قناديل العارفين

هوية الكتاب

قناديل العارفين

تأليف : الشيخ محمد اليعقوبي

الطبعة الثانية

النجف الاشرف 1428

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 2

سلسلة مالم ينشر من تراث الشهيد الصدر الثاني (قدس سره)

الكتاب الخامس

قناديل العارفين

مراسلات في تهذيب وتطهير القلب على طريقة اهل المعرفة

مع الشهيد السعيد السيد محمد محمد صادق الصدر (رضوان الله تعالى عليه)

تأليف : الشيخ محمد اليعقوبي

ص: 3

الطبعة الثانية

النجف الاشرف 1428

ص: 4

من كلمات الشهيد الصدر (قدس سره)

* مولاي واخي في الله عز وجل ومؤنس نفسي وقلبي اعزه الله وأجلّه واعطاه الخير كله انه ولي التوفيق.

* كم ينبغي حمد الله والثناء عليه في استمرار المراسلة فيما بيننا، فانها من نعم الله سبحانه التي لا يعرف مداها الا هو . ومن الناحية العملية فاثرها نفسي وروحي في نفس الوقت.

اما اثرها النفسي فهو الانس وبلّ الشوق الذي يلازم ذكركم والحنين اليكم.

واما اثرها الروحي فهو التكامل وحصول شكل من اشكال التلاقح القلبي.

* مولاي وابن مولاي: لا اعتقد ان يوما يمر دون ان اتذكرك عدة مرات فيهفو قلبي اليك ويحن عليك، لعدة جهات:

منها: الشوق الى لقائك، وان كان لقاؤك القلبي والعقلي حاصلا فعلا .. حقيقة لا مجازاً.

ومنها: الاشفاق عليك من بلاء الدنيا، والدعاء لك بان يخرجك منه ظافرا منتصرا بعونه وعزته وقدرته.

* لو كان غير الله سبحانه وتعالى يستحق الحب والشوق لكنتَ انت في رأس القائمة، ولم اقل ذلك جزافا، ولا احسب ا نه يفوتك فهم مضمونها الخاص، فانه من حديث ارباب القلوب.

* قد اثلج قلبي حقاً تعلقك بالجهاد الاكبر واقتناعك به وقولك ان الادلة عليه اكثر من ان تحصى، ارجو الله سبحانه ان يديم فضله عليك وان يتم نعمه لك انه ولي كل توفيق . كما ادعوه ان يمد في عمرك لكي تتوفر لك الفرصة في هذا الشوط للالتفات الى الجهاد الاصغر حسب ما تقتضيه قناعتك وتكليفك في ذلك الحين.

ص: 5

ص: 6

أنر قناديل هذا المجد مشرقة

فليس قنديل مجدٍ في الضياء خبا

الشهيد الصدر (قدس سره)

ص: 7

ص: 8

رسالة قيمة

ارسلها سماحة آية الله

الشهيد السعيد السيد محمد الصدر (قدس سره)

إلى سماحة الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله)

ص: 9

الصورة

ص: 10

بسم الله الرحمن الرحيم

شيخنا الأجل دام عزك بعد التحية والسلام ارجو التفضل بالاطلاع على النقاط التالية:

1- انت تعلم انني كنت ولا زلت اعتبرك افضل طلابي واطيبهم قلباً واكثرهم انصافا للحق بحيث لو دار الامر في يوم من الايام المستقبلية بين عدة مرشحين للمرجعية ما عدوتك لكي تبقى المرجعية في ايدي منصفين وقاضين لحوائج الاخرين لا بايدي اناس قساة وطالبين للدنيا.

حتى انني فكرت في درجة من درجات تفكيري انني اقيمك للصلاة في مكاني عند غيابي تمهيداً لذلك ولازال هذا التفكير قائماً، ولم تمنع عنه رسالتك الصريحة هذه. كما لم اجد في طلابي إلى الآن على كثرتهم وتنوع اتجاهاتهم واذواقهم من هو جامع للشرائط التي اتوقعها اكثر منك، فحقق الله رجائي فيك بعونه وقوته.

1 جمادى الثانية 1418

ص: 11

ص: 12

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

استطيع القول انه لا احد يستطيع معرفة ابعاد شخصية السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) ومكنون سرّه وفلسفته في الحياة التي اصبحت فيما بعد اساساً ومنطلقاً لحركته الاصلاحية الرائدة الا اذا قرأ كتاب (قناديل العارفين) الذي هو عبارة عن اشراقات روحية طاهرة ونقية استثارتها اسئلة ومشاكل مرّت بشابٍ متحمس للسعي نحو الكمال وإصلاح نفسه ومجتمعه وقد صدرت هذه النفحات القدسية من قلب السيد الشهيد الصدر (قدس سره) وهو في قمة تأملاته وتفرّغه وخلوته ونضجه الروحي حيث كان يعاني ببدنه حصاراً من قبل جلاوزة صدام -في الثمانينات- الا ان روحه كانت خارج سجن هؤلاء الطواغيت بل كانت خارج الدنيا المظلمة كلها حين كانت تحلّق في جنة المقربين حيث لا اذن سمعت ولا عين رأت ولا خطر على قلب بشر، وهو في ذلك السمو لم يبخل على هذا الشاب الفقير إلى رحمة ربه التي ينزلها على ايدي اوليائه الذين نور قلوبهم بمعرفته يجيبه اذا سأله ويبتدؤه اذا عجز عن السؤال ويحنو عليه اذا ضعف ويرفق به اذا قصّر ويغدق عليه بالعواطف اذا اغتمّ.

وفي الحقيقة فاني كنت متردداً في نشرها وأكثرتُ من استشارة الإخوان المخلصين في هذا الامر التزاماً بوصاياه (قدس سره) ووصايا المربّين الناصحين بضرورة كتمان العلم عن غير أهله خشية أن يحمّل مغامرٌ نفسه فوق ما لا يطيق لكني لم أجد بُدّاً الآن من نشرها بعد ان وجدت ابتعاد (المؤمنين) فضلاً عن غيرهم عن الاخلاص والترفع عن الدنيا والانانية ووجدت الامراض القلبية متفشية في الامة بدرجة خطيرة تنذر بانهيار مقومات المجتمع الاسلامي الفاضل وان بدا ظاهره انيقاً يعجب الناظر الا انه منخور من الداخل ولخلوّ المجتمع من ايدي امينة مخلصة -فيما اعلم- قادرة على ان تأخذ بيدمن يريد الكمال فاحببت ان اساهم في معالجة هذه الامراض بتقديم هذه الوصفات الناجحة التي كتبت بشكل يختلف عن طريقة الاخلاقيين في مؤلفاتهم حيث ان القناديل عبارة عن اجوبة لتساؤلات وحلول لمشاكل مرّ بها شاب ابتدأ طريقه الطويل نحو الكمال فكأنك حين تقرؤها في عيادة طبية لمعالجة امراض النفس ولتطهير القلب حين تكون النفس مطمئنة والقلب سليماً

ص: 13

(إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)(1).

ولي ثقة كبيرة بقراء هذا الكتاب ان يأخذوا بنصائحه من عدم تحميل النفس ما لا تطيق وان يتركوا أي عمل يسبب لهم ضيقاً وحرجاً وان يعملوا بالتقية من النفس كما يعملوا بها من الآخرين وان يعلموا انهم اساؤا التطبيق كلما وجدوا انفسهم بعيدين عن الاتجاه الاسلامي العام الذي سار عليه المتدينون تبعاً لائمتهم (عليهم السلام).

كما لا ينبغي لهم ان يغفلوا عما نذكره في بياناتنا في سلسلة (خطاب المرحلة) وغيرها من الاصدارات لان الرسائل يعود تاريخها إلى عشرين عاماً وكتبت في ظروف تختلف تماماً عما نحن فيه مما يعني تغير الكثير من التكاليف يكفي ان تجري مقارنة بين افكار السيد الشهيد (قدس سره) فيها وما سار عليه بعد انتفاضة عام 1991 من التصدي للمرجعية والعمل الاجتماعي باوسع ابوابه.

ويتضمن الكتاب افكاراً تعود إلى كتابي (دور الائمة في الحياة الاسلامية) و(نظرة في فلسفة الاحداث) الذين طُبِعا لان المراسلات في تلك الفترة شملت كل هذه الاتجاهات فكانت متداخلة وقد تركت الرسائل على حالها ولم افرز محتوياتها.

أسأل الله تعالى ان يجعل هذا الكتاب صدقة جارية في صحيفة اعمال سيدنا الاستاذ الشهيد الصدر (قدس سره) يأتيه أجرها بكل من انتفع منها وان يجمعني به في حضرة الاحبة محمد وآله الطيبين الطاهرين (صلىالله عليهم اجمعين).

محمد اليعقوبي - النجف الاشرف

22 ربيع الثاني 1426

31/5/2005

ص: 14


1- الشعراء:89.

الباب الأول: معرفة النفس وجهادها

اشارة

ص: 15

ص: 16

الفصل الأول: الرسالة الأولى حديث المعرفتين

(من عرف نفسه فقد عرف ربّه)

فسّر بعض العلماء المحققين قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)(1).

بأنه حث المؤمن على سلوك طريق نفسه للوصول الى ربه أي بمعنى الحديث الوارد عن نبينا (صلى الله عليه وآله وسلم): «من عرف نفسه فقد عرف ربه»(2)،

وذلك بمعرفة مبدأ النفس ومنتهاها، وما يحقق سعادتها وما يضرها وينفعها من خلال ما يعرضه القرآن الكريم.

وسواء احتمل اللفظ هذا المعنى أم لم يحتمله فإن الفكرة بذاتها دقيقة إذ ان هذا الطريق أفضل السبل للوصول الى درجات القرب والزلفى لدى رب العالمين، وقد ورد عنهم: (ان المعرفة الانفسية خير من المعرفة الافاقية)، فعن الامام علي (عليه السلام): (المعرفة بالنفس افضل المعرفتين)(3).

فمعرفة النفس ومتطلباتها هي الوسيلة بينما الله تعالى هو الغاية ونسيان الغاية يستعقب نسيان الطريق لذا قال تعالى: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ)(4).

طريق ذات الشوكة

وطريق تهذيب النفس وعرفانها طريق شائكوطويل ومتشعب لذا لابد للانسان -لكي يستغل وقته ويوفّره لما ينفعه- ان يستفيد من حصيلة تجارب الآخرين

ص: 17


1- المائدة : من الآية 105.
2- مصباح الشريعة: ص13، في الحقائق في محاسن الاخلاق للعلامة الكاشاني.
3- من هدى النبي والعترة ص 17 ج 1، عن تفسير الميزان ج 6 ص 170.
4- الحشر من الآية: 19.

ممن سبقوه في هذا المضمار، يستخلص من كل امر نخيله، ويتوخى جميله، لأن الكيّس من اتعظ بغيره وعمره اقصر من ان يفنيه بالتجارب ليحصل على النتائج النافعة وهو وإن لم يعمّر عمر من كان قبله إلاّ ان النظر في اعمالهم والتفكير في اخبارهم والسير في آثارهم يجعله كأحدهم بل كأنه بما ينتهي اليه من امورهم قد عمّر مع اولهم الى آخرهم(1)*) وصحيح ان العلم ليس بالتعلم كما ورد في الحديث: ( ليس العلم بكثرة التعليم بل هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء)(2). الا ان هذا العلم بتوفيق الله وتسديده يكون سبباً ترجى به النجاة يوم القيامة وسلّماً يعرج به الى محل السلامة كما ورد في الحديث.

ومنذ وقت بعيد وانا استمد العون من الله تعالى ان يأخذ بي في هذا الطريق الا انه اضافة الى قصوري وتقصيري الذاتيين فاني اشكو من فقدان الموجّه والناصح الذي اقتدي به في هذا المجال وبنفس الوقت يجب ان نعترف ان الكتب وحدها لا تكفي رغم انها غنية بأقوال وسيرة المعصومين (عليهم السلام) مما يفوق حاجة الانسان الا انها صامتة اولاً، ولا يستطيع احد ان يستوعبها بتمامها فلابد من رسم منهاج حياتي، يتألف من الاعمال التي هي اولى وارجح من غيرها بحيث يستطيع الانسان ترويض نفسه على القيام بها حسب طاقته «لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا»(3) وعسى ان تشمله الرحمة الالهية فترتقي به في سلّم الكمال «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا»(4) )||.

وفي خضم هذه الهواجس تأتي رسالتكالاخيرة(5) تحمل دعوة – لعلها غير مقصودة من حضرتكم - تطلب مني ان التجأ اليكم في هذا المجال، ولا ادري كيف استفدتُ هذه الخاطرة من كلامكم؟ وهل كنتم تقصدونها فعلاً؟ وما هو مدى استجابتكم لهذا العبء؟ الله اعلم. وعلى اية حال كانت هداية ربانية من حيث لا تحتسب فرحنا بها كثيراً إذ من نجد خيراً منك يأخذ بنا في طريق الهدى، كما ورد

ص: 18


1- *) فقرات مقتبسة بتصرف من وصية امير المؤمنين وسيد العارفين(عليه السلام) لولده الحسن (عليه السلام) في نهج البلاغة.
2- الاربعون حديثاً: ص 419، عن بحار الانوار: المجلد الاول، ص225.
3- البقرة: من الآية286.
4- العنكبوت: 69 .
5- يأتي تسلسل هذه الرسائل زمنياً بعد البحوث المنشورة في الجزء الثاني من حديث الروح.

في حديث أمير المؤمنين(عليه السلام): (وقد اصبحتم في زمن لا يزداد الخير فيه الا ادباراً، ولا الشر الا اقبالاً، ولا الشيطان في هلاك الناس الا طمعاً ..)(1)،

وكما ورد عن الامام الحسين (عليه السلام) قوله: (الناس عبيد المال والدين لعق على السنتهم، يحوطونه ما درّت معايشهم، فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الديانون)(2)

فارجو ان لا تبخل عليّ بشيء فما مكنِّي ربي حمدته وطلبت منه الزيادة والأجر وما لم اتحمله استمددتُ منه تعالى العون والمساعدة والتوفيق انه ولي كل حسنة.

وكانت دعوتكم هذه متضمنة في الفقرات التالية التي اقتبسها لكي اعيدها الى ذاكرتكم، قلتم: (حول عرفان النفس وعدم الحاجة الى تفصيلها في التفسير التفصيلي للقرآن الكريم) وانما ذكرت ذلك في بعض كتاباتي السابقة لأمور اهمها ... الى ان قلت: (الثاني: التفكير بالاتجاه العملي بالاتصاف بصفاتهم – اهل العرفان – بعد ان يجد الفرد قابليته لذلك من دون ان يكلفنفسه ما لا تطيق .. وتحت اشراف تربوي دقيق، وهذا راجع لكل فرد ووجدانه) واحلتني الى تعليقاتكم على الفتاوى الواضحة / كتاب الاعتكاف، وانا محروم - بكل اسف - من المتن والتعليق بل لم اطلع عليها ابداً(3).

منهاج حياتي

وبعد هذه المقدمة الطويلة التمسكم - وكلي رجاء وأمل - في رسم منهاج حياتي وليكن المنهاج الذي وضعته لنفسك، يغطي الوقت كله متضمناً الشؤون الحياتية المختلفة – حسب تجربتكم الطويلة – ومخالطتكم للعلماء الربانيين المخلصين وندعوه تعالى ان يجعلنا ممن يقوم بها وان يأخذ بأيدينا حتى يبلغ بنا غاية

ص: 19


1- نهج البلاغة: ج2 ص11 .
2- هذا الحديث يرويه الفرزدق، قال: لقيني الحسين (عليه السلام) في منصرفي من الكوفة، فقال: (ما وراءك يا أبا فراس؟ ) قلت: أصدّقك ؟ قال (عليه السلام): (الصدق اريد)، قلت: اما القلوب فمعك، واما السيوف فمع بني أمية، والنصر من عند الله، قال (عليه السلام): (ما أراك الا صدقت، الناس عبيد المال ... الى آخر الحديث). ورد في كتاب كلمة الحسين (عليه السلام) ص237، عن كشف الغمة: 2 ص 207 - 208.
3- يعود تاريخ الرسالة إلى العام 1986 حيث كنّا نعيش في ظل الاضطهاد الصدامي وتعدُّ جريمة كبرى اقتناء كتاب للسيد الشهيد الصدر الأول (قدس سره).

رضاه باحتذاء نهج حبيبه ونجيبه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله الطاهرين (عليهم السلام) ولا يفرق بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة انه ولي التوفيق ونعم المولى ونعم النصير.

وسأذكر بعض النقاط الاساسية في حدود تجربتي المتواضعة مستعيناً بها على توضيح مقصودي وارجو منك المساعدة في تفصيلها – على قدر استطاعتك وبما لا يضيف عبئاً جديداً انت في غنى عنه .

1- الصلاة المفروضة في اوقاتها، النوافل اليومية الراتبة، الصلاة المستحبة الاخرى لمن اراد المزيد، قراءة القرآن، الادعية الراتبة وغير الراتبة، الصوم، الصدقة، زيارة مختصرة جداً للمعصومين (عليهم السلام) يومياً.

2- عملي الرئيسي وهو طلب العلم لوحدي: نوعية الكتب التي يفضّل قراءتها، الكتابة والتأليف، اسلوب كسب الاخرين الى هذا المضمار وكتب المبتدئين.3- الاستفادة من اوقات الراحة والهدوء بالذكر القلبي واللسان والتفكر ومحاسبة النفس.

4- ضرورات حياتية: الاكل، الشرب، النوم، تقليل الجميع حسب الامكان، الاقتصاد في الانفاق.

5-

اشياء عامة: الجلوس مع الأهل، متابعة ما يدور (هناك)(1).

6- عرض السلوك العام على القرآن عند تلاوته وعلى اقوال المعصومين (عليهم السلام) (نهج البلاغة، تحف العقول، ...) بين فترة واخرى للتدقيق.

7- تحقيق القلب السليم الذي يكون صاحبه والجنة كمن قد رآها فهو فيها منعم وهو والنار كمن قد رآها فهو فيها معذب «من خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام) في وصف المتقين»(2).

8- آداب سلوكية عامة ووصايا ونصائح.

ص: 20


1- المقصود بهذا المصطلح الجمهورية الاسلامية في ايران حيث كانت الحرب مشتعلة مع الجيش الصدامي المعتدي.
2- وردت هذه الخطبة في نهج البلاغة ج2 ص 161، حيث يقول (عليه السلام): «عظم الخالق في انفسهم فصغر ما دونه في اعينهم، فهم والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذبون ...»

9- الجهاد الاصغر بمراحله المختلفة حسب الظروف والمقتضيات.

10-

ما يقال في الحالات المختلفة (قبل النوم وبعده، ...).

وختاماً أقول: لا ريب اني اشكّل – برسائلي هذه ومطاليبي – عبئاً يثقل كاهلك ويحملّك مسؤولية قد يكون بودك ان لا احملك اياها – وهو ما اوده انا ايضا – ولكن ماذا نصنع يا سيدي وليس لنا خيار الاّه (وليس على المضطر الا ركوبها) وكل الذي نستطيع تقديمه هو ان نطلب ان لا تكلف نفسك الا وسعها «فشر الاخوان من تكلف له» ولك الخيرة في الاجابة وعدمها أو تأخيرها وانت حِلٌّ من هذا الواجب – ان كان ذلك بأدينا – «سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَىالْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»(1).

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ص: 21


1- الصافات : 180 - 182.

القنديل الأول

جواب الشهيد الصدر (قدس سره) حول:

تفسير الحديث الشريف: (من عرف نفسه فقد عرف ربه)

اولاً ينبغي الالتفات الى انك وضعت البحث اللفظي قبل هذا البحث في ترتيبك للاوراق، والذي اعتقده ان هذا البحث ينبغي ان يكون متقدماً على الآخر، يعني لاحقاً بما قلناه عن العوالم(1) الروحية لان له ارتباطاً بليغاً معه، وينبغي ان ندخل فيه مع تذكر ما قلناه هناك قبل قليل ولذا قدمته الآن.

وهذا الحديث الشريف الذي اصبح عنواناً لهذا البحث حديث جليل غني عن النظر في سنده لوضوحه ووروده عن المعصومين (عليهم السلام) وفي الأرجح انه وارد عن امير المؤمنين (عليه السلام) على ما اتذكر.

وله تفسيرات عديدة نذكر منها:

الاول: تقدير مضاف كعمل او مصلحة او نحوها، فمن عرف عمل نفسه أي العمل المناسب لها عرف عمل ربه أي العمل المناسب له، ومن عرف مصلحة نفسه أي مصلحته تجاهها فقد عرف مصلحة ربه، أي مصلحته تجاهه جلّ جلاله. ونحو ذلك من التقديرات الممكنة.

الثاني: من عرف نفسه أي ان انفتاحها الكامل هو الغاية فقد عرف ربه أي ان القرب الكامل اليه هو الغاية، فان اليه المنتهى واليه الرجعى.

الثالث: من عرف نفسه في افعالها، بحسب التصرفات الروحية التي سبق ان قلناها، فقد عرف ربه بحسب تصرفه في الكون، وبحسب الحديث القدسي: عبدي اطعني تكن مثلي تقول للشيء كن فيكون.

الرابع: من عرف نفسه بانفتاحها الكامل فقد عرف ربه لانها عندئذ تكون هي الطريقالى القرب المعنوي منه تبارك وتعالى.

ص: 22


1- إشارة إلى بحث (عالم الذر والظواهر الباراسايكولوجية) المنشور في الجزء الثاني من حديث الروح.

تعليقة الشهيد الصدر على الرسالة

1 – قولك: «فسر بعض العلماء المحققين قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ )(1) بانه حث المؤمن على سلوك طريق نفسه ..».

هذه الآية الكريمة لها عدة تفسيرات نذكر الممكن منها:

الأول: ان لكل فرد عمله الخاص به الذي لا يكون الآخرون مسؤولين عنه، فالشخص المهتدي اذا عمل عملاً صالحاً لا يضره الشخص الضال الذي يعمل عملاً فاسداً أي لا يؤثر على مسؤوليته امام الله سبحانه.

الثاني: إن درجة من درجات الهداية تكون فيها (مناعة) وحصانة عن الضلال الآتي من قبل الآخرين كالدعايات الضالة ونحوها.

الثالث: إن الفرد الضال لن يعيق الفرد المهتدي عن التكامل على مختلف المستويات (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً)(2).

وعلى أي حال فالمراد من الآية الكريمة يختلف جداً عن مضمون الحديث الشريف.

2 – قولك: «إن هذا الطريق افضل السبل للوصول الى درجات القربى والزلفى».

هذا صحيح الى آخر الفقرة تماماً. لا زلت موفقاً .

3 – قولك: «ونسيان الغاية يستعقب نسيان الطريق ... وطريق تهذيب النفس طريق شائك».

هنا لابد من الالماع الى بعض الفروق الاساسية بين ما سبق ان ذكرناه في البحث السابق وبين معرفة النفس المشار اليها الآن مع العلم إن كلا الجانبين أو كل الجوانب هي نفسية أو روحية أو معنوية ما شئت فعبّر.

واذا تحدثنا في حدود الممكن نستطيع أننستهدي بالقرآن الكريم فيما هو المطلوب من انفتاح النفس وعرفانها. إذ ليس كثيراً من الانفتاحات المشار اليها فيما سبق مطلوباً بل بعضها مبعد وبعضها حرام، وبعضها معيق عن التكامل شأنها في ذلك شأن الامور الدنيوية كما اشرنا. وانما المهم أن يتخذ الفرد عدة خطوات ويتصف

ص: 23


1- المائدة: من الآية 105.
2- النساء: من الآية 141.

بعدة صفات نطقت بها الآيات.

صفات العارفين في القرآن

1- أن يكون من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (1).

2- أن يكون من المتقين الأبرار (2).

3- أن يكون من الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، قال تعالى: (قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (3).

4- أن يكون من الذين يحبهم ويحبونه، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (4).

5- أن يكون ممن تخشع قلوبهم لذكر الله سبحانه، قال تعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)(5).6- أن يكون ممن تقشعر جلودهم ثم تلين لذكر الله سبحانه، قال تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ)(6).

7- أن يكون من ذوي القلب السليم، قال تعالى: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا

ص: 24


1- (البقرة:82).
2- (ان الابرار لفي نعيم) الانفطار: 13، المطففين: 22 (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) البقرة: 2.
3- (المائدة:119) .
4- (المائدة:54).
5- (الحديد:16).
6- الزمر: من الآية23 .

مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)(1).

8- أن يكون شكوراً، وأقله الاعتراف بالعجز عن الشكر تجاه النعم المحصورة الا في ما وفق الله سبحانه اليه.

9- ان يكون العبد ذكوراً ..«اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً»، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً)(2) .. خفية ودون الجهر من القول، قال تعالى: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ)(3) .. وهو الذكر القلبي الذي لا يطلع عليه الا خالقه.

10- أن يكون من الذين هم لربهم يرهبون، قال تعالى: (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ)(4)، ويخافون سوء الحساب، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ)(5).

ونحو ذلك من الصفات التي هي ما اصعبها على الفرد وما اسهلها مع حسن التوفيق. فان ادى ذلك وصلته مراحم كثيرة مشار اليها من آيات القرآن الكريم، منها:

1- والعاقبة للمتقين، قال تعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(6).2- جعلنا له نوراً يمشي به في الناس، قال تعالى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(7).

3- يسعى نورهم بين ايديهم وايمانهم، قال تعالى: (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا

ص: 25


1- الشعراء: 88 – 89 .
2- الأحزاب: 41- 42 .
3- الأعراف: 205 .
4- الأعراف: 154.
5- الرعد: 21.
6- القصص:83.
7- الأنعام:122.

الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(1).

4- ومن جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)(2).

5- يجعل له لسان صدق في الآخرين، قال تعالى: (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ)(3).

6 – يجعل له لسان صدق علياً، قال تعالى: (وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً)(4).

وغير ذلك مضافاً الى الغفران والجنان وخفة الحساب وثقل الميزان بالحسنات، وكفاية أمور الدنيا والآخرة.

هذا في حدود تكليفنا الذي ندركه فعلاً والتكامل غير متناه. و«لدينا مزيد» شامل لكل المقامات.

4-

قولك: «وطريق تهذيب النفس وعرفانها طريق شائك وطويل ومتشعب ...».

قلنا فيما سبق ان انفتاح اي ملكة روحية للانسان يحتاج الى رياضات وصعوبات سلوكية يمر بها الفرد كمقدمة وسبب لذلك الانفتاح بما فيه الانفتاح الروحي الحق المطلوب.

ولذا أمرنا بالزهد في المطعم والملبس والمشرب والمسكن والمنام والكلام.

مبادئ الزهد القلبي

وهذا وإن كان صحيحاً وعليه ديدن وسيرة كل الاولياء والصالحين، الا ان الزهد القلبي اهم من ذلك بكثير، وتتلخص فكرته بعدة امور منها:

1-

ان لا تفرح بما أتاك ولا تحزن على ما فاتك.

2- ان لا تجعل للاهتمام بالدنيا الى قلبك سبيلاً.

ص: 26


1- الحديد:12.
2- العنكبوت:69.
3- الشعراء:84.
4- مريم:50.

3- لا تفكر لها مدبر.

4- التسليم بأمر الله سبحانه والرضا بقضائه مهما كان.

5- الاعتراف بالذل والعجز امامه سبحانه ..الخ.

هذا والاستفادة من تجارب الآخرين ضرورية بل اكثر من ضرورية وتجارب الآخرين وان قصدنا بها تجارب الاولياء والصالحين في هذا الطريق ... الا ان كل عمل مهما كان مهماً او رديئاً فإن فيه موعظة وفي بعض الروايات: انه قيل للقمان الحكيم (عليه السلام): ممن تعلمت الحكمة ؟ قال: من الجهلاء .

5-

قولك: «ان العلم ليس بالتعلم وانما هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء - مضمون حديث للصادق (عليه السلام)- ».

هذا لا يعني في مستويات السلوك الصالح: السكوت والاهمال انتظاراً للمراحل المعنوية. فإن ذلك من خطل التفكير.

عن ميسر بن عبد العزيز، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال لي: (يا ميسر أدع ولا تقل: إن الأمر قد فرغ منه، إن عند الله عز وجل منزلة لا تنال إلا بمسألة، ولو أن عبداً سد فاه ولم يسأل لم يعط شيئاً، فسل تعط، يا ميسر انه ليس من باب يقرع إلا يوشك ان يفتح لصاحبه)(1)،

«لا نجاة الا بعمل مع رحمة»، «كيف ترجون الجنان العالية بالاعمال السافلة» -بالمضمون– (لِمِثْلِ هَذَافَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ)(2)، (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)(3) الخ ...

الخ .

6-

قولك: «ومنذ وقت بعيد وانا استمد العون من الله تعالى ان يأخذ بي في هذا الطريق، الا انه اضافة الى قصوري وتقصيري الذاتيين فاني اشكو من فقدان الموجّه والناصح ...».

ليس في اي انسان قصور ذاتي من هذه الناحية بل من كل ناحية، والخلقة تامة، (لَقَدْ خَلَقْنَا الأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)(4) والحمد لله رب العالمين، وانما يكون القصور والتقصير في العمل أو في الطلب أو في الاستحقاق ونحو ذلك مما لا مجال

ص: 27


1- الشافي في شرح اصول الكافي: مجلد 7، ص4 .
2- الصافات: 61.
3- التوبة: من الآية 105.
4- التين: 4 .

لتفصيله.

7-

قولك: «إني اشكو من فقدان الموجّه والناصح الذي اقتدي به في هذا المجال ...».

هذه شكوى يشكوها العديد مع الاسف، ولعمري ان الملاقحة باللقاء تنوّر القلب وتحط الغم، كما ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (أتجلسون وتحدثون ؟ قال: نعم، قال: تلك المجالس احبها، فاحيوا أمرنا، رحم الله من احيى أمرنا فأفضل. من ذكرنا او ذُكِرنا عنده فخرج من عينيه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت اكثر من زبد البحر)(1). وحتى انا شخصياً كثيراً ما اشكو ذلك. (كيف بكم اذا اصبحتم تبحثون عن المرعى فلا تجدونه).

كيف تواجه فقدان الموجه ؟

والمواجهة الصحيحة لمثل هذه الحالة تتكون من عدة فقرات:

1- التسليم والرضا بما قسم الله من الانفراد.

2- معرفة كونه نعمة من الله سبحانه لكونه اعلم بالمصلحة والرحمة.3- معرفة كونه عبادة لأن فيه بعداً عن (ديار الظالمين).

4- الاستمداد من معاني الادعية والاذكار.

5- الاستمداد من نصوص الروايات . وفي هاتين الفقرتين كلما مال اليه القلب وتعجب منه الذهن فهو النافع.

6- الاستمداد من الآيات الكونية النفسية والآفاقية بالتفكير في خلق الله سبحانه ايا كان بابه، فإن تفكير ساعة خيرٌ من عبادة سنة.

7- الاعتبار بكل ما يصدر من الآخرين من اقوال وافعال، طبقاً للحكمة التي نقلناها عن لقمان الحكيم(عليه السلام).

8- الاستمداد من الكلام الحق الذي قد يصدف سماعه من الآخرين مهما كان قائله وضيعاً أو عظيماً اجتماعياً.

هذا مضافاً الى كتاب الله سبحانه الذي هو معين لا ينضب وبئر لا ينزفه متح الماتحين على حد قول امير المؤمنين (عليه السلام).

ص: 28


1- الوسائل: ج5 مجلد 8، ص 410.

8- قولك: «ان الكتب وحدها لا تكفي رغم انها غنية بأقوال وسيرة المعصومين (عليهم السلام) مما يفوق حاجة الانسان الا انها صامتة ...».

ليست الكتب صامتة يا حبيبي بل هي ناطقة بمحتواها لا محالة ولكنها على اي حال لا تفي بكل الجوانب التي يحتاج اليها الفرد .

9- قولك: «لا بد من رسم منهاج حياتي يتألف من الاعمال التي هي اولى وارجح من غيرها، بحيث يستطيع الانسان ترويض نفسه على القيام بها حسب طاقته ...».

اخذ الطاقة والوسع للنفس اكثر من ضروري، وعلامته انك قد تشعر بالسأم او الضعف او الهواجس غير المستحسنة. فيجب فوراً ترك ما باليد من التزام مهما كان هدفه مهماً. بل يحسن جداً عدم الضغط على النفس الى حد الوصول الى ذلك بل ترك الالتزام قبل ان يحصل السأم . فان الضغط الكثير قد تحصل منه المضاعفات التي لا يعلم نتائجها ومحتواها الا الله سبحانه. أجارنا الله سبحانه جميعاً من كل سوء وعثار.

خطوات لدفع السأم

واذا حصل ذلك امكن دفعه بعدة امور منها:

1- ممارسة شيء مفرح دنيوياً كمطالعة قصة او نزهة.

2- الخلود الى الهدوء ولو اوجب الغفلة والبعد المؤقت.

3- تغيير ما في اليد من طاعة الى طاعة اخرى، أو من ذكر الى ذكر، على ان يكون الثاني مما رغبت به النفس ولم تنفر منه .

10- قولك: «وفي خضم هذه الهواجس تأتي رسالتك الاخيرة تحمل دعوة - لعلها غير مقصودة من حضرتكم - تطلب مني ان التجأ اليكم في هذا المجال ...».

الالتجاء الى الله سبحانه وتعالى لا اليّ يا حبيبي وأنا احمد الله سبحانه ان وفقني الى التسبيب لهداية الآخرين . وهذا في مصلحتي قبل ان يكون في مصلحتهم، مع رجائي ان يكون قد عفا عما وقعت به من الهفوات والسقطات .

وعلى اي حال فقد قلت سابقاً ان التربية المعنوية انما هي باللقاء لا بالكتابة. فان الكتابة مهما كانت مفيدة الا انها لا نسبة لها الى الملاقحة باللقاء والكلام. وهذا خارج عن الطوق مع الاسف .

ص: 29

وعلى اي حال فهذا المقدار أو هذا النوع من الكتابة كأنه لابد منه ولا يكون المزيد عليه.

11- قولك: «أرجو ان لا تبخل عليّ بشيء فما مكنِّي ربي حمدته وطلبت منه الزيادة والأجر وما لم اتحمله استمددت منه تعالى العون والمساعدة ...».

هنا يحسن الالماع الى امرين:

الامر الأول: ما اشرتم اليه من الاستمداد منه سبحانه العون وهذا ما يقوله في الدعاء (ما عرفتنا من الحق فحملناه) مضافاً الى قوله (وما قصرنا عنهفبلغناه)(1) .

الامر الثاني: ان عدم التحمل او الشعور بقلة الطاقة تجاه بعض الحقائق على قسمين:

الأول: العبء الخفيف، الذي يزول بشيء من التأمل أو ببعض ما اشرنا اليه في الصفحة السابقة.

وهذا المقدار ضروري في المعرفة لأن كل حقيقة جديدة فهي ذات ثقل على النفس من جهة أو أخرى، فعدم العبء من هذه الناحية يعني انقطاع التربية بالمرة. فمثل هذا العبء كما لا يضر قوله من المتكلم لا يضر سماعه من السامع اعني: الضرر المعمق، وهذا هو الذي يسار عليه عادة في السلوك الصالح.

الثاني: العبء الثقيل الذي يكون صعب الازالة جداً، وقد تكون له مضاعفات، ومن آثاره على السامع؛ انكار القول اولاً، والاستنكار على صاحبه ثانياً، وانشغال البال بمناقشاته برهة من الزمن ثالثاً، وقد تكون هناك آثار أخرى اعاذنا الله تعالى منها . مع العلم ان الفكرة حق وقائلها محق.

ومثل ذلك لا يجوز التفوه به امام الضعيف أما من هو الضعيف؟ فهذا أمر يختلف تماماً في الاشخاص، ويجب على الفرد المتكلم أو الكاتب مراعاة الاحتياط جداً في من يظن ضعفه، والا تورط الاثنان معاً تجاه الله سبحانه.

12 - قولك: «احلتني الى تعليقاتكم على الفتاوى الواضحة، كتاب الاعتكاف، وانا محروم - بكل اسف - من المتن والتعليق بل لم اطلع عليها ابداً».

ليس اطلاعك عليها ضرورياً تماماً وان كان راجحاً، ولا اعتقد ان فيها الكثير

ص: 30


1- فقرات من دعاء الافتتاح الذي أوله: (اللهم اني افتتح الثناء بحمدك ...) الموجود في مفاتيح الجنان.

مما لا تعرفون. بل لعل ليس فيها ذلك اصلاً وقد فكرت ان اكتبها هنا اليكم الا انه لا ضرورة الى ذلك مضافاً الى انه من محسنات الاطلاععليها الاطلاع على المتن. وهذا مفقود لديّ ولا استطيع نسخه على اي حال ولكنكم تستطيعون ان تناقشوا الاخ زيد عن ذلك فلعله يعرف نسخة منها.

فقرات اخرى للمنهاج العبادي

13- قولك: «وبعد هذه المقدمة الطويلة التمسكم - وكلي رجاء وأمل - في رسم منهاج حياتي وليكن المنهاج الذي وضعته لنفسك».

هذا المنهاج ممكن بمعنى، وغير ممكن بمعنى آخر، اذ تحول بينه وبين تفاصيله حوائل اجتماعية اولاً، ومعنوية ثانياً، ونفسية ثالثاً. الا ان كل هذه العوائق لا تحول دون سعة رحمته ونعمته تبارك وتعالى، فالشيء الممكن الذي اقوله فعلاً:

1- خذ بنظر الاعتبار ما قلناه في الفقرة (3) من التعليق على هذا البحث.

2 - خذ بنظر الاعتبار ما قلناه في الفقرة (4) منه سواء ما كان منه عملاً جسدياً أو قلبياً.

3 - خذ بنظر الاعتبار ما قلناه في الفقرة (8).

4- اذا بقيت لديك طاقة فالافضل الالتزام بالصلاة الاحدى والخمسين، يعني الفرائض والنوافل اليومية كلها، وصم يومين أو ثلاثة في الاسبوع - ان امكن - وكثرة السجود نسبياً استغفاراً أو شكراً.

5- الاعتصام القلبي الواضح بالمعصومين (عليهم السلام) فانهم ابواب الله وخزنة علمه والعروة الوثقى التي لا تنفصم والعماد الذي لا يميل ومخاطبتهم بالدعاء للمطلوب، وبخاصة الحسين (عليه السلام) وأمير المؤمنين (عليه السلام) وفاطمة الزهراء (عليها السلام) وكلهم ابواب النجاة سلام الله عليهم اجمعين.

6- التوكل على الله سبحانه والاستمداد منه العون والتأييد والنصر (ولولا نصرك لكنت من الخاسرين)، (وإن خذلني نصرك عندمحاربة النفس والشيطان

ص: 31

...الخ)(1).

احذر

هذا واحذرك من امرين: الاول: اكرر ان لا تكلف نفسك ما لا تطيق، الثاني: ان لا يأخذك العجب من طاعتك فإن عظمة الله سبحانه اجلّ من ان يستوفي حقها عبادة كل المخلوقين فضلاً عن مخلوق واحد مهما اوتي من قوة. ونعمته اوسع من ان يشملها الشكر واوصافه اجلّ من ان يستوعبها الثناء. والعبادة بكل اشكالها من الطافه جلّ جلاله فكيف يمكن تقديمها اليه كشيء مستقل عنه فضلاً عن الفرح بها فضلاً عن العجب.

وهنا سأعلق على الفقرات التي جعلتها انت منهجاً لنفسك طبقاً لترقيمك نفسه:

1- قولك: (الصلاة المفروضة في اوقاتها، النوافل اليومية الراتبة، الصلاة المستحبة الاخرى ...).

حسب فهمي يكون الأولى ان تقلل من غير الصلوات اليومية (الاحدى والخمسين) وتزيد من قراءة القرآن والزيارات بالمعنى الذي المعنا اليه فيما سبق، على ان لا يزيد كل ذلك عن الطاقة.

ماذا اقرأ من الكتب

2- قولك: «عملي الرئيسي وهو طلب العلم لوحدي: نوعية الكتب التي يفضّل قراءتها، الكتابة والتأليف ...».

الكتب ذات انواع عديدة، اهمها في هذا المجال قسمان:

القسم الاول: ما يقرأه الفرد لمجرد الثقافة وان كانت فيها صبغة دينية قليلة، وهذا القسم يفيد في الثقافة الشخصيةوتثقيف الآخرين، ولكنه لا يخلو من خلة في طريق السلوك الصالح الا من جهتين:

اولاً: في فترات الاستراحة الضرورية في كثير من الاحيان .

ص: 32


1- هذه فقرة من دعاء الصباح لأمير المؤمنين (عليه السلام) الموجود في مفاتيح الجنان والذي أوله: (اللهم يا من دلع لسان الصباح بنطق تبلجه ...) الى ان يقول (عليه السلام): (وان خذلني نصرك عند محاربة النفس والشيطان فقد وكلني خذلانك الى حيث النصب والحرمان ...).

ثانياً: مطالعتها لاجل البحث عن الحكمة والموعظة ولو (من الجهال) فان في كل شيء موعظة، على ان لا يخدع الانسان نفسه.

القسم الثاني: ما يقرأه الفرد ممّا يقربه الى الله سبحانه وهي على اشكال: كتاب الله سبحانه، نهج البلاغة، كتب أخبار الائمة المتكفلة بالموعظة، كتب التزهيد في الدنيا، كتب سير الصالحين فيما اتخذوه من طاعات، كتب السلوك والعرفان، لكن هذا يحتاج الى حذر شديد، وانا شخصياً اخاف ان اقرأ كثيراً منها لأن فيها كثيراً مما لا يطاق.

اما ما اشرت اليه من كسب الآخرين، فليس من الضروري ان تجلبهم الى هذا الطريق بتفاصيله. بل هو ضروري البطلان بالنسبة الى الكثير من الناس حتى من كان منهم في طريق الهداية، فضلاً عمن يراد هدايته من جديد.

ويكفي دليلاً على البطلان اننا قد نحملّه ما لا يطيق فنكون معاً من الخاسرين.

ومن الصحيح انه كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام): (لأن يهدي الله على يديك عبداً من عباد الله خيرٌ لك مما طلعت عليه الشمس من مشارقها الى مغاربها)(1). والهداية الحقيقية انما هي بمضمون (من عرف نفسه فقد عرف ربه) إلاّ ان كل فكرة مناسبة عن الدين والمجتمع فهي هداية ويجب ان لا نتوخى في الفرد اكثر من مستواه الثقافي والاجتماعي والفكري، وانت اعلم على اي حال.

3- قولك: «الاستفادة من اوقات الراحة والهدوء بالذكر القلبي واللساني والتفكر، محاسبة النفس».

هذا صحيح تماماً، غير ان الذكر القلبي اولى واهم من اللساني بل هو - في حدودتجربتي الخاصة - اسهل على النفس والذّ لها من الذكر اللساني.

لا تحاسب نفسك كثيراً لأنها قد تثور عليك.

سلوكك داخل العائلة

4- قولك: «ضرورات حياتية : الاكل، الشرب، النوم، تقليل الجميع حسب الامكان، الاقتصاد في الانفاق».

ص: 33


1- بحار الانوار، ج1، ص 216.

هذا صحيح كله في حدود التحمل، ولكن الاقتصاد في الانفاق يجب ان يقتصر على النفس ولا يشمل العائلة فانهم غير مكلفين بما انت مكلف به ولا مدركين لما انت مدرك له.

والتوسعة على العيال مستحب مع سعة اليد ولا يحول دون ذلك إلاّ حرمة الاسراف والتبذير.

نعم، تعويدهم على القليل نسبياً بنيّة تقريبهم الى الطريق نسبياً ايضا وتجنيبهم (الشبهات) مهما كانت (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً)(1) ... امر راجح على اي حال.

5- قولك: «اشياء عامة: الجلوس مع الاهل، متابعة ما يدور هناك».

لا ينبغي ان يكون الاشتغال بالعائلة حائلاً عن حسن حال الانسان وادائه لوظائفه في حدودها (السابقة).

نعم، هي مفيدة عند ضرورة الراحة كما قلنا في قراءة الكتب، كما انها لا تنافي الذكر القلبي والذكر اللساني.

6- قولك: «عرض السلوك العام على القرآن عند تلاوته وعلى اقوال المعصومين (عليهم السلام) ...».

ينبغي ان يكون هذا متعدداً، فلو امكن ان يكون معدله ساعة في كل يوم فافعل، ولا تخف من تكرار الكتاب عدة مرات فانك ستعرف منه اشياء في كل مرة كانت خافية عليك من قبل.

7- قولك: «تحقيق القلب السليم الذييكون صاحبه والجنة كمن قد رآها فهو فيها منعّم وهو والنار كمن قد رآها فهو فيها معذّب ...».

سبق ان ذكرنا القلب السليم، ومعناه - بالدلالة المطابقية - ليس هو ما ذكرته وان كان ذلك من نتائجه في مدى قريب أو بعيد، بل له معان اخرى، منها : افراغ القلب عن حب الدنيا والاهتمام بها، ومنها: افراغ القلب عن الحقد على الآخرين في سبيل المصلحة الشخصية، ومنها: افراغ القلب عن غير طاعات الله القلبية والتي منها ما ذكرناه في الفقرة (4) من هذه التعليقات على هذا البحث وغيرها.

8- قولك: «آداب سلوكية عامة ووصايا ونصائح».

هذه الآداب ضرورية ومنها واجب، ومنها مستحب، وليس فيها مرجوح الا ما

ص: 34


1- التحريم: من الآية6.

كان فيه مضاعفات دينية والعياذ بالله.

ويحضرني الآن ذهنياً هذا الخبر المقدس عن المعصومين (عليهم السلام) ولعله قد مر عليكم فيما سبق، فعن الرضا (عليه السلام): (لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يكون فيه ثلاث خصال: سنة من ربه وسنة من نبيه، وسنة من وليه، فاما السنة من ربه فكتمان سره، قال الله عز وجل: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ)(1)، وأما السنة من نبيه فمداراة الناس فان الله عز وجل أمر نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بمداراة الناس فقال: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ)(2)، واما السنة من وليه فالصبر في البأساء والضراء)(3). وهو من الاخبار المباركة التي يكون الاخذ بكل فقراتها اكثر من ضروري بالنسبة لي ولك ولكل ذوي السلوك الصالح.

حدود الجهاد الاصغر

9- قولك: «الجهاد الاصغر بمراحلهالمختلفة حسب الظروف والمقتضيات».

الجهاد الاصغر في حدوده مهم جداً الا انه لا ينبغي ان يعيقك او يلهيك عن الجهاد الاكبر، وانما ثوابه واهميته مستمدة منه فيما اعتقد.

ومع فراغ الجهاد الاصغر عن جنبة الجهاد الاكبر بالمرة فلا قيمة له عند الله على الاطلاق كما لو حصل بدوافع دنيوية.

ومحل الشاهد ان اعاقته عن الجهاد الاكبر مؤسف جداً. الا اذا وصل حال الفرد الى درجة يقتنع فيها بانتصاره في الجهاد الاكبر ووصوله الى النتائج المتوخاة، عندئذ له ان يلتفت الى الناس فيهديهم كالانبياء والاوصياء (عليهم السلام)، الا ان هذه المرحلة لم يتم طيّها كلها على اي حال.

الوصية الاخيرة

10- قولك: «ما يقال في الحالات المختلفة (قبل النوم وبعده)».

هذه الادعية مع كل ماسبق قد تكون صعبة وثقيلة على النفس، نعم، في

ص: 35


1- الجن: من الآية 26- 27.
2- الأعراف : من الآية199.
3- الشافي في شرح اصول الكافي، مجلد 6، ص 320-321.

حدود قبول النفس لها يحسن ان تقرأ بقصد نتائجها الوضعية مضافاً الى قصد الثواب الموعود به.

هذا وأودّ الايصاء بأمرين أخيرين:

الأول: حاول ان تكون على طهارة من الحدث من كلا نوعيه الاكبر والاصغر باستمرار وارفع الحدث بعد حصوله مباشرة . وان امكن - وهذا دونه في الفضل - وهو البقاء على طهارة من الخبث اي النجاسات الاعتيادية، باستمرار لو امكن ما عدا الضرورات كالمرض، او الضيق النفسي وعدم التحمل.

الثاني: حاول ان لا تسمع راديو ولا تنظر الى تلفزيون صورة ولا صوتاً بقصد مجرد اللهو، فان اللهو مع الحاجة اليه يكفي فيه الكتب والعائلة والطعام والشراب والجهاد الاصغر ونحوه ولا ينبغي ان يشمل الراديو والتفزيون حتى وان كان الشيء الصادر فيها حلالاً فضلاً عما اذا كان حراماً.

ولكن ممارستها المحللة بقصد راجح لابأس به كما لو كان بقصد الاهتمام بأمور المسلمين او البحث عن عبرة او موعظة مقصودة او غير مقصودة لقائلها، او

الاطلاع على قوانين خلق الله سبحانه في الارض والسماء، ولكن ذلك مهما كان لا ينبغي ان يحول دون التزام الفرد بالجهاد الاكبر على اي حال.

ولا اعلم ما اذا كانت قد تعرض لك في الحال او الاستقبال مشاكل نفسية او قلبية قد تفكر في ايصالها اليّ لعليّ - وانا الجاهل القاصر - اوفق الى إزالتها أو الحدّ منها بحسن توفيقه تعالى.

وهنا أقول: لا بأس من إيصال الاسئلة المختصرة بين وقت وآخر.

وعلى اي حال فمهما قلّت الاسئلة والكتابة امكن تكرارها اكثر.

والحمد لله رب العالمين

ص: 36

الرسالة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على جميع الأنبياء والمرسلين والائمة الهداة المهديين، واللعنة الدائمة على شياطين الجن والانس واوليائهم.

حبّنا إياك

سيدي ومولاي: وصلتني تعليقاتك وتوجيهاتك واغتبطت بها أيّما اغتباط فقد كنت متلهفا للاطلاع على ما يقدمه يراعك خصوصا وانها جاءت بعد غياب طويل نسبياً، وقد فهمت ما فيها من ارشادات وارجوه تعالى ان يوفقنا لتنفيذها وجميع وصاياك الشفهية والتحريرية.

أما حبّنا إياك - وكذا حبّنا وولائنا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله الاطهار بعونه تعالى - فلم يكن من أجل الذات ليُخشى عليه من الوصول إلى درجة الشرك كيف ونحن ندعو إلى تطبيق مفهوم العبادة الشامل الذي اهم مصاديقه القضاء على عبودية الناس للناس واتخاذ بعضهم ارباباً من دون الله تعالى. ولم يكن حبنا الا حبّ خالص في ا لله وفي سبيل الله لانك - كما تفضلت - طريق إلى العلم ومن ثم إلى الله سبحانه وأحد روّادنا في الوصول إليه تعالى .

سيدي: كان لتعليقاتكم الثمينة على كتاب (دور الأئمة في الحياة الإسلامية) أثر بالغ في تحفيزي وتشجيعي وقد فتحتَ لي بها آفاق جديدة في البحث فأعدت تصميمه وبناء هيكله لينسجم مع الملاحظات المفيدة التي ابديتموها وأرجو ان تأذن لي في إدراج ملاحظاتكم الضرورية للبحث فيه مع الاحتفاظ باسم صاحبها لو زالت ظروف التقية، واود ان انبئكم ان البحث عندما كتبته كان مجرد تثبيت للنقاط الرئيسية لذا كنت قليلاً ما اتدخّل الا لتوضيح معنى أو تسجيل فكرة ، كما كان لقلة المصادر اثر في اخراجهبالمضمون الذي رأيتموه، وندعوه تعالى أن يأخذ بأيدينا في طريق الأئمة الهداة (عليهم السلام) في الدنيا ويجمعنا وإياهم في الآخرة إنه ولي كل حسنة وأن يوفقنا لخدمة الإسلام والمسلمين بنية مخلصة لكسب رضاه إنه نعم المولى ونعم النصير.

ص: 37

وقد سجلّت كثيرا من الملاحظات في محلها من البحث انتظارا لادخالها فيه عندما تتاح الفرصة لاعادة كتابته، وهناك امور يبدو اني لم استطع توضيح مقصودي من وضعها في الكتاب واشياء اخرى لذا اكرّرها هنا مع هذا التوضيح طلباً لتعيلقاتكم الثمينة في ضوء العرض الجديد كما ارجو مخلصا ان لا تبخل عليّ بأفكار جديدة أو توجّهني إلى بحوث جديدة وأن تبتدأني إذا نفدت مسائلي لان اسئلتي وأفكاري تنفد وانتم البحر الذي لا ينزف (وكل إناء بالذي فيه ينضح) ويشرفني ويسعدني ان اتتلمذ - غيابياً - على يديك كما كان ذلك - في بحث دور الأئمة وبحوث أخرى - على يدي السيد (قدس سره).

(1) اعترضت على القول بأن في عنق كل امام بيعة لظالم الا الحجة (عليه السلام) انه مضمون حديث لا اتذكر مصدره لانقل نصه ولكن هذه البيعة لم تكن بامرار يد على يد وانما نعني بها العيش في ظل حكومة جائرة (الا عند أمير المؤمنين في بيعته الظاهرية) وهناك رواية يمكن ان يستفاد منها هذا المعنى عن هشام بن سالم عن ابي عبد الله (عليه السلام)، قال: (يقوم القائم وليس لاحد في عنقه عهد ولا عقد ولا بيعة)، (اصول الكافي، كتاب الحجة، باب الغيبة، حديث 27).

(2) كون الامام صامت في حياة الامام الذي يسبقه لا ينافي قيامه ببعض المهام بأمر أبيه وقد فعل ذلك اكثر من واحد من الأئمة (عليهم السلام) كإحالة أمير المؤمنين (عليه السلام) أحد السائلين إلى ولديه ايهما شاء (كتاب الاحتجاج) ، وإحالة الصادق (عليه السلام) إلى ولده الكاظم (عليه السلام) (الكافي، كتاب الحجة، ابواب النصوص على الامامة) لمصلحة يعرفها الامام(عليه السلام)، فما الضير في ان يكون قيام الباقر (عليه السلام) باقتراح ضرب السكة الإسلامية في حياة ا بيه بأمر منه .

(3) إن صاحب طبرستان ربما عرض على الامام العسكري (عليه

السلام) قبول تولي السلطة الا ان الامام رفض لانهم (عليهم السلام) لا يريدون - كما عبّرت في تعليقك - دولة في مهب الريح.

وأقول: ربما لانه قول بدون دليل الا حسن الظن.

(4) رغم فقدان النصوص الدالة على ان جميع الثوار العلويين أخذوا الإذن من إمام الوقت للثورة الا انه يمكن اعتبار قول الحسين (عليه السلام) عن جده (صلى الله عليه وآله وسلم): (الا ومن رأى منكم سلطانا جائرا ولم يغيّر ... لا يدخل مدخله)

ص: 38

إذنا عاما بل واجباً شرعياً .. ضمن حدود معلومة .. ومن نماذجه قول السجاد (عليه السلام) لمن جاءه يستفتيه في الخروج مع المختار طلباً بثأر الحسين (عليه السلام) ما مضمونه: لو كان عبدا حبشيا لوجب تأييده ونصرته أي ان المسألة لا تحتاج إلى استئذان لوضوحها.

(5) ان محمد بن ابراهيم الذي كان يدعو له ابو السرايا كان مخلصاً ، وقد وصفه الرضا (عليه السلام) لياسر الخادم بأنه من أهل بيتي (روضة الكافي، ح 370، ص214) ولا دليل على عدم حسن نية ابي السرايا، أما بعض الروايات في مقاتل ا لطالبيين فلا نركن اليها لأن المؤلف يميل إلى آراء الزيدية فهو يجرّ النار إلى قرصه.

(6) الروايات القائلة بأن محمداً بن عبد الله المحض هو المهدي ضعيفة وصاحب مقاتل الطالبيين ذكر بعدها بقليل روايات تنفي عنه هذه النسبة وأبوه عبد الله المحض أجلّ من ان تنسب إليه مثل هذه الافكار المنحرفة وتعبّر عن سلامة طريقته رسالة الامام الصادق (عليه السلام) إليه في حبس المنصور، اما معارضة الصادق (عليه السلام) للبيعة له فهي للتقية لوجود المنصور والسفاح بين الحاضرين في الاحتجاج وهما من يلي الخلافةإضافة إلى علمه السابق بعدم نجاحه.

وهناك روايات اخرى في مصادر الشيعة تنسب افعالاً وأقوالاً مشينة (كأصول الكافي، كتاب الحجة) إلى محمد وعيسى بن زيد وغيرهم يجب حملها على التقية والا فتطرح وهناك رواية في روضة الكافي، ح594، ص325 يستشف منها عقيدة محمد بن عبد الله المحض السليمة في الأئمة (عليهم السلام).

(7) لم ينسد باب الثورة في عصر ما بعد الأئمة (عليهم السلام) لأن اسباب الثورة التي كانت في عهد الأئمة (عليهم السلام) هي نفسها في كل زمان ومكان وغياب الامام أو الرضا من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يغيّر من الحالة شيئاً لوجود نائبه بالحق وهو الولي الفقيه، إذن كان لغياب الأئمة (عليهم السلام) أثر في غياب الثورات المخلصة ويمكن ارجاعه لعاملين:

احدهما: هبوط التفكير الاجتماعي لدى العلماء تدريجياً والتركيز على النظرة الفردية .

الثاني: عدم وجود القواعد الشعبية الواعية للواقع الفاسد والمستوعبة للحاجة الى تغييره ولم يكن فساد الوضع واضحا ومقنعا بالتغيير خصوصا وان الدول الحاكمة (كالعثمانية والصفوية) كانت تدعي الاسلام والخلافة.

ص: 39

(8) إن تقريب قول الرضا (عليه السلام): (لو خفت على نفسي) للمعنى الذي اردناه انني لو خفتُ على نفسي والمفروض ان هذا الخوف او الجبن سيمنعني من التنديد بالسلطة وتوعية الرأي العام بانحرافها والامر بالمعروف والنهي عن المنكر فسيساعد ذلك على انغماس السلطة اكثر في الظلم والعدوان (من أمِن العقوبة أساء الأدب) ولعلي اكون من ضحاياها وعندئذٍ أصبح مُعينا على نفسي.

(9) ان استعمال لفظ (الخلافة)و (الخلفاء) لغير الأئمة الشرعيين هو كمصطلح ينقل الذهن الى فترة زمنية معينة او حالة متداولة لدى الناس ولا يعني استعمالنا اياها اعترافا بمحتواها ومدلولها ومن هذاالقبيل استعمال الائمة (عليهم السلام) لفظ (أمير المؤمنين) احيانا للخلفاء العباسيين جرياً مع العامة ومن ذلك ما قاله الصادق (عليه السلام) للمنصور في احدى لقاءاته وكذلك الجواد (عليه السلام) عندما خطب ابنة المأمون وإذا كان ذلك منهم تقية فليكن منّا تأليفاً لقلوب العامة وهو لا يعني – كما قلنا ويظهر من البحث – ابداً ايماننا بمحتواها ومدلولها.

(10) تعليقاً على قول الامام (عليه السلام) عن الملتزمين بتفاصيل الاسلام على غير مذهب اهل البيت (عليهم السلام) ، قال الامام (عليه السلام): (اولئك يدخلهم الجنة برحمته) قلتم تعليقا عليه: أي برحمته تعالى فقط لا بالاستحقاق وهو ظاهر النصوص الا ان اقوال علمائنا خصوصاً المتأخرين (كاشف الغطاء في اصل الشيعة واصولها، الطباطبائي في الميزان) تشير انهم ينالون الجنة بالرحمة وبالاستحقاق لكن بدرجة أقل من نظيره السائر على مذهب اهل البيت (عليهم السلام) فهل كان هذا منهم تقية ام استفادة من النصوص ؟

ص: 40

القنديل الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه وآله اجمعين.

السلام عليكم وعلى من تحبون ورحمة الله وبركاته.

العلاقة القلبية

عجبا لهذه العلاقة القلبية التي تجعلني انتظر رسائلك بفارغ الصبر بالرغم من ثقلها المعنوي لكي ا فهم منها عدة امور:

منها:

سلامتك الشخصية ونجاتك من براثن الثعالب، وهو ما نحمد الله عليه حمد الابد.

ومنها:

عواطفك نحوي - على عواري ونقصي وذلي- وحسن ظنك بي فانها من اعظم التشجيعات تجاه الله سبحانه وهي في نفس الوقت من منن الله عليّ إذ جعل حسن الظن لي في اذهان الآخرين ، قال تعالى: (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ)(1) يعني – على بعض التفاسير – تهواهم.

ومنها:

أن اجد مقدار علمك الغزير ومدى تعبك على المستوى العقلي والنفسي والروحي لديك. وهذا من النعم الالهية لك – بل ولغيرك - .والحمد لله الذي هدانا لهذا... وهل هي الا فرصة لن تتكرر وهي وجودنا في الدنيا دار الطاعة والتكامل . اما اذا خسرناها أو خسرنا بعضها فهو يوم الحسرة والندامة، (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِير)(2)... يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله ... يا ليتنا نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل. وفهم الباقي عليك فان القليل يدل على الكثير والبعرة على البعير ...

وعلى أي حال فالحمد لله على حسن اللقاء الجديد الذي ارجو مستهلاً مخلصاً الى الله سبحانه وتعالى ان يعينني عليه وان يزلفنيلديك

ولديه انه ولي كل توفيق.

ص: 41


1- ابراهيم: من الآية37.
2- فاطر: من الآية37.

وأود قبل ان ادخل في التفاصيل ان اشير الى امرين على الاقل:

الامر الاول: ان اسئلتك هذه بمجموعها لا تشبه شيئا من الاتجاهات السابقة التي سرتَ عليها بل هي اعمق منها جميعاً بل هي اعمق من ان يدركهاالافذاذ من المتدينين فضلا عن غيرهم. وهذا ليس مدحا لك فان مدح الانسان امام وجهه امر مرجوح جداً ومنهي عنه، وانما هو:

1- من نعم الله عليك فانه عز وجل يسر الاسباب لذلك كما تعلم، وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك كبيراً.

2- من المسؤوليات الجسام في عنقك في ان تدفعها صافية خالصة الى اهلها اولاً والى خالقها ثانياً حين يقوم الناس لرب العالمين.

ومحل الشاهد هو انك تطلب في عدد من الاسئلة والبحوث التي سطرتها ذلك العلم الصعب المستصعب الذي لا يتحمله الا ملك مقرب او نبي مرسل او مؤمن امتحن الله قلبه للايمان.

والحقائق ذات مستويات مختلفة فقد يثقل بعضها على شخص لا يثقل على شخص آخر. وقد يؤدي الثقل النفسي الى مضاعفات غير محمودة على الفرد او عليه وعلى غيره وليس من الصدفة او من البخل ان كتم الائمة (عليهم السلام) علومهم الخاصة وشكا امير المؤمنين (عليه السلام) - في كلامه الى كميل – من قلة الآذان الواعية والصدور الحافظة.

فالمسؤولية الاعظم التي اشعر بها الآن هو انه لا ينبغي ان اتورط بكلمة يكون بها ضرري وضررك تجاه الله سبحانه وتعالى. وبخاصة وان هذه كتابات مقروءة يمكن لأي احد ان يستقرأها ويسبرها فاكون في نهاية المطاف اول الفاشلين.

والذي اعرفه ان التربية المعنوية لا تؤدي بالكتابة وانما تؤدى عن طريق اللقاء الشخصي والكلام وانما يكون ذلك بالتدريج البطيئ حسب قابلية المتكلم والسامع. وهذامما

لا يتيسر فعلاً مع شديد الاسف .

ومع ذلك ، فانني سأكتب شيئاً مما لا اظنه يثقل عليك شخصياً مع اشتراط ان لا يفهمه احد غيرك الا بمسؤليتك انت شخصياً أمام الله سبحانه على حسب النسق الذي سطرناه . والا فسوف اكون وتكون ممن كشف سر آل محمد عليهم افضل الصلاة والسلام فننال ضد ما نبتغي اعاذنا الله من الزلل والخطل في القول والعمل انه ولي الصالحات.

ص: 42

ومن الآن سوف اكتب ارقاماً بخطي على كتاباتك واجيب عليها واحدا واحداً مستعينا به متوكلاً عليه.

ها قد نسيت الامر الثاني وما انسانيه الا الشيطان ان اذكره:

الامر الثاني: حول مفهوم (التجربة) في التطبيق الاسلامي والذي كان من الواضحات في الأذهان في البرهة السابقة من الزمن على حين قلت لكم انه غير مستساغ.

هل الاسلام اطروحة ؟

واود الآن ان ازيد ذلك توضيحاً ضمن نقاط:

اولاً:

ان الاستشكال موجه اليّ انا شخصياً حيث عبّرت مراراً وتكراراً عن الاسلام الذي جاء به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): انه الاطروحة العادلة الكاملة. وفكرة الاطروحة تحمل معنى التجربة بالذات . غفر الله لنا سقطات الاقوال والافعال (راجع موسوعة الامام المهدي (عليه السلام)).

ثانياً:

ان الشريعة اذا كانت عادلة وكاملة فكيف يعقل ان تكون اطروحة او تجربة بل هي مضمونة الحقانية سلفاً. ومنزّلة من لدن حكيم خبير، ومن يشك في ذلك فهو خارج عن هذه المناقشة ويحتاج الى كلام آخر .

ثالثاً:

ما سبق ان قلناه من ان الشريعة لم تأت للتجربة بل للتحميل على الافراد والمجتمع أي يجب عليهم ان يطيعوا بكل صورة والا عرّضوا انفسهم للعقاب الاليم.

رابعاً: ان الفقرتين السابقتين تنطبقان على القيادة ا لمعصومة. وكذلك الاوصياء او(الوكلاء) المنصوص عليهم جميعاً.

خامساً:

ان هاتين الفقرتين لا تشملان التطبيقات الاخرى التي سنشير الى بعضها فمن الجائز ان تكون هذه (تجربة) او اطروحة فعلاً. فان النقص مادام محتملاً كان التطبيق غير مضمون سلفاً بل محتاجاً الى التجربة وهذا ينطبق:

1- على المستوى الظني للاجتهاد في زمن الغيبة كفتاوى مجتهد معين اذا اريد لها النزول الى حيز التطبيق.

2- على مجموعة من الناس تحاول ايجاد التطبيق وهي غير معصومة كحزب او نحوها . فان عملها مهما كان دقيقاً هو تجربة واطروحة بالضرورة، وقابل

ص: 43

للتمحيص الالهي العام (لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)(1).

والمهم

الذي استشكلنا عليه فيما سبق هو إضفاء فكرة التجربة والاطروحة على الشريعة العادلة ذات القيادة المعصومة وهو واضح البطلان.

تفاصيل الرسالة

ومن الآن سادخل بعونه في التفاصيل واضع رقما فوق السطر او الجملة التي اريد ان اعلق عليها ثم اكتبه هنا واذكر جوابه.

1- قولك: (اما حبنا اياك ... فلم يكن من اجل الذات ليُخشى عليه من الوصول الى درجة الشرك ...).

حبيبي: كلامك هنا حق بلا شك . وانما حداني على ذلك الكلام عدة امور:

منها: الفات النظر مما كنت احسب انك غير ملتفت اليه. وان الذكرى تنفع المؤمنين.

ومنها: ان الديدن في الحوزة العلمية وفي كثير من القيادات الدينية حتى المنفتحة اجتماعياً هو تقديس القائد والمفكر بالذات واعطائه اهمية خاصة، بل اعرف شعور نفس القائد والمفكر بذلك مع الاسف، وهذا وإن كان لا يضرّ جماعة من ذويالتفكير الديني الاعتيادي الا ان التدقيق يجعله باطلاً وشركاً كما عبرتَ جزاك الله خيراً.

2- قولك: (ارجو ان تأذن لي في ادراج ملاحظاتكم الضرورية للبحث فيه مع الاحتفاظ باسم صاحبها ...).

هذا لك هدية متواضعة.

3- قولك: (وان تبتدأني اذا نفدت مسائلي ...).

هذا من الصعب جدا بعد عمق اسئلتك والحاجة الى عمق الجواب كما قلنا في اول هذه الكلمات ، وعلى أي حال فالسؤال هو الذي يثير الجواب .

وانا بالخدمة وتحت الطلب في حدود امكانياتي، والحمد لله رب العالمين

4- قولك: ( اعترضت على القول بأن في عنق كل إمام بيعة لظالم الا الحجة (عليه السلام) ...).

ص: 44


1- يونس: من الآية14.

هذا بحسب فهمي يعني السكوت الظاهري والمجاملة للوضع القائم. وهو أمر مرفوض شرعاً بعد حكم التقية، الا انه يسجل - اخلاقيا- في ذمة الامام درجة من درجات الرضا بالوضع القائم. وهذا غير موجود بالنسبة الى الحجة (عليه

السلام) لانه لم يصانع ولم يجامل أي ظالم بل كان في طريقه الى الثورة من حين ولادته.

5- قولك: (كون الامام صامت في حياة الامام الذي يسبقه لا ينافي قيامه ببعض المهام).

هذا انما يكون لاجل التركيز على (الولد) اجتماعياً واعلان فضله بين الناس لا لأجل قيامه بمهام الامامة والولاية مهما قلّت أو كثرت، واعتقد ان الروايات واضحة في ذلك.

6- قولك: (فما الضير في ان يكون قيام الباقر (عليه السلام) باقتراح ضرب السكة الاسلامية في حياة ابيه بامر منه ؟).

هذا محتمل على أي حال، وان كان على خلاف وجداني، لانه:

1 ً-كان اللازم دعوة الاب لا الابن من قبل الدولة.

2 ً- ان يرد هذا المعنى في الرواياتوهو ايكال الامر الى الابن وهو امر مفقود، وعلى أي حال فالامر سهل بعد ما قلناه في تعليقنا هناك.

7- قولك: (ان صاحب طبرستان ربما عرض على الامام العسكري قبول تولي السلطة الا ان الامام رفض ..).

هذا لم يثبت ولا اتذكر رواية دالة عليه. ولا اتذكر ما ذكرته انت في كتابك. وان صح فالمصلحة كان تقتضي الرفض من قبل الامام (عليه السلام) لعدة امور يمكن ادراكها لنا فكرياً.

1 ً- عدم قابلية قادة طبرستان لذلك . ونتيجة ذلك ان احتمال تنازلهم فعلاً بعد توريط الامام (عليه السلام) بالموافقة بعيد جداً.

2 ً- عدم قابلية الشعب المحكوم لتلك الدولة لذلك.

ونتيجته: ان انسجامهم مع العدل الذي يريده الامام (عليه السلام) من شعبه بعيد جداً. وكيف ذلك وانما تربيتهم الثقافية والنفسية ضئيلة ومتواضعة.

3 ً- ظروف التقية التي كان يعيشها الامام العسكري (عليه السلام) مما لا يخفى على المتتبع . ونتيجته انه سوف تكون في مهب الريح يعني انها سوف تكون هدفاً للاعداء وهم (الخلافة) اولاً والشعب غير الموالي ثانياً وامراء الاطراف الطامعين

ص: 45

ثالثاً.

الى غير ذلك من اسباب.

8- قولك: (ألا يمكن اعتبار قول الحسين (عليه السلام): الا من رأى منكم سلطاناً جائراً ... إذنا عاما بل واجباً شرعياً ...).

حبيبي: هذا:

1 ً- يحتاج فقهياً الى حجة في السند بحيث تكون نسبته الى الامام (عليه السلام) قطعية.

2 ً- ان يكون الثائر قد قصد هذا الاذن العام ولم يقصد الدنيا بأي شكل من الاشكال، و(كل يحشر على نيته) وحسابهم على بارئهم وليس على من سواه.ويكفي اشارتكم الى (الحدود المعلومة) في امكان مناقشة كثير منها إذ من اوضح هذه الحدود (احتمال النجاح) وهو غير موجود قطعاً في اكثر تلك الحركات وعلى أي حال فحسن الظن من حسن الفطن.

9- قولك: (ان محمد بن ابراهيم الذي كان يدعو له ابو السرايا كان مخلصاً ...).

هذا يرجع الى تحقيقاتك فان استطعت ان تثبت اخلاصه واخلاص ابي السرايا فبها ونعمت.

وعلى أي حال فالظاهر ان وجدانك يختلف عن وجداني. فانك تميل الى السعة في حسن الظن بالثوار يومئذٍ وانا اميل الى الضيق في ذلك وارجو ان يكون كلانا غير زالق في الهدف الحقيقي بعونه تعالى.

10- قولك: (الروايات القائلة بان محمد بن عبد الله المحض هو المهدي ضعيفة...).

تقصد انه يدعي المهدوية والمصدر الرئيسي في ذلك هو مقاتل الطالبيين فان استطعت بالاعتماد على المصادر التاريخية تبرئة ساحته وساحة والده كان ذلك خيراً. والمصادر على أي حال عندي قليلة جداً.

11- قولك: (أما معارضة الصادق (عليه السلام) للبيعة له فهي للتقية لوجود المنصور ...).

معارضة الامام الصادق (عليه السلام) للبيعة له علي أي حق لانه ليس هو المهدي ولا يحق له ا لامامة بأي شكل من الاشكال مع وجود الامام الصادق (عليه

ص: 46

السلام) نفسه ، بل على كل حال ، وقد البس الامام (عليه السلام) رفضه بلباس التقية وقرنه بالاخبار عن المستقبل ليكون حجة على الآخرين بما فيهم محمد وابوه نفساهما.

12- قولك: (وهناك روايات اخرى في مصادر الشيعة تنسب افعالاً واقوالاً مشينة...).

اذا كان هناك رويات موثوقة ومتظافرة فلماذا لا نعمل بها ولا نستند اليها، فاننا اصدقاء الحقيقة ولسنا اصدقاء الاشخاص ، وارجو ان تتخلى عن حسن الظن المطلق باصحاب الائمة (عليهم السلام)، فان فيهمالناقص والانقص والكامل والاكمل وليست اصابعك سوية كما يقول المثل.

13- قولك: (وهناك رواية في روضة الكافي يستشف منها عقيدة محمد بن عبد الله المحض ...).

هذا ونحوه يحتاج الى تمحيص في ضوء مجموع الروايات سنداً ودلالة . وما احسن ان تكون النتيجة خيراً ...

14- قولك: (لم ينسد باب الثورة في عصر ما بعد الائمة (عليهم السلام) ...).

تقصد انه لم ينسد نظرياً لانك بعد سطرين تعترف بانسداده عمليا وتعطي له المبررات، اما انسداده نظرياً فهو اقرب الى الصحة في حدود فتاوى المجتهد الذي يحاول ذلك.

15- قولك: (هبوط التفكير الاجتماعي لدى العلماء تدريجياً ...).

هذا صحيح مع ضم اشياء اخرى:

1 ً- إن فكرة ظهور العدل في المستقبل كانت ولفترة طويلة مثبطة عن العزم على العمل. حيث كانت تُنظر بمنظار معين زائد على التكليف الشرعي.

2 ً- ان الاهداف الدنيوية وحب اللذاذة والراحة هي كانت مسيطرة ولاجيال طويلة على الناس، فان كان لهم همّ معين فضد بعضهم البعض لاهم اصل العقيدة !

16- قولك: (ان قول الرضا (عليه السلام) لو خفت عليها ... يمكن ان يراد منه ظاهرا اني لو خفت على نفسي ...).

يحتاج رأيك هنا الى المقارنة مع التفسير الذي ذكرناه هناك ولا اتذكره كي يتسنى لي البتّ بالموضوع ، كما يحتاج الى الاطلاع على مجموع الرواية - لو كانت اكثر من ذلك - فان رغبتم ان تكتبوا في كل هذه الامور في مرة قادمة كان ذلك

ص: 47

لكم. مع الالماع ايضا الى الموضوع الذي اصبحت شاهداً عليه هناك.

17- قولك: (ان استعمال لفظ الخلافة والخلفاء هو كمصطلح ولا يعني استعمالنا اياها اعترافا بمحتواها ...).

انا لا اعني ولم اكن اعني ان ذلك يتضمن اعترافا حقيقياً امام الله سبحانه بعدالةالخلافة المعوجة. وانما اعني ان هذا الاعتراف هو الذي سيكون ولو ضمنا ظاهراً من اللفظ للناس. وفي هذا محذور لان امتصاص الناس للمفاهيم يختلف جداً كما تعلم وردود فعلهم غير مدروسة ولا متوقعة. والاعتذار بانه (تأليف لقلوب العامة) - كما تفضلتم - مهما كان وجيهاً .. فانه عذر غير معروف لدى الناس فهل يجب ان نتابع الكتاب ونفهمه للناس فرداً فرداً !

وفي حدود القناعة الظاهرية فعلاً ، ان البحوث ينبغي ان نقسمها الآن الى قسمين : قسم يكون فيه الكلام مع العامة كبعض بحوث الامامة وبعض بحوث التفسير وبعض بحوث ا لعقائد وغيرها. وفي مثل ذلك يكون التعبير بالخلافة وجيهاً من باب التعبير الدبلوماسي. واما القسم الآخر الذي يتمحض لفهم الحقيقة فهذا الاعتذار لا يكون فيه وجيهاً على كل حال.

18- قولك: (ان اقوال علمائنا تشير انهم ينالون الجنة بالرحمة وبالاستحقاق ولكن بدرجة أقل ...).

حبيبي: المسألة ليست مجالاً للجدل ابداً ، فان النفوس كما تختلف عندنا تختلف عندهم ايضا. وهنا يجب ان نأخذ في نظر الاعتبار حقيقتين:

الاولى: انه لا يقبل عمل من دون ولاية لاهل البيت (عليهم السلام) .

الثانية: ان القاصر غير معاقب او غير مستحق العقوبة اصلاً. فقد يكون بعضهم حاويا على شيء من الحب والاحترام لاهل البيت (عليهم السلام)، وقد يكون بعضهم قاصراً وقد يكون بعضهم خاليا من العداء والنصب. ومن الواضح ان رحمته جل شأنه وسعت كل شيء ولا مصلحة له شخصياً باحراق الناس بالنار .. فيدخل اكبر عدد ممكن من الناس في الجنة برحمته . وهذا من سعة الرحمة التي يقال: ان الشيطان ايضا يطمع بها. فنعم الرب ربنا جل جلاله.

ص: 48

الفصل الثاني: الجهاد الاكبر: حدوده وتفاصيله

الرسالة الثالثة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والحمد حقّه كما يستحقه حمداً كثيراً، الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، الحمد لله بما هو أهله، والصلاة والسلام على جميع الانبياء والمرسلين لاسيما خاتمهم، وسيدهم محمد وآله الطيبين الطاهرين وعلى جميع الشهداء والصديقين وعباد الله الصالحين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعدُ: فقد صدق العلي العظيم إذ يقول: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا)(1). ومن اصدق من الله قيلا، وكان منها أن عطف عليّ قلبك وجعل لي مكاناً فيه وهذه النعمة في ابسط مدلولاتها تجعلني اطمع ان اكون ونكون جميعاً من أهل الحديث الشريف: «إذا احبّ الله عبداً القى محبته في قلوب المؤمنين» وقد جاءت عواطفك هذه لتؤكد لي ما ورد في بعض الروايات عن مبادلة الحب الصادق في القلوب والتي منها: ان مسعد بن اليسع قال: قلتُ لأبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام): اني والله احبك فاطرق ثم رفع رأسه فقال: (صدقت يا ابا بشر، سل قلبك عما لك في قلبي من حبك فقد اعلمني قلبي عما لي في قلبك)(2). فالحمد لله وحده ونسأله ان ينفعنا بهذا الحب الخالص فيه وأن يظلّنا بعرشه يوم لا ظلّ الا ظلّه.

ولابد لي ايضا ان اقدّم شكري على اهتمامك بي وحرصك على سلامتي وهذا شأن القلب الكبير الذي يسع قلوب محبيه والناهلين من نمير علمه، وحُقّ لي ان تكونعواطفك نحوي وحسن ظنك بي - وأنا الجاهل المقصر الذليل - من اعظم التشجيعات تجاه الله سبحانه، ونسأله عز وجل أن يعصمنا من العجب والغرور والفخر

ص: 49


1- ابراهيم: من الآية 34.
2- الكافي، ج2، ص 652.

والرياء وكل مبطلات الاعمال وان يجعل نيّاتنا خالصة لوجهه الكريم انه اهل التقوى واهل المغفرة.

سيدي: لا استطيع ان اصف لك فرحي وسروري وانا اتلقى جوابك واطيل النظر فيه واكرّره واثناء ذلك كانت نفسي تنزع الى البكاء لكن قلبي القاسي لم يسعفني بالدموع، ابكي لسببين:

الاول: البون الواسع بين ما نحن عليه وبين الصورة التي يجب ان نعكسها في سلوكنا والتي يعبّر عن بعض تفاصيلها ما يتفضل به يراعك، وعليّ ان اذكر هنا انني لا استحق الصورة التي رسمتها عني من خلال كتاباتي - كما يبدو من جوابك - ولا اراني متحملاً لجزء من المسؤوليات التي تصورت تحملي اياها الا بشكل يسير فلستُ مطبّقا لكل ما كتبته لك وفضلاً عن ذلك فان القول شيء والفعل شيء آخر ومن وراء ذلك انّى لنا بسلامة النية التي ترفع العمل وتؤهله للقبول.

الثاني: سوء حظ مجتمعنا البائس الذي حرم نفسه -ونحن منه- من هذه العبقريات الفذة والقى بقياده الى من اذا تولى سعى في الارض وافسد فيها واهلك الحرث والنسل، ونسأله تعالى ان يعيد الحق الى اهله وان يفعل بنا ما يختاره لنا وما هو أهله.

مولاي: تزامناً مع وصول جوابك كنت اسرح في كتاب اصول الكافي واستوقفتني شكوى الائمة (عليهم السلام) من قلة حملة اسرارهم والمؤتمنين عليها فعذرتك إذ لم تعطني كل ما اريد ولم تبح بكل ما في صندوق سرّك فمن طبعنا العجلة والتهور ومن طبعكم التريث وحساب عواقب الامور والله اعلم حيث يجعل رسالته .

سيدي: لدي عدة ملاحظات واستفسارات بعضها عام والآخر يخص عرفان النفس وسأرتبها انشاء الله تعالى تحت هذين العنوانين:اولاً: عرفان النفس:

لقد لاحظت خلال تجربتي العملية ان الكلام امرّ به - او يمرّ بي - عدة مرات لا اتأثر به ولا أجد في نفسي دافعاً لتطبيقه ثم اقرأه مرة اخرى واذا بي اتفاعل معه،

ص: 50

وامتزج به نفسياً وروحياً واسعى لتطبيقه(1)*) والذي ظهر لي ان الذي يحدد ذلك عاملان:

1- اخلاص القائل او الكاتب ومدى تجاوبه مع ما يلقيه الناس وحقاً قيل: ان الذي يخرج من القلب يدخل الى القلب، اما ما يخرج من اللسان فلا يتجاوز الآذان.

2- استعداد الشخص لتحمل الفيض الإلهي والتوفيق الرباني وشعوره بالحاجة وفي ضوء النقطة الاولى استطيع ان اطمئن وانا اسلم قيادي لك والاندفاع لاداء هذا العمل لانك مجسّد لما تكتب بل ما اظهرتَ الا القليل وكله صادر عن قلب مؤمن بما يقول ومتفاعل معه لذا وجدتني متأثراً بكلامك الى حد الاستعداد للبكاء فرحاً، بما أُلقي وشكراً لله تعالى على التوفيق ودعاءً خالصاً له عز وجل أن يأخذ بيدي ويحملني اياه «اللهم ما عرفتنا من الحق فحملناه، وما قصرنا عنه فبلغناه»(2)

ورأيتني اسرع لتنفيذ بعض ما ورد فيها -ولله الحمد- رغم ان هذا البعض لم يكن كله جديداً عليّ.

وفي وضوء النقطة الثانية استطيع ان اطمأنك وارفع عن كاهلك مؤونة صوغ الاجابة خشية تحميلي ما لا اطيق، إذ اني لا اقوم بعمل الا بعد توفيق الله تعالى إياي لتحمله وبعد شعوري - بهداية الله سبحانه - بالحاجة الى القيام به واذن فلا خوف - في حدود نظراتي القاصرة هذه – من النتائج السيئة للتحميل الزائد لأنه ليس كل ما ألقي اليّ سأجيز نفسي على العمل به والا فهناك الكثير من المعارف والعلوم المعمّقةوالبعيدة الغور معروضة في الكتب وامرّ عليها كثيراً ومع ذلك فليس لها اي تأثير سلبي - بالمعنى الذي تخشاه بسبب العاملين اعلاه وخصوصاً الثاني - والحمد لله على ذلك وبه العصمة.

المنحى الجديد

وفي الحقيقة لا اعلم كيف بدأت كتاباتنا تأخذ هذا المنحى الجديد؟ وما الذي طرأ عليّ حتى فزت بما دللتني عليه وأخذت بيدي في طريقه، وليست رسالتي

ص: 51


1- *) وهذا احد فوائد تكرار قراءة مثل هذه الكتب والبحوث فانه في كل مرة سيجد الانسان - بتوفيق الله تعالى - انه امام شيء جديد.
2- هذه فقرة من دعاء الافتتاح وهو من أدعية شهر رمضان الموجودة في مفاتيح الجنان .

التي اوحت لك ذلك - على ما اظن - بل هو اللطف والهداية الالهية في تيسير اسباب التكامل حسب درجة التأهيل وحسن استغلالك المنافذ وفي الوقت المناسب للدخول الى النفس الانسانية وفهمها من اول نظرة (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)(1).

ويبدو انك علمت ان رسالتك -وهي الجديدة في بابها- ستولّد اسئلة طموحة واستفسارات متطلعة للمزيد لذلك اعلنت عن فتح باب علمك لاستيعاب مشاكلي القلبية والنفسية فجزاك الله خير جزاء المحسنين إنه جواد كريم، واليكم اياها مستعينا بالله تعالى ومتوكلاً عليه:

حدود الجهاد الاكبر

(1) إني افهم ان الجهاد الاكبر يشمل جميع اتجاهات السلوك الانساني اي الروحي والقلبي والظاهري، ولكل اتجاه من هذه الاقسام الثلاثة جهاده ونتائجه الخاصة، فالجهاد الاكبر الظاهري كالعبادات الظاهرية والقلبي كالزهد والقناعة والحب والصبر، والجهاد الروحي -او النفسي- كالخشوع والخشية، وان كان الجميع يضمّها عنوان واحد هو الجهاد الاكبر او جهاد النفس. وبصورة عامة فان كل طاعة لله سبحانه تدخل ضمن هذا الجهاد -في فهمي القاصر-وإن لم تحمل صفة المجاهدة الفعلية بل ربما تأتي وفق مشتهيات النفس (كطلب العلم والاهتمام بامور المسلمين ونحوهما) لأنها ليست أقل من ان تكون من عمل الصالحات وهو اول شرط في الجهاد الاكبر.

ولكن الذي ظهر لي من بعض فقرات كلامك غير ذلك ننقل بعضها لنستحضرها امامنا، فعن اقسام الكتب قلت: «القسم الاول ما يقرأه الفرد لمجرد الثقافة وان كانت فيها صبغة دينية وهذا القسم يفيد في الثقافة الشخصية وتثقيف الآخرين. ولكنه لا يخلو من خلة في طريق السلوك الصالح ...».

«الجهاد الاصغر في حدوده مهم جداً الا انه لا ينبغي ان يعيقك او يلهيك عن الجهاد الاكبر، وان اعاقته عن الجهاد الاكبر مؤسف جداً، الا إذا وصل حال الفرد

ص: 52


1- المائدة: من الآية54.

الى مرحلة يقتنع فيها بانتصاره في الجهاد الاكبر ووصوله الى النتائج المتوخاة . عندئذ له أن يلتفت الى الناس فيهديهم كالانبياء والاوصياء (عليهم السلام) الا ان هذه المرحلة لم يتم طيها كلها على اي حال».

وعن تعدد الاهتمامات قلت: «وهو بالرغم من ان اكثره بل كله راجح ومطلوب، الا ان الافضل لك هو هذه النقطة التي التفتَّ اليها وحرصت عليها وهو الجهاد الاكبر. وهي فترة تطول وقد تقصر، والامل في الله سبحانه وحسن الظن به ان يتداركك بالرحمة والرضوان في اقرب وقت ويوصلك الى النتائج في اسهل طريق وإن كان ذلك كله اليه سبحانه وقد يحصل ان بعض النتائج لا تحصل الا بعد عدة سنوات كخمسة عشر او عشرين او اكثر. الا انه لا ينبغي اليأس من رحمة الله والقنوط من فضله وسرعة عطائه مع العلم ان يد الرحمة والعون ممدودة لكل تائب ومنيب ومحل المقصود انها على اي حال ليست فترة مؤبدة بل يصل الفرد بعدها الى مرحلة لا تحتاج الى كلفة كثيرة. بعد ان يكون قد وصل الى نتائج مهمة وواضحة وعندئذ كما اشرنا قبل فترة يصح الالتفات الى الجهاد الاصغر وغيره».

ما هو الجهاد الاكبر ؟

فما هو الجهاد الاكبر اذن ؟ وما حدوده وتفاصيله ؟ وهل إنه لا يشمل الجهاد الاصغر وطلب العلم وبقية الاهتمامات حتى كان الافضل لي الالتفات اليه وحده في هذه الفترة ؟ واذا كان الجهاد الاكبر غير هذه جميعاً الا في اوقات الراحة فما هي الاعمال التي يشغل بها جميع وقته اثناء المجاهدة ؟ وكيف يعيق الجهاد الاصغر اذا كان بنية سليمة أو قراءة الكتب ذات الثقافة الدينية عن الجهاد الاكبر ؟ وما معنى ان طلب العلم عمل مستأنف بعد تحقيق الاهداف الحقيقية ؟ وما معنى ان الانسان يلتفت الى الناس فيهديهم بعد ان ينتصر في الجهاد الاكبر ووصوله الى النتائج المتوخاة ؟ وما هي هذه النتائج التي يصل اليها الفرد بعد عدة سنوات ؟ هل هي رسوخ الملكات واعتيادها وأداؤها دون كلفة كثيرة ؟ أم الحصول على المراحم التي ذكرتها والتي منها: (وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ)(1)، (وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ

ص: 53


1- الانعام: من الآية 122.

صِدْقٍ عَلِيّاً)(1)، (يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ )(2)، ام هما معاً وغيرهما ؟

هذه الاسئلة دارت في خلدي وانا اكرر قراءة الرسالة كما امرتني بل كما ينبغي لي، فرجائي وأملي بالله سبحانه وتعالى وفيك ان تضع النقاط على الحروف وتبيّن ابعاد الموضوع وتفاصيله وجوانبه المختلفة وتعلمني مما عُلّمت رُشدا، لأني احس من خلال كلامك انك تخفي اشياءً لا تحب الولوج فيها وتظل تحوم حولها وادعو الله عز شأنه ان يجعلني ممّن اُهّل لقبول المرحلة التالية وتفهّمها من خلال الاسئلة السابقة لا ممن انكر هذه المعارف وعجز بسوء توفيقه عن تحمّلها والله الهادي وهو نعم المولى ونعم النصير، ومن يتوكل على الله فهو حسبه.

(2) وعن المنحى الجديد في كتاباتناوندرة الملتفتين اليها وان ذلك من فضل الله علينا - والحمد لله الذي اظهر الجميل وستر القبيح - قلت ان سبب ذكرك لهذا الكلام امران احدهما: من المسؤوليات الجسام في عنقك في ان تدفعها صافية خالصة الى اهلها اولاً والى خالقها ثانياً: (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)(3) ما هي هذه المسؤوليات ؟ ومن هم اهلها ؟ وكيف ندفعها لهم ؟

كيف النجاة ؟

(3) كيف يوفّر الفرد قلباً خاشعاً وجلداً يقشعر ثم يلين لذكر الله تعالى، أم ان هذا من مستأنف العمل كترويض النفس وتطويعها وكبح جماحها حيث يكونان نتيجة لمجاهدة النفس بالجهاد الاكبر في طريق التربية الالهية.

(4) إن الجلوس مع الاهل والاصدقاء والاقرباء الزائرين يحملنا احياناً سماع - او المشاركة في اوقات الغفلة - اموراً غير مستحسنة واحاديث تافهة لاينبغي الاشتغال بها وربما كان بعضها مما يحرّم تداوله كالغيبة فما هو الحل ؟ وكيف النجاة ؟

(5) إن من مشاكل العصر الحديث دخول الشيطان - ممثلاً بالتلفزيون - في كل بيت الا من عصم الله سبحانه مما يولّد صعوبات في التخلص منه لانه يفرض

ص: 54


1- مريم: من الآية 50.
2- الحديد: من الآية 12.
3- المطففين:6

على البعض التواجد في مكان هو فيه «اثناء الجلوس في الاهل لان اجتماع الاسرة يكون عادة في الليل ونحو ذلك» ولو فرضنا عدم النظر او الاستماع اليه والتشاغل عنه بشيء آخر بلطف الله تبارك وتعالى فان التواجد معه في مكان واحد أمرٌ غير مرغوب فيه ولذا تجدهم في عملية شد مستمرة مع الاهل ونجد احياناً - بل غالباً - تجاوباً منهم في اهمال التلفزيون خصوصاً في الامور المحرمة لكن عدم وجود البديل - بعد اعتيادهم على منحه جزءً من الوقت - يمنع من التزامهم باستمرار بهذا الشيء، فما هي ارشاداتكم وتوجيهاتكم بخصوص هذهالمشكلة ؟

الكتب النافعة

(6) حبذا لو ساعدتني فذكرت لي اسماء بعض الكتب المفيدة في التزهيد والتذكير وشدّ الانسان الى ربه غير القرآن الكريم والموسوعات الحديثية كنهج البلاغة ووسائل الشيعة واصول الكافي وتحف العقول، وما هي الكتب التي تتكفل بعرض سير الاولياء الصالحين وتجاربهم في هذا المجال، والموجود بين يديّ قليل جداً الا انه مفيد كمرآة الرشاد للمامقاني ورسالتك السابقة.

(7) إن من مصاديق الجهاد الاصغر ما يفرض علينا القيام به ولا يمكن تأجيله كموقفنا من التكليف الذي نتعرض له بعد تخرجنا من الجامعة(1) وعموم الشباب الا من شاء الله تعالى له غير ذلك فكيف سيكون هذا الموقف ؟ وهل يوجد فيها مجال للتقية ؟ وما حدودها ؟ أما أنا فعلى بصيرة من امري في هذا المجال ولله الحمد ولكن ليطمئن قلبي وللتطبيق مع فقرة كلامكم (تأجيل الجهاد الاصغر حتى اتمام الاكبر».

(8) كيف يمكن مراجعةكتب التذكير والتزهيد باستمرار على كثرتها ؟ وما هي الطريقة الامثل لذلك ؟ وقد فكرت في جمع خلاصة الافكار والتوجيهات والمؤثرات الاساسية في ميزان يراقب الانسان نفسه في ضوئه باستمرار والذي اوحى لي بهذه الفكرة رسالة الامام الصادق (عليه السلام) الى شيعته (روضة الكافي) وكانوا كما تقول الرواية - يقرأونها كلما قاموا الى الصلاة وكان يمكن لرسالتك

ص: 55


1- كنا نقصد به الخدمة العسكرية حيث كانت الحرب على اشدها مع الجمهورية الاسلامية في ايران ولم نكن نستطيع التصريح بالامر خشية وقوع الرسالة بيد السلطان. - الناشر-

السابقة ان تغنيني عن ذلك وتكفيني مؤونته لولا اختصارها واجمالها واستطيع ان اقول ان مرآة الرشاد كتاب مفيد الى حد بعيد في هذا المضمار... فما رأيكم ؟

ثانياً: الملاحظات العامة

ظللتُ حائراً متردداً بين ادراج هذه الملاحظات هنا وبين تاجيلها الى لقاء لاحق باذنه تعالى، يحدوني على الاول فهمي للاستفادة منكم اكثر ما يمكن، وهل انا الا طالب علم وطالب العلم منهوم، عن ابي عبد الله (عليه السلام) انه قال: (منهومان لا يشبعان : منهوم علم ومنهوم مال)(1). ويثبطني عن ذلك اني ارى من غيرالمناسب التطرق الى هذه الشؤون التي اصبحت هامشية بعد ولوجنا موضوع عرفان النفس، وأخيراً أطعت نهمي وارجو ان لا يكون قد ارتكبت شططاً من القول والفعل فان لم يكن فيه ربح فليس فيه خسارة ان شاء الله تعالى الا ان اشقّ عليك (والمؤمن مبتلى) ولك الخيرة فيها ان شئت أجبت عليها وان شئت اجّلتها الى ان يأذن الله تعالى بذلك:

تفسير هذه الرواية

1 - طلبت الاطلاع على قول الرضا (عليه السلام): «لو خفت عليها ...»، ومناسبته والتعليقات عليه واليك التفاصيل:

ليس للحديث بقية فالرواية كالآتي : قيل للإمام الرضا (عليه السلام) - وقد جهر بامامته - اما تخاف هؤلاء - يعني السلطة - على نفسك فقال: لو خفت عليها لكنت عليها معينا(2) «وذكرت ضمن الكلام عن تصدي الائمة (عليهم السلام) لمؤامرات السلطة وفضحها - حسب الظروف - وحثهم على الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وانهما لم يقربا اجلاً ولم يبعدا رزقاً، وان السكوت عن جرائم السلطة الى حد معين يعتبر إعانة لها على المظلومين والمستضعفين، وقد رفضت الاخذ بظاهر الرواية وذكرت عدة احتمالات منها: ان المراد: لو خفت منها لكنت عليها معينا، ومنها: ان المراد لو خفت منهالكنت لها معيناً، ومنها: ان المراد: لو خفت عليها لكنت لها معيناً، ومنها: - لو اخذنا بالظاهر- لو كانت الدولة ضعيفة بحيث يخاف عليها من

ص: 56


1- الخصال للشيخ الصدوق: ج1، ص53 .
2- عيون اخبار الرضا: ج1، ص 230.

الانهيار لكان عوناً على انهيارها بخلاف ما لو كانت قوية فلعله يعجز عن ذلك او يكون حكم التقية السكوت.

أما فهمي القاصر لظاهر الرواية والذي جعلني اضعها في هذا المكان فهو انه (عليه السلام) لو خاف على نفسه من اذى السلطة وانعزل عن الحياة العامة لأن هذا الخوف - او الجبن في خارج ظروف التقية - سيمنعه من التنديد بالسلطة وتوعية الرأي العام بانحرافها ومن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وسيساعد ذلك على انغماس السلطة اكثر في الظلم والعدوان سراً وجهراً دونما ردع (من أمن العقوبة اساء الادب) ولعله (عليه السلام) يكون احد ضحاياها فيصبح عندئذ معيناً على نفسه عكس ما لو اثار الرأي العام ضدها وكبح جماحها والزمها حدّها فلعله يتعرض لمكروه ولكنه لا يعتبر معيناً على نفسه لأنه قام بواجبه والله العالم.

عرفني نفسك

2 - ولي طلب يراودني منذ وقت بعيد واخشى البوح به وها انا ذا تجرأت وكتبت به اليك بعد ان اعيتني الحيل وخذلني الصبر فان لي ولعاً بمعرفة تراجم العلماء والمفكرين وسبر نشأتهم وقرأت الكثير من الكتب في هذا المجال وما إن تشكلت علاقتنا القلبية حتى اسرعت لمعرفة سيرة حياتك في المصادر المتوفرة بين يدي لكني عدتُ ادراجي خائباً ولم اعثر على شيء مما يخصك وانما حصلت على تراجم اعلام الاسرة وبعضها مختصر الى حدّ المغفور له والدكم (معارف الرجال/ الجزء الاول، ضمن ترجمة السيد اسماعيل (قدس سره)) فاذا تفضلت وقمت مشكوراً بهذه الخدمة الجليلة ليس لي فحسب بل للتاريخ الذي يهتم بتسجيل ما دقّ وجلّ عن عظمائه وصانعي مفاخره وتستطيع ان تتحاشى وتكتفي بالاشارة لكل ما يخالفالتقية - إذا شئت ذلك - ويمكن ان تشتمل الترجمة على النقاط الاساسية: (تاريخ الولادة، النشأة العلمية والادبية، الاساتذة، الاجازات العلمية واصحابها وتواريخها، الآثار العلمية المطبوعة والمخطوطة، ونحو ذلك).

ص: 57

القنديل الثالث

جواب الشهيد الصدر (قدس سره)

بسم الله الرحمن الرحيم

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيم َوصلّى الله على خير خلقه محمد المصطفى وآله الطاهرين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أشعر الآن بانه ينبغي ان اعرض عن الدخول في تفاصيل المجاملات التي قد تؤدي الى الزلل، كما اعرض عن تفاصيل مدى العلاقة بيننا التي اصبحت عروة وثقى لا انفصام لها.

وابدأ رأساً بصلب الموضوع، واتحدث لك قبل الدخول في تفاصيل الاجوبة عن ثلاثة امور رئيسية لم اكن اود التعرض لها فيما سبق، مع انها تهم السالك بالسلوك الصالح اهمية بالغة، اتحدث لك عن النفس والقلب والاهداف بمقدار ما هو ممكن:

النفس والقلب

اما الحديث عن النفس: فأنت تعرف انها امارة بالسوء وانها مصدر الشرور الفردية والعامة، وانها (مدخل) الشيطان الى الانسان.

والمهم

الآن هو ان من اهم ما أثّر في نفسي فيما سبق من الدهر قوله تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)(1).

حيث

فهمت منها أنه يجب على الفرد ان ينهى نفسه عن كل هوى، حتى وان كان من المباحات، طبعاً ما لم تقتض (التقية) خلاف ذلك، اعني بها التقية من النفس نفسها يعني عدم تحميلها ما لا تطيق والتقية من الآخرين بحفظ الظاهر معهم.مولاي: يوجد في بعض الروايات عن الفرد الذي يبدأ السلوك الصالح و (يفرّ الى الله) ما مضمونه: ان الله يبدأ بالفرد أو بالعبد فيعرّفه عيوب نفسه فيشتغل بها عن

ص: 58


1- النازعات: 40-41.

عيوب الآخرين ثم يعرفه داء الدنيا ودوائها.

ولولا عيوب النفس لتجرد الفرد لله وطاعته من اول الامر، وانما هي التي تزيّن له حب الدنيا والطموحات وطاعة الشيطان والخضوع للخلق وغير ذلك كثير، اعاذنا الله منها جميعاً.

ولن يكون للفرد في «عالم الملكوت» او نحوه نصيب الا اذا انطمس عنده ذلك تماماً . ولذا ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (موتوا قبل ان تموتوا)(1)، وهو الموت المعنوي، اي موت الهوى والشهوات واللذائذ بمختلف اشكالها واتجاهاتها.

وعن النبي عيسى (عليه السلام): (الدنيا والآخرة ضرتان فبقدر ما ترضى احداهما تسخط الاخرى)(2)، كذلك (النفس الامارة) و(الروح) فكلما زادت الشهوات وسيطرت على فكر الانسان وسلوكه كلما انطمس الجانب الروحي وتلاشى. كما ان العكس صحيح، وانه كلما قلّت الشهوات زاد الجانب الروحي، حتى ما اذا حصل لها الانطماس و(الموت) الكامل، كان الجانب الروحي واضحاً متألقاً، كما يعلمه الله سبحانه وتعالى، ولعل فيما يأتي من الكلمات ما يزيد هذا الجانب وضوحاً، فلاحظه ولا ينبغي ان يفوتك.

إن اي رغبة للنفس مهما قلّت او كثرت ينبغي ان (تُعصى) وتُلقى في المهملات، ما لم تقتضي (التقية) المشار اليها خلافه.

وفي بالي عن بعض المصادر ان (بعضهم) قال ما مضمونه: اني عرضت على نفسي ان توافقني وترافقني الى الله سبحانه فلم تستجب لي. فحرمتها من الماء عاماً كاملاً، ولعلّك تجد في الكتب أمثلة كثيرة لذلك، فقد ورد في الاحاديث: (اعدى عدوك نفسك التي بينجنبيك)(3).

والمهم الآن تطبيق بعض (الرياضات) المطابقة للشريعة، منها: السهر للعبادة، ومنها: كف اللسان والسماع عن كل ما لا يعنيه (وما اكثر ما لا يعنيه) ومنها: قلة الطعام والشراب الى حدّ ما (في حدود التقية المشار اليها)، مضافاً الى ما ذكرناه في

ص: 59


1- التحفة السنة (مخطوط) السيد عبد الله الجزائري ص44، وفي الكافي ص140.
2- مجموعة ورام: ص98.
3- عوالي اللاليء، ج4، ص118، بحار الانوار، ج67، كتاب الايمان والكفر، الباب 45، ح1، ص64.

الرسالة السابقة ولا حاجة فعلاً الى اكثر من ذلك.

حديث القلب

واما الحديث عن القلب فان للقلب وجوداً له درجة من الاستقلال والاهمية في الروح، وليس هو القلب المادي الذي يوزع الدم، وهو مركز الحب والبغض، كما انه يشعر الانسان (بكربة) او ضربة عندما يهمّ او يفعل (معصية) بالمعنى المناسب لمستواه.

وأما الحديث عن الاهداف فلا ينبغي ان يكون الانسان سالكاً للسلوك الصالح بدون هدف، ولكنك بفضل الله سبحانه تعلم عدداً لا يستهان به من الاهداف الصالحة.

ان اول الاهداف التي يذكرها (الواعظون) للفرد السالك هي ما يسمى بلغة العصر (بالظواهر الباراسايكولوجية) حيث تبدأ بالتدريج بالظهور لدى الفرد بمقدار ما يستطيع هو من العمل وتطبيق المنهج الذي يتخذه.

وهذا له جانب كبير من الصحة، ولكن نقطة ضعفه الوحيدة في وجداني هو ان (طلب) يعني: استهداف تلك الامور تعتبر من دنو الهمة وسيطرة الجهل بعد ان اوضح الله سبحانه في كتابه العزيز وعلى لسان اوليائه اهدافاً أعلى واهم،

وان طلب هذه الظواهر يعدل في فهمي طلب الدنيا، ويؤثر كالدنيا في البعد عن الاهداف الحقيقية الالهية، فان حصل منها شيء بفضل الله خلال المنهج فهو نعمة على نعمة، وان لم يحصل منها شيء كانت رحمةاضافية حيث لا يريد الله تعالى لعبده ان يلهيه عن ذكره وطاعته.

فالاهداف المهمة هي:

1- رضا الله سبحانه وتعالى.

2 - الحصول على القلب السليم.

3 - التوحيد الخالص.

4 - ولاية اهل البيت (عليهم السلام).

كل ذلك بالمعنى الذي يعرفه الله سبحانه - لا العبد - ويراه صالحاً له.

وأما الاهداف الاخرى : كجعل النور للفرد او لسان صدق علياً او غير ذلك فهي اهداف صحيحة فعلاً الا انها تعتبر لو قيست بغيرها من الافاضات والمراحم

ص: 60

العليا التي قد يهبها الرب لعبده عندما يرى المصلحة في ذلك.

ولا يخفى ان قوله: «ولدينا مزيد» شامل لكل المراحل والمقامات والآن ادخل في تفاصيل رسالتك:

قولك: «ان الكلام امرّ به - او يمر بي - عدة مرات لا اتاثر به ولا اجد في نفسي دافعاً لتطبيقه ثم اقرأه مرة اخرى واذا بي اتفاعل معه .... والذي ظهر لي ان الذي يحدد ذلك عاملان...».

التفسير المهم في نظري القاصر مضافاً الى تفسيرك الثاني نفسه: ان هذا الفهم الملفت للنظر يكون (حجة) على الفرد و(تكليفاً) بالعمل على مستواه. بعد ان اقتضت المصلحة ذلك فعلاً، وحصلت النعمة بها ولم تكن تقتضيها قبل ذلك.

ما يخرج من القلب

قولك: «وحقاً قيل ان الذي يخرج من القلب يدخل الى القلب، اما ما يخرج من اللسان فلا يتجاوز الآذان».

حبيبي: كان يقول لي بعض من (يفهم): ان السالك في هذا الطريق يكون كلامه مقبولاً لكل من تحدث اليه. وهذا صحيح ومجرب اضيف الى ذلك: ان هذا المنحى من التفكير يتكفل بفضل الله وحسن توفيقه الجواب عن كل سؤال

ودفع كل شبهة والوصول الى اي نقطة مطلوبة . في حين ان المنحى العام منالتفكير وان كان يفيد فعلاً العدد الضخم من المتدينين. الا انه يقف امام بعض الاسئلة وتفسير عدد لا يستهان به من الآيات والروايات . فمثلاً: من هو من عامة المتدينين من يقشعر جلده من خشية الله، او انهم رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً او انهم ممن رضي الله عنهم ورضوا عنه وغير ذلك كثير.

ومثلاً: ما هو معنى (مرض القلوب) وما هو الفرق بين العرش والكرسي وما هو معنى عبادة الشيطان ومعنى الشرك الخفي وغير ذلك كثير.

وقد كنا في زمن سابق لا نحاول التفكير في هذه الامور واذا وجدنا رواية ذات مضمون لا نعرفه قلنا انها مطعونة سنداً، يعني لم يقلها المعصومون (عليهم السلام) كما اذا وجدنا آية ذات مضمون غريب -كدابة الارض مثلاً- حملناها على اقرب معنى (مادي) وهكذا.

ومحاولاتنا تلك صحيحة تماماً لعموم المتدينين الذين يجب ان ندعهم على

ص: 61

غفلاتهم ... ولكنها لا يمكن ان تكون صحيحة مع وجود العلم والسلوك الصالح الى رضوان الله سبحانه.

قولك: «وفي ضوء النقطة الثانية استطيع ان اطمانك وارفع عن كاهلك مؤونة صوغ الاجابة خشية تحميلي ما لا اطيق ...».

حبيبي: مهما كانت وجهة نظرك وهي محترمة وارجو ان تكون بتوفيق الله سبحانه صائبة مائة بالمائة ... الا ان تكليفي الشرعي يقتضيني بوضوح ان لا اقول الاّ ما اجده مناسباً، واما الزائد فهو - كما قلت مراراً - فيه ضرر للطرفين: المتكلم والسامع، فان لم تكن تخاف على نفسك باعتبار احراز توفيقه تبارك وتعالى او حسن الظن به ... فاني اخاف على نفسي على اي حال.

وما هذا الحديث الذي عرضته وانا عازم على عرض باقيه الا وهو معرّض لكل او لأي صعوبة بالنسبة لي . فعذراً عذراً.

وعلى اي حال، فالصبر مفتاح الفرج، والله سبحانه لا يخيب عبده الراجي الآمل لفيضه واحسانه، فان لم اكن انا سبباً له فقد يقيّض الله سبباً آخر عندما تقتضي الحكمة والرحمة ذلك انه ولي كل توفيق.

العجب من مؤلفي كتب العرفان

وإنه يتزايد عجبي ليس الآن بل من سابق من الزمان من مؤلفي الكتب وما حشروا فيها من الحقائق الصعبة، وكيف يتحملون مسؤولية ذلك امام الله سبحانه، وهم اعلم بما فعلوا وليس تكليفي كتكليفهم، وعدم شعورك بالتأثير السلبي منها لها بعض التفاسير التي من اهمها عملياً: ان تلك الكتب انما تكلمت كلاماً عاماً لا يخص احداً بالذات. واما هذه الكتابة التي يخطها هذا الضعيف الجاهل فالمفروض انها كتابة (عملية) او تطبيقية بالنسبة اليك، والاحتياط سبيل النجاة على اي حال.

ولا ينبغي ان يكون للفرد (خطيئة) كخطيئة آدم (عليه السلام) بناء على تفسير الفيض الكاشاني (عليه الرحمة) من ان الشجرة التي حاول آدم (عليه السلام) ان يأكل منها هي: شجرة علم آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). وانما نهاه الله سبحانه عنها لقلة تحمله وعدم لزوم العجلة في ذلك.

ولكنه كان مستعجلاً، فأكل منها فنال الرشد بما اكل (وبدت لهما سوءاتهما).

ص: 62

ولعمري ان هذه الخطوة لا تكون الا بمثل ذلك لا بأكل الحنطة والتفاحة ونحوها.

الا ان المضاعفات التي نالها ليست قليلة: منها: انه تحيّر في كيفية ستر عورته، ومنها: انه عوقب بالهبوط والابعاد، ومنها: انه لم يغفر له الا بعد اربعين عاماً من البكاء على ما في بعض الروايات . فليكن هذا واعظاً لنا عن تعجل الامور قبل وقتها ومن المستحيل في رحمة الله سبحانه ان تتأخر النتائج عن وقتها يا حبيبي.

شمولية الجهاد الاكبر

قولك: «اني افهم ان الجهاد الاكبر يشمل جميع اتجاهات السلوك الانساني اي الروحي والقلبي والظاهري ...».

الجهاد الاكبر - كما في نص الحديث النبوي - هو جهاد النفس وقد المعنا قبل قليل الى شيء من تفاصيله.

والحديث النبوي نفسه دال على عدم شموله لكل مناحي الحياة بدليل ان الجهاد العسكري نفسه هو الجهاد الاصغر بنص الحديث، فعن ابي عبد الله الامام جعفر الصادق (عليه السلام): (ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث سرية، فلما رجعوا قال: مرحباً بقوم قضوا الجهاد الاصغر وبقى عليهم الجهاد الاكبر، فقيل يا رسول الله، وما الجهاد الاكبر ؟ قال: جهاد النفس)(1). فان كان الجهاد الاكبر شاملاً لكل المناحي لكان شاملاً للجهاد العسكري. فكيف يكون ذلك ؟ فضلاً عما هو دونه من الامر بالمعروف ونحوه.

فاذن لا يوجد جهاد اكبر (ظاهري) كما تقول الا في حدود ما يؤدي الى جهاد النفس، اي السلوك الذي فيه كبح للشهوات واعراض عن الدنيا.

وقد اشرت في بعض رسائلي السابقة على ما اتذكر: بأن اي طاعة بما فيها الجهاد الاصغر بكل مستوياته انما يكون له اهمية بصفته (جهاد اكبر) اي ارغاماً للنفس وكبح لنزواتها فانه هو المقرب الحقيقي لله عز وجل . والا فلن يتخذ صيغته الكاملة بدون ذلك.

اقول: ومن هنا -بحسب فهمي القاصر- سماه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

ص: 63


1- فروع الكافي، ج5، كتاب الجهاد، ص3.

بالجهاد الاصغر لأن الصحابة لم يكونوا يقصدون به جهاد انفسهم.

فان كان مقصودك من رجوع كل اتجاهات السلوك الانساني الى الجهاد الاكبر هو ذلك ... فهذا صحيح. وان نظرنا الى تلك الاتجاهات مستقلاً عن محاربة النفس لم يكنفيها جهاد اكبر بطبيعة الحال.

أما ما يأتي من الطاعات وفق مشتهيات النفس ... وهذه فكرة فرحت جداً لالتفاتك اليها، بحمد الله وحسن توفيقه، وهي مزلة اقدام الكثيرين جداً، ومن مراحل الشرك الخفي الذي يصعب ادراكه فضلاً عن دفعه.

اما هذه الفكرة نفسها، فقد ظهر مما سبق انها لو بقيت على هذا المقدار لم يكن فيها اي (جهاد اكبر) بل هي تربي (النفس الامارة) نفسها وتضر في طريق السلوك الصالح، ما لم يتداركها الفرد برحمة الله سبحانه.

ومن المعروف لدى (الصالحين): ان الطاعات التي يعملها الفرد -من حيث يعلم او لا يعلم- لمقاصد معينة، سوف تكون تلك المقاصد هي ثوابه الوحيد وليس له ثواب آخر. فاذا طالب العبد ربه يوم القيامة بالثواب، يقول له: انك حججت لاجل التجارة وقد حصلت ثوابك، وانك الّفت كتابك للشهرة وقد حصلت، وانك قد صليت صلاة الليل لسعة الرزق وقد حصلت وهذا هو ثوابك ولا تستحق ثواباً آخر. فأي حسرة تكون للعبد يومئذ ؟

ومن المعروف والمفهوم ان الاعم الاغلب من الاعمال ستذهب سدى لقاء هذه العناوين، فأي خجالة للعبد تجاه ربه يؤمئذ. فينبغي للفرد ان يتضرع لله سبحانه خالصاً في سلامة القلب من الشرك الخفي وان يهبه كمال الانقطاع اليه انه ولي كل توفيق.

مطالعة الكتب

قولك: «ما يقرأه الفرد لمجرد الثقافة وان كانت فيها صبغة دينية وهذا القسم يفيد في الثقافة الشخصية وتثقيف الآخرين، ولكنه لا يخلو من خلة في طريق السلوك الصحيح ...».

هذه الخلة في مطالعة الكتب لمجرد الثقافة والاطلاع وإن كانت دينية لها وجوه وليست بوجه واحد:

منها: ما عرفناه قبل سطور قليلة من تضاؤل الثواب عليها.

ص: 64

ومنها: انها -بغض النظر عن (التقية)-تعيق عن السلوك والالتزام الذي يتكفله الفرد تجاه ربه.

ومنها: انها توقف السير الحثيث نحو التكامل المطلوب في السلوك . وكل هذه الامور تعني بالضرورة تأخر النتائج المطلوبة فأي اسف اكثر منها.

وقد قال لي بعض من (يفهم) حيث كنت اكتب بعض مؤلفاتي ما مضمونه: لماذا يعمل الانسان عملاً كثيراً فيأخذ عليه ثواباً قليلاً بطيئاً: الا يكون الافضل له ان يعمل عملاً قليلاً فيأخذ عليه ثواباً كثيراً وسريعاً . يعني بالاول تأليف الكتب (الدينية بطبيعة الحال) فضلاً عن قرائتها، فضلاً عن غير الدينية، ويعني بالثاني طاعات النفس والقلب ونحوها.

إذن ينبغي ان تبقى هذه المطالعات (لأهلها) وهم المتدينون (الغافلون) عن اتجاه السلوك الصالح والجهاد الاكبر.

وقد اتضح مما قلناه الآن وقبل الآن الفهم الاساسي للعبارة التي نقلتها في رسالتك من رسالتي.

نهاية الجهاد الاكبر

فان الانسان سوف يشعر بعد فترة قد تطول وقد تقصر من (الجهاد الاكبر) بالاستقرار من حيث قلبه ونفسه، وان ممارسة (الدنيا المباحة) لن يضره ضرراً مهماً ... لأن شهواته قد كبحت ونفسه قد رغمت والنفس وان كانت قابلة للعودة في اية لحظة الا ان لطف الله سبحانه هو الدافع لها. ومن هنا يكون قولنا (دخيلك) هو الملجأ الوحيد للعبد تجاه ربه (ولا تدخلني في كل سوء اخرجتني منه).

والمقصود ان هذا الشعور بالاستقرار اذا حصل، كانت ممارسة (الجهاد الاصغر) ممكنة، وضررها متطامن وضئيل الامر الذي يجعل له فرصة كافية جداً للاستمرار بهذا الجهاد .

هذا ولا ينبغي ان يغالط الفرد نفسه بحصول هذا الاستقرار، فان النفس بئر عميقة (لا قعر لها) كلما طمّ الفرد منها فوهة رأى فوهة مفتوحة اخرى. او هي كالتنين الاسطوريالذي كلما قطع الفرد منها رأساً نبت في مكانه سبعة رؤوس ... حتى يأتي اليوم الذي ينزل به (مطر الرحمة) (لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ

ص: 65

الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ)(1)، انه (شكور حليم).

اقرأ العبارة التي نقلتها عن رسالتي السابقة لكي تفهمها بهذا الاتجاه. وسأحاول بعد قليل ان اذكر مقدار تكليف الفرد من (الجهاد الاصغر) اثناء فترة (الجهاد الاكبر).

قولك: «اذا كان الجهاد الاكبر غير هذه جميعاً الا في اوقات الراحة فما هي الاعمال التي يشتغل بها جميع وقته اثناء المجاهدة؟».

اتضح مما سبق ما هو الجهاد الاكبر وما هي تفاصيله بالنسبة الى من يودّ الشروع به، ويظهر مما قلناه مقدار ارتباط الجهاد الاصغر بالاكبر.

بقي سؤالك: فما هي الاعمال التي يشتغل بها جميع وقته اثناء المجاهدة.

اقول: انه يشتغل بالمجاهدة نفسها اي يكبح النفس ومراغمتها والسير في طلب (الموت المعنوي) الذي يؤدي الى انطماس الشهوات ومن ثم انطماس اهمية الدنيا وما فيها بالمرة في نظر العبد، فانها لا تعدل خردلة او عفطة عنز تجاه الاهداف العليا.

هذا وقد احتوت هذه الرسالة والتي قبلها على منهج يكفي فيما اعتقد للبدء بالجهاد المطلوب.

وكل خطوة تتخذها يا حبيبي تجاه هذا الهدف (فلن يكفروه) وان كان تأخير شربة ماء أو وجبة طعام أو حكة رأس (وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِح)(2) .. نفهم من (الكفار) النفس الامارة.

لكن اكرر انه ينبغي ان يكون في حدود (التقية) بكلا حديها السابقين.

1- اما قولك: (وما هي النتائج التييصل اليها الفرد بعد عدة سنوات ؟).

فمختصر القول: ان الفرد يحصل على (مطلوبه) ويحقق اهدافه وما يحيط بها من نتائج كبرى .. بمقدار ما يشاء الله ويختار (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ)(3)

(قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ)(4) (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ)(5)

(وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ

ص: 66


1- الأنفال: من الآية11.
2- التوبة: من الآية120.
3- آل عمران: من الآية 128.
4- آل عمران: من الآية154.
5- ابراهيم: من الآية 12.

إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً)(1) . وهو سريع الرضا جزيل العطاء جلّ جلاله.

2- قولك: (هذه الاسئلة دارت في خلدي وانا اكرر قراءة الرسالة).

هذه الاسئلة التي دارت في خلدك واردة بطبيعة الحال. ولكن لا ينبغي ان تتأثر مني إذا قلت: انها ناشئة من (ثقل) تلك الرسالة، ولكنه ليس بالثقل الذي يهدد بالانهيار (إنا بالله عائذون) مادام الفرد متوجهاً بقلبه ونيته الى الله سبحانه وتعالى.

ومما يلفت الى ذلك: ان طريق الجهاد الاكبر إنما هو طريق (تعبد) يعني الأخذ بدون مناقشة بعد احراز انه في طريق القربة الخالصة، فزيادة المناقشات مما ينبغي ان يستغني عنه الفرد السالك في هذا الطريق .

وأنا اتوخى ان يكون بعض ما في هذه الرسالة (اثقل) مما سبقه وانا ادعو الله سبحانه ان يوفقك لتحمله ولبلوغ اهدافه، انه على كل شيء قدير.

هذا وقد اتضح مما قلناه في هذه الرسالة الجواب عما في هذه الفقرة من رسالتك من تساؤلات.

3- قولك: (وعن المنحى الجديد في كتاباتنا ... قلتَ: ان سبب ذكرك لهذا الكلام، امران ...).

يبدو ان عبارتي لم تكن وافية في تلك الرسالة .. وإني جربت نفسي فطالما اعوزتني اللغة واعجزتني العبارات .. وما ذلك الا للضعف الكامن والعجز المتطامنحسبي الله وحده ..

مولاي: على ما اتذكر قلت لك هناك - ما مضمونه - : ان اسئلتك انما تنشأ من علمك الذي تفضل الله به عليك، تلك التي قد لا يلتفت اليها الا الافذاذ من البشر .. وهذا ليس مدحاً لك وإنما قلت ذلك (وأعني به هذا المدح بالخصوص) لأمرين:

أحدهما: ان هذا العلم من المسؤوليات الجسام في عنقك (يعني: انها حجة ومسؤولية اكثر من كونها لطفاً ومزية) في ان تدفعها صافية خالصة الى اهلها، (وهو كل مؤهل لتحملها) وفي كلام امير المؤمنين (عليه السلام) لكميل ما مضمونه: (ويدفعونها الى نظرائهم) راجع: تلك الخطبة رجاءً . والدفع انما يكون بالتعليم.

ص: 67


1- الطلاق: من الآية 3.

القلب الخاشع

4- قولك: (كيف يوفر الفرد قلباً خاشعاً وجلداً يقشعر ثم يلين لذكر الله).

هذا من نتائج (الجهاد الاكبر) كما ذكرتَ. وهو وامثاله (حال) باصطلاحهم يمن الله به على من يشاء من عباده. والسبب المفهوم لذلك هو الاستحضار الاجمالي للذنوب بحيث يقشعر الجسم من (قباحتها) واستفحالها مقترناً بالاسف العميق على وجودها والعزم على تركها في المستقبل.

وفي الرواية إنه أقرب ما يكون العبد الى ربه حين يكون باكياً ساجداً، قال ابو عبد الله (عليه السلام) لأبي بصير: (إن خفت أمراً أو حاجة تريدها فابدأ بالله ومجّده واثن عليه كما هو أهله، وصلِّ علي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسل حاجتك وتباكى ولو مثل رأس الذباب، أن ابي (عليه السلام) كان يقول: أن اقرب ما يكون العبد من الرب عز وجل وهو ساجد باك)(1). وفي رواية أخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: إذا اقشعر جلدك ودمعت عيناك فدونك دونك فقد قصد قصدك(2).5- قولك: (ان الجلوس مع الاهل والاصدقاء ... احياناً سماع - أو المشاركة في اوقات الغفلة - امورٌ غير مستحسنة ...).

هذا ونحوه مما يجوز في حدود (حفظ الظاهر) مع عدم الاشتراك فيما هو محرم بطبيعة الحال، (جاورهم ببدنك وزايلهم بقلبك) وفي صفات المؤمنين لأمير المؤمنين (عليه السلام): (وإذا كان في الغافلين كتب من الذاكرين)(3) - او نحوه - (لاحظ تغيير حرف الجر)(4).

وهذا ونحوه هو الموقف الرئيسي والصحيح من التلفزيون، وقد اتخذتَ الرأي السديد في ذلك. ولكن حاول ان لا يكون مفتوحاً على (الصوت) المحرم .. كما حاول ان لا تنظر الى ما يلفت نظرك على الدنيا فضلاً عن النظر بريبة الى النساء.

ص: 68


1- الشافي في شرح اصول الكافي: مجلد 7، ص27.
2- نفس المصدر، مجلد 7، ص20.
3- نهج البلاغة: ج2، ص 160.
4- يقصد الشهيد الصدر (قده) بالتغيير في حرف الجر : انه (عليه السلام) استعمل حرف الجر (في) في قوله: (في الغافلين)، واستعمل الحرف (من) في قوله: (من الذاكرين). والفرق بين الحرفين كبير.

7- قولك: (ان مصاديق الجهاد الاصغر ما يفرض علينا القيام به ولا يمكن تأجيله كموقفنا من التكليف الذي نتعرض له بعد تخرجنا من الجامعة ...).

حبيبي: اعتبر هؤلاء المأمورين بالمعروف والمنهيين عن المنكر كبعض عائلتك، فان كثيرا من السالكين في طريق الحق (مبتلون) بالعوائل وقد يكون الانسان في حال يحسّ بها ان (العائلة) تضرّه وتنفعه فيؤسفه ذلك كثيراً ويغيضه. الا انه سوف يشعر بعد ذلك بحال أخرى وهي ان العناية بالعائلة (في سبيل الله) والصبر على بلاويها وشكاويها ومضاعفاتها مع التسليم والرضا انما هو من (الجهاد الاكبر) نفسه وقد ورد عن ابي حمزة قال: قال ابو عبد الله (عليه السلام): (ما من جرعة يتجرعها العبد أحب الى الله عز وجل من جرعة غيظ يتجرعها عند ترددها في قلبه، إما بصبر وإما بحلم )(1).

عندما يكون الجهاد الاصغر عائقاً

فالمهم ان العناية بالجهاد الاصغر يصبح بصفته تطبيقاً للجهاد الاكبر وبشرط ان لا يتخذ الجهاد الاصغر اهمية مستقلة في النفس ويكون ملهياً وعائقاً عن الجهاد الاكبر. والا كان حسرة وندامة اعني في قلة (عظيمة) في الثواب مؤسفة بطبيعة الحال، كما سبق ان اشرنا.

هذا فضلاً عما قد يتحمله الفرد في طريق الجهاد الاصغر من المسؤوليات و(المظالم) التي لا يشعر بها الا من كانت له (بصيرة) في دينه. ولعل من اهونها واقلها ما اشرنا اليه في رسالة سابقة: من ان اعطاء الفرد (الذي في طريق الهداية) اقل من مستواه ظلم له كما ان اعطاءه اكثر من مستواه ظلم له. وقلنا هناك : ان الامر صعب ومهول .. اعاننا الله على اهوال الدنيا والآخرة.

وان السالك الى الحق قد تحصل له (حال) يغيضه جداً التعرض الى مستوى اقل من حاجته ومستواه. وهذا ما يحصل في الجهاد الاصغر دائماً لانه تربية لمن دونك. ولكن يا حبيبي فان تحمله في سبيل الله من الجهاد الاكبر نفسه.

وعلى اي حال فقد كان النصح بتأجيل الجهاد الاصغر الى حين اتمام الجهاد الاكبر انما هو لأجل مصلحتك وعواطفك وانت اعلم بتكليفك الشرعي . وارجو منه

ص: 69


1- الشافي في شرح اصول الكافي: مجلد 5، ص 151.

تبارك وتعالى ان لا يضرك بحال بحوله وقوته.

الاكثار من كتب الزهد

8- قولك: (كيف يمكن مراجعة كتب التذكير والتزهيد باستمرار على كثرتها ...).

ليس من الراجح المراجعة الدائمة لكتب التذكير والتزهيد إذ قد تفلت منها امور صعبة . واذا لم يكن كذلك فالكثرة منها هي صعبة فعلاً . وانا لم انصح بالكثرة على اي حال .ولكن وجودها أعني مطالعتها في الجملة ضروري أو اكثر من الضروري . ولو في اليوم صفحة او صفحتين، على ان يغلق الفرد الكتاب بمجرد ان يجد في نفسه نُفرةًمنه . ويفتحه عند وجود الرغبة والقبول.

إن خير ما في الكتب -بعد القرآن الكريم- هو كلام المعصومين (عليهم السلام) فكل رواية الفتت نظرك فخذ بها فانها «رسالة الله اليك» كما المعنا في اول هذه الرسالة . واما الذي لم يحصل لك منه معنى معمق .. فدعه الى وقت آخر.

وأما مرآة الرشاد فلم يسبق لي الاطلاع عليه مع الاسف، ولا استطيع ان ابتّ فيه برأي.

تفسير رواية الامام الرضا (عليه السلام)

9- قولك: (طلبتَ الاطلاع على قول الرضا (عليه السلام): «لو خفت عليها..» ومناسبته والتعليقات عليه ...).

حبيبي : ان كثيراً من الكلمات وخاصة كلام الائمة (عليهم السلام) فضلاً عن القرآن الكريم،فيه وجوه من الفهم قد يكون عدداً منها صحيح فعلاً، يفهم منها كل فرد حسب مستواه الثقافي والعقلي والنفسي.

ويكون ما يفهمه واضحاً في نظره وحجة عليه (طبعاً مع الاخلاص لا مع الانحراف - والعياذ بالله - وليس الامر كما تقتضيه القواعد العامة التي عرفناها من الحوزة العلمية من ان لكل لفظ او جملة معنىً واحداً محدداً لا زيادة عليه.

مثال ذلك: قوله تعالى: (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ)(1)، فان معناه الفقهي

ص: 70


1- الأنعام: من الآية 118.

العام هو وجوب (التسمية) عند الذبح ليحل الاكل منه . وله معنى آخر هو مطلوبية (التسمية) عند كل أكل.

مثال آخر: ما ورد من ان (سؤر المؤمن شفاء)، فان سؤره هو بقية مأكله ومشربه. وله معنى آخر: هو أثره المعنوي على النفس من خلال كلامه وافعاله ونظراته وغيرها فانها شفاء حتماً.

كذلك الحال في قوله (عليه السلام): لو خفت عليها لكنت عليها معيناً. فاننا يمكنان نقدّم لها معنى اجتماعي ومعنى فردي ومعنى سلوكي.

اما المعنى الاجتماعي فهو ما ذكرته ليس غيره فلا نعيده. وهو يفيد في الحث على (الجهاد الاصغر) في سبيل الله سبحانه.

اما المعنى الفردي الذي هو الاقرب الى الفهم الدنيوي، فهو: انني لو خفت على نفسي (أي خشيت عليها من صعوبات الطاعات ووحشة الطريق وطول المسير - كما يعبرون - ) لكنت عليها معينا (يعني لاصبح الامر ضدها لانها بذلك تنال الحسرة والندامة في وقت حاجتها الى الراحة والثواب).

وأما المعنى السلوكي اي المناسب للسالكين بالسلوك الصالح الى الله تبارك تعالى هو: لو خفت على نفسي (يعني من غضب الله وبُعده وعقوباته) لكنت عليها معيناً (يعني: كابحاً لشهواتها قاتلاً لنزواتها) كما سبق ان شرحنا عن الموت المعنوي، وهذا هو المعنى الرئيسي الذي كنت احاول تأجيله الى حين اتضاح المعاني السابقة لديكم.

الوجه المعنوي

10- قولك: (ولي طلب يراودني منذ وقت بعيد ...).

هل تطلب ترجمتي .. وكيف ولماذا .. وما انا وما خطري (هبني لابتداء كرمك وسالف برك بي يا كريم)(1) و(لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً)(2).

إن معرفة الوجه المعنوي للانسان خير بما لا يقاس من معرفة الوجه الدنيوي

ص: 71


1- فقرة من دعاء كميل (رضى الله عنه) .
2- الكهف: من الآية 18.

او المادي له. وانا شخصياً كلا الوجهين لي اسود وحقير امام الله سبحانه ومقصر امام الخالق والمخلوقين جميعاً.

خذ مثالاً للوجه المعنوي: معرفتي بك. انني بعد ان اعرف مستواك العلمي والروحي والاجتماعي فسيكفيني ذلك تماماً عن معرفة تفاصيل حياتك بل ومعرفتك الشخصية ايضا. وإن كانت نفسي تراودني كثيراً على حصول(صورة) متأخرة عنك. ولكني كنت اقنع نفسي بان من (الجهاد الاكبر) كبح هذه الرغبة.

ترجمتي الشخصية

وعلى كل حال فهذا ليس رفضاً عن امتثال امرك والنزول عند رغبتك، وحقك عليَّ كثير.

مولاي: ولدت في السابع عشر من ربيع الاول (يوم مولد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)) عام 1362 ه الموافق 23 آذار (ثالث يوم التحويل) عام 1943م.

لبست الزي الديني عام 1373 ه ودخلت كلية الفقه عام 1957م بقيت فيها خمس سنوات بعد امتحان قبول اجراه لي عميد جمعية منتدى النشر يومئذٍ الشيخ محمد رضا المظفر (رحمه الله).

درست السطوح قبل دخول كلية الفقه وبعدها على عدة اشخاص اهمهم والدي (رحمه الله) والسيد الصدر (قدس سره) والسيد محمد تقي الحكيم (حفظه الله) والشيخ صدرا البادكوبي (قدس سره) .

درست الدروس الاستدلالية (الخارج) في الاصول عند كل من آية الله الصدر وآية الله الخوئي . وفي الفقه عند كل من آية الله الصدر وآية الله الحكيم (لفترة محدودة) وآية الله ( ... ) الذي لا يفوتك ذكره(1).

لي اجازات (رواية) عن المعصومين (عليهم السلام) عن جماعة اعدد لك من اتذكر منهم: والدي، السيد حسن الخرسان، السيد عبد الرزاق المقرم، الدكتور حسين محفوظ، السيد اغا حسين خادمي. ولم يحصل اني اجزت احداً الى حد الآن.

وأعلى اجازاتي في الرواية هو ما صدر عن الشيخ آغا بزرك الطهراني صاحب الذريعة (قدس سره) وهو يروي بالمباشرة عن السيد حسن الصدر صاحب التكملة

ص: 72


1- يشير الشهيد الصدر هنا الى الامام الخميني (قدس سره).

والشيخ النوري صاحب المستدرك، وهما لهما اسانيد مفصلة وعالية عن المعصومين (عليهم السلام) .

وأما اجازات الاجتهاد، فأنا - بصراحة -لم أحصل على واحدة منها ولم احاول ذلك اصلاً. ولكني اعتقد الآن باجتهاد نفسي بخبرات وتجارب معينة مررت بها. وهو مُدعَم بظاهر كلام (السيد)(1) في أواخر أيامه.

مؤلفاتي ثمانية على ما اتذكر:

1- نظرات في اعلان حقوق الانسان.

2- أشعة من عقائد الاسلام.

3- فلسفة الحج ومصالحه في الاسلام.

4- القانون الاسلامي وجوده، صعوباته، منهجه.

وهذه الاربع صغيرة نسبياً وتحمل أفكاراً متفرقة. واما ما بعد هذه الفترة فاشتغلت (منذ اوائل الستينات الى اواسط السبعينات) بموسوعة الامام المهدي (عج) وصدر منها اربعة اجزاء:

1- تاريخ الغيبة الصغرى.

2- تاريخ الغيبة الكبرى.

3- تاريخ ما بعد الظهور.

4- اليوم الموعود بين الفكر المادي والديني.

فهذه ثمانية كتب وليس لي كتاب ناجز مخطوط . وإن كانت البحوث والكتب الناقصة متعددة. ولكن ليس لها تلك الاهمية.

نعم، الجزء الخامس من موسوعة الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) انتهيت من (مسودته) وبدأت (المبيضة) ولم تنته الى حد الآن لأني اعرضت عنها بعد ان فهمت الآية الكريمة: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)(2) .

لم اشارك في (عمل)(3) معين سوى اتباع (السيد) في كل ما يفعل ويقول . وكان هو (قدس سره) ينصحني باتخاذ مسلك (العلماء) دون مسلك آخر. وبقيت

ص: 73


1- يقصد السيد الشهيد الصدر الأول (قدس سره).
2- ق: 18.
3- اي عمل سياسي.

افكر بنفس هذا الاتجاه العام وصدرت مؤلفاتي على غراره الى ان التفتّ بتوفيق الله سبحانه الى عيوب نفسي وقلبي وضرورة التكامل من هذه الناحية.وكان هذا الالتفات في زمن (السيد نفسه) وقد احتجّ عليّ في حينه الكثيرون من الفضلاء (الواعين) حتى ان احدهم طلب مني (المباهلة) فابيت بطبيعة الحال. ولعل الوحيد الذي كان يحترم مسلكي ويفهمه الى حد محترم هو (السيد) نفسه فجزاه الله خير جزاء المحسنين.

وافكاري الحالية هي بين يديك متمثلة في عدد من الرسائل الحالية والسابقة. فاني اعوذ بالله ان يخالف قولي لقلبي .. وهو متوفر سواء من الناحية الاجتماعية او الفقهية او الروحية والحمد لله رب العالمين.

ولا اعلم ما سيكتب لي ربي في مستقبل امري. وان كنت لا اتمنى طول الحياة لكي لا يستمر اطلاعي على ما للناس من ذنوب وعيوب وما لديهم من مكر وفسق وفجور.

واكرر قوله تعالى بعد هذه الترجمة المقتضبة: (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً)(1). واقول كما في الدعاء: (اللهم ان ظهرت المحاسن مني فبفضلك ولك المنة علي وان ظهرت المساوئ مني فبعدلك ولك الحجة علي)(2).

التفسير الموضوعي والتفسير التجزيئي

11- قولك: (انقسام التفسير الى قسمين وهما: المعنى البسيط اي الظاهري وهو لا يعتبر تفسيراً بمعنى الكلمة والمعنى المعقّد).

ماذا يراد بالمعنى المعقد، وقد يراد بها أحد معنيين:

الاول: التفسير المعقد من الزواية الفقهية والتاريخية و(الكلامية) ونحو ذلك في مقابل ما يكون بسيطاً لا تعرّض فيه ذلك.

الثاني: التفسير المعقد يعني (الروحي) او (الخاصي) او – على حد تعبير بعضهم– (التفسير الصوفي) للقرآن الكريم في مقابل(التفسير الظاهري) الذي سار عليه الناس اعني المفسرون عادة.

ص: 74


1- الكهف: من الآية18.
2- فقرة من دعاء الامام الحسين (عليه السلام) يوم عرفة.

وحسب فهمي ان (ظاهر) حياة السيد وتفكيره يجعلنا نقول: ان مراده الوجه الاول . في حين ان جعل المعقد في مقابل (الظاهري) في كلامك يميل بنا إلى الوجه الثاني وقد اشرنا اكثر من مرة، وقبل فترة من هذه الرسالة: ان كل فهم يناسب مرحلة من الكمال النفسي والعقلي والاجتماعي والروحي للفرد، ويكون صادقاً بالنسبة اليه، وحجة عليه. وان كان القرآن الكريم (لا ينزف قعره) وله من المعاني (الخاصة) التي لا تنالها الا عقول المعصومين (عليهم السلام) .

يكفينا ذلك قول تعالى: (مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ)(1) مع العلم اننا لا نجد اكثر الاشياء بحسب الظاهر مذكورة فيه. فتأمل.

12- قولك: (منهجه الجديد في التفسير وهو الموضوعي لا التنزيلي اي دراسة الواقع وما يعانيه من مشاكل ...).

لي على هذه الفقرة تعليقان:

الاول: ان تكريس التفسير للواقع وان كان فكرة راجحة في كثير من الاحيان ولا اعلم ما اذا كان السيد كان يقصد ذلك فعلاً او لا. الا انه لابد يعلم ان هذا لا يمكن ان يكون صادقاً دائماً لأن كثيراً من الآيات ليس لها تطبيق فعلي او قل: انه ليس كل القرآن ينطبق على الواقع الفعلي، وانما انزل للبشرية بتاريخها الطويل.

الثاني: ان الاسلوب (الموضوعي) للتفسير يصبح بحثاً للعناوين الكثيرة المعنونة – كقوانين التاريخ مثلاً – لكنه بحث قرآني عنها، ولا يكون تفسيراً بالمعنى المفهوم يشبه في ذلك حال (علوم القرآن) كالبحث عن الاعجاز واسباب النزول ونحوه، بل هو ابعد عن المعنى للتفسير حتى من هذا.

اللهم، الا ان يكون المراد اعتبار آيات القرآن الكريم كمجموعات تندرج كل منهاتحت عنوان معين. ولكن على كلا الوجهين يصعب احراز استيعاب آيات القرآن الكريم كلها. فلعل بعضها قد سقط منا سهواً اي لم نذكره ولم نفسره . بخلاف ما لو اخذنا بالمنهج الاعتيادي كما هو واضح. ولا اعلم ماذا كان قد اعدّ السيد لدفع هذا الاشكال.

اما مسألة ترتيب النزول ومكانه وزمانه فهو بحث لا اؤمن به . فهو بحث يضر اكثر ما ينفع ولا حاجة اليه . ولا دليل عليه، اي ان كثيراً مما ذكروه بهذا الصدد

ص: 75


1- الأنعام: من الآية38.

ضعيف السند او ضعيف المستند.

وحسبنا من كل النواحي ان القرآن الكريم قد تلقيناه بالضرورة بصورته الحالية عن الائمة وتشمله السنة القطعية بالصحة، سواء كان في واقع النزول هكذا او بشكل آخر، وسواء كان هناك (مصحف اكبر منه عند علي) او لم يكن.

نعم، قد يصدف نادراً في بعض الآيات ان يرد دليل معتبر على زمان النزول او مكانه او سببه، من زاوية كونه صالحاً للقرينة على مضمون الآية، فهذا هو مورد النفع الوحيد فيما ارى بنظري القاصر المقصر.

ومن هذه الناحية فمن الارجح ان تتفضلوا بقبول اعتذاري عن الافاضة في هذا الموضوع، ولكم الشكر الجزيل سلفاً.

اود اخيراً التعرض الى بعض الملاحظات:

علم الباراسايكولوجي

اولاً: ذكرت في رسالتك السابقة ان بحث الباراسايكولوجي(1)*) بحث حديث، مع انه ليس كذلك، فان الكتب المؤلفة في هذا الصدد كثيرة ككتاب (ما وراء العالم الاثيري) وكتاب (الانسان روح لا جسد) وهو ضخم ومهم في بابه وكتب عديدة عن التنويم المغناطيسي وغير ذلك. كل ما في الامر ان الحديث هو اصطلاح الباراسايكولوجي .واعتباره كموضوع في مجلة (علوم).

ولا اعلم كيف وفق الله سبحانه هذا المجتمع البائس لمثل هذا الموضوع، مع ان كل الكتب السابقة اصبحت ممنوعة تماماً لأنها تبحث عن الخرافات ! !

ثانياً: انك في غنى عن القول : ان هذه الرسالة كسابقتها تحتاج الى (تقية) كافية وحفظها عن غير اهلها. وحاول جهدك الا تطّلع عليها النساء . فانهن لا يتحملن الجهاد الاكبر الا من عصم الله.

اشارة إلى كتاب: (فلسفة الاحداث في العالم المعاصر)

ثالثاً: ارفقت لك بهذا الكلام، بحثاً كتبته قبل مدة غير طويلة يتكفل فلسفة

ص: 76


1- *) نشرنا هذا البحث في كتاب (حديث الروح مع الشهيد الصدر : ج 2) ضمن سلسلة ما لم ينشر من تراث الشهيد الصدر الثاني(قدس سره).

الاحداث في العالم المعاصر، مع بحث ملحق في نتائج البحث الاول(1)**)، وددت اطلاعك عليه، وهو وإن احتوى على بعض الامور الواضحة والمسلمة دينياً لديك الا اني ارجو ان تكون الفكرة الرئيسية جديدة نسبياً.

وبالطبع فان هذا البحث يمكن ان يكون اوسع انتشاراً من ذلك هذه الرسالة ونحوها. غير ان درجات التحمل ايضا تختلف حتى للامور البسيطة فحاول ان تلاحظ هذا جيداً هذا وارجو ارجاع اوراق هذا البحث وملحقه في رسالتك الآتية وشكراً جزيلاً(2).

حفظك الله ورعاك ومن كل مكروه وقاك واوصلك الى كل ما تحب وترغب في الظاهر والباطن انه على كل شيء قدير وبالاجابة جدير.ولا اظن انك تهمل هذا العبد الضعيف الذليل من دعاء في مظان الاجابة وإني قد دعوت لك بالخير واسأل الله سبحانه القبول، وقلبي معك، لا فرّق الله بين قلبينا كما فرّق بين بدنينا . وجمعنا واياكم في مستقر رحمته ورفيع عظمته انه على كل شيء قدير.

والحمد لله رب العالمين

ص: 77


1- **) تم نشر هذه البحوث في الكتاب الثالث من سلسلة ما لم ينشر من تراث الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) بعنوان نظرة في فلسفة الاحداث.
2- بعد ان ارجع سماحة الشيخ البحث إلى السيد الشهيد (قدس سره) ومعه تعليقاته التي تناهزه أرجعه السيد الشهيد (قدس سره) إلى الشيخ معجباً بقدرته على الكتابه بنفس مستوى الأصل وطلب منه ضمهما معاً في كتاب وقد أشار سماحة الشيخ في مقدمة كتاب (نظرة في فلسفة الاحداث) إلى هذا المعنى.

الفصل الثالث: اخلاص النية

الرسالة الرابعة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.

وبعدُ:

فقد وصلتني تعليقاتك الاخيرة وكانت حقاً (اثقل) من سابقتها الا انها سكبت في قلبي الطمأنينة وفتحت لي باباً للامل واسعا إذ عرّفتني الاهداف وهذا ما أسعدني وأثلج صدري فما زلت منذ زمن اتحرّق شوقاً لتحقيق جملة من الامور ولا ادري كيف السبيل فتجيء الاهداف المذكورة لتدلني على معالم الطريق ومن هذه الامور:

1- ان الفرد على وجل وريبة من توفير اخلاص النية وكنت اتامل كثيراً في الآية الكريمة: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)(1)،

واقول: تُرى ماذا سيكون مصيرنا لو عُرضنا على ربنا صفاً وجئنا فرادى كما خلقنا اول مرة، ونُصب الميزان واذا باعمالنا تذهب سدى بسبب ما شاب نياتنا من بطلان الاعمال، وقد كنّا نحسب انّا نحسن صنعاً ولن ينفعنا الندم إذ ذاك، ولو استطاع الانسان تنقية نيّته الى حد ما - حسب تصوره - فانه يبقى غافلا عما يختلج في نفسه فلا يعرف دروبها واهوائها الا خالقها لانه اقرب الينا من حبل الوريد وهو عالم السرّ والخفيات ولنا عبرة فيما عن شخص اعاد صلاة (30) سنة وذلك انه كان يصلي في الصف الاول من الجماعة وتأخر يوماً لسبب ما فصلى في الصف الثاني فداخله من ذلك شيء من الخجل أنه اقل فضلاً إذ صلّى في الصف الثاني

فعلم ان نفسه كانت مرتاحة لصلاته في الصف الاول وان عمله ذلك كان رياءً.

وهذه

ربما تكون احد جوانب الحالة التي وصفها الله تعالى بقوله: (وَالَّذِينَ

ص: 78


1- الكهف: 103 - 104.

يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ)(1)، وفي ضوء هذا المفهوم يمكن ان نفهم - في حدود درجتنا الوضيعة - جانباً من:

معنى «ورضوان من الله اكبر» نسبة الى نعم الجنان الاخرى لانك تطمئن هناك بعد وجل مستمر الى صحة طريقك وبالتالي الفوز برضا الله سبحانه وهذا المعنى المناسب لتحملنا غير المعاني التي لا نفهمها كقول امير المؤمنين وسيد العارفين (عليه السلام): «فهبني يا إلهي وسيدي ومولاي صبرت على حر نارك فكيف اصبر على فراقك»(2).

ومعنى نصيحتك - بل نصيحة الائمة (عليهم السلام) وقد عثرت عليها بعد رسالتك في كتاب الجهاد من وسائل الشيعة - بتأجيل الاعمال الاخرى الى حين الانتصار في الجهاد الاكبر (مع بقاء الوجل والخوف فالمؤمن لا يصلحه الا الخوف) لان اتيانه بنيات مشوبة يورث حسرة وندامة ولات حين مندم، هذا طبعاً غير اجرها القليل في مقابل الجهاد الاكبر.

2- الشوق الى الاعتصام الكامل والولاية الخالصة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله

(عليهم السلام)، وكم كنت أتألم حين اشاهد من نفسي فقدان ذلك الاعتصام وانا جنب الاضرحة المقدسة للائمة الاطهار (عليهم السلام) حيث يجب ان اكون مستحضراً لجميع معاني الولاية الخالصة.

3- وايضا فقدان التوجه الخالص والاحساس بلذيذ المناجاة عند وقوفي للصلاة او الدعاء.

4- وكنت اتأمل كثيراً في اوصاف المتقين والمؤمنين والمخبتين ونحوها واقول ترى هل من سبيل الى الاتصاف بصفاتهم وهل نُوفّق فنحظى بهداية الله تعالى لكي يجعلنا منهمويحشرنا في زمرتهم.

كل هذه الاهداف الكبرى - التي يشكّل نقصها عيوباً يُعدّ التبصير بها اول الخطوات في هذا الطريق ولله تعالى الحمد - والاهداف الاخرى التي تفضلتَ بعرضها في رسالتيك السابقتين وغيرها مما وعد الله عباده الصالحين يجب ان تكون همّ الانسان وغايته وعليه ان يظلّ ضارعاً الى الله تعالى طالباً تحقيقها ولن يخيب الله

ص: 79


1- المؤمنون:60 .
2- فقرة من دعاء كميل بن زياد.

ظن عبده الآمل، وإن لم نكن لها أهلاً - ونحن كذلك بما ران على قلوبنا ما كسبنا - فهو عزّت أسماؤه اهل بفضله وجوده ومنّه وكرمه).

وسأظلّ مدينا لله تعالى بالهداية والتوفيق ولكم بالارشاد والتوجيه الذي ما زلت أجد آثاره وبركاته وليس عندي ما أردّ به على فضلك سوى الدعاء في مظانّ الاجابة وقد فعلتُ وسأفعل ما حييت ان شاء الله تعالى ونسأله عز وجل القبول، وأقول مداعباً: (ومداعبة المؤمن عبادة) إني اقدمك في الدعاء على كل احد احياناً بل واتذكرك حيث لا اذكر احداً حتى والديّ حتى خشيت العقوق لهما.

وهنا اودّ ان اقدّم بخدمتكم بعض الملاحظات والاسئلة:

خدع النفس

(1) من خدع النفس انها احياناً تزيغ صاحبها عن الحق او أي عمل مثمر ومفيد أخروياً بطريق ظاهره حق وباطنه باطل اي انه تطلب الباطل بالحق وتحرف الانسان عن دينه من جهة دينه ومن اوضح مصاديق ذلك الابتلاء بالوسواس واعادة الوضوء والتطهر من النجاسات ونحوها .

ومثال آخر اعمق من سابقه: كما لو أقدم انسان على عمل مفيد وفعّال كتأليف كتاب يقضي على جانب من جهل الامة ويرسخ عقيدتها فان النفس الامارة بالسوء ستحاول ثنيه عن عزيمته بأمور كجسامة الجهود والتعب والتضحيات فاذا فشلت كان آخر اضاليلها أنها تصوّر له انه لا يطلب بتأليف الكتاب الا الشهرة والجاه وربما النفع الماديوالفخر والغرور ونحو ذلك مما هو براء منها - في حدود مجاهدته لنفسه - ويستجيب لهذا النداء ظاناً انه يجاهد بذلك نفسه فيترك التأليف ولكنه في الحقيقة انما خسر في المجاهدة ولبّى هوى نفسه وحرم الامة من ثمرات فكره واراح ابليس لأن العالم اضرّ عليه من الف عابد، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (ما عبد الله بشيء افضل من فقه في الدين، ولفقيه واحد أشدّ على الشيطان من الف عابد، ولكل شيء عماد وعماد هذا الدين الفقه)(1)، وبدلاً من ذلك كان عليه طرد هذه الوساوس وتهذيب نيّتِه في الحدود المعقولة ثم التوكل على الله تعالى وحسن الظن به ولا يترك العمل مادام هو في الاصل غير مستهدف لهذه النوايا الطالحة.

ص: 80


1- المحجة البيضاء، ج1.

ومما يناسب المقام ما ورد عن علي بن ابراهيم بسند صحيح عن ابي بصير قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : إذا قرأت القرآن فرفعت به صوتي جاءني الشيطان فقال: انما ترائي بهذا أهلك والناس قال: يا أبا محمد اقرأ قراءة ما بين القراءتين تسمع أهلك ورجع بالقرآن صوتك فان الله عز وجل يحب الصوت الحسن يرجع فيه ترجيعاً»(1).

فالذي نستفيده من الرواية مما يخص كلامنا هو انه ينبغي ان لا تكون مثل هذه الوساوس عائقاً دون اداء العمل وما على الانسان الا اتخاذ ما يلزم لدفع هذه الامور وتخليص النية من الشوائب (وإن كان هذا عسيراً كما ورد في بداية هذه الرسالة، الا ان الميسور لا يترك بالمعسور) ولا يجوز القعود عن هذا العمل المفيد ففي مقابل الخوف من الله تعالى واتقائه هناك الرجاء وحسن الظن به تعالى، ولو وزن الخوف والرجاء في قلب المؤمن لما رجح أحدهما على الآخر، كما ورد في الحديث الوارد عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: (كان ابي (عليه السلام) يقول: انه ليس من عبد مؤمن إلا (و) في قلبه نوران: نور خيفة، ونور رجاء، لو وزن هذا لم يزد على هذا ولو وزنهذا لم يزد على هذا )(2)، والله تعالى عند حسن ظن عبده.

وقد سردت هذا الكلام لأمرين:

1- انه كفكرة اعرضها على حضرتكم للاستفادة من رأيكم.

غضبة لله

مناقشة

عدم الاستمرار في تأليف موسوعة الامام المهدي (عليه السلام)

2 - تطبيقها - واسمح لي ان اتجرأ على مقامكم فإنها غضبةٌ لله تعالى ولصالح المسلمين- على تركك اتمام موسوعة الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) بعد ان فهمت قوله تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)(3)،

ولعل في الامر سراً غير ما تحمله فهمي القاصر او مما لا استطيع تحمله ولك الحق في ان لا تطلب اصلاح الناس بإهلاك نفسك وانت بالتأكيد اعلم بتكليفك وبالرأي الصائب ولكنّها شقشقةٌ

ص: 81


1- اصول الكافي، كتاب فضل القرآن.
2- الشافي في شرح اصول الكافي: مجلد5، ص 94.
3- ق: 18.

هدرت وانما انت وأنا كعالم رباني ومتعلم على سبيل النجاة ان شاء الله تعالى.

ومما يزيد في المشكلة ويجعلها دقيقة للغاية ان خيطاً رفيعاً يفصل بين الفضائل والرذائل فما بين العُجب والفرح بنعمة الله تعالى الا شعرة والاول رذيلة والثاني فضيلة وكذا بين الرياء والتحديث بنعمة الله تعالى.

ومما رُوي عن السيد (قدس سره) بالمناسبة انه عندما الف كتابه القيم في الاقتصاد اراد ان يطبعه بدون اسم او باسم جماعة العلماء دفعاً لهذه النوايا الشائبة واخلاصاً في النية.

مسالك اكتساب الاخلاق

(2) مسالك اكتساب الاخلاق كاسلوب في رياضة النفس: وغاياتها (ملخص ما في الميزان للطباطبائي: 1/ 354- 361، 1 / 370 – 375) وهي ثلاثة:1 ً- اصلاح النفس وتعديل ملكاتها لغرض الصفة المحمودة والثناء الجميل ويتم عن طريقي العلم والعمل اعني الاذعان بانها حسنة جميلة وتكرار العمل بها حتى تصير هيئة راسخة، فلتحصيل ملكة الشجاعة يلقن الانسان نفسه ان الجبن انما يحصل من تمكن الخوف من النفس، والخوف انما يكون من امر ممكن الوقوع وعدم الوقوع، ومساوي الطرفين يقبح ترجيح احد طرفيه على الاخر من غير مرجح والانسان العاقل لا ينبغي له ذلك فلا ينبغي للانسان ان يخاف.

فاذا لقن الانسان نفسه هذا القول ثم كرر الاقدام والورود في المخاوف والمهاول زالت عنه رذيلة الخوف، وهكذا الامر في غيره من الرذائل والفضائل.

أقول: ويدخل ضمن هذا المسلك وغايته السعي لتحصيل الظواهر الباراسايكولوجية.

2 ً- مسلك الانبياء (عليهم السلام) وارباب الشرائع ويختلف عن الاول في الغرض والغاية إذ غاية هذا المسلك السعادة الحقيقية للانسان وهو استكمال الايمان بالله وآياته والخير الاخروي وهي سعادة وكمال في الواقع لا عند الناس فقط ويتشابه المسلكان في ان الغاية القصوى والغرض فيها الفضيلة الانسانية من حيث العمل.

وقد كثر ذكر الغايات الأخروية في كلامه تعالى كقوله سبحانه: (إِنَّمَا يُوَفَّى

ص: 82

الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)(1) (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)(2) ونحوها.

ويلحق بهذا القسم نوع آخر من الآيات كقوله تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)(3)، فإن الآية دعت الى ترك الاسى والفرح بأن الذي اصابكم ما كان ليخطئكم وما أخطأكم ما كان ليصيبكم لاستناد الحوادث الى قضاء مقضي وقدر مقدّر، فالاسى والفرح لغوٌ لا ينبغيصدوره من مؤمن يؤمن بالله الذي بيده أزمّة الامور.

3 ً- مسلك مخصوص بالقرآن الكريم وهو تربية الانسان وصفاً وعلما باستعمال علوم ومعارف لا يبقى معها موضوع الرذائل، وبعبارة أخرى ازالة الاوصاف الرذيلة بالرفع لا بالدفع.

وذلك كما ان كل فعل يراد به غير الله سبحانه فالغاية المطلوبة منه إما عزة في المطلوب يطمع فيها، أو قوة يُخاف منها ويحذر عنها، لكن الله سبحانه يقول: (إن العزة لله جميعاً) ويقول: (ان القوة لله جميعاً) والتحقق بهذا العلم الحق لا يبقى موضوعاً لرياء ولا سمعة ولا خوف من غير الله، ولا رجاء لغيره ولا ركون الى غيره، فهاتان القضيتان اذا صارتا معلومتين للانسان تغسلان كل ذميمة وصفاً او فعلاً عن الانسان وتحليان نفسه بحلية ما يقابلها من الصفات الكريمة الإلهية من التقوّي بالله، والتعزز بالله وغيرهما من مناعة وكبرياء واستغناء وهيبة الهية ربانية.

وقد أهدى هذا المسلك الى الاجتماع الانساني جماً غفيراً من العباد الصالحين والعلماء الربانيين، والاولياء المقربين.

والغرض في هذا المسلك هو ابتغاء وجه الله لا اقتناء الفضيلة الانسانية وأهدف من نقل الكلام:

1 ًً- الاستفادة من خبرة المؤلف (قدس سره) في مجال العرفان.

2 ً- اتخاذ هذه الملامح الرئيسية منطلقة للتوسع في جوانبها النظرية بعد ان حصلنا على قسط وفير من الجوانب العملية.

3 ً- كنت قد عرضتُ بين يدي حضرتكم في احدى الرسائل السابقة وضمن

ص: 83


1- الزمر: من الآية10.
2- الشورى: من الآية21.
3- الحديد:22.

بحث (التفسير التفصيلي للقرآن الكريم) فقرة بعنوان (قواعد وكليات التصور الاسلامي) وكنت اقصد بها جمع الآيات الكريمة التي تعتبر دليلاً وقواعد للسلوك القلبي والنفسي والعملي من خلال علوم ومعارف تعرضها الآيات الكريمة او تضفي على النفس حالات من السكينة والطمأنينة تسهّل على الانسان التلبّس بهاوتشدّه الى الالتزام بها وهي تتفق الى حد كبير مع مراد السيد الطباطبائي (قدس سره) من العلم المطلوب لكسب الاخلاق في المسلك الثاني حيث يمثل التدريب والممارسة جانبه العملي.

ومن الآيات الكريمة التي تركت اثراً في نفسي مما يصح ادراجها هنا (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ)(1)

(مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ)(2) (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ)(3) ونحوها كالسنن الإلهية وغيرها.

ومن الاحاديث الشريفة ما يناسب وضعها في هذا الميزان او الدليل ما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (اعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك)(4).

وما روي ان الله قد اوحى الى بعض انبيائه: (لا تنظر الى صغر الخطيئة وانظر الى كبرياء من واجهته بها)(5)، وما قاله الامام الحسين (عليه السلام): (من حاول أمراً بمعصية الله كان أفوت لما يرجو وأسرع لما يحذر)(6).

وما ورد عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من رأى موضع كلامه من عمله قل كلامه الا فيما يعنيه)(7).

ص: 84


1- الكهف: من الآية 23 -24.
2- العنكبوت: من الآية 41.
3- هود: من الآية 113 .
4- آداب الصلاة للامام الخميني: ص 237، عن بحار الانوار: ج74، ص75 ، وفي نهاية كتاب مكارم الاخلاق ضمن وصايا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لابي ذر.
5- من هدى النبي والعترة ص 221، عن المحجة البيضاء، ج7، ص 59.
6- تحف العقول: ص 248.
7- الوسائل ج 8 ص 537.

وما قاله النبي (صلى الله عليه وآلهوسلم): (يقول ابن آدم : مالي مالي، وهل لك من مالك الا ما تصدقت فامضيت، او أكلت فأفنيت، او لبست فأبليت)(1).

فحبذا لو افدتمونا بتقييمكم للفكرة او إضافات حولها أو تتمة لها) وهل تنصحون بجمع الآيات الكريمة والاحاديث الشريفة التي تحصل لي من خلالها لفتات معمقة او تترك آثاراً معينة لاستحضارها دائماً ولكي لا يحرمنا النسيان بركاتها ولعرض السلوك على هذا الميزان كلما اقتضت الحاجة للاستزادة وتجديد (المعنويات).

(3) هل من الضروري النظر بريبة الى جميع الطاعات الحائزة على رضا النفس والتي لا تظهر فيها بوضوح آثار الجهاد الاكبر حتى - اي النظر بريبة لها - وإن حاولنا تهذيبها من نوايا السوء وعقدنا العزم على التقرب بها الى الله تعالى؟ فهناك امور يدفعنا اليها القرب الى الله تعالى - او هكذا يبدو لنا ولعل الذي لا يخفى عليه خافية في السماوات والارضين يعلم غير ذلك - كطلب العلم والاهتمام بامور المسلمين وقضاء حوائج الناس على قدر استطاعتنا وصلة الرحم.

اقول: تدفعنا اليها القربى ونحسّ بالفرح والسرور عند ممارستها، وهناك امور يأتي بها الانسان ملكة دون تكلف، فهل يُعتبر كل ذلك في خسارة من الثواب مقارنة بالاعمال التي يصاحبها جهاد اكبر ؟ وهل مصدر هذا السرور النفس الامارة بالسوء ام القلب الذي يشعر بكربة عند ارتكاب ذنب بمعناه العام (ترك الاولى) ؟

(4) ايهما افضل واكثر انطباقاً على مفهوم اداء الصلاة في اوقات فضيلتها: الفصل بين الظهرين او جمعهما، فالمنقول تاريخياً - كما في بعض الموسوعات الفقهية - ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يصلي اربع ركعات او ستة من نافلة العصر بعد فريضة الظهر ثم يؤدي بقية النافلة مع صلاة العصر عند اذان العصر، علماً بأنالاقرب للجهاد الاكبر هو هذا اي الفصل بينهما - إن توفر الدليل على افضليته - .

ص: 85


1- المحجة البيضاء، ج6، ص 42.

القنديل الرابع

جواب الشهيد الصدر (قدس سره)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين إهدنا الصراط المستقيم

والصلاة والسلام على خير خلقه وسيد انبيائه ورسله الخاتم لما سبق والفاتح لما استقبل والمهيمن على ذلك كله وعلى آله الطيبين الاطهار الميامين ومن تبعهم بالحق الى يوم الدين.

مولاي:

ماذا يقول هذا القاصر المقصر تجاه الله سبحانه وتجاه خلقه وتجاه نفسه . وقد اشلّه القصور وازرى به التقصير وسلكت به نفسه مسالك المهالك لتجعله امام بارئه اهون هالك. اعانك الله سبحانه بحسن توفيقه على ازعاجي لك وقبح تقدمي اليك وانكسار وجهي امامك. اعتبر - غير مأمور - ذلك صدقةً لوجهه الكريم إنه سميع بصير.

1- قولك: (ان الفرد على وجل وريبة من توفير اخلاص النية وكنت أتامل كثيراً في الاية الكريمة «قل هل انبئكم بالاخسرين اعمالا ...»).

مولاي:

مضت عليّ حقبة من الزمن تعد بالسنين لا بالايام بل هي باقية - بشكل وآخر - الى الآن انني كلما مررت على آيات العقوبات اعتبرت نفسي مستحقاً لها وكلما مررت على آيات ذكر الكافرين ونحوهم اعتبرت نفسي منهم بل اشد منهم.

مولاي:

ماذا يقول الامام الحسين (عليه السلام) في دعاء عرفة وهو ابن سيد العارفين وسيدهم بعد ابيه وأخيه (عليهما السلام):

الهي

انا الفقير في غناي فكيف لا اكون فقيراً في فقري وانا الجهول في علمي فكيف لا اكون جهولاً في جهلي(1).

ويقول فيه: الهي من كانت محاسنه مساوي فكيف لا تكون مساويه مساوي

ص: 86


1- فقرة من دعاء الامام الحسين (عليه السلام) يوم عرفة، وهو موجود في مفاتيح الجنان.

ومن كانت حقائقه دعاوي فكيف لا تكون دعاويه دعاوي.

التواضع امام الله

مولاي: هذا مفروض في كل قلب منيب وإذا كان الامام (عليه السلام) يقول ذلك فكيف بالصعاليك من امثالي. وانما يقوله لمدى ما يعرف من عظمة الله وعلو مقاماته وما هو اعلم به منا.

وفي الحديث القدسي عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): قال الله تبارك وتعالى: لا يتكل العاملون على اعمالهم التي يعملونها لثوابي، فانهم لو اجتهدوا واتعبوا انفسهم (و) أعمارهم في عبادتي كانوا مقصرين غير بالغين في عبادتهم كنه عبادتي فيما يطلبون عندي من كرامتي والنعيم في جناتي ورفيع الدرجات والعلى في جواري ولكن برحمتي فليثقوا، وفضلي فليرجوا، والى حسن الظن بي فليطمأنوا، فان رحمتي عند ذلك تدركهم، ومتى يبلغهم رضواني ومغفرتي تلبسهم عفوي فاني انا الله الرحمن الرحيم وبذلك تسميت)(1).

وقد قال لي بعضهم في يوم من الأيام: ان الانسان قد يصل الى (مقام) يرى فيه ان عبادته كلها (معاصي) وأن حسناته ذنوب.

إن اولئك (الذين يحسبون انهم يحسنون صنعاً) هم الذين (يقدمون) طاعاتهم ويؤكدون عليها ويتوقعون عليها حسن الجزاء بل منهم من يمنّ بها على الله سبحانه وعلى المعصومين ايضاً وهذا من اشد الاجرام في النظر (الخاصي) اعاذنا الله منه. وقد رأيت منهم نماذج عديدة من كسبة ورجال دين وغيرهم.

وأما (الندم) فهو للمؤمن لا الكافر، إن الكافر سوف يلهو بآلامه المبرّحة في النار وأما المؤمن فسيعضّ على شفته ندما من انه قضى حياته الدنيا (وهي بيت الطاعة) يطفّركالقبّرة ولم ينل الا هذا المقدار من الثواب . ان ما ناله مهما كان ضخماً وعظيماً فإنه مثل قشّة تجاه الدنيا وما فيها ازاء ما يرى من مقامات الاولياء.

وهذه المقامات تُعرض عليه قليلاً ليعرف المؤمن ما فوّته على نفسه، ثم تختفي لقلة تحمله في النظر اليها.

ص: 87


1- الشافي في شرح اصول الكافي: مجلد 5، ص94- 95.

عبرة وعظة

2- قولك: (ولناعبرة فيما نقل عن شخص اعاد صلاة (30) سنة ...).

مع احترامي لعمل هذا الرجل إلا ان فيها خلطاً بين التكليف الظاهر والتكليف الاخلاقي الخاصي. والصلاة من التكليف الظاهر ولا يجب قضاؤها مع توفر قصد القربى وعدم الالتفات الى (الشرك الخفي) او العجب والرياء. ولا اقل من جريان اصالة البراءة من وجوب القضاء.

إن هذا الرجل، مع احتراماتي له قد قضى عمره - عند قضاء الصلوات - في امر كان في غنى عنه لو فعل اموراً اخرى اهم واتم واقرب الى الله سبحانه. وقد ينال الندامة هناك على ذلك.

ومثال ذلك: ان شخصين تلاقيا فسأل احدهما الاخر عن حاله - يعني امام الله سبحانه - فقال: انه في مقام (التسليم) ورآه بعد عدة سنوات فسأله عن ذلك فقال: انه في مقام (الرضا) او نحوه فأجابه بما معناه: اسرع فراراً الى الله ولا تلهك هذه المقامات عن الاسراع الى رضاء الله ووجهه الكريم.

3- قولك: (معنى ورضوان من الله اكبر نسبة الى نعم الجنان الاخرى ...).

هذه العبارة قد تعطي خلاف المراد. ان (الدرجة) عطاء ولطف منه تبارك وتعالى بمقدار ما يناسب العبد وليست امراً وضيعاً كما تعلم وانما يكتسب (العطاء) شوباً وظلاماً لمروره في النفس والقلب عندما يكونان غير صافيين.

4- قولك: (لانك تطمئن هناك بعد وجل مستمر).إن الاطمئنان يحصل بذكر الله كما تعلم وكما ينص الكتاب الكريم ... لا بالجنة الا بمقدار ما يحصل من ذكره تبارك وتعالى.

وأما مسألة الرضوان فلها اكثر من معنى، منها: ان الله تعالى يكون راضياً عن عبده وهو مقام معنوي وعطاء عظيم اكبر من الجنة وما فيها ولا يقدّره حق قدره الا من ذاق طعمه، ومنها: ان الله تعالى يهب الرضا لعباده فيصبحون راضين عن الله سبحانه (يعني عن افعاله وعطاءاته)، انت (كما أحب) فاجعلني كما تحب (رضي الله عنهم ورضوا عنه).

5- قولك: (وهذا المعنى المناسب غير المعاني التي لا نفهمها ...).

حاول ان تفهمها بالتوكل على الله سبحانه ولا تكن من القانطين، فانها بلسان

ص: 88

عربي مبين .

6- قولك: (معنى نصحتك - بل نصيحة الائمة (عليهم السلام) وقد عثرت عليها بعد رسالتك في كتاب الجهاد من وسائل الشيعة ...).

ان هذا العثور ونحوه هو من (التسديد) الإلهي لعبده السالك في طريق الصلاح لكي يريه من آياته ويؤكد لديه صحة سلوكه ويكون حجة عليه مع مخالفته مهما قلّت.

7- قولك: (بتأجيل الاعمال الاخرى الى حين الانتصار في كتاب الجهاد ...).

الهي ان لم تنصرني فمن ذا الذي ينصرني (هل هي نفسي وانما هي عدوي او هل هم اهلي وانما هم ضعفاء مثلي) وإن خذلني نصرك عند محاربة النفس والشيطان فقد وكلني خذلانك الى حيث النصب والحرمان. فالنصر منه خالصٌ.

8- قولك: (لان اتيانها بنيات مشوبة يورث حسرة وندامة ولات حين مندم، هذا طبعاً غير أجره القليل في مقابل الجهاد الاكبر ...).

حبيبي: الجهاد الاكبر لا يعطي عليه اجرٌ ابدا. ولكن يصل الانسان به الى حقيقة انسانيته ومقامات ربه، ان الجهاد الاكبر بالتسديد يهذب الشوائب لكي تكون (الروح) لا النفس محلاً كاملاً للافاضات العليا ..أفهمت.

إن هذه الافاضات ليست (ثواباً) وانما هي الحقائق بعينها (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)(1).

9- قولك: (كل هذه الاهداف الكبرى التي يشكل نقصها عيوباً بعد التبصير بها ! او الخطوات ...).

أحسنت .. وقد احسنت في كل ما قلت بفضله وإحسانه.

مصائب الشهيد الصدر

10- قولك: (ولن يخيب الله ظن عبده الآمل، وان لم نكن أهلاً - ونحن كذلك لما ران على قلوبنا ما كسبنا ... ).

حبيبي: احمد الله سبحانه على مصائب مررت بها انا شخصياً لم يسبق لك المرور بها ... تلك المصائب التي تضاعف الرين .. الأمر الذي يكون زواله اصعب الا

ص: 89


1- البقرة: من الآية 257.

ان يشاء ربي شيئاً. وتلك عدة امور اشير الى بعضها:

منها: اندراجي ضمن رجال الدين .. ليس لانهم رجال دين، اقصد ليس الاسف من اجل ذلك بل من اجل انني سأكتسب منهم (الشمخرة) والتعالي ومن ثم الاستكبار والفرعنة التي هي العدوة اللدود في السلوك الصالح.

ومنها: اندراجي في الحوزة العلمية .. لا من اجل ذلك بمجرده ايضا .. بل من اجل ايحائه بالكفاية العلمية والقدرة الفكرية والرضا على المستوى الذي وصل او يمكن ان يصل اليه، في حين سمعنا قبل قليل قول الامام الحسين (عليه السلام) : (انا الجهول في علمي فكيف لا اكون جهولاً في جهلي)(1).

ومنها: التفاتي الى امراضي المعنوية وضرورة مداواتها في وقت متأخر نسبياً - بل هو متأخر على كل حال ومن النعم العظيمة على الفرد ان يبدأ سلوكه الصالح الحقيقي في العمر الاصغر والسن الاقل . فانه يكون له عدة مميزات: قلة الذنوب، قلة الرين، زيادة فرصة الطاعات، زيادة فرصة الجهادالاكبر وما بعده، قوة الارادة عند الشاب وضعفها عند الشيخ وكلما تقدم العمر.

10- قولك: (وسأظل مدينا لله تعالى بالهداية والتوفيق ولكم بالارشاد والتوجيه...).

الحمد لله رب العالمين الذي منّ عليَّ بهذه المنن العظيمة الواردة بسببك فانه اهل لكل عطاء.

وأنا بدوري ممتن لمن صار هو طريقي الى الهداية، والحقيقة فان الذي قام بتربيتي عدد من الناس اهمهم اثنان هما خير الخلق في اختصاصهم، ولا اعرف احدا غيري اجتمعت لديه هذه النعمة . أحدهما: السيد الصدر (قدس سره) الذي كان خير الخلق في (علمه) الظاهري، وثانيهما: شخص آخر - احفظ ذكره إلى حين - الذي كان خير الخلق - حسب اطلاعي - في مراتب اليقين واقصد بخير الخلق: من هو موجود في هذا الجيل طبعاً عدا الامام (عليه السلام) وكلا هذين لن انساهما طيلة حياتي بل ارجو شفاعة هذا الاخير بعد وفاتي.

ص: 90


1- فقرة من دعائه (عليه السلام) يوم عرفة.

من خدع النفس

11- قولك: (من خدع النفس انها احيانا تزيغ صاحبها عن الحق ...).

مولاي: كل هذه الامور وغيرها كثير انما هي موكولة الى (حال) الشخص وتفكيره في العلاقة بينه وبين ربه . واذا طابق عمله حاله كان على صواب وثواب. وإن كان غيره على حال آخر غير حاله . وإذا شاء الله سبحانه ان يغيّر حاله فعل (اللهم غيّر حالنا الى احسن حال).

فقد يكون حال الفرد هو التقرب الى الله سبحانه بالاحتياط في الطهارة والعبادة فكلما فعل ذلك اكثر كان اقرب، وقد يكون حاله ان الاشتغال بذلك حسرة وندامة لانها تصد عما هو اعلى منها واقرب ومن الواضح عند ذويه ان (عصيان) الحال قد لا يكون امراً محموداً .فالاول إذا ترك الاحتياط فقد يؤدي ذلك الى بطلان عبادته ولم يحصل على (المزيد) لانه انما هو مكلف في ضمن مرحلته تلك. كما ان الثاني اذا فعل الاحتياط كان آثماً تجاه ربه كما هو معلوم. ومن المعلوم ان حسنات الابرار سيئات المقربين(1).

وكذلك الحال تجاه تأليف الكتاب المفيد ونحوه، يكون حال الفرد ان ينفع الناس ويقلل من ضلالهم ويزيد من هدايتهم وقد يكون حاله ان ذلك يصدّه عن ذكر الله، وقد يكون حاله ايكال الهداية الى الله سبحانه لا الى نفسه (إنك لا تهدي من احببت)(2)، وقد يكون حاله: النظر الى قصور نفسه، وقد يكون حاله الاحجام عن مسؤولية دنيوية وأخروية هو في غنى عنها، وقد يكون حاله ضرورة الاشتغال بما هو اكثر ثواباً، وقد يكون حاله الاعراض عن اسباب الشهرة والجاه والنفع المادي.

مولاي: كل واحد من هؤلاء معذور ومأجور ان شاء الله سبحانه، بل إن في مخالفته لحاله وتكليفه مظنة الزلل المنتج للتورط كما تعلم.

ص: 91


1- بحار الانوار: ج 25، ص205.
2- إشارة الى قوله تعالى: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)(القصص:56).

من هو العالم الحق ؟

12- قولك: (يترك التأليف ولكنه في الحقيقة انما خسر في المجاهدة ولبى هوى نفسه وحرم الامة من ثمرات فكره واراح ابليس لان العالم اضر عليه من الف عابد ...).

مولاي: هذا الحديث الوارد: (ان العالم اضرّ على ابليس من الف عابد)، وما ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انه قال: (يوزن يوم القيامة مداد العلماء بدماء الشهداء)، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم):(يشفع يوم القيامة ثلاثة: الانبياء ثم العلماء ثم الشهداء)(1) ...

وغيرها، إنما يراد بها العلماء بالله الذين يعبّر عنهم القرآن الكريم الراسخون في العلم. وأما هؤلاء العلماء فأحسن ما في نقدهم قول العلامة الحلي لابنه فخر المحققين (قدس الله سريهما): لولا كتاب الالفين وزيارة الحسين (عليه السلام) لقصمت الفتوى ظهر أبيك نصفين.

اقول: ليس الفتوى فقط، بل انت تعلم ان كل من فسر القرآن برأيه هلك، ونحن طالما استنتجنا افكاراً من القرآن الكريم نزعم انها تنفع المجتمع ولعلها ليست كذلك. لا يحول دون ذلك الا التأكد (بحجة) من جميع الجهات ولا يكون ذلك الا للاوحدي من الناس . نعم، من كان من اهل (الغفلة) من المؤمنين فلا ينبغي تنبيهه على هذه الامور.

بل له ان يكتب ما يشاء، فان الله سبحانه جعل لكل امر سبباً وهؤلاء هم السبب لهداية عدد من طبقات الناس، ومثلا ان خطباء المنبر الحسيني سبب لهداية جماعات من الناس. وهنا عندي قصة طريفة:

ان احد الخطباء وأظن جدا انه الشيخ الجد اليعقوبي (قدس سره) كان خطيباً عند الشيخ النائيني (قدس سره) فكان كلما نزل من المنبر قال له الناس: طيب الله انفاسك واحسنت . وقال له الشيخ النائيني: غفر الله لك. فقال له بعد عدة ايام عن ذلك. فقال ما مضمونه: انك تنسب اموراً كثيرة الى اهل البيت (عليهم السلام) منها القطعي ومنها المظنون ومنها المحتمل ومنها الموهوم، فاستغفاري لك انما كان لذلك. فاجاب الشيخ اليعقوبي (قدس سره) بما مضمونه: انه لو قلت في خطابتي ان

ص: 92


1- المحجة البيضاء، ج1، ص 15- 16.

هذا مظنون وهذا محتمل وهذا موهوم لما بكى احد.

إن (حال) الشيخ اليعقوبي هو حال من بكى او أبكى او تباكى وجبت له الجنة واما (حال) الشيخ النائيني فهو انه ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد . ولا يجوز نسبةشيء الى اهل البيت (عليهم السلام) بدون (حجة) كاملة، ان كليهما معذور ومأجور امام الله سبحانه إن شاء الله سبحانه.

13- قولك: (ولا يترك العمل مادام هو في الاصل غير مستهدف لهذه النوايا الصالحة ...).

هذا غريب منك وانت قلت في اول رسالتك ان من الحق تلك النصيحة التي تقول بتأجيل الجهاد الاصغر الى حين الانتصار في الجهاد الاكبر. ولابد انك سمعت هذه الرواية او المثل: (ان ما يخرج من القلب يدخل في القلب واما ما يخرج من اللسان فلا يتجاوز الآذان)، ومن الصحيح ان الفرد قبل الجهاد الاكبر يتكلم بلسانه وبعد هذا الجهاد يتكلم (بقلبه).

14- قولك: (ما ورد عن علي بن ابراهيم بسند صحيح عن ابي بصير قال: قلت لابي جعفر (عليه السلام) : اذا قرأت القرآن فرققت به صوتي جاءني الشيطان فقال: انما ترائي بهذا اهلك ...) وما بعده.

هذه الرواية حسب فهمي القاصر والفهم ايضا انما هو تبع لحال الشخص اقول: انما امره الامام بمد الصوت بالقرآن لكونه عليه السلام يعلم بان ذلك من مصلحته وخاصة وان السائل يعتقد ان ذلك وسواس من الشيطان وليس حقا.

على ان هذه الرواية تفيد في تصحيح العبادات الواجبة، وخاصة مع الحاح هذه الهواجس على النفس.

وعلى اي حال ففهمك من الرواية انما يناسب حالك وتستطيع ان تعمل عليه، وقد يغير الله سبحانه هذا الحال ولو بعد لأي.

الخوف والرجاء

15- قولك: (ولو وزن الخوف والرجاء في قلب المؤمن لما رجح احدهما على الآخر ...).

بخصوص ما ورد من تساوي الخوف والرجاء في قلب المؤمن وهو حسب فهمي القاصر المقصر خاص بالمؤمن الذي يمر بالدرجة الثانية بعد الاسلام، عن ابي

ص: 93

بصير قال: قال لي ابوعبد الله (عليه السلام): (يا ابا محمد، الاسلام درجة، قال: قلت: نعم، قال: والايمان على الاسلام درجة، قال: قلت: نعم، قال: والتقوى على الايمان درجة، قال: قلت: نعم، قال: واليقين على التقوى درجة، قال: قلت: نعم، فما اوتي الناس اقل من اليقين، وانما تمسكتم بادنى الاسلام فاياكم ان ينفلت من ايديكم)(1). فان الايمان في هذه المرتبة انما يناسب ذلك .

ولكن اذا اختلف حال الفرد عن ذلك فهو اولى بحاله، فقد يغلب عليه الخوف اما من اعماله، واما من جسامة نعم الله عليه مع قلة شكره وقد يغلب عليه الرجاء طمعاً برحمة الله أو لحسن الظن به أو لكون رحمته سبقت غضبه أو طمعاً بالشفاعة المحمدية العظمى أو غير ذلك.

16- قولك: (انها غضبة لله تعالى ولصالح المسلمين على ترك اتمام موسوعة الامام المهدي (عليه السلام) بعد ان فهمت قوله تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))(2).

اتضح الجواب عن ذلك بما سبق مضافا الى الآية الكريمة التي اشرتَ اليها مضافا الى ما ذكرتُه في بعض رسائلي السابقة من انه يلزم منه الاكتفاء بالقليل عن الكثير من الثواب . ولا اعلم ما إذا يمنّ الله سبحانه وتعالى عليّ بعد هذا - إن بقي النَفَس - بتغيير هذا الحال. (اللهم غير حالنا الى احسن الحال). (اللهم اهدني لما اختلف فيه من الحق).

شقشقة هدرت

17- قولك: (لك الحق في ان لا تطلب اصلاح الناس باهلاك نفسك وانت بالتأكيد اعلم بتكليفك وبالرأي الصائب ولكن شقشقة هدرت ... ).

ارجو يا حبيبي ان تزيد من الشقشقات على هذا القاصر المقصر فان رسول الله (صلىالله عليه وآله وسلم) قال: (المؤمن مرآة أخيه يميط عنه الاذى)(3)، يعني ان يدلّه على عيوبه، لا ان يدله على حسناته او شأنه الدنيوي طبعاً.

ص: 94


1- الشافي في شرح اصول الكافي: مجلد 5، ص71.
2- سورة ق: 18.
3- من هدى النبي والعترة: ص349، عن الوسائل: ج11، ص 548.

وسوف تطلع خلال كثرة المراسلة على (كومة) من العيوب والذنوب والله وعباده المؤمنون احق بالستر. ولكن باللسان العرفي الدنيوي ان لي عليك حق النصيحة فكما تجد الفائدة من هذه الكتابة فمن حقي ان اطالبك بان استفيد انا بدوري ايضا.

18- قولك: (ومما يزيد في المشكلة ويجعلها دقيقة للغاية ان خيطاً رفيعاً يفصل بين الفضائل والرذائل فما بين العجب والفرح بنعمة الله الا شعرة والاول رذيلة والثاني فضيلة وكذا بين الرياء والتحديث بنعمة الله تعالى ...).

ما قلتَه في هذه الفقرة صحيح جداً. الا ان شخصاً آخر قد يكون له (حال) أخرى قد يقول: انه ورد لا تفرح بما آتاك بحيث يكون ذلك شاملاً حتى الطاعات وليس للدنيا فقط. (اللهم اني استغفرك لكل لذة بغير ذكرك)(1).

وأما قصة التحديث بنعمة الله تعالى فمن المفهوم عند اهل الذوق انه لا يراد به ما اشرت اليه، فانه رياء على كل المستويات ويكون موجباً لقلة النتائج وبطء السير نحو الاهداف الواقعية.

لا يستثنى من ذلك الا حالة واحدة هي حال هداية الشخص حين يراد نقله من حال الى حال. وعليه يحمل اقوال الائمة (عليهم السلام) في ذكر فضائلهم وكراماتهم.

ولدّي قصة طريفة حول ذلك، ان المحقق المقدس الاردبيلي (قدس سره) حين حصلت له كرامة اخراج الذهب من البئر ذهب فرواها الى استاذه الذي نسيت اسمه الآن فأجاب استاذه: لماذا تروي ذلك؟ إن كنت ترويه لاعرف انا مقامك فانا اعرفه بدون ذلك. وإنكنت ترويه لمجرد ابراز الرفعة والكرامة فهذا غير جائز.

ولعل للتحديث بنعمة الله سبحانه معان اعمق من ذلك قد نلتفت اليها في المستقبل بفضل الله وحسن توفيقه.

مع السيد الطباطبائي

19- قولك: (مسلك اكتساب الاخلاق كاسلوب في رياضة النفس وغاياتها «ملخص في الميزان للطباطبائي 1/354 - 261، 1/370 - 375، ...) وما بعده.

ص: 95


1- فقرة مناجاة الذاكرين للامام السجاد (عليه السلام).

مولاي، ان السيد الطباطبائي صاحب الميزان مع عظيم احترامي له ولتفسيره لم يتعرض الى ذلك في تفسيره الا لماماً. فالاعتماد عليه انما هو اعتماد على امر ضعيف.

نعم، قد ينقدح للفرد من بعض كلماته بعض المعاني بحسن التوفيق، مما يكون مربوطاً بالجهات المناسبة مع الاحوال الخاصة، كما قد نفهم من القرآن الكريم والاخبار وكثير من الامور اشياءً من هذا القبيل.

20- قولك: (ملخص ما في الميزان للطباطبائي ... وهي: 1- اصلاح النفس وتعديل ملكاتها لغرض الصفة المحمودة والثناء الجميل ...).

يعني عند الله سبحانه واعوذ به عن اي مقصود آخر.

21- قولك: («ملخص ما في الميزان» ويتم عن طريق العلم والعمل اعني الاذعان بانها حسنة جميلة...).

الاذعان بانها حسنة جميلة ينبغي لكي يكون المقصود سليماً: الاذعان بانها موصلة الى الهدف ومطابقة للتكليف المناسب مع مقام الفرد وحاله. واما اذا كان المقصود هو (الرضا) عن الاعمال - كما هو ظاهر العبارة - فقد اشرنا الى كون ذلك جريمة في طريق رضا الله سبحانه.

22- قولك: («ملخص ما في الميزان» فلتحصيل ملكة الشجاعة يلقن الانسان نفسه ان الجبن انما يحصل من تمكن الخوف منالنفس ...).

فلتحصيل ملكة الشجاعة ... الخ هذا مجرد مثال طبعاً. وهو خالٍ من امرين مهمين، الاول: التوكل على الله سبحانه في تحصيل النتائج.

الثاني: قهر النفس بالرياضات العملية توصلاً الى تطهيرها . فان مجرد التلقين والايحاء الذاتي غير كافٍ ابداً لذلك. وهذا ونحوه يدل على قلة مقامه (قدس سره) في هذا المجال.

مفاخر الاولياء

23- قولك: (ويدخل ضمن هذا المسلك وغايته السعي لتحصيل الظواهر الباراسايكولوجية).

فيما يرتبط بالظواهر الباراسايكولوجية قلنا ان ذلك غير كافٍ بل يحتاج الى ما هو اضعافه.

وهنا فكرة يحسن ان اشير اليها بهذا الصدد انني في الرسالة السابقة هوّنت من

ص: 96

هذه الظواهر واهميتها . وهذا حق تماماً بازاء الاهداف الرئيسية الحقة، ومن المعلوم ان استهداف وجود هذه الظاهر والوقوف عليها هي الحسرة والندامة بعينها.

الا ان هناك ظواهر تعتبر من مفاخر الاولياء الموقنين اذكر بعضها، معرفة دخول الفجر، معرفة المتوضئ من المحدث، معرفة السيد من العامي، معرفة نور الوجه من ظلماته، رؤية الموتى والاعتبار بهم او الاستفادة منهم إن كانوا عظماء، سماع تسبيح الملائكة (الرجيج الذي تستك منه الاسماع)(1)، كما يقول سيد العارفين في نهج البلاغة، وغير ذلك مما هم اعرف به.

وبهذا الصدد ينبغي ان نلتفت الى هذه الآيات: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُيُؤْمِنُونَ)(2)، (كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً)(3)،

(وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاً بِسِيمَاهُمْ)(4)، الى غير ذلك.

24- قولك: («ملخص ما في الميزان» ويتشابه المسلكان في ان الغاية القصوى والغرض فيها الفضيلة الانسانية من حيث العمل...).

بل هما ضرتان لا يجتمعان احدهما يمثل الدنيا والآخر يمثل الآخرة.

تحصيل الفضيلة هذا صحيح في (النفس) بالمعنى المتوسط (علم معه حلم) الا ان المطلب يختلف جداً مع الصعود الى اعلى.

25- قولك: (ويلحق بهذا القسم نوع آخر من الآيات كقوله تعالى «ما اصاب من مصيبة في الارض ولا في انفسكم الا في كتاب...») وما بعده.

هذا كله بغض النظر عن (الاختيار) الموهوب للانسان الذي به التكامل والثواب والعقاب وتحمل المسؤولية وغير ذلك.

26- قولك: (كما ان فعل يراد به غير الله سبحانه فالغاية المطلوبة منها اما عزة في المطلوب يطمع فيها او قوة يخاف منها ويحذر عنها) وما بعده.

هذه الفقرة امر صحيح في تحصيل الخوف والرجاء وتقديم الضعف والذلة

ص: 97


1- فقرة من خطبة الاشباح لأمير المؤمنين (عليه السلام)، نهج البلاغة، ج1، ص 160.
2- الأعراف: 185.
3- يونس: من الآية 27.
4- الأعراف: من الآية 46.

امامه سبحانه وهي امور اساسية، ولكن يبقى في النفس منابع اخرى للشقاء لابد من انطماسها وليس الامر كما قال: انهما تغسلان كل ذميمة وصفاً او فعلاً.

27- قولك: (هاتان القضيتان اذا صارتا معلومتين للانسان تغسلان كل ذميمة وصفاً او فعلاً عن الانسان وتحليان نفسه بحلية ما يقابلها من الصفات الكريمة الالهية من التقوّي بالله والتعزز بالله وغيرهما...).

هذه العزة يفيضها الله ويعلمها هو سبحانه ولا ينبغي ان يصاحبها اي اثر دنيوي في ا لحياة . بل كلما بدا العبد ذليلاً ومتواضعاًاكثر كان افضل.

رواية

وفي الحديث عن أبي جعفر (عليه السلام): (اوحى الله تعالى الى موسى بن عمران (عليه السلام): اتدري لما اصطفيتك بكلامي دون خلقي ؟ قال موسى: لا يارب، قال: اني قلبت عبادي ظهراً وبطناً، فلم اجد منهم احداً أذل نفساً لي منك، يا موسى، اذا صليت وضعت خدّيك على التراب)(1).

وعن معاوية بن عمار، عن ابي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: (ان في السماء ملكين موكلين بالعباد فمن تواضع لله رفعاه، ومن تكبر وضعاه)(2).

وورد في الدعاء: عن المؤمنين (فهم بعزته يعتزون) يعني ليس لهم اي عزة مستقلة عن عزته تبارك وتعالى.

28- قولك: (والغرض في هذا المسلك هو ابتغاء وجه الله لا اقتناء الفضيلة الانسانية والهدف من نقل الكلام:

1- الاستفادة من خبرة المؤلف (قدس سره) في مجال العرفان ...).

هذا عرفان صحيح ولكنه يكون منتجاً لمقام (اصحاب اليمين) لا لمقام (المقربين) . والمفروض في الفرد الطامع بعطاء الله سبحانه ان يستهدف مقام المقربين بطبيعة الحال.

29- قولك: (فحبذا لو افدتمونا بتقييمكم للفكرة او اضافات حولها او تتمة لها ...)

ص: 98


1- المحجة البيضاء: ج1، ص 346 .
2- الشافي في شرح اصول الكافي: مجلد 5، ص 166.

هذه فكرة جيدة جداً ولكنها تحتوي على ملاحظتين:

الاولى: انها قد تكلف القارئ ما لا يطيق سواء قرأ هذه المجموعة حال كونها مخطوطة او حال كونها مطبوعة. فتقع المسؤولية على المؤلف فيتورط من حيث يتوقع الثواب.

الثانية: ان المرور على هذه المضامين في الكتاب والسنة كافٍ للتربية فانها وإننسيناها فعلاً الا انها موجودة في النفس مضموناً وملكة . على ان النسيان قد يكون رحمة ونعمة لأن استمرار تذكرها قد يكلف الفرد ما لا يطيق، فالاولى في طريق الجهاد الاكبر - كما يقال باللسان الدنيوي - جعله على الصدفة وباللسان المؤمن حسب عطاء الله وتوفيقه.

30- قولك: (هل من الضروري النظر بريبة الى جميع الطاعات الحائزة على رضا النفس ...).

هذه الفقرة كلها ظهر الجواب عنها فيما سبق فقرة فقرة فالرجاء تطبيقها بذكائك وامرك الى الله سبحانه.

الفصل بين الصلوات

31- قولك: (ايهما افضل واكثر انطباقاً على مفهوم اداء الصلاة في اوقات فضيلتها : الفصل بين الظهرين او جمعهما ...).

مولاي، مضى عليّ ردح من الزمن فيما سبق كان تصوري وحالي يقتضي الفصل بين الصلوات للحصول على وقت الفضيلة لكل منها. حتى وجدت رواية تذكر اثراً معيناً للجمع بين الصلاتين، فعن ابن عباس الناقد قال: تفرق ما كان في يدي، وتفرق عني حرفائي فشكوت ذلك الى ابي محمد (عليه السلام) فقال لي: (اجمع بين الصلاتين الظهر والعصر ترى ما تحب)(1)، وعن امير المؤمنين (عليه السلام)، قال: (الجمع بين الصلاتين يزيد في الرزق)(2)،فاصبحت اجمع بين الصلاتين.

ص: 99


1- الكافي: ج3، ص387، الوسائل: ج5، ص227.
2- كتاب: حول الصلاة والجمع بين فريضتين: ص36، عن الخصال للصدوق، والبحار: ج82، ص 333.

وعلى اي حال فالصلاة من التكاليف الظاهرية وفي مرتبة الظاهر نحن (شيعة) ومن علامات المذهب هو الجمع بين الصلاتين . فهذا الجمع فيه حفظ للظاهر واما في الباطن فلا تُقبل الصلاة ولكنها مجزية فقط الا بالولاء الحقيقي واذا تحقق فانه (لا يهم) الوقت الذي اديت به الصلاة مع المحافظة على اول الوقت فقد ورد - ومااحسن ما ورد - : عن ابي عبد الله (عليه السلام) عن ابيه عن امير المؤمنين (عليه السلام)، قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لا يزال الشيطان هائبا لابن آدم ذاعراً منه ما صلى الصلوات الخمس ]لوقتهن[ فاذا ضيعهن اجترى عليه فادخله في العظائم)(1).

واما قولك: ان الاقرب الى الجهاد هو الفصل بينهما فلا اكاد افهمه. لم يبق مما ينبغي ذكره الا هاتان الملاحظتان:

الاولى: ان كتاب (مرآة الرشاد) لم استلمه لحد الآن.

الثانية: في خصوص عدم مشاركتي في اي عمل، ان هذا يختلف باختلاف تطور فكري، ومن الطريف انه لم يوجد في تفكيري الانخراط في اي سلك معين.

الحياة الحزبية

اول ما عرض علي الامر وجدت ان (الحياة الحزبية) تجر المجتمع الى التناحر بين الاحزاب هؤلاء يقولون: نحن، واولئك يقولون: نحن ... الامر الذي بقي المجتمع ينوء تحت ثقله سنين طويلة، وعشنا فيه تجارب مريرة.

ومن الصحيح -كما قالوا- ان هذا الاتجاه يطمس -أو يكاد- الانانية الفردية الا انه يؤكد الانانية الجماعية والحزبية، وهذا ضروري الثبوت في النفوس الناقصة والتي لم يتم تطهيرها وتهذيبها بعد.

والامر الآخر: انني كنت ولازلت انطوائي الطبع ولا اود التوسع في المجتمع، ومن هنا يكون الالتزام بما اشرنا اليه يحملني مسؤولية ومشكلة لا اطيقها او اشك في نفسي من حسن رعايتها.

والامر الآخر: أن والدي (رحمه الله) كان شديداً جدا علي في ذلك وله في ذلك حوادث لازلت اتذكرها عفى الله عنها. وفي عين الوقت كنت مربوطاً بوالدي

ص: 100


1- ثواب الاعمال وعقاب الاعمال للشيخ الصدوق: ص230.

أسَرياً واجتماعياً . ومنهنا كنت مضطرا، غفر الله لي وله وجميع المؤمنين والمؤمنات.

والامر الآخر والاخير حول ذلك : هو التفاتي الى الجهاد الاكبر وعلمي بان كل ذلك مع كونه هداية حقيقية الا انها هداية ناقصة لا يجب الاقتصار بها والوقوف عليها وان كانت مفيدة لجمهور الناس الا انهم غيري على اي حال، وان الوقوف عليها يورث الحسرة والندامة امام الله سبحانه مضافا الى المظالم التي كنت اراها من الكثيرين السائرين في ذلك الطريق لبعضهم البعض والآخرين من المستويات العالية الى المستويات المنخفضة غفر الله لنا جميعاً.

هذه شقشقة أو عدة شقشقات على أي حال قد تنفعك للعبرة، وأنت اعلم بتكليفك في حدود ما تعرف من التقيد.

وأنا قد احتفظت عندي بالترجمة التي ذكرتَها لنفسك. كما احتفظت بتعليقاتك الثمينة على بحث (نظرة في فلسفة الاحداث) وهي تعليقات صادرة عن قلب مخلص ومحب جزاك الله خيراً.

ولكن لي على ذلك ملاحظتان:

الاولى:

انني اعاني تماماً من اعواز المصادر فكثير من اخطاء البحث ناتجة منه وقد استعملت ذاكرتي فقط في معرفة التواريخ وغيرها. واما إذا اريد نشره فيحتاج إلى تعب آخر.

الثانية:

انني اود تماماً انك تتصدى لاكماله بالتعليقات التي كتبتها وغيرها حتى يصبح بحثاً متكاملاً. فان رضيت بذلك فتفضل بالكتابة لي بالموافقة حتى ارسل لك نسخة البحث مع التعليقات فتتوكل على الله سبحانه وتجود كتابته مرة اخرى كما هو الافضل. وارجو لك حسن الموفقية وجزيل الثواب.

الحمد لله رب العالمين

ودمتم لمخلصكم

ص: 101

ص: 102

الباب الثاني: خطوات علی الط یق

اشارة

ص: 103

ص: 104

الفصل الرابع: عيوب النفس

(الرسالة الخامسة)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

صفحات هذا التاريخ

تمرّ علينا في شهر ذي القعدة الحرام هذا(1) الذكرى السنوية الاولى للقائنا اول مرة، وهو تاريخ راسخ في ذاكرتي لا يمكن نسيانه إذ انه بداية مرحلة سعيدة من حياتي مفعمة بروح الايمان والفكر النيّر وهما أحب ما في هذه الدنيا الى قلبي . وأحياناً - وفي لحظات الضيق النفسي - اقلّب صفحات هذا التاريخ واستعيد ذكرياته فتهب على خاطري ارق نسمات عرفت وانداها وأحسّ من خلالها جسامة وعظمة نعمة الله تعالى إذ منّ بها عليّ فتضاف الى سلسلة نعمه التي تجلّ عن الاحصاء ويعجز عنها الشكر فسبحان الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ويكفي لمعرفة أحد جوانب هذه النعمة العظيمة تذكر اول رسالة بعثتها الى حضرتكم وكانت حول ثبوت الهلال في البلدان المختلفة (ودعوة الى الفقه الحر) ويومها لم تكن علاقتنا بل معرفتنا بهذا العمق ولم تأخذ بعدُ هذا المنحى الجديد وقد ساعدت على توفير هذه العلاقة امور لا يمكن تفسيرها الا بالتوفيق والهداية الالهيين ولولا التقية لبُحتُ بها.

ويبدو ولحد الآن قد اسرفت في بيان مشاعري وربما يكون ثقيلاً عليك، ولكن عسى ان يكون شيء مسرّ لك الاطلاع عليه.

سيدي: بعد هذه المقدمة أدخل في بيانالملاحظات

والاسئلة:

(1) ارجو ان لا يقلقك تأخر رسائلي وتباعد الزمن بينها فان الذي يدفعني إلى

ص: 105


1- أي من عام 1406 المصادف سنة 1986.

ذلك امور اظنها ترضيك، منها:

1 ً- تنفيذاً لاوامر سابقة منك.

2 ً- محاولة استيعاب ما يرد فيها نظرياً وعملياً.

3 ً- لعلّي اتوصل الى إجابة بعض الاسئلة التي تستجدّ عندي وهو ما نصحتني به.

4 ً- تكرار قراءة رسائلك عدة مرات بين فترة وأخرى.

5 ً- حدوث اسئلة واستفسارات جديدة.

ويحدوني

على التعجيل بالكتابة ان لرسائلك وقعاً كبيراً على نفسي تشدّني الى الصراط المستقيم، وترفع معنوياتي التي هي بحاجة الى تجديد مستمر وهو الدور الذي تؤديه رسائلك اضافة الى اللذة الروحية التي احسها بسبب ذلك وغيره، والفوائد الجمّة التي احصل عليها ويذكّرني هذا بما كان يحدث لاصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي رواية أخرى لاحد الائمة (عليهم السلام) حيث انهم عندما يكونون قريباً من المعصوم (عليه السلام) ينزعون الى الآخرة ويخرجون من الدنيا ويعيشون في اجواء ايمانية خالصة فاذا فارقوه عاد كل اناء لينضح بما فيه الا ان يشاء ربي شيئاً.

عن سلام بن المستنير قال: كنت عند ابي جعفر الباقر (عليه السلام) فدخل عليه حمران بن اعين وسأله عن اشياء، فلما هم حمران بالقيام قال لابي جعفر (عليه السلام): اخبرك اطال الله بقاءك وامتعنا بك، انا نأتيك فما نخرج من عندك حتى ترق قلوبنا وتسلو انفسنا عن الدنيا، ويهون علينا ما في ايدي الناس من هذه الاموال، ثم نخرج من عندك فاذا صرنا مع الناس والتجار، أحببنا الدنيا.

قال: فقال ابو جعفر (عليه السلام): (اما ان اصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) قالوا: يا رسول الله، نخاف علينا النفاق قال: ولم تخافون ذلك؟ قالوا: اذا كنا عندك فذكرتنا ورغبتنا وجلنا ونسيناالدنيا وزهدنا حتى كأنا نعاين الآخرة والجنة ونحن عندك، فاذا خرجنا من عندك ودخلنا هذه البيوت وشممنا الاولاد ورأينا العيال والاهل يكاد ان نحول عن الحال التي كنا عليها عندك، وحتى كأنا لم نكن على شيء، افتخاف علينا أن يكون ذلك نفاقاً؟ فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : كلا ان هذه خطوات الشيطان، فيرغبكم في الدنيا، والله لو تدومون

ص: 106

على الحالة التي وصفتم انفسكم بها لصافحتكم الملائكة ومشيتم على الماء)(1).

وإذن فعملية تحديد زمن المراسلة تخضع لقضاء الله وقدره ثم لهذه الموازنة التي ارجو ان تنال رضاك وموافقتك.

(2) تكرر في كلامك ذكر (الحالات) وتفاصيلها وبعد ان فهمت مقصودك منها - او هكذا يبدو لفهمي القاصر - من خلال الامثلة التي عرضتها، لم اعرف كيف يُحدّد (حال) الشخص ليتسنى بالتالي اعطاؤه الغذاء المناسب له إذا وجد الاستعداد لذلك وليس اقل من معرفة (حالي) انا شخصياً لكي اتمكن من تحميل نفسي ما يلائمها بعد ان عرفت ان عصيان الحال شيء مذموم، فأرجو التفضل ببيان ذلك.

(3)

ذكرت في رسالتك الاخيرةان كبح وتعديل شهوات وغرائز النفس (المحللة منها طبعاً) لا ثواب عليها وانما هو مجرد تأهيل لتحمل الحقائق الالهية وكان نص كلامك: «الجهاد الاكبر لا يعطى عليه أجرٌ ابدا ولكن يصل الانسان به الى حقيقة انسانيته ومقامات ربّه».

وكنت قد فهمت من الرسالة التي سبقتها من خلال شرح الآية الكريمة (وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئاً يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ َدُوٍّ نَيْلاً إِلا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ)(2)

شرحاً (خاصاً) ان في ذلك (اي في جهاد النفس حتى في مثل تأخير شربة ماء او حكّة رأس) ثواباً تفصيلياً على كل صغيرة وكبيرة اضافة الى الاجر الكلّي - اذا صحت التسمية - وهو تأهيل الروح لتحمل الحقائق الالهية والدليل في الآية ان النفس من اظهر مصاديق الاعداء ... فأي فهميّ جدير بالصحة.

معاني راقية

(4) اثناء مراجعتي لاول رسالة في الجهاد الاكبر وبعد ان (فهمت) اهمية الزهد القلبي وجدت ان ما فيها قليل وان كان ثقيلاً فطفقت اتحرى الآيات القرآنية والاحاديث فعثرت على مجموعة مفيدة في هذا المجال وفي عموم الطاعات القلبية، واسأل الله تعالى ان يعيننا على الالتزام بها، ومنها:

ص: 107


1- الشافي في شرح اصول الكافي: مجلد 6، ص557 -558 .
2- التوبة: من الآية120.

قوله تعالى: (وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى)(1).

وقوله

تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ)(2).

ومن

دعاء السجاد (عليه السلام) في مكارم الاخلاق - وكل الدعاء ذو معاني معمّقة، «ولا ترفعني في الناس درجة الا حططتني عند نفسي مثلها، ولا تحدث لي عزاً ظاهراً الا احدثتَ لي ذلّة باطنة عند نفسي بقدرها».

ومن مناجاة الشاكرين للسجاد (عليه السلام) : «فآلاؤك جمّة ضعف لساني عن احصائها ونعماؤك كثيرة قصُر فهمي عن ادراكها فضلاً عن استقصائها فكيف لي بتحصيل الشكر وشكري إياك يفتقر الى شكر فكلما قلت لك الحمد وجب عليّ ان اقول لك الحمد».

وفي الدعاء «حتى لا احب تعجيل ما أخّرت ولا تأخير ما عجلت».

وغير هذا من المعاني الراقية التيتطفح

بها الآيات الكريمة والاحاديث الشريفة والادعية المأثورة.

ولا يخفى كون هذه الآيات الكريمة والاحاديث المأثورة - والتي منها ما مرّ عليكم قبل قليل - علاجاً مهماً للقضاء على الرذائل القلبية كالعجب والحسد والفخر والغرور ويساعد على تزويده بالفضائل كالزهد والشعور بالتقصير والتواضع والاعتراف بالعجز عن اداء بعض حقوق الربوبية وواجبات العبودية.

فأرجو التفضل بتلخيص رؤوس اقلام - كما فعلت باول رسالة حول هذا الموضوع - إن شئت ذلك وإن شئت ارشدتني الى كتاب (جامع السعادات) للمولى النراقي فقد رأيته مفيداً وعميقاً في هذا المجال ومن الله نستمد العون والتوفيق.

(5) وذكرت اثناء ترجمة حياتك جملة من العوائق في طريق السلوك الصالح مما واجهك انت خصوصاً، وقد وجدتها مؤثرة فيّ انا الآخر لان بعضها وغيرها مما يناظرها اعاني منه شخصياً مما دفعني ان التمس منك ذكر عيوبي التي استظهرتها

ص: 108


1- طه:131.
2- الحديد:22- 23.

بذكائك وتسديدك الإلهي من خلال رسائلي فعن امير المؤمنين (عليه السلام) : (تكلموا تعرفوا فان المرء مخبوء تحت لسانه) (1).

ونضيف نحن وتحت قلمه ايضا اذا كانت الكتابة وسيلة الاتصال والتخاطب، وليس اقلّ من ذكر العيوب العامة المعيقة في هذا الطريق مما يناسب (حالي) الحاضر لعل الله سبحانه يسددنا في التخلص منها، فما لم يطهّر الانسان نفسه من العيوب والمعاصي والرذائل لا يتسنى له السير في طريق القربى من الله سبحانه والزلفى لديه.

(6) ومما أعاني منه ايضا تداول الغيبة في حديث وانا حاضر واحياناً يكون الحديث موجّهاً لي ويصدّني عن الرد عليهم او الدفاع عن المستغاب او ترك المجلس الحياء المذموم - واعترف بانه مذموم - وتسويلات نفسية اخرى فهل يكفي الانكار القلبي وعدممبادلة الحديث او المشاركة فيه والاستغفار للمستغاب، ويؤلمني في هذا المجال قول امير المؤمنين (عليه السلام) لمن يستمع إلى شخص يغتاب آخر: «نزّه سمعك عنه فانه نظر الى اخبث ما في وعائه فافرغه في وعائك».

مصدر دعاء السمات

(7) حدثني من اثق به عن السيد محسن الحكيم (قدس سره) انه يقدح في صحة نسبة دعاء السمات، فما رأيك في قرائته والمواظبة عليه، وبصورة عامة فقد رأيت تسامحاً في ادلة السنن والمستحبات عند علمائنا في نفس الوقت الذي يشددون النكير على واضعي احاديث الحسبة فهل هذا الا تناقض، وما هو توجيهكم لي في هذا الخصوص، هل اركزّ على ما اشتهرت نسبته اليهم (عليهم السلام) وما اشمّ منه رائحتهم (عليهم السلام) - في ضوء فهمي القاصر - وما استمد منه (فهماً) معمقاً ؟

(8) وهل من سيرة عملية اضافية تناسب السائر في هذا الطريق غير ما تفضلت بعرضه في رسائلك السابقة عليها سيرة العلماء تنصح بادائها والمواظبة عليها - اذا توفرت الاستعداد لذلك - فان لي متسعاً من الوقت بعد ان وجدتني عازفاً - الا قليلاً - عن قراءة الكتب الدينية العامة وغيرها واذا اخذنا بنظر الاعتبار ملازمتي البيت الا

ص: 109


1- نهج البلاغة: ج4، ص 93.

نادراً.

(9) واستميحك عذراً وألتمسُك في ابراء ذمتي عن اساءتي الادب نحوك ومخالفتي بعضاً من وصاياك واوامرك وان كنت ارجو ان لا اكون قد خرجت من الحدود العامة التي وضعتها لي.

ويذكرني سوء أدبي - في بعض ما ارتكبته من موبقات - ما تفوّهت به من كلام في رسالتي السابقة - وقد عثرت على ذلك بعد مراجعتها مع جوابكم - عندما حاولت ان افهم عدم اتمامك موسوعة الامام المهدي (عليه السلام)، وهو كلام لا يحسن مجابهة الفرد العادي من الناس فكيف بمن هو مثلكبالنسبة لي ولا ادري بأي صفة تصدّيت لهذا الكلام.

ولكنها -اضافة الى غروري وتهوري وجهلي وقصوري- الارداة الالهية التي شاءت فضح سرّي وعواري الكامن وكان ذلك في مصلحتي اذ ان الكشف هذا كان امام طبيب هذه العلل، والاعظم من هذا مقابلتك إياي بالتواضع الشديد والاسلوب الهادئ بل وتطلب مني ان اكون مرآة لك في ذكر عيوبك - وحاشاك ان تكون لك عيوب - وتطلب مني ان افيدك كما تفيدني فتبودلت المواقع حتى كأنك أنا المذنب المقصر وحتى كأني انت المتفضل المنعم .. الهي ما اعظم حلمك وحلم عبادك المؤمنين على مثل هؤلاء الجهلة المقصرين.

فمن الله نسأل الأجر الجزيل لك على كل ذلك ومغفرته وصفحه واكرر اعتذاري والتماسي الصفح من حضرتكم.

(10) ورد في رسالتيك السابقتين انك درست الفقه عند شخص قلت مخاطباً اياي انه لا يفوتك ذكره(1)، كما تربّيت تربية (خاصة) على يد شخص تحفظ اسمه حتى حين ... وارجو ان اكون موفقاً اذا قلت ان الشخص هو نفسه، وهذه الصحبة الطويلة اهّلتك بغير شك للاطلاع على شيء غير يسير من سيرة حياته وهو ما احرص على معرفته حرصاً شديداً .

وكم كنت اتابع ما يُقال (هناك)(2) في شتى المناسبات لعلي احصل على ما يفيدني خصوصاً في ذكرى ولادته التي تصادف ذكرى ولادة الزهراء (عليها

ص: 110


1- وهو السيد الخميني (قدس سره).
2- أي في اذاعة الجمهورية الاسلامية في ايران ولم نكن نستطيع التصريح بالاسم خشية وقوع الاوراق في يد جلاوزة صدام.

السلام) ولكني اعود خائباً في جميع المحاولات.

ويبدو ان هذا الامر مقصود من قبلهم لتفادي مشكلة الفناء في تقديس الذات والافتتان بالاشخاص مما يؤدي الى اتخاذهم ارباباً من دون الله تعالى والعياذ به سبحانه، فمن الله اطلب ثم منك قضاء حاجتي في تعريفي بجوانب من سيرة حياته فما عودتني من قبل هذا صدوداً.

عودة الى المشاركة السياسية

(11) ونعود من جديد إلى عدم مشاركتك في اي (عمل) فأقول : هل تكفي الامور التي ذكرتها لتكون عذراً شرعياً بعد ان فرضت الفتوى وجوباً عينياً القيام بأي عمل مناسب ولسانها: على كل(1) .. كما لايخفى عليك، واثناء اجابتك لم تتطرق الى رأي السيد (قدس سره) في مواقفك وهو ما اودّ الاطلاع عليه .. واذا كان لك عذر لان الجهاد الاصغر تربية لمن دونك فإني اقول وبصراحة: انه ليقضّ مضجعي عدم استجابتي لدعوة السيد (قدس سره) واشعر بذلّ ووخز ضمير بالضبط كما حدث للذين قعدوا عن نصرة الحسين (عليه السلام) ... وبصراحة فاني لم اكن آنذاك مستعداً ايمانياً لتحمل تلك المسؤولية الجسيمة ولم اكن مقلداً للسيد (قدس سره) - وهو امر ثانوي - ولم اسمع بفتواه - اذا كان لهذين الامرين اثر في الموضوع - اما الآن فاشعر بعون الله تعالى وتوفيقه اني مستعد لذلك ولكن يبدو ان هذا الاستعداد جاء بعد فوات الاوان ولات حين مندم فقد تبدل الحكم كما افدتم في رسالة سابقة، فهل ترى لنا من توبة على ذلك التقصير والخذلان ... افيضوا علينا مما رزقكم الله ما تطمئنون به قلوبنا وتحيون فينا املاً ضائعاً، ولست بذائع ٍ سراً اذا قلت انها المرة الاولى التي اعبّر عن مشاعري لاني بفضل الله تعالى قد وجدت فيك القائد الموجّه والمستشار الناصح.

(12) وصلني تعليقك على كتاب(2) مرآة الرشاد وقد اوحى لي بعدة امور،

ص: 111


1- إشارة إلى البيان الأخير للسيد الشهيد الصدر (قدس سره) قبل استشهاده والمسجل بصوته والذي يقول فيه (على كل مسلم في العراق وعلى كل عراقي في خارج العراق ان يعمل كل ما في وسعه لادامة الجهاد والنضال ...).
2- والتعليقات موجودة ضمن الرسائل العامة.

منها:

1 ً- النعمة الالهية الكبرى علينا ان هدانا لصراطه المستقيم ونسأله تعالى ان يسددنا ويوفقنا للسير فيه.2 ً- الامل الكبير بعطاء الله سبحانه اللامتناهي .

3 ً- ورد في تعليقك على الكتاب انه يحتوي على شيء نادر من المواعظ التي تنتج درجة المقربين، فلو تفضلتم بذكر نماذج من هذه المواعظ او مصادرها، وهل هي من قبيل خطبة امير المؤمنين (عليه السلام) في وصف المتقين مثلاً.

4 ً- إن طريقتنا بأن تحدد إفاضاتك علينا بما نطلبه منك بطيئة، لأن اسئلتنا متواضعة ومتشتتة لا يجمعها هدف مركزي بمعنى الكلمة لانه نابع من مستوى تفكيرنا وحالنا ولاول مرة تبدأ بكتابة المعلومات بغيرإجابة على سؤال مباشر منا وكانت غنية بالمعاني المعمقة وهذا لاينافي احتواء اجاباتك السابقة على معاني معمّقة ايضا، بل هي اثقل منها وإني لأعجب من كيفية ايجاد هذه الاسئلة المتواضعة بهذه المعلومات الثمينة ... ولكني اريد ان انطلق من هذه الملاحظة لاكرر طلباً فحواه ان تفيض علينا انت ابتداءً - اضافة الى ما نرسله اليك من اسئلة ومشاكل ليكون المنهج - وهو من وضعك - محدداً ومركّزاً خصوصاً وقد عرفت مستوانا وما يناسبه.

وفي رأيي القاصر فان المربين الإلهيين لا يقفون موقف المدافع امام هجمات اسئلة المتربين بايديهم فحسب بل يبدأون بالهجوم ايضا متى وجدوا الفرصة والاستعداد المناسبين وهو ما تفعله انت لكنك تنطلق من اسئلتنا لتغمرنا بافاضاتك والذي يراه هذا الجاهل الغرير ان يكون ابتداء بعض المعلومات منك خالصاً إضافة إلى الاجابات على المشاكل كما ذكرنا وهو ما فعلتموه في رسائلكم الاولى حول الجهاد الاكبر التي ستظل الى امد بعيد دستوراً لاعمالنا.

ولكم بالتالي الرأي الصائب واعتذر مرة اخرى على هذه الجرأة التي تجعلني اقترح شيئاً بين يديك.

(13) وحملت رسالتك السابقة تشريفاً عظيماً طوقتني به عندما عرضت عليّ اتمام بحث «فلسفة الاحداث في العالم المعاصر»وهو غاية طموحي من حيث التلاقح الفكري فلله تعالى الحمد وله المنّة على هذه النعمة، ولك الشكر الجزيل على اخذك بيدي وايصالي برفق وتدرج وبكل تواضع حتى عهدت اليّ بتبوّء هذا المقام، ولا اظن ان احداً يرفض مثل هذه النعمة او يستأذن في قبولها.

ص: 112

ولكن شيئاً واحداً أحبّ عرضه عليكم لترى رأيك فيه، وهو اني سوف لا ابدأ بعد ارسال البحث اليّ - اذا شئت ذلك - مباشرة باتمامه وانما اؤجله حتى حين، شأني في ذلك شأن كتاب (دور الائمة في الحياة الاسلامية) وخلال فترة التأجيل أسجل ما يستجدّ من ملاحظات وإضافات، وسبب التأجيل يعود الى عدة امور جُلّها حصيلة وصاياك ونصائحك ... منها:

1 ً- (فهمي) اهمية تأجيل مثل هذه الاعمال واعطاء الاولوية لمقتضيات الجهاد الاكبر .

2 ً- عدم تكامل المصادر المطلوبة للبحث عندي حالياً لظروف خاصة.

3 ً- تطعيم البحث بالافكار الجديدة والاضافات.

فاذا تفضلت بالموافقة فابعثه اليّ مشكوراً ومتفضّلا على تلميذك المتواضع.

(اللهم إنا نسألك إخبات المخبتين واخلاص الموقنين ومرافقة الابرار والعزيمة في كل برّ والسلامة من كل اثم والفوز بالجنّة والنجاة من النار).

ص: 113

القنديل الخامس

جواب الشهيد الصدر (قدس سره)

بسم الله الرحمن الرحيم

توكلت على الله وهو حسبي ونعم الوكيل

الشوق إلى لقائك

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، والحمد لله رب العالمين زنة عرشه ومداد قلمه وملئ كونه وعدد خلقه وسعة رحمته، وصلى الله على خير خلقه الشاهد على الخلق البشير النذير السراج المنير الطهر الطاهر البحر الزاخر المنصور المؤيد المصطفى الامجد وعلى آله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على اعدائهم وغاصبي حقوقهم من الاولين والآخرين من الآن الى قيام يوم الدين.

مولاي وابن مولاي: لا اعتقد ان يوماً يمرّ دون ان اتذّكرك عدة مرات فيهفو قلبي اليك ويحنّ عليك. لعدة جهات:

منها: الشوق الى لقائك، وان كان لقاؤك القلبي والعقلي حاصلا فعلاً، حقيقة لا مجازاً.

ومنها: الاشفاق عليك من بلاء الدنيا، والدعاء لك بان يُخرجك منه ظافراً منتصرا بعونه وعزته وقدرته.

ومنها: الاّ اكون قد اثقلت عليك في كتاباتي، وكلفتك ما هو صعب في دينك او دنياك، ولكن وعزة العزيز الجبار ان الامر كما يقول في زيارة الجامعة: (اللهم لو وجدت شفعاء اقرب اليك من محمد وأهل بيته (عليهم السلام) لجعلتهم شفعائي) . ولكن هذا غير متحقق والصراط المستقيم واحد.

ومن يقول: ان (الكمال) متناهي ومنقطع فيقتصر على ما هو عليه من الحال فهو من الخاسرين. بعد ان وعد الله عباده بالمزيد لمن (اراد الآخرة وسعى لها سعيها). فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله.

ولعل هذا الكلام امامك كناقل التمر الىهجر بل يستوجب الاعتذار لمجرد التفوّه به، ولكنه على اي حال مما يجيش في القلب فيطفح على اللسان وعلى الورق

ص: 114

فصبراً صبراً إن الله مع الصابرين.

ولو صح الشوق والحب لغير الله سبحانه لما عدوتك في قلبي وهذه ابيات احفظها قديماً تنمّ عن ذلك:

حبيبي وانت بعيد المكان *** قريب المكانة من خاطري

وصلتك بالوهم لا بالعيان *** فهل آن ان ينجلي ناظري

وهذه ابيات طفحت على قلبي لبعض المناسبات احفظ منها ما يلي:

حبيبي اذا كنت في جانبي فان *** فافرغه من كل شيء سواك بكل

اذا شفّني حبّك المرتجى *** يقول المغفّل ماذا عراك

نشيد السالكين

وبمناسبة قول الشعر (يقطع) في عقلي ان اكتب اليك قصيدة سبق لي نظمها بتاريخ 22/2/1403ه في الحث على السير في السلوك الحقيقي الصالح بعنوان (نصائح) وهي لمجرد الاطلاع وليس فيها فائدة تذكر بالنسبة اليك وامرك الى الله رب العالمين:

دع الاماني وابدأ دربك الرحبا

فليس شخص على هذا الطريق كبا

انر قناديل هذا المجد مشرقة

فليس قنديل مجدٍ في الضياء خبا

وبادر الفرصة الكبرى منمّقة

وثب لها - حيث كانت - بمن وثبا

من قبل ان تملأ الاوحال اربُعنا

مقيتة تغمر السيقان والركبا

ص: 115

اذ الندامة ملأ القلب في جزع

هلا ضربت الخنا يوماً بمن ضربا(1)

هلا تناسيتُ حزني حين صافحني

حلو النسيم وللقيا بنا اقتربا

هلا انفتحتُ ولم اغمض لموبقة

هلا انطلقتُ ولم اقعد بمن عُصبا

حتى امتلأت من الادران تنهشني

سود الافاعي تحثو الهم والكُربا

فاعلقت من امامي كل بارقةٍ

وقوّضت من صروحي ما نما وربا

ما هكذا السير اذ تحدو الزمام به

وإذ تأمّل في المضمار ان تثبا

لا تحتقر نظرة في الخير سانحة

لا تخش ضيماً ولا قهراً ولا وصبا

فاصعد هديت وبادر فرصة سنحت

او نفحة نحوها هذا الفؤاد

صبافكل ما قل او قد زاد من سبب

يكون للغر في عليائه سببا

ص: 116


1- هذا حديث القلب الى اربعة ابيات بعده.

وكلما كانت الجُلّى مسدّدةً

فانها تحرز الخير الذي طُلبا

لكي تنال الذي ترجو بلا تعب

وتستريح لدى العليا مع النُجبا

ولا تهوّن من الآهات - يا كبدي -

فربّ دقة قلب اوجبت عَطبا

وربّ رفّة عين اورثت زللاً

ورب ضحكة وجد انتجت كُربا

كم للدياجي شياطين سكنّ بها

ومكرها بفحيح النار قد سُكبا

لا ينتهي مكرها الا بمكرمةٍ

من التأني بروح الله قد نُسبا

فلاحظ الامر واستوعب جوانبه

الاّ يكون به مما حفا ونبا

ولاحظ الجوّ في وقت تريد به

نيل الاماني والامال والرتبا

فانك - اليوم - في دنيا منمقة

تستجلب القلب والافكار والرّغبا

ص: 117

فانها تحتوي سماً لمن طلبا

ونقمة تنزل البلوى بمن رغبا

احوالها فوق حد الفكر مفجعة

تستنزل الذل والآهات والعطبا

وليس ذا كل ما فيها فإن له

دواء سقم لذيذ الطعم منسكبا

وانما داؤها الادهى تقاعسها

عن الصعود الى العلياء مجتنبا

ومنعها الفردَ إذ ما قد المّ بها

واعمل الفكر فيها ممعناً حَدِبا

ان يصعد المجد أو أن يرتقي درجاً

الى العلا أو يرى النور الذي حجبا

فانها تقطع الامال عامدة

تثبط العزم في الفرد الذي وثبا

تبدّل النور ليلاً والعلا خَمَلاً

والصفو كُدراً وانواع المنى سَلبا

فاي عقل تمناها إذا منعت

عن الطريق سوى العقل الذي سُلبا

ص: 118

وأي همّة فردٍ نحوها اقتربت

اذا لهمة ذاك المجد ما اقتربا

فبدّل الحال من دنيا يلوح بها

سوء الفساد الى الحال الذي طلبا

وبادر الشوق درباً والعلا هدفا

والنور جوا وكل المجد مضطربا

وابرأ من الدون درباً والهوى هدفاً

والمال جواً يغطي قلبك الكربا

فليس ثمة ميزان يرجّحه

الا لمن كان خلو العقل مضطربا

الا لمن كان في انفاسه وهج

أو كان عند فحيح النار مقتربا

أو قاسي القلب أو في الوهم مندمج

ولستَ - يا كبدي - ممن صبا وكبا

وبدّل الجدّ مما انت تفعله

لكي ترى الكرب والبلوى وقد ذهبا

ماذا ترى المال مما انت تجمعه

والحلي تعمله والدر والذهبا

ص: 119

ماذا ترى النفس في غلواء شهوتها

إن اوجبت لك في درب العلا عطبا

ماذا ترى القلب في اقصى مهمته

إن لم يسِرْ نحو انوار العلا سربا

ماذا ترى اليد إن لم تأخذ الثنا ؟!

ماذا ترى العين إن لم تنظر العجبا

ماذا ترى الوجه إن لم يتجه ابداً

في دربه فوق افلاك العلا وثبا

وأقفل القلب عن هم يعيش به

لكي يكون سليماً قد حلا وربا

ففي السلامة ذاك العز منفتح

وعندها سفر الانوار قد وجبا

بادر لها فهو درب الانبياء ومن

في روضهم كان يرجو الخير والنجبا والنجبا

هذا هو الدرب لا ما قد ننمّقه

دفاتر السوء ممن حُمّ أو جربا

درب به اولياء الله قد صعدت

اكرم به هدفاً أكرم بها رتبا

ص: 120

وكل من كان ذا علم ومعرفة

قد نال منه بمقدار الذي طلبا

هذا هو الدرب يُعلي شأن صاحبه

في كل نور وباقي العالمين هبا

فلا تؤجل وبادر فرصة سنحت

فان عمرك بالآهات قد ذهبا

الست تملك عقلاً هادياً ابداً

بفضله حمم الارهاق ما رهبا

الست تملك قلباً خافقاً ويداً

بدون سكة ذاك المجد ما رغبا

فانك الكامل المعطى هدايته

مهيّئاً لينال المجد مقتربا

ولست ناقص عضو كي تكون على

وتيرة الظلم والاحزان مغتربا

فبادر المجد مما قد خُلقت له

وارفض سوى دربه مهما علا رُتبا

فانه درب ربي جلّ خالقه

اذ يجعل الله في انسانه سببا

ص: 121

فاحفظ- هديت - كلامي كي تطبّقه

ولا تبدل به شيئاً وإن صعبا

وكن كمن سمع الاقوال رائقة

فاختار احسنها من نبعها شربا

وكن كمن عرف الافعال عادلة

فراح يتقنها نوراً بها جلبا

هذي الهداية والباري مسدّدها

الى المعالي وباقي العالمين هبا

فهذه هي القصيدة وبالرغم اني وجدت روايات في ذم الشعر وانشاده ووجدت آيات في ذم الشعراء الا إنني أجد نفسي مربوطاً بذلك ربطاً، لان لي مثل هذا الاتجاه - كما ترى - ولا اريد ان ابدده كل ما في الامر لعل الله سبحانه وتعالى يوفقني لتكريسه له كما يوفقني للاستغفار من هذا الزلل وكل زلل.

تعمّق العلاقة

حبيبي: اجدك تشير في اكثر من رسالة الى ان رسائلنا أخذت هذا المنحى الجديد، وهذا من اعظم النعم عليّ وعليك وعلى غيرنا ممن يعلمهم علام الغيوب، غير اني اود ان اشير الى انني في خدمتك من كل وجه و(علمي) او بالاحرى (جهلي) - وانا الجهول في علمي- في خدمتك لا ينبغي ان يكون محجوباً عنك الا بمقدار المصلحة وانا سأبذل جهدي تجاهك في اي حقل من حقول المعرفة الانسانية.

وانت تشير الى ان علاقتنا لم تكن بهذا العمق، نعم مولاي، فإن الاخوان في الدين غير الاخوان في الله، وقد كنا من القسم الاول ثم اصبحنا ووفقنا الله سبحانه ان نكون من القسم الثاني واين الثرى من الثريا واين القطن من الحديد، وهذا اجمالا

ص: 122

يكفي وعليك انت تعداد الفروق بين هذين الشكلين من العلاقة فإن لم يمكن فيكفي ما احسسناه وجداناً من التطور القلبي.

وارجو الآن ان اوفق للاجابة على كل فقرةمن رسائلك بدون حاجة الى الاشارة الى رقم الصفحة والسطر بل بتعداد الفقرات نفسها:

الفقرة الاولى: قولك: (ارجو ان لا يقلقك تأخر رسائلي وتباعد الزمن بينها...).

مولاي انا لا اعتبر ان رسائلك متأخرة، وكل ما ذكرته من الاسباب صحيح مائة بالمائة . بالرغم من انني نفسيا اود ان استقبل كل يوم رسالة الا ان ذلك على خلاف التقية الداخلية والخارجية كما تعلم، وخلاف تطبيق المنهج من الجهاد الاكبر الذي يأمل الفرد بفضله ونعمته سبحانه ان يكون منتجا، وهو لاشك منتج بل منتج باستمرار (تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا)(1) غير انه قد يكون تكاملاً تدريجياً وليس طفرة واحدة الى الاهداف وان شعر (العبد) باهمية ذلك بل ضرورته الا انه خلاف الحكمة بل خلاف الرحمة ولعل فيه ما لا يكون مطاقاً، وان الله سبحانه يود ان يرى عبده دائماً متوسلا متضرعا اليه آملا عطاءه وفيضه. ولك - يا حبيبي - ان تكثر من الدعاء بايصالك الى الاهداف التي يعلّمها هو سبحانه وتعالى لك. هكذا كان يأمرني (مولاي) ايضا.

وقولك: ( وترفع معنوياتي التي هي بحاجة الى تجديد مستمر) هكذا كل المؤمنين ومن هو اعلى واعلى، حتى المعصومين (عليهم السلام) وقد ورد عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (ما من ليلة جمعة إلا ولأولياء الله فيها سرور، قلت: كيف ذلك جعلت فداك؟ قال: اذا كان ليلة الجمعة وافى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) العرش ووافى الائمة (عليهم السلام) ووافيت معهم، فما ارجع الا بعلم مستفاد ولولا ذلك لنفد ما عندي )(2). وهذا غير التسديد المستمر طبعاً.

قولك: (اذا فارقوه عاد كل اناء لينضح بما فيه ) . قد يصل الفرد الى مرتبة لا ينفصل فيه عن الذكر مهما كان الجوالدنيوي المحيط به وإن كان يزداد طبعاً مع التركيز والملاقحة بالافكار . وارجو من الله العلي العظيم ان تكون انت كذلك.

ص: 123


1- ابراهيم: من الآية25.
2- الشافي في شرح اصول الكافي: مجلد 2، ج5، ص 222.

كيف اعرف حالي

الفقرة الثانية: قولك: (لم اعرف كيف يحدد «حال» الشخص ليتسنى اعطاؤه الغذاء المناسب له ...).

(الحال) يا مولاي، صفة حسنة يتصف بها العبد تجاه ربه او قل: في علاقته بمولاه، الا ان علماء الاخلاق والعرفان يقولون: ان الحال متبدل غير قابل للدوام، فقد ينزل الحال بالفرد وقد يصعد كل حسب استعداده وعمله، ورسالتي السابقة محتوية - على ما اتذكر - على كثير من امثلة الحال هذه.

ويقولون: - كما يصرح به النراقي في جامع السعادات - : ان الحال اذا اصبح صفة دائمة ولازمة للفرد خرج عن كونه حالا واصبح (ملكة) نفسانية أو قل: روحية، ثابتة و راسخة، فالفرق بين الحال والملكة هو قابليته للزوال دونها.

وبالطبع فان الحال يشمله التعبير المشهور: (حسنات الابرار سيئات المقربين)(1)، فان الفرد في تطور احواله اذا نظر إلى حال سابقة وجدها عين (المعصية) والسوء ويحمد الله تعالى على انقاذه منها. ولكنه كان بكل تأكيد يحسبها من احسن الطاعات ولذا قال في الدعاء ما مضمونه: اللهم لا تدخلني في كل سوء أخرجتني منه. وهذا السوء بالنسبة الى (العامة)

هي المحرمات الاعتيادية العامة، وبالنسبة الى ذوي الاحوال هي الاحوال الدانية بالنسبة الى الاحوال العالية، وكذلك هي - كما يتضح مما سبق -: الخروج من (الحال) المحتمل الزوال الى (الملكة) الراسخة.

والحال هو من عطاء الله سبحانه يحسّ به الفرد وجداناً بتفاصيله ولكنه لا يستطيعتقييمه لأن قيمته انما تظهر بالمقارنة الى غيره، ومن المتعذر بل من الممنوع مقارنة الفرد نفسه بغيره، لان في ذلك قد يكون فضحاً لستر اسدله الله تعالى على الآخرين، والمهم هو توقع (المزيد) دائماً والخروج الى الحال التي هي افضل واكمل في (نظر) الله سبحانه وحكمته ورحمته، (اللهم ما عرفتنا من الحق فحملناه وما قصرنا عنه فبلغناه) .

والنفوس تختلف في تحمل (الاحوال) فيما يكون مطاقا لشخص قد لا يكون

ص: 124


1- بحار الانوار: ج25، ص205.

كذلك لآخرين ولذا يُستعاذ في الدعاء من التحميل بما لا يطاق، وإن كان حقاً في حد ذاته.

ويترتب على ذلك: انه ليس من الراجح ان نطلب (حالاً) معيناً من الله سبحانه لاننا لا نعلم ما اذا كنا نطيقه ونطيق نتائجه أو لا، وانما الطلب الصحيح هو طلب ما يعلمه الله سبحانه من المصلحة، وهو الاعلم بي مني والارحم بي من والديّ بما لا يقاس.

بقيت هناك في نفسي ملحوظة بسيطة وهي انك جمعت الحال على (حالات). وهي ليست خطأ الا انه على خلاف الاصطلاح، فان جمع المؤنث السالم انما هو جمع حالة، وهي الاحوال المتغيرة التي يكون فيها الفرد في الدنيا من صحة ومرض او فقر وغنى او شباب وهرم، اما الاحوال التي يتخذها الفرد تجاه ربه فهي مذكرة اللفظ ب (حال) وليست (حالة) ولذا فهي تجمع على (احوال) لا على (حالات).

بقيت مسألة : ان عصيان الحال شيء مذموم،وهذا صحيح تماماً الا في ظروف التقية بكل معانيها: التقية من النفس، والتقية من الآخرين والتقية من الظالمين، فان الحكم الشرعي (الاخلاقي) عندئذٍ هو وجوب (عصيان) الحال ويعتبر له من الجهاد الاكبر، لأن النفس -مهما كانت - فانها لا ترتاح لمخالفة الحال، فيكون (عصيانها) جهاداً اكبر لا محالة .

وأريد بهذا الصدد ان اذكّرك بتقية النفس لا تهملها .. لا تهملها، فان صاحب الحال قد لا يشعر بما يكرس له نفسه منمشاق بل يود استمرارها لاستعجاله لاهدافه العليا، الا ان هذا غير صحيح تماماً، فان زيادة الضغط على النفس قد يكون مبعداً عن الاهداف بل قد يكون مهلكاً احياناً - انا بالله عائذون - فارحم نفسك رحمك الله وحاشا لله ان يقطع رفده هكذا ايضا كان يأمرني مولاي.

جنة المقربين

الفقرة الثالثة: قولك: (ذكرت في رسالتك الاخيرة ان كبح وتعديل شهوات وغرائز النفس «المحللة منها طبعا» لا ثواب عليها وانما هو مجرد تأهيل لتحمل الحقائق الالهية ...).

حبيبي: هذا كله (ثواب) وعطاء. الا ان هناك فرقاً عظيماً لا يقاس بين ثواب وثواب .

ص: 125

وهنا قصة قصيرة : فانني اثناء الحديث مع بعض الاشخاص حصل ذكر حور العين فأيده ذلك الرجل بشدة. فقلت له: هل ابتلينا بالشهوة الجنسية في الدنيا والآخرة.

فأجابني بما مؤداه: وهل تريد ان نعبد الله لاننا نجده أهلا للعبادة، ومن يصل الى هذه المرتبة ؟!

مولاي: ان (النوم) مع الحور العين (ثواب) واكل (لحم طير مما يشتهون) ثواب ايضا الا ان هذا كله يعود قليلا جدا بل هو عين العذاب والسخط لو قيس بجنة المقربين (الذي هو عالم عقلي وروحي) عظيم لا استطيع الآن ذكر تفاصيله، كما اني أجهل الناس بتفاصيل مضمونه.

وهذا ليس بذاك الثواب الذي يطلبه الناس ويتعبدون من اجله، وانما هو الوصول الى واقع الاشياء كلها حتى الماديات التي تعيش فيها الآن، فان الفرد قد تتبدل له نظرته اليها تماماً، ولا يكون ذلك الا بأمرين:

احدهما: من العبد وهو الاعراض عن الشهوات وكل متطلبات الدنيا.

وثانيهما: من الله وهو انفتاح النفس العليا التي اهّلها الله سبحانه لمعرفته والوصول الى حظوة قدسه.

ومما يفيدك في تربية الآخرين - إنكانوا مستحقين - ان يلتفت الفرد الى انه قد يكون من المصلحة عدم التصريح بهذه التفاصيل لمن تريد ان تربيه من اول الامر بل يقال له: ان الجهاد الاكبر يوجب (الثواب) إجمالاً، وهو صحيح لا غبار عليه لو قصدنا من الثواب معناه العام، الا انه ليس لو قلنا ان الثواب هو مقاربة الحور العين او نحوه.

كما اننا نستطيع العكس فنقول: ان الثواب هو هذا (العالم العظيم) وليس مقاربة الحور العين.

بقي مرور لابد منه على ظاهر القرآن الكريم في وصف الجنة فان الذي قد يُفهم منه ان الثواب منحصر بذلك، ولا حاجة الآن في سرد تفاصيل الجواب.

ويكفي ان تعلم اجمالا ان هذا الظاهر القرآني انما هو لأهل الظاهر أو قل: (اصحاب اليمين)، واما (المقربين) فلهم ايضا نفس المضامين القرآنية لكن بعد تأويلها بجنان عليا فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انه قال: (ان الله يقول اعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب

ص: 126

بشر)(1)، وليت شعري ان مقاربة الحور العين قد خطرت على قلوب الكثير من قلوب وافكار البشر فكيف تكون هي الجنة الموصوفة في هذا الحديث.

وعلى ما اتذكر انني قلت في رسالتي المشار اليها ان اي جهاد اكبر حتى مثل تأخير شربة ماء او حكّة رأس (فلن يكفروه)، وانت تعلم - الآن - ان عدم الكفران له لا يعني اعطاء الثواب عليه بالمعنى الذي يفهمه الناس، بل بمعنى آخر يكون اعلى واسرع واوسع، وكل ما كان مندرجاً في ذلك فانه يؤثر هذا الأثر (أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى)(2).

الفقرة الرابعة: قولك: (اثناء مراجعتي لأول رسالة في الجهاد الاكبر وبعد ان«فهمت» اهمية الزهد القلبي وجدت ان ما فيها عنه قليل وان كان ثقيلا فطفقت اتحرى الآيات القرآنية والاحاديث ...).

جزاك الله خيرا ثم جزاك ثم جزاك من عطائه اللامتناهي إنه شكور حليم رحيم قدير، فقد احسنت بجمع هذه النصوص والتي تنفعك وتنفعني وتنفع كل الاجيال المؤهلة لها، وكيف لا وهي نبع اهل بيت العصمة أو آي القرآن الكريم وليس ثمة في البشرية كلها علم كعلمهم او حكمة كحكمتهم، وانما القصور منا في الغفلة عنهم والجهل بمقامهم وكلامهم، وللحديث شجون.

احذر والتزم

ولكن عليّ الآن ان احذرك من امر لا يخلو من اهمية، وهي ان النصوص الشريفة قد تحتوي على اسئلة (فلسفية) لا تخلو من تعقيد، وارجح (رد فعل) تجاه ذلك هو تقديم الجهل مع التسليم التام بانه - على واقعه - حق وعدل.

واما اذا سجلت لي مثل هذه الاسئلة فقد استطيع ان اجيب وقد لا استطيع بسبب وآخر فتوكل على الله دون غيره يا حبيبي واطلب منه العون، وان كنت انا شخصياً في خدمتك، ولكن لا تكن من يطلب العلم من جاهل ويترك الاعتماد على العالم، حاشاك.

واما ما طلبته مني في هذا الفقرة فقد كنت افكر بارساله اليك منذ فترة.

ص: 127


1- الاربعون حديثاً للامام الخميني (قدس سره): عن بحار الانوار : ج8، ص198.
2- آل عمران: من الآية195.

وحاصله: انه يحسن التزامك بأمرين احدهما عملي، والآخر قلبي.

اما العملي: فيحسن - اولاً - اكثار البكاء اما خوفاً من الله سبحانه اعني اسفاً من الذنوب والعيوب وشوقاٌ الى (السلامة) منها، واما حزنا على مصائب الامام الحسين (عليه السلام) الذي هو (رحمة الله الواسعة وباب نجاة الامة).

وانا اعلم ان البكاء ليس مما لا يتيسر دائما بل لعله متعذر دائماً الا انه يكفي منه (قصده) اولا وممارسته ثانياً مع الامكان في اوقات الخلوة وصفاء القلب.

كما يحسن ثانياً: الاكثار من السجودالطويل نسبياً، ففي ذاكرتي من الحديث الشريف عن ربيعة بن كعب السلمي انه قال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم): اسألك مرافقتك في الجنة، فقال: (اعني على نفسك بكثرة السجود)(1).

ويحسن ان يكون الدعاء في السجود بهذا الدعاء المأثور: (الهي عصيتك بلساني ولو شئت وعزتك لاخرستني وعصيتك بسمعي ولو شئت وعزتك لصممتني وعصيتك ببصري ولو شئت وعزتك لكمهتني وعصيتك بيدي ولو شئت وعزتك لكنعتني وعصيتك برجلي ولو شئت وعزتك لجذمتني وعصيتك بفرجي ولو شئت وعزتك لعقمتني وعصيتك بجميع جوارحي التي انعمت بها علي وليس هذا جزاؤك مني يا كريم) ثم تقول: العفو الف مرة.

فهذا هو الالتزام العملي، واما القلبي فيتكون من اربع صفات على الاقل : التوكل والرضا والاناة (بمعنى عدم استعجال العطاء) والذكر المستمر مهما امكن (طبعاً الذكر القلبي).

ولكن - وهذه مسؤولية لابد من تحملها الآن - ان تعلم ان من كانت طاعاته قلبية تكون ذنوبه قلبية ايضا، ويحاسب على الخطرات، وتكون كربته منها شديدة، حتى يأذن الله بالفرج ويجعل الله لعبده فرجاً ومخرجاً، ولعل في الطاعات العملية والقلبية المشار اليها ما يخفف من حدة ذلك او يزيله ولو نسبياً باذن الله تعالى.

الفقرة الخامسة: قولك: (وذكرت اثناء ترجمة حياتك جملة من العوائق في طريق السلوك الصالح مما واجهك انت خصوصاً وقد وجدتها مؤثرة ...).

حبيبي: هذه العوائق المذكورة في اول هذه الفقرة لم اذكرها جزافاً، بل ذكرتها لعدة اسباب منها اثرها الذي اشرت اليه.

ص: 128


1- كشاف القناع للبهوتي: ج1، ص 534.

قصتان

واما ما طلبته مني من ذكر العيوب فانيمضطر الى عصيان هذا الامر، وان اكون عبدا آبقاً، وفي الحديث عن الحلبي عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال: سألته عن قول الله عز وجل: (أو لامستم النساء) فقال: (هو الجماع، ولكن الله ستير يحب الستر، فلم يسمّ كما تسمون)(1).

وقد يستر الذنوب حتى عن صاحبها بغفلة او نسيان او نحوه لعدة مصالح لا حاجة الآن الى سردها، فكيف اكون انا الضعيف الجاهل الحقير متورطاً بالفحص عن عيوب الآخرين.

كل ما في الموضوع قد تنفع هاتان القصتان اللتان مرتا علي في تحصيل شيء من المطلوب .

الاعتقال الاول للسيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره)

القصة الاولى: انه حينما قبض علي الظالمون في عام (1974) م واستمر ذلك خمسة عشر يوماً، مررت بمحنة في داخل السجن وبمحنة بعد اطلاق سراحي، فكان (رد الفعل) بفضل الله سبحانه: ان ذهبت الى الحرم الشريف وتنازلت هناك - في سري طبعا - عن كل (مميزاتي) الدنيوية، علمي وشأني الاجتماعي واهمية اموالي واسرتي ونحوه، ولكنني احسست بعد فترة انني لم افعل شيئا على الاطلاق لانه (وهب الامير ما لا يملك) كما يقول المثل، بل ان هذا (التنازل) اقرب للذنب منه الى الطاعة.

القصة الثانية: انني يوما فتحت القرآن الكريم لاجد فيه منزلتي امام الله سبحانه او قل - بالتعبير الدنيوي - (رأي) الله فيّ فخرجت هذه الآية من سورة الكهف : (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً)(2).

إن كل هذه الآية مفهومة لي بحسب حالي يومئذ الا قصة (الكهف) الذي

ص: 129


1- وسائل الشيعة: ج2، ص133.
2- الكهف: 16 .

يكون من المطلوب ان آوي اليه، اي كهف هذا؟ وذهبتالى الحرم العلوي على ساكنها السلام عسى ان ينفتح لي هناك عن هذا المعنى، وبدأت بزيارة (امين الله) حتى وصلت الى قوله عليه السلام: (اللهم فاجعل نفسي مطمئنة بقدرك راضية بقضائك الى قوله: يا كريم) وقد حصل لي في تلك اللحظة (حدس) قوي بأن الكهف الذي يجب ان ادخله هو هذا، اي ان تصبح نفسي على هذه الاوصاف وتجانب ما سواها، وقد عرضت ذلك على (مولاي) فأقرّه وقال بصحته.

مولاي: كل هذا من عطاء الله وسعة رحمته وليس لي فيها بشكل مستقل، ناقة ولا جمل، وكيف يكون لي فيها شيء مهما كان قليلاً وانا لا املك لنفسي نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً.

الفقرة السادسة: قولك: (ومما اعاني منه ايضا تداول الغيبة في حديث وانا حاضر واحيانا يكون الحديث موجهاً لي ...).

حبيبي: موقفك هنا لابد ان يوافق (حفظ الظاهر) وتحمل الآخرين لدفع الغيبة، ومع وجود مواصفات معينة للسامعين الحاضرين (وهي التي نعرفها من اكثر الناس) يكون ما ذكرته من الانكار القلبي وغيره كافياً جداً، ولكن لو سنحت الفرصة - احيانا - لاكثر من ذلك فهو افضل، خاصة، اذ كان المذكور في الغيبة مظلوما جدا في الانتقاص منه وثارت في قلبك الرحمة عليه.

بقيت في هذه الفقرة عبارة: (ان الحياء مذموم)، وهذا صحيح إن كان حياءً من الطاعة وغير صحيح اذا كان حياءً من المعصية، او من القصور والتقصير امام الله سبحانه، ومنه تحصل القشعريرة المحمودة.

دفاع عن دعاء السمات

الفقرة السابعة: قولك: (حدثني من اثق به عن السيد محسن الحكيم (قدس سره) انه يقدح في صحة نسبة دعاء السمات فما رأيك في قرائته والمواظبة عليه ...).

اننا مرة نتكلم على (القواعد) واخرى على مسلك اهل القلوب والاحوال، اما بمقتضى القواعد فالسيد الحكيم (قدس سره) على حقفي ضعف سند الرواية لهذا الدعاء الجليل، بل سمعت من بعض (اهل الغفلة) اكثر من ذلك، ان هذا الدعاء يحتوي على الاسرائيليات لما فيه من ذكر موسى واسحاق وغيرهم (عليهم السلام) كأنّ مسالك الانبياء ايضا مذمومة كمسالك هؤلاء اليهود الذين يدعون زوراً

ص: 130

الانتساب اليهم والى شريعتهم (عليهم السلام).

وعلى اي حال فمقتضى (القواعد) هو ان نقرأ دعاء السمات (رجاء المطلوبية) بقصد الورود الحقيقي الذي قامت عليه (الحجة) المعتبرة.

واما اذا تحدثنا على المسلك (الخاصي) فقد وجدت امثال هؤلاء لا يفحصون ولا يسألون عن السند، اعتقد لانهم يرون انفسهم غرقى والغريق يتشبث بالطحلب فهم من الناحية (العملية) كأنهم يرون صحة كل الادعية والاخبار الحكمية الواردة عن المعصومين (عليهم السلام)، وانا قد فهمت من هذا الدعاء الجليل اتجاهاً معيناً عظيماً لعل الله سبحانه يوفقك لفهمه في المستقبل.

والى هنا تم الجواب عن كل الفقرة الا قصة (التناقض) المشار اليه والتي لا حاجة الى الدخول فيه.

كتب نافعة

الفقرة الثامنة: قولك: (وهل من سيرة عملية اضافية تناسب السائر في هذا الطريق غير ما تفضلت بعرضه في رسائلك السابقة ... ).

ذكرتُ ما يكفي في ذلك في جواب الفقرة الرابعة على ما اتذكر.

وأما عزوفك عن الكتب، فهو يبشر بخير فانه نتيجة مفهومة لحالك الذي تمر به خلال الجهاد الاكبر.

وعلى ذكر الكتب فاني نسيت ان اعلق على تحويلك على كتاب (جامع السعادات) ان هذا الكتاب الجليل جداً وصاحبه ذو نظر في الاخلاق والسلوك والاهداف المطلوبة لأهل الحال، فهو من العلماء (العاملين) بهذا المعنى غير ان هذا الكتاب يحتوي علىتفاصيل كثيرة وتطويل بلا طائل.

إن هذا التطويل يراد منه -كما وجدت في عدد من المؤلفات- يراد به (ذر الرماد في العيون) يعني عدم إلفات الناس الى (الحقائق) القليلة التي فيه الا لمستحقها، فالغافل عنها يبقى غافلاً عند قراءة هذا الكتاب، والمستحق لها سوف يلتفت لها ويفهمها بتوفيق الله سبحانه، وقد وجدت على هذه الطريقة كتاب (الاسفار الاربعة) لصدر المتألهين الشيرازي وكتاب (الفتوحات المكية) لابن عربي وغيرها وهما يشيران الى ذلك في المقدمة.

اقول : ومن هنا فقد يكون الفرد بمستوى من (الحال) بحيث لا ينفعه الكتاب

ص: 131

لأن ما في الكتاب من تطويل لا يفيده بل قد (يضره)، وما في الكتاب من (حقائق) لا يطيقها او لا يستطيع ان ينالها، ولكني آمل ان لا يكون في قراءة هذا الكتاب الجليل ضرر على اي حال، والمأمول بفضل الله ان تلتقط منه ما تلتفت اليه من حقائق.

الفقرة التاسعة: قولك: (واستميحك عذراً والتمسك في ابراء ذمتي ... وان كنت ارجو ان لا اكون قد خرجت من الحدود العامة التي وضعتها لي ...).

حبيبي ومولاي: اما سمعت المثل القائل (بين الاحباب تسقط الآداب)، وهل انا الا عبد جاهل مذنب، واهل لكلّ ما يقال فيّ من نقص وقصور وتقصير.

ولكن حاشاك انك قلت لي شيئاً غير صحيح، ولا حاجة الى كل هذا الاعتذار فانه يوجب اعتذاري منه بدوري، وعلى العموم فان زيادة التركيز على (اهمية) الذنوب قد توجب البعد عما هو اهم من هذه المرتبة من العطاء الإلهي.

ويشهد الله سبحانه انه لم يحصل في قلبي - على الدوام - ضدك اي عتب من هذه الناحية، وانما هو منك استفهام بسيط قلتَه حرصا على المصلحة العامة الواضحة في الذهن (الواعي) الطالب لهداية الناس، ولكن من الطريف - ولعله من الجهل - انني قد اقدم كثيراً من سلوكي كذنوب امام الله سبحانهولكني لا اقدم ترك الكتابة والتأليف كذنب ابدا، وقلبي (بارد) منه تماماً، هكذا حالي يا مولاي.

مع الشهيد الصدر الاول

الفقرة العاشرة: قولك: (ورد في رسالتيك السابقتين انك درست الفقه عند شخص قلت مخاطباً اياي انه لا يفوتك ذكره، ...).

اولاً: انا كتبت رسالة في حوالي ثمانين صفحة عنوانها (السيد الصدر كما اعرفه) وضعت فيها ظاهر حياة السيد (قدس سره) منذ ولادته الى حين شهادته. وأعطيتها الى (السيد حسن القبنچي سلمه الله) فان استطعتم الحصول عليها منه ونسخها وارجاعها اليه فافعلوا(1)، فاني كتبتها بطلب منه لحاجة له الى ذلك ولا بد ان تكون لديه نسخة منها باستمرار.

وهي رسالة ناقصة يعني غير مستوعبة بطبيعة الحال، ولعل فيها نسيانا لبعض

ص: 132


1- حاولت تحصيلها منه (رحمة الله عليه) عن طريق بعض الارحام من النساء لتعذرّ التقائنا يومئذٍ فلم افلح ولا اعلم مصيرها بعد وفاته (رحمه الله).

التواريخ فان الاعتماد على ذاكرتي انما هو اعتماد على ركن ضعيف.

وبعد الوصول اليها وحصولكم عليها اكون انا مستعداً لتلقي الاسئلة عنها واضافة ما هو ممكن على اي حال اذا بقيت الحياة.

مولاي هذا المفهوم وكثير من المفاهيم الاخلاقية (الخاصية) لم تكن واردة ولامطروحة يومئذ وانا لا اقول: ان شخص السيد لا يعرفها او لا يؤمن بها، ولكنه من المؤكد انه لم يكن يربي عليها طلابه ومحبيه، وانما كانت التربية المطروحة هي على مستوى المفاهيم والاهداف (الاجتماعية والدينية) من دون النظر الى من يتكفل هذه المفاهيم هل هو متكامل نفسياً ام لا.

ولعله معذور في ذلك لأن التربية (الخاصة) لا تكون ولا يمكن ان تكون عامة ولا شاملة للجمهور ابتداء من المثقفينوانتهاء بمن دونهم . وقد سمعت ما يشبه هذا العذر عن بعض الثقات الناقلين عنه بعض الكلام بعد وفاته.

واما خيبتك في الحصول عليه فلعله لعدم كونه مقصوداً، او هناك سبب اجتماعي آخر قد يخطر في الذهن عنه فكرة، لكن لا حاجة الآن الى سردها.

المشاركة في العمل السياسي

الفقرة الحادية عشرة: قولك: (ونعود من جديد الى عدم مشاركتك في اي «عمل» فأقول : هل تكفي الامور التي ذكرتها لتكون عذرا شرعياً بعد ان فرضت الفتوى وجوباً عينياً القيام باي عمل مناسب ...).

مولاي: انا لم اسمع بهذا الوجوب العيني، ولا اتذكر انني اطلعت على فتوى بهذا المضمون، وقد كان موقفي امام السيد مفهوماً ومعلوماً، بل هو القائل لي - بالمضمون - : اتخذ مسلك العلماء المستقلين فان الناس يحتاجون الى العلماء المستقلين كما يحتاجون إلى العلماء (العاملين).

هذا في حدود تكليفي الشرعي، واما بالنسبة اليك الآن - في حدود فهمي القاصر المقصر - :

اولاً: إن هذه الفتوى لا تفيد الآن الا من بقي على تقليده بعد وفاته.

ثانياً: إن هذه الفتوى غير معقولة فعلاً، لان ظروف التقية عظيمة جداً إلى حد لا يمكن خطور ذلك في البال، وقد كان هو رحمه الله يرى - بعض فترات تفكيره - ارتفاع حكم التقية، الا انني لا اعترف ولا يمكن ان اعترف بذلك، بل لا يمكن ان

ص: 133

يوافقه عليه اي فقيه.

وإن كان لنا الآن تكليف اجتماعي محدد فانما هو الحفاظ على الموجود من افرادنا وعقائدنا في حدود (التقية) وهي الحصن الحصين للمؤمن كما ورد في الاخبار.

وإن من اسباب هذا البلاء: التفات القوى العالمية (اليهودية والمسيحية) بان الشيعة يمكن ان تصدر منهم (الاذية)والتمرد والقلاقل .. إذن فلابد من استئصالهم عن بكرة ابيهم وتحطيمهم حالاً ومالاً، وحيث ان الشيعة متواجدون في الاغلب في العراق وايران ولبنان إذن فلابد من افتعال حروب تقوم بدورها باستئصالهم من دون ان يكون الجرم منسوباً الى القوى العالمية التي تلبس قميص الانسانية والدفاع عن السلام.

كما ان من اسباب هذا البلاء ابتعادنا عن الذكر الحقيقي لله عز وجل واهل البيت (عليهم السلام) - بعد ان اصبحت كل الشعارات الدينية- واقصد الاتجاه العام لها لا يراد بها الا الدنيا، شخصية كانت المشاعر او عامة، كما انتم اعلم به مني وما ذلك الا لاندراجنا تماماً فيما وردنا من اعدائنا من حضارة مدنية وعقيدة حتى حسبنا الاعداء أصدقاء والاصدقاء اعداء والمنكر معروفاً والمعروف منكراً.

قصة قرأتها

وهنا قصة قرأتها قريباً في كتاب لا اتذكر اسمه بمضمونه انه كان شخص متوجه الى زيارة الامام الرضا (عليه السلام) في عصر كانت الجيوش الروسية القيصرية قد دخلت الحدود الايرانية، وهذا قد حصل قبل حوالي مائة عام او اكثر.

والمهم ان الرواي يقول: انه بينما كنت نازلاً في احدى المنازل أو القرى في الطريق رأيت بما يرى النائم كأن خياماً منصوبة اربع عشرة خيمة بما فيها خيمة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فدخلتها وقلت: إن لدي حوائج اود ان اعرضها امامكم، فاجابني النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بما انك ذاهب الى زيارة الامام الرضا (عليه السلام) فاذهب الى خيمته واطلب منه حاجتك.

فذهبت الى خيمة الامام الرضا (عليه السلام) فوجدته جالساً فيها فجلست بين يديه وقلت له: ان لدي حوائج اود ان اعرضها عليكم فقال: نعم، فقلت:

اولاً: شفاء المرض الذي ابتليت به منذ مدة وهو اليرقان.

ص: 134

وثانياً: حاجة خاصة، لم يذكرها الراوي.

وثالثاً: دفع هذا البلاء، يعني دخول الجيوش الروسية الى ايران.

فأجابني: اما المرض فقد قضى الله سبحانه بحكمته بقاءه ما دمت حيا ولا سبيل الى شفائه، واما الحاجة الخاصة فهي مقضية انشاء الله، واما هذا البلاء فسوف يزول بأسرع وقت بعون الله تعالى، فانكم ما دمتم في ذكرنا وإقامة شعائرنا ومآتمنا كنتم في أمن وحصن عن البلاء ان شاء الله تعالى.

أقول: فكيف اذا انقطع ذكرهم وشعائرهم، واصبح ما بقي منه للدنيا الدنية.

نحن في ظرف أسوأ مما عاشه الامام الحسن (عليه السلام)

وقد قلت اكثر من مرة اننا في المجتمع المعاصر في ظروف اسوأ بكثير من تلك التي اضطرت الامام الحسن (عليه السلام) لمصالحة معاوية.

إن كل فرد متدين لا يواجه فقط هذا النظام القائم، بل يواجه القوى العالمية كاملة. وليت شعري لو كان في مواجهتها فائدة حقيقية لهان الامر، الا ان الفائدة ليست الا استئصال هؤلاء العزّل المغفلين الآمنين المساكين، فليست (الحركة) مهما كانت تورث شهادة الفرد بل هي تورث شهادة المئات بل الملايين من ابناء جلدته، ولا يحول دون ذلك سوى ارادة الله سبحانه الذي تكفل لنا بحفظ ذكره ودينه وحماية بيته. هذا ثانياً.

واما ثالثاً: فلأن تكليفك الفعلي - على ما اعتقد - هو الاعراض عن هذا التفكير ولو موقتاً، اولاً: من ناحية التقية العامة التي اشرنا اليها، وثانياً، من ناحية الجهاد الاكبر الذي انت تسير فيه الآن. وقد سبق: ان وظيفة الجهاد الاصغر انما تكون بعد الجهاد الاكبر - اعني لمن يلتفت الى هذه الناحية ويهتم بها - .

فان اختلفت الظروف جزئياً او كليا وأتت عمليات الجهاد الاكبر أُكُلها كان لك ان تفكر يومئذ عن تكليفك الشرعي عندئذٍ هل هو الالتحاق باي (عمل) او لا .واود الالماع الى ان هذا لا يعني تعميم هذا التكليف الى الآخرين، فلكل فرد حسابه امام ربه ومجتمعه. ولا شك ان هؤلاء الذين لم يلتفتوا الى الجهاد الاكبر واستطاعوا الالتحاق باعمال معينة ووفقوا الى الصمود الى حد الآن لا اجد لهم النصيحة بترك ذلك، بل يحسن لهم الالتزام به مع التقية المكثفة الى يوم اختلاف الحال قليلاً او كثيراً.

ص: 135

وليس من حقي الآن بل ولا في اي وقت اعطاء القواعد العامة والجداول التفصيلية لمن لم يسألني فاكون فضولياً ومثقلاً على السائل وغيره بما ليس في الحسبان، ان مثل هذا إن كان صحيحاً دينياً فانما هو لغيري او في غير الظروف الحالية، ولمن يكون في (حال) غير حالي.

هذا ولم افهم كلامك في هذه الفقرة رقم (11) مع كلامك في رسالة سابقة تقول فيها ما مضمونه: انك تقوم بتربية جماعة من طلاب الكليات او اشباههم وان تكليفك في ذلك واضح. وقد حصل حول ذلك اسئلة واجوبة. فهل هذا الا (عمل) اسلامي مهم، فكيف تجمع بينه وبين ظروف التقية من ناحية وبينه وبين انكارك الالتحاق باي (عمل) من ناحية اخرى ؟ هذا ما لم افهمه وخاصة التساؤل الاخير ولك الحرية على كل حال في ان تجيب او لا تجيب حسب ما ترى من المصلحة.

هذا وبقيت في هذه الفقرة بعض الفقرات وددت التعليق عليها، ولكنها ستطول و تكون الرسالة مملة وهي ليست تعليقات ضرورية بل قد تتضح مما سبق.

من هم أصحاب اليمين ؟

الفقرة الثانية عشرة: قولك: (ورد في تعليقك على الكتاب «مرآة الرشاد» انه يحتوي على شيء نادر من المواعظ التي تنتج درجة المقربين ...).

(رقم 3 ً) : هذا غير بشكل واسع، كما تعلم، وهو ايضا مشار الى بعض امثلته في التعليق على الكتاب.

ولكن لاجل ان لا اكتب في الباخلينبالعلم سأذكر بعونه تعالى بعض الامثلة:

منها: ان اصحاب اليمين تشغلهم اسفاً وساوس الشيطان واندفاع الشهوات جداً. على حين ان المقربين إما ان ينقطع عندهم ذلك بالمرة أو يكون ذلك سبباً لذكر الله ومعيناً عليه (رغماً على انف الشيطان نفسه).

منها: ان اصحاب اليمين يفهمون من سلامة القلب: خلوه من الضغن على الآخرين فان ارتفعوا، قالوا: معناه، خلوه من الاعتراض على قضاء الله وقدره، وهذا امر عظيم، غير ان المقربين يفسرونه بتفاسير اخرى منها: عدم انشغال القلب بغير ذكر الله تعالى، وما هو اعلم به.

ومنها: ان اصحاب اليمين يهتمون بالعبادات الظاهرية واحيانا (يقدمونها) امام الله سبحانه، فان ارتفعوا قللوا من اهميتها، وهذا حسن جداً غير ان المقربين يجدون

ص: 136

الاساس هو الطاعة القلبية وهذه ايضا لا تحصل الا بالله ومن الله جلّ جلاله وذلك بالتوكل عليه وايكال الامر اليه وقد تحصل امور اخرى اعلى من ذلك هم اعلم به.

هذا وفي دعاء الامام الحسين (عليه السلام) ليوم عرفة الموجود في مفاتيح الجنان وغيره امور كثيرة من هذا القبيل فاقرأ وفكر.

(رقم 4 ً) قولك: (ان طريقتنا بان تحدد افاضاتك علينا بما نطلبه منك بطيئة، لان اسئلتنا متواضعة ومتشتتة لا يجمعها هدف مركزي ...).

مولاي: ارجو ان تكون هذه الرسالة مع ما يصاحبها كافية في اجابة طلبك هذا. واما المزيد فيجب ان استر وجهي عنك حياءً وذنباً . لاني عاجز عن التفوه به.

إن اوضح وافضل طريقة لمعرفة مستوى الشخص وحاله وحاجته هو كلامه وسؤاله.

ومن هنا كانت اسئلتك هي المشعل الهادي لهذا الكاتب المتواضع في محاولته لترتيب الحروف ووضعها في محلها واعطاء مقدار الحاجة منها. فهذه الطريقة التي استمرت بيننا منذ مدة كافية جداً في هذا المجال. مع ما قد يخطر لي من زيادات بسيطة.

ولا اعتقد انه من الصحيح انها اسئلةمشتتة، بل هي مجموعة تماما تحت هدفين معلومين ومحددين هما: الجهاد الاصغر والجهاد الاكبر، ولكل منهما قواعده واساليبه كما تعلم.

هذا ولا اعتقد اني في رسالتي الاولى حول الجهاد الاكبر كنت فعلت هذا ابتداء الا بعد ان عرفت منك الرغبة والتقبل في الرسالة التي تكون هي جواباً عليه ولولا ذلك لما تعرضت الى ذلك بالمرة لكن شاء الله ذلك فالحمد لله على نعمه، (قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ)(1).

هذا زيادة التكتم فيما قرأتَه في هذه الرسالة الى الآن وخاصة في (القصص) التي رويتها عن نفسي فإني لا اجد في نفسي رغبة ان تنقلها لاحد الا بعد ان يصلك نعيي. فارجو الالتزام بذلك جزاك الله خيراً.

الحمد لله كما هو أهله

ص: 137


1- يونس:16.

ملحوظة: اود فيما يلي الالماع الى ما يسمى بالثقل المعنوي، وهو ليس خاصاً بالمفاهيم بل هو لعدد من الاشياء المعنوية والروحية اهمها (الذكر) وكذلك (هول المطلع) بل لعل هناك ما هو بسيط نسبياً ولكنه ثقيل على النفوس الدنيا، كالصلاة والصوم نفسيهما وكالدعوة الى الايمان والتوحيد على لسان الانبياء بالنسبة الى طبقات معينة في المجتمع.

اما الآيات الدالة على ذلك:

1- (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً)(1).

2- (وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ)(2).

3- (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ)(3).

4- (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً)(4).

5- (إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللَّهِ )(5).وغير ذلك مما لست اتذكره.

والله سبحانه وتعالى وحده هو الذي يخفف الثقيل ويقرب البعيد ويقصر الطريق ويرشد الفرد الى الحق الصريح . فنأمل بحسن الظن به ان ينظرنا بنظر الرحمة والعفو إنه واسع كريم.

ص: 138


1- المزمل: 5.
2- البقرة: من الآية 45.
3- العنكبوت: من الآية 45.
4- المزمل: 6.
5- يونس: من الآية 71.

الفصل الخامس

الرسالة السادسة: الذكر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على هدايته لدينه والتوفيق لما دعا اليه من سبيله والصلاة والسلام على خير خلقه الداعي اليه والدال عليه المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله الاخيار المصطفين الابرار ورحمة الله وبركاته.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد فقد وصلتني رسالتك سيدي وقد شُحنت بالعواطف التي يكفي النزر اليسير منها لاغراق جاهل مقصر مثلي ولولا انك صادق مصدّق لنسبتها الى المبالغة والمجاز لكني اربأ بك من خطل القول وزلل الفعل، وليس عندي ما ابادلك به فاحتسبها عند الله عز وجل فهو الجواد الكريم ذو الفضل العظيم وهي بعدُ نعمة كبرى من الله عز وجل وحجة علي ليبلوني أأشكر أم أكفر، أعاننا الله على طاعته ولزوم عبادته انه نعم المولى ونعم النصير .

ولادخل الآ ن في عرض بعض الاسئلة والملاحظات:

(1) ذكرتَ في تعليقك على كتاب (مرآة الرشاد) مواصفات لمن تراد هدايته الى السلوك الصالح فهل من مواصفات اخرى؟ واذا توفرت في احد فهل نبتدأه نحن - واعوذ بالله تعالى ان اكون وانا الجاهل المقصر سبباً في كمال الآخرين - ام ننتظر طلباً منه وهو ما افهمه من سلوكك معنا؟

(2) احياناً وفي لحظات الغفلة أوفق للذكر القلبي ولكنني غالباً لا اعرف ماذا يجب علي ان اذكر او استحضر من المعاني سوى انه يجب علي ان اتذكر و احمده تعالى على بعض النعم او الفكر في بعض آياته سبحانه، فحبذا لو تفضلتم بعرض بعض مصاديق الذكر القلبي واذا كانت كثيرة ففرقوها فيرسائل متعاقبة؟

(3) وقلت ان من كانت طاعاته قلبية فان معاصيه قلبية، هل من امثلة على هذه المعاصي؟ وهل يعدّ الخطور القلبي معصية وان لم احقق فيه ولم اعقد العزم عليه؟

ص: 139

(4) وورد اكثر من مرة مصطلح العلماء (العاملين) والعلماء (المستقلين) ماذا تقصد باولئك وبهؤلاء.

(5) من الكتب المتخصصة في مجال تهذيب النفس وتربيتها التي حصلت عليها كتاب (الاخلاق) للسيد عبد الله شبر (قدس سره) فهل تحتفظ بفكرة او تعليق على الكتاب.

(6) من الملاحظ على مؤلفي كتب الاخلاق والسلوك عدم مراعاتهم وجود حجة كاملة على النصوص التي يثبتونها في كتبهم رغم ان بعضهم وصل الى مقامات عالية كما يتضح من كلامهم فما هو تبرير ذلك؟ واين قوله عز وجل: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)(1).

(7) هل من علامات يطمئن بها السائر في طريق السلوك الصالح على صحة منهجه .

(8) هناك بعض الفتاوى في الرسالة العملية للسيد الخوئي تمس حياتنا واحتاج الى توضيحها، فحبذا لو تواضعتم فقمتم بشرحها لي وهي:

1 ً- قال: ان نافلة الظهرين تسقط في السفر فهل هذا سقوط عزيمة ام رخصة اي يجب ان تسقط ام يجوز عدم ادائها.

2 ً- يظهر ان بعض الفقهاء يخشون الاعلان ببعض الفتاوى التي لا تلائم ذوق العامة، من ذلك الحكم بطهارة اهل الكتاب، قال ذلك الشيخ مغنية ان استاذه في ا لدرس قال: انهم - اي اهل الكتاب - طاهرون نظرياً بحسب الادلة الا انهم نجسون عملياً خوفاً من مواجهة الناس وقد لمست ذلك عند السيد الخوئي (دام ظله) في مسألتين:

الاولى: في تنجيس المتنجس الثاني فهو يرى القول بذلك مشكلاً وانه لا دليل عليه (المسائل المنتخبة، فقه الامام جعفرالصادق (عليه السلام) عن كتاب التنقيح) ومع ذلك الزم بالاحتياط في الاجتناب عنه، فهل نعتبر القول الاول (اي عدم وجود الدليل) اشارة لذوي النظر والثاني (اي الالزام بالاحتياط) هو لتجنب مواجهة العامة بذلك، وهل يمكننا بناءً على ذلك العمل بالقول الذي نفهمه ولو اشارة.

الثانية: حول نجاسة اهل الكتاب فقال: ان المشهور على نجاستهم وهو

ص: 140


1- ق: 18.

الاحوط، وهذا الاحتياط استحبابي لانه ملحق بالفتوى (مقدمة منهاج الصالحين) والمشهور تعني الاحالة الى مجتهد آخر وقد وجدت ثلاثة من مراجع التقليد والفتيا يقولون بطهارتهم وهم السيد محسن الامين والشيخ محمد رضا آل ياسين والسيد صدر الدين الصدر (فقه الامام جعفر الصادق (عليه السلام)) فهل يجوز لي الرجوع الى احد هؤلاء، لأن القول بنجاسة اهل الكتاب يسبب لنا نحن الذين نعيش مع المسيحيين(1) مصاعب كثيرة، لو قلنا بنجاستهم فهل يعتبر في مثل هذه النجاسة المتنجس الاول والثاني أم يجب الاجتناب عن العين فقط دون اعيان النجاسات الاخرى؟

3 ً- هل يعتبر في تكليف الانثى بالاحكام الشرعية الظاهرية بلوغها تسع سنين قمرية ام ظهور علامات البلوغ عليها (وهي في مثل مناخنا تتأخر عن هذا السن) وقد وجدت نصاً للسيد الخوئي (دام ظله) يمكن ان نستظهر من القول الثاني، فقد نقل صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت ابا ابراهيم (عليه السلام) عن الجارية لم تدرك متى ينبغي لها ان تغطي رأسها مما ليس بينها وبينه محرم ؟ ومتى يجب عليه ان تقنع رأسها للصلاة ؟ قال: لا تغطي رأسها حتى تحرم الصلاة . فعقب عليها السيد (حفظه الله) فانها دالة بكل وضوح على عدم وجوب

التستر عليها وجواز ابدائها لشعرها ما لم تحض(2).(9) قلتَ في رسالة سابقة ان الذي اشرف على تربيتك اثنان احدهما السيد (قدس سره) والآخر لم تبح باسمه وقلت عنه انه وصل اعلى مراتب اليقين واظنه هو الذي تعبّر عنه ب (مولاي) في قولك: (هكذا كان يقول لي مولاي) و (هكذا كان يأمرني مولاي) وارجو ان اكون مصيباً اذا قلت انني علمته لكنني اتقي في ذكر اسمه وهو من طلبت ذكر جوانب من سيرة حياته في رسالتي السابقة وقلتُ ان مولده(3) صادف مولد الزهراء (عليها السلام) وان الاخوة هناك لا يتطرقون الى عرض سيرته الشخصية وكنت قد اجلّت السؤال عن حياة السيد (قدس سره) الى رسالة لاحقة لكنك فهمت من كلامي اني اطلب ترجمة حياة السيد (قدس سره) واحلتني الى

ص: 141


1- كنت اسكن يومئذٍ في بغداد في منطقة يكثر فيها المسيحيون.
2- محمد تقي الخوئي، مباني العروة الوثقى، كتاب النكاح، ج1، ص 88 .
3- نقصد به السيد الخميني (قدس سره) والأخوة (هناك) أي في الجمهورية الاسلامية في ايران.

الرسالة التي كتبتها عنه، وها انذا اكرّر الطلب بعرض ملامح من سيرة السيد هناك حفظه الله تعالى وأيده.

(10) وعلى ذكر الرسالة التي كتبتها عن الحياة الظاهرية للسيد (قدس سره) فقد اُبلغت برفض السيد القبانجي تسليمها لي ولعله لعدم الجزم بالثقة بي ومعه الحق في ذلك والتقية المكثفة واجبة على اي حال ولكم الرأي اولاً وآخراً.

(11) إنه من حسن الظن المفرط بي ما ذكرتَه من انك فهمت اني اشرف على تربية جماعة ولئلا اكون من اهل الآية: (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)(1). عليّ ان انبه الى ذلك ولكنني لا اعدم - بفضل الله سبحانه وبما تفيضه علينا - تأثيراً على جماعة من الاقرباء والاصدقاء.

وقد بحثت عما اوحى لك بذلك واخيراً تذكرته وهو سؤالي عن القيام ببعض مصاديق الجهاد الاصغر مما يفرض علينا كالتكليف الذي نتعرض له بعد تخرجنا بل وعمومالشباب الا من عصم الله تعالى وحدود التقية فيه ووقتها اجبتني باعتبار هؤلاء كبعض افراد العائلة ثم تكلمت عن متاعب العائلة والمجاهدة في تحملها ولم افهم آنئذٍ مطابقة ا لجواب مع السؤال وها انذا افهم ماذا كنت تعني والحمد لله تعالى، والآن اقول:

1 ًً- إنه رزق من حيث لا تحتسب ما تفضلت به من بيان الموقف من العائلة ومتاعبها.

2 ً- اكرر السؤال حول هذا التكليف - وهو ما يسمونه بخدمة العَلَم والاجدر ان تسمى عبادة الصنم ولوازمها من الركون للظالمين ومواجهة الاسلام واهله - ما حدود التقية فيه إن كانت في ذلك تقية ؟ هل نرفضه من البداية جملة وتفصيلا؟ ام ان فيه مجالا للتقية وحداً لا يجب تجاوزه.

اللهم صل على محمد وآل محمد، وتصدق علينا في هذه الساعة برحمة من عندك تهدي بها قلبي، وتجمع بها امري، وتلم به شعثي، وتبيض بها وجهي، وتكرم بها مقامي، وتحط بها عني وزري، وتغفر بها بما مضى من ذنوبي، وتعصمني فيما بقي من عمري، وتستعملني في ذلك كله بطاعتك وما يرضيك عني، وتختم عملي

ص: 142


1- آل عمران: 188 .

باحسنه، وتجعل لي ثوابه الجنة، وتسلك بي سبيل الصالحين، وتعينني على صالح ما اعطيتني، كما اعنت الصالحين على صالح ما اعطيتهم، ولا تنزع عني صالحاً ابدا، ولا تردني في سوء استنقذتني منه ابداً، ولا تشمت بي عدواً ولا حاسداً ابدا ولا تكلني الى نفسي طرفة عين ابدا ولا اقل من ذلك ولا اكثر يا رب العالمين.

اللهم صل على محمد وآل محمد وارني الحق حقاً فاتبعه والباطل باطلاً فاجتنبه ولا تجعله علي متشابها فاتبع هواي بغير هدىً منك واجعل هواي تبعاً لطاعتك وخذ رضا نفسك من نفسي واهدني لما اختلفت فيه من الحق باذنك انك تهدي من تشاء الى صراط مستقيم ... برحمتك يا ارحم الراحمين، وصلّى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

وفي الختام تقبل سيدي على الدواماشواقي ودعائي الخالص واعطف على تلميذك المتواضع الذي تفضلت عليه بالتربية والتوجيه والتثقيف ما يسعده في الدنيا والآخرة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 143

القنديل السادس

جواب الشهيد الصدر (قدس سره)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

منذ مدة خلال هذه الايام، وانا افكر فيك وفي رسالتك وحالك اخاف عليك ان تكلف نفسك في الجهاد الاصغر او الجهاد الاكبر ما لا تطيق، فان (الحال) قد تحمل على ذلك من حيث يكون الفرد مقتنعاً ومندفعاً الى ذلك على حين قد يلاقي بعض المضاعفات من حيث لا يعلم، فيلاقي الندامة من حيث كان هو في غنى عنها وقد كان من الافضل ان يعمل بالتقية من نفسه ويرحمها، قال الله سبحانه: (وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ)(1). ومضمون الآية عام يشمل كل شيء.

وقد فكرت وإن لم تنزل الفكرة الى حيز التنفيذ ان ارسل لك رسالة بهذا الخصوص ولكن هذه الرسالة التي تلقيتها أنبأتني بفحواها العامة انك قائم بشرط التقية هذا والحمد لله رب العالمين، وارجو ان تلاحظ ذلك دائماً.

1- قولك: (وبعد فقد وصلتني رسالتك سيدي وقد شحنت بالعواطف التي يكفي النزر اليسير منها لاغراق جاهل مقصر).

اخي في الله ومولاي هذه الفكرة فيها عدة اجوبة لا اعلم هل استطيع ان استوعبها الآن ام لا:

اولاً: ان حسن الظن الذي غمرتني به بأني صادق مصدق اكثر من استحقاقي بكثير ولولا حسن التوفيق لكنت من الهالكين، يقول (عليه السلام) في بعض المناجاة، في الشكوى من نفسه: (تسلك بي سبيل المهالك وتجعلني عندك اهون هالك طويلة الامل كثيرة العلل إن مسها الخير تمنع وان مسها الشر تجزع) الخ. هكذا او قريباً من لفظه.

فلا ينبغي ان تربأ بي عن خطل القول وزلل الفعل على حد تعبيرك، بل انا اهل

ص: 144


1- البقرة : من الآية 267 .

فعلا.

ثانياً: ان الذي يصبح بفضل الله وحسن رعايته اخا في الله عز وجل و (قريناً) في طريق الحق انما هو الاخ الحق (ورب اخ لك لم تلده امك) وليس فيما قلته في رسالتي تلك ما هو زائد على هذا المستوى إن شاء الله تعالى.

وما شأن الاخوة النسبية او البنوة او الابوة او غيرها بازاء الاخوة والابوة والبنوة المعنوية، قال الشاعر:

فقد رفع الاسلام سلمان

فارس

وقد خفض الشرك الشريفَ ابا

لهب

وقال الله تعالى في العائلة النسبية: (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ)(1).

عبرة

ثالثاً: ان هناك (عبرة) محددة يمكن استفادتها بهذا الصدد، سأقولها لك وانا اعلم انني لو قلتها لشخص غيرك لسوّدت وجهي عنده، ولكني اعلم ان نفسك اوسع وقلبك اطهر من ذلك.

وملخص العبرة: ان (السالك) بالسلوك الصالح يحتاج في بعض مراحل تربيته الى (زخم) والى تشجيع، وان من اوضح اشكال ذلك بازاء نفسه (المحتضرة) او التاعبة في مشاكل السلوك ان يجد (حضناً) دافئاً يلجأ اليه سواء من الناحية النفسية او الفكرية او غيرها.

واعتقد ان هذه الفكرة - بشكل عام - تنطبق على من يراد تربيته تربية اجتماعية او تربية (قلبية) اذا صح التعبير، ولا اعتقد ان هذا الامر مما يفوتك في تربية الآخرين.

رابعاً: انني قلت في تلك الرسالة قبل البدء بذكر بعض (العواطف) ما مضمونه:لوكان غير الله سبحانه وتعالى ليستحق الحب والشوق لكنت أنت في رأس القائمة، ولم اقل ذلك جزافاً ولا احسب انه يفوتك فهم مضمونها الخاص فانه حديث ارباب القلوب.

ص: 145


1- هود: من الآية 46 .

سؤالك عن مواصفات من تريد هدايته.

مولاي، هذا السؤال ليس له جواب محدد لأن النفوس والقلوب والعقول - لاحظ هذه الثلاثة كلها - تختلف اختلافاً شديداً بين الناس، ومن الصعب جداً ان يتورط الفرد في كشف بعض اوراقه امام الآخرين ثم (يأكل) المضاعفات والتي يمكن فيها عدة حقول ومستويات اعاذنا الله منها جميعاً.

إن كبار اهل اليقين يعرفون استحقاق الفرد - ان عرفوه بعون الله - بعين البصيرة فيضخّون اليه ما يناسبه . واما نحن فلا زلنا اقرب للورطة في هذا المجال من حسن التوفيق.

الا ما قد صدف بمشيئة الله تعالى في طول السنين بحيث يقول العرف (هي جاءت وحدها) فان حصل ذلك وكان (الاستحقاق) واضحاً يقيناً فلا بأس بتربيته.

علاقتك بالآخرين

إن الانسان يود بكل اندفاع ان يقول كل ما في عقله وقلبه للآخرين ليخفف الضغط من ناحية عن نفسه ولكي يكون سبباً في نجاة الآخرين من هلاك محقق من ناحية ثانية.

الا ان كلا السببين غير صحيح، اما تخفيف الضغط فغير ضروري، بل كلما كان الضغط اضخم كان الفرد اعلى في درجة الصابرين، وهو من تطبيقات (الجهاد الاكبر) نفسه، واما نجاة الآخرين فغير ضروري ايضا في هذه المرحلة لعدة اسباب :

أ- انه قد يوجب ورطة الآخرين وليس هدايتهم اذا لم يكن لهم الاستحقاق الكافي .

ب- (دعوا الناس على غفلاتهم).

ج - (كيف نرحمك ولم يرحمك ارحم الراحمين) هكذا يقول ملائكة العذاب للفرد حين يقول لهم (ارحموني)، وهذا القول صادقفي كثير من الموارد. الى غير ذلك من الاسباب.

التربية القلبية

فالتكليف العام للتربية الآن - في حدود التقية طبعاً - هو التربية (الاجتماعية) مع العقائد الصحيحة العامة، وهو ما كان يسمى بالوعي الاسلامي، واما تربية القلوب

ص: 146

والنفوس فهي خاصة بالخاصة حسب مشيئته تعالى: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ)(1).

ولا يفوتني الآن ان (التقية) من غير المستحق اعني عدم البدء بتربيته القلبية. ولا يفرق فيه بين ان يطلب هو ذلك او لا يطلب فانه حتى لو طلب بعضهم ان نربيه فيجب علينا ان نتقّيه ونتملص من ذلك، قائلين: انه لا يجب عليك الا الواجبات والمحرمات المشروعة في الإسلام - طبعاً مع شرحها بالشكل المناسب - ونحن نكون صادقين ايضاً.

كما اننا لو كنا على يقين من استحقاق الشخص، فان تربيته لا تتوقف على طلبه - طبعا من دون ان يفهم انه يراد به تربية معينة - وانما نواكبه ابتداءً من تفكيره وهو - بالطبع - تفكير صالح اجمالا والا لم يستحق ذلك اصلا.

ويجب ان تلاحظ ان شخصاً ما لو كان ملتزما بمحرم او ترك واجب مهما كان فانه غير مستحق لهذه التربية، بل الامر اكثر من ذلك وللحديث شجون.

صور الذكر القلبي

2- قولك: (احيانا وفي لحظات الغفلة اوفق للذكر القلبي ولكني غالباً لا اعرف ماذا يجب علي ان اذكر ...).

هذا السؤال يبعث الفرح في نفسي لانه يدل على مقدار نعمة الله تعالى عليك.

مولاي: اولاً: اود الاشارة الى ان للذكر القلبي (ثقلاً) معنوياً كبيراً فمن هنا تكون(الغفلة) احياناً ضرورية لاجل الراحة او ما نسميه بالتقية من النفس حتى ولو كانت بسبب عمدي كالاشتغال بالمطالعة او بعض اعمال البيت مثلاً.

وهذا الشكل من الذكر يعتبر من اعظم الرياضات التي توصل الى المدارج والمقامات التي فوقه بلطف الله سبحانه.

مولاي: ان من افضل اشكال الذكر القلبي هو استحضار مضمون الاسماء الحسنى ذات المدلول الطيب اعني ليس من قبيل (شديد العقاب) و (ذو الانتقام) ونحوها، بل نحو العظيم والرحيم والحليم والغفور والشكور وغيرها.

ثم التفكير في الخلق الذي يرجع الى مضمون مجموعة اخرى من الاسماء الحسنى كالخالق والرازق والمدبر والمنعم والمعطي والحنان والمنان ونحوها.

ص: 147


1- آل عمران: من الآية 128.

ثم التفكير في شأن الفرد امام خالقه من القصور والجهل والذنب والتقصير وحسن الظن به تبارك وتعالى وكونه محل لطفه ونعمه سبحانه ونحو ذلك.

فهل في ذلك كفاية لك . اعانك الله اعانك ا لله.

العقوبة القلبية

3- قولك: (ان من كانت طاعاته قلبية فان معاصيه قلبية، هل من امثلة على هذه المعاصي ...).

مولاي: هذا انا لا اعطي عليه امثلة لخوف سرايته من قلب الى قلب، ولكن القلب يعطي امثلة عليه وهو ليس معصية بالمعنى العام او على مقتضى القواعد، فانه مغتفر بلا اشكال. ولكنه من المعاصي (الخاصة) فان من تكون طاعته (ظاهرية) تكون ذنوبه (ظاهرية) ولا يحاسب على ما في قلبه واما من تكون طاعاته (قلبية) تكون ذنوبه (قلبية) ايضا، وليس له الحق ان يأخذ من طاعاته بالباطن ومن ذنوبه بالظاهر.

نعم، ان العقوبة (المفهومة) للمعاصي القلبية ليس هو نار جهنم فانها خاصة بالذنوب الظاهرية، ولكن لها عقوبات اخرى، يكفي ان نسمع ما قاله الامام السجاد (عليهالسلام): (فان الشكوك والظنون لواقح الفتن ومكدرة لصفو المنائح والمنن)(1)، اعاذنا الله تعالى منها جميعاً بمنه ورحمته.

ما اعجب ما اكتب اليك من الافكار وابوح لك من الاسرار، وقد قلت لك في رسالة قديمة: ان هذا لا يكون بالمراسلة وليست الرسالة سوى نص مقروء لكل احد، اذن فهذه الامور سوف تنتقل الى ذمتك ومسؤوليتك رحمك الله، ولا احسب انك تقصر في ذلك.

معنى العلماء العاملين

4- قولك: (ورد اكثر من مرة مصطلح العلماء (العاملين) والعلماء (المستقلين) ماذا تقصد باولئك وهؤلاء ...).

مولاي: للعلماء العاملين معنيان يستعملها طائفتان من الناس.

ص: 148


1- فقرة من مناجاة المطيعين لله للامام السجاد (عليه السلام).

المعنى الاول: العلماء العاملين بالجهاد الاصغر، وهم الذين يتعبون على تربية المجتمع واصلاحه، بغض النظر عن اصلاح النفوس.

المعنى الثاني: العلماء العاملين بالجهاد الاكبر وهم الذين يتعبون على انفسهم وانفس غيرهم - لو صح التعبير - في اخراجها من الظلمات الى النور وهدايتهم الى الصراط المستقيم.

فطائفة (الوعي الاسلامي) تتبنى المعنى الاول فقط، كما ان (الصوفية) ومن إليهم يتبنون المعنى الثاني فقط، وانت تعلم ان الاختصاص باحد المعنيين غير صحيح، بل المجالان قد يكون محل التكليف الإلهي بالاصلاح، كل واحد في حدود شروطه ومواصفاته.

وعلى ما اتذكر انني كنت اقصد منه المعنى الثاني، لاجل الالفات الى صدقه وصحته مضافاً الى المعنى الاول الذي اجد انك تعرفه وتلتفت اليه.

اما مصطلح (العلماء المستقلين) فهو غير موجود، وهو معنى مربوط بالعبارة فيرسائلي السابقة لا اكثر، ولا اتذكر العبارة لكي اعطيك منها معنى محدداً، فان كان من الضروري كتابتها لي فلا بأس.

كتب الأخلاق

5- قولك: (من الكتب المتخصصة في مجال تهذيب النفس وتربيتها التي حصلت عليها كتاب الاخلاق للسيد عبد الله شبر (قدس سره) فهل تحتفظ بفكرة او تعليق على الكتاب؟ ...).

مولاي: لا احمل فكرة متكاملة عن هذا الكتاب ولم يصدف لي الاطلاع عليه بالشكل الكافي، ولكني لا احسب ان مؤلفه - مع احترامي الكبير له - يعتبر من الخاصة وذوي المقامات.

ولكن هذا لا يعني عدم امكان الاستفادة من كتابه فان من يقرأ يمكن ان يصيد الصيد السمين وخاصة اذا كان فيه روايات عن اهل بيت العصمة مشروحة بالشكل الكافي، وعلى العموم (رب حامل فقه الى من هو افقه منه).

6- قولك: (من الملاحظ على مؤلفي كتب الاخلاق والسلوك عدم مراعاتهم وجود حجة كاملة على النصوص التي يثبوتها ...).

هذا المعنى هو نفسه الذي أشرت اليه في بعض رسائلي السابقة، لا اتذكر متى

ص: 149

ولماذا، والمهم هو اننا نجد ان الواحد من هؤلاء كلما ازداد مقاماً كان اكثر زهداً بالسند لاخبار اهل البيت (عليهم السلام) وهم اعلم بتلكيفهم من حيث انهم لا يمكن ان يحملوا على سوء.

يكفي ان نحمل فكرة مجملة عن ذلك في ما يقوله بعض اهل الذوق - من خاصة او غيرهم - في مجال الاستدلال على صدق النص: ان هذا الكلام عليه نور، او ان لهجة هذا الدعاء عالية، او ان اسلوب امير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة دال على صدق النسبة وغير ذلك.

ضمانات المنهج الخاصي

7- قولك: (هل من علامات يطمئن بها السائر في طريق السلوك الصالح على صحة منهجه ...).

مولاي واخي في الله تعالى: انت تسأل بالطبع عن المنهج الخاصي وليس عن المنهج العام، ان هذا له عدة ضمانات :

الاول: انه مسلك الانبياء.

ان هذا المنهج عموماً هو مسلك الانبياء والمرسلين والعلماء والصالحين، وهذا اوضح واصرح من ان يحتاج الى مثال، يكفينا ان كل نهج البلاغة - او قل اكثره - دال على ذلك بصراحة، كالتزهيد بالدنيا والتقريب في الطاعة والآخرة والتحذير من الشيطان والعصيان وشرح حال زهد الانبياء (عليهم السلام) والامر بالاسوة بهم وغير ذلك.

لا يكون في مقابل ذلك الا وجود طبقة من العلماء المتأخرين لم يكونوا يأمرون بهذا (المنهج) مع شديد الاسف مع العلم ان علماءنا الاوائل ولعدة مئات من السنين كانوا على هذه الشاكلة مع الاختلاف في مستوياتهم طبعاً . وتُروى عن العديد منهم روايات الكرامات.

اما هؤلاء المتأخرون فلعل لهم عذراً وانت تلوم - كما يقول المثل - وعلى العموم مضافاً الى امور اخرى شرحنا بعضها في رسائل سابقة فان ذنوب الناس واستهتارها بالشريعة اصبح منذ مدة غير قصيرة في تزايد مستمر الامر الذي يجعلها اقل استحقاقاً للتربية الخاصة واكثر ضرورة للتربية العامة بل اصبح من اللازم ان لا يعرف الناس من التربية الخاصة وحامليها اية فكرة على الاطلاق بل ان التربية

ص: 150

(العامة) او قل الواعية هي زائدة عليهم واكثر من تحملهم ايضا فلا ينبغي ان يعطوا منها الا بمقدار ما يستفيدون، ومن هنا تضاءل عدد (الخاصة) وانكمش الموجود منهم واصبح البساط مفروشاً للمنهج الظاهري الذي هو الوحيد فعلاً الصالح لهداية الناس المتطرفين في الاسفاف والاتلاف.

ومقصودي من هذا الكلام اذن فعدم تأييدالعلماء المتأخرين للمنهج الخاصي لا يدل على عدم صحته او نقصه او قصوره وان لم يكن الامر بالعكس تماما لولا حملهم على الصحة وان نجد لهم سبعين عذراً كما في مضمون الخبر.

الثاني: الثقة بالمربي.

الثقة بالمربي بالمقدار الكافي، بحيث يصلح ان يلقي الفرد بكلكله عليه ويوكل مستقبله اليه، ان الفرد مربوط بالمربي بمقدار ما هو مربوط بالله سبحانه ومن اجله جلّ جلاله يأخذ بهذا المنهج او ذاك ليصل الى المقامات الرفيعة والدرجات العلى.

إن اوضح ما كنت آخذه من (مولاي) من ضمانات هو انطباق كلامه على مقدار حالي فكل ما كان يقوله لي أحس اني في حاجة اليه وانه يحل مشكلة عندي نفسية او قلبية او عقلية او نحوها.

ولا اكتمك اعترافاً بالذنب: ان نفسي الامارة بالسوء كانت ضده تماماً وكانت تلح في التمرد عليه والابتعاد منه والتقليل من اهمية كلامه، لا انني كنت اعتبر ذلك من هذه (الضمانات) ايضا لاني اعرف نفسي انها لا تميل الا الى الباطل اذن فالتمرد على مولاي والتقليل من شأنه باطل لانه مرغوب نفسي قاتلها الله.

الثالث: الظواهر الروحية.

ظهور بعض الظواهر الروحية او (الباراسايكولوجية) للفرد نفسه وقد عددنا شيئاً منها في الرسائل السابقة.

وهنا اشير الى ان ابسط ظاهرة روحية تحدث للفرد هو (الكربة) في القلب فان الفرد غير فاعل لها وغير قادر على دفعها، ولو كان كذلك لما اوجدها ولاسرع في ازالتها عند وجودها.

إن هذه الكربة بالرغم من صعوبتها احياناً فانها من النعم الالهية اذ تدل على التنبيه على الخطأ ولزوم الاخذ بالافضل وتتابع العناية الالهية وحسن تدبيره تعالى للفرد خاصة والخلق عامة.

ص: 151

توضيح بعض الفتاوى

8- قولك: (هناك بعض الفتاوى فيالرسالة العملية للسيد الخوئي تمس حياتنا واحتاج الى توضيحها ...).

لي تعليقان عامان على ما ورد في هذا السؤال.

الاول: قولك: (فحبذا لو تواضعتم)، ما هذا الكلام ؟!! وما هو عملي وتكليفي إن لم يكن هذا من عملي وتكليفي، وإن افادة الآخرين اقرب الى نفسي وقلبي والى دنياي وآخرتي فأين التواضع، إن هذا الا تواضع منك يا مولاي.

الثاني: ان ما ورد من الكلام فيما يلي من رسالتك ليس من كلام السيد الخوئي بل - على ما يبدو - ان اكثره من كلام الشيخ محمد جواد مغنية، او لعله من كلامك. وهذا معنى لم استطع تمييزه بوضوح، وعلى اي حال فالمطلوب هو مناقشته والجواب عليه واني فاعل ذلك بعونه ولطفه سبحانه.

مولاي: سقوط نافلة الظهرين معناه سقوط الامر بهما، واذا سقط الامر فلا معنى للاتيان بالمأمور به الا بنحو التشريع المحرم، وهذا معناه بوضوح ان سقوطه عزيمة لا رخصة.

واما مسألة الخشية من العامة فهي مسألة واردة تماماً لا يمكن التنازل عنها لانها صحيحة نظرياً وعملياً، لان الذوق العام فيه ضحالة وفيه انحراف وفيه اندفاع لا يرحم وباستطاعته - احياناً - ان يكسر بالفرد كسراً كبيراً. واذا كان الفرد من رجال الدين او العلماء المبرزين فان انكساره يحتوي على عدة مضاعفات واخطار اعاذنا الله منها. اذن فالرأي العام قوة لابد من اخذها بنظر الاعتبار على كل حال.

خذ مثلاً - مجرد مثال -: ان شخصاً لو اراد ان يطبع نسخا من القرآن الكريم بغير القراءة المشهورة من القراءات العشر او غيرها، او اراد ان يطبعه بترتيب (النزول) او اراد ان يغيّر اسماء السور او انه فعل كل هذه الامور دفعة واحدة فهل عمل محرماً؟ كلا، ولكنه لن تبقى له باقية من السن الناس وكثرة الطاعنين من مختلف الطبقات.

وهناك منحى آخر لاخذ العامة بنظر الاعتبار وهو التجنب عن زيادة ميلهم الىالحرام او الشبهات، فبالرغم من ان (الفتوى) صحيحة وفيها تسهيل على الناس الا ان العلماء لا يصرحون بها لانهم يعلمون انها سوف تستغل استغلالا سيئاً، يحضرني من

ص: 152

ذلك مثال: جواز كشف الوجه واليدين، فان المنقول عن كثير من العلماء قولهم بجوازه ولكن مع عدم التصريح به لانه يستغل ذلك في كشف الشعر والزند ونحو ذلك ويؤول الامر الى الحرام.

ولا اعلم ان السيد ا لخوئي او غيره لماذا كتم (طهارة اهل الكتاب) اعني لأي السببين السابقين.

هذا وقولك: (الا انهم نجسون عملياً ...) هذا غير صحيح، فان كل ما يستطيع الفقيه ان يعمله هو كتم الفتوى لا التصريح بخلافها، فهو يعتقد بالطهارة ويفتي بالنجاسة فانه يكون كذباً وفتوى بغير ما انزل الله اعاذنا الله من ذلك.

قولك: (وقد لمست ذلك عند السيد الخوئي)، اظن هذا الكلام منك لا من الشيخ مغنية، وان كان سياق كلامك يقتضي انتسابه اليه.

قولك: (ومع ذلك الزم بالاحتياط).

مولاي: هذا الاحتياط له عدة تفاسير لا اقل من اثنين:

الاول: وهو الامتن، أخذ المشهور (اي الرأي السائد بين الاكثر من الفقهاء) بنظر الاعتبار، اذ لعل المشهور على صواب فيكون مخالفته في الفتوى مخالفة للاحتياط.

الثاني: وهو الاضحل: انه يأخذ الرأي العام بنظر الاعتبار، ونحن - كمقلدين - انما نأخذ من المجتهد الناحية العملية فقط سواء كانت فتوى او احتياطا، وقد راجعت (منهاج الصالحين) للسيد الخوئي فوجدت فيه الاحتياط وجوبياً لانه غير مقترن بالفتوى (بالنسبة الى المتنجس الثاني) واما البحث النظري فهو مما يخصه وحده او ممن يريد ان يستفيد علمياً فقط.

واما حول نجاسة اهل الكتاب فالموجود في الطبعة التي عندي هو الاحتياط الوجوبي في نجاستهم، ولا اعتقد ان التحويل علىالمشهور تعني الاحالة على مجتهد آخر الا ان الاحتياط الوجوبي قد يعني ذلك من زاوية وجهة نظر بعض الفقهاء.

أقول: وهؤلاء الفقهاء الذين عددتهم يضاف اليهم السيد الحكيم والسيد الصدر (قدس سرهما) كانوا يقولون بطهارة اهل الكتاب الا ان تقليد الميت ابتداءً غير جائز ولو في مسألة واحدة.

والطريق العملي لك في ذلك احد امرين:

ص: 153

الاول: انك اذا كنت باقياً على تقليدك للسيد الصدر ولا اعلم ذلك تفصيلا الا اني اظن ذلك، وان كان يبدو من كلامك انك الآن تقلد السيد الخوئي فإن كنت باقياً عليه برأي السيد الخوئي في الجواز امكن العمل على رأيه في هذه المسألة من زاوية جواز البقاء على تقليد الميت فيما علمه المكلف من ارائه (ان كانت علمت بهذه الفتوى في حياته).

ولكن قد لا يتوفر لك هذا الطريق.

1 ًً- لانك عدلت عن تقليده بالمرة.

2 ًً- لانك لم تعلم بهذه الفتوى حال حياته.

3 ًً- لانك قلدت في جواز البقاء شخصاً غير السيد الخوئي.

فيكون لك الطريق الآخراذا لم يكن لك فيه مناقشة.

بداية الاعلان عن نفسه كمرجع تبرأ الذمة بتقليده

الطريق الآخر: وهو ان هناك بعض الناس رجعوا الى هذا الحقير كاتب هذه السطور فقلدوه ولم يكن بوسعه الرفض بالرغم من مصاعبه دنيوياً وأخروياً اعاننا الله عليه.

وعلى اي حال فالفتوى فعلاً هو الطهارة الذاتية لأهل الكتاب، فان تمت لديك الحجة الشرعية في ذلك امكنك العمل به.

اما حول عمر التكليف للفتاة فالمشهور والسيد الخوئي يرى انها تسع سنين قمرية، اما رشدها الجنسي فهو غير ملحوظ بالمرة، واما ايراد صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج فهو امر نظري يرجع الى البحث الفقهي،والرواية الواحدة لا تكفي - كما تعلم - للفتوى الا بعد مراجعة الادلة المعارضة والمخصصة ونحوها، فمن الناحية العملية هو ذلك أعني تسع سنين .

الا انني ارى بقاء الفتاة على عدم التكليف لغاية عشر سنوات قمرية، وتكون خلال السنة العاشرة مجرى لأصالة البراءة، وانما مقتضى الاحتياط الاستحبابي هو التسعة.

ص: 154

الشهيد الصدر يتحدث عن الامام الخميني (قدس سره)

9- قولك: (قلت في رسالة سابقة ان الذي اشرف على تربيتك اثنان احدهما السيد (قدس سره) والآخر لم تبح باسمه وقلت عنه انه وصل اعلى مراتب اليقين واظنه هو الذي تعبر عنه ب «مولاي» ...).

نعم، هو مولاي وهو طريقي الى الحق ومُخرجي من شهوات الدنيا وغمرات النفوس والقلوب بفضل الله سبحانه .

ولكنه ليس هو (هذا الرجل) الذي ظننته بل هو رجل متوفى فعلاً وقبل عدة سنوات، ولم يكن منتسباً الى الحوزة العلمية اصلاً.

نعم، (هذا الرجل) الذي ظننته -واود الآن أن اعبر عنه (دام ظله) بذلك- له درجة ومقام روحي وعرفاني غير قليل ولكنه لم يكن يعطينا منه شيئاً ذا بال(1).

ومن العجيب ان تسألني عن سيرته الشخصية ومن المؤسف انني لا استطيع ان اجيب لاني لست من مصادر ذلك، ولا اعرف من حياته الظاهرية اكثر مما تعرفه أنت، غير اني حضرت عليه درس (المكاسب) و(الخارج) عدة سنوات من اول المكاسب الى اول الخيارات.

والذي استطيع ان اقوله عجالة ما يلي:

1- ان هذا الرجل كان من خاصة طلاب الشيخ عبد الكريم الحائري (قدس سره) في قم والموسوم بانه مؤسس الحوزة العلميةهناك، وليس له تلمذة على غيره فيما اعلم.

2- كان من حين شبابه متحمساً للاصلاح الاجتماعي الاسلامي.

3- حوادثه مع (الشاه) واضطهاده واضطهاد طلابه ورفاقه في الجهاد من قبل الشاه قبل ثورة (مصدق) وبعده وتبعيده الى (تركيا) ... هذه حوادث مفصلة لا املك تواريخها وتفاصيلها.

4- مجيئه الى العراق والى الآن ... مجموعة حوادث واعتقد لا تخفى عليكم . كلها معلنة بوسائل الاعلام.

5- كان فكوراً في درسه الا انه لا يبلغ الى عمق الخط الحوزوي الموروث

ص: 155


1- ما يعنيه الشهيد الصدر (قدس سره) هو الامام الخميني (قدس سره)، ولم يستطع التصريح باسمه بسبب ظروف التقية حينئذٍ.

كما يلي الشيخ مرتضى الأنصاري وبعده الشيخ محمد كاظم الخراساني صاحب الكفاية وبعده الشيخ محمد حسين النائيني وغيره وبعده السيد ابو القاسم الخوئي وبعده السيد الصدر (قدس سره) وبعده بعض طلابه الفضلاء وهم متعددون (نخبتهم ثلاثة او خمسة تقريباً).

6- كان يمارس الخطابة قبل بعض العطل الطويلة وبعدها - اعني في اول الشروع في موسم الدرس وفي نهايته - يجمع فيها بين الجانب الاجتماعي والجانب الاخلاقي . وفي كليهما يركز على ما يرى هو من نقص في الاتجاه الحوزوي العام . وما يمكن ان يكون اصلاحاً له من الافكار.

7- هناك مؤلفاته، وهناك بعض المؤلفات المذكور هو فيها كبعض كتب الشيخ آغا بزرك الطهراني.

8- من يفهم الفارسية ويتابع برامج الاذاعة من هناك يستطيع ان يتصيّد نبذا من ترجمته وخاصة عندما تُعطى ترجمة لاساتذته او طلابه او بعض اصدقائه وهكذا.

10- قولك: (وعلى ذكر الرسالة التي كتبتها عن الحياة الظاهرية للسيد (قدس سره) فقد بلغت برفض السيد القبانجي تسليمها لي ...).

لي تعليقان على هذا الكلام:

اولاً: كان للسيد القبانچي ان يفكر، انه من اخبرك بخبر الرسالة؟ او ان يقال له رأساً: ان مؤلفها هو الذي اخبرنا، فتسربالخبر يدل على الوثاقة لا محالة، وهو اعلم بتكليفه.

ثانياً: من الصعب ان اكرر ما ورد فيها لك او ان اكتبها من جديد، او ان اجلبها شخصياً - ولو بالواسطة - من السيد القبانجي وارسلها اليك، ولو كنت املك نسخة اخرى لها لارسلتها ولكني وجدت في حينه ان ذلك مخالف للتقية.

ولكنني اجد عموماً اننا مادمنا في حندس الليل(1) فما فائدتك من ترجمة هؤلاء السادة الاجلاء، واما اذا طلع الصبح فالامر سوف يكون ميسوراً جداً ولا حاجة الى هذه التكلفات.

11- قولك: (انه من حسن الظن المفرط بي ما ذكرته من انك فهمت اني

ص: 156


1- يشير الشهيد الصدر (قدس سره) هنا الى كثافة الظلم الذي فرضه النظام البائد والذي هو اشبه شيء بالليل البهيم.

اشرف على تربية جماعة ... ).

ليس فيه - على ما يبدو - غير مسألة خدمة العَلَم او خدمة الصنم.

من ناحية عامة فان مثل هذا الامر لا يقول فيه الفقيه هذه الايام بأي رأي، يكفي ان ابني(1) نفسه يذهب الى التدريب العسكري وانا لا استطيع ان انهاه كل ما في الامر اني لم اقل له: نعم كما لم اقل له: لا، فكيف بالآخرين.

إن الفتوى نفسها مخالفة للتقية المكثفة، كما ان العمل بها مخالف لمقدور الناس.

فمن باب المثل: اننا نقرأ في الفقه اذا قال ظالم لشخص : اقتل فلاناً المؤمن او اقتلك، لم يجز له قتله ويجب عليه ان يقدم نفسه للقتل، بأن يقول: اقتلني لا اقتله.

فهل امثال هذه الفتاوى بمستطاعة للآخرين وخاصة في ظروف مخلوطة كأيامنا هذه .

وختاما يا مولاي وعزيزي: فإني ادعو لك مكرراً على الرغم من قلة دعائي للناس، غيراني اشعر ان دعائي لك دعاء لنفسي ووفاء لما في ذمتي وقد زرت لك امير المؤمنين (عليه السلام) بزيارة امين الله اذا لم تخني الذاكرة والحمد لله رب العالمين.

ارجو تكرار قراءة الرسالة ثانية بتفكير، والعفو عما فيها من عيوب العبارة وغيرها.

ص: 157


1- يقصد نجله الأكبر المرحوم السيد مصطفى.

الفصل السادس

الرسالة السابعة: قسوة القلب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين والصلاة والسلام على ابي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وجميع الانبياء والمرسلين والشهداء والصديقين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد :

فقد حاولت ان ابعث اليكم برسالة قبل هذا الموعد بكثير، وبالضبط عندما اطلعت على احدى رسائلك تشير فيها الى اننا اذا اردنا الانسحاب من هذا المسلك -درءاً للورطة عنك وعنا - اعلمناك ذلك، والله تعالى وحده يعلم كم هزّتني هذه العبارة هزاً عنيفاً ولجأت الى ربي مخاطباً بلسان الحال:

«الهي اتراني معذبي بنارك بعد توحيك وبعد ما انطوى عليه قلبي من معرفتك ولهج به لساني من ذكرك واعتقده ضميري من حبّك وبعد صدق اعترافي خاضعا لربوبيتك ... هيهات انت اكرم من ان تضيّع من ربّيته او تبعّد من ادنيته او تشرد من آويته أو تسلم الى البلاء من كفيته ورحمته » بغير منٍّ منّي عليك يا رب العالمين.

ولو كتبت لك رسالة بالفعل في ذلك الوقت لاطلعت على مشاعري التي عصفت بقلبي لانها كانت ستخرج صادقة من القلب اما الآن وبعد ان وضعت الحرب أوزارها وسكن اضطرابي (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)(1). فلا اظن ان الكلمات ستفي بوصفها، ولكن اقل ما يقال عنها انها كانت - وارجو ان لا اكون مبالغاً- كمشاعر اصحاب جدك الحسين (عليه السلام) عندما عرض (عليه السلام) عليهم التخلي عن نصرته وجعلهم في حل من بيعته ... اترى احداً له مسكة من عقل وهدى

ص: 158


1- الرعد: من الآية 28.

وان الله يريد به خيراً يختار غير ما اختاروا، ولو كان فيه حر العطش والحديد وقسوة القتل وآلامه، لان اختيارهم وما يستعقبه من نتائج هو الهدف الوحيد الذي يستحق ان يسعى له الانسان، ويضع في سبيل تحقيقه ما يستطيع من صغير الامور وعظيمها.

ولا ادري بالضبط لماذا انفعلت كثيرا، الا اني احسب ان ذلك بسبب كوني - لضعفي ونقصي وتقصيري وجهلي - اهلا لهذا الكلام وخشية من تحققه وان لا افلح - والعياذ بالله تعالى - في هذا المسلك وعندئذٍ كم سأكون نادما وسأموت بغيظي وحسرتي بعد ان اطلعت على شيء يسير مما اعدّ الله تعالى لأهله وبعد ان شعرت ببركة آثاره ونتائجه ... ومن ذلك الوقت - وقبله ايضا - وانا ادعو الله عزت اسماؤه وتباركت آلاءه ان يأخذ بيدي في مسلك الصالحين، وان يعينني على نفسي وعلى صالح ما اعطاني كما اعانهم على ذلك كله، وان يحمّلني ما عرّفني من الحق ويبلغني ما قصرت عنه إنه ولي التوفيق وهو نعم المولى ونعم النصير.

توضيح مصطلحات

سيدي : بعد هذه المقدمة (العاطفية) اعرض بين يديكم بعض الاسئلة والملاحظات التي عرضت عليّ راجياً الاستئناس بإجاباتكم وتعليقاتكم عليها:

(1) مرّ علينا خلال عدة رسائل مصطلحات للثقل احدها بمعنى التحميل الزائد على النفس وقد أحطنا به خُبرا الا ان يكون لديك المزيد، والثاني هو الثقل المعنوي الذي ورد في مثل قوله تعالى:

(إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً)(1) و(سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً)(2) فما هذا الثقلوما آثاره ونتائجه ؟

(2) ما هي مورثات قساوة القلب حيث يُحرم الانسان من حلاوة مناجاة ربّه ؟ وكيف يُجلى القلب من رينه ؟

(3) هل صحيح - كمبدأ عام في هذا المسلك - ان نختار من امرين ايهما اشد على النفس خصوصاً اذا لم يرد دليل على اختيار احدهما، حتى في مثل كيفية الجلوس فنختار جلسة المصلي ونحوها ونترك التربّع لأن الاول اشد على النفس،

ص: 159


1- المزمل: 6.
2- المزمل: 5.

وهنا يوجد دليل على الاختيار فقد جاء في صفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انه لم يُرَ متربعاً قط، ولكنا سقناه مثلاً لتطبيق المبدأ العام.

(4) هل هناك فرق في المعنى الخاص بين قوله تعالى: (يجاهدون في سبيل الله) و (والذين جاهدوا فينا) اي بين قوله في سبيل الله و في الله من حيث النية والجزاء والحال.

(5) كيف يشعر الفرد انه مستعد للموت بل ينتظر قدومه لانه ينقل حيث قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (ان الله يقول: اعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر)(1)، وهناك ابيات شعرية للشاعر الفيلسوف حافظ الشيرازي في كتاب جامع السعادات تحمل معاني رفيعة في هذا المجال، وبالمناسبة فاني وجدتك اكثر من مرة تتمنى ذلك - لا سامح الله ولا حرمنا بركاتك - وما ذلك الا من فضل الله تعالى عليك.

(6) هل يتعارض تفرد القلب بحب الله تعالى مع حب غيره سبحانه، واذا كان ذلك فماذا نسمي المشاعر تجاه الاخوان في الله عز وجل.

(7) ما الفرق بين العصمة الذاتية (الأنبياء، الأئمة عليهم السلام جميعاً) والعصمة المكتسبة (الاولياء الصالحين).

(8) كيف نحمل على الحقيقة لا المجاز كلمات الائمة (عليه السلام) في مقام التواضع كقول السجاد (عليه السلام) :أتيت

بأعمال قباحٍ رديةٍ

وما

في الورى خلق جنى كجنايتي

(9) احسب ان نية السالك في هذا الطريق هو القربى الفعلية الحقيقية من الله تعالى بغض النظر عن نيل الثواب ودرء العقاب وان كان متضمنا فيها، فهو يصوم لان الصوم خطوة في طريق الجهاد الاكبر نحو نيل القربى من الله تعالى والزلفى لديه وكفى، وهو يقرأ القرآن لانه خطوة اخرى، وكذا جميع اعماله .. اصحيح هذا ؟

(10) في رسالة سابقة قلت ان نتائج هذا المسلك يمكن ان تتحقق إذا شاء الله تعالى ذلك بعد خمسة عشر عاماً او اكثر او اقل ... هذه المدة يحتاجها السالك لاستيعاب مفردات المنهج كماً (إذ مازلت ارى في كل رسالة جديداً من هذه المفردات) أم كيفاً مثلاً للتمكن من صيام يومين او ثلاثة إن أمكن اسبوعياً وقد كان

ص: 160


1- الاربعون حديثاً: ص41، عن بحار الانوار: ج8، ص198.

يصوم ثلاثة ايام في الشهر .

اقول: للتمكن من ذلك يحتاج الى مدة قد تطول وقد تقصر حسب استعداده وقابلياته وتوفيق الله سبحانه له وكذلك - على سبيل المثال - يحتاج الى مدة غير يسيرة للتلبس بصفة الرضا والتسليم بالقضاء والقدر.

وهنا يتفرع سؤال ثانٍ: هل يعتبر تورط له لو تأخر مدة ليطبق مفردة او اكثر من المنهج واعني بالتورط انه سيفصل زمانا بين العلم والعمل، والفصل هذا يعتبر عائقاً في منهج الجهاد الاكبر أي هل عليه ان يطبق الخطوات اولاً بأول ؟

(11) اذا تضيق وقت صلاة الليل لاداء احد اثنين اماصلاة الركعات الثمانية الاولى او مستحبات القنوت في ركعة الوتر (70 مرة استغفار، 200 العفو، الدعاء وطلب الحاجة ...) فأيهما نعمل ؟

(12) كم من الوقت يكون مناسباً تكريسه لقراءة القرآن والادعية المأثورة يومياً ؟

(13) كيف نشأ مصطلح (العرفان) وما مضمونه، وما فلسفة هذه التسمية ؟ وما الفرق بينه وبين التصوف ؟ فاني ارى علماءنا يرفضون الثاني ويعتبرونه منحرفاً . وذكرت في رسالتك السابقة احدى مساوئهذا المسلك وهو التفريق بين اصلاح الفرد واصلاح المجتمع .

(14) هناك احاديث تحث على تلاوة سور خاصة في اوقات معينة (يس بعد صلاة الصبح، النجم قبل الظهر ...) واحاديث تحث على تلاوة القرآن بشكل ختمات ووصل آخر ختمة بأول ختمة جديدة (يعجبني الحال المرتحل ...).

وينقدح في نفسي ان احاديث الطائفة الاولى هي حث لمن اتخذ القرآن مهجوراً أما المواظب عليه فيستحب له الطريقة الثانية .. فايهما تفضل الطريقة الثانية فقط ام هي مع مراعاة الاولى؟ ولا اكتمك فان الالتزام باحاديث الطائفة الاولى يوجب - بسبب التكرار اليومي - مللاً.

إهداء الاعمال لأهل البيت (عليهم السلام)

(15) وتوجد احاديث تدعو الى اهداء الاعمال لاهل البيت (عليهم السلام) فعن علي بن المغيرة، عن ابي الحسن (عليه السلام)، قال: قلت له: ان ابي سأل جدك عن ختم القرآن في كل ليلة، فقال له جدك: في كل ليلة، فقال له: في شهر رمضان،

ص: 161

فقال له جدك: في شهر رمضان، فقال له ابي: نعم، ما استطعت، كان ابي يختمه اربعين ختمة، في شهر رمضان ثم ختمته بعد ابي، فربما زدت وربما نقصت على قدر فراغي وشغلي ونشاطي وكسلي، فاذا كان في يوم الفطر جعلت لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ختمة، ولعلي (عليه السلام) اخرى ولفاطمة (عليها السلام) اخرى، ثم للائمة (عليهم السلام) حتى انتهيت اليك فصيرت لك واحدة منذ صرتُ في هذه الحال، فاي شيء لي بذلك؟ قال: لك بذلك ان تكون معهم يوم القيامة، قلت: الله اكبر فلي بذلك ؟ قال: نعم ثلاث مرات(1).

واخرى تحث على اهدائها للموتى، فعن الامام الصادق (عليه السلام) (ان الميت ليفرح بشيء صغير، ان الميت ليفرح بالترحمعليه والاستغفار له كما يفرح الحي بالهدية تهدى اليه)(2). وعنه (عليه السلام): (من عمل من المسلمين عن ميت عملاً صالحاً اُضعف له ونفع الله به الميت)(3).

فان في كل من ذلك مضاعفة الثواب وهي عروض مغرية تجعلنا نهدي جميع الاعمال - على علاّتها رجاء قبولها ومباركتها - على هاتين الطريقتين. فكيف يمكن الجمع بينهما؟ اما في فهمي القاصر وبعد عدة تعديلات فرأيت ان الافضل اهداء جميع الاعمال لاهل البيت (عليهم السلام)، وثواب هذا الاهداء يهدى الى الموتى مع ترك الخيرة لله سبحانه في توزيع الثواب عليّ وعلى الموتى فكلنا محتاجون الى رحمته ومغفرته سبحانه، وشفاعة اهل بيت العصمة (عليهم السلام) . فما هو توجيهك حول الموضوع ؟

وبمناسبة هذا الكلام نسأل هل يجوز اهداء الاعمال للأحياء ؟

وهذه اسئلة وملاحظات عامة تدفعنا اليها الحاجة وتكون بمثابة محطات ترويحية وترفيهية في خضم اعباء الجهاد الاكبر ومسؤولياته.

(1) لابد لي من تقديم عظيم الشكر والامتنان لحضرتكم اذ دعوتني الى الرجوع إليكم بالتقليد في الاحكام الشرعية، وهو لاشك تواضع عظيم وأمر يصعب عليك البوح به كما افهمه منك، الا انك مع ذلك كله عطفت عليّ بهذا العرض، ولا

ص: 162


1- الفقه، السيد الشيرازي: مجلد 94، ص 372- 373، عن الاصول: ص600.
2- الاخلاق والآداب الاسلامية: ص1073.
3- الاخلاق للسيد عبد الله شبر: ص 110.

اشك انها رحمة من الله تعالى بهذا العبد الضعيف كنت انت واسطتها، (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى)(1). وهذه الرحمة بها عدة مصاديق.

1 ً- انها ترفع من كاهلي مؤونة عسيرة في بعض المسائل كنجاسة اهل الكتاب والاجتناب عن المتنجس الثاني.

2 ً- إن خطكم الاجتهادي امتداد لخط السيد (قدس سره) وهو ما اتوق للسير عليه، ولئن حرمتني (الغفلة) من اتباعه (قدسسره) في حياته فها هي الفرصة تتكرر فيكم.

3 ًً- امكانية الاستفسار والسؤال عن مسائل خاصة وعامة مما لم يدرج عادة في الرسائل العملية، وهذا لا يتيسر لي مع غيركم.

4 ً- ان الرابطة التي تجمعنا اكثر من مرجعية وتقليد .. انها التربية والتعليم والهداية في رحلة طويلة نحو الله تعالى.

ومع يقيني بان عملية الانتقال بالتقليد من السيد الخوئي (دام ظله) (الذي اقلّده منذ بداية تكليفي ) اليكم جائزة مائة بالمائة بدليل عرضكم اياها عليّ الا انه من باب (ولكن ليطمئن قلبي ) اود لو افدتني حول امكان ذلك طبقا لفتاوى السيد الخوئي (حفظه الله) من حيث تقليد الاعلم لانه - كما اظن - ان العملية منوطة بحكمه.

كما ارجو من حضرتكم بيان كيفية الحصول على فتاواكم خصوصاً في كتاب الطهارة - الصلاة - الصوم - الخمس، فهل بالامكان الاحالة إلى كتاب «منهاج الصالحين» أو «المسائل المنتخبة» مع استنساخ مسائل الخلاف بأن تؤشرها لي على رسائلكم العملية واعيد النسخة اليكم، علماً بانه لا تتوفر لدي - بل لم يسبق لي الاطلاع - على نسخة من رسالة «استفتاءاتنا» ولا تعليقاتكم عليها او اي حل آخر تراه مناسباً.

واود ان اعلمكم - اذا لم يكن هناك مانع - ان استفتاءاتنا سوف لا ترتبط برسائلنا بل تأتيكم باذنه تعالى كلما جدّ منها جديد.

وهل توافقون على ارشاد من تتوفر فيه بعض المبررات السابقة الى تقليدكم ؟

(2) ارفق مع الرسالة ملاحظات واضافات جديدة حول بحث فلسفة الاحداث كتبتها في بعض اوقات (الغفلة) وستكتشف بفطنتك:

ص: 163


1- الأنفال: من الآية 17.

1 ً- ان بعض الفقرات مقتبسة بنصها من المصادر منتظرا تعليقاتك عليها ورأيك فيها قبل تحديد شكل الاستفادة منها.

2 ً- ان بعضها ملخصات لبحوث كتبتها بتصرف.3 ً- ان منها ما سبق ذكره في البحث الاصلي والتعليقات عليه، وهنا ادرجنا بعض الاضافات والتوسعات، ومنها ما تشابه ذكره وهذا كله يُرتّب ويعدّل عند تدوين البحث.

4 ً- توسعنا في الشؤون الاسلامية لانها الصق باختصاصنا.

وللاطلاع فاني اذكر الاسماء فقط لمصادر بعض هذه التعليقات:

1- في ظلال القرآن.

2- حصوننا مهددة من داخلها.

3- المثل العليا في الإسلام لا في (بحمدون).

4- وجهة العالم الاسلامي.

5- اعداد مختلفة من مجلة العربي الكويتية.

(3) اذا علمنا الفرق الدقيق بالتوقيت الشرعي بين مدينتين (واعني به: الفرق في الوقت بين موعدي اذان الظهر في المدينتين) وحصلنا على اوقات الصلاة لاحدى المدينتين فهل يمكن تعميم نفس الفرق لفريضتي المغرب والصبح ؟

ما هي شروط ولاية الفقيه ؟

(4) ما هي شروط ولاية الفقيه؟ وهل يمكن ان يرجع الناس لاكثر من ولي فقيه كما يرجعون لاكثر من مرجع؟ وهل فتواه ملزمة دون أخذ رأي المرجع الخاص.

(5) ارجو ان تأذن لي بالاحتفاظ باجوبتك بخطك وعدم استنساخها وذلك لعدة مبررات:

1 ً- انه ابلغ اثراً وادعى للشعور بان ما فيها صادر منك .

2 ً- ان التقيتين العامة والخاصة مضمونتان ان شاء الله تعالى وذلك لاني احتفظ بها ضمن مخطوطات المرحوم جدي وبذلك اتخلص من مسؤوليتها لو حدث حادث لا سامح الله وايضا فان اي يد لا تصل اليها لانها معزولة في مكان محفوظ.

3 ً- اني محتفظ فعلاً ببعض خطوطك كبحثك حول فلسفة الاحداث

ص: 164

والتعليقات عليه للتمييز بين مصدري الكتاب .

(6) وأقول بحياء انك ستجد مع الرسالةان شاء الله تعالى صورة (متأخرة) لتلميذك الحقير التقطت لي قبل ايام، ويشرفني اطلاعك عليها وارى من غير الانصاف والعدل بل ومن غير الادب ايضا ان تحتفظ بمخيلتك بصورة لي ولا اكون كذلك لاني بصراحة لم ارك من قبل شخصياً، ولم اطلع على صورة لك. فان رأيت ان تمن علي ولو بعد حين بصورة اطلع عليها واعيدها اليك ان شئت وان كان الاحتفاظ بها - بين مخطوطات (المرحوم) جدي وصور ذكرياته - اولى، والرأي الاول والاخير لكم ومنكم .

وفي الختام ابثكم اشواقي ولواعج اشجاني، ويشهد الله سبحانه عليّ ان رسائلك والامل باللقاء بكم من اعظم الآمال التي احيا في ظلها ولعلها خطوة كبيرة في طريق الجهاد الاكبر، هذا الحرمان الذي نعانيه، ولولا يقيننا بان ما عند الله خير وابقى، وان ما يختاره سبحانه هو خير لنا لما نفعنا الصبر ولا التصبر، وليس لنا الا الدعاء والالتجاء اليه عزت اسماؤه وعظمت الآؤه والتوسل بنبي الرحمة واهل بيت العصمة صلى الله عليهم جميعاً .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 165

القنديل السابع

جواب الشهيد الصدر (قدس سره)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا خير خلقه وآله الطاهرين.

توكلت على الله وهو حسبي ونعم الوكيل .

السلام عليكم وعلى كل من تحبون ورحمة الله وبركاته.

مولاي وأخي في الله عز وجل ومؤنس نفسي وقلبي اعزه الله وأجله واعطاه الخير كله إنه ولي التوفيق .

لابد لي ان ابدأ بما بدأت به رسالتك جزاك الله خير جزاء المحسنين.

حديث القلوب

مولاي: مررتُ في ماضي الزمان بما مررَت به بسبب هذا الجاهل المقصر ولعلي مررت به على اكثر من شكل واحد وعلى اكثر من مستوى، ارويهما لك معا:

المستوى الاول: مستوى الوعي الاسلامي - الاجتماعي، فقد صادف ان قال لي من له عليّ دالة من العلماء الواعين (وكان ذلك في اواسط الستينات): إن سيد محمد لو انحرف فكذا فكذا. ولم يزد في وصف النتيجة اكثر من كلمتين لا اتذكرهما.

وهو - ان شاء الله تعالى - محمول على الصحة، وكان لا يقصد الا الموعظة و (التوجيه) وهو مشكور ومأجور عليه، الا انني بقيت ردحا طويلا من الزمن افكر إنه ما الذي لمسه مني من علامات امكان الانحراف، واذا لم يكن عندي من علامة لذلك فبأي حق يقول لي ذلك.

وقد كنت في ذلك الحين في عصر (الغفلة) الذي يحتوي ضمن ما يحتوي على (تقديم) الاعمال والعلم والذات ايضا بالرغم من انه لم يكن فيَّ على ما كان عند الآخرين من تركيز متزايد، ومع ذلك بقيت حفيظتي مدة طويلة توفي خلالها هذا الرجل الجليل، ثمانخرطت في سلك القلوب فسقطت اهمية ذلك الكلام من نظري، وعرفت ان نفسي قابلة للانحراف في اية لحظة بغض النظر عن حسن التوفيق

ص: 166

ولم يكن يقصد ذلك الرجل هذا المعنى على اي حال !!

المستوى الثاني: هو المستوى الخاصي لو صح هذا التغيير حيث كان من فقرات تربيتي لدى (مولاي) اعلاه الله بعلاه .. إنه قاطعني وحرمني من لقائه والكلام معه حوالي الاسبوعين، فماذا كان حالي خلالهما ؟! وقد كان (الحال) في ذلك الحين متناميا مركزاً. ولكنه لم يكن في الواقع عاطفة غيض او ازورار - اعوذ بالله - وانما كان باعتبار ما انا اهل له من البعد عن رحمة الله والقرب من غضبه كما هو استحقاقي في ذلك الحين وكل حين لولا حسن الظن به تبارك وتعالى.

فقد ابتليت انت - من حيث لا اعلم ولا اقصد - بما يشبه هذا الموقف . وهي مواقف يخططها الله سبحانه وتعالى للتمحيص والاختبار كما تعلم وقد مررتَ به مرور الناجحين بعونه . لان ما ذكرته من اسباب الانفعال هو الذي ينبغي ان يخطر في اللسان عند ذلك.

خط الوعي الاسلامي

اما من زاويتي، فقد أجدك - ولو متوهماً - تعطي خط (الوعي الاسلامي) أهمية كبيرة نظريا وعمليا، ومعك حق لا شك، ولكن قد يعلو عندك على مسلك الجهاد الأكبر او تجد بعض التهافت بين المسلكين، فتجد ان المسلك الاول اكثر الحاحاً وانجازاً فتعطف عليه بصرك او تدير اليه قلبك، ومن هنا قد يكون لك الخيار - لو شعرت انت بالتكليف الشرعي - بالاستغناء عن الجهاد الاكبر والميل او الاتجاه نحو الجهاد الأصغر.

ولكن هذا الاحتمال تلاشى عندي بالمرة، لانك تدرك بكل وضوح ان يبدأ المرأ بنفسه قبل ان يبدأ بغيره كما قال القائل:

ابدأ بنفسك فانهها عن غيّها *** فاذا انتهت عنه فأنت حكيمُ

وهذا البيت له معنى خاصي جليل يمكن فهمه وهو ان الحكمة انما تأتي بعد انتفاء الغي واندثاره من النفس.

مولاي وأخي: قال لي اولئك الذين تولوا تربيتي : انه لاشيء في الارض ولا في السماوات يعدل الهدف الانساني الاعلى، بل لا تعدله حتى النفس، اذ ان اعز ما لدى الانسان واخص ما لديه هو نفسه، فاذا قال الله سبحانه - وهو الغني عن العالمين

ص: 167

- اعطني اعز ما عندك، فقد يقول له العبد، خذ اليك نفسي، فيقول له : ومن الذي اعطاك النفس غيري، اعطني شيئاً آخر غير ما وهبته لك . فماذا يقول العبد عندئذٍ ؟

وبالفعل، قالت الحكمة (وعلى ما اتذكر هو من اقوال مولانا سيد المتقين (عليه السلام)) : العلم اذا اعطيته كلك اعطاك بعضه، اقول: اما إعطاؤك كلك فهو ضريبة اذن الدخول (لاحظ) واما اعطاؤه لك بعضه فلعدم وجود التحمل للكل فان المحدود يستحيل ان يحيط بما هو غير محدود، (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ)(1).

وقصدي ان الجهاد الاصغر في حدود مسلك الجهاد الاكبر إنما يصح فيما إذا كان الجهاد الاصغر قياما بالتكليف الشرعي الفعلي المنجز باصطلاح علم الاصول لا ما اذا كان - كما تعلم - ملهاة او ازجاء للوقت او طمعا بشيء من الدنيا وما فيها.

الجمع بين الجهادين

فمسؤولية الجمع بين هذين الشكلين من الجهاد مسؤولية غير يسيرة، ولا ينبغي ان تعني انقساما في الشخصية او توزيعا في الهدف، وقد ورد في الحكمة: اجعل همك هماً واحداً، يعني بذلك الهدف والعمل من اجله وانت تعلم ان الجهاد الاصغر على كل مستوياته انما يكتسب اهميته بصفته من بعض ظلال الجهاد الاكبر وتطبيقا من تطبيقاته،او مقدمة من مقدماته احيانا، ويكفي اشارة لذلك تسميته بالاكبر على حين نسمي ذلك بالاصغر رغم صعوباته ونكباته.

وقد ساقني الى هذا الحديث ما وجدت في رسالتك اليوم جزءاً من (الجهاد الأصغر) اكبر من

الجزء الخاص بالجهاد الأكبر من الرسالة . وانت تذكر انه انما للترفيه او نحوه ان لم تخني الذاكرة .. وعلى اي حال فالمسؤولية معروضة بخدمتك ومن تكليفي امام الله سبحانه ان أقول ذلك، فاعذرني .

وقد فرحت جدا وجاءت طيبة على قلبي كثيرا مما ذكرته في رسالتك سواء المقدمة العاطفية او ما بعدها، حيث تدل على تطور ملموس، والحمد لله على حسن فضله ولطفه . كما فرحت جدا بالصورة التي تفضلت مشكورا بارسالها والتي سأحتفظ بها بالرغم من عدم استئذانك . وهي قيّمة بالنسبة لي جدا، لانها صورة احد

ص: 168


1- البقرة: من الآية 255.

اعزائي فجزاك الله خير جزاء المحسنين.

الوجه مرآة الباطن

الا انها فيها نقطة وددت ان اسجلها هنا، لتكون محلا للفائدة في هذا المورد وفي اي مورد . وهي : انه يمكن ان نستفاد منها بثاقب البصيرة انها صورة اخذت في لحظة الغفلة لا في لحظة (الحال) والتوجه. فان الوجه هو مرآة الباطن ويختلف باختلافه مائة بالمائة ولا يستقر على حال. وهذا امر يمكن ان يفهم من الصورة كما يمكن فهمه من المواجهة .

اعتراض على تأييد الشهيد الصدر الاول (قدس سره) لقرار تأميم النفط

وهذا امر جارٍ الى حد ما بين اهل العرف في المجتمع . فمن ذلك ان (هؤلاء) ضغطوا على العلماء حينها لتأييد تأميم النفط. وحين ارسل (السيد (قدس سره)(1) برقيته بهذا الخصوص حصل هناك استفهام نفسي عنديوعند الكثيرين الذين لا يعيشون ظروفه المباشرة . والمهم اني دخلت عليه فنظرت اليه (يعني لماذا كان هذا العمل ) فنظر الي بانكسار (يعني كنت مجبورا عليه) .

وفي بالي في احدى القصص ان احد الاطباء الماهرين نظر الى صورة امرأة (مرسومة يدوياً) معلقة على الحائط فقال: هذه ماتت بالنوبة القلبية ولما فحصوا عن تاريخها وجدوا ذلك صحيحاً . الى اخر ما هنالك من امور .

تكفي يا مولاي هذه الدردشة لازعاجك وسادخل في اجوبة الاسئلة:

مصطلحات عرفانية

السؤال الاول: قولك: (مر علينا خلال عدة رسائل مصطلحات للثقل ... فما هو الثقل وما آثاره ونتائجه ؟)

مولاي : ان هذه الآيات الدالة على الثقل المعنوي، كنت قد كتبتها في رسالة سابقة كشاهد على صحة ما ادعيه من ثقل بعض الأمور على الإنسان.

ص: 169


1- أي الشهيد السعيد السيد محمد باقر الصدر (قدس سره) .

اذن فقد كنت أقصد منها معنى مشتركاً واحداً. وليس معنيان وقد كانت -على ما اتذكر- اربع آيات لا اثنين.

والذي أريد اضافته هنا ان الثقل يكون في كل عالم بحسبه فإذا نظرنا إلى كل الجبروت وعالم اللاهوت وجدنا ان لكل منها أو قل في كل منها ثقلاً خاصاً بها، فالثقل في عالم الملك (وهو عالم الاجسام) هو ثقل الميزان، أو قل هو مقدار الوزن للجسم. والثقل في عالم الملكوت (وهو عالم النفوس) هو موجبات ضيق النفس وانزعاجها وهو الثقل الذي مشينا على اصطلاحه. والثقل في عالم الجبروت (وهو عالم العقول) وهو كل مفهوم أو معنى دقيق يكون اعلى من مستوى الفرد امكان استيعابه وفهمه، ومثاله البسيط: ان تدرس طالب الصف الأول كتب الصف السادس سواء تحدثنا عن الابتدائية أو الثانوية. والثقل في عالم اللاهوت، لا يمكن بيانه الا بكونه من (هول المطلع) عندما يصل العبد إلى تلك المراقيالعليا من الكمال الإنساني، ومن هنا قد يحجب عن الفرد لفترة طويلة قبل ان يبرز اليه العطاء آلالهي بوضوح.

السؤال الثاني: مولاي، هذا من كثرة الطعام وكثرة المنام بمعناه الشامل للغفلة أيضا . والاهم هو الطعام، قال الله تعالى: ( فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً )(1)، اي لا يكون له تأثير سلبي على القلب . وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) في رسالته لعثمان بن حنيف: (فما اشتبه عليك علمه فالفظه، وما ايقنت بطيب وجوهه فنل منه)(2).

مورثات قساوة القلب

قولك: ( وما هي مورثات قساوة القلب حيث يحرم الإنسان من حلاوة مناجاة ربه ؟ وكيف يُجلى القلب من رينه ؟).

إذن فطيب الطعام ضروري لطيب القلب، وأوضح وأسهل ما يمكن فيه بعض التدارك لذلك هو قلة اكل الطعام ( الى حد ما ) والبسملة قبله، بل قبل كل نوع، بل قبل كل لقمة لو امكن (يعني ليس فيه تقية) والحمد بعده بالقلب واللسان، مضافا الى شيء آخر هو ذكر جوع وعطش المعصومين (عليهم السلام) خلال جهادهم الاكبر

ص: 170


1- الكهف: من الآية 19.
2- نهج البلاغة: ج 3، ص 70.

والاصغر، هذا مع تجنب بعض المآكل التي تورث قسوة القلب أو ظلامه كالباقلاء والقهوة وكذلك كل طعام حصل فيه لذة شديدة، ( اللهم اني استغفرك من كل لذة بغير ذكرك ).

ثم ان شرب القليل من الماء كمصتين او ثلاث يؤثر في تقليل القسوة والظلام القلبيين الذي ينشأ من بعض المطعومات والمشروبات.

ودليل هذا مضافا الى التجربة قوله تعالى: ( وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً)(1)،

وفي آية أخرى ( لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِوَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ)(2). فهل هذا كافي؟ توكّل على الله فهو حسبك.

أدب الخلوة مع الله

السؤال الثالث: قولك: (هل صحيح - كمبدأ عام في هذا المسلك - ان نختار من امرين ايهما اشد على النفس ...).

هذا صحيح تماما ما لم يكن العمل الشديد على النفس مرجوحاً شرعا فتركه عندئذٍ الى ما هو الأسهل افضل طبعاً، وهذا ما لم يحصل نوع من التقية فينبغي الانتقال الى الاسهل ايضا.

اما هذه الجلسة المشار اليها كمثال فهي مهمة يا حبيبي ومولاي، واذكر لك في هذا الصدد امرين:

الاول: ان الشيخ السبزواري يذكر في بعض كتبه ان الفرد قد يشعر انه بين يدي الله عز وجل فلا يمد رجله تأدباً امامه تبارك وتعالى فانه اعظم الناظرين.

الثاني: انه نُقل عن احد ا لعلماء - لا اتذكره - من جيل سابق غير بعيد انه دخل عليه داخل فوجده في زيّه الكامل الذي يراه الناس به عادة وليس بالزي المنزلي مع إنه كان جالساً في غرفته الخاصة وليس معه احد، فسأله عن سبب ذلك، فاجابه : - على ما تقول الرواية - ان هذا من اجل احترام نفسي .

اقول وبتعبير آخر: من اجل احترام ربي.

فكذلك الحال يا مولاي في الجلسة المشار اليها في رسالتك، والارجح انه

ص: 171


1- الفرقان: 48.
2- الانفال: 11.

لاجل ذلك لم يُرَ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) متربعاً قط .

تفسير عرفاني

السؤال الرابع: قولك: (هل هناك فرق في المعنى الخاص بين قوله تعالى: «يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» و«وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا» ؟).

مولاي واخي: يمكن لكلام الله المجيد انيُفهم بطرق مختلفة وعلى مستويات متعددة ومن زوايا متباينة ولكن كأطروحة يمكن ان نقدم هذين الفهمين:

الاول: ان المراد من كلا الآيتين واحد لأن الآية الاولى فيها لفظ سبيل الله، والآية الثانية ايضا فيها ذلك لانه تعالى قال: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا)(1). والسُبل: جمع سبيل كما هو معلوم، وهو مضاف الى الله بنون الجماعة.

الثاني: ان المراد بالجهاد في ا لآية الاولى شيئٌ اكثر في مدارج الكمال من الثانية، لأن الثانية قال: إن الذين جاهدوا في الله سيهديهم الله الى سبيل الله على حين تتعرض الاولى الى سبيل الله مباشرة.

الاستعداد للموت

السؤال الخامس: قولك (كيف يشعر الفرد انه مستعد للموت ؟).

مولاي وحبيبي: تمني الموت يحتوي على عدة نقاط ضعف ونقاط قوة، اما نقاط ضعفه:

الاولى: انه يحتوي على عدم التسليم بقضاء الله وقدره الذي يشاء تأجيل الموت لفترة أخرى.

الثانية: انه يحتوي على قطع العبادة والاستغفار والاستزادة من الكمال الذي توفره الدنيا وينقطع بالموت، وتمني الموت يحتوي على تمني انقطاع ذلك طبعاً .

ونقاط قوته:

الاولى: انه يحتوي على انقطاع الذنوب الذي يعلم الانسان انه سيتورط بها لو بقي في هذه الدنيا، (ويلي كلما طالت سنيّ طالت معاصيّ) هذا في الماضي والمستقبل معا مع انسحاب التسديد الإلهي المركز الذي لا يستحقه الفرد.

ص: 172


1- العنكبوت : 69 .

الثانية: انه يحتوي على انقطاع البلاء الذي يوجب ضيقاً شديداً للنفس.

الثالثة: انه يحتوي على بعد عن ذنوب الناس وجرائمهم النفسية وعدم الاطلاع علىذلك وفي ذلك راحة للنفس في الجملة .

الرابعة: انه يحتوي على الوصول السريع الى ما اعده الله تعالى لعبده من الثواب والمقام في الدار الآخرة.

الا ان كل هذه النقاط الاربعة لا تعدل النقطتين الاوليتين وخاصة الاولى منها.

واما هذه الاربعة، فالاولى منها تدفع بالتوكل والدعاء بالعصمة من الذنوب، واما الثانية والثالثة، فتحتاج الى الصبر الذي هو من عطاء الله .

واما الرابعة: فهي غير صحيحة لوضوح الفرق بين المقام الذي احصل عليه الآن لو تم موتي او المقام الذي احصل عليه لو طال عمري إذ من الواضح انه كلما طال العمر مع حُسن التسديد ارتفع المقام، فالطمع بالمزيد يقتضي الطمع بطول العمر.

هذا الكلام كله في تمني الموت، اذن فليس بصحيح للعبد ان يتمنى الموت وانما يرضى بما يرضى، ان كان الحياة فالحياة وإن كان الموت فالموت.

واما الاستعداد له وانتظاره فهو الغالب على الخاصة بل قد يعتبر من المميزات الرئيسية لهم، لأن (العامة) يغفلون عن الموت غالباً حتى قال سيد المتقين (عليه السلام): ما رأيت يقيناً اشبه بشك من الموت . واما الخاصة فيعتبرون الموت اقرب من العين للحاجب . وان الإنسان اذا تنفس فلا ضمان ان يتنفس مرة اخرى.

وفي بعض الروايات التي لابد انك تعرفها: ان اسامة بن زيد اشترى من زيد بن ثابت وليدة بمائة دينار الى شهر، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (ألا تعجبون من اسامة المشتري الى شهر، ان اسامة لطويل الامل ، والذي نفسي بيده ما طرفت عيناي الا ظننت ان شفريَّ لا يلتقيان حتى يقبض الله روحي، ولا رفعت طرفي فظننت اني واضعه ...)(1). كل ذلك للمعرفة بقدرة الله سبحانه وسلطانه من ناحية وانتظارا لفضلهوعطائه المذخور والمحتمل وصوله في اي لحظة، وهو ان يصل قبل ان يستكمل الكتاب اجله.

ص: 173


1- الحقائق في محاسن الأخلاق، عن تنبيه الخواطر: ج 1، ص 271، واحياء علوم الدين: ج 4، ص 412.

حب الله تعالى

السؤال السادس: قولك: (هل يتعارض تفرد القلب بحب الله تعالى مع حب غيره فيه سبحانه ؟).

مولاي واخي: هذا السؤال له جواب معمق ليس الآن وقته فادع الله سبحانه ان يوصلك اليه.

ولكن الجواب الممكن الآن هو ان حب من امرنا الله بحبه انما هو من اجل حبه جلّ جلاله. فنحن نحبه ونحب كل من يحبه (اللهم ارزقني حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يوصلني الى قربك).

لا يختلف في ذلك المعصومون (عليهم السلام) او سائر الاولياء الصالحين او الاخوان في الله سبحانه وتعالى.

واما اذا حصل تفرد القلب بحب الله تماما فعندئذٍ يهديه الله سبحانه للجواب المعمق الذي اشرنا اليه .

حديث حول العصمة

السؤال السابع: قولك: (ما الفرق بين العصمة الذاتية .. والعصمة المكتسبة؟).

مولاي: يخطر في البال ان الجواب هنا ينبغي ان يكون اقرب للقواعد منه الى الفهم الخاصي لنستطيع الحديث بشكل اوسع، ان الفرق بين العصمتين يتمثل بأمور :

الامر الاول: ان العصمة الواجبة تحتوي على العصمة من الخطأ والنسيان، وليس كذلك العصمة المكتسبة.

الامر الثاني: ان العصمة الواجبة تحتوي على الالهام والتسديد او الوحي وليس كذلك العصمة المكتسبة.

الامر الثالث: ان العصمة الواجبة ليس فيها انحطاطاً . بينما قد يشعر الآخرون بانحطاط النفس او القلب احياناً الى حد يكون عرضة للذنوب، وان لم يذنب.الامر الرابع: ان العصمة الواجبة ثابتة بالدليل القطعي لكل منصوب الهي للهداية، بخلاف العصمة الاخرى، وهذا هو مقصودهم بالواجبة حين يقولون : انها عصمة واجبة . فهذا غيض من فيض .

ص: 174

فلسفة تواضع الائمة (عليهم السلام)

السؤال الثامن: قولك: (كيف تحمل على الحقيقة لا المجاز كلمات الائمة (عليهم السلام) في مقام التواضع ؟).

من الصدف او حسن التوفيق اني بالامس او اول امس وجدت احد الخطباء (هناك) يذكر ذلك، ويذكر لتبريره وجوها اربعة:

الوجه الاول: انهم (عليهم السلام) ذكروا ذلك لتعليم الناس.

وهذا قد يكون صحيحاً في بعض الادعية الا انه ليس صحيحاً في قسم آخر حين يكون الامام (عليه السلام) وحده مناجياً ربه .

الوجه الثاني: انهم (عليهم السلام) ذكروا ذلك تواضعاً لله عز وجل . وهذا الوجه سمعته من (السيد) (قدس سره).

الا انه ليس بصحيح لان التواضع لا يستدعي (الكذب) ان يقول الفرد اني مذنب وهو ليس بمذنب.

الوجه الثالث: انهم (عليهم السلام) ذكروا ذلك لما يرون من العظمة الإلهية والصفات العليا التي يسّر الله كشفها لهم . فهم يعتبرون انفسهم مذنبين مهما كانوا فيه من مراتب الطاعة.

وهذا هو الوجه الذي سمعته من (مولاي) وقال ذلك الخطيب المشار اليه انه مرضي لسائر العلماء والمحققين.

الوجه الرابع: انهم (عليهم السلام) كانوا يشيرون الى الآثار الوضعية والنتائج التي تسفر عنها الذنوب .

كما في اول دعاء كميل: (اللهم اني اعوذ بك من الذنوب التي تغير النعم ... الخ ) فتغير النعمة انما هو من نتائج بعض الذنوب وهكذا.

وهذا الوجه هو الذي ارتضاه ذلك الخطيبوهو ينطبق على البعض القليل من المناجاة ولا ينطبق على اكثرها.

الوجه الخامس: اننا نعلم انه كلما زادت مسؤوليات الفرد زادت التوقعات منه او قل المطلوب منه. وزادت الى جنب ذلك احتمالات تورطه بالذنب، ولذا قيل:

ص: 175

(حسنات الابرار سيئات المقربين)(1)، وقيل: (اذا فسد العالِم فسد العالَم)(2).

ومن المعلوم بالضرورة ان مسؤوليات المعصومين (عليهم السلام) اعظم من مسؤوليات غيرهم بل اعظم من مسؤوليات كل الخلق. ومن هنا كان لهم نوع من الذنوب يعدل مستواهم ومسؤولياتهم . وقد عرفنا ان العصمة انما هي عن الذنوب العامة وليس عن الذنوب الخاصة، وما من انسان على الاطلاق الا لديه ذنوبه الخاصة، ومن المسلّم به عندهم ان حق الله لا يُنال، وان شكره لا يمكن بلوغه.

فقلة الشكر - مهما كان كثيراً - هو احد ابواب الاستغفار، كما ان هناك اموراً اخرى كذلك كقوله : قد جنيت على نفسي في النظر لها فلها الويل إن لم تغفر لها، إذن فنظره الى نفسه (كما هو اعلم به) يعتبره ذنباً.

وكذلك قوله تعالى: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْء)(3)، فقد يكون ذلك لانه خطر في ذهن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ان يفعل شيئاً ما، وكذلك قوله: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْت)(4). وغير ذلك.

وهناك معنى آخر يلوح من قوله: ( وما في الورى خلق جنى كجنايتي) وهو مفهوم اكد عليه (مولاي) وفي حينه ثقل عليّ كثيراً ولعله عليك ايضا فادع الله سبحانه ان يرزقك خير ما فيه وخير ما بعده ويدفع عنك شر ما فيه وشر ما بعده.

وحاصله: ان الفرد ينبغي ان يشعر انهشر الخلق وليس في الخلق من هو شر منه. وقد رأيت في ذلك عدة روايات،وقد كان مولاي يعطي لذلك بعض التبريرات.

فانه عندما ذكر هذا المفهوم ورأيته للمرة الثانية، قلت له: قد خطر في ذهني من الافكار السيئة بحيث ثبت عندي اني شر الخلق.

فقال لي: هذا طريق صحيح، الا ان هناك طريقاً آخر هو مقدار ما يعرف الفرد من عظمة الله وعزته وسلطانه، ولم يشرح لي اكثر من ذلك.

وفي الروايات تبريراً ثالثاً لذلك هو ان الفرد يقول عن الشخص الآخر - اي شخص - لعل فيه جهات جيدة ليست في قلبي ونفسي ولعلي احتوي على جهات

ص: 176


1- بحار الانوار: ج25، ص 205.
2- الاربعون حديثاً: ص 163، عن غرر الحكم، ج7، ص 269.
3- آل عمران : من الآية 128.
4- القصص: من الآية 56.

سوء هو بريء منها . هذا بالرغم من ان الظاهر انه هو اكثر ذنباً مني !!

فهذه هي الوجوه الممكنة بهذا الصدد.

نية السالكين

السؤال التاسع: قولك: (صحيح ان نية السالك في هذا الطريق هو القربى الفعلية الحقيقية ؟ ...).

حبيبي: حاول ان لا تنوي في العبادة كالصلاة والصوم عنوان جهاد النفس او الجهاد الاكبر ونحوه فانه وان كان مرضيا لله عز وجل إلا أن نيته مخالفة للاحتياط يكفيك جدا ان تنوي القربى والزلفى التي تشير اليها في رسالتك.

نعم، بالنسبة الى الافعال غير العبادية بذاتها، وانما تكتسب عباديتها من جهاد النفس نفسه كتحمل الحر او البرد او العطش والجوع من غير صوم ونحوه، فالنية عنده طبيعية فيها.

مولاي: انا اصلّي لانه تعالى امرني واراد مني الامتثال، والامتثال سبب للتكامل والتكامل ليس من قبيل الانانية، بل لانه جلّ جلاله هو الذي يريد لي الكمال.

وقد قلت لمولاي: كيف اجاهد نفسي لمصلحة نفسي؟ فاجابني: هذا هو مسلك كل الانبياء والاولياء والصالحين.إلا ان الجواب الصحيح - حسب فهمي القاصر - هو ما سلف .

مدة العطاء

السؤال العاشر: قولك: (هل على السالك ان يطبق الخطوات اولا بأول ...).

مولاي الأعز: انا لم احدد الخمسة عشر عاماً بالتعيين وإن كنت قلتها فعلا ولكن مرادي إن العطاء كلما طال أمد انتظاره فانه لا ينبغي اليأس منه، إذ لا يأس من رحمة الله، بل قد يطول سنين متطاولة ولكنه الى جنب ذلك قد يقصر لعدة ايام او لعدة ثواني حسب الحكمة والمصلحة، والذي يؤثر فيها مقدار العطاء ومقدار التحمل وغير ذلك.

فهل سؤالك يتضمن اعتقادك ان هذه المدة كثيرة او قليلة، والذي فهمتُه من اول السؤال انك تعتبر هذه المدة قليلة، كلا يا مولاي، فليس للعطاء مدة محددة، كما لا يتوقف على ما تنمّ عنه الرسائل من مفاهيم كما هو ظاهر كلامك.

ص: 177

ودليلي على ذلك اجمالا، وجود اناس يُعتبرون من الناحية الظاهرية اجهل خلق الله او من اجهلهم، ولكنهم في القلب والباطن من افضل خلق الله واكثرهم قرباً وكرامة.

وفي عرب البادية نماذج مهمة من ذلك.

هذا ولا ينبغي جدا ان ينظر الى من فوقه بعين الحسد، فان العطاء يأتي بمقدار العدل والحكمة، كما يأتي بمقدار العطف والرحمة، وكل هذه امور مترابطة لا يمكن ان تزيد ولا تنقص .

وفي الحكمة -واعتقد انها من عطاء امير المؤمنين (عليه السلام)- انظر في الدنيا الى من دونك وانظر في الآخرة الى من فوقك. او قل : انظر في الظاهر الى من هو دونك وانظر في الباطن الى من هو فوقك.

اما النظر الى الدون الظاهري فلاجل حمد النعمة الظاهرية التي خصتني دونه . واما النظر الى الاعلى الباطني فلاجل السعي الى الحصول على مقامه واحتقار النفس التي لم تصل اليه لحد الآن . وهذا معنى آخر غيرالحسد.

يقول الشيخ السبزواري: ان رفاه الظاهر يحتوي على الحسد لانه محدود، فإن هذا الشيء اما عندي واما هو عندك فنتنازع عليه.

واما عطاء الباطن فهو مبرّء من الحسد لانه غير محدود، فان نفس الرحمة التي وصلتني يمكن ان تصلك وليس للرحمة الإلهية حد بل وسعت كل شيء .

اما السؤال الآخر المندرج ضمن هذا السؤال فجوابه: إن التأخير اعني تأخير العطاء ليس باختيار الفرد ليعتبر تورطاً او ذنباً، وانما هو من الله سبحانه حسب المصلحة والحكمة، كل ما في الامر انه قد يكون تورطا محتملاً من ناحية اخرى وهو: ان الفرد لو لم يكن متورطاً بذنوب عديدة لما تأخر عنه العطاء ولكنه قد تأخر إذن فهو متورط.

الا ان هذا محتمل واحتماله يستدعي زيادة الخضوع والاستغفار، ولكنه ليس قطعياً، لان تأخر العطاء ليس بسبب زيادة الذنوب فقط بل لاسباب اخرى منها ضعف النفس.

فهمت من السؤال فهماً آخر وجوابه مختصراً، نعم اذا لم يكن فيه تقية من النفس لانه خلاف المبادرة الى الخير واستباق الخيرات.

السؤال الحادي عشر: قولك: (اذا تضيق وقت الليل لاداء احد اثنين اما صلاة

ص: 178

الركعات الثمانية الاولى أو مستحبات القنوت ... فايهما نعمل ؟).

مولاي: اختر ان تكون صلاتك اكثر توجهاً وخشوعاً وذلة امام القاهر العظيم، اما هذه (الشكليات) مع احترامي لها فليس لها دخل كبير. فالصلاة التامة هي التي تحتوي على تلك الصفة لا على كثرة الركوع والسجود.

وقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما مضمونه: ان منهم من تكون صلاته كجبل اُحد، ومنهم من تكون صلاته كالبرتقالة، ومنهم من تكون صلاته كالحبة.

واود ان اشير هنا، الى ان هذا الذييذكرونه ضرورياً في قنوت الوتر وإن كان راجحاً فعلاً، الا انه ليس بضروري، وخاصة اذا أوجب الملل . فالاقتصار على القليل مع حُسن التوجه خير من الكثير من دونه.

وقد كان (السيد) يقول في مثل مورد السؤال : باستحباب صلاة الليل الكاملة .

السؤال الثاني عشر: مولاي انا اقرأ جزئين كل يوم. والقرآن نفسه يأمر الفرد ان يقرأ ما تيسر منه . والتيسير امر فيه الظاهر والباطن، فان حصل التيسير من جميع الوجوه فقراءة القرآن اكثر من ضرورية للسالك . ولا بأس من التضحية القليلة، اما لو اوجب التضحية الكثيرة او مخالفة التقية باي معانيها فهذا معناه عدم التيسير، فيكون الارجح ترك القراءة.

منشأ مصطلح العرفان

السؤال الثالث عشر: قولك: (كيف نشأ مصطلح العرفان وما مضمونه ...).

مولاي ووليي: العرفان من المعرفة ويقصد به معرفة الله سبحانه وتعالى، وقد ورد عن اصحاب الامام المنتظر (عليه السلام) انهم رجال عرفوا الله حق معرفته.

وفي نهج البلاغة في جواب هل رأيت ربك: فقال (عليه السلام): (أفأعبدُ ما لا أرى ؟! ولكن لا تراه العيون بمشاهدة العيان، ولكن تدركه القلوب بحقائق الايمان)(1).

ولكن لا تراه العيون بمعاينة الابصار ولكن تراه القلوب بحقائق الايمان، وليس هذا وقت التوسع في ذلك.

ص: 179


1- نهج البلاغة: ج2، ص 99.

مولاي: عند الصوفية انفسهم: ان التصوف هو السلوك الى المعرفة . واما اذا حصلت فهو عارف وصفته هو العرفان، ويجمع على عارفين وعرفاء . وامير المؤمنين (عليه السلام) هو سيد العارفين.

ولكن المتصوفة يعتقدون ان السلوك لا يكون الا بالطريقة ويقصد بها الانتساب الى (شيخ) معين يربيه اولاً ثم يشهد على وصولهثانياً ثم يجيزه ثالثاً، ثم يسلم اليه (الخرقة) رابعاً . وقد قرأت عن بعضهم انه تسلم (الخرقة) من الخضر (عليه السلام) اربع مرات يعني باربع طرق صوفية . اقول ولعل الخرقة تتكون من الصوف ومن هنا جاءت التسمية.

واما انا فلا اعتقد ولم يكن (مولاي) يعتقد ان كل هذه التفاصيل ضرورية فان الله سبحانه قد يحبو الفرد بما يحب من الصفات الحميدة والمقامات المجيدة من دون طريقة ولا اجازة ولا خرقة، ومن هذا ونحوه كان بعض علماء الظاهر يعتبرونهم منحرفين، لان هذه التفاصيل التي عندهم ليس عليها في ظاهر الشريعة دليل، غير ان بعضهم لهم درجة من الاهمية والمقام بحيث يصعب الطعن فيهم، وهم اعلم بما يعتقدونه.

اصلاح الفرد واصلاح المجتمع

واما التفريق الذي اشرتَ اليه بين اصلاح الفرد واصلاح المجتمع فقد قلته انا في مرحلة سابقة من رسائلي انطلاقاً من تفكير (الوعي الاسلامي) فانهم يعتقدون ان الصوفي يريد اصلاح نفسه والواعي يريد اصلاح المجتمع.

اقول: وهذه شقشقة لا ادري ما تقول فيها: ان كلا الفقرتين خاطئة فالصوفي يريد اصلاح نفسه ولكنه:

اولاً: يود الخير الذي يعرفه لكل الناس إذ لا بخل في رحمة الله سبحانه وتعالى. ولكنه عند السلوك يكون منطوياً على نفسه، لأن هذا هو مقتضى تكليفه عندئذٍ.

ثانياً: انه حين ينتهي السلوك ويصل الى المعرفة يبدأ بتربية الآخرين او قل: اصلاح المجتمع بالمعنى الذي يعتقده. وقد رأيناهم تاريخياً شيوخاً لأعداد ضخمة من الطلاب.

وكذلك الفقرة الثانية، فالواعي لا يريد اصلاح المجتمع حقيقة لانه لو كان

ص: 180

يريد ذلك لبدأ باصلاح نفسه، ومن المعلوم ان اصلاح الغير بدون اصلاح النفس محال لان فاقد الشيء لا يعطيه، واما اذا اعتقد ان نفسهصالحة فهو من الغافلين الذين تؤزهم الشياطين أزّا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعاً .

فهذا قليل من كثير، وللكلام في هذا وغيره شجون. والله اعلم بخلقه وهو اعلم حيث يجعل رسالته وعطاءه . وليس لنا - مهما كنا - من الامر شيء ولا اريد تفصيلا اكثر.

السؤال الرابع عشر: قولك: (هناك احاديث تحث على تلاوة سور خاصة في اوقات معينة ...).

أخي ومولاي: الامر بسور معينة يتضمن الوصول الى نتائج خاصة تعتبر من آثارها الوضعية كما يعبرون . وحيث ان هذه النتائج يريدها المعصومون (عليهم السلام) لشيعتهم فقد امروهم بذلك، واما تلاوة القرآن الكريم على العموم فله ثوابه الخاص به، ومهما فعل الفرد فهو خير ما لم يحدث الملل والسأم فينبغي التريث لانه خلاف التقية من النفس.

وإذا لم يكن الفرد طالباً للآثار الوضعية تلك فيكفيه قراءة القرآن الكاملة (الختمة) تماماً.

إهداء الاعمال

السؤال الخامس عشر: قولك: (وتوجد احاديث تدعو الى اهداء الاعمال لاهل البيت (عليهم السلام) ...).

مولاي: ان الاهداء الى اهل البيت (عليهم السلام) افضل من كل إهداء . اما المستحبات فخلال انجازها واما الواجبات فبعد انجازها . ولا ينبغي نيّه الاهداء خلال العمل الواجب فانه خلاف الاحتياط الوجوبي.

وطريقتك بالبدء بهم (عليهم السلام) ثم بالموتى جيدة جداً. وكان ابي (رحمه الله) يقول: اني اهدي الختمة لأمير المؤمنين (عليه السلام) ثم لاموات المؤمنين والمؤمنات وثواب الاهداء الثاني له (عليهم السلام) مرة اخرى، وهكذا يأتي الثواب ويذهب الى الابد. وهذا باب ينفتح منه اشكال كثيرة كما هو واضح لمن يفكر.

واما قولك عن توزيع الثواب عليك وعلىالموتى، فهذا غريب من مستواك الفقهي، فان اهداء الثواب لا يعني باي حال نزعه من (الفاعل) وانما مضمونه برحمة

ص: 181

الله سبحانه ان يكون للمهدى اليه مثل ثواب المُهدي من غير ان ينقص من ثوابه شيئاً.

ومن العجيب اني اسمع من العديدين قولهم: وماذا يبقى لي إذن؟ وهذا غير وارد تماماً بسعة عطاء الله ورحمته. بل للمُهدي ثوابان: ثواب العمل وثواب الاهداء.

واما السؤال: هل يجوز الاهداء للاحياء؟ فهذا ايضا غريب منك، ولعلك اطلعت على اخبار الاهداء للمعصومين (عليهم السلام)، وفي عدد منها يقول الرواي للامام: اني انوي ان اهدي اليك الطواف (او نحو ذلك) والامام المخاطب حي طبعاً، كما انه من الواضح ان اهداء الثواب للمؤمنين والمؤمنات الاحياء منهم والاموات امر متعارف جداً ولا إشكال فيه، وما سمعناه من امتناعه عن الاحياء انما هو قضاء الصلاة عنهم او الصوم، فان هذا لا يكون الا بعد الوفاة.

وصلنا الى الاسئلة (الترفيهية) اعاذنا الله من كل زلل.

السؤال الاول: قولك: (هل توافقون على إرشاد من تتوفر فيه بعض المبررات السابقة الى تقليدكم ؟)

أخي ومولاي: انا لم ادعُك ولم ادع احدا الى الرجوع لي بالتقليد، فان موقفي تجاه الآخرين انما كان هو السكوت عندما عرضوا علي ذلك . وخاصة وان تقليد الفرد لا يجب ان يكون بأذنه. واما موقفي تجاهك فاني قلت في الرسالة السابقة: ان هذا ممكن لك ان كنت ترى ذلك حجة وكانت الشرائط في رأيك مجتمعة.

الدلالة على الاعلم

واما فعلية وجود الشرائط فلم احررها لك. وخاصة شرط (الاعلمية) فاني لن اقوله لاحد.

وحاصل الجواب الذي اقوله عند هذاالسؤال ما يلي:

ان الاعلمية (اليوم) منحصرة في طلاب (السيد) (قدس سره)، واهمهم ثلاثة او خمسة وانا اشهد بأني احدهم . فهل يكفيك هذا.

مولاي: اما نجاسة اهل الكتاب، فهي على القواعد غير موجودة، وإن الطهارة الذاتية صحيحة، ولكن لاشك بوجود احتياط استحبابي اكيد بالاجتناب.

واما خطي الاجتهادي، فانك وان كنت على صواب الا ان هناك بعض الاختلافات التي لا ينبغي ان تفوتك واعتقد انها لا تخفاك.

ص: 182

منها: اني بفضل الله سبحانه اكثر نظرا للباطن منه (قدس سره)، سواء في النظر لنفسي أو للآخرين.

ومنها: اني اقل رغبة في التدخل بالأمور العامة الا اذا اقتضى التكليف المنجز ذلك وارجو ان لا يشاء ربي ذلك، فان فيه مسؤولية ضخمة قد لا اتحملها.

ومنها: اني لم احرز قابليتي لمثل هذه الأمور، ولكن يبدو انه (قدس سره) احرز قابلية نفسه لذلك، ولكن قال بعض من (يفهم) : اني لا استطيع تقويم نفسي فكيف استطيع تقويم الآخرين.

الى غير ذلك مما لا حاجة الى سرده.

اما امكانية الاستفسار، فهو متوفر في السيد الخوئي (دام ظله) ايضا متمثلاً برسالته العملية.

وعندي تعليق على (منهاج الصالحين) ابتداء من كتاب الزكاة الى آخر الجزء الاول فان عزمت وتمت لديك الحجة الشرعية فأخبرني لعلي استطيع ان ارسل لك ذلك(1).

واما الاستمرار بالتعليق على الجزء الاول من اوله الى كتاب الزكاة فهو امر بطيئ نسبياً ويوجب لي (الغفلة) والبعد اعانني الله على كل المكاره . وعلى اي حال فانا لست عازماً على العزوف عنه ولكنه يتوقف على الطلب من بعض المؤمنين، اذاكتب الله لي البقاء في هذه الحياة الدنيا.

واما التعليق على الفتاوى الواضحة فهي لا تفيدكم الا اذا حصلتم على نسخة من هذا الكتاب فلعلكم اذا حاولتم استطعتم والله العالم.

واما ارشاد الآخرين للموضوع، مع وجود (الثقة) التي تعرفها، فهو امر موكول اليك، وانا اسكت عنه بدوري ولا أقول اني لا مانع لي عنه، إشهد يا ربي!

وعلى العموم فتسرب الخبر الى (الخارج) مخالف للتقية جداً ولا ارضاه وانا (عندهم) مجرد صعلوك جليس الدار.

واما استمرار الاستفتاءات فهو امر معقول، غير اني حوّلت الآخرين على التعليقات إن كانت لديهم نسخة منها، ولا ارضى ان يتم السؤال عن شيء مسجل

ص: 183


1- تم نشر هذه التعليقة في الكتاب الرابع من سلسلة ما لم ينشر من تراث الشهيد الصدر الثاني (قدس سره).

فيها فعلاً، لان ذاكرتي قد تخونني عند الجواب ولكنك مادمت غير حاصل على مثل ذلك فانت غير مشمول لهذه القاعدة حتى تحصل عليها.

واما السؤال الثاني: فيأتي جوابه في حينه مع التعليق على تلك الامور.

واما السؤال الثالث: قولك: (إذا علمنا الفرق الدقيق بالتوقيت الشرعي بين مدينتين ... هل يمكن تعميم نفس الفرق ...).

فجوابه: نعم، اذا كانت في خطوط العرض متشابهة.

شروط ولاية الفقيه

واما السؤال الرابع: قولك: (ما هي شروط ولاية الفقيه ...).

اما شرائط الولاية فهو بحث طويل لا يحسن تسجيله في هذه العجالة.

واما الرجوع الى اكثر من ولي كالرجوع الى اكثر من مجتهد، فهذا كلاهما باطل، فلا يجوز الرجوع لاكثر من مجتهد الا عند تبدل الشروط كحصول الفسق والعياذ بالله او حصول من هو اعلم منه وهكذا، وكذلك لا يجوز الرجوع الى اكثر من واحد في ولاية الفقيه، فان كان هناك متعددون وجب الرجوع إلى من هو - اعني المكلف - تحت سلطانه وسيطرته .وإن لم تكن هناك سيطرة لأحد من العلماء فالولي هو المرجع نفسه.

واما قولك: هل فتواه ملزمة دون اخذ رأي ا لمرجع.

فهذا السؤال ناشئ من عدم التفريق بين الحقلين : حقل الولاية وحقل الاجتهاد.

فان حقل الولاية هو الامور العامة وحقل الاجتهاد هو الاستنباط . وكل يجري مع الآخر بلا تعارض.

ولكن قد يصدف نادراً ان يتعارضا على القاعدة كما لو أمر (الولي) وجوباً بأمر يراه (المرجع) حراماً . فيجب الرجوع الى المرجع عندئذٍ، الا ان تحدث مفسدة دينية كبيرة حيث يجوز معها ارتكاب الحرام.

واما السؤال الخامس: قولك: (ارجو ان تأذن لي بالاحتفاظ باجوبتك بخطك وعدم استنساخها ...).

فلا اعلم ماذا اجيب عنه فانك اوثق في وجداني من نفسي، ولكنك لا تستطيع ان تغير قضاء الله وقدره، واذا اراد شيئاً سبّب اسبابه.

ص: 184

فان التقية (الخاصة) قطعية، ومع تخلفها بشكل خارج عن الاختيار فليس مهما، بل يعتبر ذلك رزقاً مقسوماً لمن اطلع عليه، وانما المهم هو التقية العامة، والأمر موكول اليك في تكليفك امام الله سبحانه، وانظر مقدار احتمالات (الخطر) فان كانت ضئيلة جداً أو منعدمة بعونه تعالى فانت وما تريد.

وأما السؤال السادس: قولك: (انك ستجد مع الرسالة ان شاء الله صورة «متأخرة»).

فقد بادرت الى الجواب عنه في اول هذه الرسالة لمدى اهميته وانطباعه النفسي الفياض، وإن كنت قد آذيتك بتعليقي على الصورة التي احبها واحب صاحبها، وانا من شأني الاذى وانت من شأنك الصفح وسعة الصدر، وجزاك الله خير جزاء المحسنين، وعلى اي حال فقد قيل قديماً (امش وراء الذي يبكيك، ولاتمش وراء الذي يضحكك). وقد ورد عن الامام الباقر (عليه السلام): (اتبع منيبكيك وهو لك ناصح ، ولا تتبع من يُضحكك وهو لك غاش)(1) .وامرك الى الله في هذه العلاقة الغريبة بي.

واما بشأن صورة لي فاحسن تعليق في هذا المجال المثل المشهور: تسمع بالمعيدي خير من ان تراه. وسأحاول قبل ارسال هذه الرسالة ان آخذ صورة فورية لوجهي (الكريم) كي ارفقها بها لكي تكون صورة متأخرة جداً وسريعة، ولست انت محتاجاً للوصية بالتقية فيها مع الاشارة الى انه يمكن بقاؤها عندك.

واتذكر بهذا الصدد البيتين اللذين وضعهما المرحوم الشيخ قاسم محيي الدين (عليه الرحمة) تحت صورته في بعض كتبه:

صورتي هذه وجود مكرر *** تتجلى من بعد موتي وتظهر

هي نعم الذكرى لطاهر القلب *** لك اهدي هذا الكتاب المطهر

وذكر الموت حسن على كل حال. رحمة الله عليه.

وأخيراً شكر الله سعيك وايدك بنوره ولطفه واعطاك سعادة الدارين وعز النشأتين وبلّغك ما تتمناه منه انه ولي كل توفيق.

وخذ اشواقي ومحبتي واحتراماتي الفائقة وتقديري.

وشكراً لله على حسن التوفيق باتمام الرسالة لكم والحمد لله رب العالمين.

ص: 185


1- ميزان الحكمة: 10/ 4327 .

ص: 186

الباب الثالث: أولوية السلوك

اشارة

ص: 187

ص: 188

الفصل السابع:

الرسالة الثامنة: اصلاح النفس أولاً

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على افضل الانبياء والمرسلين ابي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وجميع الانبياء والمرسلين والصديقين والشهداء والصالحين والبراءة من اعدائهم اجمعين.

سيدي: اود ابتداءً ان اعلّق على بعض ما ورد في رسالتكم السابقة .

1- اني لم ولن اعطي شيئاً من اهمية اكبر مما اولي لهذا السلوك وان بدا ذلك من كثرة ما كتبت في مجال الجهاد الاصغر، فقد اصبحت مقتنعا تماما باولوية هذا السلوك ورجحانه على كل ما سواه، وأتألم لمن لم يلتفت اليه، واثناء كتابة تلك الملاحظات على بحثكم كنت اشعر بكربة شديدة جداً اعتبرت مقاومتها خطوة في هذا المنهج وكان الداعي لاعطائها جزءاً من وقتي واهتمامي هو اني احببت استغلال الوقت الذي قررته للجلوس مع العائلة (بعد صلاة العشاء) في امور مفيدة (متابعة الاخبار، تسجيل هذه الملاحظات) بدلا من ضياعه في التافه من الكلام؛ وهناك امور اخرى لا تقل اهمية عن هذا السبب .

واكرر اني مقتنع الآن تماما بضرورة ان يلتفت الانسان لاصلاح نفسه قبل القيام بأي عمل آخر مهما كانت فوائده ومردوداته الايجابية بل أجد انه لا قيمة لأي عمل اذا لم يتمكن الفرد من سد ثغرة النفس الامارة بالسوء فلا يطلب اصلاح الآخرين بإهلاك نفسه فيكون من الاخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعاً ... ويمكن ان استدل على موقفي هذا بتركي اعادة النظر في بحث «دور الائمة فيالحياة الاسلامية» مع اقتناعي بحاجته لمثل هذه الاعادة ومع رغبتي الماسة في ذلك، لكني آثرت ايكال الامر الى ان يأذن الله تعالى.

2- اني عندما قدمت بعض الاسئلة الفقهية والعامة قلت انه يدفعني الى اثباتها الحاجة اليها وانهاستكون ضمن اسئلة الجهاد الاكبر من قبيل المحطات التي تساعد

ص: 189

على استيعاب الفقرات لان التركيز المتتابع والمعمق في الكلام يقلل من الاستيعاب وبالتالي الاستفادة ويثقل احيانا، وبذلك تؤدي هذه الاسئلة العامة دوراً مهما في تلافي هذه المشكلة وتبقى الحاجة الفعلية لها بالذات هي الدافع الرئيسي لاثباتها .

3- بعد اطلاعي على جوابكم حول امكان الاحتفاظ بخطكم رأيت ان كفة الميزان تميل الى جانب استنساخ الخطوط واتلافها وإن عزّ علي ذلك، فشمّرت عن ساعد الجد واتممت ذلك كله ولله الحمد على حسن توفيقه وعونه. وقد ا حببت احاطتكم بذلك علما.

وارجو ان لا تظن مما مضى اني متأثرٌ او غير راضٍ بما القيتَ اليّ وبمسيري وراء الذي يبكيني بل على العكس فإن هذا هو مطلبي منذ مدة لاني اخشى ان يؤدي بي الاتكال على دفئ الكلام فيؤدي الى التغرير والانخداع وعدم الاخلاص . هذا ما اردت بيانه والآن اتقدم بهذه الاسئلة :

(1) احس ان الاعتكاف في المساجد والعزلةوالتفرد ضرورية جداً للسائر في هذا المنهج فما هو البديل عن الاعتكاف في فترة الظلام التي نعيشها.

اعاني من الغفلة

(2) لا زلت اعاني من الغفلة وشرود الذهن وعدم التركيز اثناء العبادات كالصلاة وتلاوة القرآن وقد فهمت من رسالتكم السابقة ان قسوة القلب وغفلته اكثر ما تأتي من الاسراف في المباحات خصوصاً الاكل والنوم واحب ان اعرض عليك نصيبي منهما لكي ترشدني الى تقليله او الى عوامل اخرى تؤثر في الموضوع او ان الامر شيء طبيعيوان هذه النتيجة مما تعطى بعدئذٍ.

بالنسبة للاكل فما اوصى به المعصومون (عليهم السلام) قال أمير المؤمنين (عليه السلام) للحسن (عليه السلام): (الا اعلمك اربع خصال تستغني بها عن الطب ؟ قال: بلى، قال: لا تجلس على الطعام الا وانت جائع، ولا تقم عن الطعام الا وانت تشتهيه، وجوّد المضغ، واذا نمت فاعرض نفسك على الخلاء، فاذا استعملت هذا استغنيت عن الطب)(1).

وعن ابي عبد الله (عليه السلام): (ما اتخمت قط لاني ما رفعت لقمة الى فمي

ص: 190


1- وسائل الشيعة: ج16، ص 409.

الا سميت)(1).

وما قاله صاحب جامع السعادات ان كمية الأكل تكون بحيث تخلصك من ألم الجوع ولا تثقلك عن العبادة.

واما النوم فالمعدل كما يحدده الطب سبع ساعات يومياً تقريباً.

مواصفات قلبية

(3) هناك مواصفات قلبية كالصبر والرضا والتسليم بقضاء الله كيف اتأكد من توفرها لدي . فمثلا اشعر احيانا بعدم الرضا والكراهية لحدوث امر ما ثم لا البث بحسن توفيق الله تعالى وعونه وبعد ان اتسلح بمقدمات تلك المواصفات واستحضرها أحس بتغير في

الموقف فهل هذا دليل على عدم اتصافي بها ام العكس لكن بشكل محدود.

(4) ما هو دور الصدقة ومقدارها في هذا المنهج.

(5) يخيّل اليّ ان من اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من سار في هذا السلوك رضوان الله عليهم، ولكن بم نفسر عدم ورود اسمائهم في الثابتين اذا حمي الوطيس في المعارك كحنين ماداموا ناجحين في الجهاد الاكبر.

(6) لا شك ان جميع النعم هي من الله تعالى(وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)(2)،

ولكن الانسان يغفل فينسبها الى غيره تعالى او لا يلتفت اليها اصلاً. ولكن نعماً -كاستجابة دعاء وتحقق مطلوب- تبدو النعمة الالهية سافرة واضحة. فماذا يجب ان يكون رد فعلنا ؟

دلائل السائرين إلى الله تبارك وتعالى

(7) كنت قد طلبت منكم في رسالة سابقة تطمينات على صحة سير السالك في هذا المنهج وكنت

اطلب دلائل توكد للفرد انه فعلاً في هذا المسلك لم يزغ عنه، والا فإن المنهج ككل واهدافه مما لا شك في صحته وسموه والاحاديث الدالة على الحث عليه وبيان رفعة مقامه وعظمة نتائجه مما فاق حد الاحصاء، وها انا ذا

ص: 191


1- وسائل الشيعة: ج16، ص 491.
2- النحل: من الآية 53 .

اكرر السؤال:

هل من علامات ولنقل نتائج جانبية يتمخض عنها السير في هذا المنهج ؟ والتي استفدت من الرسالة السابقة ان منها الشعور بالكربة لحصول كل ما يعرقل هذا السير ومتدرجة حسب المستوى يعرف من خلالها السالك انه ما زال سائراً فعلا في هذا المنهج .

وان كان مما يثلج صدري في هذا المجال ما تذكره لي من ان الملاحظة كذا هي من تخطيط الله سبحانه للعبد، ولا ادري مدى صحة شعوري هذا .

(8) خلال هذه الفترة كنت مشغولا ببعض المعاملات الرسمية وعانيت من هبوط في المعنويات، فكيف العلاج لمثل هذه الحالات.

أهداف رياضة النفس

(9) ان اهداف رياضة النفس اما دنيوية (تسخير وتفجير الطاقات الروحية الكامنة وانفتاحها ) او اخروية (القربى الحقيقية من الله تعالى). فهل يشتركان معا في الرياضات العملية لاخضاع النفس.

فهناك مثلا في المنهج البرهمي اعمال لتأليم النفس دون هدف سوى هذا، فهل يوجدمثل هذا في السلوك الصالح اي تأليم النفس - كتعريضها للحر والبرد دون مبرر شرعي - ام ان تأليم النفس يحدث بشكل عرضي اثناء تأدية مفردات المنهج والتي منها عدم اطاعة هوى النفس ومشتهياتها.

(10) ما الفرق - نظرياً وعملياً - بين الحمد والشكر .

(11) لا شأن للاعتقاد من حيث الصحة والفساد بانفتاح الروح وتفجير طاقاتها كما يشهد بذلك الواقع، ولكن هل لصحة الاعتقاد علاقة بالفيوضات الالهية العرفانية كحب الله والبكاء خشية منه او لتذكر النقص والحاجة اليه فاننا نشهد من المنحرفين عقيديا - كالغزالي وابن عربي - معاني عرفانية راقية، ويمكن ان نقول بشكل آخر: هل يمكن الاستدلال بهذه المظاهر العرفانية ( الحب والبكاء والشوق) على سلامة عاقبة الشخص وصحة طريقه .

(12) اذا وجدتم الوقت و (الحال) مناسبا فالرجاء بيان حقيقة بعض المصطلحات العرفانية كالمكاشفة والجذب .

واعتذر في الختام ان وجدت بعض الاسئلة غريبة الصدور وقد علمتني تجربة

ص: 192

المراسلة ان لا استصغر سؤالا ما لانه باب ينفتح لي منه الف باب. ففي الرسالة السابقة عرضت لمجرد مثال كيفية الجلوس واذا بها تصبح خطوة هامة في تجسيد التعامل مع الله سبحانه كأننا نراه.

حديث قدسي

واود ان اختتم حديثي بما يعطره، انه حديث قدسي اعتبره من مغريات هذا المنهج، من حديث في البحار عن ارشاد الديلمي : (فمن عمل برضائي الزمه ثلاث خصال: اعرفه شكراً لا يخالطه الجهل، وذكراً لا يخالطه النسيان، ومحبة لا يؤثر على محبتي محبة المخلوقين، فاذا احبني احببته، وافتح عين قلبه الى جلالي، ولا اخفي عليه خاصة خلقي، واناديه في ظلم الليل ونور النهار حتى ينقطع حديثه مع المخلوقين ومجالسته معهم، واسمعه كلامي وكلام ملائكتي، واعرفه السرالذي سترته عن خلقي، والبسه الحياء حتى يستحي منه الخلق كلهم، ويمشي على الارض مغفورا له، واجعل قلبه واعياً وبصيراً، ولا اخفي عليه شيئا من جنة ولا نار، واعرفه ما يمر على الناس في القيامة من الهول والشدة، وما احاسب به الاغنياء والفقراء والجهال والعلماء، وانومه في قبره وانزل عليه منكراً ونكيراً حتى يسألاه، ولا يرى غم الموت وظلمة القبر واللحد وهول المطلع، ثم انصب له ميزانه وانشر ديوانه، ثم اضع كتابه في يمينه فيقرأه منشوراً ثم لا اجعل بيني وبينه ترجمانا، فهذه صفات المحبين .

يا احمد اجعل همك هماً واحداً، واجعل لسانك لساناً واحداً، واجعل بذلك حياً لا يغفل ابداً، ومن يغفل عني لا ابالي باي وادٍ هلك)(1).

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ص: 193


1- من هدى النبي والعترة: ص 42 - 43، عن الميزان : ج6، ص 175 - 176.

القنديل الثامن

جواب الشهيد الصدر (قدس سره)

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم اني افتتح الثناء بحمدك وانت مسدد للصواب بمنك. صلي على نبيك خير خلقك الداعي الى حقك البشير النذير السراج المنير، وعلى آله الطيبين الطاهرين الذين اذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيراً.

أثلج قلبي

كم ينبغي حمد الله والثناء عليه في استمرار المراسلة فيما بيننا، فانها من نعم الله سبحانه التي لا يعرف مداها الا هو، ومن الناحية العملية فاثرها نفسي وروحي في نفس الوقت. اما اثرها النفسي فهو الانس وَبَلُّ الشوق الذي لازم ذكركم والحنين اليكم، واما اثرها الروحي فهو التكامل وحصول شكل من اشكال التلاقح القلبي، وقد سبق لي ان سمعت من بعضهم: ان تذكر المؤمن له فائدة روحية او قل: ان المؤمن يفيد في تذكره فضلاً عن حضوره. وكذلك في مراسلته.

وقد اثلج قلبي حقاً تعلقك بالجهاد الاكبر واقتناعك به وقولك ان الادلة عليه كثيرة اكثر من ان تحصى. ارجو الله سبحانه ان يديم فضله عليك وان يتم نعمه لك انه ولي كل توفيق، كما ادعوه ان يمد في عمرك لكي تتوفر لك الفرصة بعد هذا الشوط للالتفات الى الجهاد الاصغر حسب ما تقتضيه قناعتك وتكليفك في ذلك الحين.

معنى قول سيد المتقين (عليه السلام)

وقد خطر لي الآن قول سيد المتقين (عليه السلام): (ولولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم، لالقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولالفيتم دنياكم هذه أزهدعندي من عفطة عنز - او نحو ذلك - )(1).

ص: 194


1- نهج البلاغة: ج1، ص 36 – 37 .

فهو سلام الله عليه يرى انه لولا التكليف الشرعي (وقيام الحجة بوجود الناصر) لكان الاحجى والافضل هو الالتفات عن الدنيا والتركيز على ما سواها، ذلك الذي تكون هي بالنسبة اليه قطرة في بحر وحلقة في فلاة، بل هي العدم وهو الوجود وهي الظلام وهو النور، وهي الضلال وهو الحق. ( فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلال )(1).

فلولا حضور الحاضر اي بحسب التفسير حاجة المجتمع. وليست هي وحدها كافية ايضا لولا التكليف الشرعي وقيام الحجة كما ان قيام الحجة وحده ليس كافياً بل قيام الحجة بوجود الناصر.

فمع توفر كل ذلك لامير المؤمنين (عليه السلام) كان الواجب عليه التصدي لمصلحة المجتمع. والا فالاولى ان يعرض عن الدنيا بالمرة، ويلقي حبلها على غاربها تذهب حيث تشاء، لا يهمه منها شيء، لأن الاهم الحقيقي متوفر لديه، الا ان رحمة الله ولطفة هي التي كلفته سلام الله عليه بنا واوجبت عليه الالتفات الينا. فشكرا لله على نعمته.

هكذا سلام الله عليه يقول وهو يشعر بوجود الناصر، فكيف يقول: من يشعر بعدم وجود الناصر أم عدم اغنائه، كقول الحسين سلام الله عليه لولده علي الاكبر (عليه السلام) عند سقوطه: (يعز على جدك وابيك ان تدعوهم فلا يجيبونك وتستغيث بهم فلا يغيثونك)(2).

واذا كان هذا الامام العظيم لا يغني عند ارادة الله سبحانه بسط يد الظالمين، فكيف يقول من يشعر بجهله وعجزه وقصوره وتقصيره من امثالي، ولكن ورد في بعض الاخبار : (ان لله بدايات ونهايات وغايات وان الامور متتابعة كسلسلة الخرز يتبع بعضها بعضا ولابد انها منتهية الى الخير بالضرورة كل ما في الامر ان الله سبحانه يطلب منا قليلاً من الصبر (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً)(3).

معنى الكربة القلبية

اخي ومولاي: تعرضت في اوائل رسالتك للكربة الشديدة فوددت ان اشرحها بعض الشيء .

ص: 195


1- يونس : من الآية 32.
2- مقتل الحسين للمقرم: ص260 .
3- المعارج: 6 - 7.

إن هذه الكربة القلبية يمكن ان تختلف باختلاف حال الفرد، فقد يكون حال الفرد منصباً على (مقاومتها) كما تقول يعني تحملها والصبر عليها - كما افهم - واحتساب ذلك من الجهاد الاكبر، وهو حال محمود ومقبول ان شاء الله تعالى.

الا ان الحال الآخر هو ان الكربة عموماً نوع من العقوبة على ما لا يرضاه الله تعالى من تصرفات عبده الظاهرة او الباطنة، وهي عقوبة فورية وسريعة (كن فيكون) بقدرته سبحانه . ونحن نقول عقوبة ولكنها - على الاغلب - الفات نظر للعبد لكي يرتدع ويكف عما في يده من العمل السيء ويعود الى جادة الصواب، وكلما كانت الكربة اشد كان التنبيه اوكد والعقوبة اكبر.

وعلى هذا كان مسلكي باستمرار منذ ان دلني (مولاي) على هذه الكربة والى الآن وهو الفهم الاوجه لها. نعم، اذا لم يجد الفرد بداً منها او من العمل الذي يقتضيها او لم يجد طريقة لازالتها كان التسليم بها والصبر عليها مندرجا في الجهاد ا لاكبر.

هذا ولك ان تقوم بفطنتك بتطبيق هذه الافكار على الجهاد الاصغر الذي كنت تقوم به مما اشرت اليه في رسالتك، اعاذنا الله جميعا ووقانا عذاب السموم.

وهناك حال اخرى متفرعة عن ذلك وهي عدم محاولة ازالة الكربة احيانا اما اعترافا بالذنب او رضا بعقوبة الله سبحانه او تسليماً لأمره او ادباً في حضرته او نحو ذلك . هذا ما لم يكن تحمل الكربة شديداً على النفس فيكون الارجح ازالتها.

قولك: (واتألم لمن لم يلتفت إليه).

هذا قوله تعالى: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ)(1).وقوله تعالى: ( ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً وَبَنِينَ شُهُوداً ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ)(2).

اذن فالطمع بالمزيد من الدنيا مهما كان قليلاً يضرّ في طريق الحق، وكم طمع (أصحاب اليمين) ومن دونهم بها مع شديد الاسف فهم يضرّون انفسهم وهم يحسبون انه يحسنون صنعاً.

ص: 196


1- الشعراء: 3 - 4 .
2- المدثر : 11- 13.

وكذلك قوله تعالى: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ)(1)،

وغيرها.

مولاي: فاما قولك عن مؤلفك الجليل (دور الائمة في الحياة الاسلامية) ومع رغبتي الملحة في ذلك احتسبها لله ومن الجهاد الاكبر، وانت تفعل ذلك ولاشك اكثر ثواباً مني حين تركت التأليف(2) لأن قلبي بارد غير آسف.

قولك: (اني عندما قدمت الاسئلة الفقهية والعامة قلت انه تدفعني الى اثباتها الحاجة اليها وانها ستكون ضمن اسئلة الجهاد الاكبر ...).

فانه حق حيث تؤدي الاسئلة الفقهية دورها المشار اليه مع فوائدها المتحققة فعلاً اعني معرفة اجوبتها.

الا ان لي تعليقاً واحداً هو ان هذه الفائدة التي ذكرتها، انما يقولها من هو منهمك في الجهاد الاكبر وتكون له هذه الاسئلة من قبيل الترويح ولا يتوفر لديه غيرها، عندئذٍ سيكون ترويحه من الطاعات، لأن ا لترويح القليل مطلوب كما ان التعرف على اجوبة الاسئلة مطلوب ايضا، فهو قائم بالمطلوب من اكثر من جهة .

ولكن عندما يكون للفرد اكثر من مورد للتنفيس، فقد تكون المبالغة في اهمية هذه النقطة من (التسويل) لا اكثر ولا اقل، فاستعذ بالله من الشيطان، واغفر لي صراحتي جزاك الله عني خيراً.

ومن ذكر الشيطان اود التعرض الى انيينبغي ان اعتبرك ملتفتاً الى مضادات الشيطان، المذكورة في الذكر الحكيم لأن استعراضها والحصول عليها من القرآن الكريم يسيرٌ جداً . كقوله تعالى: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)(3)،

وبعض الآيات الاخرى التي يحسن ان تتعب في استخراجها والتفكير في دلالاتها وقصر النفس عليها جهد الامكان.

وأما قولك: (بعد اطلاعي على جوابكم حول امكان الاحتفاظ بخطكم رأيت ان كفة الميزان تميل الى جانب استنساخ الخطوط واتلافها ...).

فجزاكم الله عني خيراً ولازلتم مؤيدين بكل توفيق. كل ما في الامر ان

ص: 197


1- القصص: من الآية 56.
2- يعني تركه إكمال موسوعة الامام المهدي (عليه السلام) وقد اشار (قدس سره) إلى ذلك في رسالة سابقة.
3- النحل: من الآية 99.

الاوراق قد يكون فيها آيات واسماء مقدسة فلا ينبغي اتلافها بالاحراق أو بطريقة تستلزم اهانتها عرفا، ولكن اما بتقطيعها قطعا صغيرة بحث لا تكون قابلة للقراءة او غسلها بالماء الى ان يزول الحبر.

واما الفقرة الاخيرة من هذا الكلام : (وارجو ان لا تظن الخ) فليس في بالي انها تصلح جواباً لاي شيء كان في رسالتي السابقة، ولكني على اي حال اعرف منك هذه الهمة الشماء، كيف وقد اخذتُ النصف من نفسك تماماً اعانك الله على مكاره الدهر وصرف عنك بلاء الظاهر والباطن انه بالاجابة جدير والآن الى اجوبة الاسئلة:

دور العزلة في السلوك

1- سؤالك: ( احس ان الاعتكاف في المساجد والعزلة والتفريج ضرورية جداً للسائر في هذا المنهج ...).

مولاي واخي: في العزلة فوائد جمة لاهل القلوب والاحوال، وهي من اعظم الطاعات ريثما يصل الجهاد الاكبر الى نتيجته وتستطيع انت ان تعدد هذه الفوائد دوني.

ولا اعلم ما اذا كان السؤال عن الاعتكاف بالتعيين او عن مطلق العزلة ويكون معنى الاعتكاف هو العزلة نفسها.فان كان السؤال عن الاعتكاف في المساجد بالمعنى الحقيقي فهو متعذر كما تعلمون، وانما الاعمال بالنيات فاذا علم الله تعالى صدق نية الفرد لحب الاعتكاف فلعله يعطيه الثواب المرصود له.

ولا اعرف بديلا له الا امرين، اولاً: هذه النية المشار اليها، وثانياً: ما ورد في الحديث (مسجد المرأة بيتها ) مع العلم ان الرجل حين يصبح في ظروف اجتماعية معينة ضعيفاً لا حول له ولا قوة .. فانه يصبح مرأة، لأن الجانب الاهم فيها - تقليدياً - هو الضعف والخضوع لسيطرة الرجل، فكذلك المؤمن في المجتمع الظالم، ومعه فيكون البيت مسجداً والعزلة اعتكافاً ونية القربة بل والصوم الفعلي متوفراً، وهذا كل المقصود.

ص: 198

أسباب الغفلة وشرود الذهن

2- سؤالك: (لا زلت اعاني من الغفلة وشرود الذهن وعدم التركيز اثناء العبادات كالصلاة وتلاوة القرآن ...).

مولاي وحبيبي: كنتُ اقرأ هذا الخبر المقدس: من صلى ركعتين لا يذكر فيهما الا الله تعالى خرج منهما كما ولدته امه. - او نحو ذلك - فكنت اتحرق للحصول على مثل هذه الصلاة واحاول حصولها فلا افلح. وعلمت بعد ذلك ان ذلك لا يكون عادة الا بعد الصعود في مدارج عالية نسبياً من الكمال . اما الفرد السالك فهو غالباً يعاني من ضعف النفس وقلة تحملها، الامر الذي يسبب له مثل ذلك.

وبحسب فهمي ان عدم ا لتركيز ليس من قسوة القلب، فان هذه ا لقسوة - نعوذ بالله منها- انما تنتج اموراً منها عدم الرغبة الى الاستماع الى الموعظة او التمرد عليها والعياذ بالله.

ومعه يكون التعرض الى مقدار التزامك في ا لطعام والنوم مما لا لزوم له، فانك في الرسالة السابقة سألتني عن قسوة القلب واجبتك بذلك . ولكن ما تشكوه ليس من ذلك بل مما اشرتُ اليه.

الحاجة إلى الطعام والنوم ضرورية

وعلى اي حال فالشعور بمقدار ما من الراحة من جهة الطعام والنوم ضروري للقيام بطاعة الله، او قل: لاسكات النفس وترويحها لكي ترضى بمصاعب العبادة من جهات اخرى ولا تتمرد.

وهذا المقدار من الطعام هو الذي حثني عليه (مولاي) قدس الله سره القدسي، ولم استطع ان ابلغ مداه الا نادراً، وفي اقصى الحال الذي كنت فيه يومئذ، واما المداومة عليه فكانت نفسي اضعف من ان تتحمله مع شديد الاسف.

الصبر والتسليم

3- سؤالك : (هناك مواصفات قلبية كالصبر والرضا والتسليم بقضاء الله كيف اتأكد من توفرها لديّ ...).

هذا يا مولاي امر وجداني يحصل فيعرفه الفرد، ويرتفع فيحس الفرد

ص: 199

بارتفاعه، وعبارتك واضحة في انك تحس بذلك وجداناً . وفي القرآن الكريم: (بَلِ الأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ)(1).

واما بالنسبة الى ارتفاعها احيانا، فهذا يحصل لاسباب وحِكَم منها (الامتحان) يعني: النظر الى رجوع الفرد الى ربّه واستغفاره من ذنبه، وفي القرآن الكريم اكثر من مورد للاشارة الى امثال ذلك تستطيع استعراضها بنفسك فهو اولى وانفع لك من كتابتي لها هنا.

والامل في الله سبحانه كبير جداً في ان يتصاعد مقدار التسليم والرضا الى ان يصبح كاملاً شاملاً بعونه وقوته، وعلى العموم فكلما تحطمت نتيجة للجهاد الاكبر او قل ماتت كان حصول ذلك ايسر واكثر.

واود هنا ان اشير للفرق بين التسليم والرضا فانهما ليسا بمعنى واحد، فالعبد اولا يبدأ بالتسليم وهو ا لقناعة بالواقعوان كان صعباً عليه لانه من امر الله عز وجل ثم يصل إلى مقام الرضا وهو محبة المصاعب وعدم كرهها واستنكارها نفسيا بل حبها والميل اليها بالرغم من صعوبتها لاجل وضوح فائدتها له من الناحية الإلهية والروحية، ثم يصل الفرد الى مقام آخر لا يجد فيه صعوبة اصلا بل يتساوى عنده الرخاء والبلاء والفقر والغنى والمرض والصحة وكل احوال الدنيا . الخ الخ ..

اثر الصدقة في التربية والتكامل

4- سؤالك: (ما هو دور الصدقة ومقدارها في هذا المنهج ...).

قال الله تعالى : (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ)(2).

فالصدقة بنص الآية تنتج تثبيت النفوس على الحق.

وهو اهم شيء للسالك في واقعه الفعلي اعني بغض النظر عن وصوله الى هدفه.

مضافاً الى ان ادلة دلت على ان للصدقة آثاراً وضعية عديدة، منها: طول العمر، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (ان الصدقة وصلة الرحم تعمران

ص: 200


1- القيامة : 14 .
2- البقرة: من ا لآية 256.

الديار، وتزيدان في الاعمار وسعة الرزق ودفع البلاء)(1)، وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم) انه قال: (البر والصدقة ينفيان الفقر، ويزيدان في العمر، ويدفعان سبعين ميتة سوء)(2)، فاذا استطعنا ان نفهم من هذه النتائج معانيها المعنوية كانت الصدقة ذات تأثير حقيقي عظيم.

هذا واود الالماع هنا الى ان للصدقة معانيها المعنوية ايضا . ومن الضروري ان الصدقة المعنوية منتجة للآثار المعنوية، نذكر منها اثنين:

الاول: قضاء حاجة المحتاج المعنوي،كالمحتاج للعز بعد ذل او الهداية بعد ضلال او للجواب بعد سؤال وهكذا.

ثانياً: الصدقة بالنفس لله عز وجل (و الجود بالنفس اقصى غاية الجود) وهو تعالى (يقبض الصدقات) اي - بحسب التفسير- النفوس المماتة بالجهاد الاكبر. والتضحية بها عظيمة لانها صعبة ولكن الشيء المدفوع ليس عظيماً لانه انما هو (النفس الامارة بالسوء) فالانسان يدفع اردأ ما عنده ليأخذ احسن ما عند الله. انظر لمدى هذا الميزان العجيب الذي يعرض جانباً مهما من سعة رحمته ونعمته . مع العلم ان هذا الدفع وذاك الاخذ كلاهما من مصلحة العبد، واما الله فهو غني عن العالمين، وهذا جانب آخر من جوانب سعة الرحمة.

أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

5- سؤالك: (يخيل الي ان من اصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من سار في هذا السلوك رضوان الله عليهم، ولكن بم نفسر عدم ورود اسمائهم في الثابتين اذا حمي الوطيس ...).

هذا السؤال يا أخي ومولاي لا يتوقف على اتخاذهم او نجاحهم في الجهاد الاكبر . فقد شارك مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وامير المؤمنين (عليه السلام) اقوام سُذج من هذه الناحية، ولولا السذاجة من هذه ا لناحية تلك المنتجة لبقاء النفوس على انحرافها والقلوب على رينها لولاها لما حصل ما حصل بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعلى اي حال فلماذا لم يشاركوا في الغزوات مع النبي

ص: 201


1- الاربعون حديثاً: ص 545، عن البحار : مجلد 96، ح17، ص 119.
2- نفس المصدر السابق، عن البحار: مجلد 96، ح 55، ص130.

(صلى الله عليه وآله وسلم) ومن بعده.

وهذا السؤال عليه جوابان على الاقل:

الجواب الاول: احتمال -كاطروحة محتملة- انهم شاركوا فعلاً في عدد من الحروب مما هو متيسر لهم وان لم ينقل في التاريخ، واذا دخل الاحتمال بطل الاستدلال .

كل ما في الامر انهم لم يرزقوا الشهادة على اي حال.

الجواب الثاني: ان هذا السؤال منسدبالمرة لانهم كانوا تحت اشراف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أولا وامير المؤمنين (عليه السلام) ثانياً، ومن الواضح انهم (عليه السلام) وكّلا اليهم الاعمال والمسؤوليات المطلوبة منهم والمناسبة لهم حسب الحكمة والعدل، سواء كان هو حضور الحروب او غيرها فماذا يبقى اذن.

هذا وينبغي الالتفات الى ان في عبارة السؤال تسامح ظاهر وهي قولك: بم نفسر عدم ورود اسمائهم في الثابتين اذا حمي الوطيس الخ . مع العلم انه من القطعي عدم انهزامهم في الحروب وانما المهم التساؤل عما اذا كان قد حظروا الحروب اساساً او بعضها او لا . واما التساؤل عن ثباتهم فيها فليس بوارد على الاطلاق.

6- سؤالك: (ولكن نعماً كاستجابة دعاء وتحقق مطلوب تبدو النعمة الالهية سافرة واضحة فماذا يجب ان يكون رد فعلنا ؟).

اما نسبة النعمة الى غيره تبارك وتعالى فهو من الشرك الخفي (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ)(1).

ولا يرتفع الا عند مجيء التوحيد الخالص.

واما عدم الالتفات اليها اصلا فله عدة مناشئ اهمها حسب فهمي اثنان:

احدهما: الغفلة والتسامح في النظر الى نعم الله سبحانه: (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ)(2).

وهذا العتاب في الآية وارد بطبيعة الحال مع امكان الالتفات والتدقيق الذي هو خير واولى.

وثانيهما: القصور وعدم التحمل، فان النعم قد تكون من الكثرة او من الدقة والخطأ بحيث لا يمكن للفرد ادراكها بمستواه الملحوظ من جميع الجهات . فبالنسبة

ص: 202


1- يوسف: 106 .
2- يوسف: 105.

الى الكثرة، قال الله سبحانه: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا)(1).

اي انكم غير قابلين لاحصائها.وبالنسبة الى الدقة والخطاء، قال امير المؤمنين (عليه السلام) في المنسوب اليه:

فكم لله من لطف خفي

يدق خفاه عن فهم الذكيّ

واما اذا تعرفنا على النعم او قل على بعضها اما لوضوحها او لحسن التوفيق فيها فماذا يجب ا ن يكون رد فعلنا . انما هو الشكر يا مولاي. قال تعالى: (وَاشْكُرُوا لَهُ)(2)،

ومن الشكر نسبة النعم اليه تعالى، ففي الخبر ما مضمونه القريب (من عرف ان النعم من الله كتب في الشاكرين قبل ان يشكر، ومن علم ان ذنبه امام الله كتب من المستغفرين قبل ان يستغفر)(3)، وكذلك من الشكر بل من افضل الشكر اظهار العجز عن الشكر، كما هو الواقع. وقد ورد

عن ابي عبد ا لله (عليه السلام)، قال: (فيما اوحى الله عز وجل إلى موسى (عليه السلام)، يا موسى: اشكرني حق شكري، فقال: يا رب وكيف اشكرك حق شكرك وليس من شكر اشكرك به الا وانت انعمت به عليّ ؟ قال: يا موسى، الآن شكرتني حين علمت ان ذلك مني)(4).

الا ان هذا العجز لا يعني الاعراض عن الشكر الممكن على اي حال فبالشكر تدوم النعم ولا ينبغي القنوط عن الشكر امام كثرة النعم فبالتوكل يتحقق المطلوب. نعم، ينبغي الاعتراف والتسليم بقلة الشكر مهما زاد وإنه لا يعادل تلك النعم اللامتناهية، كما هو وارد في الادعية كثيراً.

الظواهر الروحية

7- سؤالك: (هل من علامات ولنقل نتائج جانبية يتمخض عنها السير في هذا المنهج ..).

للجواب على هذا السؤال عدة مستوياتنذكر منها اثنين:

ص: 203


1- ابراهيم : من الآية 34.
2- العنكبوت: من الآية 17.
3- فقه الاخلاق عن اصول الكافي: ج2، باب الشكر، حديث 15، ص 96.
4- الشافي في شرح اصول ا لكافي: المجلد 5، ص 133.

المستوى الاول: اتباعه بدقة للقواعد التي يعرفها لنفسه، بحيث كلما زاغ عنها او قصر احيانا رجع اليها وطبقها، وهذا امر وجداني للفرد في سلوكه الجسدي والنفسي او قل: الظاهر والباطن، فهو من هذه الناحية كالقواعد العامة الظاهرية في الاتيان بالواجبات والارتفاع عن المحرمات، وكل فرد يستطيع ان يعلم حصول ذلك له.

فكذلك الفرد السالك، كل ما في الامر ان القواعد التي تخصه تكون اكثر تفصيلاً ودقة من القواعد الشاملة للآخرين.

المستوى الثاني: ظهور بعض الظواهر الروحية وباصطلاحهم:

الميتافيزيقية أو الباراسايكولوجية، هذه الامور التي يشجّع الله سبحانه بها عبده ويثبته على صراطه المستقيم. وقد ذكرت لكم الكربة كشيء من الظواهر الروحية والتي تدل بوضوح على لطف الباري سبحانه وقدرته. والآن يمكنك ان تعرف كيفية زوالها ايضا.

مولاي: اذكر لك بعض الامثلة فقد اطراني بعض الناس، فحصل في قلبي شيء غير صالح، كأنه ناتج من تخيلي الاستحقاق للمدح، فالتفتُّ بفضل الله الى ذلك وتذكرت قول امير المؤمنين (عليه السلام): اللهم اجعلني احسن مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون. فقلتها بفمي فزال ما في قلبي فوراً.

وفي حادثة اخرى: انني عندما قرأت آية: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)(1).حصل

لي كربة شديدة لشيء مر في ذهني. وقد حاولت بوسائل ان ازيل الكربة فما استطعت (ولم اتذكر عندئذٍ ما قلته لك سابقاً) فرجعت الى التفسير فكان اولاً: ان قرأت الآية المطبوعة فيه وكنت لا اتذكرها الى آخرها. وبمجرد ان انتهيت من قرائتها كلها زال بالفور ما فيقلبي تماماً.

هذا إلى امور اخرى لا ينبغي ان تخفاك وانت في طريق السلوك. منها: حصول الاحلام الصادقة. ومنها: التنبؤ أو قل: الاحساس بالشيء (ولو اجمالا) قبل وقوعه، ومنها: الاحساس ببعض الاوصاف الواقعية التي تخفى على العامة كرؤية نور الوجه وظلامه (قِطعاً من الليل مظلماً) والاحساس بدخول شهر رمضان وخروجه.

ص: 204


1- الانعام : 68.

والاحساس برائحة الفجر الذكية التي قال بعضهم انها رائحة من الجنة.

ومنها: ما يسمى بالكشف، وهو انفتاح (البصيرة) على عالم آخر. فقد قال لي مولاي - خلال سلوكي - عن نفسه ما مضمونه : انه في بعض ايام سلوكه انفتحت له عين البصيرة فاصبح يرى الموتى (يعني ارواحهم) والجن والملائكة ويسمع تسبيحهم وغير ذلك.

8- سؤالك: (كنت مشغولاً ببعض المعاملات الرسمية فعانيت من هبوط في المعنويات فكيف العلاج لمثل هذه الحالات ..).

هذا التأثير يا مولاي مما لابد منه، ولا ينبغي التقليل من هذه المؤثرات ما لم تكن هناك (تقية) من الآخرين اعني: شعورهم بالحاجة او اصرارهم على الفرد بذلك. او كان هناك (تقية) من النفس، بان كان المظنون عدم امكان تحملها للنتائج الحاصلة من اهمال مثل هذه الاعمال الدنيوية، او كان اي شكل من اشكال التقية والا فلا.

فان حصل مثل هذا التأثير، كانت الانابة والتضرع خير دواء له.

اهداف رياضة النفس

9- سؤالك: (ان اهداف رياضة النفس اما دنيوية او اخروية، فهل يشتركان معا في الرياضات العملية لاخضاع النفس).

اخي ومولاي: ان جهاد النفس او قل: مقاومتها وقتلها باب لكل الخيرات الروحية على الاطلاق، فيكون لكل فرد ما يطلبه من تلك الخيرات، ومن هنا تجد ان هذه الفكرة - على اجمالها - موجودة عند كثير من المذاهب ان لم اقل عند الجميع تقريباً لااستثني من ذلك الا اليهود الذين لا اعلم عنهم ذلك فان دينهم الفعلي اقرب الى المادية من اي شيء آخر. واما المسيحيون والبوذيون فمشهورون في الرياضات الروحية وكذلك الصوفية من العامة، وهم ينالون فعلا ما يطلبونه . واقول: ما يطلبونه طبعاً. وليس الهدف الحقيقي الاعلى للبشرية حسب الواقع الذي يدركه المعصومون (عليهم السلام).

ومن المؤسف أن يقف الفرد منهم على حدود ما يطلبه ولا يدرك ما فوقه. ويعتبر نفسه (واصلاً) الى حد النهاية او انه مكتف بما حصل له. وسيأتي بحسن توفيقه ايضاح لذلك في جواب السؤال الحادي عشر.

ص: 205

وهذا الذي يناله هؤلاء ليس دنيوياً صرفاً كما توحيه عبارتك. بل هو معنى (وسطي او برزخي) بين العالم الاعلى والعالم الادنى. أو قل ان العوالم غير المدركة عديدة ينال كل فرد منهم ما يحبه ويميل اليه ويطلبه منها . من دون ان يصل الى العالم الاعلى بالمعنى الكامل.

اما ايلام النفس لمجرد ذلك بدون هدف على الاطلاق فلم اسمع به ولا اجده بوجداني معقولاً على الاطلاق. فلربما يكون الهدف في المنهج البرهمي الذي اشرتَ اليه سراً مكتوماً عندهم.

منهج الشريعة

وأما ما سألته في نهاية هذه الفقرة من ان تأليم النفس هل يكون مستقلاً او خلال العبادات . فجوابه يا مولاي: ان كليهما ممكن وكليهما مؤثر. لا يستثنى من ذلك في منهجنا كمسلمين الا الرياضات التي تؤدي الى المحرمات كترك الصلاة والبقاء في نجاسة او نحو ذلك.

غير انه على العموم فان المنصوح به منهجيا للمتدينين السالكين هو سلوك منهج (الشريعة) للوصول الى (الحقيقة) فانه لو كان هناك خير من الشريعة لاشار الله تعالى اليه ولأمرنا به. فانه يأمر بأفضل الطرق واحسنها بحكمته ورحمته، قال تعالى:(واستعينوا بالصبر والصلاة) وغير ذلك.

فان كان للفرد زيادة في التحمل واراد الاسراع في النتيجة . او اراد الحصول على امور روحية (وسطى) غير الهدف الاعلى - اعني كلا الامرين معا - كان له عندئذٍ ان يعمل رياضات اخرى غير منهج الشريعة المقدسة.

غير ان منهج الشريعة -كما تعلم- ليس هو فقط المحرمات والواجبات العامة، وان كان يبدأ بها، ولكنه يتصاعد ويترقق كلما تصاعد ادراك الفرد ومقامه، فاذا قام الفرد بكل ما عليه بالنسبة الى مقامه اصبح مستحقا للمقام الذي بعده، وحاشا عندئذٍ للرحمة ان تتأخر، فالحمد لله على رحمته ونعمته.

اقدم الآن الجواب على السؤال الحادي عشر لارتباطه الوثيق بالسؤال التاسع وبعده اجيب على العاشر منها.

ص: 206

الفيوضات الالهية

11- سؤالك: (هل لصحة الاعتقاد علاقة بالفيوضات الالهية العرفانية ...).

عبارتك في السطر الاول منه صحيحة اجمالا، ولكن اتضح في الجواب السابق ان انفتاح الروح مع بطلان العقيدة يكون انفتاحا على خلاف الهدف الاعلى الاهم بطبيعة الحال، بل على عوالم روحية (وسطى) او جانبية من ههنا وهنا كتسخير الجن او غيره.

واما الهدف الاعلى وهو ما عبرت عنه اجمالا : بالفيوضات الالهية العرفانية فهو يبدأ بالقلب السليم لان من لا يتصف بسلامة القلب لا ينال من الهدف الحقيقي شيئاً الا من اتى الله بقلب سليم. فاولا: يصدق عليه القلب السليم لكي يصدق عليه ثانياً: انه اتى الله جلّ جلاله.

وهنا يحسن ان اشير لك إلى ما اشار به لي مولاي: انه حين اراد ان يدلني على ما هناك لم يذكر لي ذلك بلسانه وانما خولني على دعائين مرويين عن اهل البيت (عليهم السلام)، احدهما: المناجاة المروية في نصفشعبان والتي تبدأ صفحة 156 من مفاتيح الجنان، والآخر: الدعاء الملحق بدعاء الامام الحسين (عليه السلام) في يوم عرفة (ص271 منه).

واما بالنسبة الى هؤلاء الاشخاص الذين اعتبرتهم منحرفين عقيدياً، فعلى العموم نعلم انه لا يمكن الحصول على الهدف الاعلى الا عن الطريق الصحيح او قل بالتعيين، بولاء علي (عليه السلام) وبنيه ولا سبيل اليه بدونهم، فكل من وصل اليه فقد وصل عن هذا الطريق باليقين. كل ما في الامر انه قد يكون في تقية مكثفة من مجتمعه ومتعلقيه فلا يستطيع ان يكشف هذا السر الا للواصلين القريبين فقط. وذلك هو المظنون بعدد منهم (كابن عربي والغزالي والكيلاني وابن الفارض) وغيرهم على اختلاف فيما بينهم.

وليس الامر متعذراً بطبيعة الحال، فمهما يكن حال الفرد من الناحية العقائدية، فانه ان كان مخلصاً ومندفعاً حقيقة من اجل الله عز وجل . فان الله عز وجل بحسن توفيقه سوف يسير به في المسار الصحيح الى الهدف. وعندئذٍ تتغير شخصيته وقلبه وروحه بطبيعة الحال. اعني صفاتها لا ذاتها.

بل يشمل ذلك غير المسلمين بل ما قبل الاسلام ايضا.كبحيرى الراهب وغيره

ص: 207

كثير ممن يتوفر لديهم الاخلاص الحقيقي للهدف الحقيقي . قف يا قلمي فقد اسرفت في الكلام.

الحمد والشكر

الجواب عن السؤال العاشر: الفرق بين الحمد والشكر.

مولاي وابن مولاي: الحمد ليس شكراً وانما قد يكون مصداقا للشكر احياناً.

فان الحمد بحسب فهمي معنى من معاني العظمة الالهية . فيكون قوله: (له الحمد) كقوله (له الكبرياء) او يقرب منه وهكذا الفرق بينهما يمكن ادراكه ولا يمكن التعبير عنه في اللغة، ومعه يكون (الحمد لله رب العالمين) بهذا المعنى لا بمعنى الشكر.واما الشكر فهو ابراز للامتنان الانفعالي واقصد بالامتنان حصول المنة والنعمة للفرد، وبالابراز : البيان والاظهار، واقصد بالانفعال : كون الامتنان واصلا الى الفرد لا ان يكون صادراً منه فالذي يصدر منه الامتنان هو الله عز وجل وامتنانه فاعلي والذي يصل اليه الامتنان هو العبد وامتنانه انفعالي .

فالشعور النفسي بالامتنان الانفعالي درجة من درجات الشكر وابرازه واظهاره بالكلام هو الشكر بالمعنى اللغوي، لان اللغة انما تتكفل مستوى الكلام لا داخل النفس.

كل ما في الامر ان الشكر الواقعي له درجات عديدة جداً . اذكر لك بعضها:

فمنها : الشعور النفسي بالامتنان كما قلنا. ومنها: الشعور بانتساب النعمة الى فاعلها الحقيقي.

ومنها: الشعور بالقصور عن اداء الشكر الواقعي.

ومنها: الشكر اللفظي.

ومنها: الحمد باتجاه رب العالمين اي تعظيمه بقصد شكره.

فيكون الحمد مصداقاً للشكر او تطبيقاً من تطبيقاته، كما قد تكون اشكال أخرى من التعظيم والثناء شكراً، كما قد يكون البكاء شكراً وهكذا.

مصطلحات عرفانية

12- سؤالك: حول حقيقة بعض المصطلحات العرفانية كالمكاشفة

ص: 208

والجذب ...

مولاي قد أجد انا الوقت والحال، ولكني لا اجد ان حالك يناسب الشرح الكامل لهذين الاصطلاحين الخاصيين.

لكننا تكلمنا فيما سبق عن الكشف ببعض درجاته . وقد تحصل مع سلامة القلب وصفاء النفس امور (لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر).

واما الجذب فهو المشار اليه في احد الدعائين اللذين ذكرتهما لك. حين يقول :الهي حققني بحقائق اهل القرب واسلك بي مسلك اهل الجذب . ومنهم من يربط الجذب بهذه الآية الكريمة: ( ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً)(1).

اوصلك الله الى هدفك راضياً مرضياً انه على كل شيء قدير.

واما قولك: واعتذر في الختام الخ. فاني لم اجد في اسئلتك ما هو غريب بل ان الاسئلة تدل على صدق النية وعمق الفكرة وتطور الحال فالحمد لله على حسن نعمه (اللهم ان ظهرت المحاسن مني فبفضلك ولك المنة وان ظهرت المساوئ مني فبعدلك ولك الحجة عليّ).

واما ما علمتك تجربة المراسلة فهو اكثر من اكيد، بل بعضه مقصود فعلاً ولعلي كنت ولا ازال اضمّن رسائلي اشياء جانبية في الظاهر والسياق، ولكنها مهمة في الواقع ولا غنى عنها، واكتفي بطبيعة الحال بمجرد اطلاعك عليها ولو لا شعورياً . ومن هنا اشرتَ في بعض رسائلك السابقة انك حين تقرأ رسائلي السابقة تفهم منها معنى جديداً اعمق مما كنت تفهمه فيما سبق. فان انفتاح الالف باب انفتاح تدريجي وليس انفتاحاً دفعياً مرة واحدة . بل مع التدريج قد يزيد الامر في نتائجه على الالف وما قيمة الالف بازاء عطاء الله العظيم اللانهائي. ولم يكن يقصد مولانا امير المؤمنين (عليه السلام) من عبارته تلك ما دون ذلك، ولكنه كان يتكلم مع الناس بمقدار عقولهم.

وكنت اود في الختام ان اشرح لك بعض فقرات الحديث الذي ذكرته في الختام فإنه من اجلّ الاحاديث . الا انه مع ذلك لا يمثل (القمة) يا حبيبي يكفي دلالة على ذلك قوله في اوله: (فمن عمل برضائي) يعني: بحسب التفسير: من يستهدف رضائي. في حين ان (الخاصة) يعتبرون رضاء الله عز وجل هو الخطوة الرئيسية

ص: 209


1- الفجر: 28 .

الاولى لما بعدها.

والآن وقد اخذتك بنظر الاعتبار، وانا بالخدمة تماماً، شفقة عليك ورحمة بك، فخذني يا مولاي متفضلاً بنظر الاعتبار شفقةعلي ورحمة بي.

والسلام عليك اولاً واخراً وظاهراً وباطناً من محب مشتاق مقصر، يرجو دعاك ويأمل بفضل الله لقاك. انه على كل شيء قدير . اللهم حول حالنا الى احسن حال وما عرفتنا من الحق فحملناه وما قصرنا عنه فبلغناه واجعل قلوبنا تخشاك كأنها تراك وارنا جميعاً خير الدارين وكل ما تقرّ به العين انك ولي كل توفيق .

لا إله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين ولولا رحمتك ولطفك لكنت من الهالكين الضالين، والحمد لله رب العالمين.

ودم لمخلصك

ص: 210

الفصل الثامن

الرسالة التاسعة: هموم السالكين

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين ابي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة والبراءة من اعدائهم ومخالفيهم اجمعين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سيدي: تجيء هذه الرسالة متأخرة نسبياً ولعل هذا البعد عنك وما ينتظرني من ربي اشد واقسى عقوبة موجهة اليّ نفذتها انا بنفسي دون ارادة مني وهو كنتيجة مباشرة لما عانيت خلال الفترة السابقة من ابتعاد عن بعض مفردات المنهج لاسباب عديدة بعضها خارج عن ارادتي والبعض الآخر بسبب ضعف نفسي امام هذه الظروف، ولازلت احس ان نفسي متذبذبة بين مد وجزر في تطبيقها للمنهج ولم استطع حتى الآن المحافظة على خط تصاعدي لمدة طويلة ولعل ذاك بادٍ من صفحات رسائلي (يكفيك رؤية مظهري عن مخبري) فأجد نفسي غير جديرة بالهداية لهذا السلوك الذي لا يوفق اليه الا ذو حظ عظيم (وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً)(1)،

وهذه هي الحقيقة (فمني -يا رب- ما يليق بلؤمي ومنك ما يليق بكرمك).

والشيء المسرّ الذي تميّزت به الفترة السابقة هو لقائي بك وجهاً لوجه عدة مرات قرب بيتكم العامر بحكم ترددي لاجراء بعض المعاملات الرسمية، بيْدَ اني لم استطع السلام عليك ولو بالاشارة وهو مما يثير العجب ان نلتقي مع عظيم شوقنا للقاء ثم لا نتمكن من التفوه بشيء ويعود السبب الاكبر في ذلك الى التزامك المكثف بالتقية، كما اني اظن جدا انك لم تعرفني لانك لا تتوقعوجودي هناك - اولاً - ولأن وجهي يختفي وراء نظارات. لم تظهر في صورتي التي ارسلتها لك وكان آخر لقاء بيننا ضحى يوم الجمعة الماضي حيث التقينا قرب مسجد الحنانة وكنتَ عائداً الى

ص: 211


1- النور : من الآية 21.

المنزل.

والآن ارجو ان تأذن لي يا سيدي بأن أعرض بين يدي حضرتك بعض الاسئلة التي احس انها طويلة ومتعبة ولكنها فرصة ان تجد من تتصدق عليه (صدقة معنوية) فيحمل زادك الى ربك، واكون انا كالعيس في الصحراء يقتلها الظمأ والماء فوق رؤوسها محمولُ.

كشكول الشيخ البهائي

(1) اثناء مطالعتي لكتاب الكشكول للشيخ البهائي (قدس سره) وجدتُ عددا من اللفتات العرفانية في تفسير القرآن الكريم، منها قوله: اذا اردت ورود المواهب عليك فصحح الفقر اليه (تعالى)، انما الصدقات للفقراء، وفي قوله تعالى: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا)(1)، ان السيئة ينبغي ان تقابل بالعفو والصفح عن فعلها فان عدل عنه ذلك إلى الجزاء، كان ذلك الجزاء سيئة مثل تلك السيئة. وعلق عليها: وهذا الكلام لا يخلو من نفحة عرفانية (إه) وقد حل لي هذا التفسير مشكلة ظلت تراودني كثيراً وهي ان القرآن لماذا يسمي عملية الرد بالمثل - وهو حق مشروع - سيئة وعدوانا (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ)(2)، ومن مصاديق هذا المنحى في التفسير الخاصي كلامك في الرسالة السابقة حول الصدقة المعنوية بإماتة النفس والله يقبض الصدقات.

وكذا تفسير صاحب الكشكول قوله تعالى: (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً)(3)، اي من تجرد لله تعالى وهجر القرية الظالم اهلها وهي الدنياالفانية ومشتهيات النفس الامارة بالسوء. فمن يمت اثناء فترة السلوك فقد وقع اجره على الله تعالى.

اقول: هل يوجد مصدر لمثل هذا التفسير فقد وجدت له اثراً كبيراً وإنه يدخل القلب بدون استئذان، وهل ان القدرة على استنباطه هي من ثمار هذا المنهج ؟

(2) في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا

ص: 212


1- الشورى: من الآية40.
2- البقرة: من الآية194.
3- االنساء: من الآية100.

هُمْ مُبْصِرُونَ)(1) ماذا يتذكرون وماذا يبصرون.

(3) اود لو حدثتني عن الروح: أصلها (هبطت اليك من المحل الارفع)، منشئها، خلقها، تعلقها بالبدن ثم مفارقتها له، مستقبلها، شقائها وسعادتها.

هل النفس الانسانية واحدة ؟

(4) هل النفس الانسانية واحدة وتتلبس بمختلف الصفات (النفس الامارة بالسوء، النفس اللوامة، النفس المطمئنة الراضية المرضية)، ام انها انفُس متعددة ويطغى بعضها على بعض حسب جهد الفرد وجهاده ؟ هناك ما يدل على الاول كما في وصية الامام علي لولده الحسن (عليهما السلام): (احيي قلبك بالموعظة وأمته بالزهادة ) فالقلب - ولنقل النفس- واحد وهناك ما يدل على الثاني كما في جواب امير المؤمنين (عليه السلام) لكميل (رحمه الله) عندما سأله عن النفس فأجابه بان هناك اربعة انفس. فعن كميل بن زياد قال: سألت مولانا علياً امير المؤمنين (عليه السلام) فقلت: يا امير المؤمنين اريد ان تعرفني نفسي، فقال: (يا كميل، واي الانفس تريد ان اعرفك ؟) فقلت: يا مولاي، هل هي الا نفس واحدة؟ فقال (عليه السلام): (يا كميل، انما هي اربعة: النامية النباتية، والحسية الحيوانية، والناطقة القدسية، والكلية الالهية، ولكل واحدة من هذه خمس قوى وخاصيتان ...)(2).(5) في رسالة سابقة قلت: (ان الفرد السالك يعاني من ضعف النفس وقلة تحملها) هل هذا بالقياس الى حاله قبل الالتفات فيكون هذا الضعف امتحانا له ام بالنسبة الى من يحصل على ثمار هذا السلوك فيكون امراً طبيعياً.

(6) وقلتَ ايضا: انك قليل الدعاء للآخرين، هل يحمل هذا الكلام مفهوما معينا ام انه مسألة خاصة بك.

(7) لماذا تخلو كتب الادعية من دعاء السيفي الكبير، وقد قرأت في ترجمة السيد بحر العلوم (قدس سره) وهو ممن يُقتدى به انه كان يواظب كل ليلة على قراءته، فما منزلة هذا الدعاء.

ص: 213


1- الاعراف: من الآية 201 .
2- الحقائق في محاسن الاخلاق للكاشاني: ص 363، عن البحار: ج 58، ص 85.

علم الطلسمات وتأثيرها

(8) ما هو رأيك في علم الطلسمات وتأثيرها، وقولك في الاحراز وآثارها الوضعية .

(9) استقرأت آيات القرآن الكريم بجمع مضادات الشيطان فعثرت على شيء منها ارجو اطلاعك وتعليقك عليها واضافة ما يزيدها فائدة وتأثيراً:

1 ً- الاستعاذة بالله تعالى: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(1).

2 ً- التذكر: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)(2).

3 ً- العبودية المخلصة: (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)(3)،

(إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ)(4).

4 ً- الايمان بالله والتوكل عليه: (إِنَّهُلَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)(5).

يضاف الى ذلك استيعاب بعض المفاهيم المتعلقة بالموضوع كضعف كيد الشيطان وانه للانسان عدو مبين وخذول ويتبرأ منه ولا سلطان له عليه سوى التزيين وخلط الحق بالباطل وانه اذا استحوذ على الانسان انساه ذكر الله.

(10) تتأخر نافلة الظهر عن الفريضة اذا بلغ ظل الشاخص سبعيه ونافلة العصر اربعة اسباعه، ما هي المدة التقريبية لهذا الحد او كيف اعرفه.

وحبذا لو توفر لديكم ان تبعثوا لنا بجدول للمواقيت الدقيقة للصلوات المفروضة على مدار السنة لاستنساخه وإعادته اليكم باذنه تعالى.

ص: 214


1- الاعراف: 200.
2- الاعراف: 201.
3- الحجر: 39 - 40.
4- الحجر: 42.
5- النحل: 99.

حول كتاب مرآة الرشاد

(11) في تعليقك حول كتاب مرآة الرشاد قلت: وبحسب الفهم المعمق فان المرآة هي الروح العليا للانسان التي خلقها باريها لمعرفته والوصول الى رحاب قدسه (إه) فلو تفضلت بشرح هذه العبارة وتوضيحها.

نية الاعمال

(12) لاشك ان الاعمال انما تُقيّم بنياتها (انما الاعمال بالنيات) وهناك عدد من اعمالنا يدفعنا الى القيام بها العرف او المجاملة او الحياء كتقديم هدية او مساعدة شخص او زيارة آخر ولكنها لا تخلو من فرصة للتقرب بها الى الله تعالى لو قصدنا ذلك ولكني اشعر ان الدافع لادائها الاسباب السابقة واحاول ان اقنع نفسي قسراً بان تجعل للقربة حصة في نيتها مع علمي بان الدافع الاساسي هو هذا، وهذه المشكلة تحزّ في نفسي كثيراً فياحسرتي لضياع مثل هذه الاعمال والوقت والجهد الذي انفقه فيها.وحتى هذه المراسلة بيننا يدفعني اليها - الى جانب الاستفادة والتقدم على هذا الطريق بإذنه تعالى - مجرد حب الاتصال بك وهو ربما هدف غير مشروع للسالك فما هو توجيهك حول الموضوع . وقد قرأت في كتاب (الاخلاق) للسيد عبد الله شبر ان بعض كبار العارفين كانوا يمتنعون عن اداء بعض الاعمال اذا لم تتوفر النية المخلصة.

الايمان بالاستخارة

(13) اشكو من ضعف الايمان بالاستخارة لذا فان طريقتي ما زالت هي الاقدام على العمل اذا اقتنعت به (فاذا عزمت فتوكل على الله) ثم اذا انقدح في نفسي عدم صلاحه او اشعرني الاستمرار به بكربة تركته . وهذه الطريقة تحملني جهوداً كان يمكن الاستغناء عنها لو ثبت بالاستخارة عدم صلاح العمل.

فكيف اعمّق ايماني بالاستخارة، وهل يؤثر في نجاح نتيجتها، وما هي العوامل التي تؤثر في نجاحها (نوعها، بالقرآن او بالمسبحة، نية صاحبها، درجة ايمان آخذها ... الخ) ؟ وهل يمكن استخدامها عند التخيير بين امرين لمعرفة ما يناسب هذا

ص: 215

السلوك خاصة ؟

(14) قرأت في مقدمة كتاب الكشكول للبهائي (قدس سره) وضمن ترجمة المؤلف ان له تفسيراً عرفانياً للصحيفة السجادية، ولاشك ان مثل هذا الكتاب غني بالمعاني المعمقة، فهل انه مطبوع ويمكن الحصول عليه، وهل سبق لك الاطلاع عليه.

وختاماً أسأل المولى القدير مخلصاً نية وعزماً وإن لم افعل ذلك فعلاً جزماً ان يستخلصنا لنفسه ويثبتنا على دينه وان لا يجعل لغيره سلطاناً علينا ولا طرفة عين وان يعيننا على طاعته ولزوم عبادته وان يختار لنا في جميع امورنا ويجعلنا راضين بقضائه مطمئنين بقدره إنه ولي كل حسنة وهو نعم المولى ونعم النصير.

ص: 216

القنديل التاسع

جواب الشهيد الصدر (قدس سره)

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

السلام عليكم وعلى جميع من تحبون ورحمة الله وبركاته

الحمد لله على حسن نعمته حين جمع بيننا كما جمع بين رسائلنا. وقاتل الله كل مضاد لذلك ومنافر واراه في نفسه وجميع من يحب ما يستحق إنه عدل حكيم.

عرفني نفسك

مولاي: من قبلي ليس لي مانع ان تعرفني نفسك إن صادفتني في الطريق لمدة بضع دقائق . ولكن مع مجاملة اعتيادية منك ومني، على ان تضع في ذهنك على اني قد اكون غافلاً تماماً عن وجودك فلا انتبه بسرعة وإن كنت من الآن سأضع في اعتباري احتمال لقائك، فلا حرمني الله منه إنه ولي التوفيق.

وافضل عبارة لافهامي حسب فهمي الآن هو الاسم الثنائي لك مع لقبك . فلعلي انتبه. وإن كنتُ أسيئ الظن بذهني جداً، اعان الله معارفي على سوء تصرفي وجزاهم عني جزاء المحسنين.

أخي ومولاي: بالنسبة الى الدنيا التي تشكو منها في اول رسالتك، فانها - والحمد لله - لابد منها في الحكمة والرحمة معاً. اما الحكمة فبتعريض الفرد للبلاء النسبي. واما الرحمة فبتعريضه للعطاء وحسن الجزاء، ولولا هذه الحكمة ما نيلت هذه الرحمة ولولا الدنيا لما نجزت هذه الحكمة . اذن فالدنيا بيت الرحمة اساساً، وبشر المؤمنين.

التركيز على العبادة

مولاي: ليس المفروض في السالك الىرضوان الله سبحانه ان يبقى في تركيز مستمر على العبادة والذكر فان هذا مما لا يتحمله الا القليل. وفي هذه المشاغل الدنيوية نعمة في تجديد نشاط الانسان الى دفعة جديدة من السلوك.

ص: 217

وفي حدود علمي فان الدفعة الجديدة، او قل إن كل دفعة جديدة توصل الى مقام من الكمال اكثر مما كان عليه الفرد في ما قبل المشاغل. ويبقى الفرد متذبذباً بين الدنيا والآخرة - لو صح التعبير - ولكن آخرته تزداد تدريجياً إلى ان تستوعب كل وقته (ان تجعل اوقاتي كلها بذكرك معمورة ...الخ).

العبادة القلبية

وليس معنى استيعاب الاوقات هو العبادة الظاهرية المستمرة بأي صورة من صورها وانما هي العبادة القلبية (ان الله لا ينظر الى صوركم ولكن ينظر الى قلوبكم) فاذا علم الله سبحانه من القلب حسن التوجه والرضا والحب والسلامة فهو من اعلى العبادة واسناها، ويمكن ان تبقى مستمرة مع حسن التوفيق اذا كان الفرد متحملاً، والا امكن الغفلة عنها في بعض الاحيان .

والاندراج في الدنيا لا يعني بأي حال تغيير (الحال) ولا الياس من الوصول الى المقام المطلوب وخاصة بعد ان علم الفرد اشكالاً كثيرة من رحمة الله ومن نعم الله ومن قدرة الله ومن آيات الله، وانما يعني ذلك التغيير المؤقت الذي ان جاء من الله يعني بلا اختيار الفرد فهو للحكمة والرحمة، وان جاء من قبل الفرد فهو مجال للاستغفار والانابة.

ما قاله مولاي

وقد كان (مولاي) عليه الرضوان يؤكد : ان الفرد قد يأتيه العطاء وهو لا يعلم اما مجيء العطاء فلأنه اوانه. واما اخفاؤه عنه فلاحتمال حصول العجب في نفسه لو انكشف له العطاء او حصول اية مضاعفات اخرى.واما قولك: ولم استطع حتى الآن المحافظة على خط تصاعدي فبغض النظر عما قلناه، فان المحافظة عليه ليس على المخلوق بل على الخالق (يعطي ما يشاء لمن يشاء كيف يشاء) وان آخر ما يزول من الفرد هو الاعتماد على ذاته وانانيته مع انه من الضروريات في الدين قولنا : لا حول ولا قوة الا بالله .

والآن الى الاسئلة:

ص: 218

كشكول الشيخ البهائي

اولاً: سؤالك: (اثناء مطالعتي لكتاب الكشكول للشيخ البهائي (قدس سره) وجدتُ عدداً من اللفتات العرفانية في تفسير القرآن الكريم...).

يا مولاي، ان قول الشاعر:

كالعيس في الصحراء يقتلها الظما *** والماء فوق ظهورها محمولُ

له معنى جليل (خاص) وهو يمثل حياة الغافلين، فان الصحراء هي الدنيا الخالية عن رحمة الله وهي دنيا الشهوات والعيس هم الغافلون يقتلهم، يعني: يقتل فيهم الروح المعنوية والتوجه القلبي الى الله عز وجل مع ان الماء فوق ظهورها محمول يعني ان الهدى قريب منها والروح المعنوية لصيق بها، ومع ذلك فهم غافلون عنها ملتفتون الى غيرها فيكونون من (الذين خسروا انفسهم) وفي العذاب هم خالدون، حاشاك بحسن الظن به تبارك وتعالى ان تكون كذلك، قال(عليه السلام): (فانك ارحم من ان تضيّع من ربيّته او تشرد من آويته).

نعم، قد يصدق هذا صدقاً آخر وهو من وصل اليه العطاء وهو لا يعلم فان الماء وهو ا لعطاء محمول فوق ظهورها يعني واصلاً اليها. وهي يقتلها الظمأ للجهل بالعطاء الجديد . والقتل هنا هو الموت المعنوي المطلوب. جعلنا الله في رحمته دائماً .

ثانياً: ان الشيخ البهائي صاحب الكشكول حسب ما افهم من تاريخ حياته قضى الردحالاول من حياته دارساً. والردح الاوسط من حياته سائحاً ومؤلفاً. وقضى الردح الاخير من حياته (عارفاً) مهتماً بأمر آخرته الى حد يقال: إنه دخل بيته فلم يغادره لمدة خمسة عشر يوما الى ان مات. وله في تلك الفترة اشعار مجيدة تنم عن ا لروح المعنوية العليا التي كان يتصف بها. منها ما احفظه دائما:

ايها القوم الذي في المدرسة *** كل ما علمتموه وسوسة

ذكركم ان كان في غير الحبيب *** ما لكم في النشأة الاخرى نصيب

ص: 219

فامسحوا يا قوم عن لوح الفؤاد *** كل علم ليس يرجى للمعاد

ولئن كان كثير من كتبه يدل على انه كان من (الغافلين) الا انه في نهايات حياته خرج من الغافلين وكان من الذاكرين قدس الله روحه الزكية ریال

معاني عرفانية

وكشكوله يحتوي على قليل متفرق من المعاني العرفانية اختارها فيما اختار من المعاني الأخرى الادبية والاجتماعية . وهي ان صادفت قلباً مستحقاً تكمن فيه وتلتصق عليه يكفيك ان الاخ المولى ...... انما كان مبدأ هدايته - حسب ما كتب لي - انما هو من هذا الكتاب الجليل . وقد اختار لي منه اشعار جليلة وجيدة . ومما فيه قول بعضهم في اول قصيدة:

نفحات هواك لها ارج *** تحيا وتعيش بها المهج

ومنها قصائد لابن الفارض وغيره، وحسب تذكري فانني بفضل الله قد مررت على ذلك منذ اكثر من عشر سنوات.

واتذكر منها الآن تفسير القلب بالفرعون او الفرعون بالقلب في قوله تعالى: (ذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى)(1)والمخاطب هو موسى الروح او العقل (قُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)(2)، و(القول اللين) حسب فهمي هو محاولة اصلاحه. و(القول الفصل) هو تقديم العجز عن اصلاحه وايكال ذلك الى مقلب القلوب جلّ جلاله.

وهذا الاتجاه له مصادر عديدة، لكني اخشى ان ادلك عليها فلعلها تثقل عليك او تكلف نفسك منها ما لا تطيق، فالاحجى حسب فهمي القاصر المقصر، هو ايكال الأمر الى الحكمة الالهية، وان الكتاب الذي يناسب الفرد سيقع في يده في الوقت المناسب، واني جربت هذا على الدوام كما ان لقاء الفرد المناسب يكون في الوقت المناسب. فالحمد لله على حسن نعمه، يكفي الآن تعميق حسن الظن برعاية الله

ص: 220


1- طه:24.
2- طه:44.

وحسن عنايته.

ويا مولاي: قد اعلمتك على ما اتذكر في رسائلي السابقة، اجمالاً ان الفرد قد يصل الى مرتبة من ا لكمال المعنوي يصبح يفهم من الكتاب والسنة فهماً جديداً، فهذا منه يا مولاي، وكلما ازداد الفرد عطاءً ازداد فهماً، فهل هذا كاف في جواب السؤال الاول؟

تفسير عرفاني

2- سؤالك: عن قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ... )(1).

لهذه الآية كأي آية درجات من الفهم نذكر بعضها بحسب الامكان:

منها: ان طائف الشيطان هو العصيان، والتذكر هو تذكر ضرورة طاعة الله والابصار هو الهمة نحو الطاعة او ابصار موقفهم، أوقل: تشخيص موقفهم من الطاعة.

ومنها: ان طائف الشيطان هو مخالفة الاولى والتذكر هو تذكر الحال والابصار هو الطهارة من الدرن.

ومنها: ان طائف الشيطان هو وسواس القلب والتذكر هو تذكر رَوْح الله عز وجل والابصار هو الابصار المعنوي لسلامة القلب.

ومنها: ان طائف الشيطان هو الغفلة والتذكر هو الالتفات الى ذكر الله والابصار هو رؤية العبودية في الذات.

فهل هذا كاف في جواب هذا السؤال، اجد انك طامح لما هو اعلى. وهبك الله سبحانه ذلك.

3- سؤالك عن الروح: أصلها، منشئها، خلقها ...

فاعتذر عن جوابه مع الحياء منك لانه اوسع من اللازم واعمق من الممكن وقد يفتحه الله تعالى لك مني او من اي واحد من خلقه انه ولي كل توفيق.

ص: 221


1- الاعراف: 201.

وحدة الروح الانسانية

4- سؤالك: (هل النفس الانسانية واحدة وتتلبس بمختلف الصفات ؟ ...).

مولاي: قال المحقق السبزواري (قدس سره) في منظومته : النفس في وحدتها كل القوى.

فهي واحدة وفي عين الوقت متعددة . خذ مثلا ما يسمى بالسكنجبيل فانه واحد الا انه مركب من الخل والسكر وهكذا. وللنفس طاقات صاعدة ونازلة -لو صح التعبير- كثيرة جداً ولا تحصى. واما هذه النفوس الاربعة التي اشار اليها مولى المتقين (عليه السلام) إنما هو باعتبار تغير النشآت للنفس الواحدة فان لكل نشأة روح تناسبها وقد سبق ان عرفتَ تعدد النشآت الى اربعة: الناسوت والملكوت والجبروت واللاهوت فكذلك الروح. والاساس هو وصول الانسان الى النفس العليا والأخيرة، او قل: انفتاحها له او قل: وجوده في عالمها ونشأتها عندئذٍ يرى ما لا عين رأت ويسمع ما لا اذن سمعت ويعرفما لم يخطر على قلب بشر. فان القلب مهما كان فانه ادنى من ذلك ولا يمكن ان يصل العالي بسعته الى السافل على ضيقه.

ضعف النفس

5- سؤالك: عن رسالة سابقة قلتُ فيها: (ان الفرد السالك يعاني من ضعف النفس وقلة تحملها...).

مولاي وحبيبي: النفس ضعيفة الى ان يشاء الله قوتها . وهي ضعيفة قبل حال السلوك وبعده. اما ضعفها قبل حال السلوك فهو ما نشاهده من الناس الغافلين كثيرا جداً حيث يجزعون من صغير البلاء ويستغيثون من الدنيا وما فيها وهي احب شيء لديهم. عجباً عجباً.

واما ضعفها بعد حال السلوك فلانها مضافا الى ما سبق فانها تضيق ذرعاً بالطاعة والعبادات ظاهرها وباطنها وتثبط عزم صاحبها وتشككه في اهدافه وتأمره بالخلود الى الراحة، وعدم (وجع الرأس) قاتلهم الله انى يؤفكون ؟ !!

واتذكر اني وصفت لك بعض اشكال الضعف فيما سبق، حتى في جانب العقل على سعته. نعم، يفهم العارفون متى يزول هذا الضعف ويتبدل بالقدرة الكاملة بحسن التوفيق.

ص: 222

6- سؤالك: عن قولي: (انني قليل الدعاء للآخرين ...).

مولاي، هذا اولا: من باب الاعتراف بالذنب إن كان عند كثير من الناس ذنباً والاعتراف هو احد اسباب الغفران.

وثانياً: ان هذا هو (حالي) يا مولاي وأساسه حسب فهمي القاصر هو التسليم والرضا بقضاء الله وقدره والدعاء يتضمن شيء من مخالفة لذلك، لا اريد ان اتكلم اكثر.

دعاء السيفي

7- سؤالك: (لماذا تخلوكتب الادعية من دعاء السيفي الكبير ...).

مولاي: هذا الدعاء الجليل كنت شخصياً قليل الاطلاع عليه، حتى تفضل الاخ المولى... بكتابته بخطه لي، ولا زلت احتفظ بنسخته بين اوراقي فجزاه الله خير جزاء المحسنين.

وحسب فهمي، ان في هذا الدعاء نقطتين منعتا عن تداوله في كتب الادعية:

النقطة الاولى: ضعف سنده بحسب القواعد المتداولة، فمثلا لم يختر الشيخ القمي في مفاتيح الجنان الا الادعية المتينة السند، فكيف يختار هذا الدعاء وغيره من الضعاف.

واما (الخاصة) كالسيد بحر العلوم وغيره فهم يعلمون صحته بوجدانهم (فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ)(1).

النقطة الثانية: انه يتضمن مضامين عالية الدلالة جداً اكثر من تحمل العامة بل الكثير من الخاصة. ولا يناسب الا العارفين او الواصلين ومن والاهم. فيكون في انتشار نسخته بين الناس افشاء للحكمة في غير اهلها.

يكفيك مثالاً على ذلك اني من حين ما تعرفت على هذا النص الجليل لم احاول الاستقلال بقراءته كما اقرأ دعاء الصباح مثلا لشعوري الوجداني بأني أقل من ذلك واحقر. وان كان في ارسال الاخ المولى اياه لي ما يحثني على قراءته فويل لي لتركه . عرفنا الله كل خير وجنبنا كل شرّ.

ص: 223


1- البقرة من الآية 26 .

رأيي في علم الطلسمات

8- سؤالك: (ما هو رأيك في علم الطلسمات وتأثيرها، وقولك في الاحراز وآثارها الوضعية).

يا مولاي: هذه حسب وجداني ان فيها ما هو مؤثر فعلاً، وان كان قد يختلط بكثير مما هو في صورته واشباهه مما هو من الدجل والشعوذة او انه بعيد المنال الا بعد مقدمات ضخمة لا تتحملها النفس الانسانية ولذا ورد (إن قليله لا ينفع وكثيره لا يدرك).

ولكن الذي اجده وجداناً والذي تلقيتهمن (مولاي) هو ان استهداف معرفة هذه الامور وتأثيرها ليس بصحيح لانه مبعد للانسان عن هدفه الواقعي وحقيقة ما خلق لاجله. والاشتغال بها يبعد عن ذكر الله وتركيز طاعته . غير انني حسب فهمي ان شخصين مهمين استطاعا الجمع بين الامرين هما الشيخ البهائي والسيد بحر العلوم. الا ان من اليقين انهما يفضلان الهدف الحقيقي على كل ما سواه . ويكفينا ان الشيخ البهائي في نهاية امره اعرض عن الدنيا وما فيها بما فيها هذه القوانين التي طبقها كثيراً في العراق وايران وكرس نفسه عندئذٍ لما هو اهم واعلى.

وعلى اي حال، فمن الناحية العملية ليس لي اي يد في هذه الامور ولا احمل عنها الا فكرة ضعيفة لا تسمن ولا تغني من جوع.

9- سؤالك: (حول استقراءات آيات القرآن الكريم لجمع مضادات الشيطان).

مولاي: الابتعاد عن الشيطان تارة يكون في جانب علله، واخرى في جانب معلولاته.

فالاول: بمعنى كون الفرد يصبح بحال لا يناله الشيطان اصلاً.

والثاني: بمعنى انه اذا حصل الشيطان للفرد كيف يستطيع التخلص منه.

والمهم الذي يبحث عنه السالكون من( الخاصة) هو الاول. والقرآن الكريم قد تكفل الجانبين معاً. والسيد ابن طاووس في (كشف المحجة ) على ما اتذكر ذكر الجانب الاول لولده الذي الف الكتاب من اجله .

ويتلخص ذلك في صفات:

اولا: الاخلاص، (إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)(1) بفتح اللام طبعاً.

ص: 224


1- الحجر:40.

ثانياً: العبودية، (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ)(1) (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ )(2).

ثالثاً: التوكل، (وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)(3).واما الجانب الثاني فيتلخص في صفات:

اولا: الاستعاذة، (فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(4).

ثانياً: التذكر، (تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)(5).

ثالثاً: التوكل، يعني في طرد الشيطان بعد حصوله (وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ).

والقرآن نص على استيعاب الشيطان لاغلب البشرية وصعوده مع الفرد حتى مرتبة التقوى (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا)(6) ، فهو يلازم سلوك الفرد الى نهاياته . وعلى الله التوكل ومنه نستمد التوفيق .

وعلى اي حال فجزاك الله خيراً على نفعك لنفسك ولي بايراد هذه الآيات الجليلة التي كلها نور ومعرفة .

10- سؤالك: (حول المدة التقريبية لظل الشاخص وكيفية معرفته ...).

مولاي : لكيفية التعرف على ذلك احد اسلوبين:

الاسلوب الاول: استعمال الشاخص نفسه ومراقبته .

الاسلوب الثاني: اخذ مدة تقريبية ذهنياً لذلك كساعة مثلا للسبعين(7).

الثالث والرابع: للشاخص، وحسب ما أحمل من فكرة وقد سجلتها في التعليقة على المسائل الواضحة، ان الفرد اذا اطال الجلوس بين الصلاتين مدة معتد بها للذكر والدعاء كفى ذلك في دخول وقت فضيلة العصر ونوافلها . وعلى اي حال فمن ناحية فتوائية ليس هذا كله ضرورياً، وتستطيع عملياً ان تصلي الظهرين بنوافلهما في

ص: 225


1- الحجر:42.
2- الاسراء: من الآية6.
3- لأنفال: من الآية2.
4- لأعراف: من الآية200.
5- لأعراف: من الآية201.
6- لأعراف: من الآية201.
7- طبعنا كتاب يتضمن جداول للمواقيت مستخرجة من برامج حسابات دقيقة وضعها المهندس عماد الهلالي وفيه ان بلوغ الظل سبعي الشاخص يتجاوز الوقت المذكور.

اول الوقت، وبشكل متتابع . وان كان دون ذلك في الفضل .

واما عن جدول المواقيت، فهو ما ابحث عنه من حوالي ست سنين او اكثر وقد ناقشت عنه الحاج مهدي الكيشوان رحمة الله عليه وهو الثقة الخبير، فابى ان يساعدني في شيء من ذلك حتى اني قلت له: اني اكتب لك كل الجدول وانت تضع فقط رقم الوقت . فلم يقبل وقال ما مضمونه: ان الاوقات تختلف من سنة الى سنة فاذا كان الفجر - مثلا - في اول شباط هو الساعة الخامسة مثلا في هذه السنة فليس ضرورياً ان يكون كذلك في السنة الآتية فما فائدة هذا الجدول ؟

وقد حاولت ان اكتب جدولاً من هذا القبيل الا انه تقريبي وينقصه امران مهمان:

اولاً: ضبط الساعة.

وثانياً: ضبط اول الوقت تماماً. فانه مما لا يعرفه الا الخبراء المتمرسين.

وعلى اي حال فانا الآن اعتمد كل يوم على تشخيص الوقت مستقلاً عن الايام الاخرى ولعلي احتاط في كثير من الاحيان بتأخير الصلاة بمقدار ما بالرغم من علمي او احتمالي ذهاب فضيلة اول الوقت . وقد وجدت حول ذلك رواية تقول ما مضمونه: ان الصلاة المتأخرة نسبياً خير من الصلاة المشكوكة الحصول في الوقت .

11- سؤالك عن قولي: (وبحسب الفهم المعمق فان المرآة هي الروح العليا للانسان ...).

هذا ملحق بالسؤال الثالث من رسالتك هذه والاعتذار منه مشترك .

الشرك الخفي

12- سؤالك حول نية الاعمال .

مولاي وحبيبي: التفاتك الى مثل هذا طيب ويبشر بحال طيب . وانما هو من فضل الله الذي كان عليك عظيماً.

مولاي: ان هذا هو الشرك الخفي الذي يعيشه الاعم الاغلب من الناس (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ)(يوسف:106).

والذي يظهر من الآية الكريمة ان هذا الشرك موجود حتى في مرتبة الايمان فضلاً عنمرتبة الاسلام السابقة عليه، فاقرأ الآية لتتأكد.

ومن المعلوم ان هذا انما يزول عند النقاء الخالص للقلب الذي يستحق معه

ص: 226

الفرد افاضة التوحيد الخالص الذي ينتفي معه كل شرك .

مولاي: ان اغلب اهل الدنيا يعملون لاجلها لا يشركون بالله شيئاً وهو بمنزلة الالحاد او التعطيل من الناحية الاخلاقية . لانه الغاء لسطان الله عن افعال الفرد . اعاذنا الله من كل بعد . فاذا حصل بعض التوفيق للانسان اصبح (مشركاً). يعني يخلط بين الله والدنيا بنسب مختلفة. فاحياناً يضع في السكنجبيل سكراً اكثر واحياناً خلاً اكثر. ولا يرتفع ذلك الا مع مجيئ التوحيد الخالص.

نعم، قد يستطيع الفرد بحسن التوفيق ان يمحض بعض افعاله لله عز وجل. واما الباقي فهو مما لابد منه، وهو من المآسي لدى اهل الحال تستوجب الاستغفار الكثير.

واما فيما يخص (الشرك) في هذه الرسائل فحاول -يا مولاي- تنقية النية فانها في الحقيقة كلها لله سبحانه وتعالى، الاستفادة وحب المؤمن وقضاء حاجة شوقي اليك وافادتي احيانا او في كثير من الاحيان وخاصة ما يعود الى الجهاد الاصغر، والجهاد الاصغر نفسه، فاي شيء ليس لله، اعوذ بالله.

اؤمن بالاستخارة

13- سؤالك : (كيف تعمق ايمانك بالاستخارة ...).

اخي وحبيبي: انا شخصياً اؤمن بالاستخارة بكل انواعها اعني: السبحة والقرآن وذات الرقاع، ولعل ادناها هو السبحة، واعلاها الاستفتاح بالقرآن، فانه ناطق بالحق دائماً وسبحان الذي جعل كل الخير في كتابه الكريم .

اما الاستفتاح بالقرآن وذات الرقاع فلها ادلتها المعتبرة واما السبحة فدليلها وان كان ضعيفاً على القاعدة الا ان الدليل الرئيسي لها هو بعد التجربة : الثقة بالله وانه لا يغش من استنصحه، فان شكك الفرد بعلم الله او قدرة الله او حكمته منهذه الناحية فهو غير مسلم، ويكون مشمولاً لقوله تعالى: (وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ)(1).

وبالطبع، كلما ازداد يقين الانسان وثقته بالله سبحانه وحسن الظن والتوكل عليه كانت الخيرة اكثر واوضح انتاجاً في التجربة العملية .

و(الخيرة لكل امر مشكل) او محير فلا يشمل ما يكون له مرجح دنيوي او

ص: 227


1- فصلت: من الآية22.

اخروي. ومن هذا نطبق هذه القاعدة على الخيرة في السلوك الخاص، فان كان الاحتمالان متساويين في الاهمية والتحمل امكن الاستفتاح عليهما في القرآن الكريم .

14- سؤالك: (هل للشيخ البهائي (قدس سره) تفسير عرفاني للصحيفة السجادية ؟).

مولاي: لست مسبوقاً ذهنياً بهذا الكتاب وما رأيته ولا اعلم شيئاً من حاله، الا ان المسألة ليست منحصرة فيه، يكفينا ان نبحث عن غيره في مؤلفات: صدر المتألهين الشيرازي، وابن عربي، والمحقق السبزواري وغيرهم كثير، بل يمكن البحث عن المعاني المعمقة في

الكتب الاعتيادية (ذات المنحى الديني طبعاً) فانها قد توجد فيها أو (تطفر ) من افواه مؤلفيها صدفة فتصادف الراغبين بها خلال الاجيال.

وبعد ان انتهت الاسئلة التي كنت مقصراً في جوابها كثيراً، اود ان اذكر شيئاً لا زال عندي منذ فترة منتظراً الفرصة لكتابته اليك في اول فرصة .

كتابان يفيدان

فان هناك كتابين يفيدانك حول الكتابة عن الصهيونية العالمية، اعرف العنوانين فقط، احدهما : تاريخ شعبي ل(آبا إيبان)، والاخر : الكونغرس الامريكي والشعب اليهودي، ولا اعلم مؤلفه .

وقد نقلت عن الكتاب الاول هذه العبارة بما مضمونه : ان اليهود وان كانوا فيالولايات المتحدة لا تتجاوز نسبتهم الثلاثة بالمائة الا ان تأثيرهم اكثر من ذلك بكثير.

ولا اكتمك سراً اذا قلت اني اعرفهما من (الشيخ احمد البهادلي) في بحثه الذي القاه في التلفزيون، والمهم انك تستطيع ان تسأله عنه فان الظاهر من كلامه انه يملك منها نسخة، بدون ذكر اسمي طبعاً، كما يمكنك استعارتها من المكتبات العامة المخصصة للمطالعة ولا احسب انهما متوفران في السوق .

ولا اعلم يا مولاي لماذا نسيت ان اشكرك على هديتك الكريمة في اول الرسالة، قاتل الله ذهني القاصر المقصر، وان هي الا من كرم ذاتك وصفاء عنصرك، فجزاك الله عن هذا المجرم الذليل احسن الجزاء انه ولي العطاء .

ص: 228

وهو كتاب رأيت الاعلان عنه في العدد الاخير من مجلة (علوم) وكنت اتوخى وجوده في السوق، وقد ارسله الله سبحانه على يديك فشكراً له على لطفه .

وهناك كتب اخرى مطبوعة في هذا المجال منها: علم نفس الحاسة السادسة، ومنها: عصر الخوارق، ومنها: اسرار مثلث برمودا، ومنها: كتاب عن النوم وجدته قبل مدة غير طويلة، فلم اشتره لغلاء قيمته عن حجمه، وفوق كلها كتاب : الانسان روح لا جسد الذي صدر بثلاثة احجام: جزءاً ثم جزءين ثم ثلاثة اجزاء، واسم الاخير : مفصل الانسان روح لا جسد.

وانا اتابع امثال هذه الكتب، وانصح بمتابعتها لمن يبحث عن الجانب الروحي في الكون، فانها كلها مضادة للمادية، ولا زالت مجلة (علوم) تنشر مقالاً واحداً في كل عدد عن (الباراسايكولوجي) الذي يتضمن شيئاً من ذلك ايضاً بالرغم من المحاولات الجاهدة التي احسها في المجلة لتبسيط الجانب الروحي وضآلته لتكفى شر الاتجاه المادي في المجتمع وانتقاده، وخاصة ان الاتجاه الرسمي هو ذلك.

الا ان (النار لا تأكل كل الحطب) كما يقولون فسبحان من يؤيد دينه باعدائه مناكثر من جهة وجهة سبحان الله رب العالمين .

قف ايها القلم، والحمد لله رب العالمين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ص: 229

الفصل التاسع

الرسالة العاشرة: وداع العارف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والحمد حقه كما يستحقه حمداً كثيراً كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة على نبيه، صلاة لا غاية لعددها ولا نهاية لمددها ولا نفاد لامرها، صلاة يصعد اولها ولا ينفد آخرها، صلاة تكون لهم رضا ولحق محمد وآل محمد اداءً وقضاءً بحول منك وقوة يا رب العالمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سيدي ومولاي ودليلي:

كنت فيما مضى أقول في نفسي: تُرى كيف سيكون حالي لو انقطعت رسائلك عني وهي الغذاء الذي كان يمدُّني بالحياة في واحد من جوانبها الضرورية الا اني وجدتني محروماً فعلاً منها ولفترة ملحوظة ولكنك والله يشهد لم تغب عني طيلة هذه الفترة الا نادراً سواء كنت في دعاء او زيارة او صلاة او تفكر، ومازلت اعيش على حلاوة تلك الرسائل ومن تلك الحلاوة اخذت فكرة تناسب فكري العاجز القاصر عن عظمة لذة القرب من الله عز وجل اذا كان القرب ممن ينتسب اليه وعليه نفحة منه يورث ذلك.

وانا على نية دائمة بمراسلتكم وقد كتبت فيما سبق رسالتين احداهما لكم والاخرى للاخ زيد بمناسبة المنعطف الاخير في حياته، الا ان الاستخارة حرمتني من بعثها اليكم لامر ما (ولعل الذي ابطأ عني هو خير لي لعلمك بعاقبة الامور) . وخلال هذه الايام كنت بصدد ذلك ايضاً حتى وصلتني رسالتك الاخيرة مما حفزني اكثر من ذي قبل المباشرة بكتابتها.

واود الآن التعرض لبعض النقاط التيوردت فيها راجياً من الله سبحانه العصمة والتسديد والتوفيق:

ص: 230

أخرت بحوثي لله

(1) اني قلصت كثيراً من خوضي في البحوث والعلوم الظاهرية لايماني تماماً بان كل شيء يكون تافهاً إذا فرغ محتواه من نتائج الجهاد الاكبر وعليه فتركه اولى من القيام به وهو الى الاستغفار اقرب منه الى انتظار الاجر (الهي كم من طاعة بنيتها وحالة شيدتها هدم اعتمادي عليها عدلك بل اقالني منها فضلك)(1)، هذا اولاً. وثانيا: لاني وجدت نفسي عند المباشرة بمثل هذه الاعمال مشغولاً بكتابة كذا وحذف كذا والتعليق على كذا حتى في صلاتي لا اسلم من ملاحظة جديدة او تعديل شيء فيصبح فكري مشغولاً وانا اريده فارغاً كمرحلة اولى لاستيعاب نتائج الجهاد الاكبر لذا قررت العزوف عنها على الاقل في المرحلة الحاضرة وهذه النظرة تنطبق على جميع جهودي الفكرية ومنها طبعاً بحث الصهيونية فعهدي به منذ عدة اشهر وبالضبط عندما كتبت اليك الملاحظات السابقة واعلمتك اني في اثناء كتابتها كنت اشعر بكربة شديدة، ولذا فمازالت مشاريعي مجمدة كما هي وإن اضيف لها شيء جديد فإنه يسير وبعضه في ذهني فقط كما توفرت لديّ المصادر المهمة ككتاب لعجاج نويهض باربعة اجزاء، يتناول في احدها النصوص الكاملة لبروتوكولات حكماء صهيون، وفي الأخريات تاريخ اليهودية والنصرانية ونظرة في تلك الوثائق وما يتعلق بذلك كله.

فأرجو ان تكون نظرتي هذه سليمة وان تجد فيها مندوحة عما كنت تنتظره مني من اتمام للبحث اوتكميله، ومن الله تعالى ومنك اطلب العفو والصفح .

(2) حول ما ذكرته من ان كسر المؤمن يوجب جبره فاني لا اجد -في ضوء فهميالقاصر- مشكلة من هذا الوزن ولله الحمد والفضل والمنة (الهي لو اردت هواني لم تهدني ولو اردت فضيحتي لم تعافني ) وما احلى مثل هذه الكلمات وما اعظم السكينة التي تسكبها على القلب.

ومازلت على نفس المنوال السابق من اداء كلي او جزئي للاعمال الظاهرية التي كنت أُؤديها واضيف لها بين فترة واخرى ما يوفقني الله تعالى اليه من اعمال جديدة بمناسبة او غير مناسبة وفيما سوى ذلك فمطالعة كتب التهذيب - كجامع

ص: 231


1- من دعاء الامام الحسين (عليه السلام) يوم عرفة.

السعادات - او الكتب التي تحتوي على شذرات منه ككشكول البهائي، وقد افادتني بالتفاتات قلبية مهمة وأكاد أجزم ان اهم ما جنيته لحد الآن - كما يبدو لفهمي الضعيف - من ثمرات السلوك هو التفاتي او كما يقال اشتعال الضوء الاحمر لدي عند حدوث ذنب ظاهري او باطني وهو الخطوة الاولى في طريق العلاج.

كما يتخلل جدولي - ولا اريد ان اعبر عنه بجدول لانه يفيد معنى النظام والالتزام وهو ما لا انسبه لنفسي - بعض الامور الاخرى كقراءة الكتب العامة ومنها كتاب الفتاوى الواضحة وقد ألقي الي بعد شوق طويل اذ لم يسبق لي التشرف بالاطلاع عليه، وكذلك بعض الاشغال الضرورية ومتابعة الاذاعات فيما يتعلق بالقوم هناك بشكل رئيسي، هذا ما يستحق الذكر اما ما عداه ف (ظُنّ خيراً ولا تسأل عن الخبر).

الامور الثلاثة

(3) إن الامور الثلاثة التي تفضلت بها كمبرر لاعراض المربي عن المتعلم حق تماماً واحق منه ان احداً منها لم يتوفر لدي فعلاً ولكن - يا مربّيي- هذا بالنسبة للانقطاع الكامل.

فهل يسري القول على الانقطاع المؤقت وهو ما نشهده حاليا فقد وجدتني مدفوعاً الى ترك المراسلة حالياً ولا ادري لماذا ؟ هل اكتفاءً بما القي اليّ ريثما استوعبه واتهيأ للمزيد ؟ ام لان صياغة الرسالةومحتواها يكلفني الكثير من الجهد وانشغال التفكير ؟ ام تجنباً لما يمليه عليّ هواي من تحسين للكلام وتنميق للفظ فأبدي احسن ما لدي ؟ - واحسن ما لديّ سيئ - ام لحرمان نفسي من لذة كبيرة ام لغير ذلك ؟

وعلى أية حال فقد انسقت مع هذا الايحاء وجاء التطور الاخير في حياة الاخ زيد متزامناً مع هذا القرار فزاده عزيمة في نفسي لتعذر الاتصال بهذا الاخ العزيز الا بصعوبة وبوسائط جديدة - بدون علمها بالتفاصيل طبعاً- فهل يبقى بعد هذا لزوم على المتعلم -كما تفضلت- في متابعة الموضوع والاهتمام به وان يتجنب الانقطاع المؤقت والدائمي .

(4) إن الرسالة وصلتني متأخرة - لما يكتنف الاخ زيد من ظروف قاهرة، وكان وصولها يوم 27/6 ويترتب على ذلك صعوبة الحصول على الاعداد اللاحقة

ص: 232

من عدد مجلة الافق الذي ارسلته مشكوراً وهو مؤرخ في 30 نيسان 1987 والمجلة اسبوعية يضاف الى ذلك الصعوبة اني قليل الحركة خارج البيت الا لضرورة فإن ذلك متعذر عليّ لنفس السبب الذي يمنع الاخ زيد مؤخراً والاخ ...، وقد اشرتُ الى ذلك في رسالة سابقة بشكل اجمالي الا اني اتمتع دونهما بما يؤهلني للحركة بحرية تامة الا ان الاحتياط واجب وعلى أية حال فسأبحث ما استطعت عن هذه الاعداد والله سبحانه الموفق.

اقول: قمت اليوم (30/6) بجولة في بعض المكتبات ووجدت العدد القريب من هذا التاريخ وسأسعى للحصول على اعداد سابقة.

تفسير كلام السيد

هذا ما يتعلق برسالتكم الكريمة ومن جانبي فلدي مزيد من القول:

(1) في خطاب للسيد الامام الخميني (قدس سره) القاه يوم عيد الفطر وقد أنهى فترة ضيافة حقيقية عند الله سبحانه كما يستشف من كلامه قال ما مضمونه: ان ترك الشهوات المادية يؤهلك للحياة في عالم المثال، وترك الشهوات الروحانية والعقلانية يؤهلكللحياة في عالم ما فوق المثال، فهل تفسر لي هذه العبارة اذا لم يكن هناك مانع ؟ أو على الاقل ما هي الامثلة لهذه الشهوات الروحانية والعقلانية ؟

(2) ان اي مجهود فكري - ومنها المراسلة بيننا إذا قدر ان تكون ذات مادة- تبهضني وتشغل فكري بمسوداتها وتعديلاتها ثم بتبييضها لذا فاني لا اقوم بشيء من ذلك الا ما كان على جري القلم او دعت اليه ضرورة.

(3) لقد حاولت ان لا اقول الا حقاً بدون مبالغة او تنميق للالفاظ فان كانت رسالتي كذلك فلله الحمد والفضل، وإن كانت غير ذلك وهو شأن طبيعي لانسان ضعيف حقير فاستغفر الله عز وجل في مقامي هذا واستميحك العذر .

(4) لاشك ان الرسالة لا تخلو من موارد للتعليق فان تفضلت بذلك فأنت أهل لكل جميل وان رأيت المصلحة في عكسه فلك الرأي.

أخيراً اكرر القول اني لم انسك يا سيدي ولن يغير البعد ولا انقطاع الرسائل شيئاً من علاقتنا القلبية الخالصة فقد اصبحت عروة وثقى لا انفصام لها وكيف يعتريها شيء من ذلك وقد انعقدت على محبة الله سبحانه ونيل رضوانه وموالاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله الطيبين الطاهرين.

ص: 233

وقد زرت لك الائمة الطاهرين في سامراء والكاظمية وكربلاء ظناً مني انك محروم منها لما يكتنفك من ظروف التقية العامة أداءً مني لنزر يسير من حقك وفضلك عليّ وتوثيقاً لاواصر العلاقة بيننا. ولكن لي ملاحظة هنا فقد قرأت في الفتاوى الواضحة ان الصلاة لا تصح اذا نوى الشخص اهداءها للحي ابتداء ولكن يمكن اهداءها رجاءً بعد انهائها واظن انك نقلت لي رأياً من هذا القبيل في رسالة سابقة.

ولا اريد ان اجعل من رسالتي هذه مسرحاً للعواطف لاني لا اقدر على تجسيدها والتعبير عنها اولاً، ولاني اجدني مغموراً بما يماثلها من قبلك وقد سأل احد موالي اهل البيت(عليهم السلام) الامام الكاظم (عليه السلام) ان كان يحبه وقال ما مضمونه: انظر إلى مقدار حبك لي فاني احبك بقدره فاذن توجد لديك فكرة عن مقدار ما اكنّه من مشاعر نحوك من خلال ما تغمرني به من عواطف نبيلة واحاسيس جياشة بل ازيد انا على قدر تشرفي بالاتصال بك.

واختم رسالتي كما افتتحتها بالحمد والثناء على المنعم المفضل المجمل على كل نعمة ومنها تيسيره اللقاء ثانية ولكم ولمن تحبون - وهم كما وصفتهم - السلام والاشواق من قلب يعيش معكم في جسد بعيد عنكم ونسأله عزت اسماؤه ان يدفع عنكم وعن جميع الاخوة كل مكروه وكل ما يقصر بهم عن بلوغ افضل ما يأملون من سعة رحمته، وان يقدر لنا بكرمه وفضله اجتماع شملنا في مستقر رحمته متلذذين بلقائه تحت ظله يوم لا ظل الا ظله، إنه وليّ كل نعمة وصاحب كل حسنة وهو ارحم ا لراحمين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ص: 234

القنديل العاشر

جواب الشهيد الصدر (قدس سره)

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه الثقة وعليه التوكل في الشدة والرخاء

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اخي في الله ومولاي العزيز على نفسي وقلبي اعزه الله بعزه واعطاه من عطاؤه ورفعه الى ذراه باقصر وقت وامهل طريق إنه ولي كل توفيق وهو على كل شيء قدير.

الخطايا

اود ان اقدم اولاً الاعتراف بالذنب والخطيئة حين ارسلت اليك الرسالة الاخيرة واستغفر الله سبحانه منها ومن كل زلل وخطل وما اكثره.

فانه في المستطاع، على ضوء رسالتك تلخيص معايب واخطاء رسالتي السابقة بعدة امور،: اذكر اهمها:

الخطيئة الاولى: الشرك الخفي، فانها كانت موافقة لنفسي وروحي معاً، وليست لروحي وحدها، او قل: انها كانت موافقة لغرض الدنيا والاخرة.

اما الغرض الذي لنفسي فهو الشوق الذي ابلّه والحب الذي اكنه نحو هذا الاخ العزيز الذي طال امد انقطاعي عنه.

واما الغرض الروحي فهو التجاوب الوجداني الذي اجده في روحي وقلبي مع الاطلاع على اي امر مقرب من الله ومبعد عن اعدائه. فان اللقاء و (نصف اللقاء) ينتج ذلك بلا شك . وينجي الانسان - ولو مؤقتاً - من الشعور بالاغتراب والغرق في بحر الظلمات - لا اقول اكثر من ذلك.

فلو كانت الرسالة تلك لروحي فقط لكان فيها الجانب الاخروي المقرب لله عز اسمه الا انها كانت خليطاً مشركاً بين ذا وذا (وان خذلني نصرك عند محاربة النفس والشيطانفقد وكلني خذلانك الى حيث النصب والحرمان).

الخطيئة الثانية: انها كانت وهذه الرسالة ايضا كذلك، تكلف عددا من الناس

ص: 235

عناء ايصالها والسفر بها وغير ذلك مما انت اعلم به. وهو من قبلي (ظلم) لهم لا تعدله الاهداف السابقة التي ذكرتها قبل قليل .

الخطيئة الثالثة: انها كانت تغمط حقك وتتجاهل عطاء الله سبحانه وتعالى نحوك. من اكثر من جانب واحد، فهي:

اولاً: تكلفك القيام بالجهاد الاصغر في حين ان (حالك) يناسب تركه.

ثانيا: تكلفك الجواب في حين ان (حالك) ايضاً يقتضي الذكر الدائم حد الامكان والاعراض عما سواه. وفقك الى المرتبة الكاملة منه إنه ولي كل توفيق .

وسأعطي فكرة ما عن الفقرة الاولى من هاتين بعد قليل عند تعليقي على ما ورد في رسالتك.

وعلى اي حال فانا استغفر الله سبحانه من هذا الذنب ومن كل ذنب اذنبته وكل خطيئة اخطأتها. و - بصراحة - يخطر لي ان لا استميحك العذر، حتى لا اخلط بين استغفار الخالق واستغفار المخلوقين، فاكون قد تورطت من حيث لا اعلم . هكذا تقتضي فكرتي فعلاً.

واود الآن ان اذكر ما يخطر في ذهني القاصر الفاتر تجاه بعض ما ورد في رسالتك .

مولاي: ينبغي لنا جميعاً ان نرفع يد التسليم لله عز وجل لما اراد وهو الاعلم الاحكم الارحم جلّ جلاله. فاهلاً بكل ما اراد من ظروف التقية ومصاعب الدهر .

وما احلاها واشهاها حين تكون صادرة منه وسبباً في الوصول الى ساحة قدسه.

هذا مثال لك

بما في ذلك عدم المراسلة فيما بيننا، فليكن كما اراد. واما اتصالك بي بصفتك تحسبني مربياً لك. فان لك في هذا اسوة بيفي علاقتي مع (مولاي) قدس الله روحه الزكية، حيث انه بعد اتصال به دائم ومركز لفترة كافية، احسست بانه قد اعرض عني واهملني. ولعل ذلك لنقصي او ضعفي، او جهلي او تقصيري او ذنوبي. ومحل الشاهد انني حاولت ان اراه بشكل وآخر وقلت له ما مضمونه: لماذا اعرضت عني ومن اين لي ان آخذ معلوماتي. فاجاب: خذ معلوماتك ممن ينبغي ان تأخذها منه. وقد اصبح جوابه في حينه مجملاً في ذهني الى حد ما ولكن (العطاء) عرفني حقيقته

ص: 236

ولازال في تطور مستمر والحمد لله.

ولم يطل الامر بعد ذلك طويلاً غير بضعة اشهر توفي بعدها (قدس سره). وقد فقدناه فقد الارض وابلها.

فليكن هذا مثالاً لك، وليكن الانقطاع صحيحاً ما دام هناك مانع من الاتصال، غير ان انقطاع مولاي كان بطبيعة الحال لسبب آخر غير الانقطاع بيننا.

ولكني لا اقصد الانقطاع الكامل، اذ لا بأس بالذكرى كل عدة اشهر او في السنة مرة على ا لاقل، قال الشاعر:

اذكرونا مثل ذكرانا لكم

رب ذكرى قربت من نزحا

مثال آخر

وهنا يخطر لي مثالٌ آخر: وهو ان نفسي الامارة كانت خلال الستينات تقول: لو قدر وتوفي السيد الحكيم فيكف سيكون دخلنا المالي. ومن اين سنعيش ؟ (عجباً عجباً) والمهم ان وفاته - يشهد الله - لم يكن لها اي اثر في تقليل الوارد المالي، بل لا اقول شططاً اذا اكدت لك انه قد زاد زيادة ملحوظة. فانه اذا كان (السبب) قد زال فان (المسبب) لازال.

هذا وقد اكتفيت من(مولاي) ان فتح الباب لي ودلني على الطريق بفضل الله سبحانه. واما الوصول الفعلي فهو ليس بيده ولا بيدي، بلبيد من بيده مقاليد كل شيء حسبي الله فليكن كل هذا مثالاً لك. ولا تحاول ان تقصر في

التعمق فيه (انظر للساني المزعج اذ يستعمل هذه اللغة).

هذا وقد فكرت فعلاً ان لا اجيب رسالتك هذه اخذاً للوسائط بنظر الاعتبار .

الا ان الحاح نفسي وتوقعك الواضح للجواب ووجود المصلحة فيه على اي حال هو الذي حداني الى ذلك والحمد لله رب العالمين.

لا تضر نفسك بنفع الآخرين

1- قولك: (انني قلصت كثيراً من خوضي في البحوث والعلوم الظاهرية لايماني بان كل شيء يكون تافهاً اذا فرغ محتواه من نتائج الجهاد الاكبر ...).

فقد سررت به كثيراً وحسبي ان كنت مررت بنفس الحال ايضاً حين تركت

ص: 237

الكتابة في مؤلفاتي.

فكن كما يقتضي حالك ولا تضرّ نفسك بنفع الآخرين، ما لم يقتض ِ التكليف الشرعي الفعلي ذلك. وليس الآن الامر كذلك. فمن المنطقي جداً بل اكثر من الضروري ان يختار الفرد افضل ما يعرفه في عبادة الله عز وجل والتكامل نحوه. ولا يختار الادنى فيندم حين لا مندم ولات حين مناص.

ورسالتي السابقة اليك، كانت على فكرة انك قد تحتاج الى الكتابات الدينية الآن او بعد الآن . ولم اجد في نفسي احتمال اعراضك عنها الى هذه الدرجة فمرحا مرحا. جزاك الله خير جزاء المحسنين . والحمد لله ذي الفضل العظيم الذي عرفك على مضار هذا المسلك لأهل الحال) وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ )(الأحزاب: من الآية35) فاتبع حالك وما يمليه عليه ضميرك ومنهجك التكاملي. واعتذاري - اكرر - من ا لتقصير في تلك ا لرسالة الخاطئة.

2- سؤالك حول ما ذكرته: (ان كسر ا لمؤمن يوجب جبره ...).

ادام الله عزك وازاد شرفك (فان اولياءه بعزته يعتزون) وليس لهم عزة مستقلةوالعياذ بالله.

عبرة

وما ذكرته لك في الرسالة السابقة من النص الوارد: (كسرته وعليك جبره) قاعدة عامة تنطبق على الكثير بل هي باب يفتح منها اكثر من الف باب. ولاشك ان السلوك والحال بما فيه من صلاح انما هو امتحان اليه كسائر انواع الحياة وكل اشكال التصرفات يحتوي على احتمال الزلل والخطل ولا يكون العاصم منه سوى لطفه تبارك وتعالى وتأييده وتوفيقه.

واذا نظرنا الى السبب قلنا ان العاصم منه هو تركيز الالتزام وشدة الاستقامة (الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا)(1) ودقة الملاحظة لكل الاعمال جهد الامكان وبدون استثناء (وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيه)(2) والله الموفق للصواب .

وانا بعد ان عرضت لك بعض الاسرار وحملتك على بعض الرياضات، كيف

ص: 238


1- الاحقاف: من الآية13.
2- البقرة: من الآية267.

يحق لي ان اعرض عنك وانا اعلم ما في النفس من الكهوف المظلمة والآبار المرّة والحيّات اللاذعة، انها مصغر لجهنم فعلاً، بل هي جهنم المعنوية بعينها، فهذا يكون في رأيي مصداقاً للحديث المشار اليه في جواب جبر الكسر.

ولكن العبرة التي نستطيع ان نتصيدها هو ان جابر الكسر لست انا، الضعيف الذليل المحتاج، بل هو القوي العزيز المتعال جلّ جلاله. ومن هنا بادرك بالرحمة وازاد لك العطاء الى حد لا تجد معه كسراً ولا تحس معه بنقص. وإن كنت انا غائباً فهو حاضر وإن كنت قاصراً فهو قادر وان كنت جاهلاً فهو عالم فحسبك الله حسبك الله وحده لا شريك له وهو حسبي ونعم الوكيل.

الكتب التي تطالعها

واما عن الكتب التي تطالعها، فانت اعرف بها، وفي مقدار اطلاعي الضيق النطاق فان بعض كتب الشيخ الصدوق كمعاني الاخبار والخصال وكتاب مجموعة ورام وكتاب الخرايج والجرائح للقطب الراوندي ... إن وُجدت في مكتبتكم العامرة فانها فعلاً عامرة بالاخبار عن اهل البيت (عليهم السلام)، وقد قلت لكم في رسالة قديمة : ان الرواية التي تفهم منها فهماً معمقاً فخذ بها فانها رسالة الله سبحانه وتعالى اليك. ولا يخفى ان الطب -طب النفوس والقلوب- تجده على هذا المستوى ايضاً.

وارفق لك طياً كتابين لا احسب اطلاعك عليهما، احدهما شيعي والآخر سني وكلاهما يهديان الى السلوك الى الله سبحانه فخذ منهما حاجتك وهي لك. والكتاب السني منهما فيه تصريحات كبيرة قد لا تُتحمل، فان تحملتها فاحمد الله سبحانه على حسن النعمة وإن لم تتحملها فاترك القراءة فيه الى حين يشاء الله عز وجل واوكل علم ما يقال فيه إلى اهله. ولا احسبك الا متحملاً بعونه.

3- قولك: (ان الامور الثلاثة التي تفضلت بها كمبرر لاعراض المربي عن المتعلم حق تماماً واحق منه ان احداً منها لم يتوفر لدي فعلاً ...).

فما وصفته فيه من ترك ا لمراسلة هو (الحال). وهو حق تماماً. وقد سبق لي في اول هذه الرسالة ان استغفرت من معاكسة هذا الحال ويحسن الظن به ان يغفر لي.

غير ان الذي يخطر لي الآن هو انه لا حاجة الى تنميق الرسالة ولا استنساخها فان المهم هو وصول المعنى الى السامع اكثر من هذه الشكليات، فانها مما يجب ان

ص: 239

يزهد فيه السالك، حتى لو اوجب ذلك اعتراض المرسل اليه وسخطه فان لكاتبها بذلك مزيداً من الثواب، الا ان تحصل لبعض الافراد شيء من المضاعفات وهي عادة غير حاصلة.

ومن هنا لم افكر - كما تراني - في تحسين خطي ولا تجديد الكتابة ولا تنميقالالفاظ، ان هذا مما يسود وجهي امام الخالق، ومن المعلوم ان سواد وجهي امام المخلوق اولى من سواد وجهي امام الخالق، هكذا يقول لي حالي يا حبيبي.

وعلى ذكرك للاخ زيد سلمه الله ومسلكه الجديد الذي وفقه الله تعالى اليه. وفي اعتقادي انه حصل قناعة على ذلك بعد ان وجد الاخ .... ووجدني متفقين على صحة هذا المسلك مضافاً الى الادلة التي تدل عليه في الشريعة المقدسة. وتعلمون انه كيف جاءت الى الاخ .... بدون احتساب وبدون شيخ او مربي فالحمد لله على حسن منته على جميع المؤمنين.

مولاي: قد يكون من قبيل نقل التمر الى هجر اذا اعطيتك هذه الفكرة التالية. ولكنه تعالى يقول: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ)(1).

وحتى كونها ذكرى انها كانت معروفة فيما سبق الا ان اثارتها من الذاكرة نافع ايضاً وحسبنا الله ونعم الوكيل .

المسلكان

من العجب من سادتنا المتأخرين وكبرائنا الماضين والحاضرين انهم اعرضوا عن هذا المسلك وهو المسلك الذي مشى عليه عدد مهم من علمائنا السابقين (قدس الله اسرارهم) كالمقدس الاردبيلي والسيد بحر العلوم والشيخ احمد بن فهد الحلي والنراقي (الاب) والنراقي (الابن) والسيد ابن طاووس وغيرهم من المشهورين والمغمورين كثير.

وقد فضل المفكرون منهم - اعني المتأخرين - مسلك (الوعي الاسلامي) وهو لعمري مسلك حق لان فيه وبمضمونه يكون الحرب مع المادية والاستعمار وهداية كل من تأثر بهم وانحرف الى جادتهم . وقد كان هذا ونحوه هو الشغل الشاغل لهؤلاء المتأخرين وينبغي ان نعترف ان (السلوك)الخاصي لا يفيد في هذه النتائج من قريب ولا من بعيد.

ص: 240


1- الذاريات : 55 .

الا انهم اعتبروا الوعي الاسلامي نهاية الطريق وعلقوا اعلاناً ضمنياً في عدم جواز تعديه والا كان من تعدي حدود الله والمصير الى الخسران المبين. مع العلم ان هذا المسلك على انه حق الا انه يوجب التربية الى نصف الطريق واما النصف الآخر فلا يتكفله الا المسلك الخاصي وهو الموصل الحقيقي الى الهدف الحقيقي الذي خلق الانسان من اجله.

وقد بيّن السيد (هناك) ما مضمونه ان اقامة المجتمع المسلم والصالح بل إقامة الحكم الاسلامي نفسه ليس الا مقدمة للصلاح الحقيقي ونشر الفهم المعمق للدين لينال الهدف الحقيقي اكبر مقدار من الناس.

اقول: وهذا ما يتمناه كل سالك قال الله تعالى: (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ)(1).

وفي اعتقادي ان الوعي الاسلامي والجهاد الاصغر على اي صعيد انما يكون صحيحاً ومؤثراً (للثواب) بصفته تطبيقاً للجهاد الاكبر اعني كبح النفس واتعابها في سبيل الله . لا بصفته طلبا للرئاسة والشهرة، وان كانت حقاً لقوله تعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(2)، حيث جعل العلو في مقابل الفساد يعني حتى العلو الذي لا فساد فيه، وانما يؤخذ الفرد احياناً الى ذلك - وحتى الانبياء والاوصياء - طبقا للتكليف الشرعي، وقد سبق ان اعطيت في بعض رسائلي السابقة عن ذلك فكرة كافية.

تعليقتي على الفتاوى الواضحة

وبصفتك حاصلاً على نسخة من الفتاوى الواضحة استطيع ان اعطيك فكرة واضحةنسبياً عما وصل اليه الحال من محاولة ارضاء الفهم المادي الحديث من اجل كسبه ومن ثم التنازل عن كل ما ينافيه بمعنى وآخر.

ولو كانت عندي تعليقتي على الفتاوى لنقلت لكم بعضاً منها لكنها ليست تحت يدي الآن، كل ما في الامر اني استطيع ان الخص لكم المضمون العام لبعض التعليقات، واريد ان اخص الآن تعليقتين ترجعان الى الخاتمة في فهم العبادات:

ص: 241


1- يس: 26 – 27 .
2- القصص: 83 .

التعليقة الاولى: في تقييم عام لتلك المقدمة، وقد قلت فيها اولاً: ان المؤلف انما ذكرها لمكافحة الفكر الاوربي وارجاع الكفار الى الاسلام وهذا هدف حق. ثم قلت فيها: والا فكيف لا يحتوي هذا البحث على ذكر مفاهيم اساسية في الاسلام كالصراط المستقيم والعروة الوثقى واليوم الآخر والشيطان والقلب السليم ومخالفة الهوى وغيرها. فاذا علمنا مدى التركيز عليها في الكتاب الكريم عرفنا كيف ان المقدمة قد اخذت مفاهيمها من الدين القويم !

التعليقة الثانية: ان المؤلف يذكر فصلاً عن هذه الخاتمة يتحدث فيه عن معنى (في سبيل الله) ويفسره بمعنى العمل للمجتمع وبالتالي في (سبيل الناس) ويستشهد بقوله تعالى: (الا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين ... الخ بالمضمون).

واوضح فكرة في ذلك هو ان نعرف ان قولنا: في سبيل الله وقولنا: قربة الى الله معنى واحد من الناحية العملية فنحن نصلي ونصوم ونجاهد الجهاد الاصغر وغير ذلك في سبيل الله وقربة الى الله، فاذا اخذنا بتفسير المؤلف كانت صلاتنا في سبيل الناس لا في سبيل الله، فأحر بنا ان يقال لنا في يوم القيامة: خذ اجرك ممن عملت له، وهل يرضى السيد المؤلف بأن تكون الصلاة والعبادات في سبيل الله بهذا المعنى .. راجع نص الكتاب رجاءً لتتأكد.

وقلت في التعليقة نفسها: ان المراد من الآية سبيل الله خاصة لانه هو الكمال الحقيقي والمنعم الحقيقي، واما عملنا لاجل (المستضعفين) فانما هو لاجل ان ننالوينالوا الخير في الدنيا والآخرة ويصل الينا واليهم النفع معاً.

والا لكان من (الشرك) المأمور به وحاشا للقرآن الكريم من غير التوحيد الخالص وطبعاً هذا السطر الاخير لم اكتبه في التعليقة لاني اردت لها مستوى معيناً.

وانما كتبت هذا اليك لانك كنفسي فاوضح لك كما اتضح لي كيف ان الوعي الاسلامي يوصل الفرد الى نصف الطريق لا الى هدفه الاقصى.

وهذا الكلام مما ينبغي ان يخفى عن اولئك الذي ينفعهم الوعي الاسلامي في تكاملهم وصلاحهم، فلاحظ ذلك رجاءً. والا فقد يتورط الفرد امام الله سبحانه من حيث لا يعلم.

الشهيد الصدر الاول والمسلك الخاصي

وبعد ان اطلعت على المطالب المعمقة لصدر المتألهين الشيرازي في الاسفار

ص: 242

الاربعة عجبت جداً لمن يستطيع ان يستوعب هذه المطالب ولا تنقلب شخصيته وآراؤه، مع اني اعلم اثنين من اقاربي يفهمان الاسفار الاربعة ولم يتبعاها احدهما السيد المؤلف وهو قد درس الاسفار على الشيخ صدرا البادكوبي (رحمه الله) ابان تحصيلاته.

الا انه مما يهون الخطب ان المفهوم عندي الآن ان السيد المؤلف قد توفي وهو قريب من المسلك الخاصي غير بعيد عنه، وقد واكبت ذلك شخصياً اذ بعد (فتح الباب)(1) كان حينما يقل الواردون الى (البراني) وابقى بخدمته فقط نبدأ (الموعظة) فيقول هو عدة كلمات واقول انا عدة كلمات، وقد قلت له في حينه : ان الموعظة اصبحت زادي في صباحي ومسائي، فوافق على ذلك بكل احترام، ولكنه مع ذلك لم يكن على استعداد ليعلن ذلك بين الناس حتى خاصته والمقربين لديه. وهو اعلم بما فعل رضوان الله عليه (اعاذني الله من شر هذه الشقشقة التي هدرت ثم قرت).واما بالنسبة الى تعرفك على حال القوم هناك، فالذي اهتم به شخصياً امران فقط:

احدهما: الهجومات التي تحصل بين آونة واخرى وما يحصل فيها من نجاح او فشل او مضاعفات !!

مع الامام الخميني (قدس سره)

ثانيهما: ولعله الاهم، ان السيد(2) (هناك) له درجة من الفهم العرفاني الجيد، وقد يقول ذلك في خطبه وانا احاول ان القط ذلك التقاطاً، وانا اسمعه بلغته طبعاً وافهمها، اما سماعها بالترجمة العربية فلا اعتقد انها ناجحة تماماً لأن هذه الامور لا يترجمونها وإن ترجموها فانهم يحاولون ان يلبسوها ثوباً اجتماعياً من قبيل (الوعي الاسلامي) ويقللون جهاتها العرفانية اكبر قدر ممكن، وهذا اعتبره كالمسخ لها على ما اعتقد.

وحسب علمي ان له في اول كل خطبة او اكثرها كلمة او اكثر -لو صح التعبير- مما هو نافع في هذا المجال، ثم يدخل في معمعة الحرب والسياسيات او في

ص: 243


1- يقصد بعد الافراج عن السيد الشهيد الصدر الأول (قدس سره) والسماح له بالالتقاء بالناس.
2- يقصد الشهيد الصدر (قدس سره) بالسيد هنا الامام الخميني (قدس سره).

حل بعض مشاكل جبهته الداخلية، اقول ذلك لاجل إلفاتك الى ذلك لعلك تستطيع مواكبة الامر.

واود ان اضيف -قبل ان انسى- الى الكتب التي اشرت اليها كتاب الوسائل ان كان لديكم نسخة منه وخاصة ابواب مقدمة العبادات في الجزء الاول منه، وابواب العشرة من كتاب الحج في اواخر الجزء الثامن. وانا لا احيلك على جميعها بل على ما يناسب حالك منها وما ترى انه ينفعك قلبياً وسلوكياً منها.

4- قولك: (ان الرسالة وصلتني متأخرة - لما يكتنف الاخ زيد من ظروف قاهرة- وكان وصولها يوم 27/6 ويترتب على ذلك صعوبة الحصول على الاعداد اللاحقة من عدد مجلة الافق ...).

فليس لي ما اضيفه على ما سبق غير اني- يعلم الله - كنت حاملاً هم الاعداد المتأخرة للمجلة، ولكن ماذا افعل لاوقات الاخ زيد وظروفه والامر ليس ضرورياً بالمعنى الحقيقي كما تعلم والامر اليك على اي حال.

بقيت الامور المتأخرة عن السؤال الرابع:

وخاصة ما نقلته عن السيد طالباً تفسيره وانا بخدمتك في حدود الامكان .

مولاي، ورد عنهم (عليهم السلام): (الدنيا حرام على اهل الآخرة، والآخرة حرام على اهل

الدنيا، وهما معاً حرامان على اهل الله)(1).

فاهل الآخرة هم اصحاب اليمين واهل الله هم المقربون، فاذا ترك الفرد شهواته الدنيوية واعرض عن الدنيا وما فيها ومن فيها اصبح اهلاً للآخرة او من اهل الآخرة او من

اصحاب اليمين، وعالم المثال الذي يتحدث عنه هو جنتهم على ما سوف اقول.

واذا اعرضنا عن الدنيا والآخرة فقد اصبحنا من اهل الله ومن المقربين في ساحة قدسه (عند مليك مقتدر).

شهوات الروح والعقل

والتعبير بالشهوات الروحانية والعقلانية يعني على ان للروح والعقل حاجات كما ان للجسم حاجات، وايفاء اي منها واشباعها مضر في مسلك المقربين. فالتعمق

ص: 244


1- عوالي اللآلئ: ج 4، ص119.

في الرياضات مثلاً واستحضار الجن والاستماع الى تسبيح الملائكة وغيره كثير، يعتبر دون المطلوب واقل من الهدف المنشود، ولا يصح لمن يطمع بمنازل المقربين ان (يقف) عندها، وسوف يندم بكل تأكيد لان تكامله سوف ينقطع عند هذا الوقوف، ومن ثم فسوف يكون (وصوله) ابطأ واضعف ايضاً ولا يكفيه الندم عندئذٍ.

الا ان شهوة العقل سوف تستمر وتصر على ضرورة الاشباع الى ان يحصل التوحيد الكامل لدى الفرد، لا اقول اكثر من القول المأثور: ( لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِالْقَهَّارِ)(1).

عالم المثال

واما عالم المثال الذي اشار اليه فهو مشروح مفصلاً في الاسفار الاربعة. ومجمل الفكرة : انه صورة بلا مادة واشبه شيء به في الدنيا الصورة في المرآة، وكذلك -من بعض الجهات- الاحلام فانك ترى الاشياء كأنها قائمة ومتحركة الى غير ذلك ولكن لا مادة لها مثل المادة الدنيوية ولكنها هي الواقع بل هي اشرف واوكد من هذه المادة الظلمانية الدانية، فهذه هي جنة اصحاب اليمين فما هي جنة المقربين ؟ الله اعلم.

وهنا يحضرني قول ابن عربي في بعض مؤلفاته: ان سدرة المنتهى - على عظمتها وارتفاع شأنها - انما شبهت بالسدرة وهي شجرة النبق لأن في داخل النبق نواة قوية غير قابلة للاكل والهضم، اقول: وهذا نقص، اذن فشجرة المنتهى محدودة في كمالها لم تبلغ الى الدرجات العلى، فكيف حال النبق الذي ليس له نواة ؟!

يحسن ان تفكر اكثر مما تقرأ في هذه العبارات.

هذا واما الامور الثلاثة التي بعد هذا السؤال فقد فهمتها وليس لي عليها تعليق، بعد الذي قلتُه من اول هذه الرسالة الى الآن، وقد امتثلت فعلاً امركم بالتعليق على رسالتكم فالحمد لله على حسن التوفيق.

آخر الرسالة

بقيت نقطتان لا ينبغي اهمالها في آخر رسالتك ورسالتي:

ص: 245


1- غافر : من الآية 16.

النقطة الاولى: ارجو الله سبحانه وادعوه باللسان الخاطئ الكليل والقلب المذنب الذليل ان يشكرك ويضاعف لك الاجر والثواب والعطاء، على ما تكلفته من زحمات الزيارة عني في المشاهد المشرفة والاماكن المقدسة، والتي انا منها محروم فعلاً، لكن لا بشكلمطلق بل بمعدل زيارة واحدة في السنة تقريباً لكل من كربلاء والكاظمين سلام الله عليهم اجمعين.

واما سامراء فلم ازرها منذ حوالي عشر سنوات، وانا اعلم ان في هذا عبادة اكثر من الزيارة، واذا كانت نيتي حسنة كما هو مقتضى حسن الظن بالله سبحانه، فان الاعمال بالنيات، وقد ورد ما مضمونه: انه لو اراد المؤمن شيئاً من الطاعات وعجز عنه لمرض او غيره اعطاه الله ثوابه.

هذا مع استحقاقي، ولكن ويلي من اين يأتي الاستحقاق، وانا الجاني على نفسي المجترأ على ربي البعيد عن ائمتي واوليائي، لا ارجو الا رحمته وحسن الظن به.

النقطة الثانية: بخصوص ما تذكره عن الفتاوى الواضحة من ان الصلاة لا تصح اذا نوى الشخص اهدائها للحي ... الخ.

وفي حدود علمي فان هذا صادق بالنسبة للقضاء فقط، فقضاء الحي عن الحي غير مشروع، وانما الصحيح هو قضاء الحي عن الميت، واما اهداء الثواب للحي بالصلاة او الدعاء او الزيارة او الصدقة او اي شيء فهو مشروع وصحيح ولذلك الشخص ثوابه من دون ان ينقص من ثواب الفاعل شيئاً والروايات ناطقة بذلك ولا حاجة الى استقصائها الآن.

فراجع الفتاوى الواضحة عسى ان تكون العبارة خاصة بالقضاء، ومن الصعب ان اتصور اني قلت شيئاً من ذلك، والله اعلم . وعلى اي حال فالامر هين وواضح نسبياً ولا مجال فيه للخلاف بيننا.

هذا، ولا اعتقد انني ينبغي ان اشير الى ان احد هذين الكتابين المرفقين معنون بعنوان (التصوف) ويحتوي على موافقته ومدحه، فاني قد سبق لي ان ابديت رأيي في الصوفية فلا حاجة الى التكرار . بقي ان تأخذ منهم كلمة الحق وندع منهم غيرها، تماماً كما نفعل مع اي (طبقة) اخرى. بعد ان اعطانا الله سبحانه تمييز الحق عما سواه.

ص: 246

كلمات الختام

وختاماً لا ينبغي ان اختم رسالتي قبل هذه الكلمات:

تجرد امام الله سبحانه من الحول والقوة ومن العلم والطاعة وتبرأ امام الله سبحانه من كل اعدائه الظاهرين والباطنين ومن كل عصيان حصل او يحصل وقدم له عز اسمه عجزك عن استيعاب نعمه واستيعاب شكرها واستيعاب طاعته وتوسل اليه بحسن الظن به وسعة رحمته التي تقدمت غضبه ان يؤيدك بالتوفيق في كل ذلك.

فمثلا : من خرج من علمه وقدم له الجهل ابدله الله سبحانه من علمه علماً اعلى واشرف، ومن خرج عن قدرته وقدم له العجز والضعف ابدله الله بها قدرة وقوة اعلى واشرف وهكذا.

جعلنا الله سبحانه من الذين يقولون: ربنا اغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالاسحار، وجعلنا ممن تاب وعمل صالحاً فانه يتوب الى الله متاباً والذين لا يشهدون الزور واذا مروا باللغو مروا كراما، والذين اذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عنها صماً وعمياناً، والذين يقولون ربنا هب لنا من ازواجنا وذرياتنا قرة اعين واجعلنا للمتقين اماماً اولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاماً خالدين فيها حسنت مستقراً ومقاماً. صدق الله العلي العظيم

والحمد لله رب العالمين

ودمتم لمخلصكم

ص: 247

ص: 248

رسائل عامة للشهيد الصدر (قدس سره)

وهي رسائل لم تكن أجوبة او تعليقات على اسئلة او افكار بعثت اليه (قدس سره) او انها فقرات تصلح أن تكون مواضيع مستقلة.

ص: 249

ص: 250

الرسالة الاولى: فكرة عن مرآة الرشاد

بسم الله الرحمن الرحيم

توكلت على الله رب العالمين

كنت احسب انه لن يتسنى لي قرائته بكامله الا بعدة ايام، فوجدت نفسي بفضل الله سبحانه قد اتممته في عدة ساعات، لمدى الرغبة التي رغبتها ومدى الحكمة والموعظة التي فيه والقلب انما تحييه الحكمة والموعظة بعد موت ورَيْن وذبول، ولما يحويه من مواعظ اهل بيت الرحمة سلام الله عليهم اجمعين.

مولاي: بحسب فهمي القاصر المقصر، ان هذا الكتاب بحسب ظاهره وبحسب الهدف الذي اسس من اجله انماهو كتاب (وسط) استطيع ان اقول: ان الذي يتربى بين اكنافه انما هو من (اصحاب اليمين) واما تلك المواعظ والحكم التي توصل الى درجات (المقربين) فلا توجد في هذا الكتاب الا اقل القليل وبشكل خال من التركيز تماماً.

واحسب ان المؤلف يعرف ذلك بدليلين متوفرين في الكتاب:

الاول: وهو الاوضح انه يشير في الهامش ان الجزء الثاني والثالث لهذا الكتاب يسمى (مرآة الكمال) فقد تعمد التفريق بين (الرشاد) و (الكمال).

والثاني: انه قد فلتت من المؤلف افكار معمقة هي بدورها نافعة ل(اصحاب اليمين) حسب فهمهم لها. ولكنها اعلى منهم لو فهموها حق فهمها. ولعل اوضح مثال على ذلك اسماء هذين الكتابين (مرآة الرشاد ) و (مرآة الكمال) فان المرآة حسب الفهم الاعتيادي هو هذا الكتاب الذي يكشف للقارئ عن حقائق مهمة. وبحسب الفهم المعمق: فان المرآة هي الروح العليا للانسان التي خلقها باريها لمعرفته والوصول الى رحاب قدسه. ولا احسب ان هذا المعنى مما يخفى على المؤلف (قدس سره).

اصحاب اليمين

إن اصحاب اليمين عظماء ويكفينا ان فقهاء اصحاب الائمة (عليهم السلام)

ص: 251

ومخلصيهم انما هم من اصحاب اليمين كما تصرح به الرواية . وقد اشرت الى ذلك في بعض رسائلي السابقة ولكنهم لم يتذوقوا ولن يستطيعوا ان يتذوقوا (جنة المقربين) الا ان يشاء ربي شيئاً لبعضهم.

وان اقصى (الفخر) للاتجاه العام الذي تمثله الحوزة العلمية من الناحية الدينية والذي يمثله الآلاف منهم كذلك الاتجاه العام لأخيار الكسبة والتجار هو ذلك اعني ان يكونوا متبعين لتعاليم مثل هذا الكتاب الجليل وصائنين لانفسهم حق الصيانة فيكونون من اصحاب اليمين. بغض النظر عن واقع آخر مؤسف جداً يصعب على الكثير منهم من خلاله ان يكون من اصحاب اليمين لمدى الاشتغال بالدنيا والذنوب والعيوب التي انتم اعلم بها مني فكيف يكونون من اصحاب اليمين فضلاً عما فوقهم.

وقد ورد في الحديث الشريف: الدنيا حرام على اهل الآخرة والآخرة حرام على اهل الدنيا، وهما معاً حرام على اهل الله(1). وكل من هذه الفقرات باب ينفتح منه الف باب.

الافكار الوسطى

واود فيما يلي ان امثل بعض الامثلة للافكار التي تم التركيز عليها من الافكار (الوسطى) التي لاصحاب اليمين.

منها: ان الفرد لا يأخذ معه الا كفنه . وهذه من الواضحات عندي وعندكم . ولكن لو نظرنا الى اعمق من ذلك نجد انه لا يأخذ معه حتى كفنه. إن كفنه دفن مع جسده والفرد (هناك) لم يأخذ لا جسده ولا كفنه.

ومنها: الحث على احترام الفقه والفقهاء. وهذا ايضاً من البديهيات عندي وعندكم. الا اننا لو نظرنا الى ما هو اعمق من ذلك لوجدنا للعلم والفقه معان لمتخطر للفقهاء على بال . وهي العلم الحقيقي الذي يُطلب من الانسان الوصول اليه.

وحسبنا مثالاً على ذلك الرواية القائلة : لا يستكمل الانسان فقهه الا عندما تكون له ثلاث صفات: يكون زارياً للناس قالياً لصحبتهم، وان يفهم من آيات القرآن الكريم معان متعددة وان يلتفت الى نفسه فيكون ازرى لها مما سواها. (نقل

ص: 252


1- عوالي اللالئ: ج4 ص 119.

بالمعنى) واين هذا من انفس (الفقهاء) المتربين على افكار الحوزة العملية التي تعرفونها والتي لا حاجة الى كشفها الآن.

ومنها: الحث على الادعية والاستغفار اللفظي الاعتيادي . وهي لعمري طريق سليم لا يمكن ان يصل الفرد بدونهما الى درجة معينة من المقامات الإلهية ولو تركها تهاوناً أو عبثاً أو غير ذلك كان من الضالين.

ولكن قد يجد الفرد نفسه في مقام تكون اكثر طاعاته وادعيته (قلبية) ولا ربط لها باللسان اصلاً الا لمجرد (حفظ الظاهر) او ظن السوء بالنفس بعنوان: اني لست من (المقربين) فلا اقل ان احصل على ثواب اصحاب اليمين ونحو ذلك من الدواعي الصحيحة.

فهذه فكرة عن هذا الكتاب الجليل اذا قسناه بما فوقه . واود الآن ان اعطي عن هذا الكتاب فكرة بمقايسته الى من دونه . فانه (قدس سره) ألفه لابنه وهو يعلم انه يفهم هذه المواعظ ويستحقها، والفرد لا يستطيع ان يعيّن قارئ الكتاب خلال الاجيال. ولولا حفظ الله سبحانه للحقائق لتاهت في ايدي القاصرين والمقصرين.

إن هذا الكتاب سوف يكون صعباً (ثقيلاً) على مجموعات من الناس لا ينبغي تكليفهم بمطالعته كله او اتباع فكرته العامة لانها اكثر من طاقتهم وانما يحتاجون الى بعض درجات الكمال لكي يستطيعون ان يفهموه ويطبقوه.

وان افضل (علامة) لهذه المجموعات من الناس : ان الفرد منهم لم تحصل له ملكةغالبة بمعنى الاغلب من الارتداع عن المحرمات الصريحة والقيام بالواجبات الصريحة (اعني التكليف العام الظاهري) كما لو كان لا يتورع من الكذب او الغيبة او النميمة او نحوها فضلاً عما هو اعلى منها واهم شرعاً. حتى وان كان هذا الفرد (واعياً) اجتماعياً ودينياً ويود الدفاع عن (الحق الاسلامي المغتصب) ولكنه لم يتكامل الى حد الارتداع عن جميع المحرمات.

نعم، لو حصلت هذه الملكة للفرد الذي قد يكون من هذا النوع وقد يكون من نوع آخر. امكن الحصول على بعض حقائق هذا الكتاب او عليها كلها حسب (امكانه). واود ان اشير إلى ان حصول هذه الملكة لا تنافي التورط قليلاً بما اعتادت النفس عليه مسبقاً من المحرمات.

ولكن تكون مورد استياء الفرد واستغفاره . فان ذلك لا يزول الا بعد مرحلة من الكمال. وقد تكون مواعظ هذا الكتاب كفيلة بازالتها وقد فكرت في امكان ان

ص: 253

اعلق على بعض مواضيع وافكار هذا الكتاب واذكر ما هو اعمق منها حسب ما يتيسر بفضل الله سبحانه وحسب هدايته. الا انني اعرضت عن ذلك لامور:

1- انها قد تكون ثقيلة عليكم فاتورط بما انا في غنى عنه.

2- ان في رسائلي السابقة بعض الافكار التي يمكن الاعتماد عليها والانطلاق منها في هذا السبيل. مضافاً إلى ما قلناه في هذه الرسالة طبعاً.

3- ان فيها تطاولاً وسوء ادب على المؤلف وعلى المواعظ التي ذكرها في كتابه، مما لست قادراً على تحمل مسؤولياته وتبعاته . جزاه الله خير جزاء المحسنين.

ويخطر لي فعلاً ان التعليق على هذا الكتاب يمكن على مستويين:

الاول: تعميق افكاره كما اشرنا.

الثاني: تبسيط افكاره لمن لا يكون قابلاً لفهمها حق فهمها مع انه مؤهل لذلك. او بتعبير آخر (تنزيل) مضمونها الى مستواه. وهذا الشرح يكون عادة شفوياً مع من يرادالتوصل الى هدايته . وهو ممكن بالنسبة اليكم فيمن ترونه من الناس مستحقاً لذلك ولا يكون من حيث (التقية) العامة مانعاً من هدايته. فجزاكم الله خير جزاء المحسنين. ولكم خالص الشكر من مخلصكم.

ص: 254

الرسالة الثانية: الظواهر الروحية

بسمه تعالى

بعد التحية:

لعل برنامج (عالم غريب) المذاع من الكويت يثير لمن سمعه بعض الاسئلة بلحاظ ما يكثر فيه - ولله الحمد - من خوارق العادات والظواهر الروحية، ومن هنا وددت ان اتعرض الى بعض الامور التي تفيد في تنقية الذهن والقلب من الناحية الايمانية.

اولا: ان الفائدة الاساسية لهذه الظواهر هي الاثبات القطعي الواضح لوجود عالم الروح او ما وراء الطبيعة او الميتافيزيك الذي ينفيه الماديون نفياً قاطعاً، ومن المعلوم انه كلما زادت هذه الحوادث زاد الوثوق والركون الى صحتها ومن ثم الى اخذ تلك النتيجة منها.

ثانيا: ان هذه الظواهر تنتج من عدة اسباب روحية، يمكن ان نشير الى بعضها اجمالاً:

فمنها: ما ينتج بفعل الجن. ومنها: ما ينتج بفعل ارواح الموتى، ومنها: ما ينتج بفعل الانسان نفسه. وهذا الاخير قد يكون تلقائيا وقد يكون بعد مرور الفرد بالرياضات الروحية الموجبة لانفتاح القوى الغامضة للانسان.

واما تفسير ذلك فلسفياً وعرفانياً، فلا سبيل اليه الآن.

ثالثا: سبق في بعض ما كتبتُه ان اوضحت - اجمالاً - من الانسان او قل الروح الانسانية تملك قوى عظيمة جدا لم ينكشف عنها الا القليل، وما هذا كله الا قطرة في بحر . واشرت هناك الى تقسيم العوالم العليا التي تشارك في تكوين خلقة الانسان بما لا يدع مجالاً للشك من ان الفرد اذا تم انفتاح تلك الروح له فانه يفعل الاعاجيب .

رابعا: من جملة اسباب هذا الانفتاحبلوغ الفرد بالرياضات الروحية وغيرها الى درجة عليا من الايمان واليقين. وقد شوهدت من الاولياء كثير من هذه الحوادث

ص: 255

الا ان هؤلاء عندهم اتجاهان يمنعانهم من كثرة ممارسة هذه الامور:

1- حفظ الظاهر والتستر على ما يملكون من الالطاف الالهية.

2- ايكال الامر الى الله تبارك وتعالى وعدم التصرف في خلقه دون ارادته تعالى.

وعلى اي حال فهذا هو الطريق الامثل والاحق لبلوغ هذه الظواهر الروحية وغيرها .

خامساً: هناك عدد من انواع التصرفات الروحية لا تتوقف على الايمان اصلاً، وانما يبلغها الناس بالرياضات الروحية ونحوها . واوضح امثالها : السحر وتسخير الجن وكذلك الاخبار بالغائب عن طريقهم اعني الجن والجفر ايضاً.

سادساً: ليس هناك ما يؤكد العلاقة المزدوجة بين الظواهر الروحية والايمان على اطلاقها، فليس كل من لديه ذلك فهو مؤمن او ينبغي ان يكون مؤمناً. نعم، العكس صحيح وهو ان كل مؤمن بدرجة عالية فان هذه الظواهر او بعضها توجد لديه لا محالة.

نعم، قد يبدو - ذوقاً لا برهاناً- ان بعض هذه الظواهر تحتاج الى درجة من صفاء الروح ونقاء القلب وهذا ما يحتمل وجوده فعلاً في هؤلاء (اعني غير من ذكرناه في الفقرة الخامسة).

وهذا الاحتمال يكفينا لانه اذا دخل الاحتمال بطل الاستدلال وقلنا قبل قليل لا دليل على الاقتران التام بين الايمان وهذه الظواهر.

فقد يكون هؤلاء اصحاب قلب صافٍ، وخاصة الاطفال، وانهم -ايضاً- (قاصرون) من ناحية البلوغ على الحق، ولا اقل من كونهم غافلون عن وجوب الفحص عن الحق بين عقائد البشر.

كيف توجد هذه الظواهر ؟

سابعاً: قد يتم السؤال : لماذا وجدت هذه الظواهر عند هؤلاء دون غيرهم من البشروالجواب على مستويين:

المستوى الاول: من كان منهم قد قام بالرياضات الروحية فسببه تلك الرياضات بطبيعة الحال.

المستوى الثاني: من لم يقم بتلك الرياضات وخاصة الاطفال فهؤلاء يريد الله

ص: 256

سبحانه ان يُبرز قدرته فيهم، فانه تعالى لم يخلق البشر ولا غير البشر لأي مخلوق يخطر على البال من عالم الشهادة والغيب على شكل واحد بل خلقهم متفاوتين، فهذا ذكي وهذا غبي وهذا سفيه وهذا مجنون، وهذا نحيف (غير قابل للسمن) وذاك سمين (غير قابل للهزال)، وهذا ضحوك وهذا عبوس، وهذا اجتماعي وذاك انطوائي، وهذا ثرثار وذاك سَكوت وهكذا . كل ذلك لأجل ابراز قدرته تبارك وتعالى في خلقه لمختلف اشكال (النماذج).

ومن هنا اعطى سبحانه وتعالى بعض الافراد شيئاً - اقول: شيئاً - من القوة الروحية لإبراز واظهار قدرته على هذا النحو من الخلق ايضاً.

ولا يمكن ان يكون الامر عاماً طبعاً لانه لو كان عاماً لفسدت الامور فساداً شنيعاً.

ثامناً: من جملة المصالح المفهومة لوجود هذه الظواهر وخاصة في هذا العصر المادي المنحرف هو إقامة الحجة الالهية على الحق ضد هذا التيار الجارف (لعلهم يفكرون) (لعلهم يرجعون) . وذلك من رحمة الله سبحانه لهذا البشر.

تاسعاً: ان هؤلاء البشر ليس فقط لم يؤمنوا بهذه الحجة الإلهية، بل حاولوا ويحاولون استخدام هذه القوى الكبرى في مصالحهم العسكرية والتجارية اللاانسانية وبالتالي في دعم اغراضهم وكفرهم.

ولكن من حسن الحظ ان التوفيق لا يحالفهم. فان الامر مربوط -سواء شاءوا ام ابوا- بمشيئة الله سبحانه وتعالى (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً)(1) ولا زالت -كما نعرف- هذه ا لظواهر بالنسبةاليهم معقدة لا يستطيعون ان يفسروها ولا ان يكثّروها.

ونحن امامنا السحرة وامثالهم كانوا ولازالوا بين البشر منذ آلاف السنين، ولم يستطيعوا ان يغيروا من واقع مشيئة الله شيئاً انه (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ)(2) ويمكننا ان نعطف هؤلاء على اولئك.

عاشراً: ذكرنا في بعض كتاباتنا الفرق بين المعجزة وبين هذه الظواهر فاننا ان قصدنا من المعجزة مجرد وجود الظاهرة غير الطبيعية والخارقة للقوانين الطبيعية،

ص: 257


1- النساء: من الآية141.
2- يونس: من الآية77.

فهذه معجزات فعلاً، اما اذا قصدنا من المعجزة : الظاهرة الروحية التي تدل على صدق النبوة فهذه ليست معجزات بالمرة. وقد فصّلنا القول فيه في (رسالة) سابقة ولا مجال الآن الى تفصيله وانا على استعداد ان اكتبه لمن يتعذر عليه الحصول على ذلك، بشرط ان يكون متعذراً حقاً.

حادي عشر: لا ينبغي ان يخطر في البال وجود (الحسد) لهؤلاء الناس ذوي القدرات الخارقة، بمعنى انه يتمناها لنفسه، وذلك على مستويين:

المستوى الاول: الرضا والتسليم لامر الله وقَدَره في اختيار الشخص الموهوب بهذه الهبة.

وليس لنا ان نتساءل عن الحكمة في ذلك. فان في ذلك - ايمانياً - خدشة واضحة. ولكن ان حصل هذا التساؤل فيكفينا العلم بعدم استطاعتنا او من حولنا لتحمل هذه الظواهر، ويكفي ان يحصل لدى احدنا (العُجب) او تركيز الذات فيكون (من المبعدين) الملعونين.

المستوى الثاني: ان الله تعالى وان حجب ذلك عنا الآن، الا انه مكننا منها في المستويات العالية، وليس علينا الا ان نسلك الطريق الموصل اليها لنصلها اذا رغبنا.

أقول: في حدود تكليفنا الشرعي يجب ان يُختصر الوصول الى هذا المستوى عن طريقالصعود في مدراج التقوى واليقين. دون غيره كما هو واضح.

ثاني عشر: صدف ان حصل في هذا البرنامج من الكويت حوادث عديدة تفضح العقلية الاوربية وتجلّيها على واقعها. لا على الشكل الذي اراده الاوربيون لانفسهم. كمحاكمتهم للحيوانات كما يحاكم البشر وغير ذلك كثير، فالرجاء ملاحظة ذلك ايضاً فانه نافع في طريق الايمان.

ملحوظة: كلامي هذا كله لا يختص بهذا البرنامج الكويتي، بل يشمل كل ما سمعه الفرد من الظواهر الخارقة من اي مصدر كان. وكذلك - طبعاً - ما رآه الفرد من نفسه او من غيره منها ان حصل له مثل هذا اللطف الإلهي، فان هذه الظواهر كلها نِعَم. سماعها نعمة، ورؤيتها نعمة وحصولها للفرد نعمة، وقوة الايمان عن طريقها نعمة . زاد الله نعمه عليكم ودمتم.

يحسن ان يطّلع على هذا كل من كان موثوقاً وقادراً على التحمل ممن تعرفون.

ص: 258

الرسالة الثالثة: الشكر

بسم الله الرحمن الرحيم

توكلت على الله وهو حسبي ونعم الوكيل

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اعجبني -وعزة ربي- ما تدل رسالتك عليه من نعمة الله سبحانه وتعالى عليك من الفهم المتكامل المترابط نظرياً وعملياً لديك. فضاعف الحمد على هذه النعمة مهما امكنك واطلب المزيد من فضله واحسانه فانه الشكور الحليم العزيز الكريم.

والمزيد كما تعلم منطبق على كل المراحل والمقامات وليس له حد محدود او امد ممدود.

والشكر -كما تعلم ايضاً- ضروري لدوام النعم (فبالشكر تدوم النعم) وبدونه تكون مظنة الانقطاع.

والشكر له آثار كثيرة اوضحها اعطاء المزيد من النعم (لئن شكرتم لازيدنكم)، ومنها: ذكر الله سبحانه لعبده، فان الشكر نوع من الذكر والذكر موجب للذكر كما قال سبحانه (اذكروني اذكركم ).

وفي الحديث القدسي، قال الله عز وجل لعيسى (عليه السلام): (يا عيسى، اذكرني في نفسك اذكرك في نفسي، واذكرني في ملائي (ملائك) اذكرك في ملاء خير من ملاء الآدميين، يا عيسى، ألن قلبك وأكثر ذكرني في الخلوات، واعلم ان سروري ان تبصص اليَّ ، وكن في ذلك حياً ولا تكن ميتاً)(1).

والشكر له مصاديق كثيرة منها الشكر اللساني ومنها الحمد اللساني، ومنها الشكر والحمد القلبيين، ومنها اليقين بانتساب النعمة الى الله تعالى فعن امير المؤمنين (عليه السلام) بما مضمونه: (ان العبد اذا علم ان هذه النعمة من الله سبحانه كتب في الشاكرين قبل ان يشكر وان علم ان هذا الذنب امام الله سبحانه كتب فيالمستغفرين

ص: 259


1- الشافي في شرح اصول الكافي: مجلد 7، ص52 .

قبل ان يستغفر)(1).

الشكر الكامل

ولا بد انك تعلم ان الشكر الكامل لله عز وجل لا يمكن ان يصل اليه احد لعدة اسباب تكاد ان تكون بديهية:

منها: ان نعمته جلّ جلاله اكثر من ان تحصى فهل يستطيع الفرد ان يشكر بمقدار هذه النعم ؟!

ومنها: ان الشكر نعمة تحتاج الى شكر (فكلما قلتُ لك الشكر وجب علي ان اقول لك الشكر) كما قال السجاد (عليه السلام) اذن فالشكر اللامتناهي غير وافي امامه سبحانه فكيف بالشكر المحدود.

وكان (مولاي) يقول: انني اقول له تبارك وتعالى: رب لو شكرتك بكل السنة مخلوقاتك لما كنت بذلك موازياً نعمك عليّ.

والغرض: ان زيادة الشكر مهما امكن يفيدك في طلب المزيد فائدة مؤكدة.

مولاي: انت سجين الدنيا كما قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في وصيته لعلي (عليه السلام): (يا علي الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر)(2)، فحالك الذي لا تستطيع تغييره تعبير صريح عن ذلك. وكان مولاي يقول: ان الانسان لا يستطيع ان يوفر لنفسه ظرف الطاعة ما لم يشأ الله سبحانه له ذلك فيجعل له من امره فرجاً ومخرجاً.

وفي ا لدعاء بما مضمونه : (يا رب فكني من اسار قيودي).

القيود و المفاتيح

والقيود عدة اشكال منها الظاهري ومنها الباطني وانت في رسالتك تشكو من القيود الظاهرية، (وليس لك من الامر شيء)، وانما ليكن نظرك الى الله سبحانه حتى يكتب لكالمخرج ويفك وثاقك.

واوضح واسهل (المفاتيح) لهذا المخرج متكون من التسليم بالحكمة، فالامر:

ص: 260


1- فقه الاخلاق: ج1 ص140، عن اصول الكافي ج2 باب الشكر، حديث 15 ص 96 .
2- من هدى النبي والعترة : 121، عن ما لا يحضره الفقيه ج2،ص338، والوسائل ج11، ص316.

اولا: انما هو حكمة ومصلحة (ام كيف لا تحسن احوالي وبك قامت).

اذ لو وجد الله سبحانه ظروفاً اصلح لك من ظروفك لجعلك فيها وهو اعلم بك منك واشفق عليك منك. بل واكثر طلباً لك من طلبك له واعجباً لسعة رحمته ونعمته.

وثانيا: التسليم القلبي والنفسي بهذه الظروف وانها مادامت متعلقة بمشيئته تبارك وتعالى فهي محبوبة ومطلوبة، ومن قال : اننا لو غيّرنا حالنا الظاهري لاستطعنا الخروج عن عهدته، بل - بالتأكيد - يكون حالنا الحاضر اوفق لنا نفسياً وقلبياً كما هو أوفق لنا عقلياً وروحياً، بما فيها القانون الإلهي القائل (لا يكلف الله نفسا الا وسعها) ولعلني لو كنت اعبد الله عز وجل في الصحراء لما تحملت خطر السباع أو البرد أو الحرّ الشديدين او غير ذلك . فالله سبحانه بحكمته يضمن لنا بهذه الظروف إمكان التحمل الى جانب ما يتطلبه منا من عمق الطاعة وكثرة الذكر.

وحسب فهمي ان النفس لو قويت ضمن ما هو ممكن من الجهاد الاكبر، فان شيئاً ما سيحدث من هبات الله سبحانه، فاما ان الظروف نفسها تتغير او ان فهمها يتغير تغييراً جذرياً أو ان فهم الطاعة من خلالها يتعمق بالشكل المطلوب وهكذا.

مولاي: لم يسبق لي ان تحدثتُ الى احد بمثل هذا الاسلوب فاحمد الله سبحانه على هذه النعمة عليّ وعليك، وتعمّق بها فلعلها باب تُفتح لك منها ابواب اخرى بعونه ولطفه تبارك وتعالى.

الكلام الخاصي

وبالرغم من ان العادة التي عرفتها عند الخاصة هي ان الكلام الخاصي لا يفسر بل يبقى موكولاً الى مقدار ما يفتحه الله تعالى منه للسامع، لكي لا يكون المتكلم ولا السامع متورطين بما هو زائد على قابلية التحمل، ومن هنا يأتي فهم السامع متكاملاًلديه بالشكل الذي يناسبه تماماً، وهذه (قاعدة) خذها لكي تطبقها في اوقات الحاجة فانها بمعناها الواسع شاملة حتى لاصحاب اليمين.

وعلى اي حال فبالرغم من وجود هذه القاعدة فاستطيع- توضيحاً - ان أُؤكد انه اتضح في كل تلك المقدمات ان الخيار الثاني من الخيارين الصالحين هو الاصلح لك وهو الذي تمّ اختيارك اياه على اي حال إلى الوقت المعلوم اعني الوقت الذي يمن الله سبحانه بالفكاك من قيوده الى (خيار) افضل لك في ذلك الحين هو اعلم به مني ومنك ومن الخلق اجمعين.

مولاي: ماذا استطيع ان اقول وانت اعلم بحياتك وظروفك ولكن على العموم

ص: 261

فمن زاوية التكليف الظاهر : ليس هنا الا تكاليف الاسلام العامة بما فيها من واجبات ومحرمات، فان استطعت ان تضيف اليها - حسب الطاعة والتقية - عدداً من المستحبات فافعل . اعانك الله، اعانك الله.

التكليف الباطن

واما من زاوية التكليف الباطن فافضل التكاليف لك حسب فهمي القاصر هو التكاليف القلبية الوجدانية التي لا يمكن ان يكتنفها رياء ولا تصل اليها تقية ويجمعها -تقريباً- مفهوم الصبر، عن ابي محمد السراج رفعه الى علي بن الحسين (عليه السلام) قال: (الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا ايمان لمن لا صبر له)(1) .

يمثل تطبيق ذلك في كتم عدة امور كتماً مطلقاً - ما لم يحصل جزع نفسي او ضغط خارجي شديد - الحالة الاقتصادية اعني كتم الفقر وكتم المرض وكتم الضجر وكتم الغيظ وكتم الفرح وكتم الجوع وكتم العطش وكتم الحاجة الى النوم الى غير ذلك من متطلبات الدنيا مضافاً إلى كتم (الاسرار) طبعاً.

ولا ينبغي ان يعيقك (حفظ الظاهر) كثيراً فان حفظه بمعناه العام يؤدي الى الاجهازعلى الجهاد الاكبر تماماً، بل ينبغي للطالب السالك ان (يراوس) بحذق وفهم بين فعله وفهم الآخرين.

مولاي: انا في اوقات الحال قديماً كنت اقلل الاكل وكنت اطرح اطروحتين لها:

الاولى: ان بطني لا تتحمل وانا صادق في ذلك.

والثانية: انني اريد ان اعوّد نفسي حتى لو فرضنا انني اصبحت فقيراً جداً فانني معتاد على الاكل القليل !!

مضافا الى ان هذا هناك انواع من (الرياضات) تنطلي تماماً على (العامة) حتى من اقرب الناس والصقهم بالفرد، كتحمل العطش او تحمل النعاس ونحوه.

وعلى اي حال فبمقدار ما تستطيع ان تتقدم في هذه الامور يكون لك نتيجة صالحة. واستعن بالله تماماً فان الانسان ضعيف بالمرّة (وخلق الانسان ضعيفاً) لا يقوى على مكافحة هذا البحر الهائج بذراعيه القصيرتين، وهذه التنين المرعبة

ص: 262


1- الشافي في شرح اصول الكافي مجلد 5، ص119.

(النفس) بيديه العزلاوين، وانما القدرة منه تبارك وتعالى وهو اولى باللطف بعبده بعد ان يعلم صدقه واخلاصه في نيته واندفاعه الحق في سلوكه اليه.

احفظ حياتك الظاهرية

وبهذا يتضح ان حفظك لحياتك الظاهرية ممكن فيما هو جائز في الاسلام من العلاقات العائلية والدراسية والاقتصادية وغير ذلك، بعد كل الذي اشرنا اليه .

واما طاعة الوالدين - في حدود ما هو جائز ايضاً فقد سبق ان قلت في بعض رسائلي السابقة انها تعتبر من الجهاد الاكبر نفسه، بالرغم من انها ستكون صعبة الامتثال جداً لصاحب الحال وخاصة وهما لم يشمّا رائحة هذه الحال من قريب ولا من بعيد .

فسوف تكون طاعتهما شديدة الصعوبة، ولكنها - حسب فهمي - تكون اكثر جهاداً من الجهاد الاكبر حتى وان خالفت حال الفرد نفسه. طبعاً بعد الالتفات الى قوله تعالى: ( وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌفَلا تُطِعْهُمَا)(1)، (فضلاً عن غيرهما).

واما مسألة الاستزادة حول الجهاد الاكبر فهي مسألة فيها نظر كما يعبرون إذ حسب ترتيبك واقتراحك سيكون فيها ما هو نظري لا يأخذ قسطه العملي. وهذا غير وارد في مسلك السالكين كما قد يكون فيه تكليفاً بما لا يطاق وهذا غير وارد في معرفة العارفين، فاستعن بالله على واقعك وبما يطفح عليك من لطفه ) ( فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ)(2)، يعني اسكت عن الزائد والخطاب لموسى (عليه السلام) لحين ما يعلم الله تعالى.

هذا واعتقد ان كل ما سبق في هذه كافٍ للجواب على اكثر اسئلتك اعني التي تخص علاقاتك بالآخرين.

مولاي: العلاقة مع الآخرين - الا لمن اراد الله سبحانه - ضرورية واكثر من ضرورية ولكن على الفرد - كما قلت - ان يطبق قواعد الاسلام وان اردت خطوة اكثر من ذلك فسأروي لك هاتين القصتين:

ص: 263


1- العنكبوت : من الآية 8.
2- الاعراف: من الآية 144 .

قصّتان

الاولى: انه روي عن النبي سليمان (عليه السلام) انه كان يجلس على سرير من ذهب وكذا وكذا من مظاهر الدنيا والعلاقات بالناس من وزراء ومحكومين ولكنه حين يخلو بالليل يقضي الليل بالبكاء خوفاً مما قد يكون قد تورط به في النهار من مخالفة الاولى حتى عُدّ من البكائين الخمسة: آدم ويعقوب وسليمان والزهراء والسجاد (عليهم افضل الصلاة والسلام)، هذا وهو نبي وأفعاله لا تكون إلا طاعة.

الثانية: انني في ايام زمان رأيت احد الاصدقاء بعد غياب اسبوع او شهر - لا اتذكر - فقلت له: مشتاقين كثيراً .. مولاي. ثم انني صليت ركعتين استغفاراً لهذه العبارة مع ا مكان حملها على المجاز والمبالغة فيظاهر الاسلام.

فإن كانت علاقتك بالآخرين على هذا المستوى ونحوه فلا إشكال فيها لا على المستوى العام ولا الخاص الى ان يجعل الله لك من امرك فرجاً ومخرجاً.

اما بالنسبة الى قولك (الصوت المحرم) فلا تتصور ان سماع صوت المرأة محرم في الاسلام الا ما كان بشهوة فإن حصل ذلك قهراً فاستعذ في قلبك - أو إن امكن بلسانك - من الشيطان الرجيم وقل : لا حول ولا قوة الا بالله. واما بالنسبة الى التلفزيون فالامر بفتحه على ما هو الحرام انما هو امر بالمنكر والامر بالمنكر والحرام يجب عصيانه حتى وان اوجب ضيق الآمرين وانزعاجهم.

لا تكن - يا حبيبي - سبباً لدخولك ودخول غيرك في الحرام مهما كلف الامر فان فعله غيرك كنت - من هذه الجهة - امام الله سبحانه معذوراً.

بقيت الاشارة الى السؤال الثالث : مولاي، السالك لا تأخذه في الله لومة لائم باطناً وليس كذلك ظاهراً (إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالأِيمَانِ)(1)، فان التقية الخاصة اعني مع الأقربين تقتضي حفظ الظاهر معهم كما تعلم، وان التقية العامة اعني مع الظالمين تقتضي الخروج من شرهم وليس هذا (الوقت) هو زمان ارتفاع التقية حتى يأذن الله سبحانه بلطفه بالفرج الحقيقي على يد القائد الامام بقية الله في ارضه عجل الله فرجه، اما ارتفاع حكم بعض (التقية) لو صح التعبير احياناً فهذا موكول الى حينه.

ص: 264


1- النحل: من الآية 106.

الرسالة الرابعة: فلسفة ظروف الانسان

بسم الله الرحمن الرحيم

(1) حول حب الظروف التي يعيشها الانسان، في الحقيقة ان المسألة لا تخلو من تفصيل وشرح فان هذه الظروف وأية ظروف تارة نعزوها وننسبها الى الانسان او المجتمع واخرى ننسبها الى الله تعالى. وكلا النسبتين لها في الفلسفة مبرر صحيح . فان نسبناها الى المجتمع فهي مقيتة وغير صحيحة تماماً فانما هي ظروف انحراف وفساد ناشئ من جهل افراد المجتمع وسوء اختيارهم لمصالح انفسهم وارتكابهم للموبقات، وسوء ادراكهم لمستقبلهم الدنيوي والاخروي على اختلاف بين الافراد طبعاً. والعتب في ذلك على الافراد انفسهم بمقدار مشاركة كل واحد منهم في المحرمات والمرجوحات.

وإن نسبناها الى الله عز وجل وهو الذي احياناً يعامل عباده بالرحمة واحيانا يعاملهم بالعدل حسب ما يرى جلّ جلاله من الحكمة والمصلحة . وعلى اي حال فان حال الفرد يختلف امام مشيئة الله سبحانه، فاذا تجاوزنا ما عليه الناس من الاعتراض والتمرد على قضاء الله وقدره، والذي يتكرر باستمرار منهم جميعاً تقريباً (لماذا حصل البلاء، وماذا فعلنا لنستحق ذلك)، إذا تجاوزنا ذلك الى الاحوال الصالحة فقد يكون حال الفرد هو التسليم لله في قضائه وقدره . وهو حسن التحمل والصبر بالرغم من المصاعب اعني بالرغم من شعور الفرد بالصعوبة والحرج.

وافضل من ذلك مقام الرضا وهو ان تكون النفس قانعة والقلب طيباً راضياً بكل ما يكتبه الله سبحانه من خير وشر. وقد يصل هذا الرضا الى (حب) الواقع المعاش للفرد بصفته نافعاً له و(ثواباً) وتكاملاً له، إذ لو كان هناك واقع افضل للفرد من واقعه الذي هو فيه لاختاره الله سبحانه وهو على كل شيء قدير . قال في الدعاء (ام كيف لا تحسناحوالي وبك قامت)(1).

هذا هو الحب وانما يحصل هذا وغيره بمعونة الله وحسن توفيقه، وانما يحصل حسن التوفيق بالتوكل عليه وتفويض الامر اليه، وانما يحصل التوكل والتفويض بشيء من الاعراض عن الدنيا وقلة الاهتمام بها . وانما يحصل هذا الاعتراض بتطامن

ص: 265


1- فقرة من دعاء الامام الحسين (عليه السلام) يوم عرفة.

النفس وقلة حدة شرها. وانما تحصل هذه القلة بالرياضات الروحية التي ذكرتُها.

الضيق النفسي

(2) الضيق النفسي والجهاد الاكبر : ينبغي ان نعرف اولاً ان لكل مستوى من الايمان واجباته ومحرماته، حيث تبدأ في اول درجات الاسلام بضروريات الدين وتصعد مع الفرد الى ان يدخل الفرد في الحال المعنوي فتكون له تكاليفه الخاصة به، اعني بمستواه، وهكذا يستمر في التكامل.

والمهم في الانسان ان يطبق بدقة ما يحسه فعلاً بانه من تكاليفه ويقتنع انه من واجباته او مرجحاته، فمثلا يحس الفرد انه من الراجح له جداً ان يبقى في اغلب الوقت او كل وقت على وضوء، وقد لا يحس بذلك تبعاً لمستواه.

والمهم انه اذا حصل الضيق النفسي من الطاعة، فمسلك الجهاد الاكبر يقتضي الضغط على النفس والاستمرار بالطاعة، ولكن اذا (دللّ) الانسان نفسه بترك الطاعة مراراً فاين يذهب الجهاد الاكبر.

وهذا صحيح الى حد كبير، وهو الفرق بين هؤلاء المجاهدين وغيرهم، الا ان الشيء الذي كان ينهاني عنه (مولاي) قدس الله روحه الزكية هو الضيق الموجب للمضاعفات فان النفس بطبعها الاولي منبع الشر فقد تفعل عند الضيق اموراً لا يحمد عقباها، ودلالة ذلك انه يخطر في البال خواطر غير محمودة ولا سائغة فان وصل الامر بالفرد الى هذه الدرجة امكن له احد امرين:

الامر الاول: التوصل الى التخفيف من اثر هذه الخواطر بالبراءة الى الله سبحانه منهاواعلان عدم رضاه منها، والتوكل على الله صحيحاً في ازالتها ووضع شرها.

الامر الثاني: تغيير اسلوب الطاعة الى طاعة اخرى مطلوبة ايضاً في زمانه ومكانه ذاك. فان تغيير العمل يوجب اسكات النفس بمقدار ما او قل: راحتها النسبية، فان افاد هذان الامران وهو في الغالب يفيد في الضيق القليل كان للفرد ان يستمر في الطاعة. واما ان لم يفد ذلك وكان اللازم اللجوء الى الراحة والأخذ باعمال الدنيا ريثما تضع الحرب اوزارها.

القلوب الطاهرة

(3) الجلوس مع اهل القلوب الطاهرة: ان الجلوس مع اهل القلوب الطاهرة يطهّر القلب ويعين على الطاعة الباطنة والظاهرة كثيراً، حتى لو بقي الانسان ساكتاً بل

ص: 266

حتى لو تكلم في مباحات الدنيا فضلاً عن التكلم بذكر الله وذكر نعمه وآياته، الذي هو افضلها، وهو احد المقاصد العليا. عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (أتجلسون وتتحدثون ؟ قال: نعم، قال: تلك المجالس احبها، فاحيوا أمرنا، رحم الله من احيا أمرنا فأفضل من ذكرنا او ذُكِرنا عنده فخرج من عينيه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت اكثر من زبد البحر)(1). يعني بحسب التأويل احياء القلب.

(4) الضيق النفسي طريق الى التكامل: ان لكل فرد ضيقاً خاصاً به يقل معه صبره وتحمله يورده الرب الكريم حتى يقل اهتمام الفرد بالدنيا اولا وبنفسه ثانيا ويشهد بضعفه امام ربه ثالثا، ويتوجه اليه بالخضوع والضراعة رابعاً ..... الخ وكلها نعم ومكارم . فالحمد لله على حسن نعمه.

الضمير

(5) الضمير: يمكن ان نفهم من الضمير عدة امور:

منها: ما يفهمه المناطقة والمتكلمونوهو النداء الاخلاقي في الانسان الذي يمدحه عند الطاعة ويذمه عند المعصية.

وهذا هو المشهور الا انه يحتوي يا مولاي على شرك خفي . فان المحمود على الطاعة ليس هو الفرد بل هو الرب (الهي ان ظهرت المحاسن مني فبفضلك ولك المنّة عليّ)(2) واذا كان المقصود الارتياح من اداء المسؤولية الثقيلة فهو شعور دنيوي نفسي لا اكثر ولا اقل . ان كان فيه جذبة دينية ويناسب بعض مراتب (اصحاب اليمين) وكذلك ما قبله.

ومنها: ان نفهم من الضمير دخيلة الانسان عموماً أو جانبه المضمر أو الباطن وهذا معنى عام ليس له تركيز او التفات الى قابلية او ملكة معينة للنفس.

ومنها: ان نفهم منه درجة عليا معينة من درجات النفس يسميها علماء العرفان بالخفي او الاخفى يكون - مع انفتاحه - مركزاً لكثيرمن العطاء الإلهي المعنوي ومنه المحبة حيث يصبح الفرد محباً لله ومخلوقاته اكثر مما يحب ابويه واولاده بل ونفسه . ندعو الله ان يبلغنا مراتب الكمال باسرع واسهل طريق.

ص: 267


1- الوسائل: ج5 مجلد8 ص 410، باب استحباب اجتماع الاخوان ومحادثتهم .
2- فقرة من دعاء عرفة للامام الحسين (عليه السلام).

الرسالة الخامسة: ما ينبغي للسائرين الى الله تبارك وتعالى

بسم

الله الرحمن الرحيم

توكلت على الله وهو حسبي ونعم الوكيل

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا اخي ومولاي وعزيزي اعزه الله بعزه الذي لا يرام وحماه بسلطانه الذي لا يضام وحرسه بعينه التي لا تنام وهو اهل لإعطاء كل مرام وهو على كل شيء قدير.

اردت يا مولاي بعد طول المدة ان اجدد بالاخ العزيز عهداً لعلي ابلغ من شوقي اليه ما اريد، فارجو ان تكون انت ومن تحب في احسن اللطف واتم العافية، واوفر الهناء بعونه وعزه وقدرته، واذا دعوت لك مع من تحب فمن تحب ليس محصوراً كما تعلم بالاقارب، بل يشمل كل الاخوة والاخوات بالاسلام وبالايمان، بل قد لا يشمل قسماً من الاقارب، اذا كان عدم الميل اليهم من اجل الله سبحانه وتعالى، والله اعلم بما في القلوب.

مولاي: وددت ان اشير في رسالتي هذه مضافاً إلى تجديد العهد الذي لا استكثره ولا أستغرب بعده وان عز عليّ، فالانسان (عبد الدنيا) كما قال مولانا امير المؤمنين (عليه السلام) لابنه الحسن المجتبى (عليه السلام)(1) كما انه اسير الظروف ورهين الاغلال الظاهرة والباطنة، والكل في ذلك شرع سواء على اختلاف بسيط في مقدار ثقل اغلالهم وصعوبة اسرهم. والكلام في ذلك شجون.

وعلى اي حال فقد وددت ان اشير في هذه الرسالة الى بعض النقاط التي قد تهمك في حياتك الظاهرة والباطنة لعلي اكون قد اديت بعض مسؤوليتي تجاه اخي ومولاي الذي اكنّ له كل تقدير واحترام.

مصادر كتاب : نظرة في فلسفة الاحداث

اما بالنسبة الى حياتك الظاهرة فعهدي بك تبحث عن مصادر ضد الصهيونية

ص: 268


1- فقرة من وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) لولده الحسن (عليه السلام). نهج البلاغة ج3 ص37.

لتدعم بها بحثك عنها، وانا فعلاً باستمرار دائم الفحص عن ذلك وذاكر لك في اوقات الحاجة .

ومن هنا ارفقت بهذه الرسالة عدداً من مجلة (الافق) التي تصدر في قبرص، فقد وجدت فيه ما يعود الى ذلك الموضوع بفائدة، وهذا موجود فيها في موضعين:

الاول: مقال بعنوان: اليهودي تاجراً، وهو - على ما يبدو - الحلقة الاولى من عدد من المقالات سوف تنشر في الاعداء المقبلة .وهو بمجموعه على ما ارى يحتوي على بعض النصوص والحقائق الدالة على اثر الصهاينة في العالم وطريقة خداعهم له وغدرهم به.

ولعلك - كما اتمنى - تستطيع ان تحصل على الاعداد التالية من هذه المجلة ليكمل لديك هذا البحث ومن زاويتي اذا وجدت ذلك متيسراً سأحصل عليه ان شاء الله وارسله اليك . وان كان احتماله ليس بالقريب على اي حال.

والموضع الثاني: من هذه المجلة : اعلان عن كتاب (ارهابيو الموساد) لمؤلفه فلاديمير ميخائيلوف.

وهو كما تعلم صادر خارج العراق، ولا اعلم انه توجد في اسواقنا منه نسخة الا ان الامل هو الحصول عليه بعون الله سبحانه مع مواصلة الفحص والانتظار وينبغي بهذا الصدد ان نأخذ بنظر الاعتبار حداثة صدوره على ما اعتقد، الامر الذي يبرر الانتظار فترة من الزمن، غير ان الكتاب حيوي لبحثك على ما اعتقد فهذا ما كان من امر المجلة.

وارجو ان تتابع في الاخبار مقدار ما تأخذه امريكا لاسرائيل بنظر الاعتبار وتسجل ذلك بالتاريخ والاسماء فان فيه بحراً غزيراً من دلالات خضوع امريكا للصهيونية الى حد العبودية.

وهناك مصدر آخر يفيدك في هذا الصدد، وقد كنت اشرت اليه لك، الا ان نسخته الآن عندي واستطيع ان احدد لك الفصل الذييخصك، إنه كتاب (اليوم الموعود) لمؤلفه كاتب هذه السطور من صفحة (708) الى صفحة (737) حيث ان الاعم الاغلب في هذه الصفحات هو الكلام عن تاريخ موسى (عليه السلام) (اليهودية بما فيه السبي البابلي وغيره).

وهنا ينبغي ان نلاحظ ان الكتاب او قل القسم الثالث منه وحدة كاملة لا تتجزأ تحتوي على نظرية عامة ومبرهنة لتاريخ البشرية على طوله، ما مضى منه وما

ص: 269

سيأتي، وان هذه الفترة المشار اليها كغيرها انما هي حلقة من حلقات تلك النظرية المسماة بالتخطيط الإلهي العام لتكامل البشرية.

هذا ولعلك تجد في الفصل الذي يليه شيئاً مما تحتاجه فانه حول تاريخ المسيح (عليه السلام)، وان كان التعرض الى موقف بني اسرائيل منه ضعيفاً (وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ)(1).

فهذا ما يعود الى جهادك الاصغر، أيّدك الله سبحانه في كلا الجهادين واسعدك في كلا الدارين وسهل عليك كلا الصعوبتين : الظاهرة والباطنة، وانا على ما تعلم من قصور وتقصير لا انساك في كلا الجهتين، وكيف انساك وقد انعقد الخيط بيننا عقدة لا فكاك لها بعونه، وكيف انساك وانا اشعر بالمسؤولية تجاه وضعك النفسي بازاء ما قلته لك من الحقائق.

قاعدة تربوية

وهذه قاعدة عامة لكل تربية، فان التربية قد يكون فيها ردود فعل سيئة نفسية او عقلية او قلبية، سواء في التربية الظاهرة او الباطنة، لكن اضرار التربية الثانية اضعاف التربية الاولى الا ان يحصل الاهتمام والتركيز وحسن التوفيق، فان لم يكن الفرد تحت تربيتك بالمرة او لم يأخذ هذه الحقيقة او تلك منك لم تكن لك امام الله سبحانه تجاه ذلك الفرد ما سوفاشير اليه من المسؤولية سواء حصل له رد فعل سيئ ام لا، واما اذا كان الفرد تحت تربيتك او كنت قلت له بعض الحقائق فحصل له رد فعل غير مناسب مهما كان نوعه كان موقفك امام الله سبحانه كما يقول الحديث الشريف: (كسرته وعليك جبره) وهل تستطيع جبره بدون توفيق ؟

اكرر: انه لا يختلف في ذلك التربية الظاهرة والباطنة غير ان الثانية اصعب واطول وادق لانها اعلى هدفاً واشرف موضوعاً واكرم مقاماً، وهل الكيان الاهم للانسان الا روحه !

وانما الحق لك -او لأي شخص- ان تعرض عمن ربّيته في احد ظروف ثلاثة:

اولاً: ان يصل الى الهدف الذي يطمح اليه بفضل الله تعالى، وبفضل الله ايضاً ان تكون انت السبب في وصوله اليه.

ص: 270


1- الكهف : من الآية 63 .

ثانياً: ان تطمئن منه على وجه المجموع او من زاوية معينة، بحيث يوثق بعدم حصول المضاعفات لديه، فمن زاوية الاطمئنان لا بأس بالاعراض عنه .

ثالثاً: ان لم يحصل الامران السابقان فقد يحصل من يتكفله امام الله سبحانه غيرك مع اطمئنانك الى هذا الغير وركونك الى حسن تربيته وموعظته، أو يكون انتقاله اليه على غير اختيارك تماماً بحيث تكون معذوراً امام الله سبحانه من جميع الجهات.

واما في غير هذه الصور فبحسب ما افهم واعلم، فان من اللازم على المعلم والمتعلم متابعة الموضوع والاهتمام به والا فقد يتورطان معاً امام الله سبحانه، ولا اقل من خسارة التكامل بالنسبة للمتعلم وانقطاعه له او عنه.

وداع الاحبة

ومن هنا اشعر بالمسؤولية تجاهك، حيث لم احرز وجود احد تلك الظروف الثلاثة بالنسبة اليك . وعلى اي حال فان حالت ظروف التقية العامة فيما بيننا - وبئس ما تفعل هي - فانا اودعك الله العزيز الكريم الذي لا تضيع عنده الودائع وادعو لكبالخير ما اوتيت الى ذلك سبيلاً.

ونعمت العبرة في قول الشاعر:

اخاف عليك من نظري ومني

ومنك ومن مكانك والزمان

فان كل ما ذكره وغيره موارد بلاء وامتحانات لا يخرج الفرد او العبد منها ناجحاً الا بحسن توفيق الله العزيز الكريم.

ثم ماذا ازيد لك في هذه الكتابة المطولة وهل انا الا عبد قاصر ومقصر يشكو اعداءه الثلاثة : النفس والدنيا والشيطان، بما فيها من مضاعفات لا راد لها الا اللطف الخفي والفضل الجلي، وكما قال في الدعاء الشريف(1) - فيما قال-: (كلما قلت قد صلحت سريرتي وقُرب من مجالس التوابين مجلسي عرضت لي بلية ازالت قدمي وحالت بيني وبين خدمتك، لعلك من بابك طردتني وعن خدمتك نحيتني ...) الى آخر ما قال.

ص: 271


1- فقرات من دعاء ابي حمزة الثمالي للامام السجاد (عليه السلام).

ثم يقول بعد ذلك: (الهي لو قرنتني بالاصفاد ومنعتني سيبك من بين الاشهاد .. وامرت بي الى النار .. ما قطعت رجائي منك وما صرفت تأميلي للعفو عنك ولا خرج حبك من قلبي انا لا انسى اياديك عندي الى آخر ما قال ويقول بعد ذلك: الهي وسيدي وعزتك وجلالك لئن طالبتني بذنوبي لاطالبنك بعفوك ولئن طالبتني بلؤمي لاطالبنك بكرمك ولئن ادخلتني النار لاخبرن اهل النار بحبي لك.

ويقول في دعاء آخر: (الهي انا الفقير في غناي فكيف لا اكون فقيراً في فقري، الهي انا الجاهل في علمي فكيف لا اكون جهولاً في جهلي، ثم يقول بعد ذلك: الهي من كانت محاسنه مساوي فكيف لا تكون مساويه مساوي ومن كانت حقائقه دعاوي فكيف لا تكون دعاويه دعاوي ...) الى آخر ما قال(1).

ويقول في دعاء آخر: الهي ان لم تبتدئني الرحمة منك بحسن التوفيق ... الىان يقول: وان خذلني نصرك عند محاربة النفس والشيطان فقد وكلني خذلانك الى حيث النصب والحرمان.

ثم يقول عن قريب: (فبئس المطية التي امتطت نفسي من هواها فواهاً لها لما سولت لها ظنونها ومناها وتباً لها لجرأتها على سيدها ومولاها)(2).

ويقول في دعاء آخر: (الهي ان نظرت الى ذنوبي قنطت وان نظرت الى رحمتك طمعت، ويقول في دعاء آخر: الهي اشكو اليك نفساً بالسوء امارة والى الخطيئة مبادرة وبمعاصيك مولعة ولسخطك متعرضة تسلك بي سبيل المهالك وتجعلني عندك اهون هالك)(3).

ولولا حسن الظن به سبحانه لكنت من الهالكين لا محالة بل شر الهالكين على الاطلاق، وهناك رواية تخطر لي قد اكون من اهلها الا ان يشاء ربي شيئاً برحمته، وحاصل مضمونها انه يدعى بشخص الى النار بعد حسابه فيقول: يا رب، اني كنت في الدنيا احسن بك الظن فكيف تأمر بي الى النار فيقول الله سبحانه لملائكته: ان هذا الشخص لم يحسن بي الظن طرفة عين، ولكن اجيزوا له كذبه وادخلوه الجنة.

آه .. من قلة الزاد ووحشة الطريق وثقل المسؤولية وسيطرة الهوى .

ص: 272


1- فقرات من دعاء عرفة للامام الحسين (عليه السلام).
2- فقرات من دعاء الصباح لامير المؤمنين (عليه السلام).
3- فقرة من مناجاة الشاكين للامام السجاد (عليه السلام).

وقال تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ)(1)، وانا على رأس هذه القائمة ظالم لنفسه من حيث اريد ان اكون سابقاً بالخيرات ... ولن اكون كذلك الا برحمته ولطفه.

ويلي من يوم الحسرة والندامة حيث يقال لي: او لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير.اعوذ بك من غضبك وانتقامك وسخطك . وهذا ما لا تقوم له السماوات والارض فيكف وانا عبدك الضعيف الذليل المسكين المستكين الحقير المهين، الذي لا حول له ولا قوة .. ولا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً فكيف بنفسي اعتز وباعمالي اعتد ولطاعاتي اذكر وعن ذكر ربي اعرض، ويلي اذن ويلي اذن.

مولاي: هذا صوت الضمير الخامل والعامل العاطل والمذنب المقصر يرجو رحمة الله ودعاء عباده الصالحين، واعتذر مما اطلت عليك في الكلام واثقلت عن المرام ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

والحمد لله رب العالمين في السراء والضراء

ودم لمخلصك

ص: 273


1- فاطر : من الآية 32 .

ص: 274

فهرست الكتاب

ص: 275

ص: 276

من كلمات الشهيد الصدر (قدس سره)...... 5

المقدمة..... 13

الباب الاول: معرفة النفس وجهادها..... 15

الفصل الاول : الرسالة الأولى...... 17

حديث المعرفتين...... 17

(من عرف نفسه فقد عرف ربّه)... 17

طريق ذات الشوكة..... 17

منهاج حياتي..... 19

القنديل الأول.... 22

جواب الشهيد الصدر (قدس سره) حول:.... 22

تفسير الحديث الشريف: (من عرف نفسه فقد عرف ربه)..... 22

تعليقة الشهيد الصدر على الرسالة..... 23

صفات العارفين في القرآن..... 24

مبادئ الزهد القلبي...... 26

كيف تواجه فقدان الموجه ؟.... 28

خطوات لدفع السأم.... 29

فقرات اخرى للمنهاج العبادي...... 31

احذر...... 32

ماذا اقرأ من الكتب...... 32

سلوكك داخل العائلة...... 33

حدود الجهاد الاصغر... 35

الوصية الاخيرة... 35

الرسالة الثانية..... 37

حبّنا إياك... 37

القنديل الثاني...... 41

العلاقة القلبية...... 41

هل الاسلام اطروحة ؟... 43

تفاصيل الرسالة...... 44

ص: 277

الفصل الثاني: الجهاد الاكبر: حدوده وتفاصيله 49

الرسالة الثالثة..... 49

المنحى الجديد... 51

حدود الجهاد الاكبر... 52

ما هو الجهاد الاكبر ؟.... 53

كيف النجاة ؟.... 54

الكتب النافعة... 55

تفسير هذه الرواية... 56

عرفني نفسك...... 57

القنديل الثالث...... 58

النفس والقلب.... 58

حديث القلب...... 60

ما يخرج من القلب.... 61

العجب من مؤلفي كتب العرفان...... 62

شمولية الجهاد الاكبر..... 63

مطالعة الكتب.... 64

نهاية الجهاد الاكبر...... 65

القلب الخاشع.... 68

عندما يكون الجهاد الاصغر عائقاً... 69

الاكثار من كتب الزهد..... 70

تفسير رواية الامام الرضا

(عليه السلام) 70

الوجه المعنوي... 71

ترجمتي الشخصية...... 72

التفسير الموضوعي والتفسير التجزيئي.. 74

علم الباراسايكولوجي..... 76

اشارة إلى كتاب: (فلسفة الاحداث في العالم المعاصر)..... 76

الفصل الثالث: اخلاص النية.... 78

الرسالة الرابعة..... 78

ص: 278

خدع النفس...... 80

غضبة لله...... 81

مسالك اكتساب الاخلاق...... 82

القنديل الرابع...... 86

جواب الشهيد الصدر (قدس سره)..... 86

التواضع امام الله...... 87

عبرة وعظة... 88

مصائب الشهيد الصدر...... 89

من خدع النفس.... 91

من هو العالم الحق ؟..... 92

الخوف والرجاء... 93

شقشقة هدرت...... 94

مع السيد الطباطبائي..... 95

مفاخر الاولياء... 96

رواية... 98

الفصل بين الصلوات... 99

الحياة الحزبية..... 100

الباب الثاني: خطوات على الطريق..... 103

الفصل الرابع: عيوب النفس... 105

(الرسالة الخامسة)...... 105

صفحات هذا التاريخ...... 105

معاني راقية.... 107

مصدر دعاء السمات... 109

عودة الى المشاركة السياسية..... 111

القنديل الخامس..... 114

جواب الشهيد الصدر (قدس سره).... 114

توكلت على الله وهو حسبي ونعم الوكيل.. 114

الشوق إلى لقائك.... 114

ص: 279

نشيد السالكين..... 115

تعمّق العلاقة... 122

كيف اعرف حالي...... 124

جنة المقربين... 125

احذر والتزم.... 127

قصتان...... 129

الاعتقال الاول للسيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره).... 129

دفاع عن دعاء السمات.... 130

كتب نافعة...... 131

مع الشهيد الصدر الاول... 132

المشاركة في العمل السياسي...... 133

قصة قرأتها..... 134

نحن في ظرف أسوأ مما عاشه الامام الحسن (عليه السلام).... 135

من هم أصحاب اليمين ؟... 136

الفصل الخامس : الرسالة السادسة..... 139

الذكر.... 139

القنديل السادس..... 144

جواب الشهيد الصدر (قدس سره).... 144

عبرة... 145

علاقتك بالآخرين...... 146

التربية القلبية.... 146

صور الذكر القلبي... 147

العقوبة القلبية.... 148

معنى العلماء العاملين...... 148

كتب الأخلاق..... 149

ضمانات المنهج الخاصي... 150

توضيح بعض الفتاوى...... 152

بداية الاعلان عن نفسه كمرجع تبرأ الذمة بتقليده.... 154

ص: 280

الشهيد الصدر يتحدث عن الامام الخميني (قدس سره).... 155

الفصل السادس: الرسالة السابعة...... 158

قسوة القلب..... 158

توضيح مصطلحات...... 159

إهداء الاعمال لأهل البيت (عليهم السلام) 161

ما هي شروط ولاية الفقيه ؟... 164

القنديل السابع..... 166

جواب الشهيد الصدر (قدس سره).... 166

حديث القلوب.... 166

خط الوعي الاسلامي.... 167

الجمع بين الجهادين..... 168

الوجه مرآة الباطن...... 169

اعتراض على تأييد الشهيد الصدر الاول (قدس سره) لقرار تأميم النفط... 169

مصطلحات عرفانية.... 169

مورثات قساوة القلب..... 170

أدب الخلوة مع الله.... 171

تفسير عرفاني... 172

الاستعداد للموت..... 172

حب الله تعالى..... 174

حديث حول العصمة.... 174

فلسفة تواضع الائمة

(عليهم السلام)... 175

نية السالكين... 177

مدة العطاء..... 177

منشأ مصطلح العرفان..... 179

اصلاح الفرد واصلاح المجتمع... 180

إهداء الاعمال... 181

الدلالة على الاعلم... 182

شروط ولاية الفقيه... 184

ص: 281

الباب الثالث: أولوية السلوك... 187

الفصل السابع: الرسالة الثامنة...... 189

اصلاح النفس أولاً..... 189

اعاني من الغفلة.... 190

مواصفات قلبية...... 191

دلائل السائرين إلى الله تبارك وتعالى... 191

أهداف رياضة النفس...... 192

حديث قدسي...... 193

القنديل الثامن..... 194

جواب الشهيد الصدر (قدس سره).... 194

أثلج قلبي...... 194

معنى قول سيد المتقين (عليه السلام).. 194

معنى الكربة القلبية.... 195

دور العزلة في السلوك... 198

أسباب الغفلة وشرود الذهن... 199

الحاجة إلى الطعام والنوم ضرورية.... 199

الصبر والتسليم..... 199

اثر الصدقة في التربية والتكامل..... 200

أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) 201

الظواهر الروحية.... 203

اهداف رياضة النفس...... 205

منهج الشريعة... 206

الفيوضات الالهية.... 207

الحمد والشكر... 208

مصطلحات عرفانية.... 208

الفصل الثامن: الرسالة التاسعة...... 211

هموم السالكين...... 211

كشكول الشيخ البهائي.... 212

ص: 282

هل النفس الانسانية واحدة ؟...... 213

علم الطلسمات وتأثيرها...... 214

حول كتاب مرآة الرشاد... 215

نية الاعمال..... 215

الايمان بالاستخارة... 215

القنديل التاسع..... 217

جواب الشهيد الصدر (قدس سره).... 217

عرفني نفسك..... 217

التركيز على العبادة.... 217

العبادة القلبية.... 218

ما قاله مولاي... 218

كشكول الشيخ البهائي.... 219

معاني عرفانية...... 220

تفسير عرفاني... 221

وحدة الروح الانسانية.... 222

ضعف النفس...... 222

دعاء السيفي.... 223

رأيي في علم الطلسمات..... 224

الشرك الخفي.... 226

اؤمن بالاستخارة..... 227

كتابان يفيدان...... 228

الفصل التاسع : الرسالة العاشرة..... 230

وداع العارف.... 230

أخرت بحوثي لله... 231

الامور الثلاثة... 232

تفسير كلام السيد.... 233

القنديل العاشر..... 235

جواب الشهيد الصدر (قدس سره).... 235

ص: 283

الخطايا...... 235

هذا مثال لك.... 236

مثال آخر... 237

لا تضر نفسك بنفع الآخرين..... 237

عبرة... 238

الكتب التي تطالعها..... 239

المسلكان... 240

تعليقتي على الفتاوى الواضحة.... 241

الشهيد الصدر الاول والمسلك الخاصي... 242

مع الامام الخميني (قدس سره)..... 243

شهوات الروح والعقل..... 244

عالم المثال.... 245

آخر الرسالة.... 245

كلمات الختام... 247

رسائل عامة..... 249

للشهيد الصدر (قدس سره)... 249

الرسالة الاولى...... 249

فكرة عن مرآة الرشاد.... 251

اصحاب اليمين... 251

الافكار الوسطى...... 252

الرسالة الثانية.... 255

الظواهر الروحية.... 255

كيف توجد هذه الظواهر ؟..... 256

الرسالة الثالثة.... 259

الشكر... 259

الشكر الكامل... 260

القيود و المفاتيح...... 260

الكلام الخاصي... 261

ص: 284

التكليف الباطن..... 262

احفظ حياتك الظاهرية.... 263

قصّتان...... 264

الرسالة الرابعة.... 265

فلسفة ظروف الانسان...... 265

الضيق النفسي... 266

القلوب الطاهرة..... 266

الضمير..... 267

الرسالة الخامسة.... 268

ما ينبغي للسائرين الى الله تبارك وتعالى 268

مصادر كتاب : نظرة في فلسفة الاحداث.. 268

قاعدة تربوية... 270

وداع الاحبة..... 271

فهرست الكتاب... 275

ص: 285

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.