الشيعة عند الإمام موسى بن جعفر

هویة الکتاب

الشيعة عند الإمام موسى بن جعفر

بقلم

احمد السيد نوري الحكيم

ص : 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على افضل الانبياء والمرسلين محمد واله الطيبين الطاهرين

مقدمة

ليس من الغريب ان يتهم التشيع من قبل الاعداء بعدة اتهامات سواء كانت بالزندقة ام باليهودية ام بغيرها ولكن الغريب ان تكال تلك الاتهامات الى مذهب اتبع النبي(صلی الله علیه وآله و سلم) وامير المؤمنين (علیه السلام) علي بن ابي طالب (علیه السلام) واولاده المعصومين (علیه السلام) -ولينالوا العذاب والفتن والمحن لانهم خالفوا السلف

وبرزت تلك الاتهامات اكثروضوحا في عصر الامام موسى بن جعفر (علیه السلام) حينما توفي الامام جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام) وتولَي الامامة ولده الامام الكاظم (علیه السلام) فحاول بعض من يدعي التشيع ان يتهم خطّ الامامة وانكر عدم وضوح النص الصريح للامام موسى (علیه السلام)

الا ان الامام موسى (علیه السلام) اظهرحقيقة الامر بعد محن ابتلي بها فآمن بذلك المبدأ من آمن وزاغ قلب من زاغ.

وبعد استشهاد الامام ابي ابراهيم (علیه السلام) تكررت المحنة ,واستغل هذا الامر من ضعفاء الايمان هذه الفرصة , فحاول اغواء محبي الامام (علیه السلام) وانكار استشهاد الامام (علیه السلام) بل ادعى غيبته. فوقف من وقف على استشهاده , وآمن بعض باستمرار الامام بفضل الامام علي بن موسى الرضا (علیه السلام) لئلا يكونوا من الغافلين

ص : 2

ولذلك كان علينا ان نوضح في هذا البحث ان الامام موسى بن جعفر (علیه السلام) ليس كل من آمن به وصدقه فهومن الشيعة وانما من استمر على مبدأه واقّر لأولاده المعصومين (علیه السلام) وعمل بآرائهم

ولذا حاول الامام موسى (علیه السلام) ان يوضح صفات الشيعة فمن وجدت فيه تلك الصفات نال حظاً عظيماً ,وان لم توجد فيه فهو ليس من التشيع في شيء فكان هذا البحث للتوضيح وفهم صورة التشيع بصورة جلية وليس مجرد ظاهرة شاعت في ذلك الزمان وشخصيات الصقت بالتشيع وحاول الاعداء ان يطعنوا بهذا المذهب الصحيح واعتبروه خطاً مبايناً للاسلام نتيجة افعال هؤلاء

وهذا من الخطأ الواضح ولذا كان علينا توضيح ذلك ولنقدم صورة التشيع في فكر الامام موسى

بن جعفر (علیه السلام)

السيد احمدالسيد نوري الحكيم

ص : 3

الفصل الاول : الشيعة في اللغة

اشارة

ص : 4

الشيعة في اللغة

ان الشيعة عند اهل اللغة تطلق على الاتباع والانصار فقد قال الجوهري في الصحاح " وشيعة الرجل : اتباعه وانصاره , ويقال : شايعه كما يقال والاه من الولي "

وتشيع الرجل اي ادعى دعوى الشيعة ,وتشايع القوم, من الشيعة وكل قوم امرهم واحد يتبع بعضهم رأي بعض فهم شيع((1)).

فان مقصود الجوهري ان كل من تابع شخصا على رأي فهو من اتباعه

وذكر الرازي في مختار الصحاح

و(شيعة )الرجل اتباعه وانصاره . و(تشيّع) الرجل ادعى دعوى (الشيعة) .وكل قوم أمرهم واحد يتبع بعضهم رأى بعض فهم (شيع )(2)

وذكر الفيروز آبادي في القاموس المحيط

وشيعة الرجل بالكسر أتباعه وأنصاره والفرقة على حدة ويقع على الواحد والاثنين والجمع والمذكر والمؤنث وقد غلب هذا الاسم على كل من يتولّى علياً وأهل بيته حتى صار أسماً لهم خاصة .(3)

الشيعة في القرآن الكريم

ان القرآن الكريم قد ذكر كلمة الشيعة في عدة آيات

قال تعالى (ثم لننزعنّ من كل شيعة أيّهم على الرحمن عتياً) وهنا كلمة الشيعة بمعنى فرقة

ص : 5


1- الصحاح : - الجوهري - ص627 - مادة شيع.
2- مختار الصحاح-محمد بن ابي بكر بن عبد القادر الرازي –ص353-مادةش ي ع
3- القاموس المحيط –مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي –ج3-ص47 –مادة شاع

وقال تعالى (ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان إنه عدوٌ مضل مبين) (وهذا من شيعته ) فهو من أنصاره وأتباعه

وقال تعالى(وإنّ من شيعته لإبراهيم) أي من شايعه في الإيمان وأصول حوله

و قال تعالى (من الذين فرّقوا دينهم و كانوا شيعاً كل حزب بما لديهم فرحون) وهنا كلمة شيعاً : كل فرقة تشيع اماماً

وقال تعالى (وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل باشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك مريب) وهنا كلمة اشياع بمعنى الامثال

الشيعة عند اهل الملل النحل

فقد ذكر الشهرستاني في ملله ونحله (أن الشيعة هم الذين شايعوا علياً (علیه السلام) على الخصوص وقالوا بإمامته وخلافته نصاً ووصية ,إما خفياً,واعتقدوا أن الامامة لاتخرج من أولاده, وإن خرجت فبظلم يكون من غيره أو بتقية من عنده وقالوا ليست الامامة قضية مصلحية تناط باختيار العامة وينتصب الامام بنصبهم , بل هي قضية اصولية ,وهي ركن الدين لايجوز للرسل (علیه السلام)

اغفاله واهماله ولاتفويضه الى العامة وإرساله يجمعهم القول بوجوب التعيين والتنصيص , وثبوت عصمة الانبياء والائمة وجوباً ,عن الكبائر والصغائر, والقول بالتولي قولاً وفعلاً , وعقداً الّا في حال التقية ويخالفهم بعض الزيدية في ذلك((1))

ص : 6


1- الملل والنحل – الشهرستاني – ج1 ص146، 147.

وقال الاشعري{الشيعةهم شيعة علي بن أبي طالب (علیه السلام) ومنهم افترقت صنوف الشيعة كلها}((1))

وافصح النبوختي في فرق الشيعة

قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شهر ربيع الاول سنة عشر من الهجرة وهو ابن ثلاث وستين سنة وكانت نبوته عليه السلام ثلاثاً وعشرين سنة وامه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ,فافترقت الامة ثلاث فرق :

(فرقة منها )سميت الشيعة وهم شيعة علي بن ابي طالب عليه السلام ومنهم افترقت صنوف الشيعة كلها ,

(وفرقة منهم )ادعت الامرة والسلطان وهم الانصار ودعوا الى عقد الامر لسعد بن عبادة الخزرجي

وفرقة مالت الى بيعة ابي بكر بن ابي قحافة وتأولت فيه ان النبي صلى الله عليه وآله لم ينص على خليفة بعينه وانه جعل الامر الى الامة تختار لانفسها من رضيه ,واعتل قوم منهم برواية ذكروها ان رسول الله صلى الله عليه وآله أمره في ليلته التي توفي فيها بالصلاة باصحابه فجعلوا ذلك الدليل على استحقاقه إياه وقالوا رضيه النبي صلىالله عليه وآله لامر ديننا ورضيناه لامر دنيانا وأوجبوا له الخلافة بذلك .(2)

ص : 7


1- [1] المقالات والفرق-سعد بن عبد الله الاشعري-ص3
2- فرق الشيعة –ابو محمد الحسن بن موسى النبوختي –ص2-3

الشيعة في كتب العقائد

ذكر نصير الدين الطوسي عن الشيعة أن الامامة رئاسة عامة دينية ,مشتملة على ترغيب عموم الناس في حفظ مصالحهم الدينية والدنياوية,و زجرهم عما يضرّهم بحسبها

واختلف الناس في نصب الإمام : فقال بعضهم بوجوبه عقلاً وبعضهم بوجوبه سمعاً وبعضهم بلا وجوبه والذين يوجبونه عقلاً اختلفوا : فقال بعضهم بوجوبه من الله تعالى , وبعضهم بوجوبه على الله تعالى ,وبعضهم بوجوبه على الخلق أمّا القائلون بوجوبه من الله تعالى ,فهم الغلاة والإسماعيلية وأمّا القائلون بوجوبه على الله تعالى ,

فهم الشيعة القائلون بإمامة علي عليه السلام ,بعد النبي صلى الله عليه وآله((1)).

اما العلامة الحلي (قد) قال : ذهبت الامامية الى أن الائمة كالانبياء في وجوب عصمتهم عن جميع القبائح و الفواحش من الصغر الى الموت ,عمداً سهواً ,لانهم حفظة الشرع والقوامون به ,حالهم في ذلك كحال النبي (صلی الله علیه وآله و سلم)ولأن الحاجة الى الامام إنما هي الانتصاف من المظلوم عن الظالم ,ورفع الفساد ,وحسم مادة الفتن, وأن الامام لطف يمنع القاهر من التعدي ,ويحمل الناس على فعل الطاعات ,واجتناب المحرّمات ,ويقيم الحدود و الفرائض , ويؤاخذ الفساق, ويعزّر من يستحق التعزير ,فلو جازت عليه المعصية, و صدرت عنه, انتفت هذه الفوائد,و افتقر الى امام آخر, و تسلسل((2))

خلاصة

إن كل ما تقدم من اللغة و القرآن الكريم و كتب الملل و العقائد هو إن الشيعة كل ما اتفقت فرقة على رأي معين وتابعت صاحب الرأي كان من الشيعة

ص : 8


1- كشف الفوائد – نصير الدين الطوسي – ص295 باب الإمامة.
2- نهج الحق وكشف الصدق – العلامة الحلي – ص 164.

ولأجل ذلك ظهر في الاسلام هذا الاسم لعلي بن ابي طالب (علیه السلام) ومن تابعه على رأيه, بعد ما كانت تطلق على كل من اتبع سنة الانبياء وهذا ما خصه القرآن الكريم بنبي الله ابراهيم (علیه السلام) واعتزازاً بهذا الاسم ظهر هذاالاسم لعلي بن ابي طالب واتباعه الذين يعملون بآراءه من عصر الاسلام لانه اتبع النبي الاكرم محمد (صلی الله علیه وآله و سلم)في افعاله واقواله واستمر على ذلك اولاده المعصومين دون من سواهم

فهم المعصومون من الزلل في القول و العمل فكان منهم الامام موسى بن جعفر (علیه السلام)

يبرز هذا الاسم بين أرجاء الاسلام كي يميز أتباعه عن غيرهم عن طريق بث علومه و صفات من يسمى بإسم الشيعة

ص : 9

الفصل الثاني : صفات الشيعة عند الامام الكاظم عليه السلام

اشارة

ص : 10

الامام موسى بن جعفر وصفات الشيعة .

هنالك عدة اوصاف ذكرها الامام ابو ابراهيم عليه السلام في كلامه الشريف ليبين ان كل من انتسب اليه لابد ان يتخذالعمل مع القول كي يكونا مصداقا لقوله تعالى (الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه اولئك الذين هداهم الله واولئك هم اولوا الالباب)

وليس من الذين يقولون مالا يفعلون والذين ينتمون اليه فقط بالاسم .وهذا ما ابرز كلام الامام عليه السلام .

1- فعل الخير

لعل فعل الخير من دأب الاخيار وذلك لما تمليه عليهم ضمائرهم من الاحسان

سواء اكانت يكافئ بالاحسان ام لم يكافئ . بل هنالك دواعي الانسانية التي يرتبطون بها تدفعهم الى فعل ذلك . وهنالك الدافع الديني الذي يجمعهم به حيث يحثهم على كل عمل ما يكون فيه سعادة البشرية , والوئام و شد الاواصر فيما بينهم .

وهنالك داعي اللغة التي يفهمونها هي التي ترشدهم الى عمل الخير بكافة نواحيه .

وهنالك داعي الرأفة التي تسهم في بناء المجتمع .

كل هذه الدواعي قد يكون لاحظها الامام موسى بن جعفر عليه السلام ام لم يلاحظها حينما كان يقول (علیه السلام) عن ابيه عن جده (علیه السلام) قال : ان علي بن الحسين (علیه السلام) اخذ بيدي جدي ثم قال : يابني افعل الخير الى كل من طلبه منك فان كان اهله فقد اصبت موضعه وان لم يكن بموضع كنت اهله ,وان شتمك رجل عن يمينك ثم تحول الى يسارك فاعتذر اليك فاقبل منه(1).

ص : 11


1- مشكاة الأنوار – الطبرسي – ص 75.

فهنا يحبذ الامام موسى (علیه السلام) على فعل الخير وينبغي ان يبادر اليه كل انسان يعيش على هذه الارض سواء طلب منه الاخرين فقد اصاب موقعه ,وان لم يطلب منه فانه يكون من الاحسان الذي مدحه القران الكريم .

ولعل ذلك ما يشير اليه القران الكريم لما ذكر في وصية لقمان الحكيم حينما قال تعالى (واأمر بالمعروف ) فان المعروف كل ما فيه صلاح للمجتمع الانساني وفق ماسنته السماء من تشريعات واحكام .

وهنا الامام (علیه السلام) ينبه الى امر مهم وهو ليس بالضرورة ان يمدح فاعل الخير على فعله خصوصا حينما يطلب منه لان ذلك قد يدخل ضمن اطار من حددتهم الاية الكريمة بقوله تعالى ((ياايها الذين امنوا لاتبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الاخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فاصابه وابل فتركه صلداً لايقدرون على شئ مما كسبوا والله لايهدي القوم الكافرين))

كما ان الايات الكريمة تشير الى ان من يعمل خيراً يكون من الاخيار الذين مدحهم تعالى بقوله (من المصطفين الاخيار ) فان الاختيار الالهي ليس من اليسير ان يمدح عليه احد ,وانما القران الكريم يحاول ان يوجه كل ذي لب الى اهمية ذلك العمل ويعده من الامور المهمة في الحياة الدنيا .

الامر الثاني .

ان من أوضح سبل الخير هو التعفف عن ردالاساءة .لان ذلك قد يؤثر سلبا على الحياة الاجتماعية .فقد يخلف التنابذ والبغضاء بين افراد المجتمع .بل قديخلف عواقب وخيمة نتيجة لسوء التصرف ,وهذا ما يسر الشيطان ويحقق اماله ولذا قال تعالى (وقال الشيطان لمّاقضي الامر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فاخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان

ص : 12

الاّ أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا انفسكم ما انا بمصرخكم وما انتم بمصرخي إني كفرت بما اشركتمون من قٌبل إن الظالمين لهم عذاب اليم)

وقد ينشأ أثر ذلك الرد على الاساءة بمثلها مما يصل الى قطع الصلات بين بعضهم البعض ,والتي حذّر منها القراّن الكريم بقوله تعالى (واتقوا الله الذي تسألون به والارحام إن الله كان عليكم رقيبا)

كل هذه الامور ينبغي ان لا تعترض طريق من يرغب أن يتخلق باخلاق الامام الكاظم (علیه السلام) ويتخذ من سيرته عبرة لاولي الالباب .

الامر الثالث : ان الامام موسى (علیه السلام) يوضح أن ليس كل من يقذف أخاه بالسباب لابد أن يكون له سبب وذلك إما جاهلا وإما عالما ولكن الشيطان اغواه وجعل يوجهه كيف ما شاء, فكان رهن إشارته ولاسبيل الى تركه ,وحينئذ فإن مواجهة هكذا موقف بالتروي وتاذكاء والصبر فإن ذلك مدعاة الى رضا ربّ العالمين والى هذا تشير الاية الكريمة (والعافين عن الناس والله يحب المحسنين )

ولاجل ذلك فإن العذر بعد ذلك قد يكون مقبولا اذا عرف سبب ذلك الخلاف ,ولذا فإن المرء حينما تظهر منه سيئة ويتعدى حدود الله ثم يندم بعد ذلك فإن هنالك جبار السموات والارض لايؤاخذه بسيئاته بل يعفو عنه .فلماذا حينما يفعل المرء السلم ذنبا و يقترف سيئة لا يمكن أن يتقبلها الاخ من اخيه ؟

ولماذا حينما يعفو ربُ العالمين عن المرء ويعذره بجهله بينما لايعذر الاخ اخاه حينما تصدر سيئة منه؟

عبرة

قال الحسن بن يحيى العلوي عن جده باسناده : إن رجلا من ولد عمر بن الخطاب .

ص : 13

كان بالمدينة يؤذي ابا الحسن موسى (علیه السلام) ويشتم عليا فقال له بعض حاشيته : دعنا نقتله هذا الرجل فنهاهم عن ذلك أشد النهي وسأله عن العمري فقيل له : إنه يزرع بناحية من النواحي المدينة ,فركب اليه فوجده في زرعه فدخل المزرعة بحماره فصاح به العمري َ : لاتوطئ زرعنا فتوطأه أبو الحسن (علیه السلام) بالحمار حتى وصل اليه فنزل وجلس عنده وباسطه وضاحكه وقال له : كم غرمت في زرعك هذا؟قال : مائة دينار,

قال : وكم ترجو ان تصيب ؟قال : لست علم الغيب .قال : إنما قلت لك : كم ترجو ,فقال : أرجو أن يحصل ثلاثمائة دينار ,قال : فأخرج له أبوالحسن (علیه السلام) صرة فيها ثلاثمائة دينار وقال : هذا زرعك على حاله والله يرزقك فيه ما ترجو ,فقام فٌقّبل رأسه وسأله أن يصفح عن فارطه, فتبسم ابو الحسن (علیه السلام) وانصرف .ثم رجع الى المسجد فوجد العمري جالسا فلما نظر اليه قال : (الله أعلم حيث يجعل رسالته) قال فوثب اليه اصحابه فقالوا له : ما قصتك ؟ فقد كنت تقول غير هذا .

قال : فقال لهم : قد سمعتم ما قلت الآن .وجعل يدعو لابي الحسن (علیه السلام) فخاصموه وخاصمهم ,فلما رجع ابو الحسن (علیه السلام) الى داره قال : لمن سألوا قتل العمري ايما كان خيرا ماأردت أو ما أردتم ؟(1)

إنارة .

قد تكون اّثار الصبر على المساوئ تخلف حسنات ,كما أن الصبر على سوء الاخلاق قد يخلّف محبة واحتراماً, وهذا ما ابداه الامام ابا ابراهيم (علیه السلام) كي يتخذ شيعته سيرته , وليس خلاف ذلك فهذا ليس من اخلاقه ولا من حسن سيرته .

ص : 14


1- اعلام الورى –الطبرسي –ص307-308

3- محاسبة النفس

قد يغفل كثير من البشر عن حقيقة مهمة الا وهي أن كل عمل يعمله أوقول ينطق به يكتب ذلك في صحيفة اعماله , ولذا فإن القرآن الكريم يذّكر بذلك قال تعالى (ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد) وقال تعالى (إنّا نحن نحيّ الموتى ونكتب ماقدموا وآثارهم وكل شيئ احصيناه في امام مبين )

ومن هذا التوجيه القرآني ينبع تعبير الامام موسى الكاظم (علیه السلام) حينما يقول ((ليس منّا من لم يحاسب في كل يوم نفسه, فإن عمل حسناً استزاد الله منه وحمد الله عليه ,وإن عمل شيئاً استغفر الله منه وتاب )) (1)

فإن الامام (علیه السلام) يعبر بهذا التعبير لاجل أن يحرص على اصحابه كي يقتفو اثره والاستنان بٌسنته ولايحيدوا عنها وأهم تلك الدواعي هي :

اولاً : محاسبة المرء نفسه على كل فعل وقول يعمله طيلة يومه . فإن اعمال المرء توزن يوم القيامة ولذا قال تعالى (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ) وقال تعالى (وأما من خفت موازينه فامه هاوية) وقال تعالى (فاما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية )

ولعل من دواعي المحاسبة هي ان لا ينجرف الانسان نحو شهواته وهواه كي يكون في الآخرة من الخاسرين ,فينبغي أن يستغل حياته في عمل البر ومساعدت الاخوان واعانتهم سواء كان ماديا ام معنويا .

الثاني : من اهم اسباب المحاسبة أن لايغفل عن الحقيقة المهمة التي خلق لاجلها الانسان وهي طاعة اوامره تعالى اذا اراد نجاة نفسه من ذلك اليوم الرهيب .فمن ترك تلك الاوامر الالهية ويكون مع الذين قال تعالى عنهم (وسيق الذين كفروا الى جهنم زمرا حتى اذا

ص : 15


1- مشكاة الانوار –الطبرسي-ص 76

جاؤها فتحت ابوابها فقال لهم خزنتها الم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين )

الثالث : كما ان من اسباب المحاسبة أن عمل البر من المحمود عليه في المجتمع وعنده تعالى و حينئذ ينبغي ان يشكر تعالى ويحمده على تلك النعمة لانه كان سّباقاً للخير .

الرابع : إن عمل الشر ليس معناه اليأس من رحمته تعالى وحينئذ تشمله قوله تعالى (لاييأس من روح الله الا القوم الكافرين ) وإنما ينبغي أن يقلع عنذلك العمل البائس ويحاول أن يبرهن لذلك .فإن إرادته تستطيع أن تقلع الذنوب ويكون صُلب الايمان والعمل الصالح لينال ماذكره تعالى(إلامن تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فاولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراًرحيماً)

نتائج :

1- اهم نتائج المحاسبة هي أن المرءلابد ان يتقيد بكل فعل ولايجازف بالسيئات.

2-إن كل عمل له جزاء سواء كان حسنةً أم سيئةً

3-كل امرئ اذااحب اتباع اثر امامه (علیه السلام) لابد ان يمتثل اوامره وهي اوامر الرسول الاعظم صلى الله عليه وعلى آله وهي اوامره تعالى .

4- عمل السيئات ليست مدعاة الى فقدان الامل كما أن عمل البر ليس معناه دخول الجنة .

ص : 16

4- اهمية الصلاة

قد لايعرف المرء المسلم ما لإهمية لصلاته من الاثار الا من اتخذها مبدأ في حياته ومنهاجاً له ,ولعل الصلوات المفروضات التي فرضها تعالى على عباده ليس الغاية منها إثقال كاهل الانسان فهو الذي خلق العباد ويعلم ما يصلحهم وما يفسدهم .فكيف به وهو الذي يقول (ربنا لاتكلفنا مالاطاقة لنا)

فقد تكون الغاية منها هو ليعلم من يطيعه ممن يعصيه بإختياره وارادته من دون حاجة الى ان يجبره على ذلك .

وتكمن الاهمية بأول الوقت حينما يؤدي صلاته فإن ذلك دليل على حرص المرء على اداء الواجبات المفروضات عليه,ولذافإن الامام موسى بن جعفر (علیه السلام) يقول : والصلوات المفروضات في اول وقتها اذا اقيمت حدودها أطيب ريحاً من قضيب الآس يؤخذ من شجرة في طراوته وطيبه وريحه ,فعليكم بألوقت الاول )(1)

إن الصلاة في اول وقتها قدتكون ليست من اليسر أداءها في ذلك الوقت وذلك لما يمثله من الالتزام والاداء حسب المطلوب ولما فيه من تكليف زائد ومشقة لايتحملها الانسان .

وليس من اليسير ان لا يغفل عن اداء ذلك الواجب لما تعترضه الحياة من مشاكل والآلام ومحن .

وليس من اليسير ان يُفرض الانسان واجباًكاصلاة رغم سهولة حركاتها والذلل والخضوع لجبار السموات والارض.

ص : 17


1- مشكاة الانوار –الطبرسي –ص79

كل تلك الامور قد تكون نصب عيني المسلم كي يدرك اكمية الصلاة حينما يعبر الامام موسى (علیه السلام) عنها باطيب ريحاًوطراوةً حينما يؤدئها حق اداءها من دون أن يغفل أو يتغافل عن وقتها .

هذه الامور يدرك اهميتها حينما تكون ديدنه أداءً للامرالالهي في وقته كي لايكون من الذين قيل في حقهم (الذين هم عن صلاتهم ساهون )

ولامن الذين قيل بحقهم (إنما كنّانخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تسهتزؤن)

حدود الصلاة .

للصلاة حدود لاريب فيها ومن اهمها :

منها : ان يعرف ما يقوله في الصلاة من حق العبودية كي يؤديها ولا يكون من الذين يقولون ما لا يفعلون

ومنها : إن الصلاة ليست مجرد الفاظ يؤديها من دون روح لها أي من دون شعور يتفاعل معها .

ومنها : إن اهم حدودها هو الايمان بها ولما لها من اهمية في حياة البشر وبعد الممات

ومنها : التهاون بالصلاة فهو استخفاف بحق من حقوقه تعالى .الذي لاريب فيه يوجب الخطورة البالغة التي وصل اليها الانسان من الانحطاط .

ومنها : ليس هنالك ضمان لكل بشر ان يعيش مدة معينة .بل هنالك اجلاً لاريب فيه لا يعلمه سوى سبحانه وتعالى ,فلذا فإن التهاون بذلك الحد يوجب عقوبة خطيرة لايمكن تعديها .

ومنها : التسليم بكل ماطلبه تعالى مدعاة الى الاطمئنان وعدم الخوف من كل شئ .

ص : 18

وهذه بعض الحدود التي يمكن ان نستقيها من ملامح كلام الامام موسى (علیه السلام) كي نكون انصاره ومحبيه .

5- زيارة الاخوان

إن التواصل بين الاخوان مما حببته الشريعة الاسلامية و دعت اليه, و ذلك لما فيه من منافع تعود نفعها على المجتمع .

و لعل من اهمها هو شد الاواصر بعضهم مع البعض الآخر. ولم يكونوا متفرقين .

ولذا فان القرآن الكريم كان يحث على ذلك لقوله تعالى(وإعتصموا بحبل الله جميعاً)

فالتواصل والتلاحم بينهم من دون غاية يكون المجتمع سامياً وفي اعلى قمم الاخلاق.

ولاجل ذلك او غيرها كان الامام ابو ابراهيم (علیه السلام) يدعو الى زيارة الاخوان من دون هنالك غاية من وراء ذلك التواصل .فقد قال (علیه السلام) : من زار أخاه المؤمن لله لا لغيره, يطلب به ثواب الله وتنجز ما وعده الله عزوجل وكّل الله عزوجل به سبعين ألف ملك من حين يخرج من منزله حتى يعود اليه ينادونه : ألاطبت وطابت لك الجنة ,تبوأت من الجنة منزلاً)(1)

وهنا يرشد الامام (علیه السلام) الى عدة امور :

أ- إن زيارة الاخوان لابد أن تبتني على الاسس القوية من دون ملاحظة المصالح أوالغايات من وراء ذلك .

ب-التواصل في العلاقات الاجماعية من شأنه أن يقوي العلاقات ولا يدعوها الى الزوال

ج- ان يكون القصد من زيارة الاخ لاخيه امتثالاً لامره تعالى وطاعة له .

ص : 19


1- اصول الكافي –الكليني-ج2-ص143-ح15

د- إن القرآن الكريم قد ذكر أن لكل عمل عمل له أجر .فقد قال تعالى (ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يره) وزيارة الاخوان من اعمال البر التي حث عليها فلها اجرٌ ايضاً.

ه- الامام موسى (علیه السلام) يذّكر المؤمن ان يتحمل المسؤولية الملقاة على عاتقه ي يمدحه ربُ العالمين والملائكة الموكلين به ويجزيه جزاءً موفوراً .

كل هذه الامور يجب ان يتذكرها المؤمن كي يفوز بلقب شيعةالامام (علیه السلام)

6- قضاء الحوائج

لعل من الامور التي تبرز للحياة هي احتياج البشر بعضهم لبغض ,وهذا دليل ان كل واحد منهم لايمكن أن يستغني عن مجتمعه او عشيرته او عائلته ,فلا يمكن ان ينهض بشؤون الحياة .

فهل يا ترى هذا الاحتياج له اهمية من حيث بناء المجتمع ؟ ذلك ما اوضحه الامام موسى (علیه السلام) حينما قال : من أتاه اخوه المؤمن في حاجة فإنما هي رحمة من الله تبارك وتعالى ساقها اليه ,فإن قبل ذلك فقد وصله بولايتنا وهو موصول بولاية الله وإن ردهُ عن حاجته وهو يقدر على قضائها سلّط الله عليه شجاعاًمن نار ينهشه في قبره الى يوم القيامة ,مغفوراً له أو معذباً فإن عذره الطالب كان اسوء حالاً .(1)

لهذا الحديث الشريف عدة اشارات :

اولاً : إن المؤمن لما يقصد اخاه في حاجته جاء نتيجة لفقره وفاقته , ولاريب انه التجأ الى هذه الحالة المزرية والتي اثقلت كاهله ولم يستطع ان يصبر حتى يقصد اخاه كي يعينه في مسعاه ,ولذا فإن القرآن الكريم مدح هؤلاء بقوله تعالى (المؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء

ص : 20


1- اصول الكافي –الكليني –ج2 –ص157 –ح13

بعض يأمرون بالمروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله وررسوله اؤلئك سيرحمهم الله إن الله عزيزٌ حكيم)

ثانياً : إن قضاء حاجة اخيه المؤمن من الامور المحببة لدى الاسلام بحيث اعتبرها من المعروف في القرآن الكريم .

ثالثاً : إن الامام (علیه السلام) اشار الى ان قضاء الحوائج إنما هي من النعم التي منّ تعالى على عباده كي يغنموا الثواب الجزيل من حيث لم يحتسبوا ,ولعل بذلك العمل يكون سبباً في استحقاقه للجنة التي وعد تعالى عباده بذلك .

رابعاً : إن قضاء الحوائج هي من تعاليم الامام (علیه السلام) التي هي من الصلات التي حببها القرآن الكريم لعباده ورغّب فيها الائمة الطاهرين فانهما يسيران في منهاج واحد.

خامساً : ان امكانية قضاء الحاجة لكن يمنع نفسه من ذلك من دون مبرر او عذر يكون جزاء في دنياه من انواع البلاء مالا يتصوره المرء.

سادساً : الاعتذار هل هو مقبول من قبل طالب الحاجة ام غير مقبول؟ إن الامام (علیه السلام) يبين ان المرء مادام يمكنه قضاء حاجة اخيه فيعتذر عن ذلك ,فإن ذلك من القبائح لامرين : احداهما : لامكانية قضاء الحاجة .وثانياً : ان العذر لايرفع حاجة الطالب وحينئذ نبه الامام ابا ابراهيم على سوء مايفعله .

ص : 21

الفصل الثالث : وصايا للشيعة

اشارة

ص : 22

وصية الامام موسى الكاظم (علیه السلام) لشيعته

الامام موسى الكاظم (علیه السلام) حدد لمن ينتسب اليه ويدين له بولايته ويقتفي اثره له عدة اوصاف ذكرها لما سأله عبدالله بن بكير فاجاب عنها قائلاً (علیه السلام) : يابن بكير إني لأقول لك قولاً قد كان آبائي (علیه السلام) تقوله : لو كان فيكم عدة اهل بدر لقام قائمنا .يا عبدالله إنّا نداوي الناس ونعلم ما هم ,فمنهم من يصدقنا المودة ويبذل مهجته لنا ومنهم من ليس في قلبه حقيقة ما يظهر بلسانه ومنهم من هو عين لعدونا علينا يسمع حديثنا وان اطمع في شئ قليل من الدنيا كان اشد علينامن عدونا ,وكيف يرون هؤلاء السرور وهذه صفتهم ,إن للحق اهلاً وللباطل اهلاً , فأهل الحق في عن أهل الباطل ينتظرون امرنا يرغبون الى الله أن يروا دولتنا ليسوا بالبذر المذيعين ولا بالجفاة المرائين ,ولا بنا مستأكلين, ولا بالطمعين ,خيار الامة نور في ظلمات الارض ,ونور في ظلمات الفتن ,ونورهدىً يستضاء بهم ,لايمنعون الخير اوليائهم ,ولايطمع فيهم اعداؤهم .إن ذكرنا بالخير استبشروا وابتهجوا واطمأنت قلوبهم واضاءت وجوههم ,وان ذكرنا بالقبح اشمئزت قلوبهم واقشعرت جلودهم وكلحت وجوههم وابدوا نصرتهم وبدا ضمير افئدتهم , قد شمروا فاحتذوا بحذونا ,وعملوا بامرنا تعرف الرهبانية في وجوههم,يصحبون في غير ما الناس فيه ويمسون في غير ما الناس فيه ,يجأرون الى الله في اصرح الامة بنا ,وإن يبعثنا الله رحمة للضعفاء والعامة ,يا عبدالله اؤلئك شيعتنا واؤلئك اهل ولايتنا . (1)

ايضاح الوصية

هذه الكلمة العظيمة للامام موسى (علیه السلام) تحتوي على عدة امور :

اولاً : هل الناس صنف واحد في اتباع اوامر الامام موسى (علیه السلام) ام عدة اصناف حسب ما تمليه عليه ضمائرهم ؟

ص : 23


1- مشكاة الانوار –الطبرسي –ص70

الامام ابو ابراهيم (علیه السلام) ذكر ان من يتبعه عدة اصناف : فمنهم من يتبع الامام (علیه السلام) ويتبع تعاليم ابائه الطاهرين -عليهم السلام – في السراء والضراء بحيث يبذل كل ما في وسعه كي يكون عند حسن ظن امامهم (علیه السلام) وهم الذين مدحهم القرآن الكريم بقوله تعالى (كونوا مع الصادقين ) وقال تعالى (الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه واؤلئك هم اولوا الالباب)

فهذه الايات تدعوا الى اتباع من يدعوا الى امر السماء .فالنبي صلى الله عليه وعلى اله.ومن يقتفي اثره هم افضل من تمثله الاية,والامام الكاظم (علیه السلام) من الذين دعت الاية الى اتباعه واتباع آثاره.

منهم المنافقون : فقد حدد الامام (علیه السلام) ان هؤلاء ممن يظهرون شيئاً ويخبأون بين جوانحهم أشياء اخرى ضد الاسلام ومبائه القويمة ,وهؤلاء قد فضحهم القرآن الكريم وحدد لهم مكاناًفي النار .قال تعالى (إن المنافقين في الدرك الاسفل من النار ) وقال تعالى (وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم)

وهؤلاء هم الوباء الذي يدب على الامة الاسلامية لغرض القضاء على الاسلام والمسلمين فينبغي الحذر منهم

ومنهم : ممن باعوا الاخرة لدنياهم بثمن بخس عسى ان يغنموا باموال وهم يعلمون انها تذهب هباءً منثوراً ,وبذلك باعوا دينهم فخسروا الدنيا والاخرة .وهم العيون التي يبثها السلاطين لغرض القضاء على الاخيار الابرار,الذينبهم الآمان من الفساد ,والنور الذي يستضاء بهم

وهؤلاء هم الشر بعينه لانهم الذين يسمعون كلام تلائمة الطاهرين (علیه السلام) فلا يسترشدون باقوالهم ولا يعملون بارشاداتهم .

ص : 24

كل هذه الاصناف ذكرها الامام الكاظم (علیه السلام) لا لغاية الا ليبين ان من يسلك سبيل الغي فهم الخاسرون دون من يتخذ سبيل الرشد فهم الفائزون ,ولاجل ذلك فان الامام (علیه السلام) وضح صفات من يتخذ سبيل المعروف وينتسب اليه .

صفات لاوليائه

الصفة الاولى : الاذاعة

من تعاليم الاسلام ان لايذيع المرء المسلم اسراره الى الاعداء ,لان ذلك مدعاة الى هلاك المسلمين ,وان من اهم ما يعاني منه المسلمون هو اذاعة الاسرار من قبل ضعاف النفوس الذين دخلوا الى الاسلام لارغبة فيه ,واما رهبة ًمنه.وحينئذحينما تضعف بصائرهم فانهم يسلكون كافة السبل لغرض نجاتهم في هذه الحياة ولو ادى ذلك الى القضاءعلى الاسلام او اضعافه.ولذا فان الامام ابا الحسن (علیه السلام) كان يقول إن كان في يدك هذه شئ فان استطعت أن لا تعلم هذه فافعل وكان عنده انسان فتذاكروا الاذاعة فقال : احفظ لسانك تُعز ,ولاتمكن الناس من قياد رقبتك فتُذل.(1)

ولاجل ذلك فان اهم وسيلة للحفاظ على اسرار الاسلام هو الكتمان لانها مدعاة الى اعزاز المسلمين من حيث يحتسبوا اولايحتسبوا ,فان الاسلام رفع راية الانسان عالياً بعد ماكانوا اذلاء بين اقوامهم .ولذا عبر عنهم الامام (علیه السلام) : ولاتمكنّ الناس من قياد رقبتك فتُذل.(2)

فان هتك الاسرار مدعاة تحت طائلة الخضوع والتسليم . ومن هذا نبه عليه الامام اباالحسن حينما قال (ليسوا بالبذر المذيعين) حينما يكون من يتخذ سلوك سبيل الامام الكاظم (علیه السلام) ويقتدي بهداه .

ص : 25


1- اصول الكافي –الكليني –ج2-ص179-ح14
2- مشكاة الانوار –الطبرسي-ص70

الصفةالثانية : الجفاء

إن من الصفات السيئة التي لا يرغب بها الامام أبوالحسن (علیه السلام) ولا تكون لاصحابه أن لا يتخذوا الجفاء بينهم ,لان ذلك موجب للفرقة والتي يغتنمها اعداء الاسلام للقضاء عليهم ,ولذا فإن القرآن الكريم يشدد النكير على من يتخذ الفرقة سبيلاً اليه .

قال تعالى (ولا تفرقوا )

الصفة الثالثة : المراء

ان اهم داء يدب جسد المسلمين هو المراء ,وذلك من خلال ما يقتنصه الشيطان من مسلك يسير بحيث يركن اليه المسلمون .ولاجل ذلك فان القرآن الكريم يحذر من مسالك الشيطان فهو العدو الذي اخرج آدم (علیه السلام) من الجنة بعد ما اغراه, ولذا قال تعالى (فاتخذوه عدوا) وحينئذ فان هذا العداء نشأ من حين كان نبي الله آدم (علیه السلام) مميزاً فسجدت له الملائكة الا ابليس فكان من الكافرين ,ولذا جاءت انذارات الائمة الطاهرين (علیه السلام) كي تتخذ طريقها الى المسلمين وهي بعينها تحذيرات الرسول الاعظم (صلى الله عليه واله وسلم )

فقد قال الامام ابو عبد الله (علیه السلام) قال الرسول الاعظم(صلى الله عليه واله وسلم) : سيأتي على الناس زمان تخبث فيه سرائرهم وتحسّن فيه علانيتهم طمعاًفي الدنيا,لايريدون بهما عند ربهم ,يكون دينهم رياءً لايخالطهم خوف, يعمهم الله بعقاب فيدعون دعاء الغريق فلا يستجيب لهم .(1)

كل هذه التحذيرات لم تدع الامام الكاظم (علیه السلام) ان يطلق كلمته ان لايكونوا من الجفاة و المرائين كي لايكونوا من الخاسرين .فان اجتماع الجفاة والمرائين ليس من صفات شيعة الامام ابا الحسن (علیه السلام)

ص : 26


1- [1] -اصول الكافي –الكليني-ج2-ص224-ح14

الصفة الرابعة : المستأكل

وينبغي على المرء المسلم ان لايتخذ اخاه وسيلة سهلة لنيل مآربه من دون ملاحظة ما يضره مما ينفعه .وبذلك يكون من الذين همتهم انفسهم وتركوا هموم اخوانه ,بل و يكون من الذين يأكلون اموال اخوانهم من دون اهمية تذكر .فهذا يعد في المجتمع المسلم من الانتهازيين فهو يحاول اقتناص الفرصة الملائمة لغرض نفسه و اتباع شيطانه و يترك أخاه من دون وسيلة مساعدة .ولاجل ذلك دعى الامام (علیه السلام) الى نبذ هذه الخصلة ويكونوا يداً واحدة قوية تدافع عن الاسلام والمسلمين .

الصفة الخامسة : الطمع

ان الذي يهتدي بنور الاسلام ينبغي ان تكون تعاليمه قابعة في ذهنه خصوصاً, وان هنالك جذور الطمع التي تغرس في النفوس فهي مدعاة الى التهاون بتعاليم الاسلام. فان الامام ابا جعفر (علیه السلام) قال : بئس العبدُ عبدٌ له طمع ٌ يقوده وبئس العبدُ عبدٌ له رغبةٌ تذلهُ (1)

فان الطمع من الافات التي اذا دخلت في طوايا المسلم تجعله لايبصر طريقه ,فهو يتخبط خبط عشواء في الليلة الظلماء ,وهذا ماحذر منه الامام (علیه السلام) شيعته

الصفة السادسة : البذل

ومن صفات مَن ينتسب اليه ان يبذلوا جهدهم وحياتهم في سبيل ان ينقذوا غيرهم من الظلمات والفساد الذي يحيق بهم الى النور والصلاح ,وهذا ما دعا الامام ابوالحسن (علیه السلام) ان يقول لعبد الله بن بكير : خيار الامة نور في ظلمات الارض, ونورفي ظلمات الفتن ,ونور هدى يستضاء بهم لايمنعون الخير اوليائهم .(2)

ص : 27


1- [1] -اصول الكافي -الكليني -ج2-ص241-ح2
2- [2] مشكاة الانوار –الطبرسي –ص70

فهم يبذلون النصح وهذا من دواعي الايمان التي حث عليها الامام ابوجعفر (علیه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لينصح الرجل منكم اخاه كنصيحته لنفسه .(1)

بل واعتبره الامام الصادق (علیه السلام) ذلك البذل من الاحسان . فقد قال (علیه السلام) لاسحاق بن عمار : احسن يا اسحاق الى اوليائي ما استطعت ,فما احسن مؤمن الى مؤمن ولا اعانهُ الا خمش وجه ابليس وقرح قلبه .(2)

ولعل مصداق ما قاله الامام (علیه السلام) من القرآن الكريم( ليس البر ان تولوا قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة و الكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى و المساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب واقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم اذا عاهدوا والسابرين في البأساءوالضراء وحين البأساء ولئك الذين صدقوا واولئك هم المتقون )

ومن اوضح صور التقوى هو بذل النصح والاحسان الى المؤمنين واعانتهم في السراء والضراء

,وهو الذي عبّر عنه الامام الكاظم (علیه السلام) : لايمنعون الخير اوليائهم .

الصفة السابعة : طمع الاعداء

ان الامام اباالحسن (علیه السلام) يحذرمحبيه ان لايتخذوا السلاطين وسيلة لاعانتهم على الباطل ,لان ذلك مدعاة الى ان يكون الاخيار وسيلة يسيرة في تثبيت عروش الطغاة والظلمة على حساب المساكين والفقراء .بل وان تبرير افعالهم واقوالهم امام الملاء ممالاريب فيه ,وحينذاك فقد جمعوا لهولاء الافكار الهدامة مع الرجال الذين يدافعون عنهم لاجل تثبيت باطلهم .ولذا قال تعالى(ولا تركنواالى الذين ظلموا فتمسكم النار )

ص : 28


1- [1] -اصول الكافي –الكليني-ج2-ص166-ح4
2- اصول الكافي-الكليني-ج2-ص165-ح9

الصفة الثامنة : الذكر

ليس من اليسر ان يمدح الانبياء والرسل ومن اتخذ سيرتهم العطرة وعمل بها .بل هنالك عدة وسائل تحاول النيل منهم في كل زمان ومكان ,ولذا فان القرآن الكريم يذكر المسلمين بالعمل الجهادي الذي قاموا به هؤلاء في سبيل اممهم وبذلوا انفسهم واموالهم وكل مايملكون كي ينقذونهم .ولذا قال تعالى ( واذا ذُكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لايؤمنون بالآخرة واذا ذُكرالذين من دونه اذا هم يستبشرون )

اما الذين يؤمنون برسالة ربهم فهم يفرحون وتطمأن قلوبهم بذكرهم ,ولذا فان انصارهم يدافعون عنهم لانهم امتداد لرسالة السماء وهذا ما ذكره الامام الكاظم (علیه السلام) حينما قال : وانذكرنا بالخير استبشروا وابتهجوا واطمأنت قلوبهم واضاءت وجوههم وان ذكرنا بالقبح اشمئزت قلوبهم واقشعرت جلودهم وكلحت وجوههم وابدوا نصرتهم وبدا ضمير افئدتهم .(1)

الصفة التاسعة : العمل بأوامرهم

لعل الامام الكاظم (علیه السلام) يحاول جهده ان يرشد اصحابه الى ان الاقوال لابد ان تتطابق مع الافعال , وهذا ما اشار اليه حينما قال (علیه السلام) : وعملوا بأمرنا .(1 ) فلا يجازف في قول من دون مبرر له .كما لايجازف في فعل بحيث وبالاً عليه وعلى امامه .

عبرة من العمل بأوامرهم (علیه السلام) .

قال محمد بن الفضل : اختلفت الرواية بين اصحابنا في مسح الرجلين في الوضوء أهو من الاصابع الى الكعبين أم من الكعبين الى الاصابع ؟ فكتب علي بن يقطين الى ابي الحسن موسى (علیه السلام) جعلت فداك إن اصحابنا قد اختلفوا في مسح الرجلين فان رأيت ان تكتب

ص : 29


1- مشكاة الانوار –الطبرسي-ص70

بخطك اليّ ما يكون عملي عليه فعلت ان شاء الله ,فكتب اليه ابو الحسن (علیه السلام) فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء والذي آمرك لاتغير شيئاً ان تتمضمض ثلاثاًوتستنشق ثلاثاً وتغسل وجهك ثلاثاًوتخلل لحيتك وتغسل يدك من اصابعك الى المرفقين وتمسح رأيك كله وتمسح ظاهر أذنيك وباطنهما وتغسل رجليك الى الكعبين ثلاثاً ولاتخالف ذلك شيئاً الى غيره, فلما وصل الكتاب الى علي بن يقطين تعجب مما رسم له فيه مما اجمع العصابة على خلافه ثم قال : مولاي أعلم بما قال وانا ممتثل أمره .وكان يعمل في وضوئه على هذه ,قال : وسعي بعلي بن يقطين الى الرشيد وقيل : إنه رافضي مخالف لك. فقال الرشيد لبعض خاصته قد كثر القول في علي بن يقطين وميله الى الرفض وقد امتحنته مراراً فما ظهرت منه ما يقرف به. فقيل : إن الرافضة تخالف في الوضوء فخففه ولاتغسل الرجلين فإمتحنه من حيث لايعلم بالوقوف على وضوئه , فتركه مدة وناطه بشئ من شغله في الدار حتى دخل وقت الصلاة وكان علي يخلو في حجرة من الدار لوضوئه وصلاته ,فلما دخل وقت الصلاة دخل الرشيد من وراء الحائط الى الحجرة بحيث يرى علي بن يقطين ولايراه هو ,فدعا بالماء فتوضأ على ما أمره الامام فلم يملك الرشيد نفسه حتى أشرف عليه بحيث يراه ثم ناداه : كذب يا علي بن يقطين من زعم أنك رافضي وصلحت حاله عنده وورد الكتاب ابي الحسن (علیه السلام) ابتداءً : من الآن يا علي بن يقطين توضأ كما أمرك الله : اغسل وجهك مرة فريضة ومرة اخرى اسباغاً واغسل يديك من المرفقين كذلك وامسح بمقدم رأسك وظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك فقد زال ما كنت أخافه عليك والسلام .(1)

انارة .

إن اتباع اوامر الامام ابي الحسن (علیه السلام) هي لصلاح البشرية وليس لشقائها وحينئذ فان علي بن يقطين حينما امتثل اوامر امامه كانت الغاية منه تجاوز المحنة التي وقع فيها من حيث

ص : 30


1- اعلام الورى –الطبرسي-ص304-305

لم يشعر ,فحينما ارتفعت تلك المحنة عاد الى حالته الطبيعية وهذا ما لم يعرف مغزاه سوى الامام (علیه السلام)

الصفة العاشرة : العبادة

إن أهم يؤده الامام الكاظم (علیه السلام) وابائه الطاهرين من أمر العبادة هي معرفة ما تعبد؟ولماذا تعبد؟ وكيف تعبد؟ فانها من الوسائل المهمة التي ينبغي معرفتها من قبل المسلم.فان العبادة ينبغي أن تكون وفق ما جاء به الرسول الاعظم صلى الله عليه واله وسلم من سيرة وعمل من جون اضافة شئ زائد عليها او نقصانها

اما لماذا تعبد ؟ فان الجهالة بالعبادة تؤدي الى الاهمال وعدم الاهتمام بالعبادة من قبل المرء ,وحينذاك فلا اثر لها من دون معرفة ولذا فان الامام الكاظم (علیه السلام) يرشدالى ان ما منحه تعالى لعباده من النعم التي لايُعد ولا تحصى ينبغي شكرها وبايسر السُبل .والعبادة من اوضح تلك السبل .

اما كيفية العبادة ؟ فان الشريعة الاسلامية قد اوضحت العبادات كي يكون المسلم على بصيرة من امره ,ولايحاول ان يبتدع من العبادات التي لم يطلبها تعالى منه فحدد الصلاة والصيام والحج وغيرها وعين لها حدوداً فلايتجاوزها .

عبادة الامام موسى (علیه السلام)

قال محمد بن مسلم : دخل ابو حنيفة على ابي عبد الله (علیه السلام) فقال له : إني رأيت ابنك موسى يصلي والناس يمرون بين يديه فلا ينهاهم ,وفيه ما فيه. فقال ابو عبد الله (علیه السلام) ادع لي موسى ,فلما جاءه قال : يا بني إن ابا حنيفة يذكر أنك تصلي والناس يمرون بين يديه فلا تنهاهم . قال : نعم يا ابه إن الذي كنت أصلي كان أقرب اليّ منهم يقول الله تعالى

ص : 31

(ونحن اقرب اليه من حبل الوريد ) فضمه ابو عبد الله (علیه السلام) الى نفسه وقال : بابي أنت وأمي يا مودع الاسرار .(1)

توضيح :

قد يكون المرور بين يدي الامام موسى (علیه السلام) وهويصلي يؤدي به الى الانصراف من الانشغال بعبادة ربه الى عالم الموجودات التي تمر بين يديه , وهذا مافهمه ابو حنيفة حينما رأى الامام موسى (علیه السلام) بتلك الحالة . لكن الامام موسى (علیه السلام) لم يلتفتالى ذلك رغم كونه حينما يبدأ بعبادته فإنه يعرف لمن يعبد وكيف يعبد؟ وحينئذ فلا مجال لانشغاله عن عبادته الى مَن يمر بين يديه ,كما ان الاهم من ذلك هو أن المرء حينما يعبد فإنه لايحاول تؤثر عليه وساوس الشيطان بحيث ينشغل عن اهم عمل يتقرب به الى خالقه .

الصفة الحادية عشر : العبّاد

الناس في همّ من اعمالهم التي يمارسونها صباحاًومساءً , وهذا ديدن البشر في هذه الحياة الدنيا .

اما الامام موسى (علیه السلام) فانه يذكر اصحابه ان لايكون جلّ همهم امور معاشهم ,وانما لابد أن يتبعه وسائل بحيث تضمن لهم الخلود الابدي في الدنيا والآخرة كقضاء حوائج الاخوان وحسن السلوك وابداء النصح وارشاد الضالين كي يزداد رصيدهم من الثواب الجزيل ,لان الحياة دار ممر لادار مقر , ولذا قال (علیه السلام) : يصبحون في غير ما الناس فيه ويمسون في غير ما الناس فيه .(2)

ولاجل ذلك ينبغي للمسلم ان يكون دؤباً في العمل لآخرته كي ينال حظه منها .

الصفة الثانية عشر : الرحمة

ص : 32


1- الاختصاص-الشيخ المفيد-ص189
2- مشكاة الانوار-الطبرسي-ص70

لعل من اهم نعم الله تعالى على عباده ان تكون هنالك وسائل تساعد المسلمين في حياتهم اليومية , ومن ابرز تلك الصور التي عرفها المسلمون في حياتهم ,هي كان الامام موسى (علیه السلام) يتفقد فقراء المدينة ويحمل اليهم الدراهم والدنانير الى بيوتهم ولايعلمون من أي جهة وصلهم ذلك ولم يعلموا بذلك الا بعد موته (علیه السلام) .(1)

الا تكون هذه الصلة ورفع الفقر والحرمان عن المسلمين من الرحمة الموصولة من رحمات ربُ العالمين التي جرت عن طريق اهل بيت الرحمة والنبوة! .فلم تكن الغاية من صلة الفقراء كثرة الاتباع له ,وانما هو مساعدت هولاء المساكين ورضا ربُ العالمين وامتثالاً لتعاليم الاسلام ودستوره القويم .

وليس الغاية مدح الامام (علیه السلام) في محافل المسلمين ,وانما رفع غائلة الفقرعن المسلمين .

ص : 33


1- 1-الفصول المهمة-لابن الصباغ-ص227

الفصل الرابع : الامام موسى بن جعفر علیه السلام واصحابه

اشارة

ص : 34

الامام الكاظم (علیه السلام) واصحابه .

ان الامام موسى (علیه السلام) لما اظهر تلك الصفات لاصحابه ,فانه حاول دوماًان يرشد كل المسلمين الى الاقتداء بهديه والسعي نحو تحقيق افضل السُبل السامية من الاخلاق الفاضلة والسلوك الذي طلبه الاسلام ,ولهذا فهنا لابد ان نذكر الامام ابو الحسن (علیه السلام) حينما يرشد اصحابه هل اتبعوه ام خالفوه ؟

هذاما سوف يتضح من هذا الفصل

الامام الكاظم (علیه السلام) يظهر الحق

ان اظهار الحق في مورد الدفاع عن النفس دليل على قوة الارادة والايما الجلي , وهذا ما اظهر الامام موسى بن جعفر (علیه السلام) حينما اتهمه هارون الرشيد بعدة اتهامات لااساس لها من الصحة , بل هي افتراءات محضة حاول ان يثبتها للامام (علیه السلام) من دون دليل .

فقد روي ان هارون الرشيد انفذ الى موسى بن جعفر عليه السلام فاحضره ,فلما حضر عنده قال : ان الناس ينسبونكم يا بني فاطمة الى علم النجوم , وان معرفتكم بها معرفة جيدة , وفقهاء العامة يقولون : ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال : اذا ذكرني اصحابي فاسكنوا ,واذا ذكرواالقدر فاسكتوا ,واذا ذكروا النجوم فاسكتوا وامير المؤمنين عليه السلام كان اعلم الخلائق بعلم النجوم واولاده وذريته الذين يقول الشيعة بامامتهم كانوا عارفين بها.

ص : 35

فقال الكاظم صلوات الله عليه : هذا حديث ضعيف ,واسناده مطعون فيه والله تبارك وتعالى قد مدح النجوم , ولولا أن النجوم صحيحة ما مدجها الله عزّوجل والانبياء عليهم السلام كانوا عالمين بها ,وقد قال الله تعالى في حق ابراهيم خليل الرحمن صلوات الله عليه(وكذلك نُري ابراهيم ملكوت السموات والارض وليكون من الموقنين)

وقال في موضع آخر(فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم ) فلو لم يكن عالماً بعلم النجوم ما نظر فيها ,وما قال إني سقيم ,وإدريس عليه السلام كان أعلم أهل زمانه بالنجوم ,والله تعالى قد اقسم بمواقع النجوم (وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ) وقال في موضع (والنازعات غرقاً)الى قوله (فالمدبرات أمرا) يعني بذلك اثني عشر برجاً, وسبعة سيارات ,والذي يظهر بالليل والنهار بامر الله عزّوجل ,وبعد علم القرآن مايكون أشرف من علم النجوم ,وهو علم الانبياء والاوصياء ,وورثة الانبياء الذين قال الله عزّوجلّ (وعلامات وبالنجم هم يهتدون )ونحن نعرف هذا العلم وما نذكره .

فقال له هارون : بالله عليك ياموسى هذا العلم لاتظهره عند الجهال وعوام الناس, حتى لايشنعوا عليك وانفس عن العوام به ,وغط هذا العلم ,واجع الى حرم جدّك.

ثم قال له هارون وقد بقي مسألة أُخرى بالله عليك اخبرني بها قال له : سل فقال :

بحق القبر والمنبر , بحق قرابتك من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أخبرني أنت تموت قبلي ؟ او انا أموت قبلك؟لانك تعرف هذا من علم النجوم . فقال له موسى عليه السلام : آمنّي حتى اُخبرك .فقال : لك الامان فقال : أنا أموت قبلك,وما كذبت ولا أكذب, ووفاتي قريب , فقال له هارون : قد بقي مسألة تخبرني بها ولا تضجر فقال له : سل فقال : خبّروني أنكم تقولون إن جميع المسلمين عبيدنا ,وجوارينا,وأنكم تقولون مَن يكون لنا عليه حق ولايوصله الينا فليس بمسلم ؟

ص : 36

فقال له موسى عليه السلام : كذب الذين زعموا أننا نفقول ذلك ,واذا كان الامركذلك, فكيف يصحُ البيع والشراء عليهم ,ونحن نشتري عبيداً وجواري ونعتقهم ونقعد معهم ,ونأكل معهم,ونشتري المملوك ,ونقول له : يابنيّ وللجارية يابنتي,ونقعدهم يأكلون معنا تقّرٌباً الى الله سبحانه فلوأنهم عبيدنا وجوارينا, ماصحّ البيع والشراء وقد قال النبي صلى الله عليه واله لما حضرته الوفاة : الله الله في الصلاة وما ملكت أيمانكم ,يعني : صّلوا وأكرموا مماليككم, وجواريكم ,ونحن نعتقهم وهذا الذي سمعته غلطٌ من قائله ,ودعوى باطلة, ولكن نحن ندّعي أن ولاء جميع الخلائق لنا,يعني ولاء الدّين,وهؤلاءالجهال يظنونه ولاء الملك ,حملوادعواهم على ذلك ,ونحن ندّعي ذلك لقول النبي صلى الله واله يوم غدير خمّ : من كنت مولاه فعليّ مولاه ,وما كان يطلب بذلك إلاّ ولاء الدين ,والذي يوصلونه إلينا من الزكاة والصدقة , فهو حرام علينا مثل الميتة والدم ولحم الخنزير.

وأما الغنائم والخمس من بعد رسول الله صلى الله عليه واله فقد منعونا ذلكونحن محتاجون الى ما في يد بني آدم ,الذين لنا ولاؤهم بولاء الدين ليس بولاء الملك فإن نفذ إلينا أحد هدية ولايقول إنها صدقة نقبلها لقول النبي صلى الله عليه وآله لو دعيت الى كراع لأجبت ,ولو اُهدي لي كراع لقبلت- واكراع اسم القرية ,والكراع يد الشاة – وذلك سنةٌ الى يوم القيامة, ولو حملوا إلينا زكاة وعلمنا أنها زكاة رددناها ,وإن كانت هدية قبلناها,ثُم إنهارون أذن له في الانصراف فتوجه الى الرقة ثُم تقولوا عليه أشياء فاستعاده هارون وأطعمه السمّ فتوفي صلى الله عليه . (1)

توضيح :

هذا الاحتجاج الذي اتخذه هارون العباسي كي يدلي بدلوه عسى أن يصيب مرماه , وقف له الامام ابو الحسن (علیه السلام) بشدة وصلابة لبيان الحقيقة الواضحة التي حاول هارون ان

ص : 37


1- بحار الانوار-المجلسي-ج48-ص146-147

يتجاهلها.الا وهي علم الامام (علیه السلام) واخلاقه السامية ينبغي ان لايتجاهلها كل امرئ عاقل بحيث لايدع مدع في موضع الدفاع لابد ان يظهر علمه وحجته الدامغة لئلا يتقولوا عليه .

ولعل مسألة النجوم التي كان يتطيرمنها العرب ويحاول الجهال التمسك بها هي ابرز تلك المسائل التي اثبت الامام موسى (علیه السلام) ان الحديث الذي يرويه بعض المسلمين من دون أي استناد شرعي فهو ضعيف ولايمكن العمل به .

واهم ما في ضعفه أنه يناقض القرآن الكريم وحينما يتعارض الحديث مع القرآن الكريم يقدم نص القرآن الكريم على كل حال ما لم يكن من المتشابه .

الامر الآخر : هودفاع الامام موسى (علیه السلام) عن ما يدور من الشبهات ودحضها بأيسر السُبل ولم يجعل لها سبيلاً الى النفوذ في صدور المسلمين . وذلك حسداً من اعداء اهل البيت (علیه السلام) الذين يحاولون دوماً التقول عليهم ,في سبيل القضاء عليهم .ولذا حاول الامام (علیه السلام) رد ذلك بقوله(كذب الذين زعموا اننا نقول ذلك- أي ان جميع المسلمين عبيدناوجوارينا –واذا كان الامر كذلك فكيف يصح البيع والشراء عليهم الخ كلامه)

وحينئذحصص الحق ولم يبق للباطل سوى سوء المنقلب .

اصحاب الامام الكاظم (علیه السلام) يظهرون الحق

وسار اصحاب الامام موسى بن جعفر (علیه السلام) على نهج امامهم كي يظهروا الحقيقة التي قد تخفى بين الآونة والاخرى نتيجة العوامل السياسية التي يتحكم بها السلاطين آنذاك .وبذلك بادر الامام الصادق (علیه السلام) ومن قبله الامام محمد الباقر (علیه السلام) بارشاد الضالين,وابداء النصح لهم وتوضيح كل الشبهات التي كانت خافية عنهم ,ولاظهار الحق ولئلا يدعي مدع(إنّاكنّا غافلين)

ص : 38

ومن هذاالمنطلق كان دور هؤلاءالصفوة الذين تتلمذوا على يدي هؤلاء الاطهار (علیه السلام) ليكون لهم دورمهم في الحياة, ولرفع كافة الاوهام التي قد تطرأعلى المجتمع لتجعله عرضة للاخطار,فكان من هؤلاء المتكلمين هشام بن الحكم في دفع الباطل .

هشام بن الحكم وهارون العباسي

قال هارون الرشيد لجعفر بن يحيى البرمكي : إنّي أُحبُّ أسمع كلام المتكلمين من حيث لايعلمون بمكاني فيحتجون عن بعض ما يريدون ,فامر جعفر المتكلمين فاحضروا داره وصار هارون في مجلس يسمع كلامهم وارخى بينه وبين المتكلمين ستراًفاجتمع المتكلمون وغصّ المجلس بأهله ينتظرون هشام بن الحكم فدخل عليهم هشام وعليه قميصاالى الركبة وسراويل الى نصف الساق فسلّم على الجميع ولم يخص جعفراً بشئ . فقال له رجل من القوم : لمَ فضّلت علياًعلى ابي بكر والله يقول (ثاني اثنين اذهما في الغار اذ يقول لصاحبه إنالله معنا)

فقال هشام : فاخبرني عن حزنه في ذلك الوقت أكان لله رضىً ام غير رضىً؟

فسكت . فقال هشام : إنزعمت أنه كان لله رضى فلم نهاه رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) .فقال : لاتحزن أنهاهعن طاعة الله ورضاه ؟ وإن زعمت أنهكان لله غير رضىً فلم تفتخر بشيئ كان لله غير رضي؟

وقد علمت ما قدعلمت ما قد قال الله تبارك وتعالى حين قال : فانزل السكينة على رسوله وعلى المؤمنين ) ولكنكم قلتم وقلنا ,وقالت العامة الجنة اشتاقت الى اربعة الى علي بن ابي طالب (علیه السلام) والمقدادبن الاسود وعمار بن ياسر وابي ذر الغفاري ,فأرى صاحبنا قد دخل مع هؤلاء في هذه الفضيلة وتخلف عنها صاحبكم ,ففضلنا صاحبنا على صاحبكم بهذه الفضيلة .

ص : 39

وقلتم وقلنا وقالت العامة : إن الذابين عن الاسلام اربعة نفر : علي بن ابي طالب والزبير بن العوام وابو دجانة الانصاري وسلمان الفارسي,فارى صاحبنا قد دخل مع هؤلاءفي هذه الفضيلة وتخلف عنها صاحبكم ,ففضلنا صاحبنا على صاحبكم بهذه الفضيلة .

وقلتم وقلنا وقالت العامة : إن القراء أربعة نفر : علي بن ابي طالب (علیه السلام) وعبدالله بن مسعود وأُبّي بن كعب وزيد بن ثابت ,فارى صاحبنا قد دخل مع هؤلاء في هذه الفضيلة , وتخاف عنها صاحبكم ففضلنا صاحبنا على صاحبكم بهذه الفضيلة .

وقلتم وقلنا وقالت العامة : إن المطهرين من السماء اربعة نفر : علي بن أبي طالب (علیه السلام) وفاطمة والحسن والحسين (علیه السلام) فأرى صاحبنا قد دخل مع هؤلاء في هذه الفضيلة وتخلف عنها صاحبكم . ففضلنا صاحبنا على صاحبكم بهذه الفضيلة .

وقلتم وقلنا وقالت العامة : إن الابرار اربعة نفر : علي بن أبي طالب (علیه السلام) وفاطمة والحسن والحسين (علیه السلام) فأرى صاحبنا قد دخل مع هؤلاء في هذه الفضيلة وتخلف عنها صاحبكم ,ففضّلناصاحبنا على صاحبكم بهذه الفضيلة .

وقلتم وقلنا وقالت العامة : إن الشهداء أربعة نفر : علي بن أبي طالب (علیه السلام) وجعفر وحمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث بن عبد المطّلب ,فأرى صاحبنا قد دخل مع هؤلاء في هذه الفضيلة وتخلف عنها صاحبكم ففضلنا صاحبنا على صاحبكم بهذه الفضيلة .

فحرك هارون الستر وأمر جعفر الناس بالخروج فخرجوا مرعوبين وخرج هارون الى المجلس فقال : من هذا ابن الفاعلة فوالله لقد هممت بقتله واحراقه بالنار .(1)

إنارة

ص : 40


1- الاختصاص –الشيخ المفيد-ص96-98

قد يكون الحق ثقيلاً على من يسلك سلوك الشياطين ,بل ويحاول جُلّ همه ان يبطل الحق , ولعل هارون العباسي حاول أن يظهر لعامة الناس أن اتباع موسى بن جعفر (علیه السلام) لايمكن أن يدحضوا كل دعوى ,ولذا حاول ات يجمع العلماء من المسلمين كي يكونوا يداً واحدة ضاربة لدعوى هشام بن الحكم .

لكن الشئ المهم هو ان هشام بن الحكم لم يكن يستدل بشئ من فكره بحيث يكون فيه الاختلاف ,وإنما استدل من القرآن الكريم الذي لايأتيه الباطل من بين يديه .وحينئذ فلا مجال للجدال فيه .

والامر الآخر : هو أن هشام بن الحكم قد استدل على دعوى لفضلية امير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) على كافة المسلمين بما اتفق المسلمون عليه ولم يكن بالخبر الواحد .

وحينئذ فاجماع المسلمين على رأي لااشكال في صحته ,ولذا استدل بافضلية الامامة بكل حديث اتفق المسلمون عليه دون الحديث المختلف فيه فانه يكون مورداً للطعن.

ولامر الآخر : هو ان هشام بن الحكم حاول ان يذّكر المسلمين بأن الافضلية لابد أن تأخذ دورها في الحياة وليس مجرد رأي من دون العمل به , ولذا فان هذا الكلام اثار حفيظة هارون العباسي وحاول ان يقتل هشام بن الحكم ويحرقه لان ذلك مدعاة الى اثارة الثورة ضد السلاطين الظالمين ,الجاهلين الذين ليس من العلم سوى القليل منه .

عبادة الامام الكاظم (علیه السلام)

إن الامام موسى (علیه السلام) لم يكن ينظر الى هذه الدنيا سوى ممر عبور , ولذا ينبغي أن يغنم من وجوده فيها من المكاسب التي تكون ذخيرةً لآخرته , ولعل عبادته خير دليل على ذلك .

ص : 41

فقد قال الثوباني : كانت لابي الحسن موسى بن جعفر (علیه السلام) بضع عشرة سنة كل يوم سجدة بعد انقضاض الشمس الى وقت الزوال فكان هارون ربما صعد سطحاً يشرف منه على الحبس الذي حبس ابو الحسن (علیه السلام) فكان يرى أبو الحسن (علیه السلام) ساجداً,

فقال للربيع : ياربيع ما ذاك الثوب الذي اراه كل يوم قي ذلك الموضع ؟

فقال : ياامير المؤمنين ماذاك بثوب وإنما هو موسى بن جعفر (علیه السلام) له كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس الى وقت الزوال.

قال الربيع : فقل لي هارون : أما أن هذامن رهبان بني هاشم ,

قلت : فما لك قد ضيقت عليه الحبس . قال : هيهات لابد من ذلك .(1)

ومن عبادة الامام الكاظم (علیه السلام) وآثارها بادية لكل احد ما ذكره الفضل بن الربيع قال : كنت احجب الرشيد فاقبل عليّ يوماًغضباناً وبيده سيف يقلبه فقال لي : يافضل بقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لئن لم تأتني بابن عمي الآن لآخذنّ الذي فيه عيناك .

فقلت : بمن اجيئك ؟ فقال : بهذا الحجازي .فقلت : واي الحجازي ؟ قال : موسى بن جعفر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (علیه السلام) .

قال الفضل : فخفت من الله عزوجل أن أجيئ به اليه ثم فكرت في النقمة فقلت له : افعل

فقال : اتيني بسوطين وهسارين وجلادين .قال : فآتيته بذلك ومضيتالى منزل ابي ابراهيم موسى بن جعفر (علیه السلام) فأتيت الى خربة فيها كوخ من جرايد النخل فاذا أنا بغلام اسود فقلت له : استاذن لي على مولاك يرحمك الله .

فقال لي : لج غليس له حاجب ولابواب فولجت اليه فاذا بغلام اسود بيده مقص يأخذ اللحم من جبينه وعرنين انفه من كثرة سجوده

ص : 42


1- عيون اخبار الرضا –الصدوق-ج1-ص114

فقلت له : السلام عليك يابن رسول الله أجب الرشيد . فقال : ما للرشيد وما لي؟

اما تشغله نقمته عنّي ؟ ثم وثب مسرعاً وهو يقول : لولا إني سمعت في خبر عن جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن طاعة السلطان للتقية واجبة ما جئت

فقلت : استعد للعقوبة يا اباابراهيم رحمك الله .فقال عليه السلام : أليس معي من يملك الدنا والآخرة ؟ ! ولن يقدر اليوم على سوء بي إن شاء الله تعالى ....الخ (1)

توضيح .

إن عبادة الامام موسى بن جعفر (علیه السلام) لم يذكرها محبوه بل واعدائه ايضاً حيث يعلمون انهم يحاولوا أن يضيقوا على الامام (علیه السلام) في سبيل أن يرضخ لمطالبهم التي يبررونها منخلال افعالهم القبيحة الى الرعية .لكن ذلك فيه خسران لدينه وهذا ما يرفضه الامام (علیه السلام) قطعاً ,ويحاول دائماً ان تكون عبادته خالصةً لله تعالى وعدم الركون الى الظالمين .

الاصحاب والعبادة .

من يتخذ سبيل الائمة المعصومين (علیه السلام) من اولاد علي بن ابي طالب (علیه السلام) يجد هنالك التزاماً واضحاً بتعاليمهم وباحكام ربُ العالمين, فليس الغاية من ذلك الالتزام هو الثناء في الحياة الدنيا .بل هم منصرفون عن ذلك ,وإنما يخافون يوماً عبوساً قمطريراً

وهذا ماتدل عليه افعالهم وشدة امتثالهم لاوامره تعالى , وهذه صورة من صور هولاء اصحاب الامام الكاظم (علیه السلام)

ذكر محمد بن جعفر المؤدب : أن صفوان بن يحيى يكنى بابي محمد مولى بجيلة بياع السابري اوثق اهل زمانه عند اصحاب الحديث وأعبدهم كان يصلي في كل يوم خمسين ومائة ركعة ويصوم في السنة ثلاثة أشهر ويخرج زكاة ماله كل سنة ثلاث مرات وذلك أنه

ص : 43


1- عيون اخبار الرضا-الصدوق-ج1-ص99-100

اشترك هو وعبد الله بن جندب وعلي بن النعمان في بيت الله الحرام تعاقدوا جميعاً إن مات واحد منهم يصلي من بقي منهم صلاته ويصوم عنه ويحج عنه ويزّكي عنه مادام حياً , فمات صاحباه وبقيّ صفوان بعدهما فكان يفيّ لهما بذلك , ويصليّ عنهما ويزّكي عنهما وكل شيئ من البر والصلاح لنفسه كذلك يفعله لصاحبيه .(1)

توضيح .

لعل صفوان الذي تعلم من الامام موسى بن جعفر (علیه السلام) الوفاء دليل على حُسن تعلمه من البيت العلوي .فان الصلاة والزكاة والحج وغيرها من اعمال البر لايمكن أن يؤديها المرء عن نفسه ويلتزم بها إلابعد مجاهدة الشيطان ,ومافعله صفوان بن يحيى يعدُّ من افضل سُبل الوفاء بالعهد الذي ذكره القرآن الكريم (إن عهدالله كان عنه مسؤولاً ) فقد اعدّ صفوان جواباً لذلك اليوم من دون حاجة الى أن يُسأل عن ذلك .

الامام الكاظم (علیه السلام) يصل رحمه .

فقد حث القرآن الكريم والائمة الطاهرين عليهم السلام على صلة الرحم وذلك لمنفعة المرء في دنياه من زيادة في العمر والرزق.

قال تعالى (الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب )

والامام الكاظم (علیه السلام) قد سار على نهج القرآن الكريم وآبائه المعصومين وحاول بكل جهده ان يصل رحمه وان ادى ذلك الى القضاء عليه .وهذه صورةُ من صورصلة الرحم .

فقد قال علي بن جعفر جائني محمد بن اسماعيل وقد اعتمرنا عمرة رجب ونحن يومئذ بمكة ,فقال : يا عم إني اُريد بغداد وقد احببت أن اودع عميّ اباالحسن –يعني موسى بن جعفر (علیه السلام) - واحببت ان تذهب معي اليه فخرجت معه نحو أخيوهو في داره التي بالحوبة

ص : 44


1- الاختصاص –الشيخ المفيد –ص88

وذلك بعد المغرب بقليل ,فضربت الباب فأجابني أخي فقال : من هذا . فقلت : علي ,فقال : هو ذا أخرخ وكان بطيئ الوضوء ,فقلت : العجل العجل . قال : واعجلُ فخرج وعليه إزار ممشق قد عقده في عنقه حتى قعد تحت عتبة الباب, فقال علي بن جعفر : فأنكببتُ عليه فقبلتُ رأسه وقلت : قدجئتك في أمر إن ترهُ صواباً فالله وفق له , وإن يكن غير ذلك فما أكثر ما نخطئ. قال : وماهو ؟ قلت : هذا ابن اخيك يريد أن يودعك ويخرج الى بغداد , فقال لي : ادعُهُ وكان متنحياً,فدنا منه فقبّل رأسه وقال : جُعلت فداك أوصني .فقال : اوصيك أن تتقي الله في دمي . فقال مجيباًله : من ارادك بسوء فعل الله به وجعل يدعو على من يريدهُ بسوء, ثم عاد فقبّل رأسه .فقال : ياعّم أوصني .فقال : اوصيك أنتتقي الله في دمي .فقال : من ارادك بسوء فعل الله به وفعل, ثم عاد فقبّل رأسهُ ثم قال : يا عمّ اوصني , فقال : اوصيك أ تتقي الله في دمي فدعا على من ارادهُ بسوء , ثم تنحى عنه ومضيت معه فقال لي أخي : يا علي مكانك , فقمت ُ مكاني فدخل منزله ثم دعاني فدخلت اليه فتناول صُرةٌ فيها ملئة دينار فاعطانيها , وقال : قُل لابن اخيك يستعين بها على سفره.

قال علي : فأدرجتها في حاشية ردائي ثم ناولني مائة اخرى وقال : اعطه ايضاً , ثم ناولني صّرةاخرى وقال : اعطه ايضاً . فقلت : جعلت فداك اذا كنت تخاف منه مثل الذي ذكرت ,فلم تعينه على نفسك ؟

فقال : اذا وصلته ُ وقطعني قطع الله أجله ُ ثم تناول مخدة أدم فيها ثلاثة الاف درهم وضح وقال : اعطه هذه ايضاً. قال : فخرجت اليه فاعطيته المائة الاولى ففرح بها فرحاً شديداً ودعا لعمه , ثم اعطيته الثانية والثالثة ففرح بها حتى ظننتُ أنه سيرجع ولايخرج ,ثم اعطيته الثلاثة الآف درهم فمضى على وجهه حتى دخل على هارون فسلّم عليه بالخلافة وقال : ما ظننتُ أن في الارض خليفتين حتى رأيت عميّ موسى بن جعفر يُسلم عليه بالخلافة , فأرسل هارون اليه بماءة الف درهم فرماه الله بالذبحة فما نظر منها الى درهم ولامسهُ .(1)

ص : 45


1- اصول الكافي-الكليني-ج1-ص404-405-ح8

إنارة

رغم أن الامام الكاظم (علیه السلام) اغدق على محمد بن اسماعيل بماله واعنه على سفره إلا ان محمد سافر وحمل في خباياه التي كان لها تأثيراً في حياة الامام موسى (علیه السلام) لماّ علّم هارون العباسي بأن هنالك خليفتين في غلارض كي ينبهه الى ذلك .

ولعل ذلك لحسن سريرته لكن هارون العباسي كانت له الذريعة في القضاء على ابن جعفر (علیه السلام) .

ورغم كل ذلك فإن كلمة الامام موسى (علیه السلام) : اذا وصلته وقطعني قطع الله اجله ) ستبقى خالدة ً لكل من تسول له نفسه في القضاء على رحمه من دون ان يشعر .

الاصحاب وصلة الرحم

إناصحاب الامام الكاظم (علیه السلام) لاتخفى عليهم ما لصلة الرحم من منافع في حياتهم وآخرتهم , والقرآن الكريم شاهد على ذلك بتعاليمه الواضحة التي لامجال فيها للارتياب .وحينئذ فإن من عمل بتعاليم القرآن الكريم فقد مدحهم القرآن الكريم بقوله تعالى (وأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لايُحب الظالمين )

وهذه صورةٌ من اصحاب الامام (علیه السلام) لصلة الرحم .

قال علي بن حمزة : قال لي ابو الحسن موسى بن جعفر (علیه السلام) مبتدئاً من غير أن اسأله : يلقاك غداً رجلٌ من أهل المغرب يقال له يعقوب يسألك عنيّ فقل له : هو الامام الذي قال لنا ابو عبد الله (علیه السلام) واذا سألك عن الحلال والحرام فأجبه عنيّ ,

قلت : جعلت فداك وما علامته ؟ قال : رجل طوال جسيم فإن اتاك فلا عليك أن تدله عليّ وإن احب ان تدخله عليّ فأدخله عليّ ,

ص : 46

فقال : فوالله إني لفي الطواف اذ اقبل اليّ رجل طوال جسيم فقال لي : إني أُريد أن أسألك عن صاحبك ؟ فقلت : عن أي صاحبي ؟ فقال : عن فلان بن فلان ,

قلت : ومااسمك ؟ قال يعقوب .قلت : ومن اين أنت ؟ قال : من أهل المغرب ,

قلت : فمن اين عرفتني ؟ قال : أتاني آت في المنام فقال لي ألق علي بن حمزة فسله عن جميع ما تحتاج إليه ,فسألت عنك فدللت عليك.

فقلت له : اقعد في هذا الموضع حتى أفرغ من طوافي وآتيك إن شاء الله ,فطفت ثم اتيته فكلمت رجلاً عاقلاً ,ثم طلب إليّ أن أدخله على ابي الحسن (علیه السلام) فأخذت بيده فأتيت ابا الحسن (علیه السلام) فلمّا رآه قال : يا يعقوب ! قال : لبيك , قال : قدمت امس ووقع بينك وبين إيحاق اخيك شرُ في موضع كذا ثم شتم بعضكم بعضاًوليس هذا من ديني ولا من دين آبائي ولا يأمربه احد من الناس فأتقيا الله وحده لاشريك له فأنكما ستفترقان جميعاًبموت ,أنكما تقاطعتما فبترت أعماركما فقال له الرجل : متى أجلي ؟ قال : كان أجلك قد حضر حتى وصلت عمتك بما وصلتها به فأنسى الله أجلك عشرين سنة .

قال : فأُخبر الرجل ان اخاه لم يصل الى منزله حتى دفن في الطريق .(1)

توضيح .

إن الامام الكاظم (علیه السلام) اوضح لعلي بن حمزة أن صلة الرحم هي السبب الحقيقي في زيادة العمر ونقصانه , ولاجل ذلك ينبغي التنبيه الى هذه الخلة المهمة وعدم تركها .

ولعل المهم من ذلك هو اتصاف هؤلاء الاصحاب بلاخلاق الحميدة كي يقتفوا اثر امامهم كي يكونوا من الذين يقولون ويفعلون .

الامام الكاظم (علیه السلام) والدعاء.

ص : 47


1- الاختصاص –الشيخ المفيد- ص89-90

قديكون الدعاء من الوسائل المهمة التي لايعرف مغزاها الا من ضعفت حيلته وقلّ ناصره . هنالك تبدو الصورة جلية حينما يبدأ المرء بالتفكير ولم يبق له سوى الدعاء, وحينذاك يبدأ بالتوجه الى علّام الغيوب لانقاذه من شرور الاعداء .

وهذه الوسيلة قد يستخدمها الانسان من حيث لايشعر الا حينما يفقد كل شيئ .ولذا فان القرآن الكريم يوجه خطابه - لمن يفهمه ,ولمن هم من اولي الالباب – الى ان يتخذوا هذه الوسيلة في كل الاوقات وليس في وقت الاضطرار والضعف والفقر والفاقة . ولذا قال تعالى (ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لاتخلف الميعاد ) وقال تعالى (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا او اخطأنا ربنا ولاتحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به واعف عنّا واغفر لنا وارحمنا انت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين ) وهكذا الايات الكثيرة الدالة على حُسن الدعاء.

وابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جسد هذه الوسيلة في سجنه ورخائه ,فكان يحمدهُ على عبادته في سجنه كما اعترف عيسى بن جعفر لما ارسله هارون العباسي ليعرف انباء الامام موسى بن جعفر (علیه السلام) فوكل عليه بعض الاشخاص ليكون عيناً عليه في سجنه ولما رفع ذلك العين الى عيسى بن جعفر أنه سمعه يقول –أي الامام موسى بن جعفر (علیه السلام) -في بعض دعائه (اللهم إنك تعلم اني كنت أسألك ان تفرغني لعبادتك , اللهم وقد فعلت فلك الحمد) فلما بلغ الرشيد كتاب عيسى بن جعفر كتب الى السندي بن شاهك ان يتسلم موسى بن جعفر (علیه السلام) الكاظم من عيسى وامره فيه بامره .(1)

وكان من دعائه (علیه السلام) كثيراً ما يدعو (اللهم إني اسألك الراحة عند الموت والعفو عندالحساب ) (2)

اصحاب الامام الكاظم (ع )والدعاء

ص : 48


1- الفصول المهمة –لابن الصباغ –ص229
2- الفصول المهمة-لابن الصباغ-ص227

لعل مل ارشد اليه الامام ابو الحسن (علیه السلام) اصحابه بالدعاء لكافة المسلمين هو السبب في تربية هؤلاء ,وجعلهم في طليعة المسلمين الذين يجب ان يقتدوا بهم ,لان سيرة الامام الكاظم (علیه السلام) تدل وبشكل لاريب فيه ان كل ما جناه فهو من الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم والقرآن الكريم

ومن هذا المنطلق فان اصحاب الامام موسى (علیه السلام) كعبدالله بن جندب كان يقتفي اثرامامه ولذلك هنالك من لاحظ ذلك

فقد قال علي بن ابراهيم عن ابيه قال رأيت عبدالله بن جندب في الموقف فلم ارَ موقفاً كان احسن من موقفه مازال مادّاً يديه الى السماء ودموعه تسيل على خدّيه حتى تبلغ الارض فلما صدر الناس .قلت له : ياابامحمد مارأيت موقفاًقطُّ احسن من موقفك .

قال : والله ما دعوت الا لاخواني وذلك ان ابا الحسن موسى (ع ) اخبرني ان من دعا لاخيه بظهر الغيب نودي من العرش : ولك مائة الف ضعف فكرهت ان ادع مائة الف مضمونة لواحدة لاادري تستجاب ام لا (1)

توضيح

ذكاء عبد الله بن جندب وفي مكان مقدس يستجاب فيه الدعاء خير من دعاء للنفس فقط ,وحينئذ فقد ضمن الحسنات التي تكون له وتسجل في صحيفة اعماله دون ما اذا كان دعاءً غير معلوم القبول .

الامام الكاظم (علیه السلام) وقضاء الحاجة

ص : 49


1- اصول الكافي-الكليني-ج2-ص368-ح6

قد يكون الاحتياج الى الاخرين من بني البشر من الامور العسيرة التي لايرغب اليها كل احد,وذلك لما يمتلك من القدرة والذكاء وغيرها من المميزات التي تميزه عن الاخرين .

لكن ذلك ليست مدعاة الى العيش وحيداً فريداً من دون مجتمع ,وهذا ما تآلفت عليه البشرية فيما بينها ليكون المجتمع ,وحينذاك فان وجود المجتمعات تدعوا الانسان الى ان يحتاج للاخرين من بني قومه او عشيرته اوعائلته .وهذا مادعا اليه الاسلام ليعيش المجتمع وحدة متماسكة ولا يتعرضوا الى الهلاك ,ولذلك قال تعالى (ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر اؤلئك هم المفلحون )

ومن هذه الدعوى انطلق الامام ابو ابراهيم (علیه السلام) الى ان يرشد المسلمين الى قضاء الحوائج,واعتبار قضائها من الامور التي تكون سبباً مهماًفي صلة الاخوان وهي مما امر بها ربُّ العالمين .

ولذا كان علي بن جعفر يقول : سمعت ابا الحسن (علیه السلام) يقول : مَن اتاه اخوه المؤمن في حاجة فانما هي رحمة من الله تبارك وتعالى ساقها اليه ,فإنقبل ذلك فقد وصلهُ بولايتنا وهو موصول بولاية الله وإن ردَه عن حاجته وهو يقدر على قضائها سلّط الله عليه شجاعاًمن نار ينهشه في قبره الى يوم القيامة ,مغفوراً له او معذباً فان عذره الطالب كان أسوء حالاً(1)

وهذا ماذكره الامام (علیه السلام) قد طبقه في حياته كي تكون مصداقاًلقوله ودعوةً للمسلمين في ذلك .

قال محمد بن عبد الله البكري : قدمت المدينة أطلب بها ديناً فأعياني فقلت لو ذهبتُ الى ابي الحسن (علیه السلام) فشكوت اليه ,فأتيته بننقمى في ضيعته ,فخرج اليّ ومعه غلام ومعه منسف فيه قديد مجزع ,ليس معه غيره ,فأكل فاكلت معه ,ثم سألني عن حاجتي فذكرت له

ص : 50


1- اصول الكافي –الكليني-ج2-ص157-ح13

قصتي فدخل ولم يقم الايسيراً حتى خرج اليّ فقال لغلامه : اذهب ثم مدّ يده اليّ فناولني صرّة فيها ثلاثمائة دينار ثم قام فولّى فقمت فركبت دابتي وانصرفت .(1)

انارة .

ان ما فعله الامام ابو الحسن (علیه السلام) يحتوي على امرين :

الاول : قضاء حوائج الاخوان وقد قصد اليه محمد بن عبد الله البكري وهوبأمس الحاجة الى الوفاء بدَينه وحينئذ حينما قصد الامام فقد وجد عنده ضالته المنشودة .

والثاني : ان الامام الكاظم (علیه السلام) لم يرغب ان يرى ذُل السؤال عند سائله ,وانما حاول ان يقضي حاجته من دون حاجة الى شكره .بل ومن دون منَّاًولا اذى ,وهذا من الآداب القرآنية

التي احب الامام أن يعلّمها للمسلمين .

اصحاب الامام (علیه السلام) وحوائج الاخوان

وسار على طريق الامام الكاظم (علیه السلام) اصحابه ,وهذه صورة حاول الامام ان يكون سبباً في قضاء حاجة محبيه .

فقد قال محمد بن سالم : لما حمل سيدي موسى بن جعفر (علیه السلام) الى هارون جاء اليه هشام بن ابراهيم العباسي فقال له : يا سيدي قد كتبت لي صك الى الفضل بن يونس فتسأله أن يروج امري .

قال : فركب اليه ابو الحسن (علیه السلام) فدخل عليه حاجبه فقال : ياسيدي ابو الحسن موسى (علیه السلام) بالباب

فقال : فان كنت صادقاً فانت حر ولك كذا وكذا ,فخرج الفضل بن يونس حافياً يعدو حتى خرج اليه فوقع على قدميه يقبلهما ,ثم سأله ان يدخل فدخل .

ص : 51


1- بحار الانوار –المجلسي –ج48-ص102-نقلا عن الارشاد للمفيد

فقال له : اقضي حاجة هشام بن ابراهيم .فقضاها ثم قال : ياسيدي قد حضر الغداء فتكرمني ان تتغدى عندي .

فقال : هات فجاء بالمائدة وعليها البوارد فأجال (علیه السلام) يده في البارد .

ثم قال : البارد تجال اليد فيه ,فلما رفع البارد وجاءوا بالحار فقال ابو الحسن (علیه السلام) : الحار حمى (1)

توضيح

قد يكون الامام موسى (علیه السلام) في هذه الحادثة له السبب المباشر في قضاء الحاجة الاان المهم هو ان الانسان مادام ان يكون له دور فعّال في تيسير العسير فلا ينبغي اهماله اتكالاً على الاخرين وهذا ما فعله الامام (علیه السلام)

الامام الكاظم (علیه السلام) وابن يقطين

المسؤول في قضاء الحوئج وله مركز مهم في المجتمع قد تواجهه معضلات ونتائج لاتحمد عقباها ,فقد كان علي بن يقطين وزيراًفي الدولة العباسية وبإذن الامام موسى بن جعفر (علیه السلام) .استاذن علي بن يقطين الامام الكاظم (علیه السلام) في ترك عمل السلطان فلم يأذن له وقال : لاتفعل فإن لنا بك اُنساًولاخوانك بك عزاً ,وعسى ان يجبر الله بك كسراً,ويكسر بك نائرة المخالفين عن اوليائه ,يا علي كفارة اعمالكم الاحسان الى اخوانكم أضمن لي واحدة وأضمن لك ثلاثاً ,أضمن لي أن لاتلقى أحداً من اوليائنا الاقضيت حاجته واكرمته وأضمن لك أن لايظلك سقف سجن أبداً ولاينالك حدٌّسيف ابداً,ولا يدخل الفقر بيتك ابداً ,ياعلي منّ سرّ مؤمناً فبالله بدأ وبالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ثنى وبنا ثلث .(2)

انارة

ص : 52


1- رجال الكشي –ص421-422
2- بحار الانوار –المجلسي-ج48-ص136

ان علي بن يقطين دعته نفسه الى ان يكون بمنأى عن عمل السلطان وان كان فيه قضاء حوائج المؤمنين .لان التحذير القرآني من مساعدة الظالمين واعانتهم على ظلمهم مدعاة الى ان يكون احد اعوانهم ,وحينذاك لات حين مناص من العذاب الاليم .

رغم ذلك فان الامام موسى بن جعفر (علیه السلام) حاول ان يُفهم علي بن يقطين ان هنالك من البشر الذين يعملون في ظل السلطان غايتهم قضاء حوائج المظلومين من ظالميهم واعانتهم في دفع الاذى عنهم ,وحينئذ يدفع تعالى عن هؤلاء شرور الاعداء نتيجة لمساعدة الكظلومين والفقراء والمحرومين .

ان اداء هكذا خدمات تجعل من اليسر ان لايكون امثال علي بن يقطين من دعاة الظالمين الذين يبطشون بشعوبهم المظلومة ,وانماهنالك شوكة سوف تجابه الطغاة فينبغي ان لايطغوا في اذلال شعوبهم .

كل هذا ينبغي التفكير فيه لئلا يخلو المجتمع من قضاة الحوئج واعاة المحتاجين واغاثة الملهوفين وتلك ثمرة من ثمار البيت العلوي .

تحذير

ليس من اليسير ان يقضي الانسان حوائج اخوانه وقد قبع في فخ السلطة الظالمة ,لان هيبة السلطان وظلمه تدعوه الى ان يهمل حق الرعية وحقوق اخوانه ,بل يتناسى ذلك فان الامام ابو الحسن (علیه السلام) كان يحذر اصحابه من الانجراف الى السلطة دون مراعاة حقوق الاخوان وقضاء حوائجهم .ولذا قال زياد بن ابي سلمة : دخلت على ابي الحسن موسى (علیه السلام) فقال لي : يازياد انك لتعمل عمل السلطان ؟قلت : اجل ,قال لي : ولم ؟قلت : انا رجل لي مروةٌ وعليّ عيال وليس وراء ظهري شئ.

ص : 53

فقال لي : يا زياد لئن اسقط من جالق فاتقطع قطعة قطعة احب اليّمن ان اتولى لاحد منهم عملاًاو أطأ بساط احدهم الاّ لماذا؟

قلت : لاادري جعلت فداك ,فقال : إلاّ لتفريج كربة عن مؤمن او فك اسره او قضاء دينه ,يازياد ان اهون ما يضيع الله بمن توّلّى لهم عملاً ان يضرب عليه سرادق من نار الى ان يفرغ الله من حساب الخلائق ,يا زياد فان ولّيت شيئاًمن اعمالهم فاحسن الى اخوانك فواحدة بواحدة والله من وراء ذلك .يازياد أيّما رجلمنكم تولى لاحد منهم عملاً ثم ساوى بينكم وبينهم فقولوا له : انت منتحل كذّاب,يازياد اذا ذكرت مقدرتك على الناس فاذكر مقدرة الله عليك غداً ونفاد ما اتيت اليهم عنهم وبقاء ما اتيت اليهم عليك .(1)

تعقيب

قد حذرّ الامام موسى (علیه السلام) من دواعي العمل مع السلاطين والظلمة ,ولكن كل ذلك ليس مدعاة الى تركها ,وانما ينبغي ان يدافع عن المظلومين والمحرومين حينما يعمل معهم ,كما ان هنالك من يدافع عنهم يوم القيامة

ولعل قوله (علیه السلام) : فاذكر مقدرة الله عليك غداً ونفاد مااتيت اليهم عنهم وبقاء ما اتيت اليهم عليك (2)

فهو دليل ان منالك جباراً قوياً يحاسب كل من يدعي القوة لنفسه ويأخذه أخذ عزيز مقتدر وحينذاك فلا تنفعه القوة ولاالمال

وهذا تذكير مهم لئلا ينسى او يتناسى ممن يعملون مع السلاطين كي يبرروا افعالهم.

ص : 54


1- اصول الكافي –الكليني-ج5-ص109-110-ح1
2- اصول الكافي –الكليني-ج5-ص110-ح1

الفصل الخامس : العقيدة

اشارة

ص : 55

اسباب ضعف العقيدة

ان الثبات على العقيدة على مدى الحياة من الامور التي لايتحملها كل امرئ او لايثبت عليها كل احد وذلك لعدة عوامل :

1- الفتن التي تظهر معها الدعاوى الباطلة بحيث تنال اعجاب ضعفي الايمان بل ويعتنقوها من دون دليل اوحجة على ذلك .

ص : 56

2- الضف المادي : فان الشبهات التي قد تطرأ على المجتمع لايكون لها صدى كبيراًالاعن طريق الضعف المادي فان شراء العقول المفكرة بأبخس الاثمان تجعل الشبهات من القوة التي لايمكن قهرها الا بالدليل والبرهان كما ان مجابهة تلك الشبهة الموهومة بالفكر ورفع الالتباس من دون تعصب يجعلها من السولة بمكان السيكرة عليها واضعافها بل وتلاشيها كالفقاعة ماان تصل الى حد تنفجر ولاتخلف شيئاً

3- الضعف الفكري : ان المجتمع الذي لايؤمن بعقيدته عن قناعة واعتقاد فهو منالممكن ان يميل مع كل ريح وينعق مع كل ناعق كما قال امير المؤمنين (علیه السلام) .فان هؤلاء يزين لهم الشر خيراً مما يدعوهم اليه ,وحينذاك يؤمنون بكل شبهة او عقيدة فاسدة ويحاولوا ان يدافعوا عنها وليس عن رسوخ وعقيدة صحيحة .

4- الدافع النفسي : فان من كان خاملاً او لايستكشف العقيدة الصحيحة وهو بمعزل عن تلك الاجواء يمكنه ان تناله الافكار الهدامة ويؤمن بها في يسر دون ما اذا كان يحاولان يبحث عن الافكار الصحيحة فانه يكون عصي الدهر ,وقوي الحجة فلا تؤثر عليه الفتن والاهواء في حياته مهما كان من يدافع عنها

5- ضعف الايمان بالدين : ان الاديان السماوية جاءت لهداية البشر وحينئذ لم تفرض ذلك الدين على احد الابعد اثبات ذلك بالبراهين الساطعة التي لاغبار عليها ولامناص حينئذ من الايمان بها ,ولذا فان من لم يؤمن بها يرجع الى احد امرين اما ضعف في عقله واما التعصب في مخالفة الاحكام السماوية . كل هذه الامور وغيرها قد يكون لها الاثر الواضح في حياة المسلمين الذين يعتقدون بالاسلام ديناً لهم .

الامام الصادق (علیه السلام) والوصي

اشارة

ان العوامل التي تقدم ذكرها قد طفح بعضها امام ملأمن اصحابالامام الصادق (علیه السلام) حيث ان الامام الصادق اثبت وبعدة دلائل ان الامام من بعده هوابا ابراهيم (علیه السلام) وذلك من عدة نواحي :

ص : 57

الناحية الاولى : التسليم عليه

فقد ذكر يعقوب السراج قال : دخلت على ابي عبدالله (علیه السلام) وهو واقف على رأس ابي الحسن موسى (علیه السلام) وهو في المهد فجعل يساره طويلاً ,فلما فرغ قال لي : ادن فسّلم على مولاك فدنوت فسلمت عليه فرّد علّي السلام , ثم قال لي : امض فغير اسم ابنتك التي ولدت امس فإنه اسم يبغضه الله , وكنت سميتها (الحميراء)

فقال ابو عبدالله (علیه السلام) : انته الى امره ترشد فمضيت فغيّرت اسمها .(1)

فان امر الامام الصادق (علیه السلام) ليعقوب بالتسليم ليس لمجرد انه انسان كي يسّلم عليه بتحية الاسلام ,وانما لاجل كونه الوصي من بعده ولذا قال له : سلم على مولاك .

وهذا تطبيق لخلافته من بعده فلا يحتاج بعد ذلك الى تصريح بولايته

الناحية الثانية : التصريح به

قال داود الرقي : قلت لابي عبد الله (علیه السلام) : جعلني الله فداك ان كان كون واعاذني الله منه فيك فالى مَن؟ قال : الى ابني موسى . قال داود : فلما حدثت الحادثة بابي عبدالله ما شككت في موسى طرفة عين ,ثم مكث نحو ثلاثين سنة ثم قصدته فقلت له : اني دخلت على ابي عبد الله (علیه السلام) فقلت : ان كان كون فالى مَن؟ فنص عليك واناأسألك كما سألته إن كان كون فالى مَن؟

قال لي : الى علي ابني ,قال : فمضى ابو الحين موسى (علیه السلام) فوالله ما شككت في الرضا طرفة عين .(2)

فهنا الامام الصادق (ع )يجيب صاحبه وبصراحة متناهية ان الخليفة والوصي من بعدهالامام موسى بن جعفر (علیه السلام) ولايشك في ذلك داود الرقي .

ص : 58


1- اثبات الوصية-المسعودي –ص203
2- اثبات الوصية –المسعودي-ص206

الناحية الثالثة : الوصية اليه

قال ابو ايوب النحوي : بعث اليّ ابوجعفر المنصور في جوف الليل فاتيته فدخلت عليه وهو جالس على كرسي وبين يديه شمعة وفي يده كتاب ,فلما سلمت عليه رمى بالكتاب اليّ وهو يبكي فقال لي : هذا كتاب محمد بن سليمان يخبرنا ان جعفر بن محمد قد مات فإنا لله وإنا اليه راجعون –ثلاثاً- واين مثل جعفر ؟

ثم قال : إن كان اوصى الى رجل واحدبعينه فقدّمه واضرب عنقه .

قال : فرجع اليه الجواب أنه قد اوصى الى خمسة واحدهم ابو جعفر المنصور ومحمدبن سليمان وعبد الله وموسى وحميدة .(1)

ايضاح

ان وصية الامام الصادق (علیه السلام) وان كان ظاهرها الى خمسة افراد الا انه حاول (علیه السلام) ان لايجازف فيقتل ولده لاجل الخلافة خصوصاً وان المنصور صرح في كتابه الى ان يضرب عنق الوصي من بعد الامام الصادق (علیه السلام)

وحينذاك فان محاولة المنصور باءت بالفشل لئلا يقتل نفسه وغيره وهذا مالايمكن على الساحة السياسية فظطرار الامام الى ذلك من اوضح مصاديق دفع الاذى عن ولده موسى (علیه السلام)

ثم ان الامام (علیه السلام) لايوصي الى الظلمة لان القرآن الكريم يقول (لاينال عهدي الظالمين ) والمنصور ممن عرف بالظلم ,والطش لاجل السلطة .

ص : 59


1- اصول الكافي –الكليني-ج1-ص247-248-ح13

اما عبدالله بن جعفر فهو وان نازعته نفسه للوصية الاان الامام الصادق (علیه السلام) تنبأ بموته عاجلاً وبعد عدة ايام فقد قال ابو بصير : سمعت العبد الصالح يعني موسى بن جعفر (علیه السلام) يقول : لما وقع ابو عبد الله (علیه السلام) في مرضه الذي مضى فيه قال لي : يابني لايلي غسلي غيرك فإني غسلت ابي والائمة يغسل بعضهم بعضاً,

وقال لي : يابني ان عبد الله سيدعى الى الامامة فدعه فانه اول من يلحقني من اهلي (1)

كما انه ليس له اهلية الخلافة من الناحية العلمية وهذا دليل على ذلك .

فقد قال هشام بن سالم : كنّ بالمدينة بعد وفاة ابي عبد الله (علیه السلام) انا ومحمدبن النعمان صاحب الطاق والناس مجتمعون على عبد الله بن جعفر فدخلنا عليه فسألناه عن الزكاة في كم تجب ؟

قال : في مائتي درهم خمسة دراهم . قلنا : ففي مائة ؟قال : درهمان ونصف ؟---الخ(2)

فان عبدالله بن جعفر قد قاس ما تجب فيه الزكاة من المائتين بالمائة وحينئذ كانت الزكاة درهمان ونصف ,وهذا من القياس الذي لم يرتضيه هشام بن سالم ولاغيره ممن يعلمون ان هذا الذي اجابهبه عبدالله من المنهي عنه عند الائمة المعصومين (علیه السلام) خصوصا ً وان الامام الصادق (علیه السلام) كان يحذر من القياس فقد قال (علیه السلام) : ان اصحاب المقائيس طلبوا العلم بالمقائيس فلم تزدهم المقائيس من الحق الابعداً وان دين الله لايصاب بالمقائيس (3)

اماحميدة فهي امرأة ولاتكون امامة المسلمين بيد النساء وحينذاك فلا ذنب لها سوى زوجة الامام الصادق (علیه السلام)

ص : 60


1- اثبات الوصية –المسعودي-ص210
2- اعلام الورى –الطبرسي-ص302
3- اصول الكافي –الكليني –ج1-ص45-ح7

اما محمدبن سليمان فلا يكون وصياً للامام الصادق (علیه السلام) خصوصاً وانه عين من قبل ولاة العباسيين .وحينئذ فهو يعمل باوامرهم ومن الذين يظلمون الناس والاية الكريمة قد نهت عن ولاية الظالمين بقوله تعالى (ولا ينال عهدي الظالمين ).

وبذلك انحصرت الامامة بالامام موسى بن جعفر (علیه السلام) من بعد أبيه (علیه السلام) .

4-الوصية.

فقد افصح لسليمان بن خالدبالخلافة من قبل الامام الصادق (علیه السلام) لما قال : دعا ابو عبد الله (علیه السلام) ابا الحسن (علیه السلام) يوماًونحن عنده فقال لنا : عليكم بهذا ,فهذا والله صاحبكم بعدي(1)

فان كلام الامام الصادق (علیه السلام) يدل على انه ليس المقصود من الصحبة من بعده الاالوصية له ,واحتياجهم اليه ,وهو لايحتاج اليهم .بل كما يحتاجون الى ابيه (علیه السلام) فيأخذون معالم دينهم وآدابهم منه فكذلك بعد التحاقه بالرفيق الاعلى فهنالك من يقوم مقامه في هذه الدنيا .

اصحاب ثابتون على الحق

اشارة

إن الدلائل الواضحة لخلافة الامام موسى بن جعفر (علیه السلام) من بعد ابيه لم يبق لها مجال للشك فيها .وذلك لان كل من يعتقد بخلود الانسان فلابد ان يكون مآله الى الموت ولو بعد حين . والقرآن الكريم صرح بذلك قال تعالى (إنك ميت وإنهم ميتون ) وقال تعالى (كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة والينا ترجعون )

فان هذه الايات تصرح ان الانسان مهما عمّرمن العمر فلا بد ان يذوق الموت الذي لامفر منه ,وبذلك تبرز حقيقة اثبتها الامام الصادق (علیه السلام) حينما اوصى الى ولده ليكون الخليفة من بعده وليثبت على مبدأ الحق وليتزلزل من يتزلزل .ومن هؤلاء الذين ثبتوا على مبدأ الحق هم :

ص : 61


1- اصول الكافي –الكليني-ج1-ص247-ح12

1- عبد الرحمن بن الحجاج

فقدكان من الثابتين على نهج الامامة ولم يزغ قلبه ,بل سلمّ واعتقد بامامة الامام ابو الحسن موسى (علیه السلام) من بعد الامام الصادق (علیه السلام) فقد قال ابو علي الارجاني الفارسي عن عبد الرحمن بن الحجاج قال : سألت عبد الرحمن في السنة التي اُخذ فيها ابو الحسن الماضي (علیه السلام) فقلت له : إن هذا الرجل قد صار في يد هذا وما ندري مايصير ؟ فهل بلغك عنه في احد من ولده شئ؟ فقال لي : ما ظننت ان احداً يسألني عن هذه المسألة ,دخلت على جعفر بن محمد في منزله فاذا هو في بيت كذا في داره في مسجد له وهو يدعو وعلى يمينه موسى بن جعفر يؤمن على دعائه ,فقلت له : جعلني الله فداك قد عرفت انقطاعي اليك وخدمتي لك ,فمن ولّي الناس بعدك ؟فقال : إن موسى قد لبس الدرع وساوى عليه .فقلت له : لااحتاج بعد هذا الى شئ (1)

توضيح

ان صراحة الامام ابوعبد الله (علیه السلام) لعبد الرحمن فهي يكفي في اثبات الحجة عليه والثبات على نهج الامامة والعقيدة الصحيحة وحينئذ بعد هذا الدليل ولاعذر من وجود الغفلة اوالنسيان .

2- النصر بن قابوس

فقد ثبت نصر على عهد الامامة وذلك لما قال : قلت : لابي ابراهيم (علیه السلام) : إني سألت اباك (علیه السلام) من الذي يكون من بعدك ؟فاخبرني أنك انت هو ,فلما توفي ابو عبد الله (علیه السلام) ذهب الناس يميناًوشمالاً وقلت فيك انا واصحابي فاخبرني من الذي يكون من بعدك من ولدك ؟فقال : ابني فلان (2)

ص : 62


1- اصول الكافي –الكليني-ج1 -ص245-ح3
2- اصول الكافي-الكليني-ج1--ص250-ح12

وفي رواية الكشي قال : ابني علي (علیه السلام) (1)

توضيح

فقد اقرّ نصر بن قابوس لوصية الامام الصادق (علیه السلام) وان ولده هو الوصي من بعده بعدما اخذت الناس يميناً وشمالاً فبعضهم ذهب الى رأي القدرية واخرى الى المرجئة وبعضهم اخذ برأي الخوارج ,ولذا فان الايمان الراسخ عندنصر لم يذهب الى أي مذهب سوى مذهب الامام موسى بن جعفر (علیه السلام) واستمر ثابت الاييمان على ذلك .ولذا كان يقول : كنت عند ابي الحسن (علیه السلام) في منزله فأخذ بيدي فوقفني على بيت من الدار فدفع الباب فأذا علي ابنه (علیه السلام) وفي يده كتاب ينظر اليه .

فقال لي : يا نصر تعرف هذا ؟ قلت : نعم هذا علي ابنك . قال : يا نصر أتدري ما هذا الكتاب الذي ينظر فيه ؟ فقلت : لا قال : هذا الجفر الذي لاينظر فيه الا نبي او وصيّ .(2)

وقد شهد على ثبات العقيدة لنصر الحسن بن موسى فقال : فلعمري ما شك نصر له فيه ولا ارتاب حتى اتاه وفاة ابي الحسن (علیه السلام) (3)

3- محمد بن سنان

وثبت على الحق محمد بن سنان وقد صرح بذلك لما قال : دخلت على ابي الحسن موسى (علیه السلام) قبل ان يحمل الى العراق بسنة وعلي ابنه (علیه السلام) بين يديه فقال لي : يا محمد : قلت : لبيك

قال : انه سيكون في هذه السنة حركة ولا يخرج منها .ثم اطرق ونكث في الارض بيده ثم رفع رأسه اليّ وهويقول : ويضلّ الله الضالمين ويفعل الله ما يشاء

ص : 63


1- رجال الكشي-ص383
2- المصدر نفسه-ص382
3- المصدر نفسه-ص382

قلت : وما ذلك جعلت فداك ؟قال : من ظلم ابني هذا في حقه وجحد امامته من بعدي كان كمن ظام علي بن ابي طالب حقه وامامته من بعد محمد صلى الله عليه واله وسلم فعلمت انه قد نعي اليّ نفسه ودلّ على ابنه

فقلت : والله لئن مد الله في عمري لاسلمنّ عليه ولاقولنّ له بالامامة واشهد انه حجة الله من بعدك على خلقه والداعي الى دينه

فقال لي : يا محمد يمد الله فيعمرك وتدعوا الى امامته وامامة من يقوم مقامه من بعده

فقلت : ومن ذاك جعلت فداك ؟قال : محمد ابنه . قلت : بالرضى والتسليم

فقال : كذلك وقد وجدتك في صحيفة امير المؤمنين (علیه السلام) اما أنكفي شيعتنا ابين من البرق في الليلة الظلماء .(1)

تعقيب

ان دعاء الامام موسى (علیه السلام) لمحمد بن سنان دليل على محبته له واخلاصه ,وقد لمس الامام (علیه السلام) الجدية من محمد بن سنان في ثبوته على الحق . بل دعائه له بالعمر المديد بحيث يسلّم لولده بالوصية ولحفيده بالامامة ولحفيده بالامامة لينصرهم ويكون من دعاة الصلاح ويموت على الهدى .

وهذا إن دلّ على شئ فانما يدل على مدى تمسك محمد بن سنان بمبدأ الولاية لاولاد علي بن ابي طالب (علیه السلام) والسير على نهجهم , والتسليم لهم مهما شك فيهم المرتابون وجحدهم الجاحدون

4- هشام بن سالم

ص : 64


1- رجال الكشي –لابي عمر الكشي –ص429

ومن الثابتين على الهدى هشام بن سالم فقال : كنّا بالمدينة بعد وفاة ابي عبدالله (علیه السلام) انا ومؤمن الطاق ابو جعفر والناس مجتمعون على ان عبد الله صاحب الامر من بعد ابيه فدخلنا عليه انا وصاحب الطاق والناس مجتمعون عند عبج الله وذلك انهم رووا عن ابي عبد الله ان الامر في الكبير ما لم يكن به عاهة ,فدخلنا نسأله عما كنّا عنه اباه,فسألناه عن الزكاة في كم تجب ؟ قال : في مأتين خمسة ,قلنا : ففي مائة

قال : درهمان ونصف درهم . قلنا : والله في المرجئة هذا ,فرفع يده الى السماء فقال : لا والله ما ادري ما تقول المرجئة . قال : فخرجنا من عنده ضلالاً لاندري الى اين نتوجه انا وابوجعفر الاحول فقعدنا في بعض ازقة المدينة باكين حيارى لا ندري الى من نقصد والى من نتوجه نقول الى المرجئة, الى القدرية ,الى الزيدية ,الى المعتزلة ,الى الخوارج قال : فنحن كذلك اذ رأيت رجلاً لااعرفه يومي اليّ بيده ,فخفت ان يكون عيناً من عيون ابي جعفر ,وذلك انه كان له بالمدينة جواسيس ينظرون على من اتفق شيعة جعفر فيضربون عنقه ان يكون منهم

فقلت لابي جعفر : تنح فاني خائف عاى نفسي وعليك وانما يريدني ليس يريدك فتنح عنّي لاتهلك وتعين على نفسك ,فتنحى غير بعيد وتبعت الشيخ وذلك اني ظننت اني لااقدر على التخلص منه ,فما زلت اتبعه حتى ورد بي على باب ابي الحسن موسى (علیه السلام) ثم خلاني ومضى ,فاذا بالباب فقال لي : ادخل رحمك الله

قال : فدخلت فاذا ابو الحسن (علیه السلام) فقال لي ابتداءً : لاالى المرجئة ولاالى القدرية والى الزيدية ولاالى المعتزلة ولاالى الخوارج اليّ اليّ اليّ

قال : فقلت له جعلت فداك مضى ابوك .قال : نعم قال : قالت جعلت فداك مضى في موت ؟قال : نعم .قلت : جعلت فداك فمن لنا بعده ؟ فقال : انشاء الله يهديك هداك .

ص : 65

قلت : جعلت فداك ان عبد الله يزعم انه من بعد ابيه . فقال : يريد عبد الله ان لايعبد الله قال : قلت : جعلت فداك فمن لنا بعده ؟ فقال : انشاء الله يهديك هداك ايضاً

قلت : جعلت فداك انت هو؟ قال : ما اقول ذلك .قلت في نفسي : لم اصب طريق المسألة .

قال : قلت : جعلت فداك عليك امام؟قال : لا . قال : فدخلني شئ لا يعلمه الا الله اعظاماً له وهيبة اكثر ما كان يحل بي من ابيه اذا دخلت عليه

قلت : جعلت فداك اسألك عما كان يسأل ابوك . قال : سل تخبر ولا تذع فان اذعت فهو الذبح

قال : فسألته فاذا هو بحر .قال : قلت جعلت فداك شيعتك وشيعة ابيك ضلالاً فالقي اليهم وادعهم اليك فقد اخذت عليّ بالكتمان .

فقال : من انست منهم رشداً فالق عليهم وخذ عليهم بالكتمان فان اذاعوا فهو الذبح –واشار بيده الى حلقه-

قال : فخرجت من عنده فلقيت ابا جعفر فقال لي ما ورائك ؟ قال : قلت الهدى . قال فحدثته بالقصة .ثم لقيت المفضل بن عمر وابا بصير .قال : فدخلوا عليه وسلموا وسمعوا كلامه وسألوه .قال : ثم قطعوا عليه قال : ثم لقينا الناس أفواجاً . قال : و كان كل من دخل عليه قطع عليه الأطائفة مثل عمار و اصحابه .فبقي عبد الله لا يدخل عليه احد الا قليلاً من الناس .قال : فأخبر أن هشام بن سالم صدّ عن الناس

قال : فقال هشام فأقعد لي بالمدينة غير واحد ليضربوني .(1)

انارة اولى .

ص : 66


1- رجال الكشي – لابي عمر الكشي – ص239-241

إن هشام بن سالم لم يشك بوجود الامام من بعد الامام ابي عبد الله الصادق (علیه السلام) , كما انه لم يشك بوجود مؤهلات لابد ان تتحقق في الامام حتى يمكن ان يؤمن به ويعتقد بحقيقة ايمانه .ولذا فان ادعاء عبد الله بن جعفر بالامامة واختبار هشام بن سالم دليل على ذكاء هشام بحيث لا يركن الى عقيدة او ادعاء من دون برهان ,وذلك ظهر بطلان ادعاء عبداللهبن جعفر حينما لم يظهر تقواه وعلمه .

انارة ثانية .

ان هشام بن سالم قد يحاول ان يعمي الابصار عنه وعن مؤمن الطاق خصوصاً وانه كان يقول : فخفت ان يكون عيناً من عيون ابي جعفر .

ثم ان تلك العيون المبثوثة في المدينة تحاول ان تعرف من الذي سوف يتولّى الامامة من بعد الامام الصادق (علیه السلام) فان كان ما اهلته السلطة الحاكمة فهو الضلال لمن ينشد الحق وان كان على خلاف رأي السلطة ,فان قرار القتل نافذ على كل من يتصدى لمنصب الامامة وهذا ما صرح به الامام الكاظم (علیه السلام) لمل قال لهشام : ولا تذع فان اذعت فهو الذبح

انارة ثالثة .

مجازفة هشام بن سالم في سبيل عقيدته دعته الى معرفة الامام المنشود ,ولم تسكن اليه نفسه حتى اختبره بالاسئلة التي كان يسأل عنها الامام الصادق (علیه السلام) والتي كان يحملها بين جوانحه ,وحينذاك حينما اجابه الامام الكاظم (علیه السلام) بكل سؤال طرحه عليه ظهرت الحقيقة ان الامامة لابد ان تكون للامام ابي الحسن موسى بن جعفر (علیه السلام)

وهمٌ

ص : 67

قد يظهر ان هشام بن سالم حينما كان يبحث عن الامام كان متردداً بل شاكاً بعدم وجود امام حقيقي بحيث لاغبار عليه من ناحية العلم والفهم والفصاحة والشجاعة وحينذاك فان هشام لم يكن من ثابتي الايمان

ردٌ

قدتكون في دخيلة هشام بن سالم ان الامام لابد ان يظهر امام المسلمين ويعتقد به كل من يطلب الامامة كما كان في حياة الامام الصادق (علیه السلام) لكن بعد وفاته (علیه السلام) لم يجد هشام ما كان يطمح اليه بل كان الاختبار والمحنة تواجهه ,وهذا امر طبيعي لتلك العصور ولم يكن طبيعياً لهشام بن سالم ,فان الامام الكاظم (علیه السلام) لم يكن يخاف على نفسه وانما لم يبرز خوفاً على محبيه ومن يعتقد بامامته لان مصيرهما الى الهلاك لو ظهر وبذلك لم يكن هشام سوى توهم امراًعسى ان يجده في متناول يده الا ان الاختبار الحقيقي كان له بالمرصاد كي يطلب العقيدة والامامة الصحيحة .

5- الفيض بن المختار

فهو اول من اقر بامامة الامام موسى بن جعفر (علیه السلام) في حياة الامام الصادق (علیه السلام) حيث قال : قلت : لابي عبد الله : جلعت فداك ما تقول في الارض اتقبلبا من السلطان ثم اؤاجرها آخرين على ان ما اخرج الله منها من شئ كان من ذلك الصف او الثلث أوأقل من ذلك أواكثر؟ قال : لابأس.قال لهاسماعيل ابنه : ياأبةلم تحفظ. قال : فقال يابني أوليس كذلك اعامل اكرتي ان كثيراً ما اقول الزمني فلا تفعل . فقام اسماعيل فخرج. فقلت : جعلت فداك وما على اسماعيل الا يلزمك اذا كنت افضت اليه الاشياء من بعدك كما افضت اليك بعد ابيك. قال : فقال يا فيض ان اسماعيل ليس كأنا من ابي

قلت : جعلت فداك كنّا لا نشك ان الرجال ينحط اليه من بعدك ,وقد قلت فيه ما قلت فان كان ما يخاف واسأل الله العافية فالى من ؟ قال : فأمسك عني فقبلت ركبتيه وقلت : ارحم

ص : 68

سيدي فانما هي النار.إني والله لو طمعت أن اموت قبلك لما باليت ولكني اخاف البقاء بعدك . فقال لي : مكانك ,ثم قام الى ستر في البيت فرفعه فدخل ثم مكث قليلاً ثم صاح : يافيض ادخل فدخلت فاذا هو في المسجد قد صلى فيه وانحرف عن القبلة فجلست بين يديه فدخل اليه ابو الحسن (علیه السلام) وهوبعد يومئذ خماسي وفي يده درة فاقعده على فخذه .

فقال له : بابي انت وامي ما هذه المخفقة بيدك ؟ قال : مررت بعلي اخي وهي في يده فضرب بها بهيمة فانتزعتها من يده

فقال ابو عبدالله : يا فيض ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم افضت اليه صحف ابراهيم وموسى (علیه السلام) فأتمن عليها رسول الله علياً (علیه السلام) ,وأتمن عليها علي الحسن ,وأتمنعليها الحسن الحسين ,وأتمن عليها الحسين علي بن الحسين ,وأتمن علي بن الحسين محمد بن علي ,وأتمن عليها ابي ,وكانت عندي ولقد أتمنت عليا ابني هذا على حداثته وهي عنده ,فعرفت ما اراد فقلت له : جعلت فداك زدني .

قال : يافيض ان ابيكان اذا اراد الا ترد له دعوة اقعدني على يمينه فدعا فأمنت فلاترد له دعوة كذلك اصنع بابني هذا ,ولقد ذكرناك امس بالموقف فذكرناك بخير.

فقلت له : ياسيدي زدني .

قال : يافيض ان ابي كان اذا سافر وانا معهفنعس وهو على راحلته ادنيت راحلتي من راحلته فوسدته ذراعي الميل والميلين حتى يقضي وطره من النوم ,وكذلك يصنع بي ابني هذا .

قال : قلت جعلت فداك زدني

قال : إني لأجد بابني هذا ما كان يجد يعقوب يوسف .

ص : 69

قلت : جعلت فداك زدني .قال : هو صاحبك الذي سألت عنه فأقّر له بحقه .فقمت حتى قبلت رأسه ودعوت الله له .

فقال ابو عبد الله (علیه السلام) : أما أنه لم يؤذن له في أمرك منك . قلت : جعلت فداك اخبر به أحداً ؟

قال : نعم اهلك وولدك ورفاقك وكان معي أهلي وولدي ويونس بن ظبيان من رفقائي. فلما اخبرتهم حمدوا الله على ذلك كثيراً ,وقال يونس : لاوالله حتى اسمع ذلك منه وكانت فيه عجلة فخرج فاتبعت فلما انتهيت الى الباب سمعت اباعبد الله (علیه السلام) قد سبقني وقال : الامر كما قال لك الفيض,قال : سمعت واطعت .(1)

وفي رواية فيض بن المختار في حديث طويل امر ابي الحسن (علیه السلام) حتى قال لع ابو عبد الله (علیه السلام) : هو صاحبك الذي سألت عنه ,فقم اليه فاقّر له بحقه ---(2)

ايضاح .

ليس من اليسر ان يحافظ الانسان على عقيدته الصحيحة ,رغم ظهور المذاهب المتعددة خصوصاً في عصر الامام ابي عبدالله الصادق (علیه السلام) .وهذا ما نازعته نفس المختار الى ان يحاول بشتى السُبل الى ان يعرف الامام من بعد الامام الصادق (علیه السلام) من دون شائبة توهم او تردد ,ولذا فانه خاف على نفسه من تلك النار التي هي نزاعة للشوى تدعو من ادبر وتولّى ,وحينذاك فان الامام الصادق (علیه السلام) قد اخذ بيديه نحو بر الامان لينقذه من الضلال والفساد في الارض ومما يخاف ويحذر من يوم القيامة .

ص : 70


1- رجال الكشي –لابي عمر الكشي –ص302-304
2- اصول الكافي – الكليني – ج1-ص246-247 –ح9

ولعل المهم من ذلك هو انقاذ ذلك الصحابي من الموت الذي سوف يحدق به وتسأله الملائكة الموكلين بحسابه عن امام زمانه فإذا لم يبحث عنه و لم يعرفه فإنه سوف ينطبق عليه الحديث الشريف (من لم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية )

وبذلك أظهر الامام الصادق (علیه السلام) ما كان يطمح لفيض ليقرَّ بإمامته ولا يدعوه الى الشك فيكون من الذين أعذروا وأنذروا

6- داود الرقي

ومن الاصحاب الاوفياء للامام الصادق (علیه السلام) داود الرقي . فقد حاول معرفة الامام من بعد استشهاد الامام الصادق (علیه السلام) فقد قال داود الرقي : قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) : جعلني الله فداك إن كان كون وأعاذني الله منه فيك فإلى مَن؟

قال : إلى إبني موسى .قال داود : فلما حدثت الحادثة بأبي عبد الله ما شككت في موسى طرفة عين ,ثم مكث نحو ثلاثين سنة ثم قصدته فقلت له : إني دخلت على أبي عبد الله (علیه السلام) فقلت : إن كان كون فإلى مَن ؟ فنص عليك وأنا اسألك كما سألته إن كان كون فإلى مَن ؟ قال لي : إلى علي إبني ,قال : فمضى أبو الحسن موسى (علیه السلام)

فوالله ما شككت في الرضا (علیه السلام) طرفة عين .(1)

توضيح

إن داود لم يشك في امامة الكاظم (علیه السلام) وذ\لك لوضوح الدليل وحينئذ فلم يبق له عذر أو تأويل يغتفر له ,ولذا فإنه أقر له و لولده ومن دون شك في ذلك .

ص : 71


1- اثبات الوصية – المسعودي –ص206

ولعل إيمانه الثابت بالعقيدة الصحيحة هي التي دعت الامام الصادق (علیه السلام) لما نظر الى داود الرقي – وقد ولي –فقال : من سرّه أن ينظر إلى رجل من أصحاب القائم (عج) فلينظر الى هذا (1)

وهذه نظرة في علم الغيب .

7- علي بن جعفر

ومن الثابتين على امامة الصادق (علیه السلام) وعلى ولده للنص على ذلك ,وهذا ماذكره فقد قال سمعت ابي جعفر بن محمد (علیه السلام) يقول لجماعة من خاصته واصحابه : استوصوا بابني موسى خيراً فانه افضل ولدي ومن أخلّف من بعدي وهو القائم مقامي والحجة لله تعالى على كافة خلقه من بعدي (2)

تصريح .

إن الامام الصادق (علیه السلام) حينما صرح لولده علي من الذي يقوم مقامه في العلم والفهم والشجاعة وهو الحجة التي يحتج بها على العباد ,ولا مجال له لانكار ذلك أو الشك في خلافته.

8- ابو بصير ليث البختري

ومن الثبتين على الامامة ما سئل عنه ابوبصيرلما قال : قلت لابي الحسن موسى (علیه السلام) : جعلت فداك بم يعرف الامام ؟ قال : بخصال أمّا اولاهن فإنه بشئ قد تقدم فيه من ابيه واشارته اليه لتكون حجة ,ويسأل فيجيب واذا سكت عنه ابتدأ ,ويخبر بما في غد ,ويكلم الناس بكل لسان ,ثم قال : ياابا محمداعطيك علامة قبل أن تقوم ,فلم ألبث أن دخل عليه

ص : 72


1- رجال الكشي-لابي عمرو الكشي –ص344
2- اعلام الورى –الطبرسي –ص301-302

رجل من اهل خراسان يكلمه فكلمه الخراساني بالعربية فاجابه ابو الحسن بالفارسية فقال الخراساني : والله مامنعني ان اكلمك بالفارسية الا انني ظننت انك لاتحسنها

فقال : سبحان الله اذا كنت لاأحسن أن اجيبك فما فضلي عليك فيما استحق ثم قال : يا أبا محمد إن الامام لايخفى عليه كلام أحد من الناس ,ولا منطق الطير, ولاكلام شئ فيه روح(1)

توضيح

إن ابا بصير قد سأل الامام موسى (علیه السلام) لا لاجل ليعرف صفات الامامة بشكل عام ,وانما بشكل خاص حينما تتشابه صفات الامامة وتشتبه عليه فيحتاج الى تمييز بخصوصيات معينة ,فكان منها أن يكلم كل ما فيه روح سواء كان انساناً ام غيره .

ولعل الامام موسى (علیه السلام) دلّ على امر مهم الاوهو أن الامام اذا لم يفهم اللغات فلا يمكن ادعائه للامامة لان الامامة منصب الهي فلا يحتاج الى من يعينه في اعباء الامامة ,وهذا إن دلّ على شئ فانما جاء ليؤكد لابي بصير احقية الامام موسى بن جعفر (علیه السلام) على سائر بني البشر بالامامة .

9- منصور بن حازم

من الذين ساروا على نهج الامامة واستدل على ذلك واعتقد بها هو منصور بن حازم حيث عرف ذلك .فقد قال : قلت لابي عبد الله (علیه السلام) إن الله أجّل واكرم من أن يعرف بخلقه بل الخلق يعرفون بالله قال : صدقت

قلت له : من عرف أن له رباًفقد ينبغي ان يعرف أن لذلك الرب رضاًوسخطاً ,وانه لايعرف رضاه وسخطه الارسول لمن لم يأته الوحي فينبغي أن يطلب الرسل فاذا لقيهم أنهم الحجة وان لهم الطاعة المفروضة .فقلت للناس اليس تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآاه

ص : 73


1- اعلام الورى –الطبرسي –ص305-306

وسلم كان هو الحجة من الله على خلقه, قالوا : بلى قلت : حين مضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كان الحجة ؟

فقالوا : القرآن فنظرت في القرآن فاذا هو يخاصم به المرجيئ والقدري والزنديق الذي لايؤمن به حتى يغلب الرجال بخصومته ,فعرفت أن القرآن لايكون حجة الابقيم ما قال فيه من شئ كان حقاً . فقلت لهم : من قيم القرآن .

فقالوا : ابن مسعود قد كان يعلم وعمروحذيفة يعلم .قلت : كله ؟ قالوا : لا قلت : فلم اجد احداً.فقالوا : انه ماكان يعرف ذلك كله الاعلي (علیه السلام) .

قلت : واذا كان الشئ بين القوم وقال هذا لاادري ,وقال هذا لاادري وقال هذا لا ادري ,وقال هذا لاادري ولم ينكر عليه كان القول قوله ,واشهد أن علياً (علیه السلام) كان قيم القرآن وكانت طاعته مفترضة وكان حجة على الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنه ما قال في القرآن فهو حق .

فقال : رحمك الله .فقلت : ان علياًلم يذهب حتى ترك حجة من بعده كما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وان الحجة بعدعلي الحسن بن علي ,واشهد علي الحسن انه كان حجة وان طاعته مفروضة .

فقال : رحمك الله .فقمت وقبلت رأسه .وقلت : اشهدعلى الحسن أنه لم يذهب حتى ترك حجة من بعده كما ترك ابوه وجده وان الحجة بعد الحسن الحسين وكانت طاعته مفروضة .

فقال : يرحمك الله ,فقبلت رأسه وقلت اشهد على الحسين انه لم يذهب حتى ترك حجة من بعده كما ترك ابوه وان الحجة من بعده علي بن الحسين وكانت طاعته مفروضة .

فقال : يرحمك الله,فقبلت رأسه .وقلت : واشهد ان علي بن الحسين لم يذهب حتى ترك حجة من بعده وان الحجة من بعده محمد بن علي ابوجعفر وكانت طاعته مفترضة .

ص : 74

فقال : يرحمك الله.فقلت : اعطني رأسك اقبله. فضحك .قلت : اصلحك الله وقد علمت ان اباك لم يذهب حتى ترك حجة من بعده كما ترك ابوه واشهد بالله أنك الحجة وان طاعتك مفترضة . فقال : كيف رحمك الله؟قلت : اعطني رأسك اقبله .فقبلت رأسه فضحك ثم قال : سلني مما شئت فلا انكرك بعد اليوم ابداً(1)

تعقيب

إن ما اقرّ به منصور من الامامة لكل امام واحداًبعد الآخر حتى وصل الى الامام الصادق (علیه السلام) وأقرّ له هو الذي دعته نفسه الى ان يعرف مَن الامام بعد الامام الصادق (علیه السلام) كي يكون من الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه من مبدأالامامة . ولذلك فان صفوان الجمال روى عن ابي عبد الله (علیه السلام) قال : قال له منصور بن حازم : بابي انت وامي إن الانفس يغدى عليها ويراح فاذاكان ذلك فمَن؟قال ابو عبدالله (علیه السلام) : اذا كان ذلك فهو صاحبكم وضرب على منكب ابي الحسن (علیه السلام) الايمن وكان يومئذخماسياً وعبد بن جعفر جالس معنا (2)

فان قول الامام (علیه السلام) بانه صاحبكم هو دليل على اثبات احقيته من بعده حتى على عبد الله بن جعفر هذا في حياته (علیه السلام) .

10- سليمان بن خالد

ومن اصحاب الامام الصادق (علیه السلام) الذي اقرّ على نفسه بالولاية في الحلال والحرام للامام الصادق (علیه السلام) فقد قال عمار الساباطي : كان سليمان بن خالد خرج مع زيد بن علي حين خرج .قال : فقال له رجل -ونحن وقوف في ناحية وزيد واقف في ناحية – ما تقول في زيد هو خير ام جعفر ؟ قال سليمان : قلت : والله ليوم من جعفر خير من زيد ايام الدنيا .قال

ص : 75


1- رجال الكشي-لابي عمرو الكشي-ص358-359
2- 2-اعلام الورى –الطبرسي-ص299

: فحرك دابته واتى زيداً وقص عليه القصة ,فمضيت نحوه فانتهيت الى زيد وهو يقول : جعفر امامنا في الحلال والحرام .(1)

تعقيب

قد يكون الاندفاع هو الذي جعل سليمان بن خالد ان يكون من المدافعين في رفع الظلم عن المؤمنين . لكن على ان يكون الامام والولي في الحلال والحرام فهو يقرّ بان الامام الصادق (علیه السلام) هو المأمونعلى ذلك فينبغي ان يكون هو الامام الذي يقر له بذلك .وحينئذ لابد ان يقر لمن بعد الامام الصادق (علیه السلام) بالامامة .فقدقال سليمان : دعا ابو عبد الله (علیه السلام) اباالحسن (علیه السلام) يوماًونحن عنده عند فقال لنا : عليكم بهذا ,فهو والله صاحبكم بعدي (2)

فان قول الامام (علیه السلام) وهو يشير الى الامام موسى (علیه السلام) بان يتخذوه اماما لانه ليس مجرد ان يكون صاحب وصديق كباقي افراد المسلمين .بل ذلك لايحتاج اليه كل احد خصوصاًمن عاشر اهل البيت (علیه السلام) وتخلق باخلاقهم وانما ليثبت لاصحابه الامام من بعده

الفصل السادس : اصحاب رجعوا الى الحق

اشارة

ص : 76


1- رجال الكشي-لابي عمرو الكشي-ص308
2- اصول الكافي-الكليني-ج1-ص247-ح12

رجوعاًالى الامامة

ان حياة الامام موسى بن جعفر (علیه السلام) حافلة بالمواقف الجديرة بالبحث خصوصاًفيما يتعلق بالاعتقاد ,لان هذا الجانب من الجوانب من شأنهان يكون منقذاًمن المهالك التي تصيبه في الدنيا والآخرة .ولعل الدين الاسلامي لم يغفل عن شئ .فقد اوضح سُبلذلك بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ,والخلفاءمن بعده الذين يدافعون عن مبدأالحق وهذا ما يعبر عنه بالامامة او الخلافة .لكن هذه الخلافة او الامامة قد دخلت في مرحلة الصراع بين من اخذها بحقها وبين من يدعيها ظلماً و عدوناً,

ص : 77

وهذا ما حدث فعلاًفي عصر الامام الكاظم (علیه السلام) حيث تعرض الامام (علیه السلام) الى هذه المحنة من السلطة العباسية الحاكمة والمتمثلة بالمنصور العباسي حيث امر بقتل كل من يدعي بالخلافة من بعد الامام الصادق (علیه السلام) وذلك حينما ارسل الى ابي ايوب النحوي في جوف الليل فاتيته –أي ابو ايوب – فدخلت عليه وهو جالس على كرسي وبين يديه شمعة وفي يده كتاب قال : فلماسلمت عليه رمى بالكتاب اليّ وهو يبكي.فقال لي : هذا كتاب محمد بن سليمان يخبرنا ان جعفر بن محمد قد مات فإنالله وإنااليه راجعون- ثلاثاً-واين مثل جعفر؟ثم قال لي : اكتب .قال : فكتبت صدر الكتاب ثم قال : اكتب إناوصى الى الى رجل واحد بعينه فقدمه واضرب عنقه . قال فرجع اليه الجواب انه قد اوصى الى خمسة واحدهم ابو جعفر المنصور ,ومحمد بن سليمان وعبدالله وموسى وحميدة (1)

فاجاب ابو جعفر : ليس الى قتل هؤلاء سبيل (2)

ابعاد الوصية

الوصية حينما تكون لخمسة اشخاصويشيع امرها بين اوساط المسلمين سواء كانوا اصحاب الامام الصادق ام غيرهم.فلا شك انه يدب اليهم الشك في قلوبهم وينشأ ذلك من عدة عوامل :

1-البُعد المكاني.فان البعيد عن المدينة المنورة ويعرف الامام الصادق (علیه السلام) صاحب العلمية والذكاء الوقاد ,والتقوى والبر تجعله من الصعوبة معرفة الخليفةمن بعده خصوصاً وان هنالك مؤهلات لخلافة الامام (علیه السلام) قد قبل عدة اشخاص سواء كانوا من اصحاب المذاهب الاسلامية المعروفة آنذاك ام من اصحاب الامام الصادق (علیه السلام) كعلي بن جعفر وعبدالله بن جعفر وغيرهم .

ص : 78


1- اصول الكافي –الكليني-ج1-ص247-248-ح13
2- المصدر نفسه –ص248-ح14

2-الخوف من السلطة .فان اظهار الولي من بعد الامام الصادق (علیه السلام) يجعله من السهولة القضاء على الامام الكاظم (علیه السلام) وبيسر وعافية ومن دون عناء في ذلك ,ولذا لم يحاول الامام موسى ان يظهر نفسه لاجل اصحابه وهذا ماذكره لهشام بن سالم لما قال له : فان اذعت فهو الذبح 0 (1)

3-الاختبار .إن الامام الصادق (علیه السلام) يحاول ان يختبر اصحابه من حيث الثبات على العقيدة ,فاذا لم يتعرضوا لذلك فكيف بهم حينما تكون الظروف القاهرة التي تفرض نفسها عليهم ؟بل ومن الفتن التي تجعل الاصحاب يحاولون جهدهم لمعرفة الامام الحق ومن دون مؤثرات تؤثر عليهم .

4-اعداد اصحاب الامام الصادق الى المهمة قد ليست من السولة تحملها الاوهي الصبر على المكاره والعمل بما خطه الائمة (علیه السلام) من نظام من حيث التعامل مع المسلمين واظهار الفضائل وابداء النصح وغيرها .

5-نشر الوعي الديني بين ارجاء المسلمين عن طريق الاصحاب ,وهذا مدعاة الى الاخذ بسيرة الائمة المعصومين (علیه السلام) خصوصاً سيرة الامام الصادق (علیه السلام) ومن بعده ولده الامام موسى (علیه السلام) ولذا ينبغي ان يؤخذ بعين الاعتبار .

اصحاب رجعوا الى الحق

اشارة

لما استشهد الامام الصادق (علیه السلام) فقدثبت على الحق بعض الاصحاب من دون ادنى شك وقد تقدم ذكر بعض هولاء .لكن بعض الادعاءات ظهرت باحقية الامامة عبد الله بن جعفر او غيره لكنها ذهبت ادراج الرياح حينما انقشعت الغمامة وظهر للملأ صدق دعوى الامام موسى بن جعفر (علیه السلام) من حيث العلمية والمعاجز التي ظهرت على يديه لتكون برهاناً لمن

ص : 79


1- اعلام الورى –الطبرسي-ص303

ينشد الحق و من ذلك ما نبه الامام الكاظم (علیه السلام) لاصحابه على امر مهم واختبرهم فكانوا اهلاً لذلك ومنهم :

1- صفوان بن مهران الجمال

فان الامام الكاظم (علیه السلام) قد نبه صفوان الى اعانة الظلم ينبغي ان لاتكون من الذين ينتسبون اليه ,وذلك قال صفوان بن يحيى : دخلت على ابي الحسن الاول (علیه السلام) فقال لي : ياصفوان كل شئ منك حسن جميل ما خلا شيئاً واحداً.قلت : جعلت فداك أي شئ ؟ قال : اكرؤك جمالك من هذا الرجل –يعني هارون – قلت : والله ما اكريته أشراً ولا بطراً ولا للصيد ولاللهو ولكني اكريته لهذا الطريق –يعني طريق مكة – ولا اتولاه ولكن ابعث معه غلماني .فقال لي : يا صفوان أيقع اكراك عليهم ؟ قلت : نعم جعلت فداك . فقال لي : اتحب بقائهم حتى تخرج كراك .قلت نعم . قال : فمَن أحب بقائهم فهو منهم ,ومن كان منهم كان ورد النار .

فقال صفوان : فذهبت وبعت جمالي عن آخرها ,فبلغ ذلك الى هارون فدعاني وقال : ياصفوان بلغني أنك بعت جمالك ؟

قلت : نعم .فقال : لمَ ؟ قلت : أنا شيخ كبير وان الغلمان لايفون بالاعمال .

فقال : هيهات هيهات إني لااعلم من اشار عليك بهذا أشرك موسى بن جعفر .

قلت : دع عنك ,فوالله لولا حسن صحبتك لقتلتك . (1)

تعقيب

قد يكون اكراء الجمال وحمل الحجاج عليها من الامور المحببة التي شرعها الاسلام وذلك لقضاء حوائج الاخوان وحينذاك فهو امر عبادي لاداء مناسك الحج .

ص : 80


1- رجال الكشي-لابي عمرو الكشي-ص373-374

لكن اذا كان بأمر من الظلمة فيكون العمل بأوامرهم وامتثالها والدعاء لهم بل ومشاركتهم

فحينئذ يكون من الظلم الذي يؤدي الى حرمة فعله وهذا ماحاول الامام (علیه السلام) تجنبه لصفوان الجمال

والامر الآخر : هو ان هذا العمل مادام يجني اموالاً طائلة فانه يرغب هؤلاء ذوي الاعمال ان يبقى هؤلاء الجبابرة ليس لخدمة المسلمين وانما خدمة لاموالهم ,وحينئذ فان وجودهؤلاء الظلمة رغم الظلمهم فهو ركون لافعالهم والرضا بها مهما كانت ,وهذا ينافي النهي عن المنكر وهو يرضى بمنكرهم .

2- ابو خالد الزبالي

قد يكون من الثابتين على مبدأ الحق ابو خالد الزبالي وهذا ما اشار اليه الامام موسى (علیه السلام) حينما ورد ابو خالد على ابي الحسن موسى ( ع)وقد حمله المهدي فلما رجع قال –ابو خالد- ودعته وبكيت .فقال : ما يبكيك يا اباخالد ؟ فقلت : جعلت فداك قد حملك هؤلاء ولاادري ما يحدث .

فقال : اما في هذه المرة فلاخوف علّي منهم وانا عندك يوم كذا في شهر كذا في ساعة كذا

فانتظرني عند اول ميل ومضى .

قال : فلما ان كان في اليوم الذي وصفه لي خرجت الى اول ميل فجلست انتظره حتى اصفرت الشمس وخفت ان يكون قد تأخر عن الوقت فقمت وانصرفت فاذا أنا بالسواد قد اقبل ومناد ينادي من خلفي فاتيته فاذا هو ابو الحسن (علیه السلام) على بغلة له .

فقال لي : ايهاً يااباخالد . فقلت : لبيكي يابن رسول الله ,الحمد لله الذي حفظك من ايديهم ,فقال لي : ياأباخالد أما إنلي اليهم عودة لااتخلص من ايديهم .(1)

ص : 81


1- اعلام الورى-الطبرسي-ص306

تعقيب

قد يكون ابو خالد خاف من عدم حضور الامام (علیه السلام) وايفائه بالوعد ,وهذا ليس من ديدن الامام (علیه السلام) وليس من اخلاقه ,ولذا استعجل الامر وحاول الانصراف .لكن ذلك ليس مدعاة الى عدم الاهتمام الامام به خصوصاً وان ابا خالد ان لم يحضر الامام موسى (علیه السلام) فقد حكم عليه اما بالقتل من قبل المهدي العباسي او الاضرار به ,لكن شاء تعالى ان يحفظ الامام (علیه السلام) ويفي بوعده وقد واعده بعودة اخرى لايمكن الرجوع منها لان هؤلاء الظلمة يحاولون جهدهم القضاء على الامام ابي ابراهيم (علیه السلام) . وهذا ما اوضحه الامام (علیه السلام) كي يكون ابو خالد عن بينة من امره ولتستمر الامامة ولاتنقطع بموته .فهل ياترى يثبت ابوخالد على نهج الامامة ام يحيد عنها ؟

3- اسحاق بن عمار

من اصحاب الامام الصادق (علیه السلام) اسحاق بن عمار كما تولّى الامام الكاظم (علیه السلام) الا انه لم يكن يفهم ان الامام اباابرهيم (علیه السلام) يعلم ما في المستقبل من الامور الغيبية بإذن الله تعالى ,وهذا ما شكك به اسحاق.

فقد قال : سمعت اباالحسن (علیه السلام) قد نعى الى رجل نفسه فقلت في نفسي ك : وانه ليعلم متى يموت الرجل من شيعته ,فالتفت اليّ شبه المغضب وقال : يااسحاق قد كان رُشيد من المستضعفين فعلم علم المنايا والبلايا ,والامام اولى بذلك .يااسحاق اصنع ماانت صانع فعمرك قد فنى وانت تموت الى سنتين واخوتك واهل بيتك لايلبثون بعدك حتى تفترق كلمتهم ويخون بعضهم بعضاً ويشمت بهم عدوهم , فلم يلبث اسحاق بعد ذلك الاسنتين حتى مات ,وقم بنو عمار باموال الناس وافلسوا اقبح إفلاس (1)

تعقيب

ص : 82


1- اثبات الوصية –المسعودي –ص209

قد يكون من اليسر ان يعتقد المرء بامامةالامام الكاظم (علیه السلام) من ناحية العلم والشجاعة والعبادة وغيرها . الا انه يعتقد بعلم الغيب فهذا امر لايمكن تصوره او الاعتقاد به وهذا ما كان في دخيلة اسحاق فهو يؤمن باحقيته للامامة الا ان علم الغيب من الصعوبة الاعتقاد به فان القرآن الكريم يقول(فقل انما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين)

لكن ذلك وان كان من مختصات رب العالمين إلاانه يمكن ان يطلع رسله وانبيائه واوليائه عليه والقرآن الكريم قد ذكر في عدة آيات ان الانبياءكانوا يعلمون الغيب بل والرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم كان يعلم الغيب عن طريق الوحي المبين,وكذلك رُشيد الهجري الذي لم يكن لانبياً ولاولياً بل هو عبد كان عنده علم المنايا والبلايا فكيف بالامام من نسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذين حباهم تعالى ليكون القادة الهداة والمنقذي الامة من الضلال

و المهم من ذلك هو أن الشك من قبل اسحاق بن عمار بقدرة الامام موسى بن جعفر (علیه السلام) و بعلمه الغيب فهو شك بامامته وهذا غير مرغوب فيه لمن يعتقد بامامة الائمة الطاهرين و السير على نهجهم القويم .

4- علي بن يقطين

فقد ثبت على الحق رغم الظروف القاهرة التي احيطت به و الاتهامات و الافتراء عليه .لكن كل ذلك و حاول علي بن يقطين أن يتخلى عن منصبه في الوزارة الا انه فشل في ذلك و الامام الكاظم (علیه السلام) ضمن له الجنة مقابل قضاء حوائج المؤمنين .

ص : 83

قال الحسين بن عبد الرحيم : قال ابو الحسن (علیه السلام) لعلي بن يقطين اضمن لي خصلة أضمن لك ثلاثاً . فقال علي : جعلت فداك و ما الخصلة التي أضمنها لك و ما الثلاث اللواتي تضمنهن لي ؟ قال : فقال ابو الحسن (علیه السلام) : الثلاث اللواتي أضمنهن لك ان لا يصيبك حر الحديد ابداً بقتل , و لا فاقة و لا سجن حبس .

قال : فقال علي : و ما الخصلة التي اضمنها لك ؟ قال : فقال يا علي و أما الخصلة التي تضمن لي ان لا يأتيك ولي ابداً الا اكرمته . قال : فضمن له علي الخصلة و ضمن له ابو الحسن الثلاث .(1)

انارة

ان علي بن يقطين كان يخاف على نفسه من نار الآخرة رغم تسلمه منصب الوزارة . و هذا لم يحدث لو لا اصرار الامام (علیه السلام) لقبوله لهذا المنصب و ذلك لقضاء حوائج المؤمنين .

وذلك ليس من الامور اليسيرة رغم كونها معرضة للخطر إلا ان الامام موسى (علیه السلام) قد ضمن له لا الفقر يصيبه و لا السجن و لا غيرهما . و هذا ان دل على شيء فانما يدل على اختبار علي بن يقطين في دنياه .

الفصل السابع : الواقفة

اشارة

ص : 84


1- رجال الكشي-لابي عمرو الكشي-ص368

الواقفة

مضى الامام موسى بن جعفر (علیه السلام) الى سبيل ربه بعد ما قضى في السجونحقبة زمنية طويلة ,وتعددت انواع السجون من عيسى بن موسى الى السندي بن شاهك الى غير ذلك .

ص : 85

وهذا ديدن البشرية .فهم يعيشون حقبة من الزمان ثم يموتون .والقرآن الكريم دلّ على ذلك لكن بعد استشهاد الامام موسى بن جعفر (علیه السلام) ظهرت ظاهرة غريبة على المجتمع المسلم ولم يألفها الاوهي ظاهرة الوقف على ذلك الامام ولم يقروا للامام الذي بعده للامام الرضا (علیه السلام) بالولاء والطاعة رغم كثرة الادلة التي نبه عليها الامام ابو ابراهيم (علیه السلام) في حياته وفي عدة مناسبات وهذه بعضها :

1-قال الحسين بن نعيم الصحاف كنت انا وهشام بن الحكم وعلي بن يقطين ببغداد فقال علي بن يقطين : كنت عند العبد الصالح –الكاظم (علیه السلام) -جالساًفدخل عليه ابنه علي فقال لي : ياعلي بن يقطين هذا علي سيد ولدي . اما إني قد نحلته كنيتي ,

قال : فضرب هشام بن الحكم جبهته براحته وقال : ويحك كيف قلت ؟ فقال علي بن يقطين : سمعته والله منه كما قلت ! قال هشام : إن الامر فيه من بعده .(1)

2-قال داود الرقي : قلت لابي الحسن موسى (علیه السلام) : إني قد كبرت سني ودق عظمي واني سألت أباك (علیه السلام) فاخبرني بك . فاخبرني من بعدك ؟ فقال : هذا ابو الحسن الرضا (2)

3-عن داود بن زربيّ قال : جئت الى ابي ابراهيم (علیه السلام) بمال ,فاخذ بعضه وترك بعضه,فقلت : اصلحك الله رأي شئ تركته عندي ؟ قال : إن صاحب هذا الامر يطلبه منك ,فلماجاءنا نعيه بعث اليّ ابو الحسن (علیه السلام) ابنه فسألني ذلك المال,فدفعته اليه(3)

4-قال محمد بن اسحاق بن عمار قلت لابي الحسن الاول (علیه السلام) ألا تدلني على من آخذديني عنه ؟ فقال : هذا ابني عليّ إن ابي أخذ بيدي وادخلني الى قبر رسول الله صلى

ص : 86


1- اعلام الورى –الطبرسي-ص315
2- اصول الكافي-الكليني-ج1-ص249-ح5
3- اصول الكافي-الكليني-ج1-ص250-ح13

الله عليه وآله وسلم وقال : يابني إن الله عزوجل قال : إني جاعل في الارض خليفة . إنالله تعالى واذا قال قولاً وفى به(1)

إن هذه الاحاديث الشريفة تدل على أن الامامة الى ولده الامام الرضا (علیه السلام) سواء كان عن طريق الفعل كما فعل حينما طلب اليه بعض المال واودعه بعض المال لداود وقال الامام الكاظم (علیه السلام) له : ان صاحب هذا الامر يطلبه منك . ام كان بالقول كما قال الامام الكاظم (علیه السلام) هذا ابو الحسن الرضا (علیه السلام) الذي يكون الامام من بعده .ام بالاشارة التي قد دلّ عليه بالاية الكريمة التي لابد ان يجعل تعالى في الارض خليفة ولاتخلو من ذلك وهو يشير الى الامام الرضا (علیه السلام) من بعده .

الامام الصادق (علیه السلام) يحذر

فقد حذر الامام الصادق (علیه السلام) من هذه الظاهرة الغريبة .بل هي احدى الفتن التي تطرأ على المجتمع الاسلامي كي يختبره ,ولذا كان يقول الحكم بن عيص : دخلت مع خالي سليمان بن خالد على ابي عبدالله (علیه السلام) فقال : ياسليمان من هذا الغلام ؟

فقال : ابن اختي .فقال : يعرف هذا الامر ؟فقال : نعم .فقال : الحمد لله الذي لم يخلقه شيطاناً ثم قال : ياسليمان نعوذ بالله من ولدك فتنة شيعتنا .قلت : جلت فداك وما تللك الفتنة ؟

قال : انكارهم الائمة ووقوفهم على ابني موسى . قال : ينكرون موته ويزعمون ان لا الامام بعده اولئك شر الخلق (2)

إن الامام الصادق (علیه السلام) ينكر من لايعترف باستشهاد ولده (علیه السلام) .لان تلك سنة الحياة سواء عاش طويل الاجل ام قصير الاجل فلا بدمن مآله الى الموت .

ص : 87


1- اعلام الورى –الطبرسي-ص315-316
2- [2] -رجال الكشي-لابي عمرو الكشي-ص389

وحذر الامام الصادق (علیه السلام) من هولاء واعتبرهم النصاب الذين يحاولون أن يغفّلوا الشيعة ويموهوا الطريق الواضح

فقد قال عمر بن يزيد : دخلت على ابي عبدالله (علیه السلام) فحدثني ملياً في فضائل الشيعة ثم قال : إن من الشيعة بعدنا منهم شرّ من النصاب .قلت : جعلت فداك بيّن لنا نعرفهم فلعلنا منهم .

قال : كلا ياعمر ما انت منهم ,انما هم قوم يفتنون بموسى (علیه السلام) (1)

فان انكار موت الامام موسى (علیه السلام) لغاية في نفوسهم تجعل ذلك من الصعوبة عدم ايضاح صورة الامامة لمن بعده خصوصاً مع وجود الاخبار التي تدل على استمرار الامامة وعدم انقطاعها .

الواقفة ليسوا بشيعة

الامام الصادق (علیه السلام) نبه الى امر مهم الا وهو ان كل من اتبعه ويعمل بسنة جده صلى الله عليه وآله وسلم لابد ان يؤمن بموت الانسان وحينئذ فلا تتوقف الحياة على شخص ,ولذا فان الامام الصادق (علیه السلام) ينكر كل من ينتسب له ولايعتبرهم شيعة حينما ينكرون استشهاد اولاده (علیه السلام) .

فقد قال ابن ابي يعفور : كنت عند الصادق (علیه السلام) اذ دخل موسى (علیه السلام) فجلس فقال ابو عبدالله (علیه السلام) : يابن ابي يعفور هذا خير ولدي واحبهم اليّ غير ان الله عزوجل يضل قوماً من شيعتنا , فانهم قوم لاخلاق لهم في الآخرة ولايكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم

ص : 88


1- رجال الكشي-لابي عمروالكشي-ص390

قلت : جعلت فداك قد ازغت قلبي عن هؤلاء .قال : يضل به قوم من شيعتنا بعد موته جزعاًعليه فيقولون : لم يمت ,وينكرون الائمة من بعده ويدعون الشيعة الى ضلالتهم. وفي ذلك ابطال حقوقنا وهدم دين الله ,يابن ابي يعفور والله ورسوله منهم بريء ونحن منهم براء(1)

إن الامام الصادق (علیه السلام) يبرأ من كل من ينكر وفاة الامام موسى (علیه السلام) كما يبرأ من لم يؤد حق الامامة .لان ذلك ابطال للامامة واستمرارها ,فهي استمرار للدين القويم ,وحينما تنقطع الامامة فحينئذ ينقطع الدين وهذا انكار لدين الاسلام الذي يستمر الى آخر الدهر .

الامام الرضا (علیه السلام) والوقف

وقد حمل الامام علي بن موسى الرضا (علیه السلام) حملة شعواء على من ينكر حقه ونحلهم بعدة اوصاف :

منها : بانهم زنادقة .قال ابراهيم بن ابي البلاد لابي الحسن الرضا : ذكرت الممطورة وشكهم ,فقال : يعيشون ما عاشوا في شك ثم يموتون زنادقة (2)

ومنها : انهم حيارى .فقد قال عمر بن فرات قال سألت اباالحسن الرضا (علیه السلام) عن الواقفة قال يعيشون حيارى ويموتون زنادقة (3)

ومنها : انهم معاندون عن الحق .فقد قال علي بن عبدالله الزهري : كتبت الى ابي الحسن (علیه السلام) أسأله عن الواقفة ؟ فكتب الواقف عاند عن الحق ومقيم على سيئة ان مات بها كانت جهنم مأواه وبئس المصير .(4)

ص : 89


1- رجال الكشي-لابي عمرو الكشي-ص392-393
2- المصدر نفسه –ص392
3- المصدر نفسه-ص391
4- المصدر نفسه –ص387-388

ومنها : انهم كفار مشركون . فقد قال يوسف بن يعقوب : قلت لابي الحسن الرضا (علیه السلام) اعطي هؤلاء الذين يزعمون أن اباك حي من الزكاة ؟ قال : لاتعطهم فانهم كفار مشركون زنادقة (1)

فان كل هذه الاوصاف تدل بانهم لاينتسبون الى الشيعة في شئ .بل هم من الذين يقولون مالا يفعلون .بل هم لايفقهون كثيراًمن الاحكام فهم زنادقة ولايفكرون في دينهم

الامام الرضا (علیه السلام) والحق

رغم ان الامام الصادق (علیه السلام) والامام الكاظم (علیه السلام) قد بينا ا لاهمية الامامة واستمرارها في الحياة.الا ان هنالك شخصيات وقفت على الامام موسى بن جعفر (علیه السلام) ولم تقّر بامامة علي الرضا (علیه السلام) فحاول الامام علي الرضا (علیه السلام) ان يبين لهؤلاء الحقيقة الصحيحة ,وانكاره لمبدأ الوقف وخطأ الاعتقاد بهذه الفكرة .

فكان من هذه الشخصيات

1- حسين بن بشار

فقد قال الحسين بن بشار : لما مات موسى (علیه السلام) خرجت الى علي بن موسى غير مؤمن بموت موسى (علیه السلام) ولا مقر بامامة علي (علیه السلام) الا ان في نفسي أن أسأله وأصدقه, فلما صرت الى المدينة انتهيت اليه وهوبالصوى فأستأذنت عليه ودخلت ,فأدناني والطفني واردت أن اسأله عن ابيه (علیه السلام) فبادرني فقال : ياحسين أن أردت أن ينظر الله اليك من غير حجاب وتنظر الى الله من غير حجاب فوال آلمحمد ووال ولي الامر منهم .

قال : فقلت انظر الى الله عزوجل ؟ قال : أي والله .قال حسين : فجزمت على موت ابيه وامامته .ثم قال لي : ما اردت ان آذن لك لشدة الامروضيقه ,ولكني علمت الامر الذي انت عليه .ثم سكت قليلاً ثم قال : خبرك بأمرك ؟قلت له : أجل (2)

ص : 90


1- رجال الكشي-لابي عمرو الكشي-ص388
2- المصدر نفسه-382

تعقيب

إن حسين بن بشار رغم أنه يؤمن بالموت لكل انسان الا ان الشبهة التي واجهته هي كيفية موت الامام موسى بن جعفر (علیه السلام) ولم يوصي الى بحيث يشيع أمرها حسب الظاهر .

لكن الامام علي الرضا (علیه السلام) حاول أن يفهم الحسين بن بشار أن هنالك جباراً لاتخفى عليه خافية وحينئذ اذا لم يؤمن بالموت فكيف يؤمن بحياة امامه واستشهاده ,كما أنه كيف يوالي الائمة الطاهرين الذين مضوا الى سبيل ربهم ولم يؤمن باستمرار الامامة.

فان الامام موسى (علیه السلام) قد استشهد وتولى الامامة من بعدهالامام الرضا (علیه السلام) فكما يؤمن بالامام موسى (علیه السلام) بحياته واستشهاده فلا بد ان يؤمن باستمرارالامامة لولده علي (علیه السلام) من دون اقطاع ,ولذا فان كلمة الامام الرضا (علیه السلام) هي التي اثرت على الحسين بن بشار فرجع الى الامام الرضا (علیه السلام) واقرّ بامامته

2و3- نشيط بن صالح ,خالد الجواز

قد اختلف الناس بعد وفاة الامام الكاظم (علیه السلام) رغم الادلة والبراهين في استشهاده الا ان هنالك شكوكاً شابت هذه الحادثة وقد جالت في نفويهم وهذا ما حدث به نشيط بن صالح وخالد الجواز .

فقد قال : لما اختلف الناس في امر ابي الحسن (علیه السلام) قلت –نشيط-لخالد : اما ترى ما قد وقعنا فيه من اختلاف الناس؟

فقال لي خالد : قال لي ابو الحسن (علیه السلام) عهدي الى ابني علي اكبر ولدي وخيرهم وافضلهم (1)

تعقيب

ص : 91


1- رجال الكشي-لابي عمر الكشي-ص385

قد تكون خدمة الامام موسى الكاظم (علیه السلام) من قبل هؤلاء الاصحاب والتخلق باخلاقهم هي السبب بعدم التصديق بوفاة الامام الكاظم (علیه السلام) والوقوف عليه من دون استمرار الامامة .الا ان العلامات التي ذكرها نشيط بن صالح لاتكون هنالك شائبة شك ,لان الامام موسى (علیه السلام) قد نصّ على ولده علي (علیه السلام) من ناحية الفضل وغيرها فلايمكن الايمان بغيره

5و4- الحسين بن عمر بن يزيد ,مقاتل بن مقاتل

ان ظهور الامام الرضا (علیه السلام) من بعد ابيه وما يتمتع به من علم وتقوى كما كان لابيه ذلك الاثر الوضح في اثبات امامته ولذا فان الامام علي الرضا (علیه السلام) نبه على كل من يشك في امامته ان علمه يختلف عن سائر البشر بل افضلهم واسماهم نفساً ,واكرمهم معاشرةً وبذلك اهتدى اليه الحسين بن عمر بن يزيد فقد قال : دخلت على الرضا (علیه السلام) وانا شاك في امامته وكان زميلي في طريقي رجلاً يقال له مقاتل بن مقاتل وكان قد مضى على امامته بالكوفة .فقلت له : عجلت .فقال : عندي في ذلك برهان وعلم .قال الحسين فقلت للرضا (علیه السلام) : قد مضى ابوك ؟ فقال : أي والله واني لفي الدرجة التي فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واميرالمؤمنين (علیه السلام) ومن كان أسعد ببقاء ابي منّي ثم قال : رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وامير المؤمنين (علیه السلام) ومن كان أسعد ببقاء ابي منّي .ثم قال : ان الله تبارك وتعالى يقول ((والسابقون السابقون اولئك المقربون )) العارف للامامة حتى يظهر الامام .ثم قال : مافعل صاحبك ؟

فقلت : من؟ قال : مقاتل بن مقاتل المسود الوجه الطويل اللحية الاقنى الانف .

وقال : اما اني ما رأيته ولادخل عليّ ولكنه آمن وصدق واسوصي به .قال : فانصرفت من عنده الى رحلي فاذا مقاتل راقد ,فحركته ثم قلت : لك بشارة عندي لاأخبرك بها حتى تحمد الله مائة مرة ثم اخبرته بما كان .(1)

ص : 92


1- رجال الكشي –لابي عمر الكشي-ص511

تعقيب

إن الامام الرضا (علیه السلام) لم يكن يرى مقاتل ولا غيره رغم دعائه له بالثبات على الايمان والاستمرار على ذلك كما ان الحسين بن عمر لما شاكاً اثبت الامام الرضا (علیه السلام) انه الخليفة من بعد ابيه فهو دليل على امامته من خلال اوصاف صاحبه وهدايته لدينه, وهذا دليل على البرهان والعلم الذي لم يكن يعلمه احد سوى علاّم الغيوب

6- عبدالله بن المغيرة

لعل من الصعوبة على المرء ان يعتقد بامامة الامام الكاظم (علیه السلام) ومن ثم يذهب ذلك الامام العظيم في قعر السجون الى سبيل ربه شهيداً ,ولم يعرف له اثر سوى انباء عن استشهاده لكن كيف استشهد؟ ومن الذي حاول اغتياله ؟ ومن الذي سوف يتسنم المنصب من بعده ؟

هذا ما اوضحه عبد الله بن المغيرة .فقد قال كنت واقفاً فحججت على تللك الحالة فلما صرت بمكة خلج في صدري شئ فتعلقت بالملتزم .فقلت : اللهم قد علمت طلبتي وارادتي فارشدني الى خير الاديان فوقع في نفسي أن آتي الرضا (علیه السلام) فأتيت المدينة فوقفت ببابه فقلت للغلام : قل لمولاك رجل من اهل العراق بالباب ,فسمعت ندائه : ادخل ياعبدالله بن المغيرة فدخلت فلما نظر اليّ قال : قد اجاب الله دعوتك وهداك لدينك .فقلت : اشهد انك حجة الله وامينه على خلقه .(1)

تعقيب

ان اهم ما يميز المذهب الامامي عن سائر المذاهب الاخرى هو وضوح الرؤية والعقيدة من دون غبار عليها ,ولذا حاول الامام الرضا (علیه السلام) أن يبرهن لعبد الله بن المغيرة انهم يعلمون ما في الصدور باذن الله تعالى كما استجاب دعاء عبده دون ان يتكلم امام الامام علي الرضا (علیه السلام) فهو بيان كاف في اثبات امامته من بعد ابيه (علیه السلام)

ص : 93


1- رجال الكشي –لابي عمرو الكشي-ص496

7- يزيد بن اسحاق بن شغر

قديكون الوقوف عند الشبهات خير من عدم معرفة الحق والمجازفة في اختيار العقيدة التي تؤدي الى الضلال .وهذا ما يمكن تصوره عند يزيد بن اسحاق لما قال : خاصمني مرة اخي محمدوكان مستوياً فقلت له لما طال الكلام بيني وبينه : ان كان صاحبك بالمنزلة التي تقول فأسأله أنيدعو الله ليحتى ارجع الى قولكم .

قال : قال لي محمد : فدخلت على الرضا (علیه السلام) فقلت له : جعلت فداك إن لي اخاًوهو اسن منّي وهو يقول بحياة ابيك وانا كثيراًما اناظره فقال لي من الايام سل صاحبك ان كان بالمنزل الذي ذكرت ان يدعو الله لي حتى اصير الى قولكم فاني احب ان تدعو الله لي .

قال : فالتفت ابو الحسن (علیه السلام) نحو القبلة فذكر ما شاء الله ان يذكر ثم قال : اللهم خذ بسمعه وبصره ومجامع قلبه حتى ترده الى الحق .قال وكان وكان يقول وهو رافع يده اليمنى فلما قدم اخبرني بما كان فوالله ما لبثت الا يسيراًحتى قلت الحق (1)

انارة

استجابة دعاء الامام الرضا (علیه السلام) لامراء فيها وقد شهد الاعداء قبل الاصدقاء بذلك كما ان اعتراف يزيد بان الامامة من بعدالامام موسى (علیه السلام) لولده علي الرضا (علیه السلام) دليل على حسن الاختيار ولم يكن رفضاً لذلك المبدأ الحق .

اصحاب الوقف

اشارة

هنالك شخصيات التي عاصرت الامام موسى بن جعفر (علیه السلام) ومن ثم بعد استشهاده انفصلت عنه وخالفت تعاليمه في مسيرة التشيع ,ولذا فان الائمة (علیه السلام) قد ذموا هؤلاء ولم يعتبروهم من الشيعة في شئ .ومن هؤلاء :

ص : 94


1- رجال الكشي-لابي عمرو الكشي-ص504

1- علي بن ابي حمزة البطائني

فقد حذّر الامام موسى (علیه السلام) منه , وقال (علیه السلام) : ياعلي انت واشباهك اشباه الحمير(1)

وقال يونس بن عبدالرحمن : دخلت على الرضا (علیه السلام) فقال لي : مات علي بن ابي حمزة؟ قلت : نعم .قال : قد دخل النار. قال ففزعت من ذلك قال : اماأنه سئل عن الامام بعد موسى ابي فقال : لااعرف اماماًبعده .فقيل : لا فضرب في قبره ضربة اشتعل قبره ناراً(2)

فان الائمة (علیه السلام) قد اخبروا بما لهذه الشخصية من عناد عن الحق بحيث لم يقرّ لامامه بالحق سواء كان في حياته ام بعد مماته ,وهذا ما على عناده عن الحق .

2- علي بن المكاري

فقد قال علي بن المكاري : دخلت على الرضا (علیه السلام) فقلت له : فتحت بابك للناس وقعدت للناس تفتيهم ولم يكن ابوك يفعل هذا .قال : ليس عليّ من هارون بأس فقال الامام (علیه السلام) له : اطفأ الله نور قلبك وادخل الفقر بيتك ,ويلك اما علمت أن الله اوحى الى مريم ان في بطنك نبياً فولدت مريم عيسى (علیه السلام) وعيسى من مريم ,وانا من ابي وابي منّي

فقال له : اسألك عن مسألة .فقال له : ما اخالك لتسمع مني ولست من غنمي سل .

فقال له : رجل حضرته الوفاة فقال : ماملكته قديماً فهو حر,وما لم يملك بقديم فليس بحر .

فقال : ويلك اما تقرأ هذه الاية (( والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم )) فما ملك ذلك الرجل قبل الستة الاشهر فهو قديم ,وما ملك بعد الستة الاشهر فليس بقديم .

ص : 95


1- رجال الكشي –لابي عمر الكشي-ص376
2- المصدر نفسه-ص376

قال علي بن الزيات : فخرج من عنده –الامام (علیه السلام) - فنزل به من الفقر والبلاء ما الله به عليم (1)

توضيح

ان دعاء الامام (علیه السلام) على ابن المكاري بالفقر والبلاء جاء نتيجة لعدم ايمانه به وسوء عاقبته ثم جرأته على الامام ابي الحسن الرضا (علیه السلام) والكلام بأسلوب لايتناسب مع الامام (علیه السلام) الذي يقود الامة .

3- زياد بن مروان القندي

قال الحسن بن موسى : زياد هو احد اركان الواقفة 0(2)

وقد ذكر يونس بن عبد الرحمن : مات ابو ابراهيم (علیه السلام) وليس من قوامه احد الا وعنده المال الكثير ,وكان ذلك سبب وقفهم وجحدهم موته طمعاً في الاموال ,كان عند زيادبن مروان القندي سبعون الف دينار وعند علي بن ابي حمزة ثلاثون الف دينار : فلما رأيت ذلك وتبينت الحق وعرفت من امر ابي الحسن الرضا (علیه السلام) ما علمت تكلمت ودعوت الناس ايه فبعثا اليّ وقالا ما يدعوك الى هذا .إن كنت تريد المال فنحن نغنيك وضمنا اليّ عشرة آلاف دينار وقالا : كف .فأبيت وقلت لهما : إنّا روينا عن الصادقين (علیه السلام) أنهم قالوا : اذا ظهرت البدع فعلى العالم ان يظهر علمه فان لم يفعل سلب نور الايمان . وما كنت لادع الجهاد وامر الله على كل حال ,فناصباني واضمرا لي العداوة (3)

انارة

ان زياد القندي حاول ان يستميل يونس بن عبد الرحمن لا لاجل اقراره بالامام الرضا (علیه السلام) فقط و انما لما دعا اليه من التمسك بمبدأ الامامة و استمرارها و عدم انقطاعها لا كما

ص : 96


1- رجال الكشي-لابي عمرو الكشي-ص395
2- المصدر نفسه –ص396
3- الغيبة –الطوسي-ص55-56

اداعها الواقفة فهو دعاه الحق فأجابه و بذلك ناصر يونس الامام الرضا (علیه السلام) بكل ما اوتي من علم و فهم و شجاعة في سبيل دينه و لم يتبع الباطل , و لذا فإن زياد حاول ان يغريه بالمال الجزيل كي يكون احد اعوانه و في مخططاته الشيطانية كي لا ينتشر الولاء للامام الرضا (علیه السلام) و احقيته بقيادة الامة الاسلامية . لكنه خسر و خاب سعيه في الدنيا و الآخرة .

4- حمزة بن بزيع

قال ابراهيم بن يحيى بن ابي البلاد قال الرضا (علیه السلام) : ما فعل الشقي حمزة بن بزيع؟ قلت : هو ذا قد قدم . فقال : يزعم أن ابي حيّ هم اليوم شكاك ولايموتون غداً الا على الزندقة. قال صفوان : فقلت فيمابيني وبين نفسي : شكاك قد عرفتهم ,فكيف يموتون على الزندقة ؟ فما لبثنا الا قليلاً حتى بلغنا عن رجل منهم انه قال عند موته : هو كافر برب أماته (1)

قد يكون هذا الحديث يدل على ان موت الامام موسى بن جعفر (علیه السلام) وجحدهم للامام من بعده هو الكفر ولم يؤمن بذلك ابن بزيع فغدا من الشكاك والزنادقة ,لانهم لايؤمنون باستمرارية الامامة ,ولذا فان الامام الرضا (علیه السلام) كان يقول : من جحد حقي كمَن جحد حق آبائي (2)

فان ذلك الحق هومن الواجب الاقرار به على كل من يقرّ بمبدأ الامامة والسير على نهجها .

5و6- ابراهيم واسماعيل ابنااسمال

قال الحسن بن موسى قال حدثني احمدبن محمد البزار قال لقيني مرة ابراهيم بن ابي اسمال قال فقلت : يابا حفص ما قولك؟ قال قلت قول الذي تعرف .قال فقال : ياابا جعفر أنه يأتي

ص : 97


1- الغيبة –الطوسي-ص59
2- رجال الكشي-لابي عمرو الكشي-ص512

عليّ تارة ما أشك في ابي الحسن (علیه السلام) وتارة يأتي عليّ وقت ماأشك في مضيه ,ولكن ان كان قد مضى فما لهذا الامر احد الاصاحبكم .قال الحسن : فمات على شكّه .(1)

وقال محمد بن احمد بن اسيد : لما كان من امر ابي الحسن (علیه السلام) ماكان قال ابنا ابي اسمال : فنأتي احمد ابنه .قال فاختلفا اليه زماناً فلما خرج ابو السرايا خرج احمد بن ابي الحسن (علیه السلام) معه فأتينا ابراهيم و اسماعيل و قلنا لهما : إن هذا الرجل قد خرج مع ابي السرايا فما تقولان؟ قال : فانكرا ذلك من فعله و رجعا عنه . و قالا : ابو الحسن حي نثبت على الوقف (2)

انارة

ان ابنا سمال من الذين ظهرت امامة الامام الرضا (علیه السلام) من بعد ابيه الامام موسى بن جعفر (علیه السلام) لكنهم اعيتهم الحيلة فرجعوا الى الوقف بل و انتهجوا منهاج الشك في استمرار الامامة و لذا كانت عاقبتهما خسراً.

7- محمد بن بشير

من الواقفة المستعوذين . الذي لم يضلوا انفسهم فقط بل و حاولوا اضلال جمع من المسلمين معهم . و ذلك : اما مضى ابو الحسن (علیه السلام) وقف عليه الواقفة جاء محمد بن بشير- و كان صاحب شعبذة ومخاريق معروفاً بذلك – فادعى أنه يقول بالوقف على موسى بن جعفر (علیه السلام) فان موسى (علیه السلام) هو ظاهراًبين الخلق يرونه جميعاً يتراء لأهل النور بالنور ولأهل الكدورةفي مثل خلقهم بالانسانية والبشرية اللحمانية,ثم حجب الخلق جميعاً عن ادراكه.وهو قائم فيهم موجود كما كان غير انهم محجوبون عن ادراكه كالذي كانوا يدركونه.وكان محمد بن بشير هذا من أهل الكوفة من موالي بني اسد وله اصحاب قالوا : ان موسى بن جعفر لم يمت ولم يحبس وانه غاب واستتر وهو القائم المهدي ,وانه في وقت غيبته استخلف على الامة محمد بن بشير وجعله وصيه واعطاه خاتمه وعلمه جميع

ص : 98


1- رجال الكشي – لابي عمرو الكشي-ص400
2- المصدر نفسه-ص400

ما يحتاج اليهرعيته في امر دينهم ودنياهم وفوضاليهجميع امره واقامه مقام نفسه, فمحمد بن بشير الامام بعده .(1)

وقد كذبه الامام موسى بن جعفر (علیه السلام) وبرأمنه. فقد قال بن ابي حمزة البطائني : سمعت ابا الحسن موسى (علیه السلام) يقول : لعن الله محمد ين بشير واذاقه حر الحديد ,أنه يكذب عليّ برئ الله منه وبرئت الى الله منه اليهم إني ابرأ اليك مما يدعى فيّابن بشير ,اللهم ارحني منه ثم قال : ياعلي ما أحد اجترأ أن يتعمد علينا الكذب إلا أذاقه الله حر الحديد ,وان بناناًكذب على علي بن الحسين (علیه السلام) فاذاقه الله حر الحديد ,وان المغيرة ين سعيد كذب على ابي جعفر (علیه السلام) فاذاقه الله حر الحديد وان ابا الخطاب كذب على ابي فاذاقه حر الحديد ,وان محمدبن بشير لعنه الله يكذب علي برئت الى الله منه ,اللهم إني أبرأاليك مما يدعيه فيّ محمد بن بشير , اللهم ارحني منه, اللهم إني أسألك أن تخلصني من هذا الرجس النجس محمد بن بشير فقد شارك الشيطان اباه في رحم امه .(2)

اشارة

إن محمد بن بشير حاول أن يضل الامة الاسلامية عن طريق ادعائاته الكاذبة من حيث اعتبار الامام موسى (علیه السلام) لم يمت و انما غاب و سوف يظهر بعد مدة و ادعى تارةً اخرى ان الامام موسى (علیه السلام) أقامه مقامه فكان وحياً له و هكذا غيرها. كل هذه الامور لمّ تخفى على الامام موسى (علیه السلام) حيث حذر منه و دعا عليه و برأ منه في حياته . فكيف يكون وصياً من دعا عليه و برأ منه و من أفعاله الامام موسى بن جعفر (علیه السلام) ؟

شخصيات وقفت على الامام موسى (علیه السلام)

من الذين اعتقدوا بالوقف و انجرفوا نحو هذا الامر عدة شخصيات ذكرها الشيخ الطوسي (رحمه الله)

ص : 99


1- رجال الكشي-لابي عمرو ىالكشي-ص405
2- المصدر نفسه –ص408-409

1-احمد بن زياد الخزاز

2-احمد بن السري

3-اسحاق بن جرير

4-ابراهيم بن شعيب

5-ابراهيم بن عبد الحميد

6-احمد بن الفضل الخزاعي

7-احمد بن الحسن الميثمي

8-احمد بن الحارث

9-امية بن عمرة

10-بكر بن محمد بن جناح

11-جعفر بن حيان

12-جندب بن ايوب

13-جعفر بن سماعة

14-الحسن بن المختار

15-حنان بن سدير

16- الحسن بن محمد بن سماعة

17-الحسين بن مخارق

ص : 100

18-الحسين بن موسى

19-الحسين بن كيسان

20-الحسين بن قياما

21-درست بن ابي منصور

22-داود بن الحصين

23-زرعة بن محمد الحضرمي

24-زيد بن موسى

25-سلمة بن حيان

26-سعد بن خلف

27-سماعة بن مهران

28-سعد بن ابي عمران

29-عبد الكريم بن عمرو الخثعمي

30-عثمان بن عيسى الرواسي

31-علي بن الخطاب

32-علي بن الحسن الطاطري

33-عبدالله بن عثمان الحناط

34-عبدالله القصير

ص : 101

35-عبدالله النخاس

36-عبدالله بن القاسم الحضرمي

37-غالب بن عثمان

38-القاسم بن محمد الجوهري

39-موسى بن بكر الواسطي

40-منصور بن يونس

41-محمد بن عمر

42-محمد بن بكر بن جناح

43-محمد بن عبدالله الجلاد

44-يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين (علیه السلام)

45-يزيد بن خليفة

46-يحيى بن القاسم الحذاء

47-يوسف بن يعقوب

48-ابو جنادة الاعمى

49-ابو جعدة

50-ابو جبل(1)

ص : 102


1- رجال الطوسي-محمد بن الحسن الطوسي-ص331-347

لماذا الوقف ؟

اذا كانت شبهة الوقف على الامامة لكثرة الشخصيات الاسلامية .فان استشهاد الامام الحسين بن علي (علیه السلام) في معركة الطف الخالدة مع اولاده واصحابه ولم يبق سوى الامام علي بن الحسين (علیه السلام) وحيداً فريداً من اهل البيت (علیه السلام) اولى بالوقف في هذا الامر .

وهذا الامر قد يثير كثير من التساؤلات ولعل اهمها : لماذا الوقف على الامامة الكاظم (علیه السلام) دون غيره من آبائه الطاهرين (علیه السلام) ؟

ولماذااثيرت مسألة الوقف على الامام موسى (علیه السلام) وظهرت بعد استشاده من دون أن تظهر في عصر ابيه الصادق (علیه السلام) ؟

وماهي الدوافع التي دفعت هكذا شخصيات بارزة كانت تتخذ من الائمة (علیه السلام) ملاذاً لهم ومن ثم تنقلب على الاعقاب؟

وماهي الدوافع الحقيقية التي دفعت هكذا شخصيات بانكار امامة الرضا (علیه السلام) ؟

ولماذا لم يبحثوا عن الحقيقة التي تساعدهم على فهم الواقع الذي كانوا يعيشون فيه ؟

وهكذا غيرها من التساؤلات ؟

لماذا الوقف على الامامة الكاظم (علیه السلام)

قد لايكون الوقف على امامة الامام موسى بن جعفر (علیه السلام) هو الاول من نوعه .فبعد استشهاد الامام الصادق (علیه السلام) قد الامر بعينه إلا ان الغمامة قد انقشعت ولعل السلطة الحاكمة كانت السبب الرئيسي في عدم بروز الامام موسى (علیه السلام) على الساحة السياسية فان اظهاره للجماهير مدعاة للقضاء عليه , وهذا ما شهدبه ابوايوب النحوي لما قال : بعث اليّ ابو جعفر المنصور في جوف الليل فأتيته فدخلت عليه وهو جالس على كرسي وبين يديه شمعة وفي يده كتاب قال : فلّما سلمت عليه رمى بالكتاب إليّ وهو يبكي فقال لي : هذا

ص : 103

كتاب محمد بن سليمان يخبرنا أن جعفر بن محمد قد مات فانالله وإنّا اليه راجعون –ثلاثاً- واين مثل جعفر ؟ ثم قال لي : اكتب . قال : فكتبت صدر الكتاب ,ثم قال : اكتب إن كان اوصى الى رجل واحد بعينه فقدمه واضرب عنقه . قال : فرجع اليه الجواب أنه قد اوصى الى خمسة واحدهم ابو جعفر المنصور ومحمد بن سليمان وعبد الله وموسى وحميدة (1)

فان المنصور حاول أن يقتل كل من يكون وصياً للامام جعفر (علیه السلام) . فكيف للجماهير ان تعرف الوصي من بين هؤلاء الخمسة ؟

لماذا لم يبحث عن الامام (علیه السلام) ؟

هنالك كثير من الاصحاب الامام جعفر بن محمد قد اتضحت لهم الرؤية من خلال النص على امامة الامام الرضا (علیه السلام) وحنيئذ فلا حاجة بعد استشهاد الامام موسى بن جعفر (علیه السلام) الى أن تتوقف الامامة .فقد قال الحسين بن نعيم الصحاف : كنت أنا وهشام بن الحكم وعلي بن يقطين ببغداد . فقال علي بن يقطين .كنت عند العبد الصالح جالساً فدخل عليه ابنه علي . فقال لي : ياعلي بن يقطين هذا علي سيد ولدي أماإني قد نحلته كنيتي ,فضرب هشام بن الحكم براحته جبهته ,ثم قال : ويحك كيف قلت ؟ فقال علي بن يقطين : سمعت والله منه كما قلت , فقال هشام : اخبرك أن الامر فيه من بعده (2)

البحث الناجح

الاختبار الذي نال اصحاب الامام الصادق (علیه السلام) الذي من أجله ثبت من ثبت و زاغ قلبه من زاغ جرى على أصحاب الامام الكاظم (علیه السلام) و هذا ما نقله هشام بن سالم قال : كنّا

ص : 104


1- اصول الكافي –الكليني-ج1-ص247-248-ح13
2- المصدر نفسه-ص248-249-ح1

بالمدينة بعد وفاة ابي عبد الله (علیه السلام) أنا و محمد بن نعمان صاحب الطاق و الناس مجتمعون على عبدالله بن جعفر فدخلنا عليه فسألناه عن الزكاة في كم تجب؟ قال : في مائتي درهم خمسة دراهم .قلنا : ففي مائة ؟ قال : درهمان و نصف ؟ قال : فخرجنا ضلالاً ما ندري الى اين يتوجه و الى من نقصد ,نقول الى المرجئة؟ الى القدرية , الى المعتزلة, الى الخوارج الى الزيدية .......(1)

لكن هؤلاء اهتدوا الى الامامة من خلال اختيار الامام حتى بان لهم صحة ما يقوله الامام موسى (علیه السلام) فأمنوا به و دافعوا عنه .

النص الصريح

إن الامام موسى بن جعفر (علیه السلام) نصّ على ولده الامام علي الرضا (علیه السلام) في عدة مناسبات و عدة اماكن خصوصاً على الذين وقفوا على امامته من بعده فقد قال زياد بن مروان القندي-و كان من الواقفة – دخلت على ابي ابراهيم وعنده ابنه ابوالحسن

فقال : يا زياد هذا ابني كتابه كتابي و كلامه كلامي و رسوله رسولي وما قال فالقول قوله (2)

فإن الامام يؤكد قول الامام علي الرضا (علیه السلام) فهويحل محله في كل شئ. فلماذا الوقف و عدم الاعتراف بإمامته؟

ما هي الدوافع ؟

لعل الدافع المادي هو الذي دفع بهذه الشخصيات الى التوقف على امامة الامام موسى الكاظم (علیه السلام) . فقد قال احمد بن حماد : كان احد القوام عثمان بن عيسى الرواسي و كان يكون بمصر و كان عنده مال كثير و ست جواري قال : فبعثت اليه ابو الحسن الرضا (علیه السلام) فيهنّ وفي المال قال : فكتب اليه : أن أباك لم يمت .قال : فكتب اليه : إن ابي قد مات و قد

ص : 105


1- اعلام الورى-الطبرسي-ص302
2- المصدر نفسه-ص316

قسمنا ميراثه و قد صحت الاخبار بموته و احتج عليه فيه .قال : فكتب اليه أن لم يكن ابوك مات فليس لك من ذلك شئ و ان كان قد مات على ما تحكي ,فلم تأمرني بدفع شئ اليك و قد اعتقت الجواري و تزوجتهنَّ(1)

دفاع الشيخ الصدوق

اشارة

دافع الشيخ الصدوق (رحمه الله ) عن سبب وجود هكذا مال كثير عند وكلاء الامام الكاظم (علیه السلام) فقال : لم يكن موسى بن جعفر (علیه السلام) ممن يجمع المال و لكنه حصل في وقت الرشيد و كثر أعدائه و لم يقدر على تفريق ما كان يجمع الاعلى القليل ممن يثق بهم في كتمان السر فاجتمعت هذه الاموال لأجل ذلك وأراد أن لا يحقق على نفسه قول من كان يسعى به الى الرشيد و يقول : إنه تحمل الاموال و يعتقد له الامامة و يحمل على الخروج عليه و لولا ذلك لفرق ما إجتمع من هذه الاموال على انها لم تكن أموال الفقراء و إنما كانت اموال يصل بها مواليه ليكون له اكراماً منهم له و براً منهم به (علیه السلام) (2)

رد الدفاع .

أن من المعلوم الذي لا إشكال فيه أن الامام موسى (علیه السلام) ليس بحاجة الى الاموال كي يجمعها ويفرقها .لانه غني بإذنه تعالى هذا اولاً

وثانياً : إن هذه الاموال ليس معناها ان الامام (علیه السلام) كان يودعها لدى بعض اصحابه خوفاًعلى نفسه ,وإنماكان يدفعها كي يصرفها على الفقراء والمساكين وحينئذ فالخطأ نشأ من جمع الاموال لدى هؤلاء الذين اغراهم الشيطان فطمعوا بها وأنكروا امامة الامام الرضا (علیه السلام) .

وثالثاً : قال الشيخ الصدوق (واراد أن لايحقق على نفسه قول من كان يسعى به الى الرشيد) فقد تحقق من ذلك حينما جاء ابن اخيه محمد بن اسماعيل بن جعفر الى عمه علي بن

ص : 106


1- عيون اخبار الرضا-الصدوق-ص130-ح3
2- المصدر نفسه-ص130-ح3

جعفر وقال : يا عم إني اريد بغداد وقد أحببت أن اودع عمي أبا الحسن وأحببت أن تذهب معي اليه .فقال علي بن جعفر : فخرجت معه نحو أخي وهو في داره التي بالحوبة -------حتى قال محمد بن اسماعيل للرشيد : ما ظننت أن في الارض خليفتين حتى رأيت عمي موسى يُسلم عليه بالخلافة (1)

ورابعاً : إن قول الصدوق رحمه الله(أن تلك الاموال إنما كانت اموال يصل بها مواليه ليكون له اكراماً منهم وبراً منهم به (علیه السلام) (2) .

يبدو أن الاموال كانت تصل الى الامام موسى (علیه السلام) سواء كانت صلة ام غيرها لاحاجة له (علیه السلام) لها سوى قضاء حواءج المؤمنين والمحتاجين وحينئذ لما كان في السجون فلا يمكنه التصرف بتلك الاموال خصوصاًبعد المراقبة الشديدة عليه من قبل الظلمة ,وهذا إن دلّ على شئ فإنما يدل على أن الامام (علیه السلام) ليس من ديدنه جمع الاموال سواء كان في الشدة ام الرخاء .بل ينفقها على اقربائه وفقراء المسلمين في ارجاء المعمورة .

ولعل الدليل على هذه الاموال للفقراء كان يقول الامام (علیه السلام) للرشيد حينما سأله عن العيال ؟ قال (علیه السلام) : يزيدون على الخمسمائة .قال –الرشيد- : اولاد كلهم ؟ قال – (علیه السلام) - : لا أكثرهم موالي وحشم ---(3)

ودفع اليه الرشيد بعد ذلك بصرة سوداء فيها مائتا دينار ثم اقبل على الفضل بن الربيع فقال له : اذهب بهذه الى موسى بن جعفر وقل له : يقول لك أمير المؤمنين : نحن في ضيقة وسيأتيك برنا بعد وقت (4)

ص : 107


1- اصول الكافي –الكليني-ج1-ص404-405-ح8
2- عيون اخبار الرضا-الصدوق-ص130-ح3
3- المصدر نفسه-ص109-111-ح11
4- المصدر نفسه -109-111-ح11

خامساً : إن الوكلاء ينبغي ان يؤدوا الامانات الى اهلها فبعد رحيل الامام موسى (علیه السلام) ينبغي أن تعطى تلك الاموال الى الامام علي الرضا (علیه السلام) وهذا ما لم يفعله هؤلاء الذين طمعوا في المال فكانت عاقبتهم خسراً

الدافع الثاني : انكار الامامة

انكار الامامة واستغلال ذلك الظرف كي يحقق هؤلاء مآربهم الشيطانية ,ولعل من أهمها توجيه الاضواء نحوهم والتفرد بالحكم والمال من دون هنالك سبب يبيح لهم ذلك . وهذا ما اعلن عنه يونس بن عبد الرحمن لما قال : لما مات ابو الحسن (علیه السلام) وليس من قوامه أحد الا وعنده المال الكثير فكان ذلك سبب وقوفهم وجحودهم لموته. وكان عند زياد بن القندي سبعون ألف دينار وعند علي بن ابي حمزة ثلاثون ألف دينار .

قال : فلما رأيت ذلك وتبين لي الحق وعرفت من امر ابي الحسن الرضا (علیه السلام) ما عرفت تكلمت ودعوت الناس .قال : فبعثا اليّ وقالا لي : ما يدعوك الى هذا ؟ ان كنت تريد المال فنحن نغنيك وضمنا لي عشرة آلاف دينار وقالا لي : كف فأبيت فقلت لهما : إنا روينا عن الصادقين (علیه السلام) أنهم قالوا : اذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه فإن لم يفعل سلب نور الايمان وما كنت لأدعالجهاد في امر الله عز وجل على كل حال فناصباني وأظهرا لي العداوة .(1)

فان وجودالاموال مدعاة الى جمع اكثر عدد من اصحاب الامام الكاظم (علیه السلام) كي يعينوهم على استغلال هذه الفرصة السانحة كي ينفردوا بالمال والادعاءات الكاذبة .

الدافع الثالث : التعصب

فان عدم الاعتراف بالامامة مع وجود البراهين على ذلك مدعاة الى التعصب الاعمى والاتجاه نحو الضلال, وحينئذ فلا مجال لاصحاب الامام الكاظم (علیه السلام) سوى مقارعة وهتك

ص : 108


1- عيون اخبار الرضا-الصدوق-ج1-ص129-ح2

ستر الشيطان لتبرز الحقيقة جلية امام المسلمين ,وهذا ما فعله يونس بن عبد الرحمن وغيره حينما حاول الواقفة اغرائهم بالمال ولكنهم رفضوا ذلك فناصبوهم العداء

الدافع الرابع : الاختبار

فان الامام موسى بن جعفر (علیه السلام) حاول ان يختبر هولاء الاصحاب في مواقع الفتن. فهل ياترى يستمرون ويوفون بالعهد ام ينقلبون على الاعقاب ؟ وهذا ما حدث لما كان في بدأ الواقفة انه كان اجتمع ثلاثون الف دينار عند الاشاعثة لزكاة مالهم وماكان يجب عليهم فيها فحملوه الى وكيلين لموسى (علیه السلام) بالكوفة احدهما حنان السراج والاخر كان معه , وكان موسى (علیه السلام) في الحبس فأتخذا بذلك دوراً وعقدا العقود واشتريا الفلات ,فلما مات موسى فانتهى الخبر اليهما انكرا موته واذاعا في الشيعة أنه لايموت لانه هو القائم فاعتمدت عليه طائفة من الشيعة وانتشر قولهما في الناس حتى عند موتهما اوصيا بدفع المال الى ورثة موسى (علیه السلام) فاستبان للشيعة أنهما قالا ذلك حرصاًعلى المال (1)

مسك الختام

ان مبحث الوقف على الامام موسى الكاظم (علیه السلام) ليس من الامور الغريبة بل في كل عصر يمكن أن يحدث . لكن ما هو التكليف الشرعي و العقلي لدى من يدعي و يعمل بسنة

ص : 109


1- رجال الكشي-لابي عمرو الكشي-ص390-391

النبي (صلى الله عليه وآله و سلم) واهل البيت (عليهم السلام) ؟ وما تقدم بعض النماذج التي ظهرت ان هنالك من الاصحاب من استمر على الحق حتى وفاته ، وبعضهم تزلزلت عقيدتهم و لم ينكر الامامة و انما كانوا يحتاجون الى البرهان كي يؤمنوا بالامام الذي يلي الامام موسى بن جعفر (علیه السلام) و حينما ظهرت لهم البراهين آمنوا به و صدقوه .

و بعضهم أنكروا مبدأ الامامة باستشهاد الامام موسى بن جعفر (علیه السلام) و استغلوا تلك الفرصة كي تكون الأضواء نحوهم فحاولوا استغلال المال و صحبة الامام (علیه السلام) فنالوا حظهم من الدنيا الدنية و كانت عاقبتهم سوءً .فهؤلاء ليسوا في الحقيقة من الشيعة في شئ سوى الاسم فقط ، وحينما ينسبون الى الشيعة فهذا من الخطأ الصريح لأنهم خالفوا تعاليم الائمة الطاهرين (علیه السلام) بعد اتضاح معالم التشيع .

هذا وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

و الصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين

أحمد السيد نوري الحكيم

النجف الأشرف

23-جمادي الآخرة -

1433ه

ص : 110

ص : 111

ص : 112

ص : 113

ص : 114

ص : 115

ص : 116

ص : 117

ص : 118

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.