عبد الحميد بن أبي الحديد المعتزلي ومنهجه التاريخي في شرح نهج البلاغة

هویة الکتاب

عبد الحميد بن أبي الحديد المعتزلي

ومنهجه التاريخي في شرح نهج البلاغة

أ.د.السيد عبد الحليم المدني

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.

صدق الله العلي العظيم

(آل عمران:18)

ص: 2

الإهداء

إلى أمير المحرومين:

علي بن أبي طالب

وإلى شريف أهل البيت:

أبي الحسن الرضي

وإلى سفط العلم:

عبد الحميد بن ابي الحديد المعتزلي

وإلى علم العلماء:

عبد الكريم بن علي المدني الحسيني

جهدي المتواضع

عبد الحليم المدني

ص: 3

مقدمة مؤسسة مسجد السهلة المعظم

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على سيد الانبياء والمرسلين محمد النبي الكريم المبعوث رحمة للعالمين وعلى أهل بيته الكرام البررة الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

توالت الشروح على نهج البلاغة منذ عهد قريب من عصر السيّد الشريف الرضي (قدس سره) بما يربو على السبعين شرحاً، وممّن شرحه:السيّد علي بن الناصر المعاصر للشريف الرضي، واسم كتابه ( أعلام نهج البلاغة )، وهو أوّل الشروح وأقدمها، ولكن شرح النهج لابن ابي الحديد يعد

أشهر كتاب في موضوعه. احتوى على ما لم يحتو عليه كتاب من جنسه، كما قال ابن الفوطي. جمع فيه ابن أبي الحديد تفصيلَ ما انطوى عليه (نهج البلاغة) من السير والوقائع والأحداث، مورداً في كل موضع ما يناسبه من الأشباه والنظائر، ودقائق علم التوحيد والعدل، وما يستدعي الشرح ذكره من الأمثال والأنساب والحكم والآداب. قال ابن يحيى - صاحب نسمة السحر-: (جمع فيه العجائب، ودل على فضله وغزارة مادته). ألفه بتكليف من الوزير العلقمي، صدر يوم 1/ رجب /644ﻫ فأنجزه في خمس سنين: هي كما يقول مقدار خلافة الإمام علي (علیه السلام) وذلك في آخر صفر سنة 649ﻫ.. وافتتح الكتاب بإهدائه للوزير، ثم بذكر لمع من أخبار الإمام على (علیه السلام) ألحقها بترجمة الشريف الرضي (قدس سره) : جامع (نهج البلاغة)، الذي يضم (242) خطبة و(78) رسالة و(498) كلمة للإمام علي (علیه السلام) . وقد بنى الكتابَ على مناقضة شرح القطب الراوندي لنهج البلاغة. طبع الكتاب لأول مرة في إيران على الحجر في مجلدين، سنة 1853م 1269ﻫ ثم في مصر سنة 1329ﻫ في أربعة مجلدات، ضم كل مجلد خمسة أجزاء من الكتاب، ثم طبع بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم سنة 1958م و1965م في عشرة مجلدات ضخمة. وله غير ذلك من الطبعات.

إنَّ النظرة الفاحصة لموسوعة ابن أبي الحديد (شرح نهج البلاغة) تكشف عن ثلاثة موضوعات دارت عليها بحوثها، هي:

الأوّل: شرح خطب وكلمات علي (علیه السلام) ، وتأويل كلماته التي يظهر منها خلاف معتقد المعتزلة ، وكذلك تأويل أحاديث النبي (صلی الله علیه و آله) .

الثاني: الردُّ على السيد المرتضى في كتابه (الشافي في الإمامة) الرادّ فيه على الجزء المتم للعشرين من كتاب المغني للقاضي عبد الجبار المعتزلي والذي ردَّ فيه على عقيدة الشيعة في الإمامة.

الثالث: التاريخ بشكل عام، والتاريخ الإسلامي بشكل خاصّ، مع عناية خاصة بتاريخ أمير المؤمنين (علیه السلام) .

أدرج ابن أبي الحديد مادَّته التاريخية في موسوعته بشكل متفرِّق حيث يقتضي شرح النصِّ المعني بشرحه أو حيث تقتضي الحاجة للردِّ على السيد المرتضى وعلى الرغم من ذلك فقد جاءت المادة التاريخية في كتابه (شرح نهج البلاغة) غزيرة جداً وبخاصَّة تلك التي استمدها من الأصول التاريخية السابقة على تأليف تاريخ الطبري والتي تقرُب من خمسين مصدراً، وقد ضاع أكثرها، وهذه الحقيقة

ص: 4

توجب على المعنيين بالتاريخ أن يعدّوا (شرح النهج) من الموسوعات التاريخية المهمة التي ينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار، ولم يكتف ابن أبي الحديد بذكر الرواية من مصدر واحد بل كثيراً ما يحاول أن يقارنها برواية أُخرى.

واليوم في دراسة جديدة عن المنهج التأريخي في شرح نهج البلاغة يتصدى أ. د. السيد عبد الحليم المدني للوقوف كثيرا امام تحديد ذلك المنهج عند ابن أبي الحديد محاولاً ايجاد مسلك واضح للمنهجية التاريخية تعتمد على الاهداف والمحتويات وتستند الى المصادرالمكتوبة، والمروية مشافهة، وشهادات العيان، كما تلتزم الموضوعية والحيدة في كتابة التاريخ.

وقد ارتأت مؤسسة مسجد السهلة المعظم التوكل عليه جلَّ شأنه في طباعة هذا السفر القيم المعضد لسلسلة الدراسات الكثيرة عن نهج البلاغة، والمضاف إلى سلسلة المطبوعات التي وفقت المؤسسة إلى إصدارها بجهد ومتابعة الأمين العام لمسجد السهلة المعظم د. المهندس السيد مضر السيد علي خان المدني... آملين إرضاء القارئ الكريم وايصال كل ما هو مفيد الى يده ضمن مشروعنا الطموح في نشر العلوم الإسلامية.

واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

مؤسسة مسجد السهلة المعظم

1437 ه-

ص: 5

بسم الله الرحمن الرحيم

التعريف بالكتاب

الحمد لله رب العالمين وصلاة وسلاما على سيد الخلق اجمعين رسول الانسانية محمد، وعلى اهل بيته الطيبين الطاهرين، واصحابه الغرّ المنتجبين.. وبعد..

فان علاقتي بنهج البلاغة تمتد الى بواكير العمر، حين اقتربت من مكتبة الامام الوالد سماحة الامام السيد عبد الكريم المدني طاب ثراه وكان في الرفوف العليا منها كتاب الله العزيز، القران، وكتب الحديث والسنة والفقه لعلمائنا المقدسين الابرار من حفظة العلم والشريعة، ثم نهج البلاغة للامام علي. فقرأت نهج البلاغة قراءة اولية، وشدني الى الكتاب شرح ابي حامد عز الدين عبد الحميد بن ابي الحديد المعتزلي، هذا الاديب الفذ، الذي انجز بشرحه موسوعة علمية تاريخية كبرى، مثلت علامة بارزة من علامات المصنفات في عصره.

وحين قررت ان اكمل الدراسة العليا لنيل شهادة الدكتوراه كان في مقدمة العنوانات التي سجلتها " عبد الحميد بن ابي الحديد المعتزلي ومنهجه التاريخي في شرح نهج البلاغة "، فاستقر رايي عليه ونلت التشجيع من معارفي واصدقائي واساتذتي واخص بالذكر استاذي الجهبذ الاستاذ الدكتور عماد عبد السلام رؤوف، وعزمت على ذلك بعد التوكل على الله جلّ في علاه.

ان دراسة شخصية مهمة من شخصيات القرن السابع الهجري كابن ابي الحديد تحتاج الى جهد جهيد لتمحيص الروايات والاخبار المتناقضة احيانا، التي كان يعج بها تاريخ تلك المدة نتيجة للتناقضات السياسية والاجتماعية والدينية والطائفية، مما يستوجب تدقيق كل شاردة وواردة للوصول الى الحقيقة. كما وقفت متأملا ذلك الكم التاريخي الكبير مما عرضه ابن ابي الحديد في المسائل الخلافية، الشديدة الحساسية، التي عصفت بالتاريخ الاسلامي، ومثلت منعطفات حادة فيه منذ وفاة الرسول الى عصره، تلك الدروب الشائكة التي دخلها ابن ابي الحديد دون وجل وسجل فيها موقفا علميا فريدا في مناقشة تلك الموضوعات دون تردد، ودون ان يقبل بالامور على ما هي عليه، بل نظر اليها نظرة ثاقبة، فوصل الى نتائج باهرة في هذا المجال كما يراها هو وحسب ما يمليه عليه فكره.

وقد وقفت كثيرا امام تحديد منهجه التاريخي بعد محاولتي ايجاد مسلك واضح للمنهجية التاريخية تعتمد على الاهداف والمحتويات وتستند الى المصادرالمكتوبة، والمروية مشافهة، وشهادات العيان، كما تلتزم الموضوعية والحيدة في كتابة التاريخ(1).

ص: 6


1- ي موضوع المنهج التاريخي وتحديد المنهجية التاريخية انظر: خضير ( ثائر حامد محمد الصوفي) منهج البحث التاريخي عبد الثعالبي / رسالة ماجستير مقدمة الى عمادة كلية الاداب / جامعة الموصل/ تموز 1986، ذو القعدة 1406ﻫ / ص102-151وسأشير اليه فيما ياتي من الهوامش ب-( خضير )، وانظر ايضا: شهاب ( عادل محي) منهج البحث التاريخي عند البيروني / رسالة ماجستير مقدمة الى كلية الاداب / جامعة القاهرة / 1980م –1400ﻫ /، ص40 وساشير اليه فيما ياتي من الهوامش ب- ( شهاب).

لقد جاءت الدراسة في بابين، تضمن الباب الاول الحديث عن عبد الحميد بن ابي الحديد المعتزلي مقسما على فصول خمسة، تكلمت في الفصل الاول على عصره، فقد كان عصره مثقلا باحداث جسام غيرت وجه التاريخ العربي الاسلامي بوجه عام وكان لها تأثيرها على الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي.

لقد عاصر ابن ابي الحديد اربعة من الخلفاء، كانت سياستهم متفاوتة في تعاملهم وعلاقاتهم وادارتهم للدولة، بين قوة الخليفة الناصر وهيمنته وتسلطه، وبين محاولة ابنه الخليفة الظاهر، سلوك سياسة اصلاحية عادلة، وبين سياسة حب العلم والاحتفاء بالعلماء والفقهاء والمحدثين وبناء المدرسة المستنصرية عند الخليفة المستنصر، وبين الضعف الذي ساد الدولة اثناء خلافة المستعصم العباسي.ان تللك السياسات كما يبدو قد عمقت الانقسامات الفئوية والاجتماعية والمذهبية، وانتجت حروباً طاحنة سالت فيها دماء المسلمين عامة والعراقيين خاصة وكانت النتيجة الحاسمة المتوقعة، زحف هولاكو على بغداد واقتحامها وتدميرها سنة 656ﻫ.

لقد عاصر ابن ابي الحديد مجتمعا متعدد الاعراق والاديان والطوائف والمذاهب، تتوضح فيه الفوراق الاجتماعية بين الطبقة العليا التي يمثلها الخليفة وعائلته والمقربون اليه من الوزراء والقواد والتجار وبين طبقة الاغلبية الفقيرة من الصناع والعبيد المشتغلين في الفلاحة،وعلماء ومستضعفين كانوا يعانون شظف العيش وبؤسه،الا ان ذلك لايمنع الباحث من ملاحظة النشاط الفكري والعلمي والثقافي في هذا العصر الذي الفت فيه امهات الكتب في كل مجالات العلم والفكر، كالنحو والصرف، والبيان والبديع، والمعاجم والشعر، والدراسات القرآنية،والحديث النبوي ومباحثه وما يتفرع عنه، والفقه على مختلف المذاهب، وتاريخ الممالك والدول وجغرافية البلدان، وسير الرجال،والفلسفة وعلم الكلام،والطب والرياضيات والنجوم، كما بنيت في هذا العصر المدارس، كالنظامية والمستنصرية التي تخرج فيها اعلام الناس من الادباء والفقهاء والمحدثين وغيرهم.

وجرى الحديث في الفصل الثاني عن حياة عبد الحميد بن ابي الحديد وسيرته، وولادته في المدائن من ارض العراق، ثم عائلته والأخبار الورادة عن ابيه واخوته، ونشاطهم الفكري والعلمي،ثم هجرته من المدائن الى بغداد،ودراسته في المستنصرية، واتصاله بالعديد من العلماء والأدباء والمشاهير في عصره،والحديث عن صلته بالخلفاء والوزراء الذين حظي عندهم بمنزلة واضحة، ثم وفاته ببغداد سنة 656ﻫ بعد دخول المغول اليها بسبعة عشر يوماً.

اما في الفصل الثالث فقد تحدثت عن فكر ابن ابي الحديد ومعتقده، وتبابين اراء المؤرخين الذين ارادوا دراسة عقيدته، بين الاراء التي لقبته ب-(المعتزلي ) وب- (الشيعي)وب-(المعتزلي المتشيع ) اوب-(المعتزلي الجاحظي)اوب-(المعتزلي الاصمي) منبهاً الى مفارقه الجمع بين التشيع والاعتزال عنده، وقد ناقشت تلك المسائل مناقشة مستفيضة وصولا الى وضوح فكره وعقيدته في الاعتزال، ان ذلك لا يخلّ بولائه الشديد وحبه لاهل البيت، الذي شكل مسلكاً فكريا متميزا لديه.

في الفصل الرابع تحدثت عن منزلة ابن ابي الحديد العلمية واثاره وبينت ان ثقافته كانت موسوعية كبرى، تجلت في ثنايا شرحه لنهج البلاغة، الذي بدا فيه مؤرخا وشاعراً واديبا، وفقيها ومحدثا ومفسرا، وفيلسوفا، ومتكلما، متحدثا في الطبيعيات والفلك والغيبيات

ص: 7

والطب وغير ذلك من الامور، وركزت في الحديث على المنهج التاريخي الفريد، الذي بدا من خلال عرضه لموضوعات التاريخ ووقائعها ومناقشتها والخروج منها بنتائج واضحة. كما اعتنيت ببيان فكره المعتزلي وجنوحه الى اساسيات ذلك الفكر والدفاع عنها ومناقشة الامور والحوادث على ضوئها. وادرجت اسماء شيوخه واساتذته الذين ذكرهم هو او ذكرتهم المصادر، وتحدثت عنهم تفصيلا موضحا تاثيرهم في مجال تخصصهم. كما استعرضت في هذا الفصل اسماء تلاميذه على قدر المعلومات التي استطعت جمعها من مظانها. وقد تتبعت اسماء مؤلفاته ومصنفاته مستعرضا محتوياتها في مختلف جوانبها كالشعر والادب. والبديع والبيان، وشروح كتب علم الكلام، والتفسير واصول الشريعة والتعليق على بعض المؤلفات ومناقضته البعض منها، وكتب المقالات وشرح عقائد المعتزلة نظما ونثرا، والحواشي على بعض كتب النحو. هذا وقد اختص الفصل الخامس بالكلام على شرح نهج البلاغة، فذكرت ابتداء، من جمع خطب الامام علي، وكلامه قبل الشريف الرضي، ثم تحدثت عن جمع ابي الحسن الرضي لخطب الامام علي وتسميتها بنهج البلاغة، كما اوضحت ان ابن ابي الحديد لم يكن اول من شرح نهج البلاغة بل سبقة اخرون، تحدثت عنهم، واوردت بايجاز ذكر من شرح النهج بعد ابن ابي الحديد، وجرى الكلام على اهمية الشرح الذي اكمله ابن ابي الحديد في مدة اربع سنين وثمانية اشهر، حرص ان تكون هي مدة خلافة الامام علي بن طالب (1) وقسمه على عشرين جزءا استفاض في شرحه استفاضة شملت المعاني والبيان والغريب، والاعراب والتصريف، والنظائر والاشباه، نظما ونثرا، وذكر السير والوقائع والاحداث مفصلة، كما اشار الى علم التوحيد والعدل، والانساب، والامثال والنكت، وادخل فيه المواعظ والزهد، والحكم والاداب والاخلاق والمعارف، وذكر فيه معجزات النبي (صلی الله علیه و آله) والاخبارات الغيبية ومقامات العارفين، فخرج الكتاب كاملا في فنه، واحداً بين ابناء جنسه، عظيم الشأن والمنزلة والمكانة. كما تضمن هذا الفصل الحديث عن طبعات الكتاب، ومن ألف في اختصاره من العلماء.

ان الباب الثاني من هذه الدراسة كان مختصا بالبحث في المنهج التاريخي لابن ابي الحديد وقد قسمته على فصول ثلاثة جعلت الحديث في الفصل الاول عن مصادر ابن ابي الحديد التاريخية التي رتبتها، مدونة شفوية وشهادات عيان، وعملت على تصنيف المدون منها الى مصادر مطبوعة ومخطوطة ومفقودة، ثم سجلت تلك الكتب مشيراً الى مؤلفيها، ذاكرا الموضوعات التي نقلها ابن ابي الحديد عنهم (2)، والصفحات والاجزاء التي وردت فيها في شرح نهج البلاغة. كما تحدثت بالتفصيل عن مروياته الشفوية ن معرفا بالاشخاص الذين سمعهم وروى عنهم، ذاكرا الحدث وموضوعه، واوضحت كذلك ان ابن ابي الحديد لم يكن معنيا بشهادات العيان، مع انه يشير الى ان بعضاً من الاحداث التاريخية قد عاصرها، ومنها فتنة جنكز خان كما يسميها (3).

ص: 8


1- ابن ابي الحديد/ شرح نهج البلاغة / 1/4
2- يؤخذ على الباحث احمد الربيعي مؤلف ( العذيق النضيد في مصادر ابن ابي الحديد ) انه حين يذكر احد المصادر فانه يحيل فقط الى الصفحات والاجزاء التي ورد فيها ذلك المصدر في شرح النهج دون ذكر موضوع المادة التاريخية التي استفاد منها الشارح.
3- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 8/218.

وفي الفصل الثاني من الباب الثاني تحدثت عن نقد الاصول عند عبد الحميد، الذي كان مبرزاً في هذا المجال، اذا اختط لنفسه خطا علميا متميزا في عدم قبوله بالامور التاريخية الا بعد مناقشتها وبعد ان يمحص رواياتها ويدقق سندها، زاجا بآرائه وفكره ومنطقه ومتوصلا الى نتائج جديدة واضحة في تلك الامور.

وكان الفصل الثالث متركزا على تنظيمه للمادة التاريخية وعرضها للمتلقي، فبينت ان منهجه كان يعتمد على الاخذ من المصادر المهمة في التاريخ، وعرضها نصاً، ثم مقارنة الروايات مع ما يماثلها في المصادر الاخرى، ثم اعطاء رأيه في تلك الروايات ان كان هناك ما يستدعي المناقشة، مما يمثل طريقة متميزة في الوصول الى الحقائق التاريخية.

وختمت الدراسة بالنتائج التي توصلت اليها. والجديد من الحقائق التي اضافتها في المجالات التي طرقتها، وبقائمة المصادر والمراجع.

لقد اعتمدت في بحثي هذا على مجموعات متنوعة من المصادر والمراجع والدراسات والبحوث والدوريات.

ففي التاريخ اطلعت على كتب السيرة والمغازي مثل سيرة ابن هشام ومغازي محمد بن اسحاق لتحقيق ما نقله ابن ابي الحديد من روايات عن سيرة الرسول (صلی الله علیه و آله) وغزواته. وعن احاديث الرسول الكريم واقواله راجعت كتب الحديث المعتمدة وفي مقدمتها صحيحا مسلم والبخاري. كما راجعت المصنفات التاريخية للطبري والمسعودي وابي عبيدة والبلاذري للتدقيق في منقولات شارح النهج عنهم من روايات واخبار عصر النبوة وبخاصة تلك الروايات التي كان عبد الحميد يناقش في جزئياتها ويدقق في تفاصيلها، كما كنت ملزما بمتابعة منقولاته عن تلك الكتب في حديثه عن احداث تاريخية كبرى حين كلامي على منهجه التاريخي، وكان مهما مراجعة ما نقله ابن ابي الحديد عن كتب تاريخية متخصصة مثل

( السقيفة) و(صفين) و(الجمل) واحتجت ايضا الى مراجعة المؤرخين المتاخرين كالقطفي وابي شامة المقدسي وابن الساعي والذهبي والاربلي وابن الفوطي والصفدي، في الحديث عن عصر عبد الحميد، وعن حياته ونسبه وبيئته وفكره وثقافته وعلمه. وفي تحقيق اخبار ادبية واشعار وخطب وروايات اخرى كان لابد لي من الوقوف على ما ذكره الجاحظ وابن الاثير والقلقشندي والمبرد وغيرهم.

ولكي القي الضوء على اساتذة عبد الحميد وتلاميذه ومعارفه ومن اتصل بهم، والتعريف بالاشخاص الذين ترد اسماؤهم استغت بكتب الاعلام والرجال كابن خلكان وابن شاكر وابن كثير والنجاشي والخونساري والحر العاملي والطهراني وغيرهم، كما استفتت بكتب الانساب للبلاذري والزبيري للتاكد من نسب تحدث عبد الحميد عن انسابهم.

ولتدقيق ما نقل ابن ابي الحديد من مقولات الفرق، راجعت كتب العقائد للشهرستاني وابن حزم. ولغرض اعطاء المعاني لبعض مفردات اللغة كان لابد لي من الاستعانة بمعاجم الفيروزآبادي والرازي.

وفي كلامي على مصنفات ابن ابي الحديد ومصادره، وبيان ما هو مطبوع ومخطوط، راجعت فهارس ابن النديم وحاجي خليفة وبروكلمان والطهراني والامين وسركيس عواد وراجعت بعض ما كتب عن المخطوطات في اماكن متعددة.

ص: 9

واشير الى ما افادتني الدراسات السابقة عن معنى المنهج التاريخي وعن ابن ابي الحديد ومصادره، وبخاصة الدراسة القيمة للباحث على محي الدين ودراسة الباحث احمد الربيعي عن مصادر ابن ابي الحديد على الرغم من المؤاخذات التي سجلتها عليه.

لقد تكونت لدي فرشة متنوعة من المصادر والمراجع اخذت عنها ما افادني في هذه الدراسة.

واشير هنا الى انني حذفت عبارات التقديس عن الخلفاء والصحابة والائمة والصالحين، مثل عبارات عليه السلام، ورضي الله عنه، وكرم الله وجهه، الا ما جاء منها على لسان اصحابها حين انقل عنهم، وابقيتها متفردة لرسول الله (صلی الله علیه و آله) منبها، الى ان عظمة هؤلاء ليست بتلك العبارات، وانما بالاعمال الجليلة التي توخوا فيها مرضاة الله عز وجل ومرضاة رسوله الكريم (صلی الله علیه و آله) ، ودينه القويم، ومتوخيا الرصانة العلمية في هذه الدراسة.

ولا ازعم انني ادركت الكمال في بحثي هذا، فالكمال لله وحده، الا انني ادعي انني بذلت الجهد في عملي، لخدمة هذا السفر العراقي العربي الاسلامي العظيم، الذي يمثل بحق موسوعة علمية كبرى ضمن الموسوعات التي تفتخر بها الامم، آملا ان ينال رضا الجميع، وان يكون قد اضاف جديدا الى المكتبة التاريخية العربية الاسلامية فيما يتعلق بهذا العلق الخالد النفيس من اعلاق الامام علي وجهود الشريف ابي الحسن الرضي وثمرات ابي حامد عبد الحميد بن ابي الحديد المعتزلي وما توفيقي الا بالله، عليه توكلت، واليه انيب.

ص: 10

الباب الاول: عبد الحميد بن ابي الحديد المعتزلي

اشارة

- عصره

- حياته وسيرته

- فكره ومعتقده

- منزلته العلمية وآثاره

- شرحه لنهج البلاغة

ص: 11

الفصل الاول: عصر عبد الحميد بن ابي الحديد المعتزلي

امتدت حياة ابي حامد عز الدين عبد الحميد بن ابي الحديد المعتزلي ما بين سنة 586 ﻫ وهي سنة مولده حتى سنة 656 ﻫ وهي سنة وفاته.

ان هذه المدة كانت مثقلة باحداث جسام غيرت وجه التاريخ العربي الاسلامي عموما وتاريخ العراق بشكل خاص. ولكي نعرف مزايا تلك الحقبة التاريخية وتاثيرها على ابن ابي الحديد لابد ان نستعرض ملامح الحياة فيها.

لقد عاصر ابن ابي الحديد اربعة من الخلفاء هم: الناصر (575 ﻫ – 622 ﻫ ) والظاهر ( 622 ﻫ - 623 ﻫ ) والمستنصر ( 623 ﻫ - 640 ﻫ ) والمستعصم ( 640 ﻫ - 656ﻫ ) وهو اخر خلفاء بني العباس.

حين بويع الخليفة الناصر بالخلافة سنة 575 ﻫ بدا وكان عصرا جديدا لبني العباس قد ظهر اذ استطاع ان يوطد ملكه بهيمنته على الدولة واعادة هيبة الخلافة بعد ان كان الخلفاء قبله لا حول لهم ولا قوة امام السلاجقة الذين كانوا الحكام الفعليين المالكين لزمام الامور بينما اقتصر دور الخليفة على مظاهر السلطة وقشرتها الخارجية دون ان يملك حرية التصرف. لقد قام الناصر ببناء جيش كبير مدرب، وحين ادرك قوة جيشه امر السلطان خوارزم شاه بان يقصي السلطان السلجوقي طغرل بك فزحف اليه وقتله وحمل راسه الى بغداد سنة 590 ﻫ (1).

فعادت قوة الحكم الى الخليفة مما جعل الناس الذين ارهقهم ظلم السلاجقة ونال منهم تفشي الامراض وغلاء الاسعار وضيق العيش يميلون الى الخليفة ويتعلقون به بل صار الناس يهنئ بعضهم بعضا بما فتح عليهم من ابواب الخيرات (2). لقد طار صيت الخليفة واحبه الناس ومدحوه وكان ابن ابي الحديد واحدا من الكثر الذين اطروه واشادوا باعماله، الا ان ذلك لم يدم طويلا، فقد بدل الناصر سياسته بعد ان تمكن من ازمّة الامور، فعاد الى سياسة ظلم الناس والتضييق عليهم وكبتهم وامتهانهم، بل لقد تخربت البلاد نتيجة ذلك الظلم وفر الناس من مواطنهم لاتباعه سياسة مصادرة الاموال وفرض الضرائب عليهم (3).

ص: 12


1- الذهبي ( شمس الدين ابو عبد الله محمد بن احمد بن عثمان ) / العبر في خبر من غبر / ت الدكتور صلاح الدين المنجد / م حكومة الكويت / الكويت 1963 م / 4 / 271، وساطلق عليه ( الذهبي ) فيما ياتي من الهوامش.
2- الاربلي ( عبد الرحمن بن ابراهيم ) /خلاصة الذهب المسبوك / تحقيق مكي جاسم / طبع مكتبة المثنى / بغداد / د.ت. ص280. وساطلق عليه ( الاربلي ) فيما ياتي من الهوامش.
3- القلقشندي ( ابو العباس احمد بن علي )/ ماثر الانافة في معالم الخلافة / ت عبد الستار احمد فراج / نسخة مصورة بالاوفست / 1980 / 2 / 56. وساطلق عليه ( القلقشندي ) فيما ياتي من الهوامش.

لقد ظهر جليا التناقض في سياسة الناصر بين النقض والابرام، فقد لاحظ المؤرخون بانه كان يفعل الشيء ونقيضه، يامر بشيء ثم يلغيه دون اسباب واضحة. ان نتائج هذه الاعمال وغيرها كانت شديدة على الناس الذين كانوا يدفعون ثمنها قطع الاعناق والالسن وملء السجون بالابرياء وسفك الدماء لاقل الاسباب على ضوء ما يرفعه جواسيس الخليفة اليه، حتى وصل الامر ان الرجل يخشى الحديث مع زوجته لاحتمال وصول ذلك الى الخليفة فيعاقب عليه (1).

ومن الغريب ما نسب الى الخليفة الناصر من ولعه بصيد الطير بالبندق ولبس سراويلات الفتوة واجبار اهل الامصار على ذلك، " فكان غرام الخليفة بهذه الاشياء من اعجب الامور. " (2) ثم عدا هذا الخليفة الى المقربين منه والمحيطين به فوجه اليهم ظلمه وبطشه وتعسفه، وخص بذلك وزراءه. فقد استوزر العديد من رجال الدولة ثم عاد فنكبهم وصادر اموالهم وكان الموت هو النهاية لهم كما فعل مع وزير ابيه: ظهير الدين بن العطار (3) وابن حديدة الذي استوزره سنة 584 ﻫ (4) وجلال الدين بن عبد الله الذي استوزره سنة 593 ﻫ (5). ونصير الدين الرازي الذي استوزره سنة 604 ﻫ (6). توفي الخليفة الناصر سنة 622 ﻫ بعد ان حكم سبعة واربعين عاما، فبويع لابنه الظاهر. ويبدو ان الخليفة الظاهر بدأ بسياسة إصلاحية تقربه من قلوب الناس، فاشاع العدل وابطل بعض الضرائب واطلق السجناء والغى تقارير الجواسيس واكرم العلماء واهل الدين (7). الا أن الأجل قد وافى الخليفة الظاهر بعد تسعة اشهر ونصف من خلافته دون ان تؤتي سياسته الإصلاحية بنتائج واضحة.

لقد بويع بعد الظاهر ابنه المستنصر الذي بدأ خلافته شغوفا بالعلم ومقربا للعلماء والأدباء ومحتفيا بالفقهاء والمحدثين وأرباب التاريخ والسير. وليس ادل على ذلك من إنشائه للمدرسة المستنصرية التي ضم اليها خيرة علماء العصر واجزل لهم ولطلابهم الرواتب

ص: 13


1- المقريزي ( تقي الدين احمد بن علي ) السلوك في احوال الملوك / م دار الكتب المصرية / القاهرة / 1934 / ق 1 ج 1 ص 217، وساطلق عليه ( المقريزي ) فيما ياتي من الهوامش.
2- ابن الاثير ( علي بن محمد بن عبد الكريم الشيباني ) / الكامل في التاريخ/ طبعة دار صادر / بيروت / 1386 ﻫ - 1966 م / 12 / 169، وساطلق عليه ( ابن الاثير ) فيما ياتي من الهوامش.
3- الطقطقي( ابو جعفر محمد بن علي بن طباطبا العلوي ) / الفخري في الاداب السلطانية / مطبعة محمد علي صبيح واولاده / القاهرة / 1962م / ص 258،وساطلق عليه ( الطقطقي ) فيما ياتي من الهوامش.
4- ابو شامة ( شهاب الدين ابو محمد عبد الرحمن بن اسماعيل المقدسي ) / الذيل على الروضتين في تراجم رجال القرنين السادس والسابع الهجريين / نشر عزة العطار الحسيني / 1947 / القاهرة، وساطلق عليه ( ابو شامة ) فيما ياتي من الهوامش.
5- ابن العماد الحنبلي ( ابو الفلاح عبد الحي بن احمد ) / شذرات الذهب في اخبار من ذهب / طبع مكتبة القدسي / القاهرة / د.ت / 4 / 313، وساطلق عليه ( ابن العماد ) فيما ياتي من الهوامش.
6- الطقطقي / الفخري / ص 216.
7- ابن الاثير / الكامل / 12 / 170.

والعطايا (1)،فاحبه الناس ومال اليه اهل العلم وامتدحه الشعراء بشعرهم وفي مقدمتهم ابن ابي الحديد الذي خصه بديوان كامل سماه ( المستنصريات ).وكما فعل أسلافه فان ذلك لم يدم طويلا،اذ سرعان ما عاد القمع وضرب الأعناق وقطع الأيدي والألسن (2).

لقد طفت على سطح الأحداث سياسية تغذية الطائفية وما تستلزمه من إشاعة الفوضى والبغضاء وسفك الدماء والفتن، أضف الى ذلك ما كان يدور من دسائس ومؤامرات بين رجال الدولة وقادتها الذين تركوا طبقات المجتمع الفقيرة تحت طائلة الفقر والمرض والجهل وفي متناول المفسدين الذين كانوا ينتهكون الحرمات ويسفكون الدماء. وبعد ان حكم المستنصر اكثر من سبعة عشر عاماً توفي سنة 640ﻫ (3) فبويع لعبد الله بن المستنصر في منتصف سنة 640ﻫ (4)ولقب بالمستعصم بالله.

لقد تناقضت أخبار المستعصم العباسي فقد ذكر احد المؤرخين انه كان حافظا للقران عاكفا على تلاوته مواظبا على الصلوات في أوقاتها وصوم الاثنين والخميس من كل اسبوع وصوم شهر رجب دائما، لم يخل بذلك مدة خلافته وقبلها (5). ومع ذلك فكان مغرما بسماع الملاهي محبا للهو واللعب إذا بلغه ان مغنية او صاحب طرب في بلد من البلاد، راسل سلطان ذلك البلد في طلبه. وقد وكل أموره الكليات إلى غير الأكفاء واهمل ما يجب عليه حفظه (6). ويقول أخر ان المستعصم كان ظاهر الحياء كثير التلاوة للقران المجيد صالحا دينا لا يتعرض لشيء من المنكر ولعله لم ير صورته ولا يعرفه، وكان لين الأكتاف شريف النفس كريم الطباع صبورا على الشدائد والأمور المستعصيات (7) ألا انه لم يكن على ما كان عليه اباؤه من التيقظ والهمة بل كان قليل المعرفة والتدبير محبا للمال مهملا للأمور يتكل فيها على غيره (8)، ويرجح ان افضل وصف له انه " كان رجلا متدينا لين الجانب سهل العريكة عفيف اللسان حمل كتاب الله وكتب خطا مليحا وكان سهل الأخلاق خفيف الوطأة الا انه كان مستضعف الراي ضعيف البطش قليل الخبرة بأمور المملكة مطموعا فيه غير مهيب في

ص: 14


1- الطقطقي / الفخري / ص 264.
2- الحوادث الجامعة / الصفحات 3 / 14 / 31 حوادث سنة 626، 627، 629. لقد حقق الدكتور مصطفى جواد هذا الكتاب وذكر انه لابن القوطي / منشورات المكتبة العربية ببغداد سنة 1351 ﻫ . ويرى الاستاذ ابراهيم الابياري انه من مؤلفات ابن القوطي ( ت 723 ÷ ) / انظر مجلة تراث الانسانية م 2 / ص 125 وزارة الثقافة والارشاد القومي بمصر / مطابع كوستا تسوماس / القاهرة 1964. ويقول استاذنا الدكتور عماد عبد السلام رؤوف في حديث خصني به يوم 6 / 8 / 2004 "توهم البعض ان المؤلف هو ابن القوطي وقال اخرون بغيره لكنني ارجح ان المؤلف مجهول لحد الان وهو من اهل القرن الثامن الهجري لامن اهل القرن السابع الهجري وكل ما يرويه من احداث القرن السابع الهجري انما يرويه نقلا عن كتابين هما ( التاريخ الكبير لابن الكازروني، و( ذيل الكامل في التاريخ ) لابن الساعي ".
3- الذهبي / دول الاسلام / مطبعة دائرة المعارف النظامية / حيدر آباد الدكن / 1333ﻫ / 2/111
4- م. ن.
5- الاربلي / ص 219.
6- م.ن. الصفحة عينها.
7- ابن الكازروني ( طهير الدين ) / مختصر تاريخ الخلفاء / ت د. مصطفى جواد / بغداد / 1970 / ص 268.
8- ابن شاكر (فوات الوفيات ) / 1 / 497.

النفوس ولا مطلع على حقائق الأمور وكان وقته ينقضي بسماع الأغاني والتفرج على المساخرة وفي بعض الأوقات يجلس بخزانة الكتب جلوسا ليس فيه كبر فائدة وكان اصحابه مستولين عليه وكلهم جهال من أراذل القوم " (1).

ويبدو ان بعضاً من اعمامه وابنائهم قد اجبروا بالقوة على مبايعته بعد فرض الحصار عليهم (2) وقد ذكر المؤرخون للمستعصم بالله العديد من الصفات المشينة التي لا تليق بالخلفاء، كالمتفرج على المساخرة واستصحابه اراذل القوم مما جعله مطموعا فيه غير مهيب في النفوس (3)،

ان من سوء طالع الخليفة المستعصم بالله ان اعظم نكبة حلت بالدولة الاسلامية كانت في زمانه وعلى عهده حين دخل المغول بغداد فاسقطوا الدولة العربية الاسلامية واستباحوا الحرمات واشاعوا الموت والدمار في بغداد، ولعل من اسباب الظلم والعسف الذي لحق بالبلاد والعباد، ان المستعصم قد مكنّ اولاده الثلاثة من مقدرات الدولة، فطفقوا ينشرون الفساد في بغداد ويشيعون القتل والظلم ويؤججون نار الفرقة بين طوائف المسلمين، فكانت النتيجة الحتمية الوقائع الخطيرة الدامية التي دارت بين اهل السنة والشيعة والتي بلغت من الخطورة ان المؤرخين عدوها ممهدة لاحتلال المغول لبغداد والتنكيل بكلتا الطائفتين (4) وتجدر الاشارة الى استشراء القتال بين مناطق بغداد المختلفة التي كانت تستمد وقودها من الصراع الخفي والمعلن بين رجالات الدولة والمقربين من الخليفة، والذي كان يمتد الى عامة الناس فيؤدي الى القتل وسفك الدماء وانفلات الامن واضطراب الناس، حتى وصل الامر الى سلب الناس عمائمهم واخذ ملابسهم من الحمامات العامة ونهب الحوانيت (5). يضاف الى ذلك الاهمال الكبير للجند الذين منعت عنهم اعطياتهم واسقطت اسماء الكثر منهم من ديوان الجند، فانتشروا في الاسواق والجوامع يسألون ويستعطون الناس (6). وزادت الحالة سوءا بالسيول والفيضانات المدمرة والحرائق الهائلة والدمار الكبير وما نتج عن ذلك من امراض واوبئة وموت وهلاك. اما في اطراف الدولة الاسلامية التي اصابها الضعف والوهن والتفكك، فكان المغول يتهيئون لاحتلال بغداد بالاغارة على تلك الاطراف، فوصلوا الى اربيل والموصل، فسبوا وقتلوا وافسدوا ثم قاربوا اسوار بغداد مثيرين الرعب والفزع حتى انقطع حج الناس سنوات متعددة خوفا من المغول (7).

لقد قرر هولاكو الزحف على بغداد سنة 655 ﻫ ، فغادر همدان باتجاه العراق، وحاول الخليفة المستعصم ان يتقي ذلك الغزو بارسال الهدايا الى هولاكو، فلم تفلح ولاسباب متعددة تلك الوسيلة.

ص: 15


1- الطقطقي / الفخري / ص 266.
2- محبي الدين ( علي جواد )/ ابن ابي الحديد، سيرته وآثاره الادبية والنقدية / رسالة ماجستير مقدمة الى كلية الاداب ( جامعة القاهرة) / 1397ﻫ - 1977م / ص 9،10. وساطلق عليه ( محي الدين ) فيما ياتي من الهوامش.
3- الطقطقي / الفخري / ص266
4- م. ن.
5- الحوادث الجامعة / 241، 278
6- م. ن / ص 319.
7- المقريزي / السلوك / ق1 / 1/ 251، 255، وانظر ايضا: الحوادث الجامعة ص 139 - 253.

وتقدم هولاكو بجيوشه الجرارة، فاصاب الناس الفزع وازدحمت بهم الطرق الى بغداد وعم الخوف سائر البلاد. كان هولاكو قد اعد خطة عسكرية سحب بها جيش المستعصم الذي قاده الدويدار الصغير والامراء الى المكان الذي اختاره هو ميدانا للمعركة. وحين تصور الدويدار الصغير انه قد انتصر على هولاكو الذي فرّ امامه كرّ عليه جيش المغول فهزمه هزيمة منكرة، وهلك من جيشه خلق عظيم، ولاحقتهم المغول بالقتل والاسر والسبي حتى وصلوا الجانب الغربي من بغداد. وفي الحادي والعشرين من المحرم سنة 656ﻫ، تمكن هولاكو من البلد، وجرت مفاوضات بين الخليفة ووزيره وبين هولاكو ( على تفصيلات تذكرها كتب التاريخ) انتهت بخديعة هولاكو للخليفة وابنائه والامراء الذين غادروا بغداد الى معسكر المغول، فامر هولاكو بقتل الخليفة وولديه أبى العباس احمد وآبي الفضل عبد الرحمن وسبي ولده الاصغر مبارك واخواته. ثم دخل المغول بغداد، فقتلوا اعمام الخليفة وخلصائه، ومن ينتسب اليه وعدد كبير من علماء البلد اعيانه. ثم امر هولاكو بوضع السيف في اهل بغداد لمدة اربعين يوما، فقتل الرجال والنساء والشيوخ والصبيان ولم ينج من اهل بغداد الا القليل، واحرق جامع الخليفة وما يجاوره من البنيان ودعم الخراب بغداد " ثم نودي بالامان، فخرج من تخلف من الناس ممن مخابئهم وقد ذهلوا وتغيرت الوانهم لما لقوا من الاهوال ووقع الوباء في بغداد لكثرة القتلى وشرب المياه الملوثة بالجيف " (1). وقد امر هولاكو بعّد القتلى فبلغوا نحو الالفي ألف قتيل (2).وعلى الرغم من المبالغة الواضحة في هذه الرواية فانها تدل على ضخامة عدد القتلى وفداحة ما اصاب المدينة من قتل وتنكيل. وحين ترك هولاكو بغداد في جمادي الاولى من تلك السنة، عّين الامير علي بهادر شحنة على بغداد، كما فوض الوزير ابن العلقمي، وفخر الدين بن الدامغاني، ونجم الدين احمد بن عمران، امر البلاد (3)، وقام هؤلاء باسناد الوظائف الى من يرغبون، وكان نصيب ابي حامد عز الدين بن ابي الحديد ان اسند اليه منصب كاتب السلّة (4).

هكذا كانت الحالة السياسية في ذلك العصر الذي انتهى بكارثة احتلال بغداد على يد المغول التي لم يشهد التاريخ لها مثيلا.

واذا كان هذا هو وضع السياسة فما هو وضع المجتمع الذي كان يعيش تحت ظل تلك الحالة ؟ لقد كان المجتمع متعدد الاعراق والاديان والطوائف ففيه العرب والفرس والترك وفيه المسلمون والنصارى واليهود والصابئة وفيه السنة والشيعة والمعتزلة والاشعرية الى جانب تفرعات اخرى. ان الملاحظ على هذا التنوع الاثني والديني والطائفي انه كان تنوعاً متناحرا تراق على جوانبه الدماء وتنتهك المحرمات لاقل الاسباب واتفهها دون رادع من دين او قيم او قوة للسلطة. كان المجتمع ينقسم على طبقتين واضحتين: الطبقة العليا التي يمثلها الخليفة واقرباؤه والمقربون اليه من الوزراء والاعيان والقادة وكبار الموظفين وكبار التجار ومجموعة الوعاظ المرتبطين بسلطة الخليفة ورجال دولته الذين تجمل بهم الدولة صورتها امام الناس. اما الطبقة الثانية فهي طبقة الاغلبية الفقيرة كالصناع والعمال والعبيد

ص: 16


1- الحوادث الجامعة، ص323-330
2- المقريزي / السلوك / ق2 / 1/410
3- الحوادث الجامعة / ص331 وما بعدها.
4- م. ن.

بمن فيهم المشتغلون في الفلاحة، والعلماء والفقهاء والمستضعفون الذين كانوا يعانون من الحرمان والفقروالفاقة والمرض وشظف العيش وبؤسه في الوقت الذي كانت الطبقة الاولى تعيش عيش الترف والملذات والشهوات وبناء القصور واقتناء الرياش والبذخ في الماكل والمشرب والملهى وتجاوز كل حد معقول في الانفاق (1). يضاف الى ذلك ان الطبقة الحاكمة عملت جاهدة على نشر الجهل والتعصب الطائفي بين ابناء الطبقات الفقيرة ورات ان من مصلحتها ان تزيده احتقاناً وضراوة كي يخلولها الجو لتستزيد من الثروات والاموال دون وجه حق.

لقد كان من مظاهر ذلك الصراع المذهبي، القتال الدامي الذي كان يحصل بين السنة والشيعة. وخاصة في السنوات القليلة، قبيل دخول المغول الى بغداد، كالمعارك التي حصلت بين اهل الكرخ من الشيعة واهل باب البصرة من السنة والتي ذهب نتيجتها ضحايا لا يستهان بها من الجانبين سنة 653ﻫ (2). وكالفتنة التي حصلت سنة 654 ﻫ بين اهل الكرخ من الشيعة وبين اهل (قَطُفْتا) من السنة، وقد مال الخليفة المستعصم الى جانب اهل ( قَطُفْتا) ضد اهل الكرخ، فارسل جيشه لضربهم وتبعهم الغوغاء من الناس فنهبوا وسلبوا واحرقوا وسفكوا الدماء وسبوا النساء وفيهن العديد من العلويات حملن الى دار الرقيق (3). واذا كانت الاحداث التي اوردناها سابقا عن فتن بين السنة والشيعة فان معارك اخرى كانت تدور بين مذاهب اهل السنة انفسهم، كالفتنة بين المعتزلة وغيرهم، او بين اهل العقل واهل النقل او بين المعتزلة والاشاعرة او بين الحنابلة وسائر اهل السنة، والتي كانت حوادث متوالية تراق الدماء فيها لا تكاد تذهب واحدة حتى تعود الاخرى اشد عنفا يذهب ضحيته مئات الناس (4). لقد كانت نتيجة تلك السياسات التي اتبعها الخلفاء من مصادرة الاموال وفرض الرسوم ان تدهور الاقتصاد وتخريب وسائله ومصادره بسبب مغادرة العاملين لاعمالهم (5). كما نزح الناس عن اماكنهم واراضيهم بسبب تردي اوضاع الري ومشاريعه التي اهملت، او بسبب الفيضانات المدمرة التي زادت في تدهور الاوضاع الاقتصادية والمعيشية كما حصل في فيضان دجلة سنة 633ﻫ الذي اغرق بغداد ومناطقها و فيضان الفرات الذي اغرق عانه والحديثة وهيت والحلة والكوفة ,وما جاورها وارتفعت مناسيب النهرين حتى التقت دجلة مع الفرات (6)، وكما حصل في السنة التالية حين احاط الماء ببغداد واغرق جانبا منها وهدم بيوتا كثيرة فاضطر الخليفة الى الانتقال من دار الخلافة الذي غرقت دواوينه وخزائنه (7).

ليس هذا فحسب وانما كانت كوارث اخرى مثل الحريق العظيم الذي شب في دار الخلافة فاحرق من الامتعة والرياش والسلاح والعتاد والمقتنيات الفاخرة ما بلغت قيمته

ص: 17


1- للوقوف على امثلة من مظاهر الفساد لدى الطبقة الاولى، انظر: الحوادث الجامعة / ص 71-77.
2- الحوادث الجامعة / ص276.
3- م. ن. ص 315.
4- ابن الاثير / الكامل / 12/169.
5- م.ن.
6- الحوادث الجامعة / ص 277.
7- م. ن. / ص317

اربعة الاف الف من الدنانير (1). لقد كان ناتجا حتميا لهذه الامور حدوث المجاعات وانتشار الامراض المهلكة وكثرة الموت وغلاء الاسعار واختفاء المواد التي يحتاجها الناس في حياتهم اليومية (2). كما ادت الحياة القاسية تلك الى بروز ظاهرة الزهد، اذ ظهرت طبقة من الزهاد والمتصوفة وتعددت طرائق زهدهم وتصوفهم منها: مناجاة الرب بالجميل من الاشعار والاذكار ليلا في الاماكن المقفرة، كالذي ذكره ابن ابي الحديد عن مناجاته لله جلّ في علاه (3). كل هذا وغيره كان سمة ذلك العصر الذي كان يحاصره الخطر المغولي الذي هدد الخلافة والعالم الاسلامي واعطى مجتمع تلك الفترة صفة الخنوع والخضوع والرضا بتلك المعيشة القاسية ونظامها المتفكك. ومما يثير الانتباه كثيرا، النشاط الفكري والثقافي وازدهار الحياة العلمية التي بلغت الدرجة العالية من النضج والاكتمال، اذ أُلّفت امهات الكتب في كل مجالات العلم والفكر، ساعد على ذلك كثرة المكتبات.ودور العلم، كالمدرسة النظامية والمدرسة المستنصرية اللتين تخرج فيهما اعلام الادباء والعلماء والفقهاء والمحدثين.

لقد وضعت في هذا العصر كتب مهمة في النحو والصرف والبيان والبديع ومعاجم اللغة، وتطورت اللغة تطوراً واضحاً، وَجَدَّ علماء العربية في الحفاظ على اللغة لما ادركوه من مخاطر اختلاط العرب بغيرهم من العناصر الاجنبية فظهرت مصنفات لغوية مهمة لاعلام هذا العصر، كالصاغاني ( ت 650ﻫ ) الذي ألف ( التكملة والذيل والصلة) و( العباب الزاخر واللباب الفاخر) و ( مجمع البحرين ) (4). وكأبن الساعي ( علي بن انجب) ( ت 674ﻫ ) مؤلف ( شرح الفصيح لثعلب) و( شرح المقامات الحريرية) و( كشف الكلمات العربية ونهاية الفوائد الادبية) (5). وكمحمود بن احمد الزنجاني ( ت 656ﻫ ) مؤلف كتاب ( ترويح الارواح في تهذيب الصحاح) (6).

كما اهتم علماء ذلك العصر بالدراسات النحوية والصرفية، اذ ظهرت مؤلفات مهمة في هذا الباب، فقد الفت المتون والشروح والمختصرات كما استخدم الشعر اداة لنظم علوم العربية ومتونها، ومن ذلك كتاب ( المصباح في النحو ) لأبي الفتح ناصر بن ابي المكارم المطرزي ( ت، 610ﻫ ) (7)، وكتابا ( الكافية) و( الشافية) لابن الحاجب ( ت 646ﻫ ) و( التصريف) للزنجاني ( ت 655ﻫ ) (8) و( شرح الايضاح في النحو) و( المحصل في شرح

ص: 18


1- ابن كثير ( عماد الدين ابو الفداء اسماعيل بن عمر القرشي الدمشقي ) / البداية والنهاية / مكتبة المعارف ببيروت ومكتبة النصر بالرياض / 1386ﻫ – 1966م/ 13/41 وساشير اليه فيما ياتي من الهوامش ب-( ابن كثير).
2- الحوادث الجامعة / ص154، ص202.
3- ابن ابي الحديد / شرح النهج / 13/52 وساشير اليه فيما ياتي من الهوامش ب-( ابن ابي الحديد)/شرح نهج البلاغة.
4- زيدان ( جورجي) / تاريخ آداب اللغة العربية / دار الهلال / القاهرة / د. ت / 3/52-53 وسأشير اليه فيما يلي من الهوامش ب- ( زيدان).
5- العزاوي ( عباس)/ تاريخ الادب العربي في العراق / م المجمع العلمي العراقي / 1960 بغداد 1/32 وما تلاها وسأشير اليه فيما ياتي من الهوامش ب- ( العزاوي).
6- م.ن. / 1/ 22.
7- زيدان / تاريخ آداب اللغة العربية / 3/ 51.
8- م. ن. / 3/ 44.

المفصل) لابي البقاء العكبري ( ت 616ﻫ ) و ( شرح الفية ابن معط) لابن الخباز الاربلي ( ت 631ﻫ ) (1)، لقد شهد هذا العصر ايضا ظهور امهات الكتب البلاغية التي تناولت البلاغة ممتزجة بعلوم النحو والصرف، فمنها كتاب ( مفتاح العلوم) للسكاكي ( ت 626ﻫ ).

وَأَلَّفَ ضياء الدين بن الاثير الجزري ( ت 637ﻫ ) كتبه: ( الجامع الكبير ) و(الجامع الصغير) و ( الوشي المرقوم في حل المنظوم) و( المثل السائر في ادب الكاتب والشاعر ). وكان لهذا الكتاب الاخير بالغ الاثر في نهضة البلاغة لما اثاره من جدل واسع حملت البعض على التصدي له ومعارضته كما فعل ابن ابي الحديد في كتابه ( الفلك الدائر على المثل السائر ) (2).

وظهرت في هذا العصر ايضا كتب البيان والبديع ككتاب ( التبيان في البيان) لعبد الواحد بن عبد الكريم الزملكاني ( ت 651ﻫ ) (3) و ( تحرير التجبير في علم البديع) و( بدائع القرآن العظيم ) لابن ابي الاصبع القيرواني ( ت 654ﻫ ) وألف ابن معط ( ت 628ﻫ ) منظومته المسماة ( البديع في علم البديع ) (4) وازدهرت الاداب ورواية الشعر والاخبار والنقد الادبي وايام العرب والتاريخ والتراجم والسير في هذا العصر. اذ ظهر فيه القاضي الفاضل ( ت 596ﻫ ) والعماد الاصفهاني ( ت 597)، وهما من اعلام المنشئين، وظهر فيه ياقوت الحموي ( ت 626ﻫ ) مؤلف ( معجم الادباء) و ( معجم البلدان )، وياقوت المستعصمي ( ت 698ﻫ ) مؤلف كتاب ( اخبار واشعار وملح وحكم ووصايا منتخبة) (5)، وعلي بن اسماعيل السخاوي ( ت 632ﻫ ) مؤلف ( نظم الدّر في تفسير الشعر ) (6) ولعل شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد يتصدر مؤلفات ذلك العصر على الاطلاق لتمكنه الفائق من صناعته، وبلاغته واسلوبه في الرواية وحسن الاختيار والاقتباس من السابقين في مجالاتهم.

اما في مجال الشعر فقد حفل ذلك العصر بعدد كبير من الشعراء كان الكثير منهم ممن عاصر ابن ابي الحديد كأبن الساعاتي ( ت 604ﻫ ) وابن سناء الملك ( ت 608ﻫ ) وابن النبيه ( ت 619هت) وابن الفارض ( ت 632ﻫ ) وابن مطروح ( ت 649ﻫ ) والبهاء زهير ( ت 656ﻫ ) ومجد الدين النشابي ( ت 657ﻫ ) وشرف الدين البوصيري (ت 696ﻫ ).

واذ نستذكر الحركة العلمية ونشاطها لابد لنا من ذكر ما شهدته الدراسات القرآنية من مؤلفات، لعل في مقدمتها كتاب ( مفاتيح الغيب) لفخر الدين الرازي ( ت 606ﻫ ) وكتاب ( زاد المسير ) لعبد الرحمن بن الجوزي ( ت 597ﻫ ) وتفسير ابي البقاء العكبري

ص: 19


1- العزاوي / م. س. 1/ 157.
2- العزاوي / تاريخ الادب العربي في العراق / 1/ 207 وما تلاها.
3- م. ن.
4- م. ن / 1/ 209.
5- م.ن./ 3/ 143.
6- م. ن /1/ 349.

( ت 616ﻫ ) (1) ومن كتب الدراسات القرآنية ايضا كتاب ( الناسخ والمنسوخ) لابن الجوزي و( املاء ما منّ به الرحمن) لابي البقاء العكبري و( اعجاز القرآن) لفخر الدين الرازي (2) و( المجيد في اعجاز القرآن المجيد) للزملكاني ( ت 651ﻫ ) و ( بدائع القرآن ) لابن ابي الاصبع العدواني البغدادي (3) ( ت 654ﻫ ) و ( هداية المرتاب ) لعلي بن محمد السخاوي ( ت 653ﻫ ).

واذا كان ما ذكرناه متعلقا بالدراسات القرآنية فان هناك العديد من المؤلفات الخاصة بالحديث النبوي ومباحثه وما يتفرع منه من علوم كنقد الرجال والجرح والتعديل والوضع واسبابه، فمن كتب الحديث كتاب ( جامع المسانيد) لعبد الرحمن بن الجوزي ( ت 597ﻫ ) و( جامع الاصول في احاديث الرسول ) و( النهاية في غريب الحديث والاثر ) لمجد الدين بن الاثير الجزري ( ت 606ﻫ ).

وقد برزت ايضا الدراسات الفقهية، اذ برز في الفقه الحنفي ابو الحسن الفرغاني ( ت 593ﻫ ) صاحب كتاب ( الهداية في شرح البداية ) وظهير الدين محمد بن عمر البخاري ( ت 683ﻫ ) صاحب كتاب ( كشف الابهام لدفع الاوهام ) ونور الدين عبد الرحمن بن عمر العبدلباني ( ت 684ﻫ ) صاحب كتاب (الحاوي في الفقه الحنفي) (4)، وفي الفقه الحنبلي ظهر عبد الجبار بن عبد الخالق العكبري العدوي الفقيه بالمستنصرية ( ت 681ﻫ ) صاحب كتاب ( المقدمة في اصول الفقه )، وفي الفقه الشافعي برز محمد بن يحيى بن فضلان ( ت 631ﻫ )، وجمال الدين عبد الله بن محمد العاقولي ( ت 628ﻫ ) الذي انتهت اليه رئاسة الشافعية ببغداد (5)، وبرز في الفقه المالكي شهاب الدين عبد الرحمن بن عسكر ( ت 732ﻫ ) الذي ألف ( المعتمد في الفقه) و( الاشارة والنور المقتبس في فؤائد مالك بن أنس ) (6) واذ تحدثنا عن فقهاء مذاهب اهل السنة فاننا نذكر من نبغ الى جانبهم من فقهاء الامامية مثل نصير الدين محمد بن محمد الطوسي ( ت 672ﻫ ) مؤلف ( جواهر الفرائض ) واحمد بن موسى بن طاووس ( ت 673ﻫ ) مؤلف كتاب ( الملاذ ) و ( بشرى المحققين) و ( الفرائد العدّة) (7)، والمحقق الحلي ( ت 676ﻫ ) مؤلف ( شرائع الاسلام) و ( المختصر

ص: 20


1- حاجي خليفة / كشف الظنون عن اسامي الكتب والفنون / مطبعة وكالة المعارف استانبول / 1941م / 1/ 440 وساشير اليه فيما يأتي من الهوامش ب-(حاجي خليفة).
2- م. ن./ 1/ 120.
3- م. ن./1/ 230.
4- م.ن. / 2/ 484.
5- معروف ( ناجي) تاريخ علماء المستنصرية / م العاني / بغداد / 1965 /1/ 203 وساشير اليه فيما ياتي من الهوامش ب- ( معروف).
6- معروف / تاريخ علماء المستنصرية / 1/ 198.
7- الحر العاملي ( محمد بن الحسين)/ امل الامل في علماء جبل عامل / ت احمد الحسيني / نشر مكتبة الاندلس / بغداد م الاداب / النجف / 1385ﻫ – 1965م / 2/29 وساشير فيما يأتي من الهوامش ب- ( الحر العاملي).

النافع من فقه الامامية) (1) ولقد كثر في هذا العصر التاليف في التاريخ والتراجم والسير، وتاريخ الممالك والدول، نذكر ممن صنف في ذلك العماد الاصفهاني ( ت 597) صاحب ( الفتح القسي في الفتح القدسي) وابن شداد ( ت 632ﻫ ) مؤلف ( النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية) وابن ظافر الازدي ( ت 613ﻫ ) مؤلف ( الدول المنقطعة) وعبد الواحد المراكشي ( ت 631ﻫ ) مؤلف ( المعجب في تاريخ المغرب) وجمال الدين القفطي ( ت 646ﻫ ) مؤلف ( اخبار العلماء باخبار الحكماء). ويعدّ عز الدين بن الاثير ( ت 630ﻫ ) مؤلف كتاب ( الكامل في التاريخ ) اشهر مؤرخي هذه الفترة ومؤلفه اوثق مصدر تاريخي (2).

في هذا العصر ظهر كُتّاب الجغرافيا والرحلات والبلدان كأبن جبير ( ت 611ﻫ ) مؤلف ( رحلة ابن جبير) وياقوت الحموي ( ت 626ﻫ ) مؤلف معجم البلدان الذي يعدّ موسوعة علمية وادبية وتاريخية (3).

واذا كنا قد اشرنا بشيء من التفصيل الى الحركة الفكرية والعلمية فلا بد من القول ان علوما كالرياضيات والطب والنجوم والفلسفة وعلم الكلام كان لها شان في هذا العصر خاصة اذا امعنا النظر في مؤلفات الفلاسفة والمتكلمين من ارباب العقائد والملل من اشعرية ومعتزلة وامامية وزيدية، وكان ابن ابي الحديد من ابرز المتكلمين في عصره، وممن ألف في الفلسفة وعلم الكلام نصير الدين محمد بن محمد الطوسي ( ت673ﻫ ) مؤلف ( تجريد الكلام) وفخر الدين محمد بن عمر الرازي ( ت 606ﻫ ) مؤلف ( المطالب العالية في الكلام) واثير الدين الابهري ( ت663ﻫ ) صاحب كتاب (هداية الحكمة في المنطق والطبيعيات والالهيات) (4)،وابن رشد ( ت 595ﻫ ) صاحب كتاب ( فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من الاتصال ) (5).

هكذا كانت الحالة في ذلك العصر الذي عاشه عبد الحميد بن ابي الحديد المعتزلي فانتفع بما آتته من ثمارها مما سبق لغيره ان زرعه فحفظ الكثير ووعى الكثير فأفاد من كل ذلك شرحا وتفسيرا وفكرا ورأيا واستيعابا لما خلقته حركة العلم والثقافة من ثراء فكري، وفهم لاسرار الادب والتاريخ والتفسير والحديث والفقه والكلام، كما أثرت فيه وقائع ذلك العصر باحداثها ومآسيها التي انتهت بغزو المغول لبغداد، فلم يعش ابن ابي الحديد بعد هذه الكارثة الا اياما معدودة فتوفي مخلفا لنا تلك الاعلاق النفيسة التي يقف في مقدمتها شرح نهج البلاغة.

ص: 21


1- كحالة ( رضا) معجم المؤلفين / م، الترقي / دمشق 1957 – 1961م / 3/137. زساشير اليه فيما ياتي من الهوامش ب- ( كحالة).
2- زيدان / تاريخ آداب اللغة العربية / من ص 71- 87.
3- م. ن. / 3/ 94 وما تلاها.
4- زيدان / تاريخ آداب اللغة العربية / 3/ 114.
5- م. ن.

الفصل الثاني: عبد الحميد بن ابي الحديد المعتزلي.. حياته وسيرته..

هو عبد الحميد بن ابي الحسين هبة الله بن محمد بن محمد بن الحسين بن ابي الحديد المدائني البغدادي المعتزلي، ذكر ذلك اغلب المؤرخين (1). الا ان بعضهم يغير في سلسلة النسب حاذفا اسم جديه الثاني والثالث (2). ويكنى بأبي حامد ويلقب بعز الدين والشيخ الصاحب، وربما دل لقبه الاخيرعلى وظائفه التي تقلدها، او مصاحبته لاركان الدولة في زمانه مثلما لقب الصاحب بن عباد بهذا اللقب لصحبته لابن العميد (3)

ولد ابن ابي الحديد يوم السبت غرّة ذي الحجة سنة 586ﻫ في المدائن من ارض العراق وهي على ستة فراسخ من بغداد (4) (ومن هنا كانت تسميته بالمدائني ) ويكاد اغلب المؤرخين يرون ذلك (5) بينما يرى اخرون انه ولد سنة 590ﻫ (6) ويكاد

ص: 22


1- ابن خلكان ( شمس الدين ابو العباس احمد بن محمد ) / وفيات الاعيان وانباء ابناء الزمان / تحقيق د. احسان عباس / دار صادر – بيروت ) 1398ﻫ – 1978 / 5/ 392 وساشير اليه فيما ياتي من الهوامش ب- ( ابن خلكان)، انظر أيضا: -ابن الفوطي ( عبد الرزاق بن احمد الشيباني )/ تلخيص مجمع الاداب في معجم الالقاب / تحقيق د. مصطفى جواد / م الهاشمية / دمشق / 1962م 4 ق 1ص 19/وساشير اليه فيما ياتي من الهوامش ب-( ابن القوطي ). - الصفدي ( صلاح الدين بن ايبك)/ الغيث المسحم في شرح لامية العجم / المطبعة الازهرية / القاهرة / ط1 / 1305 ﻫ /2/ 91 / وساشير اليه فيما ياتي من الهوامش ب- ( الصفدي). - ابن كثير / البداية والنهاية / 13 / 119. - الخوتساري ( محمد باقر بن زين العابدين) / روضات الجنات في احوال العلماء والسادات تحقيق اسد الله اسماعليليان / المطبعة الحيدرية / طهران / 1970 / 5/ 20-،21، وساشير اليه فيما ياتي من الهوامش ب- ( الخونساري)
2- ابن خلكان / وفيات الاعيان / 5/ 391.
3- م. ن /1 / 229.
4- الحموي ( ياقوت) / معجم البلدان / دار صادر – دار بيروت، 1957 / 5/ 75 وساشير اليه فيما ياتي من الهوامش ب- ( الحموي).
5- ابن الفوطي / تلخيص مجمع الاداب / م 4 ق1 ص 19 وانظر ايضا: - ابن خلكان / وفيات الاعيان / 5/ 392. - ابن كثير / البداية والنهاية / 13 / 199. = = اليونيني ( موسى بن محمد) ذيل مرآة الزمان / م. مجلس دائرة المعارف العثمانية / حيدر آباد الدكن / 1954م / 1/62 وساشير اليه فيما ياتي من الهوامش ب- ( اليونيني).
6- البستاني ( بطرس) / دائرة المعارف / م، دار المعارف / بيروت 1876م /1/ 348 وساشير اليه فيما يأتي من الهوامش ب- ( البستاني)..

المؤرخون يجمعون على ان المدائن مكان ولادته (1) بينما ينفرد الصفدي فيقول ان مولده كان في الانبار (2)، ولم يذكر ذلك أي من المؤرخين الاخرين. ويبدو ان تلقيبه بالبغدادي اشارة الى اقامته ثم وفاته ببغداد سنة 656ﻫ (3)، ولقب بالمعتزلي (4) نسبة الى عقيدته في الاعتزال التي اشتهر بها في مؤلفاته وشعره وما عرف من آرائه التي بثها في شرحه لنهج البلاغة، واشتهر عبد الحميد ( بابن ابي الحديد) نسبة الى اسرته ( آل ابي الحديد) (5).ان المصادر، الكثيرة لم تعط شيئا عن تلك الاسرة وعن سبب تسميتها بهذا الاسم، وعن الجد الاعلى الذي انتسبت اليه او مكانته الاجتماعية او الدينية او السياسية. ان تسمية ( آل ابي الحديد) بهذا الاسم قد تشير الى ان جدّ الاسرة (( كان على شيء ما يتصل بالقوة والبأس)) (6) وربما أشارت هذه التسمية الى مهنة بيع الحديد، ففي العراق ما زال صاحب التجارة او الصنعة يسمى ب- ( ابي كذا) من انواع ما يتجر به او يصنعه. ومن الواضح ان لهذه الاسرة مكانة اجتماعية وعلمية ودينية جعلتها قريبة من الخليفة ورجالات الدولة. وقد يشير ذلك القرب الى ان اسرة ابي الحديد كانت ذات عدة وعدد وبأس وتمرس في اساليب القتال.

كان والده ابو الحسين هبة الله بن ابي المعالي محمد بن محمد بن الحسين بن ابي الحديد قاضيا وخطيبا في المدائن وبغداد، وكان محدّثا وفقيها على مذهب الامام الشافعي ودرس في النظامية حتى صار من شيوخ الحديث النبوي والادب (7). كان مولده عام 530ﻫ ووفاته عام 613ﻫ، ويبدو انه كان ذا مركز ديني واجتماعي وثقافي، بحكم ما يحتاجه القضاة من علوم متنوعة، الا انه لم يصلنا أي من اثارة العلمية والادبية التي تجعلنا محيطين بمنزلته ومشاركته في الحركة العلمية في عصره، واعقب هبة الله اولادا اربعة هم:

ص: 23


1- انظر: المصادر الواردة في هامش (5) من الصفحة السابقة.
2- الصفدي / الغيث المسجم / 20 / 91.
3- الخوتساري ( روضات الجنات) / 5/ 20-، 21، وانظر ايضا -الذهبي / المختصر المحتاج اليه / ت، الدكتور مصطفى جواد / مطابع دار الزمان / بغداد 1963م / 3/ 227.
4- ابن شاكر ( محمد بن شاكر بن احمد الحلبي الكتبي ) فوات الوفيات / ت محمد محي الدين عبد الحميد / م. السعادة / القاهرة / 1951م / 1/ 519 وساشير اليه فيما ياتي من الهوامش ب- ( ابن شاكر)، وانظر ايضا: الشيببي ( د. كامل ) الفكر الشيعي / م دار التضامن بغداد / 1966 / هامش ص 105 وساشير اليه فيما ياتي من الهوامش ب- ( الشيببي).
5- تشير بعض المصادر الى وجود اسرتين: الاولى شامية ينتهي نسبها الى ابي الحديد السلمي الدمشقي) واخرى عراقية ينتهي نسبها الى ( حديد الازدي المدائني ) وربما كانت لهاتين الاسرتين قرابة من نوع ما بأسرة ابي الحديد المدائني البغدادي وهي اسرة عبد الحميد شارح النهج: انظر: الربيعي ( احمد)/ العذيق النضيد بمصادر ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة / م، العاني / بغداد 1407ﻫ – 1987 م / ص 45 / وساشير اليه فيما ياتي من الهوامش ب- ( الربيعي).
6- الابياري ( ابراهيم) شرح نهج البلاغة / بحث منشور في مجلة تراث الانسانية / وزارة الثقافة والارشاد القومي / مصر / م، كوستاتسوماس / القاهرة سنة 1964م / م 2ص 125.
7- الذهبي / المختصر المحتاج اليه / 3/ 227.

ابو حامد عبد الحميد وثانيهم: ابو المعالي موفق الدين احمد بن ابي الحديد الملقب ( بالقاسم ) (1) ولد بالمدائن في جمادي الاخرة عام 590 ﻫ (2) وتولى القضاء فيها ثم انتقل الى بغداد، وفيها الف كتابه ( الحاكم في اصطلاح الخراسانيين و العراقيين في معرفة الجدل والمناظرة) (3). كان موفق الدين فقيها اديباً شاعرا مشاركا في اكثر العلوم (4) وكان اشعري العقيدة (5)، شغل موفق الدين اضافة الى القضاء كتابة الانشاء للخليفة المستعصم (6)، وبعد سقوط بغداد على يد المغول تولى امر خزائن الكتب مع اخيه عز الدين وتاج الدين ابن الساعي (7). وقد توفي موفق الدين ببغداد في جمادي الاخرة سنة 656ﻫ بعد وفاة الوزير ابن العلقمي بنحو اسبوع (8).

اما ثالث الاخوة فهو ابو البركات محمد بن هبة الله بن ابي الحديد، كان كاتبا لوقف المدرسة النظامية، فاضلا اديبا موصوفا بالذكاء " وكان عنده فضل غزير وكتابة ضبط تام ويقول الشعر " (9)، توفي في الحادي عشر من صفر سنة 598ﻫ في حياة والده عن اربع وثلاثين سنة، وذفن بمقابر قريش ببغداد عند مرقد الامام موسى بن جعفر (10). ان ذلك يعني ان ولادته كانت سنة 564ﻫ وانه الابن الاكبر للقاضي هبة الله بن ابي الحديد. ورابع الاخوة هو ابو محمد عبد اللطيف بن هبة الله بن ابي الحديد، ولم يذكر المؤرخون عنه شيئا سوى انه توفي في حياة ابيه ودفن مع اخيه محمد في مقابر قريش عند مشهد الامام موسى بن جعفر، وانه كان اديبا فاضلا ذكيا وكاتبا متمكناً (11).

لم يتحدث ابن ابي الحديد عن حياته العائلية شيئا، فلم يذكر زواجه ولا عقبه كما لم تذكر المصادر الا النزر القليل. على ان ذلك لا يعني انه لم يتزوج ولم يعقب، فهو يشير الى ان له اهلا وولدا، حين يذكر ابياتا له في المناجاة التي يناجي بها ربه ليلاً " مطلقا من قيود الاهل والولد وعلائق الدنيا " (12)، ويبدو انه قد تزوج بامرأة ثيب توفي عنها زوجها، وكان جنديا، فانجب عبد الحميد منها ولداً اسمه ( غازي) (13) ولقبه( فلك الدين) (14)، ويتضح انه كان في

ص: 24


1- اليونيني / ذيل مرآة الزمان / 1/ 104.
2- م. ن
3- م. ن / 1/ 111.
4- م.ن. / 1/ 105.
5- ابن العماد / شذرات الذهب / 5/ 280.
6- الحوادث الجامعة / ص 336.
7- ابن الفوطي / تلخيص مجمع الاداب / 4/ 575.
8- الحوادث الجامعة / ص 336.
9- ابن الساعي ( علي بن انجب) / الجامع المختصر في عنوان التواريخ وعيون السير / ت / الدكتور مصطفى جواد / م. السريانية الكاثوليكية / بغداد / 1934م / 9/ 88 وساشير اليه فيما يأتي من الهوامش ب- ( ابن الساعي).
10- م. ن.
11- م.ن. / 9/ 88.
12- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 13/ 52.
13- ابن الفوطي / تلخيص مجمع الاداب / ج4 ق1 ص 207.
14- الربيعي / العذيق النضيد / 69.

السابعة والاربعين من عمره حينما تزوج هذه المراة، فقد ذكر ان زواجه مها كان بعد الانتهاء من تاليف كتابه ( الفلك الدائر على المثل السائر) الذي الفه سنة 633ﻫ (1) لم يشرالمؤرخون الى تاريخ مغادرة ابن ابي الحديد ( المدائن) الى بغداد، الا ان هناك اشارات ذكرها بنفسه من انه كان يذهب الى بغداد احيانا وانه كان يحضر ( وهو غلام في المستنصرية) بيوت بعض المشاهير كعبد القادر بن داوود الواسطي، خازن دار كتب النظامية، وقد كانت داره مزار كبار القوم ومنهم والى اربل باتكين الرومي (2)، ومع ذلك فالذي يظهر انه انتقل الى بغداد واقام بها بعد سنة 611ﻫ وهي السنة التي نظم فيها ( القصائد السبع العلويات) (3)، ولم يكن ابن ابي الحديد حين سكن بغداد غريبا على مدارسها، ودور كتبها وبيوت الوزراء والعلماء فيها فقد كانت صلته وثيقة بالخلفاء والوزراء والمشاهير في عصره، ويبدو ان صلة من نوع ما ربطته بالخليفة الناصر ( ت 622ﻫ ) جعلته يقول اشعارا كثيرة في مدحه (4)، في حين لم تذكر المصادر اية صلة بين ابن ابي الحديد والخليفة الظاهر، وربما كان مردّ ذلك ان الظاهر لم تطل ايامه، اذ توفي بعد بضعة اشهر من خلافته. ان اقوى الصلات كانت له مع الخليفة المستنصر الذي كثرت مدائح عبد الحميد فيه وفي جليل اعماله وحفاوته بالعلماء والادباء واحسانه اليهم. ويشير ابن ابي الحديد الى ان عطايا الخليفة وصلاته كانت تتوالى عليه، حتى لقد اغناه بنواله وكثرة عطاياه (5). لقد استحقت تلك العلاقة من ابن ابي الحديد ان يخصه بمجموعة شعرية سماها ( المستنصريات) وهي خمس عشرة قصيدة طويلة في مدحه(6) . ويبدو ان تلك العلاقة الوثيقة قد ضعفت كثيرا حين بويع المستعصم بالخلافة، فلم نسمع ان لابي ابي الحديد اتصالاً بالخليفة، وقد يرجع ذلك الى تقلده وظائف خارج ديوان الخلافة وربما خارج بغداد ايضا(7).

لم تقتصر صلة ابن ابي الحديد على خلفاء عصره وانما تعدت الى الوزراء ايضا، ومع تعدد من تقلد الوزارة في ذلك العصر الا ان المؤرخين لا يشيرون الا الى صلته باثنين من الوزراء هما: نصير الدين ابو الازهر احمد بن الناقد ( ت 643ﻫ ) ومؤيد الدين ابو طالب محمد بن احمد بن العلقمي الاسدي ( ت 656ﻫ )، ولا تمدنا المصادر بكثير من المعلومات عن صلة ابن ابي الحديد بابن الناقد سوى ما ذكره هو من انه كان على صلة وثيقة به، وكان يغتنم الفرص ليبعث اليه بمدائحه لان ابن الناقد كان اديبا ذواقة، فكان لا يزال يذكر مديحه له

ص: 25


1- ابن ابي الحديد / الفلك الدائر على المثل السائر / آخر كتاب المثل السائر لابن الاثير / 4/ 34.
2- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 14/ 280.
3- صاحب المدارك ( محمد)/ شرح القصائد السبع العلويات / دار الفكر / بيروت / 1374 ﻫ / 1955م طبعه بنفقته ابراهيم كامل الزين / ص 54 وساشير اليه فيما ياتي من الهوامش ب- ( صاحب المدارك).
4- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 6/ 109.
5- ابن ابي الحديد / المستنصريات / ص 24.
6- الربيعي / العذيق النضيد / ص 101.
7- ابن الفوطي / تلخيص مجمع الآداب / ج4 ق1 ص 109.

وينشده ويستحسنه (1). الا ان صلة ابن ابي الحديد بالوزير ابن العلقمي فاقت كل الصلات. وابن العلقمي عربي من بني اسد، وأصل اسرته من منطقة النيل من اعمال بابل، وسمي بالعلقمي نسبة الى احد اجداده الذي حفر النهر المسمى بنهر العلقمي (2). ويبدو ان صلة الرجلين كانت موجودة قبل ان يتسنم ابن العلقمي الوزارة سنة 643ﻫ ، اذ كان ابن ابي الحديد يعمل في ديوان الخلافة منذ سنة 629ﻫ حين رتب كاتبا في المخزن ثم كاتبا في الديوان (3)، وكان ابن العلقمي استاذا لدار الخلافة منذ سنة 629ﻫ (4). واذ توسم ابن العلقمي في ابن ابي الحديد النباهة والذكاء والعلم، والوفاء، اختصه برعايته ومنحه مودته وعنايته واتخذ منه شاعرا ناطقا باسمه، معددا لمآثره وفواضل اعماله. لقد مدحه ابن ابي الحديد حين اكتمل بناء المدرسة المستنصرية التي اشرف ابن العلقمي مع اخيه على انشائها (5)، ومدحه حين انتصر على المغول في حملتهم على بغداد عام 643ﻫ (6)، ومدحه حين اكتمل بناء المكتبة التي انشأها ابن العلقمي، وتبلغ العلاقة بين الرجلين اوجها حين ألف ابن ابي الحديد كتابه ( شرح نهج البلاغة)، فقد بدأ التاليف سنة 644ه- ( وهي سنة افتتاح المكتبة) بامر من الوزير ابن العلقمي، واهداه اليه بعد ان اتم الكتاب في مدة اربع سنين وثمانية اشهر، وما كان يقدّر ان الفراغ من تاليفه يقع في اقل من عشرين سنة (7).

توفي عبد الحميد بن ابي الحديد على ما يرجحه كثير من المؤرخين سنة 656ﻫ بعد دخول المغول بغداد بسبعة عشر يوما (8).

ص: 26


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 16 / 109.
2- الطقطقي / الفخري / ص 270.
3- ابن الفوطي / تلخيص مجمع الآداب / ق1 ج4 / 191.
4- ابن الساعي / الجامع المختصر / 9/ 285.ومنصب استاذ دار الخلافة يشبه منصب رئيس ديوان الرئاسة او الديوان الملكي في يوم الناس هذا.
5- ابن ابي الحديد / المستنصريات / ص 13.
6- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 8/ 242 وما تلاها.
7- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة /20 / 349.
8- ابن الفوطي / تلخيص مجمع الآداب / ق1 ج4، ص 191، وانظر ايضا: الحوادث الجامعة / ص 336. الطهراني ( محمد محسن آغا بزرك) الذريعة الى تصانيف الشيعة / مطبعة العزي - مطبعة القضاء / ط1 / 1357ﻫ 1938م / 9/ 685، وساشير اليه فيما ياتي من الهوامش ب- ( الطهراني). ان البعض من المؤرخين يرى ان وفاته كانت سنة 655ﻫ، انظر: - ابن خلكان / وفيات الاعيان / 5/ 392.. وانظر ايضا: - اليونيني / ذيل مرآة الزمان / 1/ 62. - ابن كثير / البداية والنهاية / 13 / 200.

الفصل الثالث: فكر ابن ابي الحديد ومعتقده

تباينت آراء المؤرخين حين ارادوا ان يتناولوا فكر عز الدين ابي حامد عبد الحميد بن ابي الحديد ومعتقده، ان ذلك التباين ناتج على الارجح عن الافكار التي يحملها المؤرخون ومدى قربها او بعدها عن عقيدة من يؤرخون لهم، وهو ناتج ايضا عن تعدد الاشارات التاريخية وختلافها مما يجعل مهمة المؤرخ صعبة امام الوصول الى الحقيقة المطلقة.

واول ما نذكره في هذا المجال ان بعض المؤرخين قد لقبوه بالمعتزلي (1) بينما لقبه آخرون ب-( الشيعي الغالي) (2) ونعته آخر ب-( المعتزلي المتشيع) (3) ورأي آخر انه صار معتزليا جاحظيا، او اصميّأ (4) ( نسبة الى ابي بكر الاصم من شيوخ المعتزلة في البصرة) (5)، بينما يرى مؤرخ آخر انه كان " مواليا لاهل بيت العصمة والطهارة وان كان في زي اهل السنة والجماعة، منصفا غاية الانصاف في المحاكمة بين الفريقين " (6). ويذهب من يقول باعتزاليته الى قول ابن ابي الحديد في اول شرح النهج " الحمد لله الذي قدم المفضول على الافضل لمصلحة اقتضاها التكليف" (7) ويرى بعض المعاصرين ان مما يؤكد معتزليته واستقلاله عن التشيع ان احمد بن طاووس العلوي ( ت 673ﻫ )، وهو من اكابر علماء الامامية، قد كتب كتاب ( الروح) في نقض ابن ابي الحديد (8). ونستطيع ان نستخلص فكر ابن ابي الحديد وعقيدته من كتبه وآثاره، ونخص بالذكر منها ( شرح النهج)، فهو المعبر عن آرائه بجلاء ووضوح. ان اول ما ينتبه اليه الباحث في هذا الشان هو جمع ابن ابي الحديد بين التشيع والاعتزال. فهل يمكن ان يجمع المرء بين الاعتزال والتشيع ؟ واذا

ص: 27


1- ابن شاكر / فوات الوفيات / 1/ 519.
2- العيني ( محمود بن احمدبن موسى) /عقد الجمان في تاريخ اهل الزمان / نسخة مخطوطة مصورة في مكتبة الامام السيد عبد الكريم المدني / وفيات سنة 655ﻫ وانظر ايضا: ابن كثير / البداية والنهاية / 13 / 199.
3- الصنعاني ( يوسف بن يحيى)/ نسمة السحر في ذكر من تشيع وشعر / نسخة مخطوطة مصورة في مكتبة الامام السيد عبد الكريم المدني على مخطوطة المتحف البغدادي /2/78 وساشير اليه فيما ياتي من الهوامش ب- ( الصنعاني).
4- م. ن. 2/ 79.
5- الشهرستاني ( ابو الفتح محمد بن عبد الكريم) / نهاية الاقدام / م. جامعة اكسفورد سنة 1934 / ص 481 وساشير اليه فيما ياتي من الهوامش ب-( الشهرستاني).
6- الخونساري / روضات الجنات / 5/ 20.
7- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 1/ 3.
8- الشيببي / الفكر الشيعي / هامش الصفحة 105.

امكننا القول ان الاعتزال والتشيع قد يلتقيان في بعض اصول الدين وجواهره الا ان الاختلاف واضح وكبير في التفاصيل والفروع. ان هذا الامر يجرنا الى النظر في بواكير حياته والمؤثرات التي اثرت فيها، ونراقب بدقة ما صدر عنه ابان تلك المرحلة. واذا تذكرنا ان ابن ابي الحديد قد ولد في المدائن ونشأ بها وتلقى بدايات علومه فيها، استطعنا ان نتفهم الامر، فالمدائن قرية يغلب على اهلها التشيع على مذهب الامامية (1) وربما كان شيعتها متطرفين ومغالين (2)، ثم حين نما وكبر وانقضت ايام صباه، قصد بغداد حاضرة الخلافة وقطن الكرخ، ومعروف عن اهل الكرخ انهم شيعة " لا يوجد فيهم سني البتة" (3). من هنا كان للمدائن وكرخ بغداد " الاثر البالغ في فكره ومعتقده، ان ذلك واضح من نظمه – في ذلك الوقت من حياته –قصائده المعروفة ب-( السبع العلويات) التي سجل فيها ما تجيش به نفسه من عاطفة وولاء للامام علي وابنائه، وفيها " غالى وتشيع وذهب به الاسراف في كثير من ابياتها كل مذهب " (4)، ولقد حاول في بعض قصائده ان يجعل الاعتزال غطاء يخفي خلفه آراءه المغالية لتدفع عنه تهمة التشيع، في زمن حورب فيه الشيعة وطوردوا، بل كان البعض يرى وكأنهم لا يمتون الى الاسلام بصلة (5). لقد تعدى حب ابن ابي الحديد للامام علي وهيامه به الحد الى الغلو الصريح، فهو يرى مثلا ان من يعتقد بالوهية الامام علي معذور عنده لان فيه من مقومات الالوهية وسماتها ما يبرر ذلك الاعتقاد (6) الذي يستنكره اغلبية الشيعة من الامامية والزيدية (7).

من ذلك يتضح لنا ان ابن ابي الحديد كان في طور بداياته وشبابه شيعيا مغاليا في تشيعه على طريقة الغلاة، واذا كان قد ادعى الاعتزال في اشعاره العلوية فمرد ذلك توجسه من ان يؤخذ بجريرة التشيع، وبعد استقراره ببغداد اتصل بالدولة ورجالاتها وقادة الرأي واهل العلم والفكر فتحول تحولا واضحا نحو الاعتزال وجعله مذهبه الذي يؤمن به ويدافع عنه وينظر للحياة من خلاله. ان القاء نظرة معمقة على شرح نهج البلاغة ( وهو من كتبه المتاخرة) ترينا نظرته للاعتزال، وما يكنه للمعتزلة وارائهم من تقدير واجلال، بل ان طرحه

ص: 28


1- الحموي / معجم البلدان / 5/ 75 ( المدائن).
2- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / مقدمة محمد ابو الفضل ابراهيم / 1/14.
3- الحموي / معجم البلدان / 4/ 448.
4- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 1/14 مقدمة المحقق.
5- محي الدين / ابن ابي الحديد / ص 87.
6- يقول ابن ابي الحديد في قصيدة بعنوان ( في ذكر فتح خيبر). تقيّلتَ أفعالَ الربوبيّةِ التي عذرتُ بها مَنْ شكَّ أنّك مربوبُ وبقول العلامة السيد محمد صاحب المدارك في شرحها: تقيلت أي اشبهت يقال تقيل فلان اياه اذا اشبهه وذلك لانه عليه السلام كان يصدر عنه ما لا يصدر عن البشر كالحكم بالمغيبات وغير ذلك وقوله ( عذرت) يريد بها المبالغة والمجاز اذ العذر الحقيقي في هذا كفر، والمعنى لوجاز ان يعذر لعذرته ومثل هذا كثير في كلامهم. انظر: صاحب المدارك/ شرح القصائد السبع العلويات / ص 6 -15.وقد وقفت كثيرا متأملا ما أجده تناقضا بين علوّه الصريح هذا وبين عدم قوله بالنص على علي بالخلافة.. ورفضه مقولات الامامية في هذا الشأن مما لا أرى له تفسيرا مقنعا.
7- محي الدين / ص 87.

لفكر المتعزلة بتلك الطريقة المفعمة بالقوة تجعلنا نؤكد احتلاله لمنزلة رفيعة بين معتزلة عصره تجعله في القمة من الفكر المعتزلي. ويتضح بجلاء انه كان في تلك الفترة الناضجة من حياته على مذهب الامام الشافعي معتزليا نشطا في الدفاع عنهم لا يلتقي مع الفكر الشيعي بل هو مخالف له مخالفة صريحة الى حد قيامه بتصنيف كتاب

( مقالات الشيعة) الذي تحدث فيه عن فرق الغلاة ومقالاتهم ونقص فكرهم (1). ان متابعة اراء ابن ابي الحديد في شرح النهج تشير الى اطلاع دقيق على اراء المعتزلة ومقالاتهم ذلك الاطلاع الذي جعله متحدثا بارعا في الدفاع عن مذهبهم. ان ذلك الدفاع جاء نتيجة قناعة واعمال راي ولم يكن بدافع مجاملة او خشية من الحاكمين خاصة اذا تذكرنا ان الكتاب مؤلف اساسا لاهدائه الى الوزير ابن العلقمي وهو شيعي المذهب، فكان من المفترض ان يثني على التشيع، او ان يكون كتابه موافقا لاراء الشيعة، وهذا ما لم يحصل بل نراه يخالف الشيعة في العديد من اصول معتقدهم تدليلا على اعتناقه لمذهب الاعتزال.

وساستعرض هنا بعض المسائل التي خالف فيها ابن ابي الحديد امورا جوهرية في الفكر الشيعي، من ذلك مسالة النص على خلافة الأمام علي فالشيعة يرون ان النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) قد نص على علي بالخلافة من بعده بشكل واضح وصريح بينما يرى ان ابي الحديد بطلان ذلك (2)، ويدافع عن رأيه دفاعا قويا ويحلل ما ورد من الاراء الأخرى وينقضها. (3) ومنه ايضا معارضة ابن ابي الحديد لرأي الشيعة في اشتراط العصمة في الأنبياء والائمة مدافعا عن رأي المعتزلة في هذا الشان (4) ومن ذلك ايضا رأيه في المهدي المنتظر الذي يظهر أخر الزمان، فهو لا ينكره على رأي المعتزلة الذين يقولون انه لم يخلق بعد، لكنه يرد أقوال الشيعة في ان المهدي من ولد فاطمة وانه خلق واختفى وسيظهر في آخر الزمان فيملأ الارض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا (5)، ومن ذلك ايضا تمسكه برأي المعتزلة الذين يقولون بالقياس (6)، وهو مايخالف الشيعة الذين لا يجوزون العمل بالظن ولا الرأي، مما يجعلهم يمنعون العمل به واستعماله في الشريعة، بل شددوا النكير على القائلين به، وألّفوا المصنفات في ذلك. ومن ذلك ايضا مخالفته لرأي الشيعة في إسلام ابي طالب والد الامام علي، فالشيعة يرون ان ابا طالب قد مات مسلما، اما مخالفوهم فيرون انه مات ولم يسلم، وهنا يسجل ابن ابي الحديد موقفا يتفرد به يدعوه ( التوقف) يقول: " وجملة الامر انه قد روي في اسلامه اخبار كثيرة وروي في موته على دين قومه اخبار كثيرة، فتعارض الجرح والتعديل، فكان كتعارض البينتين عند الحاكم، وذلك يعني التوقف، فأنا في امره من المتوقفين " (7) .

ص: 29


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 8/ 122.
2- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 6 / 12.
3- م. ن./ 10 / 255، 2 / 59، 1/ 156.
4- م. ن. / 1 / 103،1 / 277
5- م. ن. / 1/ 281، 9/ 128.
6- م. ن. /1/ 290.
7- م.ن. / 14 / 82 وما تلاها.

يظهر مما تقدم ان نسبة ابن ابي الحديد الى التشيع المذهبي ليست دقيقة لانه كان على خلاف مع الفكر الشيعي في الاصول من معتقدهم وفي كثير من الامور الفرعية، وقف فيها موقف المخالف (1) الا انها مخالفة العالم المتبحر المتبصر الذي لا ينزل بها الى منزلة الجدل العقيم والمهاترات، اما اذا اريد بالتشيع حب الامام علي وال البيت، فتلك مساله يشترك فيها المسلمون جميعهم،وبلغ فيها ابن ابي الحديد اوجها وقمتها.

ولنا ان نقول ان ابن ابي الحديد كان مسلما صادق الايمان راسخ العقيدة،متفانيا في الذب عنها،كثير الاستغفار والتوبة (2). ولقد كان في اوج نضوجه العقلي مفكرا حرا لتفكير،سمحا في معتقده،مؤدبا غاية الادب في خصومته،لم يكن يهتم بالخلافات المذهبية التي شاعت في عصره فسالت من اجلها الدماء، ولم يتعصب لمذهب يعينه مع دخوله في نقاشات علمية مع فرق ورجال وكتب ومصنفات،لانه يطلب الوصول الى الحقيقة دائما اينما كانت، وهذا في رأينا ما دعاه الى الرد على النظام (وهو احد ائمة المعتزلة ) واظهار قبح رايه حينما عرض بالامام علي في كتابه( النكت ) ونسب اليه ما لايليق بمقامه (3)،كما رد ردا علميا هادئا على ابن قتيبة وعاب عليه تعصبه،كما انتقد اراء ابي حيان التوحيدي والطبري حينما راى انهما جانبا الحقيقة الموضوعية في القول "ان خزيمة بن ثابت المقتول مع علي بصفين ليس هو خزيمة بن ثابت ذا الشهادتين بل اخر من الانصار"(4).

ان اراءه الحرة جرت عليه نقمة فريقي المسلمين من الشيعة والسنة (5)، ولعل في هذا دليلا واضحا على فكره الحر الذي اتبعه للوصول الى حقائق الامور.

ص: 30


1- محي الدين / ابن ابي الحديد / ص 103.
2- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 13 / 52.
3- م. ن. /16 / 234.
4- م.ن. / 10 / 109.
5- اضافة الى كتاب ( الروح في نقض ابن ابي الحديد) لاحمد بن طاووس العلوي فقد الف كمال الدين ميثم بن علي البحراني ( وهما من علماء الشيعة الامامية) كتاب ( سلاسل الحديد في تقييد ابن ابي الحديد)،والف محمود الملاح ( وهو من معاصري اهل السنة) كتاب ( تشريح شرح نهج البلاغة ). هذا وقد ذكر السيد عبد الزهراء الحسيني الخطيب في كتابه ( مصادر نهج البلاغة واسانيده) ستة من الكتب الشيعية التي ترد على ابن ابي الحديد لمؤلفين متقدمين ومعاصرين ذكرها يشيء من التفصيل. انظر: الخطيب ( عبد الزهراء الحسيني)/ مصادر نهج البلاغة واسانيده / منشورات مؤسسة الاعلمي للمطبوعات / بيروت – لبنان / ط2 / 1395ﻫ – 1975م / ص 218 وساشير اليه فيما يأتي من الهوامش ب- ( الخطيب).

الفصل الرابع: منزلته العلمية وآثاره

تعد ثقافة ابن أبي الحديد ثقافة موسوعية كبرى،ويظهر هذا جليا في شرحه لنهج البلاغة،إذ بدا فيه أديبا شاعرا فقيها مفسرا محدثا مؤرخا محللا فيلسوفا متكلما متحدثا في الطبيعيات والغيبيات والى غير ذلك من الأمور التي تحدث عنها, فجعلتنا نقف امامه منبهرين ,بما لديه من ملكات عقلية وذهنية كبيرة. واذا اردنا ان نتحدث عن منزلته العلمية وجب علينا ان نذكر تاثيره في جوانب العلم التي طرقها وخرج منها باثار ونتاجات متميزة تتجلى في اسهاماته في التاريخ وفي الكلام وفي الفقه والاصول والحديث وفي اللغة والنحو وفي البلاغة والنقد.

ان من اهم معارفه على الاطلاق معرفته بالتاريخ. فقد دل شرحه لنهج البلاغة على امتلاكه منهجا تاريخيا فريدا يبدو واضحا من عرضه للموضوعات التاريخية ووقائعها واحداثها. ان التعامل مع النصوص التاريخية التي تحدثت عن العصور الاولى وتحليلها والخروج منها بنتائج واضحة امر لايستطيعه الا القليل من المؤرخين ذوي الفكر الناقد الدقيق الذين استطاعوا به التمييز بين الحقائق وبين المختلق من الاخبار ولا نريد هنا ان يتشعب بنا الكلام على منهجه التاريخي، لان ذلك ما سنتناوله في الباب الثاني من هذه الاطروحة بالتفصيل والتي ستختص بالبحث في منهجه التاريخي من خلال شرحه لنهج البلاغة.

ففي علم الكلام نرى الكل ينعت ابن ابي الحديد بالمتكلم لانه كان متكلما بارعا بل كان اماما في علم الكلام (1) ,لالتزامه بمنهج المعتزلة الذين اخضعوا الكثير من الامور لمقاييس علم الكلام،كمسائل القبح والحسن والتشبيه والتنزيل وعصمة الانبياء والعدل والتوحيد والقول بخلق القرآن وغير ذلك. واذ كان ابن ابي الحديد صاحب معتقد ومذهب فقد اهتم بعلم الكلام، فتعددت نتاجاته وتنوعت مباحثه وخاض العديد من المباحث الكلامية واستأئرت اغلب كتبه بهذا العلم. والحق يقال انه كان متكلما بارعا، فقد نقض على الفخر الرازي العديد من كتبه الكلامية ودخل في حوار مهم مع اثنين من مشاهير متكلمي عصره،هما القاضي عبد الجبار من المعتزلة والشريف المرتضى من الشيعة،حين تخاصما في موضوع الامامة في كتابيهما (المغنى من الحجاج ) للقاضي عبد الجبار و(الشافي في الامامة ) للشريف المرتضى اللذين اثارا جدالا واسعا، فكثر التأليف حولهما مدحا وقدحا. وقد تضمن شرح النهج نقاشا للشريف المرتضى في مآخذه على قاضي القضاة (2) لكنه كان حر الراى، اذ كان يرد احيانا على قاضي القضاة منتصرا للشريف المرتضى على الرغم من خلافهما الفكري. لقد خلف لنا ابن ابي الحديد جملة من مباحث علم الكلام في شرح النهج،تضمنت طائفة من آراء المعتزلة

ص: 31


1- الصنعاني / نسمة السحر / 2/78
2- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 12/193،17/155، وما تلاها.

لايستطيع ان يتجاوزها أي باحث في فكر المعتزلة، منها رايهم في عصمة النبي،(1) ومذهبهم في الروح،(2) وفي العدل،(3) ومذهبهم في التوحيد،(4) ورايهم في خلق الجنة والنار،(5) ومذهبهم في الاجتهاد والقياس،(6) ومذهب البغداديين في تقديم المفضول على الافضل،(7) ومذهب البغداديين والمتأخرين منهم في وجوب الامامة (8).

وفي الفقه والاصول كان ابن ابي الحديد صاحب مذهب فقهي واصولي يجهر به ويدافع عنه بكل قوة حتى وصفه بعض المؤرخين بالفقيه(9) والاصولي(10) لانه كان من اسرة عملها القضاء،والفقه،عمود القضاء. لقد تناول ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة كثيرا من مسائل الفقه، وكان فيما يبدو عارفا بالخلافات سالكا رأيه الحر في هذا الجانب من جوانب العلم. فهو مع العمل بالقياس ومع ان هذا مذهب اصحابه المعتزلة الا انه اضاف حججا جديدة لدعم مذهبه وتحصين اركانه بالادلة والبراهين العقلية، ومع ذلك فحين يتعرض لمسألة لخلافية بين المسلمين،فانه ياتي على مجمل ما فيها من اوجه الخلاف بذهنية فقيه ملم بالمسائل كلها. من ذلك مثلا اختلاف الفقهاء في اوقات الصلاة فهو يستعرض راى ابي حنيفة في الاوقات ثم راى الشافعي،ثم راى مالك،(ولايذكر راى احمد بن حنبل )، مستعرضا خلال ذلك الحوار اراء علماء تلك المذاهب كابي يوسف وابي سعيد الاصطخري وابي الطيب الطبري والحسن بن زياد وابن المنذر وابن الصباغ الماوردي مقارنا ذلك كله باقوال الامام علي التي ورد فيها ذكر اوقات الصلاة (11).وجاء يمثل ذلك حين تعرض الى اختلاف الفقهاء في وجوب الاضحية،اذ اتى الى اراء ائمة المذاهب الخمسة بشكل مفصل يوحي بمعرفته الدقيقة بالمذاهب الفقهية المختلفة (12).وحين لايكون مقتنعا باجوبة العلماء في مسائل تشريعية،فانة يبدي وجهة نظره كما يوحي بها فكره،بعد ان يستعرض الاراء المختلفة في الموضوع،نرى ذلك مثلا في مسالة استرقاق بني ناجية من قبل معقل بن قيس ثم بيعهم على مصقلة بن هبيرة عامل الامام علي على (اردشير خًره ) من بلاد فارس. فيناقش الفقهاء والروايات التي ذكرت تلك الحادثة نقاشا تفصيليا، طارحا كل الاوجه المحتملة لها،معطيا احكام الفقهاء فيها واختلافهم في سبعه من الأمور حول الاسترقاق. ثم يذكر بعد ذلك راية

ص: 32


1- م. ن / 7 / 18.
2- م. ن /7/ 236.
3- م. ن /13/ 119.
4- م. ن /20 / 127.
5- م. ن /1/108.
6- م. ن /1/290.
7- م. ن /2/ 296.
8- م. ن /2/ 308.
9- ابن خلكان / وفيات الاعيان / 5/ 361.
10- الخونساري / روضات الجنات / 324.
11- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 17/22/وما تلاها.
12- م. ن / 17 / 314 وما تلاها.

الذي يرى ان نصارى بني ناجية قد انتقض عهدهم بحرب المسلمين فابيحت دماؤهم وجاز للامام قتلهم،ويقارن حالتهم بحالة استرقاق اهل الردة على عهد ابي بكر،ليقول في النهاية ((وفي هذا الموضوع نظر )) (1). ولئن كان ذلك كله دليلا على مقام ابن ابي الحديد في الفقه فانه كان مضافا الى ذلك اصوليا بارعا،فقد صنف في هذا العلم كتبا عديدة،منها (نقض المحصول للفخر الرازي)،و (انتقاد المصفّى للغزالي)،وقد اشار الى تلك الكتب مرات عديدة في شرح النهج (2).

اما عطاؤه في اللغة والادب فهو عطاء غير مجذوذ.لقد كان ابن ابي الحديد واسع الاطلاع في اللغة عارفا بمفرداتها وغريبها،مالكا لثروة لغوية واسعة سهلت له ما يستصعب من المسائل العلمية.وكان ذلك واضحا في كل كتبه وفي المقدمة منها (شرح نهج البلاغة ). في هذا الكتاب كان ابن ابي الحديد معنيا بشرح المفردات متوسعا فيما جاءت به معاجم اللغة،مدققا وفاحصا، قد يدفعه ذلك احيانا الى تغليط ائمة اللغة كما فعل مع الشريف الرضي حين خالفه في تفسير بعض مفردات قول للامام علي (3) كما انتقد القطب الراوندي فعاب عليه قصوره في اللغة وجموده في اقتصاره على نقل المفردات من المعاجم وعدم التدقيق في ذلك النقل. (4) كان ان ابن ابي الحديد حين يعطي معنى مفردة فانه يستوفي معانيها جميعا،معطيا كل مدلولاتها المعروفة(5) ,كما فعل في وصف الكأس(6) ,وكذا في تفسير لفظة (القاصعة ) (7) وهي عنوان احدى خطب الامام علي.(8) ولقد كان ابن ابي الحديد متشددا في المسائل اللغوية لايخرج عن الافصح فيما يكتب، واذا تنكب عن ذلك فانه سرعان ما يعتذر للقارئ مؤكدا انه يتبع تلك الالفاظ مع ان العربية لاتسوغها،كاستعمال لفظ المحسوسات مع ان رايه ان تكون (المُحَسّات )،(9) وكنقده للمتكلمين لاستعمالهم الفاظا مثل(الكل والبعض ) و(الصفات الذاتية ) و(الجسمانيات )ونحوها "مما لايخفى عمن لة ادنى اُنْس بالادب، ولكن استهجنا تبديل ألفاظهم وتغيير عباراتهم فمن كلّم قوما كلّمهم باصطلاحهم" (10).

اما في النحو فقد ألف في الكثير من أقسامه وكان علما من اعلام النحو في عصره. لقد حفل شرح النهج باراء نحوية بارعة تؤكد ان ابن ابي الحديد كان اماما في النحو وانة الف

ص: 33


1- م.ن. / 3/ 148 وما تلاها.
2- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 7 / 21، 8 /273.
3- م. ن. / 19/ 104، 115.
4- م. ن /11/ 87.
5- م. ن /13/ 121.
6- م. ن /8/264.
7- م. ن /13/ 128.
8- شمس الدين ( محمد مهدي) دراسات في نهج البلاغة / منشورات مكتبة الامين / النجف / المطبعة العلمية / النجف /1376ﻫ – 1956م /ص96 وسأشير اليه فيما ياتي من الهوامش ب- ( شمس الدين).
9- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 6/ 407.
10- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 20 / 350.

العديد من كتب النحو لكنها لم تصلنا، بما فيها كتابه الذي اشار اليه وهو (حواش على كتاب المفصل للزمخشري ).(1) لقد حفل شرح النهج بارائه النحوية المنبئه عن تمرسه في هذا العلم والمعرفه بمدارس النحو المختلفة البصرية والكوفية والبغدادية. وليس ذلك فحسب،بل وجدنا له اراء نحوية سمتها الجدة والطرافة يشق بها طريقه الخاص في هذا العلم تجعلنا نعده من اعلام النحو في زمانه. فمن ذلك دراسته لمتعلق حروف الجر (2) وهو موضوع يحتاج الى دقة وفطنة وبراعة. ومنه ايضا رده على الراوندي في مسائل نحوية وصرفية، اثبت غلطه فيها كمعنى كلمة (الاله )وهل هي مصدر ؟ كما قال الراوندي او ليست بمصدر (كما يرى ابن ابي الحديد)، وكتفسيره لمعنى الحساب والحسبان. (3) ومن ارائه كلامه على كلمة(صفين ) من حيث اشتقاقها واحرف الزيادة فيها، مبينا رايه فيها بادله علمية بارعة. (4) ان المتتبع لاراء ابن ابي الحديد النحوية ربما شعر انه ميال لمدرسة البصرة،لموافقتها هواه في الكلام والمنطق،الا انه لم يكن بصريا بالمعنى الاصطلاحي،لان اخذه براي البصريين كان لاسناد ودعم غرض فكري، (5) اذ كان يعمل جاهدا على حمل النصوص الى ما يدعم آراءه الاعتزالية.ونستطيع القول انه لم يؤيد مدرسة نحوية بعينها،ولم يناصر مذهبا نحويا بعينه بحيث نتمكن من تحديد مدرسته في النحو او اتجاهه الدقيق فيه.

اما معارفه في البلاغة والنقد فيكفينا ان نشير الى ان عصر ابن ابي الحديد كان عصر نضوج وتكامل علوم البلاغة، ففي عصره وضعت قواعدها وأقيمت ابوابها وقد اشرنا فيما سبق الى من نبغ في البلاغة في عصره،كابن الاثير الجزري،الذي رد ابن ابي الحديد على كتابه الشهير (المثل السائر ) بمصنف سماه (الفلك الدائر على المثل السائر )، وقل مثل ذلك عن ارائه النقدية التي ضمنها كتابيه (شرح نهج البلاغة ) و(الفلك الدائر )، لقد ناقش ابن ابي الحديد معظم موضوعات البلاغة كالاستعارة التي قسمها على استعارة حسنة واستعارة قبيحة، (6) وعن الكناية والفرق بينها وبين التعريض،(7) كما تحدث عن المقابلة،(8) والتقسيم،(9) والالتفات،(10) والاعتراض،(11) والجناس،(12)

ص: 34


1- محي الدين / ابن ابي الحديد / ص174.
2- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 10 / 150 وما تلاها.
3- م. ن. / 1/65 وما تلاها.
4- م. ن / 1 / 131 وما تلاها.
5- م. ن /1 / 311.
6- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 1/215.
7- م. ن /5/ 15، 73.
8- م. ن / 4/ 103.
9- م. ن /7/ 284.
10- م. ن /7/ 196.
11- م. ن /9/ 42.
12- م. ن /8/ 276.

والتكرار،(1) والحذف وانواعه،(2) وعطف المترادفين،(3) الى غير ذلك من المباحث الدقيقة التي تشير الى تضلعه فيها.

كان ابن ابي الحديد صاحب بصيرة ادبية مرهفة،متذوقا للجمال لايمر بعبارة بليغة فيتجاوزها الا بعد ان يشبعها تعليقاً ونقدا لما تهيأ له من ملكات تبين له مواطن الحسن في الكلام العربي، وتمكنه من تناول النصوص بالتحليل والنقد. ان المتتبع لارائه في البلاغة والنقد يتلمس طريقين له فيهما، حاول في الاول الدفاع عن ارائه في الاعتزال بينما حاول في الثاني ان يعرض بتجرد وعلمية افكاره البلاغية والنقدية. فمن ارائه النقدية رده على من زعم ان نهج البلاغة ليس للامام علي بل هو كتاب محدث اشترك في تاليفه الشريف الرضي وغيره من بلغاء الشيعة (4) ومن تلك الاراء الحديث عن الفصيح والافصح،والبليغ والابلغ مما نهج فيه سبيل المتكلمين. (5) ومثل ذلك رده على ابن الاثير الجزري في مناقشته لابيات المتنبي في مدح بدر بن عمار. (6) ومن ذلك موازنته بين خطبة الامام علي وبين خطبة ابن نباتة في الجهاد (7) الى غير ذلك من اراء بلاغية ونقدية أظهرت مقدرته الفذة في هذا المجال واصالته وابداعه.

من الامور التي تفوق فيها ابن ابي الحديد:الشعر لقد ابتدأ النظم في العقد الثالث من عمره حين نظم (القصائد السبع العلويات ) وهو في الخامسة والعشرين من عمره في المدائن عام 611 ﻫ (8). لقد مثلت (السبع العلويات) نوعا راقياً من الشعر لايتاتى بسرعة لمن في سنه الا اذا كان متوقد الذكاء سريع البديهة في القريض،يضاف الى فنه الشعري سرعته في النظم حيث روى انه نظم (فصيح ثعلب ) في يوم وليلة. (9) لذا عدّه المؤرخون في اعيان الشعراء واشاروا الى ديوان شعر له مشهور،يبدو انه مفقود. (10) لقد تنوعت مقاصد واغراض شعره المنتشرة في مصنفاته وفي مقدمتها شرح نهج البلاغة،منها شعر المناجاة (11) الذي تفرد به عن غيره من الشعراء والذي يدل على عميق ايمانه ورسوخ معتقده في ذات الله جل في علاه (12). ومن اغراضه ايضا شعر الحكمة الذي اكثر النظم فيه على

ص: 35


1- ابن ابي الحديد / الفلك الدائر / ص 284، 287.
2- م. ن / ص 278 وما تلاها.
3- م. ن / ص291 وما تلاها.
4- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 10 / 128.
5- م. ن / 7 / 216.
6- ابن ابي الحديد / الفلك الدائر / ص 242 وما تلاها.
7- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 7/ 12، 214.
8- ابن الفوطي / تلخيص مجمع الاداب / 4 / 575.
9- ابن شاكر / فوات الوفيات / 1/519.
10- م. ن /1/ 519.
11- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة /5/ 166.
12- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 13/52،5/166،13/51،13/50.

عادة البلغاء، كما فعل في معارضته لمعلقة طرفة ابن العبد،مذكرا بمعتقد المعتزلة في العدل والتوحيد وغيرهما. (1) وكما ورد في ابيات ارسلها لبعض خلصائه. (2)

ومن اغراضه الشعرية الرثاء،من ذلك رثاؤه لاخيه موفق الدين. (3) والوزير ابن العلقمي الاسدي،ورثاؤه لعلاء الدين الطبرسي الظاهري (ت650 ﻫ ). ولقد كان المديح من اغراضه المهمة،فقد مدح معاصريه من الخلفاء والوزراء والعلماء وفي مقدمتهم الخليفة المستنصر الذي خصه بديوان كامل سماه (المستنصريات )، (4) كما طرق اغراضاً شعرية اخرى مثل الغزل والوصف والحكمة. (5) ولنا ان نقول ان قصائده (السبع العلويات )هي ابرز ما وصلنا من شعره (حيث ان ديوانه مفقود على الارجح )، لانها تمثل شعره خير تمثيل لما احتوته من حسن النظم ورفعة المعاني وصدق العقيدة.

لقد كان ابن ابي الحديد واسع المعرفة غزيرا في احتوائه لعلوم عصره، فكان فيها من العلماء المبرزين، وقد بينا فيما سبق علو مقامه في النحو واللغة والبلاغة والنقد والكلام والشعر والفقه واصوله والحديث والتاريخ. وقد كان ارثه الضخم الذي خلفة لنا تراثا لايستهان به،ضم نسيجا متنوعا من الثقافات الدالة على شموليته وموسوعيته. لقد جمع ابن ابي الحديد كل الملكات،وكان يصدر عن ذهن وقاد في كل نتاجاته من شعر او نثر او مسائل علمية او كلامية او فقهية او اصولية، كل ذلك جعلة في مصاف المبرزين من بين مشاهير عصره وقبل ان نتحدث عن الاثار التي خلفها لنا ابن ابي الحديد،لابد ان نعرج على ذكر شيوخه واساتذته كما نشير الى تلامذته الذين كان له فضل تدريسهم وغرس افكاره في اذهانهم. ولا بد ان يكون ابن ابي الحديد قد تتلمذ على عدد من مشاهير العلماء الذين مثلوا ثقافات العصر فاستوعبوها وبرزوا في فروعها المعرفية ان المصادر لاتشير الا الى القليل منهم كما انه قد ذكر جملة منهم في كتبه وربما كان اولهم اباه بهاء الدين ابا الحسين هبة الله،وكان عالما اديبا وله تلاميذ كثر،منهم ابن الدبيثي الواسطي (ت 639 ﻫ ) والمرجح ان يكون ابن ابي الحديد قد درس على ابيه بدايات العلوم (6) ولقد ذكرت المصادر جمله من اساتذته ومنهم:

1 - جمال الدين ابو الفرج عبد الرحمن بن علي المعروف بابن الجوزي (ت 597 ﻫ ) نسبه الى (فرضة الجوز ) وهي موضع مشهور بالبصرة،ينتهي نسبه الى القاسم بن محمد بن ابي بكر الصديق (7) صنف ابن الجوزي كتاب ( المنتظم في تاريخ الملوك والامم ) وكتاب (صفة الصفوة ) وزادت كتبه على ثلثمائة واربعين كتابا (8) وقد اجاز ابن الجوزي لابن ابي الحديد رواية الحديث عن شيخه محمد بن ناصر عن شيوخه ورجاله. ان هناك من

ص: 36


1- الصفدي / الغيث المسجم / 2/ 95.
2- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 2/192.
3- الحوادث الجامعة / ص336.
4- الربيعي / العذيق النضيد / ص101.
5- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / مقدمة محمد ابو الفضل ابراهيم /1/16.
6- الربيعي / العذيق النضيد / ص70.
7- الذهبي / المختصر المحتاج اليه / 2/207.
8- ابن العماد / شذرات الذهب / 4 / 329 وما تلاها.

المؤرخين من يتحفظ على تلمذته لابن الجوزي،فابن الجوزي قد توفى عام 597 ﻫ حين كان ابن ابي الحديد (المولود سنة 586ﻫ ) في الحادية عشرة من عمره ( وهو اشكال في هذه التلمذة ) (1) لكن من المرجح ان يكون ابن ابي الحديد قد اتصل بابن الجوزي ليأخذ منه الحديث وهو في هذا السن المبكر فقد كان من المعتاد والمالوف ان يؤخذ الصبي الى علماء الحديث ليسمع منهم طلبا لاقل عدد من الرواة في سلسلة الحديث أي لتقليل عدد رجال السند ما امكن ذلك وهذا ما يفسر تلمذة ابن ابي الحديد لابن الجوزي وهو في الحادية عشرة من عمره.

2 - ابو الخير مصدق بن شبيب بن الحسين الصلحي ( ت 605ﻫ ) كان عالما وزاهدا قدم بغداد فقرأ على مشاهير علماء العصر وصحب الزاهد المعروف (صدقة الواسطي ) فقرا عليه القرآن والنحو وسلك مسلكه في الزهد (2) جعله المؤرخون من اعلام النحو واللغة والادب والفرائض وقسمة التركات وغيرها (3)درس ابن ابي الحديد على ابن شبيب علم الحديث (4) وتابعه في الزهد والانقطاع عن الدنيا

3 - ضياء الدين ابو احمد عبد الوهاب بن علي بن سكينة البغدادي (ت 607 ﻫ ) وكان اماما ومقرئا وثقة وحجة اشتهر ابن سكينة بالحديث وقد اخذ عنة ابن ابي الحديد علم الحديث (5) وذكره في اكثر من موضع في شرح النهج مقرونا بالتجلة والاعظام (6).

4 - ابو يعقوب يوسف بن اسماعيل اللمغاني المعتزلي (ت 606ﻫ ) واللمغاني نسبة الى (لمغان او لامغان ) من قرى (غزنة )عاصمه اقليم (زابلستان ) الواقع بين خراسان والهند (7) كان شديد الاعتزال وهو في التفضيل بغدادي (8) وفي الاصول معتزلي العقيدة وفي الفقه حنفي وهو محدث بارع درّس الفقه والمذاهب والكلام (9) اخذ ابن ابي الحديد عنه عقيدة الاعتزال في شبابه وتاثر به ولنا ان نشير الى ان ابن ابي الحديد كان دون العشرين من العمر حين كان تلميذا لابي يعقوب اللمغاني وربما كان هذا دليل نبوغ وتوقد عقلية ابن ابي الحديد.

ص: 37


1- الربيعي / العذيق النضيد / ص73.
2- ابو شامة / الذيل على الروضتين / ص 66.
3- القفطي ( علي بن يوسف) انباه الرواة على أنباه النحاة / ت محمد ابو الفضل ابراهيم / دار الكتب المصرية / 1955 / 3/ 275.
4- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 1/ 205.
5- الصنعاني / نسمة السحر / 2/78.
6- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 14 / 251، 15 / 101.
7- الحموي / معجم البلدان / 5/8، 4 / 201.
8- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 9/ 192.
9- ابن الساعي / الجامع المختصر / 9/ 295.

5 - ابو حفص عمر بن عبد الله الدباس البغدادي (ت 601ﻫ ) كان حنبليا ثم تشفع،وهو ذو فضل وعلم بالادب وعلم الكلام وكان مشرفا على دار كتب النظامية (1) وقد ذكر ابن ابي الحديد انه سمع عنه الحديث ودرس النحو واللغة (2).

6 - ابو جعفر يحيى بن محمد بن ابي زيد الحسني البصري النقيب (ت 613ﻫ ) وهو من اسرة حسنية استوطنت البصرة وشهرتهم (بنوابي زيد ) ولد ابو جعفر في البصرة سنة(548ﻫ ) ودرس فيها الادب وقرا جمهرة النسب لابن الكلبي وسمع الحديث وبرع في الفقه والمناظرة والجدل والكلام والشعر والاحكام له شعر كثير في مدح الخليفة الناصر ووزراء الدولة كابن حديدة (3) ثم اصبح نقيبا للطالبيين في البصرة،الا انة ارتحل الى بغداد سنة (605 ﻫ ) فتوافد علية العلماء وطلبة العلم والمحدثون والاخباريون ليكونوا من تلاميذه ومنهم ابن ابي الحديد الذي قرأ عليه كتاب (جمهرة النسب ) لابن الكلبي (4). وابو جعفر النقيب شخصية فذة فقد كان ملما بكل علوم واداب عصره يمتلك ذكاء نادرا وسلامة فكر وحسن تحليل وتعليل وغزارة علم وصحة عقل ودين ومجانبةً للهوى والانصاف في الجدل ولم يكن متعصبا لمذهبه( الشيعي ) وكان يعترف بفضائل الصحابة وكان يثني على ابي بكر وعمر (5) كان ابو جعفر مقدرا لتلميذه ابن ابي الحديد حتى اصبح موضع ثقته فعاملة معاملة خاصة وافضى اليه باحاديث في غاية الاهمية،استوعبها ابن ابي الحديد سماعا ووعاها فافرغها في شرح النهج،لتدل على الذاكرة العجيبة التي حفظت ذلك الكلام،فاحسنت حفظه. لقد تباحث الاستاذ مع تلميذه في كل ابواب المعرفة من لغة وادب وشعر وكلام وعقائد وتحليل وموازنة كان لها اثرها الكبير في توجيه التلميذ وفي تكوين شخصيته العلمية (6).

7 - ابو القاسم الحسين بن عبد الله العكبري،المنسوب الى (عكبرا) الواقعة في الشمال الغربي من بغداد (7) لقد ذكر ابن ابي الحديد ان شيخه ابا القاسم الحسين بن عبد الله العكبري انشده بيتا لم يسم قائله ثم علم فيما بعد انه لنابغة بني الحارث بن كعب (8) ان بعض الباحثين يشككون في هذه التلمذة حيث ان ابا القاسم لم تذكره كتب التراجم ولم يعرف عنه نشاط علمي ويرى البعض ان ابن ابي الحديد ربما كان تلميذا لابن ابي القاسم المذكور,وهو محب الدين ابو البقاء عبد الله بن الحسين العكبري الحنبلي, الذي كان ضليعا في جملة من العلوم ,لكن النحو قد غلب عليه فخلف كثيرا من المصنفات منها (اللباب في

ص: 38


1- ابن الساعي / الجامع المختصر / 9 / 295.
2- محي الدين / ابن ابي الحديد / ص149.
3- الطقطقي / الفخري / 209.
4- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 13 / 302.
5- م. ن / 10 / 222.
6- محي الدين / ابن ابي الحديد / ص154.
7- الحموي / معجم البلدان / 1/ 274.
8- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة /5/ 470.

علل البناء والاعراب )يساعد على ذلك ان من بين تلاميذ ابي البقاء هذا الوزير مؤيد الدين ابن العلقمي (1).

8 - ابو محمد قريش بن السبيع بن مهنا العلوي المدني (ت620ﻫ ) احد المحدثين الثقاة ولد في المدينة المنورة ثم قدم بغداد واستوطنها حتى وفاته ودفن عند مشهد الامام موسى بن جعفر (2) روى عنه ابن ابي الحديد كتاب (فضائل الامام علي )لابن حنبل الشيباني (3) .

9 - شمس الدين ابو علي فخار بن معد الموسوي (ت 630 ﻫ ) وهو من تلاميذ النقيب ابي جعفر الحسني كان من عظماء وقته في الدين والدنيا، قرأ على اجل علماء عصره كأبن ادريس,وشاذان بن جبريل,وعميد الرؤساء اللغوي. وروى عنهم كلهم كما روى عن جماعة من العلماء كسديد الدين يوسف والد العلامة الحلي ورضي الدين وجمال الدين ابني طاووس وابن ابي الحديد، وله كتب منها الروضة في الفضائل والمعجزات, والحجة الى الذاهب الى تكفير ابي طالب (4). وكانت علاقة ابن ابي الحديد بشمس الدين فخار علاقة صداقة علمية بين الاستاذ وتلميذه, فقد الف فخار كتابا في اسلام ابي طالب, وبعثه الى تلميذه ابن ابي الحديد يسأله بيان رأيه في اسلام ابي طالب وفي قوة الادلة التي استدل بها,فكتب ابن ابي الحديد لاستاذه سبعة ابيات في الثناء على ابي طالب وابنه في دعم الاسلام, الا انه لم يعترف بأسلام ابي طالب (5) .

10 - فخر الدين ابو محمد اسماعيل بن علي البغدادي (ت 610ﻫ )وهو مقدم الحنابلة في بغداد في الفقه والخلاف وله دراية في المنطق. ويقول ابن ابي الحديد "وقد رأيته انا وحضرت عنده وسمعت كلامه " (6).

واذا كنا قد استعرضنا شيوخه واساتذته فلا بد لنا من احاطة سريعة بتلاميذه الذين لانعرف منهم وعنهم الا القليل فمنهم:-

1 - ابو طالب علي بن انجب المعروف بابن الساعي (ت 674 ﻫ ) خازن كتب المستنصرية كان اديبا فاضلا واماما حافظا(7) ,وفقيها وشاعرا مجيدا، ومؤرخا يغلب التاريخ على مصنفاته مثل (الجامع المختصر في عنوان التواريخ وعيون السير ) رتبه على السنين حتى اخر سنة 656ﻫ(8) ,(ومناقب الخلفاء ) و(تاريخ الوزراء )و (سيرة الخليفة

ص: 39


1- محي الدين / ابن ابي الحديد / ص162، وانظر ايضا: زيدان / تاريخ آداب اللغة العربية / 3/ 44..وانظر ايضا:محيي الدين/ابن ابي الحديد/ص 162
2- الذهبي / المختصر / 3/ 161
3- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 9/ 235.
4- محسن الامين / اعيان الشيعة / تحقيق واخراج حسن الامين، ج52، م الانصاف بيروت / 1381 / 1961.
5- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 14 / 83.
6- م. ن / 9 / 307.
7- ابن العماد / شذرات الذهب / 5 / 344.
8- زيدان / تاريخ آداب اللغة العربية / 3/ 314.

الناصر )و(الايناس في مناقب بني العباس )(1).وقد قام بشرح نهج البلاغة في كتاب مستقل لم يصلنا كي نتبين مدى تاثره باساتذه ابن ابي الحديد ومنهجية كتابه.

2- سديد الدين يوسف بن علي بن المطهر الحلي (ت 665 ﻫ ) هو ابو العلامة الحلي (شيخ علماء الامامية )وكان من الفقهاء المحققين ومن اعلم اهل الاصول في زمانه(2).كان يروي عن ابن ابي الحديد وجاء في اجازة حفيده فخر المحققين ابن العلامة الحلي للشيخ ابن صدقة قوله "واجزت له رواية جميع ما صنفه ابن ابي الحديد شارح نهج البلاغة عني وعن والدي وعن جدي سديد الدين يوسف " (3) .

3 - عبد المؤمن بن ابي الحسن بن شرف الدمياطي الشافعي (ت 705ﻫ ) ذكر بعض المؤرخين انه من تلامذة ابن ابي الحديد الذين يروون عنة وهو احد اعلام الحديث والفقه واللغة نشا بدمياط وسكن القاهرة وزار بغداد ودمشق ومكة المكرمة والمدينة واخذ عهن شيوخ كثر وله مؤلفات قيمة منها كتاب (فضل الخيل ) وقد توفى فجأة بالقاهرة ودفن فيها (4).

ولنا بعد هذه المسيرة في منزلته العلمية والفكرية والادبية ان نقف متاملين اثاره التي خلقها لنا في علوم دقيقة،كعلم الكلام والجدل والانساب والتاريخ والفقه والحديث والبلاغة لقد الف في كل العلوم المتداولة في عصره فكان العالم الجليل في كل بحر خاضه،وكل صهوة امتطاها. لقد زادت مصنفاته على العشرين،منها ما كان في مجلدات عدة،ومنها ما فقد ولم يعثر عليه،ولم يصلنا منه شئ، وهي:

1 - شرح نهج البلاغة:الذي سنفرد للحديث عنه فضلا خاصا.

2 - الفلك الدائر على المثل السائر:لقد الف ضياء الدين ابن الاثير الموصلي (ت 637 ﻫ )كتابه الشهير (المثل السائر ) الذي انتقد فيه اقوال كتّاب العراق وسخر منهم،كما بالغ ابن الاثير في الافتخار بنفسه وغروره بقدراته واعجابه بملكاته والتبجح بارائه وقد دفع ذلك ابن ابي الحديد للرد عليه ردا قاسيا بالكتاب الذي ذكرناه والذي بيّن في مقدمته الاسباب التي حملته على تاليفه كالغيرة على اهل الفضل وبسبب اظهار أبن الاثير افراطاً في الاعجاب بنفسه وعتابه دهره لانه لم يعطه على قدر استحقاقه وما اظهره بعض اهل الموصل من حسن ظن بالكتاب واشعارهم ان بغداد تزخر باهل الفضل (5) لقد طبع الكتاب مرات عدة في مصر والهند كما طبع في اخر الجزء الرابع من (المثل السائر ) بتحقيق الدكتور احمد الحوفي والدكتور بدوي طبانة .

3 - حل سيفيات المتنبي:والسيفيات هي القصائد التي قالها المتنبي في مدح سيف الدولة الحمداني وقام ابن ابي الحديد بشرحها نثراً, واثبت في بعض منها معارضته لابن الاثير في

ص: 40


1- ابن الساعي / الجامع المختصر / المقدمة.
2- المامقاني ( عبد الله) تنقيح المقال / م، المرتضوية / النجف / ط حجرية / 1349ﻫ، 3/ 336، وسأشير اليه فيما يأتي من الهوامش ب- ( المامقاني).
3- الخونساري / روضات الجنات / 5/ 23.
4- ابن العماد / شذرات الذهب / 6/ 13، وعن تلمذته لابن ابي الحديد انظر: محي الدين ابن ابي الحديد / ص166.
5- ابن ابي الحديد / الفلك الدائر على المثل السائر / ص31 وما تلاها.

(المثل السائر )(1).ولم يطبع هذا الكتاب،انما نشر الاستاذ محمد اسعاف النشاشيبي قطعة منه في مجلة المجمع العلمي بدمشق عام 1936م (2) .

4 - المستنصريات:وهي خمس عشرة قصيدة اطلق عليها ابن ابي الحديد هذا الاسم ويبدو انه قالها ما بين سنة 629ﻫ الى سنة 631ﻫ في مدح الخليفة المستنصر بالله،ورتبها حسب المناسبات التي قبلت فيها مع التواريخ والقصائد هذه نشرتها مجلة (اليقين ) سنة 1922م وقد قام الاستاذ خضر العباسي بتحقيقها ونشرها ببغداد بمطبعة دار النشر والتاليف(3).وتوجد منها نسخ مخطوطة بعضها بخط ابن ابي الحديد نفسه, وواحدة فريدة منها في مكتبة المتحف العراقي(4).

5 - القصائد السبع العلويات:التي لاقت شهرة واستحساناً وهي سبع قصائد في مدح الامام علي نظمها ابن ابي الحديد في بواكير شبابه حين كان في المدائن سنة 611ﻫ (5) ,مبتدئأً بها حياته الادبية طبعت القصائد تلك في ايران والهند وبيروت كما قام بشرحها جماعة منهم محمد بن ابي الرضا العلوي في كتاب سماه( التنبيهات في شرح السبع العلويات ) ويوسف بن ناصر الحسيني (ت 727ﻫ ) في كتاب سماه (غرر الدلائل والايات في شرح السبع العلويات ) ومحمد صاحب المدارك في كتابه (القصائد السبع العلويات وشرحها ) (6).

6 - نظم كتاب الفصيح لثعلب:ذكر بعض المؤرخين ان ابن ابي الحديد نظمه في يوم وليلة (7) وكتاب الفصيح من مهمات كتاب اللغة لشيخ مدرسة الكوفة في النحو ابي العباس احمد بن يحيى ثعلب (ت 291ﻫ ) وقد نظمه ابن ابي الحديد تسهيلا لحفظه واستظهاره.

7 - العبقري الحسان:كتاب متضمن للحديث عن اقسام صناعة البديع في الشعر والنثر.ان بعض تلك الاقسام يتداخل ويقوم بعضه محل بعض فاورد ابن ابي الحديد فضلا في الجناس وانواعه،وذكر انه تعرض لبعض اوهام ابن الاثير في كتابة( المثل السائر ) كما تحدث في فصل منه عن الفرق بين الفصاحة والبلاغة (8) "وقد اختار فيه قطعة وافرة من علم الكلام والتاريخ والاسفار واودعه شيئا من انشائه وترسلاته ومنظوماته " (9) ومع ان ابن ابي الحديد احال على هذا الكتاب في شرح نهج البلاغة الا انه من الكتب التي لم تصلنا.

ص: 41


1- ابن ابي الحديد / الفلك الدائر على المثل السائر / ص 97.
2- محي الدين / ابن ابي الحديد / ص 233.
3- م.ن.
4- محفوظ ( د. حسين علي) المخطوطات العربية في العراق / بحث نشر في مجلة معهد المخطوطات العربية / المجلد الرابع 2/226 في تشرين الثاني 1958م وسأشير اليه فيما ياتي من الهوامش ب-( محفوظ).
5- ابن الفوطي / تلخيص مجمع الآداب / 4/ 575.
6- محي الدين / ابن ابي الحديد / ص 236.
7- ابن شاكر / فوات الوفيات / 1/ 519.
8- ابن أبي الحديد / شرح نهج البلاغة / 8/ 287، 294.
9- ابن الفوطي / تلخيص مجمع الآداب / 575.

8 - شرح الياقوت: وهو شرح لكتاب الياقوت لابي اسحاق ابراهيم بن اسحاق بن ابي الحسين نوبخت من رجال القرن الرابع الهجري (1) وكتاب الياقوت من كتب الكلام القديمة وشرح ابن ابي الحديد لهذا الكتاب مفقودٌ لم يصلنا .

9 - شرح مشكلات الغرر:قام ابن ابي الحديد بشرح كتاب (غرر الادلة ) في اصول الكلام لابي الحسين محمد بن علي بن الطيب البصري المعتزلي (ت 436ﻫ ) (2) لقد احال اليه عبد الحميد بن ابي الحديد عند الحديث عن معنى الافضلية في الامامة وحتمية اتصاف الامام بها (3) وهو من الكتب التي لم تصلنا (4).

10 - رسالة في اللذة والالم: وهي من مصنفاته في علم الكلام ولم ترد في الفهارس. ان ابن ابي الحديد يشير اليها حين يتحدث عن اختلاف الاقوال في خلق العالم ويتطرق الى جواز اللذة والسرور على الله تعالى, يقول "وعندي في هذا القول نظر،ولي في اللذة والالم رسالة مفردة " (5).

11. الاعتبارعلى كتاب الذريعة في اصول الشريعة:وكتاب الذريعة من مؤلفات الشريف المرتضى وهو شيخ الامامية وابرز متكلميهم في القرن الخامس الهجري وقد قام ابن ابي الحديد بشرح كتاب المرتضى في ثلاثة مجلدات لم تصلنا (6).

12. زيادات النقيضين:صنفه عبد الحميد بن ابي الحديد مناقشا طائفة من المسائل الكلامية التي يخالف فيها المعتزلة الاشاعرة وغيرهم من الفرق الاسلامية وقد اشار اليه عند كلامه على مسالة رؤية الله تعالى يقول "وقد شرحت هذا الموضوع في كتابي المعروف ب-(زيادات النقيضين ) وبينت ان الرؤية المنزهة عن الكيفية التي يزعمها اصحاب الاشعري لابد فيها من اثبات الجهة وانها لاتجري مجرى العلم "(7) ويقول الاستاذ محمد ابو الفضل ابراهيم عن الكتاب ب- " انه لم يعثر له على ذكر في كتب التراجم والفهارس "(8).

13. تعليقات على كتاب المحصّل للرازي:وهو من مصنفات ابن ابي الحديد في علم الكلام وهو يردعلى كتاب الامام فخر الدين الرازي المسمى ب-(المحصّل )وينقضه. ان اهمية هذا الكتاب متأتية من تصوير الخلاف الذي كان محتدماً بين المعتزلة والاشاعرة وفيه اتهام صريح للرازي بقلة اشتغاله بعلم الكلام وقلة النظر(9).ويقول ابن ابي الحديد "اني متتبع في هذا كتاب الرازي الاشعري المعروف ب-(المحصّل ) وجارٍ في ذلك على منهجي في تتبع كتبه

ص: 42


1- الخونساري / روضات الجنات / 5 / 22.
2- ابن القوطي / تلخيص مجمع الاداب / 575.
3- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 1/ 169.
4- محي الدين / ابن ابي الحديد / 238.
5- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 5/ 164.
6- ابن الفوطي / تلخبص مجمع الآداب / 575 انظر ايضا الطهراني الذريعة / 10 / 26 / بينما يذكر محي الدين / ابن ابي الحديد / ان الذريعة من مؤلفات الشريف الرضي / ص 239.
7- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 1 / 61.
8- م. ن / 1 / 61 / الحاشية الاولى.
9- محي الدين / ابن ابي الحديد / ص 241.

الكلامية وتصفحها مع تجنب التكرير وبذل الجهد في الاتيان في كل تعليق بما لم آت به في الذي قبلة "(1).

14. نقض المحصول صنف الرازي كتابة المحصول في اصول الفقه وعلق عليه وشرحه جملة من الفضلاء كان منهم ابن ابي الحديد (2) وقد اشار اليه في اكثر من موضوع في كتابه (تعليقات على كتاب المحصل ) اما (نقض المحصول) فلم يصلنا (3).

15. مناقضة السفيانية:ويبدو انه كتبه في الطعن على معاوية بن ابي سفيان. وربما كان هذا الكتاب نقضا لكتاب( السفيانية ) للجاحظ الذي ينتصر فيه لمعاوية.يقول ابن ابي الحديد " ومعاوية عند اصحابنا مطعون في دينة. منسوب الى الالحاد.وقد طعن فيه الرسول صلى الله عليه وآله،وروى شيخنا ابو عبد الله البصري في كتاب (نقض السفيانية على الجاحظ ) عنة اخبارا كثيرة تدل على ذلك وقد ذكرناها في كتابنا في (مناقضة السفيانية ) "(4).

وقد اشار ابن ابي الحديد الى ان لة كتاباً اسمه (تلخيص نفض السفيانية ) (5) ويرى بعض الباحثين انه غير الكتاب الذي نتحدث عنه والمسمى (مناقضة السفيانية ) (6).

16. مقالات الشيعة:وقد بدأ بتاليفه قبل شروعه بتاليف شرح نهج البلاغة ووعد باتمامه. يقول ابن ابي الحديد عن هذا الكتاب انه استقصى فيه ذكر فرق الغلاة من الشيعة واقوالهم.الا ان اهتمامه بشرح نهج البلاغة قد صرفه عنه (7) ولا يذكر احد من اصحاب الفهارس شيئا عن الكتاب المذكور كما ان احداً من كتاب سيرته لم يذكر انه اتمه بعد فراغه من شرح النهج (8).

17. ارجوزة في شرح عقيدة المعتزلة: وقد اشار اليها في شرح نهج البلاغة ويقول في بعض اجزائها:

وخير خلق الله بعد المصطفى *** أعظمهم يوم الفخار شَرَفا

السيدُ المعظّمُ الوصيُّ *** بعلُ البتولِ المرتضى عليُّ

وابناه ثم حمزةٌ وجعفرُ *** ثم عتيقٌ بعدهم لا ينكرُ

المخلصُ الصدّيقُ ثم عمرُ *** فاروقُ دينِ الله ذاك القَسْوَر

وبعدَهُ عثمانُ ذو النورينِ *** هذا هو الحقُ بغيرِ مَيْنِ (9)

ص: 43


1- محي الدين / ابن ابي الحديد / ص 241.
2- حاجي خليفة / كشف الظنون / 2/ 1615.
3- يرى بعض الباحثين ان اسمي الكتابين: ( شرح المحصل) ,(شرح المحصول في علم الاصول)، انظر الربيعي / العذيق النضيد / ص 88.
4- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 10 / 101.
5- م. ن / 4 / 80.
6- الربيعي / العذيق النضيد / ص 85.
7- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 8 / 122.
8- محي الدين / ابن ابي الحديد / ص 244.
9- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 11/ 120. ويجدر بالذكر ان تسمية علي هنا بالوصي لا تعني الخلافة، وان الرسول نص على علي بها / يقول ابن ابي الحديد: " اما الوصية فلا ريب عندنا ان عليا عليه السلام كان وصي رسول الله وان خالف في ذلك من هو منسوب عندنا الى العناد ولسنا نعني بالوصية والنص والخلافة ولكن امورا أخرى لعلها اذا لُمِحَتْ اشرفُ وأجلُّ ". انظر ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 1/ 139.

وقد نظمها بعد ان وقع بيده كتاب لاستاذه ابي جعفر الاسكافي،ذكر فيه مذهب البغداديين من المعتزلة من قولهم ان افضل المسلمين هو علي بن ابي طالب ثم ابنه الحسن ثم ابنه الحسين ثم حمزة بن عبد المطلب ثم جعفر بن ابي طالب ثم ابو بكر بن ابي قحافة ثم عمر بن الخطاب ثم عثمان بن عفان. كما وقف بعد ذلك على كتاب لاستاذة ابي عبد الله البصري يذكر تلك المقالة ايضا.يقول ابن ابي الحديد "فاعجبني هذا المذهب وسررت بان ذهب الكثير من شيوخنا اليه ونظمته في الارجوزة التي شرحت فيها عقيدة المعتزلة "(1).

18. الحواشي على كتاب المفصّل:وكتاب (المفصّل ) للزمخشري من اهم كتب النحو وقد كتب ابن ابي الحديد حواشي عليه (2) ولم يشر اليه على الرغم من تطرقه للعديد من مسائل النحو المبثوثة في شرح النهج وفي سواه من كتبه.

19. الوشاح الذهبي في العلم الابي:ذكره بعض المؤرخين ولم يشر الى موضوعه (3) ويرى البعض ان اسمه (الوشاح الذهبي في العلم الادبي ) وان الدال قد سقطت في المصادر التي ذكرته (4) واذا اعتمدنا هذا الرأي،استطعنا ان نخمن انه يبحث في موضوعات ادبية لم يصلنا هذا الكتاب وهو في عداد المفقود من مؤلفات ابن ابي الحديد (5).

20. انتقاد المصفّى:وهو نقض لكتاب المصفى في اصول الفقه للغزالي (ت 505ﻫ ) لقد اشار البعض الى ان كتاب الغزالي اسمه (المستصفى )وعلى ذلك فان كتاب ابن ابي الحديد هو (انتقاد المستصفى ) (6) ولا يوجد اثر لهذا الكتاب.

21. شرح الايات البينات:وكما يبدو من العنوان ان ابن ابي الحديد قد شرح فيه الايات البينات للفخر الرازي (ت 606ﻫ ) ان الفهارس لاتشير الى مكانه (7) .

وهكذا راينا ان عبد الحميد ابن ابي الحديد كان بحق عالما حر التفكير، سمحا في معتقده نبيلا في منازعاته العلمية.امتلك شخصية علمية فذة احتوت ثقافات عصرها فألمّت بجوانبها المختلفة وبزّت الأخرين في فروع المعرفة والعلم.

ص: 44


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 11/ 120.
2- ابن القوطي / تلخيص مجمع الآداب / 4/ 575.
3- م. ن
4- الربيعي / العذيق النضيد / ص97.
5- محي الدين / ابن ابي الحديد / ص 245.
6- حاجي خليفة / كشف الظنون / 2/ 1673.
7- بروكلمان ( كارل) تاريخ الادب العربي / دار المعارف بالقاهرة / 1975 / 5 / 179 وسأشير اليه فيما ياتي من الهوامش ب- ( بروكلمان).

الفصل الخامس: شرح نهج البلاغة

حظيت ماثورات الامام علي بالكثير من العناية والاهتمام من القدماء والمحدثين، جمعا وتدويناً وشرحا واستدراكا، فقد حرص بعض العلماء على جمع هذه الماثورات وتدوينها بينما قام اخرون بشرحها والتعليق عليها والبحث عن مستدركات اغفلها الاخرون (1).

ونهج البلاغة هو الكتاب الذي ضم بين دفتيه الخطب والمواعظ والوصايا والرسائل والاقوال الماثورة والحكم التي تروى عن الامام علي. والمشهور بين المؤرخين قديما وحديثا ان الذي قام بجمع الكتاب هو ابو الحسن محمد بن الحسين بن موسى الموسوي المعروف بالشريف الرضي ( ت 406ﻫ ) (2).

لقد قسم الشريف الرضي كلام الامام علي على ثلاثة اقسام هي (الخطب والاوامر ) و(الكتب والرسائل )و(الحكم والمواعظ ).واسماه (نهج البلاغة ) "اذ كان يفتح للناظر فيه ابوابها،ويقرب عليه طلابها، فيه حاجة العالم والمتعلم وبغية البليغ والزاهد " (3).وينسب بعض المؤرخين تصنيف (نهج البلاغة ) الى الشريف المرتضى (اخي الشريف الرضي ) ابي القاسم علي بن الحسين (ت 436 ﻫ ) (4)،وفي ذلك التباس، مرده ان الشريف الرضي

ص: 45


1- السيد ( د. صبري ابراهيم) / نهج البلاغة / تقديم عبد السلام محمد هارون / نشر وتوزيع دار الثقافة / الدوحة / 1406ﻫ – 1986 م / ص9 / وساشير اليه فيما ياتي من الهوامش بأسم ( السيد) .
2- النجاشي ( ابو العباس احمد بن علي بن احمد بن العباس / كتاب الرجال / ط حجرية / 1317ﻫ / ص 192، 284، وانظر ايضا: - السيد/ص13. ان نسخة الكتاب التي كتبت بخط الشريف الرضي لاتزال موجودة. انظر الحسيني (هبة الدين الشهرستاني) /ما هو نهج البلاغة/ مطبعة العرفان / صيدا / 1353 ﻫ / ص8 وسأشير اليه فيما ياتي من الهوامش بت (الحسبيني).
3- ابن البي الحديد / شرح نهج البلاغة / 1/ 7 / مقدمة المحقق.
4- ابن خلكان / وفيات الاعيان / 3/ 416، وانظر ايضا : الذهبي / ميزان الاعتدال في نقد الرجال /ت علي محمد البجاوي / دار احياء الكتب العربية / القاهرة / 1963م / 3 / 124. - العسقلاني ( شهاب الدين ابو الفضل احمد بن علي بن حجر ) / لسان الميزان / ط2 /4 / 223 / مؤسسة الاعلمي، بيروت / 1971م / وسأشير اليه فيما ياتي من الهوامش بأسم ( العسقلاني).

كان يلقب قبلا ب-(المرتضى ) لان جده هو ابراهيم المرتضى بن الامام موسى بن جعفر،كما ان اخاه المرتضى كان يلقب بذلك، ثم بقى هذا اللقب على الثاني بينما لقب الاول بالرضي يوم ((رضوا به نقيبا على نقباء العلويين ليتميز عن بقية ال المرتضى )) (1). ويبدو ان الشريف الرضي لم يكن اول من جمع خطب الامام علي بل سبقه اخرون حاول بعضهم ان يفرد لكلام الامام كتبا خاصة،بقي بعضها بينما لم يصلنا البعض الاخر،منهم:زيد بن وهب (ت 96ﻫ ) ونصر بن مزاحم (ت 212ﻫ ) وابو يعقوب اسماعيل بن مهران السكوني ( من علماء المائة الثانية ) وابو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي (ت 206 ﻫ ) وابو مخنف لوط بن يحيى الازدي (من رجال المائة الثانيه ) ومحمد بن عمر بن واقد الاسلمي المعروف بالواقدي (ت 207ﻫ ) وابو اسحاق ابراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي الكوفي (ت 283 ﻫ ) وابو الحسن علي بن محمد المدائني (ت 215ﻫ ) والحسن بن علي بن الحسن بن شعبه الحراني (من رجال المائة الثالثة ) وصالح بن ابي حماد ابي الخير (من المحدثين في المائة الثالثة ) وعبد العظيم بن عبد الله الحسني الملقب بالشاه عبد العظيم ( من رجال المائة الثانية ) ومسعدة بن صدقة العبدي (من رجال المائة الثانية ) وابراهيم بن سليمان النهشمي الخزاز الكوفي (من رجال المائة الثالثة ) وابو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت 255 ﻫ ) وعبد العزيز بن يحيى الجلودي البصري (من علماء المائة الثالثة ) وابو عبد الله محمد بن سلامة القضاعي ورشيد الدين محمد بن محمد المعروف بالوطواط (2)ومحمد بن يعقوب الكليني (ت 328ﻫ ) وممد بن بابويه القمي (ت 381ﻫ ) وابن عبد ربه الاندلسي (ت 327ﻫ ) (3).

لقد اهتم المؤرخون والباحثون والعلماء والادباء بنهج البلاغة اهتماما عظيما،ظهر ذلك جليا في كثرة الجامعين له والشارحين والمعلقين والمستدركين.

ولنا بعد هذا ان نستعرض اهم الذين شرحوا هذا الكتاب على مر العصور ومنهم:

1.علي بن ناصر وهو من معاصري الشريف الرضي واسم كتابه (المعارج في شرح النهج ) ويعد من اقدم الشروح واكثرها وثاقة (4).

2.ابو الحسن سعيد بن هبة الله بن الحسن المعروف بقطب الدين الراوندي ( ت573ﻫ ) الفقيه الحجة في كل فنون العلم،من اكابر علماء الشيعة ومحدثيهم وهو احد مشايخ ابن شهراشوب واسم كتابه (منهاج البراعة ) (5).

ص: 46


1- الحسيني / ص10 / وانظر ايضا: -كاشف الغطاء ( الهادي) / مدارك نهج البلاغة ورفع الشبهات عنه / منشورات مكتبة الاندلس / بيروت / د.ت. ص 209 / وساشير اليه فيما ياتي من الهوامش ب- ( كاشف العطاء). - الابياري / ص 133. -السيد / ص 19.
2- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 1/ 6 / مقدمة المحقق.
3- الابياري / ص 134.
4- الطهراني / طبقات اعلام الشيعة / دار الكتاب العربي / بيروت / لبنان / ط1 /1390ﻫ – 1971م / 41 / 276.
5- الخطيب / 1 / 209.

3.ضياء الدين بن ابي الرضا فضل الله بن علي بن عبيد الله الحسني (ت 573ﻫ ) وهو من تلاميذ الشيخ الطوسي واسم كتابه (التعليق على نهج البلاغة ) (1).

4.ابو الحسن علي بن ابي القاسم زيد بن محمد البيهقي (ت588 ﻫ ) المتكلم وهو من مشايخ ابن شهراشوب:واسم كتابه (معارج نهج البلاغة ).

5.ابو الحسين محمد بن الحسين النيسابوري الكيدري وهو من معاصري القطب الراوندي

( من رجال المائة السادسة ) واسم كتابه (حدائق الحدائق ) وقد فرغ من تاليفه سنة 576ﻫ.

6.افضل الدين الحسن بن علي بن احمد الماه آبادي احد مشايخ الشيخ منتجب الدين صاحب (الفهرست ) واسم كتابه ( شرح نهج البلاغة ) (2).

7.ابو عبد الله محمد بن عمر المعروف بالفخر الرازي (ت606ﻫ ) واسم كتابة شرح نهج البلاغة ) ولم يتمه مثلما لم يتم تفسيره المشهور الذي اتمه من بعده ابو العباس احمد بن محمد بن مكي القرشي (3).

8.ابوالفضل يحيى بن ابي طي بن ظافر البخاري (ت630ﻫ ) واسم كتابه (شرح نهج البلاغة ) وهو من تلامذة ابن شهراشوب المازندراني (4).

9.ابو حامد عز الدين عبد الحميد بن محمد بن محمد بن ابي الحديد المعتزلي المدائني (ت656ﻫ ) واسم كتابه ( شرح نهج البلاغة ) الذي سنتحدث عنة بالتفصيل لاحقا.

10.ابو القاسم رضي الدين علي بن موسى بن جعفر الطاووسي الحسني (ت664ﻫ ) واسم كتابه (شرح نهج البلاغة ) (5).

11.ابو طالب تاج الدين علي بن انجب بن عثمان بن عبد الله البغدادي المشهور بابن الساعي (ت650ﻫ ) واسم كتابه (شرح نهج البلاغة ) (6).

12.كمال الدين ميثم بن علي بن ميثم البحراني (ت679ﻫ ) من تلاميذ نصير الدين الطوسي واسم كتابه (شرح نهج البلاغة الكبير ) وله ايضا (شرح نهج البلاغة المتوسط وشرح نهج البلاغة الصغير ) (7).

13.ابو الفضائل الحسن بن محمد بن الحسن الصغاني العمري الحنفي (ت650ﻫ ) صاحب كتاب (مجمع البحرين )في اللغة و( العباب ) و(شرح صحيح البخاري )و( شرح نهج البلاغة ) (8).

ص: 47


1- القمي ( عباس)/ الكنى والالقاب / المطبعة الحيدرية / النجف / 1376ﻫ – 1956م / 2 / 395 وسأشير اليه فيما ياتي من الهوامش بأسم ( القمي).
2- الحر العاملي / 2/ 69.
3- الخطيب / 1 / 211.
4- العسقلاني / لسان الميزان / 6/ 263.
5- الخطيب / 1 / 222.
6- م. ن.
7- السيد / 61.
8- الخطيب / 1 / 226.

14.جمال الدين ابو منصور الحسن بن سديد الدين يوسف بن علي بن المطهر المشهور بالعلامة الحلي (ت726ﻫ ) واسم كتابه ( مختصر شرح نهج البلاغة ) (1).

15.يحيى بن حمزه العلوي اليماني (ت749ﻫ ) وهو من ائمة الزيدية صاحب كتاب (الطراز )و( شرح نهج البلاغة ) (2).

16.كمال الدين عبد الرحمن بن محمد بن ابراهيم العتائقي الحلي،الفقيه المتبحر له مؤلفات كثيرة في جملة من العلوم ومنها(شرح نهج البلاغة) في مجلدات اربعة (3).

17.سعد الدين مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازاني الهروي الشافعي (ت792ﻫ ) كان حجة في البلاغة والمنطق والفقه وعلم الكلام واسم كتابه

(شرح نهج البلاغة ) (4).

18.ابو الحسن علي بن الحسن الزواري. له عديد من المصنفات منها (روضة الابرار في شرح نهج البلاغة ) (5).

19.قوام الدين يوسف بن الحسن المشهور بقاضي بغداد (ت922ﻫ ) واسم كتابه (شرح نهج البلاغة ) (6).

20.جلال الدين الحسين بن شرف الدين عبد الحق المعروف بالالهي (ت950ﻫ ) واسم كتابه (منهج الفصاحة في شرح نهج البلاغة ) وهو بالفارسية (7).

21.فتح الله بن شكر الله القاشاني (ت988ﻫ ) واسم كتابه (تنبيه الغافلين وتذكرة العارفين ) (8).

22.بهاء الدين محمد بن الحسين بن عبد الصمد العاملي الحارثي (ت1031 ﻫ ) واسم كتابه (شرح نهج البلاغة ) (9).

23.حسين بن شهاب الدين بن الحسين العاملي الكركي (ت1076 ﻫ ) ومن جملة مصنفاته الكثيرة (شرح نهج البلاغة ) (10).

24.فخر الدين بن محمد بن علي بن احمد بن طريح الطريحي الاسدي (ت1085ﻫ ) واسم كتابه (المستطرفات في شرح نهج الهداة ) (11).

ص: 48


1- الخطيب / 1 / 227.
2- م. ن
3- السيد / ص 61.
4- الخطيب / 1 / 228.
5- م. ن / 1 / 229.
6- م. ن / 1 / 230.
7- م. ن /و انظر ايضا:– السيد / ص 62.
8- السيد / ص62.
9- الخطيب / 1 / 232.
10- السيد / ص 62.
11- الخطيب / 1/ 233

25.نعمة الله الموسوي الجزائري (ت1112ﻫ ) واسم كتابه (الحواشي الضافية والموازين الوافية ) (1).

26.ابو الرضا محمد بن علي بن بشارة ال موحي الخاقاني النجفي (ت 1138ﻫ ) واسم كتابه (نهج البلاغة ) (2) .

28. محمد علي بن ابي طالب الزاهدي الكيلاني ( ت 1181ﻫ ) واسم كتابه ( شرح نهج البلاغة ) (3).

29.عبد الله بن محمد رضا شبر الحسني (ت1242ﻫ ) واسم كتابه (شرح نهج البلاغة ) (4).

30.الميرزا محمد تقي بن كاظم بن عزيز الله بن محمد بن تقي بن مقصود علي المجلسي الشمس ابادي (ت1159ﻫ ) كان يلقب ب- (الالماسي ). واسم كتابه (شرح نهج البلاغة) (5).

31.محمد بن عبدة مفتي الديار المصرية (ت1323ﻫ ) واسم كتابه ( شرح نهج البلاغة) (6).

ان افضل هذه الشروح واكثرها تفصيلا واحوطها بالمعرفة والادب والعلم واعظمها موسوعية هو شرح ابن ابي الحديد المعتزلي. ويظهر انة الفه بطلب من الوزير مؤيد الدين ابي طالب محمد بن احمد بن العلقمي الاسدي البغدادي،(7)وزير المستعصم بالله العباسي اخر خلفاء بني العباس. كان ابن العلقمي من اعيان شيعه بغداد وفضلائهم "مائلا للاداب مقربا للادباء وكانت له خزانه كتب فيها عشرة الاف مجلد من نفائس الكتب

ص: 49


1- م. ن. / 237.
2- الاميني ( عبد الحسن بن احمد) / الغديرقي الكتاب والسنة والادب / ط4 / دار الكتاب العربي / بيروت 1397 ﻫ – 1977م / 11/ 373 – 382 / وسأشير اليه فيما ياتي من الهوامش بأسم ( الاميني) وانظر ايضا: - 27.الخاقاني ( علي )/ شعراء الحلة / ط2 / ص 62 / ج1 / بغداد 1975 / نشر دار مروان / بيروت – دار البيان / بغداد.
3- الخطيب / 1/ 239.
4- السيد / ص 62.
5- الخطيب 1 / 242.
6- الخطيب. 1/ 202 وما تلاها، وقد ذكر المؤلف اسماء واحد ومائة من القدامى والمحدثين ممن شرحوا ( نهج البلاغة) كلا او بعضا، وانظر ايضا: 32.الحسيني / ص8 هامش 1. 33.السيد / ص61.
7- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 1/ 4 مقدمة المؤلف، هذا ويقول الطقطقي في الفخري " اشتغل ابن العلقمي في صباه بالادب ففاق فيه، وكتب خطا مليحاً وترسل ترسلا فصيحا، وكان لبيباً كريما، رئيسا متمسكا بقوانين الرئاسة، وخبيرا بادوات السياسة، محبا للادب، مقربا لاهل العلم، اقتنى كتبا كثيرة نفيسة، وصنف الناس له ، منهم ( الصنعاني ) صنف له ( العباب) وهذا المصنف الفه برسمه، وكان ممدحاّ، مدحه الشعراء وانتجعه الفضلاء، واخباره الطيبة كثيرة وجليه، توفي سنة 656ﻫ " الطقطقي / الفخري / ص 265- 266 .

"(1)ويبدو ان ابن ابي الحديد صنف (شرح نهج البلاغة ) برسم خزانة الكتب هذه.(2) كما يظهر ان الوزير ابن العلقمي كان شديد الاهتمام بهذا الكتاب دائم السؤال عنه وكان يستحث المؤلف على اتمامه وانجازه.(3) ويعد (شرح نهج البلاغة ) ابرز مصنفات ابن ابي الحديد واكثرها سعة وادقها مادة مما يدل على سعة مداركه واتساع ثقافته واستيعابه للاحداث التاريخية. والكتاب بحق موسوعة فاقت الموسوعات في مادتها وغزارة محتواها من اصناف العلوم والآداب والثقافات والمعارف.لقد شرع ابن ابي الحديد في تاليف الكتاب في اول رجب سنة 644ﻫ واتمه في اخر صفر سنة 649ﻫ فقضى في التاليف اربع سنين وثمانية اشهر وكانت هذه المدة هي مقدار خلافة امير المؤمنين علي.(4) ويقول ابن ابي الحديد ان فكرته الاولى كانت شرح النهج شرحا مختصراً الا انه سرعان ماغير رأيه بعد ان راى "ان هذه النغبة لاتشفي اواما ولا تزيد الحائم الا حياما فتنكب ذلك المسلك ورفض ذلك المنهج " (5) فتوسع في شرحه توسعا اشتمل على الغريب والمعاني وعلم البيان والاعراب والتصريف والنظائر والاشباه نظما ونثرا وذكر السير والوقائع والاحداث مفصلة واشار الى دقائق علم التوحيد والعدل وذكر الانساب والامثال والنكت وادخل فية المواعظ والزهد والحكم والاداب والاخلاق والمعارف وذكر فيه المعجزات النبوية المشتملة على الاخبارات الغيبية، وبين مقامات العارفين.(6) فخرج الكتاب "كاملاً في فنه،واحدا بين ابناء جنسه ممتعا بمحاسنه جليلة فوائده،شريفة مقاصده،عظيما شانه عالية منزلته ومكانته." (7) ولما فرغ ابن ابي الحديد من تاليفه انفده مع اخيه موفق الدين الى مجلس الوزير ابن العلقمي، فاخرج "الفامن الدراهم وعشرة تخوت ثياب للرجال والنساء ووهب له جارية تركية واعطاه غلامين حبشيين وفرشا وأواني ثمينة فقال ابن ابي الحديد: ما كنت احسب اني ابلغ كل هذا عندك او استحق ذلك، فقال ابن العلقمي:خل هذا عنك،واين يقع هذا مما يجب لك وسارعى حقك ما دمت حيا "(8). وعندما دخل المغول بغداد قبضوا على عبد الحميد بن ابي الحديد واخيه موفق الدين وقدموهما للقتل فسعى ابن العلقمي في خلاصهما وتشفع اليهم فخلى المغول عنهما واذ شكر ابن ابي الحديد الوزير ابن العلقمي على حسن فعله اجابة الوزير ((والله لو افتديتكما بنفسي لكان ذلك قليلا لانك خلدت اسمي في كتابك )) (9).

ص: 50


1- الطقطقي / الفخري / ص 295.
2- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 1/ 10 مقدمة المحقق.
3- م. ن. / 20 / 349.
4- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 1/ 4.
5- م. ن. / 1/ 4.
6- م. ن. / 1/ 4-5.
7- م. ن. / 1/5.
8- الخطيب / 1/ 212، 213.
9- م. ن. /1/ 213.

ويقع شرح ابن ابي الحديد في عشرين جزءا كما قسمه المؤلف، وتكمن اهمية الكتاب في بحوثه القيمة وموضوعاته المتعددة والمتشعبة التي شملت كل ثقافات العصر.ويعد الكتاب موسوعة عربية اسلامية فريدة في بابها اذا ما قورنت بغيرها من الموسوعات.ونستطيع ان نقدر ما للمؤلف من ثقافة واسعة وقدرة على التتبع والتحليل والاستنتاج والاحاطة الواسعة بمختلف علوم وثقافات زمانه " فانت واجد فيه المؤرخ الثبت واللغوي المتضلع والمتكلم المتفنن والناقد الذواقة الذي لا تخفى عليه مواطن الجمال ومواقع السحر في العبارة العربية, والفقيه المجتهد ثم ما شئت غير ذلك " (1).

لقد جمع المؤلف عناصر كتابه من جملة من اجل كتب العلم مستفيدا من خزائن كتب المستنصرية وخزانة كتب الوزير ابن العلقمي التي اكتملت سنة 644ﻫ وهي السنة نفسها التي شرع فيها ابن ابي الحديد بتاليف شرح نهج البلاغة. لقد اعتمد ابن ابي الحديد فيما اعتمده من مصادر على كتب نادرة مفقودة لم تصلنا وبذلك كان له الفضل في حفظها لنا في شرحه ناقلا عنها كلا او بعضاً.

ومن هذه الكتب كتاب (التاج ) لابن الراوندي وكتاب (العباسية ) للجاحظ وكتاب (السقيفة) لاحمد بن عبد العزيز الجوهري، وكتاب (وقعة الجمل )لابي مخنف، وكتاب (الجراح ) لقدامة بن جعفر.(2) ويمكننا القول اننا نجد في كتاب ابن ابي الحديد معلومات تاريخية لانجدها في كتب اخرى. (3) ليس ذلك فحسب،فالكتاب معرض لاراء المعتزلة اذ نجد فيه قدرا كبيرا من ارائهم (خاصة معتزلة بغداد ) مبثوثة في ثنايا الكتاب.لقد ذكر ابن ابي الحديد في مقدمة شرحه للنهج انه لم يشرح النهج - فيما يعلم سوى - واحد هو سعيد بن هبة الله بن الحسن المعروف بالقطب الراوندي (4) غير ان كتب التاريخ سجلت اسماء العديد ممن شرح نهج البلاغة قبل ابن ابي الحديد ومنهم القطب الراوندي (5).

ويبدو ان الراوندي كان فقيها بذل عمره مشتغلا بعلم الفقه وحدة وهذا ما جعل ابن ابي الحديد يرى انه لم يكن موفقا في شرحه للنهج مما دعاه الى مناقضته في الكثير من المواضع

ص: 51


1- محي الدين / ص 217.
2- خلوصي ( د.صفاء)/ الكنوز الدفينة في شرح ابن ابي الحديد لنهج البلاغة / مقالة في مجلة المعلم الجديد، ج 3-4 / م 24 / تموز 1961، وسأشير اليه فيما يأتي من الهوامش بأسم ( خلوصي)، وذكر خلوصي ان من جملة الكتب التي لم تصلنا كتاب ( صفين) لنصر بن مزاحم المنقري و( الموفقيات) للزبير بن بكار و( الغارات) لابي هلال الثقفي , و( الجمع بين الغريبين) للهروي، الا ان الخطيب يقول " كتاب ( صفين) طبع مرارا في القاهرة وبيروت وطهران وكتاب ( الموفقيات) طبع ببغداد و(الجمع بين الغريبين) رأيته في المكتبة الظاهرية بدمشق و( الغارات) توجد منه مخطوطة في مكتبة الامام البروجردي بقم". انظر: الخطيب /1/ 214، 215.
3- الخطيب / 1/ 215.
4- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 1/ 5/ مقدمة الشارح.
5- الاميني / الغدير / 4/ 186 / لقد ذكر المؤلف اسماء تسعة ممن شرحوا ( نهج البلاغة) قبل ابن ابي الحديد المعتزلي وكان بعضهم قريبا من عصره ومع ذلك فيبدو ان ابن ابي الحديد لم يطلع على تلك الشروح، انظر ايضا: - -الحسيني / ص8. – الابياري / ص 133.

كما ذكر انه اعرض عن كثير مما قاله مما لم ير في الحديث عنة فائدة او منفعة (1). ومع ذلك كان عبد الحميد في مناقضته للقطب الراوندي ملتزما بادب المجادلة بالحد المعقول وناهجا غالبا نهج العلماء، فهو حين يذكر الراوندي يدعو له ويترجم عليه الا اننا نجده احيانا ينتقد الراوندي بانتقادات لاذعة حين يتعرض لما ليس من فنه اواختصاصه،وربما خرج عن اتزانه حين سجل ان الراوندي قد اشتط في تفسيره لانه يقول من غير ما فهم وتدبر، وقد يسخر منه سخرية واضحة كما فعل في مناقشته للراوندي في تفسير قول الامام علي "سلبوني سلطان ابن امي " اذ يقول ناقلا عن الراوندي "سلطان ابن امي يعني نفسه أي سلطانه لانه ابن ام نفسه.قال وهذا أحسن الكلام ولا شبهة انه على تفسير الراوندي لو قال:سلبوني سلطان ابن اخت خالتي او ابن اخت عمتي لكان احسن واحسن، وهذا الرجل قد كان يجب ان يحجر عليه ولا يمَكن من تفسير هذا الكتاب ويؤخذ عليه ايمان البيعة ان لايتعرض له "(2). وربما كانت حجج ابن ابي الحديد صحيحة في مآخذه على الراوندي،لان هذا كان مفتقرا لكثير من العلوم التي نجدها لازمة لمن اراد الولوج في كتاب متشعب مثل(نهج البلاغة) فالقطب الراوندي كما ذكرنا كان فقيها متخصصا بدراسة الفقه ومن هنا انصبت مآخذ عبد الحميد على مسائل اللغة والنحو والصرف والكلام والفلسفة والبلاغة التي ناقض فيها القطب الراوندي ولم يكن متجنيا عليه فيها.

ان الحديث عن شرح نهج البلاغة يقودنا الى ذكر نسخه المخطوطة وطبعاته العديدة. فمخطوطات الكتاب كثيرة منتشرة في الامصار الاسلامية،وقد احصى المؤرخون منها مايزيد على ثلاثين نسخة (3). منها نسخة فريدة عند احد علماء النجف لم يشأ صاحبها ان يذكر اسمه، وعليها اجازة بخط الشريف المرتضى لاحد تلامذته، ومنها نسخ متعددة في مكتبة المشهد الرضوي، في مشهد، ونسخ عند بعض افاضل العلماء في طهران، ونسخ بمشهد الامام علي في النجف الاشرف ونسخ مختلفة المواصفات في مكتبة المتحف العراقي ببغداد وهي متفاوتة في تاريخ نسخها.وهناك نسخ في مكتبة الكونگرس الامريكي بواشنطن وفي مكتبة المتحف البريطاني بلندن، وهي كاملة في عشرين جزءا،وفي مكتبة الفاتيكان وفي المكتبة الظاهرية بدمشق كما يحتفظ بعض الافاضل من علماء العراق المعاصرين بنسخ مخطوطة من الكتاب. والطريف ان هناك نسخة بخط ابن ابي الحديد نفسه الا انها ناقصة في بعض اجزائها.(4)

لقد طبع (شرح نهج البلاغة ) لابن ابي الحديد طبعات عديدة بعضها على الحجر وبعضها اخرجته المطابع في العراق ومصر وسوريا ولبنان وايران وباكستان. ولعل افضل الطبعات هي الطبعة التي حققها الاستاذ محمد ابو الفضل ابراهيم والتي راعى فيها حسن

ص: 52


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 1/ 5 / مقدمة الشارح.
2- م. ن. / 16 / 152.
3- الخطيب / 1/ 187.
4- م. ن. / 1/ 187 وما تلاها، وانظر ايضا: - -ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 1/ 20 مقدمة المحقق. - محي الدين / ص 220.

الاخراج كما بذل جهودا ممتازة في التحقيق مع الاشارة الى افتقارها الى الفهارس العامة. (1)

ويجدر بنا في الاخر ان نشير الى ان بعضا من العلماء قد صنفوا مختصرات لشرح ابن ابي الحديد، فنذكر على سبيل المثال:كتاب (مختصر شرح نهج البلاغة ) للعلامة الحلي جمال الدين ابي منصور الحسن بن سديد الدين يوسف بن علي بن المطهر، وكتاب( مختصر شرح ابن ابي الحديد ) للفقيه الجامع المولى سلطان محمود بن غلام الطبسي وكتاب (العقد النضيد المستخرج من شرح ابن ابي الحديد )لمحمد بن صلاح بن منصور العدني (2).

ص: 53


1- محي الدين /ص 220
2- محفوظ / نفائس المخطوطات العربية في ايران / بحث منشور في مجلة معهد المخطوطات العربية / مج 3/ ج1 / مايو 1957 / القاهرة.

الباب الثاني: المنهج التاريخي

اشارة

- المصادر التاريخية

- نقد الأصول

- تنظيم المادة التاريخية و عرضها

- النتائج التي توصلت اليها الدراسة

ص: 54

الفصل الاول: المصادر التاريخية

اشارة

تنوعت مصادر ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة وتشعبت بتنوع وتشعب الموضوعات التي طرقها واستغرقت كل علوم واداب وثقافات عصره.

ولم تكن مصادر ابن ابي الحديد مقتصرة على المدونات التي رآها اوقرأ عنها بل تعدت ذلك الى الروايات الشفوية التي تلقاها من شيوخه واساتذته ومعاصريه، فنقلها لنا بشكل دقيق كما سمعها، وربما ذكر فيها السند توثيقا لها وتوكيدا لصحتها. لكننا نعجب لانه لم يرومشاهداته العينيه لما رآه من احداث. وياتي في مقدمتها هجمات المغول على بغداد التي انتهت بدخولهم المدينة سنه 656ﻫ، واسقاطهم الدولة العربية الاسلامية، والتي عاصرها وكان قريبا منها.

وحيث ان الحديث متعلق بمنهج ابن ابي الحديد التاريخي في شرح نهج البلاغة ومختص به، فان دراسه مصادره ستقتصر على التاريخية منها وستستثني تلك التي تبحث في سائر العلوم الاخرى، اذا لم تضف شيئا الى مادته التاريخية، كما تم استثناء المصادر التي ذكر اسماء مؤلفيها دون ذكر اسمائها، كأن يقول: قال الجاحظ في احد كتبه،او ذكر الاسكافي في كتابه عن فضائل علي، وكذا الكتب التي ذكر اسماءها دون ذكر مؤلفيها او ذكر اسماء ناسخيها دون ذكر اسمائها او اسماء مؤلفيها.

أ. المصادر المدونة

اشارة

لقد استفاد ابن ابي الحديد من اغلب المدونات التاريخية التي اطلع عليها او سمع عنها، وكان بعضها في غاية الاهمية لان المؤلفين تحدثوا وشاهدوا او وصفوا احداثا فصلها ابن ابي الحديد، ومن ابرزها الحروب التي خاضها الامام علي ابان خلافته.

لقد تعامل ابن ابي الحديد مع مصادره المدونة بطرائق متعددة: اولاها ذكره مصادر صرح باسمائها واسماء مؤلفيها، وثانيها ذكره اسماءها دون ذكر مؤلفيها، وثالثها ذكر اسماء المؤلفين دون ذكر مؤلفاتهم ورابعها مصادر ذكر اسماء ناسخيها دون ذكر اسمائها او اسماء مؤلفيها وخامسها مصادر قرأها غيره فلم يطلع عليها بنفسه لكنه نقل عنها مما يرويه الاخرون.

وساستعرض فيما يلي مصادرهُ المدونة بالاطار الذي ذكرته انفا ذاكراً اسماءها واسماء مؤلفيها والموارد التي نقل عنها ابن ابي الحديد ومواقعها في شرح نهج البلاغة مبتدئاً بالمطبوع منها ثم المخطوط ثم أسجل قائمة بالمصادر المفقودة التي لم تصلنا(1)

ص: 55


1- اعتمدت في تحديد المطبوع والمخطوط و المفقود من مصادر ابن ابي الحديد على كتاب الباحث احمد الربيعي المسمى ب- ( العذيق النضيد بمصادر ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة ) المطبوع ببغداد عام 1407ﻫ / 1987م وقد بذل المؤلف فيه جهودا بينة فلم يقتصر على ذكر المصادر فحسب بل تعداها الى بحوث عن الشريف الرضي وابن ابي الحديد ومؤلفي المصادر التي اعتمداها، كما كان يعطي الاسماء الكاملة لبعض المصادر التي ذُكرت عناوينها مجتزأة او مختصرة او متغيرة. ومع ذلك فمما يؤخذ على الربيعي انه اكتفى في المصادر بالاحالة الى الاجزاء والصفحات فقط مما يجبر الباحثين على العودة الى الكتاب الاصلي في كل مورد من تلك الموارد لمعرفة الخبر الذي اخذه شارح النهج منها. لقد وقع الربيعي في اغلاط عديدة منها علىسبيل المثال: انه ذكر لابي جعفر محمد بن عبد الله الاسكافي كتابا سماه ( تفضيل الامام علي ) ( انظر العذيق / 134 ) ولدى مراجعة مواقعه في شرح النهج تبين ان لا وجود لهذا الكتاب وان المواضع التي احال اليها المؤلف ماخوذة من كتاب ( نقض العثمانية ) للاسكافي يصرح بذلك ابن ابي الحديد نفسه ( 13 / 295). وذكر الربيعي كتابا اخر للجاحظ سماه( افتراق هاشم وعبد شمس) ( العذيق / 185) واحالنا الى ( 15 / 240) من شرح النهج وبالرجوع الى ذلك الموضع نجد ان عبد الحميد يذكر ان ذلك الكتاب لابي الحسين محمد بن علي بن نصر المعروف بابن رؤبة الدباس. ان الربيعي يحيل احيانا الى اجزاء وصفحات في شرح النهج لا يجد فيها الباحث ذكراً للمصدر الذي اشار اليه الربيعي، كما في كتاب (مفاخرات قريش ) للجاحظ ( العذيق / 160 ثم انظر المواضع التي احال اليها في شرح النهج ). على ان ذلك لا يقلل ابدا من اهمية الكتاب وجهد مؤلفه.
1. المصادر المطبوعة

1.الآبستا / لزرادشت ( توفي في القرن السادس قبل الميلاد )

نقل عنه:

-قصه مبدأ الخلق (1)

-عمر الدنيا من ابتدائها الى هلاك يزدجرد. (2)

2- الاثار الباقية من القرون الخالية / لابي الريحان محمد بن احمد الخوارزمي البيروني (ت 440 ﻫ )

نقل عنه:

-ان احمد بن سهل من احفاد يزدجرد بن شهريار كان يتيه على الناس، واذا شتم احداً قال:ابن البضع (3).

-ان الفرس والمجوس يزعمون ان عمر الدنيا اثنا عشر الف سنة على عدد البروج وعدد الشهور. (4)

3- الارشاد / لابي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقب ب-( الشيخ المفيد ) ( ت 413 ﻫ )

نقل عنه:

-اشتراك علي وحمزة في دم شيبة بعد ان جرحه عبيده بن الحارث،وهو خلاف ما تنطق به كتب امير المؤمنين الى معاوية. (5)

4- الاستيعاب في معرفة الاصحاب / لابي عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري القرطبي (ت 463 ﻫ ) نقل عنه:

ص: 56


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 1 / 106
2- م. ن / 10 / 196.
3- م. ن / 7 / 204
4- م. ن / 10 / 197
5- م. ن . / 14 / 132

-ذهب اكثر اهل الحديث الى ان عليا اول الناس اتباعاً لرسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وايمانا به ولم يخالف في ذلك الا الاقلون. (1)

-اقوال الحسن بن ابي الحسن البصري في مدح الامام علي. (2)

-علي هو اول من اسلم 0(3)

-نسب مروان بن الحكم واخباره 0(4)

- حديثه عن (النابغة بنت حرملة ) ام عمرو بن العاص واسمها سلمى اصابها سبي فصارت الى العاص بن وائل بعد جماعة من قريش. (5)

-كان بسر بن ارطاة من الابطال الطغاة وكان مع معاوية بصفين فامره ان يلقى عليا في القتال، فقصده، فصرعهُ علي،فكشف سوأته وعرض له معه مثل ما عرض له مع عمرو ابن العاص. (6)

-اسلام عمرو بن العاص كان سنة ثمان للهجرة. (7)

-عمرو بن العاص يأسف على اعماله حين تحضره الوفاة. (8)

-لم يقل احد من الصحابه ((سلوني قبل ان تفقدوني )) الاعلي بن ابي طالب . (9)

-سؤال النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) لنسائه: ايتكن صاحبه الجمل الادبب ؟. (10)

- ولادة ام هانئ بنت ابي طالب بن عبد المطلب. (11)

- نسب عمار بن ياسر ونبذ من اخباره. (12)

- ذكر ابي الهيثم بن التيهان وطرف من اخباره. (13)

- ترجمة ذي الشهادتين خزيمة بن ثابت. (14)

- ذكر ابي ايوب الانصاري ونسبه. (15)

ص: 57


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 1 / 30
2- م. ن./ 4 / 95
3- م. ن. / 4 / 116-125.
4- م. ن / 6 / 148 – 150.
5- م. ن / 6 / 283.
6- م. ن. / 6 / 316.
7- م. ن. / 6 /319
8- م. ن. / 6 / 323 – 324.
9- م. ن. / 7 / 46.
10- م. ن. / 9 / 191.
11- م. ن. / 10 / 79.
12- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة. / 10 / 102 – 107.
13- م. ن. / 10 / 107.
14- م. ن. / 10 / 108 – 109.
15- م. ن. / 10 / 112.

-نسب أبي موسى الاشعري والرأي فيه عند المعتزلة. (1)

- نسب عائشة واخبارها. (2)

-نسب شريح وذكر بعض اخباره. (3)

- عمر جعفر بن ابي طالب يوم قتل احدى واربعون سنة. (4)

- وفاة ابي ذر الغفاري. (5)

- قثم بن العباس وبعض اخباره 0(6)

- ولادة محمد بن ابي بكر.(7)

- عمر بن ابي سلمه ونسبه وبعض اخباره.(8)

- النعمان بن عجلان ونسبه وبعض اخباره.(9)

- عمر بن الخطاب يرسل زياد بن ابيه في اصلاح فساد وقع باليمن.(10)

- معاوية يدعي زياد بن ابيه ويلحقه به سنه اربع واربعين. (11)

- نسب شريح بن هانئ واخباره.(12)

- تعريف بالاسود بن قطبة.(13)

-تلميح الى ان حديث الخلوق حديث مضطرب منكر لايصح. (14)

- اخبار للوليد بن عقبه فيها شناعة تقطع على سوء حاله وقبح افعاله. (15).

-سلمان الفارسي وخبر اسلامه.(16)

- ذكر المنذر بن الجارود وانه كان نصرانياً فاسلم وحسن اسلامه.(17)

ص: 58


1- م. ن. / 13 / 313 – 316.
2- م. ن. / 14 / 22.
3- م. ن. / 14 / 29.
4- م. ن. / 15 / 73.
5- م. ن. / 15 / 100.
6- م. ن. / 16 / 140.
7- م. ن. / 16 / 143.
8- م. ن. / 16 / 173.
9- م. ن. / 16 / 174.
10- م. ن. / 16 / 180.
11- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 16 / 189.
12- م. ن. / 139.
13- م. ن. / 17 / 145.
14- م. ن. / 17 / 239.
15- م. ن. / 17 / 244 – 245.
16- م . ن. / 18 / 34 – 37.
17- م. ن. / 18 / 55.

- ضرار بن ضمره يصف عليا بطلب من معاوية.(1)

- عمار بن ياسر وطرف من اخباره.(2)

- عبد الله بن الزبير وذكر طرف من اخباره.(3)

5- الاغاني / لابي الفرج علي بن الحسين الاصفهاني الاموي البغدادي (ت 256ﻫ ).

نقل عنه:-

- الزبير بن بكار ادخل بني ناجية في قريش وهم قريش العازبة.(4)

- علي بن الجهم وطائفة من اخباره.(5)

- خطبة عبد الله بن الزبير في مقتل مصعب.(6)

- عقد الرئاسة لحارثة بن بدر لحرب الخوارج.(7)

- كانت الشراة والمسلمون في حرب المهلب وقطري يتواقفون ويتساءلون بينهم عن امور الدين وغير ذلك على امان وسكون. (8)

- المهلب يوفد كعب بن معدان الاشقري الى الحجاج وينشده قصيدة وذكر بعض اخبار المهلب والحجاج وحرب الخوارج. (9)

- اخبار عبد الله بن يحيى والمختار بن عوف وحرب الخوارج.(10)

- خطب ابي حمزه الشاري وشئ من اخباره.(11)

- معاوية يعزل مروان بن الحكم عن امرة المدينه والحجاز. (12)

- سعيد بن العاص يبعث الهدايا الى عثمان وعلي.(13)

- خبر عبد الله بن مسلمه بن عبد الملك وما قيل من الشعر في التحريض على قتل بني اميه.(14)

ص: 59


1- م. ن. /18 / 225.
2- م. ن. / 20 / 35 – 38.
3- م. ن / 20 / 102.
4- م. ن. / 3 / 121.
5- م. ن. / 3 / 124، 126.
6- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 3 / 298.
7- م. ن. / 4 / 143.
8- م. ن. / 4 / 169 – 171.
9- م. ن. / 4 / 214 – 219.
10- م. ن. / 5 / 106.
11- م. ن. / 5 / 114 – 129.
12- م. ن. / 6 / 152.
13- م. ن. / 6 / 174.
14- م. ن. / 7 / 124- 127.

- السفاح يقتل من كان أمّنهُ من بني امية.(1)

- المغيرة بن شعبة وهو امير البصرة يختلف سرا الى امرأة من ثقيف يقال لها الرقطاء.(2)

- معاوية يسأل دغفل النسابة عن عبد المطلب وعن امية بن عبد شمس.(3)

- اخبار الوليد بن عقبة وشربه الخمر.(4)

- المغيرة بن شعبه وحديث اسلامه.(5)

- عبد الله بن الزبير وبعض اخباره.(6)

- الاختلاف في تفضيل بعض الشعراء على بعض. (7)

6- الاكمال / للامير اسعد الملك ابو نصر علي بن هبة الله ابن ماكولا العجلي الربعي (ت 475 ﻫ )

نقل عنه:-

-الحارث بن سويد قتل المجذر بن ذياد البلوي غيلة يوم احد ثم التحق بمكة كافرا.(8)

- الحجاج يدخل الكوفة ويذم عبد الله ومصعب ابنا الزبير. (9)

7- الامالي / لاحمد بن يحيى ثعلب الكوفي الشيباني (ت 291 ﻫ )

نقل عنه:

-حوار بين عمرو بن العاص وعتبة بن ابي سفيان يوم الحكمين.(10)

- حوار بين عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس.(11)

8-أنساب الأشرف/ لابي جعفر احمد بن يحيى بن جابر البلاذري (ت279ﻫ ). (12)

نقل عنه:-

-اصاب قريش القحط فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) لعميه حمزة والعباس:

ص: 60


1- م. ن. / 7 / 139 – 145.
2- م. ن. / 12 / 234 – 240.
3- م. ن. / 15 / 231.
4- ابن ابي الحديد/ شرح نهج البلاغة / 17 / 227 – 244.
5- م. ن. / 20 / 9-10
6- م. ن. / 20 / 148 – 149.
7- م. ن. / 20 / 155- 165.
8- م. ن. / 15 / 51.
9- م. ن. / 15 / 137.
10- م. ن. / 6 / 303.
11- م. ن. / 6 / 326.
12- يطلق ابن ابي الحديد على هذا الكتاب في بعض مواضعه اسم ( تاريخ الاشراف).

- الا نحمل ثقل ابي طالب في هذا المحل ؟ (1)

-علي يتزوج خولة بنت جعفر ام محمد بن الحنفية.(2)

- ابن عباس يتمنى ان يكون حكما يوم الحكمين ويتحاور مع عمرو بن العاص ذلك اليوم.(3)

- علي يبايع عثمان بعد ان هدده عبد الرحمن بن عوف بالسيف.(4)

- قصة غزوة بدر.(5)

- سيف ذي الفقار كان للعاص بن منبه بن الحجاج.(6)

- اسامه بن زيد يسال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) عن سهيل بن عمرو:هذا الذي كان يطعم الناس بمكة السريد ؟( يعني الثريد ). (7)

- هبار بن الاسود كان ممن عرض لزينب بنت رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) حين حملت من مكة الى المدينة فألقت ما في بطنها فزعاً.(8)

- رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) يطأطأ راسه استحياء من هبار بعد اسلامه.(9)

- قتل عقبة بن ابي معيط وصلبه فكان اول مصلوب في الاسلام.(10)

- علي بن ابي طالب يقتل حاجز بن السائب واخاه عويمر بن السائب. (11)

- الجماعة التي تعاهدت وتعاقدت على قتل رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) يوم احد.(12)

- مات عتبة (بن ابي وقاص ) يوم احد من وجع اليم اصابه فتعذب به.(13)

- ابو دجانه يقتل عبد الله بن حميد.(14)

-الحارث بن سويد يقتل المجذر غيلة يوم أحد والرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) يامر بقتله.(15)

ص: 61


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلباغة / 1 /15.
2- م. ن. / 1 / 245.
3- م. ن. / 2 / 246 – 247.
4- م. ن. / 12 / 265.
5- م. ن. / 14 / 84.
6- م. ن. / 14 / 169.
7- م. ن. / 14 / 187.
8- م. ن. / 14 / 194.
9- م. ن. / 14 / 195.
10- م. ن. / 14 / 209.
11- م. ن. / 14 / 211.
12- م. ن. / 15 / 5.
13- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 15 / 6 .
14- م. ن. / 15 / 7.
15- م. ن. / 15 / 50.

- قتلى المشركين يوم احد. (1)

- فاطمه لم تر مبتسمة بعد وفاة النبي ولم يعلم ابو بكر وعمر بموتها.(2)

9- انساب قريش واخبارها (3)/ لابي عبد الله الزبير بن بكار الزبيري (ت256 ﻫ )

نقل عنه:

-اصطلحت قريش علي ان ولي هاشم بعد موت ابيه عبد مناف السقايه والرفادة (4)

- سلمى ام عبد المطلب تحول بين المطلب وابنها شيبه.(5)

- عبد المطلب وحكاية الفيل.(6)

- حكاية الختعمية التي اغتصبها نبيه بن الحجاج السهمي من ابيها. (7)

- قصة حلف الفضول.(8)

- ترجمة الحسن بن علي وذكر بعض اخباره.(9)

- اخبار عبد الله بن الزبير مختصرة مع ذكر اللباب منها.(10)

- قدوم وفد من العراق على عبد الله بن الزبير فأتوه في المسجد الحرام.(11)

- خطبة عبد الله بن الزبير بعد ان جاءه مقتل المصعب.(12)

10. الاوائل / لابي هلال الحسن بن عبد الله العسكري (ت 395ﻫ )

نقل عنه:

-استجيبت دعوة علي في عثمان وعبد الرحمن بن عوف فما ماتا الا متهاجرين متعاديين.(13)

- كان معاوية يتهدد عليا – وعثمان بعد حي – بالحرب والمنابذه ويراسله من الشام رسائل خشنة.(14)

ص: 62


1- م. ن. / 15 / 54.
2- م. ن. / 16 / 280.
3- هكذا يسميه ابن ابي الحديد ويسمى ( جمهرة نسب قريش).
4- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 15 / 209.
5- م. ن. / 15 / 214.
6- م. ن. / 15 / 215.
7- م. ن. / 15 / 223.
8- م. ن. / 15 / 224 – 227.
9- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 16 / 9.
10- م. ن. / 20 / 107 – 117.
11- م. ن. / 20 / 137.
12- م. ن / 20 / 138.
13- م. ن. / 1 / 196.
14- م. ن./ 1 / 338.

- اول من قال ( لاحكم الا لله ) عروة بن حدير قالها بصفين.(1)

- بيعة علي وامر المتخلفين عنها.(2)

11. البصائر والذخائر / لابي حيان علي بن محمد التوحيدي (ت 400ﻫ )

نقل عنه:

- ان خزيمه بن ثابت المقتول مع علي بصفين ليس هو خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين.(3)

- مناظرة في التفاضل بين علي واخيه جعفر.(4)

- عمر يدرء حد الزنا عن المغيرة بن شعبة.(5)

12. البيان والتبيين / لابي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ( ت 255ﻫ )

نقل عنه:-

-علي امام الفصحاء وسيد البلغاء ولم يدون لاحد من فصحاء الصحابة العشر ولا نصف العشر مما دون له.(6)

- اول خطبة خطبها علي بالمدينة في خلافته.(7)

- خطبة لعلي نسبها من لاعلم له الى معاوية وهي من كلام امير المؤمنين الذي شك فيه.(8)

- الوليد بن عبد الملك يثني على الحجاج.(9)

- كلام من مواعظ امير المؤمنين البالغة.(10)

- خطبة ذكرها الجاحظ في البيان والتبيين ورواها لقطري بن الفجاءة والناس يروونها لامير المؤمنين.(11)

- لم يكن عمر من اهل الخطب الطوال وكان كلامه قصيرا وانما صاحب الخطب الطوال علي بن ابي طالب.(12)

- عثمان صعد المنبر فارتج عليه.(13)

ص: 63


1- م. ن. / 2 / 271.
2- م. ن./ 4 / 7.
3- م. ن. / 10 / 109.
4- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة/ 11 / 117.
5- م. ن. / 12 / 241.
6- م. ن. / 1 / 25.
7- م. ن. / 1 / 275.
8- م. ن. / 2 / 175.
9- م. ن./ 5 / 36.
10- م. ن. / 5 / 146.
11- م. ن./ 7 / 236.
12- م. ن. / 12 / 108.
13- م. ن. / 13 / 13.

13. التاجي في اخبار دولة بني بويه / لابي اسحاق ابراهيم بن هلال الصابي الحراني (ت 384ﻫ )

نقل عنه:

- ذكر جماعة ممن كان يرى رأي الخوارج 0(1)

14. تاريخ الامم (2) / لابي عبد الله حمزة بن الحسن الاصفهاني ( ت360ﻫ )

نقل عنه:

-عمر الارض والبشر على رأي اليهود والنصارى والفرس.(3)

15. تاريخ بغداد / لابي بكر احمد بن علي الخطيب البغدادي (ت 463ﻫ )

نقل عنه:

-القبر الذي تزوره الشيعة الى جانب الغري هو قبر المغيرة بن شعبه.(4)

16. تاريخ بغداد / لابي الفضل احمد بن ابي طاهر بن طيفور البغدادي (ت 280ﻫ )

نقل عنه:

- عمر يبرر لابن عباس لماذا منع رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) من الوصية.(5)

- الرشيد ارسل الى يحيى بن خالد وهو في محبسه يقرعه بذنوبه.(6)

17.التاريخ الكبير(7) / لابي جعفر محمد بن جرير الطبري الآملي (السني )

(ت 310 ﻫ ) نقل عنه:

-علي يقول انا الصديق الاكبر وانا الفاروق الاول اسلمت قبل اسلام الناس وصليت قبل صلاتهم.(8)

- عمر يجعل الخلافة في ستة من الصحابة مع تفصيل في ذلك.(9)

- خطبة علي يوم انتهت مشاورات الستة.(10)

- ابو بكر يولي زياد بن لبيد البياضي الانصاري على حضر موت وامره باخذ

ص: 64


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 5 / 76.
2- هكذا يسميه ابن ابي الحديد، ويسمى ايضا: ( تاريخ ملوك الارض والانبياء).
3- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 10 / 196.
4- م. ن. / 6 / 123.
5- م. ن./ 12 / 21.
6- م. ن. / 19 / 152.
7- هكذا اسماه ابن ابي الحديد ويسمى ايضا:(تاريخ الرسل والملوك).
8- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 1 / 30.
9- م. ن. / 1 / 190.
10- م. ن. / 1 / 195.

البيعة على اهلها فبايعوه الا بني وليعة.(1)

- عمر يقول عن خلافة ابي بكر انها فلتة وقى الله المسلمين شرها.(2)

- اجتماع الانصار في سقيفة بني ساعده.(3)

- عمارة بن عقبة بن ابي معيط يراسل معاوية سرا من الكوفة باخبار علي.(4)

- سعيد بن العاص قدم على عثمان سنة احدى عشرة من خلافته فاجتمع قوم من الصحابة وعابوا افعال عثمان.(5)

- معاوية يخرج من عند عثمان ويغلب على ظنه مقتله.(6)

- محاصرة عثمان بعد ان تفرق عنه اهل المدينة.(7)

- قصة مقتل عثمان مفصلة وتحريض عمرو بن العاص وغيره على قتله.(8)

- علي يدخل الكوفة ودخلها معه كثير من الخوارج.(9)

- خلافة مروان ابن الحكم.(10)

- علي بن محمد (صاحب الزنج ) يشخص من سامراء الى البحرين ويدعو الناس الى طاعته،وتفصيل عن حركته بشكل دقيق.(11)

- غزوة فلسطين وفتح بيت المقدس.(12)

- يوم القادسية.(13)

- يوم نهاوند.(14)

- نفر من الصحابه تكاتبوا بعضهم الى بعض ان اقدموا فان الجهاد بالمدينه لابالروم واستطال الناس على عثمان ونالوا منه.(15)

ص: 65


1- م. ن. / 1 / 294.
2- م. ن. / 2 / 22.
3- م. ن. / 2 / 37.
4- م. ن. / 2 / 115.
5- م. ن. / 2 / 134.
6- م. ن. / 2 / 139.
7- م. ن. / 2 / 143.
8- م. ن. / 2 / 144 –161.
9- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة/ 2/268.
10- م. ن. / 6/ 156 – 165.
11- م. ن. م 8 / 129 – 214.
12- م. ن. / 8 / 298 – 300
13- م. ن. / 9 / 97.
14- م. ن. / 9 / 99.
15- م. ن. / 9 / 264.

- ذكر ما كان من امر طلحة مع عثمان.(1)

- عمر يمنع اعلام قريش من المهاجرين الخروج في البلدان الا بأذن وأجل.(2)

- طلحة والزبير يسألان عليا ان يوليهما على البصرة والكوفة فقال بل تكونان عندي اتجمل بكما فاني استوحش لفراقكما.(3)

- علي يثني على عمر عند وفاته.(4)

- بعض افعال عمر.(5)

- عمر يستعمل عتبه بن ابي سفيان علي عمل فقدم منه بمال.(6)

- عمر خطب ام كلثوم بنت ابي بكر فامتنعت عن اجابته.(7)

- عمر بعث سلمه بن قيس الا شجعي الى طائفة من الاكراد كانوا على الشرك.(8)

- عمر يولي ابا موسى الاشعري البصرة ويامرة باشخاص المغيرة بن شعبه اليه وقصة اتهامه بالزنا ودرء عمر التهمة عنه.(9)

- ذكر طرف من سيرة النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) عند موته.(10)

- خروج علي من بيت رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) عند احتضاره والناس يسألونه عنه.(11)

- رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) يُلَدُ في اثناء غيبوبته في مرضه الاخير.(12)

- ذكر يوم وفاة النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) ويوم تجهيزه.(13)

- الذين تولوا تغسيل النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) وتكفينه.(14)

- ابليس كان اليه ملك السماء وملك الارض، وكان من قبيلة من الملائكة يقال لها الجن. (15)

ص: 66


1- م. ن. / 10 / (5 – 7).
2- م. ن. / 11/ 12.
3- م. ن. / 11/ 17.
4- م. ن. / 12 / 5.
5- م. ن. / 12 / 93.
6- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 12 / 97.
7- م. ن. / 12 / 221.
8- م. ن. / 12 / 224.
9- م. ن. / 12 / 231 – 234.
10- م. ن./ 13 / 27.
11- م. ن. / 13 / 31.
12- م. ن. / 13 / 32.
13- م. ن. / 13 / 35.
14- م. ن. / 13 / 37 – 42.
15- م. ن. / 13 / 134.

- اختلاف الروايات في قصة هابيل وقابيل.(1)

- قدوم موسى وهارون على فرعون.(2)

- آدم حج من ارض الهند الى الكعبة اربعين حجة على رجليه.(3)

- ذكر ما كان من صلة علي برسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) في صغره.(4)

- ذكر حال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) عند نشوئه.(5)

- رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) يذكر ما جرى له وهو طفل في ارض بني سعد بن بكر.(6)

-رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) يقول ما هممت بشيء مما كان اهل الجاهلية يعملون به غير مرتين. (7)

-قصة جمع رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) لعشيرته الاقربين.(8)

- خروج عائشة وطلحة والزبير الى العراق وعلي يخرج الى الربذة محاولاً منعهم

ويرسل رسله الى العراق.(9)

- كتاب المعتضد بالله الذي يامر فيهِ بلعن معاوية على المنبر.(10)

- ابتداء حركة الردة اول خلافة ابي بكر.(11)

- ذكر خطبتي ابي بكر عقيب بيعته بالسقيفة.(12)

- بعض اخبار الردة.(13)

- المرتدون يرفضون اخراج الزكاة واخبار كثيرة عن ذلك.(14)

- مقتل عبد الله بن الزبير.(15)

18. التاريخ الكبير/ لابي عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري (ت 256ﻫ ) نقل عنه:

ص: 67


1- م. ن./ 13 / 145.
2- م. ن. / 13 / 154.
3- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 13 / 161.
4- م. ن. / 13 / 198.
5- م. ن. / 13 / 201.
6- م. ن. / 13 / 204.
7- م. ن. / 13 / 207.
8- م. ن./ 13 / 210.
9- م. ن. / 14 / 16-21.
10- م. ن. / 15 / 171.
11- م.ن./ 17 / 153.
12- م. ن./ 17 / 158.
13- م. ن./ 17 / 209.
14- م. ن. / 17 / 212.
15- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 20 / 117.

-قول الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) عن عثمان (هذا وأصحابه على الحق ).(1)

19. تاريخ الهند (2) /لابي الريحان محمد بن احمد الخوارزمي البيروني(ت 440 ﻫ )

نقل عنه:

-مدة عمر الدنيا مقدار تضعيف الواحد من اول بيت في رقعة الشطرنج الى اخر البيوت.(3)

20. تنزيه الانبياء والائمة/لابي القاسم علي بن الحسين الملقب بالشريف المرتضى (ت436ﻫ )

نقل عنه:-

-تفنيده لحديث ابي هريرة عن خطبة علي لبنت ابي جهل في حياة رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وغضب الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) من ذلك.(4)

-تفسير الاية الكريمة (ولا تقربا هذه الشجرة ) وانتصاره لمذهب الاماميه ورد ابن ابي الحديد عليه.(5)

21. جمهرة النسب / لابي المنذر هشام بن محمد الكلبي (ت 402ﻫ ) نقل عنه:

-الاشعث ونسبه وبعض اخباره (6)

- نسب جرير (البجلى).(7)

- نسب بني ناجيه.(8)

- نسب مصقلة بن هبيرة.(9)

- ابن ابي الحديد يقرأ(جمهرة النسب )على استاذه النقيب ابي جعفر يحيى.(10)

22. حلية الاولياء في طبقات الاصفياء / للحفاظ ابي نعيم احمد بن عبد الله الاصفهاني (ت430ﻫ )

نقل عنه:

-روايته عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ان عليا يعسوب الدين ويعسوب المؤمنين وقائد الغر المحجلين، واليعسوب هو امير النحل.(11)

ص: 68


1- م. ن./ 3 / 100.
2- هذا هو المشهور وقد سماه ابن ابي الحديد ( كتاب له عن الهند) .
3- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 10 / 197.
4- م. ن./ 4 /64.
5- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 7 / 13.
6- م. ن./ 1 / 293.
7- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة /3 / 118.
8- م. ن. / 3 / 121.
9- م. ن. / 3 / 127.
10- م. ن./ 13 / 302.
11- م. ن./ 1/13.

- الاحاديث والاخبار الواردة في فضل علي.(1)

23. الخراج / لابي الفرج قدامة بن جعفر (ت 337) نقل عنه:

-جواب جعفر بن محمد بن ثوابه لابي الجيش خمارويه بن احمد بن طولون عن المعتضد بالله لما كتب بانفاذ ابنته قطر الندى التي تزوجها المعتضد. (2)

24. ذيل تاريخ ثابت بن سنان الصابي / لابي الحسن هلال بن المحسن الصابي الحراني (ت 448ﻫ )

نقل عنه:

-عقد القادر بالله مجلسا احضر فيه ابا احمد الموسوي وابنه ابا القاسم المرتضى وجماعة من القضاة والشهود والفقهاء وابرز اليهم ابياتا (للشريف ) الرضي ابي الحسن.(3)

25. ربيع الابرار / لجار الله أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري (ت 538ﻫ )

نقل عنه:

-كانت هند تذكر في مكة بفجور وعهر وكان معاوية يعزى الى اربعة (يذكر الزمخشري اسماءهم ).(4)

-خبر (النابغة) ام عمرو بن العاص كانت لرجل من عنزة فسبيت فكانت بغيا.(5)

- خبر مما شاهد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) في معراجِهِ.(6)

26. سيرة عمر بن الخطاب (7) / لابي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي البغدادي (ت 597ﻫ )

نقل عنه:

-عمر يستشير الصحابه بمن يبدأ في القسمة والفريضة ؟ (8)

- عمر يستشير الناس وفيهم علي بعد فتح القادسية ودمشق عن استحقاقات الخليفة من الاموال.(9)

27. السيرة والمغازي (10) / لمحمد بن اسحاق بن يسار المطلبي (ت 151 ﻫ )

نقل عنه:

ص: 69


1- م. ن./ 9 / 167 – 174.
2- م. ن./ 1/ 216.
3- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 1 / 37.
4- م. ن./ 1/ 336.
5- م. ن. / 6 / 283.
6- م. ن./ 9 / 280.
7- ويسميه ابن ابي الحديد احيانا: ( اخبار عمر وسيرته) .
8- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 12 / 214.
9- م. ن. / 12 / 220.
10- وهو غير كتابه ( المغازي).

- حديث الشجرة التي دعاها الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) فاجابته.(1)

- لم يسبق احد من الناس عليا الى الايمان بالله ورسالة محمد الاخديجة 0(2)

28. السيرة النبوية / لمحمد بن اسحاق بن يسار المطلبي (ت 151ﻫ )

نقل عنه:

- ذكرحال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) عند نشوئه وعصمته بالملائكة.(3)

- تفجر الماء من تحت اخفاف بعير عبد المطلب في الارض الجرز.(4)

29.الشافي في الامامة/لابي القاسم علي بن الحسين الشريف المرتضى (ت436ﻫ )

نقل عنه:

- رضا عمر ببيعة ابي بكر لاتعني اعتقاده بصوابها.(5)

- مناقشة عمر في قوله كيف يموت الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) ولم يظهر على الدين كله.(6)

- كلام القاضي عبد الجبار على دفع ما تعلق به الناس على عثمان من الاحداث ورد المرتضى على ما أورده القاضي من الدفاع عن عثمان.(7)

- بقية رد الشريف المرتضى على ما أورده القاضي عبد الجبار من الدفاع عن عثمان. (8)

- ذكر ما طعن به على عمر ورد المرتضى على القاضي عبد الجبار في كتاب المغني.(9)

- استدلال القاضي عبد الجبار على امامة ابي بكر ورد المرتضى عليها.(10)

-رد المرتضى على قاضي القضاة عبد الجبار وما اعترضه به في ان النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) هل يُوَرِّث ام لا ؟ (11)

- رد المرتضى على قاضي القضاة في موضوع فدك وانها نحله رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) لفاطمة.(12)

- مطاعن الشيعة في امامة ابي بكر وجواب قاضي القضاة عنها واعتراض المرتضى على قاضي القضاة.(13)

ص: 70


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 13 / 214.
2- م. ن./ 14 / 52.
3- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 13 / 201.
4- م. ن. / 15 / 228.
5- م. ن./ 2 / 27.
6- م. ن./ 2 / 41.
7- م. ن./ 2 / 324 – 328.
8- م. ن./ 3 / 4 – 69.
9- م. ن. / 12 / 195 – 289.
10- م. ن./ 13 / 184 – 192.
11- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 16 / 237 – 243.
12- م. ن. / 16 / 268 – 286.
13- م. ن. / 17 / 154 – 216.

30. صفين/لابي الفضل نصر بن مزاحم المنقري التميمي الكوفي العطار(ت212ﻫ )

نقل عنه:

-من اشعار صفين التي تتضمن تسمية علي بالوصي.(1)

- من حديث السقيفة.(2)

- قدوم عمرو بن العاص على معاوية بالشام ومعاوية يستعد للحرب.(3)

- امر الناس بعد وقعة النهروان.(4)

- قصة التحكيم وظهور الخوارج.(5)

-بيعة جرير بن عبد الله البجلي.(6)

- اخبار متفرقة عن مقتل عثمان ووصول الخبر الى الشام.(7)

- قدوم عبيد الله بن عمر على معاوية بالشام وقدوم علي من البصرة الى الكوفة.(8)

-مفارقة جرير بن عبد الله البجلي لعلي.(9)

- ادعية علي عند خروجه من الكوفة لحرب معاوية وكلامه حين نزل بكربلاء ومراسلاته لاصحابه وعماله.(10)

- كتاب محمد بن ابي بكر الى معاوية وجوابه عليه.(11)

- مراسلات علي لعماله واصحابه.(12)

- اخبار علي في جيشه وهو في طريقه الى صفين.(13)

- غلبة معاوية على الماء بصفين ثم غلبة علي عليه بعد ذلك.(14)

- من اخبار يوم صفين.(15)

ص: 71


1- م. ن. / 1 / 147 – 148.
2- م. ن./ 2 / 22.
3- م. ن. / 2 / 64 – 73.
4- م. ن. / 3 / 193 – 194.
5- م. ن. / 2 / 206 – 259.
6- م. ن. / 3 / 70 – 87.
7- م. ن./ 3 / 91 – 93.
8- م. ن./ 3 / 100- 113.
9- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 3 / 115 – 117.
10- م. ن. / 3 / 166 –187.
11- م. ن. / 3 / 188.
12- م. ن. / 3 / 191 – 196.
13- م. ن./ 3 / 202 –215 .
14- م. ن. / 3 / 312 – 331.
15- م. ن./ 4 / 14 – 32، 5/ 175 – 219، 5/ 222-253.

- حوار مع عمار بن ياسر في صفين.(1)

- امر عمرو بن العاص في صفين.(2)

- عود الى اخبار صفين.(3)

-كتاب من معاوية الى علي يحمله ابو مسلم الخولاني.(4)

- كتاب من علي الى معاوية وجواب معاوية.(5)

- ذكر ما كان بين علي ومعاوية يوم صفين.(6)

-كتاب من علي الى عمرو بن العاص.(7)

31. طبقات الشعراء / لابي عبد الله محمد بن سلام الجمحي (ت 232ﻫ )

نقل عنه:

-حوار بين الحطيئة وسعيد بن العاص حول اشعر الشعراء.(8)

- الاحتجاج للنابغة بانه احسن الشعراء ديباجة.(9)

- علماء البصرة يقدمون امرأ القيس على الشعراء كلهم.(10)

32. طبقات الصحابة / لابي عبد الله محمد بن سعد الزهري (ت 230 ﻫ )

نقل عنه:

-كلام لعمر بن الخطاب.(11)

-كلام لعمر بن الخطاب عن مستحقات الخليفة من اموال المسلمين واخبار اخرى عنه.(12)

33. العباسية / لابي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت255ﻫ )

نقل عنه:

-زعم الناس ان الدليل على صدق خبرهما – يعني ابا بكر وعمر – في منع ميراث النبي وبراءة ساحتهما،ترك اصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) النكير عليهما.(13)

34. العثمانية / لابي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت255ﻫ )

ص: 72


1- م. ن./ 5 / 256 – 258.
2- م. ن./ 6 / 312.
3- م. ن. /10-102.
4- م. ن. / 15 / 73.
5- م. ن. / 15 / 86.
6- م. ن./ 15 / 120 – 124.
7- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 16 / 163.
8- م. ن / 20 / 157.
9- م. ن. / 2 / 165.
10- م. ن. / 20 / 168.
11- م. ن. / 12 / 38.
12- م. ن./ 12 / 219 – 220.
13- م. ن. / 16 / 263 – 264.

نقل عنه:

-القول في اسلام ابي بكر وعلي وخصائص كل منها.(1)

- ملخص ما ذكره الجاحظ في كتابه في تفضيل اسلام ابي بكر على اسلام علي واعتراض ابي جعفر الاسكافي عليه.(2)

- ابو جعفر الاسكافي ينقض كتاب العثمانية. (3)

35. عيون الاخبار / لابي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدنيوري (ت 276ﻫ )

نقل عنه:

-عرار بن ادهم من اهل الشام يطلب المبارزة من العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب.(4)

- اخبار الجبناء وذكر نوادرهم.(5)

- كلام مروي عن علي في ذكر القرآن.(6)

- قصة فيروز بن يزدجرد حين غزا ملك الهياطلة.(7)

- ذكر نبذ مما قيل في المروءة.(8)

- المنصور العباسي يطوف بالبيت الحرام ليلاً.(9)

- كلمه مروية عن عمر بن الخطاب.(10)

36. الغارات / لابي اسحاق ابراهيم بن سعيد بن هلال الثقفي الكوفي (ت 283 ﻫ )

نقل عنه:

-غارة بسر بن ارطاة على الحجاز واليمن.(11)

-غارة سفيان بن عوف الغامدي على الانبار.(12)

- غارة الضحاك بن قيس ونتف من اخباره.(13)

- الاخبار الواردة عن معرفة علي بالامور الغيبية.(14)

ص: 73


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 13 / 215.
2- م. ن. / 13 / 215 – 295.
3- م. ن. / 17 / 133.
4- م. ن. / 5 / 219.
5- م. ن./ 6 / 107 –111.
6- م. ن./ 10 / 20.
7- م. ن./ 15 / 107 – 111.
8- م. ن./ 18 / 128.
9- م. ن./ 18 / 144 – 148.
10- م. ن. / 19 / 271.
11- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 2 / 6 – 16.
12- م. ن./ 2 / 85 – 90.
13- م. ن. / 2 / 113 – 122.
14- م. ن. / 4 / 286.

- حوار بين علي وميثم التمار وقصة مقتله.(1)

- مقتل رشيد الهجري.(2)

- امر النعمان بن بشير مع علي ومالك بن كعب الارحبي.(3)

- خبر بني ناجية مع علي.(4)

- قوم من الانصار يسلمون على عليّ بالولاية.(5)

- فتنة عبد الله بن الحضرمي بالبصرة.(6)

- ذكر المغيرة بن شعبة عند علي وجدّه مع معاوية وتعليق علي.(7)

- بعض من فارق عليا والتحق بمعاوية.(8)

- حديث السب والبراءة من علي.(9)

- حديث لرسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) عن معاوية.(10)

- امر الذين ولاهم علي على مصر.(11)

- من كلام علي بعد النهروان.(12)

-الحسن ينهى علياً عن المسير الى البصرة وعلي ينكر عليه ذلك. (13)

37. الكامل / لابي العباس محمد بن يزيد المبرد الازدي (ت 286ﻫ )

نقل عنه:

- ابو بكر في مرضه الذي مات فيه يحاور عبد الرحمن بن عوف.(14)

- معاوية يعطي مصر لعمرو بن العاص بشروط امضاهاً عليه.(15)

- خطبة مشهورة لعلي في الجهاد.(16)

ص: 74


1- م. ن. / 2 / 291.
2- م. ن. / 2 / 294.
3- م. ن. / 2 / 301 – 305.
4- م. ن. / 3 / 127 – 151.
5- م. ن./ 3 / 208.
6- م. ن./ 4 / 34 – 53.
7- م. ن. / 4 / 80.
8- م. ن./ 4 / 83 – 100.
9- م. ن. / 4 / 106.
10- م. ن./ 4 / 108.
11- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 6 / 56 – 100.
12- م. ن./6 / 136.
13- م. ن. / 7 / 46.
14- م. ن./ 2 / 45.
15- م. ن./ 2 / 67.
16- م. ن./ 2 / 80-85.

- من اخبار يوم النهروان.(1)

- اول من لفظ بالحكومة واول من حكم بين الصفين واخبار اخرى عن خروج الخوارج الى النهروان.(2)

- علي يرسل جرير بن عبد الله البجلي الى معاوية.(3)

- خالد بن عبد الله القسري يلعن علياً على المنبر في خلافة هشام.(4)

- مقاتلة المهلب للخوارج واتصاله بمصعب بن الزبير واخبار مصعب في قتاله.(5)

- اخبار قطري بن الفجاءة.(6)

- خالد بن عبد الله بن اسيد يدخل البصرة واخباره مع قطري.(7)

-كعب بن معدان الاشقري يصف للحجاج ابناء المهلب.(8)

-كتاب المهلب الى الحجاج يبشره بالنصر.(9)

- اخبار الخوارج وذكر رجالهم وحروبهم.(10)

- اخبار (النابغة ) ام عمرو بن العاص.(11)

- عمر بن عبد العزيز كتب في اشخاص اياس بن معاوية المزني وعدي بن أرطاة الفزاري اليه.(12)

- اخبار علي لعبد الله بن عباس بانتقال الامر الى ولده.(13)

- وصية علي بن الحسين لابنه محمد الباقر حين حضرته الوفاة.(14)

- شبل مولى بني هاشم يحرض السفاح على استئصال بني امية.(15)

- دخول علي بن عبد الله بن العباس على هشام ومعه حفيداه ابو العباس وابو

ص: 75


1- م. ن./ /2 / 272 – 274.
2- م. ن./ /2 / 277 – 282.
3- م. ن./ 3 / 88 –89.
4- م. ن./ 4 / 57.
5- م. ن./ 4 / 159 – 167.
6- م. ن. / 4 / 167 – 169.
7- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة 4 / 171.
8- م. ن. / 4 / 213 – 214.
9- م. ن. / 4 / 220.
10- م. ن. / 5 / 80 – 106.
11- م. ن./ 6 / 284.
12- م. ن. / 6 / 361.
13- م. ن./ 7 / 50.
14- م. ن. / 7 / 108.
15- م. ن. / 7 / 127.

جعفر.(1)

- نسب ثقيف وطرف من اخبارهم.(2)

- دخول علي على عثمان وخلوتهما.(3)

- خبر عن عمر بن الخطاب.(4)

- خطبة اعرابي في حلقة يونس النحوي وهي من الطرائف.(5)

- علي يتمثل بشعر عند قبر فاطمة.(6)

-خطبة اعرابي بالبادية تمثل فيها باقوال علي.(7)

- رسالة عمر لابي موسى الاشعري لما استعمله قاضيا وبعثه الى العراق.(8)

- حوار بين معاوية والاحنف بن قيس واخرين،احفظهم فردوا علية ردا مقذعا.(9)

-من وصايا علي بن الحسين لابنه محمد الباقر.(10)

- حكاية في مجلس قتيبة بن مسلم الباهلي.(11)

- اقوال مروية عن جعفر بن محمد الصادق في مدح العقل.(12)

- حكاية عن رجل من اهل الشام مع الحسن المثنى بن الحسن بن علي.(13)

- استشهاد عقبة بن عياض بن تميم وتعزية ابيه به.(14)

- حكاية ابي الربيع الغنوي مع الجاحظ.(15)

- حكاية عروة بن الزبير مع عبد الملك.(16)

38- الكامل في التاريخ / لعز الدين ابي الحسن علي بن محمد بن عبد الكريم بن الاثير الشيباني الجزري الموصلي (ت 630 ﻫ )

ص: 76


1- م. ن. / 7 / 147.
2- م. ن. / 8 / 304.
3- م. ن. / 9 / 14.
4- م. ن. / 1- / 121.
5- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 10 / 125.
6- م. ن./ 10 / 288.
7- م. ن. / 11 /3.
8- م. ن. / 12 / 91.
9- م. ن. / 15 / 133.
10- م. ن. / 16 / 108.
11- م. ن. / 18 / 152 – 154.
12- م. ن. / 18 / 185 – 187.
13- م. ن. / 18 / 378.
14- م. ن. / 19 / 192.
15- م. ن. / 19 / 356.
16- م. ن. / 20 / 139.

نقل عنه:

ان الانصار لما فاتها ما طلبته من الخلافة قالت او قال بعضها لانبايع الاعلياً.(1)

39- كتاب سليم بن قيس / لسليم بن قيس الهلالي العامري الكوفي ( كان موجودا سنة 95 ﻫ )

نقل عنه:

-رواية سليم بن قيس الكوفي في الخمس وتفنيد ابن ابي الحديد لها.(2)

40- المجمل / لابي الحسين احمد بن فارس القزويني الرازي (ت 395ﻫ )

نقل عنه:

-كانت صغريات علي في الحرب ابكاراً.(3)

41- مروج الذهب / لابي الحسن علي بن الحسين المسعودي (ت 436ﻫ )

نقل عنه:

-اخبار متفرقة في انتقال الملك من بني امية الى بني العباس.(4)

- علي بن محمد صاحب الزنج لم يكن طالبياً.(5)

- وقعة البصرة هلك فيها ثلثمائة الف انسان.(6)

- (الناجم ) ارتث وحمل الى ابي احمد وهو حي فسلمه الى ابنه ابي العباس وامر بتعذيبه.(7)

- المسعودي هو الوحيد الذي ذكر ( التتر ) بهذا اللفظ.(8)

- من اخبار عبد الله بن الزبير.(9)

42- المسترشد في الامامة / لابي جعفر محمد بن جرير الطبري الاملي (الشيعي ) (ت 485ﻫ )

نقل عنه:

-اخبار عن عمر غريبة رواها هذا الكتاب ومؤلفه هو ليس محمد بن جرير الطبري الاملي (صاحب التاريخ ) بل هو من رجال الشيعة وامه من بني جرير من مدينه آمل بطبرستان.(10)

- ان عثمان والد ابي بكر الصديق كان ناكحاً ام الخير ابنة اخته،

ص: 77


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 2 / 22.
2- م. ن. / 12 / 216 – 217.
3- م. ن. / 1 / 50.
4- م. ن. / 7 / 128 – 132.
5- م. ن. / 8 / 128.
6- م. ن. / 8 / 149.
7- م. ن. / 8 / 211.
8- م. ن. / 8 / 219.
9- م. ن. / 20 / 143 – 148.
10- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 20 / 36.

ورد ابن ابي الحديد مكذباً.(1)

43- المصارف/ لابي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدنيوري (ت276 ﻫ )

نقل عنه:

-قوة علي بن ابي طالب يضرب بها المثل.(2)

-نسب جرير بن عبد الله البجلي وبعض اخباره.(3)

- من اخبار ابي هريرة وافعاله.(4)

- علي اسبق الناس الى الايمان.(5)

- ابو الغادية يحدث عن نفسه بقتل عمار بن ياسر.(6)

- كان عمر يبغض المهاجر بن خالد بن الوليد لبغضه اباه خالداً ولأن المهاجر كان علوي الرأي جداً.(7)

- علي يدعو على انس بن ملك بالبرص فيصاب به.(8)

44- المغازي / لابي محمد موسى بن عقبة الاسدي (ت 141ﻫ )

نقل عنه:

-ابو بكر لم يكن في جيش اسامه.(9)

45- المغازي (10) / لمحمد بن اسحاق بن يسار المطلبي (ت 151ﻫ )

نقل عنه:

-خبر عمارة بن الوليد وعمرو بن العاص في الحبشه.(11)

- امر عمرو بن العاص وجعفر بن ابي طالب في الحبشه.(12)

- القول في اسلام عمرو بن العاص.(13)

- مبارزة علي لعمرو بن عبد ود العامري وما قيل فيها.(14)

- لم يخبر رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) احداً بالهجرة

ص: 78


1- م. ن. / 20 / 69 – 70.
2- م. ن./ 1 / 21.
3- م. ن. / 3 / 117.
4- م. ن. / 4 / 69.
5- م. ن. / 4 / 122.
6- م. ن. / 10 / 105.
7- م. ن. / 11/ 69.
8- م. ن. / 19 / 218.
9- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 17 / 183.
10- وو غير كتاب السيرة والمغازي للمؤلف نفسه.
11- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 6 / 304.
12- م. ن. / 6 / 307.
13- م. ن. / 6 / 318.
14- م. ن. / 13 / 288.

الا علياً وابا بكر.(1)

- قصة غزوة بدر.(2)

- دين ابي لهب علي العاص بن هشام اربعة الاف درهم فمطله بها وافلس.(3)

- بنو عفراء وعبد الله بن رواحه برزوا الى عتبة وشيبة والوليد فلم يقبلوا مبارزتهم. (4)

-الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) ينادي قتلى بدر باسمائهم.(5)

- ابو العاص بن الربيع زوج زينب بنت رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) يثبت على شركه.(6)

- علي يأسر عمرو بن ابي سفيان في معركة بدر.(7)

- مربع بن قيظي يمنع الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) من اجتياز حائطه.(8)

- علي يحارب بين يدي رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) والرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) يقول له اكفني هذه الكتائب.(9)

- هند تتشفى بقتلى المسلمين في احد وتقول شعراً.(10)

- زوجة مصعب بن عمير تبكي زوجها.(11)

- هند تاتي رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وتبايعه.(12)

- قصة غزوة الخندق.(13)

46- المغازي / لابي عبد الله محمد بن عمر الواقدي (ت 207ﻫ )

نقل عنه:

-علي يقتل نصف قتلى بدر.(14)

- قصة عزوة بدر.(15)

ص: 79


1- م. ن. / 13 / 303.
2- م. ن. / 14 / 84.
3- م. ن. / 14 / 96.
4- م. ن. / 14 / 128.
5- م. ن. / 14 / 178.
6- م. ن. / 14 / 189.
7- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 14 / 200.
8- م. ن. / 14 / 229.
9- م. ن. / 14 / 251.
10- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 15 / 13.
11- م. ن. / 15 / 18.
12- م. ن. / 18 / 16.
13- م. ن. / 18 / 62.
14- م. ن. / 1 / 40.
15- م. ن. / 14 / 84 – 157.

- القول في نزول الملائكة يوم بدر ومحاربتها المشركين.(1)

- القول فيما جرى في الغنيمة والاسارى بعد هزيمة قريش ورجوعها الى مكة.(2)

- القول في تفصيل اسماء اسرى بدر ومن أسرهم.(3)

- القول في المطعمين في بدر من المشركين.(4)

- القول فيمن استشهد من المسلمين في بدر.(5)

- القول فيمن قتل ببدر من المشركين واسماء قاتليهم.(6)

-القول فيمن شهد بدرا من المسلمين.(7)

- قصة غزوة احد.(8)

- اسماء الذين تعاقدوا من قريش على قتل رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وما اصابوه به في معركة احد.(9)

- القول في نزول الملائكة في احد.(10)

- القول في مقتل حمزة بن عبد المطلب.(11)

- القول فيمن ثبت مع رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) يوم احد.(12)

- القول فيما جرى للمسلمين بعد اصعادهم الجبل.(13)

-القول فيما جرى للمشركين بعد انصرافهم الى مكة.(14)

- مقتل ابي عزة الجمحي ومعاوية بن المغيرة بن ابي العاص.(15)

- مقتل المجذر بن ذياد البلوي والحارث بن يزيد بن الصامت.(16)

ص: 80


1- م. ن. / 14 / 153.
2- م. ن. / 14 / 165 – 199.
3- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 14 / 199 – 205.
4- م. ن. / 14 / 205.
5- م. ن. / 14 / 207.
6- م. ن. / 14 / 208.
7- م. ن. / 14 / 212.
8- م. ن. / 14 / 213 – 281.
9- م. ن. / 15 / 3-9.
10- م. ن. / 15 / 10.
11- م. ن. / 15 / 11.
12- م. ن. / 15 / 19.
13- م. ن. / 15 / 25.
14- م. ن. / 15 / 44.
15- م. ن. / 15 / 45.
16- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 15 / 48.

- القول فيمن مات من المسلمين باحد.(1)

- القول فيمن قتل من المشركين باحد.(2)

-خروج النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) بعد انصرافه من احد الى المشركين ليوقع بهم على ما هو به من الوهن.(3)

-شرح غزاة مؤتة.(4)

- مفاخرة بين عبد الله بن جعفر ويزيد بن معاوية.(5)

- ابو بكر لم يكن في جيش اسامة.(6)

- اخبار فتح مكة.(7)

- قصة غزوة الخندق.(8)

47- مقاتل الطالبين / لابي الفرج علي بن الحسين الاصفهاني الاموي البغدادي (ت 256ﻫ )

نقل عنه:

-نسب فاطمة بنت اسد ام علي بن ابي طالب.(9)

- مكان دفن علي.(10)

- بعض مناقب جعفر بن ابي طالب.(11)

-ماجرى بين يحيى بن عبد الله وبين ابن مصعب عند الرشيد.(12)

48- المنتظم في تاريخ الملوك والامم (13) / لابي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي البغدادي (ت 597ﻫ )

نقل عنه:

- محاورة بين الشيخ ابي اسحاق ابراهيم بن أحمد بن محمد الطبري الفقيه المالكي وبين الشريف الرضي والشيخ ابو اسحاق ينحل داره بالكرخ الى الشريف الرضي فيقبلها. (14)

ص: 81


1- م. ن. / 15 / 51.
2- م. ن. / 15.
3- م. ن. / 15.
4- م. ن./ 15 / 61 – 71.
5- م. ن. / 15 / 229.
6- م. ن. / 17 / 182.
7- م. ن. / 17 / 257 – 284.
8- م. ن. / 19 / 62 –64.
9- م. ن. / 1 / 14.
10- م. ن. 1 / 16.
11- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة/ 15 / 72.
12- م. ن. / 19 / 91-94.
13- ذكره ابن ابي الحديد بأسم: تاريخ ابن الجوزي.
14- م.ن. / 1 / 34.

-علي اشرف الخلق بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وعلي لم تزنه الخلافة ولكنه زانها.(1)

-ابو الفتوح احمد بن محمد الغزالي الواعظ (اخو حجة الاسلام ابي حامد الغزالي ) يتعصب لابليس ويقول عنه انه سيد الموحدين،وكان هذا النمط من كلامه ينفق على اهل بغداد وصار له بينهم صيتٌ مشهور واسم كبير.(2)

- اهل الكوفة يحصبون زياداً وهو يخطب على المنبر وزياد يقطع ايدي ثمانين منهم. (3)

- رواية ابي الغنائم محمد بن علي بن ميمون النرسي عن قبر علي ومكانه.(4)

49- الموفقيات / لابي عبد الله الزبير بن بكار بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام (ت 256ﻫ )

نقل عنه:

-علي يسير الى البصره ويبعث عبد الله بن عباس الى الزبير يعاتبه.(5)

- الحسن البصري يقول عن معاوية أن فيه اربع خصال لو لم يكن فيه الا واحدة لكانت موبقة.(6)

- محاورة بين ابن عباس وابي موسى الاشعري.(7)

- يزيد بن حجية التميمي يشهد الجمل وصفين والنهروان مع علي وعلي يولّيهِ الري ودستبى فيسرق اموالها ويلحق بمعاوية ويهجو عليا واصحابه ويمدح معاوية واصحابه.(8)

- حديث عن معاوية يشعر بكفره.(9)

- امر المهاجرين والانصار بعد بيعة ابي بكر.(10)

- جارية لعبد الرحمن بن عمر بن الخطاب تشكوه عند عمر.(11)

- خطبة عثمان عندما بنى دارا بالمدينة واكثر الناس عليه في ذلك.(12)

ص: 82


1- م.ن. / 1 / 52.
2- م. ن. / 1 / 107 – 108.
3- م. ن. / 3 / 199.
4- م. ن. / 6 / 122.
5- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 2 / 169.
6- م. ن. / 2 / 262.
7- م. ن. / 2 / 262.
8- م. ن. / 5 / 129.
9- م. ن. / 6 / 17 – 38.
10- م. ن. / 6 / 17 – 38.
11- م. ن. / 6 / 342.
12- م. ن. / 9 / 6 – 14.

- حوار بين عثمان وأبن عباس وعثمان يغمز من قناة علي واصحابه.(1)

-حوار بين عثمان والعباس ويشكو عليا لعمه.(2)

- عثمان يضرب عليا بالقضيب.(3)

- اخبار مما شجر بين عثمان وعلي.(4)

- فصل فيما شجر بين عثمان وابن عباس من كلام بحضرةعلي.(5)

- معاوية لم يكن لينجذب الى طاعة علي ابداً ولا يعطيه البيعة وان مضادته له ومباينته اياه كمضاد السواد للبياض لايجتمعان ابداً.(6)

- حوار بين عمر وعبد الله بن عباس حول مظلومية علي.(7)

- حوار بين عمر وابن عباس.(8)

- حوار بين عمر والمغيرة بن شعبة وينتقد بني امية.(9)

- كلام بين ابي بكر وقيس بن عاصم المنقري عن وأد البنات.(10)

- جرير بن عبد الله البجلي عند معاوية.(11)

- طرف من اخبار عمر بن عبد العزيز ونزاهته في خلافته.(12)

50. نثر الدرر في المحاضرات / لزين الكفاة الوزير أبو سعد المنصور بن الحسين الآبي الرازي (ت 421ﻫ )

نقل عنه:

-حمل راس صاحب الزنج ودخل به المعتضد الى بغداد في جيش لم ير مثله.(13)

- عثمان يحاور ابن عباس ويقول له ما اصنع ان كانت قريش لاتحبكم وقد قتلتم منهم يوم بدر سبعين كأنّ وجوههم شنوف الذهب.(14)

51. نشوار المحاضرة في اخبار المذاكرة / لابي علي المحسن بن علي القاضي البصري التنوخي (ت 384ﻫ )

ص: 83


1- م. ن. / 9 / 10.
2- م. ن. / 9 / 13.
3- م. ن. / 9 / 16.
4- م. ن. / 9/16-18.
5- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 9 / 18.
6- م. ن. / 10 / 233.
7- م. ن. / 12 / 46.
8- م. ن. / 12 / 50
9- م. ن. / 12 / 82.
10- م. ن. / 13 / 177.
11- م. ن./ 14 / 38.
12- م. ن. / 17 / 98.
13- م. ن. / 8 / 212.
14- م. ن. / 9 / 22.

نقل عنه:

-كان الزنج يصيحون لما رُمِيَ ابو احمد بالسهم وتأخّر عن الحرب لعلاج جراحه: ملِّحوهُ ملِّحوهُ،أي انه مات وانتم تكتمون موته فاجعلوه كاللحم المكسود.(1)

52. نقض العثمانية / لابي جعفر محمد بن عبد الله الاسكافي البغدادي المعتزلي (ت 240ﻫ )

نقل عنه:

-اجتماع الصحابة في مسجد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) بعد قتل عثمان للنظر في امر الامامة.(2)

-كلام للزبير يدل على انحراف شديد ورجوع عن موالاة علي.(3)

- اسلام ابي بكر وعمر وخصائص كل منهما.(4)

- مناقضة الجاحظ في كثير من ارائه.(5)

- الجاحظ وابو جعفر الاسكافي.(6)

2. المصادر المخطوطة

1.الامالي / لابي بكر محمد بن القاسم الانباري ( ت 328ﻫ )

نقل عنه:

-شعر لأعشى همدان قاله الحجاج له يوم قتله.(7)

- عبد الرحمن بن خالد بن الوليد يحضر الحكومة ويرى ابن عباس يقعد بجانب ابي موسى فيفسد علية تفكيره.(8)

- علي يقوم من مجلس عمر واحد الجالسين يعرّض به وعمر يمدحه.(9)

2.الامالي / لابي بكر محمد بن الحسين بن دريد الازدي (ت 320ﻫ )

نقل عنه:

-فرس تعرض على معاوية وعبد الله بن الحكم بن ابي العاص يغمز من قناته فيرد عليه معاوية بجفاء.(10)

ص: 84


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 8 / 212.
2- م. ن. / 7 / 36 – 43.
3- م. ن. / 11 / 4.
4- م. ن. / 13 / 215.
5- م. ن. / 13 / 295.
6- م. ن. / 17 / 133.
7- م. ن. / 1 / 320.
8- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 2 / 261.
9- م. ن. / 12 / 82.
10- م. ن. / 5 / 24.

-وصف لمجلس علي في شهر رمضان وهو يعشي الناس باللحم لكنه لا ياكل معهم.(1)

3.التاريخ / لغرس النعمه ابي الحسين محمد بن هلال الصابي الحراني (ت 480ﻫ )

نقل عنه:

-القادر بالله يحضر الطاهر أبا احمد الموسوي وابنه ابا القاسم الشريف المرتضى الى مجلسه مع جماعة من القضاة والشهود والفقهاء.(2)

4.الجمع بين الغريبين / لابي عبيد احمد بن محمد الهروي (ت 401 ﻫ )

نقل عنه:

-شرح قول علي (( وان نمنعه نركب اعجاز الابل )).(3)

- شرح قول علي (( انا قسيم الجنة والنار )).(4)

5.الكنى/لابي احمد محمد بن محمد الحاكم الحافظ النيسابوري الكرابيسي (ت 378ﻫ )

نقل عنه:

-عبد الله بن الزبير كان يكنى ب-( ابي بكير).(5)

6.منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة / لقطب الدين ابي الحسن سعيد بن هبة الله الراوندي ( ت573 ﻫ )

نقل عنه:

-شرح قول علي (خيرُ دارٍ ):الكوفة وقيل الشام لانها الارض المقدسة.(6)

- عمر يقول:كونوا مع الثلاثة التي عبد الرحمن فيها وابن عباس يقول لعلي: ذهب الامر منا، الرجل يريد ان يكون الامر في عثمان.(7)

- بنو فراس بن غنم هم الروم.(8)

- صفية بنت عبد المطلب اعتقت عبيدا ثم ماتت ثم مات العبيد ولم يخلفوا وارثا الا مواليهم فطلب عليٌ ميراث العبيد بحق التعصيب وطلبهُ الزبير بحق الارث من امه وتحاكما الى عمر فقضى عمر بالميراث للزبير.(9)

- كان امير المؤمنين قد تزوج في بني اسد.(10)

ص: 85


1- م. ن. / 20 / 153.
2- م. ن. / 1 / 37.
3- م. ن. / 1 / 195.، 18 / 132.
4- م. ن. / 9 / 165، 19 / 139.
5- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 20 / 102.
6- م. ن. / 1 / 137.
7- م. ن. / 1 / 189.
8- م. ن. / 1 / 348
9- م. ن./ 2 / 164.
10- م. ن./ 9 / 242.
3. المصادر المفقودة

1.الابواب / لابي سهيل عباد بن سليمان الصيمري البصري (ت 385 ﻫ )

نقل عنه:

-الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) لم يدفع بسورة براءة الى ابي بكر ثم اتبعه عليا ليأخذها منه بل انفذ ابا بكر بالحجيج ثم اتبعه عليا ومعه تسع ايات من براءة وقد امره ان يقرأها على الناس ويؤذنهم بنقض العهد وقطع الدنية.(1)

2.الاحداث / لابي الحسن علي بن محمد بن ابي سيف المدائني (ت 225ﻫ )

نقل عنه:

-معاوية يكتب الى عماله بعد عام الجماعة: برأت الذمة ممن يروي شيئا من فضل ابي تراب واهل بيته.(2)

3. اخبار صفين / لابي المنذر هشام بن محمد الكلبي ( ت402ﻫ )

نقل عنه:

-بسر بن ارطاة بارز عليا يوم صفين فطعنه علي فصرعهُ فانكشف له فكف عنه كما عرض له مثل ذلك مع عمرو بن العاص.(3)

4.اخبار الملوك / لابي الفضل احمد بن ابي طاهر بن طيفور البغدادي (ت 280ﻫ )

نقل عنه:

-معاوية يعلّق على الاذان بقولهِ: لله ابوك يابن عبد الله لقد كنت عالي الهمة مارضيت لنفسك الا ان يقرن اسمك باسم رب العالمين.(4)

5. اراء العرب واديانها /لابي عبد الله الحسين بن محمد الخالع الرافقي (ت 422ﻫ )(5)

نقل عنه:

-ابيات لجريبة بن الاشيم الفقعسي مخاطبا ابنه ويطلب منه ان يعقر مطيته على قبره بعد موته.(6)

6.افتراق هاشم وعبد شمس / لابي الحسن محمد بن علي بن ابي رؤبة الدباس (ت 302ﻫ ).(7)

نقل عنه:

-كان بنو نوفل يداً مع عبد شمس وعبد المطلب يداً مع هاشم.(8)

ص: 86


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 17 / 200.
2- م. ن. / 11 / 44.
3- م. ن. / 6 / 316.
4- م. ن. / 10 / 101.
5- م ن / يشير ابن ابي الحديد الى هذا الكتاب بقوله " ذكر الخالع في كتابه في اراء العرب واديانها ".
6- ابن ابي الحديد شرح نهج البلاغة / 19 / 388.
7- ان ابن ابي الحديد يسميه في بعض المواضع: هاشم وعبد شمس / 15 / 232.
8- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 15 / 232.

- كان بنو امية في ملكهم يؤذنون ويقيمون في العيد ويخطبون بعد الصلاة وكانوا في سائر صلواتهم لايجهرون بالتكبير في الركوع والسجود ويخطبون قاعدين.(1)

7.الاكلة / لابي الحسن علي بن محمد المدائني ( ت 225 ﻫ )

نقل عنه:

-كان معاوية موصوفا بكثرة الاكل يأكل في اليوم اربع اكلات اخراهن عظماهن.(2)

8.الامالي / لابي عبد الله محمد بن زياد ابن الاعرابي (ت 231ﻫ )

نقل عنه:

-حكاية عقال بن شبه بن عقال المجاشعي مع ابن عنبس.(3)

9.الأمالي / لابي احمد الحسين بن عبد الله العسكري (ت 382 ﻫ )

نقل عنه:

-خطبة للحجاج بن يوسف في الوعظ.(4)

- دخول سعد بن ابي وقاص على معاوية عام الجماعة.(5)

10.الأمالي / لابي جعفر محمد بن حبيب الهاشمي البغدادي (ت 245ﻫ )

نقل عنه:

-حوار بين عمر وابن عباس وعمر يغمز من قناة علي.(6)

- عمر يستشير كعب الاحبار في استخلاف علي.(7)

- علي والعباس يتوليان غسل النبي.(8)

- الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) يروي قصة عن طفولته.(9)

- بكاء ابي طالب حين رؤيته لرسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم).(10)

-كثرت كتائب المشركين على النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) حين فر اصحابه في احد.(11)

- الحسن بن علي يحجُ خمس عشرة مرة ماشياً وتقاد الجنائب معه.(12)

ص: 87


1- م. ن. / 15 / 240.
2- م. ن. / 18 / 398.
3- م. ن. / 5 / 30.
4- م. ن. / 2 / 103.
5- م. ن. / 2 / 263.
6- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 12 /80.
7- م . ن. / 12 / 81.
8- م. ن. / 13 / 42.
9- م. ن. / 13 / 208.
10- م. ن. / 14 / 64.
11- م. ن./ 14 / 250.
12- م. ن. / 16 / 10.

- الحسن يكرم شاعراً فيتعجب احد جلسائه.(1)

- اول ذل دخل على العرب موت الحسن.(2)

11.الامثال / لابي الحسن علي بن محمد بن سيف المدائني (ت 225ﻫ )

نقل عنه:

-الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) يخرج مع علي وابي بكر يعرض نفسه على قبيلة ربيعة.(3)

12.امهات الخلفاء / لابي الحسن علي بن محمد بن سيف المدائني (ت 225 ﻫ )

نقل عنه:

-عمر يصعد المنبر ويذم الشعراء الذين يعيبون الناس ويثلبونهم في انسابهم.(4)

13.الانساب (5)/ لابي عبيدة معمر بن المثنى التيمي البصري (ت 209ﻫ )

نقل عنه:

-يوم ولادة عمرو بن العاص اختصم فيه رجلان:ابو سفيان بن حرب والعاص بن وائل فقيل:لتحكم امه،فقالت امه (النابغة )انه من العاص بن وائل.(6)

21.الانصاف / لابي جعفر محمد بن عبد الرحمن بن قبّة ( من رجال القرن الرابع الهجري ). (7)

نقل عنه:

ص: 88


1- م. ن. / 16 / 10.
2- م. ن. / 16 / 10.
3- م. ن. / 4 / 126.
4- م. ن. / 11 / 69.
5- يرى بعض المؤرخين ان هذا الكتاب اسمه ( الانسان) الا ان المرجح انه ( الانساب) كما ذكره ابن ابي الحديد لانه تقل عنه نصا في النسب انظر: - 14.الحموي / معجم الادباء ( ارشاد الاريب الى معرفة الاديب) دار المأمون / القاهرة 1355ﻫ – 1936 م / 19 / 161. 15.-ابن خلكان / الوفيات / 5 / 239. 16.-ابو عبيدة ( معمر بن المثنى التيمي البصري / العققة والبررة / ت. عبد السلام محمد هارون / م لجنة التاليف والترجمة والنشر / القاهرة / 1373ﻫ – 1954م. 17.رسالة منشورة ضمن نوادر المخطوطات / م2 / 339.. 18.ويقول المرحوم: أ. د. ناصر حلاوي: " ان ابا عبيدة لم يترك كتابا بأسم " الانساب" 19.انظر: 20.-أبو عبيدة: تسمية ازواج النبي واولاده، مقدمة المحقق / ت د. ناصر حلاوي. مطبعة حداد / البصرة / 1969.
6- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 6 / 284.
7- ابن النديم ( ابو الفرج محمد بن اسحاق) الفهرست / ص 176 / تحقيق رضا تجدد بن علي الحائري المازندراني / طهران 1391ﻫ – 1971، وساشير اليه فيما يأتي من الهوامش ب- ( ابن النديم).

-ذكر اجزاء عديدة من الخطبة الشقشقية،وابو جعفر من تلامذة ابي القاسم البلخي ومات في ذلك العصر قبل ان يكون الشريف الرضي موجوداً.(1)

22.التاج / لابي عبيدة معمر بن المثنى التيمي البصري(ت 209 ﻫ )

نقل عنه:

-ان لبني تميم مأثر لم يشركهم فيها غيرهم.(2)

- الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) يكرم الجارود وعبد القيس حين وفدوا اليه.(3)

23.التاريخ / للقاضي ابي بكر احمد بن كامل الشجري العلوي (ت 350ﻫ )

نقل عنه:

-عائشة تروي ان فاطمة بنت محمد عاشت بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) ستة اشهر فلما توفيت دفنها علي ليلا وصلى عليها وان عليا والحسن والحسين غيبوا قبرها.(4)

24.تاريخ الواقدي / لابي عبد الله محمد بن عمر الواقدي (ت207 ﻫ )

نقل عنه:

-رواية ابن عباس عن دفن فاطمة ليلا بعد هدأة،وصلاة علي عليها.(5)

25.التذييل على نهج البلاغة / لابي عبد الله اسماعيل بن احمد الحلبي ( لم يعرف تاريخ وفاته )

نقل عنه:

-ضرار بن ضمرة يصف عليا لمعاوية الطلب منه.(6)

26.الجمل / لابي الحسن علي بن محمد بن سيف المدائني (ت 225ﻫ )0(7)

نقل عنه:

-لما قتل عثمان كانت عائشة بمكة وبلغ قتله اليها فلم تشك ان طلحة هو صاحب الامر وقالت:بُعداً لنَعْثَلَةَ وسُحقاً.(8)

- علي يمر بطلحة بعد المعركة وهو يكيد (يجود ) بنفسه.(9)

-طلحة يدبر وهو يقول لمن يمر به من اصحاب علي: انا طلحة من يجيرني ؟(10)

- علي يبعث عبد الله بن عباس يوم الجمل الى الزبير لمجاورتهِ قبل الحرب.(11)

ص: 89


1- ابن ابي الحديد / شرح نج البلاغة / 1 / 206 .
2- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 15 / 126 – 132.
3- م. ن. / 18 / 56.
4- م. ن. / 16 / 280.
5- م. ن. / 16 / 279.
6- م. ن. / 18 / 225.
7- ابن النديم / الفهر ست / ص10.
8- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 6 / 215.
9- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 9/ 113
10- م. ن. / 9 / 115.
11- م.ن. /9/ 317

27.الجمل / لابي عبد الله محمد بن عمر الواقدي (ت 207ﻫ ).(1)

نقل عنه:

-خطبة علي للانصار بعد فراغه من حرب الجمل.(2)

28.الجمل / لابي المنذر هشام بن محمد الكلبي (ت 402 ﻫ )

نقل عنه:

-كتاب ام سلمة من مكة الى علي تخبرة بخروج عائشة وطلحة والزبير الى البصرة.(3)

22- الخوارج / لابي الحسن علي بن محمد بن سيف المدائني (ت 225ﻫ )

نقل عنه:

-خروج علي مع اصحابه لقتال الخوارج في النهروان.(4)

23.الدار / لابي عبد الله محمد بن عمر الواقدي (ت 207ﻫ )

نقل عنه:

-مروان بن الحكم يصطحب زيد بن ثابت الى عائشة ليجعلها تدافع عن عثمان وعائشة تابى ذلك.(5)

-زيد بن ثابت يدعو جماعة من الانصار لنصرة عثمان فيقولون: ما يمنعك يازيد ان تذب عنه،اعطاك عشرة الاف دينار وحدائق من نخل لم ترث عن ابيك مثل حديقة منها.(6)

- عثمان يضرب بالسوط الشهود الذين شهدوا على الوليد بن عقبة بالسكر. (7)

- علي يقيم الحد على الوليد بنفسه في حضرة عثمان.(8)

- عثمان يعطي ابل الصدقة الى الحارث بن الحكم بن ابي العاص.(9)

-عثمان يعطي غنائم افريقيا كلها لمروان بن الحكم.(10)

- عثمان يذم عبد الله بن مسعود ذماً قبيحاً.(11)

ص: 90


1- ابن النديم / الفهرست / 99
2- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغه / 7/ 284
3- م.ن. 6/ 219
4- م.ن. 2/271
5- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 3/ 7
6- م. ن. / 3 / 8
7- م.ن. /3/ 19
8- م.ن./ 3/20
9- م.ن./ 3/ 35
10- م.ن. / 3/ 37
11- م.ن. /3/43

- دخول ابي ذر على عثمان ثم نفيه الى الربذه.(1)

24. دلائل النبوة / لابي بكر احمد بن الحسين البيهقي (ت 458ﻫ ).

نقل عنه:

- حديث الشجرة التي دعاها رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) فاقبلت حتى وقفت بين يديه.(2)

25. السفيانية / لابي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت 255ﻫ )

نقل عنه:

-قصة الشورى ودعوة عمر للصحابة الستة وعمر يصف كل واحد منهم بصفته موضحاً رايه فيهم بصراحة متناهية.(3)

- ابو ذر يقف بباب معاوية في الشام صارخاً بذمه.(4)

26. السقيفة / لابي بكر احمد بن عبد العزيز الجوهري (ت 405ﻫ )

نقل عنه:

-ابو سفيان يغضب لتولية ابي بكر الخلافة وابعاد علي والعباس عنها ويحث علياً على المطالبة بها وانه يمده بالخيل والرجال.(5)

- علي يلتقي العباس والعباس يعاتبه بانه نصحه فلم يقبل نصحة.(6)

- سلمان والعباس كان هواهم ان يبايعوا علياً بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم).(7)

- جاء عمر في عصابة فاقتحموا بيت فاطمة وكسروا سيف علي والزبير واخرجهما عمر يسوقهما حتى بايعا وابو بكر يخطب الناس ويعتذر الى المهاجرين.(8)

- قصة الحباب بن المنذر يوم السقيفة واخبار اخرى.(9)

- حديث حريز بن عثمان عن علي انه ((ذاك الذي احل حرم رسول الله

(صلی الله علیه و آله و سلم) )).(10)

- اخبار يوم السقيفة.(11)

- قول الانصار يوم السقيفة منا امير ومنكم امير.(12)

ص: 91


1- م.ن. /3/ 55-57
2- م.ن. /13/ 214
3- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة /1/186
4- م.ن./8/257
5- م. ن. / 2/44-45
6- م.ن. /2/48
7- م.ن. / 2/ 49
8- م.ن. /2/ 50
9- م.ن. /2/53-59
10- م.ن./ 4/70
11- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة /6 /5- 13
12- م.ن. /6/ 38

- رجال من المهاجرين وفيهم علي والزبير يغضبون لبيعة ابي بكر بغير مشورة.(1)

- اخبار ابي ذر الغفاري حين نفاه عثمان الى الربذه.(2)

-عثمان يامر بضرب عمار بن ياسر.(3)

- المقداد يتعجب لمبايعة عثمان وابعاد علي.(4)

- من اخبار يوم الشورى وتولية عثمان.(5)

27. شرح المقالات / لقاضي القضاة ابو الحسن عبد الجبار بن احمد البصري الهمداني المعتزلي (ت 415ﻫ )

نقل عنه:

-ما مات الجبائي حتى قال بتفضيل علي.(6)

28. الشورى / لابي الحكم عوانه بن الحكم الكلبي الضرير (ت 158ﻫ )

نقل عنه:

-من اخبار يوم الشورى وتولية عثمان.(7)

29. الشورى / لابي عبد الله محمد بن عمر الواقدي (ت207 ﻫ )

-عثمان يعاتب علياً.(8)

- علي اطاع ابابكر وعمر كطاعته لرسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم).(9)

30. صفين / لابراهيم بن الحسين بن علي بن ديزيل الهمداني الكسائي (ت 281ﻫ )

نقل عنه:

-خرج عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ومعه لواء معاوية يوم صفين وهو يرتجز.(10)

- يوم الهرير ورفع المصاحف ومكاتبات بين علي ومعاوية.(11)

-معاوية يبعث عمرو بن العاص حكماً.(12)

ص: 92


1- م.ن./ 6/47-52
2- م.ن. /8/ 252
3- م.ن. / 9/3
4- م. ن./9/21
5- م.ن./ 9/49
6- م.ن./1/7-8
7- م.ن./ 9/49
8- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة /9/15
9- م. ن./9/15
10- م.ن./2/222-225
11- م. ن. / 2 / 241
12- م. ن. / 2 / 240

- عمرو يقدم ابا موسى في المجلس وفي الصلاة وفي الطعام ويخاطبه باجل الاسماء فيقول له ياصاحب رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) حتى اطمأن اليه وظن انه لن يغشه.(1)

- ابو موسى الاشعري يكتب الى علي من مكة انه بلغهُ ان علياً واصحابه يلعنونه في صلاتهم ويقول (( لن اكون ظهيراً للمجرمين )).(2)

- ابو سعيد الخدري يروي حديثاً عن الخوارج.(3)

- سعد بن ابي وقاص يدخل على معاوية ومعاوية يعاتبه.(4)

-كانت الخوارج اول انصرافها عن رايات علي تهدد الناس قتلا.(5)

-خروج علي لقتال الحرورية وقتالهم والظفر عليهم في النهروان.(6)

- علي يقول لأصحابه يوم النهروان اطلبوا ذا الثدية.(7)

- من اخبار الخوارج.(8)

- الوليد بن عقبة يكتب الى معاوية يستبطئه في الطلب بدم عثمان ويحرضه. (9)

- مقارنة بين طاعة اهل الشام لمعاوية واختلاف العراقيين في علي واخبار متنوعة عن حرب علي ومعاوية.(10)

- علي يصلح نعل النبي وقد أنقطع شسعه.(11)

- اخبار اخرى عن حرب علي ومعاوية.(12)

-علي في صفين يحارب مع كل قبيلة.(13)

- عبد الله بن عمرو بن العاص يحارب في صفين بامر من ابيه.(14)

- اخبار متنوعة عن صفين.(15)

ص: 93


1- م.ن. / 2/255
2- م.ن./2/260
3- م.ن./2/261
4- م.ن./2/264
5- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 2/269
6- م. ن. /2/269-271
7- م.ن./2/ 276
8- م.ن./2/310-311
9- م.ن./3/94
10- م. ن. /3/206
11- م. ن. / 3 / 95 / 100
12- م.ن./3/ 207-208
13- م.ن./5/254
14- م.ن./5/255
15- م.ن./5/ 255-256

31. صفين / لابي الحسن علي بن محمد بن سيف المدائني (ت 225ﻫ )

نقل عنه:

-اهل العراق يجمعون على طلب ابي موسى للتحكيم وابن عباس يناقشه.(1)

- عائشة تلعن عمرو بن العاص.(2)

- خطبة علي بعد يوم النهروان وخطب اخرى.(3)

- شعر للحارث بن نضر الخثعمي يذكر اظهار عورة عمرو بن العاص وبسر بن ارطاة لعلي ونجاتهما بذلك من القتل.(4)

32. صفين / لابي عبد الله محمد بن عمر الواقدي (ت 207 ﻫ )

نقل عنه:

-اقوال لعلي مما اخبره به رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم).(5)

- معاوية يسخر من عمرو بن العاص حين ينذكر اخراج عورته امام علي ونجاته من القتل بذلك.(6)

33. طبقات المعتزله / لقاضي القضاة ابو الحسن عبد الجبار بن احمد البصري الهمداني المعتزلي ( 415ﻫ )

نقل عنه:

-فصل في ذكر القبر وسؤال منكر ونكير وان ضرار بن عمرو من اصحاب واصل بن عطاء انكر عذاب القبر.(7)

34. العادل / لأبي جعفر محمد بن الحسن بن سنان الخزاعي الزاهري (ت220ﻫ )

نقل عنه:

-علم الناس ان عبد الرحمن بن عوف عرض على عليّ يوم الشورى ان يعقد له الخلافة على ان يعمل بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين ابي بكر وعمر فلم

يستجب بل قال(( واجتهد برأيي ))(8)

35. غرر ألأدلّة / لابي الحسين محمد بن علي ابن الطيب المعتزلي البصري (ت 436ﻫ ) (9)

نقل عنه:

ص: 94


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 2/ 246
2- م. ن./ 2/ 268
3- م.ن./ 6/ 134- 137
4- م.ن./6/ 316
5- م. ن. / 2 / 267
6- م.ن./ 6/ 317
7- م.ن./ 6/ 273
8- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 10/ 245
9- ابن خلكان / وفيات الاعيان / 1/ 482، 4/271 ويسميه ابن ابي الحديد (الغرر)

-المتخلفون عن بيعة علي وما اعتذرو به.(1)

- عمر كان اسوس من علي وان كان علي اعلم من عمر.(2)

- مناقشة حديث الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) المروي عن ابي بكر" انّا معاشر الانبياء لانورث ". (3)

- علي يدعو بعض الصحابة للقتال معه فيعتذرون.(4)

- قصة الرجل الشامي الذي سأل علياً عن خروجه لقتال اهل الشام اكان ذلك بقضاء الله وقدره ؟(5)

36. الفتوح / لابي الحسن علي بن محمد بن سيف المدائني ( ت 225 ﻫ )

نقل عنه:

_ من اخبار يوم القادسية.(6)

37. فضائل الامام علي / لابي عبد الرحمن احمد بن محمد بن حنبل الشيباني (ت 241ﻫ )

نقل عنه:

-حديث رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) في فضل علي.(7)

- احاديث اخرى في فضل علي.(8)

- من اخبار علي الدالة على تواضعه وعدله.(9)

38. فضل الصحابة / لابي عبد الرحمن احمد بن محمد بن حنبل الشيباني (ت241ﻫ )

نقل عنه:

-حديث علي يعسوب الدين وقائد الغر المحجلين.(10)

39. القبائل / لابي عبيده معمر بن المثنى التيمي البصري (ت 209ﻫ )

نقل عنه:

-عويم بن ساعده ومعن بن عدي يفسدان حال سعد بن عباده وينقضان أمرهُ لبغضهما سعداً ولشحناء كانت بينهم.(11)

ص: 95


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغه /4/ 10
2- م.ن./ 10/ 212
3- م. ن. / 16/ 242
4- م.ن./ 18/ 115
5- م.ن./ 18/ 227
6- م.ن./ 9/ 97
7- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 9/ 167- 169
8- م.ن./ 9/ 171- 173
9- م. ن. /9/ 235- 236
10- م.ن./ 1/ 13
11- م. ن./ 6/19

40. كتاب التاريخ / لابي عبد الله ابراهيم بن محمد بن عرفة المهلبي ( نفطويه ) (ت 323ﻫ )

نقل عنه:

-تفاقم الامر بعد قتل الحسين وتقرب اهل النسك والصلاح والدين الى الامويين ببغض علي وموالاة اعدائه.(1)

41. كتاب النسب / ليحيى بن الحسن (من رجال القرن الرابع الهجري )

نقل عنه:

-عائشة تركب بغلا يوم وفاة الحسن واستنفرت بني اميه ومروان بن الحكم.(2)

42. المثالب / لابي عبيدة معمر بن المثنى التيمي البصري (ت 209ﻫ )

نقل عنه:

-خبر قتل الحسين يصل مروان بن الحكم فيومئ الى قبر الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) ويقول يوم بيوم بدر.(3)

43. مثالب العرب / لابي عبد الرحمن الهيثم بن عدي الثعلي (ت 207 ﻫ )

نقل عنه:

-ان خويلد بن اسد بن عبد العزّى كان اتى مصر ثم انصرف منه بالعوام فتبناه.(4)

44. المعرفة / للحسن بن علي الحلواني ( ت 463ﻫ )

نقل عنه:

-علي والزبير اسلما وهما ابنا ثماني سنين.(5)

45. المفاخرات / لابي عبد الله الزبير بن بكار الزبيري (256ﻫ )

-مفاخرة بين الحسن بن علي ورجالات من قريش.(6)

46. مفاخرات قريش / لابي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ (ت 255ﻫ )

-لاتجد كتاب مثالب قط إلاّ لدَعيّ او شُعوبيّ ,ولستَ واجدَهُ لصحيح النسب ولا لقليل الحسد.(7)

-متى يقدر الناس على رجل مُسَلَّمٍ من كل أُبْنَةٍ ومبرّأٍ من كل آفةٍ في جميع ابائه وامهاته واسلافه واصهاره حتى تسلم له اخواله واعمامه وخالاته وعماته ؟ (8)

47. مقاتل الفرسان / لابي عبيدة معمر بن المثنى التيمي البصري ( ت 209 ﻫ )

نقل عنه:

ص: 96


1- م.ن./ 11/46
2- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة /16/50
3- م. ن./4/72
4- م.ن./ 11/ 68
5- م. ن. / 4/ 120
6- م.ن./6 /285
7- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 11/ 68
8- م. ن. /11/ 70

-عمر يكتب الى سلمان بن ربيعة الباهلي (او النعمان بن المقرن): ان في جندك رجلين من العرب عمرو بن معد يكرب وطليحة بن خويلد فاحضرهما الناس وأدبهما وشاورهما في الحرب وابعثهما في الطلائع ولا تولهما عملا من اعمال المسلمين.(1)

- سعد بن ابي وقاص اوفد عمرو بن معد يكرب الى عمر بعد فتح القادسية.(2)

48. مقتل عثمان / لابي الحكم عوانة بن الحكم الكلبي الضرير (ت 158ﻫ )

نقل عنه:

-اخبار عن الشورى وتولية عثمان.(3)

49. مقتل عثمان / لابي الحسن علي بن محمد بن سيف المدائني (ت 225 ﻫ )

نقل عنه:

-طلحة منع دفن عثمان لمدة ثلاثة ايام وان حكيم بن حزام احد بني اسد بن عبد العزى وجبير بن مطعم استنجدا بعلي على دفنه،فاقعد لهم طلحة في الطريق ناساً يرمونهم بالحجاره واخبار اخرى عن دفن عثمان.(4)

50. ملح الممالحة / لابي القاسم عبد الله بن محمد بن ناقيا (ت 485ﻫ )

نقل عنه:

-دخل الحسن بن سهيل على المامون فقال له المامون كيف علمك بالمروءة ؟ (5)

51. المونق في اخبار الشعراء / لابي عبيد الله محمد بن عمران المرزباني (ت 384 ﻫ )

نقل عنه:

-خطبة لعلي رواها اخرون لقطري بن الفجاءه والناس يروونها لأمير المؤمنين لانها بكلامه اشبه.(6)

- معاوية يؤمن اهل البصرة الا عبد الله بن هاشم بن عتبه بن ابي وقاص.(7)

52. نقض السفيانية على الجاحظ / لابي عبد الله الحسين بن علي البصري الجعل الكاغدي (ت 367ﻫ )

نقل عنه:

ص: 97


1- م. ن. /12/112
2- م. ن. / 12/ 118
3- م.ن./9/ 49
4- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة /10/6-7
5- م.ن./20/249
6- م. ن./ 7/236
7- م. ن. / 8/ 32

-معاوية عند اصحابنا (المعتزلة ) مطعون في دينه منسوب الى الالحاد وقد طعن فيه النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) وروي عنه اخبار كثيرة تدل على ذلك.(1)

53. النكت / لابي موسى اسحاق بن ابراهيم النظام المعتزلي (ت 231ﻫ )

نقل عنه:

-ذكره لعيوب الصحابة، ذكر لكل واحد منهم عيباً ووجه الى كل واحد منهم طعناً.(2)

- من احب ان ينظر الى اختلاف الصحابه وطعن بعضهم في بعض ورد بعضهم على بعض وما رد به التابعون عليهم واعترضوا به اقوالهم فلينظر في كتاب (النظام ). (3)

54. وقعة الجمل / لابي مخنف لوط بن يحيى الازدي الغامدي (ت 157ﻫ )

نقل عنه:

-اشعار واراجيز قيلت في حرب الجمل.(4)

- خطبة علي حين خروج عائشة وطلحة والزبير الى البصرة.(5)

-علي يخاطب جثمان طلحة وهو قتيل.(6)

-أرتجز احد اهل البصرة يوم الجمل فاستقتل الناس عند قولِهِ وثبتوا حول الجمل. (7)

- من اخبار يوم الجمل.(8)

- اجتماع المهاجرين والانصار في مسجد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) لاختيار خليفة بعد مقتل عثمان.(9)

- عائشة تتصور ان الناس بايعوا طلحة بعد مقتل عثمان وحينما علمت بمبايعة علي قالت "لوددت ان السماء انطبقت على الارض ".(10)

- حفصة ترفض الخروج مع عائشة لقتال علي.(11)

- من اخبار يوم الجمل وقول علي: لاتبدأوا بالقتال حتى يبدأوكم.(12)

ص: 98


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة /10/ 101
2- م. ن. / 6/ 129
3- م.ن./20/ 30
4- م.ن./ 1/ 147
5- م. ن./1/ 233
6- م. ن./ 1/ 248
7- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 1/ 256
8- م.ن./ 1/ 258-265
9- م.ن./ 4/ 8-10
10- م.ن./ 6/ 215
11- م.ن./ 6/ 225
12- م.ن./ 9/ 111- 112

-مقتل طلحة والزبير.(1)

- ذكر يوم الجمل ومسير عائشة الى القتال.(2)

- كان غدر طلحة والزبير بعثمان بن حنيف اول غدر في الاسلام.(3)

ب. الروايات الشفوية

لايعتمد ابن ابي الحديد على الروايات الشفوية كثيرا كاعتمادة على المدونات من المصادر، فهو يروي عن بعض اساتذته واصدقائه وعلماء وادباء عصره بشكل محدد، وهو يجعل روايته الشفوية غالباً،مدخلا لنقاش وجدل علمي حول الحدث الذي يرد في تلك الرواية. ومما يلفت النظر ان رواياته الشفوية كانت في معظمها مروية عن عدد قليل جداً من الاشخاص، مما يؤكد انه لم يكن مهتماً بها،او انه لم يعالج الموضوعات التاريخية الا من خلال المصادر المدونه التي رأى انها شواهد لايمكن دحضها،وهي موجودة في متناول الايدي لمن اراد الرجوع اليها، خاصة انه تحدث عن احداث غاية في الخطوره مرت في التارخ العربي الاسلامي.

لقد انحصرت رواياته الشفوية في مجموعات ثلاث اولاها مروياته عن استاذه النقيب ابي جعفر يحيى بن محمد بن ابي زيد الحسني العلوي،وهي الاعم،وثانيها مروياته عن استاذه فخار بن معد العلوي الموسوي الاودي، وثالثها مرويات متفرقة عن بعض معاصريه في امور شتى.

1.مروياته عن استاذهِ النقيب ابي جعفر يحيى بن محمد بن ابي زيد الحسني العلوي البصري (4):

وهي الاعم الاغلب من مروياته الشفوية التي كانت، كما مرّ آنفاً، مدخلا لنقاش ومجادلة حول احداث تاريخية.

فمن ذلك سؤاله النقيب ابا جعفر عن محاولة قريش قتل النبي على فراشه: "اذا كانت قريش قد محصت رايها والقى اليها ابليس – كما روي ذلك الرأي – ان يضربوه باسياف من ايدي جماعة من بطون مختلفة ليضيع دمه في بطون قريش فلا تطلبه بنو عبد مناف فلماذا انتظروا به تلك الليلة الى الصبح ؟ فأن الرواية جاءت بانهم كانوا تسوروا الدار فعاينوا فيها شخصاً مسجى بالبرد الحضرمي الاخضر فلم يشكوا انه هو،

فرصدوه الى ان اصبحوا فوجدوه علياً، وهذا طريف،لانهم كانوا اجمعوا على قتله تلك الليله فما بالهم لم يقتلوا ذلك الشخص المسجى وانتظارهم به النهار دليل على انهم لم يكونوا ارادوا قتله تلك الليلة " (5)وقد اجاب النقيب ابو جعفر بما ملخصه،بعد ان ذكر اسماء المتآمرين على قتل النبي (صلی الله علیه و آله و سلم)، انهم كانوا قد هموا من النهار بقتله تلك الليله الا ان عتبة بن ربيعة بن عبد شمس لقي منهم قوماً فنهاهم عنه وقال ان بني عبد مناف لا تمسك عن

ص: 99


1- م.ن./ 9/ 113-114
2- م.ن./9/ 310-317
3- م.ن./9/ 321
4- انظر ترجمة النقيب ابي جعفر في ص52 من هذا الكتاب.
5- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغه / 13/ 304

دمه، ولكن صفدوه في الحديد،وأحبسوه في دار من دوركم، وتربصوا به ان يصيبه الموت ما أصاب امثاله من الشعراء، فاحجم ابو جهل واصحابه تلك الليلة عن قتله، ثم تسوروا عليه الدار فلما راوا انساناً مسجى بالبرد الاخضر الحضرمي، لم يشكوا انه هو، وكان ابو جهل يحضهم على قتله فيهمون ثم يحجمون. ثم رموه بالحجارة فجعل علي يتضور منها، فلم يزالوا كذلك في اقدام عليه واحجام عنه حتى اصبح علي وهو مشرف على الهلاك من رمى الحجارة، ولو ان النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) اقام بينهم لقتلوه في الليلة التي تليها، فان ابا جهل لم يكن بالذي يمسك عن قتلهِ. ولم يكتف ابن ابي الحديد بتلك الرواية فيسال ابا جعفر هل علم رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وعلي بما كان من نهي عتبة لهم ؟ قال: لا، انهما لم يعلما بذلك تلك الليلة وانما عرفاه من بعد 0(1)

ويروي ابن ابي الحديد ان قرا على النقيب ابي جعفر (من كتاب بين يديه ) خبر خروج زينب بنت رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) من مكة مهاجرة الى المدينة في حماية كنانة بن الربيع، فخرجت قريش في طلبها سراعاً، فادركوها بذي طوى، فكان اول من سبق اليها هبار بن الاسود بن عبد المطلب بن اسد بن عبد العزى بن قصي ونافع بن عبد القيس الفهري، فروعها هبار بالرمح في الهودج، وكانت حاملا، فلما رجعت طرحت ما في بطنها، وقد كانت من خوفها رأت دما وهي في الهودج، فلذلك اباح رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) يوم فتح مكة دم هبار بن الاسود. فقال ابو جعفر: اذا كان رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) اباح دم هبار بن الاسود لانه روّع زينب فألقت ذا بطنها فظهر الحال انه لو كان حياً لاباح دم من روع فاطمة فألقت ذا بطنها. فقلت اروي عنك مايقوله قوم ان فاطمة روعت فألقت المحسن؟ فقال:لاتروه عني ولا ترو عني بطلانه فاني متوقف في هذا الموضع لتعارض الاخبار عندي فيه.(2)

ومع ذلك فان عبد الحميد يروي الخبر لانه يؤيد ما يراه هو عن الموضوع.

ومن ذلك ايضاً ان عبد الحميد المعتزلي قرأ على النقيب ابي جعفر ( من كتاب محمد بن اسحاق ) خبر زواج زينب بنت رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) من ابي العاص بن الربيع بن عبد العزّى بن عبد شمس، فاصبح ختناً لرسول الله،وكان ابو العاص من رجال مكة المعدودين مالا وامانة وتجارة.فجاءت قريش الى ابي العاص وطلبت منه ان يفارق زينباً ويعيدها الى ابيها، على ان يزوجوه أي امرأة يشاء من قريش فقال "لاها الله اذن لا افارق صاحبتي، وما احب ان لي بها امرأة من قريش "،فكان رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) اذا ذكره يثني عليه خيراً في صهره. وقد فرق الاسلام بين زينب وابي العاص الا انها بقيت معه على اسلامها وهو على شركه، فلما هاجر رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) الى المدينة وسارت قريش الى بدر،سار ابو العاص معهم، فاصيب في الاسرى فبعثت زينب في فداء ابي العاص بمال، وفي جملته قلاده كانت خديجة امها اهدتها لها ليلة زفافها، فرقّ رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) لذلك، وطلب من المسلمين ان يتنازلوا عن الفداء ويطلقوا الاسير،ففعلوا، فرد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) عليها فداءها واطلق ابا العاص بغير فداء 0(3) فقال ابو جعفر:اترى ابا بكر وعمر لم يشهدا هذا

ص: 100


1- م. ن. / 13/ 305
2- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة/ 14/ 192
3- م. ن. / 14/ 190

المشهد ؟ اما كان يقتضي التكريم والاحسان ان يطيبا قلب فاطمة بفدك ؟ أتقصر منزلتها عند رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) عن منزلة اختها زينب وهي سيدة نساء العالمين ؟ هذا اذا لم يثبت لها حق لا بالنحلة ولا بالارث. فقال له ابن ابي الحديد: فدك بموجب الخبر الذي رواه ابو بكر قد صار حقاً من حقوق المسلمين فلم يجز ان ياخذه منهم،فقال:وفداء ابي العاص قد صار حقا من حقوق المسلمين وقد اخذه رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) منهم فقلت:رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) صاحب الشريعة والحكم حكمه وليس ابو بكر كذلك فقال: ما قلت هلا اخذه ابو بكر من المسلمين قهراً فدفعهُ الى فاطمة، وانما قلت هلا استنزل المسلمين عنه واستوهبه كما استوهب رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) فداء ابي العاص، اتراه لو قال هذه بنت نبيكم قد حضرت تطلب هذه النخلات افتطيبون عنها نفساً ؟ اكانوا منعوها ذلك؟ فقلت: قد قال قاضي القضاة عبد الجبار نحو هذا،فقال انهما لم يأتيا بحسن في شرع التكرم وإن كان ما أتياه حسنا في الدين.(1)

وقد قرأ ابن ابي الحديد على النقيب ابي جعفر يحيى بن ابي زيد الحسني حديث اللدود.(2)

وملخصه كما روته ام المؤمنين عائشة ان الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) قد اغمي عليه في مرضه الاخير، والدار مملوءة من النساء:ام سلمة وميمونة واسماء بنت عميس، وفيها ايضاً عمه العباس، فاجمعوا على ان يلدّوه، واللدود ما يصب بالمسعط من الدواء في احد شقي الفم فقال العباس: لا الدّه، فلدّوه، فلما افاق قال من صنع بي هذا قالوا عمك، قال لنا هذا دواء جاءنا من نحو هذه الارض، واشار الى الحبشة، قال فلم فعلتم ذلك " لايبقى احد في البيت الا لدّ الّا عمي. (3) وسأل ابن ابي الحديد النقيب ابا جعفر: الد علي بن ابي طالب ذلك اليوم ؟ فقال:معاذ الله لو كان لد لذكرت عائشة ذلك فيما تذكره وتنعاه عليه، قال وقد كانت فاطمة حاضرة في الدار وابناها معها، ا فتراها لدّت ايضاً ؟ ولدّ الحسن والحسين ؟ كلا وهذا امر لم يكن، وانما هو حديث ولده من ولده تقرباً الى بعض الناس، والذي كان ان اسماء بنت عميس اشارت بان يلد وقالت هذا دواء جاءنا من ارض الحبشة جاء به جعفر بن ابي طالب بعلها، وساعدتها على تصويب ذلك والاشارة به ميمونه بنت الحارث، فلد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) ، فلما افاق انكره، وسال عنه، فذكر له كلام اسماء وموافقة ميمونة لها فامر ان تُلَدَّ الامرأتان لا غير، فَلُدَّتا ولم يجر غير ذلك (( والباطل لايكاد يخفى على مستبصر )).(4)

ويروى ابن ابي الحديد انه سأل النقيب ابا جعفر فقال له انه يعجب كيف بقي علي تلك المدة الطويلة بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وما اغتيل ولم يفتك به احد في جوف منزله مع تلظي الاكباد عليه ؟ فقال: لولا انه ارغم انفه بالتراب ووضع خده في حضيض الارض لقتل، لكنه اخمل نفسه واشتغل بالعبادة والصلاة، والنظر في القرآن، وخرج عن ذلك الزي الاول وذلك

ص: 101


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 14/ 191
2- اللدود ما يصب بالمسعط من الدواء في احد شقي الفم. انظر: الفيروز ابادي (مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز ابادي / القاموس المحيط /1/ 335/ دار العلم للجميع / بيروت /د.ت. وساشير اليه فيما ياتي من الهوامش ب( الفيروز ابادي)
3- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغه / 13/ 32
4- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة/13/33

الشعار، ونسي السيف وصار كالفاتك، يتوب، ويصير سائحاً في الارض، او راهباُ في الجبل، ولمّا اطاع القوم الذين ولوا الامر تركوه وسكتوا عنه فلما لم يكن لولاة الامر باعث وداع الى قتله وقع الامساك عنه ولولا ذلك لقتل.(1)

ثم قال:لا استبعد من خالد بن الوليد الاقدام على قتل علي لشجاعته في نفسه ولبغضه اياه، ولكني استبعد من ابي بكر فأنه كان ذا ورع، ولم يجمع بين اخذ الخلافة ومنع فدك عن فاطمة وقتل علي، حاش لله من ذلك، فقلت له أَكان خالد يقدر على قتله، قال نعم، ولم لا يقدر على ذلك والسيف في عنقه، وعلي اعزل غافل عما يراد به، وقد قتله ابن ملجم غيلة، وخالد اشجع من ابن ملجم.(2)

ويقول ابن ابي الحديد انه سأل النقيب ابا جعفر ( بعد ان قرأ عليه اخباراً عديدة عن استحقاق علي للخلافة بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) ومنزلته العاليه عند الخلفاء وعمر خاصة ) قائلاً: الا تراها (تلك الاخبار ) تكاد تكون دالة على النص ؟ ولكني استبعد ان يجتمع الصحابة على دفع نص رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) على شخص بعينه، فقال أَبَيْتَ إلاّ ميلاً الى المعتزلة ؟ ثم قال: ان القوم لم يكونوا يذهبون في الخلافة الى انها من معالم الدين، وانها جارية مجرى العبادات الشرعية، كالصلاة،والصوم،ولكنهم كانوا يجرونها مجرى الامور الدنيوية ويذهبون لهذا،مثل تأمير الامراء او تدبير الحروب، وسياسة الرعية. وما كانوا يبالون في امثال هذا من مخالفة نصوص رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) اذا رأَوا المصلحة في غيرها،الا تراة كيف نص على اخراج ابي بكر وعمر في جيش اسامة، ولم يخرجا لمّا رأيا ان في مقامهما مصلحة للامة وحفظاً للبيضة ودفعاً للفتنة …، ولقد كان رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) يخالَف وهو حي في امثال ذلك فلا ينكره ولا يرى به باسا… وقد اطبقت الصحابة اطباقاً واحداً على ترك كثير من النصوص لما رأوا المصلحة في ذلك، كاسقاطهم سهم ذوي القربى، واسقاطهم سهم المؤلفة قلوبهم، وقد عملوا بارائهم اموراً لم يكن لها ذكر في الكتاب والسنة،كحد الخمر، فانهم عملوا باجتهادهم، ولم يحد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) شاربي الخمر، وقد شربها الجم الغفير في زمانه بعد نزول اية التحريم …. واستمر النقيب ابو جعفر في كلامه منبها الى امكان وجود النص ولكنه يترك لاجل المصلحة الكلية، بعد ظهور الانشقاق بين المهاجرين والانصار حول الخلافة حتى كادت الفتنة ان تشتعل،فمن قال جهراً او سراً من المسلمين ان الرسول قد نص على علي، اسكتوه في الجواب بانّا بادرنا الى عقد البيعة مخافة الفتنة، واعتذروا عنه بان علياً حديث السن، او تبغضه العرب لانه وترها وسفك دماءها، او انه صاحب زهو وتيه، ثم قالوا ان ابا بكر اقوى على الخلافة من علي، فعمر يعضده وقريش تحبه ويعجبها لينه ورفقه وهو شيخ مجرب للامور، لايحسده ولا يحقد عليه احد او يبغضه احد، بل قالوا: لو نصبنا عليا ارتد الناس عن الاسلام وعادت الجاهلية كما كانت فايهما اصلح في الدين ؟ الوقوف مع النص المؤدي الى ارتداد الناس او العمل بمقتضى الاصلح وان كان مخالفا للنص ؟ ويستمر ابو جعفر في حديث طويل عن موقف عمر والخلفاء، وموقف علي نفسه، وما عاب الخلفاء والناس على علي، ومقارنة بين شخصيات الخلفاء الراشدين واحداً واحداً. وكان ابن ابي الحديد يناقشه في فقرات كلامه

ص: 102


1- م. ن./13 / 301
2- م.ن./ 13/ 302

سائلاً ومستفسراً. ويختتم ابن ابي الحديد هذه الرواية الطويلة قائلا انه (( قد ذكر خلاصة ما حفظه عن النقيب ابي جعفر، ولم يكن امامي المذهب (كان زيدياً ) ولا كان يبرأ من السلف، ولا يرتضي قول المسرفين من الشيعة، ولكنه كلام اجراه على لسانه البحث والجدل بيني وبينه )).(1)

ومن مرويات ابن ابي الحديد عن النقيب ابي جعفر يحيى بن محمد انه ساله: اتقول ان الحمزة ( بن عبد المطلب )، وجعفر ( بن ابي طالب ) لو كانا ناجيين يوم مات رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) اكانا يبايعان علياً بالخلافة ؟ فقال: نعم، كانا اسرع الى بيعته من النار في ييس العرفج. فقلت له: اظن ان جعفراً كان يبايعه ويتابعه، وما اظن حمزة كذلك، واراه جباراً قوي النفس شديد الشكيمة، ذاهباً بنفسه، شجاعاً بهمة، وهو العم والاعلى سناً، واثاره في الجهاد معروفة، واظنه كان يطلب الخلافة لنفسه. فقال ابو جعفر: الامر في سجاياه كما ذكرت، ولكنه كان صاحب دين متين وتصديق خالص لرسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، ولو عاش لرأى احوال علي مع رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) ما يوجب ان يكسر له نخوته وان يقيم له صعره وان يقدمه على نفسه وان يتوخى رضا الله ورضا رسوله فيه وان كان بخلاف ايثاره 0(2) ثم يتحدث ابو جعفر مقارنا بين شخصيتي حمزة وعلي ويناقش مسألة ان حمزة اكبر سناً من علي ويلفت نظره الى ان العباس كان اسن من علي مع ما بذله له وندبه اليه ويعرّج النقيب الى جعفر بن ابي طالب ويشرح له رايه في انه كان سيبايع عليا، بالادلة التي يسوقها اليه، ويذكر ابن ابي الحديد للنقيب رأي ابي حيان التوحيدي في افضلية جعفر على علي فيتهم النقيب ابا حيان بالالحاد والزندقة والتلاعب بالدين، ويضحك مخاطباً ابن ابي الحديد (( مقصود ابي حيان ان يجعلها مسألة خلاف تثير فتنة بين الطالبين لتجعل باسهم بينهم )) ويبقى عبد الحميد يجادل النقيب في افضلية علي فيقول (( واذن لا اجماع في المسألة، وانت ادعيت الاجتماع )) فقال: (( ان الاجماع قد سبق وكل قول قد سبقه الاجماع لايعتد به )). (3)

وفي شرح قول علي (( لله بلاد فلان )) او (( لله بلاء فلان )) على رواية اخرى

( وفلان المكنى عنه هو عمر بن الخطاب )، (4)روى ابن ابي الحديد انه سأل النقيب ابا جعفر عن المكنى عنه فقال: هو عمر، قلت أيثني امير المؤمنين هذا الثناء ؟ فقال

نعم، اما الامامية فيقولون ان ذلك من التقية، والصالحيون من الزيدية ( اصحاب الحسن بن صالح ) (5)فيقولون انه اثنى عليه حق الثناء، واما الجارودية من الزيدية، ( اصحاب الجارود بن ابي زياد ) (6) فيقولون انه كلام قاله في عثمان اخرجه مخرج الذم له والتنقص

ص: 103


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 12/ 90
2- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغه / 11/ 115
3- م.ن./ 11/ 118- 119
4- يقول ابن ابي الحديد انه وجد النسخه التي بخط الشريف الرضي وتحت فلان (عمر )، انظر : ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة /12/ 3
5- الشهرستاني (ابو الفتح عبد الكريم ) / الملل والنحل /ص 142/ اعادت طبعه بالاوفست مكتبة المثنى ببغداد مطبوعاً على هامش كتاب الفصل في الملل والاهواء والنحل لابن حزم الاندلسي.
6- م.ن. /ص140

لأعماله، فقلت له: لايجوز التعريض والاستزادة للحاضر بمدح الماضي الا اذا كان ذلك المدح صدقاً لا يخالطه ريب او شبهة، فاذا اعترف امير المؤمنين بانه (عمر ) اقام السنة، وذهب نقي الثوب، قليل العيب، كما في الخطبة التي يشرحها. فهذا غاية ما يكون المدح، فلم يجبني بشئ وقال: (( هو ما قلت لك )) 0(1)

وروى ابن ابي الحديد انه حضر مجلس النقيب ابي جعفر يحيى بن محمد العلوي سنة احدى عشرة وستمائة ببغداد، وعنده جماعة، يقرأ احدهم في كتاب الاغاني لابي الفرج، فمر ذكر المغيرة بن شعبة، وخاض القوم، فذمه بعضهم، واثنى عليه بعضهم، وامسك عنه اخرون، فقال احد فقهاء الشيعة، وكان ممن يشتغل بطرف من علم الكلام على رأي الاشعري: الواجب الكف والامساك عن الصحابة وعما شجر بينهم، واستشهد باقوال ابي المعالي الجويني: ان رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) نهى عن ذلك، وروى عن الحسن البصري انه قال عن الجمل وصفين (( تلك دماء طهر الله منها اسيافنا، فلا نلطخ بها السنتنا )) ويستمر الكلام حول مسألة اللعن وتركه وعدم جوازه لمن كانت له خصوصية القربى أو الايمان او الاسلام. فقال ابو جعفر: قد كنت منذ ايام علقت بخطي كلاماً وجدته لبعض الزيدية نقضاً على ابي المعالي الجويني فيما اختاره لنفسه، وانا اخرجه اليكم لاستغني بتامله عن الحديث على ما قاله هذا الفقيه فاني اجد الماً يمنعني من الاطالة في الحديث لاسيما اذا خرج مخرج الجدل ومقاومة الخصوم. ثم اخرج من كتبه كراساً قرأناه في ذلك المجلس واستحسنه الحاضرون، وذكر ابن ابي الحديد خلاصته – وهي طويلة – مُعلِّقاً في اخر الموضوع على فقرات ذلك الكلام. (2)

وسأل ابن ابي الحديد النقيب ابا جعفر قائلاً انه لم يُرَ في كلام الصحابة وخطبهم من يعظم رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) تعظيم هذا الرجل ( عليّ ) له، وفي نهج البلاغة فصول تدل على اجلال عظيم وتبجيل شديد منه لرسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) فقال: ومن اين لغيره من الصحابة كلام مدون يُتَعَلَّمُ منه كيفية ذكرهم للنبي (صلی الله علیه و آله و سلم) وهل وجد لهم الا كلمات مبتدرة لا طائل منها، ثم قال:ان عليا كان قوي الايمان برسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) والتصديق له، ثابت اليقين، قاطعاً بالامر، متحققا له، وكان مع ذلك يحب رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) لنسبته منه وتربيته له واختصاصه به من دون اصحابه، وبعد، فشرفه له، لانهما نفس واحدة في جسمين، الاب واحد والدار واحدة والاخلاق متناسبة، فاذا عظمه فقد عظم نفسه، واذا دعا اليه فقد دعا الى نفسه. ثم ذكر ابن ابي الحديد حواراً له مع جعفر بن مكي الشاعر، ذكر فيه جعفر فضل ابي طالب وجعفر وعلي على الاسلام، فكان جزاؤهم الايذاء والقتل والتشريد، والتنكيب، والتنكيل، فقال ابو جعفر النقيب: ان الله زوى الدنيا عن صالحي عباده واهل الاخلاص له لانه لم يرها ثمناً لعبادتهم ولا كفؤاً لاخلاصهم.(3)

ويروي عبد الحميد عن النقيب ابي جعفر انه كان غزير العلم صحيح العقل منصفاً في الجدال غير متعصب للمذهب – وان كان علوياً – وكان يعترف بفضائل الصحابة ويثني على الشيخين، ويقول:انهما مهدا دين الاسلام وارسيا قواعده بما تيسر للعرب من الفتوح

ص: 104


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغه / 12/ 3-4
2- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغه / 20/ 10- 35
3- م. ن./ 7/ 174/ 176

والغنائم بدولتهما. وكان يقول في عثمان ان الدولة في ايامه كانت على اقبالها وعلو جدها، بل كانت الفتوح في ايامه اكثر والغنائم اعظم، لولا انه لم يراعِ ناموس الشيخين ولم يستطع ان يسلك مسلكهما، وكان مُضَعَّفاً في اصل القاعدة مغلوباً عليه، وكثير الحب لاهله، واتيح له من مروان وزير سوء أفسد عليه القلوب، وحمل الناس على خلعه وقتله.(1)

ويذكر ابن ابي الحديد انه سأل ابا جعفر يحيى بن محمد وقت قراءته عليه عن هذا الكلام ( تمالؤ قريش على علي وابعاده عن الخلافه ) فقلت له: من يعني عليه السلام بقوله: (( كانت اثرة شحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس اخرين ؟ ومن القوم الذين عناهم الاسدي ( السائل ) بقوله:كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وانتم احق به ؟ هل المراد يوم السقيفة او يوم الشورى ؟))فقال " يوم السقيفة،فقلت:ان نفسي لاتسامحني ان انسب الى الصحابة عصيان رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) ودفع النص، فقال: وانا فلا تسامحني نفسي ايضاً ان انسب الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) الى اهمال امر الامامة وان يترك الناس فوضى سدى مهملين، وقد كان لايغيب عن المدينة الا ويُؤَمِّرُ عليهم اميراً، وهو حي بعد ليس بالبعيد عنها، فكيف لايؤمر وهو ميت لايقدر على استدراك ما يحدث ؟ " ويدور نقاش طويل بين النقيب ابي جعفر وابن ابي الحديد في حكمة الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) ورجاحة عقله، وهو يعلم ان ما فعله علي سيورث عليه وعلى نسله حقداً وبغضاً وترات كثيرة، لما فعله في سبيل الاسلام ولذا فلا يمكن ان يترك الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) بنيه واهله وذريته سوقة ورعية، فيحقن دمه ودم بنيه باستخلافه، أ فترى ذهب عن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) هذا المعنى ام احب ان يستاصل ذريته من بعده ؟ واين موضع الشفقة على فاطمة العزيزة عنده الحبيبة الى قلبه، أ تقول انه احب ان يجعلها كواحدة من فقراء المدينة تتكفف الناس، وان يجعل علياً المكرم عنده المعظم له، كابي هريرة وانس بن مالك، يُحَكِّمُ الامراء في دمه وعرضه ونفسه وولده ؟ فلا يستطيع الامتناع وعلى راسه مائة الف سيف مسلول تتلظى اكباد اصحابها عليه، فيودون ان يشربوا دمه بافواههم، وياكلوا لحمه باسنانهم، وقد قتل ابناءهم واخوانهم واباءهم واعمامهم. فقلت لقد احسنت فيما قلت، الا ان لفظه يدل على انه لم يكن نصَّ عليه... فجعل الاحتجاج بالنسب وشدة القرب، فلو كان عليه النص لقال عوض ذلك " انا المنصوص علي، المخطوب باسمي "، فقال:انما اتاه من حيث يعلم لا من حيث يجهل، الا ترى انه ( السائل) سأله فقال: كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وانتم احق به، فهو انما سأل عن دفعهم عنه وهم احق به من جهة اللحمة والعترة، ولم يسأله " هل انت منصوص عليك ام لا ؟ ".(2)

وقد سأل ابن ابي الحديد ابا جعفر الحسني مرة: ما سبب حب الناس لعلي وعشقهم له وتهالكهم في هواه، ودعني في الجواب من حديث الشجاعة والعلم والفصاحة وغير ذلك من الخصائص، فقال: ها هنا مقدمة ينبغي ان تعلم، وهي ان اكثر الناس موتورون من الدنيا، اما المستحقون فلا ريب في ان اكثرهم محرومون، نحو: عالم يرى انه لا حظَّ له في الدنيا، ويرى جاهلاً غيره مرزوقاً وموسعاً عليه، وشجاع قد ابلى في الحرب، وليس له عطاء يكفيه،... وعاقل سديد التدبير، قدر عليه رزقه، وهو يرى غيره احمق مائقاً تدر عليه الخيرات، حتى ان هذه الطبقات المستحقة يحتاجون الى الطبقات التي لااستحقاق لها،

ص: 105


1- م.ن. /10 / 222
2- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغه / 9/ 248/251

وتدعوهم الضرورات الى الذل لهم والخضوع بين ايديهم، اما لدفع ضرر او لاستجلاب نفع. فاذا عرفت هذه المقدمه فمعلوم ان علياً كان مستحقاُ محروماً بل هو امير المستحقين المحرومين وسيدهم وكبيرهم، ومعلوم ان الذين ينالهم الضيم يتعصب بعضهم لبعض، ويكونون يداً واحدة على المرزوقين الذين ظفروا بالدنيا ونالوا منها مآربهم...ثم كان اخر الامر ان قتل هذا الرجل في محرابه وقتل بنوه بعده وسبي حريمه ونساؤه وتتبع اهله وبنو عمه بالقتل والتشريد والسجون مع فضلهم وزهدهم وعبادتهم وسخائهم، فهل يمكن الا يتعصب البشر كلهم مع هذا الشخص ؟ وهل تستطيع القلوب الا ان تحبه وتهواه وتذوب فيه وتفنى في عشقه ؟ انتصاراً له وحمية من اجله وانفة مما ناله وامتعاضاً مما جرى عليه ؟

يقول ابن ابي الحديد ((هذا محصول قول النقيب ابي جعفر وقد حكيته والالفاظ لي والمعاني له، لاني لااحفظ الان الفاظه بعينها. قلت له مرة:افتقول انهما (ابا بكر وعمر) من اهل الجنة ؟ فقال:أي والله اعتقد ذلك، لانهما اما ان يعفو الله عنهما ابتداء،او بشفاعة الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) او بشفاعة علي او يآخذهما بعقاب او عتاب ثم ينقلهما الى الجنة،لا استريب في ذلك اصلاً ولا اشك في ايمانهما برسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وصحة عقيدتهما. فقلت له: فعثمان ؟ قال وكذلك عثمان. ثم قال: رحم الله عثمان وهل كان الا واحداً منا ؟ وغصناً من شجرة عبد مناف ؟ ولكن اهله كدروه علينا واوقعوا العداوة والبغضاء بينه وبيننا. قلت له: فيلزمك على ما تراه في امر هؤلاء ان تجوّز دخول معاوية الجنة، لانه لم يكن منه الا المخالفة وترك امتثال الامر النبوي.

فقال: كلا ان معاوية من اهل النار، لالمخالفته علياً، ولا بمحاربته اياه، ولكن عقيدته لم تكن صحيحة، ولا ايمانه حقاً، وكان من رؤوس المنافقين هو وابوه، ولم يسلم قلبه قط، وانما اسلم لسانه.(1)

وقال لي مرة:حاش لله ان يثبت معاوية في جريدة الشيخين الفاضلين ابي بكر وعمر، والله ما هما الا كالذهب الابريز، ولا معاوية الا كالدرهم الزائف. ثم قال لي: فما يقول اصحابكم فيهما ؟ فقلت: اما الذي استقر عليه راي المعتزلة، بعد اختلاف كثير من قدمائهم في التفضيل وغيره، ان عليا افضل الجماعة، وانهم تركوا الافضل لمصلحه رأوها، وانه لم يكن هناك نص يقطع العذر، وانما كانت اشارة وايماء لايتضمن شيء منهما صريح النص... وان علياً نازع ثم بايع، ولو اقام على الامتناع، لم نقل بصحة البيعة ولا بلزومها، ولو جرد السيف، لقلنا بفسق كل من خالفه على الاطلاق، كائنا من يكون، ولكنه رضي بالبيعة اخيراً ودخل في الطاعة. فقال: قد بقي بيني وبينكم قليل، انا اذهب الى النص، وانتم لاتذهبون اليه. فقلت له انه لم يثبت النص عندنا بطريق يوجب العلم، وما تذكرونه صريحاً فانتم تنفردون بنقله، وما عدا ذلك من الاخبار والتي نشارككم فيها، فلها تاويلات معلومة. فقال لي وهو ضجر: يا فلان لو فتحنا باب التأويلات الباردة، لجاز ان يتناول قولنا ((لااله الا الله، محمد رسول الله ))، دعني من التاويلات الباردة... فانما انا وانت في الدار، ولاثالث لنا فيستحي احدنا من صاحبه او يخافه. فلما بلغنا هذا الموضع دخل قوم ممن كان يخشاه، فتركنا ذلك الاسلوب من الحديث وخضنا في غيره.(2)

ص: 106


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغه / 10 / 223/ 226
2- م.ن./ 10/ 214- 222

وكان ابو جعفر الحسني نقيب البصره يقول: لافرق عند من قرأ السيرتين سيرة النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) وسياسة اصحابه ايام حياته، وبين سيرة امير المؤمنين وسياسة اصحابه ايام حياته. فكما ان عليا لم يزل امره مضطرباً بالمخالفة والعصيان والهرب الى اعدائه، وكثرة الفتن والحروب، فكذلك كان النبي (صلی الله علیه و آله و سلم)، لم يزل ممنوّاً بنفاق المنافقين واذا هم،، وخلاف اصحابه عليه، وهروب بعضهم الى اعدائه، وكثرة الحروب والفتن.وكان يقول: الست ترى القرآن مملوءاً بذكر المنافقين والشكوى منهم، كما ان كلام علي مملوء بالشكوى من منافقي اصحابه والتألم من اذاهم له. ثم يذكر حوادث المخالفة والعصيان والنفاق والفتن زمن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) بشكل مفصل.

ثم يقول ابو جعفر: ان الاسلام ما حلا عندهم ولا نبت في قلوبهم الا بعد موت النبي

(صلی الله علیه و آله و سلم)، حين فتحت عليهم الفتوح وجائتهم الغنائم والاموال وكثرت عليهم المكاسب، وذاقوا طعم الحياة. وكان يقول: من تأمل حال الرجلين وجدهما متشابهين في جميع امورهم او في اكثرها. ومن العجيب ان اول حروب الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) كانت ( بدراً )، وكان المنصور فيها، واول حروب علي ( الجمل ) وكان هو المنصور فيها. ويستعرض ابن ابي الحديد حياة الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) وعلي واوجه التشابه الكبير بينهما في الاصل والنسب والخلق والعقيدة، ويقول: كانت سياسة علي تجري على سياسة الرسول.(1)

ويقول ابن ابي الحديد انه قرأ خطبة فاطمة (حول فدك امام ابي بكر ورد ابي بكر الغاضب عليها معرضا بشخص لم يسمّه ) على النقيب ابي يحيى جعفر بن يحيى بن ابي زيد البصري فقال له: بمن يعرض ؟ فقال: بل يصرح، قلت: لو صرح لم اسألك، فضحك وقال: نعم، بعلي بن ابي طالب. قلت: هذا الكلام كله لعلي يقوله ؟ قال: نعم، انه الملك يابني، قلت: فما مقالة الانصار ؟ قال: هتفوا بذكر علي، فخاف من اضطراب الامر عليهم، فنهاهم.(2)

ويروي ابن ابي الحديد انه سأل النقيب ابا زيد عن معاوية: هل شهد بدراً مع المشركين ؟ فقال نعم، شهدها ثلاثة من اولاد ابي سفيان: حنظلة وعمرو ومعاوية، قتل احدهم، واسر الاخر، وافلت معاوية هارباً على رجليه، فقدم مكة وقد انتفخ قدماه وورمت ساقه، فعالج نفسه شهرين حتى برأ.(3)

ثم قال النقيب ابو زيد: ولا خلاف عند احد ان علياً قتل حنظلة، واسر عمرواً اخاه. ولقد شهد بدراً وهرب على رجليه، من هو اعظم منهما ومن اخيهما: عمرو بن عبد ود العامري، شهدها ونجا هارباً على قدميه، وأرتثَّ جريحاً، فوصل مكة وهو مشرف على الهلاك، فلم يشهد احداً، فلما برأ شهد الخندق، فقتله علي. فالذي فاته يوم بدر استدركه يوم الخندق 0 ثم قال لي النقيب: اما سمعت نادرة الاعمش ومناظره ؟ قلت: ما اعلم ما تريد،

ص: 107


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغه / 10 / 214 – 222.
2- م. ن. / 10 / 227.
3- ابن أبي الحديد/شرح نهج البلاغة / 15/85

فقال: سأل رجل الاعمش، وكان قد ناظر صاحباً له، هل معاوية من اهل بدر ام لا، فقال الرجل له: اصلحك الله هل شهد معاوية بدراً ؟ فقال:نعم، من ذلك الجانب.(1)

وذكر ابن ابي الحديد انه قرأ على النقيب ابي زيد.(2)غزاة احد من كتاب الواقدي، وقال له:كيف جرى لهؤلاء في هذه الواقعة، فاني استعظم ما جرى، فقال: وفيم ذلك..... حمل قلب المسلمين، من بعد قتل اصحاب الالوية على قلب المشركين فكسره، فلو ثبتت مجنبتا رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، اللتان فيهما اسيد بن حضير، والحباب بن المنذر، بأزاء مجنبتي المشركين، لم ينكسر عسكر الاسلام. ثم قال: والذي كسر المسلمين يومئذ ونال كل منال، خالد بن الوليد، وكان فارساً شجاعاً ومعه خيل كثيرة ، ورجال ابطال موتورون، واستدار خلف الجبل، فدخل من الثغرة التي كان الرماة عليها، فأتاه من وراء المسلمين... فقلت:ما كانت حال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) لما انكشف المسلمون وفرمنهم من فر ؟قال: ثبت في نفر يسير من اصحابه، يحامون عنه. فقلت: ثم ماذا ؟ قال: ثم ثابت اليه الانصار... قلت: ثم ماذا ؟ قال: لم يزل المسلمون يحامون عن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) والمشركون يتكاثرون عليهم، ويقتلون فيهم، حتى لم يبق من النهار الا القليل، والدولة للمشركين. قلت: ثم ماذا ؟ قال: ثم علم الذين بقوا من المسلمين انه لاطاقة لهم بالمشركين، فاصعدوا في الجبل، فاعتصموا به، فقلت له: فرسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) ما الذي صنع ؟ فقال: صعد في الجبل. فقلت: أ فيجوز ان يقال انه فر ؟ فقال انما يكون الفرار ممن امعن في الهرب في الصحراء، فاما من الجبل مطل عليه وهو في سفحه، فلما رأى ما لايعجبه اصعد في الجبل، فانه لايسمى فراراً ثم سكت. ثم قال: هكذا وقعت الحال، فان شئت ان تسمي ذلك فراراً فسمه، فقد خرج من مكة يوم الهجرة فاراً من المشركين ولا وصمة عليه في ذلك.(3)

ويذكر ابن ابي الحديد: ان ابا عبد الله الحسين بن علي بن ابي طالب هو سيد الاباة، الذي علم الناس الحمية، والموت تحت ظلال السيوف، اختياراً له على الدنيّة. عرض عليه الامان واصحابه، فانف من الذل، وخاف ان يناله الهوان ان لم يقتل، فاختار الموت على ذلك. ويقول انه سمع النقيب ابا زيد يحيى بن زيد العلوي البصري يقول: كأن أبيات ابي تمام في محمد بن حميد الطائي ما قيلت الا في الحسين:

وقد كان فوت الموت سهلاً فردّه *** اليه الحفاظ المرّ والخلق الوعر

ونفس تعاف الضيم حتى كأنّه *** هو الكفر يوم الروع او دونه الكفر

فاثبت في مستنقع الموت رجله *** وقال لها من تحت اخمصك الحشر

تردّى ثياب الموت حمراً فما اتى *** لها الليل الا وهي من سندس خضر(4)

وسأل ابن ابي الحديد ابا جعفر النقيب: من أي طريق عرف بنو امية ان الامر سينتقل عنهم وانه سيليه بنو هاشم، واول من يليه منهم يكون اسمه عبد الله... وباي طريق عرف بنو هاشم ان الامر سيصير اليهم ويملكه عبيد اولادهم ؟ فقال:- اصل هذا كله محمد بن الحنفية ثم ابنه

ص: 108


1- م.ن. / 15/ 86
2- جاء اسمه هنا: ابو يزيد. انظر: م.ن. /14/ 244
3- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغه / 14/ 244- 246
4- م.ن./ 3/ 249

عبد الله المكنى ابا هاشم. ثم قال: قد صحت الرواية عند اسلافنا ان علياً لما قبض اتى محمد اخويه حسنا وحسيناً فقال لهما اعطياني ميراثي من ابي فقالا له قد علمت ان اباك لم يترك صفراء ولا بيضاء، قال قد علمت ذلك انما اطلب ميراث العلم فدفعا اليه صحيفة لو اطلعاه على اكثر منها لهلك فيها ذكر دولة بني العباس. ثم لما قبض على ابراهيم الامام جعلوا نسخة الصحيفة المسماة صحيفة الدولة في صندوق من نحاس ثم دفنوها تحت زيتونات بالشراة لم يكن في الشراة غيرهنّ. وكان ابن الحنفية قد صرح بالامر لعبد الله بن العباس وعرفه تفصيله. ولم يكن علي قد اخبر ابن العباس بالامر الا مجملاً لكن الذي كشف القناع هو محمد بن الحنفية 0 وكذلك ايضاً ما وصل الى بني امية من علم هذا الامر فانه وصل من جهة محمد بن الحنفية واطلعهم على السر الذي علمه... ثم ان ابا هاشم افضى بالامر الى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس ودفع اليه كتبه وجعله وصيه بعد موته وحين توفي ابو هاشم ادعى ثلاثة نفر وصايته وهم محمد بن علي ومعاوية بن عبد الله بن جعفر بن ابي طالب وعبد الله بن الحارث بن نوفل ويقول ابو جعفر النقيب صدق محمد بن علي فانه اليه اوصى ابو هاشم. (1)

ويروي عبد الحميد ان ابا جعفر نقيب البصرة حدثه فقال: لما قدم ابو القاسم علي بن الحسين المغربي من مصر الى بغداد استكتبه شرف الدولة ابو علي بن بويه وهو يومئذ سلطان الحضره وامير الامراء بها والقادر خليفة ففسدت الحال بينه وبين القادر، واتفق لابي القاسم اعداء سوء اوحشوا القادر منه واوهموه انه مع شرف الدولة في القبض عليه وخلعه من الخلافة، فاطلق لسانه في ذكره بالقبيح، واوصل القول فيه والشكوى منه، ونسبه الى الرفض وسب السلف والى كفران النعمة، وانه هرب من يد الحاكم صاحب مصر بعد احسانه اليه. ويعلق النقيب ابو جعفر قائلا: فاما الرفض فنعم واما احسان الحاكم اليه فلا، كان ابو القاسم ينسب في الازد ويتعصب لقحطان على عدنان وللانصار على قريش، وكان غالياً في ذلك مع تشيعه، وكان اديباً فاضلاً شاعراً مترسلاً وكثير الفنون عالماً، وانحدر مع شرف الدوله الى واسط واتفق انه حصل بيد القادر كتاب بخطه او صله للقادر بعض اعداء ابي القاسم، فوجد القادر في ذلك الكتاب قصيدة من شعره فيها تعصب شديد للانصار على المهاجرين حتى خرج الى نوع من الالحاد والزندقة لافراط غلوه، وفيها تصريح بالرفض فقرئ الكتاب والقصيدة بمحضر من اعيان الناس وشهد اكثرهم انه خطه وامر القادر بمكاتبة شرف الدوله بذلك، فاتصل الخبر بأبي القاسم فهرب ليلاً مع بعض غلمانه الى البطيحه ثم الموصل ثم الى الشام، ومات في طريقه فحمل في تابوت الى مشهد علي فدفن بالقرب منه بناء على وصيته.

يقول ابن ابي الحديد: كنت برهة اسأل ابا جعفر عن القصيدة وهو يدافعني بها حتى املاها علي بعد حين. وقد اورد عبد الحميد بعض ابيات القصيدة لانه لم يستبجز ولم يستحل ايرادها على وجهها الكامل، وهو يذكر في اولها رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) ويقول: انه لولا الانصار لم تستقم لدعوته دعامة ولا ارست له قاعدة.ويقول ابن ابي الحديد ان بعض ابيات القصيدة فاحشة كرهنا ذكرها ومنها:

نحنُ الذينَ بِنا استجارَ فَلَمْ يَضِعْ *** فينا وأصبَحَ في أعَزِّ جِوارِ

ص: 109


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغه / 7/ 148- 150

بِسيوفِنا أمْسَتْ سُخَيْنَةُ بُرَّكاً *** في بَدْرِها كَنَحائِرِ الجَزّارِ

وَلَنَحْنُ في أُحُدٍ سَمَحْنَا دُونَهُ *** بِنفوسِنا للمَوتِ خَوفَ العارِ (1)

ان التدقيق في هذه الروايات الشفوية وتمحيصها وسبرها، يبين لنا جملة من الامور. واول هذه الامور، الشخص الذي رويت عنه، فقد ورد اسمه باشكال مختلفة، فهو تارة: ابو جعفر يحيى بن ابي زيد الحسني 0(2)واخرى: ابو جعفر يحيى بن محمد بن ابي زيد 0(3) وثالثة: ابو جعفر يحيى بن محمد ابي يزيد 0(4)ورابعة: ابو جعفر يحيى بن ابي زيد العلوي 0 (5) وخامسة: ابو جعفر يحيى بن محمد العلوي.(6) وسادسة: ابو يحيى جعفر بن يحيى بن ابي زيد.(7)وسابعة:ابو زيد يحيى بن زيد العلوي

البصري. (8)

ان المرجح ان تكون هذه التسميات كلها لشخص واحد هو نقيب البصرة ابو جعفر يحيى بن محمد بن ابي زيد الحسني العلوي البصري النقيب، شيخ ابن ابي الحديد واستاذه. ويرجع ذلك الاختلاف الى النساخ الذين نسخوا الكتاب ويؤيد هذا القول ان ابن ابي الحديد لم يشر الى اختلاف شخوصهم، او ان بعضهم ابناء بعض او احفادهم، كما كان يفعل حينما يروي عن احدهم ثم يروي عن ابنه او حفيده، مشيراً الى ذلك ومنبهاً عليه.

وثاني تلك الامور ان هذه الروايات الشفوية لم يكن يقصد منها حصول العلم بحادثة، بل كان القصد منها المناقشة والجدل في امور تاريخية غاية في الخطورة، اختلف فيها المسلمون اختلافاً جر الى الاقتتال في فترات متعددة، تذكرها كتب التاريخ، وصولاً الى رأى علمي واضح يتفق عليه السائل والمسؤول. ونستطيع ان نشبه مناقشات ابن ابي الحديد باساليب المقابلات الصحفية المعاصرة، فهي تستفز المسؤول باسئلتها كي يعطي ما عنده من معلومات، تصبّ في المسألة الرئيسية. وهكذا فان ابن ابي الحديد كان يستفز النقيب ابا جعفر باسئلته كي يخرج كل ما دفن عنده من معلومات، وكاد ان يحصل هذا – في احداها – حينما خلت الدار الا منهما، ليتحدثا بشكل مكشوف وصريح، لولا دخول بعض من كان يخشاه النقيب ابو جعفر.

وثالث تلك الامور: ان ابن ابي الحديد كان – في جداله وحواره ونقاشه – متادباً غاية التأدب مع استاذه النقيب ابي جعفر. فمع حساسية الاسئلة التي يطرحها وعمق نقاط الاختلاف بين الطرفين التي يجادل فيها، فقد كان يستمع بهدوء العلماء وسعة صدورهم وتفتح اذهانهم. على انه لم يكن يهادن استاذه ان لم يكن مقتنعا بحججه التي يسوقها اليه.

ص: 110


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغه / 6/ 14
2- م. ن. / 13/ 304
3- م.ن. / 12 / 82
4- م. ن. / 11/ 115
5- م.ن. / 12/ 3
6- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة /20 / 10
7- م.ن. / 16/ 215
8- م.ن. / 3/ 249

ونلاحظ رابعاً: ان المعلومات التاريخية التي يذكرها ابو جعفر تفتقر الى السند، فهو يذكرها دون ان يحدد المصدر او المرجعية في تلك المعلومات، مع التذكير بان ابن ابي الحديد قد اتقن هذه الطريقة عن استاذه فاستعملها في اماكن متعدده من شرح النهج، واخص بالذكر حديثه المستفيض عن اجتياح التتر للمشرق الاسلامي، فقد ذكر تفاصيل دقيقة دون ان يذكر مصادره في هذا الموضوع.

2.مروياته عن استاذه فخار بن معد الموسوي العلوي الاودي.(1):

روى ابن ابي الحديد انه حضر يوماً مجلس استاذه فخار بن معد العلوي الموسوي الفقيه على رأي الشيعة الامامية في داره بدرب الدواب ببغداد سنة ثمان وستمائة، وقارئ يقرأ عنده مغازي الواقدي ومنها روايته عن محمد بن سلمه يقول: سمعت اذ ناي وابصرت عيناي رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) يوم احد وقد انكشف الناس الى الجبل، وهو يدعوهم وهم لا يلوون عليه، سمعته يقول: اليَّ يافلان، اليَّ يافلان، انا رسول الله، فما عرج عليه واحد منهما، ومضيا، فاشار ابن معد اليَّ ان اسمع، فقلت: وما في هذا ؟ قال هذه كناية عنهما

( ابي بكر وعمر )، فقلت ويجوز ان لايكون عنهما، لعله عن غيرهما، قال: ليس في الصحابة من يحتشم ويستحيا من ذكره بالفرار وما شابه من العيب فيضطر القائل الى الكناية الا هما 0 قلت هذا وهم، فقال: دعنا من جدلك ومنعك 0 ثم حلف انه ما عنى الواقدي غيرهما، وانه لو كان غيرهما لذكره صريحا، وبان في وجهه التنكر من مخالفتي له.(2)

ويروي ابن ابي الحديد، في شرح قول علي (( لله بلاد فلان، او لله بلاء فلان )) يقول (( وفلان المكنى عنه: عمر بن الخطاب.... حدثني بذلك فخار بن معد الموسوي الشاعر )) (( وقد وجدت النسخة التي بخط الرضي وتحت فلان (عمر) )).(3)

ويقول ابن ابي الحديد ان فخار بن معد العلوي الموسوي حدثه فقال:رأى المفيد ابو عبد الله محمد بن النعمان العكبري، الفقيه الامام، في منامه، كأن فاطمة بنت رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، دخلت عليه وهو في مسجده بالكرخ، ومعها ولداها الحسن والحسين، صغيرين فسلمتهما اليه، قالت له: علمهما الفقه، فانتبه متعجباً من ذلك، فلما تعالى النهار في صبيحة تلك الليلة التي رأى فيها الرؤيا، دخلت اليه المسجد، فاطمة بنت الناصر، وحولها جواريها، وبين يديها ابناها: محمد الرضي وعلي المرتضى صغيرين، فقام اليها وسلم عليها، فقالت له: ايها الشيخ هذان ولداي قد احضرتهما لتعلمهما الفقه. فبكى ابو عبد الله وقص عليها المنام، وتولى تعليمهما الفقه، وانعم الله عليهما، وفتح لهما من ابواب العلوم والفضائل ما اشتهر عنهما في افاق الدنيا، وهو باق ما بقى الدهر.(4)

يتضح من النظر في هذة الروايات ان ابن ابي الحديد اورد اسم المروي عنه بصورتين: الاولى فخار بن معد الموسوي الشاعر، والثانية: محمد بن معد العلوي الموسوي الفقيه، ويبدو ان الاسمين لشخص واحد هو: استاده المعروف، وان التسميه ب- (محمد ) بدل (فخار ) انما هي من تصحيف النساخ، التي لم ينتبه اليها محقق شرح نهج البلاغة. كما انه

ص: 111


1- انظر ترجمة فخار بن معد العلوي في ص53 من هذه الاطروحة
2- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 15 / 23- 24
3- م.ن. / 12/ 3-5
4- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 1/ 41

تلقيبه بالفقيه مرة، وبالشاعر اخرى، لايقدح في كون الاسمين لشخص واحد مع الكراهية المعروفة عند العلماء بان يكون الفقيه شاعراً.

كما يتضح ان اثنتين من تلك الروايات قصد بها رواية الحدث التاريخي رواية شفوية فحسب، اما الثالثة فقد كانت تحدياً من الاستاذ لتلميذه، على عكس ما كانت عليه حوارات ابن ابي الحديد مع استاذه النقيب ابي جعفر، ففي تلك الحاله كان التلميذ ابن ابي الحديد يستفز استاذه النقيب باسئلة محرجة، وحين يجيبه استاذه، يناقشه مناقشة علمية هادئة، وصولاً الى حقيقة مشتركة بينهما، اما هنا، فان فخار بن معد الاستاذ، يستفز تلميذه بمسألة ترك ابي بكر وعمر لساحة معركة احد، وحين يجادله ابن ابي الحديد نجد الاستاذ يمتعض ويؤكد وجهه نظرة بالقسم على صحة المعلومة. والفرق واضح بين الحالتين.

ج. مرويات متنوعة عن بعض معاصريه

يروي ابن ابي الحديد عن صديقه علي بن يحيى البطريق (1)انه قال: لولا خاصية النبوة وسرها لما كان مثل ابي طالب، وهو شيخ قريش ورئيسها وذو شرفها، يمدح ابن اخيه محمدا (صلی الله علیه و آله و سلم)، وهو شاب قد ربى في حجره، وهو يتيمه ومكفوله وجاري مجرى اولاده بمثل قوله:

وتلقوا ربيع الابطحين محمداً *** على ربوة في راس عنقاء عيطل

وتأوي اليه هاشم ان هاشماً *** عرانين كعب اخر بعد اول

ومثل قوله:

وابيض يستسقى الغمام بوجهه *** ثمال اليتامى عصمة للارامل

يطيف به الهلّاك من آل هاشم *** فهم عنده في نعمة وفواضل

فان هذا الاسلوب من الشعر.... انما هو من مديح الملوك والعظماء، فاذا تصورت انه شعر ابي طالب، ذلك الشيخ المبجل العظيم، في محمد (صلی الله علیه و آله و سلم)، وهو شاب مستجير به، معتصم بظله من قريش.... يأكل من زاده، ويأوى الى داره، علمت موضع خاصية النبوة وسرها وان امره كان عظيماً، وان الله تعالى اوقع في القلوب والانفس له منزلة ومكاناً جليلاً.(2)

ويذكر ابن ابي الحديد انه حضر وهو غلام بالنظامية ببغداد، في بيت عبد القادر الواسطي المعروف ب- ( المحب ) خازن دار الكتب بها، وعنده في البيت باتكين الرومي،(3)

ص: 112


1- شمس الدين علي بن يحيى ابي الحسن بن الحسين بن علي بن محمد بن البطريق الحلي، عالم فاضل محقق ثقه صدوق، له كتب منها: العمدة، المناقب، اتفاق الاثر في امامة الاثنى عشر، خصائص الوحي، يروي عنه فخار بن معد وعماد الدين الطبري،انظر: الامين / اعيان الشيعة / ج 52 / 31.
2- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغه / 14/ 63
3- باتكين بن عبد الله الرومي الناصري (ت 640ﻫ ) ابو المظفر شمس الدين، وال من العلماء والشعراء، كان مملوكاً لعائشه بنت الخليفة المستنجد بالله، وخدم في الجيش واقام بتكريت مده وسلمت اليه البصرة بحربها وخراجها فاقام بها ثلاثاً وعشرين سنة، فعمرها وبنى لها سوراً محكماً وجدد بها مدارس كانت قد درست وانشأ مدرسة للحنابلة ومدرسة لعلم الطب،وحين ملك الخليفة المستنصر اربل سنة 630 ﻫ نقله من البصرة اليها والياً حرباً وخراجاً، فازال = =المكوس واصلح السور وحفر خندقاً، ودخلها المغول في عهده سنة 635 ﻫ بعد حرب وحصار ففارقها الى بغداد ولزم داره الى ان توفى / انظر: - الحوادث الجامعة / ص 480.

الذي ولي اربل اخيراً، وعنده ايضاً جعفر بن مكي الحاجب، فجرى ذكر يوم احد، وشعر ابن الزبعري وغيره، وان المسلمين اعتصموا بالجبل فاصعدوا فيه، وان الليل حال بين المشركين وبينهم، فانشد ابن مكي بيتين لابي تمام متمثلاً:

لولا الظلامُ وقُلّةٌ عَلقوا بها *** باتتْ رقابُهُمُ بغيرِ قلالِ

فليشكروا جُنْحَ الظلامِ وَذَرْوَداً *** فَهُمُ لِذروَدَ والظلامِ موالي

فقال باتكين: لاتقل هذا ولكن قل (( قد صدقكم الله وعده اذ تحسونهم باذنه حتى اذا فشلتم وتنازعتم في الامر وعصيتم من بعد ما اراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الاخره ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفاعنكم والله ذو فضل على المؤمنين )) (1). وكان باتكين مسلماً، وكان جعفر سامحه الله مغموصاً عليه في دينه.(2)

ويروي ابن ابي الحديد عن ابن النجار المحدث انه سأله عن صياح الشيطان( في معركة احد ): قتل محمد،فانهزم اكثرالمسلمين ثم ثابوا الى النبي(صلی الله علیه و آله و سلم) فحاربوا دونه، ثم اصعدوا في الجبل معتصمين به....، فقال ابن النجار ان الشيطان صاح: قتل محمد دفعتين، دفعة في اول الحرب ودفعة في اخر الحرب لما تصرّم النهار وغشيت الكتائب رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وقد قتل ناصروه فلم يبق معه الانفر يسير لايبلغون عشرة وهذه كانت اصعب واشد من الاولى..... قلت له: فكان القوم مختلطين في الصرخة الثانية حتى يصرخ الشيطان: قتل محمد ؟ قال:نعم، المشركون قد احاطوا بالنبي وبمن بقى معه من اصحابه، ولم يكن قتل، ولكن اشتبهت صورته عليهم. واكثر من حامي عنه: علي وابو دجانة وسهل بن حنيف، وحامى هو عن نفسه.... قلت له: فما بال القوم الذين اصعدوا الجبل من المشركين ؟ وكيف كان اصعادهم وعدوهم ؟ فقال: اصعدوا لحرب المسلمين لا لطلب رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، لانهم ظنوا انه قد قتل، وهذا كان السبب في عودهم من الجبل.. قلت: فما بالهم لم يقصدوا المدينة وينهبوها ؟ قال: كان فيها عبد الله بن ابي في ثلثمائة مقاتل، وفيها خلق كثير من الاوس والخزرج، لم يحضروا الحرب وهم مسلمون، وطوائف اخر من المنافقين لم يخرجوا وطوائف من اليهود اولى بأس وقوة، ولهم بالمدينة عيال، واهل ونساء، وكل هؤلاء كانوا يحامون عن المدينة.. فكان الرأي الاصوب لهم العدول عن مهاجمة المدينة ونهبها وترك قصدها (3).

ويتحدث ابن ابي الحديد انه تذاكر مع احمد بن جعفر الواسطي، وكان ذا فضل وعقل وكان امامي المذهب في افضلية علي على الحمزة وجعفر بن ابي الطالب، فقال الواسطي، الست تعلم ان اصحابكم المعتزلة على قولين: احدهما ان اكثر المسلمين ثوابا ابو بكر، والاخر ان اكثر المسلمين ثوابا علي، واصحابنا يقولون، ان اكثر المسلمين ثوابا علي، وكذلك الزيدية، فقد خلص من مجموع هذه الاقوال، ثواب حمزة وجعفر دون ثواب علي.. اما الباقون فعندهم ان اكثر المسلمين ثوابا، ابو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، ولم يذهب احد ان ثواب حمزة وجعفر اكثر من ثواب علي من جميع الفرق، فقد ثبت الاجماع الذي

ص: 113


1- آل عمران / 152
2- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 14/280.
3- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 15 / 28 – 30.

ذكره ابو جعفر النقيب، اذا فسرنا الافضلية بالاكثرية ثوابا، بزيادة المناقب والخصائص وكثرة النصوص الدالة على التعظيم، فمعلوم، ان أحدا من الناس لا يقارب عليا في ذلك لا جعفر ولا حمزة ولا غيرهما (1).

وروى ابن ابي الحديد عن علي بن مهنّأ العلوي، وهو ذكي وذو فضائل من الحلة، ان ابن مهنأ ساله، ما تظن قصد ابي بكر وعمر وبمنع فاطمة فدك ؟. قلت: ما قصدا ؟، قال: ارادا الا يظهرا لعلي – وقد اغتصباه الخلافة – رقة وليناً، ولا يرى عندهما خورا، فاتبعا القرح بالقرح (2).

وسأل ابن ابي الحديد علياً بن تقي، وهو متكلم من متكلمي الامامية، من بلدة النيل: هل كانت فدك الا نخلا يسيرا وعقارا ليس بذلك الخطير ؟ فقال لي: ليس الامر كذلك، بل كانت جليلة جدا ، وكان فيها من النخيل نحو ما بالكوفة من النخل، وما قصد ابو بكر وعمر بمنع فاطمة عنها إلّا ألّا يتقوّى علي بحاصلها وغلتها على المنازعة في الخلافة، ولهذا اتبعا ذلك بمنع فاطمة وعلي وسائر بني هاشم وبني المطلب حقهم في الخمس، فان الفقير الذي لا مال له، تضعف همته ن ويتصاعر عند نفسه ويكون مشغولا بالاحتراف والاكتساب عن طلب الملك والرياسة (3).

وروى ابن ابي الحديد انه سال استاذه الشيخ ابا يعقوب يوسف بن اسماعيل اللمعاني (4) ايام اشتغاله عليه بعلم الكلام عما عنده مما يروي من ضغن عائشة على فاطمة وعلي، فاجابه بجواب طويل يقول عنه " اذكر انا محصوله، بعضه بلفظه فقد شذعني الان لفظه كله بعينه "، قال اول بدء الضغن زواج النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) من عائشة عقب موت خديجة، فاقامها مقامها، وفاطمة بنت خديجة. واتفق ان الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) مال اليها واحبها، فازداد ما عند فاطمة، ثم اكرم فاطمة اكراما عظيما، حتى خرج بها عن حد حب الاباء للابناء. باحاديث صحيحة كثيرة، ثم حصل عند بعلها ( علي) ما حصل عندها، وكانت تكثر الشكوى من عائشة وتشكوها الى ابيها رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) كما كانت عائشة تشكو عند ابيها، لان بعلها لا يشكيها. وحصل تقريب النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) لعليّ واختصاصه به، فاحدث ذلك حسدا له وغبطة في نفس ابي بكر وهو ابوها، وفي نفس طلحة وهو ابن عمها، كما كان علي ينفس على ابي بكر سكون النبي اليه وثناؤه عليه.. ثم جاء امر القذف ما كان.. فكان علي من المشيرين على رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) بطلاقها تنزيها لعرضه من اقوال الشناة والمنافقين.. ثم انتصرت عائشة حين نزل القرآن ببراءتها، فكان انتصارا بعد قهر. واتفق فاطمة ولدت اولادا كثيرة، ولم عائشة، كما سدّ النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) باب ابيها الى المسجد وفتح باب علي، ثم بعث اباها ببراءة الى مكة ثم عزله عنها بصهره علي، وولد لرسول الله

(صلی الله علیه و آله و سلم) ولد هو ابراهيم من مارية، فاظهر علي سرورا كثيرا، وجرى لمارية نكبة مشابهة لنكبة عائشة، فبرأها علي منها وكشف بطلانها، او كشفه الله على يده، كل ذلك كان

ص: 114


1- م. ن. / 11 / 119.
2- م. ن. / 16 / 236.
3- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 16 / 236 – 237.
4- اللمعاني / يذكره هنا بالعين المهملة، وقد ذكره سابقا بالغين المعجمة، انظر ترجمة ابي يعقوب يوسف بن اسماعيل في ص من هذه الاطروحة.

يوغر صدر عائشة ويؤكد ما في نفسها منه. وبقيت الامور على ما هي عليه، حتى مرض رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، وكان على وفاطمةيريدان ان يمرضاه في بيتهما، فمال الى بيت عائشة، بمقضتى المحبة القلبية، وكره ان يزاحم فاطمة وبعلها في بيتهما، فغبطت على ذلك، ثم ان عليا لم يشك ان الامر له، لا ينازعه فيه احد من الناس، ولما ثقل مرض رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) انفذ جيش اسامة وفيه ابو بكر وعمر، كي لا يزاحمه احد، فكان من عود ابي بكر وما كان من حديث الصلاة، بالناس، فنسب علي الى عائشة انها امرت بذلك، وكان علي يذكر هذا لاصحابه، ويدعو عائشة في خلواته وبين خواصه، وتظلم منها الى الله، وجرى له في تخلفه عن البيعة، ما هو مشهور، حتى بايع.. وكان يبلغه وفاطمة عن عائشة كل ما يكرهانه، منذ مات رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) الى ان توفيت فاطمة. فانخذل علي وفاطمة، وقهرا، واخذت فدك، وخرجت فاطمة تجادل في ذلك مرارا فلم تظفر بشيء. وفي ذلك تبلغها النساء عن عائشة كل كلام يسوؤها، ويبلغن عائشة عنها وعن بعلها ما بين ذلك، الا انه شتان ما بين الحالتين، هذه غالبة وهذه مغلوبة، وظهر التشفي والشماتة ولا شيء اعظم مرارة ومشقة من شماتة العدو، ثم ماتت فاطمة فجاء نساء النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) كلهن في العزاء الى بني هاشم الا عائشة، فانها لم تات، ونقل الى علي كلام يدل على السرور، ثم بايع على اباها فسرت بذلك، واظهرت بطلان منازعة الخصم، واستمرت الامور على هذا مدة خلافة ابيها وعمر وعثمان، والقلوب تغلي والاحقاد تذيب الحجارة. الى ان قتل عثمان، وقد كانت عائشة فيها اشد الناس عليه تحريضا وتاليبا، واملت ان تكون الخلافة في طلحة، فتعود الامرة تيمية.. فعدل الناس عنه الى علي، فلما سمعت بذلك، صرخت، واعثماناه واعثماناه، قتل عثمان مظلوما.. وثار ما في الانفس حتى تولد من ذلك يوم الجمل وما بعده (1).

وذكر ابن ابي الحديد ان جعفر بن مكي الحاجب، حدثه فقال: سالت محمد بن سليمان، حاجب الحجاب (2). عما عنده في امر علي وعثمان، فقال: هذه عدواة قديمة النسب بين بني هاشم وبين بني عبد شمس، وكان حرب بن امية نافر عبد المطلب بن هاشم، وكان ابو سفيان، يحسد محمدا، ولم تزل الثنتّان متباغضتين، وان جمعتهما المنافية، ثم، زوج الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) ابنته عليا، وزوج عثمان بابنته الاخرى فكان اختصاص رسول الله

(صلی الله علیه و آله و سلم) لفاطمة اكثر من الاخرى، ثم تزوج عثمان الثانية بعد الاولى، وزاد قرب رسول الله لعلي واستخلاصه لنفسه اكثر من اختصاصه لعثمان، فنفس عثمان عليه ذلك، وباعد ما بين قلبيهما ثم اتفق ان عليا قتل جماعة كثيرة من بني عبد شمس في حروب الرسول، فتاكد الشنآن وكان في نفس علي امور من الخلافة لم يمكنه اظهارها في ايام ابي بكر وعمر. فاظهرها ايام عثمان وابدى ما كان مستورا من امور الخلاقة، مع ان عليا لم ينكر من امر عثمان الا منكرا، وكان عثمان مستضعفا رخوا قليل الحزم، واهي العقيدة، سلم عنانه الى مروان يصرفه كيف يشاء فالخلافة له في المعنى ولعثمان في الاسم، فلما انتقض على عثمان امره، استصرخ عليا ولاذ به، فدافع عنه حيث لاينفع الدفاع. ويستمر الحوار بين جعفر ومحمد بن سليمان حول شخصية علي وعثمان وامر الخلافة وهل هناك نص

ص: 115


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 9 / 192 – 199.
2- يقول ابن ابي الحديد انه قد رأي محمدا هذا، وكانت له به معرفة غير مستحكمة، وكان ظريفا اديبا، وقد اشتغل بالرياضيات من الفلسفة ولم يكن يتعصب لمذهب بعينه انظر: م. ن. / 9 / 24.

فيها، ورأي المعتزله في ان يكون الامر مهملا، غير معين، اقرب الى فعل الواجب وتجنب القبيح... ثم ذكر سببا اخر للاختلاف هو جعل عمر الامر شورى في الستة ولم ينص على واحد بعينه، فبقي في نفس كل واحد منهم انه اهل للملك والسلطة فلم يزل ذلك في نفوسهم واذهانهم مصورا. قال محمد: واعجب من ذلك ان عمر استعمل المؤلفة قلوبهم من الطلقاء وابناء الطلقاء، كيزيد بن ابي سفيان ومعاوية، وسعيد بن العاص، وفلانا وفلانا ولم يستعمل عليا والعباس والزبير وطلحة، فلما سئل عن ذلك، قال عمر، اما علي فانبه من ذلك واما هؤلاء النفر من قريش فانى اخاف ان ينتشروا في البلاد، فيكثروا فيها الفساد. فقلت انا ( ابن ابي الحديد) لجعفر: هذا كله تحكيه عن محمد بن سليمان، فما تقول انت ؟ فقال:

اذا قالت حذام فصدّقوها *** فان القول ما قالت حذام (1)

ويقول ابن ابي الحديد انه سال بعض من يثق به من عقلاء وشيوخ اهل الكوفة، عما ذكره الخطيب ابو بكر في تاريخه: ان قوما يقولون ان هذا القبر الذي تزوره الشيعة الى جانب الغري، هو قبر المغيرة بن شعبة: فقال: غلطوا في ذلك، قبر المغيرة وزياد بالثوية من ارض الكوفة، ونحن نعرفهما، وننقل ذلك عن آبائنا واجدادنا، وانشد لي قول الشاعر يرثي زيادا، وقد ذكره ابو تمام في الحماسة:

صَلّىُ الألهُ على قَبرٍ وطَهَّرَهُ *** عند الثَويّةِ يَسفي فَوقَهُ المُورُ

زَفَّتْ اليهِ قريشٌ نَعشَ سيّدِها *** فالحلمُ والجودُ فيهِ اليومَ مقبورُ

ابا المُغيرَةِ والدُنيا مُفَجَّعَةٌ *** وانّ مَنْ غَرَّت الدُنيا لَمغرورُ (2)

وسال ابن ابي الحديد نقيب الطالبيين قطب الدين ابا عبد الله الحسين بن الاقساسي (3) عن ذلك فقال له صدق من اخبرك، نحن واهلها كافة نعرف مقابر ثقيف الى الثوية وهي الى اليوم معروفة، وقبرا لمغيرة فيها، الا انها لا تعرف قد ابتلعها السبخ وزبد الارض وفورانها فطمست، واختلط بعضها ببعض. ثم قال: ان شئت ان تتحقق ان قبر المغيرة في مفابر ثقيف، فانظر الى كتاب الاغاني لابي الفرج علي بن الحسين والْمَحْ ما قاله في ترجمة المغيرة، وانه مدفون في مقابر ثقيف، ويكفيك قول ابي الفرج، فانه الناقد البصير، والطبيب الخبير.

ويقول ابن ابي الحديد انه تصفَّحَ ترجمة المغيرة في الكتاب المذكور، فوجد الامر كما قاله النقيب. (4)

ويروي ابن ابي الحديد ان يحيى بن سعيد بن علي الحنبلي المعروف بابن عالية من ساكني قَطُفْتا بالجانب الغربي من بغداد، واحد الشهود المعدلين بها، قال: كنت حاضرا

ص: 116


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 9 / 24 – 28.
2- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة/ 6 / 123 – 124.
3- الشريف قطب الدين ابو عبد الله الحسين النقيب بن علم الدين الحسن النقيب الطاهر بن علي بن حمزة بن كمال الشرف ابي الحسن.. المعروف بابن الاقساسي، يرجع نسبه الى زيد الشهيد، توفي ببغداد سنة 645ﻫ وحمل الى الكوفة فدفن بمقبرة السهلة، كان نقيبا لنقباء العلويين ادبيا فاضلا، يقول شعرا جيدا، حبس ايام الخليفة الناصر، ولم يزل محبوسا الى خلافة الظاهر، فاطلق سراحه، كان معاصرا لابن ابي الحديد، انظر: الامين / اعيان الشيعة / 25 / 310.
4- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 6 / 124.

مجلس الفخر اسماعيل بن علي الحنبلي الفقيه المعروف بغلام ابن المنى (1)، قال ابن عالية: ونحن عنده نتحدث اذ دخل شخص من الحنابلة، قد كان له دين على بعض اهل الكوفة، فانحدر اليه يطالبه به، واتفق ان ذلك كان في زيارة يوم الغدير قال ابن عالية: فجعل الشيخ الفخر يسأل ذلك الشخص: ما فعلت ما رأيك هل وصل اليك مالك ؟ والرجل يجاوبه حتى قال له: يا سيدي لو شاهدت يوم الزيارة، يوم الغدير، وما يجري عند قبر علي، من الفضائح والاقوال الشنيعة وسب الصحابة جهارا باصوات مرتفعة، من غير مراقبة ولا خيفة، فقال اسماعيل: أي ذنب لهم، والله ما جرأهم على ذلك ولا فتح لهم هذا الباب الا صاحب القبر، علي بن ابي طالب، قال يا سيدي هو الذي سنّ لهم ذلك وعلّمهم اياه وطرّقهم اليه ؟ قال: نعم والله، قال يا سيدي فان كان محقا فمالنا ان نتولى فلانا وفلانا ؟ وان كان مبطلا فمالنا نتولاه ؟ ينبغي ان نبرأ اما منه واما منهما، فقال ابن عالية، فقام اسماعيل مسرعا، فلبس نعله وقال " لعن الله اسماعيل الفاعل ان كان يعرف جواب هذه المسالة " ودخل دار حرمه وقمنا نحن وانصرفنا (2).

وفي حديث ابن ابي الحديد، عما يسميه ( جنكز وفنتة التتر) يقول: ان فقيها خراسانيا يعرف بالبرهان، وصل الى بغداد فحكى له: ان اخا له ممن كان يثق به خوارزم شاه ويختصه، قال: لهج خوارزم شاه لما تغيّر عقله بكلمة كان يقولها " قرا تتر كلدي " يكررها، وتفسيرها " التتر السود قد جاءوا ". وفي التتر صنف يشبهون الزنج لهم سيوف عريضة جدا، على غير صورة هذه السيوف ياكلون لحوم الناس، فكان خوارزم شاه قد أهتَر واغري بذكرهم (3). وحدثني البرهان قال: رقي به شمس الدين انليمش الى قلعة من قلاع الهند حصينة عالية شاهقة لا يعلوها الغيم ابدا، وانما تمطر السحب من تحتها وقال له: هذه القلعة لك، وذخائرها اموالك، فكن فيها وادعا آمنا الى ان يستقيم طالعك.. فقال له: لا اقدر على الثبات فيها والمقام بها، لان التتر سوف يطلبونني، ويقدمون الى هنا، ولو شاؤوا لوضعوا سروج خيلهم، واحدا على واحد تحت القلعة، فبلغت الى ذروتها، وصعدوا عليها، فاخذوني قبضا باليد، فعلم انليمش ان عقله قد تغير، فقال. فما الذي تريد ؟ قال: اريد ان تحملني في البحر المعروف ببحر المعبر الى كرمان، فحمله في نفر يسير من مماليكه الى كرمان، ثم خرج منها الى اطراف بلاد فارس، فمات هناك في قرية من قراها، واخفي موته لئلا يقصده التتر، وتطلب جثته (4).

وعلى ذكر قول علي " سلوني " روى ابن ابي الحديد ان شخصا يثق به من اهل العلم حدثه حديثا فيه بعض الكلمات العامية، الا انه يتضمن ظرفا ولطفا ويتضمن ايضا ادبا، يروي له قصة وقعت لاحد الوعاظ ببغداد ايام الناصر لدين الله ابي العباس احمد، كان يجتمع اليه تحت منبره خلق كثير من عوام بغداد، ومن فضلائها ايضا، وكان مشتهرا بذم

ص: 117


1- يقول ابن ابي الحديد عنه انه مقدم الحنابلة ببغداد في الفقه والخلاف ويشتغل بشيء في علم المنطق، وكان حلو العبارة، وقد رآه بنفسه وحضر عنده وسمع كلامه، وتوفي سنة عشر وستمائة، انظر ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 9 / 308.
2- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 9-307 – 308.
3- م. ن. / 8 / 228.
4- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 8 / 228.

اهل الكلام من المعتزلة واهل النظر وارباب العلوم العقلية، وكان منحرفا عن الشيعة، فاتفق قوم من رؤوساء الشيعة على ان يضعوا عليه من يسأله تحت منبره ويخجله ويفضحه بين الناس في المجلس، وانتدبوا لذلك شخصا ببغداد يعرف باحمد بن عبد العزيز الكزي (1). فاحضروه وطلبوا اليه ذلك فاجابهم. ويستمر الراوي في قصته التي تنتهي بهرج ومرج في المجلس وحدوث فتنة وتدخل شرطة السلطان، وحمل الواعظ حتى أُدخل دارا أغلق عليه بابها، وأخذ الكزّيّ، فحبس اياما لتطفأ ثائرة الفتنة ثم اطلق (2).

ومن طرائف روايات ابن ابي الحديد الشفوية: انه سمع ابا محمد بن خليد (3)يقول لمن قال له: قد قيل عنك: ان واسط والبصرة قد خربت لشدة العنف بأهلها في تحصيل الاموال فقال ابو محمد " ما دام هذا الشط بحاله، والنخل نابتا في منابته بحاله، ما تخرب واسط والبصرة ابدا " (4).

تبدو في تحليل هذه الروايات – امور منها: طريقة ابن ابي الحديد الفذة في استدراج محاوره للحديث، ففي رواية على بن مهنّأ، كان ابن مهنّأ يسأل ابن ابي الحديد ويطلب منه الجواب، الا انه يحول السؤال اليه ثانية بقوله : وما تقول انت ؟ ما قصدك ؟ ويبدأ ابن مهنا الذي كان يسأل، بالجواب عن سؤاله، ليخرج مكنوناته في المسألة. وفي رواية على بن تقي، حين ساله عما تحتويه فدك، ولا شك ان ابن ابي الحديد كان يعرف قيمة فدك وما تحويه، الا انه اراد سندا يدعم به معلوماته، فحصل عليه، ثم هو يجر علي بن تقي جرا الى ربط موضوع اخذ فدك من فاطمة، بموضوع منع بني هاشم من حقهم في الخمس لافقارهم اقتصاديا لينشغلوا بانفسهم عن طلب الحكم.

والطريف ان ابن ابي الحديد لا يكتفي بسماع الرواية الشفوية يتحدث بها الراوي على لسان طرف ثالث، بل يلح في طلب رأي الراوي شخصيا في الحدث، كما في رواية جعفر بن مكي الحاجب، فيضطر جعفر الى الاجابة بالقول:

اذا قالت حذام فصدقوها *** فأنّ القول ما قالت حذام

الا ان عبد الحميد لا ينسى ان يذكر خبر حضوره في بيت عبد القادر الواسطي المحب، والابيات التي استشهد بها جعفر بن مكي الحاجب، ليقول عنه في النهاية " كان جعفر سامحه الله مغموصا عليه في دينه "(5)،.

وثاني تلك الامور وقوف بعض العلماء حائرين امام موضوع خلافة النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ) كما في رواية يحيى بن سعيد الحنبلي وحيرة الفخر اسماعيل امام تلك المسالة، فلا شك ان موضوع الخلافة من المواضيع الخلافية الخطيرة في التاريخ العربي الاسلامي، الا ان الكثيرين قد وصلوا الى نتائج محددة حسمت الموضوع، كالذين اقتنعوا بوجود النص او كالذين انكروا النص، او كالذين قالوا بافضلية علي على غيره مع تقديم غيره للخلافة،

ص: 118


1- يقول ابن ابي الحديد عنه " كان له ليس، ويشتغل بشيء يسير من كلام المعتزلة ويتشيع وعنده قحة، وقد رأيت هذا الشخص في آخر عمره، وهو يومئذ شيخ، والناس يختلفون اليه في تعبير الرؤيا " انظر: م. ن. / 13 / 107.
2- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 13 / 107 – 109.
3- م. ن. / 17 / 73.
4- كان صاحب ديوان الخراج في ايام الخليفة الناصر لدين الله. انظر م. ن / 17 / 73.
5- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 14 / 280.

لمصلحة اقتضتها الحكمة. وخبر الفخر اسماعيل يعطينا فكرة ان من العلماء من لا تزال الصورة امامه مبهمة فلم يصل الى نتيجة قاطعة.

وثالث الامور التي تستخلص من تلك الروايات، حرية الفكر العجيبة التي كانت سائدة، فانت تسمع وتقرأ كل الاراء، يعرضها لك ابن ابي الحديد سواء اكانت مخالفة لرأيه او مطابقة لها، بل سواء اكانت متفقة مع الخط العام للمجتمع او معاكسة لاتجاهه، مع ان تلك الاراء الخلافية قد عصفت بالمجتمع وادت في العديد من الاحيان، الى معارك جرت فيها الدماء، انتصارا لفئة، او اعتداء على فئة اخرى. ومع اننا نعد تلك الفترة، فترة ظلامية من الناحية السياسية، فلقد بقيت العلوم والاداب والثقافات سمة ذلك المجتمع الواضحة.

*** ج- شهادات العيان

من الواضح انه لم يكن من منهج عبد الحميد بن ابي الحديد المعتزلي الاستعانة بمشاهداته العيانية في كتابة الاحداث التاريخية، فلم تتعد الرواية التي كان شاهد عيان لها أمراً ابتعد كل البعد عن الاحداث الجسام التي حدثت على ايامه، وهي دخول التتر الى بغداد واسقاطهم الدولة العباسية سنة 656ﻫ، مع انه كان في قلب الاحداث، وقريبا جدا من مصادر القرار في الدولة، من خلال عمله في ديوان الخلافة والعلاقة الحميمة التي تربطه بالوزير ابن العلقمي، الذي كان الحدث على عهده.

على انه يشير اشارة واضحة الى رؤيته لبعض الاحداث – دون ذكرها فهو يقول " واعلم ان هذا الغيب الذي اخبر علي عليه السلام عنه، قد رأيناه نحن عيانا، ووقع في زماننا، وكان الناس ينتظرونه من اول الاسلام، حتى ساقه القضاء والقدر الى عصرنا، وهم التتار الذين خرجوا من اقاصي المشرق، حتى وردت خيلهم العراق والشام وفعلوا بملوك الخطا وقفجاق، وببلاد ما وراء النهر وبخراسان وما والاها من بلاد العجم، ما لم تحتو التواريخ منذ خلق الله تعالى ادم الى عصرنا هذا على مثله " (1).

لكنه لا يذكر مطلقا ما قال انه رآه عيانا، بل يتحدث عن الاحداث التي سبقت سقوط بغداد، خلال تاليفه لشرح نهج البلاغة، يتحدث عنها دون ذكر المصادر التي استقى معلوماته عنها، وهي احداث امتدت رقعتها الجغرافية لتشمل الشرق الكبير باجمعه.

يقول ابن ابي الحديد في مشاهدته العينية، متحدثا في فصل ( ذكر بعض غرائب الطيور، وما فيها من عجائب) يقول: "انّ عُودَ الحَلْفاءِ الرَخْوِ الدّقيق المَنْبَتِ، يلقى في نباته الآجُرّ والخَزَفُ الغليظ فيثقُبُهُ "، ثم يقول " وقد رأيت في مسنّاة بغداد، في حجر صلد، نبعة نبات، قد شقّت وخرجت من موضع لو حاول جماعة ان يضربوه بالبيارم (2) الشديدة مدة طويلة، لم يؤثر فيه اثرا " (3).

ص: 119


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 8 / 218.
2- البيرم: العتلة، لم اجد فيما راجعته من المعاجم الا هذا المعنى، انظر الفيروزآبادي / 4 / 79.
3- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 9 / 187.

ص: 120

الفصل الثاني: نقد الاصول

اشارة

اظهر عبد الحميد بن ابي الحديد المعتزلي براعة وعلمية في نقده للنصوص التاريخية التي نقلها من اصولها المدونة، فهو لا يقتنع بالوقائع ان لم تكن مطابقة للعقل والصحيح من المرويات، ولقد كان اهتمامه الاساسي ان يصل الى الحقيقة مهما كانت. ويلاحظ في نقده الاصول ان اغلبها من الموضوعات الخلافية الحساسة، ومع ذلك فلم يكن يبالي الا بالحقيقة التي يوصلها اليه فكره بما ثبت لديه من احداث ومرويات.

وقد تم ترتيب نقده للاصول التاريخية على مجموعات ثماني بحسب الموضوعات التي تبحثها وعلى وفق الاتي:

1- معارك الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم)

روى الواقدي انه: لما نزل رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) القليب في بدر، بُنِيَ له عريش من جريد، فقام سعد بن معاذ على باب العريش متوشحا سيفه، فدخل النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) وابو بكر.

يقول ابن ابي الحديد ان ارض بدر لم تكن ارض نخل، وتقول الرواية ان الذي كان معهم من سعف النخل يجري مجرى السلاح كان يسيراً جدا، قيل انه كان بايدي سبعه منهم سعاف، عوض السيوف، والباقون كانوا بالسيوف والسهام والقسي " ان هذا قول شاذ والصحيح انه ما خلا احد منهم عن سلاح اللهم الا ان يكون معهم سعفات يسيرة، وظلل عليها بثوت او ستر، والا فلا ارى لبناء عريش من جريد النخل هناك وجها " (1).

وينقل ابن ابي الحديد عن الواقدي وصفه لمعركة بدر فيقول: دنا الناس بعضهم من بعض، فخرج عتبة وشيبة والوليد، حتى فصلوا من الصف، ثم دعوا الى المبارزة، فخرج اليهم فتيان ثلاثة من الانصار، وهم بنو عفراء معاذ ومعوذ وعوف، بنو الحارث.. فاستحى رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) من ذلك وكره ان يكون اول قتال لقي المسلمون فيه المشركين من الانصار، واحب ان تكون الشوكة لبنى عمه وقومه، فامرهم فرجعوا الى مصافهم، وقال لهم خيرا، ثم نادى منادي المشركين: يا محمد اخرج الينا الاكفاء من قومنا، فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) يا بني هاشم قوموا فقاتلوا بحقكم الذي بعث الله به نبيكم.. فقام حمزة وعلي وعبيد بن الحارث، فمشوا اليهم. يقول ابن ابي الحديد، وروى محمد بن اسحاق في كتاب ( المغازي) خلاف هذه الرواية، ان بني عفراء برزوا الى عتبة وشيبة والوليد، فقالوا لهم: من انتم ؟ فقالوا رهط من الانصار، فقالوا ارجعوا فما لنا بكم من حاجة، ثم نادى مناديهم: يا محمد اخرج الينا اكفاءنا من قومنا، فقال رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم)، قم يا فلان، قم يا فلان (2).

ص: 121


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 14 / 118.
2- ابن هشام ( ابو محمد عبد الملك الحميري) /السيرة النبوية / تحقيق مصطفى السقا وجماعة / ط2 / م مصطفى البابي الحلبي،/ القاهرة / 1375ﻫ – 1955م، وساشير اليه فيما ياتي من الهوامش ب- ( ابن هشام) / 2/ 265: وفيها: قم يا عبيدة قم ياحمزة قم يا علي.

ويرجح ابن ابي الحديد رواية محمد بن اسحاق فيقول: هذه الرواية اشهر من رواية الواقدي، وفي رواية الواقدي ما يؤكد صحة رواية محمد بن اسحاق وهو قوله: ان منادي المشركين نادى " يا محمد اخرج الينا الاكفاء من قومنا " فلو لم يكن بنو عفراء قد كلموهم وردوهم لما نادى مناديهم بذلك، ويدل على ذلك قول بعض القرشيين لبعض الانصار في فخز افتخر به عليه " انا من قوم لم يرض مشركوهم ان يقتلوا مؤمني قومك " (1).

وينقل ابن ابي الحديد عن الواقدي خبر اسرى بدر فيقول: ان الاسرى بعثوا الى ابي بكر وعمر ليشفعا فيهم الى النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) لقبول الفداء، اما ابو بكر فانه قال " نعم ان شاء الله"، واما عمر فانه قال " الا آلوكم شرا" فجاء عمر الى النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ) فوجد ابا بكر يلّين رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) ويغشاه، فقال عمر " يا رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، هم اعداء الله، كذبوك وقاتلوك واخرجوك، اضرب رقابهم فهم رؤوس الكفر وائمة الضلالة.. فسكت رسول الله

(صلی الله علیه و آله و سلم) فمكث ساعة ثم خرج والناس يخوضون في شانهم، فقال (صلی الله علیه و آله و سلم) ما تقولون في صاحبيكم هذين ؟ دعوهما، فان لهما مثلا، مثل ابي بكر في الملائكة كميكائيل، ينزل برضا الله وعفوه على عباده، ومثله في الانبياء..كعيسى اذ يقول " ان تعذبهم فأنهم عبادك وان تغفر لهم فانك انت العزيز الحكيم " (2) ومثل عمر في الملائكة كمثل جبريل، ينزل بالسخط من الله والنقمة على اعداء الله، ومثله في الانبياء كمثل نوح إذ يقول"رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا. " (3). وان بكم عيلة، فلا يفوتنكم رجل من هؤلاء الا بفداء او ضربة عنق.

ويلاحظ ابن ابي الحديد هنا مسالة دقيقة فيقول " عندي في هذا كلام … في اصل الحديث، لان فيه ان رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) قال: ومثله كعيسى اذ قال " ان تعذبهم فانهم عبادك.. الآية " وهذه الاية من المائدة، والمائدة انزلت في اخر عمره، ولم ينزل بعدها الا سورة براءة، وبدر كانت في السنة الثانية من الهجرة، فكيف ؟ اللهم الا ان يكون قوله تعالى:" واذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وامي الهين. الاية " قد كانت انزلت اما بمكة او بالمدينة قبل بدر، فلما جمع عثمان القرآن، ضمها الى سورة المائدة، " فلعله قد كان ذلك، فينبغي ان ننظر في هذا فهو مشكل " (4).

قال الواقدي " كان علي يحدث فيقول " اتى جبريل النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) يوم بدر فخيره في الاسرى ان يضرب اعناقهم، او ياخذ منهم الفداء، ويستشهد من المسلمين في قابل عدتهم، فدعا رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) اصحابه، وقال هذا جبريل يخيركم في الاسرى، بين ان تضرب اعناقهم ، او تؤخذ منهم الفدية، ويسشتهد منكم قابلا عدتهم قالوا " بل تاخذ الفدية ونستعين بها، ومن يستشهد منا يدخل الجنة، فقبل منهم الفداء، وقتل من المسلمين قابلا عدتهم باحد. ويشكك ابن ابي الحديد في صحة الخبر، فيقول " لو كان هذا الحديث صحيحا لما عوتبوا،فقيل لهم " ما كان لنبي ان يكون له اسرى حتى يثخن في الارض تريدون عرض

ص: 122


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 14 / 128 -129.
2- المادئة / 118.
3- نوح / 26.
4- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 14 / 175 – 176.

الدنيا والله ويريد الاخرة " (1). ثم قال " لولا كتاب من الله سبق لمسّكم فيما اخذتم عذاب عظيم " (2). لانه اذا كان خيّرهم، فقد اباحهم اخذ الفداء واخبرهم انه حسن، فلا يجوز فيما بعد ان ينكره عليهم، ويقول انه قبيح (3).

ويتحدث ابن ابي الحديد عن معركة احد، ناقلا عن ابي عمرو محمد بن عبد الواحد الزاهد اللغوي غلام ثعلب، وايضا عن محمد بن حبيب في اماليه، ان رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) لما فرّ معظم اصحابه عنه يوم احد، وكثرت عليه كتائب المشركين، قصدته كتيبة من بني كنانة ثم من بني عبد مناة بن كنانة.. فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم): يا علي اكفني هذه الكتيبة، فحمل عليها وانها لتقارب خمسين فارسا، وعلي راجل، فما زال يضربها بالسيف حتى تتفرق عنه ثم تجتمع عليه، هكذا مرارا حتى قتل بني سفيان بن عويف الاربعة، وتمام العشرة منها ممن لا يعرف باسمائهم، فقال جبرئيل لرسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) يا محمد ان هذه هي المواساة، لقد عجبت الملائكة من مواساة هذا الفتى، فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وما يمنعه وهو مني وانا منه، قال جبرئيل: وانا منكما. قال: وسمع ذلك اليوم صوت من السماء لا يرى شخص الصارخ به ينادي مرارا:

لا سيف الا ذو الفقار *** ولا فتى الا علي

فسئل رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) عنه فقال: هذا جبرئيل. ويميل عبد الحميد الى تاكيد هذا الخبر قائلا " قد روى هذا الخبر جماعة من المحدثين، وهو من الاخبار المشهورة، ووقفت عليه من بعض نسخ مغازي محمد بن اسحاق، ورأيت بعضها خاليا عنه، وسالت شيخي عبد الوهاب بن سكينة رحمه الله عن هذا الخبر فقال، خبر صحيح، فقلت: فما بال الصحاح لم تشتمل عليه ؟، قال: او كلما كان صحيحا تشتمل عليه كتب الصحاح ؟ كم قد اهمل جامعوا الصحاح من الاخبار الصحيحة ؟". (4).

ويقول الواقدي في كلامه على قتلى احد: منهم من بني عبد مناة بن كنانة: خالد بن سفيان بن عويف، وابو الشعثاء بن سفيان بن عويف، وابو الحمراء بن سفيان بن عويف، وغراب بن سفيان بن عويف، وهؤلاء الاربعة قتلهم علي بن ابي طالب، في رواية محمد بن حبيب. ويقول ابن ابي الحديد ان الواقدي لم يذكر لهم قاتلا معينا في حديثه في باب ( من قتل من المشركين باحد )، ولكنه ذكر في كلام آخر قبل هذا الباب ان ابا سبرة بن الحارث بن علقمة، قتل احد بني سفيان بن عويف، وان رشيدا الفارسي مولى بني معاوية لقي آخر من بني سفيان بن عويف مقنعا في الحديد وهو يقول: انا ابن عويف … فاقبل رشيد على ابن عويف فضربه … حتى جزله باثنتين، ويعرض لرشيد اخ للمقتول احد بني سفيان بن عويف ايضا، فضربه رشيد على رأسه وعليه المغفر ففلق رأسه. ويستطرد ابن ابي الحديد قائلا: فاما البلاذري فلم يذكر لهم قاتلا … وكذلك ابن اسحاق، فان صحت رواية الواقدي فعلي لم يقتل منهم الا واحدا، وان كانت رواية ابن حبيب صحيحة، فالاربعة من قتلى عليّ. الا ان ابن ابي الحديد يقول مرجحا رواية محمد بن حبيب " وقد رأيت في بعض كتب ابي الحسن

ص: 123


1- الانفال / 67
2- الانفال / 68.
3- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 14 / 172 – 173.
4- م. ن / 14 / 250 – 251.

المدائني ان عليا هو الذي قتل بني سفيان بن عويف يوم احد وروى له شعرا في ذلك (1).

ويحلل ابن ابي الحديد اسباب انخذال المسلمين في معركة احد وانتصارهم في بدر فيقول " من تأمل احوال المسلمين في هذه الغزاة، من فشلهم وخورهم واختلافهم في الخروج من المدينة والمقام بها، وكراهة النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) للخروج ثم خروجه على مضض، ثم ندم الذين اشاروا عليه بالخروج، ثم انخذال طائفة كثيرة من الجيش عن الحرب، ورجوعهم الى المدينة، علم انه لا انتصار لهم على العدو اصلا، فان النصر معروف بالعزم والجد والبصرة في الحرب واتفاق الكلمة، ومن تامل هذه الاحوال علم انها ضد الاحوال التي كانت في غزاة بدر، وان احوال قريش لما خرجت الى بدر، كانت مماثلة لاحوال المسلمين لما خرجوا الى احد، ولذلك كانت الدبرة في بدر على قريش (2).

ويروي الواقدي ان رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) اخذ ابو عزّة، واسمه عمرو بن عبد الله بن عمير بن وهب بن حذافة بن جمح، اسيرا يوم احد، ولم يؤخذ يوم احد اسير غيره فقال: يا محمد مُنَّ علي، فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) ) ان المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، لا ترجع الى مكة تمسح عارضيك فتقول سخرت بمحمد مرتين ( ذلك انه اسر في بدر واطلق النبي

(صلی الله علیه و آله و سلم) سراحه فذهب الى مكة هازءاً منه)، ثم امر عاصم بن ثابت فضرب عنقه.

ويقول الواقدي ايضا: قد سمعنا في اسره غير هذا … لما انصرف المشركون عن احد، نزلوا بحمراء الاسد في اول الليل ساعة، ثم رحلوا - وتركوا ابا عزة مكانه حتى ارتفع النهار، فلحقه المسلمون، وهو مستنبه يتلدد، وكان الذي اخذه عاصم بن ثابت، فأمره النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) فضرب عنقه.

ويعلق ابن ابي الحديد على الروايتين فيقول: ان الرواية الثانية هي الصحيحة عندي لان المسلمين لم تكن حالهم يوم احد حال من يتهيأ له اسر احد من المشركين في المعركة لما اصابهم من الوهن (3).

ويروي البلاذري ان معاوية بن المغيرة هو الذي جدع انف حمزة ومثّل به، وانه انهزم يوم احد فمضى على وجهه، فبات قريبا من المدينة، فلما اصبح الصباح، لجأ الى منزل عثمان، وهو ابن عمه لحاً.. فقال عثمان لمعاوية اهلكتني واهلكت نفسك، ما جاء بك ؟ قال: يا بن عم لم يكن احد اقرب الى ولا امسّ بي رحما منك، فجئتك لتجيرني، فادخله عثمان داره، ثم خرج الى النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) ليأخذ منه امانا، فسمع النبي يقول " ان معاوية في المدينة فاطلبوه … فدخلوا منزل عثمان فاستخرجوه وانطلقوا به الى النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) فقال عثمان والذي بعثك بالحق نبيا، ما جئت الا لاطلب الامان له، فهبه لي، فوهبه له، واجله ثلاثا، واقسم لئن وجده بعدها يمشي في ارض المدينة، وما حولها ليقتلنّه،وخرج معاوية فجهزه عثمان، واشترى له بعيرا، ثم قال: ارتحل. وسار رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) الى حمراء الاسد ، واقام معاوية الى اليوم الثالث، ليعرف اخبار النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) وياتي بها قريشا. فلما كان اليوم الرابع، قال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) : ان معاوية قد اصبح قريبا لم ينفذ فاطلبوه، فاصابوه وقد

ص: 124


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 15 / 53 – 54.
2- م. ن / 14 / 226.
3- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 15 / 46.

اخطأ الطريق، فادركوه، وكان اللذان اسرعا في طلبه زيد بن حارثة وعمار بن ياسر، فوجداه بالجمّاء، فضربه زيد بالسيف … ورمياه بالسهام فقتلاه، ثم انصرفا الى المدينة بخبره .

قال البلاذري: ومعاوية هذا هو ابو عائشة بنت معاوية، ام عبد الملك بن مروان، قال: وذكر الواقدي، مثل هذه الرواية سواء. وقال ابن الكلبي: ان معاوية بن المغيرة جدع انف حمزة يوم احد وهو قتيل، فاخذ بقرب احد فقتل، بعد انصراف قريش بثلاث ولا عقب له الا عائشة ام عبد الملك بن مروان قال: ويقال ان عليا هو الذي قتل معاوية بن المغيرة (1).

ويعلق ابن ابي الحديد مؤيدا رواية ابن الكلبي فيقول: عندي هي اصح لان هزيمة المشركين كانت في الصدمة الاولى عقيب قتل بني عبد الدار اصحاب الالوية، وكان قتل حمزة بعد ذلك لما كرّ خالد بن الوليد الخيل من وراء المسلمين، فاختلطوا وانتقض صفهم وقتل بعضهم بعضا، فكيف يصح ان يجتمع لمعاوية كونه قد جدع انف حمزة، وكونه قد انهزم مع المشركين في الصدمة الاولى ؟ هذا متناقض، لانه اذا كان قد انهزم في اول الحرب، استحال ان يكون حاضرا عند حمزة حين قتل، والصحيح ما ذكره ابن الكلبي من انه شهد الحرب كلها، وجدع انف حمزة، ثم حصل في ايدي المسلمين بعد انصراف قريش لانه تاخر عنهم لعارض عرض له فادركه حينه فقتل (2).

ويروي الواقدي … قال: كان خالد بن الوليد يحدث وهو بالشام فيقول: الحمد لله الذي هداني للاسلام، لقد رايتني ورايت عمر بن الخطاب حين جال المسلمون وانهزموا يوم احد، وما معه احد، واني لفي كتيبة خشناء، فما عرفه منهم احد غيري وخشيت ان اغريت به من معي ان يصمدوا له، فنظرت اليه وهو متوجه الى الشعب.

ونلاحظ ان ابن ابي الحديد هنا، يتردد بين تاكيد هذا الخبر ونفيه، فيقول: يجوز ان يكون هذا حقا، ولا خلاف ان عمر توجه الى الشعب تاركا للحرب، لكن يجوز ان يكون ذلك في آخر الامر، لما يئس المسلمون من النصرة، فكلهم توجه نحو الشعب حينئذ، وايضا فان خالدا متهم في حق عمر بن الخطاب، لما كان بينه وبينه من الشحناء والشنآن، فليس بمنكر من خالد ان ينعى عليه حركاته. ويؤكد صحة هذا الخبر وكون خالد عف عن قتل عمر يومئذ، ما هو معلوم من حال النسب بينهما من قبل الام، فان ام عمر: حنتمة بنت هاشم بن المغيرة، وخالد ابن الوليد بن المغيرة، فام عمر ابنة عم خالد لحّاً والرحم تعطف (3).

وحول هذا الخبر ايضا يقول عبد الحميد: انه حضر مجلس فخار بن معد العلوي الموسوي، الفقيه على رأي الشيعة الامامية، في داره بدرب الدواب ببغداد سنة ثمان وستمائة، وقارئ يقرا عنده مغازي الواقدي، فقرأ رواية محمد بن مسلمة، انه قال: سمعت أذ ناي وابصرت عيناي رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) يقول يوم احد وقد انكشف الناس الى الجبل، وهو يدعوهم وهم لا يلوون عليه، سمعته يقول، اليّ يا فلان، اليّ يا فلان، انا رسول الله، فما

ص: 125


1- الببلاذري ( ابو جعفر احمد بن يحيى بن جابر)/ انساب الاشراف / تحقيق محمد الباقر المحمودي / ط1/ مؤسسة الاعلمي / بيروت / 1394 ﻫ / 1974 م / 1/ 337 – 338 وساشير اليه فيما ياتي من الهوامش ب- ( البلاذري).
2- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 15 / 46 – 48.
3- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 15 / 22-23.

عرج عليه واحد منهما، ومضيا، فاشار ابن معد اليّ، ان أسمع، فقلت وما في هذا، قال: هذه كناية عنهما ( ابي بكر وعمر)، ولا يقتنع ابن ابي الحديد بهذا التفسير فيقول: ويجوز الا يكون عنهما، لعله عن غيرهما، قال: ليس في الصحابة من يحتشم ويستحيا من ذكره بالفرار وما شابهه من العيب، فيضطر القائل الى الكناية الا هما ، قلت: هذا وهم. وحيث لم يقتنع ابن ابي الحديد برأي استاذه، واذ لاحظ الاستاذ ان تلميذه يشكك في هذا التفسير قال له: دعنا من جدلك ومنعك ثم حلف ان الواقدي ما عنى غيرهما، وانه لو عنى غيرهما لذكره صريحا، وبان في وجهه التنكر من مخالفتي له (1).

ويروي الواقدي ان عائشة خرجت في نسوة تستروح خبر احد حتى كانت، بمنقطع الحرة، وهي هابطة من بني حارثة الى الوادي، فلقيت هند بنت عمرو بن حزام، تسوق بعيرا لها، عليه زوجها عمرو بن الجموح، وابنها خلاد بن عمرو واخوها عبد الله بن عمرو، وهم قتلى، فقالت لها عائشة: عندك الخبر فما وراءك ؟ فقالت هند: خير، اما رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم). فصالح، وكل مصيبة بعده جلل، واتخذ الله من المؤمنين شهداء، " وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً " (2).

ويشكك ابن ابي الحديد في هذه الرواية فيقول: هكذا وردت الرواية، وعندي ان هندا لم تقل كل ذلك، والا فكيف يواطى كلامها اية من كلام الله تعالى، انزلت بعد الخندق والخندق بعد احد ؟ " هذا من البعيد جدا" (3).

ويتحدث الواقدي عن غزاة مؤتة فيقول: اسرع المسلمون وخرجوا فعسكروا بالجوف، فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) زيد بن حارثة امير الناس، فان قتل فجعفر بن ابي طالب، فان اصيب، فعبد الله بن رواحة، فان اصيب فليرتض المسلمون من بينهم رجلا فليجعلوه عليهم، ويقول ابن ابي الحديد، اتفق الرواة على ان زيد بن حارثة كان هو الامير الاول، وانكرت الشيعة ذلك، وقالوا: جعفر بن ابي طالب هو الامير الاول، ورووا في ذلك روايات. ولكي تكون الصورة واضحة عند المتلقي يقول: قد وجدت في الاشعار التي ذكرها محمد بن اسحاق في كتاب المغازي ما يشهد لقولهم، فمن ذلك ما رواه عن حسان بن ثابت وهو:

فلا يبعدنّ الله قتلى تتابعوا *** بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر

وزيد وعبد الله حين تتابعوا *** جميعا واسياف المنية تخطر

ومنها قول كعب بن مالك الانصاري:

نام العيون ودمع عينك يهمل *** سحّا كما وكف الرباب المسبل

وجدا على النفر الذين تتابعوا *** قتلى بمؤتة اسندوا لم ينقلوا

اذ يهتدون بجعفر ولوائه *** اقدام اولهم ونعم الاول (4)

2- مرض رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) ووفاته ودفنه ووصيّته

ص: 126


1- م. ن / 15 / 23 – 24 .
2- الاحزاب / 25
3- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 14 / 262.
4- م. ن / 15 / 60 – 64.

يقول ابن ابي الحديد: ان المرض اشتد بالنبي (صلی الله علیه و آله و سلم) وكان عند مرضه يصلي بالناس بنفسه، فلما اشتد به المرض،امر ابا بكر ان يصلي بالناس، وقد اختلف في صلاته بهم، فالشيعة تزعم انه لم يصلّ بهم الا صلاة واحدة، وهي الصلاة التي خرج رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) فيها يتهادى بين علي والفضل، فقام في المحراب مقامه وتاخر ابو بكر.

ويرجح ابن ابي الحديد ما يرى انه الرأي الاشهر فيقول: الصحيح عندي وهو الاكثر الاشهر، انها لم تكن اخر صلاة في حياته صلى بالناس جماعة، وان ابا بكر صلى بالناس بعد ذلك بيومين ثم مات الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) (1).

ويتحدث ابن ابي الحديد عن كيفية وفاة الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) فيقول: اعلم ان الاخبار مختلفة في هذا المعنى، فقد روى كثير من المحدثين عن عائشة انها قالت " توفي رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) بين سحري ونحري "، وروى كثير منهم هذا اللفظ عن علي، انه قاله عن نفسه، وقال في رواية اخرى " " ففاضت نفسه في يدي فامررتها على وجهي "، ويقف عبد الحميد حائرا بين الروايتين وصحتهما، فيقول " والله اعلم بحقيقة هذا الحال، ولا يبعد عندي، ان يصدق الخبران معا، بان يكون رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وقت الوفاة مستندا الى علي وعائشة جميعا، ويعلل ذلك بالقول: لقد وقع الاتفاق على انه مات وعلي حاضر لموته، وهو الذي كان يقلبه بعد موته، وهو الذي كان يعلله ليالي مرضه، فيجوز ان يكون مستندا الى زوجه وابن عمه، ومثل هذا لا يبعد وقوعه في زماننا هذا، فكيف في ذلك الزمان الذي كان النساء فيه والرجال مختلطين لا يستر البعض من البعض ؟ (2).

ثم اختلفوا في موضع دفنه – يقول عبد الحميد -، ثم اتفقوا على دفنه في البيت الذي قبض فيه، وصلّوا عليه ارسالا لا يؤمهم احد، وقيل ان عليا اشار بذلك فقبلوه، وحيث ان هذا الحديث صحيح ومتواتر، فيقف عبد الحميد حائرا امامه قائلا: وانا اعجب لان الصلاة عليه كانت بعد بيعة ابي بكر، فما الذي منع من ان يتقدم ابو بكر، فيصلي عليه اماماً بعد ان بويع خليفة ؟ (3).

ويحكى الطبري عن الارقم بن شرحبيل انه سأل ابن عباس: هل اوصى رسول الله

(صلی الله علیه و آله و سلم) ؟ فقال:لا قلت: فكيف كان ؟ فقال: ان رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) قال في مرضه "ابعثوا الي علي فادعوه ", فقالت عائشة لو بعثت الى ابي بكر وقالت حفصه:لو بعثت الى عمر، فاجتمعوا عنده جميعاً – هكذا لفظ الخبر على ما اورده الطبري في التاريخ – (4)، ولم يقل "فبعث رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) اليهما " قال ابن عباس: فقال رسول الله

(صلی الله علیه و آله و سلم): انصرفوا فان تكن لي حاجه ابعث اليكم، فانصرفوا. وقيل لرسول الله

(صلی الله علیه و آله و سلم) الصلاة، فقال "مروا ابا بكر ان يصلي بالناس " فقالت عائشة: ان ابا بكر رجل رقيق، فمر عمر فقال:"مروا عمر " فقال عمر: ما كنت لاتقدم وابو بكر شاهد، فتقدم ابو بكر، فوجد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) خفة فخرج، فلما سمع ابو بكر، حركته تاخر، فجذب

ص: 127


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 10 / 184.
2- م. ن / 10 / 267 – 268.
3- م. ن. / 10 / 185.
4- الطبري ( محمد بن جرير ) /تاريخ الامم والملوك / مراجعة نخبة من العلماء / نشر المكتبة التجارية بمصر / مطبعة الاستقامة / القاهرة / 1358ﻫ – 1939 م / ص 181. زساشير اليه فيما ياتي من الهوامش ب- ( الطبري).

الرسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) ثوبه فاقامه مكانه، وقعد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) فقرأ من حيث انتهى ابو بكر.

ولا يقتنع ابن ابي الحديد بهذا الخبر دون تمحيص فيقول: عندي في هذه الواقعة كلام، ويعترضني فيها شكوك واشتباه، اذا كان رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) قد اراد ان يبعث الى علي ليوصي اليه، فنفست عائشة عليه فسألت ان يحضر ابوها ، فنفست حفصة عليها فسالت ان يحضر ابوها، ثم حضرا ولم يطلبا، فلا شبهة ان ابنتيهما طلبتاهما، هذا هو الظاهر، وقول رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وقد اجتمعوا كلهم عنده " انصرفوا فان تكن لي حاجه بعثت اليكم "قول من عنده ضجر وغضب باطن لحضورهما، وتهمة للنساء في استدعائهما، فكيف يطابق هذا الفعل وهذا القول ما روي من ان عائشة قالت لما عين على ابيها في الصلاة:انه رجل رقيق فمر عمر، واين ذلك الحرص من هذا الاستعفاء والاستقاله ؟ وهذا يوهم صحة ما تقوله الشيعة من ان صلاة ابي بكر كانت عن امر عائشة، " وان كنت لا اقول بذلك ولا اذهب اليه " الا ان تأمل هذا الخبر ولمح مضمونه يوهم ذلك.

ويتخلص ابن ابي الحديد من هذا الحرج فيقول " لعل هذا الخبر غير صحيح " ويقول ايضاً في الخبر ما لايجيزه اهل العدل، وهو ان يقول النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) " مروا ابا بكر: ثم يقول عقيبه "مروا عمر " لان هذا نسخ الشئ قبل تقضي وقت فعله. ويستدرك عبد الحميد على نفسه قائلاً: فان قلت: لم قلت في صدر كلامك هذا: انه اراد ان يبعث الى علي ليوصيه، ولم لايجوز ان يكون بعث اليه لحاجة له ؟ فيجيب: لان مخرج هذا الكلام ابن عباس هذا المخرج، الاترى ان الارقم بن شرحبيل الراوي لهذا الخبر قال: سألت ابن عباس: هل اوصى رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) فقال: لا، فقلت: فكيف كان ؟ فقال: ان رسول الله

(صلی الله علیه و آله و سلم) قال في مرضه " ابعثوا الى علي فادعوه "... فلولا ان ابن عباس فهم من قوله (صلی الله علیه و آله و سلم) انه يريد الوصية اليه، لما كان لاخبار الارقم بذلك متصلاً بسؤاله عن الوصية معنى.(1)

وروى ابو بكر احمد عبد العزيز الجوهري عن يعقوب بن شيبه، باسنا رفعه الى طلحة بن مصرف قال: قلت لهذيل بن شرحبيل: ان الناس يقولون: ان رسول الله

(صلی الله علیه و آله و سلم) اوصى الى علي، فقال: ابو بكر يتأمر على وصي رسول الله

(صلی الله علیه و آله و سلم)؟ ود ابو بكر وجد من رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) عهداً فخزم انفه.

لايكتفي ابن ابي الحديد بذلك بل يرجع الى نص الحديث لافي كتب الصحاح ليتأكد منه ويقول: هذا الحديث قد خرجه الشيخان البخاري ومسلم في صحيحهما عن طلحة بن مصرف، قال:سألت عبد الله بن ابي اوفى " هل اوصى رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) ؟ قال:لا،قلت: فكيف كتب على المسلمين الوصية؟ او: كيف امر بالوصية ولم يوص ؟ قال: اوصى بكتاب الله 0 قال طلحة: ثم قال ابن ابي اوفى ما كان ابو بكر يتأمر على وصي رسول الله

(صلی الله علیه و آله و سلم) ود ابو بكر انه وجد من رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) عهداً فخزم انفه بخزامه. (2)

ص: 128


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 13 / 33 – 35.
2- القشيري ( مسلم بن الحجاج) الصحيح / 3 / 1256. وساشير اليه فيما ياتي من الهوامش ي- ( مسلم).

ويتحدث ابن ابي الحديد عن يوم السقيفة، وان كثيراً من المحدثين ذكروا ان علياً تألم وتظلم عقيب يوم السقيفة، واستنجد واستصرخ وانه قال وهو يشير الى قبر رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) " يابن امي ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني "(1) ثم يقول قد ذكرنا من هذا المعنى جملة صالحة فيما تقدم وكل ذلك محمول عندنا على انه طلب الامر من جهة والفضل والقرابة، وليس بدال عندنا على وجود النص لانه لوكان هناك نص، لكان اقل كلفة، واسهل طريقاً وايسر لما يريد تناولاً ان يقول: ياهؤلاء ان العهد لم يطل، وان رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) امركم بطاعتي، واستخلفني عليكم بعده، ولم يقع منه (صلی الله علیه و آله و سلم) بعد ما علمتموه نص ينسخ ذلك ولايرفعه، فما الموجب لتركي والعدول عني ؟

ويجادل ابن ابي الحديد، ويرى عدم وجود نص على خلافة علي بعد رسول الله

(صلی الله علیه و آله و سلم) فيقول: فان قالت الامامية: كان يخاف القتل لو ذكر ذلك قيل لهم: فهلا يخاف القتل وهو يعتل ويدفع ليبايع، وهو يمتنع ويستصرخ، تارة بقبر رسول الله

(صلی الله علیه و آله و سلم) ، وتارة بعمه حمزه واخيه جعفر، وهما ميتان، وتارة بالانصار وتارة بني عبد مناف، ويجمع الجموع في داره، ويبت الرسل والدعاة ليلاً ونهاراً الى الناس، يذكرهم فضله وقرابته. ويحسم عبد الحميد المسألة بالقول: كل هذا اذا تاملة المنصف، علم ان الشيعة اصابت في امر واخطأت في امر، اما الامر الذي اصابت فيه فقولها: انه امتنع وتلكأ واراد الامر لنفسه، واما الامر الذي اخطأت فيه فقولها:انه كان منصوصاً عليه نصا جلياً بالخلافة،تعلمه الصحابة كلها او اكثرها، وان ذلك النص خولف طلباً للرئاسة الدنيوية، وان حال المخالفين للنص، لايعدوا احد امرين: اما الكفر او الفسق.

ويستنتج ابن ابي الحديد ان قرائن الاحوال وامارتها لاتدل على ذلك، وانما تشهد بخلافه، وهذا يقتضي ان امير المؤمنين كان في مبدأ الامر يظن، ان العقد لغيره كان عن غير نظر في المصلحة، وانه لم يقصد به صرف الامر عنه والاستئثار عليه، فظهر منه ما ظهر من الامتناع والقعود في بيته الى ان صح عنده، وثبت في نفسه، انهم اصابوا فيما فعلوا وانهم لم يميلوا الى هوى ولا ارادوا الدنيا، وانما فعلوا الاصلح في ظنونهم، " وهذا المذهب هو اقصد المذاهب واصحها، واليه يذهب اصحابنا المتأخرون من البغداديين وبه نقول " (2)

ويعطي ابن ابي الحديد رايه صريحا في موضوع الوصية حين يشرح قول علي " وفيهم الوصية والوراثة، الان اذ رجع الحق الى اهله " فيقول: اما الوصية فلا ريب عندنا ان علياً كان وصي رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وان خالف في ذلك من هو منسوب عندنا الى العناد، ولسنا نعني بالوصية النص والخلافه، ولكن اموراً اخرى لعلها- اذا لمحت اشرف واجل.

واما الوراثة فالامامية يحملونها على ميراث المال والخلافة، ونحن نحملها على وراثة العلم، اما قوله ان الحق رجع الان الى اهله، فهذا يقتضي ان يكون فيما قبل في غير اهله،ونحن نتأول ذلك على غير ما تذكره الامامية، ونقول ان علياً كان اولى بالامر واحق لا على وجه النص، بل على وجه الافضلية،فانه افضل البشر بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) واحق بالخلافة من جميع المسلمين،لكنه ترك حقه لما علمه من المصلحة وما تفرّس فيه

ص: 129


1- الاعراف / 150.
2- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 11 / 11 –114.

والمسلمون من اضطراب بالاسلام." وجائز لمن كان اولى بشئ فتركه، ثم استرجعه، ان يقول: قد رجع الامر الى اهله."(1)

3- وراثة النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) وامر فاطمة وعلي بعد وفاته:

يقول عبد الحميد بن ابي الحديد في فصل (النظر في ان النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) هل يورث ام لا ؟) انه ذكر في هذا الموضع ما حكاه المرتضى في (الشافي ) عن قاضي القضاة في هذا المعنى وما اعترضه به " وان استضعفنا شيئاً من ذلك قلنا ما عندنا، والا تركناه على حاله. يقول المرتضى – في رده على القاضي عبد الجبار عند مناقشة حديث رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) " لانورث ما تركناه صدقه " الذي رواه ابو بكر -: نحن نبين اولاً ما يدل على انه

(صلی الله علیه و آله و سلم) يورث المال، ونرتب الكلام في ذلك الترتيب الصحيح ثم نعطف على ما اورده ونتكلم عليه. قال: والذي يدل على ما ذكرنا، قوله تعالى مخبراً عن زكريا " واني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقراً فهب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من ال يعقوب واجعله ربي رضيا"(2)، فاخبر انه خاف من بني عمه لان الموالي ها هنا، بنو العم بلا شبهه، وانما خافهم ان يرثوا ما له، فينفقوه في الفساد فسأل ربه ولداً يكون احق بميراثه منهم، والذي يدل على ان المراد بالميراث المذكور ميراث المال دون العلم والنبوة، ما يقولون ان لفظة الميراث في اللغة والشريعة لايفيد اطلاقها الاعلى ما يجوز ان ينتقل على الحقيقة من الموروث الى الوارث، كالاموال وما في معناها، ولا يستعمل في غير المال الا تجوزاً واتساعاً وليس لنا ان نعدل عن ظاهرة الكلام وحقيقته الى مجاز بغير دلالة فاذا ثبتت هذه الجملة صح، زكريا موروث ماله، وصح ايضاً لصاحبها، ان نبينا (صلی الله علیه و آله و سلم) ممن يورث المال،لان الاجماع واقع على ان حال نبنيا(صلی الله علیه و آله و سلم) لايخالف حال الانبياء المتقدمين في ميراث المال.

ويحلل ابن ابي الحديد اصل الحديث وتفرعاته فيقول " ان شيخنا ابا الحسين في كتب (الغرر ) اورد صورة الخبر في هذا الباب، وهو الذي رواه ابو بكر من قول الرسول

(صلی الله علیه و آله و سلم) لانورث ما تركناه صدقة، ولم يقل نحن معاشر الانبياء لانورث، فلا يلزم من كون زكريا يورث، الطعن في الخبر، وتصفحت انا كتب الصحاح في الحديث، فوجدت صيغة الخبر كما قاله ابو الحسين، وان كان رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) عنى نفسه خاصة بذلك فقد سقط احتجاج الشيعة بقصة زكريا وغيره من الانبياء.

ويصل عبد الحميد الى رأى نهائي فيقول " الا انه يبعد عندي ان يكون النبي

(صلی الله علیه و آله و سلم) اراد نفسه خاصة، لانه لم تجر عادته ان يخبر عن نفسه في شئ بالنوبة " (3)

ويروي الجوهري ابو بكر احمد بن عبد العزيز ان مجلساً لعمر بن الخطاب كان فيه عثمان وسعد والزبير وعبد الرحمن، وحضر فيه ايضاً علي والعباس وان عمر قال لهم: انشدكم الله الذي تقوم باذنه السماوات والارض، هل تعلمون أنّ رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) قال " لانورث ما تركناه صدقة ؟" فقالوا جميعاً نعم قد قال ذلك.... ثم ذكر الجوهري حديثاً الى

ص: 130


1- م. ن. / 1 / 139 – 140.
2- مريم / 5-6.
3- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 16 / 241 – 242.

ابي بكر يسأل لهن ميراثهن من رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، مما فاء الله عليه، فكان رد ابي بكر عليه " الا تتيقن باالله"، الم تعلمن ان رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) كان يقول: لانورث ما تركناه صدقة، يريد بذلك نفسه، انما يأكل آل محمد من هذا المال ". فانتهى ازواج النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) الى ما امرهن به.

ويعزي عبد الحميد الشك في هذا الخبر فيقول:" هذا مشكل، لان الحديث الاول متضمن ان عمر اقسم على جماعة – فيهم عثمان – نشدتكم الله الستم تعلمون ان رسول الله

(صلی الله علیه و آله و سلم) قال: لانورث ما تركناه صدقة ؟ يعني نفسه، فقالوا: نعم، ومن جملتهم عثمان، فكيف يعلم بذلك ويكون مترسلاً لازواج النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) يسأله ان يعطيهم الميراث ؟ اللهم الا ان يكون عثمان وسعد وعبد الرحمن والزبير صدقوا عمر على سبيل التقليد لابي بكر فيما رواه وحسن الظن، وسموا ذلك علماً لانه قد يطلق على الظن اسم العلم "(1)

ويروي ابو بكر الجوهري خبراً عن ابي البخترى قال: قال ابو بكر لفاطمة لما طلبت فدك " بابي انت وامي، انت عندي الصادقة الامينة، ان كان رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) عهد اليك في ذلك عهداً، او وعدك به وعداً، صدقتك وسلمت اليك، فقالت: لم يعهد الي في ذلك بشئ، ولكن الله تعالى يقول " يوصيكم الله في اولادكم "(2) فقال: اشهد لقد سمعت رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) يقول " انا معشر الانبياء لانورث "

ويعلق ابن ابي الحديد على خبر ابي البخترى قائلاً: وفي هذا من الاشكال ما هو ظاهر، لانها قد ادعت ( فيما سبق ) انه عهد اليها رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)في ذلك اعظم العهد وهو النحلة، فكيف سكتت عن ذكر هذا لما سألها ابو بكر ؟ " وهذا أعجب من العجب "(3)

ويذكر ابن ابي الحديد في فصل ( ما روى من امر فاطمة مع ابي بكر ) روايات ينقلها عن البخاري ومسلم في الصحيحين.من كيفية مبايعة علي والزبير وبني هاشم لابي بكر بلفظه الاسناد الى عائشه،(4) كما ينقل ما ذكر الجوهري عن مبايعتهما بعد اقتحام عمر بيت فاطمة وهي فيه واخذهما للمبايعة عنوة، بعد كسر سيفيهما، وخروج فاطمة صارخة مولولة، واجتماع نساء بني هاشم، وخروجها، ومناداتها لابي بكر "ما اسرع ما اغرتم على اهل بيت رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) والله لااكلم عمر حتى القى الله "، واحاديث اخرى يذكرها الجوهري مؤكداً هذه الاحداث.

بعد هذا التفصيل الكثير يجد عبد الحميد نفسه ملزماً بقبول تلك الروايات، الا انه يخلص الى القول " الصحيح عندي انها ماتت وهي واجدة على ابي بكر وعمر، وانها اوصت الا يصليا عليها، وذلك عند اصحابنا من الامور المفغورة لهما وكان الاولى بهما اكرامها، واحترام منزلتها لكنهما خافا الفرقة واشفقا من الفتنة ففعلا ما هو الاصلح بحسب ظنهما، وكانا من الدين وقوة اليقين بمكان مكين، لاشك في ذلك، والامور الماضية يتعذر الوقوف على عللها واسبابها، ولا يعلم حقائقها الامن شاهدها ولابسها، بل لعل الحاضرين المشاهدين لها لايعلمون بواطن الامور، فلا يجوز العدول عن حسن الاعتقاد فيها بما جرى والله ولي

ص: 131


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 16 / 223.
2- النساء / 11.
3- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 16 / 228.
4- مسلم / الصحيح / 3 / 3 / 1380.

المغفرة والعفو، فان هذا لو ثبت فانه، خطأ، لم يكن كبيرة، بل كان من باب الصغائر التي لاتقتضي التبري ولا توجب زوال التولي ". (1)

ويذكر ابن ابي الحديد احداث سقيفة بني ساعدة بالتفصيل منقولة عن كتاب(السقيفة ) لابي بكر احمد بن عبد العزيز الجوهري، فيتحدث عن خبر رفض علي والزبير وجملة من بني هاشم مبايعه ابي بكر، وانطلاق عمر في عصابة، منهم اسيد بن حضير وسلمة بن اسلم، واقتحام بيت فاطمة، واقتياد علي والزبير عنوة الى المسجد وعلي يرفض المبايعة وابو بكر يقول " ان لم تبايع لم اكرهك "، ونصيحة ابي عبيدة لعلي بالمبايعة، وعلي يخاطب المهاجرين بقوله " يا معشر المهاجرين: الله الله، لاتخرجوا سلطان محمد عن داره وبيته الى بيوتكم ودوركم، ولا تدافعوا اهله عن مقامه في الناس وحقه، فوالله يا معشر المهاجرين لنحن – اهل البيت – احق بهذا الامر منكم، اما كان منا القارئ لكتاب الله ؟ الفقيه في دين الله ؟العالم بالسنة، المضطلع بامر الرعية ؟ والله انه لفينا، فلا تتبعوا الهوى فتزدادوا من الحق بعداً" ثم عاد علي الى منزله ولم يبايع، ولزم بيته حتى ماتت فاطمة، فبايع.

ويتحدث عبد الحميد معلقاً على هذا الخبر، مناقشاً موضوع النص الذي تعتقده الشيعة فيقول: هذا الحديث يدل على بطلان ما يدعى من النص على امير المؤمنين وغيره، لانه لو كان هناك نص صريح لاحتج به، ولم يجر للنص ذكر، وانما كان الاحتجاج منه ومن ابي بكر ومن الانصار، بالسوابق والفضائل والقرب فلو كان هنالك نص على امير المؤمنين او على ابي بكر، لاحتج به ابو بكر ايضاً على الانصار، ولاحتج به امير المؤمنين على ابي بكر، فان هذا الخبر وغيره من الاخبار المستفيضة يدل على انه قد كان كاشفهم وهتك القناع بينه وبينهم، الاتراه كيف نسبهم الى التعدي عليه وظلمه وتمنع من طاعتهم واسمعهم من الكلام اشده واغلظه، فلو كان هناك نص لذكره او ذكره من كان من شيعته وحزبه وهذا ايضا يدل على ان الخبر المروي في ابي بكر في صحيحي البخاري ومسلم غير صحيح، وهو ما روي من قوله (صلی الله علیه و آله و سلم) لعائشة في مرضه " ادعي لي اباك حتى اكتب له كتاباً،فاني اخاف ان يقول قائل، او يتمنى متمن، ويابى الله والمؤمنين الاابا بكر "(2)

ويؤكد ابن ابي الحديد اخبار ما حصل لعلي بعد السقيفة وامتناعه عن المبايعة ويقول " اما امتناع علي من البيعة، حتى اخرج على الوجه الذي اخرج عليه، فقد ذكره المحدثون، ورواه اهل السير، وقد ذكرنا ما قاله الجوهري في هذا الباب وهو من رجال الحديث ومن الثقات المأمونين.وقد ذكر غيره من هذا النحو ما لايحصى كثيرة" ويرد بقوة على تجاوز الحد المعقول في بعض الروايات فيقول "اما الامور الشنيعة المستهجنة التي تذكرها الشيعة، من ارسال قنفذ الى بيت فاطمة،وانه ضربها بالسوط، فصار في عضدها كالدملج، وبقى اثره الى ان ماتت وان عمر اضغطها بين الباب والجدار، فصاحت يا ابتاه يا رسول الله، والقت جنيناً ميتاً، وجعل في عنق علي حبلاً يقاد به وهو يعتل، وفاطمة خلفه تصرخ وتنادي بالويل والثبور، وابناه الحسن والحسين معهما يبكيان،وان عليا لما أحضر،سلموه البيعة،فامتنع،فتهدد بالقتل فقال:اذن تقتلون عبد الله واخا رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) فقالوا: اما عبد الله فنعم،واما اخو رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) فلا، وانه طعن فيهم في اوجههم بالنفاق، وسطر صحيفة الغدر التي

ص: 132


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 6 / 46 – 50.
2- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 6 / 12 – 13.

اجتمعوا عليها، وبانهم ارادوا ان ينفروا ناقة رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) ليلة العقبة، فكله لااصل له عند اصحابنا، ولا يثبته احد منهم، ولا رواه اهل الحديث ولا يعرفونه، وانما هوشئ تنفرد الشيعة بنقله. (1)

على انه يؤخد هنا على ابن ابي الحديد عدم اعطائه المصادر التي استقى منها هذه الاخبار ونسبها الى الشيعة.

4- ابو بكر وعمر وبعض اقوالهما والكلام على امامتهما

يفرد ابن ابي الحديد فصلاً عنوانه (ذكر ما طعن به الشيعة في امامه ابي بكر والجواب عنها ). ويذكر في هذا الفصل ما اورده قاضي القضاة في كتابه (المغني) من المطاعن التي طعن بها ابو بكر وجواب قاضي القضاة عنها،واعتراض الشريف المرتضى في كتابه (الشافي ) على قاضي القضاة، ثم يذكر مطاعن اخرى لم يذكرها القاضي عبد الجبار. ويسجل ابن ابي الحديد المطاعن واحداً واحداً،ورد المرتضى عليها، وان كان له رأي او تعليق فيدخل عندها برأيه وتعليقه.

ومن الملاحظ ان لعبد الحميد ملاحظات على ردود المرتضى في ( الشافي ) يشير اليها ناقداً فيقول "المرتضى رحمه الله لايورد كلام قاضي القضاة بنصه،وانما يختصره ويورده مبتوراً، ويومئ الي المعاني ايماء لطيفاً، وغرضه الايجاز، ولو اورد كلام قاضي القضاة بنصه لكان اليق، وكان ابعد عن الظنة، وادفع لقول قائل من خصومه: انه يحرف كلام قاضي القضاة،ويذكره على غير وجهه،الا ترى ان من نصب نفسه لاختصار كلام فقد ضمن على نفسه انه قد فهم معاني ذلك الكلام حتى يصح منه اختصاره ؟ ومن الجائز ان يظن انه قد فهم بعض المواضع،ولم يكن قد فهمه على الحقيقة، فيختصر ما في نفسه، لاما في تصنيف ذلك الشخص.واما من يورد كلام الناس بنصه فقد استراح من هذه التبعة،وعرض عقل غيره وعقل نفسه على الناظرين والسامعين "(2)

ويستمر ابن ابي الحديد في نقده للمرتضى في (الشافي ) فيقول:"اما الاخبار التي رواها عن عمر فاخبار غريبة،ما رأيناها في الكتب المدونة، وما وقفنا عليها الا من كتاب المرتضى وكتاب اخر يعرف بكتاب (المسترشد )لمحمد بن جرير الطبري،وهو ليس محمد بن جرير الطبري صاحب (التاريخ ) بل هو من رجال الشيعة، واظن ان امه من بني جرير من مدينة (آمل) طبرستان.وبنو جرير الآمليون شيعة مستهترون بالتشيع، فنسب الى اخواله "(3)

ثم ينتقل ابن ابي الحديد الى فصل اخر سماه (فصل في ذكر ما طعن به على عمر والجواب عنه ) وينقل فيه ما طعن به على عمر من كتاب (المغني) لقاضي القضاة، ورد قاضي القضاه على المطاعن، واعتراض الشريف المرتضى على ردود قاضي القضاة في كتابه المعروف ب-(الشافي ).

ويذكر قاضي القضاة اول المطاعن على عمر،من قوله عند وفاة رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم): والله ما مات محمد ولا يموت حتى يقطع ايدي رجال وارجلهم، فتلا عليه ابو بكر قوله

ص: 133


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 2 / 60.
2- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 17 / 182.
3- م. ن. /2 / 36.

تعالى (انك ميت وانهم ميتون ) (1) وقوله تعالى (وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم ) (2) فقال:الان ايقنت بوفاته وكأني لم اسمع هذه الاية. وذكر المؤرخون انه قال:ما مات رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وانما غاب عنا كما غاب موسى عن قومه،وسيعود فيقطع ايدي رجال وارجلهم ممن ارجف بموته. (3)

ويعلق ابن ابي الحديد على ذلك بقوله:الذي قرأناه ورويناه من كتب التاريخ يدل على ان عمر انكر موت رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) الى يوم القيامة واعتقد عمر انه يعمر كما يعتقد كثير من الناس في الخضر، فلما حاجه ابو بكر بالايات القرآنية رجع عن ذلك الاعتقاد لكنه وقع في شبهة اخرى اقتضت عنده ان موته يتأخر، وان لم يكن الى يوم القيامة، تاويلاً لقوله تعالى (هو الذي ارسل رسولة بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ) (4) اذ تصور ان الضمير الهاء يعود على الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) لاعلى الدين وقال:ان رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) لم يظهر بعد على سائر الاديان، فوجب ان تستمر حياته الى ان يظهر على الاديان بمقتضى وعد الله،فقال ابو بكر: انما اراد ليظهر دينه وسيظهره فيما بعد.

ومن الطريف جداً قول عبد الحميد " واعلم ان اول من سن لاهل الغيبة من الشيعة القول بان الامام لم يمت ولم يقتل، وان كان في الظاهر وفي مرأى العين قد قتل او مات،انما هو عمر، وقد كان يجب على المرتضى وطائفته ان يشكروه على ما اسس لهم من هذا الاعتقاد "(5)

وينقل ابن ابي الحديد عن ابي جعفر محمد بن جرير الطبري في (التاريخ) عن ابن عباس، خطبة عمر بن الخطاب في المدينة وقوله "ان بيعة ابي بكر كانت فلتة،ولكن الله وقى شرها فمن عاد الى مثلها فأقتلوه ".

ويعلق عبد الحميد قائلاً:" قد اكثر الناس في حديث الفلتة، وذكرها شيوخنا المتكلمون، فقال شيخنا ابو علي رحمه الله: الفلتة ليست الزلة والخطيئة، بل هي البغتة، وما وقع فجأة من غير روية ولا مشاورة "

ويؤيد ابن ابي الحديد ذلك القول ويقول:" وقى الله شرها،دليل على تصويب البيعة،لان المراد بذلك ان الله تعالى دفع شر الاختلاف فيها، فاما قوله: فمن عاد الى مثلها فأقتلوه،فالمراد من عاد الى ان يبايع من غير مشاورة ولاعدد يثبت صحة البيعة به ولا ضرورة داعية الى البيعة، ثم بسط يده الى المسلمين يدخلهم في البيعة قهراً فاقتلوه "(6).

ويروي ابن ابي الحديد ناقلاً عن ابي العباس بن احمد يحيى ثعلب، في كتاب (الامالي ) خبراً عن عبد الله بن عباس، ان عمر قال له: اني فكرت فلم ادرِ فيمن اجعل هذا الامر بعدي.ثم قال: لعلك ترى صاحبك (يعني علياً) لها اهلاً ؟قلت: ما يمنعه من ذلك مع جهاده وسابقته،وقرابته، وعلمه، قال عمر " صدقت " ولكنه امرؤ فيه دعابة " يقول ابن ابي

ص: 134


1- المؤمنون / 15.
2- آل عمران / 144.
3- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 12 / 197.
4- التوبة / 23.
5- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 12 / 200.
6- م. ن. / 2 / 22 – 27.

الحديد: اعلم ان الرجل ذا الخلق المخصوص لايرى الفضيلة الا في ذلك الخلق، الا ترى ان الرجل يبخل، فيعتقد ان الفضيلة في الامساك، والرجل الجواد يعيب البخلاء، وينسبهم الى ضيق النفس، والجبان يعتقد ان الفضيلة في الجبن، والشجاع يعيب الجبان وينسبه الى الضعف، وهكذا القول في جميع الاخلاق والسجايا المقسمة بين نوع الانسان.

ولما كان عمر شديد الغلظة وعر الجانب خشن الملمس دائم العبوس، كان يعتقد ان ذلك هو الفضيلة، وان خلافه نقص، ولو كان سهلاً طلقاً مطبوعاً على البشاشة وسماحة الخلق، لكان يعتقد ان ذلك هو الفضيلة وان خلافه نقص، حتى لو قدرنا ان خلقه حاصل لعلي،وخلق علي حاصل له، لقال في علي:" لولا فيه شراسه ". فعمر غير ملوم عندي فيما قاله ولا منسوب الى انه اراد الغض من علي والقدح فيه، ولكنه اخبر عن خلقه ظاناً ان الخلافة لاتصلح الاللشديد الشكيمة، العظيم الوعورة.

الا ان ابن ابي الحديد يستدرك فيقول:انت اذ تاملت حال علي وجدته بعيداً عن ان ينسب الى الدعابة والمزاح،لانه لم ينقل عنه في ايام رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) شئ من ذلك اصلاً لافي كتب الشيعة ولا في كتب المحدثين.وكذلك اذا تاملت حاله ايام الخليفتين ابي بكر وعمر لم تجد في كتب السيرة حديثاً واحداً يمكنه ان يتعلق في دعابته ومزاحه، فكيف يظن بعمر انه نسبه الى امر لم ينقل عنه ناقل، ولا ندد به صديق ولا عدو ؟ وان اراد سهولة خلقه لاغير، وظن ان ذلك مما يفضي به الى الضعف ان ولي امر الامة، لاعتقاده ان قوام هذا الامر انما هو بالوعورة،بناء على ما قد الفته نفسه وطبعت عليه سجيته. والحل في ايام عثمان، وايام ولايته الامر، كالحال فيما تقدم في انه لم يظهر منه دعابة ولا مزاح يسمى الانسان لاجله ذا دعابة ولعب. ومن تأمل كتب السير عرف صدق هذا القول (1)

5- سياسة علي ابان خلافته

يذكر عبد الحميد ان قوماً ممن لم يعرفوا حقيقة فضل امير المؤمنين زعموا ان عمر كان اسوس منه، وان كان هو اعلم من عمر، صرح بذلك الرئيس ابوعلي بن سينا في (الشفاء في الحكمة )، وكان شيخنا ابو الحسين يميل الى هذا، وقد عرض به في كتاب (الغرر) ثم زعم اعداؤه ومبغضوه ان معاوية كان اسوس منه واصح تدبيراً.

ويعلق ابن ابي الحديد على ذلك قائلاً: اعلم ان السائس لايتمكن من السياسة البالغة، الا اذا كان يعمل برأيه، وبما يرى فيه صلاح ملكه وتمهيد امره، وتوطيد قاعدته،سواء وافق الشريعة ام لم يوافقها. ومتى لم يعمل في السياسة والتدبير بموجب ما قلناه، فبعيد ان ينتظم امره. وعلي كان مقيداً بقيود الشريعة مدفوعاً الى اتباعها ورفض ما يصلح اعتماده من اراء الحرب والكيد والتدبير، اذا لم يكن للشرع موافقاً.فلم تكن قاعدته في خلافته قاعدة غيره ممن لم يلتزم بذلك، ولسنا بهذا القول زارين على عمر بن الخطاب ولا ناسبين اليه ما هو منزه عنه، ولكنه كان مجتهداً يعمل بالقياس والاستحسان والمصالح المرسلة ويرى تخصيص عمومات النص بالاراء بالاستنباط من اصول تقتضي خلاف ما يقتضيه عموم النصوص، ويكيد خصمه ويامر امراءه بالكيد والحيلة ويؤنب من يتغلب على ظنه انه يستوجب ذلك، ويصفح عن اخرين قد اجترموا ما يستحق التانيب. كل ذلك بقوه اجتهاده وما يؤديه اليه نظره.ولم يكن علي يرى ذلك،كان يقف مع النصوص والظواهر ولا يتعداها الى الاجتهاد

ص: 135


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 6 / 326 – 329.

والاقيسة، ويطبق امور الدنيا على امور الدين ويسوق الكل مساقاً واحداً ولا يضع ولا يرفع الا بالكتاب والنص. فاختلفت طريقتاهما في الخلافة والسياسة وكان عمر مع ذلك شديد الغلظة والسياسة وكان علي كثير الحلم والصفح والتجاوز فازدادت خلافة ذلك قوة، وخلافة هذا ليناً.ولم يمن عمر بما مني به علي من فتنة عثمان التي احوجته الى مداراة اصحابه وجنده ومقاربتهم، للاضطراب الواقع بتلك الفتنة، ثم تلا ذلك فتنه الجمل وفتنة صفين ثم فتنة النهروان.وكل هذه الامور مؤثرة في اضطراب الوالي،وانحلال معاقد ملكه،ولم يتفق لعمر شئ من ذلك. فشتان بين الخلافتين فيما يعود الى انتظام المملكة وصحة تدبير الخلافة. (1)

واما القول في سياسة معاوية، وان شنأة علي زعموا انها خير من سياسة امير المؤمنين، فيكفينا في الكلام على ذلك ما قالة شيخنا ابو عثمان ونحن نحكيه بالفاظه، ( يقول ما ملخصه ): كان علي لايستعمل في حربه الاما وافق الكتاب والسنة، وكان معاوية يستعمل خلاف الكتاب والسنة كما يستعمل الكتاب والسنه ويستعمل جميع المكايد، حلالها وحرامها، ويسير في الحرب بسيرة ملك الهند اذا لاقى كسرى، وخاقان اذا لاقى رتبيل،(2) وعلي يقول لاتبدؤهم بالقتال حتى يبدأوكم، ولا تتبعوا مدبراً، ولا تجهزوا على جريح ولا تفتحوا باباً مغلقاً..... (الى اخر كلام ابي عثمان ).

ويقول عبد الحميد فلولا ان علياًكان عارفاً بوجوه السياسة وتدبير امر السلطان والخلافة، حاذقاً في ذلك، لم يجتمع عليه الا القليل من الناس، وهم اهل الاخرة خاصة،الذين لامثيل لهم في الدنيا، فلما وجدناه دبر الامر حين وليه، واجتمع عليه من العساكر والاتباع ما يتجاوز العدّ والحصر، وقاتل بهم اعداءه الذين حالهم حالهم، فظفر في اكثر حروبه، ووقف الامر بينه وبين معاوية على سواء، وكان هو الاظهر والاقرب الى الانتصار، علمنا انه من معرفة تدبير الدولة والسلطان بمكان مكين (3)

ويقول ابن ابي الحديد ايضاً: بهذا ونحوه استدل اصحابنا المتكلمون على حسن سياسته وصحة تدبيره، لانه من مني بهذه الرعيه المختلفة الاهواء، وهذا الجيش العاصي له، المتمرد عليه، ثم كسر بهم الاعداء، وقتل بهم الرؤساء فليس يبلغ احد في حسن السياسة وصحة التدبير مبلغه، ولا يقدر احد قدره، وان سياسته – اذا تاملها المنصف متدبراً لها بالاضافه الى احواله التي دفع اليها مع اصحابه – قد جرت مجرى المعجزات (4)

روى ابو العباس المبرّد في (الكامل ) عن قنبر مولى علي قال: دخلت مع علي على عثمان، فأحبا الخلوة فأومأ علي الي بالتنحي، فتنحيت غير بعيد، فجعل عثمان يعاتبه، وعلي مطرق، فاقبل عليه عثمان فقال:مالك لاتقول ؟قال: ان قلت لم اقل الا ما تكره، وليس لك عندي الا ما تحب.

ص: 136


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 10 / 212 – 213.
2- صاحب الترك: انظر م. ن. / 10 / 227.
3- م. ن. / 10 / 227 – 231.
4- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 7 / 72 – 73.

قال ابو العباس: تأويل ذلك: ان قلت اعتددت عليك بمثل ما اعتددت به علي، فلذعك عتابي، وعقدي الا افعل – وان كنت عاتباً – الا ما تحب. (1)

ويعلق ابن ابي الحديد على ذلك بقوله: وعندي فيه تاويل اخر، وهو: اني ان قلت واعتذرت، فاي شئ حسنته من الاعذار لم يكن ذلك عندك مصدقاً، ولم يكن الامكروهاً غير مقبول، والله تعالى يعلم انه ليس لك عندي في باطني، وما اطوي عليه جوانحي الا ما تحب، وان كنت لاتقبل المعاذير التي اذكرها بل تكرهها وتنبو نفسك عنها. (2) وواضح ان المرّجح هو تاويل ابن ابي الحديد.

6- اخبار عن علي

يذكر ابن ابي الحديد عن شيخه ابي جعفر الاسكافي، ان معاوية وضع قوماً من الصحابة، وقوماً من التابعين، على رواية اخبار قبيحة عن علي، تقتضي الطعن فيه والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جعلاً يرغب في مثله،فاختلقوا ما أرضاه، منهم ابو هريرة، وعمرو بن العاص، والمغيرة بن شعبه، ومن التابعين عروة بن الزبير. (3) اما ابو هريرة فروي عنه الحديث الذي فحواه ان علياً خطب ابنة ابي جهل في حياة رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) فاسخطه فخطب على المنبر وقال (( لاها الله لاتجتمع ابنة ولي الله، وابنة عدو الله ابي جهل، ان فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها، فان كان علي يريد ابنة ابي جهل، فليفارق ابنتي وليفعل ما يريد )) (4)

ويعلق ابن ابي الحديد على هذا الخبر فيقول: هذا الحديث مخرج في صحيحي مسلم والبخاري، عن المسور بن مخرمة الزهري، وقد ذكره المرتضى في كتابه المسمى ( تنزيه الانبياء والائمة )، وذكر انه رواية حسين الكرابيسي، وانه مشهور بالانحراف عن اهل البيت وعداوتهم والمناصبة لهم، فلا تقبل روايته.

ويقول (( وعندي ان هذا الخبر لو صح، لم يكن على امير المؤمنين فيه غضاضة ولا قدح، لان الامة مجمعة على انه لو نكح ابنة ابي جهل مضافاً الى نكاح فاطمة، لجاز لانه داخل تحت عموم الاية المبيحة للنساء الاربع.فابنة ابي جهل المشار اليها كانت مسلمة، لان هذه القصة كانت بعد فتح مكة، واسلام اهلها طوعاً وكرهاً، ورواة الخبر موافقون على ذلك.فلم يبق الا ان كان هذا الخبر صحيحاً، فان رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) لما رأى فاطمة قد غارت وادركها ما يدرك النساء، عاتب علياً، عتاب الاهل، واستعطفه الى رضا اهله وصلح زوجته، ولو تاملت احوال النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) مع زوجاته، وما كان يجري بينه وبينهن من الغضب تارة والصلح اخرى، والسخط تارة والرضا اخرى، حتى بلغ الامر الى الطلاق مرة، والى الايلاء مرة، والى الهجر والقطيعة مرة، لعلمت ان الذي عاب الحسدة والشانئون علياً به بالنسبة الى تلك الاحوال، قطرة من البحر المحيط، فهل ما روى في الخبر من تعصب فاطمة على علي وغيرتها من تعريض بني المغيرة له بنكاح عقيلتهم اذا قويس الى

ص: 137


1- المبرّد ( ابو العباس محمد بن يزيد) / الكامل في الادب واللغة والنحو والصرف / تحقيق محمد ابو الفضل ابراهيم والسيد شحاتة / مطبعة نهضة مصر / القاهرة / د. ت/ 1 / 13 / وساشير اليه فيما ياتي من الهوامش ب- ( المبرد).
2- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 9 / 14.
3- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 4 / 63.
4- م. ن. / 4 / 64.

هذه الاحوال وغيرها مما كان يجري الا كنسبة التأفيف الى حرب البسوس ! ولكن صاحب الهوى والعصبية لاعلاج له )) (1)

وعلى الرغم من كون ابي اسحاق ابراهيم بن سيار النظام احد ائمة المعتزلة الا ان عبد الحميد ينكر عليه اشد الانكار تعرضه لعلي في كتاب (النكت )، من بين من تعرض لهم بذكر عيوبهم من الصحابة، فقد طعن النظام على علي – من بين ما طعن – في قوله (( اذا حدثتكم عن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، فهو كما حدثكم، فو الله لان اخر من السماء احب الي من ان اكذب على رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) واذا سمعتموني احدثكم فيما بيني وبينكم فانما الحرب خدعة )).

قال النظام:(( وهذا يجري مجرى التدليس في الحديث، ولو لم يحدثهم عن رسول الله

(صلی الله علیه و آله و سلم) بالمعاريض (2) وعلى طريق الابهام لما اعتذر من ذلك )) ويعلق ابن ابي الحديد على ذلك فيقول: ان النظام قد وهم وانعكس عليه مقصد امير المؤمنين، وذلك انه عليه السلام لشدة ورعه اراد ان يفصل للسامعين بين ما يخبر به عن نفسه وبين ما يرويه عن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) لان الضرورة ربما تدعوه الى استعمال المعاريض، لاسيما في الحرب المبنية على الخديعة والراي، فقال لهم: كلما اقول لكم قال لي رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) فاعلموا انه سليم من المعاريض، خال من الرمز والكناية، لاني لااستجيز ولا استحل ان اعميّ والغز في حديث رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم). وما حدثتكم به عن نفسي، فربما استعمل فيه المعاريض لان الحرب خدعة وهذا كلام رجل قد استعمل التقوى والورع في جميع اموره، وبلغ من تعظيم امر رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) واجلال قدره واحترام حديثه الا يرويه الا بالفاظه، لابمعانيه (3)

ثم يقول:" وان النظام اخطأ عندنا في تعريضه ( في كتاب النكت ) بهذا الرجل خطأً قبيحا، وقال قولاً منكراً، نستغفر الله له من عقابه، ونسأله عفوه عنه، ولقد كان رحمه الله بعيداً عن معرفة الاخبار والسير، منصباً فكره مجهداً نفسه في الامور النظرية الدقيقة كمسألة الجزء، ومداخلة الاجسام وغيرها، ولم يكن الحديث والسيرة من فنونه، ولا من علومه، ولا ريب انه سمعها ممن لايوثق بقوله فنقلها كما سمعها ". (4)

ص: 138


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 4 / 65- 67.
2- المعاريض في الكلام " التورية بالشيء عن الشيء، وفي المثل: ان في المعاريض لمندوحةعن الكذب، أي سعة ". انظر: الرازي محمد بن ابي بكر بن عبد القادر / مختار الصحاح / 425 / الناشر / دار الكتاب العربي / بيروت / 1401ﻫ – 1981م / وساشير اليه فيما ياتي من الهوامش ب- ( محمد الرازي).
3- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 6 / 131 / 132.
4- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 6 / 130.

وعند شرح ابن ابي الحديد لخطبة علي (في ذكر الحياة والموت ) يقول: واعلم ان هذه الخطبة ذكرها شيخنا ابو عثمان الجاحظ في كتاب (البيان والتبين ) (1) ورواها لقطري بن الفجاءة، والناس يروونها لامير المؤمنين.

ولا يكتفي ابن ابي الحديد بذلك الكلام فيقول (( وقد رايتها في كتاب (المونق )لابي عبد الله المرزباني، مروية لامير المؤمنين، وهي بكلام امير المؤمنين اشبه، وليس بعيد عندي ان يكون قطري قد خطب بها بعد ان اخذها عن بعض اصحاب امير المؤمنين، فان الخوارج كانوا اصحابه وانصاره، وقد لقي قطري اكثرهم )) (2)

وفي فصل (ذكر امور غيبية اخبر بها الامام فتحققت ) يقول عبد الحميد: كم له من الاخبار عن الغيوب الجارية هذا المجرى (مما ذكره بالتفصيل ) مما لو اردنا استقصاءه لكسرنا له كراريس كثيرة، وكتب السير تشتمل عليها مشروحة. ويسأل ابن ابي الحديد نفسه (( فان قلت: لماذا غلا الناس في امير المؤمنين فادعوا فيه الالهية لاخباره عن الغيوب التي شاهدوا صدقها عيانا، ولم يغلوا في رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، فيدعوا له الالهية، واخباره عن الغيوب الصادقة قد سمعوها وعلموا يقينها، وهو كان اولى بذلك،لانه الاصل المتبوع ومعجزاته اعظم واخباره عن الغيوب اكثر ؟))ويجيب بنفسه: (( ان الذين صحبوا رسول الله

(صلی الله علیه و آله و سلم) وشاهدوا معجزاته وسمعوا اخباره عن الغيوب الصادقة عيانا، كانوا اشد اراء واعظم احلاماً واوفر عقولاً من تلك الطائفة الضعيفة العقول السخيفة الاحلام الذين رأوا امير المؤمنين في اخر ايامه، كعبد الله بن سبأ واصحابه، فانهم كانوا من ركاكة البصائر وضعفها على حال مشهورة. فلا عجب عن مثلهم ان تستخفهم المعجزات، فيعتقدوا في صاحبها ان الجوهر الالهي قد حله، لاعتقادهم انه لايصح من البشر هذا الا بالحلول، ويجوز ان يكون اصل هذه المقالة من قوم ملحدين ارادوا ادخال الالحاد في دين الاسلام فذهبوا الى ذلك، ولو كانوا في ايام رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) لقالوا فيه مثل هذه المقالة، اضلاللا لاهل الاسلام، وقصدا لايقاع الشبهة في قلوبهم. ولم يكن في الصحابة مثل هؤلاء، ولكن كان فيهم منافقون وزنادقه، ولم يهتدوا الى هذه الفتنة ولا خطر لهم مثل هذه المكيدة )) (3)

ويصل ابن ابي الحديد الى نتيجة طريفة، يشير اليها فيقول (( مما ينقدح لي من الفرق بين هؤلاء القوم وبين العرب الذين عاصروا رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) ان هؤلاء من العراق، وطينة العراق مازالت تنبت ارباب الاهواء واصحاب النحل العجيبة، والمذاهب البديعة، واهل هذه الاقاليم اهل بصر وتدقيق ونظر، وبحث عن الاراء والعقائد، وشبه معترضة في المذاهب، وقد كان منهم في ايام الاكاسرة مثل ماني وديصان ومزدك وغيرهم، وليست طينة الحجاز هذه الطينة، ولا اذهان اهل الحجاز هذه الاذهان، والغالب على اهل الحجاز الجفاء والعجرفة وخشونة الطبع، ومن سكن المدن منهم، كأهل مكة والمدينة والطائف، فطباعهم قريبة من اهل البادية بالمجاورة، ولم يكن فيهم من قبل حكيم ولا فيلسوف ولاصاحب نظر

ص: 139


1- الجاحظ ( عمرو بن بحر) البيان والتبين / لجنة التاليف والترجمة والنشر / القاهرة 1960م / 2 / 126 وساشير فيما ياتي من الهوامش ب- ( الجاحظ). وانظر ايضا: القلقشندي / صبح الاعشى في صناعة الانشا / مطبوع بالاوفسيت / القاهرة / 1383ﻫ – 1963م / 1 / 223 / المؤسسة العامة للتاليف والترجمة والنشر.
2- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 7 / 236.
3- م. ن. / 7 / 50.

وجدل، ولا موقع شبهة، ولا مبتدع نحلة. ولهذا نجد مقالة الغلاة طارئة، وناشئة من حيث سكن علي بالعراق والكوفة، لا في ايام مقامه بالمدينة، وهي اكثرعمره. فهذا ما لاح لي من الفرق بين الرجلين في المعنى المقدم ذكره )) (1)

وينقل ابن ابي الحديد عن ابراهيم بن هلال الثقفي في كتاب (الغارات ) خبر خروج الخريت بن راشد الناجي على علي مفصّل،ا حتى معركته الاخيرة على سيف من اسياف البحر في الاهواز، ومقتله، وتفرق جماعته، واسر الباقين. وكان قائد الجيش من قبل علي: معقل بن قيس الرباحي. وبعد هزيمة الخريت ومقتله بعث معقل الخيل الى رحالهم فسبى من ادرك فيها، رجالاً ونساءً وصبياناً.ثم نظر فيمن كان مسلماً خلاه واخذ بيعته وخلى سبيل عياله، ومن كان ارتد عن الاسلام، عرض عليه الرجوع الى الاسلام والا القتل، فاسلموا فخلى سبيلهم وسبيل عيالهم، الا شيخاً منهم نصرانياً ابى العوده الى الاسلام،فقدمه معقل وضرب عنقه. ثم اخذ الصدقة ممن لم يؤدها، وعمد الى النصارى وعيالهم، فاحتملهم معه، واقبل المسلمون الذين كانوا معهم يشيعونهم، فلما ذهبوا لينصرفوا، تصايحوا، ودعا الرجال والنساء بعضهم بعضاً. وكتب معقل الى علي يخبره بنتائج المعركة. ثم اقبل بالاسارى وكانوا خمسمائةانسان، حتى مر على مصقلة بن هبيرة الشيباني، وهو عامل علي على (اردشير خرة )، فبكى اليه النساء والصبيان واستنجد به الرجال، فعزم مصقلة على شرائهم وعتقهم، وبعد مساومة مع معقل اشتراهم مصقلة بخمسمائة الف درهم، فدفع الاسرى اليه، على ان يعجل بالمال الى امير المؤمنين، واخبر معقل علياً بالامر فاقره. وانتظر علي مصقلة ان يبعث بالمال، فابطأ عليه.فكتب اليه يستحثه على المجئ، ويتهمه بالغش والخيانة ان لم يدفع ما بذمته. فجاء مصقلة الى الكوفة، فدفع مائتي الف درهم، وعجز عن دفع الباقي. فما مكث ليلة واحدة بعد هذا الكلام حتى لحق بمعاوية. (2)

ويقول ابن ابي الحديد ان خبر بني ناجية مروي بروايتين: الاولى رواها محمد بن عبد الله بن عثمان، عن نصر بن مزاحم، ومفادها ان معقل بن قيس قتل مقاتلة المرتدين، بعد امتناعهم من العود الى الاسلام وسبى ذراريهم، فقدم بها على علي. فعلى هذه الرواية يكون الذي اشتراهم مصقلة هم ذراري اهل الردة. اما الرواية الثانية فيرويها ايضاً محمد بن عبد الله بن عثمان عن ابن ابي سيف، ومفادها ان معقلاً لم يقتل من المرتدين الا واحداً، ابى العودة الى الاسلام، ورجع الباقون، والاسترقاق انما كان للنصارى الذين ساعدوا في الحرب، وشهروا السيف على جيش الامام وهم ليسوا مرتدين، بل نصارى في الاصل وهم الذين اشتراهم مصقلة.

ويعلق ابن ابي الحديد قائلاً: " ان كانت الرواية الاولى هي الصحيحة ففيها اشكال لان المرتدين عند الفقهاءلايجوز استرقاقهم، ولا اعرف خلافا في هذه المسأله ولا اظن الامامية ايضا تخالف فيها، فلا اعلم كيف وقع استرقاق المرتدين من بني ناجية، على اني ارى ان الرواية لم يصرح فيها باسترقاقهم، ولا بيعهم على مصقلة، لان لفظ الراوي (فابوا، فقتل مقاتلتهم، وسبى ذراريهم فقدم بهم على علي ) ويبقى الاشكال على هذه الرواية ان يقال: اذا كان معقل قد قدم بهم على علي، فمن الذين اشتراهم مصقلة ؟ .

ص: 140


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 7 / 51.
2- ابن ابي الحدسد / شرح نهج البلاغة / 3 / 145.

واما الرواية الثانية، فان كانت هي الصحيحة،فالراي في المسألة ان الذمي اذا حارب المسلمين فقد نقض عهده فصار كالمشركين الذين في دار الحرب، فاذا ظفر به الامام جاز استرقاقه وبيعه، وكذلك اذا امتنع من اداء الجزية، او امتنع من التزام احكام الاسلام فنصارى بني ناجية على هذه الرواية قد انتقض عهدهم بحرب المسلمين فابيحت دماؤهم، وجاز للامام قتلهم واسترقاقهم".

ويقارن ابن ابي الحديد بين هذا الاسترقاق وبين استرقاق ابي بكر لاهل الردة، وسبيه ذراريهم، فيقول " فان صح ذلك (سبي اهل الردة ) كان مخالفاً لما يقول الفقهاء من تحريم استرقاق المرتدين،الا ان يقولوا انه لم يسب المرتدين وانما سبى من ساعدهم واعانهم في الحرب من المشركين الاصليين ".

ويسكت عبد الحميد بن ابي الحديد عن اعطاء رأيه النهائي ثم يقول (( وفي هذا الموضع نظر......)) (1)

ويروي ابو الفرج الاصفهاني خبر وفاة علي ودفنه مسنداً الى ابي مخنف، انه توفى وهو ابن اربع وستين سنة، في عام اربعين للهجرة، ليله الاحد وعشرين ليلة مضت من شهر رمضان، وولي غسله ابنه الحسن وعبد الله بن عباس، وكفن في ثلاثة اثواب ليس فيها قميص، وصلى عليه ابنه الحسن، فكبرعليه خمس تكبيرات، ودفن بالرحبة مما يلي ابواب كندة عند صلاة الصبح.

ويروي ابو الفرج رواية اخرى يسندها الى الحسن بن علي الخلال عن جده، قال:قلت للحسين بن علي: اين دفنتم امير المؤمنين ؟ قال:خرجنا به ليلاً من منزله حتى مررنا على منزل الاشعث بن قيس، ثم خرجنا به الى الظهر بجنب الغري.

ويعلق ابن ابي الحديد قائلاً: وهذه الروايه الثانية هي الحق وعليها العمل.وقد قلنا ان ابناء الناس اعرف بقبور آبائهم من غيرهم من الاجانب. وهذا القبر الذي بالغري هو الذي كان بنو علي يزورونه قديماً وحديثاً، ويقولون:هذا قبر ابينا،لايشك احد في ذلك من الشيعة ولا من غيرهم ما زاروا ولا وقفوا الا على هذا القبر بعينه (2)

7- بعض من اخبار معاوية

يتحدث ابن ابي الحديد في فصل ( ذكر المنحرفين عن علي ) (3) ناقلا عن صاحب كتاب ( الغارات ) عن الاعمش عن انس بن مالك انه قال ( سمعت رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) يقول: سيظهر على الناس رجل من امتي عظيم السرم واسع البلعوم، ياكل ولا يشبع، يحمل وزر الثقلين، يطلب الامارة يوماً، فاذا ادركتموه فابقروا بطنه.قال: وكان في يد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) قضيب قد وضع طرفه في بطن معاوية ".

ص: 141


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 3 / 128 – 151.
2- م. ن. / 6 / 122.
3- م. ن. / 4 / 74.

ويعلق عبد الحميد على هذا الحديث قائلاً:" هذا الخبر مرفوع، ومؤكد لاختيارنا ان المراد به معاوية، دون ما قاله كثير من الناس انه زياد او المغيرة " ولا يعطي ابن ابي الحديد المصدر الذي بنى رأيه استناداً اليه. (1)

ويروي ابراهيم بن سعد الثقفي عن محمد بن ابي سيف عن اصحابه ان عليا لما كتب الى محمد بن ابي بكر هذا الكتاب ( كتاب ولايته على مصر )، كان ينظر فيه ويتادب بادبه،فلما قتله عمرو بن العاص، اخذ كتبه اجمع فبعثها الى معاوية، فكان معاوية ينظر في هذا الكتاب ويتعجب منه فقال الوليد بن عقبة، وقدرأى اعجاب معاوية: مر بهذه الاحاديث ان تحرق، افمن الرأي ان يعلم الناس ان احاديث ابي تراب عندك تتعلم منها ؟ قال معاوية: ويحك اتامرني ان احرق علماً مثل هذا ؟ والله ما سمعت بعلم هو اجمع منه ولا احكم. فقال الوليد: ان كنت تعجب من علمه وقضائه فعلام تقاتله ؟ فقال معاوية:لولا ان ابا تراب قتل عثمان ثم افتانا لاخذنا عنه، ثم نظر الى جلسائه فقال: انا لانقول هذه من كتب علي، ولكن نقول هذه من كتب ابي بكر، كانت عند ابنه محمد،فنحن ننظر فيها ونأخذ منها.قال: فلم تزل تلك الكتب في خزائن بني امية حتى ولي عمر بن عبد العزيز، فهو الذي اظهر انها من احاديث علي بن ابي طالب.

ويقول عبد الحميد معلقاً: الاليق ان يكون الكتاب الذي كان معاوية ينظر فيه ويعجب منه هو عهد علي الى مالك الاشتر حين ولاه مصر،فانه نسيج وحده، ومنه تعلم الناس الاداب والقضايا والاحكام والسياسة، وهذا العهد صار الى معاوية،لما سم الاشتر ومات قبل وصوله الى مصر،فكان ينظر فيه ويعجب منه، وحقيق مثله ان يقتنى من خزائن الملوك (2)

ويفرد ابن ابي الحديد فصلاً لذكر (بعض ما دار بين علي ومعاوية من الكتب ) وفيها اقوال كثيرة لمعاوية في الاستهانه بعلي وتقليل شأنه وذمه.ويقول عبد الحميد " واعجب واطرب ما جاء به الدهر،ان يفضي امر علي الى ان يصير معاوية ندا له، ونظيرا مماثلا، يتعارضان الكتاب والجواب، ويتساويان فيما يواجه به احدهما صاحبه، ولا يقول له كلمة الا قال مثلها واخشن مسا منها. فليت محمدا (صلی الله علیه و آله و سلم) كان شاهد ذلك، ليرى عيانا لا خبرا، ان الدعوة التي قام بها، وقاسى اعظم المشاق في تحملها، وكابد الاهوال في الذب عنها، خلصت صفوا عفوا لاعدائه الذين كذبوه، واخرجوه عن اوطانه، وادموا وجهه، وقتلوا عمه واهله، فكأنه كان يسعى لهم، ويدأب لراحتهم، كما قال ابو سفيان في ايام عثمان لحمزة وقد مر بقبره وضربه برجله،" يا ابا عمارة، ان الامر الذي اجتلدنا عليه بالسيف امسى في يد غلماننا اليوم يتلعبون به ".

ومن الطريف ان ابي الحديد يعلق على ذلك معاتبا عليا فيقول " ليت شعري لماذا فتح باب الكتاب والجواب بينه وبين معاوية، واذا كانت الضرورة قد قادت الى ذلك، فهلا اقتصر في الكتابة اليه على الموعظة من غير تعرض للمفاخرة والمنافرة، واذا كان لابد منها فهلا اكتفى بها من غير تعرض لامر اخر يوجب المقابلة والمعارضة بمثله ؟ وهلا دفع هذا الرجل العظيم الجليل نفسه عن سباب هذا السفيه الاحمق ؟ هذا مع انه القائل: من واجه الناس بما يكرهون، قالوا فيه ما لا يعلمون. وهكذا جرى في القنوت واللعن، قنت بالكوفة على معاوية،

ص: 142


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 4 / 108.
2- م. ن. / 6 / 72- 73.

ولعنه في الصلاة وخطبة الجمعة، واضاف اليه عمرو بن العاص وابا موسى الاشعري، وابا الاعور السلمي، وحبيب بن مسلمة، فبلغ ذلك معاوية بالشام، فقنت عليه، ولعنه بالصلاة وخطبة الجمعة، واضاف اليه الحسن والحسين و ابن عباس والاشتر النخعي، ولعل عليا قد كان يظهر له من المصلحة حينئذ ما يغيب عنا الان، ولله امر هو بالغه. (1)

8- مناقشة اصول متنوعة

نقل الشريف المرتضى عن سليم بن قيس الهلالي، انه سمع امير المؤمنين يقول " نحن والله الذين عنى الله بذي القربى، وقرنهم الله بنفسه ونبيه (صلی الله علیه و آله و سلم) فقال: "ما افاء الله على رسوله من اهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل " (2).

يعلق ابن ابي الحديد على هذه الرواية بقوله: " اما رواية سليم بن قيس الهلالي فليست بشيء، وسليم معروف المذهب، ويكفي في رد روايته كتابه المعروف به المسمى ( كتاب سليم) على اني سمعت من بعضهم من يذكر ان هذا الاسم على غير مسمى، وانه لم يكن في الدنيا احد يعرف بسليم بن قيس الهلالي، وان الكتاب المنسوب اليه منحول موضوع لا اصل له، وان كان بعضهم يذكر اسمه في كتب الرجال " (3). ولا يذكر ابن ابي الحديد المصدر الذي استند اليه في بناء رأيه هذا.

وينقل عبد الحميد عن ابي عمر عبد البر القرطبي في كتابه ( الاستيعاب). رواية يرفعها الى الحافظ ابي نعيم قال: ابو الهيثم بن التيهان اسمه مالك، واسم التيهان: عمرو بن الحارث، اصيب ابو الهيثم مع علي يوم صفين، قال ابو عمر: هذا قول ابي نعيم وغيره.

ويدقق ابن ابي الحديد هذا الخبر مقارنة مع رواية اخرى فيقول: هذه الرواية اصح من قول ابن قتيبة في كتاب المعارف : " وذكر قوم ان ابا الهيثم شهد صفين مع علي، ولا يعرف ذلك اهل العلم ولا يثبتونه " فان تعصب ابن قتيبة معلوم، وكيف يقول: لا يعرفه اهل العلم، وقد قاله ابو نعيم، وقاله صالح بن الوجيه، ورواه ابن عبد البر، وهؤلاء شيوخ المحدثين (4).

ويورد ابن ابي الحديد خطبة لابي الشحماء العسقلاني، من مواعظه المشهورة وهي احسن ما وجد له، وانما ذكرها، ليعلم الفرق بين الكلام الاصيل والمولد " وهي كما تراها ظاهرة التكلف، بيّنه التوليد، تخطب على نفسها ". ويقول انما ذكرت هذا لان كثيرا من ارباب الهوى يقولون ان كثيرا من نهج البلاغة كلام محدث، صنعه قوم من فصحاء الشيعة، وربما عزوا بعضه الى الرضى ابي الحسن وغيره. وهؤلاء قوم اعمت العصبية اعينهم، فضلوا عن النهج الواضح، وركبوا بنيّات الطريق ضلالا وقلة معرفة باساليب الكلام.

ولا يكتفي عبد الحميد بهذا بل استطرد بالقول: لا يخلو اما ان يكون كل نهج البلاغة مصنوعا منحولا، او بعضه، والاول باطل بالضرورة، لاننا نعلم بالتواتر صحة اسناد بعضه الى امير المؤمنين، وقد نقل المحدثون كلهم او جلهم، والمؤرخون كثيرا منه، وليسوا من الشيعة لينسبوا الى غرض في ذلك، والثاني يدل على ما قلناه. لان من انس بالكلام والخطابة، وشدا طرفا من علم البيان وصار له ذوق في هذا الباب، لابد ان يفرق بين الكلام الركيك،

ص: 143


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 16 / 136 – 137.
2- الحشر / 7.
3- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 12 / 216 – 217.
4- م. ن. / 10 / 108.

والفصيح، وبين الفصيح والافصح، وبين الاصيل والمولد، واذا وقف على كراس واحد، يتضمن كلاما، لجماعة من الخطباء، اولاثنين منهم فقط، لابد ان يفرق بين الكلامين، ويميز بين الطريقتين، وانت اذا تاملت نهج البلاغة وجدته كله ماء واحدا ونفساً واحدا واسلوبا واحدا كالجسم البسيط الذي ليس بعض من ابعاضه مخالفا لباقي الا بعاض في الماهية،وكالقرآن العزيز، اوله كاوسطه واوسطه كاخره، وكل سور منه وكل آية مماثلة في المأخذ والفن والطريق والنظم لباقي الايات والسور،ولو كان بعض نهج البلاغة منحولا بعضه صحيحا. لم يكن ذلك كذلك، فقد ظهر لك بهذا البرهان الواضح ضلال من زعم ان هذا الكتاب او بعضه منحول الى امير المؤمنين (1).

وروى القاضي ابو حامد احمد بن بشير المرورذي العامري فيما حكاه عنه ابو حيان التوحيدي، قال ابو حيان: سمرنا عند القاضي ابي حامد ليلة ببغداد بدار ابن جيشان في شارع الماذيان، فتصرف الحديث، بناكل متصرف، وكان والله مِعَنّاً مِرْيَلا مِخْلَطا، عزيز الرواية لطيف الدراية، له في كل جو متنفس، وفي كل نار مقتبس، فجرى حديث السقيفة، وتنازع القوم الخلافة، فركب كل فنّاً، وعرّض بشيء ونزع الى مذهب، فقال ابو حامد هل منكم من يحفظ رسالة ابي بكر الى علي وجواب علي له ؟ ومبايعته اياه عقيب تلك الرسالة ؟ فقالت الجماعة: لا والله: قال: هي والله من درر الحقاق المصونة، ومخبآت الصناديق في الخزائن المحوطة، ومنذ حفظتها ما رويتها الا للمهلبي في وزارته، فكتبها عني في خلوة بيده، ولا اعرف في الارض رسالة اعقل منها ولا أبين، وانها لتدل على علم وحكم وفصاحة وفقاهة في دين، ودهاء وبعد غور وشدة غوص (2). ثم ذكر نص الرسالتين وملخصهما عتاب بين ابي بكر وعلي حول مواقف كل من الطرفين حول الخلافة وامور اخرى.

لكن ابن ابي الحديد يشكك بقوة في هذا الخبر، ويقول " الذي يغلب على ظني ان هذه المراسلات والمحاورات والكلام، كله مصنوع موضوع، وانه من كلام ابي حيان التوحيدي، لانه بكلامه ومذهبه في الخطابة والبلاغة اشبه. وقد كلام ابي بكر وخطبه وكلام عمر ورسائله، فلم نجدهما يذهبان هذا المذهب، ولا يسلكان هذا السبيل في كلامهما. وهذا كلام عليه اثر التوليد ليس بخفي. وأين ابو بكر وعمر من البديع وصناعة المحدثين ؟ ومن تامل كلام ابي حيان عرف ان هذا الكلام من ذلك المعدن خرج، ويدل عليه انه اسنده الى القاضي ابي حامد الموررذي، وهذه عادته في كتاب ( البصائر)، يسند الى القاضي ابي حامد كل ما يريد يقوله هو من تلقاء نفسه، اذا كان كارها ان ينسب اليه، وانما ذكرناه نحن هنا في هذا الكتاب لانه وان كان عندنا موضوعا منحولا فانه صورة ما جرت عليه حال القوم، فهم وان لم ينطقوا به لسان المقال فقد نطقوا به بلسان الحال (3).

ويقول ابن ابي الحديد: من غريب ما وقعت عليه من العصبية القبيحة ان ابا حيان التوحيدي قال في كتاب ( البصائر): ان خزيمة بن ثابت المقتول مع علي بصفين ليس هو خزيمة بن ثابت ذا الشهادتين، بل صحابي آخر من الانصار اسمه خزيمة بن ثابت، وهذا خطا لان كتب الحديث والنسب تنطق بانه لم يكن في الصحابة من الانصار ولا من غير الانصار خزيمة بن

ص: 144


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 10 / 127 – 129.
2- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 10 / 271.
3- م. ن. / 10 / 272 – 286.

ثابت الا ذو الشهادتين، وانما الهوى لا دواء له. على ان الطبري صاحب ( التاريخ) قد سبق ابا حيان بهذا القول، ومن كتابه نقل ابو حيان، والكتب الموضوعة لاسماء الصحابة تشهد بخلاف ما ذكراه، ثم أي حاجة لناصري عليّ ان يكثروا بخزيمة وابي الهيثم وعمار وغيرهم، لو انصف الناس هذا الرجل ورأوه بالعين الصحيحة لعلموا انه لو كان وحده، وحاربه الناس كلهم اجمعون لكان هو على الحق، وكانوا هم على الباطل (1).

ويروي الشريف المرتضى خبر عمر مع الشهود الذين شهدوا على المغيرة بن شعبه بالزنا، ويقول ان عمر عطل الحد بان لقّن الشاهد الرابع الامتناع عن الشهادة اتباعا لهواه، فلما فعل ذلك عاد الى الشهود الثلاثة، فحدهم وضربهم. فتجنب ان يفضح المغيرة، وهو واحد، وفضح الثلاثة مع تعطيله لحكم الله ووضعه في غير موضعه (2).

وبعد ان يذكر اقوال المرتضى ودفاع قاضي القضاة عبد الجبار، يعطي ابن ابي الحديد رأيه في المسالة فيقول: اما المغيرة فلا شك عندي انه زنى بالمرأة ولكني لست اخطئ عمر في درء الحد عنه، وانما اذكر قصته من كتاب ابي جعفر محمد بن جرير الطبري وابي الفرج علي بن الحسن الاصفهاني، ليعلم ان الرجل زنى بها لا محالة، ثم اعتذر لعمر في درء الحد عنه.

ويقول ابن ابي الحديد بعد ذكر الرواتين: انما أوردنا هذين الخبرين ليعلم السامع ان الخبر بزناه كان شائعا مشهورا مستفيضا بين الناس. وانما قلنا ان عمر لم يخطيْ في درء الحد عنه، لان الامام يستحب له ذلك، وان غلب على ظنه انه قد وجب الحد عليه. والخبر المشهور، الذي يكاد يكون متواترا ان رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) قال: " ادرءوا الحدود بالشبهات " ومن تأمل المسائل الفقهية في باب الحدود علم انها بنيت على الاسقاط عند ادنى سبب واضعفه، الا ترى انه لو أقرّ بالزنا، ثم رجع عن اقراره قبل اقامة الحد او في وسطه، قبل رجوعه وخلي سبيله ؟ (3).

وعن دفن الامام الحسن بن علي، ينقل ابو الفرج عن يحيى بن الحسن، صاحب كتاب ( النسب ) انه روى " ان عائشة ركبت ذلك اليوم بغلاً، واستنفرت بنو امية مروان بن الحكم ومن كان هناك منهم ومن حشمهم " وهو قول القائل :

فيوما على بغل : ويوما على جمل (4).

ويلمح ابن ابي الحديد في هذا الخبر ما قد يسيء الى عائشة، فيعلق قائلاً: ليس في رواية يحيى بن الحسن ما يؤخذ على عائشة، لانه لم يرو انها استنفرت الناس لما ركبت البغل، وانما المستنفرون هم بنو امية (5)، ويجوز ان تكون عائشة ركبت لتسكين الفتنة، لا سيما

ص: 145


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 10 / 109 / 110.
2- م. ن. / 12 / 227.
3- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 12 / 23- - 241.
4- ابو الفرج ( علي بن الحسين بن محمد الاصفهاني / مقاتل الطالبيين / شرح وتحقيق السيد احمد صقر / نشر دار المعرفة للطباعة والنشر / بيروت / لبنان / د. ت / ص 75، وساشير اليه فيما ياتي من الهوامش ب- ( ابو الفرج/ مقاتل ).
5- في مقاتل الطالبيين وردت عبارة "واستنفرت بني امية " بنصب كلمة ( بني) وفي هذا فرق كبير في المعنى فتأمل !!" انظر ابو الفرج / مقاتل / 75.

وقد روي عنها انه لما طلب منها الدفن قالت: نعم، فهذه الحال والقصة منقبة من مناقب عائشة (1).

وفي ثنايا شرح نهج البلاغة يحمل ابن ابي الحديد حملة منكرة على القطب الراوندي الذي الف قبله ( شرح نهج البلاغة)، وينقضه ويسخر منه، كما مر بنا سابقا، ويقول " رأيت في شرح نهج البلاغة للقطب الراوندي، عجائب وطرائف، منها انه قال في تفسير قول علي " ادركت وترى من بني عبد مناف " قال:" يعني طلحة والزبير كانا من بني عبد مناف " وهذا غلط قبيح لان طلحة من تيم بن مرة والزبير من اسد بن عبد العزى بن قصي، وليس احمد منهما من بني عبد مناف. ومنها انه قال: ان مروان بن الحكم من بني جمح، ولقد كان هذا الفقيه رحمه الله بعيدا عن معرفة الانساب، فمروان من بني امية بن عبد شمس، وبنو جمح من بني هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب، واسم جمح : تيم بن عمرو بن هصيص، واخوه سهم بن عمرو بن هصيص، رهط عمرو بن العاص، فأين هؤلاء وأين مروان بن الحكم ؟

ومنها انه قال: وأفاتتني اغيار بني جمح " بالغين المعجمة، قال هو جمع ( غير ) الذي بمعنى سوى، وهذا لم يرو ولا مثله مما تكلم به امير المؤمنين، لركته وبعده عن طريقته، فانه يكون قد عدل عن ان يقول " ولم يفلتني الا بنو جمح " الى مثل هذه العبارة الركيكة المتعسفة (2).

ويروي ابو العباس في ( الكامل) ان عليا خطب في الخوارج قبل ( النهروان) فكلمهم وناشدهم فقالوا، انا اذنبنا ذنبا عظيما بالتحكيم، وقد تبنا فتب الى الله كما تبنا، نعد اليك، فقال علي " انا استغفر الله من كل ذنب "، فرجعوا معه، وهم ستة الاف، فلما استقروا بالكوفة، اشاعوا ان عليا رجع عن التحكيم ورآه ضلالا، فاتي الاشعث بن قيس عليا وقال له: يا امير المؤمنين ان الناس قد تحدثوا أنك رأيت الحكومة ضلالا، والاقامة عليها كفرا، فقام علي يخطب فقال: من زعم اني رجعت عن الجكومة فقد كذب، ومن راها ضلالا فقد ضل، فخرجت حينئذ الخوارج من المسجد فحكّمتْ (3).

ويعلق ابن ابي الحديد على هذا الخبر فيقول: كل فساد كان في خلافة علي، وكل اضطراب حدث، فأصله الاشعث، ولولا محاقته امير المؤمنين في معنى الحكومة في هذا المرة، لم تكن حرب النهروان، ولكان امير المؤمنين ينهض الى معاوية ويملك الشام، فانه حاول ان يسلك معهم مسلك التعريض والمواربة، وفي المثل النبوي " الحرب خدعة " وذلك انهم قالوا له، تب الى الله مما فعلت كما تبنا ننهض معك الى حرب اهل الشام، فقال لهم كلمة مجملة مرسلة يقولها الانبياء والمعصومون وهي قوله: استغفر الله من كل ذنب، فرضوا بها وعدوها اجابة لهم الى سؤالهم، وصفت نياتهم، فلم يتركه الاشعث، وجاء اليه مستفسرا وكاشفا عن الحال، وهاتكا ستر التورية، والكناية، الى تفسيرها بما يفسد التدبير ويوغر الصدور، ويعيد الفتنة ولم يستفسره الا بحضور من لا يمكنه ان يجعلها معه هدنة على دخن وألجأه بتضييق الخناق عليه الى ان يتكشف ما في نفسه فخطب بما صدع عن صورة ما عنده

ص: 146


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 16 / 50 – 51.
2- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 11 / 124.
3- المبرد / 588 – 559.

مجاهرة، فأنتفض ما دبره وعادت الخوارج الى شبهتها الاولى، وهكذا الدول التي تظهر فيها اما رات الانقضاء والزوال يتاح لها امثال الاشعث من اولى الفساد في الارض (1).

ويتضح مما اتخذه عبد الحميد من منهج انه لم يكن يصدق الرواية ما لم تكن منسجمة مع القرآن الكريم والسنة والعقل. لقد ذكر ابو جعفر محمد بن جرير الطبري في تاريخه روايات كثيرة باسانيد أوردها عن جماعة من الصحابة، ان ابليس كان اليه ملك السماء وملك الارض، وكان من قبيلة من الملائكة يقال لهم الجن، وانما سموا الجن لأنهم كانوا خزان الجنان، وكان ابليس رئيسهم وقدمهم وكان اصل خلقهم من نار السموم، وكان اسمه الحارث، قال، وقد روي ان الجن كانت في الارض وانهم افسدوا فيها، فبعث الله اليهم ابليس في جند من الملائكة، فقتلهم وطردهم الى جزائر البحار، ثم تكبر في نفسه وراى انه قد صنع شيئا عظيما لم يصنعه غيره. قال: وكان شديد الاجتهاد في العبادة وقيل، كان اسمه عزازيل، وان الله جعله حكما وقاضيا بين سكان الارض قبل خلق آدم، فدخله الكبر والعجب لعبادته واجتهاده، وحكمه في سكان الارض وقضائه بينهم، فانطوى على المعصية حتى كان من امره مع آدم ما كان (2).

ويعطي ابن ابي الحديد رأيه في هذه المسالة بوضوح فيقول: لا ينبغي ان نصدق من هذه الاخبار وامثالها الا ما ورد في القرآن العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، او في السنّة، او نقل عمن يجب الرجوع الى قوله، وكل ما عدا ذلك فالكذب فيه اكثر من الصدق، والباب مفتوح، فليقل كل احد في امثال هذه القصص ما شاء !(3).

ومما يسجل لعبد الحميد في مجال موضوعيته التاريخية انه ذكر اخبار صاحب الزنج نقلا عن ابي جعفر الطبري في التاريخ، وكان الطبري يصف صاحب الزنج بالخبيث مرة وبالخائن اخرى، الا ان ابن ابي الحديد يحذف هذه الصفات ويبدلها بكلمات اخرى.

يقول ابو جعفر " فكان ممن قتل من بني هاشم جماعة من ولد جعفر بن سليمان وانصرف الخبيث وجمعت له الرؤوس ".

ويبدل ابن ابي الحديد العبارة الى " انصرف صاحب الزنج".

ويقول ابو جعفر " فزعم الخبيث ان اصحابه قالوا له بعد هذه الوقعة انا قد قتلنا مقاتلة اهل البصرة. "

ويبدلها عبد الحميد بعبارة " قال اصحاب علي بن محمد.. "

ويقول ابو جعفر " لما أخرب الخائن البصرة ".

فتصبح العبارة لدى ابن ابي الحديد " لما انتهى الى علي بن محمد ما فعل اصحابه بالبصرة.

ويقول ابو جعفر " وانتسب الخبيث في هذه الايام الى محمد بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين " فتصبح العبارة: وانتسب صاحب الزنج … ".

ويقول ايضاً " فليس بمعسكر الخبيث يومئذ من اصحابه الا القليل … ".

فتتغير العبارة الى " فليس بمعسكر علي بن محمد... "

ص: 147


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 2 / 279 – 280.
2- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 13 / 134.
3- م. ن. / 13 / 135.

ويقول ابو جعفر " فاقاموا على هذه الحال بضعة عشر شهرا الى ان صرف موسى بن بغا عن حرب الخبيث. "

فيعد لها ابن ابي الحديد الى " الى ان صرف موسى بن بغا عن حرب الزنج " (1). يتضح لنا جليا ان عبد الحميد بن ابي الحديد المعتزلي في نقده للأصول التاريخية كان ثاقب الرؤية، دقيقا في الغوص الى جواهر الامور، لا يقتنع بظواهرها او بالمعروف منها، بل يفتش ما تنطوي عليه الاخبار ممحصا ومحققا ليصل الى حقائقها.

ويبدو ان منهجه يعتمد من جملة ما يعتمد - على عدم الاكتفاء بالنظر الى ما يستشهد به الرواة من آيات القرآن الكريم في الاخبار التاريخية لكنه يدقق في زمن نزولها واسباب النزول ويقارن ذلك بالحدث التاريخي، وقد وصل في ذلك الى نتائج باهرة، كما في خبر شفاعة ابي بكر وعمر لاسرى بدر، وجواب هند بنت عمرو بن حزام لعائشة، وهو لا ينفي الخبر الا بعد استنفاذ كل المبررات التي تخطر في باله، فاذا عجز عن التبرير سارع الى التشكيك في الخبر، وحين يجد ان هناك اكثر من رواية للخبر الواحد فانه يذكرها ويرجح احداها معتمدا على تحليله الخاص، ساندا ترجيحه بالادلة والبراهين، والا فانه يترك الامر لذهن القارئ وفكره.

ان ترجيحاته تدل على نظر علمي وبصيرة نافذة، كما في روايته عن قراءة معاوية لعهد علي الى واليه على مصر.

ومن منهجه ايضا في نقد الاصول انه لم يكن يقبل بالشائع من الافكار بل يناقشها ويتحقق منها، مثل بيانه انه كتب الصحاح لا تشتمل على خبر ( لا فتى الا علي. ) ومناقشته ذلك مع استاذه عبد الوهاب بن سكينة ووصوله الى نتيجة مفادها ان كثيرا من الاخبار الصحيحة لا تحتويها كتب الصحاح.

ومما يسجل لمنهجه التاريخي من سمة علمية انه لم يكن يتردد ابدا في ذكر الروايات والأخبار التي تنسب الى الصحابة امورا غير مستساغة، فهو يذكرها لكنه، يلتمس جاهداً الاعذار لاصحابها، فيأول ويجتهد ويدافع ويخوض مجالات الفقه والحديث والتاريخ واللغة، وصولا الى توضيح الاخبار التي يتحدث عنها. لقد كان موقفه جليا في الدفاع عن الصحابة والتماس الاعذار لهم وتصحيح افعالهم ما أمكنه ذلك، كما في خبر شهادة الزنا على المغيرة بن شعبة امام عمر بن الخطاب.

وفي ذلك وغيره قد يزاوج بين الروايات ليخرج برواية واحدة تكون اقرب الى واقع الخبر المروي، كما يراه هو، ولكنه قد لا يعطي رأيه امام خبرين صحيحين متضاربين، فيقف حائرا امامهما فاذا احرج سكت عن اعطاء رأيه، كما فعل حين تحدث عن معاملة اهل الردة زمن ابي بكر. وربما نآى بنفسه عن اعطاء رأي واضح في المسالة كما فعل في موضوع وراثة النبي (صلی الله علیه و آله و سلم)، فهو وان كان يلمح الى ترجيحه بعض الاحاديث على غيرها، الا انه يترك الباب مفتوحا لذهن القارئ. وتنبغي الاشارة الى انه لم يكن يقبل بالروايات التي تنفرد بها الشيعة، بل ينصب اهتمامه على الروايات التي يوردها كلا الفريقين، فيخضعها للتحليل كما فعل في مناقشته للشريف المرتضى في كتاب ( الشافي).

ص: 148


1- انظر: الطبري / 11 / 187 – 222. وانظر ايضا -ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 8 / 148 – 163.

ومن جميل منهجه في نقد الاصول ما بينه من انه يدعو الى عدم الاخذ بالروايات التي لا تستقيم مع القرآن والسنة ولا يقبلها العقل، ورفض ما سواها مما يدخل في باب الخرافات والاساطير كما في خبر ابليس الذي رواه محمد بن جرير الطبري.

وتجدر الاشارة ايضا الى رأيه في تاثير البيئة الطبيعية على النفس البشرية عند حديثهِ عن طينة العراق التي اورثت اهله البصر والتدقيق والنظر والبحث عن الاراء والعقائد والشبه فانجبت ماني وديصان ومزدك وامثالهم.

كما تسجل له موضوعيته وحياده في نقل الخبر التاريخي اذ انه يجرده – حتى وان كان منقولا عن الاخرين - عن كل المؤثرات التي يبثّها صاحب الرواية في ذهن المتلقي ويترك الامر برمته الى القارئ ليكوّن رأيه المجرد عن الحادثة التاريخية كما فعل في نقل اخبار صاحب الزنج.

ان ابن ابي الحديد يؤاخذ في نقده للاصول على امرين، الاول: انه لم يذكر في بعض الاحيان المصادر التي استند اليها في تحديد رأيه، واستقى منها معلوماته، بل يسرد الخبر كما يراه هو، وهذا يخل بمنهجه، مثل حديثه عن تسليح المسلمين في بدر، وذكره أن ارض بدر ليست بذات نخل، مع ميلنا الى قبول صحة استنتاجه.

كما نرى ذلك واضحا عند حديثه عما ينفرد به الشيعة من امر فاطمة وعمر. ومثل ذاك انكاره لشخصية سليم بن قيس الهلالي وكتابه، دون مسوغ واضح، وكذلك حديث النبي

(صلی الله علیه و آله و سلم) عن معاوية وما سيصير اليه.

اما الامر الثاني: فهو نقله غير الدقيق عن ابي الفرج الاصفهاني خبرموقف عائشة عند وفاة الامام الحسن، فقد نقل عن ابي الفرج انه قال: " واستنفرت بنو امية مروان … " وبني رأيه على ان عائشة ليست هي المستنفرِة، بل الذي قام بالاستنفار بنو امية، بينما كانت عبارة ابي الفرج لدى الرجوع اليها، في مقاتل الطالبيين " واستنفرت بني امية " بنصب كلمة ( بني) أي ان عائشة هي التي قامت بالاستنفار، ونلتمس لعبد الحميد حسن النية بوقوعه في هذا الغلط .

ص: 149

الفصل الثالث: تنظيم المادة التاريخية وعرضها

اشارة

اعتمد ابن ابي الحديد طريقة لم يحد عنها الا نادراً، في تنظيم المادة التاريخية وعرضها، فهو لا يذكر الحدث التاريخي واخباره الا بعد ان يرد في خطبة او كلام للامام على، تصريحاً او اشارة وتلميحاً، ويكون ذلك مدخلا له للكلام على ذلك الحدث.

ويتخلص تنظيمه وعرضه للمادة التاريخية، بأن يصرح بأنه سينقل لنا مواده من كتب يحددها بنفسه، لا تتجاوز الاربعة ويكون احد تلك الكتب هو مصدره الرئيس بينما يورد الكتب الأخرى في مجال الاضافات او المقارنات بين اخبار المصدر الرئيس وبين هذه المصادر.

وتجدر الاشارة بأن النقل قد لايكون حرفياً، فانه قد يتصرف في النص الأصلي اذا وجد انه يخرج به عن حياده التاريخي، وربما ترك اجزاء من النص اذا لاحظ ان تلك الاجزاء لاتضيف شيئاً الى سياق الخبر الذي يعرضه.

ان ابن ابي الحديد قد لايكتفي بالنقل، فربما ادخل روايات شفوية يسردها ضمن الخبر، وربما جاء بروايات واخبار مما يحفظه هو، دون ان يذكر المصدر او السند، كما انه في كثير من الاحيان يدخل بنفسه معلقاً على الاخبار التي يشعر انها بحاجة الى ايضاح او مداخلة.

على أن عبد الحميد خرج عن ذلك السياق مرة واحدة حين تحدث عما اطلق عليه ( جنكز خان وفتنة التتر )، اذ يحيد عن منهجه بأن يتحدث عن بداية ظهور التتر ويتابع نشأتهم وتحركهم وامتدادهم وحروبهم بشكل دقيق، يروي كل ذلك من ذاكرته ومما يحفظ، دون ان يذكر اي سند لما رواه من اخبار، واكتفى بالقول بأنه (( لم يمر بنا في كتاب ذكر هذه الأمة سوى كتاب واحد وهو كتاب مروج الذهب للمسعودي، فأنه ذكرهم بهذا اللفظ: التتر والناس يقولون اليوم التتار )). (1)

ومن المرجح ان يكون مرد ذلك ان تلك الاحداث كانت معاصرة له، فلم يطلع على ما كتبه المؤخرون عنها.

ولرسم صورة كاملة عن منهجه سيتم الحديث عن نماذج من الاحداث التاريخية، تتنوع موضوعاتها وازمانها واحداثها، كي يتضح منهجه التاريخي بصورة جلية.

1- قصة غزوة بدر

من جملة الكتب التي ارسلها الامام على الى معاوية كتاب ذكر فيه قريشاً وبني هاشم ورسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، ووصف تقديم رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) اهل بيته في المعارك ليقي بهم أصحابه، فيقول (( وكان رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) اذا إحمّر البأس واحجم الناس، قدم اهل بيته فوقى بهم اصحابه حرّ السيوف والاسنّة، فقتل عبيدة بن الحارث في بدر، وقتل حمزة يوم احد، وقتل جعفر يوم مؤتة.)) (2)

ويقول ابن ابي الحديد: (( يجب ان نتكلم في هذا الفصل في مواضع منها... شرح قصة بدر، ومنها شرح غزاة احد، ومنها شرح غزاة مؤتة.)) (3)

ص: 150


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 8 / 219
2- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 14 / 47
3- م. ن. / 14 / 51-52

وهكذا بدأ ابن ابي الحديد في الكلام على غزوة بدر.

ثم بيًن انه ينقل ما يذكره من كتاب (المغازي) لمحمد بن عمر الواقدي، وذكر ما عساه زاده محمد بن اسحاق في كتاب (المغازي) وما زاده احمد بن يحيى بن جابر البلاذري في ( انساب الاشراف ) (1) وسنرى انه يستعين ايضا بالزمخشري ناقلاً عن تفسير ( الكشاف ).

ويبدأ عبد الحميد في النقل عن الواقدي، فينقل عنه ان رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) سمع أن عيرا لقريش قد فصلت من مكة تريد الشام، وقد جمعت قريش فيها أموالها، فندب لها أصحابه، وخرج يعترضها على رأس ستة عشر شهراً من مهاجره (صلی الله علیه و آله و سلم)، فلم يلق العير، وفاتته ذاهبة الى الشام، وهذه غزاة ( ذي العشيرة )، رجع منها الى المدينة فلم يلق حرباً. وحين عادت العير من الشام، بعث طاحة بن عبيد الله وسعد بن زيد بن نفيل قبل خروجه من المدينة بعشر ليال، يتجسسان خبر العير فلم يزالا حتى مرت العير عائدة، فاخبرا رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) الذي ندب أصحابه للخروج اليها، فخرج مع اصحابه الى المكان المعروف بالبقع فضرب عسكره هناك، وعرض المقاتلة، وامر اصحابه ان يستقوا من بئر بيوت السقيا، وكان هو اول من شرب وصلى عندها.

ويستمر الواقدي فيتحدث عمن قدمه رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وعمن تخلف عنه واسباب تخلفه وانه اعاد بعض صغار السن الى بيوتهم، ثم يذكر سير رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) من بيوت السقيا لاثنتي عشرة ليلة مضت من رمضان، وكان عدد المسلمين معه ثلاثمائة وخمسة، وتخلف ثمانية وكانت الابل سبعين، فكانوا يتعاقبون ركوبها الاثنين والثلاثة والاربعة. ويسجل الواقدي اسماء كل مجموعة اشتركت في بعير واحد. وكان مع المسلمين فَرَسان احدهما لمرثد الغنوي والاخر للمقداد بن عمرو البهراني.

ويذكر الواقدي ان عير قريش كانت الف بعير، وفيها اموال عظيمة، لم يبق بمكة قرشي ولا قرشية الا بعث في العير.

ويروي الواقدي ان عاتكة بنت عبد المطلب رأت رؤيا ازعجتها، فاخبرت بها اخاها العباس فخرج العباس مغتمّاً، وشاعت الرؤيا بين الناس. ولقي ابو جهل العباس فسخر منه قائلا (( يابني عبد المطلب اما رضيتم بأن تتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم؟ )) (2).

ويستمر الواقدي في شرح حال قريش بعد وصول خبر تعرض رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) للعير، فيذكر ان الناس تجهزوا، وشغل بعضهم عن بعض، واقامت قريش تتجهز ثلاثاً، فاخرجت اسلحتها واشتروا سلاحاً، واعان قويهم ضعيفهم.

ويقول الواقدي: كان اذا تاخر احد من قريش عن الخروج بعث آخر بدلا عنه. فتخلف ابو لهب بسبب اشفاقه وخوفه من رؤيا عاتكة، وارسل مكانه العاص بن هشام بن المغيرة، وكان له عليه دين، على ان يتنازل له عن دينه عليه، فخرج نيابة عنه.

وهنا ينتقل ابن ابي الحديد الى مغازي محمد بن اسحاق ناقلاً عنه بتفصيل ان دين أبي لهب على العاص بن هشام أربعة الاف درهم، مطله بها وافلس، فتركها له على ان يكون مكانه في النفير فخرج. (3)

ص: 151


1- م. ن. / 14 / 84
2- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 14 / 93
3- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 14 / 96

ويعود عبد الحميد الى الواقدي فيذكر استقسام قريش بالازلام عند هبل للخروج، فخرج القدح الناهي، فأجمعوا على المقام. الا ان ابا جهل حثهم على الخروج، فخرجوا.

ويذكر الواقدي اخباراً متعددة مسندة بسندها ان قريشاً كرهت الخروج للحرب بعد استقسامها بالازلام. ويذكر ان ابليس تصور لهم في صورة سراقة بن جشعم المدلجي فشجعهم على القتال.

ويروي أيضاً ان عتبة وشيبة ابني ربيعة اخرجا دروعا لهما، فنظر اليهما مولاهما عداس فقال: ما تريدان؟ قالا: اتتذكر الرجل الذي ارسلناك اليه بالعنب في كرمنا بالطائف ؟ نحن نخرج فنقاتله. فبكى عداس وقال لا تخرجا فوالله انه لنبي.

ويرى ابن ابي الحديد ان من اللازم تذكير القارئ بقصة العنب في كرم ابني ربيعة بالطائف حين هاجر النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) اليها، وحاربه اهلها، فلجأ الى حائط الكرم، وارسل ابنا ربيعة له عنباً بيد عداس، فيأخذنا الى ابي جعفر الطبري ناقلاً عنه خبر العنب في هجرة الطائف يشكل مفصل ثم يرجع عبد الحميد مرة اخرى الى الواقدي، مصدره الاساسي، فيذكر ان قريشاً خرجت بالقيان والدفوف، وكانوا تسعمائة وخمسين مقاتلاً، وقادوا مائة فرس، وكان اهل الخيل كلهم دارع.

ويقول الواقدي ان ابا جهل قال: أيظن محمد ان يصيب منا ما اصاب بنخلة ؟ فيقطع ابن ابي الحديد حديث الواقدي، ليروي لنا من ذاكرته، دون ذكر السند، قصة سرية نخلة، التي وقعت قبل بدر، وغنم فيها المسلمون ابلا لقريش. (1)

ويذكر الواقدي ان أبا سفيان قد أصبح ببدر، متقدماً على العير، وهو خائف من الرصد. ثم انه علم بقرب رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) منه، فغيّر وجهة القافلة مسرعاً الى طريق الساحل مبتعداً عن بدر.

وتحدث الواقدي عن وصول قريش الى بدر ونزولهم بها وتردد البعض من مواجهة المسلمين، وارسال ابي سفيان الى قريش يأمرهم بالرجوع، لانه افلت بالعير واحرزها وامن عليها. الا ان ابا جهل امر بعدم الرجوع حتي يقيموا ببدر ثلاثاً فينحرون الجزر ويطعمون الطعام ويشربون الخمر وتعزف عليها القيان. (2)

وذكر الواقدي ان الفرات بن حيان العجلي هو الذي ارسلته قريش حين فصلت من مكة الى ابي سفيان يخبره بمسيرها وما قد حشدت. فخالف الفرات ابا سفيان في الطريق، ووافى قريشاً بالجحفة ومضى معها وجرح في بدر جراحات كثيرة. (3)

وروى ايضاً خبر الاخنس بن شريق، حليف بني زهره الذي نصحهم بعدم القتال بعد ما نجت اموالهم. فاطاعته بنو زهره. (4)

ويذكر الواقدي ان بني عدي خرجوا من النفير، وعدلوا في الساحل منصرفين الى مكة، فصادفهم ابو سفيان قائلا: كيف رجعتم يا بني عدي ؟ لافي العير ولا في النفير !؟ قالوا: انت

ص: 152


1- م. ن. / 14 / 103
2- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 14 / 108
3- م. ن. / 14 / 108
4- م. ن. / 14 / 108 - 109

ارسلت الى قريش ان ترجع فرجع من رجع ومضى من مضى. فلم يشهد بدراً احد من بني عدي. (1)

ويتحدث الواقدي عن مسير رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) فيقول انه كان صبيحة اربع عشرة من رمضان بعرق الظبية، ثم اتى الروحاء ليلة الاربعاء للنصف من رمضان فصلى بها ولعن في صلاته الكفار وخص ابا جهل وزمعة بن الأسود وسهيل بن عمرو. (2)

ويتحدث الواقدي ان خبر مسير قريش أتي رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وهو دوين بدر، فاستشار الناس، فقام ابو بكر فقال واحسن، ثم قام عمر فقال واحسن ثم قام المقداد بن عمرو فقال في جملة ما قال انا نقول لك اذهب انت وربك فقاتلا، انا معكم مقاتلون. ثم قال النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) اشيروا علي ايها الناس، وانما اراد الانصار، فقام سعد بن معاذ فقال واحسن القول. بعد ذلك قال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) سيروا على بركة الله.

وذكر الواقدي ان النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) عقد الالوية، وكانت ثلاثة، واظهر السلاح.

ثم ان النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) لقي في مسيره سفيان الضمري، فسأله عن قريش فاجابه عن مكانهم بشكل دقيق وهو لايعرف الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم). ويعلق الواقدي قائلاً (( بات الفريقان كل منهم لا يعلم بمنزل صاحبه انما بينهم قوز من رمل )). (3)

ويقول الواقدي ان رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) نزل بوادي بدر ليلة الجمعة لسبع عشرة مضت من رمضان. وامر الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) علياً والزبير وسعد بن ابي وقاص وبسبس بن عمرو ان يذهبوا الى قليب ماء بدر فوجدوا عليه روايا قريش وفيها سقاؤهم، فاسروهم، وافلت بعضهم فأخبروا قريشاً بخبر النبي (صلی الله علیه و آله و سلم).

ويذكر الواقدي ان قريشاً بقيت تتحارس حتى الصباح. ثم ان رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) استنطق اسرى القليب فأخبروه عن عدد قريش وعدتها وعمن رجع منهم الى مكة.

ويروي ايضاً ان المسلمين بنوا لرسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) عريشاً من جريد، وقام سعد بن معاذ على باب العريش متوشحاً سيفه، فدخل النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) وابو بكر.

وذكر ان الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) صف اصحابه، فدفع رايته الى مصعب بن عمير، واستقبل المغرب وجعل الشمس خلفه، واقبل المشركون واستقبلوا الشمس.

ونزل النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) بالعدوة الدنيا من الوادي، ونزلت قريش بالعدوة القصوى ثم دعا رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) ربه فأمده الله بالملائكة ويروي الواقدي خبر نزول الملائكة ومشاركتها في المعركة بشئ من التفصيل، ثم يقول ان علياً كان على ميسرة رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، وان أبا بكر كان على ميمنته، الا انه يستدرك برواية

عن ابن أبي حبيبة انه قال: ما كان على ميمنة رسول الله (ص) ولا على ميسرته احد، وكذلك ميمنة المشركين وميسرتهم. ويعلق الواقدي (( هذا هو الثبت عندنا )). (4)

ثم يذكر خطبة رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) قبل المعركة ودعاءه الله بالنصر بعد ان رأى زمعة بن الاسود يجول متبختراً أمام المشركين.

ص: 153


1- م. ن. / 14 / 109
2- م. ن. / 14 / 110
3- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 14 / 114
4- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 14 / 120

ويروي الواقدي ان الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) ارسل عمر بن الخطاب الى المشركين ليعودوا ادراجهم، فقال حكيم بن حزام: قد عرض نصفاً فلبوه، فقال ابو جهل لا نرجع بعد ان امكننا الله منهم. ثم يتحدث عن محاولة عتبة بن ربيعة ثني قريش عن القتال، ورفض ابي جهل واصراره على الحرب. (1)

ويذكر الواقدي ان ابا جهل حرض عامر بن الحضرمي وعمير بن وهب على القتال فتقدم ابن الحضرمي فشد على المسلمين، فنشبت الحرب.(2) وكان اول قتيل مهجع مولى عمر بن الخطاب، ومن الانصار حارئة بن سراقة.(3)

ويروي الواقدي ان عتبة بن ربيعة ارسل حكيم بن حزام الى ابي جهل يثنيه عن القتال، فرده ابو جهل رداً عنيفاً، فغضب عتبة، وبرز الى القتال وهو يقول (( سيعلم اينا شؤم عشيرته الغداة )). (4) ثم ان عتبة دعا الى البراز وقد تصاف الناس وتزاحفوا وهم لايسلون السيوف ولكنهم قد انتضوا القسي، ثم دنا الناس بعضهم من بعض، فخرج عتبة وشيبة والوليد، ودعوا الى المبارزة، وبعد محاورة في الكلام خرج حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث للمبارزة.

وحيث ان لمحمد بن اسحاق في مغازيه رأي آخر، ينتقل اليه ابن ابي الحديد لينقل عنه قوله ان بني عفراء وعبدالله بن رواحه برزوا الى عتبة وشيبة والوليد،فقالوا لهم من انتم ؟ قالوا رهط من الانصار فقالوا ارجعوا فما لنا بكم من حاجة. ثم نادى مناديهم يا محمد اخرج لنا اكفاءنا من قومنا، فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) قم يا فلان قم يا فلان قم يا فلان.(5) ويقول ابن ابي الحديد ان هذه الرواية اشهر من رواية الواقدي، وفي رواية الواقدي ما يؤكد صحة رواية ابن اسحاق.(6)

ويعود ابن ابي الحديد الى الواقدي لاكمال القصة فيقول: برز الوليد بن عتبة الى علي وهو أصغر النفر، فقتله علي، وبرز عتبة الى حمزة فقتله حمزة، ثم قام شيبة وقام اليه عبيدة، وهو يومئذ أسن اصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، فضرب شيبة رجل عبيدة فقطع عضلة ساقه وكر حمزة وعلي على شيبة فقتلاه، واحتملا عبيدة الى الصف.(7)

الا ان عبد الحميد ينقل عن محمد بن اسحاق قوله ان عتبة بارز عبيدة بن الحارث وان شيبة بارز حمزة فقتل حمزة شيبة، ولم يمهل علي الوليد ان قتله، واختلف عبيده وعتبة بينهما ضربتين، كلاهما اثبت صاحبه فيها، وكر حمزة وعلي على عتبة باسيافهما حتى قتلاه. ويؤيد عبد الحميد هذه الروايه قائلا: هذا هو المناسب لاحوالهم عن طريق السن، لان شيبة أسنّ الثلاثة، فجعل بأزاء عبيدة وهو أسن الثلاثة.(8)

ص: 154


1- م. ن. / 14 / 124 - 125
2- الواقدي / كتاب المغازي، تحقيق الدكتور مارسيدن جونس / مطبعة جامعة اوكسفورد، لندن 1966، ص 64 – 65 وساشير اليه فيما ياتي بعد من الهوامش ( بالواقدي / المغازي )
3- م. ن. // ص 66
4- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 14 / 127
5- ابن هشام / السيرة / 2 / 265، وجاء فيها: قم ياعبيدة قم يا حمزة قم ياعلي
6- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 14 / 128 - 129
7- م. ن. / 14 / 130
8- م. ن. / 14 / 131

وينقل عن محمد بن اسحاق ان رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) نهى يوم بدر عن قتل ابي البخترى، الوليد بن هشام بن الحارث، لانه كان اكف الناس عن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) بمكة، وكان فيمن قام بنقض الصحيفة التي كتبتها قريش على بني هاشم، لكنه قتل على يد المجذر البلوي، وقد جهد المجذر ان يستاسر له لياتي به الى رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، فأبى الا القتال فقاتله فقتله.(1)

ثم يعود عبد الحميد الى الواقدي ناقلا قتل امية بن خلف بروايات متعددة، ثم مقارنا بين روايته وبين رواية محمد بن اسحاق حول نفس الموضوع مع اختلاف بينهما يسير.

ويكمل الواقدي حديثه بذكر خبر من قتل من قريش على ايدي المسلمين، ووصف مبارزتهم وقتلهم او اسرهم. ويقارن ان ابي الحديد تلك الاخبار بما اورده محمد بن اسحاق في المغازي مؤيدا احد الخبرين، اما اذا اتفقا فيقول: قال الواقدي وابن اسحاق. (2)

ويروي الواقدي ان الحيسمان بن حابس الخزاعي تقدم ينعى قريشا بمكة بخبر أهل بدر ومن قتل منهم.

ويقول ايضا: لما رجعت قريش الى مكة قام فيهم ابو سفيان بن حرب فطلب منهم عدم البكاء على القتلى، واظهار الجلد والعزاء، وحرم على نفسه الدهن والنساء حتى يغزو محمدا.(3)

ويذكر الواقدي ان نساء قريش مشت الى هند فقلن لها الا تبكين على ابيك واخيك وعمك واهل بيتك ؟ فقالت لا افعل لتشمت بنا نساء بني الخزرج.

ويذكر ايضا قصة عمير بن وهب الجمحي واتفاقه مع صفوان بن امية في الحجر على قتل رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) على ان يكفل له عياله واولاده ثم اخبار رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) لعمير بما اتفق به مع صفوان، فيسلم عمير.

ويفرد ابن ابي الحديد فصلا للقول في نزول الملائكة يوم بدر ومحاربتها المشركين، وينقل الاخبار عن مغازي الواقدي بعد بيان اختلاف المسلمين في ذلك الامر.

ويناقش ابن ابي الحديد هذا الموضوع ناقلا عن الزمخشري في تفسيره المسمى ب- ( الكشاف) ان قوما انكروا قتال الملائكة يوم بدر، وقالوا انما كان نزول الملائكة ليكثروا سواد المسلمين في اعين المشركين.(4)

وينتقل عبد الحميد الى فصل اخر متحدثاً عما جرى في ( الغنيمة والاسارى بعد هزيمة قريش ورجوعها الى مكة ) راويا عن الواقدي، وفيه اخبار كثيرة مفصلة، منها روايته عن صالح بن كيسان انه قال: خرج رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) يوم بدر وما معه سيف. وكان اول سيف تقلده سيف منبه بن الحجاج، غنمه يوم بدر. (5)

غير ان عبد الحميد ينقل عن البلاذري قوله (( كان ذو الفقار ( السيف ) للعاص بن منبه بن الحجاج، ويقال: للمنبه، ويقال: لشيبة، والثبت عندنا انه كان للعاص بن منبه )). (6)

ص: 155


1- ابن هشام / السيرة / 2 / 270 - 271
2- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 14 / 146
3- م. ن. / 14 / 151
4- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 14 / 163 - 164
5- م. ن. / 14 / 169
6- م. ن. / 14 / 169

وروى الواقدي ان النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) امر يوم بدر بالقُلُب أنْ تُملأ بالتراب، ثم امر بالقتلى فطرحوا فيها كلهم الا امية بن خلف، فإنه كان سمينا انتفخ بعد موته، فلما ارادوا ان يلقوه، تزايل لحمه فقال النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) اتركوه.

وينقل ابن ابي الحديد عن محمد بن اسحاق توضيحا لتلك الرواية قوله ان امية بن خلف انتفخ في دروعه حتى ملأها، فلما ذهبوا يحركونه تزايل فاقروه والقوا عليه من التراب والحجارة ما غيبه.

ويذكر الواقدي ان النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) نادى قتلى القليب باسمائهم واحدا واحدا، وسالهم (( هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا ؟ فقال المسلمون يا رسول الله أتنادي قوما قد ماتوا ؟ فقال لقد علموا ان ما وعدهم ربهم حقا )) (1)

ويذهب عبد الحميد مرة اخرى الى محمد بن اسحاق فينقل عنه ان عائشة كانت تروي الخبر وتقول: فالناس يقولون ان رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) قال (( لقد سمعوا ما قلت لهم )) وليس كذلك، انما قال (( لقد علموا ان ما وعدهم ربهم حق )) (2)

ويروي محمد بن اسحاق عن انس بن مالك قوله: قال لما ناداهم رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) قال المسلمون يارسول الله اتنادي قوما قد انتنوا فقال (( ما انتم باسمع لما اقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون ان يجيبوني )). (3)

ويعلق ان ابي الحديد على اعتراض عائشة في حديث قتلى القليب بقوله (( قلت: لقائل ان يقول لعائشة: اذا جاز ان يعلموا وهم موتى جاز ان يسمعوا وهم موتى... فلا وجه لانكارها ما يقول الناس )).(4)

وينقل ابن ابي الحديد عن محمد بن اسحاق خبراً عما فعله ابو لهب بمكة بعد سماعه بهزيمة قريش في بدر، حتى رماه الله بمرض ( العدسة ) فقتله. كما ينقل عنه اسر العباس بن عبد المطلب عم النبي محمد (صلی الله علیه و آله و سلم) وان النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) امر المسلمين بأن لايقتلوا احدا من بني هاشم لانهم اخرجوا مستكرهين ونقل عنه ايضا تشاوره في مصير الاسرى مع ابي بكر وعمر وسعد بن معاذ، وراي كل واحد منهم. وروى عنه افتداء العباس لنفسه وابني اخويه وحليفه، وحواره مع رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم).

ويعود عبد الحميد الى الواقدي فينقل عنه وصول اخبار انتصار المسلمين الى المدينة، ثم وصول النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) مع الاسرى، والمسلمون يتقدمون اليه لتهنئته.

وينتقل الى البلاذري ناقلا عنه ان اسامة بن زيد وهو يومئذ غلام، اشار الى سهيل بن عمرو، وهو مقيد في الاغلال، وسأل (( يارسول الله اهذا الذي كان يطعم الناس بمكة السريد ( يعني الثريد ) ؟... فقال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) هذا أبو يزيد الذي يطعم الطعام ولكنه سعى في اطفاء نور الله فأمكن الله منه )) (5)

ويعود ابن ابي الحديد الى الواقدي ناقلا عنه اخبار الاسرى حين وصولهم المدينة وما جرى لهم فيها، كما ينقل عن محمد بن اسحاق بعض الاخبار التي تكمل الصورة في هذا الشأن،

ص: 156


1- م. ن. / 14 / 178
2- ابن هشام / السيرة / 2 / 280
3- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 14 / 179
4- م. ن. / 14 / 179
5- البلاذري / انساب الاشراف / 1 / 304

ومنها: اطلاق سراح ابي العاص ابن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس، ختن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وزوج ابنته زينب، اكراما لها.

ويروي عن البلاذري، بتصرف، ما يماثل تلك الاخبار، ومنها حكايه هبّار بن الاسود الذي اهدر النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) دمه، ثم عفا عنه بعد اسلامه (1)

وينقل ابن ابي الحديد عن الواقدي اخباراً عن حال المدينة بعد انتصارات بدر، ويصف حال المنافقين واليهود. كما يفصل القول في الاسرى الذين افتدوا انفسهم ومبلغ الفداء، ويذكر اسماء من قدموا من مكة الى المدينة لافتدائهم.

وفي فصل خاص يذكر عبد الحميد (( تفصيل اسماء اسارى بدر ومن اسرهم )) نقلا عن الواقدي ومكملا بمحمد بن اسحاق، مع ذكر اكثر من رواية عن الخبر الواحد ان كان هناك اختلاف فيها.

ويتحدث ابن ابي الحديد عن ( المطعمين في بدر من المشركين )، وعن ( من استشهد من المسلمين ببدر )، وعن ( من قتل ببدر من المشركين واسماء قاتليهم )، وعن ( من شهد بدراً من المسلمين )، كل ذلك نقلا عن الواقدي ومكملا باخبار وروايات نقلها عن محمد بن اسحاق وعن البلاذري، كي تكتمل اخبار بدر وتتضح بصورة لا تحتاج الى مزيد.

2- واقعة صفين

تحدث ابن ابي الحديد عن واقعة صفين بشكل تفصيلي ودقيق. وينقل من ثلاثة مصادر اولها واساسها كتاب (صفين) لنصر بن مزاحم ويكمل مالم يذكره نصر،او وردت اخبار تخالف ما ذكره، من مصدرين هما ( كتاب صفين ) لابراهيم بن ديزيل الهمداني، ( وعيون الاخبار ) لابن قتيبة.

ومما يلفت النظر ان ابن ابي الحديد لم يتحدث عن صفين في موقع واحد، كما فعل في حديثه عن غزوة بدر ، بل تكلم عليها في مواقع متفرقة. فكلما تحدث الامام علي بحديث فيه ذكر لصفين او اشارة اليها، انطلق عبد الحميد متحدثا عن جزء من اخبار تلك المعركة الكبيرة.

فحين وضع الامام علي رجله في ركاب فرسه يوم خرج من الكوفة الى صفين (2)

دعا فقال: بسم الله، فلما جلس على ظهرها قال (( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين )) (3) ثم قال (( اللهم اني اعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنقلب وسوء المنظر في الاهل والمال والولد )) (4)

ويبدأ ابن ابي الحديد ناقلاً ما ذكره نصر بن مزاحم من كتاب ( صفين ) فيروي ان عليا خرج من الكوفة الى الشام حتى اذا قطع النهر امر مناديه فنادى بالصلاة، فتقدم وصلى ركعتين.

وذكر نصر مراحل سيره فقال انه سار في ارض بابل، وروى عن عمر بن عبد الله بن يعلي الثقفي قال: حضرت صلاة العصر فجعلنا لاناتي مكانا الا رايناه غير مناسب للصلاة، حتى

ص: 157


1- م. ن. / 1 / 398
2- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 3 / 166
3- سورة الزخرف / 13
4- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 3 / 165

اتينا الى مكان هو احسن ما راينا، وقد كادت الشمس تغيب، فنزل علي، ونزلت معه، قال فدعا الله، فرجعت الشمس كمقدارها من صلاة العصر، فصلينا ثم غابت الشمس.(1)

وذكر نصر ان عليا لما نزل بكر بلاء صلى بنا فلما سلم رفع اليه من تربتها فشمها ثم قال (( واها لك يا تربة، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب )) (2)

وروى ان عليا لما اراد المسير الى الشام دعا من كان معه من المهاجرين والانصار فجمعهم وحمد الله واثنى عليه، وخطب فيهم، وطلب منهم المشورة وذكر نصر روايات كثيرة مفادها ان كل من حضر اعلنوا انهم معه فيما يرى من قتال عدوه. وقال اشياخ المهاجرين والانصار: ليقم رجل منكم فليجب امير المؤمنين، فصدع سهل بن حنيف بما طلب اليه، وقال (( نحن سلم لمن سالمت وحرب لمن حاربت وراينا رأيك ونحن يمينك )).(3) الا انه يروي ايضاً ان جماعة من اتباع علي هربوا منه الى معاوية، منهم حنظله بن الربيع التميمي وعبدالله بن المعتم العبسي (4)، يقول نصر: ان كثيرين خطبوا امام علي فاكدوا انهم ناصروه على عدوه ومنهم عدي بن حاتم الطائي وعمار بن ياسر وهاشم بن عتبة بن ابي وقاص وابو زينب بن عوف ويزيد بن قيس الارحبي وزياد بن النضر وعبدالله بن بديل بن ورقاء الخزاعي وعمرو بن الحمق وحجر بن عدي.

وينقل ابن ابي الحديد عن نصر بن مزاحم (5) ان عليا كتب الى عماله يستنفرهم، فكتب الى مخنف بن سليم عامله على اصبهان، والى عبدالله بن العباس عامله على البصرة، والى غيره من امراء اعماله بنحو ما كتب الى مخنف بن سليم. ثم اقام يبنتظرهم.

ويروي عبد الحميد عن نصر بن مزاحم ان محمداً بن ابي بكر الصديق كتب الى معاوية كتابا يدعوه الى مبايعة علي، فاجابه معاوية بكتاب يؤنبه فيه ويعنفه ويسخر منه.

ويذكر نصر ان عليا امر الناس ان يخرجوا الى معسكرهم بالنخيلة، وسير امامه زياد بن النضر وشريح بن هانئ. كما يروي ان الامام عليا قسم عسكره اسباعا وجعل على كل سبع اميرا سماه باسمه. وكتب علي كتابا الى جنده يخبرهم بالذي لهم وعليهم. (6)

وينقل عبد الحميد عن نصر بن مزاحم ان عليا لما نزل بالنخيلة متوجها الى الشام بلغ معاوية الخبر، وهو يومئذ بدمشق قد البس منبر دمشق قميص عثمان مخضبا بدمه، وحول المنبر سبعون الف شيخ يبكون حوله لاتجف دموعهم على عثمان، فخطب مطالبا بدم عثمان من علي وجيشه فاعطاه اهل الشام الطاعةوانقادوا اليه واستعد للقاء علي.(7)

وخطب الامام علي بالنخيلة فذكر انه بعث مقدمة جيشه امامه وطلب من الناس المسير لخمس بقين من شوال سنة سبع وثلاثين. وينقل ابن ابي الحديد عن نصر ان عليا مر بالمدائن

ص: 158


1- م. ن. / 3 / 168
2- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 3 / 169
3- م. ن. / 3 / 173
4- م. ن. / 3 / 176
5- المنقري / نصر بن مزاحم / وقعة صفين / تحقيق عبدالسلام محمد هارون ط 2 /1382 ﻫ /مطبعة المدني / القاهرة / ج1 / ص 104 – 117 وساشير اليه فيما يلي من الهوامش ب- (المنقري)
6- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 3 / 195
7- م. ن. / 3 / 196

ثم توجه الى الانبار حتى نزل بارض الجزيرة ثم الرقة، فاغلق اهلها ابوابها امامه لانهم كانوا من العثمانية الهاربين من الكوفة.

وينتقل ابن ابي الحديد الى ابراهيم بن ديزيل الهمداني ناقلا من كتاب ( صفين ) احاديث لرسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) في فضل علي، منها حديث ( خاصف النعل )، وفيه اشارة الى ان عليا يقاتل على تأويل القرآن، كما قاتل الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) على تنزيله، وحديث ابي ايوب الانصاري ان النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) عهد اليهم ان يقاتلوا مع علي الناكثين والقاسطين والمارقين، واحاديث اخرى غيرها.(1)

ويعود ابن ابي الحديد الى نصر بن مزاحم فينقل عنه ان عليا بعث من المدائن معقل بن قيس الرياحي في ثلاثة الاف، وسيره الى الموصل ونصيبين وطلب ان يلقاه في الرقة.

وذكر نصر ان جماعة من اصحاب علي طلبوا منه ان يكتب الى معاوية محاججا له، فكتب اليه ناصحاً ومرشداً، فاجابه معاوية بكتاب فيه سطر واحد هو:

ليس بيني وبين قيس عتاب *** غير طعن الكلى وضرب الرقاب (2)

فقال علي (( انك لا تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو اعلم بالمهتدين )) (3)

ويروي نصر ان اهل الرقة منعوا عليا من العبور على الجسر، الا ان الاشتر هددهم بالحرب، فرضخوا وعبر الجيش.

وقال نصر: دعا علي زياد بن النضر وشريح بن هانئ، فسيرهما امامه الى معاوية في اثني عشر الفاً حتى بلغا (عانات) فعلما ان معاوية قد اقبل في جنوده، فارادوا عبور الفرات الى الجهة الاخرى ليكونا مع علي في جهه واحده من النهر، لكن اهل ( عانات ) منعوهم من العبور، وحبسوا عنهم السفن، فاقبلوا راجعين، فعبروا من هيت ولحقوا عليا قرب قرقيسيا. فتعجب علي حين رأهم وقال: مقدمتي تأتي من ورائي !! فاخبراه بالرأي الذي رأيا، فقال: قد اصبتما رشدكما، فقدمهما امامه نحو معاوية، فلقيا ابا الاعور السلمي في جند الشام. فطلب علي من مالك الاشتر ان يقود المقدم، ودارت بينهم الحرب متقطعة حتى وصل علي، فانسحب ابو الاعور السلمي وينقل عبد الحميد عن نصر ان وصول علي الى صفين كان لثمان بقين من محرم من سنة سبع وثلاثين.

وحين يرد كلام لعلي قاله حينما غلب اصحاب معاوية اصحابه على شريعة الفرات بصفين ومنعوهم من الماء ينقل ابن ابي الحديد عن نصر بن مزاحم ان ابا الاعور السلمي لما انسحب امام مالك الاشتر وصل الى مكان الماء وغلب عليه في قنسرين بجانب صفين، ثم اقبل معاوية في جميع جيشه، فلم يستطع الاشتر مقاومتهم وانحاز الى علي وغلب معاوية وجيش الشام على الماء وحالوا بينه وبين اهل العراق. وامر علي الناس الا يقاتلوا حتى اخذ اهل الشام اماكنهم،فارسل صعصعة بن صوحان الى معاوية ان لا يمنع الماء عنهم. فاستشار معاوية اصحابه فاختلفوا فيما بينهم، الا انهم رأوا اخيرا ان يمنعوا الماء عن جيش علي.

وروى نصر ان الحرب قامت بالرماح والسيوف حتى صار الماء في يد جيش علي. فأمرهم ان يأخذوا حاجتهم منه ويعودوا الى معسكرهم وان يخلوا بينه وبين اهل الشام ( فان الله قد نصركم عليهم بظلمهم وبغيهم ) (4)

ص: 159


1- م. ن. / 3 / 207 - 208
2- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 3 / 211
3- سورة القصص / 56
4- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 3 / 319

وينقل عبد الحميد عن نصر روايات متعددة عن تلك المعركة وتفاصيل كثيرة ومن قتل فيها من جيش معاوية ومن بارزهم وقتلهم من جيش علي واشعار كثيرة قيلت في ذلك، وسير الحرب واشتعالها حتى غلبة جيش علي على الماء. ثم طلب اصحاب علي منه ان يمنع الماء عن جيش الشام فأبى. قال نصر: فوالله ما امسى الناس حتى رأوا سقاتهم وسقاة اهل الشام، ورواياهم وروايا اهل الشام يزدحمون على الماء، ما يؤذي انسان انسانا. (1)

وجاء في النهج كلام للامام علي (2) حين اجتمع الجيشان واستبطأ اصحابه اذنه لهم في القتال بصفين، قوله (( فوالله ما دفعت الحرب يوما الا وانا اطمع ان تلحق بي طائفة فتهتدي بي وتعشو الى ضوئي وذلك احب الي من ان اقتلها على ضلالها وان كانت تبوء باثامها )) (3)

يقول ابن ابي الحديد ان عليا لما ملك الماء بصفين وسمح لاهل الشام بالمشاركة فيه استمالة لقلوبهم واظهارا للعدالة وحسن السيرة فيهم. مكث اياما لا يرسل الى معاوية ولا ياتيه من عند معاوية احد فقال اهل العراق يا امير المؤمنين خلفنا ذرارينا ونساءنا بالكوفة وجئنا الى اطراف الشام لنتخذها وطنا !! إأ ذن لنا في القتال: فاجابهم علي بما مر من كلام. وينقل عبد الحميد عن نصر بن مزاحم ان عليا ارسل وفدا الى معاوية ينصحه ويرشده، فما اجابهم بشئ بل هددهم بالسيوف والرماح، فعاد الوفد. ثم خرج قراء اهل العراق وقراء اهل الشام، فعسكروا ناحية صفين في ثلاثين الفاً، وبدءوا الوساطة بين علي ومعاوية، وخصم علي معاوية لكن الوساطة لم تنجح (4). قال نصر: كانت مراسلتهم ثلاثة اشهر وهم مع ذلك يفزعون الفزعة فيما بينهم، فيزحف بعضهم الى بعض، وتحجز القراء بينهم فلا يكون قتال.

ويروي ابن ابي الحديد ان معاوية خشي متابعة قراء الشام علياً فأخذ يحتال لهم كيما يحجموا او يكفوا.

ويقول نصر ان علياً ومعاوية كانا يخرجان الرجل الشريف في جماعة فيقاتل مثيله، وكانوا يكرهون ان يتزاحفوا بجميع الفيلق مخافة الهلاك. فاقتتل الناس ذا الحجة كله، فلما انقضى تداعوا الى ان يكف بعضهم عن بعض الى ان ينقضي المحرم، لعلى الله ان يجري صلحا او اجماعا، فكف الناس في محرم بعضهم عن بعض. (5)

وبقيت المراسلات والوفود بين الطرفين دون جدوى حتى انسلخ المحرم، فنبذ بعضهم الى بعض. وخرج معاوية وعمرو بن العاص يعبئان العساكر، وبات علي يكتّب الكتائب، ويدور في الناس ويحرضهم ويأمرهم بالا يقاتلوا القوم حتى يبدؤوهم (( فهي حجة اخرى لكم عليهم )).

ويقول نصر ان عليا رتب عسكره وجعل عليه الامراء وسماهم باسمائهم، وفعل معاوية الامر نفسه، ويروي نصر روايات متعددة تختلف في تسميات الامراء وفصائل الجيش فقط.

ص: 160


1- م. ن. / 3 / 331
2- م. ن. / 4 / 12
3- م. ن.
4- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 4 / 16
5- م. ن. / 4 / 20

وبدأ القتال كما يقول نصر في اول يوم من صفر سنة سبع وثلاثين، وهو يوم الاربعاء، فاقتتلوا قتالا شديدا جل النهار، ثم تراجعوا وقد انتصف بعضهم من بعض.

وهكذا في اليومين الثاني والثالث. وينقل ابن ابي الحديد عن نصر بن مزاحم روايات عديدة عن القتال يختتم به هذا الجزء من حديثه عن صفين.

وورد كلام للامام علي (1) كان يقوله لاصحابه في بعض ايام صفين يحثهم على القتال قائلا " صمدا صمدا حتى ينجلي لكم عمود الحق وانتم الاعلون، والله معكم ولن يتركم اعمالكم " (2). فينقل ابن ابي الحديد عن نصر بن مزاحم في فصل سماه ( من اخبار يوم صفين )، ان عليا اذا سار الى قتال ذكر اسم الله قبل ان يركب ويرفع يديه الى السماء، ويقول " اللهم اليك نقلت الاقدام، وأتعبت الابدان، وافضت القلوب، ورفعت الايدي وشخصت الابصار، (( ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وانت خير الفاتحين ))" (3). ويسجل نصر ادعية عديدة عن علي دعا بها في صفين.

ويذكر نصر ان الفريقين كان لهم قبل هذا اليوم ايام ثلاثة هي الرابع من صفر والخامس والسادس منه كانت فيها مناوشات وقتال ليس بالكثير، اما في رابع ايام المعركة، فقد خرج محمد بن الحنفية في جمع من اهل العراق، فاخرج اليه معاوية، عبيد الله بن عمرو بن الخطاب، في جمع من اهل الشام ، فاقتتلوا، ثم طلب عبيد الله من محمد المبارزة فتقدم علي لمبارزته، فلم يقبل وعاد الى عسكره.

وفي اليوم الخامس تقدم عبدالله بن العباس فخرج اليه الوليد بن عقبة، فاكثر من سب بني عبد المطلب فطلب منه ابن العباس المبارزة فلم يقبل، واقتتلوا ثم انصرفوا وكل غير غالب.

وينقل ابن ابي الحديد عن نصر ان شمر بن ابرهة بن الصباح الحميري خرج من جيش معاوية ملتحقا بجيش علي في جماعة من قراء اهل الشام، ففت ذلك في عضد معاوية وعمرو بن العاص (4).

ثم ان عليا قال: حتى متى لا نناهض القوم بأجمعنا ؟ ثم قام في الناس خطيبا، فوثب الناس الى رماحهم وسيوفهم ونبالهم، ومضى علي يعبئ الناس تلك الليلة حتى اصبح، فعقد الالوية وامر الامراء ونادى مناديه اغدوا على مصافكم. وفعل معاوية الشئ نفسه. وكان اهل الشام اكثر من اهل العراق بالضعف، وطلب عمرو بن العاص ان تكون القيادة له ذلك اليوم بدلا من ابي الاعور السلمي، ففعل معاوية ذلك.

وذكر نصر اشعارا قيلت، وكانت كل قبيلة مع معاوية تقف امام قبيلتها من جيش علي. الا بعضها، فقد اوقف معاوية حميرا امام ربيعة، واوقف السكاسك والسكون امام كندة، وجعل امام همدان العراق الازد وامام مذحج العراق عكا. ثم يروي نصر اراجيز كثيرة قيلت ذلك اليوم.

ويقول نصر: تناهض القوم يوم الاربعاء سادس صفر، واقتتلوا الى آخر نهارهم، وانصرفوا عند المساء وكل غير غالب.

ص: 161


1- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 5 / 168
2- م. ن.
3- م. ن. / 5 / 176
4- م. ن. / 5 / 180

وفي اليوم السابع كان القتال شديدا والخطب عظيما، وكان عبد الله بن بديل الخزاعي على ميمنة العراق، فزحف نحو حبيب بن مسلمة على ميسرة اهل الشام، فهزمهم واضطر بهم الى قبة معاوية وقت الظهر (1)

ثم اخذ كل من العرقيين والشاميين يسوي صفوفه ويخطب في اصحابه ويحثهم على القتال، وكان ممن خطب من جيش علي، ابو الهيثم بن التيهان، وكان صحابيا بدريا نقيبا عقبيا، وهو يسوي صفوف العراقيين ويحثهم على الجهاد. وممن خطب من جيش معاوية ذو الكلاع كما ارتجز عمرو بن العاص شعرا ارسله الى علي، فرد عليه شاعر من شعراء العراق.

وينقل ابن ابي الحديد عن نصر بن مزاحم، ان اليوم السابع كان من الايام العظيمة في صفين وذا اهوال شديدة، وكان اول فارسين التقيا من الطرفين حجر الخير وحجر الشر وحجر الخير هو حجر بن عدي صاحب علي، وحجر الشر ابن عمه من اصحاب معاوية من كندة، فخرج رجل من جيش معاوية وضرب حجرين عدي برمحه، فحمل عليه اصحاب علي فقتلوه ونجا حجر الشر هاربا الى صفوف معاوية، لكنه قتل في اليوم التالي.

ويروي نصر ان عليا ارسل فتى اسمه سعيد من اهل العراق وبيده مصحف الى أهل الشام، يدعوهم الى ما في المصحف ويناشدهم الله، فذهب اليهم فقتلوه، فطلب علي من ميمنة جيشه ان تحمل على جيش معاوية، فحمل عبدالله بن بديل بن ورقاء الخزاعي حملة عنيفة، فهزم جيش الشام، وانتهى الى معاوية، واقبل عبدالله يضرب الناس بسيفه، حتى ازال معاوية عن موقعه، فتراجع واستنجد بصاحب ميسرته حبيب بن مسلمة مرة ثانية وثالثة، فحمل حبيب بميسرته على جند العراق فكشفهم، حتى لم يبق مع ابن بديل الا نحو مائة من القراء. وصمم عبدالله على قتل معاوية، وجعل يطلبه حتى انتهى اليه فنادى معاوية بالناس ويلكم الصخر والحجارة فرضخه الناس حتى اثخنوه ، فسقط، فاقبلوا عليه بسيوفهم فقتلوه، وتضعضع موقف جيش علي بعد مقتل ابن بديل، فأمر على سهل بن حنيف برفد الميمنة، فهجم عليهم جند الشام في خيل عظيمة، فانكشفوا والحقهم بالميمنة واستمر هجوم جند الشام، فانكشفت مضر عن ميسرة على ايضا فلم يبق مع علي الا ربيعة وحدها (2). فدنا جيش الشام من علي يريدونه فقال له الحسن ما ضرك لو اسرعت في مشيك حتى تنتهي الى الذين صبروا من اصحابك، يعني ربيعة، فقال علي: يا بني ان لابيك يوما لن يعدوه، ولا يبطئ به عند السعي، ان اباك لا يبالي ان وقع على الموت او وقع الموت عليه (3).

ويروي نصر ان ميمنة العراق لما انهزمت، اقبل علي نحو الميسرة يستثيب الناس ويامرهم بالرجوع، وطلب من الاشتر ان يحمل على جيش الشام، فقال لبيك يا أمير المؤمنين، واخذ يعبئ الناس فيتعاهدون معه على الموت، فهجم على جيش الشام، وزحف نحو صفوهم حتى كشفهم والحقهم بمضارب معاوية بين العصر والمغرب.

ويتحدث نصر عن المواقف الشجاعة للقبائل المتقاتلة من الطرفين، وذكر الازد وخثعم وبجيلة وربيعة وغطفان وبني نهد، كما ذكر مواقف بطولة فردية لاشخاص سماهم، قتلوا واخوانهم وأبناؤهم، دون ان يتراجعوا، كما ذكر اشعارا قيلت في تلك المواقف (4).

ص: 162


1- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 5 / 186
2- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 5 / 198
3- م. ن. / 5 / 199
4- م. ن. / 5 / 206 - 210

ويقول نصر ان عليا دعا معاوية الى المبارزة قائلا " علام يقتتل الناس ويضرب بعضهم بعضا ؟ ابرز الي فأينا يقتل صاحبه فالامر له، فالتفت معاوية الى عمرو بن العاص فقال له ما تقول يا أبا عبدالله ؟ قال: قد انصفك الرجل، واعلم انك ان نكلت عنه، لم يزل سبّة عليك وعلى عقبك، ما بقى على ظهر الارض عربي. فقال معاوية يا ابن العاص ليس مثلي يخدع، والله ما بارز ابن ابي طالب شجاع قط الا وسقى الارض من دمه، وانصرف معاوية راجعا، فلما رأى علي ذلك ضحك وعاد الى موقفه "(1).

ويروي نصر ان معاوية حقدها على عمرو باطنا وعاتبه بشعر طويل، فاجابه عمرو بشعر مماثل.

وينتقل ابن ابي الحديد الى ابن قتيبة، فينقل من كتابه ( عيون الاخبار ) قصة مبارزة العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب لرجل من اهل الشام يعرف بعرار بن ادهم، فتكافحا بسيفهما مليا من النهار، لا يصل واحد الى صاحبه، الى ان ضربه العباس ضربة انتظم بها جوانح صدره، فخر الشامي وكبر الناس تكبيرة ارتجت لها الارض، ثم ان عليا عاتب العباس على ذلك قائلا الم انهك وابن عباس ان تخلا بمراكزكما، وان تباشرا حربا. فقال له العباس يا أمير المؤمنين أفادعى الى البراز فلا اجيب، فقال علي: نعم طاعة امامك اولى من اجابة عدوك ثم رفع يديه مبتهلا وداعيا له (2).

ويعود عبد الحميد ناقلا عن نصر مبارزات فردية واشعارا قيلت، ذكرها مفصلة، كما تحدث عن القبائل التي ابلت بلاء حسنا مع علي وخص محاربا والنخع وربيعة كما ذكر شعرا قاله علي عن ربيعة. وذكر من جيش الشام، قبيلة حمير التي وقفت امام ربيعة، ويقول نصر ان القتال اشتد بين ربيعة وبين حمير يقودها عبيد الله بن عمر بن الخطاب، حتى كثرت القتلى. وخرج نحو خمسمائة فارس من اصحاب علي، على رؤوسهم البيض، وهم غائصون في الحديد، لا يرى منهم الا الحدق، وخرج اليهم من اهل الشام نحوهم في العدة، فاقتتلوا بين الصفين والناس وقوف تحت راياتهم، فلم يرجع من هؤلاء ولا من هؤلاء. لا عراقي ولا شامي، قتلوا جميعا بين الصفين (3).

يقول نصر ثم ذهب هذا اليوم فاصبح في اليوم التاسع من صفر، فخطب معاوية في اهل الشام، فحرضهم وحثهم على القتال، فقام ذو الكلاع مبديا السمع والطاعة لمعاوية، وكانت التعبئة في هذا اليوم كالتعبئة في الذي قبله، وحمل عبيدالله بن عمر بن الخطاب في قراء اهل الشام، ومعه ذو الكلاع في حمير على ربيعة في ميسرة علي، فقاتلوا قتالا شديدا وركبت عبد القيس لمساعدة حمير، فشدت ازر الميسرة، فعظم القتال، وقتل ذو الكلاع فتضعضعت اركان حمير، ثم ارسل عبيدالله بن عمر الى الحسن بن علي يقول اخلع اباك وكن انت مكانه فاجابه الحسن: كلا والله لكانني انظر اليك مقتولا في يومك او غدك، فقتل عبيدالله في يومه.

ثم يذكر نصر روايات عديدة عن اشعار قالها عبيدالله قبل قتله، ورد بعض الشعراء عليه، ثم يذكر روايات تردد مقتله بين ربيعة وهمدان وحضرموت.

ص: 163


1- المنقري / ج4 / 274 - 275
2- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 5 / 220
3- المنقري / ج5 / 293

وينقل ابن ابي الحديد عن ابراهيم بن ديزيل الهمداني ما يؤيد ان ربيعة هي التي قتلت عبيدالله بن عمر بن الخطاب، وان زياد بن خصفة ربط جثته في احد اطناب خيمته، الى ان جاءت زوجتاه، وكانتا معه في المعركة فطالبتا بجثته فدفعها اليهما (1).

ويعود عبد الحميد ناقلا عن نصر ان الحرب اشتدت لما قتل ذو الكلاع وشدت عكًّ ولخم وجذام والاشعريون من اهل الشام على مذحج من اهل العراق، حيث جعلهم معاوية بازائهم " فكان القوم ينحر بعضهم بعضا، ويتكادمون بالافواه، فاضطرب الناس يومئذ بالسيوف حتى تقطعت وتكسرت وصارت كالمناجل، وتطاعنوا بالرماح حتى تقصفت وتناثرت اسنتها، ثم جثوا على الركب فتحاثوا بالتراب، ثم تراموا بالصخر والحجارة، ثم تحاجزوا. فكان الرجل من اهل العراق يمر على اهل الشام فيقول، كيف آخذ الى رايات بني فلان ؟ فيقولون ها هنا لاهداك الله، ويمر الرجل من اهل الشام على اهل العراق فيقول كيف آخذ الى راية بني فلان ؟ فيقولون ها هنا لا حفظك الله ولا عافاك (2).

ويذكر نصر ان عليا في اليوم العاشر وقف بين رايات ربيعة، فقاتلوا ذلك اليوم قتالا شديدا لم يكن مثله، واقبلوا نحو سرادق معاوية، فقام معاوية وخلى لهم سرادقه ورحله وخرج فارا عنه لائذا ببعض مضارب العسكر في اخريات الناس، وبعث معاوية الى خالد بن المعمر رئيس ربيعة في جيش علي، ان له امرة خراسان اذا رجع، فقطع خالد القتال ولم يتمه، وقال لربيعة، قد برت ايمانكم فحسبكم، فلما كان عام الجماعة وبايع الناس معاوية امّره على خراسان وبعثه اليها، فمات قبل ان يبلغها (3).

ويروي نصر اخبارا عن بطولات فردية في المعركة، ثم يذكر ان القبائل قد شق عليها تقديم علي لربيعة امامها في القتال، فقدم زعماؤها الى علي وطلبوا منه ان يعفي ربيعة من القتال اياما، وان يجعل لكل قبيلة يوما، فاعطاهم علي ما طلبوا، وامر ربيعة ان تكف عن القتال. فتقدمت كنانة فارتجزت وقاتلت قتالا شديدا فاثنى علي عليهم خيرا، ثم تقدمت بنو تميم في اليوم التالي فارتجزت وقاتلت حتى امسوا وانصرفوا الى علي فاثني عليهم، ثم تقدمت بنو اسد في اليوم الثالث، وارتجزت وقاتلت حتى الليل، ثم تقدمت هوازن في اليوم الرابع، فحاربوا حتى الليل وانصرفوا فانتصفت مضر من ربيعة، وظهر اثرها وعرف بلاؤها، ويذكر نصر أشعارا في ذلك، كما يسجل خطبا لعلي، وعبدالله بن العباس وعمار بن ياسر ولعمرو بن العاص ايضا (4).

ويعود ابن ابي الحديد ناقلا عن ابراهيم بن ديزيل الهمداني في كتاب (صفين)، روايات متعددة، منها ان عليا كان يحارب يوما تحت رايات مضر، ومنها ان عبدالله بن عمرو بن العاص ما كان يريد ان يحارب، لعهد عهده اليه رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) لكن اباه عمروا امره بالخروج، فخرج وهو يحمل سيفين ويقول شعرا.

ويروي ابن ديزيل عن عبد خير الهمداني، وصفه لايام صفين فيقول انا كنا نصلي الفجر، فنصف ويصف اهل الشام، ونشرع الرماح اليهم ويشرعون بها نحونا، مالو دخلت تحتها لاظلتك وكنا نقف ويقفون في الحر، لا نفتر ولا يفترون، حتى نصلي العشاء، ما يعرف

ص: 164


1- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 5 / 236
2- م. ن. / ج5 / 304
3- م. ن. / ج5 / 306
4- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 5 / 246 - 253

الرجل منا طول ذلك اليوم، من عن يمينه ولا من عن يساره من شدة الظلمة والنقع الا بقرع الحديد بعضه على بعض، فيبرز منه شعاع، فيعرف من عن يمينه ومن عن يساره، حتى اذا صلينا العشاء جررنا قتلانا الينا فتوسدناهم حتى نصبح، وجروا قتلاهم فتوسدوهم حتى يصبحوا.

وينقل ابن ابي الحديد عن ابن ديزيل روايات عديدة عن ان عمرو بن العاص كان يحمّل عليا ومعاوية دماء المقاتلين، ويعلق على ذلك قائلا: " ليت شعري لم برّأ نفسه وكان رأسا في الفتنة ؟ بل لولاه لم تكن ؟ ولكن الله انطقه بهذا الكلام واشباهه، ليظهر بذلك شكه، وانه لم يكن على بصيرة من امره " (1).

ويعود عبدالحميد، في ختام هذا القسم من كلامه على صفين، ناقلا عنه رواية عن عمار بن ياسر انه قال ان الراية التي امامه هي راية عمرو بن العاص، وقد كانت راية المشركين نفسها في بدر وأحد ويوم حنين، وانه قاتلها ثلاث مرات مع رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، وهذه هي الرابعة (2).

ومن كلام للامام علي في حث اصحابه على القتال (3) قال " انهم لن يزولوا عن مواقعهم دون طعن دراك يخرج منه النسيم، وضرب يفلق الهام ويطيح العظام، ويندر السواعد والاقدام، وحتى يرموا بالمناسر تتبعها المناسر، ويرجموا بالكتائب تقفوها الحلائب، وحتى يجر ببلادهم الخميس يتلوه الخميس..(4).

ويعلق عبدالحميد على كلام الامام قائلا " ان هذا الكلام قاله امير المؤمنين لاصحابه في صفين، ونحن نذكر هاهنا تتمة القصة، ليكون من وقف على ما تقدم وعلى هذا المذكور، قد وقف على قصة صفين بأسرها " (5).

وينقل ابن ابي الحديد عن نصر بن مزاحم المنقري في كتاب (صفين) ان عمار بن ياسر واويس القرني كانا مع علي في صفين، وهما من اصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، ثم روى حديث النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) عن عمار " ان الجنة لتشتاق الى عمار " (6)، واحاديث اخرى في فضله ومنزلته. وروى نصر ان عمارا جمع جماعة من الناس تعاهدوا على الشهادة وكانت راية علي ذلك اليوم يحملها هاشم بن عتبة بن ابي وقاص، الذي ارتجز بشعر قبل القتال، ثم ان عمارا كان يستفز هاشما ويحرضه على التقدم بالراية، فيتقدم بها ويركزها، فاذا ركزها عاوده عمار بالقول فيتقدم واشتعلت الحرب فاقتتلوا قتالا شديدا، وعمار ينادي " صبرا والله ان الجنة تحت ظلال البيض " (7). وكان بازاء هاشم وعمار، ابو الاعور السلمي، فكان قتالا لم يسمع السامعون بمثله. قال نصر: واقتتل الناس من لدن اعتدال النهار الى صلاة المغرب، ماكان صلاة القوم الا التكبير عند مواقيت الصلاة، وبقي الفريقان

ص: 165


1- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 5 / 256
2- م. ن. / 5 / 257
3- م. ن. / 8 / 3
4- م. ن. / 8 / 7
5- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 8 / 9
6- م. ن. / 8 / 10
7- م. ن. / 8 / 12

متداخلين حتي صلاة الفجر فاعطى علي الراية لهاشم بن عتبة بن ابي وقاص فركزها في القلب.

وروى نصر ان معاوية ارسل اربعة الاف فارس كي يهاجموا جيش علي من خلفه، ففطنت همدان، فواجهوهم وصمدوا لهم، وباتوا تلك اللية يتحارسون، فلما جاء الصباح هاجمتهم ربيعة من جيش علي فولوا الادبار.

وينقل ابن ابي الحديد عن نصر خبر استفسار ذي الكلاع عن وجود عمار بن ياسر مع علي ويتذكر حديث رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) عنه " تقتله الفئة الباغية " ويناقش معاوية في ذلك فاجابه " انما قتله من اخرجه للحرب ".

وذكر ايضا ان عمرو بن العاص شكك في وجود عمار بن ياسر في جيش علي، وحين سمع عمار سار في اثني عشر فارسا فالتقى عمروا في اثني عشر فارسا، ودار بينهما حوار، ثم عاد كل الى جماعته (1).

وتقدم هاشم بالراية، وعمار خلفه يحفزه، فنظر اليهم معاوية فوجه اليهم، جماعة من جنده وفيهم عبدالله بن عمرو بن العاص، فتقاتل الفريقان، ودافع اهل الشام، عن عبدالله بن عمرو، بعد ان حاصره العراقيون، حتى نجا هاربا. واصيب هاشم في المعركة ثم قتل، ثم اصيب عمار بن ياسر فحمل وهو جريح فطعنه ابو العادية من جيش معاوية، واحتز رأسه ابن حوّى السكسكي.

وفي نفس هذا اليوم قتل ذو الكلاع، ويروي نصر ان عمرو بن العاص قال لمعاوية: (( والله ما ادري بقتل ايهما انا اشد فرحا، والله لو بقي ذو الكلاع حتى يرى عماراً مفتولا لمال بعامة قومه الى علي ولافسد علينا امرنا )) (2).

ويذكر نصر ان راية علي حملها عبدالله بن هاشم بن عتبة بن ابي وقاص بعد مقتل ابيه هاشم.

وينتقل ابن ابي الحديد من نصر بن مزاحم الى ابي عبيد الله محمد بن موسى المرزباني ناقلا عنه انه بعد ان استتب الامر لمعاوية امن جميع من شارك في الحرب الا عبدالله بن هاشم، فقبض عليه زياد بن ابيه والى البصرة وارسله الى معاوية في حال مزرية، فمثل امامه بحضور عمرو بن العاص الذي حث على قتله ودار كلام سجال بينهما وبين عبدالله، فسجنه معاوية، وعفا عنه بعدئذ على ان لا يسكن الشام فيفسد عليه اهله (3).

ويعود ابن ابي الحديد الى نصر بن مزاحم ناقلا عنه روايات متعددة في بطولات هاشم بن عتبة بن ابي وقاص في الحرب، وحزن علي عند مقتله، وقوله شعرا في ذلك، ويذكر شعرا لاهل الشام، في مقتل عمار وهاشم، ورد شعراء العراق عليه.

ويتحدث نصر عن الواقعة المعروفة بوقعة الخميس راوياً عن القعقاع بن الابرد الطهوي انه قال " فلقد والله رأيت ذلك اليوم من قتالهم وسمعت من وقع السيوف على الرؤوس، وخبط الخيول بحوافرها في الارض وفي القتلى ما الجبال تهد، ولا الصواعق تصعق، باعظم من هؤلاء في الصدور من تلك الأصوات، وحمل علي على الناس وسيفه مجرد بيده، فلا والله

ص: 166


1- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 8 / 22
2- م. ن. / 8 / 24
3- م. ن. / 8 / 32 عن كتاب المرزباني المسمي ب- ( المونق )

ما حجز بين الناس ذلك اليوم الا الله رب العالمين في قريب من ثلث الليل، وقتلت يومئذ اعلام العرب، وكان في رأس علي ثلاث ضربات وفي وجهه ضربتان " (1).

ويروي نصر ان معاوية ارسل كتابا الى الصحابي ابي ايوب الانصاري في جيش علي فحمل ابو ايوب الرسالة الى علي فقرأها، ثم اجاب معاوية بقصيدة طويلة، كما يروي نصر اشعارا كثيرة متبادلة بين الفريقين لشعرائهم.

وذكر نصر راويا عن عمرو بن شمر عن السدي انه اختلط امر الناس تلك الليلة، وزال اهل الرايات عن مراكزهم وتفرق اصحاب علي، فأتى ربيعة ليلا فكان بينهم وتعاظم الامر جدا، واقبل عدي بن حاتم والاشعث وسعيد بن قيس يطلبون عليا، فلما وجدوه هللوا وكبروا، وطلبوا منه استمرار القتال، فركب علي فرس رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، وتعصب بعمامته، وكانت سوداء وتبعه عشرة الاف الى اثني عشر الفا، قد وضعوا سيوفهم على عواتقهم فشدّ بهم على اهل الشام، فحمل الجميع، فلم يبق لاهل الشام صف الا انتفض، حتى افضى العراقيون الى مضرب معاوية، فدعا معاوية بفرسه لينجو عليه، فلما وضع رجله في الركاب توقف ولام نفسه ثم قال شعرا، لكنه ثنى رجله من الركاب ونزل، واستصرخ عكّا والاشعريين، فوقفوا دونه وجالدوا عنه، وتقاتلوا حتى تجاحز الناس (2).

ونقل عبد الحميد عن نصر خبر مبارزة علي وعمرو بن العاص فقال:

تعرض عمرو بن العاص يوما من ايام صفين لعلي، فحمل عليه علي، فلما كاد ان يخالطه، اذرى عمرو نفسه عن فرسه ورفع ثوبه فبدت عورته، فصرف علي وجهه عنه، وقام عمرو معفرا بالتراب هاربا، فقال اهل العراق يا امير المؤمنين افلت الرجل، قال: اتدرون من هو ؟ قالوا لا قال: فأنه عمرو بن العاص، تلقاني بسوءته فصرفت وجهي عنه، ورجع عمرو الي معاوية، فقال ما صنعت يا ابا عبدالله ؟، فقال لقيني علي فصرعني فاجابه ضاحكا: احمد الله وعورتك !!. وروى نصر ان معاوية ارسل اخاه عتبة بن ابي سفيان الى الاشعث بن قيس يستميله الى صفه، فرد عليه الاشعث ردا مفحما، فمدح النجاشي شاعر العراق الاشعث بقصيدة طويلة، كما ذكر ايضا مراسلات طويلة جرت بين عمرو بن العاص وعبدالله بن العباس (3)، ومحاورات بين قادة علي وقادة معاوية، ويعودون والغلبة لاصحاب علي ويقولون في ذلك شعرا كثيرا.

ويتحدث نصر عن وقائع كثيرة تقابلت فيها قبائل العراق مع قبائل الشام، وتقابل فيها اقارب وارحام واصدقاء من الفريقين المتقاتلين وقيل في ذلك شعر كثير.

ثم ان معاوية ارسل وفدا من الانصار في جيشه الى من يماثلهم من الانصار في جيش علي وجرى حوار طويل، لم يجد نفعا، ويختتم ابن ابي الحديد هذا الجزء من وصف المعركة ينقله عن نصر بن مزاحم المنقري، بخبر ان بسر بن ارطاة اراد قتل علي فوجده منقطعا عن خيله، ويده بيد الاشتر، وهما يتسايران، فبرز له بسر مقنعا في الحديد لا يعرف، فناداه ابرز الي ابا حسن، فانحدر اليه علي غير مكترث، حتى اذا قاربه طعنه وهو دارع، فالقاه الى الارض، ومنع الدرع السنان ان يصل اليه، فاتقاه بسر بعورته، وقصد ان يكشفها، يستدفع بأسه، فانصرف علي عنه مستديرا فعرفه الاشتر، وقال يا امير المؤمنين هذا عدو الله

ص: 167


1- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 8 / 41 - 42
2- م. ن. / 8 / 57 - 59
3- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 8 / 63 - 66

وعدوك بسر بن ارطاة، فقال علي: دعه أبعد أن فعلها ؟. وعلم معاوية بالحادثة فضحك وقال شعرا في ذلك (1).

ويتحدث الامام علي بكلام قاله لما اضطرب عليه اصحابه في امر التحكيم فقال " لقد كنت اميرا فاصبحت اليوم مامورا، وكنت امس ناهيا فاصبحت اليوم منهيا، وقد احببتم البقاء، وليس لي ان احملكم على ما تكرهون " (2).

ويدخل ابن ابي الحديد من هذا المدخل متحدثاً عن نهاية قصة صفين، ومما يلفت النظر هنا انه لا يستند الى مصدر، بل يتحدث من ذاكرته وما تختزنه من معلومات، فيقول ان عمرو بن العاص ومن معه رفعوا المصاحف على وجه المكيدة، حين احسوا بالعطب وعلو كلمة الحق، فانخدع بعض من كان مع علي والزموه بوضع اوزار الحرب وكف الايدي عن القتال.

ويمضي ان ابي الحديد في حديثه فيقول ان العراقيين كانوا في ذلك الامر على اقسام، فمنهم من دخلت عليه الشبهة برفع المصاحف وغلب على ظنه ان معاوية لم يفعل ذلك خدعة وحيلة، بل حقا ودعاء الى الدين وموجب الكتاب، ومنهم من كان قد مل الحرب وآثر السلم، ومنهم من كان يبغض عليا بباطنه ويطيعه بظاهره فلما وجد طريقا الى خذلانه اسرع نحوه.

ويقول ابن ابي الحديد ان جمهور عسكر علي اجتمعوا عليه وطالبوه بايقاف القتال فامتنع امتناع عالم بالمكيدة، وقال انها حيلة وخدعة، وانه اعرف بمعاوية منهم، انهم ليسوا اصحاب قرآن ولادين، فابى عليه اصحابه وأصروا على القعود والخذلان، وامروه باعادة من بقى يحارب من اصحابه وعلى رأسهم مالك الاشتر. ثم تهددوه بتسليمه الى معاوية، ان لم يفعل، فارسل الى الاشتر يأمره بالرجوع وترك الحرب، فأبى وقال كيف ارجع وقد لاحت امارات الظفر ؟ فقولوا له " ليمهلني ساعة " (3). ولم يكن الاشتر يعلم بحقيقة ما حدث، فلما عاد الرسول غضبوا وشغبوا وقالوا: ان لم تعده الساعة قتلناك كما قتلنا عثمان، فرجعت الرسل الى الاشتر بأن عليا قد سلت عليه خمسون الف سيف، ثم اخبروه بالقصة وان سبب الانشقاق رفع المصاحف، فقال " والله لقد ظننت حين رأيتها رفعت، انها ستوقع فرقة وفتنة "(4).

ويقول عبدالحميد ان الاشتر كرّ راجعا، فوجد عليا تحت الخطر، وقد خيره الناس بين أمرين، اما ان يسلموه الى معاوية او يقتلوه فلما رآهم الاشتر سبهم وشتمهم، وحاول ان يوضح لهم الخديعة، فسبوه وشتموه وقهروه، وقالوا: المصاحف المصاحف والرجوع اليها، لا نرى غير ذلك.

ويقول عبدالحميد مختتما القصة " فأجاب علي الى التحكيم دفعا للمحذور الاعظم بارتكاب المحذور الاضعف !!. (5).

3- انتقال الملك الى بني العباس

ص: 168


1- م. ن. / 8 / 95 / 96
2- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 11 / 29
3- م. ن. / 11 / 30
4- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 11 / 31
5- م. ن.

ذكر الامام علي في احدي خطبه قوله " الا وان لكل دم ثائرا، ولكل حق طالبا، وان الثائر في دمائنا كالحاكم في حق نفسه، وهو الله الذي لا يعجزه من طلب، ولا يفوته من هرب. فاقسم بالله يا بني أمية، عما قليل لتعرفنها في أيدي غيركم وفي دار عدوكم ". (1)

ويعلق عبدالحميد بن ابي الحديد قائلا " ووقع الامر بموجب أخبار علي فأن الامر بقي في ايدي بني أمية قريباً من تسعين سنة،ثم عاد الى البيت الهاشمي، وانتقم الله تعالى منهم، على ايدي اشد الناس عداوة لهم " (2).

ويدخل عبدالحميد من هذا المدخل بفصل يسميه " اخبار متفرقة في انتقال الملك من بني أمية الى بني العباس "(3).

والحق كما ذكر فهي اخبار متفرقة غير متسلسلة، الا انها تعطينا صورة عن ذلك الانتقال في السلطة. وابن ابي الحديد هنا يتبع منهجه نفسه الذي بيناه، فمصدره الاساس ( مروج الذهب ) للمسعودي، ويكمل روايات المسعودي بما ينقله عن ابي الفرج الاصبهاني في ( الاغاني ) وعن المبرد في ( الكامل ) وعن ابي الحسن المدائني، ولم يسم كتاب المدائني الذي نقل عنه، كما يكمل الاخبار برواية شفوية مهمة عن شيخه أبي جعفر يحيى بن محمد بن ابي زيد النقيب، ومرويات عديدة، ذكرها مما يحفظه دون بيان المصدر الذي أخذ عنه.

يبدأ ابن ابي الحديد هذا الفصل بما نقله عن المسعودي في ( مروج الذهب ) من ان عبدالله بن علي بن عبدالله بن العباس ارسل اخاه صالح بن علي ومعه عامر بن اسماعيل، احد الشيعة الخراسانية الى مصر، فلحقوا مروان بن محمد، آخر خلفاه بني أمية، ببوصير فقتلوه وقتلوا كل من كان معه من اهله وبطانته، وهجموا على الكنيسة التي فيها بناته ونساؤه، فوجدوا خادما بيده سيف مشهور، يسابقهم على الدخول، فاخذوه وسالوه عن امره، فقال ان مروان امره ان هو قتل، ان يقتل بناته ونساءه قبل ان يصل بنو العباس، فارادوا قتله، فقال لا تقتلوني، لانكم ستفقدون بقتلي ميراث رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) ثم اخرجهم الى كثبان من الرمل، فاذا تحتها البردة والقضيب، وقعب مخضب، فارسلت الى ابي العباس، وتداولها خلفاء بني العباس من بعده (4).

وينقل عبدالحميد عن المسعودي هروب عبدالله والعاص ابني الوليد بن يزيد بن عبدالملك الى عبدالرحمن بن حبيب بن مسلمة الفهري، عامل مروان على افريقية. فرأى عبدالرحمن ميل الناس اليهما، فأمر بقتلهما. وكان عبدالرحمن بن معاوية بن هشام بن عبدالملك يريد ان يقصده لاجئا اليه، وحين علم بقتل ابني الوليد عبر البحر الى الاندلس (5).

وينقل عن المسعودي أن رأس مروان لما وصل الى ابي العباس سجد فأطال ثم رفع رأسه وقال " الحمدلله الذي لم يبق ثارنا قبلك وقبل رهطك، الحمدلله الذي اظفرنا بك واظهرنا عليك " (6).

ص: 169


1- م. ن. / 7 / 117
2- م. ن. / 7 / 120 - 121
3- م. ن. / 7 / 128
4- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 7 / 128 - 129
5- م. ن. / 7 / 130
6- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 7 / 130

ونقل عن المسعدوي ايضا ان عبدالله بن علي نبش قبور أمية، فنبش قبر هشام، فأخرجه سليما، فضربه عبدالله بن علي ثمانين سوطا، ثم احرقه، كما ذكر نبش قبور خلفاء بني أمية واحدا واحدا، وذكر ما وجدوا فيها.

ونقل ابن ابي الحديد عن المسعودي رواية عن اسماعيل بن عبدالله القسري ان مروان دعاه بعد ان انهزم الى حرّان فاستشاره في ان يلجأ الى بلاد الروم، فيكاتب ملكها ويبقي تحت حمايته، ويقول اسماعيل انه تذكر تقديم مروان لنزار وعصبيته على قومه من قحطان، فغشه قائلا: اعيذك بالله يا أمير المؤمنين من ان تحكم اهل الشرك في بناتك وحرمك، ولكن اقطع الفرات واستنفر الشام، ثم تأتي مصر وافريقية، فلك فيها ما تحب، فقال: صدقت، وفعل ما اشار به اسماعيل، فلم يعبر الفرات معه الا رجلان، وغدرت به النزارية ثم وثب به اهل حمص وثار اهل دمشق وكذلك الاردن وفلسطين، عندها علم مروان ان اسماعيل قد غشه في الرأي، وان الرأي الاصوب هو الاول (1).

وينقل عن المسعودي بداية معركة الزاب بين عبدالله بن علي وبين مروان بن محمد، ويقول: تعجب مروان من كثرة السواد في جيش عبدالله، وانه راسله كي يسلم نفسه اليه، الا ان عبدالله قال له " ان الحق لنا في دمك، وان الحق علينا في حرمك "(2).

ويروي المسعودي أخبارا عن احساس بني أمية بزوال ملكهم، منها ما رواه عن سليمان بن هشام بن عبدالملك، ومنها ان بعض شيوخ بني أمية سئل عن سبب زوال ملكهم فقال: " جار عمالنا على رعيتنا فتمنوا الراحة منا، وتحومل على اهل خراجنا فجلوا عنا، وخربت ضياعنا فخلت بيوت اموالنا..، وتأخر عطاء جندنا فزالت طاعتهم لنا، وطلبنا اعداؤنا فعجزنا عنهم لقلة انصارنا، وكان استتار الاخبار عنا من اوكد اسباب زوال ملكنا " (3).

ويروي المسعودي ان سعيد بن عمر بن جعدة بن هبيرة المخزومي، احد وزراء مروان، انحاز الى العباسيين حتى صار من خواص ابي العباس وجلسائه، فاستشاره ابو العباس يوما: هل يبقي ولاية العهد لعبدالله بن علي ام يخرجها منه الى اخيه ابي جعفر، فيروي له سعيد رواية يفهم منها انه ينصح باخراج ولاية العهد الى ابي جعفر، فسر ابو العباس بذلك (4).

وينقل ابن ابي الحديد عن المسعودي ان عبدالله بن علي، ساير في اخر ايام بني امية عبدالله بن الحسن المثني، ومعهما دواد بن علي، فقال داود لعبدالله بن الحسن لم لا تأمر ابنيك بالظهور ؟ فقال عبدالله: لم يأن لهما بعد، فالتفت اليه عبدالله بن علي قائلا: اظنك ترى ان ابنيك قاتلا مروان ؟ فقال: انه ذلك، فقال هيهات، انا والله قاتل مروان، وسالبه ملكه، لا انت ولا ولداك (5).

ثم ينتقل عبدالحميد الى ابي الفرج الاصبهاني ناقلا عن ( الاغاني )، ان سبب قتل السفاح لمن كان أمنه من بني أمية ان أحد الشعراء انشد قصيدة في مدح السفاح، فقال احد الجالسين من بني أمية، ان ما مدحنا به افضل من هذا، فأمر السفاح بهم فأخذوا وقتلوا، ثم دعا بالطعام

ص: 170


1- المسعودي / 3 / 264 - 265
2- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 7 / 135
3- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 7 / 136
4- م. ن. / 7 / 136 - 138
5- المسعودي / 3 / 274

فبسط عليهم، وجلس يأكل وهم يضطربون تحته، ثم قال:" ما اعلم اني أكلت اكلة قط كانت اطيب ولا اهنأ في نفسي من هذه "(1).

وذكر ابو الفرج ان داود بن علي اقبل من مكة الى المدينة ومعه الهاشميون والامويون، فأنشد ابن هرمة الشاعر قصيدة يحرض فيها على قتل الامويين، فالتفت داود الى عبدالرحمن بن عنبسة بن سعيد بن العاص، وضحك بوجهه، وما ان وصل الى المدينة حتى قتل ابن عنبسة (2).

ويقول ابو الفرج ان عبدالله بن الحسن اقسم على داود بن علي الا يقتل أخويه من امه، محمدا والقاسم ابني عبدالله بن عمرو بن عثمان فامرهما بان يغيبا عن نظره.

وروى ابو الفرج ان سديفا الشاعر انشد ابا العباس قصيدة في التحريض على بني أمية فأمر ابو العباس بمن حضر عنده منهم فقتلوا، كما يروي اخبارا عمن قتلهم سليمان بن علي، من بني أمية وعمن عفا عنهم (3).

وينقل ابن ابي الحديد عن ابي الفرج لسديف، ولغيره في الحض على قتل الامويين، كما يذكر شعرا لاخرين ممن ظلوا اوفياء لبني أمية.

ويروي ابو الفرج ان المأمون ركب يوما بدمشق يتصيد فجعل ينظر الى آثار بني أمية ويعجب منها.

ويروي ايضا ان الوليد بن عبدالملك ضرب علي بن عبدالله بن العباس بالسياط وشهره، بين الناس يدار به على بعير، ووجهه مما يلي ذنب البعير، وصائح يصيح امامه هذا علي بن عبدالله الكذاب. فقال له قائل وهو على تلك الحال: ما الذي نسبوك اليه من الكذب يا ابا محمد ؟ قال: بلغهم قولي ان هذا الامر سيكون في ولدي،" والله ليكونن فيهم حتى يملكه عبيدهم "(4).

وينتقل عبدالحميد الى ابي العباس المبرد ناقلا من كتابه ( الكامل ) قصة دخول علي بن عبدالله بن العباس على سليمان بن عبدالملك ومعه ابنا ابنه، الخليفتان من بعد: ابو العباس وابو جعفر، فاوسع له على سريره وبَرّهُ، فلما انصرف قال سليمان، ان هذا الشيخ قد اختل وخلط، وصار يقول ان هذا الامر سينتقل الى ولده، فسمع علي بن عبدالله ذلك، فالتفت اليه وقال " أي والله ليكونن ذلك، وليملكن هذان " (5).

وينقل ابن ابي الحديد عن المبرد قصة ولادة علي بن عبدالله بن العباس فيذكر ان امير المؤمنين ( عليا ) اخذه حين ولادته ودعا له، ثم رده الى عبدالله بن العباس وقال " خذ اليك ابا الاملاك، قد سميته عليا، وكنيته ابا الحسن "، وحين قدم معاوية بعد ان صار خليفة قال لعبدالله بن العباس " لا اجمع لابنك بين الاسم والكنية، قد كنيته ابا محمد " فجرت عليه (6).

ص: 171


1- ابو الفرج / الاغاني / 4 / 346
2- الاصبهاني / الاغاني / 4 / 348
3- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 7 / 142 - 143
4- م. ن. / 7 / 146 - 147
5- المبرد / 361 بتصرف من ابن ابي الحديد
6- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 7 / 148

ويروي ابن ابي الحديد هنا رواية شفوية عن استاذه النقيب ابي جعفر يحيى بن محمد بن ابي زيد، انه ساله: من أي طريق عرف بنو أمية ان الامر سينتقل عنهم ؟ وانه سيليه بنو هاشم؟ واول من يلي منهم اسمه عبدالله ؟ وبأي طريق عرف بنو هاشم، ان الامر سيصير اليهم ويملكه عبيد اولادهم؟ فقال النقيب اصل هذا كله محمد بن الحنفية ثم ابنه عبدالله، المكنى أبا هاشم، فقد طلب محمد من اخويه الحسن والحسين ميراثه. من علم ابيه، فدفعا ايه صحيفة فيها ذكر دولة بني العباس، فصارت الى ابي هاشم، فدفعها الى محمد بن علي بن عبدالله بن العباس، فكان اباؤهم يسمونها صحيفة الدولة، فالذي " كشف القناع وابرز المستور هو محمد بن الحنفية " (1).

ويعود ابن ابي الحديد ينقل روايات عن قتل العباسيين لبني امية حيثما وجودهم، وارسال ابي العباس لعمه عبدالله بن علي لمقاتلة مروان على ان تكون له ولاية العهد، وذكر وقائع معركة الزاب حتى انهزام عسكر مروان وهلاك اكثرهم غرقا، واستيلاء عبدالله بن علي على العسكر بما فيه وكتابته الى ابي العباس بخبر الواقعة (2).

ويروي ايضا خبر قتل مروان وجعل رأسه في حجر احدى بناته، ثارا لوضع رأس زيد بن علي في حجر زينب بنت علي بن الحسين. ويروي قصة دخول زوجة مروان بن محمد وهي عجوز على الخيزران في خلافة المهدي. ويذكر عبدالحميد ان ابا العباس بويع بالخلافة يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلون من شهر ربيع الاول سنة اثنتين وثلاثين ومائة، فصعد المنبر وخطب، وكان متوعكا، فاكمل خطبته عمه داود بن علي، ثم يذكر خطبا لداود بن علي ولعيسي بن علي، وينقل اخبارا عن امعان داود بن علي في قتل بني أمية في الحجاز والتمثيل بهم وصلبهم منكسين. وكان عبدالله بن علي يسقيهم الصبر والرماد والنورة مع الخل، ويقطع الايدي والارجل بينما كان سليمان بن علي يضرب الاعناق (3).

ثم يروي ابن ابي الحديد اشعارا عن استخلاف ابي العباس السفاح ومنها قصيدة للسيد الحميري.

وينقل عبدالحميد عن ابي الحسن المدائني، دون ان يذكر اسم الكتاب الذي نقل عنه، ان رجلا كان بالشام، فلم يكن يسمع احدا ينادي آخر أو يسميه بعلي أو حسن أو حسين، وانما يسمع معاوية والوليد ويزيد، وانه مرّ برجل فاستسقاه ماءً، فجعل ينادي: يا علي يا حسن يا حسين، فقال له ان اهل الشام لا يسمون بهذه الاسماء، فاجابه " صدقت، انهم يسمون ابناءهم باسماء الخلفاء " فاذا لعن احدهم ولده او شتمه فقد لعن اسماء بعض الخلفاء، وانا سميت اولادي باسماء اعداء الله، فاذا شتمت احدهم او لعنته فانا ألعن اعداء الله " (4).

ص: 172


1- م. ن. / 7 / 150
2- م. ن. / 7 / 151 - 152
3- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 7 / 156
4- م. ن. / 7 / 159 ومن المرجح ان يكون النقل عن كتاب ( صفين ) لابي الحسن المدائني، انظر: الربيعي / 246

ثم يذكر ابن ابي الحديد اخبارا لا يسندها الى مصدر، يختتم بها حديثه عن انتقال الملك الى بني العباس، منها قتل عامر بن اسماعيل لمروان بن محمد على قنطرة في بوصير، حين انفذه صالح بن علي الى مصر لملاحقته. ومنها خطبة لابي مسلم في المدينة في السنة التي حج فيها، وهاجم الخلفاء الذين كانوا قبل بني العباس، كما روى اجتماع المنصور ايام خلافته مع جماعة من العباسيين، فتحدث لهم عن مساوئ خلفاء بني أمية، كما روى استقدام المنصور لعبدالله بن مروان بن محمد من سجنه، ليقص له قصته مع ملك النوبة، وجمع ابي العباس لبعض روؤساء بني أمية وسؤالهم عمن قتلوه من بني هاشم كالحسين وزيد ويحيى بن زيد وابراهيم الامام، وعما صنعوه بهم. ثم امر بهم فقتلوا (1).

4- اخبار صاحب الزنج وفتنته

قال الامام علي في كلام له مخبرا عن الملاحم بالبصرة " يا احنف كأني به وقد سار بالجيش الذي لا يكون له غبار، ولا لجب، ولا قعقعة لجم، ولا حمحمة خيل، يثيرون الارض باقدامهم وكانها اقدام النعام ".

قال ابو الحسن الرضي: يوميء بذلك الى صاحب الزنج (2). وتستغرق اخبار صاحب الزنج في شرح النهج ما يقرب من مائة صفحة ينقلها ابن ابي الحديد عن تاريخ ابي جعفر الطبري، وهو مصدره الرئيس، ويكمل تلك الاخبار بما يرويه عن المسعودي في مروج الذهب، ومنصور بن الحسين الآبي في ( نثر الدرر ) والمحسن بن علي التنوخي في ( نشوار المحاضرة ).

يبدأ عبدالحميد اخبار صاحب الزنج بكلام من عنده فيقول ان صاحب الزنج ظهر في فرات البصرة سنة خمس وخمسين ومائتين وزعم انه علي بن محمد بن احمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب، فتبعه الزنج الذين كانوا يكسحون السباخ بالبصرة، الا ان اكثر الناس يقدحون في نسبه وخصوصا الطالبيين وجمهور النسابين، الذين اتفقوا على انه من عبد القيس، وامه أسدية، جدها محمد بن حكيم من اهل الكوفة واحد الخارجين مع زيد بن علي، فلما قتل زيد هرب فلحق بالري، وجاء الى قرية ( ورزنين ) فاقام بها، وبهذه القرية ولد علي بن محمد صاحب الزنج (3).

ويذكر ابن ابي الحديد ان علي بن محمد كان متصلا بجماعة من حاشية السلطان، كغانم الشطرنجي، وسعيد الصغير وبشير خادم المنتصر وكان منهم معاشه، ثم يذكر مقتطفات من شعر منسوب لعلي بن محمد. ثم ينقل عن المسعودي في كتابه ( مروج الذهب ) ان افعال علي بن محمد تدل على انه لم يكن طالبيا لان ظاهر حاله كان ذهابه مذهب الازارقة في قتل النساء والاطفال والشيوخ والمرضى، وروي انه خطب مرة فقال " لا حكم الا الله " (4).

ص: 173


1- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 7 / 164
2- م. ن. / 8 / 125
3- م. ن. / 8 / 26
4- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 8 / 129

ثم يبدأ ابن ابي الحديد في النقل عن ابي جعفر الطبري صاحب التاريخ (1) فيقول ان علي بن محمد (2) شَخَصَ من سامراء الى البحرين سنه تسع واربعين ومائتين، فادعى انه من ذرية الامام علي، فاتبعه جماعة كثيرة من اهلها، وحدثت معارك بين اتباعه ومعارضيه، انتقل بعدها الى الاحساء، وضوى الى حي من بني تميم، ثم من بني سعد، وكان اهل البحرين يجلونه، وجبي له الخراج، ونفذ حكمه فيهم، وقاتلوا السلطان لاجله، ثم انتقل الى البادية صحبة جماعة من اهل البحرين ومعهم يحيى بن محمد الازرق، وتنقل في البادية من حي الى حي، ثم شخص الى البصرة فاتبعه جماعة منهم علي بن ابان المعروف بالمهلبي، وكان قدومه البصرة سنة اربع وخمسين ومائتين، ووافق فتنة اهل البصرة بالبلالية والسعدية، فدعا لنفسه فلم يستجب اليه احد، فخرج هاربا ومضى نحو بغداد فاقام بها سنة.

ويروي ابو جعفر الطبري ان عليا بن محمد استمال ببغداد جماعة، ثم رجع الى البصرة في رمضان سنة خمس وخمسين ومائتين، ومعه علي بن ابان المهلبي وبعض خواصه، فنزلوا بموضع يسمى ( بَرّ نَخْل ) في قصر يعرف بقصر القرشي، على نهر ابن المنجّم، فاخذ يدعو لنفسه بين الزنج فاتبعه العديد منهم، واتخذ لنفسه راية كتب عليها بالحمرة " ان الله اشترى من المؤمنين انفسهم واموالهم بان لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله.." (3) وكتب عليها اسمه واسم ابيه.

وخرج وقت السحر من ليلة السبت، لليلتين بقيتا من شهر رمضان، وانضم اليه الغلمان، وكانوا خمسين، ثم صار الى موضع ( السنائي ) فتبعه الغلمان الذين كانوا فيه وهم خمسمائة. ثم مضى الى موضع " السيرافي " فتبعه من كان فيه من الغلمان وهم مائة وخمسون. وهكذا اخذ يسير في تلك المناطق والغلمان من العبيد الزنج يلتحقون به، حتى اجتمع اليه بشر كثير (4).

يقول الطبري: فلما كان يوم الفطر جمعهم وخطب خطبة ذكر فيها ما كانوا عليه من سوء الحال، وان الله تعالى قد استنقذهم من ذلك وسيرفع اقدارهم ويملكهم الاموال والمنازل والضياع والعبيد.

ويروي ابو جعفر موافاة الحميري احد عمال السلطان، فخرج اليه صاحب الزنج فهزمه والتحق به عدد كبير من الزنج، ثم انتهى اليه ان اعوان السلطان، اقبلوا نحوه، فاستعد لهم، وكانوا اربعة الاف فهربوا منه واسر بعضهم فضربت اعناقهم.

ص: 174


1- الطبري / 3 / 1743 ومابعدها ط / اوربا
2- يستعمل الطبري دائما لفظة ( الخبيث ) حيثما ياتي ذكر صاحب الزنج، غير ان عبدالحميد يبدلها ب- ( صاحب الزنج او علي بن محمد او الناجم )
3- التوبة / 111
4- ابن ابي الحديد /شرح نهج البلاغة / 8 / 133

يقول ابو جعفر ثم كانت بينه وبين من يليه من اعوان السلطان وقعات كان الظفر فيها كلها له، وكان يامر بقتل الاسرى ويجمع الرؤوس معه وينقلها من مكان الى مكان (1).

ويذكر الطبري ان صاحب الزنج سار الى البصرة في ستة الاف زنجي، فقابله اهل الناحية المعروفة بالجعفرية، فقتل منهم مقتلة عظيمة، وسار الى البصرة فاجتمع اهلها ومن بها من الجند، وحاربوه محاربة شديدة، فكانت الدائرة عليه، وانهزم اصحابه وتفرقوا فرجع الى الموضع الذي كان فيه، فجمع من بقي من اصحابه، وعاد اليه اخرون، لما سمعوا انه لا يزال حيا.

وينقل ابن ابي الحديد عن الطبري ان الوقعة التي انتصر فيها على اهل البصرة كانت يوم الاحد لثلاث عشرة ليلة خلون من ذي القعدة سنة خمس وخمسين ومائتين، فقد جمع له اهل البصرة وحشدوا وانتدبوا لذلك رجلا يعرف بحماد الساجي كان من غزاة البحر، فجمع كثيرا من الناس وشحن بهم المراكب. فدخلوا النهر المعروف بام حبيب فكمن لهم صاحب الزنج وانزل بهم هزيمة منكرة، فابيد اكثر ذلك الجمع، وسمي هذا اليوم ( بيوم الشذا )، ذكره الناس في أشعارهم، وعظموا ما فيه من القتل. (2)

ويقول الطبري ان صاحب الزنج قوي بعد هذا اليوم، وارعب اهل البصرة، فكتبوا الى السلطان، فوجه ( جعلان ) التركي مدداً لهم في جيش كبير، فاقام ستة اشهر يحارب صاحب الزنج، فاذا التقوا لم يتمكنوا الا الرمي بالنشاب والحجارة، لضيق تلك المواضع عن مجال الخيل، ولان صاحب الزنج كان قد خندق على نفسه واصحابه.

ثم ان صاحب الزنج بيّت (جعلان ) ليلاً فهزمه. فوجه اليه مقاتلة البصرة في جمع من البلالية والسعدية، فقتل منهم مقتلة عظيمة، وانصرفوا منهزمين.واقام (جعلان ) بالبصرة معتصماً بجدرانها فصرفه السلطان عن الحرب وامر سعيداً الحاجب بالشخوص الى البصرة للحرب.

وصادف ان قافلة عظيمة لتجار البصرة مرت في مناطق القتال، فنهض اليها صاحب الزنج فقتل مقاتلتها وحواها، وغنم منها اموالاً لاتحصى (3).

ويذكر ابو جعفر الطبري ان علياً بن محمد دخل الابلّة في شهر رجب سنة ست وخمسين ومائتين فاقتحمها واضرم النار فيها. وثارت ريح فاطارت ذلك الحريق الى شط عثمان وقتل بالابلّه خلق كثير. وحويت الاسلاب والاموال، ثم دخلها اصحابه واخذوا من كان بها من العبيد وحملوا ما كان فيها من سلاح. (4) ثم دخل الزنج عبادان والاهواز، فاحرقوا وقتلوا واسروا ونهبوا، وحووا كل ما فيها من مال واثاث ورقيق وكراع.

يقول ابو جعفر: فلما دخلت سنة سبع وخمسين ومائتين (5) انفذ السلطان (بغراج ) التركي على حرب البصرة وسعيد بن صالح الحاجب للقاء صاحب الزنج، فوجد اصحابه في

ص: 175


1- م. ن. / 8 / 137
2- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 8 / 140.
3- م. ن. / 8 / 142.
4- م. ن. / 8 / 143.
5- وردت في شرح النهج: ( سبع وسبعين) وذلك غلط واضح، انظر م. ن. / 8 / 144

نهر معقل، فاوقع بهم سعيد وهزمهم، واستنقذ ما في ايديهم، ثم سار الى موضع يعرف بالفرات، فتوجه اليه وهزم الزنج. ثم عبر غرب دجلة فاوقع بصاحب الزنج وقعات متتالية كان الظفر فيها كلها لسعيد. لكن صاحب الزنج جمع اصحابه، وقصد عسكر سعيد ليلاً قرب طلوع الفجر فهاجمه واوقع بهم مقتلة عظيمة، فضعف امر سعيد، فامره السلطان بتسليم القيادة الى منصور بن جعفر الخياط، وكان اليه يومئذ حرب الاهواز فكوتب بحرب الزنج، فكانت بينهم وقعة ظفر فيها الزنج وقتل من اصحاب منصور خلق كثير (1)

يقول الطبري ثم كانت الوقعة العظمى بالبصرة، ذلك ان علي بن محمد قطع الميرة عنهم، والح بالحرب صباحاً ومساء. فلما كان في شوال من هذه السنة، استنفر كل اصحابه، فاتاه منهم خلق كثير، فاقتحم لبصرة من كل جوانبها ودخلوا المدينة وقت صلاة الجمعة لثلاث عشرة بقين من شوال، فقتل الناس واحرق المنازل والاسواق، فتفرق جند البصرة، فوضع السيف في الناس. ثم اعطى الامان لاهل البصرة ودعاهم الى التجمع وحين اجتمعوا وضع السيف فيهم فقتل كل من شهد ذلك المشهد، وانتشر الزنج في سكك البصرة وشوارعها يقتلون كل من وجدوه.واحرقوا المسجد والجسر، واخذت النار كل ما مرت به من انسان وبهيمة واثاث ومتاع.والحوا بالغدوة والرواح على من وجدوه بالقتل (2)

وينتقل ابن ابي الحديد من الطبري الى المسعودي ناقلاً عن مروج الذهب ما يكمل الصورة فيقول ان من هلك في هذه الوقعة ثلثمائة الف انسان وان اهل البصرة اكلوا لحوم الكلاب والفئران والسنانير، حتى صاروا اذا مات الواحد منهم اكلوه (3)

ويعود عبد الحميد مرة اخرى الى الطبري ناقلاً ان السلطان أشخص محمداً المولد في جيش كثيف، فجاء حتى نزل الابلة. وكتب صاحب الزنج الى يحيى بن محمد البحراني، يأمره بملاقاة المولد، فسار اليه بزنوجه، واقام على محاربته عشرة ايام. وكتب علي بن محمد الى يحيى يأمره أن يبيته، ففعل، فهزمه، ودخل الزنج عسكره، فغنموا ما فيه، فهربوا. وقام الزنج بملاحقته ونهب القرى التي كانت في طريقهم.ثم عادوا الى نهر معقل.

وينقل عبد الحميد عن ابي جعفر ان امر الزنج لما استفحل، واتصلت الاخبار بسامراء وبغداد، وبالخليفة والقواد والموالي واهل الحضرة بما جرى على البصرة، قامت قيامة الدولة، وعلم الخليفة المعتمد ان هذه الثغرة لاتسد الا باخيه الموفق ابي احمد طلحة بن المتوكل، وكان عارفاً بالحرب وقيادة الجيوش، ولم يكن في هذا الباب لبني العباس مثله.

فعقد المعتمد له على ديار مضر وقنسرين والعواصم، وجلس له مستهل ربيع الاخر من سنة سبع وخمسين ومائتين، فخلع عليه وعلى القائد مفلح، ثم شخصا نحو البصرة لحرب علي بن محمد واصلاح ما افسده من اعمال. (4)

يقول ابو جعفر الطبري ان ابا احمد شخص عن سامراء بجيش لم يسمع السامعون بمثله كثرة وعدة. ويذكر انه كان شاهد عيان لذلك الجيش حين مر بباب الطاق من بغداد، وتبع ذلك الجيش من متسوقة بغداد الخلق الكثير.

ص: 176


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 8 / 144.
2- م. ن. / 8 / 147.
3- م. ن. / 8 / 149.
4- ابن ابي الحديد / شرح نج البلاغة / 8 / 151.

ولما وصل جيش ابي احمد نهر معقل، انصرف من كان هناك من الزنج، فالتحقوا بصاحبهم مرعوبين. فارتاع لذلك، ووجه عيونه لتقصي الاخبار، فرجعوا بتعظيم امر الجيش وتفخيمه. ووافى جيش ابي احمد فأناخَ بازاء صاحب الزنج.

ويروي ابو جعفر ان سهماً طائشاً اصاب القائد مفلحاً فمات لساعته. فوقعت الهزيمة على اصحاب ابي احمد، وقوى الزنج على حربهم وقتلوا منهم جمعاً كثيراً. ثم ان ابا احمد حشد جيوشه في الابلّة ليعيد لهم استعدادهم، فطلب صاحب الزنج من قائده يحيى بن محمد البحراني، ان ينحاز اليه. الا ان البحراني وقع في اسر جيش ابي احمد في معركة مفاجئة اوقع فيهم مقتلة عظيمة، ثم ارسل يحيى بن محمد الى سامراء، فقطعت اطرافه من خلاف ثم قتل واحرق (1) .

ويذكر الطبري ان ابا احمد عسكر في ( باذا ورد )، وامر بتجديد الآلات واعطاء الجند ارزاقهم، وشحن السفن بقواده ومواليه وغلمانه، ونهض نحو عسكر الناجم (2) وامر الباقين بملازمته والمحاربة معه في الموضع الذي يكون فيه. فعرف الزنج ذلك، فكثروا في جهته فاستعرت الحرب بينهم، وكثرت القتلى والجرحى بين الطرفين ثم هجم الزنوج بجمع كبير على موقع ابي احمد، فانسحب منه الى السفن، فخرج عليهم كمين للزنج، فاوقعوا بهم، فحاموا انفسهم، لكن عدداً كبيراً منهم قتل، وحملت رؤوسهم الى صاحب الزنج، فزادت قوته وعتوه وعجبه بنفسه. وانصرف جيش ابي احمد الى (باذا ورد )، واقام يعبئ اصحابه للرجوع الى الزنج. لكن حريقاً عظيماً وقع في معسكره، فاحترق،فرحل ابو احمد منسحباً الى واسط في شعبان من هذه السنة، فاقام الى ربيع الاول، ثم انصرف منها الى سامراء، بعد ان طلب منه اخوه الخليفة العودة لحرب يعقوب بن ليث الصفار امير خراسان فاستخلف على حرب الناجم محمداً المولد. (3)

ويقول ابو جعفر الطبري ان الناجم صاحب الزنج استغل هذه الفترة، فجمع جيشه ورتبه ونظمه، فاصبح من جديد قوة مهمة، وامرهم ان يقصدوا الاهواز، وكان عليها ( اصغجون ) التركي، ومعه القائد (نيزك )، فالتقى العسكران بصحراء تعرف بدشت ميسان، فانتصر الزنج، وقتل نيزك وكثير من الجيش، وغرق اصخجون،واسر الكثير من قواد السلطان، ثم دخل جيشه الاهواز. الى ان ندب الخليفة المعتمد موسى بن بغا لحربه، فشخص عن سامراء في ذي القعدة، وشيّعهُ المعتمد بنفسه وخلع عليه.

وينقل عبد الحميد عن الطبري ان اول معركة حصلت في الاهواز بين جيش الخليفة والزنج انتصر فيها الزنج، وانهزم جيش الخليفة.

ثم عاد الجيش فاوقع بالزنج وقعة عظيمة، وقتل كثير من الزنج قتلا ذريعاً. ثم جمع الناجم عسكره في المدينة التي بناها، وجرت بين الطرفين معارك كان النصر فيها لجيش الخليفة. ثم ان الزنج بيتوا جيش السلطان، فنالوا منه، الا ان الجيش انسحب الى (الدولاب) فاقام بها. ثم عاد الى مهاجمة الزنج، فاوقع بهم الهزيمة، ثم جرت معركة كبيرة انهزم فيها الزنج هزيمة

ص: 177


1- م. ن. / 8 / 158.
2- يبدو ان تسمية صاحب الزنج بالناجم ناتجة عن ولعه بالتنجيم واعتماده عليه في تحركاته، وكان يحمل معه الاسطرلاب وآلات اخرى ضمن متاعه، انظر: ابن ابي الحديد / 8 / 138، 8 / 145.
3- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 8 / 159 – 160.

منكرة. بعد ذلك بدأت مناوشات بين الطرفين الى ان صرف المعتمد موسى بن بغا عن حرب الزنج، ووليها مسرور البلخي، فهاجمهم الزنج وهزموهم، ودخلوا الاهواز، فقتلوا وسبوا واحرقوا. (1)

يقول ابو جعفر انه بعد هزيمة جيش السلطان وجه صاحب الزنج جيشه الى البطيحة والحوانيت، فملكوها، وهزموا من بها وشارفوا واسطاً وبها محمد المولد والي الخليفة، فهزموا جيشه ودخلوا واسطا في ذي الحجة سنة اربع وستين ومائتين، فقتلوا خلقاً كثيراً، ونهبوها واحرقوا دورها واسواقها.

ويذكر الطبري اسماء قادة الزنج الذين كانوا على راس اصحابهم. ثم لما قضوا وطرهم من نهب واسط وقتل اهلها، خرجوا عنها الى جنبلاء والنعمانية وجرجرايا وجبّل، فنهبوا وخربوا واحرقوا وقتلوا وهرب اهل السواد الى بغداد (2)

وينقل عبد الحميد عن الطبري ان الزنج كثرت غنائمهم واموالهم واستفحل امرهم وعظم على الخليفة المعتمد واخيه ابي احمد خطبهم. وكان الناجم علي بن محمد، صاحب الزنج، قد بنى مدينة عظيمة سماها المختارة وحصنها بالخنادق، واجتمع اليه فيها من الناس ما لاينتهي العد والحصر.حتى صارت تضاهي سامراء وبغداد وتزيد عليهما. (3) فدانت له البصرة والاهواز وواسط، وجبي له الخراج، وملك اموالاً لاتحصى.

وينقل ابن ابي الحديد عن ابي جعفر الطبري قوله انه حين دخلت سنة سبع وستين ومائتين، عظم الخطب وجل، وخيف على ملك بني العباس من الانقراض.

ولم يكن هناك من حل الا ان يباشر ابو احمد الموفق بن المتوكل الحرب بنفسه. فتحرك مقدماً امامه ابنه ابا العباس الى المدائن، ثم دير العاقول، ووافى جرجرايا. وكانت اول معركة مع الزنج في موقع ( الصلح ) فانتصر ابو العباس وانهزم الزنج، ودخل جيش الخليفة واسطاً، ثم انحدر الى ( العمر ) فعسكر فيه. ووقعت معارك اخرى كان النصر فيها لابي العباس.

يقول ابو جعفر ان ابا احمد حين علم بان الناجم جمع كل جيشه لملاقاة ابنه ابي العباس، عزم على حضور الحرب بنفسه، فخرج من بغداد في صفر من هذه السنه الى الفرك والمدائن ودير العاقول وجرجرايا وقنى، ونزل على فرسخ من واسط. ثم رحل ابو احمد منحدراً، فتلقاه ابنه ابو العباس في عسكره ثم سار مقدماً ابا العباس امامه يريد مدينة الخميس التي بناها الزنج، فاقتحموها وهرب منها زنوجها، وحوى ما كان فيها وطم خندقها وهدم اسوارها واحرق ما بقي منها.

ثم توجه ابو احمد نحو المنصورة وهي مدينة اخرى بناها الزنج فخرج اليه الزنج فقاتلهم، ثم عاد اليهم في الغد، واقتحم المنصورة من كل جوانبها، واحتوى على ما كان فيها من ذخائر واموال واطعمة ومواشي، وامر بهدم سور المدينة وطم خنادقها. ثم ارتحل بجيشه شاخصا الى الاهواز بعد ان خلف في واسط ابنه هارون. ورأى الناجم ان يجمع كل جيشه من فارس والاهواز وما سواهما، فاجتمعوا اليه وتركوا مؤونة عظيمة في مواقعهم استولى

ص: 178


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 8 / 163.
2- م. ن. / 8 / 164.
3- م. ن. / .

عليها جيش ابي احمد فكانت قوة لهم. واقام ابو احمد بالاهواز يصلح ما افسده الزنج، ويعبئ جيشه ويصلح الاته ويوزع الاعطيات ويعفو عمن التحق به من الزنج.

ويذكر الطبري مسير ابي احمد والمناطق التي مر بها، والايام التي مكث فيها والمعارك التي حصلت بين قواده وبين الزنج، وكان النصر فيها لجيش ابي احمد. وقد استأ من كثير من الزنج وقادتهم لابي احمد الموفق، فأمنهم واكرمهم وخلع عليهم.

ثم ان ابا احمد ارسل كتاباً الى الناجم يدعوه فيه الى التوبة ويعرض عليه العفو، فلم يجب الكتاب. (1)

وسار ابو احمد الموفق الى المختارة على نهر ابي الخصيب،فاشرف عليها وتأمل حصانتها ومناعتها بالاسوار والخنادق المحيطة بها، وما اعد الناجم من مجانيق والات الحرب على سورها، فرأى ما لم ير مثله ممن تقدم من منازعي السلطان، ورأى من كثرة عدد مقاتلتهم واجتماعهم ما استغلظ امره.

ثم ان ابا احمد امر ابنه ابا العباس بالدنو من السور، فحصلت مناوشة بين الطرفين، فعاد ابو العباس.

وهنا بدأ فرار الزنج من صاحبهم والالتحاق بابي العباس طمعاً في عفو الموفق وعطاياه، فالتحق به بعض القواد وكثير من الزنج. ويذكر الطبري ان وقعات جزئية وقعت بين الطرفين، كان النصر فيها لجيش ابي احمد.

وتقدم ابو احمد الموفق بجيشه وهم خمسون الفاً، والناجم في ثلثمائة الف، وامر فنودي بالامان، ثم ارسل سهاماً علقت فيها رقاع الامان ورماها داخل السور، فمالت اليه قلوب خلق كثير، وجاءت جموعهم لطلب الامان، فامنها واكرمها.

وينقل ابن ابي الحديد عن الطبري ان ابا احمد الموفق راى حصانة الموضع وكثرة الجمع ما علم معه انه لابد من الصبر وطول الايام في المحاصرة وتفريق جموعهم ببذل الامان لهم والاحسان الى من اناب والغلظة على من اقام على غيه منهم.

ثم شرع الموفق ببناء مدينة مماثلة لمدينة الناجم سماها الموفقية فحملت اليه الاموال من جميع انحاء البلاد وانفذت اليه الميرة وصنوف التجارات والامتعة. ثم بنى المسجد الجامع وصلى فيه.

ويقول ابو جعفر ان حروباً وقعت بين الطرفين كان الاستظهار فيها للموفق،الا ان الناجم كان يرسل اصحابه للاغارة على القوافل، فيأخذونها،كما اغار بعضهم على اطراف عسكر ابي احمد،وفشلت محاولات عديدة للهجوم الليلي (البيات ) بسبب ان اخبارها وصلت لابي احمد فاستعد لها، وكانت لهم وقعات كثيرة، ينهزم في اغلبها الزنج ويطلب وجوههم وعناصرهم الامان (2)

وينقل ابن ابي الحديد عن ابي جعفر ان المؤونة ضاقت على صاحب الزنج، فارسل عشرة الاف من اصحابه للاغارة على القرى وقطع الطرقات واخذ ما يقدرون عليه من الطعام والميرة وحمله الى مدينته، وقطعه عن الوصول الى معسكر الموفق فانتبه جيش ابي

ص: 179


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 8 / 182.
2- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 8 / 189.

احمد وواقعهم بحرب شديدة انكسر فيها الزنج وهربوا تاركين اربعمائة من السفن واسرى كثيرين. (1)

ثم هجم ابو العباس بن الموفق على قسم من السور، الا ان الزنج جاءووه من خلفه، فانكسر جيشه، الا انه وصل الى معسكره سالماً، فأطمعت هذه الوقعة الزنج وشدت قلوبهم. فاجمع الموفق على العبور بجميع جيشه، وامر بالتأهب والاستعداد. فعبر في اخر ذي الحجة من سنة سبع وستين ومائتين في جمع كثيف وعدة مكتملة، وقصد هو بنفسه ركناُ من اركان المدينة وهجم عليه، فعلاه جنده، ورفعوا عليه علماً كتب عليه (الموفق بالله ).وقصد ابنه ابو العباس جهة اخرى، فعبروا النهر، وثلموا في السور ثلمة، فدخلوا وحملوا على الزنج فكشفوهم. وركب الناجم بنفسه لقتالهم، فحملوا عليه، وحجز الليل بينهم. الا ان الجزر حصل اثناء ذلك مما جعل السفن تنغرس في الطين. فنال الزنج من جيش ابي احمد وقتلوا نفراً. وقد تقدم كثير من قواد الزنج وافرادهم بالامان فامنهم الموفق واكرمهم.

ويذكر الطبري ان الموفق امر جيشه بالاقتراب من سور المدينة وهدمه، فاقتحم جيشه المدينة من مناطق كثيرة.ثم قام الموفق باحكام الحصار على المدينة، ودخلت سنة تسع وستين ومائتين وهو مقيم على الحصار.

ثم بنى الموفق موقعاً جديداً لمعسكره تشديداً للحصار، وقبل ان يكتمل المعسكر هاجمه الزنج وابادوا من فيه، فالغى ابو احمد ذلك الموقع، وبقي في موقعه الاول، مهتماً بهدم سور مدينة الناجم. وحضر بنفسه الهدم، فاتصلت الحرب وغلظت على الفريقين، وكثر فيها القتل والجرح.

لكن ابا احمد الموفق اصيب بسهم في صدره، فعاد الى الموفقية وطلب كتمان الامر، وعولج تلك الليلة وعاد الى الحرب، ليشد قلوب جيشه، الا ان جراحه اشتدت حتى خيف عليه الموت.وحدثت حادثة في سلطانه وامور تتعلق بما بينه وبين اخيه الخليفة المعتمد، فاضطرب العسكر، لكنه صبر حتى عوفي، فظهر لجيشه، بعد ان اطال الاحتجاب عنهم، فقويت العزائم وكبرت الهمم.

ويذكر ابن ابي الحديد الحادث الذي اشار اليه الطبري وحدث من جهه السلطان قائلا ان الخليفة المعتمد فارق دار ملكه مغاضباً للموفق ومتجنياً عليه، وكاتب ابن طولون في مصر وسأله ان يأذن له في اللحاق به، فأذن له ابن طولون، فخرج من سامراء، فكتب الموفق الى اسحاق بن كنداحيق وهو يومئذ على الموصل والجزيرة، ان يعترض الخليفة المعتمد ويقبض عليه ويعيده الى سامراء. ففعل، وحملهم الى سامراء مقيدين، فاقر المعتمد على خلافته ومنعه من الخروج. ثم ان الموفق ارسل ابنه هارون الى سامراء فاكرم ابن كنداحيق وخلع عليه خلعاً جليلة.

ويعلق عبد الحميد على ذلك قائلاً (( فليعجب المتعجب من همة الموفق ابي احمد وقوة نفسه وشدة شكيمته، ان يكون بازاء ذلك العدد، ويقتل من اصحابه وجنده، ويصاب ولده بسهم، ويصاب هو بسهم اخر ويحدث من اخيه الخليفة ما يحدث، ولا تنكسر نفسه ولا يهي

ص: 180


1- م. ن. / 8 / 190.

عزمه ولا تضعف قوته. وبحق ما سمى (المنصور الثاني ). ولولا قيامه في حرب الزنج لانقرض ملك اهل بيته ولكن الله تعالى ثبته، لما يريده من بقاء هذه الدولة". (1)

ويذكر الطبري ان الموفق جد في تخريب السور واحراق المدينة، وجد الناجم في الدفاع، فكانت بين الفريقين حروب عظيمة تجل عن الوصف كان النصر فيها للموفق.

ويقول ابو جعفر ان سنة سبعين ومائتين دخلت فتتابعت الامدادات الى ابي احمد من سائر الجهات، فعظم جيشه جداً، وامتلات بهم الارض، وصح عزمه على لقاء صاحب الزنج بجميع عسكره، وركب بنفسه وتوغلوا في مسالك نهر ابي الخصيب، ولقيهم الزنج وقد حشدوا واستقبلوا، الا انهم انهزموا بعد قتال شديد، فاتبعهم اصحاب ابي احمد قتلا واسرا، وتقهقر الناجم الى نهر السفياني، فتقدم الموفق اليه، فمضى الناجم هارباً.

وما زال جيش الموفق يطارده في تلك الاماكن... وسار في اليوم الثاني وهو السبت لليلتين خلتا من صفر سنة سبعين ومائتين، فاوقعوا بالناجم واصحابه وقعة شديدة، فتفرقوا لا يلوي بعضهم على بعض يتبعهم الموفق قتلا واسرا، وتم اسر كثير من قواد الزنج، فقيدوا بالحديد. ثم جاء الخبر الى ابي احمد بقتل الناجم صاحب الزنج، فلم يصدق، حتى جئ براسه، فخر لله ساجداً وسجد معه ابنه ابو العباس وجميع قواده، ورفع راس الناجم على قناة، فرآه جميع الناس. (2)

ويعود ابن ابي الحديد ناقلا عن المسعودي رواية اخرى عن نهاية صاحب الزنج فيقول ان الناجم جرح وحمل الى ابي احمد وهو حي، فسلمه الى ابنه ابي العباس، وامره بتعذيبه، فجعله ابو العباس في اسياخ ووضعه على النار، فتفرقع جلده حتى هلك. (3)

لكن عبد الحميد يعلق قائلاً ان رواية الطبري هي الصحيحة، وان الذي وضع على النار هو ( قرطاس) الذي رمى الموفق بسهم، ذكر ذلك التنوخي في ( نشوار المحاضرة)، فقد ادخل في دبره سيخا فاخرجه من فيه وجعله على النار ( كردناجا) (4).

ثم نقل ابن ابي الحديد عن الطبري تتابع آلاف الزنوج الى الاستسلام، وبذل الموفق الامان لهم، كي لا تبقى منهم بقية يخاف منها، وتخلف الف من الزنوج فمات اكثرهم عطشا، واقام الموفق بعد قتل الناجم في الموفقية مدة، ثم قدم ابنه ابو العباس بغداد ومعه رأس الناجم صاحب الزنج على قناة والناس مجتمعون لمشاهدته (5).

ويذهب ابن ابي الحديد الى منصور بن الحسين الآبي ناقلا عن كتابه ( نثر الدرر)، ان ابا العباس المعتضد دخل برأس صاحب الزنج الى بغداد في جيش لم ير مثله، واشتق اسواق بغداد والرأس بين يديه حتى صار بباب الطاق.

ويذكر الآبي ان الذي يرويه الناس من ان صاحب الزنج ملك سواد بغداد ونزل المدائن، وان الموفق ارسل اليه دنان خمر، فظفر الزنج بها، وشربوها حتى سكروا، فكبسهم

ص: 181


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 8 / 201.
2- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 8 / 210
3- المسعودي / 4 / 195.
4- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 8 / 212، والكردناج هو الكباب
5- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 8 / 212.

جيش الموفق، وبيتهم وهو سكارى فنال منهم، فباطل موضوع لا اصل له، والصحيح انه لم يتجاوز نهبهم ودخولهم النعمانية، هكذا روى الناس كلهم (1).

ويختتم عبد الحميد بن ابي الحديد قصة علي بن محمد صاحب الزنج ناقلا عن ابي جعفر الطبري ان ( انكلاني) ابن صاحب الزنج، ومن اسر معه من القواد حملوا الى بغداد مقيدين في الحديد، فكانوا كذلك الى شوال من سنة اثنتين وسبعين ومائتين، فثار الزنج في واسط ونادوا بأسم ( انكلاني) ابن الناجم، فاخرج اسرى الزنج وقتلوا، وجيء برؤوسهم فنصبت بواسط، فانقطعت حركة الزنج، ويئس منهم تماما (2).

5- جنكز خان وفتنة التتر

يقول الامام علي في بعض كلامه " كأني اراهم قوما كأن وجوههم المجان المطرقة، يلبسون السرق والديباج ويعتقبون الخيل العتاق، ويكون هناك استحرار قتل، حتى يمشي المجروح على المقتول، ويكون المفلت اقل من المأسور " (3).

ويرى ابن ابي الحديد في كلام الامام علي وصف واضح للتتر، وان هذا من الاخبارات الغيبية، اذ كان الناس ينتظرون الحدث من اول الاسلام، حتى ساقه القضاء والقدر الى ذلك العصر (4).

ويقول ابو حامد عبد الحميد بن ابي الحديد انه يذكر طرفاً من اخبارهم وابتداء ظهورهم على سبيل الاختصار.

ويبدو انه لا ينقل من مصدر او يحيل الى كتاب معروف، فهو هنا يعتمد على ما تحفظه ذاكرته مما سمع، ويقول " لم يمر بنا في كتاب ذكر هذه الامة سوى كتاب واحد هو كتاب مروج الذهب للمسعودي فانه ذكرهم هكذا بهذا اللفظ ( التتر) والناس اليوم يقولون ( التتار) (5).

ويذكر ابن ابي الحديد ان هذه الامة كانت في اقاصي بلاد المشرق في جبال ( طمغاج) من حدود الصين وبينهم وبين بلاد الاسلام التي ما وراء النهر ما يزيد على مسير ستة اشهر. وكان محمد خوارزمشاه قد استولى على بلاد ما وراء النهر وبخارى وسمرقند وتركستان وكاشغر التي كان ملوكها حجابا بينه وبين التتر، فشحن البلاد بجنده وقواده وصار هو المتولي لحرب هؤلاء. وقام بسد طرق التجارة عنهم، فأنتدبت منهم طائفة من نحو عشرين الف خرجوا الى بلاد تركستان، فاوقعوا بجيش خوارزمشاه وعماله وتراجع من بقي من عسكره، فترك تركستان لهم،وما عداها له، فمكثوا كذلك اربع سنين.

يقول ابن ابي الحديد: ثم ظهر جنكيزخان " والناس يلفظونه بالراء المهملة، وذكر لي جماعة من اهل المعرفة باحوال التتر انه جنكز بالزاي المعجمة" (6)، فاراد الرياسة العامة

ص: 182


1- م. ن. / 8 / 213.
2- م. ن. / 8 / 214.
3- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 8 / 215.
4- م. ن. / 8 / 218.
5- م. ن. / 8 / 219.
6- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 8 / 220.

لنفسه، فنهض بمن معه من اقاصي الصين، ودخل تركستان، فحاربه التتر الذين هناك، فهرمهم وملك بلاد تركستان باجمعها، وصار مجاورا لبلاد خوارزمشاه.

ثم توترت الحال بين جنكز وخوارزمشاه، نتيجة الاخبار التي تقول ان جنكز عازم على النهوض الى سمرقند وما يليها واحتلالها. ويقول عبد الحميد معلقا " فلو داراه لكان اولى به، لكنه شرع فسد طرق التجار القاصدين اليه، فتعذرت عليهم الكسوات، ومنع عنهم الميرة والاقوات " (1). وانتهى الى خوارزشماه ان جنكز خان ارسل جماعة من التجار ومعهم شيء عظيم من الفضة الى سمرقند ليشتروا له ولاهله ثيابا، فقام خوارزمشاه بقتل التجار واخذ الفضة التي يحملونها.

ثم جاءت عيونه باخبار ان التتر ساروا اليه بعدد وعدة ووصفوهم بانهم صبر على القتال ولا يعرفون الفرار، ويصنعون سلاحهم بايدهم وان خيلهم لا تحتاج الى شعير بل تاكل نبات الارض وان عندهم من الخيل والبقر ما لا يحصى، فضلا عن اكلهم الخنازير والكلاب والميتة، وهم اصبر خلق الله على الجوع، والعطش والتعب، وثيابهم اخشن الثياب، ومنهم من يلبس جلود الكلاب والدواب، وانهم بالوحوش والسباع اشبه (2). فندم خوارزمشاه عل ما فعل، واستشار اصحابه لاتخاذ قرار مناسب.

ثم ان جنكز ارسل رسلا يتهدد خوارزمشاه بالحرب، فقام هذا بقتل بعضهم، وحلق لحى الاخرين، واعادهم الى صاحبهم.

وقرر خوارزمشاه ان يسبق جنكز ويأخذه على حين غرة، فسار مسرعا، فوصل الى بيوتهم، فلم يجد فيها الا النساء والصبيان، والاثقال، فاوقع بهم وغنم الجميع، ذلك ان المقاتلين كانوا قد ساروا لمحاربة ملك من ملوكهم، خرج عليهم فقاتلوه وهزموه. فلقيهم خبر ما فعل خوارزمشاه في طريق عودتهم. فاغذوا السير، فادركوا جيش خوارزمشاه. ودارت معارك طاحنة لمدة اربعة ايام، انسحب الطرفان، في نهايتها، وكانت خسائر المسلمين عشرين الفا، ولم يحص عدد من قتل من التتر (3).

وحين عاد الجيش الى بخارى ايقن خوارزمشاه انه لا طاقة له بجنكزخان، فاستعد للحصار، فجمعت الذخائر والمؤن وراء السوار في بخارى وسمرقند، وجعل في بخارى عشرين الف فارس، وفي سمرقند خمسين الفا، وذهب هو الى خوارزم وخراسان ليجمع العساكر ويستنجد بالمسلمين، وعبرنهر جيحون فنزل بالقرب من بلخ، فعسكر هناك.

ويقول عبد الحميد ان التتر زحفوا الى بخارى بعد رحيل خوارزمشاه بخمسة اشهر، فحاصروها، وقاتلوا العسكر المرابط ثلاثة ايام قتالا متتابعا، ولم يكن لعسكرها قوة على القتال، ففتحوا الابواب، ليلا، وخرجوا عائدين الى خراسان، وبقى اهل بخارى وحدهم، فطلبوا الامان، فاعطي لهم. فدخل جنكزخان المدينة بنفسه، فقتل اربعمائة من الجند كانوا متحصنين بالقلعة، ثم جمع اهل البلدة وطلب منهم الفضة التي اخذت منه، واخرج الجميع الى خارج المدينة، فقتلوا عن اخرهم، ثم نهب الدور وسبى النساء والاطفال. وساروا باتجاه سمرقند فحاصروها وبها خمسون الفا من الجند. ودارت معارك بين الطرفين، كانت نتيجتها

ص: 183


1- م. ن.
2- م. ن. / 8 / 221.
3- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 8 / 223.

ضعف قلوب المحاصرين ، وطلب الجنود الامان من التتر، فوافقوا، ولما سلموا اسلحتهم وخيلهم وضعوا السيف فيهم فقتلوهم (1). ثم اخرجوا الناس الى خارج المدينة ووضعوا السيف فيهم، بعد ان عذبوا الاغنياء واخذوا اموالهم، وكان دخولهم سمرقند وتخريبها في المحرم سنة سبع عشرة وستمائة (2).

وذكر ان ابن ابي الحديد ان جنكزخان، سيّر عشرين الف فارس من التتر لطلب خوارزمشاه، حيثما كان، بقيادة ( جرماغون) وعبروا النهر بصعوبة، فوجدهم خوارزمشاه امامه على ارض واحدة، بعد ان كان جيشه قد ملئ منهم رعبا (3). فتفرق جيشه دون قتال.

ورحل خوارزمشاه، قاصدا نيسابور فلما دخلها، وجمع بعض عسكره، وصل جرماغون اليه. ولما علم بوصوله هرب الى مازندران، وسار ( جرماغون) خلفه، فخرج خوارزمشاه عنها حتى وصل بحر طبرستان، فنزل هو واصحابه في سفن. ووصل التتر، فلما عرفوا نزوله البحر، رجعوا وايسوا منه.

ويعلق ابن ابي الحديد، قائلا، ان جيش ( جرماغون) هو الذي ملك عراق العجم واذربيجان، فاقاموا بناحية تبريز الى يومنا هذا (4).

ويمضي عبد الحميد متابعا خبر خوارزمشاه فيقول انه قد اختلف في امره، فقال قوم انه اقام بقلعة في بحر طبرستان، فتوفي بها، وقال قوم انه غرق في البحر، وقيل انه رحل الى شمس الدين انليمش ملك الهند، وقد تغير عقله بما اعتراه من خوف التتر (5).

ويبدو ان ابي الحديد يرجح هذا الرأي الاخير ويؤيده بذكر رواية شفوية فيقول: حكى لي فقيه خراساني فذكر ان خوارزمشاه لما فقد عقله كان يلهج بعبارة، يرددها وهي " قرا تتركلدي" ومعناها " التتر السود جاءوا ".

ويمضي بروايته الشفوية فيقول: ان شمس الدين انليمش اسكنه في قلعة حصينة شاهقة لا يعلوها الغيم ابدا، وتمطر السحب من تحتها، فرفض خوارزمشاه البقاء فيها قائلا : ان التتر سوف يطلبونني، ويضعون سروج خليهم واحدا على واحد تحت القلعة، فيصعدون عليها ويأخذونني قبضا باليد، فقال له انليمش: فما الذي تريد ؟ قال اريد ان تحملني ببحر المعبر الى كرمان، فحمله في نفر يسير الى كرمان، ثم خرج منها الى اطراف بلاد فارس، فمات هناك في قرية من قرى فارس، واخفي موته لئلا يقصده التتر، وتطلب جثته، " وجملة الامر ان حاله مشتبة متلبسة، لم يتحقق على يقين، وبقي الناس بعد هلاكه نحو سبع سنين ينتظرونه، ويذهب كثير منهم الى انه حي مستتر، الى ان ثبت عند الناس كافة انه هلك … " (6).

ويروي ابن ابي الحديد ان ( جرماغون) استقر في مازندران، ثم سلك نحو الري، فوجد جيشه والدة خوارزمشاه ونساءه، ومعهن اموال وذخائر لم يسمع بمثلها، من الاعلاق النفيسة،

ص: 184


1- م. ن. / 8 / 226.
2- م. ن./
3- م. ن. / 8 / 227.
4- م. ن.
5- م. ن.
6- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 8 / 228-229.

فحوى التتر ذلك، ثم دخلوا الري بغتة، فملكوها ونهبوها وسبوا نساءها واسترقوا غلمانها وفعلوا كل قبيح ومنكر.

ثم قصدوا همدان، فخرج اليهم رئيسها حاملا معه اموالا عظيمة لهم، فاعطوه الامان للبلدة.

ثم ساروا نحو زنجان واستباحوها، ثم اقتحموا قزوين عنوة بالسيف بعد ان قاتل اهلها قتالا عنيفا، حتى بلغت قتلاهم اربعين الفاً.

ثم ساروا الى اذربيجان فنهبوها وقتلوا من فيها، ثم وصلوا تبريز فصالحهم صاحبها على مال وثياب ودواب، فساروا يطلبون ساحل البحر فوصلوا موقان، فخرج اليهم الكرج في عشرة الاف مقاتل، فهزمهم التتر وقتلوا اكثرهم.

ثم توغلوا بعد ذلك في بلاد الكرج، واقتتلوا اقتتالا عنيفا، فلم يثبتوا للتتر، وانهزموا هزيمة منكرة، وكانت هذه الوقعة في ذي الحجة سنة عشرة وستمائة (1).

ثم توجهوا الى مراغة فملكوها عنوة، بعد ان جعلوا من اسراهم دروعا بشرية، ووضعوا السيف في اهلها ونهبوا ما يصلح واحرقوا ما لا يصلح.

ويقول عبد الحميد واصفا الحال بذهول وتعجب " كان الواحد من التتر يقتل بيده مائة انسان يحملون السيوف في ايديهم، لايقدر احد منهم ان يحرك يده بسيفه نحو ذلك التتري، خذلانا صب على الناس وامر سمائي اقتضاه. " (2).

ثم عادوا الى همدان ثانية وطلبوا من رئيسها مالا مثل ما اعطى في المرة الاولى، ولما لم يكن مع اهلها مثل ذلك، اعتصموا ببلدتهم، فدخلها التتر بالسيف وقاتلهم الناس في الدروب وظهر التتر على المسلمين فافنوهم قتلا.

ثم ساروا الى اردبيل وقتلوا فاكثروا (3). وحين فرغوا ارادوا عبور الدربند فتعذر عليهم، ثم تمكنوا من العبور بالخديعة والحيلة واستولوا على البلاد التي تسكنها شعوب مختلفة مثل اللان واللكر واصناف من الترك، فنهبوها وقتلوا الكثير من اهلها.

ثم ان اللان والقافجاق اتحدوا ضد التتر، فلم يتمكن التتر منهم فعمدوا الى المكر، اذ اعطوا القافجاق اموالا وثيابا، فانسحبوا من المعركة، فاوقعوا باللان وقتلوهم ونهبوا اموالهم وسبوا نساءهم. ثم عادوا الى القافجاق فاوقعوا بهم قتلا ونهبا، واخذوا منهم اضعاف ما اعطوهم. واقام التتر ببلاد القافجاق لملاءمتها للرعي في الشتاء.

وفي سنة عشرين وستمائة حاول التتر دخول بلاد الروس، فاجتمع الروس والقفجاق ومنعوا التتر من الدخول الى بلادهم، فانسحبوا ثم سرعان ماعادوا اليهم فاثخنوا فيهم القتل والاسر ولم يسلم منهم الا القليل (4).

ص: 185


1- م. ن. / 8 / 230.
2- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 8 / 231.
3- م. ن. / 8 / 232.
4- م. ن. / 8 / 234

ويقول ابن ابي الحديد ان هذه الوقائع كلها تولاها التتر المغربة وقائدهم ( جرماغون). اما ملكهم الاكبر ( جنكزخان) فانه استقر بسمرقند ما وراء النهر، وبعث من استولى على فرغانه وترمذ وبلخ فملكوها جميعا.

ثم ارسل جيشا عظيما الى مرو وبها مائتا الف من المسلمين، فكانت بينهم حروب عظيمة صبر فيها المسلمون ثم هربوا ودخلوا المدينة، فحاصرها التترحصارا طويلا ثم امنوا اهلها وصالحوهم، وحين فتحت الابواب، اقتحموها واستعرضوا اهلها بالسيف فلم يبقوا منهم باقية (1).

ثم ساروا الى نيسابور وطوس فنهبوها وخربوا مشهد الامام علي بن موسى الرضا وهارون الرشيد، وساروا الى هراة فاقتحموها بعد حصار ومصالحة.

ثم عاد جنكز خان الى طالقان فسير جيشا الى خوارزم، وكانت منيعة حصينة وجيشها واهلها اقوياء، والتقى الجمعان، فاقتتلوا قتالا عظيما، ثم انسحب المسلمون الى داخل المدينة وتحصنوا بها، فحاصرهم التتر خمسة اشهر، وامدهم جنكزخان بمدد، فاقتحموا المدينة، فقاتلهم المسلمون داخل المدينة، لكن لم يستطيعوا المطاولة فقتل التتر من امامهم ونهبوا واحرقوا، ثم فتحوا سد نهر جيحون على المدينة فاغرقوها، ولم يسلم من اهل خوارزم البتة الا النفر اليسير.

ثم ساروا بجيوشهم الى غزنة، وبها جلال الدين منكبري ابن محمد خوارزمشاه، وكان معه ستون الفا ومع التتر اثنا عشر الفا ودارت المعركة، فانتصر المسلمون وتراجع التتر الى الطالقان، على ان يلتقيا مرة اخرى في كابل !.

والتقى الجيشان بكابل وكان جلال الدين نفسه على رأس جيشه، فكان الظفر للمسلمين، الا ان فتنة وقعت بينهم حول الغنائم، فاستغل جنكزخان تلك الفتنة فسار الى غزنة، وملكها دون قتال الا انه قتل اهلها وسبى نساءها وخرب قصورها (2).

ويذكر ابن ابي الحديد انه كان للتتر بعد استباحة غزنة وقائع كثيرة مع ملوك الروم من بني قلج ارسلان، لم يوغلوا فيها في بلادهم بل كانوا ينهبون ما تاخمهم منها، فاذعن لهم ملوك فارس وكرمان والتيز ومكران بالطاعة، وحملوا اليهم الاتاوة.

ولم يبق في البلاد الناطقة باللسان الاعجمي بلد الا حكم فيه سيفهم الا اصبهان.

ورجع جنكزخان بعد ذلك الى ما وراء النهر ومات هناك (3). فقام مقامه ابنه ( قاآن)، وثبت ( جرماغون) في اذربيجان. وفي سنة سبع وعشرين وستمائة هاجم التتر اصبهان مرارا، فقاومهم اهلها، وقتل من الفريقين مقتلة عظيمة، فلم يبلغوا منها غرضا، ثم حصلت الفتنة بين اهلها من الحنفية والشافعية وجرت بينهم منازعات وحروب وسالت دماء الطرفين، فاتفق الشافعية مع التتر على فتح ابواب اصبهان على ان يساعدوهم على استئصال الحنفية، ولما فعلوا ودخل التتر المدينة بدؤا بالشافعية فقتلوهم قتلا ذريعا، ثم قتلوا الحنفية. ثم سائر

ص: 186


1- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 8 / 235.
2- م. ن. / 8 / 235.
3- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 8 / 235.

الناس، وسبوا النساء، وشقوا بطون الحبالى، ونهبوا الاموال ثم اضرموا النار فاحرقوا المدينة حتى صارت تلولا من الرماد (1).

ويتحدث ابن ابي الحديد قائلا ان التتر لما لم يبق لهم بلد من بلاد العجم الا دوخوه، ساروا الى ( اربل) في سنة اربع وثلاثين وستمائة، وكان اميرها باتكين الرومي، فنزلوها في ذي القعدة من هذه السنة بنحو ثلاثين الف فارس، ارسلهم ( جرماغون). فغاداها بالقتال وراوحها، وبها عسكرجم من عساكر الاسلام. فقتل في المعارك خلق كثير من الفريقين، ثم استظهر التتر ودخلوا المدينة، فهرب الناس الى القلعة واعتصموا بها، وطال الحصار، فهلك الناس عطشا. ثم صالحهم باتكين على اموال يدفعها لهم، فلما اخذوا المال غدروا به، وحملوا على القلعة حملات عظيمة وزحفوا زحفا متتابعا، وحين علموا ان الخليفة المستنصر سير لهم جيشا بقيادة مملوكة شرف الدين اقبال الشرابي، وان الجيش وصل تكريت، رحلوا عن اربل بعد ان قتلوا منها ما لا يحصى، وخربوها " وتركوها كجوف حمار " (2). وعادوا الى تبريز حيث اقامة ( جرماغون).

يقول عبد الحميد انهم لما رحلوا عن اربل عاد عسكر الخليفة الى بغداد، ثم كانت للتتر بعد ذلك سرايا الى بلاد الشام وانتهوا الى حلب فاوقعوا بها، ثم عمدوا الى بلاد الروم،فجمع لهم ملك الروم جيشاً،عظيما تعداده مائة الف جندي،فلقيه التتر في عشرين الفاً فجرت بينهم حروب شديدة،فانكسرعسكرالروم،وهرب صاحبهم الى انطاكية،فاعتصم بها،وتمزقت جموعه،ودخل التتر قيسارية وسيواس،ففعلوا بها افاعيل منكرة،ثم فاوضهم صاحب الروم،فضربوا عليه ضريبة يؤديها اليهم كل سنة،فرجعوا عنه (3). وظل التتر على سكونهم عن بلاد الاسلام، حتى دخلت سنة ثلاث واربعين وستمائة، فقام احد امراء بغداد ويدعى سليمان بن برجم، وهو تركماني، بقتل شحنة من شحن التتر في بعض قلاع الجبل، فاثار قتله التتر، فسار عشرة الاف منهم يقودهم ( جكتاي الصغير) يطوون المنازل، فلم يشعر الناس ببغداد الا وهم على اسوارها وذلك في شهر ربيع الاخر من هذه السنة في فصل الخريف.

كان الخليفة المستعصم قد اخرج عسكره الى ظاهر سور بغداد على سبيل الاحتياط، ويبدو ان التتر سمعوا من عيونهم وجواسيسهم ان خيام الجند وفساطيطهم التي بظاهر السور فارغة لارجال تحتها للتمويه والمخادعة، فاقبلوا تحت هذا الظن. فلما قاربوا المعسكر اخرج المستعصم بالله قائد جيوشه شرف الدين اقبال الشرابي، الى ظاهر السور. (4)

ويعلق ابن ابي الحديد على ذلك قائلا ان خروج الشرابي ذلك اليوم من لطف الله تعالى، فان التتر لو وصلوا وهو بعد لم يخرج، لأضطرب العسكر، لانهم سيكونون بغير قائد ولا زعيم، فكانوا في مظنة الاختلاف والاضطراب والتشتت.

وكان خروج الشرابي في السادس عشر من ربيع الاخر، بينما وصل التتر في اليوم السابع عشر منه، فوقفوا بآزاء عساكر بغداد الذين ترتبوا وانتظموا، فرأى التتر من كثرتهم

ص: 187


1- م. ن.
2- م. ن. / /8 / 238.
3- ابن ابي الحديد م شرح نهج البلاغة / 8 / 239.
4- م.ن. / 8 / 240.

وجوده سلاحهم وعددهم وخيولهم ما لم يكونوا يظنونه ولا يحسبونه، وانكشف ذلك الوهم الذي اوهمهم به جواسيسهم عن البطلان والفساد (1).ويذكر ابن ابي الحديد ان مدبر امر الدولة والوزارة في ذلك الوقت هو الوزير مؤيد الدين محمد بن احمد بن العلقمي الاسدي، ولم يحضر ساحة المعركة بل كان ملازما ديوان الخلافة، الا انه يمد العسكر بآرائه وتدبيراته بما ينتهون اليه ويقفون عنده. وحملت التتر على عسكر بغداد حملات متتالية، ظنوا ان واحدة منها تهزمهم، لانهم اعتادوا ان لا يقف امامهم عسكر، وان الرعب والخوف منهم يكفي عن مباشرتهم الحرب بانفسهم، فثبت لهم عسكر بغداد احسن ثبوت، وما زالت امارات القوة تظهر عليهم، وامارات الخذلان والضعف تظهر على التتر، الى ان حجز الليل بين الفريقين، فاوقد التتر نيرانا عظيمة، واوهموا انهم مقيمون عندها، الا نهم ارتحلوا تحت جنح الظلام، راجعين الى جهة بلادهم، فاصبحوا ولم تر منهم عين او اثر، وما زالوا يطوون المنازل، ويقطعون القرى عائدين حتى وصلوا الدربند ولحقوا ببلادهم.

ويقول عبد الحميد انه كتب ابياتا الى الوزير ابن العلقمي عقيب هذه الواقعة التي نصر فيها الاسلام، ورجع التتر مخذولين ناكصين على اعقابهم، ينسب فيها الفتح اليه، وان لم يكن حاضرا بنفسه (2).

ثم ينهي حديثه عن التتر بقوله " والى ان بلغنا من هذا الشرح الى هذا الموضع، لم يذعر العراق منهم ذاعر، بعد تلك النوبة التي قدمنا ذكرها " (3).

واذا علمنا ان عبد الحميد بن ابي الحديد قد انهى شرحه، كما هو مذكور، في سلخ صفر سنة تسع واربعين وستمائة (4) وان الوقعة التي ذكرها وقعت في السابع عشر من ربيع الاخر سنة ثلاث واربعين وستمائة، فيكون انهاؤه الشرح بعد خمس سنين وعشرة اشهر من تلك الحادثة. ومن المفارقات ان يمتد به العمر فيشاهد اقتحام التتر بغداد، ويرى كارثتها المروعة التي لم يسجل التاريخ مثلها، بعد ثلاثة عشر عاما من الواقعة التي دونها، وبعد سبعة اعوام من اكمال شرحه.

ومن المفارقات ايضا انه لم يمكث بعد تلك الكارثة النكبة الا سبعة عشر يوما ثم رحل رحيله الابدي.

ص: 188


1- م. ن.
2- ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 8 / 242.
3- م ن. / 8 / 241.
4- م. ن./ 20 / 349.

النتائج التي توصل اليها البحث

قادنا البحث عن ابي حامد عبد الحميد بن ابي الحديد المعتزلي ومنهجه التاريخي في شرح نهج البلاغة الى جملة من النتائج تتلخص بما يأتي:

1-عاش ابن ابي الحديد في القرنين السادس والسابع الهجريين، في فترة حكم فيها آخر اربعة من خلفاء بني العباس، كانت سمتها الاضطراب السياسي والاجتماعي وفساد وتفكك مؤسسات الدولة والمجتمع، والتشتت المذهبي الذي قاد الى النزاعات والحروب التي سالت فيها دماء المسلمين، حتى دخول هولاكو بغداد.

الا ان حركة العلم والادب والثقافة كانت على النقيض من ذلك، اذ ازدهرت الحياة العلمية، وبلغت درجة عالية من النضج والكمال، يتضح ذلك من تصنيف امهات الكتب في كل مجالات المعرفة، ومن كثرة المكتبات ودور العلم كالنظامية والمستنصرية وظهور اعلام كبار في مجالات اللغة والادب والفقه والحديث والفلسفة، وغير ذلك . ولقد كان اسهام ابن ابي الحديد واضحا فيما ترك لنا من آثار.

ومما يلفت النظر في عصر ابن ابي الحديد الهامش الواسع من حرية الكتابة والتأليف والبحث في الفكر والعقيدة، فالمصنفات تزخر بالاراء الكثيرة المختلفة وربما المتناقضة يعرضها لك العلماء والادباء والكتاب، سواء اكانت موافقة ام معارضة للتوجه السياسي والاجتماعي والفكري العام. مع ان تلك الاراء قادت في بعض الاحيان الى معارك طاحنة انتصارا لفئة او عدوانا على اخرى.

ومع ان البعض يصنف تلك الفترة على انها فترة ظلم، وكبت الا ان هامش الحرية الفكرية اوسع بكثير من هوامش الحرية المعاصرة.

2- لقد تتبع البحث حياة عبد الحميد وسيرته، منذ ولادته في المدائن ثم انتقاله الى بغداد، مفصلا في وضعه العائلي وتاثير ابيه واخوته الذين اشار اليهم المؤرخون بانهم من فضلاء اهل العلم والادب، ثم تدرجه في حياته وصولا الى دخوله الحياة السياسية وحصوله على منصب ( كاتب السّلة) وهو موقع مرموق في ديوان الخلافة. وقد تم البحث في حياته الخاصة على الرغم من قلة المصادر التي تبحث في هذا المجال.

3- دقق البحث كثيرا في فكره وعقيدته امام التناقضات التي ذكرها المؤرخون عن آرائه التي تمتد ما بين المغالاة في التشيع الى الالتزام التام بفكر المعتزلة وطروحاتهم. وقد توصل البحث الى ان عبد الحميد كان شديد الوضوح في التزامه بفكر المعتزلة وعقيدتهم، وان ذلك لا يخل بمسألة حبه الشديد وولائه الذي لايحيد عنه لاهل البيت وفي مقدمتهم الامام علي الذي كرّس كتابه لشرح خطبه واقواله.

ص: 189

4- ان متابعة منزلة عبد الحميد بن ابي الحديد العلمية اوضحت ان ثقافته موسوعيةً، برزت واضحة في شرح نهج البلاغة، من خلال اشتغاله فيه على كل علوم عصره، وحديثه في مجالات التاريخ والجغرافية واللغة والادب، والتفسير والحديث والفقه وعلم الكلام والفلسفة والطبيعيات والفلك والطب والغيبيات. لقد قادت تلك المتابعة الى معرفة اسماء شيوخه واساتذته، ومن تتلمذ على يديه، ثم معرفة مؤلفاته ومصنفاته المختلفة التي بينت مقدرته الفائقة على ولوج ابواب العلم والمعرفة. ويجدر التنبيه الى ان بعض تلك المصنفات لم تذكر في المشهور من كتب التراجم، بل كان البحث عنها شاقا والوصول الى مظانها صعبا.

5-اثبت البحث ان ( شرح نهج البلاغة) مثّل علامة بارزة في مؤلفات ابن ابي الحديد، بل في كل مصنفات عصره، لقد كان بحق موسوعة اشتملت اغلب علوم عصره، وآدابها، ومن الجدير بالذكر انه وردت فيه موضوعات كثيرة لما يطلق عليه الآن بالباراسايكولوجي، وقد يشكل ذلك عنوان دراسة اكاديمية مستقلة في هذا الباب (1).

6-اوضح البحث ان عبد الحميد اعتمد الكثير من المصادر المدونة والشفوية بينما لم يحفل بشهادات العيان، مع انه كان بامكانه ان يكون شاهد العصر على التوسع التتري في العراق، لكنه على ما يبدو لم يشهد الاحداث بنفسه بل سجلها كما عرف بها وعلم.

وتجدر الاشارة الى ان بعض المصادر المدونة مفقودة ولم تصلنا ولذا كان شرح النهج مصدرا امينا لنقل بعض محتويات تلك الكتب في مجالاتها المتنوعة.

7-اظهر البحث منهج ابن ابي الحديد التاريخي المعتمد على ثلاثة ثوابت هي ( النقل) و( المقارنة) و(التعليق والاستنتاج) فهو في كل مروياته التاريخية اعتمد النقل من المصادر ثم مقارنة الروايات ثم التعليق عليها والاستنتاج، معطيا رأيه النهائي فيما توصل اليه. لقد اعتمد هذا المنهج في كل حوادث التاريخ الا تلك التي كان معاصرا لها، وهي اخبار التوسع التتري، حصرا، فقد سجلها معتمدا على ما سمعه وعرفه وحفظه ذاكرته عنها.

8- التزم ابن ابي الحديد بمنهج واضح في نقد الاصول التاريخية، ظهر ذلك في عدم قبوله الروايات الا بعد مناقشتها وتمحيص اخبارها وتدقيق سندها.

وظهر ايضا في التزامه الحياد العلمي في منقولاته التاريخية وتعديل بعض تلك المنقولات والتصرف بصيغتها كي يكون الرأي النهائي للمتلقي، في الوصول الى الحقيقة دون فرض الرأي عليه مسبقا.

9- كان ابن ابي الحديد باحثا جرئ الطرح، لم يتوقف امام احداث التاريخ الخلافية الحساسة التي فرقت المسلمين واشاعت بينهم الانقسامات الفكرية التي ادت الى المنازعات والقتال، بل اوغل فيها بحثا واستقصاء وتفصيلا، واعطى رأيه وما توصل اليه فكره، وسجل موقفا، فكريا، مستقلا في كلامه على وفاة رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وخلافته واحداث يوم السقيفة وقضية الشورى، ومقتل عثمان، وحروب الجمل وصفين والنهروان والتحكيم

ص: 190


1- للوقوف على امثلة مما يندرج تحت هذا الباب انظر: ابن ابي الحديد / شرح نهج البلاغة / 2 / 286، 5/10، 7/147، 10/13، 11/138، 19/372. هذا وقد سبق للباحث ان القى محاضرة بعنوان: (لمحات باراسايكولوجية في شرح نهج البلاغة ) في المؤتمر العلمي الثالث للجمعية الباراسيكولوجية العراقية المقام تحت شعار ( الباراسيكولوجي والتراث) في بغداد عام 1996

والخلافات الفكرية بين فرق المسلمين، وما تؤاخذ به احداها الاخرى، وكان رصينا في الطرح والبحث والتقصي رصانته في التحليل والاستنتاج.

تلك ابرز النتائج التي توصل اليها البحث.

وحيث ان الكلام على المنهج التاريخي لابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة جديد في بابه، اذ لم تعرف دراسة سابقة تتعلق بهذا الموضوع، فان باب العلم لا يزال مفتوحا في هذا الشان، ولا تزال هذه الموسوعة العظيمة تشتمل على مظان كثيرة يمكن ان تشكل دراسات أكاديمية مهمة متنوعة لم يسبق لاحد أن طرقها وقد يكون الوقت مناسبا لإظهارها بالشكل الذي يليق بها.

والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً وصلى الله على

سيدنا محمد وعلى اله الطيبين الطاهرين وأصحابه الغرّ

المنتجبين

ص: 191

جريدة المراجع والمصادر

أ- المخطوطات

1.الصنعاني ( يوسف بن يحيى / ت 1121 ﻫ ) / نسمة السحر في ذكر من تشيع وشعر / نسخة مخطوطة مصورة على مخطوطة المتحف البغدادي موجودة في مكتبة الامام السيد عبد الكريم المدني.

2.العيني ( محمود بن احمد بن موسى / ت 855ﻫ ) / عقد الجمان في تاريخ اهل الزمان / نسخة مخطوطة مصورة في مكتبة الامام السيد عبد الكريم المدني.

ب- المطبوعات

1. ابن الاثير ( ابو الحسن عز الدين على بن ابي الكرم محمد / ت 630ﻫ )/ الكامل في التاريخ / دار صادر / بيروت / 1386ﻫ – 1966م.

2.ابن الاثير الجزري ( ابو الفتح ضياء الدين بن محمد الشيباني / ت 637ﻫ / المثل السائر في ادب الكاتب والشاعر / تحقيق د. احمد الحوفي، د، بدوي طبانة / مطبعة نهضة مصر / القاهرة / 1379ﻫ – 1959م.

3.الاربلي ( عبد الرحمن بن ابراهيم قنيتو / ت 717ﻫ ) / خلاصة الذهب المسبوك / تحقيق مكي جاسم، مكتبة المثنى / بغداد / د. ت.

4.امين ( احمد) / فجر الاسلام / ط2 / لجنة التاليف والترجمة والنشر / القاهرة / 1933 م.

5.الامين ( السيد محسن العاملي / ت 1373ﻫ )/ اعيان الشيعة / الجزء الاول: مطبعة ابن زيدون / دمشق / 1357ﻫ – 1938م/ الجزء الاخير: مطبعة الانصاف /بيروت/1382ﻫ /1963م/ تحقيق واخراج حسن الامين.

6.الاميني ( عبد الحسين بن احمد / ت 1392ﻫ ) الغدير في الكتاب والسنة والادب / ط4 / دار الكتاب العربي / بيروت / 1397ﻫ – 1977 م.

7.البحراني ( كمال الدين ميثم بن علي / ت 679ﻫ ) / شرح نهج البلاغة / منشورات مؤسسة النصر / المطبعة الحيدرية / طهران / 1378ﻫ – 1958م.

ص: 192

8.البخاري ( ابو عبد الله محمد بن اسماعيل / ت 256ﻫ ) الصحيح /دار احياء التراث العربي / بيروت / د. ت.

9.بروكلمان ( كارل) / تاريخ الادب العربي / دار المعارف / القاهرة / 1977م.

10.البستاني ( بطرس) / دائرة المعارف / مطبعة دار المعارف / بيروت / 1876م.

11.البلاذري ( ابو جعفر احمد بن يحيى بن جابر / ت 279ﻫ ) /انساب الاشراف / تحقيق محمد الباقر المحمودي / مؤسسة الاعلمي/بيروت/1394ﻫ - 1974 م.

12.بلبع ( د. عبد الحكيم ) / النثر الفني واثر الحاجظ فيه / نشر مكتبة الانجلو المصرية / 1373ﻫ – 1954م / القاهرة.

13.بيومي ( السباعي ) / تاريخ الادب العربي في العصر الاسلامي / نشر مكتبة الانجلو المصرية / 1371ﻫ - 1952م.

14.الجاحظ ( ابو عثمان عمرو بن بحر / ت 255ﻫ ) البيان والتبيين / لجنة التاليف والترجمة والنشر / القاهرة / 1960م.

15.حاجي خليفة ( مصطفى بن عبد الله كاتب جلبي / ت 1067ﻫ ) / كشف الظنون عن اسامي الكتب والفنون / مطبعة وكالة المعارف، استانبول / 1941م.

16.ابن ابي الحديد ( ابو حامد عز الدين عبد الحميد المعتزلي / ت 656ﻫ ) / شرح نهج البلاغة / تحقيق محمد ابو الفضل ابراهيم / دار احياء الكتب العربية / عيسى البابي الحلبي وشركاه / ط1 / عشرون جزءا / ج1: 1378ﻫ / 1959م.، ج20: 1384ﻫ / 1964م.

17.ابن ابي الحديد ( الفلك الدائر على المثل السائر ) / ملحق بالجزء الرابع من المثل السائر لابن الاثير / تحقيق د. احمد الحوفي و د. بدوي طبانة / مطبعة نهضة مصر / القاهرة / 1379ﻫ / 1959م.

18.الحر العاملي ( محمد بن الحسين / ت 1104ﻫ ) / امل الآمل في علماء جبل عامل / تحقيق احمد الحسيني / نشر مكتبة الاندلس / بغداد / مطبعة الآداب / النجف / 1385ﻫ – 1965م.

19.ابن حزم ( ابو محمد علي بن احمد بن سعيد الاندلسي / ت 456ﻫ )/ الفصل في الملل والاهواء والنحل / اعادت طبعه بالاوفسيت مكتبة المثنى ببغداد / د. ت.

20.الحسيني ( هبة الدين الشهرستاني) / ما هو نهج البلاغة / مطبعة العرفان / صيدا / 1353ﻫ.

21.الحموي ( شهاب الدين ابو عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي البغدادي / ت 626ﻫ ) معجم الادباء ( ارشاد الاريب الى معرفة الاديب) / دار المامون / القاهرة / 1355ﻫ - 1936م.

22.الحموي / معجم البلدان / دار صادر - دار بيروت 1376ﻫ – 1957م.

23.الخاقاني ( علي) / شعراء الحلة / ط2 / بغداد / 1975 / نشر: دار مروان - بيروت / دار البيان - بغداد.

24.الخطيب ( عبد الزهراء الحسيني) / مصادر نهج البلاغة واسانيده / منشورات مؤسسة الاعلمي للمطبوعات / بيروت - لبنان / ط2 / 1395ﻫ - 1975م.

ص: 193

25.ابن خلكان ( شمس الدين ابو العباس احمد بن محمد / ت 681ﻫ ) / وفيات الاعيان وانباء ابناء الزمان / تحقيق د. احسان عباس /دار صادر - بيروت / 1398ﻫ – 1978م.

26.الخونساري ( محمد باقر بن زين العابدين الموسوي الاصبهاني / ت 1313ﻫ ) / روضات الجنات في احوال العلماء والسادات / تحقيق اسد الله اسماعيليان / المطبعة الحيديرية / طهران / 1970م.

27.درويش ( د. محمد طاهر) / الخطابة في صدر الاسلام / دار المعارف مصر / 1965م.

28.الذهبي ( ابو عبد الله شمس الدين محمد بن احمد بن عثمان / ت 748ﻫ ) / دول الاسلام / مطبعة دائرة المعارف النظامية / حيدر آباد - الدكن / 1333ﻫ.

29.الذهبي / العبر في خبر من غبر / تحقيق د. صلاح الدين المنجد / مطبعة حكومة الكويت: الكويت 1963م.

30.الذهبي / المختصر المحتاج اليه من تاريخ ابن الدبيثي / تحقيق د. مصطفى جواد / مطابع دار الزمان /، بغداد / 1963م.

31.الذهبي / ميزان الاعتدال في نقد الرجال / تحقيق على محمد البجاوي / دار احياء الكتب العربية / القاهرة / 1963م.

32.الرازي ( محمد بن ابي بكر بن عبد القادر / ت 666ﻫ ) مختار الصحاح / الناشر / دار الكتاب العربي / بيروت / 1401ﻫ - 1981م.

33.الربيعي ( د. احمد) / العذيق النضيد بمصادر ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة / مطبعة العاني / بغداد / 1407ﻫ – 1969م.

34.الزركلي ( خير الدين)/ الاعلام / ط3 / بيروت / 1389ﻫ - 1969م.

35.زيدان ( جورجي) / تاريخ آداب اللغة العربية / دار الهلال / القاهرة / د. ت.

36.ابن الساعي ( ابو طالب تاج الدين علي بن انجب / ت 674ﻫ ) / الجامع المختصر في عنوان التواريخ وعيون السير / تحقيق د. مصطفى جواد / المطبعة السريانية الكاثوليكية / بغداد / 1934م.

37.السيد ( د. صبري ابراهيم)/ نهج البلاغة ( نسخة جديدة ومحققة تحوي ما ثبت نسبته للامام علي) / تحقيق عبد السلام محمد هارون / نشر وتوزيع دار الثقافة / الدوحة / 1406ﻫ 1986م.

38.ابن شاكر / محمد بن شاكر بن احمد الحلبي الكتبي / ت 764ﻫ ) / فوات الوفيات / تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد / مطبعة السعادة /القاهرة/ 1951م.

39.ابو شامة ( شهاب الدين ابو محمد عبد الرحمن بن اسماعيل المقدسي/ ت 665ﻫ ) / الذيل على الروضتين في تراجم رجال القرنين السادس والسابع الهجريين / نشر عزة العطار الحسيني / القاهرة / 1947م.

40.شمس الدين ( محمد مهدي) / دراسات في نهج البلاغة / منشورات مكتبة الامين / النجف / المطبعة العلمية / النجف / 1376ﻫ - 1956م.

ص: 194

41.الشهرستاني ( ابو الفتح محمد بن عبد الكريم/ ت548ﻫ ) / الملل والنحل / اعادت طبعه بالاوفسيت مكتبة المثنى ببغداد / على هامش كتاب ( الفصل في الملل والاهواء والنحل) لابن حزم الاندلسي / د. ت.

42.الشهرستاني / نهاية الاقدام / مطبعة جامعة اوكسفورد / 1934م.

43.الشيبي ( د. كامل مصطفى) / الفكر الشيعي / مطبعة دار التضامن / بغداد، 1966م.

44.صاحب المدارك ( السيد محمد شمس الدين بن علي الموسوي العاملي / ت 1009ﻫ ) شرح القصائد السبع العلويات / دار الفكر / بيروت / 1374ﻫ - 1955م.

45.الصفدي ( صلاح الدين خليل بن أيبك / ت 764ﻫ ) / الغيث المسجم في شرح لامية العجم / المطبعة الازهرية / ط1 / 1305ﻫ.

46.الطبري ( ابو جعفر محمد بن جرير / ت 310ﻫ ) / تاريخ الامم والملوك/ مراجعة نخبة من العلماء / نشر المكتبة التجارية بمصر / مطبعة الاستقامة / القاهرة / 1358ﻫ – 1939م.

47.الطقطقي ( ابو جعفر محمد بن علي بن طباطبا العلوي / ت 709ﻫ ) /الفخري في الاداب السلطانية / مطبعة محمد علي صبيح واولاده / القاهرة / 1962م.

48.الطهراني ( محمد محسن آغابزرك / ت 1389ﻫ ) / الذريعة الى تصانيف الشيعة / مطبعة الغرّي – مطبعة القضاء / النجف / ط1 / 1357ﻫ – 1938م.

49.الطهراني / طبقات اعلام الشيعة / تحقيق علي تقي منزوي /دار الكتاب العربي / بيروت / لبنان / ط1 / 1390ﻫ – 1971م.

50.عبده ( الشيخ محمد / ت 1326ﻫ ) /نهج البلاغة / تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد / المكتبة التجارية / شارع محمد علي - مصر / مطبعة الاستقامة / د. ت.

51.ابو عبيدة ( معمر بن المثنى التيمي البصري / ت 209ﻫ ) /تسمية ازواج النبي واولاده / تحقيق د. ناصر حلاوي / مطبعة حداد / البصرة / 1969م.

52.ابو عبيدة / العققة والبررة / تحقيق عبد السلام محمد هارون / مطبعة لجنة التاليف والترجمة والنشر / القاهرة / 1373ﻫ – 1954 م. رسالة منشورة ضمن نوادر المخطوطات / م 2 / 339.

53.العزاوي ( المحامي عباس) تاريخ الادب العربي في العراق / مطبعة المجمع العلمي العراقي / 1960م / بغداد.

54.العسقلاني ( شهاب الدين ابو الفضل احمد بن علي بن حجر / ت 852ﻫ ) / لسان الميزان / ط2 / مؤسسة الاعلمي / بيروت / 1971م.

55.العقاد ( عباس محمود) /عبقرية الامام علي / دار الهلال / مصر / د. ت

56.ابن العماد ( ابو الفلاح عبد الحي بن احمد الحنبلي/ ت 1089ﻫ ) / شذرات الذهب في اخبار من ذهب / مكتبة القدسي / القاهرة / د. ت.

57.ابو الفرج ( علي بن الحسين بن محمد الاموي الاصفهاني / ت 356ﻫ ) / الاغاني / نسخة مصورة بالاوفسيت على طبعة دار الكتب / القاهرة / مؤسسة جمال للطباعة والنشر / بيروت / لبنان / د. ت.

58.ابو الفرج / مقاتل الطالبيين / شرح وتحقيق السيد احمد صقر / نشر دار المعرفة للطباعة والنشر / بيروت / لبنان / د. ت.

ص: 195

59.فرّوخ ( د. عمر) نهج البلاغة / ط1، بيروت / 1363ﻫ – 1944م.

60.ابن الفوطي ( عبد الرزاق بن احمد الشيباني / ت 723ﻫ ) تلخيص مجمع الاداب في معجم الالقاب / تحقيق د. مصطفى جواد / المطبعة الهاشمية / دمشق / 1962م.

61.الفيروزآبادي ( ابو طاهر مجد الدين محمد بن يعقوب / ت 817ﻫ ) القاموس المحيط / دار العلم للجميع / بيروت / د. ت.

62.القشيري ( ابو الحسين مسلم بن الحجاج/ ت / 261ﻫ ) /الصحيح / تحقيق محمد علي صبيح / المطبعة الازهرية / القاهرة / د. ت.

63.القفطي ( علي بن يوسف بن ابراهيم الشيباني / ت 646ﻫ ) انباه الرواة على انباه النحاة / تحقيق محمد ابو الفضل ابراهيم / دار الكتب المصرية / القاهرة / 1955م.

64.القمي ( عباس بن محمد رضا / ت 1361ﻫ ) / الكنى والالقاب / المطبعة الحيدرية / النجف / 1376ﻫ – 1956م.

65.القلقشندي ( ابو العباس احمد بن علي بن احمد الفزاري / ت 821ﻫ ) / صبح الاعشى في صناعة الانشا / مطبوع بالاوفسيت / القاهرة / 1383ﻫ – 1963م / المؤسسة العامة للتاليف والترجمة والنشر.

66.القلقشدني / مآثر الانافة في معالم الخلافة / تحقيق عبد الستار احمد فراج / نسخة مصورة بالاوفسيت / 1980م.

67.ابن الكازروني ( ظهير الدين علي بن محمد / ت 697ﻫ ) / مختصر تاريخ الخلفاء / تحقيق د. مصطفى جواد / تعليق سالم الالوسي / مطبعة الحكومة / بغداد / 1390ﻫ – 1970م.

68.كاشف الغطاء ( الهادي بن العباس / ت 1362ﻫ )/ مدارك نهج البلاغة ورفع الشبهات عنه / منشورات مكتبة الاندلس / بيروت / د. ت.

69.ابن كثير ( عماد الدين ابو الفداء اسماعيل بن عمر الدمشقي / ت 774ﻫ ) / البداية والنهاية / مكتبة المعارف – بيروت / مكتبة النصر – الرياض / 1386ﻫ – 1966م.

70.كحالة ( عمررضا ) /معجم المؤلفين / مطبعة الترقي / دمشق، الجزء الاول: 1957، الجزء الاخير: 1961.

71.المامقاني ( عبد الله ) /تنقيح المقال / المطبعة المرتضوية / النجف / طبعة حجرية / 1349ﻫ.

72.المبرّد ( ابو العباس محمد بن يزيد الازدي / ت 286ﻫ ) / الكامل في الادب واللغة والنحو والصرف / تحقيق محمد ابو الفضل ابراهيم والسيد شحاته / مطبعة نهضة مصر / د. ت.

73.المسعودي ( ابو الحسن علي بن الحسين / ت 345ﻫ )/ مروج الذهب / ضبط محمد محيي الدين عبد الحميد / المكتبة العصرية / بغداد 1357ﻫ –1938م.

74.معروف ( د. ناجي)/ تاريخ علماء المستنصرية / مطبعة العاني / بغداد / 1965م.

75.المقريزي ( تقي الدين احمد بن علي / ت 845ﻫ )/ السلوك في احوال الملوك / مطبعة دار الكتب المصرية القاهرة / 1934م.

ص: 196

76.المنقري ( نصر بن مزاجم / ت 212ﻫ )/ وقعة صفين / تحقيق عبد السلام محمد هارون / ط2 / مطبعة المدني / القاهرة / ملتزم الطبع والنشر: المؤسسة العربية الحديثة / القاهرة / 1382ﻫ.

77.مؤلف مجهول / ( منسوب الى عبد الرزاق ابن الفوطي ) / الحوادث الجامعة والتجارب النافعة في المائة السابعة / تحقيق د. مصطفى جواد / نشر المكتبة العربية / بغداد / 1351ﻫ.

78. النجاشي ( ابو العباس احمد بن علي بن احمد بن العباس / ت 450ﻫ )/ كتاب الرجال / طبعه حجرية / الهند / بومبي / 1317ﻫ – 1896م.

79.ابن النديم ( ابو الفرج محمد بن اسحاق / ت 438ﻫ )/ الفهرست / تحقيق تجدد بن علي الحائري المازندراني / طهران / 1391ﻫ – 1971م.

80.ابن هشام ( ابو محمد عبد الملك الحميري / ت 218ﻫ ) / السيرة النبوية / تحقيق د. مصطفى السقا وجماعته / ط2 / مطبعة مصطفى البابي الحلبي / القاهرة / 1375 ﻫ – 1955م.

81.الواقدي ( محمد بن عمر بن واقد / ت 207ﻫ / كتاب المغازي / تحقيق د. مارسدن جونس / مطبعة جامعة اوكسفورد / لندن / 1966 م.

82.اليونيني ( موسى بن محمد البعلبكي / ت 746ﻫ ) / ذيل مرآة الزمان / مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية / حيدر آباد الدكن / 1954.

ج- الرسائل الجامعية

1.خضير ( ثائر حامد محمد صوفي) / منهج البحث التاريخي عند الثعالبي / رسالة ماجستير مقدمة الى عمادة كلية الاداب ( جامعة الموصل) / ذو القعدة 1406ﻫ – تموز 1986م.

2.شهاب ( عادل محيي )/ منهج البحث التاريخي عند البيروني / رسالة ماجستير مقدمة الى كلية الاداب ( جامعة القاهرة ) / 1400ﻫ – 1980م.

3.محيي الدين ( علي جواد) /ابن ابي الحديد، سيرته وآثاره الادبية والنقدية / رسالة ماجستير مقدمة الى كلية الاداب ( جامعة القاهرة ) / 1397ﻫ – 1977م.

د- البحوث والدراسات

1. الابياري ( ابراهيم ) /شرح نهج البلاغة / بحث منشور في مجلة تراث الانسانية / وزارة الثقافة والارشاد القومي / مصر / مطبعة كوستاتسوماس / القاهرة / 1964م.

2.خلوصي ( د. صفاء) /الكنوز الدفينة في شرح ابن ابي الحديد لنهج البلاغة / بحث منشور في مجلة المعلم الجديد / ج3 – 4 / م 24 / تموز / 1961 م.

3.عرشي ( امتياز علي) / استناد نهج البلاغة / بحث منشور في مجلة ثقافة الهند / ترجمة عامر الانصاري / عدد ديسمبر 1957.

4.محفوظ ( د. حسين علي) نفائس المخطوطات العربية في ايران / بحث منشور في مجلة معهد المخطوطات العربية / م3 / ج1 / مايو 1957 / القاهرة.

ص: 197

5.محفوظ ( د. حسين علي) المخطوطات العربية في العراق / بحث منشور في مجلة معهد المخطوطات العربية / م 4 / ج2 / 226 / تشرين الثاني / 1958 / القاهرة.

6.هدو ( د. حميد مجيد ) / مجاميع مخطوطة من اليمن / بحث منشور في مجلة المورد / بغداد / العدد / 3،4 1973م.

ص: 198

الفهرست

الموضوع

الإهداء

امتنان وعرفان

مقدمة مؤسسة مسجد السهلة المعظم

التعريف بالكتاب

الباب الاول : عبد الحميد بن ابي الحديد المعتزلي

الفصل الاول: عصر عبد الحميد بن ابي الحديد المعتزلي

الفصل الثاني: عبد الحميد بن ابي الحديد المعتزلي.. حياته وسيرته

الفصل الثالث: فكر ابن ابي الحديد ومعتقده

الفصل الرابع: منزلته العلمية وآثاره

الفصل الخامس: شرح نهج البلاغة

الباب الثاني: المنهج التاريخي

الفصل الاول: المصادر التاريخية

المصادر المدونة:

المصادر المطبوعة

المصادر المخطوطة

المصادر المفقودة

الروايات الشفوية

شهادات العيان

الفصل الثاني: نقد الاصول

الفصل الثالث: تنظيم المادة التاريخية

النتائج التي توصل اليها البحث

جريدة المصادر والمراجع

ص: 199

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.