تأثير العقيدة في بناء شخصية الطفل

هویة الکتاب

مضر السيد علي خان المدني

تأثير العقيدة في بناء شخصية الطفل

اصدار مؤسسة مسجد السهلة المعظم

ص: 1

اشارة

المقدمة

حاول علماء التربية قديما" و حديثا" أن يهتدوا إلى منهج تربوي شامل يعنى بتحديد الأساليب و القيم و المعايير الكفيلة بدراسة ما يناسب مرحلة الطفولة , باذلين جهودا" كبيرة و شاقة و متواصلة , و تم التوصل إلى العديد من المقترحات و الرؤى و التوجيهات التي يمكن أن تعد – علميا" – ذات قيمة و منفعة .

لكن هؤلاء لم يفلحوا في تحديد منهج دقيق , يصح الاستناد إليه في معالجة المشاكل المعقدة التي تكتنف هذه المرحلة من عمر الإنسان بكل حساسيتها .كما إن المصاعب المستجدة التي تظهر مع توالي الحقب الزمنية و ما تفرضه من تطورات , لم تجد حلا" واقعيا" يمكّن الآباء أو المربين من التعامل معها .و مما يشعر معه المرء بالأسف التجاء الكثير من المسلمين إلى مدارس الغرب التربوية للأخذ منها و الاعتماد على أطروحاتها في إيجاد الحلول , متجاوزين الشريعة الإسلامية و أساليبها التربوية , التي تضمن العلاج الناجع .و تجاوز هؤلاء – ضمنا" – سيرة النبي الأكرم ( صلى الله عليه و آله و سلم) و أهل بيته الطاهرين ( عليهم السلام ) , و هم الذين استمدوا من العقيدة معينا" لا ينضب من الإرشادات و الوصايا و التوجيهات و التعاليم , التي – بكل يقين – لو وجدت طريقها إلى التطبيق في الحقل التربوي , لكانت كفيلة بترسيخ أروع القيم و المثل العليا في نفس الطفل , جاعلة منه شخصية سوية قادرة على القيام بالدور المؤمل منها في بناء المجتمع .

وقد حاولت في هذا البحث المختصر أن أسلط الضوء على بعض جوانب التأثير للعقيدة الإسلامية في بناء شخصية الطفل , مستعينا بالنماذج الرسالية الخالدة , و بخاصة شخصية سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام), و مدى تأثير البناء و التربية الإسلامية فيها , من خلال مدرسته النبوية العلوية الفاطمية , مع تطرق بسيط إلى الجوانب الأخرى التي تشارك التربية في التأثير – بنسب متفاوتة – على شخصية الطفل كالوراثة و البيئة.و عسى أن أكون قد وفقت في رسم الصورة الملائمة , الهادفة إلى اعتماد العقيدة – كمنشأ أساس – في تكوين الشخصية .

مضر السيد علي خان المدني

النجف الأشرف 27 ربيع الأول 1429 ه

ص: 2

أسس المنهج و هدفه

تتوزع أسس المنهج التربوي للعقيدة على المرتكزات الرئيسة الثلاث التالية :

1. القرآن الكريم .

2. السنة النبوية المطهرة .

3. مأثورات ألأئمة المعصومين ( عليهم السلام).

و هذه المرتكزات تمثل كما" هائلا" من الدفق اللامتناهي الذي يوجه الشخصية , و يمسك بعنانها, و يدفعها إلى الطريق الأقوم , بهدف واضح هو تحقيق تربية متزنة للطفل , تبدأ من قبل أن ينعقد جنينا"في رحم الأم , و تستمر به إلى أن يشب عن الطوق, مرورا" بمراحل : الحمل , الولادة , الرضاعة , و الطفولة المبكرة.إن العقيدة تدفع عميقا" بعملية إعداد للطفل نفسيا" و عقليا" و سلوكيا", بالاستناد إلى ما مر ذكره من مرتكزات .فعن رسول الله (ص) انه قال : " الناس معادن كمعادن الذهب والفضة " ، ولذا نجد أن بعض الأطفال يولدون مع صفات وخصائص معينة لا توجد عند الأطفال الإعتياديين ، فربما يوجد العقل والإدراك والذكاء والفطنة والحافظة وسرعة الإنتقال والشهامة والسيطرة على النفس وغير ذلك في بعض الأفراد بصورة أكثر من المعتاد ..

و لاشك ان الاباء الصالحين يطمحمون الى الذرية الصالحة , بل يطمحون ان يكون ابناؤهم نموذجا عنهم , و هي الحالة التي سدد الله سبحانه و تعالى بها اولياءه والتي رسمت امتداد الذرية للأنبياء و الاوصياء مصداقا لقوله جل شأنه : (( ذرية بعضها من بعض )) (1).

و تربية الطفل يجب أن تستند إلى الإدراكات الطبيعية والميول الفطرية للإنسان ، فأساليب التربية التي تبنى على هذا الأساس تكون هي الصحيحة ، و هي الطريق الواقعي لسعادة الإنسان ..

إن الأساس الأول الذي يجب تعليمه للطفل في سبيل التربية الصحيحة إشعاره بوجود الله ، والإيمان به بلسان بسيط ميسر الفهم ..

فالحاجة للإيمان بالله موجودة في باطن كل إنسان بفطرته الطبيعية ، وعندما يبدأ جهاز الإدراك عند الطفل بالنشاط والعمل ، ويستيقظ حسن التتبع فيه ، ويأخذ في السؤال عن علل الأشياء ، فإن نفسه الطاهرة وغير المشوبة تكون مستعدة تماماً لتلقي الإيمان بخالق العالم ، وهذه الحالة هي أشد الحالات طبيعية في بناء الطفل .

وعلى القائم بالتربية أن يستفيد من هذه الثروة الفطرية ، ويفهمه أن الذي خلقنا والذي يرزقنا والذي خلق جميع النباتات والحيوانات والجمادات والذي خلق العالم ، وأوجد الليل والنهار ، هو الله تعالى وإنه يراقب أعمالنا في جميع اللحظات فيثيبنا على الحسنات ويعاقبنا على السيئات .

إن هذا الحديث سهل جداً ، وقابل للإذعان بالنسبة للطفل ونفسه ، فنراه يؤمن بوجود الله في مدة قصيرة ، ويعتقد به.و بهذا الأسلوب نستطيع أن نخلق في نفس الطفل حب النظام والإلتزام ونحثه على الإستقامة في السلوك وتعلم الأخلاق الحسنة .

ص: 3


1- سورة ال عمران – الآية 34

الأسرة : اتجاه العقيدة الأول

اشارة

تمثل الأسرة (( الرابطة الاجتماعية الحاصلة بين الزوج, الزوجة , الأطفال , الجدود , الأحفاد))(1), و هي المؤسسة الاجتماعية الأولى و الأساسية من بين المؤسسات الاجتماعية المختلفة , المسؤولة عن إعداد الطفل , ليكون عنصرا" صالحا" فعالا" في الحياة الاجتماعية , وهي نقطة البدء في كل مراحل الحياة إيجابا" وسلبا" .

(( ولهذا أبدى الإسلام عناية خاصة بالأسرة , منسجمة" مع الدور المكلفة بأدائه ؛ فوضع القواعد الأساسية في تنظيمها, وضبط شؤونها , وتوزيع الأختصصات , وتحديد الواجبات المسؤولة عنها , وخصوصا" تربية الطفل تربية" صالحة" سليمة" متوازنة" في جميع جوانب الشخصية الفكرية والعاطفية والسلوكية ))(2), و (( لما تشكله الذرية من امتداد لوجود الانسان و تجدد حياته كما ورد في كلمة لأمير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) لولده الامام الحسن (ع) قال : (( يا بني وجدتك بعضي , بل وجدتك كلي , حتى ان شيئا لو اصابك أصابني , و ان الموت لو أتاك أتاني )) (3).

أن الوالدين يدركان حاجة الطفل إلى اللعب والنوم , ولكن قلما يدرك الوالدان حاجة الطفل إلى العطف و الحنان إلى حد ما .

وقد يتنبه أولياء الأطفال إلى سلامة أعضاء الجسد للطفل , لكنهم لا ينتبهون إلى السلامة الروحية والأخلاقية بنفس الدرجة ؛ ولذلك تجب العناية بالميول الباطنية والرغبات الدفينة للطفل وتوجيهها اتجاها" صحيحا" (( وأن رصيد القائمين على تربية الطفل في هذا السبيل هو التعاليم الدينية )) (4)

أن مرحلة الطفولة هذه هي (( أخطر مراحل الحياة , وأكثرها تأثيرا" في تلوين الصورة التي يطبعها الزمن للشخص , وعليها يتوقف جل مستقبله , وأليها تعود جملة " من المؤثرات الفعالة في تكوين نواة الشخصية الثابتة له )) (5).

و الطفولة يقسمها علماء النفس إلى مراحل ثلاث (6):

1-من المهد : وهي المرحلة التي تعقب الولادة وتمتزج مع المرحلة اللاحقة .

2-الطفولة الأولى : وهي التي تمتد لتنتهي في الخامسة من العمر, وتشهد حركة الطفل, وجنوحه للعب , ومحاولته أحداث بعض التجارب في عالم جديد بالنسبة له , يميل فيه إلى أتباع منهج خاص

بتجارب شخصية , كما يحاول أن يفهم الآخرين مثلما يهتم بمحاولة فهم نفسه فهما" أوليا" ويتطلع إلى

تكوين فكرة ما عن ذاته وذويه , والطفل في هذه المرحلة شديد التقليد , يمارس كثيرا" ما يمكن أن

نسميه اللعب التمثيلي .

3- الطفولة المتأخرة : وتنتهي عادة" في سن الثانية عشرة من العمر , وتمتاز بإتقان لا بأس به لبعض الخبرات , وإجادة نسبية للمهارات اللغوية و الحركية و العقلية , ويحاول الطفل جاهدا" اكتساب ما يمكن و استثماره بإمعان , وفيما يبدأ بالاهتمام بالأشياء الخارجية , تبدأ قواه العقلية بالتفكر , و التذكر , و الانتباه وهو في ذلك يمر ببداية حالة نضج و استواء , تدفعه إلى

ص: 4


1- الأمام الحسين (ع) في أحاديث الفريقين – السيد علي الأبطحي - ص7
2- تربية الطفل في الإسلام – ص 7
3- قراءة في طفولة المعصوم –مجلة نور الاسلام –العدد 105-ص20
4- الطفل بين الوراثة والتربية – الشيخ محمد تقي الفلسفي - ص 228
5- عبد الله بن عباس – السيد محمد تقي الحكيم –ج1- ص31
6- أسس الصحة النفسية- جمعية النهضة المصرية –-ص150

الميل للاكتشاف و المعرفة , وقد يلجأ إلى المخاطرة.

إن الفترة هذه تشهد عدة تغيرات , يميل فيها للتحول ,و يأنس للمصادقة بشكل واضح , فيتأثر بشدة بما يراه تجربة ناجحة عند الآخرين , فيستلهمها , بكل ما فيها أحيانا" من مخاطر , أو ما قد تتضمنه من سلبيات , أو ايجابيات , تنعكس على ترتيب سلوكه.

تدخّل العقيدة

أول اللحظات: تتدخل العقيدة من أول لحظات الولادة لتكون أثرا" مباشرا" أو غير مباشر على شخص المولود وتحدد منهجا" للأبوين في ذلك , (( فينبغي للمؤمن إذا بشر بمولود أن لا يسأل عن أنه ذكر أو أنثى , بل يسأل عن استواء خلقته , فإذا كان سويا" قال : الحمد لله الذي لم يخلق مني خلقا" مشوها" ))(1).

كما تركز العقيدة على العديد من المطالب , فتحث على بعض أساليب الرعاية و العناية كاستحباب (( غسل المولود , و أن يلف في خرقة بيضاء , و يكره أن تكون صفراء , و أن يؤذن في أذنه اليمنى , و أن يقام في اليسرى , قبل قطع السرة , و أن يحنك بماء الفرات , و تربة الأمام الحسين (عليه السلام)..)) (2)..و يستمر الحث على الإيفاء بالكثير من الحقوق للمولود على والديه ف(( من حق الولد على الوالد , أن يحسن اسمه , و أن أصدق الأسماء ما تضمن العبودية لله تعالى , و أفضلها أسماء الأنبياء , و أفضلها محمد ..)) ,(( و الحث أيضا" على اسم (علي) , و استحباب تكنية المولود منذ الصغر و إلى غير ذلك مما يرافق الولادة كحلق شعر الصبي , و التصدق بوزنه ذهبا" أو فضة , و العقّ عنه في اليوم السابع .. ))(3).كما يتواصل الإرشاد النبوي و العلوي في رفد المرحلة فيهتم بالرضاعة, و يشدد على أن أفضل المراضع ( الأم ) , فعن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أن (( ما من لبن رضع به الصبي , أعظم بركة من لبن أمه)).و تتوالى التوجيهات لدفع الأسرة باتجاه تحديد الشخصية المنشودة للطفل , فقد ورد أن من حقوق الولد على أبيه أن يحسن أدبه , و(( أن يترك للعب ست سنين , أو سبع سنين , و يلزمه الأب نفسه ,

فيؤدبه بأدبه , و يعلمه الكتاب سبع سنين , و يعلمه الحلال و الحرام سبع سنين ..)) (4).

وكما جاء في النصوص الشريفة عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ( الولدُ سيِّدُ سبعِ سنين ) (5).

وعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( دَعِ ابنَكَ يلعبُ سَبعَ سنين )(6).

ص: 5


1- منهاج الصالحين – المعاملات – السيد محمد سعيد الحكيم – ص 57
2- منهاج الصالحين – المعاملات – السيد محمد سعيد الحكيم – ص 63
3- منهاج الصالحين – المعاملات – السيد محمد سعيد الحكيم – ص 63
4- منهاج الصالحين – المعاملات – السيد محمد سعيد الحكيم – ص 63
5- بحار الأنوار – الشيخ المجلسي- ج : 101 ، باب فضل الأولاد
6- بحار الأنوار – الشيخ المجلسي- ج : 101 ، باب فضل الأولاد

كما تحث العقيدة الأبوين على (( الرفق معه , و اللين , و الأناة في ذلك , و في جميع الأمور , و حسن المعاشرة , و المخالطة , و التحبب , و التودد , حتى ينجذب إليه , و يستقبل منه , و يتفاعل معه , كما هو مصداق قوله جل شأنه (( أدع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة )) , فقد جاء في الحديث الشريف عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ( الولدُ سيدُ سبعِ سنين ، وعبدُ سبعِ سنين ، ووزيرُ سبعِ سنين ) . وعن النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ( أحِبُّوا الصِبيان وارحَمُوهُم )(1)

وعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : (( دَعِ ابنَكَ يلعبُ سبعُ سنين ، ويُؤَدَّبُ سبعاً ، وأَلزِمهُ نفسَك سبعَ سنين)) و قال النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه و آله و سلم) : ( رحم الله والدين أعانا ولدهما على برّهما ) .... وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إن اللهَ لَيَرحَم الرجلَ لشدَّةِ حُبِّهِ لولدِهِ ) .

وعنه ( عليه السلام ) أيضاً : ( بِرُّ الرجل بولَدِهِ بِرُّهُ بوالدَيه )(2)

وقد جاء في الحديث الشريف عن الإمام علي ( عليه السلام ) : ( من قَبَّلَ ولدَهُ كانَ لهُ حَسَنةٌ ، ومن فرَّحَهُ فرَّحَهُ اللهُ يومَ القيامة ) [ بحار الأنوار : ج : 101 ، باب فضل الأولاد ] .

وورد أنه جاء رجلٌ إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : ما قبّلت صبياً قَطٌّ ، فلما وَلَّى قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ( هذا رجل عندنا إنه من أهل النار ) (3) .

وقد قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ( من دخل السوق فاشترى تُحفَةً فحملها إلى عياله كان كحامل صدقة إلى قوم مَحَاويجٍ ، وليبدأ بالإناث قبل الذكور ، فإنه من فرَّح إبنه فكأنما أعتق رقبة من ولد إسماعيل ) .

وورد عنه ( صلى الله عليه وآله ) : ( ليس منا من وُسِّع عليه ثم قَتَّر على عياله ) (4) .

و من ذلك نرى مدى التركيز الذي يجب أن نوليه لتلقين الطفل أسس العقيدة .. عقيدة التوحيد ,في جو مفعم بالحنان و اللهفة و يتركز الدور على الأسرة في تثبيتها في شخصية الوليد (( بكل متفرعاتها من النبوة و امتدادها في الإمامة , و الأيمان بالدار الآخرة , و الحساب , و الجزاء , فالعقيدة تمثل الأساس الرئيس و المهم في ثبات أي مجتمع , و بمقدار ما تكون العقيدة قوية و صحيحة و أصيلة و واضحة , يكون هذا المجتمع ثابتا" و مستحكما"))(5).

و تحاول العقيدة لاحقا" ترسيخ العبادات في الشخصية بوصفها تعبيرا" عمليا" عن الارتباط بالله (( وقد نجحت هذه العبادات في المجال التطبيقي في تربية أجيال من المؤمنين على يد النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) و القادة الأبرار من بعده ))(6).

إن العقيدة تدفع بالشخصية لالتزام الشمول في العبادة (( و هذا الشمول يستهدف أن يربط الإنسان في كل أعماله و نشاطاته بالله تعالى , و يحول كل ما يقوم به من جهد صالح إلى عبادة , مهما كان حقله و نوعه ..)) (7).

ص: 6


1- بحار الأنوار- الشيخ المجلسي - : ج : 101 ، باب فضل الأولاد
2- من لا يحضره الفقيه- الشيخ الصدوق : ج : 3 ، باب فضل الأولاد .
3- من لا يحضره الفقيه- الشيخ الصدوق : ج : 3 ، باب فضل الأولاد
4- من لا يحضره الفقيه- الشيخ الصدوق : ج : 3 ، باب فضل الأولاد .
5- المرأة في النهضة الحسينية – السيد محمد باقر الحكيم – ص 34
6- الموجز في أصول الدين – السيد محمد باقر الصدر – ص 264
7- الموجز في أصول الدين – السيد محمد باقر الصدر – ص 277

المنهج التربوي المشترك للأسرة

تطلب العقيدة منهجا" موحدا" يؤدي إلى وحدة السلوك , ليصبح هو المعيار و الميزان الذي يوزن به السلوك ابتعادا" أو اقترابا" من التعاليم , فتمثل العقيدة المنهج الرباني الموضوع من قبله جل شأنه , و هو المحيط بدقائق الأمور .وينسجم هذا المنهج تماما" مع الفطرة الإنسانية , فيتلائم و يمتزج مع وضع الأسرة المسلمة , و تتحدد به سلوكيتها , و بالتالي التأثير بهذا السلوك على شخصية الطفل , فلا بد أذن أولا" من الاقتناع باتباع هذا المنهج , و الإصرار على الأخذ به (( و هو كفيل بتحقيق السعادة الأسرية , التي تساعد على تربية الطفل تربية صالحة سليمة , و إذا حدث خلل في العلاقات أو تقصير في أداء بعض الأدوار ؛ فان تعاليم المنهج الإسلامي تتدخل لإنهائه و تجاوزه )) (1).

إن هذا المنهج كفيل بالتغلب حتى على الكثير من الموروثات الأسرية الخاطئة فقد (( تبلغ العادات التربوية , و التمارين الإصلاحية المتواصلة درجة من القوة في التأثير بحيث تتغلب على

الصفات الوراثية , و تحدث وضعا" جديدا" في الأفراد , فيقول أمير المؤمنين (عليه السلام) بهذا الصدد ) العادة طبع ثان ).. ))(2).

و يلاحظ تركيز العقيدة على منهج التربية المشترك للأسرة , فيحترم الإسلام الأسرة التي تأخذ منهجه , يحترم آباء" و أمهات كهؤلاء , و يوصي الأبناء بأن يخضعوا لهم , و يقوموا بواجب الطاعة و الاحترام تجاههم ؛ جزاء" على جهودهم , ويأمرهم بأن يدعوا لهم بدعاء الخير (( و اخفض لهما جناح الذل من الرحمة و قل ربّ ارحمهما كما ربياني صغيرا )) .

إن المربي القدير يجب أن ينتبه إلى جميع الاستعدادات الكامنة في الطفل , و العمل على تنميتها , مع مراعاة الموازنة بين ميوله , و التوفيق بينها و إخراجها إلى حيز الفعلية .

و لا شك أن الابتعاد عن التوجيه العقيدي و الإيماني لدى الأسرة , يجعل من طفلها شخصا" مليئا" بالاضطراب و القلق , شديد القرب من الوقوع في المنزلقات التي قد تؤدي إلى الهاوية.

فتعهد العقل و العاطفة للطفل بالتربية و التنمية – والذي هو أساس سعادة الإنسان – يجب أن يبدأ من مرحلة الطفولة , فهي أفضل مراحل التلقي و الاقتباس و التقليد , و قد يصل الأمر إلى ألأخذ بجميع حركات المربي و سكناته و أقواله و أفعاله .

و من هنا تدفع العقيدة المربين للاهتمام بنظافة الطفل و تعويده عليها , و على الأدب , و الصدق , و

المسؤولية, و العطف , و حب الخير , وكل الصفات السامية .. وهذا ما أشار إليه سيد الموحدين الأمام علي

(عليه السلام) بقوله: (( إنما قلب الحدث كالأرض الخالية , ما ألقي فيها من شيء قبلته )) (3).

و بذلك فقد نبه الاسلام الوالدين إلى المسؤولية الدينية العظيمة عليهما في تربية أطفالهما ، و أن الأطفال ودائع

الله في أيديهما ، فالوالدان اللذان يؤديان واجبهما الديني في تربية الأولاد بصورة صحيحة يكونان قد أديا

الأمانة أداءً كاملاً ، ويستحقان الأجر والثواب عند الله على ذلك .

أما الوالدان اللذان يتخلفان عن ذلك فهما خائنان لأنفسهما ولأطفالهما وللمجتمع الذي يعيشان فيه ، وهما

يستحقان العقاب والحساب العسير أمام الله تعالى .

ص: 7


1- تربية الطفل في الإسلام – مركز الرسالة- قم-ص10
2- الطفل بين الوراثة و التربية – الشيخ محمد تقي الفلسفي – ق1 – ص127
3- نهج البلاغة للإمام علي (ع)- شرح الشيخ محمد عبده – ص 442

و مسؤولية الوالد تعني أن يربي ابنه على الملكات الفاضلة والقيم العليا والإيمان الصحيح و إعداده لخوض معركة الحياة بنبل وطهارة لأن طفل كهذا يستطيع أن يحيا حياة سعيدة وعزيزة ، وفي نفس الوقت يستطيع أن يكتسب ثروة كبيرة عن طريق مشروع .

يقول أمير المؤمنين علي (ع) : " خير ما ورث الآباء الأبناء الأدب " .

ونعمة كبيرة يمتاز بها الأولاد الذين تحدَّروا عن آباء مؤمنين قاموا بتربيتهم تربية صحيحة ، ومن نتائج تلك التربية أنهم يعيشون حياة مطمئنة محبوبون لدى الجميع ، فيجب أن يشكروا الله تعالى على تلك النعمة ، ويترحموا على والديهم ويحافظوا على الملكات الفاضلة التي تربوا عليها - فلا يفقدوها بمعاشرة الفساد ومجالسة الأشرار .

ومن الأمور الفطرية عند الإنسان ، والتي يمكن أن تكون أساساً ثابتاً لتربية الطفل ، غريزة التفوق وحب الكمال .. فالرغبة في الترقي والتعالي تعتبر من فروع حب الذات المودع في فطرة كل إنسان ، وعلى المربي الواعي أن يستغل هذه الثروة النفسية ، ويقيم شطراً من الأساليب التربوية الصحيحة على هذا الأساس ، فيسوق الطفل إلى طريق الترقي والتعالي .

ولقد ورد بهذا الصدد حديث عن الإمام الحسن (ع) : " أنه دعا بنيه وبني أخيه ، فقال : إنكم صغار قوم ، ويوشك أن تكونوا كبار قوم آخرين ، فتعلموا العلم اليوم فمن لم يستطع منكم أن يحفظه فليكتبه وليضعه في بيته ". وفي هذا الحديث نجد أن الإمام الحسن (ع) ، لأجل أن يحث أبناءه وأبناء أخيه على اكتساب العلوم ويشجعهم على ذلك ، يستفيد من حب الذات والترقي عندهم .. وهو أمر فطري ، من دون أن يتوسل إلى الزجر والأساليب المخيفة ، ويفهمهم أن تحصيل العلم اليوم هو سبيل الوصول إلى العزة والعظمة في الغد .

وقد كان الإمام علي (ع) إنساناً كاملاً وشخصية مثالية في العالم كله ، فلقد ظهرت جميع الصفات الإنسانية والأخلاق الفاضلة على أكمل وجه في هذا الرجل الرائع .

وصاحب هذه الشخصية الكبيرة ، نجده يفخر بكل صراحة بالتربية التي تلقاها في أيام طفولته ويتحدث لنا عن الثروة المعنوية الضخمة التي حصل عليها في تلك المرحلة من حياته الشريفة ، ويتباهى بمربيه العظيم نبي الإسلام (ص) فيقول : " وقد علمتم موضعي من رسول الله (ص) بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة وضعني في حجره وأنا وليد يضمني إلى صدره ويكنفني في فراشه ، ويمسني جسده ويشمني عرفه .. " .

ويتابع (ع) فيقول : " يرفع لي في كل يوم علماً من أخلاقه ويأمرني بالإقتداء به "

لقد تشبعت جميع الميول العقلية والعاطفية للإمام علي (ع) في فترة الطفولة في حجر النبي الحنون (ص) ، فلقد أروى عواطفه بالمقدار الكافي من ينبوع محبته وعطفه من جهة ، ولقد أعطاه دروساً في الأخلاق وأمره باتباعها من جهة أخرى .

إن الأساليب التربوية العميقة الحكيمة التي اتخذها الرسول الأعظم (ص) مع علي (ع) قد أحيت جميع مواهبه الكامنة وأوصلته في مدة قصيرة إلى أعلى مدارج الكمال ، فلقد تقبل الإسلام في العاشرة من عمره عن وعي وإدراك ، وعمل على نشر تعاليمه متبعاً في ذلك سيرة النبي ، ولم ينحرف عن الصراط المستقيم قدر شعرة إلى آخر حياته .

إن الميزة التي تضفي أهمية كبرى على قيمة الأسرة هي إحياء الخصائص الفردية لدى الطفل ، فالأفراد ليسوا متفاوتين فيما بينهم من ناحية المنظر والبناء الخارجي فقط ، بل يختلفون من حيث معنوياتهم ونفسياتهم أيضاً ، وهذا الإختلاف نفسه أحد مظاهر القدرة الإلهية { ما لكم لا ترجون لله وقاراً * وقد خلقكم أطواراً }(1)

المدرسة : اتجاه العقيدة الثاني

اشارة

تظهر طبيعيا" عواطف و مشاعر الطفل قبل عقله , ويمكن الاستفادة من أحاسيسه قبل ذخائره العقلية بكثير . فعند إرسال الأطفال إلى المدرسة عند السنة السادسة , تتفتح المواهب الفكرية , في حين أن أحاسيسه و مشاعره تبدأ بالنشاط قبل ذلك بزمن طويل , و في الوقت الذي لا يفهم في المسائل العلمية , فان العواطف تؤثر فيه , كالحدة و الغلظة و اللين و الرفق و العطف و الحنان و الاحترام و عدم الاعتناء.و بصورة موجزة فان موضوع تنمية المشاعر و الأحاسيس يشغل حيزا" مهما" من المسائل التربوية , ويقع هذا العبء أساسا" على الأسرة قبل رياض الأطفال , فان الرياض عاجزة عن أن تحل محل العائلة و الأم في إحياء جميع مشاعر الطفل الخفية بصورة لائقة , و هداية الطفل إلى السير الطبيعي الفطري .ففي رياض الأطفال تكون الحياة جميلة , بحسب الظاهر , إذ قد تكون مجهزة بوسائل متعددة للراحة , يتمكن فيها الطفل من اللعب بمقدار كاف يسد جزء" مهما" من ميوله و رغباته الجسدية , لكن مما لاشك فيه أن في أعماقه عواطف و مشاعر لا يشبعها محيط الروضة , ومن الطبيعي أن هناك فرقا" كبيرا" بين امرأة

ص: 8


1- المنافقون /8 .

تعنى بمئة طفل , و واحدة يستعر في قلبها لهيب الحب السماوي المودع (( فتستطيع الأم الفاضلة أن تؤدي مهمة مئة أستاذ من أساتذة المدارس , و يصدق ذلك كثيرا" أو قليلا" على عدد من أعلام الأدب و العلم و الشعر عبر التاريخ , فلولا تربية أمهاتهم لهم , لما احتلوا مكانتهم بين الأعلام المبدعين )) (1).

ونرى من خلال ما سبق العلاقة الوشيجة بين مرحلتي احتضان الأسرة للطفل , و إيداعه في رياض الأطفال , و ضرورة أن تكون الأخيرة مكملة لسابقتها , و ذلك يتطلب تحويل رياض الأطفال إلى حال أفضل , بعيدا" عن قياسات الربح التجارية , و اغناؤها بالتراث العقيدي الثر في مجال التربية .إن المرحلة التي تلي رياض الأطفال مرحلة قاسية , فقد انحرفت التربية عن الخط الإسلامي , و نقلت إلى المجتمع العدوى الغربية في الحضارة و المفاهيم , و أصبح منهاج التربية و التعليم خطرا" عاما" لأنه مصمم على أساس غرضه إضعاف مفعول العقيدة . (( فبرزت ظاهرة الاستهانة بتعليم الدين , و الاستخفاف

بحصته المقررة , وعدم الاهتمام بكفاءة مدرسه , أو المنهج المقرر , بل وحتى العرض المشوه لبعض دروس العقيدة . و يظهر ذلك جليا" في التعليم الابتدائي , و يستمر بطريق تكاملي و نضوجي حتى آخر المراحل , و الآباء الواعون يلاحظون هذه الظاهرة على أبناءهم )) (2).

و لا شك ان الإيمان بالله هو أعظم ملجأ للإنسان ، وأكبر عامل للهدوء النفسي واطمئنان الخاطر ، وهو أيضاً أهم أسس السعادة البشرية وأولى المواضيع التي أهتم بها الأنبياء في دعوتهم ..

فيجب أن نعرف أن المربي الكفء والقدير هو الذي يلفت نظر الطفل منذ الصغر نحو الله تعالى ويلقنه درس الإيمان به بلسان واضح بسيط .. وعلى هذا المربي أن يتحدث إلى الطفل عن رحمة الله الواسعة أتباعاً لمنهج القرآن الكريم ، ويبذر في نفسه بذور الأمل ، ويفهمه أن اليأس من روح الله ذنب عظيم ..

يجب عليه أن يعرف الطفل منذ الصغر أن لا ييأس أمام حوادث الزمان ، فالله قادر على حل مشاكله ( أي مشاكل الطفل ) وتيسير أموره ، فإن رفعنا يد الحاجة نحوه ساعدنا على مهمتنا ..

و من اولويات المربي أن يفهم الطفل أن أعظم الواجبات الإنسانية هو جلب رضى الله ، وإن رضى الله يكمن في إطاعة أوامره التي بعثها إلينا عن طريق نبيه العظيم .. وإن الصدق والأمانة يسببان رضى الله ، أما الخيانة فتسبب غضبه .

و هذا الدرس الواجب المتناصف بين الابوين .. والمربي يوقظ الإحساس بالمسؤولية أمام الله في الطفل منذ بواكيره، ويحثه على الشعور بواجبه ، خاصة و الطفل يتلقى إشعاره بأسلوب بسيط : أن الله يراقبك في كل حال ، ويطلع على أفعالك ، الصالحة والسيئة ، ولا يخفى شيء على الله تعالى ..إنه يجازيك على حسناتك ويعاقبك على سيئاتك .

و الآباء والأمهات و المعلمون الذين يحيون الفطرة الإيمانية عند الطفل ويربونه مؤمناً منذ الصغر ، يصبون ركائز سعادته من جهة ، ويكونون قد قاموا بأول واجباتهم في التربية من جهة أخرى ..

إن طريقة عرض الدروس طريقة مشوهة واهية , تؤدي إلى إضعاف الهيمنة القدسية للعقيدة الإسلامية في نفس الطالب .. كما وان السيرة النبوية , و التاريخ الإسلامي يعرضان عرضا" مشوها" أيضا" في كل مراحل التعليم .والأمر هذا يدفعنا إلى تبني منهج العقيدة التربوي الذي سنحاول في ما يلي بسط صورة موجزة عنه.

أسس التربية الإسلامية

تعود شخصية كل إنسان – حسب علماء النفس – إلى ثلاثة عوامل هامة , لكل منها نصيب وافر في تكوين الشخصية و أثر عميق في بناء كيانها (3) :

1-الوراثة.

2-التعليم و الثقافة .

3-البيئة و المحيط .

ص: 9


1- مجلة العربي الكويتية – العدد 95 – ص59
2- مشكلتنا , عواملها, أسلوب علاجها- السيد عبدالأمير السيد علي خان – ص38
3- أضواء على عقائد الشيعة الأمامية – جعفر سبحاني – ص115

في مقدور كل معلم أن يرسم مصير الطفل و مستقبله من خلال ما يلقي إليه من تعليمات و توصيات من سيرة و سلوك و من أراء و أفكار , فالولد كما يرث الصفات الجسمانية للوالدين , يرث رو حيتاهما و صفاتهما الشريفة أو الرذيلة , فهما يؤثران في مصير الطفل , و (( عندما تتكون أسس الشخصية و قواعدها في نفس الطفل بالوراثة , يأتي دور المعلم الذي يمثل المدرسة التربوية الثانية بعد مدرسة الأبوين , و عامل الوراثة , فإذا أتم دراسته , و بدأ ممارسة العمل يتأثر في سلوكه , و خلقه بالبيئة التي يعيش فيها )) (1).

و سنحاول ترتيب بعض الأسس لذلك .

الأساس الأول :

من دون أدنى تردد , فان الأساس الأول الذي يجب تعليمه للطفل هو إشعاره بوجود الله , و الأيمان به , بلسان بسيط متيسر الفهم (( فعندما يبدأ جهاز الإدراك عند الطفل بالنشاط و العمل , و يستيقظ حسن التتبع فيه , و يأخذ في السؤال عن علل الأشياء , و منشأ كل منها ؛ فان نفسه الطاهرة و غير المشوبة تكون مستعدة لتلقي الأيمان بخالق العالم , و هذه الحالة هي أشد الحالات طبيعية في بناء الطفل )) (2).

فلابد من استثمار هذه المنحة في الاستعداد الكامل لتقبل المفهوم العقيدي الأول , و استثمارها بشكل مريح و عملي بخطوات مرتبة .

و لا تعدو خطوة التلقين الأولى مسائل إفهام الطفل أن الذي خلقنا هو الذي يرزقنا , و هو خالق جميع النباتات و الحيوانات و الجمادات , مثلما خلق العالم فأوجد الليل و النهار , ذلك هو الله تعالى , الذي يراقب أعمالنا دائما" فإذا عملنا الخير جازانا خير الجزاء , و يعاجلنا بالعقوبة إذا ارتكبنا السيئات .إن من المهم الإشارة إليه في هذا المجال , موضوع التركيز على أهمية اللغة , و تأثيرها في تطور الطفل العقلي في سنواته الأولى , و كونها باب المعرفة الذي يوصل إلى التلقي , و الاستجابة لأفكار العقيدة المرسلة إلى ذاكرته (( و هي عامل مهم في كونها أساسا" تتبلور حوله عند ارتقائها شتى فعاليات الطفل الأخرى من فكرية و غيرها )) (3).

الأساس الثاني :

من أولى الأمور بعد مرحلة تثبيت فكرة الخالق في الذهن , الالتفات إلى ضرورة رسم صورة مشرقة عن شخص النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم) وأهل البيت (عليهم السلام) , و التحدث عن حياتهمو ما أعطوه , و ما لاقوه , في جو يستثمر العاطفة الفياضة , لتترسخ إلى الأبد هذه اللوحة الخالدة في الذهن , ولتغدو دائما"مصد ر الهام , ومنبع دفع نحو معاني الفضيلة و الأخلاق السامية , و العطاء الثر لصالح الخير.وقد قال النبي(صلى الله عليه و آله و سلم):((أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم ,وحب أهل بيته , و قراءة القرآن))(4).

وفي هذا الاطار تبرز ضرورة اصطحاب الطفل الى المسجد لما له من أثر كبير على النشء وخاصة إذا تعودوا منذ صغرهم على ارتياد المساجد بصحبة آبائهم، فالمسجد محضن تربوي ذو أثر عظيم يحافظ على الفطرة وينمي الموهبة ويربط النشء بربه من أول ظهور الإدراك وعلاقات التمييز، ويطبع فيه المثل والقيم والصلاح بتأثير من الصالحين والخيرين ورواد المساجد من خلال المشاهدة والقدوة.

كما يقوم المسجد بتدريب الطفل على النظام ويعلمه كيفية التعامل مع الآخرين من خلال المشاركة الاجتماعية والاختلاط بفئات المجتمع، فينشأ على الأخلاق الفاضلة والمبادئ السامية والشجاعة، لأنه يختلط بالكبار ولا يهابهم ويتعلم الاطمئنان النفسي ويتربى على النظام من خلال الصفوف المتراصة للصلاة، فيكون إنطبعاها في نفسه الترتيب والنظام ويشهد طاعة المأموم لإمامه، ويرى احترام الصغير للكبير، فتكبر هذه المفاهيم وتشب معه.

ص: 10


1- محاضرات السيد الخميني – جعفر السبحاني – ص 208
2- الطفل بين الوراثة و التربية – الشيخ محمد تقي الفلسفي – ص 353
3- بزوغ و ارتقاء اللغة عند الطفل – د. صالح الشماع – ص 27
4- تربية الطفل في الإسلام-مركز الرسالة -ص56

وكانت صلة الأطفال الصغار بالمسجد في عهد رسول الله (صلى الله عليه , و آله وسلم) واهل بيته (عليهم السلام ) من بعده، صلة قوية وثيقة نماها رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم) واهل بيته (عليهم السلام ) من خلال أفعالهم وتوجيهاتهم.

كان رسول الله (صلى الله عليه و آله وسلم) يصلى ويجيء الامام الحسن ( عليه السلام ) وهو صغير فكلما سجد النبي (صلى الله عليه و آله وسلم) وثب على ظهره ويرفع النبي عليه الصلاة والسلام رأسه رفعاً رفيقاً حتى يضعه على الأرض. ومن هنا فالواجب أن نستعين بكل وسيلة من شأنها أن تشوق الطفل إلى المسجد وتحببه إليه، ونحذر من كل أسلوب من أساليب التنفير من المسجد ولا عبرة للذين يرون إبعاد الأطفال وأبناء المصلين عن المساجد وخاصة إذا وجد من يهتم بهم وينظم وجودهم ويعلمهم ويربيهم ويرشدهم، وذلك لأن مفسدة إنحراف الأطفال بإبعادهم عن المساجد أخطر من مصلحة الحفاظ على أثاث المسجد أو الهدوء فيه.

الأساس الثالث :

من الضروري التصرف بحالة تجعل الطفل يخاف من ارتكاب الذنب , و ليس جعل تصرفه خوفا" من الأب أو الأم .. فان ذلك ينهي المخاوف الباطلة , ويكوّن أساسا" راقيا" لصحة التربية , يبدأ معها الشعور بالمسؤولية , و يتعود فيها على الاستقامة , في الوقت الذي يبدأ فيه بالشعور بالاطمئنان إلى عدم تجاوز حقوق الآخرين , وهذا ضامن لعدم تلوث الذنوب بالانحراف .إن شخص الأب أو المربي عموما" هنا يكون حافزا" على تنمية الشخصية و العطف عليها , فيتحاشى الطفل أية مؤاخذة صحيحة منصفة , تجعله يبتعد عن ارتكاب الذنب , أو يقل عنده ذلك , و من أمثلة هذا التعاطي تظاهر المربي بأنه سوف لا يعاقب عند الذنب , فالطفل سيفهم , و يستفيد , إذا ما لحق ذلك توبيخ مؤثر , لا يخرج أبدا" عن حدود اللياقة .أما عند تصرف المربي إزاء ابسط الزلات بأقسى العقوبات فسيكون المردود سلبيا" جدا" , تنتج عنه حالة الخوف من الأب و ليس من الذنب . ومن ملامح هكذا حدث ما نعيشه من تصرفات بعض الآباء , عندما يعود متأثرا" من متاعبه خارج البيت , أو عندما يحاول حل عقدة فشله التجاري , أو الإداري , أو الاجتماعي بأطفاله ؛ فعندها تنتهي الأمانة و الاستقامة , و تضيع الفضيلة و الأخلاق ؛ ليكون هم الطفل إرضاء أبيه , اتقاء شرّه , واتقاء أن يتعرض للضرب .. وقد نبّه أمير المؤمنين , و إمام المتقين علي (عليه السلام) لذلك بقوله : (( لا تضربه ..واهجره .. و لا تطل )) (1)

, فهو سلام الله عليه يدعو إلى هجر الطفل أي إظهار عدم الرضا إزاء ما عمله , و عدم الاعتناء به , لكنه يشدد على عدم الإطالة في ذلك ؛ لما قد تتعرض له روحية الطفل من تحطيم إذا كان للأب تأثير عليه , أو للتخوف من سقوط شخصية الأب إذا كان أساسا" ذا تأثير ضعيف أو معدوم .

الأساس الرابع : ونطمح فيه إلى تهيئة جو نظيف داخل البيت أو المدرسة , ينعدم فيه الفحش في القول , و لا يصدر فيه الأذى , و في خصوص ألأسرة عدم الإجحاف بحق الزوجة , والالتزام بأسمى مثل العدالة , بعيدا" عن الضغط و الاضطهاد و التهديد المزمن , فان أقل النتائج الوخيمة لذلك انفجار العقد النفسية عند الأطفال , وبمجرد موت الأب ستؤدي بالطفل إلى سيل من الانتقام أو الثأر أو العاقبة السيئة . وذلك ما أشار إليه نبي الرحمة محمد( صلّى الله عليه وآله و سلّم) بقوله : (( ما من بيت ليس فيه شيء من الحكمة , الاّ كان خرابا" )) (2) .

و لاشك أن سنوات الطفل الأولى هي من أخصب أوقات التلقي والتأثير لديه، وهي المرحلة المثالية لغرس الخصال الجميلة فيه، ولسنا بذلك نوهن بقية المراحل ونغض من طرفها، بل ربما كانت تلك المرحلة يتسم بها الطفل بالقدرة المذهلة على التلقي والاكتساب، ولكن حين نتأمل المرحلة الابتدائية تبرز سمات مميزة وأساسية لتكوين تلك الشخصية الطرية وأهم ما يميزها ما تحمله من جوانب حسنة وسيئة, تؤثر في صياغة شخصية الطفل، ومن أهم الجوانب الحسنة:

1 . اختيار المعلم الجاد في تعامله مع الطلاب المتحبب إليهم، الذي يغرس في نفوسهم المبادئ العالية، ويصنع

ص: 11


1- بحار الأنوار – الشيخ المجلسي – ج 23 – ص 114
2- تفسير مجمع البيان – الشيخ الطبرسي – ج1 – ص 382

فيهم الشخصية الجادة، ويرسم لهم الطريق رسماً واضحاً، ويدلهم عليها ويسوقهم إليها بخطى ثابتة, فيعلمهم فن التخاطب وفن الكلمة وفن القراءة وقوة الطموح، ويكون قدوة حسنةً لهم.ومن الجوانب الحسنة أيضاً الاهتمام بالمناهج للمرحلة الابتدائية، وتكثيف الحوار والمناقشة والقراءة والإطلاع،

2 .وجود مكتبة علمية في المدرسة ووضع درس لذلك.

3 .الاهتمام بالنشاط اللاصفي الذي يفتح للطالب باب المواهب والابتكار.

وهذا كله بعض من الجوانب الإيجابية التي يمكن استغلالها والتي نشاهد ازاءها في واقعنا جوانب سيئة منها :

1 .الضعف عند بعض الاباء و المعلمين وعدم استشعاره للمسؤولية.

2 . عدم متابعة الطالب بعد المدرسة وربما يتلقفه أحد وهو خارج إلى بيته نتيجة الإهمال من جانب الأبوين

3 .عدم مصارحة الطفل ومجالسته وسؤاله عن دراسته وزملائه

4 .عدم وجود ما يحبب الطفل للمدرسة من برامج حية وأنشطة متنوعة فالدراسة النظرية تكون احيانا مملة دون التطبيق العلمي كالوضوء مثلاً, الصلاة, آداب الزيارة.. وغيرها من الوسائل.

5 . انعدام التوعية الاجتماعية،

6 . فقد الطالب للرؤية المستقبلية لحياته، وعدم معرفته للأمور التي لابد من أن يعرفها في مستقبله.

7 . عدم الإيضاح للطالب بالأخطار المحدقة به كالغزو الفكري, و اخطار الافكار المنحرفة,و المحرمات, ووسائل الإعلام المسمومة وغيرها من الأخطار.

ومن مصاديق أجواء كهذه ضرورة مراعاة الحقوق و الواجبات , وإشاعة الاستقرار , و الاندفاع المشترك من أجل سعادة الطفل , و تجنب إثارة المشاكل و الخلافات ؛ لما تتركه من آثار شديدة على الطفل إذ قد تتولد لديه اضطرابات سلوكية , وخاصة إذا وقع الظلم المنزلي على الأم فان (( الأم التي لا تجد التقدير الكافي انسانة و أم و زوجة في المنزل لا تستطيع أن تعطي الشعور بالأمان )) (1) .

الأساس الخامس : و هو التحذير من الطلاق ؛ لما له من آثار سلبية بالغة على الطفل , و على المجتمع , إذ يشكل مصدر قلق للطفل , يولد اضطرابا" نفسيا" , و عاطفيا" , و سلوكيا" ؛ لما للطفل من حاجة ماسة إلى حب و حنان الأبوين كليهما , و إن مجرد التفكير بالطلاق يولد القلق في نفس الطفل , ليبقيه في دوامة من المخاوف ؛ وهذا ما تنبه له الإسلام العظيم فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم) (( أوصاني جبرائيل (ع) بالمرأة ؛ حتى ظننت أنه لا ينبغي طلاقها , الاّ من فاحشة مبينة )) (2) .

كما شدد أئمة أهل بيت الوحي على الأمر , و من ذلك قول الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) (( إن الله يحب البيت الذي فيه العرس , و يبغض البيت الذي فيه الطلاق )) (3).

أما إذا وقع الطلاق و كان ما لا بدّ منه , فيجب مراعاة مشاعر الطفل و استمرار منحه الحب والحنان , وتوفير كل الضروف التي تساعده على الأيمان بسلامة أخلاق الأب و الأم ؛ حتى يستطيعتحمل صدمة طلاق والديه , و يتجاوز تبعاتها و لو نسبيا".

ص: 12


1- أضواء على النفس البشرية – د. الزين عباس عمارة – ص 302
2- من لا يحضره الفقيه – الشيخ الصدوق – ج 3 – ص 278-باب حق المرأة على الزوج
3- الكافي – الشيخ الكليني – ج 6 – ص 54/3

ملامح من التربية في البيت النبوي

في محاولة لرسم صورة لبعض الملامح التي سار فيها البيت النبوي بخطى إعداد الشخصية , سنحاول إلقاء ضوء بسيط على النموذج الرسالي الأول و هو شخص أمير المؤمنين( عليه السلام) , و شخص سيد الشهداء و سيد شباب أهل الجنة ألإمام الحسين ( عليه السلام ) , و هي هنا ليست إلا خطوط بسيطة قدر ما تسمح به هذه الأسطر .إن النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم), الذي ( أدبه ربه فأحسن تأديبه ) , حظي – مع فقد الأبوين – بعناية كريمة في البيت الرسالي الممتد في الأصلاب الشامخة , و الشجرة الطيبة التي أصلها ثابت , و فرعها في السماء , تؤتي أكلها كل حين .فالجد الكريم ( عبد المطلب ) أول من تبارك برعاية الغرس النامي للوليد المبارك , مسبغا" كل ما اؤثر عنه من معاني الخير بكل سموها و عنفوانها.و برحيله إلى الرفيق الأعلى , انتقلت الكفالة إلى سيد بني هاشم ( أبو طالب ) ( عليه السلام ) , الشخصية المؤمنة الأمينة على رسالة السماء , و التي زرعت في قلب النبي (صلى الله عليه و آله و سلم) كل قيم السماحة , و البذل , و الجود , و العطاء , و المحبة , و الفداء , و التضحية في سبيل الهدف المقدس , و العقيدة التوحيدية المباركة , ليكون خير من كفل و خير من أدى الأمانة , و لا عجب فهو من تلك السلالة الطيبة الطاهرة .و شاركته في ذلك زوجته السيدة الجليلة ( فاطمة بنت أسد )( عليها السلام ) , المرأة السابقة إلى الإسلام , و المعتنقة أساسا" ملة إبراهيم ( عليه السلام ) , و من نستطيع تلمس عمق الأيمان في قلبها الطاهر , يوم التجأت عند مخاضها إلى الكعبة المشرفة محدثة ربها بقولها : ( يا ربّ إني مؤمنة بك , و بما جاء من عندك من رسل أو كتب .. و إني مصدقة بكلام جدي إبراهيم , فبحقه و حق المولود الذي في بطني الاّ ما يسرت عليّ ولادتي )(1)

, فكان أن انشق جدار الكعبة لتحتضن أول و آخر امرأة في جوفها و ليكون وليدها دون كل خلق الله تبارك و تعالى وليد الكعبة .

و إذ أراد الرسول الكريم ( صلى الله عليه وآله و سلم ) أن يرفع شيئا" من العبء عن كاهل عمه أبي طالب ( عليه السلام ) , ضمّ عليا" ( عليه السلام ) إلى كنفه و آواه إلى بيته ليجعل منه النموذج الإنساني الأعلى و كلمة الله العليا , فطلب من ( فاطمة بنت أسد )( عليها السلام ) أن تجعل مهده بقرب فراشه , و ليكون لصيقا" به في ليله و نهاره , كما يقول هو ( عليه السلام ) : (( و لقد كنت أتبعه إتباع الفصيل أثر أمه , يرفع لي كل يوم من أخلاقه علما" , و يأمرني بالإقتداء به )) (2) .

و (( شخصية الطفل في هذه الفترة , تشبه صفحة بيضاء نقية , تقبل كل لون , و هي مستعدة لأن ينطبع عليها كل صورة , مهما كانت , و هذه الفترة من العمر تعتبر بالتالي خير فرصة لأن ينمي المربون و المعلمون فيها كل ما أودعت يد الخالق في كيان الطفل من سجايا طيبة , وصفات كريمة , وفضائل أخلاقية نبيلة )) (3) .

و قد أشار الإمام ( عليه السلام ) إلى ذلك و هو يفتخر بالتربية التي تلقاها في أيام طفولته بقوله : (( و قد علمتم موضعي من رسول الله ( صلى الله عليه و آله و سلم ) , بالقرابة القريبة , و المنزلة الخصيصة , وضعني في حجره , و أنا وليد , يضمني إلى صدره , و يكنفني في فراشه , و يمسني جسده , و يشمني عرفه )) (4) .

ص: 13


1- أضواء على عقائد الشيع الامامية- عن كتاب كشف الغمة 60:1
2- نهج البلاغة – شرح الشيخ محمد عبده – ج2 – ص 182
3- أضواء على عقائد الشيعة الامامية – الشيخ جعفر سبحاني – ص 115
4- نهج البلاغة - شرح الشيخ محمد عبده ص 406

تربية الحسين ( عليه السلام )

من خلال ما تقدم نستطيع ببساطة أن نتلمس سلفا", متانة و عمق الأصول التي غذت نبع السماء و ابن ريحانة رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم ) , ف-(( الأسرة من العوامل المهمة لإيجاد عملية

التطبع الاجتماعي , و تشكيل شخصية الطفل , و الصفات , والعادات الملازمة له طول حياته , و من أهم وظائف الأسرة , الإشراف على تربية الأطفال , بما هو مقرر في مظانها , وعلى هذا الأساس نجزم بأن الإمام الحسين (عليه السلام ) كان وحيدا" في خصائصه , و مقوماته التي استمدها من أسرته , فقد نشأ في أسرة تنتمي إليها كل مكرمة و فضيلة )) (1) .

وقد عبر عن ذلك الإمام علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) بقوله : (( ما قولي في طينة عجنت بماء الرسالة , و غرست بماء الوحي )) .لقد تولى النبي ( صلى الله عليه و آله وسلم ) تربية سبطه و اهتم به اشد الاهتمام , فكان يصحبه معه في أكثر أوقاته و يرسم له محاسن أفعاله , ومكارم أخلاقه , (( و قد علمه الصلاة , و سورة التوحيد ))(2)

, و (( قد نهاه عن تمر الصدقة في غضون الصبا)) (3) .

كما أكمل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) الرسالة , فغذى ولده و أخاه الإمام الحسن ( عليه السلام ) بالحكمة و العفة و النزاهة , و رسم لهما مكارم الأخلاق و الآداب , و زودهما بوصايا حافلة بالقيم الكريمة و المثل العليا , تشاركه في ذلك بضعة المصطفى (صلى الله عليه و آله و سلم ) سيدة النساء الزهراء فاطمة ( عليها السلام ) التي اعتنت بتربيتهما , وغمرتهما بالحنان و العطف , لتتكون لكل منهما شخصيته الاستقلالية , و بثت فيهما المثل العقائدية ؛ لتشيع في نفسيهما فكرة الفضيلة على أتم معانيها , وتركز فكرة الخير و الحب المطلق .ومن نماذج ما وصّى به أمير المؤمنين ولده (عليهما السلام ) :- الحث على التوازن و الاستقامة في السلوك بقوله : (( يا بني أوصيك بتقوى الله عز وجل في الغيب و الشهادة , وكلمة الحق في الرضا و الغضب , والقصد في الغنى و الفقر , و العدل في الصديق و العدو , و العمل في النشاط و الكسل , و الرضا عن الله تعالى في الشدة و الرخاء .. يا بني ما شر بعده الجنة بشر , و لا خير بعده النار بخير , و كل نعيم بعد الجنة محقور , و كل بلاء دون النار عافية ..)).- التركيز على أسمى موارد الهمة بقوله : (( يا بني كم من نظرة جلبت حسرة , و كم من كلمة جلبت نعمة )) .وقوله ( عليه السلام ):(( لا شرف أعلى من الإسلام , و لا كرم أعلى من التقوى , و لا معقل أحرز من الورع , و لا شفيع أنجح من التوبة , و لا لباس أجمل من العافية )) .- حسن التصرف في قوله ( عليه السلام ): (( التدبير قبل العمل يؤمنك الندم , و من استقبل وجوه العمل و الآراء عرف مواقع الخطأ )) .- و في تكوين الشخصية قوله ( عليه السلام ) : (( من لم يكن له حياء و لا سخاء , فالموت أولى به من الحياة , لا تتم مرؤة الرجل حتى لا يبالي أي ثوبيه لبس , و لا أي طعاميه أكل )) .- و في الحث على التعمق في المعرفة قوله ( عليه السلام ): (( في التجارب علم مستأنف )) .

إن هذا النزر اليسير الذي اقتطفناه من ملامح التربية لشخص سيد أباة الضيم الإمام الحسين ( عليه السلام ) كفيل بأن يوضح لنا المدى الأسمى الذي وصلت إليه شخصيته , وهذا مصداق لقولنا - و نحن نزحف زائرين لضريحه المقدس ( عليه السلام) يوم عرفة (( و خامس أصحاب الكساء .. غذتك يد الرحمة , و رضعت من ثدي الأيمان )) (4).

ص: 14


1- تاريخ اليعقوبي – ج 2 – ص 319
2- تاريخ اليعقوبي – ج 2 – ص 319
3- مسند أحمد بن حنبل – ج 2 – ص 348
4- مفاتيح الجنان – الشيخ عباس القمي –ص 431

إن نتاج التغذية من يد الرحمة , و الرضاعة من ثدي الأيمان هي التي جعلت سبط رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلم ) الإمام الحسين بن علي ( عليهما السلام ) يقف يوم العاشر من المحرم ليقول بكل شهامة و شجاعة : (( ألا و إن الدعي بن الدعي , قد ركز بين اثنتين , بين السلة و الذلة , و هيهات منّا الذلة , يأبى الله لنا ذلك , و رسوله , و جدود طابت , و حجور طهرت , و أنوف حمية , و نفوس أبية من

أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام ))(1) .

و قد تبلورت – كما هي الأصول – نتائج تربية الأمام الحسين (عليه السلام ) لأولاده هو , لتكوين شخصية الابن البار بوالديه , الذي دعت العقيدة أن يدعو لهما – كما أسلفنا – وتمثل ذلك خصوصا" في شخصية الإمام زين العابدين , على السجاد ( عليه السلام ) , فان دعاءه يعطي صورة جلية ناصعة لما تتطلبه العقيدة من شخصية مكتسبة للأولاد , فيقول ( عليه السلام ) : (( اللهمّ و ربّ لي صغيرهم , و قو ّلي ضعيفهم , و أصحّ لي أبدانهم , و أديانهم , و أخلاقهم .. و اجعلهم أبرارا" أتقياء بصراء سامعين مطيعين لك , و لأوليائك محبين مناصحين , و لجميع أعدائك معاندين و مبغضين )) (2) .

وهو سلام الله عليه يتوجه بكل جوارحه , للدعاء بالخير لأبويه , و يسأل ربه في ذلك ما هو في الوا قع تجسيد لكل صفات الخير و السمو المنشودة في الولد الصالح الذي أنتجته العقيدة إذ يقول ( عليه السلام ) :

(( اللهمّ اجعلني أهابهما , و أبرّهما , حتى أؤثر على هواي هواهما .اللهمّ خفض لهما صوتي , و أطب لهما كلامي , و صيرني بهما رفيقا" , و عليهما شفيقا" .اللهمّ اشكر لهما تربيتي , و أثبهما على تكرمتي , و احفظ لهما ما حفظاه مني في صغري )) (3)

ص: 15


1- مسند الامام الشهيد ابي عبدالله الحسين عليه السلام / جمع: الشيخ عزيز الله العطاردي: ج 1 ، ص 524 .
2- الصحيفة السجادية الكاملة – تحقيق علي أنصاريان – ص 105
3- الصحيفة السجادية الكاملة – تحقيق علي أنصاريان – ص 102

الخاتمة

في خضم كل مظاهر الخلل , في العملية التربوية , التي يعيشها الطفل في الأسرة المسلمة في واقعنا الحاضر , و ما نلمسه بوضوح من تلكؤ و ضعف , بل انهيار أحيانا" , في أبسط القواعد السلوكية تجاهه , وجدنا – من خلال البحث – أن هنالك مشاريع رائدة , بقوانين صالحة , تولى الدين الحنيف تثبيتها ؛ ليحتضن الأسرة عموما" , و الطفل خصوصا" , تبدأ بالسيطرة عليه منذ اللحظات الأولى , بما يشبه عملية خلق فكري و سلوكي , نستطيع من خلالها حتى السيطرة على الموروث السلوكي الشاذ , الذي قد يكون مثقلا" به .و لاحظنا – بكل وضوح – كيف تظافرت مصادر التشريع ؛ لتجدول كمّا" هائلا" من المعلومات و الأفكار بهذا الصدد , من القرآن الكريم , و السنة المشرفة , و مأثورات المعصومين ( عليه السلام ).و إذ مثّل المعصومون ( عليهم السلام ) أمانة الوحي , فكانوا ترجمان القرآن , و خزّان علومه , فإنهم استطاعوا أن يوظفوا ملكاتهم الربانية لإنجاح تربية أبناءهم ؛ ليكون حديثهم , و فعلهم نموذجنا المحتذى.و إن الدعوة تتلجلج في صدر كل مؤمن بالرسالة المحمدية السمحاء , في أن نبدأ – بعد التغيير الذي منّ الله به علينا في بلدنا الجريح - قراءة واعية لرسالة الإسلام في حقل التربية و التعليم ؛ لاستلهام معانيها , وترتيب مدوناتها , و إشباعها درسا" , ثم تحويلها إلى المجال التطبيقي , من خلال البيت و المدرسة , بجهد سيكون شاقا" ؛ لما سيتطلب من تغيير واقع أسري و مدرسي مرير , يحتاج إلى إعادة بناء , عبر منهج إرشادي علمي دقيق تنشط فيه مؤسسات الثقافة الإسلامية , و مفكروها ؛ لترسيخه في ذهن المربين .كما يجب أن تتجذر المحاولات لطمس معالم الزيغ و الباطل في حقل التعليم , و استبدال هذا الموروث السيئ في مادتي الدين و التأريخ الإسلامي ؛ لما فيهما من ضعف و تزييف للكثير من الحقائق , التي درج عليها الأبناء .إن الجهود يجب أن تكون متكاتفة , للخروج بالنتائج المرجوة , في إقرار عملية تربوية ورسالية موفقة في الأداء و التطبيق .

مضر السيد عبدالهادي آل السيد علي خان المدني

النجف الأشرف - العراق

ص: 16

مصادر البحث

(1)القرآن الكريم.

(2)نهج البلاغة –الإمام علي (ع) – شرح الشيخ محمد عبده-منشورات المكتبة الأهلية- بيروت.

(3)الصحيفة السجادية الكاملة-الإمام زين العابدين(ع)- تحقيق علي أنصاريان- ط سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في دمشق- 1419ه

(4)عبد الله بن عباس – آية الله العظمى السيد محمد تقي الحكيم – ج1-ط1-دار الفكر-بيروت.

(5)منهاج الصالحين – المعاملات- آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم-ط1-1418ه.

(6)المراة في النهضة الحسينية-آية الله العظمى شهيد المحراب السيد محمد باقر الحكيم-منشورات دار الحكمة.

(7)الموجز في أصول الدين-آية الله العظمى الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر- تحقبق عبد الجبار الرفاعي –ط 1417ه- منشورات دار حبيب.

(8)الأمام الحسين (ع) في أحاديث الفريقين-السيد علي الأبطحي-ط1-مجلد1-1418ه.

(9)تاريخ اليعقوبي- 2 : 319

(10)مفاتيح الجنان – الشيخ عباس القمي –دار الحسين-ط3-1424ه.

(11)الطفل بين الوراثة و التربية-الشيخ محمد تقي الفلسفي-ط2-2005م-دار سبط النبي-قم

(12)مسند أحمد – 348:2 ط الميمنية – مصر.

(13)مشكلتنا, عواملها , أسلوب علاجها- السيد عبد الأمير السيد علي خان –ط1-1968م-مطبعة النعمان- النجف الأشرف.

(14)بحار الأنوار – الشيخ المجلسي – ج 23.

(15)تفسير مجمع البيان – الشيخ الطبرسي – 1 : 382

(16)غرر الحكم و درر الكلم – الآمدي – ط دار الثقافة – النجف الأشرف

(17)أضواء على النفس البشرية-د.الزين عباس عماره-ط1-بيروت-دار الثقافة-1407ه.

(18)تربية الطفل في الإسلام-موسوعة الطفل – مركز الرسالة –قم-2004م

(19)أسس الصحة النفسية –منشورات جمعية النهضة المصرية – ط4 -1371ه.

(20)من لا يحضره الفقيه – الشيخ الصدوق – ج3 – ص

(21)الكافي – ثقة الإسلام الشيخ الكليني – ج 6 –ص

(22)أضواء على عقائد الشيعة الامامية-الشيخ جعفر السبحاني-

(23). مسند الامام الشهيد ابي عبدالله الحسين عليه السلام / جمع: الشيخ عزيز الله العطاردي: ج 1 ، قم 1989 م

(24)محاضرات السيد الخميني – الشيخ جعفر السبحاني – ط1-مؤسسة الصادق- قم- 1418ه

(25)بزوغ و ارتقاء اللغة عند الطفل –د. صالح الشماع- ط1-مطبعة حداد- البصرة- 1967

(26)مجلة العربي الكويتية- وزارة الإرشاد – العدد 95

(27)قراءة في طفولة المعصوم –مجلة نور الاسلام –العدد20

ص: 17

الفهرس الموضوع

1-المقدمة2

2- أسس المنهج و هدفه3

3- الأسرة:اتجاه العقيدة الأول3

4- تدخل العقيدة4

5-المنهج التربوي المشترك للأسرة5

6- المدرسة:اتجاه العقيدة الثاني6

7 – أسس التربية الإسلامية7

8- ملامح من التربية في البيت النبوي9

9- تربية الحسين ( عليه السلام )10

10- الخاتمة13

11- مصادر البحث15

ص: 18

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.