رسالة في آداب المجاورة

هویة الکتاب

الكتاب: رِسالَةٌ في آدَابِ المُجَاوَرَةِ [مجاورة مشاهد الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ)].

من أمالي خاتمة المحدّثين العلّامة الشيخ حسين بن محمّد تقي النوري (رَحمهُ اللّه).

تحرير وترجمة: العلّامة الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء (رَحمهُ اللّه).

تحقيق: محمّد محمّد حسن الوكيل

مراجعة وتصحيح: وحدة التحقيق في مكتبة ودار مخطوطات العتبة العبّاسية المقدّسة.

الناشر: مكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدّسة.

الإخراج الفني: محسن جعفر الجابري.

المدقق اللغوي: علي حبيب العيداني.

المطبعة: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات / كربلاء المقدّسة- العراق، بيروت - لبنان.

الطبعة: الأولى.

عدد النسخ: 2000.

التاريخ: 15 شوال / 1433ه- 3/ أيلول / 2012م

جمعية خيرية رقمية: مركز خدمة مدرسة إصفهان

المحرر: شعبان حاتمی

ص: 1

اشارة

بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 2

رِسالَةٌ

في آدَابِ المُجَاوَرَةِ

[ مُجَاوَرَةُ مَشَاهِدِ الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) ]

مِنْ أَمَالِي العَلّامَةِ المِيَرزَاحُسَينِ بنِ محمّد تَقِي النُّورِيَ الطَّبَرَنِي (رَحمهُ اللّه)

حَرَّرَهَا وَنَقَلَها إلى العَرَبِيَّةِ تِلْمِيذُةُ العَلَّامَةُ الشَّيخُ محمّد الحُسَينِ آلِ كَاشِفِ الغِطَاءِ (رَحمهُ اللّه)

تَحقِیق: محمّد محمّد حَسَنِ الوَكيلِ

تَحقِيق: وَحْدَةِ التَّحْقِيقِ فِي مَكَتَبَةِ العَتَبَةِ العَبَّاسِیَّةِ المقدّسة

ص: 3

العَتَبَةُ العَبَاسِيَّةُ المقدّسة

قِسْم الشُؤُونِ الفِكْرِيَة وَالثِّقَافِيَة / شعبة المكتبة

كربلاء المقدّسة / ص.ب. (233) / هاتف: 322600، داخلي: 251

www.alkafeel.net

library@alkafeel.net

tahqiq@alkafeel.net

النوري، حسين بن محمّد تقي، 1254 - 1320ه-

رسالة في آداب المجاورة (مجاورة مشاهد الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ)) / أمالي حسين بن محمّد تقي النوري الطبرسي؛ حرّرها ونقلها إلى العربية محمّد الحسين آل كاشف الغطاء؛ تحقيق محمّد محمّد حسن الوكيل؛ مراجعة وحدة التحقيق في مكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدّسة. - كربلاء مكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدّسة، 1433ق. = 2012م.

146 ص. – (مكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدّسة؛ 14)

المصادر في الحاشية.

المصادر: ص. [131] - 143

1. المزارات الإسلامية - الآداب والسلوك 2. الجار (اسلام) - الآداب والسلوك ألف كاشف الغطاء، محمّد حسین، 1877- 1954، معد، مترجم. ب. الوكيل. محمّد محمّد حسن، 1977 - محقق.ج. وحدة التحقيق في مكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدّسة د. عنوان.

BP 262.N9 R5 2012

الكتاب: رسالة في آداب المجاورة [مجاورة مشاهد الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ)].

من أمالي خاتمة المحدّثين العلّامة الشيخ حسين بن محمّد تقي النوري (رَحمهُ اللّه).

تحرير وترجمة: العلّامة الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء (رَحمهُ اللّه).

تحقيق: محمّد محمّد حسن الوكيل

مراجعة وتصحيح: وحدة التحقيق في مكتبة ودار مخطوطات العتبة العبّاسية المقدّسة.

الناشر: مكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدّسة.

الإخراج الفني: محسن جعفر الجابري.

المدقق اللغوي: علي حبيب العيداني.

المطبعة: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات / كربلاء المقدّسة- العراق، بيروت - لبنان.

الطبعة: الأولى.

عدد النسخ: 2000.

التاريخ: 15 شوال / 1433ه- 3/ أيلول / 2012م

ص: 4

كلمة إدارة المكتبة

بسمه تعالى... وصلّى اللّه على أقرب الخلق إليه حبيبه محمّد المصطفى الأمجد وعلى أهل بيته الأطياب الأطهار أوتاد الأرض وعمد السماء، واللعنة الدائمة على أعدائهم، وبعدُ...

إنّ من بين الأمور الكثيرة التي نغفلها أو نتغافل عنها مع ما فيها من أسباب الخير والسعادة، بل السعادة كلّها: حسن الجوار، وفي نظرةٍ عن كثبٍ في آيات کتاب اللّه العزيز نلحظ أنّ ذكر الجار لا ينفكّ يُؤتى به في موارد ذكر البِرّ والخير والإحسان، أمّا الأحاديث الشريفة للنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، والمعصومين صلوات اللّه عليهم فقد فصّلت وأكبرت حقّ الجار، ما يمنحه الدرجة الأدنى والأقرب للإنسان.

والرسالة البليغة التي بين يدي القارئ والتي أملاها خاتمة المحدّثين الشيخ النوري الطبرسي (أعلى اللّه مقامه)، وحرّرها تلميذه العلّامة الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء (طيّب اللّه رمسه) هي شعاع نور يشقّ ظلمة الغفلة في هذا الباب المهم.. وما أراد الشيخ النوري (نوّر اللّه ضريحه) أن يحثّنا عليه من وجوب حفظ الجوار بعامّه، وجار المعصوم (عَلَيهِ السَّلَامُ) بخاصّه ؛ لِما للأمر الأوّل من لزوم الإتيان به وفق نهج الكتاب والسُنّة، وللأمر الثاني من وجوب إلزام النفس به للقيام بالواجب العام أوّلاً، ولمكانة الجار ومقامه ثانياً، إنما أراد أن يرشدنا إلى سبيلٍ سالكٍ من سبل السعادة الذي إمّا سلكناه فزنا، وإمّا أغفلناه تُهنا في غياهب الطُرقات.

ص: 5

ولا أُريد أن أُطيل في هذه التقدمة، ذلك أنّ الأخ المحقّق الشاب محمّد الوكيل قد قّدم وعَرضَ وبسطَ القول في هذا الموضوع، وقد أُحسن وأجاد، ما يغني عن الإعادة والتكرار، فشكر اللّه تعالى سعيه وسعي كلّ الإخوة في وحدة التحقيق؛ لِما بذلوه من وفير الجهد لإخراج هذه الرسالة الغنيّة المحتوى المعدودة في المضمون، أهميّةً وجَودةً في اختيار الموضوع، وحسناً في الصياغة والطرح. فجزى اللّه مُمليها ومُحرّرها خيراً.. ووفّق مَن أعدّها، وأخرجها، ونشرها وكلّ من أعان في ذلك، وكتبنا في صحيفة من كفّ الأذى عن جاره، واستحقّ نوالَ جِوار سادته لاسيّما سيّدي ومولاي أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه، وولديه سيّد شباب أهل الجنّة الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، و باب الحوائج أبي الفضل العباس (قمر العشيرة ) (عَلَيهِ السَّلَامُ)، إنّه قريبٌ مجيب، وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين.

اللائذ بجوارهم

نوري الموسوي

إدارة

مكتبة ودار مخطوطات العتبة العبّاسية المقدّسة

ص: 6

بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

توطئة

والحمد للّه ربِّ البلد الأمين، والصلاة والسلام على من جُعلت أحرامُهُم أمناً للخلائق أجمعين، خير خلقه محمّدٍ خاتَم الأنبياء والمرسلين، وآل بيته الطيبين الطاهرين، وبعد...

فإنّ اللّه جلّ وعلا خلق الخلق بفضله، وشرّع لهم الشرائع بكرمه وجوده، وجعل لكلٍ منها دستوراً إلهياً، ومرشداً نبوياً، هو رسوله تعالى إليهم؛ ليكون لهم هادياً ونذيراً، وختمها بالشريعة المحمّدية السمحاء، فقنّن فيها الأنظمة والقوانين الشاملة الكاملة التي أعطت كل ذي حقّ حقه، فكرّم ابن آدم على جميع خلقه، وأحلّ له ما أحل، وجعل منها ما هو واجب ومستحب، ومكروه. وحرّم عليه ما حرّم، كل ذلك لمصلحةٍ اقتضتها الحكمة الإلهية، قد بان واستبان لنا بعضها، وأخرى لم تدركها عقولنا القاصرة.

لذا وبعد كل هذا التكريم الإلهي، كان لزاماً علينا أن نكون عباداً للّه مخلِصين، وبما أمرنا به طائعين، وعمّا نهانا عنه منهيين، وهو أقل ما يفعله منعَمٌ لِمُنعِم، كيف والمُنعِم هو اللّه سبحانه وتعالى الذي أفاض الوجود بنعمه، وخلق الخلق لأداء حقّ شكره؛ لا لحاجة منه إليهم بل تفضلاً منه عليهم، إنّه هو الغني الحميد.

وإنّ من أحق الحقوق وأوجبها أداءً ما أمرنا به تعالى من تعظيم لحرماته جلّ وعلا واجتناب لهتكها، إذ قال عز من قائل في محكم كتابه الكريم: «ذَلِكَ وَمَنْ

ص: 7

يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللّه فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ»(1).

فكما للإنسان حريم يابى أن تُهتك ويبالغ في تعظيمها والحفاظ عليها؛ لخُلُقٍ كريم جُبِلَت فطرته النقية عليه، فاللّه أولى من عباده بذلك، وهو منشأ هذا الخُلُق ومنبعه.

ومن هذا أقول: إن اللّه سبحانه وتعالى حرمات أمر باحترامها وتقديسها وتعظيم شأنها، ونهى عن هتكها والفساد فيها، بل توعد من فعل ذلك بانتقام منه شديد وعذاب في الدنيا والآخرة مديد، وهي أكثر من أن أحصيها في هذه الوريقات، ولكن ما يدور بحثي عليه منها هو ما يشتمل عليه حقّ المجاورة بجميع محاوره، والذي أمرنا سبحانه وتعالى بأداء ما علينا له من حقوق وواجبات، ونهانا عن التعدي عليه.

ص: 8


1- سورة الحج: 30. قال العلّامة المجلسي (رَحمهُ اللّه) في كتابه (بحار الأنوار ج 24 ص 185) عند بيان تفسير هذه الآية كلاماً يناسب المقام ارتأيت ذكره للفائدة، وهذا نصّه: «الحرمة ما لا يحل انتهاكه. وقيل في الآية: إنّها مناسك الحج. وقيل: هي البيت الحرام، والبلد الحرام، والشهر الحرام، والمسجد الحرام. وما ورد فيما سيأتي من الأخبار هو المعوّل عليه، ولا شك في وجوب تعظيم الأئمّة وتكريمهم في حياتهم وبعد وفاتهم، وكذا تعظيم ما يُنسب إليهم من مشاهدهم وأخبارهم وآثارهم وذريتهم وحاملي أخبارهم وعلومهم..». وذكر (رَحمهُ اللّه) بعد هذا الكلام روايات تتضمن المطلب تركتُ نقلها تجنباً للإطالة فمن رامها فليراجعها.

ولا أُريد أن أُسهب في هذا البحث، والذي هو محور رسالتنا هذه – التي بين يديك عزيزي القارئ - وإنما أُبيّن لك عصارة ما أردت بيانه فأقول:

إنّ المجاورة مرةً تكون مع عامة الناس من المسلمين باختلاف طبائعهم و درجاتهم في الإيمان فلكلٍ حقّ في حسن المجاورة، وعقابٌ منه تعالى في التجاوز عليه تبعاً لدرجاتهم الإيمانية.

فللمؤمن عند اللّه سبحانه وتعالى حرمة أعظم من حرمة الكعبة، كما في الحديث الشريف المروي عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال: «المؤمن أعظم حرمة من الكعبة»(1).

وفي خبر آخر، عن الحسن بن عطية أنه قال:

«كان أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) واقفاً على الصفا، فقال له عباد البصري:

حديث يُروى عنك.

قال وما هو؟

قال: قلتَ: حرمة المؤمن أعظم من حرمة هذه البنية.

قال: قد قلتُ ذلك، إنّ المؤمن لو قال لهذه الجبال:

أقبلي أقبلت.

قال: فنظرتُ إلى الجبال قد أقبلت، فقال لها: على رسلك إنّي لم أردك». (2)

ص: 9


1- الخصال: 27.
2- الاختصاص : 325.

وفي حديث آخر إنّ حرمته عند اللّه تعالى أعظم من حرمة الملائكة، فعن ابنعباس رضي اللّه عنه، أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال:

«إنّ حرمة المؤمن عند اللّه أعظم من حرمة الملائكة.

قال عمر بن الخطاب ومن جبرائيل؟

فالتفت [(صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )](1) إلى علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال: ما تقول يا أبا الحسن؟

فقال: من جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وحملة العرش والملائكة المقرّبين.

فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : صدق أخي وابن عمي». (2)

ومرةً تكون المجاورة مع غير المسلمين، ولهؤلاءِ حقّ علينا أيضاً، فمن كلامٍ لأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في عهده لمالك الأشتر رضوان اللّه تعالى عليه، أنّه قال:

«فإنّهم صنفان - أي الرعية- : إمّا أخٌ لك في الدين، وإمّا نظيرٌ لك في الخلق». (3)

ص: 10


1- ما بين المعقوفين منا للبيان.
2- شرح الأخبار للقاضي النعمان: 107/30-110، والحديث طويل أخذتُ منه ما يناسب المطلب.
3- تحف العقول: 127. لاحظ عزيزي القارئ سمو ورفعة تعاليمنا الإسلامية والتي لا تفرّق بين المسلم وغير المسلم في أداء الحقوق والواجبات في البلاد الإسلامية احتراماً منها وتقديراً للنفس البشرية أياً كان انتماؤها وحفاظاً على الصالح العام.

ومرةً تكون المجاورة لأماكن مقدّسة ومشاهد مشرّفة، يحب اللّه أن يُذكر فيها اسمه؛ لأنها مثوىً لأجسادٍ طاهرة، ضرب أصحابُها أروع الأمثال في تجسيد معنى العبودية له تعالى، فجادوا بما ائتمنهم به اللّه من أرواحٍ غالية وأنفسٍ عزيزة، عرفوا اللّه سبحانه وتعالى حقّ معرفته، فزهدوا بدنيا فانية رجاءً لآخرةٍ باقية؛ رغبةً منهم في الوصال مع من أحبوا وهو الباري (عزّوجلّ).

فأبى اللّه إلا أن يكون أكرم الأكرمين، فجازاهم بما عملوا وصبروا واحتسبوا خير جزاء المحسنين، جنّةً عرضها السموات والأرضون في أعلى عليين، وذِكراً ملأَ آفاق الدنيا بما رحبت، وجعل قبورهم مهوى أفئدة العالمين، وملجاً للمستغيثين، وموضعاً لقضاء حاجات الطالبين.

فمثل هذه الأماكن المقدّسة كان حقاً للّه علينا أن نقدسها ونعظّمها ونحسن مجاورتها، وأن نتجنب هتك حرماتها؛ لأنّ ذلك يوجب لنا الغضب الإلهي أجارنا اللّه منه دنيا وآخرة.

وما بيت اللّه الحرام، والمسجد النبوي المبارك، والمشاهد المشرفة لقبور آل البيت من الأئمّة المعصومين (عَلَيهِم السَّلَامُ) وذراريهم، ومواضع قبور الأنبياء والمرسلين، والأولياء الصالحين، والمساجد المقدّسة التي نصّت على قدسيتها الروايات المستفيضة، إلّا خيرُ مثالٍ على ما ذكرنا.

فقد امتلأت الكتب والأسفار بما جمعه ورواه علماؤنا الأبرار من الروايات الشريفة المروية اعلن عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وآل بيته (عَلَيهِم السَّلَامُ) بضرورة احترام وتقديس وتعظيم هذه الأماكن والاجتناب عن انتهاك حرماتها باليد أو اللسان، حتّى وصل الأمر

ص: 11

إلى عدم التعرض إلى بعوضة وقتلها في الكعبة المشرفة، بل تعدّى الأمر إلى أنّ اللّه تعالى قد جبل حتّى الحيوانات على تقديسها والالتجاء إليها، فترى الحمام يجول بين الآدميين على أرضها المطهرة لا يخشى منهم ولا يرتهب، وتراه عند طيرانه يخشى أن يرفرف بجناحيه فوق الكعبة المشرفة؛ احتراماً منه لها. (1)

هذا نزرٌ قليل من المعجزات البينة، والدلائل الواضحة، التي خصّ اللّه تعالى بها بيته الحرام.

أمّا بالنسبة للبقاع المباركة لمواضع قبور الأنبياء والمرسلين، وأولياء اللّه،المخلصين، وخاصة نبينا محمّداً وآل بيته الطيبين الطاهرين وما يلحقها من مساجد مشرّفة وأماكن مقدّسة، فقد يحتاج لبيان ذلك مقدمة مختصرة، وهي:

إنّ للنفس البشرية عند اللّه جلّ وعلا شأناً كبيراً، وحرمةً عظيمة، فقد قال تعالى في كتابه العزيز: «وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّه إِلَّا بِالْحَقِّ»(2).

وقال عز من قائل أيضاً:

«أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً»(3).

فكيف بهذه النفس البشرية إذا كانت نفساً مؤمنةً بخالقها، متبعةً لأوامره، راجيةً

ص: 12


1- ينظر إلى قول علم الهدى الشريف الرضي (رَحمهُ اللّه) فيما يخص المطلب في هامش رقم 2 ص 64-67.
2- سورة الإسراء: 33.
3- سورة المائدة: 32.

رضاه تعالى، فشأنها عنده سبحانه يكون أكبر، وحرمتها أجُّل وأعظمُ، فهو القائل:

«وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّه عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً»(1).

وقال أيضاً:

«وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً...»(2).

بل تكون حرمتها أعظم من حرمة الكعبة نفسها كما في الخبر المار ذكره، والمروي عن الإمام الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ). (3)

هذا في حال المؤمن وهو حي، أمّا بعد موته فإنّ لجسده حرمة لا تقلّ شأناً عمّا كانت عليه في حياته، فقد تواترت الأخبار الواردة بهذا الشأن- من أنّ حرمة المؤمن ميتاً كحرمته حيّ - منها ما رُوي عن الفضل بن يونس الكاتب (4) أنّ أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) (5) قال :

ص: 13


1- سورة النساء: 93.
2- سورة النساء: 92.
3- ينظر ص 9 من هذه المقدمة.
4- في المصدر : (المفضل عن الكاتب) وما أثبتّهُ من (البحار) والظاهر صحته لأنّ الفضل بن يونس الكاتب من أصحاب الإمام الكاظم (عَلَيهِ السَّلَامُ) وممن يروون عنه. (ينظر: رجال النجاشي: 309 ورجال الطوسي : 342، وخلاصة الأقوال: 386، ونقد الرجال للتفرشي : 27/4). ولعل ما في (قرب الإسناد) من شواهد التصحيف.
5- من كُنى الإمام موسى بن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ).

«...كان أبي رضي اللّه عنه يقول: إنّ حرمة عورة المؤمن وحرمة بدنه وهو ميت كحرمته وهو حي...»(1).

هذا ما يخصّ أجساد المؤمنين، أمّا أرواحهم وأنفسهم فهي حيةٌ باقية، فهم أحياءٌ عند ربهم يرزقون، أحياءٌ بطاعتهم لمولاهم، أحياءٌ بإيمانهم وتقواهم.

هذا كله في حال المؤمن، فكيف بسادة المؤمنين، بل منبع الإيمان والتُقى، بل التجليات الإلهية في أرضه وسمائه، محمّد وآل بيته الطيبين الطاهرين.

ومن هذا نعلم أنّ المشاهد المشرفة للقبور المذكورة آنفاً، وما يلحق بها من مساجدَ وأماكنَ مباركةٍ، إنما هي حريمٌ للّه سبحانه وتعالى، انتهاكها والفساد فيها والاستخفاف بها يوجب الابتعاد عن الرحمة الإلهية، لا بل العقاب الدنيوي العاجل إضافةً إلى الأخروي، أجارنا اللّه وإياكم منه في الأولى والآخرة.

ولا أُريد أن أُكثر فأُطيل، إذ إنّ هذه الرسالة قد كفتنا مؤنة الكلام حول هذا الشأن. فقد تناثرت من فم الشيخ النوري (رَحمهُ اللّه) لآلىءُ ودُررٌ أعجمية، صاغها لنا تلميذه الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء (رَحمهُ اللّه) فانتظمت عربية، فجاءتنا بهذه الحلّة الجميلة، حقاً لو أنّها وضعت على الجبل الأشم لتصدّع؛ لِما تحمله من معانٍ عظيمة توقظ النائم من رقدته، والغافل من غفلته.

فهنيئاً لمن تزيّن بها، راجين المولى (عزّوجلّ) و أن يشملنا بكرمه وجوده، ويخصنا بهذه الزينة إنّه سميع مجيب.

ص: 14


1- قرب الإسناد: 312.

وفي الختام، فإنّ للشيخ عباس القمي (رَحمهُ اللّه)(1) كلمات أوردها في كتابه (مفاتيح الجنان / باب آداب الزيارة( التاسع منها لهي خير دواءٍ لشر داء قد نزل بنا، ارتأيتُ إيرادها للاستزادة منها، وهذا نصها:

«التاسع: أن يقف على باب الحرم الشريف، ويستأذن، ويجتهد لتحصيل الرقة والخضوع والانكسار والتفكير في عظمة صاحب ذلك المرقد المنوّر وجلاله، وأنّه يرى مقامه، ويسمع كلامه، ويرد سلامه، كما يشهد على ذلك كله عندما يقرأ الاستئذان، والتدبر في لطفهم وحبهم لشيعتهم وزائريهم، والتأمل في فساد حال نفسه، وفي جفائه عليهم برفضه مالا يحصى من تعاليمهم، وفيما صدر عنه نفسه من الأذى لهم، أو لخاصّتهم وأحبابهم، وهو في المآل أذىً راجع إليهم (عَلَيهِم السَّلَامُ)، فلو التفت إلى نفسه التفات تفكير وتدقيق، لتوقفت قدماه عن المسير، وخشع قلبه ودمعت عينه، وهذا هو لب آداب الزيارة كلّها، وينبغي لنا هنا أن نورد أبيات السخاوي (2)... فهي:

ص: 15


1- الشيخ عباس بن محمّد رضا القمي (حدود 1293ه - 1359ه- ): عالم فاضل، صاحب كتاب (مفاتيح الجنان) من تلاميذ الميرزا النوري (رَحمهُ اللّه) ومن أشد الملازمين له، من مؤلّفاته الكنى والالقاب. (ينظر : أعيان الشيعة: 425/7).
2- أبو الحسن علي بن محمّد الهمداني المصري السخاوي (558ه- 643ه): المقرئ النحوي، شرح المفصل للزمخشري في أربع مجلدات، ولمّا حضرته الوفاة أنشد الأبيات المذكورة. (ينظر : وفيات الأعيان: 340/3).

قالُوا غَداً نأْتِي دِيَارَ الْحِمَى**وَيَنْزِلُ الرَّكْبُ بِمَغْناهُمُ

فَكُلُّ مَنْ كَانَ مُطِيعاً لهُمْ***أَصْبَحَ مَسْرُوراً بِلُقْياهُمُ

قُلْتُ فَلِي ذَنْبٌ فَما حيلتي***بِأَيّ وَجْهِ أَتَلَقَّاهُمُ

قالُوا أَلَيْسَ العَفْوُ مِنْ شَأْنِهِم***لا سيّما عَمَّنْ تَرَجَّاهُمُ

فَجِتْتُهمْ أَسْعی إلَى بابِهِمْ***أَرْجُوهُمُ طَوْراً وأَخْشَاهُمُ»

وبعد هذه التوطئة، لا يفوتني أن أُوجز للقارئ الكريم ما تضمنته مقدمة هذه الرسالة من مطالب وهي:

1. ترجمة الشيخ النوري (رَحمهُ اللّه)، والمشتملة على (مختصر ترجمته (رَحمهُ اللّه)، منهجه العبادي، مجالسه في الوعظ والإرشاد).

2. مختصراً لترجمة الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء (رَحمهُ اللّه) مع التركيز على اجتهاده في تعلم اللغة الفارسية.

3. التعريف بهذه الرسالة.

4. الطبعة السابقة.

5. النسخة المعتمدة.

6. منهجية التحقيق.

7. شكر وتقدير.

8. نماذج من النسخة المعتمدة.

ص: 16

مقدمة التحقيق

اشارة

ص: 17

ص: 18

(1) ترجمة الشيخ النوري (رَحمهُ اللّه)

أشارة:

علم الأعلام، وكاشف الأستار، والمستدرك عمّا فات من الأخبار، ومُنير الألباب، ومن كان للورع والتُقى خير باب البحر الزاخر والبرهان الباهر، من تناثرت لآلئه أدباً لأهل المنابر، خاتمة المحدّثين، العلّامة المحدّث الشيخ حسين ابن محمّد تقي النوري الطبرسي (رَحمهُ اللّه).

ترجمه معاصروه فسطرت يراعاتهم في وصفه ما ضاقت بها دفّات الكتب، فتفجرت منها ينابيع العلم والمعرفة، فباتت أنهاراً جارية، أحيت بها عرصات القلوب، وارتوت منها النفوس من ظمأ الكروب.

فرحم اللّه الأرواح العظيمة لعلمائنا الأبرار، الذين ما آلوا جهداً في نشر عصارة سنّي حياة شيخنا النوري (رَحمهُ اللّه) ؛ لتكون لنا نبراساً نستضيء به، ومناراً نهتدي إليه في زماننا هذا.

ولكثرة ما تُرجم له (رَحمهُ اللّه) ارتأيتُ أن أنتهج الاختصار في ذكر أحواله - مع الاعتراف بالتقصير في أداء حقّه علينا - مع التنويه إلى المصادر التي ترجمت له (رَحمهُ اللّه).

ص: 19

أ. مختصر ترجمته (رَحمهُ اللّه)

فإليك مختصراً في ترجمته (رَحمهُ اللّه)، جاد به يراع باني الحصون المنيعة، العلّامة الشيخ علي آل كاشف الغطاء (رَحمهُ اللّه) (1) حيث قال فيه ما نصّه:

«الحاج حسين ابن الملّا محمّد تقي النوري الطبرسي ثم النجفي، نزيل النجف، وُلد في 8 شوال سنة 1254ه في بالو (2) إحدى قری نور - وهي كورة من أعمال طبرستان - وتُوفي والده وهو ابن ثماني سنين فلم يتعهد تربيته أحد إلى أن راهق، فاتفقت له ملازمة الفقيه الزاهد الملّا محمّد علي بن زين العابدين بن موسى الرضا المحلاتي(3).

وهاجر معه من طهران إلى العراق سنة 1273ه، فعاد أستاذه المرقوم إلى العجم، وأقام هو في النجف أربع سنين، ثم عاد

ص: 20


1- الشيخ علي ابن الشيخ محمّد رضا المالكي الجناجي النجفي (1268-1350ه): عالم،مؤرّخ وزعيم نبيل، من أعيان علماء النجف ومشاهير رجالها، له آثار كثيرة ومهمة أشهرها (الحصون المنيعة في طبقات الشيعة). (ينظر: نقباء البشر: 1437).
2- ضبطها الشيخ أغا بزرك الطهراني في (نقباء البشر: 544): (يالو).
3- الشيخ محمّد علي بن زين العابدين بن موسى المحلاتي (1232-1306ه): من أعاظم علماء عصره، لازمه العلّامة النوري (رَحمهُ اللّه) في أوائل أمره سنيناً الى أن هاجر معه الى العتبات المقدّسة سنة 1273ه (ينظر : نقباء البشر : 1443).

إلى العجم، ثم كرّ راجعاً إلى العراق سنة 1278ه ولازم المرحوم الشيخ عبد الحسين الطهراني(1)، وهو أوّل من أجاز له في كربلاء، وقد حضر عليه فيها وفي الكاظمية، ثم قصد الحجاز حاجاً سنة 1280 ه، ثم عاد إلى النجف فحضر على العلّامة الأنصاري (2) أشهراً قلائل إلى أن تُوفي سنة 1281ه، ثم سافر إلى العجم سنة (1282ه)(3)، وعاد إلى العراق سنة 1286ه وفي هذه السنة تُوفي أستاذه الشيخ عبد الحسين الطهراني، ورُزق هو الحج مرة ثانية، وعاد إلى النجف وأقام فيها سنين إلى أن هاجر إلى سامراء لما هاجر إليها العلّامة

ص: 21


1- الشيخ عبد الحسين بن علي الطهراني (شيخ العراقين) (ت 1286ه): كان نادرة الدهر وأعجوبة الزمان في الدقة والتحقيق وجودة الفهم، أقام أعلام الشعائر في العتبات العاليات، وبالغ مجهوده في عمارة القباب الساميات، له كتاب في طبقات الرواة. (ينظر : خاتمة المستدرك: 114/2).
2- الشيخ مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري الدزفولي النجفي (1214-1281ه): ينتهي نسبه إلى جابر بن عبد اللّه الأنصاري رضي اللّه عنه، فقيه كبير مجدد، حاله أشهر من أن يُوصف، تخرّج من درسه أعاظم علماء الشيعة. (ينظر: الكني والالقاب: 397/2).
3- ذكر الشيخ أغا بزرك الطهراني (رَحمهُ اللّه) في ترجمته في (نقباء البشر: 544) أنّها سنة (1284).

الشيرازي (1) أستاذه الكبير المتأخر وبقي فيها سنين وحج منهاأيضاً، ثم عاد إليها وسافر إلى العجم سنة 1297ه، ورجع فيها حاجّاً سنة 1299ه وهي آخر حجة له، عاد فيها إلى سُرّ من رأى وأقام فيها إلى سنة 1314ه بعد وفاة الشيرازي بسنتين، فهاجر للنجف بعد ذلك قاصداً التوطن فيه، وقد أربى على الستين.

ما اتفق له من كثرة التجوال في البلاد، فإنه ألّف كتباً ومع كثيرة لعظم همّته، وانفرد في عصره بالحديث، والرجال، والرواية وعلم الآثار، فهو خاتمة المحدّثين، والمباحثين، وعلماء النظر والنقد في علماء الشيعة، معروف بالضبط، والإتّقان، والتحقيق خاصة في الرجال، وتحصيل الكتب مولعاً بها جماعاً لمحاسنها، جمع الجيد منها من كل فج عميق ولم يعتنٍ ويقتن في أسفاره كلّها شيئاً من متاع الدنيا سوى الكتب (2)، وكانت له خزانة كتب منحصرة في زمانه

ص: 22


1- السيّد الميرزا محمّد حسن بن محمود الشيرازي النجفي العسكري المعروف ب (المجدّد) (1230-1312ه): حاله أشهر من أن يُوصف، تتلمذ على أعلام الطائفة، وخرّج من درسه أعلاماً للطائفة. (ينظر : تكملة أمل الآمل : 333/5).
2- ومن دلائل شدة ولعه بالمخطوطات وشراء نفائس الكتب ما أورده السيّد محسن الأمين العاملي (رَحمهُ اللّه) في (أعيان الشيعة: 143/6) وهذا نصه: يُحكى عنه [عند] رجوعه في السوق [أنّ] امرأة بيدها كتابان تريد بيعهما فنظرهما فإذا هما من نفائس الكتب، وقد كان له مدة يطلبهما ولا يجدهما، فساومها عليهما فطلبت منه،قيمة، فدفع لها باقي نفقته فلم تكف، فنزع عباءته وأعطاها الدلّال فباعها فلم تكفِ قيمتها، فنزع قباءه وباعه وأتم لها القيمة».

بالكثرة، والجودة، والعتق(1)، واتفق فيها من النفائس ما لم يوجد في خزانة من قبله في سائر الأقطار كلّها، اجتمعت بهمته العالية، ولكن الأسف كلّ الأسف بعد موته صارت أدراج الرياح بين حرق، وسرقة، وبيع على النصارى؛ من عدم أهلية الوارث في حفظها وضبطها وحصلت جملة منها في مكتبتنا.

وله من المؤلّفات:

مواقع النجوم - وهي إجازاته -، دار السلام في الرؤيا والمنام: طُبع في طهران، عالم العبر (2) في الاستدراك على جلد البحار

كذا، والصحيح (معالم العبر )، وقال الشيخ النوري (رَحمهُ اللّه) في كتابه (الفيض القدسي) المطبوع بضميمة (بحار الأنوار ج 102 ص 60)، عند تعداد من استدرك على البحار، ما نصّه:

ص: 23


1- العتق يراد بها القدم.
2- (ومنها: معالم العبر في استدراك البحار السابع عشر، جمعتُ فيه من المواعظ والحكم ما فات عنه ذكره فيه وذكره في غيره أو لم يذكره في غيره، وما عثرتُ عليه من المآخذ التي لم تكن حاضراً [ حاضرة - ظ -] عنده رحمه اللّه تعالى). (الحلي).

السابع عشر، رسالة الفيض القدسي في أحوال المجلسي، الصحيفة العلوية الثانية، الصحيفة السجادية الرابعة، النجم الثاقب في الإمام الغائب، كلمة طيبة: فارسية طُبعت في الهند، البدر المشعشع في ذرية موسى المبرقع، مستدرك البحار: لم يتم حواشي رجال أبي علي مستدرك الوسائل: (3) مُجلدات طبعت في طهران وهو أعظم كتبه وأفيدها، وفي المجلد الثالث منه أبحاث جليلة في الكتب والرجال تُعرب عن علو كعبه في النقد وعلم الآثار، وله غير ذلك من المؤلّفات.

وكانت وفاته في النجف سنة 1320ه، ودُفن في الإيوان الثالث من الصحن الشريف على يسار (1) الداخل من باب القبلة، وخلّف من الذكور ابنه الميرزا محمّد وثلاث بنات». (2)

ص: 24


1- كذا، والصحيح: (على يمين الداخل).
2- الحصون المنيعة (مخطوط): 371/1.

ب - منهجه العبادي

سطّرت يراعات تلامذته (رَحمهُ اللّه) من العلماء الأعلام – ممن افتخر الزمان بشخصهم - في منهجه العبادي ما يضيق المقام عن ايراده بتمامه لذا و -للاختصار - ارتأيت أن أذكر قول علَمين منهم؛ ليُقتدى به، وليُستضاء بدربه المنير حتّى يكون لنا خير دليل لما فيه صلاح ديننا ودنيانا، فإليك ما قاله تلميذه الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء (رَحمهُ اللّه) (ت 1373ه-) في كتابه (العبقات العنبرية / الجزء الثاني- مخطوط-)، ونصّه:

«من حسن باطن مؤلّفه الذي هو مع ما عرفت في العلم من،أمره أعبد وأتقى أهل دهره، ملازماً للأوراد والأذكار، مواظباً على إحياء أكثر ليله بمناجاة الملك الجبّار، وعادته منذ أدركناه وقبل ذلك أن يقوم قبل الفجر بساعتين، ويكون أول داخل في السحر إلى روضة الحرم المطهر، ويصفّ قدميه في العبادات والمناجاة حتّى تطلع الشمس سفراً وحضراً، لا يمنعه عن ذلك برد ولا حر، ولا سحاب ولا مطر، ولا مرض ولا خطر، مع كبر سنه وضعف بدنه، فإنّه حتّى اليوم قد تجاوز النيف والستين وهو في كل سنة يزور على قدميه - في عرفة - سيّد الشهداء، بجماعة من مساكين الطلبة والفقراء، وكنّا ممن وفقه اللّه للسعي بخدمتهم على الاقدام إلى ذلك الحرم الذي تسعى وتطوف الملائكة والأنبياء للتشرف باستلام كعبته، وأنّى لها الاستلام؟! فكنا نسير وذلك

ص: 25

المولى أمامنا على قوتنا وضعفه، وحق للإمام أن يكون أماماً

وإذا حلّت الهداية قلباً***نشطت للعبادة الأعضاء

وأول ما نصل إلى المنزل يأخذ كلّ منا بالاضطجاع طلباً للاستراحة، ويفرك - وقد أخذه الإعياء - الرجل بالأخرى والراحة بالراحة، وأمّا هو فيشغل بإسباغ الوضوء والطهارة، ويقوم على مصلّاه مؤدياً أوراده وأذكاره، وفي هذا وأمثاله من أفعاله وأقواله عبرة لمن اعتبر، وتبصرة لمن أراد أن يتبصر، وفقنا اللّه لذلك، وأخذ بنا إليه بأوضح الطرق وأقرب المسالك، وأبقاه اللّه لنا ظلاً في الإرشاد ظليلاً، ومنحه صحة الجسم وعمراً طويلاً...» (1).

وقال الشيخ محمّد بن رجب علي بن الحسن الطهراني العسكري (رَحمهُ اللّه)(2) (ت 1371) فيما كتبه ضمن إجازته للشيخ محمّد علي الأوردبادي (رَحمهُ اللّه)(3)،

ص: 26


1- العبقات العنبرية / الجزء الثاني (مخطوط).
2- الشيخ محمّد بن رجب علي الطهراني العسكري ( 1281 – 1371 ه): نزيل سامراء، فقيه، محدِّث، عارف بالرجال من آثاره: الفوائد العسكرية في ثلاث مجلدات. (ينظر: معجم المؤلّفين: 307/9)
3- الشيخ محمّد علي بن أبي القاسم بن محمّد تقي الاوردبادي التبريزي (1312- 1380ه): عالم فقيه، وأديب،شاعر، له العديد من المؤلّفات المخطوطة والمطبوعة. (ينظر : مشاهير المدفونين في الصحن العلوي الشريف: 311)

ما نصّه:

«وكان (قدّس سِرُّه) دائم الطهور حتّى إنّا زرنا معه أبا جعفر محمّد بن علي الهادي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) المشهور بالسيّد محمّد (1)، وكانت الأرض ذات سدر كثير، فأُدميت أرجلنا لما كان يعلق بها منها، ولمّا نزلنا وكان الماء قليلاً عندنا وأراد أن يتوضأ فجعل يبلّ الحصى بريقه ويزيل الدماء عن رجليه، ثمّ طهرهما وتوضّأ ولم يبقَ على غير وضوء.

وكان متهجداً وله ضجيج بالأسحار، وكأني الآن أسمع ضجيجه وهو يدعو بدعاء أبي حمزة الثمالي في السرداب المقدس في ليالي شهر رمضان، وكان ضنيناً بعمره، لا يصرف

ص: 27


1- السيّد أبو جعفر محمّد ابن الإمام علي أبي الحسن الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : توفي في حدود سنة 252ه جليل القدر، عظيم الشأن، كانت الشيعة تظن أنّه الامام بعد أبيه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلمّا توفي نص أبوه على أخيه أبي محمّد الحسن الزكي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وكان أبوه خلفه بالمدينة طفلاً لمّا أُتي به إلى العراق، ثم قدم عليه في سامراء، ثم أراد الرجوع إلى الحجاز فلمّا بلغ القرية التي يقال لها: بلد على تسعة فراسخ من سامراء مرض وتوفي ودفن قريباً منها، ومشهده هناك معروف مزور. ولمّا توفى شق أخوه أبو محمّد ثوبه وقال في جواب من لامه على ذلك: قد شق موسى على أخيه هارون وسعى المحدّث العلّامة الشيخ ميرزا حسين النوري في تشييد مشهده وتعميره وكان له فيه اعتقاد عظيم. (ينظر : أعيان الشيعة: 5/10).

دقيقة منه إلّا فيما ينفعه في آخرته، وكان ساعياً في الخير، كُنتَ تراه في السعي فيها كالفارس المستعجل، فيا أسفاً على مفارقة أولئك الأعلام الذين كأنّي كنت بمصاحبتهم ولذيذ مؤانستهم في جنات ذات أشجار، تجري من تحتها الأنهار، أقتطف من أغصان كرم أخلاقهم أطيب الثمار، أستضيء بأنوار علومهم، وأستفيد من حسن أخلاقهم، وأتأدب بحسن آدابهم، كما قال القائل: (الطبع مكتسب من كلّ مصحوب) فإنهم كانوا علماء أبراراً، أتقياء، مجاهدين، مرتاضين، يذكر [تذكر - ظ ] اللّه رؤيتهم ويرغب في الآخرة ويزهد في الدنيا عملهم، ويزيد في علم المستمع إليهم منطقهم». (1)

ت- مجالسه في الوعظ والإرشاد

باعتبار أنّ هذه الرسالة هي من مجالس الشيخ النوري (رَحمهُ اللّه) التي كان يلقيها في داره صباح كلّ يوم جمعة، فاقتضى الحال أن أعرف القارئ الكريم بتلك المجالس وعلى لسان الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء (رَحمهُ اللّه)

ص: 28


1- موسوعة الشيخ الأورد بادي (رَحمهُ اللّه) / كتاب الإجازات (مخطوط): إجازة رقم (9). وينظر في هذا الباب أيضاً: قول الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء (رَحمهُ اللّه) في كتابه (عقود حياتي (55-56) والذي طُبع مؤخراً بتحقيق حفيده الشيخ أمير آل كاشف الغطاء، ونشر مدرسة ومكتبة الامام محمّد الحسين آل كاشف الغطاء العامة. وقول الشيخ أغا بزرك الطهراني (رَحمهُ اللّه) في كتابه (نقباء البشر: 546).

ت 1373ه) إذ قال (رَحمهُ اللّه) فى كتابه المخطوط (العبقات العنبرية / الجزء الثاني - مخطوط -) ما نصّه:

«ويلقي على المستمعين من السالكين من فوق منبره الذي يرقاه في داره صبح كل جمعة بعض المطالب التي هي بنفحات القدس ونشأة ماء الرضوان معجونة، كتفسير بعض الآيات الشريفة، والكشف عن أسرارها، أو شرح بعض الروايات وبيان بعض ما هو من وراء طور العقول من أطوارها، وطريقته أيّده اللّه في منبره أن يتلو آية من الكتاب العزيز بعد الخطبة، ثمّ يشرع في ذكر المقام المتعلق بتلك الآية، ويبقى في شرحه وشرح أسرار كل كلمة من تلك الآية، وبيان ما يناسبها من حكاية أو رواية، وبيان الوجوه الباطنة، والدقائق التي هي في البطون كامنة، ويبقى مدة أسابيع في ذلك، وأول رجوعه من سامراء إلى النجف بعد وفاة إمام عصره السيّد ميرزا حسن الشيرازي (قدّس سِرُّه)، ورجوع أهل العلم إلى الغري، شرع في تفسير قوله تعالى: «وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً»... الآيات إلى آخر السورة المباركة (1)، وبقى فيما يتعلق بثلاث آيات من أولها

ص: 29


1- سورة الفرقان: من الآية 63.

مدة ثلاث سنين، ثم شرع بآية أخرى وهي قوله تعالى: «وَاعْبُدُوا اللّه وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ»... الآية (1)، ثم ذكر أولاً فضل هذه الآية، وعظمة شأنها؛ لِما فيها من بيان الحقوق التي يلزم على الإنسان مراعاتها بجميع أنواعها التي ذُكرت في الآية، وهي ما كان بين الحقّ والخلق، وما هو بين الخلق و الخلق، وهذا إمّا مع العالي، أو مع المساوي، أو مع الداني، ولكل واحد أحكام خاصة ومراتب عديدة، ثم ذكر كل واحد منها إجمالاً، وقال: إنّ المقصود الآن بيان حقّ الجار على الجار، وهو على مراتب: أدناها كفّ الأذى عنه، وأوسطها دفع الأذى عنه، وأقصاها تحمل الأذى فيه، وذكر في كل واحد منها علوماً جمّة، ومطالب عديدة يتخلص فيها إلى بيان آداب مجاورة مشاهد الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ)، وما يلزم على المجاور من استعمال الوظائف الروحانية والآداب الجسمانية التي لا يحصل الغرض من المجاورة، والمقصد المهم من التغرب والمهاجرة إلا بالقيام بها والنهوض لأداء واجبها،

ص: 30


1- سورة النساء: 36.

فإنّ النتيجة عظمى والغاية قصوى، وهي بلوغ المراتب العالية والاستمداد من روحانية تلك النفوس المقدّسة الزاكية، وقد وفّقنا اللّه تعالى لكتابة عدة من مجالسه أيّده اللّه في هذا المقام، ونقلنا كلامه الشريف الفارسي إلى أبلغ عبارة من العربية وأعذب كلام، وإذا يسرّ اللّه تعالى لنا رتّبنا تلك المجالس التي استفدناها من شريف بيانه، وسمعناها من بارع إملائه المنيف الذي نفت به روح القدس على لسانه، وجعلناها إن شاء اللّه رسالة مستقلة في آداب المجاورة، وقد وقع إكسير نظره الشريف على ما جمعنا من كلماته فاستحسنها ووقَع عليها بقلمه الشريف إصلاح بعض عثرات الفكر وهفواته». (1)

ص: 31


1- ذكر السيّد هبة الدين الحسيني الشهرستاني (رَحمهُ اللّه) المعاصر له في (حلّال المشكلات) عند سؤاله عن كتابه (فصل الخطاب) شيئاً عن مجلسه (رَحمهُ اللّه) وهيبته فيه، وكيف يختلف الناس إليه في يوم الجمعة زرافات زرافات.(الحلي) كما ذكر الشيخ الطهراني (رَحمهُ اللّه) أنّ مجالسه تلك كتبها أحد تلامذته، إذ قال في (الذريعة : 368/19) ما نصّه: «مجالس المواعظ التي أملاها شيخنا العلّامة النوري الميرزا حسين ابن العلّامة الميرزا محمّد تقيّ الطبرسي. كتبها وجمعها الشيخ الجليل المولى محمّد حسين القمشهي النجفي الصغير، تلميذ المولى القمشهي الكبير، توفي جامع (المواعظ) في ثاني المحرم 1338 ه، والنسخة بخطّه عند ولده الشيخ محمّد حسن في النجف، وكلّما تلحّ (كذا) عليه أن يخرجها من الرازونة لينتفع بها لا يرضى»، (الحلي). وينظر في هذا الباب أيضاً: قول الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء (رَحمهُ اللّه) في كتابه (عقود حياتي: 56)، وقول العلّامة السيد محسن الأمين العاملي (رَحمهُ اللّه) في كتابه (أعيان الشيعة: 143/6)، وقول الشيخ أغا بزرك الطهراني (رَحمهُ اللّه) في كتابه (نقباء البشر: 547).

(2) ترجمة الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء (رَحمهُ اللّه)

إيفاءً مني في حقّ محرّر هذه المجالس العلّامة الشيخ محمّد الحسين آل کاشف الغطاء (رَحمهُ اللّه)، الذي لولاه لما تكحلت أنظارنا بهذه اللآلئ والدرر التي صاغها لنا العلّامة الشيخ النوري (رَحمهُ اللّه)، والتي تشق طريقها إلى قلوب المؤمنين لتجعله مرتعاً للنفحات الإيمانية، ارتأيتُ أن أورد مختصراً لترجمته (رَحمهُ اللّه) مع التركيز على اجتهاده (رَحمهُ اللّه) في تعلم اللغة الفارسية تكلماً وكتابةً، فإليكها:

هو الشيخ محمّد الحسين ابن الشيخ علي بن محمّد رضا بن موسى ابن الشيخ جعفر الكبير صاحب كتاب (كشف الغطاء). وُلد (رَحمهُ اللّه) في النجف الأشرف عام 1295ه، تعلّم أيام صباه وشبابه النحو، والمنطق، وعلوم البلاغة، ولم يقتصر على الفقه والأصول، بل شارك في جملة من الفنون ك: الحكمة، والكلام، والرياضيات، كما توسع في خصوص العربية من الشعر والنثر والخطب وغيرها.

ص: 32

وحضر على أكثر مشاهير عصره من الأعلام كالسيّد كاظم اليزدي، والشيخ محمّد كاظم الخراساني، والميرزا محمّد باقر الاصطهباناتي.. و آخرين. (1)

له (رَحمهُ اللّه) العديد من المواقف الإصلاحية والوطنية ك: إخماد فتنة الحصّان (2) عام (1933م - 1351ه)، وموقفه من مؤتمر بحمدون.. وغيرها.

ص: 33


1- السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزدي (ت:1337ه): فقيه كامل طويل الباع في الفقه والأصول، انتهت اليه زعامة الإمامية في عصره، من مؤلّفاته: (العروة الوثقى) في الفروع (ينظر: تكملة أمل الآمل: 473/5) الشيخ الآخوند ملا محمّد كاظم ابن ملا حسين الخراساني النجفي (ت 1329ه): حاله أشهر من أن يُذكر، انتهت إليه الرئاسة برمتها، له العديد من المؤلّفات منها كتاب (كفاية الأصول). (ينظر نقباء البشر: 65). الشيخ محمّد باقر الاصطهباناتي الشيرازي (ت1326ه): فاضل، عالم، فقیه، متکلم، خبير بأصول الفقه، كانت له الزعامة بشيراز، وبقي فيها إلى أن قُتل. (ينظر: تكملة أمل الآمل (206/5).
2- عبد الرزاق بن رشيد بن حميد الحصّان البغدادي الكرخي: أثار بعض كتبه نقداً شديداً في بغداد، وُلد بها وعاش فيها، إلى أن عمل في مكتبة الأوقاف العامة (سنة 1948 - 1961) ورحل إلى الكويت وإلى السعودية، ووقف مكتبته على مكتبة الحرم النبوي في المدينة. وتُوفي غريباً في فندق بالكويت من كتبه المطبوعة (العروبة في الميزان) قامت بسببه تظاهرات احتجاج وسجن مؤلّفه أربعة أشهر. (ينظر الأعلام 352/3) وطعن في كتابه المذكور بالعلويين وشيعتهم، ومجّد الأمويين ودولتهم، وأحدث هياجاً في بغداد والعتبات المقدّسة وبعض مدن العراق، وخاصة في النجف الأشرف.

سافر (رَحمهُ اللّه) إلى العديد من المدن والحواضر الإسلامية؛ ابتغاءً لنشر العلم، و توحيد كلمة الأمة الإسلامية، وتفويت الفرص على أعداء الدين والمذهب، حيث تجد له أثراً ايجابياً في كلّ بقعة مكث فيها أو مرّ عليها: دمشق، بيروت، مصر، القدس الشريف، کرمنشاه همدان،طهران،شاهرود، خراسان، شیراز المحمّرة، عبّادان، كراتشي.. وغيرها من المدن. وكان سفره (رَحمهُ اللّه) لا يخلو من اللقاءات المهمة مع العلماء والشخصيات الإسلامية البارزة، والزعماء والملوك، ناهيك عن عوام الناس الذين كانوا يستقبلونه بحفاوة شديدة.

انتقل إلى رحمة اللّه في كرند بعد صلاة الفجر يوم الاثنين (18 ذي القعدة 1373ه)، بعد أن سافر للمعالجة من التهاب غدة البروستات، ونُقل جثمانه إلى النجف الأشرف، ودُفن في وادي السلام.

تنوعت مؤلّفاته (رَحمهُ اللّه) في الحكمة والكلام والأخلاق والفقه والأدب، طُبع بعض منها ك: الدين والإسلام، أصل الشيعة وأصولها، المثل العليا في الإسلام لا في بحمدون، العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية / الجزء الأول، زاد المقلّدين (فارسي)، حاشية على العروة الوثقى، كتاب (عقود حياتي) وغيرها.

أمّا المخطوطة فمنها الدروس الدينية، شرح العروة الوثقى للسيّد كاظم اليزدي، حاشية على الكفاية، ديوان شعره تعريب كتاب فارسي (هیئت)، تعريب كتاب حجة السعادة، العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية / الجزء الثاني.. وغيرها من المؤلّفات التي لا مجال لذكرها رغبة مني في الاختصار.

ص: 34

اجتهاده (رَحمهُ اللّه) في تعلم اللغة الفارسية تكلماً وكتابةً

قضى المؤلّف (رَحمهُ اللّه) وطره في تعلّم اللغة الفارسية بعد أن ألم بها إلماماً كبيراً، وغاص في بحورها فاقتنى من دررها نحواً وبلاغة وأدباً، وتشهد بذلك المؤلّفات التي ترجمها (رَحمهُ اللّه) من الفارسية إلى العربية والتي فيها من الرصانة ما ينبئك عن إحاطته التامة باللغتين، وقد أورد (رَحمهُ اللّه) في كتابه (عقود حياتي) شيئاً عن اجتهاده تعلم اللغة الفارسية والإحاطة بها، فقال ما نصّه:

«وممّا اجتهدتُ في تحصيله في العقدين الثاني والثالث تعلّم اللغة الفارسية تكلّماً وكتابةً، وكان أكثر الشيوخ والأساتذة الذين نقرأ عليهم ونتباحث معهم من الفرس سواء في العِلمين المتداولين (الفقه والأصول) أو في غيرهما، وكانت النجف يومئذ تغصّ بألوف الطلاب والعلماء والمدرسين وكلّهم من الفرس؛ لذلك أتقنتُ تلك اللغة وعنيتُ عناية خاصة بآدابها وشُغفتُ بأشعارها وقرأت دواوين مشاهيرها ك: ديوان الخواجة،حافظ، وسعدي، ومثنوي جلال الدين الرومي، ويوسف وزليخا للجامي.

فقد قرأتُ هذه الكتب قراءةَ تحقيق واتقان، وترجمتُ بعض الكتب إلى العربية ك-: (فارسي هيئت)، وكتاب (حجة السعادة في حجة الشهادة) لصنيع الملك الذي ألفه لناصر الدین شاه القاجاري، وجمع فيه حوادث سنة الإحدى

ص: 35

وستين هجرية... وقد ترجمتُ أكثر الكتاب». (1)

وله (رَحمهُ اللّه) في جواب للأستاذ أحمد حامد الصرّاف - عضو المجمع العلمي العربي في دمشق وعضو المجمع الإيراني في طهران - كلامٌ لا يصدر الّا عمن سبَرَ بحار اللغة الفارسية، وغاص فى لُججها، وعارك أمواجها، فأناخت له رحلَها، وأذلّت له عزائمها، فكانت كالخاتم في إصبعه، يقلّبها كيف شاء، وأنّى شاء. ولن أُطيل؛ حتّى لا أُتّهم كوني لستُ من أهل هذا الفن، غير أن النص الذي نطق به يراعه (رَحمهُ اللّه) سيخبرك بما لا أجيد، وهذا هو:

«ذكرتَ أنّك عرّبتَ رباعيات الخيّام... فحرّكتَ مني ولعاً ساكناً، وهيّجتَ شوقاً كامناً، فقد مضى عليّ روح من الزمن في يفع (2) العمر، وأنا في أشدّ الولع والغرام برباعيات الخيّام، حتّى لم يكد يفوتني من حفظها دور، وكانت لا تفارقني فكرة التشوّق إلى تعريبه، ولكن كنتُ كلّما توغلتُ وأمعنتُ النظر في غور معانيه، وصوغ ألفاظه، وبديع أساليبه في البيان، وخصوصية اللسان الفارسي تفتر عزيمتي، وتقعد عن النهوض إليه همّتي نظراً إلى أن اللغة العربية، وإن كانت موادها في غاية السعة والوفور حتّى امتازت على سائر اللغات بذلك، ولكن لأساليب البيان في اللغة الفارسية نحواً

ص: 36


1- عقود حياتي: 73.
2- يفع الغلام: أي شبّ ولم يبلغ.(ينظر: العين: 261/2)

خاصاً يغاير أساليب البيان في اللغة العربية، ورُبَّ شيء يكون قوام حسنه وجودة (كذا) في قالبه المخصوص، فإذا صُبَّ في غير ذلك القالب فسد، ولم يبق من حُسنه شيء. ومن باب المثال والنموذج قول الحافظ الشيرازي من مقطوعة له:

عارضش را بمثل ماه فلك نتوان خواند***نسبت دوست بهر بی سروپا نتوان کرد

يقول:

(لا يمكن أن يُشبّه عارضه بقمر السماء كلا، لا يمكن نسبة الحبيب بكل ساقط لا أصل له ولا فرع).

ومن الشائع في اللسان الدارج عند الفرس إلى الآن أنهم يقولون في مقام التعبير عن سقوط إنسان ب(بي سرويا)، واستعمالها في القمر للتوهين نسبةً إلى الحبيب من أبدع ما يكون، ولا يخفى لطفها على كلّ ذي ذوق.. ولكن لو تُرجمت إلى العربية لم يبقَ لها شيء من تلك المزية، سواء تُرجمت بالمطابقة حرفياً بأن يُقال: (لا قدم ولا رأس)، أو باللازم بأن يُقال: (لا أصل ولا فرع)، أو كما تقول العرب في أمثالها عمّن لا حسب له ولا نسب: (فقع بقاع) لا أصل ولا ثمر، ومثله قوله:

ص: 37

اشك غاز من از سرخ برآمد چه عجب***خجل از کرده خود پرده دری نیست که نیست

يقول: (لا عجب إذا احمرّ دمعي النمام، فإنّه ما من هتّاك للستار إلّا وهو خجل من فعله). هذا حاصل المعنى، وأمّا الترجمة بالحرف فهي أن يُقال: (ليس هاتك للستار ليس خجل من فعله). والعارف باللغتين العربية والفارسية يدرك كيف انقلبت تلك الحلاوة واللطف في ذلك الأسلوب البديع (نيست كه نيست) إلى الفهاهة (1) والسماجة، وصار كلٌّ من اللفظ والمعنى تافهاً لا لذة فيه بعد الترجمة، وقد كان أصله الفارسي آخذاً حظّه الأوفر من الحلاوة واللذة، وعلى هذا النسق أكثر رباعيات الخيّام، مثل قوله:

گر من زمى مغانه هستم هستم***که کافر و کبر و بت پرستم هستم

هر طایفه بمن گمانی دارند***می دانم و دوست هر چه هستم هستم

فإنّ لفظة (هستم) المكررة في هذه الرباعية لا يمكن أن

ص: 38


1- الفهاهة العي، ويقال للرجل فه في خطبته وحجته إذا لم يبالغ فيها ولم يشفها. (ينظر لسان العرب: 525/13)

يُصاغ لها لفظ في العربية ما يقوم مقامها، ويقع بحسن موقعها. وهكذا أكثر رباعياته فيها من المزايا ما لو نُقل إلى العربية لذهبت بل لانقلبت من أوج الثقافة واللطافة إلى حضيض الفهاهة والسخافة.

وربما تفوت خصوصيات المعاني على أدباء الفرس الماهرين بالعربية عند محاولتهم للترجمة، فقد رأيتُ في مجلة فارسية كانت تصدر بمصر واسمها (چهره نما) صاحبها فارسى الأصل عربي النشأة، أديب أو متأدب اسمه (عبد المحمّد) ونُشر عنه في (الهلال) عدد 70 من سنة 1914 ترجمة هذه الرباعية للخيام، وهي:

هفتاد و دو ملتند در دین کم و بیش از ملتها عشق تو دارم در کیش

چه کفر چه اسلام چه طاعت چه گناه***مقصود تویی بهانه بردار از پیش

فقال: (يعني في الدين اثنان وسبعون مذهباً، ربما أقل أو أكثر، ولكن لا فرق عندي في ذلك؛ لأني أتعشقك وحدك، فلا فرق عندي بين الإسلام والكفر، أو الطاعة والعصيان، بل أرجو أن تزيل الموانع التي بيني وبينك).

وهذه الترجمة غير مطابقة للرباعية تماماً، ولا وافية بالمعنى

ص: 39

المراد منها حقيقةً، فإنّه يريد : (ما الكفر وما الإسلام، وما الطاعة وما العصيان؟ المقصود من كل ذلك ومن المذاهب المتعددة أنت فارفع الحجب والستائر، والعلل من البين).

ومعنى البيت الأول : (أنّ في الدين اثنتين وسبعين ملّة، أو أقل أو أكثر، وملّتي من دون هذه الملل ملّة عشقك في مذهبي، أي أنها هي الصحيحة في مذهبي).

فكم من الفرق بين الترجمتين؟ هذه ترجمة (فارسي - عربي)، فما ظنّك بغيره، مثل وديع البستاني.. وغيره من شبّان العصر، الذين ترجموها عن اللغات الإفرنجية، فكانت مسخاً بعد مسخ، ونسبتها من أصل رباعيات الخيام نسبة نبات الماء إلى نبات الصحراء، أو خشفان (1) الظباء.

وكانت عُرضت عليّ قبل بضع عشرة سنة تلك الترجمة، فلم أجد فيها شيئاً من معاني الخيّام، فضلاً عن خصوصيات الأساليب والتراكيب على أنّ الترجمة لا يكفي فيها صرف المهارة في اللغتين وإتقانهما، بل لا بدّ من الإحاطة بنفسية الشاعر والعلوم والعقائد المسيطرة على عقليته، وأطوار نشأته وحياته، حتّى يتوسل ويتوصل بذلك إلى حقيقة معانيه وأقصى مقاصده، وقد كان الخيام كما ألمعت إليه فيلسوفاً

ص: 40


1- الخشف: ولد الظبي أوّل ما يولد.

حكيماً، متصوفياً، عرفانياً، مشككاً موحداً، طبيعياً، قدرياً، جبرياً، ينكر المعاد تارة، ويعترف به أخرى ينكر الصانع مرة، ويعترف به غير مرة، والحاصل أنّه كلّ آن هو في شأن، فالذي يريد أن يعبّر عن مقاصده، ويعرب عباراته، يلزمه على الأقل الإلمام - إن لم يكن الاطّلاع التام - بتلك العلوم والمعارف، وكنتُ بفضله تعالى في مقتبل العمر قد صرفتُ أنفس نقد من أيّامي على تحصيل تلك العلوم الباهرة، وحصلتُ بتوفيقه تعالى على القدر الوسط منها الذي يسدّ الثغرة، ويرأب الثلمة، كما يعرف ذلك من نظر في مؤلّفاتنا ك: (الدين والإسلام)، و(الآيات البينات).. وغيرها.

وكان ولعي بها وشوقي إليها لِذاتها وشرفها قبل أن أعرف الخيّام أو أسمع من رباعياته، وبعد أن وقفتُ عليها ما كان يفوتني من معانيه إلّا القليل، ولكن ما صدتي عن الخوض في تعريبها إلا ما أوعزتُ إليه من أنّ خصوصيات اللسان الفارسي والمزايا التي فيها اللذة والحلاوة يتعذّر أو يتعسر المحافظة عليها وأداؤها باللغة العربية.

فإن جئتَ أيها الأديب البارع بما يشفي الغلّة، ويقوم بأكثر الغرض - إن لم يكن بكلّه - فقد جئتَ بمعجزة من معجزات العلم تكون بها نبي الأدب في عصرك. ويخطر على بالي أني رأيتُ قبل بضعة أشهر في بعض صحف

ص: 41

العاصمة مقالة للفاضل الشهير (أحمد زكي باشا) بسط فيها الكلام عن الترجمة وصعوبتها، وتباعد المترجمين عن المعاني المقصودة، وذكر فيها الخيّام، وحافظ الشيرازي، ولا شك أنّك وقفتَ عليها. وليس الغرض من كلّ هذا البيان تهويلك وتخذيلك، وإضعاف همّتك ونشاطك، كلّا، بل كلّ الغرض بيان أهمية هذا الموضوع وعظيم قدره وخطره، والتبينة على طرقه ومسالكه، حتّى يظهر بأبهى حلله، وأزهى مظاهره، ويكون موضع إعجاب الجميع، لا كمن أراد تسنُّم هذا الشأو المنيع فسقط، ورام أن يعلو فهبط، فجد واجتهدْ، واصبرْ وثابرْ، فليس شيء بمحال على همم الرجال.

ولَعَمري أنّه ليعجبني بل يُطريني أن أرى في أمتي وفي بلادي مثل هذه الأفكار الراقية والهمم العالية». (1)

ص: 42


1- دائرة المعارف (خ): 1/ 71. وينظر ترجمته معارف الرجال: 272/2، ريحانة الأدب: 27/5، ماضي النجف وحاضرها: 182/3، نقباء البشر: 612، أحسن الوديعة: 107/2، الأعلام 106/6، شعراء الغري: 99/8-183، معجم المؤلّفين: 250/9، معجم المؤلفين العراقيين: 144/3، معجم رجال الفكر والأدب في النجف : 1048/3، معجم مؤرّخي الشيعة: 177/2.

(3) التعريف بهذه الرسالة

لم يكن مقصودي التكرار، إلا أنه لا بد لي من التعريف بهذه الرسالة التي بين يديك، والتي هي نفحات أخلاقية عطرة في تفسير لآي من الذكر الحكيم، ألقاها العلّامة النوري (رَحمهُ اللّه) في مجالسه (1) من على منبره في داره، وحرّرها بعد أن ترجمها إلى العربية بأبلغ كلام تلميذه الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء (رَحمهُ اللّه)، الذي كفانا مؤونة التعريف بها في كتابه (العبقات العنبرية) (الجزء المخطوط) - والذي قد مرّ ذكره في الصفحات السابقة - وإليك نص ما أبتغيه مما كتبه (رَحمهُ اللّه):

(وقد وفّقنا اللّه تعالى لكتابة عدة من مجالسه أيّده اللّه في هذا المقام، ونقلنا كلامه الشريف الفارسي إلى أبلغ عبارة من العربية وأعذب كلام، وإذا يسرّ اللّه تعالى لنا رتبنا تلك المجالس التي استفدناها من شريف بيانه، وسمعناها من بارع إملائه المنيف الذي نفث به روح القدس على لسانه، وجعلناها إن شاء اللّه رسالة مستقلة في آداب المجاورة، وقد وقع إكسير نظره الشريف على ما جمعنا من كلماته فاستحسنها ووقع عليها بقلمه الشريف إصلاح بعض عثرات الفكر وهفواته).

ص: 43


1- تم التعريف بمجالس الشيخ النوري (رَحمهُ اللّه) على لسان محرّرها في ص 29 - 31 من مقدمة هذا الكتاب، وفيها وصف رائع في بيان ما يتعلق بالمجلس الأول، فلينظر.

ومما تجدر الإشارة إليه أنّ هذه الوريقات - التي بين يديك - ليست كلّ المجالس التي ذكرها الشيخ كاشف الغطاء (رَحمهُ اللّه) آنفاً، وإنما هي جزء منها أتحفني بها الأخ الشيخ أمير كاشف الغطاء بواسطة الأخ المحقق أحمد علي مجيد الحلي، وهي مما وقعت أياديه الكريمة عليها، راجين من المولى (رَحمهُ اللّه) ورين أن يوفقني لإكمال ما تبقّى منها بعد العثور عليها إنّه سميع مجیب.

(4) الطبعة السابقة

طبع المجلس الأول منها في كراس ضمن منشورات مكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدّسة.

(5) النسخة المعتمدة

اعتمدتُ في تحقيقي لهذه الرسالة على نسخة الأصل التي بخط محرّرها الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء (رَحمهُ اللّه)، وهي موجودة في مكتبة الإمام محمّد الحسين آل كاشف الغطاء العامة لمؤسسها العلّامة الشيخ علي آل كاشف الغطاء صاحب (الحصون) برقم ( 1154) وقياس صفحاتها 24 × 5. 18.

ص: 44

(6)منهجية التحقيق

1 - ضبط النص حسبما تقتضيه القواعد اللغوية.

2 - تخريج الآيات القرآنية الشريفة، والأحاديث الواردة عن أهل بيت العصمة (عَلَيهِم السَّلَامُ)، علماً أنّ بعض هذه الأحاديث قد وردت بالمعنى فذكرت نصوصها في الهامش.

3- تخريج الأقوال المنقولة من مصادرها المنتقاة منها.

4- ترجمة بعض الأعلام الموجودين في الرسالة باختصار.

5- التنويه إلى معاني بعض الكلمات المبهمة.

6- أضافة بعض التعليقات إلى المطالب التي تحتاج لذلك في الهامش.

7- ولا يفوتني أن أبين هنا أنني استفدتُ كثيراً من ترجمة الشيخ النوري (رَحمهُ اللّه) من المقدمة التي كتبها الأخ المحقق أحمد علي الحلي في تحقيقه لكتاب (كشف الأستار عن وجه الغائب عن الأبصار) للشيخ النوري (رَحمهُ اللّه) - والذي طُبع أخيراً بنشر مكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدّسة - والتي كانت مستوفية لكلّ ما وقعت عليه يده فيما يتعلق بالشيخ (رَحمهُ اللّه)، فجاد يراعه بها، فكانت الفائدة منها عظيمة، فنقلتُ منها بعض المطالب مع بعض هوامش الاستاذ الحلي، والتي وجدت في ذكرها فائدة، وأشرتُ لها ب(الحلي) مراعاة للأمانة العلمية. كما واستفدت من ترجمة الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء (رَحمهُ اللّه) التي كتبها نجله الشيخ عبد الحليم في مجلة العرفان حيث تصرفتُ في نقلها بغية الاختصار.

ص: 45

(7)شكر وتقدير

الحمد للّه الذي أعاننا على ما وفقنا له، وأتمّ علينا نعمته بإتمامه وأجرى على ألسنتنا شكره على ذلك قبل كل شيء، وألهم أنفسنا سُبلها بما فيه صلاح دنياها وأخراها، فكان سبيل الشكر واحداً منها، فقال عز من قائل: «لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ» (1) وقال رسوله الأكرم محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «لا يشكر اللّه من لا يشكر الناس»(2)، وإيماناً مني بهذا المضمون كان لزاماً عليّ أن أتقدم بأسمى آيات الشكر والثناء المعطرة بأريج الوفاء لكل من تفضل عليٌ وآزرني في إحياء هذه الرسالة وإخراجها إلى النور، وهم كلٌ من:

1 - إدارة العتبة العباسية المقدّسة المتمثلة بسماحة العلّامة السيد أحمد الصافي الموسوي دام عزه وإدارة قسم الشؤون الفكرية والثقافية فيها المتمثلة بسماحة السيد ليث الموسوي دامت بركاته وإدارة مكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدّسة المتمثلة بسماحة السيّد نور الدين الموسوي دامت بركاته.

2- إدارة مكتبة الإمام محمّد الحسين آل كاشف الغطاء العامة لمؤسسها الشيخ علي آل كاشف الغطاء صاحب (الحصون) المتمثلة بالشيخ شريف آل كاشف الغطاء ونجله الشيخ أمير آل كاشف الغطاء الأمين العام للمكتبة.

ص: 46


1- سورة إبراهيم 7.
2- من لا يحضره الفقيه: 380/4، الأمالي للشيخ الطوسي: 383.

3- سماحة العلّامة السيد محمّد رضا الحسيني الجلالي دام عزه والذي تفضل علينا بمراجعة المجلس الأول الذي طُبع منفرداً بعنوان (رسالة في آداب المجاورة مجاورة / المشاهد المشرفة)، فكان ليراعه المبارك الأثر القيّم في تصویب ما سهونا عنه، فجاء منقحاً في طبعته الثانية.

4 - الأخ المحقق أحمد علي مجيد الحلي والذي ما كان لي الاستغناء عن إرشاداته المفيدة والتفاتاته التحقيقية المهمة جزاه اللّه خير جزاء المحسنين.

5- الإخوة الأعزاء في وحدة التحقيق في المكتبة وفقهم اللّه تعالى لإحياء تراث آل محمّد صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين.

جزاهم اللّه خير جزاء المحسنين.

وختاماً:

فإنّ الغاية التي ابتغيتها في تحقيقي لهذه الرسالة؛ هي إخراجها إلى النور؛ لندرتها وللمضامين العالية التي حوتها، والتي ستتعرف عليها من خلال مطالعتك لها، فإن وجدت أخي القارئ الكريم زلة من قلم، أو سهواً من كلم، فكبوة الجواد معلومة، والعذر عند الكرام مقبول.

وما رجائي إلا باللّه الكريم أن يتقبل مني هذا العمل بأحسن قبول، وأن تكون هذه الوريقات حجاباً بيني وبين نار سعرتها سيئات أعمالي، إنّه هو الغفور الرحيم، وصلّى اللّه على نبينا محمّد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.

ص: 47

ص: 48

(8) نماذج من النسخة المعتمدة

ص: 49

ص: 50

ص: 51

ص: 52

ص: 53

ص: 54

ص: 55

ص: 56

ص: 57

ص: 58

المجلس الأول

ص: 59

ص: 60

بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قال سبحانه وتعالى:

«وَاعْبُدُوا اللّه وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّه لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُورا»(1).

هذه الآية الكريمة من أُمّهات عزائم الكتاب، ونيرات عظائم فصل الخطاب، وقد نبّه على عظم شأنها شيخنا الطبرسي (رَحمهُ اللّه)(2) فقال:

«وهذه آية جامعة تضمّنت بيان أركان الإسلام، والتنبيه على مكارم الأخلاق، ومن تدبّرها حقّ التدبّر، وتذكر بها حقّ التذكر، أغنته عن كثير من مواعظ البلغاء، وهدته إلى جمٍّ غفير من علوم العلماء انتهى (3).

وذلك لأنّها تضمّنت بيان الحقوق اللازم مراعاتها من المخلوق بقسميها:

ص: 61


1- سورة النساء: 36.
2- أمين الإسلام أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (ق6): من أشهر كتبه (مجمع البيان في تفسير القرآن).
3- مجمع البيان: 84/3.

ما كان على الخَلق للحقّ، وما كان بين الخَلق والخَلق. وهذان في الحقيقة هما الإسلام، بل الإيمان لا غير، فأعظم الحقوق أمراً وأرفعها قدراً حقّ الخالق الخَلق، وهو أن يعبدوهُ ولا يشركوا به شيئاً، ويدخل في هذا جميع جميع أُصول الدين وفروعه.

ثم أردف سبحانه وتعالى على حقه من خلقه، حقّ بعضهم من بعض؛ تنبيهاً على الاهتمام بهذا الغرض، وأنّ به يتم النظام بين الأنام، فمنها:

حقّ الجِوار:

وهو من الحقوق القديمة والمؤكّدات العظيمة، ومقصودنا الآن شرح هذا الحقّ من هذه الآية الوافية الهداية وبيان،شروطه و آدابه وحدوده؛ لكونه محلّ الحاجة في هذه الأيّام؛ لرغبة الناس في مجاورة المشاهد العظام من غير علم بوظائفها و آدابها، فنقول وبه نستعين:

إنّ التجاور في الأصل من الجور، وهو الميل والعدول عن القصد(1)، ثم صار لمطلق الميل إلى آخر في ناحيته، ومسكنه. وهذا التجاور هو سبب عمارة الدنيا وتمدّنها وتمصّرها، وحثّ الشارع عليه، وجعل له حدوداً وحقوقاً، وأوصى بالقريب منه والبعيد، حيث قال تعالى: «وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى»(2)، وهو الجار القريب، إما: بمعنى من اجتمعت فيه الحقوق الثلاثة ك : القرابة، والإسلام، والجوار. (3)

ص: 62


1- ينظر لسان العرب: 153/4.
2- سورة النساء: 36.
3- قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «الجيران ثلاثة فمنهم من له ثلاثة حقوق: حقّ الإسلام، وحقّ الجوار، وحقّ القرابة ومنهم من له حقّان: حقّ الإسلام، وحقّ الجوار. ومنهم من له حقّ واحد الكافر له حقّ الجوار» (روضة الواعظين: 389).

أو بمعنى القرب المكاني بالنسبة إلى المنزل، فقد حُدّ في بعض الأخبار إلى أربعين داراً، وفي بعضها إلى أربعين ذراعاً (1)، وحينئذ فتختلف قرباً وبُعداً إليه.

ص: 63


1- قال الشهيد الأول (رَحمهُ اللّه) في (اللمعة الدمشقية / كتاب الوصايا: 154) ما نصّه: «... والجيران لمن يلي داره إلى أربعين ذراعاً...». وقال الشهيد الثاني (رَحمهُ اللّه) في شرحه للمعة الدمشقية: «... عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام: حريم المسجد أربعون ذراعاً، والجوار أربعون داراً من أربعة جوانبها. ويمكن استفادة أنّ الجار إلى أربعين ذراعاً من هذه الرواية. كما وأنّها دليل للقول الثاني القائل بأنّه إلى أربعين داراً» (الروضة البهية 29/5). وعن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «كلّ أربعين داراً جيران من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ». قال الشيخ محمّد صالح المازندراني(رَحمهُ اللّه) - بعد ذكر الحديث السابق- : «واعلم أنّ ما دلّ عليه هذا الحديث والذي بعده من أنّ الجوار أربعون داراً من كل جانب مذهب طائفة من أصحابنا، وذهب جماعة منهم الشهيد الأوّل في اللمعة إلى أنه أربعون ذراعاً - ينظر القول السابق.... (شرح أُصول الكافي: 156/11). وقال الشيخ جعفر كاشف الغطاء (رَحمهُ اللّه) في كتابه (كشف الغطاء: 370/2) ما نصه: «والجيران قيل : بعد أوّل داره أو بابها عن مقدار أربعين ذراعاً بذراع اليد، وقيل: أربعين داراً».

«وَالْجَارِ الْجُنُبِ:: أي البعيد (1)، وهو:

إمّا: ما اجتمع فيه حقان في الإسلام والجوار أو حقّ الجوار فقط، كما في مجاورة الكفّار.

وإما: البُعد المكاني.

وعلى كل حال، فالمجاورة راجحة بالنقل والعقل، أمّا النقل فكثير لا يحصيه هذا المقام، وعليه عمل قديم الأنبياء وحديثهم في مجاورة البيوت المقدّسة والبقاع المشرّفة، وكذا الأوصياء، والعلماء، والصلحاء، من قديم الزمان إلى الآن، وقد جعل اللّه سبحانه بيته المقدس أمناً للناس وملجأ وملاذاً في البأس، حتّى لطيور السما، ووحوش الفلا (2)، ونبت الربى، وجعل لها حريماً مبيناً، وحداً

ص: 64


1- ينظر: الصحاح: 101/1، المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: 164/2، زاد المسير لابن الجوزي: 123/2، لسان العرب: 278/1، تفسير غريب القرآن للطريحي: 232.
2- قال الشريف الرضي (رَحمهُ اللّه) في كتابه (حقائق التأويل: 182 – 185) كلمات تناسب المطلب ارتأيتُ ذكرها، وهي: «قال بعضهم: ومن آيات الحرم التي لا توجد في غيره: أنّ الوحش والسباع إذا دخلته وصارت في حدوده لا يقتل بعضها بعضاً، ولا يؤذي بعضها بعضاً، ولا تصطاد فيه الكلاب والسباع سوانح الوحش التي جرت عادتها بالاصطياد لها، ولا تعدو عليها في أرض الحرم كما تعدو عليها إذا صادفتها خارج الحرم، فهذه دلالة عظيمة وحجّة بيّنة على أنّ اللّه تعالى هو الذي أبان هذا البيت وما حوله بهذه الآية من سائر بقاع الأرض؛ لأنه لا يقدر أن يجعل هذه البقعة التي ذكرناها على ما وصفناه منها، وأن يحول بين السباع فيها وبين مجاري عاداتها وحوافز طبائعها وعمل النفوس السليطة التي ركبت فيها حتّى تمتنع من مواقعة الفرائس، وقد أكثبت لها وصارت أخذ أيديها، بل تأنس بأضدادها وتأنس الأضداد بها إلّا اللّه سبحانه؛ لأنّ هذا خارج عن مقدار قوى المخلوقين وتدابير المربوبين. ومن الآيات التي خصّ اللّه تعالى هذا الموضع بها مقام إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الصخرة، من حيث ألان اللّه سبحانه له أصلادها بعد الصلابة وخلخل أجزاءها بعد الكثافة، حتّى أثرت قدمه فيها راسخة، وتغلغلت سائخة كما يتغلغل فى الأشياء الرخوة والأرض الخوّارة، ومنها ذهاب حصى الجمار وعدمه وخلو مواضعه منه على كثرة الرامين به واجتماعه في مواضعه ولولا أنّه سبحانه جعل تقليل كثيره وإعدام موجوده من بعض آيات تلك البقعة لساوى الجبال أظلالاً، وجعل البطحاء جبالاً، لاسيّما وليس موضع الجمرتين الأولتين خاصة موضع مسيل ماء ولا طريق سيل، فيظن الظَّان أنّ السيول تذهب بحصاهما، وتفرق ما يجتمع فيهما. ومنها امتناع الطير من العلو على البيت الحرام، حتّى لا يطير طائر إلّا حوله من غير أن يعلو فوقه. ثم استشفاء المريض من الطيب [التطبب - ظ - ] به على ما تناصر الخبر بذكره. فأمّا الذي شاهدته أنا عند مقامي بمكّة في السنة التي حججتُ فيها، فامتناع الطير من التحليق فوق البيت، حتّى لقد كنت أرى الطائر يدنو من المطرح السحيق والمنزع البعيد، في أحد طيرانه وأسرع خفقان جناحه حتّى أقول : قد قطع البيت عالياً عليه وجائزاً به، فما هو إلّا أن يقرب منه حتّى ينكسر منحرفاً ويرجع متيامناً أو متياسراً، فيمرّ عن شمال البيت أو يمينه كأن لافتاً يلفته أو عاكساً يعكسه، وهذا من أطرف ما شاهدته وجربته. فأمّا اختلاط الطير بالناس هناك، حتّى لا تنفر من ظلالهم، ولا تتباعد عن همس أقدامهم، فهو شيء بيّن،واضح، ولعهدي بجماعات من المصلّين في المسجد الحرام، وهم يكفكفون الطير بأيديهم عن مواضع سجودهم لشدّة قربها منهم واختلاطها بهم، ولقد رأيت ظبيّاً وحشياً يتخرّق الأسواق، ويقف على جماعة من بائعي الأقوات، فربما انتشط نشطة، أو اجتذب الشيء بعد الشيء خلسة، وعليه سيماء الساكن ودعة المطمئن،الآمن حتّى ربما طُرد فلم يرعه الطرد ولم يفزعه الإيماء باليد. وقيل لي - ولم أره -: إنّه إذا جاوز أنصاب الحرم خرج كالسهم المارق، أو البرق الخاطف كأنّ الروعة إنّما أدركته بعد خروجه من حدود الحرم ودخوله في أراضي الحل، فتبارك اللّه رب العالمين!»

ص: 65

ص: 66

معيّناً. وكذلك بيت رسوله الأكرم والناموس الأعظم، حيث جعله حرماً يأمن من يلجأ إليه، وتوعّد من دخل بالظلم عليه كما توعد في بيته على مثل ذلك (1)، وجعل له حرماً يحرم صيده، وآخر لنبته يحرم فيه قطعه وحصده (2)، وقد ورد في

ص: 67


1- عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنه قال: «إنّ الدجال لم يبق منهل إلّا وَطِئَهُ إلّا مكّة والمدينة، فإنّ على كل نقب من أنقابها ملكاً يحفظها من الطاعون والدجّال». (روضة الواعظين: 407). قال الشريف الرضي (رَحمهُ اللّه) وفيما يتعلق بهذا المطلب: «ومنها تعجيل العقوبة لمن انتهك حرمته على عادة كانت جارية بذلك فيما تقدم قبل استقرار الشرع ووروده بالأمر والنهي - فأمّا الآن فلا يجب على القديم تعالى عندنا المنع من الظلم في دار التكليف وفي ذلك كلام طويل ليس هذا موضع ذكره - ومثل ذلك ما فعله اللّه تعالى في الجاهلية بمن قصد البيت الحرام لإحرابه [الإخرابه - ظ -]، والحرم لانتهاكه عام الفيل من تعجيل النقمات وإنزال المثلات، وبروك الفيل بالمغمس، حتّى لم يقدم به الزجر الشديد والسوق العنيف. وحديث ذلك يطول » (حقائق التأويل : 184).
2- روى الشيخ الكليني في الكافي: 564/4 - 565) بإسناده عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «إنّ مكة حرم اللّه حرمها إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وإنّ المدينة حرمي ما بين لابتيها حرم، لا يعضد شجرها وهو ما بين ظل عائر إلى ظل وعير، وليس صيدها كصيد مكّة يؤكل هذا ولا يؤكل ذلك وهو بريد». ورواه أيضاً الشيخ الطوسي في (تهذيب الأحكام: 6/ 12). وروى الطبراني في (معجمه الكبير : 12 /101 - 102) أنّ حبيب بن أبي ثابت قال: سمعت ابن عباس يقول: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «مكة حرم اللّه المحرم، لا يختلأ خلَؤُها، ولا يعضد شجرها، ولا يخاف وحشُها...».

بعض الأخبار أنّ (مكة حرم اللّه والمدينة حرم رسوله، والكوفة حرم أمير المؤمنين )(1)، وكما أنّ لحرم اللّه ورسوله حدوداً لا يجوز العدوان على صيدها ونباتها، فكذا لحرم أمير المؤمنين (2)، وهذا وإن كان غير مذكور في ظاهر الفقه، ولا واجب في متن الشريعة. (3) ولكن الناس على قسمين:

ص: 68


1- رواه الشيخ الكليني في (الكافي: (563/4) بإسناده إلى حسان بن مهران - ونصّه - قال: سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه: «مكّة حرم اللّه والمدينة حرم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، والكوفة حرمي لا يريدها جبّار بحادثة إلّا قصمه اللّه». وروى ذلك الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام (12/6)، والفتّال النيسابوري في (روضة الواعظين: 407).
2- ينظر الحديث في الهامش السابق.
3- ذكر الشيخ النوري (رَحمهُ اللّه) في كتابه دار السلام (79/2) مناماً مفاده: «أنّ رجلاً صاد بعض طيور حرم أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وذبحه، فرأى الإمام علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) في المنام فقال: تريد أن أقتلك كما قتلت طير حرمي ؟!، وهدده بمثل هذه الكلمات». وقال (رَحمهُ اللّه) بعد ذكر هذا المنام ما نصه: «روى الشيخ في أماليه بإسناده عن الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّ علياً حرّم من الكوفة ما حرّم إبراهيم من مكّة، وما حرّم محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من المدينة؛ ولم أجد من صرّح بالتحريم أو الكراهية غير هذا الخبر، ومما جربه جماعة من ابتلائهم بشيء بعد صيد بعض حمام الحرم [أي الحرم العلوي] كافٍ للكراهة، وفي بعض السنين دخل النجف جماعة من عسكر الرومية لحفظ البلد على عادتهم فاشتغل بعضهم بصيده وأكله، فنزل بهم مرض الوباء ومات منهم قريبٌ من ستين رجلاً، وما ابتُلي به أحد من أهل المشهد بحيث ظهر لهم ولغيرهم أن هذا جزاء سوء عملهم، حتّى تبيّن ذلك لوالي بغداد وأهل،حوزته، ومن ذلك اليوم نهوا العساكر المأمورين لهذه البلدة عن التعرّض لحمامها، وكان ذلك قريباً من تأليف الكتاب».

منهم: من يريد أن لا يناله ألم العقاب، وخزي المآب لا غير.

ومنهم: من يرغب مع ذلك في تحصيل الكمال، وتكميل الحال، وارتفاع الدرجات، وعظائم الملكات، وهذا لا يكتفي بما في متن الشريعة من حلال، بل يلتزم بجميع حدودها وأسرارها الواردة من الشارع، ولو تنزيهاً؛ لعلمه أن الشريعة طب النفوس، وغذاء الأرواح والعقول، وكلّ يحتمل منها على حسب استعداد مزاجه من صحة وسقم، وقوّة وضعف، والتكاليف علاج لعامة المكلّفين،

ص: 69

والتنزيهات لبعض دون بعض، ولكلِّ منهما مراتب على حسب مراتب الأشخاص من الخواص.

وليس هذا موضع بيان هذا الأمر وتحقيقه، وإنّما الغرض أن ّمن أراد حقيقة المجاورة، والاقتباس من تلك الأنوار الباطنة والظاهرة، فليعمل بوظائفها وآدابها المقرّرة، وليعطِ كلَّ ذي حقّ حقه بالنسبة إلى كل مجاور، فإنّك قد عرفت أنّه ربّما اجتمعت حقوق متعدّدة في مجاور،واحد، وإذا بطل واحد منها لم يحصل الغرض.

وأمّا الدليل على رجحان المجاورة عقلاً، وأنّ لمجاورك عليك حقاً عظيماً، فانظر في نفسك أنك لو كنت مع أهلك ورحلك تائهاً في فلاة من القفار، لا دار فيها ولا دَيّار، ثم تخشى كلّ حين هجوم سبعٍ ضار، أو حيوان سار، أو قضاء جارٍ، ثم طلع في الأثناء عليك رجل من جنسك ونوعك من بني آدم، رجل يريد أن ينزل لجنبك بأهله ورحله، فانظر في نفسك كيف تبلغ في أُنسك، وكيف ترتفع عنك الوحشة، وتتبدل بالطمأنينة والقرار تلك الدهشة، ولو أنّه على غير مذهبك، وفي غير سيرتك ومشربك، فكيف إذا اتّحدتما مذهباً، واّتفقتما مسلكاً ومشرباً، فكيف إذا ارتقى الأمر به وصار يؤانسك وتؤانسه، ويجالسك وتجالسه، ثمّ ارتقيتما إلى حيث صار يؤازرك في أُمورك، ويعينك في قليلك وكثيرك، وتوصّلت بمعونته إلى ما لم تكن لتصل إليه وحدك من الزراعة، والحياكة، ونحوهما من أسباب التمدن والتعيش ممّا به عمارة العالم وقوام بني آدم.

ولا تكن كثرة نعم اللّه عليك بتعدّد جيرانك وسعة دائرة إخوانك موجبةً

ص: 70

لنسيانك إيّاها، وغفلتك عنها، وتقصيرك في شكرها، كما قد صار ذلك لنا ديدناً،ثابتاً، وطبعاً،شائناً، بالنسبة إلى نعم اللّه الواسعة الوافرة.

وسبب توفيرها منه تعالى شدة احتياجنا إليها، وارتباط حياتنا بها، ونحن نرى أنها كذا كانت ولابد أنها كذا تكون؛ لأنها من تدبير حكيم عليم؛ لتربية وجودنا، وصلاح نفوسنا.

ولهذا النوع أمثلة كثيرة منها: الهواء، والماء، والأرض، والسماء، والضياء، والظلام، والدواب، والأنعام.. وهلمّ جرّا.

فانظر لو حُبس نَفَسُك دقيقة واحدة كيف يضيق بك الأمر، حتّى إنك لو كنت تملك الدنيا وما فيها لبذلتها في أن يرجع إليك نَفَسُك، فما بال كثرة أنفاسك وسهولتها توجب غفلتك عن قدرها، وتقصيرك في شكرها؟!

وهكذا أنت بالنسبة إلى كلّ واحد من مجاوريك، والنعمة عند تقدير فقدها يُعرف قدر وجودها لا حال وجودها، فانظر كيف أنت لو فُقدوا جميعاً وبقيت وحدك، تعرف منّة وجودهم عليك، هذا إذا لم يكن بينك وبينهم إلّا نفس الجوار، فكيف إذا ارتقى إلى تلك المراتب المتقدمة؟

بل كيف إذا ارتقى الحال إلى حيث تجاور من ترجو بمجاورته في الدنيا نزول البركات، ودفع الكربات، وفي الأخرى غفران السيّئات، ورفع الدرجات؟ بحيث يعتقد أنّه أهلٌ لذلك، وفوق ما هنالك.

وهذا أعلى مراتب الجوار، والحقّ على مجاوره أعلى مراتب الحقوق، إذ كما أنّ للمجاورة مراتب فأدناها مجاورة الكافر، وأعلاها من يُرجى به خير الدنيا

ص: 71

وخير الآخرة، فكذا الحقوق فبعضها يعمّ جميع أقسام المجاورة، وهو الأدنى، وبعضها يخصّ بعضاً دون بعض.

ولننظر إلى حالنا بالنسبة إلى مجاورة تلك البقاع المقدّسة، والمشاهد المشرفة، هل وفّينا بشيء من الحقوق، أم لا؟

فنقول : إنّ أقلّ حقوق المجاورة بالنسبة إلى أدنى مراتبها، وأخس أفرادها، هو كفّ الأذى عن الجار مطلقاً؛ ولو كان كافراً.

وقد استفاضت الأخبار عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والأئمّة الأطهار، بأنه: (ما آمن باللّه ورسوله من لم يكفّ الأذى عن جاره)، وبهذا المضمون فوج كثير.

وفوج آخر بمضمون: (أنّه ليس منّا من آذى جاره)، و(ليس منا من لم يكفّ الأذى عن جاره). (1)

ص: 72


1- الأحاديث الواردة بهذه المضامين كثيرة منها - على سبيل المثال لا الحصر- : ما رواه الشيخ الكليني في (الكافي: (2/ 668) بإسناده إلى أبي الربيع الشامي، عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: قال - والبيت غاص بأهله -: «اعلموا أنه ليس منا من لم يحسن مجاورة من جاوره». وروى أيضاً بإسناده إلى أبي حمزة قال: سمعت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول: «المؤمن من أمِنَ جاره بوائقه». قلت وما بوائقه؟ قال: ظلمه وغشمه». وكذلك الشيخ الصدوق في (عيون أخبار الرضا 27/1) بإسناده عن إبراهيم أبي محمود قال: قال الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ): «... ليس منّا من لم يأمن جاره بوائقه». وفي (جامع السعادات للنراقي: 206/2) أن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : «أحسن مجاورة من جاورك تكن مؤمناً». وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر، فلا يؤذ جاره». وقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «لا إيمان لمن لم يأمن جاره بوائقه. وفي (مستدرك الوسائل: 423/8 رقم 13/9877) ما نصّه: «وقالوا لرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فلانة تصوم النهار وتقوم الليل وتتصدّق، وتؤذي جارها بلسانها. قال: لا خير فيها، هي من أهل النار. قالوا: وفلانة تصلّي المكتوبة وتصوم شهر رمضان، ولا تؤذي جارها. فقال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : هي من أهل الجنة». وهذا غيض من فيض وقطرةٌ من بحر، وإلا فالأخبار الواردة في هذا المجال كثيرة قد خُصصت لها أبواب مفردة في حقّ الجوار، ودفع الأذى عن الجار، وغيرها من المسمّيات التي ملأت بطون أمات الكتب والمصادر.

وفي (المكارم)، في وصية النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ).

(ومن آذى جاره فمأواه جهنّم وبئس المصير، وما زال يوصيني جبرئيل بالجار حتّى قلت: سيورثه)(1).

ص: 73


1- ينظر: مكارم الأخلاق للطبرسي: 429.

وفي خبر فاطمة صلوات اللّه عليها ما حاصله

أنّها مضت إلى أبيها (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): تشكو إليه - ولم يُعلم من أي شيء - فأعطاها النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )كربة نخل، مكتوب فيها ثلاث كلمات، أولها: (جارك فلا تؤذه).

ولعلّها هي الجريدة التي لما توفي النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) جاء إليها صلوات اللّه عليها جماعة، فقالوا لها ما أبقى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )عندك شيئاً من العلم؟

فقالت لفضّة: ائتيني بالجريدة.

فمضت فلم تجدها، فأخبرت مولاتها بذلك.

فقالت لها: ويحك، فتشي عليها في زوايا البيت، (فإنّها تعدل عندي حسناً وحسيناً). (1)

فمضت ووجدتها تحت التراب. (2)

والحاصل إن أخبار هذا الباب أكثر من أن تُحصى في هذا المقام، وإنّما ذكرنا ما ذكرناه من قبيل العنوان والإشارة؛ لنستدلّ بقليله على كثيره، ونصل من يسيره إلى خطيره، فمن أرادها فليراجعها في مظانّها.

ص: 74


1- في العبارة تأمل! وإن صحت فتحمل على سبيل المجاز لتبيان أهمية الوصية.
2- ينظر نص الرواية في: دلائل الامامة: 65، المسترشد في الإمامة: 16، مجمع الزوائد: 169/8، المعجم الكبير : 196/10، مستدرك الوسائل: 80/12-81.

ولكن لا يذهب عليه أنّ هذا من باب حرمة إيذاء المؤمن، فإنّ ذلك عنوان مستقلّ في الأخبار، وإيذاؤه حرام، جاراً كان أو غير جار، وإيذاء الجار محظور، مؤمناً كان أم غيره.

وقد حرّم اللّه سبحانه إيذاء المؤمنين في نص كتابه الشريف، فقال تعالى:

«وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِينا»(1).

نعم ثبت منها إذا كان الجار مؤمناً، انطبق على إيذائه العنوانان، فتشتد الحرمة ويتضاعف العقاب.

وقد ثبت عندنا بملاحظة مجموع الأخبار أنّ الحسنات والسيّئات تتضاعف ثواباً وعقاباً بحسب المكان والزمان، والأشخاص، والأحوال.

قال شيخنا كاشف الغطاء (قدّس سِرُّه)(2) تنفي مقام طويل

«فإنّ الذي يُشمّ من الأخبار أنّ أماكن الرحمة، والمواضع الشريفة، والأزمنة الشريفة، يتضاعف ثواب الأعمال وعقابها فيها». (3)

ص: 75


1- سورة الأحزاب: 58.
2- الشيخ جعفر بن خضر الجناجي النجفي المعروف بالشيخ جعفر الكبير (ت 1228ه): حاله أشهر من أن يوصف أشهر كتبه (كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغرّاء).
3- كشف الغطاء: 210/1.

وقال في أحكام المساجد:

«ومنها أنّ الأعمال بأسرها يتضاعف ثوابها، لكن تضاعف ثواب الصلاة يزيد على تضاعفها، وكذا المعاصي يتضاعف وزرها».(1)

ومثل هذا مصرّح به في بعض الأخبار، فقد ورد:

(إن من عمل سيّئة ليلة الجمعة، كُتبت عليه جميع سيّئاته في ما مضى من عمره - وكان المراد: ما محي منها يُكتب جديداً - ومن عمل فيها حسنة، محيت عنه جميع سيّئاته).(2)

ص: 76


1- كشف الغطاء: 213/1.
2- الأخبار الواردة في فضل ليلة الجمعة ويومها كثيرة، وهي أكثر من أن أوردها في هذه الوجيزة، إلا أنني سأذكر بعضاً منها للإشارة والتنويه، فمنها ما رواه الشيخ الطوسي في مصباح المتهجد (283) عن أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال: «إنّ للجمعة حقّاً واجباً، فإيّاك أن تضيّع أو تقصّر في شيء من عبادة اللّه تعالى والتقرّب إليه بالعمل الصالح وترك المحارم كلّها، فإنّ اللّه تعالى يضاعف فيه الحسنات ويمحو فيه السيّئات ويرفع فيه الدرجات. ويومه مثل ليلته فإن استطعت أن تحييها بالدعاء والصلاة فافعل فإنّ اللّه تعالى يضاعف فيه الحسنات ويمحو فيه السيّئات، وإنّ اللّه تعالى واسع كريم». ومنها ما ذكره صاحب (بحار الأنوار عن الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال: «اجتنبوا المعاصي ليلة الجمعة، فإنّ السيئة مضاعفة والحسنة مضاعفة، ومن ترك معصية اللّه ليلة الجمعة غفر اللّه له كلّ ما سلف فيه، وقيل له: استأنف العمل، ومن بارز اللّه ليلة الجمعة بمعصيته أخذه اللّه (عزّوجلّ) بكلّ ما عمل في عمره، وضاعف عليه العذاب بهذه المعصية...». (كتاب العروس عنه بحار الأنوار: 283/86، وينظر : مستدرك الوسائل: 73/6).

والحاصل: إنّ إيذاء مطلق الجار حرام، فكيف إذا كان مؤمناً؟ بل كيف إذا كان أمير المؤمنين وسيّدهم؟

فلننظر هل أعطيناه أقل حقوق الجار في مقابل ما نرجو من مجاورته التي هي أعلى مراتب المجاورة؛ لأنها حائزة شرفي الدنيا والآخرة؟

وهل كففنا أذانا عنه، أم لا؟

فأقول: هذه مرتبة لا يمكن أن يدعيها إلا من كان على يقين من نفسه، وهو مقام الصدّيقين، وإلا فيكون قد جمع إلى سوء الفعال زور المقال، وإلى قبح العمل وصمة الخطل(1)، إذ من المعلوم أن لا أذية أشدّ على الأنبياء والأوصياء من تكذيبهم، ونقض الغرض الذي بُعِثوا لأجله، وتنزّلوا من عالم الغيب إلى عالم الشهادة، ومن حظيرة الجبروت إلى صقع (2) الملكوت، ومن سعة عالم السبع الشداد إلى ضيق منزل الكون والفساد، كل ذلك لسوق هذا الخلق المتعوس إلى معرفة خالقهم وطاعته والقيام بمراسم عبوديته.

ص: 77


1- الخطل : المنطق الفاسد المضطرب. وقد خطل في كلامه أي أفحش (ينظر: الصحاح للجوهري: 1685/4 - 1686).
2- صُقْع: ناحية (ينظر : لسان العرب: 159/8).

وتكذيبهم ونقض غرضهم تارة يكون قولياً وهو مختصّ بالكفار والمشركين.

وتارةً عملياً: وهو الشائع في عامة المسلمين.

وهذا التكذيب العملي وإن كان في الظاهر أسهل وأهون من التكذيب القولي، إلّا أنّه في الواقع أشدّ عليهم من ضرب السيوف، وشرب الحتوف؛ لأنّه ناشئ:

إمّا عن عدم الاعتناء؛ لعدم اليقين فيكون قوله كالاستهزاء.

وإمّا عن عدم المبالاة بوعيد جبّار السماء؛ لأنّ حاصله: أعلَمُ ولا أعمَلُ.

وعلى كلّ، فهو إما يشتمل على كفر، أو نفاق.

ومضافاً إلى هذا كلّه أنّ [التكذيب ينافي] الغرض المقصود من الطاعة.

فهم والكفّار من هذه الجهة سواء لدى الأنبياء، ويزيدون بتلك الجهات، فهم أسوأ حالاً من الكفار.

ولعلك تقول : إنّ نبينا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) هو وأهل بيته أهل بيت الرحمة والجود، فهم يرحموننا ويشفعون لنا، وتتّكل على ذلك وتفعل ما تشاء.

ولكن اعلم أنّهم كذلك، ولكن اتكالك هذا غرور باطل، وظلّ زائل، فإنّهم مهما بلغوا في الرحمة والجود، لن توازي رحمتهم رحمة اللّه، وجودهم جوده، وإن كان هذا السناءُ من ذلك النور، وهذا الومض من ذلك البرق، ولكن هيهات، إنّه غيض من فيض، وقطرة من بحر، وه-م صلوات اللّه عليهم مع سعة رحمته وكرامته قالوا

ص: 78

(أيحسب الرجل منكم أن يدخل الجنّة بقوله: إنّ اللّه جواد كريم هيهات، إن اللّه لا يخدع عن جنّته). (1)

وهم سلام اللّه عليهم كذلك، هيهات أن يُخدعوا عن دين اللّه، أو أن يرضوا بدون طاعته.

أو لعلّك تقول: أنا شيعي موال لأهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) وشيعتهم هم الناجون الفائزون. (2)

ص: 79


1- جاء في بعض جواب من أبي عبد اللّه الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) الى رجل من أصحابه أنّه قال: «أما بعد فإني أوصيك بتقوى اللّه، فإنّ اللّه قد ضمن لمن اتقاه أن يحوّله عما يكره الى ما يحب ويرزقه من حيث لا يحتسب، فإياك أن تكون ممن يخاف على العباد من ذنوبهم، ويأمن العقوبة من ذنبه، فإنّ اللّه (عزّوجلّ) لا يُخدَعُ عن جنته.. ». (الكافي للشيخ الكليني: 49/8 ح9). قال المولى المازندراني (رَحمهُ اللّه) في شرح العبارة المذكورة – فإنّ اللّه (عزّوجلّ) لا يخدع عن جنته ولا ينال ما عنده الا بطاعته إن شاء اللّه - ما نصه: «أشار إلى أنّه تعالى ليس بجاهل ولا غافل عما يعمله العباد من الطاعة والمعصية، فيردّ المستحق للجنة والثواب، ويُكرم المستحق للعقوبة،والعذاب، كما هو شأن كثير من الناس، بل هو عالم بكل شيء وحقيقته، فنزل كل أحد في منزله ومرتبته». (شرح أصول الكافي: 367/11).
2- روى الشيخ الصدوق (قدّس سِرُّه) تدت في (أماليه: 724-725) بإسناده إلى جابر بن يزيد الجعفي، قال: قال أبو جعفر محمّد بن علي الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) «يا جابر أيكتفي من انتحل التشيّع أن يقول بحبنا أهل البيت؟ فو اللّه ما شيعتنا إلّا من اتقى اللّه،وأطاعه، وما كانوا يُعرفون - يا جابر - إلّا بالتواضع والتخشع، وكثرة ذكر اللّه، والصوم،والصلاة، والتعهّد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام، وصدق الحديث، وتلاوة القرآن، وكف الألسن عن الناس إلّا من خير، وكانوا أُمناء عشائرهم في الأشياء فقال :جابر يا بن رسول اللّه لست أعرف أحداً بهذه الصفة. فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): یا جابر لا تذهبنّ بك المذاهب، أحسب الرجل أن يقول أحبُّ علياً وأتولاه فلو قال: إني أحبُّ رسول اللّه، ورسول اللّه خير من علي، ثم لا يعمل بعمله، ولا يتبع سنّته؛ ما نفعه حبّه إيّاه شيئاً، فاتّقوا اللّه واعملوا لما عند اللّه، ليس بين اللّه وبين أحد قرابة، أحبّ العباد إلى اللّه وأكرمهم عليه أتقاهم له وأعملهم بطاعته، واللّه ما يتقرّب إلى اللّه جل ثناؤه إلّا بالطاعة ما معنا براءة من النار ولا على اللّه لأحد من حجة من كان اللّه مطيعاً فهو لنا ولي ومن كان اللّه عاصياً فهو لنا عدو، ولا تُنال ولايتنا إلّا بالورع والعمل». (ينظر أيضاً: الكافي للشيخ الكليني: 74/2 - 75، صفات الشيعة: 11، الأمالي للشيخ الطوسي: 735 روضة الواعظين: 294 وغيرها).

وقد شاعت هذه الأوهام في هذه الأزمنة والأيّام بين جملة من الناس، فأمنوا من خوف اللّه ومكره، وكأنما أخذوا عليه عهداً وميثاقاً غليظاً أن لا يدخلهم النار،

ص: 80

وغرّتهم تلك الأماني الكاذبة التي هي من تلبيس إبليس، ولم يعلموا أنّ شيعة علي هم الذين وصفهم صلوات اللّه عليه في كلمات كثيرة ليس يسعها المقام (1)، ولكن تجمعها كلمة واحدة وهي أنّ شيعة علي هم الذين شايعوه وتابعوه في

ص: 81


1- أذكر منها على سبيل التذكرة والعظة ما روي عن السندي بن محمّد يرفعه إلى أمير المؤمنين علي (عَلَيهِ السَّلَامُ): «إن قوماً اتبعوه - يوماً -، فالتفت إليهم فقال: من أنتم؟ فقالوا: شيعتك يا أمير المؤمنين. فقال: مالي لا أرى عليكم سيماء الشيعة؟ فقالوا: وما سيماء الشيعة؟ فقال: سيماهم أنهم صفر الوجوه من السهر والقيام، خمص البطون من الصيام ذبل الشفاه من التلاوة والدعاء، عليهم عبرة الخاشعين». (شرح الاخبار: 502). وروى الشيخ الصدوق (رَحمهُ اللّه) بإسناده إلى المفضل أنه قال: قال أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «إنّما شيعة،،جعفر من عفّ بطنه وفرجه، واشتد جهاده، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه وخاف عقابه، فإذا رأيت أُولئك فأُولئك شيعة جعفر». (صفات الشيعة: 11). و(في الخصال: 444) عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنه قال: «... إنّما شيعة على (عَلَيهِ السَّلَامُ) الشاحبون الناحلون الذابلون ذابلة شفاههم، خميصة بطونهم، متغيّرة ألوانهم مصفرّة وجوههم، إذا جَنّهم الليل اتخذوا الأرض فراشاً واستقبلوا الأرض،بجباههم، كثير سجودهم، كثيرة دموعهم، كثير دعاؤهم، كثير بكاؤهم، يفرح الناس وهم يحزنون».

هدیه من قوله وفعله وهم نفرٌ،معدودون ک سلمان وعمّار، والمقداد ونحوهم وإنّما الباقون موالون له (1)، لا بل في إطلاق هذا الاسم على كثير نظر؛

ص: 82


1- روي في التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) روايات عديدة في هذا الباب إليك بعضها: قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «وقال رجل للحسن بن على (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا بن رسول اللّه أنا من شيعتكم. فقال الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا عبد اللّه إن كنت لنا في أوامرنا وزواجرنا مطيعاً فقد صدقت وإن كنت بخلاف ذلك فلا تزد في ذنوبك بدعواك مرتبة شريفة لست من أهلها، لا تقل: أنا من شيعتكم ولكن قل أنا من مواليكم ومحبّيكم، ومعادي،أعدائكم، وأنت في خير، وإلى خير» «وقال رجل للحسين بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا بن یابن رسول اللّه أنا من شيعتكم. قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اتقّ اللّه، ولا تدّعينَّ شيئاً يقول اللّه تعالى لك: كذبت وفجرت في دعواك، إنّ شيعتنا مَنْ سلمت قلوبهم مِن كلِّ غشٍّ وغِلٍّ ودغلٍ، ولكن قل: أنا من مَواليكم و من محبيّكم». «وقال الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) للرجل فخر على آخر قال: أتفاخرني وأنا من شيعة آل محمّد الطيبين ؟ فقال له الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) ما فخرتَ عليه ورب الكعبة، وغبن منك على الكذب يا عبد اللّه، أمالك معك تُنفقه على نفسك أحبُّ إليك، أم تُنفقه على إخوانك المؤمنين؟ قال: بل أُنفقه على نفسي. قال: فلست من شيعتنا، فإنّا نحن ما تُنفق على المنتحلين من إخواننا أحبّ إلينا من أن تُنفق على أنفسنا، ولكن قل أنا من محبّيكم ومن الراجين للنجاة بمحبّتكم». قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): وقيل لموسى بن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) مررنا برجل في السوق وهو ينادي: أنا من شيعة محمّد وآل محمّد الخلّص، وهو ينادي على ثياب يبيعها على من يزيد. فقال موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ): ما جهل ولا ضاع امرؤ عرف قدر نفسه، أتدرون ما مثل هذا؟ ما [كذا] مثل هذا كمن قال: أنا مثل سلمان وأبي ذرّ والمقداد وعمار، وهو مع ذلك يباخس في بيعة، ويدلّس عيوب المبيع على مشتريه، ويشتري الشيء بثمن فيزايد الغريب يطلبه فيوجب له، ثمّ إذا غاب المشتري قال: لا أريده إلا بكذا بدون ما كان يطلبه منه، أيكون هذا كسلمان وأبي ذرّ والمقداد وعمار؟ حاشَ للّه أن يكون هذا كهم، ولكن لا نمنعه من أن يقول: أنا من محبّي محمّد وآل محمّد، ومن موالي أوليائهم ومعادي أعدائهم». قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ولمّا جُعل إلى علي بن موسى الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولاية العهد دخل عليه آذنه فقال: إنّ قوماً بالباب يستأذنون عليك، يقولون: نحن من شيعة على (عَلَيهِ السَّلَامُ). فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : أنا مشغول فاصرفهم. فصرفهم. فلمّا كان في اليوم الثاني جاؤوا وقالوا كذلك، فقال مثلها، فصرفهم إلى أن جاؤوه هكذا - يقولون، ويصرفهم شهرين، ثم أيسوا من الوصول وقالوا للحاجب قل لمولانا: إنّا شيعة أبيك علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقد شمت بنا أعداؤنا في حجابك لنا، ونحن ننصرف هذه الكرة نهرب من بلدنا خجلاً وأنفة مما لحقنا، وعجزاً عن احتمال مضض ما يلحقنا بشماتة أعدائنا. فقال علي بن موسى الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) ائذن لهم ليدخلوا فدخلوا عليه فسلّموا عليه، فلم يردّ عليهم ولم يأذن لهم بالجلوس، فبقوا قياماً. فقالوا: يا بن رسول اللّه ما هذا الجفاء العظيم والاستخفاف بعد هذا الحجاب الصعب؟ أيُّ باقية تبقى منّا بعد هذا؟ فقال الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : اقرؤوا: «وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ» [سورة الشورى: 30]. ما اقتديت إلّا بربي (عزّوجلّ) فيكم، وبرسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وبأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ومن بعده من آبائي الطاهرين (عَلَيهِم السَّلَامُ) اعتبوا عليكم فاقتديت بهم. قالوا: لماذا يا بن رسول اللّه ؟ قال لهم: لدعواكم أنّكم شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) ويحكم إنّما شيعته الحسن والحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وسلمان وأبو ذرّ والمقداد وعمار ومحمّد بن أبي بكر، الذين لم يخالفوا شيئاً من أوامره ولم يرتكبوا شيئاً من فنون زواجره. من فنون زواجره. فأمّا أنتم إذا قلتم إنّكم شيعته، وأنتم في أكثر أعمالكم له مخالفون، مقصّرون في كثير من الفرائض ومتهاونون بعظيم حقوق إخوانكم في اللّه، وتتّقون حيث لا تجب التقيّة، وتتركون التقية حيث لابد من التقيّة. لو قلتم إنّكم موالوه ومحبوه، والموالون لأوليائه، والمعادون لأعدائه، لم أنكره من قولكم، ولكن هذه مرتبة شريفة ادّعيتموها، إن لم تصدّقوا قولكم بفعلكم هلكتم، إلّا أن تتدارككم رحمةٌ من ربّكم. قالوا: يا بن رسول اللّه، فإنّا نستغفر اللّه ونتوب إليه من قولنا، بل نقول - كما علّمنا مولانا - نحن محبوكم ومحبو أوليائكم، ومعادو أعدائكم. قال الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ): فمرحباً بكم يا إخواني وأهل ودّي ارتفعوا، ارتفعوا، فما زال يرفعهم حتّى ألصقهم بنفسه، ثم قال لحاجبه: كم مرّة حجبتهم؟ قال ستّين مرة. فقال لحاجبه : فاختلف إليهم ستّين مرّة متوالية، فسلّم عليهم واقرأهم سلامي فقد محوا ما كان من ذنوبهم باستغفارهم وتوبتهم واستحقّوا الكرامة لمحبّتهم لنا وموالاتهم وتفقّدْ أُمورَهم وأُمور عيالاتهم، فأوسعهم بنفقاتٍ ومبراتِ وصلاٍت ودفع معرّات». (ينظر: التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) 308 - 314 عنه بحار الأنوار: 156/65 - 159).

ص: 83

ص: 84

لأنّ الموالاة شرطها المحبة والمودة، وهي لا تتحقق مع إيذاء المحبوب وإزعاجه

ص: 85

ولو أقسمت أنّ معصية العبد للّه أوجع لأمير المؤمنين من ضربة ابن ملجم لَبَررْتَ.

ولقد أجاد الغزالي (1) في كلام له يُعيّر به الشيعة، قال:

«فترى الواحد منهم يتعصّب لعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكان من زهد علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) إنّه لبِس في خلافته ثوباً اشتراه بثلاثة دراهم، وقطع رأس الكمين إلى الرسغ، وترى الفاسق لابساً ثياب الحرير، ومتجمّلاً بأموال اكتسبها من الحرام، وهو يتعاطى حبّ علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ويدّعيه، وهو أوّل يوم خصمائه القيامة، وليت شعري من أخذ ولداً عزيزاً لإنسان، وهو قرة عينه وحياة قلبه، فأخذ يضربه، ويمزّقه، وينتف شعره، ويقطّعه بالمقراض، وهو مع ذلك يدّعي حبّ أبيه وولاءه، كيف يكون حاله عنده؟

ومعلوم أنّ الدين والشرع كان أحبّ إلى علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) من الأهل والولد، بل من نفسه (عَلَيهِ السَّلَامُ).

والمقتحمون لمعاصي الشرع هم الذين يمزّقون الشرع، ويقطّعونه بمقاريض الشهوات، ويتودّدون به إلى إبليس عدو اللّه وعدو أوليائه.

فترى كيف يكون حالهم يوم القيامة عند علي وعند أولياء اللّه تعالى؟

ص: 86


1- أبو حامد محمّد بن محمّد الغزالي (ت 505ه) أشهر كتبه (إحياء علوم الدين).

لا، بل لو كُشف الغطاء، وعرف هؤلاء ما يحبه أولياء اللّه في أُمّة محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الا اللّه، لاستحيوا من أن يُجروا على اللسان ذكرهم مع قُبح أفعالهم. ثمّ الشيطان يُخيّل إليهم إن مات محباً لعلي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فالنار لا تحوم حوله.

وكلّ من ادعى مذهب إمام - وهو لا يسير بسيرته - فذلك الإمام هو خصمه، إذ يقول له: كان مذهبي العمل دون الحديث باللسان، وكان الحديث باللسان لأجل العمل لا لأجل الهذيان، فما بالك خالفتني في العمل بالسيرة التي هي مسلكي ومذهبي الذي سلكته وذهبت فيه إلى الله؟ ثم ادّعيت مذهبي كاذباً!» انتهى(1).

فانظر، كيف صار الانتساب إليهم مع عدم الاقتداء بهم عاراً عليك عند جانب، وأنت تحسب أنّ الفضل كلّ الفضل أن تقول باللسان: أنا من شيعة علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فيكون ذلك وبالاً عليك في أُولاك وأُخراك (2).

وإن كان قد سوّل لك الشيطان أنّ هذه الأفعال والسيرة التي أنت عليها لا تؤذي أئمّتك ومواليك (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فانظر إلى كلام الإمام التقي محمّد الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

حيث دخل عليه رجل من أصحابه وهو فرح مسرور، فسأله الإمام عن سبب فرحه؟

ص: 87


1- إحياء علوم الدين: 35/3.
2- ينظر الأحاديث الواردة في هامش ص 82-85.

فقال : إني أكرمت الآن جملة من شيعتكم، وقد سمعت عنكم: أنّ من أكرم رجلاً من شيعتنا فله كذا وكذا.

فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): «لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى»(1).

فقال: يا سيدي، لم أقل لهم شيئاً يُوهم ذلك.

فقال لم يقل سبحانه وتعالى لا تبطلوها بالمن عليهم.

ولو بالمنّ علينا.

فقال يا سيدي كيف أمنُّ عليكم؟ وأنا من خُلّص شيعتكم؟

فقال له: ويحك، إنّك قد أبطلت عملك بقولك هذا، إنّ سلمان وأبا ذرّ والمقداد من خُلّص شيعتنا، وإنما أنت موالٍ لنا.

فاستغفرَ الرجلُ وتابَ من أن يقول ذلك القول. (2)

ص: 88


1- سورة البقرة: 264.
2- ونص الحديث كما في (التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) : 314-316): قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): «ودخل رجل على محمّد بن علي بن موسى الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو مسرور، فقال: ما لي أراك مسروراً؟ قال: يا بن رسول اللّه سمعت أباك يقول: أحق يوم بأن يُسَرِّ العبد فيه يومَ يرزقه اللّه،صدقات ومبرّات، وسدّ خلّات من إخوانٍ له مؤمنين. وإنه قصدني اليوم عشرةٌ من إخواني المؤمنين الفقراء لهم عيالات، قصدوني من بلد كذا وكذا، فأعطيتُ كلّ واحد منهم، فلهذا سروري. فقال محمّد بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) لعمري إنك حقيق بأن تُسرّ إن لم تكن أحبطته - أو لم تحبطه - فيما بعد. فقال الرجل: وكيف أحبطته وأنا من شيعتكم الخلص؟ قال: هاه، قد أبطلت برك بإخوانك وصدقاتك. قال: وكيف ذاك يا بن رسول اللّه ؟ قال له محمّد بن على (عَلَيهِ السَّلَامُ) اقرأ قول اللّه(عزّوجلّ): «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالمَنِّ وَالْأَذَى» [سورة البقرة: 264]. قال الرجل: يا بن رسول اللّه ما مننتُ على القوم الذين تصدّقتُ عليهم ولا آذيتهم! قال له محمّد بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) إنّ اللّه (عزّوجلّ) إنما قال: ﴿وَلَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنَّ وَالْأَذَى ولم يقل: لا تبطلوا بالمنِّ على من تتصدّقون عليه، وبالأذى لمن تتصدّقون عليه وهو كلّ أذى، أفترى أذاك للقوم الذين تصدّقت عليهم أعظم؟ أم أذاك لحفظتك وملائكة اللّه المقرّبين حواليك؟ أم أذاك لنا؟ فقال الرجل: بل هذا يا بن رسول اللّه. فقال: فقد آذيتني وآذيتهم وأبطلتَ صدقتَك. قال: لماذا ؟ قال: لقولك: وكيف أحبطته وأنا من شيعتكم الخلّص) ويحك، أتدري من شيعتُنا الخلّص؟ قال: لا. قال: شيعتنا الخلّص حزقيل المؤمن - مؤمن آل فرعون - وصاحب يس الذي قال اللّه تعالى فيه: «وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى» [سورة يس: 20]، وسلمان، وأبو ذرّ، والمقداد، وعمّار، أسويت نفسك بهؤلاء؟ أما آذيت بهذا الملائكة، وآذيتنا. فقال الرجل : أستغفرُ اللّه وأتوبُ إليه، فكيف أقول؟ قال: قل: أنا من مواليكم ومحبّيكم، ومعادي أعدائكم، وموالي أوليائكم. فقال: كذلك أقول، وكذلك أنا يا بن رسول اللّه، وقد تبتُ من القول الذي أنكرته، وأنكرته الملائكة، فما أنكرتم ذلك إلّا لإنكار اللّه (عزّوجلّ). فقال محمّد بن على بن موسى الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) الآن قد عادت إليك مثوباتُ صدقاتك، وزال عنها الإحباط».

ص: 89

فانظر: فإن يكن قوله للإمام إنّي أكرمتُ جماعةً من شيعتكم فيه منٌّ وأذىً

ص: 90

على الإمام، فكيف بأعمالنا وأقوالنا هذه؟

والحاصل: إنّ كلّ امرئ على نفسه بصيرةٌ، وهذا لا يمكن شرحه، ولكن نقول: إنّ من أراد مجاورة أحدهم (عَلَيهِ السَّلَامُ)، و أن تشمله بركاتهم، فيتّضئ بأنوارهم، ويقتدي بآثارهم إلى أن يُحشر معهم وفي زمرتهم، فاللازم عليه أقلاً أن يعطيهم أقلّ ما يعطي الجار جاره من المراعاة والمداراة، وحسن المعاشرة في المتابعة له على ما يحب. فإن لم يكن ؛ فلا أقل من كفّ الأذى عنه، وعدم إيصال ما يكره إليه.

وقد عرفتَ أنه لا شيء أكرهُ لهم من المعاصي، فأقلّ ما يلزم ويجب على مجاورهم إلجام النفس بلجام التقوى عن الشهوات، محرمات أو مكروهات،وإن قصرت عن الطاعات والعبادات.

ونحن لا نطيل الكلام باستبعاد حصول هذا المقام وندوره(1)، ولكن نقول: المرء أبصر بنفسه، وأخبر بحاله في يومه وأمسه، فإن تحقّق ذلك عنده فليجاور، يحصل الغرض إن شاء اللّه، وإلّا ففي هذه المجاورة مخاطرة، وأي مخاطرة؛ إذ قد يرتقي به الحال شيئاً فشيئاً إلى هتك حرمات اللّه ورسوله، وأوليائه، والإنسان معدن الظلم والجهالة.

وقد يكون الخبث كامناً ولا يجد إلى إظهاره سبيلاً، حتّى إذا بلّغته المقادير مُناهُ، وانبسطت في البسيطة يداهُ، ترشّح من خبث باطنه على ظاهره ما تحمرّ به الخضراء وتسودّ له الغبراء.

ص: 91


1- من النُدرة، أي ندورة الوصول الى هذه الدرجة من التربية النفسية.

أما بلغك ما فعل العاتي العنيد - قرين يزيد بن معاوية بل يزيد اللعين - هارون الرشيد (1)... (2)

ص: 92


1- هارون أبو جعفر ابن المهدي محمّد ابن المنصور عبد اللّه بن محمّد بن علي بن عبد اللّه ابن العباس (ت193ه): خامس الخلفاء العباسيين توفي في طوس ودُفن بها. وأعمال هارون الرشيد المشينة مع آل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) واتباعهم، والتي يدمى لها جبين التاريخ، ليست بخافية عليك عزيزي القارئ، فمنها هتكه لحرمات اللّه (عزّوجلّ) وركن بكر به قبر الإمام الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، و منعه للشيعة من زيارته، وتقتيلهم وتشريدهم، واستقدامه لإمامنا المظلوم المسموم موسى بن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) من المدينة، وجعله رهيناً لجلاوزته في قعور السجون من واحدٍ الى آخر، وقتله إياه بالسم فجرأته على اللّه (عزّوجلّ) ليرتعش منها اليراع، فلا مجال لذكرها، ومن رامها فليقلّب صفحات التاريخ يجدها سوداء بما اقترفته يداه.
2- إلى هنا انتهى المجلس الأول.

المجلس الثاني

ص: 93

ص: 94

بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وبه نستعين

وصلّى اللّه على خيرته من خلقه محمّد وآله الطاهرين ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين:

ابتدأ أيّده اللّه (1) بعد الخطبة بقوله تعالى:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّه وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللّهَ». (2)

هذه الآية الكريمة والكلمات العظيمة من الآيات الرفيعة الشأن، الساطعة البرهان، الشافية البيان، وليس في القرآن آية أنجع (3) منها موعظة، وأنفع بلاغاً. وقد أمر اللّه سبحانه وتعالى فيها بالتقوى مرتين... وهي عامة شاملة لكل مكلّف في جميع حالاته وأطواره.

وقد أمر سبحانه وتعالى بالأمر التأكيدي المقرون باللام(4)، ومجيئه بالفعل

ص: 95


1- أی أستاذه الشیخ النوری (رَحمهُ اللّه)
2- سورة الحشر: 18.
3- قيل: نجع فيه القول والخطاب والوعظ عمل فيه ودخل وأثر، وأنجع الرجل: إذا أفلح. (ينظر : لسان العرب: 348/8).
4- أي لام ( ولتنظر) من الآية الكريمة.

المضارع الشبيه بالجملة الاسمية.

وحاصل ترجمتها باللسان العوامي: إنكم أيها المكلّفون بعد الإيمان بالله، والإقرار بربوبيته وبنبوة نبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، والاعتقاد بما جاء به من النشور والمعاد بعد الفناء والنفاد، يجب عليكم البتة أن تنظروا فيما قدمت أنفسكم لغدها، وهو يوم القيامة، ويوم الطامة.

وكيفية هذا النظر أن يراجع الإنسان كلّ يوم ما أسلف في يومه، وغده،،وأسبوعه وشهره وعامه وعمره، أعماله من وساوس صدره، وخطرات قلبه، وحكايات لسانه، ولحظات،أجفانه، وأفعال جوارحه من يده، ورجله، وفرجه، وغير ذلك مما يمكن أن يُسند إليه.

فإنّ ذلك كله محصيٌّ عليه، مضبوط منه (1)، مذخور عليه أوّله، لا يغيب شيءٌ منه، ولا يعزب شيء عنه، إن أسررتم علَمه، أو أعلنتم كَتَبه، بل هو أعلم بوجهه من صحته وفساده من فاعله الذي أتى به. (2)

ص: 96


1- أي من اللّه جل وعلا.
2- أجاد (رَحمهُ اللّه)، فيما ذكر، وقد وردت العديد من الأحاديث الشريفة في محاسبة النفس منها: فيما وعظ به اللّه (رَحمهُ اللّه) عزوجل نبيه عيسى بن مريم (رَحمهُ اللّه) «يا عيسى، لا تأمن إذا مكرت مكري، ولا تنسَ عند خلوات الدنيا ذكري يا عيسى حاسب نفسك بالرجوع إليّ، حتّى تتنجز ثواب ما عمله العاملون، أولئك يؤتون أجرهم وأنا خیر المؤتين». (الكافي للشيخ الكليني: 8 / 137 ح103). وفي وصية النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لأبي ذر رضي اللّه عنه أنه قال: «... يا أبا ذر حاسب نفسك قبل أن تحاسب، فإنه أهون لحسابك غداً، وزن نفسك قبل أن توزن، وتجهز للعرض الأكبر يوم تعرض لا تخفى على اللّه خافية، استحِ من اللّه، فإني والذي نفسي بيده لأظل حين أذهب إلى الغائط متقنعاً بثوبي استحي من الملكين اللذين معي...» (أمالي الشيخ الطوسي (رَحمهُ اللّه) : 534). وعن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أيضاً في خبر طويل ذكر فيه ما رآه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مكتوباً على أبواب الجنة والنار، قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «وعلى الباب السابع - أي من النار - مكتوب ثلاث كلمات: حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، ووبّخوا نفوسكم قبل أن توبَّخوا، وادعوا اللّه (عزّوجلّ) جرين قبل أن تردوا عليه ولا تقدروا على ذلك». (مستدرك الوسائل: 153/12). وفي (مستدرك الوسائل : 12 / 154- 155 أيضاً عن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، أنّه قال: «جاهد نفسك وحاسبها محاسبة الشريك شريكه، وطالبها بحقوق اللّه مطالبة الخصم خصمه، فإنّ أسعد الناس من انتدب لمحاسبة نفسه». وعنه (عَلَيهِ السَّلَامُ): «حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، ووازنوها قبل أن توازنوا، حاسبوا أنفسكم بأعمالها، وطالبوها بأداء المفروض عليها، والأخذ من فنائها لبقائها». وعنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «من حاسب نفسه سعد». وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «من حاسب نفسه ربح». وقال(عَلَيهِ السَّلَامُ) : «من تعاهد نفسه بالمحاسبة، أَمِن فيها المداهنة». وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «من حاسب نفسه وقف على عيوبه وأحاط بذنوبه، واستقال الذنوب، وأصلح العيوب». و قال(عَلَيهِ السَّلَامُ) : «ما أحق الإنسان أن تكون له ساعة لا يشغله عنها شاغل، يحاسب فيها نفسه، فينظر فيما اكتسب لها،وعليها في ليلها ونهارها». و قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : « ثمرة المحاسبة صلاح النفس». وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «ما المغبوط إلا من كانت همته،نفسه لا يغبها عن محاسبتها ومطالبتها ومجاهدتها». وعنه (عَلَيهِ السَّلَامُ): «قيّدوا أنفسكم بمحاسبتها، واملكوها بمخالفتها، تأمنوا من اللّه الرهب، وتدركوا عنده الرغب، فإن الحازم من قيّد نفسه بالمحاسبة، وملكها بالمغالبة وأسعد الناس من انتدب لمحاسبة نفسه، وطالبها حقوقها بيومه وأمسه». وعنه (عَلَيهِ السَّلَامُ): «الكيّس من دان نفسه - أي يحاسبها-، وعمل لما بعد الموت وطالبها». انتهى من المستدرك. وعن الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه كان يقول: «ابن آدم إنك لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك، وما كانت المحاسبة لها من همك، وما كان الخوف لك شعاراً، والحزن لك دثاراً. إنك ميت ومبعوث موقوف بين يدي اللّه (عزّوجلّ) ورجل فأعد جواباً». (أمالي الشيخ المفيد: 110). والأحاديث الواردة بهذه المضامين كثيرة يطول سردها.

ص: 97

ص: 98

ولازم هذا الفكر، ونتيجة هذا النظر بعد تلك المقدمات، أن يعمد الإنسان إلى ما كان عليه من السيئات.

فإن كان من حقّ اللّه: استغفره منه، وتاب إليه توبة من لا يُحدّث نفسه بمعصية، ولا يُضمر أن يعود في خطيئة، ولا يكون كالمستهزئ بربّه، يستغفره من ذنبه، ثم إذا عرضت الفرصة منه عاد بجوارحه، وأخلد بلبّه.

ولا يتخيل أن التوبة قول باللسان وعزم بالجَنان (1) فقط، بل اللازم على السالك أن يكرر التوبة مع غاية التضرع، واللجأ إلى اللّه، والبكاء من خوفه، والخشية له إلى أن تحصل أمارات القبول، ويصير لزوم الطاعة، واجتناب المعصية، ونفي خواطرها ملكة راسخة، وبينة جازمة غير فاسخة، ثم يسكن إلى

ص: 99


1- الجنان القلب. (ينظر : لسان العرب 1393).

اللّه، ويخبت إليه، وينقطع مع المتوكلين عليه. (1)

ص: 100


1- عن أبي الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قول اللّه (عزّوجلّ): «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللّه تَوْبَةً نَصُوحاً» [سورة التحريم: 8] قال: يتوب العبد من الذنب ثم لا يعود فيه... ». (الكافي للشيخ الكليني: 432/2). وفي الشرح الحديدي لنهج البلاغة كلام لأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يورد فيه معنى الاستغفار هذا نصه: «وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لقائل قال بحضرته أستغفر اللّه ثكلتك أمك! أتدري ما الاستغفار؟ إنّ للاستغفار درجة العليين وهو اسم واقع على ستة معان أولها الندم على ما مضى والثاني: العزم على ترك العود إليه أبداً، والثالث أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتّى تلقى اللّه (عزّوجلّ) عن أملس ليس عليك تبعة، والرابع: أن تعمد إلى كل فريضة عليك ضيعتها فتؤدي حقها، والخامس: أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيب-ه ب-الأحزان حتّى تلصق الجلد بالعظم، وينشأ بينهما لحم جديد، السادس: أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية، فعند ذلك تقول: أستغفر اللّه». (شرح نهج البلاغة: 56/20). هذا وقد استفاضت الأخبار الواردة في هذه المضامين - أي بخصوص التوبة إلى الباري (عزّوجلّ)، والإخلاص فيها، والعزم على هجران الذنوب وعدم العودة إليها، واجتناب الاستهزاء بها، وبيان مقام التائب عند اللّه سبحانه وتعالى - فمن رامها فليراجعها في مضانّها. هذا وأني وددت في هذه العجالة أن تتكحل أنظارنا، وتموج أنفسنا ببحار كلمات سيد الساجدين وزين العابدين الإمام السجّاد المعروف بذي الثفنات علي بن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، والتي هي من أصدق المضامين في هذا الباب، في ذكر التوبة وطلبها، فإليك بعضاً من هذه النفحات الروحانية، والنسمات الإلهية، إذ قال سلام اللّه عليه: «اللهم إنى أتوب إليك في مقامي هذا من كبائر ذنوبي وصغائرها، وبواطن سيئاتي وظواهرها وسوالف زلاتي وحوادثها توبة من لا يُحدّث نفسه بمعصية، ولا يضمر يعود في خطيئة، وقد قلت يا إلهي في محكم كتابك: إنّك تقبل التوبة عن عبادك، وتعفو عن السيئات، وتحب التوابين. فاقبل توبتي كما وعدت واعفُ عن سيئاتي كما ضمنت، وأوجب لى محبتك كما شرطت، ولك يا ربِّ شرطي ألّا أعود في مكروهك، وضماني أن لا أرجع في مذمومك، وعهدي أن أهجر جميع معاصيك. اللّهم إنّك أعلم بما عملت فاغفر لي ما علمت، واصرفني بقدرتك إلى ما أحببت. اللّهم وعليَّ تبعات قد حفظتهنّ وتبعات قد نسيتهنّ، وكلهنّ بعينك التي لا تنام وعلمك الذي لا ينسى، فعوض منها أهلها، واحطُط عني وِزرها، وخفّف عني ثقلها، واعصمني من أن أُقارف مثلها. اللهم وإنّه لا وفاء لي بالتوبة إلا بعصمتك، ولا استمساك بي عن الخطايا إلا عن قوتك فقوني بقوة كافية، وتولّني بعصمةٍ مانعة. اللهم أيّما عبدٍ تاب إليك وهو في علم الغيب عندك فاسخٌ لتوبته، وعائدٌ في ذنبه وخطيئته، فإنّي أعوذ بك أن أكون كذلك، فاجعل توبتي هذه توبة لا أحتاج بعدها إلى توبة توبة موجبة لمحو ما سلف والسلامة فيما بقي...» (الصحيفة السجادية الكاملة / دعاؤه في ذكر التوبة: 159 - 162).

ص: 101

وإن كان من حقّ الناس: أدّاه إلى صاحبه إن أمكن، وإلا تصدّق عنه، وإلا استغفر له وجزم للإيقاف بعدُ مثله.

ثم يعمد إلى ما كان له من الحسنات، فينظر هل بقيت له أم صارت وبالاً عليه؟

فإنّ لكلّ طاعة ما يحبطها ويوبقها، فإما أن يفنيها ويصيّرها عدماً صرفاً.

أو يجعلها لغيره ؛ بسبب ظلم له، أو تعدٍّ عليه بيدٍ أو بلسان.

وإلى ذلك يشير ما في أغلب نسخ الصحيفة من قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : (وأن تجعل ما ذهب من جسمي وعمري في سبيل طاعتك)(1)، أي لا تمحق عني ما عملته من الطاعات، بسبب ما أعقبتها من المعاصي.

ويحتمل أن يكون المراد بالغد في الآية الشريفة معنى آخر، أو تكون الآية إشارة لهما، كما هو شأن الكتاب العزيز من كثرة المعاني والبطون، وإرادتها بلفظ واحدٍ، أو آيةٍ واحدة، وهذا ثابت في محله.

ص: 102


1- ينظر: الصحيفة السجادية الكاملة / دعاؤه في صلاة الليل : 174.

وهو أن يكون المراد به الزمان الثاني بالنسبة إلى الزمان الذي أنت فيه، المعبّر عنه في الاصطلاح بالمستقبل.

والمعنى حينئذ أنه يجب على كلّ نفس البتة أن تنظر ما قدّمت وتهيأت به لزمانها الآتي عليها بعد زمانها الذي هي فيه، وهذا باب واسع كبير.

وتمهيد هذه المقدمة، لكلّ نفسٍ مفتاح كل خير لها، وتركها باب كلّ شر عليها، وإهمالها منشأ جميع الرذائل النفسية.

وإن أردت أن تعرف صحة ما قلناه، فانظر في العجب، والحسد والكبر، والرياء، وأمثالها، هل تجد سبباً له غير ذلك؟

وإلّا فلو علم الإنسان جزماً بعد التأمل والتروي، أنّ المنعم حقيقةً هو اللّه سبحانه وتعالى، وأنه الحكيم الذي لا يصدر عنه العبث ولا يقع منه الخالي عن المصلحة الراجحة، وأنّه الكريم الذي لا يعطي إلّا فضلاً، ولا يمنع إلّا عدلاً، وأنّه لا يمنع من منع، ورزق من رزق إلا لحكم هو أعلم بها منا، وأنّ عقولنا أقل وأحقر من أن تصل إلى تدبيره، وحكم تقديره.

ومن مهّد لنفسه هذه المقدمة، وهيئها في خزانة خاطره أبداً، ثم مرّ بأهل النعم في ثاني زمانه، استحال الحسد في حقه إلى وجه الغبطة، والسؤال من وليّها تعالى أن يجعله من أهلها.

وهكذا إذا علم الإنسان، وانكشف له انكشافاً حقيقياً، أنّ جميع جوارحه من يده،

ص: 103

ورجله، وعينه، وجميع ما في يده وماله، وجميع ما يقع فيه من خير، بمدده و(...)(1)، بل وأصل وجوده ونفسه وروحه كلها منه تعالى، وتحت قبضته، وإذا شاء قبل رجع البصر أفناها جميعاً، وصيّره وإياها عدماً صرفاً.

فلو وقع في ثاني زمانه مع علمه هذا علمه هذا في طاعة حسنة، استحال منه أن يعجب بها، أو يدل (2) فيها على ربّه. بل يزداد ضعةً وخضوعاً، وشكراً للّه، وتحملاً لمننه، واعترافاً بإحسانه.

وهكذا إذا علم جزماً، أنّ جميع النعم التي في أيدي العباد، وجميع الأمور من الرفعة والضعة والعز،والذل والغنى والفقر كلها نازلة منه سبحانه وتعالى وعائدة إليه.

ومن قدّم لنفسه هذه المقدمة، استحال أن يرائي أحداً، ويتساوى عنده مدح الناس،وذمّهم واعتناؤهم به واحتقارهم ويكِلُ الأمر إلى من له الأمر وهكذا سائر الرذائل والملكات مما يضيق المقام عن حصرها.

والمقدمة في العبادات، أشدّ لزوماً، وآكد وجوباً، بل هي روح الطاعات.

وأعظمها بلاء، وأشدّها (3) عناء: حبّ الجاه، وحبّ الرئاسة، فإنه رأس الخطايا، وأبو البلايا، والداء الدفين وجند الشيطان الكمين.

ص: 104


1- ما بين القوسين كلمة غير واضحة؛ لوجودها في حاشية صفحة المخطوطة وهي متآكلة بعض الشيء، ولعلها: (وفيضه)، فلاحظ.
2- يدل: أي يمن أو يفتخر. (ينظر : لسان العرب: 248/11).
3- الضمير في هذه الكلمة والتي قبلها عائد على (الرذائل النفسية).

وهذا الداء (1) يقرب على صاحبه البعيد، ويبعّد القريب، ويقطع الأرحام، ويغشي بصره، ويُذهِل (2) عقله، ويمرض قلبه. فهو يسمع بأُذُنِ غير سميعة، وينظر بعينٍ غير صحيحة، قد خرقت الشهوات عقله، وأماتت الدنيا،قلبه، وولهت عليها نفسه لا يتعظ من اللّه،بواعظ، ولا ينزجر منه بزاجر.

ولهذا ترى الملوك وأرباب الدول، أبناءها تقتل الآباء، والآباء تقتل الأبناء، فلا أنساب بينهم، ولا قرابة، ولا رحم، ولا مثابة.(3)

بل قد يرتقي بهم الحال من أنّ عشق الشيء يعمي ويصم، إلى حيث يقول أحدهم: (أنا ربكم الأعلى)(4)، وينسى كسافاته التي أقلها دخول الخلاء.

ص: 105


1- أي حب الجاه والرئاسة.
2- ذهل الشيء: أي بمعنى تركه على عمد أو غفل عنه، أو نسيه لشغل. (ينظر لسان العرب: 259/11).
3- لا عجب في هذا الأمر - وإن كان لتموج له البحار، وتُزلزل له القفار، وتتفطر منه السماء، وتشيب له الرضعان - فالنفس إذا غلبت وملكت والهوى إذا استحكم وأمر، وبات الإنسان أداةً بيد شياطينه، فلا رادع له من نفسه، ولا غالب هو على،أمره، فلا يُرجى منه غير هذه الأفعال الشنيعة، وما قتل قابيل لهابيل ولا رمي إخوة يوسف له في الجب، ولا قتل المأمون لأخيه الأمين، ولا قتل المسترشد لأبيه الراشد، إلا خير دليل على ذلك - وما قصدي الحصر إنما سبيلي الذكر - وما هو إلا طمعٌ بدنيا زائلة فانية، وزهد بأخرى باقية.
4- القائل هو فرعون، وفي الخبر عن عبد اللّه بن بكير الأرجاني، قال: «صحبت أبا عبد اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في طريق مكة من المدينة، فنزلنا منزلاً يقال له عسفان، ثم مررنا بجبل أسود عن يسار الطريق موحش، فقلت له: يا بن رسول اللّه ما أوحش هذا الجبل ما رأيت في الطريق مثل هذا؟ فقال لي: يا بن بكير أتدري أي جبل هذا؟ قلت: لا. قال: هذا جبل يقال له: الكمد، وهو على واد من أودية جهنم، وفيه قتلة أبي الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) الاستودعهم فيه تجري من تحتهم میاه جهنم.... قال: قلت له: جعلت فداك ومن معهم؟ قال: كل فرعون عتى على اللّه وحكى اللّه عنه فعاله وكلّ من علم العباد الكفر. فقلت منهم؟ قال: نحو بولس الذي علّم اليهود أن يد اللّه مغلولة، ونحو نسطور الذي علم النصارى أنّ المسيح ابن اللّه، وقال لهم: هم ثلاثة، ونحو فرعون موسى الذي قال: أنا ربكم الأعلى، ونحو نمرود الذي قال: قهرت أهل الأرض وقتلت من في السماء، وقاتل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقاتل فاطمة ومحسن، وقاتل الحسن والحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، فأما معاوية وعمرو فما يطمعان في الخلاص، ومعهم كلّ من نصب لنا العداوة، وأعان علينا بلسانه ويده وماله. قلت له: جعلت فداك فأنت تسمع ذا كله ولا تفزع؟ قال: يا بن بكير إنّ قلوبنا غير قلوب الناس، إنا مطيعون مصفّون مصطفون نرى ما لا يرى الناس ونسمع ما لا يسمعون... » إلى آخر الحديث (كامل الزيارات: 539 - 543).

ص: 106

بل قد يرتقي به إلى حيث يذهله عن معلوماته القطعية، وقد يرتب عليه [عليها - ظ -] آثار المشكوك بل المجهول.

ألا ترى إلى المخذول من الرحمن المنصور - لعنه اللّه - من الشيطان(1)، ما فعل بلسان اللّه الناطق الإمام الصادق صلوات اللّه عليه، وهو أعرف بني هاشم، بل وأعرف أهل زمانه بمنزلة الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وجلالة قدره عند اللّه وعند الناس.

والإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) هو الذي أخبره أيام فلالهم (2) وفقرهم، برجوع الأمر إليه، وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) عند اجتماع عبد اللّه بن الحسن (3) وابنيه [محمّد] وإبراهيم الإمام (4)

ص: 107


1- عبد اللّه بن محمّد بن علي بن العباس (أبو جعفر المنصور) (95ه- 158ه): ثاني خلفاء بني العباس، ولي الخلافة بعد وفاة أخيه السفاح سنة 136ه، وهو والد الخلفاء العباسيين جميعاً، قتل خلقاً كثيراً حتّى استقام ملكه، مدة خلافته 22 عاماً. (ينظر: الأعلام: 117/4).
2- الفل المنهزمون، والجمع فلول و فلال. (ينظر : لسان العرب: 531/11).
3- عبد اللّه بن الحسن: هو عبد اللّه المحض ابن الحسن المثنى ابن الحسن بن علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) وإنما سُمي المحض؛ لأنّ أباه الحسن بن الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأمه فاطمة بنت الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) ( ينظر: عمدة الطالب: 101).
4- محمّد بن عبد اللّه (النفس الزكية): من كبار أئمة الشيعة وعلماء العترة، أمه هند بنت أبي عبيدة بن عبد اللّه بن زمعة، وأم أبي عبيدة زينب بنت أبي سلمة وأمها أم سلمة أم المؤمنين ( رض )، وُلد رضي اللّه عنه في سنة مائة، خرج على المنصور بالمدينة، فسار إليه عيسى بن موسى الهاشمي فقتله لأربع عشرة ليلة خلت من رمضان سنة خمس وأربعين ومائة وهو ابن خمس وأربعين سنة وأشهر. ينظر سر السلسلة العلوية: 7). قال ابن عنبة: «ولمّا بلغ أبا جعفر المنصور خروج محمّد بن عبد اللّه خلا ببعض أصحابه فقال له ويحك قد ظهر محمّد فماذا ترى؟ فقال: وأين ظهر؟ قال بالمدينة. فقال: غلبتَ عليه وربّ الكعبة. قال وكيف؟ قال: لأنّه خرج بحيث لا مال ولا رجال فعاجله بالحرب. فأرسل إليه عيسى بن موسى بن علي بن عبد اللّه ابن العباس في جيش كثيف، فحاربهم محمّد خارج المدينة وتفرّق أصحابه عنه حتّى بقي وحده، فلما أحسّ بالخذلان دخل داره وأمر بالتنور فسُجر، ثم عمد إلى الدفتر الذي أثبت فيه أسماء الذين بايعوه فألقاه في التنور فاحترق، ثم خرج فقاتل حتّى قُتل بأحجار الزيت...» (ينظر: عمدة الطالب: 104). أما ابراهيم الإمام: فهو إبراهيم - قتيل باخمري - ابن عبد اللّه المحض ابن الحسن ابن الحسن بن علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) يُكنّى أبا الحسن، وكان يرى مذهب الاعتزال وكان شديد الأيد، ومن كبار العلماء في فنون كثيرة. عظُم شأنه، وأحب الناس ولايته وارتضوا سيرته، فقلق الدوانيقي لذلك قلقاً عظيماً، وندب إليه عيسى بن موسى من المدينة إلى قتاله، وسار إبراهيم من البصرة حتّى التقيا بباخمرى - قرية قريبة من الكوفة - وانهزم عسکر عیسی بن موسی. فيُحكى أنّ إبراهيم نادى: لا يتبعنّ أحد منهزماً، فعاد أصحابه، فظن أصحاب موسى إنّهم انّهزموا فكرّوا عليهم فقتلوه، وقتلوا أصحابه إلا قليلا. وقيل: بل انّهزم بعض عسكر عيسى على مسناة ملتوية، فلمّا صاروا في عكسها ظن أصحاب إبراهيم أنهم كمين قد خرج عليهم، ورفع إبراهيم البرقع عن وجهه، فجاءه سهم غائر فوقع على جبهته، فقال: الحمد للّه أردنا أمراً وأراد اللّه غيره، أنزلوني، وكان آخر أمره. ولمّا اتصل بالمنصور انّهزام عسكره وهو بالكوفة، اضطرب اضطراباً شديداً، وجعل يقول: فأين قول صادقهم؟! أين لعب الغلمان والصبيان؟! ثم جاءه بعد ذلك خبر الظفر. وجيء برأس إبراهيم فوضعه في طشت بين يديه والحسن بن زيد بن الحسن بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وهو واقف على رأسه عليه السواد، فخنقته العبرة، والتفت إليه المنصور وقال: أتعرف رأس من هذا؟ فقال: نعم: فتى كان تحميه من الضيم نفسه***وينجيه من دار الهوان اجتنابها فقال المنصور: صدقت، ولكن أراد رأسي فكان رأسه أهون عليّ، ولوددت أنه فاء إلى طاعتي. وكان قتل إبراهيم - على ما قال أبو نصر البخاري - لخمس بقين من ذي القعدة سنة خمس وأربعين ومائة، وهو ابن ثماني وأربعين سنة... (ينظر: عمدة الطالب: 109 - 110).

ص: 108

ص: 109

وغيرهما وتشاورهم في الأمر: (إنه سيليها صاحب القباء الأصفر )(1)، مشيراً إلى ذلك المخذول المنصور، وكان صبياً، إلى غير ذلك من المواطن التي بشّره بهذا الأمر. وحتى قال الملعون لما اشتد به الأمر من ابنَي عبد اللّه، وكادوا أن يظفروا به: (أين قول صادقهم تلعب بها صبيانهم على المنابر؟!). (2)

ص: 110


1- في (مناقب أهل البيت (268 للمولى حيدر الشيرواني، ما نصه: «و من مکاشفاته - أي الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) -: أنّ ابن عمه عبداللّه المحض كان شيخ بني هاشم، وهو والد محمّد الملقب بالنفس الزكية، ففي آخر دولة بني أمية وضعفهم أراد بنو هاشم مبايعة محمّد وأخيه، فأرسل لجعفر ليبايعهما، فامتنع، فاتّهم أنه يحسدهما، فقال: (واللّه ليست لي ولا لهما، إنّها لصاحب القباء الأصفر، ليلعبن بها صبيانكم وغلمانهم)، وكان المنصور العباسي يومئذ حاضراً وعليه قباء أصفر، فما زالت كلمة جعفر تعمل فيه حتّى ملكوا». (ينظر أيضاً: الصواعق المحرقة: 121 ط مصر، ينابيع المودة للقندوزي: 50/3، شرح إحقاق الحق: 248/12-249).
2- ينظر هذا القول في هامش ص 109 فيما جرى بين عسكر ابراهيم بن عبد اللّه وعسكر المنصور.

ومع هذا، فلما تمهدت له الأمور، وصفي له ملكهم، وسلطانهم، وصدق وعد اللّه، كان أيسر ما صنع بالإمام:

أن بعث عليه في جوف الليل، وهو قائم يصلّي في محرابه، فتسوّروا عليه الدار، وحملوا حجة اللّه مكشوف الرأس، حافي الأقدام، وكان (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد أناف على السبعين، فأوقفوه على ذلك الحال مع عجزه وبياض رأسه الشريف وشيبته الشريفة بين يدي ذلك الخبيث، والسيف بين يديه، وجعل كلما ازداد الإمام خضوعاً له وانكساراً لديه، ازداد اللعين جرأةً وجسارةً عليه، إلى أن قال فيما قال، الكلمة التي يحق لو خرّت لها السموات السبع بما في أفلاكها وأملاكها، فقال: يا جعفر، أما تستحي مع هذه الشيبة تشق عصا المسلمين وتريد ان تلقح الفتنة.

فقال الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) واللّه يا أمير المؤمنين ما فعلت.

فأخرج له من تحت فراشه مكاتيب، وقال: هذه مكاتيبك إلى أهل،خراسان، تدعوهم إلى بيعتك.

فقال: واللّه يا أمير المؤمنين ليست هي مكاتيبي، ولا علم لي بها، ولم يكن لي طمع بهذا الأمر أول عمري، فكيف الآن، وقد قرُب أجلي، فامهلني، فقد حانت منيتي وانقضت مدتي. (1)

ص: 111


1- قال السيد ابن طاووس (رَحمهُ اللّه) في كتابه (مهج الدعوات: 251-257): قبل قتل محمّد وإبراهيم ابني عبد اللّه ابن الحسن (عَلَيهِم السَّلَامُ) وجدتها في كتاب عتيق في آخره: وكتب الحسين بن علي بن هند بخطه في شوال سنة ستّ وتسعين وثلاثمائة قال: حدثنا أبو الحسن محمّد بن أحمد بن عبد اللّه بن صفوة الهمداني بالمصيصة، قال: حدثنا محمّد بن العباس بن داود العاصمي، قال: حدثنا الحسن بن علي بن يقطين، عن أبيه، قال: حدثني محمّد بن الربيع الحاجب قال: «قعد المنصور أمير المؤمنين يوماً في قصره في القبة الخضراء - وكانت قبل قتل محمّد وإبراهيم تدعى الحمراء - وكان له يوم يقعد فيه يسمّى ذلك اليوم: يوم الذبح، وقد كان أشخص جعفر بن محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) من المدينة، فلم يزل في الحمراء نهاره كله، حتّى جاء الليل، ومضى أكثره. قال: ثم دعا أبي الربيع، فقال له: يا ربيع إنك تعرف موضعك مني، وإنه يكون لي الخبر ولا تظهر عليه أمهات الأولاد، وتكون أنت المعالج له. قال: قلت له يا أمير المؤمنين ذلك من فضل اللّه علي وفضل أمير المؤمنين، وما فوقي في النصح غاية. قال: كذلك أنت، صر الساعة إلى جعفر بن محمّد بن فاطمة فائتني به على الحال الذي تجده عليه، لا تغير شيئاً مما عليه. فقلت: إنا للّه وإنا إليه راجعون هذا واللّه هو العطب، إن أتيتُ به على ما أراه من غضبه قتله وذهبت الآخرة، وإن لم آت به وأذهبت في أمره قتلني، وقتل نسلي، وأخذ أموالي، فميّزت بين الدنيا والآخرة، فمالت نفسي إلى الدنيا. قال محمّد بن الربيع : فدعاني أبي وكنت أفظ ولده وأغلظهم قلباً، فقال لي: امض إلى جعفر بن محمّد فتسلق عليه حائطه، ولا تستفتح بابه عليه، فيغيّر بعض ما هو عليه، ولكن انزل عليه نزولاً، فائتِ به على الحال التي هو فيها. قال: فأتيته وقد ذهب الليل إلّا أقلّه، فأمرت بنصب السلاليم، وتسلّقت عليه الحائط فنزلت عليه،داره فوجدته قائماً يصلي، وعليه قميص ومنديل قد ائتزر به فلما سلّم من صلاته قلت له: أجب أمير المؤمنين. فقال: دعني، أدعو وألبس ثيابي. فقلت له: ليس إلى تركك وذاك سبيل. قال لي: فأدخل المغتسل فأتطهر. قال: قلت: وليس إلى ذلك أيضاً،سبيل، فلا تشغل نفسك، فإني لا أدعك تغيّر شيئاً. قال: فأخرجته حافياً حاسراً في قميصه ومنديله، وكان قد جاوز السبعين (عَلَيهِ السَّلَامُ). فلمّا مضى بعض الطريق، ضعف الشيخ فرحمته، فقلت له اركب، فركب بغل شاكري كان معنا، ثم صرنا إلى الربيع، فسمعته وهو يقول له: ويلك يا ربيع قد أبطأ الرجل، وجع-ل يستحثه استحثاثاً شديداً، فلمّا أن وقعت عين الربيع على جعفر بن محمّد وهو بتلك الحال بكي، وكان الربيع يتشيع. فقال له جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ): يا ربيع أنا أعلم ميلك إلينا، فدعني أصلّي ركعتين وأدعو. قال: شأنك وما تشاء، فصلّى ركعتين خففهما، ثم دعا بعدهما بدعاء لم أفهمه، إلّا أنه دعاء طويل، والمنصور في ذلك كله يستحثّ الربيع، فلما فرغ من دعائه على طوله، أخذ الربيع بذراعه فأدخله على المنصور. فلمّا صار في صحن الإيوان وقف ثم حرّك شفتيه بشيء ما أدري ما هو، ثم أدخلته فوقف بين يديه، فلما نظر إليه قال: وأنت يا جعفر ما تدع حسدك وبغيك وإفسادك على أهل هذا البيت من بني العباس، وما يزيدك اللّه بذلك إلا شدة حسد ونكد، ما يبلغ به ما تقدره. فقال له: واللّه يا أمير المؤمنين ما فعلت شيئاً من هذا ولقد كنت في ولاية بني أمية، وأنت تعلم أنّهم أعدى الخلق لنا ولكم وأنهم لاحق لهم في هذا الأمر فو اللّه ما بغيت عليهم، ولا بلغهم عني سوء مع جفائهم الذي كان لي، فكيف يا أمير المؤمنين أصنع الآن هذا، وأنت ابن عمي وأمس الخلق بي رحماً، وأكثرهم عطاءً وبراً، فكيف أفعل هذا. فأطرق المنصور ساعة، وكان على لبدٍ وعن يساره مرفقة خز مقاينة،و تحت لبده سيف ذو فقار، كان لا يفارقه إذا قعد في القبة، فقال: أبطلت وأثمت، ثم رفع ثني الوسادة فأخرج منها إضبارة كتب، فرمى بها إليه، وقال: هذه كتبك إلى أهل خراسان تدعوهم إلى نقض بيعتي، وأن يبايعوك دوني. فقال: واللّه يا أمير المؤمنين ما فعلت ولا أستحلّ ذلك، ولا هو من،مذهبي، وإني لَمِمّن يعتقد طاعتك في كلّ حال، وقد بلغت من السن ما قد أضعفني من ذلك لو أردته، فصيّرني في بعض جيوشك، حتّى يأتيني الموت فهو مني قريب. فقال: لا ولا كرامة، ثم أطرق وضرب يده إلى السيف فسلّ منه مقدار شبر، وأخذ بمقبضه، فقلت: إنا للّه ذهب واللّه الرجل، ثم رد السيف، ثم قال: يا جعفر أما تستحي مع هذه الشيبة ومع ومع هذا النسب أن تنطق بالباطل، وتشقّ عصا المسلمين؟ تريد أن تريق الدماء، وتطرح الفتنة بين الرعية، و بين الرعية، والأولياء. فقال: لا واللّه يا أمير المؤمنين ما فعلت، ولا هذه كتبي ولا خطي، ولا خاتمي. فانتضى من السيف ذراعاً، فقلت: إنا للّه، مضى الرجل، وجعلت في نفسي أنّه إن أمرني فيه بأمرٍ أن أعصيه؛ لأنني ظننت أنه يأمرني أن آخذ السيف فأضرب به جعفراً، فقلت: إن أمرني ضربت المنصور، وإن أتى ذلك عليّ وعلى ولدي، وتبت إلى اللّه (عزّوجلّ) مما كنت نويت فيه أولاً. فأقبل يعاتبه وجعفر يعتذر، ثم انتضى السيف كلّه إلا شيئاً يسيراً منه، فقلت: إنا للّه، مضى واللّه جعفر، ثم أغمد السيف وأطرق ساعة، ثم رفع رأسه فقال: أظنك صادقاً، يا ربيع هات العيبة من موضع كانت فيه في القبة، فأتيته بها، فقال: أدخل يدك فيها – وكانت مملوءة غالية - وضعها في لحيته - وكانت بيضاء فاسودت – وقال له: احمله على فاره من دوابي التي أركبها، وأعطه عشرة آلاف درهم، وشيعه إلى منزله مكرّماً، وخيّره إذا أتيت به إلى المنزل بين المقام عندنا فنكرمه والانصراف إلى مدينة جده رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ). فخرجنا من عنده وأنا مسرور فرح بسلامة جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ومتعجب مما أراده المنصور، وما صار إليه من أمره...».

ص: 112

ص: 113

ص: 114

ص: 115

فيا للعجب من حلم هذا الإمام، الذي تسيخ (1) دونه الأفلاك، وتقضي (2) من ا العجب عنده الأملاك.

وأعجب منه وقاحة ذلك الفاجر، وقساوة قلبه، وجرأته على ربّه.

وأعجب منهما، حلم الناصر أولياءه، وأناته عن المنصور، مع أنه بعلمه وعينه تلك الأمور.

ص: 116


1- تسيخ: أي تغوص، يقال للأقدام: تسوخ في الأرض وتسيخ: تدخل فيها وتغيب، وفي حديث: فساخت يد الفرس أي غاصت في الأرض. (ينظر : لسان العرب: 27/3). وهي كناية عن السقوط والوقوع أي بمعنى: تسقط الافلاك وتقع من هول الأمر المذكور، فلاحظ.
2- تقضي: أي تموت وتمضي (ينظر لسان العرب : (187/15-188).

ولنعد إلى ما كنّا فيه، وهاتيك المقدمة في الطاعات أشدّ لزوماً، وآكد وجوباً، بل هي روحها وحقيقتها، فانظر إلى هذا المعجون الإلهي، والمركب السماوي (1)، الذي جعله اللّه عمود د هذا الدين، الذي هو خير الأديان، وصيّر به إليه معراج أهل الإيمان.

وإذا دعاك داعي اللّه إليه، وحثّك للوفود به عليه، ونادى: حي على الصلاة، حيّ على الفلاح، حيّ على خير العمل مكرراً ومؤكداً عليك ذلك، مع ما في كلّ منهما من المعاني التي لا يسعها المقام، فهل تجد قبل الدخول فيه مقدمة له في نفسك، من أنّ مالك الملوك قد أذن لك في الدخول إليه، والوفود عليه، والمثول بين يديه، وقد أهلك لمناجاته، ونشر حوائجك عنده، وهو نور النور، ومنوّر النور، وأصل الهيبة والجمال ومعدن العظمة والجلال.

وأنت معدن الكسافة، ومجمع كل رذيلة وآفة، ولست إلّا كما حدك مولاك، ومن هو أبصر بأُولاك وأُخراك: (أوّلك نطفة قذرة، وآخرك جيفة قذرة، وأنت ما بينهما تحمل العذرة) (2)

ص: 117


1- أي الصلاة.
2- قد ورد هذا المضمون فى عدة أحاديث للأئمة الأطهار (عَلَيهِم السَّلَامُ) و فعن أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنّه قال: «مسکین ابن آدم مكتوم الأجل، مكنون الحلل، محفوظ العمل، تؤلمه البقة وتقتله الشرقة وتنتنه العرقة، ما لابن آدم والفخر أوله نطفة وآخره جيفة، لا يرزق نفسه ولا يدفع حتفه». (روضة الواعظين: 412 - 413). وعن أبي عبد اللّه، عن أبيه، عن جده (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ): «عجبت لابن آدم أوله نطفة وآخره جيفة وهو قائم بينهما وعاء للغائط، ثم يتكبر». (علل الشرائع: 275/1 - 276). وروى الطوسي بإسناده إلى الثمالي، قال: سمعت علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وهو يقول: «عجباً للمتكبر الفجور الذي كان بالأمس نطفة وهو غداً جيفة، والعجب كلّ العجب لمن شك فى اللّه وهو يرى الخلق والعجب كلّ العجب لمن أنكر الموت وهو يموت في كلّ يوم وليلة، والعجب كلّ العجب لمن أنكر النشأة الأخرى وهو ي-رى النشأة الأولى، والعجب كل العجب لمن عمل لدار الفناء وترك دار البقاء!» (أمالي الشيخ الطوسي: 663 - 664).

فما نسبتك يا مسكين مع ذلك الملك المكين؟!

حاشا للّه، ليس بينكما من النسبة مقدار طرف شعرة، ولا رأس أبرة، وتعالى اللّه الملك الحقّ عن ذلك علواً كبيراً، وما مثله وإياك - وله المثل الأعلى - إلّا كسلطان عظيم الشأن، أذن في الدخول عليه لسائس خيل، أو راعي غنم، أو طبّاخ قدر.

فإن كان ذلك السائس من أهل الفهم والدراية غيّر هيئته، وحسّن صورته، وجدّد شملته، وأسبغ نظافته وطهارته، ودخل على الملك يرى خواصه وحاشيته، واستعمل تمام الأدب في الجلوس بين يديه، وأقبل بكلّ جوارحه وحواسه عليه، وهذّب كلامه، وأحسن مقامه، وأشغل فكره في عظمة الملك وجلالته، وشكر له

ص: 118

ما امتنّ عليه به من تشريفه بخدمته، مع عدم لياقته وخسة منزلته.

وإن كان من الأوباش، دخل إليه على سيرته الأولى، وفي مذهبه الأول، بثيابه الملوثة، وروائحه المخبثة، وجلس بين يدي الملك، وفكره مشغول بخيله ودوابه، أو جلده وإهابه، أو بروثه وسرجينه (1)، أو بدقيقه وعجينه

فباللّه عليك كيف ترى تفاوت حال الملك بالنسبة إليهما؟ وكيف يرجع ذاك بالنعم،والجوائز، مغموراً مغموساً، وكيف يرد هذا بالخيبة مطروداً منكوساً.

وتاللّه ما أشبه حالنا بالسائس، حيث إنّا بين يدي جبّار الجبابرة، وملك الدنيا والآخرة، فتجتمع علينا جميع أهواء الدنيا وأمتعتها، فتسعنا، وتشغل حينئذ أفكارنا بزخارفها وزينتها، وكيفية جمعها وحيازتها، كاشتغال السائس في جمع الروث والسرجين وقذاراتها.

وإن شئت فانظر في نفسك بالنسبة إلى أمير بلدك -لا أقول لك: سلطان زمانك - لو أذن لك في الدخول عليه يوماً خاصاً، كيف تجمع أطرافك، وتقوم أعطافك (2)، وكيف تهني للدخول عليه نفسك، وتخفي لديه أنفاسك، وتلطف عنده حسك، وتجمع لكلامه مشاعرك وحواسك.

فحتى متى يدعوك أهل الجود والجبروت إلى نفسه فتتولى عنه إلى غيره،

ص: 119


1- السرجين بالكسر الزبل كلمة أعجمية، وأصلها سركين بالكاف [الفارسية ] فعرّبت إلى الجيم والقاف فقالوا : سرقين أيضاً. (ينظر : مجمع البحرين: 358/2).
2- العطاف: الإزار والعطاف الرداء (لسان العرب: (251/9).

ويتحبب إليك فتتبغض إليه، ويتودد إليك فلا تقبل منه، كأن لك التطول عليه (1).

فتعالى من قوي ما أحلمه وتواضعت من ضعيف ما أجرأك على معصيته. وأنت في كنف سره مقيم، وفي سعة فضله تتقلب، فلم يمنعك فضله، ولم يهتك عنك ستره، لم تخلُ من كرمه مطرف عين من نعمةٍ يحدثها لك، أو بليةٍ يصرفها عنك، أو سيئةٍ يسترها عليك.

وأيم اللّه، لو أنّ هذه الصفة كانت في متفقين في القدرة، متوازنين في القوة، لكنت أول حاكم على نفسك بذميم الأخلاق، ومساوئ الأعمال.

فإياك إياك أيها السالك أن ترسل نفسك، وتهمل أعمالك، وقدّم في كلِّ مقام ومقال مقدمته، تسلم ويُسلم منك. فإنّ هذه الخصومات، والأضغان، والأحقاد، والفتن، والحروب، حقيرها وجليلها كلها من ترك العمل بهذه الآية الكريمة (2).

ص: 120


1- الكلام هنا اقتباس من دعاء الافتتاح وإليك نص بعض فقراته والمتضمنة لمعنى الكلام المذكور: «.. فَلَمْ أَرَ مَوْلَى كَرِيماً أَصْبَرَ عَلَى عَبْدِ لَئِيمٍ مِنْكَ عَلَيَّ يَارَبِّ. إِنَّكَ تَدْعُونِي فَأُوَلِّي عَنْكَ وَتَتَحَبَّبُ إِلَيَّ فَأَتَبَغْضُ إِلَيْكَ وَتَتَوَددُ إِلَيَّ فَلا أَقْبَلُ مِنْكَ كَأَنَ لِيَ التَّطَوُّلَ عَلَيْكَ، فَلَمْ يَمْنَعْكَ ذلِكَ مِنَ الرَّحْمَةِ لِي وَالاِحْسانِ إِلَيَّ وَالتَّفَضُّلِ عَلَيَّ بجُودِكَ وَكَرَمِكَ فَأَرْحَمْ عَبْدَكَ الجاهِلَ وَجُدْ عَلَيْهِ بِفَضْلِ إِحْسانِكَ إِنَّكَ جَوادٌ كَرِيمٌ». (ينظر: مفاتيح الجنان» 180).
2- أي الآية التي ابتدأ المؤلّف (رَحمهُ اللّه) بها هذا المجلس.

حتى إذا أردت الدخول إلى مجلس تصور قبل الدخول شأنك وقدرك، ولا تتعد طورك، ولا تقتحم على الصدور، فتزل قدمك وتخور، وهذه المقدمة التي لأعمالك، هي مقدمتك إلى معادك ومآلك.

وبهذا تتبين عظمة هذه الآية وبلاغ موعظتها، وحسن تأديبها وتذكيرها، وأنه يمكن أن تكون إشارة إلى المعنيين واللّه أعلم.

وإنّ الأمر الأول بالتقوى، إشارة إلى مقدمة الأعمال.

والثاني إلى مقدمة المعاد.

فإن جريت على سننها، وتمسكت بفننها(1)، وتأدبت بتأديبها، فيما أمكنك من أحوالك وأعمالك، كنت من المرجوين لرحمة اللّه الصالحين للدخول على الملك مع حاشيته،وخاصته اللائقين لأن يكونوا من المشمولين بأنعامه وجائزته.

وإلّا فإن رأيت غير هذا الرأي، وعملت عمل من يظن ويعتقد أن ليس في الكون إلا هذه الحياة الدنيا، وأن ليس للإنسان إلا أن ينام، ويأكل، وينكح، ويروح ويجيء، ويلهو ويلعب ويجمع ويذخر إلى غير ذلك من الدنيا،وأطوارها، وأن لا نشور ولا معاد، ولا حساب ولا كتاب، ولا سؤال ولا جواب ولا نعيم ولا جحيم إلا لقلقة لسان، وخطرات جنان يكون حالك والعياذ باللّه ما ذكره اللّه سبحانه وتعالى عقيب هذه الآية (2) وفزعه عليها حيث قال عز من قائل:

ص: 121


1- الفنن الغصن. (ينظر لسان العرب: 327/13).
2- أي الآية التي ابتدأ المؤلّف (رَحمهُ اللّه) بها هذا المجلس.

«وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللّه فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ»(1).

وهذا مقام الخيبة والخذلان والخسر،والحرمان، فإنّ الباري المنّان إذا نسى أحداً،حبس عنه فيضه،ومدده، وسلبه توفيقه، ووكله إلى نفسه، فهلك وأهلك، وضلّ وأضل، وصار «عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ»(2) وهذا نعوذ بالله، مقام الطبع والرين الّذين لا علاج لهما، ولا تنفعهم شفاعة الشافعين، فيقولون ما لنا من شفيع ولا صديق حميم(3)، والعصمة به، والتكلان عليه، وهو أرحم الراحمين.

ولكن ينبغي أن ننظر اليوم ما قدمناه لغدنا، إذا هلّ هلال المحرم، الشهر الذي قامت فيه قيامة آل الرسول وقرة عين الزهراء البتول، وهُتكت فيه حرمة اللّه، وحرمة رسوله وأوليائه، وحرمة الشهر الذي لم يزل في الجاهلية والإسلام معظماً، لا يُراق فيه لأحدٍ دم، ولننظر هل نجد حزننا أول يوم منه يتفاوت ويزيد شيئاً على ما قبله؟

فقد سمعنا:

«أنّ الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ)، بعث على بعض أصحابه، - وكان قارئاً- أول يوم من المحرم، فقال أهله إنّه لا يقدر على الحضور بخدمة الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) لما أصابه من الإغماء بالأمس عند نظره إلى هلال

ص: 122


1- سورة الحشر : 19.
2- سورة التوبة 109.
3- اقتباس من قوله تعالى: «فَمَالَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلَا صَدِيقِ حَمِيم» (سورة الشعراء: آية 10 -11).

المحرم، وهو إلى الآن مغمى عليه). (1)

وكيف لا يغمّك ويحزنك هذا الشهر، وفيه ذُبح سبط رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وسُبيت ذراريه، قال الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ):

(يا بن شبيب(2)، ذُبح أبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) كما يُذبح الكبش). (3)

ص: 123


1- لم أهتدِ إلى مصدر لهذا الحديث.
2- في الأصل: ( يا أبا الصلت)، وهو من سهو القلم وما أثبتناه من المصادر الحديثية التي ذكرت الحديث. (ينظر : عيون أخبار الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) : 268/2، الأمالي للشيخ الصدوق 192، إقبال الأعمال 29/3).
3- ونص الحديث كما رواه الشيخ الصدوق في أماليه» 192 هو:... عن الريان بن شبيب قال: «دخلت على الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) في أول يوم من المحرم [... إلى أن قال:] ثم :قال يا بن شبيب إنّ المحرم هو الشهر الذي كان أهل الجاهلية فيما مضى يحرمون فيه الظلم والقتال لحرمته، فما عرفت هذه الأمة حرمة شهرها ولا حرمة نبيها (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، لقد قتلوا في هذا الشهر ذريته، وسبوا نساءه، وانتهبوا ثقله، فلا غفر اللّه لهم ذلك أبداً. يا بن شبيب إن كنت باكياً لشيء، فابك للحسين بن علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فإنه ذُبح كما يُذبح الكبش...». وقد روي هذا المضمون على لسان النبي المختار (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عند ذكره لفضائل أهل بيته (عَلَيهِم السَّلَامُ) وما يجري عليهم من بعده على أيدي شياطين العصر من الإنس وارتأينا أن نختتم به هذه الرسالة ونورده تاماً لما فيه من الفائدة من إظهار مظلوميتهم (عَلَيهِم السَّلَامُ) - وإن كانت بعض فقراته ليست من المطلب - وهو كما أورده الشيخ الصدوق (رَحمهُ اللّه) في (أماليه ص (174 - (177) بإسناده عن ابن عباس أنّه قال: «إنّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) كان جالساً ذات يوم إذ أقبل الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فلمّا رآه بكي، ثم قال: إليّ يا بني فمازال يدنيه حتّى أجلسه على فخذه اليمنى، ثم أقبل الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فلما رآه بكي، ثم قال: إليّ يا بني، فما زال يدنيه حتّى أجلسه على فخذه اليسرى، ثم أقبلت فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ)، فلما رآها بكى، ثم قال: إلي يا بنية فأجلسها بين يديه، ثم أقبل أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فلما رآه بكي، ثم قال: إليّ يا أخي، فمازال يدنيه حتى أجلسه إلى جنبه الأيمن. فقال له أصحابه: يا رسول اللّه ما ترى واحداً من هؤلاء إلّا بكيت، أو ما فيهم من تُسرُّ برؤيته؟! فقال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : والذي بعثني بالنبوة، واصطفاني على جميع البرية، إني وإياهم لأكرم الخلق على اللّه (عزّوجلّ)، عين، وما على وجه الأرض نسمة أحبّ إلي منهم. أمّا علي بن أبي طالب فإنه أخي وشقيقي، وصاحب الأمر بعدي وصاحب لوائي في الدنيا والآخرة، وصاحب حوضي وشفاعتي، وهو مولى كلّ مسلم، وإمام كلّ مؤمن وقائد كلّ تقي، وهو وصيي وخليفتي على أهلي وأمتي في حياتي وبعد مماتي، محبّه محبّي، ومبغضه مبغضي، وبولايته صارت أمتي مرحومة، وبعداوته صارت المخالفة له منها ملعونة، وإني بكيت حين أقبل؛ لأني ذكرت غدر الأمة به بعدي حتّى إنه ليزال عن مقعدي، وقد جعله اللّه له بعدي، ثم لايزال الأمر به حتّى يُضرب على قرنه ضربة تخضب منها لحيته في أفضل الشهور، شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان. وأما ابنتي فاطمة، فإنّها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وهي بضعة مني وهي نور عيني، وهي ثمرة فؤادي، وهي روحي التي بين جنبي، وهي الحوراء الإنسية متى قامت في محرابها بين يدي ربّها جلّ جلاله زهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول اللّه (عزّوجلّ) لملائكته: يا ملائكتي، انظروا إلى أَمَتي فاطمة سيدة إمائي قائمة بين يدي ترتعد فرائصها من خيفتي، وقد أقبلت بقلبها على عبادتي، أشهدكم أني قد أمنت شيعتها من النار. وأني لمّا رأيتها ذكرت ما يُصنع بها بعدي، كأني بها وقد دخل الذل بيتها وانتُهكت حرمتها، وغُصبت حقها، ومُنعت إرثها، وكُسر جنبها، وأسقطت جنينها، وهي تنادي: يا محمّداه، فلا تجاب، وتستغيث فلا تغاث فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية، تتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرة، وتتذكر فراقي أخرى، وتستوحش إذا جنّها الليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجدت بالقرآن، ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة، فعند ذلك يؤنسها اللّه تعالى ذكره بالملائكة فنادتها بما نادت به مریم بنت عمران، فتقول يا فاطمة «إِنَّ اللّه اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ» [سورة آل عمران: 42] يا فاطمة «اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ» [سورة آل عمران: 43] ثم يبتدئ بها الوجع فتمرض فيبعث اللّه (عزّوجلّ) ورجل إليها مريم بنت عمران، تمرضها وتؤنسها في علتها، فتقول عند ذلك: يا ربّ، إني قد سئمت الحياة، وتبرمت بأهل الدنيا، فألحقني بأبي. فيلحقها اللّه (عزّوجلّ) بي، فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي، فتقدم علي محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة، فأقول عند ذلك: اللهم العن من ظلمها، وعاقب من غصبها، وأذل من أذلها، وخلّد في نارك من ضرب جنبها حتى ألقت ولدها، فتقول الملائكة عند ذلك: آمين. وأمّا الحسن فإنه ابني،وولدي ومني وقرة عيني، وضياء قلبي، وثمرة فؤادي، وهو سيّد شباب أهل الجنة، وحجة اللّه على الأمة، أمره أمري، وقوله قولي من تبعه فإنه مني، ومن عصاه فليس مني، وإني لما نظرت إليه تذكرت ما يجرى عليه من الذل بعدي فلا يزال الأمر به حتّى يُقتل بالسم ظلماً وعدواناً، فعند ذلك تبكي الملائكة والسبع الشداد لموته، ويبكيه كل شيء حتّى الطير في جو السماء، والحيتان في جوف الماء، فمن بكاه لم تعم عينه يوم تعمي العيون، ومن حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن القلوب، ومن زاره في بقيعه ثبتت قدمه على الصراط يوم تزل فيه الأقدام. وأمّا الحسين فإنه مني، وهو ابني،وولدي، وخير الخلق بعد أخيه، وهو إمام المسلمين، ومولى المؤمنين، وخليفة ربّ العالمين، وغياث المستغيثين وكهف المستجيرين وحجة اللّه على خلقه أجمعين وهو سيّد شباب أهل الجنة، وباب نجاة الأمة، أمره أمري، وطاعته طاعتي، من تبعه فإنه مني ومن عصاه فليس مني، وإني لمّا رأيته تذكرت ما يُصنع به بعدي كأني به وقد استجار بحرمي وقبري فلا يُجار، فأضمه في منامه إلى صدري وآمره بالرحلة عن دار هجرتي، وأبشره بالشهادة، فيرتحل عنها إلى أرض مقتله وموضع مصرعه أرض كرب وبلاء، وقتل وفناء تنصره عصابة من المسلمين، أولئك من سادة شهداء أمتي يوم القيامة كأني أنظر إليه وقد رمي بسهم فخر عن فرسه صريعاً، ثم يذبح كما يذبح الكبش مظلوماً. ثم بکی رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وبكى من حوله، وارتفعت أصواتهم بالضجيج، ثم قام (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وهو يقول: اللهم إني أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي، ثم دخل منزله».

ص: 124

ص: 125

ص: 126

وما أدري ما وجه الشبه؟!

والحال أنّ الكبش يُسقى الماء إذا ذُبح، وأبو عبد اللّه ذُبح عطشاناً!

ص: 127

والكبش يُذبح من أوداجه، وأبو عبد اللّه ذُبح من قفاه!

والكبش لا يُقطع رأسه قبل برودة جسده، وأبو عبد اللّه ذبح وحُزّ رأسه دفعة واحدة!

والكبش لا يُقطع شيء من جسده قبل ذبحه، وأبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ذُبح بعد ما قطّعته السيوف والرماح!

والكبش لا يُقتل صبراً وأبو عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ذُبح صبراً!

فمهما نظرنا لم نجد وجه الشبه.

اللهم إلّا أن يكون مراد الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن أبا عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ذُبح وذابحه غير معتنٍ ولا مكترث بقتله، ولا يرى أنّ لهذا المقتول حرمة، كالقصّاب حيث يذبح الكبش، فإنه يرى هذا العمل لازماً واجباً لأنه سلعته، وقتلة الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) كانوا يرون هذا الأمر لازماً عليهم.

قال الحسن الزكي (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأخيه (عَلَيهِ السَّلَامُ):

(ولا يوم كيومك يا أبا عبد اللّه يُسلُّ عليك اثنا عشر ألف سيف، كلّهم يتقربون إلى اللّه بقتلك). (1)

ص: 128


1- ونص الحديث عن الصادق جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جده (عَلَيهِ السَّلَامُ) «إنّ الحسين بن علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) دخل يوماً إلى الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فلمّا نظر إليه بكى فقال له: ما يبكيك يا أبا عبداللّه ؟ قال: أبكي لما يُصنع بك. فقال له الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : إنّ الذي يؤتى إلي سمَ يُدَسُ إلي فأُقتل به، ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد اللّه يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل، يدعون أنهم من أمة جدنا محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وينتحلون دين الإسلام، فيجتمعون على قتلك، وسفك دمك، وانتهاك حرمتك، وسبي ذراريك ونسائك، وانتهاب ثقلك، فعندها تحلّ ببني أمية اللعنة، وتمطر السماء رماداً ودماً، ويبكي عليك كل شيء حتّى الوحوش في الفلوات والحيتان في البحار». أمالي الشيخ الصدوق: 177 -،178 وينظر مناقب ابن شهر آشوب: 3: 238، اللهوف في قتلى الطفوف: 19).

ألا لعنة اللّه على الظالمين. (1)

ص: 129


1- إلى هنا انتهى كلامه (رَحمهُ اللّه) في هذا المجلس.

ص: 130

المصادر والمراجع

أشارة:

القرآن الكريم

المصادر المخطوطة

1. دائرة المعارف العليا: للشيخ محمّد الحسين ابن الشيخ علي بن محمّد رضا ابن موسى ابن الشيخ جعفر كاشف الغطاء (ت 1373ه). نسختها في خزانة المخطوطات لمكتبة ومدرسة الامام محمّد الحسين آل كاشف الغطاء (رَحمهُ اللّه) بتسلسل (1066).

2. الحصون المنيعة في طبقات الشيعة (ج 1): للشيخ على ابن الشيخ محمّد رضا ابن الشيخ موسى ابن الشيخ جعفر كاشف الغطاء (ت 1350ه). نسختها في خزانة المخطوطات لمكتبة ومدرسة الامام محمّد الحسين آل كاشف الغطاء (رَحمهُ اللّه) بتسلسل (749).

3. العبقات العنبرية في طبقات الجعفرية / القسم المخطوط: للشيخ محمّد الحسين ابن الشيخ علي بن محمّد رضا بن موسى ابن الشيخ جعفر كاشف الغطاء (ت1373ه). نسختها في خزانة المخطوطات لمكتبة ومدرسة الامام محمّد الحسين آل كاشف الغطاء (رَحمهُ اللّه) بتسلسل (1148).

4. موسوعة العلّامة الأوردبادي: للشيخ محمّد علي بن أبي القاسم الغروي الأوردبادي (ت 1380ه-).

ص: 131

المصادر المطبوعة

1. أحسن الوديعة في تراجم مشاهير مجتهدي الشيعة: للسيد محمّد مهدي الموسوي الأصفهاني (ت 1371ه)، نشر المطبعة الحيدرية/ النجف الأشرف، ط 2 - 1968م.

2. إحياء علوم الدين: لأبي حامد محمّد بن محمّد الغزالي (ت 505ه)، نشر: دار المعرفة / بيروت، ط - 1402ه.

3. الاختصاص: ينسب إلى أبي عبد اللّه محمّد بن النعمان العكبري البغدادي الملقب بالشيخ المفيد (ت 413 ه)، صححه وعلّق عليه: علي أكبر الغفاري، نشر: جماعة المدرسين / قم المقدّسة.

4. الأعلام: لخير الدين الزركلي (ت 1410ه)، نشر: دار العلم للملايين / بيروت، ط 5 - 1980م.

5. أعيان الشيعة: للسيّد محسن الأمين العاملي (ت 1371ه-)، تحقیق و تخریج: حسن،الأمين نشر: دار التعارف للمطبوعات / بيروت.

6. إقبال الأعمال: للسيد علي بن موسى ابن طاوس (ت 664ه)، تحقيق: جواد القيومي، نشر : مكتب الإعلام الإسلامي / قم المقدّسة، ط 1-1414ه.

7. الأمالي: لأبي عبد اللّه محمّد بن النعمان العكبري البغدادي الملقب بالشيخ المفيد (413ه)، تحقيق: حسين استاد ولي وعلي أكبر غفاري، نشر: جماعة المدرسين / قم المقدّسة.

ص: 132

8. الأمالي: لأبي جعفر محمّد بن علي بن بابويه القمي الصدوق (ت 381ه)، تحقيق ونشر: قسم الدراسات الإسلامية مؤسسة البعثة/ قم المقدّسة، ط 1- 1417ه.

9. الأمالي للشيخ أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460ه)، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية - مؤسسة البعثة نشر: دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع / قم المقدّسة، ط 1 - 1414ه.

10. بحار الأنوار: للعلّامة محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي (ت 1110ه)، نشر: مؤسّسة الوفاء بيروت، ط 2 - 1403ه.

11. تحف العقول عن آل الرسول (عَلَيهِم السَّلَامُ) : لأبي محمّد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني (ت ق 4)، تحقيق: علي أكبر الغفاري، نشر: مؤسسة النشر الإسلامي / قم المقدّسة، ط 2 - 1404ه.

12. التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) (ت 260ه)، تحقيق ونشر: مدرسة الإمام المهدي (عجل اللّه تعالى فرجه الشريف) / قم المقدّسة، ط 1 - 1409ه.

13. تكملة أمل الآمل: للسيد حسن ابن السيد هادي الصدر الكاظمي (ت 1354ه)، تحقيق: الدكتور حسين على محفوظ و آخرین نشر: دار المؤرخ العربي / بيروت، ط 1 - 1429ه.

14. تكملة نجوم السماء: للميرزا محمّد مهدي اللكهنوي الكشميري، نشر : مكتبة بصيرتي / قم المقدّسة.

15. تهذيب الأحكام للشيخ محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460ه)، تحقيق

ص: 133

و تعليق: السيّد حسن الموسوي الخرسان نشر دار الكتب الإسلامية / طهران، ط 3 - 1364ش.

16. جامع السعادات: للمولى محمّد مهدي النراقي (ت 1209ه)، تحقيق وتعليق: السيد محمّد کلانتر، تقديم محمّد رضا المظفّر، نشر: دار النعمان للطباعة والنشر.

17. حقائق التأويل: لأبي الحسن محمّد بن أبي أحمد الحسين بن موسى الشريف الرضي (ت 406ه)، تحقيق: محمّد رضا آل كاشف الغطاء، نشر دار المهاجر / بيروت.

18. خاتمة مستدرك الوسائل: للميرزا الشيخ حسين النوري الطبرسي (ت 1320ه)، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) لإحياء التراث، ط 1-1415ه.

19. الخصال: لأبي جعفر محمّد بن علي بن بابويه القمي الصدوق (ت 381ه)، تحقيق: علي أكبر الغفاري، نشر: جماعة المدرسين في الحوزة العلمية / قم المقدّسة ط - 1403ه.

20. خلاصة الأقوال في معرفة الرجال: للعلامة الحلي أبي منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي ( 726 ه)، تحقيق : الشيخ جواد القيومي، نشر: مؤسسة نشر الفقاهة/ قم المقدّسة.

21. دار السلام فيما يتعلّق بالرؤيا والمنام: للميرزا حسين النوري الطبرسي (ت 1320ه)، نشر المعارف الإسلامية/ قم المقدّسة، ط3.

22. دلائل الإمامة: لمحمّد بن جرير الطبري الشيعي (ت ق 4)، تحقيق: قسم

ص: 134

الدراسات الإسلامية، نشر : مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة / قم المقدّسة، ط 1 - 1413ه.

23. الذريعة إلى تصانيف الشيعة: للشيخ آغا بزرك الطهراني (ت 1389ه-)، نشر : دار الأضواء / بيروت، ط 3 - 1403ه.

24. رجال الطوسي: لشيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه) تحقيق: جواد القيومي الأصفهاني، نشر: مؤسسة النشر الإسلامي / قم المقدّسة، ط - 1415ه.

25. الروضة البهية: لزين الدين بن علي بن أحمد الجبعي العاملي (ت 966ه) (الشهيد الثاني)، تحقيق: السيّد محمّد کلانتر منشورات جامعة النجف الدينية / النجف، ط 2 - 1398ه.

26. روضة الواعظين: للشيخ محمّد الفتّال النيسابوري (ت 508ه)، تحقيق وتقديم: السيّد محمّد مهدي السيّد حسن،الخرسان نشر الشريف الرضي / قم المقدّسة.

27. ريحانة الأدب: للشيخ محمّد علي المدرس التبريزي (ت 1373ه)، نشر: انتشارات خيّام / ط 4 - 1374ش.

28. زاد المسير: لأبي الفرج جمال الدين عبدالرحمن ابن الجوزي (ت597ه)، تحقیق: محمّد عبدالرحمن عبد اللّه نشر دار الفکر بيروت، ط 1 - 1407ه.

29. سر السلسلة العلوية: لأبي نصر سهل بن عبد اللّه البخاري (كان حياً 341ه)، تقديم وتعليق السيّد محمّد صادق آل بحر العلوم، نشر: انتشارات الشريف الرضي، ط 1 - 1413ه.

ص: 135

30. شخصیت شیخ انصاري: مرتضى الانصاري، 1380ه.ق.

31. شرح إحقاق الحقّ: للسيّد شهاب الدين النجفي المرعشي (ت 1411)، تحقيق وتعليق: السيد شهاب الدين المرعشي النجفي، نشر: مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي النجفي / قم المقدّسة.

32. شرح أصول الكافي للمولى محمّد صالح السروي المازندراني (ت 1081ه) نشر: دار إحياء التراث العربي / بيروت، ط 1 - 1421ه.

33. شرح الأخبار في فضائل الأئمّة الأطهار: للقاضي أبي حنيفة النعمان بن محمّد التميمي المغربي (ت 363 ه)، تحقيق: السيّد محمّد حسين الحسيني الجلالي نشر مؤسسة النشر الإسلامي، قم المقدّسة 1414ه.

34. شرح نهج البلاغة: لعبد الحميد بن محمّد بن أبي الحديد المعتزلي (ت 656ه)، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، نشر: دار إحياء الكتب العربية، ط 1 - 1378ه.

35. شعراء الغري: للأستاذ علي الخاقاني (ت 1399ه)، نشر: مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي النجفي، ط - 1408ه.

36. الصحاح: لإسماعيل بن حماد الجوهري (ت 393ه)، تحقيق أحمد بن عبدالغفور العطّار، نشر: دار العلم للملايين / بيروت، ط 4 - 1407ه.

37. الصحيفة السجادية الكاملة: للإمام زين العابدين (ت 94ه)، نشر: مؤسسة النشر الإسلامي / قم المقدّسة، ط -1404ه.

38. صفات الشيعة: للشيخ أبي جعفر محمّد بن علي بن بابويه (الصدوق) (ت

ص: 136

381ه-) نشر کانون انتشارات عابدي / طهران.

39. الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة: لأحمد بن حجر الهيتمي المكي (ت 974ه)، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، نشر: مكتبة القاهرة مصر.

40. عقود حياتي: للشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء (ت1373ه)، تحقيق أمير الشيخ شريف آل كاشف الغطاء، نشر : مكتبة ومدرسة الإمام محمّد الحسين آل كاشف الغطاء العامة، ط 1 - 1433ه.

41. علل الشرائع: للشيخ أبي جعفر محمّد بن علي بن بابويه (الصدوق) (ت 381ه) نشر: المكتبة الحيدرية / النجف الأشرف، ط - 1385 ه.

42. عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب: لجمال الدين أحمد بن علي الحسيني المعروف بابن عنبة ( 828 ه)، صححه: محمّد حسن آل الطالقاني، نشر: المطبعة الحيدرية / النجف الأشرف، ط 2 - 1380ه.

43. عيون أخبار الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ): للشيخ أبي جعفر محمّد بن علي بن بابويه (الصدوق) (ت 381ه)، تصحيح وتعليق وتقديم: الشيخ حسين الأعلمي، نشر: مؤسسة الأعلمي / بيروت، ط - 1404ه.

44. غريب القرآن: فخر الدين بن محمّد علي بن أحمد الطريحي (ت 1085ه)، تحقيق وتعليق: محمّد كاظم الطريحي نشر انتشارات زاهدي / قم المقدّسة.

45. فهرست أسماء مصنفي الشيعة = رجال النجاشي: للشيخ أبي العباس أحمدبن علي بن أحمد بن العباس النجاشي الأسدي الكوفي (450ه)، تحقيق:

ص: 137

الحجّة السيّد موسى الشبيري الزنجاني نشر مؤسسة النشر: الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين / قم المقدّسة.

46. الفوائد الرضوية في أحوال علماء الجعفرية للشيخ عباس بن محمّد رضا القمي القمي (ت1359ه)، تحقیق: ناصر باقري بيد هندي، نشر مؤسسة بوستان كتاب/ قم المقدّسة.

47. الفيض القدسي المطبوع بضميمة بحار الأنوار: للشيخ حسين النوري (ت 1320ه)، نشر: مؤسسة الوفاء / بيروت، ط 2 - 1403.

48. قرب الإسناد: للشيخ أبي العباس عبد اللّه بن جعفر الحميري (ق3)، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) لإحياء التراث / قم المقدّسة، ط 1 - 1413ه.

49. الكافي للشيخ محمّد بن يعقوب الكليني (ت (329ه)، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري نشر: دار الكتب الإسلامية / طهران، ط 5 - 1263ش.

50. كامل الزيارات: لأبي القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه القمي (368ه-)، تحقيق: الشيخ جواد،القيومي، نشر مؤسسة الفقاهة / قم المقدّسة، ط 1 - 1417ه.

51. كتاب العين: لأبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيدي (175ه)، تحقیق: د. مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، نشر: مؤسسة دار الهجرة / إيران، ط 2 – 1409.

52. کشف الغطاء: للشيخ جعفر كاشف الغطاء (ت 1228ه)، نشر مهدوي إصفهان.

53. الكنى والألقاب: للشيخ عباس بن محمّد رضا القمي (ت 1359ه-)، تقديم

ص: 138

محمّد هادي الأميني، نشر : مكتبة الصدر / طهران، ط - 1368ه.

54. لسان العرب: لأبي الفضل جمال الدين محمّد بن مكرم بن منظور الأنصاري (ت 711ه)، نشر أدب الحوزة / قم المقدّسة، ط - 1405ه.

55. اللمعة الدمشقية: لمحمّد بن جمال الدين مكي العاملي (ت 486ه) (الشهيد الأوّل)، نشر: دار الفكر / قم المقدّسة، ط 1 - 1411ه.

56. اللهوف في قتلى الطفوف: السيّد علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن طاووس الحسني (ت 664 ه)، نشر : مكتبة الأنوار الهدى / قم المقدّسة. 57. ماضي النجف وحاضرها للشيخ جعفر باقر آل محبوبة (ت 1377ه)، نشر: دار الأضواء / بيروت، ط 2 - 1406ه.

58. مجمع البحرين: للشيخ فخر الدين الطريحي (ت 1085ه)، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، نشر: مكتب نشر الثقافة الإعلام الإسلامي، ط 2 - 1408ه.

59. مجمع البيان: للشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548ه)، تحقيق: لجنة من العلماء والمحققين، نشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت، ط 1 - 1415ه.

60. مجمع الزوائد: لعلي بن أبي بكر الهيثمي (ت 807ه) نشر: دار الكتب /العلمية بيروت، ط - 1408ه.

61. المحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: لأبي محمّد عبد الحقّ بن أبي بكر بن عطية الأندلسي (ت 546ه)، تحقيق: عبد السلام عبد الشافي محمّد، نشر: دار الكتب العلمية / بيروت، ط 1 - 1413ه.

ص: 139

62. مرآة الشرق للشيخ محمّد أمين الخوئي (ت 1367ه)، تصحيح وتقديم: علي الصدرائي الخوئي، نشر: مكتبة آية اللّه المرعشي النجفي / قم المقدّسة، ط 1 - 1427ه.

63. مرآة الكتب: لعلي بن موسى بن محمّد شفیع (ت1277ه)، تحقيق: محمّد علي الحائري، نشر : مكتبة اية اللّه السيّد المرعشي / قم المقدّسة، ط 1-1414ه.

64. مستدرك الوسائل: للميرزا حسين النوري الطبرسي (ت 1320ه)، تحقيق :ونشر مؤسسة آل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) لإحياء التراث، ط 1 - 1408ه.

65. المسترشد في الإمامة: لمحمّد بن جرير الطبري الشيعي (ت ق 4)، تحقيق: أحمد المحمودي نشر: مؤسسة الثقافة الإسلامية لكوشانبور، ط 1 - 1415ه.

66. مشاهير المدفونين في الصحن العلوي الشريف: لكاظم عبود الفتلاوي (ت 1431ه)، نشر : مكتبة الروضة الحيدرية / ط 1 - 1427ه.

67. مصباح المتهجد: للشيخ محمّد بن الحسن الطوسي (ت 460ه)، نشر : مؤسسة فقه الشيعة / بيروت، ط 1 - 1411ه.

68. مصفّى المقال في مصنّفي علم الرجال: للشيخ آقا بزرگ الطهراني (ت 1389ه)، صححه ونشره أحمد منزوي، ط - 1378ه.

69. معارف الرجال في تراجم العلماء والأُدباء: للشيخ محمد حز الدين (ت 1365ه)، علّق عليه : محمّد حسین حرز،الدین،نشر: مكتبة آية اللّه السيّد المرعشي النجفي / قم المقدّسة، ط - 1405ه.

70. المعجم الكبير: لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت 360ه)، تحقيق:

ص: 140

حمدي عبد المجيد السلفي، نشر: دار إحياء التراث العربي / بيروت، ط 2.

71. معجم المؤلّفين العراقيين: لگورگیس عوّاد (ت 1969م)، نشر: مطبعة الإرشاد / بغداد

72. معجم المؤلّفين: لعمر رضا كحالة (ت 1408ه)، نشر: مكتبة المثنى ودار إحياء التراث العربي / بيروت.

73. معجم رجال الفكر والأدب في النجف: للشيخ محمّد هادي الأميني/ بيروت، ط 2 - 1413ه.

74. معجم مؤرّخي الشيعة: الصائب عبد الحميد، نشر: مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي / قم المقدّسة، ط 1 - 1421ه.

75. مفاتيح الجنان: للشيخ عباس بن محمّد رضا القمي (ت 1359ه)، تعريب: السيّد محمّد رضا النوري، نشر: دار التعارف / لبنان، ط 6 - 1428ه.

76. مكارم الآثار: الميرزا محمّد علي المعلم الحبيب آبادي (ت 1396ه-)، الناشر: نفائس مخطوطات أصفهان، ط 1 – 1397.

77. مكارم الأخلاق: للشيخ أبي علي الحسن بن الفضل الطبرسي (ت 548ه)، نشر: الشريف الرضي / قم المقدّسة، ط6.

78. من لا يحضره الفقيه: للشيخ محمّد بن علي بن بابويه الصدوق (ت 381ه)، صححه وعلّق عليه: علي أكبر الغفاري نشر: جماعة المدرسين / قم المقدّسة، ط2.

79. مناقب آل أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأبي عبد اللّه محمّد بن علي بن شهر آشوب

ص: 141

المازندراني (ت 588 ه)، صححه وشرحه وقابله: لجنة من أساتذة النجف الأشرف، نشر: المطبعة الحيدرية / النجف الأشرف، ط - 1376ه.

80. مناقب أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) للمولى حيدر الشيرواني (ق 12)، تحقيق: الشيخ محمّد الحسون مطبعة: المنشورات الإسلامية، ط - 1414ه.

81. منهاج الكرامة: للشيخ الحسن بن يوسف بن المطهر ( العلّامة الحلي) (726ه)، تحقيق: عبد الرحيم مبارك نشر: انتشارات تاسوعاء / مشهد، ط 1 - 1379ش.

82. مهج الدعوات ومنهج الغايات: للسيّد علي بن موسى ابن طاوس (664ه)، تصحيح ونشر: مؤسسة شمس الضحى الثقافية، ط 1 - 1430ه.

83. موسوعة طبقات الفقهاء: اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ)، إشراف: العلّامة جعفر السبحاني، دار الأضواء / بيروت، ط - 1420ه.

84. نقباء البشر في القرن الرابع عشر: للشيخ آقا بزرگ الطهراني (ت 1389ه)، نشر: دار إحياء التراث العربي / بيروت، ط 1 - 1430ه.

85. نقد الرجال: للسيد مصطفى بن الحسين الحسيني التفرشي (ق11)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) لإحياء التراث / قم المقدّسة، ط - 1418ه.

86. وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة: للشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العاملي (ت 1104ه)، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) لإحياء التراث / قم المقدّسة، ط 3 - 1416ه.

87. وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: لأحمد بن محمّد بن خلكان (ت 681)، تحقیق: احسان عباس، نشر: دار الثقافة / لبنان.

ص: 142

88. ينابيع المودة لذوي القربى: للشيخ سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي (1294ه) تحقيق: سيد علي جمال أشرف الحسيني، نشر: دار الأسوة قم المقدّسة، ط 1 - 1416ه.

المجلات والدوريات

1. تراثنا: نشرة فصلية تصدرها مؤسسة آل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) لإحياء التراث المطبعة: نمونة / قم المقدّسة.

2. العرفان: مجلة لبنانية لصاحبها أحمد عارف الزين.

ص: 143

ص: 144

فهرس المحتويات

كلمة إدارة المكتبة...5

توطئة...7

مقدمة التحقيق...17

(1) ترجمة الشيخ النوري (رَحمهُ اللّه)...19

أ- مختصر ترجمته (رَحمهُ اللّه)...20

ب - منهجه العبادي...25

ت - مجالسه فى الوعظ والإرشاد....28

(2) ترجمة الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء (رَحمهُ اللّه)...32

اجتهاده (رَحمهُ اللّه) في تعلم اللغة الفارسية تكلماً وكتابةً...35

(3) التعريف بهذه الرسالة...43

(4) الطبعة السابقة...44

(5) النسخة المعتمدة...44

(6) منهجية التحقيق...45

(7) شكر وتقدير...46

(8) نماذج من النسخة المعتمدة...49

المجلس الأول...59

المجلس الثاني...93

ص: 145

المصادر والمراجع...131

المصادر المخطوطة...131

المصادر المطبوعة...132

المجلات والدوريات...143

فهرس المحتويات...145

ص: 146

منشوراتنا

تشرفت مكتبتنا - مكتبة ودار مخطوطات العتبة العباسية المقدّسة -

بتحقيق أو مراجعة الكتب الآتية، ونشرها :

(1) العبّاس (عَلَيهِ السَّلَامُ).

تأليف: السيّد عبد الرزاق الموسوي المقرّم (ت 1391 ه).

تحقيق: الشيخ محمّد الحسون

(2) المجالس الحسينيّة (الطبعة الأولى، الطبعة الثانية).

تأليف: الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء (ت 1373 ه).

تحقيق : الأستاذ أحمد علي مجيد الحلّي.

راجعه ووضع فهارسه: وحدة تحقيق المخطوطات

(3) سند الخصام في ما انتخب من مسند الإمام أحمد بن حنبل.

تأليف: الحجّة الشيخ شير محمّد بن صفر علي الهمداني (ت 1390 ه).

تحقيق: وحدة تحقيق المخطوطات / الأستاذ أحمد علي مجيد الحلّي.

(4) معارج الأفهام إلى علم الكلام.

تأليف: الشيخ جمال الدين أحمد بن علي الجبعي الكفعميّ (ق 9).

تحقيق: عبد الحليم عوض الحلّي.

مراجعة وتصحيح: وحدة تحقيق المخطوطات.

ص: 147

(5) مكارم أخلاق النبيّ والأئمّة.

تأليف: الشيخ الإمام قطب الدين الراوندي (ت 573 ه).

تحقيق : السيّد حسين الموسوي البروجردي.

مراجعة وتصحيح : وحدة تحقيق المخطوطات.

(6) منار الهدى في إثبات النص على الأئمّة الاثني عشر النُجبا.

تأليف: الشيخ علي بن عبد اللّه البحراني (ت 1319 ه).

تحقيق: عبد الحليم عوض الحلي.

مراجعة: وحدة تحقيق المخطوطات.

(7) الأربعون حديثا (الطبعة الأولى، الطبعة الثانية).

اختيار: السيّد محمّد صادق السيّد محمّد رضا الخرسان.

تحقيق: وحدة تحقيق المخطوطات.

(8) فهرس مخطوطات العتبة العباسية المقدّسة.

إعداد وفهرسة: السيّد حسن الموسوي البروجردي.

(9) الصولة العلوية على القصيدة البغدادية.

تأليف: السيّد محمّد صادق آل بحر العلوم (ت 1399 ه).

تحقيق: وحدة تحقيق المخطوطات.

(10) ديوان السيد سليمان بن داود الحلي

دراسة وتحقيق: د. مضر سليمان الحلي

مراجعة :وحدة تحقيق المخطوطات.

ص: 148

(11) كشف الأستار عن وجه الغائب و نعناع عن الأبصار (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف).

تأليف: العلامة الميرزا المحدّث حسين النوري الطبرسي (ت 1320ه).

تحقيق: الأستاذ أحمد علي مجيد الحلي.

راجعه ووضع فهارسه: وحدة تحقيق المخطوطات.

(12) نهج البلاغة (المختار من كلام أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)).

جمع : الشريف الرضي (ت 406 ه)

مراجعة: وحدة تحقيق المخطوطات.

(13) مجالي اللطف بأرض الطف.

نظم : الشيخ محمّد بن طاهر السماوي (ت 1371 ه).

شرح: علاء عبد النبي الزبيدي.

راجعه وضبطه ووضع فهارسه: وحدة تحقيق المخطوطات.

(14) دليل الأطاريح والرسائل الجامعية.

إعداد: وحدة المكتبة الإلكترونية في المكتبة.

قيد الطباعة

(15) العباس (عَلَيهِ السَّلَامُ).

تأليف: العلّامة المحقق السيّد محمّد رضا الجلالي الحائري (معاصر).

إصدار : وحدة التأليف والدراسات في المكتبة.

ص: 149

(16) رسالة في آداب المجاورة (مجاورة مشاهد الأئمّة (عليهم السلام)).

من أمالي: العلامة الشيخ حسين النوري (ت 1320ه).

حرّرها ونقلها إلى العربية : الشيخ محمّد الحسين آل كاشف الغطاء (ت 1373ه).

تحقيق: محمّد محمّد حسن الوكيل.

مراجعة: وحدة تحقيق المخطوطات

(17) شرح قصيدة الشاعر ( محمّد المجذوب) على قبر معاوية.

الناظم: الشاعر الأستاذ محمّد المجذوب.

شرح : الشيخ حمزة السلامي (أبو العرب).

راجعه وضبطه: وحدة التأليف والدراسات.

(18) الدرر البهية في تراجم علماء الإمامية.

تأليف: العلامة محمّد صادق آل بحر العلوم (ت 1399 ه).

تحقيق وحدة تحقيق المخطوطات

قيد الانجاز

(19) وفيات الأعلام.

تأليف: العلامة السيّد محمّد صادق آل بحر العلوم (ت 1399ه).

تحقيق: وحدة تحقيق المخطوطات

ص: 150

(20) رسالة في مشاهير علماء الهند.

تأليف: العلّامة السيّد علي نقي النقوي (1409ه).

تحقيق: عدي الأسدي.

مراجعة: وحدة تحقيق المخطوطات

(21) صدى الفؤاد إلى حمى الكاظم والجواد (أرجوزة في تاريخ مشهد الكاظمين).

نظم: الشيخ محمّد بن طاهر السماوي (ت 1373ه).

شرحه وضبطه ووضع فهارسه: وحدة تحقيق المخطوطات

(22) وشائح السرّاء في شأن سامرّاء (أرجوزة في تاريخ سامراء).

نظم: الشيخ محمّد بن طاهر السماوي (ت1373ه).

شرحه وضبطه ووضع فهارسه: وحدة تحقيق المخطوطات.

ص: 151

ص: 152

upon him) especially; for the first matter we have to be enforced to bring with according to the syllabus of the book and method, and for the second issue from enforcing the soul's discipline to commit the duty firstly, and for the status and position of neighbor secondly, who wanted to guide us to the path of happiness ways which either we follow then we win, or we disregard then we astray in anonymous places.

Allah makes us with those who are away from harming their neighbors and with his closest believers (peace be upon them), Allah listens and responds.

ص: 153

In the Name of Allah, the Most beneficent, the Most Merciful

Preface

Among many issues we forget or neglect which include some reasons of goodness and happiness, but the whole happiness: right neighborhood, look closely at verses of holy Qur'an, we notice that mentioning the neighborhood does not stop come in sources of mentioning kindness, goodness and charity. And the holy speeches. of prophet Muhammad (peace be upon him) and the infallible (peace be upon them) had explained fully and expanded the neighbor's right, that grants him the best degree and becomes closest to human.

The considerable message that is in the reader's hands which was dictated by the last of the narrators like Al-Sheik Noory Al- Tubrusy (May Allah bless him), and was edited by his scholar student Al-Sheik Muhammad Al-Husain A'l Kashif Al-Ghitaa (May Allah bless him) is a beam of light fades the darkness of negligence in this important respect.. and what Al-Sheik Al- Noory (May Allah bless him) wants to urge us about coercion of conserving neighborhood generally, and the neighborhood of sinless (peace be

ص: 154

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.