل: ان التقدّم إمّا للورود أو للحكومة التي هي الغالب وإلاّ ففي صورة المعارضة لا تقدم لأحد الأصلين على الآخر ويكون هناك نوبة العلاج في المتعارضين وقد سبق ذكر صور المتعارضين الذين كان منشأ الشكّ فيها أمرا ثالثا وكذا اختلاف المباني فقول بالسقوط مطلقا سواء لزم من جريانهما مخالفة عمليّة أم لا .

وهذا في كلّ أصلين متعارضين ولا اختصاص بخصوص الاستصحابين وقول بالسقوط أو التساقط في ما إذا يلزم من جريانهما المخالفة العمليّة .

والمنشأ والمبنى في التساقط أمّا قصور نفس الواقع وعدم امكان جريان كليهما للعلم بنقض أحد الأصلين أو للشبهة المصداقيّة في غير المعلوم انتقاضه أو لقصور الدليل لشمول كليهما وعدم الترجيح إلاّ بلا مرجّح أو للزوم المناقضة في صدر دليل الاستصحاب وذيله .

والحاصل: ان القول بالتساقط هو المعروف المشهور كما في الامارات على الطريقيّة وأمّا على السببيّة والموضوعيّة بأن يكون قيام الامارة موجبا لحدوث مصلحة في المؤدّى يلزم الأخذ بها على نحو التصويب الأشعري أو المعتزلي فلا اشكال في عدم التساقط حينئذٍ بل يكون المقام مقام المزاحمة .

فاذا كان هناك أهم يلزم الأخذ به وإلاّ فالتخيير في اختيار أيّ منهما شاء .

وأمّا بناءً على المصلحة السلوكيّة وهو الذي يمكن فرضه في زمان انفتاح باب العلم فصدر من سيّدنا الأستاذ انّه كالطريقيّة الا ان في التقريرات(1) انه كالموضوعيّة وهو الحق لحدوث مصلحة أو لقيامها في سلوك الامارة الخاصّة .

الكلام على المصلحة السلوكيّة

ص: 643


1- . فوائد الأصول 4/488 - 490 .

فاذا تعارضتا فلا يمكن الأخذ بكلتيهما فلابدّ من التخيير كما ذكرنا .

وهذه المصلحة السلوكيّة سواء وصلت إلى النوع أو الشخص وأمّا على الطريقيّة فليس إلاّ التساقط بمعنى عدم شمول دليل الاعتبار لهما لا الجريان والتعارك .

هذا في الامارات وأمّا الأصول فحيث لا كشف فيها فلا معنى لكونها كالامارة بل مثل الاستصحاب إنّما يكون موجبا للدخول في الصلاة ولو خالف الواقع فاما أن يرجع إلى رفع اليد عن الطهارة لو لم ينكشف له الخلاف أو البدليّة على ما مرّ في بعض الأبحاث السابقة .

امّا إذا انكشف له الخلاف فلابدّ من الاعادة لو لم يكن دليل على عدم لزومها كما في بعض الموارد التي يجري فيها قاعدة لا تعاد(1) فعلى هذا لا معنى للسببيّة في الاصول .

ثمّ انّ سيّدنا الأستاذ قدس سره استشكل في طريقيّة الامارات التي رتّبوا عليها التساقط وعدم التزاحم بأنّه يمكن في مقام الثبوت التعبّد باحدى الامارتين لأنّ العمل باحداهما ممكن حيث يمتنع العمل بكلتيهما غاية الأمر مجرّد ثبوته وامكانه في الواقع لا يكفي ما لم يقم عليه دليل في الظاهر لأنّ الدليل إنّما يشمل كلا المتعارضين والفرض ان التعارض مانع عن شمول الدليل لكلّ واحدة من الامارتين ولا دليل على أحديهما بعينها للزوم الترجيح بلا مرجّح فحينئذٍ لا ينفع مجرّد امكان التعبّد باحداهما لكن يمكن أن يقال بامكان استفادة هذا المعنى من نفس الدليل لقيام القرينة العقليّة الحافّة به بأن التعيّن في العمل بكل امارة إنّما هو

ص: 644


1- . وسائل الشيعة 6 الباب 28/1 من أبواب السجود .

في مورد الامكان اما إذا لم يمكن فعلى نحو ممكن وليس الا العمل باحداهما في صورة عدم العمل بالاخرى .

فاذا كان هذا حال الامارتين على الطريقيّة فلا مانع من اجراء مثله في الأصلين المتعارضين فتدبّر جيّدا .

نتيجة البحث: قد عرفت الفرق بين الامارات بناء على السببيّة والموضوعيّة والطريقيّة وقلنا انّه بناءً على الطريقيّة لا يشمل دليل الاعتبار لكلتيهما حيث ان ظاهره شمول كلّ واحدة منهما بعينها وحيث تعارضتا فلا يشملهما بعينهما وأمّا واحدة منهما لا بعينها فيمكن ثبوتا الا انه لا دليل عليه .

وقلنا على هذا ان دليل الاعتبار وإن كان لا يشملهما بمجموعهما الا انه لا مانع من شمول أحداهما لا بعينها تخييرا لا تعيينا لما ذكرنا من القرينة الحافة ولما

في نظيرهما في التخيير وهو الفتوى فان في صورة الاختلاف في الفتوى مع التساوي يتخير في الأخذ بأيّتهما شاء مع ان باب الفتوى أيضا من الطريقيّة .

فعلى هذا يمكن ثبوت التخيير في مقامنا هذا وتبدّل التكليف التعييني بالتخييري حيث ان الدليل العقلي يقتضي العمل بالدليل الوارد في العمل بالطريقين مهما أمكن فاذا لم يمكن العمل بكلّ واحدة منهما مطلقا فعند عدم العمل بالاخرى .

هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب التخيير بناءً على الطريقيّة التي من المسلم المتسالم عليه عندهم عدم طروّ التخيير . الاّ انه يرد عليه ان المبنى الذي بيننا عليه في حجيّة الطرق هو بناء العقلاء من جهة حصول الكشف والاطمئنان غاية الأمر ان الشارع لم يردع عن هذه الطريقة العقلائيّة وامضاها ولا اشكال انه

امكان التعبّد باحدى الامارتين

ص: 645

عند التعارض وتقابل الامارتين والطريقين لا كشف فحينئذٍ لا بناء للعقلاء على العمل بأحداهما ولا بكلتيهما بل يحتاطون .

فبناء على هذا فلا يتصوّر تطرّق التخيير والعمل باحدى الامارتين والطريقين عند العقلاء .

أمّا بناء على باقي المباني فمبني تتميم الكشف بامضاء الشارع الراجع إلى التتميم التكويني حيث ان الكشف موجود عند العقلاء الا انّه غير تام .

فاذا امضى الشارع ذلك فقهرا يوجب تماميّة الكشف وحصول الاطمئنان تكوينا أزيد ممّا كان قبل ذلك فهذا أيضا راجع إلى ما ذكرنا إذ لا كشف ولو ناقصا عند التعارض وكذلك بناءً على انتزاع الطريقيّة من الأوامر الطريقيّة التي يمكن ذلك فيها وإلاّ فلا يمكن انتزاع ذلك من كلّ أمر ورد كالأمر بالصلاة والزكوة .

فهذا أيضا يرجع إلى ما قلنا لكون الأمر بذلك ارشادا إلى الطريقيّة وقلنا انّ ذلك مبنى الشيخ رحمه الله وهو قدس سره صرّح في بعض مباحث رسائله بقوله أو حكم حكماً جعليّا بأنّه هو فهذا عبارة عن جعل هو هو .

وقد حقّقنا في محلّه انّ ذلك في الحقيقة عبارة عن رتب الأثر ( لا يخفى انّه على هذا لا يتمّ قياسه على الامارات العقلائيّة كما هو واضح ) .

نعم بناءً على التعبّد وان لكلّ خبر صدق العادل مخصوص به على نحو الانحلال وانّه يجب العمل بكلّ خبر عادل فيمكن جريان ما ذكر فيه لأنّه على هذا يرجع إلى الواجبين النفسيّين كساير الواجبات النفسيّة .

غاية الأمر لكلّ تكليف اطلاق يقتضي امتثاله سواءً زاحمه الآخر أم لا فعند التزاحم والتعارض لا تساقط ويكون كباب المتزاحمين بل في الحقيقة يكون من

يمكن جريان ما ذكر على بعض المباني

ص: 646

المتزاحمين فعند ذلك لو كان لأحدهما مرجّح فهو وإلاّ فيقيّد العقل اطلاق كلّ خطاب بصورة عدم الآخر وينتج تخييرا عقليّا وهذا حيث يكون التعاند اتّفاقيّا وراجع إلى مقام الامتثال وأمّا لو كان قيام الامارة موجدا لمصلحة في المتعلّق موجبة للعمل بها فلا يتمّ بل يكون من التزاحم في المقتضيين والحكم بعد الكسر والانكسار للغالب من المصلحة في السلوك وما وجد بسبب قيام الامارة أو مفسدة الواقع فلا يكون هذا من باب التزاحم .

بقي الكلام في جعل الحجّيّة وهو في الحقيقة راجع إلى جعل العذر عند المخالفة ومصادفة الامارة لخلاف الواقع فليس أيضا من باب التزاحم .

فهذه نتيجة المباني وإذ قد كانت مختلفة فيرجع إلى النزاع في رجوع التعارض في الامارتين إلى التزاحم مبنويا وعرفت ان التحقيق عدم تعبّد للشارع في الامارات بل جميعها من باب بناء العقلاء فلا يكون من باب التزاحم بل تتساقطان ولا حجّيّة لاحداهما إذ لا كشف . واما التخيير عند تعارض المقومين أو الأخذ بهما معا نصفا أو اثلاثا وغير ذلك ممّا قيل في مسئلة الرجوع إلى أهل الخبرة للتقويم فغير مرتبط بما نحن فيه كباب الفتوى حيث ان الدليل في ذلك الباب يثبت التخيير من أوّل الأمر لقوله في رواية العسكري علیه السلام في الاحتجاج(1) ( وأمّا من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفا على هواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه ) ضرورة عدم وجوب تقليد الكل بل اللازم تقليد صرف الوجود ومن المسلم اختلاف الفقهاء في المراتب العلميّة في جميع الأعصار وكذلك عصر المعصومين علیهم السلام فلو كان الواجب الرجوع إلى الأعلم والأفضل لقيد

يتصوّر ما ذكر في الامارتين في الاستصحابين

ص: 647


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 10/20 من أبواب صفات القاضي .

الاطلاق بعدم وجوده ولم يقيّد بل جعل مناط التقليد في العلم والفقه والعدالة .

نعم لو كان لنا دليل يوجب الرجوع إليه كان هو المتعيّن وإلاّ فالجميع متساوٍ وكذلك عند عدم وجوده فحينئذٍ يتخيّر في الأخذ بأيّهم شاء كما في صورة وجود روايات معتبرة في مسئلة واحدة فانّ الحجّة هو الجامع اذ الجميع صالح لذلك فكذلك عند تساويهم أو عدم التساوي وعدم لزوم تقليد الأفضل .

نعم في صورة الاختلاف لابدّ أن لا يختار من كلّ واحد منهما شيئا في عمل مركّب يطلع باطلاً عند كليهما كما إذا كان أحدهما يوجب جلسة الاستراحة ولا يوجب التسبيحات الأربع إلاّ مرّة والاخر لا يرى وجوب جلسة الاستراحة ويرى وجوب التسبيحات ثلاث مرّات فاذا ترك الجلسة ولم يأت بالتسبيحات إلاّ مرّة فصلاته باطله عند كليهما أمّا إذا لم يفعل ذلك بل أخذ بقول أحدهما في الصورتين فلا بطلان .

فعلى هذا قياس باب الخبرين بباب الفتوى مع الفارق وما ذكر دليلاً للتخيير في صورة التعبّد قد عرفت مغزاه هذا حال الخبرين على الطريقيّة أو الموضوعيّة .

أمّا الأصول فلا طريقيّة فيها حيث انّها لا تكشف عن شيء نعم لو كان مبنى الاستصحاب من باب بناء العقلاء فيتصوّر فيه ما ذكرنا في الخبرين على الطريقيّة إلاّ انّه خلاف الطريقة فحينئذٍ لابدّ أن ينظر إلى الدليل ويمكن افتراق بعض الأصول بالنسبة إلى بعض فان قلنا ان الاستصحاب وأمثاله من الأصول المحرزة للواقع ولو تعبّدا وانّها وإن كانت تقوم في المرتبة الثالثة من العلم وهو الجري العملي لكن مع الغاء الطرف الآخر فحينئذٍ عند التعارض نفس العلم بمخالفة أحد الأصلين للواقع يمنع عن جريانهما سواءً لزم من ذلك مخالفة تكليف الزامي أم لا .

ص: 648

فعلى هذا لا يفترق الحكم وعدم الجريان في مستصحبي النجاسة والطهارة مع العلم بطهارة أحدهما في الصورة الاولى ونجاسة أحدهما في الصورة الثانية حيث ان الأحرازين المعلوم كذب أحدهما لا يمكن التعبّد به فحينئذٍ ليست رتبة الجعل محفوظة اذ لابدّ في التعبّد بالأصل من حفظ رتبة المجعول وهو الشكّ والجعل ومقام العمل وأمّا إن لم نقل في الاستصحاب ذلك ولم نفرّق بين الأصول بأن نجعلها قسمين محرزة وغير محرزة فهذه الرتبة أي رتبة الجعل أيضا في كليهما محفوظة والمانع يتمحض في الرتبة الثالثة وهو المخالفة العمليّة فيفرق الحكم في الانائين ويجري الاستصحاب في نجاستهما مع العلم بطهارة أحدهما ولا يجري في الطهارة مع العلم بنجاسة أحدهما .

وما ذكرنا في عدم الفرق بين الانائين في الصورتين هو الذي بنى عليه جماعة منهم المحقّق النائيني رحمه الله(1) بخلاف مثل أصل الطهارة والحلية في ما كان مفادهما أمرا جمعيّا فانّه يخالف المعلوم بالاجمال ولا يمكن التعبّد بهما معا وإلاّ

ففي صورة عدم كون مفادهما جمعيّا فلا مانع من اجراء الأصلين لأن دليل التعبّد يشمل كلّ واحد منهما بعينه وهو مشكوك .

غاية الامر بعد ارتكاب الجميع يحصل العلم بارتكاب محرم في البين وحصول العلم وتحصيله لا مانع منه كما قيل نظير ذلك في أطراف الشبهة المحصورة .

نعم يمكن المنع عن جريان الاستصحابين بل مطلق الأصلين في صورة

العلم بمخالفة أحدهما للواقع بكون التمسّك بالدليل في كلّ واحد منهما من

ص: 649


1- . فوائد الأصول 4/693 - 695 .

التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة وهو لا يجوز فتأمّل جيّدا في أطراف ما ذكرناه .

خلاصة البحث: ذكرنا أقسام الاستصحابين المتعارضين وقلنا ان من أقسامهما السببي والمسبّبي وقد خرج عن التعارض بما ذكر في وجهه ان تمّ ومن أقسام ذلك ما لا يجري أحدهما .

والظاهر خروجه عن أمثلة الأقسام لأنّ الكلام في تعارضهما ولو لم يجر أحدهما فلا تعارض فانّه لابدّ في التعارض حجيّة كلّ لو لا الآخر وفي المقام إذا لم يجر فلا شيء .

ثمّ انّ الأقسام المذكورة في الاستصحابين المتعارضين تارة يكون التعارض فيهما ذاتيّا أي بالمطابقة واخرى يكون لأمر خارج كاجماع أو دليل آخر أو بالالتزام واخرى يجريان في عرض وتارة بالطول ومن مثال ذلك ما إذا خرج المسافر يريد سفرا موجبا للقصر مع اجتماع الشرايط فاذ يقطع مقدارا من المسافة يشكّ في الذهاب البلوغ إلى حدّ الترخّص الموجب للقصر فيستصحب عدمه وحكم التمام وفي الرجوع يشكّ في تلك النقطة التي أجرى استصحاب عدم الوصول فيها ويستصحب حكم القصر مع علمه بكذب أحد الاستصحابين وليس التعارض في ذلك ذاتيّا مطابقيّا بل لأمر خارجي والتزامي .

ثمّ انّه إمّا أن يكون قبل الصلاة الثانية أو بعدها ففي الصورة الأولى لا اشكال في جريان قاعدة الحيلولة أو الفراغ وإن قيل برجوع الأولى إلى الثانية فالفراغ فقط لعدم المعارض وحينئذٍ فلا معارضة بين الاستصحابين ( أقول: لا مجال لجريان أيّ من القاعدتين لكون موضوع الأولى الشكّ في الاتيان بعد

عدم جريان الاستصحاب في أطراف العلم الاجمالي

ص: 650

الوقت وهذا خلاف الفرض والثانية كون الشكّ في نقص جزء أو شرط أو وجود مانع وفي الفرض تمحض الشكّ من غير هذه النواحي لكون الشكّ من أوّل الأمر ) لانحلال العلم الاجمالي بجريان قاعدة الفراغ إلاّ ان بالنسبة إلى الثانية حيث يتحيّر في الموضوع فلا يدري أتكليفه الاتمام أو القصر فلابدّ من الاحتياط كما في صلاة الجمعة حيث لم نستفد التخيير ودارت الوظيفة بين الظهر والجمعة فانّ الوظيفة هناك أيضا الاحتياط لقيام الدليل على عدم تكليفه في اليوم الواحد بصلاتين ( ولا وجه في هذه المسئلة ومسئلة الصلاة الثانية لاستصحاب الفرد المردّد لعدم اثباته لوجوب الصلاة الاخرى لم يأت بها بعد ) .

أمّا إذا كان ذلك بعد الصلاتين فقاعدتا الفراغ تجريان بالنسبة إلى الصلاتين وتتعارضان فلابدّ من اعادة الأولى بمتمم الاحتياط والاحتياط في الثانية هذا على تقدير جريان قاعدة الفراغ والحيلولة في هذه الموارد ولم يكن ممحّضا في الشكّ في كيفيّة الامتثال ( قد عرفت ما هو الحقّ من عدم مجال لهاتين القاعدتين في هذه الموارد ) ونظير المقام مسئلة الماء الذي يشكّ في كونه كرّا ويزاد عليه إلى حدّ الشكّ ثمّ العلم بالكريّة وهكذا يؤخذ من الماء وينقص إلى أن يصل إلى حدّ الشكّ فان هذا الحدّ في حين الزيادة يكون مجرى استصحاب عدم الكريّة وفي النقصان مجرى بقائها .

ومن ذاك الباب أي تعارض الاستصحابين التزاما مسئلة ما لو توضّأ بمايع مشكوك البوليّة والمائيّة لا قبل الوضوء فانّه لابدّ من احراز المائيّة فانّه بعد ذلك

يعلم بطلان أحد الاستصحابين أمّا استصحاب طهارة أعضاء الغسل والمسح أو استصحاب بقاء الحدث إلاّ ان هذا التعارض ليس مطابقيّا ولا ربط لأحد

ص: 651

الاستصحابين بالآخر بل لأمر خارجي بالالتزام ولا مانع على التحقيق من جريانهما معا إلاّ بناء على جعل الاستصحاب من الأصول المحرزة القائم مقام القطع الطريقي كما أشار إلى ذلك الشيخ قدس سره في أوّل رسائله بقيام بعض الأصول مقامه وهو قاعدة الفراغ والاستصحاب فانّه حينئذٍ لم يتحقّق الشرط الثاني من شرايط جريان الأصل وهو الجعل فانّه لابدّ في ذلك من الشكّ وحفظ رتبته ورتبة الجعل وعدم محذور في ذلك والمرتبة الاخيرة رتبة الامتثال فمثل اصالة الحلّ والبرائة ينحصر محذورهما بالمخالفة العمليّة فلو لم تلزم لا محذور في جريانهما ولو في أطراف العلم الاجمالي بخلاف الاستصحاب بناءً على كونه من الأصول المحرزة فانّه لا يجري الاستصحابان في أطراف العلم الاجمالي ولو لم يلزم المخالفة العمليّة أيضا بل يتعارضان ولذا بُني على عدم الفرق بين مستصحبي النجاسة ومستصحبي الطهارة في عدم الجريان لجعله من الأصول المحرزة كما هو مبنى المحقّق النائيني(1) والميرزا الكبير الشيرازي بعد أن ذهب إلى سامرّاء على ما نقل سيّدنا الأستاذ عن شيخه النائيني قدس سره م ومن يجعله من الأصول غير المحرزة بل كسايرها فيفرّق بين مستصحبي النجاسة والطهارة فيقول بجريان استصحاب النجاسة في صورة العلم بكذب أحدهما وطهارته لعدم لزوم المخالفة العمليّة وبعدم الجريان في مستصحبي الطهارة مع العلم بكذب أحدهما كما اختاره سيّدنا الأستاذ ورأى مبنى كون الاستصحاب من الأصول المحرزة من المباني الفاسدة التي لا دليل عليها وعند القائل بعدم الفرق فنفس العلم بكذب أحد الأصلين الجاريين مانع من جريانهما لمنافاته للعلم .

التعادل والتراجيح

ص: 652


1- . فوائد الأصول 4/693 - 695 .

ففي مسئلة الوضوء بالمايع المردّد بين البول والماء يبتني جريان الاستصحابين وعدمه على الاحراز وعدمه فعلى الاحراز لا يجريان لمنافاة نفس العلم وعلى عدمه يجريان لعدم لزوم المخالفة العمليّة . هذا تمام الكلام في تعارض الأصول .

الكلام في التعادل والترجيح: والأولى تبديل العنوان بباب التعارض حيث ان الأحكام المذكورة والروايات الواردة في الباب من الطوائف الامرة بالتوقّف والتي تخيّر المكلّف وبالجملة جميع روايات الباب بطوائفها إنّما موضوعها المتكافئان المتعادلان ولا اشكال في كون هذه المسئلة كمسئلة حجيّة الخبر من أهم مسائل الأصول ولا يخفى شدّة الاحتياج إليهما في الفقه إذ مناط كون المسئلة اُصوليّة وقوعها كبرى قياس الاستنباط وهو حاصل في المقام .

ثمّ انّ موضوع التعارض عرفي مبين كما يرشد إلى ذلك ما ورد في قول الراوي إذا(1) ورد عنكم خبران متعارضان أحدهما يأمر والآخر ينهى الخ إلاّ انّه حيث يقع الاشتباه والخلط بين ذلك وبين باب التزاحم وبين اشتباه الحجّة باللاحجّة فقد يعرف ويشار إلى عنوان البحث كي يمتاز عن ما ذكرنا .

ثمّ انّه يبحث عن المتنافيين على بعض الوجوه أهو داخل في مسائل الباب أم لا وكذلك في موارد اختلاف الروايات على طوائف .

فنقول وباللّه الاستعانة: التعارض عبارة عن تنافي مدلولي الدليلين بحسب مقام الثبوت الموجب لتنافيهما في مقام الاثبات كالحرمة والوجوب المجعولين

ص: 653


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/5 - 29 - 30 - 34 - 40 - 42 - 48 من أبواب صفات القاضي وليس فيها مادّة التعارض .

على مورد واحد فان كلّ واحد منهما يقتضي عدم الاخر ولا يمكن جعلهما كذلك في مورد واحد فخرج بما ذكرنا باب التزاحم واشتباه الحجّة بلا حجّة حيث ان في الأوّل لا تنافي بحسب مقام الثبوت وإنّما التزاحم والتعاند في مقام الامتثال وإلاّ فبحسب الملاك تام وكذلك خرج بذلك باب الحجّة واشتباهها بلا حجّة حيث ان ذلك ليس من جهة التعاند والتنافي بحسب المدلول بل يمكن فرضه بكون أحدهما في باب الطهارة كنجاسة غسالة المتنجّس والآخر في باب الديات ومن الخارج نعلم بكذب أحدهما وعدم صدوره وإلاّ فبحسب المدلول لا تنافي بينهما ولا تكاذب فلا وجه لاجراء حكم التعارض عليهما خصوصا إذا كانا وجوبا وحرمة بل لابدّ من اجراء قواعد باب العلم الاجمالي ولا مجال لجريان حكم الدوران بين المحذورين في المقام بل ربما يلتزم بالاحتياط في كلا الموردين .

لا يقال ان في باب التعارض أيضا نعلم هذا العلم أي بكذب أحدهما من جهة عدم امكان شمول دليل الحجيّة لكليهما .

فانّه يقال فرق بين مقام الاثبات والحجيّة ومقام الثبوت وكلامنا إنّما هنا في مقام الثبوت . وشمل التعريف إذا كان التنافي بالتباين الكلي أمّا إذا كان جزئيّا فهل هو ملحق بباب التزاحم أو بباب التعارض فيه اشكال . فان اجراء حكم التعارض في بعض المدلول وعدمه والحجيّة في بعضه الآخر يوجب التبعيص في السند الواحد وذلك لا يساعده الاعتبار إلاّ أن يقال بانحلال الخبر الواحد إلى أخبار متعدّدة فحينئذٍ يرتفع الاشكال كما هو الظاهر كما انّه قد يستشكل في خصوص باب التزاحم أيضا برجوعه إلى عدم امكان الجعل حيث ان المكلّف لا يقدر على امتثال كلا التكليفين المتزاحمين فلا يمكن للمولى مطالبته بكليهما خصوصا مع

الفرق بين التزاحم والتعارض

ص: 654

قبح مطالبة العاجز بل نقول نفس الخطاب يقتضي مقدوريّة متعلّقه للمكلّف فلو لم يكن مقدورا لا يمكن تعلّق الخطاب به .

وهذا معنى ما يقال ان ارادة المولى تابعة لارادة العبد ويعنون بذلك ان ما يمكن تعلّق ارادة العبد به يمكن للمولى ارادته كي يكون في صورة عدم ارادته لمتعلّقه باعثا داعيا له إلى ذلك .

فعلى هذا يرجع باب التزاحم أيضا إلى المانع الثبوتي وعدم امكان الجعل والداعويّة إلى كلا المتزاحمين وتزاحم المقتضيين الذي هو مناط التعارض حيث ان كليهما يدعوا المولى إلى الجعل على طبقه امّا لمصلحة مثلاً تدعوه إلى جعل الوجوب والمفسدة إلى جعل الحرمة فيقف أمر المولى إذا لم يحصل الكسر والانكسار ولم يغلب احداهما على الاخرى فلو غلبت فالحكم على طبق الغالب لكن لا شدّة فيه كما يكون في الخالي عن المزاحم فالوجوب في اكرام العالم غير الفاسق أشدّ منه في العالم الفاسق .

واما لا يحصل الغلبة لاحداهما فالحكم غيرهما وهذا بعينه جاري في صورة تزاحم الخطابين في اشغال قدرة المكلّف لأداء الجعل على طبق كلا المقتضيين إلى التضاد أو التناقض .

ويمكن الجواب عن الأوّل بأنّه لو جعل مناط التعارض التنافي ولو على نحو الجزئيّة في المدلول فيكون باب العموم والخصوص من وجه داخلاً في باب التعارض نعم لو جعل التنافي على نحو الكليّة فيخرج عنه ولو لم يدخل في باب التزاحم فيكون أصلاً برأسه لكنّه خلاف عملهم حيث يترتّبون عليه أحكام التعارض ويجرونها عليه .

ص: 655

وعن الثاني أي اشكال رجوع باب التزاحم إلى التعارض انّه مسلّم لكن في قسم من التزاحم وهو ما إذا كان التعاند بين المتزاحمين في عالم الامتثال وقدرة المكلّف دائميّا فان ذلك يوجب اللغويّة مضافا إلى محذور عدم امكان الامتثال .

وأمّا إذا كان التعاند اتّفاقيّا فاطلاقان تزاحما في قدرة المكلّف وليس التعاند إلاّ في اطلاقهما حتّى في حال وجود الآخر لأن وجوب حفظ المؤمن حسب انحلاله إلى وجوب حفظ كلّ مؤمن ظاهر موجب لحفظ كلّ ولو عند عدم حفظ الآخر وتلفه فاذا اتّفق عدم قدرته على حفظ مشرفين على التلف من المؤمنين فحينئذٍ التعاند والتزاحم واقع في اطلاق حفظ كلّ منهما حتّى في حال عدم حفظ الآخر وهذا لا يوجب محذورا في عالم الجعل .

والحاصل ان ضابط باب التعارض هو أن يكون المانع من الجعل غير جهة قدرة المكلّف بل المانع ممحّض في المانع الملاكي بخلاف باب التزاحم فان ضابطه أن يكون التعاند في مقام الامتثال بعد الفراغ عن مقام الجعل وإمكانه لولا ذلك .

وإن كان يظهر من بعض كلمات المحقّق الخراساني تسمية(1) باب التعارض أيضا تزاحما إلاّ انّه راجع إلى تزاحم المقتضيين ومقام الثبوت .

وتلخّص تعريف باب التعارض بكون التنافي في مدلولي الدليلين أو الأدلّة على نحو لو لاه كانا أو كانت حجّة فبالقيد الأوّل خرج باب التزاحم حيث انّه لا تنافي في مدلولي دليلي المتزاحمين بل التنافي والتعاند في مقام الامتثال واضافة القيد الثاني لاخراج ما إذا اشتبه الحجّة بلا حجّة وما إذا علمنا من الخارج عدم

ص: 656


1- . كفاية الأصول 1/242 .

جعل أحد مدلولي هذين الخبرين ولو لم يكن بينهما تنافي مدلولي كما إذا علمنا بضعف أحد الخبرين المشتمل سند أحدهما على محمّد بن سنان أو أبي الجارود(1) مثلاً إلاّ انّه غاب عنّا فعلاً واشتبه بالآخر الذي هو حجّة فحينئذٍ لا يمكن اجراء قواعد باب التعارض عليه بل لابدّ من العمل بما يقتضيه قواعده المختصّة به ولا يمكن التمسّك بأحدهما في ذلك لكونه من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة بل نفس الشكّ في الحجيّة يساوق عدم الحجّيّة بلا تكلّف .

أو علمنا بكذب أحد الخبرين ولو لم يكونا في باب واحد فان ذلك إمّا من اشتباه الحجّة بغير الحجّة أو من باب العلم الاجمالي بعدم الحجيّة ولو كان مرجعهما إلى واحد وهوالعلم بعدم حجيّة أحدهما(2) .

وإذا تحقّق مايترتّب على الضابط فلا اشكال في ان التنافي لا يختصّ بمقام التكوين بل في أيّ صقع من الأصقاع فرض فسواء كان في عالم الخارج كاجتماع السواد والبياض مع ساير الوحدات أو في وعاء الذهن اتّصافا وحصولاً أو هما معاً أو عالم التشريع حيث انّه لا فرق في ذلك أي استحالة جعل كليهما أو تحقّقهما فلا يمكن جعل الوجوب والحرمة أي دعوة مقتضيهما للجعل على طبقهما وانقداح

اشتباه الحجّة بلا حجّة

ص: 657


1- . هذا إذا كانا ضعيفين أو أحدهما وهو خلاف التحقيق .
2- . وعمّم المحقّق العراقي قدس سره التزاحم لما اذا كان التزاحم في عالم التأثير في الرجحان والمحبوبيّة الفعليّة لدى المولى كموارد تصادق الأمر والنهي في مثل الصلاة والغصب على القول بالامتناع أو كان تزاحمهما ممحضا في عالم الوجود ومرحلة الارادة الفعليّة كما في المتضادين وجوداً ومنه مورد التصادق في باب الاجتماع على القول بالجواز وامكن عنده كون المورد من التعارض لو اتّحد عنوان المأمور به والمنهي عنه كعنوان الاكرام في قوله أكرم العالم ولا تكرم الفساق ومن باب التزاحم اذا تعدد كعنوان الغصب والصلاة في قوله صل ولا تغصب ولعلّه لا يخالف المتن . نهاية الأفكار 4/373 - 376 .

ارادة النبوي أو الولوي للحرمة والوجوب مع اجتماع الوحدات المعتبرة في التناقض كاستحالة اجتماع الكراهة والحبّ كذلك والحبّ والبغض . والتعريف شامل للتباين الكلّي .

أمّا العموم من وجه فلا إشكال في تحقّق التنافي والتعاند في المقتضيين سواء كان الحكم مجعولاً على العناوين أو على الخارجيّات والعناوين يشار بها إليها حيث ان العالم الفاسق لا يمكن جعل حرمة الاكرام ووجوبه عليه بل إمّا أن يكون هو الوجوب أو الحرمة أو لا أحدهما إلاّ ان التعريف لابدّ في شموله له من اضافة قيد ولو في الجملة إليه هذا . ولو جعل التعارض عبارة عن تنافي مدلولي الدليلين ولو لا مر خارج فيشمل ما إذا علمنا(1) من جهة الاجماع أو غيره بعدم تشريع الحكمين ومثاله المعروف ما إذا علمنا بعدم وجوب صلاتين يوم الجمعة ظهرا فإمّا أن يكون هو الظهر أو الجمعة بخطبتين وركعتين والأخبار تدلّ على كلتيهما فانّه لو لا الاجماع كان كلا الخبرين حجّة وقلنا بوجوب صلاتين يومها الا ان ذلك يمنعنا عنه لكن هذا المثال لا يخلو عن مناقشة فانّه كيف يمكن تحقّق الاجماع مع ورود روايتين لأنّه يستلزم تكذيب المعصوم علیه السلام في قوله صلاة الجمعة واجبة والظهر كذلك .

نعم يمكن أن يكون ذلك من جهة عدم تحقّق جهة صدور أحدهما ولا وجه لما يتوهم من كون ذلك بمنزلة قرينة حافة بكلا دليلي المسئلة فالتعارض إنّما هو راجع إلى نفسهما إذ ليس الدليلان إلاّ متكفّلين لخصوص العقد الايجابي ولا عقد

في تعريف التعارض

ص: 658


1- . جعله السيّد الخوئي قدس سره من باب التعارض عرضاً . مصباح الأصول 48/418 والمحقّق البجنوردي أعلى اللّه مقامه من باب التعارض التزاماً . منتهى الأصول 2/552 .

سلبي لهما كي يتحقّق التعارض فالاولى أن يمثل له بما إذا علمنا بنوع التكليف وقوله صلّ لكن لا ندري متعلّق الصلاة أهي الظهر أو العصر مثلاً ولا يخفى انّه لو قيل بهذا أي ولو لأمر خارج فمسئلة العلم الاجمالي بكذب أحدهما أو اشتباه الحجّة بلا حجّة يدخل في التعارض .

وكيف كان فلا يخفى ان التنافي قد يكون في تمام المدلول المطابقي واخرى في خصوص بعضه فردا أو اطلاق أحواله فان ذلك كلّه يكون من التنافي بين المدلولين ( أقول: ليعلم عدم الاحتياج إلى القيد الثاني في التعريف أي قوله على نحو لو لا التنافي لكانا حجّة لاخراج مسئلة اشتباه الحجّة بغيرها إلاّ لخصوص فردين لم يخرجا بالقيد الأوّل وهما الخبران الواردان المتنافيان فتأمّل .

كما لا يخفى ان مثال سيّدنا الأستاذ في خصوص الاشتباه وتبديل مثال الاجماع به ليس من باب اشتباه الحجّة بغيرها ولا من التعارض لأن مورده صورة تعدّد الخبر وليس فيه ) .

وخلاصة الكلام: قد تبيّن ضابط باب التعارض وظهر ان قيام الاجماع في عدم وجوب صلاتين ظهر يوم الجمعة لا يوجب تعارضا في الدليلين المقتضيين لوجوب أربع ركعات وركعتين وخطبتين لكون الاجماع قرينة على عدم وجوب كلتيهما تعيينا كما يقتضيه اطلاق وجوبهما بل تجبان تخييرا فليس ذلك من باب التعارض كما ان زيادة قيد لو لا التنافي لكان كلاهما حجّة لاخراج باب اشتباه الحجّة بغيرها غير محتاج إليه لخروجها بالقيد الأوّل أي تنافي مدلولي الدليلين لعدم تحقّق التنافي بينهما بل ليس دليلان في المقام كي يتنافيا كما تبين خروج باب التزاحم أيضاً عن ضابط باب التعارض وإن سمّي بعض باب

ص: 659

التعارض بباب التزاحم لكنّه خلاف الانصاف إن أراد بذلك ترتيب آثار باب التزاحم عليه وإلاّ فاصطلاح لا ضير عليه .

والحاصل ان في المقام معنيين والحكم في أحدهما كما سنبين التساقط عند عدم المرحج أو الرجوع إلى الأخبار العلاجيّة وفي آخر التخيير بعد عدم الترجيح لأحد الطرفين ملاكا على الآخر .

وإذا ظهر ذلك فنقول ان للتزاحم أقساما خمسة وذكروا لها سادسا ولعلّ سابعا والسادس مسئلة تزاحم السببين كما إذا زاد على خمس وعشرين ابلاً له آخر في نصف السنة فلابدّ من اعطاء الزكوة بمقتضى كلا النصابين ويلزم وجوب أداء زكوتين في سنة واحدة ولو في بعضها أو يلقى الستّة أشهر التي كان عنده خمس وعشرون ورأس السنة من حين كما لها بست وعشرين .

والاقسام الخمسة أحدها مسئلة باب تزاحم اجتماع الأمر والنهي ومثاله المعروف صلّ ولا تصرف في مال الغير حيث ان الصلاة مطلقا واجبة وكذا التصرّف في مال الغير مطلقا حرام فالصلاة المستلزمة للتصرّف في مال الغير والجامع له تكون مجمعا وهذا مثال باب التزاحم .

أمّا إذا تعلّق الأمر والنهي بالعنوان الاشتقاقي فيكون من باب التعارض كاكرم العالم ولا تكرم الفاسق فاذا قلنا بوقوف الامر والنهي على الطبيعة بمعنى الأفراد والوجودات لا بلوازمها فحينئذٍ يكون من باب التزاحم بخلاف ما إذا قلنا بالسراية فانّ المجمع مورد الأمر والنهي ويكون من باب التعارض والفرق بين تزاحم باب الاجتماع وباب التضاد عدم جريان الترتب في الأوّل دون الثاني فانّه يمكن الاتيان بالصلاة مثلاً أو بالضد الآخر بداعي ملاكه بخلاف باب الاجتماع

ص: 660

فلا يتطرّق فيه ذلك .

وثانيهما تزاحم التضاد وهو على قسمين دائمي وانفاقي ولبعض اساتيذنا القول في الدائمي برجوعه إلى باب التعارض وعندنا فيه توقّف ومثال الاتفاقي ما إذا وجب استقبال الكعبة وحرم استدبار الجدي فانّه في بعض الأحيان يتزاحمان في الامتثال ويأتي ذكر باقي الأقسام .

وأمّا التعارض فظهر انه عبارة عن تنافي مدلولي الدليلين بحسب مقام الثبوت الموجب للتنافي في مقام الجعل بحيث لم يكن بينهما حكومة والتنافي أعم من أن يكون كليا كالمتبائنين أو بعضا كالعموم والخصوص من وجه أو في بعض الحالات أو العموم المطلق أو كباب المطلق والمقيد فان ذلك كلّه من المتنافيين فكلّها خارج عن باب التزاحم إلا ان الحكومة العريضة العرض أوجبت رفع التنافي وخروج ذلك كلّه من باب التعارض وعدم جريان أحكام بابه حسب الأخبار العلاجيّة فيها كلّها ومن ذلك تعرف انه من المتبائنين والمتعارضين الوجوب واقعا والاباحة ظاهرا حيث ان توقّف الحكم على خصوص العالمين وتعدّد حكمهم والجاهلين فان لكلّ منهما حكما هو التصويب الباطل ولذلك لا يمكن الاهمال في مقام الثبوت فامّا أن يكون الحكم مختصّا بالعالمين أو بالأعم منهم والجاهلين الا ان اللحاظ في لسان الدليل والخطاب مستحيل لعدم تأتي لحاظ ما يأتي من قبل الخطاب في متعلّقه بملاك استحالة تقدّم المعلول على العلّة نعم يمكن ثبوت الحكم والترخيص على الخلاف إذا لم يرجع إلى اجتماع الارادة والكراهة والحبّ والبغض .

ثمّ انّ لباب التعارض مرجّحات ولا تختصّ به بل ثابت في باب اليد

أقسام التزاحم

ص: 661

والشهادة والتزاحم وغيرها أيضا .

تكميل: قد أشرنا إلى باب التزاحم وأقسامه السبعة وذلك ممّا حقّقه المحقّق النائيني رحمه الله(1) وإن كان في بعض ذلك نظر ننبّه عليه في موضعه وما وقع طى تقريرات كلامه من ادخال العموم والخصوص مطلقا وباب الحكومات في التعارض إنّما هو في مقام التزاحم حسب انطباق ضابط التعارض على ذلك قبل اخراجها بما ذكرنا وإلاّ فالتنافي المدلولي بينها واضح وكان المسامحة في هذا نظرا إلى وضوحه وإلاّ فالمراد معلوم .

والحاصل ان التعارض ما يكون تزاحم بين المقتضيين في أصل داعوية كلّ واحد منهما للجعل وإلاّ فبمجرّد جعل الحرمة على موضوع والوجوب على موضوع آخر لا يكون من التنافي بل بما ذكر من اجتماع باقي قيود التناقض فالتعارض اصالة انما هو بين المدلولين المنكشفين وهو يوجب التنافي الدلالي وبين الحاكيين وامّا التزاحم فهو لا يكون مانع هناك من الجعل ولا تزاحم في المقتضيات بل حيث ان ملاك الخطاب في الخطابين معا غير موجود لعدم قدرة المكلّف على امتثال كلا الخطابين يقع التزاحم بين المتزاحمين ويشهد لما ذكرنا انه في غير صورة تزاحم التكليفين أيضا إن لم يكن المتعلّق مقدور المكلّف فلا يتوجّه إليه الخطاب لقبح مطالبة العاجز عقلاً فشرط توجيه الخطاب إليه القدرة على متعلّقه الا ان التزاحم والتعارض مشتركان عند الكل في عدم وجود خطابين معا غاية الامر في كلّ واحد من البابين بملاك .

وقد ذكرنا اشكال العموم والخصوص من وجه مثل أكرم العلماء ولا تكرم

ص: 662


1- . فوائد الأصول 4/707 - 709 .

الفسّاق والفرق بينه وبين المتزاحمين فان التزاحم فيهما إنّما يكون اتّفاقا وفي اطلاق خطاب كلّ واحد منهما والا فان كان التعاند دائميّا فلا يكون من باب التزاحم ويرجع إلى باب التعارض .

إذا عرفت هذا فلنرجع إلى بيان الأقسام المذكورة للتزاحم على ما بنى عليه المحقّق النائيني قدس سره وبيان ما يتوجّه عليها أو بعضها وأشرنا إلى انها سبعة وإن كان يمكن رجوع الثالث إلى الثاني بل هو هو حقيقة كما يعلم بأدنى تأمّل .

الأوّل تزاحم باب الاجتماع . الثاني تزاحم التلازم وهو أن يكون امتثال أحد الخطابين ملازما لعصيان الآخر وهذا القسم والذي بعده لابدّ أن يكون التزاحم فيهما اتّفاقيّا وإلاّ فيخرج عن التزاحم كما أشرنا إليه ومثاله ما إذا وجب احترام المؤمن وكذا القرآن فبين الامتثالين عموم وخصوص من وجه فربما يكون مورد احترام القرآن ولا مؤمن هناك وربما يكون الأمر بالعكس وثالثة وهو مورد التزاحم ما يكون مثلاً القارئ مشتغلاً به ويرد المؤمن فلو اشتغل بالقرآن ولم يقم احتراما له فيعصى احترام المؤمن وكذا لو قام وعصى خطاب احترام القرآن وقد يتحقّق الهتك وإن كان يمكن الخدشة في هذا المثال الا ان مثالاً آخر ربما يكون أحسن وما هو ما اذا وجب اكرام العالم واكرامه لأجل علمه وكذا وجب اهانة آخر لموجبه فيردان معاً على المكلّف فلو لم يقم ولم يعظم عصى خطاب أكرم العالم ولو قام فخطاب الاهانة .

والثالث تزاحم بعض النقاط فانه شرع الحكمان على نحو كان امتثال أحدهما عين عصيان الآخر كما إذا وجب استقبال الكعبة في بعض النقاط الذي يحرم استدبار الجدي والفرض ان المستقبل إلى الكعبة مستدبر الجدي .

بيان أقسام التزاحم

ص: 663

الرابع تزاحم التضاد نحو وجوب الصلاة وازالة النجاسة عن المسجد أو أداء الدين ولا يخفى ان ذلك أيضا اتّفاقي حيث انه ربما يمكن أداء الدين والاشتغال بالصلاة وقد يقع التزاحم اتّفاقاً من حيث لزوم المشي إلى المطالب المنافي للصلاة .

الخامس تزاحم المتقدّم والمتأخّر كما إذاكان القيام فيالركعة الأولى والثانية واجبا وليس له القدرة على كليهما فان قام في الأولى يفوته الثانية وبالعكس لا مثل القيام حال التكبير وحال القرائة أو حالها وقيام قبل الركوع فهنا محلّ الكلام في تقدّم المقدم أو الأهم .

السادس التزاحم في مقدّمة الحرام كما إذا وجب انقاذ الغريق من الطريق الغصبي الذي هو أقرب إلى ذلك أو المنحصر فالتزاحم إنّما هو بين وجوب المقدّمة لترشّح أمر ذي المقدّمة عليها وحرمتها لكونها من الغصب .

والسابع تزاحم السببين كما سبق مثاله لقيام الاجماع والدليل على عدم وجوب الزكاة في سنة واحدة مرّتين فلابدّ إمّا من عدم دخل ستّة الأشهر الماضية في السنة أو يحسب السنة من أوّل زمان اضافة السادس والعشرين ويزكّي بنت مخاض أو من حساب ذلك من أوّل الستة الأشهر وخمس شياة ولا يخفى ان عد هذا من أقسام التزاحم بناء على ما ذكرنا في التعارض من دخول نحو مثل قيام الدليل على وجوب الجمعة والظهر يوم الجمعة مع الاجماع على عدم وجوب صلاتين بل واحدة في أقسام التعارض فان دخل فيه يدخل ما نحن فيه في التزاحم ويصير موضوعه أعمّ من ما إذا كان لذاته أو من خارج(1) ولا يخفى ان

ص: 664


1- . لايخفى تشوش العبارة والمراد جعل هذا القسم من التزاحم في التعارض عرضاً كما هو مختار السيّد الخوئي قدس سره . مصباح الأصول 48/430 كما اختار كون المورد من باب التعارض صاحب المنتقى وان يظهر منه الميل إلى جعله من باب التزاحم . منتقى الأصول 3/42 - 45 .

جعلها سبعة وتكثيرها إنّما هو لمزايا في كلّ منها أوجب تفرّد كلّ قسم عن الآخر ومن ذلك تفرّد القسم السادس الذي كان المحقّق النائيني رحمه الله يرى ان هذا أوجب لهم شبهة المقدّمة الموصلة ومن هنا نشأ الترتّب هذا . كما ان القسم الأوّل وهو تزاحم باب الاجتماع مبني كما ذكرنا على عدم اتّحاد متعلّق الأمر والنهي وذلك إنّما يتمّ بأمرين أحدهما تعلّق الأمر والنهي بالطبايع لا الافراد يعني ليس الطبيعة

بما هي هي متعلّق الأمر والنهي لأنّ الطبيعة بما هي هي ليست بشيء ولا وجود لها حتّى ذهنا بل تصوّرها ذهنا إنّما هو على التخلية وإلاّ فهي بهذا النظر تكون قسما من الماهيّة فهي لا يمكن أن تكون متعلّق الامر والنهي بل الأفراد غاية الامر ان الافراد هل هي بلوازم وجودها متعلّقة لذلك أو اللوازم خارجة والفرد لا بما هو هو بل هو طبيعة متعلّق لهما فانّه على القول بالتعلّق بالأفراد يسري متعلّق الامر إلى النهي ومتعلّق النهي إلى الأمر ويخرج عن باب التزاحم . الثاني ان المتعدّد ماهيّة متعدّد وجودا .

فعلى هذا فمورد اجتماع الأمر والنهي وإن كان متّحدا وجودا إلاّ انّه اجتمع فيه عنوان متعلّق الأمر والنهي وإن كان بحسب الحس واحدا إلاّ ان عند تحليله بالمنشار العقلاني متعدّد فالتركيب انضمامي ولو كان بالنسبة إلى المعروض وعرضه خلافا للمحقّق الخراساني رحمه الله(1) حيث يدعي ان ذلك سواء بنينا على أصالة الوجود أو الماهيّة لا يختلف فانّ المتّحد وجودا لا يمكن أن يتعدّد ماهيّة

ص: 665


1- . كفاية الأصول 1/250 - 251 .

وسواء قلنا بأن متعلّق الأمر والنهي الطبايع أو الأفراد لا يمكن أن يجتمع الأمر والنهي فان قلنا برجحان جانب النهي فيكون مسئلة الاجتماع من مبادئ مسئلة النهي في العبادات لكنّها من المبادى التصديقيّة حيث لم يبحث عنها في تلك المسئلة بخلاف ما إذا تعدّد المتعدّد ماهيّة وجودا أيضا فانّه حينئذٍ بناء على السراية وعدم توقّف الأمر والنهي على الطبايع بل سرايتها إلى الأفراد يكون من صغريّات باب التعارض بمعناه الأعم الشامل لمثل التعارض بالعموم المطلق .

وفي هذا القسم من التزاحم لا يتطرّق احتمال الترتّب أصلاً وإن ملأت الدنيا ترتبا ( على تعبير سيّدنا الأستاذ قدس سره ولا يتوهّم انّه على هذا لابدّ أن يكون من التعارض حيث ان الأمر والنهي اجتمعا في مورد واحد ووجود واحد وإن كان متعدّدا بالماهيّة فانّه فرق ين هذا المقام وباب التعارض بالعموم من وجه فان في ذلك الباب مورد الأمر والنهي هو العنوان الاشتقاقي من العالم والفاسق بخلاف ما نحن فيه فليس المتعلّق لهما إلاّ المبدأ كالغصب وهو التصرّف في مال الغير والصلاة فعلى هذا يتعارض الدليلان في العالم الفاسق ويتزاحم المقتضيان بخلافه في المبدئين .

ثمّ انّ هذا أيضا بناءً على ما حقّقه قدس سره من الفرق بين المبدء والمشتق بالمشروط بشيء واللا بشرط كالجنس والفصل فانّ الجنس عين الفصل لا كالمادّة اللا بشرط والهيئة فان المادّة يستحيل أن تكون هيئة والهيئة يستحيل أن تصير مادّة فالفرق بين الضرب والضارب ان الأوّل لايمكن أن يحمل بخلاف الثاني فانّه يحمل لما بنى عليه من كون المشتق مركبا من النسبة التي هي معنى حرفي والاسم وكذلك ليس مركبا من اسمين كما تفوّه به بعض من قارب عصرنا

بناء على السراية يكون من باب التعارض

ص: 666

وليس مركبا من الذات والحدث والنسبة إلى الذات .

تذكار: اشترط المحقّق النائيني قدس سره في تحقّق التزاحم في بعض ما ذكر

التعاند الاتفاقي ويشكل بأنّه إمّا أن يلزمه رجوع باب التزاحم إلى باب التعارض حتّى في مورد التعاند الاتّفاقي في مقام الامتثال وعدم الفرق بين العموم والخصوص من وجه تعارضا أو بين الخطابين وامتثالاً ولما كان يغني ما ذكرنا من الجواب من عدم النقض ببيان الضابطين المذكورين وأمّا إن يلزمه عدم القول برجوع التعاند الدائمي إلى باب التعارض لعدم انطباق ضابطه عليه .

والحاصل إن كان مناط التعارض هو التزاحم في مقام الجعل فكما انّه ليس ذلك في التعاند الاتّفاقي كذلك ليس في التعاند الدائمي وإن كان مجرّد المزاحمة في مقام الامتثال ففي كلا المقامين وعلى الأوّل يرجع التعاند الدائمي أيضا إلى التزاحم وعلى الثاني يرجع التزاحم والتعاند الاتفاقي إلى باب التعارض .

وإن اجيب عن اشكال لزوم رجوع التعاند الدائمي إلى التزاحم بفهم العرف التعارض لكونه مفهوما عرفيّا فيفسد حينئذٍ الضابط الدائر مداره المصداقيّة وعدمها .

ثمّ انّك عرفت ان ما يكون التعاند مشروطا فيه بالاتّفاق في رجوعه إلى التزاحم إنّما هو غير باب الاجتماع وفيه عرفت مبنى رجوعه إلى صغرى النهي في العبادة بناء على عدم امكان تعدّد المتّحد وجودا ماهية فحينئذٍ يمتنع تعلّق الأمر والنهي به بل اما أن يرجع إلى باب التعارض أو يكون من صغرى النهي في العبادات ان رجّحنا جانب النهي وإلاّ فلايكون من باب التزاحم المبنى على المقدّمتين السابقتين هذا .

مرجع الأقسام إلى مزاحمة مقام الامتثال

ص: 667

ثمّ انّ الأقسام المذكورة مرجعها إلى المزاحمة في مقام الامتثال واستلزام امتثال أحدهما عصيان الآخر وعدم تمكّنه منه غير السابع كما سبق فلا فائدة في تكثيرها بناء على عدم كفاية ما ذكرنا آنفا وأمّا باقي أقسام التزاحم غير باب الاجتماع الذي ربما استشكل في تعدّد المتعلّق ماهية سيّدنا الاستاذ قدس سره في السجود الذي هو عبارة عن وضع الأعضاء السبعة على ما اعتبر فانّه كيف يمكن انطباق عنوان الغصب والصلاة عليه فان الوضع عين التصرّف فكيف تعدد وقد عرفت الأمثلة من تزاحم باب التلازم ونظيره باب التضاد كخطاب أداء الدين والصلاة وباب التقدّم والتأخّر وباب المقدّمة المحرمة كما إذا توقّف اطفاء الحريق الواجب أو انقاذ الغريق الواجب على التصرّف في مال الغير واتلافه عن أصله أو اخراجه عن ماليّته .

وحاصل الكلام في الجميع قد عرفت كما انّه واضح عدم لغويّة جعل الخطابين في المتعاندين دائما في مقام الامتثال فان للمكلّف اختيار كلّ في وقت دون الآخر فلا يلزم اللغويّة .

ثمّ انّه قد ذكر للترجيح مرجّحات خمسة وليس لها أصل إلاّ واحدة منها وهي الأهميّة . فمن الخمسة الترجيح بالضيق والسعة حيث ان الموسع وإن كان أهمّ من المضيق إلاّ ان المضيق مقدّم في مقام الامتثال وله الترجيح عليه امتثالاً إلاّ

ان فيه عدم تحقّق المزاحمة حينئذٍ خصوصا إذا كان التخيير عقليّا حيث ان الواجب الموسع لم يطلب منه إلاّ صرف الوجود غير المستوعب للوقت فيأتي بالمضيق أوّلاً ثمّ يأتي في غير وقت المضيق بالموسع هذا .

وإن كان لو أتى بالموسع في وقت الضيق كان صحيحا .

ص: 668

( أقول: هذا ما عرضته على سيّدنا الأستاذ قدس سره ولازم ذلك تحقّق التزاحم في وقت الضيق أيضا وأجاب الأستاذ بعدم كون التزاحم مقيّداً فتدبّر ) .

الثاني: الترجيح بالقدرة العقليّة على المقدور الشرعي أي ما أخذت فيه القدرة في لسان الدليل الكاشف عن دخلها في الملاك والخطاب معاً دون الأوّل حيث ان مثل خطابه غير مشروط بالقدرة الشرعيّة بل لان مطالبة العاجز قبيحة لذا عند عدم قدرة المكلّف لا تكليف فالاشتراط من ذلك .

هذا ما ذكروه ومقتضاه حينئذٍ عدم التكليف بالحجّ لو فرض النذر أو واجب آخر غير مشروط بالقدرة الشرعيّة قبل تحقّق الاستطاعة مع ان المقدور بالقدرة الشرعيّة لم يقيّد بعدم كون تكليف آخر هناك الا ان فتوى الأصحاب كذلك ويتّجه عليه الاشكال حتّى في أصل فرضه من باب التزاحم لعدم تحقّق موضوع المقدور الشرعي لعدم حصول شرطه وفي مثال الحجّ كلمات مختلفة لبعضها اعتبار التقدّم والتأخّر وجعل بعض تحقّق الاستطاعة ولو بعد ذلك كاشفا عن عدم صحّة النذر أو التكليف بشيء آخر وهنا تتمّة كلام لمثال المقدّمة المحرّمة حيث انّه يفصل بين ما إذا ارتكب الحرام لاطفاء الحريق أو الواجب الآخر وبين ما إذا لم يفعل لذلك ويتحقّق هناخطاب ترتّبي حيث انّه مكلّف بتكليفين فعليين عرضيين وفي ظرف عدم الاتيان بالأهم يأتي بالمهم ويترك الحرام ( لكن بمقدّمتين مهمّتين في باب الترتّب وإن كان المذكور فيه أزيد لكن العمدة هاتان المشار إليهما .

الثالث: الترجيح بالتقدّم والتأخّر كما في أجزاء الواجب بالنسبة إلى القيام مثلاً في الركعة الأولى والعجز عنه في الثانية وهكذا بالعكس .

الرابع: الترجيح على ما له البدل بما لا بدل له إلاّ انّ هذه الأربعة عرفت

ص: 669

الأوّل وكذا لا أصل للثلاثة الباقية . نعم ما يمكن أن يقال فيه بما قالوا وموجبيّته للرجحان هو الأهميّة فيقدم الأهم على غيره الا ان الكلام في التشخيص .

ويمكن التشخيص في باب الصلاة للخمسة المستثناة بلحاظ ركنيّتها ومنها الوقت حيث انه يوجب التكليف بالصلوات الاضطراريّة وتبدّل الوضوء والغسل بالطهارة الترابيّة عند المزاحمة للوقت ولو لم تكن له أهميّة لما وقع التزاحم بين قيام حال القرائة وما يتّصل بالركوع وكذلك التزاحم بين ترك جزء أو شرط أو وجود مانع وغير ذلك من الفروض فانّه يأتي بذلك بعد التمكّن وإن مضى الوقت فمنشأ التزاحم وموجبه في هذه الموارد إنّما هو أهميّة الوقت فمسئلة ما له البدل وما ليس له البدل في الصلاة يرجع إلى مزاحمة الوقت وكونه أهم موجبا مراعاته حيثما اتّفق بل لو اتّفق المزاحمة له مع الركوع فيسقط الركوع ويأتي بالصلاة بلا ركوع حيث انّ الصلاة(1) لا تترك بحال .

نعم جامع الطهور لا يزاحمه الوقت .

نتيجة البحث: انّ عمدة مرجّحات باب التزاحم والمعتبر منها هو الأهميّة التي عرفت ان معرفة صغريها تتوقّف على الاستفادة من الشرع حيث ان الملاكات غير مكشوفة عندنا كما تبيّن الاشكال في ما له البدل وليس له البدل وانّه لا تعيّن في تقدّم الثاني على الأوّل لاستوائهما في احتمال الأهميّة .

نعم لو اختصّ أحدهما بذلك كان الترجيح له من باب الدوران بين التخيير والتعيين وقد تبيّن في محلّه ان المتعيّن حينئذٍ الأخذ بما يعلم الامتثال معه على كلّ

تقدير .

ص: 670


1- . وسائل الشيعة 2 الباب 1/5 من أبواب الاستحاضة .

ففي باب الصلاة الوقت أهم فلذلك يقع التزاحم في بعض الأجزاء بالنسبة إلى بعض وبينهاوبين الموانع أو الشرايط وبينها هي وقد قيل في ما إذا لم يكن عنده الطهور بقسميه يصلّي بلا طهارة وقبل لا أداء عليه ولا قضاء إلاّ انّ الاجماع كأنّه قائم على عدم أهميّة الوقت على جامعه فلذا لا يصلّي وإلاّ فمقتضى قاعدة الميسور الجارية لو لا الاجماع الاتيان بالصلاة بلا طهور لكنّه ربما يستفاد مضافا إلى ما ذكرنا التهديد الوارد في(1) من صلّى بلا طهور مع العامّة وإن كان لا يخلو من اشكال(2) ثمّ إن ما ذكرنا من التزاحم والمرجّحات ليس منحصرا في الفقه بل التزاحم والتعارض مطلقا له أبواب كثيرة كباب البيّنات واليد ولكلّ مرجّح وكلّه خارج عن موضوع بحث تعارض الخبرين .

فالأولى عطف عنان الكلام بما يهمّنا من أبحاث تعارض الخبرين .

فنقول قد أشرنا سابقا إلى وجه خروج باب الحاكم والمحكوم من باب

التعارض ولا بأس بتوضيح ذلك وزبدة المقال انّا قد ذكرنا في ضابط التعارض علاوة على تنافي المدلولين عدم امكان الجمع بينهما بنحو من أنحائه التي يساعد عليه العرف وقلنا انّ ذلك أيضا مراد المحقّق النائيني وإن(3) أدخل باب تنافي الاطلاق والتقييد والعام والخاص في التعارض إلاّ انّه بلحاظ التنافي المدلولي لا انّه حقيقة من باب التعارض ووجهه ان في صورة تحقّق الجمع العرفي بين

تفسير الحكومة

ص: 671


1- . وسائل الشيعة 1 الباب 2/1 من أبواب الوضوء .
2- . واعلم انّ التزاحم بين جزء وجزء أو شرط وجزء وأمثال ذلك في المركبات كالصلاة لا يراه السيّد الخوئي باب التزاحم بل من باب التعارض على تفصيل في العلاج ولعلّه خلاف المشهور بل التسلم . مصباح الأصول 48/437 وما بعده .
3- . فوائد الأصول 4/700 - 701 .

المتنافيين لا يكون تعارض في البين كما يتّضح وجهه قريبا . فعلى هذا لا تعارض بين الحاكم والمحكوم حيث ان الحاكم يتعرّض لما لا يتكفّله المحكوم ولذا لا تنافي حقيقة ولا يخفى ان ضابط الحكومة ليس على ما يظهر من عبارة الشيخ رحمه الله

في تفسيرها(1) أن يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي متعرّضاً لحال الدليل الآخر ورافعاً للحكم الثابت بالدليل الآخر عن بعض أفراد موضوعه الخ لخروج أكثر موارد الحكومات من ذلك وأهمّها باب حكومة الامارات على الأصول لوضوح عدم كون لفظ الحكومة موضوع حكم في آية ولا رواية فحينئذٍ .

فالاولى جعل الضابط على ما يظهر من موارد تسلّمها أن يكون دليل الحاكم متعرّضا بمدلوله اللفظي لحال الدليل المحكوم مطلقا بلا اشتراط تقدّم المحكوم على الحاكم ولا كونه متفرّعا عليه حيث ان باب الامارات وحكومتها على الأصول ليس متفرّعا على الأصول بحيث لو لم تكن الاصول لا يلغو التعبّد بالامارة فعلى هذا لا تنحصر بموارد التفسير من الحاكم للمحكوم وإن كان ظاهر العبارة المذكورة ذلك إلاّ انّه غير مراد لعدم وجود مورد في الادلّة لمثل هذا الحاكم

الذي يشرح المحكوم مصدرا بأداة التفسير كاى وأعني أو بمثل مرادي بما ذكرت .

هذه فانّه خارج عن التفسير فاذن ليس الحاكم إلاّ ما يبيّن حال المحكوم ويتكفّل لاثبات شيء متعلّق به أو ينفي كاخراج فرد أو ادخاله في موضوعه وليس للمحكوم منع الحاكم عن ذلك ولا معارضته لعدم امكان حفظ موضوعه من قِبل نفسه والفرق بين باب الحكومة والتخصيص بعد أن كانا مشتركين في عدم وجود الحكم إلاّ على خصوص الباقي بعد التخصيص والاخراج في الحكومة

ص: 672


1- . فرائد الأصول 2/750 - 751 .

الاخراجيّة ان باب التخصيص لا تعرض لفظي لمدلول المخصّص والعام بل من جهة أقوائيّة ظهور الخاصّ يقدم على العام وبه يكشف عن ان العام لم يكن مرادا على عمومه وإنّما ذلك مزعوم بل المراد الواقعي هو ثبوت الحكم في خصوص غير المخصّص وهذا بخلاف باب الحكومة فانّ الحاكم بمدلوله اللفظي ينتج نتيجة باب التخصيص بعد تقدّم المخصّص على المخصّص واختصاص الحكم بغير المخصّص فانّه في باب التخصيص عقلي وفي باب الحكومة لفظي وإن كان الفرق بينهما أيضا من جهات اخرى منها تصوّر الحكومة في ادخال الفرد بخلاف التخصيص .

فتحصّل ان الحكومة لها عرض عريض يشمل موارد التفسير اللفظي وموارد القرينة وذي القرينة وغير هذه الموارد من الموضوعات والأحكام كأدلّة نفي الضرر والعسر والحرج بالنسبة إلى أدلّة التكاليف الأوّليّة فهذا كلّه خارج عن موضوع التعارض والتساقط والتخيير كما يأتي في محلّه .

ثمّ انّه لا اشكال في خروج باب الخاص والعام من التعارض إلاّ انّ التخصيص لا مورد له في الفقه إلاّ بالنسبة إلى مختصّات النبي صلی الله علیه و آله وقد وجد له مورد واحد في باب المحرّمات(1) وإلاّ فكلّ ما يذكر مثالاً للتخصيص غالبه من باب التقييد الأحوالي(2) .

الحاكم يتعرّض لما لا يتعرّض له المحكوم

ص: 673


1- . هو أيضاً من التقييد .
2- . أقول من التخصيص ما ورد بحار الأنوار 39 - 20 - 21 - 22 - 23 الباب 72 من جواز مكث الرسول وأهل البيت علیهم السلام في مسجد النبي صلی الله علیه و آله في حال الجنابة وما ورد ( الوسائل 4 الباب 12/4 من أبواب لباس المصلّي ) في ترخيص النبي صلی الله علیه و آله لعبدالرحمن بن عوف لبس الحرير لأنّه كان رجلاً قملاً .

نعم لو فرض اخراج زيد مثلاً لخصوصيّة فيه يكون منه وأنّى لنا في الفقه بذلك .

ثمّ انّ مرجع التخصيص والحكومة في الحقيقة إلى التخصّص وإن موضوع الحكم غير الخارج لكنّه قبل بيان الحاكم والمخصّص لم يبيّن الموضوع بتمامه فخيّل ان المذكور تمامه لكشف ورود الحاكم والمخصّص عن خلافه ولا مجازيّة في البين ويكون المخصّص قرينة على استعمال العام مثل أكرم العلماء في غير النحويين فانّه خلاف التحقيق إلاّ انّ الكلام يقع في باب الاطلاق والتقييد وإن تقدّم المقيّد على المطلق هل هو من باب التخصيص أو الحكومة أو الورود فلا يبقى موضوع للمورود بعد ورود الوارد لذهاب(1) الاطلاق بورود المقيّد وإن تخيّله

باطل وإن كان يناسب لكلّ هذه الثلاثة .

توضيح وتكميل: قد تبيّن ممّا ذكرنا انّ الحاكم يتعرّض لما لا يتعرّض له المحكوم لأن دليل المحكوم ككلّ دليل لا يمكن أن يتكفّل حال نفسه وحفظ موضوعه بل الحكم دائما مشروط بوجود الموضوع وهذه الشرطيّة ثابتة في جميع القضايا حتّى الحمليّة منها فانّه بعد تحقّق الموضوع يترتّب عليه الحكم بحيث لا يمكن الانفكاك وإلاّ لزم الخلف والمناقضة لأن نسبة الحكم إلى موضوعه نسبة المعلول إلى علّته لا يتقدّم عليها كما لا يمكن بل يستحيل تأخّره عنها زمانا نعم لابدّ من ذلك رتبة ويشبه أن تكون نسبتهما نسبة التضايف حيث انّه ما لم يكن حكم فلا موضوع فانتزاع الموضوعيّة والمحموليّة إنّما هو بعد ذلك ولا يخفى ان ذكر الحكومة في باب التعارض إنّما هو لتحرّي موضوع التعارض وإن مورد الأحكام الثابتة لذلك اين يكون .

ص: 674


1- . هذا وكذا ورود المخصّص المنفصل خلاف التحقيق بل من باب أظهريّة المقيّد والمخصّص .

إذا عرفت هذا فينبغي أن تعرف ان عدم شمول دليل حكم لموضوع إمّا أن يكون لخروجه عن موضوع هذا الدليل والحكم تكوينا أو لا وعلى الثاني فالخروج إمّا أن يكون من جهة لسان المعارضة أو لا وعلى الثاني فإمّا أن يكون بنفس التعبّد بالدليل أو باثباته للمؤدّى وبعبارة اخرى لهذه الجملة انّه لو لا التعبّد

كان ذلك الدليل يشمل هذا الموضوع إلاّ ان التعبّد به أخرجه عن موضوع الدليل الآخر أو حكمه حقيقة أو لا بمجرّد ذلك بل أثبت ذلك الدليل المؤدّى وباثباته للمؤدّى وجب تقدّمه عليه لكن لا حقيقة بل حكما فالأنسب في تسمية الأوّل التخصّص والثاني التخصيص والثالث الورود والرابع الحكومة ولا يخفى ان الفرق بين الحكومة والورود ما ذكرنا فانّ التعبّد بالاحتياط في مورد البرائة بناءً على تحكيم أدلّته وتقديمها على أدلّة البرائة يوجب زوال موضوع قبح العقاب بلا بيان وباقي أدلّة البرائة حقيقة بخلاف التعبّد بالامارة فانّه لا يوجب زوال موضوع دليل الأصول حقيقة بل حكما ولذا سمّيت بالحكومة وهذا بناء على مبنى التعبّد فيها وأمّا بناءً على مبنى الاطمئنان وانّها علوم عادية اطمئنانيّة وثوقيّة فحالها حال العلم من كون ذلك تخصّصا لا ورودا ولا حكومة . فاذا لم يكن بين الدليلين أحد هذه المذكورات فهناك موضوع باب التعارض ومورد اخباره وأدلّة أحكامه .

ثمّ لا يخفى ان الحكومة كما سبق لا تنحصر بنحو الشرح والتفسير بل لها انحاء كما انها لا يلزمها التفرّع على وجود المحكوم والتعبّد به الا ان يلزم اللغو كما في كثير من الموارد والا فكثيرا ما تتحقّق الحكومة في موارد لا يكون هناك تفرّع من ذلك باب حكومة الامارات على الأصول بناءً على غير مبني الاطمئنان فانّ التقدّم لها لذلك مع انه لا تفرع لها عليها بل لو لم تجعل الأصول كان مقتضاها ثابتا أيضا ( في مثل النحو ليس بعلم أو النحوي ليس بعالم أو الطب علم والعلم علمان

ص: 675

علم الأبدان وعلم الأديان ) نعم في مثل لا شك(1) لكثير الشكّ يلزم التفرّع إذ لو حمل على الاخبار يلزم الكذب فلا محيص عن تقدّم جعل لمثل ( إذا شككت(2) فابن على الأكثر ) أو جعل ابطال الصلاة بحدوث الشكّ لا لذلك بل حيث ان المضي على الشكّ منهي عنه فلذا لا يمكنه الاتيان ولذا لو أتى ثمّ زال شكّه قبل الباقي يكون حكمه حكم الزيادة العمديّة بل قيل حتّى في مثل ما إذا يكون حكم الشكّ البناء على الأكثر كالشكّ بين الثلاث والأربع ولو كان في الركوع ليس له أن يرفع الرأس ما لم يبن على أحدهما .

والحاصل ان الواجب في ذلك المضي على اليقين بل عن السيّد صاحب العروة رحمه الله في رسالته في صلاة الاحتياط عدم الاكتفاء بالمظنّة في ذلك ثمّ ان الواجب لكثير الشكّ العمل على الصرفة فربما تتحقّق في الحكم والبناء على اتيان المشكوك وربما بالبناء على عدم الاتيان كالشكوك المتعلّقة بالزيادة عن الموظف كالأربع والخمس وربما يوجب ذلك البناء على الأكثر كالشكّ بين الثلاث والأربع فما عن ظاهر كلام الشيخ قدس سره من اعتباره التفرّع في الحكومة ليس بتام كما سبق إليه الاشارة .

ثمّ انه لا يخفى ان باب حكومة العام والخاص ليس من باب المجاز في الكلمة أو الاسناد وأن يكون الخاص كقرينة المجاز على استعمال العام في الخاص كرأيت أسدا يرمي حيث ان يرمي قرينة على كون المراد بالأسد هو الشجاع دون العكس بضابطة لعلّها يأتي بيانها بل حاله مع العام حال الوصف في

حكومة الخاص على العام ليس مجازاً

ص: 676


1- . وسائل الشيعة 8 الباب 16/1 الى 6 من أبواب الخلل في الصلاة .
2- . وسائل الشيعة 8 الباب 8/1 - 3 .

ذلك فلا فرق بين أن يقول أكرم العلماء إلاّ النحويين أو يبيّن ذلك بدليلين ففي أحدهما يقول أكرم العلماء وفي آخر لا تكرم النحويين فكما ان الأوّل يكون من باب تعدّد الدال وتعدّد المدلول كذلك الثاني .

غاية الأمر لم يبيّن تمام الموضوع في الدليل الأوّل بل جزء وبين جزئه الاخر في دليل آخر بل ربما يمكن بيانه بأزيد من ذلك كما لا يخفى وجوده في الشرع كثيرا على من راجع الفقه ( أو الغرض من ذلك يمكن أن يكون الاختبار والامتحان أو غيره وللّه أعلم ) ولعلّنا نشير في ما يأتي إلى وجه اشكال وجوابه في ورود العمومات الكثيرة في النبويّات وغيرها مع انّه لم يبيّن مخصّصاتها إلاّ بعد موت الصادرة إيّامهم بلسان الأئمّة المتأخّرين علیهم السلام بناء على عدم جواز التأخير عن وقت الحاجة ومرجع جميع هذه الوجوه إلى بيان المراد وتحديده سواء في ذلك الحكومة والتخصيص والورود فمرجعها كلّها إلى التخصّص .

ثمّ ان ما ذكره المحقّق النائيني(1) من ان باب التخصيص ليس من قرائن المجاز مسلّم الاّ انّنا ننكر استعمال اللفظ في غير معناه الحقيقي رأسا فانّ الأسد عند العالم بالوضع لا يدلّ إلاّ على الحيوان المفترس غاية الأمر يرمي يوجب صرف الذهن عن ارادته وان المراد هو الشجاع فالقرينة لا تكون إلاّ قرينة الارادة دون الاستعمال وإلاّ فيمتنع أن يكون اللفظ قالبا لغير معناه الموضوع له ( أقول ذاكرت سيّدنا الأستاذ قدس سره في عدم وجود مصداق للتخصيص أصلاً بناءً على مبناكم

ومبنى المحقّق النائيني رحمه الله وكذا موافقيهم في عدم الفرق بين المخصّص المتّصل والمنفصل واجمال سرايته إلى العام حتّى في المنفصل حيث انّه لا فرق بين قوله

ص: 677


1- . فوائد الأصول 4/711 .

أكرم العلماء إلاّ النحويين وبين قوله أكرم العلماء وفي دليل آخر لا تكرم النحويين فانه بمنزلة أن يقول أكرم العلماء إلاّ النحويين فكما ان خروج النحويين عن قوله أكرم العلماء إلاّ النحويين من باب التخصّص تكوينا كذلك ما سمّيتموه تخصيصا فنهاني قدس سره عن الاظهار خوف الاشتهار وأمر بحفظ الاصطلاح وأخذ المعنى وقال كأنّهم إذا وصلوا إلى باب التعارض نسوا ما ذكروه في باب التخصيص .

تنبيه: ثمّ ان الحكومة بأنحائها والسنتها تكون على قسمين فانه تارة تكون ناظرة إلى عقد الوضع واخرى إلى عقد الحمل وإن كان الأوّل أيضا يرجع إلى الثاني فانه ما لم يرجع يكون لغوا حيث انّه ليس للشارع بما هو شارع التصرّف التكويني فالحكومة الكائنة في عقد الوضع في الحقيقة حكومة حمليّة ومثال الأوّل النحوي ليس بعالم أو المنجّم عالم فتارة بالاخراج واخرى بالادخال ومثال ما إذا كانت في عقد الحمل كدليل الحرج والعسر والضرر على ما قيل فان قوله تعالى: « وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ »(1) وقوله تعالى: « يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ »(2) ناظر إلى الأحكام الثابتة المجعولة في الشريعة وانّه لا جعل لما يقتضي الحرج والعسر وكذلك دليل لا ضرر بناءً على كونه نافيا للحكم الضرري أي ما يوجب الضرر في مقام الامتثال وتشريعه يكون كذلك على ما حقّقه المحقّق النائيني في بحث لا ضرر وجعل احتمالاته أربعة أحدها ذلك على نحو تعلّق النفي بالضرر أو المضر أو الحكم الضرري بسيطا أو مركّبا كنحو لاشكّ لكثير الشكّ . ثمّ ان لم يمكن ذلك فنفي الحكم بلسان نفي الموضوع ثمّ النهي

جريان الورود والحكومة في الأصول العقلائيّة

ص: 678


1- . سورة الحج: 79 .
2- . سورة البقرة: 186 .

والرابع نفي الضرر غير المتدارك على ما حقّق في موضعه وذكرنا ان الأقرب هو الثاني وهو نفي الحكم بلسان نفي الموضوع الذي اختاره المحقّق الخراساني رحمه الله(1) وعلى ما ذكرنا من رجوعه إلى نفي الحكم فالمعنى ان الحكم المجعول الأولى الذي لم يكن موضوعه ومتعلّقه ضرريّا إذا كان ضرريّا منفي لا ان حرمة شرب الخمر التي تكون ضرريّا منفية .

ثمّ انّه قد ذكر الشيخ رحمه الله ان الحكومة والورود يجريان في الاُصول العقلائيّة الخ وتصدّى المحقّق النائيني(2) لشرح كلامه ومرامه ونوع العام والخاص

المتخالفين في السلب والايجاب إلى قطعيّي السند والدلالة معا وإلى ظنيّهما أو مختلفين وإن كان بعض صوره لم يذكر في كلامه ويمتنع تحقّقه ومهّد لذلك مقدّمة وذكر كلاما مذكورا في بحث حجّيّة الخبر وهو إن للكلام بحسب ظهوراته مقامات ثلاث الأولى ظهور معانيه الافراديّة أي كلّ كلمة في معناها عند العالم بالوضع الذي يوجّه إليه الخطاب فان هذه أوّل مرتبة ظهور الكلام وليس لأحد أن ينسب إلى المتكلّم شيئاً في هذه الرتبة بالقول أو الارادة . والثانية الظهور التصديقي الحاصل من ضمّ أطراف كلامه وملاحظة القرائن الموجودة وغيرها .

وهذا لا يتحقّق إلاّ بعد فراغه وإلاّ فقبل الفراغ له أن يلحق بكلامه ما شاء وان يأتي بقرينة توجب هدم الظهور الافرادي إلى أن يتحصّل من المجموع ظهور تصديقي .

الثالثة الظهور المرادي وانّه أراد هذا أو لم يرد وهذه المرتبة بعد المرتبة

ص: 679


1- . كفاية الأصول 2/268 .
2- . فوائد الأصول 4/715 وما بعده .

الثانية وهي تقال في جواب السؤال عن قول المتكلّم وهذه أي الثالثة في جواب السؤال عن مراده وهذه هي المرتبة التي تكون موضوعا للأصل العقلائي وهو حجّيّة الظهور وهل هو أمر عدمي وهو اصالة عدم القرينة أو وجودي .

ثمّ انّ المحقّق النائيني رحمه الله(1) فصّل في حجّيّة اصالة الظهور بين ما يكون مقام الاعتذار والاحتجاج من المولى على العبد أو منه على المولى فانّه ليس المناط في حجّيّته إلاّ ما هو ظاهر كلامه ولو مع الظنّ بالخلاف ووجود قرينة عليه وليس للعبد المخالفة لظاهر كلام المولى معتذرا بوجود القرينة على عدم ارادته ظاهر كلامه كما انه ليس للمولى توبيخ العبد بمخالفة مراده إذا كان خلاف ما ألقاه من الكلام إليه وبين ما لم يكن كذلك بل كان مقام كشف المراد الواقعي فحينئذٍ لا يكتفي بظاهر الكلام بل لابدّ من احراز عدم القرينة ولو منفصلة هذا . إلاّ انّ سيّدنا الأستاذ قدس سره لعلّه غير موافق لما أفاده المحقّق النائيني .

تنبيه وتكميل: لا يخفى إن ما نقلنا عن المحقّق النائيني رحمه الله في تحقيق الاتّكاء على الظهور أو على اصالة عدم القرينة في بيان المراد إنّما هو إذا لم يعلم

بالعادة أو غيرها اعتماد المتكلّم الملتفت على القرائن المنفصلة في بيان مراده كما هو كذلك بالنسبة إلى الأئمّة علیهم السلام وإلاّ فلا يحكم على ظاهره انه هو المراد نعم إذا وصل وقت الحاجة إلى البيان ولم يصل القرينة فهناك يحكم بكون الظاهر هو المراد لعدم جواز تأخير البيان من وقت الحاجة فلو كان هناك بيان أو قرينة على الخلاف لبان وحيث ما بان فلا يكون وكذلك الأمر في كلّ ما يرد عليك من نحو الأوراق والسجلاّت فيحكم بارادة الظاهر منها وسنشير إلى وجه الجواب عن بيان

أقسام الخاص سنداً ودلالة

ص: 680


1- . فوائد الأصول 4/718 - 719 .

المخصّصات للعمومات الصادرة من النبي أو الأئمّة علیهم السلام المتأخّرة عن زمان العمل بها مع فوت العاملين ويظهر لك عدم صحّة الجواب بكونهم مكلّفين بها واليوم نحن مكلّفون بخلافه .

ثمّ لا يخفى كما أشرنا ان الخاص تارة يكون قطعي السند والدلالة واخرى ظنّيه وقطعيّها فان كان الأوّل فلا اشكال في تقدّمة على العام وإن كان قطعي السند حيث ان العلم بكون الحكم كذلك لا توقّف في تقدّمه على الظنّي الذي هو شأن مدلول العام ولاينبغي حينئذٍ عدّ ذلك من الورود أو الحكومة بل يكون من التخصص وليس من التخصيص أصلاً وإن كانوا يعدّونه كذلك لأنّ الضابط الذي ذكرنا لا يشمله حيث انّه إمّا أن يكون تكوينا أو بلحاظ التعبّد وفي الثاني إمّا أن يكون بلسان المعارضة أو لا فاما أن يكون بنفس التعبّد أو باثباته للمؤدّى فالمقسم للأقسام الثلاثة الأخيرة أي غير التخصّص هو التعبّد وفي فرض الكلام لا تعبدّ بالخاص حيث انّه لا معنى لورود التعبّد بما هو حاصل بالوجدان لاستحالته بل هو من أردء أنحائه حيث انه تحصيل الحاصل بالوجدان بالتعبّد ويكون من قبيل التعبّد بأنّ الجاهل ليس بعالم في دليل أكرم العلماء وكذلك الكلام في ما كان الخاص ظنّي السند فانّه بعد شمول دليل التعبّد لحجيّة الخبر له لا يبقى مجال لما ربما يقال بعدم تقدّمه على العام القطعي السند فانّه لذلك مجال قبل التعبّد فحينئذٍ لا مانع بعد ورود التعبّد بحجّيّته من تقدّمه على العام بلا كلام كما في تخصيص الخبر الواحد لعام الكتاب بلا مجال تأمّل سواء كان ذلك من باب الورود أو الحكومة ( لا يخفى ان الموجود في التقريرات(1) هنا الذي لم يتعرّض له سيّدنا الأستاذ قدس سره ما إذا

ص: 681


1- . فوائد الأصول 4/720 .

كان الخاص ظنّي الدلالة سواء كان ظنّي السند أو قطعيّه والمنسوب إلى الشيخ انّه يقدم أقوى الظهورين واستشكل عليه المحقّق النائيني رحمه اللهبكون اصالة الظهور في الخاص حاكمة عليها في ناحية العام وانّه لم يعمل بذلك في موضع من فقهه أصلاً الا ان ما قرّره سيّدنا الأستاذ ذلك أي في فرض ظنيّة السند ) .

والحاصل: إذا كان الخاص ظنّي السند وقطعيّ الدلالة فاختار الشيخ رحمه الله(1) أيضا هنا الحكومة ثمّ احتمل الورود والمقدّمة التي قدمناها إنّما كانت لأجل هذا الغرض ثمّ أمر الشيخ بالتأمّل وكان الترديد بين أن يكون حكومة أو ورودا إنّما هو مبني على ان الظهور من باب الكاشفيّة عن المراد فيكون من الورود أو من باب أصل عدم القرينة فيكون من باب الحكومة وحيث ان المقام مقام الشرح لاساس المبنى كان ينبغي للشيخ رحمه الله أن لا يجوزه بمجرّد التأمّل فقط .

فقال رحمه الله إن ما ذكرنا من الورود والحكومة يجري في الأصول اللفظيّة الخ وكلامه قدس سره وإن كان مطلقا بالنسبة إلى حكم العام والخاص الاّ ان مراده معلوم بالقرائن وان محلّ الكلام في ما يذكره هو صورة تخالفهما ايجابا وسلبا فاما أن يكون الخاص قطعي السند والدلالة وباقي الجهات مثل كون الجواب واردا على السؤال المذكور في الرواية فحينئذٍ جزم بالورود وان الخاص حينئذٍ وارد على العام ولا معنى لتعارض العام له ومعلوم ان هذا لا يكون إلاّ في صورة كون العام قطعي الدلالة كما هو الشأن في جميع العمومات حيث انّها لا تزيد على الظهور ولو احواليّا وإمّا أن يكون الخاص ظنّي الدلالة سواء كان ظنّي السند أو قطعيّه فحينئذٍذهب الشيخ إلى انّه يعمل بأقوى الظهورين ظهور العام في العموم أو الخاص في

ص: 682


1- . فرائد الأصول 2/751 - 752 .

الخصوص والا فان تساويا فلابدّ من التوقّف وحينئذٍ فتارةً يكون العام أقوى وأظهر دلالة من الخاص وتارة يكون الخاص كذلك الا ان الظاهر عدم العمل بذلك من أحد من الفقهاء فانّه لم يعهد تقديمهم العام في مورد على الخاص المخالف له في الحكم من جهة قوّة الدلالة بالنسبة إلى الخاص وهذا إنّما ذكره الشيخ رحمه الله بعد جزمه بالعمل بالأقوى ظهورا وبالتوقّف في صورة التساوي ولم يبيّن وجه عدم عمل الأصحاب عمل التعارض بين العام والخاص المتخالفين في مثل الفرض بل مطلقا الا ان المحقّق النائيني(1) بيّنه في شرح مرام الشيخ رحمه الله وان منشأ ذلك هو الحكومة وكون الخاص قرينة على العام كما ان القرينة تكون كذلك بالنسبة إلى ذي القرينة وليس لأحد التوقّف في تقدّمها على ذيها وحكم الخاص بالنسبة إلى العامّ حكم القرينة بالنسبة إلى ذي القرينة فكما ان العبرة بنفس قرينيّة

القرينة بلا نظر إلى كونهاه أقوى ظهورا من ذي القرينة بل تقدّم على ذيها وإن كانت أضعف دلالة ولا مجال للتأمّل في ذلك كذلك في الخاص بالنظر إلى العام وضابط القرينة وذي القرينة ان ما يفيد مفاد العرض بالنسبة إلى محلّه .

والمبتدء بالنسبة إلى خبره يكون ذا القرينة وما يبيّن ملابساته ويشرح طواريه يكون هو القرينة وبعبارة اخرى الكلام الذي يكون مؤدّاه ثبوت النسبة أو سلبها محضا يكون بالنسبة إلى ما يبيّن الحالات والكيفيّات والأحوال له ذا القرينةكما في قولك جاء زيد راكبا فراكبا حيث انه يبيّن كيفيّة النسبة يكون قرينة على جاء زيد الذي لا يثبت أزيد من النسبة وكما في مثل رأيت أسدا يرمي فان يرمىحيث انه قرينة حاكم على قوله أسدا مع ان ظهور الأسد في الحيوان المفترس

هل يقدم أقوى الظهورين من العام والخاص

ص: 683


1- . فوائد الأصول 4/721 .

وضعي بخلاف يرمي فان ظهوره في الرمي بالنبل اطلاقي ومع ذلك يقدم هذا الظهور على الوضعي مع كونه أضعف من الأوّل لمكان قرينيّة الرمي على الأسد .

بيان المشابهة إنّه كما كان قولك جاء زيد ليس بصدد اثبات كيفيّة ثبوتها وإنّما يثبت أصل النسبة ولا صلاحيّة له لأن يعارض راكبا الذي هو شارح الكيفيّة لكونه مثبتا لشيء ليس له أن ينفيه كذلك العدول(1) الذي هو مفاد لا تكرم الفسّاق من

العلماء بالنسبة إلى أكرم العلماء فهو يشرح ويبيّن المراد من العام فلذلك يكون حاكما عليه بلا كلام .

إن قلت: انّ هذا يوجب عدم بقاء موضوع للتخصيص حيث انّه إمّا أن يرجع إلى الحكومة كما في الفرض وإمّا الى الورود كما في الفرض السابق واحتمالاً الفرض الآتي دائر مدارهما ولا احتمال للتخصيص فيه .

قلت: ان ذلك مجرّد اصطلاح وإلاّ فالتخصيص لا أصل له وكلّه راجع إلى التقييد الأحوالي .

وإن كان الخاصّ قطعي الدلالة وظنّي السند فاختار الشيخ رحمه الله(2) فيه بناء على

كون اصالة الظهور من باب عدم القرينة الحكومة واحتمل فيه الورود وعقب ذلك بقوله فتأمّل وأمّا إن كان البناء في اصالة الظهور الكشف النوعي فالورود لا غير مطلقا بلا اختصاص له بصورة كون الخاص قطعي السند والدلالة وسيتّضح المرادبذلك وبيان بناء الحكومة على الأوّل واحتمال الورود فيه والورود على الثانيعند الشيخ وكان منشأه تعليقيّة اصالة الظهور بعدم القرينة على الخلاف

ص: 684


1- . هذا لو عنونا العام بضد الخاص والاّ فعلى التحقيق انه لا يعنون به .
2- . فرائد الأصول 2/752 .

فحينئذٍ إذاوجدت القرينة على ذلك وهو بالتعبّد بسند الخاص واثباته لمؤدّاه لا ينعقد ظهور العام في العموم والسرّ في اختيار الورود على الكاشفيّة والظنّ النوعي انّه إذا وجد

ما هو قطعي الدلالة وإن كان ظنّي السند فلا يتحقّق هناك الظن ولو نوعيّا لاستحالة تحقّق ظنّين فعليّين في المتخالفين ولو في الجملة فحينئذٍ يكون الخاص واردا على العام وفي هذه الصور لا فرق في العام بين كونه ظنّي السند أو قطعيّه لعدم كونه قطعي الدلالة على كلّ تقدير .

تذكرة: ينبغي نقل كلام الشيخ رحمه الله بمضمونه ثمّ ما استشكل عليه المحقّق

النائيني ليتّضح الحال فنقول ان الشيخ رحمه الله بعد ما اختار في(1) ما إذا كان الخاص قطعي السند والدلالة ومن ساير الجهات كونه واردا على العام كما ذكرنا سابقا ذكر صورة كون الخاص ظنّي السند وقطعي الدلالة واختار أوّلاً فيه الحكومة واحتمل الورود في هذا الفرض بناء على كون العمل بالظاهر معلّقا على عدم ورود التعبّد بالخاص القطعي الدلالة فانّه حينئذٍ لا اشكال في كون الخاص واردا على العام ثمّ جعل الاحتمالين في هذا الفرض مبنيّا على كون اصالة الظهور من حيث أصل عدم القرينة .

أمّا بناء على الكاشفيّة فالخاص وارد مطلقا حتّى في هذا الفرض فضلاً ممّا إذا كان سنده قطعيّا أيضا وهذا بخلاف صورة كون الخاص ظنّي الدلالة فحينئذٍ لابدّ من العمل بأقوى الظهورين لو كان وإلاّ فيدخل في صورة التساوي في بابالتعارض وقال رحمه الله وهذا نظير ظنّ الاستصحاب على القول به أي كونه حجّة منباب افادته الظنّ النوعي فانّه مع كونه أخصّ من العام وهو خبر العادل حيث ان

بيان كلام الشيخ في العام والخاص المتخالفين

ص: 685


1- . فرائد الأصول 2/752 .

في اعتباره لم يلاحظ الحالة السابقة بخلاف الاستصحاب فان مجراه ما إذا كان هناك حالة سابقة فحينئذٍ يكون الاستصحاب بالنسبة إلى الامارة الاخرى كخبر الواحد خاصّا ولا يقدم عليه مع ان الظنّ الاستصحابي أضعف من ظنّ الخبر الواحد هذا ملخّص ما أفاده الشيخ ببعض كلماته في هذا المقام على وضوحه فلا وجه للاشتباه على الطلبة أو بعض الأعلام لوضوح مراده قدس سره في المقام .

ثمّ انّ للمحقّق النائيني(1) اشكالين على كلام الشيخ

أحدهما في ما ذهب إليه الشيخ في صورة كون الخاص قطعي الدلالة وظنّي السند من احتمال كونه واردا على العام بناء على كون العمل بالظاهر معلّقا على عدم التعبّد بالخاص على مبنى كون اصالة الظهور من باب أصل عدم القرينة والجزم بالورود بناء على كون اصالة الظهور من باب الكاشفيّة حيث ان ما ذكرنا في معنى الورود وضابطه لا ينطبق على كلّ واحد من الموردين لاستلزامه خروج أحد الحكمين وموضوعه عن تحت دليل الآخر بنفس التعبّد بالآخر بمعنى انه إذا فرض التعبّد بالخاص في ما نحن فيه يلزم عدم بقاء موضوع الدليل العام وليس كذلك .

فانّه وإن كان المورد ما هو قطعي الدلالة إلاّ انّا لو فرضنا انه صار مجملاً وكان قطعي السند فلا محالة لا يوجب وروده على العام وعدم بقاء موضوع له فان بمجرّد التعبّد بالسند للخاصّ لا يمكن كونه واردا على العام لما ذكرنا من فرض اجمال المخصّص . فلا اشكال في عدم تحقّق الورود فذلك شاهد لما ذكرنا منعدم انطباق ضابط الورود الذي يعتبر فيه خروج الموضوع من تحت دليلالمورود بنفس التعبّد بدليل الوارد بل ما لم يكن دلالته وإن فرض في ما نحن فيه

اشكال المحقّق النائيني على الشيخ

ص: 686


1- . فوائد الأصول 4/723 وما بعده .

عدم الاحتياج إلى التعبّد بالدلالة الا انه بما ذكرنا علم ان تقدّمه ليس لخصوص التعبّد بالسند بل لاثبات المؤدّى فعلى كلّ من المبنيين الذي بنى الشيخ رحمه الله الورود عليهما لا يتم مرامه قدس سره بل كلّها يكون من باب الحكومة التي بمعونة اثبات دليل الخاص للمؤدّى يكون هو أظهر من العام يقدم على العام ( بل وكذلك باب الاطلاق والتقييد فانّه إذا قال اعتق رقبة ثمّ بدليل آخر ظنّي قال لا تعتق الكافرة لا

يكون الثاني واردا على الأوّل بمجرّد احتياجه إلى كونه لمجرّد التعبّد بدليل الخاص وليس كذلك بل باثباته للمؤدّى يقدم على اطلاق قوله رقبة ويكون المراد الرقبة غير الكافرة ) وهذا منه قدس سره يرجع إلى النزاع في الاصطلاح فتأمّل .

والثاني على قوله في فرض تقدّم الخاص لو كان ظاهرا كالعامّ وأظهر بالنسبة إليه والعكس أي تقدّم العامّ عليه لو كان العامّ أظهر والرجوع إلى باب التعارض أو التوقّف لو كان بينهما تساوي في الظهور . وملخص ما استشكله قدس سره انه لا مجال لما ذكره الشيخ في هذا المقام حيث ان الخاص وان منفصلاً يكون حاكما على العام ومقدّما عليه لكونه يثبت شيئا أو ينفي لا يتعرض له بنفي أو اثبات دليل العام فيكون نسبته إليه كنسبة القرينة على ذيها في حكومتها عليه وعدم تقدّمه عليها غاية الأمر وقع الخلاف في كونه مانعا من ظهوره أو من حجّيّته .

فعلى هذا لا يستقيم كلام الشيخ قدس سره في هذا المقام من تصوّر جريان الأظهريّة والظاهريّة وان مناط التقدّم هو الأظهريّة لعدم جريان ما ذكر في باب الحكومة فان الحاكم مقدم على المحكوم ولو كان أضعف ظهورا منه والمحكوم أقوى والسر فيه ما ذكرنا من تعرضه لما لا يمكن تعرّض العام له .هذا حاصل ما أورده عليه المحقّق النائيني رحمه الله ولا يخفى ان مراد الشيخ رحمه الله

ص: 687

من فرض الخصوص والعموم في الامارة والاستصحاب بأن يكون الاستصحاب خاصّا بالنسبة إلى الامارة مع عدم تقدّمه عليها بل العكس يحتمل وجهين ربما يقع فيه الاشتباه في غالب الموارد فانّه يحتمل أن يكون أراد ذلك بين نفس الاستصحاب والامارة الجار بين في موردهما وأن يكون مراده بين دليلي اعتبارهما حيث ان دليل اعتبار الامارة إنّماأخذ فيه الشكّ ظرفا مطلقا بلا لحاظ الحالة السابقة .

ودخل لها أصلاً بخلاف الاستصحاب فان موضوعه مشكوك البقاء الذي

يكون حالته السابقة متيقّنة والفرض ان دليلي اثبات حجيّة الامارة والاستصحاب قطعيّان أو مثلان ولو ظنّيّا فحينئذٍ يكون الامارة أعم بالنسبة إلى الاستصحاب في موردها ومجراه ويحتمل كما هو الظاهر من الشيخ انّه أراد هذا وحينئذٍ أيّ حكومة للخاص أي دليل حجيّة الاستصحاب على العام أي دليل حجيّة الامارة كصدق العادل مثلاً كي يوجب قصر ظهوره أو حجيّته في غير ما كان مجرى الاستصحاب وكذلك على الاحتمال الآخر فانا إذا فرضنا موردا كان مجرى الاستصحاب وما يجري فيه أخص بالنسبة إلى الامارة فهل يكون قرينة على التخصيص والحكومة كما لو اخبر العادل انه لم يجد أحدا وليس في ذلك المكان أو كلّهم ميتون أو خرجوا من العدالة الا ان دليل الاستصحاب كان جاريا في خصوص بعضهم في الحيوة أو البقاء في ذلك المكان أو العدالة وأي قرينيّة للخاص أي الاستصحاب للعام أي الامارة مع انه على هذا الاحتمال يكونان متقابلين في الجريان بلا وجود عموم وخصوص من أحدهما كما إذا قامت الامارة على شيء في الموضوعات الجزئيّة وفرضنا حجيّتهاوكان لهذا المورد

وضوح كلام الشيخ

ص: 688

استصحاب خلاف مؤدّى الامارة فانّه حينئذٍ لا عموم ولا خصوص وفي موردالعموم والخصوص لا قرينيّة للخاص أي الاستصحاب كما عرفت .

فتلخّص ممّا ذكرنا عدم استقامة كلام الشيخ على بعض الفروض والمحقّق النائيني في هذا المقام .

( أقول: كأنّ سيّدنا الأستاذ كأستاذه المحقّق النائيني لم يتأمّل في عبارة الشيخ قدّست أسرارهم في المقام فلذا خفى عليه مراده وقال في توجيه كلام الشيخ ومراد استاذه النائيني ما عرفت وإلاّ فمراد الشيخ أظهر من أن يحتاج إلى هذا وأعلى من أن يتعلّق به ما استشكله المحقّق النائيني وإن كان المفهوم من كلام سيّدنا الأستاذ ان نظر الشيخ في تنظير الاستصحاب والامارة إلى الأقوى ظهورا مع نقله عنه عدم وجود مورد قدّم فيه العام على الخاص بهذا اللحاظ وكأنه ما التفت إلى مورد التناقض في ما نسبه إلى الشيخ والأحسن أن ننقل عبارة الشيخ بعينها كي يرتفع ظلام الاشتباه:

قال

رحمه الله في صورة كون الخاص ظنّي السند مثالاً وظنيّا في الجملة كلاما بعد اختيار حكومته أي الخاص على العام واحتمال الورود بناءً على التعليق .

( هذا كلّه(1) على تقدير كون اصالة الظهور من حيث اصالة عدم القرينة وأمّا إذا كان من جهة الظن النوعي الحاصل بارادة الحقيقة الحاصل من الغلبة أو من غيرها فالظاهر ان النصّ وارد عليه مطلقاً وإن كان النص ظنيّاً لأنّ الظاهر ان دليل حجيّة الظن الحاصل بارادة الحقيقة الذي هو مستند اصالة الظهور مقيّد بصورة عدم وجود ظن معتبر على خلافه فاذا وجد ارتفع موضوع ذلك الدليل نظير

كيفيّة النسبة بين العام والخاصّ

ص: 689


1- . فرائد الأصول 2/752 .

ارتفاع موضوع الأصل بالدليل ويكشف عمّا ذكرنا انّا لم نجد ولا نجد من أنفسناموردا يقدّم فيه العامّ من حيث هو على الخاص وإن فرض كونه أضعف الظنون المعتبرة فلو كان حجيّة ظهور العام غير معلّقة على عدم الظن المعتبر على خلافه لوجد مورد نفرض فيه أضعفيّة مرتبة ظنّ الخاص من ظنّ العام حتّى يقدم عليه أو مكافئة له حتّى يتوقّف مع انا لم نسمع موردا يتوقّف في مقابلة العام من حيث هو والخاص فضلا عن أن يرجح عليه نعم لو فرض الخاص ظاهرا خرج عن النص وصار من باب تعارض الظاهرين فربما يقدم العام وهذا نظير ظنّ الاستصحاب على القول به فانّه لم يسمع مورد يقدم الاستصحاب على الامارة المعتبرة المخالفة له فيكشف عن ان افادته للظن أو اعتبار ظنّه النوعي مقيّد بعدم ظن آخر على خلافه فافهم ثمّ شرع الشيخ في بيان الموارد التي يتحقّق فيها التعارض .

ولا يخفى على المتأمّل في كلام الشيخ هذا ان قوله نعم لو فرض إلى قوله وهذا نظير إنّما هو جملة معترضة بين ما تقدّم منه وتنظيره لما ذكره من التعليقيّة فعلى هذا ليس مراده صورة كون مورد الاستصحاب والامارة عموما وخصوصا كالمقام أو في دليليهما بل يريد أن ينظّر ما ذكره في تعليقيّة ظهور العام وتقيّد دليل

حجيّته بصورة عدم وجود ظن معتبر على خلافه بمثال الاستصحاب والامارة في كون الاستصحاب في افادته للظن أو اعتبار ظنّه مقيّداً بصورة عدم ظن آخر أو معتبر على خلافه فافهم فانّه واضح دقيق ) .

وعلى هذا فلا ربط لكلامه قدس سره إلى مقصود الشيخ كما عرفت ممّا ذكرنا وجه النظر في ما أفاده المحقّق النائيني في المقام فليتدبّر .

تذكار: كان سيّدنا الأستاذ تأمّل في عبارة الشيخ التي نقلناها واعترف

ص: 690

برجوع التنظير إلى ما ذكرنا من تعليقيّة اعتبار ظن الاستصحاب أو حصوله علىعدم ظنّ الامارة أو حجيّتها وإن كان يظهر منه شك فى ذلك واحتمال رجوع اسمالاشارة إلى ما ذكره قريبا وكان بصدد التوجيه الا انه رجع إلى ما ذكر وقد سبق انّ الشيخ رحمه الله قال بذلك أي كون الخاص واردا على العام بناءً على الظهور النوعي في ما كان الخاص قطعيّ الدلالة وأمّا إذا كان ظاهرا ظنيّا كالعام فحينئذٍ يعمل بأقوى الظهورين وإلاّ فالتعارض وقد سبق استشكال المحقّق النائيني عليه وانه أورد عليه ان الشيخ نفسه أيضا لم يعمل بذلك وإن يمكن الخدشة في هذا الايراد باعتبار عدم حصول مورد لذلك للشيخ أو عدم العمل والتقديم لم يكن من هذه الجهة على ان هذه الدعوى إنّما تسمع لمن تتبع فتاوى الشيخ والأخبار وادّعى ان باب العام والخاص من قبيل باب القرينة وذي القرينة ولا مجال للشكّ في تقديم القرينة على ذيها .

هذا كلام العلمين المحقّقين ويتّجه على كلام الشيخ ان ذلك مجرّد فرض وأي مورد يوجد يكون ظهور الخاص في الخصوص أضعف من ظهور العام كما ادّعى المحقّق الخراساني(1) أيضا في تقديم المطلق على العام الشمولى على مبناه واستشكل المحقّق النائيني عليه كما على الشيخ .

نعم ذلك يتصوّر في المجمل الا انه يسري اجماله إلى العامّ فعلى هذا يتوجّه ما ذكرنا على الشيخ انه لا مورد يكون الخاص أضعف والعام أقوى ظهورا بل كلّ ما في الفقه من التخصيصات راجعة إلى التقييدات والتخصيصات الأنواعيّة الأحواليّة وإلاّ فامّا أن لا يوجد في الفقه مورد للتخصيص الا مختصات النبي صلی الله علیه و آله

رجوع التخصيص إلى التقييد

ص: 691


1- . كفاية الأصول 2/404 .

أو يوجد قليلاً وقد وجد مورد واحد في باب المحرّمات ( والظاهر كما يظهر منذيل ما ننقله منه ان مراده بذلك ما في آية « قُلْ لاَ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًاعَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ »(1) ( وببالي انّه الآية الواردة في سورة المائدة حرّمت عليكم . . .(2) إلى إلاّ ما ذكّيتم وعرضت على الاستاذ انّه أيضا عنوان عام ليس شخصيّا وقبله منّا ) .

ويمكن في هذا المورد أيضا رجوعه إلى التقييد كما في استثناء المرئة من الواجب عليهم صلاة الجمعة باعتبار ان الانسان والاحد على نوعين وحالين امرأة وغيرها وعلى هذا يقال في توجيه دعوى المحقّق النائيني رحمه الله في تقديم الخاص على العام ولو فرض كون العام أقوى ظهورا من الخاص ان المقيّد الذي أحد أقسامه الخاص والمخصّص الأحوالي والأنواعي يكون مقدّما على العام والمطلق إمّا من جهة الورود أو الحكومة وذلك لما ثبت في محلّه وتقرّر في موضعه ان انعقاد الاطلاق مشروط بأمرين: أحدهما كونه في مقام البيان والثاني عدم قرينة على خلاف الاطلاق أو صالح للقرينيّة ومع عدم هذين أو أحدهما فلا ينعقد الاطلاق في المتّصل والمنفصل أيضا على وجه أو يكون موجبا لعدم ظهوره في الاطلاق وإن ما تخيّلناه اطلاقا مقيّد مبيّن بالمقيّد فما ذكر لم يكن تمام الموضوع للحكم المرتب عليه بل له قيد آخر بيّن بالمقيّد وعلى هذا يكون المطلق والعام معنونا بعنوان الخاص فاذا قال أعتق رقبة ثمّ قال لا تعتق رقبة كافرة لا يمكن التمسّك باطلاق قوله رقبة في عتق الكافرة بل قوله لا تعتق حيث انه يقيد

ص: 692


1- . سورة الأنعام: 146 .
2- . سورة المائدة: 4 .

الاطلاق بما ذكرنا يوجب تقدّمه عليه ورودا أو حكومة ولا يبقى مجال المعارضة للمطلق إيّاه وقد ظهر من ذلك ان بحث التمسّك بالعام في الشبهة المصداقيّة ساقطرأسا حيث عرفت رجوع باب التخصيص إلى التقييد ولم يتفوّه أحد فيه ذلك في الشبهة المصداقيّة والتمسّك بالمطلق لاثبات ان المعتق غير كافرة وعلى ذلك إذا كان المقيّد مجملاً يسري(1) إلى المطلق وليس لنا التمسّك باطلاقه أيضا .

فتبيّن ممّا ذكرنا انّ كلام المحقّق النائيني رحمه الله متين جدّا .

نعم لما ذكره الشيخ رحمه الله أيضا يمكن فرض مقام في التخصيص غير راجع إلى التقييد كما ذكرنا في الآية الشريفة واستثناء المرئة عن الأحد أو الناس الواجب عليهم صلاة الجمعة ووجه ذلك انّه لابدّ في التقييد والتخصيص الأحوالي الراجع إلى التقييد من امكان اتّصاف العام والمطلق بالمخصّص وإلاّ فلا يمكن انطباق ضابط التقييد عليه بل يرجع إلى باب التركيب كجوهر وجوهر أو جوهر وعرض لغيره وفي الآية الشريفة لو لم يرجع إلى باب التقييد أيضا بلحاظ قوله إلاّ أن يكون ميتة يمكن كونه من باب التخصيص وكذا في استثناء المرئة الاّ انّه يمكن رجوعه أيضا إلى التقييد فعلى هذا يعنون العام بكلّ منهما بلا كلام .

وربما يمكن التمثيل له بقولك لا تضرب أحدا أو كباب اخبار الاستصحاب لا تنقض اليقين بالشكّ مع ان اليقين والشكّ عامان والنقض خاص وكذلك الأحد عام في الحيّ والميّت والضرب مختص بالاحياء فيوجب أقوائيّة ظهور العام على ظهور الخاص وتقدّمه عليه أوّلاً فتدبّر جيّدا .

النتيجة: قد علم ممّا ذكرنا ضابط التعارض وانه في غير مورد تقدّم أحد

لا تعارض في ما إذا تقدّم أحد الدليلين على الآخر

ص: 693


1- . إذا كان متّصلاً لا في المنفصل .

الدليلين على الآخر بأحد أنحاء التقدّم الذي ذكرناها وقال الشيخ رحمه الله(1) ومنه يعلمعدم وقوع التعارض بين دليلين يكون حجيّتهما باعتبار صفة الظن الفعلي إلى قوله والمراد بقولهم ان التعارض لا يكون إلاّ في الظنيّين يريدون به الدليلين المعتبرين من حيث افادة نوعهما الظن وإنّما اطلقوا القول في ذلك لأن أغلب الامارات بل جميعهاعند جلّ العلماء بل ما عدا جمع ممّن قارب عصرنا معتبرة من هذه الحيثيّة لا لافادة الظن الفعلي بحيث يناط الاعتبار به وما ذكره رحمه الله من عدم وقوع التعارض بين دليلين من حيث افادة الظن الفعلي ظاهر حيث ان الظن الفعلي لا يحصل بالمتنافيين وأمّا بناءً على افادتها الظنّ النوعي فممكن لكنّه خلاف المبنى لأنّ التعارض لابدّ أن يكون في مورد مع قطع النظر عن ذلك يكون كلّ واحد من المتعارضين حجّة وقد تحقّق في موضعه ان حجيّة الامارات والأخبار إنّما هي من باب بناء العقلاء لاستقرار طريقتهم على قبول الخبر اقتضاء وحينئذٍ فلابدّ من الوثوق بالصدور والاطمئنان بذلك حيث انّهم لا يعتبرون الظن أصلاً وليس بنائهم عليه كي يكون الامارة والخبر معتبرة عندهم على الكشف النوعي فحينئذٍ معنى التعارض على ذلك المعنى عبارة عن عدم امكان شمول دليل الحجيّة لكليهما لامتناع حصول الوثوق كذلك بأحدهما ولا طريقيّة لأحدهما عند العقلاء فيتساقطان كما هو الحال على المباني الآخر غير مبنى السببيّة وأن يكون الامارة كالأصل ويكون فيها معنى التنزيل فحينئذٍ لا يرتبط بما ذكرنا بل يكون من باب التزاحم .

ثمّ انّ الخبرين إمّا أن يكون لأحدهما مزيّة توجب الترجيح لكونها حجّة

ص: 694


1- . فرائد الأصول 1/752 - 753 .

معتبرة فهو المتعيّن في الأخذ ويخرج عن باب التعارض وإلاّ فان لم تكنلأحدهما أو كانت ولم تكن معتبرة فيكون من باب التعارض والأصل فيه التساقطالا ان التخيير في العمل بأيّهما شاء المكلّف إنّما هو من ناحية الأخبار العلاجيّة ومنها أخبار التخيير .

وترجيح احدى الامارتين والخبرين تارة يكون في الدلالة واخرى من غيرها والكلام هنا في الاولى .

فنقول: لا اشكال في انه لا تعارض بين الحاكم والمحكوم والوارد والمورود وباب التخصيص كما ذكرنا أي ذلك يوجب رجحان أحد الخبرين على الآخر ويكون قرينة على التصرّف في أحدهما وإن المراد به هو مفاد الآخر واخرى يكون الترجيح من حيث الجمع العرفي بحيث لا يرى عند العرف تعارض وتهافت بين الكلامين وإن لم يكن بينهما حكومة ولا غيرها كما سبق إمّا بالتصرّف في كليهما أو أحدهما وليكن المراد بالقاعدة المدّعى عليها الاجماع وهو المنقول عن غوالي اللئالي ( الجمع مهما أمكن أولى من الطرح ) ذلك بعد أن كان معنى الأولويّة هو التعين ضرورة استلزام ارادة معناه الدقي العقلي عدم تحقّق التعارض في غالب الموارد فانه ما من مورد الا ويمكن الجمع بين المتنافيين بأحد أنحائه وإن كان بعيدا كحمل اللبن الوارد في الميتة من(1) انه حلال على المأكول اللحم .

وما ورد(2) في حرمته أو نجاسته من غير المأكول ولذا قد يحتاط بعض ويؤكّده في غير المأكول وكذا ما ورد فيه الأمر والنهي فانّه لا تعارض صريحا

عدم تماميّة ( الجمع فيما أمكن أولى من الطرح )

ص: 695


1- . الوسائل 3 الباب 68/2 - 3 من أبواب النجاسات .
2- . وسائل الشيعة 24 الباب 33/1 - 2 - 4 - 7 - 9 - 10 - 12 - 11 من أبواب الأطعمة المحرّمة .

بينهما لكونهما ظاهرين يمكن رفع اليد بنصّ كلّ عن ظهور الآخر ويحمل علىالجواز مع الكراهة فعلى هذا لابدّ أن يكون المراد ما يمكن فيه الجمع العرفي بنحويرجع إمّا إلى كون أحدهما نصّا والآخر ظاهرا في خلافه فيقدم النص على الظاهر أو الأظهر والظاهر الذي يرجع أظهره الى النص ويكون كالنص وإلاّ فبمجرّد كون أحدهما أظهر لا يمكن تقدّمه على الآخر فمن الموارد التي يتحقّق فيه ما ذكرنا ما تقدّم في البحث السابق من تقدّم الخاص الظنّي قطعي الدلالة على العام برجوعه إلى ما ذكرنا .

ومنها ما إذا قال المولى أكرم العلماء أو علمنا من الخارج انّه يبغض الفاسق خصوصا العالم منه فاذا قال المولى لا تكرم الفسّاق ففي مورد الاجتماع يقدم ظهور النهي ويمتنع حينئذٍ اكرام العالم الفاسق حيث انّه علمنا من حال المولى ذلك هكذا عن المحقّق النائيني رحمه الله وناقشه سيّدنا الأستاذ قدس سره من انّه ان رجع هذا المرجح إلى كونه قرينة معتبرة فيمنع من ظهور الكلام ابتداءً في العموم ولو لم يعقّبه أو يستدركه بكلام آخر ويكون كالقرينة الحافّة بل من أقسامها وينصرف بهذه القرينة إلى خصوص غير الفاسق بلا احتياج إلى قوله لا تكرم الفسّاق .

ومنها: ما إذا لزم من عدم تقدّم أحدهما تخصيصه بمورده كما إذا قال لا تشرب الخمر لأنّه مسكر وقال في خبر آخر ماء العنب حلال لا بأس به فانّ الخبرين عامّان شاملان للخمر الذي هو متّخذ من ماء العنب فلو لم يقدم لا تشرب الخمر وقدّم قوله ماء العنب حلال يلزم تخصيص الخبر الأوّل بمورده وعدم عمومه مع انه يخرج عن حسن التعليل حيث ان التعليل لا يحسن بقوله بعض المسكر حرام فلا تشرب الخمر وتخصيص المورد عندهم ممتنع لما ذكرنا . فهذا

ص: 696

يوجب قوّة الظهور في ذلك وتخصيص قوله ماء العنب بغير ما إذا كان خمرا .

وبما ذكرنا في تحقيق قولهم ( الجمع مهما أمكن الخ ) ظهر عدم مورد لمااصطلح عليه بالجمع التبرعي وفي قباله التورّعي الذي منشأه عدم ردّ الخبرالموثق الذي صدر من المعصوم علیه السلام لما قد ورد(1) من انّه ليس لأحد التشكيك في ما يرويه عنّا ثقاتنا فلذا يجمعون في بعض الموارد ويأولون الخبر المخالف بما لا ينافي قبوله الا انه ليس معنى قبول الخبر الا الأخذ به وحينئذٍ فان أمكن فهو والا فلابدّ من تأويله أو ردّ علمه إلى أهله حيث انّهم أعلم بما قالوا .

ثمّ ان من الموارد المذكورة في كلام المحقّق النائيني قدس سره لما يكون أحد الخبرين الذين ظاهرهما المعارضة أظهر من الآخر بحيث يكون كالنص ما إذا كان في مقام التحديد(2) فانّه يقدم الرواية التي تحدّد موضوعا مثلاً على غيرها إذا كان بينهما معارضة ولم نجد له مثلاً على العجالة وإن كان مواردا لتحديد كثيرة كالكر .

ومنها: مسئلة لروم تخصيص المورد فانّه يؤدّي إلى المناقضة في كون الكبرى كليّة وغير كليّة حيث ان انطباق الكبرى عليه إنّما هو لأجل كونه صغرى ومن أفرادها ومصاديقها فاذا لم تكن كلية خرجت عن صلاحيّة التعليل بها ويكون قوله لا تشرب الخمر فانّه مسكر بمنزلة تعليله بقوله بعده وبعض المسكر حرام .

إن قلت: هذا لا اختصاص له بما ذكر بل لو كان الموجب له تحقّق المناقضة فيعم كلّ مورد ولو كان التخصيص بغير الفرد الذي هو مورد الراوية وعلى هذا

موارد يكون أحد الدليلين أظهر

ص: 697


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/40 من أبواب صفات القاضي واللفظ فانه لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك في ما يرويه عنّا ثقاتنا الخ .
2- . فوائد الأصول 4/729 .

فيمكن كون نظر النائيني قدس سره إلى لزوم اللغويّة في التعليل خصوصا إذا كان مسبوقابالسؤال .

قلت: لا نخصه بهذا بل إذا لزم ما ذكرت نلتزم به الا ان ذلك لخصوصيّةويمكن ضرب مثال فقهي له كما ورد(1) في تعليل جواز الصلاة في وبر السنجاب

أو جلده بقوله علیه السلام: ( فانّه دابّة لا تأكل اللحم ) .

ومنها: ما إذا لزم من تخصيص أحد المتعارضين بالآخر عدم بقاء مورد له أو قلّته فانّه(2) يوجب التخصيص المستهجن فيكون ما يلزم فيه ذلك أظهر في مدلوله من الآخر فلذا يقدم عليه ويمكن التمثيل له بمثل أدلّة الحرج فان بينها وبين أدلّة الأحكام عموما من وجه فلو قدّمت تلك الأدلّة في مورد الاجتماع يلزم بقاء أدلّة الحرج بلا مورد ولغوا .

وكذا مثل قاعدة الفراغ فان الاستصحاب لو قدم عليها يلزم بقائها بلا مورد وإن كان خارجا عن باب المعارضة داخلاً في باب العموم مطلقا وكذلك على مبنى المحقّق النائيني رحمه الله في دليل(3) لا تعاد ويمكن المثال له به بعد ملاحظة رواية ابن بكير(4) الدالّة على فساد الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه في جميع الحالات سواء كان جهلاً أو نسيانا أو علما وعمدا وبعد تخصيص عمومه برواية

ص: 698


1- . الوسائل 4 الباب 3/2 - 3 من أبواب لباس المصلّي .
2- . فوائد الأصول 4/728 .
3- . الوسائل 6 الباب 28/1 من أبواب السجود .
4- . الوسائل 4 الباب 2/1 من أبواب لباس المصلّي .

عبدالرحمن(1) بن أبي عبداللّه الواردة عن أبي عبدآللّه علیه السلام في عدم لزوم اعادةالصلاة في عذرة سنور أو كلب أو انسان قال إن كان لا يعلم فلا يعيد وبالأولويّة القطعيّة يستفاد منه عدم لزوم الاعادة في ما يقبل الطهارة بالذبح وفي ساير أجزائه فيخصّص به عموم رواية ابن بكير وتبقى مطلقا من حيث عمومها لصورة العلموالجهل والنسيان فلو قدم عليها دليل لا تعاد الذي هو مختصّ بحال النسيان عند المحقّق النائيني بناءً على تقريبه في مورده من انحصار أمر اتيانه باعد .

فعلى هذا لا يشمل الجاهل حيث انّه يتصوّر في حقّه الاحتياط ولا ينحصر أمره بأعد كما انّه يشمل ما يجري مجرى النسيان كالاضطرار فانّه وإن كان بهذا المعنى خاصّا بحال النسيان الا انه من حيث المتعلّق عامّ إذ لا يختصّ لا تعاد بخصوص هذا الشرط بل في غير الخمسة فبالاطلاق يشمل لا تعاد عدم لزوم الاعادة بالصلاة نسيانا وفي أجزاء ما لا يؤكل لحمه لعدم جريان ما ذكر من التقريب في صورة العلم للمناقضة ولا اختصاص لعدم الاعادة بذلك بل في غير الخمسة فيشمل عقد المستثنى منه مورد رواية ابن بكير في صورة النسيان كما انها تشمل صورة العلم والنسيان ففي هذه الجهة عامّة ومن اختصاصها بأجزاء ما لا يؤكل لحمه خاص .

فكلّ من الخبرين عام من جهه وخاص من اخرى ومورد التصادق والتعارض الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه نسيانا فلو قدّم لا تعاد يلزم بقاء رواية ابن بكير قليل المورد لاختصاصها بالعالم فان الجاهل بالحكم كالعالم .

رجوع الأمثلة إلى الحكومة

ص: 699


1- . الوسائل 3 الباب 40/5 من أبواب النجاسات .

فهذا أوجب تقدّم رواية ابن بكير على لا تعاد(1) ولذا استشكل المحقّق

النائيني في حاشيته على عروة السيّد الطباطبائي المطلق لصحّة الصلاة في حال الجهل بالموضوع والنسيان في خصوص صورة النسيان ووجهه ما ذكرنا لكنّه غير تام بل تقدّم رواية لا تعاد(2) في هذا المورد أيضا ولا يلزم استهجان ولاغيره فانه لا مانع من اختصاص حكمها بصورة العلم بالموضوع وما ذكره قدس سره في هذه الموارد الظاهر رجوع كلّه إلى الحكومة الا انها بمعناها الأعم من كون أحد الخبرين قرينة على التصرّف في الآخر والقرينة أعمّ من اللفظيّة والعقليّة كباب العام والخاص وكون الخاصّ قرينة عقليّة على التصرّف في العام كما ذكرنا وإن كان يمكن أن يكون مرجع التقدّم أمرين أمّا أحد أنحاء الحكومة أو الورود والتخصيص أو الأظهريّة والظاهريّة وكون الأظهر في افق النص وقريبا منه فتدبّر جيّدا .

تذنيب: يمكن المناقشة في ما سبق عن المحقّق النائيني في مثال أكرم(3) العلماء ولا تكرم الفسّاق من تقديم لا تكرم على اكرم لكون مبغوضيّة العالم الفاسق متيقّنة في مقام التخاطب فانّه وإن كان لا يوجب التقييد الا انه يوجب التقدم عند المعارضة بعدم امكان الجمع بين المبنيين فاما ان يلتزم بتقييد القدر المتيقّن في مقام التخاطب للاطلاق كما هو مبنى المحقّق الخراساني رحمه الله(4) فمن الأوّل لا ينعقد اطلاق ويكون قوله أكرم العلماء في قوّة معنى قوله أكرم العلماء

ص: 700


1- . الوسائل 6 الباب 28/1 من أبواب السجود .
2- . الوسائل 6 الباب 28/1 من أبواب السجود .
3- . فوائد الأصول 4/728 .
4- . كفاية الأصول 1/384 .

العدول أو غير الفسّاق وإلاّ فلا يمكن كونه موجبا لتقدّم لا تكرم الفسّاق في صورة الاجتماع على أكرم العلماء وما ذكره من تقدّم العام الذي يلزم من تخصيصه التخصيص بالمورد على غيره في صورة المعارضة ليس على اطلاقه فانه قد خصّص العام في موارد عديدة بالمورد .منها: ما في مكاتبة ابن عبدالجبّار(1) إلى أبي محمّد علیه السلام عن الصلاة فيقلنسوة حرير محض أو قلنسوة ديباج فكتب علیه السلام: لا تحلّ الصلاة في حرير محض .

فان موردها قلنسوة الحرير أو الديباج ومع ذلك قد خصّص اطلاقها برواية الحلبي(2) عن الصادق علیه السلام كلّ مالا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه مثل التّكة الابريسم والقلنسوة والخف والزنار يكون في السراويل . فليس التخصيص بالمورد عزيزا وكذلك ما ذكره في لزوم قلّة المورد لأحد العامين لو خصّص بالاخر ليس على اطلاقه فانه لايناط ذلك بقلّة المورد نعم ان لزم من ذلك الاستهجان فمتين .

هذا كلامه قدس سره فيما إذا يكون أحدهما نصّا والآخر ظاهرا .

وأمّا المقام الثاني وهو ما إذا يكون أحدهما في دلالته أقوى وأظهر من الآخر فقد ذكر له موارد:

منها: ما لو تعارض(3) العام الأصولي كقوله أكرم العلماء مع الشمولي كقوله لا تكرم الفاسق أو بالعكس كما إذا قال أكرم العالم ولا تكرم الفسّاق ففي مورد

تبعيّة أداة العموم لمدخوله

ص: 701


1- . وسائل الشيعة 4 الباب 11/2 من أبواب لباس المصلّي و14/1 .
2- . الوسائل 4 الباب 14/2 من أبواب لباس المصلّي .
3- . فوائد الأصول 4/729 - 730 .

الاجتماع يقدّم لا تكرم الفساق لأنّه يدلّ على حرمته بالوضع وذلك على اكرامه بالاطلاق وقوام الاطلاق بعدم بيان التقييد فانه وإن ذكر له شروط أربعة أو أزيد الا ان اللازم منها شرطان كونه في مقام البيان والثاني عدم التقييد في مورد يكون من شأنه التقييد .فاذا تمّ هذان الأمران ينعقد الاطلاق وإلاّ فبعين امتناع التقييد يمتنعالاطلاق لكون التقابل بينهما من العدم والملكة لا السلب والايجاب ولا التضاد وفي الفرض لا تتم مقدّمات الحكمة في المطلق الشمولي لكون العام الأصولي بيانا للتقييد فلا ينعقد الاطلاق . هذا . الا ان فيه كون الشمول لمورد الاجتماع من كليهما بالاطلاق فانّ التحقيق وإن كان عدم وقوف الأمر والنهي على المفاهيم بل يتعلّق بالوجودات والأفراد الا ان مصب ذلك يمكن كونه مطلقا ويمكن كونه مهملاً أو مقيّدا وإن كان مدخول ما يفيد العموم كاداة الاستغراق أو لفظ الكل حيث ان شمول لفظة الكل أو غيره لتمام مدخوله إنّما يتبع في الأحوال ذلك المدخول فان كان مطلقا فيستغرق أفراده كذلك وإن كان في بعض الأحوال فكذلك .

فلو قال أكرم كلّ عالم فما لم يكن العالم مطلقا لا يقيّد لفظ الكل في وجوب اكرام الفاسق منه كما إذا قال أكرم كلّ عالم عادل فعموم الكلّ أيضا تبع له وعلى هذا فللعام الاصولي أيضا اطلاق أحوالي وإن كانت أحواله في الحقيقة اصنافا كالعادل والفاسق والأبيض والأسود الا ان في مقام الاطلاق كلّها من الاحوال فحينئذٍ لا يثمر مجرّد كون العام اصوليّا في تقدّمه على الشمولي وله مثال فقهي كما ذكرنا في مكاتبة ابن عبدالجبّار(1) وصحيحته الاخرى(2) مع رواية الحلبي(3)

ص: 702


1- . وسائل الشيعة 4 الباب 11/2 من أبواب لباس المصلّي .
2- . وسائل الشيعة 4 الباب 14/4 من أبواب لباس المصلّي .
3- . وسائل الشيعة 4 الباب 14/2 من أبواب لباس المصلّي .

بقوله ( كلّ ما لا تجوز الصلاة فيه وحده ) فيشمل قوله كلّما ( للحرير ) إذا كان تكّة أو قلنسوة والمكاتبة إنّما تشمل ذلك بالاطلاق فان تمّ ما ذكره المحقّق النائيني رحمه اللهيقدم قوله كلّ ما لا تجوز الصلاة فيه وحده ) على عدم جواز الصلاة في الحرير مطلقا وإن كان قد نوقش رواية الحلبي باشتمال سندها على أحمد بن هلال الذيقد ورد في التوقيع الدعاء عليه من الامام علیه السلام لمّا أنكر توكيل أحد وكلاء الامام علیه السلام

والشيعة أيضا تردّدوا في أمره حيث انّه كان جليلاً عندهم وقد قيل فيه انّه غال أو ناصبي وقال الشيخ رحمه الله في كتاب الطهارة من ذلك يعلم انّه لا مذهب له إلاّ انّه قد اعتمد على روايته لكونها مذكورة في مشيخة ابن محبوب وما في المشيخة من الاعتبار مثل ما عند العامّة في كتابهم المزني الا ان هذا أيضا ليس بشيء فانّه وإن كان وجود الرواية في المشيخة موجبا للوثوق بصدورها فلا عبرة برواية أحمد بن هلال بل بما في المشيخة وإلاّ فلا الا انّه يمكن ذكرا السند تيمّنا للاتّصال بالمعصوم علیه السلام .

وقال المحقّق النائيني رحمه الله(1) وممّا ذكرنا بعينه في تقدّم العام الأصولي على المطلق الشمولي يعلم تقدّم المطلق الشمولي على المطلق البدلي وإن كان قوام كليهما بالاطلاق وهو متوقّف على جريان مقدّمات الحكمة فكما ان الشمولي يصلح لكونه قرينة على البدلي كذلك العكس . لكن السرّ في ذلك أي تقدّم الشمولي كونه مقدّما في جريان المقدّمات لتوقّف البدلي في اطلاقه على استكشاف العقل تساوي الأفراد وبوجود المطلق الشمولي يكشف عدم التساوي

ص: 703


1- . فوائد الأصول 4/731 - 732 .

فلهذا يقدم عليه لا كما عن بعض من جريان المقدّمات مرّتين في البدلي دون الشمولي ولا يتقدّم المطلق البدلي على الشمولي حيث انّه يستلزم الدور .

هذا غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الاستدلال .

ويرد عليه ان شمول العام الشمولي للأفراد بالوضع والظهور اللفظي فهويشبه على هذا العموم الأصولي فلا فرق بين قوله أكرم كلّ عالم وأكرم العالملافادة الأداة أيضا العموم الا ان شموله للأفراد في الأحوال محتاج إلى مقدّمات الحكمة كما في العام الاصولي لكنّه يرد على هذا الاستدلال انّه لا يتوقّف شمول دليل الحجيّة وجريان المقدّمات في المطلق البدلي في شموله وجريانها في الشمولي على نحو الطوليّة والتقدم على البدلي كي يتمّ ما ذكر بل تجري المقدّمات في كليهما معا بلا تقدّم لأحدهما على الآخر وحينئذٍ فعند الجريان يتحقّق تساوي الاقدام وينعقد الاطلاق فلا يتمّ الاستدلال .

نعم يمكن تأويل ذلك بنحو آخر وهو ان انعقاد الاطلاق في البدلي مع تساوي الأفراد عند العقل وفي مثال اكرم عالما ولا تكرم الفاسق لا تساوي بين أفراد العالم عند العرف بل يجمعون بين هذين الدليلين باكرام غير الفاسق وربما يوبّخون من ترك هذا واكرم الفاسق وليس ذلك إلاّ لأجل ارتكاز هذا المعنى عندهم وعدم تساوي أفراد البدلي وهذا وإن كان يوجب عدم تحقّق الاطلاق للبدلي حتّى في صورة عدم ابتلائه بالمعارض بل ممّا يوجب التقييد الا انا لا نعني بالاطلاق البدلي الا هذا فمعناه في الحقيقة إلى عدم تحقّق الاطلاق لا الانعقاد والتقدّم من الشمولي .

والحاصل ان في مثال أكرم عالما يستكشف العقل ان مقتضى الاكرام هو

اختلاف الاطلاق في العامين

ص: 704

العلم فاذا انضمّ إليه الفسق يوجب عنده حزازة مانعة عن اقتضائه للاكرام أو مفسدة في اكرامه فيجمع بين الدليلين في صورة ورودهما باكرام غير الفاسق وإذا لم يكن إلاّ قوله أكرم عالما أيضا يرى انحصار الموضوع ومتعلّق التكليف بغير الفاسق .

إن قلت: ان أحد مقدّمات الحكمة في انعقاد الاطلاق عدم التقييد فلو كانعنده الفسق مانعا لوجب أن يقيّد وإلاّ فيتمّ الاطلاق .قلت: ما ذكرنا فيه كفاية لاستقلال العقل حينئذٍ بالتقييد فمن ابتداء الأمر لا ينعقد اطلاق وهذا في الحقيقة رجوع عن فرض البحث واعترف سيّدنا الأستاذ قدس سره

بأن الاطلاق البدلي في الفقه إذا عارضه مطلق شمولي لا يكون إلاّ من هذا القبيل .

ومن الموارد التي قيل انّه من الأظهر والظاهر مسئلة(1) تعارض مفهوم الشرط والغاية والمثال الجعلي ما قيل من قوله ( صم إلى الليل ) وقوله ( إذا جاءك زيد فلا تصم ) أو ( إن جاءك زيد ) فان قوله صم إلى الليل .

يقتضي عدم جواز الصوم ليلاً حيث ان الليل غاية للصوم وقوله إن جاءك زيد فلا تصم يقتضي الصوم إن لم يجيء زيد ولو ليلاً فبينهما عموم من وجه حيث ان لكلّ منهما مادّة افتراق واجتماعهما في عدم مجيء زيد ليلاً فقيل بتقديم الغاية حيث انّه لها دلالة لفظيّة على نفي الصوم ليلاً والمفهوم ليس بتلك المثابة ومقتضى هذا الكلام كون مفهوم الغاية من أظهر أفراد الحكومة .

فصل: قد سبق الكلام في تقدّم الخاص على العام سواء كان الخاص قطعي السند أو ظنيّه متّصلاً أو منفصلاً إلاّ انّه وقع الاشكال في بعض الخصوصات الواردة

حكم الخصوصات الواردة في كلام الأئمّة علیهم السلام

ص: 705


1- . فوائد الأصول 4/732 .

بعد تأخّر زمان العمل بالعمومات مع ان السامعين للعام ما وقفوا على الخاص لوروده بعد انقضاء زمانهم كما إذا ورد العام في زمان النبي أو بعض الأوصياء المتقدّمين سلام اللّه عليهم أجمعين والخصوصات في زمان الصادقين أو الأئمّة المتأخّرة عنهم عليهم السلام وذلك بعد تسليم عدم امكان تأخير البيان عن وقت الحاجة إلى العمل بالعموم وان تكليف الموجودين في زمن ورود الخصوصاتمتّحد مع الذين لم يصل إليهم إلاّ العام من المتقدّمين عليهم وإن كان لا اشكال فياظهار العموم وإن لم يكن مرادا لوجود المصلحة في نفس اظهاره وربما يكون في تركه مفسدة الا انه لم يكن العام بعمومه مرادا بل المراد من ذلك الخاص وتأخّر بيانه وهذا بعد استحالة البداء والنسيان والخطأ في المبدء الأوّل للتشريع أو بالنسبة

إلى النبي صلی الله علیه و آله الوارد في شأن تفويض تشريع الأحكام إليه روايات(1) وانه لا يمكن عدم الاطلاق والتقييد بل المصلحة اما ان قامت بالاطلاق أو بالتقييد وحينئذٍ فيتسجل الاشكال .

الا انه اجيب عنه بأجوبة:

منها ان بيان الخصوصات يكون نسخا لتلك العمومات .

ومنها: كون العموم بالنسبة إليهم حكما ظاهريّا أو من قبيل الترخيص بالعمل بالعموم وإن لم يصل إليهم الخصوصات وهذا كما مثل البرائة وجريان قبح العقاب بلا بيان حيث انّه مختصّ بمن لا علم عنده على الحكم وهو جاهل فتجري في حقّه وليس كذلك غيره ممّن علم بالحكم أو قام عنده طريق على الحكم وهذا

ص: 706


1- . بحار الأنوار 25 فصل في بيان التفويض ومعانيه الأحاديث 1 - 9 - 10 - 11 - 12 - 21 - 23 .

لا يوجب تفاوتا في الحكم الواقعي بل هو في حق كليهما واحد غاية الأمر حصل لأحدهما ما أوجب عدم فعليّة الحكم الواقعي في حقّه أو عدم تنجّز الخطاب الفعلي به ولم يحصل للآخر وهذا يكون من قبيل تعدّد الموضوع كما إذا استطاع شخص للحجّ ولم يستطع آخر فان الحكم بالحجّ من حيث الشرايط في حقّهما واحد إلاّ ان أحدهما صار في حقّه فعليّا لحصول قيوده وشروطه ولم يحصل للآخر جميع القيود .وفرق بين ما نحن فيه وبين صورة جريان البرائة بكون المقام من قبيل بيان العدم وباب البرائة من باب عدم العلم إلاّ ان في النتيجة لا يختلفان فان العموم حيث لم يقيّد بمقيّد متّصل أو منفصل يستكشف منه حسب جريان مقدّمات الحكمة وتطابق عالم الثبوت والاثبات انه مراد بظاهره وعمومه فيعمل به وذلك يكون في قوّة بيان العدم بخلاف البرائة ففي صورة الجهل وعدم العلم إنّما تجري القواعد العقليّة أو البرائة الشرعيّة .

ومحصّل هذا الجواب تعدّد الموضوع وانّنا لسنا مكلّفين بتكليف أولئك حيث انا مكلّفون بالعموم بقيده الخاص بخلاف اولئك فان العموم في حقّهم حكم ظاهري وهذا بعد أن ثبت بطلان التصويب وإن الجاهل والعالم يشتركان في الحكم الواقعي وحكم اللّه في حقّهم واحد إلاّ ان القدر المتيقن من ذلك الحكم الواقعي الذي لا يوجب الترخيص في تركه شيئا فانه يكون في حكم العهدة كالدين غير المطالب وليس هذا نسخا فان النسخ إنّما يكون مع وحدة الموضوع وفعليّة الحكم والحكم بعد لم يصر في حقّنا فعليّا .

نعم يتمّ هذا في حق مدرك الزمانين .

الجواب الأخير

ص: 707

ومنها: انّه لا نسخ ولا تعدّد للموضوع بل الحكم في حقّنا وحقّهم واحد الا ان عدم وقوفنا على وصول المخصصات لاولئك لا يوجب عدم وصولها إليهم حقيقة بل يمكن الوصول إليهم لكنّهم لم يكونوا بصدد الكتب والضبط بل انّما يقتصرون على السماع والأخذ والكتب إنّما انتشرت وكثرت من زمان الأئمّة المتأخّرين وعلى هذا فلا حقيقة للاشكال .

ثالث الأجوبة عن الاشكال انّه يمكن اختفاء الخصوصات عنّا وإنّهم كانوايعملون بها كما نعمل بها غاية الأمر حيث انهم لم يكونوا مأمورين بالكتب والضبطولا متولعين عن الأخذ عن شيخ الاجازة على النحو المتداول في زمان الصادقين عليهماالسلام ومن بعدهم لم يصل إلينا ذلك وإنّما الواصل إلينا منها هي العمومات بلا ورود بعض مخصّصاتها .

إن قلت: فلم وصلت العمومات دونها فذلك كاشف عن عدم بيان المخصّصات لهم وانّهم كانوا يعملون بالعام مع وحدة التكليف بيننا وبينهم ولا يعقل الاهمال النفس الأمري فانّ الموضوع ومتعلّق الحكم إمّا مطلق وإمّا مقيّد فإمّا أن يكون المتعيّن هو العمل بالعام وهو الحكم الواقعي لنا ولهم وإمّا أن يكون هو الخاص فلم لم يبيّن لهم وقد بيّن لنا .

قلت: إذا أمكن ما ذكرنا فلا يبقى مجال لهذا الاشكال فان من الواضح اختفاء ذلك علينا كما اختفى علينا بعض العمومات وإنّما بيّن الصادقان لنا وممّا يشهد لما ذكرنا ان الأئمّة علیهم السلام في كثير من الموارد يستشهدون بقول النبي صلی الله علیه و آله ويروون عنه كما في مثل لا ضرر وأمثال ذلك من الأحكام وإلاّ فقليل حكم نجده منقولاً عن مثل الحسن المجتبى وأخيه الحسين عليهماالسلام بل غالب الأحكام وأكثرها

ص: 708

انبثّ عن الصادقين خصوصا الثاني منهما عليهماالسلام وإن رويت عن غيرهما أحكام كثيرة الا ان الأكثر بل لم يبق شيء إنّما هو عن الصادق علیه السلام بملاحظة كثرة الرواة والأمر بالكتب والحفظ وربما كانوا يعرضون ما كتبوا عليهم عليهم السلام أو كانوا هم المؤيّدين لهم والمدبّرين لاُمورهم في ذلك .

هذا ملخّص ما يقال في تحرير الأجوبة . إنّما الكلام في ان أيّها أولى وأنسب ولا بأس بالأخير وعلى فرض عدم التسليم أو عدم احراز ان الأمر كان كذلك فان هذا الجواب أي الثالث إنّما يفيد في ما إذا احرزنا كما ان الاشكال عليهإنّما يتوجّه إذا احرزنا الخلاف فيدور الأمر بين الجوابين الأولين وان الخاص المتأخّر عن زمان العمل بعد برهة من الزمان هل هو ناسخ لحكم العام أو يكون الحكم في حقّ من وصل إليه الخاص ومن لم يصل هو واحدا إلاّ انّه لم يصل إليهم الخاص ولم يجب عليهم الاحتياط تسهيلاً من الشارع لهم كما لم يوجب في الشبهة البدويّة فيكون اظهار العموم لهم وعدم بيان الخاص نظير البرائة العقليّة أو الشرعيّة في النتيجة وإن كان أحدهما بيان العدم والآخر عدم البيان ولا ينبغي قياس المقام بباب البرائة ونظيرها ( حيث لم تكن المصلحة في اظهار الخصوصات فان لها أمدا ) .

لا يقال: لا يصحّ كونها ناسخة حيث ان بيانها في زمان الأئمّة علیهم السلام والنسخ لا يتحقّق في زمانهم وإنّما هو في زمان النبي صلی الله علیه و آله فانّهم علیهم السلام حفاظ الشرع .

لأنّا نقول النسخ إنّما كان في زمانه صلی الله علیه و آله غاية الامر تأخّر بيانه إلى زمانهم .

ثمّ لا يخفى ان النسخ بناءً على التزامه في المقام ليس حقيقته إلاّ عبارة عن بيان أمد الحكم فاذا بين الناسخ الامام علیه السلام فانّه كاشف عن ان أمد الحكم إنّما هو

معنى النسخ

ص: 709

كان إلى هذا الحدّ من الزمان إذ لابداء فانّه يستحيل في حقّه تعالى لأنّه هو المحيط بتمام جهات المصالح والمفاسد الداعية إلى جعل الأحكام وتشريعها على حسبها وانّه راجع إلى تقييد اطلاق أدلّة الأحكام وجعلها فانّ التقييد إن كان بالزماني يكون من التخصيص وإن كان في الزمان فيرجع إلى النسخ وليس النسخ من التخصيص في حلال محمّد صلی الله علیه و آله (1) حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة .كما يظهر من المحقّق النائيني وبذلك فرق بين الاستمرار المتحقّق في « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ »(2) وفي جعل الأحكام بل التحقيق يقتضي كونهما من باب واحد وان الاستمرار في « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ »(3) وفي الأحكام من واد واحد وان أمد

الحكم لا تحديد فيه . هذا .

إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم ان التخصيص الذي قلنا انّه في الزماني يستتبع قصر الحكم بحسب الزمان بالنسبة إلى ما خصّص أو خرج من العام ففيه يكون اخراجان اخراج أفرادي أو عنواني واخراج زماني وقصر له في أمد الحكم المجعول على هذا الفرد أو العنوان وأمّا النسخ فانّه إنّما يكون تقييدا زمانيّا فقط

فاذا دار الامر بين النسخ والتخصيص فالنسخ أولى لأقليّة التقييد فيه دون التخصيص .

هذا إذا فرض مورد يكون مدارا للنسخ والتخصيص والظاهر انهما لا

ص: 710


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 12/52 مع اختلاف في الألفاظ .
2- . سورة المائدة: 2 .
3- . سورة المائدة: 2 .

يرتبطان معا أصلاً حيث ان النسخ لا يدخل فيه التخصيص وكذا العكس وقد ذكرنا موردا لسيّدنا الأستاذ قدس سره في تحقّق الدوران بينهما وهو ما إذا تقدّم الخاص على العام بعد وقت العمل فانّه يدور الأمر بين كون الخاص مخصّصا للعام أو كون العام ناسخا للخاص فقال انّه ملتفت إليه ولم يبين الجواب .

تذكار وتتميم: أشرنا إلى ان المحقّق النائيني رحمه الله لم يجعل الاستمرار فيقوله تعالى: « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ »(1) وفي مثل الأحكام على نسق واحد ولم يجعلالتخصيصات الواردة بعد زمان العمل بالعمومات محتمل النسخ بل أدار أمرها مدار التخصيص أو اختفاء المخصّصات المتّصلة عنا وكونها مثلها إلاّ انا ذكرنا انه لا فرق في الدلالة على الاستمرار بين قوله تعالى: « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ »(2) ومثل الاستمرار في الأحكام لدلالة دليلهما على ذلك بلا احتياج في كشف استمرار الأحكام إلى التمسّك بقوله: ( حلال محمّد صلی الله علیه و آله حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام كذلك )(3) .

وتوهّم عدم الاحتياج إلى أخذ الدوام في « أَوْفُوا بِالْعُقُودِ »(4) من حيث ان مقتضى الوفاء المتعلّق بمضمون المعاقدة والمعاهدة التي في البيع عبارة عن النقل بعوض والانتقال كذلك هو الدوام فلا معنى للوفاء يوما أو يومين أو سنة بل ذلك لا يكون في البيع وفاءً مدفوع بالاحتياج إليه وأخذه في الحكم فانّه يمكن الوفاء سنة ثمّ له الفسخ وان يرجع إلى ما نقله إلى الآخر ولذلك يتمسّك بذلك في لزوم

الفرق بين النسخ والتخصيص ···ص: 711


1- . سورة المائدة: 2 .
2- . سورة المائدة: 2 .
3- . الوسائل 27 الباب 12/52 مع اختلاف في الألفاظ .
4- . سورة المائدة: 2 .

الوفاء فان الدليل تعبّدي .

وعرفت ان ذلك كلّه راجع إلى التقييد لأدلّة الأحكام بل لمثل حلال محمّد صلی الله علیه و آله خلافا للمحقّق النائيني غاية الأمر ما كان مقيّدا بالزمان يكون من النسخ وما لم يكن كذلك بل صار مقيّدا بالزماني فيكون من التخصيص ولا يذهب عليك عدم فرق آخر بينهما بل لابدّ من حضور زمان العمل لعدم خلو جعل الحكمالمنسوخ عن الفائدة حيث انّه إذا لم يكن كذلك ولا يعمل به قبل وقته وبعد وقته أيضا ليس موجودا وقبل وقته لا موضوع له فيكون جعله لغوا فاعتبار التقييدبزمان العمل في المنسوخ في كلمات العلماء إنّما هو لعدم لزوم اللغويّة في جعل المولى وبعبارة أوضح ان النسخ لا يتحقّق إلاّ بعد حفظ الموضوع بتمام قيوده وحدوده ولم يكن لشيء احتمال الدخل أو الدخل الواقعي إلاّ للزمان وإلاّ فيكون من التخصيص وعلى هذا لا فرق بين المتّصل والمنفصل لرجوع الكل إلى تقييد الموضوع وتحد ّده بوقت كذائي لا يتجاوزه . فاذا(1) قال البيعان بالخيار ما لم يفترقا فقد قيد الحكم بزماني فلا يكون عدمه وارتفاعه بعد الافتراق نسخا بخلاف مثل جعل الخيار في الحيوان ثلاثة أيّام وتقييد ذلك متّصلاً أو منفصلاً إلاّ انّه اصطلح على أحد قسمي تحديد الحكم زمانا بالنسخ وهو ما إذا لم يكن بعده فان مثل جعل الخيار في الحيوان مطلقا بلا تحديد ثمّ تحديده بثلاثة أيّام نظير ما جعله من أوّل الأمر كذلك فان كان الثاني نسخا فليكن الأوّل كذلك .

والحاصل ان النسخ ليس إلاّ عبارة عن تحديد الحكم بزمان خاص وقطع استمراره لما بعد ذلك الزمان وفي ذلك لابدّ من تحقّق الموضوع واتّحاده مع

معنى النسخ

ص: 712


1- . الوسائل 18 الباب 1/1 - 2 - 3 - 4 .

الموضوع قبل قطع الاستمرار وقد أشرنا إلى نحوي تصوّر دخل الزمان في بعض تنبيهات الاستصحاب وإمكان أخذه تحت الحكم أو فوقه وضربنا المثال بقوله تعالى: « ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ »(1) فانّه يحتمل تقيد الصيام بكونه إلى الليل ثمّ يرد عليه الحكم بلا تقييد ويمكن كون الاستمرار من حالات الحكم المجعول وعلى ما ذكرنا يتوجّه الاشكال في كيفيّة تحقّق النسخ مع بقاء الموضوع على ماكان ولازمه دوران الحكم وجودا وعدما معه والنسخ والرفع يوجب خلاف ذلكفيؤل إلى المناقضة الا ان جوابه واضح فقد قلنا ان قوام النسخ إنّما هومن ناحية الزمان وانه يكون دخيلاً في تحقّقه ولولاه يكون من التخصيص .

ثمّ انّه بناء على ما ذكرنا في ضابط النسخ والتخصيص اللذين كلّ منهما من التقييد فلا يتّفق مقام دوران الأمر بينهما كي يرجح جانب التخصيص بكونه أغلب أوّلاً وإن بظهور الخاص وحكومته على العام لا يبقى مجال النسخ . وجوابه انّه يمكن فرض تحقّق الخاص قبل ورود العام وقد عمل بالخاص فهذا الخاص يدور أمره بين كونه مخصّصا للعام أو منسوخا به كما ان تقدّم العام ثمّ ورود الخاص بعد العمل بالعام محتمل لأمرين التخصيص والنسخ فالأوّل من جهة كون الخاص كاشفا عن ان الحكم من أوّل الأمر كان على مقتضى الخاص وان مثل الرجوع إلى الكفاية أيضا من القيود المعتبرة في الاستطاعة وفاقد ذلك ليس بموضوع لتوجّه خطاب الحجّ والثاني من جهة كون الخاص ناسخا لحكم العام وعدم تقييده بالرجوع إلى الكفاية وكان هذا الحكم ثابتا إلى الآن ونسخ من حين ورود خطاب الخاص .

ص: 713


1- . سورة البقرة: 188 .

والحاصل ان النسخ عبارة عن رفع الحكم بالكليّة بحيث لايبقى بعد في الشريعة وهذا سنخ من التحديد بخلاف نحو تحديد زمن الخيار في الحيوان إلى ثلاثة أيّام فانّه ليس بعد مرفوعا عن الشريعة بل حكم كلي موجود إلى غايته ويثبت في كلّ مورد من موارد مصاديقه كساير الأحكام الموقتة إلى وقت خاص والمطلقة سواء تجدّد موضوعاتها في كلّ يوم وليلة أو سنة أو غير ذلك .

هذا خلاصة ما يتعلّق ببحث التخصيص .

بقي الكلام في ما إذا كان التنافي بين أزيد من دليلين وبيان صورهوأقسامه وان أيّا منها من باب التعارض وأيّا خارج عنه .فنقول ان صوره كثيرة حسب ما يمكن أن يفرض إلاّ ان ما نذكره نموذج الباقي .

فمنها ما إذا كان هناك عام وخاصّان لا تنافي بين الخاصين ولا يرتبط أحدهما بالآخر بل كلاهما متوجّهان إلى العام ولااشكال في تخصيص كلّ منهما للعام فانّه بعينه يكون مثل ما إذا لم يكن إلاّ دليلان أحدهما أخصّ من الآخر الا ان

الفرق بين ما نحن فيه وهناك انه إذا لزم من تخصيص العام بكلّ من الخاصين عدم بقاء مورد للعام أو بقائه قليل الأفراد بحيث يكون تخصيصه مستهجنا فلا اشكال في وقوع التعارض بين العام وبين الخاصين ولابدّ من ملاحظة أحكام التعارض .

ومنها: إذا كان عام وخاصان أحدهما أخص من الآخر ولا اشكال فيه أيضا انّه يخصّص بكلّ واحد منهما إذا لم يلزم المحذور المذكور . وربما يتوهّم ان المقام من موارد انقلاب النسبة وإن العام يخصّص ابتداءً بأخص الخاصين فحينئذٍ ربما ينقلب نسبته مع الخاص الأعم إلى العموم من وجه . مثلاً إذا فرضنا العام قوله أكرم

ورود خصوصات مع العام

ص: 714

العلماء والخاص الأخص لا تكرم النحويين من الكوفيّين والآخر الأعم لا تكرم النحويين فالنسبة بين العام وكلّ من الخاصين العموم المطلق الا انا إذاخصّصنا العام بلا تكرم النحويين من الكوفيين فيعنون العام به ويكون كما إذا قال أكرم العلماء غير النحويين من الكوفيّين وحينئذٍ فالنسبة بينه وبين الخاص الآخر عموم من وجه من حيث شمول العام لغير النحويين من العلماء ومادة الاجتماع هو النحوي غير الكوفي فان مقتضى الخاص حرمة اكرامه والعام وجوب اكرامه ومادّة الافتراق من الخاص هو النحوي الكوفي .

لكنّه يندفع بعدم أولويّة تقدّم أخص الخاصين في تخصيص العام كي يلزمما ذكر بل يمكن فرض ورود أعمّهما ابتداءً وحينئذٍ فلا مورد للآخر فلا محيصمن ورودهما معا على العام بلا تقدّم وتأخّر الا أن يلزم المحذور فيكون من التعارض(1) .

نعم يمكن فرض اتّصال أخصّ الخاصّين بالعام وحينئذٍ فمن الأوّل ليس إلاّ دليلان بينهما عموم وخصوص من وجه فلا ينعقد ظهور في العموم مطلقا للعام .

ومن الصور ما إذا كان خاصّان بينهما تباين وعام موافق لأحدهما فان فيه إمّا أن يكون العام بعد تساقط الخاصّين مرجعا أو يكون هو المرجّح للخاص الموافق له ويوجب مرجوحيّة الخاص المخالف فيقدم العام والخاص الآخر عليه وفي المقام مبنى ثالث بتساقطهما والعام معا .

ص: 715


1- . ما اختاره سيّدنا الأستاذ قدس سره هو الحق الحقيق بالقبول وفاقاً للمحقّق العراقي ( نهاية الأفكار 4/408 - 411 - 412 ) وخلافاً لمن يرى في موارد متعدّدة من انقلاب النسبة منهم استاذنا المحقّق ( منتهى الأصول 2/578 وما بعده ) السيّد البجنوردي والسيّد الخوئي أعلى اللّه مقامه ( مصباح الأصول 48/464 وما بعده ) .

الرابع: ما إذا هناك عامّان بينهما التباين وخاص مخصّص لأحدهما فالنسبة بين العامّين ابتداءً هوالتباين لكنّه بعد تخصيص أحد العامين بمخصّصه الخاص يكون أخص من العام الآخر فيخصّصه لانقلاب نسبته مع العام الآخر من التباين إلى العموم والخصوص مطلقا كما إذا قال لا تكرم العلماء وقال أكرم العلماء وقال أيضا أكرم الفقهاء فبعد تخصيص لا تكرم العلماء باكرم الفقهاء تنقلب نسبة أكرم العلماء إلى لا تكرم العلماء إلى العموم مطلقا ويكون قوله لا تكرم العلماء خاصّا بالنسبة إليه بعد تعنونه بغير الفقهاء ويكون لا تكرم العلماء غير الفقهاء فيخصّص العام وينحصر الموضوع باكرام الفقهاء ويمكن فرض مثال فقهي له في ارثالزوجة فانّ العام(1) ورد بارثها كالرجل من جميع ما ترك الرجل من الأرضوالبناء والمنقول وغيره مطلقا وورد رواية(2) بعدمه من الأرض والثالثة(3) بالتفصيل بين ذات الولد وغيرها فترث الأولى مطلقا دون الثانية إلاّ انّه بأن لا يكون مثالاً للمقام أنسب .

صورة خامسة: إذا كان هناك عامان من وجه ورود دليل ثالث باخراج مورد الاجتماع عن تحتهما فتنقلب نسبتهما إلى التباين ولا تعارض بينهما كما إذا قال أكرم العلماء وقال أيضا لا تكرم الفسّاق وثالثا يكره اكرام العالم الفاسق فحينئذٍ يعنون كلا العامين .

أمّا الأوّل فيكون أكرم العلماء غير الفسّاق والثاني لا تكرم الفسّاق غير

ص: 716


1- . اطلاق الآية المباركة الآية 13 سورة النساء والوسائل 26 الباب 4 من أبواب ميراث الأزواج والباب 7/1 .
2- . وسائل الشيعة 26 الباب 6 من أبواب ميراث الأزواج .
3- . الوسائل الباب 7/2 من أبواب ميراث الأزواج .

العلماء ولا تنافي بينهما ولا تعاند كما إذا كان هناك عامان بينهما تباين وورد دليل ثالث خاص فهذا الخاص بخصوصه يخصّص الرواية المخالفة لها فتعنون بذلك وتصير خاصّا بالنسبة إلى الموافق للخاص وتنقلب نسبة التباين بذلك إلى العموم والخصوص مطلقا ويكون أحد العامين أظهر من الآخر ويجمع بينهما بذلك وفي هذا لا فرق بين فرض نسبة الخاص مع العام المخالف له أو فرضه مع العام الموافق ونسبة مجموعهما إلى العام المخالف حيث لا يتم الظهور للعام المخالف للخاص ويمكن أن يكون مثالاً لما ذكرنا مسئلة ارث الزوجة بناءً على استفادة عموم ارثها حتّى(1) بالنسبة إلى الأرض .ورواية اخرى(2) انها لا ترث وفرضنا ان كليهما مطلقان والرواية الأولىكالنص في ارث الأرض فهذان ظاهران بينهما نسبة التباين وفي البين مقطوعة ابن اذينة(3) بالتفصيل كما أشرنا بين ذات الولد اما مطلقا ولو من غير الزوج أو منه دون غيره فترث وبين غير ذات الولد فلا ترث من الأرض هذا . إلاّ ان الأقوى في ذلك ما ذكره صاحب الجواهر قدس سره (4) من عدم معلوميّة كون المقطوعة رواية ولابدّ من ملاحظة النسبة بين الروايات من تحقّق موضوع الخبريّة والحجيّة ثمّ لحاظ النسبة مضافا إلى عدم استفادة ما يكون له مع الرواية الاخرى نسبة التباين لورود الرواية بارثها مطلقا من جميع ما يخلّف الرجل كارث الرجل لها كذلك .

هذا وكذلك يمكن فرض مثال آخر لما يكون بينهما نسبة التباين ابتداءً ثمّ

ملاحظة النسبة بين لا تعاد والموثّقة

ص: 717


1- . الوسائل 26 الباب 4 من أبواب ميراث الأزواج .
2- . الوسائل 26 الباب 6 من أبواب ميراث الأزواج .
3- . الوسائل 26 الباب 7 من أبواب ميراث الأزواج .
4- . جواهر الكلام 39/211 .

يرجع إلى العموم والخصوص مطلقا وهو ما ذكرناه مرارا عن المحقّق النائيني رحمه الله

في حاشيته على العروة في صحّة الصلاة الواقعة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه جهلاً ونسيانا من الاشكال في صورة النسيان دون الجهل وترجيحه بطلانها في حال النسيان وهذا في ظاهر الأمر غريب حيث ان مقتضى لا تعاد(1) الصلاة لحكومته

على الأدلّة الأوّليّة بلحاظ تصديه لبيان الكيفيّة دونها فانها لمجرّد بيان أصل المانعيّة والشرطيّة والدخل عدم بطلان الصلاة نسيانا في أجزاء ما لا يؤكل لحمه على خلاف اطلاق رواية ابن بكير(2) وإن كانت النسبة بين لا تعاد(3) وبين الموثقةالعموم من وجه ولكن لاتلاحظ النسبة بين لا تعاد وبينها لحكومته على الموثقة(4)ولا تلاحظ النسبة بين الحاكم والمحكوم فالحاكم يقدم على المحكوم ولو كان أعم من المحكوم فان لا تعاد(5) من حيث ان مورده خصوص حال النسيان خاص من جهة وعام من جهة اجراء حكمه في غير الخمسة أيّا ما كان والموثقة(6) من حيث ان موردها خصوص أجزاء ما لا يؤكل لحمه خاص ومن جهة عدم اختصاصها بحال العمد بل يشمل حال النسيان والجهل أيضا عام الا ان رواية عبدالرحمن(7) بن أبي عبداللّه، عن أبي عبداللّه علیه السلام في رجل يصلّى وفي ثوبه عذرة انسان أو سنور أو كلب قال: إن كان لا يعلم فلا يعيد .

ص: 718


1- . وسائل الشيعة 6 الباب 28/1 من أبواب السجود .
2- . الوسائل 4 الباب 2/1 من أبواب لباس المصلّي .
3- . وسائل الشيعة 6 الباب 28/1 من أبواب السجود .
4- . الوسائل 4 الباب 2/1 من أبواب لباس المصلّي .
5- . وسائل الشيعة 6 الباب 28/1 من أبواب السجود .
6- . الوسائل 4 الباب 2/1 من أبواب لباس المصلّي .
7- . وسائل الشيعة 3 الباب 40/5 من أبواب النجاسات .

تخرج صورة الجهل بالموضوع عن مدلول رواية ابن بكير وهذه الرواية

وإن كانت واردة في خصوص عذرة الانسان والكلب والسنور إلاّ انّها تشمل غيرها من أجزاء ما لا يؤكل لحمه مع عدم كونها أسوء حالاً من الكلب بطريق أولى وبهذه الجهة تكون الموثقة(1) خاصّا بالنسبة إلى لا تعاد(2) فتقدّم عليه هذا

كلامه قدس سره إلاّ انّه حيث لا يخلو من نظر واضح يمكن تقريب الاستدلال فيه بوجه

أحسن وهو ان النسبة بين لا تعاد(3) وبين الموثقة(4) وإن كانت باقية على ما كانتلكون الموثقة شاملة لحال العمد والنسيان معا واختصاصها بما لا يؤكل فيكون بينها وبين لا تعاد النسبة بالعموم من وجه لكن حيث يلزم من تقديم لا تعاد عليهبقاؤه قليل المورد جدا واختصاص حكمها بصورة العمد فقط يمكن دعوى تقدّمها على لا تعاد بالأظهريّة وإن كانت النسبة باقية على حالها .

توضيح: قد ذكرنا من صور انقلاب النسبة ما إذا كان بين دليلين عموم من وجه وأخرج الدليل الثالث مورد الاجتماع من تحت كليهما فحينئذٍ تنقلب نسبتهما إلى التباين بلا تعارض في البين حيث انّه من لزوم التعارض بعد فرض خروج مورد التعارض يلزم الخلف للفرض .

امّا إذا اخرج الثالث مورد افتراق أحدهما عنه فهذا المخصّص بالثالث يصير معنونا بعنوان المخصّص المخرج ولهذا يكون خاصّا والعموم والآخر باقٍ على حاله فيكون أعم من المخصّص فقد انقلبت النسبة إلى العموم المطلق كما قد

مورد انقلاب النسبة

ص: 719


1- . الوسائل 4 الباب 2/1 من أبواب لباس المصلّي .
2- . وسائل الشيعة 6 الباب 28/1 من أبواب السجود .
3- . وسائل الشيعة 6 الباب 28/1 من أبواب السجود .
4- . الوسائل 4 الباب 2/1 من أبواب لباس المصلّي .

ذكرنا انّه إذا كان بينهماالتباين فاخرج الثالث موردا من أحدهما فيكون معنونا بعنوانه وأخص من الآخر وتنقلب النسبة في الفرض إلى العموم والخصوص مطلقا ويعمل في كلّ مورد من هذه الموارد معاملته على ما سبق وبعض الموارد الآخر التي لم نذكر مرجعها إلى ما ذكر من الصور الثلاث .

هذاوقد يشكل في أصل مبنى انقلاب النسبة في هذه الموارد وان نسبة العام المباين للعام الآخر باقية على حالها بعد التخصيص بالدليل المخصّص وكذا في باقي الصور والأمثلة التي ذكرنا فيبقى نسبة العموم من وجه في العامين كما كانت ولو بعد لحاظ الدليل الثالث حيث ان المناط بالظهور والظهور الذي انعقد لا ينقلب عن ما انعقد عليه أوّلاً بلحاظ دليل آخر وإن كان يقصر لو كان أظهر أو نصّا بالنسبة إليه على ما سبق .

واجيب عنه بأنّ التعارض على ما تقدّم في بيان ضابطه وتعريفه إنّما يكونمن جهة عدم امكان الجمع بين مدلولي الدليلين في مقام الثبوت والجعل وانالظهور إنّما هو كاشف عن الجعل ومقام الثبوت وبعد لحاظ الدليل الثالث لا يمكن أن يبقى الظهور المتخيّل أوّلاً على كاشفيّته لعدم امكان جعل مكشوفه وما يدلّ عليه الدليلان الأوّلان مع لحاظ هذا الثالث لأنّ الكلام في ظهورات كلام المولى الحكيم الذي لا يتصوّر في كلامه إلاّ ارادته لمعناه وحينئذٍ فيعمل في استفادة المراد منه ما ذكرنا . هذا .

الا ان في الاشكال والجواب نظرا واضحا حيث ان المناط في الجمع بين الأدلّة ما هو الميزان عند العرف في محاوراتهم ولا اشكال في انهم يلاحظون الكلمات الصادرة في مقامات متعدّدة ولحاظ ظهورها معا لا انّهم يلاحظون في

ص: 720

ذلك الترتيب وان يعمل في ذلك بين كلّ دليلين ثمّ المحصّل بالنسبة إلى آخر .

وإذا كان الامر كذلك فليس إلاّ تخيّل نسبة انهدمت حيث ان التحقيق ان ظهور الخاص أو الأخص والأظهر إمّا حاكم على ظهور العام والخاص والظاهر أو هادم له لعدم(1) الفرق ين الظهورات المتّصلة والمنفصلة كما تبيّن في محلّه وحينئذٍ فالعام الذي يعارضه خاص لا ظهور له الاّ كما يكون للعام الذي يكون من الأوّل معنونا بعنوان هذا الدليل الخاص لأن دليل الحجيّة شاملة لكلّ من الأدلّة ونسبته إليها على حدّ سواء فلم تنعقد نسبة تكون حجّة في الدليل المنفصل من العام أو المطلق كي تنهدم بالعثور على الدليل الأخص فاللازم جمع الأدلّة في كلام واحد ثمّ الأخذ بالظهور المتحصّل من الجميع فاذا لاحظنا مثلاً أكرم العلماء مع قوله لا تكرم الفسّاق مع قول يكره اكرام الفسّاق من العلماء يعنون(2) أكرم العلماء بغيرالفسّاق كما يعنون الفسّاق بغير العلماء ويكون اكرام العلماء غير الفسّاق واجبا كما يحرم اكرام الفسّاق من غير العلماء وأمّا العلماء الفساق فخارج عن تحت كلا الدليلين ويكره اكرامهم وهكذا في كلّ ما يرد عليك فتفطن .

تذييل: لا خلاف ولا إشكال عند الفقهاء في عدم الضمان في عارية غير الذهب والفضّة إلاّ إذا اشترط فانّه وردت الرواية بالضمان كما اذاتعدّى أو فرط في ذلك ولا ريب في الضمان في عارية الذهب والفضّة المسكوكين أي الدرهم والدينار سواء شرط أو لم يشترط واختلف الكلام في عارية الحلي من الذهب والفضّة غير المسكوكين ومنشأ الخلاف اختلاف الأخبار فانّها على طوائف أربع

اخبار ضمان العارية وعدمه

ص: 721


1- . فيه منع .
2- . الخروج غير التعنون .

احداهما مطلقات(1) بأن لا ضمان في العارية ومنها ما يستثنى من اطلاقها خصوص(2) الدرهم كالاخرى(3) التي يستثنى منها خصوص الدينار في كلتيهما سواء شرط أو لم يشترط والرابع لا ضمان(4) في العارية إلاّ الذهب والفضّة .

وقبل الخوض في ذلك ينبغي الاشارة إلى انطباق ما ذكرنا في بعض الصور السابقة من انه إذا ورد خاصان أحدهما أعم من الآخر انه يعنون العام بالأعم بلا انقلاب نسبة لازمة من تخصيص العام بأخصّهما ثمّ ملاحظة النسبة وما نحن فيهعينا من هذا القبيل .

ثمّ لا يخفى تعنون العام المطلق وخروجه عن اطلاقه بهذه المخصّصات فلا عام فوق حتّى يكون مرجعا عند المعارضة فلابدّ من لحاظ الظهور بين الطوائفالثلاث من الخاصّات كما انّه لا اشكال في عدم تعارض بين الطائفة الثانية التي تستثنى من ضمان العارية خصوص الدرهم والثالثة التي تستثنى خصوص الدينار حيث انّه يقيّد عقد السلب أي المستثنى منه في كلتيهما بعد ايجاب الآخر شمول المستثنى له بالاطلاق فيخرج بمنطوق المستثنى في الآخر .

أمّا الحلي أي الذهب والفضّة غير المسكوكين فداخلة تحت اطلاق هاتين الطائفتين في عقد السلب والمستثنى منه فانّه باطلاقه يقتضي عدم الضمان في عاريته فمضمونه لا ضمان في العارية سواء كان من الذهب والفضّة أو غيرهما مسكوكين أو غيره الاّ المسكوكين ومقتضى الطائفة الثالثة تحقّق الضمان فيه فان

ص: 722


1- . وسائل الشيعة 19 الباب 1 - 3/2 - 3 الى 10 - 3 - 1 - 2 - 4 .
2- . وسائل الشيعة 19 الباب 1 - 3/2 - 3 الى 10 - 3 - 1 - 2 - 4 .
3- . وسائل الشيعة 19 الباب 1 - 3/2 - 3 الى 10 - 3 - 1 - 2 - 4 .
4- . وسائل الشيعة 19 الباب 1 - 3/2 - 3 الى 10 - 3 - 1 - 2 - 4 .

ثبوت الضمان في الذهب والفضّة باطلاقه يشمل ما إذا كان غير المسكوك .

فحاصل الكلام في الطوائف الأربع من أخبار الضمان في العارية والمستفاد منها تحقّق الضمان في الدرهم والدينار اشترط أو لم يشترط وعدمه في غير الذهب والفضّة إلاّ مع الشرط وقد وقع الخلاف في عارية الذهب والفضّة غير المسكوك منهما فذهب بعضهم في ذلك إلى تعارض الأخبار وقد مرّ عليك مضمونها إلاّ انّ صاحب الجواهر قدس سره (1) مهّد في هذا المقام مقدّمة لتحقيق الجمع بين الأخبار وادّعى انّ ذلك مثل أن يقول أكرم الناس ثم¨ يقول في الدليل المخصّص لا تكرم زيدا ولا تكرم عمروا وفي المخصّص الثاني لا تكرم الجهّال من الناس إلاّ ان تخصيص زيد وعمرو بالذكر مع شمول قوله لا تكرم الجهّال لهما لخصوصيّة فيهما ولا إشكال في تخصيص العام بكلّ واحد من المخصّصين بلا ريب وليسموقعا للكلام والقيل والقال . فالمقام من هذا القبيل حيث ان هنا خاصين أحدهماأعمّ من الآخر وقد تقدّم في بعض ما سبق تخصيص العام بكلا الخاصّين ما لم يلزم قلّة المورد والاستهجان أو استيعاب العام وليس كذلك هنا فانّه يخصّص العام بالذهب والفضّة وتحقّق الضمان في عاريتهما بلا تقيد ولا معارضة وإنّما توهّم المعارضة بعض وقبلها بعض الافهام الردّية خلافا لصاحب الكفاية والرياض حيث ذهبا إلى تحقّق المعارضة والعموم من وجه ولا يكون مفاد العام بعد التخصيص بالدراهم والدنانير هو لا ضمان في غير الدراهم والدنانير .

( أقول: لم يفد كلام صاحب الجواهر كيفيّة تحقّق المعارضة عندهما ) .

وحاصل هذا الكلام عدم تعنون العام بالخاص واستشكله سيّدنا الأستاذ قدس سره

الجمع بين الروايات

ص: 723


1- . جواهر الكلام 27/185 - 186 .

بأنّه خلاف المبنى وان مرجع روايتي استثناء(1) الدراهم والدنانير عمّا لا ضمان فيه إلى عدم تحقّق الضمان إلاّ في الدراهم والدنانير حيث ان منطوق الاستثناء في كلّ منهما أظهر ونصّ بالنسبة إلى مفهوم الآخر أو عقده السلبي ولذا يقدّم عليه ويخصّص العام به أو الاطلاق ومصبّه لاختلاف المستثنى منه والمستثنى في الحكم ايجابا وسلبا فلا معارضة بين هاتين الطائفتين من الروايات كما لا معارضة بينهما وبين العام الفوق الذي لا استثناء فيه بالنسبة إلى عدم الضمان في العارية مطلقا .

وأمّا الطائفة(2) التي يستثنى فيها خصوص الذهب والفضّة فليس الامر فيهاكما قاله صاحب الجواهر(3) وليس المقام وما ذكره من المثال متّحدا فانّه لا اشكال في ما ذكره من المثال من ورود التخصيص بالجهال وبزيد وعمرو علىالعام بخلاف المقام في خصوص الذهب والفضّة لكون النسبة بينهما وبين رواية استثناء(4) الدراهم والدنانير العموم من وجه لاشتمال عقد المستثنى منه السلبي في روايتي الدراهم والدنانير على الحلّى أي غير المسكوك من الذهب والفضّة وبهذه الجهة يكون لا ضمان في عاريتهما بدون الشرط بخلاف عقد المستثنى في الطائفة الرابعة المستثنى فيها الذهب والفضّة فانّها باطلاقها تدلّ على ثبوت الضمان في الحلّي أي غير المسكوك من الذهب والفضّة .

نعم لا تخالف بينها وبين الطائفتين الأوليين في المستثنى منه إنّما التعارض

ص: 724


1- . وسائل الشيعة 19 الباب 3/3 - 1 من أبواب العارية .
2- . الوسائل 19 الباب 3/2 من أبواب العارية .
3- . جواهر الكلام 27/185 - 186 .
4- . الوسائل 19 الباب 3/3 - 1 من أبواب العارية .

في عقد المستثنى منه لهما وعقد الاستثناء في الرابعة(1) . ثمّ في هذه الصورة إمّا أن يرجع إلى العام الذي هو الفوق وهو عدم ثبوت الضمان في العارية مطلقا امّا لكونه مرجّحا للموافق له أو مرجعا بعد تساقطهما في مادّة الاجتماع كما كان المرحوم الميرزا محمّد تقي الشيرازي يصرّ على هذا المبنى وأمّا لا هذا ولا ذاك بلا ردّ التخصيص والعنوان عليه كما ورد على الطائفتين الأوليين باستثناء(2) الدراهم والدنانير فان ظهور الخاص في الخصوص إمّا أن يكون هادما لظهور العام فلا يبقى له ظهور في العموم بعد ورود التعبّد بالخاص ويكشف عن عدم ارادة المولى العموم من العام أو لا بل يكون بأخصيّته أظهر منه وإن لم يهدمه فيقدم عليه وحينئذٍ فكما ورد التخصيص بالعامين المتّصل بهما المخصّص في هاتين الطائفتين كذلكبالنسبة إلى العام المجرّد عن ورود المخصّص عليه .

نعم قد يقال بالانصراف الحاصل من كثرة عارية الذهب والفضّة غيرالمسكوكين بحيث يكون عارية المسكوك نادرا فيوجب ذلك انصراف الدليل في قوله إلاّ الذهب والفضّة في الطائفة الرابعة إلى غير المسكوك أو كون المراد بالدراهم والدنانير في الطائفتين الأوليين غير المسكوك بلحاظ الندرة والقلّة الاّ ان في كلا الوجهين نظرا لعدم كون قلّة الأفراد وكثرتها موجبة للانصراف إلى الكثير الشايع وتبادر غير النادر . هذا ان فرض تسليم الندرة والكثرة وإلاّ فكثيرا ما يستعار المسكوك لحصول الاعتبار في نظر الناس وان أفاد الندرة المرحوم النائيني(3) ولم يعلم منه الالتزام والبقاء عليها .

سقوط الدلالة الالتزاميّة في المتعارضين

ص: 725


1- . الوسائل 19 نالباب 3/1 من أبواب العارية .
2- . الوسائل 19 نالباب 3/3 - 1 من أبواب العارية .
3- . فوائد الأصول 4/752 .

فعلى هذا لا يبقى بعد تعارض الروايات إلاّ الشكّ والرجوع إلى الأصل العملي بعد قصر اليد عن تناول الدليل الاجتهادي والأصل في المقام هو عدم الضمان والبرائة منه .

فصل: إذا لم يكن في أحد الخبرين المتعارضين مزيّة على الآخر في الدلالة يمكن الجمع بينهما عرفا على ما ذكرنا من الوجوه السابقة في طريق الجمع العرفي فلا اشكال في ان مقتضى القاعدة الأوّليّة التساقط إلاّ انّه ربما يقاس ذلك بمقطوعي الصدور وانّه كما يجب العمل بهما إذا أمكن وتأويل أحدهما أو كليهما إذا لم يمكن الجمع بينهما عرفا فكذلك في المتعارضين الذين يقع التعبّد بسندهما كما بدلالتهما هذا . الا ان فيه بطلان ما ذكر في المقيس عليه وعدم تسليم وجوب تأويل المتعارضين في مقطوعي الصدور كالآيتين إذا لم يمكن العمل بظاهرهما للتنافي وأن لم يمنع ذلك من قرائتهما فتجوز إلاّ انّ التأويل ليس بواجب وما ذكرمن قاعدة الجمع مهما أمكن أولى من الطرح فيه ما قد عرفت من عدم جريانها فيما نحن فيه .

نعم لو اريد بها ما يكون خارجا عن ما نحن فيه من الجموع العرفيّة التي يشهد بصحّتها ما هو الميزان عند أهل المحاورة فصحيح إلاّ انّه لا يفيد فاذا كان الأمر في مقطوعي الصدور هكذا فكيف بالخبرين اللذين لانقطع بصدورهما بدون المعارضة فضلاً عن معارضتهما فيتساقطان سواء قلنا بالمعارضة بين سند كلّ ودلالة الآخر وظهوره أم لا بل أوقعنا المعارضة بين سنديهما .

وعلى كلّ حال فلا معنى للتعبّد بالسند أو مع الدلالة أو بالدلالة التي تبتلي بالمعارض ويكون نتيجة التعبّد الاجمال ( نعم إذا تعبّد بدليل يوجب اجمال دليل

ص: 726

آخر فله وجه كما إذا قال لا تكرم بعض العلماء فانّه يوجب حصول العلم الاجمالي بحرمة اكرام بعض العلماء الذين أوجب اكرامهم لكنّه خارج من باب التعارض ولا ربط له بما نحن فيه ) اللهمّ إلاّ أن يكتفي بالموافقة الالتزاميّة في الخبرين المتعارضين لكنّه يمكن الاكتفاء عنه بمجرّد الالتزام بكلّ ما جاء به النبي صلی الله علیه و آله .

هذا إذا كان مناط الحجّيّة في الخبر أو في الدلالة هو التعبّد وإلاّ فعلى الطريقيّة والامضاء لمافي الطريقة فلا اشكال في عدم شمول دليل الاعتبار واستقرار السيرة وعمل العقلاء على الأخذ بهما معا أو أحدهما بل حيث تعارضت الطرق عندهم لا يعملون بها وتتساقط ويكون الأمر عندهم كما إذا لم يكن طريق فاتّضح ان دليل التعبّد لا يشمل المتعارضين معا وأحدهما بلاتعين ترجيح بلا مرجّح ولا يشمله دليل الاعتبار لو كان هو التعبّد وأمّا على الطريقيّة فقد عرفت انّ

الأمر أوضح من ذلك فحينئذٍ يرجع إلى ما هو مقتضى الأصول من البرائة أو أصولآخر في المقام كما حقّق في الشكّ في التكليف في صورة تعارض النصينوالخبرين وانّه يرجع إلى البرائة كما هو الحقّ المحقّق وإن ذهبت جماعة من الأخباريين إلى الاحتياط إلاّ ان الكلّ اتّفقوا على البرائة في الشبهة الوجوبيّة هذا .

لكن ربما يقال بعدم سقوط حجيّة المتعارضين في الدلالة الالتزاميّة في نفي الثالث وهذا يحتاج إلى توضيح وهو ان الدلالة الالتزاميّة تارة نقول انّها دلالة لفظيّة من سنخ المفاهيم واخرى انّها دلالة عقليّة حيث ان قوله الشيء الفلاني حرام أو واجب لا دلالة له على نفي باقي الأحكام عن موضوع التكليف ومتعلّقه بل إنّما هو من جهة تضاد الأحكام بأنفسها وإلاّ فمع قطع النظر عن ذلك فلا دلالة لقوله

التعارض موجب للتساقط

ص: 727

حرام أو واجب على انّه ليس بمكروه أو مستحب أو مباح . فاذا صحّ هذا واّنه لا يكون إلاّ عقليّا فالظاهر عدم امكان بقاء هذه الدلالة وشمول دليل الحجيّة لها بعد سقوط حجيّة الدلالة الأصليّة والمطابقيّة وعدم شمول دليل الحجيّة سواء كان هو التعبّد أو طريق العقلاء فانّه إن كان هو التعبّد فهذه الدلالة فرع الدلالة المطابقيّة وإذا لم يتعبّد بها فكيف يتعبّد بما هو تبع لأنّ التابع تابع للمتبوع حتّى في شمول دليل الحجيّة وإذا لم يشمل فلا حجيّة له ولذلك ذهب المحقّق الخراساني رحمه الله(1) إلى عدم دلالتهما التزاما على نفي الثالث وخالفه المحقّق النائيني رحمه الله(2) في ذلك حيث ذهب

إلى عدم سقوط دليل الحجيّة وقصوره عن شمول دلالته الالتزاميّة على عدم تعلّق باقي الأحكام في كلاالدليلين المتعارضين وقد يقرب كلامه بتنظيره بما إذا كان للكلام مفهوم مبتلى بالمعارض فكما انّه لا يوجب ابتلاء المفهوم بالمعارضسقوط منطوقه عن الحجيّة بل يعمل به فكذلك المقام وبالعام المخصّص فانتخصيص وتقديم دليل الخاص على العام في مدلوله لا يوجب سقوط العام في الباقي عن الحجيّة وبالجملة فحال ما نحن فيه حال الرواية الواحدة الشاملة لأحكام عديدة وجملات متعدّدة فانّه تنحل إلى روايات وأحكام متعدّدة حسب تعدّد مضامينها وان سقوط بعضها عن الحجيّة للمعارضة لا يصير سببا لسقوط باقي الجملات وهكذا .

لكن يدفعه ان الأمر في ما نحن فيه على العكس وان الدلالة المطابقيّة التي تكون الدلالة الالتزاميّة على فرض كونها من سنخ المفاهيم فرعا لها لا اشكال في

هل التساقط يمنع عن نفي الثالث

ص: 728


1- . هذا خلاف نصّ الكفاية 2/385 .
2- . فوائد الأصول 4/755 - 756 .

عدم جريان ما ذكر فيها خصوصا مع التعبّد لكونه متعلّقاً بالمطابقيّة فاذا لم تكن فلا دليل على اعتبار الالتزاميّة وكذلك على الطريقيّة حيث ان في صورة تعارض الخبرين لا بناء للعقلاء على الأخذ بهما كما لا يأخذون بما هو لازم لهما على فرض عدم كونهما متعارضين كيف واحتمال الكذب فيهما مانع من ذلك وان هذه الدلالة إنّما تتمّ على فرض وجود المطابقيّة لأن المطابقيّة مؤدّاها ثبوت الحرمة والاخرى مثلاً الوجوب ولا اشكال في تضادّهما أمّا إذا كانا محقّقين موجودين لا في مثل المقام الذي لا كاشف عن أحدهما فضلاً عن كليهما فكيف يمكن الحكم بنفي الكراهة وباقي الأحكام الخمسة مع عدم استقرار دلالة على الوجوب أو الحرمة اللازم من فرض وجود أحدهما عدم باقي الأحكام فتدبّر .

اللهمّ إلاّ أن يقال بأنّه على فرض الطريقيّة وكون الطرق امضائيّة يرون لمدلولهما الالتزامي أهل المحاورة مكانا ويحكمون بذلك حسب ارتكازهم كما هو ظاهر لمن راجع وجدانه في ما يرد عليه من الخبرين المتعارضين في العرفيّات فيأخذ بلوازمهما وإن كان الملزومان بعد متعارضين وربما يكون كلاهماكاذبين لكنّه فاسد ومدفوع بالمنع منه .ثمّ انّ نتيجة مختار المحقّق النائيني قدس سره عدم الرجوع إلى الأصل بل مقتضى القاعدة العمل بها ( أي الدلالة الالتزاميّة ) مثلاً الاحتياط الا انّه نبّه(1) هنا على عدم جريان هذا الكلام في كلّ مقام بل في ما إذا كان محلّ النفي والاثبات واحدا ويتوارد الحكمان المتعارضان على مورد واحد فلو كان المتعلّق مثلاً متعدّدا كما إذا كان مؤدّى أحد الدليلين وجوب صلاة الجمعة يوم الجمعة ومفاد الآخر وجوب

اختلاف المتعارضين على المباني

ص: 729


1- . فوائد الأصول 4/757 .

صلاة الظهر مع الاجماع على عدم وجوب صلاتين يوم الجمعة ظهرا فهو خارج عن ما ذكره فلا يدلاّن على نفي الثالث الذي هو في المقام على تقدير الالتزام بمجيئه هنا عدم وجوب صلاة اخرى غيرهما يوم الجمعة هذا وإن كان واضحا مسلما الا ان الثمرة عرفت انها تظهر في عدم جواز الرجوع إلى البرائة في الحكم وإلى عدم وظيفة اخرى غيرهما بل يحتاط باتيانهما معا .

والحاصل انّه لادلالة لكلّ من الدليلين على نفي مدلول الاخر بعد اتّفاقهما كليهما على الوجوب واختلافهما في تعيين متعلّقه جمعة وظهرا ولو لا الاجماع كان الثابت كليهما لعدم التنافي فالتنافي لو لزم إنّما هو لدليل خارجي خارج عن مورد الدليلين ولذلك لا دلالة لهما على عدم تعلّق الوجوب بموضوع ومتعلّق آخر كما ذكرنا هذا .

ثمّ انّ الدليلين المتعارضين كما أشرنا إن لم يكن لأحدهما مزيّة على الآخر بحيث توجب رجحانه ويكون عليه العمل يختلف أمرهما حسب اختلاف المباني على السببيّة الراجعة إلى التصويب الاشعري المجمع على بطلانه والسببيّة الراجعةإلى التصويب الذي ربما التزم به بعض الاماميّة وعلى الطريقيّة . ومحصّل الوجهفي اختلاف هذه المشارب ان السببيّة بالمعنى الأوّل الذي ينسب إليهم عبارة عن عدم حكم واقعي في المقام أصابه من أصاب وأخطأه من أخطأ بل الحكم هو ما أدّى إليه ظنّ المجتهد ونفس قيام الامارة على شيء يحدث فيه مفسدة أو مصلحة موجبة للأخذ به والالتزام بمضمونه في مقام العمل ولا بعد منهم في الالتزام بهذا المعنى الفاسد الذي لا يقول به عاقل حيث انّهم أنكروا ما هو أوضح من هذا فذهبوا إلى انكار الحسن والقبح العقليّين وانّه لا طريق للعقل إلى معرفة حسن

ص: 730

شيء أو قبحه بل لابدّ في ذلك من بيان الشارع وانّه كل¨ ما حسّن أو قبّح يكون حسنا أو قبيحا وهذا مرجعه إلى كون مؤدّى الامارة بما هو مؤدّاها فيه مصلحة أو مفسدة وانّه ليس التكليف بالواقع بل الواقع هو هذا كما في مثل حكومة لا ضرر ولا حرج على أدلّة الأحكام الأوليّة حيث ان متعلّق الأحكام الأوّليّة بما انّها ضرري أو حرجي حكمها غير حكمها الأوّلي بل ما حمل عليهما بهذا العنوان الأخير الثانوي وكما إذا نذر فعل مباح فانّه يوجب كونه واجبا بهذا العنوان الثانوي الذي حصل من قبل المكلّف وهذاالتصويب لا يلتزم به أحد من الاماميّة قدّس اللّه أسرارهم بل أجمعوا على بطلانه وإن كان يمكن أن يرجع إليه ما حكى عن صاحب الفصول فيما أفاد في كلامه من ان مرجع القطعيين إلى قطع واحد وانّه نحن اليوم مكلّفون بمؤدّى الامارات وإن كان الشيخ رحمه الله وجّه كلامه بما يوافق المذهب الحق فراجع .

وأمّا الثاني وهو السببيّة التي ربما التزم بها بعض الاماميّة الملائمة للطريقيّة أن يكون الواقع على هو ما عليه لا يتغيّر ولا يتبدّل بخلاف الأوّل فان قيام الامارة

مبدله من الحرمة إلى الوجوب أو بالعكس مثلاً وانه يغلب ما يوجبه ويحدثه قيامالامارة على الواقع ويكون الحكم على طبقه أي الغالب لكن الأمر في هذا القسممن السببيّة ليس كذلك لبقاء الواقع على ما هو عليه من المصلحة أو المفسدة .

غاية الأمر يجعل طريقا للوصول إلى الواقعيّات على نحو ان أخطأ الطريق ولم يصب الواقع كان سلوك هذا الطريق والامارة وافيا بمقدار ما فات منه من المصلحة أو موجبا لانجبار ما وقع فيه من المفسدة لأن جعله إنّما يكون في حال الانفتاح الذي لو لم يكن جعل هذا الطريق كان على المكلّف ادراك الواقع حسب

تعارض الدليلين على السببيّة

ص: 731

مايلزمه العقل بادراكه واستيفاء ما فيه والتحذّر عن مفسدته فكلّما فات من المكلّف بسلوك هذا الطريق لابدّ أن يتدارك من ادراك فضيلة أوّل الوقت فيتدارك هذا المقدار أو مصلحة تمام الوقت فكذلك أو أصل المصلحة فكذلك إلى تمام العمر فان مات على هذا فلابدّ أن يكون السلوك وافيا بتمامه وإلاّ فلايعقل تصدّي المولى الحكيم بجعل ذلك الطريق المفضي إلى فوت الواقع من المكلّف مع عدم وجود المصلحة الملزمة في دركه واستيفائها بل لا يحتمل صدور القبيح منه فضلاً عن وقوعه .

نعم هنا كلام في انه لو انكشف الخلاف لوليّ الميّت مثلاً في انه صلّى بعض صلواته على غير ما هو واجب أن يأتي به فهل حينئذٍ ذمّته مشغولة بالاتيان أم لا بل حيث انّه مات فلا موضوع كي يتوجّه خطاب القضاء والتدارك إلى وليّه .

وهذا بخلاف النحو الأوّل فانّه لا انكشاف للخلاف فيه بل الواقع كلّه هو ما أدّى إليه الامارة وقام به الطريق وهذا بخلاف القسم الأخير فانّه في طول الواقع لا يوجب تغير الواقع على ما هو عليه .

إذا عرفت هذا فاعلم انّه بناء على القسم الأوّل من السببيّة إذا تعارض دليلان فيكون الخطابان كالمتزاحمين في انّه يعمل بالأهم منهما إن كان وإلاّفالتخيير .

لكن المحقّق النائيني اعمل(1) هنا دقيقة وهي انه إنّما يصار أمرها إلى التخيير على ما ذكرنا إذا كان التزاحم بينهما من قبيل تزاحم التضاد كما إذا تعلّق

ص: 732


1- . فوائد الأصول 4/759 - 760 .

الخطاب بأداء الدين وخطاب آخر بالصلاة فحينئذٍ إذا لم يعرف الأهم يتخير في أيّهما شاء بخلاف ما إذاكان المتعلّق ممّا تعارضا فيه واحدا فانّه يرجع إلى تزاحم المقتضيين كما إذا كان مؤدّى أحدهما وجوب شيء ومؤدّى الآخر حرمته فحينئذٍ ليس للمكلّف أن يعمل بهذا أو ذاك ويكون استوفي مقداره من المصلحة أو احترز عن مفسدته كذلك بل حيث ان مآلهما إلى ذلك لا يحكم على طبق أحدهما في صورة التساوي كما هو مفروض الكلام وعدم معرفة الأهم الغالب منهما وحينئذٍ يكون المرجع هو البرائة .

وهذا نظير ما لو نذر المكلّف فعل شيء ونذر وكيله أو غيره فضولاً بناءً على جوازه في النذر وشبهه على تركه فانّه لا يجب عليه العمل بأحدهما واعطاء الكفّارة لحنث الآخر بل لا يجب كلّ واحد منهما عليه فكذلك الدليلان المتعارضان في ما نحن فيه .

والنتيجة: انّه بناء على كون قيام الامارة موجبا لحدوث المصلحة أو المفسدة في المؤدّى على طبقها ويكون المؤدّى حينئذٍ بالعنوان الثانوي حراما أو حلالاً واجبا أو محرّما كالتقية المغيرة للواقع وان هذا هوالتصويب الذي يقول به المعتزلة وأجمع الاماميّة على خلافه لا لدليل عقلي فانّه لا امتناع عقلاً في ذلك بل

لقيام الاجماع إلاّ في موردين وهما مسئلتا الجهر والاخفات والقصر والاتمام فانّهقدورد النص(1) في كليتهما بذلك وقد دفع الكل الاشكال عنه بوجه حتّى يوافق القواعد .

ص: 733


1- . وسائل الشيعة 6 الباب 26/1 من أبواب القرائة في الصلاة والوسائل 8 الباب 17/4 من أبواب صلاة المسافر .

فعلى هذا يكون نتيجة المتعارضين في مقام العمل التخيير لكن فيما إذا لم يكن بين الفعل والترك وقامت الامارة على وجوبه والآخر على حرمته فانه يرجع إلى التزاحم في المقتضيين وقد تقدّم انّه راجع إلى التعارض ولا يكون من التزاحم حيث قد ذكرنا في بعض المباحث السابقة ان التزاحم إن كان في مقام الداعويّة لجعل المولى بحيث لا يمكنه اجابة كلتا الدعوتين فلا محالة يكون الجعل على طبق الغالب من المصلحة والمفسدة فامّا أن يكون هو الوجوب أو الحرمة أو حكما ثالثاكالكراهة والاباحة والاستحباب إذا لم يكن هناك غلبة مقتضية لذلك بل التخيير إنّما هو في ما لم يكن الأمر من هذا القبيل بأن كان مورد التعارض بنحو يمكن اختيار كلّ من طرفي التعارض بلا رجوع إلى التزاحم في المقتضى وعالم الجعل وقد فرض المحقّق النائيني(1) لذلك بما إذا كان التزاحم من قبيل الأمر بالشيء والأمر بضدّه لكن استشكله سيّدنا الأستاذ قدس سره برجوعه إلى التزاحم وأي ربط لباب التزاحم بباب التعارض كي يكون النتيجة التخيير عند عدم امكان العمل بكليهما خصوصا إذا كان التزاحم اتّفاقيّا كما إذا كان مخاطبا بالصلاة وأداء الدين .

نعم إذا كان التزاحم دائميّا فيرجع إلى التعارض على اشكال في التفصيل قد تقدّم إلاّ ان ما ذكره سيّدناالأستاذ كأنّه بلا وجه حيث ان نظر المحقّق النائيني قدس سره فيذلك إلى تحقّق التعارض فان مرجع كلّ تضاد إلى التناقض إلاّ ان لكلام سيّدناالأستاذ وجها لو كان أراد التساوي والاطلاق وكيف كان فهذا بناءً على السببيّة التي ذهبت المعتزلة إلى اختيارها أمّا بناء على كون المصلحة في سلوك الامارة فقد يقال كما عن الشيخ قدس سره ان في هذه الصورة أيضا يتخيّر في الأخذ بأيّهما شاء

في المصلحة السلوكيّة

ص: 734


1- . فوائد الأصول 4/759 .

كما في السببيّة التي توافق مذهب التصويب وأورد عليه المحقّق النائينى(1) بأن ذلك إنّما هو في فرض عدم سقوط الطريقيّة فاذا تعارض الطريقان فلا يبقى موضوع لمصلحة السلوك إلاّ انّ سيّدنا الأستاذ قرب بوجه آخر وهو انّه لابدّ في المصلحة السلوكيّة من كونها قائمة بالحجة فاذا لم تكن حجّة فلا مصلحة في سلوك ما لم يكن بعد طريقا فان الفرض ان خبر العادل بما هو لا يوجب حدوث مصلحة في المؤدّى وما لم يعتن به الشارع فلا اعتبار له فحينئذٍ إذا جعله حجّة وطريقا يكون مصلحة في سلوكه عند عدم مصادفته للواقع بحيث يكون عذرا .

فانّ المصلحة السلوكيّة على ما حقّق في محلّه إنّما يلتزم بها في صورة انفتاح باب العلم وتمكن المكلّف من الرجوع إلى الامام علیه السلام وأخذ المسائل عنه فحينئذٍ إذا جعل له طريقا مفوّتا للواقع له في بعض الأحيان فنكشف من تدارك الشارع هذا المقدار من الفائت من المكلّف كيف ما كان ان قليلاً فقليلاً وإن كثيرا فكثيرا ولا يخفى ان هذا إنّما يكون في الموقتات في خصوص الواجبات .

أمّا المحرّمات فيمكن عدم اندفاع الاشكال فيها بعدم فوت المصلحة بل سلوك الامارة أوقعه في مفسدة الحرام ولا تدارك عليه وإن كان يمكن دفعه بأن سلوك الامارة والاغناء والاعتماد بها يمكن قيامه بتدارك المفسدة الواردةوالضرر الواقع عليه من ناحيته فاذا كان الأمر كذلك فلا تكون هذه المصلحة فيسلوك الامارة إذا لم يكن موضوع لها فعند التعارض لا يشمل دليل الحجيّة لكليهما لفرض التعارض كما لا يشمل كلاًّ منهما تخييرا عند عدم العمل بالاخر واحديهما لا بعينها أيضا مضافا إلى انه ترجيح بلا مرجح لا دليل عليه فلا يبقى

ص: 735


1- . فوائد الأصول 4/761 .

مورد للمصلحة السلوكيّة .

نعم لو أراد السلوك رجاءً فلا نضايفه ( لا يخفى ان الرجاء في غير صورة احتمال الحرمة ) إلاّ انّ الكلام في الاعتماد على الامارة المتعارضة والتدين بها واسنادها الى المولى وفي الفرض بدون الرجاء يكون من التشريع المحرم .

فظهر ممّا ذكرنا انّه لا وجه لاحتمال التخيير بناء على هذا الفرض ( لا يخفى ان هذا خروج عن محلّ النزاع فتأمّل ) فانّ المولى لا مانع منه تسهيلاً على المكلّفين من جعل طرق لهم منّة ولابدّ على هذا الفرض من الأوّل الترخيص في مخالفة التكليف لو خالفه الطريق .

هذا كلّه في الامارات القائمة في مورد الأحكام وأمّا في باب الحقوق والوضعيّات ففيه وجوه:

فالأوّل: كما إذا قامت بيّنة على كون ما في يد ثالث لزيد واخرى على كونه لعمرو فقد يقال بالتخيير كما ذهب إليه المحقّق النائيني(1) بناء على كون ذلك عملاً بالبينتين بقدر الامكان لكنه يتمّ على الموضوعيّة وإلاّ فعلى الطريقيّة لا ريب في التساقط حتّى في المدلول الالتزامي كنفي كون المال لغيرهما .

هذا إذا لم يدع من في يده المال كونه له .أمّا إذا ادّعى فبعد التساقط يحكم بكونه له وكالصورة الأولى ما لو قال منفي يده ان هذا لأحد هذين أو لهؤلاء فيمكن الرجوع إلى قاعدة العدل والانصاف كما في الدرهم(2) التالف من الودعيين لأحدهما درهمان وللآخر واحد فتلف

تعارض البيّنات

ص: 736


1- . فوائد الأصول 4/762 .
2- . الوسائل 18 الباب 12/1 من كتاب الصلح .

واحد منها فيردّ الواحد إلى صاحب الاثنين والواحد ينصف بينهما لعدم المرجّح لأحدهما ويمكن أن يقال بالقرعة .

وأمّا في الوضعيّات فيمكن كونها مثل الحقوق كما انه يمكن كونها كالامارات القائمة في الأحكام .

خلاصة ما سبق: قد ذكرنا تعارض باب البيّنات بمناسبة تعارض الخبرين فانّ التعارض كما يقع في الأدلّة المتكلّفة للأحكام كذلك يقع في الموضوعات كالبيّنات وكما في باب اليد وكذلك يقع في باب الوضعيّات والأصل والقاعدة الأوّليّة في مطلق التعارض يقتضي التساقط لو كان من باب الطريقيّة كما في باب البيّنات ولهذا الباب فروع كثيرة وأحكام مختلفة ربما تشتمل على كثير من مباحث القضاء لكنّه حيث لا ربط لها بما نحن فيه وخارج عمّا نحن بصدده فالاعراض عنها أحرى .

فلنرجع إلى شرح مرام المحقّق النائيني قدس سره في ما أفاده في هذا المقام فانّ المال(1) إذا كان في يد ثالث فربما يدّعي الملكيّة في قبال دعوى مدعيين اقاما على حسب دعواهما البينة واخرى لا يدّعي ذو اليد الملكيّة بل يسكت كما ربما يعترف بكونه لأحد هذين ولا يعرفه بعينه أو نسي ففي الصورة الأولى لا اشكالفي الحكم بكونه ملك صاحب اليد لتعارض البينتين من الطرفين وتبقى اليد سليمةعن المعارض وأمّا الصورة الثانية والثالثة فالكلام فيهما وفي أمثالهما من الموارد التي لا يعرف المال لأحد بعينه وله نظائر في كثير من الأبواب كباب الوقف وغيره فهل العمل على طبق قاعدة القرعة أو يعمل بمقتضى قاعدة العدل والانصاف ؟

ص: 737


1- . فوائد الأصول 4/762 .

ربما يمكن أن يقال بتعين العمل بقاعدة العدل والانصاف لاستقرار بناء العرف والعقلاء عليها عند عدم مورد تشخيص حق المتداعيين فلذا تقدّم على القرعة حيث ان الأصحاب لم يعملوا بقاعدة القرعة وإن كانت(1) هي لكلّ أمر مشكل لكنّه تختصّ بما إذا لم يكن مورد للحكم الواقعي ولا الظاهري فاذا كان في موردها حكم ظاهري فحينئذٍ لا مجال للعمل بها لا لأنّ الأصحاب ظفروا بقرينة متّصلة بأدلّتها اتّفقوا على عدم كتبها وضبطها وايصالها إلى من بعدهم بل للفهم عن ظاهر دليلها ذلك .

فان نسبة الاتّفاق والتعهّد على عدم الكتب والحفظ للقرائن الحافة بمثل هذه الأدلّة في موارد كثيرة في الفقه إلى الأصحاب لا يخلو من مجازفة .

فالاولى أن يقال ما ذكرنا ويمكن الاستيناس لصحّة هذه القاعدة بعدّة موارد في الروايات المختلفة هذا .

نعم إذا لم يبق مورد للقواعد الآخر ولا أصل موضوعي وغيره فحينئذٍ لا بأس بالعمل باخبار(2) القرعة لتحقّق موضوعها عند ذلك . لكن فيه ان قاعدة العدل والانصاف ممّا لا أصل لها لا عقلاً ولا عرفا ولا شرعا بل لو تمّت لقلنا والتزمنا بماذكر وقدمناها على قاعدة القرعة الا انه لا دلالة عقل ولا عرف على صحّة قاعدةالعدل والانصاف .

وأمّا الأخبار الواردة في الموارد المتفرّقة فلا يمكن منها استفادة القاعدة الكليّة .

ص: 738


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 13/11 - 18 من أبواب كيفيّة الحكم واللفظ كلّ مجهول ففيه القرعة .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 13 من أبواب كيفيّة الحكم .

نعم لا بأس بالعمل بها في مواردها كخبر البعير الذي ورد انّه بينهما نصفان .

ففي رواية تميم(1) بن طرفة ان رجلين ادّعيا بعيرا فأقام كلّ واحد منهما بيّنة فجعله أميرالمؤمنين علیه السلام بينهما .

وكخبر الدرهم(2) الودعى ولا يخفى ان فرض ذلك على نحوين فتارة يكون الدرهم من أحدهما والدرهمان من آخر مختلطا بعضها ببعض فحينئذٍ تحقّق فيها الشركة فما توى توى منهما وما بقي بقي لهما ويكون على هذا ما بقي بينهما أثلاثا فيعطى صاحب الدرهم ثلث الدرهمين ولصاحب الدرهمين ثلثيهما وعلى هذا فالرواية مخالفة للقاعدة لكنّها تنطبق على النحو الآخر كان لا يكون على نحو الشركة بل كان مواضع الدراهم الثلاثة مختلفة ففقد واحد منها ولم يدر الودعى ان الفاقد من مال أيّهما ففي الواقع إمّا أن يكون المفقود من مال صاحب الدرهمين فلصاحب الدرهم الواحد درهمه ولا ينقص منه شيء وإن كان منه فلا نصيب له إلاّ ان مقتضى الرواية ان لصاحب الدرهمين درهما ونصفا والنصف الآخر مال صاحب الدرهم فيكون القسمة بينهما أرباعا وهذا بخلاف الفرض الأوّل فهو أثلاثا لرجوع المفروز من ملك كلّ منهما مشاعا بالاختلاط .ولا يخفى ان المسئلة على هذا لا تكون من باب العدل والانصاف بل للعملبالرواية في موردها فتبيّن انّه لا دليل على قاعدة العدل والانصاف فالمتعيّن في أمثال هذه المقامات من موارد تعارض اليدين أو البينتين بنحو لا يرجع كلّ يد إلى ما تحتها ولم يكن مزية التساقط والرجوع إلى قاعدة القرعة .

خبر ابن حنظلة

ص: 739


1- . الوسائل 18 الباب 10/1 من أبواب كتاب الصلح .
2- . الوسائل 18 الباب 12/1 من كتاب الصلح وفي الرواية استيداع الدينار لا الدرهم .

نعم في باب اليمين قد ورد انّه ذهبت اليمين بما فيها فلا يجوز على صاحب الحق بعد يمين المدعى عليه التقاص منه كما ورد(1) في الخبر الا انّه يمكن أن يكون

باب الاقرار فيه موضوعيّة .

وقاعدة القرعة في الموضوعات كالاصول العمليّة في الأحكام فكما انّه بعد تساقط الطرق يكون المرجع الأصل الجاري في المسئلة من البرائة والاحتياط كذلك بعد قصور اليد عن البيّنات وعن القواعد الاخر غير القرعة يكون المتعيّن العمل على طبقها .

فصل في الأخبار العلاجيّة: لا اشكال في ان مقتضى الأخبار الواردة في مقام علاج الخبرين المتعارضين عدم سقوط كليهما عن الحجيّة بل إمّا أن يكون أحدهما ذا مزية توجب الأخذ به أو لا فعند فقد المرجح اختلفت الأخبار فيظهر من رواية عمر(2) بن حنظلة المقبولة التي صدر باب وجوه الجمع بين الأحاديث المتفرّقة هذه الأخبار صاحب الوسائل رحمه الله بها التوقف لقوله فيها فارجه . قال عمر ابن حنظلة سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دَين أو ميراث فتحاكما إلى أن قال فان كان كلّ واحد اختار رجلاً من أصحابنا فرضيا أنيكونا الناظرين في حقّهما واختلفا فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكمفقال

علیه السلام: الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر قال: قلت: فانّهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على صاحبه قال: فقال: ينظر إلى ما كان من رواياتهما عنّا

ص: 740


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/1 - 2 من أبواب كيفيّة الحكم .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/1 من أبواب صفات القاضي .

في ذلك الذي حكما به المجمع عليه عند أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فانّ المجمع عليه لا ريب فيه إلى أن قال: فان كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم قال: ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة وخالف العامّة فيؤخذ به ويترك ما خالف حكم الكتاب والسنّة ووافق العامّة إلى أن قال: إذا كان كذلك فارجه حتّى تلقى امامك فانّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات .

وهذا الخبر قد اشتمل على أكثر من المرجّحات لم يجمعها غيره ووروده

وإن كان في الحكم الذي يحكم به الحاكم الا ان بالالتزام يدل على كون المرجّحات مرجّحة في باب الفتوى فلا يلتفت إلى ما استشكل(1) به المحقّق الخراساني رحمه الله من قوة احتمال اختصاص الترجيح بها بمورد الحكومة لرفع المنازعة لكن حيث ان الترجيح بما فيها لا ربط له بباب الفتاوى والأحكام الشرعيّة فلذا لم يأخذوا بها بل انّما رجّحوا بخصوص مرجّحات مدرك الحكمين وفي هذه الجهة يشترك له الحكم والفتوى فعلى هذا لابدّ من الأخذ وما تضمّن هذه الرواية من الترجيح بمخالفة العامّة قد اشتملته عدّة من الروايات لعلّها تقرب عشرين كما ان الترجيح بكون(2) الشاهد له من كتاب اللّه أو شاهدين أيضا قد وردفي الروايات ومقتضى بعض الأخبار الآخر التخيير(3) لكنّه ورد في بعض المستحبّات كما سننقله ذيلاً وقد دلّت الرواية عن الرضا علیه السلام (4) على ان التخيير

روايات الجمع بين المتعارضين

ص: 741


1- . كفاية الأصول 2/392 .
2- . الوسائل 27 الباب 9/11 - 18 من أبواب صفات القاضي .
3- . الوسائل 27 الباب 9/6 - 39 - 40 - 41 - 44 من أبواب صفات القاضي .
4- . الوسائل 27 الباب 9/21 .

إنّما هو في الروايات الواردة في المستحبّات والتوقّف في المتكفّلة لبيان حكم الواجب والحرام كما ورد في بعض آخر ما مضمونه(1):

يرد عنكم حديثان مختلفان أحدهما يأمر والآخر ينهى قال: بأيّهما أخذت من باب التسليم وسعك .

ومن هذا القبيل رواية(2) أو روايتان ومقتضى بعض آخر التوقّف(3) حتّى يتبيّن أو حتى يجييء البيان ومقتضى الرواية الرضويّة وقوع الصلح بين أخبار التوقّف والتخيير لكونها شاهدة للجمع بينهما بحمل أخبار التخيير على المستحبّات وأخبار التوقّف على غيرها .

هذا مضافا إلى عدم العمل باخبار التخيير فانا لم نجد في الفقه موردا عند تصادم الأدلّة من الطرفين وتساوي الخبرين في المرجّحات يأخذون بطرف من موارد المسئلة بالتخيير وإن كان ذلك هو مقتضى أخباره ومختار الكليني رحمه الله فيديباجة الكافي بقوله: اعلم يا أخي الخ بل قلّما يوجد أو يمكن دعوى عدم تحقّق مورد لم يكن فيه أحد المرجّحات فعلى هذا يرتفع الاشكال في الجمع بين الأخبار ولا يجب الأخذ بمضمون المقبولة في المرجّحات الواردة في خصوص الحكم وبهذا الوجه تنحل العويصة في اختلاف أخبار العلاج بين المتكافئينلتوافق المقبولة في ترجيحات مدرك الحكم مع باقي الروايات المشتملة على ذلك بالنسبة .

ويبقى الكلام في الجمع بين أخبار التوقّف مطلقا وبين أخبار الترجيحات

ص: 742


1- . الوسائل 27 الباب 9/6 .
2- . الوسائل 27 الباب 9/6 .
3- . الوسائل 27 الباب 9/1 - 5 - 18 - 37 .

ولا قوّة في أخبار التخيير كي تقاوم أخبار الترجيح فحينئذٍ تقدّم هذه الأخبار ويكون عليها العمل ومن هذه الجهة يفرق مبنانا في الجمع بين الأخبار ومبنى المحقّق النائيني في انقلاب النسبة بين أخبار التخيير والتوقف بعد تقسيمها إلى أربعة أقسام .

تكميل: في المجمع بين المتعارضين إذا تكافئا من حيث المرجّحات أقوال: منها: التخيير مطلقا والتوقّف مطلقا والاحتياط وقسم المحقّق النائيني قدس سره الأخبار الواردة في هذا المقام مع قطع النظر عن أخبار الترجيح الخاصّة بالنسبة إلى باقي الأخبار على طوائف أربع . منها الأخبار الدالّة على التوقّف في زمان الحضور والتمكّن من ازالة الشبهة بالسؤال عن المعصوم علیه السلام ومنها الأخبار الدالّة على التخيير كذلك في زمان الحضور وفي قبالها طائفتان: احداهما دالّة على التوقّف مطلقا بلا اختصاص لزمان دون زمان والثانية على التخيير كذلك ولا اشكال ان النسبة بين طائفتي زمان الحضور التباين الكلي كما ان الاخرى بين المطلقتين أيضا كذلك وإن كان المنسوب إلى المحقّق النائيني قدس سره في التقريرات(1) ان بين المطلقتين عموما من وجه لكن ذلك مجرّد نسبة مخالف لما هو المترائي من هاتين الطائفتين ولا وجه لدعوى حمل المطلق في أخبار التخيير على المقيّد منهاثمّ ملاحظة نسبتها إلى أخبار التوقّف كي ينتج التوقّف في زمان الحضور والتخيير في زمان الغيبة لكون ذلك أي حمل المطلق على المقيّد في صورة ارادة صرف الوجود لا في مثل المقام الذي قد اريد من المطلق مطلق الوجود كما ان الأمر

موقع اخبار التخيير

ص: 743


1- . فوائد الأصول 4/764 لكن فيه عدم الوقوف على ما دلّ على التوقّف مطلقاً حتّى في زمان الغيبة .

كذلك في مطلقات التوقّف بالنسبة إلى مقيّداتها فحينئذٍ فطوائف الأخبار أربع إلاّ انّه قدس سره ادّعى عدم العمل بمطلقات التخيير(1) كما انه لا نتيجة في مقيّداتها على فرض عدم ورودها خصوصا في غير الواجبات والمحرّمات كما ربما يرشد إلى ذلك التوقيع الشريف(2) الدال على الأخذ باحدى الروايتين شاء من باب التسليم وانه يسعه ذلك في التكبير بعد السجدة الثانية .

وعلى هذا فكان الاطلاقات قد اريد بها الخصوص أي اطلاقات التخيير فحينئذٍ لا اشكال في تقديمها على مطلقات التوقّف حتّى في زمان عدم التمكّن من الوصول إلى الامام علیه السلام فيرتفع الاشكال في الجمع بين هذه الأخبار وتكون النتيجة حينئذٍ في زمان الغيبة مع اخبار التخيير لكونها بالنسبة إلى أخبار التوقّف خاصّا سواء قلنا بكون النسبة بينها وبين مطلقات التخيير ابتداءً العموم من وجه أو التباين

الكلي إذ على كلّ تقدير بعد خروج زمان الحضور عن تحت اطلاق مطلقات التخيير تنقلب نسبتها إلى أخبار التوقّف المطلق إلى الخصوص المطلق فيقدم عليها بالأظهريّة هذا كلامه قدس سره في الجمع بين أخبار العلاج في هذا الباب .

لكنّك قد عرفت انّ هذا في الحقيقة مرجعه إلى عدم كون مطلق للتخيير لعدمامكان الالتزام بالتخيير ولو عند التمكّن من استعلام الحكم كما إذا كان في بلدالامام بل يمكن أن يقال ان اخبار التخيير المطلق إمّا لا وجود لها حقيقة أو معرض عنها على تقدير صدورها عن الأئمّة علیهم السلام لأن ما روى عن الشيخ الطوسي وغيره رحمهم الله عدم التخيير في مقام تكافؤا المتعارضين وعدم وجود مرجح من

ص: 744


1- . فوائد الأصول 4/764 لكن في زمان الحضور .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/39 من أبواب صفات القاضي .

المرجّحات الواردة عن الأئمّة علیهم السلام الممكن في بعضها دعوى التواتر المضموني كأخبار مخالفة العامّة وموافقتهم وكذا إذا لم يمكن الأخذ بالمجمع عليه في قبال الشاذّ النادر وغير ذلك ممّا اشتملت عليه أخبار الترجيح على نحو يستندون في مقام التعارض إلى أحد الخبرين ويجعلونه حجّة كما هو ظاهر أخبار التخيير في كونه في المسئلة الاصوليّة وحينئذٍ تكون بدويّة كما في الموافق للكتاب والمخالف للعامّة فلا عبرة بالآخر بعد ذلك وكون هذا حجّة بحسب الأخبار العلاجيّة فحينئذٍ لابدّ من التوقّف في الفتوى وأمّا في مقام العمل فلابدّ من الرجوع إلى الأصول العمليّة عند ذلك فاذا كان من دوران الأمر بين المحذورين فيدخل في مسئلة تعارض النصين وقد ثبت في محلّه جريان البرائة على ما هوالحق كما ان عند قوم يكون المرجع الاحتياط إن أمكن امّا إذا كان من دوران الأمر بين الواجب وغير الحرام فالأمر كذلك على اختلاف المباني في جريان البرائة مطلقا أو عند الاصوليين وكثير من الاخباريين والاحتياط عند آخرين منهم الا ان هذا وأمثاله من الشبهات والاشكالات لا يكون قرينة على عدم العمل باخبار التخيير والاعراض عنها بحيث تكون مطروحة بل لابدّ في اثبات الأعراض من تحقّق مورد للتعارض بحيث لم يكن مورد أعمال أحد المرجّحات وحينئذٍ لم يعملوا بأخبار التخيير كي يثبت الأعراض وأنّى للمدّعي باثبات ذلك بل يمكن دعوى عدم وقوع التعارض على هذا النحو بحيث لا يكون في أحدهما أحد منالمرجّحات الموجب لأخذه وتعين العمل به .فعلى هذا فلا يمكن الجمع بين أخبار العلاج للمتعارضين بل هي بأنفسها متعارضة فتتساقط على ما هو القاعدة في كلّ طريق عند التعارض فلابدّ من

رواية العيون

ص: 745

الرجوع إلى الأصول العمليّة على ما ذكرنا لكن الخبر(1) الذي روى عن الرضا علیه السلام في ذلك الذي أشرنا إليه المفصّل بين النواهي والأوامر بين ما كان نهي اعافة فيكون المرجع أخبار التخيير أو تحريم فالتوقّف يكون شاهد الجمع بين هاتين الطائفتين أي أخبار التخيير المطلق وأخبار التوقّف كذلك(2) اللتين النسبة بينهما التباين الكلي ولا وجه للاشكال بعدم تشخيص الموضوع في انه نهى كراهة أو تحريم لامكانه في ما إذا علمنا عدم الوجوب بالاجماع كما في صورة عدم ثبوت التكبيرة غير تكبيرة الاحرام وورد في ذلك الروايتان المختلفتان في الثبوت وعدمه كما ورد في ذلك التوقيع(3) وانّه يتخيّر في الأخذ بأحدهما وكذا ما يكون شبيه المقام .

ثمّ انّه إذا شككنا ان هذا المورد الذي تعارض فيه الخبران ممّا هو من مورد نهي الاعافة أو غيره فالأمر يدور بين كونه من موضوع أخبار التخيير أو التوقّف ولا مجال للحكم بكونه من أحدهما بل لابدّ في ذلك أيضا الرجوع إلى الأصل العملي .ومن الأخبار الواردة في علاج المتعارضين رواية العيون(4) واستظهر منهاسيّدنا الأستاذ قدس سره عند فقد المرجّحات المذكورة فيها التوقّف مطلقا والرواية وإن كانت طويلة الا انها حيث اشتملت على العلاج في الأخبار المختلفة بوجوه مفصّلة

ص: 746


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/21 من أبواب صفات القاضي .
2- . والحاصل إن الجمع الذي ذكره المحقّق النائيني رحمه الله لا وجه له حيث ان المطلقات طائفتان كالمقيّدات وبين كلّ من الطائفتين تعارض مع الاخرى فلا يفيد ما ذكر . الوسائل 27 الباب 9/37 - 39 - 40 - 41 - 44 من أبواب صفات القاضي .
3- . الوسائل 27 الباب 9/39 من أبواب صفات القاضي .
4- . الوسائل 27 الباب 9/21 .

فلا بأس بذكرها .

قال: يروي في الوسائل(1) عن عيون الأخبار عن أبيه ومحمّد بن الحسن إلى عن أحمد بن الحسن الميثمي انّه سأل الرضا علیه السلام يوما وقد اجتمع عنده قوم من أصحابه وقد كانوا يتنازعون في الحديثين المختلفين عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله في الشيء الواحد فقال علیه السلام: ان اللّه حرّم حراماً وأحلّ حلالاً وفرض فرائض فما جاء في تحليل ما حرّم اللّه أو في تحريم ما أحلّ اللّه دفع فريضة في كتاب اللّه رسمها بين

قائم بلا ناسخ نسخ ذلك فذلك لا يسع الأخذ به لأن رسول اللّه صلی الله علیه و آله لم يكن ليحرم ما أحلّ اللّه ولا ليحلّل ما حرّم اللّه ولا ليغيّر فرائض اللّه وأحكامه كان في ذلك كلّه متبعا مسلما مؤدّيا عن اللّه وذلك قول ( رسول ) اللّه ان أتّبع إلاّ ما يوحى إليّ

فكان صلی الله علیه و آله متبعا للّه مؤدّيا عن اللّه ما أمره به من تبليغ الرسالة .

قلت: فانّه يرد عنكم الحديث في الشيء عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله ممّا ليس في الكتاب وهو في السنّة ثم يرد خلافه فقال: كذلك قد نهى رسول اللّه صلی الله علیه و آله عن أشياء نهي حرام فوافق في ذلك نهيه نهي اللّه وأمر بأشياء فصار ذلك الأمر واجبا لازما كعدل فرائض اللّه فوافق في ذلك أمره أمر اللّه فما جاء في النهي عن رسول اللّه

صلی الله علیه و آله نهي حرام ثمّ جاء خلافه لم يسغ استعمال ذلك وكذلك فيما أمر به لأنا لا نرحّص فيما لم يرخّص فيه رسول اللّه صلی الله علیه و آله ولا نأمر بخلاف ما أمر به رسول اللّه صلی الله علیه و آله الاّ لعلّةخوف ضرورة فاما ان نستحلّ ما حرّم رسول اللّه أو نحرّم ما استحلّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله فلا يكون ذلك أبدا لأنّا تابعون لرسول اللّه صلی الله علیه و آله مسلّمون له كما كان رسول اللّه صلی الله علیه و آله تابعا لأمر ربّه مسلّما له وقال اللّه عزّوجلّ: « وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ

ص: 747


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/21 من أبواب صفات القاضي .

عَنْهُ فَانْتَهُوا »(1) وانّ اللّه نهى عن أشياء ليس نهى حرام بل اعافة وكراهة وأمر بأشياء ليس بأمر فرض ولا واجب بل أمر فضل ورجحان في الدين ثمّ رخّص في ذلك للمعلول وغير المعلول فما كان عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله نهى اعافة أو أمر فضل فذلك الذي يسع استعمال الرخصة فيه إذا ورد عليكم عنّا الخبر فيه باتّفاق يرويه من يرويه في النهي ولا ينكره وكان الخبران صحيحين معروفين باتّفاق الناقلة فيهما يجب الأخذ بأحدهما أو بهما جميعا أو بأيّهما شئت وأحببت موسّع ذلك لك من باب التسليم لرسول اللّه صلی الله علیه و آله والردّ إليه وإلينا وكان تارك ذلك من باب العناد والانكار وترك التسليم لرسول اللّه مشركا باللّه العظيم.

فما ورد عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب اللّه فما كان في كتاب اللّه موجودا حلالاً أو حراما فاتّبعوا ما وافق الكتاب وما لم يكن في الكتاب فاعرضوه على سنن رسول اللّه صلی الله علیه و آله فما كان في السنّة موجوداً منهيّاً عنه نهي حرام ومأموراً به عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله أمر الزام فاتبعوا ما وافق نهي رسول اللّه صلی الله علیه و آله وأمره وما كان في السنة نهي اعافة أو كراهة ثمّ كان الخبر الأخير خلافه فذلك رخصة فيما عافه رسول اللّه صلی الله علیه و آله وكرهه ولم يحرّمه .

فذلك الذي يسع الأخذ بهما جميعا وبأيّهما شئت وسعك الاختيار من باب التسليم والاتّباع والردّ إلى رسول اللّه وما لم تجدوه في شيء من هذه الوجوهفردّوا إلينا علمه فنحن أولى بذلك ولا تقولوا فيه بآرائكم وعليكم بالكفّ والتثبتوالوقوف وأنتم طالبون باحثون حتّى يأتيكم البيان من عندنا . انتهى الخبر .

ثمّ قال صاحب الوسائل ذكر الصدوق انّه نقل هذا من كتاب الرحمة لسعد

توضيح رواية العيون

ص: 748


1- . سورة الحشر: 8 .

بن عبداللّه وذكر في الفقيه انّه من الأصول والكتب التي عليها المعول وإليها المرجع .

وحاصل ما يستفاد من هذه الرواية الشريفة على طولها ان في مقام تعارض الأخبار يرجح موافق الكتاب فهو الحجّة ويترك الآخر ثمّ الموافق لسنّة رسول اللّه صلی الله علیه و آله وذلك في الأحاديث التي تتضمّن الحرمة أو الوجوب وما يعارضها فان لم يكن مخالف ولم يعرف ذلك فحينئذٍ يجب التوقّف في الفتوى ولا يجوز اسناد ذلك إليهم عليهم السلام كما يدلّ عليه مضافا إلى هذه الرواية رواية الحسن بن الجهم(1) عن العبد الصالح عليه السلام قال: إذا جاءك الحديثان المختلفان فقسهما على كتاب اللّه وأحاديثنا فان اشبهها فهو حقّ وإن لم يشبهها فهو باطل .

فان المراد من قوله وان لم يشبههما أعم من المخالفة فسواء خالف الكتاب وأحاديثهم أو لم يخالف بل لم يكن شبيها بها فهو باطل بمعنى انه لا يجوز التدين به وليس حجّة ولا يجوز اسناده إليهم .

إن قلت: إذا كان في مورد الخبرين المتعارضين سنّة متواترة معروفة عن النبي صلی الله علیه و آله فلا تصل نوبة التعارض في مقام العمل إلى هذه الأخبار .

قلت: لا ينحصر ذلك بمقام العمل بل جواز الاسناد وعدمه أيضا من الفوائد المترتّبة على صدور الخبر عنهم وفي صورة موافقة أحدهما الكتاب أو السنّةالنبويّة يجوز الاسناد إليهم دون ما لم يكن كذلك وأمّا إذا لم يكن في السنّة النبويّةحراما أو واجبا بل مستحبّا أو مكروها فحينئذٍ ورد خبران مختلفان في ذلك فحينئذٍ يجوز الأخذ بأحدهما أو بهما جميعا .

روايات دالّة على التوقّف

ص: 749


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/48 من أبواب صفات القاضي .

ويستفاد من قوله علیه السلام في الخبر السابق كون التخيير في ذلك استمراريّا كما هو المسلّم في خصوص المكروهات والمستحبّات بلا اشكال وأمّا إذا لم يعلم كون السنة على أيّ نحو وهل في السنّة هذا أمر واجب أو حرام وهل يستحب أو لامكروه أم لا فحينئذٍ لابدّ من التوقّف في الفتوى وهذا هو الذي أشار إليه في ذيل الخبر .

وعلى هذا فيكون الرواية المزبورة من أدلّة التوقّف المطلق لعدم اختصاص الراوي بهذا الحكم ولا من كان في عصر المعصومين علیهم السلام أجمعين .

ثمّ ان في المقام روايات اخر دالّة على التوقّف في زمان الحضور كما انّ هناك طوائف دالّة على التخيير مطلقا وفي زمان الحضور بل جميع الروايات الصادرة عن المعصومين علیهم السلام زمان الحضور هو المورد المسلم منها ( إلاّ ان اطلاق بعضها جار في صورة التمكّن من ازالة الشبهة بخلاف الاخرى فليس لها ذلك الاطلاق ) .

فمن الروايات الواردة في المقام الدالّة على التوسعة رواية ابن الجهم(1) عن الرضا علیه السلام قال: قلت له تجيئنا أحاديث عنكم مختلفة فقال ما جاءك عنّا فقس على كتاب اللّه عزّوجلّ وأحاديثنا فان كان يشبههما فهو حقّ وإن لم يشبههما فليس منّا .قلت: يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ولا نعلم أيّهما الحقّ ؟قال: إذا لم تعلم فموسع عليك بأيّهما أخذت وفي رواية ابن المغيرة(2) عن

ص: 750


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/40 من أبواب صفات القاضي .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/5 من أبواب صفات القاضي .

أبي عبداللّه علیه السلام قال: إذا سمعت من أصحابك الحديث وكلّهم ثقة فموسّع عليك حتّى ترى القائم فتردّ إليه .

وممّا دلّ على التوقّف ما رواه سماعة(1) معتبراً عن أبي عبداللّه علیه السلام قال سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر كلاهما يرويه أحدهما يأمر بأخذه والآخر ينهاه عنه كيف يصنع ؟ قال: يرجئه حتّى يلقى من يخبره فهو في سعة حتّى يلقاه .

قال الكليني وفي رواية اخرى بأيّهما(2) أخذت من باب التسليم وسعك .

ويظهر من هذه الرواية انّه في سعة في العمل حيث ان الأمر دائر بين الفعل والترك المرخّص عقلاً في اختيار أحدهما فلابدّ حينئذٍ من التوقّف حتّى يلقاه .

كما انّ في بعض الروايات الاخر ( حتّى يأتيكم(3) البيان ) وذلك مطلق دال على التوقّف في زمان الحضور والغيبة .

وعلى هذا فطوائف الأخبار أربع ما يدلّ على التخيير مطلقاً وفي زمان التمكّن من ازالة الشبهة وكذلك أخبار التوقّف على طائفتين مطلقة ومقيّدة فيمكن تقييد كلّ من المطلقتين بالمقيّدة المخالفة لها لا الموافق لعدم التنافي وقابليّة الحملفحينئذٍ ينتج حمل مطلق التوقّف بعد تقييده بمقيّد التخيير التوقّف عند عدم التمكّن من ازالة الشبهة والتخيير عند التمكّن كما ان نتيجة تحكيم مقيّد التوقّف على مطلقالتخيير اختصاص التخيير بزمان عدم التمكّن من ازالة الشبهة فيبقى المقيّدان في زمان التمكّن متعارضين كما ان نتيجة العامين بعد التقييد بالمقيّدين هو ذلك في

الجمع بين الروايات

ص: 751


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/6 من أبواب صفات القاضي .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/21 من أبواب صفات القاضي .
3- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/40 - 41 - 5 - 6 - 21 من أبواب صفات القاضي .

زمان عدم التمكّن وعلى هذا فلا فائدة في هذا الجمع فيعود المعارضة على ما كانت .

هذا إن لم نقل بكون ظاهر أخبار التخيير اختصاصها بزمان عدم التمكّن من ازالة الشبهة كما لا يبعد جريان هذا القول في كلّ هذه الأدلّة من اختصاصها أو من شمولها بنحو غير قابل للتقيد لحال عدم التمكّن من ازالة الشبهة فتأمّل .

طريق آخر للجمع يمكن الجمع بين أخبار التخيير وأخبار التوقّف مع قطع النظر عن مقبولة عمر بن حنظلة بورود أخبار التخيير في صورة كون رواة الأخبار المتعارضة ثقات وكانت شرايط الحجيّة في كلّ واحد من المتعارضات لولا التعارض موجودة فحينئذٍ يكون مخيّرا في الأخذ بأيّها شاء وان أخبار التوقّف واردة في فرض ورود الرواية بلا تقيد كون رواتها ثقات بل إنّما حصل الاختلاف في الحديثين فحينئذٍ يتوقّف في الكلّ وعلى هذا فلا يكون معارضة بين هاتين الطائفتين من الأخبار بلحاظ ورود كلّ منهما في مورد دون الأخرى .

وعلى فرض عموم في أخبار التوقّف فلا مانع من تقييدها بخصوص أخبار

التخيير لما ذكرنا من ان موضوع أخباره أي التخيير أخصّ من موضوع تلك بل يمكن أن يكون لا ربط بينهما أبدا بلحاظ فرض موضوع التوقّف في أخباره في مطلق الرواية والحديثين الذي يمكن أن يقال لا حجيّة لكلّ واحد من المتعارضات لو لا المعارضة بخلاف أخبار التخيير . أمّا بالنظر إلى المقبولة الواردة في دين أو ميراث الذين هما من سنخ حقوق الناس الممكن فرض ذلك في الشبهةالموضوعيّة وفي الشبهة الحكميّة كمنجزات المريض في مسئلة الميراث فيشكلالأمر لكنّه لا مانع من الالتزام بالتقييد حيث ان فرض المقبولة في صورة تساوي

ص: 752

الروايتين في المرجّحات المذكورة فيها سواء كان في خصوص صفات الراويين أو في مدرك الحكمين من كون الخبرين أو أحدهما مشهورين من المجمع عليه الذي لا ريب فيه الموافق لمضمون ما ورد ان ما اتّفقت عليه الشيعة لا ريب فيه وكلاهما موافقان للكتاب أو مخالفان للعامّة ثمّ تساويهما في ميل قضاة العامّة إلى مضمونهما ووجود القائل بكلّ منهما فيقيد أخبار التخيير بغير ما إذا كان في حقوق الناس فانّه لا مجرى للبرائة ولا الاحتياط كما لا معنى للتخيير بل لابدّ من تعيين الحكم الالهي .

وعلى هذا فيكون النتيجة ثبوت الحكم بالتخيير في غير حقوق الناس بعد فرض دعوى القطع بعدم الخصوصيّة في الدين والميراث في ما إذا كان سند الأخبار نقيا صحيحا قد رواها الثقات بخلاف ما إذا لم يكن كذلك فيؤخذ بالتوقّف وعلى هذا فلا فرق بين زمان الحضور والغيبة والتمكّن من ازالة الشبهة وعدمه الا ان المقبولة فرضها في صورة التمكّن من ازالة الشبهة بلقاء الامام فينتفي الفائدة في زمان عدم التمكّن .

هذا حاصل ما يمكن أن يقال في الجمع بين هذه الأخبار .

إنّما الكلام في ان الحكم بالتخيير هل هو مطلق حتّى في صورة وجود المرجّحات كما عن جماعة أو لا بل مختص بما إذا لم يكن المرجّحات .

وينبغي أن يعلم انّه بناءً على ما ذكرنا من عدم تصاك بين هاتين الطائفتين من الأخبار لا معنى للأخذ بالترجيح أو لا .

ثمّ إن لم يكن على فرض هذه الروايات فالتخيير .

ص: 753

اللهمّ إلاّ أن يكون المقبولة(1) بدلالتها الالتزاميّة في خصوص الترجيح بمدركالحكمين دالّة على ذلك ولا يبعد ذلك بل لابدّ منه فان المرجّح لا يمكن أن يكون غير ما هو مرجّح السند فان موافقة الكتاب ومخالفة العامّة تكون مرجحتين في خصوص باب الحكم لا معنى له بل لابدّ أن يكون ذلك من جهة كونهما مرجحتين لأصل الحكم كي يؤل الى ترجيح مدرك أحد الحاكمين وحينئذٍ ففي فرض المقبولة من كشف عدم وجود جهة الصدور لاحدى الروايتين حيث ان كونهما مجمعا عليهما قد رواهما الثقات يغني عن الكلام في سندهما فلابدّ من عدم صدور احداهما لبيان حكم اللّه الواقعي بل تقية ويكون خلافه هوالذي عليه مدار الحجيّة كما في موافقة الكتاب فانه على ما يظهر من بعض الأخبار ان ما خالف(2) قول ربنا لم اقله أو زخرف أو إذا لم يشبه الحديث الكتاب والسنّة فهوباطل يوجب دوران الأمر في المتعارضين بين الحجّة واللاحجّة فما يكون موافقا للكتاب هو الحجّة وكذا ما خالف العامّة لا يمكن أن يكون فيه التقيّة فيكون قد صدر في مقام بيان حكم اللّه فيكون حجّة .

نعم يبقى الكلام في الترجيح بصفات الراوي الذي اشتمل عليه صدر المقبولة في باب الحكم ومرفوعة غوالي اللئالي عن العلاّمة إلى زرارة ( وفي الكتاب وصاحبه كلام معروف ) فلا ينبغي أن يعتني به .

وعلى ما ذكرنا فيعلم المراد بما في خبر العيون(3) السابق الذكر وإن ما ثبت كونه منهيّا عنه نهي اعافة أو تحريم أو مأمورا به أمر الزام أو فضل في سنّة

توضيح في الجمع بين الأخبار

ص: 754


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/1 من أبواب صفات القاضي .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/1 - 12 - 14 - 15 - 19 - 21 من أبواب صفات القاضي .
3- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/21 من أبواب صفات القاضي .

النبي صلی الله علیه و آله فهو المتبع وان مخالفه في غير الفضل والاعافة لايعمل به وفيهما رخصةفي الترك أو الفعل فيعمل بأيّهما والأمر بالتوقّف في ذيلها بقرينة ما ذكرنا يتعين أن يكون في أخبار غير الثقات وما يمكن فيه الارجاء لا فيما يكون من دوران الأمر بين المحذورين فانّه لا اشكال في جريان البرائة بل لا احتياج إليه لاباحة الضرورة للمحظور والخبر الوارد يشكل المراد فيه بعدم امكان تأخير الواقعة في غير المضيقات التي يمكن التأخير فيها إلى لقاء الامام علیه السلام .

توضيح: لا اشكال في توقّف الجمع الذي ذكرنا بين أخبار علاج المتعارضين على كونها مشمولة لأدلّة الاعتبار كي ببركتها يمكن علاج الأخبار المتعارضة وإلاّ فلا تكون حجّة فضلاً عن رفع التعارض بين المتعارضات وعلاجها . وحينئذٍ فنقول ان أخبار التخيير التي أشرنا إليها وإن موضوعها هو خبر الثقة وما يرويه الثقات الذي ليس لأحد التشكيك فيه أخبار صادرة عنهم علیهم السلام .

ولا مجال لكلام في سندها أو أكثرها لكونها معتبرة بخلاف أخبار التوقّف كموضوعها الذي هو مطلق الخبر في قبال خبر الثقة في أخبار التخيير وحينئذٍ فالجمع بينهما سهل بلا اشكال بحمل أخبار التوقّف على كون موردها الأخبار التي لو لا المعارضة لم تكن حجّة بل لا يشملها دليل الاعتبار ولو لا في مقام المعارضة فضلاً عنه بقرينة أخبار التخيير لكونها بالنسبة إلى أخبار التوقّف أخص مضمونا مضافا إلى عدم ورود عدّة من الاخبار المستدلّ بها على الاحتياط في الشبهات البدويّة في المقام وعدم تعرّضها له بوجه فهذا الجمع على الظاهر لا غبار عليه ومعلوم انّه بحسب ما وصل إلينا في مقام أخبار العلاج الذي جمعها في الوسائل

ص: 755

( وما ورد(1) في رواية التوقيع من جواز الأخذ بأيّ من الروايتين في صلاة الفجرفي السفر رواية خاصّة لعلّها لا تنافي ما ذكرنا من الجمع ) كما ان الخبر الآخر(2) المتضمّن للتوقيع والجواب عن ذلك حديثان امّا احدهما فاذا انتقل من حالة إلى اخرى فعليه التكبير إلى قوله وبأيّهما أخذت من باب التسليم كان صوابا .

أيضا علمنا من الخارج انّه في المستحبّات ولا ينافي ما ذكرنا من الجمع إنّما الكلام في ملاحظة النسبة بين هذه الروايات أي روايات التخيير وبين الروايات الواردة في الترجيح .

وليعلم انّه إن كان هذه الأخبار أي أخبار الترجيح مشتملة في ذيلها في صورة تساوي الأخبار المتعارضة في المزايا بالأمر بالتخيير فلا احتياج إلى ملاحظة النسبة لدلالة مثل هذا الترتيب على تقدّم الترجيحات على التوقّف وإلاّ فلابدّ من ذلك فحينئذٍ نقول أمّا الموافقة للكتاب والمخالفة له بأن يكون الخبر الموافق له حجّة دون المخالف فلا ريب انّها ليست من المرجّحات بل ممّا يعيّن الحجّة ويميزها عن غيرها ضرورة عدم صدور رواية تخالف الكتاب بالتباين وإن كان غير مبتلى بالمعارض كما يظهر من عدّة من الأخبار ان ما خالف(3) قول ربنا لم أقله أو باطل أو زخرف(4) إلى غير ذلك من التعبيرات فحينئذٍ ليس مثل هذا الخبر في حد نفسه مع قطع النظر عن المعارضة حجّة كي يعارض الخبر الآخر ويقدم الموافق عليه .

ص: 756


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/44 من أبواب صفات القاضي .
2- . الوسائل 27 الباب 9/39 .
3- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/12 من أبواب صفات القاضي .
4- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/14 من أبواب صفات القاضي .

نعم لا اشكال في ان المخالفة ليست مثل المخالفة بالعموم والخصوص

لورودها في الفقه إلى ما شاء اللّه وعليها العمل بلا ارتياب وليس المراد بالمخالفةهذا النحو منها كما حقّق في محلّه وهذا بخلاف الموافقة للعامّة والمخالفة لهم فان المخالف حجّة في مقام المعارضة دون الموافق وأمّا في مقام عدم المعارضة فالموافق أيضا حجّة لعدم كون الموافقة بما هي موافقة موجبة لطرح الخبر غير المبتلى بالمعارض .

وما ورد(1) في بعض الأخبار بمخالفة العامّة في صدر الاسلام لعلي علیه السلام في كلّ شيء إلى غيره وإن في صورة عدم امكان تأخير الواقعة يجوز له أن يأتي فقيه البلد ويأخذ بخلاف فتواه مخصوص بصورة المعارضة .

نعم يوجد في الفقه موارد عديدة حملوا الخبر على التقيّة لقرائن منها كونه بنفسه ينادي بها كالخبر الوارد(2) في جلوس المصلى وسكوته بقدر التشهّد مع انّه لا معارض له .

فالحاصل ان مخالفة العامّة مرجّح للمخالف عند التعارض بينه وبين الموافق .

وأمّا الشهرة فهي في الرواية على ماذكرنا في مقبولة(3) عمر بن حنظلة وتأتي إن شاء اللّه .

نعم للشهرة الفتوائيّة مكان من الترجيح بل هي ربما توجب طرح المخالف لايجاب اعراضهم عن الخبر الآخر الا انها مشروطة باُمور:

الأخذ بالأحدث

ص: 757


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/24 - 23 من أبواب صفات القاضي .
2- . الوسائل 8 الباب 19/4 - 5 - 6 من أبواب الخلل في الصلاة .
3- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/1 من أبواب صفات القاضي .

أحدها استناد المشهور إلى الرواية التي انعقدت الشهرة فيها وعملوا بمضمونها المشهور .وفي بعض روايات الباب من الأخذ(1) بالاحدث فهولا ريب فيه لبناء العقلاء في مثل هذه الموارد على أخذ الأحدث وطرح الآخر فقد ورد هذا المضمون بالسنة مختلفة ففي بعضها لو حدثتك(2) بحديث العام ثمّ أخبرتك أو حدّثتك بخلافه في القابل وفي بعضها(3) زيادة أو أفتيتك بفتيا إلاّ ان في الآخر(4) إذا جاء حديث عن أوّلكم وحديث عن آخركم فبأيّهما نأخذ ؟ قال علیه السلام: خذوا به حتّى يبلغكم عن الحي ومقتضى الصناعة الجمع بينهما وبين أخبار الأخذ بما خالف العامّة وطرح الموافق حيث ان بينهما عموما من وجه ولا اشكال في تعين الأخذ بالمجمع بكونه مخالفا للعامّة وأحدث لكن الأمر ربما ينعكس فيكون الموافق هو الأحدث وهو الذي بلغ عن آخرهم لاحتمال صدور الموافق عن الآخر والمخالف عن غيره فيمكن الجمع بكون المتعين حينئذٍ الأخذ بالمخالف لاقتضاء التعليل بقوله فان الرشد في خلافهم ذلك بخلاف الأحدث كما ان العكس ممكن أيضا بتعين الأخذ بالأحدث وإن كان موافقا للعامّة إلاّ ان الذي يوهن هذا انّه لم يعمل بهذه الأخبار إذ لم يعهد الترجيح بالأحدثيّة والذي يسهل الخطب امكان دعوى كون المتبادر من الأمر بالاحدث انّه إذا كان بصدد بيان حكم اللّه الواقعي أو إذا لم يعارضه معارض آخر أشد في اقتضائه خلافه وأمّا غير هذا الخبر

تقدّم أخبار الترجيح على التخيير

ص: 758


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/7 - 8 - 17 من أبواب صفات القاضي .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/7 - 8 وفي بعضها اختلاف في الألفاظ لا يضرّ بالمقصود .
3- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/17 وفي بعضها اختلاف في الألفاظ لا يضرّ بالمقصود .
4- . وسائل ا لشيعة 27 الباب 9/8 وفي بعضها اختلاف في الألفاظ لا يضرّ بالمقصود .

من باقي الأخبار فيمكن اختصاصه بمورده في خصوص امام واحد .

وكيف كان فلا يكون هذا مرجّحا ولا ينافي الجمع المتقدّم .بقي الكلام في تقدّم أخبار الترجيح على التخيير ولا اشكال في تقدّمها على أخبار التخيير لكونها مطلقات قابلة للتقييد وهي أخص ولا ينافي هذا ما في بعض أخبار التخيير من فرض موضوع ذلك أي التعارض في أخبار الثقات بخلاف أخبار الترجيح فانّه في مطلق الأخبار المتعارضة لورود المقبولة(1) وفرض الترجيحات في روايات الثقات ولا وجه لدعوى اختصاص ذلك بموردها من الحكومة في الدين أو الميراث لما ذكرنا من ان فرض المعارضة والمرجّحات إنّما هي في مورد الأخبار التي لو لا المعارضة تكون حجّة لما روى(2) من ان ليس لأحد التشكيك في ما يرويه عنّا ثقاتنا .

وعلى هذا فتقدّم أخبار الترجيح على أخبار التخيير ولا مجال للمناقشة في سندها إذ لا اشكال في تواترها أو استفاضتها المضموني وإذ قد ثبت ذلك فنأخذ بها ويوجب علاج باقي الأخبار كما في الأخبار الواردة في حجيّة قول الثقة فان اخصّها مضموناً مع تواترها الاجمالي والمعنوي وهو الأخذ بقول الثقة أوجب حجيّة جميعها كذلك في المقام(3) .

التخيير فقهي أو اصولي

ص: 759


1- . وسائل ا لشيعة 27 الباب 9/1 وفي بعضها اختلاف في الألفاظ لا يضرّ بالمقصود .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/40 من أبواب صفات القاضي بتفاوت لا يضر .
3- . حصر السيّد الخوئي قدس سره المرجح المنصوص بموافقة الكتاب أوّلاً ومع عدمها بمخالفة العامّة ولو لم يكن في أحد المتعارضين شيء ولم ير دليلاً عند فقد المرجح لأحد المتعارضين على التخيير بعد ان ناقش كلّ الروايات الواردة في التخيير وهي ثمانية اما سنداً ودلالة أو أحدهما وذكر ان عمل الأصحاب في الفقه على خلافه ولم يجد مورداً افتى أحد منهم بالتخيير . مصباح الأصول 48/498 - 499 - 508 الى 512 لكن الحق العمل بالمقبولة بعد ملاحظة نسبتها إلى ساير ما دلّ على حكم المتعارضين كما شرح في المتن .

التخيير هل في المسئلة الفقهيّة أو الاُصوليّة ؟

هل بناء على ثبوت التخيير مطلقا أو بعد الترجيح في العمل أو الأخذ بأحدالخبرين فيكون هو الحجّة في قبال الآخر وبعبارة اخرى التخيير في المسئلة الفرعيّة أو في المسئلة الاُصوليّة وله الافتاء حينئذٍ بما اختاره لعمل نفسه ومقلّديه

وليس له أن يفتي بالتخيير ؟ وجهان بل قولان .

وظاهر بعض الأخبار كالتوقيع(1) انّه في العمل حيث يقول موسع عليك بأيّة عملت كما ان ظاهر أخبار اخر انه في الأخذ وظاهر الأخذ الأخذ في المسئلة الاصوليّة لا في العمل .

فعلى الأوّل يكون التخيير كالتخيير بين القصر والاتمام فله أن يقصّر وله أن يتم بخلاف الثاني فليس له في مقام العمل والأخذ إلاّ اختيار أحدهما يكون هو الحجّة وحينئذٍ فاما أن يكون بدويّا أو استمراريّا كما سيجيء النزاع فيه وعلى الأوّل فيلزمه العمل به والافتاء بمضمونه أبدا دائما وليس له اختيار الآخر لذلك بخلاف الاستمراري فبعد اختيار كلّ منهما يمكنه الافتاء كما ان له الاختيار .

والحاصل ان ظاهر ما ورد(2) بالتوسعة في العمل التخيير في المسئلة الفرعيّة وظاهر ما ورد في التوسعة في الأخذ(3) هو التخيير في المسئلة الاُصوليّة والأظهر هو الثاني لامكان أول التوسعة في العمل أيضاً إلى الأخذ بعنوان المسئلة

ص: 760


1- . الوسائل 27 الباب 9/44 من أبواب صفات القاضي .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/44 من أبواب صفات القاضي .
3- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/40 - 39 - 19 من أبواب صفات القاضي .

الاصوليّة خصوصا بعد تذيل بعض أخبار الأخذ(1) بقوله علیه السلام من باب التسليم .

ومحصّل الكلام في المقام انّه ليس له اجراء البرائة بل يلزمه أن يتخيّرأحدهما ليكون حجّة عليه ولا وجه لأن يقال ان ظاهر هذه الأخبار إمّا ما خيّر بينالعمل بأيّ الخبرين الواردين في الأمر والنهي فانّه ارشاد إلى حكم العقل فانّه إمّا فاعل أو تارك وإمّا ما لم يكن كذلك بل أعم فغاية ما ثبت في ذلك هو ان له الأخذ بأيّ الخبرين ولم يوجب عليه العمل بأحدهما المختار ليكون حجّة .

نعم لو اختار أحدهما فحينئذٍ يكون حجّة إلاّ ان الكلام فيما لم يفعل فان هذه الأخبار لا توجب ذهاب الشكّ ورفع التحير بل التحير باق كما كان .

لأنّا نقول: وإن كان الأمر في دوران الأمر بين الفعل والترك والخبرين المشتملين أحدهما على الفعل والآخر على الترك كما قلت إلاّ ان ظاهر هذه الأخبار جعل الطريق واتمام الحجّة نهاية ما في الباب لم يعيّن أحدهما بعينه بعد تكافؤها في الترجيحات بل جعل الاختيار بيده لكن لا انه إن لم يختر لا تكون حجّة وبفعله يصير كذلك بل بمعنى ان أحدهما حجّة وهو عند المولى ما يختاره المكلّف فأمر تعيين ذلك بيده ولا اشكال في ذلك لعدم كون الحجيّة حاصلة بعد الأخذ والاختيار بل قبل ذلك الا ان الحجّة منهما أحدهما مبهما قبل الاختيار ومعينا بعده .

فعلى هذا لو كان مفاد أحدهما الاباحة والآخر الحرمة لا يمكنه الافتاء بالتخيير للمكلّف في اختيار أيّهما بل إذا اختار واحدا فيفتى بمضمونه ( قلت يمكن استفادة اختيار العمل بأحد الخبرين من اخباره لا وجوب العمل بأحدهما

امكان الجمع بين أخبار التوقّف والتخيير

ص: 761


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/39 - 19 من أبواب صفات القاضي .

حيث ان ظاهر هذه الأخبار في قوله بأيّهما(1) أخذت من باب التسليم وبأيّهما أخذت وسعك إن له ذلك لا انّه يتعين عليه أن يختار أحدهما .وعلى هذا فيمكن الجمع بين أخبار التوقّف والتخيير بأنّ المراد منهما واحدوهو التوقّف في الاسناد والتخيير في الأخذ بمضمون أيّهما شاء وله ترك ذلك لا أن يحتاط لعدم الدليل عليه بل يجري البرائة ولا يتوجّه عليه ما استشكله سيّدنا الأستاذ قدس سره في البحث بأنّه يلزم رد خبر الثقة وعدم العمل به وطرحه في أحد الخبرين المتعارضين لأن ذلك يتّجه إذا لم يكن مبنى الأخبار الطريقيّة والاطمئنان وإلاّ فعلى الطريقيّة يسقطان عند التعارض فلا يكون الرجوع إلى البرائة طرحا للأخبار بل يرجع علمها إلى أهله كما نقل ذلك سيّدنا الأستاذ من الكليني رحمه الله بقوله في أوّل الكافي اعلم يا أخي أرشدك اللّه انّه لايسع أحدا تمييز شيء لما اختلف إلى آخر كلامه .

والحاصل منه ان اللازم العمل بالمرجّحات من الأخذ بموافق الكتاب والمشهور المجمع عليه والمخالف للعامّة لكن حيث لا نعرف من ذلك إلاّ القليل فحينئذٍ الأحوط والأوسع رد علمها إلى أهلها والتخيير المشار إليه بقوله بأيّهما أخذت(2) وسعك وعلى كلّ حال ليس ببعيد هذا الجمع الذي ذكرنا وربما يتعيّن بالتأمّل في الروايات هذا ما ذكرته سابقاً إلاّ انّه محلّ التأمّل .

وكيف كان فاختار سيّدنا الأستاذ قدس سره كون التخيير ابتدائيّا بمعنى جعل الحجيّة والطريق فاذا حصل عنده الطريق فانه وإن لم يرتفع التعارض لكن لا تحير

ابتدائي أو استمراري

ص: 762


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/19 - 39 - 40 من أبواب صفات القاضي .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/6 من أبواب صفات القاضي .

للمكلّف بعد ذلك فليس له حينئذٍ بعد ذلك الافتاء بالآخر فانه لازم كون أحدهما المختار حجّة الا انا استشكلنا عليه ذلك بأنّ العمل والأخذ عند تكرّر الواقعة المبتلى بها وحينئذٍ فيمكن في المرّة الثانية الأخذ بما يختاره من الخبرين فان كانهو الأوّل فهو وإن كان الآخر فلا مانع منه فأجاب الأستاذ قدس سره بأنّه لا معنى للأخذبهما جميعا بل عند كلّ مرّة لا يأخذ إلاّ بأحدهما وانّه لا معنى للأخذ بالأمر والناهي معا في كلّ مرّة بل ان يفعل فبالآمر مرّة وبالناهي اخرى مع ان ظاهر قوله بأيّهما أخذت ان الأخذ يوجب كونه حجّة وذلك لا تعدّد فيه بأن يكون نحو القضيّة الحقيقيّة .

ثمّ انّه إن لم يتم اطلاق وشككنا فتارة يكون الشكّ في كون التخيير في المسئلة الأصوليّة أو الفرعيّة واخرى بعد احراز ان في الاصوليّة أو الفرعيّة يشكّ في كونه ابتدائيّا أو استمراريّا .

فان كان على النحو الثاني فيمكن كونه من دوران الأمر بين التعيين والتخيير وهذا إن لم يجر الاستصحاب متين وإلاّ فلا تصل النوبة إلى ذلك ويمكن تقريب جريان الاستصحاب بتماميّة أركانه من اليقين السابق والشكّ اللاحق والأثر الشرعي وبقاء الموضوع حيث انّه كان التخيير للمكلّف بالأخذ بهذا الخبر فيشكّ في بقاء هذا التخيير من حيث طروّ المانع ولا اشكال في جريان الاستصحاب إذا كان منشأ الشكّ من جهة حدوث المانع أو مانعيّة الموجود إن لم يرجع إلى الشكّ في المقتضى وكان الموضوع باقيا كما في المقام وحينئذٍ ببركة جريان الاستصحاب يكون أيضا مخيّرا في الأخذ بالخبر الآخر وبهذا التقريب لا يتوجّه عليه اشكال عدم بقاء الموضوع لدورانه بين ما هو مقطوع البقاء ومشكوك

كلام المحقّق النائيني في صورة الشكّ

ص: 763

الارتفاع فان كان التخيير بدويّا مثلاً فليس له التخيير قطعا وإن كان استمراريّا فله ذلك مطلقا ومجرّد الشكّ في ان المقام من هذا أو ذاك لايوجب صحّة جريان الاستصحاب فيكون من الشكّ في بقاء الموضوع وهذا اشكال في جميع ما يكون من هذا القبيل في صورة تبدّل حال من حالات الموضوع كما ذكرنا في زوال تغيرالماء بنفسه فانّه إمّا أن يكون له الدخل في بقاء النجاسة فقطعا زالت النجاسة وإنلم يكن فقطعا باقية لكن قلنا انّه يمكن أن يكون من قبيل الملاك بعد عدم امكان عروض النجاسة بوصف التغيير فيكون التغير من قبيل الملاك وهو يمكن أن يكون حدوثيا كما يمكن أن يكون بقائيّا .

تبيان للمحقّق النائيني قدس سره هاهنا كلام(1) في صورة الشكّ في المراد من قوله ( بأيّهما(2) أخذت وبأيّهما عملت فلم ندر المستفاد هو التخيير في المسئلة الفرعيّة كالتخيير بين القصر والاتمام في المواطن الأربعة أو لا بل في المسئلة الاُصوليّة وفرضنا ان نتيجة التخيير في المسئلة الفرعيّة والعمل تخييرا استمرار ذلك فيجوز أن يختار تارة العمل بمضمون أحد الخبرين واخرى العمل بمضمون الآخر وان نتيجة التخيير في المسئلة الاصوليّة ذلك بدوا فاذا اختار أحد الخبرين فيكون حجّة عليه كما إذا لم يكن في مورد المعارضة فلا يجوز له العدول عنه إلى غيره في حقّ نفسه ومقلّديه .

وحاصل كلامه في المقام ان في صورة الشكّ بناءً على ما ذكرنا من الفرق بين نحوي التخيير لا مجال لجريان الاستصحاب كي يكون النتيجة التخيير أيضا

ص: 764


1- . فوائد الأصول 4/767 - 769 .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/39 - 40 - 44 - 19 .

في الأخذ بأحدهما شاء وذلك لا من جهة عدم المقتضى والشكّ فيه الذي هو أحد موجبات المنع عن جريانه ( ولا من جهة طرو المانع كي يشكل بالجريان ) بل من حيث عدم الموضوع والشكّ في بقائه .

توضيحه: انّه لابدّ في الاستصحاب من اتّحاد القضيّة المشكوكة والمتيقّنةوفيه لا اشكال في اعتبار وجود الموضوع وبقائه على ما كان والحكم التخييريالمجعول في المقام لم يحرز بقاء موضوعه في مورد الشكّ كي يجري الاستصحاب فانّه لا جامع بين نحوي التخيير العملي والاُصولي وكون الخبر المختار حجّة للمجتهد واقعا بل الجامع انتزاعي أو مفهومي وهو لا يفيد لعدم كونه موضوعا للحكم وعلى فرض كونه كذلك لا يترتّب عليه في ظرف استصحابه إلاّ خصوص آثاره لا آثار الفردين وما نحن فيه من هذا القبيل نظير العلم بوجود الحيوان في الدار المردّد بين كونه بقّة أو فيلاً فان كان فيلاً فلا نشكّ في بقائه بعد

ثلاثة أيّام إلاّ من حيث وجود المانع أو العارض الذي لا يمنع من جريان الاستصحاب عند الشكّ فيه من هذه الجهة وإن كان هي البقّة فنقطع بعدم بقائها بعد الثلاثة وحيث لم نعلم انّه الفيل أو البق صار ذلك منشأ للشكّ في وجود الحيوان بقاء في الدار وفي هذا الفرض لا مجال لجريان الاستصحاب لأنّه على كلّ تقدير نحن قاطعون إمّا بالعدم في صورة كونه بقّة أو بالوجود في صورة كونه الفيل وكذلك ما نحن فيه فانّه على فرض التباين بين نحوي التخيير لا مجال لجريان استصحاب أصل التخيير الذي لم يكن بما هو جامع موردا للحكم .

وعلى فرض كونه كذلك وانّه في مورد الحكم لا يثبت باستصحابه خصوصيّة الفرد إذ لا يترتّب عليه إلاّ خصوص آثاره في صورة بقائه التكويني بما

المقام من دوران الأمر بين التعيين والتخيير

ص: 765

هو جامع .

والحاصل: ان في هذه الصورة لا مجرى للاستصحاب لما بيّن في محلّه من عدم جريان الاستصحاب لاثبات خصوصيّة الفرد وعلى فرض جريانه في أصل التخيير الذي كان ثابتا في البين والاغماض عن اشكال القطع بالوجود على فرض كونه فقهيّا وبالعدم على تقدير كونه اصوليّا لا يترتّب عليه إلاّ خصوص آثار ذلكالفرد المردّد بين الفقهي والاصولي وهو من الأوّل مشكوك فلا نعلم انّه هذا أو ذاك.ثمّ انّه على تقدير عدم جريان الاستصحاب ذكر قدس سره ان المقام من قبيل دوران الأمر بين التعيين والتخيير لأنّه على تقدير كونه اصوليّا لم يجعل له بدل بل يتعيّن عليه العمل بهذا الخبر دائما وأخذه وعلى التقدير الآخر له البدل فيجوز تركه إلى البدل والأخذ بمضمون الآخر والعمل عليه .

واستشكل عليه بأن دوران الأمر بين التعيين والتخيير إنّما يكون في مورد لم يكن مانع في مقام الجعل والثبوت غاية الأمر حيث ان جعل التخيير يحتاج إلى مؤونة زائدة وكذلك اثباتا في ظرف الشكّ في كونه تعيينا أو تخييرا فمقتضى الاطلاق عدم جعل العدل والبدل بل كونه تعيينا وليست التعيينيّة عبارة عن أمر وجودي كي يجري فيه البرائة بل إذا دلّ الدليل في مقام الاثبات بأو ونحوه أو وفي خبرين ساعد العرف على تقييد اطلاق كلّ بالآخر كي يؤول إلى التخيير فيكون هو ذاك وإلاّ فالأصل التعيينيّة وهذا لا معنى له في المقام حيث ان التخيير بين نحويه المتبائنين غير معقول بأن يخيّرنا الشارع بين الأخذ في المسئلة الفرعيّة كي يجوز لنا العمل بمؤدّى كلّ من الخبرين دائما مستمرّا وبين الأخذ في المسئلة الأصوليّة الموجب لتعين العمل بمضمون المأخوذ دائما بلا جواز أخذ الآخر

ص: 766

والعمل بمضمونه فحينئذٍ ما ذكره لا يتمّ . هذا ما أورد عليه .

إلاّ انّ هذا الاشكال ناش من عدم فهم مراده قدس سره وإن كان ظاهر المنسوب إليه في التقريرات(1) هكذا ولذا أورد الاشكال لكن مراده قدس سره ليس ذلك بل يمكن أن يكون قد أراد ان بناءً على كونه اصوليّا فلا يكون له الأخذ والعمل بالخبر الآخرويكون هذا الخبر حجّة عليه فحينئذٍ لا معنى للتخيير بالعمل بالآخر .وبناء على كونه فقهيّا ففى مقام العمل له البدل والعدل ويجوز تركه إلى البدل وحيث ان لا اطلاق ولم يعلم كون التخيير على أيّ نحو فلا دليل على كونه مخيّرا في العمل ويجوز له الأخذ والعمل بالآخر فلا جرم لابدّ من اختيار ما اختاره أوّلاً مستمرا دائماً لدوران الأمر بين ماله البدل وما ليس له البدل(2) .

وعلى هذا وإن كان المقام غير صورة الدوران بين التعيين والتخيير إلاّ ان مناطه موجود في المقام لكن من جهة اخرى غير الجهة التي كانت في ذاك المقام وعلى كلّ حال ففي النتيجة والأثر متّفق متّحد مع تلك المسئلة .

وهذا بناءً على تعقّل جعل الحجيّة بناءً على كونه في المسئلة الاصوليّة وإلاّ فلابدّ من الالتزام في خصوص المقام بمبنى الشيخ قدس سره من انتزاعها من الأمر بالأخذ بأحد الخبرين في المقام فانّ الطريقيّة غير قابلة للجعل ولا يخفى ان ذلك كلّه بناءً على كون المسئلة الاُصوليّة وثبوت التخيير فيها مقتضيا لدوام الأخذ وابتدائيّة التخيير فليس له بعد ذلك الأخذ بالآخر .

وأمّا لو قلنا بعدم الفرق بين كونها في المسئلة الفقهيّة أو الاُصوليّة فكما ان

تصوير التخيير

ص: 767


1- . فوائد الأصول 4/769 .
2- . ظاهر تصوّر الدوران انّه بناءً على الاُصوليّة تعلّق الأخذ بالواسطة بالعمل بعد الأخذ بأحدهما بخلاف الفرعيّة فانّه تعلّق بالبدل ابتداءً .

في الأوّل استمراري كذلك في الثاني إذ لو كان في الآن الثاني ممنوع الأخذ بالخبر الآخر والعمل بمؤدّاه لكان عليه أن يقيّد التخيير بالصورة التي تكون بدوا وحيث ان الشكّ في الخصوصيّة الزائدة فتتمسّك بالاطلاق لعدم بيان القيد لعدم ايجاب الأخذ بأحدهما ذهاب الشكّ والتحير بل التعارض بعد باقٍ على حاله في الخبرين .وعلى هذا فيكون قد دلّ الاطلاق على كون التخيير استمراريّا سواء كان في الفقهيّة أو الاصوليّة هذا .

اللهمّ إلاّ أن يقال مرجع جعل التخيير في الأخذ بأحدهما ليكون حجّة هو جعل الطريق المؤدّى إلى الواقع في هذا الظرف فان الامارات إنّما أخذ الشكّ فيها ظرفا لا موضوعا وهذا يوجب ارتفاع التحير لأنّه مادام لم يجعل له الطريق وبقيام الطريق لا تحير كي يمكنه الأخذ بالخبر الآخر لأنّ الأخذ به إنّما كان في صورة التحير وحكم ذاك الظرف وبعد أخذ أحدهما لا يبقى ظرف التحير والشكّ للآخر .

وحينئذٍ فمقتضى ذلك عدم جواز الأخذ بالآخر فيكون كما إذا لم يكن عنده المتعارضان بل من الأوّل قام عنده الخبر غير المعارض .

هذا غاية ما يمكن أن يقرب به بدويّة التخيير ويؤيّده التزامهم بعدم جواز العدول من مجتهد إلى آخر فان وجهه يمكن أن يكون قيام الطريق والحجة عليه فلا يجوز له الأخذ بعد ذلك من مجتهد آخر في مسئلة واحدة فتارة يحكم بنجاسة الغسالة لتقليد من يراها نجسا واخرى يقول بطهارتها لتقليد من يرى ذلك أو يأتي بالتسبيحات مرّة واخرى ثلاثا مع ان دليل التقليد يستفاد منه من الأوّل التخيير

ص: 768

حيث ان قوله علیه السلام (1) ( من كان من الفقها صائنا لنفسه حافظا لدينه مخالفاً على هواه مطيعا لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه ) ظاهر في التخيير في الأخذ برأي أيّ منهم شاء فكذلك المقام مع ان المقامين من واد واحد فلما لم يقولوا بجواز العدول يلزمهم عدم القول بكون التخيير استمراريّا مثل المقام حرفا بحرف فما وجهالفرق لأنّه إن كان بقيام الطريق ففي كلا المقامين وإلاّ فكذلك .تتميم وتكميل: ينبغي بيان ما يمكن أن يتصوّر من التخيير في الأخذ أو العمل على ترتب جعل الحجيّة باحدى الروايتين المتعارضتين وان أيّ الاحتمالات أحسن وأنسب بالمقام .

فنقول وباللّه نستعين يمكن تصوّر التخيير في المقام بأن يكون أحدهما حجّة قبل الأخذ إمّا بنحو التخيير بين الفتويين المتعارضتين أو على نحو منجزيّة الاحتمال وحينئذٍ فربما يقال بالاطلاق والاستمرار في التخيير كما يمكن أن تكون الحجيّة مشروطة تارة بالأخذ بأحدهما بأن يكون العزم والبناء على أخذ هذاالخبر موجبا لكونه حجّة فيعمل به واخرى أن يكون ترك أحدهما شرطا لحجيّة الآخر وربما يقال في صورة تعارض الخبرين انّه بعد تساقطهما بناءً على الطريقيّة ووجوب الأخذ بخبر العادل إذا لم يكن أهميّة لأحدهما يتخيّر المكلّف في الأخذ بأحدهما شاء لوجوب العمل بخبر العادل ولو عند التعارض وهذا إذا لم يمكن الجمع بين هذين الخبرين في المؤدّى في صورة دوران الأمر بين الفعل والترك لأمر أحدهما ونهي الآخر فيتخيّر حينئذٍ ويكون هذه الأخبار الواردة في الأخذ بأيّهما شاء ارشادا إلى حكم العقل بالتخيير لالزام العقل على المكلّف

ص: 769


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 10/20 من أبواب صفات القاضي .

خروجه عن عهدة التكليف لكن لابدّ من تصوير الوجوب التخييري في المقام وامكانه وحيث ان لازم القسمين المذكورين ما لا يمكن الالتزام به لأنّ التخيير على نحو البناء على الأخذ وأن يكون مشروطا بذلك يرجع إلى عدم الوجوب إذا لم يأخذ بأحدهما لأنّه لم يبن ولم يعزم على الأخذ بأحدهما وما لم يبن فلا يكون حجّة فلا حجّة له في البين وكذلك الثاني لازمه تنجّز واجبين عليه عند عدم العمل بكليهما وترك الأخذ بهما لحصول شرط كلّ واحد فلا وجه للالتزام بالتخييرالمجعول على هذا النحو أي على نحو الاشتراط لأن مرجعه إلى كون الواجبالتخييري واجبا مشروطا بأحد النحوين مع ان الواجب التخييري سنخ ونحو من الوجوب ليس في قبال الواجب المشروط بل هو في قبال الواجب التعييني والواجب المشروط في قبال الواجب المطلق فلا يمكن الالتزام بذلك في المقام على نحو الترتّب من الطرفين .

نعم يمكن تصوّر الترتّب من جانب واحد كما في وجوب الصلاة عند ترك أداء الدَين وكلّ مهم عند ترك الأهم .

والحاصل ان الواجب التخييري بهذا النحو لا معنى له وإن ذهب(1) إليه المحقّق النائيني قدس سره بل هو كما ذكرنا سنخ من الوجوب تعلّق بأحد الفردين أو الأفراد وحيث ان المتبائنين بما هما متبائنان لا يمكن أن يكونا مؤثّرين بأثر واحد ينتجانه فلا جرم يكشف ذلك عن تعلّق الأمر بالجامع بينهما ويرجع هذا التخيير إلى التخيير العقلي ولا تخيير شرعي في البين .

هذا إذا التزمنا بجريان الأحكام العقليّة في الشرعيّات صحيح فانّ الضدّين

ص: 770


1- . فوائد الأصول .

بما هما ضدّان لا يمكن حصول أثر واحد منهما بل إذا حصل يكشف برهان السنخيّة بين الأثر والمؤثّر عن جهة جامعة بينهما أوجبت اتّحاد أثر كلّ مع أثر الآخر ( وإلاّ فكيف يمكن أن تؤثّر النار البرودة والماء الحرارة مع بقاء أثرهما الأوّل فاذا أثر الماء الحرارة فلابدّ من جهة جامعة بينه وبين النار مؤثّرة في هذا الأثر ) .

والحاصل ان شيئين إذا أثّرا أثرا واحدا فلابدّ أن يكون المؤثّر هو الجامعبينهما وحينئذٍ فاذا تعلّق الأمر بهما على نحو التخيير يكون الواجب في الحقيقة هوالجامع والتخيير الشرعي بهذا النحو يرجع إلى التخيير العقلي .

وعلى هذا فيشكل تصوير التخيير الشرعي مطلقا حيث ان مرجعه إلى التخيير العقلي إذا قلنا ان المصالح والمفاسد النفس الأمريّة من قبيل الماء والنار المؤثّرين أثرهما الخاص لأنّه لا طريق للعقل لتصوّر الجامع بين أفراد الواجب المخيّر في العتق والصوم والأطعام فان كان الجامع هو البرّ فلا ينحصر مصاديقه بهذه الثلاثة وكذلك في فرضه غيره .

وعلى كلّ حال فبين هذه الثلاثة بون بعيد وعلى فرض كون كلّ واحد مفيدا للمصلحة عين مصلحة الآخر وسنخها فيشكل مع هذه المبائنة الشديدة فهم إن لم نلتزم بالتأثير والتأثّر في المصالح والمفاسد أو التزمنا لكن لا بهذا المقدار كما يمكن أن يقال التخيير الشرعي إنّما هو في ما إذا لا يمكن للعقل تشخيص الجامع المؤثّر في الأثر الخاص وكيف كان فتصوير التخيير الشرعي أيضا على هذا النحو مشكل ( حيث انّه لا جامع في البين لأنّه إمّا خبر الثقة أو الخبر المعارض وهو يشمل كلا الفردين وأمّا أحد الخبرين فانّه راجع إلى ما يأتي في الوجه المختار ) .

تصوير الوجوب التخييري في المقام

ص: 771

لكنّه يمكن أن يكون بنحو الترتّب من جانب واحد كما انّه يمكن أن يكون الشارع قد أوجب العمل بأحدهما بأن يبسط أمره لا على كلّ واحد منهما مستقلاًّ لعدم امكانه فانّه خلاف فرض الطريقيّة بل يناسب السببيّة وكذا لا مرجح لأحدهما المعيّن فانّ الفرض كذلك كما انّه لا معنى لجعل الوجوب المشروط بأخذ كلّ بالبناء على الأخذ أو عند ترك الآخر كي يتوجّه عليه ما ذكرنا من الاشكال بأن يوجب العمل باحدى الامارتين المتعارضتين وحينئذٍ فالحجيّة إنّما تنتزع من الوجوب بالعمل بأحدهما إمّا هذا أو ذاك وهو في غاية السهولة ولا مانع منه وهذهالأخبار دليل له في مقام الاثبات وإن كان الالتزام بذلك خلاف المبنى فيالطريقيّة .

لكنّه ذهب إليه الشيخ رحمه الله في الحجيّة وانّها منتزعة من وجوب الأخذ بقول الثقة مثلاً كما انّه يمكن تصوير منجزيّة الاحتمال في المقام إن لم يرجع إلى احتمال آخر .

يمكن تصويره أيضا بأن يكون خطابا لحفظ المرام في هذه الصورة في طول الواقع وحكما ظاهريّا للعمل بالواقع فان طابق الواقع فهو وإلاّ فهو معذور لكن الفرق بين هذا الخطاب وخطاب حج ذاك انّه حيث لم يتعلّق بالعمل بلا واسطة مثلها لم يكن تكليفا نفسيّا بل تكليفا طريقيّا وحكما ظاهريّا في هذا الظرف ولا منافاة ينه وبين الخطاب الواقعي في هذه الصورة لامكان الجمع بينه وبين الحكم الواقعي على ما حقّقنا في محلّه وعلى هذا فيكون متمّما أو كالمتمّم فحينئذٍ إذا أمكن هذا التصوير سواء رجع إلى وجوب الأخذ بأحدهما أو إلى الخطاب الطريقي أو منجزيّة الاحتمال تصويره في غاية السهولة بل لا محيص

ص: 772

عنه وكما ذكرنا مدركه هذه الأخبار الدالّة على التخيير .

وعليه فيكون مرجع الجميع إلى التخيير في العمل فان التخيير في الأخذ أيضا راجع إليه ولا فرق حينئذٍ بين ابتداء الأخذ بأحدهما أو استمراره فان الحكم على هذا يكون هو التخيير الاستمراري حيث ان ما ذكرنا نتيجة هذا لكونه حكما طريقيّا بالأخذ بأحدهما أو متمّما للحكم الواقعي والخطاب الأولي . وهذا الذي استفدنا من هذه المقدّمات يوافق التخيير في الأخذ بأحد الدليلين المتعارضين لو قيل به لكن حيث لم يقم عليه لو لا الأخبار دليل لم نلتزم به لأن ما هو مفاد أدلّة حجيّة الخبر وهو الأخذ بكلا الخبرين غير ممكن في المقام وما يمكن من التخييرفي الأخذ بأحدهما لا دليل عليه فهذا دليله .( أقول: حاصل ما تقدّم انه يتصوّر الوجوب التخييري في المقام على أنحاء بعضها لا سبيل إلى تصديقه كالوجوب التخييري على النحوين المشروطين وبعضها الآخر متعين الأخذ وهو ما أفاده في آخر البحث من الوجوب الطريقي أو الحكم الظاهري ) .

تتمّة: ليعلم ان ما ذكرنا من التخيير في المتكافئين مختص بالامارات في باب الأخبار المتعارضة ولا مجال لجريانه في اليدين المتعارضتين ولا في البينتين ولا في الآيتين ولا في ما نقل من كتاب أحد الرواة مختلفا بل ينحصر موضوع ذلك التخيير في الأخذ بأحدهما وأيّهما شاء على ما ذكر بالامارات والأخبار المتعارضة في بيان الأحكام الكليّة الالهيّة كما هو مقتضى الجمود على ظواهر النصوص ولا يمكن التعدّي عنها إلى غيرها . وهل ما ذكرنا من التخيير في الخبرين المتكافئين يجري في الفتويين أم لا ؟

التخيير في الفتوى بدوي أو استمراري

ص: 773

ربما يقال بناءً على الطريقيّة في الفتوى وكون المجتهد طريقا فعند تخالف المجتهدين في الفتوى تتساقطان كالخبرين ولا مجال للأخذ بأحديهما لكنّه خلاف الدليل حيث ان مقتضاه كما سنذكره تخيير المقلد ابتداءً في الأخذ باحدى الفتويين والفرق بين باب التقليد وباب الأخذ بالأخبار ان في باب الاخبار بعد التعارض وعدم الترجيح وبعبارة اخرى في صورة التكافؤ يكون الحكم التخيير إمّا في الأخذ والمسئلة الأصوليّة أو في العمل على ما سبق بخلاف باب التقليد والأخذ بفتوى المجتهد فانّه من أوّل الأمر يكون الحكم حكم باب التعارض وعلى هذا فلا اشكال في تصوّر التخيير في الأخذ بالفتاوى كما لا اشكال في ان التعارض في باب الخبرين عبارة عن عدم شمول دليل الاعتبار لكليهما معا لا انّهيشمل ويتعارضان من حيث مقام العمل لعدم امكان الجمع .ثمّ انّه على ما ذكرنا هل التخيير في الفتوى يكون بدويّا أو استمراريّا ؟

يمكن تقريب كونه بدويّا انّه بعد كون رأي المجتهد حجّة على المقلّد ويجوز الرجوع إليه في ذلك فبعد الأخذ يكون حجّة عليه ولا يمكنه الرجوع إلى مجتهد آخر لقيام الطريق له إلى الحكم الشرعي فلا يجوز له العدول منه إلى آخر ففي باب الغسالة إمّا أن يأخذ بقول من يقول بطهارتها فيقلّده دائما أو بقول من يقول بنجاستها فيقلّده كذلك وليس له أن يأخذ بقول هذا تارة وبقول الآخر اخرى نعم يجوز له التبعيض في التقليد بأن يقلّد كلّ مجتهد في مسئلة مثلاً أو في باب سواء قلنا بجواز تقليد المجتهد مطلقا حتّى من تجزى في بعض المسائل في خصوص هذه أو خصّصنا مرجعيّة التقليد بمن كان مطلقا في الاجتهاد وحصلت له ملكة الاجتهاد في مجموع الفقه من أوّله إلى آخره وكان عنده من الأدلّة ومداليلها قدر

ص: 774

معتدّ به وعلى هذا ربما ينحصر في كلّ زمان أو في خصوص بعض الأزمنة

مصداقه في أشخاص معدودة أو أقل . امّا اذا اختلفا في الأفضليّة والمفضوليّة فان كان مقتضى الدليل العقلي بالشك في حجيّة قول غير الأفضل القطع بعدم الحجيّة الا ان في الأدلّة الواردة في المقام ما يوجب معه جواز الأخذ بالمفضول كما يرشد إليه رواية الاحتجاج أمّا(1) من كان من الفقهاء صائنا لنفسه حافظا لدينه إلى قوله فللعوام أن يقلّدوه وهذا ان لم نقل بكون أكثريّة أفراد المفضول في كلّ زمان بنحو القضيّة الحقيقيّة كما هو ظاهر الرواية موجبة للانصراف إليه فلا أقل من الاطلاق في الأفضل وغيره مع اختلاف الرواة في العلم والفضل فربما كان واحد منهمحافظا وعالما بخمسين ألف حديث وآخر أكثر وأقل فان اختلاف مراتبهم فيالفضل وأخذ الأحاديث عن الأئمّة علیهم السلام شيء لا ينكر ومع ذلك كلّه لم يقيّد الفقيه في الرواية بكونه أفضل فهذا الاطلاق كافٍ في حجيّة قول المفضول حتّى مع التمكّن من قول الأفضل .

والحاصل انّه بعد أن كان قوله(2) ( من كان من الفقهاء ظاهرا في تقليد

صرف وجود الفقيه المتّصف بهذه الأوصاف وإلاّ فلا يمكن تقليد كلّ فقيه كما في آية فتيمّموا صعيدا(3) طيّبا فلا يجب التيمّم بكلّ صعيد بل بأيّ فرد منه صار صار فالمستفاد من الخبر على هذا هو حجيّة قول صرف الوجود فبعد الأخذ يتعيّن عليه ولا يمكنه الرجوع إلى غيره هذا .

ولكن فيه مجال واسع للاشكال حيث عرفت ان حكمه من هذه الجهة حكم

ص: 775


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 10/20 من أبواب صفات القاضي .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 10/20 من أبواب صفات القاضي .
3- . سورة المائدة: 7 .

باب التعارض والتخيير في المتعارضين فيجري فيه جميع الصور المذكورة هناك من كون الحجّة هو خصوص أحدى الفتويين قبل الأخذ أو بعده إلى غير ذلك . وإن كان مقتضى اختيارنا أخيرا هو كون الحكم ووجوب الأخذ بأحد المتعارضين وينتزع منه الحكم بالحجيّة وقلنا ان ذلك دليل استفادة الطريقيّة لعدم كونه واجبا نفسيّا فيجري هذا في المقام ولازمه الالتزام بكون فتوى أحد المتساويين حكما طريقيّا واجب الأخذ وقلنا لا معنى لجعل طريقين تعيينا الاّ ان كلّ ذلك محل الاشكال ويشكل تصوير التخيير في المقام . والظاهر من اخبار المقام هو حجيّة قول المجتهد امّا كونه بنحو صرف الوجود وان بمجرّد الأخذ يكون حجّة فلا فانفرضه في صورة وحدة القضيّة لا اشكال فيه بل لا مناص عنه لعدم محل الرجوعفيها إلى الغير .

أمّا بالنسبة إلى القضيّة المكرّرة مرارا فلا لأنّه يكون في ذلك نظير قول القائل أكرم كل¨ يوم جمعة عالما فأكرم في جمعة زيدا العالم وفي اخرى عمرا أو قال أكرم عالما كلّ جمعة واهن عالما ففي جمعة أكرم هذا واهان آخر وفي اخرى عكس فانّه لا اشكال في حصول الامتثال بذلك ومقامنا عينا من هذا القبيل فما ذكروه عندهم من عدم جواز العدول من مجتهد إلى آخر ان استند إلى اجماع فهو وإلاّ فلا دليل عليه وظاهر الدليل الاطلاق كما في الخبرين وما ذكرنا من الوجوء على سبيل الشكّ وعدم استفادة شيء .

تنبيه: يظهر من صاحب الفصول قدس سره انّه لا اشكال في عدم جواز العدول من مجتهد إلى مساوىٍ له في شرايط حجيّة قوله لغيره بعد أن تحقّق منه التقليد للأوّل حيث أرسله ارسال المسلمات لجعله النزاع والخلاف في ما إذا كان تقليده بالنسبة

كلام صاحب الفصول في عدم جواز العدول

ص: 776

إلى كلّ تبعيضيّا بأن أخذ البعض من أحدهما والآخر من الآخر أو أكثر . هذا ومستندهم في ذلك وجوه استحسانيّة واعتبارات رديّة من لزوم الهرج والمرج .

قال في جملة شرايط الحكم المستفتي منه ومنها أن لا يكون مسبوقا فيه بتقليد مفت آخر .

أمّا بالنسبة إلى الوقايع الخاصّة التي التزم فيها بتقليده فموضع وفاق على الظاهر ويدلّ عليه الأصل وقد سبق تحقيقه في صورة رجوع المفتى وان جواز العدول فيها يؤدّي إلى اختلال نظام الشريعة إذ يمكن أن يستحل المقلد بهذه الحيلة ما فوق الأربع والجمع بين الاختين وان يستحل جماعة لامرئة واحدة ويستحل امرئة لعدّة رجال وذلك بأن يكون صحّة عقد البعض مبنيّة على تقليدمفت فيرجع عنه في استحلال الآخر وأمّا بالنسبة إلى غير تلك الوقايع محلخلاف . فذهب جماعة إلى المنع فيه وربما كان مستندهم اصالة بقاء الحكم المقلّد فيه في حقّه لثبوته بالتقليد فيستصحب ولاستلزام البناء على حكمين في واقعتين القطع بفساد أحدهما في احداهما ولأن آية أهل الذكر دلّت على جواز التقليد عند عدم العلم بالحكم والمقلّد عالم به بتقليد الأوّل فلا يتناوله عمومها .

وذهب جماعة على ما قيل إلى جوازه الخ .

وما استندوا إليه في عدم الجواز في صورة تعدّد الوقايع من لزوم الاختلال وغير ذلك ليس بتام لعدم لزوم اختلال نظام الشريعة ولا العلم بمخالفة الواقع لاحتمال خطأ كلا المجتهدين فلا يلزم في صورة انحصارهما وقولهما بالوجوب والحرمة أن يعلم خلاف الواقع لامكان خطأ كليهما خصوصا في مثل الحلال والحرام .

ص: 777

ففي صورة كون فتوى أحدهما الحرمة لا يأخذ بقوله بالحرام وإذا قلّد الآخر الذي يقول بالحليّة فيأخذ ولا يلزم من ذلك العلم بمخالفة الواقع كما ذكرنا وكذلك في باقي المسائل ففي الرضاع إذا قلنا مثلاً بعشر رضعات وقال الآخر بخمسة عشر فانه كما يوجب نشر الحرمة ابتداءً كذلك في الاستدامة فلو فرض انّه ارضعت ابن الزوج أمّ الزوجة فان أخذ بقول القائل بعشر رضعات فبعد تحقّقها تنفصل زوجته عنه بلا طلاق لصيرروتها حراما عليه وان أخذ بقول الآخر فليس كذلك وإن كان يتطرّق في بعض هذه الاشكال الا انّه لايصحّح عدم جواز العدول وما ذكره قدس سره في وجه المنع هو غاية ما يمكن أن يقال في المقام إذ حال المقلّد في هذه الصورة كحال المجتهد فكما ان المجتهد لا يجوز تقليد غيره لقيام الطريق عنده الموجب لاعتقاد خطأ غيره وأخذ قوله حينئذٍ يكون من التشريع المحرمكذلك المقلّد في صورة أخذه بقول المجتهد أو الالتزام بالأخذ وإن لم يعمل كذلكلقيام الحجّة عليه وحينئذٍ يكون علم المجتهد علمه وطريقه طريقه والامارة كما دلّت على الحكم بالنسبة إلى المجتهد كذلك في حقّ المقلّد فلا يجوز له الرجوع إلى غيره في ذلك كالمجتهد بالنسبة إلى الرجوع إلى غيره .

بل ربما يشكل الأمر في الرجوع إلى مجتهدين متعدّدين في القضايا المتعدّدة فضلاً عمّا هو مورد البحث في مسئلة واحدة مكرّرة يرجع إلى كلّ عند ابتلائه بها مرّة وإن كان الأقوى والحق هو جواز الرجوع إلى متعدّدين بالنسبة إلى باب من الأبواب مثلاً أو مسئلة من المسائل كان يقلد أحدهم في باب العبادات واخرى في المعاملات وهكذا ابتداءً معاً أو في صورة الطوليّة مطلقا . لكن ما ذكر في تقريب الاستدلال فيه ما فيه كما هو ظاهر فأيّ ربط للمقلد بالمجتهد كي يكون

ص: 778

حاله كحاله بقيام الطريق عنده في عدم جواز العدول من مجتهد إلى آخر .

ثمّ ان ما ذكرنا إنّما هو في صورة التساوي أمّا في صورة كون المعدول إليه أفضل أو المعدول عنه كذلك فانّه لا اشكال في الجواز في الأوّل وعدمه في الثاني وإن كان يظهر من بعض عدم لزوم تقليد الأعلم بل اللازم أن يقلّد المجتهد الذي اجتمعت فيه شرايط التقليد وأن يكون مطلقا أو مساويا له في ما يرجع إلى استفادة الحكم ولو متجزيّا كما ان ذلك كلّه في ما إذا قلنا بأنّ التقليد عبارة عن تطبيق العمل على فتوى المجتهد فما لم يطبّق كذلك لم يتحقّق التقليد وإن كان أخذا الرسالة وبانيا على العمل بها وعالما بمسائلها اجمع مثلاً كما هو الأقوى .

وأمّا إن قلنا بأنّه عبارة عن البناء فيشكل الأمر لامكان مجييء ما ذكر من قيام الحجّة عنده في هذه الصورة فالرجوع إلى الغير يكون بلا دليل .

والحاصل ان ما ذكر من الوجوه الاستحسانيّة والاعتبارات الرديّة لا يمكنالاستناد إليها في القول بعدم جواز العدول فان كان اجماع في المسئلة فهو وإلاّفقد عرفت الأمر في باقي الوجوه ويبعد تحقّق الاجماع الذي يكون حجّة في المقام لقوّة احتمال استناد الاجماع إلى هذه الوجوه المذكورة فيبقى القول بعدم جواز العدول من مساوي إلى مثله بلا دليل ظاهر فكيف بعدم جواز الأخذ في كلّ باب مثلاً من واحد .

اللهمّ إلاّ أن يقال ان القدر المتيقّن من جواز التقليد الذي هو خلاف الأصل من حجيّة قول الغير للمكلّف هو صورة الابتداء وعدم مسبوقيّته بالأخذ من غيره إذ هو ليس كالاحتياط طريقيّته لادراك الواقع على طبق الأصل ومقتضاه فيبقى جواز الرجوع إلى غيره بعد تحقّق التقليد منه بلا دليل . لكنه يجاب بالاطلاق في

في تقديم ذي المرجح على غيره

ص: 779

مثل ( فللعوام أن يقلّدوه ) وانّه كاف لدفع الشكّ في أمثال هذه المقامات .

هذاما يتعلّق بالتخيير بين الخبرين المتعارضين وما ناسبه من التخيير بين الفتويين .

ثمّ ان ما ذكرنا من الأخذ تخييرا بين المتعارضين هل هو مطلقا ولو في صورة كون أحدهما ذا مزيّة ليست في الآخر أم لا بل في صورة اشتمال أحدهما للمزيّة يقدم ذو المزيّة على غيره وهو يكون حجّة لا غيره ؟

قولان بالنظر إلى الأخبار الواردة في المقام والجمع بين أخبار التخيير وأخبار المرجّحات وهذا بعد عدم امكان الجمع بين المتعارضيين بأنفسهما لفرض تساقطهما في شمول دليل الحجيّة لكليهما فلابدّ في حجيّة أحدهما من دليل خارجي وهو الأخبار العلاجيّة . وقد جمع بين مطلقات التخيير وأخبار الترجيح بنحوين أحدهما الجمع الحكمي بلحاظ أقوائيّة ظهور أخبار التخيير في اختيار أحد المتعارضين من أخبار الترجيحات فيحمل ظهور أخبار الترجيح علىاستحباب الأخذ بذي المزيّة مع جواز العدول عنه إلى غيره ممّا ليست فيه المزيّة .الثاني الذي بنينا عليه هو الجمع الموضوعي وتقييد مطلقات التخيير بأخبار الترجيحات واختصاص التخيير بصورة عدم المرجّح فان الجمع الموضوعي مانع من المصير إلى الجمع الحكمي خصوصا مع مساعدة العرف له دون الآخر .

لكن الانصاف كما ذكرنا سابقا عن صاحب الوسائل نقلاً عن صاحب الاحتجاج انّه لا يتّفق مورد لم يكن لأحد الخبرين مزيّة على الآخر فيما يرجع إلى حجيّته دونه فالبحث عن ذلك بلا فائدة .

نعم لو اتّفق مورد كانا متساويين من جميع الجهات فحينئذٍ يكون نوبة

ص: 780

اخبار التخيير هذا .

الكلام في المرجّحات:

ثمّ ان الكلام في المرجّحات يقع من وجوه فتارة في بيان المنصوص منها وحد كونها مرجحة واخرى في تقدّم بعضها على بعض وترتيبها وثالثة في لزوم الاقتصار عليها أو جواز التعدّي إلى غيرها ممّا يوجب مزيّة لأحد المتعارضيين مطلقا أو في خصوص ما يوجب أقربية طريقيّته إلى الواقع فالكلام يقع في ثلاث مقامات:

الاولى في بيانها وقد اشتملت رواية عمر بن حنظلة المقبولة(1) عليها وينبغي التكلّم أوّلاً في سند المقبولة . وقد ذكر الشهيد رحمه الله ان عمر بن حنظلة جليل الشأن وإن لم يذكروا له ذمّا ولا مدحا لكن يستفاد من موارد ذلك وقد اشتهر التعبير عن روايته هذه بالمقبولة لتلقى الأصحاب لها بالقبول كما لا اشكال في باقي رجال سندها فالسند معتبر وبعض من ذكر انه مجهول علمنا بالتتبع انه موثقولا وجه لرميه بالجهالة .

قال سألت أبا عبداللّه علیه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان أو إلى القضاة أيحلّ ذلك الخ يستفاد من هذه القطعة ان مورد السؤال إنّما هو صورة المرافعة والمنازعة التي ينجرّ إلى حكم الحاكم بينهما لكن لا ظهور لها في خصوص الشبهة الموضوعيّة بل يحتمل الوجهين ويناسب الشبهة الحكميّة كما يناسب الشبهة الموضوعيّة .

أمّا الحكميّة في مورد الدين فيمكن فرضه في باب الضمانات والوضعيّات

الكلام في المقبولة

ص: 781


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 1/4 من أبواب صفات القاضي .

فأحدهما كان يرى الاخر ضامنا للثمن الذي سلم إليه في البيع الفاسد مع علمه بذلك والاخر لا يرى ذلك فيدعى أحدهما على الاخر دينا أو كان سبب ذلك حصول الضمان من ناحية فساد عقد مزارعة أو مساقاة وأمثالهما فان كان ذلك في المعاملات والوضعيّات المنتهى إلى الدين لا ينبغي انكاره كما ان في الارث أيضا يمكن تصويره في خروج بعض الديون أو غير ذلك من الأصل أو الثلث أو كون الفرس من الحبوة أم لا ( كما يمكن تصوير ذلك في زماننا في السيارة الخصوصيّة ) .

والحاصل انّه يمكن فرض وقوع التنازع والمرافعة بينهما من جهة ما يرجع إلى الشبهة الحكميّة كما يمكن من جهة الموضوعيّة والأظهر هو الأوّل بل المتعيّن لعدم مناسبة الثاني للنظر في مدرك الحكم كما يظهر من ذيل الرواية حيث يجعل اعتبار مدرك أحدهما موجبا لرجحان قوله وتعينه وترك الآخر والاّ فكان اللازم الرجوع إلى الحلف والبيّنات لكونهما مدار ختم المرافعة في الشبهة الموضوعيّة كما يمكن كون الرجلين من أهل الفقه والرواية وكان اختلافهما في الرواية موجبالحصول التنازع بينهما وإن كان بعيدا .قال

علیه السلام جوابا عن سؤال عمر بن حنظة من تحاكم إليهم في حقّ أو باطل فانّما تحاكم إلى الطاغوت وما يحكم له فانّما يأخذه سحتا وإن كان حقّا ثابتا له لأنّه أخذه بحكم الطاغوت وقد أمر اللّه أن يكفر به .

قال اللّه تعالى: « يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ »(1) إنّما كان ذلك الذي يأخذه بحكمهم سحتا وإن كان حقّا ثابتا له حيث لم

ص: 782


1- . سورة النساء: 61 .

يأخذه بالحجّة بل اعتمادا على حكومتهم وذلك لا يجوز إلاّ عند الضرورة ولا يكون حينئذٍ من الركون إلى الظالمين لكن حيث يستفاد من الرواية الشريفة تمكن المترافعين من الرجوع إلى قضاة الشيعة ولم يكونوا مضطرّين إلى الرجوع إلى هؤلاء وكان ذلك غير جائز حراما إلاّ ان وجه حرمة المال وإن كان حقّا ثابتا له وجوب الاحتياط في الأموال كما يجب في النفوس والدماء والأعراض حتّى انّه لو كان مال نفسه لا يجوز له الاقدام لكونه مخالفاً للاحتياط والاحتياط في أمثال هذه المقامات حكم نفسي ظاهري لا طريقي كي يكون مدار المخالفة والموافقة والعصيان هو مصادفة الواقع وعدمها وليس مرجعه أيضا إلى منجزيّة الاحتمال قال(1): قلت فكيف يصنعان ؟ قال: ينطران إلى من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما فاني قد جعلته عليكم حاكما الخ يدلّ على لزوم كون القاضي والحاكم راويا للحديث والظاهر ان المراد الأعم من الأخذ من مشايخ الاجازة والوجادة فلا يجب في صدق انه راوي تمكّنه فعلاً من اسناد الحديث إلى الامام علیه السلام بسلسلة السند كما ان قوله ونظريستفاد منه اشتراط معرفته بالخاص والعام من الروايات ومعرفة الناسخ والمنسوخ والجمع بين المختلفات وعارفا بأنواع الدلالات وأنحاء المحاورات .

والحاصل أن يكون أهل النظر والاستنباط ولو توقّف على بعض المسائل الأصوليّة كما هو الغالب فأيضا يكون فيه معرفة وقوله قد عرف أحكامنا مقتضاه حيث انّه جمع مضاف احاطته بجميع مسائل الفقه مع التذكر لمداركها وان شذّ عنه بعض الفروع بحيث لا يضرّ في الصدق لكن اللازم أن يكون عنده استحضار فعلي

معنى السحت في المقبولة

ص: 783


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/1 من أبواب صفات القاضي .

لا مجرّد الملكة وأن يكون يعرف اصول المسائل ومهمّات الأحكام وإلاّ فان اشترط معرفته لجميع الأحكام حقيقة فلا يوجد بل يستحيل عادة مصداق له إلاّ الامام علیه السلام لكثرة الفروع وخروجها عن حدّ الاحصاء .

نعم الذي لابدّ منه أن يكون له ملكة ردّ الفروع إلى الأصول بأن يتمكّن من استنباط بعض الفروع الحادثة من الفروع المعنونة في كتب الأصحاب وبعبارة اخرى يكون مجتهدا مطلقا .

تذكرة: الظاهر رجوع السحت إلى أن الأخذ يكون حراما لا المال ويرجع التعليل بقوله لأنّه أخذه بحكم الطاغوت إلى الأخذ أيضا وذلك في صورة عدم الضرورة وعدم طروّ عنوان مبيح لذلك من ضرر أو حرج وأمثال ذلك في حرمة الأخذ فاذا لزم من الحكم بالحرمة في هذه الصورة الضرر والحرج فلا اشكال في عدم الحرمة لارتفاعها بالضرر أو غيره ولا يكون من الركون المحرم بقوله تعالى: « وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا »(1) الخ كما في فرض الرواية لتمكّنهم من الرجوعإلى قضاة الشيعة ورواتهم وفصل خصومتهم بذلك وعلى كلّ حال فالظاهر عدم(2)حرمة ما يأخذه حقّا بحكم غير حكّام الشيعة من قضاة العامّة وسلاطينهم وقوله فانّي قد جعلته عليكم حاكما يحتمل بعد ظهوره في المتيقّن من الحكومة في المرافعات لأجل مقام السلطنة والامارة بقرينة ذكر الراوي فرض رجوعها إلى السلطان أو القضاة وصلاحيّة قوله حاكما لمثل هذه الحكومة والسلطنة إذ لهم أن ينصبوا لهذا المقام كما لهم أن ينصبوا القضاة .

ص: 784


1- . سورة هود: 114 .
2- . هذا خلاف ظاهر بل صريح الرواية .

والحاصل استفيد من الرواية إلى هنا حرمة الرجوع إليهم في غير صورة الاضطرار وان الأخذ هو السيطرة والسلطنة على كلّ شيء بحكمهم حرام سحت وان الواجب الرجوع إلى من وصفه علیه السلام من الشيعة ثمّ عقب ذلك بقوله(1) فاذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فانّما استخفّ بحكم اللّه وعلينا ردّ والرادّ علينا الرادّ على اللّه وهو على حدّ الشرك باللّه . دلّ على حرمة ردّ حكم الحاكم بحكمهم اما إذا علم الخطأ في المستند فلا دليل على الحرمة والظاهر ان صورة عدم الخطأ والشكّ فيه كصورة العلم بعدم الخطأ كما ان الظاهر من القبول المنفي في هذا المقام مجرّد المخالفة العمليّة لا عدم الالتزام والرد المنتهى إلى الارتداد من حيث هتكه لحكم الامام والردّ عليهم الواصل إلى حدّ الاستخفاف الموجب للشرك والكفر فانّه إن وصل إلى هذا الحدّ من الاستخفاف فلا اشكال في الحرمة .

وأمّا المخالفة العمليّة فالظاهر عدم كونها بهذه المثابة وإن كانت مرتبة خفيفة من الاستخفاف كما لعلّه لا يوجب الارتداد ويمكن تعبيره علیه السلام وهو على حدّ الشرك باللّه يؤمى إلى ما ذكرناه .قال: قلت(2): فان كان كلّ واحد اختار رجلاً من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقّهما واختلفا في ما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم . والظاهر تسالهما معا على اختيار الرجلين في صورة اتفاقهما لا كلّ واحد منهما وان اختلفا فانّه لا تفصل الخصومة لو فرض ان أحدهما حكم على دعوى المدعى والآخر على فرض انكار المنكر كما انّه كاد يكون تصريحا بكون المنازعة في الشبهة

ص: 785


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 11/1 من أبواب صفات القاضي .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/1 من أبواب صفات القاضي لكن في مورد المنازعة .

الحكميّة وعلى فرض الأعميّة فيرجع الشبهة الموضوعيّة أيضاً إلى الحكميّة كما في بعض فروض النكول عن الحلف فان الروايات في ذلك مختلفة وفرض الراوي اختلافهما في الحديث ولو لا فرضه هذا كان الجواب عن فرضه الأوّل في المرافعة تامّا بلا شبهة في ذهنه لكنّه فرض فرضا آخر وسأل عنه فوصلت النوبة إلى مقام الترجيح في صورة الاختلاف فأجابه بالترجيح فقال علیه السلام: الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا يلتفت إلى ما يحكم الآخر .

وقد روى في بعض الروايات الترجيح(1) بالأعلميّته ويمكن فرض كون المراد به هو الأفقه والمراد بهما معا حينئذٍ من كان عنده من الروايات أكثر من الذي عند الآخر أو المراد بالأفقه الأفهم والذي يكون تفريعه على الرواية واستفادته منها أكثر من الآخر كما انه يتصوّر الأصدقيّة أيضا بأن يكون الذي نقل أحدهما عين ألفاظ الرواية والمنقول للآخر المعنى بتغيير بعض الألفاظ فيما لايضرّ والورع اختلف تفسيره في الروايات وبذلك تختلف الأورعيّة .قال الراوي: قلت(2) فانّهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل وأحد منهما على صاحبه فقال علیه السلام: ينظر إلى ما كان من روايتهم عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه بين أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فان المجمع عليه لا ريب فيه .

وقال سيّدنا الاستاذ قدس سره من هنا يرجع الترجيح لمطلق المختلفين لا في

تثليث الامور

ص: 786


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/1 - 20 - 45 من أبواب صفات القاضي لكن في مورد المنازعة .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 9 - 12/1 - 9 من أبواب صفات القاضي .

خصوص مورد السؤال من المنازعة .

قال الامام علیه السلام (1): وإنّما الاُمور ثلاثة أمر بيّن رشده فيتبع وأمر بيّن غيه فيجتنب وأمر مشكل يردّ علمه إلى اللّه وإلى رسوله صلی الله علیه و آله قال: قال رسول: اللّه صلی الله علیه و آله حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك فمن ترك الشبهات نجى من المحرّمات ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم .

والظاهر من المحرّمات الأفعال لا ترك الواجبات ويحتمل الأعم فيدلّ على وجوب الاحتياط في الشبهة الوجوبيّة فضلاً عن التحريميّة حيث ان الهلاك هو الاخروي قال: قلت فان كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم قال ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنّة وخالف العامّة فيؤخذ به ويترك ما خالف حكم الكتاب والسنّة ووافق العامّة . والظاهر بل الصريح عبرة الرحجان بكلا الأمرين ولا ينافيه تقييده بمقيد دال على الاكتفاء بأحدهما فقط .

قال: قلت: جعلت فداك أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتابوالسنّة ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامّة والآخر مخالفا لهم بأيّ الخبرينيؤخذ ؟ قال: ما خالف العامّة ففيه الرشاد . جعل العبرة في خلاف العامّة .

قال: قلت: جعلت فداك فان وافقهم الخبران جميعا قال ينظر إلى ما هم إليه اميل حكّامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر .

قلت: فان وافق حكّامهم الخبرين جميعا قال: إذا كان ذلك فارجه حتّى تلقى إمامك فانّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات .

واستشكل في هذا الخبر بوجوه: منها: انه سواء كان ظاهرا في الشبهة

اشكالات في دلالة المقبولة

ص: 787


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9 - 12/1 - 9 من أبواب صفات القاضي .

الحكميّة أو الموضوعيّة صريح في تعدّد الحكمين وهذا خلاف المتسالم عليه بين الأصحاب .

ومنها: الترجيح بعد فرض مساواة الحكمين في الصفات بالمجمع عليه بين الأصحاب وهذا يوجب عدم كون العامل بالشاذّ المقابل للمجمع عليه فقيها فضلاً عن مساواته للآخر وكيف يمكن عدم اطّلاعه على مثل هذه الرواية المشهورة التي أجمع الأصحاب عليها .

ومنها: انّه يحرم بعد تحقّق الحكم من حاكم الرجوع إلى حاكم آخر ونقض حكم الأوّل بالثاني بل يحرم نقض حكم الحاكم وعدم قبوله وردّه حتّى لو فرض مخالفة فتوى أحد المتحاكمين لما يحكم به القاضي والحاكم لما حقّق في محلّه ويستفاد من صدر هذه الرواية فلو كان أحدهما يذهب إلى نجاسة الغسالة وبذلك يرى البيع باطلاً والقاضي يذهب إلى طهارتها فيلزم نقض فتواه بحكم القاضي بصحّة البيع لذلك ولا يجوز العكس .

اللهمّ إلاّ أن يعثر على خطأه في الاجتهاد أو في المستند كعدم عدالة الشاهدين عنده مثلاً فانّه لا منع حينئذٍ فكيف يجوز للعاميّ أن ينظر في مدركحكم الحكمين . ومنها ان في صورة اختلاف الحكمين في الصفات يلزم الأخذبحكم الأفضل حتّى فيما لو كان مدركه الرواية الشاذّة مع انّه لا يمكن الالتزام به لقوله فانّ المجمع عليه لا ريب فيه هذا ولا يخفى ما في كل هذه الاشكالات . إذ على فرض عدم الخروج عنها لا يضرّ بما هو محلّ الشاهد ومورد الاستدلال من الأخذ بالمرجّحات مع انّه يمكن الجواب عن الاشكالات بأنّه بعد صراحة الخبر أو ظهوره في فراغ الامام علیه السلام عن بيان حكم الرجلين المتنازعين وان وظيفتهما

ص: 788

الرجوع إلى حكّام العدل المتّصفين بالصفات المشار إليها وإمكان أن يكون الفرض أعم من الموضوعيّة ولو ترك استفصال الامام علیه السلام في الجواب انّه في الحكميّة أو الموضوعيّة لا مانع من فرض التعدّد على فرض مخالفة الحكمين لجواز أن يكون ذلك بطريق أخذ الفتوى عنهما لا المحاكمة والمرافعة فاذا توافقا فيأخذان بقولهما والانسب حينئذٍ أن تكون في الحكميّة ولا اشكال في عدم لزوم الاستناد بل يكفي مجرّد تطبيق العمل على الفتوى وعلى هذا لا يجب في صورة موافقة فتوى غير الأعلم للأعلم الاستناد في العمل إلى الأعلم بل يجوز تقليد غيره حينئذٍ ولو كان أشهر من الأعلم ولم يكن الأعلم مشهوراً لكنّه عرف بذلك كما لعلّه لا يخلو كلّ عصر من مثله لطفا كما ان عدم اطّلاع الفقيه من الحكمين على المجمع عليه لا اشكال فيه خصوصا بالنسبة إلى زمان الأئمّة علیهم السلام وعدم اطّلاع كلّ على ما صدر عنهم ولم يكن يضرّ ذلك في اجتهادهم وكذلك عرفت الجواب عن الثالث وانّه لم يكن من المراجعة والمرافعة إلى أحد بعد الآخر .

وأمّا الاشكال الرابع ولزوم الأخذ بالأفقه ولو كان مدركه الشاذ فجوابه واضح حيث ان الأفقه بما هو أفقه يرى رجحان العمل بالشاذ في قبال المجمع عليه بل اما ان عندنا كذلك مع كونه المجمع عليه لا يعارض الشاذ ( انه خروج عنالموضوع ) أو اطّلع على بعض الدقائق في الشاذّ الموجب للأخذ به وطرح الآخروالعمل على الشاذ . هذا مع فرض اطلاق نفي الريب في المجمع عليه وإلاّ فيمكن كونه في فرض المسئلة بعد وصول نوبة الترجيح إليه .

ثمّ ان في صورة تخالف الحكمين يتساقطان ولابدّ من الأخذ والرجوع إلى الثالث لتعيين المجمع عليه أمّا للأخذ بقوله الموافق للمجمع عليه بلا احتياج إلى

ص: 789

الاستناد إليه أو أحد الأولين أو لكونه بعد التساقط هو المرجع وهذا كلّه في فرض عدم تشخيصهما المجمع عليه من الشاذ .

عود على بدء: قد سبق ان الأخبار الواردة في الترجيح متخالفة بأنفسها فاقتصر في بعضها على خصوص موافقة الكتاب أو وزيادة مخالفة العامّة كما في آخر خصوص مخالفة العامّة وهذه الطائفة كثيرة مستقلّة وفي ثالثة الترجيح بالأحدث وفي المقبولة مضافا على الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامّة الترجيح بالأعدليّة والأفقهيّة والأصدقيّة وبالمشهور المجمع عليه بين الأصحاب وارجع الأمر أخيرا إلى الارجاء والتوقّف ولم يعتبر فيها الترجيح بالموافق للاحتياط ولا اطلق الأمر بالتخيير أخيرا بالأخذ بأيّهما على خلاف مرفوعة زرارة المنقولة عن غوالي اللئالي عن العلاّمة رحمه اللّه تعالى مرفوعة إلى زرارة قال: سألت أبا جعفر علیه السلام فقلت جعلت فداك يأتي عنكم الخبران والحديثان المتعارضان فبأيّهما آخذ ؟ قال: يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذّ النادر فقلت: يا سيّدي انّهما معا مشهوران مأثوران عنكم فقال خذ بما يقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك فقلت انّهما معا عدلان مرضيّان موثقان فقال: انظر ما وافق منهما العامّة فاتركه وخذ بما خالف فانّ الحقّ فيما خالفهم قلت: ربما

كانا موافقين لهم أو مخالفين فكيف أصنع ؟ قال: اذن فخذ بما فيه الحائطة لدينكواترك الآخر قلت انّهما معا موافقان للاحتياط أو مخالفان له فكيف أصنع فقال:اذن فتخيّر أحدهما فتأخذ به ودع الآخر .

كما ان في المقبولة(1) قدم الترجيح بصفات الراوي على الترجيح بالمجمع

ص: 790


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/1 من أبواب صفات القاضي .

عليه بخلاف المرفوعة فهي بالعكس اما النسبة بين أخبار التوقّف والتخيير عرفتها سابقا .

ومنها: رواية الاحتجاج بسنده عن سماعة بن مهران(1) قال: قلت لأبي عبداللّه علیه السلام يرد علينا حديثان واحد يأمرنا بالأخذ به والآخر ينهانا عنه قال: لا تعمل بواحد منهما حتّى تلقى صاحبك فتسأله .

قلت: لابدّ أن نعمل بواحد منهما قال: خذ بما خالف العامّة . مضافا إلى ضعف هذه الرواية كما انك قد عرفت حاصل الجمع بين ما ذكر وبين روايات لزوم الأخذ بالأحدث(2) .

وأمّا أخبار الترجيح الباقية مثل المقبولة(3) والمرفوعة فعلى تقدير تسليم اعتبار سند المرفوعة وموافقة العمل لها ولو بالنسبة إلى بعض مضامينها يسهل الجمع بينها وبين المقبولة(4) بأنّ الترجيح بصفات الراوي المتقدّمة في المقبولة إنّماهو لكون المورد مقام الحكم ولم يصل النوبة إلى النظر في مدرك الحكم ولذا لما ان وصل جعل المجمع عليه هو الذي لا ريب فيه .

أمّا الترجيح ابتداءً بما اشتهر بين الأصحاب والشهرة في الرواية كما في المرفوعة فهو على طبق القاعدة وليس هذا هي الشهرة في الفتوى الكاشفة عنالعمل الذي لا سبيل له إلاّ هذه . الكاسرة الجابرة .

ففي هذه الجهة توافق المرفوعة المقبولة الا ان الترجيح بعد ذلك في المقبولة

الكلام في المرفوعة

ص: 791


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/42 من أبواب صفات القاضي .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/17 من أبواب صفات القاضي .
3- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/1 من أبواب صفات القاضي .
4- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/1 من أبواب صفات القاضي .

بمخالفة العامّة وموافقة الكتاب بخلاف المرفوعة فبصفات الراوي ويمكن كون العبرة بما يقوله الأوثق اما من باب الطريقيّة أو تعبّدا كما ان الشهرة واجماع الرواية يوجب اندراج المشهور والمجمع عليه في دليل اعتبار الخبر وعدم اندراج الشاذ في ذلك فلا يكون حجّة .

ثمّ ان المقبولة مطلقة في صورة موافقة حكّام العامّة للمتعارضين في موافقة أحدهما للاحتياط وعدمه بخلاف المرفوعة فان فيها جعل العبرة بالأحوط وبعده التخيير ويمكن الجمع بعدم مناسبة مورد المقبولة للاحتياط فانّه في الماليات بخلاف المرفوعة كما يمكن أن يقال بعدم التزام الأصحاب بهذه القطعة من المرفوعة وهي في حدّ نفسها لا تكون حجّة بل بالعمل ولم يعمل الأصحاب بهذه بخصوصها فان موافقة الكتاب ومخالفة العامّة لا تنحصر روايتها بهذه كما ان الترجيح بالشهرة قد عرفت سرّه فحينئذٍ تبقى بلا تحقّق عمل عليها والأمر كذلك في خصوص الأوثق والأعدل فان العمل على خلافه في صورة المعارضة لعدم التزامهم بتقديم رواية الأعدل والأوثق في صورة المعارضة بل يعملون بالحسن مع الصحيح أو الصحيح بالنسبة إلى الموثق عمل المتعارضين ولا عبرة عندهم بكون رواة الصحيح عدولاً اماميّين بخلاف الموثق أو الحسن هذا مع ما في المرفوعة(1) من ضعف السند وعدم اتّصاله بالمعصوم علیه السلام بل هي قسم منالمقطوعة بالمعنى الأعم الذي لا تكون حجّة ومن حيث اشتمالها على لفظة رفعهسميت بالمرفوعة وكذلك المرسل الذي يسند ابتداءً إلى الامام علیه السلام وما عن

لا تقاوم المرفوعة المقبولة

ص: 792


1- . مستدرك الوسائل 17 الباب 9/2 من أبواب صفات القاضي .

صاحب الحدائق قدس سره (1) من الطعن في كتاب غوالي اللئالي الذي نقل المرفوعة عنه ومؤلّفه فعلى هذا لا تقاوم المرفوعة للمقبولة وعلى تقدير سلامة السند ولو باعتبار بعض القطعات من تحقّق العمل كالتخيير الذي اشتملت عليه أخيرا يمكن فرض كون خبرين كلاهما موافقين للاحتياط أو مخالفين له فالأوّل .

كما ورد(2) في ثالثة الامام لمن يقتدي به أن يقرء الفاتحة ويكبّر بتكبير الامام ويركع بركوعه وان أعجله عن السورة في قبال ما يأمره(3) بقرائة الفاتحة

والسورة في صورة الوصول إلى الامام ( بما لا تفوت الجماعة ) فان الآمرة بالمتابعة وترك السورة موافقة للاحتياط في متابعة الامام لا أقل في الأفعال فانّها إمّا واجبة نفسيّا أو شرطيّا وكذلك في السورة فانّها واجبة فلا داعي إلى تركها في هذه الصورة فان هذين الخبرين كلاهما موافقان للاحتياط كما انّهما مخالفان له من جهة استلزامهما لها . وللثاني ما ورد في العزيمة(4) وعدم جواز قرائتها في الصلاة ولو من جهة لزوم السجدة المبطلة للصلاة حتّى إذا تجاوز النصف فانه يعارض ما ورد في عدم(5) جواز العدول عن السورة بعد تجاوز نصفها فان رجّحالثاني يكون مخالفا للاحتياط لاستلزامه إمّا بقاء الصلاة بلا سورة كاملة أو باتمام هذه السورة المنهي عنها لا أقل نهيا وضعيّا وان رجّح الأوّل يلزم مخالفة دليل عدم جواز العدول الا انه لو تمّ دليل عدم جواز قرائة العزيمة وضعا فحينئذٍ يقدم على

تقييد بعض المرجحات بالمقبولة

ص: 793


1- . الحدائق الناضرة 1/99 .
2- . وسائل الشيعة 8 الباب 47/3 - 2 من أبواب صلاة الجماعة والألفاظ مختلفة .
3- . وسائل الشيعة 8 الباب 47/4 من أبواب صلاة الجماعة والألفاظ مختلفة .
4- . الوسائل 6 الباب 40/1 - 2 - 4 - من أبواب القرائة في الصلاة .
5- . الوسائل 6 الباب 36 - 3 - 4 من أبواب القرائة في الصلاة .

دليل عدم جواز العدول وتخصص هي به فتحصل إلى هنا لزوم الترجيح بما في المقبولة .

تذنيب: قال الشيخ

قدس سره في الموضع الثالث(1) من المواضع التي تكلّم فيها في ذيل أخبار العلاج ان مقتضى القاعدة تقييد اطلاق ما اقتصر فيها على بعض المرجّحات بالمقبولة إلاّ انّه قد يستبعد ذلك لورود تلك المطلقات في مقام الحاجة فلابدّ من جعل المقبولة كاشفة عن قرينة متّصلة فهم منها الامام علیه السلام ان مراد الراوي تساوي الروايتين من ساير الجهات كما يحمل اطلاق أخبار التخيير على ذلك انتهى .

ومقتضى كلامه جريان ما قال في أخبار الترجيح بمخالفة العامّة ابتداء أو بالموافقة للكتاب لكن الظاهر ان كلام الشيخ رحمه الله لا يتمّ فلابدّ اما حينئذ من تقييد اطلاق تلك الأخبار بما في المقبولة وقد ذكرنا ان تلك الأخبار على طوائف مختلفة ففي بعضها الترجيح بالأحدث ومنها الصحيح(2) عن أبي عمرو الكناني عن أبي عبداللّه علیه السلام قال: قال لي أبو عبداللّه علیه السلام يا أبا عمرو أرأيت لو حدّثتك بحديث أو أفتيتك بفتيا ثمّ جئت بعد ذلك فسألتني عنه فأخبرتك بخلاف ما كنت أخبرتك أو أفتيتك بخلاف ذلك بأيّهما كنت تأخذ ؟ قلت: بأحدثهما وادع الآخر قال: قد اصبت يا أبا عمرو أبى اللّه إلاّ أن يعبد سرّا أما واللّه لئن فعلتم ذلك انّه لخير لي ولكمأبى اللّه عزّوجلّ لنا في دينه إلاّ التقيّة ونحوه خبران آخران(3) كما ان ظاهر المقبولة الترجيح بالمجمع عليه بين الأصحاب وإن كان مخالفا للكتاب أو

ص: 794


1- . فرائد الأصول 2/777 - 778 .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/17 من أبواب صفات القاضي .
3- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/7 - 9 - 8 من أبواب صفات القاضي .

موافقا للعامّة .

وقد ذكرنا انه قد وقع مخالفة ترتيب في المرجّحات في المقبولة بالنسبة إلى المرفوعة وعن بعضهم عدم الترتيب بين المرجّحات طرا .

فاذا كان في أحد المتعارضين مزيّة من المزايا وفي الآخر مزيّة اخرى بازائها فلا يكون أحدهما مرجحا على الآخر وان كان المزيّة في أحدهما كونه مجمعا عليه وفي الآخر مخالفة العامّة كما عن المحقّق الخراساني قدس سره لكنّه(1) ذهب إلى ذلك حيث لم يتعدّ عن أعمال المرجّحات في المقبولة عن موردها وهو مورد المرافعة ولم ير العمل على وفق المرفوعة لضعف سندها .

والحاصل انّه وقع الكلام بين الأعلام بعد تسلّم احتياج العمل بالخبر في حدّ نفسه مع قطع النظر عن معارضته مع الآخر إلى ثلاث جهات هي الصدور والظهور والجهة في ترتيبها .

وعن المحقّق البهبهاني قدس سره تقديم المرجّح الجهتي على غيره من السندي والمضموني وعن بعضهم تقديم المرجّح السندي على المرجّح الجهتي والمضموني واختاره المحقّق النائيني قدس سره (2) فانّه مضافا إلى دلالة المقبولة على ذلك حيث اشتملت على الترجيح بالمجمع عليه بعد وصول النوبة إلى رجحانالمدرك للحكمين وتساويهما في ذلك في فرض الراوي جعل المناط الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامّة .

ويدلّ عليه الاعتبار فانّ التعبّد بالظهور في طول التعبّد بالصدور كما ان

احتياج العمل بالخبر إلى جهات ثلاث

ص: 795


1- . كفاية الأصول 2/412 .
2- . فوائد الأصول 4/779 .

التعبّد بالجهة أو اصالة الجهة رتبتها بعد هذين بداهة عدم معقوليّة التعبّد بظهور ما لم يكن صادرا عن الامام علیه السلام كما ان الامر في اصالة الجهة أيضا كذلك .

فالخبر يحتاج إبتداءً في كونه حجّة إلى التعبّد بالصدور ثمّ بعد تماميّة هذه الجهة يكون رتبة التعبّد بالظهور أي ظهور كلام المعصوم ولو كلامه الذي صار كلاما له بالتعبّد لعدم فائدة في التعبّد بالظهور ما لم يكن قد تعبد بالصدور .

والحاصل انه يكون كلّ مرتبة بالنسبة إلى الاخرى كالموضوع ومن هذا يعلم وجه الاحتياج إلى باب حجيّة الظهورات والتعبّد بخبر الواحد في الأصول لانطباق ضابط المسئلة الاصوليّة على كليهما لا لعدم الاستغناء بصرف التعبّد بالصدور عن التعبّد بالظهور فانّه لا حجيّة في كلام مجمل كما لا حجيّة في كلام غير المعلوم اسناده إلى الامام علیه السلام وصحّة وقوعه في كبرى قياس الاستنباط الا ان الأصل العقلائي بارادة ظاهر الكلام وكونه صادرا في مقام بيان حكم اللّه الواقعي محكم وخلافه يحتاج إلى مؤونة زائدة كما ان الأمر كذلك في باب الأمر والنهي وان الظاهر العقلائي ان الأمر بداعي الجد ما لم يقم قرينة على كونه بداعي آخر من تسخير أو تعجيز أو ترغيب ونحوها من الدواعي وحينئذٍ فالأصل في الخبر كونه مرادا وتمام المراد كما ان الأصل أيضا كونه لا للتقيّة وعلى هذا فكما ان مقتضى الطبع ترتيب هذه الجهات وتقدّم بعضها على بعض كذلك الرواية المقبولة كما ذكرنا فتدبّر ولا تغفل .

أقول: الاحتياج إلى الجهات الثلاث في عرض واحد ولا تقدم لأحدها

على الآخر وبعدم أحدها لا يكون الخبر قابلاً للاعتماد في اصدار الفتوى فما بيّنه سيّدنا الأستاذ لتقريب كلام شيخه وارتضاه لا يتمّ ولا يناسب الوجدان فتأمّل

استدراك في الاعتماد بالمرفوعة

ص: 796

جيّدا ) . هذا ما قلته سابقاً . لكن لا يخلو من تأمّل .استدراك: ذكر سيّدنا الأستاذ قدس سره انّه قد علم بالمراجعة الاعتماد

بالمرفوعة(1) ولو في بعض مضامينها فان من المعلوم عندهم الترجيح بالأوثقيّة والأصدقيّة فعلى هذا لابدّ من تقديم الترجيح بهما فيما يرجع إلى زيادة الاطمئنان بصدور الرواية على الترجيح بمخالفة العامّة وموافقة الكتاب حيث ان فرض السائل في المقبولة بعد قول الامام الأخذ بالمجمع عليه وانه لا ريب فيه انّهما كلاهما مشهوران مطلق من حيث أوثقيّة رواة أحدهما على الآخر فانّه وإن كان نصّا في الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامّة الا انّه بالاطلاق يشمل صورة رجحان أحدهما بالأوثقيّة وغيرها فيما يرجع إلى صفات الراوي الراجعة إلى زيادة الاطمئنان . والمرفوعة بعد بيان الترجيح بالمشهور بين الأصحاب وفرض الراوي مساواة الخبرين من هذه الجهة . قال خذ بما يقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك وبعد ذلك جعل مناط الرجحان مخالفة العامّة فلا اشكال حينئذٍ في تقييد اطلاق المقبولة في الأخذ بما خالف العامّة ووافق الكتاب في ما إذا كانا مشهورين بما في المرفوعة من الترجيح في هذه الصورة بصفات الراوي من الأصدقيّة والأوثقيّة وفي فرض التساوي إلى الأخذ بمخالف العامّة .

وأمّا ما تضمّنه المرفوعة من الأخذ بالحائط للدين فممّا لم يعمل به فمن هذه الجهة لا جابر لها كما ان التخيير فيها أخيرا لا ينافي وجوب التوقّف في المقبولة لكون مورد المقبولة في الماليّات ولا بأس لأجلها بالتوقّف بخلاف غيرها فالتخيير والظاهر من التخيير في المرفوعة هو التخيير البدوي فتأمّل .

التعدّي عن المرجحات المنصوصة

ص: 797


1- . المستدرك 17 الباب 9/2 من أبواب صفات القاضي .

وقد استفيد من الروايتين أيضا وجوب الترجيح على الترتيب كما هونصّهما .

ولو قلنا بظهور المقبولة(1) في صدرها بالترجيح بصفات الراوي حتّى في غير مورد الحكم بل في مطلق الرواية فتعارض حينئذٍ المرفوعة(2) لتقديم المؤخّر فيها بخلاف المقبولة(3) إلاّ انك قد عرفت سابقا انه مختص بصورة اختلاف الحكمين وان الترجيح للحكم لا لمطلق الرواية ولو لم يكن في مقام الحكومة وفصل الخطاب .

وقدذكرنا ما هو الوجه في ترتيب الجهات وان ما قاله المحقّق البهبهاني رحمه الله

من تقديم المرجّح الجهتي على غيرها لا يخلو من اشكال كما ان ما عن آخر من تساوي ذي المزيّة أيّة مزيّة كانت وان في صورة رجحان أحدهما بالمزيّة زائدة على الآخر يقدم والا فلا أيضا ضعيف وان الأقوى هو ما تضمّنه المبقولة بضميمة ما استفدناه من المرفوعة وقيّدناها بها على التريب المذكور كما هو مقتضى الطبع على ما ذكرنا سابقا نعم .

بقي في المقام الاشارة إلى جواز التعدّي عن المرجّجات المنصوصة إلى غيرها فقد يقال بذلك .

ولا يخفى انّه إنّما يتمّ بأحد أمرين اما بدلالة التعليل في ذيل الرواية بالأخذ بالمجمع عليه على لزوم الأخذ بكلّ ما هو من هذا القبيل أو بما علّل الأخذ بمخالف العامّة ويمكن تقريب الاستدلال بالأوّل بأنّ قوله علیه السلام فان المجمع عليه لا

ص: 798


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/1 من أبواب صفات القاضي .
2- . المستدرك 17 الباب 9/2 من أبواب صفات القاضي .
3- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/1 من أبواب صفات القاضي .

ريب فيه ليس المراد بالمجمع عليه هو الذي يوجب القطع بالصدور وعلى فرضهلا اشكال في امكان انعقاد ذلك في الروايتين المتعارضتين فيكشف حينئذٍ عن فساد الجهة في احداهما .

فمنع الشيخ لهذا لا وجه له بل المراد بالمجمع عليه هو ما عبّر عنه في رواية اخرى هي المرفوعة بما اشتهر بين الأصحاب ولا يخفى ان ما اشتهر أو المجمع عليه لا يوجب القطع بالصدور فربما تكون رواية مشهورة قد نقلها أصحاب الحديث في كتبهم وتسالم الجميع على ذكرها وروايتها لكن لا قطع بصدورها كما ربما يمكن ذلك في المجمع عليه بل ما هو أقل من ذلك بسبب القرائن الخارجيّة ومعونتها .

فعلى هذا لا اطمئنان كليا بكون المشهور مطلقا لا ريب فيه وممّا قطع بصدوره في قبال الشاذ الذي قلّ الناقلون له والراوون ولم يدون في جميع الكتب مثل ما دون هذا ولم يعرفه كلّ واحد كي يبلغ في الشهرة مبلغ الآخر فحينئذٍ نفي الريب عن المشهور في قبال الآخر إنّما هو اضافي أي بالنسبة إلى الآخر لا ريب فيه لا مطلقا بحيث يقطع بصدوره موافقا للواقع وعلى هذا فيرجع المراد بنفي الريب كونه أقرب إلى الواقع من الآخر .

وحينئذٍ فيكون هذا علّة وكبرى كلية يجب الأخذ بها مهما وجد لها صغرى فكلّ ما كان أقرب إلى الواقع من الآخر في صورة المعارضة يكون هو الذي يجب الأخذ به وطرح الآخر . هذا وكذلك التقريب الجاري في التعليل بكون الرشد في خلافهم فانه ليس كلّ ما عليه العامّة خلاف الحق والواقع بل المراد ان الأخذ بما خالفهم أصوب وأقرب إلى الواقع ممّا لا يخالفهم بل يوافقهم فيكون هذا في حكم

وجوه أربعة في مخالفة العامّة

ص: 799

الكبرى الكليّة نظير ما ذكرنا في المجمع عليه .لكن للنظر في ذلك مجال وكيف كان فاختلف في وجه كون مخالفة العامّةعلى أربعة أنحاء فقيل انه للتعبد ولو كان الموافق لهم هو الحق الصادر واحتمل كونه مشتملاً على مصلحة كما ان الثالث لكون ذلك أصوب وأقرب إلى الواقع لأنّهم قد خالفوا عليّا علیه السلام في اُمور كثيرة وربما لا يعلمون بعضها فيسئلونه ليخالفوه ونقل عن أبي حنيفة أيضا مخالفة الصادق علیه السلام في كلّ شيء ولم يدر ما يصنع هو علیه السلام

في السجود من غمض العينين أو فتحهما ففتح احداهما وغمض الاخرى وسيجيء بيان الرابع ثمّ ان المخالفة يحتمل كونها بالنسبة إلى عملهم أو إلى رواياتهم .

تكميل: سبق تقريب دلالة قوله فانّ المجمع عليه لا ريب فيه وقوله ان الرشد في خلافهم وان المراد من عدم الريب نفيه بالنسبة إلى الشاذ لا بقول مطلق وانه يكون كبرى كليّة يجوز التعدّي عن خصوص صغراها إلى كلّ مقام ومورد وحينئذٍ فكلّ ما يكون موجباً للقرب إلى الواقع وأقرب من الآخر يكون واجب الأخذ والعمل به ويتعين طرح آخر .

وعلى هذا فتنقسم المرجّحات إلى الداخليّة والخارجيّة على ما بيّن بعض مصاديقها في الرسائل فليراجع وهكذا تقريب فان الرشد في خلافهم .

هذا كلام الشيخ واستشكله المحقّق النائيني (1) اما في قوله فان الرشد في خلافهم بعدم كونه كبرى كلية والواجب في منصوص العلّة ان يجتمع فيه جهتان(2)

ص: 800


1- . فوائد الأصول 4/777 - 778 - 776 .
2- . فوائد الأصول 4/777 - 778 - 776 .

أن تكون كبرى كلية لا جزئيّة . الثاني أن تكون قابلة للالقاء إلى المكلّف وليسكذلك قوله فان الرشد في خلافهم لعدم امكان الالتزام بأن كلّ ما يكون مخالفاللعامّة فيه الرشد وكلّما يوافقهم مثلاً خال عنه لوجود أحكام كثيرة في موارد لا تحصى توافق العامّة مع كونها حقة فحينئذٍ يسقط قوله فان الرشد في خلافهم عن قابليّة كونه كبرى كلية وكذلك لا وجه للالتزام بكونه كبرى كلية في صورة المعارضة وعدم المرجّحات الاخرى كي يستفاد منه ان مناط تقدّم المخالف إنّما هو كونه مخالفا أو احتمال كونه أقرب إلى الواقع فيتبع في كلّ مورد ومقام ويكون ذلك موجبا للتعدي عنه إلى مطلق ما يوجب الأقربيّة وكذلك في قوله فان المجمع عليه لا ريب فيه فان الخبر إذا كان نقله الأصحاب ودونوه في كتبهم واصولهم بحيث صار مشهورا فحينئذٍ يقطع بصدوره .

ويمكن حينئذٍ في حقّه أن يقال لا ريب فيه فلا معنى لكون نفي الريب فيه اضافيّا نسبيّا قبال الشاذالذي لم يحصل بالنسبة إليه اتّفاق الأصحاب على نقله بحيث يصل إلى حدّ الاشتهار هذا ملخّص ما قاله المحقّق النائيني رحمه الله في المقام .

واستشكله سيّدنا الأستاذ قدس سره بأنّ الشهرة بهذا القدر الذي اعتبره المحقّق النائيني لابدّ أن تكون محقّقه بالنسبة إلى الخبر الشاذ أيضا فانّه لو لا المعارضة يلزم أن يكون حجّة كي يكون مشمولاً للتعبد بمضمون الأخبار العلاجيّة بتقديم المجمع عليه المشهور عليه وحينئذٍ يكون من الخبر الواحد الموثوق الصدور في حدّ نفسه كما ان المجمع عليه في قباله يكون كذلك .

غاية الأمر حيث ان له الشهرة يكون أقوى من الشاذ ويوجب الريب في الشاذ ويبقى هو على الوثوق بصدوره والاطمئنان به .

الكلام في نفي الريب في المشهور

ص: 801

والحاصل انّه لابدّ إمّا من قبول ما قاله الشيخ من الحمل على المراتب وان يكون للوثوق مراتب أدناها يكون به الخبر مشمولاً لأدلّة الاعتبار وأقواها مايكون علما وقطعا بحيث لا يحتمل فيه الخلاف كما ان المراتب المتوسطة والادنىيكون احتمال الخلاف فيها بغاية من الضعف يكاد يشبه عدمه واما من الالتزام بما قاله المحقّق الخراساني قدس سره (1) من رجوع الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفة العامّة وأمثال ذلك إلى تشخيص الحجّة عن الذي لا يكون حجّة فحينئذٍ لا يكون الخبر الشاذ ولو لا في مقام المعارضة في حدّ نفسه مشمولاً لدليل الاعتبار ويكون العبرة بالمجمع عليه لحصول الوثوق المخبرى بصدوره ويرجع الترجيح بذلك حينئذٍ ارشادا إلى طريقة العقلاء من الأخذ بالموثوق به وطرح ما يخالفه . هذا على تقدير المراد بكون نفي الريب نفيه عرفا وإن كان المراد ذلك حقيقة فالأمر أوضح .

وعلى كلّ حال فلا يمكن اتّخاذ مشي بين مشرب الشيخ والآخوند فاما أن يقال بدوران الأمر في ذلك بين الحجّة واللاحجّة بعدم كون الشاذ ولو لا في صورة المعارضة موثوقا بصدوره أو يقال بذلك في كليهما وكون المجمع عليه أكثر وثوقا بحدّ يوجب حدوث الريب في الخبر المقابل له الشاذ وهو بعد باق على الوثوق بصدوره والاطمئنان بمضمونه لقوته بالنسبة إلى الآخر وتأيده بالشهرة .

نعم لو كان الشاذ مرويّا لجماعة أو لبعض من الأصحاب الذين هم العمد في الحديث وإن كان شاذّا لم ينقله الجميع وكانت قرائن الصدق ظاهرة عليه فبهذه الجهة ربما يقدم على المجمع عليه ولكن حيث ان فرضه وعدم الاطّلاع عليه وعدم نقل غير القليل من أصحاب كتب الحديث له بعيد فلذا اطلق الامام علیه السلام لزوم

ص: 802


1- . كفاية الأصول 2/395 .

الأخذ بالمجمع عليه وإلاّ كان عليه التقييد بغير هذا الفرد .

وعلى كلّ حال فالحقّ في المقام يقرب أن يكون ما اختاره الشيخ ولم يظهرمن كلام سيّدنا الأستاذ قدس سره وجه صحّة الضابط والتعدّي وعدمه كما ان الذي صرّحبه في البحث لزوم الأخذ بكلّ ما لا ريب فيه وظاهر هذا الكلام موافقة الشيخ رحمه الله

لكن لا في كلّ ما قاله بل في وجه وافق المحقّق النائيني فحينئذٍ يكون نتيجة مختاره كون قوله فانّ المجمع عليه لاريب فيه كبرى كلية لكن ليس اضافيّا كما قاله الشيخ بل ما يجامع كون الشاذ غير مشمول لأدلّة الاعتبار وكونه لو لا المعارضة وكونه مشمولاً لو لاها لكن لم يظهر منه التعدّي بل يقول بكون لا ريب فيه كبرى كلية وهو أعم من أن يكون اضافيّا أو لا بل حقيقتا واقعيّا لكن في كلتا الصورتين احتمال الخلاف ميت فيصح أن يقال انّه لا ريب فيه لكونه موجبا لحصول العلم العادي النظامي ولو في صورة المعارضة .

ثمّ انّه قد يقال برجوع المرجّحات جميعا إلى جهة الصدور كما عن المحقّق الخراساني(1) إذ لا معنى للتعبّد بظهور الرواية وطرحها وعدم العمل بها والتعبّد بصدورها ولا معنى واضح لها بل مجمل من حيث الدلالة بل ذلك كلّه إنّما هو للأخذ والعمل بمضمون الرواية فمرجع كلّ المرجّحات إلى حيث الصدور سواء منها ما يرجع إلى جهة الصدور أو ما يكون مرجّحا مضمونيا كموافقة أحد الخبرين للكتاب .

الا ان للمحقّق النائيني رحمه الله(2) كلاما وتفصيلاً بأن ما يكون شرطاً لأصل

الترجيح بين العامين من وجه

ص: 803


1- . كفاية الأصول 2/410 .
2- . فوائد الأصول 4/779 - 782 .

الصدور وكون الرواية صادرة عنهم عمل بها أو لم يعمل أن لا يكون مخالفا للكتاب أو لا تنادى بنفسها انا تقية ولو في غير صورة المعارضة ولا ينافي ذلكاجتماع جهتي النفي في الرواية بأن لا يكون مخالفا للكتاب ولا تنادي بالتقيّة ومعذلك في مقام المعارضة يقدم المشهور في الرواية عليها أو في صورة مخالفة الكتاب بغير نحو التباين أو موافقة العامّة بغير نحو ندائه بنفسه انا تقية يقدم الخبر

الآخر الذي ليس كذلك عليه فان المخالف للكتاب بالتباين الكلي لا يمكن صدوره عن المعصوم علیه السلام وان صدر فلابدّ من كونه تورية أو تقيّة وليس بكذب قطعا لاستحالته في حقّه علیه السلام كما اتّفق في جواب سائل سأله مسألة كم آية تقرء في صلاتك(1) فقال علیه السلام: ثمانين وبعد أن فارق مجلس الامام علیه السلام قال للحاضرين لم يصل إلى مرادي وفسّر علیه السلام مراده ان ذلك يكون في النوافل بقرائة الحمد والتوحيد ثمان مرّات كما ان ذلك يتّفق في مثل بيان العام مع عدم عمومه لمصلحة الابتلاء أو الامتحان أو غير ذلك .

ثمّ ان في صورة تعارض العامين من وجه ووصول النوبة إلى الترجيح بموافق الكتاب قد يقال بكون العام مرجعا والنتيجة وإن كانت مع كونه مرجّحا واحدة حيث ان العمل بالعام سواء كان مرجّحا لأحد العامين أو لا بل مرجعا الا انه ربما تكون له ثمرة علميّة وذلك كما قد يتّفق في العامين من وجه كذلك يتحقّق في الخاصين فان في الخاصين المتبائنين أيضا يكون العام الكتابي مرجعا أو مرجحا للموافق له ومثال كون العام الكتابي كذلك مسئلة منجزات المريض وانها

ص: 804


1- . الوسائل 6 الباب 13/3 من أبواب القرائة في الصلاة واللفظ كم يقرء في الزوال وبعد ثمانين آية الى سألني عن شيء ولم يسألني عن تفسيره .

في مرض موته ممضاة أم لا وكذا صلح المحاباة لجميع ماله مثلاً وان كان الظاهر عدم الالتزام بأزيد من الثلث فان الروايات متعارضة(1) طائفة منها موافقةلعمومات أحلّ اللّه البيع وأوفوا بالعقود وكذلك في الارث .وفي هذه الليلة ( ليلة الأحد 20 ربيع الثاني 73 - 6/1/32 وصل خبر فوت السيّد الصدر رحمه الله تعالى من قمّ المشرّفة وأفاد الأستاذ كلام النائيني وجوابه للمحقّق الخراساني ولم يرتض مثال المحقّق النائيني في كون الرواية تنادي بنفسها بالتقية وأفاد انه قدس سره كان يمثل بروايات(2) عدم فساد الصلاة بوقوع الحدث قبل التشهّد في الركعة الأخيرة أو عدم بطلانها(3) قبل السلام وفي بعضها(4) ولو ذهب إلى الصين واستشكل على المحقّق النائيني وقال كانه غفل عن كون هذه الروايات مبتلاة بالأخبار المعارضة لها وقد تكلّم عليها في محلّها في الفقه وقلنا بطرحها لموافقتها للعامّة ولو لا ذلك لم يكن وجه لطرحها لعدم وجود رواية تدلّ بنفسها على التقيّة ( قلت ذكرت رواية قضاء صلاة الصبح(5) من رسول اللّه صلی الله علیه و آله واعتبار روايتها سندا .

والحاصل ان ما ذهب إليه وما مثل به في غير محلّه وتقدّم في بعض الأبحاث السابقة الاشارة لنا إلى ان بحث حجيّة خبر الواحد وحجيّة الظهورات متلازمان وانّه لا يفيد أحدهما لو لا الآخر وانّه لابدّ في كلّ رواية من اجتماع

ترتيب المرجّحات

ص: 805


1- . الوسائل 19 الباب 17/1 الى 8 - 10 - 11 - 13 الى 16 من كتاب الوصايا .
2- . الوسائل 6 الباب 13/1 - 2 - 3 - 4 من أبواب التشهّد .
3- . الوسائل 6 الباب 3/2 من أبواب التسليم .
4- . الوسائل 8 الباب 3/20 من أبواب الخلل في الصلاة والرواية في نقصان ركعات الصلاة .
5- . وسائل الشيعة 8 الباب 2/2 من أبواب قضاء الصلوات .

جهات أربعة فيها جهة الصدور والظهور وجهة حيث الصدور الارادة .

ثمّ انّه تحصّل ممّا ذكرنا في بحث المرجّحات إلى هنا ان أوّل المرجّحاتالشهرة في الرواية فان كانتا معا مشهورتين لم يكن في أحديهما أعراض أو عمل وكذا في سابقته فالمستفاد من المرفوعة الترجيح بالصفات كالأصدقيّة والأوثقيّةولا اشكال في لزوم الأخذ بذلك كما ذكرنا سابقا وقيّدنا اطلاق المقبولة من هذه الجهة فإذا كان أحد المتعارضين صحيحا والآخر موثقا فاللازم الأخذ بالصحيح وطرح الموثق وهكذا .

ومن هنا يمكن دعوى التعدّي عن المرجّحات المنصوصة إلى كلّ ما يوجب الأقربيّة إلى الواقع حيث جعل في المرفوعة أحد وجوه الترجيح والمرجّحات كون راوي أحدهما أوثق من الآخر وأصدق فالخبر الصحيح حيث ان في النفس يكون الوثوق الحاصل برواته الملازم للوثوق الحاصل بمضمونه وزيادته أكثر من الموثق والحسن مثلاً يكون مرجّحا على الموثق وغيره فلا بأس بالالتزام بالتعدّي إلى كلّ ما يوجب زيادة الوثوق سندا إلاّ انّه يحتاج إلى التأمّل .

ثمّ انّ في المقبولة(1) جعل العبرة بعد ذلك بموافقة الكتاب ومخالفة العامّة معا لكن العمل ليس هكذا وفي بعض الروايات جعل العبرة بالمخالفة فقط إلاّ انّ الظاهر من رواية(2) القطب الراوندي عن الصادق علیه السلام ( إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فأعرضوها على كتاب اللّه فما وافق كتاب اللّه فخذوه وما خالف كتاب اللّه فردّوه فإن لم تجدوهما في كتاب اللّه فأعرضوهما على أخبار العامّة فما وافق

ص: 806


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/1 من أبواب صفات القاضي .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/29 من أبواب صفات القاضي .

أخبارهم فذروه وما خالف أخبارهم فخذوه ) هو تقديم الترجيح بموافقة الكتاب على الترجيح بمخالفة العامّة بل صريحها هذا كما ان ظاهرها أو صريحها كون واحد منهما مرجحا بخصوصه وحده لا مع الآخر فحينئذٍ لا بأس بتقديم هذهالرواية على مطلقات الترجيح بمخالفة العامّة والمقبولة(1) التي جعل الترجيح فيهابهما معا لصحّة سند رواية الراوندي وعدم ثبوت اعراض عنها بل لعلّ العمل على طبقها وإن كان قد يختلج بالبال تقديم مخالفة العامّة عند بعضهم لكن لا يستحضره سيّدنا الأستاذ قدس سره الآن .

والحاصل ان صحّة الرواية تمنع من رفع اليد عنها فلابدّ من تقييد هاتين الطائفتين أي المقبولة ومطلقات الترجيح بالمخالفة لهذه الرواية(2) الصحيحة كما انّه لا يظنّ بهم تقديم المخالف للكتاب المخالف للعامّة على الموافق للكتاب الموافق للعامّة فحينئذٍ إذا كان أحد الخبرين موافقا للكتاب والآخر مخالفا له وإن كان مخالفا للعامّة فالعبرة بالموافق للكتاب على ما سبق من كون العام الكتابي مرجّحا لأحد المتعارضين أو مرجعا

كما ان المظنون بهم أيضا تقديم الموافق للكتاب المخالف للعامّة في صورة تعارضهما لكن هذا ربما يشكل بناء على ما ذكرنا من الوجه الاعتباري عن المحقّق النائيني في ترتّب الجهات في الصدور والظهور والجهة وان الجهتي تقدم على المضموني فان الظاهر تقديم المرجّح الجهتي على المضموني الا انه لابدّ من رفع اليد عنه بهذه الرواية وتقديم المرجّح المضموني على الجهتي وارجاع

العمل بالاحدث

ص: 807


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/1 من أبواب صفات القاضي .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/29 من أبواب صفات القاضي .

المضموني إلى الصدوري وإن كان قد يشكل هذا الارجاع بامكانه في الجهتي أيضا .

وعلى كلّ حال فالمضموني يقدم على الجهتي .

تنبيه: لا يخفى ان ما ذكرنا في الترجيح في صفات الراوي من الأخذبالأوثق في النفس والأصدق لا ربط له بتنويع الأخبار إلى الصحيح والموثق والحسن والضعيف على اصطلاح المتأخّرين فانّه ربما يكون الخبر الصحيح مرجوحا بالنسبة إلى الموثق والحسن لكون رواة الحسن أو الموثق مثلاً أضبط من رواة الصحيح وكذا الكلام في النسبة بين الموثق والحسن .

فعلى هذا المناط في ذلك هو أصدقيّة الراوي وأوثقيّته لا كون الرواية صحيحة أو موثقة .

ثمّ ان في بعض الأخبار كما مرّ سابقا الترجيح بالأحدث(1) وأشرنا إلى أخبارها وإن كان بعضها ضعيفا لكن يمكن وجود معتبر فيها ومقتضى القاعدة الترجيح بذلك أيضا .

اما بعد تعادل الروايتين في جميع جهات الترجيح الذي يكون مورد التخيير أو التوقّف بتقييد أخبار التخيير أو التوقّف بما إذا لم يكن أحدهما أحدث اذ لا أقل من ذلك لو لم يقدم على باقي أسباب الرجحان .

والظاهر من الأصحاب عدم الترجيح بالأحدثيّة إمّا لاعراضهم عن هذه الأخبار واحرازه مشكل أو لعدم وصول النوبة إليها وجعل الترجيح بذلك آخرها مثلاً أو حمل ذلك على زمان الحضور أو افتهام ان المناط في ذلك هو التقية في

الشهرة ثلاثة أقسام

ص: 808


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/17 - 7 - 8 - 9 من أبواب صفات القاضي .

الأخير رفعا أو حدوثا ولا يخلو من بعد لكي يكون مختصّا بزمان الحضور ويمكن على فرض اعتبار السند العمل بها فيما يعلم التاريخ كما في أخبار الامام الواحد أو الراوي الواحد أو امام بالنسبة إلى امام آخر كما انّه يمكن كون الأحدث هوالناسخ للمقدم عليه .والحاصل انّه لم يعرف من الأصحاب عمل في ذلك ولا قول . هذا .

ثمّ لا يخفى ان المحقّق النائيني(1) نبّه في ذيل الأخبار بأمور: منها ما تقدّم في الجمع بين المقبولة والمرفوعة والترجيح بصفات الراوي ومنها مسئلة الشهرة وقد تقدّم شطر من الكلام فيها أيضا في ذيل المقبولة لكن المقام يستدعي زيادة توضيح .

فنقول: انّها على ثلاثة أقسام: عمليّة وروائيّة وفتوائيّة .

أمّا الأوّل فهي عبارة عن عمل الأصحاب ومشهورهم مطلقا أو خصوص القدماء على مضمون الرواية واحرز استنادهم إليها في العمل فهذا الخبر من هذه الجهة يكون داخلاً في الأخبار المعتبرة التي عليها مدار العمل لكن الذي يوجب عدم ثمرة له عدم معرفتنا بعملهم الا من حيث معرفتنا بفتاويهم فالعبرة حينئذٍ بها والشهرة في الفتوى عبارة عن ذهاب المشهور في المسئلة إلى حكم من الأحكام وليس في ما بأيدينا من الكتب المعتبرة ما يكون مدركا لفتواهم وكذلك ليس لهذه الفتوى قاعدة من القواعد التي يكون عليها مدار فتاواهم وابتناء اجتهاداتهم بل القواعد مخالفة لها مثلاً وليس إلاّ مجرّد رواية في غير الكتب المعتبرة أو المعروفة

كالدعائم والأشعثيّات والجعفريّات والفقه الرضوي فهل يوجب مجرّد مطابقة

ص: 809


1- . فوائد الأصول 784 وما بعده .

الفتوى المشهوري لهذه الرواية اعتبارها(1) ودخولها تحت أدلّة الاعتبار كيتكون مستندا للفتوى على وفق فتوى المشهور أو لجهات آخر من الدلالة أم لا ؟يظهر من المحقّق النائيني رحمه الله(2) ذلك في الاجماع يعني لو كان المسئلة

اجماعيّة ولم يكن في الأخبار المعتبرة التي بأيدينا بعد الفحص التام ما يكون مستندا لفتواهم واجماعهم عليها سوى هذه الرواية الضعيفة فقطعا يوجب هذه الموافقة جبر سندها وانّهم اعتمدوا عليها في هذه الفتوى أو إلى مثلها في الدلالة خصوصا على اختلاف طرقهم في الاجتهاد وآرائهم في الاستنباط وأنظارهم وأفهامهم غاية الأمر اختفى علينا ذلك الخبر المطابق للموجود بأيدينا من الضعاف إن لم يحصل الوثوق والاطمئنان بكون المدرك هو هذا .

لكن الفرق بين الاجماع والشهرة بلا فارق فان ما ذكرنا في خصوص الاجماع آتٍ في مسئلة الشهرة ويبعد اتّفاقهم على كتمان الرواية الواضحة الدلالة بهذا الوضوح الذي أوجبت اتّفاقهم على الفتوى وإن ابيت فلا أقل من كون الضعيفة الموجودة في غير الكتب المعتبرة أو غير المعتبرة من الأخبار منجبرا ضعفها بذلك لحصول الاطمئنان العادي بالاستناد .

ثمّ لا يخفى ان ذلك في خصوص شهرة القدماء على رأيه قدس سره لكون زمانهم أقرب إلى زمان الرواة ولذلك ربما يصير لهم كثير اطّلاع لم يحصل للمتأخّرين

ص: 810


1- . مثل رواية كراهة كشف الرأس أو استحباب التغطية عند التخلّي ففي الحدائق الحدائق 2/53 لم يجد بذلك رواية مع كون الحكم مشهوراً بينهم وذكر في الدعائم له رواية أو روايتين واضحتي الدلالة . مستدرك الوسائل 1 الباب 3 أبواب الخلوة ح1 - 2 . لكن الحديث الثاني من الجعفريات مسنداً .
2- . فوائد الأصول 4/788 .

وهذا أيضا مردود بأنّ التاريخ والرجال والنقل بالنسبة إلينا وإليهم على مناط واحد .

ثمّ لا يخفى ان النسبة بين الشهرة في الرواية والعمل عموم من وجه وقلّما يتفق ذلك بأن تكون رواية مشهورة لم يعمل عليها بل يكون العمل على الشاذّة كماانك عرفت ان الشهرة العمليّة توجب انجبار ضعف الرواية التي استندوا إليها فيغير صورة المعارضة كما توجب رجحانها على معارضها في تلك الصورة والخلاف والكلام إنّما هو في خصوص الشهرة في الفتوى وقد عرفت ملخّص الكلام فيها وانّه لا يبعد على ما فرضنا حصول القطع بذلك أو بتعبير بعضهم يشرف الفقيه على القطع بالصدور أو الاستناد فتدبّر .

تتميم: يمكن الجمع بين أخبار الاحدث(1) والأخذ به في صورة معلوميّة التاريخ ومعرفة الأحدث من غيره وأخبار الأخذ بما خالف العامّة وطرح الموافق بحمل الأولى على صورة معلوميّة التاريخ والثانية على صورة الجهل وعدم التشخيص لكون الثاني إمّا محدثا للتقيّة أو رافعا لها .

وعلى كلّ حال فلابدّ من الأخذ به لكون تكليفنا الأخذ بالتقيّة غاية الامر لمّا لم تصل النوبة إلى الأحدثيّة فلم يعمل للأصحاب بها وإلاّ فمقتضى الأخبار الواردة في ذلك حجيّة الأحدث دون غيره(2) .

الأخذ بما خالف العامّة لكونه أقرب إلى الواقع

ص: 811


1- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/17 - 7 - 8 - 9 من أبواب صفات القاضي .
2- . ولقد أجاد في الجواب عن صحيحة أبي عمرو الكناني السيّد العلاّمة الخوئي باختصاص موردها بصدور كلا الحكمين من الامام علیه السلام المعاصر له ولابد له من العمل بالمتأخّر الى وهذا غير جار في حقّنا الى مضافاً الى انه لو كان المراد في هذه الرواية كون التأخر مرجّحاً لكانت منافية لجميع أخبار الترجيح إلى اللهم الا أن يقال ان بقاء جميع الأخبار العلاجية بلا مورد على تقدير العمل بهذه الرواية قرينة على اختصاصها بصورة العلم بتاريخ المتعارضين اما مع الجهل بالتاريخ كان المرجع بقية الروايات الخ . مصباح الأصول 48/501 . أقول كلام السيّد الخوئي قدس سره يوافق ما ذكره سيّدنا الأستاذ قدس سره من عدم العمل بهذه الأخبار الدالّة على الأخذ بالاحدث لوجوه احتملها في كلامه .

وليعلم انّ الأخذ بما خالف العامّة وطرح الموافق لا يناسب إلاّ ما ذهب إليه المشهور في وجهه من كون ذلك لكون الواقع أقرب إليه وهو أقرب إلى الواقع أوهو الواقع دون كون صدور الأخذ بمخالف العامّة للتقيّة لعدم معنى لهذا الاحتمال كما يتلوه في الضعف ما قيل ان ذلك لكون مخالفة العامّة من العناوين الطاريةالثانويّة موجبة لحسن المخالف فلذا أمر به وكذلك باقي الاحتمالات وإن قال بذلك فريق أو بعض فالحق هو كون الواقع أقرب من طريق مخالفة العامّة ويؤيّد ذلك بعض ما سبق عن أبي حنيفة من المخالفة لجعفر بن محمّد عليهماالسلام حتّى انّه لم يدر انّه علیه السلام يغمض عينيه في السجود فلذا غمّض واحدة وفتح اخرى لتحقّق المخالفة وحكى خلافه عن ابن أبي ليلى في قوله ننقض فتوى كل أحد بالنسبة إلى فتواه إلاّ فتوى جعفر بن محمّد عليهماالسلام فيقدمها على فتوى نفسه وهو صاحب القضيّة المعروفة في باب عد شعر(1) الركب للمرئة في كتاب العيب من باب البيع وكذا ما روى(2) من مخالفة القوم لعليّ علیه السلام في كلّ شيء وربما كانوا إذا لم يعلموا فتواه ورأيه في شيء سئلوه عنه علیه السلام ووضعوا خلافه من عند أنفسهم الا ان هذا كلّه لا يوجب إلاّ مجرّد كون مخالفة العامّة من المرجّحات أو ممّا يعين الحجّة ويميزها عن غيرها كما ان التعليل في الروايات لا يناسب إلاّ الوجه المشهور الذي صرنا إليه .

ويمكن دعوى التعدّي إلى أن كلّ ما هو أقرب إلى الواقع لازم الأخذ ولو

ص: 812


1- . الوسائل 18 الباب 1/1 من أبواب أحكام العيوب .
2- . وسائل الشيعة 27 الباب 9/24 من أبواب صفات القاضي مع تفاوت لا يضرّ .

في غير المرجّحات المذكورة في الروايات بل كان من قبيل الفصاحة وكون راوي أحدهما أضبط ونحو ذلك من المزايا الداخليّة والخارجيّة الموجبة للظنّ بأقربيّة احدى الروايتين إلى الواقع من الاخرى بأن يقال في ذلك ما عن الشيخ قدس سره ما تقدّم نقله من دلالة التعليل بكون الرشد في خلافهم ان مخالف العامّة أقرب إلى الواقع لعدم كون مطلق مخالفتهم كذلك بل ذلك موجب للظن بصدور المخالف أكثر منالاخر .وهذا من جهة انطباق الكبرى عليه فالكبرى حجيّة الأقرب إلى الواقع وعليه فلا مجال لدعوى المحقّق النائيني واعتراضه على الشيخ بعدم كون ذلك كبرى كليّة بل نعلم بكون المخالف لهم مخالفا للحقّ في كثير من الموارد فتسقط الكبرى عن الكبرويّة المخرجة لها من امكان الأخذ بها .

وكون العبرة بها لأنّه لا ينافي كون ذلك كبرى كليّة في خصوص المقام بعد عدم المرجّحات الاخر من الشهرة لو اعتبرناها وموافقة الكتاب وحينئذٍ فيكون هذا اخبارا من الامام علیه السلام بأن المخالف لهم صادر بخلاف الموافق فلا صدور فيه إلاّ ان ذلك مجرّد احتمال يشكل استكشافه من اللفظ .

( أقول: لا اشكال في دلالة الرواية على كون الأخذ بمخالف العامّة إنّما هو من جهة الرشد على وفق ما هو المرتكز المجبول عليه العقلاء من تحري الرشد في ذلك للطريقيّة إلى الواقع فالامام علیه السلام أتى بالتعليل الموافق للارتكاز والجبلة العقلائيّة من الأخذ بما هو رشد في المقام لكن حيث لم يعلم الرشد من غيره في المقام فتعبد بأنّه في خلافهم فالكبرى ارتكازيّة عقلائيّة والتعبّد في ناحية المصداق والتطبيق ) .

التعارض بالعموم من وجه

ص: 813

هذا تمام الكلام في هذه المرجّحات .

بقي الكلام في التنبيه الخامس الذي تعرض له المحقّق النائيني قدس سره (1) من ان حكم التعارض بالعموم من وجه التساقط في مادّة الاجتماع على ما يظهر من الأصحاب والرجوع إلى الأصل الجاري في المورد وادّعى هو قدس سره عدم مجاللذلك والأخذ ببعض السند والرجوع إلى المرجح الصدوري لا معنى له فلابدّ منالرجوع إلى باقي المرجّحات فان كان لواحد منهما مرجح فهو وإلاّ فالتخيير ولا مجال للتساقط والرجوع إلى الأصل .

ففي مثل قوله أكرم العلماء في كلام ولا تكرم الفسّاق في آخر مثلاً لا اشكال في الأخذ بمادتي الافتراق من كلّ منهما وأمّا في مادّة الاجتماع وهو العالم الفاسق فيتعارضان ولا وجه للرجوع إلى المرجّحات الصدوريّة ولا اشكال في الرجوع إلى مرجّحات الجهة أو المضمون .

فان كان مرجح فهو وإلاّ فالرجوع إلى اطلاقات أدلّة التخيير على خلاف ما يظهر من الأصحاب حيث تسالموا على الرجوع إلى الأصل العملي والتساقط فعلى هذا لا وجه لتحري المشهور منهما في مادّة الاجتماع من الشاذّ النادر كي يطرح سند الشاذ ويؤخذ بالمشهور من حيث السند لعدم مساعدة العرف بتبعيض سند رواية واحدة من حيث الصدور فامّا صادر واما غير صادر وعلى كلا الوجهين فبالنسبة إلى تمام المدلول ولا وجه للصدور بالنسبة إلى بعض المدلول وعدمه بالنسبة البعض الآخر وأمّا لو كان أحدهما موافقا للكتاب والآخر مخالفا له فيؤخذ بالموافق إذا لم يكن الاخر مخالفا للعامّة إن قلنا بتقدّم الترجيح بالمرجّح

ص: 814


1- . فوائد الأصول 4/793 - 794 .

الراجع إلى الجهة وإلاّ فبعد تساويهما في موافقة الكتاب يرجع إلى مخالفة العامّة فيؤخذ به في مادّة الاجتماع وعلى كلّ فلا وجه لطرح سنده في مادّة الاجتماع وعدمه بل الأخذ في مادّة الافتراق .

وأجاب قدس سره عن سؤال الانحلال ورجوع كلّ قطعة من المدلول إلى كونه خبرا مستقلاًّ فتارة بتحقّق الاعراض في قطعة والعمل في قطعة اخرى فحينئذٍ يكون معتبراً (منجبرا) بالنسبة إلى المعمول به وخارجا عن تحت أدلّة الحجيّة في موردالاعراض .بأن المقام ليس من باب الانحلال إلى أخبار متعدّدة وأحكام كذلك كان يقول المولى أكرم زيدا أكرم عمروا بل إنّما موضوع الحكم عنوان العالم في أكرم وعنوان الفاسق في لا تكرم وليس اجتماع الوجوب والحرمة في العالم والفاسق إلاّ من حيث انطباق عنوان العالم وانطباق عنوان الفاسق عليه وإلاّ فليس هو بخصوصه موردا للحكم .

وأفاد سيّدنا الأستاذ قدس سره في تقريب الاستدلال بكونه كالعقد الواقع على ما يملك وما لا يملك وكذا الواقع على ما يملك كالشاة وما لا يملك كالخنزير فانّه يقال بالصحّة في ما يملك وعدمها في الثاني وليس ذلك إلاّ من حيث انحلال العقد الواحد إلى عقدين مع ان العقد في الخارج لم يقع إلاّ واحدا وليس هناك عقدان .

وفي تقريب الجواب بالنسبة إلى انطباق عنوان العالم مثلاً كونه كعنوان الطلبة فان المال لو كان وقفا عليه لا يعطى إلاّ خصوص من كان حين القسمة كذلك موجودا في المدرسة مثلاً وإلاّ فمن كان قبل القسمة ومات أو خرج وسافر ولو كان حين حصول المال الموقوف من الموقوف عليهم لا يعطي من ذلك شيئا

ص: 815

وليس ذلك إلاّ من باب انطباق عنوان محصّل المدرسة وطالبها على الموجود فعلاً حين القسمة دون الخارج .

نعم لو كان مقيّدا بقيود لا تنطبق إلاّ على خصوص الساكنين سابقا فيخرج عن ما نحن فيه أو يكون من قبيل الفقير في باب الزكاة فان المالك ليس هو خصوص فقير دون فقير بل هو العنوان وليس لأحد أن يأخذ مال الزكوة بعنوان انّه فقير ما لم يعطه من تعلّقت به إلاّ إذا كان هناك الولي الشرعي فانّ له ذلك وفي غير هذه الصورة لا يملك الفقير إلاّ بعد الوصول إليه وقبله لا يملك شيئا .ثمّ استشكل على المحقّق النائيني انكاره الانحلال في المقام وأورد عليهبأنّه لا فرق بين قوله أكرم العالم أو العلماء في ما نحن فيه من العموم من وجه أو قوله لا تشرب الخمر في ما يكون لمتعلّق التكليف تعلّق بالموضوع الخارجي كالخمر فانّه قدس سره يلتزم بانحلال التكليف بتعداد الخمر الموجود في الدنيا من الأفراد الطوليّة والعرضيّة والجامع لذلك هو عنوان الخمر على نحو القضيّة الحقيقيّة فان لم ينحل إلى ذلك فلا يمكنه اجراء البرائة في مورد من الموارد في الشبهات الموضوعيّة وينسدّ باب جواز الصلاة في اللباس المشكوك مع انّه قدس سره مبناه اجراء البرائة في جميع هذه الموارد فانكاره الانحلال لا يناسب ذلك مع اتّحاد الموردين من جميع الجهات .

نعم لشبهة عدم مساعدة العرف لتبعيض السند في المدلول وجه يوجب الوقفة في الرجوع إلى المرجح الصدوري وإلاّ فمرجع قوله أكرم العلماء في مثال العامين من وجه إلى أكرم زيدا أكرم عمروا وكذا كلّ عام يفرض وعلى كلّ حال فمرجع النزاع في المقام إلى كون العامين من وجه من قبيل بيع ما يملك وما لا

عدم مساعدة العرف لتبعيض السند

ص: 816

يملك وانحلال العقد إلى عقدين صحيح وفاسد أو إلى البيع الربوي الذي لا يلتزم بالصحّة في خصوص غير الزائد ورأس المال وإن كان صورة كون العوضين شخصيين قابلاً لأن يقال لا تعين في العوض بعد قابليّة كونه هذا أو ذاك لكنّه ليس في الكلي كذلك .

ثمّ انّ هذا كلّه على تقدير التزام ان العموم من وجه من أقسام التعارض وان الأخبار العلاجيّة تشمل هذا القسم من التعارض وإلاّ فلو قلنا بخروج ذلك عن عنوان التعارض أو عن موضوع الاخبار العلاجيّة فمن الأوّل لا تصل النوبة إلى التعارض والترجيح بل بعد التساقط لابدّ من الرجوع إلى الأصل الجاري فيالمسئلة كما عليه المشهور ولعلّه أحسن من ارتكاب التكلّف والالتزام بجريانالترجيح في العامين من وجه .

تذنيب: لا ينبغي الاشكال في صحّة ما قاله المحقّق النائيني قدس سره (1) من عدم صحّة الرجوع إلى المرجّحات الصدوريّة في العامين من وجه فانّه اما أن يحكم بصدور مثل قوله أكرم العلماء أو لا فان حكم ففي الجميع وإن لم يحكم فكذلك ولا معنى للتبعيض لعدم مساعدة الاعتبار والعرف عليه وأمّا المرجّحات فالمضموني لا مانع منه إلاّ ان الكلام في تعيين مورده بعد إن كان اختلاف النسبة لمطلق الخبر والكتاب على ثلاثة وجوه فانه إمّا أن تكون النسبة بين مطلق الخبر والكتاب التباين فلا اشكال في هذا الفرض من عدم كون الخبر حجّة في نفسه فلا يعارض الآخر ومنه العامان من وجه لو كان أحدهما كذلك ويكون الموافق للكتاب هو المقدم .

أحد العامين من وجه مع الكتاب

ص: 817


1- . فوائد الأصول 4/793 .

وإمّا أن يكون بالعموم والخصوص وحينئذٍ وإن كان لا مانع من تخصيص عام الكتاب بالخاص الوارد في السنة لكن الخبر الآخر أيضا خاص تشمله أدلّة الحجيّة ويتعارضان . فان كان لأحدهما مرجح فهو وإلاّ فعامّ الكتاب يكون مرجّحا للخبر الموافق له ولا وجه لكونه مرجعا بعد تساقط الخاصّين .

ويظهر من الشيخ قدس سره عدم العبرة بموافقة أحدهما للكتاب بل إن كان لأحدهما مرجّح آخر فهو وإلاّ فالتخيير لكنه قول بلا دليل بل مقتضى أدلّة المرجّحات الترجيح بموافقة الكتاب كما عرفت مفصّلاً وامّا أن يكون بنحو يمكن الجمع بينهما في الدلالة ( لكن هذا الأخير لم يظهر مراد الاستاذ فيه ولم يبيّنه ) .إذا عرفت هذه الوجوه الثلاثة فنقول إن كان بين أحد العامين من وجه وبينالكتاب الموافقة وبين الآخر وبينه العموم من وجه فحينئذٍ لا يكون الكتاب مرجّحا للموافق بل يكون التعارض بالحقيقة بين الكتاب وبين المخالف له بالعموم من وجه فان الفرض وجود عمومات ثلاث اثنان منها نسبتهما التساوي وبينهما وبين الآخر العموم من وجه فحينئذٍ يكون التعارض بين الكتاب والمخالف له ويكون الترجيح للكتاب .

فهذا الفرض من موارد رجحان أحدهما لموافقته لمضمون الكتاب خرج عن مورد التعارض والترجيح فكلام المحقّق النائيني في ترجيح أحد العامين من وجه في مثل هذا الفرض لا يستقيم وكذا إن كان بين أحد العامين من وجه وبين الكتاب التباين فانه وإن كان مجرّد فرض ولم نعثر له على مورد لكنّه على فرض الاتّفاق لا يكون المخالف بالتباين حجّة كي يعارض العام الآخر وعلى هذا فينحصر مورد التعارض والترجيح بالمضمون بما إذا كان خاصان متعارضان

ص: 818

والكتاب أعم منهما مطلقا فيرجّح الموافق على ما سبق .

( أقول: احتمالات النسبة بين الكتاب وبين الخبر أربعة كما ان النسب لا تخرج عنها التساوي والتباين والعموم المطلق ومن وجه امّا التساوي والتباين فالأمر فيهما واضح ففي الثاني لا يكون الخبر حجّة ولو في غير صورة المعارضة وأمّا التساوي فان كان في مورد العامين من وجه فيمكن اتّجاه كلام سيّدنا الأستاذ قدس سره فيه ويمكن الجواب عنه بأن الاستناد وإن لم يكن لأحدهما بخصوصه إلاّ ان الخبر الموافق لا يخرج عن الحجيّة ولا عن كونه طرف المعارضة خصوصا إن قلنا بعدم شمول أدلّة الترجيح والتعارض لما إذا كان أحد المتعارضين هو الكتاب ولو بالعموم من وجه .وأمّا العموم من وجه والمطلق فلا اشكال في تصوّر شمول الكتاب الذييكون النسبة بينه وبين أحد الخبرين العموم من وجه أو مطلقا لمادة الاجتماع بين هذا الخبر والخبر الآخر الذي بينهما النسبة العموم من وجه فحينئذٍ يكون الرجحان لهذا العموم إن لم يكن العام الآخر مساويا أو مباينا للكتاب لما ذكرنا فاشكال سيّدنا الاستاذ قدس سره على المحقّق النائيني بلا وجه ) .

هذا كلّه في الترجيح بالمرجّح المضموني الكتابي وكذا الكلام في السنّة أي العام الخبري الذي هو فوق الخبرين المتعارضين بالعموم من وجه .

أمّا الكلام في الترجيح بالمرجّح الجهتي لأحد العامين من وجه ففي الفقه كثير الانفاق منها مسئلة تعارض روايتي(1) بول الطير وأبوال(2) ما لا يؤكل لحمه .

لو لم يمكن الترجيح

ص: 819


1- . الوسائل 3 الباب 10/1 - 5 من أبواب النجاسات .
2- . الوسائل 3 الباب 8 - 2 - 3 من أبواب النجاسات .

ففي احدى الروايتين لا بأس ببول الطير وخرئه ومقتضى اطلاقها انّه كذلك وإن كان ممّا لا يؤكل لحمه كالخفاش أو آكلة الميتة أو المحرم لحمه من غيرهما وفي الاخرى اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه ومقتضى اطلاقها أيضا ذلك ولو كان ما لا يؤكل لحمه هو الطير واحدى الروايتين موافقة للعامّة والاخرى مخالفة لهم .

فان رواية الاجتناب مخالفة لهم فيمكن ترجيحها بذلك ويقال بنجاسة بول ما لا يؤكل لحمه ويمكن المناقشة في هذا المثال بما قيل من عدم بول للطير إلاّ الخفّاش فالرواية الواردة في نفي البأس عن بول الطير كالصريح في الخفاش .

وقيل انه لا لحم له فعلى هذا يكون بوله بمقتضى الرواية النافية للبأس لابأس به ولا يجتنب عنه لعدم النجاسة .ثمّ انّه إن لم يمكن الترجيح بذلك فعلى ما ذكرنا سابقا من التوقّف أو التخيير .

هذا كلّه لو قلنا بشمول الأخبار العلاجيّة للمقام .

وأمّا إذا قلنا بعدم الشمول فحينئذٍ لا تشمل أخبار التعارض ولا الترجيحات ولا التخيير لمورده فمقتضى القاعدة التساقط والرجوع إلى الأصل كما عن المشهور .

الا ان الشيخ قدس سره ذهب إلى ان التخيير في ذلك على مقتضى الأصل لعدم مانع من شمول أدلّة التعبّد بالسند لهما ففي المقدار الذي يمكن العمل فيعمل بهما معا وفي صورة المعارضة فالضرورة تتقدّر بقدرها ويقال بالتخيير وجواز الأخذ بكلّ منهما عند عدم العمل بالآخر .

ص: 820

هذا كلّه في الترجيحات والمرجّحات المنصوصة .

ثمّ انّه قد يقال بكون الناقل من المتعارضين حجّة دون المقرّر الذي يكون على وفق الأصل والمشهور على هذا وقيل بكون المقرّر حجّة وان الموافق للأصل له الترجيح كما عن غير الأكثر وهذا النزاع واتّفاق الأكثر كأنّه لا يناسب اتّفاق الجميع في مسئلة ان الأصل في الأشياء الحظر أو الاباحة ان الموافق للحظر هو المقدم فلو كان مفاد أحد الخبرين الاباحة ومفاد الآخر هو الحظر والحرمة فالترجيح للموافق للحظر وهو الحرمة مع ان مرجع المسئلتين إلى أمر واحد فانّهما وإن كانتا مختلفتين موضوعا إلاّ ان مرجعهما إلى شيء واحد وهو جواز التصرّف في حقّ المولى وملكه ويمكن الانتصار لكلتا الطائفتين أي من يقول بتقدّم الناقل ومن يقول بالمقرّر للثاني بأن يقال بعدم جعل الحكم الظاهري فحينئذٍ الحكم هوالحكم الواقعي فلو كان مقتضى أحد الخبرين الحرمة ومقتضى الآخر الحلية مثلاًيكون الذي لا يثبت الحرمة بل الاباحة أولى بالأخذ بل هو حجّة بعدم كون جعل حكم ظاهري في ظرف الجهل .

وهذا الخبر المثبت له مبتلى بالمعارض فالأصل مع الموافق له فيؤخذ به وللناقل بأنّه يقدم على الآخر من حيث حكومته على مقتضى الأصل واردة عليه لعدم ابقائه موضوعا له وموردا هذا إلاّ ان في تقريب الاستدلال نقصاناً لا يخفى كما اعترف به سيّدنا الأستاذ قدس سره .

هذا كلّه على فرض التعدّي عن المرجّحات المنصوصة وقد عرفت عدم الدليل عليه بل لو كان الأمر كذلك لا تكاد تصل النوبة إلى أخبار التخيير أو التوقّف

لعدم خلو أحد الخبرين بعد وصول النوبة إلى التخيير أو التوقّف لعدم المرجّح

ص: 821

لأحدهما عن كونه موافقا للأصل .

هذا تمام الكلام في باب التعارض والحمد للّه أوّلاً وآخرا

ليلة الثلاثاء 29 الربيع الثاني سنة 1373 قمريّة 15/10/1332 شمسيّة

ص: 822

فهرس المحتويات

في تعريف الاستصحاب··· 5

تعريف علم الأصول··· 8

تعريف المسئلة الفقهيّة والقاعدة الفقهيّة··· 10

انطباق ضابط المسئلة الأصوليّة على الاستصحاب··· 12

بيان كونه مسئلة اصوليّة··· 14

الاستصحاب الحكمي··· 17

ضمان العامل وعدمه··· 18

الفرق بين الاستصحاب وقاعدة اليقين··· 20

أثر المقتضي··· 23

عدم انطباق الأخبار على قاعدة اليقين··· 25

نتيجة اعتبار الفعليّة في اليقين والشكّ··· 27

امضاء أو تأسيس الأحكام على الموضوعات··· 29

جهات القطع··· 30

الاستصحاب في مورد قاعدة الفراغ··· 31

مجرى قاعدة الفراغ··· 33

القناعة في مقام الامتثال··· 35

ص: 823

تقسيمات الاستصحاب··· 37

منع قاعدة الملازمة··· 39

اشكال المحقّق النائيني على الشيخ··· 42

اشكال استصحاب ما مدركه العقل··· 43

شأن العقل ادراك المصالح والمفاسد··· 46

عدم دخل بعض الأوصاف في موضوعيّة الموضوع··· 47

تغير الماء ملاك النجاسة··· 49

اشكال ايراد المحقّق النائيني··· 50

مصادقة الشيخ في ما اختار··· 52

تفصيل الشيخ في الشك في المقتضى ووجود الرافع ورافعيّة الموجود··· 53

بيان المقتضي··· 54

توضيح المقتضي في كلام الشيخ··· 56

المقتضي هو المعنى الثالث··· 59

الشك في وجود الرافع··· 62

دليل الاستصحاب··· 62

الاستدلال على الاستصحاب··· 66

الاستدلال بصحيحة زرارة··· 68

بيان صحيحة زرارة··· 70

استدلال الكفاية··· 72

اشكال الاستاد··· 74

معنى عدم نقض اليقين بالشك··· 76

ص: 824

دفع توهم ارادة سلب العموم··· 78

الاستدلال على عموم السلب··· 81

الكلام في صحيحة اخرى لزرارة··· 83

قيام الاستصحاب مقام القطع في جهتيه··· 84

امكان كون الشرط الطهارة عن النجاسة المعلومة··· 87

بيان المحقّق النائيني··· 89

لابدّ من مجوّز للدخول في الصلاة··· 91

الكبرى وحدها لا تكون تعليلاً··· 93

اشكال كفاية الشك في جواز الدخول في الصلاة··· 95

اسلم الوجوه في الجمع بين الروايات··· 97

أمر القناعي في طول الأمر الأوّل··· 99

لا يمكن لحاظ الانقسامات المتأخّرة في الخطاب··· 101

حلّ الاشكال بقبول الحصّة الملازمة··· 103

مقتضى الجمع بين الأدلّة··· 105

اشكال مختار المحقّق النائيني··· 108

اشكال مختار المحقّق النائيني··· 110

مراد المحقّق الخراساني··· 112

الكلام في باقي فقرات الرواية··· 114

الكلام في فقرات الرواية··· 116

دفع الاشكال في دلالة الرواية على الاستصحاب··· 119

الكلام في صحيحة ثالثة لزرارة··· 121

ص: 825

الكلام في مدلول الرواية··· 124

نتيجة الاستصحاب في المقام··· 126

اشكال الاستصحاب··· 128

الفرق بين القاعدة والاستصحاب في المقام··· 132

التقيّة في التطبيق لا في أصل الكبرى··· 137

توجيه آخر للرواية··· 138

ظهور الرواية في الاستصحاب··· 140

لو استفيد القاعدة··· 142

استظهار كون الرواية في مورد الاستصحاب··· 145

الاشكال في سند الرواية··· 147

دلالة الروايات على الاستصحاب··· 149

ما يستفاد من الرواية··· 153

توضيح المستفاد من الرواية··· 154

ما يمكن استفادته من الرواية··· 156

الأظهر في مدلول الرواية··· 158

مجرى الاستصحاب··· 161

عموم الاستصحاب وخصوصه··· 163

المراد من المقتضى··· 167

جهات العلم··· 169

قيام الاستصحاب والأصول الآخر مقام العلم··· 171

الفرق بين احراز المقتضي وعدمه··· 172

ص: 826

جريان الاستصحاب في الشكّ في المقتضي··· 174

الوجوه في المقتضي ثلاثة··· 176

توجيه عدم جريان الاستصحاب في الشك في المقتضي··· 178

جواب الاشكال··· 180 في الأحكام الوضعيّة··· 182

في أنّ الأحكام مجعولة··· 183

المراد من الحكم··· 184

ما يكون ظرف العروض والاتّصاف له هو الذهن··· 187

كيفيّة جعل الحكم··· 188

تصوير المبادلة في البيع··· 191

الفرق بين الوجود الاعتباري والانتزاعي··· 193

عالم الاعتبار··· 195

سنخ الأحكام الوضعيّة··· 199

ما بيّنه في الأمر السادس··· 201

مناقشة صاحب الكفاية··· 203

اختلاف العلماء في الأحكام الوضعيّة··· 205

للشارع حكم وضعي··· 208

حكم الشارع الوضعي على قسمين··· 210

اثر الحكم الوضعي··· 212

عدم تعلّق الجعل بأمور··· 213

دليل استحالة جعل السببيّة··· 216

ص: 827

دليل عدم جعل السببيّة··· 217

محصّل كلام المحقّقين··· 220

فعل الفاعل على قسمين··· 222

الأحكام الوضعيّة على قسمين··· 223

امكان تعلّق الاعتبار بالسبب··· 224

أقسام الوضعيّات··· 227

تفسير كلام المحقّق الخراساني ؛··· 228

الانتزاع بعد منشأ الانتزاع··· 231

امضاء السبب امضاء المسبّب لا العكس··· 233

في بعض ما تردّد أمره··· 235

القناعة في مقام الامتثال··· 237

أمور ثلاثة··· 239

جريان الاستصحاب في مؤدّى الامارات والأُصول··· 241

في جريان الاستصحاب في مؤدّى الامارات··· 242

المراد من اليقين في اخبار الاستصحاب··· 244

مبنى النائيني في الامارات··· 246

أخذ اليقين من جهة الكشف··· 248

مورد التخيير في الأخذ باحدى الروايتين··· 249

ظنيّة الطريق لا تنافي قطعيّة الحكم··· 251

الشهادة باستناد اليد··· 255

اشكال قيام الامارة مقام العلم الموضوعي··· 257

ص: 828

جريان الاستصحاب في الكلي··· 259

استصحاب الكلي··· 261

اشكال استصحاب الكلي··· 263

تعدّد الطبيعة بتعدّد الأفراد··· 266

لا مورد للاشكال الثاني··· 267

لا تكون الجنابة مشروطة بعدم البول··· 269

عدم جريان الاستصحاب في الكلّي لأحد امور··· 274

اشكال استصحاب الكلي··· 275

صور استصحاب الكلي في القسم الثالث··· 278

اشكال استصحاب صورتين··· 280

الفرق بين أقسام القسم الثالث··· 282

اللحم والجلد الملقيان··· 284

اشكال استصحاب عدم التذكية··· 287

رجوع الاستثناء إلى الحكم··· 291

اختصاص الحرمة بالعنوان الخاصّ··· 293

تصحيح فتوى المشهور··· 295

جريان استصحاب عدم التذكية··· 297

استصحاب الزمان والزماني··· 299

جريان الاستصحاب في الزمان··· 301

اشكال استصحاب الوقت··· 304

امكان كون الشك في المقتضى··· 306

ص: 829

اختلاف تعلّق الشكّ في الوقت··· 308

جريان الاستصحاب في الزمانيّات··· 309

جريان الاستصحابين··· 311

اشكال الشيخ على الفاضل النراقي ··· 312

جريان الاستصحابين··· 314

تعارض الاستصحابين··· 316

الشك في بقاء الطهارة بعد ارتفاع العذر··· 318

جريان الاستصحاب في الأحكام الشرعيّة المستكشفة بالأحكام العقليّة··· 319

جريان استصحاب الحكم العقلي··· 320

كلام الشيخ في الحكم الشرعي المستند إلى العقل··· 322

في الاستصحاب التعليقي··· 325

محل قولهم الأحكام تدور مدار الأسماء··· 327

الشك في الحكم الكلّي··· 329

حاصل الكلام في الاستصحاب التعليقي··· 331

قبول الاستصحاب التعليقي في بعض الموارد··· 333

اشكال مثال العنب··· 335

جريان الاستصحاب التعليقي في بعض الموارد··· 337

جريان الاستصحاب في ماء العنب الشخصي··· 339

امكان جريان الاستصحاب في ماء العنب وفي الزبيب··· 340

الاشكال في استصحاب جزء الموضوع··· 343

اشكال استصحاب حرمة العنب إذا غلى··· 344

ص: 830

كلّ مسكر حرام··· 347

الفرق بين مقامين في كلام المحقّق النائيني··· 349

لابدّ في الاستصحاب من بقاء الموضوع··· 351

تعارض الاستصحابين··· 354

تقدّم الاستصحاب التعليقي على التنجيزي··· 355

استصحاب أحكام الشرايع السابقة··· 357

الكلام في مثبتات الامارات وعدم حجيّة مثبتات الأصول··· 360

الفرق بين الامارة والأصل··· 362

اختلاف المباني في الامارات··· 364

طريقة العقلاء··· 367

ما يثبت بالأصل··· 368

عدم اثبات الأصل غير الأثر الشرعي··· 370

من آثار الأصل··· 372

لا مسامحة في مقام التطبيق··· 374

اتباع نظر العرف في المفاهيم··· 376

نظر العرف في تشخيص المفهوم··· 378

ما لو كانت الواسطة خفيّة··· 379

الفرق في تنجّس الملاقى بالملاقاة أو بالسراية··· 381

ما إذا كان الموضوع مركّباً··· 383

في تقدّم موت الوارث أو المورث··· 384

تنقيح مسئلة الكر والملاقاة للتنجس··· 386

ص: 831

ما لو لم يجر الأصل في الطرفين··· 389

ضابط تركب الموضوع··· 391

ميزان الحمل··· 393

العرض لمحلّه يكون وصفاً··· 395

استصحاب العدم الأزلي··· 397

اعتبار اتّصال زمان اليقين بالشك··· 399

توضيح المقام··· 401

لو فصل زمان بين زماني اليقين والشك··· 403

صور الشك في طهارة الاناء من الانائين··· 405

فرض آخر في المقام··· 407

اشكال الكفاية··· 410

كلام الكفاية في الشك في التقدّم والتأخّر··· 411

توضيح كلام صاحب الكفاية··· 413

اشكال الاستصحاب··· 415

توضيح كلام الكفاية··· 420

اشكال المحقّق النائيني··· 422

عدم جريان الاستصحاب في الحادثين المتضادّين··· 424

أقسام الاستصحاب في المقام··· 426

اشكال الاستصحاب في القسم الثالث··· 430

الوضوء من الانائين المشتبهين··· 432

انفعال الماء القليل بالملاقاة··· 436

ص: 832

لو حصلت الملاقاة والكريّة معاً··· 438

لو كان تاريخ الكرية معلوماً··· 441

جريان الاستصحاب في الأجزاء··· 442

حكم المخصّص أو التمسّك بالعامّ··· 443

وجوب الوفاء بكلّ عقد في كلّ زمان··· 445

عدم اختلاف النتيجة في الموردين··· 447

الفرق جريان الطرق الثلاثة لو كان الزمان قيداً للمتعلّق··· 448

لحاظ الاستمرار في ناحية المتعلّق أو الحكم··· 449

جريان الاستصحاب إذا كان الزمان قيداً للحكم··· 451

الفرق بين نحوى الزمان في كلام المحقّق النائيني··· 453

تفصيل المحقّق الخراساني··· 456

تفصيل حكم الأقسام··· 458

الكلام في مقام الاثبات وتوجيه كلام الشيخ··· 460

حكم الفور والتراخي في بعض الخيارات··· 462

اشكال تقييد المعنى الحرفي··· 464

نتيجة البحث بناء على مبنى النائيني··· 466

لا مجال للاستصحاب مع الدليل الاجتهادي··· 469

الانحلال حسب تعدّد الأفراد··· 471

لو شككنا في ورود العموم على العقد أو العكس··· 473

اشكال التمسّك بعموم الحكم عند الشكّ في التخصيص الزائد··· 475

امكان لحاظ الزمان في متعلّق التكليف··· 477

ص: 833

في مقام الاثبات هل القيد وارد على الحكم··· 479

في الصغريات الفقهيّة··· 481

التمسّك بالعام يتوقّف على الاطلاق··· 484

اختلاف النتيجة في كون العموم الزماني قيد المتعلّق أو الحكم··· 486

الفرق في باب الصوم··· 487

وجوب الكفّارة وعدمه في باب الصوم··· 488

تصوّر البحث في الواجبات المستمرّة··· 490

وجوب صرف الوجود في الواجبات الموسّعة··· 492

الرجوع إلى الاستصحاب في المخصّص الظرفي··· 494

جريان الاستصحاب عند تعذّر جزء··· 497

وجوب الباقي مشكوك الحدوث··· 499

لو لم يقم دليل على اطلاق دخل الجزء··· 503

تقدّم اليد على الاستصحاب··· 505

أدلّة اليد··· 507

شرط حجيّة اليد··· 509

اليد امارة أو أصل··· 511

دعوى ما في يد الغير··· 513

لزوم انطباق ضابط المدعى والمنكر··· 515

احتجاج أميرالمؤمنين علیه السلام على أبي بكر وافحامه··· 517

أدلّة توريث الأنبياء··· 520

حكومة القاعدتين على الاستصحاب··· 521

ص: 834

الاشكال في تقريب الحكومة··· 523

مفاد الروايات··· 525

اعطاء الكبرى الكلية لزرارة··· 528

مآل القاعدة··· 530

المجعول كبرى واحدة أم كبريان··· 533

جريان القاعدة في الوضعيّات كالتكليفيّات··· 535

جريان قاعدة التجاوز في أجزاء الصلاة··· 537

اشكالات اتّحاد القاعدتين··· 539

كلام المحقّق الهمداني··· 542

مفاد رواية زرارة في الوضوء··· 544

الجمع بين الروايات··· 546

اختلاف مفاد الروايات··· 548

استفادة قاعدة التجاوز··· 550

تماميّة القاعدتين الفراغ لكلّ عمل والتجاوز للصلاة··· 553

حاصل الجمع بين الأخبار··· 555

مقتضى الجمع بين الأخبار هل القناعة أو جعل البدل··· 557

حال الجزء المتروك بقاعدة التجاوز··· 559

المأتي به في مورد القاعدة إمّا بدل أو رخص في ترك مجرى القاعدة··· 562

أوامر الترك في القاعدتين ترخيصات للتسهيل··· 563

مع عدم الدخول في الغير لا يصدق التجاوز··· 566

اشكال الجزء الأخير في قاعدة التجاوز··· 567

ص: 835

الأقوال في المسئلة··· 571

جواب الاشكال··· 573

في المراد بالغير··· 575

الجمع بين الروايات··· 577

الأقوال في المسئلة··· 579

بعض الكلام في الجمع بين الروايات··· 581

جران القاعدة في الشرايط··· 582

جريان القاعدة على بعض التقادير··· 584

وجوه وأقوال في المسئلة··· 587

مورد العدول إلى السابقة··· 588

اشكال تفكيك جريان قاعدة التجاوز في الأثناء والشرط··· 591

امكان الفرق في جريان القاعدة··· 593

جريان القاعدة في الشك من جهة الشبهة الحكميّة··· 595

عدم جريان القاعدة في مورد احتمال الترك عمداً··· 597

ما استدلّ به على اصالة الصحّة··· 599

مفاد رواية مسعدة··· 601

امكان الاستدلال برواية مسعدة··· 603

مدرك اصالة الصحّة في المعاملات··· 605

نتيجة الأقوال··· 607

القدر المتيقّن بين الأقوال··· 609

عدم تماميّة قيام السوق على حجّيّة اليد··· 611

ص: 836

امكان الاستناد إلى التعليل··· 613

دلالة رواية حفص على اصالة الصحّة··· 616

توضيح في رواية حفص··· 619

اشكال ظهور الرواية في اصالة الصحّة··· 620

الحمل على الصحّة في مورد الاطمئنان··· 623

بيان أصل عدم الغفلة··· 625

الفرق بين عمل نفسه وعمل الغير··· 627

موارد القرعة··· 629

تقدّم الاستصحاب السببي على المسبّبي··· 631

كلام الشيخ في الأصل السببي والمسبّبي··· 635

بقيّة البحث في الشكّ السببي والمسبّبي··· 637

مسئلة الماء المتمّم كرّاً··· 639

اشكال تقدّم الأصل السببي··· 641

الكلام على المصلحة السلوكيّة··· 643

امكان التعبّد باحدى الامارتين··· 645

يمكن جريان ما ذكر على بعض المباني··· 646

يتصوّر ما ذكر في الامارتين في الاستصحابين··· 647

عدم جريان الاستصحاب في أطراف العلم الاجمالي··· 650

التعادل والتراجيح··· 652

الفرق بين التزاحم والتعارض··· 654

اشتباه الحجّة بلا حجّة··· 657

ص: 837

في تعريف التعارض··· 658

أقسام التزاحم··· 661

بيان أقسام التزاحم··· 663

بناء على السراية يكون من باب التعارض··· 666

مرجع الأقسام إلى مزاحمة مقام الامتثال··· 667

تفسير الحكومة··· 671

الحاكم يتعرّض لما لا يتعرّض له المحكوم··· 673

حكومة الخاص على العام ليس مجازاً··· 676

جريان الورود والحكومة في الأصول العقلائيّة··· 678

أقسام الخاص سنداً ودلالة··· 680

هل يقدم أقوى الظهورين من العام والخاص··· 683

بيان كلام الشيخ في العام والخاص المتخالفين··· 685

اشكال المحقّق النائيني على الشيخ··· 686

وضوح كلام الشيخ··· 688

كيفيّة النسبة بين العام والخاصّ··· 689

رجوع التخصيص إلى التقييد··· 691

لا تعارض في ما إذا تقدّم أحد الدليلين على الآخر··· 693

عدم تماميّة ( الجمع فيما أمكن أولى من الطرح )··· 695

موارد يكون أحد الدليلين أظهر··· 697

رجوع الأمثلة إلى الحكومة··· 699

تبعيّة أداة العموم لمدخوله··· 701

ص: 838

اختلاف الاطلاق في العامين··· 704

حكم الخصوصات الواردة في كلام الأئمّة:··· 705

الجواب الأخير··· 707

معنى النسخ··· 709 الفرق بين النسخ والتخصيص··· 711

معنى النسخ··· 712

ورود خصوصات مع العام··· 714

ملاحظة النسبة بين لا تعاد والموثّقة··· 717

مورد انقلاب النسبة··· 719

اخبار ضمان العارية وعدمه··· 721

الجمع بين الروايات··· 723

سقوط الدلالة الالتزاميّة في المتعارضين··· 725

التعارض موجب للتساقط··· 727

هل التساقط يمنع عن نفي الثالث··· 728

اختلاف المتعارضين على المباني··· 729

تعارض الدليلين على السببيّة··· 731

في المصلحة السلوكيّة··· 734 - 735

تعارض البيّنات··· 736 - 737

خبر ابن حنظلة··· 739

روايات الجمع بين المتعارضين··· 741

موقع اخبار التخيير··· 743

ص: 839

رواية العيون··· 745

توضيح رواية العيون··· 748

روايات دالّة على التوقّف··· 749

الجمع بين الروايات··· 751

توضيح في الجمع بين الأخبار··· 754 - 755

الأخذ بالأحدث··· 757

تقدّم أخبار الترجيح على التخيير··· 758

التخيير فقهي أو اصولي··· 759

امكان الجمع بين أخبار التوقّف والتخيير··· 761

ابتدائي أو استمراري··· 762

كلام المحقّق النائيني في صورة الشكّ··· 763

المقام من دوران الأمر بين التعيين والتخيير··· 765

تصوير التخيير··· 767

تصوير الوجوب التخييري في المقام··· 771

التخيير في الفتوى بدوي أو استمراري··· 773

كلام صاحب الفصول في عدم جواز العدول··· 776

في تقديم ذي المرجح على غيره··· 779

الكلام في المقبولة··· 781

معنى السحت في المقبولة··· 783

تثليث الامور··· 786

اشكالات في دلالة المقبولة··· 787

ص: 840

الكلام في المرفوعة··· 791

لا تقاوم المرفوعة المقبولة··· 792

تقييد بعض المرجحات بالمقبولة··· 793

احتياج العمل بالخبر إلى جهات ثلاث··· 795

استدراك في الاعتماد بالمرفوعة··· 796

التعدّي عن المرجحات المنصوصة··· 797

وجوه أربعة في مخالفة العامّة··· 799

الكلام في نفي الريب في المشهور··· 801

الترجيح بين العامين من وجه··· 803

ترتيب المرجّحات··· 805

العمل بالاحدث··· 807

الشهرة ثلاثة أقسام··· 808

الأخذ بما خالف العامّة لكونه أقرب إلى الواقع··· 811

التعارض بالعموم من وجه··· 813

عدم مساعدة العرف لتبعيض السند··· 816

أحد العامين من وجه مع الكتاب··· 817

لو لم يمكن الترجيح··· 819

فهرس المحتويات··· 822

ص: 841

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.