حذيفة بن اليمان رضی الله عنه ومكانته في الإسلام

هویة الکتاب

علاء السيد علي خان المدني

حذيفة بن اليمان

ومكانته في الإسلام

إصدار

مؤسسة مسجد السهلة المعظم

الطبعة الأولى

حقوق الطبع محفوظة للمؤسسة

1435ﻫ

ص: 1

اشارة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ))

صدق الله العلي العظيم

سورة الحجرات

الآية (15)

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الخلق المبعوث رحمة للعالمين سيد الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين أئمة الحق وهداة الخلق.

حوت صفحات التاريخ لوحات مضيئة لرجال لمع نجمهم في سماء الدعوة المحمدية الغراء من الصحابة والتابعين؛ لما تميزوا به من عطاء خاص, والتزام بالنهج الرسالي الذي اختطه النبي الأمين (صلى الله عليه وآله وسلم) , فكانوا رسل الإسلام العظيم مبشرين ومنذرين بما بشر به الإسلام وما أنذر به , لهم من هدي القرآن الكريم ومن سيرة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) خير معين لأداء حق الرسالة وإيصال مضمونها, فكانوا أمناء على أداء هذا الواجب.

ومن أولئك الصحابة يستذكر عهد الرسالة الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان, بما سجل له من فكر وموقف وجهاد, ولما كانت البحوث والدراسات التي تناولت هذه الشخصية قليلة, قد تناثرت معالمها التي يُستدَلُّ بها على شخصيته ومكانته في الإسلام, فقد وفق مؤلف هذا الكتاب لجمع ما ضمته كتب التاريخ والسيرة من تلك المعالم لهذا الصحابي الجليل, وهو – كما علمنا – رسالة المؤلف التي نال بها شهادة الماجستير بدرجة امتياز.

والمؤلف هو السيد علاء الدين نجل الحجة الراحل السيد محمد علي آل السيد علي خان المدني, الذي أضاف سابقا واجهة مضيئة أخرى الى المكتبة الإسلامية بإتمامه الجزئين الثاني والثالث من السفر القيم لوالده الحجة الراحل الموسوم ( أبو طالب وبنوه) , والذي نأمل أن يحالفنا التوفيق لإعادة طباعته بعد نفاد طبعتيه الأولى والثانية.. آملين أن نكون قد ساهمنا مجددا عبر ما قدمناه للقارىء المسلم من

ص: 3

مطبوعات خدمة لإسلامنا العزيز, أن نكون قد ساهمنا في نشر صفحات من جوانب الرسالة السمحاء ورجالها .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مؤسسة

مسجد السهلة المعظم

ص: 4

المقدمة

ص: 5

المقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين , سيدنا محمد , وعلى اله الطيبين الطاهرين وصحبهِ الغر الميامين , ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد :

فلقد تشمرّتُ للبحث وأطفتُ به .. وفاء بحق التاريخ العربي والإسلامي وإدراكاً مني أهمية إحياء التراث في تقدم ثقافة الأمة وحضارتها , لما يمثلهُ التواصل بين ماضي الأمة وحاضرها وما يحمله من دلالة مباشرة على إمكانية الرقي عند الإنسان فرداً أو جماعة فيقتضيني واجب العرفان بحق الرجال الذين ملأوا صفحات التاريخ بجلائل الأعمال ورعاية لحرمة حقوق الصحابة الذين يشكلون تراثاً عظيماً لهذه الأمة , لما قاموا به من بطولات وتضحيات حتى توطدت أركان الإسلام وتمهدت قواعد الإيمان وانتشر العدل في مشارق الأرض ومغاربها, فكان عصرُهم خير العصور , فكرا وعلما وجهادا وثقافة ولقد كان من بين أولئك الصحابة الذين هم أنَفسُ ذخائر الأمة , الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه), لقد بذل حذيفة بن اليمان منتهى طاقاتهِ دون النبي (صلى الله عليه واله وسلمّ) , وصبرَ أيام الشدة , وأوقات العسرة حتى أظهر الله دينه , وأعزَّ دعوته لذا عُدّ حذيفة من السابقين إلى الإسلام والقادة إلى سبيله والدعاة إلى نهجه , ولقد جسد قيمَ الدين الإسلامي ومبادئه لأنها كانت تجري منه مجرى دمه في عروقهِ.

تمثَلُ حياة الصحابي حذيفة بن اليمان صفحة مشرقة من صفات التاريخ الإسلامي سطرها بفكره النيرّ وجهاده العظيم . في سبيل الله ونشر دينه وإعلاء كلمته , وتبليغ رسالته ولهذا : تعُد دراستي اسهامة متواضعة في إحياء جانب يسير من التاريخ الإسلامي المشرق , وعساني أكون قد وفقت ُ- إلى حدّ ما – إلى جمع ما تناثر من المعالم التي يُستدَلُّ بها على شخصيته ومكانته في الإسلام والوقوف عنَد شخصية هذا الصحابي الجليل (رض) والذي يعُد عالماً , ومحدثاً , ومجاهداً , امتاز بسعة علمه,

ص: 6

ووفور عقله ومروياته وفقهه إضافة إلى جنديّته وقيادته الحكيمة وحنكته العسكرية في ميادين الجهاد, وما يتميز به من حرص شديد على اكتساب الخلال الحميدة والأخلاق العالية والسجايا الرفيعة التي اغترفها من القران الكريم ونهلها من السنة النبوية الشريفة.

إن سبب اختياري لهذا الموضوع يتضمن جمله من الأسباب هي:

1-المساهمة في مواصلة البحث والدراسة عن هذا الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه.

2-إن لموضوع البحث أهمية كبيرة لا تقتصر على الناحية التاريخية فحسب بل هو يتناول جوانب مهمة تحتاجها الأمة.

3-قلة البحوث والدراسات التي تناولت هذه الشخصية المباركة.

أما خطة البحث فأن منهج البحث وخطته اقتضيا تقسيم هذه الرسالة إلى هذه المقدمة وثلاثة فصول وخاتمة بأهم النتائج.

أما الفصل الأول فيتناول : شخصيته وحياته ويتضمن ثلاثة مباحث هي:

المبحث الأول : شخصيته

1-أسمه ونسبه وكنيته وألقابه

2-مولده ونشأته

3-أسرته وقبيلته

4-حياته في الجاهلية

والمبحث الثاني : أسلامه

والمبحث الثالث : ويتناول أثر القرآن والسنة في تربيته

ص: 7

وأما الفصل الثاني : فتناولت فيه حياته في المدينة المنورة , ويتألف من ثلاثة مباحث هي :

المبحث الأول : حياته الاجتماعية

المبحث الثاني : علميته وثقافته

المبحث الثالث : أسلوبه الاستخباراتي في الدعوة

وأما الفصل الثالث : جهاده وصفاته , ويتألف من أربعة مباحث هي :

المبحث الأول : أهم صفاته

المبحث الثاني : جهاده وغزواته

المبحث الثالث : توليه الولاية

المبحث الرابع : وفاته

ثم الخاتمة بأهم النتائج , ثم المصادر والمراجع

وأما الخاتمة فقد تناولت فيها أهم النتائج التي توصل إليها البحث

تحليل المصادر:

أما المصادر التي اعتمدت عليها في إعداد هذه الرسالة فهي مجموعة كبيرة غير إنني سأقتصر على المصادر التي كانت ذات قيمة أساسية لموضوع بحثي , وفي مقدمتها كتب التاريخ والتراجم ومنها : كتاب الطبقات الكبرى , لابن سعد : محمد بن سعد ت 230ﻫ - 854م وكتاب الثقات , لابن حبان : محمد بن حبان ألبستي ت 354ﻫ - 965م, وكتاب أسد الغابة في معرفة الصحابة , لابن الأثير: عز الدين أبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد الشيباني ت 630ﻫ - 1232م, وكتاب سير أعلام النبلاء , للذهني : أبو عبد الله شمس الدين محمد

ص: 8

بن أحمد ت 847ﻫ - 1347م , وكتاب تهذيب التهذيب , لابن حجر العسقلاني : أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي ت 852ﻫ -1448م.

أما فيما يتعلق بتفسير القرآن الكريم , فقد اعتمدت على كتب التفسير المعتمدة ومنها : تفسير القرآن العظيم , لابن كثير : أبو الفداء عماد الدين إسماعيل ت 774ﻫ -1372م , والصابوني : محمد علي, صفوة التفاسير.

وأما في مجال الحديث النبوي: فكانت المصادر التي اعتمدتها: الصحاح والسنن والمسانيد, وأذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: المسند , لأحمد بن حنبل ت 241ﻫ - 855م , والجامع الصحيح , للبخاري : أبو عبد الله محمد بن إسماعيل 256ه-869 م وصحيح مسلم, لمسلم: أبو الحسين بن الحجاج القشري النيسابوري ت 261ﻫ -879 م, وغيرها من المصدر.

أما منهجية البحث فكانت منصبة على بيان شخصيه وحياة حذيفة بن اليمان رضي الله عنه ومن ثم ذكر هذه المعلومات وإرجاعها من مصادرها وكما يأتي:

1-القرآن الكريم – حيث خرجت جميع الآيات القرآنية.

2-الأحاديث النبوية - حيث خرجت الأحاديث النبوية من أمهات كتب الحديث.

3-إرجاع الروايات إلى مصادرها الأصلية.

ص: 9

وفي الختام أرجو أن يكون هذا الجهد المتواضع خالصاً لوجهه الكريم, مفيداً لعموم المسلمين, وخدمة لتراثنا العربي والإسلامي, وأدعو الله أن أكون قد وفقت فيه إلى الصواب, وإن كنت قد أخطأت فذلك من نفسي, وما أنزه نفسي عن الخطأ, وحسبي أني قد بذلت ما في وسعي من جهد تحت إشراف ورعاية أستاذي الفاضل الدكتور رعد غالب غائب, الذي كانت ملاحظاته بحق دواء على داء, فجزاه الله عني خير الجزاء ,وأدعوه تعالى أن يثيبني وإياه على جهدنا, إنه نعم المولى ونعم المجيب.

ص: 10

الفصل الأول: شخصيته وحياته

اشارة

المبحث الأول : شخصيته

1- اسمه ونسبه وكنيته وألقابه

2- مولده ونشأته

3- أسرته وقبيلته

المبحث الثاني : إسلامه

المبحث الثالث : أثر القرآن والسنه في تربيته

ص: 11

تمهيد

إن مما أنعم الله به على أسرة حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) سرعة الاستجابة للدعوة المحمدية التي صدع بها الصادق الأمين ((صلى الله عليه واله وسلم) فكان من السباقين إلى الإسلام والمبادرين إلى التصديق بالرسالة التي جاء بها الحبيب المصطفى عن ربّهِ فرأى فيها جماعَ الخير كلهِ وقد كان إسلامه انعطافة في مسيرة حياته وتربيته وكان للقرآن الكريم ومضامينه وسنة رسوله ((صلى الله عليه واله وسلم) قولاً وفعلاً وتقريراً وصِفة أثرهما في رسم ملامح شخصيته (رض) وأبعادِ حياته وسأتناول في هذا الفصل شخصيته وحياته , والتعريف باسمه ونسبه وكنيته وألقابه , ومولده ونشأته , وأسرته وقبيلته , وحياته في الجاهلية , وإسلامه , وأثر القرآن والسنة في تربيته, وعليه سيكون هذا الفصل في ثلاثة مباحث وعلى الوجه الأتي:

المبحث الأول : شخصيته وحياته وتتضمن:

1- اسمه ونسبه وكنيته وألقابه

2- مولده ونشأته

3- أسرته وقبيلته

4- حياته في الجاهلية

المبحث الثاني : إسلامه

المبحث الثالث : أثر القرآن والسنة في تربيته

ص: 12

المبحث الأول: شخصيته

اشارة

1. اسمه ونسبه وكنيته وألقابه

2. مولده ونشأته

3. أسرته وقبيلته

ص: 13

المبحث الأول

شخصيته وحياته

أولا : اسمه ونسبه وكنيته وألقابه

هو حذيفة بن حسل بن جابر بن عمرو بن ربيعة بن جروه بن الحارث بن مازن بن قطيعه بن عبس العبسي , أبو عبد الله , واليمان هو لقب أبيه حسل , إذ كان أبوه قد أصاب دماً فهرب إلى يثرب فحالف الخزرج من بني عبد الأشهل من الأنصار وهم من اليمن فسماه قومه اليمان لكونه حالف اليمانية(1) .

ثانياً : مولده ونشأته

ولد في مكة وعاش في المدينة في بيت مسلم , وربي في كنف أبوين من السابقين في دين الله(2).

ثالثاً : أسرته وقبيلته

ص: 14


1- ينظر : الخطيب البغدادي : أبو بكر أحمد بن علي ت 463ﻫ - 101م- تاريخ بغداد أو مدينة السلام منذ تأسيسها حتى سنه 463ﻫ - دار الكتب العلمية – بيروت- لبنان – د.ت , 1/161 , أبن الأثير : عز الدين أبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد الشيباني ت 630ﻫ -1232م , أسد الغابة في معرفة الصحابة . تحقيق وتعليق : محمد إبراهيم ألبنا , ومحمد أحمد عاشور , ومحمود عبد الوهاب فأيد – مطبعة القاهرة سنة 1280ﻫ , 1/468, الذهبي : أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد ت 748ﻫ - 1347م , سيرا علام النبلاء , خرج أحاديثه وعلق عليه : محمد أيمن الشيراوي , دار الحديث – القاهرة – سنة الطبع 1427ﻫ - 2006م , 4/27 وما بعدها , ابن حجر العسقلاني: أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي ت 852ﻫ - 1448م, الإصابة في تميز الصحابة – مطبعة القاهرة – سنة 1939م , 1/79, ابن تغري بردي : جمال الدين أبي المحاسن يوسف ت 874ﻫ - 1469م- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة – وزارة الثقافة والإرشاد القومي – المؤسسة المصرية العامة – د. ت ص97 .
2- ابن عبد البر : أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر ت 463ﻫ - 973م , الاستيعاب في معرفة الأصحاب , تحقيق الدكتور طه محمد الزيني , مكتبة الكليات الأزهرية , الأزهر , مصر , الطبعة الأولى , 1396ﻫ - 1979م , 1/186-187, الخطيب البغدادي , تاريخ بغداد 1/ 161 .

أما والده , فهو حسل بن جابر العبسي اليماني , أبو عبد الله , حليف الأنصار من أعيان المهاجرين , وأما والدته , فهي الرباب بنت كعب بن عدي بن عبد الأشهل الأنصارية (1).

وأما أخوانه, فهم سعد , وصفوان , ومد لجا(2).

وأما أخواته , فهن ليلى , ومن أدركن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) هن : فاطمة, التي روت أحاديث عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وروى عنها ابن أخيها, أبو عبيدة بن حذيفة بن اليمان , وخوله بنت اليمان , وروى عنها أبو سلمه بن عبد الرحمن , وقد روى أبو عبيدة عن أبيه أيضاً (3).

أما قبيلته فان والده, حالف بني عبد الأشهل من الأنصار, وإذا كان الرجل من قبيلةٍ ثم دخل في قبيلةٍ أخرى, جاز أن ينسب إلى قبيلته الأولى, وأن ينسب إلى القبيلة الثانية التي دخل فيها وأن ينسب إليهما جميعاً, وقد ينضم الرجل إلى غير قبيلته بالحلف والموالاة فينسب اليهم , فيقال : حليف بني فلان أو مولاهم(4).

ص: 15


1- الخطيب البغدادي , تاريخ بغداد 1/ 161, الذهبي , سير أعلام النبلاء 4/27.
2- ابن سعد : محمد بن سعد ت 230ﻫ - 844م , الطبقات الكبرى , دار صادر , بيروت , 1957/ 1958م , 7/ 317 وما بعدها , ابن حجر العسقلاني , الإصابة في تمييز الصحابة 1/79 .
3- ابن الأثير , أسد الغابة في معرفة الصحابة 1/ 468 .
4- القلقشندى: أحمد بن علي , صبح الأعشى في صناعة الانشا, شرحه وعلق عليه وقابل نصوصه : محمد حسين شمس الدين , دار الكتب العلمية , بيروت , لبنان , ضبطت وقوبلت على طبعة دار الكتب المصرية وعلى المصادر الأساسية لنصوص الكتاب , الطبعة الأولى , 1407ﻫ - 1987م , 1/362 .

المبحث الثاني: إسلامه

ص: 16

المبحث الثاني

إسلامه

لما بلغ حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عهد الصبا والشباب وصلته الدعوة الإسلامية , فوجد لها صدى في نفسه , فكان من أوائل الملبين لها , فأسلم حذيفة وأبوه في وقت واحد , وأخذا يتطلعان إلى أخبار رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم), فسمعا بنبأ أول صدام مع المشركين من قريش, وأنها ستكون من المعارك الفاصلة في تاريخ المسلمين , فاستعدا لها وتجهزا للحاق بركب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم), والانضمام إلى حزبه , لمجابهة أعنف وأشرس تحشد كافر ضدهم, ولخطورة الموقف كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يناشد ربه ما وعده من النصر, ويقول : ((اللهم أنجز لي ما وعدتني , اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك)) حتى إذا حمي الوطيس, واستدارت رحى الحرب بشدة , واحتدم القتال, وبلغت المعركة قمتها قال: ((اللهم أن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد,اللهم إن شئت لم تبعد بعد اليوم أبداً)). وبالغ في الابتهال حتى سقط رداؤه عن منكبيه, فرده عليه أبو بكر , وقال: حسبك يا رسول الله , ألححت على ربك(1) . وأوحى الله الى ملائكته:((أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ))(2). وأوحى إلى رسوله : ((أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ))(3).

وخرج حذيفة وأبوه يريدان ( بدراً ) وهما يومئذ يسيران في الطريق للاشتراك في الموقعة القادمة غير أن المشركين , قبضوا عليهما, ولم يطلقوا سراحهما, إلا بعد أن أخذوا عليهما الميثاق بأن لا يشتركا في محاربتهم فأعطياهم الميثاق, فلما وصلا إلى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)أخبراه بالخبر وقالا: يا رسول الله

ص: 17


1- الخطيب التبريري ولي الدين محمد بن عبد الله ( المتوفى في القرن الثامن من الهجري ) , ومشكاة المصابيح , المكتبة الرحيمية , ديوبند , الهند 2/331 وما بعدها , ألمباركفوري : صفي الرحمن . الرحيق المختوم , دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع , المنصورة , الطبعة السابعة عشر , 1426ﻫ - 2005م , ص 200 , صادق ألجميلي , تاريخ شخصية مائة صاحبي وصحابيه , مطبعة أنوار دجلة , بغداد , 1432ﻫ - 2011م , ص 475.
2- سورة الأنفال : أية 12.
3- سورة الأنفال : أية 9.

إن شئت قاتلنا منك , فقال : (صلى الله عليه واله وسلم): بل نفي لهم بالوعد ونستعين الله عليهم(1)

. فلم يشهدا بدرا بسبب ذلك , وهو سبب خارج عن أرادتهما, وهكذا كان يعلم الرسول (صلى الله عليه واله وسلم)صحابته الكرام على مبدأ الوفاء بالعهد, ولو كانوا حتى في أصعب الظروف, وهكذا كان يربيهم على مكارم الأخلاق.

ولقد شهد حذيفة مع أخيه صفوان أحداً مع النبي (صلى الله عليه واله) وسلم(2). وحضر حذيفة ما بعد أحد من الوقائع(3). وكان من كبار صحابة النبي (صلى الله عليه واله) وسلم, هاجر إليه, فخيره النبي (صلى الله عليه واله) وسلم بين الهجرة والنصرة , فأختار النصرة , وكان يقول: خيرني رسول الله بين الهجرة والنصرة فاخترت النصرة(4).

وقد ذُكَر حذيفة بن اليمان رضي الله عنه في الحلية انه خالط أهل الصفة مدة فأنتسب إليهم هو وأبوه من المهاجرين , فخيره النبي (صلى الله عليه واله وسلم)بين الهجرة والنصرة , فأختار النصرة وحالف الأنصار(5) .

ص: 18


1- ابن الأثير , أسد الغابة في معرفة الصحابة 1/468, أبن حجر العسقلاني , الإصابة في تمييز الصحابة 2/332.
2- ابن الأثير , أسد الغابة في معرفة الصحابة 2/16.
3- الخطيب البغدادي , تاريخ بغداد 1/161.
4- أبو نعيم , الاصبهاني , أحمد بن عبد الله ت 430ﻫ -940م حلية الأولياء وطبقات الأصفياء دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان 1988م 1/354, الطبرسي , أحمد بن علي أبي طالب , الاحتجاج , تعليقات وملاحظات : محمد باقر الخرسان , دار النعمان – النجف 1386ﻫ - 1966م 1/88.
5- أبو نعيم , حلية الأولياء 1/354.

ص: 19

المبحث الثالث: أثر القرآن والسنة في تربيته

ص: 20

المبحث الثالث

أثر القرآن والسنة في تربيته

كان المنهج التربوي الذي تربى عليه حذيفة بن اليمان والصحابة الكرام المنتجبين هو القرآن الكريم , المنزل من عند رب العالمين , فهو المصدر الوحيد للتلقي , فقد حرص الحبيب المصطفى على توحيد مصدر التلقي , وتفرده , وأن يكون القرآن الكريم وحده هو المنهج والفكرة المركزية التي يتربى عليها الفرد المسلم, والأسرة المسلمة, والجماعة المسلمة, فكان للآيات القرآنية الكريمة التي سمعها حذيفة بن اليمان من رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)مباشرة أثرها في صياغة شخصيته الإسلامية.

فالله سبحانه وتعالى منزه عن النقائص, موصوف بالكلمات التي لا تتناهى فهو سبحانه ((وحد لا شريك له , ولم يتخذ صاحبة , ولا ولداً)).

وأنه سبحانه خالق كل شيء, ومالكه, ومدبره, قال تعالى : ((إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ))(1).

وانه تعالى مصدر كل نعمة في هذا الوجود , قال تعالى ((وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ))(2).

وأن علمه محيط بكل شيء فلا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء ولا ما يخفي الإنسان وما يعلن. وأن الله سبحانه يقيد على الإنسان أعماله بواسطة ملائكته في كتاب لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها, وسينشر ذلك في

ص: 21


1- سورة الأعراف : أية 54.
2- سورة النحل : أية 53.

اللحظة المناسبة والوقت المناسب, قال تعالى:((مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))(1).

وأنه سبحانه يبتلى عباده بأمور تخالف ما يحبون , وما يهوون , ليعرف الناس معادنهم , ومن منهم يرضى بقضاء الله وقدره , ويسلم له ظاهراً وباطناً , فيكون جديراً بالخلافة والإمامة والسيادة , ومن منهم يغضب , ويسخط , فلا يساوي شيئاً ولا يسند إليه شيء , قال تعالى : ((الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ))(2).

وأنه سبحانه يوفق , ويؤيد , وينصر من لجأ إليه , ولاذ بحماه , ونزل على حكمه في كل ما يأتي , وما يذر , قال تعالى : ((إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ))(3).

وأنه سبحانه وتعالى حقه على العباد أن يعبدوه , ويوحدوه , فلا يشركوا به شيئاً, قال تعالى: ((بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ))(4).

وأنه سبحانه حدد مضمون هذه العبودية,وهذا التوحيد في القرآن الكريم(5). ولقد أوتي حذيفة بن اليمان من رجاحة العقل وشفافية الحس, ما مكنه من فهم الأمور بالهام خاص, وقدرة على النفاذ والفهم, وهكذا حين يمتلأ القلب من عظمة الله, ويشرق بنور جلاله, وهيبته فينشرح الصدر, فتنكشف حقائق الأشياء وتتجلى معرفة الأشياء في مواضعها, أنه الإيمان يبدو لمُظة في القلب كلما ازداد ازدادت اللمظة ذلك ما عبر عنه حذيفة ابن اليمان بقوله:((أن في قلب المؤمن سراجاً يزهر)). فكلما قوي الأيمان في القلب قوي انكشاف الأمور له, وعرف حقائقها من

ص: 22


1- سورة ق : أية 18.
2- سورة الملك : أية 2 .
3- سورة الأعراف : أية 196.
4- سورة الزمر : أية66.
5- السيد محمد نوح , منهج الرسول في غرس الروح الجهادية في نفوس أصحابه , الطبعة الأولى , 1411ﻫ - 1990م , نشرته جامعة الأمارات العربية المتحدة ص (10-16) .

بواطلها, وكلما ضعف الأيمان ضعف الكشف, وذلك مثل السراج القوي والسراج الضعيف في البيت المظلم(1).

أنه استعداد فطري عند بني البشر يتفاوت قوة وضعفاً , ولقد كان هذا الاستعداد عند حذيفة بن اليمان على مثابة عالية, فهو يرى أن:((القلوب أربعة, قلب أغلف فذلك قلب الكافر, وقلب مصفح فذلك قلب المنافق, وقلب أجرد فيه سراج يزهر, فذلك قلب المؤمن, وقلب فيه نفاق وإيمان, فمثل الإيمان كمثل شجرة يمدها ماء طيب, ومثل النفاق مثل القرحة , يمدها قيح ودم, فأيهما ما غلب عليه غلب))(2).

فقد أخرج الشيخان عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه قال: حدثنا رسول الله (صلى الله عليه واله) وسلم: ( إن الأمانة نزلت من السماء في جذر قلوب الرجال, ونزل القرآن, فقرأوا القرآن وعلموا من السنة))(3).

وأستشعاراً من حذيفة رضي الله عنه لأهمية الأمانة, لأنها توأم القرآن لم يتوان عن الاغتراف من علومه حسب قدرته على الأخذ, وحسب استعداده في الاستيعاب تجسيداً لدعوة رسول الله (صلى الله عليه واله) وسلم إياه ثلاثاً قال (صلى الله عليه واله وسلم): ((يا حذيفة تعلم كتاب الله , واتبع ما فيه))(4). لعلمه (صلى الله عليه واله وسلم)أن القرآن: هو الناصح الذي لا يغش والهادي الذي لا يضل والمحدث الذي لا يكذب.

ولما وقعت الفتنه قيل لحذيفة: أن الفتنة وقعت فحدثنا ما سمعته, قال:((أو لم يأتكم اليقين! كتاب الله عز وجل))(5).

ص: 23


1- أبو نعيم , حلية الأولياء 1/276 , أبو ريهّ : محمود , أضواء على السنه المحمدية , الطبعة الثانية منقحة ومزيده , 1383ﻫ - 1964 مطبعة صور الحديثة , ص 136.
2- أبو نعيم الاصبهاني , حلية الأولياء 1/276 .
3- ابن الأثير , أسد الغابة في معرفة الصحابة 1/ 468 .
4- أبو نعيم الاصبهاني , حلية الأولياء 1/275.
5- المصدر السابق نفسه 1/275 .

وها هو يهيب بحملة القرآن في سلوك طريق الاستقامة فيخاطبهم بالقول؟((يا معشر القراء اسلكوا الطريق فلئن سلكتموه لقد سبقتم سبقاً بعيداً , ولئن أخذتم يميناً وشمالاً , لقد ظللتم ظلالاً بعيداً))(1).

ولحامل القرآن الذي يعمل بما فيه حق خاص, وإجلال معين يناسب علمه وفضله, يقول النبي (صلى الله عليه واله) وسلم:((إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم, وحامل القرآن غير الغالي ولا الجافي عنه, وإكرام ذي السلطان المقسط))(2).

ولعل أمثل شاهد على شدة اهتمام حذيفة بن اليمان بالقرآن الكريم خوفه من الاختلاف فيه, ففي أيام الخليفة عثمان بن عفان اتسعت الفتوح, وتفرق المسلمون في مصر والشام والعراق, وفارس وأفريقيا وفيهم القراء, وعند بعضهم نسخ من القرآن, وقد رتبها كل منهم ترتيباً خاصاً, فعوّل أهل كل مصر على من قام بينهم من القراء, فأهل دمشق وحمص مثلاً اخذوا عن المقداد بن الأسود وأهل الكوفة أخذوا عن عبد الله بن مسعود وأهل البصرة عن أبي موسى الأشعري, ومع شدة عناية القراء بحفظ القرآن وضبطه, لم ينجو من الاختلاف في قراءة بعض آياته(3).

عن أنس بن مالك : إن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان بن عفان, وكان بغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان, مع أهل العراق, فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال حذيفة بن اليمان يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل إن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى, فأرسل عثمان بن عفان إلى حفصة أن أرسلي ألينا بالصحف ننسخها في المصاحف, ثم نردها أليك , فأرسلت

ص: 24


1- المصدر السابق نفسه 1/280 .
2- أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني ت 275ﻫ - 888م , سنن أبي داود الفجر للتراث , خلف الجامع الأزهر , القاهرة , 1430ﻫ - 2009م , رقم ( 4843 ).
3- ابن الأثير , الكامل في تاريخ 3/ 55 وما بعدها , زيدان , جرجي , تاريخ أدأب اللغة العربية , طبعة جديدة مصححة ومنقحة , مراجعة الشيخ يوسف ألبقاعي , بإشراف مكتب البحوث والدراسات في دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع , بيروت - لبنان , 2005م, 1/ 212-213.

بها حفصة إلى عثمان بن عفان, فأمر زيد بن ثابت, وعبد الله بن الزبير, وسعيد بن العاص, وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام.

فنسخوها في المصاحف, وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت

في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش, فإنما نزل بلسانهم , ففعلوه, حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف, رد عثمان الصحف إلى حفصة, فأرسل إلى كُل أفق بمصحف مما نسخوا, وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق(1)

.

ويحسن بنا ونحن في صدد الحديث عن اهتمام حذيفة بن اليمان بالقرآن والخوف من الاختلاف فيه الرجوع إلى ابن الأثير في كامله عند ذكر غزو حذيفة الباب وأمر المصاحف فيقول: وفيها صرف حذيفة عن غزو الري إلى غزو الباب مدداً لعبد الرحمن بن ربيعة, وخرج معه سعيد بن العاص, فبلغ معه أذربيجان, وكانوا يجعلون الناس ردءاً, فأقام حتى عاد حذيفة ثم رجعا فلما عاد حذيفة, قال لسعيد بن العاص, لقد رأيت في سفرتي هذه أمراً لئن ترك الناس ليختلفن في القرآن ثم لا يقومون عليه أبداً, قال: وما ذاك ؟ قال: رأيت ناساً من أهل حمص يزعمون أن قراءتهم خير من قراءة غيرهم, وأنهم أخذوا القرآن عن المقداد بن الأسود, ورأيت أهل دمشق يقولون: إن قراءتهم خير من قراءة غيرهم, ورأيت أهل الكوفة يقولون مثل ذلك, وأنهم قرأوا على ابن مسعود, وأهل البصرة يقولون مثل ذلك, وأنهم قرأوا على أبي موسى الأشعري, ويسمون مصحفه لباب القلوب, فلما وصل إلى الكوفة أخبر حذيفة الناس بذلك, وحذرهم ما يخاف, فوافقه أصحاب رسول الله ((صلى الله عليه واله) وسلم), وكثير من التابعين وقال له أصحاب ابن مسعود: ما تنكر! ألسنا نقرأه على قراءة ابن مسعود ؟ فغضب حذيفة ومن وافقه, وقالوا: إنما أنتم أعراب فاسكتوا فأنكم على خطأ, وقال حذيفة: والله لئن عشت لأتين أمير المؤمنين ولأشيرن عليه أن يحول بين الناس, وبين ذلك, فأغلظ له ابن مسعود, فغضب سعيد

ص: 25


1- البخاري : أبو عبد الله محمد بن إسماعيل ت 256ﻫ - 869م , صحيح البخاري , دار الفكر , الطبعة الأولى , 1411ﻫ - 1991م , رقم ( 4987 ).

وقام وتفرق الناس وغضب حذيفة, وسار إلى عثمان فأخبره بالذي رأى وقال: أنا النذير العريان(1). فأدركوا الأمة فجمع عثمان الصحابة وأخبرهم الخبر فأعظموه , ورأوا جميعاً ما رأى حذيفة رضي الله عنه(2),

أن عثمان لم يبتدع في جمعه المصحف بل سبقه إلى ذلك أبو بكر, كما أنه لم يصنع ذلك من قبل نفسه, إنما فعله عن مشورة للصحابة, وأعجبهم هذا الفعل وقالوا: نِعَم ما رأيت, وقالوا أيضاً: قد أحسن. أي في فعله في المصاحف(3).

وقد أدرك مصعب بن سعد صحابة النبي (صلى الله عليه واله) وسلم, حين مشق(4)عثمان, المصاحف, قرآهم قد أعجبوا بهذا الفعل منه(5). وكان علي (عليه السلام) ينهى من يعيب على عثمان بذلك ويقول: يا أيها الناس لا تغلوا في عثمان, ولا تقولوا له إلا خيراً, أو قولوا خيراً, فوا لله ما فعل الذي فعل, أي في المصاحف, إلا عن ملأ منا جميعاً, أي الصحابة, والله لو وليت لفعلت مثل الذي فعل(6).

قال القرطبي في التفسير: وكان هذا من عثمان بعد إن جمع المهاجرين والأنصار وجلة أهل الإسلام, وشاورهم في ذلك, فاتفقوا على جمعه بما صح وثبت

ص: 26


1- النذير : نذير القوم , منذرهم , العريان : عروا من هذا الأمر خلوُ منه أنظر الزمخشري , محمود بن عمر , أساس البلاغة – كتاب الشعب – دار ومطابع الشعب – القاهرة – 1960م ص 947 , ص 627 .
2- ابن الأثير , الكامل في التاريخ 3/ 55 – 56.
3- د . محمد عبد الله الغبان , فتنة مقتل عثمان , مكتبة العبيكان , الطبعة الأولى 1419ﻫ - 1999م , 1 / 78.
4- مشق : هو : الحرق , ينظر أبن منظور : محمد بن مكرم ت711ﻫ - 1311م , لسان العرب , دار صادر , بيروت , 1967م , 10/ 344 .
5- البخاري , أبو عبد الله محمد بن إسماعيل ت 256ﻫ - 896م , التاريخ الصغير , تحقيق : محمود إبراهيم زايد , دار الوعي والتراث , حلب , 1977, 1/ 94, إسناده حسن لغيره .
6- البخاري , أبو عبد الله محمد بن إسماعيل ت 256ﻫ - 896م , فتح الباري بشرح صحيح البخاري , تحقيق الأستاذ محب الدين الخطيب , دار الريان القاهرة , الطبعة الأولى 1407ﻫ - 1987م , 9/18 , إسناده صحيح .

من القراءة المشهورة عن النبي ((صلى الله عليه واله) وسلم), وأطرح ما سواها, واستصوبوا رأيه, وكان رأياً سديداً موفقاً(1).

يظهر من قصة جمع القرآن في عهد عثمان مدى فهم الصحابة لآيات النهي عن الاختلاف, حيث أن الله نهى عن الاختلاف وحذر منه في مواضع متعددة من القرآن الكريم حيث قال تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ))(2). فلعمق فهمهم للقرآن أرتعد حذيفة (رضي الله عنه) عندما سمع بوادر الاختلاف في قراءة القرآن, فرحل فوراً إلى المدينة المنورة, وأخبر عثمان بما رأى وبما سمع, فسرعان ما قام عثمان يخطب الناس ويحذرهم من مغبة هذا الخلاف, ويشاور الصحابة في الحل لهذا المحنه التي بدأت بالظهور(3).

لقد تربى حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) على المنهج القرآني, وكان المربى له رسول الله ((صلى الله عليه واله) وسلم), وكانت نقطة البدء في تربية حذيفة رضي الله عنه, اتصاله بالنبي (صلى الله عليه واله وسلم), فخرج من دائرة الظلام إلى دائرة النور, واكتسب الإيمان, وطرح الكفر, وقوي على تحمل الشدائد, والمصائب في سبيل الإسلام وعقيدته السمحة, ولقد كان حب النبي (صلى الله عليه واله) وسلم هو الذي حرك الرعيل الأول من الصحابة, وهو مفتاح التربية الإسلامية, ونقطة ارتكازها, ومنطلقها الذي تنطلق منه(4).

لقد حصل لبعض الصحابة ببركة صحبتهم للرسول ((صلى الله عليه واله) وسلم), وتربيتهم على يديه احوال ايمانية عالية, يقول سيد قطب عن تلك التزكية: انها لتزكية وانه لتطهير ذلك الذي كان يأخذهم به الرسول (صلى الله عليه واله

ص: 27


1- القرطبي , أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري ت 671ﻫ - 1273م . الجامع لإحكام القرآن الكريم – تفسير القرطبي – دار إحياء التراث العربي – بيروت – لبنان – 1965م .
2- سورة الأنعام : أية 159 .
3- د . محمد عبد الله الغبان , فتنة مقتل عثمان 1/82 ,
4- محمد قطب : منهج التربية الإسلامية , دار الشروق , الطبعة الخامسة , 1403ﻫ - 1983م , ص 34 , 35 .

وسلم)تطهير للضمير والشعور, وتطهير للعمل والسلوك, وتطهير للحياة الزوجية, وتطهير للحياة الاجتماعية, وتطهير ترتفع به النفوس من عقائد الشرك الى عقيدة التوحيد, ومن التصورات الباطلة الى الاعتقاد الصحيح, ومن الاساطير الغامضة الى اليقين الواضح, وترتفع به من رجس الفوضى الاخلاقية الى نظافة الخلق الايماني, ومن دنس الربا والسحت الى طهارة الكسب الحلال, انها تزكية شاملة للفرد, والجماعة , ولحياة السريرة, ولحياة الواقع, تزكية ترتفع بالانسان, وتصوراته عن الحياة كلها, وعن نفسه,ونشأته الى افاق النور التي يتصل فيها بربه, ويتعامل مع الملأ الأعلى(1).

لقد تتلمذ حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) على يدي رسول الله (صلى اله عليه وآله وسلم) فتعلم منه القرآن الكريم والسنة النبوية, ومدى تأثيرهما في تزكية النفوس, قال تعالى:((لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ))(2).

قال ابن كثير في تفسير هذه الاية الكريمة: أي من جنسهم ليتمكنوا من مخاطبته وسؤاله ومجالسته والانتفاع به (ويزكيهم) أي يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر لتزكوا نفوسهم, وتطهر من الدنس والخبث الذي كانوا متلبسين في حال شركهم وجاهليتهم (ويعلمهم الكتاب والحكمة) يعني القرآن والسنة(3).

لذلك اوجب الله سبحانه وتعالى على الثقلين, الانس والجن الذين ادركتهم رسالة النبي ((صلى الله عليه واله) وسلم), ان يؤمنوا بالنبي (صلى الله عليه واله وسلم)وبما جاء به, كما شهدت بذلك نصوص الكتاب العزيز, كما اكد الله وجوب

ص: 28


1- سيد قطب , في ظلال القرآن , دار الشروق , الطبعة الشرعية الخامسة والعشرون , 1417ﻫ -1996م , 6/3565 .
2- سورة ال عمران : آية 164 .
3- ابن كثير , ابو الفداء , عماد الدين اسماعيل بن عمر القرشي الدمشقي , ت 774ﻫ -1372م . تفسير القرآن العظيم , طبعة جديدة منقحة , مكتبة الصفا , الطبعة الأولى , 1425ﻫ -2004م , 2/94 .

الايمان بنبيه بأن جعله مقترناً بالايمان به سبحانه وتعالى في مواضع كثيرة من القرآن الكريم منها:

قال تعالى: ((قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ))(1).

وعن ابي هريرة, عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم)انه قال:((من اطاعني فقد اطاع الله, ومن عصاني فقد عصى الله))(2).

وقد قال رسول الله (صلى اله عليه وآله وسلم):((ذاق طعم الايمان من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ رسولاً))(3).

ص: 29


1- سورة الاعراف: اية 158 .
2- ابن ماجه , الحافظ ابي عبدالله محمد بن يزيد القزويني (ت 275ﻫ - 888م) , سنن ابن ماجه دار احياء التراث العربي , بيروت , لبنان, الطبعة الاولى , 1421ﻫ - 2000م , رقم (3) .
3- مسلم , صحيح مسلم , رقم (43) .

الفصل الثاني: حياته في المدينة المنورة

اشارة

المبحث الأول : حياته الاجتماعية

المبحث الثاني : علميته وثقافته

المبحث الثالث : أسلوبه ألاستخباراتي في الدعوة

ص: 30

تمهيد

كانت حياة حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) متميزة عن غيره من الصحابة, حيث امتاز بمعرفته الدقيقة بمواطن الفتن ومعرفته بالرجال وبصيرته الثاقبة التي تدرك الشر والأشرار, وقد أشاد السلف الصالح بعلمه ودرايته, ومعرفته بالفقه وإحاطته الدقيقة بالأحكام الشرعية, فعد في مقدمة الفقهاء كما تميز بأسلوبه الدعوي وحنكته وذكائه ألاستخباراتي (رضي الله عنه).

وسأتناول في هذا الفصل حياته في المدينة المنورة, ومعرفة حياته الاجتماعية, وعلميته وثقافته, وأسلوبه ألاستخباراتي في الدعوة.

وعليه سيكون هذا الفصل في ثلاثة مباحث هي:

المبحث الأول: حياته الاجتماعية.

المبحث الثاني: علميته وثقافته.

المبحث الثالث: أسلوبه ألاستخباراتي في الدعوة.

ص: 31

المبحث الأول: حياته الاجتماعية

ص: 32

المبحث الأول

حياته الاجتماعية

ان حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) , رجل جاء الحياة مزوداً بطبيعة فريدة تتسم ببغض النفاق, وبالقدرة الخارقة على رؤيته في مكامنه البعيدة(1).

وكانت اكبر مشكلة تواجه المسلمين في المدينة هي وجود المنافقين وأشياعهم, وما يحيكونه للنبي (صلى الله عليه واله وسلم)واصحابه من مكائد ودسائس(2). لانهم كانوا يعرفون جيداً ان سبب غلبة الاسلام ليس هو التفوق المادي وكثرة السلاح والجيوش والعدد, وانما السبب هي القيم والاخلاق والمثل التي يتمتع بها المجتمع الاسلامي وكل من يمت بصلة الى هذا الدين, وكانوا يعرفون ان منبع هذا الفيض, انما هو رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)الذي هو المثل الاعلى, الى حد الاعجاز لهذه القيم, كما عرفوا ادارة دفة الحروب طيلة خمس سنين قبل غزوة بني المصطلق او غزوة المُريسيع في شعبان سنة خمس للهجرة عند عامة أهل المغازي, وسنة ست على قول ابن اسحاق(3), ان القضاء على هذا الدين واهله لا يمكن عن طريق استخدام السلاح فقرروا ان يشنوا حرباً دعائية واسعة ضد الدين من ناحية الاخلاق والتقاليد, وان يجعلوا شخصية الرسول (صلى الله عليه واله وسلم)اول هدف لهذه الدعاية الكاذبة الخاطئة, ولما كان المنافقون هم الطابور الخامس في صفوف المسلمين, ولكونهم سكان المدينة, كان يمكن لهم الاتصال بالمسلمين واستفزاز مشاعرهم كل حين, تحمل فريضة الدعاية هؤلاء المنافقون, وعلى رأسهم إبن أبي سلول(4).

ص: 33


1- الذهبي , سير اعلام النبلاء , 4/28 , خالد محمد خالد , رجال حول الرسول , دار الكتاب العربي , بيروت , لبنان , الطبعة الثانية , 1973 , ص245 .
2- د. عبدالرحمن رأفت الباشا , صور من حياة الصحابة , دار الادب الاسلامي للنشر والتوزيع , ط1 , 1418ﻫ -1997م , ص301 .
3- ابن القيم الجوزية , شمس الدين أبي عبدالله محمد بن أبي بكرت (751ﻫ -1350م) , زاد المعاد في هدي خير العباد , المطبعة المصرية , ط1 , 1347ﻫ , 2/115 .
4- صفي الرحمن المباركفوري , الرحيق المختوم , ص288 .

عن ابي يحيى, قال: سأل رجل حذيفة (رضي الله عنه) وانا عنده, فقال: ما النفاق ؟ قال: ان تتكلم بالاسلام ولا تعمل به(1).

لهذا فقد عرف العلماء المنافق في الاصطلاح الشرعي: هو الذي يظهر غير ما يبطنه ويخفيه, فان كان الذي يخفيه التكذيب باصول الايمان فهو المنافق الخالص, وحكمه في الاخرة حكم الكافر, وقد يزيد عليه في العذاب لخداعه المؤمنين بما يظهره لهم من الاسلام, قال تعالى: ((إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ))(2) , وان كان الذي يخفيه غير الكفر بالله وكتابه ورسوله, وانما هو شيء من المعصية لله فهو الذي فيه شعبة او اكثر من شعب النفاق(3).

وأساس النفاق الكفر والجبن, اما الكفر فهو ما يبطنه المنافق, واما الجبن فهو الذي يجعل المنافق يظهر خلاف ما يبطنه من الكفر, ولهذا لا يكون المنافق الا جباناً خواراً ضعيف القلب يحسن الكيد, والمخادعة والعمل في الظلام, وإذا لقي المؤمنين أظهر لهم نفسه كأنه مؤمن, قال تعالى:((وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ))(4) فهم لجبنهم يقولون:اننا مؤمنون. واذا خلوا الى قرنائهم من المنافقين والكاذبين قالوا نحن نستهزئ بالمؤمنين(5).

ثم قال تعالى: ((مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء))(6), وما روي عن ابن عمر ان النبي (صلى الله عليه واله وسلم)قال: ((مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين غنمين, تعيرُ الى هذه مرة , والى هذه مرة))(7).

ص: 34


1- الذهبي , سير اعلام النبلاء , 4/28 .
2- سورة النساء: اية 145 .
3- د. عبدالكريم زيدان , أصول الدعوة , مؤسسة الرسالة , ط9 , 1412ﻫ -2001م , ص396.
4- سورة البقرة: آية 14 .
5- د. عبدالكريم زيدان , أصول الدعوة , ص397 .
6- سورة النساء : اية 143 .
7- مسلم , صحيح مسلم , رقم(2784) , ابن حنبل: أبو عبدالله أحمد ابن حنبل الشيباني (ت241ﻫ - 855م) , المسند , القاهرة , المطبعة الميمنية سنة 1896ﻫ , 2/47 .

فان المنافقين متحيرون في دينهم, لا يرجعون الى اعتقاد شيء على صحة, ليسوا مع المؤمنين على بصيرة, ولا مع المشركين على جهالة, فهم حيارى بين ذلك(1).

وعن زاذان: ان علياً (عليه السلام) سئل عن حذيفة (رضي الله عنه) فقال: علم المنافقين, وسأل عن المعضلات, فان تسألوه, تجدونه بها عالماً.

وهذا ما أكده النبي (صلى الله عليه واله وسلم)عندما أسرَّ الى حذيفة (رضي الله عنه) اسماء المنافقين, وضبط عنه الفتن الكائنة في الامة(2).

وفي سياق حديث عمار(رضي الله عنه): قال اخبرني حذيفة (رضي الله عنه) قال: اخبرني رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) قال: قال النبي ((صلى الله عليه واله) وسلم):((في أصحابي اثنا عشر منافقاً فيهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط , ثمانية منهم تكفيهم الدبيلة وأربعة)) لم أحفظ ما قال شعبة فيهم, ذكر ذلك ابو نضرة عن قيس(3).

وروي أنه: (كان بين رجل من اهل العقبة وبين حذيفة (رضي الله عنه) بعض ما يكون بين الناس, فقال: انشدك بالله كم كان أصحاب العقبة ؟ فقال له القوم: أخبره إذ سألك, قال: كنا نخبر أنهم اربعة عشر, فان كنت منهم فقد كان القوم خمسة عشر, وأشهد بالله ان أثني عشر منهم حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا, ويوم يقوم الاشهاد) وهذه العقبة ليست العقبة المشهورة بمنى التي كانت بها بيعة الانصار, وانما هذه عقبة على طريق تبوك, اجتمع المنافقون فيها للغدر برسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)في غزوة تبوك فعصمه الله منهم(4).

ص: 35


1- أبو جعفر النحاس (ت338ﻫ -943م) , معاني القرآن , تحقيق: د. يحيى مراد , دار الحديث , القاهرة , 1425ﻫ -2004م) , 1/255 .
2- الذهبي , سير اعلام النبلاء , 4/28-29 .
3- مسلم , صحيح مسلم , رقم (2779) , واحمد , المسند , 5/390 .
4- النووي: الامام محي الدين أبي زكريا بن شرف (ت 676ﻫ -1276م) , صحيح مسلم بشرح النووي , تحقيق: د. عبدالعظيم بدوي الخلفي , يحيى محمد سوس , دار أبن رجب , ط1 , 1429ﻫ -2008م , 9/119 .

ان هذه النصوص تهديد رعيب للذين يحاولون خداع المؤمنين والمكر بهم, وايصال الاذى اليهم, تهديداً لهم بان معركتهم ليست مع المؤمنين وحدهم, انما هي مع الله القوي الجبار القهار, وانهم انما يحاربون الله حين يحاربون اولياءه, وانما يتصدون لنقمة الله حين يحاولون هذه المحاولة اللئيمة, وهذه الحقيقة من جانبيها جديرة بأن يتدبرها المؤمنون, ليطمئنوا ويثبتوا, ويمضوا في طريقهم لا يبالون كيد الكائدين, ولا خداع الخادعين, ولا اذى الشريرين(1).

والنفاق انواع: اعتقادي: وهو الذي يخلد صاحبه في النار, وعملي: وهو من أكبر الذنوب والاوزار, لان المنافق يخالف قوله فعله, وسره علانيته, وانما نزلت صفات المنافقين في السور المدنية, لأن مكة لم يكن بها نفاق بل كان خلافه(2).

لان المعركة بين المؤمنين وخصومهم هي في صميمها معركة عقيدة, وليست شيئاً اخر على الإطلاق, وان خصومهم لا ينقمون منهم إلا الإيمان, ولا يسخطون منهم الا العقيدة(3).

وفي الحديث الذي يروى عن عمر بن الخطاب: ان حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) قال له: انك تستعين بالرجل الذي فيه عيب, فقال: استعمله لاستعين

ص: 36


1- سيد قطب , في ظلال القرآن , 1/43 .
2- البيضاوي: الامام ناصر الدين أبو الخير عبدالله الشيرازي , تفسير البيضاوي , المسمى أنوار التنزيل وأسرار التأويل , دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع , 1402ﻫ -1982م , 1/11 , الصابوني: محمد علي , صفوة التفاسير , دار القلم , بيروت , لبنان , ط5 , د.ت , 1/35 .
3- سيد قطب , معالم في الطريق , دار الشروق , القاهرة , ط1 , 1400ﻫ -1981م , ص173 , الصلابي: د. علي محمد محمد , فقه النصر والتمكين في القرآن الكريم , دار المعرفة , بيروت , ط2 , 1426ﻫ -2005م , ص304 .

بقوته, ثم أكون بعد على قفانه, أي على تحفظ أخباره, قال ابن الاعرابي: القفان عند العرب: الذي يتتبع امر الرجل ويتحفظه ثم يحاسبه عليه(1).

قال صاحب الدرجات الرفيعة: قال حذيفة (رضي الله عنه): دعاني رسول الله ((صلى الله عليه واله) وسلم), ودعا عمار بن ياسر (رضي الله عنه), وامره ان يسوق ناقته, وانا اقودها حتى اذا سرنا في رأس العقبة, ثار القوم من ورائنا, ودحرجوا الدباب بين قوائم الناقة فذعرت, وكادت ان تنفر برسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)فصاح بها النبي (صلى الله عليه واله وسلم)ان اسكتي فليس عليك بائس فتقدم القوم الى الناقة ليدفعوها, فأقبلت أنا وعمار لنضرب وجوههم باسيافنا, وكانت ليلة مظلمة, فزالوا عنا, وأيسوا مما ظنوا وأدبروا, فقلت يا رسول الله من هؤلاء القوم الذين يريدون ما نرى ؟ فقال: يا حذيفة هؤلاء المنافقون في الدنيا والاخرة, فقلت الا نبعث اليهم يا رسول الله رهطاً فيأتوا برؤوسهم ؟ فقال: ان الله أمرني أن أعرض عنهم, وأكره ان يقول الناس أنه دعا أناساً من قومه وأصحابه الى دينه فاستجابوا له فقاتل بهم حتى ظهر على عدوه ثم اقبل عليهم فقتلهم, ولكن دعهم يا حذيفة فان الله لهم بالمرصاد, وسيمهلهم قليلاً ثم يضطرهم الى عذاب غليظ, فقلت من هؤلاء المنافقون يا رسول الله أمن المهاجرين أم من الانصار ؟ فسماهم اليّ رجُلا رجلا حتى فرغ منهم, ولقد كان فيهم اناس كنت كارهاً ان يكونوا فيهم, فامسكت عند ذلك,

فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)يا حذيفة كأنك شاك في بعض من سميته لك, ارفع رأسك اليهم , فرفعت طرفي الى القوم, وهم وقوف على الثنية, فبرقت برقة اضاءت حولنا وطبقت البرقة حتى خلتها شمساً طالعة, فنظرت والله الى القوم فعرفتهم رجلاً رجلاً, فاذا هم كما قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)وعدد القوم (اربعة عشر رجلاً) تسعة من قريش, وخمسة من سائر الناس, قال حذيفة

ص: 37


1- ابن عبد ربه: أبو عمر احمد بن محمد (ت 328ﻫ -939م) , العقد الفريد , تحقيق: احمد أمين , احمد الزين , إبراهيم الابياري , مطبعة لجنة التأليف والنشر , ط2 , القاهرة , 1948- 1953م , 6/208 .

(رضي الله عنه): ثم انحدرنا من العقبة وقد طلع الفجر, فنزل رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)فتوضأ, وأنتظر أصحابه حتى انحدروا من العقبة, وأجتمعوا فرأيت هؤلاء بأجمعهم وقد دخلوا مع الناس, وصلّوا خلف رسول الله ((صلى الله عليه واله) وسلم)(1).

ولهذا نمت موهبة حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه), وتخصص في قراءة الوجوه والسرائر, يقرأ الوجوه في نظرة, ويبلو كُنه الاعماق المستترة, والدخائل المخبوءة في غير عناء, ولقد أوتي من الحصافة ما جعله يدرك ان الخير في هذه الحياة واضح لمن يريده, وأنما الشر هو الذي يتنكر ويتخفى, ومن ثم يجب على الاريب ان يعنى بدراسة الشر في مآتيه, ومظانه.

وهكذا عكف حذيفة (رضي الله عنه) على دراسة الشر والاشرار, والنفاق والمنافقين(2).

يقول: ((كان الناس يسألون رسول الله ((صلى الله عليه واله) وسلم ) عن الخير, وكنت أسأله عن الشر مخافة ان يدركني, قلت: يا رسول الله , انا كنا في جاهلية وشر, فجاءنا الله بهذا الخير, فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال: نعم, قلت: فهل بعد هذا الشر من خير ؟ قال: نعم, وفيه دَخَن(3) , قلت: وما دَخَنهُ ؟ قال: قوم يستنون بغير سنتي, ويهتدون بغير هدي, تعرف منهم وتنكر, قلت: وهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال: نعم, دعاة على أبواب جهنم, من أجابهم اليها قذفوه فيها, فقلت: يا رسول الله صفهم لنا ؟ قال: نعم, قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا, قلت: يا رسول الله, فما ترى ان ادركني ذلك ؟ فقال النبي ((صلى الله عليه واله) وسلم): تلزم جماعة المسلمين وإمامهم, قال حذيفة (رضي الله عنه): فان لم تكن لهم جماعة

ص: 38


1- المدني , علي صدر الدين , الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة , ص298-299 .
2- خالد محمد خالد , رجال حول الرسول , ص246 .
3- استعارة عن دخَن النار والطبيخ , ودخان النار معروف ودخِنت النار : ارتفع دخانها , ودخِنت النار اذا فسدت بالقاء الحطب عليها حتى هاج دخانها ومن المجاز ((هِدنة على دخن)) وهو دخِن الخلق أي: فاسده . ينظر: الزمخشري , أساس البلاغة , ص265- 266 , والرازي , مختار الصحاح , ص201-202 , مادة : دَخَنَ

ولا إمام , فقال النبي ((صلى الله عليه واله) وسلم): فاعتزل تلك الفرق كلها, ولو ان تعضَّ على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك))(1).

لقد عاش حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) مفتوح البصر والبصيرة على مآتي الفتن, ومسالك الشرور ليتقيها, وليحذر الناس منها, لقد افاء عليه هذا بصراً بالدنيا , وخبرة بالناس, ومعرفة بالزمن, وكان يدير المسائل في فكره, وعقله بأسلوب فيلسوف, وحصافة حكيم(2).

ولذلك يقول حذيفة (رضي الله عنه): ((ان الله تعالى بعث محمداً (صلى الله عليه واله وسلم)فدعا الناس من الضلالة الى الهدى, ومن الكفر الى الايمان, فاستجاب له من استجاب, فحيا بالحق من كان ميتاً, ومات بالباطل من كان حياً, ثم ذهبت النبوة, فكانت الخلافة على منهاجها, ثم يكون ملكاً عاضّاً, فمن الناس من ينكر بقلبه ويده ولسانه, أولئك أستجابوا للحق, ومن الناس من ينكر بقلبه ولسانه, كافّاً يده, فهذا ترك شعبة من الحق, ومنهم من ينكر بقلبه كافّاً يده ولسانه, فهذا ترك شعبتين من الحق, ومنهم من لا ينكر بقلبه, ولا بيده ولا بلسانه, فذلك ميت الاحياء)) (3).

وسئل حذيفة (رضي الله عنه) أي الفتن أشد ؟ قال: ان يعرض عليك الخير والشر, فلا تدري ايهما تركب(4).

لذا نجد ان حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه), عرف كثيراً من الامور, لان البيئة الاجتماعية المحيطة التي عاش بها, كان لها دور فعال ومهم في صناعة الرجال, وبناء شخصيتهم, فالمجتمع المدني كان فيه النفاق وبؤر الشر والفتن, لذلك كان حريصاً على معرفة الرجال وصفاتهم ليتقي شرهم, ويتجنب مكائدهم.

ص: 39


1- البخاري , صحيح البخاري , رقم (7084) , مسلم , صحيح مسلم , رقم (3606) , البيهقي , ابو بكر احمد بن الحسين بن علي (ت 458ﻫ -968م) , دار المعرفة بيروت , لبنان , د.ت , 8/190 , والترمذي: ابو عيسى بن عيسى بن سورة الترمذي (ت279ﻫ -292م) . السنن الكبرى , دار المعرفة , بيروت , لبنان , د.ت .
2- خالد محمد خالد , رجال حول الرسول , ص247-248 .
3- أبو نعيم الاصبهاني , حلية الأولياء في طبقات الأصفياء , 1/275 .
4- ابن عبدالبر , الاستيعاب , 1/187 .

ولقد بلغ حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) بمعرفته بالناس ان عمر بن الخطاب , كان يستأنس دوماً ويستدل برأيه. حتى ذهب اليه عمر بن الخطاب في يوم وسأله: أ في عمالي أحد من المنافقين ؟ قال: نعم, واحد, قال: من هو ؟ قال: لا أذكره, قال حذيفة (رضي الله عنه): فعزله, كأنما دُلَّ عليه , وكان عمر, اذا مات ميت يسأل عن حذيفة (رضي الله عنه), فأذا حضر الصلاة عليه صلى عليه عمر, وان لم يحضر حذيفة (رضي الله عنه) الصلاة عليه لم يحضر عمر (1) .

ص: 40


1- ابن الاثير , اسد الغابة في معرفة الصحابة , 1/487 , والزركلي , خير الدين , الاعلام , 1/180-181 . وابن عبدالبر , الاستيعاب في معرفة الاصحاب , ط1 , تحقيق: د. خليل مامون شيحا , دار المعرفة , بيروت , لبنان , 2006م , ص186-187 .

المبحث الثاني: علميته وثقافته

ص: 41

المبحث الثاني

علميّته وثقافته

ان العلم من أهم مقومات التمكين للأمة الإسلامية, لانه من المستحيل ان يمكن الله تعالى لامةٍ جاهلة, متخلفة عن ركاب العلم, وان الناظر الى القرآن الكريم يرى في وضوح انه زاخر بالآيات التي ترفع من شأن العلم, وتحث على طلبه, وتحصيله, وان اول اية من كتاب الله تعالى تأمر بالعلم, والقراءة , قال تعالى: ((اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ))(1).

وكذلك يجعل القرآن الكريم العلم مقابلاً للكفر الذي هو جهل, وضلال حيث قال تعالى:((قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ))(2).

وان الشيء الوحيد الذي أمر الله تعالى رسوله (صلى الله عليه واله وسلم)ان يطلب منه الزيادة هو العلم (3). قال تعالى: ((وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا))(4).

وقد فهم الصحابة الكرام ان العلم , والفقه في الدين من أسباب جلب النصر, والعون والتأييد الالهي, لذلك حرصوا على التفقه في الدين, وتعلم كتاب الله وسنة رسوله ((صلى الله عليه واله) وسلم), فقد تعلم الصحابة (رضوان الله عليهم) عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)دعاءه: ((اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع, ومن قلبٍ لا يخشع , ومن نفس لا تشبع , ومن دعوة لا يستجاب لها))(5) رواه مسلم.

وقد كان حذيفة بن اليمان في مقدمة الفقهاء من الصحابة, وقد أشاد السلف الصالح بعلمه, ودرايته, ومعرفته الدقيقة بالاحكام الشرعية, وكان (رضي الله عنه)

ص: 42


1- سورة العلق : اية 1 .
2- سورة الزمر : اية 9 .
3- محمد السيد محمد يوسف , التمكين للأمة الإسلامية في ضوء القرآن الكريم , دار السلام , مصر , ط1 , 1418ﻫ -1997م , ص62 .
4- سورة طه : اية 114 .
5- مسلم , صحيح مسلم , رقم (2722) .

يحتاط في أخذ الحديث, ويهتم بمذاكرة الصحابة في العلم, ويسأل الرسول (صلى الله عليه واله وسلم)عن المسائل التي تحتاجها الامة كما وضحنا ذلك, وله تلاميذ آخذوا عنه العلم.

لحذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) في الصحيحين جملة من الاحاديث عن النبي ((صلى الله عليه واله) وسلم), انفرد له البخاري بثمانية أحاديث, وانفرد مسلم بسبعة عشر حديثاً(1), وله في كتب الحديث مائتان وخمسة وعشرون حديثاً(2).

وكان حذيفة رضي الله عنه) عالماً بالفتن وقد سئل عن معرفة المرء هل أصابته فتنة ام لا ؟

فأجاب حذيفة (رضي الله عنه) فقال: (( اذا احب أحدكم ان يعلم هل أصابته الفتنة ام لا, فلينظر فان كان رأى حلالاً كان يراه حراماً فقد أصابته الفتنة)), وفي لفظ أبي نعيم: ((ان الفتنة تعرض على القلوب, فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء, فأن انكرها نكتت فيه نكتة بيضاء, فمن أحب منكم ان يعلم هل أصابته الفتنة ام لا, فلينظر فان كان يرى حراماً ما كان يراه حلالاً, او يرى حلالاً ما كان يراه حراماً, فقد اصابته الفتنة))(3).

فعن حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) انه قال: ((اخبرني رسول الله ((صلى الله عليه واله) وسلم), بما هو كائن الى ان تقوم الساعة, فما منه شيء الا قد سألته, الا اني لم أسأله, ما يخرج أهل المدينة من المدينة))(4).

ومما يدل على مدى حافظته وذاكرته القوية واهتمامه الكبير بالعلم ونقل احاديث الرسول (صلى الله عليه واله وسلم)بكل دقة وامانة, ليكون مبلغاً ومعلماً صادقاً للامة.

ص: 43


1- الذهبي , سير اعلام النبلاء , 4/27 .
2- الزركلي: خير الدين , الاعلام , دار العلم للملايين , بيروت , لبنان , الطبعة السادسة , 1984م , 2/180 .
3- ابن ابي شيبه , أبو بكر عبدالله بن محمد بن أبي شيبه العبسي (ت 235هت – 849م) , مصنف ابن ابي شيبه , حققه وصححه: عامر العمري الاعظمي , الدار السلفية , بومباي , الهند , د.ت , 8/628 , ابو نعيم الاصبهاني , حلية الاولياء في طبقات الاصفياء (272-273) .
4- مسلم , صحيح مسلم , رقم (2891) .

لذا يقول حذيفة (رضي الله عنه): ((قام فينا رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)مقاماً, ما ترك شيئاً يكون في مقامه ذلك الى قيام الساعة, الا حدَّث به, حَفظهُ من حَفظهُ , ونسيه من نسيه , قد علمه أصحابي هؤلاء , وإنه ليكون منه الشيء قد نسيته فأراه, فاذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل, إذا غاب عنه, ثم إذا رآه عرفه))(1).

عن أبي ادريس الخولاني كان يقول: قال حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه), والله إني لاعلم الناس بكل فتنة هي كائنة, فيما بيني وبين الساعة, وما بي الا ان يكون رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)أسر اليَّ في ذلك شيئاً لم يحدثه غيري, ولكن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)قال: وهو يحدث مجلساً انا فيه عن الفتن, فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)وهو يعد الفتن: ((منهن ثلاث لا يكون يذرن شيئاً, ومنهن فتن كرياح الصيف, منها صغار ومنها كبار)) قال حذيفة: فذهب أولئك الرهط كلهم غيري(2).

يتضح مما سبق ((ان اصحاب النبي ((صلى الله عليه واله) وسلم), وخصوصاً ساداتهم تبوؤوا مكانة عالية في الفهم والادراك, كما قال عنهم عبدالله بن مسعود: فانهم كانوا أبر هذه الامة قلوباً, واعمقها علماً, وأقلها تكلفاً, وأقومها هدياً, واحسنها حالاً, قوم أختارهم الله لصحبة نبيه, واقامة دينه, فاعرفوا لهم فضلهم, وأتبعوا أثارهم, فانهم كانوا على الهدي المستقيم))(3).والشاهد من كلامه قوله: (أعمقها علماً) فهم أعمق الامة علماً, وأكثرهم فهماً وادراكاً, ونسبة علم من بعدهم الى علمهم كنسبة فضلهم الى فضلهم(4). لكن الشيخ اسد حيدر يرى ان الصحابة لم يكونوا طرازا واحدا في الفقه والعلم, ولا نمطا متشابها في الادراك والفهم,

ص: 44


1- البخاري , صحيح البخاري , رقم (6604) , مسلم , صحيح مسلم , رقم (2891) .
2- مسلم , صحيح مسلم , رقم (1891) , أحمد , المسند (5/388و407) .
3- البنوي , أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء ت (516ﻫ -1026م) , شرح السنة , تحقيق وتعليق: شعيب الارناؤوط ومحمد زهير الشاويش , المكتب الإسلامي , ط1 , د.ت , 1/214-215 .
4- ابن القيم الجوزية , شمس الدين أبي عبدالله محمد بن أبي بكر ت (751ﻫ -1350م) اعلام الموقعين عن رب العالمين , تحقيق: محمد محي الدين عبدالحميد , المكتبة العصرية , صيدا , بيروت , طبعة 1407ﻫ , 4/147 .

وانما كانوا في ذلك طبقات متفاوتة, ودرجات متباينة, شأن الناس جميعا في هذه الحياة على مر الدهور. سنة الله في خلقه(1).

لذلك كان بعض اصحاب النبي (صلى الله عليه واله وسلم)أدق فهماً وعلماً, بما هيأ الله لهم من الاسباب المعينة على الفهم والعلم, فبناءً على ذلك فهم اعلم بمقاصد الشريعة ومراميها من غيرهم, ولكون من اهم الطرق المحصلة لمقاصد الشريعة: العلم بالكتاب والسنة وطرق الاستنباط منها, وهذا متوفر لدى الصحابة بلا شك على أكمل الوجوه وأحسنها(2).

قال الشاطبي: السلف اعلم الناس بمقاصد القرآن(3), وقال عن الصحابة: هم القدوة في فهم الشريعة والجري على مقاصدها(4).

وحيث مدحهم الله تعالى في كتابه العزيز بقوله: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ))(5).

روى الحافظ ابن جرير في تفسيره لهذه الاية بسنده عن محمد بن كعب القرظي قال: مر عمر بن الخطاب برجل يقرأ ((والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار)) حتى بلغ: ((ورضوا عنه) قال: وأخذ عمر

ص: 45


1- ابو رية , الشيخ محمود , اضواء على السنة المحمدية, طبعة رقم 2 ,مطبعة صور الحديثة- بيروت – لبنان ,1964م.
2- اليوبي , د. محمد سعد , مقاصد الشريعة الاسلامية , دار الهجرة , الرياض , ط1 , 1418ﻫ -1998م , ص601 .
3- الشاطبي , أبو اسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي (ت 790ﻫ -1387م) , الموافقات في أصول الشريعة , تحقيق: عبدالله دراز , دار الباز , مكة المكرمة , د.ت , 3/409.
4- المصدر نفسه , 4/130 .
5- سورة التوبة : اية 100 .

بيده فقال: من أقرأك هذه الاية هكذا, قال: أُبي بن كعب(1), قال: لا تفارقني حتى أذهب بك اليه, فلما جاءه قال عمر:انت أقرأت هذا هذه الاية هكذا, قال: نعم, قال: أنت سمعتها من رسول الله ((صلى الله عليه واله) وسلم), قال: نعم, قال: لقد كنت أظن انا رفعنا رفعة لا يبلغها احد بعدنا, فقال: أُبي: تصديق هذه الاية من اول سورة الجمعة:((وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ))(2), وفي سورة الحش:((وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ))(3), وفي الأنفال:((وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ))(4), وسبب سؤال عمر أنه كان يقرأ هذه الاية برفع الانصار, وبعدم الحاق الواو في الذين كما أورد ذلك ابن جرير(5).

ثم لما تبين له من أُبي بن كعب الخفض, والحاق الواو قال: لقد كنت اظن انا رفعنا رفعة لا يبلغها احد بعدنا, يقصد المهاجرين, وهذا القول منه, يؤيد بحجية أقوال الصحابة من غير تخصيص لبعضهم, إذا اشترك الجميع في وصف الثناء, عليهم بكونهم سبقوا في كل عام وفضل وجهاد وعمل(6).

ص: 46


1- أُبي بن كعب بن قيس الانصاري الخزرجي من اجلاء الصحابة , شهد العقبة وبدر والمشاهد كلها , وهو اقرأ المسلمين واول من كتب الى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)عند مقدمه المدينة, توفي سنة (30ﻫ ). ينظر: ابن سعد , الطبقات الكبرى 3/2/60 , الذهبي , سير اعلام النبلاء , 1/398 وما بعدها.
2- سورة الجمعة : اية 3 .
3- سورة الحشر : اية 10 .
4- سورة الانفال : اية 75 .
5- الطبري: ابو جعفر محمد بن جرير (ت 310ﻫ -923م) , جامع البيان عن تأويل آي القرآن , شركة ومكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي واولاده بالقاهرة , ط3 , (1388ﻫ -1968م) , 14/438 .
6- الصلابي , د. علي محمد محمد , اسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب , دار ابن كثير الاولى , دمشق , بيروت , (1425ﻫ -2004م) , ص398.

وهذه الاية احتجّ بها ابن القيم, وجعلها من الأدلة الدالة على وجوب إتباع الصحابة (1)

ومن البديهي ان يوجب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)محبة اصحابه واتباعهم لطاعة الله.

هذا: وأن الصحبة بمجردها وان كانت فضيلة جليلة لكنها بماهي من حيث هي غير عاصمة, فالصحابة كغيرهم من الرجال, فيهم العدول وهم عظمائهم وعلماؤهم, وفيهم البغاة وفيهم اهل الجرائم من المنافقين, وفيهم مجهول الحال, فنحن نحتج بعدولهم ونتولاهم(2).

وما روي عن عبدالله بن مسعود(3) انه قال:قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم):((ما من نبي بعثه الله عز وجل الا كان له في أمته حواريون, وأصحاب يأخذون بسنته, ويقتدون بأمره))(4), وقد استشهد البيهقي بهذا الحديث على أفضليتهم ومنزلتهم(5)

العالية في كل علم وعمل وقصد(6).

وهذا ما أكده حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) انه قال: ((يا معشر القراء خذوا الطريق ممن كان قبلكم, فوالله لئن استقمتم, لقد سبقتم بعيداً, ولئن تركتموه

ص: 47


1- ابن القيم الجوزية , اعلام الموقعين , 4/123.
2- حيدر , اسد , الامام الصادق والمذاهب الاربعة , تقديم د. حامد حفني داود: استاذ الادب العربي بكلية الالسن في القاهرة, دار الزهراء , مؤسسة العطار الثقافية, طبعة رقم 1 ,2010 م,1/617.
3- عبدالله بن مسعود بن غافل بن حبيب , ابو عبدالرحمن الهذلي , المكي , المهاجري , البدري , حليف بني زهرة , الامام الحبر , فقيه الامة , شهد بدراً , وهاجر الهجرتين وكان يوم اليرموك على النفل , ومناقبه غزيرة , روى علماً كثيراً , حدث عنه ابو موسى وابو هريرة , توفي بالمدينة سنة (32ﻫ ) . ينظر: ابن سعد , الطبقات الكبرى , 2/342-344 , الذهبي , تذكرة الحفاظ , 1/13.
4- مسلم , صحيح مسلم , رقم (50) , أحمد , المسند , 1/458 مختصراً .
5- البيهقي , أبو بكر احمد بن الحسين بن علي (ت 458ﻫ -968م) , الاعتقاد على مذهب السلف اهل السنة والجماعة , الناشر نشاط آباد , فيصل آباد , باكستان , ص319 .
6- الغامدي , سعيد ناصر , حقيقة البدعة وأحكامها , مكتبة الرشد , الرياض , ط1 , 1412ﻫ -1992م , 1/328.

يميناً او شمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيداً))(1), روى الخطيب بسنده عن عامر الشعبي انه قال: ما حدثوك عن أصحاب النبي (صلى الله عليه واله وسلم)فخذه(2).

ولقد عدّ الامام الذهبي في كتابه تذكرة الحفاظ حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) من نبلاء الصحابة الذين حديثهم في الصحاح وقال عنه: حذيفة بن اليمان صاحب السر, وكان من كبار العلماء(3).

اما الرواة الذين نقلوا عنه, فهم يشكلون نسبة كبيرة ونخبة طيبة جلهم من الثقات, وهم على سبيل المثال لا الحصر:

1- أبو أدريس الخولاني , عائذ الله بن عبدالله , ويقال فيه: عبدالله بن ادريس بن عائذ بن عبدالله بن عتبة , قاضي دمشق وعالمها, وواعظها, ولد عام الفتح, حدث عن: أبي ذر الغفاري, أبي الدرداء, وحذيفة بن اليمان وغيرهم, وحدث عنه: ابو سلام الاسود, ومكحول, وابن شهاب , وغيرهم , توفي سنة (80ﻫ -699م)(4).

2- الاسود بن يزيد بن قيس, أبو عمرو النخعي, الامام , الفقيه, الزاهد ,العابد, عالم الكوفة, حدث عن: معاذ بن جبل , وعبدالله بن مسعود , وحذيفة بن اليمان وغيرهم, وحدث عنه: ابنه عبدالرحمن, وإبراهيم, وأبو اسحاق السبيعي, وغيرهم , وكان من العبادة والحج على أمر كبير, توفي سنة (75ﻫ -664م)(5).

3- أبو بردة بن أبي موسى الاشعري, الفقيه, احد الأئمة الاثبات, حدث عن: أبيه, وعلي بن أبي طالب, والزبير بن العوام, وحذيفة بن اليمان, وحدث عنه: ابنه

ص: 48


1- ابو نعيم الاصبهاني , حلية الاولياء في طبقات الاصفياء , 10/280.
2- سعيد ناصر الغامدي , حقيقة البدعة وأحكامها , 1/329 .
3- الذهبي: شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان (ت 748ﻫ -1347م) , تذكرة الحفاظ , وضع حواشيه: الشيخ زكريا عميرات , دار الكتب العلمية , بيروت ,لبنان , ط1 , 1419ﻫ -1998م , 1/37 .
4- ابن سعد , الطبقات الكبرى , 7/488 , الذهبي , سير اعلام النبلاء , 5/156 وما بعدها .
5- ابن سعد , الطبقات الكبرى , 9/4 , المزي: يوسف بن عبدالرحمن (ت 742ﻫ -1341م) , تهذيب الكمال في اسماء الرجال , تحقيق: بشار عواد معروف , مؤسسة الرسالة , بيروت , ط4 , 1980م , 1/112 , الذهبي , تذكرة الحفاظ , 1/29 .

عبدالرحمن, وإبراهيم , وأبو إسحاق السبيعي, وغيرهم , وكان من العبادة والحج على امر كبير , توفي سنة (75ﻫ -664م)(1).

4- ربعي بن خراش بن جحش بن عمرو, أبو مريم الغطفاني العبسي, الكوفي, الامام ,القدوة , الولي , الحافظ , الحجة , المعمر , سمع من: عمر بن الخطاب, وعلي بن ابي طالب, وأبي موسى الاشعري, وحذيفة بن اليمان وغيرهم, وحدث عنه: أبو مالك الاشجعي , ومنصور بن المعتمر , وعبدالملك بن عمير وغيرهم , قال أحمد بن عبدالله العجلي: ربعي ثقة, وقال أحمد ابن خراش: صدوق , توفي على الارجح سنة (81ﻫ -700م)(2).

5- زيد بن وهب , أبو سليمان الجهني , الكوفي , مخضرم قديم , قدم المدينة بعد وفاة النبي (صلى الله عليه واله) وسلم بأيام , سمع من: عمر بن الخطاب , وعلي بن أبي طالب , وعبدالله بن مسعود , وحذيفة بن اليمان وغيرهم , وحدث عنه: حبيب بن أبي ثابت , وعبدالعزيز بن رفيع وغيرهم , قال ابن سعد: شهد مع علي بن أبي طالب (عليه السلام) مشاهده , وغزا في أيام عمر بن الخطاب أذربيجان , وثقه ابن سعد , توفي سنة (83ﻫ -702م) (3).

6- ابو عثمان النهدي: عبدالرحمن بن مل البصري, أدرك النبي (صلى الله عليه واله وسلم), سمع من: عمر بن الخطاب, عبدالله بن مسعود, وحذيفة بن اليمان وغيرهم , وحدث عنه: قتادة, وخالد الحذاء , وحميد, وغيرهم, شهد يوم اليرموك, وقد حج في الجاهلية مرتين ثم أسلم, وأدى الصدقة الى عمال النبي (صلى الله عليه واله وسلم), وكان عالماً , صواماً ,قواماً , يصلي حتى يغشى عليه , توفي سنة (100ﻫ -698م) (4)

.

ص: 49


1- ابن سعد , الطبقات الكبرى , 1/136 , ابن حجر العسقلاني: ابو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي (ت 825ﻫ -1448م) , تقريب التهذيب , تحقيق: عبدالوهاب عبداللطيف , دار المعرفة للطباعة والنشر , بيروت , لبنان , الطبعة الأولى , (1395ﻫ -1975م) , 2/394 .
2- ابن سعد , الطبقات الكبرى , 6/127 , الذهبي , سير اعلام النبلاء , 5/210 وما بعدها .
3- ابن سعد , الطبقات الكبرى , 6/102 , الذهبي , تذكرة الحفاظ , 1/53 .
4- ابن حبان: محمد بن حبان البستي (ت 354ﻫ -965م) , الثقات , تحقيق:محمد عبدالمعيد خان , حيدر آباد الدكن , 1973-1983م , 5/75 , ابن حجر العسقلاني: ابو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي (ت 852ﻫ -1448م) , تهذيب التهذيب , مطبعة حيدر آباد الدكن , سنة (1325-1327ﻫ ) , 6/277 .

7- همام بن الحارث النخعي , الكوفي , الفقيه , حدث عن: عمر بن الخطاب , وعمار بن ياسر , والمقداد بن الاسود , وحذيفة بن اليمان , وغيرهم وحدث عنه ابراهيم النخعي وسليمان بن يسار ووبرة بن عبدالرحمن وثقة يحيى بن معين , قال ابن الجوزي: كان الناس يتعلمون من هديه وسمته وكان طويل السهر , توفي زمن الحجاج(1) .

8- أبو وائل: شقيق بن سلمة الاسدي الكوفي , شيخ الكوفة , وعالمها , مخضرم , جليل , حدث عن: عمر بن الخطاب , وعثمان بن عفان , وعلي بن أبي طالب , وحذيفة بن اليمان , وغيرهم , وحدث عنه: الاعمش , ومنصور , وحصين , وغيرهم , توفي سنة (82ﻫ -701م) (2).

ص: 50


1- ابن سعد , الطبقات الكبرى , 6/118 , الذهبي , سير أعلام النبلاء , 5/163 , أبو نعيم , حلية الاولياء في طبقات الاصفياء , 4/178 .
2- ابن سعد , الطبقات الكبرى , 6/101 , الذهبي , سير اعلام النبلاء , 4/27 , ابن حجر العسقلاني , تهذيب التهذيب , 4/361 .

المبحث الثالث: أسلوبه ألاستخباراتي في الدعوة

ص: 51

المبحث الثالث

أسلوبه ألاستخباراتي في الدعوة

تعتبر العبقرية, وحضور البديهة, والحس الاستخباراتي الصائب والاحاطة بالسنة الناس, والتحفظ والتحرز من العدو, أمورا لازمة لمن يتصدى للقيام بالعمل الاستخباراتي, لذا كلف النبي ((صلى الله عليه واله) وسلم), حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) بمهمة التحري وجلب المعلومات في معركة الخندق(1).

كان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)كثير التضرع والدعاء, والاستعانة بالله, وخصوصاً في مغازيه, وعندما أشتد الكرب على المسلمين اكثر مما سبق حتى بلغت القلوب الحناجر, وزلزلوا زلزالاً شديداً, فما كان من المسلمين الا ان توجهوا الى الرسول ((صلى الله عليه واله) وسلم), وقالوا: يا رسول الله : هل من شيء نقوله؟ فقد بلغت القلوب الحناجر, فقال: ((نعم , اللهم استر عوراتنا وأمن روعاتنا))(2).

وجاء في الصحيحين من حديث عبدالله بن أبي أوفى(3), قال: دعا رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)على الأحزاب, فقال:((اللهم منزل الكتاب, سريع الحساب , إهزم الأحزاب , اللهم إهزمهم , وزلزلهم))(4).

ص: 52


1- ذهب جمهور أهل السير والمغازي الى ان غزوة الخندق كانت في شهر شوال من السنة الخامسة للهجرة , ينظر: د. مهدي رزق الله أحمد , السيرة النبوية في ضوء المصادر الاصلية , مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الاسلامية , ط1 , 1412ﻫ -1992م , ص443 .
2- أحمد , المسند 3/3 , نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي , (ت 807ﻫ ) , مجمع الزوائد ومنبع الفوائد , دار الكتاب العربي , بيروت , ط3 , 1402ﻫ - 1982م , 10/136 .
3- عبد الله بن أبي أوفى علقمة بن خالد , أبو معاوية الاسلمي , الكوفي , الفقيه المعمر , صاحب النبي (صلى الله عليه واله وسلم)من اهل بيعة الرضوان , روى عنه ابراهيم بن مسلم الهجري , وابراهيم بن عبد الرحمن السكسكي وغيرهم , توفي سنة (86ﻫ ) . ينظر: ابن سعد , الطبقات الكبرى , 4/36 , 6/21 , ابن الاثير , أسد الغابة في معرفة الصحابة , 3/182 , ابن حجر العسقلاني , تهذيب التهذيب , 5/260 .
4- البخاري , صحيح البخاري رقم (2933) , مسلم رقم (1742 , 20-21) .

فاستجاب الله سبحانه وتعالى دعاء نبيه (صلى الله عليه واله وسلم)فاقبلت بشائر الفرج, فقد صرفهم الله بحوله وقوته, وزلزل أبدانهم , وقلوبهم, وشتت جمعهم بالخلاف, ثم أرسل عليهم الريح الباردة الشديدة, والقى الرعب في قلوبهم, وانزل جنوداً من عنده سبحانه(1).

قال تعالى:((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا))(2).

قال القرطبي: وكانت هذه الريح معجزة للنبي ((صلى الله عليه واله) وسلم), لأن النبي ((صلى الله عليه واله) وسلم), والمسلمين كانوا قريباً منها, لم يكن بينهم وبينها الا عرض الخندق, وكانوا في عافية منها, ولا خبر عندهم بها, بعث الله عليهم الملائكة, فقلعت الاوتاد, وقطعت أطناب الفساطيط(3), واطفأت النيران, وأكفأت القدور, وجالت الخيول, بعضها في بعض, وارسل الله عليهم الرعب, وكثر تكبير الملائكة في جوانب المعسكر, حتى كان سيد كل خباءٍ يقول: يا بني فلان, هلم اليَّ, فاذا اجتمعوا , قال لهم: النّجاءَ, النّجاء لما بعث الله عليهم الرعب(4).

وعن أبي هريرة, ان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)كان يقول:((لا اله الا الله وحده , أعز جنده , ونصر عبده , وغلب الاحزاب وحده, فلا شيء بعده))(5).

ودعاء رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)ربه, وأعتماده عليه وحده, لا يتناقض أبداً مع التماس الاسباب البشرية للنصر, فقد تعامل الرسول ((صلى الله عليه واله) وسلم).

ص: 53


1- د. علي محمد محمد الصلابي , السيرة النبوية , دار ابن كثير , دمشق , بيروت , ط1 , 1425ﻫ - 2004م) , 2/274 .
2- سورة الاحزاب: اية 9 .
3- الفساطيط: جمع فسطاط , نوع من الابنية في السفر , وهو دون السرادق , ينظر : الرازي , مختار الصحاح , ص503 .
4- القرطبي: ابو عبدالله محمد بن احمد الانصاري , الجامع لاحكام القرآن , 14/144 .
5- البخاري , صحيح البخاري رقم (4114) , مسلم , صحيح مسلم , رقم (2724) .

في هذه الغزوة مع سنة الاخذ بالاسباب, فبذل جهده لتفريق الاحزاب, وفك الحصار وغير ذلك من الأمور(1).

إن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)يعلمنا سنة الاخذ بالاسباب ,وضرورة الالتجاء الى الله, واخلاص العبودية له, لانه لا تجدي وسائل القوة كلها أذا لم تتوفر وسيلة التضرع الى الله, والاكثار من الاقبال عليه بالدعاء, والاستغاثة, فقد كان الدعاء والتضرع الى الله من الاعمال المتكررة الدائمة التي فزع اليها رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)في حياته كلها(2).

وفي معركة الخندق بعد دعائه وتضرعه لربه عز وجل, كان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)يتابع أمر الاحزاب, ويحب ان يتحرى عما حدث عن قرب(3), فيروي إبراهيم التيمي عن ابيه, قال: كنا عند حذيفة فقال رجل: لو أدركتُ رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)قاتلت معه وأبليت, فقال حذيفة: انت كنت تفعل ذلك ؟ لقد رايتنا مع رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)ليلة الاحزاب, وأخذتنا ريح شديدة وقُرٌ(4), فقال رسول الله ((صلى الله عليه واله) وسلم): ((الا رجل ياتني بخير القوم, جعله الله معي يوم القيامة ؟)) فسكتنا, فلم يجبه منا أحد, ثم قال:((الا رجل يأتينا بخير القوم , جعله الله معي يوم القيامة؟)) فسكتنا, فلم يجبه منا أحد, ثم قال:((الا رجل يأتينا بخير القوم , جعله الله معي يوم القيامة؟)) فسكتنا, فلم يجبه منا أحد, فقال:((قم يا حذيفة , فأتينا بخير القوم)) فلم أجد بُداً إذ دعاني بأسمي ان اقوم, قال: ((أذهب فأتني بخير القوم ولا تذعرهم عليّ)) فلما وليت من عنده جعلتُ كأنما أمشي في حمام, حتى أتيتهم, فرأيت ابا سفيان يصلي ظهره بالنار, فوضعت سهماً

ص: 54


1- منير الغضبان , فقه السيرة النبوية , معهد البحوث العلمية وإحياء التراث , مكة المكرمة , ص503 .
2- البوطي: محمد سعيد رمضان , فقه السيرة , دار الفكر , دمشق , سوريا , ط11 , 1991م , ص222 .
3- الصلابي , د. علي محمد محمد , السيرة النبوية , دار ابن كثير , دمشق , بيروت , ط1 , 1425ﻫ -2004م , 2/276 .
4- وقر: البرد الشديد , ينظر: الفيروز أبادي , القاموس المحيط , ص1303 , الرازي , مختار الصحاح , ص528 .

في كبد القوس , فأردت ان ارميه , فذكرت قول رسول الله ((صلى الله عليه واله) وسلم): ((ولا تذعرهم عليّ)) ولو رميته لأصبته ,فرجعت وأنا أمشي في مثل الحمام , فلما اتيته فاخبرته بخبر القوم, وفرغت, قُرِرْتُ(1), فالبسني رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)من فضل عباءةٍ كانت عليه يصلي فيها, فلم ازل حتى أصبحت فلما اصبحت قال:((قم يا نومان)) (2)

رواه مسلم(3).

لهذا نجد وتحت جنح الليل البهيم, وفي ظروف جوية قاسية يتسلل حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) الى معسكر العدو في حذر شديد, وحيطة تامة مشتملاً بعباءة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)بعد ان كفي في سيره الريح والبرد(4).

فيروي حذيفة هذه المهمة العظيمة فيقول: ((فدخلت في القوم والريح وجنود الله, تفعل بهم ما تفعل, لا تقر لهم قدراً, ولا ناراً, ولا بناءً, فقام أبو سفيان, فقال: يا معشر قريش, لينظر أمرؤ من جليسه))(5).

وهنا تتجلى سرعة البديهة والحدس الصائب, والتيقظ لدى حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) خوف بادرتهم, فيسعى الى انتزاع عنصر المبادرة لئلا ينكشف أمره, قال حذيفة (رضي الله عنه): ((فاخذت بيد الرجل الذي كان الى جنبي, فقلت: من أنت ؟ قال: فلان بن فلان))(6).

ويشير قلم التحقيق بهامش السيرة النبوية نقلاً عن((شرح المواهب)) الى هوية من كان يليه عن يمين وشمال, قال:((فضربت بيدي على يد الذي عن يميني,

ص: 55


1- قررت: بردت , ينظر: الفيروز أبادي , القاموس المحيط , ص1303 .
2- نومان: بفتح النون , واسكان الواو , وهو كثير النوم , ينظر: الفيروز أبادي , القاموس المحيط , ص1665 .
3- مسلم , صحيح مسلم رقم (1788) .
4- أبو نعيم , حلية الاولياء في طبقات الاصفياء , 1/354 .
5- أبن هشام , أبو محمد عبدالملك بن هشام بن أيوب المعافري , حققه وضبطه وشرحه ووضع فهارسه: مصطفى السقا وإبراهيم الابياري وعبدالحفيظ شلبي , مطبعة مصطفى البابي الحلبي واولاده بمصر , 1355ﻫ - 1936م , 3/243 .
6- الطبري: أبو جعفر محمد بن جرير (ت 310ﻫ -922م) , تاريخ الامم والملوك , دار الكتب العلمية , ط1 , بيروت , 1407ﻫ -1986م , 2/580 , أبن هشام , السيرة النبوية, 3/243.

فأخذت بيده, فقلت من أنت ؟ قال: معاوية بن أبي سفيان, ثم ضربت بيدي على يد الذي عن شمالي, فقلت: من أنت ؟ قال: عمرو بن العاص))(1).

ثم قال أبو سفيان:((يا معشر قريش, انكم والله ما أصبحتم بدار مقام, لقد هلك الكراع(2), والخف(3), وأخلفتنا بنو قريظة وبلغنا عنهم الذي نكره, ولقينا من شدة الريح ما ترون ما تطمئن لنا قدر, ولا تقوم لنا نار, ولا يستمسك لنا بناء, فارتحلوا فاني مرتحل, ثم قام الى جمله وهو معقول, فجلس عليه, ثم ضربه فوثب على ثلاث, فوالله ما أطلق عقاله الا وهو قائم, ولولا عهد رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)اليّ:((أن لا تحدث شيئاً حتى تأتيني , ثم شئت لقتلته بسهم))(4).

وهكذا ينجز حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) المهمة الخطيرة التي نيطت به, لتتحقق به المقولة: فكان خير رسول يطير بجناح, ويرجع بنجاح, قال حذيفة: فرجعت الى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)فلما اخبرته الخبر, وسمعت غطفان بما فعلت قريش, فانشمروا راجعين الى بلادهم(5).

ويؤخذ من قصة حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) دروس وعبر منها:

1- معرفة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)بمعادن الرجال, حيث أختار حذيفة ليقوم بمهمة التجسس على الاحزاب, وان معدن حذيفة (رضي الله عنه) معدن ثمين, فهو شجاع, ولا يقوم بهذه الاعمال الا من كان ذا شجاعة نادرة, وهو بالاضافة الى ذلك لبق ذكي خفيف الحركة, سريع التخلص من المآزق الحرجة(6).

2- الانضباط العسكري الذي كان يتحلى به حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه), فلقد مرت به فرصة سانحة يستطيع ان يقتل فيها قائد الاحزاب, وهمَّ بذلك ولكنه ذكر

ص: 56


1- الطبري , تاريخ الامم والملوك , 2/580 , أبن هشام , السيرة النبوية , 3/243
2- الكراع: الخيل , ينظر: الرازي , مختار الصحاح , ص567 .
3- الخف: واحد (أخفاف) البعير , ينظر: الرازي , مختار الصحاح , ص182 .
4- أحمد , المسند , 5/392 , الطبري , جامع البيان في تفسير أي القرآن , 10 /262 , ابن هشام , السيرة النبوية , 3/243 .
5- الطبري , جامع البيان في تفسير القرآن , 10/262 , ابن هشام , السيرة النبوية , 3/244 .
6- الصلابي , السيرة النبوية , 2/276 .

أمر الرسول (صلى الله عليه واله وسلم)ألّا يذعرهم, وان مهمته الاتيان بخبرهم, فنزع سهمه من قوسه(1).

3- كرامات الاولياء: ان ما حدث لحذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) عندما سار لمعرفة خبر الأحزاب في جو بارد ماطر شديد الريح, وإذ به لا يشعر بهذا الجو البارد, ويمشي وكأنما يمشي في حمام, وتلازمه هذه الحالة مدة بقائه بين الأحزاب وحتى عودته الى معسكر المسلمين, لا شك هذه كرامة يمن الله بها على عباده المؤمنين(2).

4- لطف النبي (صلى الله عليه واله وسلم)مع حذيفة عند رجوعه, فقد كان النبي (صلى الله عليه واله وسلم)يترفق باصحابه, ولم تمنعه صلاة الليل, وحلاوة المناجاة, من التلطف بحذيفة الذي جاء بأحسن الإنباء, وأصدق الاخبار, وأهمها, فشمله بكسائه الذي يصلي فيه, ليدفئه, وتركه ملفوفاً به حتى أتم صلاته, بل حتى بعد أن أفضى اليه بالمهمة, فلما وجبت المكتوبة, أيقظه بلطف, وخفة, ودُعابة, قائلاً:((قم يا نومان)) دُعابة تقطر حلاوة, وتفيض بالحنان, وتسيل رقة, انها صورة نموذجية للرأفة والرحمة اللتين تحلى بهما فؤاد الرسول ((صلى الله عليه واله) وسلم), وتطبيق فريد رفيع لهما في أصحابه الكرام(3).

ص: 57


1- منير الغضبان , فقه السيرة النبوية , معهد البحوث العلمية , واحياء التراث , مكة المكرمة , د.ت , ص505 , ابو فارس, محمد , السيرة النبوية دراسة وتحليل , دار الفرقان , عمان , ط1 , 1418ﻫ -1997م , ص367 .
2- لأبي فارس , السيرة النبوية , ص367 .
3- د. محمد فوزي فيض الله , صور وعبر من الجهاد النبوي في المدينة , دار القلم , دمشق , الدار الشامية , بيروت , ط1 , 1416ﻫ -1996م , ص246 .

الفصل الثالث: جهاده وصفاته

اشارة

المبحث الأول : أهم صفاته

المبحث الثاني : جهاده وغزواته

المبحث الثالث : توليه الولآية

المبحث الرابع : وفاته

المبحث الخامس : أولاده

ص: 58

تمهيد

لعل من أبرز صفات الرجل وهي كثيرة ومتعددة: مروءته المتمثلة في عفة الجوارح عما يعينها وتواضعه في نفسه ومخالفته هواه مع علوّ همةٍ وسداد رأي وجراءة في الحق لا حدود لها, وصبر وأناة وبعد نظر وإرادة قوية وبصيرة ثاقبة مع ذكاء وفطنة, وحضور بديهة وذرابة لسان, ينطلق في ذلك كله عن حسن طوية, ونقاء سريرة يتوجهما حب الله ورسوله رجاء ثواب الله وطمعاً في رضاه وخوفاً من سخطه.

كان على مثابة كبيرة من العلم بالحلال والحرام, وذلك ناجم عن القدرة على التعلم والحفظ والإتقان, وكتمان الأسرار ومعرفة الفتن والمنافقين, لقد أخذ حذيفة (رضي الله عنه) بحظٍ وافر من المعرفة بالقرآن الكريم وآداب السنة النبوية الشريفة مما جعله شخصية مهابة وذات منزلة بين صحابة رسول الله ((صلى الله عليه واله) وسلم).

ص: 59

المبحث الأول: أهم صفاته

اشارة

ص: 60

المبحث الأول

أهم صفاته

ان شخصية حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه), تعد شخصية متميزة, فهو القائد الفذ والجندي المطيع لأوامر الرسول ((صلى الله عليه واله) وسلم), فمن أهم الصفات هي: سلامة المعتقد, والعلم الشرعي, والثقة بالله والتوكل عليه, والقدوة, والصدق, والكفاءة, والشجاعة, والزهد, والحلم وكظم الغيظ, وعلو الهمة, والحزم, والإرادة القوية, والامتياز بالقدرة الفائقة في معرفة الفتن والمنافقين, وبذكاء وفطنة عالية, وبكتمان الأسرار, والمقدرة على التعليم والحفظ والاتقان, وبسرعة البديهة, وكان ذرب اللسان, وذو هيبة, وباحترامه ومحبته لأهل البيت (عليهم السلام).

لما روي عن زيد(1) بن أسلم عن أبيه, ان عمر بن الخطاب, قال لاصحابه: تمنوا, فتمنوا ملء البيت الذي كانوا فيه مالاً وجواهراً فينفقونها في سبيل الله, فقال عمر: لكني أتمنى رجالاً مثل: أبي عبيدة, ومعاذ بن جبل, وحذيفة بن اليمان, فأستعملهم في طاعة الله عز وجل, ثم بعث بمال الى ابي عبيدة, وقال: أنظر ما يصنع ؟ فقسمه, فقال عمر بن الخطاب: قد قلت لكم(2).

1- عظمة ايمانه بالله تعالى

ص: 61


1- زيد بن أسلم , ابو عبدالله العدوي , البصري , المدني , القدوة , الفقيه , حدث عن والده أسلم مولى عمر بن الخطاب , وعبدالله بن عمر وغيرهم , وعنه: مالك بن أنس وسفيان الثوري وغيرهم , وكان له حلقة في مسجد الرسول (صلى الله عليه واله وسلم), توفي سنة (136ﻫ ) , ينظر: ابن الأثير , أسد الغابة في معرفة الصحابة , 1/320 , الذهبي , سير أعلام النبلاء , 6/61-62 , ابن حجر العسقلاني , تهذيب التهذيب , 3/95 .
2- المزي , تهذيب الكمال في أسماء الرجال , 5/505 , ابن الأثير , أسد الغابة في معرفة الصحابة , 1/488 .

كان ايمان حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) بالله عظيماً, فقد فهم حقيقة الايمان وتغلغلت كلمة التوحيد في عقله وقلبه, وانعكست آثارها على جوارحه, وعاش بتلك الاثار في حياته, فتحلى بالاخلاق الرفيعة, وتطهر من الاخلاق الوضيعة, وحرص على التمسك بشرع الله, والاقتداء بهديه ((صلى الله عليه واله) وسلم), وكان ايمانه بالله تعالى باعثاً له على الحركة والهمة والنشاط والسعي والجهد والمجاهدة, والجهاد والتربية, والاستعلاء والعزة , وكان في قلبه من اليقين والايمان شيء عظيم.

ولذلك يقول حذيفة (رضي الله عنه):((ان الله تعالى بعث محمداً (صلى الله عليه واله وسلم)فدعا الناس من الضلالة الى الهدى, ومن الكفر الى الايمان, فاستجاب له من استجاب, فحيا بالحق من كان ميتاً, ومات بالباطل من كان حياً,ثم ذهبت النبوة, فكانت الخلافة على منهاجها, ثم يكون ملكاً عاضاً, فمن الناس من ينكر بقلبه ولسانه, كافاً يده, فهذا ترك شعبةً من الحق, ومنهم من ينكر بقلبه كافاً يده ولسانه, فهذا ترك شعبتين من الحق, ومنهم من لا ينكر بقلبه ولا بيده, ولا بلسانه, فلذلك ميت الاحياء))(1).

ومما يدل على بذل جهده وجهاده لأجل عقيدته ودينه وأيمانه الراسخ بربه عز وجل, ما روي عن محمد بن كعب القرظي قال: ((قال فتى منا من اهل الكوفة لحذيفة بن اليمان: يا أبا عبد الله , رأيتم رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)وصحبتموه ؟ قال: نعم يا ابن أخي , قال: فكيف كنتم تصنعون ؟ قال: والله لقد كنا نجهد , قال: والله لو ادركناه ما تركناه يمشي على الارض, ولجعلناه على اعناقنا))(2).

ص: 62


1- أبو نعيم الاصبهاني , حلية الاولياء في طبقات الاصفياء . 1/275 .
2- أحمد , المسند , 5/392 , مسلم , صحيح مسلم رقم (1788) .

2- زهده

ان حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) من خلال معايشته للقرآن الكريم, ومصاحبته للنبي الامين محمد ((صلى الله عليه واله) وسلم), ومن خلال تفكره في هذه الحياة بان الدنيا دار اختبار, وابتلاء, وعليه فانها مزرعة للأخرة,ولذلك تحرر من سيطرة الدنيا بزخارفها, وزينتها, وبريقها, وخضع, وأسلم نفسه لربه ظاهراً وباطناً, وهذه الحقائق التي أستقرت في قلبه ساعدته على الزهد في هذه الدنيا, كما قال النبي محمد ((صلى الله عليه واله) وسلم):((كن في الدنيا كأنك غريب, او عابر سبيل))(1).

ومن هذا يتبين بان هذه الدنيا لا وزن لها, ولا قيمة عند رب العزة الا ما كان منها طاعة لله تبارك وتعالى, اذ يقول النبي ((صلى الله عليه واله) وسلم):((لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء))(2) ((الا ان الدنيا ملعونة, ملعون ما فيها الا ذكر الله, وما والاه او عالماً او متعلماً))(3).

وان عمر الدنيا قد قارب على الانتهاء, اذ يقول النبي ((صلى الله عليه واله) وسلم):((بعثت انا والساعة كهاتين)) ويقرن بين اصبعيه السبابة والوسطى(4).

وروى مسلم ان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)قال:((ما الدنيا في الاخرة الا مثل ما يجعل أحدكم أصبعه في اليم , فلينظر بم يرجع))(5).

وان الاخرة هي الباقية, وهي دار القرار كما قال مؤمن آل فرعون:

ص: 63


1- البخاري , صحيح البخاري رقم (6416) .
2- الترمذي , ابو عيسى ابن سورة الترمذي (ت 279ﻫ -892م) , الجامع الصحيح ,سنن الترمذي , رقم (2320) , تحقيق: محمد عبدالله , ومحمد علي , دار ابن الهيثم , القاهرة , ط1 , 1425ﻫ -2004م , وابن ماجه , سنن ابن ماجه رقم (4110) .
3- الترمذي , سنن الترمذي رقم (2322) , وابن ماجه , سنن ابن ماجه رقم (4112) .
4- مسلم , صحيح مسلم رقم (868) .
5- مسلم , صحيح مسلم رقم (2858) .

قال تعالى:((يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ))(1).

كانت هذه الحقائق قد أستقرت في قلب حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) فترفع عن الدنيا وحطامها, وزهد فيها, وهذه نماذج عن زهده:

قال ابن سيرين: بعث عمر بن الخطاب حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) على المدائن, فقرأ عهده عليهم, فقالوا: سل ما شئت. قال: طعاماً أكله, وعلف حماري هذا, ما دمت فيكم من تبن, فأقام فيهم ما شاء الله, ثم كتب اليه عمر: أقدم. فلما بلغ عمر قدومه, كمن له على الطريق, فلما رآه على الحال التي خرج عليها, أتاه, فالتزمه, وقال: انت أخي, وأنا أخوك. وعن مالك, عن طلحة: قدم حذيفة المدائن على حمار, سادلاً رجليه, وبيده عرق من لحم ورغيف(2).

وعن أبي بكر بن عياش: سمعت أبا إسحاق يقول: كان حذيفة يجيء كل جمعة من المدائن الى الكوفة. قال أبو بكر: فقلت له: يمكن هذا ؟ قال: كانت له بغلة فارهة(3).

وعن أبي إسحاق, عن صلة(4) بن زفر, عن حذيفة, قال: أبتاعوا لي كفناً فجاؤوا بحلة ثمنها ثلاث مائة, فقال: لا, اشتروا لي ثوبين أبيضين(5).

ص: 64


1- سورة غافر : آية 39-40 .
2- الذهبي , سير أعلام النبلاء , 4/30-31 , الزركلي , الاعلام , 1/180-181 .
3- الذهبي , سير أعلام النبلاء , 4/31 .
4- صلة بن زفر العبسي , الكوفي , تابعي كبير , ثقة , فاضل مخرج له في الكتب كلها يروي عن عليّ وابن مسعود وعمار وغيرهم , وحدث عنه شقير بن شكل وابو إسحاق وغيرهم , توفي في زمن مصعب وولايته على العراق . ينظر: ابن سعد , الطبقات الكبرى, 6/195 , الذهبي , سير أعلام النبلاء , 5/309 , ابن حجر العسقلاني ,تهذيب التهذيب , 4/437 .
5- الذهبي , سير أعلام النبلاء , 4/32 .

ويقول الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: ولما بعث عمر بن الخطاب حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) الى المدائن أميراً ركب أهلها ليتلقوه, فلقيهم على بغل تحته إكاف(1) وهو معترض عليه رجلاه من جانب واحد, فلم يعرفوه فأجازوه, فلقيهم الناس فقالوا لهم: أين الأمير ؟ قالوا: هو الذي لقيتم فركضوا في اثره, فادركوه وفي يده رغيف وفي الاخرى عرق وهو يأكل, فسلموا عليه, فنظر الى عظيم منهم فناوله العرق والرغيف, فلما غفل ألقاه أو أعطاه خادمه(2).

حيث كان حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) عزوفاً عن متع الدنيا, مؤثراً الفقر على الغنى والمذلة على العز, فعنه (رضي الله عنه) انه قال: أقر ما أكون عيناً حين يشكو اليّ أهلي الحاجة, وان الله تعالى ليحمي المؤمن من الدنيا كما يحمي أهل المريض مريضهم الطعام, وفي روآية: ما من يوم أقر لعيني, ولا أحب لنفسي من يوم أتي أهلي, فلا أجد عندهم طعاماً,ويقولون ما تقدر على قليل ولا كثير, وذلك اني سمعت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)يقول: ان الله تعالى أشد حمية للمؤمن من الدنيا من المريض أهله الطعام, والله تعالى اشد تعاهداً للمؤمن بالبلاء من الوالد لولده بالخير(3).

ص: 65


1- أُكف: (إكاف) الحمار ووكافهُ والجمع (أُكف) وقد (آكفَ) الحمارَ و (أوكفهُ) أي: شدَّ عليه الإكاف . ينظر: الرازي , مختار الصحاح , ص20 .
2- الخطيب البغدادي , تاريخ بغداد , 1/161 .
3- ابو نعيم الاصبهاني , حلية الاولياء في طبقات الاصفياء , 1/270-277 .

وقال يوماً لسعد(1) بن معاذ: كيف

ترانا إذا أصبنا الدنيا ؟ فقال سعد: لا ندرك ذاك, قال حذيفة: أُعطيَ على ظنه, وأعطيتُ على ظني(2). ولهذا فقد أجمع العارفون: ان الزهد سفرُ القلب من وطن الدنيا, وأخذه في منازل الاخرة(3).

لقد كان النبي (صلى الله عليه واله وسلم)يعلم أهل بيته وأصحابه وأمته نعمة القناعة والرضا, ويعلمهم بأن الدنيا لا تستحق ان ينشغل العبد بحطامها الزائل.

ووضح النبي (صلى الله عليه واله وسلم)ان الزهد في الدنيا من أعظم أسباب صلاح هذه الامة, فقال ((صلى الله عليه واله) وسلم):((صلاح أول هذه الامة بالزهد واليقين, ويهلك أخرها بالبخل والأمل))(4).

وأخبر الصادق المصدوق (صلى الله عليه واله وسلم)ان العبد اذا انشغل بالاخرة أتته الدنيا وهي راغمة, و إذا انشغل بالدنيا خسر الدنيا والاخرة.

قال رسول الله ((صلى الله عليه واله) وسلم):((من كانت الاخرة همه, جعل الله غناه في قلبه, وجمع له شمله, واتته الدنيا وهي راغمة, ومن كانت الدنيا همه, جعل الله فقره بين عينيه, وفرق عليه شمله, ولم يأته من الدنيا الا ما قُدر له))(5).

ص: 66


1- سعد بن معاذ بن النعمان بن أمرئ القيس , ابو عمرو الانصاري , الاوسي , الاشهلي , البدري , السيد الكبير , الشهيد , الذي اهتز العرش لموته , ومناقبه مشهورة في الصحاح وفي السيرة , رمي يوم الخندق سنة (5ﻫ ) فمات من رميته تلك صلى عليه الرسول (صلى الله عليه واله وسلم), ودفن بالبقيع . ينظر: ابن سعد , الطبقات الكبرى , 3/420-436 , الذهبي , سير اعلام النبلاء , 3/171 وما بعدها , ابن حجر العسقلاني , تهذيب التهذيب , 3/484 .
2- أبو نعيم الاصبهاني , حلية الأولياء في طبقات الأصفياء . 1/277 . .
3- ابن القيم الجوزية , مدارج السالكين , تحقيق: محمد حامد الفقي , دار الكتب العربي , بيروت , 1392ﻫ , 2/10-13 بتصرف .
4- أحمد , المسند رقم (10) .
5- الترمذي , سنن الترمذي رقم (2465) .

وفي الصحيحين عن عائشة قالت:((ما شبع أل محمد (صلى الله عليه واله وسلم)من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض))(1).

وانه كان (صلى الله عليه واله وسلم)يدعو ربه قائلاً:((اللهم ارزق آل محمدٍ قوتاً)) (2) , وفي روآية: ((اللهم أجعل رزق آل محمد كفافاً)) (3) .

3- الحلم وكظم الغيظ

ان الحلم ركن من اركان الحكمة, ولقد أمتن الله تعالى على عباده المؤمنين بصفة الحلم وكظم الغيظ, ولقد كان حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) من الذين تربوا على كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه واله وسلم)وتمسكوا بقول الله تعالى:((وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ))(4).

وبما يروي عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم)انه قال: ((ان الرفق لا يكون في شيء الا زانه, ولا ينزع من شيء الا شانه))(5).

ومما يدل على حلمه وكظمه الغيظ انه شهد مع والده معركة أحد, فاستشهد يومئذٍ أبوه, قتله بعض الصحابة غلطاً, ولم يعرفه, لأن الجيش يختفون في لامة حرب, ويسترون وجوههم, فان لم يكن لهم علامة بينة, والا ربما قتل الاخ أخاه, ولا يشعر.

ولما شدوا على اليمان يومئذ, بقي حذيفة يصيح: أبي. أبي يا قوم, فراح خطأ, فتصدق حذيفة عليهم بديته(6) ولم يثأر.

ص: 67


1- البخاري , صحيح البخاري رقم (5416) , مسلم , صحيح مسلم رقم (2970) .
2- البخاري , صحيح البخاري رقم (6460) .
3- مسلم , صحيح مسلم رقم (1055) .
4- سورة آل عمران: آية 134 .
5- مسلم , صحيح مسلم رقم (2594) .
6- ابن سعد , الطبقات الكبرى , 2/45 , الذهبي , سير أعلام النبلاء , 4/28 .

ولما روت عائشة قالت:((لما كان يوم أحد هُزم المشركون فصرخ ابليس لعنة الله عليه : أي عباد الله, أخراكم, فرجعت أولاهم فاجتلدت هي وأخراهم, فبصر حذيفة فاذا هو بأبيه اليمان فقال: أي عباد الله, أبي أبي, قال: قالت: فوالله ما أحتجزوا حتى قتلوه, فقال حذيفة: يغفر الله لكم, قال عروة: فوالله ما زالت في حذيفة بقية خير حتى لحق بالله)) (1).

فهذا تسامح كبير من حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه), حيث عفا عمن قتل اباه, ولم يأخذ الدية, والعفو عند المقدرة صفة من صفات الكمال في الرجال, وهو دليل على التجرد من حظ النفس, وتقلص الانانية, وضعف الارتباط بالدنيا,وقوة الارتباط بالاخرة, وهذا الخلق إضافة الى انه عمل صالح يرفع من درجات صاحبه في الاخرة فانه سياسة حكيمة في الدنيا, وبذلك تنطفئ الفتنة قبل تصاعدها, ويكسب صاحب العفو قلوب الناس وولاءهم(2).

4- كتمانه للأسرار

ان هذه الصفة التي تميز بها حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) حيث لم يفش لرسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)سراً, وكان صاحب سر رسول الله ((صلى الله عليه واله) وسلم), وفي حديث أبي الدرداء قال: أليس فيكم صاحب السر الذي لم يكن يعلمه غيره ؟ يعني حذيفة(3) .

وما عرفّه النبي (صلى الله عليه واله وسلم)من الفتن التي تكون بين يدي الساعة(4) .

ص: 68


1- البخاري , صحيح البخاري رقم (4065) .
2- د. عبد العزيز عبد الله الحميدي , التاريخ الاسلامي مواقف وعبر , دار الدعوة , الاسكندرية , دار الاندلس , الخضراء , جدة , ط1 , 1418ﻫ -1998م , 17-18/22 .
3- الخطيب البغدادي , تاريخ بغداد , 1/261 .
4- ابن حجر العسقلاني , الاصابة في تمييز الصحابة , 1/416-417 .

وما روي عن خالد بن الربيع قال: سمعنا بوجع حذيفة, فركب اليه أبو مسعود الانصاري في نفر فيهم الى المدائن, قال: ثم ذكر قتل عثمان, فقال: اللهم إني لم أشهد ولم أقتل, ولم أرض(1).

وأخرج أحمد بن حنبل عن ابن سيرين عن حذيفة قال: لما بلغه قتل عثمان قال: اللهم انك تعلم براءتي من دم عثمان, فان كان الذين قتلوه أصابوا, فاني بريء منهم, وان كانوا أخطاوا فقد تعلم براءتي من دمه, وستعلم العرب لئن كانت أصابت بقتله علينا بذلك لبناً, وان كانت أخطأت بقتله لتحتلبن بذلك دماً, فاحتلبوا بذلك دماً, ما رفعت عنهم السيوف ولا القتل(2).

وحذيفة (رضي الله عنه) صاحب سر الرسول (صلى الله عليه واله وسلم)في المنافقين لم يعلمهم أحداً الا حذيفة, أعلمه بهم رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)(3).

عن أبي وائل, عن حذيفة (رضي الله عنه) انه قال: قال رسول الله ((صلى الله عليه واله) وسلم):((أكتبوا لي من تلفظ بالاسلام من الناس)), فكتبنا له: الفاً وخمس مائة(4).

5- العلم والقدرة على الحفظ والإتقان

يعد حذيفة بن اليمان من كبار علماء الصحابة في القرآن الكريم والسنة النبوية, فقد لازم النبي (صلى الله عليه واله وسلم)فاستفاد من علمه وهديه مما

ص: 69


1- د. محمد أمحزون , تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة من روايات الطبري والمحدثين , دار طيبة , مكتبة الكوثر , الرياض , ط1 , 1415ﻫ -1994م , 2/25 .
2- د. محمد أمحزون , تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة من روايات الطبري والمحدثين , 2/28 , وابن عساكر , ثقة الدين أبو القاسم علي بن الحسن هبة الله الشافعي , ت571ﻫ 1175م , تاريخ دمشق , تحقيق: سكينة الشهابي , نشر المجلس العلمي بدمشق , 1984م , ص388 .
3- ابن الأثير , أسد الغابة في معرفة الصحابة , 1/487 .
4- الذهبي , سير أعلام النبلاء , 4/31 .

جعله من كبار علماء الصحابة, وكان متقناً حافظاً وقادراً على تعليم وتوجيه طلبته توجيهاً مفيداً, وتعليمهم واجباتهم, ونقل آرائه النابعة من علمه وخبرته وتجاربه, وممارسته اليهم, حتى يرتقوا في مجال الدعوة والتربية والتعليم والجهاد والاستعداد للقاء الله عز وجل, وكان يروي احاديث رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)وخاصة فيما يتعلق بالفتن وله علم واطلاع واسع بمجريات الاحداث, حتى اصبح مرجعاً للصحابة, وعلمه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)عن اخطر قضية في المجتمع وهي التعرف على ما يبطنه المنافقون من شر وعداء للاسلام وأبلغه بأسمائهم ولم يطلع على هذه القضية من الصحابة الا حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه).

قال حذيفة (رضي الله عنه) كان الناس يسألون رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)عن الخير, وكنت أسأله عن الشر مخافة ان يدركني(1).

روى خالد بن خالد اليشكري(2) قال: خرجتُ سنة فتح تُسْتَر(3)

حتّى قَدِمتُ الكوفة فدخلتُ المسجد.. فإذا أنا بحلقةٍ فيها رجل جَهْمٌ من الرجال، فقلت: مَن هذا

ص: 70


1- الذهبي , المصدر نفسه , 4/30 .
2- اختلف في اسمه على وجوه كثيرة ، فقيل : خالد بن خالد اليشكري البَصْرِيّ ، وقيل : سبيع بن خالد ، وقيل : خالد بن سبيع ، وقيل : سبيعة بن خالد ، ويُقال غير ذلك ، وقد ذكره ابنُ حِبَّان في كتاب "الثقات" ووثقه العجلي ، وقال عنه الحافظ في التقريب : مقبول
3- تستر (بالضم ثم السكون وفتح التاء الاخرى وهو تعريب شوشتر: أعظم مدينة بخوزستان . ذكر البلاذري ان ابا موسى الاشعري لما فتح سُرّق سار منها الى تستر وفيها شوكة العدو , فكتب الى عمر يستمده فكتب عمر الى عمار بن ياسر يأمره بالمسير اليه في أهل الكوفة فقدم عمار جرير بن عبدالله البجلي وسار حتى اتى تستر وكان على ميمنة أبي موسى البراء بن مالك أخو أنس بن مالك وكان على ميسرته مجزأه بن ثور السدوسي وعلى الخيل انس بن مالك وعلى ميمنة عمار البراء بن عازب الانصاري وعلى ميسرته حذيفة بن اليمان العبسي وعلى خيله قرظه بن كعب الانصاري وعلى الرجالة النعمان بن مقرن المزني فقاتلهم اهل تستر قتالاً شديداً وحمل اهل البصرة وأهل الكوفة حتى بلغوا باب تستر فضاربهم البراء بن مالك على الباب ودخل الهرمزان واصحابه الى المدينة بشر حال وقد قتل منهم في المعركة تسعمآية وأسر ستمآية . ينظر: الحموي , شهاب الدين ابو عبد الله ياقوت بن عبد الله , معجم البلدان , 1397ﻫ -1977م , دار صادر , بيروت , لبنان , 2/29-30-31 .

؟! فقال القوم: أما تعرفه ؟! فقلت: لا، فقالوا: هذا حذيفة بن اليمان صاحب رسول الله ((صلى الله عليه واله)).

قال: فقعدتُ إليه، فحدّثَ القومَ فقال: إنّ الناس كانوا يسألون رسول الله ((صلى الله عليه واله)) عن الخير، وكنتُ أسأله عن الشرّ. فأنكر ذلك القومُ عليه، فقال: سأُحدّثكم بما أنكرتُم، إنّه جاء أمر الإسلام فجاء أمر ليس كأمر الجاهلية، وكنتُ أُعطِيتُ من القرآن فقهاً، وكانوا يجيئون فيسألون النبيَّ (صلى الله عليه واله)، فقلت أنا: يا رسولَ الله، أيكون هذا الخير شرّاً ؟! ( وفي روآية: أيكون بعد هذا الخير شرّ ؟! )، قال: نعم، قلت: فما العصمة منه ؟ قال: السيف، قلت: وما بعد السيف بقية ( تقيّة - في نسخة أخرى ) ؟ قال: نعم، يكون إمارة على أقذاء، وهِدنة على دَخَن، قلت: ثمّ ماذا ؟ قال: ثمّ تفشو دعاة الضلالة ( رعاة الضلاة - في نسخة أخرى )، فإنْ رأيتَ يومئذٍ خليفةَ عدلٍ فالزَمْه، وإلاّ فمُتْ عاضّاً على جِذْلِ شجرة(1) .

قال الشيخ المجلسيّ(2)(2) في بيان ذلك: يُقال رجلٌ جَهْمُ الوجه: أي كالحُه. وقال الجزري في ( النهآية ) في الحديث: هِدنة على دَخَن، وجماعة على أقذاء.. دَخَنت النار إذا

ص: 71


1- أمالي ابن الشيخ الطوسي , 138 – 139 .
2- (2) الشيخ محمد باقر المجلسي من علماء الشيعة الأمامية الأثني عشرية. ولد في عام 1037 ﻫ . في مدينة أصفهان التي كانت آنذاك من المراكز العلمية المعروفة في العالم الإسلامي، وكان والده المولى محمد تقي المجلسي من مفاخر علماء الشيعة، له مؤلفات كثيرة في شتى المجالات ينتهي نسب عائلة العلامة المجلسي إلى احمد بن عبد اللّه المعروف ب- الحافظ أبونعيم المتوفى عام 430 ﻫ صاحب الكتاب المعروف ب- حلية الاولياء في طبقات الاصفياء , من اشهر اساتذته : والده الملا محمد تقي المجلسي. الملا محمد صالح المازندراني . العلامة رفيع الدين محمد الحسيني الطباطبائي . العلامة حسن علي الشوشتري . العلامة الشيخ علي بن الشيخ محمد بن المحقق الشيخ حسن بن الشهيد الثاني . العلامة السيد علي خان المدني . الملا حسين القزويني . شيخ المحدثين محمد بن الحسن المعروف بالحر العاملي.فيما بلغ تعداد طلاب العلامة أكثر من الف،وترك الشيخ المجلسي أكثر من سبعين مؤلفاً باللغتين العربيَّة والفارسيَّة، وقد عرَّبت معظم كتبه الفارسيَّة، كما ترجمت بعض المؤلَّفات العربيَّة إلى الفارسيَّة، وكذا ترجمت بعض كتبه العربيَّة والفارسيَّة إلى لغات أخرى كالأردويَّة والإنگليزيَّة وغيرها من اللغات.وأشهر كتبه (بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار) ويعد هذا الكتاب من أكبر الموسوعات الحديثيَّة عند الشيعة الإثني عشريَّة إذ تتجاوز عدد مجلَّداته المئة مجلد، وترجمت كثير من مجلَّداته إلى الفارسيَّة والأردويَّة والإنگليزيَّة.. توفي سنة 111 ﻫ ودفن في اصفهان.

أُلقيَ عليها حطب رطب فكثر دخانها، أي على فسادٍ واختلاف، تشبيهاً بدخان الحطب والرطب؛ لما بينهم من الفساد الباطن تحت الصلاح الظاهر. وجاء تفسيره للحديث أنّه: لا ترجع قلوب قوم على ما كانت عليه، أي لا يصفو بعضها لبعض، ولا ينصع حبّها كالكدورة التي في لون الدابّة. والأقذاء جمع قَذى، وهو ما يقع في العين والماء والشراب من تُرابٍ أو تبن أو وسخ أو غير ذلك(1). وفي بيان آخر للشيخ المجلسي: وفي بعض الروايات: قلت: يا رسول الله، الهدنة على الدَّخَن ما هي ؟ قال: لا يرجع قلوب أقوامٍ على الذي كانت عليه. ويُروى ( جماعة على أقذاء ) يقول: يكون اجتماعهم على فسادٍ من القلوب، شبّهه بأقذاء العين. وقد رواه ابن الأثير في جامع الأصول(2)

بأسانيد عن: البخاري ومسلم وأبي داود. وفي بعض رواياته: ( وهل للسيف من تقيّة ؟! )، وفي بعضها: ( قلت: وبعد السيف ؟ قال: تقيّة على أقذاء، وهدنة على دخن ». وفي شرح السُّنّة: أي هل بعد السيف شيء يُتّقى به من الفتنة، أو يُتّقى ويُشفَق به على النفس ؟ وجِذْل الشجرة أصلها، والمعنى: مُتْ معتزلاً عن الخَلْق حتّى تموت ولو احتَجْتَ إلى أن تأكل أُصول الأشجار، ويُحتمَل أن يكون كنآية عن شدّة الغيظ(3).

ولعلّ سائلاً يقول: لماذا يفتّش حُذَيفة عن غوامض المستقبل وخوافيه ؟ دعونا نسمع

ص: 72


1- المجلسي , بحار الأنوار , 22: 106
2- ابن الاثير , جامع الأصول 414:10 - 417
3- المجلسي , بحار الأنوار , 28: 43- 44

من حذيفة نفسه جواب ذلك، حيث يقول: إنّه كان أصحابُ رسول الله (صلى الله عليه واله) يسألونه عن الخير، وكنتُ أسأله عن الشرّ مخافةَ أن أقعَ فيه! ويقول حذيفة أيضاً: لو كنتُ على شاطئ نهرٍ وقد مَدَدتُ يدي لأغتراف، فحدّثتكم بكلّ ما أعلم، فما وَصلَت يدي إلى فمي حتّى أُقتل(1) . إذن.. أحسّ حذيفة أنّ عواصفَ عاتية ستُقبل كقِطَع الليل المظلم، فلابدّ أن يعرف من أين تنبعث، وكيف النجاة منها، وبماذا يكون الاعتصام ؟ ولابدّ أن يُميّز أهلَ الحقّ عن أهل الباطل، ليعرف مَن يُوالي، ومَن يعادي ويتبرّأ منهم ؟ ولذا وقف على البيّنة، ولم يسقط في الفتنة! ولازم الحقّ وصبر وثبت ونصح. عن أبي أُمامة(2) قال: كتب أبو ذرّ الغفاري(3) إلى حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما

ص: 73


1- المامقاني , تنقيح المقال : 1/ 260
2- أبو أمامة سهل بن حنيف، الأنصاري الأوسي المدني، ولد في حياة النبي ((صلى الله عليه واله) وسلم )، ورآه وحدث عن أبيه وعمر وعثمان وزيد بن ثابت ومعاوية وابن عباس. وعنه الزهري وأبو حازم وجماعة. قال الزهري: كان من علِّية الأنصار وعلمائهم، كان من النقباء نقباء نبي الله الاثني عشر وما سبقه أحد من قريش ولا من الناس بمنقبة واثنى عليه وقال لما مات جزع أمير المؤمنين(ع) عليه جزعا شديدا وصلى عليه خمس صلوات وروي انه كان في بدء الإسلام أول سنة الهجرة يكسر اصنام قومه ليلا ويحملها إلى امرأة من الأنصار لا زوج لها ويقول لها احتطبي هذه وكان علي يذكر ذلك عن سهل بعد موته متعجبا به وفي الاستيعاب شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله(ص) وثبت يوم أحد وكان قد بايعه يومئذ على الموت فثبت معه حين انكشف الناس عنه وجعل ينضح عنه بالنبل فقال(ص) نبلوا سهلا فانه سهل ثم صحب عليا من حين بويع له وإياه استخلف علي حين خرج من المدينة إلى البصرة ثم شهد مع علي(ع) صفين وولاه الامام(ع) على فارس فاخرجه اهل فارس ووجه علي(ع) زياد بن أبيه فارضوه وصالحوه وأدوا الخراج وفي أسد الغابة صحب علي بن ابي طالب حين بويع له فلما سار علي من المدينة إلى البصرة استخلفه على المدينة وشهد معه صفين . توفي بالكوفة سنة 38 ﻫ
3- أبو ذر، جُندب بن جُنادة الغِفاري. لم تُحدّد لنا المصادر تأريخ ولادته ومكانها، إلاّ أنّه من أعلام القرن الأوّل الهجري. رابع مَن أسلم من الرجال،من أصحاب رسول الله(ص) ، والإمام عليّ(ع). كان أحد الأركان الأربعة الذين أثبتوا ولائهم للإمام عليّ(ع) بعد رحيل النبيّ(ص) ، وهم: سلمان والمقداد وأبو ذرّ وعمّار وأحد الحواريين الذين مضوا على منهاج رسول الله(ص). وأحد المشيّعين الذين خرجوا في تشييع السيّدة فاطمة الزهراء(ع) ، والصلاة عليها ودفنها. وأحد المتجاهرين بمناقب أهل البيت(ع) ومثالب أعدائهم، لم تأخذه في الله لومة لائم عند ظهور المنكر، وانتهاك المحارم. قال رسول الله(ص): [مَا أَظَلّتْ الْخَضْرَاءُ وَمَا أَقَلَّتْ الْغَبْرَاءُ أَصْدَقَ لَهْجَةٍ مِنْ أَبِيْ ذَرَّ](الإختصاص: 13) وقال رسول الله(ص): [أَبُوْ ذَرَّ فِيْ أُمَّتِيْ شَبِيْهُ عِيْسىْ بِنْ مَرْيَمَ فِيْ زُهْدِهِ]( بحار الأنوار 22/420) وقال رسول الله (ص) مخاطباً الإمام عليّ(ع): [الْجَنَّةُ تَشْتَاقُ إِلَيْكَ، وَإِلَىْ عَمّارَ، وَسَلْمَانَ، وَأَبِيْ ذَرَّ، وَالْمِقْدادَ](الخصال: 303). نفاه عثمان إلى الشام، ولمّا وصل إلى الشام بقي هناك على نهجه في التصدي إلى مظاهر الإسراف والتبذير لأموال المسلمين ، فأركبه معاوية على جمل بلا غطاء ولا وطاء. وأمر غثمان بنفيه إلى الرَبَذة، ليُبعده عن الناس. تُوفّي عام 31ﻫ أو 32ﻫ بمنطقة الربذة، ودُفن فيها، وصلّى عليه الصحابي الجليل مالك الأشتر.

يشكو إليه ما صنع به ( فلان ): بسم الله الرحمن الرحيم. أمّا بعدُ يا أخي، فَخَفِ اللهَ مَخافةً يكثر منها بكاءُ عينَيك، وحَرِّرْ قلبك، وسَهِّرْ ليلك، وأنصِبْ بدنك في طاعة ربّك، فحقّ لمَن علم أنّ النار مثوى مَن سَخِط اللهُ عليه أن يطول بكاؤُه ونَصَبُه وسَهَرُ ليله حتّى يعلم أنْ قد رضيَ اللهُ عنه، وحقّ لمَن علم أنّ الجنّة مثوى مَن رضيَ الله عنه أن يستقبل الحقَّ كي يفوز بها، ويستصغرَ في ذاتِ الله الخروجَ مِن أهله وماله، وقيامَ ليله وصيام نهاره، وجهادَ الظالمين الملحدين بيده ولسانه حتّى يعلمَ أنّ الله أوجَبَها له، وليس بعالِمٍ ذلك دون لقاء ربّه، وكذلك ينبغي لكلّ مَن رغب في جوار الله ومرافقة أنبيائه أن يكون. يا أخي، أنت ممّن أستريح إلى التصريح إليه بَثّي وحُزني، وأشكو إليه تَظاهُر الظالمين علَيّ. إنّي رأيتُ الجور يُعمَل به بعيني وسمعتُه يُقال فرَدَدتُه، فحُرِمتُ العطاء، وسُيِّرتُ إلى البلاد، وغُرِّبتُ عن العشيرة والإخوان وحَرَمِ الرسول (صلى الله عليه واله)، وأعوذ بربيَّ العظيم يكون هذا أن منّي له شكوى أن ركب منّي ما ركب، بل أنبأتك أنّي قد رضيتُ ما أَحبَّ ربّي وقَضاه علَيّ، وأفضيتُ ذلك إليك لتدعوَ اللهَ لي ولعامّة المسلمين بالرَّوح والفَرَج، وبما هو أعمُّ نفعاً وخيرٌ مَغبّةً وعُقبى، والسلام.

فكتب إليه حُذَيفة: بسم الله الرحمن الرحيم، فقد بلغني كتابك تُخوّفُني به وتحذّرني فيه مُنقَلَبي، وتَحُثّني فيه على حظّ نفسي، فقديماً يا أخي كنتَ بي وبالمؤمنين حفيّاً

ص: 74

لطيفاً، وعليهم حَدِباً شفيقاً، ولهم بالمعروف آمِراً وعن المنكر ناهياً، وليس يهدي إلى رضوان الله إلاّ هو، لا إله إلاّ هو، ولا يُتناهى مِن سخطه إلاّ بفضل رحمته وعظيم مَنّه، فنسأل الله ربَّنا لأنفسِنا وخاصّتِنا وعامّتنا وجماعةِ أُمّتنا مغفرةً عامّة ورحمةً واسعة، وقد فهمتُ ما ذكرتَ من تسييرك يا أخي وتغريبك وتطريدك، فعَزّ - واللهِ - علَيّ يا أخي ما وصل إليك من مكروه، ولو كان يُفتدى ذلك بمالٍ لأعطيتُ فيه مالي طيّبةً بذلك نفسي، يصرف اللهُ عنك بذلك المكروه...

إلى أن قال: فكأنّي وإيّاك قد دُعينا فأجَبْنا، وعُرِضْنا على أعمالنا فاحتَجْنا إلى ما أسلَفْنا. يا أخي ولا تأسَ على ما فاتك ولا تَحزَنْ على ما أصابك واحتَسِبْ فيه الخير، وارتَقِبْ فيه من الله أسنى الثواب. يا أخي لا أرى الموت لي ولك إلاّ خيراً من البقاء، فإنّه قد أظَلَّتْنا فِتنٌ يتلو بعضُها بعضاً كقِطَع الليل المظلم، قد ابتُعِثتْ من مركبها، ووُطئت في حطامها، تُشهَر فيها السيوف، وينزل فيها الحتوف، يُقتَل فيها مَن اطّلع لها والتَبَس بها وركض فيها، ولا تبقى قبيلة من قبائل العرب من الوبر والمدر إلاّ دخلت عليهم، فأعزُّ أهل ذلك الزمان أشدُّهم عُتوّاً، وأذلُّهم أتقاهم، فأعادنا اللهُ تعالى وإيّاك من زمانٍ هذه حال أهله فيه، فلن أدَعَ الدعاء لك في القيام والقعود والليل والنهار، وقد قال الله سبحانه - ولا خُلْفَ لموعوده -: ﴿ادعُوني أستَجِبْ لكُم إنّ الذينَ يَستَكبرونَ عن عِبادَتي سَيَدخُلونَ جَهنّمَ داخِرين﴾(1)، فنستجير بالله من التكبّر عن عبادته، والاستنكافِ عن طاعته، جعَلَ اللهُ لنا ولك فَرَجاً ومَخرجاً عاجلاً برحمته، والسلام عليك

(2).

وهكذا جمع حذيفة إلى المعارف التي دوّنها في رسالته، مواساةً أخويّة كانت سلوى وعزاءً لأبي ذرّ الغفاريّ إذ كان يعيش محنته في تلك الغربة، فجاءت رسالة حذيفة

ص: 75


1- سورة غافر : آية 60 .
2- المجلسي , بحار الانوار , 22 : 408 – 410 / ح 26 .

كالماء البارد على صدر الظمآن، ولا ندري كم أدخلت من السرور على قلب أبي ذرّ وهو يقرأ كلمات حذيفة التي كانت تطفح على رسالته معاني الإيمان والأخلاق والروح الأخوية العميقة في مشاطرته مآسيه رضوان الله تعالى عليهما.. وقد يحبّ المرءُ أن يسمع ما يعلمه أو يقرأ ذلك من خطّ أخيه المؤمن، فيكون ذلك بلسماً لجراحه، ورواءً لغليله.

وكان حذيفة ناصحاً صادقاً، للقريب والبعيد، مُفصحاً عن الحقّ ومبيّناً للحقائق، وكان نفّاعاً في كلامه يُدلي به عن قلب مخلص محبٍّ للخير.. عن الثُّمالي قال: دعا حذيفةُ ابن اليمان ابنَه عند موته فأوصى إليه وقال: يا بُنيّ، أظْهِرِ اليأس عمّا في أيدي الناس؛ فإنّ فيه الغنى، وإيّاك وطلَبَ الحاجاتِ إلى الناس؛ فإنّه فَقرٌ حاضر، وكُن اليومَ خيراً منك أمس، وإذا أنت صلّيتَ فصَلِّ صلاةَ مُودِّعٍ للدنيا كأنّك لا تَرجِع، وإيّاك وما يُعتَذَر منه (1).

وهي كلمات مستفادة من أحاديث النبيّ المصطفى والوصيّ المرتضى صلوات الله عليهما وآلهما، تَرشّحَت من قلب حُذَيفة بعد أن انتفع من صحبته لهما وولايته إيّاهما، فأخذ مستفيداً ومُفيداً رضوان الله عليه.

وعن الزهري قال: أخبرني أبو أدريس, سمع حذيفة بن اليمان(رضي الله عنه) يقول:((والله اني لاعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة)) (2).

وعن زاذان: ان علياً سئل عن حذيفة, فقال: علم المنافقين, وسأل عن المعضلات فان تسألوه, تجدوه بها عالماً (3).

ص: 76


1- الصدوق , الامالي , 265 / ح 12 من المجلس 52 .
2- الذهبي , سير اعلام النبلاء , 4/31 .
3- الذهبي , سير اعلام النبلاء , 4/28 .

وفيما روي عن نصر بن عاصم الليثي, قال: أتيت اليشكري في رهط من بني ليث فقال: قدمت الكوفة, فدخلت المسجد, فاذا فيه حلقة كأنما قطعت رؤوسهم يستمعون الى حديث رجل: فقمت عليهم , فقلت من هذا ؟ قيل حذيفة بن اليمان (1).

لقد أوتي حذيفة بن اليمان من العلم والمعرفة شيئاً عظيماً وقد روى احاديث كثيرة عن النبي ((صلى الله عليه واله) وسلم), له في " الصحيحين " جملة من الاحاديث, ففي البخاري ثمانية, وفي مسلم سبعة عشر حديثاً(2).

وله من تلاميذ نقلوا العلم على يديه أمثال: أبو وائل, وزر بن حبيش, وزيد بن وهب, وربعي بن حراش, وصلة بن زفير, وخلق سواهم(3).

هذا وقد ورد: ((ان لحذيفة درجة من العلم بالكتاب والسنة كبيرة سامية))(4) .

وكان يقول: ((كنت اعطيت من القرآن فقهاً))(5).

وهناك ما يشير الى ان حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) كان احد اهل الفتيا على عهد رسول الله ((صلى الله عليه واله) وسلم)(6).

إنّ صحبة النبي (صلى الله عليه واله) لم تنفع من الصحابة إلاّ من صدّق وسلّم، ووالى بقلبه وروحه، وصدق بإيمانه. وكان من هؤلاء: حُذَيفة بن اليمان، فوُفّق لأخذ المعارف العالية عن منبعِها الإلهيّ.. فحُكي أنْ كان له درجةُ العلم

ص: 77


1- أبو نعيم الاصبهاني , حلية الاولياء في طبقات الاصفياء , 1/271 .
2- الذهبي , سير أعلام النبلاء , 4/27 .
3- الذهبي , المصدر نفسه , 4/27 .
4- حرز الدين محمد , مراقد المعارف , 1/239 .
5- المدني , الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة , ص286 .
6- الشبلنجي الحنفي , نور الأبصار , ص48-68 .

بالسُّنّة، وجاء عن السيّد محمّد مهدي بحر العلوم(1) قوله: إنّه يُستفاد من بعض الأخبار أنّ لحذيفة

درجةَ العلم بالكتاب أيضا (2).

6- احترامه ومحبته وولاؤه لأهل البيت(عليهم السلام)

لا شك ان لأهل بيت النبي (صلى الله عليه واله وسلم)منزلة رفيعة, ودرجة عالية من الاحترام والتقدير عند المسلمين جميعاً, لانتسابهم اليه ((صلى الله عليه واله)) ووجوب مودتهم ومولاتهم, لقوله تعالى فيما انزل على محمد (صلى الله عليه

ص: 78


1- السيد محمد مهدي الذي ينتهي نسبه إلى السيد إبراهيم الغمر ابن الحسن المثنى ابن الحسن السبط ابن علي بن أبي طالب (ع) . ولد في كربلاء المقدسة سنة 1155 ﻫ وحضر أولياته وسطوحه من النحو والصرف والمنطق والأصول، والفقه والتفسير وعلم الكلام وغيرها على فضلاء عصره، فأكمل تلك الأوليات في ظرف ثلاث أو أربع سنين وعمره لم يتجاوز الثانية عشرة, وبعد ذلك حضر البحث الخارج على والده المرتضى، والشيخ الوحيد البهبهاني، والشيخ يوسف البحراني، حتى بلغ درجة الاجتهاد، وأنتقل من كربلاء إلى النجف الأشرف سنة 1169ﻫ ، فحضر هنالك على علمائها المبرزين كالشيخ مهدي الفتوني والشيخ محمد تقي الدورقي والشيخ محمد باقر الهزار جريبي وغيرهم . وفي أواخر1193 تشرف بحج بيت الله الحرام، وبقي في مكة أكثر من سنتين موضع حفاوة وعنآية من عامة طبقاتها، حتى كان يوضع له كرسي الكلام فيحاضر بالمذاهب المختلفة فيحضر مجلسه العلمي أرباب المذاهب كلها، وأقام المشاعر، وصحح المواقف وركز المواقيت. تتلمذ على يديه المئات من العلماء و الأفاضل وتخرج العشرات من المجتهدين, و ترك ما يزيد على العشرين مؤلفا في مختلف العلوم غير الرسائل القصيرة.وتوفي سنة 1312ﻫ , فدفن بجوار قبر شيخ الطائفة الطوسي.(الفوائد الرجالية – بحر العلوم: 95)
2- المامقاني , تنقيح المقال , 1: 259 , عن أسد الغابة لابن الاثير 1:390 , وكتب عن ذلك السيد بحر العلوم في رجاله 2: 172 .

واله وسلم)((قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)) (1), لانهم حجج الله البالغة لدى الامة ونعمه السابغة فيها, وهم امان اهل الارض وباب حطة وسفينة النجاة. وقربى النبي هم:(علي وفاطمة والحسن والحسين)(عليهم السلام), وهم المعنيون بقوله عز وجل في آية المباهلة:(( فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ))(2), كما اوصى (صلى الله عليه واله وسلم)برعآية حقوقهم التي شرعها الله لهم, ليحبوهم, ويتولهم, ويحفظوا فيهم وصيته (صلى الله عليه واله وسلم)التي قالها يوم غدير خم: ((اذكركم الله في أهل بيتي))(3), فيكونوا بذلك اسعد الناس ان هم اخذوا بهذه الوصية وطبقوها تطبيقاً عملياً من خلال اتباع هديهم والتمسك باهداب سنتهم.

قال الشيخ الطوسي (4) :((وقد عُدَّ حذيفة بن اليمان من الأركان الأربعة , في

ص: 79


1- سورة الشورى : آية 23.
2- سورة ال عمران : آية 61 .
3- مسلم , صحيح مسلم رقم (2408) .
4- محمد بن الحسن الطوسي , ابو جعفر ولد سنة (995م) بطوس وتوفي سنة (1067م) , نعته السبكي بفقيه الشيعة ومصنفهم وكان عالماً ورعاً كثير الزهد , واثنى عليه السمعاني , وقال العمار الطبري: لو جازت على غير الانبياء صلاة صليت عليه . انتقل من خراسان الى بغداد سنة (408ﻫ ) , واقام اربعين سنة . تلمذ على الشيخ المفيد والسيد المرتضى علم الهدى في الكاظمية ثم اقام في بغداد ولما توفي السيد المرتضى استقل الشيخ الطوسي بالزعامة الدينية واصبح علماً من اعلام الشيعة وزعيماً لهم . وكانت داره في كرخ بغداد مأوى الامة ومقصد الوفاد وكان يحضر مجلسه اعلام علماء عصره وفطاحل عرفاء مصره على اختلاف مذاهبهم ونحلهم واهوائهم حتى بلغ عدد تلامذته اكثر من ثلثمائة من مجتهدي الشيعة ومن اهل السنة ما لا يحصى كثرهُ , وبلغ به الامر من العظمة والشخصية العلمية الفذة ان جعل له خليفة زمانه القائم بامر الله عبدالله بن القادر بالله أحمد , الخليفة العباسي , كرسي الكلام والافادة , وكان لهذا الكرسي يومذاك عظمة وقدر فوق ما يوصف اذ لم يسمح به الا لمن بلغ في العلم المرتبة السامية وفاق على اقرانه . وقد احرقت كتبه عدة مرات بمحضر من الناس وذلك عند دخول طغرل بك السلجوقي الى بغداد يعتبر الشيخ الطوسي مؤسس جامعة النجف الاسلامية العظمى المحتوية على كافة العلوم الاسلامية قديمها وحديثها من مؤلفاته: ((الاستبصار فيما اختلف فيه من الاخبار)) ((والتهذيب)) وهما من كتب الحديث الكبرى والمسماة بالأصول الأربعة وفي علماء الحديث في النجف يقول الاستاذ الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه (الإمام الصادق) , ص543 , طبع مصر: (( ... وهم أشد العلماء عنآية بفحصه ودراسته) وتذليل سُبله , وتسهيل الاطلاع عليه)) .

اصحاب علي بن ابي طالب (عليه السلام) )) (1).

وعن قول الإمام علي(عليه السلام): ((خلقت الأرض لسبعة بهم يرزقون، وبهم يمطرون، وبهم ينصرون: أبو ذرّ وسلمان والمقداد وعمّار وحُذيفة... وأنا إمامهم، وهم الذين شهدوا الصلاة على فاطمة(عليها السلام) )).

قال الشيخ الصدوق(قدس سره)(2): (معنى قوله: خلقت الأرض لسبعة نفر، ليس يعني من ابتدائها إلى انتهائها، وإنّما يعني بذلك أنّ الفائدة في الأرض قدّرت في

ص: 80


1- الطوسي , ابو جعفر محمد بن الحسن , رجال الطوسي , ص38 .
2- الشيخ أبو الحسن ، علي بن الحسين بن موسى بن بابويه الصدوق القمي وعرف بالصدوق الأول و لم تحدد لنا المصادر تاريخ ولادته ، إلا أنه ولد في القرن الثالث الهجري بمدينة قم المقدسة لواحدة من العوائل العلمية فيها ، فقد دونوا علوم أهل البيت (عليهم السلام) ، وساهموا في نشر آثارهم بكتبهم ومصنفاتهم ، والشيخ علي بن بابويه الذي بلغ من فقهه أنه ينقل فتاويه بدل النصوص ، جعل العلماء يتمسكون بما يجدونه من شرائع الشيخ أبي الحسن بن بابويه عند إعواز النصوص لحسن ظنهم به ، وإن فتواه كروايته .عاصر الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) ، والتقى بالسفير الثالث للإمام المهدي(عجل الله فرجه) ، الحسين بن روح في العراق . و من وصية الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) له : (( أما بعد : أوصيك يا شيخي ومعتمدي أبا الحسن علي بن الحسين القمي ، وفقك الله لمرضاته ، وجعل من صلبك أولادا صالحين برحمته ، بتقوى الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ... ، وعليك بصلاة الليل ، فإن النبي((صلى الله عليه واله)) أوصى علياً (عليه السلام) فقال : يا علي عليك بصلاة الليل ، ثلاث مرات ، ومن استخف بصلاة الليل فليس منا ، فاعمل بوصيتي ، وأمر جميع شيعتي حتى يعملوا عليه ، وعليك بالصبر وانتظار الفرج ، فإن النبي ((صلى الله عليه واله)) قال : أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج ، ولا يزال شيعتنا في حزن حتى يظهر ولدي الذي بشر به النبي ((صلى الله عليه واله)) أنه يملأ الأرض عدلا وقسطا ، كما ملئت ظلما وجورا .فاصبر يا شيخي وأمر جميع شيعتي بالصبر ، فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ، والسلام عليك وعلى جميع شيعتنا ، ورحمة الله وبركاته )) ..من مؤلفاته: فقه الرضا , كتاب المواريث , كتاب المعراج , كتاب التوحيد, كتاب الصلاة , كتاب الجنائز ,الإمامة والتبصرة من الحيرة ,كتاب الإملاء , نوادر كتاب المنطق , كتاب الإخوان , النساء والولدان ,كتاب الشرائع , كتاب تفسير ,كتاب النكاح , مناسك الحجّ , قرب الإسناد ,كتاب التسليم , كتاب الطبّ , رسالة الكرّ والفرّ .توفّي عام 329 ﻫ ، ودفن في مدينة قم المقدّسة .

ذلك الوقت لمَن شهد الصلاة على فاطمة(عليها السلام)، وهذا خلق تقدير لا خلق تكوين)(1).

أمّا ولآية حُذَيفة بن اليمان لمحمّدٍ وآل محمّد صلوات الله عليه وعليهم فهي جليّة واضحة في جانبيها: التولّي لهم، والبراءة من أعدائهم. وقد كان هذا الصحابيّ موفّقاً في تلقّي المعارف العالية والمعاني الخاصّة عن البيت النبويّ الشريف؛ لِما كان فيه من الإيمان الصادق والتقوى العميقة، والتسليم للرسول وللرسالة، والتصديق والأخذ الصادق، والمحبّة والولاء لآل البيت الميامين صلوات الله عليهم أجمعين، والتقديس والإجلال والأدب الرفيع لأهل بيت الوحي.. وفي معرض ذكر احدى الروايات قال السيد الخوئي(2) : (الحديث غير منقطع إلا أن الروآية ضعيفة بالعباس بن هلال

ص: 81


1- الصدوق أبو الحسن ، علي بن الحسين, الخصال: 361 ح50.
2- ولد السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي سنة 1317 ﻫ ، في مدينة خوي من إقليم أذربيجان. وقد التحق بوالده السيد علي اكبر الموسوي الخوئي الذي كان قد هاجر قبله إلى النجف الأشرف، وحيث كانت المعاهد العلمية في النجف الأشرف هي الجامعة الدينية الكبرى التي تغذي العالم الإسلامي كله وترفده بالآلاف من رواد العلم والفضيلة ، فقد انضم سماحته وهو ابن الثالثة عشرة إلى تلك المعاهد.وبدأ بدراسة علوم العربية والمنطق والأصول والفقه والتفسير والحديث.وتتلمذ على كوكبة من أكابر علماء الفقه والأصول، ومراجع الدين العظام في بحوث الخارج، ومن أشهرهم: الشيخ فتح الله شيخ الشريعة، الشيخ مهدي المازندراني، الشيخ ضياء الدين العراقي، الشيخ محمد حسين النائيني، كما حضر لفترات محددة عند كل من:السيد حسين البادكوبي في الحكمة والفلسفة,والشيخ محمد جواد البلاغي في علم الكلام والتفسير,و السيد علي القاضيفي الأخلاق والسير والسلوك والعرفان.وقد نال درجة الاجتهاد في فترة مبكرة من عمره الشريف، وشغل منبر الدرس لفترة تمتد إلى أكثر من سبعين عاما. له الكثير من المؤلفات و أبرزها : أجود التقريرات، في أصول الفقه.البيان، في علم التفسير.نفحات الإعجاز، في علوم القرآن.معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة، في علم الرجال في 24 مجلدا. توفي في الثامن من صفر 1413 ﻫ بمدينة النجف الأشرف ، ودفن بمسجد الخضراء.

وهذه الروآية وإن كانت ضعيفة أيضا إلا أن جلالة حذيفة وولاءه لأمير المؤمنين عليه السلام واضحة ومشهورة ويأتي بعض ما يدل على ذلك في ترجمة المقداد)(1).

عن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام قال: لقيَ النبيُّ (صلى الله عليه واله) حُذَيفةَ فمدّ النبيُّ (صلى الله عليه واله) يدَه، فكَفَّ حُذيفة يدَه، فقال النبيّ (صلى الله عليه واله): يا حذيفة، بَسَطتُ يدي إليك فكَفَفتَ يدَك عنّي ؟! فقال حذيفة: يا رسول الله، بيدك الرغبة؛ ولكنّي كنتُ جُنُباً فلم أُحبَّ أن تَمسَّ يدي يدك وأنا جُنُب، فقال النبيّ (صلى الله عليه واله): أما تعلم أنّ المسلمَينِ إذا التَقَيا فتَصافَحا تَحاتّتْ ذنوبُهما كما يَتحاتُّ ورقُ الشجر ؟(2) .

وكان حذيفة ممّن يحرسون النبيَّ (صلى الله عليه واله)، فلمّا نزل قولُه تعالى: ﴿واللهُ يَعصِمُكَ مِنَ الناس﴾(3).. قال (صلى الله عليه واله) لحرّاسه: إلحَقوا بمَلاحِقكم؛ فإنّ الله عَصَمني من الناس(4) .

وقد شارك حذيفة في الجهاد بين يدَي رسول الله (صلى الله عليه واله) وأبلى وعانى، فروى يوماً قائلاً: واللهِ لقد رأينا يوم الخندق ( غزوة الأحزاب ) وبنا مِن الجَهد والجُوع والخوف ما لا يعلمه إلاّ الله، وقام رسول الله (صلى الله عليه واله) فصلّى ما شاء الله من الليل ثمّ قال: ألا رجلٌ يأتينا بخبر القوم يجعله اللهُ رفيقي في الجنّة ؟ قال حذيفة: فوَ اللهِ ما قام مِنّا أحدٌ ممّا بنا من الخوف والجهد والجوع، فلمّا لم يَقُم أحد دعاني فلم أجد بُدّاً من إجابته، قلت: لبّيك، قال: اذهَبْ فجِئْني بخبر القوم، ولا تُحْدِثَنّ شيئاً حتّى ترجع.

ص: 82


1- الخوئي , معجم رجال الحديث , ج4 , ص246 , ترجمة حذيفة رقم 2618
2- الكليني , الكافي , 2: 183 / ح 19
3- سورة المائدة : آية 67
4- المجلسي , بحار الانوار , 17/ 176 .

قال: وأتيتُ القومَ فإذا ريح الله وجنوده يُفعَل بهم ما يُفعَل، ما يَستَمسك لهم بناء ولا يَثبُت لهم نار، ولا يطمئنّ لهم قِدْر، فإنّي كذلك إذ خرج أبو سفيان مِن رَحْله ثمّ قال: يا معشرَ قريش، لينظرْ أحدُكم مَن جَليسُه. قال حذيفة: فبدأتُ بالذي عن يميني فقلت: مَن أنت ؟!

قال: أنا فلان. ثمّ عاد أبو سفيان براحلته فقال: يا معشر قريش، واللهِ ما أنتم بدارِ مُقام، هلك الخُفُّ والحافر، وأخلَفَتْنا بنو قُرَيظة، وهذه الريح لا يَستَمسك لنا معها شيء. ثمّ عجّل فركب راحلته وإنّها لَمعقولة ما حلّ عِقالها إلاّ بعدما ركبها.

قال حذيفة: قلت في نفسي: لو رَمَيتُ عدوَّ الله فقَتَلتُه كنتُ قد صَنَعت شيئاً، فوَتَّرت قوسي ثمّ وضعتُ السهمَ في كَبِد القوس وأنا أريد أن أرميه فأقتلَه، فذكرتُ قول رسول الله (صلى الله عليه واله): لا تُحْدِثنّ شيئاً حتّى ترجع، فحططتُ القوس ثمّ رجعتُ إلى رسول الله (صلى الله عليه واله) وهو يصلّي، فلمّا سمع حسّي فرّج بين رَحْلَيه فدخلتُ تحته، وأرسل علَيّ طائفةً من مَرطه ( إزار خَزّ )، فركع وسجد، ثمّ قال: ما الخبر ؟ فأخبرته(1) .

وروى ابن شهرآشوب فيما ورد مِن سَبي الفُرس إلى المدينة، أنّ جماعةً رغبت في بنات الملوك، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام لعمر: تُخيّرهُنّ ولا تُكرههنّ. فأشار أكبرهم إلى تخيير شهربانويه بنت يزدجر، فحجبت وأبت، فقيل لها: أيا كريمةَ قومها، مَن تختارين مِن خُطّابكِ ؟ وهل أنتِ راضية بالبعل ؟ فسكتت، فقال أمير المؤمنين: قد رضِيتْ وبقيَ الاختيار بَعدُ، سكوتُها إقرارها. فأعادوا القول في التخيير، فقالت: لستُ ممّن يَعدِل عن النور الساطع، والشهاب اللامع، الحسين إن كنتُ مخيَّرة، فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: لمَن تختارين أن يكون وليَّكِ ؟ فقال: أنت.

ص: 83


1- المجلسي , بحار الانوار , 20 / 208- 209 .

فأمر أميرُ المؤمنين عليه السّلام حُذَيفةَ بن اليَمان أن يخطب، فخطب، وزُوِّجتْ من الحسين عليه السّلام(1) .

ولِمَقامٍ بلَغَه حُذَيفة.. حظيَ أن يُعرَّف ببعض الأسرار، حتّى قال ابن الأثير حين تعرّض للتعريف به في كتابه ( أُسد الغابة في معرفة الصحابة ): إنّه كان صاحبَ سرِّ رسول الله (صلى الله عليه واله) في المنافقين، لم يَعلَمْهم أحدٌ إلاّ حُذَيفة، أعلَمَه بهم رسولُ الله (صلى الله عليه واله).

وفي بعض بياناته الشريفة.. قال الإمام عليّ عليه السّلام في حذيفة: ذاك امرؤٌ عَلِم أسماءَ المنافقين، إن تسألوه عن حدود الله تجدوه بها عارفاً(2) .

وكان رسول الله (صلى الله عليه واله) قد كشف لحذيفة مشهداً رأى فيه المنافقين الذين كانوا يُظهرون الإسلام ويستبطنون الكفر، ويريدون قتل النبيّ (صلى الله عليه واله) والغدر بأهل بيته عليهم السّلام (3).

وبقي حذيفة رضوان الله عليه على بصيرةٍ من أمره، وقد التزم بولآية مَن أمر اللهُ تعالى بالتمسّك بولايتهم، وجابه المنافقين، وحذّر من المارقين والناكثين والقاسطين.. فقال يوماً للناس: لو أُحدّثكم بما سمعتُ من رسول الله (صلى الله عليه واله) لَوَجهتُموني ( وفي نسخة: لَرجمتُموني )، قالوا: سبحانَ الله! نحن نفعل ؟! قال: لو أُحدّثكم أنّ بعض أُمّهاتكم تأتيكم في كتيبةٍ كثيرٍ عددُها، شديدٍ بأسُها، تقاتلكم، صدّقتُم ؟ قالوا: سبحان الله! ومَن يُصدِّق بهذا ؟! قال: تأتيكم أمُّكم ( فلانة ) في كتيبةٍ يسوق بها أعلاجها من حيث تسوء وجوهُكم(4)! .

ص: 84


1- ابن شهراشوب , مناقب ال ابي طالب , 4/ 48 .
2- الطبرسي , الاحتجاج , 139 .
3- يراجع بحار الانوار , ج28 , والمسمى كتاب الفتن والمحن.
4- ابن شهراشوب , مناقب ال ابي طالب , 1/ 121 .

وعن حَبّة العُرَني قال: سمعتُ حُذَيفة قبل أن يُقتلَ عثمان بسنة وهو يقول: كأنّي بأمّكم ( فلانة ) قد سارت يُساق بها على جملٍ وأنتم آخذون بالشَّوى والذَّنَب، معها الأزْد أدخلَهمُ اللهُ النار، وأنصارها بنو ضَبّة جَدّ اللهُ أقدامَهم.

قال: فلمّا كان يوم الجمل وبرز الناس بعضُهم لبعض، نادى منادي أمير المؤمنين عليه السّلام: لا يَبدأنَّ أحدٌ منكم بقتالٍ حتّى آمُرَكم. قالوا: فرَمَوا فينا، فقلنا: يا أمير المؤمنين قد رُمِينا! فقال: كفُّوا. ثمّ رمونا فقتلوا منا، قلنا: يا أمير المؤمنين قد قتلونا! فقال: احملوا على بركة الله. قال: فحمَلْنا عليهم، فأنشب بعضنا في بعضٍ الرماحَ حتّى لو مشى ماشٍ لمشى عليها.

ثمّ نادى منادي عليٍّ عليه السّلام: عليكم بالسيوف. فجعَلْنا نضرب بها البِيض فتنبو لنا، قال: فنادى منادي أمير المؤمنين عليه السّلام: عليكم بالأقدام. قال: فما رأينا يوماً كان أكثرَ قطعِ أقدامٍ منه، قال: فذكرتُ حديث حذيفة: أنصارُها بنو ضبّة جَدَّ اللهُ أقدامهم. فعلمتُ أنّها دعوة مستجابة، ثمّ نادى منادي أمير المؤمنين عليه السّلام: عليكم بالبعير؛ فإنّه شيطان! قال: فعَقَره رجلٌ برمحه، وقطع إحدى يديه رجلٌ آخر فبرك ورغا، وصاحت المرأة صيحة شديدة فولّى الناس منهزمين، فنادى منادي أمير المؤمنين عليه السّلام: لا تُجيزوا على جريح، ولا تتّبعوا مُدْبِراً، ومَن أغلق بابه فهو آمن، ومَن ألقى سلاحه فهو آمن(1).

وهو أحد الصحابة الذين شهدوا بيعة الغدير، وفيها بايع الإمام علي(عليه السلام(, وكان أحد الحاضرين في تشييع السيّدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)، والصلاة عليها ودفنها ليلاً، كما مرّ, مع أنّها أوصت أن لا يشهد جنازتها ظالم لها, وهو من الذين وصفهم الإمام الرضا(عليه السلام) بقوله: ((الذين مضوا على منهاج نبيّهم((صلى

ص: 85


1- المفيد , المجالس , 58/ ح3 .

الله عليه واله))، ولم يغيّروا، ولم يبدّلوا مثل:... حُذيفة اليماني... وأمثالهم رضي الله عنهم، ورحمة الله عليهم)) (1).

ومما تجدر الإشارة اليه ان من أصحاب علي وأنصاره في عصره أمثال: أبي ذر الغفاري, وسلمان الفارسي, وعمار بن ياسر, والمقداد, وحذيفة بن اليمان, وخزيمة بن ثابت الأنصاري, وجابر بن عبد الله الأنصاري, وعبدالله بن مسعود, ومئات غيرهم(2).

وقد رويت عن الصحابي الجليل أحاديث عديدة في فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) , ومن ذلك ما ورد بالإسناد عن طريق خيثمة بن سليمان بسند صحيح عن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله ((صلى الله عليه واله)): (علي خير البشر من أبى فقد كفر)(3).

قال ابن عساكر : ((كذا قال الحسن بن سعيد (أحد رجال السند) وإنما هو الحر)).

وقال ابن عدي في (الكامل ج 4 ص 10): وهذا قد رواه عن الحر غير واحد. وروى عنه أحمد بن يحيى الصوفي وقال: حدثنا الحر بن سعيد النخعي وكان من خيار الناس(4).

ص: 86


1- عيون أخبار الرضا, 1/134 ح1.
2- كتاني , سليمان , الامام علي نبراس ومتراس , مطبعة النعمان , النجف الاشرف , 1979م , ص13-14 . شرف الدين , الامام عبدالحسين , الفصول المهمة في تأليف الامة , دار النعمان , النجف , ط4 , ص183 . كاشف الغطاء , الامام محمد الحسين , أصل الشيعة وأصولها , المكتبة الحيدرية ومطبعتها , النجف , ط14 , 1385ﻫ -1965م , ص63 وما بعدها .
3- إبن عساكر - تاريخ مدينة دمشق : 42 / 372
4- إبن عدي - الكامل : 4 / 10

وعن حذيفة قال: رأينا في وجه رسول الله السرور يوماً من الأيام فقلنا: يا رسول الله لقد رأينا في وجهك السرور قال:وكيف لا أسر وقد أتاني جبريل فبشرني أن حسناً وحسيناً سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما أفضل منهما(1) .

وفي لفظ : (وأبوهما خير منهما)(2) .

وعلّق الحاكم على هذا الحديث قائلاً: هذا حديث صحيح بهذه الزيادة ولم يخرجاه(3) .

وأمّا في تذكير حذيفة الناسَ بفضائل أهل البيت عليهم السّلام، فمواقفه كثيرة وشجاعة في هذا الأمر، لم يكن يخاف في الله لومة لائم، وكان مبادراً هو بنفسه للإقرار بإمامة أمير المؤمنين عليه السّلام..

عن أبي راشد قال: لمّا أتى حذيفةُ ببيعة عليٍّ عليه السّلام، ضرب بيده واحدةً على الأخرى وبايع له، وقال: هذه بيعة أمير المؤمنين حقّا(4)..

وقال الديلمي في إرشاد القلوب في فضائل الامام علي (عليه السلام): ان حذيفة بن اليمان صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه, وصلى على النبي (صلى الله عليه واله وسلم)ثم قال: الحمد لله الذي أحيا الحق, وامات الباطل, وجاء بالعدل, ودحض الجور, وكبت الظالمين, ايها الناس: انه ولاّكم الله امير المؤمنين علياً (عليه السلام) حقاً, حقاً, وخير من نعلمه بعد نبينا وأولى الناس, وأحقهم بالامر,

ص: 87


1- ابن عساكر – التاريخ , ج2ص209, و ذخائر العقبى ص129
2- سلسلة الأحاديث الصحيحة ج2ص444- تاريخ ابن عساكر ج13 ص209 - البدآية والنهآية ج8 ص35 - المعجم الكبير ج3 ح2617 ص39 وج19 ح650 ص292 - كنز العمال ج13 ح554 ص97 - فرائد السمطين ج2 ص99 - تاريخ بغداد: ج1 ص150 - مجمع الزوائد ج9 ص183 - الجامع الصغير ج1 ح3837 ص441 - الصواعق المحرقة ص191 - ميزان الاعتدال ج4 ص149- كفآية الطالب الباب 97 ص341
3- مستدرك الصحيحين , ج3 ص182
4- ابن الشيخ الطوسي , الامالي , 310 .

وأقربهم الى الصدق, وأرشدهم الى العدل, وأهداهم سبيلا, وأدناهم الى الله وسيلة, وأمسهم برسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)رحماً, أنيبوا الى طاعة أول الناس سِلماً, واكثرهم علماً, وأقصدهم طريقةً, وأسبقهم إيماناً, وأحسنهم يقيناً, واكثرهم معروفاً, وأقدمهم جهاداً, وأعزهم مقاماً, أخي رسول الله ((صلى الله عليه واله) وسلم), وابن عمه, وأبي الحسن والحسين, وزوج الزهراء البتول, سيدة نساء العالمين, فقوموا أيها الناس فبايعوا على كتاب الله وسنة نبيه, فان ذلك رضى, ولكم مقنع وصلاح والسلام, فقام الناس فبايعوا أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) أحسن بيعةٍ واجمعها(1).

وقد نسب المسعودي الى حذيفة بن اليمان قوله: ((اللهم اشهد أني قد بايعتُ علياً وقال: ((الحمد لله الذي أبقاني الى هذا اليوم))(2).

وقال يوماً لربيعة بن مالك السعدي: يا ربيعةُ، اسمعْ منّي وعِهْ واحفَظْه وقِه، وبلّغ الناسَ عنّي، إنّي رأيتُ رسولَ الله (صلى الله عليه واله) وقد أخذ الحسينَ بن علي ووضَعَه على مَنْكِبه وجعل يقي بعقبه وهو يقول: أيُّها الناس، إنّه مِن استكمال حُجّتي على الأشقياء من بعدي التاركين ولآية عليّ بن أبي طالب.. ألا وإنّ التاركين ولآية عليّ بن أبي طالب هم المارقون مِن ديني(3)..

وقال لربيعة بن مالك أيضاً: والذي نَفْس حُذَيفة بيده، لو وُضع جميع أعمال أمّة محمّدٍ (صلى الله عليه واله) في كفّة الميزان منذ بعَثَ الله محمّداً (صلى الله

ص: 88


1- المسعودي , أبو الحسن , علي بن الحسين , مروج الذهب ومعادن الجوهر , المطبعة البهية المصرية , التزام عبد الرحمن محمد بميدان الجامع الأزهر بمصر , 1346ﻫ , 2/23 . والديلمي , الحسن بن ابي الحسن محمد , إرشاد القلوب في فضائل الإمام علي , دار الفكر , بيروت , 1381ﻫ , 2/114-115 . والمدني , علي صدر الدين , الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة , ص288-289 .
2- المسعودي , مروج الذهب ومعادن الجوهر , 2/23 .
3- ابن طاووس , الطرائف , 28- 29 .

عليه واله) إلى يوم الناس هذا، ووُضِع عملُ واحدٍ من أعمال عليٍّ عليه السّلام في الكفّة الأخرى، لرجح على أعمالهم كلّها.

ثمّ ذكر حذيفة يومَ الخندق وقتلَ عليٍّ عليه السّلام عمرَو بن عبد ودّ العامريّ.. حتّى قال: ) والذي نفس حذيفة بيده، لَعملُه ذلك اليومَ أعظمُ أجراً مِن أعمال أُمّة محمّدٍ (صلى الله عليه واله) إلى هذا اليوم.. وإلى أن تقوم الساعة(1). وممّا رواه الشيخ الطوسي أنّه لمّا قَدِم الحسين ( وفي نسخةٍ: الحسن ) بن عليّ صلوات الله عليهما، وعمّار بن ياسر رضي الله عنه، يستنفرانِ الناس.. خرج حذيفة رحمه الله وهو مريضٌ مرضَه الذي قُبِض فيه، فخرج يتهادى بين رجلين ( أي يتمايل )، فحرّضَ الناس وحثّهم على اتّباعِ عليٍّ عليه السّلام وطاعتهِ ونُصرته، ثمّ قال: ألا مَن أراد - والذي لا إله غيرهُ - أن ينظر إلى أمير المؤمنين حقّاً حقّاً، فينظرْ إلى عليّ بن أبي طالب.. ألا فوازِرُوه واتّبِعوه وانصروه(2) .

كما رويت أحاديث عن الصحابي الجليل حذيفة (رض) في الإشارة إلى المنقذ الأعظم ( عجل الله فرجه) عن رسول الله كقوله (صلى الله عليه واله وسلم): المهدي رجل من وُلْدي، وجهه كالكوكب الدُرِّي.

فقد روى الطبري عن حذيفة بن اليمان أن النبي قال: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلاً من ولدي اسمه كاسمي(يعني المهدي المنتظر) فقال سلمان: من أيّ ولدك يا رسول الله؟ قال: من ولدي هذا وضرب بيده على الحسين(3) .

ص: 89


1- ابن أبي الحديد , شرح نهج البلاغة ,61:19
2- ابن الشيخ الطوسي , الامالي , 310 .
3- ذخائر العقبى ص136 - 137 - فرائد السمطين ج2 ص326 - عقد الدرر في أخبار المنتظر ص24- البيان في أخبار صاحب الزمان ص503

هذا: وقد كان عليّ (عليه السلام) عند استخلافه قد أقرَّ حذيفة (رضي الله عنه) على ما كان عليه لِمن قبله ويتضح ذلك من خلال عهده (عليه السلام) الى

حذيفة الذي يوصيه بتدبير أمر الامة ورعآية شؤونها على النهج الصالح(1),وجاء في ذلك قوله (عليه السلام)): قد ولّيت أُموركم حُذيفة بن اليمان، وهو ممّن أرضى بهداه، وأرجو صلاحه)(2).

7- ذرابة اللسان

اتصف حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) بذرابة اللسان (3), والغلظة والشدة في لسانه, ولم ينف حذيفة (رضي الله عنه) ذلك عن نفسه فيقول: اتيت النبي (صلى الله عليه واله وسلم)فقلت: يا رسول الله: إن لي لساناً ذرباً على أهلي, وقد خشيت أن يدخلني النار. قال: ((فأين أنت من الاستغفار إني لاستغفر الله في كل يوم مائة مرة)) (4).

من خلال هذه الروآية نتعلم من رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)انه ليس لأحد ان يظن استغناءه عن التوبة الى الله عز وجل, والاستغفار من الذنوب, بل كل انسان محتاج الى ذلك دائماً, قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا)) (5), ويقول تعالى:((إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)(6), فالانسان ظالم

ص: 90


1- المدني , علي صدر الدين , الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة , ص288-289
2- المصدر نفسه , ص 289 .
3- لسان ذرب: وفي لسانه ذرب , وذرابة: أي حدة , ينظر: ابن دريد , محمد بن الحسن , ت321ﻫ -934م , جمهرة اللغة , مطبعة حيدر آباد الدكن , 1344-1351ﻫ , 1/496 .
4- أبو نعيم الاصبهاني , حلية الأولياء في طبقات الأصفياء , 1/276 .
5- سورة التحريم: آية 8 .
6- سورة الأحزاب: آية 72 .

جاهل, وغآية المؤمنين والمؤمنات التوبة وقد أخبر الله تعالى في كتابه بتوبة عباده الصالحين ومغفرته لهم, قال تعالى:(( لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا)) (1).

وثبت في الصحيحين عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم)انه قال:((لن يدخل الجنة أحد بعمله)) قالوا: ولا انت يا رسول الله ؟ قال:((ولا انا الا ان يتغمدني الله برحمته)) (2).

وقد جاء في الصحيحين ايضاً: ان ابا بكر قال: يا رسول الله علمني دعاء أدعوا به في صلاتي, قال: قل: ((اللهم اني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب الا أنت, فاغفر لي مغفرة من عندك وأرحمني إنك أنت الغفور الرحيم)) (3).

ففي هذا الدعاء وصف العبد لنفسه المقتضي حاجته الى المغفرة, وفيه وصف ربه الذي يوجب انه لا يقدر على هذا المطلوب غيره, وفيه التصريح بسؤال العبد لمطلوبه, وفيه بيان المقتضي للإجابة, وهو وصف الرب بالمغفرة, والرحمة, فهذا ونحوه اكمل أنواع الطلب (4).

8- الشجاعة والقيادة

يعد حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) من الشجعان, وحضوره المشاهد كلها مع رسول الله ((صلى الله عليه واله) وسلم), الا بدراً فقد سبق ان قلنا إن ذلك كان بأمر من الرسول (صلى الله عليه واله وسلم)عندما ذكر حذيفة (رضي الله عنه)

ص: 91


1- سورة الأحزاب: آية 73 .
2- البخاري , صحيح البخاري رقم (6463) .
3- البخاري , صحيح البخاري رقم (843) , مسلم , صحيح مسلم رقم (2705) .
4- ابن تيمية , تقي الدين أحمد بن تيمية الحرّاني , مجموعة الفتاوى , دار الوفاء بالمنصوره , مكتبة العبيكان , بالرياض ,ط1 , 1418ﻫ - 1997م , 9/146 .

ووالده ما جرى لهم من المشركين, فقال (عليه الصلاة والسلام):((نفي بعدهم ونستعين عليهم بالله))(1), وليس بعد كلام رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)كلام.

ولقد برزت شجاعته في مواقف عديدة ومن أشهرها: في معركة الخندق وتحت جنح الليل البهيم, وفي ظروف جوية قاسية يتسلل حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) الى معسكر العدو في حذر شديد, وحيطة تامة مشتملاً بعباءة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)بعد ان كفي في سيره الريح والبرد(2).وفي معركة نهاوند لعب حذيفة بن اليمان دوراً مهماً في كسر شوكة الفرس وقد كان حذيفة مجاهداً في توسيع دعوة المسلمين, وقد أبلى بلاءاً حسناً في فتح نهاوند(3) سنة (21ﻫ ), وقد أمره عمر بن الخطاب على المسلمين المجاهدين فيها, بعد قتل الأمير الأول النعمان بن مقرن المزني, وكان الفتح على يده في هذه الوقعة المعروفة عند المسلمين ب-((فتح الفتوح))(4). كذلك غزا حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) الدينور وماسندان فاقتحمهما عنوة, وكان سعد بن ابي وقاص قد فتحهما ونقضتا العهد, ثم غزا همذان والري فاقتحمهما عنوة(5). كما اشترك في فتح (تستر – ششتر) مع المسلمين سنة (23ﻫ ), في ايام عمر بن الخطاب أيضاً(6). من خلال ما تبين

ص: 92


1- سبق تخريجه .
2- ابو نعيم , حلية الاولياء في طبقات الاصفياء , 1/354 .
3- نهاوند: مدينة عظيمة قبلة همذان بينهما ثلاثة ايام كانت فيها وقعة نهاوند سنة (21ﻫ ) أيام عمر بن الخطاب .. وكان الفتح على يد (حذيفة) صلحاً . ينظر: الحموي , ابو عبدالله ياقوت , معجم البلدان , 5/313 .
4- وتعرف هذه الوقعة باسم (فتح الفتوح) , بما ترتب عليها من القضاء على حكم الاكاسرة . ينظر: د. ابراهيم حسن , التاريخ الاسلامي العام , ط2 , طبع ونشر الانجلو مصرية , مطبعة الرسالة , 1959م , ص222 .
5- حرز الدين , محمد , مراقد المعارف , 1/ 180-181 .
6- محمد , حرز الدين, مراقد المعارف , 1/241-182-183-184-185 .

نجد ان حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) كان جندياً وقائداً شجاعاً مطيعاً للاوامر محتسباً صابراً همه اعلاء كلمة الحق والتمكين لهذا الدين.

9- أمانته

والامانة خلق رفيع وأدب جمّ لا تستقيم الحياة الا به ولا تقوم المعاملات الا عليه تحتاجه الأمة في جميع شؤنها وأحوالها, وقد كان حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) مثالاً لحفظ الأمانة وصيانة الحقوق.

وقد أمر الله تعالى بأداء الأمانة على وجهها بقوله تعالى:((إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا))(1).

لهذا اختير حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) ليكلف بكتابة خرص النخل(2) وعملية خرص النخل تعني تخمين ما عليها(3) وخصص المسعودي عمل حذيفة بخرص الحجاز(4) ويظهر ان كتاب الرسول (صلى الله عليه واله وسلم)قد وزعوا الاعمال الكتابية فيما بينهم وان الرسول (صلى الله عليه واله وسلم)قد وزع تلك الاعمال عليهم, بحيث خصص كل واحد منهم بعمل من الاعمال(5).

ونجد (ابن سعد) يدون صورة كتاب ذكر ان الرسول (صلى الله عليه واله وسلم)كتبه لبارق من الازد, نظم فيه حقوقهم مثل أن لا تجذ ثمارهم, وان لا ترعى

ص: 93


1- سورة النساء: آية 58 .
2- الزمخشري , ابو القاسم محمود بن عمر محمد بن أحمد جار الله الزمخشري (ت 538ﻫ ) , مادة (خرص): خرج الخراصون يخرصون النخل , وكم خرص ارضكم بالكسر , أي: ما خرص فيها , اساس البلاغة , ص224 .
3- القلقشندي , صبح الاعشى في صناعة الانشا , 1/125 .
4- علي , د. جواد , المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام , 8/132 .
5- المصدر نفسه , 8/132 .

بلادهم في مربع ولا مصيف, الا بمساله من بارق, وغير ذلك, وكتب الكتاب أبي بن كعب, وشهد عليه أبو عبيدة بن الجراح وحذيفة بن اليمان (1).

وشاور عمر بن الخطاب أصحاب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)في سواد الكوفة, فقال له بعضهم: نقتسمها بيننا, فشاور علياً فقال: ان قسمتها اليوم لم يكن لمن يجيء بعدنا شيء, ولكن تقرها في ايديهم يعملونها, فتكون لنا ولمن بعدنا, فقال: وفقك الله: هذا الرأي, ووجه عثمان بن حنيف وحذيفة بن اليمان (رضي الله عنهما) فمسحا السواد, وأمرهما ان لا يحملا أحداً فوق طاقته(2).

اما الوحدة القياسية المعتمدة في عملية مسح سواد العراق, فهي الذراع منها ثلاثة, وأخذ الثلث منها وزاد عليها قبضة وأبهاماً قائمة ثم ختم في طرفها بالرصاص, وبعث بذلك الى حذيفة بن اليمان, وعثمان بن حنيف (رضي الله عنهما), فمسحا بها السواد(3).

ص: 94


1- ابن سعد الطبقات الكبرى , 1/287 .
2- اليعقوبي , أحمد بن أبي يعقوب بن واضح الكاتب , ت 284ﻫ -896م , تاريخ اليعقوبي , دار صادر , بيروت , لبنان , 2/51-52 .
3- القلقشندي , صبح الاعشا في صناعة الانشا , 2/156 .

المبحث الثاني: جهاده وغزواته

ص: 95

المبحث الثاني

جهاده وغزواته

ان الجهاد في سبيل الله يعد قمة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر, ووصف المولى عز وجل هذه الامة بصفات القيادة الرشيدة في قوله تعالى:((كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ))(1).

قال القرطبي قوله:((تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر)), مدح لهذه الامة ما أقاموا ذلك, وأتصفوا به, فإذا تركوا التغيير وتواطأوا على المنكر زال عنهم اسم المدح, ولحقهم اسم الذم, وكان ذلك سبباً لهلاكهم(2).

لقد كان حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) من الصحابة الذين جاهدوا مع رسول الله ((صلى الله عليه واله) وسلم), وكانت له مواقفه في الميادين الجهادية.

انه كان قائداً فذاً ونموذجاً رائعاً يحتذى في الصبر والثبات والأناة وسداد الرأي, وبعد النظر, والحنكة العسكرية, وهندسة الحروب فلقد كان سريع البديهة يمتاز بذكاء وفطنة عالية وعلى قدر كبير من الثقافة العسكرية, وهذا ما لاحظناه في معركة الخندق عندما ارسله النبي (صلى الله عليه واله وسلم)ليستطلع الاخبار عن المشركين وكان دوره الاستخباراتي متميزاً, اما في معركة نهاوند العظمى, فقد اشارت كتب التاريخ والسير, ان عمر بن الخطاب كتب الى النعمان بن مقرن. بسم الله الرحمن الرحيم: سلام عليك فاني أحمد اليك الله الذي لا اله الا هو, اما بعد: فانه بلغني أن جموعاً من الأعاجم كثيرة, قد جمعوا لكم بمدينة نهاوند فاذا اتاك كتابي هذا فسر بأمر الله, وبعون الله وبنصر الله بمن معك من المسلمين, ولا توطئهم وعراً, فتؤذيهم, ولا تمنعهم حقهم فتكفرهم,

ص: 96


1- سورة آل عمران: آية 110 .
2- القرطبي , الجامع لاحكام القرآن , 4/173 .

ولا تدخلنهم غيضه, فان رجلاً من المسلمين أحب اليَّ من مائة الف دينار والسلام عليك(1).

فكتب عمر بن الخطاب الى عبد الله بن عبد الله بن عتبان, ليستنفر الناس مع النعمان, ويجتمعوا عليه (بماه) فندب الناس فكان أسرعهم الى ذلك الروادف ليبلوا وليدركوا حظاً, فخرج الناس منها, وعليهم حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه), ومعه نعيم بن مقرن حتى قدموا على النعمان, وتقدم عمر بن الخطاب الى الجند الذين كانوا بالأهواز ليشغلوا فارساً عن المسلمين, وعليهم المقترب, وحرمله, وزر, فأقاموا بتخوم أصبهان وفارس وقطعوا أمداد فارس عن أهل نهاوند, وأجتمع الناس على النعمان, وفيهم حذيفة بن اليمان, وابن عمر, وجرير بن عبدالله البجلي وغيرهم, فارسل النعمان طليحة بن خويلد, وعمرو بن معد يكرب, وعمرو بن ثني, وهو ابن أبي سلمى ليأتوه بخبرهم, وخرجوا وساروا يوماً الى الليل فرجع اليه عمرو بن ثني, فقالوا:ما رجعك؟ قال: لم اكن في أرض العجم, وقتلت أرض جاهلها وقتل أرضاً عالمها(2).

ومضى طليحة وعمرو بن معد يكرب, فلما كان أخر الليل رجع عمرو فقالوا: ما رجعك؟ قال:سرنا يوماً وليلة, ولم نر شيئاً, وخفت ان يؤخذ علينا الطريق, فرجعت ومضى طليحة, ولم يحفل بهما حتى انتهى الى نهاوند وبين موضع المسلمين الذي هم به, ونهاوند بضعة وعشرون فرسخاً, فقال الناس:أرتد طليحة الثانية فعلم كلام القوم وأطلع على الاخبار ورجع, فلما رأوه كبروا, فقال:ما شأنكم؟ فاعلموه بالذي

ص: 97


1- ابن الاثير , الكامل في التاريخ , 2/214 .
2- المصدر نفسه , 2/214 .

خافوا عليه, فقال: والله لو لم يكن دين الا العربي ما كنت لأجزر العجم الطماطم هذه العرب العاربة, فاعلم النعمان انه ليس بينهم وبين نهاوند شيء يكرهه ولا أحد.

فرحل النعمان وعبأ أصحابه, وهم ثلاثون الفاً, فجعل مقدمته نعيم بن مقرن, وعلى مجنبتيه حذيفة بن اليمان, وسويد بن مقرن, وعلى المجردة القعقاع بن عمرو, وعلى الساقة مجاشع بن مسعود, وقد توافقت اليه امداد المدينة, فيهم المغيرة بن شعبة, فانتهوا الى اسبيذهان والفرس وقوف على تعبئتهم, وأميرهم الفيرزان, وعلى مجنبتيه الزردق, وبهمن جاذويه الذي جعل مكان ذا الحاجب وقد توافى الإمداد بنهاوند كل من غاب عن القادسية ليسوا بدونهم(1).

فلما رأهم النعمان كبر, وكبر معه الناس فتزلزلت الاعاجم, وحطت العرب الاثقال, وضرب فسطاط النعمان, فابتدر اشراف الكوفة فضربوه, منهم حذيفة بن اليمان, وعقبة بن عامر, والمغيرة بن شعبة, وبشير بن الخصاصية, وحنظلة الكاتب, وجرير بن عبدالله البجلي, والاشعث بن قيس, وسعيد بن قيس الهمداني, ووائل بن حجر, وغيرهم, فلم ير بناء فسطاط بالعراق كهؤلاء(2).

وأنشب النعمان القتال بعدما حط الاثقال فاقتتلوا يوم الاربعاء ويوم الخميس والحرب بينهم سجال, وأنهم إنجحروا في خنادقهم يوم الجمعة, وحصرهم المسلمون وأقاموا عليهم ما شاء الله والفرس بالخيار, لا يخرجون الا اذا ارادوا الخروج, فخاف المسلمون ان يطول أمرهم حتى اذا كان ذات يوم في جمعة من الجمع تجمع أهل الرأي من المسلمين, فتكلموا وقالوا: نراهم علينا بالخيار, وأتوا النعمان في ذلك فوافوه, وهو يروي في الذي رووا فيه, فاخبروه فقال على رسلكم لا تبرحوا, فبعث الى من بقي من أهل النجدات, والرأي فاحضرهم, فتكلم النعمان فقال:قد ترون

ص: 98


1- ابن الاثير , الكامل في التاريخ , 2/414-415 .
2- المصدر نفسه , 2/414-415 .

المشركين وأعتصامهم بخنادقهم, ومدنهم, وأنهم لا يخرجون الينا الا إذا شاؤوا, ولا يقدر المسلمون على اخراجهم, وقد ترون الذي فيه المسلمون من التضايق, فما الرأي الذي به نستخرجهم الى المناجزة, وترك التطويل, فتكلم عمرو بن ثني, وكان أكبر الناس يومئذ سناً, وكانوا يتكلمون على الاسنان فقال:التحصن عليهم أشد من المطاولة عليكم, أخدعهم وقاتل من اتاك منهم, فردوا عليه رأيه, وتكلم عمرو بن معد يكرب فقال:

ناهدهم وكابدهم, ولا تخفهم, فردوا جميعاً عليه رأيه, وقالوا:انما يناطح بنا الجدران وهي أعوان علينا(1).

وقال طليحة: أرى ان نبعث خيلاً لينشبوا القتال, فاذا اختلطوا بهم رجعوا الينا استطراداً, فاذا لم نستطرد لهم في طول ما قاتلناهم, فاذا ارادوا ذلك طمعوا, وخرجوا فقاتلناهم, حتى يقضي الله فيهم وفينا ما أحب, فأمر النعمان القعقاع بن عمرو, وكان على المجردة, فأنشب القتال بعد احتجاز من العجم, فأخرجهم من خنادقهم, كأنهم جبال حديد قد تواثقوا ان لا يفروا ,وقد قرن بعضهم بعضاً كل سبعة في قران, والقو حسك الحديد خلفهم, لئلا ينهزموا, فلما خرجوا نكص ثم نكص واغتنمها الاعاجم, ففعلوا كما ظن طليحة وقالوا:هي هي فلم يبق أحد الا من يقوم على الابواب وركوبهم, ولحق القعقاع بالناس, وانقطع الفرس عن حصنهم بعض الانقطاع, والمسلمون على تعبية في يوم جمعة صدر النهار, وقد عهد النعمان الى الناس عهده, وأمرهم ان يلزموا الارض, ولا يقاتلوا حتى يأذن لهم, ففعلوا واستتروا بالجحف من الرمي, وأقبل المشركون عليهم يرمونهم حتى أفشوا فيهم الجراح, وشكا بعض

ص: 99


1- ابن الاثير , الكامل في التاريخ , 2/415 .

الناس ذلك الى بعض, وقالوا للنعمان:الا ترى ما نحن فيه فما ننتظر بهم؟ أئذن للناس في قتالهم(1).

وفي روآية ابن اعثم الكوفي: فقال حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه): لا تعجلوا حتى أذن لكم, فلما رأوا الجراحات, قد فشت فيهم, فتركوا وصية حذيفة, ثم كبروا, وحملوا على الفرس, فكشفوهم, ثم رجعوا الى مراكزهم(2).

وقال الطبري: لقد أصطدمت خيول المسلمين بالحسك الشائك ثم بالخندق, فلم يستطيعوا اجتيازها, بينما تولى رماة الفرس رمي جند المسلمين الذين تمكنوا من الاقتراب من السور, واستمر الأمر كذلك لمدة يومين, ورأى النعمان ان يجمع أركان الجيش الإسلامي لتدارس الوضع معه, وخرجوا بنتيجة الاجتماع بالخطة التالية, وكان صاحبها طليحة بن خويلد الاسدي:

1- تخرج خيول المسلمين, فتنشب القتال مع الفرس, وتستفزهم حتى تخرجهم من أسوارهم.

2- اذا خرجوا تقهقرت خيول المسلمين امامهم يعتقدون تراجعها ضعفاً, ويطمعون بالنصر, فيلحقوا بها وهي تجري امامهم.

3- تستدرج خيول المسلمين المتظاهرة بالهزيمة, الفرس الى خارج أسوارهم ومواقعهم.

4- يفاجئ المسلمون الذين يكونون قد كمنوا في أماكن محددة, ومموهة للفرس المتدفقين خلف خيول المسلمين ويطبقون عليهم, وهم بعيدون عن مراكزهم, وخنادقهم, واسوارهم(3).

ص: 100


1- المصدر نفسه , 2/415 .
2- الكوفي , ابن أعثم , الفتوح , 1/1-3 .
3- الطبري , تاريخ الامم والملوك , 5/113 .

وأنتظر النعمان بالقتال احب الساعات كانت الى رسول الله ((صلى الله عليه واله) وسلم), ان يلقى العدو فيها, وذلك عند الزوال, وتفيؤ الافياء ومهب الرياح, فلما كان قريباً من تلك الساعة, ركب فرسه, وشرع النعمان لتنفيذ هذه الخطة, ووزع قواته فرقاً على الشكل التالي:

الفرقة الأولى: خيالة بقيادة القعقاع بن عمرو, ومهمتها تنفيذ عملية التضليل وفقاً للخطة المرسومة آنفاً, وأقتحام اسوار العدو, والاشتباك معه.

الفرقة الثانية: مشاة بقيادته هو, ومهمتها التمركز في مواقع ثانية,ومموهة بانتظار وصول الفرس اليها, حيث تنشب القتال معها في معركة جبهية.

الفرقة الثالثة: خيالة وهي القوة الضاربة في الجيش, ومهمتها التمركز في مواقع ثانية, ومموهة, ثم الهجوم على قوات العدو من الجانبين.

وأمر النعمان المسلمين في كمائنهم ان يلزموا الارض, ولا يقاتلونهم حتى يأذن لهم(1).

والتزم المسلمون بالأمر ينتظرون إشارة النعمان بالهجوم, وشرع القعقاع في تنفيذ الخطة, فركب فرسه وسار في الناس, ووقف على كل رآية يذكرهم ويحرضهم, ويمنيهم الظفر, وقال لهم: إني مكبر ثلاثاً, فإذا كبرت الثالثة فاني حامل ان شاء الله فاحملوا, وإن قتلت فالامير بعدي حذيفة بن اليمان, فان قتل, ففلان حتى عد سبعة أخرهم, المغيرة, ثم قال:اللهم أعزز دينك, وانصر عبادك, وأجعل النعمان أول شهيد اليوم على إعزاز دينك, ونصر عبادك.

وقيل: بل قال: إني أسألك أن تقر عيني اليوم بفتح يكون فيه عز الاسلام, وأقبضني شهيداً(2).

ص: 101


1- الطبري , تاريخ الامم والملوك, 5/114 .
2- ابن الاثير , الكامل في التاريخ , 2/416 .

فبكى الناس ورجع الى موقفه, فكبر ثلاثاً, والناس سامعون مطيعون مستعدون للقتال, وحمل النعمان, والناس معه, وانقضت رايته انقضاض العقاب, والنعمان معلّم ببياض القباء والقلنسوة, فاقتتلوا قتالاً شديداً لم يسمع السامعون بوقعة كانت أشد منها وما كان يسمع الا وقع الحديد, وصبر لهم المسلمون صبراً عظيماً, وانهزم الاعاجم وقتل منهم ما بين الزوال والاعتام ما طبق أرض المعركة دماً, يزلق الناس والدواب فيه, فلما أقر الله عين النعمان بالفتح استجاب له فقتل شهيداً, زلق به فرسه فصرع, وقيل:بل رمي بسهم في خاصرته فقتله, فسجّاه أخوه نعيم بثوب, وأخذ الرآية قبل أن تقع وناولها حذيفة بن اليمان, فأخذها وتقدم الى موضع النعمان, وترك نعيماً مكانه, وقال لهم المغيرة:((أكتموا مصاب أميركم حتى ننتظر ما يصنع الله فينا وفيهم, لئلا يهن الناس)) فاقتتلوا, فلما أظلم الليل عليهم أنهزم المشركون, وذهبوا ولزمهم المسلمون, وعمي عليهم قصدهم فتركوه, وأخذوا نحو اللهب الذي كانوا نزلوا دونه بأسبيذهان فوقعوا فيه, فكان الواحد منهم يقع عليه ستة بعضهم على بعض في قياد واحد, فيقتلون جميعاً, وجعل يعقرهم حسك الحديد فمات منهم في اللهب مائة الف أو يزيدون سوى من قتل في المعركة, وقيل: قتل في اللهب ثمانون الفاً, وفي المعركة ثلاثون الفاً سوى من قتل بالطلب ولم يفلت الا الشريد, ونجا الفيرزان من بين الصرعى, فهرب نحو همذان في ذلك الشريد, فاتبعه نعيم بن مقرن, وقدم القعقاع قدامة فأدركه بثنية همذان, وهي إذ ذاك مشحونة من بغال وحمير موقرة عسلاً, فحبسه الدواب على أجله, فلما لم يجد طريقاً نزل عن دابته,

وصعد في الجبل فتبعه القعقاع راجلاً فأدركه فقتله المسلمون على الثنية وقالوا: ان لله جنوداً من عسل, واستاقوا العسل, وما معه من الأحمال وسميت الثنية ((ثنية العسل))(1).

ص: 102


1- ابن الاثير , الكامل في التاريخ , 2/417 .

ودخل المشركون همذان(1), والمسلمون في أثارهم, فنزلوا عليها, واخذوا ما حولها, فلما راى ذلك خسروا شنوم استأمنهم, ولما تم الظفر للمسلمين جعلوا يسألون عن أميرهم النعمان بن مقرن فقال لهم أخوه معقل:((هذا أميركم قد أقر الله عينه بالفتح , وختم له الشهادة))(2).

قال ابن العماد الحنبلي في الشذرات: وأستشهد النعمان بن مقرن المزني, وكان من سادة الصحابة, فنعاه عمر بن الخطاب للناس, يوم أصيب على المنبر, وأخذ حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) الرآية من بعده ففتح الله عليه(3). في هذه الواقعة المعروفة عند المسلمين ب-(فتح الفتوح)(4).

قال الشيخ محمد حرز الدين: لما نازل حذيفة ((ماه دينار)) هي مدينة ((نهاوند)) سميت بذلك لأن حذيفة بن اليمان أَتْبع سماكَ العبسي رجلاً في حومة الحرب وخالطه, ولم يبق الا قتله, فلما أيقن الرجل بالهلاك القى سلاحه, فاستسلم فأخذه العبسي أسيراً, فجعل يتكلم بالفارسية, فاحضر ترجماناً فقال: أذهبوا بي الى اميركم حتى أصالحه عن المدينة, وأؤدي اليه الجزية, وأعطيتك انت مهما شئت فقد مننت علي اذا لم تقتلني, فقال له: ما أسمك قال: دينار, فانطلقوا به الى حذيفة بن

ص: 103


1- همذان: بالذال المعجمة كان فتح همذان في جمادي الاولى على رأس ستة اشهر من مقتل عمر بن الخطاب وكان الذي فتحها المغيرة بن شعبة في سنة (24ﻫ ) وفي قول أخر: وجه المغيرة بن شعبة وهو عامل عمر على الكوفة بعد عزل عمار بن ياسر عنها جرير بن عبدالله البجلي الى همذان في سنة (23ﻫ ) فقاتله اهلها واصيبت عينه بسهم فقال: احتسبها عند الله الذي زيّن بها وجهي ونوّر لي ما شاء ثم سلبنيها في سبيله وذلك في اخر سنة (23ﻫ ) , ينظر: الحموي , شهاب الدين , ابو عبدالله ياقوت بن عبدالله ,دار صادر , بيروت , لبنان , 1397ﻫ - 1977م , 5/410 وما بعدها .
2- الحنبلي , ابن العماد , 1/32 .
3- المصدر نفسه .
4- د. علي إبراهيم حسن , التاريخ الاسلامي العام , مكتبة الانجلو المصرية , ط2 , 1959م .

اليمان, فصالحه على الخراج والجزية, وأمن أهلها على أموالهم وانفسهم وذرياتهم فسميت ((نهاوند)) يومئذٍ ((ماه دينار))(1).

وبعدها اتبعوا حذيفة (رضي الله عنه), ودخل المسلمون نهاوند يوم الوقعة بعد الهزيمة, واحتووا ما فيها من الامتعة وغيرها وما حولها من الاسلاب والاثاث, وجمعوا الى صاحب الاقياض السائب بن الاقرع, وانتظر من نهاوند ما يأتهم من إخوانهم الذين على همذان مع القعقاع, ونعيم فأتاهم الهربذ صاحب بيت النار على امان, فابلغ حذيفة فقال: أتؤمنني, ومن شئت على ان اخرج لك ذخيرة لكسرى تركت عندي لنوائب الزمان, قال:نعم, فاحضر جوهراً نفيساً في سفطين, فأرسلها مع الاخماس الى عمر بن الخطاب, وكان حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) قد نفل منها, وأرسل الباقي مع السائب بن الاقرع الثقفي, وكان كاتباً حاسباً, ارسله عمر بن الخطاب اليهم, وقال له: إن فتح الله عليكم فاقسم على المسلمين فيأهم, وخذ الخمس, وإن هلك هذا الجيش فأذهب, فبطن الارض خير من ظهرها(2).

قال السائب: فلما فتح الله على المسلمين, وأحضر الفارسي السفطين اللذين أودعهما عنده النخيرجان, فاذا فيها اللؤلؤ والزبرجد, والياقوت, فلما فرغت من القسمة أحتملتها معي, وقدمت على عمر بن الخطاب

وكان قد قدر الوقعة فبات يتململ, ويخرج ويتوقع الاخبار, فبينما رجل من المسلمين قد خرج في بعض حوائجه فرجع الى المدينة ليلاً فمر به راكب فسأله من أين أقبل ؟ فقال: من نهاوند, وأخبره

ص: 104


1- حرز الدين محمد , مراقد المعارف , 1/240-241 .
2- ابن الأثير , الكامل في التاريخ , 2/417 .

بالفتح , وقتل النعمان(1), فلما أصبح الرجل تحدث بهذا بعد ثلاثة من الوقعة, فبلغ الخبر عمر, فسأله فأخبره, فقال: ذلك يريد الجن(2).

ثم قدم البريد بعد ذلك فأخبره بما يسره, ولم يخبره بقتل النعمان, قال السائب: فخرج عمر بن الخطاب من الغد يتوقع الاخبار, قال: فأتبعته فقال: ما وراءك؟ فقلت:خيراً يا أمير المؤمنين فتح الله عليك, وأعظم الفتح, وأستشهد النعمان بن مقرن, فقال عمر: انا لله وإنا اليه راجعون, ثم بكى, فنشج حتى بانت فروع كتفيه فوق كَتِدهِ, وسأل عن الشهداء, فسمي له أسماء لا يعرفها, فقال:أولئك المستضعفون من المسلمين, ولكن الذي أكرمهم بالشهادة يعرف وجوههم. وانسابهم, وما يصنع أولئك بمعرفة عمر(3).

ومما يستحق الذكر:ان المسلمين عثروا في غنائم نهاوند على سفطين(4), مملوئين جواهراً نفيسة من ذخائر كسرى, فأرسلها حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) أمير الجيش الى عمر بن الخطاب مع السائب بن الاقرع , فلما أوصلهما له, قال:((ضعها في بيت المال , والحق بجندك)).

فركب راحلته, ورجع, فارسل عمر وراءه رسولاً يخبُ السير في أثره حتى لحقه بالكوفة فأرجعه(5).

ص: 105


1- النعمان بن عمرو بن مقرن بن عائذ , أبو حكيم , وقيل: أبو عمرو المزني , الأمير , صاحب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم), شهد الاحزاب , وبيعة الرضوان , ونزل الكوفة , وليَ كسكر لعمر , ثم صرفه , وبعثه على المسلمين في وقعة نهاوند , وكان مجاب الدعوة , حدث عنه: ابنه معاوية ومعقل بن يسار وغيرهم , توفي سنة (21ﻫ ) يوم الجمعه . ينظر: ابن سعد , الطبقات الكبرى , 3/439 , ابن الاثير , أسد الغابة في معرفة الصحابة , 2/428 , والذهبي , سير أعلام النبلاء , 4/24-25 .
2- ابن الأثير , الكامل في التاريخ , 2/418 .
3- ابن كثير , البدآية والنهآية , 7/113 , ابن الأثير , المصدر نفسه , 2/418 .
4- السفط: وعاء من قضبان الشجر . ينظر: الرازي , مختار الصحاح , ص301 .
5- ابن كثير , البدآية والنهآية , 7/114 .

فلما رأه عم قال: ما لي وللسائب ما هو إلا ان نمت الليلة التي خرجت فيها, فباتت الملائكة تسحبني الى السفطين يشتعلان ناراً, يتوعدوني بالكي أن لم أقمها فخذهما عني, وبعهما في أرزاق المسلمين فبيعا بسوق الكوفة(1).

وبعد معركة نهاوند تسارع زعماء الفرس من همذان وطبرستان وأصبهان, وطلبوا الصلح, وتم لهم ذلك على التوالي(2).

لقد شارك حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) بكل المعارك والغزوات التي قادها النبي (صلى الله عليه واله وسلم)عدا معركة بدر كما أسلفنا سابقاً, وغزا حذيفة بن اليمان الدينور, وماه سندان, وهمذان, والري, كما وأشترك في فتح تستر مع المسلمين سنة (23ﻫ ) في أيام عمر بن الخطاب (3).

يتضح لنا مما سبق أن حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) كان يرى بان الجهاد في سبيل الله ضرورة من ضرورات بقاء الأمة الإسلامية, فقام بهذه الفريضة في مشاركته في المعارك والغزوات وبالفتوحات, ولقد ترتب على قيامه بهذه الفريضة وصحابة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)والتابعين باحسان في العهد الراشدي ثمرات كثيرة منها:تأهيل الأمة الإسلامية لقيادة البشرية, والقضاء على شوكة الكفار, وإذلالهم, وإنزال الرعب في قلوبهم, وظهور صدق الدعوة للناس, الأمر الذي جعلهم يدخلون في دين الله أفواجاً, فيزداد المسلمون بذلك عزاً, والكفار ذلاً, وتوحدت صفوف المسلمين ضد أعدائهم, وأسعدوا الناس بنور الإسلام, وعدله, ورحمته(4).

ص: 106


1- محمد الخضري,إتمام الوفاء في سيرة الخلفاء ,دار المعرفة,بيروت,ط1 , 1417ﻫ -1996م , ص98 .
2- محمد الخضري , المصدر نفسه , ص99
3- الزركلي , الاعلام , 1/180-181 , حرز الدين محمد , مراقد المعارف , 1/241 , خالد محمد خالد , رجال حول الرسول , ص141 .
4- القادري , عبدالله , الجهاد في سبيل الله , دار المنارة , جدة , الطبعة الثانية , 1413ﻫ -1992م , 2/411-482 .

وقد أيقن المسلمون الأوائل بان الجهاد تجارة رابحة, قال تعالى:((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ))(1).

ص: 107


1- سورة الصف: آية 10-13 .

المبحث الثالث: توليه الولآية

ص: 108

المبحث الثالث

توليه الولاية

نتيجة للفتوحات الإسلامية الواسعة في عهد عمر بن الخطاب, واتساع رقعة الدولة الإسلامية, قسم الدولة أقساماً إدارية كبيرة, ليسهل حكمها والإشراف على مواردها.

ولقد بعث عمر بن الخطاب حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) والياً على المدائن, وكانت عادة عمر بن الخطاب, إذا استعمل عاملاً كتب في عهده ((وقد بعثت فلاناً وأمرته بكذا)) فلما أستعمل حذيفة (رضي الله عنه) كتب في عهده ((أسمعوا له وأطيعوا , وأعطوه ما سألكم)) فلما قدم المدائن استقبله الدهاقين (رؤساء القرى), فقرأ عهده عليهم, فقالوا:هذا رجل له شأن(1). وقالوا:سلنا ما شئت, فطلب ما يكفيه من القوت(2).

ص: 109


1- الخطيب البغدادي , تاريخ بغداد , 1/161 , الزركلي , الاعلام , 2/180-181 .
2- الزركلي , الاعلام , 2/180-181 .

وأقام حذيفة بن اليمان بينهم فأصلح بلادهم, واستقدمه عمر الى المدينة, فلما قرب وصوله أعترضه عمر في ظاهرها, فرأه على الحال التي خرج بها, فعانقه وسُرَّ بعفته, ثم اعادة الى المدائن(1).

والمدائن كانت عاصمة كسرى, قد تم فتحها من قبل سعد بن أبي وقاص, وأستقر بها سعد فترة من الوقت, ثم انتقل منها الى الكوفة بعد تمصيرها, وقد كان ضمن جيش سعد سلمان الفارسي (رضي الله عنه), وهو الذي أشترك في العديد من المعارك ضد الفرس, وكان له دور كبير في دعوتهم الى الإسلام قبل القتال, وقد ولاه عمر بن الخطاب على المدائن, فسار في أهلها سيرة حسنة, فقد كان مثالاً حياً لتطبيق تعاليم الاسلام, وقد ذكر انه كان يرفض الولآية, لولا أن عمر أجبره على قبولها, فكان يكتب الى عمر يطلب الاعفاء , فيرفض عمر ذلك, وقد أشتهر عن سلمان (رضي الله عنه) زهده فكان يلبس الصوف, ويركب الحمار ببرذعته بغير إكاف, ويأكل خبز الشعير, وكان ناسكاً زاهداً(2).

وقد أستمر سلمان (رضي الله عنه) يعيش في المدائن الى ان توفي على أرجح الاقوال سنة (32ﻫ ) في خلافة عثمان بن عفان, ويبدو ان سلمان (رضي الله عنه) لم يكن والي المدائن في اواخر أيام عمر, اذ ان عمر

قد عين حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) والي المدائن, ولم يذكر المؤرخون عزل عمر

لسلمان (رضي الله عنه), فلعله استعفى عمر, فوافقه بعد أن كان يمانع في إعفائه, وولي بعده حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه), وقد ورد العديد من الاخبار عن ولآية حذيفة (رضي الله عنه) على المدائن, منها كتاب عمر الى أهل المدائن بتعيين حذيفة (رضي الله عنه)

ص: 110


1- المصدر نفسه , 2/180-181.
2- المسعودي , أبو الحسن علي بن الحسين بن علي (ت 346ﻫ -957م , مروج الذهب ومعادن الجوهر , دار المعرفة , بيروت , 1403ﻫ -1982م , 2/306 , د. عبدالعزيز إبراهيم العمري , الولآية على البلدان في عصر الخلفاء الراشدين , ط1 , 1409ﻫ , 1/131 .

والياً عليهم, وأمر عمر اهل المدائن بالسمع والطاعة لحذيفة (رضي الله عنه), وقد أستمر حذيفة (رضي الله عنه) والياً على المدائن بقية أيام عمر, وكذلك طيلة خلافة عثمان (1).

وقد عرف حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) حينما كان والياً على المدائن, بتواضعه الشديد, حتى ان الناس عندما رأوه قادماً الى المدائن كانوا لا يميزون بينه وبين عامة الناس, فهو في لباسه, ومركبه كعامة الناس,لا يميز نفسه بشيء.

عن مالك بن مغول عن طلحة: قدم حذيفة المدائن على حمار, سادلاً رجليه, وبيده عرق ورغيف(2).

وعن أبي بكر بن عياش:سمعت أبا إسحاق يقول: كان حذيفة يجيء كل جمعة من المدائن الى الكوفة, قال أبو بكر له: يمكن هذا ؟ قال:كانت له بغلة فارهة(3).

وكذلك أشتهر بالزهد, والرضا بالقليل, ولم تكن الولآية الا تكليف ومسؤولية القيت على عاتقه, ليقدم للرعية حياة كريمة هانئة, يسودها العدل والإنصاف والتعاون على البر والتقوى.

قال ابن سيرين: بعث عمر حذيفة على المدائن , فقرأ عهده عليهم, فقالوا: سل ما شئت, قال: طعاماً أكله, وعلف حماري هذا ما دمت فيكم من تبن(4).

وأمتاز حذيفة (رضي الله عنه) باحترام من سبقه من الولاة, وتقديرهم, حيث روي عن بلال بن يحيى, قال بلغني أن حذيفة كان يقول:ما أدرك هذا الأمر أحد من الصحابة إلا قد إشترى بعض دينه ببعض, قالوا: وأنت؟ قال: وانا والله, إني لأدخل

ص: 111


1- الذهبي , سير أعلام النبلاء , 4/30 .
2- الذهبي , سير أعلام النبلاء, 4/31 .
3- المصدر نفسه , 4/31 .
4- المصدر نفسه , 4/31 .

على أحدهم, وليس أحد إلا فيه محاسن ومساوئ, فاذكر من محاسنه واعرض عما سوى ذلك, وربما دعاني أحدهم الى الغداء, فأقول إني صائم, ولست بصائم(1).

وكان حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) واسع الذكاء, متنوع الخبرة, عبقري في كل مهمة توكل اليه, ومشورة تطلب منه وهو في ولايته.

فحين انتقل سعد بن أبي وقاص والمسلمون معه من المدائن الى الكوفة واستوطنوها, وذلك بعد ان انزل مناخ المدائن بالعرب المسلمين اذىً بليغاً, مما جعل عمر بن الخطاب يكتب لسعدٍ كي يغادرها بعد أن يبحث عن أكثر البقاع ملاءمة, فينتقل بالمسلمين إليها يومئذٍ , من وكل اليه أمر أختيار البقعة والمكان.

انه حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) ذهب ومعه سلمان بن زياد, يرتادان للمسلمين المكان الملائم, فلما بلغا أرض الكوفة, وكانت حصباء جرداء, مرملة, شمَّ حذيفة عليها أنسام العافية, فقال لصاحبه: هنا المنزل ان شاء الله, وهكذا خططت الكوفة وأحالتها يدُ التعمير الى مدينة عامرة, وما كان المسلمون ينتقلون اليها, حتى شفي سقيمهم, وقوي ضعيفهم, ونبضت بالعافية عروقهم(2).

وقد فرض عمر بن الخطاب لجميع عماله تقريباً مرتبات محددة, وثابتة سواء يومية, أو شهرية, أو سنوية, وقد ورد ذكر بعضها في المصادر التاريخية , منها ما كان طعاماً, ومنها ما كان نقوداً محددة(3).

حيث ان حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) لما أقام في المدائن ما شاء الله ,ثم كتب اليه عمر:أقدم, فلما بلغ عمر قدومه, كمن له على الطريق, فلما رأه على الحال التي خرج عليها, أتاه, فالتزمه, وقال:أنت أخي, وانا أخوك(4).

ص: 112


1- الذهبي , سير أعلام النبلاء, 4/31 .
2- خالد محمد خالد , رجال حول الرسول (صلى الله عليه واله وسلم), ص142-143 .
3- د. عبدالعزيز العمري , الولآية على البلدان , 1/150 .
4- الذهبي , سير أعلام النبلاء , 4/30 .

المبحث الرابع: وفاته

ص: 113

المبحث الرابع

وفاته

لقد كان حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) من ذنبه على وجل, ومن ربه على أمل, لإيقانه ان ذنوب ابن ادم أكثر من أن يسلم منها الا ما عفا الله عنه , فقد روي الكشيّ(1):عن حذيفة بن اليمان العبسي:حدثنا ابن مسعود قال: أخبرني أبو الحسن علي بن الحسن بن علي ابن فضال قال:حدثني محمد بن الوليد البجلي قال: حدثني العباس بن هلال عن ابي الحسن الرضا (عليه السلام) ذكر أن حذيفة لما حضرته الوفاة – وكان اخر الليل – قال لابنته: آية ساعة هذه ؟ قالت:أخر الليل قال:الحمد لله الذي بلغني هذا المبلغ ولم أوالِ ظالماً على صاحب حق ولم أُعاد صاحب حق(2).

ص: 114


1- الكشي: أبو عمرو محمد بن عمر بن عبدالعزيز – ثقة , بصير بالرجال والاخبار , حسن الاعتقاد ويعد كتاب رجاله أقدم خمسة كتب باقية في ايدي المتأخرين هي مدار الجرح والتعديل وهي: رجال الكشي , رجال ابن الغضائري , فهرست الشيخ الطوسي , رجال النجاشي , رجال الطوسي , ومع ان وفاة الكشي غير معلومة الا ان هناك قرائن كثيرة على أنه في طبقة محمد بن يعقوب الكليني صاحب الكافي المتوفى سنة (329ﻫ ) وقيل: انه كان معاصراً لأبن قولويه المتوفى سنة (369ﻫ ) والراوي كل منهما عن الاخر . ينظر: الكشي , أبو عمرو محمد بن عمر بن عبدالعزيز , رجال الكشي , تحقيق: أحمد الحسيني , مؤسسة الاعلمي للمطبوعات , كربلاء , ص3 وما بعدها , والطوسي , رجال الطوسي , ص60-61 , والموسوي , حسن , ثقات الرواة , ط1 , مطبعة الاداب , النجف , 1387ﻫ , 1/الصفحة المرموزة: ر , والجزائري , عبدالنبي , حاوي الاقوال في معرفة الرجال , تحقيق: مؤسسة الهدآية لاحياء التراث , ط1 , قم , ايران , 1318ﻫ , 2/250 , والشبوط , ابراهيم ,ضعفاء الرواة , دراسات في رجال الحديث , د.ت , دون ذكر لجهة الطبع والمكان .
2- الكشي , محمد بن عمر , رجال الكشي , ص38 , والمدني , علي صدر الدين , الدرجات الرفيعة في طبقات الشيعة , ص288 .

وكان لا بد لحذيفة (رضي الله عنه) ان يميز اهل الحق عن اهل الباطل, ليعرف من يوالي, ومن يعادي ويتبرأ منهم, ولذا وقف على البيّنة, ولم يسقط في الفتنة, ولازم الحق وصبر وثبت ونصح.

ولما بلغ زيد بن عبد يغوث مقالة حذيفة فقال: كذب والله – يعني حذيفة – لقد والى عثمان, فأجابه بعض من حضره, ان عثمان والاه يا أخا زهرة(1).

وفي هذا الصدد قال بعضهم:سمعت حذيفة يحلف لعثمان في شيء بلغه عنه ما قاله, ولقد سمعته يقوله, فسالته عن ذلك فقال:يا ابن اخي اشتري ديني بعضه ببعض لئلا يذهب كلّه(2).

ويرى الاستاذ نزيه محي الدين ان حذيفة (رضي الله عنه) كان يجنح الى التقية فيقول:((وقد كان حذيفة (رضي الله عنه) ممن يستعمل التقية على ما روي أنه يداري رجلاً فقيل له: انك منافق !! فقال: لا, ولكني اشتري ديني بعضه ببعض مخافة ان يذهب كله))(3). وكيف كان فقد حدث من دخل على حذيفة (رضي الله عنه) في مرضه الذي مات فيه فقال: لولا اني ارى ان هذا اليوم اخر يوم من الدنيا, واول يوم من الاخرة لم اتكلم به, اللهم انك تعلم اني كنت احب الفقر على الغنى واحب الذلة على الفقر واحب الموت على الحياة, حبيب جاء على فاقة, لا أفلح من ندم, ولما ثقل (رضي الله عنه), أتاه اناس من بني عبس وهو بالمدائن حتى دخلوا عليه جوف الليل فقال لهم: أي ساعة هذه ؟ قالوا: جوف الليل أو أخر الليل, فقال:أعوذ بالله من صباح الى النار, ثم قال:أ جئتم معكم

بأكفان؟ قالوا: نعم فلا تغالوا بأكفاني, فانه ان يكن لصاحبكم عند الله خير, فانه يبدل بكسوته كسوة خيراً

ص: 115


1- الاندلسي , ابن عبد ربه , العقد الفريد , 6/208 .
2- المصدر نفسه , وأبو نعيم , أحمد عبدالله , حلية الاولياء , 1/279 .
3- محي الدين , د. نزيه , التقية , دار القلم للنشر والطباعة , ط1 , بيروت , لبنان , 1422ﻫ -2001م , نقلاً عن المبسوط للسرخسي , 24-46 من كتاب الإكراه .

منها, وإلا يسلب سلباً, إن في القبر حساباً, ويوم القيامة حساباً, فمن حوسب يوم القيامة عذب(1).

وعن أبي مسعود قال: لما أتي حذيفة بكفن جديد - وكان مسنداً الى أبي مسعود – فقال:ما تصنعون بهذا ان كان صاحبكم صالحاً ليبدلن الله تعالى به, وان غير ذلك ليترامن به وجراها الى يوم القيامة(2).

وفي حديث صلة بن زفر:ان حذيفة بعثه, وأبا مسعود, فإبتاعا كفناً حلة عصب بثلثمائة درهم, فقال:أرياني ما أبتعتما لي, فاريناه, فقال:ما هذا لي بكفن, إنما يكفيني ريطتان بيضاوان, ليس معهما قميص فاني لا أترك إلا قليلاً حتى أبدل خيراً منهما, أو شراً منهما فابتعنا له ريطتين بيضاوين(3).

وفي يوم من ايام العام الهجري السادس والثلاثين, ينام حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) على فراش الموت, ويأتيه بعض أخوانه, وأصحابه بأكفان فيلمسها حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه), فيرى أنها غالية الثمن, فيقول حذيفة (رضي الله عنه):((ما هذا لي بكفن , إنما يكفيني لفافتين بيضاوين, ليس معهما قميص, فاني لن اترك في القبر الا قليلاً, حتى أبدل خيراً منهما أو شراً منهما))(4).

وتمتم حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) بكلمات أستمع اليها بعض إخوانه سمعوه يقول:((مرحباً بالموت , حبيب جاء على شوق, لا أفلح من ندم))(5), وصعدت

ص: 116


1- أبو نعيم , حلية الاولياء في طبقات الاصفياء , 1/282 .
2- المصدر نفسه , 1/282 .
3- الذهبي , سير اعلام النبلاء , 4/32 , أبو نعيم , حلية الاولياء في طبقات الاصفياء , 1/282 .
4- الذهبي , سير اعلام النبلاء , 4/32 .
5- أبن أبي شيبه , المصنف , 7/458 , الحاكم , أبو عبدالله محمد بن عبدالله الحاكم النيسابوري (405ﻫ -1005م , دار الكتاب العربي , بيروت , لبنان , 4/547 .

روحه الى الله عز وجل الى:((إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ* فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ))(1).

قال ابن سعد: مات حذيفة بالمدائن, بعد عثمان, وله عقب(2). وقال الزركلي: وكانت وفاته (رضي الله عنه) بالمدائن بعد أن اعاده عمر بن الخطاب

اليها بعد استقدامه الى المدينة(3).

ومرقده (رضي الله عنه) في (المدائن) على مقربة من قبر الصحابي الكبير سلمان الفارسي (رضي الله عنه) وكان ضريحا الصحابيين الجليلين: حذيفة بن اليمان, وعبد الله بن جابر الانصاري (رضي الله عنهما) قريباً من شاطئ دجلة, وهما شاخصان الى عهد قريب في المدائن (السلمان باك) يوم كانت قرية, وفي كل عام يهددان بالزوال, والاندراس, بسبب غرقهما بالفيضانات الموسمية, حتى قررت حكومة الملك فيصل الاول بنقل رفاتهما الى قبريهما الجديدين في مسجد الصحابي سلمان الفارسي (رضي الله عنه), وتم ذلك في موكب مهيب يوم 29 أذار 1932م وعلى المستويين الشعبي والرسمي بإشراف وزير الدفاع جعفر باشا العسكري, وبهذه المناسبة نظم الشاعر خضر الطائي قصيدة بعنوان (موكب الجلال) وقد أودعها في ديوانه المخطوط ومطلعها:

إياب ولكن لات حين إياب *** ونشر وإن لم يتصل بحساب(4)

ص: 117


1- سورة القمر: آية 54-55 .
2- الذهبي , سير اعلام النبلاء , 4/32 .
3- الزركلي , الاعلام , 1/180-181 .
4- حرز الدين محمد , مراقد المعارف , 1/239 , صادق الجميلي , تاريخ شخصية مائة صحابي وصحابية , 2/479 .

رضي الله عنك يا صاحب رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم), بما قدمت لهذه الامة من تراث وتضحية وجهاد في سبيل الله, وبما كنت عليه من مكارم الاخلاق والصفات الحميدة من تواضع وزهد ونكران ذات, لقد عشت على بصيرة وهدى وقلت حقاً, ودعوت الى الخير والصلاح والفلاح, ومُتَّ على الولآية والهدآية, فصعدت روحك الطاهرة الى بارئها, وهي من أعظم أرواح البشر, وأكثرها تقىً وإيماناً.

وهكذا خرج حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) من هذه الدنيا بعد جهاد عظيم في سبيل نشر دين الله في الافاق, وستظل الحضارة الإنسانية مدينة لهذا الصحابي الجليل الذي حمل لواء الدعوة والجهاد, وقام برعآية بذور العدل والحرية, وسقاها أزكى دماء الشهداء, فآتت من كل الثمرات عطاءً جزيلاً, حقق عبر التاريخ تقدماً عظيماً في العلوم والثقافة والفكر, والتخطيط والسياسة والفن العسكري, وستظل الحضارة مدينة لحذيفة بن اليمان (رضي الله عنه), لانه بجهاده الرائع, وبصيره العظيم , وحنكته العسكرية , وبسرعة بديهيته, وذكاءه وفطنته, حمى الله به دين الإسلام في ثباته في المعارك والمشاهد والغزوات, ففتح الله على يديه الأمم والدول والشعوب بحركة الفتوحات العظيمة أمام أقوى إمبراطوريات الأرض آنذاك, والتي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً, فرضي الله عنك يوم ولدت ويم مت ويوم تبعث حياً.

ص: 118

المبحث الخامس: أولاده

ص: 119

المبحث الخامس

أولاده

أوردت بعض كتب التأريخ ذكر ابناء وبنات الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان ( رضوان الله عليه) , وإن كان ذكرهم مقتضبا , مع انهم سلالة هذا الانسان الفذ والمجاهد الكبير , ومن أجمع كل المسلمين على شرف مقامه وعلو منزلته.

والذين تم الاستطراق لذكرهم من ابناء حذيفة (رض) هم :

1- صفوان بن حذيفة.

2- سعيد بن حذيفة.

وكانا من أصحاب أمير المؤمنين الامام علي ( عليه السلام) , وقد ((استشهد في ذلك اليوم (صفين) صفوان وسعيد ابنا حذيفة بن اليمان ، وقد كان حذيفة عليلاً بالكوفة في سنة ست وثلاثين ، فبلغه قتل عثمان وبيعة الناس لعلي فقال : أخرجوني واعدوا ( الصلاة جامعة ) فوضع على المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي و على آله ، ثم قال : أيها الناس إن الناس قد بايعوا علياً فعليكم بتقوى الله وانصروا علياً ووآزروه ، فوالله إنه لعلى الحق آخراً وأوّلا وإنه لخير من مضى بعد نبيكم ومن بقي إلى يوم القيامة ، ثم أطبق يمينه على يساره ثم قال : اللهم أشهد إني قد بايعت علياً ، وقال : الحمد لله الذي أبقاني إلى هذا اليوم ، وقال لابنيه صفوان وسعد : احملاني وكونا معه ، فستكون له حروب فإنه والله على الحق ، ومن خالفه على الباطل . ومات حذيفة بعد هذا اليوم بسبعة أيام ، وقيل : بأربعين يوما))(1) .

وقد فازا بالشهادة بين يدي أمير المؤمنين (ع) بوصية أبيهما رضي الله عنهم , وكانا قد بايعا علياً بوصية أبيهما إياهما بذلك(2) , اذ ورد في وصيته

ص: 120


1- المسعودي , مروج الذهب , ج2, ص383
2- ابن عبد البر , الإستيعاب في معرفة الأصحاب ,ج 1 , ص 98

أنه قال لابنيه صفوان وسعد: إحملاني وكونا معه ، فستكون له حروب كثيرة فيهلك فيها خلق من الناس ، فاجتهدا أن تستشهدا معه ، فإنه والله على الحق ومن خالفه على الباطل.

3- سعد بن حذيفة.

وعداده فِي أهل الكوفَة يروي عن أَبِيه, وروى عنه منذر الثوري وزِياد بن علاقَة(1) .

وأورد الحاكم عنه ما نصه : ((أَخْبَرَنِي أَبُو زَكَرِيَّا الْعَنْبَرِيُّ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي يَعْلَى الثَّوْرِيِّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ حُذَيْفَةَ، قَالَ: رُفِعَ إِلَى حُذَيْفَةَ عُيُوبُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ فَقَالَ: " مَا أَدْرِي أَيَّ الْأَمْرَيْنِ أَرَدْتُمْ تَنَاوُلَ سُلْطَانِ قَوْمٍ لَيْسَ لَكُمْ، أَوْ أَرَدْتُمْ رَدَّ هَذِهِ الْفِتْنَةِ، فَإِنَّهَا مُرْسَلَةٌ مِنَ اللَّهِ تَرْتَعِي فِي الْأَرْضِ حَتَّى تَطَأَ خِطَامَهَا، لَيْسَ أَحَدٌ رَادَّهَا وَلَا أَحَدٌ مَانِعَهَا، وَلَيْسَ أَحَدٌ مَتْرُوكٌ يَقُولُ: اللَّهَ اللَّهَ إِلَّا قُتِلَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ قَوْمًا قُزُعًا كَقَزَعِ الْخَرِيفِ " قَالَ: «الْقَزَعُ الْقِطْعَةُ مِنَ السَّحَابِ الرَّقِيقِ كَأَنَّهَا ظِلٌّ إِذَا مَرَّتْ تَحْتَ السَّحَابِ الْكَبِيرِ)) ..(هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ (2) .

وقد كان سعد صغيراً في حياة أبيه، عاش إلى زمان التوّابين، ومن عظماء الشيعة في المدائن ورؤسائها، جاء من المدائن مع مَن تبعه من الشيعة إلى الكوفة للأخذ بثأر سيّد الشهداء الإمام الحسين(عليه السلام) , حيث ان التوابين (( قلدوا أمورهم سليمان بن صرد الخزاعي فجعلوه أميرهم وقائدهم، وعزموا على الخروج على قتلة الحسين رضي الله عنه، فاتفقت آراؤهم على أن يخرجوا في غرة ربيع الآخر ، ثم

ص: 121


1- ابن حبان , الثقات , ج4 , ص294
2- الحاكم , المستدرك , ج4 , ص548

إنهم كتبوا إلى شيعة أهل البصرة وشيعة المدائن فخبروهم بما قد عزموا وكتب إليهم سعد بن حذيفة [بن] اليمان من المدائن: أما بعد، فقد قرأنا كتابكم إلينا, وفهمنا الذي دعوتمونا إليه من هذا الأمر، ونحن مجتهدون معدون مسرجون ملجمون ننتظر الأمر ونلتمس الأجر ونجيب الداعي ونتبع الراعي، فإذا جاء الصريخ أقبلنا ولم نرجع والسلام)(1) .

4- عمران بن حذيفة .

كان من مقدمي أصحاب المختار في ثورته لأخذ ثأر الامام الحسين (ع).. وقتله مصعب بن الزبير بعد قتل المختار.(2)

5- ربيعة بن حذيفة .

وقد نسب اليه: إبراهيم بن مسلم الحذيفي، وهو ابن مسلم بن عثمان، بن مسلم، بن مسعود، بن مسلم، بن ربيعة، بن حذيفة بن اليمان العبسي ، بغدادي سكن همدان(3).

6- أم موسى بنت حذيفة (4).

7- أم سلمة بنت حذيفة.

وقد روت عن أبيها , وورد انها روت عن أبيها أنه كان ينهاهم أن يصوموا

في اليوم الذي يشك فيه من رمضان (5) .

ص: 122


1- أحمد بن أعثم الكوفي , كتاب الفتوح , ج 6 , ص 206
2- ابن الاثير , الكامل في التاريخ , 4/ 280
3- ابن الاثير , اللباب , 1/ 351 , والخطيب , تاريخ بغداد , 6 / 184 .
4- ابن سعد – الطبقات , 6/297
5- ابن سعد – الطبقات, 8/477

الخاتمة بأهم النتائج

ص: 123

الخاتمة

بأهم النتائج

من المعروف لدى المسلمين والباحثين والمؤرخين والمحدثين بأن حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه), هو صحابي جليل, أتسم بسمات عظيمة, وبطبيعة فريدة تتسم ببغض النفاق, وبالقدرة الخارقة على معرفة المنافقين, والاسلام زاده يقيناً وايماناً, فكان شجاعاً , قويماً, يحب الاقوياء في الحق ويمقت المتلونين, فلقد تربى بين يدي رسول الله ((صلى الله عليه واله وسلم).

واهم النتائج التي توصلت اليها من كتابة البحث هي:

1- ان الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) أنحدر من بيت مسلم, حيث كان أبواه من السابقين في الاسلام.

2- كان المنهج التربوي الذي تربى عليه حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه), وكل الصحابة الكرام هو القرآن الكريم المنزل من عند رب العالمين.

3- ان الرافد القوي الذي أثر في شخصية حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) وصقل مواهبه , وفجر طاقته, وهذب نفسه, هو مصاحبته لرسول الله ((صلى الله عليه واله) وسلم), وتتلمذ على يديه في مدرسة النبوة.

4- يظهر من قصة جمع القرآن في عهد عثمان مدى فهم الصحابة لآيات النهي عن الاختلاف, حيث ان الله نهى عن الاختلاف , وحذر منه , فلعمق فهمهم لهذه الآيات , ارتعد حذيفة (رضي الله عنه) عندما سمع بوادر الاختلاف في قراءة القرآن , فرحل فوراً الى المدينة النبوية, وأخبر عثمان بما رأى وسمع, وفي مدة قصيرة حسم عثمان الأمر وأغلق باب الخلاف.

5- لقد خص رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)من بين صحابته, حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه), فاعلمه بأسماء المنافقين في مجتمع المدينة كلهم,

ص: 124

وأمره بان يكتم أسماءهم خشية الفتنة, وكان جديراً بثقة رسول الله ((صلى الله عليه واله) وسلم), فلم يسمح لنفسه طول حياته, ان يذكر واحداً منهم بأسمه, مهما يكن شأن السائل, ومكانته في المسلمين.

6- لقد كان حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) في مقدمة الفقهاء من الصحابة, وروى أحاديث كثيرة عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)جُلها أحاديث الفتن, وروى عنه تلامذته.

7- ان شخصية حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) شخصية قيادية, وقد أتصفت بصفات القائد الفذ, من العلم , والذكاء, والقدرة على التوجيه والتعليم, والحلم, والسماحة واللين, والعفو, والتواضع, والعفة, والشجاعة, والحزم, والصبر, والعدل, والعبادة, والمحاسبة, والزهد, والقناعة, والرضا, وحبه وملازمته لأهل البيت.

8- شهد حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) المشاهد كلها والغزوات بل كان قائداً لمعظم المعارك في أرض العراق كلها ما عدا بدراً كما وضحنا ذلك في البحث.

9- لقد أوتي حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) من الحصافة والفطنة, مما جعله يدرك أن الخير في هذه الحياة واضح بين لمن يريده, ولهذا أهتم بدراسة الشر والأشرار.

10- تولى حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) المدائن في العراق في زمن عمر بن الخطاب, فكان زاهداً لا يطلب الا ما يكفيه من القوت له ولدابته, وقام بمسؤوليته أحسن قيام وأصلح البلاد وخدم العباد.

11- عاش حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) بين المسلمين, فكان لا يترك فرصة, الا علم الناس, وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر, فكانت مواقفه تشع على من حوله من المسلمين بالهدى والإيمان والأخلاق.

ص: 125

12- كان الجهاد الذي خاضه الصحابة ومنهم حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) إعداداً ربانياً , حيث تميزت الرايات, وظهرت القدرات, وتفجرت الطاقات, واكتشفت قيادات ميدانية, وتفنن القادة في الأساليب والخطط الحربية, وبرزت مؤهلات حذيفة (رضي الله عنه) من الجندية الصادقة المطيعة المنضبطة الواعية التي تقاتل وتبذل كل ما في وسعها في سبيل نصرة الدين.

13- إن معرفة صفات الصحابة, ومحاولة الاقتداء بهم, خطوة صحيحة لمعرفة صفات القادة الربانيين الذين يستطيعون أن يقودوا الأمة نحو أهدافها التي وضحها لهم القرآن الكريم والسنة النبوية.

14- خرج حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه) من هذه الدنيا بعد جهاد عظيم في سبيل نشر دين الله, وكانت وفاته (رضي الله عنه) بالمدائن بعد أن أعاده عمر بن الخطاب إليها بعد استقدامه الى المدينة.

ص: 126

المصادر والمراجع

ص: 127

المصادر والمراجع

المصادر الأولية:

1-القرآن الكريم

2-ابن أبي شيبه, أبو بكر عبدالله بن محمد بن أبي شيبه العبسي (ت 235ﻫ – 849م) , مصنف ابن ابي شيبه , حققه وصححه: عامر العمري الاعظمي , الدار السلفية, بومباي, الهند, د.ت.

3-ابن الأثير: عز الدين أبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد الشيباني (ت 630 ﻫ - 1232م) , الكامل في التاريخ , دار صادر, بيروت, 1965م.

4-ابن الأثير:عز الدين أبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد الشيباني (ت 630ﻫ -1232م), أسد الغابة في معرفة الصحابة. تحقيق وتعليق: محمد إبراهيم ألبنا , ومحمد أحمد عاشور, ومحمود عبد الوهاب فأيد – مطبعة القاهرة سنة 1280ﻫ .

5-ابن الاثير , عز الدين أبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد الشيباني (ت 630ﻫ -1232م), جامع الأصول، ومعه إجابة الفحول بإدخال سنن ابن ماجة على جامع الأصول، دار الفكر بيروت، لبنان، 1417.

6-ابن الاثير , عز الدين أبي الحسن علي بن أبي الكرم محمد الشيباني (ت 630ﻫ -1232م), اللباب في تهذيب الأنساب , المحقق والناشر: مكتبة المثنى , بغداد, ط1.

7-ابن القيم الجوزية, شمس الدين أبي عبدالله محمد بن أبي بكر ت (751ﻫ -1350م) , زاد المعاد في هدي خير العباد , المطبعة المصرية , ط1, 1347ﻫ .

ص: 128

8-ابن القيم الجوزية ,شمس الدين أبي عبدالله محمد بن أبي بكر ت (751ﻫ -1350م) اعلام الموقعين عن رب العالمين, تحقيق: محمد محي الدين عبدالحميد, المكتبة العصرية, صيدا, بيروت, طبعة 1407ﻫ .

9-ابن القيم الجوزية, مدارج السالكين, تحقيق: محمد حامد الفقي, دار الكتب العربي, بيروت, 1392ﻫ .

10-ابن الاعثم , أبو محمد أحمد بن محمد بن علي بن أعثم الكوفي , كتاب الفتوح , تحقيق محمد علي شيري, طبعة دار الاضواء, بيروت, لبنان , 1411 .

11-ابن تغري بردي,النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة , تحقيق: محمد حسين شمس الدين, ط1, دار الكتب العلمية , بيروت , لبنان , 1413ﻫ - 1992م.

12-ابن تغري بردي : جمال الدين أبي المحاسن يوسف ت 874ﻫ - 1469م- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة – وزارة الثقافة والإرشاد القومي – المؤسسة المصرية العامة – د. ت.

13-ابن تيمية, تقي الدين أحمد بن تيمية الحرّاني, مجموعة الفتاوى , دار الوفاء بالتصوره , مكتبة العبيكان , بالرياض, ط1 , 1418ﻫ -1997م.

14-ابن حجر العسقلاني: ابو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي (ت 825ﻫ -1448م), تقريب التهذيب, تحقيق: عبدالوهاب عبداللطيف, دار المعرفة للطباعة والنشر, بيروت, لبنان, الطبعة الأولى , 1395ﻫ -1975م).

15-ابن حجر العسقلاني: ابو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي (ت 852ﻫ -1448م) , تهذيب التهذيب, مطبعة حيدر آباد الدكن, سنة (1325-1327ﻫ ).

16-ابن حجر العسقلاني: أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي تاريخ 852ﻫ - 1448م, فتح الباري بشرح صحيح البخاري, تحقيق: الأستاذ محب الدين الخطيب, دار الريان, القاهرة , ط1 , 1407ﻫ _ 1987م.

ص: 129

17-ابن حجر العسقلاني: أبو الفضل شهاب الدين أحمد بن علي تاريخ 852ﻫ - 1448م, الإصابة في تميز الصحابة – مطبعة القاهرة – سنة 1939م.

18-ابن حنبل, ابو عبدالله أحمد بن حنبل الشيباني (ت241ﻫ -855م) ,المسند, القاهرة, المطبعة الميمنية, سنة 1896ﻫ .

19-ابن دريد, محمد بن الحسن , 321ﻫ -934م, جهرة اللغة, مطبعة حيدر آباد الدكن, 1344-1351ﻫ .

20-ابن سعد , محمد بن سعد (ت 130ﻫ - 844م), الطبقات الكبرى, دار صادر, بيروت , 1957/ 1958م.

21-ابن شهراشوب , محمد بن علي بن شهر آشوب السروي المازنداني (ت:588ﻫ ) , مناقب آل أبي طالب , تحقيق:لجنة من أساتذة النجف, منشورات المكتبة الحيدرية, النجف الأشرف, 1376ﻫ .

22-ابن عبد ربه: أبو عمر احمد بن محمد (ت 328ﻫ -939م) , العقد الفريد, تحقيق: احمد أمين, احمد الزين , إبراهيم الابياري, مطبعة لجنة التأليف والنشر, ط2 , القاهرة , 1948- 1953م.

23-ابن عبدالبر: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر (ت 463ﻫ - 973م) , الاستيعاب في معرفة الأصحاب, تحقيق الدكتور طه محمد الزيني, مكتبة الكليات الأزهرية , الأزهر , مصر , الطبعة الأولى , 1396ﻫ - 1979م.

24-ابن عساكر, ثقة الدين أبو القاسم علي بن الحسن هبة الله الشافعي , 571ﻫ ت1175م , تاريخ دمشق , تحقيق: سكينة الشهابي , نشر المجلس العلمي بدمشق , 1984م.

25-ابن كثير, ابو الفداء, عماد الدين اسماعيل بن عمر القرشي الدمشقي, (ت 774ﻫ -1372م) . تفسير القرآن العظيم, طبعة جديدة منقحة, مكتبة الصفا, ط1, 1425ﻫ -2004م.

ص: 130

26-ابن كثير , ابو الفداء , عماد الدين اسماعيل بن عمر القرشي الدمشقي , (ت 774ﻫ -1372م), البداية والنهاية في التاريخ , مطبعة السعادة , القاهرة, 1932م.

27-ابن ماجه , الحافظ ابي عبدالله محمد بن يزيد القزويني (ت 275ﻫ - 888م) , سنن ابن ماجه, دار احياء التراث العربي, بيروت , لبنان, ط1, 1421ﻫ - 2000م.

28-ابن منظور, محمد بن مكرم ( ت711ﻫ - 1311م) , لسان العرب , دار صادر, بيروت , 1967م.

29-ابن هشام , أبو محمد عبدالملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري, (ت 213ﻫ - أو 218ﻫ ,السيرة النبوية حققه وضبطه وشرحه ووضع فهارسه: مصطفى السقا وإبراهيم الابياري وعبدالحفيظ شلبي , مطبعة مصطفى البابي الحلبي واولاده بمصر, 1355ﻫ - 1936م.

30-أبو جعفر النحاس (ت338ﻫ -943م) , معاني القرآن , تحقيق: د. يحيى مراد , دار الحديث , القاهرة , 1425ﻫ -2004م).

31-أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني (ت 275ﻫ - 888م) , سنن أبي داود , الفجر للتراث , خلف الجامع الأزهر , القاهرة , 1430ﻫ - 2009م.

32-أبو علي الحسن بن محمد بن الحسن الطوسي (ت بعد عام 515ﻫ ،) , الأمالي , طهران , ايران , 1313 .

33-أبو نعيم , الاصبهاني , أحمد بن عبد الله (ت 430ﻫ -940م) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء , دار الكتب العلمية , بيروت , لبنان 1988م.

34-البخاري , أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم (ت 256ﻫ - 896م), التاريخ الصغير , تحقيق: محمود ابراهيم, دار دار الوعي والتراث , حلب, 1977م.

35-البخاري : أبو عبد الله محمد بن إسماعيل (ت 256ﻫ - 869م) , صحيح البخاري , دار الفكر , الطبعة الأولى , 1411ﻫ - 1991م.

ص: 131

36-البيضاوي: الامام ناصر الدين أبو الخير عبدالله الشيرازي , تفسير البيضاوي, المسمى أنوار التنزيل وأسرار التأويل , دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع, 1402ﻫ -1982م.

37-البيهقي , أبو بكر احمد بن الحسين بن علي (ت 458ﻫ -968م) , الاعتقاد على مذهب السلف اهل السنة والجماعة , الناشر نشاط آباد, فيصل آبا, باكستان.

38-البيهقي , ابو بكر احمد بن الحسين بن علي (ت 458ﻫ -968م) , السنن الكبرى , دار المعرفة , بيروت, لبنان , د.ت.

39-الترمذي , ابو عيسى محمد بن عيسى سورة الترمذي (ت 279ﻫ -892م) , الجامع الصحيح , سنن الترمذي , تحقيق: محمد عبدالله , ومحمد علي, دار ابن الهيثم , القاهرة , ط1 , 1425ﻫ -2004م.

40-الحموي, شهاب الدين ابو عبدالله ياقوت بن عبدالله , معجم البلدان , 1397ﻫ -1977م , دار صادر , بيروت , لبنان.

41-الحنبلي, عبدالحي بن العماد (ت1089ﻫ -1678م) , شذرات الذهب في اخبار من ذهب , دار الكتب العلمية , بيروت , لبنان.

42-الخطيب البغدادي : أبو بكر أحمد بن علي (ت 463ﻫ - 101م) , تاريخ بغداد أو مدينة السلام منذ تأسيسها حتى سنه 463ﻫ - دار الكتب العلمية – بيروت- لبنان – د.ت.

43-الخطيب التبريزي , ولي الدين محمد بن عبد الله ( المتوفى في القرن الثامن من الهجري ) , مشكاة المصابيح , المكتبة الرحيمية , ديوبند , الهند.

44-الخوئي , ابو القاسم الموسوي (ت:1413ﻫ ), معجم رجال الحديث , مركز نشر الثقافة الإسلامية, ط5, 1413 ﻫ

45-الديلمي , الحسن بن ابي الحسن محمد , إرشاد القلوب في فضائل الإمام علي , دار الفكر , بيروت , 1381ﻫ .

46-الذهبي : أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد (ت 748ﻫ - 1347م), تذكرة الحفاظ , وضع حواشيه: الشيخ زكريا عميرات , منشورات محمد

ص: 132

علي بيضون , مطبعة دار الكتب العلمية , بيروت , لبنان , ط1, 1419ﻫ -1998م.

47-الذهبي : أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد (ت 748ﻫ - 1347م) , سير اعلام النبلاء , خرج أحاديثه وعلق عليه : محمد أيمن الشبراوي , دار الحديث – القاهرة – سنة الطبع 1427ﻫ - 2006م.

48-الرازي , محمد ابن أبي بكر عبدالقادر (ت 666ﻫ -1268م) , مختار الصحاح , الناشر دار الرسالة , الكويت , 1983م.

49-الزمخشري , محمود بن عمر (ت 538ﻫ ), أساس البلاغة – كتاب الشعب – دار ومطابع الشعب – القاهرة – 1960م.

50-الشاطبي , أبو إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي (ت 790ﻫ -1387م) , الموافقات في أصول الشريعة , تحقيق: عبدالله دراز , دار الباز , مكة المكرمة, د.ت.

51-الصابوني: محمد علي , صفوة التفاسير , دار القلم , بيروت , لبنان , ط5, د.ت.

52-الصدوق , محمد بن علي بن بابويه القمي(ت:381 ﻫ ), الأمالي (أمالي الصدوق), مؤسسة البعثة , ط1, قم 1417ﻫ

53-الصدوق , محمد بن علي بن بابويه القمي(ت:381 ﻫ ), الخصال , تصحيح علي الغفاري, نشر جماعة المدرسين في الحوزة العلمية, قم 1403 ﻫ

54-الطبرسي , أحمد بن علي أبي طالب , الاحتجاج , تعليقات وملاحظات : محمد باقر الخرسان, دار النعمان – النجف 1386ﻫ - 1966م.

55-الطبري, أبو جعفر محمد بن جرير (ت 310ﻫ -922م) , تاريخ الأمم والملوك , دار الكتب العلمية , ط1 , بيروت , 1407ﻫ -1986م.

56-الطبري , أبو جعفر محمد بن جرير (ت 310ﻫ -923م) , جامع البيان عن تأويل آي القرآن , شركة ومكتبة ومطبعة مصطفى اليابي الحلبي وأولاده بالقاهرة , ط3 , (1388ﻫ -1968م).

ص: 133

57-الطوسي , ابو جعفر محمد بن الحسن (ت 460ﻫ ) , رجال الطوسي , تحقيق : محمد صادق ال بحر العلوم , المطبعة الحيدرية في النجف , ط1, 1381ﻫ - 1961م.

58-عمر بن شبه النميري , تاريخ المدينة, تحقيق: فهيم محمد شلتون, دار الاصفهاني, جدة , د.ت.

59-الفيروز آبادي , مجد الدين محمد بن يعقوب (ت 1414م) , القاموس المحيط , تعليق : الشيخ ابو الوفا نصر الهوريني المصري الشافعي (ت1291ﻫ ), دار الحديث , القاهرة , 1429ﻫ - 2008م.

60-القرطبي , أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري (ت 671ﻫ - 1273م) , الجامع لإحكام القرآن الكريم – تفسير القرطبي – دار إحياء التراث العربي – بيروت – لبنان – 1965م.

61-القلقشندى, أحمد بن علي, صبح الأعشى في صناعة الانشا, شرحه وعلق عليه وقابل نصوصه : محمد حسين شمس الدين , دار الكتب العلمية, بيروت , لبنان , ضبطت وقوبلت على طبعة دار الكتب المصرية وعلى المصادر الأساسية لنصوص الكتاب , الطبعة الأولى , 1407ﻫ .

62-الكشي , أبو عمرو محمد بن عمر بن عبدالعزيز , رجال الكشي , تحقيق: أحمد الحسيني , مؤسسة الاعلمي للمطبوعات , كربلاء , د.ت.

63-الكليني محمد بن يعقوب (ت:329ﻫ ) , الكافي(الأصول والفروع),تحقيق علي الغفاري , منشورات دار الكتب الإسلامية, ط3 , طهران, 1388 ﻫ .

64-المامقاني , عبد الله (ت: 1351ﻫ ) , تنقيح المقال في أحوال الرجال (رجال المامقاني), المطبعة المرتضوية, النجف الاشرف ,1352ﻫ

65-المجلسي , محمد باقر (ت:1111 ﻫ ), بحار الأنوار , ط2 المصححة , مؤسسة الوفاء , بيروت 1403 ﻫ .

66-المدني , علي صدر الدين , الدرجة الرفيعة في طبقات الشيعة , المكتبة الحيدرية , النجف الاشرف , 1962م.

ص: 134

67-المسعودي, أبو الحسن علي بن الحسين بن علي (ت 346ﻫ -957م, مروج الذهب ومعادن الجوهر , دار المعرفة , بيروت , 1403ﻫ -1982م.

68-مسلم , ابو الحسين بن الحجاج القشيري النيسابوري (ت 261ﻫ -879م), صحيح مسلم , تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي , دار احياء التراث العربي, ط2 , بيروت , لبنان , 1972م.

69-نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي, (ت 807ﻫ ) , مجمع الزوائد ومنبع الفوائد , دار الكتاب العربي , بيروت , ط3 , 1402ﻫ - 1982م.

70-النووي: الامام محي الدين أبي زكريا بن شرف (ت 676ﻫ -1276م), صحيح مسلم بشرح النووي , تحقيق: د. عبدالعظيم بدوي الخلفي , يحيى محمد سوس , دار أبن رجب , ط1 , 1429ﻫ -2008م.

71-اليعقوبي , أحمد بن أبي يعقوب بن واضح الكاتب (ت284ﻫ - 896م), تاريخ اليعقوبي , دار صادر , بيروت , لبنان.

ص: 135

المراجع العربية الحديثة:

72-د. إبراهيم حسن , التاريخ الإسلامي العام , ط2 , طبع ونشر الانجلو المصرية , مطبعة الرسالة , 1959م.

73-د. أحمد ابراهيم الشريف , دور الحجاز في الحياة السياسية العامة في القرنين الأول والثاني للهجرة , دار الفكر العربي , ط2 , 1977م.

74-ابن حبان: محمد بن حبان البستي (ت 354ﻫ -965م) , الثقات, تحقيق: محمد عبدالمعيد خان , حيدر آباد الدكن , 1973-1983م.

75-أبو ريهّ : محمود, أضواء على السنة المحمدية, ط2, مطبعة صور الحديثة 1383ﻫ - 1964.

76-أبو فارس , محمد , السيرة النبوية دراسة وتحليل , دار الفرقان , عمان , ط1, 1418ﻫ -1997م.

77-البنوي , أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء , ت (516ﻫ -1026م) , شرح السنة , تحقيق وتعليق: شعيب الارناؤوط ومحمد زهير الشاويش , المكتب الإسلامي , ط1 , د.ت.

78-البوطي: محمد سعيد رمضان , فقه السيرة , دار الفكر , دمشق , سوريا, ط11, 1991م.

79-الجبوري , شهاب الدين , ابو عبدالله ياقوت بن عبدالله ,دار صادر , بيروت, لبنان , 1397ﻫ - 1977م.

80-الجزائري , عبدالنبي , حاوي الاقوال في معرفة الرجال , تحقيق: مؤسسة الهداية لاحياء التراث , ط1 , قم , ايران , 1318ﻫ .

81-حرز الدين محمد , مراقد المعارف , مطبعة الاداب , النجف الاشرف, 1969م.

ص: 136

82-خالد محمد خالد, رجال حول الرسول , دار الكتاب العربي , بيروت , لبنان, ط2 , 1973.

83-الزركلي: خير الدين , الاعلام , دار العلم للملايين , بيروت , لبنان , ط6, 1984م.

84-زيدان , جرجي , تاريخ آداب اللغة العربية , طبعة جديدة مصححة ومنفتحة, مراجعة الشيخ يوسف ألبقاعي , بإغراق مكتب البحوث والدراسات في دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع , بيروت - لبنان , 2005م.

85-سيد قطب , في ظلال القرآن , دار الشروق , الطبعة الشرعية الخامسة والعشرون , 1417ﻫ -1996م.

86-سيد قطب , معالم في الطريق , دار الشروق , القاهرة , ط1 , 1400ﻫ -1981م.

87-الشبلنجي الحنفي , المدعو بمؤمن , نور الأبصار , مطبوعات مكتبة ومطبعة الحاج عبدالسلام محمد بن شقرون , ط7 , 138ه_ 1960م.

88-الشبوط , إبراهيم , دراسات في رجال الحديث (ضعفاء الرواة) , د.ت.

89-شرف الدين , الامام عبدالحسين , الفصول المهمة في تأليف الأمة , دار النعمان , النجف , ط4 , د.ت.

90-صادق الجميلي , تاريخ شخصية مائة صاحبي وصاحبيه , مطبعة أنوار دجلة , بغداد , 1432ﻫ - 2011م.

91-الصلابي , د. علي محمد علي , السيرة النبوية , دار ابن كثير , دمشق, بيروت , ط1 , 1425ﻫ -2004م , 2/276.

92-الصلابي , د. علي محمد محمد , أسمى المطالب في سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب , دار ابن كثير الاولى , دمشق , بيروت , (1425ﻫ -2004م).

93-الصلابي: د. علي محمد محمد , فقه النصر والتمكين في القرآن الكريم, دار المعرفة , بيروت , ط2 , 1426ﻫ -2005م.

ص: 137

94-د. عبدالرحمن رأفت الباشا , صور من حياة الصحابة , دار الأدب الإسلامي للنشر والتوزيع , ط1 , 1418ﻫ -1997م .

95-د. عبدالعزيز إبراهيم العمري , الولاية على البلدان في عصر الخلفاء الراشدين, ط1 , 1409ﻫ .

96-د. عبدالعزيز عبدالله الحميدي , التاريخ الإسلامي مواقف وعبر , دار الدعوة, الإسكندرية , دار الأندلس , الخضراء , جدة , ط1 , 1418ﻫ -1998م.

97-د. عبدالكريم زيدان , أصول الدعوة , مؤسسة الرسالة , ط9 , 1412ﻫ -2001م.

98-د. علي محمد محمد الصلابي , السيرة النبوية , دار ابن كثير , دمشق, بيروت , ط1 , (1425ﻫ - 2004م).

99-علي , د. جواد , المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام , منشورات الشريف الرضي , ط1 , 1380ﻫ .

100-الغامدي , سعيد ناصر , حقيقة البدعة وأحكامها , مكتبة الرشد , الرياض, ط1, 1412ﻫ -1992م.

101-القادري , عبدالله , الجهاد في سبيل الله , دار المنارة , جدة , ط2, 1413ﻫ -1992م.

102-كاشف الغطاء , الامام محمد الحسين , أصل الشيعة وأصولها , المكتبة الحيدرية ومطبعتها , النجف , ط14 , 1385ﻫ -1965م.

103-كتاني , سليمان , الامام علي نبراس ومتراس , مطبعة النعمان , النجف الاشرف , 1979م.

104-الكشي , أبو عمرو محمد بن عمر بن عبدالعزيز , رجال الكشي , تحقيق: أحمد الحسيني , مؤسسة الاعلمي للمطبوعات , كربلاء , د.ت.

105-الكوفي , ابن أكثم , الفتوح , ط1, دار المعارف العثمانية , حيدر اباد الدكن , الهند , 1388ﻫ ت1986م.

ص: 138

106-المباركفوري: صفي الرحمن . الرحيق المختوم , دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع , المنصورة , الطبعة السابعة عشر , 1426ﻫ - 2005م.

107-د. محمد أمحزون , تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة من روايات الطبري والمحدثين , دار طيبة , مكتبة الكوثر , الرياض , ط1 , 1415ﻫ -1994م.

108-محمد الخضري , إتمام الوفاء في سيرة الخلفاء , دار المعرفة , بيروت, ط1 , 1417ﻫ -1996م.

109-د . محمد عبد الله الغبان , فتنة مقتل عثمان , مكتبة العبيكان , الطبعة الأولى 1419ﻫ - 1999م

110-محمد السيد محمد يوسف , التمكين للأمة الإسلامية في ضوء القرآن الكريم, دار السلام , مصر , ط1 , 1418ﻫ -1997م.

111-د. محمد فوزي فيض الله , صور وعبر من الجهاد النبوي في المدينة , دار القلم , دمشق , الدار الشامية , بيروت , ط1 , 1416ﻫ -1996م.

112-محمد قطب : منهج التربية الإسلامية , دار الشروق , ط5 , 1403ﻫ - 1983م.

113-السيد محمد نوح , منهج الرسول في غرس الروح الجهادية في نفوس أصحابه, ط1 , 1411ﻫ - 1990م , نشرته جامعة الأمارات العربية المتحدة.

114-المزي: يوسف بن عبدالرحمن (ت 742ﻫ -1341م) , تهذيب الكمال في اسماء الرجال, تحقيق: بشار عواد معروف , مؤسسة الرسالة, بيروت , ط4 ,1980م

115-منير الغضبان , فقه السيرة النبوية , معهد البحوث العلمية , واحياء التراث مكة المكرمة , د.ت.

116-د. مهدي رزق الله أحمد , السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية , مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية , ط1 , 1412ﻫ -1992م.

ص: 139

117-الموسوي , حسن , ثقات الرواة , ط1 , مطبعة الاداب , النجف, 1387ﻫ .

118-نزيه محي الدين , التقية , دار القلم للنشر والطباعة , ط1 , بيروت , لبنان, 1422ﻫ -2001م.

119-اليوبي , د. محمد سعد , مقاصد الشريعة الإسلامية , دار الهجرة , الرياض, ط1, 1418هأ -1998م.

ص: 140

الفهرست

1- كلمة المؤسسة --------------------------------------------- 3

2- المقدمة ---------------------------------------------- 6

3- شخصيته وحياته ------------------------------------------- 12

4- إسلامه ---------------------------------------------------- 17

5- اثر القرآن والسنة في تربيته -------------------------------- 22

6- حياته الاجتماعية ------------------------------------------- 34

7- علميّته وثقافته --------------------------------------------- 43

8- أسلوبه ألاستخباراتي في الدعوة ------------------------------ 53

9- أهم صفاته ----------------------------------------------- 63

10-جهاده وغزواته ------------------------------------- 98

11- توليه الولاية --------------------------------------- 110

12- وفاته ----------------------------------------------- 115

13- أولاده -----------------------------------------------121

14- الخاتمة بأهم النتائج ----------------------------------126

15- المصادر والمراجع -----------------------------------130

ص: 141

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.