حوارات في الفكر الديني والسياسي

هویة الکتاب

حوارات في الفكر الديني والسياسي

مع سماحة المرجع الديني

الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله الشريف)

ص: 1

اشارة

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 3

ص: 4

الفصل الأول: حوارات في الفكر الديني

اشارة

ص: 5

ص: 6

الحوزة العلمية والتيارات الوافدة

الحوزة العلمية والتيارات الوافدة(1)

كيف يكون رجل الدين نموذجاً يحتذى به؟

س1: سماحة الشيخ هنالك رياح كثيرة عالية التيار تسللت ودخلت الغرف والبيوت مثل الليبرالية والعلمانية والعولمة والحداثة وحتى ما بعد الحداثة وبدأت تتخطف الشباب المسلم، كيف يتأتى لرجال الدين أن يجعلوا من الدين الإسلامي أو الفكر الإسلامي أنموذجاً يحتذى به.

سماحة الشيخ: «بسم الله الرحمن الرحيم. رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي. وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي. وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي. يَفْقَهُوا قَوْلِي» (طه: 25-28).

حينما نريد تحديد موقفنا من هذه التيارات وغيرها فلا يجوز لنا أن نقف عند حدود الأسماء والعناوين ونتعامل معها بمسبقات ذهنية صنعتها مصالح قوم موافقين أو مخالفين لهذا التيار أو ذاك، وإنما يجب استيضاح المضمون أولاً والتعرف عليه ثم الحكم سلباً أو إيجاباً.

فالعلمانية مثلاً صوّرها خصومها الذين يتاجرون بالدين ويتخذونه وسيلة لتحقيق مصالحهم على أنها محاربة الدين ومعاداته وحينئذ سيكون رد الفعل

ص: 7


1- تقرير لبعض ما ورد في الحوار الذي أجرته (إذاعة القران الكريم) التابعة لشبكة الإعلام العراقي مع سماحة الشيخ محمد اليعقوبي دام ظله وبثّته بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف لهذا العام 1428الذي صادف 2007/4/6 .

السريع هو الرفض والمواجهة، لكن البعض يعرّفها على أنها إلغاء سلطة رجال الدين الذين يسيئون استخدام الفتوى الدينية والقداسة لتحقيق مصالحهم اللامشروعة بدفعٍ منالمستفيدين منهم، فهم – أي العلمانيون – لا صراع لهم مع الدين كتعاليم سامية تتكفل بإسعاد الإنسان وضمان حقوقه في حياة حرةٍ كريمة.

وهم بذلك يصلون إلى نصف الحقيقة وعليهم السعي لتحصيل النصف الآخر لأننا جميعاً نرفض استغلال الدين للدنيا وجعله جسراً يعبرون عليه لتحقيق نزواتهم وأهوائهم الشخصية، بل إن أئمتنا المعصومين (علیهم السلام) قادوا حملة توعية واسعة لفضح المتسترين بلباس الدين والذين يرفعون اللافتات الإسلامية نفاقاً وقد وصفهم الإمام الحسين(علیه السلام) (الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معائشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون)(1)،

وحذّروا الأمة من اتباع رجال الدين المزيفين (إذا رأيتم العالم محبّاً لدنياه فاتهموه في دينكم)(2).

والذي يراجع تاريخ نشوء العلمانية التي انطلقت من أوربا قبل قرون يجد أكثر من شاهد على أنها كانت تمرداً على دكتاتورية رجال الدين وتخلّفهم واستعباد الناس وسرقة أموالهم بسلطان الفتوى والتحالف مع الملوك الظالمين المستبدين لكنهم في خضمّ صراعهم مع التطبيقات السيئة للدين تخلّوا عن الدين نفسه

ص: 8


1- البحار: ج75 ص117.
2- الكافي: ج1 ص46.

وخسروا المبادئ السامية التي تركزها عقيدة التوحيد لأنهم لم يستطيعوا التفكيك بين الدين – كتعاليم وشريعة وعقيدة – والمتلبسين به من طلاب الدنيا.

ونحن اليوم نطالب العلمانيين في معاقلهم في أوربا وحيثما امتدت دعوتهم إلى أن يعيدوا النظر في تقييمهم لدور الدين في الحياة بعد أن هدأت ثورتهم ولم يبق ما يخافون منه لأنهم في كثير منالمبادئ التي يؤمنون بها كحقوق الإنسان بل الحيوان وسائر معاهداتهم الإنسانية كالحد من أسلحة الدمار الشامل أو الحفاظ على البيئة سيجدونها في الدين الإسلامي العظيم فمثلاً توجد روايات عن أئمة أهل البيت تمنع من إلقاء السم في مياه المشركين المحاربين فضلاً عن غير المحاربين وهو معنى مطابق لما يطالبون به اليوم من منع استعمال الأسلحة الكيمياوية، ولو أجروا هذه المراجعة اليوم مع عرضٍ مقنع منّا وحوار شفاف سنجد إقبالاً واسعاً على الدين من دون تخوّف صنعه التجّار بالدين والذين أساؤوا استعماله والذين خلطوا الأوراق ولبّدوا الأجواء لتأييد جهة أو تسقيط جهة أخرى. وسوف يجد العلمانيون المنصفون أن الدين هو وصفة جاهزة متكاملة ينقذ البشرية مما هي فيه من كوارث ولا يجعل الناس حقل تجارب للنظم والقوانين الأرضية ثم تثبت فشلها بعد ثمن باهظ من أرواح الناس وممتلكاتهم.

وبهذه النظرة في التعاطي مع التيارات الوافدة اعني النظر إلى المضمون بعمق وإنصاف وموضوعية وليس بالانفعالات التي تثيرها العناوين ستكون مسيرتنا

ص: 9

إصلاحية تأخذ الجيد وتترك الرديء، وقد بينا في حديث سابق رأينا في الحداثة وما بعد الحداثة بما ينسجم مع هذه النظرة.

الفكر الإسلامي وعلم الانثروبولوجي:

س2: هنالك نظريات تشير بعلم جديد يسمى (الانثروبولوجي) يختص هذا العلم برسم سياسة الإنسان وإنسانيته، دعى الكثير من المفكرين الإسلاميين الغربيين أمثال الدكتور محمد أركون إلى هذا العلم، هل خلت أجندة الفكر الإسلامي من هذا العلم أم دعت له؟سماحة الشيخ: لم تخلُ مصادر التشريع الإسلامي من جزئيات هذا العلم، ولكنها الغفلة عن هذا التراث الضخم وعقلية الانبهار بما يردنا من الغرب، وعقدة الحقارة - بحسب تعبير كتب علم النفس – وثقافة الهزيمة التي يعيشها المسلمون منذ عدة قرون ولم يستعيدوا إلى الآن ثقتهم بأنفسهم عدا محاولات في العقود الأخيرة لا يمكن إغفال تأثيرها، ونحن نسعى بجدّ إلى استعادة هذه الثقة والانطلاق بالمشروع الإسلامي الإصلاحي الكبير.

ولو تأملنا في ما وردنا عن أئمتنا سلام الله عليهم لوجدنا أصول ما توصل إليه أهل هذا العلم بجزئيات وتفاصيل لم يلتفتوا إليها وهذه مسؤولية شبابنا الواعي المتعلم أن يقدّم ما عندنا إلى البشرية كلها، وسيجدون حينئذ إن الإنسان هو أكرم المخلوقات وقد خلق الله تبارك وتعالى كل ما في الكون له لأنه خليفته في أرضه «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ

ص: 10

خَلِيفَةً» (البقرة:30)، وإن حرمته عند الله تبارك وتعالى أشد من الكعبة التي يعتبرها المسلمون أقدس مقدساتهم «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً» (الإسراء:70)، وعندنا في روايات أهل البيت (علیهم السلام) أن الإنسان إذا عاش إنسانيته ولم ينزل إلى مستوى الحيوانية في إتباع الشهوات والنزوات كان عند الله أفضل من الملائكة.

كيف يدرك المسلم معاني القرآن؟

س3: كما يقال أن القرآن حمّال أوجه وكل فرقة فسّرته كما ترى وكل فرقة فسرته لصالح أفكارها متمنطقة ببراهين متعددة، كيف يتسنى للمسلم البسيط أن يدرك حقيقة قراءة النصوص القرآنية وتفسيرها؟سماحة الشيخ: يتحقق ذلك بالرجوع إلى أهله العارفين بأسراره وهم أئمة أهل البيت (علیهم السلام) ومن وعى تراثهم قال تعالى: «هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ» (آل عمران:7).

ص: 11

وقال تعالى: «وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً» (النساء:83).

فتوجد إذن في القرآن آيات محكمات غير قابلة للتأويل لذا اتفق عليها المسلمون كالتي أوجبت الصلاة والصوم والتي حرّمت الميتة والزنا، أما الآيات القابلة للتأويل أي تحتاج إلى إرجاع إلى حقيقة معناها ولا يكفي فيها النظر الظاهري من (أول) وهو العودة والرجوع فلابد من إحالتها إلى أهلها العارفين بأسرار القرآن، وقد أوضحنا أوصافهم في حديثنا السابق عن الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (علیها السلام). وهم أهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا.

أما من يبتعد عن هذا المعين الصافي فأنه سيضلّ ويتخبط وتتقاذفه أمواج الضلال والابتعاد عن الحقيقة، وإذا كان له أتباع فسيضلُّ غيره كما فعل الخوارج ضلّوا وأضلوا.

وقد وقع في نفس الضلال خوارج اليوم كالتكفيريين حيث راحوا يتأولون آيات القرآن ويفسرونها بحسب هواهم فسفكوا الدماء المحرمة واهلكوا الحرث والنسل وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. ولذا نصحنا أخواننا أهل السنة بفتح باب الاجتهاد لتنضبطعندهم حركة الإفتاء وتنحصر بمن له الأهلية وتنسدّ باب التأويلات في النصوص إلا لمن بلغ هذه المرتبة السامية.

ص: 12

تعدد المرجعية حالة إيجابية:

س4: هل سماحتكم مع وجود المرجعية الواحدة أم أنكم مع تعدد المرجعيات؟

سماحة الشيخ: إن تعدد المجتهدين حاله ايجابية لان معناها وجود حياة فكرية وإبداع علمي في الأمة، كما يقاس الآن نبوغ المجتمعات بنسبة ما فيه من الكفاءات العلمية، وكلما ازدادت النسبة فهذه نقطة مضيئة في تاريخ الأمة.

وهؤلاء المجتهدون يتحولون بالخبرة والممارسة وسعة النشاط الذي يقدمونه على صعيد الحوزة العلمية والمجتمع عموماً إلى مراجع ترجع إليهم الناس لمعرفة أمور دينهم ودنياهم، وكل واحد من الناس يتبع من يراه جامعاً أكثر من غيره لشروط الرجوع إليه التي دوّنها الفقهاء في كتبهم، وقد تتنوع القناعات فيتعدد المراجع. وليس في ذلك ضير لأنها مسألة طبيعية ليست على صعيد عالم الفقه فقط. بل الأمر أكثر في سائر حقول الحاجة البشرية، فهناك عدة مراجع طبية من الاختصاصيين مثلا ولكل واحد شهرته والشريحة المقتنعة به التي تراجعه وهذا شيء حسن.

نعم على صعيد القيادة وولاية أمر الأمة لا يوجد تعدد ففي المجتمع الواحد والبلد الواحد يكون وليُّ أمرٍ واحد ويكون التعدد منتفياً أصلاً لان اختيار القائد وولي الأمر لا يكون بيد الناس وإنما بيد أهل الحل والعقد من علماء وفضلاء وأساتذة الحوزة العلمية إذا وجدت ضرورة اجتماعية لإعلان ولي أمر وقد لا توجد حاجة أصلاً، ولما كان من صفات ولي الأمر الخبرة بشؤون

ص: 13

الحياةوالمجتمع فلا ينجح ولي الأمر إلا إذا كان من أبناء ذلك المجتمع وعايش الناس في آلامهم ومعاناتهم وعرف مشاكلهم وتفاصيل حياتهم ولا يفرض عليهم بالقوة أو بالادعاء.

اختلاف الفقهاء في الفتوى أمر طبيعي:

س5: قرأنا في الرسائل العملية للمرجعيات هنالك خلاف في أمر واحد وفي فتوى واحدة وكل واحد يفتي خلاف الآخر وهنالك من يفتي بالأحوط وجوباً والآخر يفتي بغير ذلك؟ وما هو معنى الأحوط وجوباً في الإفتاء الشرعي؟

سماحة الشيخ: إذا كان سؤالكم يستبطن معنى الاعتراض على هذه الحالة فانه في غير محله لأنها حالة طبيعية مادام باب الاجتهاد مفتوحاً وحرية التفكير والبحث عن الحقيقة مكفولة تماماً، كما أن حالة مرضية معينة تعرض على عدد من الاختصاصيين فليس من الضروري أن يتفقوا جميعاً على تشخيص واحد وإنما قد يختلفون وتختلف رؤاهم، ولا يمكن للإنسان أن يخالف قناعته وما اطمأن إليه قلبه وعقله.

واختلاف المجتهدين له مناشئ متعددة بعضها راجع إلى اختلاف قابلياتهم وقدراتهم على ممارسة عملية استنباط الحكم الشرعي كأي عملية فنية وعلمية وبعضها راجع إلى المقدمات التي يستند إليها المجتهد للوصول إلى النتيجة، وقد مرّت مدونات مصادر التشريع بصعوبات كثيرة خلال التاريخ فأتلف جزء كبير

ص: 14

منها كما ينقل التاريخ عما حصل عند احتلال المغول بغداد وبذلك ضاعت على المتأخرين جملة من الأدلة التي كانت متوفرة لدى المتقدمين، وإن نسخ الكتب كان بطريقة بدائية ويكتبون في الليل على ضوء القمر وآلات الإضاءة القديمة وعلى أيدي نُسّاخ غير متخصصينوإنما يُستأجرون لنسخ الكتب، وبسبب ذلك كله قد يغفل عن أمور بسيطة لكنها مهمة، مثلاً يقول الإمام(علیه السلام) (إذا فعلت كذا فعليك كذا أو كذا) فينسخها (كذا وكذا) فمن أطلع على النص الأول يفتي بأن الشخص مخيّر بين أحد الأمرين لان (أو) تدل على التخيير، ومن وصل إليه النص الثاني يفتي بوجوب الجمع بين الأمرين لان الواو تدل على الجمع ، فلاحظ أن حرف الألف كيف أثّر في النتيجة، ومن شاهد الكتب القديمة وطريقة كتابتها يتوقع الكثير من هذه التغييرات والاشتباهات وأمثالها.

فالاستنباط يتطلب جهداً كبيراً في تقليب المصادر ومقارنتها والتأمل فيها ودراستها ولأن الفقيه يتعامل مباشرة مع النصوص التي مرّ على تدوينها مئات السنين. ووظيفة المجتهد هو بذل الوسع للوصول إلى الحكم الواقعي فإن أصاب فذلك لطف من الله تعالى به وبمن يتبعه وإن اخطأ فله اجرٌ على ما بذل من جهود مخلصة للوصول إلى الحقيقة.

كما أن قناعة الفقيه بما توصل إليه قد تكون تامة وقطعية فيجزم بالحكم، وقد تكون اقل من ذلك فيعبّر بالأقوى أي أن ما أفتى به هو أقوى المحتملات في

ص: 15

المسألة وقد يتردد فيضطر إلى أن يفتي بالاحتياط لإبراء ذمته وذمة من يقلده، باعتبار أن الاحتياط يتحرى العمل بكل المحتملات التي تحرز إصابة الواقع.

تعريف (المشهور لدى الفقهاء) وتأثيره على عملية الاستنباط:

س6: هنالك منهجية تسمى عند الفقهاء (بالمشهور لدى الفقهاء) كيف يكون تأثير هذا المشهور على سماحتكم عند استنباط الحكم الشرعي من الدليل ومواكبة العصر الحديث؟سماحة الشيخ: إذا كان الحكم موضع اتفاق جميع العلماء من الأولين والآخرين فهو حكم مجمع عليه، والإجماع دليل على اعتبار هذا الحكم والاعتماد عليه لأنه كاشف عن أن هذا الحكم مأخوذ من مصادر التشريع الأولى، وهذه سيرة موجودة لدى العقلاء فانك إذا رأيت جماعة ذات أيدلوجية متفقة على موقف معين فتستكشف أن هذا هو موقف رئيس تلك الجماعة وإلا كيف يفسر هذا الإجماع؟

وأحيانا يكون الحكم غير مجمع عليه لكن يتبناه الأكثر فيسمى (مشهوراً) ولا تكون الشهرة حجة ودليلاً ولا تملك التأثير على الفقيه عند الاستنباط ، خصوصاً إذا كان شجاعاً وحازماً ومقتنعاً بما توصل إليه من نتيجة، وهذا هو موقف الفقهاء من كل المؤثرات النفسية والاجتماعية وغيرها التي يتعرض لها لأنه أمام مسؤولية كبرى أمام الله تعالى ورسول الله (صلی الله علیه و آله) والأئمة الطاهرين (علیهم السلام).

ص: 16

وأنقل لك حادثة عن الفقيه الكبير صاحب الجواهر المتوفى سنة 1266 هجرية، فقد نقل عنه انه لما كان يبحث في مسألة نجاسة ماء البئر إذا وقعت فيه نجاسة وكمية ما ينزح منه حتى يطهر، أغلق بئراً كان في بيته حتى يفكر بحرّية من دون الضغط النفسي الذي يوجهه لعدم القول بنجاسة البئر لأنها مصدره لاستقاء الماء داخل البيت فلما أنهى البحث عاد وفتحها.

وكذا لا يخضعون للضغوط السياسية رغم شدة ما عانوه من الطواغيت ولا للضغوط الاقتصادية رغم شظف العيش الذي لازم أكثرهم، وهذه النزاهة والأمانة والسمو والدقة في ضبط النفس شروط في مرجع التقليد.

نعم بالنسبة للمشهورين من الفقهاء يوجد لآرائهم احترام لدى البعض لأنهم أساطين الفن خصوصاً مع اقتراب عصره منالمعصومين سلام الله عليهم، وربما وصل إليهم من الأدلة ما خفي علينا، وهم غير متهمين فيما أفتوا به بل العكس نتهم أنفسنا بالقصور والتقصير والغفلة عما التفتوا إليه، من أجل ذلك يتجنب الفقيه أحياناً مخالفتهم فيفتي بالاحتياط ونحوه مما يعزز عنده حالة الاطمئنان ببراءة الذمة.

لا يمكن للفرد أن يستغني عن التقليد:

س7: هل يمكن للإنسان أن يستغني عن التقليد ويعمل بما يمليه عليه عقله.

سماحة الشيخ: توجد مساحة واسعة من الأفعال والأنشطة الحياتية تسمى (المباحات) ترك فيها الشارع المقدس حرية اختيار القرار المناسب فيها للإنسان

ص: 17

نفسه وتوجد مساحة أخرى وضع لها الشارع المقدس حوافز لفعلها وهي (المستحبات) وحوافز لتركها وهي (المكروهات) وتوجد مساحة ضيقة جدا بالنسبة لسابقاتها قد لا تشكل نسبة 1% مما تقدم هي دائرة الأحكام الإلزامية بالفعل وهي (الواجبات) أو الترك وهي (المحرمات)، فلا تستحق هذه النسبة الضئيلة أن يتضايق منها الإنسان.

ثم أن كل تلك التشريعات التي غطت كل تفاصيل حياة الإنسان والمجتمع ولم تقتصر على العبادات فقط بل أن العبادات تمثل الجانب الأقل من أحكام الشريعة إنما أريد بها هدفان: دنيوي وهي سعادته واطمئنانه وخلق حياة بين أفراد البشرية يسودها السلام والأمن والرفاهية والحب والتآلف (وأخروي) لضمان نجاته في الآخرة وفوزه برضوان الله تبارك وتعالى وجنات النعيم خالدين فيها لا يرون فيها ألماً ولا معاناة ولا ظلماً ولا نكدا.فالنتائج تعود كلها بالخير عليه والله غني عنه لأنه لما خلقه لم يتركه سدى وإنما علّمه ما ينفعه في حياته ودلّه على ما يصلحه، فإذا اعرض الإنسان عن هذه الوصفة الإلهية فقد ظلم نفسه.

وإنما نأخذ هذا النظام الإلهي للحياة من الأنبياء والرسل الذين بعثهم ومن أوصيائهم (علیهم السلام) ثم من العلماء العارفين بهذه الأحكام والتشريعات.

ومن طبيعة البشر أن يعود في كل مجال إلى المختصين فيه فلو أصيب بمرض لا سامح الله فانه يراجع الطبيب ولا يسمح لنفسه أن يأخذ كتابا طبياً من المكتبة

ص: 18

ويستخرج منه علاجه، لان التفاصيل والمداخلات والاستنتاجات لا يدركها إلا ذوو الاختصاص.

فالإنسان الحريص على حاضره ومستقبله وحياته الأخروية يرجع إلى علماء الدين ليأخذ منهم ما يضمن له النجاة حتى لو كان احتمال وجود عالم الآخرة والحساب والعقاب ضعيفاً فإن خطورة المحتمل تدفعه إلى الأخذ به، لاحظ مثلاً الهوس الذي أصيب به العالم بسبب سماعه بأن شخصاً قد مات بأنفلونزا الطيور في بلدٍ ما فأتلفت ملايين الطيور وبيعت ملايين الأمصال وصرفت المبالغ الطائلة على الإجراءات الوقائية مع أن احتمال إصابة الشخص بالمرض تقل عن واحد من عشرات الملايين، ومع ذلك فانه يجد هذه الإجراءات مبررة لخطورة المحتمل وهو الموت، وان الآخرة أهم من ذلك لأنها الحياة الباقية «وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ» (العنكبوت:64)، ونحن لسنا نحتمل بل نقطع ونجزم بوجودها بالتفاصيل التي نقلها لنا مئة وأربعة وعشرون ألف نبي صادق.

إضافة إلى الحياة المطمئنة التي يحياها المؤمن ويفتقدها غيره، نقل لي أحد الإخوة عن طالب يدرس في الصين أن الصينيين قالواله أن من لا يتناول الخمر ويجتنب الزنا وكذا نسميه الإنسان النموذجي، فماذا يسمون يا ترى الإنسان المسلم الذي يجتنب كل الخبائث ويتحلى بالصفات الحميدة السامية.

وأختصر الجواب بقولي أن الرجوع إلى ذوي الاختصاص في اختصاصهم طريقة عقلائية جارية في كل المجالات، والحقل الديني من أهم ما يجب أن

ص: 19

نراعيه لأنه يتعلق بسعادتنا في الدنيا وحياتنا الدائمة في الأخرى فلا نستغني عن الرجوع إلى علماء الدين للأخذ منهم لأنهم أهل الاختصاص، وان العقل يعجز عن فهم أسرار التشريع وإنما تؤخذ من أنبياء الله ورسله.

ص: 20

الحوزة والمجتمع

بسم الله الرحمن الرحيم

أجرت مجلة (الكوثر) النجفية حواراً مع سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دامت بركاته) لاستكشاف رأي الحوزة الشريفة في عدد من القضايا التي تهم المجتمع، وقد رأينا من المفيد نشر الحوار مستقلاً لتعم الفائدة:

سماحة البقية الصالحة لحبيب القلب، آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله الوارف)، أرجو من سماحتكم التفضل علينا بالإجابة على الأسئلة التالية:

وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ:

سؤال1: نعم للوحدة الإسلامية لا للتناحر الإسلامي، كيف تنظرون لهذا الشعار؟ وما هي السبل الكفيلة التي تقدمونها للترابط والوحدة والتآزر في ما بيننا؟

ج1: بسمه تعالى:

هذا شعار رفعه القرآن الكريم بقوله تعالى: «وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ» (الأنفال:46)، وحرص الرسول الكريم 9 على إرساء الوحدة في المجتمع الإسلامي، فآخى بين المهاجرين والأنصار، ولم يرُق ذلك لأعداء الإسلام من يهود ومنافقين، فكانوا يثيرون الضغائن والعصبيات القبلية والقومية والعنصرية حتى أفلحوا في إيجاد التنازع بينهم وتواعدوا القتال خارج

ص: 21

المدينة ليعيدوا أيام الجاهلية، فخرج رسول الله (صلی الله علیه و آله) إليهم مغضباً يجر رداءَه _ حسبما تقول الرواية _ للإسراع في إطفاء نار الفتنة،حتى نجح في ذلك 9، وكان لعلمائنا المخلصين (قدس الله أسرارهم) مواقف مشهورة ومساعٍِ مشكورة لجمع الصف وتوحيد الكلمة، حتى اشتهرت كلمة أحدهم: (بُنيَ الإسلام على كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة)، وبحسب تجربتي فإن لجمع الكلمة ركيزتين:

الأولى: الالتفات إلى القواسم المشتركة بيننا وهي كثيرة، فربّنا واحد ونبينا واحد وكتابنا واحد وقبلتنا واحدة وعدونا واحد وهمومنا واحدة ومصالحنا واحدة ومستقبلنا واحد وأسس ديننا واحدة، وهي التي أشارت إليه الآية المباركة السابقة وأمرت بالاعتصام به وجعلته المحور الذي يجتمع عليه المسلمون، فلماذا نعرض عنها جميعاً ونركز على النقاط الفرعية جداً التي نختلف عليها؟.

الثانية: احترام كل طرف قناعة الآخر ورأيه ما دام قد توصل إليه بطريق صحيح أو ما نعبر عنه بحجة شرعية تبرر له عند الحساب الاعتماد عليها، وأن نعلم أن الاختلاف في الرأي سنة طبيعية، فحتى داخل الأسرة الواحدة تجد القناعات مختلفة ولم يعكر ذلك صفو العائلة و(لم يفسد بالود قضية) كما يقول الشاعر، فلماذا لا نتصرف بنفس الأسلوب داخل أسرتنا الكبيرة وهو المجتمع فإنه أهم من أسرتنا الصغيرة وأعظم شأناً.

ص: 22

وأنت ترى أعداء الله ورسوله اجتمعوا على باطلهم واتحدت كلمتهم ضد الإسلام والمسلمين، فلماذا نتفرق عن حقنا؟ إنها لمفارقة لا يمكن التصديق بها، قال تعالى: «كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ» (الكهف:5)، فعزة الإسلام في وحدة أبنائه التي يحبها الله تبارك وتعالى كما في قوله: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِصَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ» (الصف:4)، فلماذا لا تفعلون ما يحببكم إلى الله تبارك تعالى، ولا بد أن لا يقتصر فهمنا للقتال في سبيله على المواجهة المسلحة مع الكفار، بل مطلق المواجهة على صعيد النفس ومع الشيطان وفي ساحة التحديات الفكرية والاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية، وبين يديك تعاليم الإسلام ومصادر تشريعه تجدها حافلة بكل ما يدعم الألفة والتقارب بين القلوب، فأمر بالخمس والزكاة لمساعدة الفقراء، وشجع على قضاء حوائج المؤمنين وإدخال السرور عليهم وتفريج كربهم والتراحم والتواد والتواصل بينهم والتخفيف عن آلامهم، حتى جاء في الحديث: (من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم)(1)،

فيخرج من ربقة الإسلام وحسن الرعاية الإلهية من لا يحمل هذا الشعور اتجاه أمته، وتفصيل الكلام في هذا المجال مما يتطلب فرصة أوسع، لكن الإشارة تغني اللبيب وتنفع المخلصين الصادقين، وقد سجلت بعض هذه التفاصيل في مقدمتي لكتاب (أصل الشيعة وأصولها) وبعض كتبي الأخلاقية والاجتماعية.

ص: 23


1- الكافي: ج2 ص164.

آليات لتطوير الحوزة العلمية:

سؤال2: كيف تنظرون للدراسة في الحوزة وما هي اقتراحاتكم لتطويرها؟

ج2: تحتاج الحوزة الشريفة إلى كثير من الإصلاحات في عدة اتجاهات: مناهجها الدراسية، أساليب الدراسة، شؤونها الإدارية،نظام التقييم والشهادات فيها، توظيف العلوم الحديثة في خدمة الاستنباط الفقهي، أداء مسؤولياتها، علاقتها بالمجتمع، وليس لي في هذا الكلام قدح فيها؛ لأن التطوير والتغير شيء طبيعي تبعاً للمتغيرات والمستجدات التي تحصل في المجتمع، فلا يعقل أن نبقى نفكر بوتيرة واحدة بالرغم من تغير الحاجات وتكثر التحديات، وأنا أستغل بعض المناسبات لطرح هذه الأفكار على الطلبة، كما أني بدأت فعلاً بتنفيذ بعضها مما يتيسر لي وما زال الطريق طويلاً، وقد وضعت الخطوط العريضة لهذه الأفكار في كتاب لم يطبع(1)

بعنوان (المعالم المستقبلية للحوزة الشريفة)، وأشرت إليه في مقدمة كتاب (القول الفصل) المطبوع.

نصائح الى طلبة العلوم الدينية:

سؤال3: نصائح مفيدة يقدمها سماحتكم لطلاب الحوزة الشريفة؟

ص: 24


1- طبع هذا الكتاب فيما بعد.

ج3: وضعت هذه النصائح في كتاب (وصايا ونصائح إلى طلبة الحوزة الشريفة) وهو مطبوع، ولكي لا تخلو هذه الإجابات عن شيء منها أقول باختصار: إن مقومات شخصية الحوزوي ثلاثة: البعد العلمي، والبعد الأخلاقي، والبعد الاجتماعي، ولكي تتكامل شخصيته ويكون ناجحاً في مهمته وينال الحظوة عند الله تبارك وتعالى ورسوله الكريم 9 لا بد أن يجدَّ ويجتهد في المسارات الثلاثة بتوازن، فإن أي تقدم في أحدها على حساب الآخر يلزم منه خلل في شخصيته، وهو معنى الحديث الشريف: (قصمظهري رجلان: عالم متهتك وجاهل متنسك)، فالأول حاز العلم ولم يهذّب نفسه ويطهّر باطنه، والثاني يتفرغ للعبادة والنسك إلا أنه فارغ من العلم، وفي كليهما نقص، ففي الاتجاه الأول وهو العلمي لا بد أن يسعى لتحصيل كل العلوم الحوزوية المتعارفة من مقدمات وسطوح، ويضم إليها غير المتعارفة كالتاريخ والحكمة والتفسير، والأولى أن يلمّ معها بالثقافة العامة، وفي البعد الأخلاقي يعمل على مراقبة نفسه ووعظها باستمرار ومحاسبتها وعرضها على الميزان الصحيح، وأن يكون الله حاضراً عنده في كل عمل وكل فكرة بل وفي كل خاطرة، ويجاهد في طريق تهذيب النفس وتطهير الباطن من الرذائل الخلقية وتحلّيه بالفضائل مما هو مدون في كتب الأخلاق المخلصة، وفي الاتجاه الاجتماعي يعمل على إصلاح مجتمعه وهدايته وتقريبه إلى الطاعة وتجنيبه المعصية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم الناس أحكام دينهم في العبادات والمعاملات وأن يسعى لقضاء حوائجهم ورعايتهم

ص: 25

اجتماعياً ويشاركهم في همومهم وآمالهم وطموحاتهم ويعمل على تحقيقها بقدر المستطاع.

ومن المهم لطالب الحوزة أن يقتدي بسيرة الأئمة (علیهم السلام) والعلماء الصالحين ويهتدي بهداهم ويأخذ سمتهم وطريقتهم حتى في أبسط التفاصيل الحياتية، وأنا أعلم أنها مسؤولية ضخمة وجسيمة، لكن الأجر عظيم والنتائج كبيرة، وعلى حد تعبير الشاعر:

على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ *** وتأتي على قدر الكرام المكارمُ

نصائح الى الشباب المسلم:

سؤال4: نصائحكم للشباب المسلم المؤمن؟

ج4: ذكرت تفاصيل نافعة في كتاب (فقه الجامعات) الذي يخاطب الشباب الجامعي، وهم نخبة هذه الشريحة وصفوتها، وأنا أعتذر عن هذه الإحالات على الكتب، وعذري في ذلك أن كل سؤال من هذه الأسئلة الواعية التي تنمُّ عن وعي معمق لدى السائل للواقع المعاش تحتاج إلى كتاب لبيان تفاصيل الجواب، وعادة في كتاباتي أسعى لتعميق عدة مفاهيم لدى الشباب وعموم أبناء المجتمع، لكن مطلوبيتها من الشباب أكثر:

ص: 26

1 _ العودة إلى الله تبارك وتعالى وتعاليم الإسلام فإنها سر قوتنا، والتاريخ يشهد على ذلك، وسر فلاحنا ونجاحنا في الآخرة وسعادتنا واطمئناننا في الدنيا، وهذه كلها نتائج مهمة تستحق بذل الجهد في التمسك بها.

2 أن يكون الشاب هادفاً في حياته غير لاهٍ ولا عابث كما وصف القرآن الكريم: «يَا أَيُّهَا الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ» (الانشقاق:6)، والكدح هو العناء والتعب، وأن تكون الأهداف التي نسعى من أجلها حقيقية لا وهمية.

3 _ الاعتزاز بشخصيتنا الأصيلة التي تحمل الكثير من القيم والأخلاق والمثل التي تثير حسد الغرب وتدفعه إلى أن يكرس كل خبثه ومكره لينزعها منا فنصير أذناباً، ويؤسفني أن أرى الشباب وهم مقلدون للغرب في ملبسهم ومأكلهم وتصرفاتهم وحركاتهم وكأنهم لا يملكون ذلك التاريخ العريق حتى يستنسخوا شخصية الغير في حياتهم.

4 _ التحذير من مكائد الغرب الكافر وخططه الخبيثة التي يريد من خلالها استعبادنا وتكريس تبعيتنا له.

5 _ أن يفكر بمجتمعه وأمته في الحاضر والمستقبل ويعمل على إعمار الحياة ونجاحها في جميع نواحيها كما قال القرآن: «وَإلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ» (هود:61)، أي في

ص: 27

الأرض بمعنى أن الله تعالى خلقكم فيها وطلب منكم إعمارها فلا يقصر أحد في أداء وظيفته ومسؤوليته في أي موقع مفيد كان.

6 _ تعميق الارتباط بالحوزة الشريفة؛ لأن العلماء حصون الإسلام ومنار الهدى وقد قال عنهم الإمام(علیه السلام): (فإنهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله، والراد عليهم كالراد علينا)(1).

تنمية البعد الأخلاقي:

سؤال5: السلوك إلى الله تعالى هو المطلوب من كل مسلم، نرجو منكم بيان وتوضيح كيفية السلوك إلى الله تعالى؟

ج5: أشرت إجمالاً في جواب السؤال الثالث إلى البعد الأخلاقي وكيفية تعميقه، وهو كلام شامل لكل مسلم مخلص يريد الوصول إلى الله تبارك وتعالى، وتوجد كتب نافعة في هذا المجال متدرجة في مستوى عطائها، فأولها (القلب السليم)، ثم (جامع السعادات) و(المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء) وغيرها مما هو معروف،ولكن المربّي الرئيسي هو القرآن وأحاديث المعصومين (علیهم السلام)، الذي يغني السطر منها عن صفحات من كلمات غيرهم (علیهم السلام)، وقد توجد كلمة واحدة تغير مجرى حياة الإنسان، وأنقل لكم حديثاً واحداً وهو قول الإمام الحسين(علیه السلام): (من حاول أمرا بمعصية الله كان أفوت لما يرجو

ص: 28


1- كمال الدين وتمام النعمة: ص484.

وأقرب لما يحذر)(1)، فلو وصل الناس إلى مثل هذه القناعة لما تكالبوا على تحقيق مطالبهم بشتى الوسائل حتى المحرمة منها، فهذا الإمام(علیه السلام) يخبرك أن من حاول تحصيل غايات مطلوبة بوسائل محرمة كان عمله أقرب لما يحذر، وهذا الحديث دستور حياة لنا، ومثله قول الإمام(علیه السلام): (عجبت لمن يرجو عفو من هو فوقه كيف لا يعفو عمن هو دونه)(2)،

فكلنا نرجو عفو الله تعالى، ونحن نحاسب أمثالنا من المخلوقين بالمليم كما يعبرون؟! إنها مفارقة مرفوضة، وتصور لو أن علاقة العفو هذه سادت بيننا كم ستصفو علاقات المجتمع ويكللها الود والاحترام والأخوة والتآلف.

الالتفات إلى مخططات الأعداء:

سؤال6: كيف تنظرون لمخططات أعداء الإسلام والمسلمين وترويج كل ما هو مضر للمسلمين، مع توضيحها والطرق اللازمة للرد عليها؟

ج6: أشرت في استفتاءات عديدة إلى هذه الأساليب خصوصاً استفتاء (اِحذروا الصناعات المستوردة) و(الحجاب الفرنسي)و(عصير الشعير المسمى بالبيرة الإسلامية) وغيرها، وهو المتوقع منهم، فإنهم لا يتركون فرصة لإبعادنا عن إسلامنا وقرآننا إلا استغلوها بوسائلهم الخبيثة المتعددة،

ص: 29


1- صحيفة الحسين(علیه السلام): ص336.
2- ميزان الحكمة: ج2 ص1044.

يساعدهم على ذلك جهلنا وانبهارنا بحضارتهم المادية الزائفة، ولا نأخذ العبرة من أمم سابقة سادت العالم ولم تكن الشمس تغيب عن ممالكهم ثم سقطوا وانتهوا لعدم استنادهم إلى ركن وثيق، والذي يقرأ القرآن ويتمعن فيه يجد تحذيراً كثيراً منهم، وقد أشرت إلى بعضها في كتابي (شكوى القرآن) و(فقه الجامعات)، والخلاصة أنهم يريدون أن يعطونا أسوأ ما عندهم ويأخذوا منا أحسن ما عندنا، فهل صفقة أخسر من هذه؟! والمسلم الواعي يكون في حذر منهم في كل شيء ويتسلح بالقرآن وتعاليم الإسلام في مواجهة ما يفعلون.

القدح بالعلماء:

سؤال7: هنالك من يريد شق عصا المسلمين بالتكلم والتجريح برجال الدين الأجلاء وعلى عموم المسلمين بالكلام غير اللائق، نصيحة توجهونها لهم.

ج7: لا يجوز القدح بالمسلم مطلقاً، فكيف بالعلماء الذين خصَّهم الله تبارك وتعالى بالمنزلة الرفيعة، حتى قيل أن أكثر من (500) آية في القرآن وردت في مدح العلماء وذم الجهلة وأفضلية صفة العلم ومن يحمله على جميع المميزات الأخرى، وجاءت السنة الشريفة لتعزز ذلك: (مداد العلماء خير من دماء الشهداء)، وقد قرأت قبل قليل عن الإمام الصادق(علیه السلام): (إنهم حجتي

ص: 30

عليكم، وأناحجة الله، والراد عليهم كالراد علينا) (1)،

والواقع يشهد بذلك؛ فإن أية أمة بلا علماء تكون كالغنم بلا راع، فهم يرشدونها ويهدونها إلى الطريق الصحيح ويتحملون التضحيات من أجلها من دون أن يتوقعوا من الأمة جزاءً ولا شكوراً، بل أفنوا حياتهم زاهدين معرضين عن حطام الدنيا، فهل جزاء كل ذلك ذمهم والقدح فيهم والافتراء عليهم وتتبع عثراتهم؟! إنها معاوضة غير منصفة، والعقلاء يقولون والقرآن يؤكد: «هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ» (الرحمن:60)، إنها واحدة من خطط الكفار لفصل الأمة عن علمائها حتى تضل وتتيه بتسقيط العلماء وتشويه صورتهم والافتراء عليهم ونسج الأكاذيب عنهم، والكثير من أبناء المجتمع لجهلهم وسذاجتهم يصدقون، كما قال القرآن: «وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ» (التوبة:47)، وهي خطة ليست جديدة، فقد حاولوا تشويه صورة رسول الله (صلی الله علیه و آله) لينفضَّ المسلمون من حوله، حتى اتهموه بشرفه فنزلت سورة النور لتخبر عن حديث الإفك والدفاع عن شرف رسول الله (صلی الله علیه و آله)، واتهموا أمير المؤمنين(علیه السلام) أنه لا يصلي، فشاء الله أن يستشهد علي(علیه السلام) في محراب الصلاة لتتوجه صفعة إلى أولئك المنافقين، ولكن لماذا لا نعرف عظمة علمائنا إلا بعد موتهم؟ وماذا ينفعنا الندم؟ ثم ألا تكفينا المرة والمرتان من الخطأ فنصرُّ على تكراره، والمفروض أن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين؟! إنها فتنة زرعها أعداء الإسلام، فلا ينبغي للمسلمين الوقوع فيها، وعليهم احترام علمائهم فهم

ص: 31


1- كمال الدين وتمام النعمة: ص484.

حصون الإسلامالحافظون لحدوده والمرابطون في ثغوره لحماية المسلمين وكيان الإسلام من مكائد وخطط الكفار وإغواء إبليس.

أكرر اعتذاري عن الاختصار وأسأل الله تعالى أن يأخذ بأيدينا جميعاً لنيل رضاه وإصلاح حالنا إنه ولي النعم.

ص: 32

الإسلام والديمقراطية وحقوق الإنسان

الإسلام والديمقراطية وحقوق الإنسان(1)

الديمقراطية وإشكالية الفكر الإسلامي:

س1: ما هو تعريفكم للديمقراطية ومبادئ حقوق الإنسان وهل هي من مبتكرات الحضارة الغربية أم أن الشريعة الإسلامية سبقت في طرحها وتأصيلها لهذه المفاهيم.

الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم: يوكل تعريف الديمقراطية إلى الذين وضعوا المصطلح، ونحن مسؤولون عن مفاهيمنا وشرح مصطلحاتنا، ولكن باعتبار أن تجارب الشعوب تتلاقح والحضارات تتكامل ويمكن لأمة أن تستفيد من معطيات الأمم الأخرى فنتعامل مع المصطلح من هذه الجهة ونقول:

إن للديمقراطية معنيين أو مساحتين للعمل واحدة مرفوضة وأخرى مقبولة.

فتارة يراد بالديمقراطية حاكمية الشعب أو كما يعبرون (الشعب مصدر السلطات) وان الأغلبية إذا شرعت شيئاً كزواج المثليين أو جواز الموت الرحيم - كما يسمونه - أو إباحة العلاقات الجنسية للمرأة خارج إطار الزوجية أو مساواة الرجل والمرأة في الميراث فيسري العمل بهذا القانون ويكون نافذاً.

وهذا شيء مرفوض في الإسلام لأن الحاكمية لله تبارك وتعالى «أَفَحُكْمَ

ص: 33


1- من لقاء أجرته إحدى المؤسسات الثقافية في كربلاء المقدسة مع سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله).

الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ» (المائدة:50)، «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» (المائدة:45)، «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» (المائدة: 47)، «وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ»(المائدة: 44)، «فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً»، (النساء: 65)، فلا يحق لأي شخص أن يسنّ تشريعاً مخالفاً لشريعة الله تبارك وتعالى، وفي ضوء هذا المبدأ على السلطات الثلاث (التشريعية والقضائية والتنفيذية) أن تفهم صلاحياتها وحدودها.

وتارة يراد بالديمقراطية الآلية التي يختار بها الشعب قادته وحاكميه ومدبري شؤونه، وهذا مما لا بأس به فإن الله تبارك وتعالى أوكل تصريف شؤون العباد إليهم أنفسهم فينظمون الآلية التي يتوافقون عليها قال تعالى: «وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ» (الشورى: 38)، فاستعمل ضمير (هم) أي أن الأمور العائدة إليهم في تدابير شؤونهم الحياتية فهذا موكول لهم وترك تفاصيلها إليهم مما سماها بعض الفقهاء (قدس الله أسرارهم) منطقة الفراغ، وهي ليست فراغاً في الحقيقة وإنما بمعنى أن المشرع وضع لها حدودها وأطرها العامة وترك التفاصيل إلى الأمة لتختار الأسلوب المناسب.

فمثلاً: المطلوب من باب حفظ النظام الاجتماعي العام تأمين الطرق للناس بين النجف وبغداد ولكن هل يمر الطريق عبر الحلة أو كربلاء، وكم عدد

ص: 34

ممرات الشارع وغيرها من التفاصيل فهذه مما يقررها من تختارهم الأمة وتفوضهم النظر في شؤونها وتوكلهم في تدبير أمورها.

وبهذا المعنى من الديمقراطية أي احترام إرادة الشعب والرجوع إليه في تقرير مصيره فإن الإسلام أول من وضع أصوله ومبادئه وسار عليه قادة الإسلام بمنتهى الصراحة والشفافية، فتجد في سيرة رسول الله (صلی الله علیه و آله) أنه حينما خرج مع المسلمين على غير استعداد للقتال لاعتراض قافلة قريش التجارية، ولما أفلتت القافلةوأصبح المسلمون في مواجهة قريش، استشارهم رسول الله (صلی الله علیه و آله) في المضي نحو القتال أو الرجوع، وقبل معركة أحد استشارهم(صلی الله علیه و آله) في التصدي لقريش داخل شوارع المدينة وأزقتها أو خارج المدينة، واستشارهم في كيفية مواجهة الأحزاب حتى أشار سلمان الفارسي بحفر الخندق.

وحتى في ممارسة قيادة الأمة، فبالرغم من أن النبي (صلی الله علیه و آله) هو سيد الخلق والمبعوث رحمة للعالمين وأولى بالناس من أنفسهم، فإنه لم يؤسس دولته المباركة في المدينة ويمارس صلاحياته كقائد حتى طالبه أهل المدينة بالهجرة إليهم، واشترط عليهم النصرة والدفاع عنه كما يدافعون عن نسائهم وأموالهم، وكذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(علیه السلام) المنصوب خليفة على الأمة من بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله) بنص إلهي، لم يمارس قيادته للأمة إلاّ بعد أن انثالت عليه تبايعه وهو(علیه السلام) يردهم، حتى أجمعوا أمرهم على إمامته، وهو الذي لا يحتاج إلى ذلك وإنما لإلقاء الحجة عليهم ومطالبتهم باستحقاقات هذا الموقف؛ لذا قال(علیه السلام): (لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر

ص: 35

لألقيت حبلها على غاربها…)(1).

وفي ضوء هذا نفهم أن ولاية شؤون الأمة لا تكون بالادعاء ولا بالتسلط ولا بالقهر، وإنما بإرادة الأمة وبالآلية التي تضعها لنفسها، فولي أمر المسلمين يختاره أهل الخبرة من المجتهدين ومن قاربهم في العلم والفضيلة والورع والترفع عن الدنيا، وهكذا بقية مواقع المسؤولية في الأمة.

وأما حقوق الإنسان فإن الإسلام هو رائدها ومؤسسها والتزم بها قادة الإسلام ورسموا لها أنبل الصور التزاماً بقوله تعالى: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ … وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً»،(الإسراء: 70)، وجوامع الحديث مليئة بهذه التعاليم. راجع كتاب آداب العشرة في المجلد الثامن من وسائل الشيعة ورسالة الحقوق للإمام السجاد(علیه السلام)، وعهد الإمام أمير المؤمنين(علیه السلام) إلى مالك الأشتر لما ولاّه مصر ومما جاء فيه: (وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق)(2).

فمَنْ مِنْ زعماء الدول التي تدّعي الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان يقف كرسول الله (صلی الله علیه و آله) حينما جمع أصحابه وقال لهم: (معاشر المسلمين أنشدكم بالله ، وبحقّي عليكم ! من كانت له قبلي

مظلمة فليقم فليقتصّ منّي)، فيقوم له أحد أصحابه ويقول له: إنك في يوم

ص: 36


1- نهج البلاغة: الخطبة: 3.
2- السابق: الكتاب: 53.

كان ازدحام الناس حولك شديداً ورفعت قضيبك الممشوق لتضرب ناقتك فوقع عليّ خطأ، فدعا رسول الله (صلی الله علیه و آله) بالقضيب وكشف عن موضع القصاص من جسده الشريف ودعا الصحابي للاقتصاص(1)،

ورأى أحد أصحابه يعبث بصيد العصافير فقال(صلی الله علیه و آله) له: استعد لمساءلته يوم القيامة فإنه يخاصمك أمام رب العزة والجلال ويقول: ربّ اسأله لماذا قتلني وهو لا ينتفع بلحمي.

ومَنْ من هؤلاء الزعماء (الديمقراطيين) المدعين لحقوق الإنسان الذين تسمع يومياً بسوء تصرفهم بالمال العام والاستفادة منه بطرق غير مشروعة يقف كأمير المؤمنين(علیه السلام) على منبر مسجد الكوفة بعد أربع سنوات من توليه شؤون الأمة وتصرفه بدولة مترامية الأطراف يقول للناس: (إن خرجت منكم بغير القطيفة التي جئتكم بها من المدينة فأنا خائن)(2).والحديث في هذا المجال واسع أتركه لمناسبات أخرى وللكتاب والمفكرين.

الديمقراطية في النظام الإسلامي:

س2: ما هو ردكم على من يدعي أن لا ديمقراطية في الإسلام باعتبار الآية الشريفة «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا» (الحشر : 7)،

ص: 37


1- أنظر البحار: ج22 ص509.
2- أنظر نحوه في: الكامل في التأريخ: ج3 ص399.

تذوّب إرادة الفرد في إطار عام من الضوابط والواجبات ولا نلمس حرية الفرد؟

الجواب: إن هذه النظرة مبتورة للنظام الإسلامي وينطبق عليها قوله تعالى: «أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ»، (البقرة : 85)، فإنه كما توجد هذه الآية توجد الآية المتقدمة «وَأمرُهُم شُورَى بَينَهُم» وقوله تعالى: «وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فإذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ» (آل عمران : 159)، فحرية الفرد ووجوده ورأيه محترم لكن ضمن الإطار العام الذي تنظمه الشريعة، وهي حالة عقلائية يتفق عليها كل البشر المتحضر من ضرورة وجود دستور يضم المبادئ العامة التي تتوافق عليها الأمة، ويمثل مرجعية القوانين التي يعمل بها، ولا يجد أي واحد غضاضة في الالتزام بها لأنها تعود بالنفع عليه، وبدونها تحكم الأمة شريعة الغاب.

والفرق بين النظام الإسلامي والنظم الوضعية أن الدستور الإسلامي مأخوذ من الشريعة التي انزلها الله تبارك وتعالى خالق البشر العدل المطلق الكامل الرحيم بعباده العليم البصير لإسعاد البشر وضمان فلاحهم وفوزهم.

أما النظم الوضعية فهي من صنع البشر القاصر المحكوم لأهوائه ونزعاته الذي يجهل حقيقة نفسه فضلاً عن حقيقة الكون الذي يحيط به.

حرية الرأي والمعتقد:

س3: هل ترون أن مقتضى الديمقراطية وحرية الرأي أن يعتقد المواطن

ص: 38

العراقي ما يشاء من عقائد ومفاهيم وعادات وتقاليد أم هو مؤطر بجملة خيارات لا تتعدى السائد على ساحة الوطن.

الجواب: كل إنسان له حرية الاعتقاد وقال تعالى: «فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ» (الكهف: 29)، «إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً» (الإنسان:3)، «لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ» (الأنفال: 42)، فالإنسان مخير في عقيدته ونمط حياته التي يسير عليها، ولولا هذا التخيير والحرية لبطل الثواب والعقاب ولما استحق المحسن الثواب على إحسانه ولا المسيء يستحق العقاب على إساءته ما داموا مكرهين على هذا الشيء، فحرية الاختيار هو الأساس في استحقاق الثواب والعقاب، فلا يحق لولي الأمر أن يكره الناس على أن يكونوا مؤمنين، وإنما وظيفته تقريب الناس إلى طاعة الله تبارك وتعالى بتكثير فرصها وتيسيرها وبيان حقيقة الأمور في النشأتين، وتجنيبهم معصية الله بسدّ منافذها.

وقد كان الإمام علي بن أبي طالب(علیه السلام) رئيساً للدولة ويوجد بين رعاياه ناس على غير دينه ومع ذلك فإنه كان يتكفل بشؤونهم، وقد امتنع عددٌ من أهل المدينة عن بيعته كعبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص ولم يجبرهم على ذلك رغم أن إمرته صحيحة وملزمة بكل المقاييس، وغاية ما اشترط عليهم أن لا يحدثوا فساداً وفتنة في الأمة وحينما حمل قادة الإسلام السيف فإنهم حملوه ليقضوا على هذه الفتن وليزيلوا العقبات التي تمنع الناس من اختيار العقيدة الصحيحة لا لكي يكرهوا أحداً على الإيمان.

ص: 39

الإسلام وحقوق المرأة:

س4: ما هو ردكم على من يقول: إن في الإسلام انتهاكاً لحقوق المرأة وعدم مساواتها مع الرجل؟ وما هي حدود تولي المرأة للوظائف العامة وهل يجوز لها تولي القضاء؟

الجواب: هذه شبهة وَفِرْية يرددها أعداء الإسلام لخلط الأوراق وتضليل الناس بإثارة هذه الأمور لينفّروا المرأة من الإسلام من خلال إيهامها بوجود ظلم لها في الشريعة، وقد استعر هذا الهجوم بعد مجيء قوات الاحتلال وانفتاح الساحة على جميع الاتجاهات حتى الإباحية؛ لذا بادرنا ووجهنا إلى تأليف كتاب يشرح فلسفة تشريعات المرأة ليجد فيها المساواة في الحقوق والواجبات بين المرأة والرجل قال تعالى: «فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أو أُنْثَى» (آل عمران: 195)، «إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً» (الكهف: 30).

فالمساواة موجودة. نعم، لا توجد مماثلة في الوظائف بينهما لمراعاة التركيبة النفسية والفسيولوجية والاجتماعية لكل منهما، ولتقريب الفكرة ننقل المثال التالي لو أن شخصاً أراد أن يوزع أمواله على أولاده الثلاثة وكان يملك نقداً بمقدار مليون دينار ومصنعاً بقيمة مليون ومزرعة بقيمة مليون وكان أحد أولاده يحسن التجارة والآخر يجيد الحرفة والصناعة والآخر يجيد الزراعة فأعطى الثلاثة للثلاثة على الترتيب فالأب هنا ساوى بين أولاده لكنه لم يماثل

ص: 40

بينهم مراعياً ما يناسب كل واحد منهم، وهكذا الرجل والمرأة فإنهم متساوون من حيث المسؤولية والاستحقاقات ولكن توزيعها عليهما روعيت فيه المناسبة، فالقيمومة للرجل والحضانة للمرأة والنفقة على الرجل وإن كانت المرأة موسرةمقابل زيادة حصته في الميراث وهكذا، ولا تعني المساواة أبدا إعطاءهم نفس الوظائف وتستطيع أن تكتشف أن هؤلاء المتحمسين للدفاع عن مساواة المرأة في دول الغرب لا تشغل المرأة نسبة خمسة بالمائة من رؤساء الحكومات والوزراء والقادة العسكريين ورؤساء الجامعات والمتحكمين في الأسواق والبورصات ومدراء الشركات الكبرى وغيرها مما لا تناسب طبيعة المرأة، فإذن هم سائرون عملياً على هذا التوزيع الطبيعي للأمور وإنما يثيرون هذه الفقاعات لاستدراج الضحلين والغوغاء لإبعاد الأمة عن عقيدتها وأخلاقها.

وهذا هو ما درج عليه الإسلام في تشريعاته فإن القضاء بما يتطلبه من احتكاك واسع بالناس والتعرض لمماحكات طويلة لا يناسب طبيعة المرأة وكذا ولاية أمر الأمة ويدعوها إلى التصدي للوظائف التي تناسبها كالتعليم والتمريض ورعاية الأسرة وتربية الجيل وصناعة الإنسان.

محمد اليعقوبي

2 ربيع الثاني 1426

2005/5/11

ص: 41

ص: 42

المرأة المسلمة في الغرب بين الاندماج والذوبان حوار مع آية الله الشيخ محمد اليعقوبي

بسمه تعالى:

إلى سماحة الشيخ محمد اليعقوبي دامت بركاته..

عرضت قناة الجزيرة ليلة أمس برنامجاً - للنساء فقط- طرحت فيه فكرة اندماج المرأة المسلمة في الغرب أو ذوبانها في الواقع الغربي.. وخلصت نتيجة البرنامج -من خلال آراء الضيوف الحاضرين في البرنامج- على تأييد فكرة الاندماج دون الذوبان لأنه مسخ للهوية الإسلامية وانسلاخ عن القيم والتقاليد الإسلامية.

السؤال الأول: إذا لم يكن في البرنامج رجل الدين -مع وجود امرأة محجبة هي عضو في الرابطة الإسلامية في بريطانيا- إلا أنه لم تكن هناك رؤية دينيه واضحة لتوضيح المسألة من الناحية الدينية والشرعية. أقصد عن فكرة الاندماج وإذا لم يكن رجل دين حاضراً في البرنامج، مع تداعي الحضارة الغربية إلى مستوى متدني من الأخلاق وفساد الواقع الغربي.. نريد أن نُعلم ونوصل صوتنا إلى نسائنا هناك في الغرب ما هي الخطوط البيانية لحالة الاندماج مع الغرب.. هذا إذا قلنا أنه لا بد من اختيار إحدى الحالتين إما الاندماج أو الذوبان..

السؤال الثاني: في البرنامج طرحت فكرة تخلي بعض النساء المسلمات عن

ص: 43

هويتهن الإسلامية.. وذلك بانجرارهن وراء الحضارة الغربية وحالة الذوبان الحاصلة لديها مع الغرب.. إلى أن صار من المعتاد تزوج امرأة مسلمة من رجل غير مسلم..

وللعلم.. إنه لم تعالج مقدمات ذلك – السقوط – في وحل الحضارة الغربية وأسباب تخلي المرأة المسلمة عن هويتها الإسلامية، سوىأنه قيل إن هذا الزواج سينتهي بالفشل علماً أنه باطل أصلاً وأن الرابطة الإسلامية ستعالج العقد النفسية الناجمة من فشل الزواج..

فالسؤال.. توضيح مقدمات انحدار المرأة إلى هذا المستوى وما هي الأسباب التي أدت إلى تخليها عن هويتها الإسلامية.. وإذا كان الزواج باطلاً فهل يعد من الزنا.. وكيف تعالج تلك الحالة بعد ذلك.. والظاهر من خلال عدم طرح الحلول الناجحة في ذلك البرنامج هو غياب المرجعية الدينية هناك.. فكيف نملأ ذلك الفراغ وهل يمكن أن نطرح رأياً إسلامياً يخدم القضية؟

السؤال الثالث: طرحت في البرنامج قضية اضطهاد المرأة المسلمة في الغرب وبالذات في فرنسا والسعي (الحاصل الآن) لإصدار قرار يمنع ارتداء الحجاب نهائياً.

المرأة الملزمة بالعيش هنالك -في الغرب- لأسباب متعددة.. كيف دعوتكم لها.. هل تواجه وتصر على طلب حقوقها المشروعة أم يجب عليها أن تركن إلى البيت حفاظاً على دينها لئلا تتطور الأمور أكثر من ذلك؟

ثم ما هو واجبنا نحن اتجاهها.. وما هو واجب رجال الدين في هذه القضية..؟

ص: 44

السؤال الرابع: تتحجج النساء المتزوجات من رجال غير مسلمين إلى أن المسلم لا يحترمها ولا يعطيها حقها بعكس غير المسلم.. ماذا تقولون؟ وماذا تقول بخصوص ظاهرة البوي فريند؟

مجلة فيض الكوثر

16

رمضان 1424

كيف تعيش المرأة المسلمة في الغرب؟

سؤال قد نطرحه أكثر من غيرنا، نحن الذين لم نعش في الغرب،ولم تطأه أصلا أقدامنا.. في ظل تداعي الحضارة الغربية والانحطاط الملازم لها لابتعادها وتنصلها عن قيم السماء والرسالات السماوية..

هذا السؤال نطرحه، في الوقت الذي نسمع فيه عن حالات اضطهاد المرأة المسلمة في الغرب. وخصوصا في فرنسا التي تسعى بعض الجهات فيها، التي ترى في الحجاب رمزا دينيا وسياسيا ينافي سياستها العلمانية.. تسعى لإصدار قرار يمنع ارتداء الحجاب إلى الأبد. وبالمقابل نسمع هنالك الاقتراحات والدعوات الموجهة إلى المرأة المسلمة لقبول إحدى الحالتين المشار إليهما في العنوان إما الاندماج أو الذوبان في الغرب، من قبل دعاة الاندماج أنفسهم أو دعاة الذوبان.. كل بحسب ما يرى من صحة موقفه.. ولنا أن نسأل: ما معنى الاندماج؟ وإلى أين تصل بالمرأة حالة الذوبان التي يدعونها إليها؟ في أحسن

ص: 45

الأحوال.. يقولون إن الاندماج هو التنازل عن بعض التقاليد العربية وقبول بعض تقاليد الغرب.. لتحصل الموازنة بين كفتي حقوق المسلمين العرب وغير العرب وإمكان عيشهم في الغرب وحقوق أهل الغرب أنفسهم في بلدانهم.. ليتمكنوا بعد ذلك من العيش بسلام وأمن واطمئنان..

والذوبان هو أن تأخذ الفتاة المسلمة العربية بيد (البوي فريند) إلى (النايت كلاب).. لتكون غربية مئة بالمئة..َ!!

فهل هذا الزواج صحيح؟ !

هذا ما يقولون حسب ما عرضته قناة الجزيرة القطرية في برنامج للنساء فقط قبل شهر تقريباً.. فماذا نقول نحن كإسلاميين لنا رؤيتنا الإسلامية التي ليس فيها لبس ولا غبار..؟

الشيخ محمد اليعقوبي دامت بركاته دام عزه..

أعطى فكرته الإسلامية الواضحة في الموضوع بصورة عامة ثمأجابنا تحديداً عن كل أسئلتنا وبحسب ما جاء في البرنامج المذكور الذي غابت عنه الرؤية الإسلامية الواضحة والصريحة..

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبيه وآله الميامين وسلم تسليما.

حينما نرتفع الى رحاب الشريعة:

إننا حينما نتحدث عن (المرأة المسلمة في الغرب) فلا بد أن نلحظها على

ص: 46

شكلين:

الأول: المرأة الشرقية التي نشأت في مجتمعاتنا الإسلامية ثم سافرت إلى بلاد الغرب لسبب أو لآخر.

الثاني: المرأة الغربية التي هداها الله للإسلام وادخل في قلبها نور الإيمان.

ويبدو أن الأسئلة تتعلق بالشكل الأول وعندئذ فإننا ننصح أولياء الأمور والنساء أنفسهن بعدم ذهاب المرأة إلى الخارج بل الرجل أيضاً، وربما يصل الحكم إلى المنع لأنه سينتقل من مجتمع مسلم له صورة متدينة ظاهراً –مما يساعد على زيادة فرص الطاعة ويقلل من فرص المعصية لان ارتكابها سيصطدم برادع الدين أو الأخلاق أو الأعراف الاجتماعية- إلى كيان تنتشر فيه المعصية من تبرج وإظهار للزينة واختلاط فاحش وممارسات علنية للمعصية فيتورط الإنسان بها شاء أم أبى، فعليه أن يسد منافذ الوقوع في المعصية إما بالامتناع أصلا عن السفر إلى بلاد لا تسودها الأجواء الإسلامية، أو بخلق كيانات إسلامية مصغرة داخل تلك الكيانات، كما ينقل من أخواتنا في لندن وبعض المدن الأسترالية مثلاً، وبدون ذلك فإنه ربما ينطبق على من يترك بلادالإسلام ويقيم في المجتمع الغربي البعيد عن الإسلام أنه (متعرب بعد الهجرة) وهي من الكبائر المحرمة، وحتى لو كان مطمئناً من قدرته على الاحتفاظ بالتزامه الديني فإن الخشية ستكون من تميع عقيدة وسلوك الأجيال اللاحقة بعد أن تنشأ في تلك البيئة وتتطبع بأخلاقها وسلوكياتها.

ونستثني من هذا الحكم الذين يذهبون إلى تلك البلاد للدعوة إلى الله تبارك

ص: 47

وتعالى وتنظيم شؤون المسلمين هناك أو تلجئهم ضرورة لذلك.

وبعد أن عرفنا لزوم تجنب المرأة المسلمة الحياة في مجتمعات غير إسلامية فسيكون الكلام عن الذوبان أو الاندماج في تلك المجتمعات لا موضوع له.

وهذا هو الطريق الصحيح لمعالجة انحرافات المجتمع بان نوجهه إلى البديل الصالح ونهيئه له وليس بأن نرقّع الواقع الفاسد، وعلى تعبير أستاذنا السيد الشهيد الصدر (قدس سرّه) علينا أن نرتفع بالواقع إلى مستوى الشريعة وليس بأن ننزل الشريعة إلى مستوى الواقع الفاسد غير المبني على أسس إلهية رصينة.

الخيانة الإعلامية في التعاطي مع قضايا المرأة:

وإذا أراد برنامج (للنساء فقط) التي تبثه قناة الجزيرة وكذا سائر البرامج والقنوات أن يعالج مشاكلنا بإخلاص وصدق وجدية فعليه أن يقدم الحلول المناسبة لما يعرضه من قضايا وشبهات وإشكاليات، ومن الخيانة أن يلقي هذه الشبهات في آذان المجتمع ويتركهم ضحية التشتت والتمزق والضياع والوهم من دون أن يقدم لهم الجواب الصحيح لها، فكان عليه أن يستضيف علماء دين ومفكرين واختصاصيين مخلصين وواعين وان كان البرنامج(للنساء فقط) من حيث المواضيع والقضايا لكن علاجها لا يكون بيد النساء فقط، فإن الأنبياء الذين هم أطهر الخلق وأنزههم وأكثرهم صدقاً وإخلاصاً وكان لهم الأثر الفعال في إصلاح البشرية وإسعادها وتنظيم شؤونها كانوا -وهم مئة وأربعة وعشرون ألفا- كلهم من الرجال، وليس في ذلك منقصة للمرأة فإن

ص: 48

لها دوراً مهما تؤديه في فهم قضاياها وتشخيص مشاكلها ووضع الحلول المناسبة لها. خصوصاً وأن عدداً كبيراً من نسائنا قد بلغن من العلم والوعي والثقافة ما يؤهلهن لممارسة هذا الدور المهم.

الذوبان يعني التخلي عن الشريعة الإسلامية:

وإذا عدنا إلى ما طرح في البرنامج فإن الذوبان أمر مرفوض لأنه يعني التخلي عن الهوية الإسلامية على صعيد المظهر والمحتوى، فإن الذوبان يعني خلع الحجاب لأنه من وجهة نظرهم يرمز إلى عنصرية دينية وخروج عن متطلبات المجتمع، ويعني الذوبان الخضوع إلى الأتكيت المتعارف من مشاركة في حفلات ماجنة واتخاذ أخدان وأصدقاء وعلاقات غير مشروعة، وتتسع قائمة مستحقات الذوبان حتى لا تبقى من عناصر شخصية المسلم إلا القشور التي تركن في زاوية مظلمة لا يكاد يمر بها أحد.

معنى الاندماج:

أما الاندماج فهو معنى مطاط ومجمل فيمكن أن يراد منه نفس مستحقات الذوبان المتقدمة، ويمكن أن يعني حالة من التعايش الايجابي المشترك من دون إلغاء خصوصيات الهوية الإسلامية ولكن أنى يمكن ذلك وهذه الأخبار تتناقل عن قرارات في فرنسا وألمانيا تمنع من ارتداء الطالبات للحجاب، وقد فصلت

ص: 49

مذيعةسويدية من التلفزيون لأنها ترتدي الحجاب وفصلت طالبة يهودية في مدرسة مزرعة الشبيبة في القدس لأنها اعتنقت الإسلام وارتدت الحجاب فهم لا يتركوننا وإن تركناهم «وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ» (البقرة: 120) «وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ»(البقرة: 145).

والقران الكريم أكد على البينونة بين المجتمع المسلم وغيره والانفصال في العقيدة والسلوك والمظهر. «بِسمِ اللهِ الرَحمَنِ الرَحِيمِ: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُد، وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ، وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ» (الكافرون: 1-6).

ولا يكون المجتمع مسلماً إلا إذا تميز بكيانه «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ» (التوبة: 71)، أما الاندماج فيتطلب نوعاً من المداهنة والتخلي عن بعض الالتزامات المطلوبة أمام الله تبارك وتعالى «وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ» (القلم:9) «لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً» (الإسراء: 74) «لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أو أَبْنَاءَهُمْ أو إِخْوَانَهُمْ أو عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الأِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (المجادلة:22) فهو مرفوض حتى بهذا المقدار، فهل أن الموافقين على الاندماج لهم من الشجاعة والحزم والإيمان الراسخ مقدار يكفي

ص: 50

للثبات على حدود الله تبارك وتعالى، أم أنهم يميّعون التزاماتهم تدريجياً.

فيتحول الحجاب الذي هو التزام أمام الله تعالى بالعفة والحياء والشرف بكل ما تقتضيه هذه الخصال الكريمة إلى خرقه قماش تغطي بها جزءاً من شعرها وتربطه على العنق مع قميص ضيقيبين معالم جسمها، وزينة واضحة وخضوع بالكلام وميوعة بالحركات فتشير بكل كيانها إلى الفتنة والإغراء بالمعصية.

وتتحول الصلاة والصوم إلى طقوس عبادية فارغة من المعاني وتؤدى بشكل روتيني لا يعود على الروح بسمو ولا على النفس بتهذيب، وتذوب كل الحواجز التي جعلها الله تعالى حدودا له يميز بها عباده الصالحين وقال عنها «تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» (البقرة: 229).

وحينئذ فإن المرأة المسلمة سوف لا تجد مانعا من الزواج بغير المسلم رغم إن ذلك مضر بدينها ودين ذريتها، وتصطنع له مبررات واهية كعدم احترام الرجل الشرقي للمرأة، وهو من المفارقات المضحكة بل المبكية فهل تجد تكريم الزوجة إلا عند المسلم المؤمن الذي يقول عنه الحديث (زوجها من رجل تقي، فإنه إن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها)(1)،

أما الغرب فقد تفشت عندهم الخيانات الزوجية والشذوذ الجنسي الذي هو أكبر خيانة لهذا العقد المبارك المقدس، وقد دلت إحدى الإحصائيات الأخيرة في بريطانيا أن 70%

ص: 51


1- مكارم الأخلاق: ج1 ص446.

من الأزواج والزوجات خانوا الشريك الآخر وهذه نسبة من اعترفوا ويضاف لهم من لم يعترف، وتستطيع أن تعقد مقارنة بين نسب حالات الزواج التي انتهت إلى الفشل عندهم وعندنا لترى أينا أكثر نجاحاً، وإذا وجدت حالات سيئة للعلاقات الزوجية في بلادنا فإنها لا تمثل الصورة العامة والمتوقعة من المؤمنين.

ولكي لا أطيل الكلام أجيب باختصار على ما ورد من أسئلة:

علاقة المرأة المسلمة بالغرب:

1- إن الصحيح في علاقة المرأة المسلمة بالغرب هو عدم الذهابإلا لضرورة، وعندئذ فإن استطاع المسلمون أن يؤسسوا لهم كيانات ذات أجواء إسلامية داخل مجتمعاتهم بما فيها إنشاء مدارس ومؤسسات ذات هوية إسلامية فيتعين عليهم فعل ذلك، وإلا فليحافظوا على كل تفاصيل التزامهم الديني ولو بالتخلي عن بعض حقوقهم الدنيوية كترك المدارس الحكومية أو الوظائف التي تمنع ارتداء الحجاب، ويتطلب الأمر الاستعداد بالتفّقه في الدين وترسيخ العقيدة والاستماع إلى الموعظة والتذكير بالله والآخرة والموت باستمرار لتكون معبأة ومهيأة بشكل جيد في هذه المواجهة.

2- زواج المسلمة من غير المسلم باطل ويجب إنهاؤه فور العلم ببطلان العقد والاستمرار فيه بعد العلم ببطلانه حرام ويعني أن العلاقة غير مشروعة ويستلزم الزنا.

3- على المسلمين المطالبة باحترام هويتهم الإسلامية وإلزام حكومات تلك

ص: 52

الدول بما ألزمت أنفسها من الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية الاعتقاد والتعبير عن الرأي، فلماذا يحق ذلك لكل أحد إلا المسلمين فأين ما يتشدقون به من هذه العناوين، وإذا أصروا على ارتكاب مخالفة شرعية فلتنسحب من هذه المفاصل الموجبة لذلك ولو بالركون في البيت يعني إذا قرروا منع لبس الحجاب في المدارس الحكومية فليتركوا الدراسة فيها وينشئوا لهم مدارساً أهلية وإلا فليضحوا بالدراسة أصلاً.

4- ظاهرة البوي فريند قد تناولتها في خطاب تفصيلي سابق ونشر في أحد أعداد مجلة الكوثر وهي بالشروط التي دعا إليها بعض المسلمين كالزنداني رئيس الجامعة في اليمن فهي عين الزواج المؤقت الذي ثبت مشروعيته في الكتاب والسنة، غير أنهم يجبنون عن التصريح بضرورة إحياء هذا الحكم الشرعي المعطل ويلتفون عليه بهذه الاقتراحات رغم علمهم أن أي تشريع لا يستند إلى دليلوحجة كافية أمام الله تبارك وتعالى فإنه يعني الشرك ومزاحمة الله تبارك وتعالى في سلطانه «فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً» (النساء:65).

اللهم ارزقنا توفيق الطاعة وبعد المعصية والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

محمد اليعقوبي

23 رمضان 1424

2003/11/18

ص: 53

ص: 54

أسماء السيدة فاطمة الزهراء (علیها السلام)

أسماء السيدة فاطمة الزهراء (علیها السلام)(1)

العلاقة بين الاسم والمسمى:

س1: ما العلاقة بين الاسم والمسمى؟، وبتعبير آخر: ما هي المناسبة بين الاسم ومن يحمل الاسم؟

سماحة الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين كثيراً ما تطلق الأسماء على الأشخاص من دون مناسبة كتسمية الشخص (كريم) وهو (بخيل) ويسمّى (خالد) وهو فإن زائل ويسمى (عبد الله) وهو عبد الشيطان وأهواء النفس الأمّارة بالسوء، فمثل هذه التسمية الارتجالية لا علاقة لها بالمسمّى ويكون الاسم مجرد مشير إلى المسمى لكي يعرف به ويشار إليه به.

أما الاسم الحقيقي فهو ما تطابق مع المسمى كما عرّفه أمير المؤمنين (g) لأبي الأسود الدؤلي عندما وجهه بوضع علم النحو قال (g) (فالاسم ما أنبأ عن المسمى)(2)

أي ما أخبر عن المسمى، كما أن اسم الكتاب

ص: 55


1- حوارية أجرتها قناة النعيم الفضائية مع سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله الشريف) بمناسبة ذكرى استشهاد الصديقة الزهراء (علیها السلام) ليلة الجمعة 2/ج1432/2 المصادف 2011/5/6.
2- تاريخ الخلفاء: ص213 ، كنز العمّال : ج10 ص283 ح29456، الفصول المهمّة للحرّ العاملي: ج1 ص681.

وعنوانه يخبر عن محتوياته قبل أن تقرأه، لذا يتأمل المؤلف كثيراً قبل أن يسمي الكتاب لأنه يختصر الكتاب كله.

تسمية الأبناء:

س2: هل اهتم الشارع المقدس بقضية تسمية الأبناء.؟

سماحة الشيخ: لاسم الشخص انعكاس مهم على شخصيته ونفسيته وسلوكه، فإن الاسم الجميل يعطي ثقة بالنفس لحامله ويجعله مرفوع الرأس، بعكس من كان اسمه قبيحاً فإن صاحبه يشعر بعقدة الحقارة كما يسميها علماء النفس والاجتماع، ويشعر دائماً بأنه مهان ومنبوذ اجتماعياً وخصوصاً إذا كان الآخرون يسخرون من اسمه، ويدعوه ذلك إلى الانزواء والابتعاد عن الناس أو الانتقام من المجتمع كردة فعل.

وإن الاسم قد يؤثر في صناعة شخصية الإنسان وسلوكه من خلال محاولة الشخص ليكون مطابقاً لاسمه، كشخص يكون اسمه (محمداً) أو (علياً) فيحترم هذا الاسم ويسعى لأن يكون أهلاً لحمله، أو امرأة تسمى فاطمة فتكون أمينة على هذا الاسم، بعكس ما لو كانوا على خلاف صفات صاحب الاسم فإن الآخرين ينتقدونها بأن اسمها فاطمة أو زينب وهي سافرة أو غير متدينة وهكذا، ولعل جزءاً من تكوّن شخصية البطش والعنف والصدام لدى المقبور صدام كانت بدافع من اسمه.

ص: 56

لذا جعل الشارع المقدس من حق الابن على أبيه أن يحسن تسميته فعن الإمام الكاظم(علیه السلام) قال (أول ما يبرُّ الرجل ولده أن يسميه باسم حسن، فليحسن أحدكم اسم ولده) وروى الإمام جعفر الصادق(علیه السلام) عن آبائه (علیهم السلام) (في وصية النبي (صلی الله علیه و آله) لعلي(علیه السلام) قال: يا علي حق الولد على والده أن يحسن اسمه وأدبه ويضعه موضعاً صالحاً)، ويظهر أن تأثير الاسم يمتد إلى يوم القيامة أيضاً، فعن الإمام الصادق(علیه السلام) قال: (قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): (استحسنواأسماءكم فإنكم تدعون بها يوم القيامة قم يا فلان بن فلان إلى نورك، وقم يا فلان بن فلان لا نور لك).(1)

وكان من عادة أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله) أن يأتوا بالوليد إلى رسول الله (صلی الله علیه و آله) ليسمّيه تبركاً وطلباً لحسن الاسم، وتفاؤلاً لمستقبله أن يكون كما سمّاه رسول الله (صلی الله علیه و آله)، ونذكر في هذه المناسبة أن الحاكم النيسابوري صاحب المستدرك على الصحيحين روى بسنده عن عبد الرحمن بن عوف قال (كان لا يولد لأحد مولود إلا أُتي به النبي (صلی الله علیه و آله) فدعا له، فأدخل عليه مروان بن الحكم فقال هو الوزغ الملعون ابن الملعون)(2)

ورويت مثلها عن أئمتنا (علیهم السلام) في مصادرنا.(3)

ص: 57


1- هذه الروايات في وسائل الشيعة، كتاب النكاح، أبواب أحكام الأولاد، باب22.
2- معجم رجال الحديث للسيد الخوئي ((قدس سرّه)): ج18 ص138.
3- مجمع البحرين للطريحي، مادة (وزغ).

الحث على التسمية بأسماء أهل البيت (علیهم السلام):

س3: هل يوجد استحباب شرعي لبعض الأسماء حتى يراعيها الآباء في تسمية أبنائهم؟

سماحة الشيخ: أفضل الأسماء هي أسماء النبي وأهل بيته (علیهم السلام)لأن معانيها حسنة بل في منتهى الحسن، مضافاً إلى حث أهل البيت (علیهم السلام) على التسمية بها، روى الإمام الصادق(علیه السلام) عن آبائه (علیهم السلام) قال: (قال رسول الله (صلی الله علیه و آله) من ولد له ثلاثة بنين ولم يسمِّ أحدهم محمد فقد جفاني) وعن الإمام الرضا(علیه السلام) عن آبائه عن النبي (صلی الله علیه و آله) قال: (إذا سميتم الولد محمداً فأكرموه وأوسعوا له في المجلس ولا تقبّحوا له وجهاً) وقال الإمام الصادق(علیه السلام): (واعلمأنه ليس في الأرض دار فيها اسم محمد إلا وهي تُقدّس كل يوم)(1)

وقال الإمام الحسين(علیه السلام) (لو ولد لي مائة لأحببتُ أن لا اسمي أحداً منهم إلاّ علياً)(2)،

ودخل رجل ولدت له بنت على الإمام الصادق(علیه السلام) فقال(علیه السلام): ما سميتها؟ قال: فاطمة فقال(علیه السلام) (آه آه آه ثم وضع يده على جبهته –إلى أن قال- أما إذا سميتها فاطمة فلا تسبّها ولا تلعنها ولا تضربها).(3)

فالتسمية بأسماء أهل البيت (علیهم السلام) تتحقق بها أمور عديدة ففيها طاعة لتوجيهاتهم (علیهم السلام) وبركة لجميع عائلة الوليد، وفيها إحياء لذكرهم (علیهم السلام)،

ص: 58


1- الرواية وما قبلها في وسائل الشيعة، أبواب أحكام الأولاد، باب24.
2- المصدر السابق، باب25.
3- المصدر السابق، باب87.

ونشر لوجودهم الشريف وردٌ على أعدائهم الذين حاولوا بشتى الوسائل طمس ذكرهم حتى منعوا من التسمية بعلي، وهذا وجه لما تقدّم من حديث الإمام الحسين(علیه السلام)، مضافاً إلى ما في ذلك من البر بهم والوفاء لهم (علیهم السلام)

حتى عُدَّ عدم التسمية جفاءً لهم، مضافاً إلى ذلك فهي أسماء حسنة تبعث الراحة والانشراح والرفعة لمن يتسمى بها.

بعكس أسماء أعداء أهل البيت (علیهم السلام) فإنها مذمومة كمعاوية الذي يعني كلاباً تعاوت وأبوه صخر بن حرب وأمثالها من الأسماء المثيرة للاشمئزاز والكراهية.

أسماء سيدة النساء (علیها السلام):

س4: نعود إلى صاحبة الذكرى: السيدة فاطمة الزهراء فنسأل: كم عدد أسماء الزهراء (علیها السلام)؟سماحة الشيخ: إذا قصدنا بالاسم اسم الذات فاسمها (فاطمة) كما ذكرت في خطبتها الشهيرة (أيها الناس: اعلموا أني فاطمة وأبي محمد(صلی الله علیه و آله))، لكن الاسم يراد به هنا ما هو أعم من ذلك فيشمل اللقب كالزهراء (علیها السلام) والكنية كأم أبيها، وبهذا اللحاظ فإن أسماءها عديدة.

وقد اختلفت الروايات في تعدادها، ففي كتب الشيخ الصدوق e الأمالي وعلل الشرائع والخصال بسنده عن الإمام الصادق(علیه السلام) قال (لفاطمة تسعة أسماء عند الله عز وجل، فاطمة، والصديقة، والمباركة، والطاهرة،

ص: 59

والزكية، والراضية، والمرضية، والمحدَّثة، والزهراء)(1)،

ثم قال: أتدري أي شيء تفسير فاطمة؟ قلت أخبرني يا سيدي، قال فطمت من الشر)، وفي الحديث عن الإمام الصادق(علیه السلام): (فمن عرف فاطمة (علیها السلام) حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر، وإنما سميت فاطمة لأن الخلق فطموا عن معرفتها)، وروي عن أبي هريرة أنه قال: (إنما سميت فاطمة (علیها السلام)، فاطمة لأن الله فطم من أحبها من النار).

وتوجد روايات تشير إلى عدد أكبر من الأسماء للسيدة الزهراء (علیها السلام) كعشرين أو أكثر حتى تصل إلى تسعة وتسعين اسماً، وهذا واضح لأن الحديث المتقدم لم يتضمن أسماء مشهورة كالكوثر وأم أبيها وغيرها، قال ابن شهراشوب في المناقب (وصحّ في الأخبار: (لفاطمة عشرون اسماً، كل اسم يدل على فضيلة) ذكرها ابن بابويه في كتاب مولد فاطمة (علیها السلام) (2).

ويمكن فهم هذا الاختلاف في الإعداد باعتبار أن الروايات ليست بصدد حصر كل الأسماء فالحديث الأول يذكر الأسماء التيسماها الله تبارك وتعالى بها، والثاني يعدد الأسماء التي تكشف عن فضائلها وصفات كمالها، باعتبار أن كل صفة تعبِّر عن فضيلة من فضائلها، وهكذا فهي لا تنفي وجود أسماء أخرى.

ص: 60


1- راجع المصادر في الموسوعة الكبرى عن فاطمة الزهراء (علیها السلام) 329/18.
2- المصدر السابق: 438/18.

وقد تضمنت نصوص زيارتها الكثير من الأسماء، وقد نظم أحد العلماء الأعلام أرجوزة شعرية في أسمائها (علیها السلام) ومما قال:

ألقابها تذكر في الكتابِ *** كما أتت في كتب الأصحابِ

معصومة رضية مرضية *** صديقة ميمونة زكيّة

ذات صفات من أبيها مورثة *** والبعض من ألقابها محدَّثة

والدرة البيضاء والمباركة *** سيدة النسا بلا مشاركة

أم أبيها قيل من كُناها *** وليُطلَبُ التحقيق في معناها(1)

معاني الأسماء:

س5: هل في هذه الأسماء إشارة إلى معاني معينة.؟

سماحة الشيخ: هذه الأسماء صدرت من الله تبارك وتعالى ومن رسوله الكريم(صلی الله علیه و آله) أو أطلقها عليها أولادها المعصومون (علیهم السلام) فهي مطابقة للحقيقة، وهي عين الواقع كما في الحديث السابق (لفاطمة تسعة أسماء عند الله عز وجل)، وهي أما تعبير عن فضيلة تتصف بها –كما في الحديث السابق- أو منقبة حبيت بها، أو تكريم منحت إياه، وكلها تعبّر عن حقائق مقدسة في سيدة العالمين، وشرحت الأحاديث الشريفة معانيها.

ص: 61


1- المصدر السابق: 347/18 وتوجد منظومة أخرى في355/18.

فسميت بالطاهرة لأنها من أهل البيت الذي أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا بنص القرآن الكريم، وسميت بالبتول لانقطاعها إلى عبادة الله تعالى كما في مجمع البيان للطبرسي، أو لانقطاعها عن نساء زمانها، أو عن نساء الأمة فضلاً وديناً وحسباً وعفافاً كما روي عن الزمخشري.

وسميت الكوثر لأنها الواسطة في تكثير نسل رسول الله (صلی الله علیه و آله) وبقائه، قال الرازي في تفسير الكوثر في سورة الكوثر (الكوثر أولاده، لأن هذه السورة نزلت رداً على من عابه(صلی الله علیه و آله) بعدم الأولاد، فالمعنى أنه يعطيه نسلاً يبقون على مرّ الزمان).

وفي الكافي بسنده عن الإمام موسى بن جعفر(علیه السلام) (إن فاطمة (علیها السلام) صديقة شهيدة)، وعن الإمام الكاظم(علیه السلام) في حديث عن النبي (صلی الله علیه و آله) (يا علي إني قد أوصيت فاطمة (علیها السلام) ابنتي بأشياء وأمرتها أن تلقيها إليك فأنفذها، فهي الصادقة الصدوقة).

ومن ألقابها (أم الهناء) لأنها رأس كل هنيئة في الدنيا والآخرة.(1)

ص: 62


1- راجع في مصادر النصوص والكلمات: الموسوعة الكاملة عن فاطمة الزهراء: 18/ 320- 442.

ماذا يعني اسم أم أبيها؟

س6: لفت انتباهي ما ذكرتم في أسماء الزهراء (علیها السلام) (أم أبيها) فماذا يعني هذا الاسم.؟

سماحة الشيخ: هذه الكنية للزهراء (علیها السلام) رواها العامة والخاصة، فمن العامة الطبراني في المعجم الكبير بسنده عن مصعب بن عبد الله الزبيري وابن الأثير في أسد الغابة، وأبو الفرج في مقاتل الطالبيين، وابن حجر في الإصابة وفي تهذيبالتهذيب وفي كتاب تاريخ مدينة دمشق، وهي أشهر كنى الزهراء (علیها السلام).

وقد كنّاها بذلك أبوها رسول الله (صلی الله علیه و آله) ويمكن أن يكون لهذه الكنية أكثر من منشأ:

1- إن حب فاطمة (علیها السلام) لأبيها(صلی الله علیه و آله) وشفقتها وحنوها عليه كان كالذي تُغدقه الأم على ولدها، مع الالتفات إلى انه ليس مبنياً على العاطفة المجردة وإنما على المعرفة التامة التي تناسب مقامها المقدس الكامل.

2- وتأتي الأم بمعنى الأصل كما في قوله تعالى «وَإنَّهُ في أُمِّ الكِتابِ لَدَينا» (الزخرف:4) يعني في أصل الكتاب أي اللوح المحفوظ، فالزهراء (عليهها السلام) أصل أبيها لأن كل نسله وذريته منها فهي أصل امتداده(صلی الله علیه و آله) إلى يوم القيامة، وهي أصل امتداد رسالته(صلی الله علیه و آله) إلى يوم الساعة؛ لأنها (علیها السلام) بموقفها وتضحيتها حافظت على خط الإسلام الأصيل وحفظته من الانحراف والتحريف.

ص: 63

3- وتطلق الأم على خالصة الشيء وعصارته ومجمع محتوياته كما تسمى منطقة الدماغ من الإنسان (أم الرأس) فيقال ضربه على أم رأسه، وكما تسمى مكة أم القرى وتسمى سورة الحمد أم الكتاب لأنها اشتملت على ما في القرآن الكريم من المبادئ العامة، فالزهراء (علیها السلام) أم أبيها بهذا المعنى لأنها جمعت الخصال الكريمة لأبيها، واعترف لها بذلك أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله) وأمهات المؤمنين، قالت عائشة (ما رأيت أحداً أشبه سمتاً ولا هدياً وحديثاً برسول الله في قيامه وقعوده من فاطمة).(1)1- ويمكن أن يكون الرسول(صلی الله علیه و آله) قد كنّاها بذلك ليقطع الطريق على من تشعر من أزواجه بأن لها شرفاً وتفضيلاً على فاطمة (علیها السلام) باعتبار أنهن أمهات المؤمنين بنص قوله تعالى: «النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ» (الأحزاب/6).

فكنى فاطمة أم أبيها رسول الله (صلی الله علیه و آله) لتتقدم على أزواجه.

كما أنه(صلی الله علیه و آله) لمّا آخى بين المهاجرين والأنصار في المدينة لم يجعل لعلي(علیه السلام) أخاً كالآخرين ولما سأله أمير المؤمنين(علیه السلام) قال(صلی الله علیه و آله): (ادخرتُك لنفسي)(2)

وآخاه.

ص: 64


1- راجع المصادر من العامة: كتاب: السيدة فاطمة الزهراء: دراسة تاريخية: 521.
2- البحار: ج37 ص186.

الدروس العملية:

س7: هل من دروس عملية تتضمنها الأسماء المباركة؟

سماحة الشيخ: قال تعالى: «وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» (النحل:60)، فالمثل الأعلى الذي يكون الوصول إليه هو الهدف والغاية هو الله تبارك وتعالى، ولذا ورد في الحديث الشريف (تخلّقوا بأخلاق الله) أي اسعوا للاتصاف بأوصاف الله تعالى التي تعبّر عنها أسماؤه الحسنى، قال تعالى: «وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا» (الأعراف: 180) وقد نفهم «فَادْعُوهُ بِها» أي فنادوه بها كما ينادى أي مسمى باسمه، وقد يكون بمعنى فاسألوه بها أي من الدعاء بمعنى فتوسلوا إليه بأسمائه المباركة، والأدعية حافلة بذلك كدعاء كميل (اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء وبقوتك التي قهرت بها كل شيء)(1)

وغيرها من الدعوات المباركة الكثيرة.فالأسماء الحسنى تعبّر عن حالة سامية تمثل القمة التي يسعى الإنسان الوصول إليها، وأهل البيت (علیهم السلام) مظهر من مظاهر الصفات الإلهية في فضائلهم وخصالهم وسلوكهم على أرض الواقع، وأسماؤهم لم تطلق عليهم اعتباطاً وإنما بمصداقية تامة.

فهذه الأسماء للزهراء (علیها السلام) هي صفات وخصائص تستحق أن تُجعل أسوة حسنة لكل من يتوق إلى الكمال والسعادة.

ص: 65


1- مفاتيح الجنان: ص89.

فمن اسم (فاطمة) يتعلم الإنسان أن يفطم نفسه من الشر والمعاصي والانحراف، ومن (الصدّيقة) يأخذ درساً في الصدق، ومن اسم (الطاهرة) يستلهم معاني تطهير النفس من الأهواء والطمع، وتطهير القلب من الغل والحسد والحقد وغيرها من الرذائل ومن اسم (الراضية) يحصل على الطمأنينة بقضاء الله وقدره، ومن أسم (المباركة) يتحفز لأن يكون وجوده مباركاً ومحضره محضر خير دائماً وكلامه فيه هدى وصلاح ورشد كما قال تعالى: «وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ» (مريم:31)، وهكذا الأسماء المباركة الأخرى، وهذا باختصار، وإلا فإن كل اسم يمكن الكلام فيه مفصلاً كما تحدثنا في كتاب (شكوى القرآن) عن صفات القرآن ومعانيها وآثارها.

س8: على هذا تكون الزهراء (علیها السلام) قدوة وأسوة للرجال والنساء معاً وليس فقط للنساء؟.

سماحة الشيخ: هذا صحيح وهي (علیها السلام) كذلك، بل هي حجة على الخلق أجمعين، وفي ذلك روي عن الإمام الحسن العسكري قوله (نحن حجج الله على خلقه، وجدّتنا فاطمة حجة الله علينا)(1).

وكان الأئمة يفخرون ويتشرفون بأنهم أولاد فاطمة الزهراء ويعلنون ذلك على الملأ، ولا يفخر المعصوم الكامل إلابمن هو أسوة ومثل أعلى للخلق أجمعين وفي ذلك يقول

ص: 66


1- راجع المصادر في كتاب السيدة الزهراء (علیها السلام)، دراسة تاريخية517.

الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في إحدى رسائله (وفي ابنة رسول الله (صلی الله علیه و آله)لي أسوة حسنة).(1)

أعمال غسل العار بين الشريعة والقانون

تلقى سماحة الشيخ اليعقوبي رسالة من إحدى أعضاء البرلمان العلمانيات تطلب رأي سماحته في مادتين في (قانون العقوبات) العراقي ضمن سعيهم (للحد من مظاهر العنف في المجتمع) بحسب ما ورد في الرسالة.

والمادتين هما:

المادة (409): يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات من فاجأ زوجته أو إحدى محارمه في حالة تلبس بالزنا أو وجودها في فراش واحد مع شريكها فقتلهما في الحال أو قتل أحدهما أو اعتدى على أحدهما اعتداءً أفضى إلى الموت أو إلى عاهة مستديمة.

المادة (1/41): تأديب الزوج زوجته وتأديب الآباء والمعلمين ومن في حكمهم الأولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعاً وقانوناً أو عرفاً.

فكتب سماحته الجواب التفصيلي التالي الغني بالفوائد :

ص: 67


1- نفس المصدر السابق.

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد أحيطت التشريعات الإسلامية المتعلقة بالمرأة بكثير من التشويش والخلط وسوء الفهم، ولذا انبرى عدد من العلماءوالمفكرين لإزالة هذا اللبس والغموض , ومن ضمن تلك الجهود دعوتنا لكتابة (الأربعون حديثاً في قضايا المرأة) وكتبنا ملخص تلك القضايا، ومنها (فلسفة التشريعات المتعلقة بالمرأة) لأنه كما قيل (إذا عُرف السبب بطل العجب) وقد استجاب أحد الإخوة وألّف كتاباً بهذا العنوان و طبع هذا الكتاب بفضل الله تبارك وتعالى وسأرفق لكم نسخة من دعوة الكتابة وكتاب (فلسفة تشريعات المرأة) للاطلاع على مزيد من التفاصيل.

وأسجل ملاحظتين قبل أن أعلق على مورد السؤال:

1- أقدّر كل الجهود المخلصة لتكريم المرأة ورفع الحيف والظلم الذي لحق بها عبر الأجيال.

2- إن الشريعة الإسلامية هي أفضل القوانين التي كرمت المرأة ونظرت إليها بتوازن وعرّفت حقوقها وواجباتها في ضوء المسؤوليات المناطة بها، ولا غرابة في ذلك فان هذه الشريعة من وضع الله تبارك وتعالى صانع الإنسان وخالقه والخبير بما يصلحه ويوازن بين عوالمه (عالم الروح والنفس والعقل والقلب والجسد) فليس فيها إفراط الحضارات المادية التي ألقت حبل المرأة على غاربها فحولتها إلى سلعة بيد الرجال فامتهنوا شرفها وكرامتها ثم يرمونها على قارعة الطريق بعد قضاء وطرهم أو بوار سلعتها.

ص: 68

وليس فيها تفريط الجهلة والمتعصبين الذين ينظرون إليها بتعالي وقهر وكأنها مملوكة لهم إلى حد استعمال الأساليب الوحشية.

أما فيما يتعلق بالمادة (409) المشار إليها:

1- إن فرض عقوبات في حالات انتهاك القانون شيء مهم وضروري لاستقامة الحياة وردع المتجاوزين، وبدون وجود عقوبات فستحصل حالات التمرد وانتهاك حقوق الآخرين, قال اللهتبارك وتعالى: «وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» (البقرة: 179) وفي المثل السائر (من أمن العقوبة أساء الأدب).

2- لكن هذه العقوبات يجب أن تتناسب مع المخالفة فلا إفراط ولا تفريط وهو مقتضى العدالة .

3- إن الشريعة المقدسة فرضت قيوداً شديدة لإثبات حالة الزنا ومنها شهادة أربعة من الرجال المنزهين عن أي دوافع شخصية غير الشهادة بالحق ويشهدون على رؤيتهم نفس الحالة المعروفة وليس أنهم رأوا مقدماتها أو ملابستها.

وهذه الشروط لا تحقق إلا نادراً للسرية التي تحاط بها العملية فكان هدف الإسلام هو الستر على من يمر بحالة ضعف أمام شهوته الجنسية ويرتكب هذا الفعل الشنيع الذي وصفه القرآن بأنه «كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً» (الإسراء: 32) وقد توصل العلم الحديث إلى معنى سوء السبيل هذا

ص: 69

حيث يتسبب الزنا وكل الممارسات الجنسية غير المشروعة في كوارث صحية واجتماعية على رأسها مرض الأيدز الفتاك.

4- بما أن الزوجة حالة خاصة إذ لا يمكن للزوج تحقيق هذه الحالة من الشهادة فقد أذن الشرع المقدس للزوج أن يقيم الحد الشرعي على زوجته إذا رأى نفس حالة الزنا وليس مقدماتها او مستلزماتها كالنوم في فراش واحد مع رجل غريب ونحوها, والحد الشرعي على المرأة المحصنة (أي التي لها زوج يلبي حاجتها الجنسية والاقتصادية) هو القتل؛ لأن هذا الفعل المقزّز وفي ظل عدم وجود مبرر مشروع لها بعد توفير الزوج لاحتياجاتها المذكورة تكون انتهاكاً صارخاً للنظام الاجتماعي العام الذي تحفظ به الحقوق والواجبات.5- من النقطة أعلاه يتبين أن هذا الحق خاص بالزوج مع زوجته ولا يشمل أي امرأة من محارمه كالأخت والبنت ولو فعل ذلك فيعتبر قاتلاً متعمداً ويُقتص منه.

6- إن ممارسة هذا الحق من قبل الزوج هو نوع من رد الاعتبار لشرفه وهو لا يعفيه من مسؤوليته أمام القانون لو رفع ذوو الزوجة دعوى ضدّه بأنه قتل زوجته لأغراض لا تتعلق بالشرف فعليه أن يدافع عن نفسه.

أما بالنسبة للمادة 41/الفقرة 1 فنسجل الملاحظات التالية:

1- إن التأديب والزجر جزء من حالة الإصلاح التي يُقوَّم بها الفساد من أي جهة صدرت ولا خصوصية للزوجة أو الطفل أو أي شخص آخر.

ص: 70

نعم، قد تختلف الجهة التي تقوم بعملية الإصلاح

فالأب يقوّم أبناءه والمعلم طلبته والقضاء والحكومة تقوم الشعب والبرلمان يقوّم عمل الحكومة وهكذا.

2- إن التأديب والإصلاح له مراتب دنيا وعليا ولا يجوز شرعاً الالتجاء إلى الدرجة العليا إذا كان من الممكن تحقيق الغرض بالمرتبة الدنيا فالمرتبة الأولى هي التوجيه والإرشاد والنصيحة والموعظة، والمرتبة الثانية هي الزجر والتوبيخ والتحذير من العقاب والمرتبة الثالثة: هي الضرب الذي لا يؤدي إلى جرح أو كسر وهكذا فإذا أمكن الإصلاح بالموعظة والتوجيه فلا يجوز الضرب وهكذا ومن فعل ذلك فهو معتدي آثم ويستحق العقوبة.

3- إن المؤدِّب لا بد أن تكون له صلاحية القيام بهذه الوظيفة لذا ذكَر الفقهاء شروطاً للقيام بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحسب ما استفادوه من القرآن الكريم والسنة الشريفة.

4- في ضوء ما ذكرناه تكون عملية التأديب إحساناً إلى المؤدَّب وإصلاحاً له وتقويماً لسلوكه وليس اعتداءً عليه وقد قال تعالى:«مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ» فلا يؤاخذ من أحسن إلى غيره وإن كان التصرف يُنظر إليه على انه إساءة إلى الطرف الآخر.

لذا نوصي بما يلي:

أولاً: بالنسبة للمادة 409:

ص: 71

1- رفع عبارة (إحدى محارمه) وإبقاء الزوجة فقط وإذا قتل غيرها بهذه الصورة فيعتبر قاتلاً متعمداً وتطبق عليه أحكامه.

2- إذا أقام ذوو الزوجة دعوى على الزوج فعليه إقامة البينة بأنه رأى زوجته ترتكب الجريمة على فراشه ولا تكفي مقدمات حالة الزنا أو ملابساتها وبدونها يعتبر قاتلاً متعمداً وبذلك نستطيع إيقاف الجرائم التي ترتكب بعنوان غسل العار.

ثانياً: بالنسبة للمادة 41/الفقرة 1:

1- التأديب حق لمن له الولاية على المؤدَّب.

2- يجب أن يتناسب شكل التأديب مع حجم الإساءة.

3- لا بد أن يلاحظ في التأديب التدرج في الآليات وأولها التوجيه والنصح ثم الزجر التوبيخ ثم الضرب غير المبرَح الذي لا يؤدي الى جرح أو كسر أو عاهة.

4- من أدَّب بدرجة متقدمة مع تحقيق الغرض بدرجة أدنى فهو معتد ومسيء ويعاقب على ذلك ومن حق المعتدى عليه الرد.

محمد اليعقوبي – النجف الأشرف

7 صفر 1429- 15/2/ 2008

ص: 72

الفصل الثاني: حوارات في الفكر السياسي الإسلامي

اشارة

ص: 73

ص: 74

الفقيه وقيادة الأمة

بسمه تعالى وبه نستعين

وصلى الله على خير خلقه محمد وآله الطاهرين

موقعية الفقيه في الحياة الإسلامية:

س1: الفقيه المجتهد المجاهد أين يضع نفسه في سياقات الحدث العراقي الفاعلة وتطوراتها وتعقيداتها؟

بسمه تعالى: الإنسان -كل إنسان- جزء من هذه الأمة فيتأثر بحركتها ويؤثر فيها، وقد شبه رسول الله (صلی الله علیه و آله) كيان الأمة بركاب السفينة لا يستطيع أحد أن يقلع خشبته منها ويقول هذا ملكي وأنا حر بالتصرف فيها فإن مآل ذلك غرق الجميع وهو فيهم، لذا وردعنه(صلی الله علیه و آله) (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)(1)

ولا يمكن أن يتكل أحد على آخر، بل يشترك الجميع في تحمل المسؤولية ومن هنا ورد في الأحاديث الشريفة (من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم)(2).

ص: 75


1- البحار: ج72 ص38.
2- السابق: ج71 ص338.

وما دامت الأمة كياناً واحداً له معالمه وخصائصه فلحركتها – فعلاً أو تركاً – شريعة تنظمها غير التكاليف التي تتوجه إلى أفرادها كأفراد وهذا ما سميته بالفقه الاجتماعي في بحث (الأسس العامة للفقه الاجتماعي).

ولا شك أن المسؤوليات الملقاة على عاتق الناس تختلف سعة وضيقاً بحسب الموقع الذي يشغله الفرد.

ويقف الفقيه في قمة تلك المسؤوليات وأوسعها لأنه الكهف الذي تأوي إليه الأمة إذا نزلت بها عظائم الأمور، والنور الذي تستهدي به في حياتها، والمعين الذي تنهل منه معارفها وصمام أمان وحدتها و تماسكها، والقيادة التي تسير خلفها نحو ما يصلح شانها فمحله من الأمة محل الرأس من الجسد والقطب من الرحى.

وقد نبه الأئمة المعصومون (علیهم السلام) الأمة إلى هذا الموقع الشريف للفقيه الجامع للشرائط فوصفوا الفقهاء ب (أمناء الرسل)، (حصون الإسلام)، و(القادة) وإن الفقهاء – بحسب تعبير الإمام – (فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله)(1).

ولعل من نافلة القول أن أشير إلى أن المراد بالفقيه الذي تنطبق عليه الأوصاف أعلاه ليس من اكتفى بتحصيل العلم حتى لو بلغ أسنى درجاته، وإنما يحتاج إلى ضم تهذيب النفس والمعرفة بالله تبارك وتعالى، والوعي العميق لهموم الأمة ومشاكلها وقضاياهاوالظروف المحيطة بها وان يحيط نفسه بمستشارين

ص: 76


1- الوسائل: ج27 ص140.

وعيون مخلصين واعين نزيهين.

وفي ضوء هذه المقدمة نقول إن الفقيه هو العقل الذي تجتمع عنده أفكار الأمة ورؤاها فيصوغها بما آتاه الله من مؤهلات في أفضل مشروع يمكن ان تستقيم به حياتها ويعرضه عليها لتسعى إلى تنفيذه، وهذه العلاقة بين الفقيه والأمة هي التي ترسم أدوار كل منها، فالفقيه ليس رئيس حكومة ولا رئيس دائرة ولا أي شيء من هذا القبيل، وإنما هو الأب والراعي لكل هؤلاء الذين يحققون الخير لأنفسهم ولأمتهم بمقدار أخذهم بتوجيهات المرجعية التي لا تكره أحداً على طاعتها وإنما تعمل على إقناع الناس بمنهجها ومشروعها.

هذا هو باختصار موقع الفقيه من فعاليات الأمة وقضاياها وآمالها وآلامها، وبقي على الأمة أن تتعرف على قياداتها الحقيقية وتفي لها بالتزامها.

مقومات القرار السياسي:

س2: كما تعلمون أن القرار السياسي يحتاج إلى أهلية ومقومات فما هي هذه المقومات بنظر سماحتكم؟

بسمه تعالى: ليكون القرار السياسي صائباً أو قريباً من ذلك لا بد أن تتوفر في صاحبه عدة مؤهلات:

1- علمية: بمعنى الإحاطة بالعلوم التي لها دخل في هذا القرار، وعلى رأسها الفقه الذي يمثل الشريعة والقانون الذي ينظم حياة الفرد والمجتمع بأن يكون مجتهداً له القدرة على استنباط الأحكام والمواقف الشرعية لمختلف

ص: 77

الحالات.

2- أخلاقية: بأن يكون مخلصاً لله تبارك وتعالى متجرداً عنالأنانية الفردية والفئوية نزيهاً في عمله محباً للناس شاعراً بهمومهم وآلامهم وآمالهم وتحصل هذه الصفات بتربية طويلة و (جهاد أكبر) مع النفس.

3- مهنية: أي الكفاءة والقدرة على إدارة العمل المناط به وتتحقق بعد ممارسة طويلة للعمل والاستفادة من خبرات السابقين وتجاربهم.

4- واقعية: بأن يكون ابن الحالة التي تعيشها الأمة ويولد من رحم المعاناة والظروف التي تمر بها ويكون واعياً للملابسات التي تحيط بالقضية التي يريد أن يتخذ قراراً بإزائها.

وقد أشارت الآية الشريفة إلى تشخيص بعض صفات القيادة في شخصية الرسول الكريم(صلی الله علیه و آله) قال تعالى: «لَقَد جَاءَكُم رَسُولٌ» يحمل رسالة وشريعة ربانية قد استوعبها علماً وعملاً «مِنْ أنفُسِكُم» عاش محنتكم وعرف مشاكلكم وهو خبير بكم، وأنتم أيضاً تعرفونه في صدقه وأمانته وإخلاصه «عَزِيزٌ عَلَيهِ مَا عَنِتُّْم» يتألم لما يصيبكم من عناء وشقاء نتيجة الابتعاد عن المنهج الإلهي في الحياة، فله همة عظيمة في إنقاذكم من هذه الحياة النكدة، ولا يعيش هم نفسه فقط ومصلحته وأنانيته ومعزولاً عن الناس «حَرِيصٌ عَلَيكُم» يبذل كل ما في وسعه لإسعادكم ولا يدخر جهداً في إصلاحكم «بِالمُؤمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ» يضحي من أجلهم ويؤثر على نفسه.

ص: 78

المسائل الاجتماعية والمسائل الفردية:

س3: لا يخفى على سماحتكم أن الإفتاء في الأمور السياسية أكثر تعقيداً من الأمور العبادية باعتبار أن المسائل السياسية متغيرة فما تقولون بهذه الرؤيا؟بسمه تعالى: من الناحية الفنية فإن ممارسة الفقيه للاستنباط لها آليات موحدة كأي ممارسة مهنية، لكن المقدمات و الوسائل التي يستند إليها الفقيه في عمله قد تختلف من مسألة إلى أخرى، ومن هنا قد تنشأ الصعوبة في اتخاذ القرار في القضايا العامة التي تهم الأمة، وهذه الصعوبة لها عدة مناشئ:

أ- أنها تتعلق بمصير الأمة فالخطأ فيها تكون خسارته فادحة بعكس الشؤون الفردية التي لا ضرر فيها على الفرد لأنه معذور باتباعه لمرجعه حتى لو أخطأ ولا تترتب عليه أضرار تذكر. ولهذا كان التدقيق والفحص في المسائل الاجتماعية أكبر والجهد المبذول أكثر.

ب- إن المسائل الفردية قد أشبعت بالبحث من قبل الفقهاء السابقين وبشكل معمق ومستوعب مما يقلل جهد البحث على الفقيه اللاحق بدرجة كبيرة عكس المسائل العامة التي تكون غالباً مستحدثة وذات ظروف موضوعية مختلفة ويكون البحث فيها مبتكراً ولا تخفى صعوبة مثله.

ج- إن المسائل الفردية قد عولجت مباشرة بالنصوص من قبل المعصومين (علیهم السلام)، أما المسائل العامة فلا يوجد نص ينطبق عليها غالباً، وإنما توجد عمومات وإطلاقات لا تنظر إلى الواقعة بشكل مباشر مما يتطلب إحاطة وموسوعية ودقة نظر الفقيه واستحضار لكل تلك الأدلة، وقد يتطلب الأمر

ص: 79

أحياناً ان يفهم الفقيه ذوق الشريعة وروحها وأسلوب عمل المعصومين وهو ما لا يؤتاه إلا ذو حظ عظيم ومن الصعب اكتشافه.

د- إن المسائل العامة تتطلب تعايشاً مع واقع الأمة والظروف المحيطة بها وهو لا يتسنى للفقيه بحسب طبيعة حياته المحافظة، ويمكنه أن يستعيض عنها بمستشارين إلا أن من الصعب أن يجد الفقيه عدداً كافياً من الناصحين الورعين الثقات الموصوفينبالبصيرة الثاقبة ونكران الذات، فمن الممكن أن يكون خطأ الفقيه بسبب الرؤية غير الدقيقة التي ينقلها إليه مستشاروه.

والحل طبعاً وإن كان صعباً على غير العلماء الرساليين الحريصين على إصلاح الأمة وإسعادها، هو أن يعيش الفقيه في أوساط الأمة ولا يحتجب عن أي أحد من أفرادها ويستمع إلى الجميع ليكوِّن لنفسه رؤية خاصة مهما تكون نسبة الخطأ فيها فإنها أفضل من الاعتماد على رؤية الآخرين.

الفقيه وإشكالية نظام الحكم:

س4: ذكرتم في عدة لقاءات وبيانات أن مجمع السلطات تكون بيد الفقيه الجامع للشرائط في النظام الإسلامي، فأين محل الانتخابات التي تنادون بها وما هو دور الأمة في هذا النظام، وإذا اختارت الأمة رئيساً للجمهورية لا يتصف بملكة الاجتهاد فهل يكون أمرها في سفال كما جاء في بعض الأحاديث عن المعصومين (علیهم السلام)، باعتبار أن أمر الأمة قد تولاه من ليس أهلاً للولاية عليها.

ص: 80

بسمه تعالى: التولية التي مرجعها إلى المجتهد الجامع للشرائط هي التشريعية والقضائية أما التنفيذية كرئاسة الحكومة والوزراء -بحسب النظام السياسي المعمول به-، فيمكن تفويضه إلى الأمة لتختار النزيه الكفوء البصير بمصالحها، ويمضي المجتهد الجامع للشرائط هذا الانتخاب ليكتسب مشروعيته، وباختصار فإن ما هو مختص بالشريعة الإلهية كالتشريع والقضاء فإن مرجعه إلى المجتهد العادل، أما ما يرجع إلى شؤون العباد كإنشاء معمل في المدينة الفلانية وشق طريق بالمواصفات الكذائية فهي التي يمكن لممثلي الأمة في مجلس البرلمان النظر فيها، وليس من حقهم مثلاً أن يشرعوا مساواة المرأة للرجل في الميراث، أو منع تعددالزوجات ونحوها حتى لو كان التصويت بالأكثرية لصالح هذا القرار.

وعلى أي حال فإن النظام الإسلامي يفترض تطبيقه في مجتمع مقتنع بالإسلام وبقادته، ولذا فهو لا ينتخب إلا من هو ملتزم بالشريعة. وهذا الموضوع من الأمور التي تستحق الكثير من البيان والتفصيل.

محمد اليعقوبي

11 ذ.ق

1425

42004/12/2

ص: 81

ص: 82

المرجعية والعملية السياسية

المرجعية والعملية السياسية(1)

الانتخابات كحل سلمي:

س: كيف تنظرون إلى الانتخابات كحل للوضع الأمني المضطرب في العراق وهل ستعمل الانتخابات في حالة نجاحها على تحسين الوضع الأمني؟

سماحة الشيخ: إن كانت هناك إرادة جدية لدى الأطراف التي تحمل السلاح لإخراج المحتل، فإن الانتخابات هي خير مخرج للظرف الذي يعيشه الشعب العراقي، على اعتبار أن الانتخابات ستوفر حكومة وطنية يستطيع العراقيون من خلالها مطالبة المحتل بالخروج من البلد، وان لم يكن لديهم الإرادة الجدية في ذلك واستمروا في التخريب والإفساد فلا يسع الحكومة المنتخبة إلا مواجهتهم بالمثل ضمن الحدود الشرعية.

وهنا لا بد من التذكير بتجربة الجزائر عندما اختارت بعض الأطراف أن تلجأ إلى الحلول العسكرية والقتال المسلح ضد الحكومة على اعتبار أنها سلبتها حقوقها الانتخابية، واستمرت الحركة المسلحة في الجزائر أكثر من ست أو سبع سنوات إلا أنها لم تجد نفعاً بعدها رضخت إلى الحل السياسي، لذا فإن تجربة الجزائر هي خير دليل على فشل الحل العسكري، ومع علمنا بعدم

ص: 83


1- لقاء أجراه مراسل صحيفة الصباح الرسمية في النجف الأشرف ونشرته صحيفة الصادقين على الصفحة الرابعة من عددها (12) الصادر بتأريخ 2 ذ.ح 1425 الموافق 13 كانون الثاني 2005.

وجود رغبة جدية لدى هذه الأطراف للتوصل إلى حل إلا أننا نعتقد أن الانتخابات خطوة يجب أن تتخذ لسحب البساط من تحت أقدام هؤلاء، لأنها ستؤدي إلى تشكيل حكومة منتخبة من قبل أغلبية الشعب العراقي.

التحديات التي في عاتق المرجعية الدينية:

س: حديث الانتخابات والعملية السياسية والأحداث التي يمر بها العراق والعالم الإسلامي بشكل عام، يفرض على المرجعية الدينية تحديات جديدة ، كيف يمكن مواجهة هذه التحديات برأيكم؟

سماحة الشيخ: التحديات التي يشهدها العالم الآن تفرض على المرجعية الدينية أن تتبنى مشروعاً يوازي حجم التحديات الجديدة، ومن جانبنا فقد بدأنا بوضع مثل هذا المشروع الذي ارتكز على عدة مفاصل منها جماعة الفضلاء وحزب الفضيلة والروابط النسوية وجامعة الصدر الدينية، إذ يؤدي كل مفصل دوره المرسوم له في هذا المشروع سواء على الصعيد الديني أو الاجتماعي أو السياسي، إلا إننا لم نصل بهذا المشروع حتى الآن إلى مرحلة النضج، لأننا في بداية الطريق ولكننا نأمل أن يلبي هذا المشروع من خلال تطويره جزءاً من متطلبات هذه المرحلة والمراحل المقبلة.

ص: 84

تحديد القيادة الرشيدة للأمة:

س: كما نعلم أن المرجعية الدينية تعتمد على الأعلمية في الفقه فقط، وهو المنهج السائد منذ عشرات السنين، إلا أن المتغيرات التي تمر بها الآن تفرض على المرجعية أن تكون على دراية بكثير من الأمور غير الفقه، فهل ترون أن شخصاً بمفرده وهو المرجع الديني يمكن أن يلبي كل هذه الاحتياجات؟

سماحة الشيخ: من الطبيعي أن المقاييس السابقة لم تعد كافية في تحديد القيادة الرشيدة للأمة، وهذا الأمر لم نبتدعه نحن وإنما هي مصاديق للعناوين الأصلية، فالقرآن الكريم عندما دعا المسلمينإلى التسلح أمام أعدائهم كان السلاح هو السيف إلا إننا اليوم لا يمكن أن نسلح بالسيف فقد ظهرت مصاديق جديدة للسلاح كالبندقية أو الدبابة والصاروخ كذلك، فإن هناك مصاديق جديدة للمرجعية يجب النظر إليها حسب ما تقتضيه الظروف، إذ لم يعد المرجع قادراً بنفسه على مباشرة جميع الأمور لأن المسؤوليات تعددت والتعقيدات التي ظهرت في الحياة ليست كما كانت في السابق، لذا فإن اللجوء إلى تشكيل مؤسسات وجمعيات يمكن أن يفي بهذا الغرض، ولكن يبقى الفقيه هو قمة الهرم في ذلك مع وجود وكلاء له ومستشارين للتخفيف من العبء الواقع عليه.

المسائل التي تخص الشعب:

س: أكثر من نلتقي بهم ينتظرون من المرجعية أن تحدد لهم قائمة لينتخبوها،

ص: 85

إلا ترون في ذلك تحجيما لدور الجماهير في الاختيار من خلال وعيهم وإدراكهم؟

سماحة الشيخ: هذه المسألة لها أسباب أهمها أن تجربة الانتخابات في العراق هي التجربة الأولى لذا فإن قلة الخبرة عند العراقيين جعلت الجماهير بحاجة إلى من يدلها على الاختيار الأصلح ولهذا فإننا نعطي العذر للجماهير في ذلك، أما السبب الثاني فهو أن الثقافة الشيعية مبنية على الرجوع إلى المرجعية الدينية في جميع الأمور، ومع ذلك فإن المرجعية تطمح إلى أن يرتفع مستوى الوعي لدى الناس بحيث تختار الجماهير من يمثلها دون الرجوع إلى من يرشدها، لأن هناك فرقا بين وجوب الرجوع إلى الفقيه في المسائل الشرعية التي يكون الالتزام بها واجبا لأنها من الفروض الدينية، وبين القضايا التي تخص الناس وشؤونهم أي السلطة التنفيذية والتي كان رسول الله صلى الله عليه وآله نفسه يلجأ فيهاإلى التشاور مع أصحابه لأنها من المسائل التي تخص شؤون الشعب ومصالحه، قال تعالى: «وَأمْرُهُمْ شُورَى بَينَهُمْ» (الشورى:38) فضمير (هم) يعود إلى الشؤون الحياتية الراجعة إليهم.

التجربة الإسلامية في العراق:

س: هل تعتقدون سماحتكم من خلال كل هذه الظروف أن التجربة الإسلامية يمكن أن تنجح في العراق؟

سماحة الشيخ: للنظام الإسلامي تجارب عديدة والنجاح والفشل يرتبط بنوع

ص: 86

التجربة المراد تطبيقها، ونحن نرى أن النظام الديمقراطي في حالة تطبيقه بشكله الصحيح ووصول أشخاص أكفاء إلى الحكومة فهو يحتوي على 80% مما تمنحه التجربة الإسلامية.

أما بالنسبة للنظام الإسلامي المطبق في إيران فإن فرصة نجاحه ضئيلة في العراق حالياً كما أن فرصة القناعة به ضئيلة أيضاً، وثانياً لأن الخط العام للحوزة العلمية في النجف بمجمله يسير ضمن الخط الذي لا يؤمن بولاية الفقيه، وأكثر الأتباع في العراق هم أتباع هذا الخط، وقد أدى هذا إلى عدم تبلور نظرية ولاية الفقيه فكرياً وعملياً، ومع ذلك فإن هذه القناعة يمكن أن تزداد لدى الأمة مع زيادة وعيهم والتفاتهم إلى قيادتهم الحقيقية وفشل الحلول الأخرى.

ص: 87

ص: 88

حوار عن الخطاب السياسي العراقي الشيعي

حوار عن الخطاب السياسي العراقي الشيعي(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

مبادئ الخطاب الشيعي ومشاركة الحوزة:

س1: هل تعتبرون أن الخطاب السياسي الشيعي ناضجٌ في هذه المرحلة أم لا؟ وعلى من تقع مسؤولية هذا الخطاب.. على الحوزة العلمية أم على الأحزاب الإسلامية؟

بسمه تعالى: إن الخطاب السياسي يعني الأطروحة والرؤية وبرنامج العمل الذي يقدمه أي حزب أو تنظيم لتحقيق الأهداف التي يعمل من أجل تحقيقها والخطاب السياسي الشيعي فيه مطالب عامة يشترك فيها مع جميع الطوائف والتيارات الممثلة للشعب، وأخرى خاصة بالطائفة نفسها لما فيها من خصوصيات في هذا البلد كوجود المرجعية الدينية والعتبات المقدسة والحوزة العلمية الشريفة والمظلومية وغمط الحقوق التي تعرضت لها خلال العقود السابقة.

والخطاب السياسي الشيعي لا بد أن يشمل جميع هذه المحاور وتتحمل الحوزة العلمية والأحزاب السياسية مسؤولية كلا الخطابين، وسوف أؤجل الحديث عن الخطاب الثاني الخاص أما الخطاب الأول العام فيمكن للحوزة أن تشارك

ص: 89


1- أُجرِي الحوار بعد المؤتمر التأسيسي لجماعة الفضلاء.

فيه من خلال عدة خطوات:_

1 وضع الأهداف العامة التي يجب السعي لتحقيقها.

2 الانفتاح على الأحزاب والتشكيلات السياسية الإسلامية الموجودة في الساحة والاطلاع على برامج عملها لمعرفة مدى وعيها لهذه الأهداف وقدرتها على تحقيقها ونظافة آليات عملهاونزاهة وإخلاص القائمين عليها وتقييم دورها.

3 دعوة المؤمنين المخلصين لتشكيل النقابات والاتحادات والجمعيات المتخصصة وغيرها لاستقطاب وتجميع الطاقات الكفوءة والنزيهة وحثها على العمل السياسي والإشراف على برامج عملها وأطروحتها والحفاظ على جاهزيتها لممارسة دورها في إدارة البلد.

4 دعم وإسناد الأحزاب والتشكيلات المؤهلة لتحقيق الأهداف المطلوبة وتوجيه الجماهير نحوها بالآليات المتعددة كإخراج المسيرات وعقد التجمعات.

الخطوط العريضة لمطالب الأمة:

ونستطيع أن نضع جملة من الخطوط العريضة لمطالب الأمة التي يراد تحقيقها وعلى الأحزاب بلورة وصياغة هذه الأفكار في خطاب سياسي وآليات عمل تفصيلية كأي اختصاصي في مجال معين وتتفاوت الخطابات والأطروحات السياسية في النضج تبعاً لكفاءة وخبرة القائمين عليها ووعيهم وإخلاصهم لقضيتهم والمهم هي الجدية في الانجاز ومنها:_

ص: 90

1 نشر الفضيلة في المجتمع ومنع الفساد والانحراف والمحافظة على هويتنا الإسلامية الأصيلة.

2 وصول العناصر الكفوءة والنزيهة إلى مواقع المسؤولية والإدارة.

3 الارتقاء بمستوى العلم والمعرفة والوعي لدى أبناء الأمة لتكون بالمستوى الحضاري المعاصر.

4 تحقيق العدالة في الأمة واستقرار الأمن وإنعاش الوضع الاقتصادي للبلد.5 الحفاظ على وحدة البلد وتركيبته الاجتماعية واستقلاله.

6 توفير الحقوق والحريات لجميع فئات الشعب وطوائفه وأعراقه بما لا ينافي الفقرات أعلاه.

7 وضع دستور للبلد يضمن النقاط أعلاه ووسائل تفعيلها ولا يتقاطع مع الشريعة.

8 ضمان انتخابات حرة نزيهة لاختيار برلمان وحكومة تمثل بصدق تركيبة المجتمع العراقي وتحترم أرادته بحسب التوزيع السكاني.

ولكي يتحقق ذلك لا بد من الحوار بين جميع التيارات الممثلة للشعب وانفتاح بعضها على بعض خصوصاً الإسلامية منها لتنسيق المواقف اتجاه القضايا العامة. فمسؤولية وضع الخطاب السياسي والعمل على انجازه على أرض الواقع تقع على الحوزة الشريفة والتشكيلات السياسية وعموم المؤمنين كلٌ بحسبه ولكل فرد في الأمة تأثير في مستقبلها السياسي كالمشاركة في التصويت على الدستور بعد فهمه واستيعابه أو لانتخاب ممثليه في البرلمان والحكومة.

ص: 91

الحوزة العلمية والتعاطي مع الأحداث:

س2: هل كانت الحوزة العلمية في النجف الأشرف على مستوى الحدث مما حصل مؤخرا في العراق؟. وهل لبت أو ستلبي طموحات الشارع المسلم الشيعي؟

بسمه تعالى: تواجه الحوزة العلمية مسؤوليتين مرتبطتين بالأحداث الراهنة، (الأولى) آنية مرحلية تتضمن ملء الفراغ السياسي الذي حصل في البلد بعد غياب السلطة وعدم وجود ما يعوّض عنها، و(الثانية) مستقبلية وهي المشاركة في الحياةالسياسية للبلد وتشكيل الحكومة ووضع الدستور ونحوها.

وعلى صعيد المسؤولية الأولى فقد بذلت الحوزة جهداً كبيراً وأدّت خدمات جليلة من حيث حفظ الأمن والاستقرار وحماية الممتلكات العامة واستعادة الأموال المسروقة وإعادة تشغيل المرافق الحيوية وهذه الأعمال وإن لم تألفها الحوزة من قبل ولم تخض مثل هذه التجربة إلا أنها أثبتت نجاحاً يُسجّل بإكبار وعملوا بشكل دؤوب وجنّدوا أنفسهم ليل نهار لهذه الخدمات مما دفع الجماهير أن تعلن بصراحة وبقوة أن الحوزة ممثلها الحقيقي ولا يجوز تجاوزه.

وأما على صعيد الثانية فإن الحوزة تعمل وفق الآليات التي تناسبها وتستطيعها والتي مرّ إيضاحها في جواب السؤال الأول والنتائج على الله تبارك وتعالى فإنه مسبّب الأسباب.

ص: 92

مسؤولية جماعة الفضلاء:

س3: أسس سماحتكم مؤخراً جماعة الفضلاء، فهل تُعنى هذه الجماعة بالسياسة وهل في النية أن تشارك جماعة الفضلاء في صنع القرار السياسي العراقي في المستقبل؟

بسمه تعالى: (جماعة الفضلاء) جزء من الحوزة فيقع عليها من المسؤوليات ما يقع على الحوزة، وقد قلت عند عرض فكرة التأسيس أن الجماعة ليست بديلاً عن المرجعية وإنما هي أداة بيدها تؤدي عنها وظائفها، ولما كان المفروض انضمام الفضلاء والأساتذة من جميع جهات المرجعية إلى الجماعة وإمضاء المراجع لها فإنها ستكون حينئذ ممثلة حقيقية للحوزة وناطقة باسمها ومعبرة عن آرائها ومواقفها تجاه مختلف القضايا.

وعلى أي حال فإن الدور الذي يمكن أن تؤديه جماعة الفضلاء هو نفس الدور الذي ذكرناه للحوزة وتكتسب قوة فاعليتها من تفهم المرجعيات للغرض من إنشائها ولمبررات وجودها ودعمهم لها.الحلقة ا

قضايا سياسية واجتماعية

بسمه تعالى

أجرت قناة (العراقية) الفضائية يوم الأحد 12 ج1 1426 المصادف 2005/6/19 حواراً مطولاً مع سماحة آية الله الشيخ اليعقوبي (دام ظله) تعرّض فيه إلى عدة قضايا سياسية واجتماعية ونحاول هنا تلخيص بعض ما

ص: 93

جاء فيه:

عراق ما بعد صدام حسين

س1: لو أجرينا مقارنة بين عهدين: عهد مظلم صودرت فيه إنسانية الإنسان بما في الكلمة من معنى وبين عهد جديد مشرق … كيف يمكننا المقارنة؟

سماحة الشيخ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم لا توجد مقاربة ومقارنة بين العهدين فقد عاش الناس آنذاك حالة من اليأس والقنوط إلاّ ما رحم ربي ولم يكن أمامهم مصير إلاّ القتل والتشريد والاعتقال والتجويع والتجهيل والحرمان، أما اليوم فبالرغم من الصعوبات والأزمات الخانقة التي يعيشها شعبنا، إلاّ أن أقل ما تحقق له - وهو ليس بقليل - عودة الأمل بغدٍ أفضل مهما طال انتظاره، والحرية في ممارسة شعائره والتعبير عن رأيه ومعتقده وإنشاء مشاريعه، وتكافؤ الفرص لجميع مكوّنات الشعب في الوصول إلى المواقع التي يطمحون إليها، وهذه أمور كلها كانت معدومة في الزمن البائد، أما الآن فقد تحققت وهي تستحق التضحية من أجل ديمومتها وتعزيزها.

المرجعية وولادة العراق الجديد

س2: يشهد العراق اليوم ولادة حقيقية لأفكار ورؤى طوائفه المختلفة ضمن

ص: 94

إطار واحد هل تدعمون هذا الرأي أم أن لكم رأياً آخر؟

سماحة الشيخ: لا أقول ندعمه فقط بل نحن جزء منه ضمن الحدود التي تناسب وظيفتنا ودورنا في الأمة لأننا جزء من الشعب والشعب كله مطالب بأن يساهم في بناء مستقبله الزاهر وليست هي مسؤولية أحد دون آخر فضبط الأمن والاستقرار والنظام في البلد وإن كان رسمياً من مسؤولية وزارتي الداخلية والدفاع إلاّ أن كل واحد من الأمة مسؤول عن دعم هذا الجهد والمشاركة فيه بالمقدار الذي يقدر عليه وقد شرحناه في بيان (فقه الشرطة والأجهزة الأمنية).

الشعب والدستور

س3: نحن على أعتاب مرحلة مهمة وخطيرة في تأريخ العراق المعاصر ألا وهي مرحلة صياغة الدستور فهل الشعب العراقي مهيأ لهذه التجربة الجديدة؟

سماحة الشيخ: التهيؤ وعدمه شيء يصنعه قادة الأمة وصنّاع القرار فيها من مرجعيات دينية وقادة سياسيين ومثقفين وإعلاميين وأساتذة جامعات ومفكرين وكتّاب وأدباء فبمقدار ما يعمل هؤلاء بهمّة وإخلاص وسعة في تثقيف الأمة وتوجيهها وتوعيتها تكون الأمة مهيأة.

وإنني أعتقد أن الشعب العراقي يستطيع التكيّف بسرعة مع متطلبات الحضارة الإنسانية بمجرد رفع القيود عنه وإفساح المجال له، فمثلاً قبل الانتخابات كان كثيرون يتحدثون عن انعدامالوعي الانتخابي لعدم وجود تجربة ديمقراطية

ص: 95

سابقة فيحتاج الشعب إلى تأهيل طويل قبل الدخول في مثل هذه التجارب، إلاّ أن الذي حصل من الاستجابة الواسعة والانضباط والنزاهة والوعي شيء فاق ما في الدول التي قضت قروناً في الممارسة الديمقراطية.

والشاهد الآخر هي الحركة الواسعة لإنشاء مؤسسات المجتمع المدني التي غطت مختلف الأنشطة الثقافية والسياسية والإنسانية والاجتماعية والدينية والاقتصادية، في حين كانوا يتصورون أن الشعب بحاجة إلى مدة طويلة لكي يفهم معنى المجتمع المدني.

فالقدرة إذن لدى الشعب العراقي على الاستجابة لاستحقاقات التطور والازدهار عالية وعلى المسؤولين وصانعي القرار توجيه الأمة ومساعدتها.

وبصراحة فإنني إلى الآن غير مقتنع بالجهود المبذولة في مجال توعية الأمة باتجاه فقرات الدستور فكيف سنطالب الأمة بالتصويت على مواده وهو لا يعرف عنها شيئاً؟ فعلينا أن نبين له ما معنى النظام البرلماني والرئاسي وخصائص كل منهما قبل أن نطالبه باختيار أحدهما وعلينا أن نشرح له معنى الفدرالية وأقسامها ونتائجها ومردوداتها ليختار عن قناعة إقرارها أو عدمها، وحينما نسأل المواطن هل تريد مجلساً (كالجمعية الوطنية) أم مجلسين (كالكونغرس والشيوخ في الولايات المتحدة) فلابد أن يكون مسبوقاً بفكرة واضحة تفصيلية عن كل منهما لأننا لا نريد أن نستنسخ تجارب الآخرين مهما كانت كبيرة، وإنما نستفيد منهم لأن الحضارة توجد عبر تكامل جهود إنسانية تشارك فيها كل شعوب الأرض وليس من الصحيح الإعراض عن تجارب الآخرين.

ص: 96

فوجود مجلس آخر في نظام الولايات المتحدة أو بريطانيا لا يعنيأنها الحالة الأصلح في العراق وهكذا بالنسبة للقضايا الأخرى كالإدارة اللامركزية والمرجعية التي تستند إليها التشريعات وغيرها.

التجربة العراقية أسوة لشعوب المنطقة

س4: بعد النجاح الذي حققته العملية السياسية في إجراء الانتخابات واعتبارها أنموذجاً فريداً في المنطقة العربية هل تستطيع القول أن النموذج الديمقراطي سيستمر في العراق رغم تبدل الآراء والمواقف لبعض القوى السياسية؟

سماحة الشيخ: إن شاء الله تعالى ستستمر هذه التجربة في العراق وتنضج وتتكامل بجهود أبنائه لأنهم أحرص الناس على إنجاح تجربتهم ولا نتوقع من الآخرين خيراً، انظر إلى مواقف الدول العربية لازالت ضد مصلحة الشعب العراقي وتدعم أعداءه وترفض الاعتراف بتجربته الرائدة وتعمل بكل وسعها على إفشالها بدلاً من أن تقف إلى جنبه في محنته ومساندته لاجتياز هذه التحولات الجذرية التي يعيشها، فإذن لا نستطيع أن نعول على أحد إلاّ الله تبارك وتعالى ووعي الشعب بأن إنجاح تجربته هي قضيته ولا تعني أحداً سواه وهو الذي يصنع مستقبله بيده، وعليه أن يحفظ هذه الانجازات ويديمها ويطورها وان كلفته تضحيات جسيمة فإنه كان قبل اليوم يدفع أكثر من هذه الخسائر وفقد الملايين من علمائه وقادته ومفكريه وشبابه لمجرد إشباع نزوات

ص: 97

الطاغوت وأهوائه ومصالحه وجنونه، وحان الآن وقت قطاف الثمرة وهي حريته وبناء مستقبله الزاهر، فالتضحيات إذن ليست بلا ثمن كما في السابق حين قتل مليون إنسان في الحرب مع إيران وربع مليون في غزو الكويت وما تلاه، وعلى الشعب أنيبقى ممسكاً بزمام المبادرة ويسير بثقة في هذا الطريق الذي وضع قدمه عليه طريق الحرية وإحقاق الحق وتمكين الأمة من تحكيم إرادتها في تسيير شؤون حياتها …

إن كل الشعوب التي مرّت بمثل هذه التحولات التأريخية عانت مثل هذه المحن والمصاعب وفقدوا الكثير من رموزهم وقادتهم، ولكن في النهاية لا يصحّ إلاّ الصحيح كما يقال وتتحقق النتيجة التي قالها الله تبارك وتعالى: «وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ» (الأنبياء:105)، «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ، وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ» (القصص: 5 - 6).

الحوار لإزالة التوترات السياسية

س5: الخطوات التي تقوم بها الحكومة المنتخبة لتقريب وجهات النظر وحل بعض التوترات بشفافية، هل هذه الخطوات هي فعلاً لخدمة الشعب أم أنها محاولة لزيادة الرصيد السياسي القائم عليها؟

سماحة الشيخ: إذا كان العمل صحيحاً ويصبّ في مصلحة الأمة فليس علينا

ص: 98

أن تكون نية القائم ما هي فهذا شيء يعود إليه فإن أراد نفع نفسه حقاً فليكن مخلصاً في نيته، كما أن كثيراً ممن تسلطوا على رقاب المسلمين بغير حق وسموا أنفسهم أمراء المؤمنين ووسّعوا رقعة الدولة الإسلامية من أجل زيادة نفوذهم وامتلاء خزائنهم، لكنها في النتيجة ساهمت في إيصال صوت الإسلام إلى بلاد كثيرة، ففتح باب الحوار مع من يوجد عنده صدق في إرادة الحل والارتقاء بمستوى الأمة وحل مشاكلها عملية إيجابية وصحيحة، والذين يعارضون الدولة لا يجوز وضعهم في صفواحد ويجب فرز الأوراق وتقييمها بدقة، فبعض الفئات يمكن أن تدخل الحكومة معهم في حوار وتجلبهم إلى صف الشعب والوطن، وبعضهم احترف الجريمة وامتهنها وجعلها وسيلة لتحقيق أهدافه وفرض مشروعه - أن كان له مشروع - ظلماً وعدواناً ولا وسيلة إلى تغيير أفكاره فلا دواء لهم إلاّ الكيّ.

الدول الإقليمية والفتنة الطائفية

س6: الفتنة الطائفية حالة لا يتقبلها المواطن العراقي وذلك لأواصر القربى والمودة التي تجمع كل الطوائف العراقية المختلفة ومع ذلك يوجد من يتبنى هذا المشروع من الدول الإقليمية فهل تتوقعون لهذا المشروع صداه في العراق؟

سماحة الشيخ: لا أتوقع لهم النجاح وفق المعطيات الحالية ولو كان هناك مجال للفتنة الطائفية لوقعت - والعياذ بالله - بأقلّ من هذا الذي يفعلونه فإنهم فعلوا أخسّ وأنذل الأفعال في حق أتباع أهل البيت (علیهم السلام) فقتلوا الأبرياء

ص: 99

وذبحوا زائري الأئمة المعصومين (علیهم السلام)، وفجّروا المساجد والحسينيات ودمّروا الأسواق والممتلكات ولم يفلحوا لأن شعبنا بفضل الله تبارك وتعالى على درجة من البصيرة والوعي والطاعة لمرجعيته الحكيمة.

وعلى الدولة أن تساهم في ضبط هذه الحالة بأن لا تقوم باستفزاز ناس هم لا يريدون الفتنة ولا الوقوف في وجهها، ولكن ربما تصدر بعض التصرفات تجرّ أقدام هؤلاء إلى هذا الخندق، وهذا ما يعمل عليه أعداء الشعب حيث يحاولون توسيع رقعة المواجهة باستدراج من هو غير مقتنع بها، فعلينا أن نقطع الطريق أمامهم بإبقاء باب الحوار مفتوحاً والتعامل بحذر وضبط نفس وحكمة مع الفئات التي يمكن تفّهم اعتراضاتها ومواقفها حتى لا يستطيعالآخر أن يجذبها إلى صفّه وحينئذٍ ربما تتسع المسألة - والعياذ بالله - وتستعصي على الحل؛ لأن أهم ما يستعمله العدو الآن هو خلط الأوراق وتضليل البعض بعناوين برّاقة كالجهاد والمقاومة والدفاع عن عاصمة الخلافة الإسلامية وعن أهل السنة ويرتكبون الجرائم ضد أهل السنة والشيعة على حد سواء تحت هذه الذرائع، فعلينا أن نفرز أوراق هذه الفئات ونتعامل مع كل واحدة بما يناسبها.

دور العشائر في بناء العراق الجديد

س7: من المعلوم أن المجتمع العراقي مجتمع عشائري، كيف يمكن تفعيل دور العشائر في إصلاح المجتمع بشكل عام؟

ص: 100

سماحة الشيخ: إن أي عمل منظم هو شيء مفيد، قال أمير المؤمنين(علیه السلام): (أوصيكم بتقوى الله ونظم أمركم) يعني أن تنظيم الأمور في كيانات وتجمعات شيء مفيد، وهذا التنظيم يمكن أن يكون على شكل حزب سياسي أو عشيرة، قال أمير المؤمنين(علیه السلام): (واكرم عشيرتك فإنهم جناحك الذي به تطير)(1)،

فإذن العشائر كتنظيم وتكتل شيء إيجابي ومشمول بقوله تعالى: «وَأعِدُّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِنْ قُوَّةٍ» والتنظيم قوة ولكن يجب أن يتأطر بالمبادئ الصحيحة للعمل وإلاّ فإنه سينقلب إلى الضد ويكون عبئاً على الأمة.

وقد كشفت الانتخابات الأخيرة عن ضعف الحضور العشائري حيث لم يفز كيان عشائري بمقعد حيث ذابت العشائر في الكيانات الأخرى وهذا من بعض الجهات فيه ضعف لنا؛ لأن العشائر فيها الكثير من الخصال الحميدة وعناصر القوة للأمة فضعفها يعنيضعفاً للأمة جميعاً، فمثلاً، كانت هناك مناطق متمردة فيها قطاع طرق وقتلة وسراق ومخربون بين البصرة والقرنة وبين البصرة والناصرية وحول مدينة الحمزة الشرقي وكانت الدولة عاجزة عن حماية المواطنين هناك، لكن المرجعية الدينية تحركت على العشائر واستنهضت فيهم عناصر الخير فانضموا إلى جهد المرجعية في ضبط الأمن والنظام في تلك المناطق، ولم نعد نسمع عن الجرائم شيئاً بعدما كان يضرب المثل بشناعتها واستعصائها عن الحل، فما دامت العشائر موالية لمرجعيتها وقيادتها فهي قوة للأمة وتشكيلات معبأة وجاهزة وما علينا إلاّ أن نوجهها بالاتجاه الصحيح.

ص: 101


1- نهج البلاغة: الكتاب: 31.

دور المرأة

س8: ودور المرأة في ظل العراق الجديد؟

سماحة الشيخ: لقد كنت أول من طالب بتشكيل وزارة خاصة تعنى بشؤون المرأة قبل سنتين بالتزامن مع تأسيس مجلس الحكم المنحل وأعددت بياناً لتسيير مظاهرات نسوية لتأييد المطلب لكنني لم أنفذ، وقد تحفظ بعض الأخوة على الأمر وقال أن الأمريكان موجودون هنا وهم لا يرضون بإعطاء الوزارة لامرأة إسلامية وإذا أعطوها لامرأة متحللة فستكون وبالاً علينا فقلت لهم لن أخاف من هذا المطلب لأني واثق من شجاعة ووعي أخواتنا الرساليات وقدرتهن على تحريك العمل بالاتجاه الإسلامي النظيف.

إن رفع المعاناة والظلم والجهل والتخلف الذي لحق بالمرأة لا تنهض به إلاّ وزارة مستقلة، وتوجد الآن وزارة للمرأة لكنها غير فاعلة ولم تقدم شيئاً كبقية الوزارات ودائماً أعبّر عن امتعاضيوألمي من سوء عمل المسؤولين وأنقل لهم خيبة أمل الأمة من أدائهم و…

النظرة إلى المستقبل

س9: كيف تجدون الأفق العام لمستقبل العراق الجديد؟

سماحة الشيخ: أنا متفاءل جداً بالرغم من هذه الصعوبات والرزايا التي تمر

ص: 102

بالشعب، واعتقد أن هذه الصعوبات ستزول وبسرعة كلما كنا أكثر قوة وثباتاً وأكثر شجاعة وتماسكاً وحينئذٍ ستنكسر هجمات الأعداء ويرحلون وسيندحرون، والعالم كله التفت إلى هذه الجرائم وهذا يساعد في التسريع بالحلّ لأنه يضيّق الخناق على أعداء الشعب ويطوّق عملهم حتى الذين يباركون هذه الأفعال بدأوا يحرجون ولا يستطيعون دعمها ظاهراً وأنا متفاءل جداً … يكفي أننا تحررنا … لا أقول بفضل القوات المحتلة فهذا اعتقاد خاطئ تماماً. إنّ الذي فتّ في عضد النظام الصدامي ونخر كيانه هي تضحيات العراقيين ووقفتهم الشجاعة وعدم خضوعهم للطاغوت ووعيهم لظلمه فأوصلوا نظامه إلى كيان هزيل ومنخور بحيث أن صفعة صغيرة من القوات المحتلة أطاحت به وانهار بلا قتال فكانوا (القشة التي قصمت ظهر الجمل).

فنحن الذين غيّرنا النظام لأننا رفضنا الباطل وفارقناه وأصلحنا أنفسنا فتحقق وعد الله تعالى «إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ »الرعد11 والأمل بالله تعالى كبير أن يتم نعمته علينا ويزيل هذه الغمامة الكئيبة وما نقدمه من تضحيات جليلة وعزيزة فإنها بعين الله تبارك وتعالى وسيوفّي الله الصابرين أجورهم بغير حساب.

ص: 103

ص: 104

ثقافة دستورية

بسم الله الرحمن الرحيم

سماحة المرجع الديني آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله الشريف)

طالما عودتنا المرجعية الشريفة على أن تكون الكهف الحصين الذي تأوي إليه الأمة في ملماتها، واليوم إذ يمر عراقنا الجريح الحبيب بمنعطف تأريخي يؤسس لحياة الأجيال القادمة نرجو من سماحتكم التفضّل علينا ببيان رأي المرجعية الرسالية الشريفة حول بعض النقاط التي كثُر الكلام والحديث عنها في المحافل السياسية والإعلامية، فنرجو أن تضعوا النقاط على الحروف حول المواضيع التالية:

مسألة الفدرالية:

السؤال الأول: طُرحت مسألة الفيدرالية فما هو رأيكم الشريف فيها؟

بسمه تعالى: أرى من مصلحة الشعب العراقي الآن أن يسير وفق نظام الإدارة اللامركزية للمحافظات مع تحديد السلطات الحصرية والمشتركة للحكومة المركزية والحكومات المحلية في المحافظات، أما الفدرالية فتُثبَّتْ كحق لمحافظة أو أكثر متى شاءت ووجدت في نفسها القدرة على تشكيل إقليم وإدارته؛ لأن

ص: 105

الفدرالية يمكن أن تكون حلاً لبعض المشاكل التي يمكن أن تحصل في الحكومة المركزية وهي غير حاصلة الآن، كما أن الشعبالعراقي في محافظات الوسط والجنوب عليه أن يستغل هذه المدة لتأهيل نفسه على مستوى إدارة الأقاليم، وقد أخِذ بهذه الأفكار في الصياغة المعتمدة من الدستور.

الإسلام مصدر التشريعات:

السؤال الثاني: (الإسلام هو مصدر أساسي من مصادر التشريع) هل هذه العبارة كافية ليصوّت عليها الشعب بالقبول؟

بسمه تعالى: لما كان الدستور ينظّم الحياة المدنية للمجتمع ويوزّع المسؤوليات ويحدد الحقوق والواجبات للسلطة والشعب فهو يقع ضمن مساحة المباحات والتشريعات الموكولة للأمة كي تقنّن لنفسها ما يصلحها، وهذا الإيكال أشارتْ إليه الآية الشريفة «وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَينَهُمْ» فضمير (هم) يعني اختصاص الشورى بالأمور الراجعة إليهم، وضمن هذه المساحة يكون من المفيد الاطلاع على تجارب البشرية المتعددة والمتكاملة عبر التأريخ؛ لأن إدارة المجتمعات المدنية جهد إنساني وحضاري تشترك فيه جميع البشرية ولا يمكن الاستغناء عن تجارب الآخرين.

فالإسلام مصدر للتشريع في المساحة التي وضع الشارع المقدس لها أحكاما إلزامية،أما (منطقة الفراغ) التي تركها الشارع المقدس للأمة كي تقرّر ما يناسب حالها وظروفها فهي منطقة فراغ بمعنى خلوّ الشريعة فيها من الأحكام

ص: 106

الإلزامية، ولا تعني ترك الشريعة لها من دون حكم غير إلزامي لأنه خلاف ما نعتقده من أنه (ما من واقعة إلا ولله فيها حكم)(1).

وهذه المساحة تشمل أيضا منطقة العناوين الثانوية كالضرر والعسر والحرج والإخلال بالنظام الاجتماعي العام، فإن هذهالعناوين الثانوية التي تطرأ على الموضوع تسقط الأحكام الأولية الأصلية حتى لو كانت إلزامية، فترتفع حرمة أكل الميتة عند الاضطرار ويسقط وجوب الوضوء عند العسر ووجوب الصوم عند الضرر.

ومثل هذه المناطق (منطقة الفراغ والعناوين الثانوية) هي التي يوضع الدستور والقوانين المنبثقة عنه لملئها وفي هذه المنطقة التي يغطيها الدستور لا مانع من أن يجتمع أعضاء منتخبون من قبل الشعب ليقرر الأصلح بالاستفادة من تجارب وتشريعات الأمم الأخرى، وانطلاقاً من ثوابتهم الأخلاقية والاجتماعية والثقافية والظروف المحيطة بهم، ولكن يشترط في هذه التشريعات أن لا تخالف الشريعة الإسلامية وهذا بالضبط ما أقرّه الدستور حيث أعلنت كبيرة النساء العلمانيات أننا أُصبنا بخيبة أمل كبيرة من الدستور، وانتقد العلمانيون الولايات المتحدة بأنها عبرت المحيطات وقدّمت آلاف القتلى ومليارات الدولارات لتقيم حكماً إسلامياً في العراق فلله الحمد أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً.

ص: 107


1- انظر: الأصول العامة للفقه المقارن: ص619.

مسألة ازدواج الجنسية:

السؤال الثالث: مسألة ازدواج الجنسية ورأي المرجعية فيها؟

بسمه تعالى:أن مسألة ازدواج الجنسية تُلحظ باتجاهين، فتارة ننظر إليها بلحاظ العراقي الذي يحصل على جنسية دولة أخرى بعد أن تنطبق عليه قوانين منح الجنسية لتلك الدولة، وتارة ننظر إليها بلحاظ الأجنبي الذي يراد منحه الجنسية العراقية.

أما الحالة الأولى فلا اعتراض عليها خصوصاً بالنسبة للإخوة الذين هجّرهم صدام المدحور قسراً أو هجروا الوطن بعد أن ضاقت عليهم السبل وبقي الولاء للعراق أرضاً وشعباً يسري فيعروقهم، أما الحالة الثانية فلابد من وضع قيود شديدة لها ليست كتلك المعمول بها في الدول الغربية؛ لأن الجنسية العراقية تعني خصائص دينية واجتماعية وثقافية وحضارية لا تحصل للشخص بإقامته في العراق خمس سنين أو بولادته في بلاد الغرب من أم عراقية وأب أجنبي، فلا تكون مثل هذه الضوابط كافية لمنحه الجنسية العراقية، على أن نسيج مجتمعنا العراقي من التماسك والتقارب مما يصعب معه إدخال عناصر غريبة عنه ولا يحتاج إليها، وبنفس الوقت لا نستطيع أن نحرم غير العراقي من ولد من أب غير عراقي وعاش وتزوج وأنجب في العراق حتى أصبح عراقياً على نحو الحقيقة من جميع الجهات.

لذا وضعنا ضوابط لمنح الجنسية العراقية لمثل هؤلاء في الحلقة الأولى من (ثقافة دستورية) وتعليقاتنا على الدستور مما يجب أن يلحظه الإخوة المشرعون عند

ص: 108

وضعهم لقوانين الجنسية بإذن الله تعالى.

الخوف على عروبة العراق:

السؤال الرابع: ما هو رأيكم فيما يُثار من الخوف على عروبة العراق في الدستور الجديد؟

بسمه تعالى: إذا كان المقصود بالعروبة الأخلاق الفاضلة التي تأصلت لدى العرب كالغيرة والكرم والشجاعة والإباء والتي ذكّر بها الإمام الحسين(علیه السلام) أهل الكوفة وقال لهم (إن كنتم لا تخافون الله ولا ترجون يوم المعاد فارجعوا إلى أحسابكم وأنسابكم إن كنتم عُرُباً كما تزعمون) هذه التي كانت موجودة منذ الجاهلية إلا أنها كانت ناقصة ومخلوطة بأخلاق رديئة أخرى فجاء النبي (صلی الله علیه و آله) ليهذب أخلاقهم ويطهّر نفوسهم وقلوبهم ويزيل عنهم إصرالجاهلية وأغلالها فقال(صلی الله علیه و آله) (إنما بُعِثتُ لأتمم مكارم الأخلاق)(1)

ونظمها جدي اليعقوبي e في قصيدته:

ومكارم الأخلاق كانت تشتكي *** نقصاً فتمّ بأحمد النقصانُ

فهذه الأخلاق وهذه الأصالة لا خوف عليها لأنها من صميم الإسلام الذي

ص: 109


1- البحار: ج16 ص210.

نتمسك به، وقد توالت على العراق قرون من سلطة غير العرب كالعثمانيين والصفويين ولم تؤثّر فيها بل بقي هو رائد العروبة لأنها متلازمة مع الإسلام واللغة العربية لغة القرآن والأحاديث الشريفة فالاعتناء بها جزء من الاعتناء بهما، حتى أن العصر الذي يسمّونه (الفترة المظلمة) من عصور الأدب العربي كان هو من أكثر العصور ازدهاراً في مدرسة النجف الأشرف والحلّة الفيحاء وشهد مفاخر الشعر عبر التأريخ ولسنا بصدد بيان التفاصيل، فهذا الوجه الناصع الرائع للعروبة أصله ومعدنه وديمومته والحفاظ عليه في العراق ولا خشية عليه.

ولكن هؤلاء المرجفين لا يقصدونه لأنهم لا مبادئ لهم ولا أصالة ولا يهتمون به ولا يفكرون فيه، وإنما يقصدون بالعروبة الشعارات القومية التي ضحكوا بها على الشعوب العربية وساقوهم من خلال التهريج بها إلى المجازر والحروب العبثية وبددوا ثرواتهم على النزوات والشهوات وقتلوا بها الإسلام وعلماءه وشبابه الرسالي الواعي، فهذا نحن بريئون منه ونعمل على إسقاطه ونبذه ولا نقبل بعودة عقارب الساعة إلى الوراء بعد أن نجّانا الله تبارك وتعالى منها بلطفه وببركة دماء الشهداء البررة.

مسودة الدستور العراقي:

السؤال الخامس: ما هو تقييمكم لمسودّة الدستور المقدّمة إلى الجمعية الوطنية؟

بسمه تعالى: أثمّن الجهود التي بذلها الإخوة في لجنة كتابة الدستور وأعلم

ص: 110

أنهم حاولوا الخروج بصيغة تتوافق عليها مكوّنات الشعب العراقي وشهدت العملية تجاذبات كثيرة تصرف البعض فيها انطلاقاً من أنانيته ومصالحه الشخصية الضيّقة، وأراد آخرون فرض مطالبهم بأي شكل.

وقد مارس ممثلو الائتلاف دور الأبوية والرعاية تلبية لتوجيهات المرجعية الرشيدة حتى خرج الدستور بهذه الصيغة التي حظيت بموافقة الأغلبية، وإن كنت أسعى لتعديل بعض الموارد ليكون أكثر قبولاً.

لكن الخطوة الأهم هي في الالتزام بمواد الدستور وحسن تطبيقها فإن مجرد تسطيرها لا يكفي، فهذه الأنظمة الظالمة والطاغوتية كلها وضعت دساتير إلا أنها لا تلتزم بشيء إلا بمقدار ما يوافق مصالحها، فلا بد من الحزم والمصداقية والجدّية في التطبيق وثقيف الناس على الالتزام به بعد أن ألِفوا حياة الدكتاتورية والاستبداد.

محمد اليعقوبي

النجف الأشرف

27 رجب الأصب 1426

2005/9/2

ص: 111

ص: 112

عن مبررات وجوب المشاركة في الانتخابات والمشروع الإسلامي في العراق

أذن سماحة الشيخ لقناة (العالم) الفضائية الإيرانية بإجراء حوار معه في برنامج (العراق اليوم)(1)

الذي يُبثّ على الهواء مباشرة، وتناول عدة قضايا سياسية ووجه من خلالها رسائل مهمة إلى الشعب والحكومة والقوى المتدخلة في الشأن العراقي.

معايير تقييم العملية السياسية:

وكان السؤال الأول: عن المعايير التي انطلق منها سماحته في دعم العملية السياسية.

فأجاب سماحته: بوجود عدة منطلقات بينّها تفصيلا في عدة خطابات من سلسلة (خطاب المرحلة) وملخصها:

1- أن وجود قيادة للأمة ضرورة عقلائية يقتضيها النظام الاجتماعي الإنساني وكان رسول الله (صلی الله علیه و آله) إذا خرج إلى غزوة فإنه يخلف على المدينة

ص: 113


1- في حلقة يوم الأربعاء 4 ذي القعدة 1426ه المصادف 7 / 12 / 2005 ويوجد قرص مسجل للحوار.

أحد أصحابه وقال: (إذا كنتم ثلاثة في سفر فأَمرُّوا أحدكم)(1)

ولا شك أن القيادة لابد أن تكون صالحة ولها شروط معينة فالمشاركة في العملية السياسية الوسيلة المتيسرة لإيصال هذه القيادة الصالحة إلى قمة المسؤولية.

2- إننا مبتلون بالاحتلال وإنجاح العملية السياسية وتشكيل حكومة قوية مقدمة لطرد الاحتلال وسلب الذرائع لوجوده، فوجوبالمشاركة في العملية السياسية مترشح من وجوب نتيجتها وهي طرد الاحتلال.

3- أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة واجبة ومن أعظم المسؤوليات الشرعية وهي ذات آليات متعددة تختلف من حيث سعة التأثير وقوته ولا شك أن أوسع هذه الآليات وأعظمها تأثيراً إصلاح النظام الحاكم أي قمة الهرم وبالتالي إصلاح حال القاعدة كلها ورفع المظالم عن الناس واستنقاذ حقوقهم وتوفير السعادة والازدهار لهم.

4- إننا مسؤولون عن إقناع الناس بالإسلام كمنهج شامل للحياة وان ذلك إنما يتحقق من خلال الوصول إلى مفاصل الحكومة والنجاح في العمل وحسن الأداء وحينئذ ستزداد ثقة الناس وإيمانهم بالإسلام.

حفاظ الشعب العراقي على إسلامه:

السؤال الثاني: أن الإدارة الأمريكية فوجئت بعد انهيار نظام صدام بإسلامية الشارع العراقي..كيف استطاع الشعب العراقي أن يحيا وان يحافظ على

ص: 114


1- ميزان الاعتدال للذهبي: ج3 ص378.

مشروعه الإسلامي في مواجهة المشروع التخريبي والمعادي؟

سماحة الشيخ: وهذا لم يأت طبعا وليد لحظته بل جاء نتيجة تراكم جهود وتضحيات من علماء ومراجع وتوجت بدماء المراجع العظام والفضلاء وأساتذة الحوزة ومئات الآلاف من الشباب الرساليين وقد أعطوا بدمائهم روحا جديدة للأمة وإنما تفاجأ الأمريكيون لنقص حساباتهم وعدم وضوح في رؤيتهم وإلا فالمفروض أن يروا بأم أعينهم كيف حاول صدام ببطشه وقسوته أن يمنع الحركة الإسلامية المتصاعدة فلم يستطع واضطر إلى مسايرتها، وخذ كنموذج الشعائر الحسينية التي كان يحييهاالملايين وصلاة الجمعة المباركة التي أقامها السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سرّه) وشارك فيها مئات الآلاف في العراق تحت مراقبة جلاوزة النظام وبعد استشهاده واصلت الحركة الإسلامية نشاطها بالآليات المتيسرة.

خيارات المقاومة الوطنية:

وكان السؤال الثالث: عن تقييم مؤتمر القاهرة للوفاق الوطني العراقي.

وقد أجاب: بما نشر ملخصاً في صحيفة الصادقين ومما جاء فيه أن المقاومة المسلحة لا تكون مجدية في طرد الاحتلال إلا إذا كانت خيارا وطنياً يتفق عليه رأي أكثرية الأمة، فإن العراقيين لم يفلحوا في إنهاء الاحتلال الانكليزي في ثورة العشرين وتأسيس حكم وطني إلا حينما شارك وسط وجنوب وشمال العراق في المواجهات، ولا يتحقق هذا الإجماع إلا بعد فشل الوسائل السلمية

ص: 115

والإصرار على نجاح العملية السياسية، وهذا ما نبه إليه المرجع الشيعي الذي فجر ثورة العشرين وأعني به الشيخ محمد تقي الشيرازي (رضوان الله تعالى عليه) بعد عدة سنوات من دخول الاحتلال، أما أن يبدأ أدعياء المقاومة بقتل إخوانهم من العراقيين الذين يعانون من وطأة الاحتلال لكنهم يتربصون ويراقبون التدرج في الوسائل فهذا إرهاب وعمل بالاتجاه الخاطئ وخلط الأوراق بين العدو والصديق.

دعم قوات الاحتلال للعمليات الإرهابية:

السؤال الرابع: يوجد من يتهم قوات الاحتلال بالعمليات الإرهابية التي تستهدف المدنيين في الأسواق والحسينيات وعناصر الجيشوالشرطة وموظفي الدولة والكفاءات العلمية لزرع الفتنة والفرقة كي يتمكن من السيطرة على العراقيين، هل انتم مع من يحمّل الاحتلال مسؤولية ما يجري وكيف يتمكن العراقيون من مواجهة هذا التحدي؟

سماحة الشيخ: إن هذا الاتهام إذا كان عند البعض مجرد حدس وتخمين وحسابات مصالح تجنيها قوات الاحتلال ومنها:

1- الاستمرار بالتواجد على الأرض العراقية بحجة حفظ الأمن وعدم قدرة الأجهزة العراقية على ضبطه.

2- التخلص من العناصر غير المرغوبة والتي لا تنسجم مع المشروع الأمريكي وإلقاء المسؤولية على الإرهابيين.

ص: 116

3- لأخذ المزيد من الوقت لترتيب الأوراق في المنطقة ورسم خارطة طريق التعامل مع دول المنطقة.

4- زرع الفتنة وتمزيق المجتمع لتسهيل السيطرة عليه وجعل الجميع محتاجاً إلى قوات الاحتلال.

أقول: إذا كان هذا عند البعض تخمينات وحسابات سياسية فقد كشفت الأحداث عن كونه حقيقة من خلال شاهدين على الأقل:

الأول: الجنديان البريطانيان اللذين أمسكت بهما الشرطة العراقية في البصرة وهما يحملان عدة التفجيرات والقتل(1).

ص: 117


1- اعتقلت قوات الشرطة في البصرة اثنين من البريطانيين كانا متزيين بالزي العربي ووضعا شعراً اصطناعياً وخرجا مع الناس المحتفلة في جامع الخطوة بمناسبة ذكرى النصف من شعبان 1426 يوم الأحد 13 شعبان 1426 المصادف 2005/9/18 وعثرت عندهما على متفجرات وصواعق وأسلاك تفجير وأسلحة أزيد من السلاح الشخصي وأطلقا النار على الشرطة، وحاصرت الدبابات البريطانية مقر اعتقالهما في سجن محكمة الجنايات الكبرى، وطوقتها الشرطة والحرس العراقيان وفي المساء أعلن عن إفراج القوات البريطانية عنهما وحصلت مواجهات مع الناس فقتل خمسة وجرح أكثر من أربعين عراقياً خلال مجموع المواجهات وأحرقت دبابتان ولدى مداهمة البريطانيين لمقر مديرية الجرائم الكبرى عبثوا بالسجلات التي تضم معلومات أمنية وحاولوا إطلاق سراح عشرات الإرهابيين المعتقلين. والغريب هو موقف الحكومة المركزية المتخاذلة حيث أمرت وزارة الداخلية بإطلاق سراحهما باعتبار أن السفير البريطاني اتصل بها مخبراً أن هذين كانا في مهمة استطلاعية، وبعد ثلاثة أيام كان رئيس الوزراء العراقي الدكتور إبراهيم الجعفري في لندن وأبدى أسفه للحادث وقال: إنه يمكن تجاوزه.

والثاني: ما عرضته الفضائيات من قيام عناصر الشركات الأمنية من إطلاق النار العشوائي وبلا مبرر على السيارات المدنية.

سبيل الخروج من هذه الحالة:

السؤال الخامس: كيف يمكن الخروج من هذه الحالة؟

سماحة الشيخ: الخروج منها يكون بعدة أمور:

1- وعي الشعب العراقي لوجود مثل هذه الحالة حتى يميز بين أعدائه وأصدقائه.

2- أن يلتفت أدعياء المقاومة إلى هذه الحالة حيث أصبحوا غطاءً ووسيلة لتنفيذ هذه الجرائم ولا اعتقد أن عاقلا يقبل بقتل مئة عراقي مقابل جندي أمريكي واحد، وان المقاومة لها آلياتها المعروفة وقد مارستها شعوب العالم وليس منها هذه العمليات الإجرامية فالمفروض بأدعياء المقاومة اتخاذ مواقف حكيمة تعري المجرمين وتكشف زيفهم.

3- وحدة الشعب وتكاتفه وعدم خلق الثغرات بين أبنائه والتي تباعد هؤلاء المجرمين على تنفيذ أفعالهم الشنيعة.

4- إنجاح العملية السياسية وتطهير أجهزة الدولة من المفسدين وبالتالي

ص: 118

تشكيل حكومة قوية قادرة على بسط الأمن والنظام وسلطة القانون وإنهاء الاحتلال حتى تتخلص من كل تبعاته وآثاره السيئة وهذه واحدة منها وليست هي سواها.

الدعوات لشن الحرب الطائفية:

السؤال السادس: هناك تصريحات واضحة منسوبة إلى المدعو أبي مصعب الزرقاوي إذا كانت هذه الشخصية موجودة باستهداف فئة معينة من أبناء الشعب العراقي كيف تنظر إلى هذه النقطة وخطورة هذا الموضوع؟

سماحة الشيخ: ليس مهماً أن نحقق في أن أبا مصعب الزرقاوي موجود أم لا لأنه أن لم يوجد شخص بهذا الاسم فإنه موجود كتيار وكخط فكري، ونحن وان حملنا الاحتلال بعض المسؤولية عن العمليات الإرهابية إلا أن هذا لا يفسر قيام الانتحاريين بتفجير أنفسهم في الأسواق والحسينيات وتجمعات الناس الأبرياء، فهذا الانتحاري ليس أمريكيا وإنما هم أشخاص جاؤوا ليعانقوا الحور العين بمجرد قتلهم بموجب فتاوى دينية، فهذا التيار يحتاج إلى معالجة شاملة لا تكتفي بالعمل العسكري والأمني وإنما تتعداها إلى الإصلاح الفكري وخلق ثقافة احترام الرأي الآخر وقبوله وعدم الاعتداء والظلم وإصلاح منظومة الأفكار والثقافات التي توجه الرأي العام، وتجند بالاتجاهات التي تخدم سياساتها ففي أوربا يوجد واحد وعشرون مكتبا لتجنيد الإرهابيين وبعثهم إلى العراق، وقبل يومين أعلن عن قيام فتاة بلجيكية

ص: 119

أعلنت إسلامها بعملية انتحارية في العراق فأي غسيل دماغ تعرضت له هذه المرأة حتى قذفت بنفسها في هذه الهاوية المهلكة والآن بعد أن ضربهم الإرهاب في الأردن والسعودية والكويت وغيرها صاروايحشدون القوى لاستئصاله، إلا أنهم مع الأسف حينما تصل القضية إلى العراق يصبح الإرهاب مقاومة شريفة وهذا هو عين الكيل بمكيالين.

فرصة اندلاع حرب اهلية:

وكان السؤال السابع: عن فشل التوقعات في حصول حرب أهلية في العراق.

وأجاب سماحة الشيخ: إنها لم تكن مجرد توقعات وإنما عملوا بمختلف الوسائل لإشعالها باغتيال القيادات الشيعية كالشهيد السيد محمد باقر الحكيم والشهيد الحاج عز الدين سليم وتفجير الجوامع والحسينيات وقتل زائري العتبات المقدسة والتثقيف والتحريض المستمر باتجاه قتل اتباع أهل البيت (علیهم السلام) وتسميته مقاومة شريفة ونسبة الشيعة إلى إيران والشعوبية الصفراء وغيرها من الأوصاف للتنفير منهم وخلق هوة بين الطائفتين.

تقييم محاكمة الطاغية صدام حسين:

وطلب في السؤال الثامن: تقييم محكمة الطاغية صدام حسين.

فأجاب سماحة الشيخ: عن عدم رضاه وأن القاضي أراد أن يخرج من حد

ص: 120

التفريط في العدالة وتطبيق القانون فوقع في حد الإفراط وبالغ في التسامح فكان ملكيا أكثر من الملك فيسميه (السيد) صدام حسين ويسمح لإثارات هامشية تشتت القضية وتلعب بأعصاب ملايين الضحايا لمجرم العصر، وتعطي رسالة خاطئة إلى الإرهابيين الذين يشجعهم هذا الضعف في أداء القضاء على التمادي والاستمرار في الجريمة.

ولا ادري أن كان هذا التصرف ناشئا من تركيبة القاضيالشخصية أم انه ينفذ مؤامرة تستهدف تمييع القضية وتسويفها من أجل إنقاذ صدام وجلاوزته من القصاص العادل ضمن صفقات سياسية مع قوى الاحتلال، فإن السياسيين يقولون لا توجد صداقات ثابتة ولا عداوات ثابتة وإنما توجد مصالح ثابتة ولا مكان للمبادئ والقيم العليا في السياسية البراغماتية وهو لعب بالنار نحذر(1) الجميع منه لأن الشعب لا يرضى بهذا المستوى من التفريط بحقه، وستصل حالة الاختناق والغضب إلى حد الانفجار ويخرج عن حد السيطرة، إذ إن صدام ليس متهما حتى يطبق عليه (المتهم بريء حتى تثبت إدانته) انه مجرم حقيقي، ويعلم كل العالم بجرائمه وهي موثقة ومعروفة لدى القاصي والداني، وإذا كان عرضه على المحكمة ضروريا لإلقاء الحجة وتعريف هذه الجرائم وتثبيتها للتأريخ وإزالة العمى عن المضللين فإن ذلك لا يعني هذا الضعف والتمييع.

ص: 121


1- بعد هذا التحذير والاستياء الشعبي استقال رئيس المحكمة القاضي (رزكار محمد أمين) وحلّ محله القاضي (رؤوف رشيد عبد الرحمن).

أن استقلال القضاء يعني عدم تدخل الحكومة فيه وتأثيرها عليه ولا يعني خروجه عن إرادة الشعب لأن (الشعب مصدر سلطات) كما ورد في الدستور ولا يجوز للقاضي أن يستمر إذا كان مفرطا بحقوق الشعب.

تقييم أداء الإسلاميين في الحكومة:

وكان السؤال التاسع: عن تقييم أداء الإسلاميين في الحكومة.

وأجاب سماحته: بما موجود في خطاباته وما تنشره صحيفة الصادقين خصوصاً في مقال (النقد الذاتي فيما يتعلق بأداء الحكومة) مع الاعتراف بتعقيد الحالة العراقية وكثرة اللاعبين فيساحتها ووجود إرادات متعددة لإفشال عمل الإسلاميين لإظهار فشل التجربة الإسلامية، رغم أن الحكومة لا تعد إسلامية وإنما تضم إسلاميين وإذا فشل احدهم فلا يعني فشل النظام الإسلامي على أن البلد قد قادته حكومة علمانية سابقة عليها وكانت أكثر تقصيرا فإذا أرادوا إقناع الناس بالعلمانيين فهم واهمون.

المرجعية ترعى الجميع:

وتحدث السؤال العاشر: عن تقييم أداء حزب الفضيلة الإسلامي الممثل في الحكومة والذي يحظى برعاية سماحة الشيخ.

فأجاب سماحته: انه ليس حزب الفضيلة هو الوحيد الذي يحظى بالرعاية بل

ص: 122

كل جهد مخلص يستهدف إصلاح حال الأمة وازدهار البلد وإنما يحظى حزب الفضيلة برعاية زائدة لأنه فتي واغلب قواعده من الكوادر الشابة وولد من رحم المعاناة والبطش الصدامي كذاك الرجل الذي قيل له من أحبّ أبنائك إليك قال: الصغير حتى يكبر والمريض حتى يشفى والمسافر حتى يعود.

ولم تسنح الفرصة الكافية للحزب باعتبار الملابسات التي رافقت تشكيل الحكومة لكن أبناءه الذين تصدوا للمسؤولية قد شهد لهم بالنزاهة والإخلاص والوطنية وما زال طريقهم طويلا ليبلغوا الطموح.

الاصطفافات السياسية:

السؤال الحادي عشر: على أبواب الانتخابات التشريعية القادمة كيف تنظر إلى الاصطفافات الجديدة التي حدثت الآن على الساحة العراقية وكيف تتوقع أن تكون مجريات العملية الانتخابية؟

سماحة الشيخ: في الحقيقة توجد إرهاصات غير ايجابية برزتخلال الحملات الانتخابية وهي المهاترات الكلامية والتسقيط والتشويه، وقلت للمرشحين لا تجعلوا دعايتكم مبنية على هذا الأسلوب غير الشريف وإذا كنتم تملكون مشروعا صالحا مقنعا فقدموه وبينوه للأمة وسوف ينتخبكم الناس، لكنني في الحقيقة أقرأ في الأفق أن المسألة أكبر من تنافس انتخابي وإنما هو صراع دولي على ساحة العراق يتخذ واجهات عراقية لإدارة هذا الصراع، فما يدور بين هذه الواجهات هو انعكاس لذلك الصراع الدولي، وقد انجر

ص: 123

إليه العديد من الكيانات وقد عبرت عن قلقي من هذا الانجرار لخدمة الآخرين وأقول الله الله بالشعب العراقي لا تجعلوه ضحية لحسابات المصالح الإقليمية والدولية.

أهمية المشاركة في صنع المستقبل السياسي:

وتحدث سماحة الشيخ في الإجابة عن السؤال الثاني عشر: عن أهمية مشاركة الشعب في الانتخابات البرلمانية ومعنى قوله أن وجوب المشاركة أهم من وجوب الصلاة والصوم لأن وجود الثلة الصالحة على سدة الحكم هو الذي يحفظ الصلاة والصوم وتسلم الطواغيت للحكم لا يبقي صلاة ولا صوما كما عشناه في ثمانينات القرن الماضي.

ودعا سماحته المواطنين إلى التوجه إلى مراكز الاقتراع على شكل مجاميع ومواكب(1) ترفع الإعلام العراقية لإظهار عزة الأمةوقوتها والتحفيز من لم

ص: 124


1- لّبت الجماهير في بغداد والمحافظات هذه الدعوة وخرجت إلى الانتخابات البرلمانية يوم الخميس 12/ذ.ق./1426 المصادف 2005/12/15 بمواكب مهيبة ترفع الإعلام العراقية وتردّد الأناشيد الوطنية مما حوّل المناسبة إلى عيد وطني وحفّز الناس على المشاركة بنسبة ثلثي عدد من يحق لهم التصويت، (أزيد من عشرة ملايين ونصف المليون من أصل خمسة عشر مليون ونصف المليون). وقد أعلنت المفوضية العليا للانتخابات النتائج النهائية يوم الجمعة 19/ذ.ح./1426 المصادف 2006/1/20 وقد أسفرت نتائج التصويت عن فوز الائتلاف العراقي الموحد –الذي يضم المكونات الشيعية وحظي بتأييد المرجعيات الدينية- على (130) مقعداً من أصل (275) وكانت حصة حزب الفضيلة الإسلامي (15) مقعداً بحسب التوافقات التي حصلت داخل الائتلاف حين إعداد قائمة المرشحين. وكانت مراكز الاقتراع في المحافظات قد أعلنت نتائج التصويت الأولية فيها في اليوم التالي لإجراء الانتخابات وكانت الأرقام قريبة جداً للنتائج النهائية المذكورة أعلاه.

تحصل عنده القناعة على المشاركة.

القواسم المشتركة:

وفي جواب السؤال الثالث عشر: أشار سماحته إلى القواسم المشتركة التي تتوحد عليها التيارات والقوى الإسلامية على الساحة العراقية وهي الوحدة الوطنية والمصلحة الإسلامية لأن هوية الإسلام في خطر أمام تحديات المسخ والتشويه والفرقة والتكفير ومن القواسم المشتركة الرحمة بهذا الشعب الذي عانى الكثير وحرم واضطهد وقتل وشُرد وآن الأوان للمسح على جراحه وإعادة البسمة إليه.

ص: 125

ص: 126

القيادة الحكيمة تضع أصابعها على العلة وتصف العلاج

تفضل سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله الشريف) بالإجابة(1)

عن مجموعة أسئلة توجه بها مدير مكتب (صحيفة نيوزويك) الأمريكية في بغداد قدّم خلالها خطوطاً عريضة لكيفية تخليص الوضع في العراق من محنته ووعد بتقديم التفاصيل إن وُجدت إرادة حقيقية لدى الفرقاء والقوى المؤثرة في الساحة لإيجاد حل.

كما تناول سماحته جملة من القضايا المهمة في الشأن العراقي كالفدرالية ونظام الحكم المناسب بعد أن ابتدأ حديثه بموجز لسيرته الذاتية ووجّه في ختام حديثه رسالة إلى الشعب الأمريكي وهذا نصّ طلب مدير مكتب المجلة مع جواب سماحته.

سماحة المرجع الديني آية الله الشيخ محمد اليعقوبي

السلام عليكم:

يود كادر مجلة نيوزويك في بغداد طرح الأسئلة أدناه على سماحتكم لتبينوا فيها آراءكم ولكم الحرية و المجال في بيان وجهة نظركم.

كيفن بيراينو

ص: 127


1- تاريخ الإجابة: الجمعة: 2/ذ.ق/1427 المصادف 2006/6/24.

مدير مكتب نيوزويك -بغداد

بسم الله الرحمن الرحيم

عليكم السلام ورحمة الله وبركاته:-

سأحاول الإجابة باختصار لعدم علمي بالمساحة المخصصة للأجوبة من المجلة و لوجود تفاصيل مهمة لما ترومون معرفته نشرتها في سلسلة (خطاب المرحلة) التي بدأت مع إرهاصاتإسقاط النظام ألصدامي ووصل التسلسل الآن إلى (132) وهي و غيرها موجودة على موقعنا على الانترنت (www.yaqoo(علیها السلام)i.com) .

خلاصة السيرة الذاتية لسماحة الشيخ اليعقوبي:

نيوزويك:- ممكن أن تذكروا للمجلة شيئا عن سيرتكم الذاتية وأين نشأتم ومن هو مثلكم الأعلى وكيف تأثرتم به؟

سماحة الشيخ اليعقوبي: ولدت في النجف الأشرف عام 1960 يوم المولد النبوي الشريف وهي علامة فأل حسن لدى المسلمين، وانتقلت إلى بغداد عام 1968 مع والدي الذي كانت له مسؤوليات في العمل الاجتماعي الذي يديره المرحوم الشهيد السيد مهدي نجل المرجع الديني الأعلى السيد محسن الحكيم في الكرادة الشرقية، أكملت دراستي في بغداد حتى حصلت على البكالوريوس في الهندسة المدنية عام 1982 ولم ألتحق

بالخدمة العسكرية الإجبارية يومئذ لأني رفضت أن أكون جزءاً من المنظومة الظالمة التي كانت

ص: 128

تخوض حرباً عدوانية على إيران وان كان موقعي أميناً ومغرياً ومكثت في البيت متخفيا لا اخرج إلا لضرورة عكفت خلالها على الاستفادة من المكتبة الكبيرة التي تركها لنا والدي المتوفى في نفس السنة.

و في عام 1985 أتيحت لي فرصة الاتصال بشكل سري عبر عدة وسائط بالشهيد السيد محمد الصدر (قدس سرّه) وبعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية عام 1988 خفت قبضة النظام نسبيا وصرت أتحرك بحرية وكذا بدأ السيد الشهيد الصدر الثاني تدريسه وبحثه وصرنا نلتقي مباشرة.

و في أحداث الانتفاضة الشعبانية عام 1991 جعلني رئيسا لإحدى اللجان الخمسة و هي السياسية و الإعلامية في اليوم الأخير قبلاقتحام قوات الحرس الجمهوري مدينة النجف و اعتقال السيد الشهيد.

وبعد الانتفاضة ارتديت الزي الديني مطلع عام 1992 والتحقت بالدراسة الدينية و قطعت أشواطها بسرعة حتى حضرت الدروس العليا عند كبار العلماء السيد الشهيد الصدر (خمس سنوات) و السيد السيستاني (خمس سنوات) و الشيخ محمد إسحاق الفياض (أربع سنوات) و الشهيد الشيخ ميرزا علي الغروي (سنتان).

وبعد استشهاد السيد الصدر عام 1999 و إغلاق مكتبه بحادثة مفتعلة أعدت النشاط الاجتماعي و التدريس و اللقاء بالناس في مسجد الرأس الشريف المجاور للصحن الحيدري حتى أصبح مركز إدارة وقيادة أتباع السيد الشهيد

ص: 129

الصدر الثاني والحركة الإسلامية المتصاعدة مما أربك النظام وجعلني تحت المراقبة المكثفة.

ولم أعلن اجتهادي إلا بعد سقوط النظام مباشرة حيث أقمت صلاة الجمعة في صحن الكاظمين في بغداد في 2003/4/25 بحضور عشرات الآلاف امتلأ بهم الصحن الشريف و المساحة المجاورة له و دعوت الناس إلى المشاركة في تظاهرة يوم 2003/4/28 للمطالبة بدور أساسي للمرجعية الدينية و الحوزة العلمية و عراقيي الداخل (كما يسمونهم) في العملية السياسية و كانت من اكبر التظاهرات التي شهدها العراق الحديث امتدت عدة كيلومترات ما بين ساحة المسرح الوطني و ساحة الفردوس ، و تجدون تفاصيل أخرى في كتاب (الشهيد الصدر الثاني كما اعرفه) و كتاب (محمد اليعقوبي من الذات إلى المجتمع) وكتاب ( الشيخ موسى اليعقوبي: حياته – شعره) وكتاب (قناديل العارفين) وغيرها.ومثلي الأعلى هو قدوة كل البشر الذي جعله الله تعالى لنا أسوة حسنة حين قال تبارك وتعالى: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ» (الأحزاب:21) وهو محمد رسول الله (صلی الله علیه و آله) وعلي بن أبي طالب أمير المؤمنين و الأئمة المعصومون من ذريتهم، وأراجع باستمرار سيرتهم وكلماتهم الشريفة لأستفيد منها وأتأسى بها وسجلت استفادتي من قيادتهم المباركة في عدة كتب وهي (الأسوة الحسنة للقادة والمصلحين) و (دور الأئمة في الحياة الإسلامية) و (شكوى القران).

ص: 130

مشروع حزب الفضيلة كانت بواكيره في زمن صدام:

نيوزويك: ما هي الأهداف الاستراتيجية لحزب الفضيلة الإسلامي؟

سماحة الشيخ اليعقوبي: كان مشروع تأسيس الحزب في ذهني قبل السقوط لعلمي بانهيار النظام و سقوطه و عرضت أفكارا مجملة على الدكتور نديم الجابري و عدد محدود من الإخوة لقوة بطش النظام وفتكه بأي مشروع من هذا القبيل، وبعد السقوط مباشرة ذهبت إلى بغداد و اجتمعت بعدد من الكوادر و انطلقت مسيرة الحزب و كانت هذه الكوادر (ومنهم الدكتور نديم الجابري) في مقدمة التظاهرة التي أشرت إليها قبل قليل.

وكان الهدف من تشكيله بلورة المشروع السياسي الذي يحقق مطالب الجماهير التي كانت في داخل العراق، وخصوصاً من أتباع المرجع الشهيد السيد محمد الصدر الذين كانوا لا يحسنون الظن بأكثر قيادات الأحزاب القادمة من الخارج، و يرونهم بعيدين عن الواقع و يعيشون حالة انفصال عن تطور الأحداث في العراق خلال عشرين عاماً، ولا حاجة إلى تذويب شخصيتهم في أولئكالقادمين من دون أن يكون بديلاً عنهم وإنما هو مكمل لدورهم وخيمة لضم هذه الشريحة لذا فإن المراقب يجد في مسيرة حزب الفضيلة الإسلامي خصوصيات غير موجودة في غيرهم (راجع كتيب بعنوان: خصوصيات حزب الفضيلة الإسلامي كتبه الدكتور جاسم محمد)، وقد أشرت إلى الأهداف من تشكيله و المبادئ التي يستند إليها الحزب في عمله في

ص: 131

عدة خطابات من سلسلة خطاب المرحلة ومنها خطاب (الأسس النظرية لحزب الفضيلة الإسلامي) و(العمل السياسي من الواجبات الشرعية) و(المبادئ الثابتة في السياسة) و(مبادئ الشفافية وعناصرها) وغيره، وألف الدكتور نديم الجابري كتاب (نظام الحكم المناسب في العراق) مؤيداً لهذا المشروع، وتستطيع أن تميز خط الحزب باختصار بأنه (عراقي- عربي- إسلامي- أنساني) بكل ما تعنيه هذه الكلمات من برامج واليات عمل وأهداف و مواقف و رؤى.

كيف يمكن تفادي الحرب الأهلية

نيوزويك: هل يمكن تفادي الحرب الأهلية، وكيف؟

سماحة الشيخ اليعقوبي: نعم يمكن تفادي الحرب الأهلية بالقضاء على أسبابها ومناشئها وتجفيف منابع إثارتها و تأجيجها وإدامتها و ذلك من خلال عدة خطوات :

أ- توفر القناعة لدى المحرضين عليها و الداعمين لها من الإطراف الداخلية و الخارجية بعدم جدواها و إنها تعود بالضرر عليهم «وَلا يَحِيقُ المَكرُ السَيّئُ إلا بِأَهلِهِ»، وأن ما يريدون تحقيقه – إنْ كان حقا وعدلا – فإنهم سينالونه بالحوار والعملية السياسية والمطالبة المستندة إلى الحجة والدليل، فإذا توفرت هذه القناعة وحصلت الإرادة الجدية لحل المشكلة فإنها ستحل فوراً، أماالصيحات و الدعوات التي نسمعها هنا وهناك فإنها منافقة وغير صادقة ولا

ص: 132

مبتنية على أسس صحيحة و إنما يريد كل طرف تكريس مصالحه و التمدد على حساب الآخرين أزيد ما يمكن.

ب- نبذ الخطاب الطائفي و القومي و الأناني و الفئوي و التحول إلى خطاب أنساني يتسامى عن هذه النظرات الضيقة و أن يتقوا الله في هذه الأمة فقد اهلكوا العباد وخربوا البلاد.

ج- قيام الخطباء والعلماء والمثقفين و أئمة المساجد وصانعي الرأي العام من إعلاميين و كتاب بخلق حالة عامة من الوعي ضد التطرف والتشنج و التعصب والعنف والطائفية ونحوها من أسباب الفتنة.

د- إنهاء حالة الاحتلال و اقتصار الجهد الدولي على المساعدة بالمقدار الذي يحتاجه العراقيون من دول العالم، فإن العراق بحاجة أكيدة إلى المساعدة لكي يداوي جراحه ويعمر بيته و يبني مؤسساته وينهض من الكارثة التي حلت به منذ عقود ويقف على قدميه من جديد ويجاري الدول المتحضرة، وهو قادر على الوصول إلى هذه المرحلة بسرعة لتوفر عناصر القوة و الازدهار والتقدم والثروة عنده.

ه- إجراء إصلاحات سياسية جذرية و إعادة النظر في جملة من القرارات الخاطئة التي اتخذت (ومن) هذه الإصلاحات:-

ص: 133

1- تفكيك الائتلافات(1) و التحالفات على أسس طائفية أو عرقية و السماح بتحالف الأحزاب و القوى السياسية على أساس البرامج السياسية لإنهاء حالة التخندق الطائفي.2- إجراء انتخابات برلمانية تكميلية أو تعديلية كل سنتين في هذه المرحلة الانتقالية من تاريخ العراق لتسارع التغيرات و التحولات فيكون من الضروري امتصاص احتقان الذين لم تتوفر لهم فرصة المشاركة في البرلمان لسبب أو لآخر، لأن جزءاً من التوجه لحمل السلاح بسبب هذا الابتعاد الذي كان قسريا في بعض الأحيان فتستثمر التحولات السياسية لإعادة الفرصة إليهم من جديد.

ص: 134


1- حظيت هذه الفكرة باهتمام واسع من لدن الإعلاميين والمحللين والسياسيين وأثارت جدلاً وحوارات عبر الفضائيات استمرت عدة أسابيع بشكل لم يسبق لحدث أو فكرة أن ينال مثله وترك أثره الكبير حيث وجد حِراكاً سياسياً فاعلاً وانفصلت عدة كتل صغيرة من الكتل الكبيرة ومهدت للقضاء على الاقتتال الطائفي الناتج من التخندق الطائفي ، مما فضحت هذه الدعوة التي أعقبتها في شهر آذار انسحاب حزب الفضيلة الإسلامي من كتلة الائتلاف زيف المتسترين بلباس الطائفية السنية والشيعية لتحقق مآربهم الشخصية، حيث كشفت الخطوة أن الصراع سياسي على السلطة والثروة ويتلبس بالدين والطائفة للخداع. وهو ما قلناه في بيان عن وثيقة مكة، واستثمرت القوى المهيمنة على السلطة في العراق هذه الفكرة لتشكل تحالفاً رباعياً أو خماسياً يتجاوز الانتماء العرقي والطائفي ، وأعلن قيادي في المجلس الأعلى عن تشكيل جبهة تضمهم والحزب الإسلامي السني والتحالف الكردستاني، وفهم على أنه خطوة لإسقاط حكومة المالكي.

3- إعطاء دور للأحزاب و القوى التي تتبنى المعارضة الايجابية البناءة لا يقل عن دور المشاركين في الحكومة من خلال المؤسسات الرقابية كهيئة النزاهة و ديوان التفتيش العام و ديوان الرقابة المالية و نحوها وهي مؤسسات بدرجة وزارة يمكن أن تقنع هذه الأحزاب المعارضة و تسحبها من تبني المواجهة المسلحة، وقد ذكرت جدوى و مبررات هذا المقترح وآلياته التفصيلية في خطاب صدر أخيراً من سلسلة خطاب المرحلة وهو منشور وتوجد مقترحات أخرى سأبينها بأذن الله تعالى عندما تتحقق الإرادة الجدية للحل.

أنا أرفض حالة الاحتلال جملة وتفصيلاً:

نيوزويك: هل يساند سماحتكم جدولاً زمنياً لانسحاب القوات الأمريكية من العراق وهل لديكم أية مخاوف من ازدياد إراقة الدماء إذا هم رحلوا؟

سماحة الشيخ اليعقوبي: أنا أرفض حالة الاحتلال جملة وتفصيلاً، ويشاركني في هذا الموقف كل حر شريف، ورغم معاناتنا التي لا نظير لها من صدام و جلاوزته حيث كنا في داخل العراق وفي قلب أحداثه بمرافقتنا للسيد الشهيد الصدر الثاني طيلة أربعة عشر عاماً حتى استشهاده حيث كنت على رأس من تسلم جسده الشريف ونجليه من المستشفى و صليت عليهم و دفنتهم مع ثلة قليلة لا تتجاوز عدد الأصابع وواصلت مشروعه من بعده على مرأى ومسمع أولئك الأشرار.

أقول: رغم كل ذلك فإننا لم نكن نرحب بالقوات الغازية؛ لأننا و إن كنا نكره صداماً ونريد زواله إلا أن القلق ينتابنا من قدوم القوات الأجنبية

ص: 135

وتواجدها على أراضينا، وقد بينت في بعض خطاباتي وجوه هذا القلق، وحينما أتت كنا نأمل أن يقتصر دورها على ما أعلنته من مساعدة الشعب العراقي في بناء دولة حرة كريمة مبنية على أسس العدالة و الازدهار، وكنت من المبادرين إلى تقديم مشروع الحكومة الانتقالية في العراق قبل تأسيس مجلس الحكم لإعادة السيادة إلى العراقيين (وهو منشور ضمن سلسلة خطاب المرحلة)(1)، ولكن أصواتنا لم تكن مسموعة وتراكمت أخطاء الاحتلال و المتصدين للعملية السياسية حتى وصلت بنا الحال إلى ما نحن عليه الآن.

ولم أتوقف عن تقديم المشاريع البناءة التي فيها إنقاذ لكل الأطراف المتورطة في القضية العراقية ولكن «يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَايَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون» (يس:30) ويدفع الثمن دائما الأبرياء المستضعفون فنعم الحكم الله و الخصيم محمد (وعند الله تجتمع الخصوم).

وكنتُ من المبادرين للمطالبة لتشكيل وزارة الدفاع في صلاة الجمعة التي دعونا إلى إقامتها في ساحة الفردوس وشارك فيها الآلاف في آذار /2004 عندما تأخر تشكيلها بغية الإسراع في بناء قوات مسلحة عراقية كفوءة ومجهزة لتستطيع حفظ امن البلاد و تنتهي ذرائع وجود الاحتلال.

لكن الخطوات بقيت متعثرة و الآليات غير فعالة و كل الأطراف تفكر في مصالحها أولا و قبل كل شيء، ولا أحد يفكر بمصير العراق و أهله ولا زلت

ص: 136


1- انظر: خطاب المرحلة: ج3 ص112.

أجد أن الحل فيما ذكرت من المطالب و إنهاء حالة الاحتلال بالشكل المدروس الذي ذكرناه و شرحناه في عدة خطابات.

الإرهاب يرسخ حالة الإحتلال ورفض التقسيم:

نيوزويك: ما هو موقفكم تجاه الفدرالية؟ وهل يدعم سماحتكم القانون الجديد لإنشاء الأقاليم؟

سماحة الشيخ اليعقوبي: أصدرت عدة خطابات لبيان موقفنا من الفيدرالية كما ورد في صحيفة الصادقين التي تنشر أحاديثي وكلماتي تفاصيل عن القضية و بينتها لكبار المسؤولين الذين زاروني فراجعوها جميعا على موقعنا في شبكة الانترنت، وخلاصة الموقف أن الفيدرالية ليست مطلبا لنا فنحن نريد عراقاً موحداً وحكومة مركزية فاعلة في ممارسة الصلاحيات الموكولة إليها في الدستور، مع إعطاء إدارة لا مركزية بصلاحيات واضحة وواسعة في الدستور أيضا للحكومات المحلية فيالمحافظات، وأن تقدم الحكومة المركزية كل ما يساهم في إنجاح و تقوية الحكومات المحلية.

وبنفس الوقت اعتقد أن الفيدرالية يمكن أن تكون حلا أخيرا لمشاكل البلاد إذا استعصت على الحل لا سامح الله، ولا أجد مشاكل البلاد مستعصية على الحل إلا إذا أوصل أعداء الأمة والجهلاء والمتحجرون والانتهازيون و الأنانيون الحالة إلى هذه النقطة، لذا فعلى الإرهابيين والقتلة أن يعلموا إنهم بجرائمهم التي يرتكبوها بحق الشعب وعلى رأسها المجزرة التي ارتكبت يوم

ص: 137

أمس بحق أبناء مدينة الصدر البطلة المظلومة المحرومة(1) إنما يحققون عكس أهدافهم التي يزعمونها فأنهم يكرسّون الاحتلال الذي يزعمون أنهم يقاومونه؛ لأنهم يوفرون الذرائع له وإنهم يسدون كل باب للتعايش السلمي و التسامح والتواصل فينحصر الخيار بالفيدرالية والتقسيم ونحوها من الخيارات المرة وهم يزعمون إرادة وحدة العراق ومعارضة تقسيمه فليثوبوا إلى رشدهم ولينظروا إلى نتائج أعمالهم ببصيرة

نظام الحكم الذي ينبغي أن يسود في العراق:

نيوزويك: كيف ينبغي أن يحكم العراق؟ وهل يمكن أن يكون أي بلد كنموذج لهذا الحكم سلبا أم إيجاباً؟سماحة الشيخ اليعقوبي: إن نظام الحكم الذي ينبغي أن يسود العراق هو النظام الذي يحترم إرادة الإنسان ويعطيه الحرية الكاملة لاختيار من يحكمه وشكل الدولة التي يريدها و الدستور الذي ينظم عمل مؤسساته و الحقوق و الواجبات للفرد والدولة، وان تحقق له الفرصة الكاملة للتغيير والتبديل لكل

ص: 138


1- وقعت عدة انفجارات متزامنة في مدينة الصدر يوم الخميس 1/ ذ . ق/ 1427 المصادف 2006/11/23 بينها ثلاث سيارات مفخخة وقذائف صاروخية في عدة مناطق من المدينة وناهز عدد الضحايا (202) والجرحى(250) وأدان الجميع هذه العملية واعتبرها إفرازاً طبيعياً للاحتقان السياسي والخطاب الطائفي المتشنّج، وأعقبتها أعمال انتقامية متبادلة في أحياء مختلفة من بغداد.

ما لا يصلح له في ضوء آليات يكفلها الدستور، وإن كثيراً من الأنظمة السائدة في (الدول الديمقراطية) مناسبة للعراق بعد التعديل في تفاصيلها بالشكل الذي يناسب ثقافة وأخلاق وتقاليد الشعب العراقي وليس من الضروري استنساخ تجربة أي بلد آخر؛ لأننا نمتلك من الأصالة والعمق في التاريخ ومصادر العلم والمعرفة والكفاءات المتميزة ما يغنينا عن التبعية لأحد من دون أن نستغني عن كل تجربة ايجابية فنستفيد منها.

التعديل الحكومي المرتقب إذا كان حقيقياً فسنساهم فيه:

نيوزويك: ما هي المقترحات التي تدعمونها لرئيس الوزراء السيد نوري المالكي وعلى أي منها تعترضون؟

سماحة الشيخ اليعقوبي: لقد ولِدت حكومة الدكتور المالكي بعد مخاض عسير وطويل مما جعلها هزيلة وضعيفة وممزقة، وهذا ما تنبأنا به من خلال العقلية التي أدارت بها الكيانات السياسية مفاوضات تشكيل الحكومة إذ لم يكونوا يتصرفون كإخوة أبناء بلد واحد يريدون أن يساهموا في بناء عراق جديد، وإنما كانوا فرقاء متخاصمين يحاول كل منهم أن ينتزع من الآخر أزيد من حقه لذا أمرت كتلة الفضيلة بالانسحاب من الحكومة إذ لا يشرِّف أحدا أن يكون جزءاً منها وهي بهذه العقلية، ورغم ذلك فقد دعوتُ أعضاء كتلة الفضيلة إلى التصويت ب (نعم) في البرلمان لنيل الثقةبالحكومة من اجل إعطائها فرصة للعمل لعلها تنجح، واستمر موقفنا الساند للدكتور المالكي وهذه كلها

ص: 139

مواقف نبيلة لا تشهد لها مثيلا في عالم السياسة، وعندما علمنا بسعي الأستاذ المالكي لتغيير وزاري طلبتُ من كتلة الفضيلة لقاءه وزعماء الكتل السياسية ليعلنوا له موقف الحزب بأن التغيير إذا كان حقيقياً ولمصلحة البلد والشعب فإن الحزب يشارك في التشكيلة الجديدة، أما إذا كان من باب ذر الرماد في العيون فإن الحزب يحافظ على كرامته وينأى بنفسه عن هذه العملية.

إنشاء حكومة دينية:

نيوزويك: هل تؤيدون إنشاء حكومة دينية – تعتمد على حكم الشريعة – في العراق؟

سماحة الشيخ اليعقوبي: استند في كلامي إلى قول الإمام الرضا(علیه السلام) ثامن الأئمة المعصومين عندنا فقد روي قوله (إنما يحتاج الناس من الأمراء عدلهم) فنحن لا نهتم بالتسميات و الشعارات المرفوعة التي أضرت بنا كثيرا عبر التاريخ، وإنما المطلوب لنا إيجاد نظام حكم وفق الأسس التي ذكرناها إجمالا في جواب السؤال السابق و وضع تفاصيلها أمير المؤمنين(علیه السلام) في عهده الخالد الذي كتبه لصاحبه الوفي مالك الأشتر لما ولاه مصر، أما هذه المصطلحات كالحكومة الدينية و نحوها فهي مستحدثة ولا أصل لها ونحن إنما أمنا بالدين واتبعناه في حياتنا فلأننا رأيناه يحرر الإنسان من عبودية الإنسان و طاعة الشهوات والنزوات المهلكة ولأنه ينظم حياتنا بالشكل الذي يحقق لنا السعادة والأمن والاطمئنان وإعمار الحياة بكل ما هو مفيد ونحن مع أي نظام يحقق لنا هذه الأهداف بغض النظر عن التسميات.

ص: 140

عوامل نجاح القيادة:

نيوزويك: فيما لو كنت قائدا للعراق هل ستكون حكومة العراق حكومة دينية؟

سماحة الشيخ اليعقوبي: إن القيادة ليست شيئا يُدّعى ولا ينال بالقهر والتسلط بالقوة وإنما هي علاقة تنشأ بين القائد والآخرين يحددها عاملان هما حاجة الآخرين إلى الشخص وإحسانه إلى الآخرين، قال أمير المؤمنين(علیه السلام) (أحسن إلى من شئت تكن أميره، واستغن عمن شئت تكن نظيره ، واحتج إلى من شئت تكن أسيره) وقيل لأحد العلماء ما هو الدليل على إمامة أمير المؤمنين(علیه السلام) فقال: (حاجة الناس إليه واستغناؤه عن الناس)(1)،

فكلما كان الإنسان معطاء في حياته ومحسنا إلى الناس كل أشكال الإحسان فإن حاجة الناس إليه ستزداد وستختاره لقيادتها ، على إننا تعلمنا من أئمتنا المعصومين عليهم السلام الزهد في المناصب واحتقار الدنيا التي تُنال بالظلم والعدوان والمكر والخديعة، ولا نرى المناصب إلا وسيلة للاحسان إلى الناس ورفع الظلم عنهم وإسعادهم وتوجد كلمات جليلة لأمير المؤمنين(علیه السلام) في هذا الصدد في نهج البلاغة لا ينبغي لأحد أن يغفل عنها.

ص: 141


1- أنظر: سنن الإمام علي(علیه السلام): لجنة الحديث معهد باقر العلوم8: ص178.

يوجد عتب كبير لدى شعوب العالم على الشعب الأمريكي:

نيوزويك: هل هناك ما يثير إعجابك بأمريكا، وهل هناك من لفت أنظارك من القادة السياسيين الأمريكيين أو غيرهم؟

سماحة الشيخ اليعقوبي: يجب أن افرق في تقييمي بين الإدارة الأمريكية والشعب الأمريكي، فإن الشعب الأمريكي يساهم فيبناء حضارة إنسانية راقية تحظي بإعجاب العالم كله ويحمل الكثير من الخصال الطيبة كاحترام الإنسان واعتباره أثمن شيء في هذه الدنيا مما يدعوهم إلى التفاعل مع قضايا الشعوب، ويعجبني فيهم تذويبهم لكل خصوصياتهم وانتماءاتهم الأصلية وتمسكهم بحب وطنهم ومصلحة شعبهم، كما أسمع كثيراً عن المصداقية في التعامل لدى شعوب الغرب المتحضرة، وهذه كلها وأزيد منها مما تعلمناه من الإسلام على لسان نبينا العظيم محمد(صلی الله علیه و آله)، لكن الفرق بيننا في المنطلقات والنوايا فإن كثيراً من الغربيين يطلبون الأهداف القريبة العاجلة، ونحن نطلب إضافة إليها الأهداف السامية أعني رضا الله تبارك وتعالى والفوز بالجنة، كما أن حضارة الغرب المادية تستبطن عوامل الفناء والخراب ونبهتّهم إليها في أكثر من خطاب منها (الأيدز: نذير انهيار الحضارة الغربية) ورسالتي إلى الرئيس الفرنسي جاك شيراك عندما اخذ بنصيحة مجلس حكمائه في منع الحجاب في المدارس الرسمية وغيرها.

ولا زلت أتذكر حين مطالعتي لكتاب (كيف تكسب الأصدقاء) ل(ديل كارنيجي) الذي أحترمه كثيراً، أتذكر التطابق الكبير بين ما ورد فيه و التعاليم

ص: 142

التي نقلتها أحاديث أهل البيت (علیهم السلام) ولا اعتقد أن ما توصل إليه نتيجة خبرة إنسانية متراكمة وإنما استفاده بشكل مباشر أو غير مباشر من التعاليم الإلهية للأنبياء والرسل والأئمة عليهم صلوات الله فإن الإنسان عاجز لوحده عن الوصول إلى ابسط التصرفات الحياتية كدفن جسد الميت حتى بعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه في قضية قتل أحد ولدي نبي الله آدم للأخر فتعلم من الغراب ودفن جثة أخيه المقتول بحسب ما حكاه القران الكريم.أما الإدارة الأمريكية فإن الكراهية لها تزداد لدى شعوب العالم بسبب ما ترتكبه من سياسات ظالمة وجرائم بحق الشعوب وكيلها بمكيالين و يوجد عتب كبير لدى هذه الشعوب على الشعب الأمريكي انه لا يؤثر بشكل فاعل على سياسة إدارته المفروض انه انتخبها بكل حرية وهي تدعي تمثيله .

في الختام آمل أن تُقرأ أجوبتي بعمق وتأمل لأن فيها خيراً كثيراً للجميع وبمقدار نجاحكم في إيصالها فإنها ستكون مثار فخر و اعتزاز ونبل لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ص: 143

موعظة للإعلاميين

التقى سماحة الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) بعدد من مراسلي الفضائيات ووكالات الأنباء(1) وافتتح كلامه بالحديث الشريف عن أمير المؤمنين(علیه السلام) (منهومان لا يشبعان طالب علم وطالب دنيا)(2)

وقال إن الصحفيين نهمون أيضاً في اقتناص الأخبار وتغطية الأحداث وتحقيق السبق الصحفي، فمن أي الفريقين هم؟

وأجاب سماحته: أنهم يمكن أن يكونوا من الأول ويمكن أن يكونوا من الثاني فإذا عملوا بمهنية وموضوعية وحيادية وإنصاف في كشف الحقائق وإيصال المعلومة الصحيحة كانوا من الأول لان العلم هو انكشاف الحقيقة كما هي في الواقع، وإن خضعوا للإغراءات وباعوا أمانتهم وشرف مهنتهم بثمن بخس فأصبحوا أبواقاً تردد ما تطلبه منهم الجهة التي تدفع لهم كانوا من الثاني، والأول هو الإعلامي الناجح الذي يحظى بالرضا والقبول.

وإني أقول بصدق: إنني استفيد كثيراً مما يعرضه المراسلون من خفايا وخبايا عن وضع الناس ومعاناتهم ومشاكلهم مما لا نستطيع الوصول إليه، وأتحرك منطلقاً من مسؤوليتي بما استطيع لحل تلك المشاكل ورفع المعاناة، وأنا

ص: 144


1- بينهم مراسل الحرة والمنار والعراقية والرأي العام ووكالة الصحافة الفرنسية... وكان اللقاء يوم 2/ذو الحجة /1428 المصادف 2007/12/13.
2- نهج البلاغة: الحكمة: 457.

مدين لهم بهذه الخدمات التي يؤدونها، وأخصص جزءاً من وقتي لمتابعة نشرات الأخبار واعتبرها جزءاً من الاهتمام بأمور المسلمين التي أمرنا بها.

وفي نفس الوقت فاني أتعجّب من الحكومة وعموم المتصدين لإدارة البلاد لهذا الصمم الذي أصيبت به آذانهم والعمى الذي أصيبت به أعينهم والقساوة التي طبعت على قلوبهم، فإننا إن عذرناهم عن النزول إلى الميدان والتجول بين الناس وتفقّد أحوالهم، فإننا لا نعذرهم من متابعة ما تظهره وسائل الإعلام ولا نعفيهم من واجب بثّ العيون من الأمناء المخلصين في كل زوايا البلاد لينقلوا لهم كل صغيرة وكبيرة من أحوال الشعب فيكافئوا المحسن ويعاقبوا المسيء ويصلحوا الفساد ويعمروا البلاد ويرفعوا المعاناة.

أنا أعلم أنه ليس بمقدورهم حل كل مشاكل البلاد فإن بعضها خارج عن حدود الطاقة، لكنني أتحدّث عمّا يمكنهم فعله لو توفرت الإرادة الجادة والصادقة، مثلاً حينما قرّرت الحكومة تشجيع العوائل المهجّرة في سوريا على العودة إلى العراق بسبب تحسّن الوضع الأمني وقررت توفير وسائط النقل مجاناً ومنح مبلغ لكل عائلة عائدة فإنهم نفذوا فوراً وبدون معوقات وتم تسليم المبالغ نقداً بمجرد وصول العوائل إلى بغداد وهذا شيء جيد ويستحق العائدون أن نعينهم على تجاوز المحنة، ولكن لماذا هذا الروتين القاتل والمماطلة والتسويف في مساعدة العوائل المهجرة بحيث تمرّ الأشهر دون تنفيذ قرار الحكومة بمنح مساعدة ماليةلهم رغم صيحات المحرومين والمنظمات الدولية والإنسانية والكوارث المحيطة بهم. ألا يستحق هؤلاء المبادرة إلى مساعدتهم

ص: 145

مباشرة وبنفس الفورية التي تعاملوا بها مع العائدين؟ إن مثل هذه المفارقة تجعلنا نعتقد بعدم الإخلاص والمصداقية في العمل إلا بمقدار ما ينفع مصالحهم الشخصية ويلمّع صورتهم وإبراز قضية عودة المهاجرين كمؤشر على نجاح الحكومة.

والمثال الآخر: امتيازات أعضاء مجلس النواب فانه نال المصادقة بدون تأخير مع ما يتميزون به أصلاً من امتيازات بينما يمر عام ونصف العام على قرار منح الطلبة الجامعيين مساعدات شهرية تعينهم على مواصلة دراستهم من دون نيل المصادقة.

والأدهى من ذلك أن أربع سنين عجاف مرّت على الشعب وهو يفقد الآلاف من أبنائه وتُخرّب ممتلكاته في حوادث العنف المريعة، وحينما أرادوا إنهاء ذلك بعد عقد صفقات وجني مصالح وأرباح توقفت تلك الأعمال بدرجة كبيرة بجرّة قلم فمن الذي يتحمل مسؤولية تلك الدماء والضحايا الذين خلفوا ملايين الأيتام والأرامل. وعاد الأمن إلى بغداد بنسبة 60-65% بحسب التقديرات بعد أن أصبحت مدينة أشباح يعلو فيها أزيز الرصاص والمتفجرات على كل صوت.

إن هذه النتائج تفرحنا لكننا نطالب أن تكون إرادة الخير ومراعاة القيم الإنسانية هي الحاكمة والبوصلة التي توجّه حركة الجميع لا المصالح الشخصية والأنانية.

ثم أجاب سماحته على بعض أسئلة الإعلاميين وهي:

ص: 146

الامتيازات الإضافية للبرلمانيين

س1: كيف يرى سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي الزيادة الكبيرة التي حصل عليها النواب والوزراء العراقيونوالشعب العراقي يَئِنُّ من صعوبات العيش، خاصة خلال هذه الفترة الحرجة؟

الجواب: أعتقد أن المناقشة لا تكون الآن في أصل القرار فقد اتُخذ وانتهى الأمر ولم تنفع بعض الاعتراضات خصوصاً وأننا نعتقد أن ثروات البلد لو وزعت بشكل عادل وتوفرت عند الحكومة حسن إدارة للأموال فإن نصيب المواطن العراقي سيكون وفيراً خصوصاً لمن هم في مواقع المسؤولية ولهم وضع خاص في المجتمع.

ولكننا نطالبهم أولاً بأن يقدّموا للأمة عطاءً مساوياً للامتيازات التي يحصلون عليها وينجزون القرارات والمشاريع التي ترفع المعاناة عن الشعب وتوفر لهم حقوقهم بأسرع مما يقررّون لأنفسهم وليس العكس كما هو حاصل.

لذا أنا أمرت من يطيعني من أعضاء البرلمان وأنصح غيرهم أيضاً بدفع هذه الزيادات إلى صندوق خيري ينفق منه على تشغيل العاطلين ومساعدة المهجّرين والمحتاجين ليساهموا ولو بدرجة يسيرة وبحدود ما يستطيعون في رفع معاناة الناس، وقد سمعت أن كثيراً من المهجّرين في خيام متهرئة لا تصمد أمام أمطار وعواصف الشتاء فما مصير هذه العوائل حينئذ؟ وهل يعسر على البرلمانيين والحكومة توفير كرفانات لإسكان المهجرين؟!

ص: 147

الحكومة الحالية لا تناسب الوضع السياسي والاجتماعي، والممارسة الديمقراطية عوراء :

س2: كيف تقرأون واقع تشكيلة الحكومة الحالية؟الجواب: لا يمكن بناء العملية السياسية في هذه المرحلة على الأقل على أساس حكم الأغلبية وإنما تجب العودة إلى حكومة الشراكة الوطنية مع مراعاة الاستحقاقات وأن تتخذ القرارات الستراتيجية وفق مبدأ التوافق لأكثر من سبب:

لأن تركيبة الأحزاب الحاكمة اليوم مبنية على أساس المكونات الاجتماعية والانتماء الطائفي والعرقي فاعتماد نظام حكم الأغلبية يعني عزّل بعض مكونات المجتمع وبالتالي استعداءهم لأنه يُنظر إليه على انه إقصاء لهذا المكون أو ذاك، نعم إذا تحققت القناعة بما دعونا إليه من تغيير خارطة التحالفات وبنائها على أساس البرامج والمشاريع التي تقدّمها الأحزاب فسيكون من الممكن حينئذ حكم الكيانات ذات البرامج التي تحظى بالأغلبية ولا يكون فيه عزل أو إقصاء لمكوّن من النسيج الاجتماعي العراقي وهذا ما يحتاج إلى مدة لاستيعابه ومن ثم العمل به لوجود كتل ترى من مصلحتها إبقاء هذه التخندقات.

إن ممارسات المهيمنين على السلطة تقدّم لنا نموذجاً للديمقراطية العوراء التي ترى بعين واحدة وهي تبرر اسئثارها بالسلطة وسائر الامتيازات

ص: 148

بأنها حكم الأغلبية، هذا إذا افترضنا أنها تتمتع بأغلبية برلمانية وهذا غير صحيح بدليل فشل رئيس الوزراء في نيل ثقة الأغلبية على الوزراء الذين يقدّمهم لشغل المقاعد الفارغة ولا تنظر بالعين الأخرى وهي حفظ حقوق الأقلية، وهذا ما لا يتوفر في سياسة الحكومة إذ أن من لا ينتمي إلى الأحزاب المستأثرة بالسلطة يتعذّر عليه أن يحصل على فرصة عمل يكسب بها قوتاً لعائلته، فهل هذا من الديمقراطية! ولنفترض أن كياناً أو فرداً ليس جزءاً من التشكيلة الحكومية لكن أليس هو جزءاً من الدولة ويساهم في بنائها وانه مواطن عراقي له كامل الحقوق المكفولة لكل مواطن؟والنتيجة أن الحكومة الحالية لا تناسب الوضع السياسي والاجتماعي في العراق اليوم ولابد من العودة إلى حكومة الشراكة والوحدة الوطنية فإن الاستئثار والتفرد هو الذي يؤدي إلى العنف ويقود إلى الخراب.

حل مشكلة كركوك، والفدرالية والدكتاتورية:

س3: كيف ترون الحل في مشكلة كركوك؟

الجواب: حل مشكلة كركوك وكل محافظات العراق بجعل نظام الحكم في العراق مبنياً على أساس الإدارة اللامركزية تتوفر فيه حكومة مركزية قوية قادرة على إعادة بناء البلد وإعماره والدفاع عنه وحفظ وحدته ولحمة نسيجه الاجتماعي وتقسّم ثروات البلد بعدالة، مع إدارة لا مركزية للمحافظات تمنح فيه السلطات المحلية صلاحيات تمكّنها من مراعاة خصوصيات المحافظات

ص: 149

وأولويات حاجاتها لوجود تباين بين مستوى المحافظات ودرجة تعرضها للخراب والدمار والإهمال وتنوع ثقافاتها ومصالحها، ثم إن إعطاء مثل هذه الصلاحيات يساهم في بروز قيادات في المحافظات تؤهلها لمشاريع أوسع كالفدرالية ونحوها عندما تكون الظروف مناسبة.

وقد اكتشف حتى الإخوة الأكراد في الأيام الأخيرة عندما تصاعدت التهديدات التركية حاجتهم إلى وقفة قوية من الحكومة المركزية، واكتشفوا أن ليس من مصلحة العراق وشعبه إضعاف الحكومة المركزية كما إنكم تلاحظون أن كثيراً من المشاكل يستعصي حلها على الحكومات المحلية ولا تُحلَّ إلا بتدخل الحكومة المركزية.أما المبررات التي تذكر اليوم للمسارعة في تطبيق الفدرالية فهي غير واقعية كما يقال أنها لمنع الديكتاتورية في المركز. وهذا كلام غير صحيح، لان الذي يمنع الديكتاتورية وجود عملية سياسية صحيحة مبنية على التنافس الشريف واحترام إرادة الشعب والعمل بالدستور وحينئذ ينال كل واحد حقه من غير استئثار ولا عدوان، أما الفدرالية فقد تعمل على إنشاء ديكتاتوريات متعددة في الأقاليم والمحافظات ويتحول إلى ممالك وكانتونات عشائرية وطائفية وغيرها من الانتماءات فلنعمل جميعاً على إقامة عملية سياسية سليمة قائمة على أسس صحيحة فهي الحل الأمثل للجميع. أما الدعوات الأخرى فلا أستطيع أن أحسن الظن بها. والوقائع على الأرض والأحداث شاهدة على ذلك.

ص: 150

المشروع السياسي للسيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سرّه)

المشروع السياسي للسيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سرّه)(1)

تعريف المشروع السياسي:

س1: ونحن نعيش ذكرى استشهاد السيد محمد محمد صادق الصدر (قدس سرّه) نود أن نتحدث عن موضوع المشروع السياسي للسيد الشهيد الصدر الذي هو خافٍ عن الكثيرين نسأل هل كان للسيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سرّه) مشروع سياسي باعتباركم كنتم قريبين من سماحته منذ منتصف الثمانينات؟

ج:- بسم الله الرحمن الرحيم، من الواضح أن للسيد الشهيد الصدر (قدس سرّه) مشروعاً سياسياً أو على الأقل له عمل سياسي وهذاليس خافياً على أحد، نعم قد تكون معالمه أو تفاصيله خفية، أما أصل الموضوع فهو ثابت وقد دفع حياته الشريفة وحياة ولديه ثمناً لهذا النشاط وقد أثمر مشروعه المبارك في نخر كيان صدام وزمرته بحيث عاد خاوياً متهالكاً سقط في أول صفعة وُجهت له 2003.

ولكي نفهم مشروعه السياسي علينا أن نعرف معنى هاتين المفردتين (المشروع والسياسة) فأنني اسمع أنهم يعرّفون السياسة بأنها فن الممكن وهذا

ص: 151


1- تقرير بتصرف للحوار الذي أجرته قناة العراقية الفضائية مع سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) يوم الجمعة 2/محرم/1429 المصادف 2008/1/11 وعُرض في الذكرى التاسعة لاستشهاد السيد الصدر الثاني (قدس سرّه) يوم 2008/2/19.

التعريف غير دقيق فان الإنسان لا يستطيع أن يأتي إلا بالممكن في جميع حقول الحياة وليس في الحقل السياسي فقط، لذا فأنني اعرّف السياسة بأنها (فنّ رعاية المصالح العامة) وهذا التعريف ينطبق على معنى السياسة في الإسلام باعتبار أننا نخاطب الأئمة المعصومين (علیهم السلام) بأنهم (ساسة العباد)(1)

أي أنهم الراعي الأول لمصالح العباد، وينطبق على معنى السياسة عند العلمانيين الذين يقولون (لا توجد صداقات ثابتة ولا عداوات ثابتة وإنما توجد مصالح ثابتة).

نعم يختلف هذا التعريف بين المعسكرين في تفاصيله ومتعلقاته فالمصالح التي ترعاها السياسة الإسلامية هي مصالح العباد والبلاد من دون تفريق بين أحد وآخر مهما كان دينه وقوميته ولونه وجنسه بينما المصالح عند السياسة غير الإسلامية هي المصالح الشخصية والفئوية.

ويختلفان مثلاً من حيث الأُطر المحددّة لآليات العمل والبرامج فالسياسي الإسلامي يؤمن بمبادئ ثابتة لا يتجاوزها مهما كانت النتائج لأنه يعتقد بوجود الآخرة والحساب على الأعمال بين يدي الله تبارك وتعالى، ولا يمكن أن يفرّط بآخرتهمن اجل دنيا زائلة، وقد شرحنا هذه المبادئ في خطاب (المبادئ الثابتة في السياسة)، بينما السياسي الآخر لا يتحدد بمبادئ وإنما يؤمن بالميكيافيلية وان الغاية تبرر الوسيلة والوقائع الكثيرة تشهد على أنهم لم يتورعوا عن إزهاق ملايين الأرواح وتدمير الحياة من اجل إشباع نزواتهم وإتباع أهوائهم وشهواتهم.

ص: 152


1- أنظر مفاتيح الجنان: الزيارة الجامعة الكبيرة.

أما (المشروع) فيعني البرنامج الذي يضع لنفسه أهدافاً يسعى لتحقيقها وآليات يتبعها للوصول إلى ذلك الهدف فلا مكان فيه للعقوبة والارتجالية والتصرفات غير المحسوبة.

وحينئذ أقول في الجواب أن السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سرّه) لم يكن يصرّح أو يستطيع التصريح بأن له مشروعاً منتظماً للوصول إلى أهداف محددة وكان يكتفي بالعموميات ويخفي مراده أحياناً ما بين السطور، لان السلطة المعروفة ببطشها وقسوتها ستقضي على مشروعه وهو في المهد لان أي عمل منظم تشعر بأن فيه تهديداً لكيانها ولو كان باحتمال ضئيل جداً فأنها تفتك به حيث كان صدام يقول (إنني اقتل عشرة ألاف من دون أن يرفّ لي جفن) وإنما صَبَرت السلطة زمناً ما على حركة السيد الشهيد (قدس سرّه) لأنها تعتقد فيها أنها حركة عفوية عاطفية غير منتظمة في مشروع، وقد تعمّد السيد الشهيد (قدس سرّه) إيقاعها في هذا التصور حينما سُئل في بعض لقاءاته المسجّلة عن خطوته اللاحقة قال (أنني لا اعلم ماذا أفعل غداً، وكل ما في الأمر انه عندما يأتي الغد أجد نفسي مقتنعاً بأن أقوم بفعل ما) وهو (قدس سرّه) يعلم ان هذه الكلمات تصل إلى السلطة لأنها تتابع بدقّة ما يصدر عنه من كلمات وخطب ومنشورات وتحللها.

ص: 153

قيادة الحركة الإسلامية في ظل البطش الصدامي:

س2: هنا يتبادر الى الذهن سؤال كيف استطاع سماحة السيد الشهيد أن يبدأ بمشروعه السياسي حتى وإن كان بشكل غير مباشر في ظل وجود سلطة ونظام قمعي سيما وان سماحته كان معتقلاً عند الأجهزة القمعية حيث كان مراقباً ومحاصراً؟.

ج: أظنّك تقصد اعتقاله في الانتفاضة الشعبانية في آذار/1991 وهو ليس اعتقاله الوحيد فقد اعتقل عام 1974 في مديرية امن الديوانية ضمن حملة شملت الكثير من طلبة السيد الشهيد الصدر الأول (قدس سرّه) ومكث فيها حوالي أسبوعين وقد تحدث لي في بعض رسائله عمّا جرى له، هذا مضافاً إلى الإقامة الجبرية التي فرضت عليه عدة سنوات في الثمانينات، وهذا كله لتأكيد كلامك عن قساوة الظروف المحيطة بالسيد الشهيد (قدس سرّه) ومعرفته الجيدة بها لطول معاناته منها لذا فقد تطلبت حركته الكثير من الحكمة حتى يكسب اكبر مدة زمنية تمكّنه من تحقيق أفضل النتائج.

ولا شك ان لطف الله تبارك وتعالى كان يرعاه ويحفظه وسلّمه من تلك المحن إذ لم يتبق في داخل العراق من طلبة السيد الشهيد الصدر الأول (قدس سرّه) المعروفين والمؤهلين لمواصلة مسيرته المباركة إلا هو، وما دام قد ادّخره الله تبارك وتعالى لهذا الدور فلابد أنه سيحظى بلطف ورعاية إلهية خاصة.

وقد استطاع (قدس سرّه) بحكمته ونظرته الثاقبة أن يتعرف على واقع السلطة القائمة وما تفكر به والأساليب التي يمكن اتباعها من دون استفزازها،

ص: 154

وعرف الكثير منها أيضاً خلال استجوابه في معتقل الرضوانية بعد الانتفاضة وحقق معه عدد من كبار الضباط. كما نقل لي (قدس سرّه) وعرف من خلالها السياسة الجديدة التي سيتبعها النظام مع المرجعية والحركة الإسلامية وعمومعلاقته بالشعب العراقي، والتي بدت واضحة على تصرفات النظام مع المرجعية والحوزة العلمية والشباب المؤمنين خلال التسعينات.

لذا استطاع (قدس سرّه) أن يسحب البساط بهدوء من تحت النظام ويفقده قدرته على السيطرة على ضبط الجماهير إلى أن تفاجأ النظام بحركته وقرر قراره المشؤوم، وقد جمعني به (قدس سرّه) لقاء خاص بعد أيام من الزيارة الشعبانية التي دعا الجماهير فيها إلى السير مشياً إلى كربلاء واندفع المؤمنون بحماس بالغ مما دعا النظام إلى تهديده بالقتل، فسحب الأمر عشية اليوم الذي كانت مدينة الصدر ومناطق أخرى من بغداد قد عقدت العزم على التوجه فيه بشكل مواكب بالآلاف إلى كربلاء وهو يوم الثلاثاء 11/شعبان/1419، وقلت له في ذلك اللقاء أن هذه الحركة رافقتها فعاليات تصعيدية في مواجهة النظام مما يستفزّه ويدفعه إلى اتخاذ قرارات قاسية، والأجدى الاستمرار بالطريقة الهادئة في سحب البساط من تحتها، وأن منبر الجمعة وحده كافٍ لتقويض أركان النظام، قال (قدس سرّه): ((نعم وقد سحب البساط من تحته بنسبة 75%، ولكنني لست مسؤولاً عن هذه التصعيدات فإنني لم أأمر بها)) وكان مقترحي أن لا يخرج أبناء بغداد على شكل تجمعات ضخمة لأن ذلك يقلق النظام ويفشل المشروع فلو خرجوا على شكل مجاميع صغيرة وقد شرح (قدس سرّه) مبرر خروجهم

ص: 155

في مواكب ضخمة وبصراحة فقد كنت أعتقد أن النسبة التي قالها (قدس سرّه) مبالغٌ فيها.

استثمار نتائج الانتفاضة الشعبانية المباركة:

س3:- هل افهم من كلام سماحتكم ان السيد الشهيد (قدس سرّه) استثمر التغيير الحاصل في سياسة النظام أبان الانتفاضة الشعبانية؟

ج:- نعم فقد أفرزت الانتفاضة عدة نتائج مهمة من كسر حاجز الخوف والرعب الذي كان يملك بها النظام نفوس الناس أكثر من مؤسساته ورجاله، وأثمرت الانتفاضة شجاعة كبيرة لدى الشعب، وازدهر التوجّه الديني وأصبحت النجف الأشرف والحوزة العلمية ومكاتب المرجعية تشهد إقبالاً واسعاً من الناس، وتصاعد الوعي الإسلامي وتداول الكتب والنشرات بما فيها الممنوعة التي كانت تستنسخ سراً، وهذه العوامل وغيرها دفعت النظام إلى ان يغيّر سياسته مع الحركة الدينية على الصورة التي تعامل بها مع الحركة إبان مواجهتها للسيد الشهيد الصدر الأول (قدس سرّه) فتغيّر سياسة النظام ليس لأنه تغيّر في نفسه وإنما اضطر لمجاراة الوضع الجديد الذي تميّز بانطلاقة قوية وواسعة للحركة الدينية.

ص: 156

المرجعية والعمل السياسي:

س4: المعروف إجمالاً في الأوساط الحوزوية عدم تدخل المرجعية في الشؤون السياسية وعادة ما تنأى الحوزة العلمية نفسها عن الأوساط السياسية، فما الذي دفع السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سرّه) لممارسة دور سياسي والخروج عن هذا التقليد المتعارف.

ج:- أفهم من كلامك أنك تجعل القاعدة في تصرف المرجعية والحوزة العلمية هو الابتعاد عن السياسة والشؤونالعامة بحيث تكون ممارستها استثناءاً، والصحيح هو العكس فان الأصل في الشريعة الإسلامية أن يتصدى العلماء لرعاية شؤون الأمة وعلى رأسها ممارسة الدور السياسي، وأن الاستثناء هو التخلي عن هذا الواجب فقد كان النبي (صلی الله علیه و آله) وأمير المؤمنين(علیه السلام) أكمل القادة والسياسيين، ونَصِفُ المعصومين (علیهم السلام) في زيارة الجامعة الكبيرة بأنهم (ساسة العباد) وفي الرواية عن النبي (صلی الله علیه و آله): (المتقون سادة والفقهاء قادة)(1)

وفي الأحاديث الشريفة أيضاً ورد عن الإمام الصادق(علیه السلام): (من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم)(2)

وعن النبي (صلی الله علیه و آله) ان قال:( من سمع رجلا ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم .)(3).

ص: 157


1- البحار: ج67 ص290.
2- الوسائل: ج16 ص336.
3- الوسائل: ج15 ص141.

وقال السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سرّه) في بعض خطبه التي أثنى فيها على (الحوزة الناطقة) ويعني بها الحوزة المتحركة والتي لها شعور واسع بالمسؤولية تجاه كل شؤون المجتمع، قال فيها أن النبي (صلی الله علیه و آله) والأئمة المعصومين (علیهم السلام) هم من الحوزة الناطقة، وقد تميّز في تاريخ المرجعية الدينية خطابان: أحدهما يمثل الحوزة الناطقة التي انهمكت في العمل السياسي النقي الصالح إضافة إلى مسؤوليتها العلمية والدينية والاجتماعية وثانيها الذي انغلق على نفسه واكتفى بالشؤون العلمية والفتوى، وكان السيد الشهيد يعلن انتماءه إلى الخط الأول كأستاذه الشهيد الصدر الأول (قدس سرّه) والسيد محسن الحكيم والميرزا النائيني الذي آزر أستاذه الآخوند الخراساني في حركة الدستور المعروفة بالمشروطة أوائل القرن الماضي.وقال لي مرة في بعض رسائله انه قال لأستاذه الشهيد الصدر الأول (قدس سرّه) أن المحقق الحلي (وهو من أعاظم فقهاء الشيعة كان في القرن السابع الهجري في مدينة الحلة ويُدَّرس كتابه شرائع الإسلام في الفقه إلى الآن) كان من العلماء الواعين –وهو تعبيره السابق عن الحوزة الناطقة- فأيّده الشهيد الصدر (قدس سرّه) في ذلك.

فحينما تسأل عن دوافع الشهيد الصدر لممارسة هذا الدور فلأنه من صميم مسؤولياته التي يؤمن بها ويرى لزوم القيام بها قال أمير المؤمنين(علیه السلام):

ص: 158

(لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم أو سغب مظلوم)(1)

إلى آخر الكلام.

فالقيام بهذا الدور أمانة في أعناق العلماء، مضافاً إلى عوامل أخرى أثّرت في شخصيته ودفعته في هذا الاتجاه ومنها

1- تأثره بأستاذه الشهيد الصدر (قدس سرّه) واهتمامه باقتفاء أثره في كل شيء.

2- إن الإصلاح الواسع الذي كان يريد إحداثه في حياة الأمة لم يكن ممكن التحقيق والتأثير في الأمة إلا بالانخراط في العمل السياسي وتحدي السلطة وتنبيهها إلى المظالم التي ترتكبها.

3- طيبة قلبه وحبّه الخير لجميع الناس وقوة قلبه في نفس الوقت مما جعله لا يقرّ له قرار حتى يبذل كل ما في وسعه لإنصاف المظلومين ومساعدة المحتاجين ونصرة المحرومين.

وكان يدعو الناس إلى التأكيد على صفة طيبة القلب وقضاء حوائج المؤمنين وإنفاق الأموال على مستحقيها لا (فيافيبني سعد) في المرجعية التي يتّبعونها بعد إحراز الاجتهاد والعدالة طبعاً وكان يركّز على هذه الصفات في البديل الذي يخلّفه.

ولرحمته الكبيرة فقد خاطب جميع شرائح المجتمع حتى الغجر في خطبته الأخيرة في الجمعة التي استشهد فيها.

ص: 159


1- نهج البلاغة: الخطبة: 3.

ما الذي دفع الناس إلى اتباع السيد الشهيد الصدر(قدس سرّه) :

س5:- عذراً للمقاطعة سماحة الشيخ ، هل أن ما تفضلتم به من البساطة في المعيشة والتعامل مع الجماهير هو الذي دفع الكثير من الجماهير أن تؤمن بفكر السيد الشهيد الصدر (قدس سرّه) حيث التفّت الأوساط الشعبية حول مرجعيته وبدأت تتفقه في الدين؟

ج:- هذا أحد الدوافع؛ لأن الشرائح التي آمنت بحركة السيد الشهيد (قدس سرّه) واتبعته متنوعة وكلٌ منها ينطلق من فهمه الخاص له (قدس سرّه) فالحوزة العلمية رأت فيه العالم المبدع وكان درسه في الأصول مما يحتج (قدس سرّه) به لإثبات أعلميته ورسالته العملية في الفقه، والمثقفون والمفكرون اتبعوه لما لمسوا فيه من فكر خلاّق وقدرة على الدراسة والتحليل والموسوعية، والطبقة العامة أمنت به لمواساته لهم ودفاعه عنهم وسعيه المخلص لإصلاح حالهم في الدنيا والآخرة، والسياسيون عقدوا عليه الآمال لأنهم وجدوا فيه المشروع الحقيقي لإزالة الطاغوت.

معالم المشروع السياسي للسيد الشهيد الصدر:

س6:- ما هي معالم المشروع السياسي الذي تبناه السيد الشهيد الصدر (قدس سرّه) ؟

ج:- يمكن أن نذكر على نحو الاختصار جملة من المعالم العامة لمشروعه السياسي

ص: 160

1- إنه مشروع إسلامي يستند إلى الإسلام في قراراته وآليات عمله والمبادئ التي تؤطر حركته فلا مجال فيه للبراغماتيه المحضة المتجردة من المبادئ.

2- إنه وطني فلم يقتصر في خطابه على أتباعه ولا على الشيعة فقط. بل وجّه خطابه إلى أبناء السنة وأمر بإقامة صلوات الجمعة الموحّدة وخاطب كل شرائح المجتمع بغضّ النظر عن انتمائهم والمتابع لخطبه يجد الكثير منها مخصصّة لشرائح معينة وكان آخرهم الغجر الذين وجّه لهم خطاب الإصلاح والهداية في الجمعة التي استشهد في مسائها وفي تلك الخطبة عدّد الشرائح التي خاطبها.

وحينما نقول إن مشروعه وطني فهذا لا يعني الانغلاق على بلده العراق فقط لأن رسالة الإسلام عالمية ولكن المتاح له كان ذلك مضافاً إلى أن المشروع الإسلامي العالمي لابد له من حاضنة وقاعدة يستند إليها وينطلق منها كما كانت المدينة المنورة قاعدة انطلاق رسول الله (صلی الله علیه و آله) وستكون الكوفة عاصمة الدولة العالمية المباركة التي يقيمها الإمام الموعود (عجل الله فرجه).

3- الجماهيرية وإشراك عامة طبقات الشعب في الحركة فلم يقتصر في خطابه ومشروعه على النخب بل تحدّث إلى جميع الناس مباشرة خصوصاً بعد إقامة صلاة الجمعة.

4- أصالة المرجعية الدينية وهذه نقطة مهمة إذ يوجد خلاف بين السياسيين الإسلاميين حاصله أنه من هو الأصل ولمن مرجعية القرار هل للمرجعية الدينية ويكون دور الحزب التنفيذ والعمل ضمن توجيهات المرجعية أم أن

ص: 161

الأصل هو الحزب فهو الذي يقرر وينفذ ويكون دور المرجعية تقديم النصائح غير الملزمة.وكان (قدس سرّه) يعيش تجربة مرة من بعض الأحزاب الإسلامية الشيعية التي تأسست برعاية المرجعية ثم خلفتها وراء ظهرها وأعطت لنفسها الحق في القيمومة على آراء المرجعية.

ولإعادة العمل السياسي الإسلامي الى مساره الصحيح فقد أصّل (قدس سرّه) للرجوع الإلزامي إلى المرجعية الدينية ورسّخ هذه الثقافة وكانت كلمته المشهورة (لا تقولوا قولاً ولا تفعلوا فعلاً إلا بالرجوع إلى الحوزة العلمية) وهو (قدس سرّه) لا يقصد بالحوزة كل من وضع العمامة على رأسه ودرس بعض العلوم وإنما يريد بها المرجعية الدينية المتمثلة بالمجتهد العادل العارف بشؤون زمانه لذا وصف في بعض كلماته الشخص الذي يقود الناس وهو ليس بمجتهد ب(الكحف) وهو قشر الفاكهة الذي يرمى مع الفضلات.

وقد بنى تأصيله هذا على ما نؤمن به من الآخرة والحساب ومسؤوليتنا أمام الله تعالى والتي لا يحق لأحد النظر فيها واستنباط أحكام الحالات المختلفة من مصادر التشريع الإسلامي الأصلية والإنسان قبل أن يكون سياسيا هو شخص مكلّف أمام الله تبارك وتعالى بواجبات وعليه حقوق.

وحتى على المقاييس الطبيعية فان المرجعية هي أولى الناس بالقيادة لاكتمال صفاتها فيها، فمن حيث العلم بالقانون المنظم للحياة تمثل المرجعية

ص: 162

أرقى درجاته بحصول ملكة الاجتهاد وقضاء عشرات السنين في البحث والتدريس والتأليف والحوارات العلمية، ومن حيث النزاهة فهي في أعلى درجات ضبط النفس وكبح شهواتها وملك زمامها والورع والزهد الذي نسميه ب(شرط العدالة)، ومن حيث الخبرة فان المرجعية تمضي عشرات السنين في التحرك في أوساط المجتمع والاتصال بكل طبقاته وتلقي أنواع المشاكل والمقترحات والمشاريع والأفكار، فما الذي يمنع السياسيين من أعطاء المرجعية دورها الذي تستحقه؟ولكي يطمئن السياسيون ونزيل مخاوفهم من تدخّل المرجعية في تفاصيل عملهم نقول: إن المرجعية تعرف المساحة التي تتحرك فيها والمساحة التي تتركها للآخرين لأنها لا تدعي المعرفة بكل شيء ولا أنها محيطة بكل التفاصيل كما ورد في الحديث (رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه حتى لا يوردها موارد الهلكة).

النشاطات السياسية للسيد الشهيد الصدر :(قدس سرّه)

س7:- ما هي أبرز النشاطات والفعاليات التي قام بها سماحة السيد الشهيد (قدس سرّه) لتكون مصاديق لمشروعه السياسي؟

ج:- إذا أردنا أن يكون الجواب أكثر فائدة فتقسم هذه الفعاليات إلى مراحل:

ص: 163

الأولى: في حياة أستاذه الشهيد الصدر الأول (قدس سرّه) وقد اختصرها (قدس سرّه) في بعض رسائله لي بأن عمله هو أتباع السيد الشهيد الصدر الأول (قدس سرّه) فيما يقول ويفعل ويوجّه، واعتقل خلال هذه المرحلة عام 1974 في مديرية أمن الديوانية حوالي أسبوعين، لكنه لم ينتمِ إلى (حزب الدعوة) وقال (قدس سرّه) في سبب ذلك: أنني وجدت الحياة التي يجسدها المتحزبون فيها (أنانية حزبية) فما الذي جنيناه أذن حين نخرج من أنانية الفرد ونقع في أنانية الحزب.

وحينما سألته في بعض الرسائل عن عدم قيامه بدور قيادي بارز عند تصاعد حركة السيد الشهيد الصدر الأول (قدس سرّه) في نهاية السبعينات فأرجعه إلى أمرين

أ تأثير والده المرحوم السيد محمد صادق الصدر (قدس سرّه) عليه والذي كان له تأثيره حتى على الأول (قدس سرّه).

ب انصرافه يومئذ إلى تهذيب نفسه وأتباع منهج أهل العرفان فابتعد عن الانهماك في العمل الاجتماعي الواسع.

الثانية: عقد الثمانينات: حيث انزوى في بيته بعد استشهاد أستاذه الصدر (قدس سرّه) ولم يكن يخرج إلا لضرورة وبعد أن شنت حملة جائرة لاعتقال السادة آل الحكيم عام 1983 وكان جاره واحداً منهم واستشهد لاحقاً وضع جلاوزة الأمن نقطة مراقبة عند باب داره فتكثَّف عمله بالتقية حتى وصفها في بعض رسائله بأنها اشد من التقية التي عاشها الإمام الحسن السبط(علیه السلام) وبقي في الإقامة الجبرية حتى حصل انفراج نسبي عام 1987 ثم كان الفرج أوسع

ص: 164

بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية عام 1988 وعاد إلى نشاطه العلمي وبدأ بالتدريس في جامعة النجف الدينية.

الثالثة: دوره في الانتفاضة الشعبانية عام 1991 وقد شرحته مفصلاً في كتابي (الشهيد الصدر الثاني (قدس سرّه) كما اعرفه) حين بايعته قيادة الانتفاضة مرشداً للثورة الإسلامية المباركة (بحسب وصفه (قدس سرّه) في خطابه الذي وجهه للجماهير في الصحن الحيدري الشريف) في اليوم الأخير قبل بدء هجوم قوات الحرس الجمهوري على المدينة واعتقل على أثرها في معتقل الرضوانية ببغداد ثم أفرج عنه. وقد خرج من هذه التجربة بنتيجة مؤلمة وهي أن الأمة ما زالت بحاجة كبيرة إلى تربية روحية حتى عبّر بأنه لم يكن معي من المخلصين إلا اثنان.

وأنه (قدس سرّه) بحاجة إلى البدء بمشروع إصلاحي يهدف إلى بناء المجتمع الصالح وبدونه يكون السعي لإسقاط النظام عبثاً ومن كلماته في بعض الرسائل ((إن الجهاد الأصغر_أي حمل السلاح في مواجهة الطواغيت –لا يكون منتجاً إلا إذا اقترن بالجهاد الأكبر- أي مجاهدة النفس وإصلاحها)).ومثل هذه النتيجة خرج بها السيد الشهيد الصدر الأول (قدس سرّه) في نهاية حياته حينما قال: - بحسب رواية السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سرّه)- ((إننا استطعنا أن نربي الناس إلى نصف الطريق ولم نكمل النصف الآخر)) ويفسرها الثاني (النصف الأول بتربية عقولهم بالعلوم المعمقة من

ص: 165

دون تربية نفوسهم وتطهير قلوبهم من حب الدنيا واستهداف ما سوى الله تبارك وتعالى.

الرابعة: مرحلة تصّديه للمرجعية بعد الانتفاضة والتي نفّذ فيها مشروعه الإصلاحي المشار إليه وتصاعد فيه حتى بلغ الذروة في مواجهة النظام من خلال منبر الجمعة وأدت إلى استشهاده يوم 1999/2/19، وكان خلاله يأخذ بيد المجتمع ليرتقي به في سلم الكمال، وفي جوابه عن إحدى رسائلي وصفت فيها تقنين الفقهاء لمسألة أخذ الفوائد المصرفية بأنها حيلة شرعية منافية لروح الإسلام وان كانت بحسب الظاهر على طبق القواعد والمفروض بالفقهاء أن ينشئوا البديل وهو المصرف الإسلامي الذي لا يتعامل بالربا وغيرها من المعاملات المحرمة فكان مما قال في جوابه مؤيداً (إننا يجب أن نرفع مستوى الواقع إلى مستوى الشرعية وليس بأن ننزل مستوى الشريعة إلى مستوى الواقع وتكييفها معه.

الطعنات من الخلف:

س8:- هل كان سماحة السيد يحظى بتأييد من أوساط دينية أو سياسية داخل الحوزة وخارجها؟

ج:- استطيع أن أقول بكل أسف: لا فقد كان موقفهم سلبياً ومعادياً واتخذ أشكالاً متعددة من الأساليب الخبيثة

س: السبب ؟

ص: 166

ج:- ليست الأسباب إلهية صحيحة طبعاً، ولو كان هدف الجميع مخلصاً لله تبارك وتعالى لاتحدوا واجتمعوا على طاعته، أما الجهات الدينية فلأنها ترى في مرجعيته الصاعدة والآخذة بالاتساع مزاحماً لسلطتها التي تعتقد أنه حق خالص لها، وبهذا الصدد قال بعض ذيول أحدى المرجعيات ((مالهم ينازعون الناس سلطانهم)) أي ما للسيد الصدر (قدس سرّه) ينازع الناس الذوات الذين يجب أن تبقى المرجعية منحصرة فيهم هذا السلطان؟

وهذه نظرة أنانية جاهلية استعلائية قديمة، فقد كان الأمويون المحدقون بالخليفة الثالث يرون فيء المسلمين حقاً خالصاً لهم وأنّه بستان قريش لا يجوز لأحد منازعتهم فيه، وأن السلطة قميص ألبسهم الله تبارك وتعالى إياه وغيرها، أما نظرة الشريعة فان المرجعية مرتبة شريفة لها شروط فمن توفّرت فيه كان أهلاً لها مهما كان جنسه وقومه.

وأما الجهات السياسية فلانكشاف زيفها وإنها تتاجر بمظلومية الشعب العراقي وما يتعرض له من بطش من جلاوزة صدام فقد سحب البساط من تحت أرجلهم ولاح لكل مراقب ان السيد الصدر (قدس سرّه) هو الذي يقود المعارضة الحقيقية للنظام وجها لوجه داخل العراق وأنه يقوّض أركان النظام تدريجياً، فبدأت القوى المخلصة في إحداث التغيير تلتف حوله وتعرض عليه الاشتراك معه أما أصحاب الدكاكين البائسة فقد كسدت بضاعتهم وكانوا يرون في السيد الصدر كابوساً يجثم على صدورهم فوجهوا سهام غدرهم إليه وكشفوا ظهره للنظام وطوقوه وحاصروه وتركوه وحيداً في مواجهة النظام.

ص: 167

وحينما أحس السيد الصدر (قدس سرّه) بعزم النظام على تصفيته فكّر بحماية نفسه من خلال توسيع مرجعيته خارج العراق وجعلهاعالمية لإحراج النظام ومنعه من الإقدام على الجريمة فأرسل وفداً فيه المرحومان الشيخ علي صادق والشيخ محمد النعماني إلى عدد من الدول الإسلامية القريبة والمجاورة لكن الوفد جوبه بامتعاض شديد ورفض إهانة، وافتتح له مكتباً في الجمهورية الإسلامية ووجه في حفل الافتتاح خطاب صداقة وتأييد إلى القيادة والشعب الإيراني ولكن مكتبه أغلق بعد ثلاثة أيام فقط بسعي نفس الجهات.

وكان (قدس سرّه) شديد التألم من الحرب التي شُنّت عليه بهدف تسقيطه وإنهاء شرعيته بالكذب والافتراء وتوظيف الأبواق المأجورة وكان يقول عن تلك الفترة ((تحملتها بأعصابي)) ويقول ((إن الوحيد الذي نصرني أيام الشدة الشيخ محمد اليعقوبي)) وفي آخر أيامه كان يقول عن تلك الفترة (إنني لا أستطيع أن أثبت براءتي إلا بدمي)) وكان يصف حرب الزعامات بأنها حرب قذرة لأنهم لا يقولون ما هو فيك بل يقولون ما ليس فيك.

وقد ألفت عدة كتب في أرشفة تلك الحرب وتدوين فصولها والله المستعان على ما يصفون.

لماذا أجّل السيد الشهيد تصعيد المواجهة مع النظام؟

س9:- تحدثتم قبل قليل أنه (قدس سرّه) آجل المواجهة مع النظام في بداية مشروعه السياسي وفي بداية ظهوره وتصديه للمرجعية.

ص: 168

السؤال الذي يطرح نفسه لماذا آجل سماحته (قدس سرّه) المواجهة مع النظام فلما ظهر كانت إستراتيجيته أن لا يواجه النظام بشكل مباشر لكن بعد صلاة الجمعة التي أقيمت في معظم مناطق العراق يعني هكذا يفهم البعض انه سماحة السيد (قدس سرّه) أصبح في مواجه مباشرة مع النظام السابق من خلال مطالبته بالخدمات العامة من خلال مطالبته بإطلاق سراح المعتقلين ومنخلال مناداته ومن خلال توجيهاته إلى جميع شرائح المجتمع حتى أنه في الخطبة الأخيرة يعني وجه كلامه إلى الغجر. فلماذا انتقل من إستراتيجية عدم المواجهة مع النظام إلى إستراتيجية المواجهة بعد صلاة الجمعة؟

ج:- قلنا إنه (قدس سرّه) واجه النظام بأعلى صور المواجهة فقد قاد الانتفاضة، اعني أنهم بايعوه على قيادتها لكنه لم يمهل إلا يوماً واحداً، فهو (قدس سرّه) خاض هذا المستوى من الاصطدام إلا أنه خرج بالنتيجة التي ذكرناها وغيّر تكتيكاته في العمل وبدأ بنمط جديد من العمل لكن الأهداف بقيت واحدة.

وربما كان وراء هذا التريث هدف آخر يفهمه كل قائد وصاحب مشروع إصلاحي، فإنه ما لم يطمئن إلى وجود البديل القادر على مواصلة المشروع وإتمامه بأحسن وجه لا يصعّد مسيرته ويعرّض نفسه للهلاك خوفاً على مشروعه أن يفشل وليس خوفاً على حياته وإن كانت الأعمار بيد الله تبارك وتعالى يقيناً، وهذا ما ورد عن المعصومين (علیهم السلام) في تفسير خوف كليم الله موسى(علیه السلام) في قوله تعالى: «قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ. وَيَضِيقُ

ص: 169

صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ. وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ» (الشعراء:12-14).

وقوله تعالى: «قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ. وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ» (القصص:33-34).

فقد ورد بأن خوفه(علیه السلام) كان من قتله مباشرة قبل أن يقوم بالتبليغ ويطمأن إلى وجود الخليفة الذي يواصل حمل الرسالة فاستجاب له تبارك وتعالى وشدّ عضده بأخيه هارون «وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي.هَارُونَ أَخِي.اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي.وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي» (طه:29-32).وفي رسالة الإسلام كان إكمال الدين وإتمام النعمة وإقرار عين النبي محمد(صلی الله علیه و آله) بنصب أمير المؤمنين عليه السلام إماما وهادياً وخليفة من بعده.

لذا تحدث السيد الشهيد الصدر (قدس سرّه) في أكثر من مناسبة عن (البديل المماثل) الذي يُعِدّه، ولما صرّح باسمه في لقائه بطلبة جامعة الصدر الدينية يوم 5/جمادي الثانية/1419 أي قبل استشهاده بخمسة أشهر (الآن أستطيع أن أقول إن المرشح الوحيد من حوزتنا هو جناب الشيخ محمد اليعقوبي إذا كان الله أمد لي في العمر إلى وقت شُهد باجتهاده، فانا لا أعدو عنه هو الذي ينبغي ان يمسك الحوزة بعدي) صعّد من حركته في الزيارة الشعبانية وما بعدها ومضى سعيداً إلى الشهادة التي اختارها الله تبارك وتعالى.

ص: 170

التصدي للمرجعية أساس الانطلاق في المشروع الإسلامي:

س10:- كيف هيّأ السيد الشهيد (قدس سرّه) لمشروعه السياسي اجتماعياً؟

ج:- كانت الركيزة الأساسية لمشروعه والتي انطلق منها هي عرض مرجعيته لأنه يعتقد –وهو الصحيح- بأن قمة هرم المشروع يجب أن يكون مجتهداً جامعاً لشروط المرجعية، وأي طرح غير مرجعي لا يمكن أن يكون صحيحاً، ومن بعد ذلك يمكن التفكير بالآليات المناسبة للعمل السياسي من تأسيس حزب أو حركة شعبية أو مؤسسات ونحوها.

وتصديه للمرجعية لم يكن بدوافع دنيوية كحب الجاه والقداسة والاستعلاء على الناس وجمع الثروة وغيرها وإنما كان لتأصيل الحركة وتثبيت شرعيتها، وإلا فانه لم يكن يفكّر قبل ذلك في المرجعية، ومن الشواهد على ذلك انني عرضت عليه فيإحدى مراسلاتي بتأليف ما سميته (الفقه الشامل) وتحديث كتب الفتاوى للفقهاء لتكون شاملة لشؤون الحياة، فكان ردّه الاعتذار والسبب كما قال (قدس سرّه) لأنني لا أحتمل بقائي حياً إلى حين تحقق الفرصة للمرجعية ورجوع الناس إليَّ. مع أهليته لذلك فإنه كان يعتقد ببلوغه درجة الاجتهاد ومنذ العام 1977 في حياة أستاذه الشهيد الصدر الأول (قدس سرّه).

في الذكرى الخامسة لسقوط صدام المقبور

أجرت قناة الحرة لقاءً مع سماحة الشيخ اليعقوبي في الذكرى الخامسة لسقوط

ص: 171

صدام، وقام بالحوار مقدّم البرامج المعروف فيها سالم مشكور.(1)

المطلوب تغيير الظلم وليس الظالم فقط:

* مشكور: ماذا شكل 9 نيسان 2003 بالنسبة للأوساط العلمائية والمرجعية والحوزة الدينية؟

سماحة الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم: من وظائف العلماء رفض الظلم والسعي لتغييره وقد كان صدام يمثل حالة سيئة بل ربما النموذج الأسوأ من الظلم، وقد سعى العلماء بمقدار ما يستطيعون لإزالة هذه الحالة وقدّموا شهداء كراماً وتضحيات جليلة على هذا الطريق وهم طبعاً لهم آلياتهم ووسائلهم وأهدافهم المناسبة لهم والتي تختلف في تفاصيلها مع من غيَّر، وإن اشتركوا في أصل فكرة التغيير، ومن نقاط الاختلاف أن العلماء يريدون تغيير الظلم إلى العدل والإنصاف والمساواة وحرية وكرامة الإنسان، أماالآخرون فيكتفون بتغيير الظالم وهذا غير مجدٍ من وجهة نظرنا، فإذا أردنا أن نقيّم التغيير الذي حصل في 4/9 فلا بد أن ننظر إليه من هذا المعيار وهل أنه حصل تغيير للظالم إلى ظالم آخر أم أنه تغيير للظلم.

ص: 172


1- أجري اللقاء بتاريخ 27 ع1 1429 المصادف 2008/4/4 وعرض مساء 2 ع2 الموافق 2008/5/1.

الشيء الذي تحقق هو الأمل لغدٍ أفضل:

* مشكور: على أساس هذا المعيار هل تعتبرون أنّ ما حدث هو تغيير للظلم ونهايته أم حلّ ظلم جديد؟

سماحة الشيخ: أنا هنا أتحدث كمواطن عراقي، والعراقيون لا يشعرون بأن شيئاً من الظلم قد تغيّر بدرجة ملحوظة، وأن كثيراً من المظالم والتقصيرات التي أوجبت رفض نظام صدام والوقوف في وجهه كُرِّست في النظام الحالي، مثل تقريب العشيرة وأبناء المدينة والحزب وإعطائهم المناصب العليا على حساب الكفاءة والنزاهة والوطنية ومثل الاستئثار بثروات الشعب وحرمانه من حقوقه في حياة حرة كريمة ومثل اعتقال الأبرياء(1)

وقتل الآمنين بجريرة غيرهم.

نعم، الشيء الحسن الذي تحقق هو الأمل بغدٍ أفضل أما في عهد صدام فلم يكن هناك أمل وكان المصير مظلماً.

ص: 173


1- أعلن القاضي عبد الستار البيرقدار من مجلس القضاء الأعلى يوم 2008/4/29 إن عدد المستفيدين من قرار العفو العام إلى الآن بلغ (50535) ونتساءل هنا إن كانوا هؤلاء أبرياء فما وجه اعتقال هذا العدد الكبير وقد أمضى عدد منهم سنتين أو أكثر، وإن كانوا مجرمين وإرهابيين فكيف جاز إطلاق هذا العدد الضخم من القتلة ليفسدوا في الأرض وهل إن الصفقات السياسية مبرر كاف لهذا الفعل؟

موقف المرجعية إبان الغزو عام 2003:

* مشكور: ما هو شعور الأوساط المرجعية والعلمائية عندما أطيح بالنظام السابق.

سماحة الشيخ: كانت الفرحة الكبيرة بزوال الطاغوت مشوبة بالقلق من احتمال أن تكون الفوضى هي البديل عن صدام، والمعروف عند العقلاء أن وجود حكومة تؤدي وظائفها وإن كانت ظالمة أفضل من الفوضى أما الظلم فيتم التعاطي معه بشكل من الأشكال وهذا القلق حصل عندي من خلال متابعتي لنشرات الأخبار والتحليلات السياسية من الإذاعات المهمة خصوصاً (علیها السلام)(علیها السلام)C ولم أجد عند الأحزاب والشخصيات العراقية المعارضة حينئذٍ أي برامج أو خطط لبناء عراق ما بعد صدام وكان كل نقاشاتهم عن المحاصصة وتقاسم السلطة والثروات مما يعني الكثير من الصراع والعنف والتقاتل وتغليب منطق القوة، وهذا ما نشهده اليوم تحت اسم الديمقراطية، ولكن هذا القلق لم يكن مبرراً للوقوف في وجه التغيير، لأن الوقوف في وجه الغزو والاحتلال يصبّ في مصلحة صدام وإطالة عمره وهذا ما لا يرضاه منصف، إضافة إلى أننا لا نملك الوسائل الكافية للوقوف في وجه الغزو وتحويل المعادلة إلى صالحنا وتجربتنا في الانتفاضة الشعبانية عام 1991 مؤلمة وقاسية حينما غدرت قوات الحلفاء بالشعب العراقي.

لذا كان الموقف الذي تبنيناه ووجهنا به من يرجعون إلينا هو الوقوف على الحياد في تلك المعركة لعدم وجود مصلحة في التخندق مع أي من الطرفين

ص: 174

المتصارعين. فالأحجى هو حفظ المسلمين ومصالحهم وعدم زجّهم في مثل هذه المعركة.

في مقابل ذلك كان هناك موقفان:

الأول: هو استثمار الاندفاع الأمريكي نحو التغيير وهذا موقفالأحزاب والشخصيات التي كانت في خارج العراق وذهب بعضهم إلى الانضمام إلى المشروع الأمريكي بدعوى إمكان التوسل بالشيطان لإزالة صدام من باب الفاسد والأفسد.

الثاني: هو مواجهة قوات الاحتلال لأنها تستهدف بلداً مسلماً فيجب الدفاع عن بلاد الإسلام وان كان هذا البلد فريسة في يد صدام، وهذا الموقف كانت تريده حكومة صدام من الشعب وأقامت مؤتمرات للعلماء والمرجعيات الدينية لإصدار فتاوى بهذا المضمون، وقد تلى عدد من ممثلي المراجع بياناً بهذا المعنى في احد المؤتمرات الذي أقيم في إحدى قاعات الروضة الحيدرية الشريفة في النجف الأشرف قبيل الغزو وقد امتنعتُ عن التجاوب مع مطلب الحكومة رغم أن من أصدر مثل هذا الموقف بررّه بالإكراه، لكنني اعتقد أن هذا الإكراه غير واضح لكل الناس وبالتالي سيندفع قسم منهم-مهما قل عدده- لمواجهة الغزو وخصوصاً مع الثقافة المتركزة في أذهان المسلمين التي تقضي بالدفاع ضد أي غزو كافر لبلاد المسلمين وحينئذ نتحمل مسؤولية دماء هؤلاء الناس.

لكن الذي هوّن الخطب أن أكثر المتدينين كانوا يرجعون إلينا يومئذ في المواقف

ص: 175

الاجتماعية العامة ويأخذون بتوجيهاتنا وان كان تقليدهم في الفتاوى لمراجع آخرين وتصاعدت الثقة بيننا منذ أن تعيَّنت قيادة الحركة الإسلامية في داخل العراق بنا بعد استشهاد أستاذنا السيد محمد الصدر (قدس سرّه) في شباط 1999 ولما لمسوه من النشاط الواسع والشجاعة في اتخاذ المواقف والإخلاص في العمل. لذا فقد عمّ هذا الموقف كل طبقات الشعب والتزموا به ورجع إليه بعض العلماء الذين تبنّوا جهاد الغزاة أولاً كالسيد كاظم الحائري (دام ظله الشريف) على ما تناهى إلى سمعي يومئذ ويمكن مراجعة بياناته.ويبدو أن قوات الحلفاء اكتشفت أن هذا الموقف الموحّد لم يأتِ جزافاً فقد نقل لي بعض الفضلاء الذين أقاموا في مدرسة البغدادي التي هي مقر جامعة الصدر الدينية طيلة أيام المعارك للحفاظ عليها أنّ الأمريكان لما دخلوا النجف سألوهم عن كيفية تحقيق مثل هذا الموقف الموحّد للعراقيين الذي ساهم بشكل أكيد في التعجيل بنهاية صدام من دون مؤونة تذكر، وبنفس الوقت لم ننصر الغزاة أو نؤيد مشروعهم.

واكشف هنا لأول مرة أن الحلفاء طلبوا مني مثل هذا التعاون قبل بدء العمليات بشهرين تقريباً فقد جاءني أحد الفضلاء ومعه شخص من أهل العمارة كان له ارتباط مع زعيم إحدى الجماعات المسلحة التي تقاتل النظام في الأهوار وأصبح عضواً في مجلس الحكم ونقل رسالة بهذا المعنى من الجنرال جون أبي زيد الذي عرفت فيما بعد أنه قائد القوات الأمريكية في المنطقة الوسطى التي تشمل العراق وأفغانستان وغيرها من دول المنطقة، لكنني

ص: 176

أغلقت الموضوع معهما للموقف الذي أتبنّاه وهو الحياد ولأن النظام كان قاسياً في التعاطي مع من يعلم بمثل هذه الأمور ولا يخبر عنها بتهمة (التستّر) فضلاً عمن يشارك فيها، وأنا كنت بحكم موقعي الاجتماعي ونشاطي مرصوداً بشكل مكثف من جلاوزة النظام.

توجهات المرجعية قبل بدء الحرب وأثناءها:

* مشكور: المعروف عن الكثير من الشعب العراقي أنهم متدينون وشديدو الارتباط بتعليمات وتوجيهات المرجعيات الدينية، فهل كان لها دور في ذلك الوقت لمنع الفوضى. أم أنها بقيت محتاطة بانتظار ما ستنجلي عنه؟سماحة الشيخ: أنا أتحدث عن موقفي وأنا بفضل الله تبارك وتعالى انتمي إلى الاتجاه الحركي العامل من الحوزة العلمية ومن وظائفها عدم التقاعس عن أي قول أو فعل فيه حفظ الدين وعزتّه وصلاح العباد والبلاد، وبعد استشهاد السيد الصدر الثاني (قدس سرّه) فقد تحملنا أعباء توجيه الحركة الإسلامية في داخل العراق، فكان لزاما علينا النزول بشجاعة وبحكمة إلى ساحة العمل الميداني، ومنذ أن بدأت إرهاصات غزو الحلفاء للعراق بدأتُ بإصدار التوجيهات ومنها بيان مفصل بعنوان (الاستماع إلى نشرات الأخبار في أوقات الأزمات) حيث أوضحت فيه كيفية التصرف إزاء الحشد الإعلامي عن العراق ومحاولة وسائل الإعلام صناعة الآراء لدى العراقيين بالشكل الذي تريده الجهات التي تقف وراءها، وتعرضت فيه أيضا إلى كيفية التعاطي مع شحة المواد الغذائية

ص: 177

والتكافل الاجتماعي وغيره. وهذه التوجيهات كانت قبل بدء الهجوم بشهرين تقريباً وصدر بيان(1) من عشر نقاط يوم 2003/4/6 عندما بدأ صدام يترنح تحت ضربات قوات الاحتلال فيه توجيهات عامة حول ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة والمال العام لأنها ملك للشعب لا لصدام وحرمة العمليات الانتقامية وتصفية الحسابات وتصدّي الخطباء والمثقفين لتوعية المجتمع ونصحهم بعدم الانسياق وراء الشعارات البراقة والمشاريع التي كانت تطلقها الأحزاب والشخصيات السياسية القادمة من الخارج لأنهم فارقونا منذ أكثر من عشرين عاماً ولا نعلم بالدقة وضعهم الحالي حتى يحصل الاطمئنان بأجنداتهم.

العلاقة التكاملية بين عراقيي الداخل والخارج:

* مشكور: تطرقتم إلى موضوع الكيانات القادمة من الخارج وهو ما يؤشره البعض على سماحة الشيخ اليعقوبي من أنه يميّز بين عراقيي الداخل والخارج ويرى أن عراقيي الداخل هم الأفضل وان القادمين من الخارج لا دراية لهم بحيث تركوا أثراً سلبياً فهل هذا صحيح.

سماحة الشيخ: سمعت كثيراً من الكلمات التي حاولت تحريف كلامي وعرضه بالشكل الذي يستفز إخواننا الذين عاشوا معاناة الغربة والتهجير،

ص: 178


1- هذا البيان وسابقه منشوران في الجزء الثالث من كتاب (خطاب المرحلة).

وهذا ضمن حملة بعض الحاسدين والمنافقين لتشويه صورتي، وانطلت الكلمات على البعض ممن لم يقرأوا خطابي وكلامي حتى يعرفوا حقيقته، وبالمناسبة فإن المصطلح لم أصنعه أنا وإنما هو متداول على وسائل الإعلام منذ وقت وأراد به بعض المغرضين أهدافاً سياسية معينة كالتحريض على الكيانات المهيمنة على السلطة، فأردت تهذيب المصطلح وفضح هذه النوايا السيئة ووضع إصبع التشخيص على حالة خطيرة في المجتمع كانت احد أسباب العنف والفجوة بين الحكومة والشعب وهي : أن السياسيين القادمين من الخارج يرون الذين بقوا في داخل العراق جهلة ومتخلفين حرمهم صدام من كل أسباب التقدم والتحضّر وأنهم بعثيون صداميون بدليل بقائهم أحياء لم يملأ بهم صدام المقابر الجماعية، وهم يعلمون أن هذا افتراء باطل ولكنهم يريدون أن يبرروا لأنفسهم الاستئثار بالسلطة وحرمان الشعب من حقوقه وان ينفردوا هم بخيرات البلاد،

فأردت أن أقول إن العراق لا يستقر ولا يتقدم إلا بالعمل التكاملي بين من قدموا من الخارج ومن عاشوا المحنة في الداخل وصبروا وقدموا التضحيات من أجل أن يحفظوا هوية العراق وخصائص شعبه وإدامة الجهاد ضد الطاغوت، وإن لدى عراقيي الداخلالكثير من الخبرات والمهارات التي لا يمكن التفريط بها وهم أعرف بالأحوال التي مرّت على شعبهم والتغيرات التي طرأت عليهم، أما السياسيون الذين قدموا من الخارج فإنهم عاشوا انفصالاً امتد أكثر من عقدين.

ص: 179

وإلى الآن - وهذا ما أقوله بمرارة- لا يحس الشعب من أغلبهم انتماءً إلى بلدهم واصطفافاً مع معاناة شعبهم وكل الذي يفهمونه من العراق أنه بقرة حلوب يتسابقون على استلاب خيراته.

دور المرجعية في منع الفوضى وسرقة المال العام:

* مشكور: هل كان دور للعلماء في منع عمليات السلب والنهب التي حدثت؟ ولماذا حصلت هذه الممارسات الشعبية؟

سماحة الشيخ: ليس كل عمليات السلب والتخريب كانت ممارسات شعبية بل إن بعضها كان عبارة عن عملية منظمة لتخريب حضارة العراق وسرقة ممتلكاته الثمينة قامت بها جهات مدرّبة كانت تتربص اللحظة المناسبة.

أما ما قام به العامة فله أكثر من سبب:

1- ثقافة متركزة في أذهانهم أن الأموال العامة هي ملك السلطة الحاكمة وبالتالي فهم يرون أن شكلاً من أشكال الصراع مع الحكومة يكون بسرقة المال العام أو تخريبه ولم يشعر المواطن يوماً أن المال العام هو للدولة وليس للحكومة والدولة بكل مؤسساتها ملك الشعب، وشعوره هذا ناشئ من طول حرمانه من حقوقه المستمر مع الأسف إلى الآن.

2- تخلي صنّاع القرار في الأمة عن دورهم في توجيه الناس وردعهم عن الممارسات السيئة، لذا لما صدرت توجيهات من المرجعية الدينية بحرمة سرقة المال العام أظهر الشعب طاعةتامة و أعادوا ما أخذوه إلى مؤسسات الدولة أما

ص: 180

الذين لم يطيعوا المرجعية فهم السياسيون الذين استمروا بفسادهم وسرقة أموال الشعب رغم أن بعضهم يتاجر باسم المرجعية.

مسؤوليات ما بعد السقوط:

* مشكور: بعد 9/4 هل أصبح على الحوزة العلمية وعلى المرجعيات الدينية مسؤولية جديدة أو دور آخر يمكن أن يؤدوه؟

سماحة الشيخ: العلماء لا يتخلّون عن وظائفهم بأي حال من الأحوال، نعم قد تتسع وقد تضيق فرص ممارسة دورهم في حياة الأمة، ومنها العمل السياسي الذي نفهمه على أنه رعاية المصالح العامة للأمة والبلاد وليس الصراع على السلطة بأي ثمن، وهذه الوظيفة قام بها النبي والأئمة (علیهم السلام) والعلماء على اختلافٍ في المساحة المتاحة، وبالنسبة للمرجعية في النجف فقد أتيحت لها فرصة أوسع للتأثير في العملية السياسية بعد سقوط صدام لزوال المانع.

العلماء والعمل السياسي:

* مشكور ما هي حدود تدخل عالم الدين في المواضيع السياسية.

سماحة الشيخ: الدين الإسلامي يغطي كل شؤون الحياة حيث ورد في السنة الشريفة (ما من واقعة إلا ولله فيها حكم) والمجتهد هو القادر على أن يستخرج

ص: 181

أحكام الوقائع من الأدلة الشرعية، فليس غريباً أن ترجع إليه كل شرائح المجتمع لمعرفة حكم الشريعة في مجمل القضايا ومنها المواضيع السياسية بل إن المجتمع لا يعذره إذا سكت عن بيان رأيه في قضية معينة لأنه يتوقع من المرجعية حضورها في كل ما يتعرض له، خصوصاً في العراق فإن الشعبمتدين ويضبط بوصلة تحركاته على أحكام الشريعة، لكن هذا لا يعني انخراط العلماء في تفاصيل العمل السياسي لأن في هذا تحجيماً لدورهم و ما العمل السياسي إلا لونٌ من ألوانه، فالانهماك في العمل السياسي يعني تقصيره في وظائفه الأخرى التي هي أهم منه، إضافة إلى أنه يجعله جزءاً من حالة محددة والمفروض أن يكون أباً وراعياً للجميع.

ولا يعني هذا أيضاً الاكتفاء بالمواقف النادرة والعموميات التي لا تسمن ولا تغني من جوع فلا بد من المساهمة الفاعلة في تقديم التوجيهات والرؤى والتأثير على السياسيين لتقويم مسيرتهم وتصحيح عملية الانحراف ورفع الظلم والمطالبة بحقوق الشعب.

وإذا اعتقدنا بأن المرجعية موقع شريف محاط بالألطاف الإلهية بالإخلاص والهمة العالية والعمل الصالح الدؤوب فلا شك أنها ستهتدي إلى ما لا يهتدي إليه أكثر السياسيين حنكه وخبرة.

وعلى أي حال فالعمل السياسي للمرجعية هو بين هذين الحدين اللذين هما الإفراط التفريط.

ص: 182

التوظيف السيء للدين:

* مشكور: ما ذكرتم يتعلق بالمرجعيات وكبار علماء الدين، فماذا عن رجال الدين عموماً وممارستهم للعمل السياسي؟

سماحة الشيخ: بالنسبة لي فأنا أخيّر من يرغب بالتفرغ للعمل السياسي بينه وبين الاستمرار بوظائفه الدينية لعدم التمكن من القيام بهما معاً فسيقصّر في أحدهما حتماً، ولسريان الآثار السلبية للعمل السياسي على الوظيفة الدينية المقدسة وسيوظّف الدّين لخدمة مصالحه وهذا ما نجده مع الأسف عند بعض السياسيين الذين يؤمّون صلاة الجمعة فإنهم يتخذون منبرها المقدس وسيلةللمهاترات وتصفية الحسابات وجرّ النار إلى قرصه كما يقولون وهذه خسارة كبرى.

فإذا شاء أن يصبح سياسياً فليتفرغ للعمل السياسي حتى وإن بقي على زيّه الديني فإنه سيصبح كبقية الأزياء المتنوعة.

* مشكور: إن الأعراف جرت على تقديس رجل الدين الذي يلبس الزي الديني حتى لو تخلّى عن وظائفه الدينية فكيف سنحقق الفرز المذكور؟

سماحة الشيخ: هذا الفرز سيتم تدريجياً، وإنما يحصل الخلط بسبب كون ممارسة رجال الدين للعمل السياسي حاله جديدة على مجتمعنا، وأعتقد أن وعي هذه الحالة قد تقدّم في المجتمع ما بين عام 2003 والآن.

ص: 183

القداسة المزيفة لبعض رجال الدين:

* مشكور: هل القدسية التي يمنحها البعض لنفسه ويطالب الآخرين بمراعاتها هل لها من أساس ديني؟

سماحة الشيخ: لا أساس لهذه الحالة في الدين بل الموجود هو العكس فقد كان رسول الله (صلی الله علیه و آله) والأئمة الطاهرون (علیهم السلام) يجالسون الفقراء والضعفاء والعبيد ويؤاكلونهم، وكان الإعرابي يدخل المسجد فيسأل أيّكم محمد؟ لأن النبي (صلی الله علیه و آله) لم يكن يتميز بين أصحابه بمجلس أو ملبس.

لكن بعض رجال الدين يصنعون حولهم هالة وقدسية انسياقاً وراء أهوائهم وأنانيتهم في الغرور والتكبر والاستعلاء واستدرار ما في أيدي الناس كالذي كان يفعله سدنة الأصنام والكهنة وغيرهم وأنا أرفض هذه المظاهر وأحاربها، وهكذا كان السيد الشهيد الصدر (قدس سرّه) فقد استنكر بشدة قضية تقبيل اليد ونحوها من المظاهرالزائفة، والمرجع وغيره من العلماء ورجال الدين ليسوا معصومين فليس لهم موقع أعلى من الناس، قال الله تبارك وتعالى «إنَّ أكْرَمَكُم عِندَ اللهِ أتقَاكُمْ» وأنا أواصل صنع ثقافة لدى المجتمع وهي شهادة الأمة على المرجعية في موازاة شهادة المرجعية على الأمة لأن المرجع ليس معيناً بالنص من السماء وإنما وضع المشرّع شروطاً وصفات لمن يستحق هذا الموقع الشريف فمن توفرت فيه رجعت إليه الأمة وإلا تركته إلى غيره ممن يجمعها.

ولكن تبقى في المجتمع طبقة ساذجة جاهلة تنطلي عليها الألاعيب وهذه الحالة مزمنة عبر التاريخ، وقد كان أحد أهداف الأنبياء والرسل والمصلحين فضح

ص: 184

المتاجرين باسم الدين والذين يمارسون القيمومة على عقول الناس وحرياتهم ويستغلون أسوأ استغلال طاعة الناس للمرجعية.

* مشكور: هل يمكن القول أن الناس لم تعد تسمع إلى المراجع ولا تتبع توجيهاتهم؟

سماحة الشيخ: لا أتوقع هذا فشعبنا متدين ومن لوازم تدّينه اتباع مرجعيته بحسب ما أمر به الأئمة المعصومون (علیهم السلام) لأن اتباع غير المجتهد الجامع لشروط الإفتاء والولاية لا يزيد الإنسان إلا ضلالاً وبعداً عن الحق.

نعم الذي نتوقعه زيادة الوعي لدى المجتمع خصوصاً المثقفين والمفكرين والشباب الواعين فيحسنون اختيارهم للمرجعية وفق المعايير الصحيحة والله الهادي إلى الحق.

ص: 185

السياسة في العراق .. القضية والإشكالات

استقبل المرجع الديني سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) في مكتبه في النجف الأشرف المحلل السياسي والإعلامي السيد صادق الموسوي مدير المركز الوطني للإعلام العراقي في لندن(1)

ورافقه رئيس تحرير وكالة الأنباء العراقية (أصوات) ومراسل صحيفة الحياة اللندنية الأستاذ فاضل رشاد، وطلب السيد الموسوي الاستئناس برأي المرجعية الدينية في النجف الأشرف في جملة من القضايا السياسية وجرى الحوار التالي:

الشعب يطالب بالتغيير:

سؤال : هل تتوقعون تغييراً في الخارطة السياسية في ضوء نتائج انتخابات مجالس المحافظات المقبلة والانتخابات العامة في نهاية السنة القادمة؟

سماحة الشيخ : الشعب يريد التغيير بعد أن نفض يده من الحاكمين، لكن فرصة التغيير ضعيفة لان الأحزاب الحاكمة تمتلك كل عناصر التأثير على الناخبين أو المرشحين بالترهيب والترغيب، فبأيديهم السلطة، ويحتكرون وظائف الدولة، ولديهم المال الذي هو ثروة الشعب، ويسيطرون على القوى

ص: 186


1- تاريخ اللقاء 22 شعبان 1429 المصادف 2008/8/24.

الأمنية التي تُوَظََّف في كثير من الأحيان لتنفيذ أجندات الأحزاب لتصبح مليشيات بلباس رسمي, ويستطيعون أيضا استغلال الدين واسمالمرجعية الدينية أو القومية أو الطائفية، فالتعويل على تداول حقيقي للسلطة احتمال ضعيف، والديمقراطية التي يتحدثون عنها وصفتُها بالعوراء، لأنهم يتمسكون بها بمقدار ما يقوي سلطتهم ويحقق مصالحهم ويتركون الجانب الآخر منها.

نعم قد يحصل تغيير بطيء على المدى الطويل إذا لم تستغل الكتل المهيمنة على السلطة هذا الوقت لإحكام قبضتها وسد الفرصة على الآخرين، وقد يحصل قبل ذلك (حتى أقرب من الانتخابات) حينما تعي الكتل السياسية مسؤولياتها أمام الله تعالى والشعب والتاريخ وتسعى بجد لإصلاح الحال، ويقترن ذلك بأن تترك الولايات المتحدة القوى السياسية تمارس العملية الديمقراطية بشكل صحيح من دون أن تمارس ضغطاً لإبقاء الوضع الذي يلائم مصالحها ولا يربك أوضاعها الداخلية ويساهم انسحاب القوات الأمريكية في إجبار السياسيين المتصارعين على الجلوس إلى مائدة الحل خوفاً من انفراط عقد مصالحهم كلياً, أما وجود قوة كبيرة تؤمّن لهم بقاء الوضع فإنه يشجعهم على الاستمرار في الصراع.

أغراض أمريكا من عدم تغيير الخارطة السياسية:

سؤال : من المعلوم أن بعض الكتل الحاكمة - وأعني الإسلامية منها- لا ترغب الولايات المتحدة في بقاء نفوذها، ولها أجندات سياسية تعارض

ص: 187

التوجهات الأمريكية فلماذا لا تسعى أمريكا للتغيير والحد من نفوذها؟ وهل هي عاجزة عن ذلك؟

سماحة الشيخ : هذا مرتبط بحسابات داخلية وخارجية تخصُّها، ولا اعتقد أن هذه القوى تعارض الإرادة الأمريكية إلا بمقدار الاستهلاك الإعلامي وذّر الرماد في العيون فهي تتميز ببراغماتيةمدهشة - على حد تعبير احد مراكز الدراسات في أمريكا- ومستعدة للتخلي عن كل ما تؤمن به إذا شعرت بأن ذلك يستفز أمريكا ويدفعها إلى إبعاد هذه القوى عن السلطة فماذا تريد أمريكا أكثر من تحقيق مصالحها على أيدي الإسلاميين !! وبالتالي سقوطهم في أعين الناس وفشل مشروعهم.

بل إننا نرى كيف تتسابق الجهات الإسلامية الحاكمة لإعلان البراءة من المشروع الإسلامي وتبنيها لما يخالف الدين، حيث جعلوا علامة التحسن الأمني وقضائهم على الجماعات المسلحة، إشاعة الفسق والفجور(1) وتجارة الخمور التي تباع علناً على قارعة الطريق التي يسلكها زعماء الائتلاف في الكرادة والجادرية وبمقربة من مقراتهم وتحت حماية القوى الأمنية مما لا يوجد نظيره حتى في أكثر الدول تحرراً من الدين، ولا ادري ما هي الملازمة بين الأمرين! وهل هو نصرٌ على الإسلام أم على الجماعات المسلحة والقوى الإرهابية التي تحمل اسم الإسلام زوراً.

ص: 188


1- إشارة إلى ما حصلت من ظواهر في البصرة ومدينة الصدر ببغداد بعد انتهاء عملية (صولة الفرسان).

الشك في نزاهة الانتخابات:

سؤال : هل تشككون بإمكان إجراء انتخابات نزيهة وشفافة؟

سماحة الشيخ : يوجد لدينا ولدى كل المراقبين أكثر من الشك، وخيار التزوير في الانتخابات قائم، والمراقب لتصرفات الأحزاب المتسلطة واستخدامها مختلف الوسائل حتى غير المشروعة لإحكام قبضتها على السلطة وتصفية الخصوم لا يبقى لديه شك في أنهم لا يتخلون عن السلطة بهذه الطريقة السلمية الشفافة عبرصناديق الاقتراع وكمثال على ذلك لاحظ العراقيل التي وضعوها لكي لا تجري الانتخابات في وقتها، فاستعملوا النقض الرئاسي ضد قانون مجالس المحافظات الذي لم يُمرَّر إلا ضمن صفقة القوانين الثلاثة(1)، ولم يتراجعوا عن نقضهم إلا بضغط أمريكي عندما زار (ديك تشيني) نائب الرئيس الأمريكي بغداد، ثم شككوا في آلية تشكيل المفوضية

ص: 189


1- استمر صراع المصالح بين الكتل السياسية عدة أشهر وشهد ضغطاً خارجياً ومن المفوضية العليا للانتخابات لعجزها عن إجراء الانتخابات في موعدها إذا تأخر إقرار القانون، وقد صوت البرلمان يوم 18 رجب الموافق 22/7 على صيغة القانون وبضمنه المادة (24) التي أغضبت الأكراد فنقضه رئيس الجمهورية الطالباني وأعيد إلى البرلمان واستمر الصراع حتى اقره البرلمان يوم 23 رمضان 1429 المصادف 2010/9/24 وتوجد بعض الإشارة إليه في لقاء رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق، في كتاب خطاب المرحلة: ج5 ص363.

العليا المستقلة للانتخابات ومكاتبها الفرعية لإعادة العملية إلى نقطة الصفر رغم أن الآلية اقرّها البرلمان وساروا عليها، ثم الملابسات التي رافقت إقرار قانون انتخابات مجالس المحافظات.

معنى عدم تدخل المرجعية في الجزئيات

معنى عدم تدخل المرجعية في الجزئيات(1)

أرسل أحد مراكز الدراسات في خارج العراق دليلاً ستراتيجياً أو خارطة طريق استراتيجية حول الوضع في العراق يتضمن فقرة تتعلق بسماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله الشريف) و مشروعه الإصلاحي التغييري و اقّر بأنه (لا بد أن يأتي اليوم الذي نرى فيه تحقق هذه الطموحات والآمال التي طال انتظارها).ووردت في التقرير مؤاخذة على سماحة الشيخ (دام ظله الشريف) بأن (المرجع عادة لا يتدخل في جزئيات وتفاصيل الحياة السياسية مثلما حصل في رسالة كركوك(2) شديدة اللحن والتي أثارت ردود فعل عنيفة وعدوانية).

وكتب سماحته بصدد الإجابة عن هذا الإشكال بأن (جزئيات وتفاصيل الحياة السياسية) إذا أريد بها التفاصيل الإدارية والسياقات القانونية التي توضع

ص: 190


1- نُشر في العدد (51) من صحيفة الصادقين الصادر في 12/ذو القعدة/1427 المصادف 2006/12/5.
2- راجع خطاب المرحلة: ج4 ص313.

لحفظ النظام الاجتماعي العام ورعاية مصالح الناس وتنظيم شؤونها وحقوقها وواجباتها فهذا مما لا تتدخل فيه المرجعية بل تلزم الناس بمراعاته والانضباط به وتطبيقه وتحرّم كل ما يخلّ بالنظام العام ولا تقفز على السياقات المعمول بها.

أما إذا أريد بهذه الجزئيات تفاصيل المظالم التي يتعرض لها الناس وغمط حقوقهم و التجاوز عليهم فإن المرجعية لا تُعذر في إهمالها مهما عدّها البعض بسيطة انطلاقاً من الحديث الشريف (من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم) ولم يختص الحديث بالأمور الجليلة وان أمير المؤمنين(علیه السلام) يهتم وهو بالكوفة باحتمال وجود شخص في الحجاز أو اليمامة لا عهد له بالشبع ولا طمع بالقرص ويصعد(علیه السلام) على المنبر متمنياً الموت ويبكي ويقول لو أن المؤمن مات أسفاً لكان عندي به جديراً لأن امرأة غير مسلمة لكنها تعيش في ذمة الدولة الإسلامية وأغار أصحاب معاوية على قومها وسلبوا حليّها الذهبية.

ويسجّل التاريخ العربي بافتخار أن المعتصم العباسي أجاب استغاثة امرأة في عمورية من بلاد الروم قالت (وامعتصماه) فخرج بنفسه على رأس جيش كبير لتأديب الروم و الانتصار لهذهالمرأة المظلومة ولم يقل أحد منهم أن هذه تفاصيل جزئية لا أتدخل فيها.

فهل هذه الحوادث أهم مما يعانيه شعبنا بمختلف طوائفه و أعراقه في كركوك و الموصل وغيرها من التسلط الغاشم لبعض القوى التي استغلت انهيار الدولة

ص: 191

والفراغ الحاصل في المؤسسات و أمّن لهم جيش الاحتلال غطاءً كافياً ليتلاعبوا بمقدرات الناس وحقوقهم وتاريخهم ويتسلطوا عليهم بغير حق وقد أعطتهم تلك الرسالة التي كانت غضبة لله ولعباده المستضعفين قوة في المطالبة بحقوقهم ورفع أصواتهم ضد الظلم والطغيان.

ولو تحدث السياسيون وتحركوا لرفع الظلامة لاكتفينا بهم ولكن الجميع أسكتهم حبّهم للدنيا وانسياقهم وراء الأطماع والمصالح.

تدجين الشعب العراقي ليستسلم للظلم والإذلال

استقبل(1)

سماحة الشيخ اليعقوبي الدكتور رئيس جمعية أطباء الأمراض النفسية والعصبية، ومما دار في الحديث تحليل ظاهرة السكون وعدم اتخاذ أي رد فعل لدى العراقيين إزاء الكوارث التي تحلُّ بهم.

واتفق سماحته مع الدكتور الضيف على أن صبرهم في الموارد التي يُحمد فيها الصبر ناشئ من إيمانهم وتأسيهم بعظماء صبروا على أقسى المصائب والكوارث فسنّوا طريق الصبر لشعبهم وهم رسول الله (صلی الله علیه و آله) وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والحسن والحسين(علیهم السلام) وأهل بيتهم.

ص: 192


1- تاريخ اللقاء الخميس 2 رجب 1430 المصادف 2009/6/25.

الصمت إزاء مظالم كبيرة من الذل:

لكن الصمت والسكوت إزاء مظالم كبيرة ليس من الصبر المحمود بل هو من الخنوع والاستسلام للذل والهوان ولم يكن أهل البيت(علیهم السلام) خانعين مستسلمين ولا رضوا بالذل والهوان وما أكثر المظالم اليوم حيث يُقتل الأبرياء ويعتقلون ويسرق قوتهم ويهجّرون ويسكنون العراء ويحرمون من ابسط حقوق الإنسان كخدمات الماء والكهرباء ويأكلون ويشربون مالا يصلح للاستهلاك البشري ويعيشون في حالٍ بئيس من دون أن يقولوا (لا) لمن ظلمهم وإذا تحدثوا فيقولون «حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ» مع أن الله تعالى لا يرضى لعباده الذل والهوان والحرمان وقد أوكل إلى الإنسان كل شيء إلا كرامته فليس من حقه أن يتنازل عنها.

في حين نرى شعوباً حية في المنطقة وفي العالم تمتاز بالشجاعة وقوة الإرادة تنتفض وتزلزل الأرض تحت أقدام الظالمين إذا أهينت وصودرت إراداتها أو اتخذت قرارات مجحفة في حقهم كرفع أسعار المواد الغذائية والأساسية كالمشتقات النفطية.

فهلاّ كانوا كتلك الشعوب الحية التي يفتخر بمواقفهم الأحرار في العالم.

تحليل في أسباب سكوت الشعب العراقي واستكانته للظلم:

ولو أردنا أن نحلّل سبب حصول هذه الظاهرة السيئة فسنجد أسباباً عديدة كطول زمان القهر والإذلال التي مارسته الديكتاتورية واليأس من الإصلاح

ص: 193

والتغيير وغيرها، وعلى رأس الأسباب التدجين الذي مارسه بعض من يسمّون بعلماء الدين ويوجد من يسمع لهم في الشارع فأخذوا في شرعنة ظلم الظالمين وفسادهم وطغيانهم واستئثارهم بأموال الشعب والتدمير والخرابتحت عناوين مختلفة ودعوة الناس إلى الاستسلام والرضا بالقتل والتشريد والذل والحرمان.

وبحسب فطرة الناس وإيمانهم بمرجعيتهم وأنها تقودهم إلى الهدى والصلاح فإنهم يسلّمون لمواقفها بلا نقاش، تصوروا أنه حينما كان يحاسب(1)

وزير التجارة بكل شفافية وموضوعية أمام البرلمان على الفساد والتلاعب بقوت الشعب وأمام أنظار الناس وبالوثائق وأعطي الفرصة الكاملة للدفاع عن نفسه وكان الرد البائس لزملاء الوزير المهزومين أمام تلك الحجج: إن هذا استجواب لأهداف سياسية، يخرج إمام الجمعة في مكان مقدس(2) ليردد نفس

ص: 194


1- قامت كتلة الفضيلة في البرلمان باستجواب وزير التجارة وفضح الفساد الكبير الذي عم أرجاء الوزارة على حساب قوت الشعب، وقد حوكم الوزير بعد ذلك واستقال من الوزارة، وقد تم استجوابه في البرلمان يومي السبت والأحد 20،21 ج1 1429 المصادف 16،2009/5/17.
2- طالب إمام الجمعة في الصحن الحسيني الشريف في خطبتي الجمعة 12 ج1 1430 المصادف 2009/5/8 بعدم التوظيف السياسي لفتح ملفات الفساد خلال تصعيد المطالبة بمساءلة وزير التجارة في البرلمان وبعد أيام من إطلاق حماية الوزير النار على قوة حكومية جاءت إلى مبنى الوزارة يوم الخميس 4 ج1 المصادف 2009/4/30 لتنفيذ حكم قضائي بإلقاء القبض على عدد من كبار مسؤولي الوزارة بتهمة الفساد بينهم إخوة الوزير الذين هُرّبوا ثم قبضت عليهم إحدى المفارز الأمنية.

هذه الكلمة التي قالها السياسيون بدلاً من أن يصطف إلى جانب المحرومين والمظلومين والمطالبين بالعدالة ومكافحة الفساد.

وهكذا يتحول حملة العلم من قادة إلى الهدى والصلاح إلى وعاظ سلاطين يتخذونهم جسراً للوصول إلى مآربهم بتطويع الشعب المغلوب على أمره.

بينما كان المفروض بهم أن يوعّوا الشعب ويبصرونهم بالصالحينالذين يعملون بإخلاص لخدمة الناس وإسعادهم ورفع الظلم عنهم لينتخبوهم عسى أن تكون صناديق الاقتراع باباً للتغيير نحو الأحسن.

وفي ختام الحديث دعا سماحته إلى الكتابة بالتفصيل في هذه الظاهرة وأسبابها وعلاجها.

ص: 195

ص: 196

الفهرس

الفصل الأول: حوارات في الفكر الديني. 5

الحوزة العلمية والتيارات الوافدة 7

كيف يكون رجل الدين نموذجاً يحتذى به؟ 7

الفكر الإسلامي وعلم الانثروبولوجي: 10

كيف يدرك المسلم معاني القرآن؟ 11

تعدد المرجعية حالة إيجابية: 13

اختلاف الفقهاء في الفتوى أمر طبيعي: 14

تعريف (المشهور لدى الفقهاء) وتأثيره على عملية الاستنباط: 16

لا يمكن للفرد أن يستغني عن التقليد: 17

الحوزة والمجتمع. 21

وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ: 21

آليات لتطوير الحوزة العلمية: 24

نصائح الى طلبة العلوم الدينية: 24

نصائح الى الشباب المسلم: 26

تنمية البعد الأخلاقي: 28

الالتفات إلى مخططات الأعداء: 29

القدح بالعلماء: 30

الإسلام والديمقراطية وحقوق الإنسان. 33

الديمقراطية وإشكالية الفكر الإسلامي: 33

ص: 197

الديمقراطية في النظام الإسلامي: 37

حرية الرأي والمعتقد: 38

الإسلام وحقوق المرأة: 40

المرأة المسلمة في الغرب بين الاندماج والذوبان. 43

حينما نرتفع الى رحاب الشريعة: 46

الخيانة الإعلامية في التعاطي مع قضايا المرأة: 48

الذوبان يعني التخلي عن الشريعة الإسلامية: 49

معنى الاندماج: 49

علاقة المرأة المسلمة بالغرب: 52

أسماء السيدة فاطمة الزهراء (علیها السلام).... 55

العلاقة بين الاسم والمسمى: 55

تسمية الأبناء: 56

الحث على التسمية بأسماء أهل البيت (علیهم السلام): 58

أسماء سيدة النساء (علیها السلام): 59

معاني الأسماء: 61

ماذا يعني اسم أم أبيها؟ 63

الدروس العملية: 65

أعمال غسل العار بين الشريعة والقانون. 67

الفصل الثاني: حوارات في الفكر السياسي الإسلامي. 73

الفقيه وقيادة الأمة 75

موقعية الفقيه في الحياة الإسلامية: 75

مقومات القرار السياسي: 77

ص: 198

المسائل الاجتماعية والمسائل الفردية: 79

الفقيه وإشكالية نظام الحكم: 80

المرجعية والعملية السياسية 83

الانتخابات كحل سلمي: 83

التحديات التي في عاتق المرجعية الدينية: 84

تحديد القيادة الرشيدة للأمة: 85

المسائل التي تخص الشعب: 85

التجربة الإسلامية في العراق: 86

حوار عن الخطاب السياسي العراقي الشيعي. 89

مبادئ الخطاب الشيعي ومشاركة الحوزة: 89

الخطوط العريضة لمطالب الأمة: 90

الحوزة العلمية والتعاطي مع الأحداث: 92

مسؤولية جماعة الفضلاء: 93

قضايا سياسية واجتماعية 93

عراق ما بعد صدام حسين. 94

المرجعية وولادة العراق الجديد 94

الشعب والدستور. 95

التجربة العراقية أسوة لشعوب المنطقة 97

الحوار لإزالة التوترات السياسية 98

الدول الإقليمية والفتنة الطائفية 99

دور العشائر في بناء العراق الجديد 100

دور المرأة 102

ص: 199

النظرة إلى المستقبل. 102

ثقافة دستورية 105

مسألة الفدرالية 105

الإسلام مصدر التشريعات.. 106

مسألة ازدواج الجنسية: 108

الخوف على عروبة العراق: 109

مسودة الدستور العراقي: 110

عن مبررات وجوب المشاركة في الانتخابات.. 113

والمشروع الإسلامي في العراق. 113

معايير تقييم العملية السياسية: 113

حفاظ الشعب العراقي على إسلامه: 114

خيارات المقاومة الوطنية: 115

دعم قوات الاحتلال للعمليات الإرهابية: 116

سبيل الخروج من هذه الحالة: 118

الدعوات لشن الحرب الطائفية: 119

فرصة اندلاع حرب اهلية: 120

تقييم محاكمة الطاغية صدام حسين: 120

تقييم أداء الإسلاميين في الحكومة: 122

المرجعية ترعى الجميع: 122

الاصطفافات السياسية: 123

أهمية المشاركة في صنع المستقبل السياسي: 124

القواسم المشتركة: 125

ص: 200

القيادة الحكيمة تضع أصابعها على العلة وتصف العلاج. 127

خلاصة السيرة الذاتية لسماحة الشيخ اليعقوبي. 128

مشروع حزب الفضيلة كانت بواكيره في زمن صدام: 131

كيف يمكن تفادي الحرب الأهلية 132

الإرهاب يرسخ حالة الإحتلال ورفض التقسيم: 137

نظام الحكم الذي ينبغي أن يسود في العراق: 138

التعديل الحكومي المرتقب إذا كان حقيقياً فسنساهم فيه: 139

إنشاء حكومة دينية: 140

عوامل نجاح القيادة: 141

يوجد عتب كبير لدى شعوب العالم على الشعب الأمريكي: 142

موعظة للإعلاميين. 144

الامتيازات الإضافية للبرلمانيين. 147

الحكومة الحالية لا تناسب الوضع السياسي والاجتماعي، والممارسة الديمقراطية عوراء 148

حل مشكلة كركوك، والفدرالية والدكتاتورية: 149

المشروع السياسي للسيد الشهيد الصدر لثاني (قدس سرّه)... 151

تعريف المشروع السياسي: 151

قيادة الحركة الإسلامية في ظل البطش الصدامي: 154

استثمار نتائج الانتفاضة الشعبانية المباركة: 156

المرجعية والعمل السياسي: 157

ما الذي دفع الناس إلى اتباع السيد الشهيد الصدر(قدس سرّه) : 160

معالم المشروع السياسي للسيد الشهيد الصدر: 160

ص: 201

النشاطات السياسية للسيد الشهيد الصدر :(قدس سرّه)... 163

الطعنات من الخلف: 166

لماذا أجّل السيد الشهيد تصعيد المواجهة مع النظام؟ 168

التصدي للمرجعية أساس الانطلاق في المشروع الإسلامي: 171

في الذكرى الخامسة لسقوط صدام المقبور. 171

المطلوب تغيير الظلم وليس الظالم فقط: 172

الشيء الذي تحقق هو الأمل لغدٍ أفضل: 173

موقف المرجعية إبان الغزو عام 2003: 174

توجهات المرجعية قبل بدء الحرب وأثناءها: 177

العلاقة التكاملية بين عراقيي الداخل والخارج: 178

دور المرجعية في منع الفوضى وسرقة المال العام: 180

مسؤوليات ما بعد السقوط: 181

العلماء والعمل السياسي: 181

التوظيف السيء للدين. 183

القداسة المزيفة لبعض رجال الدين: 184

السياسة في العراق .. القضية والإشكالات.. 186

الشعب يطالب بالتغيير: 186

أغراض أمريكا من عدم تغيير الخارطة السياسية: 187

الشك في نزاهة الانتخابات: 189

معنى عدم تدخل المرجعية في الجزئيات.. 190

تدجين الشعب العراقي ليستسلم للظلم والإذلال. 192

الصمت إزاء مظالم كبيرة من الذل: 193

ص: 202

تحليل في أسباب سكوت الشعب العراقي واستكانته للظلم: 193

الفهرس.. خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة.

ص: 203

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.