المرجع اليعقوبي وتصحيح المفاهيم

هویة الکتاب

المرجع اليعقوبي وتصحيح المفاهيم

يحوي هذا الكتاب على تعريف وتوضيح أربعين مفهوماً تناولت مختلف جوانب الحياة اقتطفت من كلمات سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله)

إعداد وتعليق

فيصل التميمي

من إصدارات جامعة الصدر الدينية فرع كربلاء المقدسة

1423

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

( الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا)

صدق الله العلي العظيم

ص: 2

المقدمة

الحمد لله رب العالمين , الرحمن الرحيم, والحمد له كما هو أهله والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

إن تفاعل الإنسان إزاء الأشياء التي تُحيط به يتوقف على نوع فهمه وإدراكه لها ، وهذا الفهم وهذا الإدراك هو الذي يحدد نوع موقفه منها ، فعندما يكون الإنسان مخطئً في معرفة وتحديد المفاهيم ومعاني الأشياء فإن النتيجة بطبيعة الحال ستكون طردية ، فإذا أساء الفرد أو المجتمع فهم حقيقة من الحقائق فإن هذا الفهم سيحدد نوع تفاعل الإنسان وعدمه ، كالولاء والعداء والتعاطف والكراهية ونحو ذلك من ردود الأفعال الإنسانية المختلفة ، والتي قد يكون الفرد فيها مصيباً في إدراكها وفهمها وقد لا يكون كذلك .

ص: 3

ومن خلال ما تقدم نتعرف على خطورة هذه المسألة وأعني بها مسألة (تصحيح المفاهيم) التي قد يبتني عليها صلاح الأمة أو فسادها ، فالناس لسوء فهمهم قد يوالون من يضرهم وقد يعادون من ينفعهم ويريد لهم الخير والصلاح، وهذا ما أكده الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) حيث روي عنه: (الناس أعداء ما جهلوه)(1) ، إذاً فالعداء والكراهية فرع الجهل والخطأ في فهم المفاهيم ومعاني الأمور .

لذا أخذ العلماء الرساليون على عواتقهم هذه المسؤولية ، مسؤولية تصحيح المفاهيم للأمة ، وقد سبقهم في ذلك الأنبياء والأولياء الصالحون (صلوات الله عليهم أجمعين)، وشهدنا في هذا القرن علماء رساليين كبار قاموا بهذه المسؤولية المهمة أمثال: السيد الشهيد الصدر الأول و السيد الشهيد الصدر الثاني والسيد الخميني والعلامة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء

ص: 4


1- ميزان الحكمة .ج2. ص112.

والعلامة محمد جواد مغنية والشهيد مرتضى مطهريوالدكتور علي شريعتي وغيرهم الكثير رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

واليوم وبعد حصول هذا الانفتاح الكبير في مجال تبادل المعلومات والاتصال ،ونزول رأس الاستكبار العالمي (أمريكا) بنفسه للساحة في الشرق الأوسط ، زادت هذه المسألة خطورة ، وتعاظمت مسؤولية العلماء القادة ، فانبرى لهذه المهمة مفكر إسلامي وفقيه ألمعي أنجبته الحوزة الشريفة في النجف الأشرف، وهو سماحة المرجع المفكر الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) ، الذي أكمل المسيرة الإصلاحية التي أبتدئها الأنبياء (عليهم السلام) ، وسار على نهجهم العلماء المصلحون، وحاول جاهداً أن يصحح للأمة مسارها ، ووقف ليقطع الطريق على أعداء الإسلام الذين يريدون للمسلمين الانحراف والضياع والابتعاد عن قادتهم الحقيقيين ،وما يؤكد ذلك هو ما قاله سماحته (دام ظله) في إحدى خطاباته :

ص: 5

( .تأسياً بالإمام الصادق (علیه السلام) يجب على العلماء والمفكرين والمثقفين التصدي للشبهات والتيارات الفكرية والاجتماعية التي تهدد كيان الأمة كالإلحاد وإنكار الخالق والقول بالصدفة أو الطبيعة وكالعلمانية ودعوات تحرير المرأة التي لا تعني إلا تدمير أخلاق المجتمع تحت هذه العناوين البراقة الخادعة ومثل دعوات التغريب التي يراد منها إلحاق المجتمع الشرقي المسلم بالغربي بجميع أنماط الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية رغم البون الواسع في مرتكزات كل منهما).(1) كما صرح سماحة المفكر اليعقوبي (دام ظله) عن طموحاته ومسؤولياته تجاه الأمة في مواطن عديدة ، قد ضمنها في كلماته وخطاباته الحكيمة ،ونخص بالذكر منها ما أورده (دام ظله) في كلمته الغراء التي أُلقيت في الحفل التأبيني بذكرى شهادة السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) ، والتي جاء فيها ما يؤكد ما بيناه آنفاً حيث قال (دام ظله):

ص: 6


1- خطاب: أوجه نشاط الإمام الصادق (علیه السلام) والمرحلة الراهنة .

( .لقد سرنا على هذا النهج - أي نهج تصحيح المفاهيم الذي قام به السيد الشهيد الصدر (قدس سره) - إذ إن الحاجة إلى هذا التصحيح أوسع اليوم وأخطر وأعقد حيث تحوّل الاختلاف في المفاهيم والمعاني إلى خلاف وتطور الخلاف إلى صراع وقتال يدفع ثمنه الأبرياء والشعب المستضعف المغلوب على أمره، فحرّرت في خطاباتي معاني لجملة من المصطلحات محل الخلاف والجدل كالطائفية والفدرالية والعلمانية والشراكة في الحكم وحقوق المرأة وحقوق الإنسان والحرية والديمقراطية وولاية الفقيه وغيرها مما هو مبثوث في المجلدات العديدة من كتاب (خطاب المرحلة)).(1)

وقال سماحته (دام ظله) في خطاب سابق : (إن جوهر الكثير من مشاكلنا هو ثقافي أي في فهم الأفكار والمعاني بالشكل الصحيح ، فإذا خُلطت الأوراق وحُرِّفت الكلمات عن معانيها

ص: 7


1- خطاب:السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) وتصحيح المفاهيم ، وقد ورد نص هذا الخطاب في جريدة الصادقين العدد (104) .

الحقيقية حصلت الشبهات والفتن والضلالات وسيق الناس للوقوع فيها) .(1)

وقد وفقني الله تعالى بحسن رعايته أن أجمع عبر استقراء سريع أهم تعاريف تلك المفاهيم والمصطلحات التي لها مدخلية في مصلحة الأمة ومفسدتها والتي وردت في خطابات ومؤلفات سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) فكانت أربعين مفهوماً تتعلق بمواضيع ومجالات مختلفة في الحياة ، وضعتها بين يدي القراء الكرام ليطلعوا عن قُرب على رؤية المرجعية القيادية الرشيدة لتلك المفاهيم المختلفة ، كما لم يفوتني أن أشير إلى مصادر هذه التعاريف ، ليتسنى للباحث الرجوع إليها بسهولة .

وفقنا الله تعالى وإياكم لطاعة مرجعيتنا القيادية الرشيدة ووفقنا للسير بهداها لخدمة الإسلام والمسلمين ، وجعلنا ممن يعينها في التمهيد لدولة القسط والعدل على يد ولي اللهالأعظم

ص: 8


1- خطاب: الرياضة المهذَّبة في الإسلام .

المغيب صلوات الله عليه وعجل الله تعالى فرجه ورزقنا طاعته وطاعة نائبه بالحق ، إنه سميع مجيب .

فيصل التميمي

كربلاء المقدسة

6 ذي الحجة 1423ه

ص: 9

ص: 10

ولاية الفقيه

نحن لا نرى مجالاً الآن لتطبيق نظام ولاية الفقيه في العراق لأنه مشروط بإرادة الأمة وعرضها النصرة على الفقيه الجامع للشرائط ولا يوجد مثلها الآن لعدة أمور ذكرناها في عدد من خطابات المرحلة ويدل على هذا الشرط باختصار قوله تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) فلا يستطيع الفقيه فرضها على الأمة حتى ولو كان مستحقاً لها ثبوتاً وواقعاً ويدل عليه السيرة العملية للمعصومين (عليهم السلام) فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يقِم دولته المباركة في مكة وإنما أقامها في المدينة بعد أن بايعه أهلها على السمع والطاعة وأن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأموالهم وكذا أمير المؤمنين فإنه ما تصدى للخلافة إلا بعد أن ازدحم الناس على بيعته بعد مقتل الخليفة عثمان وقال (علیه السلام) مشيراً إلى هذا الشرط (لولا حضور الحاضر وقيام الحجة

ص: 11

بوجود الناصر لألقيت حبلها على غاربها) فلا يكفي ادعاء الولاية ولا بسطها من دون إرادة الجماهير.(1)

* وبهذه الالتفاتة الدقيقة نحل جملة من الإشكالات حول ولاية الفقيه كمسألة تعددهم في مجتمع واحد أو بسط ولاية فقيه مقيم في بلد على بلد آخر أو ما يحلو للبعض أن يقول أنه إذا ادعاها فقيه وجب على الآخرين طاعته والانقياد له .(2)

نظام ولاية الفقيه لا يعني فرض رأي الشخص على الأمة ولا مصادرة إرادتها أو الانقلاب على الديمقراطية كما يظهر من بعض الكلمات وإنما الفقيه هو راعي إرادة الأمة وصمام الأمان لحفظ كرامتها ووحدتها لأنه يمثل القانون والشريعة، وسلطته لا تعني سلطة الشخص بل سلطة القانون وإذا حولها إلى سلطة شخص فسيكون فاقداً للعدالة التي هي من الشروط الأساسية للولي الفقيه، وقد شبّهت الحالة في بعض

ص: 12


1- خطاب: إرادة الأمة شرط لإعمال ولاية الفقيه .
2- المصدر نفسه .

كلماتي بسلطة القاضي فحينما يحكم فإن حكمه نافذ على الأمة لأنه يحكم بإسم القانون وليس بإسم الشخص ولا نقبل بتغيير حكمه حتى لو اعترض المعترضون أو خرجت المظاهرات لتغيير حكمه نعم يمكن مناقشته في المقدمات التي استند إليها أو الوسائل التي استخدمها لتغيير ما ابتنى عليها من حكم .(1)

* أن ولاية شؤون الأمة لا تكون بالادعاء ولا بالتسلط ولا بالقهر وإنما بإرادة الأمة وبالآلية التي تضعها لنفسها فولي أمر المسلمين يختاره أهل الخبرة من المجتهدين ومن قاربهم في العلم والفضيلة والورع والترفع عن الدنيا وهكذا بقية مواقع المسؤولية في الأمة .(2)

* لا يفرض الفقيه ولايته على الأمة بالإكراه وإنّما يشترط تحقق إرادتها واقتناعها بولايته، نعم، لا نقصد بالأمة كل الأمة ولا يتم اختيار الولي الفقيه بالانتخابات العامة لكل الناس وإنّما

ص: 13


1- المصدر نفسه .
2- المصدر نفسه .

نقصد بالأمة أهل الخبرة والاختصاص منها في هذا المجال وهم فضلاء وأساتذة الحوزة العلمية الشريفة المتصفون بالورع والنزاهة والمعرفة بمتطلبات العمل الاجتماعي وتطبيق المشروع الإسلامي المبارك .(1)

وظائف ولي أمر الأمة هي :

1- رعاية شؤون الأمة -كياناً وأفراداً- ومصالحها وحل مشاكلها وقضاء حوائجها.

2- الدفاع عن حقوق الأمة في جميع النواحي الدينية والاقتصادية والسياسية والفكرية والأخلاقية والاجتماعية.

3- المحافظة على وحدتها وتماسكها وصيانة عزّتها وكرامتها.

4- هدايتها إلى الكمال وإرشادها وتوجيهها إلى ما يسعدها ويصلح حالها في الدنيا والآخرة.

ص: 14


1- رسالة سبل السلام , ص29 .

5- الوقوف في وجه الظلم والفساد والانحراف وتفعيل وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

6- القيام بما يتوقف عليه حفظ النظام الاجتماعي العام.

7- التصدي للوظائف الاجتماعية التي لا يجوز تأديتها اعتباطاً كإقامة صلوات الجمعة وتنظيم العمل المسلح وتحديد مصارف الأموال العامة ومستحقيها ومراعاة العدالة في الاستفادة من الثروات الطبيعية والأراضي العامة ونحوها.

8- التدخل لتشخيص الشبهات الموضوعية التي ليست هي من وظائف المفتي لكنها من وظائف القائد وولي أمر الأمة كإثبات أوائل الشهور وكانتهاك المقدسات الموجب للدفاع المسلح ونحوه .(1)

ص: 15


1- رسالة سبل السلام , ص25 .

الأعلمية

* أجاب (دام ظله)عن هذا السؤال بأنها تتلخص ب:

أ.فهم روح الإسلام ويحصل عليه الإنسان اثر الإحاطة الدقيقة بالآيات القرآنية والضرورات الدينية والمسلمات الإسلامية والأوليات الفقهية والإلمام الكامل بما نفذه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الأطهار (عليهم السلام).

ب- فهم الثقافة والأمور الحقوقية المعاصرة إلى حد ما .

ج- الوقوف على المعارف الصادرة عن أهل البيت المعصومين (عليهم السلام) في المسائل الكلامية والأخلاقية والمعارف الأخرى … الخ .(1)

* عنصر الأعلمية هي كل ما له علاقة باستنباط الحكم الشرعي ولا يقتصر على الفقه والأصول المتعارفين بل يتعدى إلى التاريخ وفهم سيرة المعصومين (عليهم السلام) وأشكال

ص: 16


1- خطاب: ما المراد من الأعلمية ؟

تصرفهم إزاء الحالات والقضايا المختلفة ومرادات القرآن الكريم وطريقة القرآن والأئمة في تربية الأمة وتبليغ الأحكام وحتى تشمل الثقافة العامة والعلوم العصرية حيث إن لها دخلاً في فهم الموضوع وتنقيحه الذي هو نصف الطريق للوصول إلى الحكم (1)

* الأعلمية دعوى نسبية وليست مطلقة لأنه من النادر أن تحصل هذه الإحاطة لغير المعصومين (عليهم السلام) والكتب السابقة التي ذكرتها (يقصد (دام ظله) (القول الفصل) و(بحوث استدلالية في الفقه المقارن) و(الرياضيات للفقيه)) دليل على وجود عجز في جهة أو أكثر لدى الفقهاء مما لها دخل كبير في تحصيل الحكم الشرعي الموافق لرأي المعصوم (علیه السلام)، ولا يستطيع احد إنكار تأثير العلم بها في المسائل التي عرضتها في هذه الكتب والذي عزز هذا الاستنتاج مطابقته لروايات واردة عن المعصوم(علیه السلام) لم توضع في مكانها الصحيح .(2)

ص: 17


1- المصدر نفسه .
2- المصدر نفسه .

المرجعية الطيبة والمخلصة

* المراجع الطيبين والقادة المخلصين .الإخلاص يسدد العمل ويبارك فيه وينميه ويثمره، وطيبة القلب تعني نكران الذات والتجرد عن الأنا والتفاني في خدمة الناس وقضاء حوائجهم وإيصال الحقوق إلى أهلها من غير استئثار أو منع . (1)

* لقد كان (قدس سره) يؤكد على أتباعه للبحث عن صفتين في المرجع القائد ويدعو إلى تحقيقهما بدرجة من الدرجات ويعتبرهما خلاصة وصايا الأنبياء والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين) والعلماء الصالحين وهما طيبة القلب وقوة القلب . وإنهما لتستحقان هذا الاهتمام والتركيز لأنهما مبعث حصول خصال الخير والكمال ومنهما تترشح. فطيبة القلب تبعث على الرحمة وحب الآخرين والتسامي عن الحقد والغل

ص: 18


1- خطاب: 179 الشهادة المتبادلة بين المرجعية والأمة .

والأنانية والحرص وغيرها وتدعوا إلى بذل الوسع في قضاء حوائج الناس وإدخال السرور عليهم . وقوة القلب مبعث الشجاعة والإقدام والحزم وقوة الإرادة والغضب لله تبارك وتعالى ورفض الظلم والباطل والانحراف ونحوها من الصفات.(1)

المرجعية المؤسساتية

المرجعية المؤسساتية (2)* إن المقاييس السابقة - أي الاعتماد في تحديد الأعلمية على باب الفقه فقط - لم تعد كافية في تحديد القيادة الرشيدة للأمة ، وهذا الأمر لم نبتدعه نحن وإنما هي مصاديق للعناوين

ص: 19


1- خطاب: معايير التقليد في المدرسة الصدرية .
2- يعتبر سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) أول من عمل على تحويل المرجعية إلى كيان مؤسساتي حقيقي تبقى محافظة على ديمومتها بلطف الله تبارك وتعالى حتى بعد غياب شخصه ولم يقف عند حدود مرجعية ترعى مؤسسات.حيث يقف المرجع على قمة هذه المؤسسة ويرتبط به مباشرة مكتبه الذي يدير من خلاله الشؤون التقليدية للمرجعية .

الأصلية ، فالقرآن الكريم عندما دعا المسلمين إلى التسلح أمام أعدائهم كان السلاح هو السيف إلا إننا اليوم لا يمكن أن نسلح بالسيف فقد ظهرت مصاديق جديدة للسلاح كالبندقية أو الدبابة والصاروخ كذلك ، فان هناك مصاديق جديدة للمرجعية يجب النظر إليها حسب ما تقتضيه الظروف، إذ لم يعد المرجع قادراً بنفسه على مباشرة جميع الأمور لان المسؤوليات تعددت والتعقيدات التي ظهرت في الحياة ليست كما كانت في السابق، لذا فان اللجوء إلى تشكيل مؤسسات وجمعيات يمكن أن يفي بهذا الغرض، ولكن يبقى الفقيه هو قمة الهرم في ذلك مع وجود وكلاء له ومستشارين للتخفيف من العبئ الواقع عليه .(1)

* ولما كانت الحوزة العلمية الشريفة في طليعة المؤسسات الرسالية فلا ينبغي لها أن تغفل عن تحصيل كلتا القيمتين (أي قيمة العمل الفردي والعمل الجماعي) وللحوزوي دوره الفردي التقليدي من إمامة الجماعة والجمعة وتبليغ الأحكام ووعظ

ص: 20


1- خطاب: حوارات سياسية الحلقة الرابعة المرجعية والعملية السياسية .

الناس وإرشادهم والتوسط بين المرجعية وأتباعها وأي نشاطات أخرى وهذا ما لا يمكن التخلي عنه وإنما تتنوع آليات تحقيقه بحسب ما يتيسر بلطف الله تبارك وتعالى.وعليهم أيضاً أن لا يغفلوا عن دورهم الثاني ونحن ما أسسنا (جماعة الفضلاء) إلا ليكون الإطار التنظيمي لعمل الحوزويين بشكل جماعي ليقيموا المجتمع الصالح سعياً لإقامة دولة الحق والعدل.وفي ضوء هذا فان من ينغمس في العمل المؤسساتي ويترك وظائفه الفردية يكون مضيعاً لأساس عمله ومن يطالب بإلغاء العمل المؤسساتي ويطالب بالاكتفاء بالطريقة التقليدية من أداء وكلاء المراجع فانه يكون مضيعاً للكمال (وَكُلاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى) إذ لا يوجد تنافي بين الدورين والدور الفردي محفوظ ويستطيع وكلاء المرجعية الرشيدة أن يقوموا به ويقتصروا عليه إذا لم يكن عندهم انسجام مع العمل الجماعي .(1)

ص: 21


1- خطاب: 170 قيمة العمل الفردي والجماعي للرساليين وطلبة الحوزة العلمية الشريفة، كما ورد هذا النص في كتاب المعالم المستقبلية للحوزة العلمية .

* مفهوم الحوزة الحقيقي لا يشمل المعممين فقط بل يشمل كل الشيعة حتى غير طلبة العلوم الدينية لأنهم جزء من الجهاز المرجعي، وجزء من الحوزة الناطقة.(1)

القائد والمرجعية القيادية

* القيادة ليست أمراً يُعلن وإنما هي حالة يفرزها الواقع وتكشف عنه حاجة الأمة إلى القائد وقدرته على أن يكون بمستوى تطلعات الأمة وطموحها والتحديات التي تواجهها .(2)

* القائد الذي تجتمع فيه الصفات والخصائص التي اشترطها المعصومون (عليهم السلام) من الاجتهاد، والعدالة، والترفّع عن الدنيا والأنانية والاستئثار، وأن يستشعر حب الناس جميعاً والشفقة عليهم، وأن يكون واعياً ومحيطاً بقضايا الأمة

ص: 22


1- كتاب شكوى القرآن .
2- خطاب: تكليفنا في هذه المرحلة .

وبصيراً بما يكتنفها وقادراً على تشخيص العلل ووضع الحلول والعلاجات المناسبة لها .(1)

* مما يتميز به القائد عن غيره استشراف المستقبل ومعرفة متطلباته فيستعد له وينجز الأعمال المناسبة له إضافة إلى ما يقتضيه الواقع الحاضر، ولأن هذا المستقبل مجهول عند غيره فإن من حوله سيعترض ويشكك ويتمرد وكان عليه الإذعان والطاعة لقائده مادام قد وثق به واعتقد بجدارته.(2)

* القائد هو الذي يصنع المستقبل ويحدّد مسار الأحداث ومآل الأمور بلطف الله تبارك وتعالى من خلال المشروع والبرنامج الذي يسير عليه . (3)* إن القيادة ليست شيئا يُدّعى ولا ينال بالقهر والتسلط بالقوة وإنما هي علاقة تنشأ بين القائد والآخرين يحددها عاملان هما حاجة الآخرين إلى الشخص وإحسانه إلى الآخرين، قال

ص: 23


1- خطاب: شُقّوا أمواج الفتن بسفن النجاة .
2- خطاب: الشهيدان الصدران واستشراف المستقبل .
3- المصدر نفسه .

أمير المؤمنين (علیه السلام) : (أحسن إلى من شئت تكن أميره، واستغن عمن شئت تكن نظيره ، واحتج إلى من شئت تكن أسيره) وقيل لأحد العلماء ماهو الدليل على إمامة أمير المؤمنين ( فقال: (حاجة الناس إليه واستغناؤه عن الناس) فكلما كان الإنسان معطاءاً في حياته ومحسنا إلى الناس كل أشكال الإحسان فان حاجة الناس إليه ستزداد وستختاره لقيادتها ، على إننا تعلمنا من أئمتنا المعصومين عليهم السلام الزهد في المناصب واحتقار الدنيا التي تُنال بالظلم والعدوان والمكر والخديعة ولا نرى المناصب إلا وسيلة للاحسان إلى الناس ورفع الظلم عنهم وإسعادهم .(1)

* القائد الذي يلي أمر الأمة هو أشرفهم وأكملهم، وفيه ما فيهم، وزيادة، لأننا نقول إن الإمام أكمل الخلق، وجامع لصفاتهم الحميدة كلها، وولي أمر المسلمين، وقائدهم، ومرشدهم، وهاديهم، هو إمام بالحمل الشايع، أي عملياً،

ص: 24


1- خطاب: 140 القيادة الحكيمة تضع أصابعها على العلة وتصف العلاج .

وعلى أرض الواقع، وإن لم يكن منصوصاً عليه بالإسم، فإنه يؤدي وظيفة الإمام، وإن لم يكن إماماً بالحمل الأولي، فيجب أن يكون متصفاً بأكمل صفات المسلمين وأعلاها مرتبة .(1)

إذا أرادت الأمة أن تسير نحو الكمال فعليها أولاً الاهتداء إلى قيادتها الحقيقية المتمثلة بعد انتهاء العصر الظاهري للمعصومين بالمرجعية الشريفة الجامعة للشروط الثابتة - كالاجتهاد والعدالة والذكورة - والمتحركة كالرؤية الميدانية الدقيقة والمعايشة مع الواقع والتفاعل مع قضايا الأمة* والتشخيص الواعي الحكيم لمشاكلها وطرق معالجتها فان التشخيص الدقيق هو نصف الطريق نحو العلاج .(2)

* العلماء المجتهدون الجامعون لصفات ومميزات القيادة .هم الذين يحددون للأمة المواقف والتصرفات الصحيحة إزاء الفتن

ص: 25


1- كتاب الأسوة الحسنة للقادة والمصلحين .
2- خطاب: ابتعاد الأمة عن قيادتها الرشيدة .

والقضايا التي تتعرض لها فقد يكون تكليف البعض الانزواء والسكون وقد يكون تكليف البعض الاقتحام والمواجهة بكل أشكال المواجهة أو بعضها .(1)

الفقه والفقيه

الفهم القرآني للفظ حوزوي وهو (الفقه) كمثال آخر فالفقه يتداول عندنا على انه العلم بالأحكام الشرعية رغم انه في المصطلح القرآني بمعنى المعرفة بالله تبارك وتعالى ولا ملازمة بينهما كما هو واضح بل النسبة بينهما العموم من وجه ففي الآيةالشريفة (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفةٌ ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) ونحن نعلم إن الحذر والتقوى لا ينشآن من المعرفة بالأحكام الشرعية بل للحذر مناشئه الروحية والنفسية والعقلية وبعد حصول التقوى والمعرفة في القلب يندفع إلى تعلم الأحكام الشرعية وتطبيقها

ص: 26


1- خطاب: شُقّوا أمواج الفتن بسفن النجاة .

وتستطيع أن تجرّب ذلك بنفسك فاقرأ كتب الفقه وتعمق فيها من أولها إلى آخرها هل تراها غذّت قلبك بشيء أو زادت فيه الحذر والتقوى وكم رأينا فقيهاً بالمعنى الاصطلاحي وهو مكّب على الدنيا وبعيد كل البعد عن الله تبارك وتعالى والقرآن يقص علينا خبر مثل هذا الفقيه: (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين، ولو شئنا لرفعناه بها ولكنّه أخلّدّ إلى الأرض واتبع هواه فمثلُه كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذّبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون) .(1)مصطلح الفقه المتداول الآن لا ينسجم مع ما تدعو إليه الآية الكريمة: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) فالفقه هذا لا يترتب عليه أي حذر بل هو شيء يتوجه إليه بعد تحقق الحذر من مصادره كمواقف العظة

ص: 27


1- كتاب شكوى القرآن .

والعبرة وآيات الوعد والوعيد ومشاهد القيامة في القرآن ومناهج البناء الخلقي للإنسان ونحو ذلك، والفقه بالمصطلح الحالي قاصر عن إستيعاب ذلك لذا تجد المكلف لا يرجع إلى كتب الفتاوى إلا في حالات الحاجة القصوى وإذا رجع إليها فلا يجد فيها إلا جسماً خالياً من الروح فلا يلبث أن يمله ولا يعود إليها إلا على مضض لأنها لا تلبي رغبته في الأخذ بيده في سلم الترقي نحو الكمال وهو ما ينشده الجميع من مفهومي (الفقه) و(العبادة) ولا ننسى هنا قول أمير المؤمنين (علیه السلام) في تعريف الفقيه حيث قال: (الفقيه كل الفقيه من لم يقنِّط الناس من رحمة الله ولم يؤيسهم من روح الله ولم يؤمنهم من مكر* الله) فالفقيه هو الفاتح للقلوب بابي الخوف والرجاء.وبذلك تكون هذه الرسائل الفقهية دليلاً لسلوك المؤمن ليس في الأحكام الشرعية فقط وإنما في جميع شؤون الحياة.(1)

ص: 28


1- كتاب حديث الروح .

بين الفقيه بالمصطلح القرآني والفقيه بالمعنى الحوزوي عموم من وجه إذ قد يكون فقيهاً بالمعنى القرآني وهو ليس كذلك بالمعنى الحوزوي إذ يوجد الكثير من أولياء الله العارفين ولهم الكرامات المشهودة مع إنهم لم يبلغوا درجة عالية في العلوم الحوزوية وقد يكون العكس فتجد شخصاً امتلأ ذهنه بالنظريات والأفكار الأصولية والمعقولية والمسائل الفقهية بحيث تجده ملماً حتى بدقائق المسائل لكن قلبه غير معمور بذكر الله تعالى ولو سألته عن ابسط مسألة في تهذيب النفس والسلوك الصالح إلى الله تبارك وتعالى وتصفية الباطن وتطهير القلب لبقي متحيراً فمثل هذا ليس فقيهاً بالمعنى القرآني والكامل هو من جمع المعنيين كما هو شأن علمائنا المقدسين الذين بلغوا مقاماً* عالياً في الفقه والأصول وشامخاً في العرفان، وهم المقصودون في الحديث الشريف (الفقهاء أمناء الرسل) وبمثل هذا المنظار

ص: 29

القرآني يجب أن نفهم الأحاديث الشريفة لئلا تضيع علينا معانيه السامية.(1)

وظائف المرجع الديني

* يجب على الفقيه أن يخطط وينفذ قولاً وعملاً بمقدار ما ييسره الله تبارك وتعالى له لإقناع الناس بالإسلام والنظام الإسلامي وصلاحيته لقيادة البشرية نحو السعادة والسلام .(2)

المرجعية الدينية في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ليست مقاماً علمياً فقط يكون مسؤولاً عن بيان الحكم الشرعي وطبع الرسالة العملية ونشرها. وإنما هي قيادة وارثة للائمة المعصومين (عليهم السلام) ووظيفة الإمامة لا تكتفي بإراءة* طريق الحق والهدى للناس وإنما تأخذ بأيديهم وتوصلهم الى

ص: 30


1- كتاب شكوى القرآن .
2- الرسالة العملية (سبل السلام) . ص29 .

الكمال، وفرق شاسع بين من يدل على الطريق وبين من يأخذ باليد ويوصل السائر إلى الغاية .(1)

لا ينبغي للفقيه أن يفهم دوره كمفتي ينتظر من يسأله عن مشكلة ما فيعطيه حلها أو يكتب رسالة عملية قلَّ من يفهمها بل يجب عليه أن يعرف انه قائد تنتظر منه الأمة الكثير وهي تلتف حوله وتتفانى في حبه بمقدار ما يؤدي من هذا الدور لا من الدور الأول مهما كان ثقله وعليه أن يتحرك نحو المجتمع ولا ينتظر أن يتحرك المجتمع إليه ويقصده وربما استدل لذلك بقوله تعالى: (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ) فهم الذين يبدؤون قومهم بالإنذار وتبليغ الرسالة ويصف أمير المؤمنين (علیه السلام) رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه (طبيب دوار بطبه) وليس

ص: 31


1- خطاب: معايير التقليد في المدرسة الصدرية .

* يجلس في بيته ينتظر مجيء المرضى المصابين بالرذائل الخلقية والمعاصي والبعد عن الله تبارك وتعالى وشريعته المباركة.(1)

المرجعية الناطقة

* .من صفات المرجعية الحركية الواعية التي تمثل الامتداد الحقيقي للأئمة (سلام الله عليهم) الصراحة والشفافية في التعامل مع الأمة والعمل على رفع مستوى الوعي والمعرفة والبصيرة لديها بعكس المتقمصين لهذا الموقع الشريف فإنهم يرون استمرار وجودهم بإبقاء الأمة على حالة السذاجة والجهل والتخلف ليستطيعوا تضليلها وخداعها بالهالة المقدسة التي يصطنعونها.(2)

إن المرجعية الناطقة الصادقة الشاهدة تتحدث إلى الناس وتبيّن لهم ما لها وما عليها وتسمع منهم وتشرح لهم برنامجها*

ص: 32


1- كتاب المعالم المستقبلية للحوزة العلمية .
2- خطاب: 179 الشهادة المتبادلة بين المرجعية والأمة .

ومشروعها (ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيَّ عن بينة) من دون تدليس أو خداع أو تضليل لأنها مطمئنة إلى الحق الذي هي عليه.(1)

* الذي ينتمي إلى المرجعية الناطقة الحركية يشعر بالمسؤولية عن دينه ومجتمعه أكثر ممن ينتمي إلى المرجعيات التقليدية الساكنة لذا تجد الحيوية والاندفاع والسبق إلى تنفيذ المشاريع التي تعلي كلمة الله تبارك وتعالى وترفع راية الإسلام في أتباع المرجعية الأولى أكثر .(2)

الاجتهاد

الاجتهاد فإنه يعرّف مشهورياً بملكة استنباط الحكم الشرعي من مداركه الأصلية، وهو بهذا المقدار وإن كان كافياً لتحقيق إبراء الذمة أمام الله تبارك وتعالى في مقام العمل، إلاّ* انه

ص: 33


1- المصدر نفسه .
2- خطاب: 181 المسؤوليات الثابتة والمتغيرة .

لا يثري مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ولا يعمّق هذا العلم الشريف ولا يستطيع تقديم الإسلام كمشروع حضاري قادر على قيادة الحياة بكل شؤونها وتفاصيلها ومواجهة المشاريع والنظم الأرضية، ما لم ينضم إليه الإبداع والأصالة .(1)

التقليد الواعي

* التقليد الواعي أي عدم الارتباط بالأشخاص وتقديسهم وإنما الذوبان في المبدأ ونرتبط بالشخص بمقدار تجسيده لتلك المبادئ مهما كان أصله وانتماؤه ولا نقصد بالتقليد الواعي ما أسميه بالانتقائية أي الالتزام بما يعجبه من أوامر قيادته ومخالفة ما لا يعجبه فهذا عين الانحراف والضياع وإذا كان عنده شيء يريد أن يقدّمه فإن أعظم هدية هي النصيحة أما أن يجعل نفسه قيّماً على مواقف المرجعية فيحكم على بعضها بالصحة وعلى بعضها الآخر بالبطلان فهذا من خطل التفكير لأن أي فرد لا

ص: 34


1- خطاب: السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) وتصحيح المفاهيم .

يملك قدرة المرجع على استنباط الحكم من مصادر الشريعة وهي الكتاب والسنة وتجتمع لدى المرجع خبرات عديدة ومستشارون متنوعون وعيون ترصد جميع مساحة العمل أما هذا الفرد وذاك فهو محدود من هذه الجهات. فالشذوذ عن خط المرجعية هو الخطأ الأكبر حتى لو تصورنا أن موقف المرجعية كان غير صائب لعدم ادّعاء العصمة وعلى هذا ربّانا الأئمة المعصومون (عليهم السلام)، فلا يجوز لأي فرد من الأمة أن يحكّم مزاجه وأهواءه ويخضع لإسقاطاته النفسية .(1)

مؤسسات المجتمع المدني

.مؤسسات ومنظمات تمثل إرادة الأمة ورؤاها وتتحرك وفق مصالحها وتساهم جدياً في تحقيق الرفاه والسعادة للمجتمع وتعمل على استنقاذ حقوقها وتوجيهها نحو ما ينفعها لتتخذقراراتها بشجاعة ووعي وهي بالتالي تعمل على بناء مجتمع

ص: 35


1- خطاب: شُقّوا أمواج الفتن بسفن النجاة .

متحضر يقوم على أساس حق الإنسان في حياة حرة كريمة وقد سميت (مؤسسات المجتمع المدني).

إن دور هذه المؤسسات في حياة الأمة يتلخص في أمور:

1- توجيه رأي الأمة نحو ما ينفعها ويصلح حالها ومساعدتها في اتخاذ القرار الصائب في مختلف القضايا.

2- استنقاذ حقوق الأمة والمطالبة بها.

3- مساعدتها في معالجة المشاكل والأزمات وتجاوز المحن والصعوبات ومد يد العون لها والتخفيف من آلامها.

4- تطوير حالها وتأهيل أبناء الأمة لممارسة دورهم الحضاري والارتقاء بحالها إلى مستوى الدول المتحضرة.

5- مراقبة السلطات الرسمية وتقييم أدائها وتشخيص مواطن الضعف والخلل والفساد والضغط عليها لتجاوزها .

6- قيادة الفعاليات الجماهيرية وتنظيمها بعد إقناع الأمة بمبرراتها.

ص: 36

وبمقدار التزام مؤسسات المجتمع المدني بهذه الأدوار المهمة والواسعة بموضوعية واتزان وإنصاف وحيادية في حياة الأمة فإنها تحظى بثقتها ودعمها واستجابة الجماهير لها وبالتالي تظهر قدرتها على صناعة قرار الأمة والتأثير فيه . إن الثقافة الإسلامية التي صنعها القرآن الكريم والسنة الشريفة عززت في الأمة هذه التوجهات ودفعتها إلى تحمل هذه المسؤولية، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) (البقرة: من الآية143)، فأبناء الأمة كلهم - وليس فقط الموجودون في السلطة - مسؤولون عن ضبط مسيرة الأمة بالاتجاه الصحيح والحديث الشريف المشهور: (كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيته) واضح في ترسيخ هذه الثقافة .(1)

ص: 37


1- خطاب: توسيع مؤسسات المجتمع المدني ضرورة حضارية .

المؤمن الرسالي

* ما يميّز عمل المؤمن الرسالي عن غيره فان المؤمن غير الرسالي يقف عند حدود تربية ذاته وإصلاح نفسه وأداء دوره الأول وهو خير ويثاب عليه ولكنه ليس كالثاني الذي يتحرك في الأمة ويبذل كل ما في وسعه لإصلاح الآخرين وهدايتهم وإقامة الحق والعدل في البلاد .(1)

* الشباب الرسالي الذين لا يكتفون بإصلاح أنفسهم وإنما يسعون لإصلاح مجتمعهم .(2)

.طبيعة الرسالي الذي لا يتوقف عمله حتى يرى كل الناس قد اهتدوا إلى طريق الحق أسوة برسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي كان يتمنى صلاح كل البشرية وهو أمر مستحيل عادة لأن بعض القلوب قاسية فهي كالحجارة أو اشد*

ص: 38


1- كتاب المعالم المستقبلية للحوزة العلمية .
2- خطاب: 122 الشباب الجامعي والدعوة إلى الله تبارك وتعالى .

قسوة وبعض الآذان صماء وبعض العيون عمياء لذا خفف الله تعالى من آلامه وطيب من خاطره في عدة آيات (فلعلك باخع - أي قاتل - نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً) (لعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)) .(1)

* .توفير الفرص لأكبر عدد من الراغبين في العمل الاجتماعي و خدمة الناس قربة إلى الله تبارك و تعالى وهذا فرق الرسالي عن غيره فان الأول لا يكتفي بهداية نفسه و يقف عند هذا الحد و إنما يسعى لهداية اكبر عدد من الناس و خلق فرص الطاعة لهم .(2)

ص: 39


1- المصدر نفسه .
2- خطاب: 138 خطوات على طريق إنضاج عمل مؤسسات المجتمع المدني .

وكيل المرجعية

* وكيل المرجعية واسطة بينها وبين الأمة يوصل إليهم فتاواها وأوامرها وتعالميها ومواقفها تجاه القضايا المختلفة ويعمل على تربية الأمة في الاتجاه الذي تحدده المرجعية إضافة إلى مسؤولياته غير المرتبطة بالوكالة وهي تبليغ الأحكام وتعليم الناس وتهذيب نفوسهم بالموعظة والإرشاد وإقامة الشعائر الدينية ، وإنما يكتسب قيمته من مقدار تطبيقه لتوجيهات المرجعية وطاعته لها وفهمه لمنهجها كما إن المرجع نفسه يكتسب قيمته من مقدار طاعته لله تبارك وتعالى وإخلاصه وحرصه على الأمة .(1)

ص: 40


1- خطاب: وظيفة وكلاء المرجعية .

التقية

* . ولا تعني التقية الانزواء والانكماش وترك العمل وإنما تعني العمل بالممكن حتى تنفتح فرص الأزيد .(1)

* العمل بالتقية لا يعني الانزواء وترك الحبل على الغارب لأعداء الله تبارك وتعالى كي يفعلوا ما يشاؤون وقد كان الأئمة (عليهم السلام) يعملون بالتقية ويؤكدون عليها ويقول الإمام (علیه السلام): (التقية ديني ودين آبائي) أو (من لا تقية له لا دين له) ومع ذلك فقد ترشح من نشاطهم ما ملأ الخافقين فالتقية هي العمل بالممكن من دون ان يكون الثمن المدفوع أكثر من المثمن أي النتيجة الحاصلة والمرجوة، ولا تعني السلبية والانكماش والتقصير في العمل .(2)

ص: 41


1- خطاب: 135 أسباب البلاء الذي يحل بالعراقيين ونتائجه .
2- خطاب: تصحيح معنى الاعتزال في أيام الفتن .

العبادة

يقول تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) والآية تعمم معنى العبادة لكل الحياة بما فيها الواجبات والفرائض الإلهية أي تجعل الحياة كلها عبادة وان الغرض من الخلقة هو لكي يكون الإنسان في كل حياته في حالة عبادة.وليس أدل على ذلك من قيام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته المعصومين (عليهم السلام) بأداء كل متطلبات الحياة - كالأكل والشرب والنوم وسائر المباحات - وهم في كل أوقاتهم يحققون معنى العبادة فكل هذه الأفعال يمكن أن تكون من العبادات لكن الذي حدث الآن إن مفهوم العبادة إنحسر وأصبح يشمل الطقوس العبادية فقط كالصلاة والصوم ونحو ذلك ويتبادر الذهن لها إذا ورد هذا المصطلح، وفي الحقيقة فإنها مأساة كبرى للإسلام والمسلمين حشدت قوى الاستكبار العالمي وأذنابها والمسلمون المنحرفون -إن صحت التسمية- كالأمويين

ص: 42

والعباسيين كل ما أوتيت من قوة لتكريس هذا المفهوم، ويبدو إن جذوره تعود إلى ما بعد رحيل الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث أقصيت القيادة الشرعية عن تولي أمور الأمة وأخذت الحكومات المنحرفة تبتعد شيئاً فشيئاً عن المنهج الإسلامي القويم وتم إكتمال الانحراف (180 درجة) في عهد الأمويين وما بعدهم.والذي يحز في قلوبنا ذكره هنا إن علمائنا من حيث لا يشعرون ساهموا في تضييق مفهوم (العبادة) في الأذهان منذ أن بدؤوا بتقسيم الفقه إلى قسمي (العبادات) و(المعاملات)، وصحيح إن تقسيمهم هذا هو تقسيم فني بحت إلا انه أوحى في آذان العامة إن العبادات شيء والمعاملات شيء آخر، وان الفرد يستطيع أن يكون مسلماً ملتزماً في عباداته وبنفس الوقت يتخذ له منهجاً في الحكم غير الإسلام ودستوراً في الاقتصاد وآخر في الاجتماع مما وصلت إليه من غير المسلمين بل وحتى من أعدائهم كل ذلك وهو يعتقد انه ما زال مسلماً ملتزماً بحقيقة (لا اله إلا الله، محمد رسول الله) التي تؤكد إن

ص: 43

الحاكمية في كل شيء لله وحده وان مبلغ أحكامه عز وجل هو محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي القرآن تأكيدات كثيرة لذلك لا حاجة لذكرها.(1)

ص: 44


1- كتاب حديث الروح .

العزلة

* الانعزال الذي أمر به الناس عند ظهور الفتن ليس هو الانعزال المادي أي الانزواء في البيت بل المعنوي أي الابتعاد عن الخوض فيها واجتنابها أما العالم الذي فهم الكتاب الكريم وسنة المعصومين فيضع الأمور في نصابها ولا تختلط عليه ولا تلتبس .(1)

ولا بد أن يتحرك - يقصد العالم وطلبة الحوزة - نحو المجتمع في حدود الفرصة المتاحة لا أزيد منها لأنه إفراط وإلقاء للنفس في التهلكة وتهور ولا أقل منها لأنه تفريط في الواجب وتقصير ولا مبالاة وقد أخذ على العلماء ألا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم أي لا يسكتوا على ذلك كما ورد في الخطبة الشقشقية لأمير المؤمنين (علیه السلام) ولا ينتظر أن يتحرك المجتمع إليه ويقصده ولربما يشعر بذلك قوله سبحانه: (فَلَوْلا نَفَرَ*

ص: 45


1- خطاب: تصحيح معنى الاعتزال في أيام الفتن .

مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ) فهم الذين يبدؤون قومهم بالإنذار وتبليغ الرسالة ولا ينتظرون من المجتمع أن يبتدأهم فضلاً عن الانعزال عنه وترك حبله على غاربه، وإذا وردت أحاديث تحبب العزلة عن الناس فليست بمعنى التقوقع داخل البيوت وإنما بمعنى مباينة المجتمع الفاسد في تصرفاته وعدم الانسياق معهم وإعلان البراءة من انحرافهم وهذه سنة إلهية أكد عليها القرآن الكريم(لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) .(1)

الانتظار

إن الفهم الخاطئ لفكرة الانتظار والتقية والعزلة وغيرها تُعدُّ من الأغلال الفكرية التي تقيّد حركة الإسلام المباركة مضافاً إلى القصور والتقصير الذاتيين، وما لم نحطّم الأغلال ونكسر القيود فإننا لا نستطيع أن نتحرك، وما بِعثة الأنبياء والرسل*

ص: 46


1- كتاب: المعالم المستقبلية للحوزة العلمية .

(صلوات الله عيهم أجمعين) إلا لكسر هذه القيود وتحرير الإنسان من الأغلال الفكرية والنفسية والاجتماعية التي تعيق حركته.(1)

* مفهوم الانتظار الذي اقترن في أذهان الأجيال بالسلبية والانكماش والتخلي عن ممارسة وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو في الحقيقة عكس ذلك إذ يتضمن معناه في بعده العملي السعي الجاد للإصلاح والتغيير والتمهيد لإقامة دولة العدل الإلهي .(2)

الانتظار حالة إيجابية وهو يستبطن عملياً معنى الاستعداد ولو لم يكن كذلك لما حظي بالمنزلة الرفيعة في الأحاديث .فحينما نقول أننا ننتظر الامتحانات العامة فإن هذا يعني أن يكون الطلبة في ذروة الاستعداد لها فيجدّون ويجتهدون ويوفّر*

ص: 47


1- خطاب: 205 المعنى الإيجابي لانتظار الإمام (علیه السلام) .
2- خطاب: السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) وتصحيح المفاهيم .

لهم ذووهم كل الظروف التي تساعدهم على تحقيق أفضل النتائج .(1)

* . الظهور نفسه لا ينفعنا إن لم نكن من أهل التقى والإيمان والإخلاص والعمل الصالح لنحظى بنصرة الإمام (علیه السلام) فعلينا أن نفكر في كيفية وصولنا إلى هذه المرتبة ولنساهم في تحقيق شرط الظهور وإلا سيكون ظهور الإمام (علیه السلام) قاصماً لظهورنا فاستمعوا بتدبر لقوله تعالى {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُون}، وقال تعالى {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} فأحد مصاديق الفتح هو يوم الظهور المبارك وحينئذ لا ينتفع به إلا من هذّب نفسه وآمن وعمل صالحاً وهو المعنى الحقيقي للانتظار.(2)

ص: 48


1- خطاب: 205 المعنى الإيجابي لانتظار الإمام (علیه السلام) .
2- كتاب شكوى الإمام (علیه السلام) .

العيد

* العيد الحقيقي إنما هو حينما تملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً (ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصرُ من يشاء وهو العزيز الرحيم) .(1)

يوم عرفة يسبق يوم العيد والعيد معنى مأخوذ من العود حيث يمثل مناسبة لعودة الإنسان إلى ربه الكريم و عودة الرب الكريم على العبد بمزيد من الخير والرحمة والعطاء الإلهي الذي لاينفد ، ومثل هذه المبادلة العظيمة لابد أن يسبقها تهيئة المقدمات لاستقبالها كما أن من أراد زراعة ارضٍ فلابد له أولا من تنقيتها من الأدغال وتنظيفها من الأوساخ ومن ثم غرس النبات الطيب فيها، وهكذا قلب الإنسان ونفسه لابد من تطهيرها وتنقيتها من الرذائل والانغماس غير المشروع في الشهوات وإعلان الاستغفار و التوبة بالمعاني المتقدمة في* يوم

ص: 49


1- خطاب: 135 أسباب البلاء الذي يحل بالعراقيين ونتائجه .

عرفة لتكون محلاً صالحاً يوم عيد الأضحى لتلقي النفحات الإلهية.(1)

* .علم الله تبارك وتعالى إن الناس يشتغلون خلال السنة بتفاصيل حياتهم اليومية فتقل اللقاءات بينهم خصوصاً مع تعقيد الحياة المعاصرة لذا جعل العيد فرصة ليجددوا هذه العلاقات ويزيلوا عنها ما شابها من الكدر ونزعات الشيطان.(2)

الشفافية

الشفافية وهي صفة لا تختص بالعمل فقد يوصف القانون بأنه شفاف أي مرن وقابل لاستيعاب الحالات الاستثنائية ويأخذ الأعذار بنظر الاعتبار وليس جامداً حدياً، فالشفافية إذاً من الأسس المهمة لإنجاح العمل ولضمان تطبيق القوانين والاستجابة لها بسلاسة وهي من أهم مميزات القانونالإسلامي

ص: 50


1- خطاب: 143 يوم عرفة .... اليوم العالمي للتوبة .
2- خطاب: العيد يرسّخ ركني الإسلام:كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة .

وقادته العظماء.(ثم ذكر سماحة الشيخ (دام ظله) جملة أمور تعد من مظاهر الشفافية في الإسلام ومبادئها وأصولها النفسية المستندة إلى الأحاديث الشريفة) وهي :

1- إنصاف الآخرين من نفسك: فإذا كان رأي الآخر صحيحاً فكن شجاعاً وقل له ذلك وتنازل عن رأيك واعترف بخطأك لذا قالوا إن الاعتراف بالخطأ فضيلة .

2- المشاورة وعدم الاستبداد بالرأي وعدم الاستكبار عن سماع رأي الآخرين ونصيحتهم فإنها قوة إضافية لك لانضمام عقولهم إلى عقلك فكأنك تفكر بمجموع عقولهم وهو كمال ونضج للرأي لذا جاء فيما أوصى به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) علياً (عليه السلام): (لا مظاهرة أوثق من المشاورة ولا عقل كالتدبير) .

اعتماد مبدأ الحوار وعدم فرض الرأي على الآخر مهما كنت مقتنعاً به فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يعلم انه على حق ومع ذلك أمره الله تعالى بالحوار1- مع

ص: 51

الآخرين (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّه) .

2- التواضع، لأن التكبر والنظر إلى الأنا والإعجاب بالنفس يصد عن سماع الحق ويعمي البصيرة ويذل صاحبه وعلى العكس منه فإن التواضع يرفع صاحبه ففي الحديث : (من تواضع لله رفعه الله) ، وفي دعاء مكارم الأخلاق للإمام السجاد (علیه السلام): (ولا ترفعني في الناس درجة إلا حططتني عند نفسي مثلها، ولا تحدث لي عزّاً ظاهراً إلا أحدثت لي ذلّةً باطنة عند نفسي بقدرها.

3- سعة الصدر، وقد ورد في الحديث (آلة الرياسة سعة الصدر) ولا نفهم من الرئاسة إنها المناصب الحكومية الرفيعة فقط بل كل ولاية أمر لمجموعة هي رئاسة.

الحب للناس جميعاً، فليس في قلب المؤمن حقد ولا غل ولا كراهية لذلك جعل الله من نعمه على أهل الجنة انه1-

ص: 52

يزيل ما بقي في صدورهم وقلوبهم من هذا قال تعالى:(وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) لأن هذا الغل والحقد والكراهية أول ما يؤذي صاحبه فيجعل حياته منكدة ومعذبة وباله مشغولاًً بهذه الدوّامة من التفكير مما يقعده عن القيام بالكثير من الأعمال الناجحة.

2- حسن الخلق مع الناس والتآلف معهم فمن صفات المؤمن انه يألف ويؤتلف وهذه من أهم مظاهر الشفافية ويوجد في جوامع الحديث حشد هائل من الأحاديث التي تبني في الإنسان مكارم الأخلاق والخصال الحميدة قال الإمام الصادق (علیه السلام): (ما يقدم المؤمن على الله عز وجل بعمل بعد الفرائض لله تعالى من أن يسع الناس بخلقه فإن الخلق الحسن يميت الخطيئة كما تميت الشمس الجليد).

3- حمل الآخرين على الصحة والتماس العذر لهم إن لم يعجبك شيء من تصرفاتهم ، لذا ورد في الحديث: احمل أخاك على سبعين محمل حسن.

ص: 53

1- المحافظة على حدود الصداقة التي حدها الأئمة المعصومون عليهم السلام ، فعن الإمام الصادق (علیه السلام): (لا تكون الصداقة إلا بحدودها فمن كانت فيه هذه الحدود أو شيء منها وإلاّ فلا تنسبه إلى شيء من الصداقة

فأولها: أن تكون سريرته وعلانيته لك واحدة.

والثانية: أن يرى زينك زينه وشينك شينه.

والثالثة: أن لا تغيره عليك ولاية ولا مال.

والرابعة: لا يمنعك شيئاً تناله مقدرته.

والخامسة: وهي تجمع هذه الخصال : أن لا يسلمك عند النكبات).

المواساة: بل الإيثار، فعن بعض أصحاب الإمام الباقر (علیه السلام) قال: قال لي الباقر: أرأيت من قِبلكم اذا كان الرجل ليس عليه رداء وعند بعض إخوانه رداء يطرحه عليه ؟

ص: 54

1- قال: قلت: لا، قال: . فضرب بيده على فخذه ثم قال: ما هؤلاء بأخوة .(1)

الطائفية

* مفهوم الطائفية أو القومية لا تعني أن يكون للشخص خصوصية عرقية أو دينية فهذا أمر طبيعي ولا ضير بأن يضّم كيان أبناء طائفة معينة أو قومية محددة وإنما تنشأ المشكلة من انغلاق كل مكّون على نفسه ومحاولة التمدد على حساب الأخر وإقصائه واستلاب حقوقه.(2)

الطائفية لاتعني اعتزاز الإنسان بهويته وخصوصياته والعمل من أجلها من دون التجاوز على حقوق الآخرين لكن الطائفية تعني أن يتعصب الشخص لانتمائه ويقتصر عليه ويلغي الآخر ويحرمه حقوقه وهذا ما لا يرتضيه عاقل لأنه عين* الظلم

ص: 55


1- خطاب: مظاهر الشفافية في الإسلام ومبادئها وأصولها النفسية .
2- خطاب: 155 المشروع الوطني للإصلاح السياسي .

والعدوان أما أن نراعي مكونات الشعب العراقي ونلحظ خصوصياته ونوزع الاستحقاقات عليها فليست طائفية وإنما هي عين العدالة والذي يزعم خلاف ذلك إما ساذج انطلت عليه الحيلة أو خبيث يخلط السم بالعسل(1)

الفيدرالية

* الفدرالية فتُثبَّتْ كحق لمحافظة أو أكثر متى شاءت ووجدت في نفسها القدرة على تشكيل إقليم وإدارته لأن الفدرالية يمكن أن تكون حلاً لبعض المشاكل التي يمكن أن تحصل في الحكومة المركزية وهي غير حاصلة الآن كما أن الشعب العراقي في محافظات الوسط والجنوب عليه أن يستغل هذه المدة لتأهيل نفسه على مستوى إدارة الأقاليم وقد أخِذ بهذه الأفكار في الصياغة المعتمدة من الدستور.(2)

ص: 56


1- خطاب: الطائفية لاتعني مراعاة الانتماءات والخصوصيات لمكونات الشعب العراقي .
2- خطاب: ثقافة دستورية الحلقة الثانية .

* إن الفيدرالية ليست مطلبا لنا فنحن نريد عراقاً موحدا وحكومة مركزية فاعلة في ممارسة الصلاحيات الموكولة إليها في الدستور مع إعطاء إدارة لا مركزية بصلاحيات واضحة وواسعة في الدستور أيضا للحكومات المحلية في المحافظات وان تقدم الحكومة المركزية كل ما يساهم في إنجاح و تقوية الحكومات المحلية. وبنفس الوقت اعتقد إن الفيدرالية يمكن أن تكون حلا أخيرا لمشاكل البلاد إذا استعصت على الحل لا سامح الله ولا أجد مشاكل البلاد مستعصية على الحل إلا إذا أوصل أعداء الأمة والجهلاء والمتحجرون والانتهازيون و الأنانيون الحالة إلى هذه النقطة لذا فعلى الإرهابيين والقتلة أن يعلموا إنهم بجرائمهم التي يرتكبوها بحق الشعب .(1)

* الفدرالية فقد تعمل على إنشاء ديكتاتوريات متعددة في الأقاليم والمحافظات ويتحول إلى ممالك وكانتونات عشائرية وطائفية وغيرها من الانتماءات فلنعمل جميعاً على إقامة عملية

ص: 57


1- خطاب: 140 القيادة الحكيمة تضع أصابعها على العلة وتصف العلاج .

سياسية سليمة قائمة على أسس صحيحة فهي الحل الأمثل للجميع.(1)

* أنا كفرد عراقي لا أريد الفدرالية التي هي مقدمة لتقسيم العراق والتفكيك بل هي كذلك فعلاً من الناحية المعنوية والشعور على الأقل والفدرالية أن كان فيها خير فللأجزاء التي تريد أن تتجمع وليس للكل المتحد الذي يراد تجزئته فلا بد أن يبقى العراق كلاً واحداً متحداً ولجميع أبنائه حق فيه كله وهذا من الناحية السياسية وهو لا يمنع من تحقيق لا مركزية في الإدارة لمراعاة خصوصيات المحافظات المختلفة من حيث اللغة والدين والمذهب والعرق وإعطاء صلاحيات واسعة للإدارات المحلية في المحافظات .(2)

ص: 58


1- خطاب: 180 حوارات سياسية (الحلقة الخامسة) موعظة للإعلاميين .
2- خطاب: تعليقات على الاتفاق لإدارة المرحلة الانتقالية .

العلمانية

فالعلمانية مثلاً صوّرها خصومها الذين يتاجرون بالدين ويتخذونه وسيلة لتحقيق مصالحهم على أنها محاربة الدين ومعاداته وحينئذ سيكون رد الفعل السريع هو الرفض والمواجهة، لكن البعض يعرّفها على أنها إلغاء سلطة رجال الدين الذين يسيئون استخدام الفتوى الدينية والقداسة لتحقيق مصالحهم اللامشروعة بدفعٍ من المستفيدين منهم، فهم - أي العلمانيون - لا صراع لهم مع الدين كتعاليم سامية تتكفل بإسعاد الإنسان وضمان حقوقه في حياة حرةٍ كريمة.وهم بذلك يصلون إلى نصف الحقيقة وعليهم السعي لتحصيل النصف الآخر لأننا جميعاً نرفض استغلال الدين للدنيا وجعله جسراً يعبرون عليه لتحقيق نزواتهم وأهوائهم الشخصية، بل إن أئمتنا المعصومين (سلام الله عليهم) قادوا حملة توعية واسعة لفضح المتسترين بلباس الدين والذين يرفعون اللافتات الإسلامية نفاقاً*

ص: 59

وقد وصفهم الإمام الحسين (علیه السلام): (عبيد الدنيا، يحوطونه ما درّت معائشهم، فإذا مُحِصّوا بالبلاء قلَّ الديانون) .(1)

* الذي يراجع تاريخ نشوء العلمانية التي انطلقت من أوربا قبل قرون يجد أكثر من شاهد على أنها كانت تمرداً على دكتاتورية رجال الدين وتخلّفهم واستعباد الناس وسرقة أموالهم بسلطان الفتوى والتحالف مع الملوك الظالمين المستبدين لكنهم في خضمّ صراعهم مع التطبيقات السيئة للدين تخلّوا عن الدين نفسه وخسروا المبادئ السامية التي تركزها عقيدة التوحيد لأنهم لم يستطيعوا التفكيك بين الدين - كتعاليم وشريعة وعقيدة - والمتلبسين به من طلاب الدنيا .(2)

إن العلمانية تعني معاداة الدين والسعي للقضاء عليه وليست حالة وسطى بين الدين والكفر (ومن لم يحكم بما* أنزل

ص: 60


1- خطاب: 169 حوارات في الفكر الإسلامي (الحوزة العلمية والتيارات الوافدة)
2- المصدر نفسه .

الله فأولئك هم الكافرون) وفي آية أخرى (الفاسقون) وفي ثالثة (الظالمون).(1)

* إن العلمانية مهما زوقوا لها من ألفاظ ومصطلحات فهي لا تعني إلا نبذ الدين والأخلاق والإنحلال من القيم والمثل العليا.(2)

الحرية

الحرية لا تعني الإنفلات من الضوابط فإنها حينئذ عين الهمجية فلكل دولة قانون ينظم حياة الشعب فيها ولا ترضى سلطاتها بتجاوز هذا القانون وقانون هذا الشعب هو الإسلام بعقيدته وأفكاره وسلوكه وأعرافه وتقاليده لأن الإسلام من صنع الله تبارك وتعالى خالق الإنسان والعارف بما يصلح عيوبه ويسعد روحه وجسده وينظم حياته وعلاقاته بالآخرين أما*

ص: 61


1- خطاب: نصيحة إلى المدافعين عن العلمانية في العراق .
2- المصدر نفسه .

القوانين الوضعية فهي من صنع البشر الناقص الذي لا يستقر له رأي فيحذف اليوم ما ثبته بالأمس ويعدل غداً ما يقرره اليوم وهكذا فإيهما أولى بالإتباع (أفَمَنْ يَهْدِي إِلى الحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) فماذا يريدون من حرية الملبس بلا قيد ولا شرط إلا العري والانسلاخ من الحياء والعفة والعودة إلى الحيوانية.(1)

* إن الحرية التامة والانعتاق الحقيقي هي في العبودية التامة والتسليم المطلق لله تبارك وتعالى فكلما أزاد العبد طاعة وتسليماً لله تبارك وتعالى تحرر من الرق لغيره أكثر .(2)

حرية الفرد ووجوده ورأيه محترم لكن ضمن الإطار العام الذي تنظمه الشريعة وهي حالة عقلائية يتفق عليها كل البشر المتحضر من ضرورة وجود دستور يضم المبادئ العامة التي تتوافق عليها الأمة ويمثل مرجعية القوانين التي عمل بها ولا*

ص: 62


1- المصدر نفسه .
2- خطاب: لا يستعبدكم غيركم وقد أرادكم الله أحراراً .

يجد أي واحد غضاضة في الالتزام بها لأنها تعود بالنفع عليه وبدونها تحكم الأمة شريعة الغاب والفرق بين النظام الإسلامي والنظم الوضعية أن الدستور الإسلامي مأخوذ من الشريعة التي انزلها الله تبارك وتعالى خالق البشر العدل المطلق الكامل الرحيم بعباده العليم البصير لإسعاد البشر وضمان فلاحهم وفوزهم.(1)

حرية المرأة

حرية المرأة من المصطلحات المجملة التي طبل لها أعداء الإسلام كثيراً هي الحرية والمطالبة بحرية المرأة ورفض القيود عليها وهم لا يريدون بالحرية إلا الانفلات من كل الضوابط والانصياع وراء الشهوات الحيوانية والانغماس في اللذات وهي عين العبودية للنفس الأمارة بالسوء فان الحرية الحقيقية في

ص: 63


1- خطاب: الإسلام والديمقراطية وحقوق الإنسان

* التحرر من عبودية ما سوى الله تبارك وتعالى من آلهة الجاهلية الحديثة المعقدة .(1)

* يفسرون الحرية بالانحلال الخلقي والتخلي عن القيم والمبادئ الإسلامية وأوضح معالمه عندهم خلع الحجاب ويعرفون المساواة بأنها مزاحمة المرأة للرجل في كل شيء وإهمالها لأهم وظيفة لها تضمن بها سعادتها وتحفظ كيان أسرتها وهي الاعتناء بزوجها وأطفالها وبيتها.(2)

الجاهلية

الجاهلية ليست فترة زمنية انتهت بظهور الإسلام بل هي حالة اجتماعية وفكرية عقائدية تتردى إليها البشرية كلما*

ص: 64


1- خطاب: الأربعون حديثاً في قضايا المرأة .
2- خطاب: دور المرأة في بناء العراق الجديد .

ابتعدت عن المنهج الإلهي ولها سمات وخصائص ذكرناها هناك وهي مجتمعة في عالم اليوم. (1)

* إن الجاهلية المعاصرة جمعت مساوئ كل تلك الجاهليات وتشكل المرأة ركيزة أساسية في حالة التردي هذه ووسيلة مهمة لإعادة الأمة إلى جاهليتها لذا ورد في الحديث إن النساء حبائل الشيطان والهم الرئيسي للشيطان إبعاد الناس عن طاعة الله تعالى .(2)

* صنعت الجاهلية آلهة جديدة اقتنعت المرأة بالخضوع لها وطاعتها وعدم الخروج عن مقتضياتها وهي معاني العبادة (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ) فالمرأة اليوم تخضع للتقليد وللأعراف ولما يقتضيه الاتكيت الاجتماعي .(3)

ص: 65


1- خطاب: الأربعون حديثاً في قضايا المرأة .
2- المصدر نفسه .
3- المصدر نفسه .

المجتمع الجاهلي

المجتمع الجاهلي هو من فقد خصائص المجتمع المسلم، فالسلطة ليست لله، وإنما لعباده، والتصورات والأعراف التي تحكمه شيطانية ما أنزل الله بها من سلطان، فيكون بعضهم أرباباً لبعض، يشرعون لهم، والباقون عبيداً لهم (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) ، (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) فينقسم المجتمع إلى مستضعفين ومستكبرين، وتابعين ومتبوعين، ويكون الولاء لغير الله سبحانه، وإنما لعناوين يبتدعونها، وآلهة يصطلحون على عبادتها، وأداء مراسيم الطاعة والولاء لها، كالعشيرة والوطن والقومية والجنس واللون وربما الرياضة أو الحزب أو أي انتماء آخر، التي قد

ص: 66

* علمتَ أنها عناصر ذاتية في إنسانية الإنسان، وتكون الأعراف والتقاليد والنظم الإجتماعية المتبعة من وضع البشر، لا الخالق سبحانه وتعالى.(1)

* ذكر سماحة الشيخ (دام ظله) مجموعة نقاط تلتقي فيها جاهلية أمس بجاهلية اليوم وملخصها هو :

1- إن جاهلية الأمس كانت تعبد غير الله تعالى ، وجاهلية اليوم كذلك تعبد غير الله تعالى، لأن العبادة بمعنى (الطاعة والولاء)، وأصنام اليوم أشد خطراً من أصنام الأمس الصماء، فهي اليوم أشد تأثيراً وإغراءاً، كالمطربين، والممثلات، والموضة، والاتكيت.

2- إن جاهلية الأمس كانت تحكمها غير شريعة الإسلام، وكل حكم اليوم بغير ما أنزل الله تعالى فهو حكم جاهلي (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ)، وما أكثر هذه الأحكام اليوم منحكم العشائر إلى القوانيّن الوضعية التي تبنتها دول العالم.

ص: 67


1- كتاب الأسوة الحسنة للقادة والمصلحين .

3- إنحراف العقيدة في مجتمع الأمس يشبهه إنحرافها اليوم.

4- من معالم الجاهلية السفور والتبرج والتهتك وشيوع الفاحشة الذي لا يخفى على مبصر.

5- ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

6- التقليد الأعمى للآباء والأعراف المتفشية بينهم، وتقليد اليوم أخطر من سابقه، حيث إتباع المطرب والفنان والرياضي.

7- عدم معرفة الإمام الحقيقي والمسئولية المترتبة على هذه المعرفة، مثلما نراه اليوم بكل وضوح.

8- الخضوع للماديات، وعدم الإعتراف بما وراء المادة وإنكار الغيب.

9- ومن سمات الجاهلية عزل الناس عن القرآن.

10- ومن سمات الجاهلية التشتت والتمزق، كما هو واضح.

ص: 68

11- ومن سمات الجاهلية الرعب من الموت، ومن كل ما يوحي به .(1)

الديمقراطية

* الديمقراطية أي احترام إرادة الشعب والرجوع إليه في تقرير مصيره .(2)

للديمقراطية معنيين أو مساحتين للعمل واحدة مرفوضة وأخرى مقبولة.فتارة يراد بالديمقراطية حاكمية الشعب أو كما يعبرون (الشعب مصدر السلطات) وان الأغلبية إذا شرعت شيئاً كزواج المثليين أو جواز موت الرحمة - كما يسمونه - أو إباحة العلاقات الجنسية للمرأة خارج إطار الزوجية أو مساواة الرجل والمرأة في الميراث فيسري العمل بهذا القانونويكون

ص: 69


1- كتاب الأسوة الحسنة للقادة والمصلحين ،نقلاً عن كتاب شكوى القرآن. ص61 (بتصرف) .
2- خطاب: الإسلام والديمقراطية وحقوق الإنسان .

نافذاً وهذا شيء مرفوض في الإسلام لأن الحاكمية لله تبارك وتعالى (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)، فلا يحق لأي شخص أن يسنّ تشريعاً مخالفاً لشريعة الله تبارك وتعالى وفي ضوء هذا المبدأ على السلطات الثلاث (التشريعية والقضائية والتنفيذية) أن تفهم صلاحياتها وحدودها. وتارة يراد بالديمقراطية الآلية التي يختار بها الشعب قادته وحاكميه ومدبري شؤونه وهذا مما لا بأس به فإن الله تبارك وتعالى أوكل تصريف شؤون العباد إليهم أنفسهم فينظمون الآلية التي يتوافقون عليها قال تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) فاستعمل ضمير (هم) أي أن الأمور العائدة إليهم في تدابير شؤونهم* الحياتية فهذا موكول لهم وترك تفاصيلها إليهم

ص: 70

مما سماها بعض الفقهاء (قدس الله أسرارهم) منطقة الفراغ وهي ليست فراغاً في الحقيقة وإنما بمعنى إن المشرع وضع لها حدودها وأطرها العامة وترك التفاصيل إلى الأمة لتختار الأسلوب المناسب .(1)

المعارضة الايجابية

* المعارضة الايجابية تعتبر جزءاً مقوماً من العملية الديمقراطية .(2)

هو أن يكون ترشيح الأشخاص المستقلين إلى المؤسسات الحكومية المسؤولة عن النزاهة والتفتيش ومحاربة الفساد عن طريق الأحزاب والفعاليات السياسية غير المشاركة في الحكومة إما لاختيارها لنفسها أن تكون في صف المعارضة الايجابية والنقد* البنّاء أو أن مقاعدها في البرلمان لايؤهلها لتحصيل حقيبة وزارية

ص: 71


1- المصدر نفسه .
2- خطاب: 155المشروع الوطني للإصلاح السياسي

أو أنها تمتلك حضورا سياسيا وشعبيا فاعلا لكنها لم تحصل على مقعد في البرلمان لسبب أو لآخر مع مراعاة ما يقتضيه النظام الداخلي لعمل هذه المؤسسات من الاستقلالية والمهنية وغيرها من الشروط .(1)

العروبة

إذا كان المقصود بالعروبة الأخلاق الفاضلة التي تأصلت لدى العرب كالغيرة والكرم والشجاعة والإباء والتي ذكّر بها الإمام الحسين (علیه السلام) أهل الكوفة وقال لهم (إن كنتم لا تخافون الله ولا ترجون يوم المعاد فارجعوا إلى أحسابكم وأنسابكم إن كنتم عُرُباً كما تزعمون) هذه التي كانت موجودة منذ الجاهلية إلا أنها كانت ناقصة ومخلوطة بأخلاق رديئة أخرى فجاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليهذب أخلاقهم ويطهّر نفوسهم* وقلوبهم ويزيل عنهم إصر الجاهلية وأغلالها فقال (صلى الله

ص: 72


1- خطاب: 132 معالجات لمشكلة الفساد الإداري والمالي .

عليه وآله وسلم) (إنما بُعِثتُ لأتمم مكارم الأخلاق) ونظمها جدي اليعقوبي (رحمه الله) في قصيدته: (ومكارم الأخلاق كانت تشتكي نقصاً فتمّ بأحمد النقصانُ) .(1)

السياسة

السياسة (2)

* اشتهر بين السياسيين قولهم (لا توجد عداوات ثابتة ولا صداقات ثابتة وإنما توجد مصالح ثابتة) ونحن نقول توجد (مبادئ ثابتة) والمصالح الحقيقية ليست هي التي نقررّها نحن وإنما التي تنسجم مع هذه المبادئ .(3)

* السياسة - (يقصد دام ظله) السياسة المتبعة على النهج غير الإسلامي - لا تعرف أماً ولا أباً ولا صاحباً ولا صديقاً

ص: 73


1- خطاب: ثقافة دستورية الحلقة الثانية .
2- يعرّف السياسيون مصطلح السياسة بأنها: (فنّ الممكن) .
3- خطاب: المبادئ الثابتة في السياسة .

والسيناريوهات الموضوعة للعراق والعراقيين خطيرة وبعضها مرعبة.(1)

* العزوف عن العمل السياسي وترك الساحة لأولئك العابثين بمقدرات الأمة فهذا تقصير غير مغتفر وإذا كان له عذر في الزمان الماضي فليس له عذر اليوم.فهي مسؤولية كل إنسان كفوء نزيه قادر على أن ينصف الناس ويعطي لكل ذي حق حقه ويقيم النظام ويبسط الأمن ويسير بالعدل ويمنع الظلم والفساد والانحراف بمقدار ما يستطيع وهذه هي السياسة في الإسلام التي كان على رأس من باشرها رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وأمير المؤمنين والهداة من أهل بيته (عليهم السلام) بحيث نخاطبهم في الزيارة بأنهم (ساسة العباد وأركان البلاد).(2)

ص: 74


1- خطاب: إننا بحاجة إلى مشاريع إعمار كما نحن بحاجة إلى مشاريع استشهاد .
2- خطاب: العمل السياسي من الواجبات الشرعية .

العولمة

* العولمة التي تعني عندهم تعويم كل الثوابت الأخلاقية والدينية والاجتماعية وتذويبها وتحطيمها وجعل الشعوب جميعاً خالية من المحتوى والانتماء ليسهل تطويعها وقيادتها بالاتجاه الذي يريدون ثم أقاموا ما يسمونه بمؤسسات المجتمع المدني تحت واجهات متعددة لتقود الشعوب بهذا الاتجاه.(1)

* العولمة الذي يريدون به جعل العالم كله يفكر ويسير ويتحرك ويعيش كما يريدون هم وهو منطق المستكبرين دائماً كما ينقل القرآن الكريم عن فرعون (ما أريكم إلا ما أرى) (أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون) وليس لأحد أن يخالفهم ويخرج عن دائرة نفوذهم ومصالحهم وإلا فالويل كل الويل له ووظفوا لذلك آلة عسكرية

ص: 75


1- خطاب: كيف نفهم الإساءة إلى أشرف الخلق محمد صلى الله عليه وآله ؟.

ضخمة تطال أي متمرد عنهم ومؤسسات اقتصادية تبتلع أي بلد وتغرقه في ديون وتضخمات لا ينجوا منها ليبقى يدور في فلكهم ولا تكون إرادته مستقلة عن إرادتهم وسوقوا إلينا ثقافتهم الهزيلة وصنعوا لها رموزاً تافهة لنقتدي بها ونتأثر بها فكراً وسلوكاً ونظاماً بعد أن صنعوا لأنفسهم هالة من الإعجاب والانبهار لتفوقهم العلمي والتكنولوجي فحاولوا أن يكون هذا منطلقاً للتبعية الفكرية والأخلاقية والاجتماعية ويجردونا عما نمتلك من قوة في هذه الجوانب يحسدوننا عليها ولا يرضون منا إلا بتركها. من هنا وجب على مفكرينا عدة خطوات :1- انفتاح الحضارتين على بعضهما والتعرف على حقيقة كل منهما من حيث المقومات والأهداف والآليات وغيرها فإنها خطوة كبيرة ومقدمة مهمة للالتقاء

2- عرض النماذج الكاملة من رموزنا ودراسة سيرتهم وتحليلها وبيان نقاط العظمة فيها وهم كثر بفضل الله تبارك وتعالى وأولهم أكمل الخلق جميعاً محمد رسول الله (صلى الله

ص: 76

عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب اخو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ونفسه والأئمة الطاهرين وأصحابهم البررة لان من طبع الناس التأثر بالرموز الكبيرة الشهيرة والاقتداء بها وقد نبه القرآن الكريم إلى أهمية هذا الأسلوب في التربية وهو الاقتداء بالنماذج الكاملة قال تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر) فإذا لم نوفر للناس مثل هذه الأسوة فإنهم سينساقون وراء قدوات تافهة كالرياضيين والفنانين ونحوهم.3- أن نجيد لغة الخطاب والحوار مع الطرف الآخر ونفهم المداخل المناسبة لعقله وقلبه ونفسه فلا يناسب أن اشرح للأوربي الغارق في الماديات بان سبب ثورة الإمام الحسين (علیه السلام) على يزيد بأنه كان يشرب الخمر وينكح المحارم ويضرب بالطنبور ومثل الحسين (علیه السلام) لا يبايع مثله لان المخاطب لا يرى في ذلك أي مشكلة لأنه يرى ان غايته في الحياة هو التمتع بهذه الأمور: الجنس والخمر والموسيقى فلا يوجد مبرر لخروج الحسين

ص: 77

(علیه السلام) لكن إذا عرضت يزيد كقاتل للنفس المحترمة بغير حق ومصادر للحريات ويسرق الأموال العامة لينفقها على ملذاته الشخصية ويثري بغير حق وتسلط بالقهر على رقاب الأمة من دون إجراء انتخابات حرة فسيكون المبرر للثورة عليه واضحاً ومثيراً للإعجاب. (1)

حقوق الإنسان

* حقوق الإنسان الإسلام هو رائدها ومؤسسها والتزم بها قادة الإسلام ورسموا لها أنبل الصور التزاماً بقوله تعالى: ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ … وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ) وجوامع الحديث مليئة بهذه التعاليم. راجع كتاب آداب العشرة في المجلد الثامن من وسائل الشيعة ورسالة الحقوق للإمام السجاد (علیه السلام) ، وعهد الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) إلى مالك

ص: 78


1- خطاب: حاجة البشرية إلى علي بن أبي طالب(علیه السلام) : صوت العدالة الإنسانية .

الاشتر لما ولاّه مصر ومما جاء فيه: (واستشعر الرحمة للرعية فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق) فمَنْ مِنْ زعماء الدول التي تدّعي الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان يقف كرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما جمع أصحابه وقال لهم: (يوشك أن ادعى فأجيب فمن كانت له قبلي مظلمة فليقتصها مني قبل أن يأتي يوم القصاص الإلهي العادل)، فيقوم له أحد أصحابه ويقول له: إنك في يوم كان ازدحام الناس حولك شديداً ورفعت قضيبك الممشوق لتضرب ناقتك فوقع عليّ خطأ فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقضيب وكشف عن موضع القصاص من جسده الشريف ودعا الصحابي للاقتصاص ورأى أحد أصحابه يعبث بصيد العصافير فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) له: استعد لمساءلته يوم القيامة فإنه يخاصمك أمام رب العزة والجلال ويقول: ربّ اسأله لماذا قتلني وهو لا ينتفع بلحمي.(1)

ص: 79


1- خطاب: الإسلام والديمقراطية وحقوق الإنسان .

الشراكة في الحكم

* العملية السياسية الناجحة تُبنى على الشراكة .(1)

* لا يمكن بناء العملية السياسية في هذه المرحلة على الأقل على أساس حكم الأغلبية وإنما تجب العودة إلى حكومة الشراكة الوطنية مع مراعاة الاستحقاقات وأن تتخذ القرارات الستراتيجية وفق مبدأ التوافق .(2)

* إن الحكومة الحالية لا تناسب الوضع السياسي والاجتماعي في العراق اليوم ولابد من العودة إلى حكومة الشراكة والوحدة الوطنية فان الاستئثار والتفرد هو الذي يؤدي إلى العنف ويقود إلى الخراب.(3)

ص: 80


1- خطاب: 204 الحل الجذري لأزمة قانون الانتخابات وغيرها بإصلاح مجمل العملية السياسية .
2- خطاب: 180حوارات سياسية (الحلقة الخامسة) موعظة للإعلاميين .
3- المصدر نفسه .

إن الذين يرفعون لواء الدفاع عن قوميتهم أو مذهبهم أو طائفتهم لو كانوا صادقين في دعواهم لعملوا على إحياء مشروع وطني ينضّم إليه الجميع ويعتمد الشراكة الحقيقية وتقديم الاكفأ واعطاء كل ذي حق حقه لان الوطن حاضنه الدين والطائفة والقومية فإذا كان الوطن سليما معافى ومزدهراُ مستقراُ كانت خصوصيات جميع مكوناته محفوفة بخير والعكس بالعكس .(1)

المساواة

المساواة في الحقوق والواجبات بين المرأة والرجل قال تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى)، (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً)،فالمساواة موجودة. نعم، لا توجد مماثلة في الوظائف بينهما لمراعاة التركيبة النفسية والفسيولوجية والاجتماعية لكل منهما ولتقريب الفكرة

ص: 81


1- المجلد الثالث لقائه مع وفد جماعة علماء العراق برئاسة فضيلة الشيخ خالد الملا رئيس جماعة علماء العراق في الجنوب .

ننقل المثال التالي لو أن شخصاً أراد أن يوزع أمواله على أولاده الثلاثة وكان يملك نقداً بمقدار مليون دينار ومصنعاً بقيمة مليون ومزرعة بقيمة مليون وكان أحد أولاده يحسن التجارة والآخر يجيد الحرفة والصناعة والآخر يجيدالزراعة فأعطى الثلاثة للثلاثة على الترتيب فالأب هنا ساوى بين أولاده لكنه لم يماثل بينهم مراعياً ما يناسب كل واحد منهم وهكذا الرجل والمرأة فإنهم متساوون من حيث المسؤولية والاستحقاقات ولكن توزيعها عليهما روعيت فيه المناسبة فالقيمومة للرجل والحضانة للمرأة والنفقة على الرجل وإن كانت المرأة موسرة مقابل زيادة حصته في الميراث وهكذا، ولا تعني المساواة أبداً إعطاءهم نفس الوظائف وتستطيع أن تكتشف إن هؤلاء المتحمسين للدفاع عن مساواة المرأة في دول الغرب لا تشغل المرأة نسبة خمسة بالمائة من رؤساء الحكومات والوزراء والقادة العسكريين ورؤساء الجامعات والمتحكمين في الأسواق والبورصات ومدراء الشركات الكبرى وغيرها مما لا تناسب طبيعة المرأة فإذن هم

ص: 82

سائرون عملياً على هذا التوزيع الطبيعي للأمور وإنما يثيرون هذه الفقاعات لاستدراج الضحلين والغوغاء لإبعاد الأمة عن عقيدتها وأخلاقها.(1)

الشعائر

* إن الشعائر الحسينية ليست انفعالات وردود فعل عاطفية هوجاء لا معنى لها وإنما هي مدرسة يستلهم منها العلماء والمفكرون وطالبوا الفضيلة كل معاني السمو والكمال وبهذا وغيره من عناصر القوة .(2)

* دعوا الناس تختار الطريقة التي تعبر بها عن انتمائها لمدرسة الحسين (عليه السلام) في التضحية والإباء ورفض الظلم

ص: 83


1- خطاب: الإسلام والديمقراطية وحقوق الإنسان .
2- خطاب: حضور الملايين وطلبة الجامعات في زيارة الأربعين أفضل رد على عرقلة العملية السياسية .

والسعي إلى الإصلاح في الأمة ما لم تقترن بمخالفة شرعية فان كل طبقة لها صيغة تناسبها لتربيتها .(1)

تبقى شعيرة الذهاب إلى كربلاء سيراً على الأقدام أهم الوسائل الحضارية التي تعبر الاُمة من خلالها عن مطالبها* وأهدافها وهو أسلوب أثبت نجاحه عبر التاريخ واستفاد منه القادة العظماء وأولهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي أمر المسلمين بالتوجه إلى مكة في عمرة القضاء في السنة السابعة للهجرة والسيوف في إغمادها مما اضطر قريش إلى الاستسلام وسحب المبررات من اتخاذ أي أجراً مسلح وانهزمت بعدها قريش.(2)

إن قيمة العبادات والشعائر التي نؤديها بمقدار تحقيقها لتلك المضامين العالية، قال تعالى (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ

ص: 84


1- خطاب: دعوا كل طبقة في المجتمع تعبر عن إنتمائها لمدرسة الحسين (علیه السلام) بالطريقة التي تراها تناسبها .
2- خطاب: المسيرات الراجلة وسيلة حضارية تستنقذ الأمة بها حقوقها .

لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ( لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ ْ) (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ). فإذا تجردت عن المضامين فإنها ستفرغ من القيمة إلا أن يتداركها الله تعالى بفضله وكرمه.خذ لذلك مثالاً قشور الفاكهة فإنها ما دامت محتوية على اللب وحافظة له فلها كل القيمة، ولكنها إذا نزعت عنها فلا قيمة لها وترمى في سلة النفايات.فالمأمول هو أحياء هذه الشعائر بشكل واعٍ مع استحضار للأهداف التي أسست من أجلها، والمبادئ التي أراد الأئمة المعصومون(عليهم السلام) تركيزها من خلال إحيائها، فلم يستشهد الإمام الحسين (علیه السلام) من أجل أن نبكي عليه فقط أو لنتفجّع ونحزن، وإن كان هذا مطلوباً في نفسه ، ولكن الهدف هو توظيف هذا الحزن والبكاء والألم في رفض الظلم والانحراف والفساد والسعي بهمة عالية نحو الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.(1)

ص: 85


1- خطاب: إدامة آثار الشعائر الحسينية ضمانة التقدم .

إن هذه الشعائر تمدهم بالإيمان وحرارة الولاء التي كلما خبت زادتها هذه الشعائر اتقاداً وما بقاء الدين عامراً في أمتنا رغم المحن الكثيرة إلا ببركات الحسين (علیه السلام) وما هذا الحماس الديني الذي تنبض به قلوب المؤمنين إلا من آثار إقامة الشعائر الحسينية .(1)

الوحدة

إننا كثيراً ما نطالب بوحدة الحوزة الشريفة وهو مطلب حق وضروري وإذا تحقق فانه سيأتي ببركات كثيرة فماذا نعني بتوحيد الحوزة ؟ لا نريد بذلك طبعاً وحدة الفتوى الصادرة منهم فان هذا متوقف على ما يراه الفقيه حجة بينه وبين الله تعالى ولا يمكن أن تفرض على فقيه فتوى معينة، وإنما نعني بالوحدة وحدة المواقف إزاء القضايا العامة والمصيرية التي تواجه الأمة أو على الأقل عدم التقاطع بينهم وهذا إنما يتحقق

ص: 86


1- خطاب: في ذكرى زيارة الأربعين عام 1425م.

بتشكيل جماعة تضم علماء وفضلاء يمثلون مختلف الجهات المرجعية الموجودة ويتدارسون القضايا التي تواجه الأمة ويقررون اتخاذ موقف موحد بإزائها.(1)

* بخلق ثقافة المحبة والأخوة واحترام الرأي الآخر والشراكة معه ولا تتحقق هذه الثقافة الا بقيام صناع الرأي في الأمة من علماء ومفكرين وكتاب وخطباء وأدباء وصحفيين وإعلاميين في إشاعة هذه الأجواء الايجابية وحينئذ ستتوجه الأمة كلها بهذا الاتجاه إما أن تكون اللغة السائدة هي التكفير والإلغاء والاتهام والحقد فلا معنى للحديث عن الوحدة والمؤاخاة .(2)

إن الاختلاف بوجهات النظر لا يستلزم التناحر والتشاجر ومن ثم التكفير وربما الحكم باستحقاق القتل، إن الاختلاف بالرأي سنة جارية بين أبناء البشر وقد قصَّ القرآن شواهد على ذلك حتى بين الأنبياء وهم معصومون من الخطأ

ص: 87


1- خطاب: جماعة الفضلاء : الأهداف والأعمال .
2- خطاب: الصدق في الدعوة إلى الوحدة والمؤاخاة .

فعندما عبدت بنو إسرائيل العجل وكان موسى (علیه السلام) غائباً* فلم يتخذ أخوه هارون (علیه السلام) إجراءً حاسماً خشية تفرق بني إسرائيل .(1)

* إن هذه الدعوة للم الشمل لا تعني المداهنة في أمر الله سبحانه وإنما الذي، أقوله هو نبذ العنف والتفسيق والتكفير والسب والشتم وتبادل التهم والتعويض عنه بلغة الحوار والإدلاء بالحجة (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ). (2)

* الوحدة الحقيقية للأمة (هي أن تكون) تحت راية القيادة الحقّة حيث قالت عليها السلام (أي السيدة الزهراء): (وجعل الله طاعتنا نظاماً للملّة وإمامتنا أماناً من الفرقة).(3)

الوحدة بين المسلمين تتحقق بالعودة إلى كتاب الله تبارك وتعالى وسنّته الشريفة الصحيحة بعد تنقيحها من التلاعب

ص: 88


1- كتاب المعالم المستقبلية للحوزة العلمية .
2- كتاب المعالم المستقبلية للحوزة العلمية .
3- خطاب:120 فاطمة الزهراء: ميزان الحق .

والتزوير والدس الذي قام به المنافقون، وحينئذ سيلتقي جميع* المسلمين عند الحقائق التي يعلمها الله تبارك وتعالى.والوصول إلى الحقيقة وكشفها للناس وظيفة العلماء الأجلاء، ولا نصل إلى الحقيقة إلا بتحرير العقول من التقليد والتعصب والتحجّر .(1)

المقاومة

* . الحرب هي هي لم تتغير أهدافها وان اختلفت آلياتها فأصبحت سيارات مفخخة تستهدف المساجد والشعائر الحسينية وتجمعات الأطفال وحزاماً ناسفاً يتفجر وسط طابور الناخبين الذين اصطفوا ليصوتوا للحرية والانعتاق من عبودية الطواغيت واغتيالات طالت علماء الدين ورموز الفكر والأساتذة الجامعيين والإدارات الكفوءة ويسمون كل ذلك (مقاومة) تتبجح بها وسائل الإعلام المأجورة والحاقدة. (2)

ص: 89


1- خطاب: 183 يوم الغدير أساس وحدة المسلمين .
2- خطاب: ماذا بعد الانتخابات ؟

* المقاومة السلمية الحكيمة للمرجعية الرشيدة والحضور الفاعل المستمر للجماهير الواعية في الساحة فإنها سحبت كل المبررات لتسلط القوى الأجنبية هذا التلاحم العتيد بين المرجعية والأمة الرسالية هو الذي حقق ذلك الانتصار وبقيت نشوته حتى أيام عاشوراء حين عززته الجماهير بنصر آخر لا يقل عنه عظمةً وزهواً بتلك المشاركة المنقطعة النظير في الشعائر الحسينية في كربلاء وسائر المدن العراقية حيث بدا للعالم الانتماء الحقيقي لهذا الشعب .(1)

للمقاومة ثقافة ولها أخلاق فنقرأ في سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انه كان كلما بعث سرية أو جيشاً حملهم مع السلاح توجيهات ونصائح وأخلاق بان لا يقتلوا امرأة ولا طفلاً ولا شيخاً ولا يقطعوا شجرة وان يقبلوا إسلام*

ص: 90


1- المصدر نفسه .

من أعلن الشهادتين وان لا يجهزوا على جريح ونحوها مما حوته جوامع الحديث .(1)

* إن المقاومة المسلحة لا تكون مجدية في طرد الاحتلال إلا إذا كانت خيارا وطنياً مجمعا عليه من قبل الأمة فان العراقيين لم يفلحوا في إنهاء الاحتلال الانكليزي في ثورة العشرين وتأسيس حكم وطني إلا حينما شارك وسط وجنوب وشمال العراق في المواجهات ولا يتحقق هذا الإجماع إلا بعد فشل الوسائل السلمية والإصرار على نجاح العملية السياسية .(2)

فمن أراد إصلاح الأمراء وتغييرهم فليبدأ بتغيير المجتمع ومن العبث وإلقاء النفس في التهلكة التفكير في الأول أي بالتزام المقاومة المسلحة ونحوها لتغيير أنظمة الحكم من دون* السعي

ص: 91


1- خطاب: الصدق في الدعوة إلى الوحدة والمؤاخاة .
2- خطاب: حوارات سياسية عن مبررات وجوب المشاركة في الانتخابات والمشروع الإسلامي في العراق (الحلقة الثالثة) .

لتحقيق الثاني أولاً، فان هذا وعد الله سبحانه (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) .(1)

النزاهة

النزاهة لا تعني محاربة الفساد الإداري والمالي فقط بل إن (مفوضية النزاهة) مسؤولة عن التوزيع العادل للثروة على أبناء الشعب بحسب نسبة السكان وحاجة المحافظات .(2)

الرياضة

يتصور البعض إن موقف الشارع المقدس من الرياضة سلبي مطلقاً، وهذا التصور خاطئ ولعل منشأه سوء فهم هذا الموقف من الألعاب الرياضية . فالشارع المقدس هذّب حالة

ص: 92


1- خطاب: حاجة الحوزة العلمية إلى التحديث صلاح الأمة بصلاح الحوزة العلمية .
2- خطاب: مفوضية النزاهة مطالبة بالمصداقية .

الرياضة ونقّاها من الممارسات المنافية لمبادئه العامة وهذا لايعني رفض الحالة كلياً ، كما انه هذّب حالة تناول الطعام أو العلاقة الزوجية او حالة التخلي فجعل لها محرمات و مكروهات وهذا لايعني إلغاءها بالمرّة وهي حاجات حياتية وإنما هو تهذيب للحالة وتنظيمها لتقع في طريق التكامل وتنتج السعادة والفلاح للإنسان في الدنيا والآخرة.وهكذا فقد وُضعِت في الإسلام حدودٌ للرياضة المنتجة والمثمرة ومنها :أن تكون عقلائية أي تساهم في تحقيق الأهداف الإنسانية التي تطلب من ممارسة الرياضة ولذا تحرم رياضة الملاكمة الضّارة بالإنسان وقيادة السيارات الموجبة للهلاك ومصارعة الثيران ونحوها وان مجرد تحقيق الإثارة للمشاهدين لا يُعدُّ مبرراً كافياً لممارستها.أن لا تتضمن محرمات مخالفة لأحكام الشريعة كظهور النساء بوضع غير محتشم أو مثير للفتنة. ن لا تؤدي إلى تفويت الواجبات سواء*

ص: 93

كانت فردية كالصلاة أو اجتماعية كأعمار البلاد و إصلاح الفساد وإقامة العدل وإنصاف المظلومين .(1)

إذا كانت ممارسة الألعاب الرياضية ضمن الأطر العامة التي وضعها الشارع المقدس فلا بأس بها بل حثّ على جملة منها كالسباحة وركوب الخيل والعدو والرماية باعتبارها أنواعاً متداولة يومئذٍ ويشمل الاستحباب كل أنواع الألعاب التي تساعد على بناء جسم صحيح الذي يكون خير معين على طاعة الله تبارك وتعالى والسعي لمرضاته كما ورد في الدعاء (اللهم أجعل قوتي في طاعتك ،ونشاطي في عبادتك) ومن طرق تحصيل القوة والنشاط ممارسة الألعاب الرياضية النافعة.هذا إضافة إلى ما توفره الألعاب الرياضية من فوائد روحية واجتماعية وتدريب على العمل الجماعي وتحقيق الانسجام والوحدة والتكاتف وتذويب الخلافات والشفافية في التعامل*

ص: 94


1- خطاب: الرياضة المهذَّبة في الإسلام .

حتى ضرب المثل لمن يكون شفافاً وعلاقته طيبة مع الآخرين أنه يمتلك روحا رياضيه .(1)

الفن

* الفن والثقافة والرياضة هي جزء من الحياة وهي محرك أساس لوحدة المجتمع وأداة لتعارف الشعوب وتطورها لذا فان الاهتمام بها ودعمها يشكل ضرورة ملحة لما لها من اثر بالغ في تنقية الأجواء وتهذيب النفوس وتخليها عن الشوائب بالاستخدام الأمثل لهذه الفنون.(2)

إن الفن رسالة إنسانية تتجاوز حواجز اللغة والانتماء ويستطيع الفنان أن يختصر بلوحته مجلداً ضخما من الكلام ويوصل المعنى بشكل مؤثر ولكن الفن التشكيلي كسائر الفنون

ص: 95


1- خطاب: الرياضة المهذَّبة في الإسلام .
2- خطاب: للفن والرياضة رسالة عالمية يمكن أن توحّد البشر .

والآداب لا تجد رعاية ولا اهتماماً من المسؤولين لذا فان الأمة غافلة عنها ومحرومة من الاستفادة من قوة تأثيرها.(1)

ص: 96


1- خطاب: الفن رسالة إنسانية مؤثرة .

المصادر

1. خطابات المرحلة الجزء الأول .

2. خطابات المرحلة الجزء الثاني.

3. خطابات المرحلة الجزء الثالث .

4. خطابات المرحلة التي لم تطبع في الجزء الثالث .

5. الأسوة الحسنة للقادة والمصلحين .

6. رسالة سبل السلام .

7. شكوى الإمام (علیه السلام) .

8. شكوى القرآن .

9. المعالم المستقبلية للحوزة العلمية .

10. حديث الروح .

ص: 97

المحتويات

المقدمة.... 3

ولاية الفقيه....... 11

الأعلمية..... 16

المرجعية الطيبة والمخلصة.... 18

المرجعية المؤسساتية ...... 19

القائد والمرجعية القيادية..... 22

الفقه والفقيه..... 26

وظائف المرجع الديني....... 30

المرجعية الناطقة..... 32

الاجتهاد... 33

التقليد الواعي....... 34

مؤسسات المجتمع المدني..... 35

المؤمن الرسالي..... 38

وكيل المرجعية... 40

التقية..... 41

ص: 98

العبادة... 42

العزلة.... 45

الانتظار...... 46

العيد..... 49

الشفافية...... 50

الطائفية...... 55

العلمانية..... 59

الحرية.... 61

حرية المرأة....... 63

الجاهلية...... 64

المجتمع الجاهلي...... 66

الديمقراطية....... 69

المعارضة الايجابية... 71

العروبة..... 72

السياسة .... 73

العولمة....... 75

حقوق الإنسان...... 78

الشراكة في الحكم... 80

ص: 99

المساواة...... 81

الشعائر..... 83

الوحدة...... 86

المقاومة...... 89

النزاهة....... 92

الرياضة...... 92

الفن..... 95

المحتويات.... 97

المصادر..... 98

ص: 100

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.