نصّان نادران من مكتبات النجف الأشرف

هویة الکتاب

نصّان نادران

من مكتبات النجف الأشرف

1- رسالة في المشتق

2- تاريخ الخزانة العلوية المطهرة

للشيخ الميرزا أبو القاسم الكلانتري النوري

(1236- 1292ﻫ = 1821- 1875م)

دراسة وتحقيق

وسام الوائلي أ.م.د علي عباس الاعرجي

ص: 1

اشارة

النص الأول: رسالة في المشتق

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً﴾

صدق الله العليّ العظيم

(سورة الإسراء: الآية 85)

ص: 2

الإهداء

إلى زوجي الكريمة أمّ محمد

لا عيني رأت ولا أذني سمعت أنبل من نفسك وأرقى من قلبك

لكِ أهدي، ومنكِ أنتظر القبول.

عليّ

ص: 3

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمّد وعلى آله الطيبين الطاهرين،

وبعد....

فلا شكّ ولا ريب أن أجدادنا أهدونا عصارة أفكارهم بما قاموا به من دراسة وتأليف، وما وصلنا من مخطوطات هائلة تعدّ بالملايين دليل على ما نقول، إنّ نشر أيّ نصّ من نصوص التراث العربي يعدّ فضيلةً كبرى؛ لأنه جانب من جوانب الوفاء لهم، على الرغم من أن هناك من النصوص من ينتظر من يزيح غبار الزمن عنه.

وفي النجف الاشرف مكتباتٌ كثيرة تحوي مخطوطاتٍ نادرةً ونفيسة، ومن هذه النصوص: رسالة في المشتق للشيخ الميرزا أبو القاسم الكلانتري النوري(1236- 1292ﻫ = 1821- 1875م) الذي عثرت عليه في إحدى المكتبات الخاصة كان صاحبها "رحمه الله" قد جلب هذا المخطوط من إيران قبل حوالي 40 سنة، وبقي تحت ركامٍ من التراب، لاسيما بعد تهجير الإيرانيين من العراق مقتبل الثمانينيات، بقي النصّ على ما هو عليه حتى أهدانيه واحدٌ من أحفاده الكرام طلب عدم ذكر اسمه، فعكفت على تحقيقه في شهر رمضان المبارك 1433ﻫ .

وكان عملي في هذا المخطوط أن أعدت نقله بحسب الخطّ القياسي الحديث، وترجمت للعلماء الواردين في طيّات الكتاب، وعالجت حالات التصحيف والتحريف الموجودة في النصّ، وقدّمت مقدمة - قبل ذلك - بحياته، ومؤلفاته، وشيوخه وتلاميذه، وسيرته العلمية فكانت في الجزء الأوّل من التمهيد، والحديث عن المشتقّ، والمشتقّ الاصولي، وهو مُستقرُّ الجزء الثاني منه، وكذا تعريف المشتق عند اللغوين بعامة، ثمّ عند الاصوليين، فوجدت أنّ هناك نسبة تتعالق في ما بينهما وهي العموم من وجه.

ص: 4

وألحقت ما مضى بمجْردٍ للعلماء الذين ألّفوا بالمشتق الاصولي.

تعدّ مباحث الالفاظ في علم الاصول من المباحث المهمة التي أوليت عناية خاصة عند الاصوليين بوصفها من أدوات التحليل اللغوي ومقدماته، هذا من جهة، ووجودها في مقدمات مباحث الاصول -- على حسب تسويغهم -- لأنّ علماء اللغة لم يدرسوها بالشكل المطلوب، أو قل العمق اللازم، لتحليل نصوصهم الشرعية.

وهذه الرسالة من الرسائل المهمة التي بحثت المشتقّ عند الأصوليين للشيخ الميرزا أبو القاسم الكلانتري النوري( ت 1292ﻫ )، وقد قمت بتحقيقها لإضافتها الى المكتبة اللغوية - الاصولية.

والنصّ المحقق حققته على نسخة خطية في إحدى المكتبات الخاصة في النجف الأشرف، وكانت النسخة الخطية لهذا المخطوط قد فقدت كما ذُكر ذلك في مقدّمة المحقق ل-(مطارح الانظار).

أخرجتها الى النور؛ لأنّ الابحاث اللغوية -- الاصولية تقدم خدمات كثيرة الى العلوم اللغوية الخالصة، فهي تحدد الوسائل المؤدية الى تحديد المفاهيم اللغوية، وتوفير الركائز الاساسية للتعرف على مداليل اللغة.

أما النصّ الثاني فهو(تاريخ الخزانة العلوية المطهرة)، أو(قداسة النجف الأشرف وعظمتها)، للإمام المصلح آية الله الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء(1294ﻫ -- 1373ﻫ )(1876م -- 1954م).

ص: 5

وهذا المخطوط قد كتب بخطّ المؤلف، وهو أشبه بالمذكرات منه الى التأليف، كان وصفا لمرحلة حرجة من المراحل التي مرّت بها النجف، وهو موثِّق لكثير من الأدبيات المروية، وتروى من دون توثيق ليس فيها سوى النقل واحدا عن الاخر، أو كابرا عن كابر.

وهذا المخطوط قد استحصلته من العلاّمة السيّد سامي البدري وقد كلفني بتحقيقه في شعبان علم 1432ﻫ ، وقد اشتركت به في مؤتمر الغدير 1433ﻫ - للمدة من 19- 21 ذي الحجة، وقد نوقش في الجلسة السابعة والختامية للمؤتمر.

يحوي هذا المخطوط كثيرا من الأحداث الدامية والتي أقلّ ما يقال عنها إنها حرجة، في تلك الحقبة التي عاش فيها الامام المصلح الشيخ جعفر كاشف الغطاء( رحمه الله)، وكيف تمّ له نقل الخزانة الى بغداد نتيجة الخوف عليها من هجمات الوهابيين، وكانت الخزانة تعدّ بستّين جملا محمّلا، وحدوث الهجمات الوهابية المتتالية على النجف، وكيف استباح الوهابيون القتلة مدينة كربلاء، وقتلوا ما يقارب الخمسة آلاف نفسا، وحدوث الازمة السياسية بين الدولتين(الإيرانية، والعثمانية) بسبب عدم التزام الأخيرة بردّ الوديعة التي استودعت من الأمين العام للعتبة والشيخ جعفر كاشف الغطاء( رحمه الله).

وقمت في دراستي بتعداد الهجمات الوهابية على العراق، ولا سيما النجف وكربلاء وأوصلتها الى ثلاث عشرة هجمة، والأخيرة كانت في العام 1258 -- 1843م ، وكان هذا الهجوم بعد وفاة السلطان محمد الثاني، وبعد هذا التاريخ اقتصرت هجمات الوهابيين على الحدود بين العراق والجزيرة العربية.

وفي العام 1344ﻫ -- 1926م، أقدم الوهابيون على تهديم قبور أئمة البقيع، وكان ذلك في الثامن من شوال، لمّا لم يستطيعوا الدخول الى هاتين المدينتين.

وأخيرا أقول: عزيزي الباحث الكريم والقارئ اللبيب أضع بين يديك هذين النصّين النادرين لمؤلفين ألمعيين، وأرجو منك إن قرأت كلماتي أن تهديني عيوبي في هذا التحقيق فلا يوجد كتابٌ كاملٌ سوى كتابه تعالى.

وأخي من أهدى إليّ عيوبي.

ص: 6

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

د. علي أبو تراب الاعرجي

aliiwy@yahoo.com

ص: 7

التمهيد

اشارة

ص: 8

التمهيد

الجزء الأوّل: أبو القاسم الكلانتري حياته وآثاره

اسمه ونسبه:

هو الميرزا أبو القاسم ابن الحاج محمد علي ابن الحاج هادي النوري الطهراني الشهير ب-(كلانتري)، وكلانتري نسبة إلى" محمود خان كلانتري" وهو خالٌ له، صَلَبهُ السلطان ناصر الدين القاجاري عام المجاعة (1)، وهو محمود خان كلانتري، الذي تولى في طهران منصب كلانتر، وهو رئيس الاصناف التجارية في عهد ناصر الدين القاجاري (2)، ومعنى(كلنتر) بالفارسية الأكبر، كبير، أو الأعظم، وهي كلمة تتكون من مقطعين: كلان بمعنى الكبير، وتر علامة التفضيل (3)، وفي بخارى يسمون قاضي القضاة قاضي كلان أي القاضي الكبير (4)، والنوري نسبة إلى نور بلد من أعمال مازندران (5) أصل جده منها، وهو صاحب تقريرات بحث الشيخ مرتضى الأنصاري(ت 1281ﻫ ) المشهورة، واسمُه كنيتُه (6).

ص: 9


1- الذريعة:1/267، طبقات أعلام الشيعة، الكرام البررة:58، الاعلام: 5/184.
2- ينظر: مطارح الانظار، مقدمة التحقيق.
3- ينظر: فرهنك نوين عربي فارسي، سيد مصطفى طباطبائي، انتشارات كتاب فروشي، اسلامية، 1377 ش، وفرهنك- معين، ولغت نامه دهخدا.
4- أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين: 2/ 413 – 414.
5- معجم البلدان: 5/306.
6- .ينظر: طبقات أعلام الشيعة، الكرام البررة:58، أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين: 2/ 413 – 414.
ولادته:

ولد في 3 ربيع الثاني سنة 1226 في طهران (1)، أيام الملك فتحعلي شاه القاجاري (2).

أسرته:

لا يعدم التأثير الوراثي في شخص العلامة الكلانتري فهو من أرومة عرفت بالتقوى والصلاح، فجدّه الحاج هادي النوري، كان من التجار الاخيار المعروفين في مدينة نور بمازندران، هاجر منها مع أهله الى طهران وسكن فيها.

أما أبوه الحاج محمد علي النوري، وكان من التجار المشتغلين بطلب العلم، وأمه هي أخت الميرزا محمود خان النوري من بيت شرف وتقوى في مدينة طهران.

أولاده:

أعقب العلامة الكلانتري أولادا لا يُعرف منهم الا:

1- الميرزا محمد علي الطهراني، وهو النجل الاكبر للعلامة الكلانتري، وهو عالم فاضل عاش في طهران، وتوفي بعد أبيه بقليل، ودفن بجواره في مرقد السيد عبد العظيم الحسني بالري.

2- الميرزا أبو الفضل الطهراني، وهو النجل الاصغر للعلامة الكلانتري، كان فقيها حكيما شاعرا وأديبا، ولد سنة 1273ﻫ بطهران، قرأ على والده وجماعة من الاعلام، أمثال المجدد الشيرازي والميرزا حبيب الله الرشتي، والشيخ محمد رضا القمشئي، والميرزا أبي الحسن جلوه، الفقهَ والاصولَ وغيرها، له كتب كثيرة، منها: (شفاء

ص: 10


1- في مطارح الانظار : 1236ﻫ . : 10.
2- مطارح الانظار: 10.

الصدور في شرح زيارة العاشور)، و(حاشية الاسفار)، (ديوان شعر)، وقد احتوى ديوانه على أشعار لمدح المعصومين، ومدح أستاذه السيد محمد محسن الشيرازي، وله أيضا: (صدح الحمامة في أحوال الوالد العلامة) (1)، كتب فيه حياة والده، توفي في طهران 1316ﻫ ، ودفن بجوار والده في مرقد السيد عبد العظيم الحسني بالري (2).

جاء في الكنى والالقاب (3):(ورثاء ابنه العالم الأديب الأريب خاتم رقيمة الأدب والفضل الحاج ميرزا أبو الفضل صاحب كتاب شفاء الصدور في شرح زيارة عاشور بقصيدة منها قوله:

دع العيش والآمال واطوِ الأمانيا فما أنت طول الدهر والله باقيا

رمى الدهر من سهم النوائب ماجدا أعز كريما طاهر الأصل زاكيا

وعلامة الدنيا وواحد أهلها ومن كان عن سرب العلوم محاميا

إلى أن قال:

وقد نلت من عبد العظيم جواره جوارا له طول المدى كنت راجيا

قال الشيخ عباس القمي:

وكان الميرزا أبو الفضل المذكور عالما فاضلا فقيها أصوليا متكلما عارفا بالحكمة والرياضات مطلعا على السير والتواريخ أديبا شاعرا حسن المحاضرة ينظم الشعر الجيد، وله ديوان شعر بالعربية ومن شعره في الحجة ابن الحسن صاحب الزمان صلوات الله عليه:

ص: 11


1- ينظر: الذريعة: 15/27، موسوعة مؤلفي الامامية: 2/256.
2- أعيان الشيعة: 2/474- وما بعدها.
3- 1/144- 145.

يا رحمة الله الذي عمّ الأنام تطولا

وابن الذي في فضله نزل الكتاب مرتلا

لُذنا ببيتك طائفين تخضعا وتذللا

فعسى نفوز برحمة من ربنا ربّ العلى

وله أيضا:

مولاي يا باب الحوائج إنني بك لائذ والى جنابك أرتجي

لا أرتجي أحدا سواك لحاجتي أحدا سواك لحاجتي لا أرتجي

توفي في طهران حدود سنة 1317ﻫ ، ونقل إلى النجف الأشرف فدفن في وادي السلام (1).

3- الميرزا محمد بن أبي الفضل الثقفي الطهراني، وهو حفيد العلامة الكلانتري مؤلف تفسير(روان جاويد) ولد سنة 1313ﻫ ، بطهران ودرس على آقا ميرزا كوجك الساوجي والشيخ بزرك- الساوجي، هاجر الى قم المقدسة تتلمذ في المعقول على السيد أبي الاحسن الرفيعي القزويني وقرأ الفقه والاصول على جماعة، منهم الشيخ عبد الكريم الحائري وهو الذي منحه إجازة الاجتهاد، له تآليف:(غرر الفوائد في الحاشية على درر الفوائد) لأستاذه الشيخ عبد الكريم الحائري، و(تقريرات مبحث النكاح) لأستاذه أيضا (2).

ص: 12


1- 1/144.
2- مطارح الانظار: 11.
حياته العلمية ورحلاته:

سافر معه في حدود سنة 1246ﻫ ، وهو في العاشرة من عمره وذلك بعد أن أكمل تعلم القراءة والكتابة وبعض مقدمات العلوم الحوزية لدى علماء مدينته إذ كان ينماز بذكاء وقاد ونبوغ كبير، وكان سفره هذا الى حوزة أصفهان العلمية وبقي فيها ثلاث سنين أتقن خلالها مقدمات العلوم بعدها رجع الى طهران فمكث فيها سنتين.

بعد ذلك هاجر الى العراق في عام 1251ﻫ وهو في الخامسة عشرة لاستكمال دراسته فمكث هناك بضع سنين، بعدها رجع الى طهران بسبب صعوبة العيش، وذلك عام 1253ﻫ ، وحيث استوعب العلوم الادبية التحق بمدرسة المروي وأخذ العلوم العقلية عن الملا عبد الله الزنوزي، والفقه والاصول على عدد من أساتذتها منهم الشيخ جعفر بن محمد الكرمنشاهي. (1)

عُرف بالفضل والعلم عند علماء زمانه فأشاروا عليه بالعودة الى العراق فرجع اليها سنة 1256ﻫ ، وهو آنذاك ابن عشرين سنة، فقرأ في كربلاء على الفقيه الكبير إبراهيم القزويني المعروف ب-(صاحب الضوابط)، ولازمه بدرسي الفقه والاصول.

وفي العام 1258ﻫ حدثت واقعة هجوم محمد نجيب باشا العثماني على كربلاء مما أدى الى مقتلة عظيمة من سكانها فاضطر الى الخروج منها فرجع الى أصفهان حتى هدأت الفتنة فعاد بعدها الى النجف ملتحقا بحوزته العلمية التي تعد من أكبر الحوزات الشيعية آنذاك.

بعدها حضر درس خاتم المجتهدين الشيخ الانصاري ما يقرب من عشرين سنة، وأصبح يتعاظم يوما بعد يوم حتى ذاع صيته ونبغ في الوسط العلمي الحوزي من بين أقرانه وصار أحد أركان الحوزة العلمية ومقرر أبحاث الشيخ الانصاري وفي

ص: 13


1- مطارح الانظار: 1/12.

حينها صرح الشيخ الانصاري باجتهاده في مواقع من مجالسه، فكان بعد فراغ أستاذه من الدرس يقرر ما أخذه في الفقه والاصول لجماعة من أقرانه وجلسائه في حلقة الدرس (1)

عزم على الرجوع الى طهران سنة 1277ﻫ ، فالتقى أستاذه الانصاري فطلب منه الشيخ الاعظم القيام بوظيفته الشرعية أينما حلّ وارتحل، وبذلك أصبح من زعماء الدين يُشار اليهم بالبنان فعاد مرجعا في الفتيا والتدريس ونشر العلم وسائر أحكام الدين، وكان يحضر دروسه جمع غفير من العلماء والفضلاء، فدرّس الفقه والاصول سبع سنوات في مدرسة المروي (2).

وفاته:

نتيجة لكثرة مطالعته وتأليفه لحقه الرمد، وبسببه أصيب بالعمى أواخر عمره، فلزم بيته طوال مدة من الزمن بعده التحق بالرفيق الاعلى في 3 ربيع الثاني سنة 1292ﻫ ، والطريف انه توفي في التاريخ نفسه الذي ولد فيه، وقد بلغ عمره(56) عاما، من دون زيادة أو نقصان، ودفن بمشهد السيّد عبد العظيم في مقبرة أبي الفتوح الرازي في ظهر قبر حمزة بن موسى بن جعفر(عليهم السلام).

أقوال العلماء فيه:

وصفه ولده الميرزا أبو الفضل فقال: حكيم الفقهاء الربانيين، وفقيه الحكماء الإلهيين وحيد عصره وزمانه، وفريد دهره وأوانه، علاّمة العلماء المجتهدين وكشاف حقائق العلوم بالبراهين (3).

ص: 14


1- . مطارح الانظار: 1/13.
2- . مطارح الانظار: 1/12.
3- أعيان الشيعة: 2/413.

وفي نامه دانشوران ناصري ما ترجمته:(من جملة فقهاء وأجلة علماء طهران وكان جده الحاج هادي من التجار الأبرار جاء من بلدة نور وسكن طهران وكان أحد أولاده الحاج محمد علي والد المترجم قد وضع قدمه في دائرة أهل العلم وتزوج امرأة من أهل بيت دين وتقوى فولد له منها المترجَم، ولما بلغ رتبة الرشد مال إلى تحصيل العلوم ويوما فيوما صارت تظهر عليه امارات الفضل والنبوغ فما بلغ العشر السنوات حتى صار يفهم علوم المقدمات فهما جيدا ويحل العبارات المشكلة بسهولة وانتظم في سلك الطلاب مع أحد أعمامه وذهب إلى أصفهان فبقي فيها نحو ثلاث سنوات تعلم فيها علوم المقدمات ثم رجع إلى طهران فبقي فيها سنتين ثم سافر إلى المشاهد المشرفة في العراق فبقي نحو سنتين، ولما لم تكن أسباب معاشه ميسرة كما يجب عاد إلى طهران وكان قد فرغ في هذه المدة من العلوم الأدبية فسكن في مدرسة الخان المروي وأخذ يقرأ في المعقول على ملا عبد الله الزنوزي وعلى غيره في الفقه والأصول حتى بلغ العشرين من عمره واشتهر بالعلم والفضل فرغبه علماء ذلك الزمان في الهجرة إلى العراق فهاجر إلى كربلاء وحضر درس السيد إبراهيم القزويني في العلوم الشرعية مدة من الزمان ثم وقعت الفتنة في كربلاء والقتل والنهب فاضطر إلى الخروج منها وذهب إلى أصفهان ولما هدأت الفتنة عاد إلى العراق، وحضر درس الشيخ مرتضى الأنصاري في العلوم الشرعية وبعد مدة صار معتمد أستاذه وبقي يحضر درسه نحو عشرين سنة وصرح أستاذه باجتهاده مرارا وفي سنة 1277ﻫ توجه من النجف الأشرف إلى طهران في حياة أستاذه المذكور، فأقام بها وصار مرجع الخاص والعام وفي كل يوم يحضر مجلس درسه الفقهاء والعلماء ويستفيدون منه ولما كانت تولية مدرسة الحاج محمد حسين خان فخر الدولة منوطة

ص: 15

بعمدة المجتهدين الحاج ملا علي فوض إليه التدريس فيها فبقي يدرس فيها الفقه والأصول سبع سنوات وأضر في آخر عمره لرمدٍ لَحِقَهُ) (1).

ويقال إن أستاذه الشيخ مرتضى لما ودّعه قال له ان أشغال العلماء ثلاثة فأوصيك فيها: فواحد منها ان قدرت ان تفعله قربة إلى الله فاقمْه وهو الصلاة بالناس جماعة، وواحد إن قدرت أن تقوم به قربة لله فلا تتعرض له وهو القضاء والحكومة، والثالث إن قدرت أن تفعله لله فافعله وداوم عليه وان لم تقدر ان تفعله فلا تتركه وداوم عليه وهو التدريس والتصنيف وهذه وصيتي إليك فلما رجع إلى طهران اقتصر على التدريس والتصنيف وكان يدرس في المدرسة الفخرية وله التقدم في ذلك على غيره (2)

يقول العاملي معلقا على هذه الوصية:(إن وصية الشيخ مرتضى المذكورة له من الوصايا الخالدة التي يصحّ ان يقال فيها كلام الملوك ملوك الكلام ووصيته له بترك القضاء والحكومة محمولة على وجود من يقوم بالكفاية والا وجب عينًا، ومع ذلك فالحكم بين الناس بالعدل لمن هو لذلك أهل من أفضل الأعمال وكان ينبغي أن يوصيه بتصحيح قراءة الصلاة فان ذلك أمر متهاون فيه حتى من العلماء وبعضهم إذا قيل له ان قراءته غير صحيحة أخذته العزة بالإثم والأمر لله وحده) (3).

وكان المترجَم من عباد الله الصالحين وفي أيام قراءته على الشيخ مرتضى كان من وجوه تلاميذه، وكان بعد فراع أستاذه من الدرس في علمي الأصول والفقه يعيده ويقرره لجماعة من حاضري الدرس وتوجد كتاباته فيهما بخطّ ولده الميرزا أبي

ص: 16


1- نامه دانشوران ناصري: 3/37-44.
2- أعيان الشيعة: 2/413- 414.
3- اعيان الشيعة: 2/414.

الفضل وطبع المجلد الأول منها في الأصول مرارا في إيران وسمي (مطارح الأنظار) ولاقى رواجا عظيما؛ لأنه من أحسن ما قرر فيه مطالب الشيخ مرتضى.

شيوخه، وتلاميذه:

قرأ الكلانتري على عدة مشايخ منهم: ملا عبد الله الزنوزي في المعقولات، والسيد إبراهيم القزويني والشيخ مرتضى الأنصاري في العلوم الشرعية (1)، ومن تلاميذه: الملا فتح علي النهاوندي(ت 1322ﻫ ) بالنجف الأشرف (2)، والشيخ علي أكبر بن محمد مهدي الحكمي(ت 1322ﻫ )، والشيخ محمد صادق الطهراني المعروف ب-(البلور)(ت 1317ﻫ ) (3).

مؤلفاته:

إن مؤلفاته كلّها أو جلّها من تقرير بحث أستاذه الشيخ مرتضى وكان قد كتبها في النجف الأشرف لا في طهران ويمكن ان يكون بيّضها في طهران أو ألف يسيرا منها هناك أما أنه ألفها كلها في طهران فغير صحيح (4)، ثم إنه لم يُطبعْ منها الا جزء واحد في الأصول وهو المسمى ب-(مطارح الأنظار) كما مرّ، وهو يحتوي على رسائل الأصول المتقدمة كلها عدا المشتق وحجية القطع وحجية الظن والاستصحاب والتعادل والترجيح، أمّا رسائل الفقه فلم يطبع منها شيء.

وفي نامه دانشوران انه كان في أيام اقامته في طهران ألف في أكثر مسائل الفقه والأصول عدة رسائل أودعها في مجلدين منها في أصول الفقه بقسميه من

ص: 17


1- أعيان الشيعة: 2/414.
2- أعيان الشيعة: 2/414.
3- . مطارح الانظار: 1/13.
4- كما ورد في نامه دانشوران.

مباحث الألفاظ والأدلة العقلية ومنها في الفقه بهذا التفصيل (1) في الصحيح والأعم، وقد مرّ ان هذا غير صحيح، ومصنفاته (2):

في الأصول:

1- اجتماع الأمر والنهي واقتضاء النهي الفساد.

2 - الاجزاء.

3- مقدمة الواجب.

4- مسألة الضد العام والخاص والمجمل والمبين.

5- المطلق والمقيد.6- المفهوم والمنطوق.

7- المشتق، وهذا في مباحث الألفاظ.

8- الاستصحاب (3).

9- أصل البراءة.

10- حجية القطع.

11- حجية الظن.

العقلية:

12- الحسن والقبح العقليان والملازمة بينهما وبين الشرعيين.

ص: 18


1- نامه دانشوران: 3/44.
2- أعيان الشيعة: 2/413- 414.
3- الاعلام: 5/184.

13- الاجتهاد والتقليد والتعادل والتراجيح.

الفقهية:

14- أحكام الخلل في الصلاة.

15- صلاة المسافر.

16- الزكاة.

17- الغصب.

18- الوقف.

19- اللقطة.

20- الرهن.

21- احياء الموات.

22- الإجارة.

23- القضاء والشهادات، وله رسالة في الإرث توجد نسختها في مكتبة مدرسة سبهسالار في طهران وهي رد على رسالة السيد إسماعيل البهبهاني في اثبات وارثية رجل اسمه رجب ولد من جارية عزيز الله ابن الحاج أحمد الطهراني (1).

ص: 19


1- أعيان الشيعة: 2/413- 414، الاعلام: 5/184.

الجزء الثانی

1 - المشتق بين اللغويين والأصوليين
الاشتقاق لغة:

الاشتقاق لغة (1):

قال في اللسان:(شقق: الشقّ: مصدر قولك شققت العود شقّا،...وشققت الشيء فانشقّ....وشققت الشيء فانشقّ، وشقّ النبت يشقّ شقوقا: وذلك في أول ما تنفطر عنه الأرض...) (2).

أما اصطلاحا، فلهُ مدلولات يختلف بعضها عن بعض، فله مدلول خاص عند النحويين، وآخر عند الصرفيين، وله مدلول آخر عند اللغويين (3).

أمّا النحاة فهم يريدون به الصفة ويعمل عمل الفعل فالمراد بالصفة: ما دلّ على معنى وذات، وهذا يشمل: اسم الفاعل، واسم المفعول، وأفعل التفضيل، والصفة المشبهة (4)، والمراد بالمشتقّ هنا: ما أخذ من المصدر للدلالة على معنى وصاحبه: كاسم الفاعل، واسم المفعول، والصفة المشبهة باسم الفاعل، وأفعل التفضيل، والمؤول بالمشتق: كاسم الإشارة، نحو: مررت بزيد هذا، أي المشار إليه (5).

ص: 20


1- سنتوخى الاختصار ما أمكن لكثرة من كتب فيها قديما وحديثا.
2- اللسان( شقق): 10/181، وينظر: غريب ابن سلام:3/104، الصحاح:4/1502، النهاية: 2/362.
3- دراسات في علم الصرف، درويش:43.
4- شرح ابن عقيل:2/140.
5- شرح ابن عقيل:2/195، ينظر: في الصرف العربي نشأة ودراسة: 167.

أمّا الصرفيون فهو عندهم اشتراك كلمة مع أخرى في معناها العام وفي نوع حروفها الاصلية وعدد ترتيبها (1) فهو عندهم سبعة أشياء: اسم الفاعل، واسم المفعول، وأفعل التفضيل، والصفة المشبهة، واسما الزمان والمكان واسم الالة (2).

أمّا اللغويون فقد توسّعوا في هذا المصطلح توسعا كبيرا فهو عندهم تصريف كلمة من أخرى توافقها في عدد الحروف الاصلية ونوعها وان اختلفت في ترتيبها، مثل حلم وحمل ولحم ولمح كلها تتكون من (ح م ل) في أي وضع (3).

عند الأصوليين:

جاء في الزبدة (4) عرّف المشتق: بأنه فرع وافق الأصل بأصول حروفه، أو إنه فرع وافق الأصل بالحروف الأصول (5)، أو إنه: الفرع الموافق لأصله في حروف أصوله، وما في كلام بعضهم من: أنه لفظ وافق أصلا بأصول حروفه ولو حكما مع مناسبة المعنى وموافقة الترتيب، مع تصريحه بكون القيد الثاني وهو اعتبار كون الموافقة بأصول الحروف احترازا عن المشتق بالأكبر، والقيد الأخير احترازا عن المشتق بالكبير، وهو غير واضح الوجه (6).

إلاّ إنّ أبو القاسم كلانتر اعترض على معظم التعريفات، يقول: (لكنها مع عدم سلامة كلّها أو جلّها عن المناقشات غير محتاج إليها في المقام؛ لأنّ الغرض من تحديد الشيء هو التوصل إلى معرفة حال جزئياته وجعله مرآة في تميزها عن

ص: 21


1- دراسات في علم الصرف، درويش:45.
2- المزهر، السيوطي: 1/351.
3- دراسات في علم الصرف، درويش:43.
4- زبدة الاصول: 59.
5- تعليقة على معالم الاصول، علي الموسوي القزويني:2/390.
6- تعليقة على معالم الاصول، علي الموسوي القزويني:2/390.

غيرها بواسطة انطباق الحدّ عليها وأقسام المشتق من الأسماء والافعال مما لم يقع الخلاف فيها). (1)

ومحصله وجود تقسيمين لكلّ منهما قسمان، التقسيم الاول: تقسيم اللفظ الى مشتق وجامد، التقسيم الثاني: ما يمكن أن يحمل على الذات وغيره، فتكون الأقسام أربعة (2)، وبإلحاق الجوامد بالمشتق الاصولي أصبحت النسبة بين المشتق الاصولي والمشتق النحوي هي العموم من وجه (3)

من ألّف في المشتقات الاصولية

1- رسالة في المشتق، للشيخ محمد باقر النجم آبادي ابن العلامة الفقيه المولى مهدي بن المولى باقر النجم آبادي، المتوفى 1343ﻫ ، وهو أخ الشيخ هادي وابن عم الآقا محمد النجم آبادي فرغ منها 1318ﻫ ، وطبعت في 1324ﻫ (4).

2- رسالة في المشتق، وهي تقرير بحث السيد المجدد الميرزا محمد حسن الشيرازي المتوفى 1312ﻫ . مطبوعة 1305 والمقرر هو الشيخ فضل الله بن المولى عباس النوري نزيل طهران ابن أخت الشيخ العلامة النوري وصهره على بنته، صُلب في الشهر الحرام رجب 1327ﻫ ، وحمل إلى مقبرته في الصحن الجديد بقم (5).

ص: 22


1- المخطوط: الورقة الاولى.
2- المشتق عند الاصوليين، الشيخ محمد اليعقوبي، 1/19.
3- المشتق عند الاصوليين: 1/155.
4- الذريعة - آقا بزرگ الطهراني- ج 21- ص40 – 42، النقباء: 227، أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين - ج 9 - ص 187.
5- الذريعة - آقا بزرگ الطهراني - ج 21 - ص 40 – 42، وينظر: معجم المؤلفين- عمر كحالة - ج 3 - ص 292 – 293، اعيان الشيعة: 1/139.

3- المشتقات، لحسن رشدية، فارسي طبع برشت 1337 ق في 59 صفحة (1).

4- رسالة في المشتق، للشيخ محمد حسين ابن الحاج محمد حسن المعروف بالكمپاني الأصفهاني النجفي المتوفى 1361ﻫ (2)

5- رسالة في المشتق، للميرزا محمد صادق التبريزي مطبوعة 1319ﻫ ، وهو صاحب المقالات الغرية المطبوع أيضا في 1317ﻫ ، وهو ابن المولى الميرزا محمد المعروف ببالا مجتهد ابن محمد علي التبريزي وتوفي بقم 1351ﻫ (3).

6- رسالة في المشتق، للشيخ المولى محمد كاظم الخراساني المتوفي يوم الثلاثاء 20 ذي الحجة 1329ﻫ قبل الاستدلال قدم أمورا ستة، وبعد اتمام المرام ختمه بأمور ثلاثة، أولها:(فائدة في المشتق)، وهي بخطه الشريف أهداها إلى السيد الميرزا علي آقا ابن السيد المجدد الشيرازي المتوفى 1355ﻫ (4).

7- رسالة في المشتق، للميرزا محمود بن الميرزا علي أصغر شيخ الاسلام الطباطبائي التبريزي المتوفى بمكة المكرمة 1310ﻫ نسخة خط يده عند السيد محمد باقر القاضي التبريزي ولم تذكر في فهرس تصانيفه على ظهر(ابداء البداء) المطبوع في 1302ﻫ . (5)

ص: 23


1- الذريعة - آقا بزرگ الطهراني- ج 21 - ص40 – 42.
2- الذريعة - آقا بزرگ الطهراني - ج 21 - ص 40 – 42، النقباء:560.
3- الذريعة - آقا بزرگ الطهراني - ج 21 - ص 40 – 42، وينظر: اعيان الشيعة: 36/199-201، معجم المؤلفين: 4/316-317.
4- الذريعة - آقا بزرگ الطهراني - ج 21 - ص 40 – 42.
5- الذريعة - آقا بزرگ الطهراني - ج 21 - 42.

8- رسالة في علم المشتق، فارسية للسيد عناية الله، كانت موجودة في(مكتبة الخوانساري) (1).

9- المشتقات، للحاج ميرزا محمود بن شيخ الاسلام الطباطبائي التبريزي المتوفى 1310ﻫ موجود بخط المؤلف عند الحاج ميرزا باقر القاضي في تبريز كما ذكر ابنه الميرزا محمد علي (2)

10- المشتقات، للحاج آقا نور الدين محمد بن السيد حسين بن أبي الحسن الحسيني التفريشي الوزوائي القمي، المولود حدود 1279 والمتوفى بها 9 شوال 1342 يوجد عند ولده السيد ناصر الدين في قم، كما حكاه الميرزا محمد علي القاضي (3).

11- رسالة في المشتق، للعلامة الأنصاري، الشيخ مرتضى بن المولى محمد امين التستري المتوفى 1281ﻫ مطبوعة 1305 ذكرها بعض الفضلاء وليست هي المطبوعة في تلك السنة من تقرير بحث المجدد الشيرازي (4)

12- المشتقات، للشيخ هادي الطهراني، أكبر من مشتقات تلميذه الميرزا صادق، عند السيد هادي الإشكوري ولعله بخطه (5).

13- رسالة في المشتق، وهو لأبي القاسم بن محمد باقر رحماني المازندراني( 1342- 1416 ه) فقيه مجتهد وأصولي، ولد في قرية خليل التابعة إلى مدينة بهشهر، قرأ المقدمات في حوزة مازندران العلمية (6).

ص: 24


1- الذريعة - آقا بزرگ الطهراني - ج 21 - 42.
2- الذريعة - آقا بزرگ الطهراني - ج 21 - 42.
3- الذريعة - آقا بزرگ الطهراني - ج 21 - 42.
4- الذريعة - آقا بزرگ الطهراني - ج 21 - 42.
5- الذريعة - آقا بزرگ الطهراني - ج 21 - 42.
6- موسوعة مؤلفي الإمامية - مجمع الفكر الإسلامي - ج 2 - ص 500 – 501.

14- رسالة في المشتق لحبيب الله بن نور الدين محمد بن حبيب الله الطبسي التوني، مطبوعة، توفي في النجف ليلة الخميس 14 جمادى الآخرة سنة 1312ﻫ ، وقد طعن في السن وذرف على الثمانين، ودفن في المشهد الغروي، وقبره معروف ورثاه الشعراء (1).

15- رسالة في المشتق، للميرزا موسى الحسيني الهمذاني الكلانتري ابن ميرزا فضل الله ابن ميرزا هادي ولد في همذان سنة 1236 وتوفي فيها سنة 1304 ودفن في المسجد الذي انشاه والمعروف بمسجد بيغمبر (2).

16- المشتق عند الاصوليين، لآية الله العظمى الشيخ محمد موسى اليعقوبي، وهي تقريرات آية الله العظمى السيد محمد صادق الصدر(رحمه الله).

2 - مصادره في رسالته

اعتمد الكلانتري مصدرين في رسالته هذه، وهما(الأعلام والكتب، والسماع من الشيوخ).

أ -- الاعلام والكتب: وقد كانت معظم مصادره في رسالته، فاعتمد في تعريف المشتق على كتاب الزبدة للعلامة الأردبيلي (3)، واعتمد من المصادر على الكوكب الدرّي للاسنوي (4)، والوافية للفاضل التوني (5) والعلامة (قده) في التهذيب، وابن

ص: 25


1- أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين - ج 4 - ص 559 – 560.
2- أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين - ج 10 - ص 193 – 194.
3- النص المحقق: الصحيفة الاولى.
4- النص المحقق الصحيفة: 17.
5- النص المحقق: الصحيفة: 20.

الحاجب في المختصر والعضدي في شرحيه (1)، والرازي في المحصول، والبيضاوي في منهاج الوصول (2).

ب -- السماع من الشيوخ: وهما شيخاه الشيخ مرتضى الانصاري، والسيد ابراهيم القزويني، يقول:(... كما أدعاه شيخنا الأستاذ وسيدنا الأستاذ (دام ظلهما) فيكون المسألة من دوران الامر بين الحقيقة والمجاز وبين الاشتراك ومع التنزل عنه فلا ريب في اتفاقهم على اتحاد جهة الوضع في جميع الموارد على ما يظهر من كلماتهم) (3).

3- ملاحظ عامة على الرسالة

أ -- كتابة الهمزة: منها: كتابة الهمزة بالتليين، كما في: ساير، وشايع، وهما على التحقيق: سائر وشائع، وغيرها، ومنها: رسم الهمزة على غير قياس كما في هيئة والصواب: هيأة على الالف؛ لأن ما قبل الساكن مفتوح لذا تكتب على الحرف المقارب للذي قبل الهمزة.

ب -- التأويل ب-(حيث) للفعل الماض وغيره، والصواب التأويل ب-( إذ)، يقول: حيث ذهب أكثر المحققين، والصواب إذ ذهب أكثر المحققين.

ت -- وضع (ال التعريف) في(غير) الملازمة للإضافة، كقوله: الغير المقبولة، والصواب: غير المقبولة.

ص: 26


1- النص المحقق: الصحيفة: 69.
2- النص المحقق الصحيفة: 23.
3- ينظر: النص المحقق: الصحيفة: 27 ، الشيخ الاستاذ: في كتابه (فرائد الاصول)، والسيد الاستاذ: في كتابه( ضوابط الاصول). وينظر: الصحيفة 70، من النص المحقق.

ث -- تعدية بعض الحروف في غير فعلها، كقوله:(في تمييزها عن غيرها)، والصواب: (تمييزها من غيرها)، والفعل(تكلم): يعديه المصنف ب-(عن) والصواب ب-(على)، وكذا الفعل(اعتمد) يتعدّى بنفسه: اعتمدت الامر، لا اعتمدت عليه، وغيرها.

ج -- العطف ب-(وكما)، والصواب العطف ب-(كما) من غير الواو؛ لأن(كما) يستفاد منها العطف، فلا حاجة لتكرار أداتين يعملان العمل نفسه، كقوله: (وكما ذهب إليه)، والصواب: (كما ذهب إليه).

ح -- توهم واو الفعل واو الجماعة، بأن يضع فيها الألف الفارقة، كقوله في (تدعو)، في(تدعوا)للمفرد المخاطب، وكذا الفعل(ندعوا).

منهج التحقيق:

قمت بتحقيق هذه المخطوطة باتباع عدد من الخطوات، وهي على ما يأتي:

1- قمت بعملية التحقيق على نصّ خطّي واحد حصلت عليه من إحدى مكتبات النجف الشخصية، وهو في ضمن مجموعة في الصرف والتاريخ، وهي نسخة بخطّ المؤلف (رحمه الله)، ولا توجد نسخ أخرى للمخطوط، وعدد صفحاته(95 صحيفة).

2- ألفاظ المخطوطة واضحة وقد كتبت بالخطّ الفارسي لذا لم أواجه صعوبة في نقلها إلى الخطّ القياسي الحديث، وقمت بعد نقلها بضبط الشكل.

3- ضبط النصّ القرآني والأحاديث النبوية الواردة في المخطوطة وتخريجها.

4- قمت بتراجم الأعلام في كتب التراجم والطبقات.

5- العناية بعلامات الترقيم وتوزيع الفقرات في البدء والانتهاء، والاشارة الى نهاية الصحيفة ب-( //).

ص: 27

6- حصرت النصوص المنقولة عن الكتب التي اعتمدها المؤلف مَصادر لشرحه سواء ما صرح هو بالنَّقل عنها أو ما أغفل ذكرها، وتوصل البحث إلى معرفتها، وقد أشرت إِلى تلك الكتب ومَواضع النَّقل عنها في هوامش التحقيق.

وفي الآتي الصفحة الأولى والأخيرة من المخطوط :

ص: 28

صورة

ص: 29

رِسَالَةٌ فِي الْمُشْتَقِّ للشّيْخِ المِيرْزا أَبو القَاسِم الكَلانْتري النُّورِي

اشارة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

القَوْلُ فِي المُشتَقِّ

وهو-- كما ذكره جماعة -- اللفظ المأخوذ من لفظ ويسمى الأول أصلا والثاني فرعا، ولا بدّ بينهما من مناسبة في المعنى؛ ليصح الأخذ والاشتقاق، وفي الزبدة:(إنّه فرعٌ وافقَ الأصل بأصول حروفه) (1) إلى غير ذلك من التعاريف (2)، لكنها مع عدم سلامة كلّها أوجلّها عن المناقشات غير محتاج إليها في المقام؛ لأنّ الغرض من تحديد الشيء هو التوصل إلى معرفة حال جزئياته وجعله مرآة في تميزها عن غيرها بواسطة انطباق الحدّ عليها، وأقسام المشتق من الأسماء والافعال ممّا لم يقع الخلاف فيها من أحد فلا حاجة إلى التعريف والنقض والإبرام؛ فينبغي صرف الهمّة إلى ما هو الغرض الأصلي في المقام.

فنقول: إنّ تحقيق المرام يتوقف//1على تقديم أمور:

الأول: المقصود بالبحث في المقام ليس تحقيق معاني مبادئ المشتقات وموادّها فإنّ الكافل لهُ إنّما هو كتب اللغة ولا معرفة كيفية اشتقاقها؛ فإنّ المرجع فيها إنّما هو فنّ الصرف بل الغرض انما هو معرفة معانيها من حيث أوضاعها النوعية وهي معاني هيآتها الكلية الطارئة على موادّها الجزئية الموضوعة لمعانيها بالأوضاع الشخصية.

ص: 30


1- زبدة الاصول، الشيخ البهائي: 59.
2- ينظر: المشتق عند الاصوليين، الشيخ محمد اليعقوبي:1/ 19-26، وينظر: تعليقة على معالم الاصول، علي القزويني: 2/386-415.

الثاني: النزاع في المقام ليس في مطلق المشتقات بل في غير الافعال، أمّا هي فلا خلاف في أنّ الماضي منها؛ لقيام المبدأ بفاعله في الماضي وإن إطلاقه على غيره إنّما هو بتجويز أو تأويل كإطلاقه على المستقبل تنزيلا له منزلة الماضي لتحقق وقوعه وان المضارع منها لقيامه في الحال أو الاستقبال على سبيل الاشتراك، وأمّا الامر والنهي فتحقيق الحال فيهما محوّل إلى مباحثهما المتفرّدة لهما.

الثالث: الظاهر عموم الخلاف لاسمي الفاعل، والمفعول والصفة المشبهة، واسم الفعل، والأوصاف المشتقة كالأصفر والأبيض والأحمر ونحوها، والمشتقات من أسماء الأعيان كلابن وتامر وعطار وحائض بناءً على كونه مشتقا من الحيض بمعنى الدّم لا بمعنى السيلان (1) وإلاّ لدخل في اسم الفاعل المشتق من الأحداث//2، واسم المكان والآلة وصيغ المبالغة، وأما اسم الزمان فهو خارج عن محل النزاع قطعا (2)؛ فلنا هنا دعويان:

الأولى: عموم النزاع لغير الأخير، والثانية خروج الأخير عنه.

لنا على الأولى عموم إطلاق الأدلة والعنوانات لاقتضاء أدلتهم عموم الدعوى وعدم تقييدهم للعناوين ببعضٍ من الأقسام هذا مضافا إلى تصريح جماعة منهم بذلك التعميم وربما يقال بخروج اسم المفعول والصفة المشبهة واسم الفعل (3) عن محل البحث لظهور الوضع للأعمّ في الأوّل وخصوص الحال في الأخيرين ويدفعه المحكي عن بعض الأفاضل من ابتناء كراهة الوضوء بالماء المسخن بالشمس بعد

ص: 31


1- ينظر: العين(حيض) 3/267، الصحاح: 3/1073، مقاييس اللغة:2/124.
2- في هذا الخلاف ينظر: كفاية الاصول:60، محاضرات في الفقه، السيد الخوئي: 1/243، المشتق عند الاصوليين:1/27.
3- المشتق عند الاصوليين: 1/57.

زوال السخونة على النزاع في المسألة مع أنّه من اسم المفعول (1)، وذهب التفتازاني (2) إلى اختصاص النزاع باسم الفاعل الذي بمعنى الحدوث وأما الذي بمعنى الثبوت كالمؤمن والكافر والنائم واليقظان والحلو والحامض والحر والعبد ونحوها فهو خارج عنه لاعتبار الاتّصاف بالمبدأ فيه في الحال في بعض الموارد جدا كالأولين والأخيرين من أمثلته واعتبار الاتصاف به في البعض الاخر مع عدم طروّ المنافي على المحلّ كالبواقي من أمثلته (3).

وعن ثاني (4) الشهيدين (5) وجماعة من المتأخرين اختصاصه بما إذا لم يطرأ على المحلّ ضد وجودي للوصف الزائل، وأما مع طريانه//3، فلا كلام في عدم

ص: 32


1- ينظر: تقريرات آية الله الشيرازي، المولى علي الروزدري1/251.
2- .السعد التفتازاني مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازاني، من أئمة العربية والبيان والمنطق، ولد بتفتازان(من بلاد خراسان) وأقام بسرخس، وأبعده تيمورلنك إلى سمرقند، فتوفى فيها( 793ﻫ )، ودفن في سرخس، من كتبه (تهذيب المنطق) و(المطول)في البلاغة، و(المختصر)اختصر به شرح تلخيص المفتاح، و(مقاصد الطالبين) في الكلام، و(شرح مقاصد الطالبين) و(النعم السوابغ) في شرح الكلم النوابغ للزمخشري، و(إرشاد الهادي) نحو، و(شرح العقائد النسفية)و(حاشية على شرح العضد على مختصر ابن الحاجب) في الأصول،(التلويح إلى كشف غوامض التنقيح)و(شرح التصريف العزي) في الصرف،(شرح الشمسية) منطق،و(حاشية الكشاف)،(شرح الأربعين النووية).ينظر: بغية الوعاة 390 وإرشاد الأريب7/159، الاعلام:7/219.
3- في شرحه على شرح المختصر والتحقيق ان النزاع حقيقة في اسم الفاعل الذي بمعنى الحدوث، لا في مثل المؤمن والكافر والنائم إلخ.
4- الشهيد الثاني هو زين الدين بن علي بن أحمد العاملي الجبعي: عالم بالحديث ولد في جبع (بلبنان) ورحل إلى ميس، ومنها إلى كرك نوح، قصد مصر، فالحجاز، فالعراق ، فبلاد الروم، وأقام أشهرا في الآستانة فجعل مدرسا للمدرسة النورية ببعلبك فقدمها، فوشى به واش إلى السلطان، فطلبه، فعاد إلى الآستانة محفوظا، فقتله المحافظ عليه وأتى السلطان برأسه ، فقتل السلطان قاتله،(ت966ﻫ ) من كتبه: منية المريد في آداب المفيد والمستفيد والاقتصاد في معرفة المبدأ والمعاد والايمان والإسلام وبيان حقيقتهما وغنية القاصدين في اصطلاح المحدثين ومنار القاصدين في أسرار معالم الدين والرجال والنسب ومنظومة في النحو وشرح الشرائع، و شرح الألفية في النحو، وروض الجنان فقه، والروضة البهية فقه، ومسالك الأفهام إلى شرائع الاسلام فقه، و كشف الريبة عن أحكام الغيبة. ينظر: الذريعة 2 / 267 و514 شهداء الفضيلة 132- 144 وفيه أسماء 67 كتابا ورسالة من تأليفه، روضات الجنات 88.
5- ينظر: تمهيد القواعد:10، وهي القاعدة التاسعة عشرة.

صدق المشتق عليه حقيقة، وعن السبزواري في المحصول (1) دعوى الاتفاق على المجازية حينئذ وحكى ارتضاءه (2) عن بعض فاضل المتأخرين المقارب عصره بعصرنا وعن ثاني الشهيدين (3) أيضا والغزالي (4) والاسنوي (5) اختصاصه بما إذا كان المشتق محكوما به وأما إذا كان محكوما عليه فلا كلام في صدقه مع الزوال (6)، هذا

ص: 33


1- .قد نسب إليه الشهيد في القواعد، إذ قال: فإنه يكون مجازا اتفاقا على ما ذكره في المحصول: ينظر تمهيد القواعد:10، وينظر: تقريرات المجدد الشيرازي:1/251.
2- في تقريرات المجدد الشيرازي:1/252( حُكِي ارتفاعه).
3- ينظر: تمهيد القواعد: 10.
4- هو أبو حامد، محمد بن محمد الغزالي الطوسي حجة الإسلام ، فيلسوف متصوف ، ولد سنة450 ﻫ ، وتوفي في طوس 505ﻫ ، من كتبه ( إحياء علوم الدين) ( تهافت الفلاسفة) ( الاقتصاد في الاعتقاد) ( المستصفى في علم الأصول)ينظر: مفتاح السعادة:2/191-210، وفيات الاعيان:1/463، الأعلام : 7/ 22.
5- في الاصل (الأشنوي) والصواب ما أثبتناه، و الأسنوي (704 - 772 ﻫ = 1305 - 1370 م) عبد الرحيم بن الحسن بن علي الأسنوي الشافعي، أبو محمد، جمال الدين : فقيه أصولي ، من علماء العربية . ولد بإسنا ، وقدم القاهرة سنة 721 ﻫ ، فانتهت إليه رئاسة الشافعية، وولي الحسبة ووكالة بيت المال، من كتبه ( المبهمات على الروضة - خ ) فقه ، و( الهداية إلى أوهام الكفاية- خ ) و( الأشباه والنظائر ) و ( جواهر البحرين - خ ) و ( طراز المحافل - خ ) فقه ، ( مطالع الدقائق - خ ) فقه ، و ( الكوكب الدري- خ ) في استخراج المسائل الشرعية من القواعد النحوية ، و ( نهاية السول شرح منهاج الأصول - ط ) و ( التمهيد- ط ) في تخريج الفروع على الأصول ، فقه، و( الجواهر المضية في شرح المقدمة الرحبية - خ ) فرائض و ( الكلمات المهمة في مباشرة أهل الذمة - ط ) و ( نهاية الراغب- خ ) في العروض ( طبقات الفقهاء الشافعية - خ )ينظر: بغية الوعاة 304،البدر الطالع 1 / 352، الدرر الكامنة 2 / 354 ، كشف الظنون 2 / 1101 .
6- ما عثرت على كتابه ، ولكن عثرت على مقالته في شرح الوافية للسيد صدر الدين المخطوط في ذيل قول الوافية ( وفي تمهيد الأصول إن النزاع إنما هو فيما إذا كان المشتق )، وإليك نصه : (وفي تمهيد الأصول إلخ ، أقول قال الأسنوي في شرح المنهاج إن محل الخلاف ما إذا كان المشتق محكوما به ، وأما إذا كان متعلق الحكم كقولك السارق تقطع يده فحقيقة مطلقا).شرح الوافية، الورقة:54.

وقد عرفت ان هذا كله خلاف التحقيق مع أن الاستدلال بعموم آيتي الزنا (1) والسرقة (2) على عدم اشتراط للمبدأ صريح في عموم النزاع للأخير.

وعلى الثانية إنّ الذات المعتبر تلبسها بالمبدأ في صدق المشتق حقيقة في اسم الزمان ونفس الزمان المعلوم عدم قابلية البقاء حتّى يقع النزاع في صدق الاسم عليه حقيقة بعد انقضائه حسبما هو الشأن في سائر المشتقات//4، وحينئذ فإن أريد إطلاق اسم الزمان على زمانٍ وقع فيه الفعل فهو حقيقة دائما ولو بعد انقضائه وإن أريد إطلاقه على الزمان الآخر فلا شبهة في مغايرته لتلك الزمان فلا معنى لاحتمال كون الاطلاق على وجه الحقيقة وهذا ظاهر إلى ما لا مزيد عليه.

وكيف كان فتعميم محلّ النزاع من هذه الحيثية ليس بمهم لنا إنّما المهم تحقيق الحال في المقام في كلٍّ من الحالات والأقسام حسبما اقتضاه الدليل وسيأتي التعرض لكلٍّ منها عن قريب إن شاء الله.

الرابع: المراد بالحال في عنوان كلامهم الآتي في تقابل الماضي والاستقبال ولا يخفى انه لمقابلته أمر إضافي، فهو كلام المطلقين يحتمل وجهين: أحدهما: حال النطق أعني زمان التكلم كما هو الظاهر منه عند الاطلاق فمفهوم المشتق على القول بكونه حقيقة في خصوص ذلك هو المتلبس بالمبدأ حال الاطلاق بمعنى اتصافه به حينئذٍ على الوجه الآتي، ثانيهما: زمان اتّصاف الذات بالمبدأ على وجهٍ كان مصححا للاشتقاق وموجبا لزوال الاطلاق في سائر الصِيَغ المشتقة منه كالماضي والمضارع حقيقة أو مجازا؛ فمفهوم المشتق على القول بكونه حقيقة في ذلك هو المتلبس بالمبدأ في الجملة مع قطع النظر عن حصوله في أحد الأزمنة وبهذا الاعتبار يصحّ تقييده بكلّ واحد منها فيقال زيد ضارب في الحال أو الأمس أو

ص: 34


1- الآية 2 من سورة النور.
2- الآية 38 من سورة المائدة.

الغد؛ لأنّ النسبة بين الحال بهذا المعنى وبين كلّ واحد من الحال والماضي والاستقبال بالمعنى//5 الأوّل كنسبة كلٍّ من مقابليه مع كلّ واحد من تلك هي العموم من وجه، فمعنى القول بكون المشتق حقيقة في خصوص الحال بهذا المعنى إنّ إطلاقه أنّما يكون حقيقة إذا أريد به صدقه على المتصفة بالمبدأ باعتبار الحال الذي يطلق عليه اللفظ بحسبه سواء (1) كان ذلك الحال ماضيا أو حالا أو مستقبلا بالمعنى الأوّل؛ فمدار الحقيقة على هذا إنّما هو على اتّحاد حال قيام المبدأ بما يطلق عليه المشتق مع حال إرادة صدقه عليه فقولك (زيد ضارب أمس)، أو سيصير ضاربا حقيقة إذا كان زيد متصفا بالضرب في الأمس أو بعد زمان النطق ومجازا ان لم يتّصف به في المثال الأول بعد أو انقضى عنه قبل الأمس وكذا إن لم يتّصف به بعد زمان النطق في الثاني سواء اتّصف به في زمان النطق أو قبله أوْ لا.

وكيف كان فالمحكي عن ظاهر أكثر العبارات، وعن صريح بعضٍ مضافا إلى ظهور لفظ الحال -- كما مرّ -- إنّ المراد هو حال النطق وربما يشعر به ما يأتي به من الاحتجاج بقول بعض النحاة//6 بصحة قولنا:(ضارب أمس) (2) على كون المشتق حقيقة في الماضي وما حكى عن جماعة من كون ضارب في قولنا:(ضارب غدا) مجازا، بل المحكي عن العضدي (3) حكاية الاتّفاق عليه فإنّ هذا كلّه لا يتمّ إلاّ

ص: 35


1- في الاصل ( سوأ).
2- ينظر: الخصائص، ابن جني: 1/386، دقائق التصريف، للمؤدّب: 9، المشتقات في القرآن، عبد الرحمن الشامي: 13- 22.
3- .عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار، أبو الفضل عضد الدين الإيجي عالم بالأصول والمعاني والعربية من أهل إيج بفارس ولي القضاء، وأنجب تلاميذ عظاما، وجرت له محنة مع صاحب كرمان، فحبسه بالقلعة، فمات مسجونا من تصانيفه: المواقف في علم الكلام، والعقائد العضدية والرسالة العضدية في علم الوضع وجواهر الكلام مختصر المواقف، و شرح مختصر ابن الحاجب في أصول الفقه، والفوائد الغياثية في المعاني والبيان، و أشرف التواريخ والمدخل في علم المعاني والبيان والبديع .ينظر: بغية الوعاة 296 ومفتاح السعادة 1/169 الدرر الكامنة 2 /322، الاعلام: 3/295، وينظر في كلامه: المواقف للايجي مع شرحه للجرجاني: 2/22.

على إرادة حال النطق؛ إذِ الاحتجاج المذكور وكذا حكمهم بالمجازية لا ينطبقان إلاّ عليه؛ إذ إطلاق الضارب في المثالين ليس إلا باعتبار حال التلبس، فلا يصحّ جعله من إطلاق المشتقّ على الماضي بالنسبة إلى حال التلبس في المثال الأوّل ولا يجتمع الحكم بمجازيته في الثاني مع إرادة حال التلبس من لفظ الحال المذكور في عنوان المسألة لما سيأتي من الاتّفاق على كون إطلاق المشتق حقيقة في الحال مع إمكان دفع الثاني باحتمال كون المراد إرادة الزمان من نفس اللفظ وجعل لفظ الغير قرينة عليه لما سيجيء من الاتّفاق على المجازية حينئذ أو باحتمال كون المراد المجازية فيه من حيث وضعه التركيبي لا الإفرادي نظرا إلى أنّ القضية الحملية المجرّدة عن الرابط الزماني ظاهر في ثبوت المحمول للموضوع أو نفيه عنه في حال النطق فإرادة ثبوته له في المستقبل في قولنا: (زيد ضارب غدا) مجاز بالنسبة إلى وضع الكلام وإن كان المفرد مستعملا في معناه الحقيقي، والأول أقرب للتوجيه فإنّ الحكم بمجازية (ضارب) في المثال//7 ودعوى الاتّفاق عليها كالصريح بل صريح في مجازيته بالنظر إلى الوضع الإفرادي إذ المجازية من جهة التراكيب إنّما هي بالنسبة إلى المركب من الطرفين فلذا لا تسري إلى أحدٍ من الطرفين هذا.

والتحقيق: إنّ المراد أنّما هو حال التلبس أعني زمان اتصاف الذات بالمبدأ وفاقا لجمع من المحققين من متأخري المتأخرين والمحكي عن جماعة من السابقين (1).

لنا على ذلك بعد تصريح جماعة به عدم الخلاف ظاهرا في كون المشتق حقيقة في حال التلبّس أعمّ من أن يكون في حال النطق بل المحكي عن جماعة من الأصوليين دعوى الاتفاق عليه فيكون هذا قرينة على ما قلنا إذ لا ريب إنّ إطلاق المشتق في غير الحال محلّ الخلاف كما سنتلو عليك وحمْلُه على خصوص حال

ص: 36


1- ينظر: الكفاية:65.

النطق لا يكاد يجتمع مع عدم ظهور الخلاف في كون المشتق حقيقة في المتلبّس في غيره أيضا فكيف بالاتفاق عليه وقول جماعة منهم بأنّ إطلاق المشتق باعتبار الاستقبال مجاز وإن كان يوهمه خلاف ما ذكرنا الا انه بعد التأمل في كلماتهم بملاحظة ما قلنا يظهر أنّ مرادهم غير ما يُتوهّم (1).

وكيف كان فلا بدّ//8 حينئذ من حمل ما صدر عن بعضهم مما يوهم ذلك على ما لا ينافي ما قلنا، ومما يمكن حمل القول المذكور عليه هو صورة إرادة الزمان من نفس اللفظ ومنه حمله على المجازية في الهيأة التركيبية لكن يبعد الأوّل إنّه لا يختص مجازيته حينئذ بالاستقبال بل حال النطق أيضا كذلك؛ إذ لا شبهة في أنّ إطلاق المشتق على المتلبس في حال النطق مع إرادة الزمان من نفس اللفظ مجاز، وأمّا الثاني وإن كان محتملا الاّ إنّه ضعيف في نفسه جدا؛ لأنّ الهيأة موضوعة لمجرّد نسبة المحمول إلى الموضوع وظهور ثبوت الأول للثاني في حال النطق من الهيأة إنّما هو لظهور الحمل في ذلك إذا خلت القضية عن الرابط الزماني لا لظهور القضية وهي الهيأة المركبة.

ولو سلمنا ذلك فنقول إنّ المجازية في الهيأة في قولنا: (زيد ضارب غدا) إنّما هي فيما إذا جُعِلَ(غدا) قيدا للنسبة الحكمية، وأمّا إذا كان قيدا للمحمول أي المادة العارضة عليها الهيأة بأن يلاحظ الربط بعد القيد فلا إشكال في كون الاطلاق حقيقة على تقدير وضع الهيأة بإزاء المتلبس بالمبدأ في حال النطق، فافهم جيدا.

وممّا حققنا ظهر أيضا//9 أنّ محمل الاحتجاج المتقدم الدال على كون المراد الحال هو حال النطق إنّما هو اشتباه الأمر على المستدلّ؛ نظرا إلى ظهور لفظ

ص: 37


1- ينظر: المشتق عند الاصوليين: 1/181.

الحال وظهور بعض العبارات مع الغفلة عمّا ذكرنا من القرينة الصارفة عنه المعينة للمراد فيما قلناه (1).

الخامس: لا إشكال في عدم دلالة الاسم المشتق على واحد من الأزمنة والا لا تنقض حد الاسم والفعل طردا وعكسا كما هو ظاهر، مضافا إلى اتفاق أهل العربية (2) وعلماء الأصول (3) عليه، وإن كان ربما يتوهم من قولهم المشتق حقيقة في حال النطق أو الماضي وقوع الخلاف فيه من علماء الأصول لكنّه فاسد؛ لأنّ مورد الخلاف غير صورة إرادة الزمان من نفس اللفظ كما حكى التصريح به عن جمع من المحققين (4)، نعم قد يشكل بما يظهر من عبارات النحاة من أنّ اسمي الفاعل والمفعول يعملان إذا كانا بمعنى الحال والاستقبال ولا يعملان إذا كانا بمعنى الماضي (5)، وربما يدفع بوجوه مخدوشة كلها (6)، والأوْلى في دفعه أيضا ما مرّ من الحمل على غير إرادة الزمان من نفس اللفظ.

وكيف كان فحال اسم المشتق بالنسبة إلى الزمان كحاله بالنسبة إلى المكان في عدم الدلالة عليه، فيكون الحال فيه نظير الحال في الأسماء الجوامد فكما أنّها لا تدلّ إلاّ على الذوات المتصفة بأوصافها العنوانية باعتبار حال إرادة صدقها على تلك الذوات من غير دلالة على الزمان كعدم دلالتها على المكان فكذلك هذا فإنه كما سيأتي لا يدلّ إلاّ على الذات المتصفة بالمبدأ//10 باعتبار الحال المذكور فبذلك

ص: 38


1- تقريرات المجدد الشيرازي:1/255.
2- كتاب سيبويه: 1/12، اسرار العربية: 315،شرح المفصل:7/4، الاشباه والنظائر، السيوطي:1/227.
3- الكفاية: 61.
4- ينظر: تفصيل ذلك: المشتق عند الاصوليين، الشيخ اليعقوبي: 11، 67.
5- ينظر: المحصول، للرازي: 1/242.
6- ينظر: شرح الكافية في النحو: 1/301، شرح ابن عقيل: 2/140، حاشية الخضري: 2/52.

تبين عدم وقوع الخلاف في المشتقّ المتنازع فيه من جهة اعتبار الزمان في مفهومه وعدمه.

السادس: لا خلاف في المشتقّ المتنازع فيه في المقام من جهة كونه حقيقة في قيام المبدأ بنفس الذات أو الأعمّ فإنّ هذا النزاع لا يختصّ بخصوص المقام بل إنّما هو في مطلق المشتقات بحيث يدخل فيه الأفعال أيضا، ومرجع هذا الخلاف إلى أنه هل يعتبر في إطلاق المشتق مطلقا حقيقة قيام المبدأ حقيقة بالذات المحكوم عليها بالمشتق أو لا ؟ بل يكفي قيامه بها تسامحا بمعنى ان يكون المورد مما يتسامح فيه عرفا في الحكم بقيام المبدأ بها أو يجوز أن يتسامح فيه كذلك فيكون قولنا:(زيد أحرق الخشب أو يحرقه أو محرقه) مجازا على الأول لقيام المبدأ الذي هو الإحراق بالنار حقيقة وحقيقة على الثاني لصحّة الحكم بقيامه بالذات المحكوم عليها تسامحا في المثال، والأشاعرة لما بنوا على القول الأول فالتزموا بالكلام النفسي (1) لله تبارك وتعالى حيث إنّ كلامه اللفظي ليس قائما بذاته المقدسة بل حاصلٌ في غيره كالشجرة (2) وأمثالها مع إطلاق الصيغ المشتقة منه عليه تعالى في القرآن وغيره من الأدعية المأثورة والأخبار المتواترة كقوله تعالى:(وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيما) (3)، وكلفظ التكلم في الأدعية (4)، ومقتضى أصالة الحقيقة في تلك الاطلاقات كون المراد بالكلام غير اللفظي، وهو ما قام بذاته المقدسة فيثبت الكلام النفسي.

ص: 39


1- ينظر: راجع كشف المراد : 289 ، شرح المقاصد 4 / 143 - 163 ،شرح المواقف 8 / 91 - 104،تقريرات المجد الشيرازي: 1/256.
2- كما في سورة القصص الآية 30(فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين).
3- النساء: 164.
4- كما في دعاء الجوشن الكبير، ينظر: الفقرة 67 منه.

وتحقيق الكلام في هذا النزاع وإن كان له مقام آخر إلاّ إنّ الحق هو القول الثاني؛ لعدم صحّة السلب في المثال المتقدم//11 وكفى بها حجة و دليلا واما بطلان الكلام النفسي فموضع تحقيقه انما هو علم الكلام فراجع مع أنه بديهي البطلان بين الإمامية مضاف إلى اتّفاق المعتزلة من العامة (1) عليه أيضا؛ فحينئذ لو بنينا على القول الأوّل في الخلاف المذكور فيكون هذا قرينة على التجوّز في الإطلاقات المذكورة.

وكيف كان فتارة يلاحظ الحقيقية والمجازية في المشتقّ باعتبار التلبس المأخوذة في مفهومه وضعا، وأخرى من جهة اعتبار حصول هذا التلبس وفعليته كما يطلق عليه باعتبار حال إرادة صدقه عليه كذلك، ومرجع الخلاف المذكور إنّما هو إلى الأوّل وحاصله: إنّ المعتبر في المشتقّ وضعا هل هو تلبّس الذات المحكوم عليها بالمبدأ بالدقة العقلية بأن يكون عبارة عن قيامه بنفسها، أو الأعمّ من ذلك كما مر؟.

ص: 40


1- .اتفقت الأشاعرة على وجود نوع آخر من الكلام، غير النوع اللفظي المعروف، وقد سموه ب : الكلام النفسي، ثم اختلفوا، فذهب فريق منهم إلى أنه: مدلول الكلام اللفظي ومعناه، وذهب آخرون إلى أنه : مغاير لمدلول اللفظ ، وأن دلالة اللفظ عليه، دلالة غير وضعية، فهي من قبيل : دلالة الأفعال الاختيارية، على إرادة الفاعل وعلمه وحياته، والمعروف بينهم: اختصاص القدم بالكلام، إلا أن الفاضل القوشجي، نسب إلى بعضهم القول : بقدم جلد القرآن وغلافه أيضا( شرح التجريد- المقصد الثالث: ص354)، وقد عرفت أن غير الأشاعرة متفقون: على حدوث القرآن، وعلى أن كلام الله اللفظي ككلماته التكوينية، مخلوق له، وآية من آياته، ولا يترتب على الكلام في هذه المسألة، وتحقيق القول فيها، غرض مهم، لأنها خارجة عن أصول الدين وفروعه، وليست لها أية صلة بالمسائل الدينية، والمعارف الإلهية ولمزيد توضيح: ينظر: البيان في تفسير القرآن :406- 417، ط 8، 1401 ه، باختصار من عناوين: التكلم من صفات الله الثبوتية، مسألة حدوث القرآن وقدمه أمر حادث لا صلة له بعقائد الاسلام، صفات الله الذاتية وصفاته الفعلية، الكلام النفسي، أدلة الأشاعرة على الكلام النفسي، تصور الكلام قبل وجوده أجنبي عن الكلام النفسي، الكلام النفسي أمر خيالي بحت.

والذي نحن بصدده في المقام هو الثاني؛ إذ الكلام في الأوّل لا يختصّ بخصوص الاسم المشتق بل في مطلق المشتقات بخلاف الثاني لعدم الخلاف في اعتبار التلبس في الافعال باعتبار حال إرادة صدق//12 النسبة الحكمية فإطلاقها في غير صورة اتحاد حال صدق النسبة مع حال إرادة ذلك الصدق لا يكون إلاّ بتجوّزٍ أو تأويلٍ، وكيف كان فلمّا كان الحيثيتان المذكورتان (1) مختلفتين؛ فتحقق كلّ واحد من صفتي الحقيقية والمجازية من إحداهما لا يستلزم تحقق مثل هذه الصفة أو ضدّها من الأخرى فيجوز تحقق إحداهما من كلتيهما أو تحقق أحدهما من إحداهما وأخرى من الأخرى فالمجازية في الاسم المشتق من الأولى لا يستلزمها من الثانية التي هي محطّ النظر في المقام فافهم.

إيقاظ: كما يعتبر تلبس الذات المحكوم عليها بالاسم المشتق بالمبدأ باعتبار حال إرادة صدقه عليها على الأقوى كما يأتي تحقيقه كذلك يعتبر اتصافها به حال إرادة صدق النسبة الحكمية في الأفعال بلا خلاف كما مرت الإشارة إليه، ثم إنّ الزمان المأخوذ في الأفعال من الماضي والحال والاستقبال هل هو بالنظر إلى حال النطق أو إلى الأعم منه الشامل لغيره من الحالات ؟ وجهان بل قولان: أولهما: لبعضٍ على ما حكى عنه بعض المحققين من المتأخرين، وثانيهما: على ما علم لهذا المحقق ولبعض آخر منهم (2).

والذي يمكن الاحتجاج به للأوّل ظهور هذه الأفعال في الماضي أو الحال أو الاستقبال من حيث حال النطق وتبادرها//13 منها كذلك عند إطلاقها وتجردها عن القرينة.

ص: 41


1- في الاصل( الحيثيات المذكورتين).
2- تقريرات المجدد الشيرازي: 1/257.

والذي يمكن أن يقال للثاني دعوى تبادر القدر المشترك منها مع قطع النظر عن الخصوصيات اللاحقة لها ومنع كون التبادر المذكور وضعيا بل يدعى كونه إطلاقيا مسببا عن إطلاقها وتجريدها عن القيد كما أدّعاه المحقق المذكور وغيره ممّن تبعه، والأظهر الأوّل فإنّ التبادر المذكور موجود كما اعترف به المحقق المذكور ومن تبعه أيضا والظاهر كونه مستندا إلى جوهر اللفظ لا إلى شيء آخر فيكشف عن الوضع لخصوص أحد الأزمنة باعتبار حال النطق ودعوى تبادر القدر المشترك منها كدعوى كون التبادر المذكور إطلاقيا في غاية السقوط.

أمّا الأوّل: فواضح، وأما الثاني: فلأن منشأ الانصراف إمّا غلبة الاستعمال أو الوجود أو الكمال على ضعفٍ في الأخير فتأمّل في الثاني.

وأمّا مجرد تجريد اللفظ عن القيد لا معنى لدعوى الثاني والثالث، وأمّا الأوّل فلم يُعلمْ بلوغه إلى هذه المثابة مع إمكان منع أصله وأمّا الأخير، فهو إنّما يكون منشأ لانصراف اللفظ إلى بعض الافراد إذا كان فصل ذلك البعض ومميزه عما عداه من الافراد أمرا عدميا بخلاف الفرد الآخر بأن يكون مميزُه أمرا//14 وجوديا زائدا (1) على ما كان عليه الفرد الأول وأما إذا كان المميز في كل منهما أمرا وجوديا مضادا لما كان في الاخر فلا معنى لانصراف المطلق إلى أحدهما خاصة لعدم انطباقه حينئذ على أحدهما بتمام قيوده المعتبرة فيه حتّى ينصرف إليه لذلك.

وكيف كان فالمتبادر من تلك الأفعال عند إطلاقها وتجريدها عن كافة القرائن هو ما ذكرنا، وأما إذا قيدت بما لا يمكن معه إرادة الزمان بملاحظة حال النطق كقولنا: جاء زيد وهو يتكلم، أو سيجئ عمرو وقد أكرم إياك فينقلب ظهورها في حال النطق إلى الظهور في حال آخر غيره كما يظهر من المثال الأوّل إنّ المراد بقوله:

ص: 42


1- في الاصل( زائد).

يتكلم إنّما هو حال المجيء وبقوله: قد أكرم الماضي بالنسبة إلى مجيء عمرو الذي لم يتحقق بعدُ، وهذا الظهور إنّما هو مستند إلى القرينة وهو قوله:(جاء) في الأول، وقوله:(سيجيئ) في الثاني هذا.

لكن هذا النزاع لا أرى له من ثمرة فإنّ ظهورها في الزمان الملحوظ حال النطق عند تجرّدها مسلّم على القولين، إلاّ إنّا ندّعي استناده إلى وضع اللفظ وهم يدعون استناده إلى القرينة وكذا ظهورها في غير حال//15 النطق مع التقليد كما في المثالين إلاّ أن نقول إنّ القيد المذكور من قبيل قرينة المجاز وهم يقولون إنه من قرينة تعين الفرد للمعنى الحقيقي الأعم (1).

السابع: لا خلاف في المقام من جهة اعتبار قيام المبدأ بمعناه الحقيقي بالذات أو كفاية قيامه ولو بمعناه المجازي وعلى فرضه فهو كسابقه ليس مقصورا ومختصا بالاسم المشتق بل جاز في مطلق المشتقات بحيث يدخل فيه الأفعال.

وحاصله: إنّه هل يكفي في صحة الاشتقاق اشتمال المشتق على مبدئه لمطلق معناه ولو مجازيا ليكون هذا المقدار من المناسبة بين الأصل والفرع مصححا للاشتقاق أو يعتبر اشتماله عليه بمعناها الحقيقي فقط، فلو أريد به غيره لم يصح؟.

وكيف كان فالكلام في المقام بعد الفراغ عنه وعن سابقه أو بعد الغضّ عنهما؛ فإنّا نتكلم في أنّ مفاد هيأة المشتق المتنازع فيه ماذا من حيث حصول التلبس وفعليته ولو مع غلطية استعماله أو المجازية فيه من حيث التلبس لكن الاستعمال على وجه الغلط لما لم يكن محلا للغرض فلا بد من فرضه صحيحا، والحاصل: إنّ تعمد فرض استعمال المشتق على قانون الاشتقاق بأن يكون المراد بالمبدأ فيه معنى//16 مناسبا لمعنى المبدأ مجردا ولو مجازيا بالنسبة إليه على القول

ص: 43


1- ينظر: معجم مفردات أصول الفقه المقارن، تحسين البدري: 226 وما بعدها.

بكفايته أو خصوص معناه الحقيقي على القول باعتباره وبعد فرض تلبس الذات المحكوم عليها بالمشتق ولو مع توسع في التلبس إذ غايته لزوم المجازية من تلك الجهة لا من جهة ما نحن فيه.

نتكلم في أنه هل يشترط بقاء المبدأ في الذات المطلق عليها المشتق بالنسبة إلى حال إرادة صدقه عليها أي تلبسها به حينئذ بمعناه الذي اعتبر ثبوته للذات في الافعال وبالتلبس الذي اعتبر هناك؟، وإلى هذا أشرنا فيما تقدم على وجه كان مصححا للاشتقاق وموجبا لجواز الاطلاق في سائر الصيغ، ثمّ إنّ تحقيق الحال في الخلاف المذكور على طريقة فرضه أيضا وإن كان له مقام آخر إلاّ إنّ الحقّ كفاية قيام المبدأ بالذات بمعناه المجازي في صحة الاشتقاق؛ لأنّ أدلّ الدليل على جواز الشيء وقوعُه، وقد وقع ذلك في موارد لا تحصى مضافا إلى عدم ظهور الخلاف فيه من أحد، منها الأوصاف الموضوعة للحرفة والصنائع كالخياط والنساج والصائغ وغيرهما؛ إذ لا يثبت أنّ أصل المبدأ فيها موضوع لفعل النسج والخياطة مع أنّ المراد به في ضمن تلك الصيغ صفتُها (1).

ومنها: الأوصاف الموضوعة//17 للملكات كالفقيه والمتكلم ونحوهما فإنّ المبدأ فيهما لنفس العلم الفعلي أو التكلم كذلك مع أنّ المراد به في ضمنها هو ملكتها لا غير، هذا تمام الكلام في تحرير محلّ النزاع في المقام.

فإذا عرفت ذلك، فاعلمْ: إنّهم اختلفوا في كون المشتقات من الصفات حقيقة في خصوص الحال أو في الأعمّ منه الشامل للماضي أيضا على أقوال يأتي تفصيلها بعد اتفاقهم - ظاهرا - على مجازيته في الاستقبال عدا ما حكى عن ظاهر الكوكب الدري (2) من احتمال كونها حقيقة في الاستقبال أيضا لذكره - على ما

ص: 44


1- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/259.
2- ينظر: الكوكب الدري: 233، وينظر: الوافية للفاضل التوني: 62.

حكى عنه - ان إطلاق النحاة (1) يقتضي انه إطلاق حقيقي؛ ولا ريب في ضعفه بعد صدق هذه النسبة إليه؛ لأنه إن أراد أنّ حكمهم بمجيئ المشتق للاشتقاق كبقيتهم بمجيئه للماضي والحال ظاهرا في كونه حقيقة فيه؛ ففيه: أولا: إنّ بناءهم على بيان موارد الاطلاقات لا الموضوع له كما يشهد به تتبع كلماتهم في بيان معاني غير المشتق المتنازع فيه من الافعال والأسماء والحروف؛ لوضوح ان بعض هذه المعاني ليس ممّا وضع له اللفظ فلا ظهور في حكمهم بما ذكر، وثانيا: إنّه يحتمل أن يكون المراد إطلاقه على المتلبس في الاستقبال باعتبار تلبسه فيه بأن يكون المراد بالاستقبال هو بالنظر//18 إلى حال النطق إذ قد عرفت انه لا منافاة بينه وبين الحال بالمعنى المتنازع فيه، فيدخل حينئذ في المورد المتفق عليه من كون المشتق حقيقة فيه (2)، وان أراد الاستناد إلى إطلاقهم اسم الفاعل على (ضارب غدا) كما قد يحكى عنه ففيه ان هذا الاطلاق يتصور على وجوه:

الأول: أن يراد به كون الذات المحكوم عليها بضارب كونه كذلك في الغد باعتبار حصول هذا العنوان له بعد الغد؛ أمّا لعلاقة الأوّل أو بعنوان مجاز المشارفة (3)

الثاني: أن يراد به كونه كذلك في الغد باعتبار حصول العنوان له في الغد.

الثالث: أن يراد به كونه كذلك حال النطق لكن يحتمل الغد قيدا للمحمول لا ظرفا للنسبة، فيكون المراد زيد الآن هو الضارب في الغد.

الرابع: أن يراد به كونه كذلك حال النطق باعتبار حصول العنوان له في الغد وجعل الغد قرينة على تعيين زمان صدق النسبة له لا قيدا للمحمول ولا ظرفا للنسبة

ص: 45


1- ينظر: الاصول في علل النحو: 1/41، شرح الكافية:2/218، حاشية الخضري:2/52.
2- ينظر: تهذيب الوصول : 10 ، ورسائل المحقق الكركي : 2 / 82.
3- ينظر: الوافية: 62.

الحكمية، فنقول حينئذ إنّ إطلاقهم بعد تسليم كونه حجة إنّما ينهض دليلا له لو علم أن إطلاقهم المذكور مبنيّ على الوجه الأوّل أو الأخير؛ وأما الثاني والثالث، فلا ريب في كونهما حقيقيين لدخولهما في مورد الاتفاق حيث إن الإطلاق فيهما إنّما هو بالنظر إلى حال التلبس؛ أمّا الثاني فواضح وأمّا الثالث فلأنّه لا ريب أنّ الضارب في الغد يقينًا يصدق عليه الآن حقيقة أنّه الضارب في الغد؛ لكونه متلبسا الآن بهذا العنوان المقيد، وسيأتي لذلك مزيد تحقيق إن شاء الله.//19

وكيف كان فمخالفته على فرض صدقها لا تضرّنا في المقام؛ لشذوذه فيكفي اتفاق الباقين للكشف عن مجازية المشتق في الاستقبال بالنظر إلى حال التلبس لغةً مضافا إلى ما سنقيمها من الأدلة المحكمة عليه فانتظر، وبالجملة فاعتبار التلبس في الجملة في المقام المردد بين خصوص حال إرادة صدق المشتق وبين الأعمّ منه الشامل للماضي بالنسبة إلى هذا الحال متّفق عليه بين الأقوام؛ وانما اختلفوا في المعتبر منه هل هو حصوله في خصوص حال إرادة صدق المشتق بحيث لا يكفي حصوله قبله مع انقضائه حينئذٍ أو حصوله في الجملة من غير خصوصية للحال المذكور بحيث يكفي حصوله بالنسبة إلى الماضي بالنسبة إليه مع انقضائه حينئذ؟ فمن يقول بكون المشتق حقيقة في خصوص الحال يعتبر الأوّل ومن يقول بكونه حقيقة في الماضي أيضا يكتفي بالثاني (1).

وكيف كان فهم بعد اتفاقهم على اعتبار التلبس بالمبدأ في الجملة وكون الإطلاق على المستقبل بالنظر إلى حال إرادة الصدق مجازا باتفاقهم على كون إطلاقه حقيقة في الحال أي إطلاقه على من تلبس بالمبدأ باعتبار حال الصدق اختلفوا في كونه حقيقة في خصوص الحال بمعنى اعتبار تلبس الذات المطلق عليه المشتق بالمبدأ باعتبار حال إرادة الصدق من دون كفاية حصوله لها قبله أو في

ص: 46


1- ينظر: الكفاية: 66، المشتق عند الاصوليين: 1/197.

الأعمّ منه، ومن الماضي بالاشتراك المعنوي بمعنى كفاية حصوله لها في قطعة من الزمان//20 آخره حال إرادة صدق المشتق عليهما على أقوال (1): ثالثها كونه حقيقة في الماضي أيضا إن كان المبدأ فيه ممّا لا يمكن بقائه كالمصادر السيالة الغير القارة (2) وإلاّ فجاز حكى عن جماعة حكايته، وعن العلامة (3) في النهاية (4) نسبته إلى القوم إلاّ إنّه قال على ما حكى عنه في أثناء احتجاجه ان الفرق بين ممكن الثبوت وغيره منفيّ بالإجماع وهو يؤمي إلى حدوث هذا القول (5)رابعها انه حقيقة فيه إن كان الاتصاف أكثريا بحيث يكون عدم الاتصاف في جنب الاتصاف مضمحلا ولم يكن الذات معترضة عن المبدأ وراغبا عنه سواء (6) كان المشتق محكوما عليه أو به وسواء طرأ الضدّ الوجودي على المحل أوْ لا اختاره الفاضل التوني (7) في محكي الوافية (8)، خامسها: التفصيل بين المشتقات المأخوذة على سبيل التعدية ولو بواسطة الحروف والمأخوذة على سبيل الملزوم فالأولى للأعم والثانية لخصوص الحال، نسب إلى غير واحد وحكى القول به أيضا عن بعض

ص: 47


1- .ينظر: المشتق عند الاصوليين: 1/197، وما بعدها.
2- كذا والصواب( غير القارة).
3- وهو الحسن بن يوسف بن المطهر ، المولود عام 648 ، والمتوفى عام 726 ، الذي طارت صيته في الآفاق ، برع في المعقول والمنقول ، وتقدم على الفحول وهو في عصر الصبا. أعيان الشيعة: 1/151،4/91، كليات علم الرجال: 119.
4- النهاية : 20 وقال قوم إنه يشترط إن أمكن والا فلا - وقد استدل العلامة على بطلانه بعد أسطر بالإجماع - وقال قده : لأنا نقول : إجماع أهل اللغة ينفي ذلك .
5- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/261.
6- في الاصل( سوأ).
7- هو عبد الله بن محمد التوني، البشروي فقيه، أصولي، قطن بالمشهد الرضوي، وتوفي بكرمنشاه في 16 ربيع الأول 1071 ﻫ من تصانيفه: شرح الارشاد في الفقه، الفوائد المدنية في الأصول، رسالة في الجمعة، حاشية على المعالم وكتاب الوافية في الأصول الخوانساري: روضات الجنات 348 ،349، الفوائد الرضوية 1/ 255، معجم المؤلفين: 6/113- 114.
8- الوافية: 62-64.

الأفاضل في تعليقاته على المعالم (1)، وسادسها: إيكال الحال في كل لفظ من ألفاظ المشتقات أعني جزئياتها المتشخصة بالمواد المختلفة إلى العرف فلا ضابطة حينئذ في تميز ما هو حقيقة في الأعم عن غيره بل كل لفظ حقيقة فيما يتبادر منه عرفا فان تبادر منه الأعم فهو له//21 أو خصوص الحال فهو له خاصة فيقال في نحو القاتل والضارب والآكل والشارب والبائع والمشتري إنّها حقيقة في الأعمّ، وفي نحو النائم والمستيقظ والقائم والقاعد والحاضر والمسافر إنّها حقيقة في خصوص الحال حكى هذا عن بعض مع عدم التصريح باسمه (2)، وعن الحاجبي (3)، والآمدي (4)

ص: 48


1- ينظر: تعليقة على معالم الاصول، علي الموسوي القزويني:2/434، تقريرات المجدد الشيرازي: 1/262.
2- .ينظر: المشتق عند الاصوليين: 1/197- 198.
3- ينظر: شرح العضدي على مختصر ابن حاجب(مخطوط)الورقة90: وهذا لفظه: مسألة : اشترط بقاء المعنى في كون المشتق حقيقة ثالثها ان كان ممكنا، اشترط المشترط لو كان حقيقة وقد انقضى لم يصح نفيه وأجيب بأن المنفي الأخص فلا يستلزم نفي الأعم.. إلخ وقال العضدي في مقام بيان مختار المصنف ما هذا نصه: فتقدير كلامه اشتراط بقاء المعنى في كون المشتق حقيقة فيه مذاهب: أحدها اشتراطه وثانيها: نفيه وثالثها: انه لو كان البقاء ممكنا اشترط وإلا فلا، وكأن ميل المصنف إلى التوقف ولذلك ذكر دلائل الفرق وأجاب عنها. والحاجبي: هو أبو عمرو جمال الدين عثمان بن عمر بن أبي بكر يونس المعروف بابن الحاجب المالكي المصري ثم الدمشقي، الفقيه الأصولي المتكلم، وكان من الأذكياء، وقد خالف النحاة في مواضع وأورد عليهم إشكالات، صنف في الأصول مختصراً وفي الفقه مختصراً، وله في النحو: الكافية وشرحها، ونظمها في الوافية وشرحها، والإيضاح في شرح المفصل، والامالي وغيرها، وله في التصريف: الشافية ثم شرحها، توفي في الإسكندرية سنة 646ﻫ . تنظر ترجمته في: وفيات الأعيان3/ 248،معرفة القراء الكبار 3/ 1287،البلغة 116،غاية النهاية:1/508، بغية الوعاة:2/ 134، روضات الجنات: 5/ 184 وشجرة النور:2/ 241.
4- ورد في الاصل المخطوط (الاعدمي) وهو تحريف، والصواب ما أثبتناه، ينظر: الأحكام في أصول الأحكام ، 1/ 48- 50 ، فإنه بعد رده وجوه الأقوال في المسألة قال: هذا ما عندي في هذه المسألة، وعليك بالنظر والاعتبار، والآمدي: هو سيف الدين الآمدي علي بن محمد بن سالم التغلبي، أبو الحسن، سيف الدين الآمدي: أصولي، باحث، أصله من آمد ( ديار بكر) ولد بها وتعلم في بغداد والشام، وانتقل إلى القاهرة، فدرس فيها واشتهر وحسده بعض الفقهاء فتعصبوا فيها واشتهر وحسده بعض الفقهاء فتعصبوا عليه ونسبوه إلى فساد القعيدة والتعطيل ومذهب الفلاسفة، فخرج مستخفيا إلى" حماة " ومنها إلى" دمشق" فتوفي بها( ت631ﻫ ). له نحو عشرين مصنفا، منها " الاحكام في أصول الاحكام أربعة أجزاء، ومختصره، منتهى السول " و" أبكار الأفكار"، و" لباب الألباب" و" دقائق الحقائق" و" المبين في شرح معاني الحكماء والمتكلمين. ينظر: الوفيات:1 / 329 ،ميزان الاعتدال 1/ 439،لسان الميزان 3 / 134، الاعلام:4/332.

التوقف في المسألة، وحكى أيضا بعض الأقوال في المقام غير ما تقدم من غير تعيين لكيفية القول ولا لقائله ولا فائدة في التفتيش عن حاله.//22

وكيف كان فالمعروف بين الأصوليين هما القولان الأوّلان: أحدهما عدم اشتراط بقاء المبدأ في صدق المشتق ووضعه للقدر المشترك بين الحال والماضي مطلقا، وهو المعروف بين الأصوليين وقد حكى نصّ جماعة عليه من المحققين منهم العلامة في عدة من كتبه (1)، وعن شرح الوافية للسيّد صدر الدين (2) إنّه المشهور بين المعتزلة والإمامية وعن المبادئ (3) انه مذهب أكثر المحققين بل حكي عن ظاهر السيد العميدي وغيره دعوى الاجماع حكى (قده) أنه قال في شرح كلام المصنف:(هذه المسألة من المسائل الأربع وهي إنّه لا يشترط في صدق لفظ المشتق

ص: 49


1- منها كلامه في نهاية الوصول:20 (والأقرب عدم الاشتراط لنا وجوه....)، ومنها في التهذيب إذ قال: (ولا يشترط البقاء في الصدق)، ومنها في مبادئ الوصول إلى علم الأصول : 67 إذ قال: (ولا يشترط بقاء المعنى في صدقه).
2- .وهو السيد الاجل صدر الدين محمد بن مير محمد باقر الرضوي القمي الهمداني الغروي المتوفى في عشر الستين بعد المائة والألف كما أرخه السيد عبد الله الجزائري في اجازته الكبيرة، وهو كان من أعلام عهد الفترة بين الباقرين المجلسي والبهبهاني.ينظر: الذريعة:14/166. وينظر: شرح الوافية للسيد صدر الدين: في بحث المشتق وإليك نصه: ثانيها( أي ثاني الأقوال) حقيقة مطلقا إلخ، هذا هو المشهور بين المعتزلة والإمامية. الورقة 110 ( مخطوط مكتبة المرعشي الرقم 2656).
3- .وهو(شرح مبادئ الوصول) للسيد الاجل المرتضى عميد الدين عبد المطلب ابن السيد مجد الدين أبى الفوارس محمد بن علي ابن الأعرج الحسيني شارح تهذيب الأصول وهو ابن أخت العلامة الحلي وأخو السيد ضياء الدين وسمى شرحه ب( غاية البادى في شرح المبادئ) أو( نهاية البادى)،توفي يوم الاثنين عاشر شعبان سنة 754ﻫ . ينظر: الذريعة: 14/53.

بقاء المعنى المشتق منه وهو مذهب أصحابنا والمعتزلة وأبي علي سينا خلافا لجمهور الأشاعرة) (1).

وثانيهما اشتراط البقاء ومجازية (2) إطلاق المشتق على الماضي مطلقا وعزي هذا عن الرازي (3) والبيضاوي (4) والحنفية وجمهور الأشاعرة وإليه ذهب أكثر أفاضل من تأخّر هذا.

ص: 50


1- وهو منية اللبيب للسيد عميد الدين عبد المطلب بن محمد بن علي بن الأعرج العميدي الحسيني الحلي المتوفى سنة 754 ه، وهو في شرح كتاب التهذيب لخاله العلامة الحلي في الأصول، وقد نسب هذا الكتاب في الذريعة 23/ 207 إلى أخي السيد عميد الدين وهو ضياء الدين عبد الله مشيرا إلى وجود كتاب آخر في شرح تهذيب العلامة للسيد عميد الدين، ومن تصانيفه: منية اللبيب في شرح تهذيب الأصول، كنز الفوائد في حلّ مشكلات القواعد، تبصرة الطالبين في شرح نهج المسترشدين، شرح أنوار الملكوت، وشرح مبادئ الأصول. وينظر: الفوائد الرضوية: 1/257-258، معجم المؤلفين:6/176.
2- في الاصل ( مجازيته).
3- في الاصل(البرازي)، وهو محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري، أبو عبد الله، فخر الدين الرازي: الامام المفسر، أصله من طبرستان، ومولده في الري وإليها نسبته، ويقال له من تصانيفه:(مفاتيح الغيب) و(لوامع البينات في شرح أسماء الله تعالى والصفات)و( معالم أصول الدين) و(محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين من العلماء والحكماء والمتكلمين)و(المسائل الخمسون في أصول الكلام) و( الآيات البينات) و(عصمة الأنبياء) و(الاعراب) و(أسرار التنزيل)و(المباحث المشرقية)و( أنموذج العلوم) و(أساس التقديس) و( المطالب العالية)، و(المحصول في علم الأصول) و( نهاية الايجاز في دراية الاعجاز)و( الأربعون في أصول الدين) و( نهاية العقول في دراية الأصول)و(القضاء والقدر)وغيرها. ينظر:الوفيات1/ 474 مفتاح السعادة 1 / 445 – 451،الاعلام:6/313،وينظر:كلامه في المحصول في علم الأصول 1/242، وما بعدها.
4- .هو عبد الله بن عمر بن محمد بن علي الشيرازي، أبو سعيد، أو أبو الخير، ناصر الدين البيضاوي: قاض، مفسر، علامة . ولد في المدينة البيضاء ( بفارس - قرب شيراز ) وولي قضاء شيراز مدة وصرف عن القضاء، فرحل إلى تبريز فتوفي فيها(685ﻫ ) من تصانيفه: أنوار التنزيل وأسرار التأويل، وطوالع الأنوار، و منهاج الوصول إلى علم الأصول ولب اللباب في علم الاعراب ورسالة في موضوعات العلوم وتعاريفها والغاية القصوى في دراية الفتوى في فقه الشافعية. ينظر: بغية الوعاة: 286، الاعلام4/110، وينظر: منهاج الوصول إلى علم الأصول للبيضاوي،مطبعة كردستان العلمية، القاهرة ، 1326 ه: الصفحة90.

والظاهر انحصار القول بين//23 المتقدمين في هذين وإنّ الأقوال الأخرى محدثة ممن تأخر عنهم من إلجاء كلّ واحد من الطرفين في مقام العجز عن ردّ شبهة خصمه، وسيأتي توضيح فساده مفصلا، وكيف كان فالذي ينبغي اختياره ويساعد عليه الدليل إنّما هو القول الثاني من الأولين أعني حصول بقاء المبدأ ومجازية المشتق فيما انقضى عنه المبدأ مطلقا.

لنا تبادر التلبس بالمبدأ من هيآت المشتقات مع قطع النظر عن خصوصيات المواد المعروضة لها بمعنى إنّه متى لوحظت تلك الهيئات في حد أنفسها ولو ضمن مادة لا نعلم معناها يتبادر منها المتلبس بتلك المادة نجد ذلك من أنفسنا بعد تخلية الأذهان ومن العرّف العارفين باللسان فإنه إذا أطلق نحو ضارب وقائم وعالم مع قطع النظر عن الأمور الخارجية يتبادر عندهم منها جميعا ما يعبر عنه بالفارسية:( بزننده وايستاده ودانا) (1).//24

ولا ريب ان هذه العناوين لا يصدق حقيقة إلاّ على المتلبس بموادّها ومبادئها حال إرادة صدقها عليه؛ إذ الصدق حقيقة لا يتحقق إلاّ بكون ما تحمل هي عليه من أفرادها حقيقة ومندرجا في تحتها ولا ريب إنّ من انقضى عنه المبدأ بالنسبة إلى حال النسبة وإرادة صدقها عليه ليس من أفرادها حينئذ حقيقة فإنّ مفاهيمها هي المتلبس بالمبدأ فمن انقضى عنه المبدأ لا يكون متلبسا به حال النسبة لارتفاع الوصف العنواني عنه حينئذٍ فليس من افراد المتلبس به حينئذ (2).

وبالجملة الحال في الأسماء المشتقة كالحال في الأسماء الجوامد من حيث وضع كلّ واحدة منهما للمتصف بالوصف العنواني إلاّ إنّ الوصف العنواني في الأولى هو المبادئ والمصادر المأخوذة منها هذه، وفي الثانية هي وجوده الذوات

ص: 51


1- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/262.
2- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/263.

الموضوعة لها تلك باعتبار ذلك الوجود كالإنسانية لذات الانسان والكلبية لذات الكلب والفرسية لذات الفرس (1).//25

وهكذا فإنّها لم توضح لنفس تلك الذوات لا بشرط بل باعتبار اتصافها بهذه الأوصاف فلذا ينتفي الأسماء عند انتفائها مع نقاء جوهر الذوات كالكلب المستحيل ملحا أو ترابا، وهذا هو السرّ في تبادر المتلبس والمتصف بالمبدأ من الأولى فحينئذ لا يصحّ إطلاقها حقيقة إلاّ باعتبار حال التلبس؛ ليكون ما أطلقت هي عليه داخلا ومندرجا في مفاهيمها كما لا يصحّ إطلاق الجوامد حقيقة أيضا إلاّ باعتبار حال متلبس الذوات بالأوصاف العنوانية (2).

وكيف كان فلا فرق بينهما من الحيثية المذكورة؛ فإنّه كما لا يتبادر من الكلب والفرس والبقر إلاّ (سگ واسب وگاو)، وليست هي إلاّ عبارة عن المتّصف بالوصف العنواني فلا يجوز إطلاقها على ما انقضى عنه هذا الوصف حقيقة فكذلك لا يتبادر من الضارب والعالم والقائم إلاّ (زننده ودانا وايستاده)، وهي لا تكون إلاّ عبارة عن المتصف بالضرب أو العلم أو القيام فلا يصحّ إطلاقها حقيقة على المنقضي عنه المبدأ؛ إذ نحن ادعينا التبادر المذكور من الهيآت المذكورة مع قطع النظر عن الخصوصيات الخارجة اللاحقة لبعض الموارد//26 فلا يرد النقض علينا بتبادر الأعمّ في بعض الأمثلة كما ورد على من أدعاه في خصوص أمثلة خاصة وسيجيء

ص: 52


1- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/264.
2- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/264.

دفع تبادر الأعم (1) في بعض الأمثلة أيضا من نفس الهيأة بل بواسطة خصوصية لاحقة للمادّة أو لمورد خاصّ من موارد استعمالها.

وكيف كان فبعد حصول التبادر المذكور من نفس الهيأة ثبت وضعها لخصوص الحال في جميع الموارد، وفي جميع حالاتها لاتّفاقهم ظاهرا على اتّحاد الوضع فيها كما أدعاه شيخنا الأستاذ وسيدنا الأستاذ (2)(دام ظلّهما) فيكون المسألة من دوران الأمر بين الحقيقة والمجاز وبين الاشتراك ومع التنزّل عنه فلا ريب في اتفاقهم على اتحاد جهة الوضع في جميع الموارد على ما يظهر من كلماتهم فراجع وهو يكفينا فيما نطلبه، نعم ربّما يتوهم تعدد جهة الوضع من التفاصيل المتقدمة بالنظر إلى الألفاظ والحالات لكنّه مدفوع.

[دفع الإشكالات]

أولا: بما أشرنا إليه من أنّها محدثة من المتأخرين عن إلجاء كلّ واحد من الطرفين في مقام العجز عن ردّ شبهة خصمه.//27

وثانيا: بانحصار القول بين المتقدمين بين اثنين، كلّ منهما نقيض الآخر مطلقًا.

وثالثا: بحصول التبادر المذكور منها في جميع الموارد على نحو سواء (3) مع قطع النظر عن الخصوصيات الخارجة اللاحقة للمورد.

ص: 53


1- ينظر:الكفاية:30،حقائق الأصول:1/73، زبدة الاصول، الروحاني:1/100،مباحث الاصول، بهجت:1/136،203،وسيلة الوصول:101، 163،فوائد الاصول، الخراساني:1/124،جواهر الاصول تقرير بحث السيد الخميني:1/338، 2/73.
2- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/265، الشيخ الاستاذ: هو الشيخ مرتضى الانصاري في كتابه(فرائد الاصول)، والسيد الاستاذ هو ابراهيم القزويني في كتابه( ضوابط الاصول).
3- في الاصل: سوأ.

ورابعا: بأنّ تعدد جهة الوضع بالنسبة إلى الموارد المختلفة لا يعقل مع اتّحاد نفس الوضع، وقد عرفت الاتفاق على اتحاده هذا. وخامسا (1): صحّة سلب تلك الأوصاف عمّن انقضى عنه المبدأ بالنسبة إلى زمان انقضائها عنه؛ فإنّه يصح أن يقال لمن كان ضاربا أمس إنه ليس بضارب الآن بمعنى سلب مطلق هذا الوصف عنه في (الآن) بجعل (الآن) ظرفا للنفي لا قيدا للمنفي حتى يقال إنّ سلب المقيد لا يستلزم سلب المطلق والا أمكن التعكيس (2) فيما إذا كان ضاربا الآن مع عدم اتصافه به قبل فيقال إنّه يصح أن يقال إنه ليس الآن ضاربا بضرب الأمس وهو مقيّد؛ فإنه يستلزم نفي المطلق فهو ليس ضاربا الآن بقول مطلق مع أنّ صدقَ الضارب عليه باعتبار الأمس حقيقةٌ إجماعا؛ لكونه مطلقا عليه باعتبار حال التلبّس.

وقد يورد على ما قلنا من صدق السلب المذكور مع جعل (الآن) في المثال ظرفا للنسبة أعني سلب المحمول لا قيدا للمحمول بمنع الصدق//28 وإنّه أول الدعوى؛ إذ القائل بعدم اشتراط بقاء المبدأ (3) يقول بصدق الضارب عليه الآن مع تلبسه في الماضي، وفيه ما لا يخفى من الركاكة فإنّ القائل بعدم اشتراط المبدأ يلزمه ذلك حيث إنّ الموضوع له عنده هو القدر المشترك بين المتلبس بالمبدأ وبين من انقضى عنه المبدأ وهو من برز عنه المبدأ في قطعة من الزمان آخرها حال التلبس به، ونحن لمّا علمنا من وجداننا ومن العرف أيضا جواز سلب الضارب عمّن انقضى عنه الضرب بعد انقضائه عنه نخطّئ هذا القائل لعلمنا حينئذٍ باشتباه الأمر

ص: 54


1- في الاصل: ثانيا.
2- في الاصل التعكيس وفي تقريرات المجدد الشيرازي: 1/265( العكس).
3- .ينظر: كتاب الاربعين، للماحوزي:54، هداية المسترشدين:1/371،تعليقة على معالم الاصول، الموسوي:2/435، 451، 468، منهى الدراية، الشوشتري:1/272، 359.

عليه وإن لم نقدر على إلزامه بما وجدنا حيث إنه يدعي أنّى وجدت عدم جواز السلب المذكور (1).

وكيف كان فلا يليق ان يتفوّه بهذا الإيراد؛ فإنّا لم ندّعِ الاتفاق على صدق هذا السلب حتّى من هذا القائل حتّى يقال ذلك، وقد يجاب أيضا بعد تسليم صدق النفي على الوجه المذكور بأنّ قضية ذلك//29 صدق السلب في الوقت الخاص وأقصى ما يلزم من ذلك صدق السلب على سبيل الاطلاق العام وهو غير مناف لصدق الايجاب كذلك ضرورة عدم تناقض المطلقين المختلفين في الكيف و انما يناقض المطلقة العام الدائمة المطلقة المخالفة لها في الكيف (2).

ويدفعه: إنّ المطلقَين (3) لا يتناقضان في حكم العقل لا في حكم العرف ضرورة وجدان التناقض بين قولك زيد ضارب وزيد ليس بضارب وهو الحكم في المقام.

أقول: المطلقتان العامتان لا تناقض بينهما عقلا (4) إذا لم تقيد كلتاهما بوقت خاص بأن يكون كلّ واحدة منهما مقيدة ومؤقتة بعين ما وقتت به الأخرى ولم تكن الجهة فيهما أيضا واحدة واما إذا وقتتا بوقت وكانت الجهة والحيثية فيهما واحدة مع اتّحاد الموضوع والمحمول فيهما كما في قولك: (زيد ضارب الآن، وليس بضارب الآن)، ويكون وجه السلب وجهته هي كون زيد مصداقا للمعنى الحقيقي للضارب بأن يكون المراد إنه فرد من المعنى الحقيقي للضارب وليس بفرد منه فلا ريب في تناقضهما حينئذٍ في نظر العقل؛ إذ ليس نقيض الشيء إلاّ رفعه.

ص: 55


1- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/266.
2- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/266.
3- في الاصل( المطلقتين).
4- ينظر: معجم مصطلحات المنطق، الحسيني: 292، معجم مفردات أصول الفقه المقارن: 275.

ولا ريب إنّ كل واحدة من القضيتين//30 في المثال على الوجه المذكور دافعة للأخرى قطعا وقول أهل الميزان (1) ان نقيض المطلقة العامة هي الدائمة المطلقة (2) لا تنافي ما ذكرنا فإنّ غرضهم بيان نقيضها بالقضية المتعارفة عندهم لا انحصار النقيض فيها؛ فإنهم كثيرا ما أعرضوا عن ذكر بعض القضايا في مباحث القضايا والعكوس والأقيسة؛ لعدم كون ذلك البعض من القضايا المعروفة المنضبطة في تلك المباحث عندهم، والحاصل: إنّه لما كان المناقض للمطلقة العامة من القضايا المعروفة المنضبطة عندهم في مبحث التناقض هي المطلقة الدائمة لا غير، فذكروا أنّ نقيضها هذه أي نقيضها من بين تلك القضايا المعروفة.

فإن قيل: إنّ حاصل ما ذكرت مناقضة المطلقة العامة لمثلها واعترفت إنّ أهل الميزان بناؤهم على ذكر القضايا المعتبرة المتعارفة؛ فلم لم يذكروا أنّ نقيض المطلقة العامة قد يكون مثلها مع أنّها من القضايا المعروفة؟.

قلت: إنّ هذه مغالطة ظاهرة؛ فإنّ مرادنا أنّ بناءهم في كل مبحث ذكر ما هو المتعارف المنضبط في هذا المبحث، والمطلقة العامة من القضايا المعروفة في مبحث تعدد القضايا (3).//31

وأمّا في مبحث التناقض فهي ليست من النقائض المنضبطة لمثلها، فإنّ مناقضتها لمثلها في بعض الصور بخلاف الدائمة المطلقة؛ لكونها مناقضة لها دائما فلذا تركوا هذه وذكروا تلك فإذا ثبت ذلك فقد ظهر فساد الجواب المذكور؛ فإنّا قد وجدنا صحة نفي قولك:(زيد ليس بضارب الآن) مع جعل (الآن) ظرفا للنسبة إذا

ص: 56


1- يعني أهل المنطق إذ يسمى في كلماتهم بالميزان؛ فبهِ توزن العلوم. ينظر: المنطق للشيخ المظفر: المقدمة، معجم مصطلحات المنطق:320- 321.
2- ينظر: الحكمة المتعالية في الاسفار العقلية الاربعة، صدر الدين الشيرازي:3/207، أجود التقريرات، السيد الخوئي:1/79.
3- ينظر: معجم مصطلحات المنطق: 325، تقريرات المجدد الشيرازي: 1/267.

أردت النفي من جهة كونه من مصاديق ما وضع له هذا اللفظ فيمتنع حينئذ عقلا صدق قولك:(زيد ضارب الآن) على الوجه المذكور هذا، ثمّ إنه قد يذكر بعض الوجوه الأخر للقول المختار أعرضنا عنه حذرًا من إطالة الكلام مع عدم الحاجة إليه في المقام؛ لكفاية ما مر في إثبات المرام من الوجهين.

وبأوّلهما ظهر أيضا كون المشتق حقيقة فيمن تلبّس بالمبدأ بعد حال النطق أو تلبّس به قبله إذا كان إطلاقه عليه باعتبار حال التلبس مضافا إلى قيام الاجماع ظاهرا على كونه حقيقة في حال التلبّس الشامل لهما وإلى عدم صحّة سلبه عنه في مثل:(زيد كان ضاربا أمس)، أو إنّه ضارب غدا، إذا أريد به إطلاقه عليه بالنسبة إلى حال التلبس بأن يكون هو الغد والأمس (1).//32

وربّما يقال حينئذٍ إنّ اللازم عدم صحة سلب المطلق لا المقيد، والذي هنا هو الثاني وهو لا يدلّ على المدعى، ألا ترى أنّه لا يصحّ السلب عن المعنى المجازي مع اقتران اللفظ بالقرينة كما في (أسد يرمي) حيث إنه لا يصح سلبه عن الرجل الشجاع وهو، مدفوع بنحو ما مر في الجواب عن الايراد على التمسك بصحة السلب عمن ينقضي عنه المبدأ (2).

وتوضيحه: إنّ ما ذكر مسلّم إذا كان الغد والأمس في المثال قيدا للمسلوب كما في المنقوض به وهو قوله (أسد يرمي)، وأمّا إذا كانا قيدين للسلب كما هو المراد فلا يتم المطلوب لإطلاق المسلوب؛ فبهذا كلّه ظهر ضعف توهم كون المشتق حقيقة في حال النطق بتوهم أنّ معقد الاجماع على كونه حقيقة في الحال ذلك كظهور ضعف توهم كونه حقيقة في المستقبل بالنسبة إلى حال التلبس كما مرّ.

ص: 57


1- الكفاية: 47، حقائق الاصول: 1/115، الفصول الغروية: 61.
2- معجم مفردات أصول الفقه المقارن: 226، تقريرات المجدد الشيرازي: 1/267.

وكيف كان فمدار حقيقة الإطلاق ومجازيته على ما حققنا على ملاحظة حال التلبس وعدمها سواء (1) وافق حال النطق أو خالفه؛ فربما يكون الإطلاق مجازيا بالنسبة إلى حال النطق كما إذا أطلق باعتباره مع انقضاء المبدأ أو قبل حصوله كما يختلف الحال أيضا في الماضي والمستقبل بالنسبة إليه وإن شئت توضيح ذلك فنقول: إطلاق المشتق باعتبار حال النطق يتصور على وجوه://33

أحدها: إنّ يطلق ويراد به المتلبس بالمبدأ في حال النطق على وجه يكون الزمان مأخوذا في مفهوم اللفظ على وجه الشرطية أو الشطرية (2)، وهذا لا شبهة في مجازيته فإنّه وإن أطلق باعتبار حال التلبس؛ إذ المفروض اتحاده مع حال النطق إلاّ إنّك عرفت خروج الزمان عن مفهوم المشتق فاعتباره في مفهوم اللفظ موجب لمجازيته.

ثانيها: أن يطلق ويراد به المتلبس به في حال النطق مع اتّحاده مع حال التلبّس من غير أن يؤخذ الزمان قيدا في مفهوم اللفظ بأحد الوجهين المذكورين، والفرق بين حال التلبس بقول مطلق وهذا الإطلاق واضح؛ إذ المعتبر في الأوّل مجرد المتلبس، وفي الثاني التلبس المخصوص الحاصل في حال السلب ولا ملازمة بين هذا وأخذ الزمان في مفهوم اللفظ؛ فإنّ المدلول هو التلبس الحاصل في حال النطق مع قطع النظر عن حصوله فيه، نظير اسم الجنس المنكر (3) حيث إنه موضوع للماهية الحاصل في الذهن مع قطع النظر عن حضورها فيه بخلاف علم الجنس (4)؛ فإنه موضوع لها بلحاظ حضورها فيه.//34

ص: 58


1- في الاصل: سوأ.
2- ينظر: نهاية الافكار، تقرير بحث اقا ضياء العراقي، للبروجردي:1/188.
3- معجم مفردات أصول الفقه المقارن:60.
4- معجم مفردات أصول الفقه المقارن:200.

وكيف كان فهذا الاطلاق لا شبهة في كونه حقيقة؛ لكونه إطلاقا في حال التلبس.

ثالثها: أن يُراد به المتلبس بالمبدأ في حال النطق على وجه يراد بالمشتق مجرد المتلبس بالمبدأ، وأريد خصوص الحال من الخارج على حسب إطلاق الكلي على الفرد ولا شبهة في كون ذلك أيضا حقيقة لكنّه -- حقيقة -- خارج عن إطلاق المشتق على حال النطق (1).

وكيف كان فبهذا التشقيق والتفصيل ظهر ان حال النطق لم يقع موردا (2) للوفاق حيثما عرفت ان مدار الحقيقة في بعض هذه الأقسام وهو الثاني والثالث على كون الاطلاق واقعا على حال التلبس وظهر ضعف ما ذكره بعض المحققين في تعليقاته على المعالم (3) من أن إطلاق المشتق باعتبار حال النطق حقيقة في الجملة؛ فإنه إمّا نفس الموضوع له أو مندرج فيه، وإمّا إطلاق المشتق باعتبار الماضي بالنسبة إلى حال النطق//35، فهو أيضا يتصور على وجوه: أحدها: ان يطلق ويراد به المتلبس بالمبدأ في الماضي المنقضي (4) في الحال على أن يكون الزمان مأخوذا في مفهوم اللفظ بأحد الوجهين المتقدمين، ولا إشكال في مجازيته لما مرّ من خروج الزمان عن مفهوم المشتق باعتباره فيه مستلزم للمجازية ولكن في محكي شرح الوافية (5) وقوع الخلاف فيه، ولا ينبغي أن يُصغى إليه.

ص: 59


1- في هذه الوجوه ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/269.
2- في الاصل مورد والصواب ما اثبتناه.
3- ينظر: تعليقة على معالم الاصول: للسيد علي الموسوي القزويني:2/437، تقريرات المجدد الشيرازي: 1/269.
4- ينظر: منتهى الاصول:حسن البجنوردي: 1/74.
5- الورقة 117 ( مخطوط مكتبة المرعشي الرقم 2656).

ثانيها: أن يُطلق ويُراد به المتلبّس بالمبدأ في الماضي مع انقضائه عنه في الحال بعلاقة (ما كان)، ولا ريب في كونه مجازا على جميع الأقوال الا على القول بكون المشتق حقيقة في خصوص الماضي لا غير لو ثبت كما يظهر احتماله من كلمات بعض وينبغي ان يقطع بعدمه ويمكن اعتبار الاطلاق على وجهٍ لا يكون مجازا في اللغة بادعاء بقاء المبدأ واندراج ما ينقضي عنه المبدأ في المتلبّس به في الحال فيكون التجوّز عقليا (1).

ثالثها: أن يُطلق ويُراد به المتلبس به في الماضي بملاحظة تلبّسه به فيه من غير أن يؤخذ الزمان قيدا في مفهومه نظير الوجه الثاني من وجوه الحال، ولا ريب في كونه حقيقة حيث إنه باعتبار حال التلبس (2).//36

رابعها: أن يُطلق ويراد به المتلبس بالمبدأ مع تقييد المبدأ بالماضي كقولك: (زيد ضارب في الأمس)؛ بجعل (في الأمس) قيدًا للضرب المأخوذ في الضارب، ولا خلاف في كونه حقيقة؛ إذ التصرّف وقع في المادّة لا الهيأة لكن هذا يخرج عن صورة إطلاق المشتق على الماضي بل هو إطلاق له باعتبار الحال؛ إذ يصير (ضارب في الأمس) بمنزلة محمول مفرد فيكون مفادا لقضية اتصاف الموضوع بهذا المحمول المقيد الآن؛ لخلوّها عن الرابطة الزمانية؛ لأنّ (الأمس) حينئذٍ قيدٌ للمحمول لا ظرفٌ للنسبة (3).

ص: 60


1- ينظر: هداية المسترشدين: 1/393، تعليقة على معالم الاصول: 2/467، فوائد الاصول، الخراساني:1/84.
2- ينظر: تعليقة على معالم الاصول: 2/467، فوائد الاصول، الخراساني:1/84.
3- أقول: لا خلاف في كونه حقيقة حق على تقدير صحة الاتصاف، بمعنى أنه لو صح اتصاف( زيد) الآن بالضرب، الذي صدر عنه في الأمس مثلا، فإطلاق الضارب عليه الآن حقيقة اتفاقا، لكونه مطلقا عليه بالنسبة إلى حال تلبسه بالمبدأ، غاية الأمر أنه مقيد، وهو لا يوجب الفرق، إلا أن الإشكال بعد في صحة هذا الاتصاف، حيث ان معناه بالفارسية( زيد اكنون زننده الست بزدن ديروز) ، ولا أرى صحة ذلك لما فيه من الركاكة ، كما لا يخفى، وان كان ولا بد فليطلق ضارب على ( زيد) باعتبار تلبسه أمس، فيجعل الضارب بالأمس معرفا الآن لزيد، كما سيأتي تصوير هذا النحو من الإطلاق، لكنه حينئذ يخرج عن صورة إطلاق المشتق مع بعد المبدأ، وكيف كان فمعنى المثال على هذا بالفارسية( زيد زننده ديروز است) ولا ركاكة فيه. و ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/270.

وأمّا إطلاقه بالنسبة إلى الاستقبال بالنسبة إلى حال النطق فيتصور أيضا على وجوه أربعة كما في الماضي مع تبديل علاقة (ما كان) هناك بعلاقة الأوّل هنا، ولا كلام ظاهرا في مجازيته غير الأخير عن الوجوه وإطلاق نقل الاجماع في المستقبل يعمّ الجميع، وأمّا الأخير فلا ينبغي الشكّ في كونه حقيقة، وهنا آخر من الاطلاق مختصّ به وهو إطلاقه على المتلبس في المستقبل بعلاقة المشارفة ولا ريب في مجازيته أيضا والفرق بينه وبين الاطلاق على المتلبّس في المستقبل باعتبار اتّصافه فيه واضح.

ثمّ إنّا وإن مثّلنا في الوجهين المتقدّمين أعني التبادر وصحة السلب بأمثلة هي من أسماء الفاعلين، لكنها إنّما هي من باب مجرد التمثيل وإلاّ فهما جاريان في جميع ما هو المتنازع فيه في المقام كاسمي الآلة و//37 المكان والصفات المشبهة وصيغ المبالغة (1)؛ لتبادر المتلبس بالمبدأ فيها أيضا جدا وصحة سلبها عمّن انقضى عنه المبدأ كصحته عمّا لم يتلبس به بعد إلاّ إنّ الاتصاف فيها مختلف؛ فإنه في الأوّل بعنوان الظرفية كالمنام والمأمن والملجأ والمسكن والمسجد؛ فإنّ معانيها المتبادرة منها ما يعبر عنه بالفارسية( خوابگاه وآسودكاه وپناهگاه ونشيمنگاه وسجده گاه)، وفي الثاني بعنوان الآلية كالميزان والمقراض والمنشار، وغير ذلك من الأمثلة الموازنة لها أو المخالفة لها في الزنة لمجيء اسم الآلة على غير وزن (مِفْعَال)

ص: 61


1- في الاصل( الصيغ المبالغة).

كمثقب على زنة (مِفْعَل) (1)؛ فإنّ معانيها المتبادرة منها هي ما يقع بها هذه الأفعال (2).

فإن قيل: إنّ هذا التعبير يوهم أخذ الذات في مفاهيمها وسيجيء بطلانه.

قلنا: لنا عبارة أخرى مؤدية للمقصود على ما هو عليه لا في لغة العرب ولا الفرس إذ التعبير منها ب-(ترازو وأره) ليس عن المقصود بوجهه فإنهما في الفارسية من الأسماء الجامدة لا الأوصاف لكن بحسب اللب يظهر للمشهور إنّها بسيطة جدا وان شئت عبرت عنها بالفارسية آلة (كشش) وآلة(پراكنده) وآلة(جدائي)؛ فإنها أيضا أوصاف//38 وعنوانات بسيطة يعبر عن الذوات بها لاتحادها معها في الوجود، وفي الثالثة بلحاظ قيام المبدأ بالذات كما في أسماء الفاعلين فإنّ معانيها المتبادرة منها هكذا كما في الحسن والشجاع والقبيح فإنّ المتبادر منها هو ما يعبر عنها بالفارسية(بخوب ودلير وبد)؛ فإنها أوصاف وعناوين للذات منتزعة عن قيام المبدأ بالذات على نحو الثبوت كما أنّ مفاهيم أسماء الفاعلين وجوه منتزعة من قيام المبدأ بالذات على وجه الصدور مقابل مفاهيم أسماء المفعولين فإنها وجوه منتزعة عن قيام المبدأ بالذات على وجه الوقوع.

وأما الرابعة: فالمعتبر فيها إنّما هو كثرة الاتّصاف بالمبادئ على نحو قيامها بالذات صدورا أو ثبوتا؛ فإنها تبنى من الافعال اللازمة والمتعدية كلتيهما (3)، وانما لم نكتف فيها بمجرد التلبس بل جعلنا المدار//39 على كثرته لان معنى القتال والضراب ما يعبر عنه بالفارسية( بزياد كشنده وزياد زننده) لا الاتصاف بنفس

ص: 62


1- ينظر: شرح الشافية: 1/186.
2- تعليقة على معالم الاصول: للسيد علي الموسوي القزويني:2/439، تقريرات المجدد الشيرازي: 1/270.
3- ينظر: كتاب سيبويه:2/264، 266، المقتضب:1/182، المزهر: 1/351، الممتع: 2/450.

المبادئ حال النسبة فإنه ربما يتحقق التلبس بها حينئذ من كون الاطلاق مجازيا وهذا فيما سلب صفة كثرة الاتصاف عما أطلقت عليه حينئذ وانقضت عنه أو لم يتحقق فيه هذه الصفة بعد (1).

وكيف كان فالمدار في حقيقة إطلاقها ومجازيته إنّما هو على تحقّق الصفة المذكورة حال النسبة وإن كان يلزمها الاتصاف بالمبدأ حينئذ أيضا فان المعنى الإضافي لا يتحقق بدون تحقق ما أضيفت إليه، ثم إن المعتبر في أسماء التفضيل إنّما هو أكثرية الاتّصاف بالمبدأ بالنسبة إلى اتصاف الغير به حال النسبة، ولازم ذلك أيضا كصيغ المبالغة (2) الاتصاف بنفس المبدأ أيضا بتقريب ما مرّ.

توضيحه: إنّ أفضلية شيء من شيء وصف يلزمه تحقق ذلك الوصف في المفضل والمفصل عليه حال النسبة والا لم يبق موضوع للأفضلية وعدم كفاية مجرد تحقق المبدأ في الحال المذكور في صدقها حقيقة، وأما المعتبر في أسماء الآلة فهو اتصاف الذات بالمبدأ بعنوان كونها آلة لإيجاده بالنسبة إلى حال النسبة، وخلاصة الكلام//40 في المرام ان مدار حقيقة إطلاق المشتق إذا كان من أسماء الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهة على تلبس ما أطلق عليه بنفس المبدأ حال النسبة سواء (3) حصلت له كثرة الاتصاف به أوْ لا، وإذا كان من صيغ المبالغة فالمدار على اتصاف الذات بكثرة الاتصاف بالمبدأ بالنسبة إلى الحال المذكور وان خلّي عن المبدأ وإذا كان من أسماء المكان كما إذا كان من أسماء الزمان فالمدار على

ص: 63


1- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/272.
2- ينظر: شرح الكافية: 1/199، شرح الاشموني:2/343، همع الهوامع:2/169.
3- في الاصل( سوأ).

الاشتغال بالمبدأ حال النسبة فلا يكفي حصوله قبله مع انقضائه أو بعده وإذا كان من أسماء الآلة فالمدار على ما عرفت (1).

حجّة القول بعدم اشتراط بقاء المبدأ مطلقا وجوه: الأول: ثبوت الاستعمال في كلٍّ من الماضي والاستقبال، والأصل فيه بعد بطلان احتمال الاشتراك اللفظي أما لأنّه خلاف الأصل أو للاتفاق على عدمه في المقام ودوران الأمر بين المعنوي والحقيقة والمجاز هو وضعها أي المشتقات للقدر المشترك بينهما.//41

وفيه: إنّ الأصل المتصوّر لهذا القول في المقام ليس إلاّ أصالة عدم ملاحظة الواضع للخصوصية، وهي معارضة بأصالة عدم ملاحظة العموم وأصالة عدم سراية الوضع إلى غير المتلبس، والانصاف إنّ الأصل غير مساعد لشيء من القولين فلا يتوهم أيضا أنّ مقتضاه ثبوت الوضع لخصوص المتلبس بتوهم أنّ أحد الأصلين المذكورين يعارض ما تمسك به للقول الأخير ويبقى الآخر سليما فينهض على إثبات القول المختار؛ فإنّ عدم سراية الوضع لغير المتلبس لازم لعدم ملاحظة العموم ومن المعلوم أنّ اللازم والملزوم لا يكون كلاهما مجريين للأصل (2) بل هو جارٍ في الملزوم فقط، والمفروض تساقطه في المقام لمعارضته بأصالة عدم ملاحظة الخصوصية (3)، وتخيّل أنّه بعد منع مانع من جريان الأصل في الملزوم، فهو يجري في اللازم فيتمّ المطلوب لسلامته عن المعارض، مدفوع بأنّ ذلك في الأصول المبنية على التعبد، وأما في التي يكون اعتبارها من باب الظنّ كما في المقام فلا؛ إذ لا يعقل الشكّ في الملزوم مع الظن باللازم مع أنه تابعه، فتأمل.

ص: 64


1- قد عدّ بعض في أسماء الآلة شأنية ما أطلقت عليه للآلية مع إعداده لذلك، من دون اعتبار فعليتها له. ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/273.
2- ينظر: الحكمة المتعالية في الاسفار العقلية الاربعة: 2/391.
3- ينظر: هداية المسترشدين: 1/334، محاضرات في أصول الفقه، الفياض: 1/268.

والتحقيق: إنّ التعويل على هذه الأصول على فرض سلامتها في غاية الضعف والسقوط.//42

أمّا أولا: فلمنع كونها مفيدة للظن الذي هو مناط اعتبارها ولو نوعا، وأما ثانيا: فلمنع قيام دليل على اعتبارها مع تسليم إفادتها للظنّ؛ فإنّ الدليل عليه ليس إلا بناء العقلاء (1) فيما بينهم، ولا ريب أنّ القدر المتيقن منه أنّما هو في أصالة عدم النقل (2)، ولا يبعد كون أصالة عدم الاشتراك أيضا كذلك، أمّا غيرهما فلا بل المظنون تركهم العمل عليها.

هذا إذا أُريد بالأصل استصحاب العدم (3)، وإن كان المراد به القاعدة المستفادة من الأمارات كما يقال أو قيل إنّ مقتضاها كون الوضع للأعمّ، وهي غلبة الوضع للأعم فيما إذا ثبت الاستعمال في كلٍّ من المعينين بينهما جامع قريب أو بعيد مع ثبوت الاستعمال في نفس الجامع أو بدونه أيضا على اختلاف الآراء كما اشتهرت في ألسنة متأخري المتأخرين (4) ففيه أولا: منع أصل الغلبة، وثانيا: منع نهوض دليل على اعتبارها في المقام، ثم إنّه قد حكى عن بعض الأفاضل (5) التمسك بالقاعدة المذكورة على إثبات الوضع للمتلبس قال -- في مقام الاستدلال على ما صار إليه -- بوجوه: الأول: إنّ الأصل فيما إذا أطلق اللفظ على أمرين أو أمور كان بينهما جامع قريب قد استعمل فيه موضع اللفظ بإزاء القدر الجامع دفعا للمجاز

ص: 65


1- في الاصل (الأبناء العقلاء فيما بينهم).
2- ينظر: هداية المسترشدين: 1/145، 224.
3- ينظر: حاشية على القوانين، الشيخ الانصاري: 266.
4- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/274.
5- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/274، زبدة الاصول، الروحاني: 1/141.

والاشتراك إلى أن قال: ومن الواضح إطلاق المشتق باعتبار الماضي والحال والاستقبال فيجب وضعه للمفهوم العرضي البسيط (1) انتهى.

مراده بالمفهوم//43 البسيط هو مفهوم المتلبس (2)، وأنت خبير باشتباه الأمر عليه؛ لأنّ مقتضى دليله ثبوت الوضع للأعمّ من المتلبس في الحال الشامل له بالنسبة إلى الماضي والاستقبال اللهم إلاّ أن يقال باشتباه الحاكي بأن كلام المستدل في مقام الاستدلال على نفي أخذ شيء من الأزمنة في مفهوم المشتق، وإنّ مراده بقوله: (وهو المفهوم البسيط) هو البسيط من هذه الحيثية فيتم كونه قدرا مشتركا بين الثلاثة لكن مع ملاحظة الماضي والحال والاستقبال بالنسبة إلى حال النطق بقرينة قوله: (هو المتلبس)؛ إذ لا ريب أنّ مصداق المتلبس منحصر في الحال بالنسبة إلى التلبس والصدق فيكون حاصل مراده إنّه بعد الفراغ عن إثبات كون المشتق حقيقة فيمن تلبس بالمبدأ باعتبار حال التلبس ماضيا كان أو حالا أو مستقبلا بالنسبة إلى حال النطق استدلّ على خروج الزمان وعدم أخذ شيء من الأزمنة في مفهومه ولا يبعد ذلك، لكن يرد عليه منع الدليل المذكور صغرى وكبرى كما مرّ.

ثمّ إنّه قد يقال أو قيل بأنّ مقتضى القاعدة المذكورة -- أعني الغلبة -- وضع المشتق لخصوص حال النطق لغلبة الوجود والمجاز على الاشتراك المعنوي عند الدوران وفيه أيضا ما مرّ صغرى وكبرى.//44

ص: 66


1- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/274.
2- درر الفوائد للحائري: 1/64، تعليقة على معالم الاصول: 3/571، إفاضة الفوائد، الكلبايكاني: 1/77.

هذا ما عرفت من حال الأصول الاجتهادية المبنية على الظنّ، وأمّا الأصول التعبدية فلا موافقة لها كلية في مقام العمل لاحد من القولين و ان أمكن دعوى غلبة موافقتها للمذهب المختار (1).

الثاني: تبادر الأعمّ (2)، الثالث: عدم صحّة سلب المشتق عمّن انقضى عنه المبدأ، وقد سبق ما يغني عن الجواب عنهما، الرابع: انه لو كانت في الحال خاصة لكان إطلاق المؤمن على النائم و الغافل مجازا ومن المعلوم خلافه بالإجماع وضرورة العرف.

وفيه: إنّ الايمان هو التصديق بالجنان (3)، وهو لا يزول بالنوم ونحوه؛ لبقائه في الخزانة قطعا غاية الأمر عدم الالتفات إليه وهذا واضح، وقد أجيب عنه ببعض الوجوه أيضا لا طائل في ذكره (4).

الخامس: إنّه لو لم يكن موضوعا للأعمّ لما صحّ الاستدلال ب-(آيتي السرقة والزنا) على وجوب الحدّ على الزاني والسارق، وإن انقضى عنهما المبدأ، والملازمة ظاهرة وبطلان التالي أظهر.

وفيه: إنّ غاية ما ذكره أنّما هو ملزوم إرادة الأعمّ بل خصوص إرادة من انقضى عنه المبدأ، وهو لا يقتضي ثبوت الوضع للأعم، وسيجيء ما يتضح به الجواب عن الدليل مستقصى فانتظر.

ص: 67


1- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/275.
2- ينظر:الكفاية:30،حقائق الأصول:1/73، زبدة الاصول، الروحاني:1/100،مباحث الاصول، بهجت:1/136،203،وسيلة الوصول:101، 163،فوائد الاصول، الخراساني:1/124،جواهر الاصول تقرير بحث السيد الخميني:1/338، 2/73.
3- ينظر: عمدة القاري للعيني:1/103، شرح أصول الكافي، محمد صالح المازندراني: 1/11، 137، 8/46.
4- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/275.

حجة مشترطي (1) البقاء فيما إذا كان المبدأ ممّا يمكن بقاؤه دون غيره إنّه لو اعتبر البقاء مطلقا لما كان//45 للمتكلم والمخبر والماشي والمتحرك ونحوها حقيقة والتالي باطل بالضرورة فكذا المقدّم.

بيان الملازمة: إنّ مبادءها مركبة من أجزاء (2) يمتنع اجتماعها في الوجود، وفيه: إنّ البقاء يختلف باختلاف الموارد فإنّه في مبادئ الملكة البقاء عبارة عن بقاء نفس المبدأ بالدقة العقلية وفي غيرها يصدق حقيقة عند العرف على مجرد التشاغل بالمبدأ مع عدم الفراغ منه وكيف كان فالتلبّس المعتبر في الأسماء المشتقة هو المعتبر في الأفعال فالتلبس في كلّ اسم مشتق إنّما بنحوٍ ما اعتبر في الفعل المتّحد معه في المادّة فكما أنّ(يضرب زيد) لا يصدق حقيقة إلاّ فيما إذا كان مشتغلا ومتلبسا بالضرب حقيقة لا تسامحا فكذلك (زيد ضارب) وكما أن يتكلم أو يمشي يصدقان حقيقة على من لم يفرغ ولم يعرض عن التكلّم والمشي، فكذلك متكلم وماشٍ (3).

حجّة القول: بأنه حقيقة في الماضي إذا كان الاتصاف أكثريا ويعتبر البقاء في غيره أنّهم يطلقون المشتقات على المعنى المذكور من غير قرينة كما في لفظ الكاتب والخياط والقاريء والمتعلم وغيرها.

وفيه: إنّ الملحوظ في//46 الأمثلة المذكور وأمثالها إنّما هو التلبس بملكات مبادئها لا نفس المبادئ حتّى يدفع بما ذكر؛ ولا ريب إنّها لا تصدق على من انقضى عنه تلك الملكات جدّا.

ص: 68


1- .ينظر: قوانين الاصول: الميرزا القمي:77.
2- في الاصل( أجزأ).
3- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/276.

وكيف كان فالتصرف في تلك الأمثلة وقع في المادة لا الهيأة، ومحلّ البحث هو الثانية.

هذا مع أنّ دليله يقتضي نقيض مدّعاه؛ إذ لا ريب إنّه على تقدير الوضع للقدر المشترك لا بدّ من نصب قرينة مفهمة لإرادة خصوص من انقضى عنه المبدأ كما فرض التجرد عن القرينة في تلك الحال، فعدم نصب القرينة حينئذٍ -- على ما قرره -- يقتضي الوضع لخصوص الماضي، وهو كما ترى.

حجّة القول: باعتبار البقاء في المشتقات المأخوذة على سبيل اللزوم دون غيرها التبادر الحاصل بملاحظة استقراء (1) موارد استعمالات المجازية بين العرف؛ فإنّ المتبادر من مثل الحَسن والقبيح والأبيض والأسود وأمثالها: كالنائم والمستيقظ هو المتلبس بتلك المبادئ في حال النسبة، فيكون إطلاقها على غيره مجازا بخلاف مثل القاتل والضارب والمضروب والمهدي إليه والممدود به وأمثال تلك؛ فإنّ المتبادر منها الأعمّ الشامل للماضي أيضا، فهذان التبادران يكشفان عن أن هذه الهيآت لها وضعان نوعيان بالنسبة إلى تينك الطائفتين من الموارد، وإن كانت الصفة واحدة والموضوع له في أحدهما هو الأول وفي الثاني هو الثاني (2).//47

وجوابه: قد علم ممّا حققنا سابقا من تبادر المتلبس بالمبدأ حال النسبة مطلقا مع قطع النظر عن الخصوصيات الخارجة، وصحة سلب المشتق عمّن انقضى عنه المبدأ، كذلك ولعل منشأ اشتباه الأمر على المستدل إنّه كثيرا يطلقون المشتقات على الذوات في الحال بمعنى إنّ ظرف النسبة حال النطق مع مضي المبدأ عنه حينئذٍ كما في موارد النداء بتلك العناوين كأنّ تدعو (3) زيدا بقولك:(يا ضارب عمرو ويا

ص: 69


1- في الاصل( استقرأ).
2- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/277.
3- في الاصل( تدعوا) بالألف.

مضروب بشر ويا قاتل بكر)، ومنه قولك في مقام السؤال عن أحد المعصومين(عليهم السلام) كنداء علي(عليه السلام) بقولك: (يا قالع الباب ويا هازم الأحزاب ويا بائتا على فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله))، ومنه قولك في مقام نداء (1) الحسين(عليه السلام) تندبا (يا قتيلا بكربلاء ويا مسلوب العمامة والرداء)، وهكذا وسيجيء دفع هذا التوهم وبيان إن المستعمل فيه اللفظ في كافة تلك الأمثلة إنّما هو الذات باعتبار حال التلبّس (2).

وأمّا القول السادس: أعني إيكال كلّ لفظ//48 من الألفاظ إلى فهم العرف والمتبادر منه عندهم، فلم ينقل فيما رأيت حجته ولازمه التزام شخصية أوضاع المشتقات بأن يكون كلّ هيأة من هيآتها مع كلّ مادّة لها وضع مستقل وإلاّ لم يعقل إيكال كلّ لفظ ولعله[لا] (3) قائل بهذا وقد عرفت ظهور الاتفاق بل الاتفاق على عدمه (4).

تنبيهات

الأوّل: قد حققنا وضع المشتق للمتلبس بالمبدأ، وإنّ إطلاقه إنّما يكون حقيقة إذا كان باعتبار حال التلبس به فيكون إطلاقه على من انقضى عنه المبدأ كإطلاقه على من يتلبس بعدُ مجازا، لكن ربما يستشكل بإطلاقه على من انقضى عنه المبدأ كثيرا غاية الكثرة بحيث يبعد كون تلك الاطلاقات بأسرها مجازية كما في موارد النداء أي موارد وقوع المشتق منادى، وفي موارد وقوعه معرفا للذات كقولك:(هذا قاتل عمرو ضارب زيد وأنت معطي المال)، وأمثال ذلك، وفي موارد الاستفهام كقولك:

ص: 70


1- في الاصل (ندأ).
2- ينظر: هداية المسترشدين: 1/389.
3- زيادة اقتضاها السياق.
4- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/278.

(أنت ضارب زيد أو معطي عمرو درهما)، ونحوهما؛ إذ لا يخفى أنّ حال النسبة في تلك الأمثلة إنّما هو حال النطق مع أنّ حال التلبس قبل ذلك لانقضاء المبدأ عن الذوات المطلق عليها المشتق في تلك الموارد غالبا لم يطلق إلاّ على المتلبس؛ لأنّ المنقضي عنه المبدأ، أمّا في موارد النداء فلا يخفى أنّ المقصود بالنداء (1) هو الشخص المتلبس بالمبدأ لا المجرد عنه، وإنّ اللفظ قد أطلق عليه باعتبار حال التلبس إلاّ إنّه لما علم من الخارج//49 اتحاد هذا الشخص المجرد الآن عن المبدأ للمتلبس به من قبل الذي هو المقصود بالنداء فيصير هذا منشأ لتوهم إطلاقه على هذا الشخص الموجود الآن فيقال إنّه أطلق على من انقضى عنه المبدأ مثلا قولنا (يا قالع الباب ويا هازم الأحزاب) مريدين به أمير المؤمنين (عليه السلام) بمنزلة قولك (أدعوك أيها الذي هو قالع الباب في ذلك الزمان وهازم الأحزاب)، كذلك جعل الزمان المذكور ظرفا للنسبة، فيكون من قبيل(ضارب أمس)؛ فإنّ الأوصاف الواقعة مناداةً تنحل إلى مفاد موصول صلته هذا الوصف، ويكون ذلك محمولا على العائد لا الموصول (2).

نعم، لما كان المعتبر حضور المنادى؛ إذ النداء من مقولة الخطاب مع الحاضر (3)، فلا بدّ في تلك الموارد من التصرف بوجهٍ آخر؛ ليصح وقوع ذلك الشخص المتلبس بالمبدأ من قبلُ، المتحد للموجود الآن منادى بأن يفرض حاضرَ المعنى بتنزيل في وقت التلبس بمنزلة حال النطق فيلزمه حضور المتلبس حينئذٍ حكما أو أن يفرض المنادي -- بالكسر-- نفسه حاضرا في ذلك الزمان، ومن هنا يكون إطلاقه في موارد النداء مع عدم تلبس الذات بالمبدأ بعد حقيقة أيضا فيما إذا تلبسها به كان بعد مقطوعا به كقولنا:(يا قائما بالقسط ويا حاكما بين العباد ويا شديد

ص: 71


1- ينظر في ذلك: شرح الكافية: 1/344 وما بعدها، شرح ابن عقيل: 2/255.
2- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/279.
3- .ينظر: شرح الكافية: 1/344.

العقاب)، وأمثال ذلك مريدين منها الله تعالى مع أنه تعالى ليس الآن متلبسا بتلك المبادئ مع أن إطلاقه على من لم يتلبس به بعدُ مجاز اتفاقا فإنّ الوجه في ذلك أيضا أن نفرض سبحانه تعالى باعتبار اتصافه بتلك الأوصاف في يوم القيامة مغايرا له سبحانه تعالى باعتبار عدم//50 اتصافه بها بعدُ فندعوه تعالى بالاعتبار الأوّل؛ فيكون المقصود بالنداء، والمراد من اللفظ هو القائم بالقسط في ذلك الزمان لا الآن فيكون إطلاقه باعتبار حال التلبس ولأجل ذلك يطلق الأسماء الجوامد في موارد النداء وغيرها مع أنّ الشخص لا يصدق عليه الآن هذا الاسم حقيقة كقولك (هذه زوجة زيد أو زوجة عمرو) بعد طلاقها مع أنّ الأسماء الجوامد لا خلاف فيها ظاهرا في اعتبار حصول الوصف العنواني لما تطلق عليه بالنسبة إلى حال النطق ظاهر النسبة.

وأمّا في موارد وقوعه معرّفا فالأمر فيها أوضح؛ فإنه باعتبار قيامه بالذات الحاضرة بالنسبة إلى الماضي جعل معرفا لها الآن باعتبار اتحاد هذه الذات الآن لها في الماضي فقولك: (هذا ضاربٌ زيدا) بمنزلة(هذا ضارب زيد أمس) بجعل(أمس) ظرفا للنسبة فأنت فرضت هذه الذات المشار إليها ذاتين مغايرتين بالاعتبار، إحداهما محمولة على الأخرى فإنّ المحمول هي الذات المتلبسة بالمبدأ (أمس)، والموضوع هي الحاضرة حملت الأولى على الثانية؛ لاتحادها معها فصارت معرفة لها لذلك فيكون معنى المثال المذكور بالفارسية( أين آنست كمه زننده زيد بود) (1).

وأمّا في موارد الاستفهام فالأمر أجلى من سابقه؛ فإنّ السائل بعد ما فرض شخصا متلبسا بالمبدأ في الزمان الماضي يسأل عن اتحاد هذه الذات الحاضرة مع

ص: 72


1- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/279.

تلك فقولك:(أنت ضاربُ زيدٍ) معناه بالفارسية( آيا تو آن كسيكه زننده زيد بود پيش).//51

وكيف كان فالمشتق في موارد التعريف والاستفهام مع انقضاء المبدأ حال الاطلاق لم يطلق إلاّ على المتلبس إلاّ إنّه جعل المتلبس معرفا للمجرد عن المبدأ في الأولى ومسؤولا عن اتحاده معه في الثانية؛ فلذا قد يقع معرفا له أو مسؤولا عن الاتحاد معه فيما إذا لم يتلبس به بعدُ، إذا كان تلبس هذا الذات بعدُ مقطوعا به في الأوّل وتلبس ذاتٍ ما مرددة بين هذه الذات وغيرها في الثانية مع أنّ إطلاقه على من يتلبس بعدُ مجاز اتفاقا كما عرفت وسمعت مرارا (1).

وأمّا في موارد النداء: فالغالب إطلاقه على المتلبس على الوجه الذي قررناه ولا ضير في إطلاقه في بعض الموارد على غير المتلبس بعلاقة (ما كان) فيما إذا كان قد انقضى عنه المبدأ أو بعلاقة الأوّل والمشارفة فيما إذا لم يتلبس بعدُ؛ لقلّة مورده فلا يلزم منه الاستبعاد المذكور (2).

مع أنّه يمكن أيضا تصوير إطلاقه على غير المتلبس على وجه الحقيقة بنحوٍ آخر بحيث لا يلزم المجازية في اللغة وهو أن يدعي كون المنقضي عنه المبدأ أو الذي يتلبس به بعدُ متلبّسا به الآن فيطلق عليه المشتق بعد هذا التصرف فيكون التجوّز حينئذٍ عقليا وهذا هو معنى المجازية في التلبس فقط، وبالجملة نحن لا ندعي كون الاطلاق على الوجوه المذكورة موافقا للظاهر//52 بل نسلّم كونه مخالفا له من الوجوه الأخرى؛ فإنّ فرض ذات واحدة اثنتين وادعاء فردية ما ليس بفرد مخالفٌ للظاهر يقينا وان لم يكن مخالفا لظاهر المشتق إلاّ إنّ القرينة قائمة في الموارد المذكورة في بعضها غالبا كما في موارد النداء، وفي بعضها دائما كما في الأخيرتين

ص: 73


1- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/280.
2- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/280.

على ارتكاب نوع من وجوه خلاف الظاهر موجب لحقيقة إطلاق المشتق بعده، فافهم (1).

الثاني: بعد ما ثبت كون المشتق حقيقة في المتلبس بالمبدأ حال تلبسه به بالتقريب الذي تقدم فلا بدّ من حمله عليه في كلّ مورد لم يقم قرينة لفظية أو عقلية على خلافه كما في الحكم بوجوب قتل القاتل أو إقامة الحدّ على السارق والزاني، ونحوهما ممّا لا يمكن ترتب الحكم عليه حال قيام المبدأ بالذات من جهة عدم استقرار المبدأ بها بقدر فعل القتل أو الحدّ قطعا؛ فإنّ القاتل قبل تحقق القتل منه ولو كان مشتغلا بالجزء الأخير من مقدماته لا يكون قاتلا قطعا، وبعد تحقّق الجزء الأخير فلا ريب في تحققه معه ولا ريب في انقضائه حينئذٍ بمجرّد تحققه فلا يبقى لموضوع الحدّ أو القتل لو علقا على قيام المبدأ بالقاتل والسارق وجود فلا يمكن امتثال هذا الحكم فحينئذٍ؛ فالعقل حاكم بكون المراد خلاف الظاهر يقينا وإلا لغي الحكم ولذا يتمسكون ب-( آيتي السرقة والزنا) على وجوب الحدّ على من انقضى عنه السرقة والزنا (2).//53

وكيف كان فهذا ممّا لا إشكال فيه وإنّما الكلام في كيفية الاستعمال وإنّه هل وقع التصرف في هذه الموارد في المادة أو في الهيأة؟، وهذا وإن لم يكن فيه فائدة مهمة إلاّ إنّه لا بأس به والتعرض له في الجملة، فنقول: قد قيل أو يقال إنّ التصرف فيها في المادة لا الهيأة بمعنى إنّها عارضة عليها بعد تقييدها بالزمان الماضي فيقال: إنّ المراد بالقاتل مثلا إذا أطلق على من انقضى عنه المبدأ كما في الآية هو المتلبس الآن بالقتل الواقع أمس فلا يلزم مجازٌ في الهيأة، لكن فيه ما لا يخفى من الركاكة كما أشرنا إليه آنفا، ويمكن أن يقال إنّ إرادة المعنى من اللفظ شيء والحكم

ص: 74


1- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/281.
2- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/281.

على هذا شيء آخر فيمكن أن يراد من الزاني والقاتل مثلا معناهما الحقيقي وهو الموصوف بهما ويحكم عليه بوجوب الحد أو القتل مع تقييد ظرف الامتثال بحال انقضاء المبدأ لكن فيه إنّه مستلزم للتكليف بغير المقدور وموجبا لإعادة المحذور ضرورة عدم إمكان هذا المعنى بعد انقضاء المبدأ؛ إذ المفروض قوامه بقيام المبدأ فكيف يعقل بقاؤه بعد انقضائه، والذي يقتضيه التحقيق أن يوجّه إطلاق المشتق في المفروض بحيث لا يستلزم المحذور المذكور بأنه مستعمل في المتلبس بالمبدأ حال تلبسه به لكن الحكم لم يتعلق بالذات المطلق هو عليها بهذا العنوان حتى يكون الموضوع حقيقة هو هذا العنوان فيعود المحذور بل علق على الذات بشرط حصول الاتصاف بها بالعنوان المذكور مع عدم بقاء الاتصاف، فيكون موضوع الحكم هو الذات لا العنوان وهي مقيدة به ويكون النكتة في تعليق الحكم على العنوان المذكور في الظاهر مع أنّ موضوعه هي الذات واقعا تعريف الذات التي هي//54 موضوع لهذا الحكم بهذا العنوان مع التنبيه على مدخلية هذا العنوان في ثبوت الحكم المذكور ولو بنحو السببية في الوجود؛ فإنّ تعليق الحكم على الوصف مشعر بسببية هذا الوصف وجودا لا محالة وإنّما الخلاف في أنه يفيد السببية في جانب العدم بأن يفيد انتفاء هذا الحكم بانتفاء الوصف أوْ لا (1).

ص: 75


1- ومن هنا ظهر جواب آخر عن القائلين بكون المشتق حقيقة في الأعم من حال التلبس الشامل للماضي في احتجاجهم، بأنه لو لا ذلك لما صح التمسك بآيتي الزنا والسرقة على وجوب الحد على من انقضى عنه المبدأ، وملخص الجواب أن هذا يرد على تقدير كون العنوان قيدا لموضوع الحكم وواسطة في العروض، والأمر ليس كذلك، فان العنوان علة الثبوت والمفروض إنما هو الذات باقية بعد زوال العنوان، وقد يقرر هذا الاستدلال بنحو آخر، وهو أنه لو لا ذلك لما صح الاستدلال بالآيتين على وجوب حدّ الزاني والسارق مطلقا، لانصرافهما إذن بمقتضى الوضع إلى من تلبس بالزنى والسرقة حال نزول الآية، فلا يندرج غيرهم فيها، والتالي باطل، وهذا التقريب مبني على حمل المشتق في الآيتين على حال النطق، والجواب عنه أولا: أن المراد بالمشتق إذا وقع محكوما عليه كما في الآيتين المتلبس بالمبدأ مع قطع النظر عن حصوله في أحد الأزمنة، فيعم الأفراد المتحققة في الماضي والحال والمقدرة، وثانيا: أن ذلك لو تم لدل على بطلان الوضع باعتبار حال النطق، ولا يلزم منه الوضع للأعم، لثبوت الواسطة .ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/282.

وإيراد ما هو شرط للحكم واقعا بصورة موضوع الحكم وعنوانه شائع كشيوع عكسه، وهو إيراد ما هو موضوع وعنوان للحكم واقعا بصورة الشرط وهذا هو الشرط الذي يقال إنّه لتحقيق الموضوع فيحكمون بعدم المفهوم له لذلك فعلى هذا فيصير معنى قوله:(الزانية والزاني فاجلدوا....إلخ) والله أعلم إن زنت امرأة أو إن زنى رجل فاجلدوهما، ولا ريب إنّ هذين الموضوعين أعني الرجل والمرأة باقيان بعد انقضاء المبدأ عنهما (1)، لكن لا يخفى إنّ هذا التوجيه كسابقيه إنما يوجب إطلاق المشتق على الحقيقة وعدم خلاف الظاهر في الهيأة لكن لا بدّ من التزام خلاف الظاهر بوجه آخر؛ فإنّ ظاهر تعليق الحكم على شيء كون ذلك الشيء هو الموضوع لهذا الحكم على ما هو عليه من الاطلاق والتقييد فإرادة تعليقه على غيره واقعا كما في التوجيه الأخير أو تقييده واقعا مع أنه مطلق في الظاهر كما في الأوّل أو تقييد الحكم في الواقع مع أنّه مطلق في الظاهر، كلّها خلاف الظاهر؛ فلذا نفينا الفائدة من التعرض له.

ثمّ إنّه ربّما يتصرف في الموارد المذكورة في الهيأة كما في مجاز المشارفة (2) فيقال: (زيد غريق) مع أنه بعدُ لم يغرق فيستعمل اللفظ ويراد به غير المتلبس؛ لإشرافه على التلبس وكما في صورة استعماله فيمن لم يتلبس بعدُ بالمبدأ بعلاقة الأوّل مع التلبس، والفرق بينهما إنّ العلاقة في الثاني إنّما هو//55 بحسب قرب الزمان وفي الأوّل بملاحظة الذات نفسها بمعنى أن يلاحظ الذات اثنتين باعتبار حالتين فيستعمل اللفظ في إحداهما لمشابهتها بالأخرى كما في قوله تعالى(إِنِّي أَرَانِي

ص: 76


1- ينظر: تعليقة على معالم الاصول: 2/453،نهاية الافكار، العراقي: 1/134، بداية الوصول، محمد آل راضي: 1/227- 239.
2- ينظر: فرائد الاصول للشيخ الانصاري:2/68، 85.

أَعْصِرُ خَمْرًا) (1) كما إذا استُعمل في غير المتلبس بعلاقة (ما كان) والعلاقة فيه أيضا إنّما هو بملاحظة الذات على نحو ما عرفت هذا كلّه إذا لم يكن على وجه الادّعاء والتنزيل، والا فلا يكون مجازا في الكلمة كما لا يخفى (2).

والظاهر إنّ أكثر الاستعمالات العرفية الغير المنطبقة (3) على المشتقات من حيث أوضاعها النوعية في الظاهر، إمّا لانقضاء المبدأ عمّا أطلقت عليه وعدم تلبسه بعدُ بالنسبة إلى حال النسبة مبنية: إمّا على وجه جعل المشتق معرفا لهذه الذات المجردة عن المبدأ باعتبار ثبوته لها من قبل أو بعد ذلك مع تيقن ثبوته لها مع إطلاقه على الذات المتلبسة حال النسبة وجعله لاتحادها مع هذه الذات معرفا لتلك، وهذا على قسمين بحسب الموارد: أحدهما: أن يُراد به تعريف الذات من حيثُ هي من غير اعتبار كونها محكوما عليها بحكم كما مرّ أمثلته في التنبيه السابق كقولك: (هذا ضارب زيدا وهو قاتل عمرو)، وثانيهما: أن يراد به تعريف الذات باعتبار كونها محكوما عليها بحكم كما تقول:(جاءني ضارب زيد) مريدا به المتلبس بالضرب قبل المتحد لهذا الجائي من حيث الذات فتجعله بذلك الاعتبار معرفا لهذه الذات المحكوم عليها بالمجيء أو تقول: (اضرب قاتل عمرو) قاصدا ضرب الذات الموجودة الآن المنقضى//56 عنها الضرب لكن أطلقت الحكم على هذا العنوان في الظاهر مريدا المتلبس به حال تلبسه به لنكتة التعريف أي تعريف الذات المحكوم عليها الآن بالضرب أو لنكتة الاشعار بمدخلية هذا العنوان لوجوب الضرب أيضا إذا كان سبب أمرك بضربه كونه قاتلا لعمرو وكما وجهنا الآية المتقدمة به كما عرفت، ومثل ذلك يجري في المنادى أيضا سيما في موارد التندب كقوله:(يا معطي الفقراء) مريدا به حقيقة هذا الشخص المنقضي عنه الاعطاء حال النداء؛ وانما ناديته بهذا

ص: 77


1- سورة يوسف/ 36.
2- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/284.
3- كذا والصواب ( غير المنطبقة).

العنوان تنبيها على أنّه هو الذي كان يعطي الفقراء والآن صار فقيرا مثلا مع إرادة الذات المتلبس بالإعطاء في ذلك الزمان من هذا الوصف، وجعله بهذا الاعتبار معرفا لمن تدعوه لاتحاده مع تلك الذات المتلبس بما ذكر في ذلك الزمان؛ إمّا على التنزيل والادعاء، وإمّا على تصرف في المادة كما في موارد استعمالها في ملكات مبادئها كالكاتب والفقيه والشاعر وأمثالها مما يراد بها التلبس بملكة المبدأ لا بنفسه أو فيمن أخذ مبادئها حرفة وصنعة كالبنّاء والنسّاج والكاتب، وأمثالها إذا أطلقت على هذا الوجه، وكذا في استعمال البقال والتمار وأمثالهما من المشتقات المأخوذة من أسماء الذوات في مزاولة بيع البقل والتمر إلى غير ذلك ممّا يعرف وجوه التصرف فيها حسب موارد استعمالاتها؛ فان أسماء الآلة إذا أطلقت ولم يرد بها المتلبس بالآلية حال النسبة كالمقراض لغير المتلبس بآلية القرض حال النسبة فلا بد ان يكون التصرف فيها بنحو آخر كأن يقال إنّها مستعملة فيما له شأنية الالية مع إعداده لذلك أو بدونه.//57

وقد جعل بعض المتأخرين للمدار في صدق أسماء الآلة حقيقة على شأنية الآلية (1) مع الإعداد لها بمعنى إنّه جعل معناها المتلبس بشأنية كونه آلة لإيجاد المبدأ مع كونه معدا للآلية، فيعتبر في صدقها حقيقة على ما أطلقت عليه من تحقق هذين (الشأنية والإعداد) فيه حال النسبة وعلى هذا فإطلاقها على هذا الوجه ليس من وجوه التصرف فيها وإنّما يكون من ذلك بناءً على ما اخترنا من أنّ المعتبر فيها التلبس بالآلية فعلا (2).

لكن هذا القول ليس بجيد كما لا يخفى؛ إذ ليس المتبادر من نفس تلك الهيآت عرفا مع قطع النظر عن خصوص بعض الموارد إلاّ المتلبس بآلية إيجاد

ص: 78


1- ينظر: المشتق عند الاصوليين: 1/52-54.
2- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/285.

المبدأ حال النسبة، فيكشف ذلك إنّ المعتبر في وضعها لغةً ذلك فحينئذٍ لو كان مفاد تلك الهيآت في بعض الموارد غير منطبق على ذلك، فهو أمّا لأجل قرينة متحققة في خصوص الموارد، وأما لأجل حدوث نقل ووضع طار بسبب غلبة استعمال العرف لها في المورد الخاص في المعنى المخالف لما ذكرنا كما هو ليس ببعيد فيها بالنسبة إلى حالة الوزن والثقل والثقب والنشر كالميزان والمثقال والمثقب والمنشار؛ فإنّ المتبادر منها عرفا هو ما يصلح لآلية إيجاد هذه المبادئ مع كونه معدا لذلك وإن لم يتلبس//58 بالآلية فعلا، والكاشف عن كون هذا التبادر من نفس اللفظ عدمُ صحّة سلب تلك الألفاظ عمّا له شأنية الآلية مع إعداده لها وان لم يكن متلبسا بها حال النسبة وصحة سلبها عمّا له شأنية ذلك مع عدم إعداده له بل الظاهر منها كما يظهر للمتأمل هي الذوات المعدّة لما ذكر من دون التفات إلى عنوان كونها آلات؛ فان المتبادر منها ما يعبر عنه بالفارسية( بترازو، ومته، وأره) فهي (1) على هذا كالأسماء الجوامد الموضوعة للذوات فيخرج عن كونها أوصافا بالمرة؛ فإنّ الدال حينئذٍ هو أمر واحد والمركب من الهيأة والمادة المخصوصة فيكون وضعها حينئذٍ شخصيا؛ ولعلّ منشأ تخيّل البعض ملاحظة بعض الأمثلة الخاصة المقرونة بالقرائن المفيدة لما زعم أو المنقولة إليه (2).

وكيف كان فقد عرفت وجه التصرّف في أسماء الآلة بناءً على مذهب المختار فيها، ويقرب منه وجه التصرف في أسماء المكان؛ فإنه أيضا إطلاقها على غير المتلبس بظرفية المبدأ حال النسبة باعتبار صلاحية الظرفية لذلك (3).//59

ص: 79


1- في الاصل( فمن) والصواب ما أثبتناه، التصحيح من تقريرات المجدد الشيرازي: 1/286.
2- .ينظر: المشتق عند الاصوليين: 1/53.
3- تقريرات المجدد الشيرازي: 1/286.

وكيف ما كان فان شئت توضيح الكلام فيما ذكرنا فنقول: لا ريب إنّ مبادئ المشتقات مختلفة (1)؛ فقد يكون المبدأ فيها وصفا (2) كالأبيض والأسود ونحوهما وقد يكون قولا كالمتكلم والمخبر وقد يكون فعلا صدوريا متعديا إلى الغير كالضارب والناصر والقاتل ونحوها، وقد يكون ثبوتيا غير متعدٍ إلى الغير كالقائم والقاعد والمضطجع والمستلقي ونحوها، ويعبر عن الجميع بالحال، وقد يكون ملكة (3) كالعادل والمجتهد ونحوها إذا أريد التلبس بملكة الاقتدار على مبادئها وقد يكون حرفة وصنعة (4) على أنحاء خاصة كالبنّاء والكاتب والنسّاج ونحوها من المشتقات المأخوذة من المصادر من أسماء الفاعلين وصيغ المبالغة إذا أريد بالأولى التلبس بمبادئها بعنوان أخذها حرفة، والثانية التلبس بمبادئها بعنوان كثرة أخذها حرفة لا مجرد التلبس بأخذها حرفة لا بشرط؛ وإلا فيلزم التصرف في الهيأة المفيدة لكثرة التلبس لكونها حينئذ لمجرد الوصف كما هو الغالب في استعمال أسماء الحرف التي على هذا الوزن عرفا سواء (5) كانت مأخوذة من المصادر كالنسّاج والبنّاء؛ حيث إنّ الغالب استعمالها فيمن تلبس بأخذ مبادئها حرفةً من دون اعتبار الكثرة أو من أسماء الذوات كالبقّال والعطّار والترّاب والزبّال؛ حيث إنّ الغالب عرفا في استعمالها أيضا إرادة التلبس بأخذ بيع تلك الذوات أو نقلها حرفة بل الظاهر هجر تلك الهيأة أعني زنة (فعّال) (6) عرفا عن معناها الأصلي ونقلها إلى مجرد المعنى//60 الوصفي المجرد عن الكثرة فيما إذا أريد بالمبدأ الحرفة مصدرا كان أو اسمَ ذات، كما لا يبعد

ص: 80


1- ينظر: قوانين الاصول، القمي:78، بداية الوصول، محمد آل راضي:1/167.
2- ينظر: هداية المسترشدين:1/395، محاضرات في أصول الفقه، الفياض: 1/312.
3- بنظر: قوانين الاصول، القمي:78،هداية المسترشدين:1/395.
4- .بنظر: قوانين الاصول، القمي:78، هداية المسترشدين:1/395، محاضرات في أصول الفقه، الفياض: 1/312.
5- في الاصل( سوأ).
6- ينظر: المشتق عند الاصوليين: 1/55.

دعوى طريان الوضع عليها عرفا بواسطة غلبة الاستعمال للمتلبس بأخذ المبدأ حرفة فيما إذا كان المبدأ من أسماء الذوات بحيث يكون استعمالها حينئذٍ في التلبس على وجه الحال، بأن يراد التلبس ببيع هذه الذوات مجازا محتاجا في الانفهام إلى القرينة الصارفة ولا يبعد دعوى كون ذلك أيضا في بعض أمثلتها المأخوذة من المصادر كالنسّاج والبنّاء والخرّاط والغسّال (1).

وكيف كان فكلامنا الآن مع الغضّ عن ذلك كله فتأمل (2)، أو من أسماء الذوات كللابن والتامر ونحوهما من أسماء الفاعلين المأخوذة منها وكالبقّال والعطّار، ونحوهما ممّا مرّ من صيغ المبالغة المأخوذة منها إذا أريد بها كلّها التلبس بأخذ بيع تلك الأعيان حرفة (3)، وقد عرفت ما في الثانية، وأمّا الأولى أعني أسماء الفاعلين المأخوذة من أسماء الذوات فلا تصرّف من العرف في هيأتها أصلا، والغالب استعمالها في التلبس بأخذ بيع تلك الأعيان حرفة، وقد عرفت ما في الثانية، وأمّا الأولى أعني أسماء الفاعلين المأخوذة من أسماء الذوات فلا تصرّف من العرف في هيأتها أصلا والغالب استعمالها في التلبس الحالي؛ أعني إرادة مجرد التلبس ببيع تلك الأعيان وهذا هو الظاهر المتبادر منها عرفا، فيكون أخذ مبادئها حرفةً خلاف الظاهر المحتاج إلى القرينة الصارفة عمّا ذكر لكنه لا يوجب التصرف في الهيأة؛ فإنها لمجرد التلبس بالمبدأ بمعناه و لو مجازيا، وهذا باقٍ على جميع التقادير (4).//61

ص: 81


1- .ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/287.
2- وجه التأمل أنه يمكن نقل المادة في الصورتين في ضمن تلك الهيأة إلى الحرفة، لغلبة استعمالها فيها في ضمن الهيأة، فالهيأة على ما استُظهِرَ إنما هي منقولة إلى مجرد التلبس بالمبدأ إلى التلبس بمعنى خاص، هذا مع إمكان نقل المجموع من الهيأة والمادة إلى التلبس بمعنى خاص.
3- ينظر: تحريرات الاصول، مصطفى الخميني: 1/384.
4- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/288.

وقد يجتمع في المبدأ الواحد الوجوه الثلاثة أعني:(الحال والملكة والحرفة) (1)؛ بمعنى إنّه يصلح لإرادة التلبس بكلّ واحد من تلك الوجوه كما في الكاتب والقارئ والمدرّس وأمثالها، أو الاثنان منها كما في الفقيه والعالم والمجتهد ونحوها؛ لصلاحيتها لإرادة التلبس الحالي والتلبس بملكة الاقتدار على مبادئها، ومن المعلوم عدم التصرف في الهيأة من جهة أحد الوجوه الثلاثة في جميع الصور إمّا في صورة إرادة التلبس الحالي، فواضح إذا كان المبدأ من المصادر، وأما إذا كان المبدأ من أسماء الذوات فالتصرف إنّما وقع في المبدأ من حيث إخراجه عن معناه الأصلي وهو الذات إلى غيره وهو الفعل المتعلق بالذات المناسب لتعلقه بها كالبيع بل يمكن عدم التزام التصرف في المادة أيضا بتقريب ما يقال في مثل قوله تعالى:(حُرّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمّهَاتُكُمْ) (2)؛ فإنّ الأمّ فيها في معناه الأصلي، وكذا الحرمة إلاّ إنّه تجوّز في أمر عقلي، وهو نسبة الحرمة إلى الأمّ التي هي من الذوات فلا مجاز في الكلمة أصلا (3)، وأمّا تفهيم المقصود الواقعي وهو حرمة وطء الأمهات؛ فالتعويل فيها على القرينة العقلية الدالّة على امتناع إرادة حرمة الذوات نفسها بضميمة ظهور الوطء من بين الأفعال المتعلقة بها، وتكون الأولى صارفة والثانية معينة؛ فأريد من كلّ واحد من الطرفين معناه الأصلي وأريد الدلالة على المقصود//62 بالقرينة فعلى هذا يقال فيما نحن فيه أيضا إنّ الهيأة لإفادة التلبس بمعروضها وأريد بها هذا المعنى والمبدأ للذات، وأريد به هذه لكن التعويل في تفهيم المقصود وهو التلبس بالفعل المتعلق بالذات على العقل حيث إنّه لا يصحّ الاتصاف بنفس الذات بمعنى إنّه مستحيل عقلا فيكشف ذلك عن التجوّز في النسبة الضمنية بين الهيأة والمادة، وإنّ المراد غير

ص: 82


1- بنظر: قوانين الاصول، القمي:78،بداية الوصول:1/167،هداية المسترشدين:1/395، محاضرات في أصول الفقه:1/312.
2- النساء/ الاية:23.
3- ينظر: تعليقة على معالم الاصول: 2/445، وللحديث عن هذه الآية ينظر: الفصول في الاصول للجصاص: 2/19.

إرادة التلبس بنفس الذات، فيكون هذا بضميمة ظهور البيع؛ لكونه متعلقا لمفاد الهيأة بالنسبة إلى سائر الأفعال وإلاّ على المراد فلا مجاز لغة في شيء من المادة والهيأة أصلا بل هو عقلي فحسب كما في الآية إلاّ إنّ الفرق بينهما إنّ التجوز ثمة وقع في النسبة التامة بين الموضوع والمحمول، وهنا وقع في النسبة الناقصة الضمنية الحاصلة بين الهيأة والمادة، هذا كله إذا أريد بالمشتق المتلبس الحالي؛ وأمّا إذا أريد به التلبس بالمبدأ باعتبار الملكة أو الحرفة (1)، ولا يلزم أيضا في الهيأة تصرف أصلا وإن كان فهو في المادة، فإنه إن أريد بها الملكة فالهيأة لإفادة التلبس بها أو الحرفة فكذلك فلم تخرج عمّا يقتضيه وضعها الأصلي.

ثمّ إنّ المبدأ إذا أُريد به الحال فقد عرفت أنّه لا مجازية حينئذٍ فيه مطلقا من حيث اللغة، وإن كان يلزم التجوّز العقلي في بعض الموارد وهو ما إذا كان من أسماء الذوات، وأما إذا كان للملكة أو الحرفة فلا إشكال في مجازيته لغةً بالنظر إلى معناه الأصلي، لكنه قد يدّعى طريان الوضع من العرف//63 عليه بواسطة غلبة الاستعمالات بالنسبة إلى الحرفة أيضا مع بقاء معناه الأصلي فيكون في العرف مشتركا لفظيا بينهما بل قد يدّعى هجره عن المعنى الأصلي إلى خصوص الحرفة في أسماء الحرف التي على وزن (فعاّل) كنسّاج وتمّار وبقاّل، وغيرها (2).

والحقّ عدم عروض الوضع الجديد له مطلقا فيما إذا كان المبدأ في ضمن غير فعال من هيئات المشتق، نعم لا يبعد في الأمثلة دعوى إجماله حينئذٍ عرفا؛ لغلبة استعماله في غير الحال الموجبة للتوقف والاجمال فيكون مجازا مشهورا، وأمّا إذا كان في ضمن هيأة (فعّال)؛ فالظاهر هجره عرفا عن المعنى الأصلي إلى الحرفة بحيث يظهر منه هذه عند الاطلاق ويحتاج انفهام معناه الأصلي وهو الحال إلى

ص: 83


1- ينظر: قوانين الاصول: 78.
2- أي سواء كان بطريق الاشتراك أو النقل ، وسواء كان المبدأ من أسماء الذوات أو المصادر.

القرينة الصارفة (1) عن ذلك مطلقا بالنسبة إلى المصادر وأسماء الذوات لكن لا مطلقا بل فيما يطلق على الحرفة غالبا كالنسّاج والبنّاء والبقّال والعطّار لا مثل القتّال والأكّال والسيّار، ونحوها؛ لعدم غلبة استعمالها فيما ذكر بل الغالب إرادة المعنى الحالي، ومن المعلوم أيضا عدم تصرف في هيأة (فعّال) الموضوعة للمبالغة في تلك الأمثلة و كما في صيغ (2) المبالغة المأخوذة من أسماء الذوات مطلقا؛ فإنّ الغالب إرادة الحرفة منها مع ما عرفت بالنسبة إلى الهيأة فيها أيضا، والدليل على ذلك التبادر من تلك الموارد عند الاطلاق وصحّة سلب تلك الصيغ حينئذٍ عمّن تلبس بالمبدأ بالمعنى الحالي، فإنّه يصحّ أن يقال لمن تلبس بفعل النسج مثلا أو بيع التمر من دون أخذهما حرفة إنّه ليس بنسّاج أو تمّار ولا يصحّ أن يقال إنّه ليس بناسج وتامر (3).//64

وأمّا عدم ثبوت طريان الوضع عرفا لغير ما ذكر بالنسبة إلى غير الحال من الملكة والحرفة؛ فلانه لو ثبت فهو إمّا بطريق الهجر والنقل وأمّا بطريق الاشتراك اللفظي كما قيل والأوّل مفقود في المقام؛ فإنّ لازمه تبادر غير الحال بحيث يتوقف انفهام الحال إلى القرينة وليس كذلك في المقام، فإنه إمّا مجمل بالنسبة إلى الحال وغيره كما هو كذلك في كثير من الأمثلة، وإمّا ظاهر في الحال كما في بعض أمثلة الأخرى فانتفاء اللازم يكشف عن انتفاء الملزوم والتالي باطل في نفسه لما حققنا في محل في مسألة المجاز المشهور إنّه يمكن الاشتراك بواسطة غلبة الاستعمال؛ فان

ص: 84


1- ينظر: تعليقة على معالم الاصول: 2/55.
2- في الاصل( الصيغ المبالغة).
3- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/290.

اللفظ ما لم يهجر عن معناه الأصلي بغلبة الاستعمال لا يعقل اختصاصه بالمعنى الثاني أيضا فراجع (1).

هذا مضافا إلى تبادر الحال في بعض الأمثلة نعم لا يبعد دعوى النقل في مثل العادل والمجتهد في عرف المتشرعة إلى الملكة لكن الكلام في ثبوته بالنظر إلى العرف العام (2).

احتج مدعي الاشتراك (3) بأنه إذا قيل: (رأيت كاتبا ولقيت قارئا) يتوقف العرف في المراد وينتظرون القرينة لتعيين المراد من الحال والحرفة فيكشف ذلك عن اشتراك المبدأ فيهما وفي أمثالهما عرفا بين الحال والحرفة.

وفيه: مضافا إلى ما عرفت إنّ التوقف والإجمال لا يصحّ؛ لأن يكون علامة الاشتراك لكونه أعمّ منه لوجوده في المجاز المشهور أيضا والعلامة لا بد أن تكون//65 مساوية للمدلول والأخصّ؛ فلذا لم يعده أحد من علائم الاشتراك، نعم لو استدل بتبادر كلّ من المعينين من اللفظ تصورهما من نفس اللفظ عند الاطلاق مع التوقف في أنّ أيهما المراد حيث إنّه يجوز إرادة أكثر من معنى لاتجه الاستدلال لكن الواقع ليس كذلك هذا، ثم إنّ الظاهر أنه لم يقع الخلاف من أحد في مجازية المبدأ الصالح لإرادة الملكة فيها في العرف أيضا، وإنّما اختلفوا في ثبوت الوضع

ص: 85


1- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/291.
2- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/291.
3- مدعي الاشتراك حسبما نسبه هو الآخوند المولى أحمد الخوانساري ( ره)، وقال في طبقات أعلام الشيعة 1/ 70 رقم 140 ( الشيخ المولى أحمد الخوانساري ) ما ملخصه : بأنه كان من أعلام الشيعة في القرن الثالث بعد العشرة ، ومن فحول علماء عصره الجامعين المتفننين ، أخذ العلم عن جماعة من الأعاظم كالمولى أسد الله البروجردي الملقب بحجة الإسلام وشريف العلماء المازندراني . . . وله آثار منها [ مصابيح الأصول ] كتب المجلد الأول منه تلميذ المصنف الشيخ عبد الحسين البرسي عن خط أستاذه ، وكتب عليه ما سمعه من الدروس في 1273 وله أيضا الأدعية المتفرقة .

بالنسبة إلى الحرفة فيما يصلح لإرادتها وعدمه اشتراكا أو نقلا فيكون إطلاق المبدأ على الملكة في نحو الكاتب والقارئ مجازا قطعا إذا أريدت الملكة من نفس اللفظ؛ لعدم ثبوت الوضع لها بوجه مضافا إلى تبادر الغير، لكن الظاهر بناء الإطلاق في صورة حصول الملكة دون الحال على تنزيل من له ملكة التلبس بالمبدأ منزل المتلبس به فعلا وإرادة الحال من المبدأ بهذا الاعتبار فيلزم التجوّز بحسب العقل دون اللغة.

وكيف كان فالنسبة بين الحال وبين كل من الملكة والحرفة (1) كالنسبة بين الأخيرتين هي العموم من وجه والامر واضح بالنسبة إلى الحال وغيرها واما الأخيرتان فمحل الافتراق فيهما من جانب الملكة الاجتهاد والعدالة ومن جانب الحرفة ما لا يحتاج في حصوله إلى تحصيل ملكة مثل التمر والخبز ونحوهما، ومورد الاجماع فيهما الحرفة التي يحتاج تحصيلها إلى صرف العمر في مدة طويلة لتحصيل قوة يقدر بها على الفعل كالخياطة والحياكة والصياغة ونحوها (2).//66

ثمّ إنّ مورد الخلاف في المسألة يعم جميع الأقسام كما أشرنا إليه في تحرير النزاع كما صرح به غير واحد منهم لإطلاق العنوانات وعموم الأدلة وتمثيلهم بالألفاظ الموضوعة بإزاء الملكات والحرف كما عرفت سابقا وبيان الثمرة على حسب اختلاف المبادئ كما ستعرف فما ذكره بعض الأعلام من اختصاص النزاع بما يكون المبدأ فيه حالا استنادا إلى حصرهم الخلاف فيما تلبس بالمبدأ وانقضى عنه ذلك نظرا إلى عدم تحقق الزوال الا في الحال؛ لعدم زوال الملكة والحرفة، ليس بجيد، ويرد مستنده بأنه لا ريب في إمكان زوال كلّ من الملكة والحرفة بعد حصولهما؛ إذ الأُولى: قد

ص: 86


1- ينظر: منتهى الاصول، حسن بن علي أصغر: 1/84.
2- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/293.

تزول بالنسيان الحاصل من ترك الاشتغال بالفعل في مدّة طويلة (1) كما تزول الثانية أيضا بالإعراض وترك الاشتغال مع عدم قصد العود والاشتغال بما يضادّها من الحرف والصنائع، بل بدونه أيضا مع قصد الاعراض وترك الاشتغال؛ فإنّ زوال كلّ شيء بحسبه فالنزاع يعم الجميع إلاّ إنّ التلبس بالمبدأ يختلف باختلاف المبادئ، ولا كلام لنا باعتبار ذلك فافهم واغتنمْ.

الثالثة: الذوات الخارجية أعني الجزئيات الحقيقية (2) التي تكون موضوعة للمبادئ في الخارج غير داخلة في مفهوم//67 المشتق بلا خلاف أجده، ولا بدّ من خروجها وإلاّ لزم أن تكون المشتقات موضوعة للخصوصيات على سبيل عموم الوضع وخصوص الموضوع له ولا قائل به، بل الظاهر اتفاقهم على كون المفهوم فيها كليًّا؛ ولذا وقعت موضوعات للقضايا المعتبرة في المحاورات الدالة على ثبوت المحمولات لكلّ فرد من أفراد الموضوع (3)، ولولاه للزم استعمالها في أكثر في معنى واحد حيث يراد بها جميع الخصوصيات وهذا باطل وأيضا لو ثبت ذلك لزم حمل الذات على الذات وتوصيفها بها في قولك: (زيد ضارب وزيد العالم)، ولا ريب في فساده وحمل المشتق في المثالين على المجرد عن الذات بقرينة الحمل والتوصيف مستلزم للتجوّز في الاستعمالات الغير المتناهية (4) الشائعة في المحاورات ولا يلتزم به أحد جدا، هذا مضافا إلى كفاية الأدلّة الآتية في مورد الخلاف عن التكلّم هنا.//68

وكيف كان فكما لا ينبغي الريب في عدم أخذ الذوات الخارجية في مفاهيم المشتقات، كذلك لا ينبغي في عدم دلالتها على شيء من خصوصيات الذوات مثل

ص: 87


1- ينظر: وسيلة الوصول الى حقائق الاصول، السيزواري: 156.
2- في الاصل (الحقيقة).
3- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/293.
4- كذا والصواب(غير المتناهية).

كون المعروض جسما في نحو: الأبيض والأسود، وإنسانا في نحو: الضاحك والكاتب، وهكذا لعدم حصول الانتقال إلى نحو ذلك من خصوص الألفاظ المشتقة قطعا وإلاّ لزم أن لا يصحّ قولك: الجسم الأسود والأبيض؛ لكونه حينئذٍ من باب توصيف الأعمّ بالأخص كقولك: (الحيوان الانسان)، ولا ريب في بطلان التالي ضرورة صحّة التوصيف في المثال ونحوه مع أنّ المعتبر في المفهوم إن كان هو العنوان الخاصّ من حيث وجوده في الخارج فيلزم حمل الذات على الذات وتوصيفها بها على حسب ما مرّ بيانه في ردّ دخول الجزئيات الحقيقية في مفهوم المشتق وإن اعتبر لا بشرط فلا يصحّ؛ لأنّ المبادئ غير جارية على تلك العنوانات في الذهن بل هو من عوارض الماهيات الخارجية، فكيف يعتبر في المشتق تلبسها بالمبدأ؛ إذ على هذا يصير قولك: (الأسود) معناه مفهوم الجسم المتصوّر في الذهن المتلبس بالسواد، وهذا مما يضحك به الثكلى ضرورة عدم إمكان عروض المبدأ الذي هو السواد بالمفهوم الذهني، وإنّما هو عارض لجزئيات الحقيقة المتحققة في الخارج وهكذا في سائر أمثلة المشتقات.//69

وكيف كان فهذا بديهي لا حاجة فيه إلى تجسّم الاستدلال فلنأخذ بالكلام فيما هو محلّ للخلاف في المقام، فنقول: إنّهم بعد اتفاقهم ظاهرا على خروج الذوات الخارجية عن مفهوم المشتقات كما عرفت اختلفوا في اعتبار الذات المبهمة المفسرة بالشيء في بعض العبارات في مفهوم المشتقات على أقوال: أحدها: الدخول مطلق وهو المحكي عن العلامة (قده) في التهذيب وابن الحاجب في المختصر والعضدي في شرحيه (1)، ثانيها: الخروج مطلقا وهو المحكي عن جماعة من المحققين، وعن

ص: 88


1- مختصر الأصول لابن الحاجب وشرحه للعضدي وسماه ب( حواشي على شرح المختصر)1/171،172، وإليك نصهما: اما نص المختصر لابن الحاجب فهذا لفظه:(المشتق ما وافق أصلا بحروفه الأصول ومعناه وقد يزاد بتغيير ما وقد يطرد كاسم الفاعل) . . إلى آخره. واما نص العضدي في شرحه فهذا لفظه: أقول: اشترط في المشتق أمور.. إلى أن قال: ثالثها الموافقة في المعنى، بأن يكون فيه معنى الأصل، إما مع زيادة كالضرب والضارب، فإن الضارب ذات ثبت له الضرب.

المحقّق (1) السيّد الشريف (2)، والعلاّمة الدواني (3)، واختاره بعض المحققين من المتأخرين أيضا في تعليقاته على المعالم (4).

ص: 89


1- .علي بن محمد بن علي، المعروف بالشريف الجرجاني: فيلسوف من كبار العلماء بالعربية، ولد في تاكو قرب استراباد ودرس في شيراز، ولما دخلها تيمور سنة 789 ه فرّ الجرجاني إلى سمرقند ثم عاد إلى شيراز بعد موت تيمور، فأقام إلى أن توفي له نحو خمسين مصنفا، منها: التعريفات وشرح مواقف الإيجي وشرح كتاب الجغميني في الهيأة، ومقاليد العلوم و تحقيق الكليات وشرح السراجية في الفرائض، والكبرى والصغرى في المنطق والحواشي على المطول للتفتازاني ومراتب الموجودات، ورسالة في تقسيم العلوم و رسالة في فن أصول الحديث وشرح التذكرة للطوسي في الهيأة وشرح الملخص و حاشية على الكشاف إلى آية (إن الله لا يستحيي).ينظر: الاعلام:5/7، معجم المؤلفين: 7/216.
2- قال في شرح المطالع: 11(وانما قال أمور لان الترتيب لا يتصور في امر واحد، والمراد بها ما فوق الواحد سواء كانت متكثرة أو لا، و هي أعم من الأمور التصورية والتصديقية، وقيدها بالحاصلة لامتناع الترتيب فيها بدون كونها حاصلة ويندرج فيها مواد جميع الأقيسة إلى أن قال: (والاشكال الذي استصعبه قوم بأنه لا يتناول التعريف بالفصل وحده ولا بالخاصة وحدها، مع أنه يصح التعريف بأحدهما على رأى المتأخرين حتى غيروا التعريف إلى تحصيل امر أو ترتيب أمور فليس من تلك الصعوبة في شيء، اما أولا فلان التعريف بالمفردات انما يكون بالمشتقات كالناطق والضاحك والمشتق وان كان في اللفظ مفردا الا ان معناه شيء له المشتق منه فيكون من حيث المعنى مركبا).
3- هو محمد بن أسعد الصديقي الدواني، جلال الدين: قاض، يعد من الفلاسفة ولد في دوان(من بلاد كازرون) وسكن شيراز، وولي قضاء فارس وتوفي بها 918ﻫ . له( أنموذج العلوم) و( تعريف العلم) و( إثبات الواجب) رسالة،و(حاشية على شرح القوشجي لتجريد الكلام) و(أفعال العباد) رسالة، و(حاشية على تحرير القواعد المنطقية للقطب الرازي) و( شرح العقائد العضدية) و( تفسير سورة الكافرون) و( الأربعون السلطانية)و(حاشية على مباحث الأمور العامة) و(شرح تهذيب المنطق)و(الأسئلة الشريفة القرآنية) و( شرح هياكل النور للسهروردي)، ينظر: روضات الجنات 2 /239 ، الكنى والألقاب 2 / 206.الاعلام:6/32-33. وينظر في قوله: شرح التجريد للقوشجي- تعليقة الدواني: 85 ،نهاية الدراية في شرح الكفاية: 1/81-82، تهذيب الاصول: 1/85، المباحث الاصولية للفياض:2/326.
4- تقريرات المجدد الشيرازي: 1/295.

ثالثها: التفصيل بين الأسماء الآلات وغيرها فقيل بالأوّل في الأولى وبالثاني في الثانية وخير الثلاثة أوسطها وفاقا لشيخنا الأستاذ ولسيّدنا الأستاذ دام ظلّهما أيضا (1).//70

لنا على ذلك وجوه: أوّلها: التبادر؛ فإنّ المتبادر من نفس الألفاظ المشتقة هي العنوانات العرضية الجارية على الذوات على أنحاء الجريان بحسب اختلاف المشتقات لا ذات ما مع تلك العنوانات، فإنّا لا نفهم من الضارب والقاتل والراكب والكاتب مثلا إلاّ ما يعبّر عنه بالفارسية( بزننده وكشنده وسواره و نويسنده) كما مرّ، ولا ريب أنّ هذه المعاني مفاهيم عرفية تجري على الذوات على سبيل الحمل والتوصيف؛ لكونها من وجوه الذوات الصادقة عليها ومن مزاياها الحاكية عنها، فإنّ لكل شيء عنوانات ووجوها صادقة عليه يعبّر عنه بكلّ واحد من تلك الوجوه لاتحاده معه في الوجود كما يعبّر عن زيد تارة بكاتب، وأخرى بقارئ، وثالثة بضارب، ورابعة بعالم، وخامسته بأنه ابن فلان أو أبوه أو صاحبه أو عدوّه، وسادسة بإنسان أو حيوان أو ضاحك، إلى غير ذلك من الوجوه الصادقة عليه من الوجوه العرضية كما هو مفاد المشتقات ومفاد بعض الجوامد كالابن والأب والزوج والزوجة وأمثالها أو الذاتية كما هو مفاد الغالب منها كما في الحيوان والانسان والحجر والشجر والماء والتراب، وغير ذلك ممّا لا يكون الموضوع له فيها هو نفس الذات بما هي بحيث لا يختلف باختلاف بعض الوجوه الصادقة عليها المتحقّقة لها في حال وتبدلها إلى وجه آخر بل باعتبار وجهٍ خاصّ من تلك الوجوه بمعنى: إنّ الموضوع له في هذا القسم أيضا هو نفس الوجه الخاص الصادق على الذات لا هي معه أو بشرطه فتكون الحال فيها من هذه الجهة هو ما اخترنا في المشتقات من خروج نفس الذوات عن حقيقة اللفظ، وإنّما الموضوع له اللفظ هو الوجه لا غير إلاّ إنّ الوجه المعتبر في

ص: 90


1- تقريرات المجدد الشيرازي: 1/295.

المشتقات من الأمور العرضية نظير بعض الجوامد كما مرّ في هذه من الأمور الذاتية؛ فإنّها هي الصور النوعية التي يختلف الشيء باختلافها فيتبعه الاختلاف//71 في صدق الاسم، ولذا لا يصدق الكلب مثلا على المستحيل منه ملحا و ترابا، وكذا في أمثالها (1).

وبالجملة فالحال في الجوامد بكلا قسميه إذا لم يكن من الأعلام الشخصية هو ما حقّقنا في المشتق من جهة كون الموضوع له هو الوجه.

وأمّا الأعلام فالظاهر أنّ الغالب اعتبار عنوان خاص فيها أيضا ووضع الاسم لذلك العنوان المتحد مع ذات الشخص، نعم يمكن أن يضع أحد لفظ زيد مثلا لذات ابنه الذي سيولد من غير ملاحظة عنوان شطرا أو شرطا، أو وضع اللفظ لنفس هذا العنوان فيدلّ اللفظ حينئذٍ على الذات أصالة كما أنّها دالّ عليها في المشتقات وأمثالها من الجوامد ممّا يكون الموضوع فيها هو نفس الوجه تبعا من باب الالتزام نظرا إلى عدم إمكان انفكاك تلك الوجوه عن ذاتٍ ما واتحادها معها كما عرفت (2).

وكيف كان فلمّا كانت الذات معروضة لتلك الوجوه العرضية المستفادة من المشتقات ككونها معروضة لغير تلك الوجوه//72 في غير المشتقات والارتباط التامّ حاصل بين العارض والمعروض فيحصل الانتقال إلى ذاتٍ ما من الانتقال إلى المفهوم العرضي على سبيل الالتزام كما في غيره من لوازم المعاني، وهذا هو المنشأ لتوهم الدخول وتعبير بعضهم عن معنى اسم الفاعل بمن قام به المبدأ وعن اسم

ص: 91


1- تقريرات المجدد الشيرازي: 1/296.
2- تقريرات المجدد الشيرازي: 1/296.

المفعول بمن وقع عليه (1)؛ إنّما هو لتسهيل البيان وتفهيم المعنى وتعريفه على الوجه الأوضح لضيق مجال البيان بالنسبة إلى نفس المعنى لا إنّه تفسير لمعنى اللفظ، ويكفي في مقام التعريف انطباق المعرِّف بالكسر على المعرَّف وصدقه عليه، وإن كانا متغايرين في الحقيقة؛ فإنّ الصدق يحصل بمجرد اتحاد كلا الأمرين في الوجود وإن كانا في الواقع موجودين بوجود واحد؛ فلذا يجوز تعريف الضاحك بأنه الإنسان أو حيوان الناطق مثلا ويجوز العكس أيضا فيقال الإنسان هو الضاحك، فنقول فيما نحن فيه: إنّه لمّا كان تحقق الوجوه المذكورة مستلزما لتحقق الذات معها؛ لكونها من عوارضها، والمفروض إنّهما موجودان بوجود واحد فكلّما صدقت هي صدقت الذات فيصحّ تعريف المصداق الخارج بكلٍّ منهما؛ لكونه متّحدا مع كلّ أحد منهما فعلى هذا فلا يكشف تعريف شيء بأمر عن اعتبار جميع ما ينحل إليه هذا الامر في المعرف بل هو أعمّ.//73

هذا مع أنّ انحلال معنى إلى أجزاء -- بالدقائق الحكمية -- لا يوجب اعتبار تركيب المعنى المذكور من تلك الأجزاء عند الواضع ليكون كلّ جزء جزءا من

ص: 92


1- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي:1/296،وفي شرح احقاق الحق للمرعشي: 1/213( فلا بد من التشبث بالمعنى اللغوي الغير المشهور، وهذا كما قيل: في حمل الموجود عليه تعالى على قاعدة الحكماء ومن وافقهم من أن الوجود عين حقيقته غير قائم به، إذ على هذا لا يصح لغة أن يقال: إنه تعالى موجود، إذ معنى الموجود لغة من قام به الوجود، وهو يقتضي المغايرة، وذلك باطل عندهم" تأمل " والسر في أن أهل اللغة ربما يفسرون صيغة الفاعل بمن قام به الفعل، ما قاله بعض المحققين: من أن اللغة لم تبنَ على النظر الدقيق، بل هم ينظرون إلى ظاهر الحال فيحكمون بقيام الكلام بالمتكلم ويقولون باتصاف المتكلم به حال التكلم: وكيف لا ؟ ولو بنيت اللغة على النظر الدقيق لتعذر في أكثر أفعال الحال؟ فإنه يلزم أن يكون مجازا، مع أنهم اتفقوا على أن المضارع حقيقة في الحال، في مثل يمشي، ويتكلم، ويخبر، بل يتوسعون في معنى الحال، ويعممونه عن المشي بين المشرق والمغرب، ويريدون به الحال، وقس عليه الحال في اسم الفاعل إذا قالوا: إنه حقيقة في زيد ماش من المشرق إلى المغرب، والحاصل أن النظر الدقيق يقتضي عدم قيام المبدأ وعدم بقائه في محل يقوم به، وظاهر النظر يميل إلى القيام والبقاء...).

الموضوع له من حيث إنّه الموضوع له، بل ربّما يضع الواضع لفظا لمعنى لا يدري أنّ حقيقته ما ذا، وإنّما يلاحظ هذا المعنى بوجهٍ من وجوهه؛ لكونه معنى اللفظ الفلاني في اللغة الفلانية كان يضع لفظ الذئب مثلا لما يعبر عنه بالفارسية ب-(گرك) مع ملاحظته بهذه الوجه أي ما يعبّر عنه ب-(گرك) بل الغالب في الأوضاع البشرية ذلك؛ فإنّهم كثيرا ما يضعون لفظا لمعنى لا يعرفون حقيقته، وإنّما يعرفها الحكيم والعرف أيضا لا يفهمون تلك المعاني إلاّ على وجه لاحظه الواضع (1).

وكيف كان فالمدار//74 في بساطة معنى اللفظ وتركيبه (2) على ملاحظة الواضع لا على انحلال المعنى في نظر العقل؛ فلذا لم يقل أحد بكون دلالة الانسان على الحيوان أو على الناطق تضمنيا مع أنّ معناه في نظر العقل ينحلّ إليهما (3).

وعلى فرض تسليم إنّ المدار -- فيما ذكر -- على التركيب للبساطة في نظر العقل مع أنه لم يقلْ به أحد فلا ردّ علينا في المقام بشي لما قد عرفت من خروج الذات عن حقيقة معاني تلك الألفاظ، وإنّما هي معروضة لما لا ينفكّ عنها.

الثاني: إنّ الذات لو دخلت في مفهوم المشتقات فالدالّ عليها، أمّا المادة أو الهيأة أو هما معا والكلّ باطل، أمّا الأوّل: فلأنّ المادة لو دلّت عليها بالوضع للزم أن تكون داخلة في مفهوم المصادر أيضا؛ لأنّ معاني الموارد في ضمن المشتقات عين معاني المصادر بالاتفاق كيف وقد ذهب جماعة إلى أنّ المواد في ضمنها غير موضوعة بوضع على حدة ؟ بل وضعها وضع المصادر، ولا يعقل معه المغايرة في المفهوم باعتبار اختلاف الهيأة واللازم باطل بالاتفاق على عدم دخول الذات في مفهوم المصادر بأنها لو دلّت عليها لدلت//75 على النسبة أيضا فلم يكن فرق بينها

ص: 93


1- .ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/297.
2- للمزيد ينظر: مباحث الدليل اللفظي: 1/321، المشتق عند الاصوليين: 2/397، وما بعدها.
3- .ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/297.

وبين المشتقات (1)، وأمّا الثاني: فللاتفاق على أنّ الهيأة في المشتقات لا تفيد أزيد (2) من الربط بين الحدث والذات (3).

مضافا إلى قضاء التتبع في سائر الهيآت الموضوعة بعدم وضع هيأة بإزاء معنى مستقل، وقد صرّحوا بأنّ معان الهيئات معاني حرفية فتأمل، وأما الثالث : فلأنّ مدلول المشتقات موزع على (4) الهيأة والمادة؛ فمدلول المادة هو الحدث ومدلول الهيأة الربط والنسبة والتفكيك بهذا النحو ثابت بضرورة اللغة سواء (5) قلنا بأنّ وضع المواد في ضمن المشتقات وضع المصادر أو إنّها موضوعة بوضع آخر.

الثالث: إنّ مفهوم المشتق على هذا التقدير أمّا الذات المبهمة من حيث اتصافها بالمبدأ بأن يكون التقييد بالاتصاف داخلا والقيد خارجا أو مجموع ذات ما و المبدأ والنسبة فيكون مركبا من الأمور الثلاثة وكلاهما باطل (6)، اما الأول: فلاستلزام خروج المبدأ عن مفهوم المشتق وهو باطل بالضرورة والاتفاق، واما الثاني: فلان قضيته في مقام الحمل في نحو قولك (زيد ضارب) ان يلاحظه إطلاق كل جز من الاجزاء الثلاثة على أمر من الأمور الخارجية فيطلق ذات ما في المثال على خصوص زيد والمبدأ الكلي على المبدأ الخاص اللاحق به والنسبة//76 الكلية على الربط الحاصل بين المبدأ والذات؛ لان قضية الحمل اتحاد المحمول مع الموضوع في الوجود الخارجي ومن البين ان هذا المفهوم المركب غير متحد مع ذات زيد التي

ص: 94


1- ينظر: المشتق عند الاصوليين: 2/394-396.
2- في الاصل( أريد).
3- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/298.
4- في الاصل (مورخ عن).
5- في الاصل( سوأ).
6- ينظر: قوانين الاصول: 76، تعليقة على معالم الاصول: 2/420- 421، نهاية الافكار: 1/61.

هي موضوع القضية بل كل جز منه متحد مع شيء في الخارج على حسبما ذكر (1).

لا يقال: إن هذا اللازم على القول بعدم الدخول أيضا بالنسبة إلى المبدأ والربط فان المفهوم حينئذ أمر بسيط منتزع من الأمر الخارجي بملاحظة اتصافه بالمبدأ واتحاده مع الموضوع بالاعتبار لعدم وجود متأصل لهذا المعنى العرضي في الخارج على حسب الذاتيات حتى يعتبر اتحاده على سبيل الحقيقة ولا يندفع بذلك ما يلزم من المحذور على فرض تركيب المفهوم لأنه لازم للإطلاق الدال على الاتحاد في الجملة ومع فرض بساطة المفهوم لا يكون الا باعتبار واحد بخلاف صورة التركيب فان الاطلاق حينئذ بالاعتبارات الثلاثة (2).//77

الرابع: استفدنا عن السيّد الشريف في حاشيته على شرح المطالع على قول الشارح في شرح كلام المصنف في تعريف النظر(بأنه ترتيب أمور حاصلة في الذهن يتوسّل بها إلى تحصيل غير الحاصل) (3)، قال الشارح: وإنّما قال: أمور؛ لأنّ الترتيب لا يتصوَّر في أمرٍ واحد و المراد بها ما فوق الواحد، ثمّ قال: والإشكال الذي استصعبه قوم بأنه لا يتناول التعريف بالفصل وحده ولا بالخاصة وحدها (4) مع أنّه

ص: 95


1- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/299.
2- وحاصل الفرق بين القولين أن النسبة بين المحمول والموضوع في قولك( زيد ضارب) هي النسبة بين الكل والجزء على القول بدخول الذات في مفهوم المشتق، فلا يصح الحمل، لأن قضيته اتحاد المحمول مع الموضوع ، والكل والجزء ليسا كذلك، بل جزء منه متحد مع الموضوع ومن نسبة الكلي إلى الجزئي على ما اختير، لبساطة المعنى حينئذ وصدقه على زيد الذي هو الموضوع، فيصحّ الحمل لاتحاد الموضوع والمحمول في الوجود حينئذ.
3- .شرح المطالع:8- 12، وينظر: فرائد الأصول، محمد الخراساني: 1/109.
4- ينظر: معجم مصطلحات المنطق: 82، وما بعدها.

[يصحّ] (1) التعريف بأحدهما على رأي المتأخرين حتى غيروا (2) والتعريف إلى تحصيل أمر أو ترتيب أمور فليس من تلك الصعوبة في شيء (3).

أمّا أولا: فلأنّ التعريف بالمفردات إنّما يكون بالمشتقات كالناطق والضاحك، والمشتقّ وإن كان في اللفظ مفردا إلاّ إنّ معناه شيء له المشتق فيكون من حيث المعنى مركّبا، فأورد السيد على هذا الجواب:(بأنّ مفهوم الشيء لا يعتبر في معنى الناطق وإلا لكان العرض العام داخلا في الفصل ولو اعتبر في المشتق ما صدق عليه الشيء انقلب مادّة الإمكان الخاصّ ضرورية؛ فإنّ الشيء الذي له الضحك هو الإنسان وثبوت الشيء لنفسه ضروري) (4) انتهى.//78

وحاصل الوجه المستفاد من كلام السيّد إنّه لو اعتبر الشيء والذات في مفهوم المشتق فهو اما مفهوم أحدهما أو مصداقه الخارجي وكلاهما باطل (5)، أمّا الأوّل: فلأنّ من المشتقات الناطق، ولازمه أخذ مفهوم أحد الأمرين في مفهوم الناطق، ولا ريب إنّ مفهوم الشيء أو الذات من الأعراض العامة؛ فيلزم دخول العرض العامّ في الفصل وهو الناطق؛ للاتفاق على كونه فصلا للإنسان واللازم باطل بالاتفاق وبديهة العقل؛ إذ فصل كلّ شيء هو المقوّم لذلك الشيء ويستحيل كون الامر العرضي مقوّما لمحله (6).

ص: 96


1- زيادة اقتضاها السياق.
2- في الاصل( عبر).
3- ينظر وللفائدة: حقائق الاصول، السيد محسن الحكيم: 1/120، محاضرات في اصول الفقه، الفياض:1/295، منتهى الدراية، للشوشتري:1/304.
4- شرح المطالع: 11.
5- ينظر: بداية الوصول، محمد طاهر ال شيخ راضي:1/244.
6- تقريرات المجدد الشيرازي: 1/300.

وما يقال من أنّ المراد بالناطق الذي يعدّ ذاتيا هو النطق، ليس بشيء؛ فإنّ الذاتي تحمل على ما تحته من غير تأويل ولا يصح حمل النطق كذلك، وربّما قيل بأنّ المصطلح (1) عند أهل الميزان في نحو الناطق ما تجرد عن الذات، وهذا هو الذي حكموا بكونه ذاتيا لما تحته، وفيه ما لا يخفى ضرورة بقاء الناطق على المعنى الأصلي في ألسنتهم وعدم ثبوت اصطلاح جديد فيه منهم بوجه؛ وإنّما يقولون بكونه فصلا بمعناه اللغوي، وأمّا الثاني: فلأنّه مستلزم لانقلاب كلّ قضيته ممكنة بالإمكان الخاص إلى الضرورة كما في قولك:(زيد ضارب أو كاتب أو ضاحك)؛ فإنّ الشيء والذات الذي له الضحك على هذا هو عين زيد ونفسه وثبوت الشيء لنفسه ضروري، واللازم باطل بالاتفاق، على أن ثبوت تلك المحمولات لتلك الموضوعات ممكن بالإمكان الخاص بمعنى إنّ شيئا من وجوده وعدمه ليس بضروري فتأمل.//79

الخامس: إنّ الذات المبهمة (2) لو كانت داخلة في مفهوم المشتقات للزم توصيف الأعمّ بالأخصّ في نحو قولك ذات أسود أو شيء أبيض؛ فيلزم أن لا يصحّ لعدم صحة التوصيف على الوجه المذكور كما في قولك الحيوان الانسان، واللازم باطل لصحة التوصيف في نحو المثالين بالاتفاق بل الضرورة لا يقال إنّ توصيف الأعم بالأخصّ شائع في المحاورات كما في قولك:(حيوان ناطق) فكيف يقال بعدم جوازه؛ لأنّا نقول الممنوع منه هو الأعمّ والأخصّ بحسب المفهوم لا المصداق كما في قولك الحيوان الانسان حيث إنّ مفهوم الحيوان جزء لمفهوم الإنسان بخلاف حيوان الناطق؛ فإنّ مفهوم الحيوان يباين مفهوم الناطق بمعنى إنّه ليس أحدهما جزءا للآخر، وإنّما يتصادقان في أمرٍ واحدٍ وهو الإنسان، فلا نقض (3).

ص: 97


1- .ينظر: معجم مصطلحات المنطق: 291.
2- ينظر: المباحث الاصولية: 2/288-289، 356.
3- تقريرات المجدد الشيرازي: 1/301.

السادس: إنّه لو كانت الذات داخلة في مفهوم المشتق لزم تكرار الذات في حمل المشتق في قولك: (زيد ضارب) مثلا، ولازمه حمل الذات على الذات مع أنّ القائم بزيد ليس إلاّ الوصف لاستحالة قيام الذات به كما هو واضح أو تجريد المشتق عن الذات فيكون مجازا وهو ضروري البطلان//80، وهذا بخلاف ما لو قلنا بخروج الذات وعدم اعتبارها شطرا حتّى تكون دلالة اللفظ عليها بالتضمن أو شرطا، فيدلّ عليها بالالتزام البين، وهذا واضح (1).

هذه جملة وجوه القول المختار ملتقى بعضها من الأعلام الأخيار لكن المعتمد على الأوّل وكفى به حجة ودليلا، وينبغي الاعتماد على الثالث أيضا، وبعده على الخامس أيضا، ثمّ السادس، وأمّا الثاني والرابع وإن كانا لا بأس بهما في مقام المخاصمة والإلزام على الخصم إلاّ إنّ الانصاف يأباهما، أمّا الأوّل منهما: فلأنّ المتبادر من هيآت المشتقات ليس إلاّ المفاهيم المنتزعة من قيام المبدأ بالذات على أنحاء القيام باختلاف الهيآت والمبادئ لا ربط المبادئ إلى الذوات فيكون معانيها حرفية؛ فإنّ المتبادر من هيأة اسم الفاعل مطلقا من المجرّد والمزيد فيه، وكذا هيآت الصفات المشبهة هو كلي المفهوم المنتزع من قيام المبدأ نفسه بالذات على نحو الصدور في الأولى وعلى نحو الثبوت في الثانية، وهو المتلبّس على أحد الوجهين بالمبدأ المطلق الشامل لجميع المبادئ ويكون كلّ واحد من المبادئ قرينة معيّنة للفرد الذي أطلقت عليها تلك الهيآت من باب إطلاق الكلي على المفرد وتعيين الفرد بدال آخر، وهو المبدأ الخاصّ فيكون استفادة الفرد من خصوص الأمثلة من دالين؛ فالهيأة في الضارب مطلقة على المفهوم الكلي وعينت الخصوصية وهو(زننده) من مادّة الضرب، وهكذا في سائر الأمثلة والمتبادر من هيأة اسم المفعول من المجرد والمزيد//81 فيه أيضا إنّما هو المفهوم الكلّي المنتزع من قيام المبدأ بالذات على

ص: 98


1- تقريرات المجدد الشيرازي: 1/301.

نحو الوقوع وهو المتلبس بالمبدأ المطلق على هذا النحو، ويفهم خصوصية الأفراد من خصوص الموارد كما ذكر والمتبادر من صيغة المبالغة (1) هو كلّي المفهوم المنتزع من قيام الذات بالمبدأ على نحو الكثرة، وهكذا إلى آخر الهيآت (2).

وبعبارة أوضح: إنّ الذوات الخارجية قد تتلبس بمبدأ الضرب على نحو الصدور (3)، وقد تتصف بمبدأ القتل كذلك وقد تتصف بمبدأ الاكل كذلك وهكذا إلى آخر المبادئ وأنت إذا لاحظت تلبسها بواحد من تلك المبادئ الخاصة على الوجه المذكور تنتزع من قيام هذا المبدأ الخاص بها على النحو المبدأ المذكور عنوانا بسيطا عاما مصادقا على ذات أخرى غير هذه إذا تلبست بهذا المبدأ على هذا النحو وهو ما يعبر عنه بالفارسية ب-(زننده) إذا تلبست الذات بالضرب على النحو المذكور(وبكشنده) إذا تلبست بالقتل على النحو وهكذا فتنتزع بملاحظة تلك التلبسات عناوين خاصة ثم إذا لاحظت تلك العناوين ترى بينهما قدرا جامعا جدا ولو طالبتنا بالتعبير عنه فالعذر ضيق مجال التعبير والحوالة على الوجدان.

فنقول: إنّ هيآت أسماء الفاعلين والصفات المشبهة موضوعة لهذا القدر الجامع بين العنوانات المذكورة المنتزعة من قيام//82 المبادئ الخاصة بالذوات، وقسْ عليه الحال في مفهوم الصفات المشبهة؛ فإنّه أيضا منتزع من قيام المبدأ بالذوات على نحو الثبوت فيجري فيها الكلام إلى آخره، ثم إنّ الذوات قد تتلبس بمبدأ الضرب على نحو الوقوع، وقد تتلبس بمبدأ القتل على نحو الوقوع وقد تتلبس بمبدأ الجرح على هذا النحو، وهكذا إلى آخر المبادئ المجردة وأنت بعدما لاحظت قيام الضرب بها على النحو المذكور تنتزع منه عنوانا بسيطا صادقا على غير تلك الذات

ص: 99


1- في الاصل: (الصيغ المبالغة).
2- .ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/302.
3- .ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/302.

إذا تلبست به على هذا النحو، وهو ما يعبّر عنه بالفارسية ب-(زده شده)، أو قيام الضرب بها على النحو المذكور فتنتزع عنوانا كذلك يعبّر عنه بالفارسية(بكشته شده)، أو قيام الجرح بها فتنتزع عنوانا يعبّر عنه بالفارسية(بزخم خورده)، وهكذا إلى آخر المبادئ المجرّدة، وأنت ترى عنوانا جامعا بين تلك العناوين بالوجدان، فنقول: إنّ هيأة (مفعول) (1) موضوعة لهذا العنوان الجامع وقسْ على الحال هيأة اسم المفعول من المزيد فيه، وأنت بعد هذا البيان تعرف الحال بمقايسة ما ذكرنا في صيغ المبالغة (2)، وأسماء المكان والتفضيل والآلة، فلا نطيل الكلام (3).//83

فخلاصة الكلام: إنّ كلّ واحد من هيآت المشتقات موضوعة للقدر الجامع بين تلك العنوانات المنتزعة الخاصة بالنسبة إلى هذا القدر الجامع والعامة بالنسبة إلى ما تحتها قطعا لقضاء التبادر، ومعه لا يصغى إلى دعوى عدم وضع الهيآت مطلقا لمعنى مستقل وتصريح جماعة بذلك، أما محمول على هيآت الأفعال فقط، أو على خلاف التحقيق هذا.

وأمّا الوجه الثاني من الوجهين الذي هو رابع الوجوه المتقدّمة فوجه الضعف فيه إنّ الضروري إنّما هو ثبوت نفس الذات لنفسها، وأما ثبوتها مقيّدة بوصف فهو ممكن بالإمكان الخاصّ هذا مع أنّه على تسليمه يردّ على من اعتبر خصوصية ذات من الذوات الخارجة، والمدعي للاعتبار لا يدعيها بل الذي يدعيه إنّما هو اعتبار ذات مبهمة مرددة بين الذوات الخارجية نظير المذكورة لا مفهوم الذات؛ ليرد الشقّ الأوّل من الدليل ولا خصوصية من خصوصيات الذوات ليرد الشقّ الأخير؛ إذ لا ريب إنّ الذات المبهمة إلى هذا القول في ضارب في قولك:(زيد ضارب) ليست

ص: 100


1- ينظر: شرح الشافية: 1/174.
2- في الاصل( الصيغ المبالغة).
3- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/304.

ضرورية الثبوت لزيد بمعنى أن يكون اتحادها معه ضروريا، بل يمكن الاتحاد وعدمه بالإمكان الخاصّ، فكيف بوصف هذه الذات المبهمة، فافهم (1).//84

فكيف كان فالتبادر يغنينا عن تكلف بعض الوجوه مضافا إلى كفاية غيره من الوجوه المتقدمة غير ذلك الوجهين فحينئذ فلا ينبغي الارتياب عن خروج الذات عن مفهوم المشتقات.

لا يقال: فعلى هذا ما الفرق بين المصادر والمشتقات (2)؟ إذ (3) المتصور في المقام إنّما هو الحدث والذات؛ فإذا خرجت الثانية عن مفهومها فلا يبقى فرق بينها وبين المصادر فما الفارق حينئذٍ في صحة إطلاقها على الذوات الخارجية وحملها عليها دون المصادر؟ فإن كان مناط صحّة الإطلاق والحمل فيها هو عدم انفكاكها عن الذات وهو موجود في المصادر أيضا وإن كان غيره فبينه؛ لأنّا نقول الفارق إنّ مفاهيمها معا كما عرفت هي الأوصاف الجارية على الذوات القائمة فيها قيام الحال بالمحلّ بخلاف المصادر فإنّها موضوعة لنفس الحدث المغاير في الوجود مع الذات وإن كان له قيام بالذات إلاّ إنّه لم يلاحظ في وضعها مضافا إلى أنّ هذا القيام يغاير قيام الحال بالمحلّ الذي هو المعتبر في المشتق فإنّه من قيام الأثر بذي الأثر (4)، ومن هنا لا يصحّ حمل المصادر على الذات إلاّ بطريق المبالغة فيكون حمل(هوهو) (5) و يصحّ حمل المشتقات عليها بالحمل المتعارف دائما.//85

ص: 101


1- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/304، توضيح: قيام الحال بالمحل إنما هو بصحة حمل الحال عليه بالحمل المتعارفي المصداقي، ولا ريب أنه لا يصح حمل الأثر على ذيه، فيقال لزيد الضارب أنه ضرب.
2- للمزيد ينظر: المشتق عند الاصوليين:1/63.
3- في الاصل( إذا).
4- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/304.
5- ينظر: مباحث الدليل اللفظي: 1/371، المشتق عند الاصوليين: 1/201.

والحاصل: إنّ مفهوم المشتقات عبارة عن الوصف على مصطلح النحويين ومفهوم المصادر (1) هو الوصف المقابل للذات والأوّل لما كان من وجوه الذات وعناوينه فالمصحح لحمل المشتقات على الذوات هذا بخلاف المصادر حيث إن معناها الحدث المغاير للذات في الوجود وخارج عنها غير منطبق عليها بوجه؛ ولذا لا يصح حملها عليها ضرورة ان قضية الحمل الاتحاد في الوجود وقيام المحمول بالموضوع بنحو من القيام وان اعتبر التغاير بينهما حقيقة واعتبارا بحسب المفهوم حتّى يصحّ الحمل.

وكيف كان فالمراد بصحّة الحمل في المقام انما هو صحته بالحمل المتعارف المعبّر عنه بحمل (ذوهو) (2) المقابل لحمل (هوهو) لا ما سبق الا بعض الأوهام من أن حمل (ذوهو هو) ان يقدر(ذو) في طرف المحمول بأنّ يكون مأخوذا في مفهومه حتى يكون معنى ضارب (ذو ضرب)، وإلاّ لعاد المحذور من أخذ الذات في مفهوم المشتق المانع من الحمل، فبهذا كله اتضح (3) الفرق والفارق، ومناط صحّة الحمل في المشتقات دون المصادر، وهذا الذي ذكرنا يجري في الأفعال أيضا؛ فإنّ الذات خارجة عنها ولذا يصحّ حملها على الذوات بل يجري في غير الأسماء الموضوعة للذات الخارجية وهي الأعلام الشخصية أيضا كما مرّت الإشارة إليه آنفا كالحيوان والانسان والرجل والمرأة، ونحوها، فإنّ الموضوع//86 في جميعها نفس عنوانات الذوات الخارجية وجوهها لا هي من حيثُ هي، ولا باعتبار العنوان شرطا أو شطرا أو من هنا يكون حملها على الذوات من الحمل المتعارف.

ص: 102


1- يقول الشيخ اليعقوبي: ( المصادر غير داخلة لعدم تحقق الشرط الأول وهو إمكان الحمل والجري على الذات والحمل انما يصدق مع الهوهوية ومع نحو من الانحاء اما مفهوما او مصداقا). المشتق: 1/63.
2- معجم مصطلحات المنطق:134.
3- في الاصل ( تصح).

وتوضيح ذلك: إنّ الأمر في وضع غير المصادر من الأسماء لا يخلو عن أمرين: أحدهما: أن يلاحظ الواضع نفس الذات ويوضع اللفظ لها من حيث هي هي مجردة عن جميع العنوانات، وهذا لا يكون إلاّ في الأعلام الشخصية كزيد وعمرو مثلا، وأما الزيدية والعمرية فليستا ممّا تقبلان اعتبارهما في الوضع؛ فإنّهما وصفان منتزعان بعد التسمية والوضع، ثانيهما: أن يلاحظ وجها من وجوه الذات وعنوانا من عناوينه المتكثّرة الصادقة عليها ويوضع اللفظ له لرفع الحاجة عند إرادة تعريف الذات والإشارة إليها بوجهها كما في غير الأعلام من أسماء المشتقات (1)، وغيرها وإن كان بينهما فرق من جهة أخرى وهي إنّ المبدأ في المشتقات أمر متأصل متقدّم على المشتق وتعتبر المشتق بعد ملاحظة انتسابه إلى الذات، ولذا سميت المشتقات بها، وفي الجوامد أمر منتزع من نفس العنوان الذي وضع له اللفظ كالإنسانية في الانسان والحيوانية في الحيوان، وهكذا فالأمر فيها بعكس المشتقات فلا يكون لها مبدأ حقيقة ولذا سميت جوامد وحكم بكون الاشتقاق في مثل الرجولية والانسانية ونحوه جعليا (2)، هذا بالنسبة إلى غير أوصاف الله تعالى، وأما حملها فيكون من حمل (هوهو) وإن كان المحمول بصورة المشتق فيقال: الله تعالى قادر أو عالم ونحو ذلك من أوصاف الذات، وإنّما لم يعبروا بقول (الله علم أو قدرة) حفظا على القاعدة النحوية بحسب الصورة حيث إنّ بناءهم على عدم صحّة حمل زنة المصدر على الذات، ثمّ إنّه بما حققنا ظهر مزيد توضيح لاندفاع ما يقال من أنّ المشتق مشتمل على نسبة ناقصة تقييدية كما ظهر ضعف ما قيل من أنّ المشتق وإن كان بسيطا//87 إلاّ إنّه في ظرف التحليل مركب من الذات والصفة ضرورة عدم قضاء تحليل المعنى بخروجه عمّا عليه مع ما عرفت من خروجها حقيقة في ظرف

ص: 103


1- في الاصل( الاسماء المشتقات).
2- في الاصل( جعلا)، التصحيح من تقريرات المجدد الشيرازي: 1/306.

التحليل، وإنّها معروضة لتلك العنوانات متحدة معها لا مأخوذة في مفهوم المشتقات أو في حقائقها، فافهم واغتنم.

احتج القائلون بالدخول أيضا بوجوه: الأول: للتبادر؛ فإنّ المتبادر من لفظ المشتق عند الإطلاق هو ذات ثبت لها (1) المبدأ، وجوابه: إنّ ذاتًا ما تفهم من نفس مفهوم المشتق من جهة كونها معروضة له لا من حاق اللفظ فالدلالة التزامية لا تضمنية، الثاني: إجماع النحاة حيث فسّروا اسم الفاعل بمن قام به المبدأ واسم المفعول بمن وقع عليه المبدأ (2).

وجوابه علم سابقا، وتوضيحه: إنّ التعبير بذلك لتسهيل البيان والا فظاهر قولهم المذكور كون المدلول في الاسمين هو ذات ما من حيث قيام المبدأ به أو وقوعه عليه على وجه يكون التقييد داخلا والقيد خارجا ولا يقول به أحد من الفريقين، هذا مع أنّ إجماعهم لا يُعبأ به بعد قيام الأدلة القاطعة على خلافه، الثالث: إنّه لو لم يكن الذات داخلة في مفهوم المشتق للزم كونه مجازا في نحو قولك:(جاءني العالم أو الأبيض أو الأسود)، أو نحو ذلك ممّا يراد به الذات قطعا والتالي باطل اتفاقا (3)، فكذا المقدم.//88

وفيه: إنّ المشتق في الأمثلة المذكورة وأمثالها إنّما يراد به المفهوم المجرد عن الذات ويطلق على الذات الخارجية من باب إطلاق الكلي على الفرد (4) كما عرفت، الرابع: إنّه لمّا كان مفهوم المشتق هو المفهوم العرضي المجرّد عن الذات لمّا صحّ تعلّق الأحكام به لعدم مقدوريته، وفيه: إنّه إذا أريد بالمشتق الحكم عليه بشيء يطلق

ص: 104


1- في الاصل( له).
2- ينظر: شرح ابن عقيل: 2/140، 2/195، شرح الكافية: 1/301.
3- في الاصل( اتفاق).
4- ينظر: قوانين الاصول: 208، 210، 211، هداية المسترشدين: 1/163، 388، 391.

على الذوات الخارجية من باب إطلاق الكلّي على الفرد ويكون المتعلّق للحكم هي تلك الذوات لا المفهوم كما في الجوامد الموضوعة للمعاني الكلية مع أنّ عدم صحة الحكم بنفس تلك المفاهيم مسلّم إذا كان بشرط عدم الذوات الخارجية، وأمّا لا بشرط فلا شبهة في مقدوريته بامتثال ذات من الذوات التي هي من أفرادها وإلاّ لجرى ذلك في غير المشتقات من الأسماء الموضوعة للمفاهيم الكلّية (1)، الخامس: إنّه لو لم يؤخذ ذات ما في مفهومها للزم أن لا يصحّ استعمالها بدون ذكر المتعلقات من الذوات، ومفهوم المشتق حينئذٍ هو مجرّد المبدأ والرابط ومن البيّن أنّ الربط بين الشيئين أمر إضافي لا يمكن تعلقه بدون تعقل الشيئين فكان بمثابة المعاني الحرفية والثاني باطل قطعا، إذ كثيرا ما يستعمل المشتق في المحاورات بدون ذكر الذات كما في قولك: (جاءني العالم أو الأبيض//89 أوالأسود)، (ورأيت الأبيض ومررت بالأحمر)، وهكذا، وجوابه: قد مرّ في طيّ أدلة المختار من أنّ مفهوم المشتق أمر بسيط عرضي ينتزع من قيام المبدأ بالذات في الخارج ليعبّر عنه بالفارسية في لفظ ضارب مثلا (بزننده)، وهذا المعنى أمر مستقل بالمفهومية كسائر معاني الأسماء ولا يتوقف تعقله على تعقل الغير حتى يكون من المعاني الحرفية بل إنّما يتوقف تحققه في الخارج على وجود غيره كما في مطلق الاعراض فعدم الاستقلال باعتبار الوجود الخارج لا باعتبار المفهومية وليس ما شأنه من المعاني الحرفية وإلاّ لدخل كلّ اسم لا يتحصّل معناه في الخارج إلاّ بتحصل الغير كالإضافيات والأسماء الموضوعة للأعراض في الحروف وهي باطلة، نعم يلزم ذلك لو كان مفهوم المشتق مجرد النسبة والربط كما لو كان هو المبدأ من حيث قيامه بالذات يلزم تضمنه للمعاني الحرفية كالمبهمات، ولا نقول نحن بشيء منهما لظهور المغايرة بين هذين وبين ما اخترناه؛ فإنّ مرجع المفهوم على ما ذكرنا إلى المبدأ بملاحظة قيام المبدأ بالذات لا

ص: 105


1- ينظر: مباحث الاصول، بهجت: 1/90، وسيلة الوصول: 121، حقائق الاصول: 1/62.

من حيث كونه كذلك، وبينهما فرق بين لاعتبار الحيثية في الوضع على الوجه الثاني دون الأوّل نظير الحضور الذهني بالنسبة إلى الجنس المنكر والمعروف (1)، فافهم.

حجّة التفصيل على الدلالة بالنسبة إلى أسماء الآلات تبادر الذات المبهمة (2) منها، وعلى عدمها في غيرها ببعض ما مرّ من الأدلّة المختار، وفيه: ما مرّ من أنّ تبادر الذات إنّما هو لشدة الارتباط//90 بين العارض والمعروض لا من نفس اللفظ مضافا إلى كثرة الإطلاق على الذات وندرة إرادة المفهوم العرضي اللابشرط فيها أي الأسماء الآلات؛ فإنّه أيضا قد يوجب التبادر ويحتمل القول بحصول النقل عرفا من جهة شيوع الإطلاق في خصوص أسماء الآلات فتدبّر.

تذنيبان: الأوّل: قد فرّع على المسألة أعني اشتراط بقاء المبدأ فيما أطلق عليه المشتق حقيقة وعدمه كراهة الوضوء بالماء المسخن بالشمس بعد زوال السخونة عنه (3) على القول بعدم اشتراط البقاء وزوالها على القول بالاشتراط، وكذا كراهة التخلّي تحت الأشجار المثمرة بعد ارتفاع الثمرة وكراهة سؤر آكل الجيف بعد ترك الأكل (4)، وكذا الحال في الموقوف والوصايا والنذور المتعلّقة بالعناوين المشتقة على ما ذكره بعض المتأخرين من مقاربي عصرنا كالطلبة والمشتغل والعالم والمدرس، وغير ذلك من المشتقات لكن التأمّل التامّ يقضي بظهور الثمرة على بعض الوجوه لا مطلقا (5).

ص: 106


1- ينظر: الرسائل التسع: 138، قوانين الاصول: 208.
2- .ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/309.
3- ينظر: هداية المسترشدين: 1/394، منتهى الدراية: 1/359.
4- ينظر: المقنعة للشيخ المفيد: 65، شرائع الاسلام، الحلي: 1/13.
5- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/309.

وتحقيقه: إنّ الوصف العنواني//91 الذي هو مدلول المشتقات ويجري على الذوات ويعبّر عنها بها وتعلق الحكم عليه أمّا أن يعلم بعدم مدخليته للحكم بل يكون عنوانا وقع لمجرد تعريف الذات التي هي الموضوع حقيقة كما في قول القائل (اقتل جالس الدار) إذا كان الجالس فيها من أعدائه، وأمّا أن يعلم بمدخليته في الجملة، وعلى الثاني أما أن يكون العنوان علّة لثبوت الحكم حدوثا أو بقاء أيضا فيكون واسطة في الثبوت كما في(السارق والزاني) في الآيتين وغيرهما، أو لم يكن علّة بل إنّما هو أخذ قيدا لموضوع الحكم فيكون واسطة للعروض كما في قولنا (العادل مقبول الشهادة)، و(المجتهد ينفذ حكمه)، وأمّا أن يشتبه الحال بحيث لا يعلم بمدخليته في الحكم على أحد الوجهين وعدمها فيقع فيه الإشكال، أما الصورة الأولى: فالحكم فيها باقٍ بعد زوال العنوان على جميع الأقوال؛ إذ متعلقه هي الذات وهي لا تختلف ببقاء العنوان وزواله فلا تظهر فيها فائدة الخلاف، وأمّا الثانية: وهي أن يعلم بكونه علة لثبوت الحكم وإنّ الموضوع نفس الذات؛ فإنّ عُلِم َفيها بكونه علة لثبوت فقط دون البقاء، فالحكم ما ذكر في الصورة الأولى، وإن علم أنه علة للحدوث والبقاء كليهما كالتغيير الموجب لنجاسة الماء الراكد الكرّ حيث إن بقاء النجاسة يدور مدار بقائه على الأظهر فلا إشكال في زوال الحكم بعد زواله على جميع الأقوال أيضا، وإن اشتبه الحال في كونه علّة للبقاء أيضا فالحكم ببقاء الحكم//92 حينئذٍ يدور مدار ما اختاره الفقيه في مسألة الاستصحاب، فإن يرَ (1) اعتباره في مثل المقام يحكم بالبقاء وإلاّ فلا سواء (2) كان من القائلين باشتراط بقاء المبدأ أم من غيرهم فلا ثمرة هنا أيضا بين القولين، وأمّا الثالثة: وهو أن يعلم بكونه قيدا للموضوع فقط فهذه هي مورد ظهور الثمرة فعلى القول بوضع المشتق لخصوص حال النطق يلزم اختصاص الحكم بمن كان متلبسا بالمبدأ في هذا الحال وعلى القول المختار من

ص: 107


1- في الاصل( يرى).
2- .في الاصل( سوأ).

وضعه لحال التلبس يعمّ الخطاب لمن تلبس به في الماضي أو الحال أو الاستقبال مع اختصاص الحكم بحال التلبس لا مطلقا ويتفرع على هذين القولين زوال الحكم بزوال المبدأ؛ لانتفاء موضوعه حينئذٍ، وعلى القول بوضعه للقدر المشترك بين الماضي والحال يلزم بقاء الحكم لصدق العنوان حقيقة بعد زوال المبدأ فالموضوع باق، وأما الرابعة: وهي أن لا يعلم بمدخليته العنوان في الحكم ولا في الموضوع فتظهر الفائدة فيه أيضا؛ إذ اللازم على القول باشتراط بقاء المبدأ حينئذ زوال الحكم بعد زوال العنوان للشك في بقاء الموضوع ولا يمكن استصحابه لاشتراط بقاء الموضوع فيه على الأقوى وهو غير معلوم لتردده بين الذات المطلقة والمقيدة فافهم، اللهم الا ان يكون لا يعتبر ذلك الكلام في الثمرة بين القول مع قطع النظر//93 عن الأدلة الخارجية ولا ريب في ظهوره كما عرفت مع قطع النظر عن الاستصحاب وعلى القول بعدم اشتراط البقاء كان الحكم باقيا لبقاء الموضوع على التقديرين على حسب ما مرّ فبهذا كلّه عرفت أنّ تفريع الحكم بتلك العناوين على المسألة بقول مطلق ليس بجيد، ثم إنّه لا يخفى عليك تطرق الاشكال فيما فرعوا على المسألة من بقاء كراهة الوضوء بالماء المسخن بالشمس بعد زوال سخونته وبقاء كراهة البول تحت الشجرة المثمرة المرتفعة عنها الثمرة (1)، أمّا الأوّل: فلأنّ المبدأ في المشتقّ

ص: 108


1- قيل بترتب الثمرة على بحث المشتق في موارد: أحدها: كراهة البول تحت الشجرة التي لا ثمرة لها فعلا مع كونها ذات ثمرة قبل ذلك، فإنه بناء على وضع المشتق للأعم مكروه، وعلى القول بوضعه للأخص غير مكروه ويمكن أن يقال: إن الأثمار للشجرة من قبيل الاجتهاد والعدالة وغيرهما من الملكات لذوي العقول، فانقضاؤها منوط بزوال الشأنية، فتلبس الشجرة بالأثمار عبارة عن بقاء استعدادها له، فلا يعتبر في تلبسها به فعلية الأثمار، فما دامت الشجرة مستعدة له يصدق عليها الشجرة المثمرة، فيكره البول تحتها؛ فثمرة بحث المشتق حينئذ تظهر بعد زوال استعدادها للاثمار، والروايات وإن كانت مشتملة على الشجرة المثمرة كرواية الحسين ابن زيد عن الصادق عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين (عليهم الصلاة والسلام) في حديث المناهي قال:( نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبول تحت شجرة مثمرة) وعنه صلى الله عليه و آله وسلم في حديث آخر(وكره أن يحدث الرجل تحت شجرة مثمرة قد أينعت) يعني أثمرت، وعلى مساقط الثمار كمرفوعة علي بن إبراهيم قال:( خرج أبو حنيفة من عند أبي عبد الله عليه السلام وأبو الحسن موسى (عليه السلام) قائم وهو غلام فقال له أبو حنيفة: يا غلام أين يضع الغريب ببلدكم ؟ فقال: اجتنب أفنية المساجد وشطوط الأنهار ومساقط الثمار ومنازل النزال) الحديث، لكن في بعضها كخبر السكوني:( أو تحت شجرة فيها ثمرتها) وفي بعضها الاخر كالمروي عن العلل عن أبي جعفر عليه السلام قال:( إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يضرب أحد من المسلمين خلا تحت شجرة أو نخلة قد أثمرت لمكان الملائكة الموكلين بها قال: ولذلك تكون النخلة والشجرة أنسا إذا كان فيه حمله، لان الملائكة تحضره) وظهورهما خصوصا الثاني في كون الشجرة ذات ثمرة فعلا مما لا ينكر، فدعوى كون موضوع الحكم بالكراهة هو خصوص الشجرة المثمرة فعلا كما أفتى به جماعة من المتأخرين على ما في - هو - قريبة جدا، إلا أن يقال: إن كلا من الاثمار الفعلي والشأني موضوع للحكم، كما ربما يستفاد ذلك من المروي في الفقيه كون الملائكة موكلين بالأشجار حال عدم الثمرة أيضا، فلاحظ وتأمل. ثانيها: كراهة الوضوء والغسل بالماء المشمس بعد برده وكراهة غسل الميت بالماء المسخن بعد برودته، فإن الحكم بالكراهة بعد ارتفاع السخونة مبني على وضع المشتق للأعم وعدم اشتراط بقاء المبدأ في صدق المشتق. ثالثها: ما إذا جعل عنوان خاص موقوفا عليه كسكان بلدة كذا أو طلاب مدرسة كذا، وأعرضوا عن تلك البلدة أو المدرسة، فإن جواز إعطائهم حينئذ من عوائد الموقوفة وعدمه مبني على بحث المشتق رابعها : عنوان الجلال العارض للحيوان المأكول اللحم، فإنه إذا زال عنه عنوان الجلل يمكن النزاع في بقاء حكمه بناء على وضع المشتق للأعم، وعدمه بناء على وضعه للأخص، لكن ثبت بالنص والاجماع كون استبراء الحيوان الجلال في المدة المضبوطة في كل حيوان موجبا لزوال حكم الجلل عنه، وعود الاحكام الثابتة له قبل جلله، فهذا المثال فرضي. خامسها: الدار التي يشتريها المكتسب في أثناء سنة الاكتساب لسكناه ثم تخرج عن هذا العنوان، لحصول سكنى دار أخرى له ، كما إذا جعل له سكنى دار مطلقا كأن يقول له مالك الدار:( أسكنتك داري )، أو مقيدا بعمر أحدهما كأن يقول له المالك:( لك سكنى داري مدة حياتك أو حياتي)، أو بزمان خاص كأن يقول له:( لك سكنى داري سنة أو سنتين أو أكثر ). وبالجملة: فإذا جعل له سكنى دار بأحد الأنحاء الثلاثة من السكنى والعمرى والرقبى وصار بذلك غنيا عن الدار التي اشتراها للسكنى وعدت من المئونة، فهل تبقى على حكمها وهو عدم وجوب تخميسها بناء على وضع المشتق للأعم، إذ المفروض صدق المئونة عليها قبل الاستغناء عنها أم لا ؟ فيجب إخراج خمسها بناء على وضع المشتق للأخص. وعليك بالتأمل فيما ذكرناه من الأمثلة التي فرعوها أو يمكن تفريعها على المشتق، فإن للتكلم فيها مجالا واسعا، ولما لم يكن التعرض لها إلا لمزيد اطلاع الناظر أوكلنا تحقيق الحق فيها إليه. ينظر: منتهى الدراية، محمد جعفر الشوشتري: 1 / 358 – 261.

المذكور ليس قابلا للبقاء قطعا بل هو نظير القتل قبل وجوده لا وجود له وبمجرد وجوده منعدم، نعم الأثر الحاصل من التسخين والتسخن قابل للبقاء لكنّه ليس من محلّ النزاع في شيء نعم لو دلّ دليل على كراهة الوضوء بالماء المسخن السخين

ص: 109

جرى النزاع فيه ويظهر الثمرة فيه وبالجملة التسخين والتسخن والسخونة نظير التمليك والتملك والملكية فهل ترى أحدا يقول بقابلية بقاء الأولين، والمفروض إنّ المسخن من التسخين الذي هو فعل الشمس في محلّ الكلام المنعدم بمجرد وجوده فلو دلّ دليل على كراهة الوضوء بالماء المسخن علم أنّ المراد ما انقضى عنه المبدأ بحكم العقل فلا يمكن جعله من ثمرات النزاع في المسألة مع أنّه لم يرد في شيء من الأخبار كراهة الوضوء بالماء المسخن، وأمّا اختلاف العلماء فهو مبنيّ على اختلافهم في فهم الأخبار ولا يستلزم ذلك كونه من هذه الجهة، واما الثاني: فلأنّ الظاهر من تعلّق الكراهة بالبول تحت الشجرة المثمرة هي التي تكون مثمرة حال البول.//94

توضيح ذلك: إنّ الشجرة المثمرة، قد تطلق على ما تكون مثمرة بحسب جنسه أي ما يكون لها شأنية الأثمار في مقابل ما لا يقبل جنسها لذلك كالتاجر مثلا، وقد تطلق على ما تكون شجرة بحسب نوعه في مقابل ما لا يقبل نوعه لذلك كالنخل الفحل مثلا، وقد تطلق على ما تكون مثمرة بحسب صنفه على حسب اختلاف الأصناف في القرب والبعد.

وقد تطلق على ما تكون مثمرة فعلا، والأخبار الواردة في كراهة البول تحت الشجرة المثمرة على ضربين: أحدهما ما يمنع من البول تحت الشجرة المثمرة (1)، وثانيهما: ما دلّ على كراهة البول تحت الشجرة التي عليها ثمرة وحمل المطلق على المقيد وان لم يكن ثابتا في المكروهات والمندوبات والمباحات إلاّ إنّ الظاهر بعد التأمل في الأخبار كون النهي عن البول تحت الشجرة المثمرة من جهة تنفّر الطباع عن أخذ الثمرة فعلى القولين في المشتق لا كراهة إذا لم تكن عليها ثمرة، فلا معنى لجعل الفرع المذكور من ثمرات الخلاف في المسألة والله العالم (2)، الثاني حكى

ص: 110


1- ينظر: تعليقة على معالم الاصول: 2/469.
2- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/312.

بعض الاعلام (1)عن بعض جريان الخلاف المتقدّم في المشتقات في الجوامد أيضا ولعلّ نظره في ذلك إلى الذوات التي تتصف ببعض الأوصاف في بعض الأحوال ويختلف التسمية باعتباره مثل كون هند زوجة زيد باعتبار حصول علقة النكاح بينهما وكون المائع خمرا باعتبار إسكاره ونحو ذلك، وأمّا غير ذلك من الذوات فلا يتصور فيها زوال الوصف مع بقاء الذوات بوجه اللهم إلاّ أن يريد بذلك تغيّر صورها النوعية كما إذا وقع الكلب في المملحة فصار ملحا أو صارت العذرة ترابا أو دودا ونحو ذلك، ولكنه حينئذٍ في غاية السقوط ضرورة عدم صدق الكلب والعذرة مع انتفاء الصورة النوعية؛ إذ التسمية تدور مدارها وجودا وعدما، نعم ربّما يتوهم ذلك في نحو الزوجة والخمر ممّا تكون التسمية فيه دائرة مدار ثبوت حالة أو وصف لكنه ليس بشيء أيضا إذ الظاهر عدم الخلاف في كون الجوامد حقيقة في حال التلبس لا حال النطق و كذا لزم كون الاطلاق في نحو قولك هذا كان خمرا في الأمس و يكون خلا في الحال وهند كانت زوجة زيدا والآن مطلقة مجاز أو هو باطل بضرورة اللغة والعرف، واما احتمال كونها حقيقة باعتبار التلبس في الماضي بالنسبة إلى حال النسبة فبعيد جدا غاية البعد، مضافا إلى قضاء التبادر عرفا بخلافه ولذا خصوا النزاع في كلماتهم بالمشتقات، وما قد يرى من نحو قولهم (هند زوجة زيد) بعد طلاقها بائنا بل بعد تزويجها بغير زيد ونحو ذلك مبنيّ على ما ذكرنا في طيّ التنبيه الأول والثاني من أنّ المراد تعريف هذه الذوات الموجودة؛ لأنّ باعتبار اتحادها لما كانت معروضة للوصف العنواني قبل ذلك؛ فلفظ زوجة زيد قد أطلق على تلك الذات التي كانت لها هذه الصفة في ذلك الزمان فجعلت تلك باعتبار اتحادها لهذه الذات معرفة لها كما في قولك (هذا ضارب عمرو) في المشتق، وفي الجوامد نحو قولك (هذه حقيقة عمرو) أو (دار زيد) أو (كتابه) بعد خروجها عن ملكه إلى ملك الغير

ص: 111


1- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/312.

فليس لهذا الاطلاق دلالة على كون الجوامد حقيقة باعتبار التلبّس في الماضي بالنسبة إلى حال النسبة (1).

والحمدُ لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين آمين يا ربّ العالمين//95.

ص: 112


1- ينظر: تقريرات المجدد الشيرازي: 1/313.

المصادر والمراجع

أجود التقريرات، السيد الخوئي: تقريرات أبحاث الشيخ محمد حسين النائيني، ط، مكتبة المصطفوي ، مكتبة الفقيه.

الإحكام في أصول الأحكام علي بن أبي علي بن محمد الآمدي،( ط : دار الكتب العلمية )

إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب ياقوت الحموي، شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي البغدادي (ت626ﻫ )، دار إحياء التراث العربي، بيروت (د.ت).

أسرار العربية: أبو البركات الانباري، عبد الرحمن بن محمد (ت577ﻫ ) تحقيق محمد بهجت البيطار (مطبوعات المجمع العلمي العربي بدمشق)، مطبعة الترقي، دمشق (1377ﻫ - 1957م).

الاشباه والنظائر في النحو، السيوطي(ت 911ﻫ )، راجعه وقدم له، دفائز ترحيني ط1، دار الكتاب العربي، 1984م.

-الأصول في النحو: ابن السراج، أبو بكر محمد بن سهل (ت316ﻫ )، تحقيق د. عبد الحسين الفتلي، ط4، مؤسسة الرسالة، بيروت (1420ﻫ -1999م).

إفاضة الفوائد، الكلبايكاني، د. ت، د.ط.

الأعلام، خير الدين الزركلي (ت1976م) ط3، دار العلم للملايين، بيروت (1979م).

أعيان الشيعة: السيد محسن الأمين، تحقيق حسن الأمين، ط5، دار التعارف للمطبوعات، بيروت (1420ﻫ -2000م).

بداية الوصول في شرح كفاية الأصول، الشيخ محمد طاهر آل الشيخ راضي تصحيح محمد عبد الحكيم البكاء، الناشر أسرة آل الشيخ راضي الطبعة الأولى 1425 ه . ق / 2004 م.

ص: 113

بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة: السيوطي عبد الرحمن بن أبي بكر (ت911ﻫ ) تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، المكتبة العصرية، بيروت (د.ت).

البلغة في تاريخ أئمة اللغة: الفيروز آبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب (ت817ﻫ ) اعتناء ومراجعة بركات يوسف هبّود، ط1، المكتبة العصرية، بيروت (1422ﻫ -2001م).

البيان في تفسير القرآن :406- 417، ط 8، 1401 ه.

تعليقة على معالم الأصول، السيد علي الموسوي القزويني، تح: علي العلوي القزويني مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

تقريرات آية الله المجدد الشيرازي، المولى علي الروزدري المتوفى حدود سنة 1290 ه ، تح: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث، 1409ﻫ .

تهذيب الأصول تقرير أبحاث الإمام الخميني، ط1، مطبعة مهر.

الحاشية على استصحاب القوانين الشيخ مرتضى الأنصاري، ط1 ، مجمع الفكر الإسلامي - مؤتمر الشيخ الأنصاري.

تمهيد القواعد زين الدين العاملي الشهيد الثاني، ط 2: مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي.

تحريرات في الأصول، السيد مصطفى الخميني، مؤسسة تنظيم نشر آثار الامام الخميني سنة الطبع : آبان 1376 - جمادى الثاني 1418ﻫ ، ط1، مطبعة مؤسسة العروج.

تهذيب الأصول تقريرا لبحث السيد روح الله الموسوي الخميني، تقديم الشيخ جعفر السبحاني التبريزي، 1373ﻫ .

الجواهر الأصولية، تقرير بحث السيد روح الله الموسوي الإمام الخميني تأليف محمد حسن المرتضوي اللنگرودي، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، خرداد 1376 محرم الحرام 1418ﻫ ط1، مطبعة مؤسسة العروج.

ص: 114

حاشية الخضري، الخضري، محمد الدمياطي(ت 1287ﻫ )، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، 1940م.

حقائق الأصول، السيد محسن الطباطبائي الحكيم ، ط : مكتبة بصيرتي.

الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة صدر الدين محمد الشيرازي، المتوفى 1050 ﻫ حقوق الطبع محفوظة لمكتبة المصطفى بقم چابخانه مهر استوار.

الخصائص، ابن جني، أبو الفتح( ت 392ﻫ )، تح: محمد علي النجار ط2، دار الهدى -- بيروت.

دراسات في علم الصرف، د. عبد الله درويش، ط3، مكتبة الطالب الجامعي، مكة المكرمة 1987م.

درر الفوائد، الشيخ عبد الكريم الحائري اليزدي طاب ثراه 1276 - 1355 ه ق مع تعليقات للمؤلف، وتعليقات نافعة، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

الدرر الكامنة في اعيان المئة الثامنة: ابن حجر العسقلاني، شهاب الدين احمد بن علي (ت852ﻫ )، تصحيح عبد الوارث محمد علي، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت (1418ﻫ - 1977م).

دقائق التصريف: المؤدب، القاسم بن محمد بن سعيد (من علماء القرن الرابع الهجري)، تحقيق د. احمد ناجي القيسي ورفيقيه، مطبعة المجمع العلمي العراقي (1987م).

- الذريعة الى تصانيف الشيعة، محسن اغابزرك الطهراني، ط1، 1378ﻫ -- 1959م، النجف العراق.

الرسائل التسع تأليف المحقق الحلي أبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن ( 602 - 676 ) تح: رضا الاستادي، الناشر: مكتبة المرعشي بقم،ط1، 1371 ه - ش = 1413 ه - ق

ص: 115

رسائل المحقق الكركي، تأليف المحقق الثاني الشيخ علي بن الحسين الكركي المتوفى سنة 940 ه تح: الشيخ محمد الحسون اشراف السيد محمود المرعشي، الناشر مكتبة المرعشي النجفي قم مطبعة الخيام قم ط1، 1409 ه ق.

روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات: الميرزا محمد باقر الموسوي الخوانساري (ت1313ﻫ )، ط1، الدار الإسلامية، بيروت (1411ﻫ -1991م).

زبدة الأصول تأليف الشيخ بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي الهمداني العاملي الجبعي المشتهر ب " البهائي" 953 - 1030 ه . ق تح: فارس حسون كريم

زبدة الأصول، تأليف السيد محمد صادق الحسيني الروحاني، نشر: مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) المطبعة: قدس ط1، ربيع الأول 1412ﻫ .

شجرة النور الزكية في طبقات المالكية: الشيخ محمد بن محمد بن عمر (ت1360ﻫ ) تعليق عبد المجيد خيالي، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت (1424ﻫ -2003م).

شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، المحقق الحلي، تعليق: السيد صادق الشيرازي، انتشارات استقلال، طهران- ناصر خسرو، حاج نايب، المطبعة : أمي- قم،ط2، 1409ﻫ .

شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك: ابن عقيل، بهاء الدين عبد الله بن عقيل العقيلي (ت769ﻫ ) تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، ط14، مطبعة السعادة، مصر (1384ﻫ -1964م).

شرح إحقاق الحق وإزهاق الباطل تأليف: العلامة نور الله الحسيني المرعشي التستري الشهيد في بلاد الهند سنة 1019ﻫ ، تعليقات نفيسة مهمة بقلم : فضيلة

ص: 116

السيد شهاب الدين النجفي من منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي قم – إيران.

شرح الاشموني على ألفية ابن مالك [المسمى منهج السالك إلى ألفية ابن مالك]: الأشموني علي بن محمد (ت929ﻫ ) المطبوع بهامشه حاشية الصبان، ط3، مطبعة أمير، قم – إيران (1419ﻫ ).

شرح أصول الكافي للمازندراني، ضبط و تصحيح السيد علي عاشور، بيروت، لبنان ط1، 1421 ه -- 2000 م دار احياء التراث العربي .

شرح التجريد للقوشجي ، الطبعة الحجرية – قم المقدسة -- إيران 1307 ه

شرح الرضي على الكافية: الاستراباذي، رضي الدين محمد بن الحسن (ت686ﻫ ) تصحيح وتعليق يوسف حسن عمر، جامعة قار يونس، منشورات مؤسسة الصادق، طهران (1398ﻫ -1978م).

-شرح شافية ابن الحاجب: الاستراباذي، رضي الدين محمد بن الحسن (ت686ﻫ ) تحقيق محمد نور الحسن ورفيقيه، دار الكتب العلمية، بيروت (1395ﻫ -1975م).

شرح العضدي على مختصر ابن حاجب(مخطوط)الورقة90 .

-شرح المفصّل: ابن يعيش، موفق الدين يعيش بن علي النحوي (ت643ﻫ )، طبع عالم الكتب، بيروت (د.ت).

شرح المقاصد للتفتازاني، مسعود بن عمر بن عبد الله الشافعي المتوفى 793 مطبعة القدسي القاهرة

شرح المواقف، السيد الشريف علي بن محمد الجرجاني، إعداد السيد محمد بدر الدين النسعاني، قم ، منشورات الرضي، 1412 ، " بالاوفست عن طبعة مصر،1325 ﻫ .

ص: 117

شرح الوافية للسيد صدر الدين: في بحث المشتق،(مخطوط مكتبة المرعشي الرقم 2656).

شهداء الفضيلة - للشيخ عبد الحسين الأميني( 1320 - 1390 ه).

شرح المطالع . قطب الدين الرازي ، قم ، مكتبة النجفي .

الصحاح: تاج اللغة وصحاح العربية، الجوهري، إسماعيل بن حماد (ت397ﻫ ) تحقيق احمد عبد الغفور عطار، ط3، دار العلم للملايين، بيروت (1404ﻫ -1984م).

عمدة القاري في شرح صحيح البخاري، للعيني، د.ت، د.ط.

-العين: الفراهيدي، الخليل بن احمد (ت175ﻫ ) تحقيق د. مهدي المخزومي ود. إبراهيم السامرائي مطابع الرسالة، الكويت (1980)، ودار الحرية للطباعة، بغداد (1981م).

غاية النهاية في طبقات القراء: الجزري، شمس الدين أبو الخير محمد بن محمد (ت833ﻫ ) عني بنشره ج برجستراسر، ط1، مكتبة الخانجي، القاهرة (1351ﻫ -1932م).

غريب الحديث: الهروي، أبو عبيد القاسم بن سلام (ت224ﻫ )، ط2، دار الكتب العلمية بيروت (1424ﻫ -2003م).

فرائد الاصول للشيخ مرتضى الانصاري، مؤسسة النشر الاسلامي، قم.

فرهنك نوين عربي فارسي، مصطفى طباطبائي، انتشارات كتاب فروشي، اسلامية، 1377 ش.

الفصول في الأصول، أحمد بن علي الرازي الجصاص المتوفى سنة 370 ه دراسة وتحقيق للدكتور عجيل جاسم النمشي الطبعة الأولى سنة 1405 ه - 1985 م

الفصول الغروية في الأصول الفقهية، محمد حسين بن عبد الرحيم الأصفهاني( م 1250 ه ) الطبعة الحجرية.

ص: 118

فوائد الأصول ، الآخوند محمد كاظم الخراساني، ط1، مؤسسة الطبع والنشر، وزارة الإرشاد الإسلامي ، 1407 ه .

الفوائد الرضوية في أحوال علماء المذاهب الجعفرية . للشيخ عباس القمي ج 2 ص 470 - 473 طبع طهران سنة 1367 ه .

في الصرف العربي نشأة ودراسة، د فتحي عبد الفتاح الدجني، د.ت ، د. ط.

قوانين الأصول تأليف: أبي القاسم بن محمد حسين الجيلاني القمي( 1150 - 1213 ه ) ، الطبعة الحجرية .

كتاب الأربعين حديثا في إثبات إمامة أمير المؤمنين(عليه السلام) سليمان بن عبد الله الماحوزي البحراني 1075- 1121 تح:السيد مهدي الرجائي، مطبعة أمير،ط1، تاريخ الطبع، 1417 ه.

-كتاب سيبويه: أبي بشر عمرو بن عثمان بن قنبر (ت180ﻫ )، تحقيق عبد السلام محمد هارون، ط3، عالم الكتب (1403ﻫ -1983م).

-كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون: حاجي خليفة (كاتب جلبي)، مصطفى بن عبد الله (ت1067ﻫ )، دار إحياء التراث العربي.

كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، للعلامة الحلي، ط1،مؤسسة النشر الإسلامي، 1407ﻫ .

كفاية الاصول، للأخوند الخراساني، طبع مؤسسة النشر الاسلامي، قم.

-لسان العرب: ابن منظور، جمال الدين أبو الفضل محمد بن مكرم المصري (ت711ﻫ )، دار صادر، بيروت (1374ﻫ -1955م).

لسان الميزان، ابن حجر العسقلاني(852ﻫ ) مؤسسة الاعلمي - بيروت ،1406ﻫ .

مباحث الأصول العبد محمد تقي بهجت ، 1294، قم .

المباحث الاصولية، للشيخ محمد اسحق الفياض، د.ت، د.ط.

ص: 119

مباحث الدليل اللفظي ( تقريرات الشهيد الصدر)، السيد محمود الهاشمي، ط في النجف سنة 1977 م .

محاضرات في أصول الفقه، تقرير أبحاث السيد أبو القاسم الخوئي، تأليف محمد إسحاق الفياض، مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

المحصول في علم أصول الفقه ، للرازي، الطبعة الثانية 1412 ه - 1992 م

مختصر الأصول لابن الحاجب وشرحه للعضدي وسماه ب( حواشي على شرح المختصر)،دط.

-المزهر في علوم اللغة وأنواعها: السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن (ت911ﻫ ) تحقيق محمد احمد جاد المولى ورفيقيه، دار الفكر للطباعة، بيروت (د.ت).

المشتقات في القرآن، عبد الرحمن الشامي، رسالة ماجستير، كلية التربية جامعة القادسية، 2001م.

المشتق عند الاصوليين، الشيخ محمد اليعقوبي، ق1، ق2، تقري بحث السيد الصدر(رحمه الله)، ط1، مؤسسة عاشوراء، قم.

مطارح الانظار، تقريرات الشيخ الاعظم الانصاري، تأليف العلامة أبو القاسم الكلانتري الطهراني، تحقيق مجمع الفكر الاسلامي، د.ت.

معجم البلدان: ياقوت الحموي (ت626ﻫ ) تحقيق فريد عبد العزيز الجندي، دار الكتب العلمية، بيروت.

معجم المؤلفين: تراجم مصنفي الكتب العربية عمر رضا كحالة، دار إحياء التراث العربي، بيروت (د.ت).

معجم مفردات أصول الفقه المقارن، تحسين البدري، المشرق للنشر، ط1، 1428ﻫ .

-معرفة القراء الكبار على الطبقات والإعصار: الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن احمد (ت748ﻫ ) تحقيق د. طيار آلتي قولاج، ط1، طبع بالأوفست بمطابع مديرية النشر والطباعة والتجارة، أنقرة، تركيا (1416ﻫ -1995م).

ص: 120

معجم مصطلحات المنطق، جعفر الحسيني، ط1، مط: بقيع، دار الاعتصام.

مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم: طاش كبرى زاده، احمد بن مصطفى (ت968ﻫ ) مراجعة وتحقيق كامل بكري وعبد الوهاب أبو النور، دار الكتب الحديثة، مكتبة الاستقلال الكبرى، القاهرة (د.ت).

معجم مقاييس اللغة: ابن فارس، أبو الحسين احمد بن فارس بن زكريا (ت395ﻫ )، تحقيق عبد السلام محمد هارون، دار الكتب العلمية، قم – إيران (د.ت).

المقتضب: المبرد، أبو العباس محمد بن يزيد (ت385ﻫ )، تحقيق محمد عبد الخالق عضيمة، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، القاهرة (د.ت).

المقنعة تأليف أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الشيخ المفيد رحمه الله المتوفى 413 ﻫ ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، 1410ﻫ .

الممتع في التصريف: ابن عصفور الإشبيلي (ت669ﻫ ) تحقيق د. فخر الدين قباوة، ط4، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت (1398ﻫ -1978م).

منتهى الاصول، حسن بن علي أصغر البجنوردي، د.ت، د.ط.

منتهى الدراية في توضيح الكفاية تأليف السيد محمد جعفر الجزائري، مطبعة النجف 1388 ه الطبعة السادسة 1415 هجري، مطبعة غدير.

المنطق للشيخ المظفر، انتشارات اسماعيليان، 1423ﻫ .

منهاج الوصول إلى علم الأصول للبيضاوي،مطبعة كردستان العلمية، القاهرة ، 1326 ه

ميزان الاعتدال في نقد الرجال: الذهبي أبو عبد الله محمد بن احمد (ت748ﻫ ) تحقيق محمد علي البجاوي دار إحياء الكتاب العربي (د.ت).

نامه دانشوران ناصري، ألفه جماعة بأمر الشاه ناصر الدين القاجاري وهم الميرزا أبو الفضل الساوي الطبيب والميرزا حسن الطالقاني والملا عبد الوهاب القزويني الشهير

ص: 121

بملا آقا والشيخ محمد مهدي العبد الربابادي ومعنى نامه دانشوران تراجم العلماء وناصري نسبة إلى ناصر الدين

نهاية الافكار، تقرير بحث اقا ضياء العراقي، للبروجردي، د.ط.

نهاية الدراية في شرح الكفاية ،الشيخ محمد حسين الغروي الأصفهاني، تح: مهدي أحدي أمير كلائي، انتشارات سيد الشهداء- قم - خيابان انقلاب پاساژ صاحب الزمان(عج)ط11374 ه .

النهاية في غريب الحديث والأثر: ابن الأثير، مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد (ت606ﻫ ) اعتناء وتصحيح محمد أبو فضل عاشور، دار إحياء التراث العربي، بيروت (1422ﻫ -2001م).

هداية المسترشدين، الشيخ محمد تقي الرازي النجفي الأصفهاني(ت 1248ﻫ ) مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة تقديم : بقلم سماحة هدي مجد الاسلام النجفي.

همع الهوامع في شرح الجوامع: السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن (ت911ﻫ )، تحقيق احمد شمس الدين، ط2، دار الكتب العلمية، بيروت (1427ﻫ -2006م).

الوافية في أصول الفقه للفاضل التوني المولى عبد الله بن محمد البشروي الخراساني المتوفى سنة 1071 ه . تحقيق السيد محمد حسين الرضوي الكشميري ط1 رجب 1412 ه .

وسيلة الوصول إلى حقائق الأصول تقرير أبحاث السيد أبو الحسن الأصفهاني للحاج الميرزا حسن السيادتي السبزواري المتوفى 1385 ه . ق، ط1، 1419ﻫ .

وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان: ابن خلكان، أبو العباس شمس الدين احمد بن محمد بن أبي بكر (ت681ﻫ ) تحقيق د. إحسان عباس، دار صادر، بيروت.

ص: 122

النصّ الثاني: قداسة النجف الأشرف وعظمتها أو (تاريخ الخزانة العلوية المطهّرة)

اشارة

للشيخ المصلح آية الله العظمى

محمد حسين كاشف الغطاء

(1294ﻫ -- 1373ﻫ )

(1876م -- 1954م)

ص: 123

المقدّمة

على خلاف المعتاد

(ما أجمل أن تكون الذكرى مفتاح المستقبل)

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

وبعد...

ص: 124

لا ريب إن الامة تعتزّ بتراثها بل وتباهي به الامم الاخرى، وكم فرحت حينما قرأت في شريط الأخبار أن الحكومة الألمانية يوم 31/1/2012م قد أرجعت بعض الآثار المسروقة إلى الحكومة العراقية.

ما نملكه من تراث هو انعكاس لثقافة أجدادنا العظماء وليس إرثا ماديا وحسب، إننا اليوم حريصون على هذا التراث العتيق والمهم.

إنّ الأمة التي تعتز بتراثها ولا تفرّط به هي أمّة حية ما حيي التراث؛ فهو الحلقة التي تربطنا بالمستقبل، لكن على القائمين أن يطلعوا الناس على تراثهم ولا سيما وأن هذا التراث قد سفكت في سبيله المهج، وخيضت على طريقه اللجج، ولم يُبذل ما بُذل في مثلما حصل مع الخزانة العلوية المطهرة، فأنت سترى في هذا المخطوط كيف يروي لنا الشيخ الكبير محمد حسين كاشف الغطاء (رحمه الله) كيف حافظ أسلافه على هذه الخزانة الكبيرة، وكيف ماطل بعضهم بعد أن استودعوها عنده بإرجاعها طمعا فيها؛ لأنّ الخزانة قُدّر حملها بحمل ثلاثين جملا!!!.

توجد في العالم خزانات كثيرة هي أقل شأنا من خزانة الحرم العلوي من حيث الموجود، فهناك خزانة الشاه التي كان يحتفظ بها في البنك المركزي الإيراني، وخزانة مجوهرات تابعة للأسرة المالكة المصرية التي وضعت في متحف خاصّ بها في الاسكندرية، والباقي من مجوهرات التاج الفرنسي التي يحتفظ في متحف اللوفر في باريس، والباقي من التحف العثمانية التي يحتفظ بها متحف طب قبي سراي، لكن ما موجود من تحف وكنوز ومن نادر الاحجار في مشهد أمير المؤمنين (عليه السلام) ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، إنها من أنفس خزائن العالم وأغلاها ثمنا(قبر أمير المؤمنين وضريحه: 298).

ص: 125

ألا يجدر بالقائمين على سدانة وخدمة هذا المشهد المقدّس أن يقوموا بإنشاء متحف خاصّ بهذه الجواهر والتحف الثمينة؛ ليتسنى للجميع رؤيتها ومن جميع أصقاع العالم، لأنها كما يقول الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء( وليس الوصف كالعيان).

ألا يجدر بهم ان يجعلوا الناس تشاهد هدايا الملوك والناس الى هذه الذات المقدّسة وعلى مدى أكثر من 700عام، ومن مختلف القوميات والجنسيات.

توجد في خزائن الضريح مخطوطات نسب بعضها الى الأئمة الكرام أمير المؤمنين والإمام الحسن والإمام الحسين( عليهم السلام)، إنّ معرضا للمصاحف المنسوبة لهو كفيل أن يزوره ملايين المسلمين، وغير السلمين!!!.(قبر أمير المؤمنين وضريحه: 304).

لقد استأنست بل وتشرفت بتحقيق هذه المخطوطة التي كشفت لي عن تراث هو قريب مني لكنه بعيد، جعلتني أغوص بمادة التاريخ وبأحداث تلك الحقبة وما تلاها من أحداث تاريخية حرجة، هجوم الوهابيين، تحصين المدينة، نقل الخزانة، إرجاع الخزانة، فتنة الزقرت والشمرت، الصلح بين الدولتين، و، و... وغيرها من أحداث تشعبت بها قراءتي، فكان يقع نظري على الحادثة التي تتلو ما أريد فأستوفيها الى آخرها.

إن ما قام به أجدادنا العظماء من حفاظ على هذا التراث الكبير لهو جدير ان يخلد، إن كان التقدّم العلمي لم يسعفهم ان يظهروا هذه الكنوز ويخرجوها من حقيبة الكتمان، فقد آن للعاملين على خدمة المرقد أن يقرروا أمرا يفيدهم علميا، واقتصاديا وغيرها من ميادين الحياة، وكلّي رجاء.

ص: 126

التمهيد

اشارة

ص: 127

التمهيد

الجزء الأوّل: الشيخ كاشف الغطاء

اشارة

الشيخ كاشف الغطاء (1)

حياته وآثاره
ولادته ونسبه

هو الشيخ (محمد حسين) بن الشيخ علي بن الشيخ محمد رضا بن الشيخ موسى بن الشيخ جعفر (2) ، من أسرة عربية عريقة ترجع إلى قبيلة (بني مالك) أي

ص: 128


1- لكثرة ما كتب عن هذا العَلَمِ سنتوخى الاختصار.
2- ينظر: العبقات العنبرية:33، معارف الرجال :2/272.

(مالك الاشتر) أحد أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام ) (1)، ولد من هذه الشجرة المباركة كثيرٌ من الأدباء والمجتهدين اللامعين.

ولد -- رحمه الله -- في النجف الأشر في سنة ( 1294ﻫ ) الموافق ل-( 1876م) (2) ، وقد أرّخ عام ولادته الشاعر النجفي السيّد موسى الطالقاني (3)، يقول:

سرورٌ به خُصّ أهلُ الغري وعمّ المشارق والمغربين

بمولد من فيه سرُّ الهنا وقرّت برؤيته كلّ عين

وقد بشّر الشرع مذ أرّخوا ستُثنى وسائده للحسين

وقد عرفت أسرته بآل كاشف الغطاء نسبة إلى الكتاب الذي ألفه الشيخ جعفر الكبير ( 1736- 1808) المسمّى ب-( كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء ) وهو كتاب في الفقه صدر عام ( 1790م ) (4).

رحلاته

سافر -- رحمه الله -- إلى مناطق مختلفة من العالم الإسلامي، فقد كانت جلّ رحلاته لغرض التوجيه والإصلاح والانتفاع (5) ، أولى رحلاته كانت عام 1911، بعد أن صادرت السلطات العثمانية كتابه ( الدين والإسلام ) ، وكانت الثانية لأداء فريضة

ص: 129


1- العبقات العنبرية : 12 ، جنة المأوى : 15.
2- جنة المأوى : 12.
3- ينظر: المراجعات الريحانية: 1/13.
4- العبقات العنبرية : 55.
5- الشيخ كاشف الغطاء ودوره الوطني والقومي ،د. حيدر السيد سلمان : 52.

الحج ، ومن مكة توجه إلى دمشق ، ومن دمشق إلى بيروت ، ثم صيدا ، وفي صيدا طبع كتابه (الدين والإسلام ) (1) ،ثم غادر صيدا متوجها إلى القاهرة بقي فيها أكثر من ثلاثة أشهر، وهناك حضر دروس بعض علمائها في الأزهر الشريف، وفي عام 1931م، سافر إلى فلسطين لحضور المؤتمر الإسلامي في القدس الشريف، وفي عام 1932م، سافر إلى إيران، وفي 1941م، سافر إلى لبنان للعلاج، وعام 1951، رجع إلى إيران حيث زاره الشاه بهلوي بعد أن رفض الشيخ دعوته للزيارة، وفي العام 1952م، سافر لحضور المؤتمر الإسلامي المنعقد في باكستان (2) .

آثاره

( القلم أفضل اللسانين ) و( من آثارهم تعرفهم ) يعدّ الشيخ كاشف الغطاء من العلماء المكثرين في التأليف والتأليف الموسوعي؛ فقد كتب في ميادين الفكر كافة وقد نافت مؤلفاته على التسعين مؤلفا ولا زال بعضها مخطوطا لم يرَ النور كالتعليقة التي على( أدب الكاتب)، وتعليقة على( أمالي الشريف) (3) وغيرها.

ومن آثاره العلمية المطبوعة:

1- الدين والاسلام

2- المراجعات الريحانية

3- أصل الشيعة وأصولها

4- الآيات البيّنات

ص: 130


1- المصدر نفسه .
2- المصدر السابق .
3- قام الدكتور حيدر السيد سلمان باستقصاء مؤلفاته ( رحمه الله) وقسمها على العنوانات ،فليرجع إليه.

5- التوضيح في بيان ما هو الانجيل ومن هو المسيح

6- الميثاق العربي الوطني

7- الفردوس الاعلى

8- المثل العليا في الاسلام لا في بحمدون

9- نبذة من السياسة الحسينية

10- الأرض والتربة الحسينية

11- جنة المأوى

12- مناسك الحج

13- تحرير المجلة

14- مختارات من شعر الأغاني

15- العبقات العنبرية في طبقات الجعفرية

16- حاشية على كتاب الاسفار

17- مغني الغواني عن الأغاني

18- ديوان شعره

19- تعليقة على أمالي المرتضى

20- تعليقة على أدب الكاتب (1)

ص: 131


1- وانا اليوم أقوم بتحقيقها، إضافة الى هذه الرسالة القيمة.

21- تعليقات على الفتنة الكبرى لطه حسين

22- عقود حياتي، وهو في السيرة الذاتية، كتبها بقلمه.

23- تعليقة على كتاب الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، للشيخ علي محي الدين.

وفاته

أصيب الشيخ بمرضٍ في المثانة على أثره دخل المستشفى في بغداد 16/ 6/ 1954م، ولم ينقطع عن مزاولة نشاطه على الرغم من حدة مرضه فقد اتصل بالعديد من الشخصيات السياسية داخل العراق وخارجه.

خرج من المستشفى في 16/ تموز من العام نفسه فسافر إلى إيران وبعد يومين، أي في 19 / تموز / 1954م ، توفي -- رحمه الله -- في مصيف ( كرند ) (1)

الجزء الثاني: منهج المخطوط ، ومادّته

اعتمد الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء مصادر شخصية في إملاء هذا المخطوط؛ فهو إما معاصرا بعضا منها، وهي عندما فتحت الخزانة المطهرة في أواخر رجب العام 1354ﻫ ، عندما جاء متصرف كربلاء والسادن السيد عبّاس، إلاّ أنه لم يحضر هذا الفتح فتح الخزانة على الرغم من معاصرته لهم، يقول:( والظَّاهِرُ إِنَّهُمُ احتَفَظُوا بِتلْكَ الخَواتِمِ)، يدللنا على ذلك استظهاره هذا.

ص: 132


1- المصدر نفسه .

أو رويت له عن طريق الميراث العائلي -- إذا صحّ التعبير -- فهو ابن الشيخ علي بن الشيخ محمد رضا بن الشيخ موسى بن الشيخ جعفر الكبير، وأغلب الاحداث التي حصلت هي في زمن الشيخين( جعفر الكبير، والشيخ موسى بن الشيخ جعفر)، وبعضها -- كما أسلفنا -- قد عاصرها.

المخطوط يحوي معلومات كثيرة عن النجف وتاريخها وبالخصوص الروضة العلوية المقدّسة، والأحداث التي حصلت في حقبة من حقب هذه المدينة أبسط ما نسميها أنها حرجة، وظهور رأس الوهابية محمد بن عبد الوهاب، وهجومه على البلدان المتاخمة لنجد والحجاز، وعمله القتل والترويع والسلب والنهب في تلك البلدان وكلّ عمله كان باسم الدين، أمّا ما ذكر من أحداث في هذا المخطوط القيّم، فهي على الترتيب:

1- ظهور المرقد الشريف، و نشوء مدينة النجف الأشرف، يقول الشيخ رحمه الله: (مُنْذُ أُنْشِأَتْ هذِهِ البَلْدَةُ الْمُقَدَّسَةُ، وَظَهَرَ هَذَا المَرْقَدُ الشَّرِيفُ فَجْرَ طُلُوعِ الدَّوْلَةِ العَبَّاسيَّةِ أَوْ قَبْلَهَا بِقَلِيلٍ).

إلا أنّ السكنى في النجف كانت ليس بذات بال حتى مجيء البويهيين، يقول المستشرق الفرنسي ماسنيون: ( وفي حكم البويهيين، أصبحت هذه القبّة كعبة الزوار، ومنذ ذلك العهد أخذت الأسر العلمية الشيعية في الكوفة تنتقل الى الغري وتقطنها) (1).

جاء في المفصل:( أصبحت النجف في العصر العباسي الأوّل مدينة ذات خصائص دينية وفكرية؛ فقد برز للوجود المرقد العلوي الشريف) (2)

ص: 133


1- خطط الكوفة: 33.
2- المفصل من تاريخ النجف: 1/311، 400.

فإذا أردنا الجمع بين الرأيين يكون ظهور المرقد العلوي الشريف بداية نشوء الناس عنده وإقامتهم بقربه وهو في فجر الدولة العباسية كما يقول الشيخ كاشف الغطاء، ولكن على خوف من السلطة العباسية، ولا سيما في عهد المتوكّل (1)، وبعد ظهور عنصر الأمان أخذ الناس بالتوافد إلى قرب المرقد العلوي المطهر ولا سيما في عهد السلطان عضد الدولة البويهي(ت 372ﻫ ) (2)، وقد أشار الشيخ رحمه الله الى ذلك بإجمال:( وإِذْعَانًا بِعَظَمَةِ تِلْكَ الذَّاتِ المُقدَّسَةِ وَرَمْزًا لِلْخُضُوعِ لَهَا مِنْ قَبْلِ عَصْرِ الْبُوَيهِيينَ).

2- اجتماع عدد من الكنوز في الخزانة العلوية، من جواهر وأحجار كريمة في خزانة الحرم المطهر وهي هدايا الى الذات المقدّسة من ملوك الدنيا، يقول رحمه الله: (اجْتَمَعَ فِي خِزَانَةِ هذِهِ البُقْعَةِ العَظِيمَةِ الشَّأْنِ مِنْ نَفَائِسِ التُّحَفِ وَكَرائِمِ الجَوَاهِرِ والأَحْجَارِ مَا لَمْ يجْتَمِعْ وَلا يُوجَدُ فِي خِزَانَةِ أيِّ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الْمِلَلِ أَوْ عِنْدَ دَوْلَةٍ مِنَ الدُّوَلِ مَا يَقْصُرُ الوَصْفُ دُونَهُ، وَتَحَارُ العُقُولُ فيْهِ وَلَيْسَ الوَصْفُ كَالعَيَانِ).

خزانات الحرم العلوي المطهّر

يقول حرز الدين في تاريخ النجف (3):( وخزائن أمير المؤمنين( عليه السلام) أهمّها أربع، وهي:

1- الخزانة الأولى: موضوعة في سرداب تحت الأرض مدخلها من حجرة من جانب المئذنة الجنوبية، وقد دفن في هذه الحجرة المقدّس الشيخ أحمد الأردبيلي، وفي هذه الخزانة النفائس العظيمة، وأكثرها من هدايا السلطان نادر شاه.....

ص: 134


1- ينظر: مروج الذهب: 4/135.
2- ينظر: فرحة الغري: 114، المفصل في تاريخ النجف: 1/319.
3- 1/ 453- 456.

2- الخزانة الثانية: فيها الكثير من النفائس والأحجار، وهي في الضريح في الصندوق الحديدي(القاصة)، يرى للناظر عند باب الشباك على يسار الداخل الى الضريح،.....

3- الخزانة الثالثة: موقعها في الرواق مما يلي الرأس الشريف في غرفة مطلّة على منتصف الساباط الغربي، ويكثر فيها السجاد والستور و البردات المطعّمة باللؤلؤ والاحجار الكريمة الصغيرة مخيطة بأسلاك ذهبية.....

4- الخزانة الرابعة: تقع في إحدى الحجرات الجنوبية للصحن الشريف، وهي معروفة اليوم بخزانة الكتب والقرائين، وفيها:

أ- نسخة القرآن الكريم بخطّ البرنس إسماعيل الصفوي وبتاريخ 991ﻫ - ، وعليها غلاف أفرغ من ماء الذهب المذاب، وقد نبّت بالأحجار الكريمة.

ب -- نسخة أخرى من القرآن الكريم على كرسي من العاج المرصّع بالحجر الثمين، وقد لفّ بثوب من الاستبرق موشى بأسلاك الذهب في فنّ خارق وصناعة بارعة وغلاف ملوّن بالفسيفساء والميناء، وهي غاية في جودة الخط بالقلم النسخي وليس فيه مادّة للتاريخ.

ج -- وهناك نسخة ثالثة على كرسي مبرقع وهي بتلك النفاسة التي نوّهنا عنها ، وعلى هذه النسخة تفسير بالفارسية، وقد استخدم في كتابتها وتنقيحها كثير من الاصباغ، ومحلول الذهب، فكانت من أبدع الآثار المخطوطة).

قيل: إنّ كنوز كربلاء والنجف عرضت على السلطان ناصر الدين شاه عند زيارته لها سنة 1287ﻫ - فبلغ وزن الذهب والفضّة سبعة أطنان وبين هذه النفائس سراج

ص: 135

مصنوع من زمردة واحدة، وثريات من ذهب خالص مرصعة بالياقوت، وسجادة مطرّزة باللؤلؤ، وغيرها كثير، كما أن القبة ومنائرها مغشاة بالذهب الخالص (1)

وهي كما يقول الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء:( مَا يَقْصُرُ الوَصْفُ دُونَهُ، وَتَحَارُ العُقُولُ فيْهِ وَلَيْسَ الوَصْفُ كَالعَيَانِ).

3- تعرّض النجف لغارات متواصلة من الأعراب و الوهابيين، يقول رحمه الله: (فَلِذَلكَ كَانَتِ النَّجَفُ بَلْ وَ كَرْبَلاءُ عُرْضَةً لِغَارَاتِ إعرابيي تلْكَ البَوَادِي لا مِنَ الوَهَّابِيينَ فَحَسْب بَلْ مِنْ جَمِيعِ قَبَائِلِ تلْكَ المَفَاوِزِ الشَّاسِعَةِ مِنْ عِنِزَةَ وشَمَّرَ والرُّولَةِ، وغَيْرِهَا).

4- ظهور محمد بن عبد الوهاب زعيم الوهابية، المولود سنة 1111ﻫ ، والمتوفى سنة 1207ﻫ ، واستفحال غاراتهم على البلدتين المقدّستين ( كربلاء والنجف)، وكان قد تبعه آل سعود في فتاواه باستحلال دماء المسلمين، وتحريم زيارة القبور وما أشبه هذه الفضائع.

5- في العام 1216ﻫ هجم عسكر الوهابية ويقدر عددهم ب-(15000) مقاتل على كربلاء، إذ كان معظم أهالي كربلاء في النجف، يؤدّون زيارة البيعة( يوم الغدير) في الثامن عشر من ذي الحجة، يقول رحمه الله: (فَفِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ عَشْرَ بَعْدَ الأَلِفِ والمَاءَتَينِ (2) هَجَمَ أُولئِكَ الطِّغَامِ بَجَمْعٍ لا يَقِلُّ عَدَدُهُ عَلَى مَا قِيلَ عَنْ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفِ شَاكِينَ السِّلاحَ عَلَى بلْدَةِ كرْبَلاءَ العَزْلاءِ الخَالِيَةِ منْ كُلِّ مَنَعَةٍ وَحَصَانَةٍ؛ فَقَتَلُوا مَا لا

ص: 136


1- تاريخ النجف: 1/453.
2- كان ذلك في يوم الغدير الثامن عشر من ذي الحجة والموافق لليوم الثاني من نيسان 1801م، وكان معظم سكّان كربلاء يؤدّي الزيارة في النجف، وهدم الصندوق الذي كان على قبر حبيب بن مظاهر الأسدي، وكان من الخشب، فأحرقوه وصنعوا به القهوة في الديوان المقابل للقبلة، وكان عزمه أن يفعل في القبل الشريف مثل ذلك لكنّهم لم يقدروا لأنّ الشبّاك كان من حديد، وقد قدّر بعضهم القتلى ألف نسمة وقيل خمسة أضعاف ذلك. ينظر: تاريخ النجف الأشرف، حرز الدين: 2/383- 384.

يُحْصَى مِنَ الرِّجَالِ والنِّسَاءِ والأَطْفَالِ، ونَهَبُوا مَا لا يُعدُّ مِنَ الأَمْوَالِ)، وقد بلغ عدد القتلى ما لا يقل عن خمسة آلاف شخص من رجال ونساء وأطفال.

6- انتهاك حرمة الضريح المقدّس للإمام الحسين(عليه السلام)، من سرقة وتخريب وحرق، يقول رحمه الله: (....ونَهَبُوا مَا لا يُعدُّ مِنَ الأَمْوَالِ حتَّى نهَبُوا جَمِيعَ مَا فِي الرَّوْضَةِ الحُسَينيِّةِ مِنَ النَفَائِسِ، وأَحْرَقُوا صُنْدُوقَ الضَّرِيحِ المُقدَّس). وقد ذكر أرباب التاريخ أنّهم عملوا لصاحبهم الطاغية القهوة من خشبة ضريح الشهيد السعيد حبيب بن مظاهر الأسدي.

7- الهجوم على النجف، بعد إحداث الحرق والسلب والنهب في كربلاء وكلّ بلدة يمرّون بها، توجّهوا إلى النجف، وكانت الزعامة الدينية والروحية للشيخ جعفر الكبير( 1156ﻫ - -- 1228ﻫ )، سدّ أبواب المدينة بالحجارة وعزز السور على الرغم من كونه هاويا، وألزم كلّ من يحمل السلاح القيام بذلك، يقول رحمه الله: (وكَانَتِ الزَّعَامَةُ الدِّينيَّةُ يَومَئِذٍ لآيةِ اللهِ الشَّيْخِ الأَكْبَرِ الشَّيْخِ جَعْفَرٍ كَاشِفِ الغِطَاءِ (قُدِّسَ سِرُّهُ) فَلَبِسَ السِّلاحَ هُوَ وَأَوْلادُهُ ، وجَمِيعُ تَلامِيذِهِ مِنْ طَلَبَةِ العِلْمِ، وأَلْزَمَ كُلَّ قَادِرٍ عَلَى حَمْلِ السِّلاحِ مِنْ أَهْلِ البَلَدِ المُدَافِعَةِ، وَكَانَ لِلْبَلَدِ سُورٌ ضَعِيفٌ وَأَبْوَابٌ وَاهِيَةٌ؛ فَاسْتَحْكَمَهَا بِنَضْدِ الصُّخُور وَالمَضَارِسِ وَرَاءَهَا، واسْتَعَدُّوا لِلدِّفَاعِ وَالمُصَاعِ وبَذْلِ الأَرْوَاحِ دُونَ ذَلكَ الوَطَنِ المُقَدَّسِ).

8- في العام 1217ﻫ - قام الوهابيون مرّة ثانية بالإغارة على مدينة النجف، يقول رحمه الله: (وَلكنَّهُمُ اسْتَعدُّوا فِي السَّنَةِ القَابِلَةِ؛ وشَنُّوا الغَارَةَ مَرَّةً ثَانِيَةً، وَلَمْ يَحْصَلُوا مِنَ الغَنِيمَةِ إِلاَّ عَلَى الهَزِيمَةِ؛ لأنَّ النَّجَفيينَ بِفَضْلِ مَا نَفَثَ فيْهِمُ الشَّيْخُ الأَكْبَرُ مِنْ رُوحِ الهِمَّةِ والحَمَاسِ والتَّفَانِي كَانُوا مُسْتَمِيتينَ).

ص: 137

ذكر في المفصّل أنّ الوهابيين هاجموا النجف الاشرف أكثر من عشر مرات (1)، وهي حسب التسلسل التاريخي:

1- الغارة الاولى: وكانت سنة 1214ﻫ - 1799م، وقد تصدّت لهم عشيرة الخزاعل، وقتلت منهم حوالي ثلاثمائة، وأطلق على هذه الغارة الوهابية لفظة ( وقعة الحاج والحدرة) (2)، وهذه الغارة بداية غارات متتالية.

2- الغارة الثانية: وهي في عام 1215ﻫ - -- 1800م، أرسل الوهابيون سرية الى العراق لتنهب مرقد الإمام علي (عليه السلام)، وتهديم مرقده الشريف، واستباحة مدينة النجف، وقتل من الوهابيين أكثر من مائة رجل وعادت السرية بالخيبة (3).

3- الغارة الثالثة: كانت في عام 1216ﻫ -- 1801م، وكانت أعنف من سابقتيها، وهي في يوم الغدير وكانت بدايتها على كربلاء، وكان عدد المهاجمين يقدر بخمسة عشر ألف، وعدد القتلى من كربلاء خمسة الاف الى ثمانية آلاف نسمة (4)

4- الغارة الرابعة: وهي في عام 1217ﻫ - 1802م، وكان قدوم الجيش الوهابي في هذه السنة لغرض الانتقام من مدينة النجف، وحينها تكونت فرقة مسلحة بقيادة عباس الحداد، وبلغوا مائة شخص أصبحوا فيما بعد كالشرطة عند الشيخ جعفر الكبير (5).

5- الغارة الخامسة: و كانت في عام 1218ه -- 1803م، وكانت بقوّة أشدّ من القوى الاعتيادية، لكن قبّة النجف بقيت ثابتة داخل سور النجف المنيع (6).

ص: 138


1- ينظر: المفصل: 1/398.
2- ينظر: المفصل: 1/399.
3- ينظر: المفصل: 1/400.
4- ينظر: المفصل: 1/400.
5- ينظر: المفصل: 1/400.
6- ينظر: المفصل: 1/404.

6- الغارة السادسة: في عام 1220ه -- 1805م، وكانت بقيادة زعيم الوهابيين( سعود)، وقد تحصّن النجفيون داخل السور، وكان للشيخ جعفر الكبير الفعل الاكبر لسلامة النجف من هذه الهجمة (1)

7- الغارة السابعة: وكانت في التاسع من صفر عام 1221ﻫ - -- 1806م، وعاد خائبا الى بلاده، وفي هذه الغارة ظهرت كرامة لأمير المؤمنين ( عليه السلام)، يقول السيد أبو الحسن بن الشاه كوثر النجفي:

وثمّ معجزة أخرى لسيّدنا في ذلك اليوم من بعض الذي سلفا

قد كان في حجرة الصحن ما ادّخروا وجمّعوه من البارود قد جرفا (2)

8- الغارة الثامنة: كانت في العام 1222ه -- 1807م، وكان تعداد جيش الوهابيين هذه المرة أكثر من عشرين ألف مقاتل، ولكنّهم عادوا خائبين الى أوطانهم (3)

9- الغارة التاسعة: وهي في العام 1223ه -- 1808م، فقد أحاط سعود الوهابي بالمدينة، فخرج أهلها يتقدّمهم رجال الدين فقاتلوهم من داخل السور، من دون أن يرهبهم الحصار الشديد، وعندها رجع الوهابيون خائبين (4).

10- الغارة العاشرة: وكانت في التاسع من شهر رمضان 1225ه -- 1810م، ومن دون مراعاة لقدسية هذا الشهر العظيم، وكان معهم قبائل عنيزة القائلين بمقالة الوهابيين، وقد قتلوا جمعا من وزار سيد الشهداء إبان الزيارة الشعبانية (5)

ص: 139


1- ينظر: المفصل: 1/406.
2- ينظر: المفصل: 1/409.
3- ينظر: المفصل: 1/411.
4- ينظر: المفصل: 1/411.
5- ينظر: المفصل: 1/412.

11- الغارة الحادية عشرة: وكانت في العام 1226ه -- 1811ه، وهي آخر غارة تصدى لها الشيخ جعفر الكبير قبيل وفاته، وهذه المرة عرّجوا على مسجد الكوفة المعظم وذبحوا كل من كان فيه (1).

12- الغارة الثانية عشرة: وكانت بعد وفاة الشيخ جعفر الكبير بأعوام، في سنة 1239ه، وبعد هذه الهجمة تمكن ابراهيم باشا من احتلال الدرعية العاصمة الوهابية عام 1818م وأسر الامير الوهابي عبد الله بن سعود، وأعدم في الاستانة (2)

13- الغارة الثالثة عشرة: وهي في العام 1258 -- 1843م ، وكان الهجوم بعد وفاة السلطان محمد الثاني، وبعد هذا التاريخ اقتصرت هجمات الوهابيين على الحدود بين العراق والجزيرة العربية (3).

وفي العام 1344ه -- 1926، أقدم الوهابيون على تهديم قبور أئمة البقيع، وكان ذلك في الثامن من شوال (4)

9- إنّ استماتة المدافعين فضلا عن كونها دفاعا عن النفوس، وحقنا لدمائهم، كان هناك عاملا آخر لهذه الاستماتة؛ وهو الدفاع عن خزائن الحرم المطهر، يقول رحمه الله: (وَلَمْ يكُنْ تَفَانِيهِمْ فِي الدِّفَاعِ لِحِمَايَةِ أَنْفُسِهِمْ وأَعْرَاضِهِمْ وأَمْوالِهِمْ فَقَطْ بَلْ حِرْصًا حِفَاظًا لِتِلْكَ الوَدَائِعِ المَكِينَةِ والخَزَائِنِ الثَّمِينَةِ التِي اسْتَودَعَها مُلُوكُ الدُّنْيا مِنْ كَافَّةِ أَقْطارِ الأَرْضِ عِنْدَ أَسْلافِهِمْ فَهُمْ يُحَافِظُونَ عَلَى تِلْكَ الوَدِيعَةِ المُقدَّسَةِ والأَمَانَةِ الرَّاهِنَةِ التيْ يعْرِفُونَ أنَّ قِيمَتَها المَادِّيَةَ -- وإنْ كانَتْ لا تُقَابَلُ بالأَوْزانِ، ولا تُماثَلُ بِالأَثْمَانِ وإِنَّها

ص: 140


1- ينظر: المفصل: 1/413.
2- ينظر: المفصل: 1/414.
3- ينظر: المفصل: 1/415.
4- ينظر: المفصل: 1/416 -- 417.

بِنَفَاسَتِهَا تُدْهِشُ النُّفُوسَ، وتُحيِّرُ الأَلْبابَ -- ولكنَّهُمْ يعْرِفُونَ أيْضًا أَنَّ قِيمَتَهَا المعْنَويَّةَ وثَمَنَها الأَدَبيَّ وشَرَفَها الصَّمِيمَ فَوْقَ تلْكَ المَادَّةِ، وأَعْلَى وأَغْلَى مِنْ أثْمَانِهَا المَاليَّةِ؛ فإِنَّ مَنْ ينْظُرْ إِلَى تلْكَ النَّفَائِسِ العَزيزَةِ والأَحْجَارِ الكَرِيمَةِ والجَوَاهِرِ اليَتِيمَةِ، يَعْرِفْ مَا لِذَلكَ الإِمَامِ العَظِيمِ، ومَا لِجُثْمَانِهِ المُقدَّسِ مِنَ العَظَمَةِ وَالشَّأْنِ فِي نُفُوسِ عُظَمَاءِ الدَّهْرِ ومُلُوكِ العَالَمِ حَتَّى سَخَتْ أَنْفُسُهُمْ بِتَقْدِيمِ أَنْفَسِ مَا لَدَيْهِمْ وأَعَزِّ شَيءٍ عَلَيهِمْ مِمَّا لَمْ يُنْفَقْ مِثْلُ هَذَا حَتَّى لأَحَدِ الأَنْبِياءِ أَوْ أَعَاظِمِ الزُّعَمَاءِ).

10- النقل الأوّل لخزانة الحرم العلوي المطهّر، وذلك في شوال سنة 1218ﻫ - عن طريق الحلة وقام بنقلها الشيخ جعفر الكبير(قدس) ومجموعة من رفاقه البواسل، يقول رحمه الله: (فَحَمَلَ بِنَفْسِهِ فِي شَوَّال سَنَةَ الثَّامِنَةَ عَشَرَ بَعْدَ الأَلْفِ والمَاءَتَينِ مِنْ طَرِيقِ الحِلَّةِ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنٍ رِجَالِهِ البَوَاسِلِ، وأَوْصَلَها إِلى وَالِي بَغْدَاد سَعِيد بَاشَا، وسلَّمَها إِلَيهِ مخْتُومَةً فِي صَنَادِيقِهَا، وأَخَذَ مِنْهُ قَبْضًا والتِزَامًا بِردِّهَا إِلَى النَّجَفِ مَتَى أَرَادَ الشَّيْخُ أَوْ أَحَدُ أَوْلادِهِ، ورَجَعَ الشَّيْخُ وكُلُّ هَمِّهِ ومَسَاعِيهِ فِي تحْصِينِ تلْكَ البَلْدَةِ السَّامِيَةِ واسْتِحْصَالِ العِدَّةِ واسْتِكْمَالِ القُوَّةِ لَهَا عَلَى الدِّفَاعِ عنْدَ عُروضِ الطَوارِيءِ).

11- تجديد وبناء سور النجف، وقد استمر بناؤه حوالي تسع سنوات من العام 1218ﻫ - الى العام 1226ﻫ ، وقد أعانه فيه الصدر الأعظم محمد حسين وولده أمين الدولة، يقول رحمه الله: (فَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ هَمِّهِ وأَكْبَرِ مَسَاعِيهِ تَجْديدُ سُورٍ حَصِينٍ غَيْرَ ذلِكَ السُّورِ المُتَدَاعِي، فَكَتَبَ إِلَى الصَّدْرِ الأَعْظَمِ مُحمَّدِ حُسَين، وَوَلَدِهِ أَمِينِ الدَّوْلَةِ، وهُمَا مِنْ مُرِيدِيِهِ وَمُقلِّدِيهِ يدْعُوهُما إِلَى القِيَامِ بِهَذَا المَشْرُوعِ العَظِيمِ؛ وبَعَثُوا الأَمْوالَ الجَزِيلَةَ وَالمُهنْدِسينَ الفنِّيينَ فَبَنَوا هَذا السُّورَ المَوْجُودَ لِهَذَا الوَقْتِ الحَاضِرِ).

وصف السور

ص: 141

يقول الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء رحمه الله: (وجَعَلُوا لَهُ خنْدَقًا يُحِيطُ بالسُّورِ، والسُّورُ شِبْهُ مُحِيطٍ بالبَلَدِ شِبْهَ الدَّائِرَةِ المُسدَّسَةِ الأَضْلاعِ، وزَادُوا فِي سَعَتِهِ عَنِ السُّورِ السَّابِقِ، وأَدْخَلُوا فَضَاءً كَبِيرًا فيْهِ مِنْ نَاحِيَةِ الشَّرْقِ، وبَنَوا فيْهِ المَحَافِرَ، والمَتَارِسَ والأَبْراجَ، والمَرَاصِدَ، وجَعَلُوهُ كَقَلْعَةٍ حَرْبيَّةٍ؛ فيْهِ المَنَافِذُ لِرَمْي البَنَادِقِ، والْمَبَانِي العَالِيَةُ لِنَصْبِ المَدَافِعِ والثُّقُوبِ المُخْتَلِفَةِ فِي الصِغَرِ والكِبَرِ حَسْبَما يقْتَضِيهِ الفَنُّ الحَربيُّ فِي ذلِكَ العَصْرِ).

يقول حرز الدين:(وقد صرف في بنائه مع المدرسة خمسة وتسعين ألف تومانا من الذهب الأشرفي المثقالي.... وبعد بناء هذا السور انقطع طمع الاعراب والوهابيين في النجف وكان قبل هذا التاريخ تُشنّ الغارات على أهلها) (1).

12- استرجاع خزانة الحرم العلوي المطهر، وذلك في العام 1226ﻫ ؛ لأنّه بعد قيام الشيخ جعفر الكبير ببناء السور تحصنت البلدة ضدّ طمع الأعراب والوهابيين؛ إذ كانت قبل هذا التاريخ تشنّ الغارات بين حين وآخر، يقول الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء رحمه الله: (وَبَعْدَ أَنْ تَكَامَلَ السُّورُ عَلَى مَا يُرَامُ فِي حُدُودِ مُنْتَصَفِ العَقْدِ الثَّالِثِ مِنَ القَرْنِ الثَّالِثَ عَشَر للهِجْرَةِ، اسْتَرْجَعَ الشَّيْخُ تِلْكَ الوَدَائِعِ وَوَضَعَها فِي حُجْرَةٍ مِنْ حجَرِ الرُّوَاقِ المُطَهَّرِ).

13- وفاة زعيم الطائفة الشيخ جعفر الكبير رحمه الله، يقول الشيخ محمد حسين: (وَفِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ وَالعِشْرينَ انْتَقَلَ الشَّيْخُ الكَبِيرُ إِلَى جِوَارِ رَبِّهِ).

14- تسلّم الشيخ موسى بن الشيخ جعفر الكبير الزعامة مكان أبيه، وفي هذه الأثناء ظهرت فتنة الفرقتين الزقرت والشمرت، يقول الشيخ محمد حسين:( وَانْحَصَرَتِ الزَّعَامَةُ الدِّيْنيَّةُ لِعَامَّةِ الإِمَاميَّةِ فِي وَلَدِهِ الأَكْبَرِ الإِمَامِ مُوسَى بنِ جَعْفَرٍ؛ فَقَامَ بِأَعْبَاءِ الإِمَامَةِ والزَّعَامَةِ أَحْسَنَ قِيَامٍ؛ وَلكِنْ مِنَ المُؤْسِفِ أَنَّ النَّجَفَ كَانَتْ فِي

ص: 142


1- تاريخ النجف: 2/397.

آخِرَ عَهْدِ الشَّيْخِ الكَبِيرِ قَدِ انْصَدَعَتْ وَحْدَتُها، واخْتَلَفَتْ كَلِمَتُها، وانْشَقَّتْ عَصَاهَا؛ بِحُدُوثِ الفِرْقَتَينِ المَعْرُوفَتَينِ بالزَّكَرْتِ والشَّمَرْتِ (1) عَلَى إِثْرِ قَتْلِ السَّيِّدِ مُحَمَّدِ الرَّحْباويِّ أَحَدِ الزُّعَمَاءِ المُثْرِينَ والمُتنفِّذِينَ فِي ضَواحِي النَّجَفِ).

15- وصف الحالة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للنجف، يقول الشيخ محمد حسين: (وَكَانَتِ النَّجَفُ يَومَئِذٍ (2) -- مِنْ حَيْثُ شَكْلِ الحُكْمِ -- أَشْبَهَ بالبِلادِ الإِقْطَاعِيَّةِ خَالِيَةً مِنَ الجُنْدِ وَالشَّرَطَةِ النِّظَامِيَّةِ يلْتَزِمُها مِنْ وَالِي بغْدَادَ أَحَدُ الوُجَهَاءِ المُتنفِّذِينَ بِمِقْدَارِ مُعَيَّنٍ مِنَ المَالِ يدْفَعُهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ، وَتَكُونُ لَهُ سِدَانَةُ الحَرَمِ الشَّرِيفِ وَضَرِيبَةُ التُّرابيَّة فِي الصَّحْنِ ودَاخِلِ البِلادِ وَخَارِجِهَا؛ وَلَهُ الأَعْشَارُ عَلَى مَا يدْخُلُ البَلَدَ مِنْ حُبوبَاتٍ وتُمُورٍ وغَيْرِهَا حَسْبَما يَشَاءُ ويقْتَرِحُ استِبْدَادًا إِقْطَاعِيًّا، ويجْعَلُ لَهُ جُنْدًا خَاصًّا مِنْ أَهَالِي البَلَدِ بِرَواتِبَ مَخْصُوصَةٍ؛ لِتَنْفِيذِ أَحْكَامِ وتَعْقِيبِ المُجْرِمينَ، ولَهُ محْبَسٌ خَاصٌّ ودَوَائِرُ وَسَرَايٌ مَخْصُوصٌ، فَهُوَ الحَاكِمُ المُطْلَقُ إِلاَّ فِي الشَّرْعيَّاتِ فَهِيَ للعُلَمَاءِ المَعْرُوفِينَ وَرُبَّما عَيَّنَ قَاضِيًا مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، وَكَانَ هَذَا الشَّكْلُ مِنَ الحُكْمِ زَمَنَ سَلْطَنَةِ العُثْمَانِيينَ).

16- مقتل سادن الحرم العلوي المطهّر، وكان المتولي للحكم والسدانة عصر الشيخ موسى، الملا محمد طاهر بن الملا محمود منصوبا من داود باشا حدود الثلاثين والمائتين والالف، وكان قد تحيّز للشمرت، يقول الشيخ محمد حسين: (بلْ كَانَ هُوَ عُهْدَتَها وعِمادَها الذِيْ يمدُّها بِمَالِهِ ونُفُوذِهِ، وكَانَ أَكْبرُ همِّهِ وأَكْثَرُ مَسَاعِيهِ فِي إِجْلاءِ الطَّائِفَةِ الأُولَى مِنَ النَّجَفِ وإِبَادَتهِمْ مَعَ أنَّهُمُ الأَكْثَريَّةُ فِي البَلَدِ).

ص: 143


1- الشيخ (قدس) ذكر مرة الزقرت بالقاف ومرة الزكرت بالكاف، والصواب بالقاف؛ لأن الزقرت بالفصحى هو الصقر والزقر لغة في الصقر وهي لبني كلاب، لسان العرب4/س77(زقر)، والشمرت قد يكون مأخوذ من الشمردل وهو الفتى القوي والجلد، وكذلك الناقة، لسان العرب: 11/ 444(شمل)، وكأنّ الزقرت يعدّون أنفسهم صقورا والشمرت يعدّون أنفسهم فتيان جلدين وأقوياء.
2- وهي المدة التي ظهرت فيها فتنة الزقرت والشمرت حوالي 1239 وما بعدها.

وهذا هو السبب المباشر لقتله في الحرم العلوي المطهر فخلفه حاكما ولده ملا سليمان فجرى على منوال أبيه ونهج تهجّمه بل زاد؛ لأنه صار طالبا بثأر ابيه فاضطروا أيضا بعد قليل الى قتله فقتله أحد زعماء الزقرت عباس الحداد في الصحن الشريف علانية وبعد سنوات أخذ أولاده بثأره فقتلوا عباس الحداد.

17- النقل الثاني لخزانة الحرم العلوي المطهر، وكان بعد انعدام الأمن بحصول فتنة الزقرت والشمرت، يقول الشيخ محمد حسين: (فَقرَّرُوا نَقْلَ الخِزَانَةِ إِلَى بغْدَادَ ثَانِيًا ريْثَما تُعَالَجُ قَضَيَّةُ الشِّقَاقِ وتنْحَسِمُ مَادَّةُ تلْكَ البَليَّةِ، فَأَرْسَلَهَا الشَّيْخُ فِي صَنَادِيقَ مخْتُومَةٍ بِخَاتَمِهِ مَعَ مَنْ يعْتَمِدُ عَلَيهِ مِنَ الفُرْسَانِ الأَشِدَّاءِ يحْمِلُونَ كِتَابًا مِنْهُ إِلَى الوَالِي وهُوَ يَوْمَئِذٍ دَاود بَاشَا الشَّهِير؛ فَاسْتَلَمَها وأَعْطَاهُمْ قَبْضًا بِهَا).

18- محاولة إرجاع الخزانة، ومماطلة الوالي بإرجاعها، يقول الشيخ محمد حسين:( فَأَرْسَلَ جَمَاعَةً لاِسْتِرْجَاعِهَا مِنْ دَاودَ بَاشا فَتَعلَّلَ ومَاطَلَ، وَقاَلَ: أَخْشَى أَنَّ البَلَدَ لَمْ تَحْصَلْ لَهَا الحَصَانَةُ بِحِفْظِ تلْكَ الخِزَانَةِ؛ فَامْتَعَضَ الشَّيْخُ مِنْ ذلِكَ وعَزَمَ عَلَى السَّفَرِ إِلَى بغْدَادَ بِنَفْسِهِ).

إلاّ أنّ داود باشا بقي على مماطلته إلاّ أنه وقع بالمحذور.

19- حصار بغداد من قبل الشيعة المخلصين( حاكم كرمنشاه)، ووقوع الصلح بتسليم خزانة الحرم العلوي المطهر، يقول الشيخ محمد حسين:( وَلمَّا كَثُرَ القَالُ والقِيلُ بَلَغَتِ الوَاقِعَةُ إِلَى سَمْعِ وَالِي(إيالة الغرب) حَاكِمِ كَرْمَنْشَاه قَرْمَسين، وعَامَّةِ الحُدودِ بيْنَ العِرَاقِ وإِيْرانِ مِنْ نَواحِي سَنانْدج إِلى الحُويْزَةِ والمُحمَّرَةِ ونَواحِيهَا؛ وهُوَ محمَّدُ عليّ مَرزا بْن سُلطَانِ إِيران فِي ذلِكَ العَصْرِ فَتحِ عَليّ شَاه القَاجَاريِّ، وَكَانَتْ لَهُ بَعْضُ الهِنَاتِ المُوجِبَةِ الاسْتِياءِ مِنْ حُكُومَةِ الأَتْرَاكِ؛ .....؛ فَتَهايَجُوا جَمِيعًا وزَحَفُوا تَحْتَ قِيَادَتِهِ للهُجُومِ عَلَى بَغْدَادَ وضَرَبُوا خِيامَهُمْ وجَعَلُوا مُعَسْكَرَهُمْ فِي الشَّمَالِ الشَّرقِيِّ

ص: 144

مِنْ دَارِ السَّلامِ عَلَى مَرْحَلَتينِ أَوْ ثَلاثٍ مِنْ سُرَّ مَنْ رَأَى، ...... ولَمْ يبْقَ بيْنَهُمْ وبَيْنَ الفَتْحِ إِلاَّ عَشِيَّة أَوْ ضُحَاها فَاضَطَرَّ دَاودُ بَاشَا إِلَى الاسْتِغَاثَةِ بالشَّيْخِ مُوسَى لإِصْلاحِ الحَالِ وحِفْظِ النُّفُوسِ وحَقْنِ الدِّمَاءِ؛....... فَلَمْ يجِدِ الشَّيْخُ مُوسَى بُدًّا مِنَ السَّفَرِ بنَفْسِهِ لِمُلاقَاةِ القَائِدِ المَزْبُورِ بَعْدَ تَمْهِيِد مَبَانِي الصُّلْحِ مَعَ الوَزِيرِ دَاودَ بَاشَا؛ فَتَوجَّهَ إِلَى بغْدَاد فِي أَوَاخِرِ العَقْدِ الرَّابِعِ مِنَ القَرْنِ الثَّالِثِ عَشَر).

20- الفتح الأول، فتحت الخزانة أيام ناصر الدين القاجاري، وشهود العلماء لفتحها، وذلك بعد إرجاع الخزانة الى مكانها المقرر بقيت في محفوظة في طيّ الكتمان الى سنة 1287ﻫ - (وهِيَ السَّنَةُ التِيْ تَشرَّفَ فيْهَا السُّلْطَانُ الشَّهِيدُ السَّيِّدُ نَاصِرُ الدِّينِ القَاجَاريُّ بِلَثْمِ العَتَباتِ المُقدَّسَاتِ فِي العِرَاقِ، وكَانَ والِي بغْدَادَ يَومئِذٍ الوَزِيرُ الشَّهِيرُ مِدْحَت بَاشَا).

وقد فتحت الخزانة ليراها الشاه ويمتّع نظره فيها، وكان ذلك بحضور نخبة من الشخصيات العلمية والسياسية:(..... فَتَحُوا لَهُ الخِزَانَةَ العُظْمى؛ وقَدْ مَرَّ عَلَيها سَبْعَةٌ وأَرْبَعُونَ سَنَةً لَمْ تُفْتَحْ، فَحَضَرَ فتْحَها مِنْ رِجَالِ الدَّوْلَةِ مَعَ الشَّاهِ المَزْبُورِ وزِيرُهُ مُشِيرُ الدَّوْلَةِ، ومِدْحَت بَاشَا، وأَحْمَد كَمَال وَمِنَ العُلَماءِ السيِّدِ العَلاَّمَةِ الشَّهِيرِ السيِّد عَليّ آل بَحْرِ العُلُومِ صَاحِبِ(البُرْهَانِ القَاطِعِ) ، ومَرَاجِعُ التَّقْلِيدِ فِي ذلِكَ اليَوْمِ الشَّيْخُ مهْدي حَفِيدُ الشيْخِ الأَكْبرِ كَاشِفِ الغِطَاءِ، وسبْطُهُ الشيْخُ رَاضِي؛ ولمَّا أَخْرَجُوا الصَّنادِيقَ وجَدُوهَا مَشْدُودَةً بأَسْلاكِ وشَرائِطَ ومخْتُومَةً بخَاتَمِ الشَّيْخِ مُوسَى فقبَّلَهُ الشَّاهُ وأَمَرَ بالاحتِفَاظِ بهِ كَأَثِرٍ تَاريخيٍّ وقَطَعُوا الأَسْلاكَ مِمَّا دُونَهُ، وكَانَ الحَاضِرُ مِنَ الخَدَمَةِ السَّادِنُ الجَلِيلُ السيِّدُ جَوادُ الكِليدار، ونَائِبُهُ السيَّدُ محْسِنُ الرُّفيعيُّ، ورَئِيسُ الخَدَمَةِ الحَاجّ جَوَادُ شَعْبَان، والسيِّدُ جَعْفَر الخِرسَان، الذِيْ كَانَ مِنْ أَعْيانِ رِجَالِ ذلِكَ العَصْرِ فِي قُوَّةِ الجِنَانِ وفَصَاحَةِ اللِسَانِ، وبعْدَ استِقْصَاءِ النَّظَرِ فيْهَا أَعَادُوها كَمَا كَانَتْ).

ص: 145

21- الفتح الثاني، فتحت الخزانة مرّة ثانية، وذلك في رجب سنة 1354ﻫ - ، يقول الشيخ محمد حسين: (وبَقِيتْ فِي حَقِيبَةِ الكِتْمَانِ وتَحْتَ أَسْتَارِ الخَفَاءِ مَا مَسَّها بَشَرٌ، وَلا رَمَقَها بَصَرٌ سَبْعَةً وسِتِّينَ سَنَةً إلى هذِهِ السنَةِ حَيْثُ فُتِحَتْ أَوَاخِرَ رَجَبٍ سَنَةَ 1354ه بإِشْرَافِ مَعَالي مُتصرِّفِ كَرْبلاء صَالِحِ والسَّادِنِ السيِّد عبَّاس وجَمَاعَة مِنَ الخَدَمَةِ والمَأْمُورِينَ وغَيرِهِم، فَوَجدُوها مخْتُومَةً بخَاتَمِ مِدْحَت بَاشَا، ومُشِير الدَّولَةِ، وأَحْمَد كَمَال مُضَافًا إِلى خاتَم الشيْخِ مُوسَى، لَمْ يُفْقَدْ منْها شَيءٌ، والظَّاهِرُ إِنَّهُمُ احتَفَظُوا بِتلْكَ الخَواتِمِ، وزَادَ المُتصرِّفُ فِي المُحَافَظَةِ عَلَيْها بِوضْعِهَا فِي صَنَادِيقَ حَديديَّةٍ وسَلاسِلَ مُبْرَمَةٍ، ثُمَّ أَعَادُوها فِي مَحلِّهَا وبَنَوا عَلَيْها وأخْفَوا أَثَرَها).

منهج التحقيق:

قمت بتحقيق هذه المخطوطة باتباع عدد من الخطوات وهي على ما يأتي :

1- قمت بعملية التحقيق على نصّ خطي واحد حصلت عليه من مكتبة كاشف الغطاء ولم أجد لها نسخة أخرى، وهي بخط المؤلّف أو من إملائه.

2- ألفاظ المخطوطة واضحة وقد كتبت بخطّ النسخ؛ لذا لم أواجه صعوبة في نقلها إلى الخطّ القياسي الحديث، وقمت بعد نقلها بضبط شكلها.

3- قمت بتراجم الأعلام في كتب التراجم والطبقات.

4- العناية بعلامات الترقيم وتوزيع الفقرات في البدء والانتهاء.

5- الاشارة الى نهاية الصفحة بالعلامة : // .

وفي الآتي صفحات من المخطوط:

ص: 146

صورة

ص: 147

صورة

ص: 148

صورة

ص: 149

صورة

ص: 150

صورة

ص: 151

صورة

ص: 152

صورة

ص: 153

صورة

ص: 154

صورة

ص: 155

صورة

ص: 156

صورة

ص: 157

وصف المخطوط

مخطوطة(تاريخُ الخِزانَةِ العَلَويَّةِ) أو (قَدَاسَةُ النَّجَفِ الأَشْرَفِ وَعَظَمَتُهَا)، للشيخ محمد حسين كاشف الغطاء آية الله المصلح الكبير عدد صحائفها إحدى عشرة صحيفة، ولا يوجد للمخطوط صفحة عنوان، إنما ابتدأ الشيخ بالعنوان ثم كتب مباشرة، وفي نهاية كل صحيفة نظام التعقيبة، وفي كل صحيفة يتراوح عدد الأسطر من 21 -- 23، باستثناء الصحيفة الأولى ففيها 17 سطرا، مكتوب في أوّلها (بسم الله الرحمن الرحيم، وله الحمد والمجد، قداسة النجف وعظمتها)، والصحيفة الأخيرة ففيها 9 أسطر، والمخطوط مختوم بختم مكتبة الإمام آية الله الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، النجف الأشرف -- العراق، وهو بمثابة تملّك، على الطريقة الحديثة.

أمّا حجم الصحيفة، فالعرض حوالي 13سم، والطول حوالي 18- 20 سم.

المخطوط يحوي خرما في الصحيفة الأولى في الأسطر الثلاث الأخيرة، وكذا الصحيفة الثانية، في السطر ما قبل الأخير.

ألفاظ المخطوط واضحة وقد كتبت بخطّ قياسي، مقروء.

ص: 158

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ولَهُ الحَمْدُ والْمَجْدُ

قَدَاسَةُ النَّجَفِ الأَشْرَفِ وَعَظَمَتُهَا

[ظهور المرقد الشريف والسكنى في النجف]

مُنْذُ أُنْشِأَتْ هذِهِ البَلْدَةُ الْمُقَدَّسَةُ، وَظَهَرَ هَذَا المَرْقَدُ الشَّرِيفُ فَجْرَ طُلُوعِ الدَّوْلَةِ العَبَّاسيَّةِ أَوْ قَبْلَهَا بِقَلِيلٍ عَرَفَ المُسْلِمُونَ أَنَّهَا مِنَ الْبُيُوتِ الْتِيْ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فيْهَا اسْمُهُ، وَصَارَتْ أَفْئِدَةُ كَثِيرٍ مِنَ العَارِفِينَ تَهْوي إِلَيْهَا وَتَخْتَارُ السَّكَنَ فِيْهَا عَلَى أَنَّهَا بِوَادٍ غَيْرِ ذِيْ زَرْعٍ، وَلا ضَرْعٍ، وَلَكنِ اخْتَارَتْ مُجَاوَرَةَ ذلِكَ الجُثْمَانِ المُقَدَّسِ؛ لِتَحْظَى بِشَرَفِ جِوَارِهِ واقْتِبَاسِ لَوَامِعِ أَنْوَارِهِ، فَلَمْ يَمْضِ غَيْرُ قَلِيلٍ حَتَّى أَصْبَحَتْ بَلْدَةً عَامِرَةً، وَاسْتَدَارَتْ عَلَى ذَلِكَ المَرْكَزِ الإِلهِيّ اسْتِدَارَةَ الدَّائِرَةِ، وَصَارَتْ تُشَدُّ إِلَيْها رَوَاحِلُ الْعُظَمَاءِ مِنَ الْخُلَفَاءِ، والْمُلُوكِ والْوُزَرَاءِ فَضْلاً عَنِ الْعُلَمَاءِ، وَالأَتْقِياءِ، وَالصُّلَحَاءِ، وَسَائِرِ طَبَقَاتِ الْعَنَاصِرِ الإِسْلاميَّةِ مِنَ العَرَبِ، والفُرْسِ، والتُّرْكِ، وَالهِنْدِ، وأمْثَالِهِمْ وُكُلِّ عَظِيمٍ أَوْ زَعِيمٍ أَوْ ذِي شَأْنٍ يَقْصِدُ ذَلِكَ المَقَامِ الْمَنِيعِ يُقَدِّمُ أَنْفَسَ مَا لَدَيهِ مِنَ التُّحَفِ وَالنَّفَائِسِ تَذْكَارًا، وإِذْعَانًا بِعَظَمَةِ تِلْكَ الذَّاتِ المُقدَّسَةِ وَرَمْزًا لِلْخُضُوعِ لَهَا مِنْ قَبْلِ عَصْرِ الْبُوَيهِيينَ (1) إِلَى أُخْرَياتِ هذِهِ العُصُورِ فَمِنْ كُلِّ ذلِكَ وَفِي بَحْرِ هذِهِ القُرُونِ الْمُتَطَاوِلَةِ والأَعْصَارِ المُتَمَادِيَةِ اجْتَمَعَ فِي خِزَانَةِ هذِهِ البُقْعَةِ العَظِيمَةِ الشَّأْنِ مِنْ نَفَائِسِ التُّحَفِ [ وَكَرائِمِ الجَوَاهِرِ] (2)والأَحْجَارِ مَا لَمْ يجْتَمِعْ وَلا يُوجَدُ فِي خِزَانَةِ أيِّ مَلِكٍ مِنْ

ص: 159


1- عصر البويهيين ( 334ﻫ -- 447ﻫ ).
2- في الصحيفة سقط ولم يبين إلا جزء من الكلمة.

مُلُوكِ [الْمِلَلِ أَوْ عِنْدَ] (1) دَوْلَةٍ مِنَ الدُّوَلِ مَا يَقْصُرُ الوَصْفُ دُونَهُ، وَتَحَارُ العُقُولُ فيْهِ [وَلَيْسَ الوَصْفُ] (2) كَالعَيَانِ.

[الموقع الجغرافي للنجف، وهجوم الوهابيين عليها]

وَحيْثُ إِنَّ هذِهِ البلْدَةَ حَسْبَ مَوْقِعِهَا//1 الجُغْرافيِّ ومَوْضِعِهَا الطَّبيعيِّ وَاقِعَةٌ فِي كَبِدِ الصَّحْرَاءِ عَلَى حَاشِيَةِ الطُّعُونِ المُطِلَّةِ عَلَى الوَهْدِ الفَسِيحِ المُتَّصِلِ بِبَرِّ الشَّامِ غَرْبًا، وَكُثْبَانِ نجْدٍ والحِجَازِ جُنُوبًا، ولَمْ يَكُنْ حَوَاجِزُ بيْنَ العِرَاقِ وتلْكَ الأَقْطَارِ؛ فَلا مَسَالِحَ عَلَى الحُدُودِ، ولا مخَافِرَ، ولا مَعَاقِلَ، وَلا مَنَاقِلَ؛ فَلِذَلكَ كَانَتِ النَّجَفُ بَلْ وَ كَرْبَلاءُ عُرْضَةً لِغَارَاتِ إعرابيي تلْكَ البَوَادِي لا مِنَ الوَهَّابِيينَ فَحَسْب بَلْ مِنْ جَمِيعِ قَبَائِلِ تلْكَ المَفَاوِزِ الشَّاسِعَةِ مِنْ عِنِزَةَ وشَمَّرَ والرُّولَةِ (3)، وغَيْرِهَا (4).

[ظهور محمد بن عبد الوهّاب]

ص: 160


1- زيادة اقتضاها السياق لوجود السقط.
2- زيادة اقتضاها السياق لوجود السقط.
3- يبدو أن الرولة كانت تتكون من عدة عشائر مثل عنزة وشمر ، ومنهم نوري بن هزاع الذي يعد من دهاة البادية وقد انقادت اليه قبائل الرولة فصار زعيما عليها توفي 1361ﻫ ، وقبائل الرولة تمتد من بادية الشام الى بادية النجف . ينظر: الاعلام: 8/ 53، ومعجم قبائل العرب: 3/1101.
4- لقد سبقت إغارة الوهابيين وهذه القبائل حادثة مهمة، ففي سنة 875ﻫ الموافق 1453م هجم علي بن محمد بن فلاح الموسوي الملقّب بالمشعشع على مشهد أمير المؤمنين(عليه السلام)، ومشهد الامام الحسين(عليه السلام)، وقتل الكثير من اهلهما قتلا ذريعا، وحاصر الناس فاعتصموا بالضريح المقدس فلمّا تضرعوا له طلب منهم القناديل والسيوف وكانت خزائن السيوف من سبعمائة سنة يجتمع فيها السيوف، جميع سيوف الصحابة والسلاطين) ينظر: تاريخ النجف: 2/253، قبر الامام وضريحه، د: صلاح مهدي الفرطوسي: 295.

وَلكِنْ فِي أوَّلِياتِ القَرْنِ الثَّالِثِ عَشَرِ عنْدَ بُزُوغِ (1) مُحَمَّدٍ بْنِ عبْدِ الوَهَّابِ (2) فِي الحِجَازِ ونَجْدٍ وانْتِشَارِ فَتْوَاهُ باسْتِحْلالِ دِمَاءِ المُسْلِمِينَ وأَمْوَالِهِمْ وتَحْريمِ زِيَارَةِ القُبُورِ، ومَا أَشْبَهَ هَذَا مِنَ الفَضَائِعِ، واتِّباعِ آلِ سُعُودٍ لَهُ، والقِيَامِ بَدَعْوَتِهِ واتِّخَاذِهَا ذَرِيعَةً إِلَى تَوْسِيعِ نِطَاقِ سُلْطَتِهِمْ وتَوفِيرِ ثَرْوَتِهِمْ، نَعَمْ عَلَى إِثْرِ هذِهِ البَليَّةِ والطَّامَّةِ الكُبْرى عَلَى الإِسْلامِ والمُسْلِمينَ اسْتَفْحَلَتْ غَارَةُ الوَهَّابِيينَ عَلَى تلْكَ البَلْدَتَينِ المُقَدَّسَتَينِ.

[ بداية الأزمة]

فَفِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ عَشْرَ بَعْدَ الأَلِفِ والمَاءَتَينِ (3) هَجَمَ أُولئِكَ الطِّغَامِ (4) بَجَمْعٍ لا يَقِلُّ عَدَدُهُ عَلَى مَا قِيلَ عَنْ خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفِ شَاكِينَ السِّلاحَ عَلَى بلْدَةِ

ص: 161


1- يكون هذا التعبير عادة للأشياء الجميلة كبزوغ الشمس والفجر، أما محمد بن عبد الوهاب فيقال له -- على سبيل المثال -- مروق، فهو قد مرق عن الدين بإتيانه البدع الضالّة.
2- يقول الزهاوي في كتابه الفجر الصادق: 11(الوهابية فرقة منسوبة إلى محمد بن عبد الوهاب وابتداء ظهور محمد هذا كان سنة 1143ﻫ ؛ وإنّما اشتهر أمره بعد الخمسين فأظهر عقيدته الزائغة في نجد وساعده على إظهارها محمد بن سعود أمير الدرعية بلاد مسيلمة الكذّاب مجبرا أهلها على متابعة محمد بن عبد الوهاب هذا فتابعوه ..... أمّا ولادته فقد كانت سنة 1111ﻫ وتوفي سنة 1207ﻫ وكان في ابتداء أمره من طلبة العلم، يتردد على مكة والمدينة لأخذه عن علمائها) ويذكر الشيخ علي كاشف الغطاء في كتاب أدوار علم الفقه: 242: أن محمد بن عبدالوهاب قد حضر بحث الشيخ جعفر الكبير وكانت معه مكاتبات ومطارحات. ويستبعد الدكتور حسن الحكيم: المفصل في تاريخ النجف: 5/89 دراسة ابن عبد الوهاب عند الشيخ جعفر الكبير، وقد تكون هناك مكاتبات ومطارحات بينهما في العقيدة والفكر.
3- كان ذلك في يوم الغدير الثامن عشر من ذي الحجة والموافق لليوم الثاني من نيسان 1801م، وكان معظم سكّان كربلاء يؤدّي الزيارة في النجف، وهدم الصندوق الذي كان على قبر حبيب بن مظاهر الأسدي، وكان من الخشب، فأحرقوه وصنعوا به القهوة في الديوان المقابل للقبلة، وكان عزمه أن يفعل في القبل الشريف مثل ذلك لكنّهم لم يقدروا لأنّ الشبّاك كان من حديد، وقد قدّر بعضهم القتلى ألف نسمة وقيل خمسة أضعاف ذلك. ينظر: تاريخ النجف الأشرف، حرز الدين: 2/383- 384.
4- الطغام: أوغاد الناس. الصحاح 5/1975.

كرْبَلاءَ العَزْلاءِ الخَالِيَةِ منْ كُلِّ مَنَعَةٍ وَحَصَانَةٍ؛ فَقَتَلُوا مَا لا يُحْصَى مِنَ الرِّجَالِ والنِّسَاءِ والأَطْفَالِ، ونَهَبُوا مَا لا يُعدُّ مِنَ الأَمْوَالِ حتَّى نهَبُوا جَمِيعَ مَا فِي الرَّوْضَةِ الحُسَينيِّةِ مِنَ النَفَائِسِ (1)، وأَحْرَقُوا صُنْدُوقَ الضَّرِيحِ المُقدَّسِ، وبَعْدَ أَنْ أَخْرَبُوا حَسْبَما شَاءَتْ (2) لَهُمْ وَحْشيَّتُهُمْ انْقَلَبُوا إِلَى النَّجَفِ؛ لِيَعْمَلُوا فيْهَا تلْكَ العَمَليَّةَ.

[موقف المرجعية الرشيدة في تلك الحقبة]

وكَانَتِ الزَّعَامَةُ الدِّينيَّةُ يَومَئِذٍ لآيةِ اللهِ الشَّيْخِ الأَكْبَرِ الشَّيْخِ جَعْفَرٍ كَاشِفِ الغِطَاءِ (3)(قُدِّسَ سِرُّهُ) فَلَبِسَ السِّلاحَ هُوَ وَ[أَوْلادُهُ] (4)، وجَمِيعُ تَلامِيذِهِ مِنْ طَلَبَةِ العِلْمِ، وأَلْزَمَ كُلَّ قَادِرٍ عَلَى حَمْلِ السِّلاحِ مِنْ أَهْلِ البَلَدِ المُدَافِعَةِ، وَكَانَ لِلْبَلَدِ سُورٌ ضَعِيفٌ

ص: 162


1- قال الشيخ محمد حرز الدين في معارف الرجال، 1/230: ( إنّ الشيخ حسن ميرزا طبيب... حج مكة المكرمة .... في السنين التي تغلّب فيها آل سعود .... وطريق الحج يمرّ بالقصيم(الكَصيم) فنادى رجل من أهل القصيم في القافلة: هل في الحاج طبيب، فقيل: نعم، وقدّم الشيخ نفسه لمعالجة مريض لهم من أهل الوجاهة والشأن، وبقي الشيخ عندهم الى الموسم القابل ....فطلب منهم الدخول الى خزائن الكتب والنفائس ...فرأى في الخزانة من منهوبات حرم الحسين(عليه السلام)، ومدينة كربلاء الشيء الكثير من المصاحف والكتب المخطوطة، وقسما من المعلّقات الذهبية لحرم الحسين والعباس(عليهما السلام)، والسيوف والتحف والسجّاد عليها آثار الوقف في الحرمين، وقد سمحوا له بأخذ شيء من الكتب المخطوطة، ولمّا عاد الى العراق أرجع كثيرا من الكتب التي عليها امارة الوقف في الحرمين).
2- وردت في الاصل ( شائت) ، والصواب ما أثبتناه.
3- الشيخ جعفر بن الشيخ خضر بن يحيى بن مطر بن سيف الجناجي المالكي النجفي كاشف الغطاء، (أستاذ الفقهاء)، كان من العلم والتقوى والصلاح والزهد والعبادة بمكان عظيم، ألّف كتاب كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء ورسالة في مناسك الحج والحق المبين في الرد على الاخباريين وبغية الطالب في معرفة المفروض من الواجب، ومنهج الرشاد لمن أراد السداد في الردّ على الوهابية، وغيرها من المؤلفات، التي لا يسعها هذا الهامش مهما كبر، ولد في مدينة النجف الأشرف 1156- 1743م، وفي رواية: 1154ﻫ توفي في يوم الاربعاء الثاني والعشرين من شهر رجب ودفن في مقبرته المشهورة في محلّة العمارة، في 1228ﻫ - -- 1813م. ينظر: روضات الجنات:2/200، أعيان الشيعة: 15/414، الكنى والالقاب:3/87، معارف الرجال: 1/150، تاريخ النجف، حرز الدين: 2/400-401، ماضي النجف وحاضرها: 3/136، المفصل في تاريخ النجف: 5/85.
4- هذه الكلمة لم يبن منها الا (أو) ووضعنا ما يقتضيه سياق الكلام.

وَأَبْوَابٌ وَاهِيَةٌ؛ فَاسْتَحْكَمَهَا بِنَضْدِ الصُّخُورِ[وَالمَضَارِسِ] (1) وَرَاءَهَا، واسْتَعَدُّوا لِلدِّفَاعِ وَالمُصَاعِ وبَذْلِ الأَرْوَاحِ دُونَ ذَلكَ الوَطَنِ المُقَدَّسِ//2.

فَلَمَّا أَشْرَفَ المُهَاجِمُونَ عَلَى البَلَدِ أَصْلَتْهُمْ تِلْكَ الحَامِيَةُ نَارًا حَامِيَةً، وَحُسُّوا (2) [بِمَا] (3) فِي السُّوَيْدا رِجَالاً بَلْ أُسُودًا؛ فَبَاتُوا لَيْلَتَهُمْ وانْهَزَمُوا مَعَ اللَيْلِ، وَكَفَى اللهُ المُؤْمِنِينَ القِتَالَ.

[الوهابيون يعاودون الكرّة]

وَلكنَّهُمُ اسْتَعدُّوا فِي السَّنَةِ القَابِلَةِ (4)؛ وشَنُّوا الغَارَةَ مَرَّةً ثَانِيَةً، وَلَمْ يَحْصَلُوا مِنَ الغَنِيمَةِ إِلاَّ عَلَى الهَزِيمَةِ؛ لأنَّ النَّجَفيينَ بِفَضْلِ مَا نَفَثَ فيْهِمُ الشَّيْخُ الأَكْبَرُ مِنْ رُوحِ الهِمَّةِ والحَمَاسِ والتَّفَانِي كَانُوا مُسْتَمِيتينَ؛ وَلَمْ يكُنْ تَفَانِيهِمْ فِي الدِّفَاعِ لِحِمَايَةِ أَنْفُسِهِمْ وأَعْرَاضِهِمْ وأَمْوالِهِمْ فَقَطْ بَلْ حِرْصًا حِفَاظًا لِتِلْكَ الوَدَائِعِ المَكِينَةِ والخَزَائِنِ الثَّمِينَةِ التِي اسْتَودَعَها مُلُوكُ الدُّنْيا مِنْ كَافَّةِ أَقْطارِ الأَرْضِ عِنْدَ أَسْلافِهِمْ فَهُمْ يُحَافِظُونَ عَلَى تِلْكَ الوَدِيعَةِ المُقدَّسَةِ والأَمَانَةِ الرَّاهِنَةِ التيْ يعْرِفُونَ أنَّ قِيمَتَها المَادِّيَةَ -- وإنْ كانَتْ لا تُقَابَلُ بالأَوْزانِ، ولا تُماثَلُ بِالأَثْمَانِ وإِنَّها بِنَفَاسَتِهَا تُدْهِشُ النُّفُوسَ (5)، وتُحيِّرُ الأَلْبابَ -- ولكنَّهُمْ يعْرِفُونَ أيْضًا أَنَّ قِيمَتَهَا المعْنَويَّةَ وثَمَنَها الأَدَبيَّ وشَرَفَها الصَّمِيمَ فَوْقَ تلْكَ المَادَّةِ، وأَعْلَى وأَغْلَى مِنْ أثْمَانِهَا المَاليَّةِ؛ فإِنَّ مَنْ ينْظُرْ إِلَى تلْكَ النَّفَائِسِ العَزيزَةِ والأَحْجَارِ الكَرِيمَةِ والجَوَاهِرِ اليَتِيمَةِ، يَعْرِفْ مَا لِذَلكَ الإِمَامِ العَظِيمِ، ومَا لِجُثْمَانِهِ المُقدَّسِ مِنَ العَظَمَةِ وَالشَّأْنِ فِي نُفُوسِ عُظَمَاءِ الدَّهْرِ ومُلُوكِ العَالَمِ حَتَّى سَخَتْ

ص: 163


1- لم يبن من هذه الكلمة الا (رس) بسبب السقط والمضارس الحجارة الحادة الشديدة.
2- إشارة الى قوله تعالى «وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ» آل عمران: 152، والحس هو الاستئصال.
3- هذا الكلمة ساقطة من الاصل.
4- ينظر: تاريخ النجف: 2/385.
5- وردت في الاصل(النقوش)، ويبدو أنها تصحيف، لأن كلمة (دهشة) ملازمة لها.

أَنْفُسُهُمْ بِتَقْدِيمِ أَنْفَسِ مَا لَدَيْهِمْ وأَعَزِّ شَيءٍ عَلَيهِمْ مِمَّا لَمْ يُنْفَقْ مِثْلُ هَذَا حَتَّى لأَحَدِ الأَنْبِياءِ أَوْ أَعَاظِمِ الزُّعَمَاءِ.

[النقل الأوّل لخزانة الحرم العلوي المطهّر]

وَمِنْ حِرْصِ ذلِكَ الزَّعِيمِ الإِلَهيّ الشَّيْخِ الأَكْبَرِ عَلَى حِفْظِ تلْكَ الوَدَائِعِ، حِينَ رَأَى أَنَّ الوَهَابِيينَ لا يَزَالُونَ يُوالُونَ غَارَاتِهِمْ، ومُسْتمرُّونَ (1) عَلَى رِحْلاتِهِمْ وإنَّ وَاقِعَةَ كَرْبَلاء وظَفَرِهِمْ بِخَزَائِنِها أغْرَاهُمْ وأطْمَعَهُمْ فِي عِظَمِ الغَنِيمَةِ وغَزَارَةِ الفَائِدَةِ؛ [وإِنَّ] مَنْ أَدْمَنَ [فَتْحَ] البَابِ ولَجَ أَوْشَكَ أَنْ يَلِجَ إِلَى بَلْدَةٍ صغِيرَةٍ مقْطُوعَةِ المَادَّةِ [سهل] بَادٍ عُوارُها؛ لِذلِكَ صَمَّمَ العَزِيمَةَ عَلَى نَقْلِ تلْكَ الخِزَانَةِ، وَ[حَمْلِ] تلْكَ الأَمَانِةِ إِلَى بغْدَادَ لِحَصَانَتِهَا ومَنَعَتِهَا ريْثَما تَأْخُذُ النَّجَفُ أُهْبَتَها//3 للْمَنَعَ والحَصَانَةِ، فَحَمَلَ بِنَفْسِهِ فِي شَوَّال سَنَةَ الثَّامِنَةَ عَشَرَ بَعْدَ الأَلْفِ والمَاءَتَينِ (2) مِنْ طَرِيقِ الحِلَّةِ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنٍ رِجَالِهِ البَوَاسِلِ، وأَوْصَلَها إِلى وَالِي بَغْدَاد سَعِيد بَاشَا (3)، وسلَّمَها إِلَيهِ مخْتُومَةً فِي

ص: 164


1- للغزو الوهابي، على العراق عامة ومدينة النجف خاصة مرّات عدّة ففي البدء كان الغزو سنة 1216ﻫ ، وبعدها توالت الغزوات في سنة 1218ﻫ و 1220ﻫ و1221ﻫ و 1222ﻫ و 1225ﻫ و 1226ﻫ . ينظر: تاريخ النجف: 2/ 383- 402.
2- ينظر: تاريخ النجف: 2/385.
3- ذكر حرز الدين في تاريخ النجف أنّه في العشرين من المحرم 1217ﻫ أرسل الوزير والي بغداد سليمان باشا، أمناء من طرفه الى مشهد أمير المؤمنين(عليه السلام)، واحضر الخزينة التي فيها ثمانية وعشرون حمل بغال من ذهب وفضة وقناديل وتجمّلات ووضعها في خزينة بلد الكاظم؛ لأنه حضر له خبر أنّ الوهابي قاصد نهب النجف بعد كربلاء وبقي الامر بالخوف من المذكور. ويبدو أنّ النقل الاول لخزينة الحرم المطهر كان بهذه الطريقة ، وثمّة اختلاف في التواريخ والاسماء فالشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ذكر أن النقل الاول حصل في شوال سنة 1218ﻫ و حرز الدين يذكر أن النقل حصل في محرم سنة 1217ﻫ ، والنقل حصل من الشيخ جعفر الكبير بحسب رأي الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، وأمّا حرز الدين فإن النقل حصل من الوزير وواليه في بغداد، وعند الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء الوالي سعيد باشا، وعند حرز الدين الوالي سليمان باشا. ينظر أيضا: مباحث عراقية: 1/51.

صَنَادِيقِهَا، وأَخَذَ مِنْهُ قَبْضًا والتِزَامًا بِردِّهَا إِلَى النَّجَفِ مَتَى أَرَادَ الشَّيْخُ أَوْ أَحَدُ أَوْلادِهِ (1).

[تحصين البلدة]

ورَجَعَ الشَّيْخُ وكُلُّ هَمِّهِ ومَسَاعِيهِ فِي تحْصِينِ تلْكَ البَلْدَةِ السَّامِيَةِ واسْتِحْصَالِ العِدَّةِ واسْتِكْمَالِ القُوَّةِ لَهَا عَلَى الدِّفَاعِ عنْدَ عُروضِ الطَوارِيءِ، فَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ هَمِّهِ وأَكْبَرِ مَسَاعِيهِ تَجْديدُ سُورٍ حَصِينٍ غَيْرَ ذلِكَ السُّورِ المُتَدَاعِي.

[كتابة الشيخ الأكبر للصدر الأعظم]

فَكَتَبَ إِلَى الصَّدْرِ الأَعْظَمِ مُحمَّدِ حُسَين (2) وَوَلَدِهِ أَمِينِ الدَّوْلَةِ، وهُمَا مِنْ مُرِيدِيِهِ وَمُقلِّدِيهِ يدْعُوهُما إِلَى القِيَامِ بِهَذَا المَشْرُوعِ العَظِيمِ؛ وبَعَثُوا الأَمْوالَ الجَزِيلَةَ وَالمُهنْدِسينَ الفنِّيينَ فَبَنَوا هَذا السُّورَ المَوْجُودَ لِهَذَا الوَقْتِ الحَاضِرِ، وجَعَلُوا لَهُ خنْدَقًا يُحِيطُ بالسُّورِ، والسُّورُ شِبْهُ مُحِيطٍ بالبَلَدِ شِبْهَ الدَّائِرَةِ المُسدَّسَةِ الأَضْلاعِ، وزَادُوا فِي سَعَتِهِ عَنِ السُّورِ السَّابِقِ، وأَدْخَلُوا فَضَاءً كَبِيرًا فيْهِ مِنْ نَاحِيَةِ الشَّرْقِ، وبَنَوا فيْهِ المَحَافِرَ، والمَتَارِسَ والأَبْراجَ، والمَرَاصِدَ، وجَعَلُوهُ كَقَلْعَةٍ حَرْبيَّةٍ؛ فيْهِ المَنَافِذُ لِرَمْي البَنَادِقِ، والْمَبَانِي العَالِيَةُ لِنَصْبِ المَدَافِعِ والثُّقُوبِ المُخْتَلِفَةِ فِي الصِغَرِ والكِبَرِ حَسْبَما يقْتَضِيهِ الفَنُّ الحَربيُّ فِي ذلِكَ العَصْرِ (3).

[استرجاع الودائع]

ص: 165


1- كأنّ الشيخ كتب هذه المذكرات على مراحل وقد غضّ النظر عن بعض المعلومات في المذكرات ؛ لذا فقد أسقط ( قدس) بضعا وعشرين سطرا رأى الاستغناء عنها، وعند عبارة (أحد اولاده) تبدأ كتابة مذكراته الجديدة .
2- الصدر الاعظم نظام الدولة محمد حسين خان العلاّف، وزير السلطان فتح علي شاه، توفي 1232ﻫ -- 1816م، ينظر: تاريخ النجف: 2/385.
3- ينظر: الرحلة العراقية -- الايرانية: 42- 44.

وَبَعْدَ أَنْ تَكَامَلَ السُّورُ عَلَى مَا يُرَامُ فِي حُدُودِ مُنْتَصَفِ العَقْدِ الثَّالِثِ مِنَ القَرْنِ الثَّالِثَ عَشَر للهِجْرَةِ (1)، اسْتَرْجَعَ الشَّيْخُ تِلْكَ الوَدَائِعِ وَوَضَعَها فِي حُجْرَةٍ مِنْ حجَرِ الرُّوَاقِ المُطَهَّرِ.

[وفاة الشيخ الأكبر، وخلفه الشيخ موسى]

وَفِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ وَالعِشْرينَ انْتَقَلَ الشَّيْخُ الكَبِيرُ إِلَى جِوَارِ رَبِّهِ (2)، وَانْحَصَرَتِ الزَّعَامَةُ الدِّيْنيَّةُ لِعَامَّةِ الإِمَاميَّةِ فِي وَلَدِهِ الأَكْبَرِ الإِمَامِ مُوسَى بنِ جَعْفَرٍ؛ فَقَامَ بِأَعْبَاءِ الإِمَامَةِ والزَّعَامَةِ أَحْسَنَ قِيَامٍ.

[فتنة الزقرت والشمرت]

وَلكِنْ مِنَ المُؤْسِفِ أَنَّ النَّجَفَ كَانَتْ فِي آخِرَ عَهْدِ الشَّيْخِ الكَبِيرِ قَدِ//4 انْصَدَعَتْ وَحْدَتُها، واخْتَلَفَتْ كَلِمَتُها، وانْشَقَّتْ عَصَاهَا؛ بِحُدُوثِ الفِرْقَتَينِ المَعْرُوفَتَينِ بالزَّكَرْتِ والشَّمَرْتِ (3) عَلَى إِثْرِ قَتْلِ السَّيِّدِ مُحَمَّدِ الرَّحْباويِّ (4) أَحَدِ الزُّعَمَاءِ المُثْرِينَ

ص: 166


1- قال حرز الدين 2/397 ( في سنة 1226ﻫ -- 1811م، كمل بناء السور السادس المحيط بالنجف الأشرف وهو من آثار الصدر الاعظم الحاج محمد حسين خان الأصفهاني وزير السلطان فتح علي شاه وهو السور الحالي والاخير وقد صرف في بنائه مع المدرسة خمسة وتسعين ألف تومانا من الذهب الأشرفي المثقالي.... وبعد بناء هذا السور انقطع طمع الاعراب والوهابيين في النجف وكان قبل هذا التاريخ تُشنّ الغارات على أهلها). وينظر: تحفة العالم: 1/289.
2- ينظر: تاريخ النجف: 2/400، ماضي النجف وحاضرها: 3/136، المفصل في تاريخ النجف: 5/85.
3- الشيخ (قدس) ذكر مرة الزقرت بالقاف ومرة الزكرت بالكاف، والصواب بالقاف؛ لأن الزقرت بالفصحى هو الصقر والزقر لغة في الصقر وهي لبني كلاب، لسان العرب4/س77(زقر)، والشمرت قد يكون مأخوذ من الشمردل وهو الفتى القوي والجلد، وكذلك الناقة، لسان العرب: 11/ 444(شمل)، وكأنّ الزقرت يعدّون أنفسهم صقورا والشمرت يعدّون أنفسهم فتيان جلدين وأقوياء.
4- هكذا ورد اسمه في الصل المخطوط والصواب هو (محمود الرحباوي). ينظر: مراقد المعارف: 2/280، معارف الرجال: 3/299، تاريخ النجف: 2/402.

والمُتنفِّذِينَ فِي ضَواحِي النَّجَفِ (1)، ولَمْ تَزَلْ مَرَاجِلُ الشَّرِّ بيْنَ الفَرِيقَينِ تغْلِي وَبَنَاتُ السُّوءِ تَسْتَفْحِلُ حَتَّى أُرِيقَتِ الدِّمَاءُ مِنْ كُلِّ مِنْهُمَا وَصَارَتِ النَّجَفُ فِي دَاخِلِهَا سَاحَةَ حَرْبٍ للحِزْبَينِ، وَالحَرْبُ بيْنَهُما سِجَالٌ، وصَارُوا يَتَحصَّنُونَ فِي سُطُوحِ البُيُوتِ وَرَاءَ الشُّرُفَاتِ، وَيَضْرِبُ بعْضُهُمْ بَعْضًا، وَرُبَّما قُتِلَ فِي كُلِّ حَمْلَةٍ عَدَدٌ كَثِيرٌ مِنْهُمْ، وَمِنَ الأَبْرِياءِ.

[الحالة السياسية في النجف آنذاك]

وَكَانَتِ النَّجَفُ يَومَئِذٍ -- مِنْ حَيْثُ شَكْلِ الحُكْمِ -- أَشْبَهَ بالبِلادِ الإِقْطَاعِيَّةِ خَالِيَةً مِنَ الجُنْدِ وَالشَّرَطَةِ النِّظَامِيَّةِ يلْتَزِمُها مِنْ وَالِي بغْدَادَ أَحَدُ الوُجَهَاءِ المُتنفِّذِينَ بِمِقْدَارِ مُعَيَّنٍ مِنَ المَالِ يدْفَعُهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ، وَتَكُونُ لَهُ سِدَانَةُ الحَرَمِ الشَّرِيفِ وَضَرِيبَةُ التُّرابيَّة فِي الصَّحْنِ ودَاخِلِ البِلادِ وَخَارِجِهَا؛ وَلَهُ الأَعْشَارُ عَلَى مَا يدْخُلُ البَلَدَ مِنْ حُبوبَاتٍ وتُمُورٍ وغَيْرِهَا حَسْبَما يَشَاءُ ويقْتَرِحُ استِبْدَادًا إِقْطَاعِيًّا، ويجْعَلُ لَهُ جُنْدًا خَاصًّا مِنْ أَهَالِي البَلَدِ بِرَواتِبَ مَخْصُوصَةٍ؛ لِتَنْفِيذِ أَحْكَامِ وتَعْقِيبِ المُجْرِمينَ، ولَهُ محْبَسٌ خَاصٌّ ودَوَائِرُ وَسَرَايٌ مَخْصُوصٌ، فَهُوَ الحَاكِمُ المُطْلَقُ إِلاَّ فِي الشَّرْعيَّاتِ فَهِيَ للعُلَمَاءِ المَعْرُوفِينَ وَرُبَّما عَيَّنَ قَاضِيًا مِنْ أَهْلِ العِلْمِ، وَكَانَ هَذَا الشَّكْلُ مِنَ الحُكْمِ زَمَنَ سَلْطَنَةِ العُثْمَانِيينَ يعْنِي مِنْ أوَّليَّاتِ القَرْنِ الثَّانِي عَشَر مُتَوَارَثًا ومُتَسلْسِلاً فِي بيْتِ(المَلالِي)

ص: 167


1- ذكر عن سبب مقتل السيد محمود الرحباوي أمران: 1- قتله جماعة من وجوه النجفيين منهم درويش أبو عيسى المعروف بالعنزي، والسيد سعد جريو وخلف الدارمي والسيد سلمان درويش، لأنّ الوهابيين يمرّون به فيضيّفهم حقنا لدمه ودماء عائلته، وهذا الامر ذكره حرز الدين في مراقد المعارف: 2/280، معارف الرجال: 3/299، 2- بسبب شكوى أخته عند الشيخ كاشف الغطاء لنه امتنع عن تزويجهما من أبناء عمومتهما فبعث اليه الشيخ بمجموعة من أصحابه مدججين بالسلاح فرفض السيد محمود دخولهم وأغلقوا باب القصر وباتوا عندهم وأمسى السيد مقتولا وصار دمه في عنق أصحاب الشيخ بعد أن تبرأ أهله من دمه. وقد ذكر هذا السبب السيد العاملي في أعيان الشيعة:15/426-428.

الذِينَ رَأَسَ سِلْسِلَتَهُمُ المُلاّ عبْدُ اللهِ (1) صَاحِبُ الحَاشِيَةِ المَعْرُوفَةِ فِي المَنْطِقِ وآخِرُهُمُ المُلاَّ يُوسُفُ والمُلاَّ مَحْمُودٌ، وَكانَ ظُهُورُهُمْ زَمَنَ الصَّفَويَّةِ سَنَةَ التِسْعِمَاءَة وانْقِرَاضُهُمْ بعْدَ الأَلْفِ والثَّلاثِمَاءَة.

وَلمَّا تَوَطَّدَتِ السَلْطَنَةُ عَلَى العِرَاقِ بعْدَ انْقِرَاضِ//5 دوْلَةِ الصَّفَويينَ كَانَ الكَبِيرُ مِنْ تلْكَ العَائِلَةِ يذْهَبُ إِلَى وَالِي بغْدَادَ مُصْطَحِبًا للهَدَايا الثَّمِينَةِ مِنْ مرْكُوبٍ أَصِيلٍ، أَوْ ملْبُوسٍ أَنِيقٍ، أَوْ عَبِيدٍ وجَوَاري؛ فيخْلَعُ الوَالِي عَلَيهِ ويُكْرِمُهُ بِشَيءٍ مِنَ الدَّرَاهِمِ، ويكْتُبُ لَهُ فَرَمَانًا بإِقْطَاعِهِ حُكُومَةَ النَّجَفِ وسِدَانَةِ حَرَمِهَا بِمَبْلَغٍ مُعيَّنٍ، أَوْ يُعْلِنُ عَلَى فَرَمانِ

ص: 168


1- جاء في أعيان الشيعة 3/18(عبد الله اليزدي صاحب الحاشية كان أبوه خازن الحضرة المقدسة العلوية وسادتها اما هو فلم يعلم تقلده منصب السدانة ويظهر انه كان من أهل العلم انتقلت اليه نسخة شرح ديوان أمير المؤمنين علي ع للواحدي التي قابلها أبوه مع المحاويلي ....والسدانة منصب يقلده السلطان ويكتب به عهدا وابتداؤها في المشهد الغروي من عهد البويهيين على الظاهر ويسمون السادن في هذه الاعصار كليتدار وهو لفظ فارسي معناه صاحب المفتاح اي من بيده مفتاح الحضرة الشريفة والكليت بالفارسية المفتاح وفي الحضرة الرضوية الشريفة بخراسان الكليتدارية احدى المناصب في سدانة الحضرة ولا تشمل جميع مناصبها كما هو الحال في العراق ومنصب السدانة أو الكليتدارية في العراق يشمل جميع ما يؤول إلى الحضرة الشريفة من رئاسة الخدمة وتولي خزانة المشهد وغير ذلك ولهذا يعبر عنه كثيرا بالخازن وقد تولاها في المشهد الغروي جماعة من اجلاء العلماء وفي كثير من الأوقات كان السادن في النجف هو الحاكم المطلق بسبب ضعف السلطان وإذا قوي السلطان كان إلى السادن شؤون المشهد فقط والسدانة يتوارثها الأبناء عن الآباء كالسلطنة وقد تنتقل عنهم كما تنتقل السلطنة، وبيت الملالي المشهورون النجف هم ذرية الملا عبد الله بن شهاب الدين حسين اليزدي صاحب الحاشية في المنطق تولى منهم سدانة المشهد اثنا عشر رجلا 1 الملا عبد الله صاحب الحاشية 2 الملا محسن 3 الملا محمود 4 الملا محمد طاهر 5 الملا عبد الله ابن الملا محمد طاهر 6 الملا عبد المطلب ابن الملا عبد الله 7 الملا محمود ابن الملا عبد المطلب 8 الملا محمد صالح 9 الملا محمد طاهر ابن الملا محمود 10 الملا سليمان ابن الملا محمد طاهر 11 الملا يوسف ابن الملا سليمان 12 الملا محمود ابن الملا يوسف وتأتي تراجمهم في أبوابها إن شاء الله تعالى وأدركنا أولاد الملا يوسف في النجف أيام إقامتنا هناك وكانت له بنت تسمى الملا ظفيرة بنت مسجدا في الكوفة وكانت دارهم محل المدرسة التي في البراق بجانب دار آل الطباطبائي، ثم انتقلت السدانة منهم إلى السيد رضا الرفيعي وبقيت في ذريته إلى اليوم).

أَبِيهِ ويمْضِيهِ، ثُمَّ يصْحَبُهُ بِمِقْدَارٍ يَسِيرٍ مِنَ العَسْكَرِ العُثْمانيِّ، وكَانُوا قَبِيلَتَينِ لا غَيْرَ( الانْكِشَاريَّةَ) (1) و(عُكَيلَ) عُقَيلَ، وأَكْثَرُ عَسْكَرِ العِرَاقِ مِنْ هَذا القَبِيلِ.

يَصْطَحِبُ الحَاكِمُ الجَدِيدُ مَعَهُ العِشْرينَ مِنَ الجُنْدِ والثَّلاثِيَن أَوْ أَكْثَرَ حَسْبَ الظُّرُوفِ المُقْتَضِيَةِ، فَيُقِيمُونَ فِي النَّجَفِ ويقُومُ هُوَ بِنَفَقَاتِهِمْ ومَسَاكنِهِمْ وعَتَادِهِمْ، وكُلِّ مَا يلْزَمُ لَهُمْ ولِخَيْلِهِمْ وسِلاحِهِمْ، وبِالطَّبْعِ إنَّ هَذا القَدْرَ كَانَ يكْفِي لإِدَارَةِ شُؤُونِ (2) البَلَدِ؛ فَإِنَّها وإنْ كَانَتْ صَغِيرَةَ الصُّورَةِ ولكنَّها كَبِيرَةُ المَعْنَى تَرِدُها الأُلُوفُ كُلَّ يَومٍ مِنْ شَتَّى العَنَاصِرِ ومُخْتَلَفِ الأَقْطَارِ؛ أَحْيَاءً وأَمْواتًا مُضَافًا إِلَى مَا ينْظَمُّ إِلَيْها مِنَ الضَّوَاحِي كَالرُّحْبَةِ (3)، و الرُّهَيْمَةِ (4)، وأَمْثَالِهَا مِنَ العُيُونِ المَعْرُوفَةِ بالقُصُورِ (5)؛ لِذلِكَ يُحتَاجُ إِلَى تَجْهِيزِ قُوَّةٍ كَافِيَةٍ مِنَ الأَهَالِي ينْظَمُّ إِلَيها ذلِكَ العَدَدُ اليَسِيرُ مِنَ العَسْكَرِ العُثْمانيّ.

[مقتل متولي الحرم العلوي]

ص: 169


1- إحدى القبائل التركية ، كون منها العثمانيون الاتراك جيشا نظاميا، منهم صاحب ديوان ماميه - الانكشاري الاستانبولى المولد الدمشقي الموطن كان حيا سنة 970. كشف الظنون، حاجي خليفة :1/809.
2- في الأصل( شئون) والصواب ما أثبتناه.
3- الرحبة: هي قرية بحذاء القادسية على مرحلة من الكوفة على يسار الحجاج إذا أرادوا مكة. معجم البلدان: 3/33، وهي تبعد اليوم عن النجف 35 كيلو متر. تاريخ النجف: 1/504.
4- الرهيمة: على التصغير، ضيعة قرب الكوفة، قال السكوني: وهي عين بعدَ خفيّة، إذا أردت الشام، من الكوفة ، بينها وبين الخفيّة ثلاثة أميال. معجم البلدان: 3/109، والرهيمة قرية صغيرة تبعد عن النجف حوالي25 كيلو . ينظر: تاريخ النجف: 1/503.
5- ينظر: تاريخ النجف: 1/477- 491.

وَكَانَ المُتولّي لِلحُكْمِ والسِّدَانَةِ عَصْرَ الشَّيْخِ مُوسَى، المُلاّ مُحمَّدَ طَاهِر بنَ المُلاَّ محْمُود (1) منْصُوبًا مِنْ دَاودَ بَاشَا (2) حُدودَ الثَّلاثِينَ والمَاءَتَينِ والألَف، ولمَّا نَشَأَتِ الفِتْنَةُ العَمْيَاءُ فِتْنَةَ الزَّقَرْتِ والشَّمرتِ تحيَّزَ للثَّانِيَةِ بلْ كَانَ هُوَ عُهْدَتَها وعِمادَها الذِيْ يمدُّها بِمَالِهِ ونُفُوذِهِ، وكَانَ أَكْبرُ همِّهِ وأَكْثَرُ مَسَاعِيهِ فِي إِجْلاءِ الطَّائِفَةِ الأُولَى مِنَ النَّجَفِ وإِبَادَتهِمْ مَعَ أنَّهُمُ الأَكْثَريَّةُ فِي البَلَدِ، ولَمْ يَزَلْ يحْرِشْ (3) عليهِمُ الوُلاةَ والحُكُومَةَ حتَّى اضْطَرُّوا إِلى قتْلِهِ غِيلَةً فِي الرُّوَاقِ المُطهَّرِ، فَخَلِفَهُ حاكِمًا وَلَدُهُ مُلاّ سُلَيمانُ فَجَرَى عَلَى مِنْوَالِ أَبِيهِ ونَهْجِ تهجُّمِهِ؛ بَلْ زَادَ؛ لأَنَّهُ صَارَ موْتُورًا يَطْلِبُ الثَّأْرَ، فاضطرُّوا أَيْضًا بَعْدَ قَلِيلٍ إِلَى قتْلِهِ (4)، فَقَتَلهُ البَاسِلُ أَحَدُ زُعَمَاءِ الزَّقَرت عبَّاسُ الحَدَّادِ فِي الصَّحْنِ الشَّرِيفِ عَلانِيةً.

ص: 170


1- يقول السيد العاملي في أعيان الشيعة 15/426- 428( وكان الحاكم في النجف الملا محمد طاهر وهو سادن الروضة الحيدرية المطهّرة وكان بين السيد محمود وعشيرة الملا محمد طاهر خؤولة فهو إذاً المطالب بثاره، فاستطال الملا محمد طاهر على أهل العلم وقصدهم بالأذى، ويقال إنه كان يجلس على باب الصحن الشريف من جهة باب الطوسي، ويأمر بغلق باقي أبواب الصحن وعبيده بين يديه عليهم السلاح؛ فإذا مرّ بهم من أهل العلم من يظنّون أنّه من أصحاب الشيخ كاشف الغطاء، يقول له يا ملعون يا زقرتي تمشي على الأرض بطولك آمنا وفي بطنك دم السيد محمود.....). وينظر: تاريخ النجف: 2/404.
2- داود باشا ( 1188 - 1267 ه = 1774 - 1851 م ) والي بغداد ، كرجي الأصل، مستعرب جلبه بعض النخاسين إلى بغداد وعمره 11 سنة فاشتراه أحد الولاة ( سليمان باشا) وعلمه، فقرأ الأدب العربي والفقه والتفسير، ونثر ونظم باللغات العربية والتركية والفارسية وأجازه علماء العراق وتقدم في الخدم السلطانية إلى أن جعله سعيد باشا( ابن سليمان باشا) قائدا لجيش العراق( كتخدا) سنة 1229ه وكانت الفوضى عامة، فقمعها وخافه سعيد باشا فعمل على التخلص منه ولو بالقتل . وشعر داود ، فترك بغداد وقصد كركوك ( 1231) وكتب إلى الآستانة، فجاءه( الفرمان) بولاية بغداد وعزل سعيد ، فعاد إليها ( 1232) ونظم أمورها لقب بشيخ الوزراء وأرسله عبد المجيد شيخا للحرم النبوي سنة 1260 فظل في المدينة، مشتغلا بالعلوم والتدريس إلى أن توفي ودفن في البقيع. الأعلام: 2/331.
3- في الأصل يحرش وقد نقلها حرز الدين( يحرض) وكلاهما صواب.
4- وذلك سنة 1242ﻫ - الموافق 1826م،

وَبعْدَ سَنَواتٍ أَخَذَ أوْلادُهُ (1) بِثأْرِهِ فَقَتَلُوا عبَّاس الحدَّاد (2) فِي/6 الصَّحْنِ الشَّرِيفِ فِي الغُرْفَةِ العُليا التيْ هِيَ تحْتَ السَّاعَةِ الكُبْرى، وفَوْقَ بَابِ [ال-]سُوقِ الكَبِيرِ، يُقَالُ إِنَّ قَاتِلَهُ ذَبَحَهُ بِخِنْجَرٍ ذَبْحَ الشَّاة، وأَغْلَقَ الحُجْرَةَ وذَهَبَ إِلَى دَارِ مُلاَّ سُلَيمانَ فَأَخْبَرَ أُخْتَهُ؛ فَجِئْنَ ومَعَهُنَّ حِمْلٌ مِنْ خِيَارِ المَاءِ تحْمِلُهُ جَوارِيهُنَّ فَجَلَسْنَ عَلَى طِشْتِ دَمِهِ وصِرْنَ يغْمِسْنَ الخِيَارَ فِي دَمِهِ ويأْكُلْنَهُ حتَّى لَعِقًوا دَمَهُ مِنَ الطِشْتَ كَمَا يُلْعَقُ العَسَلُ فِي تَفَاصِيلَ وشُؤونٍ (3) كلُّها شُجُونٌ.

[صلح الشيخ موسى]

ولَكنَّ الغَرَضَ أنَّ الشَّيْخَ مُوسى المُصْلِحَ الكَبِيرَ السَّاهِرَ عَلَى سَلامِ البِلادِ، وحِفْظِ تلْكَ الوَدَائِعِ المُقدَّسَةِ؛ لمَّا رَأَى أنَّ النَّجَفَ قَدِ انْشَقَّتْ عَصَاهَا واخْتلَّتْ دَاخِليَّتُها فَأَصْبَحَتْ مُهدَّدةً مِنَ الدَّاخِلِ والخَارِجِ، وأُولئِكَ الحُكَّامُ المَلالي لا يقْدِرونَ عَلَى صِيَانَةِ البِلادِ مِنْ جَرَّاءِ تلْكَ الحَوادِثِ بَلِ الكَوَارِثُ السَّوْداءُ، ولَعلَّ أَحَدَ الفَرِيقَينِ المُتطَاحِنَينِ بِمَا لَهُ مِنَ العَلائِقِ المَادِّيةِ مَعَ بَعْضِ قَبَائلِ البَادِيَةِ يتَّفِقُ مَعَ إِحْدى القَبَائِلِ فيُدْخِلُهُ إِلَى البَلَدِ؛ لِيفْتِكَ بالفَرِيقِ الآَخَرِ، وهُنَالِكَ ينْفَتِحُ بَابُ الغَارَةِ والنَّهْبِ والسَّلْبِ، وتَكُونُ تلْكَ الوَدَائِعِ فِي عُرْضَةِ الخَطَرِ.

ص: 171


1- بحسب معارف الرجال 3/298، إن خادمه هو الذي قتله، بعد أن طعنه من الخلف و قطع رأسه وأخذه بيده ودمه يقطر.
2- عباس بن جواد العبودي كان حدادا في أوّل أمره جريئا انظم اليه بعض الشبان وصاروا كتلة واحدة لمّا عزم الشيخ جعفر الكبير على تهيأة شبّان بواسل ليرابطوا على حدود النجف، وعباس الحداد هو الذي قتل الملا محمد طاهر، وبعد ان قُتِل عباس الحداد تفرّق الزقرت والشمرت وأطاع الباقي من الاهليين طالبين الامان. ينظر: معارف الرجال 3/298، و مباحث عراقية: 342- 344.
3- في الاصل( شئون) .

[النقل الثاني للخزانة]

لِذلِكَ جَمَعَ ذلِكَ الزَّعِيمُ الدِّينيُّ الشَّيْخُ مُوسَى وُجُوهَ العُلَماءِ والأَشْرَافِ والأَعْيَانِ وفَاَوَضهُمْ فِي تلْكَ المُعْضِلَةِ، وَمَا يلْزَمُ لَهَا مِنَ التَّدْبِيرِ فَقرَّرُوا نَقْلَ الخِزَانَةِ إِلَى بغْدَادَ ثَانِيًا ريْثَما تُعَالَجُ قَضَيَّةُ الشِّقَاقِ وتنْحَسِمُ مَادَّةُ تلْكَ البَليَّةِ، فَأَرْسَلَهَا الشَّيْخُ فِي صَنَادِيقَ مخْتُومَةٍ بِخَاتَمِهِ مَعَ مَنْ يعْتَمِدُ عَلَيهِ مِنَ الفُرْسَانِ الأَشِدَّاءِ يحْمِلُونَ كِتَابًا مِنْهُ إِلَى الوَالِي وهُوَ يَوْمَئِذٍ دَاود بَاشَا الشَّهِير؛ فَاسْتَلَمَها وأَعْطَاهُمْ قَبْضًا بِهَا، ثُمَّ إنَّ الشَّيْخَ بَذَلَ جُهُودَهُ فِي إِخْمَادِ تلْكَ النَّائِرَةِ، وأَصْلَحَ بيْنَ الفَرِيقَينِ وجَلَبَ عِدَّةً كَافِيَةً مِنَ العَسْكَرِ النِّظَاميِّ فِي بغْدَادَ وأَسْكَنَهُ فِي الثَّكَنَةِ التِيْ فِي الجَانِبِ الشرقِي الشَّمَالِي مِنَ السُّورِ الجَدِيدِ وكَانَتْ تُسمَّى القَشْلَةَ (1)، وهِيَ مدْرَسَةُ الغَريّ (2) فِي هَذا اليَومِ؛ فَعَادَتِ المِيَاهُ إِلى/7 مجَارِيها وهَدَأَتِ الأَحْوالُ وسَكَنَتِ النُّفُوسُ ولَكنْ عَلى وَضَنٍ (3)؛ وإِنَّما اجْتِمَاعُ نُفُوذِ ذلِكَ الشَّيْخِ المُطَاعِ عنْدَ عَامَّةِ رُؤسَاءِ قَبَائِلِ العِرَاقِ كالخَزَاعِلِ وجشْعَمٍ والأَكرَعِ وغيرِهِمْ مَعَ قُوَّةِ الحُكُومَةِ التِيْ رَبَضَتْ أجْنَادَها فِي هَامَةِ البَلَدِ اِضطرَّ الفَرِيقَينِ إِلَى المُوادَعَةِ والمُسَالَمَةِ؛ أَمَّا الصُّدُورُ فَلا تَزَالُ وَاغِرَةً، والنُّفُوسُ لَمْ تبْرَحْ ثَائِرَةً، والأَحْقَادُ فِي حَنَايا الأَكْبادِ كَامِنَةً؛ إِلاَّ أنَّ هَيْبَةَ العِلْمِ وعِزَّ السُّلْطانِ أَخْضَعَهُمْ فتَصَافَحُوا وتَصَالَحُوا عَلَى

ص: 172


1- جاء في تاج العروس، الزبيدي: 15 / 618:( قشل: بفتح فسكون شين معجمة: قرية باليمن ، منها سرور القشلي : شاعر مجيد، والقشل، محركة: يكنى به عن الفقر، مصرية عامية مبتذلة، وقد قشل كفرح، وهو قشلان، وابن قشيلة ، كجهينة: يحيى بن أبي المعالي بن علي الخازن: حدث عن ابن البطي، وكان رافضيا مات سنة 614ه).
2- ينظر: موسوعة العتبات المقدّسة، الخليلي: 2/132.
3- الوضن : القلق والاضطراب، ومنه قول أمير المؤمنين( عليه السلام) (يا أخا بني أسد انك لقلق الوضين ، ترسل في غير سدد) جاء في كتاب الأربعين لمحمد طاهر القمي الشيرازي: 176: (الوضين بطان القتب، وحزام السرج، ويقال للرجل المضطرب في أموره: انه لقلق الوضين، وذلك أن الوضين إذا قلق اضطرب القتب والهودج والسرج ومن عليه).

شُرُوطٍ وعُهُودٍ لاَ مَجَالَ لِذِكْرِهَا، ولَمْ يَزَالُوا هَادِئينَ سَاكِنِينَ مُدَّةَ حيَاةِ الشَّيْخِ مُوسَى يعْنِي مَا يُنَاهِزُ العَشْرَ سَنَواتٍ قَبْلَ وَفَاتِهِ.

[استرجاع الخزانة، ومماطلة الوالي بإرجاعها]

وَلمَّا مَضَتْ سَنَتَانِ أَوْ ثَلاثٌ عَلَى سُكُونِهِمْ وخُمُودِ جَمْرَتِهِمْ، ورَأَى أنَّ البَلَدَ قَدْ تحصَّنَتْ بالسُّورِ والثَّكَنَاتِ وَالعَسَاكِرِ النِّظَامِيَّةِ؛ فَقَدْ حَانَ وَقْتُ اسْتِرْجَاعِ تِلْكَ النَّفَائِسِ إِلَى مَحَلِّهَا المُخْتَصَّةِ بِهِ التيْ لا يَسُوغُ فِي شَرْعٍ، ولا عَقْلِ، وَلا قَانُونٍ خُرُوجُها إِلاَّ لِلضَّرُورَةِ التِيْ تُقدَّرُ بِقَدَرِهَا؛ فَأَرْسَلَ جَمَاعَةً لاِسْتِرْجَاعِهَا مِنْ دَاودَ بَاشا فَتَعلَّلَ ومَاطَلَ، وَقاَلَ: أَخْشَى أَنَّ البَلَدَ لَمْ تَحْصَلْ لَهَا الحَصَانَةُ بِحِفْظِ تلْكَ الخِزَانَةِ؛ فَامْتَعَضَ الشَّيْخُ مِنْ ذلِكَ وعَزَمَ عَلَى السَّفَرِ إِلَى بغْدَادَ بِنَفْسِهِ واسْتَاءَ عُمُومُ العُلَمَاءِ والأَعْيانِ والأَشْرافِ وسَائِرُ الطَّبَقاتِ؛ لأَنَّهُمْ جَمِيعًا يَرَونَ أنَّ حِفْظَها فِي الحَضْرَةِ المُنَوَّرَةِ كَمَا كَانَتْ مُنْذُ تَكَوَّنَتْ أَعَزُّ عَلَيهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ونَفَائِسِهِمْ، وَمِنْ أَمْوَالِهِمْ وَذَرارِيهِمْ، نَعَمْ يَرَونَ أنَّها وَدِيعَةُ السَّلَفِ إِلَى الخَلَفِ، وإِنَّ السُّكُوتَ والإِغْمَاضَ خِيَانَةٌ للهِ ولِرَسُولِهِ.

[حصار الشيعة المخلصين( حاكم كرمنشاه) لبغداد]

وَلمَّا كَثُرَ القَالُ والقِيلُ بَلَغَتِ الوَاقِعَةُ إِلَى سَمْعِ وَالِي(إيالة الغرب) (1) حَاكِمِ كَرْمَنْشَاه قَرْمَسين، وعَامَّةِ الحُدودِ بيْنَ العِرَاقِ وإِيْرانِ مِنْ نَواحِي سَنانْدج إِلى الحُويْزَةِ والمُحمَّرَةِ ونَواحِيهَا؛ وهُوَ محمَّدُ عليّ مَرزا (2) بْن سُلطَانِ إِيران فِي ذلِكَ العَصْرِ فَتحِ

ص: 173


1- الإيالة: جاء في النهاية في غريب الحديث، ابن الأثير: 5/291( يأل في حديث الحسن" أغيلمة حيارى تفاقدوا ما يأل لهم أن يفقهوا " يقال: يأل له أن يفعل كذا يولا، وأيال له إيالة: أي آن له وانبغى، ومثله قولهم: نولك أن تفعل كذا، ونوالك أن تفعله: أي انبغى لك). والإيالة : السياسة كما في لسان العرب: 11/34، ويبدو انّ الإيالة هي أشبه بالولاية او المنطقة الواقعة تحت حكم أحد الحكّام.
2- تنظر ترجمته في أعيان الشيعة: 2/415.

عَليّ شَاه (1)//8 القَاجَاريِّ، وَكَانَتْ لَهُ بَعْضُ الهِنَاتِ المُوجِبَةِ الاسْتِياءِ مِنْ حُكُومَةِ الأَتْرَاكِ؛ فَجَمَعَ الأَكْرَادَ المَغَاوِيرَ الذِينَ عَلَى الحُدودِ مِنْ جِبَالِ حُلْوان وغَيْرِها التِيْ لايَضْبِطُها حَدٌّ، ولا عَدٌّ مَعَ شجَاعَتِهِمْ وعَظِيمِ بَسَالَتِهِمْ وتَمَرُّنِهِمْ عَلَى الحُرُوبِ؛ فَتَهايَجُوا جَمِيعًا وزَحَفُوا تَحْتَ قِيَادَتِهِ للهُجُومِ عَلَى بَغْدَادَ وضَرَبُوا خِيامَهُمْ وجَعَلُوا مُعَسْكَرَهُمْ فِي الشَّمَالِ الشَّرقِيِّ مِنْ دَارِ السَّلامِ عَلَى مَرْحَلَتينِ أَوْ ثَلاثٍ مِنْ سُرَّ مَنْ رَأَى (2)، وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا مِنَ القُوَّةِ مَا يكْفِي لِدِفَاعِ عُشْرِ ذلِكَ السَّيْلِ المُتَراكِمِ، ولَمْ يبْقَ بيْنَهُمْ وبَيْنَ الفَتْحِ إِلاَّ عَشِيَّة أَوْ ضُحَاها.

[المصلح بين الدولتين]

فَاضَطَرَّ دَاودُ بَاشَا إِلَى الاسْتِغَاثَةِ بالشَّيْخِ مُوسَى لإِصْلاحِ الحَالِ وحِفْظِ النُّفُوسِ وحَقْنِ الدِّمَاءِ؛ سِيَما وقَائِدُ الحَمْلَةِ مُحمَّد عليّ مَرزا كَانَ مُقلِّدًا للشَّيْخِ مُوسَى فَلَمْ يجِدِ الشَّيْخُ مُوسَى بُدًّا مِنَ السَّفَرِ بنَفْسِهِ لِمُلاقَاةِ القَائِدِ المَزْبُورِ بَعْدَ تَمْهِيِد مَبَانِي الصُّلْحِ مَعَ الوَزِيرِ دَاودَ بَاشَا؛ فَتَوجَّهَ إِلَى بغْدَاد فِي أَوَاخِرِ العَقْدِ الرَّابِعِ مِنَ القَرْنِ الثَّالِثِ عَشَر، ثُمَّ بَعْدَ انْهَاءِ المُفَاوَضَةِ مَعَ الوَزِيرِ، أَصْعَدَ إِلَى سُرَّ مَنْ رَأَى ثُمَّ اجْتَمَعَ بالقَائِدِ الخَطِيرِ مُحمَّدِ عليَّ مَرزا، وأَلْزَمَهُ بالصُّلْحِ وإِرْجَاعِ تلْكَ الجُمُوعِ المُتَدَافِعَةِ تَدَافُعَ السَّيْلِ فَأَجَابَهُ عَلَى شُرُوطٍ حُرِّرَتْ، وأُرْسِلَتْ إِلَى بَغْدَادَ فَأَمْضَاهَا دَاودُ بَاشَا، وتَمَّ الصُّلْحُ وحُقِنَتْ دِمَاءُ المُسْلِمِينَ واشْتَهَرَ مِنْ ذلِكَ اليَوْمِ الشَّيْخُ مُوسَى ب-(المُصْلِحِ بيْنَ الدَّوْلَتينِ)؛ حيْثُ كَفَى اللهُ المُؤمِنِينَ القِتَالَ بِبَرَكَاتِهِ؛ ورَجَعَ إِلى بغْدَادَ مُؤيَّدًا منْصُورًا، واسْتَلَمَ صَنَادِيقَ الخِزَانَةِ الحيْدريَّةِ مخْتُومَةً بِخَاتِمِهِ؛ وجَاءَ بها إِلَى النَّجَفِ مَعَ مَفْرَزَةٍ مِنَ الجُنْدِ فَوَضَعَها فِي

ص: 174


1- . تنظر ترجمته في أعيان الشيعة: 2/415.
2- يبدو أنّ مدينة سامراء كانت تسمى لوقت قريب من عصر الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء بسرّ من رأى.

حُجْرَةٍ مِنَ الرُّوَاقِ الشَّرْقِيّ مِمَّا يَلِي رِجْلَي الإِمامِ(عَلَيهِ السَّلامِ)، وبَنَى عَلَى البَابِ بِحَيثُ لا يُرَى لَهَا أَثَرٌ، وهِيَ المَحلُّ لا تَزالُ مُودَعَةً إِلى اليَوْمِ.

[الفتح الأوّل للخزانة]

وبَقِيتْ مِنْ حُدودِ سَنَةِ الأَرْبَعِينَ بعْدَ المَاءَتَينِ وأَلْف لَمْ تَرَها عَيْنٌ، ولَمْ تلْمَسْها يَدُ الشَرِّ إِلى// 9 السَّنَةِ السَّابِعَةِ والثَّمَانِينَ بعْدَ الأَلْفِ والمَاءَتَينِ (1)، وهِيَ السَّنَةُ التِيْ تَشرَّفَ فيْهَا السُّلْطَانُ الشَّهِيدُ السَّيِّدُ نَاصِرُ الدِّينِ القَاجَاريُّ بِلَثْمِ العَتَباتِ المُقدَّسَاتِ فِي العِرَاقِ، وكَانَ والِي بغْدَادَ يَومئِذٍ الوَزِيرُ الشَّهِيرُ مِدْحَت بَاشَا (2)، فَوَرَدَ الأمْرُ إِلَيهِ مِنَ السُّلْطانِ فِي الإِسْتانَةِ زفَّة رِكَاب الشَّاه والحَفاوَة بِهِ فَبَنى لِنُزُولِهِ (المَجيديَّةَ) التِيْ صَارَتِ اليَوْمَ المُسْتشْفى المَلكيّ العَام.

ص: 175


1- ينظر: تاريخ النجف: 2/521- 522.
2- مدحت باشا ( أو أحمد مدحت ) ( 1238 - 1301 ه = 1822 - 1883 م ) ابن حاجي حافظ أشرف أفندي: أبو الأحرار، العثماني كان يحسن العربية وربما قال بها الشعر ولد في اسطنبول وكان أبوه قاضيا، وسماه ( محمد شفيق ) وغلب عليه اسم ( أحمد مدحت ) ثم ( مدحت ) وتعلم العربية والفارسية وتقلب في الوظائف حتى كان واليا على الدانوب ( الطونة ) وقضى على ثورات البلغار بشجاعة ثم انتقل إلى الآستانة، رئيسا لمجلس شورى الدولة . وعين واليا على بغداد ( 1286 - 1288 ) ودعي إلى الآستانة معزولا ، فما لبث ان تولى منصب الصدارة العظمى وأصدر الدستور( العثماني ) في أواخر 1293 ه ( 1876 م ) ولم تتفق وجهتا نظره ونظر السلطان عبد الحميد في سياسة الدولة فجرد من الوزارة وضيق عليه فسافر إلى أوربا واستقر مدة في لندن إلى أن صدر أمر بتعيينه واليا على الشام فقيل : أنشأ فيها جمعيات علمية وأدبية . ونقل منها إلى إزمير ، حيث اعتقل وحوكم متهما بالمشاركة في قتل السلطان عبد العزيز ( 1293 ه / 1876 م ) وحكم عليه بالإعدام، ثم اكتفى السلطان بنفيه إلى قلعة الطائف بالحجاز وفيها بعد بضع سنوات قتل بأمر السلطان، وقالت صحف الدولة إنه مات بمرض السرطان ولعل الصحيح ما في الارتسامات اللطاف ، للأمير شكيب أرسلان ، وهو أن ملازما تركيا اسمه إسماعيل، قبض على أنثييه واستلهما بقوة، فبرد مدحت في مكانه له وصية نشرت، وفى أدباء العراق من نسب له أبياتا من الشعر العربي، منها بيتان شطرهما أحدهم وخمسهما، وهما من عيون الشعر الأعلام: 7/195.

ثُمَّ طَلَبَ مِنْهُ فِي بغْدَادَ فَتْحَ الخِزَانَةِ الحيْدريَّةِ فَاسْتَأْذَنَ مِنَ الذَّاتِ السُّلطانيَّةِ فَأَذِنَ لَهُ وأَرْسَلَ للحُضُورِ والإِشْرافِ نَاظِرَ الأَوْقافِ العَام أَحْمَد كَمَال، فَوَصَلَ بَغْدَادَ بِأَسْرَعِ وَقْتٍ ثُمَّ انْضمَّ هُوَ ومِدْحَت بَاشَا وسَائِرُ الجُنُودِ والأُمَراء إِلَى المَوْكِبِ الهَمَايونِيّ -- النَّاصِريّ (1) وتوَجَّهُوا إِلَى النَّجَفِ مِنْ طَرِيقِ الحِلَّةِ فَوَرَدَها فِي الثَّالِثِ عَشَرَ مِنْ رَمَضَانَ، وبَعْدَ ثَلاثَةِ أيَّامٍ فَتَحُوا لَهُ الخِزَانَةَ العُظْمى؛ وقَدْ مَرَّ عَلَيها سَبْعَةٌ وأَرْبَعُونَ سَنَةً لَمْ تُفْتَحْ، فَحَضَرَ فتْحَها مِنْ رِجَالِ الدَّوْلَةِ مَعَ الشَّاهِ المَزْبُورِ وزِيرُهُ مُشِيرُ الدَّوْلَةِ (2)، ومِدْحَت بَاشَا، وأَحْمَد كَمَال (3) وَمِنَ العُلَماءِ السيِّدِ العَلاَّمَةِ الشَّهِيرِ السيِّد عَليّ آل بَحْرِ العُلُومِ صَاحِبِ(البُرْهَانِ القَاطِعِ) (4)، ومَرَاجِعُ التَّقْلِيدِ فِي ذلِكَ اليَوْمِ الشَّيْخُ مهْدي حَفِيدُ الشيْخِ الأَكْبرِ كَاشِفِ الغِطَاءِ، وسبْطُهُ الشيْخُ رَاضِي؛ ولمَّا أَخْرَجُوا الصَّنادِيقَ وجَدُوهَا مَشْدُودَةً بأَسْلاكِ وشَرائِطَ ومخْتُومَةً بخَاتَمِ الشَّيْخِ مُوسَى فقبَّلَهُ الشَّاهُ وأَمَرَ بالاحتِفَاظِ بهِ كَأَثِرٍ تَاريخيٍّ وقَطَعُوا الأَسْلاكَ مِمَّا دُونَهُ، وكَانَ الحَاضِرُ مِنَ الخَدَمَةِ السَّادِنُ الجَلِيلُ السيِّدُ جَوادُ الكِليدار، ونَائِبُهُ السيَّدُ محْسِنُ الرُّفيعيُّ، ورَئِيسُ الخَدَمَةِ الحَاجّ جَوَادُ شَعْبَان، والسيِّدُ جَعْفَر الخِرسَان، الذِيْ كَانَ مِنْ أَعْيانِ رِجَالِ ذلِكَ العَصْرِ فِي قُوَّةِ الجِنَانِ وفَصَاحَةِ اللِسَانِ.

ص: 176


1- المقصود بهذا التعبير الموكب العثماني(التركي) -- القاجاري (الإيراني).
2- ينظر: أعيان الشيعة: 5/312, و 3/121.
3- أحمد كمال ( 000 - 1304 ﻫ ) ( 000 - 1887 م ) أحمد كمال الرومي من وزراء المعارف له من التصانيف النوادر واللطائف في تفسير الآيات التي احتوت على النكت والظرائف. معجم المؤلفين ، 2 / 54.
4- علي الطباطبائي ( 1224 - 1299 ه )( 1809 - 1882 م ) علي بن محمد رضا الطباطبائي آل بحر العلوم، فقيه، أصولي توفي بالنجف، ودفن بباب الطوسي من مؤلفاته: البرهان القاطع في شرح المختصر النافع، منهج العابد في جميع أبواب الطهارة، رسالة في القبلة، رسالة في المسافة الملفقة، ورسالة في تصرفات المريض. ينظر: أعيان الشيعة 42 / 46 – 48، معجم المؤلفين، عمر كحالة: 7/197.

وبعْدَ استِقْصَاءِ النَّظَرِ فيْهَا أَعَادُوها كَمَا كَانَتْ (1).

[الفتح الثاني للخزانة]

وبَقِيتْ فِي حَقِيبَةِ الكِتْمَانِ وتَحْتَ أَسْتَارِ الخَفَاءِ مَا مَسَّها بَشَرٌ، وَلا رَمَقَها بَصَرٌ سَبْعَةً وسِتِّينَ سَنَةً إلى هذِهِ السنَةِ حَيْثُ فُتِحَتْ أَوَاخِرَ (2) رَجَبٍ سَنَةَ 1354ه بإِشْرَافِ مَعَالي مُتصرِّفِ كَرْبلاء صَالِحِ والسَّادِنِ السيِّد عبَّاس وجَمَاعَة مِنَ الخَدَمَةِ والمَأْمُورِينَ وغَيرِهِمْ//10، فَوَجدُوها مخْتُومَةً بخَاتَمِ مِدْحَت بَاشَا، ومُشِير الدَّولَةِ، وأَحْمَد كَمَال مُضَافًا إِلى خاتَم الشيْخِ مُوسَى، لَمْ يُفْقَدْ منْها شَيءٌ.

والظَّاهِرُ إِنَّهُمُ احتَفَظُوا بِتلْكَ الخَواتِمِ، وزَادَ المُتصرِّفُ فِي المُحَافَظَةِ عَلَيْها بِوضْعِهَا فِي صَنَادِيقَ حَديديَّةٍ وسَلاسِلَ مُبْرَمَةٍ، ثُمَّ أَعَادُوها فِي مَحلِّهَا وبَنَوا عَلَيْها وأخْفَوا أَثَرَها.

ومِنْ جَمِيعِ مَا أمْلَينَاهُ عَلَيكَ مِنْ مُخْتَصَرِ تَارِيخِ هذِهِ الخِزَانَةِ المُعظَّمَةِ؛ بَلِ الأَمانَةُ المُقدَّسَةُ تعْرِفُ مَا كَانَ لَهَا مِنَ الأَهَمِّيَّةِ عِنْدَ أَسْلافِنَا الأَمَاجِدِ، وكَيْفَ كَانُوا يَجِدُونَ مِنَ الوَاجِبِ المُحَافَظَةُ عَلَى بَقَائِهَا فِي محلِّها الأَوَّلِ، ومَوْضِعِهَا المَنِيعِ، لا تَحُولُ عَنْهُ ولا تَزُولُ إِلاَّ لِضَرُورَةٍ مُحْرِجَةٍ، ولَكِنْ تُقدَّرُ بِقَدَرِهَا، ثُمَّ تَعُودُ إِلَى مِحْوَرِهَا//11.

ص: 177


1- ينظر: تاريخ النجف : 2/522.
2- في تاريخ النجف: 2/522( أوائل رجب).

مصادر التحقيق ومراجعه

-- أدوار علم الفقه وتطوّره، الشيخ علي كاشف الغطاء، مطابع مؤسسة البيادر للطباعة، بيروت، الطبعة الأولى 1399ﻫ - -- 1979م.

-- الأربعين في إمامة الأئمة الطاهرين للمؤلف الشيخ محمد طاهر القمي الشيرازي تحقيق: السيد مهدي الرجائي، الطبعة الأولى 1418 ه ، قم المقدسة- الجمهورية الاسلامية الإيرانية .

-- الأعلام قاموس تراجم لأشهر الرجال والنساء من العرب والمستعربين والمستشرقين تأليف خير الله الزركلي دار العلم للملايين، الطبعة الخامسة أيار ( مايو ) 1980م.

-- أعيان الشيعة، للسيد محسن بن عبد الكريم العاملي الشقرائي المعروف بالأمين( 1371ﻫ )، بيروت مطبعة الانصاف، الطبعة الاولى، 1370ﻫ - -- 1951م.

-- تاج العروس من جواهر القاموس، محمد مرتضى الحسيني الزبيدي(ت 1205ه)، بيروت مكتبة الحياة.

-- تاريخ النجف الأشرف، تأليف الشيخ محمد حسين بن علي بن محمد حرز الدين المسلمي العقيلي( ت 1418ﻫ ) ، هذّبه وزاد عليه عبد الرزاق محمد حسين حرز الدين، الطبعة الاولى 1427ﻫ - ، منشورات دليل ما.

-- تحفة العالم في شرح حطبة المعالم، للسيد جعفر بن محمد باقر بن علي بن رضا آل بحر العلوم الطباطبائي( ت 1377ﻫ ) النجف الاشرف، مطبعة الغري، 1354ﻫ .

جنة المأوى، تأليف: الإمام الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء ( 1294 - 1373 ه ) مواد ومواضيع متفرقة وأجوبة عن أسئلة وجهت إليه (قدس سره) فيما يتعلق بالعقائد والتاريخ وغيرهما، جمعها ورتبها وقدم لها مقدمة ضافية حول المؤلف والكتاب السيد محمد علي القاضي الطباطبائي (رحمه الله)، وطبعها في تبريز سنة 1397 ه . أعادت دار الأضواء في بيروت طبعه بصف جديد سنة 1408 ه .

-- خطط الكوفة، وشرح خريطتها، لويس ما سينيون، تحقيق محمد تقي المصعبي، صيدا ، مطبعة العرفان، 1358ﻫ .

ص: 178

-- الرحلة العراقية -- الايرانية للسيد محسن بن عبد الكريم العاملي الشقرائي المعروف بالأمين( 1371ﻫ )، بيروت مطبعة الانصاف، الطبعة الاولى، 1374ﻫ - .

-- روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات ، محمد باقر الموسوي الخوانساري الاصبهاني، بيروت الدار الاسلامية، الطبعة الاولى، 1411ﻫ - -- 1991م.

-- الشيخ كاشف الغطاء ودوره الوطني والقومي ، د. حيدر السيد سلمان العوادي، الطبعة الاولى، 2006م.

-- الصحاح، تاج اللغة وصحاح العربية تأليف إسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار دار العلم للملايين، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى القاهرة 1376 ه - 1956 م الطبعة الرابعة 1407 ه - 1987 م

-- العبقات العنبرية، في طبقات الجعفرية مخطوط في مكتبة آل كاشف الغطاء، النجف الأشرف.

-- الفجر الصادق، في الردّ على الفرقة الوهابية المارقة، جميل صدقي الزهاوي، طبعة الاوفست عن الطبعة المصرية، في بغداد 2004م.

-- فرحة الغري في تعيين قبر أمير المؤمنين ( عليه السلام)، غياث الدين عبد الكريم بن طاووس( ت 693ﻫ )، تحقيق: تحسين آل شبيب الموسوي، قم، مركز الغدير للدراسات الاسلامية، الطبعة الاولى، 1419ﻫ - -- 1998م.

-- قبر الامام وضريحه ، الدكتور صلاح مهدي الفرطوسي، دار المؤرخ العربي، بيروت لبنان، الطبعة الاولى، 2008م.

-- كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، المقدمة للعلامة الحجة آية الله العظمى السيد شهاب الدين النجفي المرعشي، دار إحياء التراث العربي بيروت – لبنان .

-- الكنى والالقاب، عباس بن محمد رضا القمي (ت 1359ﻫ )، طهران مكتبة الصدر.

-- لسان العرب، ابن منظور، جمال الدين أبو الفضل محمد بن مكرم المصري (ت711ﻫ )، تح: عامر أحمد حيدر، مراجعة: عبد المنعم خليل إبراهيم، دار الكتب العلمية ، بيروت ، 2009م.

ص: 179

-- ماضي النجف وحاضرها، جعفر الشيخ باقر محبوبة ( ت 1377ﻫ )، المطبعة العلمية والنعمان، النجف الاشرف، 1955م -- 1957م.

-- مباحث عراقية، يعقوب سركيس، بغداد، شركة التجارة للطباعة، 1374ﻫ - -- 1955م.

-- المراجعات الريحانية، الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، تحقيق: السيد محمد عبد الحكيم الصافي، الطبعة الاولى، 2003م، دار الهادي.

-- مراقد المعارف، محمد بن علي بن عبد الله بن حمد الله حرز الدين المسلمي( ت 1365ﻫ )، تحقيق: محمد حسين حرز الدين، النجف الاشرف مطبعة الآداب، 1391ﻫ - -- 1971م.

-- مروج الذهب، ومعادن الجوهر، أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي ( ت 346ﻫ )، قم، دار الهجرة، الطبعة الثانية، 1404ﻫ - -- 1984م.

-- معارف الرجال، محمد بن علي بن عبد الله بن حمد الله حرز الدين المسلمي( ت 1365ﻫ )، تحقيق: محمد حسين حرز الدين، النجف الاشرف مطبعة الآداب، 1383ﻫ - -- 1964م.

-- معجم البلدان، شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي( ت 626ﻫ )، بيروت ، دار إحياء التراث العربي.

-- معجم قبائل العرب القديمة والحديثة تأليف عمر رضا كحاله ، دار العلم للملايين بيروت 1388 ه - 1968 م

-- معجم المؤلفين، عمر رضا كحالة، مكتبة المثنى، بيروت – لبنان، و دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان .د.ت.

-- المفصل من تاريخ النجف، الاستاذ الدكتور حسن عيسى الحكيم، المكتبة الحيدرية، قم المقدسة، الطبعة الاولى 1427ﻫ .

-- موسوعة العتبات المقدسة، جعفر الخليلي، الطبعة الأولى، دار التعارف للمطبوعات، بيروت 1965م.

ص: 180

-- النهاية في غريب الحديث، ابن الأثير(ت 606ه)،تح: محمود محمد الطناحي الطبعة الرابعة، 1364 ش، مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع، قم – ايران.

ص: 181

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.