مباني تحديد موضوع الحكم الشرعي

هویة الکتاب

علاء عبد النبي علي خان المدني

مباني تحديد موضوع الحكم الشرعي

أمانة مسجد السهلة المعظم

مؤسسة مسجد السهلة المعظم

بإشراف

الأستاذ المساعد الدكتور

هادي حسين هادي الكرعاوي

1433 ﻫ 2012 م

ص: 1

اشارة

وزارة التعليم العالي والبحث العلمي

جامعة الكوفة

كلية الفقه

قسم الفقه وأصوله

رسالة تقدم بها الى

مجلس كلية الفقه في جامعة الكوفة

وهي جزء من متطلبات درجة الماجستير في الشريعة الإسلامية

الطالب

علاء عبد النبي ياسر علي خان المدني

بإشراف

الأستاذ المساعد الدكتور

هادي حسين هادي الكرعاوي

1433 ﻫ 2012 م

ص: 1

مقدمة مؤسسة مسجد السهلة المعظم

بِسْمِ اللهِ الْرَحْمَنِ الْرَحِيْمِ

وصلاةً وسلاماً على أشرفِ خلقِهِ النبي الأكرم محمدٍ وأهلِ بيتِهِ الطيبينَ الطاهرينَ.

تشكل مباني تحديد موضوع الحكم الشرعي مسألة ذات أهمية كبرى تستحق النقد والتمحيص وقد تكون لم تأخذ نصيبها في ذلك مثلما تم تناول مسألة استنباط الحكم الشرعي رغم انه لا يمكن التوصل للحكم الشرعي الا عن طريق تحديد الموضوع, وهناك موضوعات شرعية مستنبطة تحتاج الى نظر الفقيه واجتهاده وحالها حال الأحكام الشرعية من هذه الجنبة, وعليه لاهمية تحديد موضوع الحكم الشرعي في عملية الاستنباط الفقهي، إذ يمثل ركيزة هذه العملية وعمودها الفقري الذي تتقوّم به فقد آثر سليل الأعلام من آل السيد علي خان المدني وهو سماحة السيد (علاء عبد النبي ياسر علي خان المدني ) اختيار هذا البحث لما وجده من افتقار في المكتبة الإسلامية الى مؤلَّف يعالج هذه المسألة المهمة حيث طرح عدة معالجات استنباطية متكاملة ابتدأت من مباحث اللغة والدلالة وانتهت بالأمارات والأصول العلمية على غرار المنهج الأصولي السائد في كتب الأصول عند علمائنا الأعلام.

وقد ارتأت مؤسسة مسجد السهلة المعظم التوكل عليه جلَّ شأنه في طباعة هذا السفر القيم المعضد لسلسلة إصداراتها الثقافية، والمضاف إلى سلسلة المطبوعات التي وفقت المؤسسة إلى إصدارها بجهد ومتابعة الأمين العام لمسجد السهلة المعظم د. المهندس السيد مضر السيد علي خان المدني... آملين إرضاء القارئ الكريم وايصال كل ما هو مفيد الى يده ضمن مشروعنا الطموح في نشر العلوم الإسلامية.

واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

مؤسسة مسجد السهلة المعظم

1437 ﻫ

ص: 2

الإهداء

الى مولانا صاحب العصر والزمان ( عجل الله تعالى فرجه الشريف) ؛

إذ لولا عنايته لما اكتملت هذه الرسالة.......

الى الأرواح الصالحة التي تحوم بركتها حولي .......

إليك أيها الجد العزيز سماحة السيد ياسر آل علي خان المدني

.... يا من رسّختَ في قلبي حبَّ الدين والتديّن والعبادة

وإلى والديّ العزيزين إذ لولاهما لما وصلنا إلى هذه المرحلة

......

إلى العمة الغالية التي غمرتني بحنانها وحبها وكانت تنتظر هذا اليوم بشوق لكن ساعات العمر توقفت ولم تره. ....

إليكم جميعاً أهدي بحثي هذا سائلاً المولى القدير القبول

إنّه نعمّ المولى ونعم النصير

الباحث

ص: 3

شكر وعرفان

إن شكر المنعمين واجب شرعاً وعقلاً وهكذا ينبغي أن أكون ......

وهكذا أدبنا ربنا من خلال قرآنه المجيد إذ قال تعالى : ﴿ هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ﴾

(الرحمن/60 ) .

وقال النبي (صلی الله علیه و آله) : (( من لم يشكر المنعم من المخلوقين لم يشكر الله عز وجل )) .

( عيون أخبار الرضا - الصدوق : 2 / 24 )

إن أول من له الحق عليّ بالشكر بعد المنعم الأول هو : من تشرفت أن يكون مشرفاً على رسالتي, الذي لولاه لما رأت هذه الرسالة النور وهو الأستاذ المساعد الدكتور هادي حسين الكرعاوي.

كما أتقدم بجزيل الشكر وفائق الاحترام الى عمادة كلية الفقه المتمثلة بالشيخ الأستاذ المساعد الدكتور علي سميسم والمعاون العلمي الأستاذ المساعد الدكتور سيروان الجنابي.

وكذا أشكر سماحة المرجع آية الله العظمى الشيخ محمد إسحاق الفياض (دام ظله) وآية الله العظمى الشيخ محمد آل شبير الخاقاني والعلامة الشيخ باقر القريشي والعلامة السيد أحمد الاشكوري لما أبدوه من توجيهات لتصويب البحث وكذا الشكر موصول لأساتذة كلية الفقه.

لما أبدوه من توجيهات تصب في تقويم البحث .

وأشكر الكادر الإداري لمكتبة الروضة الحيدرية .

وكذا ألشكر موصول الى عائلتي الخاصة التي أعطتني من وقتها وجهدها ودعائها لإكمال هذه الرسالة ولاسيما زوجتي المخلصة التي انتظرت هذه الرسالة فصلاً فصلاً - - وكذا الشكر الى كل من ساعدني بكلمة أو نصيحة أو جهد يصب في تقويم هذه الرسالة

والحمد لله رب العالمين

ص: 4

المحتويات

الموضوع-الصفحة

المقدمة1-2

التمهيد3-20

1- بيان مفهوم مفردات عنوان البحث3

2- دوران الأحكام مدار أسماء الموضوعات7

3- تقسيمات موضوع الحكم الشرعي 8

4- نمط العلاقة بين الأحكام والموضوعات وعملية الاجتهاد11

5- دور معرفة الموضوع في تطور الاجتهاد13

6- مفاهيم لمفردات مرتبطة بموضوع البحث16

الفصل الأول: المباني اللغوية في تحديد موضوعات الأحكام الشرعية21-51

المبحث الأول: الوضع21

المطلب الأول: أثر الوضع في تحديد موضوعات الأحكام الشرعية21

المطلب الثاني: مفهوم الوضع22

المطلب الثالث : محددات موضوعات الأحكام الشرعية في علم الوضع23

1- تحديد موضوعات الأحكام الشرعية عند الشك في أصل الوضع23

2- محددات موضوع الحكم الشرعي عند تعارض الحقائق30

3- محددات موضوعات الأحكام الشرعية عند الشك في مراد المتكلم34

المطلب الرابع: أمثلة تطبيقية 37

المبحث الثاني: الاستعمال41

المطلب الأول: أثر الاستعمال في تحديد موضوع الحكم الشرعي 41

المطلب الثاني: مفهوم الاستعمال لغة واصطلاحاً 41

المطلب الثالث: شروط الاستعمال43

المطلب الرابع: محددات موضوع الحكم الشرعي بالاستعمال43

المطلب الخامس: أمثلة تطبيقية50

الفصل الثاني: المباني الدلالية في تحديد موضوعات الأحكام الشرعية52-112

تمهيد: مفهوم الدلالة وأثرها52

المطلب الأول: مفهوم الدلالة لغةً وإصلاحاً52

المطلب الثاني: أثر الدلالة في تحديد معاني موضوعات الأحكام الشرعية54

المبحث الأول: دلالة المنطوق56

المطلب الأول: مفهوم دلالة المنطوق 56

المطلب الثاني: أقسام دلالة المنطوق56

1- الدلالة الصريحة56

2-الدلالة غير الصريحة56

أ- دلالة التنبيه والإيماء:56

ب- دلالة الإشارة58

ص: 5

المبحث الثاني: دلالة المفهوم59

المطلب الأول: مفهوم دلالة المفهوم59

المطلب الثاني: أقسام دلالة المفهوم60

1- دلالة المفهوم المخالف60

أ) دلالة مفهوم الشرط60

ب) دلالة مفهوم الوصف:61

ج) دلالة مفهوم الغاية:67

د) مفهوم الحصر:72

ﻫ ) مفهوم العدد....74

و) مفهوم اللقب76

المبحث الثالث: دلالة السياق79

المطلب الأول: مفهوم دلالة السياق79

المطلب الثاني: أقسام دلالة السياق79

الأول: دلالة تخصيص العام79

1- مفهوم العام والخاص80

2- محددات موضوع الحكم الشرعي العام81

3-محددات موضوع الحكم الشرعي الخاص84

الثاني: دلالة تقييد المطلق94

1- مفهوم الإطلاق والتقيد94

2- محددات موضوع الحكم الشرعي المطلق95

3- محددات موضوع الحكم الشرعي المقيد99

الثالث: دلالة تبين المجمل106

1- مفهوم المجمل والمبين106

2- محددات موضوع الحكم الشرعي المجمل108

3- محددات موضوع الحكم الشرعي المبين112

الفصل الثالث: المباني الأماراتية في تحديد موضوعات الأحكام الشرعية113-168

المبحث الاول: السيرة113

المطلب الأول: أقسام السيرة114

المطلب الثاني: أثر السيرة في تحديد موضوعات الأحكام الشرعية116

المطلب الثالث: امثلة تطبيقية 118

المبحث الثاني: العرف120

المطلب الأول: اهمية العرف في تحديد موضوعات الاحكام الشرعيه:120

المطلب الثاني: مرجعية العرف في تشخيص الموضوعات العرفية121

المطلب الثالث: مرجعية العرف في تحديد موضوعات الاحكام مفهوما او مصدقاً 122

المطلب الرابع: أمثلة تطبيقية123

ص: 6

المبحث الثالث: التعميم والغاء الخصوصية126

المطلب الأول: التعميم والغاء الخصوصية وأثره في تحديد موضوعات الأحكام الشرعية126

المطلب الثاني: محددات موضوع الحكم الشرعي العام وفق طرق الغاء الخصوصية 127

المطلب الثالث: أمثلة تطبيقية138

المبحث الرابع: الزمان والمكان144

المطلب الأول: مفهوم الزمان والمكان144

المطلب الثاني: تأثير الزمان والمكان في الموضوعات ومجالاتهما146

1- ملاك تأثير الزمان والمكان في الموضوعات الثابتة والمتغيرة151

2- مجالات تأثير الزمان والمكان في موضوعات الأحكام الشرعية152

المطلب الثالث: امثلة تطبيقية157

المبحث الخامس: عموم البينة في الموضوعات160

المطلب الأول: مفهوم البينة 160

المطلب الثاني: أدلة حجية البينة في عموم الموضوعات160

المطلب الثالث: شروط حجية البينة في عموم الموضوعات163

المطلب الرابع: حجية خبر الثقة في الموضوعات164

المطلب الخامس: موارد تطبيقات عموم حجية البينة في الموضوعات166

الفصل الرابع: مباني الأصول العملية في تحديد موضوعات الأحكام الشرعية168-

تمهيد: أثر الأصول العملية في تحديد موضوعات الأحكام الشرعية168

المبحث الأول: الأصول العامة للشبهات الحكمية والموضوعية170

المطلب الأول: الاستصحاب 170

1 – مفهوم الاستصحاب170

2 – أركان الاستصحاب 170

3- شروط تحديد وتشخيص الموضوع بالاستصحاب172

4- أقسام الاستصحاب المحددة لموضوع الحكم الشرعي173

الأول: الاستصحاب الكلي173

الثاني: الاستصحاب التعليقي:174

الثالث: استصحاب الموضوعات التدريجية:175

الرابع: استصحاب الأصل السببي دون الأصل المسببي 177

الخامس: استصحاب الأصل الموضوعي179

المطلب الثاني: البراءة180

1) مفهوم البراءة180

2) أقسام البراءة180

3) أثر البراءة في تحديد موضوعات الأحكام الشرعية في الشبهات الموضوعية182

المطلب الثالث: أصالة الاشتغال ( الاحتياط ) :185

ص: 7

1- مفهوم الاشتغال185

2- كيفية الاحتياط186

3- أثر أصالة الاحتياط في تنقيح وتحديد موضوع الحكم الشرعي186

4- أقسام الاحتياط المحددة لموضوعات الأحكام الشرعية186

الأول: الاحتياط في الشبهة التحريمية186

الثاني: الاحتياط في الشبهات الوجوبية187

المطلب الرابع: أصالة التخيير189

1- مفهوم التخيير189

2- شرائط العمل بالتخيير:190

3- أثر أصالة التخيير في تحديد الموضوعات الأحكام الشرعية في الشبهات الموضوعية190

المبحث الثاني: الأصول المختصة في تحديد موضوعات الأحكام في الشبهات الموضوعية 192

المطلب الأول: أصالة الصحة 192

المطلب الثاني: قاعدة التجاوز 192

المطلب الثالث: قاعدة الفراغ 193

المطلب الرابع: أصالة عدم التذكية 194

المطلب الخامس: أصالة الفساد في المعاملات 195

المطلب السادس: أصالة عدم العيب 196

المطلب السابع: أصالة عدم البلوغ 196

المطلب الثامن: أصالة اللزوم1974

الخاتمة والنتائج199

المصادر والمراجع201

ص: 8

المقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبي الرحمة أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وعلى صحبه المنتجبين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين.

على الرغم من الغنى الذي تتمتع به المكتبة الفقهية, إذ تضم تراثاً يرجع الى مئات السنين وتطوراً هائلاً شهد قفزات نوعية على يد العديد من الفقهاء قد أطلت بقدراتها الهائلة على التراث فجددت فيه نقداً وتمحيصاً وخاصة في علم المنهج الفقهي إذ بلغ من التطور العلمي والفكري الى أقصى قمة التكامل وهذا التطور انصب على جانب واحد وهو عملية استنباط الحكم الشرعي باعتبار إن الحكم الشرعي هو القانون الذي يوصل البشرية الى مرضاة الله تعالى وهذا الحكم يستنبط من الخطاب الإلهي المتمثل بالكتاب والسنة وهذا الخطاب جاء على نحو القضية الحقيقية التي ملاكها انها لا تحاكي خصوص الأفراد الموجودة لحظة صدور الخطاب فقط, بل هي تتحدث عن الحكم بعد ان يؤخذ الموضوع فيها مفروض الوجود الى يوم القيامة فمعنى القضية الحقيقية ان الخطاب الإلهي يحاكي الأفراد الموجودة فعلاً والأفراد التي ستوجد الى يوم القيامة, والقضية الحقيقية وان كانت حملية بالاصطلاح ولكنها ترجع الى قضية شرطية اخذ الموضوع فيها على انه مفروض الوجود, فمرجع القضية الشرطية مثل: (يجب على المستطيع الحج) الى: أن حصلت الاستطاعة يجب الحج فموضوع القضية الشرطية التحليلية هو وجود الموضوع وتحققه ومحمولها الحكم التكليفي المنقسم الى خمسة أقسام: (الوجوب, الحرمة, الإباحة, الكراهة, الندب), وورود الأحكام الشرعية بهذا النحو في القضية الشرعية هو الذي يكفل معرفتها في كل زمان ومكان وهذا يبرز لنا بوضوح دور (الموضوع) في القضية الشرعية, ومدى علاقة الحكم بموضوعه وهي علاقة المعلول بعلته التامة, فالحكم يدور مدار الموضوع وجوداً وعدماً ويستحيل وجود الحكم مع زوال موضوعه(1), اذاً يتعامل الفقيه عند استنباطه للحكم الشرعي مع موضوعه فلابد بمعرفته بكل منهما, لان الاجتهاد في اصطلاح الفقهاء عبارة عن قوة يتمكن بها الفقيه التوصل الى معرفة الحكم الشرعي(2) ولا يمكن من معرفة الحكم الشرعي دون معرفة موضوعه, وعلى الرغم من ان الوظيفة الأصلية له هي استخراج الحكم الشرعي ولكن تلك الأحكام رتبت في الشريعة على موضوعات وبدون المعرفة الدقيقة بموضوع الحكم لا يتيسر الفهم التام للحكم في عملية الاستنباط, وشأن الفقيه شأن الطبيب الذي لا يمكن ان يحكم على شخص بالمرض او الصحة ما لم تتحدد عنده الحالة الفعلية من خلال مباشرته وتصديه للفحص

ص: 9


1- ظ: الرافد في أصول الفقه, تقريرات بحث السيد السستاني ( دام ظله ) 185-173, الشيخ منير عدنان القطيفي, مكتب السيد السستاني, قم, ط 1, 1414 ﻫ .
2- ظ: الأصول العامة للفقه المقارن, السيد محمد تقي الحكيم ( ت 1418 ﻫ ), 10, المجمع العالمي لأهل البيت (ع), قم, ط 1, 1418 ﻫ .

والمعاينة حتى يشخص موضوع حالته كي يعطي العلاج المناسب وفق ذلك التشخيص(1), ومع هذه الأهمية للموضوع نجد ان هذه المسألة لم يتناولها الفقهاء بالنقد والتمحيص كما تناولوا مسألة استنباط الحكم الشرعي رغم انه لا يمكن التوصل للحكم الشرعي الا عن طريق تحديد الموضوع, نعم ان الفقيه ليس له دخل في الموضوعات الخارجية الصرفة وحاله حال المكلف في ذلك ولكن هناك موضوعات شرعية مستنبطة تحتاج الى نظر الفقيه واجتهاده وحالها حال الأحكام الشرعية من هذه الجنبة, وعليه لاهمية تحديد موضوع الحكم الشرعي في عملية الاستنباط الفقهي، إذ يمثل ركيزة هذه العملية وعمودها الفقري الذي تتقوّم به تم اختيار هذه البحث إضافة الى افتقار المكتبة الإسلامية الى مؤلَّف يعالج هذه المسألة المهمة لذلك يدعي البحث انه أول من حاول معالجة هذه المشكلة حيث طرح عدة معالجات استنباطية متكاملة ابتدأت من مباحث اللغة والدلالة وانتهت بالأمارات والأصول العلمية على غرار المنهج الأصولي السائد في كتب الأصول عند علمائنا أعزهم الله لذلك رتَبتُ البحث في تمهيد وأربعة فصول:

أما الفصل الأول تناولت فيه الوضع ومحددات موضوعات الأحكام الشرعية وفق علم الوضع وتناولت فيه أيضا الاستعمال وشروطه ومحددات موضوعات الأحكام وفق الاستعمال.

أما الفصل الثاني: تناولت فيه الدلالة وأقسامها ومحددات موضوعات الأحكام الشرعية وفق المباني الدلالية .

أما الفصل الثالث: بحثت فيه أهم الإمارات المحددة لموضوعات الأحكام الشرعية كمسألة العرف ومجالات تحديد الموضوعات العرفية وفق هذه المسألة وكذلك تناولت دليل السيرة وأهميته في تحديد موضوعات الأحكام الشرعية وتناولت مسألة الزمان والمكان وأثرهما في الموضوعات واليات تشخيص الموضوعات وفق الزمان والمكان وبحثت أيضاً عموم البينة في الموضوعات وشروطها وحجية الخبر الثقة في الموضوعات ومحل النزاع فيه.

وأما الفصل الرابع فبحثت فيه الأصول العملية العامة التي تجري في الشبهات الموضوعية الحكمية كالبراءة والاشتغال والتخيير والاستصحاب واقتصرت في الأصول العامة على موارد جريان هذه الأصول في الشبهات الموضوعية وكذلك بحثت في الأصول الخاصة التي تجري في الشبهات الموضوعية دون غيرها كأصالة الصحة والفراغ والتجاوز وغيرها من الأصول الجارية في تحديد الموضوعات وبعد ذلك أدرجت أهم النتائج في نهاية الفصل الرابع المرتبطة بهذا الموضوع المهم والفعال المقوم لعملية الاستنباط وأخيراً أدعوا الله تعالى أن يوفق الجميع لما فيه خيرٌ وصلاح وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

ص: 10


1- ظ: مجلة فقه أهل البيت (ع) بحث منشور, للسيد محمود الهاشمي, العدد 36, السنة التاسعة, 7, تصدر عن مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي طبقاً لمذهب أهل البيت (ع), قم, 1425 ﻫ / 2005 م .

مبحث تمهيدي

1- بيان مفهوم مفردات عنوان البحث

اشارة

أ- المباني لغة: جمع مبنى وهو مصدر من البناء والمبني، ويجمع ايضاً على ابنية واصل البناء من الحجر والطين والنبات والصوف والشعر(1).

قال بعض اصحاب المعاجم المباني: جمع مبنى وهو مصدر من البناء والبناء هو التشديد والانشاء والبناية: المبنى(2)

واما اصطلاحاً: فلم نعثر على تعريف خاص غير التعريف اللغوي, على الرغم من كثرة تداوله واستعماله إذ يعرفه الجميع، ولكن لا يستطيع احد أن يحده ويرسمه على وجه الدقة، وقد اشتبه تعريفه بتعريف البناء وبتعريف الدليل او المدرك وذلك للارتباط الوثيق بينهما وعدم وضوح الفرق عند الكثير, حتى قيل في تعريفه: ((البناء اصطلاحاً في العبادات: هو الميل الى احد الحالتين اللتين, يتردد بينهما الشك معتمداً على حكم او قاعدة مصححة للعمل, فمثلاً اذا شك بين الثلاث والاربع في الصلاة الرباعية بنى على الاربع, اعتماداً على حكم البناء على الاكثر, ومثله اذا شك في طهارة الثوب او المكان بنى على الطهارة القاعدة الطهارة (كل شي طاهر حتى تعلم بنجاسته) (3) او (لا ينقض اليقين بالشك)(4). ويظهر ان البناء في الاصطلاح: هو نتيجة اعمال المبنى، والمبنى هو حكم البناء على الاكثر او على قاعدة الطهارة او على الاستصحاب.

اوهو العمل المبنى على تلك الاحكام والقواعد والاصول والمبنى اخص او مساوي للحكم او القاعدة او الاصل او الدليل والذي يذهب اليه البحث هو ان المبنى هنا بمعنى القواعد المحددة.

ب-التحديد لغة: حدد: الحد: هو الفصل الحاجز بين الشيئين لئلا يختلط احدهما بالاخر، او لئلا يتعدى احدهما على الاخر وجمعه حدود ,وفصل مابين كل شيئين حد بينهما والحد: منتهي الشي ومنه أحد حدود الارضين وحدود الحرم وفي الحديث في صفة القران: ((لكل حرف حد ولكل حد مطلع)), قيل: اراد لكل منتهي له نهاية(5).

ص: 11


1- ظ: لسان العرب، جمال الدين ابو الفضل محمد بن مكرم بن علي المصري المعروف بإبن منظور (771ﻫ )، مادة (بنى), الدار المتوسطية الجمهورية التونسية، ط1، 1426ﻫ /2005م. والمصباح المنبر، احمد بن علي المصري الفيومي (ت770ﻫ )، مادة (بنى)، دار الفكر، بيروت، د.ط، د.ت.
2- ظ: الفاظ الفقه الجعفري، احمد فتح الله: 81، دار الفكر، بيروت، ط1، 1415ﻫ
3- وسائل الشيعة، الشيخ محمد بن الحسن الحر العالمي (1104ﻫ )، تع: مؤسسة اهل البيت (ع)، 7: 25، قم, ط1، 1413ﻫ .
4- م ن.
5- ظ: المصباح المنير، احمد بن محمد بن علي المقري الفيومي(ت770ﻫ ) مادة (حد)، تح: يحيى مراد، مط: مؤسسة المختار، القاهرة، ط1، 1429ﻫ - 2008م.

والمراد بالتحديد بالبحث فصل القواعد التي يستنبط بها موضوع الحكم الشرعي عن غيرها، فالتحديد هو تسليط الضوء على القواعد المشخصة والمنقحة للموضوع فمفهوم التحديد هنا اعم من التشخيص والتنقيح او هو مساوي لهما.

3- الموضوع:

(الموضوع) لغة: هو من الوضع، وضعته أضعهُ وضعاً والموضع بالكسر والفتح لغة مكان الوضع ووضعت عنه دينه أسقطته ووضعتْ الحامل ولدها تضعه وضعاً ولدت ووضعت الشيء بين يديه وضعاً تركته هناك، ووضع في حسبه بالبناء للمفعول فهو وضع اي ساقط ولا قدر له والاسم الضعة بفتح الضاد وكسرها ومنه قيل وضع في تجارته وضيعة إذا خسر، وتواضع لله خشع وذل ووضعه الله فاتضع واتضعت البعيد خفضتْ رأسهُ لتضع قدمك على عنقه فتركب، ووضع الرجل الحديث افتراه وكذبه فالحديث موضوع(1)

الموضوع اصطلاحاً: يراد به مجموع الاشياء التي تتوقف عليها فعلية الحكم المجهول اي جميع الشروط والاجزاء التي تقَّوم فعلية الحكم(2)

ومثاله وجوب الحج يكون وجود المكلف المستطيع موضوعاً لهذا الوجوب، لان فعلية هذا الوجوب تتوقف على وجود مكلفٍ مستطيع، ومثال آخر: حكمت الشريعة بوجوب الصوم على كل مكلفٍ غير مسافر ولا مريضٍ إذا هلَّ عليه هلال شهر رمضان، وهذا الحكم يتوقف ثبوته الاول على جعله شرعاً، ويتوقف ثبوته الثاني – اي فعليته – على وجود موضوعه، اي وجود مكلف غير مسافر ولا مريض وهلَّ عليه هلال شهر رمضان، فالمكلف وعدم السفر وهلال شهر رمضان هي العناصر التي تكَّون الموضوع الكامل للحكم بوجوب الصوم وعليه يكون الحكم متأخراً لان وجوده متوقف على العناصر التي تحقق الفعلية للحكم إذاً هذه العناصر متقدمة على الحكم لانها هي التي تخلق الحكم وتدخله في دائرة الفعلية وهي المعبر عنها ب- (موضوع الحكم الشرعي)(3).

ص: 12


1- ظ: المصباح المنير، الفيومي: ( وضع )
2- المعالم الجديدة للأصول، الشهيد الصدر: 190، مركز الابحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر، ط1، قم، 1421 ﻫ
3- ظ: م ن، 191. بتصرف.

4– الحكم الشرعي :

الحكم لغة: المنع والقضاء، يقال حكمت عليه بكذا: اي منعته من خلافه وحكمت بين الناس: قضيت بينهم وفصلت، ومنه الحكمة، لانها تمنع صاحبها عن اخلاق الاراذل والفساد (1).

اما اصطلاحاً:هو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء او التخيير او الوضع(2).

فالخطاب لغة: ((توجيه الكلام نحو الغير للافهام، يقال: خاطب محمد علياً يخاطبه خطاباً ومخاطبة اذا وجه اللفظ المفيد اليه وهو بحيث يسمعه)(3).

الخطاب اصطلاحاً: هو ما خوطب به وهو الكلام المفيد الموجه الى الغير من باب اطلاق المصدر وارادة اسم المفعول مشتق من المصدر والقرينة هي تقسيم الحكم الى امر ونهي، فأن المنقسم الى ذلك هو الكلام لا التوجيه لأن التوجيه فعل الموجه وليس لفظاً، وقد صار الخطاب حقيقة عرفية في نفس الكلام الموجه بحيث اذا اطلق لم ينصرف إلا إليه(4).

وذكر السيد محمد تقي الحكيم عدة معان :

منها: انه عبارة عن: خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء او التخير او الوضع(5)، واختار تعريفه بأنه:(( الاعتبار الشرعي المتعلق بأفعال العباد تعلقاً مباشراً او غير مباشر )) (6) .

وقد عرفه الشهيد الصدر بأنه: (( التشريع الصادر من الله تعالى لتنظيم حياة الانسان )) (7) وجعل الخطاب الشرعي كاشفاً عن الحكم وليس الشرعي نفسه (8) .

اقسام الحكم الشرعي

اشارة

قسم الاصوليون الحكم الشرعي الى عدة اقسام .

ص: 13


1- ظ: المصباح المثير، الفيومي: (حكم )
2- ظ: شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع، جلال الدين ابو عبد الله محمد بن احمد المحلي الشافعي (ت 864 ﻫ )، 1: 52، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 2، 1426 ﻫ / 2005 م .
3- لسان العرب ابن منظور: (خطب ) .
4- ظ: شرح البدخشي، 1 :30، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1405 ﻫ / 1984 م . واصول الفقه، محمد ابو النور زهير، المكتبة الفيصيلة، مكة المكرمة، د . ط، 1405 ﻫ / 1985 م .
5- الاصول العامة للفقه المقارن، السيد محمد تقي الحكيم ( 1418 ﻫ )، 56، المجمع العالمي لاهل البيت (ع)، ط 1، 1418 ﻫ / 1997 م .
6- م ن .
7- دروس في علم الاصول، الشهيد محمد باقر الصدر (ت 1400 ﻫ )،1: 52، مركز الابحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر، قم، ط1، 1412 ﻫ .
8- م ن .
1- الحكم التكليفي والحكم الوضعي

اما الحكم التكليفي: فهو ما كان يتعلق بأفعال المكلفين، ويوجه سلوكهم بصورة مباشرة، مثل الحرمة المتعلقة بشرب الخمر والكذب والغيبة والوجوب المتعلق بالصلاة والصوم والحج والخمس .

واما الحكم الوضعي: هو ما لم يكن موجهاً للانسان بصورة مباشرة، بل يشرّع وضعاً معيناً كثيراً ما يكون موضوعاً لأحكام تكليفية، مثل الزوجية، والملكية فيترتب وجوب النفقة على الزوج ووجوب التمكين على الزوجة، وهي احكام تكليفية كما يترتب عدم جواز تصرف الغير في ملك الانسان الابطيب نفسه (1) .

2- الحكم الواقعي والحكم الظاهري

وهذا التقسيم للحكم على اساس النظر الى ظرف الحكم فما لم يؤخذ في موضوعه الشك الذي هو ظرف طارئ، بل نظر اليه في ظرف الطبيعي، فهو الحكم الواقعي، واما الحكم الذي يعمل المكلف على وفقه في ظرف شكّه بالحكم الواقعي فهو الحكم الظاهري(2).

3- الحكم الاولى والحكم الثانوي

وكل من الحكم الاولى والثانوي يعد من الاحكام الواقعية، فالحكم الواقعي الاولى يراد به ((الحكم المجعول للشئ أولاً وبالذات، أي بلالحاظ ما يطرأ علية من العوارض الاخر كأكثر الاحكام الواقعية تكليفية ووضعية )) (3).

ولكن من الحكم والثانوي يراد به ((ما جعل للشئ من الاحكام بلحاظ ما يطرأ عليه من عناوين خاصة تقتضي تغير حكمه الاولي، فشرب الماء مثلاً مباح بعنوانه الاولي ولكن بعنوان انقاذ الحياة يكون واجباً))(4)

وهناك تقسيمات اخرى اعرضنا عنها لان التفصيل فيها يخرج البحث عن جوهره.

ص: 14


1- ظ: دروس في علم الاصول، الشهيد محمد باقر الصدر1: 146 .
2- ظ: دروس في اصول فقة الامامية، للشيخ عبد الهادي الفضلي، 1 :399 مؤسسة ام القري،ط1،قم1420 ﻫ .
3- الاصول العامة للفقة المقارن، محمد تقي الحكيم: 73.
4- .م ن

2- دوران الأحكام مدار أسماء الموضوعات

المشهور(1) بين الأعلام دوران الأحكام مدار الأسماء وقد يعبر عن ذلك بدوران الأحكام مدار العناوين والصور الذهنية(2)، فيدور الحكم مدار اسمه ثبوتاً وعدماً كما في نجاسة الكلب الذي تدور نجاسته مدار اسمه وجوداً وعدماً، فلو استحال وتبدل الى ملح صار طاهراً وكما في نجاسة العذرة التي استحالت الى تراب صارت طاهرة(3)، والمراد من الأسماء التي تدور الأحكام مدارها هي الأسماء الثابتة لموضوعاتها الواقعية، فلا تدور الأحكام مدارها إذا لم تكن كذلك، بأن كانت أسماء لأفراد كلي وقع موضوعا للأحكام، فلا يتغير اسم فرد من أفراد هذا الكلي الى اسم فرد آخر منه ما دام موضوعها الكلي محفوظاً، كما لو قال المولى: العنب حلال مثلاً: وتبدل الى زبيب أو عصير فإن ذلك لا يؤدي الى زوال الحلية إذا كان الموضوع بنظر العرف هو الكلي المنطبق على العنب والزبيب وكذا لو قال الشارع: الحنطة حلال وفهم العرف موضوع الحلية هو الكلي الشامل للحنطة والطحين والعجين، فإن مجرد تبدل الحنطة الى عجين لا يؤدي الى تبدل الحكم المذكور وزواله لأن الطحين والعجين فردان من أفراد الكلي والحكم يجري فيهما كما يجري في الحنطة (4).

والظاهر من الأسماء المذكورة في نصوص الشريعة بصورة عامة، إنها أسماء لموضوعاتها الواقعية المذكور فيها (5).

إلا انه قد يتعذر أحياناً تحديد الاسم الذي يدور الحكم مداره وجوداً وعدماً، كما لو تغير ماء الكر بلون النجاسة أو طعمها أو رائحتها، فإن التغير وان كان يوجب انفعال الماء بالنجاسة إلا انه من غير المعلوم أن يكون ارتفاعه موجباً لارتفاع النجاسة للشك في كونه علة في البقاء كما هو علة في الحدوث (6). لذا بحث الأصوليون في إمكانية التمسك باستصحاب النجاسة في هذه

ص: 15


1- ظ: بحر الفوائد، ميرزا محمد حسن بن جعفر الاشتياني الطهراني ( ت 1319 ﻫ )، 7: 489، تح: لجنة إحياء التراث العربي، مط: مؤسسة التاريخ العربي، ط 1، بيروت، 1429ﻫ / 2008 م، انظر: الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، الشيخ يوسف بن احمد البحراني (ت 1186 ﻫ ) 5: 472، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، د. ط، 1404 ﻫ .
2- ظ: نهاية الأفكار، تقريرات المحقق العراقي أغا ضياء الدين ( ت: 1361 ﻫ )، الشيخ محمد تقي عبد الكريم البروجردي (ت: 1391 ﻫ )،2: 268- 296، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، ط 1، 1405 ﻫ .
3- ظ: فرائد الأصول، الأنصاري، 3: 301 .
4- م ن .
5- ظ: فرائد الأصول، الأنصاري، 3: 302 .
6- ظ: بحر الفوائد، الاشتياني، 7: 489، فرائد الأصول، الأنصاري، 3: 301 .

الحالة، بعد عدم إمكان التمسك بقاعدة دوران الأحكام مدار أسمائها لعدم إحراز كون تغير الماء اسماً للموضوع الواقعي حتى يمكن اعتبار زوالها متوقفاً على زوال التغير(1) .

3- تقسيمات موضوع الحكم الشرعي

اشارة

تنقسم موضوعات الأحكام الشرعية الى عدة أقسام وهي :

القسم الأول: الموضوعات المستنبطة

اشارة

وهي الموضوعات التي يرجع تحديدها وتشخيصها الى الفقيه المجتهد لا الى المكلف وهذا القسم على أنواع وهي:

1- الموضوعات المستنبطة المحضة ( الشرعية )

المراد من هذا النوع من الموضوعات التي يكون مفهومها شرعياً مخترعاً من قبل الشارع وان لم نقل بثبوت الحقيقة الشرعية، كالصلاة والزكاة والحج والخمس ونحوها(2), ولذا يعبر عنها الفقهاء بقولهم: ( الماهيات الجعلية ) و( الماهيات المخترعة )، وبيان ذلك ان هذه الموضوعات، سواء كان ببيان حقائقها أو أجزائها أو شرائطها موكولة الى المجتهد ولابد للمقلد من الرجوع فيها الى المجتهد وإنما أوكل ذلك الى المجتهد لأن بيان الموضوع فيها يرجع الى بيان الحكم الكلي الذي هو وظيفة المجتهد فمرجع الشك في الموضوع أو شرطه أو جزئه هو الشك في الحكم والمثال المطروح فقهياً لذلك إذا بنى المجتهد على عدم صحة صلاة الرجل إذا كانت بحياله امرأة تصلي أو العكس إلا أن يكون الفاصل بينهما عشرة أذرع، معنى ذلك أن الصلاة اسم للأجزاء والشرائط التي منها عدم كونها واقعة بحذاء إمرأة تصلي(3), ودائرة هذه الموضوعات في باب العبادات أوسع من باب المعاملات، بل المعاملات أمضاها الشارع على ما كانت عليه عند العرف وتدخل الشارع انحصر في زيادة قيد أو شرط، ولذا كان باب التعبد في العبادات أوسع منه في المعاملات، والتعبد الذي هو معناه التسليم أمام ما نص عليه الشارع من أحكام مع خفاء علة الحكم وحكمته دون المعاملات التي ورد التعليل فيها غالباً، والمجتهد في هذا القسم طريقه

ص: 16


1- ظ: مصباح الأصول، محمد سرور الواعظ، تقريرات السيد أبو القاسم الخوئي ( ت 1413 ﻫ ) . 3: 135- 136، مكتبة الداودي، قم، ط 2، 1412 ﻫ .
2- ظ: مستمسك العروة الوثقى، السيد محسن بن مهدي بن صالح الطباطبائي الحكيم (ت: 1390ﻫ )، 1: 105، دار احياء التراث العربي، بيروت، ط3 1391 ﻫ / 1981 م .
3- ظ: التنقيح في شرح العروة الوثقى، للشهيد الشيخ علي الغروي، تقريرات بحث السيد الخوئي، ( ت: 1415ﻫ )، 1: 241، مؤسسة آل البيت (ع) لأحياء التراث، قم، ط 2، د . ت .

لإثبات هذه الموضوعات لا يختلف عن الطريق الذي يسلكه لإثبات الأحكام فلا بد له من الرجوع الى الأدلة الشرعية والمتكلفة لإثبات الأحكام، فإنها هي المتكلفة لبيان الموضوعات المستنبطة(1).

2- الموضوعات العرفية المستنبطة

تترتب مجموعة من الأحكام الشرعية على موضوعات عرفية ولكنها موكولة الى العرف العام الذي يكون بيد المكلف تحديده وتشخيصه، ولكن هذا النوع من الموضوعات العرفية يوكل أمر بيانه الى الفقيه باعتبار أن هذا النوع يحتاج الى نظر وتأمل وهو خفي فالفقيه يبت به ومثاله:

مفهوم الغناء الذي هو من الموضوعات العرفية ولكن لا يكون تشخيصه بيد المكلف بل هو بيد الفقيه المجتهد لأنه خفي على العوام والفقيه يعتمد على ملاكاته أو الرجوع إلى أهل الخبرة والاختصاص، ففي الغناء يحصل التردد في بيان مفهومه، وأنه هل هو خصوص الصوت المشتمل على الترجيع أو الصوت المطرب وان لم يكن فيه ترجيع، والوجه في كون هذا من الموضوعات المستنبطة ان الشارع صب حكمه على حصة خاصة من طبيعة هذا العنوان أخذاً فيها بعض القيود والشروط وليس الى الطبيعة ككل(2), ومعرفة هذا الفرد الذي نهى عنه الشارع ترجع الى تشخيص مراد الشارع في نهيه وهو أمر موكول الى المجتهد ولذلك لو نص المجتهد في فتواه بأن الصوت المشتمل على الترجيع، سواء أكان مطرباً أم لم يكن فمعناه أن الحرمة الشرعية إنما ترتبت على الأعم من الصوت المطرب وغيره، مشروطاً بأن يشتمل على الترجيع، نعم تحديد مفهوم الترجيع أو الطرب يكون من الموضوعات العرفية المحضة لا المستنبطة، ولذلك ذكر السيد الحكيم هذا القسم بأنه ما يكون مفهومه يتوقف على النظر والاجتهاد، فيحتاج الى التقليد، لعموم أدلة التقليد (3).

3- الموضوعات اللغوية المستنبطة

من الأحكام الشرعية ما يتوقف على تحديد الظهور اللغوي الدلالي لكلمة ما وحيث ناقش الأصوليون في حجية القواعد اللغوي من الوضع والاستعمال وقول اللغوي، كان لابد للفقيه من أن يبحث هو عن تحديد المعنى الظاهر من اللفظ وكنموذج على ذلك استظهار معنى كلمة (الصعيد) في قوله تعالى ﴿ فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ﴾(4) وانه هل هو مطلق وجه الأرض أو خصوص التراب، إن مثل هذا الموضوع سوف يحدد دائرة الحكم سعة وضيقاً، فأمره بيد المجتهد، لأنه يرجع الى الموضوعات العرفية ولكنها مما يحتاج الى أعمال نظر، وعليه فلا بد للفقيه من

ص: 17


1- ظ: فقه المسائل المستحدثة، السيد علي عباس الموسوي: 34 – 35، مركز العلوم، معهد الدراسات الفقهية والحقوقية، ط، قم، 1430 ﻫ .
2- ظ: فقه المسائل المستحدثة، علي عباس الموسوي: 76 .
3- ظ: مستمسك العروة الوثقى، السيد محسن الحكيم، 1: 105 .
4- النساء: 43 .

الرجوع الى ما ورد في اللغة من معان للمفردة وحركتها الدلالية ليحدد المراد منها، ويتضح مما تقدم أن هذه الأنواع الثلاثة ترتبط في رجوعها الى الفقيه لرجوع أمر تحديدها الى الشارع(1).

القسم الثاني: الموضوعات العرفية (الصرفة)

لقد أوكل الشارع الى العرف وظيفة تحديد بعض موضوعات الأحكام الشرعية، واقتصر دور الشارع على ذكر هذه الموضوعات والأحكام المرتبة عليها والعرف له مرجعية تحديد هذه الموضوعات ولعل مرجعية العرف تبرز في باب المعاملات أكثر منه في باب العبادات لأن الشارع كان دوره في المعاملات الأغلب هو الإمضاء ولم يكن دوره التأسيس لمعاملات جديدة ففي العبادات مثلاً عليه أن يرجع الى العرف في تحديد الموالاة بين أعضاء الوضوء أو تحديد حد الجهر والاخفات في الصلاة أو تحديد الغنم السائمة من المعلوفة في الزكاة أو تحديد مقدار الاستطاعة في الحج، وفي المعاملات يرجع الى العرف في تحديد العيب في العين المبيعة أو تحديد الطرب الموجب للغناء أو تحديد المكيل والموزون .. الخ وغير ذلك مما لا مجال لإحصائه هنا ولكن لابد لنا من تحديد محل الرجوع الى العرف والضابط الإجمالي الذي يمكن لنا أن نذكره هو انه لو كان المفهوم واحد مصاديق ثلاثة: مصداق لا يمكن إحرازه إلا بالدقة العقلية ولا يمكن للعرف تشخيصه حتى مع تدقيقه في ذلك، ومصداق عرفي دقي ومصداق مسامحي عرفي، والمتبع من العرف هو خصوص المصداق الثاني أي العرف الدقي(2).

القسم الثالث: الموضوعات الخارجية ( الموضوعات الصرفة )

اتفق الفقهاء على أن تشخيص وتحديد الموضوعات الخارجية إنما هو بيد المكلف، ولا يكون قول الفقيه ملزماً، فلو اختلف تشخيص المكلف مع تشخيص الفقيه في أن هذا المائع الموجود خارجاً هو خمر حتى يجب الاجتناب عنه أو لا، وجب على المكلف إتباع ما يراه دون ما يراه الفقيه، فاذاً المدرك الأساسي لعدم الاعتماد على رأي الفقيه هو خروج أمر هذه الموضوعات عن وظيفة الفقيه، نعم يكون قول الفقيه داخلاً تحت عنوان أخبار الثقة عن الموضوعات الخارجية فيكون حجة على مبنى من يرى حجية قول الثقة في الموضوعات الخارجية(3).

ص: 18


1- ظ: فقه المسائل المستحدثة، علي عباس الموسوي: 36 .
2- م ن .
3- ظ: التنقيح في شرح العروة الوثقى، الخوئي، 2: 412 .

4- نمط العلاقة بين الأحكام والموضوعات وعملية الاجتهاد

الأحكام الشرعية تتبع موضوعاتها التكوينية سلباً وإيجاباً، فيثبت الحكم ويرتفع بحدوث وانتفاء موضوعه التكويني، وهي تشبه الى حد كبير علاقة المسببات بأسبابها التكوينية وهذه العلاقة بين (التشريع) و(التكوين) من أصل العلم وبديهيات الأصول وإذا عرفنا معنى موضوع الحكم استطعنا أن ندرك أن العلاقة بين الحكم والموضوع تشابه بعض الاعتبارات العلاقة بين المسبب وسببه، كالحرارة والنار فكما أن المسبب يتوقف على سببه، كذلك الحكم يتوقف على موضوعه لأنه يستمد فعليته من وجود الموضوع، وهذا معنى العبارة الأصولية القائلة: (لأن فعلية الحكم تتوقف على فعلية موضوعه)، أي: أن وجود الحكم فعلاً يتوقف على وجود موضوعه فعلاً وبحكم هذه العلاقة بين الحكم والموضوع يكون الحكم متأخراً في رتبته عن الموضوع فيكون الحكم تابعاً للموضوع متقدماً عليه كما يتقدم كل سبب على مسببه أو المعلول على علته الفعليه(1) إن الحكم يدور مدار الموضوع وجوداً وعدماً فإذا كان الموضوع موجوداً وجد الحكم بوجوده وإذا انتفى الموضوع انتفى الحكم بانتفائه(2) وعليه يتغير الحكم تبعاً لتغير الموضوع من زمان الى زمان ومن مكان الى مكان، وتبعية الحكم للموضوع في مرحلة الثبوت والواقع وأما في مجال التعرف عليه وتشخيصه فقد يكون مما يلزم معرفته قبل الحكم الشرعي وقد يلزم التعرف عليه وتشخيص بعد الحكم الشرعي فإذاً لدينا مقامان:

المقام الأول: وهو ما يلزم تقدم معرفته وتشخيصه على الحكم الشرعي، فهو المرتبط بفهم الحكم الشرعي وهو مقدم على الحكم رتبةً والحكم تابع له وهذا في مقام إصدار الفتوى لتوقف فهم الفقيه للحكم الشرعي والاستنباط عليه، فلا بد أن يكون عارفاً بموضوع الحكم الشرعي على مستوى الخبرة، كما يلزم ذلك بالنسبة للحكم، وكما أن الطبيب كي يمكنه وصف الدواء المناسب للمريض لابد أن يشخص حالة المريض بشكل دقيق من حيث العوارض وطريقة عمل الأعضاء والأجهزة الداخلية وبدون ذلك لا يمكنه التوصل الى النتيجة المناسبة، فالفقيه أيضاً يتوقف وصوله الى الحكم المطابق للواقع، وعلاج الحالات والمستجدات في حياة الإنسان ورفع مشكلاته الشرعية الى التشخيص الصحيح لموضوع المسألة التي تواجهه، ولا يكون ما توصل اليه هو حكم الله تعالى ما لم يشخص ويحدد الموضوع بشكل دقيق(3).

ص: 19


1- ظ: المعالم الجديدة للأصول، السيد محمد باقر الصدر (ت: 1401ﻫ ): 189، مركز الأبحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر، قم، ط 1، 1421 ﻫ .
2- ظ: مجلة الاجتهاد والحياة، بحث الاجتهاد والحياة، محمد مهدي الآصفي: 136، مركز الغدير للدراسات الإسلامية, ط2، 1417ﻫ / 1997 م .
3- منهج الفقه الإسلامي في المسائل المستحدثة، محمد الموسوي: 294، مؤسسة بوستان كتاب، قم، ط1، 1430ﻫ .

المقام الثاني: هو المتأخر عن الحكم الشرعي فهو المرتبط بمقام العمل بالفتوى بعد صدورها وتمام الاستنباط وتوصل الفقيه لمعرفة الحكم الشرعي وهذا المقام لا يختص بالمقلد بل يشمل حتى الفقيه، فانه أيضا يحتاج الى معرفة الموضوع وتحديده إذا أراد العمل والامتثال حاله حال أي مكلف ويتبين من ذلك أن ما هو شائع من أن التشخيص وتحديد الموضوعات خارج عن عهدة الفقيه ليس دقيقاً، إلا إذا كان يقصد به المقام الثاني وهو تحديده بعد معرفة الحكم وقصد الامتثال، فإن الفقيه بما هو فقيه ليس من وظيفته تحديد وتشخيص الموضوع الخارجي الصرف، بل تشخيصه موكل الى المكلف والعرف لأن الفقيه أفتى بعد إحراز قيود الحكم، ومعرفة كل ما يرتبط به من شروط وبعد ذلك تأتي وظيفة المكلف الذي من المقرر أن يعمل بالفتوى إذ يلزمه إحراز الشروط والقيود التي يرتبط بها الحكم الذي استنبطه الفقيه وهذا هو المقصود بكون الفقيه لا يعين ولا يحدد أو يشخص الموضوع وان على المكلف أن يقوم بذلك الدور ومن هنا فإن الكلام عن معرفة الموضوع الذي يؤدي الى معرفة الحكم الشرعي والمؤثر في الاستنباط واكتشاف الحكم الشرعي يقصد به المقام الأول دون الثاني(1).

وبتعبير آخر: إن الأحكام الشرعية منصبة على موضوعات وهذه الموضوعات أحياناً بينها الشارع وتؤخذ من لسان الدليل وهي ما تسمى ب- ( الموضوعات المستنبطة)، كالصلاة والصوم والخمس والزكاة ونحوها وهذه لا كلام في الرجوع الى الشارع في معرفتها فحال هذه الموضوعات حال الأحكام الثابتة لها في لزوم أخذها من المصادر الشرعية، وعليه فمن وظائف الفقيه استنباط هذه الموضوعات كما عليه استنباط الحكم ولكن أمّا الموضوعات مثل: الخمر والأرض والمثلي القيمي فليس من وظيفة الفقيه معرفته، فما دام الفقيه قد وجد في الأدلة الحرمة رتبت على الخمر، فهو لا يلزمه في مقام الاستنباط إلا أن يدقق في أدلة الحرمة التي رتبت على الخمر ونجاسة الكلب فيصل الى نتيجة مفادها أن شرب الخمر حرام وان الكلب نجس وأما ما هو الكلب أو الخمر، فالعلم بذلك أو الجهل لا ينفع ولا يضر في الاستنباط(2), ولكن هذا لا يعني انه لا يلزمه معرفتها بل المقصود أن معرفتها وتشخيصها لا يرتبط بمعرفة ذات الحكم، بل أن تشخيصها يتم بصورة مستقلة عن نفس الاستنباط ومعرفة الحكم، نعم إن هذا القسم يتساوى فيه الفقيه وغيره وانه إذا صار محل ابتلاء فلا بد من معرفتها وتشخيصها، بل يكون المجتهد في ذلك كسائر المكلفين، وتحصّل مما سبق أن من الموضوعات ما يتصدى الشارع لبيانها، وقد يكون السبب هو عدم وضوحها لدى العرف أو كونها مما اخترعه الشارع وجعله من الحقائق

ص: 20


1- ظ: منهج الفقه الإسلامي في المسائل المستحدثة، محمد الموسوي: 294.
2- ظ: مجلة نقد ونظر، بحث في تبعية الموضوعات للأحكام، معروف أشكاني، السنة الثانية، العدد 2: 282، تصدر عن دفتر تبليغات إسلامي للحوزة العلمية، قم، ط 1، 1430 ﻫ .

الشرعية، فأصبح لها معان جديدة غير المعاني اللغوية ولم يطلع العرف على المعنى الجديد، وفي هذه الحالة يتصدى الفقيه لبيان مراد الشارع منها وأحيانا يؤكل الشارع فهم الموضوعات الشرعية الى العرف فيكون فرداً من العرف يتوجب عليه معرفة الموضوع لإسقاط التكليف عنه بعد ثبوت الحكم الشرعي على الموضوع المذكور(1).

كما أن هناك من الموضوعات الطبية يؤكل الفقيه تحديدها الى أهل الاختصاص فيفتي وفق ذلك التحديد لتلك الموضوعات فالحكم يتبع الرأي العلمي في الموضوع ويختلف الرأي العلمي في ذلك بحسب تطوره ومثال ذلك: وجوب الغسل على المرأة من غير الدخول في المعاشرة الجنسية، فإن (الدخول وحده) موضوع الحكم وهو الاغتسال ولكن إذا تهيجت المرأة غريزياً وأحسّت القذف الداخلي فهل يجب عليها الغسل أو لا يجب ... ؟ أن المسألة مبنية على وجود المني للمرأة وعدمه، فإن كانت المرأة تمني في حالة التهيج والإحساس بالقذف الداخلي كان عليها الاغتسال دون شك لأن الامناء موضوع لوجوب الاغتسال، وإن لم تكن المرأة تمني فليس عليها الغسل لانتفاء موضوع الغسل، وقد يحتاط بعض الفقهاء لعدم وجود تشخيص علمي دقيق للموضوع بالغسل احتياطاً، لاحتمال الإمناء، وعليه فيكون الغسل لاغياً لعدم وجود موجب شرعي للغسل، فلا يكون هذا الاغتسال مغنياً عن الوضوء، لو لم تكن على وضوء من قبل الغسل، وتشخيص وتحديد الموضوع مسألة علمية والعلم هو الذي يشخص إن المرأة تمني أو لا تمني وعليه يترتب أمر وجوب الغسل وعدمه عليها إن لم يكن لدينا دليل تعبدي بإثبات الامناء للمرأة، فإن هذا الدليل لو تم يكون حاكماً على أدلة وجوب الغسل لحالات الجنابة(2).

اذاً تحصل مما تقدم مدى العلاقة بين تحديد موضوع الحكم الشرعي وعملية الاجتهاد إذ لا تستقيم عملية الاجتهاد إلا بعد معرفة آليات تحديد موضوع الحكم الشرعي وبعد ذلك يأتي دور عملية الاجتهاد باستنباط الحكم وفق تلك آليات التحديد .

5- دور معرفة الموضوع في تطور الاجتهاد

اشارة

إن ما قدمناه من نمط العلاقة بين تحديد الموضوع وعملية الاجتهاد، وكان عرضاً لدور الموضوع في عملية الاستنباط وكيفية تعامل الفقهاء مع موضوع القضية الشرعية من حيث تقدم معرفة الموضوع على معرفة الحكم والحكم تابعاً له يدور مداره وجوداً وعدماً وان الأحكام تابعة لأسماء الموضوعات وهنا سندخل في دور معرفة الموضوع في تطور الاجتهاد وهذا التطور يرتبط بمجالين:

أحدهما: المجال الذي يرتبط فيما يرد على المجتهد من موضوعات مستحدثة .

ص: 21


1- ظ: منهج الفقه الإسلامي في المسائل المستحدثة، محمد الموسوي: 298 .
2- ظ: الاجتهاد والحياة، الآصفي: 140 .

وثانيهما: ما يرتبط بتطور الاجتهاد وطريقة الاستنباط عبر ملاحظة أدوار مهمة تدخل في تطور الاجتهاد، وسوف نتكلم عن المجال الثاني الذي هو محل البحث وأهم الأدوار هي:

1- دور معرفة الموضوع في تحديد سعة الحكم وضيقه

إن الاطلاق في الأدلة الشرعية من مثبتات الحكم، هذا الإطلاق الذي يتمسك به لإثبات الحكم أمام أي فرد مشكوك ويقال له: ( الإطلاق الافرادي)(1) وأمام أي حالة مشكوكة من حالات الموضوع ويقال له ( الإطلاق الاحوالي )(2)، ولكن ثمة إطلاق أخر هو إطلاق في جانب الموضوع وهو المسمى ب- ( الإطلاق الطبيعي )(3).

وهو عبارة عن حدود دائرة الموضوع ولكن هل يشمل جميع الدوائر أو يختص ببعضها؟ إن معرفة حدود الموضوع هو الذي سوف يفتح المجال للفقيه للحديث عن الإطلاق الافرادي أو الاحوالي، وإن عدم التحديد الدقيق لدائرة الموضوع قد يجعل الفقيه متمسكاً بالإطلاق الافرادي- مثلاُ- وهو غير ملتفت الى خروج هذا الفرد عن الموضوع خروجاً ذاتياً بنحو لا يعود للإطلاق الاحوالي أي دور في الإثبات وكمثال ذلك مسألة شرطية الإيمان في المفتي أو المقلد فقد تمسك البعض لإثبات عدم كون الإيمان قيداً بإطلاق الأدلة فقال: (لأن حجية الفتوى في الأدلة اللفظية غير مقيدة بالإيمان)(4) ومقابل هذا يمكن ان يقال: أنه لا معنى أساساً للتمسك بالإطلاق؛ لأن موضوع هذه الأدلة اللفظية الدالة على حجية الفتوى فيه تقيّد ذاتي لا يشمل غير المؤمن، ولا تصل النوبة الى البحث عن مثل هذا الإطلاق هذا كله مع فرض كون موضوع الحكم كلياً عاماً(5).

2- دور معرفة الموضوع في تحديد مركز الحكم

ص: 22


1- الإطلاق الافرادي: هو الإطلاق الذي يكون في المفاهيم الافرادية، المراد من المفاهيم الافرادية هي المفاهيم الاسمية، كأسماء الأجناس وعروض الإطلاق عليها معناه ملاحظتها مجردة عن كل قيد حتى قيد التجرد عن القيود .... انظر: المعجم الأصولي، صنقور، 1: 297 .
2- الإطلاق الاحوالي: هو الإطلاق الذي يلاحظ أحوال الموضوع كملاحظة العدالة والإيمان التي يتصف فيها الموضوع ..... انظر: المعجم الأصولي، صنقور، 1: 285 .
3- الإطلاق الطبيعي: وهو المعبر عنه بالإطلاق الذي يلحظ الطبيعة بما هي أي: ما كان الحكم فيه منصوباً على الطبيعة بنحو صرف الوجود بمعنى أن المطلوب هو إيجاد الطبيعة ولما كان إيجادها يتحقق بإيجاد واحد من إفرادها فهذا يقتضي إيجاد واحد من أفرادها بحيث يكون المكلف في سعة من جهة امتثال الطبيعة في ضمن أي فرد من أفرادها فلو قال المولى: ( اعتق رقبة )، يتحقق الامتثال بعتق أي رقبة ... انظر: المعجم الأصول، صنقور، 1: 286 .
4- التنقيح في شرح العروة الوثقى، تقريرات السيد الخوئي، للشيخ علي الغروي ( 1417 ه’ )، 1: 220.
5- ظ: فقه المسائل المستحدثة، علي عباس الموسوي: 58، مركز العلوم والثقافة الإسلامية، مطبعة ألباقري، قم، ط 1، 1430 ﻫ / 2009 م .

إن موضوعات الأحكام الشرعية منها ما يكون موضوعياً بنحو يكون هو الموضوع، ومنها ما يكون كاشفاً عن الموضوع الحقيقي والتمييز بين الموردين له دوره في تطور الاجتهاد الفقهي، إذ ان من الأحكام ما ذهب الفقهاء الى تحديد موضوعه معتمدين على النص ورد بترتيب ذلك الحكم على ذلك الموضوع، مع انه ليس هو الموضوع الحقيقي للحكم، بل هو كاشف عن الموضوع ويمكن التمثيل له في مسألة الكر حيث ان تحديدها بالأشبار هو للكاشفية عن تحديد الموضوع لا انها الموضوع للكرية(1).

وهناك مثال آخر هو تقدير الدية، لقد ورد الروايات المتعددة بتقدير الدية بأمور متعددة، فورد تقديرها بألف دينار أو عشرة ألاف درهم أو مائتي بعير أو مائتي بقرة أو مائتي حلة ولا يخفى ان القيمة الواقعية ستختلف باختلاف هذه التقديرات، ولكن الذي يظهر من بعض الفقهاء إنما هو بقيمة ألف دينار، وان ما ورد من التقدير بمائتي حلة إنما هو لان قيمة كل حلة خمسة دنانير، وعليه تكون العبرة بألف دينار أو عشرة آلاف درهم هذا ما ذكره ابن أبي عقيل وعلق عليه العلامة الحلي بقوله: ((وعلى أهل الإبل والبقر والغنم من أي صنف كان قيمة عشرة ألاف درهم وإذا كان الضابط اعتبار القيمة فلا مشاحة في العدد، مع حفظ قدر القيمة وهي عشرة آلاف درهم أو ألف دينار))(2).

إذن التقديرات تكون كواشف عن تحقق الموضوع لا إنها موضوع الحكم.

3- دور معرفة الموضوع في تحديد كون الحكم شخصياً أو كلياً

لقد اشتهر لدى الفقهاء قولهم عن بعض الأحكام الواردة في الروايات الصادرة عن الأئمة (عليهم السلام) بأنها (قضية في واقعة)، وهذا يعني فهم الرواية على إنها مترتبة على موضوع خارجي شخصي لا على موضوع كلي عام الأمر الذي يعني عدم استفادة إطلاق الحكم وشموله، فإن تحديد موضوع الحكم الوارد عنهم له دوره في تحديد كون الحكم شخصياً أو كلياً، والبحث في كيفية حمل الفقهاء بعض القضايا على إنها قضية في واقعة أو قضية كلية يعتمد على مجموعة من الاستظهارات، ولكن من خلال عملية تتبع سريعة للأسباب التي دعت الفقهاء الى حمل بعض الأحكام على كونها قضايا شخصية ( قضية في واقعة ) ترجع الى ملاحظة موضوع القضية التي وردت بها الرواية، وهذه الأمور ترجع لأسباب متعددة منها على سبيل الإجمال لا الحصر:

ص: 23


1- ظ: مصباح الفقيه، الشيخ محمد رضا بن محمد هادي الهمداني (ت 1322 ﻫ )، 1: 30، مؤسسة الجعفرية لإحياء التراث، قم، ط 1، 1417 ﻫ .
2- مختلف الشيعة، للعلامة الحسن بن مطهر الحلي ( 726 ﻫ )، 9: 430، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، ط 1، 1413 ﻫ .

أ- أن يصدر الأمر من المعصوم في واقعة بما هو حاكم وولي من الله عز وجل كتجويز النبي (صلی الله علیه و آله) لعمه العباس المبيت في منى لأجل سقاية الحاج(1)، حيث حمل الفقهاء هذا الحكم منه (صلی الله علیه و آله) على قضية في واقعة .

ب- ان يصدر الحكم من المعصوم في واقعة بما هو قاض يفصل بين المتخاصمين، كالرواية الواردة عن حكم أمير المؤمنين (علیه السلام) في قضية لم يعلم فيها القاتل، فقد ورد في رواية السكوني: (( كان قوم يشربون فيسكرون فيتباعجون بسكاكين كانت معهم فرفعوا الى أمير المؤمنين (علیه السلام) ، فسجنهم، فمات منهم رجلان وبقي رجلان، فقال أهل المقتولين: يا أمير المؤمنين اقدهما بصاحبينا، فقال للقوم: ما ترون ؟ فقالوا: نرى ان نقيدهما فقال علي (علیه السلام) : فلعل ذينك اللذين ماتا قتل كل واحد منهما صاحبه، قالوا: ما ندري، فقال (علیه السلام) : بل اجعل دية المقتولين على قبائل الأربعة، وأخذ دية جراحة الباقين من دية المقتولين ))(2).

ج- العلم بوجود خصوصية في الموضوع لا تتعدى الى غيره من الموارد(3).

د- كون الحكم مخالفاً للأصول المشهورة والمعتمد عليها بين الفقهاء(4).

ﻫ- إجمال وجه حكم المعصوم، وملابسات القضية، وخفاء خصوصية الحكم(5).

6- مفاهيم لمفردات مرتبطة بموضوع البحث

1- المناط

المناط لغة: مشتقة من ناط ينوط نوطاً، وهو بمعنى التعليق، أي كل شيء يمكن أن يتعلق عليه، أي: عبارة عما يرتبط به الشيء ويتوقف عليه(6)، والنياط عرق متصل بالقلب إذا انقطع مات صاحبه، ومن قولهم يكاد منه نياط القلب ينحزق أي ينقطع(7).

المناط اصطلاحاً:عرّفه الغزالي بأنه (ما أضاف الشارع الحكم اليه وناط به نصبه علامة عليه)(8)، اذاً هو عبارة عن الملاك الذي يقوم على أساسه الحكم الشرعي ولهذا نرى الغزالي

ص: 24


1- ظ: الوسائل، الحر العاملي، 14: 258 .
2- م ن، 29: 234 .
3- ظ: المهذب البارع في شرح المختصر النافع، جمال الدين أبو العباس احمد بن محمد بن فهد الحلي ( 841 ﻫ )، 3: 83، تح: الشيخ مجتبى العراقي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، ط 2، 1427 ﻫ .
4- ظ: م ن.
5- ظ: مصباح الفقيه، الهمداني، 1: 647 .
6- ظ: الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، إسماعيل بن حماد الجوهري ( ت 393 ﻫ )، 3: 1665 سط: البابي، مصر، ط 1، 1385 ﻫ
7- ظ: لسان العرب، ابن منظور، ( ناط ) .
8- المستصفى في علم الأصول، محمد بن محمد الغزالي ( ت 505 ﻫ ): 174، مط: دار الفكر، مصر، ط 1، 1411 ﻫ .

يصفه بأنه وصف ظاهر منضبط محدد (1)، وذكر العلامة بشأن المناط وارتباطه بالموضوع ذي الحكم العقلي ومثل له بصلاة الخوف، التي موضوعها إصابة المكلف بالخوف الظاهر في الآية(2) وبعض النصوص فالوصف كون الخوف من الأعداء في عامة الأسفار وان يكون في العدو كثرة يحصل فيها الخوف(3) وقول الأمام الباقر (ع): ((نعم وصلاة الخوف أحق أن تقصر من صلاة السفر لأن فيها خوف))(4) وعلى هذا فالمناط علامة ومؤشر قد تكون مشتملة على حكمة صالحة مقصودة للشارع من تشريعه للحكم وقد تكون ليس كذلك بل أمارة مجددة خافية الحكمة، كوجوب الإتيان بأربعة شهود لإثبات الزنا، بينما في القتل شاهدان.

2- العلة

ذكر علماء اللغة إنها تأتي بكسر العين وفتحها أما بالكسر فتأتي بمعانٍ .

أ- المرض فيقال: اعتل العليل علة صعبة، من عِلّ، يعلّ، واعِتل أي مرض فهو عليل ويقال اعِتل فلان إذا تغير حاله من الصحة الى السقم(5) .

ب- الحادثة: كل حادثة تحول بين الشخص وما ينوي القيام به، وتخلق له شيئاً جديداً ينشغل به تسمى عِلة (6) .

ج- العذر: إبداء نوع من الأسف الذي يكون تبياناً للدافع والباعث الذي أدى الى تغير في نوايا الإنسان والحجة التي يعتذر بها(7) .

د- السبب: وذكر علماء اللغة إن العلة والسبب هما شيء واحد قال ابن منظور: ((هذا علة هذا، أي سببه ))(8).

أما بالفتح فتأتي بمعنى الضرة، ولهذا سميت الزوجة الثانية علة لأنها تعل بعد صاحبتها(9).

أما العلة اصطلاحاً: فقد ذكرت لها تعريفات عدة مختلفة منها: ( الباعث للشارع على تشريع الحكم)(10) وأضاف الامدي عليه قيد آخر وهو (المشتمل على حكمه صالحة)(11) واشترك معه في

ص: 25


1- المستصفى في علم الأصول، الغزالي: 174.
2- إشارة الى قوله تعالى ﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوّاً مُبِيناً ﴾ .
3- فقه الصادق، محمد صادق الحسيني، معاصر، 6: 341، مط: مهر، قم، ط 3، 1413 ﻫ .
4- وسائل الشيعة، الحر العاملي، 8: 433 .
5- ظ: لسان العرب، ابن منظور: (عل) .
6- ظ: م ن .
7- ظ: لسان العرب، ابن منظور: (عل).
8- م ن .
9- م ن .
10- مفتاح الوصول الى علم الأصول، احمد كاظم البهادلي ( معاصر )، 2: 120 .
11- الأحكام في أصول الأحكام، سيف الدين علي بن محمد الامدي ( ت 631 ﻫ )، 3: 202، مط: مؤسسة النور، الناشر: المكتب الإسلامي، ط 2، دمشق، 1402 ﻫ .

هذا التعريف ابن الحاجب من المالكية (1) وأما العلامة الحلي من الإمامية فأشار الى لزوم وجود المعلول مع علته أينما تحققت وإلا لم يكن علة (2) ومنه ظهر المفهوم دوران الحكم مدار العلة وجوداً وعدماً ومنها ما قيل: أن ( العلة هي المعرف للحكم ) .

فالإسكار في الخمر معروف أي علامة على حرمة المسكر وهذا التعريف صرّح به الرازي والشوكاني(3)، وعرفها الغزالي بأنها: ((الوصف المؤثر في الأحكام لجعل الشارع لا لذاته أي وضع من الشارع))(4) والاختلاف الناشئ في تعريف الأصوليين للعلة مرده الى اختلافهم في المسألة الكلامية المتمثلة بجواز تعليل أفعال الله تعالى أو عدمها،(( فالمجيزون لتعليل أفعال الله تعالى ومنها أحكامه بمصالح العباد أجازوا التعليل في أصول الفقه، والذين منعوا ذلك منعوه هنا والمتوسطون توسطوا ))(5) أما غير المجيزين فعرفوا العلة بالمعرف والعلامة وأما المجيزون عرفوا العلة بالباعث والداعي للحكم الشرعي وهم الإمامية (6) وذهب المحقق النائيني الى ان العلة هي الواسطة في إثبات الحكم(7)

3- الشبهة الحكمية

المراد من الشبهة الحكمية هو ما يكون متعلق بالشك والشبهة فيها حكم من الأحكام الشرعية الكلية من غير فرق بين أن يكون الحكم المشكوك من الأحكام التكليفية أو الأحكام الوضعية، وعادة ما يكون منشأ الشك في مورد الشبهات الحكمية هو فقدان النص أو إجماله أو تعارضه مع نص آخر ، ومثال الشبهة في الأحكام التكليفية: هو ما لو وقع الشك في وجوب صلاة الجمعة أو وقع الشك في حرمة العصير العنبي، بمعنى وقوع الشك في جعل الشارع الوجوب

ص: 26


1- ظ: منتهى الوصول، جمال الدين أبو عمر وعثمان بن أبي بكر المالكي المعروف بابن الحاجب (646 ﻫ ): 184، دار الكتب العلمية، ط 1، بيروت، 1421 ﻫ / 200 م .
2- ظ: مبادئ الوصول الى علم الأصول، العلامة الحلي، جمال الدين بن الحسن يوسف ( 726 ﻫ )، 218، مط: مركز الأعلام الإسلامي، ط 3، بيروت، 1404 ﻫ .
3- ظ: المحصول في علم الأصول، الغزالي، 5: 135، مؤسسة الرسالة، ط2، بيروت، 1412 ﻫ . وانظر: إرشاد الفحول الى تحقيق الحق من علم الأصول، محمد بن علي الشوكاني ( 1250 ﻫ )، 2: 137، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية، ط 1، 1419 ﻫ .
4- المستصفى، الغزالي: 305 .
5- نهاية السؤول في شرح منهاج الأصول، جمال الدين بن عبد الرحيم الاسنوي ( ت 772 ﻫ )، 3: 28، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1418 ﻫ .
6- ظ: مفتاح الوصول الى علم الأصول، البهادلي، 2: 120 .
7- ظ: فوائد الأصول، تقريرات الميرزا النائيني ( 1355 ﻫ )، محمد علي ألكاظمي (ت 1365 ﻫ )، 4: 284، تح: رحمتي اراكي، مط: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين،قم، ط 1،1409 ﻫ .

لصلاة الجمعة والحرمة للعصير العنبي ، وأما مثاله في الأحكام الوضعية: فهو ما لو وقع الشك في طهارة الكتابي أو وقع الشك في شرطية الاطمئنان في الصلاة أو شرطية البلوغ في صحة العقد(1)

4- الشبهة الموضوعية

المراد منها ما يكون متعلق الشك في موردها عبارة عن انطباق الحكم الكلي على واقعة شخصية ويكون منشأ تلك الواقعة مصداقاً لموضوع الحكم الكلي وهي الاشتباه في الموضوعات الخارجية والشك في تحقق موضوع الحكم الكلي ومثاله: الشك في فعلية وجوب الحج على زيد ينشأ عن الشك في تحقق استطاعته خارجاً كي يتحقق وجوب الحج عليه، وعليه ان مرد الشبهة الموضوعية هو الاشتباه في الموضوعات الخارجية(2).

5- الشبهة التحريمية

اشارة

وهي التي يكون متعلق الشك فيها هو الحرمة، كما لو وقع الشك في حرمة العصير العنبي، والشبهة التحريمية تارة تكون حكمية وأخرى تكون موضوعية أما الشبهة الحكمية فهي ما لو كان متعلق الشك هو الحرمة الكلية بمعنى أن الشك في أصل الجعل للحرمة على طبيعة من الطبايع، كما لو وقع الشك في جعل الحرمة لطبيعة لحم الأرنب .

وأما الشبهة التحريمية الموضوعية فهي ما لو كان متعلق الشك هو الحرمة الجزئية بمعنى إننا نحرز جعل الحرمة لطبيعة من الطبايع إلا إن الشك في الحرمة نشأ عن الشك في مصداقية مورد الشك للطبيعة المحرز حرمتها فلو كنا نحرز جعل الحرمة على طبيعة لحم الأرنب إلا أننا شككنا في حرمة هذا اللحم بسبب الشك في مصداقيته للحم الأرنب(3).

وقسم الأصوليون الشبهات التحريمية الى قسمين هما:

أ- الشبهة التحريمية المحصورة

وأوردوا بالشبهة المحصورة الشبهة التي يحصل فيها الشك في الحكم بين أطراف قليلة يمكن حصرها والاعتناء عند العقلاء، كتردد سقوط النجاسة بين أحد الإنائين، وتردد الإخوة الرضاعية بين ثلاث نساء مثلاً وتردد الدار المغصوبة بين أربعة دور وهكذا وتجري في هذه الشبهة أصالة الاحتياط واجتناب جميع الصور المشكوكة .

ب- الشبهة غير المحصورة

وهي الشبهة التي تكون واسعة بحيث تتسع فيها دائرة الشك بحيث يتعذر حصرها أو اجتنابها، ولذا يكون الاحتياط فيها أخذاً بالاحتمال الضعيف في مقابل القوي وهو خروج عن الطريقة العقلانية في الطاعة والمعصية، بل العمل بها يوجب والعسر والحرج على الناس وهو

ص: 27


1- ظ: قواعد الأصول النائيني، 2: 210، مفتاح الوصول الى علم الأصول، البهادلي، 2: 225، المعجم الأصولي، محمد صنقور، معاصر،2:195، مؤسسة التاريخ العربي، ط 1،بيروت،1432ﻫ /2011 م.
2- ظ: المصادر السابقة وانظر: أصول الفقه وقواعد الاستنباط، الشيخ فاضل الصفار، 2: 272، منشورات الاجتهاد، دمشق، ط 1 1430 ﻫ / 2009 م .
3- ظ: أصول الفقه وقواعد الاستنباط، الصفار، 2: 272، والمعجم الأصولي، صنقور، 2: 194 .

يتنافى مع حكمة التشريع (1) ومثالها: لو علمنا أن أحد القصابين في البلد لا يذبح على الطريقة الشرعية ومجموع القصابين حوالي الفاً فأن من غير المعقول ان نجتنب شراء اللحم من مجموع الألف خوفاً من الوقوع بشراء اللحم غير المذكى، لأن اجتناب الجميع يعد عملاً بالاحتمال الضعيف فيتنافى مع الطريقة العقلانية(2).

6- الشبهة الوجوبية

المراد منها هي الشبهة التي يكون متعلقها الوجوب وهي تارة تكون حكمية وأخرى موضوعية.

أما الشبهة الوجوبية الحكمية فهي ما لو كان متعلق الشك هو الوجوب الكلي، بمعنى الشك في أصل جعل الوجوب لطبيعة كلية كما لو وقع الشك في جعل صلاة الجمعة .

وأما الشبهة الوجوبية الموضوعية: فهي ما لو كان متعلق الشك هو الوجوب الجزئي بمعنى إننا نحرز جعل الوجوب لطبيعة من الطبايع إلا إن الشك في الوجوب نشأ من عدم إحراز مصداقية مورد للطبيعة المحرز وجوبها، فلو كنا نحرز جعل وجوب الصفة على طبيعة الفقير إلا إننا شككنا في وجوب الصدقة على زيد للشك في كونه أحد مصاديق طبيعة الفقير نتيجة الجهل بحاله مثلاً، فالشك ليس في جعل الحكم الكلي للطبيعة وإنما في إنطباق الحكم المعلوم على هذا المورد(3).

ص: 28


1- ظ: فرائد الأصول، الشيخ مرتضى بن محمد أمين الأنصاري المعروف بالشيخ الأعظم ( 1281 ﻫ )، 2: 210، تح: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، مط: مجمع الفكر الإسلامي، ط 7، قم، 1427 ﻫ ، وانظر: مقالات الأصول، الشيخ ضياء الدين علي بن محمد العراقي المعروف بالمحقق العراقي ( ت 1361 ﻫ )، تح: السيد منذر الحكيم والشيخ محسن العراقي، مجمع الفكر الإسلامي، ط 1، قم، 1414 ﻫ ، وانظر: منتهى الأصول، السيد محمد حسن بن أغا بزرك البجنوردي الخراساني (ت 1396 ﻫ )، 2: 383، مكتبة بصيرتي، د . ط، د . ت .
2- ظ: أصول الفقه وقواعد الاستنباط، الصفار، 2: 275 .
3- ظ: المعجم الأصولي، صنقور، 2: 206، أصول الفقه، الشيخ محمد رضا المظفر (1383 ﻫ )، 4: 15، تح: رحمتي الاراكي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، ط 1، قم، 1422 ﻫ ، وأصول الفقه وقواعد الاستنباط الصفار، 2: 275 .

الفصل الاول: المباني اللغوية في تحديد موضوعات الأحكام الشرعية

اشارة

المبحث الأول

الوضع

المبحث الثاني

الاستعمال

ص: 29

المبحث الأول: الوضع

المطلب الأول: أثر الوضع في تحديد موضوعات الأحكام الشرعية

يعد الوضع من أهم الظواهر الاجتماعية في كل مجتمع عقلائي منذ نشوء الإنسان على وجه المعمورة، فالإنسان بحاجة إلى وسيلة للإفهام والتفهيم، لكي يتصل مع الآخرين ويبين لهم ما يدور في ذهنه، ولذلك انبثقت ظاهرة اللغة في حياة الشعوب وكان اللفظ هو الذي يبين مقاصد الإنسان، لذلك تطورت ظاهرة اللغة تطوراً كبيراً نتيجة تطور وتكامل أدوات التفهيم ووسائله بين البشر، والإسلام ليس بمعزل عن هذه الظاهرة الاجتماعية، التي من خلالها يفهم مراد المتكلم، باعتبار أن الأدلة الشرعية هي أدلة لفظية، إذ لا يمكن معرفة مراد الشارع لا بعد معرفة علم اللغة وأساسه هو علم الوضع، لذلك أن أهمية علم الوضع لا تنحصر في علم بعينه وإنما أهميته تشمل عدة علوم؛ لأنه يفسر عدداً من الظواهر البلاغية واللغوية والاصولية، ففي البلاغة نجد أن الفصول المعقودة في كتابها للحقيقة والمجاز قائمة على الوضع الأول والنقل منه ودلالة اللفظ على المعنى بنفسه بالقرينة وهذا له أهمية كبيرة في الحقيقة والمجاز، إذ قال ابن الاثير: ((وهذا الفصل مهم كبير من مهمات علم البيان لا بل هو علم البيان باجمعه)) (1)، ومن هنا تظهر أهمية علم الوضع بالنسبة للبلاغة وأما في علم أصول الفقه فأن أهميته تأتي من خلال اهتمام علم أصول الفقه بالمسائل اللغوية والبلاغية، إذ أن هذه المسائل تساعد في استنباط وفهم النصوص من خلال تحديد موضوعات الأحكام الشرعية عن طريق علائم الحقيقة والمجاز وبيان الحقائق المختلفة(الشرعية، اللغوية، العرفية) لان الفقيه في عملية الاستنباط يدور مدار الحقائق المشخصة لموضوعات الأحكام الشرعية وبالتالي يصب الأحكام الشرعية عليها وهذا يوضح لنا اهتمام علماء الأصول بالوضع ومسائله وهذا حقيقة راجع إلى معرفة المراد الجدي المتمثل بالمعنى الحقيقي للفظ، ولهذه الأهمية نرى أن علم الوضع نما على أيدي علماء الأصول وتطورت طرائق الاستدلال فيه، إذاً علم الوضع من العلوم اللغوية الذي التقت فيه عدة علوم ورفد بأكثر من رافد فمادته اللغة وطرائق بحثه تعتمد على علم الكلام والفلسفة والمنطق وعلماؤه وفرسان ميدانه علماء الأصول(2)، ولهذه الأهمية سوف ندرس في هذا المبحث مفهوم الوضع لغة واصطلاحاً والقواعد الوضعية المحددة لموضوعات الأحكام الشرعية، إذ يكون تحديد الموضوعات بتلك القواعد تارة يكون عند الشك في اصل الوضع وأخرى عند الشك في مراد المتكلم ولكل واحدة من هذه القواعد علائم خاصة سوف نبينها بالبحث.

ص: 30


1- المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، ضياء الدين ابن الاثير(ت: 637ﻫ )، 1: 131، تح: د. احمد الحوفي ود. بدوي طبانة، مط: الرياض، 1983م.
2- ظ: علم الوضع، دراسة في فلسفة اللغة بين العلماء أصول الفقه وعلماء اللغة، د. عبد الرزاق احمد حربي: 19- 20 مط: مركز البحوث والدراسات الإسلامية، الوقف السني، بغداد، ط1، 1427ﻫ - 2006م.

المطلب الثاني: مفهوم الوضع

1- الوضع لغة

إن الجذر الثلاثي لكلمة(وضع) يدل على معانٍ كثيرة فسرها أصحاب المعجمات بتفسيرات مختلفة وأهمها:

1-قال أبو هلال العسكري: ((أن الوضع في مقابل الرفع)) (1).

2-قال ابن فارس: ((واضعت الرجل في الأمر ناظرته فيه)) (2).

3-قال الزمخشري: ((وضع الشيء مواضعه ... وهو من وضاع اللغة والضاعة)) (3).

4-قال ابن منظور: ((وضع الشيء في المكان .... والمواضعة المناظرة في الأمر، والمواضعة: أن تواضع صاحبك أمراً تناظره فيه)) (4).

2- مفهوم الوضع اصطلاحاً

قد عرف بعدة تعريفات:

أ-قال الاسنوي بأنه: ((تخصيص الشيء بالشيء إذا علم الأول علم الثاني)) (5).

ب-قال الجرجاني بأنه: ((تخصيص شيء بشيء متى أطلق أو حس الشيء الأول فهم الشيء الثاني)) (6).

ج-قال الدسوقي بأنه: ((تعيين الشيء بإزاء المعنى للدلالة عليه بفاعل، أن قلنا أن اللفظ المجازي موضوع أو تعيين الشيء بإزاء المعنى لدلالة عليه بنفسه، أن قلنا انه غير موضوع، لا تعيينه للدلالة على المعنى بقرينة بنفسه)) (7).

د-قال الشيخ البهائي بأنه: ((لفظ وضع لمعنى سواء أكان مفرداً أو مركباً وسواء كان الوضع نوعياً أو شخصياً)) (8).

ﻫ- قال الاخوند بأنه: ((نحو اختصاص اللفظ بالمعنى)) (9).

ص: 31


1- الفروق في اللغة، لابي هلال العسكري (ت: 390ﻫ ): 302، مط: بيروت، ط1، د. ت 1973م.
2- المجمل في اللغة، ابن فارس(ت:395ﻫ )، مادة(الوضع)، تح: زهير عبد المحسن بيروت، ط1، 1981م.
3- أساس البلاغة، جار الله محمود بن عمر الزمخشري(ت: 528ﻫ )، مادة(وضع)، بيروت، ط1، 1965م.
4- لسان العرب، لابي الفضل جمال الدين محمد ابن منظور(ت: 711ﻫ )، مادة(وضع)، مط: دار صادر ودار بيروت، ط2، 1995م.
5- نهاية السؤول في شرح منهاج الأصول، عبد الرحيم بن الحسن بن علي الاسنوي المصري(ت: 772ﻫ )، 2: 12، مط: عالم الكتب، بيروت، 1982م.
6- التعريفات، علي بن محمد الشريف الجرجاني(ت: 816ﻫ ): 273، د. ت، مط: دار بيروت، لبنان، 1969م.
7- حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، لابن عرفة شمس الدين محمد الدسوقي(ت: 1230م ﻫ ): 55، تح: دار احياء الكتب العربية، مط: عيسى البابي الحلبي، مصر، 1969م.
8- زبدة الأصول، الشيخ البهائي، 1: 33.
9- نهاية النهاية، الشيخ محمد كاظم بن حسين الهروي الخراساني المعروف بالاخوند الخراساني(ت: 1329ﻫ ) 1: 6- 8، تح: مؤسسة أهل البيت(ع) لاحياء التراث، قم، ط2، 1417ﻫ .

والذي يظهر من هذه التعاريف:

1-استعملت بعض التعاريف كلمة(شيء) ليكون التعريف جامعاً للفظ والمعنى.

2-استعمال كلمة(تخصص، أو تعيين أو جعل) بدلاً من كلمة(وضع) دلالة على أن علاقة الوضع بالمعنى دلالة جعلية.

3-بعض التعاريف ذهبت إلى حيثية الربط بين اللفظ والمعنى عن طريق اللفظ للدلالة على الارتباط الذاتي بين اللفظ والمعنى، إذ لا يوجد معنى دون لفظ.

التعريف الراجح

هو التعريف الأول للاسنوي إذ شمل التعريف جميع المداليل الثلاثة المتقدمة التي تمثل ماهية الوضع من استعماله لكلمة (شي) ليكون التعريف جامعاً للفظ والمعنى واستعمال كلمة(تخصيص) للدلالة على الحلقة الجعلية بين اللفظ والمعنى وكذلك أشار التعريف إلى الارتباط الذهني بين اللفظ والمعنى بقوله(إذا علم الأول علم الثاني) وهذه المداليل الثلاثة جاءت بهذا التعريف بشكل مختصر وكان جامعاً لها لذلك يرى البحث أن هذا التعريف أرجح التعاريف المذكورة.

المطلب الثالث: محددات موضوعات الأحكام الشرعية في علم الوضع

اشارة

تقدم الكلام عن أهمية علم الوضع وانه كاشف عن معاني الألفاظ الحقيقية ويكون هذا الكشف عن طريق علامات خاصة وهذا الكشف والتحديد يكون على نحوين:

1- تحديد موضوعات الأحكام الشرعية عند الشك في أصل الوضع
اشارة

هذا النحو من المحددات يعتمد على علامات خاصة تشخص الحقيقة والمجاز عند الشك في أصل وضعها والفقيه يحتاج إلى معرفة المعاني الحقيقية للموضوعات حتى يتسنى له الحكم عليها وهنا أراد في هذا النحو تسليط الضوء على مفهوم الحقيقة والمجاز وعلاماتهما التي تميز احدهما عن الآخر وأقسام الحقيقة ومن هو الراجح عند تعارض تلك الأقسام.

أ- الحقيقة والمجاز لغة

قال الفيومي: ((حقيقة الشيء منتهاه واصله المشتمل عليه)) (1).

وقال ابن منظور: ((الحقيقة في اللغة، ما اقر في الاستعمال على أصل وضعهُ والمجاز ما كان بضد ذلك، وإنما يقع المجاز ويعدل إليه عن الحقيقة لمعانٍ ثلاثة: وهي الامتناع والتوكيد والتشبيه، فان عدم هذه الأوصاف كانت حقيقة البتة)) (2).

ص: 32


1- المصباح المنير، احمد بن محمد بن علي المقري الفيومي(ت770ﻫ )، مادة(حقق) تح: يحيى مراد، مط: مؤسسة المختار، القاهرة، ط1، 1429ﻫ - 2008م.
2- لسان العرب: (حقق).
ب- مفهوم الحقيقة والمجاز اصطلاحاً

قال الشيخ الطوسي: ((الحقيقة ما أفيد به في اللغة ومن حقه أن يكون لفظهُ منتظماً لمعناه من غير زيادة ولا نقصان)) (1).

وقال السرخسي: ((الحقيقة اسم لكل لفظ هو موضوع في الأصل لشيء معلوم مأخوذ من قولك: حاق وحقيق ولهذا يسمى أصلاً لأنه أصل موضوع له))(2) وعرفت الحقيقة أيضاً بأنها: ((استعمال اللفظ في المعنى الموضوع له الذي قامت بينهُ وبين اللفظ علاقة لغوية بسبب الوضع، ولهذا يطلق على المعنى الموضوع له اسم المعنى الحقيقي)) (3).

وعرف المجاز: ((هو استعمال اللفظ في معنى آخر لم يوضع له ولكنه يشابه ببعض اعتبارات المعنى الذي وضع اللفظ له ومثاله: أن تستعمل كلمة(البحر) في العالم الغزير كلمة؛ لأنه يشابه البحر من حيث سعة الماء وغزارته ويطلق على المعنى المشابه للمعنى الموضوع له اسم المعنى المجازي)) (4).

وعرفت الحقيقة بأنها: ((عبارة عن كون اللفظ مرآة لذات المعنى بلا واسطة)) (5).

وعرف المجاز بأنه: ((عبارة عن كون اللفظ مرآة لما يناسبه بقرينة حالية أو مقالية)) (6).

وعرفت الحقيقة أيضاً بأنها: ((اللفظ المستعمل في الموضوع له في مقام التخاطب)) (7).

التعريف الراجح:

عند ملاحظة جميع التعاريف الاصطلاحية نجدها راجعة إلى التعريف اللغوي ومشتقة منه ولعل أرجح هذه التعاريف هو الأخير وذلك لأنه جاء اخصر وكان جامعاً مانعاً ووضع المعرف قيد(مقام التخاطب) ليعم السامع والمتكلم وهما يمثلان اركان التفاهم والتفهيم التي اعتمدها العرف في هذا المجال وبالتالي هي اعتماد الشارع في بيان أحكامه.

ج- علامات الحقيقة عند الامامية
اشارة

ص: 33


1- العدة في أصول الفقه، لابي جعفر محمد بن الحسن بن علي المعروف بالشيخ الطوسي(ت 460ﻫ ) 1: 140، تح: محمد رضا الأنصاري القمي، مط: مؤسسة البعثة، قم، ط1، 1417ﻫ / 1376ش.
2- أصول السرخسي(المحرر في أصول الفقه)، شمس الأئمة أبو بكر محمد بن احمد بن أبي سهل السرخسي الحنفي(ت490ﻫ )، 3: 243، تح: أبو الوفا الافغاني، مط: دار المعرفة، بيروت، لاط، لات.
3- المعالم الجديدة للاصول، الشهيد محمد باقر الصدر(ت: 1400ﻫ ): 25، تح: لجنة المؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر، مط: مركز الدراسات التخصصية للشهيد الصدر، قم، ط1، 1421ﻫ .
4- المعالم الجديدة للاصول، الصدر: 25.
5- تهذيب الأصول، للسيد عبد الأعلى السبزواري(ت 1993م) 1: 19، لاتح، لاط مط: الآداب، النجف الأشرف، 1399ﻫ - 1979م.
6- م ن.
7- تحكيم المباني في أصول الفقه، السيد عبد الجواد علم الهدى الخراساني، معاصر 1: 47، مط: مؤسسة آل الرسول(ص) لاحياء التراث، قم، ايران، ط1، 1415ﻫ .

أن المعروف عند الامامية أن علامات الحقيقة ثلاث: التبادر وعدم صحة السلب والاطراد(1).

1- التبادر

هو ظهور المعنى بنفسه من غير قرينة، وليس المراد منه ما يفهم من لفظه وهو سبق المعنى بالنسبة إلى معنى آخر في الذهن أو سرعة حصوله فيه.

ولا يخفى أن تبادر المعنى من اللفظ من غير قرينة في زماننا هذا علامة على كونه معنى حقيقياً للفظ في الأزمنة السابقة على زمان التبادر وذلك لبناء العقلاء وسيرتهم على ذلك في محاوراتهم وهذا حجة عند العقلاء كتبادر السائل المخصوص من لفظه الماء، وهذه العلامة تدور مدارها عملية الاستنباط الفقهي لان الكتاب والسنة عبارة عن ألفاظ وهذه الألفاظ تثبت حقائقها بواسطة هذه العلامة لأنها أقوى العلامات المشخصة للحقائق إذ لولاها لا يثبت لنا أن هذه المعاني المتبادرة في زماننا هي المعاني الحقيقية في زمان صدور هذه الألفاظ(2).

2- صحة الحمل وعدم صحة السلب

قيل: أن عدم صحة السلب أي: صحة الحمل علامة للحقيقة، وصحة السلب أي: عدم صحة الحمل علامة للمجاز.

وبتقريب: مثلاً: إذا شككنا في وضع لفظ لمعنى وأردنا أن نتبين أن استعماله فيه حقيقي أو مجازي نعبر عن المعنى بعبارة ما ونجعلها موضوعاً كعبارة(هذا) وما أشبهه مما يدل عليه، ثم نأتي بالكلمة المشكوكة وهي كلمة(صعيد) مثلاً ونجعلها محمولاً، فان وجدنا الحمل صحيحاً ولا يصح السلب، أي يصح أن نقول: (هذا صعيد)، ولا يصح أن نقول: (هذا ليس صعيداً)، فيكشف هذا الحمل وعدم السلب عن أن اللفظ حقيقة في المعنى، وان صح السلب وامتنع الحمل يكشف عن أن استعمال اللفظ في المعنى مجاز(3).

3- الاطراد

الاطراد لغة: مصدر اطرد يقال: اطرد الشيء إذا تبع بعضه بعضاً وجرى، واطرد الكلام أو الحديث جرى مجرىً واحداً منسقاً(4).

ص: 34


1- ظ: كفاية الأصول: الشيخ الاخوند الخراساني: 218 ومناهج الوصول إلى علم الأصول تقريرات السيد روح الله مصطفى الخميني(1409ﻫ )، للسيد مصطفى الخميني، 1: 125، تح: مؤسسة تنظيم ونشر اثار الإمام الخميني، ط2، قم، 1415ﻫ ، ومحاضرات في أصول الفقه(تقريراً لابحاث السيد أبو القاسم بن علي اكبر الموسوي الخوئي ت1413ﻫ )، للشيخ محمد اسحاق الفياض، معاصر 1: 120، مط: انتشارات الإمام موسى الصدر، قم، لاط، لات.
2- ظ: محاضرات في أصول الفقه، الشيخ الفياض 1: 121 - 122.
3- ظ: أصول الفقه، الشيخ محمد رضا بن محمد بن عبد الله المظفر(ت1383ﻫ )، 1: 25-26 تح: الشيخ رحمت الله الرحمتي الاراكي، مط: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، ط1، 1422ﻫ ، و ظ: مفتاح الوصول إلى علم الأصول، الشيخ الدكتور احمد كاظم البهادلي، معاصر، 1: 274، مط: دار المؤرخ العربي، بيروت، لبنان، ط1، 1423ﻫ - 2002م.
4- ظ: تاج اللغة وصحاح العربية، أبو منصور اسماعيل بن جماد الجوهري(ت 393ﻫ ) مادة(طرد)، تح: الدكتور احمد عبد الغفور عطار، مط: دار العلم للملايين، بيروت، ط4، 1407ﻫ - 1987م، ولسان العرب: (طرد).

الاطراد اصطلاحاً: هو كثرة استعمال لفظ في معنى بدون قرينة حالية أو مقالية بحيث يكشف عن كون اللفظ حقيقة فيه، وقد اشتهر بين الأصوليين أن الاطراد علامة الحقيقة(1)، وقال الشهيد الصدر بشأن علامية الاطراد: ((وأما الاطراد واستعلام الوضع به، فيمكن أن يراد به احد معان:

الأول: اطراد التبادر، بان يطلق المستعلم اللفظ مراراً عديدة، وفي اوضاع وحالات مختلفة ويتبادر منه في جميع ذلك معنىً واحد، والاطراد بهذا المعنى يكون بحسب الحقيقة مشخصاً لصغرى علامية التبادر، وليس علامة مستقلة.

الثاني: اطراد الاستعمال، ويراد به صحة استعمال اللفظ في معنى معين في موارد مختلفة مع الغاء جميع ما يحتمل كونه قرينة على إرادة المجاز.

الثالث: الاطراد في التطبيق بلحاظ الحيثية التي أطلق من اجلها اللفظ، كما إذا أطلق الاسد على حيوان باعتباره مفترساً وكان مطرداً في تمام موارد وجود حيثية الافتراس في الحيوان فيكون علامة كونه حقيقة في تلك الحيثية.

الرابع: اطراد الاستعمال من دون قرينة لا بمعنى الاستدلال بصحة الاستعمال مطرداً بدون قرينة على نفي المجازية ليرجع إلى المعنى الثاني... بل بمعنى الاستدلال بالشيوع في معنى بلا قرينة على انه المعنى الحقيقي)) (2).

والخلاصة: أن الاطراد هو استعمال اللفظ في معنى معين في موارد مختلفة بدون قرينة وهو وان كان فرع التبادر إلا انه مؤكد للحقيقة؛ لأنه مجموعة تبادرات ينتفي احتمال القرينة الخفية على مراقب استعمال اللفظ عند أهل اللغة(3).

د- علامات الحقيقة والمجاز عند جمهور الأصوليين

تمتاز الحقيقة عن المجاز عندهم بوجهين:

احدهما: ما ذكره الغزالي قال: ((واعلم أن كل مجاز فله حقيقة، وليس ضرورة كل حقيقة أن يكون لها مجاز، بل ضربان من الأسماء لا يدخلها المجاز

الأول: أسماء الأعلام نحو زيد وعمرو؛ لأنها أسماء وضعت للفرق بين الزوات لا الصفات.

الثاني: الأسماء التي لا اعم منها ولا ابعد، كالمعلوم والمجهول والمذكور، إذ لا شيء إلا وهو حقيقة فيه فكيف يكون مجازاً عن شيء؟))(4).

ص: 35


1- ظ: ايضاح الفوائد في شرح اشكالات القواعد، أبو طالب محمد بن الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الاسدي الحلي المعروف بفخر المحققين(ت 771ﻫ )، 3:74، تح: السيد حسن الموسوي الكرماني والشيخ علي الاشتهاردي والشيخ عبد الرحيم البروجردي، مط: العلمية، قم، ط1، 1387ﻫ ، و ظ: جامع المقاصد في شرح القواعد، الشيخ نور الدين أبو الحسن علي بن الحسين بن عبد العالي الكركي المعروف بالمحقق الثاني(ت940ﻫ ) 12: 327، تح: مؤسسة آل البيت(ع) لاحياء التراث، مط: مؤسسة آل البيت(ع)، بيروت، ط1، 1411ﻫ - 1991م.
2- بحوث في علم الأصول(تقريراً لابحاث السيد الشهيد محمد باقر الصدر) للسيد محمود الهاشمي، معاصر، 1: 169- 171، تح: لجنة المؤتمر العالمي للشهيد الصدر، مط: مركز البحوث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر، ط1، قم، 1421ﻫ .
3- ظ: أصول الفقه، للمظفر 1: 27، ومفتاح الوصول إلى علم الأصول، البهادلي 1: 279.
4- المستصفى(المستصفى من علم الأصول)، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي الشافعي(ت 505ﻫ )، 1:344، تح: د. محمد يوسف نجم، مط: دار صادر، بيروت، ط1، 1995م.

ثانيهما: أن المجاز عند استعمال اللفظ في غير الموضوع له علائق وهي:

علامات لاستعمال المجاز وقد عدها الأصوليون من اهل السنة بأقوال مختلفة وجعلوها علائم صارفة عن الحقيقة واهم الأقوال هي:

الأول: حصرها بعلاقتين وهما: علاقة المشابهة وعلاقة المجاورة.

الثاني: حصرها بأربعة علائق وهي: المشابهة والمجاورة والسكون فيه والمأول إليه.

الثالث: حصرها في خمسة علائق: المشاكلة والمشابهة والسكون فيه والمأول إليه والمجاورة(1).

الرابع: بعضهم ذهب إلى أنها اثنتا عشرة علاقة وهي: السببية، المسببية، المشابهة، المضادة، الكلية، الجزئية، الاستعداد، السكون فيه، المجاورة، الزيادة، النقصان، التعلق الحاصل بين المصدر واسم المفعول وبهذه العلاقة يصح إطلاق اسم الفاعل على اسم المفعول وعكسه إطلاق المصدر على اسم الفاعل وعكسه وإطلاقه على اسم المفعول وعكسه(2).

والخلاصة: تعد هذه العلامات هي آليات لتشخيص الحقائق وتميزها عن المجازات لان الحقائق هي التي يدور الفقيه مدارها لأنها كاشفة عن المعاني الحقيقية للألفاظ وبالتالي تكون كاشفة عن مراد الشارع وبالتالي أن القضايا الشرعية يطلقها الشارع تكون مركبة من موضوع ومحمول ولابد على الفقيه من تشخيص معنى الموضوع الحقيقي لكي يستطيع أن يصب الحكم على المعنى الحقيقي المشخص ويكون بذلك حكم حكماً صحيحاً موافقاً للضوابط العلمية الاستنباطية.

ﻫ- أقسام الحقائق

أن للحقائق أقسام ثلاثة وهي:

1-الحقيقة الشرعية: تقدم الكلام عن تعريف الحقيقة بشكل عام، وهو الحقيقة الشرعية: بأنها هي اللفظ الذي كان وضعهُ بيد الشارع وثابتاً من قبله، فإذا ثبت أن الشارع وضع لفظاً لمعنى كلفظ(الصلاة) للهيئة المعهودة و(الصوم) للامساك المعلوم و(الزكاة) للصدقة المعروفة، أما بتنصيصهُ باني وضعت هذه الألفاظ لهذه المعاني أو باستعماله لها في تلك المعاني مجازاً، ثم صيرورتها حقيقة بكثرة الاستعمال يقال أن هذه الألفاظ حقيقة شرعية في هذه المعاني والحقيقة الشرعية في هذه الألفاظ بالنسبة إلى هذه المعاني(3).

ص: 36


1- ظ: مختصر الأصول، أبو عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر الكردي الاسنوي المعروف بابن الحاجب(ت 646ﻫ )، 1: 75، لاتح، مط: البابي الحلبي، مصر، ط1، 1965م و ظ: منهاج الوصول إلى علم الأصول، ناصر الدين عبد الله بن عمر بن محمد البيضاوي الشيرازي(ت685ﻫ ) 1: 177، تح: مصطفى شيخ مصطفى، مط: مؤسسة الرسالة ناشرون، بيروت ودمشق، ط1، 1427ﻫ / 2006م.
2- ظ: فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت، عبد العلي محمد بن نظام الدين الأنصاري اللنكوي الهندي(ت1225ﻫ )، 1: 203، لاتح، مط: دار الفكر، بيروت، لاط، لات.
3- ظ: اصطلاحات الأصول ومعظم أبحاثها، آية الله الحاج الميرزا علي المشكيني، معاصر: 117ﻫ لاتح، مط: الهادي، ط8، قم، إيران، 1423ﻫ .ق/ 1318ﻫ .ش.

وهناك مصطلح آخر يطلق عليه(الحقيقة المتشرعية) وقد عرفها المظفر بأنها: ((الألفاظ الشرعية التي جاءت عن طريق المتشرعة الذين جاءوا بعد زمان النبي (صلی الله علیه و آله) أي: عن طريق الأئمة وهذه الحقيقة خاصة الامامية)) (1).

إذاً أن الفرق بين الحقيقة الشرعية والحقيقة المتشرعيّة وأما أن دعوى ثبوت الحقيقة الشرعية تعني أن هذه الألفاظ وضعت بإزاء المعاني الشرعية في عصر النبي (صلی الله علیه و آله) وأما المتشرعية فهي عبارة عن ثبوت هذه الأوضاع في عصر الأئمة (علیه السلام) (2).

2-الحقيقة اللغوية: وعرفت بأنها أصل الحقائق الشرعية والعرفية؛ لان اللفظ وضع للمعنى أولاً، ثم نقله الشارع أو العرف إلى المعاني الأخرى(3).

وعرفت أيضاً بأنها: ((اللفظ المستعمل فيما وضع له بحسب اللغة والموضوع له بحكم جميع المعاني اللغوية المتعددة للفظ الواحد، وان تقدم بعضها على بعض، بل وكان وضعه مع هجر الأول كما في النقول اللغوية)) (4).

ومثاله: كالصلاة فأنها وضعت أولاً للدعاء ثم نقلها الشارع إلى الأفعال المخصوصة.

3-الحقيقة العرفية: هي اللفظ المستعمل فيما هو الموضوع له عرفاً، سواء كان ذلك الموضوع له العرفي هو عين الموضوع له اللغوي أم غيره لان العرف قد يخصص اللفظ في بعض مصاديقهما اللغوية وتصبح حقيقة عرفية فيه فقط، ويخرج باقي المصاديق كما في إطلاق اللحم على السمك وعدمه وبهذا تكون النسبة بين اللغوية والعرفية عموم وخصوص من وجه لأنهما يتصادقان في بعض الأحيان، ولهذا نجد كثيراً ما يأتي في كلمات الفقهاء في مورد التصادق لغة واصطلاحاً، ويفترقان في الموضوع له العرفي الحادث بالنقل أو بغير النقل مع عدم وجوده في الزمان السابق وتجدده بعده، فيصدق عليه العرفية لا اللغوية(5).

2- محددات موضوع الحكم الشرعي عند تعارض الحقائق
اشارة

تعد آلية الترجيح عند تعارض الحقائق اللغوية والشرعية والعرفية من ابرز ملامح تحديد موضوعات الأحكام الشرعية التي يفتي في ضوءها الفقيه.

وتعد هذه الآلية من نكات عملية الاستنباط الفقهية التي لابد للفقيه الإحاطة بها حتى يكون حكمه على الموضوعات دقيقاً واهم موارد التعارض هي:

ص: 37


1- أصول الفقه، المظفر: 1: 39.
2- ظ: المعجم الأصولي، الشيخ محمد صنقور علي البحراني، معاصر 2: 42، مط: مؤسسة التاريخ العربي، ط1، بيروت، 432/ 2011م.
3- ظ: أصول الفقه، المظفر 1: 39، محاضرات في أصول الفقه، الفياض 1: 30، ومفتاح الوصول إلى علم الأصول، البهادلي 1: 266.
4- هداية المسترشدين في شرح معالم الدين، الشيخ محمد تقي بن محمد رحيم بن محمد قاسم الرازي الاصفهاني النجفي(ت1248ﻫ )،: 90، تح ومط: مؤسسة صاحب الأمر(عج) قم، ط1، 1417ﻫ .
5- ظ: بدائع الأفكار، ميرزا حبيب الله بن محمد علي خان بن اسماعيل خان الرشتي النجفي(ت1312ﻫ )، : 112، لاتح، مط: مؤسسة آل البيت(ع) لاحياء التراث، لاط، لات، طبعة حجرية.
1- تعارض الحقيقة الشرعية مع الحقيقة العرفية

في هذا النوع من التعارض تقدم الحقيقة الشرعية على الحقيقة العرفية وبالتالي يحدد موضوع الحكم الشرعي عن طريق الحقيقة الشرعية دون غيرها ومن أمثلة تقديم الحقيقة الشرعية على الحقيقة الشرعية دون غيرها كما يأتي:

الأول: ما صرح به الشيخ الطوسي في كتاب الوقوف والصدقات/ إذ قال:

((فاما إذا قال: حبَّست أو سَّبلت رجع أيضاً إلى الوقف، وصار وقفاً وكان ذلك صريحاً فيه؛ لان الشرع ورد بهما ولان النبي(ص) قال لعمر: حبَّس الأصل وسبَّل الثمرة وعرف الشرع أكد من عرف العادة)) (1).

وقال الشيخ فيما إذا لم توجد للشيء حقيقة شرعية فحينئذٍ تتقدم الحقيقة العرفية فقال في باب الرضاع: ((فالمرجع في ذلك إلى العرف فيما كان في العرف رضعة فهو رضعة وما ليس في العرف رضعة فليس برضعة لان ما لا جد له في الشرع ولا في اللغة يرجع فيه إلى العرف))(2).

الثاني: قال العلامة الحلي: ((إذا وقف على جيرانه، قال الشيخان: كان من يلي داره إلى أربعين والوجه الرجوع إلى العرف الجاري بين الناس؛ لان عادة الشرع حمل اللفظ عليه عند عدم الحقيقة الشرعية)) (3).

الثالث: ما ذكره الشهيد الأول إذ قال: ((والحقيقة الشرعية مقدمة على العرفية)) (4).

الرابع: ما ذكره ابن إدريس إذ قال: ((لان عرف الشرع إذا طرأ على عرف العادة كان الحكم لعرف الشرع)) (5).

وأما جمهور الأصوليين فقد ذهبوا إلى هذا الترجيح حيث تجد ذلك في أقوال فقهاءهم، إذ قال ابن نجيم: ((إذا تعارض العرف والشرع قدم عرف الاستعمال خصوصاً في الإيمان، فإذا حلف أن لا يجلس على الفراش ولا يستضيء بالسراج لم يحنث بجلوسه على الأرض وبالاستضاءة

ص: 38


1- المبسوط في فقه الامامية، الشيخ الطوسي 3:291، تح: محمد تقي الكشفي مط: المكتبة المرتضوية لإحياء آثار الجعفرية، طهران، لاط، 1387ﻫ .
2- م ن: 3: 294.
3- تذكرة الفقهاء، الشيخ الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي(ت: 726ﻫ ) 2: 439، تح: مؤسسة آل البيت(ع) لإحياء التراث، قم، ط1، 1414، ومختلف الشيعة، للعلامة الحلي، 6: 167، تح: مؤسسة النشر الإسلامي لجماعة المدرسين، مط: جماعة المدرسين، قم، ط1، 1412ﻫ .
4- اللمعة الدمشقية، الإمام أبي عبد الله محمد بن مكي العاملي المعروف بالشهيد الأول(ت786ﻫ )، 1: 239، تح: دار الفكر، مط: دار الفكر، بيروت، ط1، 1411ﻫ .
5- السرائر، محمد بن منصور بن احمد الحلي، المعروف بابن إدريس الحلي()، 3: 52 تح: مؤسسة النشر الإسلامي، مط: جماعة المدرسين، قم، ط1، 1413ﻫ .

بالشمس وان سماها الله تعالى فراشاً وبساطاً وسمى الشمس سراجاً ولو حلف أن لا يأكل لحماً لم يحنث بأكل لحم السمك وان سماه الله تعالى لحماً في القران)) (1).

لذلك نجد أن العامة يعتقدون بوجود حقيقة شرعية في الاستعمال فقسموا ألفاظ الشارع إلى قسمين:

1-ألفاظ يتعلق بها حكم شرعي.

2-ألفاظ لا يتعلق بها حكم شرعي.

وقدموا في القسم الأول عرف الشرع على عرف الاستعمال فمثلاً الصلاة لفظ تعلق به حكم شرعي لأنه موضوع للحكم، وهي ذات الصفة المخصوصة من الركوع والسجود، فإذا حلف إلا يصلي، ثم صلى صلاة الجنائز الخالية من الركوع والسجود، يقول الشافعي هنا لا يحنث لان الصلاة التي تعلق بها الحكم الشرعي هي ذات الركوع والسجود وليس تلك الخالية من هذه الصفة كما في صلاة الجنائز.

وأما القسم الثاني: فقد قدموا عرف الاستعمال على عرف الشرع، فمثلاً لفظ(اللحم) ليس موضوعاً يتعلق به حكم شرعي في قوله تعالى: هُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً...(2)، فمن حلف أن لا يأكل لحماً لم يحنث بأكل لحم السمك، فيقدم عرف الاستعمال لأن السمك لا يسمى فيه لحماً(3).

2- التعارض بين الحقيقة العرفية والحقيقة اللغوية

إذا كان اللفظ الوارد في الخطاب الشرعي له حقيقتان: عرفية ولغوية فعلى ايهما يحمل...؟

ها هنا وجد قولان في المسألة بعد فرض عدم وجود حقيقة شرعية هذا ما ذهب إليه الشهيد الأول حيث قال: ((إذا تعارضت حقيقتان لغوية وعرفية، فان الحمل على العرفية في الأصح؛ لان العرف كالناسخ لسبق الذهن، وقيل بالحمل على اللغوية لورود الشرع بلغة العرب، فما لم ينقل الشرع لفظاً إلى معنى فهو باقٍ على أصله، هذا إذا غلبت على الاستعمال فقيل يصير مشتركاً ويكون مباحثه مباحث المشترك في الحمل على الجميع أو على احدهما بقرينة على الخلاف))(4).

وهنا لابد من بيان صور التعارض بين الحقيقة العرفية والحقيقة اللغوية وهي:

ص: 39


1- الاشباه والنظائر، للعلامة زين الدين بن إبراهيم بن محمد المعروف بابن نجيم(ت 970ﻫ ): 96- 97، تح: الشيخ زكريا عميرات، مط: دار الكتب العلمية بيروت، ط1، 1419ﻫ / 1999م.
2- النحل: 14.
3- ظ: اثر العرف في التشريع، صالح عوض، معاصر: 87 - 88، مط: دار الكتاب الجامعي، القاهرة، لاط، 1993م.
4- تمهيد القواعد، الشهيد الأول، 1:41، تح: مكتب الأعلام الإسلامي، مط: مكتب الأعلام الإسلامي، قم، ط1، 1416ﻫ / 1374ش.

الصورة الأولى: فيما إذا دار لفظ من الشارع له معنى لغوي وآخر عرفي ونعلم بتأخر المعنى العرفي عن صدور الخطاب، فهنا لا إشكال من الحمل على المعنى اللغوي لعدم وجود تعارض أصلاً لغرض عدم العرفية عند صدور الخطاب ومن ذهب إلى تقديم العرفية يجب أن لا يحمل كلامه على هذه الصورة(1).

الصورة الثانية:

ورود لفظ في خطاب شرعي(موضوع الحكم) له معنى لغوي وآخر عرفي ويعلم بحدوث عرف عام له وصل إلى حد الحقيقة حين صدور الخطاب فهنا قولان:

الأول: الحمل على اللغوية، فيكون موضوع الحكم محدداً عن طريق اللغة.

الثاني: الحمل على العرفية فيكون موضوع الحكم محدداً عن طريق العرف.

الصورة الثالثة:

في هذه الصورة إذا ورد لفظ من الشارع له معنى لغوي وآخر عرفي، ولكن لا يعلم حين صدور الخطاب هل له معنى عرفي آنذاك واصل إلى حد الحقيقة أو لا...؟، وبعبارة أخرى الشك في ثبوت المعنى العرفي حين صدور الخطاب، أو قد يعلم بوجود المعنى اللغوي وفي هذه الصورة يوجد أيضاً قولان:

الأول: الحمل على الحقيقة اللغوية:

ودليله أن العرفية حادثة فينطبق أصالة تأخر الحادث أما اللغوية باقية فيشك فيها في الزمان اللاحق فتستصحب.

ونوقش هذا الدليل: بأنه لو كان الغرض من الاستصحاب ثبوت وجوب شيء أو حرمته فسوف يعارضه استصحاب آخر هو استصحاب عدم التكليف هذا من جهة، ومن جهة أخرى: إذا كان الحمل على المعنى اللغوي يخصص ظاهر اللفظ فسوف يعارض بأصالة عدم التخصيص(2).

الثاني: الحمل على الحقيقة العرفية: وذكرت لهذا القول عدة أدلة منها:

1-غالبية ثبوت العرف عادة في زمن الشارع فيلحق محل الشك بهذه الاغلبية.

2-ثبوت العرف الهام قبل التشريع.

3-السيرة العامة عند الناس على حمل اللفظ على ما يفهمونه من معنى ولا يخصصون هذا الحمل على عدم المعنى اللغوي.

4-مشهورية الحمل على العرف وهذه الأدلة مناقشاً فيها.

ص: 40


1- ظ: نظرية العرف بين الشريعة والقانون، السيد نذير الحسيني، معاصر، : 218، مط: التوحيد منشورات المركز العالمي للدراسات الإسلامية، قم، ط1، 1427ﻫ .
2- ظ: العرف والعادة في رأي الفقهاء، احمد فهمي أبو سنة،: 37، مط: الأزهر القاهرة، ط1، 1947م، و ظ: الدليل ومناقشته في نظرية العرف بين الشريعة والقانون، السيد نذير الحسني: 218.

واختلف الفقهاء في صور أخرى فمثلاً فيما إذا كان هناك لفظ موضوع في العرف العام المعنى معين ولكن في اللغة له اشتقاق متعدد ومثلوا له بلفظ(الضارب)، فالعرف يستعمله في القتل وعلى هذا الغرض يكون مخالف لما استعمل في اللغة لان هذا اللفظ في اللغة هو اسم فاعل من الضرب وهو غير القتل، فهنا ذهب بعضهم إلى العرف وبعضهم إلى اللغة وهكذا وسوف تتضح مباني العلماء في تحديد موضوع الحكم الشرعي عند تعارض اللغة مع العرف من خلال ذكر بعض التطبيقات الفقهية وهذه التطبيقات تختلف باختلاف الصور المتقدمة.

والخلاصة:

نجد هناك اختلاف بين الفقهاء في المباني المحددة لموضوع الحكم الشرعي في حال تعارض معاني الموضوع الشرعية والعرفية واللغوية وهذا الاختلاف اثر على استنباط المسائل الشرعية التي اختلفت باختلاف المباني ولهذا نستكشف أن لمعرفة الحقائق بأقسامها مدخلية في تشخيص موضوعات الأحكام الشرعية وبالتالي أن الفقيه يصب الحكم الشرعي في ضوء فهم موضوعه وفق المسالك المتقدمة.

ص: 41

3- محددات موضوعات الأحكام الشرعية عند الشك في مراد المتكلم
اشارة

ذكر العلماء أن هناك أصول لفظية يصار إليها عند الشك في مراد المتكلم وتلك الأصول تكون محددة لموضوعات الأحكام الشرعية عند الشك في المراد الجدي للمتكلم بسبب بعض الطوارئ التي تولد احتمالاً على خلاف الظاهر كأصالة عدم التخصيص عند الشك في طرو مخصص على العام وأصالة عدم التقييد عند الشك في اقامتها على خلاف الحقيقة وتجمعها (أصالة الظهور) وهذه الأصول إنما تجري عند الشك في تعيين المراد ولا تجري فيما إذا علم باستعمال لفظ في معنى وشك في كون الاستعمال على نحو الحقيقة والمجاز لتثبت انه على نحو الحقيقة، باعتبار أن المجاز مما يحتاج إلى قرينة وأصالة عدم القرينة تدفعها، بل تجري إذا احتملنا إرادة احد معنيين حقيقي ومجازي ولم نستطع تعيينه بالذات فأصالة عدم القرينة تعين المعنى الحقيقي منهما(1).

ويقع الكلام في الأصول اللفظية في مقامين:

الأول: في حجية هذه الأصول.

الثاني: أهم هذه الأصول اللفظية.

المقام الأول: حجية الأصول اللفظي

أن المدرك والدليل في جميع هذه الأصول هو تباني العقلاء في الخطابات الجارية بينهم على الأخذ بظهور الكلام وعدم الاعتناء باحتمال إرادة خلاف الظاهر، كما لا يعتنون باحتمال الغفلة أو الخطأ أو الهزل أو إرادة الإهمال والإجمال فإذا احتمل الكلام المجاز أو التخصيص أو التقييد أو التقدير لا يوقفهم ذلك عن الأخذ بظاهره، كما يلغون أيضاً احتمال الاشتراك والنقل ونحوهما ولابد للشارع قد أمضى هذا البناء وجرى في خطاباته، على طريقتهم هذه، وإلا لزجرنا ونهانا عن هذا البناء في خصوص خطاباته، أو ليبين لنا طريقته لو كان له غير طريقتهم طريقة خاصة يجب إتباعها ولا يجوز التعدي عنها إلى غيرها فيعلم من ذلك على سبيل الجزم أن الظاهر حجة عنده كما عند العقلاء(2).

المقام الثاني: أهم الأصول اللفظية
أ- أصالة الحقيقة

ومعنى هذا الأصل انه إذا شك في إرادة المعنى الحقيقي أو المجازي من اللفظ بان لم يعلم وجود القرينة على إرادة المجاز مع احتمال وجودها، فيقال حينئذٍ الأصل الحقيقة أي: أن الأصل

ص: 42


1- ظ: الأصول العامة للفقه المقارن، السيد محمد تقي بن سعيد الحكيم(ت 1418ﻫ ): 232 تح ومط: المجمع العالمي لاهل البيت(ع) قم، ط1، 1997م. و ظ: أصول الفقه، المظفر 1: 25.
2- ظ: تهذيب الأصول، للسيد عبد الأعلى السبزواري(ت) 1: 21، لاتح، مط: الآداب، النجف الأشرف، ط1، 1399ﻫ / 1979م و ظ: أصول الفقه، المظفر 1: 34.

أن نحمل الكلام على معناه الحقيقي، فيكون حجة فيه للمتكلم على السامع وحجة فيه للسامع على المتكلم، فلا يصح من السامع الاعتذار في مخالفة الحقيقة بان يقول للمتكلم لعلك أردت المعنى المجازي، ولا يصح الاعتذار من المتكلم بان يقول للسامع، إني أردت المعنى المجازي(1).

ومثاله إذا ورد لفظ(أسد) واحتملنا أن يكون المراد منه معناه الحقيقي وهو(الحيوان المفترس) أو المعنى المجازي وهو(الرجل الشجاع) فيحمل الكلام على المعنى الحقيقي تمسكاً بأصالة الحقيقية.

ب- أصالة العموم

ومعنى هذا الأصل انه إذا ورد لفظ عام وشك في إرادة العموم منه أو الخصوص أي: شك في تخصيصه، فيقال حينئذٍ الأصل العموم فيكون حجة في العموم على المتكلم أو السامع ومثاله: لو قال قائل: (العلماء يجب إكرامهم) واحتملنا أن يراد بعض العلماء ولا قرينة تدل على هذه الإرادة نحمل الكلام على عموم العلماء تمسكاً بأصالة العموم(2).

بتقريب: أن موضوع الحكم هنا نشك به هل هو عام أو خصص فهنا أصالة العموم تنقح وتحدد الموضوع على انه عام فيكون الحكم الشرعي عاماً تبعاً لموضوعه.

ومثاله الفقهي: إذا ورد لفظ عام مثل: البيع والربا في قوله تعالى احل الله البيع وحرم الربا(3)، ففي الآية عموم لسائر صور البيع إلا أن البيان النبوي خصصهما بما نهي عنه ومنع العقد عليه كبيع الخمر وبيع الميتة وبيوع الغرر وكذلك خص التحريم من عموم الربا المثلين المقدرين بالوزن والكيل مع الزيادة، فإذا ظهر عندنا بيع المعاطاة فهنا نحكم بمشروعيته لان البيع الذي وقع موضوعاً للحكم الشرعي عاماً شاملاً لجميع أنواع البيوع التي لم يرد عن الشارع المنع عنهما فيكون بيع المعاطاة محللاً لأنه احد مصاديق العام فيطبق أصالة العموم الدالة على حليته(4).

ص: 43


1- ظ: أصول الفقه، المظفر 1: 30، ومفتاح الوصول إلى علم الأصول البهادلي: 1: 280.
2- ظ: أصول الفقه، المظفر: 1: 32، ومفتاح الوصول إلى علم الأصول، البهادلي: 1: 280.
3- البقرة: 275.
4- ظ: محاضرات في تفسير آيات الأحكام، الأستاذ الدكتور عبد الأمير زاهد: 96 مط: العارف للمطبوعات، بيروت، لبنان، ط1، 2009م.
ج- أصالة الإطلاق

ومعنى هذا الأصل إذا ورد لفظ مطلق له حالات وقيود يمكن إرادة بعضها وشك في إرادة هذا البعض لاحتمال وجود القيد كما لو قال المولى: (اعتق رقبة) وشككنا بوجود قيد(المؤمنة)، فهنا التكليف الشرعي يتحقق بعتق أي رقبة لان موضوع الحكم الشرعي(رقبة) مطلق ويتحقق الامتثال الوجوبي بعتق أي فرد من أفراد الرقبة، أي أن الحكم الوجوبي انصب على الموضوع المطلق ويتحقق الموضوع المطلق بتحقق أي فرد من أفراده في مقام الامتثال فتحصل انه عند الشك في الإطلاق والتقييد مع عدم ورود قيد يكون الأصل هو الإطلاق(1).

د- أصالة عدم التقدير

ومعنى هذا الأصل انه إذا ورد لفظ في ألفاظ المتكلم ثم شككنا في كلامه وجود مضاف أم لا مع عدم وجود قرينة تدل على الإضافة ومثاله لو قال المتكلم: (زارني الأمير) واحتملنا تقدير مضاف كان المتكلم يقصد من قوله(زارني نائب الأمير) ولا قرينة تدل على هذا التقدير، فهنا يشخص الموضوع بواسطة نفي التقدير ويصب الحكم الشرعي عليه(2).

ﻫ- أصالة عدم النقل

ومعنى هذا الأصل أن رد لفظ كان المعنى ثم نقل إلى معنى آخر(نقلاً تعيينياً أو تعينياً) ولا ندري أن المتكلم أراد منه المعنى القديم أو المعنى الجديد- بسبب جهلنا بتاريخ النقل أو تاريخ الاستعمال أو كليهما، مثل كلمة الطهارة في قوله تعالى((أن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين)) وهنا نشك في الطهارة الواقعة موضوعاً للحكم هل المراد بها الطهارة بمعناها اللغوي وهي النظافة والنزاهة أو المراد منها الطهارة بمعناها الجديد الشرعي وهو الوضوء أو الغسل أو التيمم، فمع هذا الشك لنا التمسك بأصالة عدم النقل لحمل الآية على المعنى اللغوي(3)

و- أصالة عدم الاشتراك

ومعنى هذا الأصل: إذا وضع لفظ المعنى وكان موضوعاً لمعنى آخر ولم يهجر استعمال اللفظ في المعنى المعنى الأول - كما هجر في المنقول - وشككنا في أن المتكلم أراد المعنى الأول أو المعنى الثاني، إذ لا قرينة معينة للمراد ولا علم لنا بتاريخ الوضع الثاني هل هو سابق للاستعمال أو هو متأخر عنه، فيمكننا حمل اللفظ على المعنى الأول تمسكاً بأصالة عدم الاشتراك وبتقريب: عند الشك في مراد المتكلم في حال استعمال اللفظ المشترك وكان له معنى أول ومعنى آخر ولم يهجر الأول فان تشخيص وتنقيح موضوع الحكم الشرعي يكون عن طريق

ص: 44


1- ظ: أصول الفقه، المظفر 1: 32.
2- ظ: مفتاح الوصول إلى علم الأصول، البهادلي 1: 281.
3- ظ: مفتاح الوصول إلى علم الأصول، البهادلي 1: 82، وأصول الفقه، المظفر 1: 32.

أصالة عدم الاشتراك فيتعين أن يكون معنى موضوع الحكم الشرعي هو الأول ثم بعد ذلك يحكم على ضوء المعنى الأول الذي هو الموضوع المشخص(1).

ی- أصالة الظهور

ومعنى هذا الأصل: إذا كان اللفظ ظاهراً في معنى خاص لا على وجه النص فيه الذي لا يحتمل معه الخلاف، بل كان يحتمل إرادة خلاف الظاهرة، فان الأصل حينئذٍ أن يحمل الكلام على الظاهر، ويذهب العلماء إلى أن هذه الأصول اللفظية راجعة إلى أصالة الظهور فمثلاً أن الكلام إذا احتمل المجازية فهو ظاهر في الحقيقة وإذا كان محتمل التقييد فهو ظاهر في العموم وهكذا في البقية وعليه أن المدار في تحديد الموضوعات الشرعية هو الظهور(2).

المطلب الرابع: أمثلة تطبيقية

1- أمثلة تطبيقية عند تعارض الحقائق
أولاً: عند الإمامية

أ) قدم الشيخ الطوسي العرف وأهمل المعنى اللغوي عندما قال: ((فمتى ورد خطاب من الله تعالى أو من النبي(ص) نُظر فيه، فان كان استعماله في اللغة والعرف والشرع سواء حمل على مقتضى اللغة وان كان له حقيقة في اللغة وصار في العرف حقيقة في غيره وجب حمله على ما تعورف في العرف)) (3).

وقال في موضع آخر: ((أن الخطاب ينبغي أن يحمل على ما تعورف ويترك ما كان موضوعاً له؛ لأنه بالعادة قد صار حقيقة فيما اعتد فيه)) (4).

ولكن أطلاقات كلام الشيخ في بعض الموارد الفقهية يستفاد منها تقديم اللغة على العرف، فنلاحظ ترتيب مراحل الرجوع في هذه المسألة تبتدأ من الشرع إلى اللغة، ثم العرف وهذا يقتضي تقديم اللغة على العرف، وذهب الشيخ الطوسي إلى هذا المعنى في مسألة الإحياء دون ما لا يكون، غير انه إذا قال النبي (صلی الله علیه و آله) : (من أحيا أرضاً فهي له)، ولم يوجد في اللغة معنى ذلك فالمرجع في ذلك إلى العرف والعادة، فما عرفه الناس إحياء في العادة كان إحياءً وملكت به الموات))(5).

ب) المحقق الحلي مبناه مضطرب فانه تارة يقدم العرف على اللغة وأخرى يتردد، ففي تقديم العرف على اللغة قال: ((إذا ورد منه تعالى خطاب وليس فيه عرف ولا شرع وجب حمله على

ص: 45


1- ظ: المصادر السابقة
2- ظ: أصول الفقه، المظفر: 1: 33، ومفتاح الوصول، البهادلي 1: 283.
3- العدة في أصول الفقه، الشيخ الطوسي 1: 172.
4- م ن: 1: 360.
5- المبسوط، الشيخ الطوسي 5: 294.

وضع اللغة لأنه أصل، فان كان فيه وضع وعرف وجب على العرف دون أصل الوضع، لان العرف طارئ على أصل الوضع وكالناسخ له والمؤثر فيه)) (1).

وفي موضوع آخر تردد في التقديم والتأخير بينهما فقال: ((لو قال لا شربت لك ماءً من عطش، فهو حقيقة في تحريم الماء، وهل يتعدى إلى الطعام؟

قيل: نعم عرفاً، وقيل: تمسكاً بالحقيقة)) (2).

ج) ما ذهب إليه العلامة الحلي، إذ قدم الوضع على العرف تارة وأخرى قدم العرف على الوضع، فمثلاً من الموارد التي قدم فيها الوضع عل العرف في مبحث الزكاة قال: ((قال بعض علمائنا: إنما تجب الزكاة عندما يسمى تمراً وزبيباً وحنطة وشعيراً وهو بلونها حد اليبس، واختاره ابن جنيد، لأن البسر يسمى تمراً لغة فيتعلق به الوجوب، واحتجوا بأنه يسمى بسراً لا تمراً في العرف والوجوب الاعتبار بتسمية اللغة لا بالعرف)) (3).

ولعل العلامة لعدم تحقق الحقيقة العرفية هنا فقدم الوضع على العرف، وكذلك قدم اللغة في مسألة الإحياء، إذ قال: ((والمرجع فيه إلى العرف لعدم التنصيص شرعاً ولغة)) (4).

د) ذهب محمد حسن النجفي إلى تقديم اللغة على العرف حيث قال: ((والحاصل أن الذي ينبغي النظر إلى حال العرف في مثل هذا الزمان، فما يعلم حدوثه ولا يلتفت إليه وما لا يعلم تعلق به الحكم لأنه به يستكشف العرف السابق وتثبت اللغة أن لم يعلم مغايرتها وإلا أن علم مغايرة اللغة للعرف قدم عليها أي قدم العرف على اللغة ... على الأصح)) (5).

ثانياً: عند جمهور الأصوليين

أ) ما ذكره السيوطي إذ قال: ((أن تطابق العرف والوضع فذاك وان اختلافاً، فكلام الأصحاب يميل إلى الوضع، والإمام الرافعي والغزالي يريان اعتبار العرف وقال في كتاب الإيمان الرافعي: ((أن عمت اللغة قدمت على العرف)) (6).

ص: 46


1- شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، الشيخ نجم الدين جعفر بن الحسن المعروف بالمحقق الحلي(ت 676ﻫ ) 4: 75، تح: السيد صادق الشيرازي، مط: انتشارات استقلال، طهران ط2، 1409ﻫ .
2- شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، الحلي: 4: 36 - 37.
3- مختلف الشيعة، العلامة الحلي 1: 60، تح ومط: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، ط1، 1413ﻫ .
4- م ن:6: 280.
5- جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، الشيخ محمد حسن بن باقر بن عبد الرحيم النجفي المعروف بالجواهري(ت1266ﻫ ) 1: 190، مط: دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط7، 1401ﻫ .
6- الاشباه والنظائر في قواعد وفروع الشافعية، للإمام جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر ابن محمد السيويطي(ت 911ﻫ ) 1: 227، لاتح، مط: مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، لاط، 1378ﻫ / 1959م.

وذكر بعض التفريعات الفقهية على ذلك فقال: ((لو حلف إلا يشرب ماء حنث وان لم يعتد شربه، اعتباراً بالإطلاق والاستعمال اللغوي ومنها: لو حلف إلا يسكن بيتاً، فان كان بدوياً حنث بالمبني وغيره؛ لأنه تظاهر فيه العرف الكل واللغة؛ لان الكل يسمونه بيتاً وان كان من أهل القرى فوجهان بناءً على الأصل المذكور)) (1).

ب) ذكر السبكي الخلاف الواقع بين علماء العامة حول ما يقدم عند تعارض الحقيقة اللغوية والحقيقة العرفية فقال: ((واشتهر عند الفقهاء، وان ما ليس له ضابط في اللغة ولا في الشرع يرجع فيه إلى العرف، وهذا صريح في تقديم اللغة على العرف وعند الأصوليين أن العرف مقدم على اللغة)) (2).

2- أمثلة تطبيقية في علامات الحقيقة والمجاز

1-قال السيد المراغي: في علامات الحقيقة والمجاز المحددة لموضوع الحكم الشرعي: ((أمّا الشهر: فاستعمالاته ثلاثة:

احدهما: الشهر الشمسي، وهو مدة مسير الشمس في احد البروج فقد يكون ثلاثين، وقد يزيد واحد وقد يزيد اثنان، وهذا الإطلاق مجاز غير متبادر عن إطلاقه ويصح سلبه وليس لهذا المعنى في اللغة والعرف اثر، وإنما هو اصطلاح من أهل التنجيم.

ثانيهما: إطلاقه على ثلاثين يوماً، وهو المسمى بالشهر العددي.

ثالثهما: إطلاقه على ما بين الهلالين، وافق ثلاثين ونقص واحد والكلام في انه هل هو حقيقة فيهما أو في احدهما دون الآخر؟ وعلى الأول هل هو على الاشتراك لفظاً أو معنىً ...؟ الذي اراه الاشتراك معنىً على سبيل التشكيك، دفعاً للمجاز والاشتراك وتبادر القدر المشترك وعدم صحة السلب عنهما لكن الفرد المتبادر منه هو الهلالي، فيحمل إطلاقه عليه ما لم تكن هناك قرينة على العددي أو الأعم))(3).

2-قال العلامة الحلي: في تحديد موضوع(اليوم) الذي يكون مصب للأحكام الشرعية متعددة:

((أما اليوم فيطلق على معان ثلاثة:

الأول: من طلوع الشمس من الافق إلى غروبها بحيث لا يدخل فيه الليل ولا ما بين الطلوعين للفجر.

الثاني: من طلوع الفجر الصادق إلى الغروب.

ص: 47


1- الاشباه والنظائر في قواعد وفروع الشافعية، السيوطي: 1: 227،
2- الاشباه والنظائر، تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي(ت 771ﻫ ) 1: 51، تح: الشيخ عادل احمد عبد الموجود والشيخ علي محمد عوض، مط: دار الكتب العلمية، بيروت، لاط، 1422ﻫ / 2001م.
3- العناوين، المراغي، 1: 198.

الثالث: إطلاقه على مجموع اليوم والليلة من الطلوع إلى الطلوع.

والحق أن المعنى الثالث مجاز لأنه خلاف التبادر ويصح السلب عن المجموع المركب وقرينة التقابل بين اليوم والليلة في العرف واللغة ومجرد الاستعمال لو ثبت فهو لا يفيد الحقيقة مع انه .... وأما المعنيان الأولان: فالحق أن الثاني حقيقة في العرف واللغة لأنه متبادر منه ولا يصح سلبه عنه))(1).

ص: 48


1- قواعد الأحكام، العلامة الحلي، 1: 55.

المبحث الثاني: الاستعمال

المطلب الأول: أثر الاستعمال في تحديد موضوع الحكم الشرعي

يعد الاستعمال من المباحث المهمة التي يرتكز عليها الفقيه في كشف مراد المتكلم، فعملية كشف مراد المتكلم من جهة بيان معنى موضوعه المراد ومحدداته للوصول إلى الحكم فهو يختلف باختلاف موارد الاستعمال، فتارة أن المتكلم يستعمل المعنى الحقيقي فيحكم الفقيه على الظهور الحقيقي وتارة يستعمل المتكلم المعنى المجازي وأخرى يستعمل اللفظ المشترك المفرد في أكثر من معنى واستعمال اللفظ المثنى والمجموع في أكثر من معنى وهكذا فيكون الحكم الشرعي تابعاً لاستعمال المتكلم في بيان معنى موضوعه.

المطلب الثاني: مفهوم الاستعمال لغة واصطلاحاً

1- مفهوم الاستعمال لغة

يطلق الاستعمال في اللغة على عدة معاني، يقال: استعملته، أي: جعلته عاملاً واستعملته: سألته أن يعمل، واستعملت الثوب ونحوه، أي: أعملته فيما يعَّد له والأول والثاني يرجعان إلى نفس طلب العمل من العاقل والثالث إذ انه يتوجه إلى غير ذوي العقول، فانه يرجع إلى الأعمال، ضرورة عدم تعقل توجه الطلب إليهم(1).

2- مفهوم الاستعمال اصطلاحاً

هو بمعنى: ((إطلاق اللفظ لإفادة المعنى وتفهيمه)) (2).

والمراد من الاستعمال بدواً ((هو ألقاء اللفظ واستخدامه أداةً لغرض تفهيم المعنى المراد في نفس المتكلم، فهو يختلف عن الدلالة من جهة ارتباطها بالمتلقي للفظ فهو ينتقل من اللفظ إلى المعنى بسبب العلاقة الحاصلة بين اللفظ والمعنى فهو يستفيد من هذه العلاقة لتصور المعنى عند إطلاق اللفظ، وأما الاستعمال فهو مرتبط بالمتكلم، وهو أيضاً يستفيد من العلاقة بين اللفظ

ص: 49


1- ظ: الصحاح(تاج اللغة وصحاح العربية)، أبو منصور إسماعيل بن حماد الجوهري(ت393ﻫ ) مادة(عمل)، تح: احمد عبد الغفور عطار، مط: دار العلم للملايين، بيروت، ط4، 1407ﻫ / 1987م. و ظ: المصباح المنير، الفيومي: (عمل) ولسان العرب: (عمل) و ظ: القاموس المحيط والقاموس الوسيط، مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب بن محمد الفيروز ابادي(ت817ﻫ ) مادة(عمل)، تح: محمد عبد الرحمن المرعشي، مط: دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط2، 1424ﻫ /2003م.
2- التحبير في شرح التحرير في أصول الفقه، علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان المرادي الدمشقي الحنبلي(ت885ﻫ )، 1: 290، تح: د. عوض القرني ود. احمد السراح، مط: مكتبة الرشد، الرياض، ط1، 1421ﻫ / 2000م.

والمعنى ولكن لغرض أخطار المعاني الحاضرة في نفسه أي أخطارها في ذهن السامع وذلك باتخاذ اللفظ وسيلة لذلك))(1).

إذاً الاستعمال وهو العلاقة بين اللفظ والمعنى وهذا له جانبان:

1-جانب يرتبط بالسامع وهو انتقال ذهنه من احدهما - اللفظ والمعنى - إلى الآخر وهذا ما يرتبط بالجانب الدلالي.

2-جانب يرتبط بالمتكلم، وهو أن المتكلم يستعمل اللفظ في معناه ويتخذه أداة لتفهيمه ويعبر عن هذه العلاقة بالاستعمال.

إذاً الاستعمال ليس مجرد استعمال اللفظ في معناه بل لابد من اقترانه بالإرادة الاستعمالية.

وتوضيح ذلك: لابد من بيان معنى الإرادة الاستعمالية:

اختلف الأصوليون في تفسير الإرادة الاستعمالية لاختلافهم في تفسير حقيقة الاستعمال على أقوال أهمها:

أ-ما ذهب إليه المشهور إذ قالوا أن الاستعمال إيجاد المعنى باللفظ، وجعل اللفظ فانياً فيه ووجهاً وعنواناً له(2).

ب-الاستعمال: هو إيجاد المعنى في الخارج باللفظ إيجاداً عرضياً(3).

ج-الاستعمال: هو العمل بالتعهد والالتزام النفسي بإبراز المعنى بلفظ خاص عند قصد التفهيم(4)

د-الاستعمال: هو التلفظ باللفظ بما انه دال بحسب طبعه وصالح في ذاته لإيجاد صورة المعنى في الذهن(5).

ص: 50


1- المعجم الأصولي، محمد صنقور علي: 1: 327.
2- ظ: محاضرات في أصول الفقه، الفياض: 1: 218 - 219.
3- ظ: نهاية الدراية في شرح الكفاية، محمد حسين بن محمد حسن علي اكبر الكمباني الاصفهاني الغروي المعروف بالمحقق الاصفهاني(ت1361ﻫ ) 1: 152، تح: الشيخ أبو الحسن القائمي، مط: مؤسسة آل البيت(ع) لإحياء التراث، قم، ط1، 1415ﻫ .
4- ظ: محاضرات في أصول الفقه: الفياض: 1: 219.
5- ظ: بحوث في علم الأصول، الصدر: 1: 132.

المطلب الثالث: شروط الاستعمال

ذكر الأصوليون للاستعمال شروط مقدمة للاستعمال وهي:

1-أن يكون في اللفظ صلاحية الدلالة على المعنى.

2-أن يكون المستعمل والمستعمل فيه بينهما تغاير فلا يعقل وحدتهما.

3-ينبغي أن يكون لحاظ اللفظ لحاظاً الياً بمعنى أن يكون مرآة للمعنى، فلا ينظر إلى اللفظ بما هو، بل بما هو مرآة للمعنى، كما ينبغي أن يكون لحاظ المعنى استقلالياً، بمعنى أن يكون مستقلاً في مقابل اللفظ ولا ينافي أن يكون مرآة لمعنونه وهو(زيد) بلحاظه مستقلاً بالنسبة إلى اللفظ وبلحظ مرآة لمعنونة وهو(زيد) الموجود في الخارج(1).

4-استحضار المستعمل الجهة المصححة لدلالة اللفظ على المعنى والجهة المصححة في المعنى الحقيقي هي الوضع، فالعلقة الوضعية هي المصححة لاستعمال اللفظ في معناه الموضوع له والجهة المصححة في المعنى المجازي هي العلقة الوضعية مضافاً إلى القرينة، وكانه لا إشكال عند الأصوليين في عدم لزوم استحضار الجهة المصححة للاستعمال الحقيقي وأما الجهة المصححة للاستعمال المجازي، فقد ادعي استحضارها، لكن يرى الشهيد الصدر عدم لزوم ذلك(2).

المطلب الرابع: محددات موضوع الحكم الشرعي بالاستعمال

اشارة

إنّ هناك محددات لموضوع الحكم الشرعي تختلف باختلاف موارد الاستعمال واهم تلك الموارد ما يأتي:

أ- استعمال اللفظ في المعنى
اشارة

وهو على أقسام في المعنى:

1- الاستعمال الحقيقي

والمراد منه هو استعمال اللفظ للدلالة على معناه الحقيقي، والمعنى الحقيقي للفظ هو المعنى الذي وضع لغرض الدلالة عليه، فالعلاقة بينهما نشأت عن الأوضاع اللغوية، ولذلك تكون دلالة اللفظ على معناه الموضوع له دلالة ابتدائية لا تناط بشيء آخر وذلك في مقابل دلالة اللفظ على المعنى المجازي إذ أنها منوطة بوجود تناسب بين المعنى المجازي والمعنى الموضوع له فهي متأخرة عن دلالة اللفظ على معناه الحقيقي، وبهذا يتضح أنَّ الاستعمال الحقيقي هو استعمال اللفظ للدلالة على معناه الأولي الحقيقي والذي نشأ عن العلقة الوضعية بينهما(3).

ص: 51


1- ظ: بحوث في علم الأصول: الصدر: 1: 140.
2- م ن: 1: 142.
3- ظ: معجم الأصول: صنقور: 1: 229.

ومثال ذلك مثلاً: إذا امرنا المولى وقال: (اقم الصلاة)، فهنا لابد من تحديد وتنقيح معنى(الصلاة) التي هي موضوع الحكم، ثم بعد ذلك يصب حكم الوجوب عليها المستفاد من صيغة(افعل) وهو فعل الأمر(اقم) فهنا إذا حددنا أن لفظ(الصلاة) استعملها المولى استعمالاً حقيقياً سوف نشخص معنى موضوع الحكم على نحو الحقيقة وبالتالي يمتثل العبد لذلك الأمر بعد تشخصه وهذا مما لا إشكال فيه عند الأصوليين(1).

2- الاستعمال المجازي

والمراد من الاستعمال المجازي هو استعمال اللفظ للدلالة على معنى لم يكن اللفظ قد وضع لغرض الدلالة عليه وإنما وضع للدلالة على معنى آخر، فالدلالة على المعنى المجازي واقعة في طول الدلالة على المعنى الحقيقي، إذ أنها تفترض وجود معنى حقيقي للفظ ويكون المستعمل قد تجاوز هذا المعنى إلى معنىً آخر مستعيناً على ذلك أما بالتناسب بين المعنيين الحقيقي والمجازي أو بالقرينة(2).

ومثال ذلك: إذا أمر المولى عبده وقال له(اتني باسد) وكان المقام مقام حرب فيكون هذا المقام محدداً ومنقحاً للموضوع وهو(الاسد) باعتبار أن قرينة المقام تنفي المعنى الحقيقي(للاسد) وهو الحيوان المفترس وناسب المقام هو المراد من(أسد) هو(الرجل الشجاع) فهنا الاستعمال المجازي شخص موضوع الحكم وبالتالي انصب الوجوب عليه.

3- استعمال اللفظ المفرد في أكثر من معنى

المراد من هذا العنوان هو استعمال لفظ واحد وإرادة معنيين أو أكثر من ذلك اللفظ، ففي الوقت الذي يكون فيه المعنى الأول مراداً من اللفظ يكون المعنى الثاني كذلك وهكذا الثالث، فبدلاً من استعمال اللفظ مرتين للكشف عن مدلولين مستقلين يستعمل اللفظ مرة واحدة لغرض الكشف عن مدلولين مستقلين وواضح أن موارد استعمال اللفظ في أكثر من معنى هو استعمال اللفظ المشترك وإرادة مجموع معانيه من ذلك الاستعمال(3).

ومثاله: أن يقول المتكلم: (رأيت عيناً) ويريد بذلك العين النابعة والباصرة والذهب.

وكذلك يشمل هذا الاستعمال، استعمال اللفظ وإرادة معنيين احدهما حقيقي والأخر مجازي وكما يشمل استعمال اللفظ وإرادة معنيين مجازيين، ومثال الأول لو قال المتكلم: (رأيت قمراً) وأراد من(القمر) الكوكب السماوي والوجه الصبيح، ومثال الثاني: لو قال المتكلم: (احذر عدوك) وأراد من العدو(الحسد والكسل).

ص: 52


1- ظ: محاضرات في أصول الفقه: الفياض: 102، وكفاية الأصول: الخراساني: 14، بحوث في علم الأصول: الصدر: 1: 147.
2- ظ: المعجم الأصولي: صنقور: 1: 237.
3- ظ: المعجم الأصولي: صنقور: 1: 230.

وهنا وقع النزاع بين الأصوليين في استعمال اللفظ المفرد المشترك في أكثر من معنى فبعضهم ذهب إلى امتناعه كالمحقق الخراساني، والمحقق النائيني والمحقق الاصفهاني(1)، وذهب المحقق القمي والسيد الخوئي والسيد الصدر والسيد الخميني(2)، إلى إمكانه.

ومثاله لو قال المولى: (عليك بالخلة) فالموضوع هو(الخلة) وهو لفظ مشترك له معان متعددة وهي: (المودة، والمراءة والحاجة والخصلة) (3).

فبناءً على مبنى القائلين بامكان استعمال اللفظ المشترك في أكثر من معنى يكون تحديد الموضوع من جهة الامتثال لامر المولى باتيان جميع هذه المعاني المتقدمة وأما بناءً على قول المانعين من استعمال المفرد المشترك في أكثر من معنى فان تحديد الموضوع في القضية المتقدمة هو الآتيان بمعنى واحد من المعاني المتقدمة.

4- استعمال اللفظ مثنى أو مجموع

وإرادة معنيين في التثنية واكثر في الجمع فتكون المعاني المثناة والمجموعة مراده من المتكلم إذ أن اللفظ المثنى يكون استعماله مرتين للكشف عن مدلولين مستقلين وكذا الحال استعمال اللفظ المجموع في أكثر من مرتين للكشف عن مداليل متعددة(4).

اختلف الأصوليون في هذا الاستعمال إلى قولين

الأول: ذهب إلى منع هذا الاستعمال، فقالوا لا فرق بين المفرد والمثنى والمجموع في هذا الاستعمال لان المستفاد من كلمات اللغويين أن علامة التثنية والجمع إنما تدل على تعدد ما يراد من المفرد الذي دخلت عليه فكلمة(عينان) لا تدل إلا على تثنية(عين) فما دلت عليه هذه الكلمة تدل علامة التثنية على تعدد(5).

فتحديد الموضوع بقول المولى(عليك بعينين) بناءً على قول المانعين أن المراد بالتثنية هنا هو العين الباصرة والتثنية تكون تعدداً لذلك المعنى الواحد أي عينين من الباصرة وذهب السيد

ص: 53


1- ظ: كفاية الأصول: الخراساني: 36، اجود التقريرات: السيد الخوئي، (تقريراً لابحاث الشيخ محمد حسين الغروي النائيني(ت1355ﻫ ): 51، تح ومط: مؤسسة صاحب الأمر(عج)،قم،ط1،1419ﻫ . و ظ نهاية الدراية1: 152.
2- ظ: القوانين المحكمة في الأصول، أبو القاسم بن حسن بن نظر علي الجيلاني المعروف بالمحقق القمي (ت1231ﻫ ) 1: 33، تح: المؤسسة التابعة لجماعة المدرسين، مط: جماعة المدرسين، قم، ط1، 1428ه، و ظ: محاضرات في أصول الفقه: 1: 221 - 222،(7) بحوث في علم الأصول: 1: 155. و ظ: تهذيب الأصول الشيخ جعفر بن محمد السبحاني، (تقريراً لابحاث الإمام السيد روح اله الموسوي الخميني ت1409ﻫ ) لاتح، مط: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، لاط، 1405ﻫ / 1363.
3- المشترك اللفظي في اللغة العربية، للاستاذ الدكتور عبد الكريم شديد محمد، : 114، مط: مركز البحوث والدراسات الإسلامية، ديوان الوقف السني، جمهورية العراق، لاط، 1428ﻫ / 2007م.
4- ظ: المعجم الأصولي: صنقور: 1: 231.
5- ظ: كفاية الأصول: 37، ومحاضرات في أصول الفقه 1: 122 وظ: منتهى الدراية في توضيح الكفاية، السيد محمد جعفر بن محمد علي الموسوي الجزائري المروج (ت1419ﻫ )، 1: 191، تح: محمد علي المروج، مط: طليعة نور، قم، ط1، 1428ﻫ .

الخوئي أن كانت(العين) تدل على معنيين - الباصرة والجاسوس - فيكون المثنى تعدداً لكل من المعنيين، ف-(عينان) تدل على تعدد الباصرة والجاسوس فيكون معنى(رأيت عينين) رأيت عينين باصرتين وعينين جاسوسين(1).

الثاني: ذهب بعض العلماء إلى امكان هذا الاستعمال:

إذ يرون أن الاستعمال في المفرد على نحو المجاز وفي التثنية والجمع على نحو الحقيقة لانهم يرون أن الموضوع له في المفرد هو المعنى مع قيد الوحدة فعند التثنية والجمع لابد من حذف قيد الوحدة وعندئذ يكون المثنى في قوة تكرار المفرد و(عينان) يعني(عين وعين) وكذا في الجمع فلا مانع من إرادة معنيين - الباصرة والجاسوسة - من كلمة عينين(2).

وهناك رأي آخر يرى انه إذا ورد لفظ مشترك في نص من النصوص فان قلنا بامتناع استعمال اللفظ في أكثر من معنى وكان اللفظ خالياً من القرينة المعينة لبعض معانيه فيصبح أي: موضوع الحكم الشرعي مجملاً يحتاج إلى بيان وان قلنا بجواز الاستعمال في الأكثر من معنى، فان كان اللفظ خالياً عن القرينة على إرادة الكل أو البعض فهو مجمل أيضاً أي: موضوع الحكم الشرعي يكون مجملاً أيضاً على المبنى الثاني وان كان مع القرينة على إرادة بعض معين فيحمل عليه وان كان مع القرينة على إرادة الجميع فيحمل عليه فلا يكون في الموضوع للحكم الشرعي إجمالاً(3).

ب- استعمال اللفظ في اللفظ
اشارة

ويقع ذلك على أنحاء فتارة يطلق اللفظ ويراد شخصه وأخرى يراد نوعه أو صنفه أو مثله ولا شبهة في وقوع إطلاق اللفظ وإرادة شخصه أو نوعه أو صنفه أو مثله كما انه لا شبهة عند الجماعة في عدم كونه من باب الاستعمال وفي كيفية إطلاق اللفظ فيها وضع له، فالبحث عندهم كيفية إقامة البرهان على عدم كونه من الاستعمال وفي كيفية إطلاق اللفظ فيها وانه هل في الجميع على منوال واحد أو لا(4)، فلابد من البحث عن كل منها:

1- استعمال اللفظ وإرادة شخصه

ص: 54


1- ظ: محاضرات في أصول الفقه/ الفياض: 1: 223.
2- ظ: معالم الدين ملاذ المجتهدين، جمال الدين أبو منصور الحسن بن زيد الدين بن علي بن احمد البجعي العاملي (ت1011ﻫ ): 32- 33، تح ومط: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، لاط، 1406ﻫ .
3- ظ: مناهج الوصول إلى علم الأصول، للسيد الخميني، 1: 185، تح ومط: مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، ط2، قم، 1415ﻫ / 1373ش.
4- ظ: مناهج الوصول، الخميني، 1: 107.

ذهب الأصوليون(1)إلى انه لا يعقل أن يكون إطلاق اللفظ وإرادة شخصه، كما إذا قيل ((زيد لفظ أو ثلاثي)) من باب الاستعمال، واستدل له:

أولاً: بعدم التغاير بين الدال والمدلول والمستعمل والمستعمل فيه(2)مع انه يشترط لزوم التغاير والاثنينية بين اللفظ والمعنى(3)، مضافاً إلى أن حقيقة الاستعمال أما عبارة عن افناء اللفظ في المعنى كما هو المشهور، وأما عبارة عن جعل اللفظ علامة للمعنى ومبرزاً له، وعليه فلا يعقل الفناء والعلامية لا بين شيئين متغايرين في الوجود(4)، ولكن احتمل المحقق الخراساني(5)كفاية التعدد الاعتباري بين الدال والمدلول فمن حيث انه صادر عن لافظه كان دالاً، ومن حيث انه نفس اللفظ وشخصه مراده كان مدلولاً لكن قد يشكل عليه بوجوه(6).

منها: أن هذا الاعتبار إنما يطرأ عليه بعد الاستعمال، ولو أريد تصحيح الاستعمال بهذا النحو من التعدد يلزم الدور(7).

وثانياً: أن اللفظ بما هو لفظ دال بلحاظ في مقام الاستعمال باللحظ الالي وبما هو نفس المعنى يلحظ باللحظ الاستقلالي ويستحيل اجتماع اللحاضين على ملحوظ واحد(8)، وحينئذٍ لا يمكن أن يكون هذا الإطلاق من قبيل استعمال اللفظ وإرادة المعنى(9).

وقد اشكل عليه: بعدم تمامية الآلية بهذا المعنى(10)، ولكن مع ذلك ذهب جماعة إلى صحة إطلاق اللفظ وإرادة شخصه، وان لم يصدق عليه الاستعمال، بل هو من قبيل ألقاء الموضوع والحكم عليه(11)؛ لان الألفاظ بنفسها قابلة للحضور في الذهن، بلا حاجة في ابرازها واحضارها فيه إلى الة تبرزها، بخلاف المعنى فانه يحضر في الذهن بواسطة اللفظ(12).

2- استعمال اللفظ وإرادة نوعه وصنفه

ص: 55


1- ظ: كفاية الأصول،الخراساني:14، نهاية الأفكار،العراقي،2:61، محاضرات في أصول الفقه،الفياض،1: 98.
2- ظ: الفصول الغروية، في الأصول الفقهية، الشيخ محمد حسين بن محمد رحيم الحائري الاصفهاني(ت: 1250ﻫ ): 22 -23 طبعة حجرية، 1: 98.
3- ظ: اجود التقارير، السيد الخوئي، 1: 44 - 45، بحوث في علم الأصول، الصدر، 1: 145.
4- ظ: محاضرات في أصول الفقه، الفياض، 1: 98.
5- ظ: كفاية الأصول: 14- 15.
6- ظ: مناهج الوصول، الخميني، 1: 107، بحوث في علم الأصول، الصدر، 1: 145.
7- ظ: درر الفوائد، الشيخ عبد الكريم الحائري(ت: 1355ﻫ )، 2: 41، تح: الشيخ محمد مؤمن القمي، مؤسسة النشر الإسلامي التباعة لجماعة المدرسين، قم، ط5، د.ت.
8- ظ: نهاية الأفكار، العراقي، 1: 61.
9- ظ: منهاج الأصول، الخميني، 1: 108.
10- ظ: بحوث في علم الأصول، الصدر، 1: 146.
11- ظ: نهاية الأفكار، العراقي، 1: 61.
12- ظ: محاضرات في أصول الفقه، الفياض، 1: 98.

إذا أطلق اللفظ واريد نوعه وصنفه، كما في قول القائل: في جملة:(ضرب زيد) فعل ماض وزيد فاعل، أو قوله: (زيد لفظ)، واريد طبيعي ذلك اللفظ وفيه قولان:

الأول: ذهب جماعة من الأصوليين إلى أن هذا أيضاً ليس من باب الاستعمال كما صرح به المحقق الخراساني وتبعه على ذلك جماعة كالمحقق العراقي والمحقق البروجردي والسيد الخوئي(1)وقد استدل لهذا القول بعدة أدلة منها:

1-أن ملاك الاستعمال هو حكاية اللفظ عن المعنى وفناء اللفظ ولازمه التعدد والاثنينية بين اللفظ والمعنى، وليس هذا الشرط موجوداً في المقام، نعم الموجود بهذا الإطلاق هو شخص اللفظ الصادر من المتكلم مع إرادة طبيعي ذلك اللفظ الجامع بينه وبين غيره، ولا يوجد الطبيعي في الخارج إلا بوجود فرده، فحينئذٍ لا يعقل أن يجعل وجود الفرد فانياً في وجود واسطة لاحضار الطبيعي في الذهن لان الواسطة تقتضي التعدد في الوجود ولا تعدد هنا أصلا.

2-يمتنع كون الفرد والجزئي مرآة للطبيعي والكلي من جهة أن الفرد والكلي وان كانا متحدين وجوداً وخارجاً، لكنهما متغايران مفهوماً وذهناً، ومع تغايرهما لا يمكن حكاية الفرد عن الكلي، ولكن مع ذلك يصح إطلاق اللفظ وإرادة نوعه وان لم يصدق عليه الاستعمال؛ لأنه من قبيل المحضار الطبيعي وايجاده في ذهن المخاطب بارادة فرده، فالمتكلم بذلك اللفظ قصد ثبوت الحكم الطبيعي ليسري منه إلى أفراده وقد حضره في ذهنه بلا واسطة، فبعد امكان احضاره لا مانع من الحكم عليه(2).

الثاني:

ذهب جماعة إلى كون إطلاق اللفظ وإرادة نوعه وصنفهُ من باب الاستعمال، كالمحقق النائيني والإمام الخميني والشهيد الصدر(3)، فيكون اللفظ الصادر من المتكلم بواسطة القرينة أو المناسبة بين الحكم والموضوع حاكياً عن نوعه وصنفه ودالاً عليهم؛ إذ ليس معنى الدلالة والحكاية إلا كون الشيء يفهم منه المعنى، فاللفظ الة لتفهيم نفس الطبيعة أو صنف منها بواسطة إيجاد الصورة في الذهن، فإذا قال: ((ضرب فعل ماضي)) انتقل في المعنى لكن المعنى ليس هو الموضوع له، بل هو طبيعي اللفظ(4)، ثم أن مصحح هذا الاستعمال وفناء اللفظ في المعنى هو كان اللفظ الصادر بنفسه متحداً مع المفني فيه خارجاً والارتباط بينهما اشد من الارتباط

ص: 56


1- ظ: كفاية الأصول، الخراساني، 14-15، نهاية الأفكار، العراقي، 1: 61-62، محاضرات في أصول الفقه، الفياض، 1: 100.
2- ظ: نهاية الأفكار، العراقي، 1: 62، محاضرات في أصول الفقه، الفياض، 1: 100.
3- ظ: اجود التقريرات، الخوئي، 1: 44- 45، مناهج الأصول، الخميني، 1: 108، بحوث في علم الأصول، الصدر، 1: 147- 148.
4- ظ: مناهج الأصول، الخميني، 1: 110.

الجعلي وهذا الاتحاد الذاتي بينهما يصحح الحكاية والفناء(1)، كما ذهب الادباء من الجمهور إلى أن هذا من باب الاستعمال لكنه بعد تاويله إلى إرادة لفظ ضرب مثلاً أو مسمى زيد منه(2).

3- استعمال اللفظ وإرادة مثله

إذا أطلق اللفظ مثله كما لو قال: (زيد قائم)، فقلت: ((زيد الواقع في كلامه مبتدأ))

فان موضوع الحكم ليس خصوص ما تكلم به اللافظ الثاني، بل يشمل مثل الواقع من المتكلم الأول وفيه قولان:

القول الأول: ذهب جماعة إلى انه من قبيل الاستعمال؛ لان(زيد) في الكلام الثاني وسيلة والة للحاظ مماثلة، فيكون دالاً والمماثل مدلولاً، فيكون من قبيل استعمال اللفظ في المعنى كما هو مختار جماعة كالمحقق الخراساني، والنائيني والخميني والشهيد الصدر(3)، بل نسب ذلك إلى مشهور الأصوليين(4)، وذهب الادباء من الجمهور في هذه الصورة أيضا إلى انه من باب الاستعمال، لكنه بعد تاويله كما اشير إليه انفاً(5).

القول الثاني: ذهب السيد الخوئي إلى انه ليس من باب الاستعمال والحكاية.

بتقريب: بان إطلاق اللفظ وإرادة مثله كسابقيه ليس من قبيل استعمال اللفظ في المعنى لان الوضع مقدمة للاستعمال وابراز المقاصد، ولولاه لاختلت انظمة الحياة فان المعاني النفسانية التي تتعلق بها الاغراض المادية أو المعنوية لا يمكن ابرازها واحضارها في الاذهان إلا بالجعل والمواضعة، لكن أن ما لا يحتاج ابرازه واحضاره في الاذهان إلى وسطه، بل يمكن احضاره فيها بنفسه عند تعلق الغرض به فلا حاجة إلى الوضع فيه أصلاً بل هو لغو وعبث(6)، وفي هذا المورد كسابقيه يكون نفس المقصود حاضراً وموجوداً بلا واسطة ولا يكون من باب الحكاية والدلالة، فان تعلق الغرض بتقييده بخصوصية الصنف كما في الصورة السابقة أو المثل، يجعل الدال عليه هو الحرف أو ما يحذو حذوه، إذ أن الحروف والأدوات موضوعة لتضييق المفاهيم الاسمية وتقييدها بقيود خارجه عن تحريم ذواتها فهذا الإطلاق كسابقيه ليس من قبيل الاستعمال بل هو من قبيل إيجاد ما يمكن إرادة مثله(7).

وقد اشكل على السيد الخوئي: بان الموضوع أن كان كلياً استحال إحضاره في ذهن السامع بالوسيلة الايجادية، ولا معنى لما أفيد من كون الموضوع موجداً بنفسه، وان العرف دال التضييق

ص: 57


1- ظ: اجود التقريرات، النائيني، 1: 45.
2- ظ: مغني اللبيب، ابن هشام، 2: 462.
3- ظ: كفاية الأصول، الخراساني: 15، اجود التقريرات، الخوئي، 1: 44- 45، مناهج الأصول، الخميني، 1: 109. بحوث في أصول الفقه، الصدر، 1: 147- 148.
4- ظ: محاضرات في أصول الفقه، الفياض، 1: 100.
5- ظ: مغني اللبيب، ابن هشام، 2: 462.
6- ظ: محاضرات في علم الأصول، الفياض، 1: 108 - 109.
7- م.ن.

في موارد الصنف أو المثل؛ لان المضيق أن كان هو(ضرب) بوجوده الخارجي فبطلانه واضح؛ إذ الوجود الخارجي لا يقبل الإطلاق والتقييد، وان كان المضَّيق هو المفهوم المقصود تفهيمه بذلك الوجود رجع إلى باب الاستعمال والحكاية(1).

المطلب الخامس: أمثلة تطبيقية

1-قال السيد المراغي في استعمال اللفظ المشترك الذي وقع موضوعاً فقال: ((منها الأعمال المأمور بها من وضوءٍ أو غسل أو تيمم أو تطهير أو نزح بئر أو صلاة أو حج أو شيء من أفعالها أو جهاد أو عقد أو إيقاع أو حد أو تعزيز والحاصل: جملة الأعمال الصادرة من المكلف الذي تعلق به الحكم التكليفي أو الوضعي، فأنها غالباً مشتركة بين المأمور به وغيره أما بنوعه أو صنفه أو بوصفه أو بكمه أو بكيفه ... ومنها:

أ-كتابة القرآن واسم الله والانبياء ونحو ذلك الذي يحرم على الجنب والمحدث مسه، فان في الكتابة - مثلاً- اشياء مشتركة بين القرآن وغيره فلابد في تعلق الحكم به من مميز.

ب-سور العزائم التي يحرم قراءتها على الجنب والحائض، فان كلماتها مشتركة بينها وبين غيرها.

ج-البسملة التي هي آية من سورة فهي مشتركة، فإذا وجبت سورة فهل يجب تعيين البسملة أم لا ...؟ ثم انه يتعين بأي شيء؟))(2).

2-قال المراغي في استعمال اللفظ المشترك:

((والسنة والعام والحول بمعنى واحد وان كان لكل منها مناسبة في الاشتقاق ولا حاجة لنا في ذكرها وشأن الفقيه تتيح ما قضى به العرف، نعم السنة في اللغة: من أول يوم عددته إلى مثله وقيل: أن(العام) لا يكون إلا شتاءً وصيفاً، فيكون اخص من السنة ولا فائدة في ذلك لأنه مهجور في العرف على الظاهر والمراد بالثلاثة ما عرفت في معنى السنة، نعم الكلام في أن مثل ذلك اليوم في أي شيء؟ هل هو بالنسبة إلى الشهور؟ بمعنى: انه من العاشر لشعبان إلى العاشر منه، أو بالنسبة إلى الفصول ؟ بمعنى: أن العاشر لفصل الربيع إلى العاشر منه وات تغيَّر بحسب الشهر، فالاول هو السنة الهلالية والثاني هو السنة الشمسية، وأما احتمال كون السنة عددية بمعنى: كونه ثلاثمائة وستين يوماً لا زائداً ولا ناقصاً، فهو قضية الشهر العددي إذا ثبت أن السنة اثنا عشر شهراً وتعريف السنة بهذه العبارة لم اجد في اللغة ... ثم يقول وهل هذه المعاني حقيقة في الكل أو الاشتراك أو التشكيك أو في بعضها دون الآخر؟ وجوده، والذي أراه أن العدد به بخصوصها ليست حقيقة، بل إطلاقه عليها لوجود الشهر الهلالي في ضمنها، وأما الأولان: فهو حقيقة فيهما على التشكيك والمتبادر الهلالي لغلبة الاستعمال))(3).

ص: 58


1- ظ: مناهج الأصول، الخميني: 110.
2- العناوين، السيد مير عبد الفتاح الحسيني المراغي(ت: 1250ﻫ )، 199 - 200.
3- م.ن. 199- 200.

ص: 59

الفصل الثانی: المباني الدلالية في تحديد موضوعات الأحكام الشرعية

اشارة

تمهيد

مفهوم الدلالة وأثرها

المبحث الأول

دلالة المنطوق

المبحث الثاني

دلالة المفهوم

المبحث الثالث

دلالة السياق

ص: 60

تمهيد: مفهوم الدلالة وأثرها

المطلب الأول: مفهوم الدلالة لغةً وإصلاحاً

اشارة

عرفت الدلالة بعدة تعريفات لغوية واصطلاحية وأهمها ما يأتي:

أ- الدلالة لغة

الدلالة مصدر: دلَ يدلُ دَلالةً ودُلالةً، إلا أن الفتح أعلى، ويقال فيه: دُلولة بالضم وقلب الألف واواً كلها بمعنى هو: هدى وارشد، والدليل هو المرشد إلى المطلوب(1).

ب- الدلالة اصطلاحاً

اهتم الكثير من العلماء بإبراز مصطلح الدلالة منهم المنطقيون والأصوليون والبلاغيون وغيرهم، إلا أن تعريفاتهم تكاد تتفق على أن الدلالة: هي كون الشيء بحالة يلزم من العلم به العلم بشيء آخر والشيء الأول دال والثاني مدلول(2).

أي: أن الدلالة وحدة تقوم على نسبة بين شيئين مرتبطين ارتباطاً لا انفصام فيه، الشيء الأول هو الدال: وهو إذا علم بوجوده يستدعي انتقال الذهن إلى وجود شيء آخر هو المدلول وهو الشيء الثاني (3).

ويعرف علم الدلالة بأنه: (((دراسة المعنى)، أو(ذلك الفرع) الذي يدرس الشروط الواجب توافرها في الرمز حتى يكون قادراً على عمل المعنى))(4)، أي أن بموضوعه الرئيس هو بيان المعنى ولا احد ينكر قيمة المعنى بالنسبة إلى اللغة حتى قال بعضهم: انه بدون المعنى لا يمكن أن تكون هناك لغة (5)، وعرف أيضاً بأنه: ((قمة الدراسات اللغوية جميعاً)) (6)، لأنه حصيلتها أو الغاية التي من اجلها وضعت واستخدمت اللغة، فخلاصة دراسة علم الأصوات والصرف والنحو تصب في وعاء وهو علم الدلالة لان الدلالة عبارة عن الة كاشفة عن المعاني الافرادية والتركيبية للمفردات وهذه غاية الأصولي، وذلك لان بحث المعنى في علم الدلالة ليس قاصراً على الكلمات المفردة كما هو الحال في مرحلة الوضع أو مرحلة الاستعمال كما هو الحال في بيان اللفظة من

ص: 61


1- لسان العرب:(دلل).
2- ظ: التعريف، الجرجاني: 61، المستصفى من علم الأصول، للإمام أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي الشافعي(ت 505ﻫ )، 1: 30، تح:د. محمد يوسف، مط: دار صادر بيروت، ط1، 1995م، وظ: شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول في الأصول، شهاب الدين أبو العباس احمد بن إدريس الصنهاجي القرافي المصري المالكي(ت684ﻫ ): 23، تح: طه عبد الرؤوف سعد، مط: الكليات الازهرية ودار الفكر، القاهرة، ط1، 1973م. وظ: شرح الكوكب المنير، تقي الدين أبو البقاء محمد بن احمد الفتوحي الحنبلي المعروف، بابن النجار(ت817ﻫ ): 38، تح: محمد حامد الفقي، مط: السنة المحمدية، ط1، القاهرة،1953م. وظ: أصول الفقه، المظفر، 1: 7، والإيضاح في علوم البلاغة، محمد بن عبد الرحمن بن عمر القزويني(ت 739ﻫ )، 2: 212، تح: د. محمد عبد المنعم الخفاجي، مط: دار الكتاب ط2، بيروت، 1985م.
3- ظ: البحث الأصولي والدلالي عند الفارابي، رجاء عبد الرزاق كاظم الرفاعي، رسالة ماجستير، 115، كلية الآداب جامعة بغداد، 1990م.
4- م ن.
5- ظ: علم الدلالة، احمد مختار عمر، 11، مط: دار العروبة، ط1، الكويت، 1402ﻫ / 1982م.
6- م ن.

خلال المعاجم بل يشمل دراسة المعنى على المستوى التركيبي وهذا مفاد (نظرية النظم) التي أسسها عبد القاهر الجرجاني التي ترمي إلى الكشف عن المعنى ودراسة مشكلاته عن طريق النظر في النحو وقواعده(1)، وهناك اتجاه يعرف الدلالة بأنها: (دراسة المعنى على المستوى اللفظة الواحدة والتركيب ولكن في إطار اجتماعي معين من زاوية خاصة وهي زاوية الاستعمال الحي في البيئة الخاصة) (2).

القول الراجح:

إن الراجح من هذه التعريفات هو الأخير الذي أضاف إلى علم الدلالة جنبة الفهم الاجتماعي الذي عدّ اللغة العربية هي اللغة الحية المتحركة في إطار النمو والتطور الاجتماعي الذي يتحرك في عمود الزمان فهذا القيد إضافة إلى قيد الأفراد والتركيب يفضي إلى اللغة العربية حيثيات أخرى لفهم المعنى لذلك يجعل إمام الفقيه مجالاً واسعاً لفهم الخطاب الإلهي الذي هو عبارة عن ألفاظ سواء وردت هذه الألفاظ عن طريق القرآن أو السنة ونضرب مثالاً توضيحياً مثلاً لفظة (القهوة) (3) التي وردت في الروايات حرمتها فأفتى جملة من الفقهاء بحرمتها وفق الجمود على الحركة الافرادية لهذه اللفظة بينما تجد بعض الفقهاء درس مفردة(القهوة)حسب الأستعمال في إطار الفهم الاجتماعي فتبين لهم أن هذه اللفظة لا تدل على المعنى المتداول اليوم وهو السائل الساخن المتعارف عندنا اليوم بل تبين حسب الفهم الاجتماعي في ذلك الزمان أنها تعني الخمر لذلك جاء الحكم منصباً على الموضوع وهو القهوة من خلال فهم معنى الخمرية المتبادر منها في ذلك الزمان

فتغير الحكم مناطه التغيير في فهم الموضوع وهذا التغيير في الفهم ملاكه فهم معنى المفردة داخل إطار حركتها الاستعمالية في ضمن الفهم الاجتماعي لتلك المفردة.

المطلب الثاني: أثر الدلالة في تحديد معاني موضوعات الأحكام الشرعية

لما كانت الدلالة هي غاية الأصولي وركيزة عمله، فقد جال الأصوليون وراءها أياً كان مكانها وتصدوا لها سواء كان ذلك على مستوى اللفظ المفرد أو المركب وكما تقدم يُعد اللفظ أو الكلمة أداة لتلك الدلالة، لذا فهو يرتبط في مفهومها بها فنجدهم يعرفون اللغة بأنها: ((الألفاظ الموضوعة للمعاني)) (4)، ولذلك يعتبر الأصوليون من أكثر علماء العلوم عناية بدراسة مباحث الدلالة، لذا توسعوا وكتبوا فيها الشيء الكثير وهم بذلك قد زادوا كثيراً من هذه المباحث على ما قدمه علماء اللغة، وقد انتهت دراستهم إلى الكثير من النتائج والملاحظات التي انتهت إليها

ص: 62


1- ظ: تطور البحث الدلالي، د. محمد حسين علي الصغير: 17، ط1، بغداد، 1408، 1988م. وفقه اللغة العربية وخصائصها، د. اميل بديع يعقوب، مط: دار العلم للملايين، ط2، بيروت، 1986م. وعلم الدلالة العربي النظرية والتطبيق، د. فايز الداية، مط: دار الفكرة ط1، دمشق، 1985م.
2- دراسات في علم اللغة، د. كمال محمد بشر، 2: 153، مط: دار المعارف، ط2، مصر، 1971م.
3- ظ: دور الزمان والمكان في الاجتهاد: مجموعة مؤلفين:42-43، بحث منشور في مجلة قضايا إسلامية، العدد4، مؤسسة الرسول الأعظم (صلی الله علیه و آله) ، 1417ﻫ-1997م.
4- نهاية السؤل في شرح مناهج الأصول، عبد الرحيم بن الحسن الاسنوي(772ﻫ )، 2: 12.

المباحث الدلالية في العصر الحديث، فضلاً عن أنهم اهتموا بقسم من القضايا الدلالية لم تلق من المحدثين عناية كافية (1)، لذلك نجد أن الأصوليين قد أدركوا أهمية معرفتهم بطرائف الدلالة في اللغة العربية وما تدل عليه الالفاظ من حيث الأفراد والتركيب، لذا اعتنوا باستقراء الأساليب العربية وعباراتها ومفرداتها واستمدوا من هذا الاستقراء ومما قرره علماء اللغة من قواعد وضوابط يتوصل بمراعاتها إلى معرفة دلالات النصوص الشرعية معرفة دقيقة من حيث بيان معاني القضايا الشرعية المتركبة من الموضوع والحكم(2)، وتحتل الجزء الأكبر من المباحث الدلالية العلاقة بين اللفظ والمعنى أو الدلالة التي تمثل بنية علم أصول الفقه، وقد اعتمدت هذه المباحث على جملة من العلوم التي تعين على عملية الاستنباط في تأدية الوظائف الفقهية كالنحو والصرف والبلاغة والمنطق بشرط أن يقرر علم الأصول صلاحيتها لذلك، وهذه المبادئ من العلوم ذوات الارتباط الوثيق بمباحث الألفاظ من بحوث علم الأصول التي تعد من المسائل الأصولية الرئيسية المفتقر إليها عند اعتماد الدليل اللفظي في مجال استنباط الحكم الشرعي في تحويلاته وأنساقه التي يجب كشفها بواسطة المعاني (3).

ومن ذلك يتضح لنا أن السلطة والمرجعية الأولى في علم أصول الفقه هي البحوث اللغوية، سواء ما يدرس منها مجموعاً في (أبواب الخطاب) ام ما يأتي متفرقاً في الأبواب الأخرى، والمحور الرئيس الذي ينظم هذه البحوث هو مسألة الدلالة (4)، وإدراك الأصوليون لهذه الأهمية وهي تحديد وتشخيص الخطاب الشرعي من موضوع ومحمول (حكم) لم يكن اعتباطياً، بل لأنها كانت تساعدهم على فهم النص بشعب المعنى الثلاث: المعنى الحقيقي: أي ما وضع بإزائه أصالة وهو ما تكفل به علم المعاجم والمعنى الاستعمالي: وهو ما تجاوز اللغة فيه ذلك المعنى الأصيل والحقيقي، من مجاز واستعارة أو كناية وهو ما يتكفل به علم البيان، والمعنى الوظيفي: ((وهو ما تؤديه الكلمة بما لها من معنى حقيقي أو استعمالي في أثناء تركيبها مع غيرها))(5)، وبما أن علم الأصول يدرس أساساً وجوه الدلالة على الأحكام الشرعية والأدلة هنا هي أساساً نصوص القرآن والسنة اللفظية فان الشاغل الأول لاصحاب هذا العلم سيكون بالضرورة هو ضبط العلاقة الخارجية بين اللفظ والمعنى في الخطاب الذي يتعاملون معه وهو الخطاب الشرعي وبما أن هذا الخطاب قد ورد عربي، فان عملية الضبط تستمد من هذا اللسان ككل

ص: 63


1- ظ: دراسة المعنى عند الأصوليين، د. طاهر سليمان حمودة: 2، مط: الدار الجامعية، د. ط، الإسكندرية، 1983م.
2- ظ: علم أصول الفقه، عبد الوهاب خلاف: 158 - 159، مط: النصر، ط3، مصر، 1366ﻫ . وأصول الفقه، محمد أبو زهرة: 110- 111، مط: دار الفكر العربي، عابدين، د. ط، مصر، 1377ﻫ .
3- ظ: البحث الدلالي عند ابن سينا، مشكور كاظم العوادي: 24، كلية الآداب جامعة بغداد، رسالة ماجستير 1411ﻫ -1990م.
4- ظ: البحث الدلالي عند ابن سينا، السيد مشكور العوادي:24.
5- بنية العقل العربي، د. محمد عابد الجابري: 55، مط: مركز دراسات الوحدة العربية، ط5، بيروت، لبنان، 1996م.

وعليه يكون مناط ضبط الخطاب الذي يتكون من موضوع وحكم يتوقف على بيان معاني(الموضوع) و(الحكم) لان الموضوع متقدم في التشخيص على الموضوع ولأن الحكم تابع له فكان لابد من بيان معنى(الموضوع) عن طريق الدلالة حتى يحكم عليه من قبل الفقيه تبعاً للبيان الذي وصل إليه عن طريق الحركة الدلالية للفظة الموضوع(1).

ص: 64


1- ظ: م ن، : 53-54، والبحث النحوي عند الأصوليين، د. مصطفى جمال الدين، :9، مط: دار الرشيد، د. ط، العراق، 1980م.

المبحث الأول: دلالة المنطوق

المطلب الأول: مفهوم دلالة المنطوق

المطلب الأول: مفهوم دلالة المنطوق(1):

هل المعنى الذي يفهم من اللفظ بالمطابقة أو التضمن أو الملزوم البين(2)، وقد قسموا هذه الدلالة أيضاً إلى أقسام وهي:

المطلب الثاني: أقسام دلالة المنطوق

1- الدلالة الصريحة

إذ يسمى المنطوق حينئذٍ بالمنطوق الصريح، إذ عرضت بأنها: ((ما فهم من دلالة اللفظ قطعاً في محل النطق))(3).

ومثل لهذه الدلالة بقوله تعالى:}فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ{ (4) الدال بصريح العبارة على تحريم إظهار الضجر من الوالدين بكلمة(أف) إذ أن الدلالة الصريحة شخصت موضوع الحكم الشرعي وهو كلمة(أف) صراحةً وانصب الحكم الشرعي على ضوء ذلك التشخيص وهو الحرمة.

2- الدلالة غير الصريحة
اشارة

وقد عرفت: ((ما دلالته لا بصريح صيغته ووضعه)) (5) وإنما تكون دلالته بالإشارة أو التنبيه والإيماء في ضوء ذلك قسمة هذه الدلالة إلى أقسام أيضاً وهي:

أ- دلالة التنبيه والإيماء

وهي اقتران حكم بوصف لو لم يكن هو أو نظيره للتعليل لكان الاقتران بعيداً أو عبثاً لا يلقيان بفصاحة الشارع وبلاغته(6)، أو هي أن يقترن كلام بشيء - كلام أو غيره - فيدل على معنى لا يتوقف

ص: 65


1- المنطوق لغة: نطق نطقاً من باب ضرب ومنطقاً والنطق بالضم اسم منه وانطقته بعلته ينطق، ويقال: نطق لسانه كما يقال: نطق الرجل ونطق الكتاب بين واوضح وانتطق فلان تكلم..ظ: المصباح المنير الفيومي، مادة(نطق).
2- ظ: أصول الفقه، المظفر، 1: 108، وأصول الأحكام، الامدي: 275، كفاية الأصول، الخراساني، 1: 301.
3- الأحكام، الامدي، 3: 93.
4- الإسراء:23.
5- الأحكام، الامدي، 3: 94.
6- م ن، 3: 95.

صدق الكلام أو صحته على إرادته، وإنما يدل سياق الكلام على إرادته أو استبعاد عدم إرادته(1).

وذهب المظفر إلى أن الدلالة الإيماء موارد كثيرة منها:

أ-إذا أراد المتكلم بيان أمر فنبه عليه بذكر ما يلازمه عقلاً أو عرفاً كما إذا قال القائل: (دقت الساعة العاشرة) مثلاً لينبه المخاطب على حلول الموعد المتفق عليه أو قال: ((إني عطشان)) للدلالة على طلب الماء.

ب-ما إذا اقترن الكلام بشيء يفيد كونه علة للحكم أو شرطاً أو مانعاً أو جزءاً أو عدم كونه علة أو شرطاً أو مانعاً أو جزءاً.

ومثاله قول المفتي له: (اعد الصلاة) لمن سأله عن حكم الشك بين الركعة الأولى والثانية، فيفهم منه: أن الشك المذكور علة لبطلان الصلاة والحكم بوجوب الإعادة أو قوله(كفَّر) لمن قال له: ((واقعت أهلي في نهار شهر رمضان)) فانه يفهم منه: أن مواقعة الصائم في نهار شهر رمضان علة لوجوب الكفارة (2)، أو قوله : ((بطل البيع)) لمن قال له: ((بعت السمك في الماء))، فيفهم منه أمران: اشتراط القدرة على تسليم المبيع في صحة البيع، وعدم جهالته والسمك في الماء غير مقدور على تسليمه فعلاً ومجهول مقداره أو قوله: (لا تعد) لمن قال له : (صليت في الحمام) فيفهم منه عدم مانعية الكون في الحمام عن صحة الصلاة.

ج-إذا ما اقترن الكلام بشيء يفيد تعيين بعض متعلقات الفعل، كما إذا قال القائل: ((صليت إلى النهر وشربت))، فيفهم منه، أن المشروب منه هو الماء من النهر، أو قال: (قمت وخطبت)، أي: وخطبت قائماً (3).

والنتيجة: أن دلالة الإيماء من دلالة الظهورات التي تشخص مراد المتكلم من خلال تحديد الموضوعات التي تنصب عليها الأحكام الشرعية وهذا الظهور حجة ما لم يوجد مانع يثلم هذا الظهور كما لو قال شخص: (إني عطشان) وبيده ماء لم يدل كلامه على طلب الماء من المخاطب لعدم ظهوره فيه

ص: 66


1- ظ: القوانين، القمي:168.
2- ظ: أصول الفقه، المظفر، 1: 123.
3- م ن.
ب- دلالة الإشارة

هي دلالة اللفظ اللازم غير المقصود للمتكلم عرضاً بحسب القصد الاستعمالي، ولكنه لازم للكلام لزوماً بين أو لزوماً بيناً بالمعنى الأعم(1)، إلا أن السيد الخوئي يرى أن اللزوم هنا غير بين(2)، وبالقيود المتقدمة بالتعريف خرجت الدلالة بالمنطوق الصريحة لان دلالة اللفظ على المدلول بالمطابقة لا بالالتزام وهي مقصودة للمتكلم، وخرجت أيضاً الدلالة بالمفهوم لأنها دلالة اللفظ على المدلول بالالتزام، ولكن مع كون اللزوم بيناً بالمعنى الأخص، وهي مقصودة أيضاً، وبما تقدم يتضح أن دلالة الإشارة ليست من دلالة المنطوق (3)، ولا من دلالة المفهوم وقد سماها بعضهم ب-(الدلالة السياقية) لان سياق الكلام يدل عليها، وقد نسبت هذه التسمية إلى بعض العلماء(4).

مثال تطبيقي:

قوله تعالى: }وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْراً{(5)، مع قوله تعالى: -}وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ{(6)، فالجمع بين النصين ينتج دلالة بطريق الإشارة وهي: أن اقل مدة الحمل ستة أشهر؛ لان طرح عامين وهي مدة الرضاع المدلول عليها في المقطع الثاني من ثلاثين شهراً، وهي مدة الحمل والرضاع المدلول عليها في المقطع الأول، ينتج أن مدة الحمل يمكن أن تكون ستة أشهر، غير أن هذه النتيجة لا تكون في الاستعمال العرفي مقصودة كلاميين منفصلين زماناً، ومن أمثلة دلالة الإشارة كل ما يدل من الأوامر على وجوب مقدمة ما يؤمر به، فمن اوجب فعلاً لابد أن يكون مريداً لمقدماته وان لم يقصدها بالقصد الاستعمالي (7) .

والنتيجة: أن دلالة الإشارة حددت ونقحت موضوع(اقل مدة الحمل) الذي يترتب عليه أحكام متعددة في مجال الأحوال الشخصية، وتنقيح الموضوع هو من باب الملازمة العقلية لان استكشاف الموضوع الذي ترتب عليه الحكم كان من ملاحظة اللازم، كالأخذ بلوازم المقر وان لم يكن قاصداً لها أو كان منكراً للملازمة.

ص: 67


1- ظ: أصول الفقه، المظفر: 1: 123.
2- ظ: اجود التقريرات، تقريرات الشيخ النائيني، السيد الخوئي، 1: 413، مط: الفكر، بيروت، ط2، 1430ﻫ ، فوائد الأصول، 1: 477، محاضرات في علم الأصول، 5: 56.
3- يرى بعض الأعلام أنها من دلالة المنطوق غير الصريح في مقابل الصريح، ظ: الوافية، التوني: 228.
4- سيأتي الكلام عن دلالة المفهوم.
5- الأحقاف :15
6- لقمان 14
7- ظ:أصول المظفر ،المظفر ،1: 124

المبحث الثاني: دلالة المفهوم

المطلب الأول: مفهوم دلالة المفهوم

هو المعلوم المعروف بالقلب،مصدره الفهم والفهم هو العلم والمعرفة بالقلب (1).

والمفهوم اصطلاحاً: هو ما يقابل المنطوق، والمنطوق - كما مر - هو ما يشمل الحاصل من دلالة الصريحة وغير الصريحة المتمثلة في دلالة الاقتضاء والتنبيه والإشارة وعليه سيكون المفهوم هو ما دل عليه اللفظ على نحو مغاير لدلالته الصريحة وغير الصريحة بأنواعها الثلاثة(2).

مثال تطبيقي (1)

قوله تعالى:- }فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ } (3)، فالآية بمنطوقها على أن العاقل العامل للخير القليل لابد أن يرى نتائج عمله، ويفهم أيضاً أن العاقل العامل للخير يرى نتائج عمله أيضاً أن كان عمله كثيراً(4)، فدلالة المنطوق حددت موضوع(العمل القليل) ودلالته المفهوم حددت موضوع(العمل الكثير) فانصب الحكم الشرعي على ذلك التحديد من كلتا الدلالتين.

مثال تطبيقي(2)

قوله تعالى:- }فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ{ (5) دلت بمنطوقها على وجوب صوم شهر رمضان على المكلف به أن كان حاضراً غير مسافر ويفهم أيضاً نفي وجوب الصوم عمن لم يشهد الشهر بان كان مسافراً (6)، فدلالة المنطوق حددت موضوع(الحاضر) عند حلول شهر رمضان فانصب حكم الوجوب عليه ودلالة المفهوم حددت موضوع(المسافر غير الحاضر) عند حلول شهر رمضان وانصب حكم عدم الوجوب عليه ودلالة المفهوم تسمى دلالة المفهوم الموافق لأنه وافق دلالة المنطوق في تحديد موضوعات الأحكام الشرعية إلا انه وسع في دائرة الموضوع كما في المثال الأول حيث ثبت بالدلالة المنطوقية العامل لمثقال ذرة وهو العمل القليل يرى اثر عمله في الآخرة وثبت بدلالة المفهوم أن العامل لأكثر من ذرة أي العمل الكثير أيضاً يرى نتائج عمله فهنا دلالة المفهوم وسعت دائرة الموضوع.

ص: 68


1- ظ: القاموس المحيط، الفيروز ابادي، (فهم).
2- ظ: محاضرات في أصول الفقه، الفياض، 5: 54، أصول الفقه، المظفر، 1: 107. البحث الدلالي عند الأصوليين: 80، مفتاح الوصول إلى علم الأصول، البهادلي، 1: 351.
3- الزلزلة:7.
4- ظ: البحث الدلالي عند الأصوليين: 79.
5- البقرة:185.
6- ظ: مفتاح الوصول إلى علم الأصول، البهادلي: 1: 352.

وأما في المثال الثاني فقد ثبت بدلالة المنطوق تحديد موضوع(الحاضر) في شهر رمضان وانصب حكم الوجوب عليه وأما دلالة المفهوم في المثال الثاني اثبتت موضوع آخر وهو(المسافر) عند حلول شهر رمضان وكان الحكم هو عدم الوجوب فاثبتت دلالة المفهوم حكم مغاير للدلالة المنطوقية فسميت الدلالة هنا بدلالة المفهوم المخالف ودلالة المفهوم المخالف لها.

المطلب الثاني: أقسام دلالة المفهوم

1- دلالة المفهوم المخالف
أ- دلالة مفهوم الشرط
اشارة

الشرط يطلق على معان متعددة إلا أن المعنى المتفق عليه في أصول الفقه هو: الأمر الذي يتوقف وجود المشروط عليه، فيسبب عدمه عدم المشروط (1).

اركان الجملة الشرطية

كل قضية شرطية تتركب من ثلاثة عناصر وهي:

1-الموضوع 2-الحكم 3-الشرط.

ولتوضيح ذلك بمثال تقريبي قال الإمام الصادق (علیه السلام) : ((إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شيء))(2)، فموضوع القضية هو الماء، والحكم (عدم النجاسة) أي: العاصمية من النجاسة والشرط هو(الكرية) وهو أن تبلغ على المشهور مساحة الماء المكعبة ثلاثة اشبار طولاً ومثلها عرضاً وعمقاً، كما نصت عليه الأخبار المعتبرة وربما يقدر بالوزن حوالي(377كغم)(3)، (4).

أقسام الجملة الشرطية

تنقسم الجملة الشرطية إلى قسمين:

الأول: أن تكون مثبتة ومنقحة للموضوع:

ويتميز هذا القسم انه إذا انتفى الشرط في الجملة الشرطية ينتفي موضوع الجملة من رأس، وإذا انتقى الموضوع لا يبقى مجال للقول بثبوت الحكم لتبعية الأحكام للموضوعات الشرعية وهناك أمثلة كثيرة لهذا القسم في العرف والشرع.

مثال تطبيقي:

قول المتكلم(إذا تزوجت فأكرم زوجتك) فالموضوع في هذه القضية الشرطية هو(الزوج) والحكم هو(الوجوب) وقد تعلق بذمة الزوج والشرط هو(الزواج) وهذه الجملة وردت لتحديد وتنقيح الموضوع وإرادة إثباته وهو لزوم إكرام الزوجة عند الزواج (5).

الثاني: أن تكون الجملة المشروطة مساقة لتقسيم الموضوع إلى قسمين:

ص: 69


1- ظ: مطارح الأنظار، الأنصاري، 2: 23، المستصفى، الغزالي، 2: 180، الأحكام، الامدي، 3: 85.
2- الوسائل، العاملي، 1: 158.
3- م ن، 1: 165.
4- ظ: أصول الأحكام، الكبيسي: 38.
5- ظ: أصول الفقه وقواعده الاستنباط، الصفار، 2: 115.

فيثبت بهذا القسم حكم المنطوق على احد قسمي الموضوع وحكم المفهوم على القسم الآخر.

مثال تطبيقي:

قوله (علیه السلام) المتقدم: ((إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شيء)) (1)، هنا الشرط قسم الماء وهو موضوع الحكم إلى قسمين:

1-ماء الكر وحكمه هو معصوميته في ملاقاة النجس بمجرد الملاقاة.

2-ماء غير الكر وهو القليل وحكمه عدم معصوميته، فيتنجس بالملاقاة، وأنت تلاحظ أن الشرط هنا حدد الموضوع من حيث قسمه إلى قسمين واخذ كل قسم حكماً مغايراً للاخر (2).

ب- دلالة مفهوم الوصف
اشارة

المراد بالوصف هو: كل قيد مذكور في الكلام يكون محدداً للموضوع بحيث يصلح لتضييق موضوع الحكم نظير الفقاهة في قول المتكلم: (قلد العالم الفقيه)، فان(الحكم) وهو وجوب التقليد منصباً على العالم المقيد بالفقاهة (الموضوع) لان العلماء على قسمين: قسم عالم فقيه وقسم عالم غير فقيه، وليس كل عالم يجوز تقليده، بل العالم الفقيه، فالفقاهة قيدت وحددت موضوع الحكم الشرعي وضيقته بالفقيه فقط دون غيره أو يصلح لتقييد ذات الحكم نظير السفر في مضمون قول الصادق(ع) : ((المسافر يقصر في صلاته)) (3)، إذ لا يجوز القصر في الصلاة إلا في حال السفر وبهذا نعرف أن الوصف في علم الأصول يشمل الوصف النحوي والحال والتميز وكل نعت يصلح أن يكون قيداً للحكم أو لموضوع الحكم، والضابطة في المفهوم وعدمه للوصف هو: أن يكون للموصوف حالتان:

حالة مع وجود الوصف، وحالة مع عدم وجوده، فيلاحظ بقاء الموصوف حتى في صورة انتقاء الوصف فيقال هل الحكم المعلق على الوصف الملازم لموضوع الحكم يبقى ثابتاً في صورة انتقاء الوصف أو لا (4)...؟

وذكر العلماء أن للوصف والموصوف لهما علاقات تربطهما ولا تخلو عن أربع وهي:

أ- علاقة التساوي

فيكون الوصف مساوياً للموصوف كالعقلانية والإنسان، فان كل إنسان عاقل، وكل عاقل إنسان، والمقصود بالعقلانية هنا القدرة التكوينية على التفكير فتشمل المجنون وغيره

ب- علاقة العموم المطلق

ص: 70


1- الوسائل، العاملي، 1: 158.
2- ظ: أصول الفقه، المظفر، 1: 122، أصول الفقه وقواعد الاستنباط، الصفار، 2: 116.
3- الوسائل، الحر العاملي، 8: 453.
4- ظ: أصول الفقه، المظفر، 1: 130، منتهى الأصول، السيد حسن البنجوردي، مط: الفكر، ط1، بيروت، وأصول الفقه وقواعد الاستنباط، الصفار، 2: 126.

فيكون الوصف اعم من الموصوف كالحيوان والإنسان، فان وصف الحيوانية اعم مطلقاً من الإنسان لان الإنسان يشترك مع الكثير من الحيوانات في هذا الوصف ولا يختص به؛ لذا يصح أن نقول: كل حيوان إنسان؛ لان الجملة الأولى صادقة بينما الجملة الثانية كل إنسان حيوان كاذبة لان الكثير من الحيوان ليس بإنسان.

ج- علاقة العموم والخصوص من وجه

ومثاله كالإنسان والابيض فانهما يتحدان من جهة كما في في الإنسان ابيض البشرة، ويفترقان من جهتين: من جهة الإنسان لأنه ليس كل إنسان ابيض البشرة، بل بعضه اسود أو احمر، ومن جهة البياض لأنه ليس كل ابيض إنسان بل بعض الابيض ليس إنسان كالطائر الابيض.

د- علاقة الخصوص المطلق
اشارة

أن يكون الوصف اخص من الموصوف مطلقاً كالعدالة والإنسان، فان الإنسان وهو قسم منه عادل وقسم منه فاسق (1).

إذً أن ثبوت المفهوم في الجملة الوصفية وعدمه لا يجري في كل هذه الحالات الأربعة، بل يختص بالثالثة والرابعة، وذلك لوضوح عدم ثبوت المفهوم في الجملة الوصفية التي فيها علاقة المساواة بين الوصف والموصوف؛ بداهة أن انتفاء الوصف فيها يلازم انتفاء ذات الموصوف؛ إذ لا يبقى موضوع لان الوصف هو الذي شخص الموضوع وعلى ذلك صدر الحكم عليه فإذا انتفى الوصف انتفى الحكم أيضاً لتبعية الأحكام للموضوعات فإذا قال المتكلم: (احترم حقوق الإنسان العاقل)، فانه لا يفيد عدم احترام غير العاقل لان غير العاقل ليس بإنسان، بداهة أن العقل والإنسان متحدان في ذاتهما، فإذا ارتفع احدهما ارتفع الآخر لا محالة، وكذلك يظهر عدم ثبوت المفهوم في الجملة الوصفية التي وصفها اعم مطلقاً من موصوفها؛ وذلك لان تعليق الحكم على الوصف العام العارض على الموضوع يفيد نفي الحكم عموماً إذا انتفى الوصف العام، كما إذا قيل: (اطعم الحيوان) و(اطعم الحيوان الإنسان)، ففي كلا الحالتين إذا انتفى الحيوان ينتفي وجوب الطعام عن الإنسان من جهة أن الحيوان اعم من الإنسان فإذا انتفى الحكم من الأعم بانتفاء وصف موضوعه ينتفي من الأخص بالضرورة ومعها لا يبقى موضوع للقول بثبوت المفهوم وعدمه لأنها من قبيل السالية بانتفاء الموضوع فينحصر تحديد موضوع الحكم الشرعي الذي يدور الحكم مداره وجوداً وعدماً في الجمل الوصفية التي وصفها اعم من جهة من وصفاء أو اخص من موصوفها(2).

ص: 71


1- ظ: أصول الفقه وقواعد الاستنباط، الصفار،2: 128، ونهاية الوصول إلى علم الأصول، العلامة الحلي، 2: 521.
2- ظ: أصول الفقه وقواعد الاستنباط، الصفار، 2: 129.

مثال تطبيقي(1)

ومثل الجملة الوصفية التي وصفها اعم من جهة من وصفها:

يقول (صلی الله علیه و آله) : ((في الغنم السائمة زكاة))(1)، فان السوم وهو الاعتلاف من المراعي الصحراوية التي تنبت بالمصر بلا دخل لفعل الإنسان فيها اعم من الغنم من وجه؛ لان البقر والإبل ونحوهما قد تكون سائمة أيضاً، كما أن الغنم اعم من السوم من جهة لإمكان أن تعلف الغنم بالمزارع والحقول التي تكون بفعل الإنسان، وقد يجتمعان في الغنم السائمة (2).

مثال تطبيقي(2)

ومثل للجملة الوصفية التي وصفها اخص من موصوفها:

يقول الشارع: ((صلِ خلف الإنسان العادل))، فان الإنسان على قسمين: فاسق وعادل وحيث أن الشارع قيد الصلاة خلف العادل منهما، فهنا الوصف حدد الموضوع وهو (الإنسان العادل) بحيث إذا انتفى هذا الوصف ينتفي الحكم المترتب عليه وهو(صلِ) (3).

أقسام الوصف
اشارة

ذكر للوصف قسمان وهما:

1- الوصف التوضيحي

والمراد منه الوصف الذي يرد في الجملة لغرض التوضيح ومزيد من البيان لا لتضييق الحكم تبعاً لتضييق الموضوع ونفيه عن غيره، وهذا القسم من الوصف كثير في الاستعمالات العرفية والشرعية ضمن العرفية قول المتكلم: (اكرم العالم العظيم) أو(بجّل التقي الورع) ونحو ذلك، فان الوصف هنا لم يقيد ويحدد الموضوع وإنما ذكر للتوضيح، وذلك لان؛ العظمة ملازمة للعلم، فلا حاجة إلى ذكرها سوى مزيد من بيان الفضل وكذلك الورع والتقوى بينهما ملازمة فالتقي ورع والورع تقي وذكر الوصف الثاني وهو الورع لمزيد من البيان.

ومن الاستعمالات الشرعية قوله تعالى: - }حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ.......... وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ{ (4)، فان حرمت الربيبة ناشئة من الدخول بامها لا لكونها في حجر زوج الأم أي: أن هذا الوصف توضيحي لا دخل له في موضوع الحكم لذلك الحكم الشرعي المنصب وهو الحرمة غير ناظر له لان الآية وصفت الربائب باللاتي في حجوركم وواضح أن هذا الوصف لا يراد به أن الربيبة التي ليست في الحجر حلال نكاحها على زوج الأم وإنما ذكر هذا الوصف في الآية من باب الغلبة؛ لان الغالب في المجتمع أن بنات

ص: 72


1- م ن
2- ظ: أصول الفقه وقواعد الاستنباط، الصفار، 2: 129.
3- ظ: أصول الفقه وقواعد الاستنباط، الصفار، 2: 129.
4- النساء: 23.

الزوجات من الزواج الأول يعشن مع أزواج الأمهات من الزواج الثاني وهذا الوصف جاء من باب الغلبة الاجتماعية وليس لإفادة نفي التحريم عند انتقاء الحجر (1)

2- الوصف الاحترازي

والمراد به ذلك الوصف الذي جاء لبيان تضييق موضوع الحكم، وتقسيمه إلى قسمين قسم يثبت الحكم عليه مع الوصف وآخر لا يثبت (2)، وهو نظير قوله تعالى:- }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ{ (3)، فان قوله تعالى((عن تراض)) قيد احترازي حدد موضوع الحلية في التجارة وهذه الحلية تتغير في حال انتفاء قيد(عن تراضٍ) إلى الحرمة لان هذا القيد تارة حدد موضوع الحلية وأخرى عند انتفاءه حرر موضوع الحرمة.

ونظير قوله تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً { (4)، فانه ليس أكل مال اليتيم حراماً دائماً، بل الحرمة مقيدة بصورة الأكل بالظلم والعدوان، وأما أكله على وجه الاستحقاق والوجوه الشرعية كأجور الخدمات أو الرعاية أو النفقات على ذات اليتيم ونحو ذلك فهو عدل وحلال وليس بظلم (5).

والنتيجة: تحصل مما تقدم أن الوصف الاحترازي هو الذي يحدد ويثبت موضوع الحكم الشرعي وبالتالي يثبت الحكم بثبوتهُ كما في حرمة الربيبة فأنها مقيدة بالدخول وحلية أكل المال فأنها مقيدة بالتراضي، وحرمة أكل مال اليتيم فأنها مقيدة بالظلم، فان هذه القيود أو الأوصاف الاحترازية هي محدودات، ومشخصات لموضوعات الأحكام الشرعية المتقدمة والأحكام الشرعية استنبطت على ضوء تلك القيود وهذا مما لا نزاع فيه بين الأصوليين.

ولكن وقع النزاع في أن هذا القيد في حالة انتفاءه هل يدل على نفي الحكم بانتفاء الوصف وهذا يدل على انتفاء الموضوع الذي ينتفي على ضوءه الحكم...؟

ومثاله: حلية الربيبة في صورة انتفاء الوصف(وهو عدم الدخول بأمها) وبالتالي ينتفي الموضوع المركب من هذا الوصف وكذلك حرمة أكل المال بغير تراض، وحلية أكل مال اليتيم بغير ظلمٍ أو أن الشارع ساكت عن ذلك، فنحتاج لإثبات الحكم في الموارد المتقدمة إلى أدلة أخرى ليست من هذا المفهوم (6)، وفي هذه المسألة أقوال.

الأقوال في المسألة
اشارة

ص: 73


1- ظ: تحكيم المباني في أصول الفقه، علم الهدى، 1: 278.
2- ظ: أصول الفقه وقواعد الاستنباط، الصفار، 2: 130.
3- النساء: 29.
4- النساء:10.
5- ظ: أصول الفقه وقواعد الاستنباط، 2: 132.
6- ظ: تحكيم المباني في أصول الفقه، علم الهدى،1: 179، وأصول الفقه وقواعد الاستنباط، الصفار،2: 132.

تعددت الآراء في ثبوت مفهوم الوصف وعدمه، وأهمها اثنان، فقد ذهب المشهور من أصحابنا الأصوليين إلى أن الوصف لا مفهوم له، فلا يفيد انتفاء الحكم عند انتفاء الوصف (1)، وذهب أكثر علماء الجمهور إلى ثبوت المفهوم، منهم الشافعي ومالك واحمد (2)، واستدل الجمهور على دلالة الوصف على المفهوم بما يأتي:

ص: 74


1- ظ: مطارح الأنظار، الأنصاري، 2: 85، معالم الأصول، حسن العاملي: 113، كفاية الأصول، الخراساني: 206، أصول الفقه، المظفر، 1: 121، والأحكام، الامدي، 3: 70.
2- ظ: المستصفى، الغزالي، 2: 191، والأحكام، الامدي، 3: 70.
أ- لزوم اللغوية

حيث ذهبوا إلى أن الموضوع في القضية الوصفية لو كان مطلقاً سواء كان واجداً للوصف ام فاقداً له، لما كان لذكر الوصف فائدة، وصار لغواً، فصوناً لكلام الحكيم عن اللغوية لا مناص من الالتزام بدلالته على المفهوم (1).

ب- الاطلاق

ذهبوا إلى أن اطلاق القضية كما في قوله (صلی الله علیه و آله) : ((في الغنم السائمة زكاة)) ، يدل على كونها تمام الموضوع من دون أن يكون لهذا الوصف شريك ولا عديل والالم يكن هو في جميع الحالات موضوعاً (2).

القول الراجح

هو لا مفهوم للوصف عند انتفاءه من الموضوع ولا يترتب الحكم الشرعي عليه وذلك لان أدلة الجمهور قابلة للمناقشة أما دليل اللغوية يمكن القول بان الفائدة لا تنحصر في الاحتراز عن اللغوية باثبات المفهوم للوصف عند انتفاءه، إذ يمكن أن يكون فائدته تضييق دائرة الموضوع في القضية، وبيان أن الحكم لا يشمل جميع حالات الموضوع، فالوصف يدل على انتفاء الحكم على نحو السالبة الجزئية لا على نحو السالبة الكلية، فله مفهوم محدد والمفهوم هو انتفاء لسنخ الحكم عن مورد ليس واجداً للوصف مطلقاً فلا لغوية في البين وأمّا دليل الاطلاق، يمكن القول بأن الاطلاق غير متحقق لأنه أن هذه العلاقة بين الوصف والموصوف(الموضوع) علاقة العلية والمعلولية لا علاقة التلازم، وكذلك لابد أن يكون الوصف علة منحصرة بالموضوع والموضوع ليس له علة أخرى.

ج- دلالة مفهوم الغاية

الغاية في اللغة تطلق على معانٍ وهي: نهاية الشيء وآخره، أي آخر ما يمكن أن يبلغ منه أو هي الغرض الذي يقع لأجله الشيء، وربما يعبر عنها بالعلة الغائية (3).

أما اصطلاحاً لها معنيان وهما:-

ص: 75


1- ظ: محاضرات في أصول الفقه، الفياض، 5: 130، دروس في علم الأصول، الشهيد الصدر، 1: 252.
2- ظ:المستصفى ،الغزالي، 2:191،الأحكام،الآمدي ،3:71
3- مجمع البحرين ومطلع النيّرين، الشيخ فخر الدين بن محمد الطريحي، (ت 1087ﻫ )، مادة(غيو)، تح: السيد احمد الحسني، مط: المكتبة المرتضوية لاحياء الاثار الجعفرية، ط2، طهران، 1365ﻫ .ش.

أ-إذا كانت الغاية قيداً لموضوع الحكم، مثل أن يقال: ((سر من البلد الفلاني إلى البلد الآخر)) قبل انتهاء المسافة، فهو ملحق بمفهوم الوصف (1).

ب-إذا كانت الغاية قيداً للحكم كما في قوله (علیه السلام) : ((كل شيء نظيف حتى تعلم انه قذر))(2)، وقوله (علیه السلام) : ((كل شيء هو لك حلال حتى تعلم انه حرام)) (3)، فتدل على حكم آخر عند انتفاء العلم بالقذارة والحرمة فكل شيء طاهر مع الظن والشك بالنجاسة وحلال مع الشك بالحرمة، وهذا المراد من قول مشهور الامامية من الدلالة عند الارتفاع خلافاً للسيد المرتضى حيث ذهب إلى عدم الدلالة وقال بعدم الفرق بين الوصف والغاية وتوقف الشيخ في المسالة(4) .

أما عامة المذاهب فالشافعية والمالكية والحنبلية يأخذون بهذا المفهوم والحنفية ومن تبعهم من الفقهاء لا يأخذون بمفهوم الغاية كسائر المفاهيم ومن القائلين بمفهوم الغاية من العامة:

1-محمد أبو زهرة: حيث قال:- ((وان مفهوم الغاية يؤخذ في القوانين الحاضرة والأوامر الإدارية والتعريفات الجمركية وغيرها ينص في كثير منها على النهاية أو على أنها يعمل بها إلى أن يصدر ما يخالفها وكثيراً ما يقال في أمر انه يعمل به إلى آخر الشهر كان يقال ميعاد السلفة الزراعية يستمر إلى آخر الشهر الفلاني))(5).

2-الخضري بك قال: ((وقد أنكر هذا الحنفية وبعض المنكرين للمفهوم، وقالوا: هو نطق بما قبل الغاية، سكوت عما بعدها، فيبقى على ما كان قبل النطق)) (6)، وحكى الخضري عن القاضي أبي بكر الباقلاني وهو من منكري المفاهيم انه يقر بمفهوم الغاية ونقل استدلاله بقوله: ((لان قوله تعالى}حَتَّىَ يَطْهُرْنَ{ (7) }و حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ{ (8) ليس كلاماً مستقلاً، فان لم يتعلق بقوله تعالى:- وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ{ (9)، وقوله تعالى:- }فَلاَ تَحِلُّ لَهُ{ (10) كان لغواً من الكلام وإنما صح لما فيه من إضمار وهو: حتى يطهرن فاقربوهن، حتى تنكح فتحل، ولهذا يقبح الاستفهام إذا قال: لا تعطِ زيداً حتى يقول، فلو قال المخاطب: هل أعطيه إذا قام؟ لم يحسن إذ سمعناه: أعطه إذا قام، لان الغاية نهاية ونهاية الشيء مقطعه، فان لم يكن مقطع لم تكن نهاية)) (11).

وتقريب الكلام بين القائلين بمفهوم الغاية من الامامية وبين القائلين به من العامة وهو أن مراد المتكلم من المنطوق بمفهوم الغاية في المقام حكمين:

ص: 76


1- ظ: تحكيم المباني في أصول الفقه، علم الهدى، 1: 467.
2- الوسائل، الحر العاملي، 3: 467.
3- ن م، 17: 89.
4- ظ: أصول الفقه :أبو زهرة ،1:25
5- م ن.
6- أصول الفقه، الشيخ محمد بن مصطفى بن حسن الخضري بك(ت1347ﻫ ): 127 - 128، دار الفكر، بيروت، د.ط، 1424ﻫ / 2004م.
7- البقرة:222.
8- البقرة:230.
9- البقرة:222.
10- البقرة:230.
11- أصول الفقه، الخضري: 127 - 128.

احدهما: ما كان مذكوراً.

ثانيهما: تفهيم مراد المتكلم من قيد الحكم الظاهر من منطوقه، فان قوله تعالى : -}لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ{ (1) فيستفاد منها:

أولاً: مانعية السكر عن جواز الدخول في الصلاة.

ثانياً: عدم المانعية إذا علم المكلف ما يقول في الصلاة ففي مثل المقام لا إشكال في وجود المفهوم فكان الحكم الثاني هو المراد الغائي من الشارع، ويصح أن يقال أن المفهوم هنا - وهو حكم الإيجاب عند السلب - نتيجة المنطوق في الحكم الأول كما سبق في مفهوم الشرط (2).

وقال الشيخ الأنصاري(قد) : ((قال في محكي التلويح: المراد بالغاية في قولهم(من)، لابتداء الغاية - هي المسافة إطلاقاً لاسم الجزء على الكل، فالغاية هي النهاية، وليس لها ابتداء))(3)، ثم استظهر الشيخ الأنصاري قائلاً: ((أن المراد من المسافة ليس خصوص المكان والزمان وان كان يعطيه ظاهر بعض الكلمات في بعض المقامات، بل المراد مطلق الامتداد الحاصل في غير المكان والزمان، كما في قولك: ((أنشدت القصيدة من أولها إلى آخرها)) (4).

ص: 77


1- النساء:43.
2- ظ: تحكيم المباني في أصول الفقه، علم الهدى، 1: 287.
3- مطارح الأنظار، الأنصاري، 2: 185.
4- مطارح الأنظار، الأنصاري، 2:287

أدوات الغاية

للغاية أدوات أهمها:

أ-(حتى): إذا كانت ناصبة لإجارة كقوله تعالى:-} وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ{ (1)، فتدل على أن غاية جواز الأكل والشرب في شهر رمضان هي طلوع الفجر.

ب-(إلى) كقوله تعالى:- }ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ{ (2)، فتدل على أن غاية وجوب الإمساك هو الليل(3).

مفاد مفهوم الغاية...

أن المعروف بين أهل اللغة والأدب أن(حتى) و(إلى) تدلان على شمول الحكم للغاية، وعبروا عنه بدخول الغاية في المغيا، والمراد من(حتى) هي الناصبة لا العاطفة لان العاطفة تدخل الغاية في حكم المغيا قطعاً كما في قول القائل: (مات الناس حتى الأنبياء)، فان مفادها هنا أن من الواضح أن الأنبياء أيضاً ماتوا وإنما عُبر عنهم بصيغة الغاية للتدليل على حتمية الموت لجميع الناس حتى المقربين إلى آل-... تعالى (4)، وعلى هذا فان بياض الفجر هو مغيا فيجوز الأكل والشرب فيه فيدخل فيه حتى يطلع الفجر بتمامه، والليل داخل في حكم الإمساك حتى يستقر ظلامه في الكون، وهذا غير صحيح عند الأصوليين؛ لان المتبادر عرفاً من الغاية هو انقضاء الحكم عندها ويشهد لهذا المفاد الفهم العرفي في الغايات الشرعية والعرفية ومنها

1-قوله تعالى:- }فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ{ (5)، فأنها دالة على أن المرافق غير واجب الغسل في الوضوء.

ص: 78


1- البقرة:187.
2- م ن.
3- ظ: البحث الدلالي عند الأصوليين: 75.
4- ظ:أصول الفقه وقواعد الاستنباط، الصفار، 2: 138.
5- المائدة:6.

2-قوله تعالى: }تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ{(1)، فأنها دالة على نزول الملائكة يتوقف عند طلوع.

3-قوله تعالى:- }وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ{ (2) دل على جواز مقاربة النساء بعد النقاء من الحيض.

4- في موثقة عمار قال الإمام الصادق (علیه السلام) : ((كل شيء نظيف حتى تعلم انه قذر))(3)، وقوله (علیه السلام) : ((كل شيء هو لك حلال حتى تعلم انه قذر))(4) فأنهما دالان على أن غاية الطهارة والحلية هو حصول العلم، فإذا حصل حكم بالنجاسة والحرمة عن طريق العلم تنتهي الغاية بالعمل بالطهارة والحلية(5).

5-قول المتكلم: (قرأت القران إلى سورة الإسراء) و(بنيت البيت حتى السقف) و(استيقظت الليل حتى الصباح)، فان المتبادر من هذه الجمل عرفاً أن القراءة تمت إلى سورة الإسراء، فسورة الإسراء لم يقرأها، وان البناء تم إلى السقف، فالسقف لم يبنه بعد، وان السهر استمر إلى الصباح، فالصباح لم يستيقظ فيه، ولاشك أن التبادر هذا يؤخذ به لأنه ظهور عرفي، والظهور العرفي حجة(6).

الأقوال في مفهوم الغاية:

اختلف الأصوليون في مفهوم الغاية إلى أقوال واختلافهم واقع في مسالتين:

الأولى: هل أن الغاية داخلة في حكم المغيا أو لا ...؟

ونتيجة ذلك الحكم بوجوب غسل المرفق في الضوء وجواز الأكل في أول الفجر من شهر رمضان ام لا ...؟

الثانية: أن الحكم هل ينتفي فيما بعد تحقق الغاية أم لا ...؟ وهذه المسالة لا تصح إلا إذا قلنا بدخول الغاية في حكم المغيا، وأما إذا قلنا بعدم دخولها فالحكم ينتفي فيما بعد الغاية بشكل أولي، ونتيجة ذلك إننا إذا قلنا بان الغاية تدخل في حكم المغيا، ولازمه القول بوجوب غسل المرفق وجواز الأكل في أول الفجر، فهل نحكم بان نهاية الموضوع هو ذلك، فينصب الحكم بعدم وجوب غسل (المرفق) من اليد لأنه بعد الغاية، ولا يجوز الأكل بعد طلوع الفجر لأنه بعد الغاية ام لا(7)! ، واختلفوا في ذلك إلى أقوال، فذهب جماعة إلى أن الغاية خارجة عن حكم المغيا، وذهب جماعة إلى خلافهم تماماً فقالوا بدخولها فيه وذهب جماعة إلى التفصيل بين إذا

ص: 79


1- القدر: 4-5.
2- البقرة:222.
3- الوسائل، العاملي، 13: 467.
4- م ن، 17:49.
5- ظ: أصول الفقه وقواعد الاستنباط، الصفار، 2: 138.
6- ظ: م.ن.
7- ظ: أصول الفقه وقواعد الاستنباط، 2: 138.

ما كان ما قبل الغاية وما بعدها متحدين في الجنس فتدخل الغاية في حكم المغيا نظير قوله:} فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ(1){ بلحاظ أن اليد شيء واحد وتنقسم إلى عضد ومرفق وساعد وعليه فان الغسل واجب حتى للمرفق لأنه والساعد حقيقة واحدة، وأما إذا كنا مختلفين في الجنس فلا تدخل الغاية في المغيا نظير قوله تعالى: }ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ )(2) ، فان النهار والليل جنسان مختلفان عرفاً فلا يسري حكم النهار إلى الليل ) (3)، وتردد جماعة فتوقفوا في الدلالة وقالوا بان الحكم بدخول الغاية في المغيا و عدمه يرجع إلى القرائن الخاصة وليس له ضابطة واحدة فيه(4)، وأنكر أصحاب أبي حنيفة المفهوم بدعوى عدم وجود دليل عليه خلافاً لأكثر الجمهور(5).

القول الراجح:

هو القول الأول وهو: أن الغاية خارجة عن حكم المغيا وذلك لنكتة الظهور وهو الظهور العرفي لان الأحكام تدور مدار الظهورات وهذا هو قول مشهور الأصوليين.

النتيجة: أن الغاية لا تدخل في حكم المغيا، ولازم ذلك هو القول بان للغاية مفهوماً؛ لان معنى الغاية هو انتفاء الحكم المنطوقي للمغيا عن الغاية وما بعدها فاذاً فائدة الغاية هي تحديد موضوع الحكم الشرعي من حيث المسافة أو المساحة المتمثلة بنقطة البداية والنهاية للموضوع وبالتالي ينصب الحكم الشرعي على ضوء ذلك التحديد كقوله تعالى(فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق) (6) فهنا الغاية حددت مساحة الموضوع وهو(اليد) لان اليد قد تطلق على المجموع من الساعد والعضد والمرفق وتصل إلى الكتف وقد تطلق على بعضها كالكف والأصابع ولفظ(إلى المرافق) حدد الموضوع لذلك انصب الحكم وهو وجوب غسل المساحة المحددة للموضوع المحصورة بين المرافق والأصابع وهذا التحديد للموضوع جاء عن طريق مفهوم الغاية.

د- مفهوم الحصر

الحصر في اللغة: (هو الحبس والإطاحة)(7).

الحصر اصطلاحاً له معنيان:

ص: 80


1- المائدة:6.
2- البقرة: 187.
3- ظ: مطارح الأنظار، الأنصاري، 1: 185، فوائد الأصول، النائيني، 2: 504، مفتاح الوصول إلى علم الأصول، البهادلي، 1: 274 - 475، أصول الفقه، المظفر، 1: 134- 135.
4- ظ: مطارح الأنظار، 1: 186، كفاية الأصول، الخراساني: 208، الأحكام، الامدي، 3: 88.
5- ظ: الأحكام، الامدي، 3: 88.
6- المائدة:6.
7- المصباح المنير، الفيومي: (حصر).

أ-القصر بالاصطلاح المعروف عند علماء البلاغة سواء كان من نوع قصر الصفة على الموصوف نحو: ((لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي)، أمسى من نوع قصر الموصوف على الصفة نحو(وما محمد إلا رسول)، (إنما أنت منذر).

ب-ما يعم القصر والاستثناء الذي لا يسمى قصراً بالاصطلاح نحو:(فشربوا إلا قليلاً) والمقصود عند الأصوليين المعنى الثاني (1)، فإذاً المراد من الحصر عند الأصوليين: هو توقيف الحكم وحصره بالموضوع أو بحالة من حالات الموضوع، نظير حصر حكم العبادة بالبالغين في قوله (صلی الله علیه و آله) : (لا عبادة إلا على البالغ)(2)، وحصر جواز تركها بالمضطرين في قوله (علیه السلام) : (المضطر يترك العبادة)(3)، فالمثال الأول حصر وجوب العبادة بموضوع واحد وهو البالغ والثاني حصر الحكم بحالة من حالات الموضوع(البالغ) وهو الاضطرار، وللحصر أدوات أهمها:

1-(إلا) الاستثنائية كقوله (علیه السلام) : ((لا تعاد الصلاة إلا من خمس الطهور والقبلة والوقت والركوع والسجود)(4).

2-(إنما): كقوله تعالى:}إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ{(5).

3-دخول اللام الجنسية والاستغراقية على المبتدأ، نظير قول المتكلم:(القرآن كتابي)، (الإسلام ديني، فقد حصرت اللام الكتاب بالقرآن والدين بالإسلام.

ص: 81


1- أصول الفقه، المظفر، 1: 137.
2- الوسائل، العاملي، 3: 150
3- م ن، 3: 150.
4- م ن، 4: 234.
5- المائدة: 55.

4-الضمير المتوسط بين المبتدأ والخبر قال الإمام الصادق (علیه السلام) : ((الكافور هو الحنوط))(1).

5-تقديم ما حقه التأخير كقوله تعالى:}إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ{(2)،(فإياك) مفعول به وحقه التأخير وتقدم إشعاراً لحصر موضوع العبادة والاستعانة بالباري تبارك وتعالى (3).

إذ المستفاد مما تقدم من مجموع الجمل المحصور بأدوات الحصر هو: حصر الموضوع وإصدار الحكم في ضوء ذلك الحصر، فالذي حدد الموضوع وشخصه هو مفهوم الحصر، لذلك نجد في حديث(لا تعاد) أن الاستثناء يفيدنا منطوقه أن موضوع(لا تعاد) أو(الإعادة) منحصر بالأمور الخمسة المذكورة في الحديث لذا انصب الحكم وهو وجوب الإعادة على هذه الأمور الخمسة المذكورة وأما إذا وقع الخلل في غير هذه الخمسة فهنا نسال هل للحصر مفهوماً يفيد أن الخلل الواقع في غير هذه الخمسة لا يبطل الصلاة فلا تعاد منه أم لا ...؟

وكذا في لفظ(إنما) الوارد في الآية المتقدمة أفاد منطوقها حصر الولاية بالله سبحانه وتعالى والرسول (صلی الله علیه و آله) وعلى أمير المؤمنين (علیه السلام) كما في شأن نزولها، فهل يفيدنا مفهوم يثبت نفي الولاية عن غيرهم، فنقول بان ولايتهم شرعية وولاية غيرهم باطلة أم لا ...؟

والحديث الذي يحصر الحنوط بالكافور فهل يفيدنا نفي غيره فنقول بعدم صحة التحنيط بغير الكافور أم لا ...؟ وهكذا في الأمثلة المتقدمة (4)، وسيأتي الكلام بأنه هل للحصر مفهوماً بحيث يحدد موضوع حكم شرعي مخالف للمفهوم الموافق ويأخذ حكماً آخراً أم لا ...؟

دلالة الحصر على المفهوم.

ذهب المشهور من الأصوليين إلى أن للحصر مفهوماً (5)، وذهب جمع من علماء الجمهور وأبو حنيفة إلى عدم دلالته على المفهوم (6).

القول الراجح:

هو دلالة الحصر على المفهوم وذلك لان العرف يستظهر من مثل هذه الجمل المتضمنة لأدوات الحصر أو صيغته وجود المفهوم. فمثلاً أن الاستثناء في الكلام يفيد أموراً أربعة:

1-استثناء من الإيجاب يفيد السلب.

2-استثناء من السلب يفيد الإيجاب.

3-أن المنطوق يفيد الحصر وان الحكم المذكور في الجملة مختص بالمستثنى منه.

ص: 82


1- الوسائل، العاملي، 3: 17.
2- الفاتحة:5.
3- ظ: مطارح الأنظار، 2: 105، أصول الفقه، المظفر، 1: 138.
4- ظ: أصول الفقه وقواعد الاستنباط، الصفار، 2: 142.
5- ظ: كفاية الأصول، الخراساني: 209، أصول المظفر، 1: 139.
6- ظ: الأحكام، الامدي، 3: 92.

4-انتفاء حكم المستثنى منه عن المستثنى بالمفهوم ويشهد لكل هذا الظهور والتبادر العرفي من الكلام، وهو حجة في باب المحاورات وفهم معاني الألفاظ بل هو ما نص عليه أهل اللغة أيضاً، فيعضد الدلالة الظهورية.

مثال تطبيقي(1):

قوله تعالى:-} لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ( ) (1)فهناك أمور ثلاثة وهي:

1-المستثنى وهو قوله(المظلوم).

2-المستثنى منه وهو(قول السوء).

3-أداة الاستثناء(إلا).

فمنطوق الآية الشريفة يفيدنا كراهة أن يجهر الإنسان بقول السوء وهذا الحكم عام ولكن بعد دخول(إلا) الاستثنائية حصرت الحكم وهو الكراهة في الموضوع وهو غير جهة الظلم لان المظلوم استثنته الآية وأفادت بجواز أن يجهر المظلوم بظلامته لانتزاع حقه (2).

والنتيجة: أن كل جملة تفيد الحصر عرفاً فأنها تحدد موضوع الحكم الشرعي في مستويين، على مستوى دلالة المفهوم الموافق ودلالة المفهوم المخالف فدلالة المفهوم الموافق تحدد موضوع الحكم الشرعي المنطوق به في النص الشرعي فتوافقه وأما دلاله المفهوم المخالف فأنها تحدد موضوع الحكم الشرعي المخالف للمنطوق ويكون الحكم المستفاد منها مخالف للحكم المنطوقي للنص الشرعي.

ﻫ- مفهوم العدد....

العدد في اللغة هو ((الكمية المتألفة من الوحدات))(3).

أما العدد اصطلاحاً: وهو لا يتعدى معناه اللغوي من انه الكمية المتألفة من الوحدات وذلك لان لسان الدليل جاء بأحكام متعددة محددة بالعدد، فعليه أن المتفاهم العرفي يفهم من العدد إذا ذكر في الكلام يراد منه التحديد وهذا التحديد على ثلاثة أنحاء:

الأول: أن يكون لتحديد مقدار العدد بلا زيادة ولا نقيصة كما في قول الشارع: ((صلاة الظهر أربع ركعات)) (4)، وقال الإمام الصادق (علیه السلام) : ((الصيام شهر وهو قد يبلغ ثلاثين يوماً وقد ينقص)) (5)، (6).

الثاني: أن يكون لتحديد أقصى حد للزيادة فلا يصح أن يزد عليه كما لو قال: (يجوز الفصل بين المصلين في صلاة الجماعة بخطوة)، فلو زاد عنها بطلت الصلاة من حيث كونها جماعة.

ص: 83


1- النساء:148.
2- ظ: أصول الفقه وقواعد الاستنباط، الصفار،2: 145.
3- المصباح المنير، الفيومي؛(عدد)
4- الوسائل، العاملي، 4: 49.
5- م ن، 10: 262.
6- ظ: أصول الفقه، المظفر، 1: 139.

الثالث: أن يكون لتحديد أقصى حد في النقيصة، فلا يصح أن ينقص عنها كما لو قال الإمام الصادق (علیه السلام) : ((ما الكر الذي لا ينجس بالملاقاة مع النجس هو ما بلغ مساحة ثلاثة أشبار ونصف طولاً وعرضاً وعمقاً)) (1)، فلو نقص عنه لم يكن كراً ولازمه أن يحكم بنجاسته إذا لاقى النجس، والظاهر عرفاً من ذكر العدد هو إرادة تحديد موضوع الحكم الشرعي، فيدل منطوقه على وجوب مفهوم يغايره في الموضوع والحكم، فمثلاً في قوله تعالى: }الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ ){ (2)، فيستفاد أن حد الزنا هو مقدار المائة لا اقل ولا أكثر، فلا يجوز جلد الزناة بالأكثر بعنوان الحد كما لا يجوز بالأقل(3)، لذلك نجد أن مفهوم العدد له اثر في تحديد موضوعات الأحكام الشرعية في دائرة أحكام الحدود الشرعية، ودائرة القضاء، فمثلاً قوله تعالى:

}وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ{ (4)، حيث يستفاد أن اقل عدد تتم به الشهادة هو اثنان، فهي في مقام تحديد أقصى غاية النقيصة، ومفهومه أن لا تنعقد الشهادة بالأقل ومثال آخر في قولهم: أن الواجب في تسبيحات الركعة الثالثة والرابعة من الصلاة الرباعية هو ثلاثة يستفاد أن أقصى حد الزيادة هو الثلاثة فلا يجوز الآتيان بالأكثر بنية الوجوب وهكذا (5)

والخلاصة: أن الأصل في العدد انه يذكر لأجل تحديد موضوع الحكم الشرعي والتحديد يدل على المفهوم عرفاً إلا ما خرج بدليل أو القرينة، نظير قوله تعالى: }إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ{ (6)، وقول الإمام الرضا (علیه السلام) : ((صوم ثلاثة أيام من كل شهر سنة))(7)، فان القرينة العقلية في الآية قائمة هنا على أن المراد أكثر من سبعين مرة سوف لن يغفر لهم، والقرينة الشرعية في الرواية تفيد استحباب الصيام مهما قل أو كثر لأنه عبادة، لذا لا يدل العدد المذكور فيها على أن صيام الأقل والأكثر ليس من السنة وان من أنكر مفهوم العدد وهم أكثر الأصوليين من الفريقين(8)، أرادوا هنا المفهوم المتقدم لا إنكار وجود المفهوم(9)، بدليل اعتماد بعض الفتاوى على مفهوم العدد منها:

ص: 84


1- الوسائل، العاملي، 1: 165.
2- النور: 2.
3- ظ: مفتاح الوصول إلى علم الأصول، 1: 356.
4- البقرة: 282.
5- ظ: كفاية الأصول، الخراساني: 212، تهذيب الأصول، عبد الأعلى السبزواري، 1: 117، المبسوط في أصول الفقه، جعفر سبحاني، 2: 353، اسماعيليان، قم، ط1، 1432ﻫ .
6- التوبة: 80.
7- الوسائل، العاملي، 4: 421.
8- ظ: مطارح الأنظار، الأنصاري، 2: 583، كفاية الأصول، الخراساني، 212، أصول الفقه، المظفر، 1: 139.
9- ظ: هداية المسترشدين، الشيخ محمد تقي الرازي الأصفهاني النجفي(ت 1248ﻫ ) ، 2:583، مؤسسة النشر الإسلامي، قم ط1، 1420ﻫ ، وتحكيم المباني في أصول الفقه، علم الهدى، 1: 296.

1-هل يكفي الحجر الواحد إذا كان له ثلاثة أطراف...؟ قيل: لا، لورود النص على ثلاثة أحجار إلا أن يحمل على الغالب (1).

2-هل تكره قراءة أزيد من سبع آيات على الجنب...؟ قيل: نعم لمفهوم موثقة سماعة قال: سالته عن الجنب، هل يقرأ القرآن ....؟ قال: ((ما بينه وبين سبع آيات))(2).

3-لا تعقد الجمعة بالأقل من خمسة لقول الإمام الصادق (علیه السلام) : ((لا تكون الخطبة والجمعة وصلاة ركعتين على اقل من خمسة رهط: الإمام وأربعة))(3)، فيكون مفهومه انعقادها بالخمسة(4).

و- مفهوم اللقب

اللقب في اللغة: ((هو النبز بالتسمية ونهي عنه... وقد يجعل اللقب علماً من غير نبز فلا يكون حراماً...)) (5).

وأما اللقب في الاصطلاح:

قسم الأدباء الاسم إلى ثلاثة أقسام:

1-العلم - كمحمد -

2-الكنية - كابي القاسم.

3-اللقب - كرسول آل...تعالى.

فإذا قلنا: صلى الله على أبي القاسم محمد رسول الله(ص)، فقد جمعت فيه الأقسام الثلاثة: فاللقب في مصطلح الأدباء قسم من الاسم ما يشار به إلى الذات، وأما في اصطلاح الأصوليين: فيراد منه معنى اعم مما لدى النحاة أي كل اسم لا يكون قيداً زائداً في الكلام علماً كان أو اسم جنس ولذلك فسَّر بتعليق الحكم على اسم الجنس أو اسم العلم وعلى ذلك فيختص بما إذا كان مسنداً إليه وبذلك يتبين أن اللقب أضيق من الوصف(6).

الأقوال في مفهوم اللقب:

ذهب بعض العامة أن للقب مفهوماً منهم الحنابلة وبعض المالكية(7)، والمشهور بين أصولي المسلمين انه لا مفهوم للقب وذلك لان ثبوت حكم لموضوع خاص لا يدل على نفيه عن غيره، ضرورة ثبوت شيء لشيء لا يدل على نفيه عن غيره(8)، أما الذين ذهبوا إلى أن للقب مفهوماً

ص: 85


1- ظ: جواهر الكلام، محمد حسن النجفي، 16: 296.
2- الوسائل، العاملي، 2: 75، وجواهر الكلام، النجفي، 3: 71.
3- الوسائل، العاملي، 5: 66.
4- ظ: جواهر الكلام، النجفي 11: 199، واغلب الرسائل العملية.
5- المصباح المنير، الفيومي: (لقب)، مجمع البحرين، الطريحي؛ (لقب).
6- ظ: المبسوط في أصول الفقه، سبحاني، 22: 348.
7- ظ: الأحكام، الامدي، 3: 90، هداية المسترشدين، الشيخ محمد تقي، 2: 580.
8- ظ: مطارح الأنظار، الأنصاري، 2: 45.

انه إذا قيل: أكرمْ زيداً في الدار، فالتشريع حدد الإكرام في الدار، ويدل مفهوماً على عدم وجوبه في غير الدار فالحكم يدور مدار الموضوع وهو اللقب(الدار) منطوقاً ومفهوماً (1)، والمراد من اللقب الاسم الذي يقع موضوعاً للحكم سواء كان مشتقاً كالفقير في قوله تعالى:} وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِير{ ) (2) والسارق والسارقة في قوله تعالى:} وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا){ (3)، أو جامداً كما في قوله(ص): ((لا تتختم بخاتم ذهب ولا تلبس الحرير فيحرق الله جلدك يوم تلقاه)) (4)، وقولهم : ((الذهب والحرير حرام على الرجال))، فقالوا لو لم يدل اللقب على المفهوم لكان ذكره في الكلام لغواً، وعلى هذا قالوا بأنه الآية الأولى تفيد عدم الإجزاء في إطعام غير الفقير والآية الثانية تفيد عدم جواز قطع يد السارق والسارقة والقول المذكور يفيد جواز لبس غير الذهب والحرير للرجال وهكذا(5).

القول الراجح:

هو أن اللقب له مفهوم؛ لان المراد بالجمل والأمثلة المساقة لإثبات المفهوم هي من قبيل إثبات موضوع الحكم الشرعي الخاص وبالتالي يثبت الحكم على مؤداه فاللقب حدد وشخص موضوع الحكم الشرعي على صعيد المفهوم الموافق، فلآية الأولى وجوب إطعام الفقير فالفقير هو اللقب الذي هو الموضوع وبالتالي انصب حكم الاطعام عليه وأما على صعيد الدلالة المفهومية المخالفة، فان اللقب ليس له القدرة على تشخيص الموضوع الثابت بالدلالة المنطوقية (المفهوم الموافق)، ويسحبه إلى الدلالة المفهومية ولذلك لا يمكن الاستفادة في الدلالة المفهومية عدم جواز إطعام غير الفقير، فعليه أن اللقب لا مفهوم له، لان الظهور العرفي في إثبات الحكم للاسم يراد منه تشخيص موضوع الحكم على ضوء المتكلم في دلالة النطق والمفهوم يحتاج إلى أداة عليه كالشرط، والاستثناء والحصر والغاية ولا أداة في اللقب تدل على انحصار الحكم بالموضوع، ولذلك كان مفهوم اللقب اضعف المفاهيم حتى عند القائلين به

ص: 86


1- ظ: الوصول إلى علم الأصول، احمد بن علي برهان البغدادي(463ﻫ )، 1: 136، القاهرة، ط1، 1965.
2- الحج:28.
3- المائدة: 38.
4- الوسائل، العاملي، 4: 369.
5- ظ: الأحكام، الامدي، 3: 80.

المبحث الثالث: دلالة السياق

المطلب الأول: مفهوم دلالة السياق

1- السياق لغة واصطلاحاً
اشارة

عرف السياق عدة تعريفات لغوية واصطلاحية وهي كما يأتي:

أ- السياق لغة

((السوق من ساق الإبل وغيرها بسوقها سوقاً وسياقاً وهو سائق وسواق شدد للمبالغة))(1)، وسقت الدابة اسوقها سوقاً والمفعول مسوق على مفعول وساق الصداق إلى امرأته حمله إليها واساقه بالألف لغة وساق نفسه وهو في السياق أي في النزع (2).

ب- السياق اصطلاحاً

السياق: ((هو الذي يفرض قيمة واحدة بعينها على الكلمة بالرغم من المعاني المتنوعة التي في وسعها أن تدل عليها والسياق أيضاً هو الذي يخلص الكلمة من الدلالات الماضية التي تدعها الذاكرة تتراكم عليها، وهو الذي يخلق لها قيمة(حضورية) ولكن الكلمة بكل المعاني الكامنة توجد في الذهن مستقلة عن جميع الاستعمالات التي تستعمل فيها مستعدة للخروج والتشكيل بحسب الظروف التي تدعوها)) (3).

إذاً أن معنى الكلمة يحدده استعمالها في اللغة أو الطريقة التي تستعمل بها الدور الذي تؤديه، ولهذا فان المعنى لا ينكشف إلا من خلال تسييق الوحدة اللغوية، أي وضعها في سياقات مختلفة(4)

المطلب الثاني: أقسام دلالة السياق

اشارة

إن للسياق ثلاثة أقسام وهي:

الأول: دلالة تخصيص العام
اشارة

قبل الخوض في هذا القسم من الدلالة فلابد بيان مفهوم العام والخاص لغة واصطلاحاً:

1- مفهوم العام والخاص

أولاً: لغة:

ص: 87


1- لسان العرب: (سوق).
2- ظ: المصباح المنير: (سوق).
3- السياق في الفكر اللغوي عند العرب، د. صاحب أبو جناح، مجلة الأقلام، العدد(3 -4)، : 116، 27، آذار - نيسان، 1992م.
4- ظ: السياق في الفكر اللغوي عند العرب:117.

أ) العام: هو الشمول والعام اسم فاعل بمعنى الشامل واصلهُ(عامم) أسكنت الميم الأولى وأُدغمت في الميم الثانية، فصارت(عام) وهو مأخوذ من قولنا:(عممت زيداً وعمراً بالعطاء)، أي: شملتهما به، فالعام هو: الشيء عموماً أي: شمل الجماعة، يقال: عمهم بالعطية (1).

ب) الخاص لغة: هو منفرد، يقال: فلان خاص بفلان، أي: متفرد به واختص فلان بكذا، أي: انفرد به ومنه الخصاصة وهي الحاجة الموجبة للانفراد عن المال وعن أسباب المنال (2).

ثانياً: اصطلاحاً:

أ) العام: عرف بعدة تعاريف منها انه: ((الاستيعاب والشمول، وان استعماله في الكثرة المقاربة للاستيعاب منشؤه التسامح))(3)، وكذلك يطلق العام على الحكم إذا كان موضوعه عاماً مثل: أكرم كل تقي، فالحكم بالإكرام يوصف بالعموم كما يوصف موضوعه وهو(كل تقي) بالعموم (4)

ب-الخاص: هو المنفرد عما هو اعم منه (5)، كانفراد الحيوان عن النامي وانفراد الإنسان عن الحيوان وانفراد المؤمن عن الإنسان وانفراد محمد عن المؤمن، فالحيوان وان كان عاماً بلحاظ شموله لجميع أفراد حقيقته، إلا انه خاص بلحاظ انفراده عن النامي الشامل للنبات والحيوان معاً، والإنسان وان كان عاماً بلحاظ شموله لجميع أفراد نوعه، إلا انه خاص بلحاظ انفراده عن الحيوان الشامل له وللأنواع والأصناف فهي عامة بنفسها وخاصة بقياسها إلى ما فوقها (6).

مثال توضيحي:

إذا ورد خطاباً شرعياً أفاد حكماً عاماً أو خاصاً نظير قوله تعالى:} حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ{(7)، فانه يدل على حرمة جنس الميتة والدم بلا فرق بين أقسام الميتة وأصنافها ولا بين أقسام الدم وأصنافه، فيقول: أن الحرمة هنا حكم عام يسري في جميع الأفراد، بينما قوله تعالى:

} وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ{ (8) أفاد حكماً خاصاً وهو حرمة لحم الخنزير ولو كان مذكى فلا يشمل هذا الحكم غير الخنزير نعم هذا الحكم الخاص هو عام بالنسبة لأصناف الخنزير وأنواعه إذ حرمة لحم الخنزير لا تختص بالخنزير الأوربي أو الإفريقي أو البرازيلي ونحو ذلك من الأصناف والأقسام وان كان الحكم بالقياس إلى غير الخنزير من الحيوانات خاصاً ومن هنا قالوا: أن العام والخاص من المعاني النسبية وليست ثابتة؛ لان العموم والخصوص في معناهما يتغيران بحسب اللحاظات والاعتبارات، فربما يكون المعنى عاماً من جهة المعنى كلحم الخنزير بالقياس لأفراده

ص: 88


1- ظ: القاموس المحيط: الفيروز آبادي، (عمم)، ولسان العرب، ابن منظور: (عمم).
2- ظ: م ن: (خصص).
3- أصول السرخسي، 1: 125.
4- ظ: المحاضرات في أصول الفقه، الفياض: 5: 151.
5- ظ: أصول السرخسي، 1: 125 وميزان الأصول، السمرقندي: 1: 435.
6- ظ: مفتاح الوصول إلى علم الأصول، الفياض: 1: 389.
7- المائدة: 3.
8- المائدة: 3.

وخاصاً من جهة أخرى كلحم الخنزير بالقياس إلى سائر الحيوانات وربما يكون خاصاً من جهة وعاماً من جهة أخرى(1).

2- محددات موضوع الحكم الشرعي العام
اشارة

ذكر الأصوليون (2)إلى أن هناك صيغ كثيرة ومشهورة تفيد تعميم الموضوع وأهمها:

أ- أسماء الشرط

إذا دخلت أسماء الشرط مثل(من، إذا، وإذما...الخ) على موضوع الحكم الشرعي أفادت العموم

كقوله تعالى:} فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ { (3)، فهنا الموضوع صار عاماً بدخول أداة الشرط(من) فصار المعنى كل من شهد الشهر فحكمه وجوب الصوم.

ب- أسماء الاستفهام

إذا دخلت أسماء الاستفهام مثل(من، من ذا، وماذا ...الخ) على الموضوع صيرته عاماً مثاله قوله تعالى: }مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً{ (4) فهنا الموضوع صار عاماً بدخول أداة الاستفهام(من ذا) فصار الخطاب عاماً لجميع الناس بالقرض.

ت- لفظا (كل) و(جميع)

أن دخول(كل وجميع) على الموضوع يدلل على العموم الاستغراقي فهذه الدلالة معناها أن يكونا عامين في أفراد ما يضافان إليه إذا كان جمعاً كقولنا: (جاء كل الطلبة)، ويدلان أيضاً على العموم في أجزاء ما يضافان إليه إذا كان مفرداً، كقولنا: (قرأت كل الكتاب)، ونظيره في القرآن الكريم قوله تعالى:} وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ{ (5)، وقوله تعالى: }وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ{(6) ، (وأكرمْ جميع العلماء فان (كل) في الآيات الشريفة و(جميع) في قول القائل: (أكرم جميع العلماء) إفادة عموم الحكم وسريانه في جميع أفراد الموضوع العام الذي استفاد عمومه من لفظ(كل، جميع) دون استثناء وهذا الشمول والسريان للأفراد يسمى بالعموم الاستغراقي لأنه يستغرق جميع أفراد الموضوع بحكم واحد والمتبادر من لفظتي(كل وجميع) وما يعادلها هو الاستيعاب أو العموم، غير أن لسعة الدلالة تتبع سعة المدخول أو ضيقه، فهو كل تقدير بصدد إفادة العموم سواء أقال: أكرم كل عالم أو قال: أكرم كل عالم عادل، فإطلاق الموضوع وتقييده لا يضر بدلالة(كل) و(جميع) (7)

ص: 89


1- ظ: مفتاح الوصول إلى علم الأصول 1: 389-390، و ظ: أصول الفقه وقواعد الاستنباط، فاضل الصفار، معاصر 2: 10.
2- ظ: ميزان الاصول1: 392 -408، والمحصول 2: 516 - 518، والبحث الدلالي عند الأصوليين: 236 وظ: أصول الفقه الإسلامي، د. زكي الدين شعبان، مط: دار التأليف، مصر، لاط، 1964.
3- البقرة :85
4- م ن:245.
5- الأنبياء: 30.
6- الأنعام: 146.
7- ظ: المبسوط في أصول الفقه، للشيخ جعفر سبحاني، معاصر 2: 377، مط: مؤسسة الإمام الصادق(ع)، قم، ط1، 1431ﻫ .
ث- الجمع المحلى باللام

ونقصد بها هنا كل ألفاظ الجموع المعروفة ب(آل) المفيدة للاستغراق والشمول وهذه(آل) غير العهدية كقوله تعالى:} لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ {(1) ومثله الجمع المضاف كقوله تعالى: }يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ{ ) (2)، فهنا هذه الجموع التي دخلتها اللام فإفادتها تعميم الموضوع وبالتالي تفيد شمول الحكم وهو وجوب اخذ النصيب من الإرث للرجال والنساء ومن عموم الآباء والأمهات وان صعدوا إذا لم يوجد حاجب في المسألة الأجداد والجدات وكذلك للرجال والنساء نصيب مما ترك الأقرباء وهذه الأداة مما اتفق عليها الأصوليين (3).

ج- المفرد المحلى ب- (لام) الجنس

كقوله تعالى:} وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ{ (4)، وقوله تعالى: }وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ{ (5)، فهنا دخول(اللام) على الإنسان جعلت الإنسان(موضوع الحكم)عاماً وكان حكم، الخسران عام شامل لجميع نوع الإنسان، وكذلك أن(اللام) بدخولها على السارق جعلت موضوع الحكم الشرعي عاماً وانصب الحكم الشرعي عليه على نحو العموم وهو وجوب قطع يد السارق والسارقة، فيشمل جميع مصاديق السارق والسارقة.

ح- النكرة في سياق النفي أو النهي أو الشرط

مثال النفي نحو: (لا رجل في الدار) و(ما في الدار من رجل)، ومثال النهي كقوله تعالى: }لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ{ (6)، ومثال الشرط قوله تعالى: }إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ{ (7) هذا ما ذهب إليه جمهور الأصوليين في هذا المورد(8).

وأما الامامية لم يذكروا إلا النكرة في سياق النفي والنهي ومثلوا للنفي بقوله (صلی الله علیه و آله) : ((لا ضرر ولا ضرار))(9)، ومثلوا للنهي قوله تعالى: }وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً{ (10) ، (11)

خ- الموصولات

تُعد الموصولات من الأدوات المحددة لموضوع الحكم الشرعي العام إذا وردت في الكلام سواء أكان ب-(الذي أو من أو ما) أو بغيرهما من الموصولات(12).

ص: 90


1- النساء: 7.
2- م ن :11.
3- القوانين المحكمة، القمي، 1: 179.
4- العصر: 1-3.
5- المائدة: 38.
6- الحجرات: 11.
7- م ن 6.
8- ظ: المستصفى، الغزالي، 2: 32-33.
9- وسائل الشيعة، الشيخ محمد بن الحسن بن علي الحر العاملي(ت 1104ﻫ )، 18: 32، تح: مؤسسة آل البيت (ع) لاحياء التراث، قم، مط: احياء التراث، بيروت، ط1، 1413ﻫ /1993م.
10- القمر: 2.
11- ظ: أصول الفقه، المظفر، 1: 151، الكفاية، الاخوند: 217.
12- ظ: غاية الوصول شرح لب الأصول، أبو يحيى زكريا الأنصاري المصري الشافعي(ت 926ﻫ ) :70، لاتح، مط: دار الفكر، بيروت، لاط، 1423ﻫ /2002م.

ومثاله كقوله تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً{ (1)، فهنا عند دخول اسم الموصول(الذين)أصبح موضوع الأكل عام فيشمل جميع أنواع الأكل التي تؤدي إلى تلف أموال اليتامي فيكون الحكم الشرعي ينصب على هذا العموم وهو حرمة عموم الأكل ومنه أيضاً قوله تعالى:} وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ{ (2) فهنا الحلية انصبت على الموضوع وهو(ما وراء ذلكم) أي أن الحكم الشرعي بالحلية شامل جميع الذي لم يذكر في الآية وعبر عن هذا العموم ب-(ما وراء ذلكم) ويتضح من خلال هذه الأمثلة دلالة الموضوع على العموم (3).

د- الجمع المنكر

وهو بقسمية(جمع الكثرة وجمع القلة) ذهب قلة من الأصوليين إلى دلالة هذا المحدد على العموم، والمشهور بينهم عدم ظهوره في العموم، لان جمع القلة ظاهر في العشرة فما دونها وجمع الكثرة مع التجرد عن القرينة لا يتبادر منه العموم مثل: إكرمْ رجالاً (4).

3- محددات موضوع الحكم الشرعي الخاص
اشارة

ذكر العلماء جملة من المحددات للموضوع الخاص(المخصصات) وسوف نذكر في هذا المطلب أهمها وهي:

الأول: التخصيص المتصل
اشارة

وهو فيما إذا لحق الخاص العام في كلام واحد أو وقت واحد كما لو قال له في جملة واحدة: (اطعم المساكين إلا الكفار منهم)، أو في وقت واحد كما إذا كان العبد يعلم من سابق الحال أن المولى لا يحب الكفار ولا يحبذ إكرامهم أبداً، فان العقل هنا يحكم عليه بلزوم إطعام المؤمنين من المساكين ولا يطعم الكافرين لان علمه المسبق بكراهة المولى للكافرين تمنعه عن إكرامهم وهذا ما يسمى بالقرينة العقلية أو المخصص اللبي الذي سوف نسلط عليه الدراسة لاحقاً، فعليه تحصّل أن التخصيص المتصل هو ما اتصل بالكلام قرينة لفظية تنفي العموم وتثبت الخصوص (5)، وأما صيغ التخصيص المتصل فهي كما يأتي

أ- الاستثناء

ص: 91


1- النساء:9.
2- م ن: 23.
3- ظ: البحث الدلالي عند الأصوليين: 236، ومفتاح الوصول إلى علم الأصول، البهادلي: 1: 394.
4- ظ: ارشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، بدر الدين أبو علي محمد بن علي الشوكاني(ت.125ﻫ ): 123، تح: محمد حسن اسماعيل الشافعي، مط: دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1419ﻫ / 1999م.
5- ظ: أصول الفقه وقواعد الاستنباط، الصفار: 2: 17.

والاستثناء عبارة عن استثناء بعض الأفراد من كلام سابق عام ويكون الاستثناء ب-(إلا) سواء أكان استثناء جملة من جملة كقوله تعالى: }لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ{ (1)، فالاستثناء فيها خصص عموم موضوع أكل الأموال الذي انصب عليه حكم الحرمة، فأجاز ما كان بتراض من الطرفين، وأما استثناء جملة من جمل متعددة كقوله تعالى: }وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{ ) (2)، فقد اجمعوا أن الجلد ثابت على القاذف ولا يسقط عنه بالتوبة لأنه حق عام ينبغي تطبيقه، فالإجماع هنا دليل على عدم تخصيص الجلد بالاستثناء (3)، وأما العقوبتان الاخريان وهما رد الشهادة والفسق، فقد اختلفوا فيهما ومنشأ هذا الاختلاف يرجع إلى أن الاستثناء هل يعود إلى الجميع، فتدل على أن القاذف محكوم برد شهادته والفسق معاً قبل التوبة وأما بعدها فهما مرفوعان عنه أم يعود على الجملة الأخيرة فقط فتدل على انه محكوم برد الشهادة إلا أن فسقه يرتفع بالتوبة، والمروي عن أهل البيتعليهم السلام الأول(4)، والثاني قول أبي حنيفة وأصحابه(5).

وربما يفهم العود على البعض دون البعض كما في قوله تعالى:} وَمَن قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَئاً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ{ (6)، أي: إلا أن يتصدق أولياء القتيل بالدية على عاقلة القاتل دل على هذا الظهور وان احتمل أن يعود على الإعتاق أيضاً(7)، واختلف العلماء في ذلك على أربعة صور هي:

1-ظهوره في رجوعه إلى جميع الجمل وتخصيصها بالأخيرة فقط وهو الذي يحتاج إلى دليل(8).

2-ظهور الكلام في رجوع الاستثناء إلى خصوص الجملة الأخيرة، وان كان رجوعه إلى غير الأخيرة ممكناً ولكنه يحتاج إلى قرينة (9).

3-عدم ظهوره في واحد منهما وان كان رجوعه إلى الأخيرة متيقناً على كل حال أما ما عدا الأخيرة فتبقى مجملة لوجود ما يصلح للقرينة فلا ينعقد لها ظهور في العموم فلا تجري أصالة العموم فيها(10).

ص: 92


1- النساء:29.
2- النور: 4-5.
3- ظ: نهاية الوصول إلى علم الأصول، العلامة الحلي، 2: 269، تح: الشيخ ابراهيم البهادري، مط: مؤسسة الإمام الصادق(ع)، قم، ط1، 1427ﻫ ، و ظ: أصول الفقه الإسلامي في نسيجه الجديد، د. مصطفى ابراهيم الزلمي، معاصر: 355، لاتح، مط: شركة الخنساء، بغداد، ط5، 1999م.
4- ظ: مجمع البيان في تفسير القرآن، الفضل بن الحسن الطبرسي(ت 560ﻫ ) 7:222، لاتح، مط: مؤسسة الاعلمي، بيروت، لبنا، ط1، 1415ﻫ .
5- ظ: أصول الفقه، الزلمي: 356.
6- النساء: 92.
7- نهاية الوصول، العلامة الحلي: 2: 269.
8- الكفاية: 365.
9- م ن: 369.
10- الكفاية: 367.

4-التفصيل بين ما إذا كان الموضوع واحداً للجمل المتعاقبة لم يتكرر ذكره وقد ذكر في صدر الكلام مثل قولك: (أحسن إلى الناس واحترمهم واقضِ حوائجهم إلا الفاسقين)، وبين ما إذا كان الموضوع متكرراً ذكره لكل جملة كالآية المتقدمة (1)، وان كان الموضوع في المعنى واحداً في الجميع، فان كان من قبيل الأول فهو ظاهر في رجوعه إلى الجميع لان الاستثناء إنما هو من الموضوع باعتبار الحكم والموضوع ولم يذكر إلا في صدر الكلام فقط، فلابد من رجوع الاستثناء إليه، فيرجع إلى الجميع، وان كان من قبيل الثاني فهو ظاهر في الرجوع إلى الأخيرة، لان الموضوع قد ذكر فيها مستقلاً فقد اخذ الاستثناء محله، ويحتاج تخصيص الجمل السابقة إلى دليل آخر مفقود بالفرض فيتمسك بأصالة العموم (2).

القول الراجح:

هو القول الأخير لان به يكون الجمع بين كلمات العلماء فمن ذهب إلى القول برجوعه إلى خصوص الأخيرة فلعله ناظراً إلى مثل الآية المباركة(3) المتقدمة التي تكرر فيها الموضوع، ومن ذهب إلى القول برجوعه إلى الجميع فلعله كان ناظراً إلى الجمل التي لم يذكر فيها الموضوع إلا في صدر الكلام، فيكون النزاع لفظياً ويقع التصالح بين الاقول.

ب- الشرط

إن تقييد الجملة بشرط يفيد الحكم بالشرط المقترن بالموضوع، كما في قوله تعالى:} وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا{(4)، فان الشرط الذي دخل على(الموضوع) قيد الحكم بإرسال الحكمين لأجل الإصلاح والمفاهمة بين الزوجين بصورة خوف العداء والخصومة، فيدل على انه في غير صورة الخوف يترك الأمر إلى الزوجين يتفاهمان فيه، ومثله يقال في تعليق التوفيق الإلهي للإصلاح بينهما على إرادتهما والشرطان يفيدان تضييق التحكيم والتوفيق وتخصيصهما بصورتي خوف الخصومة وإرادة الإصلاح لا غير (5).

ج- الصفة

إن تعليق الحكم على الموضوع المقيد بصفة من الأوصاف فانه يفيد تخصيصه به كقوله تعالى: }ليْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا

ص: 93


1- النور: 4-5.
2- ظ: اجود التقريرات(تقريراً لابحاث الشيخ النائيني ت 1355ﻫ ) للسيد الخوئي، 2: 375 - 377، تح ومط: مؤسسة صاحب الأمر(عج)، قم، ط1، 1419ﻫ .
3- النور: 4 -5.
4- النساء: 35.
5- ظ: ميزان الأصول، السمرقندي 2: 188، وأصول الفقه وقواعد الاستنباط، الصفار: 2: 23 و ظ: جمع الجوامع، تاج الدين السبكي(ت771ﻫ ) 2: 20، تح: محمد عبد القادر شاهين، مط: دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1426ﻫ /2005م.

نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ{(1)، فانه تعالى رفع وجوب الجهاد عن العجزة وهم الضعفاء والمرضى والفقراء الذين لا يملكون نفقة لجهاد ولا وسائله، فيكون تخصيصاً متصلاً للحكم العام الذي اوجب الجهاد على الجميع (2).

د- الغاية

وهي تعليق الحكم على غاية ينتهي إليها على ما يفيده معنى الغاية في اللغة(3).

فالغاية تخصص الحكم بما قبلها لا بما بعدها؛ لأنها غاية للحكم ونهاية له لأنها محددة للموضوع فيكون الحكم تبعاً لذلك التحديد ويكون شمول الحكم لما بعد الغاية يتناقض لما قبلها كقول الرجل: (أكرم بني تميم إلى شهر رمضان) فقوله: (إلى رمضان) اوجب الخصوص حتى لا يجب الإكرام بعد انتهاء شهر رمضان بحكم هذا الكلام (4)، ومثاله الفقهي قوله تعالى:} وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ{ (5)، إذ جعل أمد الحرمة ينتهي بحصول الطهارة بالنقاء من الدم كما ذهب إليه جمع ممن خفف القراءة في(يطهرِن)(6) أو الاغتسال إلى من ذهب إلى التشديد في القراءة فقرأها(يطَّهرن) (7).

ﻫ-كل قرينة متصلة تفيد الظهور في تحديد الموضوع وتضييق الحكم وتخصيصه نظير كلمة(المعروف) في قوله تعالى: }الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَان{ (8)، فأنها تجعل الزوج بعد التطليقتين بين خيارين لا ثالث لهما وهما: أن يمسك زوجته ويعاشرها بالمعروف أو يطلقها بالحسن بان يدعها حتى تنقضي عدتها وتذهب إلى سبيلها، وعلى هذا الأساس يمنع الزوج من التعسف في حقه بالطلاق، فيمسك زوجته لا يعاشرها بالمعروف ولا يطلقها، وعليه فإذا رفعت الزوجة أمرها إلى الحاكم الشرعي فانه يلزمه بالمعاشرة الحسنة أو الطلاق، فان رفض الاثنين طلقها

ص: 94


1- التوبة: 91.
2- ظ: ميزان الأصول، 1: 45-454، والبحث الدلالي عند الأصوليين: 239، وأصول الفقه وقواعد الاستنباط:23، و ظ: أصول الأحكام وطرق الاستنباط، د. حمد عبيد الكبيسي، معاصر:200، لاتح، مط: دار الحرية للطباعة، بغداد، ط1، بغداد، 1395ﻫ /1975م.
3- ظ: معجم مقاييس اللغة، ابن فارس:(غوي).
4- ظ: البحث الدلالي عند الأصوليين: 239.
5- البقرة: 222.
6- ظ: الانتصار، السيد أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى الموسوي البغدادي المعروف بالشريف الرضي(ت436ﻫ ): 24، ت حومك: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، لاط، 1415ﻫ .
7- ظ: الام، أبو عبد الله محمد بن إدريس المطلبي الشافعي(ت204ﻫ ) 1: 59، لاتح، مط: دار الفكر بيروت، ط2، 1403ﻫ / 1983م. و ظ: أحكام القرآن، أبي بكر احمد بن علي الجصاص(ت370ﻫ )، 2: 35، لاتح، مط: دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان،لاط، لات.
8- البقرة: 229.

الحاكم لأنه ولي الممتنع (1)، ونلاحظ هنا أن المعروف صار قرينة متصلة خصصت موضوع الحكم الشرعي(الإمساك)، إذ خصصت جواز الإمساك به، فإذا تجاوز قيد(المعروف) أرغم الزوج على الطلاق(2).

ومن هذا القبيل أيضاً(الباء) في قوله تعالى: }الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ { (3)، فأنها ظاهرة في أن سبب قيمومة الرجل(موضوع الحكم) تكون في شؤون الزوجية تعود إلى النفقة وعلى هذا الأساس تخصص الحق به، فإذا تخلى الزوج عن الإنفاق متعمداً سقط حقهُ في القيمومة في الفراش ونحوه (4).

ص: 95


1- ظ: جواهر الكلام، النجفي: 31: 207.
2- ظ: أصول الفقه وقواعد الاستنباط، الصفار: 2: 25.
3- النساء:34.
4- ظ: فقه الأسرة، للشيخ الصفار: 244 -245، مط: مركز الفقاهة للدراسات والبحوث الفقهية، ط1، دمشق، 1427ﻫ /2006م.
الثاني: التخصيص المنفصل
اشارة

يخصص هذا النوع من المحددات العمومات على نحوين:

1- التخصيص اللفظي
اشارة

وهذا النوع يكون على أربعة أقسام:

القسم الأول: تخصص القرآن بالقرآن

اتفق علماء الأصول في جواز التخصيص من حيث الإمكان والوضوح عقلاً وشرعاً، ففي قوله تعالى:} وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ{ (1) المطلقات جمع محلى ب-(اللام) فيفيد عموم(الموضوع) وبالتالي يفيد عموم الحكم وهو وجوب العدة بثلاث حيضات أو طهارات على كل مطلقة، ولكن هذا الحكم العام خصص باكثر من تخصيص بحيث هذه التخصيصات قيدت موضوع الحكم الشرعي العام وكان لكل قيد حكم خاص به منها: المطلقة غير المدخول بها فأنها خرجت من تحت عموم موضوع المطلقات وكان لها حكم خاص وقد أشار إلى ذلك قوله تعالى:

} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا{ (2)، فكان حكمها عدم الاعتداء وهو حكم يناقض الحكم العام(3).

ومنها: الحامل الذي قيد المطلقات(موضوع الحكم) العام فأنها خرجت منه لان قيد الحمل اقتضى حكماً آخر وهو أن وجوب العدة يتحقق عند وضع الحمل فقال تعالى: }وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ{ (4).

وكذا الحال في اليائسة والصغيرة التي لا تحيض فأنهما خارجان عن عموم الآية فكانت عدتها بالشهور لا بالحيض والطهارة قال تعالى: }وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ { (5).

القسم الثاني: تخصص القران بالسنة المقطوعة

لا خلاف بين علماء المسلمين في جواز تخصيص القران بالسنة المقطوعة وهي

السنة المتواترة أو المحفوفة بالقرائن القطعية، بل لا خلاف في وقوعه في الشريعة لان السنة المقطوعة كالقران معلومة من حيث السند والدلالة (6).

ص: 96


1- البقرة: 228.
2- الأحزاب:49.
3- ظ: علم أصول الفقه، للسيد علي حسن مطر: 272، لاتح، مط: ستارة، قم، ط1، 1432ﻫ /2011م.
4- الطلاق: 4.
5- م ن .
6- ظ: الذريعة إلى أصول الشيعة، السيد المرتضى 1: 279، تح: أبو القاسم كرجي، مط: جامعة طهران، طهران، ط2، 1363ﻫ .ش، و ظ: معارج الأصول، نجم الدين أبو القاسم جعفر بن الحسن الزلي المعروف بالمحقق الحلي(ت:676ﻫ ) :95، تح: السيد محمد حسن الكشميري، مط: مؤسسة آل البيت(ع) لاحياء التراث، قم، ط1، 1403ﻫ ، و ظ: مبادئ الوصول إلى علم الأصول، العلامة الحلي: 141- 142، تح: عبد الحسين البقال، مط: مركز النشر التابع لمكتب الأعلام الإسلامي، قم، ط3، 1404ﻫ .

ومن أمثلة هذا القسم: تخصيص قوله تعالى:} يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ ){ (1).

بقوله(ص) : (لا ميراث للقاتل) (2) وقوله(ص): (لا يتوارث أهل ملتين)(3)، فان هذه الأحاديث

استثنت القاتل والكافر من عموم ايراث المسلم(4).

وقد اختلف العلماء في جواز تخصيص القران للسنة فمنعه جماعة وأجازه آخرون (5).

القسم الثالث: تخصيص القران بالخبر الواحد

الظاهر انه لا خلاف بين الامامية في جواز تخصص عموم الكتاب بالخبر الواحد والمخالف فيه أكثر العامة (6) وبعض الامامية(7).

والتحقيق ما ذهب إليه الامامية من جواز تخصيصه بالخبر الواحد مطلقاً، والسبب في ذلك هو إننا إذا أتينا حجية خبر الواحد شرعاً بدليل قطعي، فطبيعة الحال لا يكون رفع اليد عن عموم الكتاب أو إطلاقه به إلا أن رفع اليد عنه بالقطع، لغرض ونقطع بحجيته، وبكلمة أخرى: أن التنافي هو بين عموم الكتاب وسند الخبر ولا تنافي بينه وبين دلالته لتقدمها عليه بمقتضى فهم العرف، حيث أنها تكون قرينة عندهم على التصرف فيه، ومن الواضح انه لا تنافي بين ظهور القرينة وظهور ذيها، وعلى هذا فإذا أثبتنا اعتبار سنده شرعاً بدليل فلا محال يكون مخصصاً لعموم القران أو مقيداً لإطلاقه (8).

وحيث استقرت السيرة من عصر الأئمة(عليهم السلام) والصحابة(رض) على تخصيص عمومات الكتاب وتقييد اطلاقاته بما اعتبر من الخبر الواحد، وذلك لما ارتكز في الأذهان من تقديم القرينة على ذيها والأظهر على الظاهر والخبر المعتبر الذي يصلح للتقييد والتخصيص قرينة على بيان المراد من عمومات الكتاب واطلاقاته، واظهر بالنسبة إليها فلابد من تقديمه عليها، ولولا ذلك لانسد باب الاجتهاد ولزم طرح جملة كثيرة من الأخبار(9) ومن أمثلة التخصيص بالخبر الواحد حيث اتفقوا على صحة تخصيص قوله تعالى: }وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْع{ (10)، بما روي عن النبي (صلی الله علیه و آله) قوله: ((ثمن الخمر ومهر البغي وثمن الكلب الذي لا يصطاد من السحت))(11)، فاستثنى عموم

ص: 97


1- النساء: 11.
2- الوسائل، العاملي: 26: 30.
3- م ن، 26: 15،
4- ظ: نهاية الوصول، 2: 291، المستصفى، 2: 102-103، و ظ: الأحكام في أصول الأحكام، سيف الدين أبو الحسن علي الامدي الشافعي(ت631ﻫ )، 2: 525، تح: الشيخ ابراهيم العجوز، مط: دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1405ﻫ / 1985م.
5- ظ: نهاية الوصول، العلامة الحلي: 2: 291- 292، والأحكام، للامدي 2: 524، و ظ: أصول الفقه، الشيخ محمد بن مصطفى بن حسن الخضري بك (ت 1347ﻫ ): 184، لاتح، مط: دار الفكر، بيروت، لاط، 1424ﻫ /2004م.
6- ظ: الأحكام، الامدي 2: 525، المحصول، الرازي: 1: 232، المستصفى، الغزالي: 2:114.
7- ظ: الذريعة، المرتضى 1: 280، و ظ: المعارج، المحقق الحلي: 43.
8- ظ: المحاضرات، الفياض 4: 470.
9- ظ: تهذيب الأصول، الخميني، 1: 138، والكفاية: 366، وأصول الفقه، المظفر1: 175، والمبسوط، سبحاني 2: 489.
10- البقرة :275.
11- الوسائل، 17: 225.

موضوع الحكم الشرعي(البيع) الذي حكمه الحلية العامة بعض الأفراد التي وردت في الخبر الواحد وهي الخمر والكلب، فانصب حكم آخر وهو الحرمة على المذكورات لان التخصيص هنا شخص أفراد آخر للموضوع فلم تدخل تحت أفراد العام المحللة في البيع(1).

القسم الرابع: تخصيص السنة بالسنة

ذهب أكثر الأصوليين إلى جواز تخصيص السنة بالسنة (2)، كما اتفقوا على وقوعه في أدلة التشريع (3)، ومثال ذلك قوله (صلی الله علیه و آله) : ((لا زكاة فيما دون خمسة اوسق))(4) (5) )الدال على وجوب الزكاة أي: الحكم الشرعي في عموم الفلات(موضوع الحكم الشرعي) بلغت النصاب أم لا (6).

ص: 98


1- ظ: الأحكام، الامدي، 2: 252.
2- ظ: نهاية الوصول 2: 290.
3- ظ: الأحكام، الامدي 2: 523.
4- الوسق: ما يعادل ثلاثة كيلوات.
5- الوسائل، العاملي 9: 179.
6- م ن، ح14. ، سنن الترمذي(الجامع الصحيح)، أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي(ت297ﻫ )، 3: 32، ح640، تح: إبراهيم عطوة واحمد محمد شاكر ومحمد فؤاد عبد الباقي، مط: دار احياء التراث العربي، بيروت، لاط، لات.
2- التخصيص اللبي
اشارة

والتخصيص قد يقع بواسطة الاجماع أو العقل أو السيرة وتسمى هذه الأمور بالأدلة اللبية لأنها لا تستند إلى الألفاظ والتخصيص اللبي يكون كما يأتي:

أ- تخصيص الكتاب بالعقل

يعد العقل من محددات الموضوع الخاص ومن مخصصات العام فهو علامة على التخصيص للعام الكتابي أما آراء علماء الإسلام في هذا التخصيص

1-قال أبو الحسن البصري: ((العقل يخص به عموم الكتاب والسنة وذلك أنا نخرج بالعقل الصبي والمجنون من أن يكونا مرادين بخطاب الله سبحانه وتعالى بالعبادات في الحال)) (1).

2-قال الامدي: ((مذهب الجمهور من العلماء جواز تخصيص العموم بالدليل العقلي، خلافاً لطائفة شاذة من المتكلمين ... ودليل ذلك قوله تعالى: }وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ

سَبِيلاً{ (2)، فان المجنون والصبي من الناس حقيقة وهما غير مرادين من العموم بدلالة نظر العقل على امتناع تكليف من لا يفهم، ولا معنى للتخصيص سوى ذلك))(3).

3-قال المحقق الحلي: ((العام يخص بالدليل العقلي، لانا نخرج الصبي والمجنون من قوله تعالى:} يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ)(({ (4) (5).

إذاً العقل يخصص العموم الكتابي ويكون محدداً للموضوع الخاص وعلامة له لأنه يصلح أن يكون قرينة توجب صرف ظاهر الكلام العام إلى الخاص فان العقل يوجب حمل أدلة العبادات كقوله تعالى:} وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ{ (6) الظاهرة في العموم على البالغين العقلاء القادرين على امتثال التكليف التكليف فيستثنى من هذا التكليف الصبيان والمجانين والعاجزين،لتعذر الطاعة عليهم(7).

ص: 99


1- المعتمد في أصول الفقه، أبو الحسن محمد محمد بن علي بن الطيب البصري المعتزلي (ت 436ﻫ ) 1: 252 تح: الشيخ خليل الميس، مط: دار الكتب العلمية، بيروت، لاط، 1403ﻫ /1983م.
2- آل عمران :3.
3- الأحكام، الامدي 2: 339.
4- البقرة: 21.
5- معارج الأصول، المحقق الحلي : 95.
6- البقرة: 43.
7- ظ: أصول الفقه وقواعد الاستنباط، الصفار: 2: 31.
ب- تخصيص الكتاب بالإجماع

يعد الإجماع من القرائن اللبية المحددة للموضوع الخاص إليّ بواسطتها يخصص العام الكتابي وهو من الأمور التي اتفق عليها علماء المسلمين، قال الشيخ الطوسي: ((فاما تخصيص الكتاب بالإجماع فصحيح .... وقد وضع في مواضع كثيرة نحو اتفاقهم على أن العبد لا يرث فخص بذلك آية المواريث ونحو اجماعهم على أن العبد كالامة في تنصيف الحد فخص به قوله تعالى:}الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي{))(1) ، (2)

وقال العلامة الحلي: ((تخصيصه - أي الكتاب - بالإجماع وهو جائز، للإجماع على تخصيص العبد من آية الميراث ومن آية الجلد)) (3).

لذلك نجد أن الإجماع خصص موضوع الحكم الشرعي في الأمثلة السابقة مثال: موضوع الميراث وموضوع الزنا واخرج منها العبد والأمة ولذلك اعتبر الإجماع علامة محددة ومشخصة للموضوع الشرعي الخاص لذلك نجد أن الحكم صار خاصاً تبعاً لموضوعة.

ج- التخصيص بالسيرة

تعد السيرة من القرائن اللبية التي تعتبر من مخصصات الموضوع العام وعلامة ومحدد للموضوع الخاص ومن أمثلة تخصيص السيرة للعموم الكتابي قوله تعالى:}يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ{(4)، فان الجلابيب عام شامل لكل ثوب تستر المرأة به رأسها وصدرها وسائر جسدها هذا في اللغة(5).

إلا أن السيرة خصصته بما يكون فضفاضاً واسعاً لا يلتصق على جسد المرأة فيبرز مفاتنها، ولا رقيقاً يكشف البشرة (6).

ص: 100


1- المائدة: 38.
2- العدة في أصول الفقه، الطوسي: 341 - 342.
3- مبادئ الوصول إلى علم الأصول: 142.
4- الأحزاب: 59.
5- ظ: لسان العرب: (جلب)، و ظ: الطراز الأول والكناز لما عليه من لغة العرب المعول، للامام اللغوي والاديب السيد علي بن احمد بن محمد معصوم الحسيني، المعروف بالسيد علي خان المدني الشيرازي أو ابن معصوم المدني(ت1120ﻫ ) مادة(جلب) تح ون: مؤسسة آل بيت(ع) لاحياء التراث، مط: ستارة، قم، ط1، 1428م.
6- ظ: أصول الفقه وقواعد الاستنباط، الصفار: 2: 32.

والخلاصة:

إن الإجماع والعقل والسيرة كل واحد منها يصلح أن يكون قرينة محددة لموضوع الحكم الشرعي الخاص وهذه القرينة يطلق عليها قرينة لبية وكل قرينة تصلح لهذا التخصيص إذا صنعت ظهوراً في المخصص فأنها تكون حجة في تقييد العام وبالتالي تكون محددة لموضوع الحكم الشرعي الخاص وأداة للتخصيص.

الثاني: دلالة تقييد المطلق
اشارة

إن القسم الثاني من أقسام دلالة السياق هو دلالة تقييد المطلق وهذا القسم يعتبر من الدلالات المهمة في عملية الاستنباط لان بها تشخيص الموضوعات الشرعية المطلقة المقيدة وقبل الخوض في تفاصيل هذه الدلالة فلابد من بيان مفهوم الإطلاق والتقييد لغة واصطلاحاً

1- مفهوم الإطلاق والتقيد
أولاً: لغة

الإطلاق: مصدر أطلق، بمعنى أرسل، يقال: أطلق الناقة، أي: حل عقالها وأرسلها، وأطلق الأسير: خلي عنه، وأطلق القول: أرسله من غير قيد ولا شرط، والمطلق اسم مفعول من الفعل(طلق) الذي يدل على التخلية والإرسال(1).

والتقييد في اللغة: هو موضع قيد من رجل الفرس، وموضع الخلخال من المرأة وما قيد من بعير أو نحوه(2).

ثانياً: اصطلاحاً

المطلق: هو اللفظ الذي يتعرض للذات من دون الصفات والمقيد: هو اللفظ الذي يتعرض للذات بصفة(3)

واشتهر تعريف المطلق عند الأصوليين بأنه: اللفظ الدال على مدلول شائع في جنسه(4)، ومثلوا للمطلق بقوله تعالى:} أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ{ (5) وللمقيد بقوله تعالى:} فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ{ (6) ومثلوا له أيضاً(بالرجل) في مقابلة المقيد: وهو المعنى الخارج من شيوع المطلق بوصف ونحوه مثل: (رجل مؤمن) وأيضاً (الرقبة) مطلقة في مقابل(الرقبة المؤمنة)، فهي اتصفت بصفة أخرجتها عن شيوع المطلق (7).

2- محددات موضوع الحكم الشرعي المطلق
اشارة

ص: 101


1- ظ: الصحاح: (طلق)، والمصباح المنير: (طلق)، ومقاييس اللغة: (طلق).
2- ظ: القاموس المحيط: (قيد)، الطراز الأول: (قيد).
3- ظ: ميزان الأصول 1: 563.
4- ظ: نهاية الوصول، 2: 378، الأحكام، الامدي، 3: 5، و ظ: معالم الدين وملاذ المجتهدين، المشهور بمعالم الأصول، جمال الدين الحسن بن زيد الدين بن علي بن احمد الجبعي(ت 1011ﻫ ): 207، تح ون: مؤسسة النشرة الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، مط: ستارة: قم، لاط، 1403ﻫ / 1983م.
5- المائدة: 89.
6- النساء: 92.
7- ظ: أصول الفقه وقواعد الاستنباط، 2: 70.

أن المعيار الأول لفهم إطلاق الكلام من تقيده هو الظهور العرفي، فأي كلام كان له ظهور في الإطلاق اخذ به، لكن ربما يقع العرف في شك وتردد في بعض الألفاظ؛ لذا استدعى الأمر التدليل على الأدوات التي إذا لوحظت فيه أفادت إطلاق الموضوع في الكلام وبالتالي يطلق الحكم تبعاً له"، ولقد ذكروا لذلك جملة من المحددات (1).

أ- اسم الجنس

وهو نظير: (أسد)، (إنسان)، (ماء)، (خمر) ونحوها من الألفاظ التي وضعت كأسماء للجنس، فان الكلام الذي إذا حوى اسم الجنس كموضوع للحكم الشرعي أفادنا الإطلاق في معناه كما إذا قال: (رأيت أسداً)، (وأكرمت إنساناً)، (وشربت ماءً) ونحو ذلك، فان هذه الجمل تفيد الإطلاق وعدم التقييد في الخصوصيات والصفات ومنه قوله تعالى: }وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً{ (2)، فان كلمة(أزواجاً) موضوع الحكم الشرعي مطلقة لأنها اسم جنس وهذا الإطلاق يفيد حكماً شرعياً مطلقاً وهو وجوب العدة على المتوفى عنها زوجها سواء دخل بها أم لا(3).

ب- النكرة

النكرة هي: ((ما شاع في جنسٍ موجود كرجلٍ أو مقدار كشمسٍ)) (4).

والمراد بها النكرة المضاف لها تنوين التنكير نحو: (جئني برجلٍ) وهي تدل على الطبيعة المقيدة بقيد الوحدة، أي جئني بطبيعة الرجل ضمن واحد من أفرادها، فلو أن الشخص المأمور أتى بزيدٍ مثلاً عد ممتثلاً لان زيد احد أفراد الرجل فعليه النكرة إذا وقعت موضوعاً للحكم الشرعي إفادة انه مطلق(5).

ج- الجنس المعرف بألف ولام الجنس

قال ابن هاشم: ((وأما التي لتعريف الجنس فكقولك: (الرجل أفضل من المرأة)، إذا لم ترد به رجلاً بعينه ولا امرأة بعينها، وإنما أرادت أن هذا الجنس من حيث هو أفضل من كل واحدة من النساء.... وقد يعبر عن هذه اللام بلام بيان الماهية أو بيان الحقيقة))(6).

ومن أمثلة ذلك كقولك: (العالم خير من الجاهل) و(العادل أفضل من الفاسق) ونحو ذلك فان اللام الجنسية حينما دخلت على موضوع الحكم هذه القضايا إفادة إطلاق الموضوع، فأنها تفيد أن حقيقة العلم أفضل من حقيقة الجهل، وحقيقة العدالة أفضل من حقيقة الفسق بلا تقييد أو تضييق بعلم خاص أو عدالة خاصة ومثاله في القران كقوله تعالى: }وأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا{

ص: 102


1- م.ن.
2- البقرة: 334.
3- ظ: المبسوط، سبحاني، 2: 547.
4- قطر الندى وبل الصدى، أبي محمد عبد الله جمال الدين بن هشام(ت761ﻫ ): 93 تح وشرح: محمد محيي الدين عبد الحميد، مط: المهدية، قم، ط6، 1417ﻫ .
5- ظ: الكفاية بأسلوبها الثاني، محمد باقر الايرواني، معاصر، 3: 481، لاتح مط ون: مؤسسة التراث الشيعي، النجف الأشرف، ط1، 1429م.
6- قطر الندى: ابن هشام: 113.

(1)، فان البيع موضوع الحكم الشرعي جنس معرف باللام فيفيد إطلاق الحكم الشرعي تبعاً لموضوعه وهو الحلية تتناول كل بيع وكذا الربا فانه يفيد حرمة كل زيادة ربوية بشكل مطلق(2).

د- مقدمات الحكمة

تعد الحكمة من أهم محددات الإطلاق إذا لولاها لم يصح إطلاق وهي كما يأتي:

الأولى: أن يكون المتكلم في مقام بيان تمام مقصوده من الكلام وليس في مقام الإهمال والإجمال مع قدرته على الكلام وعدم وجود المانع منه (3)، لان الدليل الشرعي تارة يرد على الحكم ولكنه لم يكن في مقام البيان أي: بيان تفاصيل الحكم بل يكتفي ببيان أصل الحكم وموضوعه، لذا علينا النظر في التفاصيل في أدلة أخرى نظير قوله تعالى: }الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ{ (4)، وقوله تعالى: }أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ{ (5)، فان ظهور الآية الأولى: أنها في مقام بيان أصل الحكم المنصب على الموضوع المطلق لا تفصيله، لأنها أفادت أن النبي (صلی الله علیه و آله) يحل للناس الطيبات ويحرم الخبائث، ولكن لم تعين ما هي الطيبات وما هي الخبائث، وكذلك الآية الثانية فأنها في مقام بيان أصل الحكم وهو حلية صيد البحر، وأما التفاصيل فليست الآية في مقام بيانها وبالتالي فان الآيتين في مقام الإجمال أو الإهمال وغض النظر عن التفاصيل، لذلك لا يصح التمسك بإطلاق الآيتين لان موضوع الحكم الشرعي فيهما وهو (الطيبات والخبائث وصيد البحر) مجملاً لم يذكر مصاديق هذه المواضيع (6).

ومثل السيد الخوئي أيضاً لمقام الإجمال قوله تعالى: }وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ(7) (وَآتُواْ الزَّكَاةَ{(8)، ونحوهما - فلا يصح التمسك بإطلاق الكلام في الآيتين لنفي شرط أو قيد بان يقال:(أقيموا الصلاة)، فإذا شككنا في اشتراط طهارة لباس المصلي أو مكانه لا نتمسك بإطلاق الموضوع الوارد في الآية لنفي الشرطية لان الآية ليست في مقام البيان الكلي بل هي في مقام بيان اصل التشريع فهي اهملت ذكر القيود(9).

الثانية: أن يطلق الكلام ولم ينصب قرينة متصلة أو منفصلة على التقييد، وذلك لان وجود القرينة يوجب ظهور الكلام بحسب دلالة القرينة فلا ينعقد للكلام إطلاق (10).

ص: 103


1- البقرة: 275.
2- ظ: المبسوط، سبحاني، 2: 548 - 558.
3- ظ: مطارح الأنظار، الأنصاري 2: 267 - 268.
4- الأعراف: 157.
5- المائدة: 96.
6- ظ: كفاية الأصول:الخراساني 575، و ظ: فوائد الأصول، للنائيني ،(1-2): 573- 576. وظ: نهاية الأفكار(تقريراً لابحاث الشيخ اغا ضياء الدين العراقي ت 1361ﻫ )، الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي(ت 1391ﻫ )،(1-2): 567- 568، لاتح، ن: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة: المدرسين، لاط، 1405ﻫ ، و ظ: تهذيب الأصول، للسبزواري، 2: 71-72، ومحاضرات في أصول الفقه: الفياض، 5: 364.
7- البقرة: 43.
8- م ن: 110.
9- ظ:محاضرات في أصول الفقه: الفياض، 5: 367.
10- ظ: فوائد الأصول(1-2) :574 ومحاضرات في أصول الفقه 3: 425.

الثالثة: عدم وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب (1).

اشترط الاخوند والعراقي في تحقق الإطلاق لا يكون هناك قدر متيقن في مقام التخاطب والمحاورة؛ لأنه يكون بمنزلة القرينة اللفظية على التقييد فلا ينعقد للفظ ظهور في الإطلاق مع فرض وجوده خلافاً للسيد الخوئي والصدر والخميني فإنهم لم يشترطوا ذلك في الإطلاق(2).

ولتوضيح ذلك نقول: أن كون المتكلم في مقام البيان يتصور على نحوين وهما:

1-أن يكون المتكلم بصدد بيان تمام موضوع حكمه بان يتوقف غرض المتكلم على أن يبين للمخاطب ويفهمه تمام الموضوع وان ما ذكره وهو تمتم الموضوع.

2-أن يكون المتكلم بصدد بيان تمام موضوع الحكم الواقعي، ولم يفهم، المخاطب انه تمام الموضوع الواقعي، فعلى الأول لا يضر وجود قدر متيقن في مقام المحاورة والتخاطب في الأخذ بإطلاق الكلام؛ لأنه لو كان مراد المتكلم أي: القدر المتيقن لوجوب بيانه، إذ أنه في مقام بيان تمام موضوع الحكم والاتكال على القدر المتيقن لبيان انه تمام الموضوع إخلال بالغرض. وعلى الثاني: أي: لو لم يفهم المخاطب تمام الموضوع يضر وجود القدر المتيقن؛ لان المتكلم بصدد بيان تمام موضوع الحكم واقعاً لكن لا يوصف التمامية، والقدر المتيقن هو تمام الموضوع وان لم يعلم المخاطب بأنه كذلك، وبناءً على ذلك لو لم يكن القدر المتيقن هو تمام الموضوع عند المتكلم لكان اللازم عليه بيانه وحيث لم يبينه علم انه تمام الموضوع وعندئذٍ لا ينعقد للكلام إطلاق. والأصل في كل متكلم أن يكون كلامه على النحو الثاني، فأذن يضر القدر المتيقن في انعقاد الإطلاق في كلام كل متكلم إلا أن يعلم أن كلامه على النحو الأول (3).

ومثال ذلك إذا قال الأب لولده: (اشتر اللحم)، وكان قدر المتيقن في مقام المحاورة والتخاطب هو لحم الغنم، فيجوز للأب أن يتكل على هذا القدر المتيقن في مقام المحاورة والتخاطب هو لحم الغنم وهو يعلم أن ولده يذهب لشراءه بمجرد قوله(اشتر اللحم) فلو أراد يوماً لحماً غير لحم الغنم لوجب بيانه(4).

والخلاصة:

إن التمسك بإطلاق موضوع الحكم الشرعي لا يتم إلا من خلال التقيد بمقدمات الحكمة وأما إذا شككنا في أن المتكلم هل هو في مقام البيان أم لا ...؟

فان الأصل عند العقلاء هو حمله على البيان لان العقلاء عندما يتكلمون فإنهم يريدون إظهار تمام مقصودهم في الكلام من دون إهمال أو إجمال، وعلى هذا الأساس فإنهم يلومون من

ص: 104


1- ظ: الكفاية: 575، نهاية الأفكار(1-2): 576- 575.
2- ظ: المحاضرات: الفياض5: 364- 372، بحوث في أصول الفقه:الصدر3: 425، تهذيب الأصول: السبزواري، 2: 326- 327.
3- ظ: نهاية الأفكار:العراقي : (1-2): 570-575.
4- ظ: كفاية الأصول،الخراساني: - 249 ، أصول الفقه، المظفر 1: 179 -

قصر في البيان أو أغمض المراد في مقام الاحتجاج إذا أطلق الكلام ولم يذكر التقييد وادعى انه يريد التقييد وهو المعبر عندهم بأصالة الإطلاق (1).

ص: 105


1- ظ: كفاية الأصول: 249، أصول الفقه 1: 179.
3- محددات موضوع الحكم الشرعي المقيد
اشارة

أن جميع محددات الموضوع الخاص تجري في تحديد الموضوع المقيد سواء كانت تلك المحددات من القرائن المتصلة أو المنفصلة حيث قال الشيخ الأنصاري: ((كل ما تقدم من أحكام العام والخاص من جواز تخصيص الكتاب بالخبر الواحد وأحكام المخصص المتصل والمنفصل يجري في المطلق والمقيد؛ لإتحاد الوجه في المقامين من دون تفاوت، نعم ينبغي استثناء مقدرات التخصيص من بين الأحكام المذكورة في باب العام والخاص، فان ذلك لا يجري في المطلق والمقيد، فان التقيد لا حد له عندهم لجوازه في أي مرتبة من المراتب قليلاً وكثيراً، ولعله مما لا كلام فيه أيضاً عندهم ولا إشكال فيه أيضاً، لمساعدة العرف على جوازه حتى إلى الواحد))(1).

فهنا إضافة إلى المحددات التي اشترك فيها الموضوع المقيد مع الموضوع الخاص ذكر الأصوليون محددات خاصة بالموضوع المقيد وهي:

1- الانصراف
أ- الانصراف في اللغة

مصدر انصرف عن الشيء، أي: تحول عنه وتركه (2)، والصرف: رد الشيء من حالة إلى حالة أو إبداله إلى حالة أخرى أو إبداله بغيره (3).، هنا إذا عدّي ب-(عن)، وأما إذا عدّي ب-(إلى) فمعناه التحول عن غير الشيء إليه (4).

ب- الانصراف اصطلاحاً

هو انتقال ذهن السامع إلى معنى خاص من بين سائل المعاني عند إطلاق الكلمة مثل: انتقال ذهنه إلى ماء دجلة أن كان يعيش على ضفافها عند سماع كلمة(ماء)، ويستعملها الأصوليون كقرينة تصرف اللفظ عن الإطلاق إلى التقييد بحيث انصراف المطلق إلى بعض أفراده يمنع من انعقاد إطلاق الموضوع (5).

ص: 106


1- مطارح الأنظار، الأنصاري: 2: 291.
2- ظ: المصباح: الفيومي (صرف).
3- ظ: معجم المفردات ألفاظ القرآن، أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل المعروف بالراغب الاصفهاني(ت503ﻫ )، مادة(صرف)، تح: إبراهيم شمس الدين، مط: دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1418ﻫ / 1997م.
4- ظ: لسان العرب: ابن (صرف).
5- ظ: الكفاية بأسلوبها الثاني، الايرواني 3: 498.
ج- أقسام الانصراف
اشارة

ذكر الأصوليون للانصراف أقسام متعددة بعضها يكون محدداً لموضوع الحكم الشرعي المقيد وبعضها الآخر ليس كذلك وهي كما يأتي:

الأول: الانصراف الخطوري

وهو الانصراف الناشيء عن غلبة الوجود الموجبة لانصراف المطلق إليه بحيث يقيد به كانصراف(الماء) عند إطلاقه إلى ماء دجلة فيُقيد في ذهن المقيم على ضفافها به.

الثاني: الانصراف البدوي

هو الانصراف الموجب للشك الابتدائي البدوي في إرادة المنصرف إليه لكنه يزول بالتأمل مثل: انصراف(العالم) إلى خصوص من تزيا بالعمامة .

الثالث: الانصراف التشكيكي

وهو الناشئ عن التشكيك في الماهية عند العرف؛ لان الماهية لا تشكيك فيها واقعاً وهو على قسمين:

1-أن يكون التشكيك عند العرف إذ يحكم العرف بخروج الفرد المنصرف عنه من مصاديق المطلق كانصراف لفظ(ما لا يؤكل لحمه) عن الإنسان وهو القدر المتيقن ولذلك جوز الفقهاء الصلاة في شعره وظفره مع ورود رواية: ((لا تصل في جلد ما لا يشرب لبنه ولا يؤكل لحمه))(1)، لانصراف(ما لا يؤكل لحمه) إلى غير الإنسان.

2-أن يكون التشكيك إذ يشك العرف في خروج الفرد المنصرف عنه من مصاديق المطلق ويكون هذا الانصراف مقيداً للموضوع مثل: انصراف لفظ(الماء) عن بعض المياه كالممتزجة بالنفط بحيث يسلبها اسم الماء وهذا الانصراف، وان لم يكن موجباً لظهور اللفظ المحفوف بما يصلح للقرينية، وبذلك لا يكون اللفظ ظاهراً في الإطلاق لئن من شرائطه عدم وجود قرينة أو ما يصلح لها على خلافه.

الرابع: الانصراف الغلبي

وهو الانصراف الناشيء من غلبة الاستعمال في المعنى المنصرف إليه، إذ يصير اللفظ مشتركاً بينه وبين المعنى الحقيقي، كما لو قلنا: أن (الصعيد)، موضوع لمطلق الأرض، لكن استعمل في خصوص التراب حتى صار مشتركاً بينهما.

السادس: الانصراف الناشيء من غلبة الاستعمال في المعنى المنصرف إليه، بحيث ينقل اللفظ إليه ويهجر المعنى الأول(2).

ص: 107


1- الوسائل، العاملي 4: 346.
2- ظ: الكفاية:الخراساني: 249، أجود التقريرات، الخوئي 3: 232، ونهاية الأفكار:العراقي(1-2): 575- 576، ومحاضرات في أصول الفقه 5الفياض: 372 - 373. وظ: منتهى الدراية في توضيح الكفاية، السيد محمد جعفر بن محمد علي الموسوي الجزائري المروج(ت 1419ﻫ ) 3: 729، تح: محمد علي المروج، مط، طليعة نور، قم، ط1، 1428ﻫ . وظ: حقائق الأصول، السيد محسن بن مهدي بن صالح الطباطبائي الحكيم(ت 1390ﻫ ) 1: 561، لاتح، مط: مكتبة بصيرتي، قم، ط5، 1408ﻫ .
د- مناشيء الانصراف
اشارة

ذكر العلماء أن للانصراف بأقسامه الستة مناشيء متعددة وهي:

1- غلبة الوجود

أن غلبة الوجود لفرد من أفراد المطلق قد يوجب في الذهن أنساً به بحيث ينصرف المطلق إليه عند إطلاقه ويقيد به مثل: انصراف(الماء) إلى ماء النهر في المناطق التي يوجد فيها نهر أو ماء بئر ومثل انصراف(الإنسان) إلى ذي الرأس الواحد.

2- غلبة الاستعمال

وقد يحدث الأنس للذهن بغلبة استعمال المطلق في احد أفراده، مثل غلبة استعمال لفظ(كتاب) عند الفقهاء والمفسرين ونحوها إلى القران الكريم فإذا أطلق لفظ(الكتاب)، فانه ينصرف إليه ويقيد ذلك الإطلاق به.

3- الفهم العرفي

ومن مناشيء الأنس الذهني الموجب للانصراف هو فهم العرف، فإذا فهم العرف معنى من بين معاني اللفظ عند إطلاقه، وينصرف إليه عند إطلاقه عندهم، وذلك مثل: فهمهم من الغسل، الغسل من الأعلى إلى الأسفل، ولذلك يقال:

أن المراد من الغسل في آية الوضوء هو الغسل من المرفق إلى رؤوس الأصابع، لأنه المتعارف دون العكس لكونه غير متعارف ومثله انصراف وضع اليد على الأرض - حالة الاختيار - إلى وضعها على باطن الكف؛ لأنه المتعارف من وضع اليد على الأرض حالة الاختيار(1).

ص: 108


1- ظ: محاضرات في أصول الفقه: الفياض، 5: 369.
4- القدر المتيقن

من مناشيء الانصراف، هو انصراف المطلق إلى المقيد، أي: بعض أفراده كونه قدراً متيقناً من أفراد المطلق مثل انصراف اللحم إلى لحم الغنم عند إطلاقه، فلو قال شخص لابنه: (اشتر اللحم)، فاشترى لحم الغنم، استناداً إلى الانصراف المذكور كان معذوراً؛ لأنه مانع عن انعقاد الإطلاق وهو مقيد له(1).

ﻫ- أقسام الانصراف ودورها في تحديد موضوع الحكم الشرعي المقيد

تقدم الكلام في أن الإطلاق إنما يستفاد من مقدمات الحكمة وكان منها عدم وجود قرينة على خلاف الإطلاق ومن القرائن العامة المحددة للموضوع المقيد هي قاعدة الانصراف، فلذلك تكلم الأصوليون عن تلك القاعدة ولكن فرقوا بين أقسام الانصراف المتقدمة فقالوا أن بعض هذه الأقسام تكون علامة على الموضوع المقيد وهي مانعة عن الإطلاق وصارفة إلى التقييد والبعض الآخر ليس كذلك، أما القسم الأول والثاني من أقسام الانصراف المتقدمة، فالمعروف عندهم فلا يكونا مانعين من الإطلاق وبالتالي لا يكونا محدداً وعلامة للموضوع المقيد ولذلك قالوا: (( إن الانصراف بسبب غلبة الوجود لا يمنع من انعقاد الإطلاق))(2)، فلو قال شخص لابنه: (اسقني ماءً) وكان واقفاً على نهر الفرات فسقاه من نهر دجلة أو ماء آخر كان معه كان ممتثلاً لشمول إطلاق كلمة(الماء) له ولا يمنع من ذلك وقوفه على ماء الفرات، وأما فردا القسم الثالث وهو الانصراف التشكيكي، فهما يمنعان من انعقاد الإطلاق ويكونا علامة ومحدداً للموضوع المقيد ولذلك ينصرف(ما لا يؤكل لحمه) إلى غير الإنسان ولفظ(الماء) ينصرف عن بعض المياه المضافة إلى المياه المطلقة، وهذان القسمان هما القدر المتيقن مما يمنع من انعقاد الإطلاق فيكونا علامتان على التقييد وهما اللذان تعرض لهما الأغلب من العلماء (3).

وأما بالنسبة إلى غلبة الاستعمال القسم الرابع والخامس والسادس، فالذي يظهر من صاحب الكفاية أن هذه الأقسام تكون علامة ومحددة لموضوع الحكم الشرعي المقيد، بحيث أن غلبة الاستعمال لو أوجبت الاشتراك أو النقل أو المجاز المشهور، فالانصراف بسببها يمنع من انعقاد الإطلاق أيضاً (4).

وتحصل مما تقدم مدى أهمية قاعدة الانصراف في تحديد الموضوع المقيد وعملية الاستنباط تدور مدار التقييد ولهذه الأهمية قال المظفر: ((فعلى الفقيه أن يتثبت في مواضع دعوى الانصراف، وهو يحتاج إلى ذوق عال وسليقة مستقيمة وقلماً تخلوا آية كريمة أو حديث شريف

ص: 109


1- ظ: محاضرات في أصول الفقه: الفياض 5: 370.
2- م ن 5: 373.
3- ظ: الكفاية: الخراساني: 249، نهاية الأفكار:العراقي(1-2): 576، ومحاضرات في اصول الفقه:الفياض5: 372- 373، وظ: منتهى الدراية 3: 171.
4- ظ: الكفاية: 249، ومنتهى الدراية 3: 730.

في مسألة فقهية عن انصرافات تدعي وهنا تظهر قيمة التضلع باللغة وفقهها وآدابها وهو باب يكثر الابتلاء به وله الأثر الكبير في استنباط الأحكام من أدلتها...)) (1).

وذكر الشيخ المظفر(قد) مثالاً تطبيقياً للانصراف في مجال الاستنباط إذ قال: ((إلا ترى أن المسح في الآيتين(آية الوضوء وآية التيمم) ينصرف إلى المسح باليد، وكون هذا الانصراف مستنداً إلى اللفظ لا شك فيه، وينصرف أيضاً إلى المسح بخصوص باطن اليد، ولكن قد يشك في كون هذا الانصراف مستنداً إلى اللفظ، فانه غير بعيد انه ناشيء من تعارف المسح بباطن اليد لسهولته؛ ولأنه مقتضى طبع الإنسان في مسحه، وليس له علاقة باللفظ، ولذا أن جملة من الفقهاء، أفتوا بجواز المسح بظهر اليد عند تعذر المسح بباطنها تمسكاً بإطلاق الآية ولا معنى للتمسك بالإطلاق لو كان للفظ ظهور في المقيد، وأما عدم تجويزهم للمسح بظاهر اليد عند الاختيار فلعله للاحتياط؛ إذا أن المسح بالباطن هو القدر المتيقن والمفروض حصول الشك في كون هذا الانصراف بدوياً فلا يطمئن كل الاطمئنان بالتمسك بالإطلاق عند الاختيار وطريق النجاة هو الاحتياط بالمسح (بالباطن)(2).

2- قاعدة احترازية القيود
اشارة

المحدد الثاني للموضوع المقيد هو قاعدة احترازية القيود وهو اصطلاح يراد به عدّ القيود المذكورة في الكلام داخله في المراد والجدي للمتكلم كقيد الفقر في جملة(أكرم الإنسان الفقير)، الدالة على تقييد وجوب الإكرام بالفقر، فيثبت الإكرام بثبوت الفقر وينتفي بانتفائه مما يعني أن القيد فيها للاحتراز دون المثال، إلا انه لا دلالة فيها على نفي كل إكرام ولو كان لمزية أخرى غير مزية العلم والتقى، وليس البحث في احترازية القيود مختصاً بالقيود الموضوعية كقيد الفقر في المثال المتقدم، بل يشمل القيود الشرطية والغائية والوصفية، كقول المولى: (إذا زالت الشمس فصل) و(قم إلى الليل) و(أكرم الفقير العادل) وشأن متعلقات الأحكام كالإكرام والصلاة والصوم في الأمثلة المتقدمة شأن القيد في الحكم، لأنها إنما تذكر في الكلام للاحتراز عن عناوين أخرى قيد يتوهم شمول الحكم لها (3). ولكي نسلط البحث على هذه القاعدة لابد من بيان أمور وهي:

1- العلاقة بين احترازية القيود والإطلاق

لكي تتضح العلاقة بين هذين البحثين لابد من الإشارة إلى الخلاف الدائر بين الأعلام في: أن الكلمة الواقعة محلاً للإطلاق أو التقييد، هل هي موضوعة للطبيعة المحفوظة في كلتا الحالتين، حتى لا يكون الإطلاق دخيلاً في معناها ولا التقيد وإنما يثبت كل منها بدليل يدل عليه

ص: 110


1- أصول الفقه، المظفر 1: 205.
2- م.ن. 1-206.
3- ظ: دروس في علم الأصول، الشهيد محمد باقر الصدر، 1: 238- 239، تح: لجنة التحقيق التابعة للمؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر، مط: مركز الأبحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر، قم، ط1، 1421ﻫ .

فلا يكفي عدم وجود قيد في الكلام لإثبات الإطلاق، بل لابد من التمسك بقرينة الحكمة المبتنية على أساس الظهور الحالي في أن ما لا يقوله المتكلم من قيد لا يريده إذا كان في مقام البيان أم أنها موضوعة للطبيعة المطلقة ومقيدة بها، فلا حاجة لإثبات إطلاقها إلى التمسك بقرينة الحكمة، بل لابد من التمسك باحترازية القيود في إثبات إرادة المتكلم لهذه الطبيعة المقيدة بالإطلاق استناداً إلى ظهور حالهُ في أن ما يقوله يريده، وهنا يتضح الفرق بين قاعدة احترازية القيود وقرينة الحكمة، إذ أن قاعدة احترازية القيود تعتمد على ظهور حالي سياقي وكذلك قرينة الحكمة تعتمد على ظهور حالي سياقي، غير أن ما تعتمد عليه قاعدة احترازية القيود هو أن كل ما يقوله المتكلم يريده حقيقة أي: أن القيد الذي قاله أي الذي له مدلول تصوري والذي هو معلول للوضع فانه يريده جداً أي انه مراده الجدي وبعبارة أخرى: أن ما يأخذه المتكلم من قيود في مرحلة المدلول التصوري يكون مراداً للمتكلم الحكيم حقيقة وجداً؛ لان المتكلم من غير المعقول أن يذكر قيداً في الكلام ويكون ذكره لهذا القيد غير مراد فيكون عابثاً، لان ظاهر حاله أن ما يقوله من قيود يريدها(1).

وأما الظهور الحالي الذي تعتمد عليه قرينة الحكمة، فهو انه لا يكون قيد من القيود دخيلاً في المراد الجدي للمتكلم إلا ويبينهُ في كلامه، فتلك تعتمد على ما يقوله يريده(احترازية القيود) وهذه(قرينة الحكمة) تعتمد على مدلول ايجابي(ما يقوله يريده) فقيد(العدالة) الذي يذكره في كلامه(أكرم العالم العادل) له مدلول تصوري فهو مراده الجدي، بينما قرينة الحكمة تعتمد على أن(ما لا يقوله من ألفاظ وقيود لا يريدها)، فلو قال: (أكرم الفقير)، ولم يقل قيد العدالة معه، فهذا القيد الذي لا يقوله لا يريده، لذلك تكون دلالة قرينة الحكمة سلبية فلو كان يريد قيد(العدالة) لذكره، ولما لم يقله في كلامه، فهو لا يريده، وهذا يبتني على أن ظاهر حال المتكلم انه في مقام بيان تمام موضوعه ومراده الجدي بكلامه، فالمعاني التي يريدها يبينها في كلامه، ومن المعلوم أن قاعدة احترازية القيود وقرينة الحكمة نستعملها في حياتنا اليومية في أحاديثنا فهما قاعدتان عرفيتان(2).

2- أهمية احترازية القيود في تنقيح الموضوعات المقيدة

أن لقاعدة احترازية القيود أهمية كبرى في تحديد الموضوعات المقيدة وتكون علامة لها وبالتالي تكون لها أهمية في عملية الاستنباط لان الحكم الشرعي يستنبط في ضوء تحديد وتنقيح الموضوعات إذا لو لا هذه القاعدة لما استقر حجر على حجر، ولما أمكن إثبات حكم واحد في الشريعة، إذ مهما تنوعت صياغة النصوص فهي محددة بحدود وقيود في موضوعاتها ومتعلقاتها، التي بمثابة قيودات محددة لدائرة الحكم ومضيقة له من خلال تحديد موضوعه من

ص: 111


1- ظ: محاضرات في أصول الفقه:الفياض 5: 133.
2- ظ: محاضرات في أصول الفقه وشرح الحلقة الثانية للشهيد الصدر، عبد الجبار الرفاعي 1: 209، مط: مطبعة أمير، ط1، 1421ﻫ /2000م.

حيث السعة والضيق لتبعية الأحكام للموضوعات وهي ما لا يتيسر الالتزام به إلا عن طريق احترازية القيود وعدم إمكان التشكيك فيها عقلاً (1).

والدلالة العقلية على احترازية القيود هي السبب وراء عدم تعرض اهل السنة لهذه القاعدة ولكن أكثر علماء الامامية تعرضوا لهذه القاعدة بصورة مباشرة، و وهناك إشارات في كتبهم لها على نحو الإجمال، وهذه الإشارة يمكن ملاحظتها من خلال تعليقاتهم على بعض المسائل التي لها علاقة باحترازية القيود في غير، كمسألة ورود القيد مورد الغالب وتصريحهم بعدم إفادته الاحتراز، إذ يستفاد منه تسليمهم باحترازية القيود ما قامت القرينة على كونه للتوضيح والمثال(2).

إذ ذهب المشهور إلى وجوب حمل القيد على الاحتراز عند الشك في كونه للتوضيح والمثالية(3)، بل هو مما تبانى عليه عقلاء العالم(4)، لان ذلك هو مقتضى الظهور العرفي السياقي

ص: 112


1- ظ: نهاية الأفكار : العراقي ،(1،2):47
2- ظ: هداية المسترشدين في شرح معالم الدين، الشيخ محمد تقي بن محمد رحيم بن محمد قاسم الرازي الأصفهاني النجفي(ت 1248ﻫ )، 2: 471، تح ون: مؤسسة النشر الإسلامي مط: اميري، قم، ط1، 1420ﻫ .
3- ظ: تحريرات في الأصول، الشهيد مصطفى بن روح الله الخميني(ت 1398ﻫ )، 5: 27، تح ومط: مؤسسة تنظيم ونشر اثار الإمام الخميني، قم، ط1، 1418ﻫ / 1376ش.
4- ظ: الفصول الغروية في الأصول الفقهية، الشيخ محمد حسين بن عبد الرحيم بن قاسم الطهراني الحائري الاصفهاني(ت1250ﻫ ) : 39، لاتح، مط: دار احياء العلوم الإسلامية، لاط، قم، 1404ﻫ .

للكلام (1)؛ لظهور حال المتكلم في أن ما يقوله يريده إلا إذا كانت هناك قرينة صارفة عن الاحتراز إلى المثالية (2) ، كورود القيد مورد الغالب في قوله تعالى:} حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ........ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ{ (3)، حيث ذكر الأعلام بان قيد اللاتي في حجوركم لتوضيح الحالة الغالبة لبنات الزوجة، إذ غالباً ما يكن في حجور أزواج الأمهات، إلا انه للاحتراز عن غير اللاتي في الحجور(4)، وان ذهب بعضهم إلى أن مجرد ورود القيد مورد الغالب لا يعني زوال ظهر القيود في الاحترازية، باعتقاد بعض الأصوليين إلا إذا دل دليل على خلافه، كما في آية الربائب التي قام الدليل على عدم اختصاص الحرمة فيها باللاتي في الحجور، لولا هذا الدليل لوجب الالتزام بكون القيد فيها للاحتراز أيضاً(5)، كما هو كذلك من الآية وهو قوله تعالى:} اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ{ (6)، إذ رغم كون قيد الدخول بهن هو الغالب بعد العقد على الأمهات، لم يمنع ذلك كون الدخول بهن للاحتراز عن عير المدخول بهن، فتحرم الربائب إذا تحقق الدخول بأمهاتهن ولا يحرمن إذا لم يتحقق الدخول بأمهاتهن(7).

الثالث: دلالة تبين المجمل
1- مفهوم المجمل والمبين

أولاً: لغة: وهو مأخوذ من جملت الشيء إجمالاً أي: جمعته من غير تفصيل(8)،

ص: 113


1- الفصول الغروية في الأصول الفقهية، الاصفهاني: 39،
2- ظ: محاضرات في أصول الفقه، الفياض 5: 1333 و ظ: دروس في علم الأصول 2: 108.
3- النساء :23
4- ظ: الأحكام، الامدي 3: 94، القوانين، القمي: 86، و ظ: حاشية الشيرواني على تحفة المحتاج(ابن حجر الهيثمي ت: 974ﻫ ) الشيخ عبد الحميد الشرواني، مط: دار الفكر، بيروت، لاط، لات. و ظ: كفاية الأحكام، محمد باقر بن محمد مؤمن السبزواري(ت: 1090ﻫ )، 1: 127، تح: الشيخ مرتضى الاراكي مط: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، ط2، 1417ﻫ .
5- ظ: فوائد الأصول 4: 632، و ظ: جامع المدارك في شرح المختصر النافع، السيد احمد الموسوي الخوانساري(ت 1405ﻫ )، 1: 27، تح: السيد محمد كلانتر، تقديم: الشيخ محمد رضا المظفر، مط: النعمان، النجف الأشرف، لاط، لات.
6- النساء: 23.
7- مستند العروة الوثقى(النكاح) (تقريراً لابحاث السيد الخوئي)، للسيد محمد تقي الخوئي 1: 331، مط: مؤسسة الإمام الخوئي، قم، لاط، 1418ﻫ .
8- المصباح: (جمل).

ومنه قوله تعالى:} لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً{ (1)،

أي: مجتمعاً لا نجوماً متفرقة كالآية والسورة(2)، أو من أجملت الحساب إذا رددته عن التفصيل إلى الجملة(3).

المبين لغة: بين بان الأمر يبين فهو بين وجاء بائن على الأصل وأبان أبانه وتبين واستبان كلها بمعنى الوضوح والانكشاف والاسم البيان وجميعها يستعمل لازماً ومتعدياً إلا الثلاثي فلا يكون إلا لازماً(4)، والبيان ما بين الشيء من دلالة وغيرها وبان الشيء بياناً: اتضح، فهو بين، والجمع ابيناءُ مثل: هين واهيناءُ، وكذلك أبان الشيء فهو مبين (5).

ثانياً: اصطلاحاً: عرف بأنه: ((بما لم تتضح دلالته)) (6)، وظاهر التعريف أن المجمل يكون له دلالة ولكنها غير واضحة، فلا يشمل ما ليس له دلالة وهو المهمل وقد صرح بعضهم بذلك، كما أن المراد من الدلالة ليست دلالة العقلية مثل: دلالة الأثر والمؤثر، كدلالة القدم على المرور ودلالة الصوت على المصوت، لان الكلام هنا في لوازمها، بل صريح بعضهم انه خصوص الدلالة اللفظية الوضعية لأنها المعهودة في باب الألفاظ ولأنها مدار الإفادة والاستفادة ، وقد أشكل بعضهم على التعريف المتقدم بان وضوح الدلالة وعدمه للمخاطب تابع لعلمهُ، بالوضع وعدمه، وليس كل مجهول كذلك أي(مجملاً) في الاصطلاح كما لا يخفى (7)، والصحيح تعريفه يقدم وضوح المراد لا الدلالة، وكذلك عدل إليه جماعة كالغزالي إذ قال: ((والمجمل: هو اللفظ الصالح لأحد معنيين الذي لا يتعين معناه لا بوضوح اللغة ولا يعرف الاستعمال))(8).

وعرفه المحقق الخراساني بقوله: ((فما ليس له ظهور مجمل، وان علم بقرينة خارجية ما أريد منه، كما أن مالهُ ظهور مبين، وان علم بالقرينة الخارجية انه ما أريد ظهوره انه مؤول)) (9).

ص: 114


1- الفرقان: 32.
2- ظ: معجم مفردات ألفاظ القران: (جمل).
3- ظ: لسان العرب: (جمل)، والقاموس المحيط: (جمل).
4- المصباح: (بين).
5- لسان العرب: (بين).
6- منتهى الوصول والأمل في علمي الأصول والجدل، جمال الدين أبو عمرو عثمان بن عمر المالكي المعروف بابن الحاجب(ت646ﻫ ): 136، لاتح، مط: دار الكتب العلمية، ط1، 1405ﻫ / 1985م. وظ: شرح مختصر المنتهى(لابن الحاجب)، للشيخ عضد الدين عبد الرحمن الحنفي المعروف بالعضدي(ت756ﻫ )، 3: 107، تح: محمد حسن إسماعيل، مط: دار الكتب العلمية، ط1، بيروت، 1424ﻫ /2004م. وظ: أصول الفقه، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مفلح الحنبلي(ت763ﻫ )، 3: 999، تح: فهد السرحان مط: مكتبة العبيكان، ط1، الرياض، 1420ﻫ / 1999م.و ظ: جمع الجوامع، السبكي 2: 89، تح: محمد عبد القادر شاهين، مط: دار الكتب العلمية، ط2، 1426ﻫ /2005م. وظ:القوانين، القمي: 1: 162، الفصول الغروية: الأصفهاني: 224، الكفاية: الخراساني 252.
7- ظ: مطارح الأنظار ،الأنصاري ،2:295
8- المستصفى،الغزالي 1: 279.
9- كفاية الأصول: 252.

وعرفه المحقق السيد الخوئي: ((المجمل: اسم لما يكون معناه مشتبهاً وغير ظاهر فيه، والمبين: اسم لما يكون معناه واضحاً وغير مشتبه))(1).

إذا اتضح أن الإجمال صفة للفظ، فانه إذا كان واضح المعنى في نفسه فهو مجمل، فلا يختلف ذلك باختلاف الأفراد والأحوال من حيث العلم بالوضع وعدمه كما يظهر من بعض الأصوليين(2)، ضرورة عدم توقف إجمال اللفظ وعدمه على علم الأشخاص وعدمه وإلا لكان القران مجملاً بالنسبة إلى الأعجمي غير العارف باللغة العربية ولا يمكن القول به (3)، ثم انه قد يكون الكلام الواحد بالنسبة لبعض المعنى مبيناً، بالنسبة لبعضها مجملاً، وذلك كاللفظ الصالح لإرادة الإطلاق منه، كقوله تعالى: }وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ{ (4)، فانه بالنسبة لإيجاب أصل الصلاة على المكلفين مبين؛ لأنه بصدد البيان من هذه الجهة، وما بالنسبة لقيود الصلاة فمجمل وغير قابل للاستناد إليه لوضوح عدم كون الآية بصدد البيان من هذه الجهة، فهي مبينة بالنسبة لأصل الحكم ومجملة لقيوده وتفاصيله(5).

2- محددات موضوع الحكم الشرعي المجمل

ذكر العلماء للموضوع المجمل عدة علامات محددة له وبها يتميز عن غيره وأهمها ما يأتي:

الأولى: كون اللفظ مبهماً في نفسه كاللفظ المشترك الخالي من القرينة بناءً على عدم جواز استعماله في أكثر من معنى وهذا واضح لمكان تردده في المعنى، فيكون مجملاً غير مبين(6)، والاشتراك كما يكون في اللفظ المفرد من اسم ك-(العين) المشترك بين معاني(الذات، والجارحة، وعين الماء...الخ) أو فعل(كعسعس) المشترك بين(الإقبال والإدبار) أو حرف ك-(من) المردد بين الابتداء والتبغيض في قوله تعالى:}..... فامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ{ (7)، كذلك يكون الاشتراك في اللفظ المركب كما في قوله تعالى: }أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ{ (8)، فهنا تردد موضوع الحكم الشرعي المركب(عقدة النكاح)بين الزوج والولي وهذه الموارد المتقدمة في المشترك توجب الإجمال(9).

ص: 115


1- ظ: محاضرات في أصول الفقه، الفياض 5: 386.
2- ظ: كفاية الأصول: 252، وأصول الفقه، المظفر، 1: 250.
3- ظ: دراسات في علم الأصول، الهاشمي2: 353.
4- البقرة: 42.
5- ظ: الذريعة إلى أصول الشيعة، المرتضى1: 386.
6- الفصول في الأصول، الجصاص، 1: 64، تح ون: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الإدارة العامة للإفتاء والبحوث الشرعية، ط2، الكويت، 1414ﻫ / 1994م.
7- المائدة: 6.
8- البقرة: 237.
9- ظ: الكاشف عن المحصول، 5: 248، و ظ: المهذب في أصول الفقه المقارن، د. عبد الكريم بن علي بن محمد النملة، معاصر، 3: 1222، مط: مكتبة الرشد، ط1، الرياض، 1420ﻫ /1999م.

الثانية: احتفاف الكلام بما يصلح للقرينة، إذ يكون من الجائز اعتماد المتكلم عليه في تفهيم مراده ولم يكن بحدَّ الظهور، ولم يعلم أن المتكلم قد اعتمد عليه أم لا؛ وذلك كمورد وقع الاستثناء بعد جمل متعددة متعاطفة مع بعضها، وكذلك وقوع وصف أو شرط أو غاية ونحوها وبعدها، ورجوع الضمير إلى جزء المعنى السابق ووقوع الأمر عقيب الحظر وتوهمه فان ذلك يوجب الإجمال (1).

الثالثة: فقدان القرائن الحالية والمقالية والارتكازات الموجودة حال صدور الخطاب، سواء حصل ذلك بمرور الزمان أو تعمد الخائن أو غفلة الراوي أو الناسخ، كما قد يتفق ذلك في مورد النقل بالمعنى وتقطيع الروايات، فان القرائن والارتكازات إذا علم بوجودها حال صدور الخطاب واحتمل إشكال المتكلم عليها في بيان مراداته، فان فقدها قد يوجب إجمال الخطاب ولا يمكن التمسك بظهوره عرفاً لكونها بمثابة القرائن المتصلة المفقودة، نعم بمجرد وجود قرائن قد اتكل عليها المتكلم وافتقادها لا يضر بحجية الخطاب في ما يظهر فيه لاندفاع غفلة الراوي في نقلها بأصالة عدم الغفلة عند العقلاء واندفاع تعمد الراوي والناسخ باعتبار وثاقتهما (2).

الرابعة: تعدد القراءات ومثاله قراءة(يطهَّرن) بالتشديد و(يطْهرن) بالتخفيف في قوله تعالى: }فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ{ (3)، فموضوع الحكم هنا مجمل فعلى ما قرأ بالتشديد ذهب إلى حرمة وطء الزوجات حتى يغتسلن، وعلى من قرأ بالتخفيف ذهب أن مفاد الآية هو حتى ينقين من الحيض فيجوز مباشرتهن وان لم يغتسلن(4).

الخامسة: وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب: فقد يقال بإجمال الخطاب المطلق مع وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب - بأي سبب من أسبابه كوقوعه مورد السؤال أو كونه الفرد المأنوس لكثرة إرادته من المطلق - فحينئذٍ لا يمكن التمسك بإطلاق الخطاب بالنسبة لغير الفرد المتيقن لان إطلاقه مشروط بتحقيق مقدمات الحكمة ووجود القدر المتيقن في مقام الخطاب قد أبطل شرط مقدمات الحكمة وهو عدم وجود القدر المتيقن في مقام الخطاب ويكون موضوع الحكم الشرعي مجملاً بكثرة إرادة المقيد من المطلق لدى الإطلاق ولو بدال آخر أو وقوعه مورد السؤال يجعله إذ يجوز للمتكلم الاكتفاء بها عن تقييد الخطاب ولا نعد ذلك منه خروجاً عن موازين المحاورة في باب التفهيم والتفهم ولا يحكم عليه بلزوم تقييد الخطاب عند إرادته المقيد،

ص: 116


1- ظ: الفصول في الأصول 1: 64-29.
2- ظ: أصول الفقه، المظفر 3: 534، دروس في علم الأصول 2: 204.
3- البقرة: 222.
4- ظ: منتهى المطلب في تحقيق المذهب، للعلامة الحلي، 2: 358، تح: قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية، مط: زيبانكار، ط3، 1429ﻫ / 1387ش.

وفي هذه الحال لا يصح إسناد الإطلاق إلى هذا الكلام الخالي عن القيد؛ لصحة اتكاله في القيد إلى القدر المتيقن في مقام التخاطب، وهذا هو معنى إجمال الخطاب بالنسبة إليه، بل هناك من حكم بالإجمال حتى فيما إذا كان هناك قدر متيقن بحسب الخارج دون مقام الخطاب ككثرة تحقق فرد خاص، أو نوع خاص في الخارج، وذلك مثل: أن يكون عادة المخاطبين تناول طعام خاص، فورد خطاب تحريم الطعام فالمنسوب إلى أبي حنيفة انه حكم بان العادة توجب تنزيل العموم على المعتاد واستدل له بالقياس بموارد استعمال العام في فرد معين أو صنف خاص بالعادة كما في استعمال لفظ الدابة في خصوص ذوات الأربع عادةً فتحمل عليه(1).

السادسة: العلم من الخارج بعدم إرادة المعنى الحقيقي أو الظاهر علماً بيناً يعد كالقرينة المتصلة، مع عدم وجود ما يعين المراد منه، كما في موارد العلم بعدم إرادة المعنى الحقيقي وتعدد المجازات مع عدم مرجح في البين، فان ذلك يوجب الإجمال وقد يمثل لذلك ببعض الآيات الظاهرة في الجبر أو التجسيم لله تعالى في قوله تعالى:}بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ{ (2)، وقوله تعالى:

}الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى{ (3) وقوله تعالى: }وَافْعَلُوا الْخَيْرَ{ (4) بناءً على إرادة الوجوب منه لاستحالة وجوب جميع الخيرات وبعض غير معين فحينئذٍ أن دلت قرينة من عقل أو نقل على المراد فهو وإلا كان من المتشابهات التي توجب التوقف دونها وإيكال الأمر فيها إلى أهله، كما ورد الأمر به في بعض الأخبار كقوله (علیه السلام) : ((فردوا إلينا علمه )) (5) وهو من المجمل أو في حكمه(6).

السابعة: اجتماع الخطابين العامين أو المطلقين المتنافين بحسب المدلول في محل معين، كخطاب: (أكرم العالم أو العلماء)، والخطاب الآخر: (لا تكرم الفاسق أو الفساق)، فأنهما لمكان تنافيهما يتعارضان في: (العالم والفاسق) فيتساقطان عن الحجية وقابلية الاستثناء، فيعرض لهما

ص: 117


1- ظ: كفاية الأصول: 247- 249، و ظ: تنقيح الأصول، السيد محمد رضا بن محمد يوسف الطباطبائي التبريزي(ت1378ﻫ ): 196، تقريرات أبحاث المحقق العراقي، لاتح، مط: الحيدرية، لاط، النجف الأشرف، 1371ﻫ / 1952م، و ظ: نهاية الأفكار(1-2) :234، و ظ: أصول الفقه، المظفر: 1: 216، و ظ: الأحكام، الامدي، 2: 534.
2- المائدة: 64.
3- طه: 5.
4- الحج: 77.
5- الوسائل، العاملي 3: 466.
6- ظ: الفصول في الأصول 1، 71، وميزان الأصول: 513- 514، والمحصول 1: 464، التحبير في شرح التحرير 6: 2758، و ظ: زبدة الأصول، السيد محمد صادق الحسيني الروحاني 2: 332، مط ون: مدرسة الإمام الصادق(ع)، ط1، قم، 1412ﻫ .

الإجمال حكماً أي في الحجية بالنسبة(العالم والفاسق) فيجب التوقف فيه، بناءً على عدم الترجيح أو التخيير بالأخبار العلاجية الواردة في تعارض الأمارات (1).

الثامنة: النقل بالمعنى:

أن اختلاف النقلين لرواية واحدة بالزيادة والنقيصة تكون مغيرة للمعنى، وذلك يوجب الاجمال في الرواية (2).

3- محددات موضوع الحكم الشرعي المبين

اتضح مما تقدم في تعريف المبين من انه ما اتضحت دلالته من خلال السياق بواسطة القرائن المتصلة والمنفصلة، اللفظية والعقلية (3) وقد تقدم ذلك مفصلاً في محددات الموضوع الخاص(4).

ص: 118


1- ظ: فرائد الأصول، الأنصاري 1: 149، إرشاد الفحول، الشوكاني: 2: 393، فوائد الأصول، النائيتي، 4: 793- 795، نهاية الأفكار، العراقي(1-2): 444، وأصول الفقه، المظفر 1: 387، وحقائق الأصول، الحكيم، 1: 531.
2- ظ: حقائق الأصول 1: 532.
3- ظ: الكفاية، الخراساني: 252، ودراسات في علم الأصول، الصدر: 2: 353.
4- ظ: محددات موضوع الحكم الشرعي الخاص، ص84.

الفصل الثالث: المباني الأماراتية في تحديد موضوعات الأحكام الشرعية

اشارة

المبحث الاول

السيرة

المبحث الثاني

العرف

المبحث الثالث

التعميم وإلغاء الخصوصية

المبحث الرابع

الزمان والمكان

المبحث الخامس

عموم البينة في الموضوعات

ص: 119

المبحث الاول: السيرة

تمهيد

يعد دليل السيرة من الادلة الحديثة في الفكر الأصولي الشيعي وقد انفرد بها عن غيره من المذاهب وذهب السيد الشهيد الصدر الى ان من اهم أسباب ظهور دليل السيرة هو اجهاز المدرسة الأصولية لاسيما الشيخ الانصاري على مقولات في البناء الاستدلالي لحركة الاجتهاد لعب دوراً في ظهور دليل السيرة إذ اسقط الانصاري نظرية الاجماع المنقول(1)في كتبه الأصولية وحيث ان نظرية الاجماع المنقول لعبت دوراً كبيراً خلال قرون من الزمن ولها اهمية في تحريك عجلة الاجتهاد فمن يراجع المصادر الشيعية لاسيما عصر العلامة الحلي، يجد ان الاجماع المنقول كان حاضراً دائماً في اي عملية اجتهادية، وكان الفقهاء والباحثون يولون هذا الاجماع اهمية كبيرة، وليس اسقاط دليل الجماع المنقول وحده ساهم بظهور دليل السيرة، بل هناك الى جانبها بعض الادلة الاخرى التي تعرضت لاهتزاز منذ عصر الشيخ الانصاري في سياق تصاعدي، حتى بلغت مع ابي القاسم الخوئي مبلغاً عالياً، وذلك عندما نسف الاخير ادلة الشهرة الفتوائية، ونظريتي الجبر والوهن(2) .

ويرى الشهيد الصدر ان الدوافع الكامنة خلف ظهور دليل السيرة في العقل الشيعي هي دوافع نفسية بالدرجة الاولى، اي ان عملية الاستعاضة كانت تنطلق من الذهول امام انهيار اركان الادلة، ومن ثم فالبقاء مع النص من الكتاب والسنة فحسب، يمكنه ان يجر الفقيه جراً الى الخروج بنتائج لم يسبق لها مثيل وكان هذا الضغط النفسي هو الذي حرك العقل لتكوين دليل السيرة، لقد كان الاجماع دليلاً مريحاً للمجتهد كونه يمكنه من تحصيل نتائج متطابقة مع الموروث. اما مع الغاء مثل هذا الدليل - الاجماع المنقول -، فإن احتمال الخروج بفقه غير مألوف يغدوا وارداً جداً والضمان عدم حصول انتكاسه من هذا النوع وفق تصور العقل الفقهي كانت مقولة السيرة عاملاً مساعداً جداً(3) .

ص: 120


1- الاجماع المنقول: هو الاجماع الذي لم يحصله الفقيه بنفسه، وانما ينقله له من حصله من الفقهاء، ظ: المحصول(الرازي) 2:73، أصول الفقه، المظفر 3:120 .
2- ظ: نظرية السنة في الفكر الامامي الشيعي التكون والصيرورة، الشيخ حيدر حب الله، معاصر :418، مط: مؤسسة الانتشار العربي، ط1، بيروت، 2006 م .
3- ظ: بحوث في علم الأصول، الصدر: 4:233 .

وان مسالة الاستدلال بالسيرة او بناء العقلاء لم تكن حاضرة في كلمات علماء الشيعة الى ما هو ابعد من قرنين ونصف على اقصى تقدير الا نادراً جداً، فربما كان الشيخ جعفر كاشف الغطاء(1)هو اول من استعمل مقولة السيرة بشكل عابر في دراساته الفقهية، ثم لحقه في ذلك الشيخ محمد حسن النجفي(2)، ورغم تنامي حضورها مع الانصاري ثم المحقق الخراساني ثم الاجيال اللاحقة الا ان علماء أصول الفقه الشيعة لم يفردوا بحثاً لها اطلاقاً في دراساتهم الأصولية مما يؤكد او يعزز حداثة الفكرة وجدتها مع عدم وجود تنشيط لها في الدراسات الاخرى ولعل الشيخ محمد رضا المظفر هو اول عالم شيعي يفرد للسيرة بحثاً مستقلاً في كتابه (أصول الفقه)(3)، واما في مجال تمحيص وتشييد اركان دليل السيرة يمكن القول بضرس قاطع : ان السيد الشهيد الصدر كان من ابرز العلماء الشيعة الذي درس هذه المقولة على نطاق واسع وجاد في مختلف نتاجاته الأصولية(4) .

حيث بين السيد الشهيد الصدر اهمية دليل السيرة بقسميها في مجال الاستنباط الفقهي وخاصة في مجال تنقيح وتشخيص الموضوعات الشرعية التي هي مركز عملية الاستنباط الفقهي.

المطلب الأول: اقسام السيرة

اشارة

تنقسم السيرة الى قسمين :

الاول: السيرة العقلائية

يقصد بها الممارسة او الجري او الفعل او البناء او التباني الذي صدر او يقوم به العقلاء بوضعهم عقلاء بعيداً عن اي خصوصية دينية او عرقية او لغوية او عرفية خاصة او مناطقية، فكل عرف عقلائي يمارسه العقلاء ويسيرون عليه طبقاً لعقلائيتهم فقط نسميه بالسيرة العقلائية، فالعقلاء مثلاً بأختلاف ازمنتهم واماكنهم واعرافهم يعملون بما يفهمونه من كلام بعضهم ويعتمدون عليه ويحتجون(5) .

ص: 121


1- هو الشيخ جعفر بن الشيخ خضر بن مطر الجناحي، المعروف بالشيخ كاشف الغطاء،(ت 1228 ﻫ ) ظ: العبقات المنبرية في الطبقات الجعفرية، محمد حسين كاشف الغطاء(1373 ﻫ ) 1:141، تح:جودت القزويني، مط: بيان، ط1 بيروت، 1998م .
2- ظ: جواهر الكلام، النجفي: 22: 128 .
3- أصول الفقه، المظفر 2: 159 - 164 .
4- ظ: نظرية السنة، حيدر حب الله: 420 .
5- م.ن. 421 .

إذاً هو تعارف العقلاء على سلوك معين الا ان الخروج عن مقتضاه لا يستوجب توبيخ العقلاء ،وذلك يعبر عن نشوء هذا السلوك عن نكتة عقلائية ولو لم تكن متبلوره، بمعنى انه ناشئ اتفاقاً(1) .

اما كيف كانت السيرة العقلائية دليلاً في الاجتهاد ... ؟

الجواب : ان تطابق العقلاء من حيث انهم عقلاء واتفاقهم على سيرة ما وعرف معين، ليس حجة ولا يمثل في الاجتهاد شيئاً، الا اننا ننظر في النصوص الدينية فإن ورد فيها ما يردع او ينهى عن هذه السيرة او تلك اخذنا به، ورفضنا السيرة، واما إذا لم يكن هناك ردع فإنا نستكشف من عدم ردع المولى عن سيرة عامة للناس عبر العصور انه يرضاها ويمضيها ويوافق عليها، والا لردع وبين، وهو المكلف ببيان الاحكام الشرعية وشرح دين الله(2) .

اذن ان حجية السيرة العقلائية نابعة من امضاء الشارع لها لا من ذاتها ولهذا يقولون ان حجية السيرة العقلائيةإمضاءيه .

وثمة دراسات موسعة وهامة هنا، لاسيما تلك التي تفرق بين السيرة والارتكاز فقد لا يكون هناك فصل ميداني عقلائي، بل ارتكاز ووعي، كما هناك بحثاً في كيف يمضي المولى السير العقلائية الحادثة بعد زمن النص كعصرنا الحاضر ؟

وثمة بحث آخر حول كفاية عدم العلم بالردع الشرعي او ضرورة تحصيل العلم بعدم الردع لتكوين حجية السيرة الى غيرها من البحوث مثل عدم اطلاق دليل السيرة وكونه لبياً(3).

ويمكن التمثيل لهذا النوع من السيرة بتعارف العقلاء والذي هم في موقع المولوية على عدّ قول اللغوي حجة على عبيدهم بمعنى عدّ قول اللغوي هو المعبر عن مراداتهم فيما يصدر عنهم من اوامر، هذا النحو من السلوك انما نشأ من اغراض شخصية تتصل بكل من واحد من افراد العقلاء اللذين هم في موقع المولوية، إذ انهم ولغرض التحفظ على اغراضهم يصيغون اوامرهم بألفاظ متناسبة مع قول اللغوي، وهذا هو الذي دعاهم للأمر باعتماد قول اللغوي في مقام التعرف على مقاصدهم(4) وذكرا لأثبات حجية السيرة العقلائية دليلين وهما :

أ.معاصرة السيرة لزمن المعصوم (علیه السلام) .

ب.ان يكون عدم الردع للسيرة المعاصرة للمعصوم (علیه السلام) كاشفاً عن الامضاء(5).

ص: 122


1- ظ: بحوث في علم الأصول، الصدر: 4: 235 .
2- ظ: بحوث في علم الأصول، الصدر: 4: 235 .
3- ظ: نظرية السنة، حب الله: 421 .
4- ظ: المعجم الأصولي، صنقور 2: 180 .
5- م ن، 2: 181 .
الثاني: السيرة المتشرعية

وتعني انها عرفاً او سلوكاً عاماً يقوم به المتشرعة والمتدينون عصر المعصوم (علیه السلام) ثم لا نجد ما ينهى عن هذا الفعل، إذاً ان هذه السيرة دينية وربما تكون دينية خاصة كما او كانت سيرة خاصة للشيعة، وهذا ابرز فارق بين السيرتين العقلائية والمتشرعية فمنطلق الاولى العقلاء بما هم عقلاء، فيما منطلق الثانية المؤمنون بما هم متدينون(1) .

وان هذا السلوك الصادر تارة يكون مناسباً لما يقتضيه الطبع العقلائي او انه غير مناسب لذلك فمحض التباني منهم على السلوك معين مصحح للتعبير عن هذا السلوك بالسيرة المتشرعية نعم اتفاق كون هذا السلوك منافياً لما هو مقتضى الطبع العقلائي يوجب اكتساب السيرة المتشرعية دلالة اوضح على تلقي السلوك عن الشارع إذ لما كان هذا السلوك منافياً للطبع العقلائي اوجب انتفاء احتمال جريان المتشرعة لهذا السلوك عن الشارع والا فلا موجب لصدوره عنهم بعد افتراض منافاته للطبع العقلائي ومثلوا لها بالمسح في الوضوء والتيمم ببطن اليد دون ظاهرها(2) .

والسيرة بقسميها ساعدت العقل التشريعي كثيراً لاسيما في موضعين:

أ.مباحث المعاملات واستندوا فيها على السيرة كثيراً من باب العبادات.

ب.مباحث الحجج في أصول الفقه ومنها الخبر الواحد(3)والاستصحاب(4)وحجية قول اللغوي(5)

المطلب الثاني: أثر السيرة في تحديد موضوعات الأحكام الشرعية

ان للسيرة اثراً كبيراً في عملية الاستنباط ويمكن ان نلخصه بما يأتي :

1.تنقيح موضوعات الاحكام الشرعية ويكون على نحوين وهما :

أ.السيرة التي ينخلق منها موضوع الحكم الشرعي ويتحدد بواسطتها كيفية امتثاله والخروج عن عهدته وهذا التنقيح يكون لفرد حقيقي من الموضوع كما إذا لاحظنا دليل وجوب امساك الزوجة بمعروف او تسريحها بإحسان، الذي دل على وجوب النفقة تحت عنوان الامساك بمعروف، فإن المعروف من العرف وهو الشايع والمستساغ فإذا اقتضت السيرة والتعارف على ان تكون نفقة الزوجة في هذا الوقت مثلاً بنحو اتم واكمل مما كان معروفاً بالنسبة لها في غابر السنين بحيث خرج ذلك الحد عن كونه معروفاً ومستساغاً نتيجة الاختلاف في الظروف الفكرية او الاقتصادية او الاجتماعية فسوف يتوسع صدق عنوان النفقة بمعروف عما كان عليه سابقاً فتجب هذه

ص: 123


1- ظ: فوائد الأصول 3: 192- 193، بحوث في علم الأصول 4: 233 - 248 .
2- ظ: المعجم الأصولي، صنقور 2: 185 .
3- ظ: بحوث في علم الأصول 4: 233 .
4- ظ: أصول الفقه، المظفر 2: 259 - 262 .
5- ظ: فوائد الأصول، الانصاري 1: 74، فوائد الأصول 3: 142 .

المرتبة منها ولا تكفي المراتب التي كانت كافية فيما سبق، وهذا بحسب الحقيقة من تدخل السيرة في تكوين موضوع الحكم الشرعي ثبوتاً توسعة او تضيقاً(1)، وان هذه السيرة تقتضي صيرورة موضوع الوجوب وهو المقدار المحدد من قبلها وان المقدار الاقل مما حددته السيرة لا يكون من النفقة بالمعروف وحينئذ لا يكون لاحدٍ الانفاق بمستوى اقل وان كان يرى عدم تمامية ما عليه السيرة كما ان وجود سيرة سابقة على غير ما هي عليه فعلاً لا يصح الغاء السيرة الفعلية، إذ ان تحديد الموضوعات التي يخضع تبلورها للظروف والملابسات الخارجية(2) .

ب.السيرة التي يكون لها دور الكشف عن تحقق موضوع الحكم الشرعي خارجاً عبَّر عن هذا النوع السيد الشهيد الصدر بقوله : (( ان تتدخل السيرة في تنقيح الموضوع اثباتاً وكشفاً لا ثبوتاً .. ))(3)، ومثاله ما لو كانت سيرة العقلاء جارية على عدم الاقدام على المعاملة الغبنية وانهم يجَّرون في معاملاتهم على اساس التحفظ على مالية ما عندهم من اموال فحينئذ نستكشف من هذه السيرة وجود شرط ضمني في كل معاملة وهو التقارب بين مالية العوضين، فلو اتفق ان كانت المعاملة غبنية فإن للمغبون خيار الغبن باعتباران عدم الغبن شرط ضمني في العقد كشفت عنه السيرة العقلائية والملاحظ ان السيرة هنا كشفت عن تحقق موضوع الحكم الشرعي على موضوعه والحكم هو ثبوت الخيار(4).

وان هذين القسمان لا يحتاج في اثبات حجيتهما معاصرة المعصوم (علیه السلام) (5) .

2.السيرة العقلائية التي تساهم في فهم الدليل وتكشف عن حدود مدلوله، اذ لا ريب ان للمبتنيات العقلائية والمرتكزات العرفية دوراً في تبلور الظهور للأدلة اللفظية وان الظهور لا يتحدد بالمداليل اللغوية فحسب بل ان المبتنيات العقلائية تشكل قرائن لبية متصلة يتحدد بواسطتها ما هو المراد الجدي من الادلة اللفظية، خصوصاً وان الروايات والنصوص الدالة على الاحكام قد صدرت في اجواء خاصة ذات ظروف اجتماعية وعقلائية مختلفة مع الاخذ بنظر الاعتبار الفاصل الزماني الكبير بيننا وبين عصر النص (علیه السلام) .

ومثل الفقهاء لهذا القسم في مسألة الخمس في الغنيمة، فإن الغنيمة من الناحية اللغوية تشمل الغنيمة الشخصية كالأرباح الحاصلة من التجارة والغنيمة العامة المرتبطة بجهة لا بشخص، كالأراضي الخراجية فإنها غنيمة للمسلمين عامة لا لشخص معين، لكن لا ريب بعدم شمول دليل وجوب الخمس للغنيمة العامة كما لا يخفى، والسبب في ذلك ان جعل الخمس من

ص: 124


1- ظ: بحوث في علم الأصول: الصدر: 4: 233 .
2- ظ: المعجم الأصولي: صنقور: 2: 182 - 183 .
3- بحوث في علم الأصول 4: 235 .
4- ظ: المعجم الأصولي، صنقور 2: 183 .
5- ظ: بحوث في علم الأصول: 235 .

الغنائم الشخصية جاء لتلبية حاجة الموارد المالية للامة الاسلامية والحال ان الاراضي الخارجية بل كل غنيمة عامة عائدة لمجموع الامة وفي مصلحتها، فلا معنى لوجوب الخمس فيها واعطائها للامة من جديد وهذا الامر جار حتى في المجتمعات العقلائية والقوانين الوضعية، إذ لا نراهم يوجبون دفع الضرائب على الامور العائدة للصالح العام، ومن هنا يكون الارتكاز العقلائي او السيرة العقلائية المذكورة قد تصرفت في موضوع حجية الظهور تضييقاً في المثال اعلاه(1).

ويفترق هذا القسم عن القسم السابق في حاجته الى اثبات معاصر السيرة لزمن صدور النص لان الحجية انما في ظهور النص في ذلك الزمن لكن، القسمين يشتركان في آن كلا منهما ينقح الموضوع ويوجده(2) .

المطلب الثالث: امثلة تطبيقية

1-تنقيح موضوع حجية الخبر الواحد من حيث ((استقرار سيرة العقلاء من ذوي الاديان وغيرهم على العمل بخبر الثقة))(3) .

2-تنقيح موضوع المعاملة المعاطاتية، حيث ((قامت السيرة بين عقلاء العالم على صحة المعاملة المعاطاتية وترتيب آثار الملكية على المأخوذ بها))(4).

3-تنقيح موضوع الظهور، حيث ((استقرار طريقة العقلاء على اتباع الظهورات في تعيين المرادات(5)

4-تنقيح موضوع (العذر) في مسألة : ((جواز البدار لأولي الاعذار, اي يجوز لأصحاب الاعذار لإتيان بالمأمور به في آن العذر بأسلوب المعذور وان احتمل او ظن او علم زوال العذر في الان الثاني من الوقت والاجزاء اللاحقة منه_ الا في باب التيمم , فأن سيرة العلماء والعوام في الاعصار والامصار على ان اصحاب الاعذار لا ينتظرون زوال عذرهم))(6)

ص: 125


1- ظ: الظن، سيد كمال الحيدري: 208 .
2- ظ: بحوث في علم الأصول، 4: 236 .
3- الكفاية: 303 .
4- مصباح الفقاهة،( تقريراً لأبحاث السيد الخوئي )، للميرزا محمد علي التوحيدي(1395 ﻫ )، 3: 93، مكتبة الداودي، قم، ط، 1412ﻫ .
5- العناوين، السيد مير عبد الفتاح بن علي الحسيني المراغي(1250)هجريه 1: 450 ,مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين ,قم,ط1 1417 هجرية.
6- الكفاية: 281 .

5-تنقيح موضوع (الضمان)(1) سعة وضيقا حيث ان ((السيرة وسعت من دائرة موضوع الضمان, حيث استقرت السيرة على ان الصبي اذا اتلف مال الغير او غصبه فوقع عليه التلف وان كان التلف في غير يده فهو ضامن))(2).

6-تنقيح موضوع (الاصيل) حيث ((استقرت السيرة على معاملة الاولياء بل مطلق الوكلاء معاملة الاصيل في اقرارهم كتصرفاتهم ))(3).

ص: 126


1- القواعد الفقهية، السيد محمد حسن الموسوي البنجنوردي الموسوي(1396ﻫ ) 4: 249، تح: محمد حسين الدرايتي ومهدي المهريزي، منشورات دليل ما، قم، ط3، 1428ﻫ / 1386ش .
2- م ن، 4: 167 .
3- رسائل فقهية، سبحاني 5: 197 .

المبحث الثاني: العرف

المطلب الأول: اهمية العرف في تحديد موضوعات الاحكام الشرعية

ليس العرف(1) ظاهرة وقتية برزت في زمان ومكان معينين , بل لامتداده عمق في الاعصار والامصار منذ بدأ الانسان للحياة الاجتماعية وتحقق وجود المجتمعات البشرية والمجتمع العربي منها , فلقد كان العرف حاكماً على تصرفات البشر وشؤونهم الى ان جاء الاسلام واتضحت احكامه التي لوحظ في بعضها الاعتبارات العرفية(2) في مجالات معينه لتحديد الموضوع والدلالة لتشريع الاحكام فقال السيد الخميني في اهمية العرف في تحديد الموضوعات :((الانس بالمحاورات العرفية وفهم الموضوعات مما جرت محاورة الكتاب والسنه على طبقها والاحتراز عن الخلط بين دقائق العلوم والعقليات الرقيقة وبين المعاني العرفية العادية, فأنه كثيرا ما يقع الخطأ لأجله ))(3) وهذه الأهمية ظهرت بعد رفض القدماء في الاعتماد على الشهرة الفتوائية والإجماع المنقول, وانجبار ضعف الرواية بعمل الاصحاب(4) فالعرف له اهمية في تشخيص معاني الالفاظ التي وردت موضوعاً للأحكام الشرعية لذلك لابد ان نقف على الاعراف باختلاف الأزمنة والأمكنة لتحديد مفاهيم الموضوعات والا فان الفهم الذاتي او المصلحي للفقيه من دون لحاظ الاعراف المختلفة سيكون له تأثيرا سلبيا على عملية الاستنباط التي ملاكها الاعتماد على تحديد موضوع الحكم الشرعي الذي يصب الفقيه الحكم على ضوء فهمه للموضوع وقال النائيني في العرف السليم الذي يصون الفقيه عن الخطأ في تحديد الموضوع: (واما ان تكون ناشئة عن فطرتهم المرتكزة في أذهانهم حسب ما ابداه تعالى في طباعهم)(5) , والذي يهمنا في المقام مدى صلاحية العرف في تحديد موضوعات الاحكام الشرعية والأحكام الشرعية ولذلك اعتبره الأصوليون دليلا ضمن المصادر الشرعيةالفرعية لما لا نص فيه على الخصوص(6) واهمية العرف في تحديد موضوعات الاحكام الشرعية لم تقتصر على المذهب الشيعي بل ان هذه

ص: 127


1- ظ: العرف: هو ما تعارفه الناس وساروا عليه من قول او فعل او ترك، ظ: الأصول العامة للفقه المقارن، السيد محمد تقي الحكيم: 419 .
2- م ن: 422 .
3- تهذيب الأصول، السيد الخميني، 4: 115 .
4- ظ: مصباح الفقاهة، السيد الخوئي، 1: 50، بحوث في علم الأصول، الشهيد الصدر 2: 93 .
5- فوائد الأصول، النائيني 3: 193 .
6- ظ: الأصول العامة للفقه المقارن، الحكيم: 408 .

الأهمية ذهب لها جميع المذاهب الاخرى وجعلوا العرف احدى ادوات الاستنباط المهمة التي تشخص الموضوع وبعد ذلك يصب الحكم الشرعي في ضوء الفهم العرفي للموضوعات(1) .

المطلب الثاني: مرجعية العرف في تشخيص الموضوعات العرفية

من المجالات التي يلعب فيها العرف دورا كبيرا داخل الساحة الفقهية هو تشخيص موضوع الحكم الشرعي والموضوع المأخوذ في الحكم الشخصي له انقسامات عديده فهناك مواضيع تكوينيه كالحيض والنفاس وغيرهما وهناك مواضيع شرعيه كالصلاة والصوم والحج والزكاة وهناك مواضيع عرفيه كالغناء مثلا , بالإضافة الى وجود مواضيع مستحدثه تدخل ضمن نطاق المواضيع العرفية كالملكية الفكرية مثلا , فهنا عندما نقول: ان العرف حجه في تشخيص المواضيع, فهل هو حجه لكل هذه المواضيع ام في بعضها؟ .

اختلف الفقهاء في حكم النظر العرفي في تشخيص المواضيع التكوينية , فمنهم من انكر ذلك جعل اهل الخبرة هم اصحاب الفصل في هكذا نوع من المواضيع واما المواضيع الشرعية كالصلاة والصوم والحج والزكاة فلا يمكن تدخل العرف فيها والحكم في شانها لأنها من مخترعات الشارع واما المواضيع العرفية كالغناء والملكية الفكرية وما شابه ذلك , فهنا للعرف صولة وجولة لابد من التفكير انه لامانع من فسح المجال امام العرف من قبل الشارع في ابداء رأيه في بعض المواضيع سواء كانت تكوينيه او شرعيه, وهذه رخصه شرعيه للعرف في ذلك والا كقاعدة أوليه لا علاقة للعرف في هكذا نوع من المواضيع(2) وقال السيد الخميني في هذا المجال: ((الرجوع الى العرف في تشخيص الموضوع والعنوان فصحيح لا محيص عنه اذا كان الموضوع مأخوذاً في دليل لفظي اومعقد اجماع))(3) نعم تشخيص ظهور الالفاظ في المواضيع العرفية من اختصاصات العرف في بعض الاحيان وهناك موارد فقهيه كثيرة جدا أوكل الشارع امر تشخيص موضوعاتها الى العرف وبهذا تتفاوت الاحكام نتيجة اختلاف الاعراف المحددة

ص: 128


1- ظ: المبسوط، للسرخسي، 12: 142، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ابن رشد، 2: 61، والموطأ، للإمام مالك بن انس بن مالك بن انس بن مالك الاصبحي المدني(ت 179ﻫ )، 2: 710، تح: محمد فؤاد عبد الباقي، المكتبة الفيصلية، مكة المكرمة، د . ط، د . ت، الام، للإمام ابو عبد الله محمد بن ادريس المطلبي الشافعي(ت 204ﻫ )، 6: 135 – 136، مط: دار الفكر، بيروت، ط2، 1403ﻫ / 1983م، القواعد في الفقه الاسلامي، للحافظ ابو الفرج بن رجب الحنبلي(741ﻫ ): 367 – 368، دار الجيل، ط2، بيروت، 1408ﻫ / 1988م .
2- ظ: نظرية العرف بين الشريعة والقانون، السيد نذير الحسني: 84 .
3- كتاب البيع، السيد الخميني، 1: 381، مؤسسة اسماعيليان، قم، ط4، 1410ﻫ .

لمواضيعها قال السيد محمد تقي الحكيم((مايرجع اليه – للعرف – لتشخيص بعض المفاهيم التي اوكل الشارع امر تحديدها الى العرف مثل : لفظ الاناء والصعيد ونظائرهما مما اخذ موضوعاً في السنة لبعض الادلة, والظاهر ان بعض الاحكام انما وردت على موضوعات عرفيه, فتشخص مثل هذه الموضوعات مما يرجع فيه الى العرف وفي هذا القسم نرى تفاوت الاحكام بتفاوت موضوعاتها الناشئ من اختلاف الاعراف باختلاف الأزمنة والبيئات))(1).

وصرح العلامة الحلي بقوله))ومن عادة الشارع رد الناس الى ما يتعارفونه من الاصطلاحات فيما لا ينص على مقصودهُ باللفظ))(2) .

وقال الشهيد الاول :((والمرجع في الاوصاف الى العرف وربما كان العامي اعرف من الفقيه))(3).

المطلب الثالث: مرجعية العرف في تحديد موضوعات الاحكام مفهوما او مصدقاً

وجد اصحاب هذا الرأي في الجزئيات الفقهية موارد كثيرة بحكم العرف فيها على مستوى التطبيقات فضلا عن تحديد المفاهيم، ولم يقبلوا توجيهات بعض الآراء التي تذهب الى تعليق الموضوع على المصاديق العرفية من اول الامر او سحب البحث في تلك الموارد بشكل وآخر الى الاختلاف في تحديد المفاهيم لا تطبيقاتها وغير ذلك من التوجيهات(4)، حيث ذهب المشهور الى عدم مرجعية العرف في تطبيق المفاهيم على المصاديق لان فيه مسامحة غير مقبولة لعدم التطابق مع الواقع، كتسامحه في اطلاق اسماء المقادير على ما ينقص او يزيد عنها قليلاً، فلا دليل على حجية هذا النوع من التسامح(5)، وعدم اعتناء الشارع بالمصاديق المبتنية على المسامحة العرفية باعتبارها غير محققة لعناوينها وذهب السيد محسن الحكيم (قد) الى عدم صحة الاعتماد على العرف في مرحلة التطبيق لاحتمال خطأ العرف في تشخيصها كما في تطبيق ماء الكر على الماء الخارجي بخلاف الامور الاعتيادية التي لا مانع من الرجوع فيها الى العرف كما في تطبيق مفهوم البيع على مصاديقه الخارجية(6) وفي مقابل هذا الرأي ذهب المحقق العراقي الى مرجعية العرف في تحديد الموضوعات مفهوماً ومصداقاً وتطبيقاً حيث قال في مسألة

ص: 129


1- الأصول العامة للفقه المقارن: محمد تقي الحكيم: 422 .
2- مختلف الشيعة، للعلامة الحلي 5: 302 – 301 .
3- اللمعة الدمشقية، الشهيد الاول محمد بن مكي العاملي 3: 403، دار الفكر، بيروت، ط1، 1411ﻫ .
4- ظ: العرف بين الشريعة والقانون، السيد نذير الحسني: 170 .
5- ظ: كفاية الأصول، الخراساني: 57، فوائد الأصول، تقريراتالنائيني 4: 494 – 495 .
6- ظ:نهج الفقاهة، السيد محسن الحكيم: 50 – 51، مط: الشريعة، قم، ط، 1421 .

الشك في احد البيوع : (( ولكن الذي يسهل الخطب هو وجود الاطلاق المقامي في المقام حيث انه بعد ما يرى العرف الفرد الغير الواجد للمشكوك بحسب ارتكازهم مصداقاً حقيقياً للبيع ويرتبون عليه الآثار من النقل والانتقال ومع ذلك لم يردعهم الشارع يكشف ذلك عن ان ما يكون بيعاً عندهم فهو بيع شرعي ايضاً والا لكان عليه التنبيه بذلك ببيان ان غير الواجد لا يكون حقيقة مصداقاً للبيع وانه مصداق زعمي تخيلي وحينئذ فهذا الاطلاق الموصوف بالمقامي يكشف ان جميع ما يراه العرف بيعاً فهو بيع حقيقة لدى الشارع))(1)، إذ كان مقتضى عدم تعرض الشارع في الدليل الى بيان مصاديق الموضوع وعقد البيع المؤثر كان تحديدها وتشخيص مصاديقها يعتمد فيه على العرف وان ما هو في نظر العرف مؤثراً واقعاً فهو بنظر الشارع مؤثر وعليه فإذا شك في فرد انه ممضى أولاً ؟ فإذا كان بنظر العرف مؤثراً واقعاً شمله الدليل لكونه من افراد الموضوع(2)، واعطى السيد الخميني مساحة واسعة لهذا الرأي إذ جعل التسامح العرفي مقابل الدقة البرهانية في تشخيص مفاهيم ومصاديق الموضوعات وكيفية صدقها معللاً ذلك بأن الشارع في مخاطباته لم يشذ عما هو متعارف في العرف إذ يذهب الى ان الميزان في تشخيص جميع المفاهيم والمصاديق الموضوعية هو العرف لان الشارع كأحد من العرف في الخطابات والمحاورات وليس له اصطلاحاً خاص في القاء الكلام فأهل المحاورات يفهم من قول بعضهم اجتنب لدم او اسل ثوبك من البول فيفهم ذلك ايضا من قول الشارع وخطاب الشارع مع الناس الا كمخاطبة بعضهم بعضا فقال : (( كما ان العرف محكم في تشخيص المفاهيم فهو محكم في صدقها على المصاديق وتشخيص مصاديقها، فما ليس بمصداق عرفاً ليس بمصداق للموضوع المحكوم بالحكم الشرعي))(3)

المطلب الرابع: أمثلة تطبيقية

1-قال الشيخ الطوسي في افتراق المبايعين:((كل موضوع حكمنا بوقوع الفراق فالفراق هو افتراق المتبايعين عن محلهما الذي تبايعا, وقد فسرناه في البيوع, وبينا انه مأخوذ من العرف فما

ص: 130


1- نهاية الافكار، تقريرات المحقق العراقي، 1: 100 .
2- ظ: منتقى الأصول،( تقريرا لأبحاث السيد الروحاني )، للسيد الشهيد عبد الصاحب بن محسن الحكيم(ت 1403ﻫ )، 1: 287 – 288، مط: الهادي، قم، ط2، 1416ﻫ .
3- العرف بين الشريعة والقانون، الحسني: 170.

يسمى في العرف افتراقا حكم بذلك, وما لم يسم بذلك لم يحكم به))(1) فهنا العرف شخص موضوع الفراق.

2-قال الشيخ الطوسي في كتاب السرقة((فاذا تثبت انه لاقطع الا على من سرق من حرز احتجنا الى تبيين الحرز , ومعرفته مأخوذة من العرف فما كان حرزا لمثله في العرف ففيه القطع, وما لم يكن حرزا لمثله في العرف فلا قطع, لأنه ليس حرزا))(2) اذن فالمرجع الى معرفة ما كان حرزا وما لم يكن هو العرف , والحرز هو موضوع القطع الذي يترتب عليه حكم القطع حال ثبوته انه حرزا .

3-قال المحقق الحلي في كتاب الصلاة))الفعل الذي ليس من افعال الصلاة ان قليلا لم تبطل به الصلاة ... وان كان كثيرا ابطلها بلا خلاف... واختلف الفقهاء في حد الكثرة , فالذي عول عليه علمائنا البناء على العادة, فيما يسمى في العادة كثيرا فهو كثيرا والا فلا , لان عادة الشرع رد الناس فيما لم ينص عليه الى عرفهم وبه قال بعض الشافعية))(3) فحد الفعل الذي تبطل به الصلاة اولا تبطل به بيد العرف فهو الذي يشخص موضوع الافعال المنافية للصلاة.

4-يقول العلامة الحلي في كتاب الرضاع ))ويعد في الرضعات المذكورة قيود ثلاثة ان تكون الرضعة كاملة وان تكون الرضعة متواليه , وان يرضع من الثدي ويرجع في تقدير الرضعة الى العرف))(4)فالرضعة التي وقعة موضوعا للحكم الشرعي وهو التحريم بالنسبة للزواج من المرضعة واولادها واخواتها وكذا الحال بالنسبة للزوج من قبل الرضيع وبيان وتشخيص الرضاع بيد العرف.

5-قال السرخسي في باب السلم))ولا باس بالسلم في العصير في حينه وزنا او كيلا , لأنه يوزن او يكال كاللبن... والاصل انما عرف كونه مكيلا على عهد رسول الله (ص), فهو مكيل ابدا , وان اعتاد الناس بيعه وزنا , وما عرف كونه موزونا في ذلك الوقت فهو موزون ابدا, وما لم يعلم كيف كان يعد فيه عرف الناس في كل موضع ان تعارفوا فيه الكيل والوزن جميعا فهو مكيل وموزون هذا عند الامام واصحابه وخالفهم ابو يوسف فقال : ان المعتبر

ص: 131


1- المبسوط، الشيخ الطوسي، 6: 234 .
2- م ن، 8: 22 .
3- شرائع الاسلام، المحقق الحلي، 4: 231 – 232 .
4- تذكرة الفقهاء، للعلامة الحلي، 2: 620 .

في جميع الاشياء العرف ؛ لأنه انما كان مكيلا في ذلك الوقت او موزونا في ذلك الوقت باعتبار العرف لابنص فيه من رسول الله (ص)..))(1) .

6-قال ابن قدامه في بيع المعاطاة :(( ان الله احل البيع ولم يبين كيفيته فوجب الرجوع فيه الى العرف كما رجع اليه في القبض والاحراز والتفرق, والمسلمون في اسواقهم وبياعاتهم على ذلك؛ ولان البيع كان موجودا بينهم معلوما عندهم, وانما علق الشرع علي احكاما وابقاه على ما كان , فلا يجوز تغيره بالرأي والتحكم))(2) .

7- قال السيد الخميني : (( الدم هو عبارة عن السائل المعهود الجاري في القلب والعروق والمسفوح منه موضوع للحكم بالنجاسة، لكنهم لم يحكموا في اللون المتبقي من الدم بالنجاسة واستدلوا على ذلك بعدم اعتبار العرف لهذا المتبقي من الدم بالنجاسة واستدلوا على ذلك بعدم اعتبار العرف لهذا المتبقي وعدم عده من مصاديق الدم لكن البرهان العقلي قام على امتناع انتقال العرض فيحكم العقل على ان هذا اللون هو من الاجزاء الصغيرة لجوهر الدم، الا ان العرف هنا اخرج من مصاديق مفهوم الدم مصادقاً وهو ماذا بقي اللون الضعيف بعد ذهاب اشتداديته))(3).

8-قال السيد الشهيد الصدر في مبحث اجتماع الامر والنهي في مثال الصلاة في الارض المغصوبة : (( لا يوجد مانع بالامتناع العرفي في توجيه ان العرف بعدما يطلع على دليل وجوب الصلاة وعلى دليل الغصب يفهم من تلك الادلة ان وجوب الصلاة مضيق ومقيد بغير الفرد الواقع في الارض المغصوبة، وهذا من حقه لان الاطلاق في دليل وجوب الصلاة بغير الفرد الواقع في الغصب حتى لو لم تكن النسبة بين الدليلين الاطلاق والتقيد والخاص والعام، بعبارة اخرى، هناك مصداق آخر في متفاهم العرف في باب المفاهيم وهو ملاحظة الدليل ورؤية امتناع اجتماعهما من خلال تضيق مفهوم الوجوب للصلاة كما هو مثالنا ..... ))(4) .

ص: 132


1- المبسوط، السرخسي، 12: 142 .
2- المغني، موفق الدين ابو محمد عبد الله بن احمد بن محمد بن قدامة المقدسي الشافعي(630ﻫ )، 3: 481، دار الكتاب العربي، بيروت، د . ط، د . ت .
3- الرسائل، السيد الخميني، 1: 228، انتشارات اسماعيليان، ط1، قم، 1358ﻫ .
4- بحوث في علم الأصول، تقريرات السيد محمد باقر الصدر 6: 193 .

9-ما ذكره البنجوردي بخصوص قاعدة الامكان المختصة بالحيض : (( وبناء العرف على ان ما رأت المراءة التي هي في سن من تحيض من الدم الخارج من الرحم انه حيض الا اذا علم عدم كونه حيضاً بواسطة الادلة والامارات ومرجع هذا الدليل الى مراجعة العرف في تشخيصمصاديق المفهوم الذي جعله الشارع موضوعاً لحكمه مثلاً جعل الشارع مفهوم الغناء موضوع للحرمة فإذا شك في صوت انه من مصاديق الغناء فالمرجع في تشخيص المصداق لذلك المفهوم هو العرف، فإذا كان بناء العرف مثلاً على ان كل صوت شك في انه غناء فهو غناء فهذا البناء من اهل العرف حجة على كونه غناء، وفيما نحن فيه ايضا كذلك اذا كان بناء عرف النساء ان كل دم لم يعلم انه استحاضة او دم آخر غير دم الحيض فهو من مصاديق مفهوم الحيض الذي هو مفهوم عرفي، الا انه من مخترعات الشارع الاقدس ))(1) .

ص: 133


1- القواعد الفقهية، السيد حسن البنجوردي، 1: 27 .

المبحث الثالث: التعميم والغاء الخصوصية

المطلب الأول: التعميم والغاء الخصوصية وأثره في تحديد موضوعات الأحكام الشرعية

تقدم الكلام عن مفهوم العام والخاص في مبحث دلالة السياق ولكن يختلف التعميم والغاء الخصوصية عن العام والخاص من حيث طرق التعميم فيه فهناك طرق التعميم اعتمدت على وسائل التعميم المتعارفة التي تقدم ذكرها كمحددات لموضوع الحكم الشرعي العام واما في هذا المبحث يعتمد في تحديد موضوع الحكم الشرعي على طرق خاصة ليست لفظية في غالبها إذ ذكر الفقهاء في كتبهم الفقهية مصطلح ( التعميم والغاء الخصوصية، ويريدون به بشكل اجمالي ذكر المحددات التي تعمم الحكم الشرعي الخاص إذ يعمم الحكم الى المورد المراد اثبات الحكم له، عبر الخروج عن مشكلة تخصيص الحكم بالمورد الذي ورد فيه، بيد انهم لم يذكروا لإلغاء الخصوصية ضابطاً معيناً يمكن الرجوع اليه، بل يختلف الذوق الفقهي لكل فقيه عن الآخر، ففي مورد واحد قد يتعدى بعض الفقهاء عن المورد متمسكاً بإلغاء الخصوصية فيما يتمسك اخر بخصوصية المورد نافيا الغاء الخصوصية، ومنشأ هذا الاختلاف هو الاختلاف في الاستظهار العرفي، ويظهر بوضوح في بعض الموارد ان الخصوصية ملغاة، ولكن في موارد اخرى يحتاج الغاء الخصوصية الى قرائن لا تكون واضحة بتلك الدرجة(1) .

وذكر العديد من الفقهاء مصطلح (التعميم والغاء الخصوصية) في كتبهم، حيث ذكر المحقق البحراني نقلاً عن المحقق الحلي من انه لا بد من الالتزام بالتعميم قال : (( لان مدار الاستدلال في جل الاحكام الشرعية على ذلك، اذ لوحظ خصوصية السائل او الواقعة لم يثبت حكم كلي في مسألة شرعية الا نادراً))(2)، ولعل الغاء الخصوصية للسائل في كثير من الاحكام يكون واضحاً ولكنه في بعضها لا يكون كذلك، فمن الموارد التي لاحظ الفقهاء فيها خصوصية السائل ما ورد عن بريد العجلي عن ابي عبد الله (علیه السلام) قال : (( سألته عن رجل استودعني مالاً، فهلك وليس لولده شيء، ولم يحج حجة الاسلام ؟ قال (علیه السلام) : حج عنه، وما فضل فأعطهم ))(3)، وقد وقع الخلاف بين الفقهاء في اشتراط اذن الحاكم الشرعي ليحج عنه من بيده الوديعة، فالشهيد الثاني

ص: 134


1- ظ: فقه المسائل المستحدثة، السيد علي عباس الموسوي: 69 – 270، مط: الباقري، ط1، قم، 1430ﻫ / 2009م .
2- ظ: الحدائق الناضرة في احكام العترة الطاهرة، الشيخ يوسف البحراني(ت 1168ﻫ )، 1: 56، تح: محمد تقي الايرواني، مط: بكاز، نشر: مؤسسة النشر الاسلامي، ط1، قم، 1414ﻫ .
3- الوسائل، 11: 183 .

(قد) استبعد اعتبار اذن الحاكم من جهة ان خصوصية السائل غير ملحوظة في الاحكام، فكأن الامام قال : فليحج عنه من بيده الوديعة)، فيكون الخبر مطلقاً موضوعاً شاملاً لكل من بيده الوديعة، سواء تمكن من الاذن من الحاكم ام لا(1) .

واما بعض الفقهاء فقد ذهب الى منع إطلاق الرواية بدعوى ان الرواية تضمنت امر الصادق (علیه السلام) لبريد بالحج، وهو اذن وزيادة(2)، وأمّا البحراني رد الكلام السابق بقوله : (( بان الظاهر من الخبر وسائر الاخبار الواردة في الأحكام انما هو افادة قانون كلي وحكم عام، وانه لو خصت الجوابات الخارجية عنهم (عليهم السلام) بأشخاص السائلين لم يمكن ان يستنبط من اخبارهم حكم عام الا نادراً))(3) .

والمثال الآخر الذي يمكن ذكره لإلغاء خصوصية المسؤول عنه ماذكره الفقهاء في مسألة انفعال الماء القليل بالملاقاة، فقد ورد في رواية العفو عن الدم القليل وهي رواية على بن جعفر عن اخيه موسى (علیه السلام) ، قال : (( سألته عن رجل رعف فامتخط فصار ذلك الدم قطعاً صغاراً فأصاب اناءه، هل يصلح الوضوء منه ؟ قال : ان لم يكن شيء مستبين في الماء فلا بأس، وان كان شيئاً بيناً فلا يتوضأ منه))(4)، فقد ذكر البحراني ان الشيخ الطوسي عمم الحكم في الرواية لغير دم الانف واعترض عليه بعض الفقهاء بان التعدي لا يخلو من اشكال واجاب عنه البحراني : (( بانه لو خصت الاحكام بخصوص الوقائع المخصوصة ومشخصاتها الخارجية لم يكد يتفق وجود حكم كلي في احكام الفقه الا القليل ))(5) .

المطلب الثاني: محددات موضوع الحكم الشرعي العام وفق طرق الغاء الخصوصية

اشارة

نسعى في هذا المطلب الى محاولة دراسة العوامل او الوجوه والطرق التي يتم التعليل بها لتعميم موضوع الحكم الشرعي وبالتالي يعمم الحكم الشرعي تبعاً له وهذه الطرق توجب الغاء الخصوصية عند الفقهاء، وسوف نسلط الضوء على تلك الطرق مع بعض التطبيقات الاستنباطية لتعميم الفائدة وهذه الوجوه او الطرق وان كانت متعددة ولكن سوف نخلص الى معرفة الفارق الذي يمكن ان يكون بين مصطلح (الغاء الخصوصية) وبين سائر المصطلحات التي تشترك معه بنحو ما، وطرق تحديد الموضوع الشرعي العام كما يأتي:

ص: 135


1- ظ: الحدائق، البحراني: 14: 281 .
2- ظ: مدارك الاحكام في شرح شرائع الاسلام، السيد شمس الدين محمد بن علي الموسوي العاملي الجبعي(ت1009ﻫ )، 7: 147، تح و ن: مؤسسة آل البيت(ع) لإحياء التراث، ط1، قم، 1410م .
3- الحدائق، البحراني: 14: 280 .
4- الوسائل، العاملي 1: 150 .
5- الحدائق، البحراني :1: 331 .
1- التعليل بتنقيح المناط او استنباط العلة

ان مصطلح تنقيح المناط اعم لدى المدرستين الأصوليتين: الشيعية والسنية من القياس، فالقياس المشهور في مدرسة ابي حنيفة لا يعتمد عليه فقهاء الشيعة، لأنه لا يفيد الا الظن، واما تنقيح المناط فقد يستفاد من لسان الرواية او العلم بسبب امر من الامور الخارجية بعدم مدخليه الخصوصية في موضوع الحكم، او نحو ذلك، لذا يلتزم به فقهاء الشيعة مع افادته القطع دون ما لو افاد الظن وفي مراجعة لبعض تعريفات الأصوليون لتنقيح المناط حيث ذكر المحقق الحلي بانه : (( الجمع بين الاصل والفرع قد يكون بعدم الفارق ويسمى : تنقيح المناط فان علمت المساواة من كل وجه جاز تعدية الحكم الى المساوي، وان علم الامتياز او جوز لم تجز التعدية الا مع النص على ذلك الجواز اختصاص الحكم بتلك المزية وعدم ما يدل على التعدية، وقد يكون الجمع بعلة موجودة في الاصل والفرع، فيغلب على الظن ثبوت الحكم في الفرع، ولا يجوز تعدية الحكم والحال هذه بما سند عليه، فان نص الشارع على العلة، وكان هناك شاهد حال يدل على سقوط اعتبار ما عدا تلك العلة في ثبوت الحكم جاز تعدية الحكم، وكان ذلك برهاناً ))(1)، حيث لم يذكر المحقق الحلي مسائل يمكن الالتزام بالتعميم فيها وعدمه، وعرفه الفاضل التوئي بانه : (( اذا علم عدم مدخليه بعض الاوصاف، فحذف وعلل بالباقي))(2) وذهب السيد الحكيم الى انه : (( هو ان يضيف الشارع الحكم الى سببه، فتقترن به اوصاف لا مدخل لها في الاضافة، فيجب حذفها عن الاعتبار ليتسع الحكم))(3) .

وقد مثلوا لتنقيح المناط بقصة الاعرابي الذي قال للنبي (صلی الله علیه و آله) : (( هلكت يارسول الله فقال له : ما صنعت ؟ قال : وقعت على اهلي في نهار رمضان، قال : اعتق رقبة))(4)، حيث استفادوا عدم الخصوصية في كونه اعرابياً، فالحقوا به جميع المكلفين، ولا في كون المرأة التي وقع عليها اهلا له فالحقو به الزنا ,ولا خصوصيه لصوم شهر رمضان الذي وقع فيه على اهله فالحقو به جميع الشهور...الخ من الخصوصيات التي يعلم بعدم مدخليتها بموضوع الحكم , ولأجل الخروج بشيء محدد يمكنه ان يكون معيارا للتمسك بتنقيح المناط اذثبوته من بعد التسليم بحجيته.

ص: 136


1- معارج الأصول: 185 .
2- الوافية في أصول القه، عبد الله بن محمد البشروي الخراساني المعروف بالفاضل المتوفي(ت1071ﻫ ): 238، تح: السيد محمد حسين الكشميري، مط و ن: مؤسسة مجمع الفكر الاسلامي، ط1، قم، 1412ﻫ .
3- الأصول العامة للفقه المقارن، السيد محمد تقي بن محمد سعيد الحكيم(ت1418ﻫ ): 315، تح و ن: مؤسسة المجمع العالمي لأهل البيت(ع)، ط1، 1418هت / 1997م .
4- صحيح البخاري، ابو عبد الله محمد بن اسماعيل بن ابراهيم بن المغيرة الجعفي البخاري(ت256هت)، 6: 194، من كتاب الطلاق، تح: د. مصطفى ديب البغاء، مط: دار ابن كثير ودار اليمامة، ط5، بيروت ودمشق، 1414ﻫ / 1993م .
2- التعليل بخروج الحكم مورد التمثيل

ذكر الفقهاء ان الحكم لو ورد خاصا ولكن علم انه ورد في المورد الخاص من باب التمثيل , فلا بد من تعميم موضوع الحكم لأجل تنقيح المناط القطعي, وسوف نذكر بعض الأمثلة التطبيقية التي ذهب بعض العلماء فيها الى الغاء الخصوصية وتعميم الحكم لغيرها من الموارد متمسكين بمورد التمثيل لذلك التعميم.

3- التعليل بالعلم بعدم الخصوصية من الخارج

ان العلم من خلال قرائن خارجية عدم اختصاص الحكم بالسائل يؤدي الى الغاء تلك الخصوصية وتعميم موضوع الحكم الشرعي والحكم تبعا له للمكلفين كافة ومثل الفقهاء له : بخروج الاحكام كلها عن الرجال؛ لان السؤال انما وقع عن حكم الرجال ومع انه لا خلاف في دخول النساء في جميع الاحكام ما لم تعلم خصوصية الرجال فيه كالجهاد وصلاة الجماعة وغيرها من الاحكام الخاصة بالجهاد, فإذاً يكفي العلم بعدم الخصوصية لتعميم الحكم(1).

قال: المحقق البحراني:((لا يخفى ايضا ان جل الاحكام من عبادات ومعاملات ونحو ذلك, انما خرجت في الرجال, والسؤالات انما وقعة في الرجال مع انه لاخلاف في دخول النساء مالم تعلم الخصوصية للرجال في ذلك الحكم, ونحو ذلك مما لا يخفى عليه المتدبر في الاخبار الواردة في جميع الاحكام))(2).

4- التعليل بعدم استظهار الخصوصية

قد يرد الحكم في واقعة معينة بعينها, وفي حكم جزئي بعينه, ولكن اعتمادا على الظهور يذهب الفقهاء لتعميم الحكم لان الفقيه يدور مدار الظهور لان ملاك عملية لاستنباط يعتمد على الظهور,كما في الرواية :(( ان المأموم لو هوى من الركوع قبل الامام فلابد من الرجوع))(3),وان وردت في حكم الركوع ولكن الاصحاب التزموا بالتعميم للسجود من باب بنائهم على عدم ظهور الخصوصية(4).

ص: 137


1- ظ: الرسائل الفقهية، الشيخ جعفر سبحاني:4: 265، مط: مؤسسة الامام الصادق(ع)، ط1، قم، 1430ﻫ .
2- الحدائق: البحراني: 5: 422 .
3- الوسائل، العاملي: 8: 390 .
4- الحدائق: البحراني: 11: 143 .
5- التعليل بمنصوص العلة

تقدم منا ذكر تعريف منصوص العلة، وانه إذا كان عموم العلة صالحاً لان يجعل كبرى كلية، ولو انضم الى الحكم المعلل بها لحصل منها قياس بصورة الشكل الاول اذ قال : ( الخمر مسكر وكل مسكر حرام إذاً الخمر حرام لأنه مسكر )، ولابد من ان نتوقف صحة الاستدلال به على قابليته لهذا الانضمام بحيث لولاها لم يكن الاستدلال به صحيحاً(1)، وذهب بعض اعلام علماء الشيعة الى انكار حجية منصوص العلة، ولعل اقطاب هذا المنع مثل السيد المرتضى والمحقق البحراني والسيد نعمة الله الجزائري(2) .

وذكر العلماء الذين ذهبوا الى جواز الغاء الخصوصية بمنصوص العلة وتعميم الموضوع وبالتالي يكون الحكم عاماً تبعاً لموضوعه شروطاً لذلك التعميم وهي :

أولاً: ان تكون العلة غير مضافة الى الموضوع، والا فالمستظهر انها جزء العلة، بان تكون وردت لإفادة كبرى كلية، وهذا ما اشار اليه اكثر الاعلام من انه لا بد من عدم احتمال كون الموضوع قيداً للعلة وعليه فالتعميم تام(3) .

والضابط في معرفة ان العلة وردت كبرى كلية هو : (( ان تكون العلة على وجه يصح ورودها والقائها الى المكلفين ابتداءا بلا ضم المورد اليها، كما في قوله (علیه السلام) : (( فأن المجمع عليه ممالا ريب فيه )) فانه يصح ان يقال خذ بكل ما لا ريب فيه(4)ولأجل ذلك لم يلتزموا بالتعميم في مثل قوله (ع) : (( فان الرشد في خلافهم)) فانه لا يصح ان يقال خذ بكل ما خالف العامة، لان كثيراً من الاحكام الحقة توافق قول العامة، فلا يمكن ان يرد قوله (ع) : (( فان الرشد في خلافهم)) دستوراً كلياً للمكلفين بحيث يكون بمنزلة الكبرى الكلية، بل لا بد وان يكون التعليل بذلك لبيان حكمة التشريع وليس من العلة المنصوصة، فلا يجوز التعدي عنها الى كل ما خالف العامة ولو لم يكن له معارض(5) .

ص: 138


1- ظ: الدروس الشرعية، الشهيد الاول، 1: 66، مط مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسيين، ط1، قم، 1412ﻫ .
2- ظ: شرح المكاسب(تقريراً لأبحاث الشيخ النائيني)، الميرزا هاشم الآملي، 2: 453، مط، جماعة المدرسين، ط1، قم، 1417ﻫ
3- ظ: م ن، 2: 455 .
4- ظ: فوائد الأصول، 4: 347 .
5- م ن .

ثانياً : ان تكون العلة المنصوصة تامة، بمعنى ان نعلم بان الحكم يدور معها كيفما دارت(1) .

وان المدرك في حجية منصوص العلة انما هو كونها صغرى لكبرى حجية الظهور لأنه بظهور النص في كون العلة عامة ينقلب موضوع الحكم من كونه خاصاً بالمعلل الى كون موضوعه كل ما فيه العلة، فيكون الموضوع عاماً يشمل المعلل (الاصل) وغيره، ويكون المعلل من قبيل المثال للقاعدة العامة لا ان موضوع الحكم هو خصوص المعلل (الاصل) ونستنبط منه الحكم في الفرع من جهة العلة المشتركة(2) .

ثالثاً : ذكر الشيخ الانصاري (قد) ان طرح العلة المنصوص في موردها لا يوجب طرحها كلياً، وذلك كما لو ورد النص على علة الحكم في مورد ولم يمكن الالتزام بذلك لسبب ما، فان ذلك لا يعني عدم العمل بالعلة المنصوصة كلياً، بل يمكن الاعتماد عليها في غير ذلك المورد والوجه في ذلك هو وجود الفارق بين منصوص العلة وبين قياس الاولوية، لأنه بعد وجوب طرحه في مورده لا يجوز التمسك به وذكر الشيخ الانصاري مثال لذلك في (كتاب الصلاة) مسألة حكم صلاة المأمومين مع تبين كون الامام مجنباً، اذ ورد في رواية عن امير المؤمنين (علیه السلام) حكمهُ بوجوب الاعادة، وتعليله ذلك بان : (( الناس بإمامهم يركعون ويسجدون، فاذا فسدت صلاة الامام فسدت صلاة المأموم))(3)، ولكن الحكم الذي تبناه الفقهاء مع تبين كون الامام مجنباً عدم وجوب الاعادة على المأمومين، وهذا الحكم هو ترك للعمل بهذا التعليل الوارد في النص في هذا المورد لكن ذلك لا يعني عدم العمل به في موارد اخرى .

6- التعليل باتحاد طريق المسالتين

عبر الفقهاء في العديد من الموارد عن اعتمادهم في تعميم موضوع الحكم الشرعي والغاء الخصوصيات الواردة في النص، باتحاد طريق المسألتين، وعبر المحقق الكركي عنه بانه : ((فرع من فروع الاستصحاب وبخالفهُ في بعض الاحكام))(4) .

وعند تعبير الفقهاء عن اتحاد طريق المسالتين فرقوا بينه وبين القياس واخرجوه عن القياس الممنوع عنه، ولذا عبر بعض الفقهاء عنه بان اتحاد الطريق في المسألتين هو القياس الجلي(5)،

ص: 139


1- ظ أصول الفقه، المظفر 1: 166 .
2- م ن، 1: 177 .
3- بحار الانوار الجامعة لدرر اخبار الائمة، العلامة الشيخ محمد باقر بن محمد تقي المجلسي(ت1111ﻫ )، 85: 110، مط: مؤسسة الوفاء، ط2، بيروت، 1403ﻫ ، ظ: كتاب الصلاة، الانصاري، 2: 288 .
4- رسائل المحقق الكركي، الشيخ نور الدين ابو الحسن علي بن الحسين العاملي المعروف بالمحقق الكركي او المحقق الثاني(ت940ﻫ )، 3: 49، تح: الشيخ محمد الحسون، مط: مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين / ط1، قم، 1412ﻫ
5- ظ:مجمع الفائدة والبرهان في شرح ارشاد الاذهان، المولى احمد بن محمد الاردبيلي المعروف بالمحقق الاردبيلي(ت993ﻫ ) 12: 165، تح: مجتبى العراقي وعلي الاستشهاردي، وحسين الاصفهاني، مط: جماعة المدرسين، ط1، قم، 1414ﻫ .

والذي يظهر من بعض العلماء انه : (( تعدية الحكم من منطوق به الى مسكوت عنه، وذلك لأجل النص على علية الحكم، ومثل لذلك بالنبوي المتقدم الذي ورد فيه عن بيع الرطب بالتمر، لأنه ينقص اذا جف، فيتعدى الحكم الى بيع العنب بالزبيب(1)، وفي مسالة جواز ان يشتري الوصي على اليتيم ما يملكه اليتيم، يذكر بعض العلماء ان وجه الصحة هو : (( كفاية المخالفة الاعتبارية بين الموجب والقابل)(2)، ولأجل ذلك ادعى الشيخ الطوسي اجماع الشيعة على كفاية التغاير الاعتباري في اجراء عقد النكاح، والتغاير الاعتباري حاصل بطريق اولي ... ان هذا القياس حرام لو لم يكن من باب اتحاد طريق المسألتين))(3) .

وكذلك ورد في الجواهر ان المسالة ليست من القياس الممنوع عنه بل من اتحاد طريق المسالتين(4) .

من المسائل التي اختلف العلماء فيها هي تعدية الحكم عن المورد الى غيره في مسالة الدعوى على الميت، حيث ورد في الروايات(5)انه لا بد من ضم اليمين من المدعي الى البينة، ولا تكفي البينة بمجردها، وفرعوا على ذلك البحث في ان الصغير والمجنون والغائب هل هم ملحقون بالميت في ذلك ؟ فمن الحقهم استدل على ذلك باتحاد المسألتين، بل الحكم في الاصل الميت اقوى من الفرع(6) .

والذي يظهر بتتبع الموارد التي ذكر الفقهاء فيها هذه العلة لأجل الغاء خصوصية المورد انه لا يكون من باب العلة المنصوصة ؛ لان غاية ما ادعاه الفقهاء في بعض هذه الموارد دعوى ايماء النصوص الى العلة، كما لم يتمسك احد منهم بدعوى تنقيح المناط او العلم القطعي بالعلة، فلا ترجع المسالة الى واحد من العوامل السابقة، بل هي عامل مستقل تمسك به جمع من الفقهاء

ص: 140


1- ظ: مدارك الاحكام، العاملي: 8: 477 .
2- مصباح الفقيه، الهمداني: 1: 157.
3- رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدلائل، السيد علي بن ابي المعالي الصغير الطباطبائي(ت1231)، 9: 200، تح و ن: مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين، ط2، قم، 1416ﻫ .
4- ظ: الجواهر: النجفي: 28: 426 .
5- ظ: الوسائل، العاملي: 28: 236.
6- ظ:: مستند الشيعة في احكام الشريعة، المولى احمد بن محمد مهدي النراقي(ت1245ﻫ )، 17: 253، تح: مؤسسة آل البيت(ع) لإحياء التراث، ط1، قم، 1415ﻫ . و ظ: ايضاح الفوائد، فخر المحققين، 4: 334، تح: السيد حسن الموسوي الكرماني وعلي الاشتهاردي والشيخ عبد الرحيم البروجردي، مط: المطبعة العلمية، ط1، قم، 1387ﻫ .

لإلغاء خصوصية المورد(1)، لذلك اصطلحوا عليه ب- (اتحاد المناط)(2) الا ان اتحاد المناط كما يستدل عليه في الفقه في بعض المسائل كذلك يستدل به في الأصول(3)، واصطلاح الاتحاد طريق المسألتين درجت عليه كتب الشيعة الامامية في الفقه، ولم يتطرق له اهل السنة الا الامدي استطرادا، حيث انه فرق بين القياس واتحاد طريق المسألتين، فذهب الى ان القياس يعتمد على افتراض وجود اصل وفرع ويراد تسرية الحكم الثابت للأصل الى الفرع، واما في اتحاد طريق المسألتين فيفترض ان نسبة واحدة ولا يوجد اصل وفرع، غاية الامر ان احدهما منصوص عليه والآخر لم ينص عليه، وبطريق ما يراد تسرية الحكم من المنصوص الى غير المنصوص(4).

7- التعليل بالأولوية العرفية

الاولوية في اللغة هي : مصدر صناعي من الاولى، بمعنى الاجدر والاقرب من غيره(5).

واما عند الأصوليين فيعبرون عنه ب- (قياس الاولوية) او (مفهوم الاولوية) او (فحوى الخطاب)(6).

ولتوضيح ذلك نقول : ان الأصوليين عرفوا المنطوق : بانه ما يدل عليه اللفظ في حد ذاته والمفهوم بانه : ما يدل عليه بالالتزام، ثم قسموا المفهوم الى مفهوم الموافقة : المراد منه هو المدلول الالتزامي المقتضي لثبوت نفس الحكم في المدلول المطابقي لموضوع آخر غير مذكور في الدليل(7) .

ومفهوم المخالفة : هو المدلول الالتزامي المقتضي لثبوت حكم آخر غير حكم المدلول المطابقي لتغير موضوعه عند تغير قيوده(8) .

تمسك الفقهاء في العديد من الموارد بالأولوية العرفية او فحوى الخطاب او مفهوم الموافقة، والذي يظهر كون المؤدى في الجميع واحداً وهو اثبات تعميم الحكم لغير مورد النص والغاء

ص: 141


1- ظ: مسالك الافهام، الشهيد الثاني 10: 251، رياض المسائل، الطباطبائي 10: 305، مستند الشيعة، النراقي 7: 93 . وجواهر الكلام، النجفي 24: 226 – 239 .
2- غنائم الايام في مسائل الحلال والحرام، ابو القاسم بن حسن بن نظر الجيلاني المعروف بالميرزا القمي(ت1231ﻫ )، 1: 153 – 154، تح: مكتب الاعلام الاسلامي، ط1، قم، 1417ﻫ .
3- ظ: هداية المسترشدين 3: 503 .
4- ظ: الاحكام، الآمدي 3: 281 .
5- ظ:: الصحاح:(اول)، والمصباح:(اول) .
6- الاحكام، الآمدي 3: 328 .
7- ظ: المعجم الأصولي، صنقور، 2: 499 .
8- م ن، 2: 501 .

خصوصية المورد اي : ان يكون المسكوت عنه موافقاً للمنطوق به(1)، ويظهر من كلمات الفقهاء على المنع من التمسك بمفهوم الموافقة الا مع العلم بالعلة، والعلم بوجودها في المسكوت عنه(2).

والمدرك في حجية هذه الاولوية العرفية انما هو حجية الظهور ؛ لان هذه الأولوية لا تفرض الا حين يكون للفظ ظهور بالتعدي في الحكم الى ما هو اولى منه(3)، ولأجل هذا ذهب بعض العلماء للتعبير عن مفهوم الموافقة بانه في حكم دلالة الخطاب الاصلية من جهة اندراجه في المداليل اللفظية(4) .

8- التعليل بالأولوية القطعية

تفترق الاولوية القطعية عن الاولوية العرفية بان التعميم فيها يكون من باب دلالة العقل لا دلالة اللفظ على التعميم ومثاله : دلالة قوله : ( اكرم خدام العلماء) على مطلوبية اكرام العلماء انفسهم(5)، نعم قد ذكر الفقهاء في بعض الموارد الاولوية القطعية ومرادهم بها الاولوية العرفية المتقدمة وذلك في صورة القطع بها(6)، ولا يخفى ان الاولوية القطعية لا تتوقف على العلم بالملاك، فلذا لم تدخل تحت تنقيح المناط، ولأجل ذلك ففي المثال المتقدم وان لم نعلم الملاك في مطلوبية اكرام خدام العلماء ولكن الاولوية القطعية تكون ثابتة .

9- التعليل بعدم القول بالفصل

عمم الفقهاء الحكم لغير مورده تمسكاً منهم بعدم القول بالفصل في موارد متعددة، وعدم القول بالفصل هو الذي يعبر عنه بالإجماع المركب وهذا الاجماع له ثلاثة معانٍ :

الاول :

هو الاجماع المنعقد على حكمين او احكام مع عدم انعقاده على كل واحد منهما(7)وهذا الاجماع يصطلح عليه عند الامامية ب- ( الاجماع المركب )(8) ويصطلح عليه عند اهل السنة بمسالة ( احداث قول ثالث ) او ( احداث قول آخر )(9) .

الثاني :

ص: 142


1- ظ: معجم الفاظ الفقه الجعفري، فتح الله: 316 .
2- ظ: مجمع الفائدة والبرهان، الاردبيلي، ظ، 1: 367، 3: 229، 5: 151، 12: 34 .
3- ظ: أصول الفقه، المظفر 2: 178 .
4- ظ: هداية المسترشدين: 280 .
5- ظ: فوائد الأصول، الكاظمي، 1: 555 .
6- ظ: التنقيح في شرح العروة الوثقى، الغروي، 1: 123 .
7- ظ: الفصول الغروية :255 .
8- معارج الأصول: 131، بحوث في علم الأصول، الهاشمي، 4: 317 . 1: 277، نهاية السؤول، 3: 269، ارشاد الفحول 1: 306 .
9- أصول السرخسي / 1: 310 / المحصول، الرازي، 2: 62، الاحكام الامدي، 1

هو الاتفاق بالحكم مع الاختلاف في العلة، كالإجماع على انتقاض الوضوء عند الاحنافاو بالمس عند الشافعية ويبحث على اساس هذا المعنى عن حجية هذا الاجماع بعد ظهور الفساد في احد المأخذين اي العلتين وقد طرح هذا المعنى من الاجماع بعض الاحناف(1) .

الثالث : وهو عدم تفصيل علماء عصر ما بين مسألتين في النفي والاثبات، بمعنى يذهب بعضهم الى ثبوت الحكم في المسألتين معاً، ويذهب آخرون الى نفيه فيهما معاً(2)، وقد وقع البحث بين الأصوليين في جواز الفصل بين المسالتين، بان يقال في ثبوت الحرمة في مسالة وبالجواز في مسألة اخرى وذلك يمكن ان يقع في وجهين :

أ-ما إذا صرح المجمعون بعدم الفصل وهنا لا خلاف في عدم جواز الفصل بين المسألتين واحداث قول ثالث(3) .

ب- ماذا لم يصرح المجمعون بعدم الفصل وهذا الوجه هو موضع البحث في جواز الفصل وعدمه(4) .

ويعد المحقق القمي الاجماع المركب حجة حيث حكم بعدم جواز مخالفته(5) وهو ظاهر الكثير من الفقهاء حيث يظهر تمسكهم به في موارد مختلفة من ابحاثهم الفقهية ولكن يوجد من الفقهاء من له رأي مخالف حيث لا يعده حجة بل انكر تمسك الفقهاء بهذا الاجماع وهو المحقق البحراني وخاصة في مسالة القول بنجاسة ابوال الدواب الثلاث : الخيل والبغال والحمير، حيث استدل الفقهاء على تعميم الحكم الى الارواث بالإجماع المركب، وعدم القول بالفصل حيث يقول المحقق البحراني : (( رأي مانع عقلي او شرعي يمنع من الفتوى في المسالة اذا قام الدليل على ذلك وان لم يقل به قائل من السابقين ؟ واشتراط القول بوجود قائل من المتقدمين وان قال به شذوذ من الا ان المحققين على خلافه، كيف ولو اشترط ذلك لم تتسع دائرة الخلاف في المسائل والاحكام ولا انتشر فيها النزاع والخصام الى ما عليه الآن من الاختلاف، حتى انك لا تجد حكماً من الاحكام الا وقد تعددت فيه اقوالهم الى ثلاثة او اربعة او خمسة فزائداً، وهي تتجدد بتجدد العلماء))(6) .

ويذهب الشهيد الصدر الى عدم حجية الاجماع المركب بناءً على نظريته حساب الاحتمالات التي جعلها مدركاً لحجية الاجماع اذقال : (( انما هي باعتبار كشفه الناشئ من

ص: 143


1- ظ: أصول الشاشي، نظام الدين الشاشي: 210 – 211 .
2- ظ: معارج الأصول: 131 – 132، نهاية السؤول 3: 275، الفصول الغروية: 255 .
3- ظ: المحصول، الرازي 2: 64، نهاية السؤول 3: 276 .
4- ظ: م ن .
5- ظ: القوانين المحكمة، القمي 2: 378 .
6- الحدائق، البحراني 5: 30 .

تجمع القيم الاحتمالية لعدم الخطأ، وفي المقام نعلم بالخطأ عند احد الفريقين المتنازعين فلا يمكن ان تدخل القيم الاحتمالية كلها في تكوين الكشف للإجماع المركب ؛ لأنها متعارضة في نفسها))(1) .

وذهب جماعة الى التفرقة والتفصيل بين عدم القول بالفصل والقول بعدم الفصل بالالتزام بان مجرد عدم القول بالفصل لا يكفي للمنع من احداث قول ثالث بخلاف القول بعدم الفصل، ولعل مرجع هذا القول هو رجوع القول بعدم الفصل الى الاجماع البسيط، وهذا الكلام يظهر من جماعة من الاعلام كالخوانساري(2) والسيد محسن الحكيم(3) وغيرهما(4) . وهذا هو ارجح الآراء .

10- التعليل بمناسبات الحكم والموضوع

ان الاحكام المجعولة عل موضوعاتها او متعلقاتها تكون عادة مجعولة على حالة من حالات ذلك الموضوع او المتعلق او على حيثية من حيثياتهما، وهذه الحيثيةالملحوظة تارة تستوجب تعميم الحكم وتارة التضيق من دائرته تبعاً لتعميم الموضوع وتضيقه، وغاية ما في الامر انه قد يصرح في الخطاب بالحيثية التي انصب الحكم على الموضوع او المتعلق بلحاظها وقد لا يصرح بذلك اتكالا على ما هو مركوز في ذهن اهل المحاورة من تناسب بين الموضوع وبين الحكم المجعول عليه، فنلاحظ العرف ونتيجة لملابسات خارجية او مستفادة من اجواء الخطاب او من مناشئ اخرى يلغي في بعض الاحيان بعض خصوصيات الموضوع وفي احيان اخرى يجزم بالخصوصيات وفي حالات يعدي الحكم من موضوعه المذكورة في الخطاب الى موضوعات اخرى وهكذا(5) .

وتشكل مناسبة الحكم والموضوع قرينة توجب ظهوراً في الكلام يوجب الغاء الخصوصية وتعميم الحكم لغير مورد النص، وقد توجب مناسبة الحكم والموضوع التخصيص في موارد اخرى وتشكل مناسبة الحكم والموضوع صغرى لحجية الظهور فحجيتها تنبع من حجيته(6) .

ص: 144


1- دروس في علم الأصول( الحلقة الثانية ): 133 .
2- ظ: جامع المدارك في شرح المختصر النافع، السيد احمد بن محمد الموسوي الخوانساري(ت1405ﻫ ) 2: 402 – 504 تح: علي اكبر الغفاري، مط: مكتبة الصدوق، ط2، طهران، 1405ﻫ / 1364 ش .
3- ظ: مستمسك العروة الوثقى، السيد محسن بن مهدي بن صالح الطباطبائي الحكيم(ت1390ﻫ )، 9: 157، د . تح، مط: دار احياء التراث العربي، ط3، بيروت، 1391ﻫ / 1981م .
4- ظ: فقه الصادق، محمد صادق الروحاني، 3: 167، مط: مؤسسة دار الكتاب، ط3، قم، 1414ﻫ . و ظ: المحكم في أصول الفقه، محمد سعيد الحكيم، 3: 236، مط: مؤسسة المنار، ط2، قم، 1408ﻫ .
5- ظ: المعجم الأصولي، صنقور 2: 528 .
6- ظ: كتاب المكاسب، الآملي 2: 187 .

وقد تمسك الفقهاء في العديد من الموارد بمناسبات الحكم والموضوع للتعميم والغاء الخصوصية على ان بين الغاء الخصوصية بمناسبة الحكم ولموضوع اشتراكاً في كلمات الفقهاء، نعم ورد التعبير عن مناسبة الحكم والموضوع بالأولوية القطعية بانها من المناسبة العقلية، مقابل المناسبة العرفية في موارد اخرى(1)، والموارد التي تمسك فيها الفقهاء بمناسبة الحكم والموضوع متعددة جداً، ولكن الذي يظهر ان اعتماد مصطلح ( مناسبة الحكم والموضوع) والتعبير به اشتهر لدى الفقهاء المتأخرين عن السيد بحر العلوم في كتابة ( بلغة الفقيه )(2) .

11- التعليل بترتب الحكم الواحد على الموارد المتعددة

ذكر العلماء ان ترتيب الحكم على موارد متعددة يكشف عن الغاء الخصوصية لهذه الموارد، ويرجع هذا العامل الى ايجاب تكرار الحكم الواحد على الموارد المتعددة الى ظهور عرفي، بان هذه الموارد مأخوذة بنحو المثالية لا الموضوعية والذاتية وهو الذي يوجب الغاء الخصوصية .

قال الشهيد الصدر : (( والغاء الخصوصية بالفهم العرفي هنا قد يدعى بلحاظ كل رواية بمفردها، وقد يدعى بلحاظ مجموع الروايات، بمعنى ان العرف بعد ملاحظة الروايات في الموارد المتعددة يستظهر بلحاظ المجموع مثالية تلك الموارد وان كان قد لا يستظهر المثالية لو اقتصر على ملاحظة بعض الروايات في مورد واحد او موردين ؛ لان احتمال دخل خصوصية مورد واحد او موردين قد يكون احتمالا عرفياً، بينما لا يكون احتمال دخل خصوصيات الموارد المتفرقة جميعاً احتمالا عرفياً وان كان موجوداً ثبوتاً، وهذا مبني على ان حجية الظهور تشمل الظهور المتحصل من مجموع ادلة متفرقة عند ملاحظتها جميعاً كخطاب واحد))(3).

12- التعليل بإلغاء الخصوصية بالتعبد الشرعي

ذكر بعض الفقهاء ان الخصوصية قد تلغى بالتعبد الشرعي، وذلك كخصوصية الزمان اذ تلغى، وبه تثبت وحدة القضية المتيقنة والمشكوكه، ولكن اثبات الغاء خصوصية الزمان انما هي بواسطة التعبد الشرعي، وبيانه : انه ان لوحظ متعلق اليقين والشك بالنظر الدقي، فلا يصدق نقض اليقين بالشك حتى في موارد الشك في الرافع ؛ لان متعلق اليقين انما هو حدوث الشيء، والمشكوك هو بقاؤه ؛لأنه مع وحدة زمان المتيقن والمشكوك لا يمكن ان يكون متعلق الشك هو متعلق اليقين الا بنحو الشك الساري الذي هو خارج عن محل الكلام، فبعد كون متعلق الشك غير متعلق اليقين، لا يكون عدم ترتيب الاثر على المشكوك نقضاً لليقين بالشك(4).

ص: 145


1- ظ: تهذيب الأصول، الخميني، 2: 53 .
2- ظ: فقه المسائل المستحدثة، علي الموسوي: 97 .
3- شرح العروة الوثقى، الشهيد الصدر 2: 91 .
4- ظ : فقه المسائل المستحدثة، علي الموسوي: 101 .

ففي مثل الملكية وغيرها من امثلة الشك في الرافع متعلق اليقين هو حدوث الملكية ولا يقين ببقائها بعد رجوع احد المتبايعين في المعاطاة، فعدم ترتيب آثار الملكية بعد رجوع احدهمالا يكون نقضاً لليقين بالشك، وهكذا سائر امثلة الشك في الرافع(1) .

وان لوحظ متعلق اليقين والشك بالنظر المسامحي العرفي، والغاء خصوصية الزمان بالتعبد الشرعي على ما اشرنا اليه سابقاً من ان تطبيق نقض اليقين بالشك على مورد الاستصحاب انما هو بالتعبد الشرعي وان كان اصل القاعدة من ارتكازيات العقلاء، فيصدق نقض اليقين بالشك حتى في موارد الشك في المقتضي، فان خيار الغبن كان متيقنا حين ظهور الغبن، وهو متعلق الشك بعد الغاء الخصوصية، فعدم ترتيب الاثر عليه في ظرف الشك نقض لليقين بالشك واذ ان الصحيح هو الثاني ؛ لان متعلق اليقين والشك ملحوظ بنظر العرف والخصوصية من حيث الزمان ملغاة بالتعبد الشرعي، فيستفاد من قوله (ع) : (( لا تنقض اليقين بالشك)) حجية الاستصحاب مطلقاً(2) .

المطلب الثالث: أمثلة تطبيقية

1-مسألة الديون المالية المترتبة على الميت غير الحج التزم السيد اليزدي(قد) بوجوب الاخراج على من بيده للميت بأي نحو من الانحاء, سواء الوديعةوالعارية او الغصب او غير ذلك(3) , واستند في ذلك الى تنقيح المناط ؛ لان الحكم ورد بذلك في الحج من مال كان وديعه, واشكل السيد الخوئي(قد) عليه بان ذلك من باب القياس ولا نقول به وذلك لان الحج اهم سائر الديون حتى الديون المتعارفة , فلا مجال بالتعدي بتنقيح المناط(4).

2-مسألة الحاق اللاصق بالجبيرة, فقد ذهب الشيخ الانصاري(قد) الى الحاق اللاصق الذي هو في موضع الوضوء بالجبيرة في الضوء والروايات الواردة في الجبيرة مختصه بالجراحة والقرحة والكسر , والشيخ لأجل الغاء خصوصية ذلك تمسك بتنقيح المناط , وان المناط في اجراء احكام الجبائر ليس هو وجود الجرح والخرقة عليه, وانما المناط عدم التمكن من ايصال الماء الى البشرة , وهو متحقق في اللاصق, قال:((الحاق ماعدا مورد النص في

ص: 146


1- ظ: مصباح الأصول( تقريراً لأبحاث السيد الخوئي )، الشهيد السيد محمد بن سرور الواعظ الحسيني(ت 1399) .
2- ظ: م ن، 3: 21 .
3- ظ: العروة الوثقى، للسيد محمد كاظم الطباطبائياليزدي(ت1377ﻫ )، 4: 492، د . تح، ن: مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين، ط1، قم، 1420ﻫ .
4- المعتمد في شرح العروة الوثقى، السيد الخوئي، 27: 126، مط: مؤسسة ىثار الامام الخوئي، ط3، قم 1421ﻫ .

الجبيرة يحتاج الى تنقيح المناط ولعلة منقح بالنسبة الى كل ملصق لعذر))(1), ولكن اشكل عليه السيد الخوئي بقوله)):بان تنقيح المناط اشبه بالقياس, بل هو بعينه, وذلك لعدم علمنا بمناطات الاحكام وملاكاتها , فترى انا نحكم بكفاية غسل اطراف الجرح المشكوك في صحة الوضوء مع عدم غسل تمام اعضاء او مسحه؛ لعدم وجوب غسل الجرح ولا مسحه, ولا نلتزم بكفاية الوضوء الناقص في ما اذا توضأ واعضائه سليمة, ولم يفِ الماء لتمام اعضائه , بل بقي منها شيء ولو بمقدار موضع الجرح او اقل في الجريح كما ان شيخنا الانصاري وغيرة لا يلتزمون بكفاية الوضوء حينئذ وليس هذ الا لعدم علمنا بالمناط , فليكن الامر في المقام ايضا كذلك))(2).

3-ماذكره المحقق البحراني من تعميم وجوب اعادة الصلاة على من صلى في النجاسة عامدا او ناسيا , ومهما كانت النجاسة, مع ان الذي ورد في النصوص انما هو عن نجاسات مخصوصه ولم يلتزم احد من الفقهاء بتخصيص الاعادة بها بخصوصها, بل عدو الحكم الى كل نجاسة نظرا للاشتراك في العله وهي النجاسة ويعلل صاحب الحدائق ذلك بتنقيح المناط القطعي(3).

4-لو ورد السؤال من السائل عن حكم الصلاة بالقميص النجس, فانه من المعلوم انه لاخصوصية للقميص وانما ورد مورد التمثيل فقط فيتعدى الحكم الى مطلق اللباس(4).

5-ما ذكره السيد الخوئي (قد) من الحكم بثبوت خيار الرؤية للبائع في الثمن من جهة : ((ان نسبة البيع الى البائع والمشتري، والى الثمن والمثمن على حد سواء، فإذا ثبت الحكم بالنسبة الى المثمن لخصوص المشتري في مورد مع عدم ذكر خصوصية له في ما دل على ثبوت ذلك الحكم له، فنجزم من ذلك ان الحكم يعم البائع ايضاً ))(5).

6-وهو النبوي الوارد انه لما سئل (صلی الله علیه و آله) عن بيع الرطب بالتمر، قال : (( ينقص إذا جف؟)) فقالوا : نعم، فقال : (( لا إذن))(6)، فمن العلماء من التزم بالتعميم لبيع كل رطب بيابسه، ومنهم من اقتصر على المنصوص(7).

ص: 147


1- كتاب الصلاة، الشيخ الانصاري، 2: 274، مط و ن: دار الرسول المصطفى(ص)، ط1، قم، 1415ﻫ .
2- التنقيح في شرح العروق الوثقى( تقريرا لأبحاث السيد الخوئي)، للشهيد الميرزا علي الغروي التبريزي(ت1417ﻫ )، 6: 173، مط و ن: مؤسسة آل البيت(ع)، ط2، قم، د . ت .
3- ظ: الحدائق: 1: 331 .
4- ظ: العروة: 4: 157 .
5- مصباح الفقاهة،( تقرير لأبحاث السيد الخوئي)، ميرزا محمد على التوحيدي(ت1399ﻫ )، 7: 57، مط: مكتبة الداوري / ط1، قم، د . ت .
6- الوسائل، 18: 148 .
7- ظ: مسالك الافهام في شرح شرائع الاسلام، الشهيد الثاني، 3: 352،.

7-مسألة الحاق التكلم لتسوية صف الجماعة، وكل ما هو لمصلحة الصلاة اثناء الاقامة، مما لم ينص على جوازه وعدم كراهته بالتكلم ؛ لأجل تقديم الامام المنصوص على جوازه وعدم كراهته، وذكر ان دليل هو اتحاد طريق المسألتين(1) .

8-مسألة الحاق التولية والمراجعة بالبيع في القيود والاحكام(2).

9-مسألة وجوب نبش القبر فيمن لم يكفن او يصلى عليه الحاقاً بمن لم يغسل الذي هو المنصوص عليه(3).

10-مسألة اجراء احكام الزكاة بالنسبة الى جواز النقل وعدمه على الخمس، الحاقاً له بها لاتحاد الطريق بينهما(4).

11-مسألة طرق ثبوت النجاسة بانها تثبيت بالبينة واستدلوا لذلك بالأولوية، فقد ذكر بعض العلماء ان وجه التعدي هو الاولوية او المساواة، وذلك لان دليل حجية البينة يقتضي جعل لبينة المدعي المعارضة دائماً للقواعد التي توافق قول المنكر، والتي قد تكون من قبيل قاعدة اليد وامثالها من الامارات العقلائية، فاذا كانت البينة حجة رغم معارضتها لمثل قاعدة اليد فحجيتها في امثال المقام مما لا يكون فيها معارض لها سوى اصالة الطهارة ونحوها اوضح(5).

12-مسألة امكان تطهير الماء المضاف اذا حصل استهلاكه بالماء المعتصم، وذلك باستفادة الحكم من الاخبار الدالة على نفي البأس عن الكر ان وقع فيه البول مثلاً(6).

13-ان ظاهر نفي البأس في تلك الاخبار هو نفي البأس عن المتحصل بعد الملاقاة لا عما كان ماءً قبل الملاقاة فقط وحينئذ يدل بإطلاقه، على طهارة نفس البول بالاستهلاك ؛ لان البول جزء من المتحصل بعد الملاقاة، فاطلاق نفي البأس يشمله واذا طهر عين النجس بالاستهلاك فيطهر المضاف المتنجس بالأولوية العرفية(7). مسألة تعميم الحكم من العذر الشرعي الى العذر العقلي وهذا التعميم ناشئ من تعميم موضوع الحكم الشرعي حتى يشمل الحكم العذر الشرعي والعقلي معاً لأنه اذا كان العذر علة لثبوت الحكم، فلا فرق بين ان يكون العذر عذراً حقيقياً واقعياً او عذراً ناشئاً من امر شرعي فيكون العذر

ص: 148


1- ظ: غنائم الايام، القمي: 2: 419 .
2- ظ: جواهر الكلام، النجفي: 23: 329 .
3- م ن، 4: 358 .
4- ظ: رياض المسائل، الطباطبائي: 9: 500 – 501 .
5- مصباح الفقيه، اقا محمد رضا بن محمد الهمداني النجفي(ت 1322ﻫ )، 1: 609، نح و ن: مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين، ط1، 1416 ﻫ .
6- م ن، 2: 85 .
7- ظ: م ن، 2: 170 .

موضوعاً لحكم يدور مداره ومن المعلوم انه لو ثبت حكم للمتعذر شرعاً من حيث كونه متعذراً، لثبت ذلك الحكم للمتعذر عقلاً بالأولوية القطعية العقلية(1).

14-صلاة الجماعة في مسألة تعميم حكم زيادة الركوع الى زيادة السجود بالأولوية القطعية، فقد ورد في موثقة ابن الفضال قال : (( كتبت الى ابي الحسن الرضا (علیه السلام) ، في الرجل كان خلف امام يأتم به، فيركع قبل ان يركع الامام، وهو يظن ان الامام قد ركع، فلما رآه لم يركع رفع رأسه ثم اعاد الركوع مع الامام، ايفسد ذلك عليه صلاته، ام تجوز تلك الركعة ؟ فكتب (علیه السلام) : يتم صلاته ولا تفسد صلاته بما صنع))(2).

15-وعمم الفقهاء الحكم من الركوع الى السجود بالأولوية القطعية، اذ لو جازت المتابعة المستلزمة للزيادة في الركوع وهو ركن فجوازها في السجود بطريق اولى(3).

16-مسالة حرمة المزني بها على اب الزاني وابنه من جهة ان النص في التحريم وان ورد في المعقود عليها، ولكن التعميم للمزني بها للإجماع المركب، فان كل من اثبت التحريم في السابق اثبته هنا ومن نفى نفاه هنا، فالفرق احداث قول ثالث(4).

17-مسالة الجهر في ظهيرة يوم الجمعة حيث قال القمي : (( ان القول من الشيعة منحصر في استحباب الجهر بالقراءة في ظهر الجمعة مثلاً، والقول بحرمته، فالقول بوجوبه خرق للإجماع المركب))(5).

18-قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ)(6)، فان العرف يفهم من الحرمة الثانية للميتة هي حرمة اكلها، ومنشأ فهم العرف اختصاص الحرمة بالأكل هي مناسبات الحكم والموضوع وذلك لان الاكل هو الفائدة الغالبة المتصورة من لحم الميتة(7).

19-ما ذكروه من الاكتفاء بالتسبيحة الصغرى (سبحان الله) الواحدة في ذكر الركوع او السجود عند الضرورة وتمسكوا لإثبات ذلك بصحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد الله (علیه السلام) قال: (( قلت له: ادنى ما يجزي المريض من التسبيح في الركوع والسجود ؟ قال: تسبيحة

ص: 149


1- مصباح الفقيه، الهمداني، 1: 384 .
2- ظ: الوسائل العاملي، 8: 391 .
3- ظ:التنقيح في شرح العروة الوثقى، الخوئي، 5: 283 .
4- ظ:جامع المقاصد، للمحقق الكركي 12: 88، نح: مؤسسة آل البيت(ع)، ط، قم، 1411ﻫ .
5- مستند الشيعة، النراقي 16: 135 .
6- سورةالمائدة: 2
7- ظ:المعجم الأصولي، صنقور 2: 531 .

واحدة))(1) . بتقريب : ان لتعميم الحكم لغير المريض ممن يشق عليه الذكر الكامل، ان مناسبة الحكم والموضوع تقضي بان ذكره من باب المثال، وان موضوع السؤال يعم من يشق عليه اما لمرض او لغيره من سائر الضرورات(2).

20-المثال التطبيقي الذي يمكن ذكره هنا هو ما تمسك به لإثبات حجية خبر الثقة في الشبهات الموضوعية، الا وهو الروايات الخاصة الواردة في الموارد المتفرقة، فان الروايات وردت بحجية خبرهُ في بيع الزيت لمن اشتراه ليستصبح به(3)، والثوب المستعار للصلاة فيه(4) وشراء الجبن المشكوك(5)، الى ما هنالك من موارد، وعليه يستكشف ان الحكم ورد في هذه الموارد من باب المثال، وعليه تلغي الخصوصية ويلتزم بتعميم الحجية لخبر الثقة لجميع الموضوعات.

ص: 150


1- الوسائل، العاملي، 8: 228 .
2- ظ: شرح العروة الوثقى، الشهيد الصدر، 4: 95 .
3- ظ:الوسائل، العاملي، 4: 394 .
4- م ن، 3: 488 .
5- م ن، 25: 119 .

المبحث الرابع: الزمان والمكان

المطلب الأول: مفهوم الزمان والمكان

الزمان والمكان قد يطلق ويراد به المفهوم الحقيقي وهو الدقائق والساعات أو البقعة الجغرافية المعينة وقد يراد به التحولات المختلفة التي تحدث في ظرف الزمان والمكان وتؤثر في تفسير الموضوع، فتستدعي حكماً جديداً وان كان الموضوع بحسب الظاهر لم يحصل فيه تغيير، فالتطورات والتغييرات التي تحصل في العلاقات والروابط الاقتصادية والاجتماعية وغيرها تؤثر في تغيير الموضوع واضحاً وتكسبه حكماً جديداً، وواضح أن المقصود بالزمان والمكان المؤثر في الاجتهاد وفي الحكم الشرعي هو المعنى الثاني، فيكون المقصود بتأثرهما هو تأثير العلاقات الاجتماعية الجديدة والمتغيرة التي تطرأ في ظرفهما، والذي ربما يؤثر في طبيعة النتائج التي يحصل عليها الفقيه، مما يبرز بشكل جلي قدرة الشريعة على التجدد ومواكبة التغييرات والمستجدات والشرائط الجديدة، ولا يعني ذلك استحداث فقه جديد واستنساخ أو التقاط فقه، فالمراد بالزمان والمكان إذا هو جميع الظروف في زمن النص وكل العوامل المؤثرة في تكوين الكلام، والتي يستمد النص منها دلالته ومصطلح الزمان والمكان في الحقيقة توسيع لرقعة القرائن الحالية، وتفسير موسع لها ولا يعد الزمان والمكان في حد ذاتهما - بما لهما من دلالة وتأثير في فهم الأحكام دليلاً مستقلاً، بل دلالتهما من توابع دلالة الكتاب والسنة(1).

وهناك مجالان يمكن الحديث فيهما عن تأثير الزمان والمكان هما باب العبادات وباب المعاملات، أما العبادات فحيث أن الأحكام والموضوعات تأتي فيها من قبل الشارع وكذلك الشرائط فيكون توجه الفقيه نحو نصوص الشارع ليفهم منها معنى الماهيات الشرعية التي غالباً ما تكون مخترعة من قبل الشارع أو منقولة بشكل حقيقة شرعية فالصلاة والصوم والحج أمور توفيقية حكماً وموضوعاً وشرائطاً، وتبعاً لذلك فلا مجال لتأثير الزمان والمكان فيها، فان مثل((صلوا كما رأيتموني اصلي))(2)، ((وخذوا عني مناسككم))(3)، تعني توقيفية هذه العبادات ولذلك، فمثل هذه الماهيات والحقائق الشرعية الاعتبارية بقيت كما هي منذ صدورها حتى الآن، ولم تتأثر كيفيتها بمرور الزمان، فالعبادات في الغالب لا تستند إلى التعليل أو إلى أصل عقلاني، فان العقلاء مثلاً لا يفرقون بين غسل اليد من الأعلى إلى الأسفل أو العكس أو المسح

ص: 151


1- ظ: منهج الفقه الإسلامي في المسائل المستحدثة، السيد محمد الموسوي: 239، مؤسسة بوستان كتاب ط1،قم، 1430ﻫ .
2- سنن الدار قطني، علي بن عمر بن احمد البغدادي الدار قطني(ت385 ﻫ )، 1: 280ت2: عبد الله هاشم اليماني المدني، عالم الكتب، بيروت، ط4، 1406ﻫ / 1986م.
3- ظ: السنن الكبرى، أبو بكر احمد بن الحسين بن علي البهيقي النيسابوري(ت 458ﻫ )، 5:125 تح، مط: دار المعرفة، د0ط، د. ت وكنز العمال، علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي(ت 975ﻫ )، 5:116، تح: الشيخ بكري الحياني، والشيخ الصفوة السقا مط: مؤسسة الرسالة، د.ط، بيروت، 1409ﻫ /1989م.

بأصبع واحد أو أكثر بصورة عامة، فان الأحكام والموضوعات في باب العبادات تؤخذ بجميع خصوصياتها من الشارع بمعنى أن الفقيه يأخذ الحكم من الدليل ويستنبطه من المباني الشرعية ويستفيد من الدليل في بيان حدود الموضوع تماماً، وكما يجب عليه أيضاً أن يعرف الموضوع من لسان الدليل (1)، فكما يتلقى الفقيه حكم الصلاة والصوم والزكاة وغيرها من الماهيات الشرعية من قبل الشارع الذي اخترعها، فكذلك يتلقى منه مفاهيم هذه العناوين والماهيات منه أيضاً (2).

أما باب المعاملات، فلا يوجد في بحث المعاملات والتجارة إلا نصوص محدودة وان اغلب ما ورد في باب المعاملات كان وارداً لتقرير الحالة العقلائية التي قد يتدخل الشارع في حالة وأخرى للتنبيه على بعض أخطائها، كما ورد في مسألة الربا أو في بعض المسائل التفصيلية التي يتدخل الشارع فيها ليصحح للعقلاء طريقتهم، فالشارع قد يتدخل الشارع فيها ليصحح للعقلاء طريقتهم، فالشارع ليس له في باب المعاملات تعبد ولم يخترع المعاملات، فأمور مثل: البيع والإجارة والمضاربة والمساقاة وغيرها ليست شرعية بمعنى أن الشارع لم يجعلها

بل هي من وضع العقلاء (3)، وإنما تدخل في هذا المجال بإمضاء ما عليه العقلاء وإذا تدخل أحيانا في معاملة بالنفي أو الإثبات، فإنما هو ارشاد إلى حكم العقلاء، كما في نهيه عن بيع الكالي وبيع المنابذة حيث يعدها غير عقلائية (4)، فهو ارجاع إلى حكم العقلاء من حيث أن العقلاء لا يرتضون المعاملة المشتملة على الجهالة؛ لاستتباعها الضرر، فالمعاملات يجب أن ترجع إلى أصل عقلائي وتحليل مقبول، وقد يكون له نوع من التدخل على مستوى الإضافة لبعض الشروط والقيود أو التقليل منها، فان الشارع أوكل مهمة إيجاد النظم الاجتماعية إلى التطور الزماني لان الموضوعات التي ينصب عليها الحكم الشرعي متغيرة بتغير الزمان والمكان فكان للزمانية دوراً مهم في تنقيح موضوعات الأحكام الشرعية، لان هناك موضوعات تخضع للتغيير بفعل الزمان والمكان مع توفر الظروف المؤاتية، ويستتبعهُ تغير في الحكم الشرعي وهذا

ص: 152


1- ظ:الحياة الطيبة، لأشكاني: 70، معهد الرسول الأعظم العالي للشريعة والدراسات، قم، ط 1، 1423ﻫ / 2003م.
2- ظ: منهج الفقه الإسلامي في المسائل، محمد الموسوي:268.
3- ظ:الحياة الطيبة، اشكناني 2: 77- 76.
4- بيع الكالي: هو بيع الدين بالدين، ظ: الموسوعة الفقهية الميسرة، الأنصاري مادة(بيع) وبيع المنابذة: قد تذكر له عدة تفسيرات: منها: أن يجعل النبذ بيعاً، فيقول احدهما للاخر: نبذ اليك ثوبي ونبذ إلي ثوبك على أن كل واحد مبيع بالاخر أو يقول: نبذ اليك ثوبي بعشرة وتنبذ إلي ثوبك يكون النبذ بيعاً. ومنها: أن يقول هذا بكذا على إني إذا نبذته اليكم فقدد وجب البيع وحكمه البطلان وبعضهم ارجعه إلى بيع المعاطاة، ظ: الموسوعة الفقهية الميسرة، مادة(بيع) وفتح العزيز، عبد الكريم(ت:623ﻫ ) الرافعي،8: 193، مط: دار الفكر، بيروت، د. ط، د. ت.

هو الذي يجعل الفقه مرناً متناسباً مع مقتضيات العصر والواقع الجديد، ويستوعب ما يستجد من تغيرات في الحياة الاجتماعية، ومن هنا ومن هذا المنطلق تبرز أهمية معرفة الفقيه بالموضوع كأهمية معرفته بالحكم الشرعي ولا تقل المعرفة بالموضوع أهمية عن المعرفة بالحكم الشرعي ولابد للفقيه من بذل الجهد الحثيث في الاثنين معاً ليكون في مستوى الخبير في استنباط الأحكام الشرعية التي تتألف من الموضوعات والأحكام (1).

المطلب الثاني: تأثير الزمان والمكان في الموضوعات ومجالاتهما

اشارة

قبل التعرض لتأثير الزمان والمكان في الموضوعات ومتعلقاتها نرى من المناسب بيان أن الأحكام هي مجموعة من المجهولات الشرعية لموضوعات مختلفة تشمل عمل المكلف وغيره، فكما يكون موضوع المسائل الفقهية عمل المكلف كوجوب الصلاة وحلية البيع، يمكن أن يكون غير ذلك لكنها مرتبطة به من قبيل الزوجية أو طهارة بعض الأشياء كالماء ونجاسة بعض الأشياء كالدم والبول وهناك تقسيم آخر للأحكام وهي الأحكام ذات الخصوصية المتعلقة بالفرد، والأحكام الاجتماعية التي يكون موضوعها المجتمع والتي تسمى بالأحكام الحكومية والتي للزمان والمكان تأثير في تنقيح موضوعات هذه الأحكام(2)، وعلة تغير الأحكام تعود إلى خصوصيات وشروط وقيود موضوعاتها وعوامل تشخيص الموضوعات بشكل تام وتأثيرها على الحكم(3)، وفي النتيجة يتبدل الحكم تبعاً لتغير الموضوع ثم أن كل قضية تتضمن حكماً شرعياً لابد أن يكون لها موضوع يترتب عليه الحكم، وكذلك لابد أن يكون لها متعلق به الحكم ولهذين الأمرين اصطلاحات مختلفة لدى الأصوليين فالمحقق النائيني في مثل حرمة شرب الخمر يرى أن الحكم عبارة عن الحرمة والمتعلق هو الشرب والموضوع هو الخمر(4)، فالموضوع عبارة عن شيء مفروض الوجود في مرتبة سابقة على الحكم بخلاف المتعلق فهو في مرتبة الأمر والحكم (5)، والحكم غير قابل للتغيير من دون تغير موضوعه أو قيوده أو متعلقه مع احتفاظ عناوين الموضوعات والمتعلق بأصالتها وعدم خروجها عن إطار عنوانها مع تغير الظروف والخصوصيات الزمانية والمكانية أي أن شرب الخمر مثلاً يبقى دائماً متعلقاً للحرمة والتغير للشرائط والخصوصيات التي نشأت جهل الحكم وعلى الفقيه في مثل هذه الحالة أن يرى أن هذه الخصوصية والحيثية الملازمة للموضوع هل هي مؤثرة في تغيير الموضوع وتبدله إلى موضوع

ص: 153


1- ظ:منهج الفقه الإسلامي في المسائل المستحدثة، محمد الموسوي: 259.
2- ظ: دور الزمان والمكان في الاجتهاد، مجموعة مؤلفين، بحث منشوري في مجلة قضايا إسلامية العدد الرابع: 42 - 43، مؤسسة الرسول الأعظم(ص)، قم، 1417/ 1997م.
3- ظ: مستمسك العروة الوثقى، محسن الحكيم،2: 412.
4- ظ: فوائد الأصول، تقريرات الميرزا النائيني، 3: 37 - 43.
5- م ن: 1: 145.

آخر أم لا؟ كما هو الحال في الشطرنج فهل أن شروط القمارية وكونها أداة القمار هو سبب في التحريم(1) ام لا بحيث لو زالت القمارية عنها زالت الحرمة(2)، أو هل الخصوصية والظروف المحيطة بالموضوع في مرحلة حدوث التحريم في عصر صدر الإسلام لها مدخلية في الحكم أو لا؟ مما دفع السيد الخميني إلى تحليل الشطرنج لدخوله في مجال الرياضة الذهنية مع وجود النصوص الصريحة المحرمة له بالاسم (3) وما ذاك إلا لتغير الموضوع في نظره، ويمكن تقريب المسألة فنقول أن القضية الشرعية تتكون من ثلاثة عناصر:

1-موضوع الحكم الشرعي.

2-متعلق الحكم الشرعي.

3-الحكم الشرعي.

والحكم الشرعي هو الخطاب الصادر من المولى معبراً عنه بالإلزام وقد يكون أمراً وقد يكون نهياً ولنفترض ذلك الحكم هو الوجوب مثلاً، فهذا الوجوب يبقى ثابتاً ما دامت العناصر المؤلفة له ثابتة حيث لا موجب للتغيير في هذه الحالة إلا النسخ، فان الشارع إذا حرم الشطرنج بقوله يحرم اللعب به، فان الشطرنج هو موضوع الحكم الشرعي، واللعب هو المتعلق والحكم هو الحرمة وما لم يحصل التغير في احد هذين العنصرين وهما الموضوع والمتعلق، فكيف نفترض تغير الحكم وهو الحرمة؟ فهل مجرد تغير الزمان والمكان بدون ملاحظة الموضوع والمتعلق يوجب تغير الحكم إذا تبدل الموضوع يتبدل الحكم الشرعي؟ وهذا لا إشكال فيه؛ إذ أن الحكم تابع لموضوعه، والحكم السابق لم يتغير في الحقيقة، بل هو باق وهذا الحكم جديد على موضوع جديد، والحكم السابق لم يتغير في الحقيقة، بل هو باق وهذا الحكم ذذجديد على موضوع جديد، وقد نفترض أن المتعلق قد تغير، واخذ التعامل مع الشطرنج ينحو منحى آخر غير اللعب واللهو، وهذا نحو من أنحاء تأثير الزمان في المتعلق الذي يكون قيداً لموضوع الحكم الشرعي، وسواء قلنا: أن التعامل مع الشطرنج كرياضة فكرية قد غيرت المتعلق أو غيرت الموضوع بان نقول: أن المهم هو الشطرنج المقامر به وبمرور الزمان لم يعد الموضوع هو الشطرنج المقامر به؛ لأنه صار يتعامل معه كرياضة فكرية فتغير الحكم تبعاً لذلك الفهم للموضوع، وهذا التغيير ناشئ من التغيير في الملاك الذي تكون الأحكام تابعة له وهذا التغير حصل في ظرف الزمان والمكان فالشطرنج الذي كان محرماً في السابق بسبب اشتماله على ملاك الحرمة أصبح مباحاً

ص: 154


1- ظ: المكاسب المحرمة، السيد الخميني، 2: 17.
2- ظ: المكاسب، الشيخ الأنصاري، 1: 282 - 283، مط: باقري، قم، ط2، 1415ﻫ .
3- المكاسب المحرمة، السيد الخميني، 1: 240 - 243.

لارتفاع ذلك الملاك وحلول ملاك آخر محله هو ملاك الإباحة (1)، وقد اعتمد في مسألة تبدل الموضوع على شهادة أهل الخبرة في أن الشطرنج في هذا الزمان ذي جنبتين، وغير متمحض في القمارية وبناءً على ذلك فقد حصل التغير في الموضوع ونقح الزمان موضوع جديد على ضوءه تغير الحكم الشرعي (2).

أما المواضيع التي لا يوجد تعليل خاص للحكم فيها، بل ذكر بنحو مطلق فمرور الزمان وتغير الظروف لا يستوجب أي تغير للحكم، بل تجري قاعدة الأهم فألاهم فيقدم الملاك الأقوى والاهم في هذا الموضوع، وهذا الأمر يرجع فيه إلى استظهار الفقيه وتوصله لملاك الحكم - وان كان نادراً - ولهذا في رمي الجمرات يرى بعض الفقهاء أن طول الجمرة وعرضها لا دخل له في ترتب الحكم، بل أن الفعل هو حكاية عن عمل إبراهيم (علیه السلام) لما تراءى له إبليس فأمره جبريل (علیه السلام) برميه (3)، ولغرض امتثال أمر الله تعالى ومن خلال مناسبات الحكم والموضوع فيذهب هذا البعض إلى مخالفة الفقهاء العظام (4)، فيحكم بجواز الرمي للمقدار الزائد (5)، هذا في الأمور العبادية أما إذا كان الموضوع غير عبادي، أي لم يؤخذ في الإتيان به قصد القربة، فعلى الفقيه أن يسعى للعثور على العلة الأساسية للحكم فمثلاً في تحريم الموسيقى تدخل في أي العناوين المحرمة في الشريعة، فهل هي من باب اللهو أو شمولها العنوان الباطل، أو لعلل أخرى وهذا مختلف فيه بين الفقهاء فمن ذهب إلى ضرورة أن تكون العلة في المواضيع بنحو القطع فلا يمكننا تغيير الحكم بسبب اختلاف الأزمنة والأمكنة، أما من يذهب إلى ضرورة التتبع للموارد المماثلة للوثوق بالعلة فيكون مورده بحكم مقطوع العلة كما في مسألة الشطرنج لمن ذهب إلى حرمته الاطلاقية المستفادة من الروايات (6)، ولكن هذا التحريم بسبب أن الشطرنج من آلات القمار، وبضميمة وجود المراهنة فورد تحريمها في الشرع فيقوم الفقيه بالتحقيق في الموضوعات غير العبادية والتي لها علة غير تعبدية بل اعتمادها على الارتكاز العقلائي فيتولد عند الفقيه وثوق من أن العلة الفلانية هي السبب في التحريم فيتحرك الفقيه ليطبقها على صغريات مسألة تأثير الزمان والمكان مع اختلاف الشرائط والظروف وفي ذلك يحكم بعض الفقهاء(7)، للمرأة الزانية غير المحصنة

ص: 155


1- ظ:منهج الفقه الإسلامي في المسائل المستحدثة، محمد الموسوي: 319.
2- م ن
3- ظ:كنز الفوائد، أبو الفتح الكراجي محمد بن علي(ت: 14449ﻫ ): 244، مط:المصطفوي ط2،قم،1416ﻫ .
4- ظ: المعتمد في شرح مناسك الحج، تقريراً لابحاث السيد الخوئي، لمحمد رضا الخلخالي(ت:1411ﻫ )، 2: 75، مط: النعمان، النجف الأشرف، ط1، د.ت.
5- ظ:ارشاد السائل، لأية الله العظمى الكلبيكاني(1414ﻫ ): 81، مط: دار الصفوة ط1، بيروت، 1413ﻫ .
6- ظ:المعتمد في شرح مناسك الحج، السيد الخوئي 2: 76.
7- وهو مختار ابن أبي عقيل وابن الجنيد كما حكاه العلامة الحلي في المختلف، 9: 134.

اضافة إلى عقوبة الجلد الإبعاد عن موطنها(1)، استناداً إلى الروايات في حين جماعة أخرى(2)، أفتوا بعدم جواز التبعيد لاحتمال البغي والفساد سيشتد في شانها في حالة الابعاد لذلك في الوقت الحاضر وضعت السجون الخاصة بالنساء المجرمات، كوسيلة للتأديب وعوض عن الإبعاد أما الروايات الآمرة بالتبعيد فهي إرشادية لأجل عقوبة المجرم وهذا متحقق في السجن وعليه فيختلف نظر الفقيه في هذه الموارد وغيرها في أن هذا التكليف مولوي لا يقبل التغيير، أو إرشادي قابل للتغيير مع تغير خصوصيات الموضوع، وهناك بعض الموضوعات لم يكن لها وجود في السابق وان الزمان والمكان أوجدها نتيجة التغير الحضاري أو التطور العلمي واحتياجات البشر الجديدة ويعبر عنها بالمسائل المستحدثة(3)، من قبيل: التلقيح الصناعي، وحق التأليف وزرع الأعضاء من الحي إلى الحي أو من الميت إلى الحي وهي أن لم يكن لها وجود في السابق لكن يمكن اكتشاف حكمها من خلال الملاكات المشتركة بينها وبين نظائرها أو من خلال العمومات والاطلاقات والتي تمسك الفقهاء لإثبات الحرمة للتلقيح الصناعي بقوله تعالى:- {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ{ (4) ، وقوله تعالى:- }يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ{ (5)، أو المنع من التمسك من العموم باعتبار أن المراد حفظ الفرج من الغير لا عموم الحفظ حتى عن التلقيح الصناعي وإفراغ المني بأداة صناعية مثلاً، فإذا كان ملاك حفظ العضو من كل شيء يحرم التلقيح الصناعي(6) ومن يقصره على حفظ الفرج من الزنا فلا يحكم بالحرمة (7)، كذلك الحال في حق التأليف.

ومن خلال ذلك كله يتضح أن الثابت من الموضوعات هو ما يشمل الموضوعات للأحكام الشرعية الأخلاقية والتعبدية ولا تغير في الحكم فيها، نعم تطبيق بعضها البعض في ظل

ص: 156


1- وسائل الشيعة، الحر العاملي، 28: 61- 62.
2- ظ: المبسوط، الشيخ الطوسي، 8: 2، والخلاف، الطوسي، 5: 368، شرائع الإسلام، المحقق الحلي، 4: 937، جواهر الكلام، محمد حسن النجفي، 41: 328.
3- ظ: منهاج الصالحين، السيد الخوئي، 1: 426، مط: مؤسسة السيد الخوئي، ط4، 1430ﻫ .
4- النور:31.
5- النور:.3.
6- ظ:قواعد فقه المسائل المستحدثة، علي عباس الموسوي، بحث منشور في مجلة الاجتهاد والتجديد، العدد الثاني: 90 -98، تصور عن مؤسسة ومركز الدراسات الفقهية المعاصرة، بيروت، لبنان، 1426ﻫ / 2006م.
7- ظ: المسائل المستحدثة، محمد الروحاني(ت: 1414ﻫ ): 8 -9، مط: فروردين، نشر: مؤسسة الكتابة، قم، 1429ﻫ .

مجموعة من العلاقات المتبادلة وحصول حالة التفاعل بينها مولدة موضوعاً جديداً مما يسبب تغيير الحكم(1).

1- ملاك تأثير الزمان والمكان في الموضوعات الثابتة والمتغيرة

وإن من أهم ما ينبغي الالتفات إليه في مسالة تأثير الزمانية في الموضوعات هو التمييز بين موضوع الثابت والمتغير ومجال تأثير كل منهما، وبالتالي تحديد ما هو الثابت وما هو المتغير كي لا يلتبس احدهما بالآخر، فان لكل منهما موضعاً لا ينبغي أن يخليه للآخر، فان جعل الثابت في موضوع المتغير أو المتغير في موضوع الثابت يصبح كلاً من الثابت أو المتغير، ويعرض عملية الاستنباط إلى خطر الانزلاق نحو الهاوية والابتعاد عن الواقع لان دقة وتشخيص الموضوع من حيث التغير والثبوت من قبل الفقيه يجعل الأحكام المنصبة على ضوء ذلك التشخيص الدقيق يكون محاكياً للواقع(2)، فلا ينبغي إهمال الجانب المتغير من الشريعة والتمسك بالثوابت فحسب، كما لا يصح التشبث بالمتغير والتفريط بالثوابت؛ فان في إهمال كل واحد منها سيئاته، ففي إهمال الثابت خطر ضياع الأحكام الشرعية، وفي إهمال المتغير خطر الجمود والتحجر، وهما خطران على حد واحد من الأهمية، ففي تأكيد الفقيه على المتغيرات والانفعال بها والوقوع تحت رهبتها والإفراط في الانفتاح عليها دون النظر إلى الأسس والثوابت والمحكمات في الشريعة، خطر الانسلاخ عن واقع الشريعة، وضياع الهوية وجعلها في مهب الريح، كما أن قصر النظر على الثوابت بحجة الحفاظ على أساس الشريعة، يجعل الشريعة في معرض التخلف عن مواكبة الحياة وعدم مسايرتها للتطور وبذلك تبدو الشريعة كأنها عاجزة عن تسيير دفة الحياة والأخذ بيد الإنسان إلى شاطئ الأمان، فالانفتاح الخارج على الحد مضر بالشريعة، كما أن الجمود والتحجر كذلك، فكل منها لا يقل خطراً عن الآخر، وعليه فلا الثوابت تعني إهمال المتغيرات والتفرج السلبي على الواقع، وترك المسلم يعيش في غربته إمام هذا العالم المتغير باستمرار والذي ينتظر الحلول، ولا مرونة الإسلام تعني الإغماض عن حقائقه الثابتة، بل لابد للفقيه من دقة فهم الموضوعات الثابتة والمتغيرة لكي تكون عملية الاستنباط للحكم الشرعي دقيقة (3)، وعلى الفقيه أن ينظر إلى الوراء بإجلال ليأخذ مما وضعه من سبقه من الفقهاء من قواعد، ويتفحص في أقوالهم تفحص الناقد البصير، ففي عين الوقت الذي يتحرك باتجاه التطوير

ص: 157


1- ظ: الدور الزماني في الاجتهاد الفقهي قراءة في نظرية الامام الخميني، احمد مبلغي: 226 - 227، مط: دار المرتضى، قم، ط1، 1430ﻫ .
2- ظ: المسائل المستحدثة، الشيخ مكارم الشيرازي: 35، مؤسسة الرسالة، قم، ط1، 1431ﻫ .
3- ظ: المسائل المستحدثة، الشيخ مكارم الشيرازي: 35

والمعاصرة، فهو لا يستغني عن الفقه التقليدي وقواعد وطرق الاستدلال المعروفة فيه، فلابد من الالتزام بمراعاة الثابت والمتغير معاً والالتزام بالحدود الواقعية لكل منها ولا يتسنى مراعاة الثابت والمتغير معاً والالتزام بالحدود الواقعية لكل منهما، ولا يتسنى مراعاة تلك الحدود إلا للعارف بحدود الشريعة ودقائقها، ولو أخذنا بالنظر أن القضية التي يتألف منها الحكم الشرعي عبارة عن الموضوع ذاته، والموضوع الذي ينصب عليه ذلك الحكم، فان الثبات والتغير لابد أن نفترضه في هذين المكونيين، أما الحكم الشرعي فان افتراض حصول التغير فيه بدون تغير في القيود والأجزاء التي يتألف منها، وبعبارة أخرى مع افتراض ثبوت موضوعه، يعني التبدل في الأحكام يكون بغير مبرر، وذلك يتنافى مع خلود الشريعة الذي جعل حلال محمد وحرامه باقيان إلى يوم القيامة ومقولة تأثير الزمان والمكان في الأحكام الشرعية منصرف عن هذا النوع من التغير المباشر في الحكم الشرعي، فلابد أن يكون المقصود به التغيير في القيود التي يعتمد عليها الحكم وتكون بمثابة العلة له، وأما موضوع الحكم الشرعي، فالتغير إذا حصل فيه، فانه سوف يؤثر لا محالة في حصول تغير في الحكم الشرعي، ولكن هذا التأثير ليس دائماً بسبب الزمان والمكان فالتغير الذي يسميه الفقهاء ب-(التغير الماهوي) والذي يمثلون له عادة بانقلاب الخمر خلاً لا يحصل بتأثير الزمان والمكان مع أن الحكم الشرعي يتبدل من الحرمة إلى الحلية كما أن هناك من الموضوعات لا يكون محلاً للتغيرات كموضوعات الأحكام الشرعية التي تعد من الثوابت في الدين كالصلاة والصوم والحج والحدود الشرعية التي وقعت موضوعات لأحكام وجوب الصلاة والصوم والحج فلا تكون معرضاً للتغير(1).

2- مجالات تأثير الزمان والمكان في موضوعات الأحكام الشرعية

وإن لتحديد وتنقيح موضوعات الأحكام الشرعية عن طريق الزمان والمكان مجالات متعددة وأهمها:

المجال الأول: إذا صب الشارع الحكم على مفهوم موضوع معين وكان ذلك المفهوم واضحاً إلا انه لم يحدد مصداقه، وكان المصداق مما يتأثر ويختلف باختلاف الزمان والمكان، فهنا لابد من ملاحظة عاملي الزمان والمكان في عملية تشخيص الموضوع وبالتالي بصب الحكم على ذلك التشخيص ومن أمثلته:

1-موضوع(القوة) في قوله تعالى: }وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ{(2)، فان الآية المباركة قد أوجبت إعداد كل القوة قبال العدو، وإذا لاحظنا مفهوم القوة لم نجد فيه خفاء إلا أن المصداق لذلك الموضوع نجده يختلف من زمان

ص: 158


1- ظ:الثابت والمتغير، السيد كمال الحيدري: 30، مؤسسة الرسول الأعظم(ص)، ط1، قم، 1429ﻫ .
2- الانفال:.6.

إلى زمان ومن مكان إلى مكان آخر، ففي السابق كان مصداق القوة يتمثل بتهيئة السيوف والرماح والخيل وما شاكل ذلك وفي زماننا أصبحت مصاديق القوة مختلفة من حيث التطور العلمي في مجالات إعداد القوة ومصاديقها حيث دخل في هذا المصداق الدبابات والطائرات والصواريخ والتكنولوجيا النووية والتقنيات الرقمية ونحوها(1).

2-قوله تعالى: }وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ{ (2)، فان مصداق المعاشرة بالمعروف في ذلك الزمان قد يتحقق بتهيئة غرفة للزوجة مثلاً، بينما في زماننا هذا يتحقق بشكل آخر وهذا يعني أن الاختلاف في المصاديق ناتج من اختلاف الزمان لذلك كان للزمان والمكان اثر في تنقيح موضوعات الأحكام من حيث إبراز مصاديقها وبالتالي الفتوى تدور مدار تحقق المصداق باختلاف الزمان والمكان (3).

3-قوله تعالى: }إنَمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ{ (4)، ففي هذه الآية مفهوم موضوع الفقير واضحاً إلا أن مصاديقه تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة وهذه الآية أوجبت إعطاء الزكاة للفقير ومصداق الفقير في زمان النزول يصدق في حق من لا يملك مائة دينار مثلاً، بينما في زماننا هذا قد يصدق في حق من لا يملك مليون دينار، وهكذا بالنسبة إلى عنوان(سبيل الله)، فانه في الزمان السابق كان العنوان المذكور يتحقق بمصاديق محددة بينما اليوم اتسع هذا المفهوم من تعدد مصاديقه حيث استحدثت أمور جديدة كفتح الفضائيات التي تدافع عن الدين وتنصر المذهب أو فتح صفحة على الانترنت وما شاكل ذلك، ففتوى الفقيه في هذا الجانب تأخذ بالاختلاف تبعاً لاختلاف الأزمنة (5).

4-ومن هذا القبيل أيضاً مفهوم التطهير الذي يرفع النجاسة ففي الزمان السابق كان تطهير الملابس مثلاً يتمثل بوضع الملابس في طست وصب الماء عليها وعصرها أو فركها باليد أو الرجل، بينما في زماننا هذا توضع الملابس في الغسالات وتترك عملية العصر و الدلك للآلات تقوم بذلك من دون حاجة إلى عصرها أو دلكها باليد ثانية (6).

ص: 159


1- ظ: قواعد نافعة في الاستنباط، تقرراً لابحاث الشيخ باقر الايرواني، خالد السويعدي البغدادي: 185 مط: دار الضياء، ط1، النجف الأشرف، 1430/ 2009م.
2- النساء: 19.
3- ظ: قواعد نافعة في الاستنباط، الشيخ خالد البغدادي: 186.
4- التوبة: 60.
5- ظ: قواعد نافعة في الاستنباط، الايرواني، لخالد البغدادي: 187.
6- م ن.

المجال الثاني: إذا صب الشارع الحكم على مصاديق معينة لموضوع حكم شرعي وحصل الجزم من الخارج بعدم الخصوصية لتلك المصاديق، وانما كان ذكرها من باب أنها المصداق البارز في ذلك الزمان، فهنا يمكن للفقيه أن يتعدى إلى المصاديق الجديدة المستحدثة في زماننا، ولعل من هذا القبيل ما ورد من تحريم العطور الأربعة على المحرم، فقد جاء في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال:- ((... وإنما يحرم عليك من الطيب أربعة أشياء: المسك والعنبر والورس والزعفران)) (1)، فهنا قد يفهم الفقيه عدم الخصوصية لهذه الأربعة وان تخصيصها بالذكر قد جاء من باب كونها المصداق البارز للعطور الراقية في تلك الفترة، وأما في زماننا هذا فقد استحدثت عطور جديدة، وربما أصبح المسك والعنبر من الأجسام التي لا يتعطر بها، فهنا لو حصل الجزم للفقيه، بان ما ذكر من هذه العطور الأربعة كان من باب كونها المصاديق البارزة للعطور في تلك الفترة الزمنية أمكن التعدي إلى العطور الجديدة في زماننا ومن أمثلة ذلك ما ورد في الحديث الشريف: ((لا سبق إلا في خف أو حاضر أو نصل)) (2)، فانه لابد من حمل التخصيص في الثلاثة على كونها الوسائل المهمة التي يستعان بها في الحرب آنذاك، وإلا فنحن إمام احتمالين كلاهما باطل وهما:-

الأول: الالتزام بحصر جواز المسابقة في زماننا هذا بخصوص هذه الثلاثة، وهذا لا وجه له بعد عدم تداول مثل هذه الوسائل في زماننا هذا.

الثاني: أن الإسلام لا يريد المسابقة أبداً، وإنما هو يريد الدفاع عن الدين وهو لا يريد أن نتعلم فنون الحرب من خلال المسابقة قي غير هذه الأمور الثلاثة فإذن لو حصل للفقيه جزم بعدم الخصوصية لهذه الثلاثة أمكنه التعدي إلى غيرها من الوسائل الجديدة في إجراء المسابقة(3).

المجال الثالث: إذا انصب الحكم على موضوعات معينة، ويجزم الفقيه من خلال القرائن بان الحكم إنما جاء لظروف معينة تحيط بذلك الزمان السابق، ولعل من هذا القبيل أدلة حرمة بيع الدم، فإنها ناظرة إلى الفترة السابقة التي لم يكن يستفاد فيها من الدم إلا في مجالات محرمة أو غير عقلائية، وليست ناظرة إلى مثل زماننا الذي صار فيه الدم من وسائل الحفاظ على حياة البشر، ومن هذا القبيل أيضاً ما دل على الحث على تكثير النسل كقوله (صلی الله علیه و آله) : ((تناكحوا تناسلوا فاني أباهي بكم الأمم يوم القيامة)) (4)، فانه قد يفهم الفقيه من خلال القرائن أن النظر في الحث المذكور كان منصباً على تلك الفترة الزمنية المعينة التي كان فيها المسلمون قلة وأراد

ص: 160


1- وسائل الشيعة، الحر العاملي، 12: 444.
2- م ن، 11: 493.
3- ظ: قواعد نافعة في الاستنباط، خالد البغدادي: 192.
4- وسائل الشيعة، 14: 153.

النبي (صلی الله علیه و آله) بهذا الحث تكثيرهم وتقوية شوكتهم وشوكة الإسلام ولا يشتمل مثل زماننا هذا الذي أصبح فيه المسلمون والحمد لله - كثرة كاثرة، أو يقال الحث المذكور كان ناظراً إلى تلك الفترة الزمنية التي لم يكن فيها الناس يحتاجون إلى متطلبات كثيرة في حياتهم كالمدارس والمستشفيات ونحوها من الوسائل الخدمية كالماء والكهرباء والسكن المناسب، وغير ذلك من الأمور التي قد يعسر معها تكثير النسل، انه لو حصل الجزم للفقيه بذلك أمكن تخصيص الحكم المذكور بتلك الفترة الزمنية المعينة، ولعل من هذا القبيل أيضاً ما جاء في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) :- ((كل راية ترفع قبل قيام القائم(عج) فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله عز وجل)) (1)، فانه قد يفهم الفقيه منها، ومما جاء على منوالها النظر إلى تلك الفترة والظروف التي كثرت فيها الثورات لمقاصد دنيوية ومن دون إجازة المعصوم (علیه السلام) ، وليست ناظرة إلى التحركات الصادقة لو فرض تحققها في زماننا التي يحصل منها تقوية الإسلام ودحض الكفر(2).

المجال الرابع: منطقة الفراغ المتروك ملؤها إلى الحاكم الشرعي:

توجد في التشريع الإسلامي منطقة فراغ ترك أمرها إلى الحاكم الإسلامي ليقرر فيه تشخيص الموضوعات وفق فهمه على طبق ما تقتضيه الظروف والمصالح، فمن حق الحاكم الإسلامي تحريم ما هو مباح أو إيجابه كما أشار إلى ذلك الشهيد الصدر(قد) (3)، واعتبر المعاصرون من علماء الإمامية منطقة الفراغ أو(ما لا نص فيه) أو(المجال الحر للأحكام) مقولة منفصلة لا شأن لها بالأحكام، وان كان هناك نوع من الارتباط الواقع بينها في نهاية الأمر على نحو من الأنحاء (4)، وذهب الشيخ محمد شمس الدين أن المجالات المتصورة في منطقة الفراغ التشريعي تشتمل على:

1-الموضوعات والأفعال والتروك التي ورد فيها إلزام وجوبي أو تحريمي.

2-الموضوعات والأفعال التي لم يرد فيها من الشارع الزام، كالمكروهات والمستحبات والمباحثات إلي تتغير بتغير قيودها وظروفها.

ص: 161


1- م ن، 15: 52.
2- ظ: قواعد نافعة في الاستنباط، خالد البغدادي: 192.
3- ظ: اقتصادنا، الشهيد محمد باقر الصدر، 685، مؤسسة إحياء تراث الشهيد الصدر، ط2 قم، 1430ﻫ .
4- ظ:دور الزمان والمكان للاجتهاد، عميد الزنجاني، معاصر، بحث منشور في مجلة قضايا إسلامية: 76، العدد الرابع، 1417ﻫ .

3-الموضوعات المجهولة الناشئة من تطور المجتمع والحياة ولم يرد في الشرع عنوان بخصوصه أو بما يعمه وأن كان يدخل في عمومات أدلة التشريح العليا من قبيل آيات التسخير والنهي والاسراف و... (1).

والاوضاع التنظيمية الناشئة من تطورات مجالات الفراغ التشريعي هي ممارسة الولاية وسلطة الأمر والنهي ووجوب الطاعة، ثم أن ممارسة الولاية تأتي في القسم الثالث(المجهولات) دون القسمين الأول والثاني أما القسم الأول الذي ورد فيه الزام فليس فيه منطقة فراغ تشريعي، بل قد يطرأ على المكلف حالة(الاضطرار أو العسر والحرج و...) فيترتب حكم آخر غير الحكم الاولي هو الحكم الثانوي وهو ثابت تشريعي وملحوظ في اصل التشريع بنحو القاعدة الكلية، واما القسم الثاني(مجال المباحات) فقد اعتبره منطقة الفراغ التشريعي باعتبار أن حاجة المجتمع أو الجماعة أو الفرد من تحريم أو ايجاب هي المحدودة لهذا المباح وتحت نظر صلاحية سلطة التشريع الاجتهادي، وليس ناشئة من وجود نص خاص أو عام في الشريعة بخلافه في القسم الأول حيث وجود المرجع المنصوص في الشريعة ولكن لا يعني هذا أن صلاحية هذه السلطة بمعزل عن اصل الشريعة من عمومياتها أو مطلقاتها.

واما القسم الثالث(المجهولات) التي لم يرد فيها من الشرع عنوان بخصوصه أو بعمومه كأنشطة البشر وعلاقاتهم في المجتمع والذي لم يكن موجوداً في زمن النص فهو مرتبط بتقلبات الانسان وافعاله وتروكه وعلاقاته بالطبيعة والمجتمع عدا العبادات لتوقيفيتها من جميع الجهات، عددها، واجزاءها وشروطها و...(2).

فهي قد لحظت هذه التغييرات من حيث المكان والظروف والامكانات فيها، فان مجال الفراغ التشريعي شامل لهذه التطورات والاشكالات الجديدة والمتطورة من الضبط والسيطرة والتنظيم للمجتمع والانسان كعلوم الطبيعة من اخذ الاعضاء أو تبرعها أو بيعها، وعلوم الفيزياء والكيمياء ومجالاتها الواسعة في الذرة والفضاء والكواكب وعلوم البيئة كمصادر المياه وجوف البحار، وعلاقة ذلك بالتجارب النووية المدمرة للتوازن في الطبيعة وازمة الطعام والنمو السكاني وغيرها من العلوم والمعارف هذا كله يستدعي تكوين سلطات في المجتمع يستدعي تغيير حريات الافراد والمجتمعات والدول بما يتناسب مع اوامر هذه السلطات ونواهيها، فجميع هذه الأمور أو معظمها هو مجال فراغ تشريعي لم ترد فيه نصوص تشريعية خاصة أو قواعد تشريعية عامة، وعملية الاجتهاد في هذا المجال تنتج الأحكام التدبيرية من التنظيم والعلاقات والادارة في المجتمع وهي

ص: 162


1- ظ: مجال الاجتهاد والفراغ التشريعي، محمد مهدي شمس الدين، بحث منشور في مجلة المنهاج: 12-13، العدد الثالث، السنة الأولى، 1417ﻫ /1996م.
2- ظ: بحث مجال الاجتهاد والفراغ التشريعي، محمد مهدي شمس الدين :12.

قائمة على الأسس العامة للاستنباط بالنسبة للاحكام الشرعية الالهية التي يعبر عنها بالفتوى من خلال فهم الحاكم الشرعي للموضوعات التي لا نص فيها وهذا الفهم يخضع لبعض المعايير الأخرى التي تستنبط من أدلة التشريع العليا (1).

المطلب الثالث: امثلة تطبيقية

أ- عند الامامية
1- موضوع المؤونة

قال الشيخ محمد حسن النجفي في بيان مقدار المؤونة موكول إلى اختلاف الزمان والمكان: ((فليست الاخبار حينئذٍ خالية عن الاشارة إلى المراد بالمؤونة، بل ولا عن تحديدها بالسنة، نعم هي خالية عن تفصيل المؤونة وبيانها، كخلوها عن بيان العيال واجبي النفقة أو الاعم منهم ومندوبها، وهو في محله في كل منها سيما الأول: لعدم امكان الإحاطة ببيان ذلك جميعه، وخصوصاً مع ملاحظة الاشخاص والازمنة والامكنة...))(2)

2- موضوع البيع بالكيل أو بالعد أو الوزن للمتاع الواحد

من المجمع عليه حرمة الربا في البيع واشتراط الفقهاء في تحقيقه اتحاد جنس ونوع العوضين واعتبار كونهما من المكيل والموزون، أي كونهما مما يعد في بيعها الكيل والوزن ومفهوم الكيل والوزن واضح، لكن الاختلاف يقع في ما هو مكيل أو موزون، فان من الامتعة ما يباع بالعد، ومنها ما يباع بالوصف ومنها ما يباع بالذرع، ومنها ما يباع بالمشاهدة، كما أن من الامتعة ما لا يصح المعاملة فيها إلا بالكيل والوزن، ومع أن مفهوم الكيل والوزن واضح لكن المكيلية أو الموزونية في الامتعة، أي كون هذا المتاع أو ذاك مكيلاً أو موزوناً يختلف حسب الازمنة والامكنة، فرب متاع يكون من المكيل أو الموزون في بلاد أو في زمان، ويكون من المعدود في بلاد أو زمان آخر، ويترتب على ذلك بالطبع اختلاف الحكم الشرعي...)) (3).

3- اختلاف موضوع القيمي والمثلي حسب الازمنة والامكنة

قد يؤثر مرور الزمان في تحول ما كان من القيميات إلى المثلي أو العكس، فقد كانت الاثواب في السابق قيمية؛ لعدم تماثل ثوب مع آخر، ولكن التطور الذي تحقق في الوقت الحاضر جعل من السهل نسج الاثواب الكثيرة بنسج واحد بحيث لا يميز بين ثوب واخر، ويصدق هذا أيضاً بالنسبة للنقود الرائجة في زماننا، لانها متساوية الوزن ومتشابهة من جميع الجهات، فكانت من

ص: 163


1- ظ:أدلة التشريع العليا، علي عباس الموسوي، بحث منشور في مجلة المنهاج، العدد الثامن والعشرون: 101 - 102، السنة الرابعة، مركز الغدير، قم، 1423ﻫ /2003م.
2- جواهر الكلام، محمد حسن النجفي، 16: 95.
3- القواعد الفقهية، محمد حسن البنجوردي، 5: 97- 98.

المثليات، ولذلك لو اتلف على انسان نقداً كان من السهل أن يعوضه بنقد مثله، فظهر من ذلك أن المثلي والقيمي يختلفان بحسب الازمنة والامكنة (1).

4- موضوع مالية الأشياء

تختلف مالية الأشياء باختلاف الازمنة والامكنة، ((فقد يكون الشيء الواحد مالاً في زمان أو مكان خاص، ولا يكون كذلك في مكان أو زمان آخر، فليست المالية أو عدمها ثابتة لا تتغير بل تتبع عرف الزمان والمكان، وكيفية الانتفاع بالشيء ومن هذا الباب ابوال الابل ونحوها مما يؤكل لحمه حيث أن بيع الابوال يتبع الانتفاع المعتد به، ليكون ما لا يؤكل لحمه ليست بمال في جميع الازمنة والامكنة كيف وان الانتفاع بها باستخراج الادوية أو الغازات أو استعمالها في العمارة عند قلة الماء ممكن جداً ؟ فتكون مالاً باعتبار تلك المنافع الظاهرة، ومثلها أكثر المباحثات التي تختلف ماليتها بحسب الازمنة والامكنة كالماء والحطب ونحوهما))(2).

5- موضوع الزينة

ومما يختلف باختلاف الازمنة والامكنة هو موضوع الزينة الذي يقع موضوعاً للحكم الشرعي بالنسبة للمرأة، لان ذلك يتفاوت حسب الأعراف والعادات وتقاليد المجتمعات وبناء على ذلك يترتب ما ينبغي على المرأة في الحداد على زوجها المتوفى مما يعد زينة فيجب عليها أن تترك في زمان العدة((كل ما يعد زينة للمرأة بحسب العرف الاجتماعي الذي تعيشه ومن المعلوم اختلافه بحسب اختلاف الازمنة والامكنة والتقليد، واما ما لا يعد زينة لها مثل تنظيف البدن واللباس وتقليم الاظافر، والاستحمام وتمشيط الشعر والافتراش بالفراش الفاخر والسكنى في المساكن المزينة وتزيين اولادها فلا باس به)) (3).

6- تبدل موضوع الضمان بالمثلي إلى الضمان بالقيمي

من المسائل التي ذكرها الفقهاء والتي ترتبط بتأثير الزمان والمكان في تبديل موضوعها وبالتالي يتبدل الحكم هو انه لو اتلف انسان على آخر ماء في مفازة ثم اجتمعا على نهر، أو اتلف جمداً في الصيف ثم اجتمعا في الشتاء فكيف يكون الضمان؟ فهل يضمن المثل فيعطيه من ماء النهر في الأول ومن الجمد في الشتاء في الثاني أو ينتقل إلى القيمة، وجه الضمان بالمثلي هو اطلاق الأدلة بوجوب المثل في المثلي من غير تفاوت بالزمان والمكان ومعلوم أن الماء من المثليات، واما وجه الضمان بالقيمة فهو خروج المثل باختلاف الزمان أو المكان عن التقوم، أي انه يصبح

ص: 164


1- ظ:مصباح الفقاهة، السيد الخوئي، 3: 152.
2- م. ن، 1: 34.
3- منهاج الصالحين، السيد علي السيستاني، 3: 176- 177، مط: دار المعرفة، بيروت، ط3، 1431ﻫ .

لا قيمة له بمعنى أن المثل انما يعد إذا كان متقوماً، أما إذا لم تكن له قيمة اصلاً، فإنه لا يعد عرفاً، فكيف يقع عوضاً عن مال ثابت في الذمة (1).

ب- عند أهل السنة

1-افتاؤهم بجواز الاستئجار على تعليم القرآن ونحوه لانقطاع عطايا المعلمين التي كانت في صدر الإسلام الأول وعلوا ذلك انه لو اشتغل المعلمون بالتعليم بلا اجرة يلزم ضياعهم وضياع عيالهم، ولو اشتغلوا بالاكتساب والصناعة، يلزم ضياع القرآن والدين فافتوا باخذ الاجرة على التعليم والإمامة والاذان مع أن ذلك مخالف، لما اتفق عليه أبو حنيفة وابو يوسف من عدم جواز اخذ الاجرة كبقية الطاعات (2)، وما هذا التغيير في الفتوى إلا لفساد الزمان وتغيره، وفي ذلك دليل على تغير الأحكام تبعاً لتغير فهم الموضوع المتقوم بالزمان والمكان.

2-تبدل موضوع العدالة من العدالة المطلقة إلى العدالة النسبية:

افتى أهل السنة بقبول شهادة الامثل فالامثل من القوم بدل اشتراط العدالة بحجة فساد الزمن وضعف الذمم وانعدام الثقة، ولو اشترطنا العدالة الشرعية فسوف تضيع الحقوق لامتناع اثباتها، ولهذا افتى المتأخرون من الفقهاء وتنازلوا عن اشتراط العدالة المطلقة إلى العدالة النسبية (3).

ص: 165


1- ظ: جامع المقاصد في شرح القواعد، علي بن الحسين الكركي(ت: 940ﻫ )، 6: 257، تح: مؤسسة آل البيت(ع) مط: مهر، ط1، قم، 1411ﻫ .
2- ظ:رسائل ابن عابدين، ابن عابدين محمد أمين(ت 1253ﻫ )، 2: مط: دار الفكر، بيروت، ط1، 1415ﻫ .
3- ظ:المدخل الفقهي العام، مصطفى الزرقا 2: 933- 934، مط: دار القلم، ط1، دمشق، سوريا، 1988م.

المبحث الخامس: عموم البينة في الموضوعات

المطلب الأول: مفهوم البينة

1- البينة لغة

هي الإبانة(1), ولا شك في إنها صفة من بان , فإذا كان موضوعها مذكراً يقال : هو بين وإذا كان مؤنثا يقال : هي بينة فهو كسيّد وسيّدة من ساد(2) وحيث أن موصوفها هي الحجة فيقال إنها بينة , أي حجة واضحة سترة ولا خفاء فيها وهي بهذا المعنى تكون مرادفة للبرهان , وقد استعمل بهذا المعنى في خمسة عشر موضعاً من القران العظيم , وقد عبر فيه عن المعجزتين اللتين لموسى (علیه السلام) تارة بكلمة ( برهان ) وأخرى بلفظة البينة في قوله تعالى الرَّهْبِ ﴿فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ﴾ (3), وفي قوله تعالى ﴿ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾(4) , فمعنى هذه الكلمة لغة وعرفاً هي الحجة الواضحة والبرهان أي : ما يوجب اليقين.

2- اصطلاحاً

هي عبارة عن شهادة عدلين على أمر , وهذا المعنى بعد حكم الشارع باعتبارها وبعد أن جعلها أمارة وحجة وتكون من مصاديق الحجة الواضحة بناءً على حجية الأمارات من باب تتميم الكشف في عالم الاعتبار الشرعي , فتبادر هذا المعنى في لسان الشرع يرجع الى انصراف المفهوم الكلي الى بعض مصاديقه ولذلك لم يحتمل احد الفقهاء من قوله (صلی الله علیه و آله) : (( البينة على المدعي واليمين على من أنكر ))(5) و في قوله (صلی الله علیه و آله) : (( إنما أقضي بينكم بالبينات والإيمان))(6) ن يكون مراده (صلی الله علیه و آله) غير هذا المعنى , لأن اليد تكون أمارة شرعية إمضائية لما عند العقلاء , فإذا ادعى احد على صاحب اليد فتكلفه بالبينة لا يفهم منه إلا شهادة عدلين(7) وقد استدلوا لهذه القاعدة عدة أدلة (8).

المطلب الثاني: أدلة حجية البينة في عموم الموضوعات

اشارة

استدل الفقهاء لحجية البينة في عموم الموضوعات الخارجية في الشبهات الموضوعية بما يأتي:

ص: 166


1- ظ: المصباح المنير، الفيومي : ( بيّن )
2- ظ: لسان العرب، ابن منظور : ( بيّن )
3- القصص : 32 .
4- الأعراف : 105 .
5- الوسائل، العاملي، 18 : 148 .
6- م ن، 18 : 149 .
7- ظ: القواعد الفقهية، البجنوردي، 3 : 10 .
8- ظ : م ن، 3 : 11 – 22 .
1- السنة

1 - رواية مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (علیه السلام) : (( كل شيء هو حلال لك حتى تعلم انه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك كمثل الثوب يكون عليك قد اشتريته , وهو سرقة والمملوك عندك لعله حر حتى باع نفسه أو خدع فبيع أو قهر فبيع أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك , والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البينة ))(1).

إن المتبادر من لفظة (البينة ) في الروايات هو شهادة شاهدين فدلالة هذه الرواية على عموم حجيتها في كل موضوع وعدم اختصاصها في باب القضاء واضحة , اذ الجمع المعرف باللام يفيد العموم مضافاً الى تأكيد كلمة ( الأشياء ) بكلمة ( كلها ) فمعنى الرواية أن جميع الأشياء أي الموضوعات الخارجية على ذلك أي محللة الى أن تعرف بالعلم الوجداني حرمتها أو بالبينة فجعل (علیه السلام) قيام البينة بمنزلة العلم في حصول غاية الحكم بالحلية في جميع الموضوعات سواء أكان في باب القضاء أو غيرها(2)

والظاهر والمتفاهم العرفي من هذه الرواية هو أن الحرمة لا تثبت باحتمال ما هو موضوع الحرمة بل لا بد من العلم بالموضوع وأنه سرقة أو رضيعة ذلك الشخص , وأمثال ذلك مثل انه ميتة أو خمر أو غير ذلك أو أن تقوم بينة على ذلك الموضوع , أي يحتاج إثبات الحرمة وارتفاع الحلية على أثبات ما هو موضوع الحرمة والمثبت للموضوعات أما العلم أو البينة فجعل (علیه السلام) البينة عدلاً للعلم وحيث أن حجية العلم ذاتية فلا يحتاج الى جعل تشريعي , بل لا يمكن ذلك ولكن البينة ليست كذلك فتحتاج حجيتها وأماريتها الى الجعل , فلما حكم الشارع بكونها لإثبات الموضوعات مثل العلم يستكشف إنما حجة وأمارة لإثباتها فيثبت بها الموضوعات فيترتب عليها جميع أحكامها من الحرمة والنجاسة والطهارة والملكية والزوجية وغيرها , فإذا شهدت البينة بعدالة شخص فيجوز الصلاة خلفه والطلاق عنده , وهكذا بالنسبة الى سائر الأحكام(3).

وبناءً على ما ذكر فلا يبقى مجال لأن يقال : غاية ما تدل عليه هذه الرواية هو حجية البينة فيما إذا قامت على الحرمة فلا يقتضي حجيتها على الموضوع فضلاً عن عمومها لجميع الموضوعات لما عرف مما تقدم من دلالة هذه الرواية على أن البينة مثبتة للموضوعات الخارجية مثل العلم , فكما أن العلم مثبت لجميع الموضوعات فكذلك البينة بلا فرق بينهما إلا أن طريقة العلم ذاتية وجدانية وطريقة البينة جعلية تعبدية وإمضاء لبناء العقلاء على حجيتها(4).

ص: 167


1- الوسائل، الحر العاملي، 18 : 149 .
2- ظ: العناوين، السيد المراغي، 2 : 649
3- ظ: القواعد الفقهية، السيد البجنوردي، 3 : 11 .
4- ظ : القواعد الفقهية، البجنوردي، 3 : 15 .
2- الإجماع

من الأدلة على عموم حجية البينة في الموضوعات اذ ذهب صاحب الجواهر الى أنه لا خلاف فيه بين الأصحاب حيث قال : ((بل لا أجد فيه خلافاً إلا ما يحكى عن القاضي وعن ظاهر عبارة الشيخ ولا ريب في ضعفه ))(1).

وعند تتبع كلام العلماء نجد تسالمهم على إثبات كل موضوع ذي حكم شرعي بها فإنهم يعترفون بثبوت النجاسة والطهارة والقبلة والوقت والصلاة وأسباب التحريم في باب النكاح من النسب والرضاع , وثبوت الوكالات للأشخاص وعزلهم والوصايا إلى غير ذلك من الموضوعات أو الأحكام الجزئية بالبينة من غير إنكار لأحدهم في إثبات هذه الأمور بها إلا الشاذ الذي لايعبأ بخلافه , والحاصل , إن الفقهاء لا يزالون يستدلون على ثبوت الموضوعات التي لها أحكام شرعية بقيام البينة عليها , لا ينكر على المستدل بها أحد منهم إلا المناقشات في تحقق البينة في جهات أخر غير حجيتها في عموم موضوعات الأحكام الشرعية(2).

3- سيرة العقلاء

إن العقلاء من الملل والنحل كافة وان لم يكونوا من أهل الدين , فإنهم يرون إن شهادة شخصين غير متهمين ولا معروفين بالكذب ولا مغرضين بالنسبة الى الشهود عليه طريقاً مثبتاً لما قامت عليه في أحكامهم العرفية بالنسبة الى جميع الموضوعات الخارجية .

والحاصل: إن كون شهادة شخصين بالقيود التي عندهم من الأمارات العرفية وطريقاً مثبتاً لأي موضوع تعلقت به من المسلمات عندهم استقرت سيرتهم في معاملاتهم ومعاشراتهم وسياساتهم ولم يردع الشارع عن هذه السيرة, بل وردت إمضاءات من قبل الشارع على العمل على طبقها وهي موارد الأخبار الكثيرة, بل يمكن ادعاء جريان سيرة المتشرعة بما هم متشرعة على حجيتها (3).

وهذه القاعدة شرعية قابلة للتخصيص كسائر العمومات الصادرة من الشارع فيجب الأخذ بها والعمل على طبقها إلا أن يرد دليل وحجة من قبله على التخصيص وإذا حصل الشك في مخصصية شيء يؤخذ بأصالة العموم كما هو الحال في جميع الموارد(4).

المطلب الثالث: شروط حجية البينة في عموم الموضوعات

اشارة

ص: 168


1- جواهر الكلام، محمد حسن النجفي، 4 : 172 .
2- ظ : العناوين، المراغي، 2 : 650، القواعد والفوائد، الشهيد الثاني، 1 : 405 .
3- ظ: القواعد الفقهية، البجنوردي، 3 : 22 .
4- م ن .

ذكروا أن لحجية البينة في عموم موضوعات الأحكام الشرعية شروط وهي :

أ- الأثر الشرعي

لا بد أن يكون في الموضوع الذي تناولته عموم حجية البينة من أثر شرعي لأنه إذا لم يكن له أثر شرعي لا معنى للتعبد بقبول البينة , ففي كل مورد لا يكون عدم الشيء أو وجوده أو بقاؤه محرزاً بالوجدان , والشارع أمر بترتيب الأثر على عدمه كما في مورد أصالة البراءة أو على وجوده كما في موارد الأمارات والأصول المثبتة للتكاليف والأحكام أو لما هو موضوع للحكم الشرعي أو على بقائه وعدم ارتفاعه كما في موارد الاستصحاب فلا بد أن يكون لذلك الوجود أو ذلك العدم أو لبقاء ذلك الشيء بعد القطع بحدوثه سواء أكانت تلك الحالة السابقة هو الوجود أو العدم من أثر شرعي , كي يكون أمر الشارع بالتعبد بلحاظ ترتب الأثر, فلا بد في مورد قيام البينة أيضاً أن يكون لما قامت عليه أثر شرعي(1).

ب- النصاب

أن البينة هل هي عبارة عن شهادة رجلين وشهادة المرأة خارجة عن البينة موضوعاً ... ؟ أم هي أيضا بينة اعتبر شرعاً فيها بدل كل واحد من الرجلين امرأتان فتكون البينة فيما إذا كن شاهدات عبارة عن أربع نساء .. ؟ وحسب التفاهم العرفي شمول البينة لشاهدة النساء وعدم خروجها عن مفهوم البينة , فالظاهر إنها ليست خارجة عنها موضوعاً , بل البينة عبارة عن شهادة اثنين سواء أكانا رجلين أو امرأتين وتحصّل إن عموم البينة شامل لشهادة النساء في جميع موضوعات الأحكام إلا ما خرج بدليل - كثبوت الهلال والطلاق والحدود وغيرهما مما لا تجوز شهادتهن فيها , لا منفردات ولا منضمات الى الرجال لنصوص وردت في عدم جواز شهادتهن فيها(2).

ج- العمل وفق البينة

لما ثبت مما تقدم حجية البينة في جميع موضوعات الأحكام الشرعية التي لها أثر شرعي , فيجب على كل من علم بقيام البينة وأنها واجدة لشروط اعتبارها على موضوع ترتب اثر ذلك الموضوع عليه العمل وفق البينة .

مثلاً : إذا شهد شاهدان عادلان : انك تركت في الصلاة التي صليتها ألان احد أركانها , فيثبت بالبينة المعتبرة هذا الموضوع , أي فقدان صلاته للركن الفلاني ولكن ثبوت هذا الموضوع لا اثر له إلا لنفس المصلي فيجب عليه إعادة الصلاة أو قضاؤها إذا قامت عنده البينة أو علم بوجودها ولا اثر لقيام هذه البينة في حق غيره , وأما إذا كان غيره شريكاً معه في هذا الأثر ,

ص: 169


1- القواعد الفقهية، البجنوردي، 3 : 23 - 24 .
2- م ن، 3 : 25 – 24 .

كما إذا قامت البينة المعتبرة على نجاسة هذا المائع مثلاً , فمن اطلع على هذه البينة يجب عليه العمل على وفقها بحيث يجب الاجتناب عن هذا المائع(1).

المطلب الرابع: حجية خبر الثقة في الموضوعات

هنا ذهب العلماء في أن خبر الآحاد داخل في البينة الشرعية فيتناول عموم موضوعات الإحكام الشرعية ويكون هو حجة أيضاً ... ؟ وما دائرة هذه الحجية .. ؟ وهل تختص بكل خبر أحادي يتعرض لبيان موضوع حكم شرعي والذي يعرف في أوساط الدراسات الشيعية انه لم تدرس هذه المسألة بشكل عام ومركز إلا في القرنين الأخيرين ولكن مع ذلك أشار العلماء السابقون الى موقفهم منها بصورة عابرة ومتفرقة لا تخلو من بعض الغموض أحيانا(2), ومن جهة انه قد لا يعرف هل رفضوا خبر الثقة في الموضوعات كقاعدة عامة أم لخاصية فيها اختلف علماء الإمامية في ذلك على رأيين :

الأول : ذهب الى عدم حجية الآحاد في الموضوعات , حيث نسب المحقق النجفي القول بعدم حجية الخبر الواحد العدل في الموضوعات الى المحقق الحلي والعلامة الحلي والمحقق الكركي كما ذكر انه نقل القول نفسه عن الشيخ الطوسي وفخر المحققين والد العلامة الحلي وغيرهما(3).

وكذلك ذهب المحقق العراقي , والنائيني والسيد محمد سعيد الحكيم(4).

الثاني : ذهب الى حجية الآحاد في الموضوعات ومنهم : محمد حسن النجفي, والسيد الخوئي والروحاني ومكارم الشيرازي(5) واستدلوا بما يأتي:

1- آية النبأ التي تعد من ابرز أدلة حجية الآحاد , حيث تشمل الموضوعات كما تشمل الأحكام , بل يرى مكارم الشيرازي أن سبب نزولها لم يكن خبراً يحتوي على نقل حكم شرعي , بل قضية خارجية تتصل ببني المصطلق مما يؤكده دلالتها على حجية الآحاد في الموضوعات(6).

ص: 170


1- ظ: القواعد الفقهية، البجنوردي، 3 : 27 .
2- ظ: القواعد الفقهية، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي,2: 81 –82, مؤسسة الفكر, قم، ط 1, 1430 ﻫ .
3- ظ: جواهر الكلام ,محمد حسن النجفي، 6 : 171 .
4- ظ : نهاية الأفكار، العراقي، 3 : 94، فوائد الأصول، النائيني، 4 : 665، المستمسك، محسن الحكيم 1 : 206، 8 : 569 – 570، المحكم في أصول الفقه، محمد سعيد الحكيم، 4 : 54 .
5- ظ: جواهر الكلام، النجفي، 6 : 171 – 172، مباني العروة الوثقى، الخوئي، 2 : 240، بحوث في شرح العروة الوثقى، الصدر، 2 : 102، زبدة الأصول، الروحاني، 3 : 229، وفقه الصادق، الروحاني، 7 : 359، القواعد الفقهية، مكارم الشيرازي، 2 : 81 – 95 .
6- ظ:القواعد الفقهية، مكارم الشيرازي، 2 : 83 – 84 .

2- جاؤا بمجموعة من الروايات وعلى رأسها رواية مسعدة المتقدمة في حجية البينة حيث استدلوا بها على حجية خبر الواحد وأثاروا هناك موضوع تواترها المعنوي أو الإجمالي على الأقل إذ يرى الشهيد الصدر , إنها تدل على الموضوعية , كونها ترشد الى ما هو المرتكز في وعي العقلاء والمتشرعة من العمل بأخبار الثقات حتى في غير الأحكام(1).

3 - ذهب بعضهم الى أن الروايات المتفرقة التي نصت على حجية خبر الواحد في هذا الموضوع أو ذاك ورغم أنها خاصة بمواضع مختلفة فقهية , ليس فيها نص تقعيدي عام إلا أن بعضهم ذهب الى اعتبارها ملغاة الخصوصية , فلا خصوصية لهذا الموضع أو ذاك بل تكشف كلها بضم بعضها الى البعض الآخر عند مبدأ عام رداً على السيد محسن الحكيم الذي استبعد إمكان أخذ قاعدة عامة منها(2).

4 - الاعتماد على السيرة المتشرعية , إذ يكشف أخذ المتقدمين من الشيعة بخبر الواحد في علم الرجال وعدم تفريقهم في الروايات بين ما يحكي عن حكم وما يحكي عن غيره وهذا يكشف عن انهم يعملون بالآحاد منذ قديم الأيام في الموضوعات والأحكام معاً(3) إلا أن السيد الصدر يشك بهذا الاستدلال(4) .

5 - الاعتماد على السيرة العقلانية وعدم وجود ردع شرعي عنها(5).

6 - برهان الأولوية الذي المح اليه المحقق محمد حسن النجفي وبينه بوضوح أكبر الشهيد الصدر ويقضي هذا البرهان بأنه إذا كانت الآحاد حجة في مجال الأحكام الشرعية وهي قواعد وكليات عامة , فمن الأولى أن تكون حجة في الموضوعات الجزئية الفرعية(6).

ولكن الذين ذهبوا الى حجية الآحاد في الموضوعات واجهوا مشكلتين .

الأولى : رواية مشهور وهي رواية مسعدة بن صدقة المتقدمة حيث ذهب الذين لا يقولون بحجية الآحاد في الموضوعات الى إن هذه الرواية لا يمكن الغاء الخصوصية عنها فهي جاءت كدليل لحجية البينة الشرعية التي ملاكها شاهدي عدل واعتبروا هذه الرواية تؤسس مبدأ البراءة فلا

ص: 171


1- ظ: بحوث في شرح العروة الوثقى، الصدر، 2 : 90 – 91 .
2- ظ : القواعد الفقهية، مكارم الشيرازي، 2 : 85 – 90 .
3- ظ : م ن، 2 : 90 – 93 .
4- ظ : بحوث في شرح العروة الوثقى، الصدر، 2 : 88 – 89 .
5- ظ : كتاب الطهارة، الخميني، 4 : 269 .
6- ظ : جواهر الكلام، النجفي، 6 : 172، بحوث في شرح العروة الوثقى، الصدر، 2 : 85 .

تعطي قيمة للخبر في الموضوعات إلا إذا جاءت بينة (1) والبينة لا مجرد واحد ثقة وقد رفضوا هذه الرواية لضعف سندها(2) وإنها تواجه سيرة عامة مستحكمة(3).

الثانية : إن هذه الحجية لخبر الواحد تنسف مقولة البينة الشرعية الراسخة في الفقه الإسلامي كله لأنه إذا كان مجرد خبراً لثقة حجة ,فلا معنى بعد ذلك الانتظار شخص آخر لتتم البينة في القضاء والجنايات والجزاء إذا فما معنى البينة ؟(4).

القول الراجح :

هو حجية خبر الآحاد في الموضوعات لأن رواية مسعدة عمل الأصحاب بها وهذا يوجب الوثوق بصدورها وأما السيرة المدعاة بأنها مستحكمة فإن سيرة العقلاء والمتشرعة على خلافها والغاء خصوصية الرواية والتعدي الى غيرها من الموارد هي من الأدلة التي عمل بها العلماء وأما أن العمل بالخبر الواحد سوف ينسف مقولة البينة غير صحيح لأن حجية خبر الآحاد في الموضوعات الشرعية الخارجية وهذه الحجية يمكن الاستثناء منها حيث نجعل المواضع التي دل الدليل على اشتراط البينة فيها من جملة الاستثناءات إذا فيؤخذ بالآحاد في الموضوعات إلا عندما يدل دليل على لزوم البينة في هذا الموضع أو ذاك وحينئذ لا يكفي خبر الثقة أو العدل الواحد وبعبارة أخرى إذا سلمنا بأن حجية الآحاد في الموضوعات الشرعية سوف تكون قاعدة كلية وقد ثبت إن لهذه القاعدة موارد خاصة أي إن هذه القاعدة قابلة للتخصيص في موارد لا تتم إلا بالبينة الشرعية فهي من هذه الحيثية كقاعدة ( لا ضرر ولا ضرار ) فإن لها تخصيصات متعددة مع ذلك لم يقدح في كليتها عالم من العلماء فعليه يمكن أن تكون حجية الآحاد في الموضوعات الشرعية قاعدة كلية قابلة للتخصيص فتجري في الموضوعات إلا إذا دل دليل على التخصيص .

المطلب الخامس: موارد تطبيقات عموم حجية البينة في الموضوعات

ذكر السيد البجنوردي عدة مجالات تطبيقية للبينة وهي :

1 - في كتاب الطهارة يستعمل في إثبات الطهارة والنجاسة بناءً على عموم حجيتها وفي موضوعات أحكام النجاسات وفي إثبات الملاقاة للنجس وعدم الملاقاة وفي إثبات إن هذا الماء كر أو ليس بكر وانه مطلق أو مضاف وإنه تغير احد أوصافه الثلاثة بالنجس أم لم يتغير وانه توضأ أم لو يتوضأ وكذلك هل اغتسل أو لا وانه هل كان على البشرة ومحل الوضوء أو مسحه

ص: 172


1- ظ: مستمسك العروة الوثقى ,الحكيم، 8 : 569 – 570 .
2- ظ: بحوث في شرح العروة الوثقى، الصدر، 2 : 86 .
3- م ن، 2 : 87 .
4- ظ: القواعد الفقهية، مكارم الشيرازي و 2: 84

وكذلك في الغسل مانع أو حاجب أم لا وهذا في الشبهات الموضوعية لا الحكمية وفي لون الدم الذي تراه المرأة إذا كانت عاجزة عن الرؤية لعمى أو لجهة أخرى في نفوذه في القطنه وعدمه كذلك في كونه مستديراً على القطنه كي يكون دم العذرة أو لا فيكون استحاضة أو حيضاً أو شيئاً أخر , وانه هل انقطع على العشرة أو تعدى وانه هل كان أقل من الثلاثة أم لا (1).

2 - في كتاب الصلاة تستعمل في معرفة القبلة والأوقات وفي لباس المصلي من كونه حريراً أو ذهباً أو غير مأكول وفي مكانه من حيث كونه غصباً وفي معرفة ما يصح السجود عليه وفي ضبط عدد الركعات وتعيينها وفي مقدار الإقامة أو مضي ثلاثين متردداً وفي معرفة حد الترخص وفي صلاة الجماعة من حيث عدالة الإمام كل ذلك في الشبهة الموضوعية في كتاب الصلاة(2).

3 - في كتاب الزكاة في وصول المال الى مقدار النصاب فقي الشبهة الموضوعية وفي إثبات الفقر وكونه ابن السبيل , وانه من الغارمين , وان دينه لم يكن من جهة الصرف في المعصية ولا من جهة الإسراف وفي كونه عبداً تحت الشدة وفي كونه مسكيناً وفي إثبات بلوغ المالك وكونه عاقلاً وحراً متمكناً من التصرف في ماله تمام التمكن وهكذا(3).

4 - في كتاب الخمس : بالنسبة ما يتعلق به الخمس , فمثل المعدن أو الغوص أو الحلال المختلط بالحرام ا وان له الربح ومقدار الربح مستعمل فيها البينة إذا شك فيها من جهة الشبهة الموضوعية لا المفهومية لأن المرجح في الشبهة المفهومية هو العرف أو الأدلة الشرعية إن كان تصرف من قبل الشارع فيها , أي فيما اخذ موضوعاً لحكمه , وكذا في بلوغ النصاب فيما له نصاب منها كالغوص والمعدن , وأما بالنسبة الى المستحق فنستعمل في إثبات كونه من بني هاشم وانه لا يملك مؤونة سنته , وبالنسبة الى سهم الإمام (علیه السلام) وإيصاله الى الفقيه العادل الجامع للشرائط أو صرفه فيما يأذن أو إعطائه لمن يأذن ففي جميع هذه الموضوعات تستعمل البينة في إثباتها(4).

5 - في كتاب الحج : تستعمل في تعيين المواقيت أو محاذاتها من ناحية الشبهة الموضوعية وكذلك في ثوبي الإحرام وكونهما مما يجوز لبسهما في الإحرام , ثم في عدد أشواط الطواف إذا شك فيه وكذلك عدد السعي بين الصفا والمروة وكذلك في تعيين زمان الوقوف في عرفات ومكانه وكذلك الأمر بالنسبة الى المشعر ومنى زماناً ومكاناً , كل ذلك من ناحية الشبهة الموضوعية ,

ص: 173


1- ظ: القواعد الفقهية، البجنوردي، 3 : 40 .
2- م ن .
3- م ن .
4- ظ: القواعد الفقهية، البجنوردي، 3 : 40 – 41 .

وفي شرائط الذبيحة يوم العيد في منى وغير ذلك من الموضوعات الكثيرة للأحكام الشرعية في كتاب الحج(1).

6 - أبواب المعاملات : فأغلب الموضوعات للأحكام فيها عرفية وبعد اخذ المفهوم من العرف إذا شك في مصداقه, فأحد طرف إثباته هي البينة كالعيب في خيار العيب من ناحية الشبهة الموضوعية(2).

7 - كتاب الصيد والذباحة والأطعمة والأشربة : ففي أكثر الموضوعات المشتبهة من حيث المصداق والشبهة الموضوعية تثبت الحلية والحرمة بالبينة , مثلاً إذا شك في انه عند الرمي هل قال ((بسم الله )) أم لا ..؟ فإن شهدت البينة بأنه سمى يثبت التسمية , أو إذا شك في انه ذبح بالحديد أو بآلة من فلز آخر , أو من شيء آخر بناءً على توقف الحلية على أن يكون الذبح بالحديد فإن شهدت البينة بأنه كان بالحديد تثبت الحلية بها , وكذا إذا شك في إن هذا السمك هل له فلس ام لا فإن شهدت البينة بأنه كان له فلس تثبت الحلية وكذا إذا شك إن هذا الطائر هل له حوصلة أم لا , وان دفيفه أكثر من صفيفه أم لا .. ؟ فإن شهدت البينة إن دفيفه أكثر أو إنها شهدت أن له حوصلة أو قانصة أو صيصة فتثبت الحلية(3).

8 - في كتاب القضاء وأبواب الدعاوي فهي في الركن الركين(4).

9 - كتاب المواريث : فالبينة تستعمل في إثبات الأنصاب ومقدار حصص الورثة وغير ذلك من الموضوعات للأحكام من كفر الوارث أو كونه قاتلاً للمورث أو كونه أكبر الأولاد ويستحق الحبوة(5).

10 - في كتاب الحدود والديات : تستعمل البينة في مقدار الجناية وتعين الجاني والمجني عليه(6).

ص: 174


1- ظ: القواعد الفقهية، البجنوردي، 3 : 40 – 41 .
2- م ن .
3- م.ن 3 : 41 – 42 .
4- م ن، 3 : 42 .
5- م ن .
6- م ن .

الفصل الرابع: مباني الأصول العملية في تحديد موضوعات الأحكام الشرعية

اشارة

المبحث الأول

الأصول العامة للشبهات الحكمية والموضوعية

المبحث الثاني

الأصول المختصة بالشبهات الموضوعية

ص: 175

تمهيد

أثر الأصول العملية في تحديد موضوعات الأحكام الشرعية

اعتمد منهج الاستنباط في الفقه خاصة في العصور المتأخرة على مراحل وهي:

المرحلة الأولى: الفحص عن الدليل على الحكم الشرعي وموضوعه، والدليل المعتبر وهو الكتاب والسنة والإجماع والعقل، هذا في مقام القطع، فإذا وجد دليل مشروع على الحكم او موضوعه أخذ به .

المرحلة الثانية: الفحص عن الدليل على الحكم الشرعي وموضوعه عن طريق علم اللغة وعلم الدلالة والإمارات المعتبرة شرعا كالسيرة والعرف ... الخ .

المرحلة الثالثة: الأخذ بما يناسب حالة المكلف من الأصول العملية وهي الأصول المعدة والمقررة لتشخيص الوظيفة العملية للمكلف عند فقد الدليل الشرعي على التكليف وامتاز الفقه الأمامي بالأخذ بالأصل العملي عن غيره من فقهاء الجمهور ومنعه ذلك من التورط بالاستحسانات الظنية والآراء الشخصية والمرحلة الأخيرة وهي الأخذ بالأصل العملي في عملية الاستنباط لم تكن بهذه الدرجة من الوضوح عند بدئها، بل أخذت تتبلور وتتضح شيئا فشيئا الى أن ظهرت بشكل دقيق على يد الوحيد البهائي ومدرسته خصوصا صاحب الحاشية على المعالم، ثم تحددت بعده على يد الشيخ الأعظم الأنصاري، فأصبح مفهوم الأصل العملي عبارة عن: وظيفة عملية لا يطلب فيها الفقيه العلم والظن بالحكم الشرعي الواقعي بل يطلب فيها الوظيفة العملية التي يخرج بها عن عهدة التكليف عند عدم معرفته له، (1) وقد قسم علماء الأصول، الأصول العملية بحسب نوع الشك في التكليف فإن الشك في التكليف في الشبهات الحكمية والموضوعية إما أن تلاحظ فيه الحالة السابقة للشك أم لا، وعلى الثاني إما أن يكون التكليف معلوما ولو بجنسه أو لا، وعلى الأول، أما أن يمكن فيه الاحتياط أو لا .

فالأول: وهو ما علم فيه الحالة السابقة للشك فهو مجرى الاستصحاب .

والثاني: وهو ما يصلح فيه جنس التكليف مع إمكان الاحتياط – مجرى الاحتياط، أي: أصالة الاحتياط والاشتغال .

والثالث: وهو ما يعلم فيه جنس التكليف مع عدم إمكان الاحتياط فهو مجرى أصالة التخيير.

والرابع: وهو ما لم تعلم فيه الحالة السابقة للشك ولا جنس التكليف فهو مجرى لأصالة البراءة (2).

ص: 176


1- ظ: مباحث الأصول، السيد الشهيد محمد باقر الصدر، 3: 19-23، بحوث في علم الأصول، الشهيد محمد باقر الصدر، 5: 9-12 .
2- ظ: الموسوعة الفقهية الميسرة، الأنصاري، 8: 517 .

إذن أن الأصول العملية تنقسم الى أربعة أقسام وهي: الاستصحاب والبراءة والاشتغال والتخيير وهذه الأصول تجري في الشبهات الحكمية وتجري في الشبهات الموضوعية، إلا أننا سوف نسلط الضوء على موارد التي يتحدد فيها الموضوع وهي موارد الشبهات الموضوعية التي هي صلب موضوع البحث دون الشبهات الحكمية التي هي خارجة عن موضوع البحث ولأجل الاختصار وتسمى هذه الأصول بالعامة لأنها تعم الشبهات الحكمية والموضوعية وهناك أصول خاصة لأنها تخص الشبهات الموضوعية دون الحكمية وهي أصالة الصحة وقاعدة الفراغ والتجاوز وغيرها سوف نذكر نماذج منها لأنها كثيرة قد ذكرها الفقهاء في كتبهم الاستدلالية دون تفصيل ولذلك سوف يذكرها البحث إجمالا لإتمام فكرة البحث لذلك جعل البحث هذا الفصل في مبحثين، المبحث الأول في الأصول العامة والمبحث الثاني في الأصول المختصة بالشبهات الموضوعية .

ص: 177

المبحث الأول: الأصول العامة للشبهات الحكمية والموضوعية

المطلب الأول: الاستصحاب

1- مفهوم الاستصحاب

الاستصحاب لغة: يقال استصحبه أي: دعاه الى الصحبة ولازمه، وكل ما لازم شيئا فقد استصحبه(1).

وأما اصطلاحا: هو الحكم ببقاء حكم أو موضوع ذي حكم شك في بقائه (2)

فالاستصحاب قاعدة أصولية تأتي فيما إذا كان لدينا يقين بحالة في زمن سابق وشك بذات الحالة في زمن لاحق، ومقتضى القاعدة هنا الحكم ببقاء الحالة السابقة وذلك من قبيل يقيننا بطهارة الإناء سابقا وشككنا بالطهارة لاحقا، فنستصحب الحالة المتيقنة سابقا وهي الطهارة (موضوع الحكم) ونحكم طهارة الإناء، والاستصحاب لم ينل بحثا وافيا عند الجمهور بالنحو الذي ناله لدى الشيعة ورغم إفراد بحث مستقل في مصادرهم الأصولية إلا انه أدرج فيه مصادر القواعد الفقهية ضمن بحوث قاعدة (اليقين لا يزال بالشك) أو (اليقين لا يزول بالشك) وقد ضم هناك بحوثا تطبيقية تفتقر الى التنظير والتحليل لا كما نراه في بحوث الشيعة حيث فصلوا في مجال التنظير والتحليل وبيان الشروط والأركان وموارد جريان الاستصحاب في الشبهات الموضوعية والشبهات الحكمية(3).

2- أركان الاستصحاب
اشارة

ذكر الأصوليون إن للاستصحاب أركان وهي :

أ- اليقين السابق

والمراد من الحالة السابقة التي وقعت موردا لليقين، اعم من كونها حكما شرعيا أو موضوعا ذا حكم شر

عي(4) ,

كما أن المراد من اليقين اعم من كونه وجدانيا وهو العلم أو تعبديا وهو المستفاد مما اعتبره الشارع يقينا كالظن الذي قام على اعتباره دليل قاطع(5) .

ص: 178


1- ظ: لسان العرب، ابن منظور: (صحب)، المصباح المنير، الفيومي: (صحب) .
2- ظ: كفاية الأصول، الخراساني: 384 .
3- ظ: موسوعة أصول الفقه المقارن ,1: 281، إعداد، مركز التحقيقات والدراسات العلمية التابع للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، مط: دكار، طهران، ط1 ,1430 / 2009 م .
4- ظ: أصول الفقه، المظفر، 4: 278 .
5- ظ: كفاية الأصول: 391 .
ب- الشك اللاحق أو (الشك في البقاء)

أي الشك في بقاء الحالة السابقة أو بقاء المتيقن (1)، والمراد من الشك ما يقابل اليقين بمعنييه- الوجداني والتعبدي- سواء أكان شكا بالمعنى المنطقي- أي تساوي الطرفين- أم ظنا غير معتبر أم وهما (2) .

ج- وحدة المتعلق أو وحدة القضية المتيقنة والمشكوكة

وهذه الوحدة تكون من حيث الموضوع والمحمول والنسبة والحمل والرتبة وغيرها إلا الزمان رفعا للتناقض(3)، والوجه في الركنية هنا انه مع تغاير القضيتين ( المتيقن بها والمشكوكة ) لا يكون الشك شكا في البقاء بل حدوث قضية جديدة(4).

د- الأثر العملي

ذكره السيد الشهيد الصدر واعتبره ركنا وبينه بأنحاء ثلاثة(5), وهناك آخرون كالسيد محمد سعيد الحكيم اعتبره في الاستصحاب لكن لم يطلق عليه ركنا بل شرطا، مع تفريقه بين الشرط والركن(6).

ﻫ- فعلية الشك واليقين

فلا عبرة بالشك التقديري لعدم صدق النقض به ولا اليقين كذلك لعدم صدق نقيضه بالشك(7).

ح- اتصال زمان الشك بزمان اليقين

بمعنى أن لا يتخلل بينهما فاصل من يقين أخر، كما هو مفاد تسلط النقض بالشك على اليقين(8).

ط- اجتماع اليقين والشك في زمان واحد

والوجه في اعتبار هذا الركن كونه مقوما لحقيقة الاستصحاب الذي هو إبقاء ما كان، إذ لو لم يجتمع اليقين مع الشك تبدل اليقين الى شك، فلا يكون موردا للاستصحاب(9).

ص: 179


1- ظ أصول الفقه، المظفر، 4: 278 .
2- ظ: الأصول العامة للفقه المقارن، السيد محمد تقي الحكيم: 440 .
3- م ن .
4- ظ: دروس في علم الأصول, الشهيد الصدر،2: 281، بحوث في علم الأصول،الشهيد الصدر، 6: 114.
5- ظ: م ن ، 2: 486- 489، 6: 122- 124 .
6- المحكم في اصول الفقه، السيد محمد سعيد الحكيم، دار الفكر، بيروت، ط 1، 1426 ﻫ .
7- ظ: الأصول العامة للفقه المقارن، الحكيم :441 .
8- م ن .
9- أصول الفقه، المظفر ,4: 282 .
ي- سبق زمان المتيقن على زمان المشكوك

ولو انعكس أي سبق زمان المشكوك زمان المتيقن رجع الأمر الى الاستصحاب القهقري الذي لا دليل عليه وعدم حجيته إلا في الأمور اللغوية (1).

ك- تعدد زمان المتيقن والمشكوك

أي مع اتحاد زمان اليقين والشك يفرض تعدد متعلقهما وإلا تحول المورد الى قاعدة أخرى غير الاستصحاب (2).

3- شروط تحديد وتشخيص الموضوع بالاستصحاب
اشارة

ذكر الشيخ الأنصاري موازين ثلاثة لتشخيص الموضوع وبقائه وهي:

أ- العقل

فلو ترتب الحكم على موضوع ذي قيود، ثم شككنا في زوال بعضها فالعقل يحكم بعدم بقاء الموضوع، فلا يجري الاستصحاب بناء على هذا الميزان، إلاّ إذا لم يطرأ على الموضوع والحكم أي تغيير لكن حصل الشك من جهة تغيير الزمان المجهول ظرفا للحكم، كما في خيار الفسخ، فلم يقدح في جريان الاستصحاب في موضوع الفسخ لأن الاستصحاب مبني على إلغاء خصوصية الزمان الأول .

ب- لسان الدليل

فإذا كان الدليل كقوله: (الماء المتغير نجس) مثلا وشككنا في بقاء النجاسة بعد زوال التغير، لا يمكن استصحاب نجاسة الماء ؛ لأن الحكم بالنجاسة ترتب على موضوعه وهو (الماء المتغير )، وقد زال جزؤه، وهو المتغير، فلم يبق الموضوع بخلاف ما إذا قال: ((الماء يتنجس إذا تغير))، فإن الموضوع فيه هو (الماء) وهو باق بعد زوال التغير، فنستصحب نجاسته .

ج- العرف

فكل مورد يصدق فيه أن المشكوك عين المتيقن عرفا، وان نقض اليقين فيه نقض له بالشك، فيجري فيه الاستصحاب، وان لم يكن عينه عرفا وصدق نقض اليقين باليقين فلا يجري فيه الاستصحاب ومثاله: حكم العرف ببقاء موضوع الزوجية بعد الموت وبقاء موضوع الكرية بعد اخذ شيء منه ككف من الماء ونحو ذلك فإنه يرى بقاء الموضوع في الموردين(3), ويظهر من أكثر المتأخرين عن الشيخ الأنصاري من أن الميزان في تشخيص الموضوع وبقائه عندهم هو

ص: 180


1- ظ: أصول الفقه، المظفر، 4: 218 -182 .
2- م ن، 4: 280 .
3- ظ: فرائد الأصول، الأنصاري، 2: 690- 693 .

الفهم العرفي على اختلاف بينهم في كيفية تفسير وتوجيه ذلك- فإذا كان العرف يرى أن الزائل من مقومات الموضوع بحيث يرتفع بزواله فلا يجري فيه الاستصحاب وإلاّ فيجري (1).

4- أقسام الاستصحاب المحددة لموضوع الحكم الشرعي
اشارة

إن الاستصحاب المحدد لموضوعات الأحكام على أقسام وهي:

الأول: الاستصحاب الكلي

إن الموضوع المستصحب تارة يكون جزئيا كالحدث الصادر من شخص معين وقد يكون كليا ,ككلي الحدث فالأول لا إشكال في جريان الاستصحاب فيه وأما الثاني فقد وقع الكلام في بيان أقسامه وحجية كل قسم منها وفي ما يلي نشير الى ذلك بصورة موجزة وتلك الأقسام هي :

1- فيما إذا وجد الموضوع الكلي ضمن فرد معين، ثم شك في ارتفاعه كما إذا وجد كلي الحدث ضمن خروج المني من شخص معين، ثم شك في ارتفاع ذلك الحدث لاحتمال تطهره، فيجوز أن يستصحب الموضوع الكلي وهو كلي الحدث ويرتب عليه أثاره، كما يجوز أن يستصحب نفس الفرد ويرتب عليه آثار الفرد، فالاستصحابان جاريان، ولا إشكال في حجية هذا القسم(2).

2- فيما إذا وجد الموضوع الكلي ضمن فرد مردد بين شخصين، علم ببقاء احدهما على تقدير فرض وجوده أيضا ومثاله: كما لو خرج من شخص بلل مردد بين البول والمني، ثم توضأ، فإنه في هذا الحال يتيقن بحصول الحدث الكلي (موضوع الحكم) ضمن هذا الفرد المردد- أي البلل المشتبه فإن كان بولا فقد ارتفع الحدث بالوضوء يقينا وان كان منيا فهو باق قطعا أيضا لأن حدثه حينئذ حدث اكبر لا يرتفع بالوضوء، فعلى القول بجريان استصحاب الكلي يستصحب هنا كلي احدث فترتب عليه الأحكام الشرعية الخاصة بموضوع الحكم الشرعي (كلي الحدث )، مثل حرمة مس المصحف الذي يترتب على الحدث الأكبر والأصغر معا، لكن لا يترتب عليه أثار خصوص الحدث الأكبر أو الأصغر، فلا يحرم عليه دخول المسجد أو قراءة العزائم المترتبان على خصوص الحدث الأكبر، ويترتب على هذا الاستصحاب وجوب الجمع بين الطهارتين: الغسل والوضوء ليستيقن برفع الحدث والمعروف حجية هذا الاستصحاب(3).

3- إذا علم بوجود فرد معين وعلمنا بارتفاع هذا الفرد، ولكن علمنا بوجود معنون بعنوان يحتمل انطباقه على هذا الفرد المرتفع، وعلى الفرد الآخر الباقي كما لو علم بوجود زيد في الدار وعلم بوجود قرشي فيها يحتمل أن يكون هذا القرشي هو نفس زيد فيكون العنوان الكلي هو (القرشي)

ص: 181


1- ظ: كفاية الأصول، الخراساني: 385، فوائد الأصول، النائيني، 4: 564- 586 ,نهاية الأفكار، العراقي 4: 3-15، مصباح الأصول، الخوئي، 3: 227- 24،بحوث في علم الأصول، الشهيد الصدر،6: 114- 121 .
2- ظ: مصباح الأصول، الخوئي، 3: 241 .
3- ظ: مصباح الأصول، الخوئي، 3: 241 .

الجامع للقرشي وزيد ومثاله: إذا علم بالجنابة ليلة الخميس واغتسل منها ثم رأى اثر الجنابة في ثوبه الجمعة، يحتمل أن يكون أثرا للجنابة المرتفعة، كما يحتمل أن يكون أثرا للجنابة الجديدة، فهنا علمان: علم بالجنابة ليلة الخميس، وعلم بالجنابة بعد خروج المني الذي رأى أثره على الثوب فالجنابة الأولى مرتفعة قطعا والجنابة الثانية مشكوكة فموضوع الحكم الشرعي وهو العلم بارتفاع الطهارة وهو الجامع القطعي الحدوث ومشكوك البقاء فيستصحب ويحكم بالطهارة (1).

الثاني: الاستصحاب التعليقي

إن الشك تارة يكون في بقاء موضوع الحكم الشرعي، مثل بقاء زيد نفسه الذي يكون موضوعا لأحكام كثيرة، وتارة في الحكم الشرعي نفسه وهذا يتصور في وجهين:

1- الشك في بقاء الحكم الجزئي وموضوعه مثل: طهارة زيد وطهارة هذا الماء، ونحو ذلك.

2- الشك في بقاء الحكم الكلي وموضوعه ويتصور على ثلاثة أنحاء:

أ) الشك في بقاء الحكم الكلي من جهة احتمال نسخه في بقاء حلية لحم الإبل من جهة احتمال نسخها .

ب) الشك في بقائه من جهة تغير بعض حالات موضوع الحكم، كالشك في بقاء حرمة وطء الحائض عند انقطاع دمها لاحتمال أن يكون موضوع حرمة الوطء هو المرأة حال رويتها الدم واحتمال أن يكون الموضوع المرأة المحدثة بحدث الحيض فعلى الأول تختص الحرمة بحال رؤية الدم، فيحل وطؤها عند انقطاعه ولو قبل الغسل، وعلى الثاني لا يحل إلا بعد الغسل ولا إشكال في جريان الاستصحاب في هذه الأقسام ,عدا استصحاب بقاء الحكم وعدمه نسخة فأن لبعضهم فيه كلاما .

ج) الشك في بقاء الحكم الكلي من جهة كون موضوعه مركبا من جزئين تحقق منهما جزء واحد ثم تغيرت بعض حالات هذا الجزء قبل تحقق الجزء الثاني منهما كالمثال المعروف:

(( العصير العنبي إذا على يحرم )) فالحكم هو الحرمة والموضوع مركب من جزئين وهما: العصير العنبي والغليان، فإذا تبدل العنب وصار زبيبا قبل الغليان، يأتي دور الاستصحاب التعليقي، فيقال: الزبيب حينما كان عنبا كان يحرم عصيره على تقدير الغليان، والان بعد أن صار زبيبا نشك هل يحرم على تقدير الغليان أيضا ؟ فنستصحب الحرمة التقديرية(2).

إن هذا الاستصحاب ذهب إليه السيد محسن الحكيم حسب ما نسبه الشهيد الصدر اليه من أن التقدير إذا كان راجعا الى الموضوع كما في :(العنب المغلي يحرم ) فلا يجري الاستصحاب

ص: 182


1- ظ: المبسوط في أصول الفقه، سبحاني، 4: 121 .
2- ظ: منتهى الدراية، المروج، 7: 446- 447 ,مصباح الأصول، الخوئي، 3: 136- 137 . بحوث في علم الأصول، الصدر، 6: 280

التعليقي للموضوعات، وأما إذا كان راجعا الى الحكم فيجري، كما في (العنب إذا على يحرم)(1)، كما ذهب السيد الشهيد الصدر الى التفصيل بين ما إذا كانت قيود الموضوع مأخوذة في عرض واحد، وبين ما إذا كان بعضها مأخوذا من موضوع بعض الآخر، فلا يجري الاستصحاب الأول ويجري في الثاني .

مثال الأول: ما إذا قيل: (( العنب إذا على حرم )) أو قيل: ((العنب يحرم المغلي منه )) .

ومثال الثاني: ما إذا قيل: ( العنب المغلي حرام ) (2).

الثالث: استصحاب الموضوعات التدريجية
اشارة

إن المستصحب تارة لم يكن تدريجيا كما في استصحاب طهارة الثوب وعدالة زيد ويسمى بالأمور القارة وتارة يكون تدريجيا، وهو على ثلاثة أقسام وهي:

1- استصحاب الزمان
أ- استصحاب الزمان بنحو مفاد (كان) التامة

وذلك كما إذا علمنا بوجود الليل قبل ساعة ثم شككنا في ارتفاعه ألآن فنستصحب بقاءه ونقول: كان الليل قبل ساعة فالآن باق أيضا، ومن المعلوم أن الليل موضوع للأحكام الشرعية كعدم وجوب الإمساك في شهر رمضان مثلا، ولا إشكال في هذا الاستصحاب عدا ما يتوهم من الزمان أمر متجدد ومنصرم، فلا بقاء له كي يستصحب، وبعبارة أخرى: إن الجزء المتيقن هو الجزء المتقدم من الليل الذي علمنا بوجوده قبل ساعة، وهو الآن منعدم يقينا والجزء المشكوك من الزمان هو الذي نحن فيه، وهو غير المتقدم، فيكون ما تعلق به اليقين غير ما تعلق به الشك، ويمكن دفع هذا الإشكال: من أن الزمان وان كان متجددا ومنصرما إلا أن لمثل الليل والنهار ونحوهما وحدة عرفية تشمل ما بين المبدأ والمنتهى من تلك القطعة من الزمان وان تكونت من أنات وأجزاء مختلفة ومنصرفة، وهذه الوحدة كافية لما نحتاجه في الاستصحاب من وحدة متعلق اليقين والشك، فيكون ما تعلق به اليقين في المثال السابق هو الليل وما تعلق به الشك هو الليل أيضا، وإذا استصحبنا الليل، فيترتب عليه الأثر الشرعي(3).

ب- استصحاب الزمان بنحو مفاد (كان) الناقصة

كما إذا علمنا بأن الآنات السابقة كانت متصفة بالليلية أو النهارية، والآن نشك في بقاء هذا الاتصاف بالنسبة الى الآن الذي نحن فيه، فنقول: كان الزمان قبل ساعة نهارا والآن نشك

ص: 183


1- ظ: بحوث في علم الأصول، الصدر، 6: 281-282، وحقائق الأصول، السيد محسن الحكيم، 2: 468، المستمسك، السيد محسن الحكيم، 1: 415 .
2- ظ: بحوث في علم الأصول، الصدر، 6: 288 .
3- ظ: نهاية الأفكار، المحقق العراقي، 42: 148- 149 .

في بقاءه متصفا بالنهارية فنستصحب هذا الاتصاف ونقول: هذا الآن نهارا، والمعروف عدم جريا هذا الاستصحاب ؛ لأن اتصاف هذا الآن بالنهارية هو الآنات المنصرمة، وأما استصحاب النهار واثبات كون هذا الآن من النهار من الأصل المثبت(1)الذي لم يلتزم بحجيته، نظير استصحاب بقاء الكر لإثبات كرية هذا الماء، ولكن ذهب المحقق العراقي الى جريانه فيه بنفس النكتة التي التزموا بها في جريان الاستصحاب في نفس الزمان، وهي مجموع الآنات السابقة واللاحقة تكوّن وحدة زمنية متصلة وممتدة بحسب النظرة العرفية، وهذا يعني إن هذا الآن متصل عرفا بما قبله من الأنات، ولما كانت الآنات السابقة متصفة بالنهارية فنستصحب هذا الاتصاف لهذا الآن، فيتم كونه نهارا (2), واختار هذا الرأي كل من السيد الخميني والسيد الصدر (3).

2- استصحاب الزمانيات

وهي الأمور المتدرجة ذاتاً كالزمان، مثل: الحركة والتكلم والسيلان، والنبع وما شابهها، فلو علمنا بنبع الماء قبل ساعة ثم شككنا في استمرار نبعه، فهل يجري استصحاب النبع لإثبات نبعه فعلا ؟ وكذا في سيلان دم الحيض ونحوه ومن المعلوم أن تحديد موضوع الحكم وهو النبع تترتب عليه أحكام شرعية من حيث التطهير والتنجيس والأكل والشرب .. الخ، وكذا الحال في (الحيض) فهو موضوع حكم شرعي تترتب عليه أحكام شرعية متعددة من حيث الطهارة والنجاسة والصلاة ومس الكتاب الكريم والمكث في المساجد ... الخ، وهذا الاستصحاب المعروف انه يجري وأما شبهة الانصرام وعدم الوحدة في متعلق اليقين والشك فمندفعة بما اندفعت به في نفس الزمان (4).

وذهب بعض الأعلام الى التفصيل من انه منع جريان الاستصحاب فيما إذا كان الشك في الزماني لأجل احتمال قيام مبدأ آخر مقام مبدأ آخر مقام المبدأ الأول بعد العلم بارتفاعه، كما إذا شك في بقاء جريان الماء من جهة احتمال وجود منبع آخر له مع العلم بارتفاع المنبع الأول، ووجه المنع الثاني هو: أن هذا يرجع الى القسم الثاني من القسم الثالث من استصحاب الكلي الذي تقدم عدم جريان الاستصحاب فيه(5).

الرابع: استصحاب الأصل السببي دون الأصل المسببي
اشارة

ص: 184


1- الأصل المثبت: ويقصد به الأصل الذي يراد به إثبات لوازم مؤداه سواء كانت عقلية أو شرعية .مثاله: لو شككنا في حياة شخص وقد تركناه منذ صغره، فنستصحب حيات، لنرتب عليه جميع آثار الحياة ومنها إنبات لحيته، فالإنبات من لوازم المستصحب وهو الحياة: ظ: الموسوعة الفقهية الميسرة،الأنصاري، 3:501.
2- ظ: نهاية الأفكار، العراقي، 4: 148-149.
3- ظ: الرسائل، الخميني، 1: 153-154 .
4- ظ: بحوث في علم الأصول، الصدر 6: 276 .
5- ظ: فوائد الأصول، النائيني، 4: 439 .

إذا كان الشك في شيء ناشئا من الشك في شيء آخر ومسببا عنه، فيقال للأصل الجاري في ناحية السبب: (الأصل السببي) وللأصل الجاري في ناحية المسبب ب- (الأصل المسببي).

ومثاله: إذا غسلنا الثوب النجس بماء، ثم حصل الشك في طهارة الثوب وكان سبب ذلك الشك في طهارة الماء، فلو استصحبنا طهارة الماء- إذا كانت الحالة السابقة له هي الطهارة كان ذلك أصلا سببيا، واستصحاب نجاسة الثوب أصلا مسببا والشك في بقاء نجاسة الثوب ناشئ من الشك في نجاسة الماء(1).

تقديم الأصل السببي على الأصل المسببي

الظاهر انه لا إشكال ولا خلاف كما قيل(2) في تقديم الأصل السببي على المسببي، ولذلك يقدم استصحاب طهارة الثوب، نعم اختلفوا في وجه هذا التقديم هل هو الورود(3) أو الحكومة؟، استظهر المحقق العراقي من صاحب الكفاية: انه على نحو الورود لكن المعروف انه على نحو الحكومة، واختلف القائلون بكونه على نحو الحكومة في كيفية تفسيرها وتوجيهها .

ص: 185


1- الموسوعة الفقهية الميسرة، محمد علي الأنصاري، 3: 490 .
2- ظ: فرائد الأصول، الأنصاري،3: 394,نهاية الأفكار،العراقي،4: 113،فوائد الأصول، النائيني4: 682.
3- الحكومة: هي عبارة عن تصرف احد الدليلين في موضوع الدليل الآخر وضعا أو رفعا لا حقيقة بل ادعاء وتنزيلا، فهي رافعة للتعارض بين الدليلين . ظ: قواعد أصول الفقه على مذهب الإمامية: 462 . الورود: هو عبارة عن كون احد الدليلين رافعا لموضوع الدليل الآخر حقيقة أو موجودا لفرد من موضوع الدليل الآخر حقيقة . ظ: قواعد أصول الفقه على مذهب الإمامية: 465 .
توجيه ورود الأصل السببي على الأصل المسببي

ذهب المحقق العراقي على أن الاستصحاب الجاري في السبب في المثال المتقدم والحكم بطهارته موجب لليقين بطهارة الثوب المغسول به، لكونه من آثاره، فيوجب خروج المسبب حقيقة من أفراد عموم حرمة نقض اليقين بالشك، إذ يكون رفع اليد عن بقاء نجاسة الثوب المغسول به من باب كونه نقضا لليقين باليقين لا من نقض اليقين بالشك(1)

توجيه حكومة الأصل السببي على الأصل المسببي
اشارة

ذكر الأصوليون عدة توجيهات للحكومة نذكر بعضها:

1- ما ذكره المحقق العراقي

وحاصله: انه يكفي في الحكومة، ان يكون الدليل الحاكم ناظرا الى الدليل المحكوم ومحددا له، والأصل السببي هو استصحاب طهارة الماء حينما يثبت طهارة الماء فهو ينظر الى إثبات آثار طهارته، التي منها طهارة الثوب المغسول به أيضا، فيكون الأصل السببي ناظرا الى دليل الأصل المسببي وهو استصحاب نجاسة الثوب ومانعا من شموله لهذا المورد(2).

2- ما ذكره المحقق النائيني

وحاصل ما أفاده هو: إن الأصل السببي يرفع موضوع الأصل المسببي وهو الشك رفعا تعبديا، فأن موضوع استصحاب نجاسة الثوب هو الشك في طهارته، ولكن بعد جريان استصحاب طهارة الماء لا يبقى شك في طهارة الثوب حتى يجري استصحاب نجاسته، لذلك اشترط في الحكومة زائدا على السببية بين الأصلين أمرين :

أ) أن يكون ترتب المسبب على السبب شرعيا لا عقليا، بمعنى أن يكون احد طرفي الشك المسببي من الآثار الشرعية المترتبة على احد طرفي الشك السببي .

ب) أن يكون الأصل السببي رافعا للشك، كما تقدم(3).

3- ما ذكر السيد الخوئي

وحاصله: أن الأصل السببي هو استصحاب طهارة الماء في المثال المتقدم ينقح موضوع الدليل الدال على كبرى المطهّرية؛ فإن موضوعه هو الغسل بماء طاهر، والجزء الأول هو الغسل بالماء محرز بالوجدان والجزء الثاني هو طهارة الماء محرز باستصحاب الطهارة، فيتحقق

ص: 186


1- ظ: نهاية الأفكار، العراقي، 4: 113 .
2- م ن، 4: 116-117 .
3- ظ: فوائد الاصول، النائيني، 2: 208 .

موضوع دليل المطهّرية فيتمسك به لإثبات طهارة الثوب، وعندئذ لا يبقى موضوع لاستصحاب النجاسة في طرف الثوب ؛ لأن المفروض صيرورته طاهرا(1).

الخامس: استصحاب الأصل الموضوعي

قد يراد بالأصل الموضوعي الأصل الجاري في موضوع القضية، ويقابله الأصل الحكمي، وهو الأصل الجاري في حكم القضية .

أمثلة تطبيقية للأصل الموضوعي:

1- ما إذا شككنا في طهارة ماء بعد أن لاقى نجسا، وقد علمنا بكريته سابقا وكان منشأ الشك بقاء الماء على كريته، فإذا استصحبنا كريته يرتفع الشك في طهارته، فالاستصحاب الجاري في طرف الموضوع وهو كرية الماء مع غض النظر عن الحكم، وهو الطهارة أصل موضوعي، ومع جريانه وثبوت الكرية لا حاجة الى إثبات الطهارة بأصل آخر ك- ( أصالة الطهارة ) التي هي أصل حكمي .

2- لو ترددت المرأة بين كونها زوجة لشخص أو أجنبية عنه، فاستصحاب عدم الزوجية الجاري في الموضوع يثبت عدم كونها زوجة، ومعه، فلا مورد لأصالة الإباحة التي هي أصل حكمي أيضا ؛ لأن موضوعها التردد، ومع جريان استصحاب عدم الزوجية يرتفع التردد(2).

3- العقل يحكم بوجوب تعلم المسائل التي يبتلى بها المكلف، فموضوع حكم العقل بوجوب التعلم هو المسألة التي يبتلى بها، فإذا شك المكلف في ابتلائه بمسألة واستصحب عدم ابتلائه بها، فسوف ينتفي موضوع حكم العقل بوجوب التعلم فاستصحاب عدم الابتلاء أصل موضوعي جار في موضوع قضية (المسألة المبتلى بها يجب تعلمها)(3).

أمثلة تطبيقية للأصل الحكمي:

1- إذا شككنا في طهارة ماء لم يبلغ حد الكر ولم نعلم حالته السابقة هل هي الطهارة أو لا فأصالة الطهارة (قاعدة الطهارة) تثبت طهارته .

2- إذا شككنا في حلية عصير الفواكه فأصالة الإباحة تثبت حلية شربه، فهذا الأصل أصل حكمي جار في حكم القضية وهو الحلية(4).

تقديم الأصل الموضوعي على الأصل الحكمي:

ص: 187


1- ظ: مصباح الاصول، الخوئي، 3: 146 .
2- ظ: فرائد الأصول، الأنصاري، 2: 127 .
3- ظ: فوائد الأصول، النائيني، 2: 207 .
4- ظ: م.ن. 2: 209 .

لو كان في قضية أصلان: موضوعي وحكمي، فالموضوعي مقدم على الحكمي لوجود نسبة السببية بينهما كما اتضح ذلك ومن أمثلة التقديم:

إذا شككنا في حلية لحم من جهة الشك في تحقق تذكيته لاحتمال اختلال بعض الشرائط المعتبرة في الذبح مع فرض كون أصله مأكول اللحم فهنا أصلان:

الأول: الأصل الجاري في طرف الموضوع وهو استصحاب عدم تذكيته ؛ لأن المفروض عدم كونه مذكى في زمان مسبق . ونشك الآن في وقوع التذكية عليه، فنستصحب عدم وقوعها .

الثاني: الأصل الجاري في طرف الحكم، وهو أصالة الحلية في كل ما لم نعلم حليته، ومع جريان الأصل الموضوعي، وهو استصحاب عدم وقوع التذكية، لا مجال لجريان الأصل الحكمي وهو أصالة الحلية ؛ لأنه لم يبق شك في الحرمة حينئذ حتى يتمسك بأصالة الحلية(1).

المطلب الثانی: البراءة

1- مفهوم البراءة

أ- البراءة لغة: من برأ أو برئ بمعنى تباعد، وتخلص(2), ومنه براءة الذمة أي تباعدها وتخلصها من التعهد كالتكليف والدين (3).

ب- البراءة اصطلاحا: خلو ذمة المكلف من التكليف، واصل البراءة من الأصول العملية التي مفادها: إن الأصل براءة ذمة كل مكلف من التكليف حتى يثبت بدليل، والحاكم بهذا الأصل والعقل والشرع وما يحكم به الشرع يسمى بالبراءة الشرعية وما يحكم فيه العقل يسمى بالبراءة العقلية .

2- أقسام البراءة

البراءة العقلية: هي كلما شك المكلف في تكليف شرعي ولم يتيسر له إثباته أو نفيه فلا بد له من تحديد موقفه العملي تجاه هذا الحكم المشكوك، وذهب المشهور الى أن تحديد الموقف العملي يكون عبارة عن مسلك قاعدة قبح العقاب بلا بيان القائل: بأن التكليف ما دام لم يتم عليه البيان فيقبح من المولى أن يعاقب على مخالفته وهذا المسلك يعني بحسب التحليل هو أن حق الطاعة للمولى مختص بالتكاليف المعلومة ،ولا يشمل المشكوكة(4)، ثم إن مجرى البراءة إنما هو

ص: 188


1- ظ: مصباح الأصول، السيد الخوئي، 2: 310-312 .
2- معجم مقاييس اللغة، ابن فارس: ( برأ ).
3- المصباح المنير، الفيومي: ( برأ ) .
4- ظ: مصباح الأصول ,الخوئي، 2: 489، الأصول العامة للفقه المقارن ,الحكيم :511, بحوث في علم الأصول ,الصدر، 5: 23, دروس في علم الأصول ,الصدر .1: 370 . -

الشك في التكليف وهو على أقسام لأن الشك قد يكون في التكليف النفسي الاستقلالي، وقد يكون في التكليف الغيري وعلى كلا التقديرين قد تكون الشبهة حكمية وقد تكون موضوعية(1).

دليل البراءة العقلية:

هناك محاولات للاستدلال على البراءة العقلية وأهمها:

1- استدل بأن التكليف إنما يكون محركا للعبد بوجوده الواقعي كما هو الحال في سائر الأغراض الأخرى، فالأسد مثلا إنما يحرك الإنسان نحو الفرار بوجوده المعلوم لا وجوده الواقعي، وعليه فلا مقتضي للتحرك مع عدم العلم ومن الواضح أن العقاب على عدم التحرك مع انه لا مقتضى للتحرك قبيح(2).

2- الاستشهاد بالأعراف العقلانية، واستقباح معاقبة الأمر في المجتمعات العقلانية مأمورة على مخالفة تكليف غير واصل(3).

3- إن كل أحكام العقل مردها الى حكمه الرئيسي الأولي بقبح الظلم وحسن العدل ونحن نلاحظ أن مخالفة ما قامت عليه الحجة خروج عن رسم العبودية وهو ظلم من العبد لمولاه، فيستحق منه الذم والعقاب وان مخالفة ما لم تقم عليه الحجة ليست من أفراد الظلم، إذ ليس من ذي العبودية أن لا يخالف العبد مولاه في الواقع وفي نفس الأمر، فلا يكون ذلك ظلما للمولى، وعليه فلا موجب للعقاب، بل يقبح، وبذلك يثبت قبح العقاب بلا بيان(4).

وهناك مسلك أخر ينفي هذا المسلك وهو ( حق الطاعة ) الذي اختاره السيد الشهيد الصدر(5).

البراءة الشرعية:

تقدم الكلام أن المكلف إذا شك في تكليف شرعي ولم يتيسر له إثباته أو نفيه فلا بد له من تحديد موقفه العملي تجاه هذا الحكم المشكوك، وقد رأينا أن المشهور ذهب الى أن تحديد الموقف بقاعدة قبح العقاب بلا بيان الذي هو عبارة عن البراءة العقلية، ولكن نريد هنا أن نبين مفاد البراءة الشرعية التي مفادها هو: (( الإذن من الشارع في ترك التحفظ والاحتياط تجاه التكليف المشكوك ))(6), فيتوافق الحكم الشرعي مع الحكم العقلي المتقدم على مبنة المشهور .

ص: 189


1- ظ: مصباح الاصول، الخوئي، 2: 489 .
2- ظ: فوائد الأصول، النائيني، 3: 365، دروس في علم الأصول، الصدر، 2: 271 .
3- ظ: م ن .
4- ظ: دروس في علم الأصول، الصدر، 2: 218 .
5- ظ: م ن، 1: 130-131 .
6- دروس في علم الأصول، الصدر، 1: 373 .

وبعبارة أخرى: إن البراءة الشرعية عبارة عن: (( نفي الحكم الفعلي ظاهرا ونفي المؤاخذة على مخالفة ما لا طريق للمكلف الى العلم به ))(1).

وهذه البراءة اعتمدها من لم يعتمد قاعدة قبح العقاب بلا بيان أي البراءة العقلية وبحق الطاعة، فتكون النتيجة عند من امن بحق الطاعة تجاه التكاليف المشكوكة هو البراءة الشرعية لأن قاعدة حق الطاعة مقيدة بعدم ثبوت الترخيص في ترك التحفظ فحينئذ تكون البراءة الشرعية رافعة لقيد قاعدة حق الطاعة ونافية لموضوعها ومبدلة للضيق والسعة(2).

ثم إن مجرى البراءة الشرعية هو نفس مجرى البراءة العقلية وهو الشك في التكليف، كما ان الرجوع الى البراءة الشرعية لا يتم إلا بعد الفحص واليأس من الظفر بالأمارة على الحكم الشرعي وموضوعه في مورد الشبهة (3).

واستدلوا للبراءة الشرعية عدة أدلة من القرآن والسنة (4).

3- أثر البراءة في تحديد موضوعات الأحكام الشرعية في الشبهات الموضوعية

المشهور جريان البراءة العقلية في الشبهات الموضوعية أخذا بحكم العقل: قبح العقاب بلا بيان، لكن إن المحقق البروجردي كان يرد ذلك بحجة أن ما يرجع الى الشارع هو بيان الكبرى والمفروض انه بيّنها، وأما بيان الصغرى مثلا: إن هذا خمر أو لا، فخارج عن وظيفة الشارع، فلا معنى لجعل المقام من مصاديق القاعدة العقلية قبح العقاب بلا بيان (5)

المناقشة: إن المراد من قبح العقاب بلا بيان هو العقاب بلا حجة ومن المعلوم أن الحجة تتشكل من قياس استنباطي صغرى وكبرى، والكبرى وان كانت معلومة ولكن الصغرى مجهولة لدى المكلف، فما دام لم تقم الحجة على أن المائع خمر لا يصح للمولى مؤاخذة العبد لا بملاك انه لم يبين الصغرى بل بملاك انه لم يقم دليل عليها، فلو كان المولى غير راض بارتكاب المشتبهات كان عليه إن يدعم قوله : (حرمت عليكم الخمر ) بقوله :/ معلوما تفصيلا أو إجمالا أو محتملا وإلا فالحجة لا تقوم على العبد إلا بالعلم بالموضوع الشرعي تفصيلا أو إجمالا (6).

ص: 190


1- نهاية الأفكار، العراقي، 3: 199 .
2- ظ: دروس في علم الأصول، 1: 373 .
3- م ن .
4- ظ: نهاية الأفكار، العراقي، 3: 201، فوائد الأصول، النائيني، 3: 231، مصباح الأصول السيد الخوئي، 2: 255 .
5- ظ: نهاية الأفكار، العراقي، 3: 221 .
6- ظ: المبسوط في أصول الفقه، سبحاني، 3: 482 .

والمشهور ذهب الى جريان البراءة العقلية في الشبهات الموضوعية ولكن قد يقول قائل: انه يجب ترك المحتمل مقدمة الاجتناب عن المعلوم تفصيلا وإجمالا ومشكوكا لأن ترك المشكوك كترك المعلوم مقدمة لامتثال الكبرى الشرعية .

وقد أشكل على ذلك: بأن الكبرى الشرعية في مورد الخمر تتصور على أقسام أربعة وهي:

1- النهي بصورة العام الاستغراقي(1): إذا قال: (لا تشرب الخمر) وأراد بالعنوان كل فرد من أفراد الخمر الذي يواجهه المكلف طول عمره بحيث يكون لكل فرد من الخمر حرمة امتثال وعصيان ففي هذه الصورة لا مفهوم للمقدمة ولا لذيها ؛ لآن الحرام هو شرب الافرادي الموضوعات الخارجية على نحو يكون لكل منهما حكم مستقل وراء الفرد الآخر، فإذا شككنا في كون شيء خمرا أو لا، يرجع الشك الى حرمة شيء مستقلا وراء ما علم ومن المعلوم إن الشك في الحرمة مرفوع لقوله (ص) ( رفع عن امتي -- )(2).

2- النهي بصورة العام المجموعي : مثلا لو قيل: ( لا تشرب الخمر ) وجعل مجموع أفرادها الخارجية التي يواجهها المكلف طول عمره موضوعا واحدا له حكم واحد بحيث لو ترك عامة الإفراد إلا فردا واحدا لما امتثل أصلا، ففي هذه الصورة يكون كل فرد جزء الموضوع لا موضوعا مستقلا بخلاف القسم السابق، ومرجع الشك بين الأقل والأكثر سوف تجري البراءة العقلية فيه أيضا، وليس هنا أيضا اثر من المقدمة وذيلها، لآن موضوع الحكم هو المجموع بما هو مجموع وللجميع امتثال واحد وعصيان واحد وعصيان كذلك، وعنوان المجموع عنوان مشير الى الأفراد الخارجية(3).

3- تعلق النهي بالترك البسيط: إذا جعل ( ترك الشرب ) بما انه مفهوم بسيط متعلقا للنهي ويكون المطلوب هو المفهوم البسيط، وتكون لتروك المتعددة حسب تعدد الخمر محصلة له، وهذا نظير باب الطهارة على القول بأنها اسم للطهارة النفسية المتحصلة من الغسلات والمسحات، ففي هذه الصورة يكون لقول قائل معنى صحيح، فإذا شككنا في خمرية شيء يرجع الشك الى أن امتثال المفهوم البسيط هل يحصل بترك هذا الفرد أو يحصل مع ارتكابه، فالعقل يحكم عدم جريان البراءة فيه(4).

ص: 191


1- العام الاستغراقي والعام المجموعي: إن اللفظ الدال على العموم إن دل على مصاديق الطبيعة عرضا بلا اعتبار الاجتماع بينهما مثل لفظ (كل، ال، جميع ) يكون العام استغراقي، وان اعتبرت الوحدة والاجتماع في الأفراد بحيث صارت الأفراد بمنزلة الأجزاء كان العام مجموعيا مثل لفظ (مجموع) ظ: القواعد الأصولية على مذهب الإمامية: 234 .
2- ظ: المبسوط في أصول الفقه، سبحاني، 3: 484 .
3- ظ: نهاية الأفكار، العراقي، 3: 229 .
4- ظ: نهاية الأفكار، العراقي، 3: 229 .

ومع ذلك فالقول بجريان البراءة في مطلق الشبهة الموضوعية مشكل بل يستثنى من الشبهة الموضوعية موردين:

الأول: إذا كان الموضوع لا يعلم إلا بالفحص ولولا الفحص تلزم لغوية الحكم في موارد خاصة نظير: الشك في بلوغ المال حد النصاب، أو التمكن من المال على حد يستطيع معه الحج، أو الشك في كون الإنسان قادرا على العمل بالتكليف أو لا، فلولا الفحص لا يعلم الموضوع .

الثاني: إذا كان تحصيل العلم بالموضوع سهلا بالنظر، فالفحص عن المائع المردد بين الخمر والخل أمر سهل لا يحتاج إلا إضاءة المصباح والنظر اليه خرج من ذلك احتمال وقوع النجاسة للنص على عدم لزوم الفحص فيها(1).

أمثلة تطبيقية:

1- الموضوع المردد بين الأقل والأكثر الاستقلاليين بمعنى أن ما يتميز به الأكثر على الأقل من الزيادة على تقدير وجوبه مثلا واجبا مستقلا عن وجوب الأقل، كما إذا علم المكلف بأنه مدين لغيره بدرهم أو درهمين، وهذا لاشك في أن وجوب الأقل فيه منجز بالعلم، ووجوب الزائد بشك بدوي فتجري عنه البراءة عقلا وشرعا(2).

أن يتردد الأمر بين الأقل والأكثر الارتباطين بمعنى أن هناك وجوبا واحدا له امتثال واحد وعصيان واحد، وهو أما متعلق بالأقل أو بالأكثر، كما إذا علم المكلف بوجوب الصلاة فالصلاة موضوع الحكم فهي مركب ارتباطي وترددت الصلاة بين تسعة أجزاء وعشرة فذهب الأنصاري والعراقي الى جريان البراءة عقلا وشرعا في هذا المثال(3)، إلا إن المحقق الخراساني أجرى البراءة الشرعية دون العقلية (4).

ص: 192


1- م ن .
2- ظ: فوائد الأصول، النائيني، 4: 150، دروس في علم الأصول، الشهيد الصدر، 2: 423-424 .
3- ظك فوائد الأصول، النائيني، 4: 150، دروس في علم الأصول، الشهيد الصدر، 2: 423- 424 .
4- ظ: فرائد الأصول، الأنصاري، 2: 317- 318، نهاية الأفكار العراقي، 3: 375 .

المطلب الثالث: أصالة الاشتغال ( الاحتياط )

1- مفهوم الاشتغال
أ- الاشتغال لغة

الاشتغال في اللغة: ((هو مصدر اشتغل واصله شغل فالشين والغين واللام أصل واحد يدل على خلاف الفراغ))(1).

ب- الاشتغال اصطلاحاً

وأما اصطلاحا: هي الوظيفة في حالة العلم الإجمالي(2).

لأن التكليف تارة يكون معلوما بالتفصيل وأخرى بالإجمال والكلام بالتكليف المعلوم بالإجمال تارة في أصل منجزيته بمعنى أن يكون العلم الإجمالي مثبتا للتكليف وكافيا في تنجزه وتارة في جريان الأصول العملية في أطرافه كلا أو بعضا والكلام في المقام يختص به(3).

ثم إن القطع أما أن يكون أمرا خاصا لا تردد فيه فهو قطع تفصيلي، كالقطع بوجوب صلاة الصبح، وأما أن يكون فيه تردد، كما إذا قطع بأنه فات منه أداء صلاة الصبح أو المغرب فيقطع بوجوب الصبح أو المغرب والمراد بالعلم الإجمالي هنا هو من القسم الثاني من القطع، فالعلم الإجمالي مركب من علمين: احدهما العلم التفصيلي بالتكليف مثلا، وثانيهما العلم بأن العلم هذا المعلوم ما لا يخرج عن هذه الأطراف أو الطرفين(4), إذا العلم الإجمالي مركب من علم تفصيلي بالجامع وشكوك تفصيلية بعدد إطراف ذلك العلم، وعليه فإذا شككنا في براءة الذمة من التكليف المعلوم فإن العقل يحكم بوجوب الإتيان به بنحو نطمئن بفراغ الذمة من التكليف، وهو ما يعبر عنه الأصوليون بأن الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني(5), ومرادهم من الاشتغال اليقيني باشتغال الذمة بالتكليف، ومن الفراغ اليقيني بخلو الذمة وفراغها من عهدته، وعلى هذا ففي أي مورد علمنا بوجود التكليف يجب علينا تحصيل العلم بفراغ الذمة منه، وهو لا يمكن إلا عبر الاحتياط بامتثاله والإتيان به وهو المعبر عنه بالاحتياط ويمكن أن نمثل له بأن من تحقق عنده نصاب الزكاة في التمر والزبيب فأنه لا يصح أن يدفع بدلهما الرطب والعنب، لأن الذمة مشغولة بالتمر والزبيب، ولا نعلم بأنه إذا دفع الرطب والعنب ستبرأ من التكليف هذا في الشبهة

ص: 193


1- معجم مقاييس اللغة، ابن فارس، ( شغل ).
2- ظ: دروس في علم الأصول، الصدر، 1: 403 .
3- ظ: قواعد أصول الفقه على مذهب الإمامية: 408 .
4- ظ: نهاية الدراية، المحقق الأصفهاني، 4: 10-12 .
5- ظ: فرائد الأصول، الأنصاري ,2: 210-211، كفاية الأصول، الخراساني: 346، مقالات الأصول، العراقي، 5: 238 .

الموضوعية لأن الذي نقح موضوع الحكم الشرعي وهو النصاب هو أصالة الاحتياط وانصب حكم وجوب دفع ما يبرأ الذمة.

2- كيفية الاحتياط

يتحقق الاحتياط عبر صورتين:

1- عبر تكرار العمل، كما إذا جهلنا جهة القبلة ولم نتمكن من تحصيل العلم بها، فإنه ينبغي تكرار الاتيان بالصلاة الى الجهات الأربع لنحصل على اليقين بأننا قد صلينا الى جهة القبلة، ومن هذا القبيل الإتيان بكل التكاليف المحتملة كما إذا سافرت الزوجة من دون إذن زوجها وشككنا في أن هذا السفر يعد سفر معصية فيجب عليها أن تصلي صلاتها تامة أم هو سفر مباح ونحوه فيجب عليها أن تقصّر إذ يجب عليها في هذه الحال أن تجمع بين القصر والتمام لكي تطمئن بفراغ ذمتها من الصلاة .

2- عبر الاتيان بكل ما نحتمل له مدخلية في صدق الطاعة للتكليف، كما إذا شككنا في أن جلسة الاستراحة واجبة في الصلاة أم لا ؟، فإن مقتضى الاحتياط يستدعي الإتيان بها لكي نطمئن بأننا لم ننقص في أجزاء الصلاة (1).

3- أثر أصالة الاحتياط في تنقيح وتحديد موضوع الحكم الشرعي

ولأصالة الاحتياط أثر في تحديد موضوعات الأحكام والمتمثلة بالأقسام الآتية:

4- أقسام الاحتياط المحددة لموضوعات الأحكام الشرعية
الأول: الاحتياط في الشبهة التحريمية

وهي الموارد التي يشتبه فيها الحرام بغير الواجب من الأحكام وهذا الاشتباه راجع الى موضوع الحكم الشرعي نظير التدخين أو الاستنساخ أو التلقيح الصناعي والمعبر عنها بالشبهة الموضوعية، وقسم الأصوليون الشبهات التحريمية الى قسمين وهما:

1- الشبهة التحريمية المحصورة .

2- الشبهة التحريمية غير المحصورة .

وأرادوا بالشبهة المحصورة الشبهة التي يحصل فيها الشك في الحكم بين أطراف قليلة يمكن حصرها والاعتناء بحكمها عند العقلاء كتردد سقوط النجاسة بين احد الإنائين، وتردد الإخوة الرضاعية بين ثلاث نساء مثلا وتردد الدار المغصوب بين أربعة دور وهكذا .

ونلاحظ أن في الموارد المذكورة عندنا لم بوجود الحكم والشك وقع في موضوع الحكم الشرعي وهي الشبهة الموضوعية بحيث أننا نعلم بوجود النجاسة في المثال الأول ونجهل بالإناء النجس من الإنائين، وفي المثال الثاني نعلم بوجود الإخوة الرضاعية ولكننا نجهل أيّا من النساء

ص: 194


1- ظ: فوائد الأصول، النائيني، 3: 325 .

هي الأخت الرضاعية، وفي المثال الثالث نعلم بوجود الدار المغصوب ونشك في انه الدار الأول أم الثاني أم الثالث أم الرابع، ومقتضى القاعدة في الجميع هو وجوب الاحتياط فيها جميعا حيث أن أصالة الاحتياط شخصت موضوع الحكم بعد الاشتباه به بين أفراد متعددة حيث أن جريان أصالة الاحتياط حدد باجتناب استعمال كلا الإنائين واجتناب الزواج من النساء الثلاثة، واجتناب التصرف في الدور الأربعة لأن هذا الاجتناب هو الذي يوفر لنا العلم بعدم الوقوع بالمعصية والشبهة محصورة بين أمرين أو ثلاثة ونحوهما مما هو محصور والحاكم بوجوب الاجتناب فيه هو العقل، وهذا ما عبروا عنه بقولهم منجزية العلم الإجمالي فتحرم مخالفته القطعية وتجب موافقته القطعية وهذا ما لا يتحقق إلا عبر الاحتياط(1).

وأما الشبهة غير المحصورة فأرادوا بها الشبهة الواسعة التي تتسع فيها دائرة الشك بحيث يتعذر حصرها واجتنابها، ولذا يكون العمل بالاحتياط فيها أخذا بالاحتمال الضعيف في مقابل القوي، وهو خروج عن الطريقة العقلانية في الطاعة والمعصية، بل العمل بها يوجب العسر والحرج على الناس وهو ينافى مع حكمة التشريع لذلك سوف نورد بعض الأمثلة في الشبهات الموضوعية لأنها جوهر البحث وهي:

المثال الأول: ذا علمنا أن احد القصابين في البلد لا يذبح على الطريقة الشرعية ومجموع القصابين في البلد يبلغون حوالي إلفا فإن من غير المعقول أن نجتنب شراء اللحم من مجموع الألف خوفاً من الوقوع بشراء، لأن اجتناب الجميع يعد عملاً بالاحتمال الضعيف فيتنافى مع الطريقة العقلانية .

المثال الثاني: إذا علمنا أن أحد الباعة في السوق أمواله غصبية فإن من غير المعقول أن نجتنب التعامل مع كل الباعة ولو بلغوا الآلاف تحرزاً من الوقوع في الحرام .

ونلاحظ الأمثلة المتقدمة أن الفرد المحرم فيها معلوم وجوده فهنا مخلوط بين أفراد متكثرة جدا بحيث يصعب حصرها، كما يصعب الاحتياط فيها بل يعد الاحتياط فيها خروجاً عن الطريقة العقلانية وعليه فإن أصالة الاحتياط تجري في الشبهات الموضوعية في الشبهة المحصورة ولا تجري في الشبهة غير المحصورة وهذا ما اتفق عليه الأصوليون(2).

الثاني: الاحتياط في الشبهات الوجوبية

ص: 195


1- ظ: فرائد الأصول، الأنصاري، 2: 210 ,مقالات الأصول، العراقي، 2: 233، منتهى الأصول، البجنوردي، 2: 328-329 .
2- ظ: فرائد الأصول، الأنصاري، 2: 257، كفاية الأصول، الخراساني: 359، مقالات الأصول العراقي، 2: 241، منتهى الأصول، البجنوردي، 2: 383 .

وهي من الموارد التي يشتبه فيها الواجب بغير الحرام من الأحكام نتيجة الاشتباه في الموضوع ويجري الاحتياط هنا في الشبهات الموضوعية والشبهات الحكمية، نظير وجوب جلسة الاستراحة في الصلاة أو وجوب التسبيحة الثانية والثالثة من الركعة الثالثة والرابعة او وجوب الخمس في الهدية ونحو ذلك فإنها مرددة بين أن تكون واجبة وجائزة سواء كان جوازها بنحو الإباحة أو الاستحباب وهذا التردد حقيقة راجع للاشتباه بمصاديق موضوع الحكم الشرعي بحيث أن الهدية مثلاً هل هي من مصاديق الخمس حتى نشملها حكمه وهو وجوب الخمس على الهدية أم لا- ؟

وتقع الشبهة الوجوبية في أمرين وهما(1):

1- التردد بين الحكمين المتباينين :

كتردد الحكم في ظهر يوم الجمعة بين وجوب صلاة الظهر ووجوب صلاة الجمعة ومن الواضح

أن القول بوجوب الظهر يستلزم عدم صحة صلاة الجمعة، بل عدم جوازها وكذلك الأمر بالعكس، ومن سمات هذا الأمر هو التردد بين حكمين أو موضوعين ولا نعلم أيهما الواجب علينا .

2- التردد في الحكم الواحد بين تعلقه بالموضوع الأكثر من حيث أجزائه وشرائطه أو الأقل:

كتردد الأمر في وجوب قراءة السورة القصيرة مضافاً الى الفاتحة في الصلاة وعدمها وهذا ما يعبر عنه بالتردد بين الأقل والأكثر وهو على قسمين :

الأول: التردد بين الأقل والأكثر ألارتباطي، كما في التردد بين كون الواجب من القراءة في الصلاة أن تكون الحمد مع السورة أم يكفي الإتيان بها بدون بها ولو بدون السورة .

الثاني: التردد بين الأقل والأكثر الاستقلاليين: كالتردد في الدين الموجود في الذمة بين كونه مائة دينار أو مائتين، وتردد الصوم المتعلق قضاءه في الذمة بين اليوم الواحد أم اليومين مثلاً وهكذا، أما الحكم في الاستقلالي هو وجوب الأخذ بالأقل لأنه القدر المعلوم من التكليف وأما ما زاد عنه فهو مشكوك التكليف يمكن نفيه بواسطة البراءة فيحكم بعدم وجوبه لأنه قيداً زائداً على الموضوع وهذا الحكم أتفق عليه الأصوليون(2) بينما إختلفت كلمتهم في التردد بين الأقل والأكثر الارتباطي، فذهب جماعة الى التمسك بالأقل وإجراء البراءة عن الجزء الزائد لأنه مشكوك

ص: 196


1- ظ: أصول الفقه وقواعد الاستنباط، الصفار، 2: 276 .
2- ظ: نهاية الأفكار العراقي، 2: 257, منتهى الأصول، البجنوردي، 2: 407 .

التكليف وذهب الآخرون الى وجوب الاحتياط فيه وهو يستدعي الاتيان بالأكثر لكي نحصل على اليقين ببراءة الذمة من التكليف فهو من قبيل العنوان والمحصّل(1).

بتقريب: أن الشارع حينما أوجب علينا الصلاة جعل الصلاة عنواناً وهذا العنوان يتحقق عبر الإتيان بجميع أجزاء الصلاة وشرائطها، فإذا شككنا في وجوب جزء في الصلاة كجلسة الاستراحة أو كسكون البدن عند القراءة فإننا يجب أن نأتي بهما لكي نطمئن من تحقق مصداق الصلاة في العمل، بداهة أنهما لو كانا جزئين أو جزءاً وشرطاً في الصلاة لتوقف صدق الصلاة الخالية من جلسة الاستراحة الواجبة أو الخالية من السكون عند القراءة ليست بصلاة تامة ولذا فإن العقل يقضي بلزوم الاحتياط فيها والإتيان بجلسة الاستراحة والسكون لتحصيل عنوان الصلاة، ونطمئن ببراءة الذمة من التكليف بها ولولا هذا الاحتياط لم يحصل هذا الاطمئنان بالبراءة .

والخلاصة: أن الأصوليين في الشبهة الوجوبية اتفقوا في أمرين واختلفوا في أمر واحد، فاتفقوا على التمسك بالاحتياط إذا وقع التردد بين الأمرين المتباينين في الشبهات الموضوعية والحكمية وعلى التمسك بالبراءة إذا وقع التردد بين الأقل والأكثر الاستقلاليين في الشبهات الموضوعية والحكمية واختلفوا في الأقل والأكثر الارتباطي، فذهب جماعة الى البراءة وذهب آخرون الى الاحتياط في الشبهات الموضوعية والحكمية .

المطلب الرابع: أصالة التخيير

1- مفهوم التخيير
أ- التخيير لغة

لغة: مصدر خيّر، يقال: خيّره في كذا، أي فوض اليه الاختيار(2), والاختيار هو انتقاء شيء واصطفاؤه من بين الأشياء (3).

ب- التخيير اصطلاحاً

اصطلاحا: لم يخرج استعمال الفقهاء لذلك عن معناه اللغوي، إذ ذهب الفقهاء بأن المراد بأصالة التخيير هي حكم العقل بلزوم اختيار أحد الحكمين بسبب وجود معارضة بينهما بحيث لا يتمكن العبد من الاحتياط بالإتيان بهما معاً لعدم إمكانه كما لا يتمكن من تركها معاً لأنه يستوجب العصيان، ومن الواضح أن الأمر إذا دار بين حكمين تكليفيين أو موضوعين لحكمين تكليفيين لا يمكن العمل بهما ولا تركهما معاً يحكم العقل بلزوم التخيير بينهما، فيقضي على

ص: 197


1- ظ: فرائد الأصول، الأنصاري، 2: 316-317، كفاية الأصول، 363-364، أجود التقريرات، الخوئي، 3: 488، مقالات الأصول، العراقي، 2: 359 .
2- ظ: المصباح المنير، الفيومي: (خيّر).
3- ظ: القاموس المحيط، الفيروزابادي: (خير).

المكلف بلزوم العمل بأحدهما؛ لأنه القدر الممكن من الطاعة، وأي احتمال آخر غير ذلك يستوجب العصيان قطعاً، وهذا الحكم العقلي بالتخيير بين الحكمين يسمى عندهم بأصالة التخيير عند دوران الأمر بين المحذورين(1): ومثاله كما لو ترددت الطبيبة في أمر الجنين في رحم المرأة بين كونه حياً فيحرم إسقاطه أم ميتاً فيجب إسقاطه لإنقاذ حياة الأم من الخطر فهنا الشبهة موضوعية .

2- شرائط العمل بالتخيير

ذكر العلماء شروطاً لجريان أصالة التخيير كي يحكم العقل بالتخيير بين الحكمين أو موضوعي حكمين وهي:

أ- أن نفحص عن الحقيقة لرفع حالة الشك والتردد .

ب- عدم إمكان الاحتياط في المسألة .

ج- أن لا يكون أحد الأمرين أهم من الأخر ؛ لأننا إذا أحرزنا أهمية أحدهما- كحياة الأم الحامل مثلاً- وجب الأخذ به وترك الأخر، فإذا فحصنا عن الحقيقة ولم نتوصل الى نتيجة أو تعذر الفحص علينا فإن المسألة تصل الى وجوب الاحتياط، فإذا لاحظنا أن الاحتياط ممكن وجب العمل به، وأما إذا لاحظنا عدم إمكان الاحتياط تصل النوبة الى الترجيح ومعياره إحراز أهمية أحد الطرفين أو احتمال الأهمية الملزمة، فإذا لم يكن أحدهما أهم ولا نحتمل فيه الأهمية فإن العقل يحكم بلزوم اختيار أحد الطرفين ؛ لأن ذلك هو ما يقدر على فعله العبد في باب الطاعة ؛ لأنه لا يمكنه أن يترك كلا الحكمين لأنه غير معقول ؛ بداهة إن الواجب لا يجتمع مع الحرام فكيف يعمل بشيء واحد يحتمل فيه الوجوب والحرمة ؟ لذا يحكم العقل بوجوب التخيير بين الحكمين من باب اللابدية وعدم وجود المخلص إلاّ به(2).

3- أثر أصالة التخيير في تحديد الموضوعات الأحكام الشرعية في الشبهات الموضوعية
اشارة

إن لأصالة التخيير أثر في تحديد الموضوعات ويمكن تصويره بما يأتي:

الأول: دوران الأمر بين المحذورين مع الجهل بنوع الحكم التوصلي

إذا دار الأمر التكليفي بين المحذورين، كما إذا علم إجمالاً بوجوب قتل إنسان أو حرمته، ومنشأ التردد كونه مجهول الهوية، فهو دائر بين كونه مؤمناً أو محارباً، فعلى الأول يحرم قتله، وعلى الثاني يجب قتله، فأمر القتل دائر بين الحرمة والوجوب ولكن الحكم الواقعي أعم من الوجوب والحرمة على فرض ثبوته توصلي هذا فيما إذا كانت الشبهة موضوعية بمعنى أن التردد

ص: 198


1- ظ: فرائد الأصول، الأنصاري، 2: 178-179، كفاية الأصول، الخراساني: 355، أجود التقريرات، الخوئي، 3: 399، مقالات الأصول، العراقي، 2: 223 .
2- ظ: أصول الفقه، الصفار، 2: 284 .

كان في موضوع الحكم وهو المردد بين الإنسان المؤمن أو المحارب، ولا شك أن الموافقة القطعيتين غير ممكنة (1) فالمكلف مخيراً في تشخيص الحكم وبعد ذلك يحكم عليه في ضوء ذلك التشخيص فإذا اختار أن يكون الإنسان المردد بأنه مؤمناً صب حكم الحرمة بقتله وأما إذا كان محارباً صب حكم وجوب قتله، فإذاً الذي شخص موضوع الحكم المردد هو الأصل العملي أصالة التخيير .

الثاني: إذا دار الأمر بين المحذورين وكان كلاهما أو أحدهما تعبدياً

كما في المرأة التي تشك في موضوع الحكم الشرعي وهو الشك في حيضها وطهرها، فيدور الأمر بالنسبة الى صلاتها بين الوجوب والحرمة تبعاً للتردد في موضوع الحكم وهو الحيض والطهر، فإنها لو كانت حائضاً كان الحكم حرمت عليها الصلاة وإن كانت طاهرة وجبت عليها، ففي هذا المورد لما كانت المرأة قادرة على المخالفة القطعية، وإن لم تكن قادرة على الموافقة القطعية، فيكون العلم الاجمالي منجزاً في حقها بمقدار حرمة المخالفة، وبذلك يخرج المورد عن موارد دوران الأمر بين المحذورين(2).

وتوضيح ذلك: إن البراءة عن وجوب الصلاة وعن حرمتها وإن لم تكن في حد نفسها مخالفة قطعية، لكنها إذنٌ فيها والإذن في المعصية قبيح، نعم إنما يقبح الإذن في المعصية إذا كان المكلف قادراً عليها والمرأة هنا قادرة على المعصية بأن تصلي من دون قصد القربة، بناءً على حرمة الصلاة على المرأة الحائض ذاتاً ولو من دون قصد القربة، فإنها بذلك خالفت وجوب الصلاة مع قصد القربة و وخالفت حرمة الصلاة ؛ لأنها صلّت وإن كانت صلاتها غير مقرونة مع قصد القربة أو بدونه(3).

ص: 199


1- ظ: الوسيط في أصول الفقه ,الشيخ جعفر سبحاني، ( 1-2 ): 120، مط: دار جواد الأئمة (ع)، ط 1 بيروت، 1432 ﻫ- 2011 م .
2- ظ: فوائد الأصول، النائيني، 3: 452 .
3- ظ: فوائد الأصول، النائيني ,3: 454، ونهاية الأفكار، العراقي، 3: 296، ومصباح الأصول، الخوئي، 3: 351 .

المبحث الثاني: الأصول المختصة في تحديد موضوعات الأحكام في الشبهات الموضوعية

اشارة

إن هناك أصولاً عملية مختصة بتحديد موضوعات الأحكام الشرعية عند فقدان الأدلة اللفظية والأمارات القطعية والظنية، وأهم هذه الأصول ما يأتي:

أولاً: أصالة الصحة

معنى هذا الأصل هو حمل فعل المسلم على الصحة، وموضوعها الشك في صحة العمل أي الشك في موضوع الحكم الشرعي والتي يعبر عنها بالشبهة الموضوعية وهي ( بأن لا تكون صورة العمل محفوظة )، ومنشأ الشك الموضوعي قد يكون احتمال فقدان الشرط وقد يكون احتمال وجود المانع وهذا المورد المتيقن للقاعدة حيث قال السيد الخوئي: (( والقدر المتيقن من موارد أصالة الصحة هي الصورة التي كان الشك فيها من جهة احتمال أو وجود المانع مع إحراز قابلية الفاعل والمورد ))(1), ولا فرق في حدوث الشك هنا بين كونه في أثناء العمل أو بعد إتيانه، كالشك في صحة البيع من ناحية احتمال الخلل شرطاً أو مانعاً فعند ذلك تحمل المعاملة على الصحة ويكون هذا الأصل حاكماً على الاستصحاب وهذا الأصل جاري في المعاملات والعبادات(2).

ومثالها: إذا قام المسلم بغسل الميت وتكفينه والصلاة عليه أو قام بغسل الأواني واللحوم النجسة فهنا عند الشبهة الموضوعية، يحمل فعل المسلم على الصحة وبالتالي يسقط التكليف عن الغير ولا يحتاج الى احراز الصحة بالعلم والبيّنة (3) ومثاله أيضاً: إذا أذن أحد المسلمين أو أقام وشك في صحة عمله، يحمل على الصحة ويسقط التكليف عن الغير، أو ناب رجل في الحج أو العمرة أو في جزء من أعمالها وشك في صحة العمل المأتي به، يحمل على الصحة، والى غير ذلك من أعمال الوكلاء في الزواج والطلاق والبيع والشراء والإجارة، أو فعل الاولياء كالأب والجد في تزويج من يتوليانه أو الاتجار بماله(4).

ثانياً: قاعدة التجاوز

فمعنى هذا الأصل هو أنه إذا شك المكلف في تحقق جزء من العبادات بعد تجاوز المحل فلا يعتني بشكه ولا يترتب على أي أثر، قال السيد الخوئي: (( ملاك قاعدة التجاوز هو الشك

ص: 200


1- مصباح الأصول، الخوئي، 3: 326 .
2- ظ: مائة قاعدة فقهية، السيد محمد كاظم المصطفوي: 149، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، ط 5، قم، 1425 ﻫ
3- ظ: الوسيط في أصول الفقه، سبحاني, 2: 175 .
4- م ن .

في وجود الشيء مع إحراز وجوده كما في قاعدة الفراغ والصحة بعد التجاوز عن محله ))(1) وهذا هو المستفاد من الأدلة، وعليه لا مجال لما ذهب اليه النائيني: الى أن موضوع قاعدة التجاوز هو الشك في جزء المركب بعد التجاوز عن محله والدخول في الجزء الأخر وموضوع قاعدة الفراغ هو الشك في صحة المركب بعد الفراغ عنه فقال: (( تتعرض أحدهما لحال العمل بعد الفراغ عنه الأخرى لحاله في الأثناء ))(2).

والصحيح: أنه لا فرق بينهما من هذه الناحية أصلاً بل الفرق إنما هو من ناحية الصحة والوجود، ففي قاعدة الفراغ يكون متعلق الشك هو صحة العمل بعد إحراز أصل العمل، ففي قاعدة التجاوز يكون متعلق الشك أصل العمل فيكون الشك في التحقق، أعم من أن يكون المشكوك هو جزء المركب أو نفس المركب(3) وهذه القاعدة ليست مختصة بباب الصلاة، بل تجري في كل مركب شك في أحد أجزائه بعد الدخول في الجزء الأخر إلا الوضوء للنص الخاص(4).

اذاً إن قاعدة التجاوز من الأصول التي تجري في الشبهات الموضوعية، من حيث الاشتباه في تحقق الموضوع كما إذا دخل في الصلاة وشك في تحقق أحد أجزاء الصلاة بعد الدخول في الجزء الأخر أي بعد تجاوزه يبني على الصحة وكذا إذا دخل في سورة الحمد وشك في الآية الأخيرة هل أتى بها أم لا فهنا يبني على صحة موضوعه بعد تجاوز أحد أجزاءه لعموم قوله (علیه السلام) : (( إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء ))(5) وهذا هو الأقوى(6).

ثالثاً: قاعدة الفراغ

معنى الفراغ: هو الحكم بصحة العمل المركب الذي شك في صحته بعد الفراغ منه كالشك في صحة الصلاة لاحتمال الخلل، فيحكم بصحة الصلاة وتماميتها، ولا يترتب الأثر على الشك، ولا تختص القاعدة بالطهارة والصلاة بل تعم جميع العبادات بل المعاملات كما قال السيد الخوئي: (( إنه تتعدى منهما بواسطة العموم الوارد في موثقة إبن بكير: ( كلما شككت فيه مما قد مضى فأمضه كما هو )(7) وبعموم التعليل في قوله: ( هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك

ص: 201


1- مصباح الأصول، الخوئي، 3: 279 .
2- أجود التقريرات، الخوئي، 2: 465 .
3- ظ: مائة قاعدة فقهية، مصطفوي: 84 .
4- ظ: مصباح الأصول، الخوئي 3: 296 .
5- الوسائل، العاملي، 5: 336 .
6- ظ: مصباح الأصول، 3: 296 .
7- الوسائل، العاملي، 5: 342 .

)(1)، وبعموم قوله (علیه السلام) : (وكان حين إنصراف أقرب الحق )(2) فلا مانع من جريان قاعدة الفراغ في الطواف وغيره، بل لا مانع من جريانها في العقود والإيقاعات، فتجري قاعدة الفراغ في الجميع بمقتضى عموم الدليل(3).

وهذه القاعدة تجري في عمل النفس لا في عمل الغير وبه تمتاز عن قاعدة الصحة، كما تقدمت الإشارة اليه، ويكون موردها الشك في الصحة بعد إحراز أصل العمل ولابد أن يكون الشك ناشئاً عن الغفلة والسهو ولم تكن صورة العمل محفوظة لأن القاعدة بحسب الحقيقة تنشئ عن أصالة عدم الغفلة(4) إذا إن قاعدة الفراغ من الأصول العملية الخاصة التي بحثها علماء الفقه في علم القواعد الفقهية كما هو حال سائر الأصول الخاصة أي المختصة في الشبهات الموضوعية ولا تعم الشبهات الحكمية فإن الشك في هذه القاعدة يكون في أجزاء موضوع الحكم الشرعي بعد الفراغ من تمام الموضوع فيأتي هذا الأصل لرفع الشك والحيرة للمكلف ويحكم بصحة ما قام به المكلف .

أمثلة تطبيقية :

1- قال السيد اليزدي (قد): (( وإن شك بعد الفراغ في أنه (الحاجب) كان موجوداً أم لا ؟ بني على عدمه ويصح وضوءه وكذا إذا تيقن إنه كان موجوداً وشك في أنه أزاله أو أوصل الماء تحته أم لا..؟ وقال السيد الحكيم (قد) إن الحكم يكون كذلك لقاعدة الفراغ))(5).

2- قال السيد اليزدي (قد): (( إذا علم بوجود مانع وعلم زمان حدوثه وشك في أن الوضوء كان قبل حدوثه أو بعده يبني على الصحة لقاعدة الفراغ ))(6).

رابعاً: أصالة عدم التذكية

ومعنى هذا الأصل هو: عند الشك في لحوم الحيوانات هو عدم التذكية وعليه إذا وجد لحم أو جلد من الحيوانات وشك في كونه مذكى أو غير مذكى فالأصل هو عدم التذكية ومن المعلوم أن حدوث الشك إنما يكون عند فقدان الأمارة (السوق) وإلاّ فلا مجال للشك بل تحرز الذكاة بالإمارة، وأما بالنسبة الى قاعدة الطهارة والحل فتكون القاعدة حاكمة عليهما، كما ذهب الى ذلك الحكيم بقوله: ((إن قاعدتي الحل والطهارة محكومتان لأصالة عدم التذكية))(7).

ص: 202


1- الوسائل، العاملي، 5: 345 .
2- م ن، 5: 347 .
3- ظ: مصباح الأصول، الخوئي، 3: 368 .
4- م ن، 3: 321 .
5- مستمسك العروة الوثقى، الحكيم، 2: 524 .
6- العروة الوثقى، السيد اليزدي: 69 .
7- ظ: مستمسك العروة الوثقى، السيد الحكيم، 1: 328 .

قال السيد الخوئي: ((إذا شككنا في لحم أو جلد إنه ميت أو مذكى فإنه على تقدير أن الأحكام المتقدمة مترتبة على عنوان ما لم يذكّ يحكم بنجاسته وحرمة أكله مغيرهما من الأحكام لأصالة عدم التذكية ..... وإن حرمة الأكل وعدم جواز الصلاة حكمان مرتبان على موضوع الحكم الشرعي وهو عنوان غير المذكى وعليه إذا شككنا في تذكية لحم أو جلد ونحوهما نستصحب عدم التذكية ونحكم بحرمة أكله))(1) وأصالة عدم التذكية من الأصول التي تجري في الشبهات الموضوعية وهي من الأصول المتكررة على السنة الفقهاء حيث استدلوا على حجيته بالتواتر والأخبار المستفيضة(2) مثاله:

قال السيد الخوئي: (( ما كان الشك فيه من جهة احتمال عدم وقوع التذكية عليه للشك في تحقق الذبح أو لاحتمال بعض الشرائط، مثل: كون الذابح مسلماً أو كون الذبح بالحديد أو وقوعه الى القبلة، مع العلم بكون الحيوان قابلاً للتذكية ..... فالمرجع فيه أصالة عدم التذكية ويترتب عليهما حرمة الأكل وعدم جواز الصلاة فيه ؛ لأن غير المذكى قد أخذ مانعاً عن الصلاة ))(3).

خامساً: أصالة الفساد في المعاملات

معنى هذا الأصل هو عبارة : عن إن الأصل عند الشك في صحة المعاملة من جهة الشك في تحقق الشرط مثلاً هو عدم ترتب الأثر ( الفساد ) كما هو مفاد صاحب الكفاية حيث ذهب الى أنه لو شك في اعتبار شيء فيها ( المعاملات ) عرفاً، فلا مجال للتمسك بإطلاقها في عدم اعتباره، بل لابد من اعتباره، لأصالة عدم الأثر بدونه(4).

ويذهب السيد الخوئي: الى أن المعاملات بعناوينها الخاصة أي موضوعاتها كالبيع والإجارة والنكاح والصلح وما شاكل ذلك قد أخذت مفروضة الوجود في لسان أدلة الإمضاء ........ فبطبيعة الحال تتوقف فعلية الإمضاء الشرعي على فعلية هذه المعاملات وتحققها في الخارج فمرجع قوله تعالى ﴿ أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ﴾ مثلاً الى قولنا: إذا وجد شيء في الخارج وصدق عليه إنه بيع فهو ممضي شرعاً(5) وذهب المحقق النائيني الى أن الأصل في جميع موارد الشك في صحة المعاملة يقتضي الفساد, لأصالة عدم ترتب الأثر على المعاملة الخارجية وبقاء متعلقها على ما كان عليه قبل تحققها(6), وذهب السيد الخوئي الى أن الأصل في المعاملات هو الفساد وفقاً للشيخ الأنصاري والوجه في ذلك: إن نتائج العقود والإيقاعات من الملكية والزوجية والعتق

ص: 203


1- ظ: التنقيح في شرح العروة الوثقى، الخوئي، 2: 534.
2- ظ: عوائد الأيام، للعلاّمة النراقي: 214 .
3- مصباح الأصول، الخوئي، 2: 311-312 .
4- ظ: كفاية الأصول، الخراساني، 1: 50 .
5- ظ: مصباح الفقاهة، الخوئي، 3: 7 .
6- ظ: أجود التقريرات، الخوئي، 1: 393- 394 .

والفراق أمور حادثة، ومسبوقة بالعدم، كما أن نفس العقود والإيقاعات كذلك، فإذا شككنا في تحققها في الخارج من ناحية بعض ما يعتبر فيها من الشروط كان الأصل عدمه وحينئذ فيحكم بفسادها(1).

إذا أصالة عدم الفساد من الأصول الجارية في الشبهات الموضوعية فكان الشك في الشرائط المترتبة على الموضوع وعند الشك فيها يأتي دور أصالة الفساد فتحكم بأن موضوع البيع أو الزواج أو الطلاق إنه فاسد فلا يرتب الأثر الشرعي عليه من نقل أو إنتقال بالملكية أو إنعقاد الزوجية أو إيقاع الطلاق .

مثال تطبيقي: قال السيد الخوئي: إذا لم يبق البائع على الشرائط حين قبول المشتري حكم بفساد العقد ؛ إذ يرتفع التزام البائع بانتفاء شرائط الإنشاء عنه ولا يتصل التزامه بالتزام المشتري، إلاّ في مثل النوم الغفلة، فإنهما لا ينافيان بقاء التزام البائع للسيرة(2).

سادساً: أصالة عدم العيب

معنى هذا الأصل أنه لو شك في كون شخص مجنوناً أو عاقلاً فالأصل أن يكون عاقلاً، لأصالة عدم العيب وكون الغالب ذلك، وهذا إذا كان الشك ابتدائيا من دون علم بحالة سابقة، وأما بعد العلم بكونه عاقلاً فالاستصحاب أيضاً يعاضد الأصل السابق، وأما بعد العلم بالجنون فالأصل بقاء الجنون ما لم يحصل العلم الشرعي بزوال وصحة العقل(3) فهنا نقح موضوع الحكم الشرعي المشكوك بين الجنون والعقل هو أصالة عدم العيب لأن الجنون عيب والعقل عدم العيب ولذلك التحديد والتنقيح للموضوع يصب الحكم الشرعي وكذلك من أمثلته الشك في الرشد والسفه فلا ريب أن المشكوك فيه من جهتهما يحكم عليه بالرشد لأن السفه عيب والأصل في الموضوعات الخارجية هو الصحة أي: عدم العيب لأن الرشد هو عدم العيب وذلك لأن السفه هو نقصان العقل وهو غير عدم الإدراك للصغر كما أن عدم تمييز الطفل في الأمور بين الحسن والقبح لا يعد جنون(4).

سابعاً: أصالة عدم البلوغ

فهنا مفاد الأصل هو حال الشك في البلوغ وعدمه ومن المعلوم أن البلوغ وعدم البلوغ موضوعان شرعيان تختلف الأحكام الشرعية وفق تحديد أحدهما ومن المعلوم أن الذكر يتم بلوغه ببلوغ خمس عشرة سنة تامة، وفي الأنثى بلوغ تسع سنين تامة كذلك والحيض والحمل علامتان

ص: 204


1- ظ: أجود التقريرات، الخوئي، 1: 393- 394 .
2- ظ: مصباح الفقاهة، الخوئي، 3: 76 .
3- ظ: العناوين، السيد المراغي ، 2: 732.
4- ظ: المبسوط، الشيخ الطوسي، 2: 284-285 .

لسبق البلوغ(1) ولو شك في حصول البلوغ أو عدمه فالأصل عدم البلوغ وبقاء الصغر وهذا ألأصل نقح موضوع عدم البلوغ وهو من الموضوعات الشرعية الخارجية وانصبت عليه الأحكام الشرعية الملازمة لهذا الموضوع من عدم التكليف بحيث لا تجب عليه الأحكام العبادية والتوقف في بعض الأحكام المعاملاتية .

ثامناً: أصالة اللزوم

ومعناها هو أصالة اللزوم في العقود المتعلقة بالمعاملات ويتمسك بهذا عند الشك في لزوم معاملة أو معاهدة، فالعقود التي تقع بالنسبة الى البيع والإجارة والصلح توجب اللزوم، وتسمى تلك العقود بالعقود اللازمة العهدية في قبال العقود الجائزة الإذنية كالوكالة والعارية وما شاكلها، وعليه إذا وقع البيع مثلاً على النهج الصحيح كان مقتضى القاعدة هو اللزوم، إلا أن يثبت الخيار بالدليل الخاص، فيكون معنى اللزوم هو لزوم العمل بمقتضى العقد، وعدم جواز حل العقد من أحد الطرفين من دون رضا الطرف الآخر، وعليه فالأصل في البيع اللزوم، أي: بناؤه عليه لا على الجواز وإن ثبت الجواز في بعض أفراده(2).

ولذلك إن بناء العقلاء قد استقر مع العرف في تعاملاتهم وعهودهم على الالتزام بالعقد والعهد وعد نقضه وحله، ولا شك في أن نقض العهد مذموم عندهم وهذا البناء بناء العقلاء من المتدينين وغيرهم على ذلك، وعليه فالشرط الضمني في كل عقد موجود على بقاء المعاهدة على حالها ولا ينفسخ العقد بفسخ كل منهما كيف شاء وفي أي وقت أراد، وليس لأحد المتبايعين أن يرجع الى الأخر بعد مدة ويسترجع العوض منه بفسخ العقد، وإلا لما استقر نظام المعاملات، ولا اطمئن أحد ببقاء أمواله تحت يده وإن مضى على بيعه وشرائه سنين متمادية، فإن العقد الجائز قابل للانهدام ولو بعد سنين وحينئذ لا يستقر تملك الملاك في مستملكاتهم المبتاعة من الغير واختلت تجارة التجار ونظام الاكتساب(3)، فبمقتضى العقد الأصل في البيع اللزوم لأن الشارع وضعه مفيد النقل للملك من البائع الى المشتري(4)، وأن العقود بمقتضى طبيعتها الولية ظاهرة في المقاطعة وعدم التزلزل، فالظاهر من العقد الصحيح الشرعي الكامل هو تحقق التملك والتمليك للطرفين بدون حالة منتظرة، وإلا فيتلقى العقد ناقصا لأن الملكية المنشأة في كل عقد إنما هي ملكية أبدية في غير موارد جعل الخيار(5)، والظاهر والمتيقن من الأدلة إثبات اللزوم للعقود وأما المعاطاة فبما أنها معاملة بدون عقد فيشكل فيها إثبات اللزوم، والتحقيق هو جريان

ص: 205


1- ظ: العناوين، المراغي، 2: 732 .
2- ظ: جواهر الكلام، محمد حسن النجفي، 23: 3 .
3- ظ: مصباح الفقاهة، الخوئي، 2: 123 .
4- ظ: تذكرة الفقهاء، العلامة الحلي، 1: 515 .
5- ظ: مصباح الفقاهة، الخوئي، 2: 126 .

أصالة اللزوم في المعاطاة أيضاً ؛ لأنها ضرب من المعاهدة العقلائية فيشملها ما يدل على إثبات اللزوم في العقود من عموم قوله تعالى: ﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ (1) وبناء العقلاء وغيرهما وعليه فإن أصالة اللزوم من الأصول العملية الجارية في الشبهات الموضوعية فهنا حصل تردد في تمامية معاملة البيع ولزومها والبيع هو موضوع الحكم الشرعي فهنا رفعت هذا التردد في موضوع الحكم ونقحته أصالة اللزوم .

أمثلة تطبيقية :

قال المحقق محمد حسن النجفي (قده): ((لو أختلف المتبايعان في القيمة وقت العقد، فعلى مدعي الغبن البينة لأصالة اللزوم ))(2).

وقال أيضاً ( قده ): (( في أن التلف لا يوجب بطلان العقد بأنه لا ريب في انفساخ العقد في الإجارة بالتلف من غير تفريط مناف لقاعدة اللزوم))(3).

ص: 206


1- المائدة: 1 .
2- جواهر الكلام، النجفي، 23: 43 .
3- م ن، 27: 243 .

الخاتمة والنتائج

بعد كل ما مر من ابحاث هذه الرسالة واتضاح ترابط الموضوعات فيها وارتباطها مع بعضها البعض من استكشاف موضوع الحكم الشرعي عن طريق ادلة مترتبة وكان ذلك سببا في كثرة المصادر والمراجع المعتمدة في الرسالة فكان من الطبيعي ان تثمر هذه الرسالة بجملة من النتائج التي توصل اليها البحث وهي :

1.ان العلاقة بين الموضوع والحكم الشرعي هي علاقة العلة والمعلول والسبب والمسبب فالحكم الشرعي مرتكز على الموضوع ويدور مداره وجوداً وعدماً .

2.ان الاجتهاد هو عملية انصباب جهد الفقيه على الحكم الشرعي ولا يمكن الحصول على حكم شرعي دقيق دون معرفة الموضوع بدقة .

3.ان تطور الاجتهاد مرتبط بفهم موضوع الحكم الشرعي لأن فهمه يساعد الفقيه على معرفة مركز الحكم وكون الحكم شخصياً او نوعيا وهذا الفهم والمعرفة للموضوع يطور عملية الاجتهاد.

4.لا يمكن الحصول على الحكم الشرعي دون ملاحظة قواعد استنباط موضوع الحكم الشرعي.

5.اتضاح عدم دقة من يرى ان الموضوعات ليس من اختصاص الفقيه لأن اختصاصه هو استنباط الحكم الشرعي والموضوعات بيد المكلف وهذا القول صحيح بالنسبة للموضوعات الخارجية الصرفة واما الموضوعات المستنبطة فأن حالها عند الفقيه حال الحكم الشرعي فلا بد عليه من بذل الجهد في استنباطها .

6.ان متابعة الحركة الافرادية للكلمة في علم اللغة من حيث بيان انها حقيقة او مجاز عند الشك في اصل الوضع او في التردد بكونها حقيقة او مجاز عند الشك في مراد المتكلم لها دور في بيان معنى المفردة الواقعة ، موضوعاً للحكم لان الفقيه يدور مدار الحقيقة أي ابراز المعنى الحقيقي حتى يصب حكمه الشرعي وكذا الحال في الحركة الاستعماليه للمفردة في معاجم اللغة لها دور في ابراز المعنى .

7.ان متابعة الحركة التركيبية للمفردة في داخل الجمل من ابراز نوع دلالتها المنطوقية او المفهومية او السياقية له دور في استنباط المعنى الدقيق لتلك المفردة التي وقعت موضوعاً وبالتالي يصدر الفقيه الحكم وفق المعنى المستنبط دلالياً ليتسنى له معرفة نوع الموضوع من حيث العموم والخصوص والاطلاق والتقييد والتبيين والاجمال وبما ان الحكم تابعاً لموضوعه فإذا كان عامّاً فالحكم يكون عاماً وهكذا في الباقي .

8.ان الامارات لها دور في تحديد موضوعات الاحكام الشرعية وهي الادلة الارتكازية في تحديد موضوعات الاحكام فلابد للفقيه متابعة تلك الامارات كي يصل الى معرفة دقيقة بالموضوع وبالتالي يصل الى الحكم الواقعي الذي اراده الله سبحانه وتعالى .

ص: 207

9.ان للزمان والمكان مدخلية في عملية استنباط موضوعات الاحكام الشرعية من خلال تأثيرها على الموضوعات ومتعلقات الأحكام الشرعية وهذه المدخلية يمكن تصورها في الاحكام المعاملاتية والاجتماعية دون العبادية لذلك أوردناها في الامارات .

10.ان فقدان الادلة اللفظية والامارات المحددة لموضوعات الاحكام لا يغلق الباب امام تحديد الموضوعات بل يصار الى الادلة العملية التي لها دور كبير في تحديد الموضوعات من حيث جريانها في الشبهات الموضوعية من حيث اختصاصها بما تسمى تلك الاصول بالاصول المختصة بالشبهات الموضوعية واما اذا عمت الشبهات الموضوعية والحكمية تسمى بالاصول العامة ومثال القسم الاول اصالة الصحة والفراغ والتجاوز ومثال الثاني البرائة والتخير والاشتغال والاستصحاب.

ص: 208

المصادر والمراجع

ص: 209

القرآن الكريم

1.اثر الزمان والمكان في الاجتهاد، محمد علي الكشميري، بحث منشور في قضايا إسلامية، العدد الرابع ,( 1417 ﻫ / 1997م ).

2.اثر العرف في التشريع، صالح عوض، معاصر، مط: دار الكتاب الجامعي، القاهرة، لاط، 1993م.

3.الاجتهاد والحياة، محمد الحسيني,ط 2(1997 م) المطبعة: مركز الغدير، قم .

4.اجود التقريرات(تقريراً لابحاث الشيخ النائيني ت 1355ﻫ ) للسيد الخوئي، تح ومط: مؤسسة صاحب الأمر(عج) ، قم، ط1، 1419ﻫ .

5.الاحكام الاسلامية، عبد الله نصري، بحث منشور في مجلة المنهاج العدد الثاني والثلاثون، السنة الثامنة، تصدر عن مركز الغدير للدراسات الاسلامية .

6.أحكام القرآن، أبي بكر احمد بن علي الجصاص(ت370ﻫ ) ، 2: 35، لاتح، مط: دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان،لاط، لات.

7.الأحكام في أصول الأحكام، سيف الدين علي بن محمد الامدي ( ت 631 ﻫ ) ، مط: مؤسسة النور، الناشر: المكتب الإسلامي، ط 2، دمشق، 1402 ﻫ .

8.أدلة التشريع العليا، علي عباس الموسوي، بحث منشور في مجلة المنهاج، العدد الثامن والعشرون، السنة الرابعة، مركز الغدير، قم، 1423ﻫ /2003م.

9.ارشاد السائل، لأية الله العظمى الكلبيكاني(1414ﻫ )، مط: دار الصفوة ط1، بيروت، 1413ﻫ .

10.ارشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، بدر الدين أبو علي محمد بن علي الشوكاني(ت.125ﻫ ) ، تح: محمد حسن اسماعيل الشافعي، مط: دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1419ﻫ / 1999م.

11.أساس البلاغة، جار الله محمود بن عمر الزمخشري(ت: 528ﻫ ) ، بيروت، ط1، 1965م.

12.أسباب اختلاف الفقهاء، د. مصطفى الزلمي، مط: الدار العربية للطباعة، ط1، بغداد، 1976م.

13.أسرار البلاغة، عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني(ت 471ﻫ )، تح: هلموت ريتر، مط: وزارة المعارف، ط2، استانبول، 1954م.

14.الاشباه والنظائر في قواعد وفروع الشافعية، للإمام جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر ابن محمد السيويطي(ت 911ﻫ )، لاتح، مط: مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، لاط، 1378ﻫ / 1959م.

ص: 210

15.الاشباه والنظائر، تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي(ت 771ﻫ )، تح: الشيخ عادل احمد عبد الموجود والشيخ علي محمد عوض، مط: دار الكتب العلمية، بيروت، لاط، 1422ﻫ / 2001م.

16.الاشباه والنظائر، للعلامة زين الدين بن إبراهيم بن محمد المعروف بابن نجيم(ت 970ﻫ )، تح: الشيخ زكريا عميرات، مط: دار الكتب العلمية بيروت، ط1، 1419ﻫ / 1999م.

17.اصطلاحات الأصول ومعظم أبحاثها، آية الله الحاج الميرزا علي المشكيني، معاصر: 117ﻫ لاتح، مط: الهادي، ط8، قم، إيران، 1423ﻫ .ق/ 1318ﻫ .ش.

18.أصول الأحكام وطرق الاستنباط، د. حمد عبيد الكبيسي، معاصر، لاتح، مط: دار الحرية للطباعة، بغداد، ط1، بغداد، 1395ﻫ /1975م.

19.أصول البزوني، علي بن محمد بن الحسين البزوني(ت482ﻫ )، دار النصر، مصر، ط1، 1968م، وميزان الأصول، السمر قندي، 1: 567.

20.أصول السرخسي(المحرر في أصول الفقه) ، شمس الأئمة أبو بكر محمد بن احمد بن أبي سهل السرخسي الحنفي(ت490ﻫ )، تح: أبو الوفا الافغاني، مط: دار المعرفة، بيروت، لاط، لات.

21.الاصول العامة للفقه المقارن، السيد محمد تقي الحكيم (1418 ﻫ ) ، المجمع العالمي لاهل البيت (ع) ، ط 1، 1418 ﻫ / 1997 م .

22.أصول الفقه الإسلامي في نسيجه الجديد، د. مصطفى ابراهيم الزلمي، معاصر، لاتح، مط: شركة الخنساء، بغداد، ط5، 1999م.

23.أصول الفقه، الإمام محمد بن احمد بن مصطفى بن احمد المعروف بابي زهُرة(ت 1394ﻫ )، تح، مط: دار الفكر العربي: د.ط، القاهرة، د.ت.

24.أصول الفقه، الشيخ محمد بن مصطفى بن حسن الخضري بك(ت1347ﻫ )، دار الفكر، بيروت، د.ط، 1424ﻫ / 2004م.

25.أصول الفقه، الشيخ محمد رضا بن محمد بن عبد الله المظفر(ت1383ﻫ )، تح: الشيخ رحمت الله الرحمتي الاراكي، مط: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، ط1، 1422ﻫ ،

26.أصول الفقه، زكي الدين شعبان، مط: دار التأليف، د.ط، مصر، 1964م.

27.أصول الفقه، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مفلح الحنبلي(ت763ﻫ )، تح: فهد السرحان مط: مكتبة العبيكان، ط1، الرياض، 1420ﻫ / 1999م.

ص: 211

28.أصول الفقه، محمد ابو النور زهير، المكتبة الفيصيلة، مكة المكرمة، د . ط، 1405 ﻫ / 1985 م .

29.اقتصادنا، الشهيد محمد باقر الصدر، مؤسسة إحياء تراث الشهيد الصدر، ط2 قم، 1430ﻫ .

30.الاليات الاجتهادية في الفقه، محمد مهدي الآصفي، بحث منشور في مجلة التوحيد، العدد(109).

31.الام، أبو عبد الله محمد بن إدريس المطلبي الشافعي(ت204ﻫ )، لاتح، مط: دار الفكر بيروت، ط2، 1403ﻫ / 1983م.

32.الانتصار، السيد أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى الموسوي البغدادي المعروف بالشريف الرضي(ت436ﻫ )، ت حومك: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، لاط، 1415ﻫ .

33.ايضاح الفوائد، فخر المحققين، تح: السيد حسن الموسوي الكرماني وعلي الاشتهاردي والشيخ عبد الرحيم البروجردي، مط: المطبعة العلمية، ط1، قم، 1387ﻫ .

34.الإيضاح في علوم البلاغة، محمد بن عبد الرحمن بن عمر القزويني(ت 739ﻫ )، تح: د. محمد عبد المنعم الخفاجي، مط: دار الكتاب ط2، بيروت، 1985م.

35.بحار الانوار الجامعة لدرر اخبار الائمة، العلامة الشيخ محمد باقر بن محمد تقي المجلسي(ت1111ﻫ )، مط: مؤسسة الوفاء، ط2، بيروت، 1403ﻫ ، كتاب الصلاة، الانصاري، 2: 288

36.البحث الأصولي والدلالي عند الفارابي، رجاء عبد الرزاق كاظم الرفاعي، رسالة ماجستير، كلية الآداب جامعة بغداد، 1990م.

37.البحث الدلالي عند الأصوليين، خالد عبود، زينة جليل، مط: مركز البحوث والدراسات الإسلامية، الوقف السني العراقي، ط1، بغداد/ 1429ﻫ /2008م.

38.البحث الدلالي عند الشوكاني، محمد عبد الله علي سيف، رسالة ماجستير، كلية الآداب، جامعة بغداد، 1417ﻫ /1996م.

39.البحث النحوي عند الأصوليين، د. مصطفى جمال الدين، مط: دار الرشيد، د. ط، العراق، 1980م.

40.بحث: دور الزمان والمكان في الاجتهاد، محمد إبراهيم ألجناتي, بحث منشور في مجلة التوحيد، العدد الثاني والسبعون، السنة الثانية عشرة .

ص: 212

41.بحر الفوائد، ميرزا محمد حسن بن جعفر الاشتياني الطهراني ( ت 1319 ﻫ ) ، ، تح: لجنة إحياء التراث العربي، مط: مؤسسة التاريخ العربي، ط 1، بيروت، 1429 ﻫ / 2008 م .

42.بحوث في الفقه المعاصر، حسن الجواهري(معاصر)، ط 1(1419ﻫ ) المطبعة: أمين، قم .

43.بحوث في علم الأصول للسيد محمود الهاشمي (تقريراً لابحاث السيد الشهيد محمد باقر الصدر (ت 1400ﻫ )) معاصر، تح: لجنة المؤتمر العالمي للشهيد الصدر، مط: مركز البحوث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر، ط1، قم، 1421ﻫ .

44.بحوث في مناسك الحج, السيد علي السيستاني, دار الفكر, بيروت, ط 1, 1429 ﻫ .

45.بحوث في ولاية الفقيه، دراسة مختصرة عن أطروحة السيد الخميني, المطبعة والناشر: دار الولاية للثقافة والإعلام، النجف الأشرف،

46.بدائع الأفكار، ميرزا حبيب الله بن محمد علي خان بن اسماعيل خان الرشتي النجفي(ت1312ﻫ )، لاتح، مط: مؤسسة آل البيت(ع) لاحياء التراث، لاط، لات، طبعة حجرية.

47.بدائع الفوائد ،محمد بن أبي بكر أبن القيّم الجوزية ،(ت 751ﻫ ) ،إدارة الطباعة /مصر ،ط1،د.ت.

48.البرهان في أصول الفقه، إمام الحرمين اوب المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني(ت478ﻫ ) ، تح: صلاح بن عويضة، مط: دار الكتب العلمية، ط1، بيروت، 1418ﻫ / 1997م

49.بنية العقل العربي، د. محمد عابد الجابري، مط: مركز دراسات الوحدة العربية، ط5، بيروت، لبنان، 1996م.

50.تاج اللغة وصحاح العربية، أبو منصور اسماعيل بن جماد الجوهري(ت 393ﻫ ) ، تح: الدكتور احمد عبد الغفور عطار، مط: دار العلم للملايين، بيروت، ط4، 1407ﻫ - 1987م،

51.التحبير في شرح التحرير في أصول الفقه، علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان المرادي الدمشقي الحنبلي(ت885ﻫ )، تح: د. عوض القرني ود. احمد السراح، مط: مكتبة الرشد، الرياض، ط1، 1421ﻫ / 2000م.

52.تحديد الأسعار، محمد علي التسخيري(معاصر)، بحث منشور في مجلة التوحيد، العدد الثالث والأربعون .

ص: 213

53.تحريرات في الأصول، الشهيد مصطفى بن روح الله الخميني(ت 1398ﻫ ) ،تح ومط: مؤسسة تنظيم ونشر اثار الإمام الخميني، قم، ط1، 1418ﻫ / 1376ش.

54.تحكيم المباني في أصول الفقه، السيد عبد الجواد علم الهدى الخراساني، معاصر، مط: مؤسسة آل الرسول(ص) لاحياء التراث، قم، ايران، ط1، 1415ﻫ .

55.تذكرة الفقهاء، الشيخ الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي(ت: 726ﻫ ) 2: 439، تح: مؤسسة آل البيت(ع) لإحياء التراث، قم، ط1، 1414،

56.تصحيح اعتقادات الامامية، الشيخ المفيد(413ﻫ ),ط1(1414 – 1997 م) المطبعة: الناشر: دار المفيد بيروت، لبنان .

57.تطور البحث الدلالي، د. محمد حسين علي الصغير، ط1، بغداد، 1408، 1988م.

58.التعريفات، علي بن محمد الشريف الجرجاني(ت: 816ﻫ ) ، د. ت، مط: دار بيروت، لبنان، 1969م.

59.تمهيد القواعد، الشهيد الأول، تح: مكتب الأعلام الإسلامي، مط: مكتب الأعلام الإسلامي، قم، ط1، 1416ﻫ / 1374ش.

60.التمهيد في تخريج الفروع على الأصول، عبد الرحيم بن الحسن علي الاسنوي(772ﻫ )، تح: د. محمد حسن هيتو، مط: الرسالة، ط3، بيروت، 1404ﻫ /1984م.

61.التنقيح في شرح العروة الوثقى، تقريرات بحث السيد الخوئي، للشهيد الشيخ علي الغروي ( ت: 1415ﻫ )، مؤسسة آل البيت (ع) لأحياء التراث، قم، ط 2، د. ت.

62.تهذيب الأصول، الشيخ جعفر بن محمد السبحاني (تقريراً لابحاث الإمام السيد روح الله الموسوي الخميني ت1409ﻫ ) لاتح، مط: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، لاط، 1405ﻫ / 1363.

63.تهذيب الأصول، للسيد عبد الأعلى السبزواري(ت 1993م)، لاتح، لاط مط: الآداب، النجف الأشرف، 1399ﻫ - 1979م.

64.الثابت والمتغير، السيد كمال الحيدري، مؤسسة الرسول الأعظم(ص) ، ط1، قم، 1429ﻫ .

65.جامع المدارك في شرح المختصر النافع، السيد احمد بن محمد الموسوي الخوانساري(ت1405ﻫ )، تح: علي اكبر الغفاري، مط: مكتبة الصدوق، ط2، طهران، 1405ﻫ / 1364 ش .

66.جامع المقاصد في شرح القواعد، الشيخ نور الدين أبو الحسن علي بن الحسين بن عبد العالي الكركي المعروف بالمحقق الثاني(ت940ﻫ )، تح: مؤسسة آل البيت(ع) لاحياء التراث، مط: مؤسسة آل البيت(ع) ، بيروت، ط1، 1411ﻫ - 1991م.

ص: 214

67.جمع الجوامع، تاج الدين السبكي(ت771ﻫ )، تح: محمد عبد القادر شاهين، مط: دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1426ﻫ /2005م.

68.جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، الشيخ محمد حسن بن باقر بن عبد الرحيم النجفي المعروف بالجواهري(ت1266ﻫ ) ، مط: دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط7، 1401ﻫ .

69.حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، لابن عرفة شمس الدين محمد الدسوقي(ت: 1230م ﻫ ) ، تح: دار احياء الكتب العربية، مط: عيسى البابي الحلبي، مصر، 1969م.

70.الحدائق الناضرة في احكام العترة الطاهرة، الشيخ يوسف البحراني(ت 1168ﻫ ) ، تح: محمد تقي الايرواني، مط: بكاز، نشر: مؤسسة النشر الاسلامي، ط1، قم، 1414ﻫ .

71.حقائق الأصول، السيد محسن بن مهدي بن صالح الطباطبائي الحكيم(ت 1390ﻫ )، لاتح، مط: مكتبة بصيرتي، قم، ط5، 1408ﻫ .

72.الحقوق المعنوية، محمد علي التسخيري(معاصر)، بحث منشور في مجلة التوحيد، العدد الأربعون .

73.الحياة الطيبة، لأشكاني، معهد الرسول الأعظم العالي للشريعة والدراسات، قم، ط 1، 1423ﻫ / 2003م.

74.دراسات في علم اللغة، د. كمال محمد بشر، مط: دار المعارف، ط2، مصر، 1971م، والدرس الدلالي في خصائص ابن جني، د. احمد سليمان ياقوت: 2، مط: دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، ط1، الإسكندرية، 1989م.

75.دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، ألمنتظري(معاصر)، ط2(1409ﻫ ) منشورات المركز العالمي الإسلامي للدراسات الإسلامية، قم، إيران .

76.دراسة المعنى عند الأصوليين، د. طاهر سليمان حمودة، مط: الدار الجامعية، د. ط، الإسكندرية، 1983م.

77.دراسة في المسؤوليات والإمكانيات والاطار التشريعي، محمد علي ألتسخيري , بحث منشور في مجلة الاجتهاد والتجديد، العدد الرابع، السنة الأولى(1427ﻫ / 2006 م).

78.درر الفوائد، الشيخ عبد الكريم الحائري(ت: 1355ﻫ ) ، تح: الشيخ محمد مؤمن القمي، مؤسسة النشر الإسلامي التباعة لجماعة المدرسين، قم، ط5، د.ت.

79.الدروس الشرعية، الشهيد الاول، مط مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسيين، ط1، قم، 1412ﻫ .

80.دروس في اصول فقة الامامية، للشيخ عبد الهادي الفضلي، مؤسسة ام القري،ط1،قم1420 ﻫ .

ص: 215

81.دروس في القواعد الفقهية، السيد علي هاشم مولى الهاشمي، معاصر، الناشر: مركز الهدى للدراسات الحوزوية، دمشق، د . ط، د . ت .

82.دروس في علم الأصول، الشهيد محمد باقر الصدر، تح: لجنة التحقيق التابعة للمؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر، مط: مركز الأبحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر، قم، ط1، 1421ﻫ .

83.دلالة الاقتضاء واثرها في تفسير النصوص، د. مشعان سعود العيساوي، مجلة العلوم الإسلامية، العدد2، السنة، 1416ﻫ / 1995م

84.دور الزمان والمكان في الاجتهاد، مجموعة مؤلفين، بحث منشوري في مجلة قضايا إسلامية العدد الرابع، مؤسسة الرسول الأعظم(ص) ، قم، 1417/ 1997م.

85.الدور الزماني في الاجتهاد الفقهي قراءة في نظرية الامام الخميني، احمد مبلغي، مط: دار المرتضى، قم، ط1، 1430ﻫ .

86.دور الكلمة في اللغة، ستيفن اولمان، ترجمة: د. كمال محمد بشر مط: مكتبة الشباب، ط1، لا.د، 1972م.

87.الذريعة الى أصول الشيعة, السيد المرتضى ( ت : 436 ﻫ )، تح : ابو القاسم كرجي, مط : جامعة طهران, إيران, ط 2, 1363 ش .

88.رجال الطوسي, شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي (460 ﻫ ), تح : الشيخ جواد الأصفهاني, مؤسسة النشر الإسلامي, قم, ط 1, 1415 ﻫ .

89.رجال النجاشي, احمد بن علي النجاشي (ت: 450 ﻫ ), تح : السيد موسى الزنجاني, مط : مؤسسة النشر الإسلامي, ط 1, قم, 1407 ﻫ .

90.رسائل ابن عابدين، ابن عابدين محمد أمين(ت 1253ﻫ )، مط: دار الفكر، بيروت، ط1، 1415ﻫ .

91.الرسائل الفقهية، الشيخ جعفر سبحاني، مط: مؤسسة الامام الصادق(ع) ، ط1، قم، 1430ﻫ .

92.رسائل المحقق الكركي، الشيخ نور الدين ابو الحسن علي بن الحسين العاملي المعروف بالمحقق الكركي او المحقق الثاني(ت940ﻫ ) ، تح: الشيخ محمد الحسون، مط: مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين / ط1، قم، 1412ﻫ

93.الرسائل، السيد الخميني، انتشارات اسماعيليان، ط1، قم، 1358ﻫ .

94.رياض المسائل في تحقيق الاحكام بالدلائل، السيد علي بن ابي المعالي الصغير الباطبائي(ت1231)، تح و ن: مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين، ط2، قم، 1416ﻫ .

ص: 216

95.زبدة الأصول، السيد محمد صادق الحسيني الروحاني، مط ون: مدرسة الإمام الصادق(ع) ، ط1، قم، 1412ﻫ .

96.السرائر، محمد بن منصور بن احمد الحلي، المعروف بابن إدريس الحلي() ، تح: مؤسسة النشر الإسلامي، مط: جماعة المدرسين، قم، ط1، 1413ﻫ .

97.سنن ابن ماجة، أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة(ت: 275ﻫ ) ، تح: محمد فؤاد مط: دار احياء التراث العربي، د. ط، بيروت، 1975م.

98.سنن الترمذي (الجامع الصحيح) ، أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي(ت297ﻫ )، تح: إبراهيم عطوة واحمد محمد شاكر

99.سنن الدار قطني، علي بن عمر بن احمد البغدادي الدار قطني(ت385 ﻫ ) عبد الله هاشم اليماني المدني، عالم الكتب، بيروت، ط4، 1406ﻫ / 1986م.

100.السنن الكبرى، أبو بكر احمد بن الحسين بن علي البهيقي النيسابوري(ت 458ﻫ ) ، تح، مط: دار المعرفة، د.ط، د. ت.

101.السياق في الفكر اللغوي عند العرب، د. صاحب أبو جناح، مجلة الأقلام، العدد(3 -4) ، آذار - نيسان، 1992م.

102.شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، الشيخ نجم الدين جعفر بن الحسن المعروف بالمحقق الحلي(ت 676ﻫ )، تح: السيد صادق الشيرازي، مط: انتشارات استقلال، طهران ط2، 1409ﻫ .

103.شرح الاسنوي لنهاية السؤول، جمال الدين بن عبد الرحيم الاسنوي ( ت 772 ﻫ )، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية،بيروت، لبنان،1418 ﻫ .

104.شرح البدخشي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1405 ﻫ / 1984 م .

105.شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع، جلال الدين ابو عبد الله محمد بن احمد المحلي الشافعي (ت 864 ﻫ ) ،دار الكتب العلمية، بيروت، ط 2، 1426 ﻫ / 2005 م .

106.شرح العروة الوثقى، الشهيد محمد باقر الصدر، تح و ن: لجنة التحقيق التابعة للمؤتمر العالمي للامام الشهيد الصدر، مط: مؤسسة الهدى، ط1، قم، 1521ﻫ .

107.شرح الكوكب المنير، تقي الدين أبو البقاء محمد بن احمد الفتوحي الحنبلي المعروف، بابن النجار(ت817ﻫ ) تح: محمد حامد الفقي، مط: السنة المحمدية، ط1، القاهرة،1953م.

108.شرح المكاسب، الميرزا هاشم الآملي (تقريراً لأبحاث الشيخ النائيني)، مط، جماعة المدرسين، ط1، قم، 1417ﻫ

ص: 217

109.شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول في الأصول، شهاب الدين أبو العباس احمد بن إدريس الصنهاجي القرافي المصري المالكي(ت684ﻫ )، تح: طه عبد الرؤوف سعد، مط: الكليات الازهرية ودار الفكر، القاهرة، ط1، 1973م.

110.شرح مختصر المنتهى(لابن الحاجب) ، للشيخ عضد الدين عبد الرحمن الحنفي المعروف بالعضدي(ت756ﻫ )، تح: محمد حسن إسماعيل، مط: دار الكتب العلمية، ط1، بيروت، 1424ﻫ /2004م.

111.الصحاح(تاج اللغة وصحاح العربية) ، أبو منصور إسماعيل بن حماد الجوهري(ت393ﻫ ) تح: احمد عبد الغفور عطار، مط: دار العلم للملايين، بيروت، ط4، 1407ﻫ / 1987م.

112.صحيح البخاري، ابو عبد الله محمد بن اسماعيل بن ابراهيم بن المغيرة الجعفي البخاري(ت256هت) ، تح: د. مصطفى ديب البغاء، مط: دار ابن كثير ودار اليمامة، ط5، بيروت ودمشق، 1414ﻫ / 1993م .

113.صحيح مسلم، مسلم ابن الحجاج النيسابوري(261ﻫ ) , الناشر: دار الفكر، بيروت، لبنان.

114.الطراز الأول في لغة العرب المعول، للامام اللغوي والاديب السيد علي بن احمد بن محمد معصوم الحسيني، المعروف بالسيد علي خان المدني الشيرازي أو ابن معصوم المدني(ت1120ﻫ ) تح ون: مؤسسة آل بيت(ع) لاحياء التراث، مط: ستارة، قم، ط1، 1428م.

115.العدة في أصول الفقه، لابي جعفر محمد بن الحسن بن علي المعروف بالشيخ الطوسي(ت 460ﻫ )، تح: محمد رضا الأنصاري القمي، مط: مؤسسة البعثة، قم، ط1، 1417ﻫ / 1376ش.

116.العرف والعادة في رأي الفقهاء، احمد فهمي أبو سنة،مط: الأزهر القاهرة، ط1، 1947م.

117.العروة الوثقى، للسيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي(ت1377ﻫ )، د . تح، ن: مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين، ط1، قم، 1420ﻫ .

118.علم أصول الفقه, عبد الوهاب خلاف, مط: القاهرة, ط, مصر, 1982 م, أصول الفقه, محمد بن احمد المعروف بابي زهرة ( 1394 ﻫ ), مط : دار الفكر العربي, القاهرة, د . ط, د . ت .

119.علم أصول الفقه، للسيد علي حسن مطر، لاتح، مط: ستارة، قم، ط1، 1432ﻫ /2011م.

ص: 218

120.علم الدلالة العربي النظرية والتطبيق، د. فايز الداية، مط: دار الفكرة ط1، دمشق، 1985م.

121.علم الدلالة، د. احمد مختار، دار العروبة، الكويت، لاط، 1402ﻫ /1982م.

122.علم اللغة مقدمة للقاريء العربي، د. محمود السعران(ت1963م)، مط: دار المعارف، ط1، الإسكندرية، 1962م،

123.علم الوضع، دراسة في فلسفة اللغة بين العلماء أصول الفقه وعلماء اللغة، د. عبد الرزاق احمد حربي، مط: مركز البحوث والدراسات الإسلامية، الوقف السني، بغداد، ط1، 1427ﻫ - 2006م.

124.العناوين، السيد مير عبد الفتاح الحسيني المراغي(ت: 1250ﻫ )، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، ط3، قم، 1429ﻫ .

125.عوائد الايام في بيان قواعد استنباط الاحكام، احمد بن مهدي النراقي(1245ﻫ )، مط: دار الهادي، ط1، بيروت، 1420ﻫ .

126.عيون إخبار الرضا، الصدوق(381ﻫ ), ط1(1404ﻫ )، المطبعة والناشر: مؤسسة الاعلمي، بيروت، لبنان .

127.غاية الوصول شرح لب الأصول، أو يحيى زكريا الأنصاري المصري الشافعي(ت 926ﻫ )، لاتح، مط: دار الفكر، بيروت، لاط، 1423ﻫ /2002م.

128.غنائم الايام في مسائل الحلال والحرام، ابو القاسم بن حسن بن نظر الجيلاني المعروف بالميرزا القمي(ت1231ﻫ ) ، تح: مكتب الاعلام الاسلامي، ط1، قم، 1417ﻫ .

129.الفاظ الفقه الجعفري، احمد فتح الله: دار الفكر، بيروت، ط1، 1415ﻫ

130.فرائد الأصول، الشيخ مرتضى بن محمد أمين الأنصاري المعروف بالشيخ الأعظم (1281 ﻫ )، تح: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، مط: مجمع الفكر الإسلامي، ط 7، قم، 1427 ﻫ

131.الفروق في اللغة، لابي هلال العسكري (ت: 390ﻫ )، مط: بيروت، ط1، د. ت 1973م.

132.الفصول الغروية في الأصول الفقهية، الشيخ محمد حسين بن عبد الرحيم بن قاسم الطهراني الحائري الاصفهاني(ت1250ﻫ )، لاتح، مط: دار احياء العلوم الإسلامية، لاط، قم، 1404ﻫ .

133.الفصول في الأصول، الجصاص، تح ون: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الإدارة العامة للإفتاء والبحوث الشرعية، ط2، الكويت، 1414ﻫ / 1994م.

ص: 219

134.فقه الأسرة، للشيخ الصفار، مط: مركز الفقاهة للدراسات والبحوث الفقهية، ط1، دمشق، 1427ﻫ /2006م.

135.فقه الدولة، دراسة في المسؤوليات والإمكانيات والإطار التشريعي، محمد علي كشميري(معاصر), بحث منشور في مجلة الاجتهاد والتجديد، العدد الرابع السنة الأولى( 1427ﻫ / 2006 م ) تصدر عن مركز الدراسات الفقهية، بيروت، لبنان.

136.فقه الصادق، محمد صادق الحسيني، معاصر، مط: مهر، قم، ط 3، 1413 ﻫ .

137.فقه اللغة العربية وخصائصها، د. اميل بديع يعقوب، مط: دار العلم للملايين، ط2، بيروت، 1986م.

138.فقه المسائل المستحدثة، السيد علي عباس الموسوي، مركز العلوم، معهد الدراسات الفقهية والحقوقية، ط، قم، 1430 ﻫ .

139.الفقهاء حكام على الملوك، علماء إيران من العهد ألصفوي الى العهد البهلوي( 1500، 1979 م )، حسن الدجيلي(معاصر), ط3(1400 ﻫ ) المطبعة: دار الأضواء، بيروت، لبنان .

140.فوائد الأصول، محمد علي ألكاظمي، تقريرات الميرزا النائيني ( 1355 ﻫ ) ، (ت 1365 ﻫ )، تح: رحمتي اراكي، مط: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، ط 1، 1409 ﻫ .

141.الفوائد الحائرية, الشيخ محمد باقر بن محمد أكمل الوحيد البهبهاني ( ت : 1205 ﻫ ) مجمع الفكر الإسلامي, قم, ط 2, 1424 ﻫ .

142.الفوائد في شرح اشكالات القواعد، أبو طالب محمد بن الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الاسدي الحلي المعروف بفخر المحققين(ت 771ﻫ )، تح: السيد حسن الموسوي الكرماني والشيخ علي الاشتهاردي والشيخ عبد الرحيم البروجردي، مط: العلمية، قم، ط1، 1387ﻫ ،

143.فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت، عبد العلي محمد بن نظام الدين الأنصاري اللنكوي الهندي(ت1225ﻫ ) ، لاتح، مط: دار الفكر، بيروت، لاط، لات.

144.القاموس الوسيط، مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب بن محمد الفيروز ابادي(ت817ﻫ )، تح: محمد عبد الرحمن المرعشي، مط: دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط2، 1424ﻫ /2003م.

145.قضايا لغوية قرآنية، د. عبد الأمير زاهر:27، ط1، النجف، 1998م.

146.قطر الندى وبل الصدى، أبي محمد عبد الله جمال الدين بن هشام(ت761ﻫ ) تح وشرح: محمد محيي الدين عبد الحميد، مط: المهدية، قم، ط6، 1417ﻫ .

ص: 220

147.القواعد الفقهية, مكارم الشيرازي, مؤسسة المرتضى, قم, ط 1, 1424 ﻫ .

148.القواعد الفقهية، السيد محمد حسن الموسوي البجنوردي الموسوي(1396ﻫ )، تح: محمد حسين الدرايتي ومهدي المهريزي، منشورات دليل ما، قم، ط3، 1428ﻫ / 1386ش .

149.قواعد فقه المسائل المستحدثة، علي عباس الموسوي، بحث منشور في مجلة الاجتهاد والتجديد، العدد الثاني، تصور عن مؤسسة ومركز الدراسات الفقهية المعاصرة، بيروت، لبنان، 1426ﻫ / 2006م.

150.القواعد في الفقه الاسلامي، للحافظ ابو الفرج بن رجب الحنبلي(741ﻫ )، دار الجيل، ط2، بيروت، 1408ﻫ / 1988م .

151.قواعد نافعة في الاستنباط، تقرراً لابحاث الشيخ باقر الايرواني، خالد السويعدي البغدادي، مط: دار الضياء، ط1، النجف الأشرف، 1430/ 2009م.

152.القوانين المحكمة في الأصول، أبو القاسم بن حسن بن نظر علي الجيلاني المعروف بالمحقق القمي (ت1231ﻫ )، تح: المؤسسة التابعة لجماعة المدرسين، مط: جماعة المدرسين، قم، ط1، 1428ه،

153.كتاب البيع، السيد الخميني، مؤسسة اسماعيليان، قم، ط4، 1410ﻫ .

154.كتاب الصلاة، الشيخ الانصاري، مط و ن: دار الرسول المصطفى(ص) ، ط1، قم، 1415ﻫ .

155.كفاية الأحكام، محمد باقر بن محمد مؤمن السبزواري(ت: 1090ﻫ )، تح: الشيخ مرتضى الاراكي مط: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، ط2، 1417ﻫ .

156.كفاية الأصول في أسلوبها الثاني, محمد باقر الايرواني, مؤسسة إحياء التراث الشيعي, ط 1, النجف, 1431 ﻫ .

157.كنز الفوائد، أبو الفتح الكراجي محمد بن علي(ت: 14449ﻫ )، مط:المصطفوي ط2، قم،1416ﻫ .

158.لسان العرب، جمال الدين ابو الفضل محمد بن مكرم بن علي المصري المعروف بإبن منظور (771ﻫ ) ، الدار المتوسطية الجمهورية التونسية، ط1، 1426ﻫ /2005م.

159.اللغة العربية معناها ومبناها، الدكتور تمام حسان، مط: الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، لاط، 1979.

160.اللغة والمعنى والسياق، جون لاينز، ترجمة د. عباس صادق الوهاب، ط1، مط: دار الشؤون الثقافية، بغداد، 1987م.

ص: 221

161.اللمعة الدمشقية، الإمام أبي عبد الله محمد بن مكي العاملي المعروف بالشهيد الأول(ت786ﻫ ) ، تح: دار الفكر، مط: دار الفكر، بيروت، ط1، 1411ﻫ .

162.مائة قاعدة فقهية، السيد محمد كاظم المصطفوي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، ط 5، قم، 1425 ﻫ

163.المباحث اللغوية في شرح نهج البلاغة, د . هادي عبد علي هويدي, مط : الضياء, ط 1, النجف الأشرف, 2009 م .

164.مبادئ الوصول إلى علم الأصول، العلامة الحلي، تح: عبد الحسين البقال، مط: مركز النشر التابع لمكتب الأعلام الإسلامي، قم، ط3، 1404ﻫ .

165.مبحث العلاقة بين ادلة الاحكام، د . اسد الله لطفي(معاصر) ، مجلة فقه اهل البيت(ع) العدد 26، السنة السابعة، قم، 1423ﻫ .

166.المبسوط في أصول الفقه، للشيخ جعفر سبحاني، معاصر، مط: مؤسسة الإمام الصادق(ع) ، قم، ط1، 1431ﻫ .

167.المبسوط في فقه الامامية، الشيخ الطوسي، تح: محمد تقي الكشفي مط: المكتبة المرتضوية لإحياء آثار الجعفرية، طهران، لاط، 1387ﻫ .

168.المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، ضياء الدين ابن الاثير(ت: 637ﻫ )، تح: د. احمد الحوفي ود. بدوي طبانة، مط: الرياض، 1983م.

169.مجال الاجتهاد والفراغ التشريعي، محمد مهدي شمس الدين، بحث منشور في مجلة المنهاج، العدد الثالث، السنة الأولى، 1417ﻫ /1996م.

170.مجلة الاجتهاد والحياة، مجموعة من المؤلفين، مركز الغدير للدراسات الإسلامية, ط2، 1417ﻫ / 1997 م .

171.مجلة نقد ونظر، الزمان والمكان عند السيد الخميني، السنة الخامسة، العدد الخامس، تصدر عن دفتر تبليغات اسلامي للحوزة العلمية، قم، 1430ﻫ

172.مجمع البحرين ومطلع النيّرين، الشيخ فخر الدين بن محمد الطريحي، (ت 1087ﻫ )، تح: السيد احمد الحسني، مط: المكتبة المرتضوية لاحياء الاثار الجعفرية، ط2، طهران، 1365ﻫ .ش.

173.مجمع البيان في تفسير القرآن، الفضل بن الحسن الطبرسي(ت 560ﻫ )، لاتح، مط: مؤسسة الاعلمي، بيروت، لبنا، ط1، 1415ﻫ .

174.مجمع الفائدة والبرهان في شرح ارشاد الاذهان، المولى احمد بن محمد الاردبيلي المعروف بالمحقق الاردبيلي(ت993ﻫ )، تح: مجتبى العراقي وعلي الاستشهاردي، وحسين الاصفهاني، مط: جماعة المدرسين، ط1، قم، 1414ﻫ .

ص: 222

175.المجمل في اللغة، ابن فارس(ت:395ﻫ )، تح: زهير عبد المحسن بيروت، ط1، 1981م.

176.محاضرات في أصول الفقه (تقريراً لابحاث السيد أبو القاسم بن علي اكبر الموسوي الخوئي ت1413ﻫ ) ، للشيخ محمد اسحاق الفياض، معاصر، مط: انتشارات الإمام موسى الصدر، قم، لاط، لات.

177.محاضرات في أصول الفقه في شرح الحلقة الثانية للشهيد الصدر، عبد الجبار الرفاعي، مط: مطبعة أمير، ط1، 1421ﻫ /2000م.

178.محاضرات في تفسير آيات الأحكام، الأستاذ الدكتور عبد الأمير زاهد، مط: العارف للمطبوعات، بيروت، لبنان، ط1، 2009م.

179.المحصول في علم الأصول، الغزالي، مؤسسة الرسالة، ط2، بيروت، 1412 ﻫ .

180.المحكم في أصول الفقه, محمد سعيد الحكيم, مؤسسة المنار, قم, ط 2, 1418 ﻫ / 1997 م .

181.مختصر الأصول، أبو عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر الكردي الاسنوي المعروف بابن الحاجب(ت 646ﻫ )، لاتح، مط: البابي الحلبي، مصر، ط1، 1965م

182.مختلف الشيعة، للعلامة الحسن بن مطهر الحلي ( 726 ﻫ )، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، ط 1، 1413 ﻫ .

183.مختلف الشيعة، للعلامة الحلي، تح: مؤسسة النشر الإسلامي لجماعة المدرسين، مط: جماعة المدرسين، قم، ط1، 1412ﻫ .

184.مدارك الاحكام في شرح شرائع الاسلام، السيد شمس الدين محمد بن علي الموسوي العاملي الجبعي(ت1009ﻫ )، تح و ن: مؤسسة آل البيت(ع) لإحياء التراث، ط1، قم، 1410م.

185.المدخل الفقهي العام، مصطفى الزرقا، مط: دار القلم، ط1، دمشق، سوريا، 1988م.

186.المسائل المستحدثة، الشيخ مكارم الشيرازي، مؤسسة الرسالة، قم، ط1، 1431ﻫ .

187.المسائل المستحدثة، محمد الروحاني(ت: 1414ﻫ )، مط: فروردين، نشر: مؤسسة الكتابة، قم، 1429ﻫ .

188.مسالك الافهام في شرح شرائع الاسلام، الشهيد الثاني، تح و ن: مؤسسة المعارف الاسلامية، ط1، قم، 1413ﻫ .

189.المستصفى(المستصفى من علم الأصول) ، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي الشافعي(ت 505ﻫ ) ، تح: د. محمد يوسف نجم، مط: دار صادر، بيروت، ط1، 1995م.

ص: 223

190.مستمسك العروة الوثقى، السيد محسن بن مهدي بن صالح الطباطبائي الحكيم(ت1390ﻫ )، د . تح، مط: دار احياء التراث العربي، ط3، بيروت، 1391ﻫ / 1981م .

191.مستند الشيعة في احكام الشريعة، المولى احمد بن محمد مهدي النراقي(ت1245ﻫ )، تح: مؤسسة آل البيت(ع) لإحياء التراث، ط1، قم، 1415ﻫ .

192.مستند العروة الوثقى(النكاح) (تقريراً لابحاث السيد الخوئي) ، للسيد محمد تقي الخوئي، مط: مؤسسة الإمام الخوئي، قم، لاط، 1418ﻫ .

193.المشترك اللفظي في اللغة العربية، للاستاذ الدكتور عبد الكريم شديد محمد، مط: مركز البحوث والدراسات الإسلامية، ديوان الوقف السني، جمهورية العراق، لاط، 1428ﻫ / 2007م.

194.مصباح الأصول، الشهيد السيد محمد بن سرور، ( تقريراً لأبحاث السيد الخوئي)، الواعظ الحسيني(ت 1399)، دار الفكر، ط1، بيروت، 1417ﻫ .

195.مصباح الفقاهة، للميرزا محمد علي التوحيدي(1395 ﻫ )، ( تقريراً لأبحاث السيد الخوئي ) ، مكتبة الداودي، قم، ط، 1412ﻫ .

196.مصباح الفقيه، اقا محمد رضا بن محمد الهمداني النجفي(ت 1322ﻫ )، نح و ن: مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين، ط1، 1416 ﻫ .

197.المصباح المنبر، احمد بن علي المصري الفيومي (ت770ﻫ )، دار الفكر، بيروت، د.ط، د.ت.

198.معارج الأصول، نجم الدين أبو القاسم جعفر بن الحسن الزلي المعروف بالمحقق الحلي(ت:676ﻫ )، تح: السيد محمد حسن الكشميري، مط: مؤسسة آل البيت(ع) لاحياء التراث، قم، ط1، 1403ﻫ ،

199.المعالم الجديدة للاصول، الشهيد محمد باقر الصدر(ت: 1400ﻫ )،تح: لجنة المؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر، مط: مركز الدراسات التخصصية للشهيد الصدر، قم، ط1، 1421ﻫ .

200.معالم الدين ملاذ المجتهدين، جمال الدين أبو منصور الحسن بن زيد الدين بن علي بن احمد البجعي العاملي(ت1011ﻫ )، تح ومط: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، لاط، 1406ﻫ .

201.المعتمد في أصول الفقه، أبو الحسن محمد محمد بن علي بن الطيب البصري المعتزلي (ت 436ﻫ )، تح: الشيخ خليل الميس، مط: دار الكتب العلمية، بيروت، لاط، 1403ﻫ /1983م.

ص: 224

202.المعتمد في شرح مناسك الحج، تقريراً لابحاث السيد الخوئي، لمحمد رضا الخلخالي(ت:1411ﻫ )، مط: النعمان، النجف الأشرف، ط1، د.ت.

203.المعجم الأصولي، الشيخ محمد صنقور علي البحراني، معاصر، مط: مؤسسة التاريخ العربي، ط1، بيروت، 432/ 2011م.

204.معجم المفردات ألفاظ القرآن، أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل المعروف بالراغب الاصفهاني(ت503ﻫ )، تح: إبراهيم شمس الدين، مط: دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1418ه/ 1997م.

205.معجم رجال الحديث, السيد الخوئي, مط : مدينة العلم, قم, 1428 ﻫ .

206.المغني، موفق الدين ابو محمد عبد الله بن احمد بن محمد بن قدامة المقدسي الشافعي(630ﻫ ) ، دار الكتاب العربي، بيروت، د . ط، د . ت .

207.مفاهيم الألفاظ ودلالتها عند الأصوليين، بشير مهدي الكبيسي، اطروحة دكتوراه، كلية العلوم الإسلامية، جامعة بغداد، 1412ه/1991م.

208.مفتاح الوصول إلى علم الأصول، الشيخ الدكتور احمد كاظم البهادلي، معاصر، مط: دار المؤرخ العربي، بيروت، لبنان، ط1، 1423ﻫ - 2002م.

209.مقالات الأصول، الشيخ ضياء الدين علي بن محمد المعروف بالمحقق العراقي(ت: 1361ﻫ )، تح: السيد منذر الحكيم، والشيخ مجتبى المحمودي، مط: مجمع الفكر الإسلامي، قم، ط1، 1414ﻫ .

210.مقالات تأسيسية، محمد حسين الطباطبائي(1412ﻫ ) ط 1(1415 ﻫ ) المطبعة والنشر: مؤسسة أم القرى، قم.

211.المكاسب، الشيخ الأنصاري، مط: باقري، قم، ط2، 1415ﻫ .

212.من لا يحضره الفقيه، الصدوق(381ﻫ ), ط 2(1404 ﻫ ) الناشر: مؤسسة التابعة لجماعة المدرسين، قمت.

213.مناهج الوصول إلى علم الأصول، للسيد الخميني، تح ومط: مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، ط2، قم، 1415ﻫ / 1373ش.

214.منتقى الأصول، للسيد الشهيد عبد الصاحب بن محسن الحكيم(ت 1403ﻫ ) ، (تقريرا لأبحاث السيد الروحاني)، مط: الهادي، قم، ط2، 1416ﻫ .

215.منتهى الأصول، السيد محمد حسن بن أغا بزرك البجنوردي الخراساني (ت 1396 ﻫ )، مكتبة بصيرتي، د . ط، د . ت .

216.منتهى الدراية في توضيح الكفاية، السيد محمد جعفر بن محمد علي الموسوي الجزائري المروج (ت1419ﻫ ) ، تح: محمد علي المروج، مط: طليعة نور، قم، ط1، 1428ﻫ .

ص: 225

217.منتهى المطلب في تحقيق المذهب، للعلامة الحلي، تح: قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية، مط: زيبانكار، ط3، 1429ﻫ / 1387ش.

218.منتهى الوصول والأمل في علمي الأصول والجدل، جمال الدين أبو عمرو عثمان بن عمر المالكي المعروف بابن الحاجب(ت646ﻫ )، لاتح، مط: دار الكتب العلمية، ط1، 1405ﻫ / 1985م.

219.منهاج الصالحين، السيد الخوئي، 1: 426، مط: مؤسسة السيد الخوئي، ط4، 1430ﻫ .

220.منهاج الصالحين، السيد علي السيستاني، مط: دار المعرفة، بيروت، ط3، 1431ﻫ .

221.منهاج الوصول إلى علم الأصول، ناصر الدين عبد الله بن عمر بن محمد البيضاوي الشيرازي(ت685ﻫ )، تح: مصطفى شيخ مصطفى، مط: مؤسسة الرسالة ناشرون، بيروت ودمشق، ط1، 1427ﻫ / 2006م.

222.منهج البحث اللغوي بين التراث وعلم اللغة الحديث، د. علي زوين، ط1، مط: دار الشؤون الثقافية، بغداد، 1986م.

223.منهج الفقه الإسلامي في المسائل المستحدثة، السيد محمد الموسوي، مؤسسة بوستان كتاب ط1،قم، 1430ﻫ .

224.المنهج في أصول الفقه, عبد الحميد مدكور, مط : القاهرة, ط 1, 1985 م .

225.المهذب البارع في شرح المختصر النافع، جمال الدين أبو العباس احمد بن محمد بن فهد الحلي ( 841 ﻫ ) ، تح: الشيخ مجتبى العراقي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، ط 2، 1427 ﻫ .

226.المهذب في أصول الفقه المقارن، د. عبد الكريم بن علي بن محمد النملة، معاصر، 3: 1222، مط: مكتبة الرشد، ط1، الرياض، 1420ﻫ /1999م.

227.الموافقات في أصول الشريعة، إبراهيم بم موسى الشاطبي(ت790ﻫ )، مطبعة البابي الحلبي، مصر، ط1، 1964.

228.موسوعة أصول الفقه المقارن إعداد، مركز التحقيقات والدراسات العلمية التابع للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية، مط: دكار، طهران، ط1 ,1430 / 2009 م .

229.الموطأ، للإمام مالك بن انس بن مالك بن انس بن مالك الاصبحي المدني(ت 179ﻫ )، تح: محمد فؤاد عبد الباقي، المكتبة الفيصلية، مكة المكرمة، د. ط، د . ت.

230.نظرية السنة في الفكر الامامي الشيعي التكون والصيرورة، الشيخ حيدر حب الله، معاصر ، مط: مؤسسة الانتشار العربي، ط1، بيروت، 2006 م .

ص: 226

231.نظرية العرف بين الشريعة والقانون، السيد نذير الحسيني، معاصر، مط: التوحيد منشورات المركز العالمي للدراسات الإسلامية، قم، ط1، 1427ﻫ .

232.نهاية الأفكار، الشيخ محمد تقي البروجردي النجفي(ت 1391ﻫ ) (تقريراً لابحاث الشيخ اغا ضياء الدين العراقي ت 1361ﻫ )، لاتح، ن: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة: المدرسين، لاط، 1405ﻫ .

233.نهاية الدراية في شرح الكفاية، محمد حسين بن محمد حسن علي اكبر الكمباني الاصفهاني الغروي المعروف بالمحقق الاصفهاني(ت1361ﻫ )، تح: الشيخ أبو الحسن القائمي، مط: مؤسسة آل البيت(ع) لإحياء التراث، قم، ط1، 1415ﻫ .

234.نهاية السؤل في شرح مناهج الأصول، عبد الرحيم بن الحسن الاسنوي(772ﻫ )، مط: السلفية ط1، القاهرة، 1413ﻫ .

235.نهاية النهاية، الشيخ محمد كاظم بن حسين الهروي الخراساني المعروف بالاخوند الخراساني(ت: 1329ﻫ )، تح: مؤسسة أهل البيت(ع) لاحياء التراث، قم، ط2، 1417ﻫ .

236.نهاية الوصول إلى علم الأصول، العلامة الحلي، تح: الشيخ ابراهيم البهادري، مط: مؤسسة الإمام الصادق(ع) ، قم، ط1، 1427ﻫ .

237.نهج الفقاهة، السيد محسن الحكيم، مط: الشريعة، قم، ط، 1421 .

238.هداية المسترشدين، الشيخ محمد تقي الرازي الأصفهاني النجفي(ت 1248ﻫ )، مؤسسة النشر الإسلامي، قم ط1، 1420ﻫ .

239.الوافية في أصول الفقه، عبد الله بن محمد البشروي الخراساني المعروف بالفاضل المتوفي(ت1071ﻫ )، تح: السيد محمد حسين الكشميري، مط و ن: مؤسسة مجمع الفكر الاسلامي، ط1، قم، 1412ﻫ .

240.وسائل الشيعة، الشيخ محمد بن الحسن الحر العالمي (1104ﻫ ) ، تع: مؤسسة اهل البيت (ع)، قم, ط1، 1413ﻫ .

241.الوسيط في أصول الفقه ,الشيخ جعفر سبحاني، مط: دار جواد الأئمة (ع)، ط 1 بيروت، 1432 ﻫ- 2011 م .

242.الوصول إلى علم الأصول، احمد بن علي برهان البغدادي(463ﻫ )، القاهرة، ط1، 1965.

ص: 227

Abstract

Studying the process of revealing the legal judgment subject throughout the available evidences that are taken from the different resources and references resulted in a set of conclusions that might summarized in the following :-

1- The relation between the subject and the legal judgment is that of cause and effect because the legal judgment depends on subject whatever and whenever it was.

2-Ijtehad means that the expert ( Faqhih) concentrates his efforts on the legal judgment, no way to obtain the exact legal judgment without being acquainted with the subject.

3-The development of Ijtehad is connected with understanding the legal judgment subject to enable the Faqhih to define the judgment position and type.

4-There is no way to obtain the legal judgment without considering the rules of deducing the legal judgment subject.

5- It is not rightful to believe that the subjects are not of the Faqhih specialization because his specialization is to deduce the legal judgment and the subjects are for the Mokalaf, this say is true for the pure external subjects, while the deduced subject, for the Faqhih, is just like the legal judgment needs great effort to be deduced.

6- Following up the term derivation in linguistics to show whether it was a real or a metaphor for the speaker purpose has a role in showing the meaning of the term that form a judgment subject, for the Faqhih follows up the truth to deduce the legal judgment.

7- Following up the structural derivation of the term in a sentence ; its semantic, conceptual or contextual significance, has a role in deducing the exact meaning of that term so the Faqhih would issue his judgment according to the deduced meaning to know the subject type; restricted, ambiguity, and so on, because the judgment follows its subject.

8- The signs have role in defining the legal judgment subject, they are the evidence on which the Faqhih depends, so he has to follow up these signs to obtain an exact acquaintance with the subject and then to issue the real judgment that His Almighty God means.

9-Time and place have role in deducing the legal judgment subjects via their effect on the subjects as well as on the legal judgment, this role might be noted in the transaction and social rules but not in worship so that the researcher put them within the sign.

10- Losing the verbal proofs and the defined signs of the judgment subjects don not limited the subjects definition, rather we refer to the Foqahatic proofs that have a great role in defining legal judgment subjects that they are applied on the objective suspicions , so they are called the principles that related to the objective suspicions, if the objective suspicions agreed with the legal suspicions they are called the general principles.

ص: 228

Ministry of Higher Education Scientific Research

University of Kufa

College of Jurisprudence

¬

Structures of Defining the Legal Judgment Subject

Thesis

Submitted to the Council of the College of Jurisprudence \ University of Kufa

by:

Alaa Abdul-Nabi Yasir Ali Khan Al-Madany

as a Partial Fulfillment of the Requirements of the M.A Degree in Islamic Shari 'a

Supervised by:-

Assist. Prof. Dr. Hadi Hussain Al-Gara`wy

2012A.D 1433A.H

ص: 230

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.