شباب في مقبرة الجنس

هویة الکتاب

شباب في مقبرة الجنس

- قصة هادفة -

بقلم السيد احمد الجيزاني

مع ملحق باستفتاءات لسماحة الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله)

ص: 1

اشارة

ص: 2

شباب في مقبرة الجنس

- قصة هادفة -

بقلم السيد احمد الجيزاني

مع ملحق باستفتاءات لسماحة الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله)

ص: 3

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

الاهداء

إلى:

الذين التحقوا بقافلة الانبياء وركب الايمان ...

الذين عانقوا الحور العين قبل فراق الحياة ولبس الاكفان ...

الذين توسدوا كثبان المسك والزعفران ...

إلى:

الذين سقطوا في درب الانبياء مخضبين بدماء النحور ...

الذين ضاجعوا الشهادة وسكنوا مقابر النور ...

شهداء الطف وانصار الامام الحسين المظلوم (عليه السلام) ...

اقدم :

هذه الصفحات

عسى ان يشفعوا لي يوم الحشر والنشور.

ص: 5

فكرة هذه القصة:

قدم احد الاخوة المؤمنين (ايده الله) قصة تتناول موضوع العادة السرية، وقد اسماها (رفقاً بانفسكم يا شباب).

ولما كنا نبغي فائدة القارئ الكريم على النحو الاتم المرضي عند الله بحيث يجد ضالته ويخرج بحصيلة جيدة تستوعب وتغطي جوانب الموضوع؛ وتلقي اطلالة كافية على جناباته ... لذا ارتأيت ان اعيد تطوير افكار هذه القصة، وصياغتها باسلوب علمي وأدبي يتماشى وروح العصر الذي يميل إلى العمق والاختصار...

سائلاً المولى القدير بجلال وجهه الكريم ان يسدد خطى صاحب البحث الاصلي لكل صواب، وان ينفعني بما جاء في هذه الصفحات ... انه ارحم الراحمين.

شعبان 1423 ه

المؤلف

ص: 6

كلمة لابد منها:

يموت حتف جنسه !!!

لا تعجب عزيزي القارئ وانت تسمع بهذا العنوان (شباب في مقبرة الجنس)؛ فان الكثير من شبيبة اليوم يموتون صرعى بسيف الجنس، ويسقطون في ساحات الفسوق ويقبرون ارواحهم في مستنقعات الرذيلة .. مضحين بانفسهم من اجل معبودهم (الشهوة الجنسية) بعد ما قضوا شطراً من حياتهم في معابد الجنس (دور السينما والبغي والشوارع والمسابح ...) وهم يتلون كتب الجنس ويمتعون انظارهم بالصور الخليعة مطيعين لرسول الشيطان (الشاشة الماجنة)؛ وأئمة الباطل (المطربين).

ان الاباحية التي صفقت لها الايدي بحرارة جعلت مجتمعاتنا اليوم ترزخ بألوان من الانحلال؛ وموجات من التدني والانحراف؛ كلها تنذر بازوف الآزفة؛ فالشذوذ الجنسي؛ والخروج عن السنن الإلهية والقوانين الكونية؛ والحدود الانسانية، اصبح وللأسف يشار له بالبنان بفعل التقبلاللامتناهي للانحراف ...

لقد رخصت مجتمعات اليوم ارتكاب الكثير من مشاكل الجنس؛ ومنها العادة السرية غير ملتفتة إلى حكم الشرع والعقل،

ص: 7

فتهاوى الكثير سريعا إلى حياة الحيوانية وخلع لباس الانسانية ...

فعجب لا ينتهي لهذه الامة التي بينما هي تنتمي إلى دين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي والحسن والحسين (عليهم السلام) ثم تراها عاكفة على هذه الموبقات ولا تتناهى عن هذه الاثام.

وقبل ان اخلي بين القارئ الكريم ومشاهد هذه القصة أقول:

من المؤلم حقاً ان يحتلب الانسان قواه، ويرمي بماء الحياة بين قدميه !! ويفسد نظارة وجهه بيديه؛ ويريق بهاء شبابه بكفيه؛ حتى يموت حتف جنسه غير مأسوف عليه !!!

ص: 8

سكون يملأ البيت؛ ويغلف اجواء المنزل الذي كان يقلهم؛ وثوب حياة جديدة ارتدته عائلة الاستاذ جابر؛ وايام قد تصرمت وصارت شيئاً من الذكريات؛ بيت يعيش ذووه في كسوف دائم؛ ولكن أي كسوف هو ؟

انه رحيل الاب جابر إلى العالم الثاني، عالم الحساب والثواب والعقاب.

مذ اربعين يوماً والام (ام شهيد) غارقة في تفكير طويل؛ وسابحة في هموم سوداء كليل بهيم؛ انها تتكلم مع نفسها: يا ويلي .. لا ادري ! اشعر بانتهاء حياتي؛ انني ضائعة، كل شيء تغير من حولي؛ انتهت فترة الاربعين ولم يزرنا زائر؛ اين اقارب ابي شهيد ؟ اين اصدقاءه ؟ سعيد تغير تماماً؛ فهو لم يجالسنا منذ وفاة ابيه، آمنة لم تأت منذ مجلس الفاتحة بسبب منع زوجها من زيارتنا؛ شهيد صار يحمل هموم الاسرة؛ انه يغلق باب مكتبة ابيه عليه باستمرار ... لا ادري ماذا اصنع ؟! لقد تغير مسار حياتي فجأة من حين مرض ابي شهيدالمفاجيء وموته سريعاً. شيء في داخلها يحركها نحو غرفة المكتبة حيث يجلس ولدها الاكبر شهيد؛ فتطرق الباب بهدوء.

شهيد : تفضل.

ص: 9

الام تفتح الباب مسلمة على ولدها.

شهيد ينهض بسرعة : اهلا امي تفضلي.

وتجلس الام وتطيل النظر إلى كتب زوجها الدينية والثقافية؛ فتقع عينها على كتاب (سعادة الاسرة) فاخذته وتصفحت اوراقه وكان في اول صفحة منه هذه الذكرى:

اشتريته من كربلاء المقدسة

عام 1970

والاسبوع القادم موعد زواجي ان شاء الله

جابر

لقد اعادت هذه الكلمات ام شهيد إلى ارشيف الماضي الجميل؛ فاغرورقت عيناها بالدمع حتى اجهشت بالبكاء.

وهنا ينحني شهيد على امه يقبل يديها بشغف كبير؛ مقراً لعينيها الدامعتين مواسياً لها: امي ما هذا ؟ انت مؤمنة وكلنا ميتون؛ اقول لك ما قاله الحسين(عليه السلام) لاخته الحوراء زينب (اخية تعزي بعزاء الله؛ فان اهل السماء لا يبقون؛ وان اهل الارض يموتون؛ ولي ولك ولكل مؤمن برسول الله اسوة حسنة).

الام: انني احب اباك كثيراً؛ ولم اكن اتصور ان اعيش بدونه يوماً ما.

شهيد: ان ابي من اهل الجنة، فلماذا البكاء ؟ واذا كان في موته رضا الله فلما الاعتراض ؟ كوني كزينب الحوراء حينما

ص: 10

اخذت تناجي ربها (اللهم ان كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى).

الام : عليهم مني السلام، لقد شرحت بكلامك صدري، بارك الله فيك يا شهيد، اني كما عهدتك شاباً خلوقا ملتزما طيباً، ولكنني...

شهيد : ماذا يا اماه، قولي لا تخفي علي امراً.

الام : انا خائفة على اخيك سعيد ومستقبله، انه على غير عادته خاصة بعد رحيل والده، لقد كان كالزهرة في البيت، اما اليوم فلا يأكل الا قليلاً، هزيل الجسم، غائر العينين، اصفر الوجه، تعلوه كآبة، في عزلة دائمة، عصبي المزاج، خامل وكسول، يتعب من ابسط جهد يقومبه .. وقد رأيت كيف اصر على تأجيل هذه السنة الدراسية رغم تعلق رغبة والده بها والحاحنا عليه ...

وهنا يرن صوت الجرس قاطعا حديث الام مع ولدها شهيد، يتجه شهيد نحو الباب، ويفتح الباب واذا به صديقه في الاعدادية والكلية (فاهم).

فاهم : السلام عليكم.

شهيد: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، اهلا يا عزيزي، لم ارك منذ ايام مجلس عزاء المرحوم والدي.

فاهم: نعم، هذا صحيح، وانا اشعر بالتقصير اتجاهكم، ولكن مشاغل الحياة هي التي اعاقتني عن تفقد احوالكم والاتصال بكم.

ص: 11

جلس الصديقان فاهم وشهيد في الصالة وتبادلا كلمات الاحترام والتكريم، ولكن صمت عجيب اجتاح اجواء الصالة من دون انذار مسبق، فاراد فاهم ان يهشم حاجز الصمت بكلماته، فبادر قائلاً:

ها .. ما هي اخبارك يا شهيد .. اراك على غير ما يرام .. ما عهدتك هكذا مذ عرفتك .. نحن نفضل اللقاء بك والتحدث معك .. لاننا حينما نكونمعك نشعر بحديث نبي الله عيسى (عليه السلام) الذي قال للحوارين لما سألوه: يا روح الله من نجالس ؟ قال: (من يذكركم الله رؤيته، ويزيد في علمكم منطقه، ويرغبكم في الاخرة عمله).

يلقي شهيد ظهره إلى الخلف محدقاً بالثريا المعلقة في سقف الصالة، قائلاً بتأوه: آه .. يا فاهم ..

(ارى علل الدنيا علي كثيرة ... وصاحبها حتى الممات عليل).

فاهم: لا تهول الامر كثيراً يا شهيد؛ فنحن ربما نعطي للأمور قيمة وأهمية اكبر من حجمها في الواقع؛ ليست هناك مشكلة حقيقية إذا ما توكلنا على الله وطلبنا منه العون باخلاص .. فقليل من الصبر وكل شيء يتيسر بلطف الله .. ولكن قل لي ما هي العلل كفاك الله شرها..؟

شهيد: اشعر بضعفي امام المسؤولية التي القيت على عاتقي؛ فللتو كانت امي تبكي لفقد ابي وخوفها على مستقبل سعيد الذي

ص: 12

يبدو غير طبيعياً؛ فوقفت عاجزاً عن مسح الهموم عنها؛ والآلام التي تشعر بها.

فاهم: يا عزيزي تحلى بالصبروالثبات؛ فأنت اليوم مكلف ومبتلى باختبار يجب ان تخرج منه بنجاح؛ اعني ادارة اسرتك بما يرضي الله وادخال السرور على قلب امك واصلاح مستقبل اخيك؛ وهذا بلاء اختياري تثاب عليه؛ فان لم تفعل وهربت من هذه المسؤولية سلط الله عليكم البلاء الاضطراري الذي لا مهرب منه والذي لا تثاب عليه، ولكن قل لي ما هي مشكلة سعيد بالضبط ؟

شهيد: يا فاهم ان سعيداً كان شاباً مرحاَ؛ ذكياً؛ قوياً؛ اما اليوم فهو في عزلة دائمة؛ مكتئب؛ عصبي المزاج؛ ضعيف الجسم؛ اصفر الوجه؛ اجتاحت وجهه البثور؛ لا يستيقظ مبكراً؛ ولا يأكل الا شيئاً يسيراً؛ تراه مرتبكاً امام الآخرين ...

فاهم: يبدو ان الامر ليس بهذه الخطورة؛ ويجب ان لا ننسى يا عزيزي ان سعيداً يمر بحياة جديدة يفقد فيها الظل الذي كان يعيش في فيئه؛ فيحتاج إلى مزيد من العناية والرعاية؛ فعليك ان تشعره بحنانك وعطفك؛ وحاول ان تهيمن على مشاعره، لكي توجهه إلى الغايات الصحيحة والاهداف الثمينة.شهيد: ولكن دلني يا فاهم من أين ابتدء معه ؟

فاهم: علينا قبل كل شيء ان نسعى لتحديد سبب هذه الاعراض التي يمر بها والتحولات التي بدت عليه.

ص: 13

شهيد: وكيف يكون ذلك يا فاهم ؟

فاهم: سوف اتصل بالدكتور مصطفى؛ وهو زميلنا في الدراسة ومن طلبة والدك الاستاذ جابر (رحمه الله) صحيح انه لم يزل شاباً؛ ولكنه مخلص في عمله؛ ومجد ومؤمن؛ وأخصائي في الامراض النفسية.

شهيد: جزاك الله خيراً؛ ما اشد اخلاصك يا فاهم ؟ حقيقة انك مؤمن عملي؛ تخلط الايمان بالعمل؛ ولا تكتفي من التدين بالالفاظ والمظاهر القشرية.

فاهم: اشكرك يا شهيد؛ أسأل الله التوفيق للجميع؛ ولم أفعل الا الواجب؛ فان المثل يقول: (أنقذ الصديق ولو كان في الحريق)؛ ووالدك ذو فضل على كل ابناء المنطقة؛ فقد تعلم الكثير من شبابنا احكام دينهم وتلاوة القرآن على يديه وحقاً انه مربي فاضل (تغمده الله برحمته الواسعة).ويتجه فاهم في اليوم التالي إلى عيادة الدكتور مصطفى المتواضعة، وفي غرفة الانتظار يجلس فاهم وهو يمتع بصره بالمخطوطات الجدارية التي تحمل الايات القرانية؛ من قبيل (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ)( الشعراء : 80) (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً)(الإسراء : 82)، وهنا يخاطب فاهم نفسه: ماذا لو كانت ايات القرآن في واجهات البلاد الاسلامية؛ فمثلاً عند المطاعم (كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)

ص: 14

وعند عيادة السنوار (يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ) وعند الكراج (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ)؛ وعند المكاتب التجارية (أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)؛ ولدى واجهة رياض الاطفال (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) ... وهنا يدخل دكتور مصطفى مسلماً على المراجعين وقد بدرت منه التفاتة نحو صديقه فاهم؛ فاقبل نحوه وعانقه: اهلا وسهلا بفاهم في عيادتنا.

فاهم: مشتاق اليك كثيراً يا دكتور.الدكتور: وانا اكثر؛ هيا تفضل معي نتحدث سوية قبل بدء وقت المراجعين، دخلا سوية إلى غرفة المعاينة وأخذ كل منهما مجلسه.

الدكتور: مساكم الله بالخير.

فاهم: مساكم الله بالخير.

الدكتور: ها ... انسني بحديثك يا فاهم.

فاهم: في الحقيقة اتيت إلى هنا في قضية تخص عائلة المرحوم الاستاذ جابر.

الدكتور: ذكرتني يوم كنا تلاميذاً عنده؛ رحمه الله كان مخلصاً؛ لا يمكننا ان ننكر فضائله وأياديه علينا؛ لقد كان مربياً فاضلاً؛ نزيها؛ خدم الجيل على احسن وجه، ولكن ما هي المشكلة بالضبط ؟ فاني في خدمتك وخدمة عائلة الاستاذ المرحوم.

ص: 15

فاهم: جزاك الله خيراً، لقد تغير سعيد أبن المرحوم جابر كثيراً عما كان عليه في السابق، فقد كان مرحاً ونشيطاً وذكياً وقرة عين والديه، اما اليوم فيبدو كئيباً؛ انعزالياً؛ هزيلاً؛ شاحباً؛ غائر العينين، منهوك القوى؛ فاقداً للشهية، كسولاً، خجولاً في المحافل الاجتماعية.الدكتور، يشبك اصابع كفيه على بطنه مبتسماً: الامر هين وبسيط، وليس هناك ما يدعو للقلق.

فاهم: الحالة سهلة ويسيرة إذاً دكتور ؟

الدكتور: دعني أصارحك بالحقيقة، إن الحالة سهلة ويسيرة، ولكن في نفس الوقت هي خطيرة وخطيرة ان لم نبادر لعلاجها يا فاهم ؟

فاهم: تقول: سهلة وخطيرة ! ما هي الحالة بالضبط يا دكتور ؟

الدكتور، يبتسم مرة اخرى: انها العادة السرية، فكل ما ذكرته لي من صفات هي اعراض طبيعية لمن يمارس هذه العادة الملعونة، والتي حرمها القرآن والأئمة المعصومين (عليهم السلام).

فاهم: هل تفعل هذه العادة الخبيثة كل هذه المشاكل والمساوئ وتسبب كل هذه الاضرار والسلبيات ؟

الدكتور: انها تفعل اكثر من ذلك، ولكي تكون على بينة

ص: 16

سأطلعك على بعض اقوال اشهر الاطباء والاختصاصيين في هذا المجال، لترى فداحة الاضرار الناجمة عنممارسة هذه العادة الذميمة.

أين هو ؟ أين ؟ .. ها .. هو هذا، انه كتاب (الشهوة الجنسية) للدكتورة ماري ستوب والدكتور هنري ميللر انظر يا فاهم ما ذكراه في ص115: (العادة السرية تضعف الجسم فيهزل والوجه فيصفر والعينين فتغوران وينطفئ نورها، ويحدث مثل ذلك لسائر الاعضاء، ولا تكون النتيجة غير الصرع او العمى او غير ذلك من الآلام والامراض).(1)

وهذا كتاب (تحفة الراغب) لمؤلفه الدكتور شاكر الخوري يقول فيه: (يتسبب عن الاستمناء جميع الامراض الطارئة على الجسم منها جميع الامراض العقلية كالجنون واليوخندريا وامراض الرئة كالسل والربو وامراض القلب وأخصها الخفقان والضخامة وداء بوط وهو تسوس العمود الفقري)(2).

واخيرا اسمع يا فاهم ماقاله الدكتور (هوجين سون) (اول اثار الاعتياد على العمل الشنيع هوزوال قوة وشفافية العين مع ذبولها وفقدان لونها الاصلي . عدم مشاهدة الذكاء والادراك

ص: 17


1- نقلاً عن كتاب (العادة السرية) لعلي محمد علي دخيل ص17.
2- المصدر السابق ص22.

السابق في المبتلين به، ظهور الانقباض في وجوههم، احاطة عيونهم بحلقات زرقاء، مشاهدة الضعف والكسل في مختلف اعضائهم، قلة الحافظة، عدم الرغبة في الاكل، عسر الهضم، ضيق التنفس، تغير الاخلاق والمزاج بشكل غير قابل للتوضيح، الحسد، الغم والحزن، اختلال العقل، التفكير بالوحدة والعزلة...)(1).

فاهم: اعاذنا الله، كل ذلك تسببه هذه العادة السوداء؟!

الدكتور: دعني اتمم لك ما ذكره هذا الدكتور في مكان آخر من كتابه:

(ان هذا العمل يوجب فقر الدم، وضياع القوة الجسمية والروحية، وكذا يسبب وجع الراس، ووجع الظهر، وصعوبة التنفس، ونقصان الحافظة، ونحافة الجسم، والضعف، والعجز، وبصورة عامة يسبب ضعف البدن الكلي، وفقدان قوته، كما انه يؤثر على ارتباطالحواس الخمسة مع بعضها خاصة العين والاذن)(2).

هل تيقنت الآن يا فاهم بالأضرار الكبيرة التي تخلفها هذه العادة الموبؤة ؟

فاهم : نعم..نعم يا دكتور ولكن من المؤسف حقا ان يسقط

ص: 18


1- نقلاً عن كتاب (مشاكل الحياة الجنسية) للشيخ ناصر مكارم ص84.
2- نقلاً عن المصدر السابق ص85 .

احد افراد هذه العائلة الطيبة في شباك هذه العادة السيئة والحالة الشاذة، والان قل لي ماذا افعل؟ وباي شيء تنصحني يادكتور؟

الدكتور: الامر الاول الذي يجب ان تفعله هو ان تخبر أخاه شهيداً بهدوء، وتحاول ان تدرس معه المشكلة بتروي وتعقل، فان هذه الامور لا يجدي معها العنف ولا ينفع فيها الغضب وعليكما ان تتعرفا على اصدقائه فان لم يكونوا بالمستوى المطلوب، حاولا ان تبعداه عنهم وقطع حبال الصداقة الشيطانية معهم. وانا معكم في كل وقت، وارجو وان تبلغ شهيداً عني السلام.

فاهم: اشكرك كثيرا يا دكتور، ساعمل بكل وسعي واسال الله ان يوفقني لذلك، وسأتصل بك مرة اخرى والان استودعك الله.الدكتور: مع السلامة يا عزيزي.

* * *

كان شهيد جالسا في المكتبة يمسك الكتاب تلو الاخر، لا تستقر رغبته في واحد منها، فهو مشغول البال في هموم اسرته، لم يتمكن من قراءة صفحة واحدة من أي كتاب يمسكه....

في وسط ركام التأملات يرن جرس الدار، خمن شهيد ان فاهماً على الباب، وفعلا فقد فتح شهيد الباب واذا به صديقه فاهم.

ص: 19

فاهم: السلام عليكم.

شهيد: وعليكم السلام، اهلا وسهلا بك يا فاهم، أ|ين أنت؟! انا بحاجة اليك، لا تتركني هذه الايام، فاني اشعر بضيق وعدم ارتياح فافكاري مشتتة واهدافي مبعثرة.

فاهم: يا شهيد إن الدنيا التي لا متاعب ولا مصاعب فيها لا تسمى دنيا، هذا هو حال الدنيا متقلبة من حال إلى حال مذ خلق آدم (عليه السلام) .

فهذا القرآن يقص علينا حال رهط الانبياء، وقافلة الرسل، وموكب الاولياء، الذين عانوا ماعانوا، ولاقوا ما لاقوا، فهذا نبي الله يوسف (عليه السلام) اوذي في حياته كثيراً، فقد حسده إخوانه حتى القوه في غيابت الجب، وتعرض إلى فتنة زوجة العزيز - زليخا- ثم اودع في السجن.

شهيد: زادك الله فهما يا فاهم، ولكن لم تخبرني حول موضوع ذهابك إلى دكتور مصطفى.

فاهم، (يبدو عليه الارتباك) : ماذا أقول لك؟ الصراحة يا شهيد ان الدكتور مصطفى اخبرني بان هذه الاعراض التي ترونها على سعيد هي اعراض ممارسة (( العادة السرية ))، فما تشاهدونه من اضطراب في احوال سعيد ناشئا من ممارسة هذه العادة بافراط.

ص: 20

شهيد، ( يرفع صوته بغضب) : لا.لا.لا تقول ذلك، إن اخي لا يمارس هذه العادة، والدكتور مشتبه فكلامه غير صحيح.

فاهم: أرجوك يا شهيد إهدأ، إن سعيداً أخي ايضاً، ولكن غض النظر لا يعد حلاً منطقياً لهذه المشكلة، إن ظاهرة الاستمناء اليوم متفشية في مجتمعاتنا بسبب تعطيل مشاريع الزواج وضعف الوازع الديني وبسبب انتشارمقتضيات الفساد من قبيل مشاهدة النساء العاريات في كل مكان ومطالعة الكتب والمجلات الخليعة، ومتابعة برامج شيطان المنزل - التلفزيون- والتعرف على العمليات الجنسية في سنين مبكرة، ومخالطة الشباب المنحرفين، فكل هذه الأمور تعد مقتضيات للشذوذ الجنسي وانحراف لسليقة الشباب .

شهيد، بعصبية: قبح الله فعلك يا سعيد، لقد سودت صفحة حياة الأسرة.

فاهم: أرجوك اهدأ، فالعصبية لا تنفع، بل تزيد المشكلة تعقيداً، علينا إصلاح ما انكسر بتروي، فان سعيدا طيب، وكان من المعروفين بالتزامهم، فلعل هناك اصدقاء سوء هم الذين زينوا له هذه العادة القبيحة، فعليك إذاً مراقبة أصدقائه ومن يماشيهم، ومحاولة إبعاده عنهم بأي وسيلةٍ، لأن هذا يحفظه من الانزلاق إلى مستويات أخرى غير صحيحة، وعليك مضافاً إلى ذلك أن تراقب الأنشطة التي يقوم بها، وتتعرف على رغباته وتوجهاته في

ص: 21

هذه الفترة، وكذلك يجب إبعاد جميع المؤثرات الجنسية من حوله.إلى هنا يستأذن فاهم من صديقه شهيد، ويعطيه عهداً بأنه سيبقى إلى جانبه حتى يقلع سعيد عن هذه العادة الممقوتة.

* * *

كانت الساعة الحادية عشر ليلاً، وشهيد في مكتبة والده يعيد في ذاكرته نصائح صديقه فاهم (معرفة اصدقائه، ومراقبة افعاله، وإبعاد المؤثرات الجنسية من حوله)....

وبينما هو كذلك، وإذا بكلمات ناعمة تصل مسامع شهيد، إنها كلمات غرام تبوح بها امرأة لمعشوقها ((بحبك...بحبك)) لم يدم الصوت إلا برهة حتى خمد سريعا واختفا .... نظر شهيد في الجهات الأربع من حوله .. وسرعان ما أدرك ان هذا الصوت كان منبعثاً من غرفة سعيد في أعلى الدار.. ولم يطل تفكير شهيد كثيراً حتى أدرك أن التلفزيون الذي كان قد ركنه الوالد منذ عشرة سنين أعاد سعيد تشغيله وأخذ يتابع برامجه من جديد.

قال شهيد في نفسه: ملعون هذا التلفاز، انه اخطبوط الأسرة، أنه رأس كل بلاء, وهنا تقع نظرةٌ من شهيد على جريدة كانت بجانبه،أخذ شهيد ينظر في نشرة برامج هذه الليلة فكانت المادة التي تعرض في هذه الساعة هي الفلم العربي (الهلفوت) ... تأثر شهيد كثيراً وتعكر مزاجه، وأخذته ثورة الغضب وقال متهكماً:

ص: 22

لطيف جداً فسعيد إذاً يتابع هذا الفلم الذي شاهدته قبل سنين وقبل أن أعرف بحرمة مشاهدة هذه الأفلام أنه فلم خليع يندى له جبين المؤمن الحر الكريم ... كيف لا تفسد أخلاقهم ويمارسوا هذه العادة السرية وهم يرون هذه المشاهد الجنسية المثيرة التي أوصت الشريعة بحفظها في إطار خاص بها وهو مخدع الزوجية المقدس. ولكن ما السبيل لابعاد هذا الجهاز- المدمر للحياة والعفة - عن سعيد ؟ نعم وجدتها - قالها شهيد- فكرة جيدة، نادى شهيد أماه..أماه.

جاءت الأم : نعم يا شهيد، ماذا تريد؟

شهيد: هناك موضوع مهم يخص والدي، وهو يهمنا جميعاً، فنادي لي سعيداً ارجوك.

نادت الام سعيداً فنزل سعيد من غرفته، واجتمع افراد العائلة سوية فبادر شهيد قائلاً: يا أمي ويا سعيد تعلمون أنني صرت مسؤولاًعن إدارة شؤون البيت بعد وفات والدي.

الأم: نعم يا ولدي أعانك الله على ذلك ولكن ما الأمر؟

شهيد: لقد أخبرني أحد أصدقاء والدي صباح هذا اليوم بأنه كان قد أقرض أبي مبلغاً وأنا غير قادر على أدائه، وانتم تعلمون بإن ذمة والدي ستبقى مشغولة بالمال إن لم نسدد نحن ما أقترضه من مال لصديقه.

الأم : لقد فاجأتنا بهذا الأمر، فما هو الحل إذاً؟

ص: 23

شهيد: ليس هناك حلاً سوى بيع التلفزيون، ها .. ماذا تقول يا سعيد ؟

سعيد: انا اقترح ان نبيع كتب الوالد فان اسعار الكتب غالية في الاسواق هذه الايام.

شهيد: لا .. يا سعيد ان امير المؤمنين (عليه السلام) يقول (الكتب بساتين العلماء) اما التلفاز فلا حاجة لنا به، انه شيطان المنزل، ولهذا ركنه والدي منذ سنين عديدة، ووالدي لو كان موجوداً الآن لما فضل التلفاز على الكتب أبداً.

الام: كلامك صحيح يا ولدي، فالتلفزيون لا فائدة فيه، فان الاعم الاغلب من برامجه مخالفةللشريعة وقد هجرناه كل هذه السنين بفضل الصحوة الدينية المباركة ولا نريد العودة اليه مرة اخرى.

سعيد (وهو ينهض بسرعة): افعلوا ما بدا لكم.

وهكذا استطاع شهيد ان يتخلص من التلفزيون بطريقة ذكية وأسلوب حكيم.

* * *

وفي اليوم التالي، ولما غادر سعيد البيت، دخل شهيد إلى غرفة سعيد، فسقطت منه نظرة على كتاب ضخم، انه المجموعة القصصية الكاملة لنجيب محفوظ، تبسم شهيد قائلاً: ها .. صار

ص: 24

سعيد محباً لقراءة الكتب الأدبية، اخذ شهيد يتصفح الكتاب، فسرعان ما تغير رأيه بالمرة فلقد كانت الصور الفاصلة بين مشاهد القصص، فاضحة وخليعة، تدعو إلى الشبق التام، واحتدام الشهوة وإثارة الغريزة الجنسية. اتجه شهيد إلى الدولاب ونظر إلى ما فيه وإذا بثلاث كتب تحكي عن (الجنس) استاء شهيد وغضب جداً من ذلك كله فأخذ وسادة سعيد وضرب بها الحائط بعنف وقوة، وإذا بالمفاجئة الثالثة،انها مجموعة صور خليعة لفتيات غربيات في حالة عري صارخ تعلن عن حالة بيع الاعراض في اسواق الفسوق.

استولت مشاعر الغضب على شهيد، وأوشك ان يضرم النار بهذه الصور المنحطة والكتب الوضيعة لولا ان تذكر نصيحة صديقه (فاهم) في ترك العصبية وثورة الغضب، فتمالك شهيد اعصابه وخرج من الغرفة، بعد ان اعاد كل شيء إلى مكانه السابق.

شهيد لم يجد بداً إلا الذهاب إلى صديقه فاهم ليحكي له ما رآه ويشكو همه وحزنه اليه.

* * *

وقف شهيد على باب صديقه (فاهم) ضاغطاً على زر الجرس وقد بدت ملامح الحيوية واضحة على وجهه، وسرعان ما خرج له فاهم.

ص: 25

شهيد: السلام عليكم.

فاهم: وعليكم السلام .. مرحباً بك يا اخي .. انورت وازهرت بك الدار يا شهيد.

أخذ فاهم صديقه إلى غرفة الضيوف مرحباً به وسائلاً اياه عن آخر الاخبار.

شهيد: لقد انكشفت لي فياليومين السابقين جملة من الامور، منها: متابعة سعيد لبرامج التلفزيون ومشاهدة الافلام الخليعة سراً، اقتناؤه للكتب التي تتحدث عن الجنس، وكذلك وجدت تحت وسادته مجموعة من الصور العارية للفتيات بشكل فاضح ومخزي.

فاهم: انها امور متوقعة يا شهيد، والمهم ان نتابعها بدقة لغرض ازالتها، ولكن ارجو ان لا تكون قد تصرفت تصرفاً يفسد العلاج المطلوب ويعقد المشكلة في هذه المرحلة.

شهيد: لا .. لقد تذكرت وصيتك فعاد لي حلمي، فارجعت كل شيء إلى مكانه، والان افكر بان القي عليه الحجة، فاصارحه بافعاله المنكرة وسلوكه المنحرف وتفكيره الخاطئ، فليس بوسعه ان ينكر بعد ان شاهدت هذه الامور بأم عيني في غرفته.

فاهم: لا يا عزيزي .. ان هذا يجعل الطريق معبَّداً أمامه، ويفتح له باب الانحراف على مصراعيه لانه سينحصر في زاوية ضيقة، وتدعوه المصارحة إلى التمرد اكثر، ثم لا يبالي بكم بعدها

ص: 26

لان ما يخافه قد انكشف اليكم.. انه يشعر الانبالحيرة والقلق، ويعيش حالة الخوف منكم، ويعاني الالام ووخز الضمير.

شهيد: ضمير (يقولها بتهكم) .. أي ضمير هذا الذي تتحدث عنه: من اين له الضمير ؟!

فاهم: ليس الامر كما تتصور يا شهيد.. فمن اهم الامور المزعجة التي تسببها العادة السرية هي ما يشعر به الفرد من وخز الضمير المستمر، والتأنيب الدائم، فتراه يخسر شخصيته ويفقد كيانه، ويشعر بعقدة الحقارة، والحياء من الناس وكأنهم مُطّلعون على فعله، عالمون بسره فيشعر بالدونية، ويرى وجوده الانساني يتصادر منه تدريجياً، فيرى نفسه كأحد أصناف الغوريلا أو الشمبانزي(1).

شهيد: فما نصنع معه إذاً يا فاهم ؟

فاهم: ماذا نصنع ؟ ماذا نصنع؟

وهنا يجيل فاهم الافكار في ذهنه، ويتأمل في هذه المشكلة جيداً وهو مطأطأ الرأس، وثواني تمر سريعاً .. وفجأة يرفع فاهم رأسه قائلاً: وجدتها .. وجدتها، فكرة جيدة، تحتاج شيئاً من

ص: 27


1- يقول الدكتور عبد العزيز القوصي في كتابه اسس الصحة النفسية (وقد لوحظ ان القردة نفسها لا تمارس الاستمناء الا في حالة الحبس وعدم توفر الفرص للنشاط الحر الواسع المدى) نقلاً عن كتاب (العادة السرية) لعلي محمد على دخيل.

الصبر، انا متأكد إنها ستنجح باذن الله.

شهيد: ما هي الفكرة يا فاهم؟ اخبرني ارجوك، هل ستستخدم معجزة بحقه ؟!

فاهم: لا.. ولكني اطلب منك ان تخبره بقضية دخولك إلى غرفته.. ومشاهدتك للكتب فقط، وقل له مثلاً انك كنت تبحث عن كتاب لوالدك (رحمه الله) ولم تجده في المكتبة، فاضطررت إلى الدخول إلى غرفته للبحث عنه مضنة ان تجده في دولابه مع كتبه.

شهيد: ثم ماذا ؟

فاهم: ثم قل له: لقد سرني ما وجدته فيك من مثابرة في المطالعة، خاصة جهدك المنصب في البحث عن العادة السرية ومشاكل الشباب الجنسية، ووضح له بان شبابنا المساكين اليوم بحاجة إلى مثل هذه البحوث ليطلعوا على مساوئ وأضرار ومخازي وفضائح هذهالافعال السيئة المشينة عند الشارع المقدس والعقلاء.

وبهذا تفتح لنا باباً نستطيع من خلاله ان نلج إلى سعيد، ونوصل اليه صوت الشارع المقدس وعلم الطب النفسي، من دون ان يتمرد علينا.

شهيد: هل تريد فعلاً من سعيد ان يكتب لنا بحثاً عن العادة السرية ؟!

ص: 28

فاهم: ليس هذا مهماً.. بل المهم ان نشده الينا في اجواء هذه الخطة، ونتحفه بما يريد من معلومات ومقدمات ونتائج حول هذا الموضوع.

شهيد: ومن اين لنا بالمصادر الشرعية والعلمية الخاصة بالعادة السرية ؟

فاهم: لا عليك .. سأتصل بالدكتور مصطفى ليرفدنا بالحقائق العلمية لدى مشاهير الاطباء النفسانيين وكذلك سوف اطلب المساعدة من الشيخ هادي لينقل لنا رأي الشريعة المقدسة مفصلاً في هذا الموضوع ان اذنت بذلك يا شهيد.

شهيد: نعم، بكل تأكيد.. وسوف اكون ممتناً لكل الجهود التي تبذلونها.

فاهم: اتفقنا اذاً.

* * *

وفي اليوم التالي:

جاءت الام إلى شهيد: استيقظ يا عزيزي فان الساعة الآن الثامنة صباحاً.

شهيد: من ؟ امي الحبيبة.

الام: اريد ان اسألك سؤالاً.

شهيد: تفضلي يا امي.

ص: 29

الام: لقد كنت قلقة فيما مضى على سعيد، ولكن صرت اشعر بالقلق عليك ايضاً، لاني اراك في حيرة واضطراب، وحتى مسألة قرض والدك وبيع التلفزيون من اجل تسديده فهي مجرد خطة منك للتخلص من التلفزيون، لان مبلغ القرض بسيط ولا يحتاج إلى بيعه، ولكن الحق معك طبعاً، لاني اعلم ان سعيداً يتابع البرامج المنحرفة، ولم اخبرك بذلك خشية ان تتصادم معه.

شهيد: لا يا امي .. لماذا تخفين عليَّ مثل هذه الامور الخطيرة ؟! ان الذي يزيد انحراف الابناء في هذه الايام هو التغاضي عما يفعلوه والتستر على افعالهم المنحرفة، وهذا غير صحيح. لقد كان الاحرى بك ان تخبريني بكل شيء، لكي اتصرف بحكمة ودراية معه، من اجل انقاذه مما هو فيه،لقد اعترضت على تأجيله للامتحان الوزاري، ولكنك استسلمت لمطلبه ووقفت بجانبه .. وها هو يخالف رغبة والده في ترك مشاهدة ذلك الخطر الكبير، اعني ما يعرض من افلام خليعة وبرامج منحطة. انا متأكد بانك تعلمين باشياء أخرى عن سعيد ولكنك لا تبوحين بها، لماذا هذا الكتمان يا امي ؟! لماذا ؟!

الام (بارتباك): اني اخاف عليكما يا ولدي، هل أجعلكما تتصادمان معاً؟ ماذا أفعل انه لم يعد طفلاً.. أين أنت يا ابا شهيد؟ لماذا تركتني لوحدي ؟

وهنا سالت الدموع على غضون وجه الام المنكسرة لفقد

ص: 30

زوجها ولضياع ولدها سعيد.

شهيد: لا يا أمي .. أرجوك كفي عن البكاء.. انا مخطئ اعتذر كثيراً.. لا اقصد ايذاءك، سامحيني .. صدقيني يا امي انني اريد مصلحته، اريد ان يكون مستقيماً في حياته، أريده ان يكون على نهج ابينا المرحوم الذي ربانا عليه، نهج موكب النور، موكب الانبياء والصالحين.

الام (وهي تكفكف دموعها): اعلم بذلك يا ولدي .. حفظك اللهلنا من كل سوء.

شهيد (يحاول ان يطبع الابتسامة على وجه امه): ها .. يا امي لم تحدثيني عن الزواج كما كنت في السابق حيث تلاحقينني باستمرار وانت تقولين: تزوج يا شهيد، اريد ان اراك ابا، واحمل اطفالك كما حملتك في الصغر.

الام: آه .. كنا نتمنى ذلك، فقد عرضت انا ووالدك المرحوم مشروع الزواج عليكما قبل سنة ولكنك رفضت واحتججت بضرورة اكمالك الهندسة، وسعيد رفض هو الاخر ان يتزوج دونك.

لقد اعادت هذه الكلمات شهيداً إلى الوراء يوم عرض الزواج عليهما، فأخذ يحدث نفسه: ليتني قبلت الزواج يومها، فعلى الاقل يكون سعيد اليوم محصناً، ولم يلجأ إلى اشباع شهوته من حميم هذه الظاهرة المنحرفة، ولم يعتاد على هذه الوسيلة

ص: 31

القذرة، انا السبب .. انا السبب، لقد جعلته ينجرف ورائها (العادة السرية) ويسرق بذلك قوته الجسدية خارج حدود الله المحللة (الزواج) ولم افكر حينها بثمار الزواج المبكر الذي يقي الانسان من مصرع هذه العادة.

الام: ها .. يا شهيد أين وصلتبك الافكار ؟

شهيد: لا .. لا شيء، ولكن قولي لي بصراحة يا امي مع من يمشي سعيد هذه الايام؟

الام (وهي محرجة): سعيد .. ها .. مع من يمشي؟ .. لا ادري.

شهيد: أرجوك يا امي لا تخفي عليَّ شيئاً.. تكلمي بصراحة.. إنني أريد مصلحته.

الام: بصراحة يا شهيد ان سعيداً يماشي هذه الايام (مروان وهشام).

شهيد: من ؟! مروان وهشام، هنا بيت القصيد إذاً، انهم من اكثر الناس سقوطاً وانحرافاً عن جادة الصواب، وتدنيا في الاخلاق، ومن عاشر القوم اربعين يوماً صار منهم.

الام: أرجوك يا شهيد وسَّع صدرك مع اخيك، فان عقلك راجح وقلبك كبير، فلا تجعل الشيطان ينزغ بينكما.

شهيد: اعدك بذلك يا امي.

* * *

ص: 32

وفي عصر هذا اليوم قرر شهيد ان يبدأ الخطة التي اتفق ان ينفذها مع فاهم، وفعلاً اتجه إلى غرفة سعيد وطرق باب غرفته.اسرع سعيد إلى اغلاق الدولاب واخفاء الصور الخليعة، ثم فتح الباب لاخيه.

شهيد: السلام عليكم.

سعيد: وعليكم السلام.

شهيد (وهو مبتسم): هل اتفضل، ام لا ؟

سعيد: تفضل يا شهيد.

جلس شهيد على السرير بقرب الوسادة التي كان سعيد يخفي تحتها الصور الشيطانية، واخذ يحلِّق بنظراته الفاحصة وتأملاته الثاقبة في الجدران الأربعة وسقف الغرفة.. إنها نظرات تكاد تكشف عما وراء الجدران وما تحت الفراش.. لقد ملئت تلك النظرات قلب سعيد خوفاً وقلقاً حتى غدا متلوناً، مضطرباً مرتبكاً، يفقد سكينته ويحدث نفسه: ماذا لو رأى شهيد هذه الصور والكتب التي تتحدث عن الجنس. وهنا يسعى شهيد لان يضع اللبنة الأولى للخطة.

شهيد: معذرة يا سعيد لقد دخلت أمس البارحة إلى غرفتك بدون استئذان مسبق منك، فقد كنت مضطراً للبحث عن كتاب لابي توقعت ان اجده عندك.. لقد انهار سعيد بصورة كلية وهو

ص: 33

يفاجئ بهذا الامر - دخول شهيد لغرفته- وأخذ يناجينفسه: يا لسوء حظي.. هل اطلّع شهيد على الكتب الجنسية والصور المخجلة! وهكذا اضطربت احواله، وشرَّقت هواجسه به وغرَّبت، واصفرَّ وجهه، وصار في حال لا يحسد عليه.

شهيد: ماذا بك يا سعيد ؟ أين ذهبت بك الافكار ؟ هل ساءك دخولي إلى غرفتك من غير اذن ؟

سعيد: لا .. كلا.

شهيد: لقد راقني جداً اهتمامك بمشاكل الشباب الجنسية..، ولكنك لم تذكر لي يوماً بانك تنوي البحث عن مشاكل الشباب الجنسية.. فان هذا العمل يسرني ويسر والدنا المرحوم الذي كان مناراً في المنطقة، فقد أثرَّت أخلاقه الفاضلة وسمته وهديه في نفوس الشباب الذين درسوا على يديه بفضل تشجيعه العملي لهم، وتدخله في حل المشاكل الاجتماعية التي يعانون منها، فينبغي ان نكون مثله يا سعيد.. ولهذا شعرت بالراحة والسعادة بمجرد ان وجدت بعض الكتب التي تتحدث عن الجنس في دولابك، وقلت في نفسي: ان سعيداً افضل منك يا شهيد، لانه فكر في مشاكل شباب المسلمين، اني احسدك يا سعيد على هذا الامر، فان المشاكل الجنسية وانكان الآباء قد اعرضوا ولم يبدوا اهتماماً في علاجها، لكنها في الحقيقة لا تقل خطورة عن سائر المشاكل الاخرى.

ص: 34

ويستغل شهيد هذه الفرصة الثمينة ليضع الحواجز المنيعة بين سعيد واصدقاء السوء فيتم كلامه قائلاً: تصور يا سعيد ان احد الثقاة اخبرني بأنه شاهد مروان وهشام يمارسان العادة السرية بافراط في الثكنات البعيدة، قبحهم الله، انهم يعصون الله ورسوله والائمة والقرآن ويعرضَّان انسانيتهما للتهميش والتحطيم.. لقد كان والدي محقاً وصائباً حينما اصر على ترسيبهما وعدم مساعدتهما في الدور الثاني، وانا متأكد بانهما يحقدان الآن على والدي وعائلته.

وهكذا كان شهيد رشيداً في اسلوبه، حكيماً في كلماته، متقناً لحركاته وسكناته.. واما سعيد فكان في موج من الافكار المكتظة في ذهنه وقد تلبد فضاء قلبه بالهموم والغموم، فهو يتمنى ان تبتلعه الأرض في جوفها، أو ان ينقض عليه جدران وسقف الدار، أو تمور الأرض به موراً.

ويعاود شهيد الحديث مرة أخرى إتماماً لخطته، فيقول:لقد أخبرت فاهماً حول موضوع بحثك في مشاكل الشباب الجنسية وقد سُرّ بذلك كثيراً، فانه شاب مؤمن، وطيب، وذكي، ونشيط، وعملي، وسوف نستفيد منه كثيراً، فانه من اصدقاء الايمان.

سعيد (بصوت نحيل): ها.. لا أدري.. لماذا قلت لفاهم؟ انني اتكفل امر البحث كله.

ص: 35

شهيد (مبتسماً): لا تكن بخيلاً يا سعيد ؟ ان ثواب الله كثير جداً، فاجعلنا نشاركك فيه، ولا تنسى ان اليد الواحدة لا تصفق، فنحن بحاجة إلى آراءه وعلاقاته، ولكن ارجوا ان تعدني ان لا تترك هذا البحث ابداً.

سعيد: ان شاء الله.

وهنا يستأذن شهيد من اخيه مغادراً غرفته، بينما يرتمي سعيد على سريره كالخشبة اليابسة، وقد استولى عليه الذهول، محدثاً نفسه: الحمد لله، لم ير شهيد الصور..

إنني في مشكلة.. ما هذا المأزق الذي انا فيه ؟ .. ماذا افعل يا ربي؟ من اين لي ان اكتب بحثاً ؟ هل انا مؤلف ؟! .. هل اعتذر منهم؟ .. لا .. لا، فبماذا افسر اقتنائي هذه الكتب لو اعتذرت منهم؟ .. اذاً سأطاوعهم،وانفذ رغبتهم لكي احفظ سمعتي وكرامتي.. ملعونة هذه العادة، ملعونة، ملعونة.. استمر سعيد يردد هذه الكلمة، حتى انهمرت الدموع وابتلت لحيته بها، وسقت الزهور التي طُرزت على وسادته، ولسان حاله: يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً.

* * *

وفي ظهيرة اليوم التالي دخل شهيد إلى المطبخ، حيث كانت الام تدير بعض شؤون المنزل هناك.

شهيد: السلام عليك يا امي.

ص: 36

الام: وعليك السلام.. اهلا بك يا شهيد.

شهيد: اراك في بهجة وارتياح هذا اليوم، فقد فارقت الابتسامة وجهك الجميل طيلة هذين الشهرين.

الام: لقد سرني كثيراً جلوسك مع اخيك في غرفته في الليلة الماضية، فصرت ادعو لكما بدوام المودة والتوفيق، وان يديم الله رابطة الاخوة بينكما.

شهيد: وماذا بعد ؟

الام: والذي سرني ايضاً، ان سعيداً قد طرد صباح هذا اليوم هذين الشابين، اعني مروان وهشام وقال لهما: لا تأتوني إلى البيتبل انا التقي بكم خارج الدار.. تصور يا شهيد انني شاهدت سعيداً اليوم في الحديقة يحرث قريباً من جذع النخلة، يبدو انه يستعيد نشاطه، أرجو ان يعود كما كان باذن الله.

شهيد: أرجو ذلك يا اماه.. انسحب شهيد من المطبخ، وانصرف سريعاً نحو النخلة، وفعلاً وجد هناك آثار بقعة محروثة تحت النخلة، نقّب شهيد في ذلك الموضع، وبمجرد ان رفع التراب من ذلك المكان، وإذا به يجد كيساً قد اودع فيه مجموعة من الصور الخلاعية لفتيات عاريات.. هنالك تبسم شهيد قائلاً: لقد ضاق الامر على سعيد فلجأ إلى دفن هذه الصور هاهنا... ارجو ان يأتي اليوم الذي يُقبر فيه سعيد عادته في طيات النسيان، أعاد شهيد الكيس إلى الحفيرة وأهال التراب عليه.

ص: 37

في كربلاء

لقد اتم شهيد مراسيم الزيارة بارتياح تام، خاصةً بعد ما غسل وجنتيه بالدموع التي ارسلها ممزوجة بكلمات وحروف دعاء كميل.. لقد اشبع عينيه من النظر إلى المرقد المبارك والقبة السامية التي تعلوه .. ثم حانت منه نظرة إلى اسماء الاصحاب (شهداء الطف) .. ولكنه إنشدَّ كثيراً إلى هذا الاسم (برير).

وحلَّق بفكره إلى قدوات الاسلام والاسوة الحسنة، وهو يتساءل: لا أدري كيف اعرضنا عن هؤلاء القدوات، وسادات الاصلاح في الارض، واتبعنا سفلة التلفاز، واتباع الشيطان، والمفسدين في الارض ؟! اعجب كثيراً لشباب اليوم، كيف يسيرون بغير وعي، ويقلدون بغير بصيرة، ويتبعون بغير هدىً لشرذمة من الفسّاق، قد تمردوا على رسالة السماء والقرآن، وخالفوا موكب الايمان، وقافلة النور، التي يقودها الرهط الكريم آدم ونوح وهود وصالح وشعيب وموسى وعيسى .. (عليهم السلام).

اشكر والدي الذي كان يحدثنا بهذه الافكار .. لا أنسى تلك الليلة الباردة، التي صرنا فيها نجلس حول منقلة الجمر، وراح ابي يحدثنا عن سيرة أبطال القرآن الذين هم من صنع الاسلام،

ص: 38

ويحذرنا من اتباع الابطال المزيفين (ابطال الافلام) الذين هم من صنعالغرب الكافر اللعين .. إلى ان وصل حديث أبي إلى عبادة (برير) فصرنا نصغي اليه بلهفة، قد أوقفنا أسماعنا لكلمات ابي، وصرنا لا ننظر إلا إلى شفاه، حتى بدا وكأن المكان هادئ رغم عزف سعف النخيل وغصون الشجر على سطح زجاج الشباك، ورغم صوت الرياح التي كأنها تروم ان تقلع بيتنا الصغير... ومما قاله الوالد وقتئذ: أن بريراً كان يصلي صلاة الفجر بنفس وضوء صلاة العشاء، فقالت له امي: ولكن يا ابا شهيد أليس النوم من نواقض الوضوء ؟! فتبسم ابي قائلاً: صحيح، ولكن أنى لبرير النوم ! لقد كان يصل العشاء بالصبح عبادة، نسأل الله ان يحشرنا معهم يا ابنائي.

رحم الله والدي لقد احسن تسميتي فسماني شهيداً، لأني ولدت في ليلة العاشر من محرم، ان هذا الاسم يجعلني اشعر دائماً باني ذو نسب أصيل يمتد إلى خط الانبياء والائمة المعصومين (عليهم السلام)، فأحمد الله على هذا النسب العريق الذي نجده في القرآن الكريم.

وهنا يشعر شهيد بضرورة إهداء ركعتين لوالده وفاءً لحقوقهالكثيرة عليه، فهنيئاً لأبي شهيد، فها هي ثمار تربيته الصالحة لم تضع هباء.

خرج شهيد من المرقد المقدس. إلى الصحن الحسيني

ص: 39

المبارك خطوات قلائل وإذا بصوت يصافح أذنيه: شهيد .. شهيد.

التفت شهيد، وإذا بثلاث وجوه مشرقة، عليها سيماء العبادة والصلاح.

شهيد: من ؟ الشيخ .. فاهم، الدكتور، السلام عليكم.

أجابه الشيخ: وعليك السلام يا شهيد، تقبل الله اعمالك.

وبعد ان عانق شهيد اصدقاءه خرج معهم من الصحن الشريف.

شهيد: ولكن قولوا لي كيف اجتمعتم سوية ؟

فاهم: إنني مررت هذا اليوم بالشيخ والدكتور كي اطلعهم على الخطة التي نريد ان نعالج فيها مشكلة سعيد، فاقترح الشيخ هادي فكرة المجيء إلى الزيارة.

الشيخ: الحقيقة ان الفضل يعود إلى سعيد في حصول هذا اللقاء الايماني، فللأسف ان معظم الشباب المؤمنين اليوم لا يلتقون فيما بينهم مثلما يلتقي الشباب ذوو الاهداف الرخيصة، كأصحابالطيور ونحوهم، فنجد للأسف (المطيرجية) أحدهم يتفقد الآخر، ويبذل له المساعدة، بينما هذه الصفات ينبغي ان تكون لنا، فها نحن على سبيل المثال لم نلتق منذ مجلس فاتحة المرحوم الاستاذ جابر فلم تأتوني مثلاً للسؤال عن أخبار الحوزة العلمية الشريفة وآخر اصداراتها.

(شهيد، فاهم، الدكتور) بصوت واحد: فعلا نحن مقصرون،

ص: 40

ينبغي ان نمر بك باستمرار ونتعرف على أخبار الحوزة والعلماء العاملين.

هناك في الساحة الكائنة بين مرقد الامام الحسين (عليه السلام) ومرقد ابي الفضل العباس (عليه السلام) جلس الاصدقاء يتحدثون في خصوص مشكلة سعيد.

فاهم: اخبرنا يا شهيد ماذا فعلت بخصوص الخطة التي رسمناها؟

اخذ شهيد يحكي لهم ما جرى بينه وبين سعيد، وما بدا عليه من تغيرات مهمة في سلوكه نحو الاحسن.

الدكتور: عظيم جداً، ولكن ترك مسألة البحث لسعيد قد لا تحقق النتيجة التي نريدها.

شهيد: وما الحل في نظرك يادكتور ؟

الدكتور: علينا ان نكون احد اطراف هذا البحث الشكلي الذي يقوم به، لكي نتابعه من خلال اجراء جلسات نقاش بمحضر سعيد. ومن خلال الحوار سنطرح سلبيات واضرار هذه المشكلة وطرق العلاج منها، ونبين رأي الشرع والطب فيها.

فاهم: حل ذكي .. إذاً اسمحو لي ان ادعوكم ليلة الجمعة القادمة على العشاء في بيتنا وسوف نفتح الحوار في محضر سعيد لكي نقرع مسامعه بما ينقذ شبابه من دوامة هذه العادة الخطيرة.

(الشيخ، الدكتور، شهيد): لا مانع لدينا ما دام هناك عشاء.

ص: 41

تفرق الجميع بعد عزمهم على ان يحضر كل منهم مادة النقاش والحوار، استعداداً للجلسة الاولى في بيت فاهم في ليلة الجمعة القادمة.

* * *

في صباح يوم الخميس كان سعيد يريد الخروج من البيت.

شهيد: سعيد.. سعيد، اريد ان اخبرك بشيء.

سعيد: نعم يا شهيد ماذا تريد؟

شهيد: انا وانت وشيخ هادي والدكتور مصطفى مدعوون هذه الليلة على العشاء في بيت صديقنا فاهم.

سعيد: اعتذر عن الحضور، وجودك يكفي.

شهيد: لا .. لا تقل ذلك، انهم يريدون ان يبذلوا لك العون والمساعدة بعدما اكبروا فيك اهتمامك بمشاكل الشباب الجنسية، فكيف لا تحضر ؟!

اطرق سعيد رأسه قائلاً: سأكون حاضراً اذاً.

ص: 42

الحوارية الأولى

ذهب سعيد بصحبة أخيه شهيد إلى بيت صديقه فاهم، لقد كان سعيد قلقاً جداً من هذا اللقاء وكانت ملامح الارتباك واضحة على وجهه ولم يستقم كلامه مع هؤلاء الاصدقاء، ولكنهم كانوا يشعرون بهذا الامر ويحاولون ان يتظاهروا بعدم شعورهم بهذا الارتباك الذي يعتريه، فهم يسعون ان يحتوون افكاره وسلوكه ويصححون آراءه ووجهات نظره المجانبة للصواب.

الشيخ: اهلاً بسعيد وشهيد، اين انت يا سعيد، ولماذا لم نرك هذه المدة ؟

سعيد: مشاغل الحياة كثيرة يا شيخ.

فاهم: الله يكون في عونك، فلا تخشى شيئاً ما دمنا معك فنحن هنا اخوانك وهذا جناب الشيخ والدكتور مستعدان لبذل المساعدة في مشروعك الانساني - مشاكل الجنس عند الشباب-.

الشيخ والدكتور: نحن بالخدمة، وسنبذل العون لسعيد ولكل شاب مؤمن يعمل باخلاص لنشر الاصلاح وايصال صوت الاسلام.سعيد (وهو يتصبب عرقاً): أشكركما.

لقد شعر الجميع بالارتياح وهم يتناولون الأطعمة الطيبة من

ص: 43

مائدة صديقهم فاهم، بينما كان سعيد في حالة ذعر وخجل وقلق مما سيقال أو يطرح في المناقشة بعد وجبة العشاء، فهو يراقب كل حركاته وسكناته وحاله تماماً كما يقول امير المؤمنين (عليه السلام): (يكاد المريب يقول خذوني) وهنا يبادر شهيد ليفتح باب الحوار:

شهيد: لماذا ينظر الاسلام بدقة وحذر شديدين إلى قضية الغريزة الجنسية، بينما نجد تساهلاً منقطع النظير من قبل الغرب لهذه القضية، بل يحرصون على اباحتها وانتشارها ؟

فاهم: ان الغرب دائماً يسيرون نحو الافراط والتفريط، فكان القدماء منهم يعتبرون العلاقة الجنسية - الزواج- علاقة تدعو إلى الضياع والانحطاط، وهي خبيثة ذاتاً، وقد مالت الكنيسة إلى هذه الافكار حينما دعت إلى التبتل والعزوبية، مستدلة - خطئاً- على خبث العلاقة بالمرأة باعراض السيد المسيح عن الزواج، فقد كان الرأي السائد عندهم هو انالزواج يحمل طبيعة دنيئة تدعو إلى التسافل، حتى قال (سن جروم): (اقعلوا بالفأس شجرة الزواج)، فهذا هو عين التفريط فيما يخص نظرتهم إلى العلاقة الجنسية، نظرة ملؤها الشؤم والانتقاص والاحتقار.

شهيد: ونظرة الافراط التي يحملونها تجاه العلاقات الجنسية ماذا كانت يا فاهم ؟

فاهم: لقد استحدث العالم الغربي نظرة جديدة مال فيها إلى

ص: 44

الجهة الاخرى المعاكسة تماماً (الافراط) فقد ذوبوا الانسانية، وصهروا الروابط الخلقية وميعوا المفاهيم المقدسة كالأبوة والامومة والرابطة الزوجية والغيرة والمروءة في أتون(1)

الجنس الذي اضرموا فيه النار من خلال دعوة الاباحية التي نادوا بها من غير قيد أو شرط.

شهيد: ولكن لماذا يطلقون العنان للغريزة الجنسية بهذا الشكل الفاضح ؟

فاهم: انهم ارادوا ان يصلحوا تفكيرهم القديم، ويخلعوا منه الثياب البالية والتي كانت تحيط بفكرة الزواج والمرأة والعلاقةمعها، ثم جاءوا بثياب جديدة وتحت دعوى حرية المرأة ونبذ القيم الدينية التي كانت تؤمن بها الكنيسة، فصاروا امام دعوى جديدة يتزعمها (برتراند رسل وفرويد وغيرهم) وهي تؤكد على الاباحية الجنسية والانفتاح التام في العلاقات الجنسية وعدم الكبت الجنسي في كل زمان ومكان(2)!!

الدكتور: كل ما يقوله فاهم صحيح، فقد جوزوا للمرأة ان تتخذ ما شاءت من الأَخلاء!! ولها ان تتنعم في احضان العشاق بعيداً عن الزواج، بشرط ان لا تنجب طفلاً الا من زوجها، لكي يطمأن الزوج ببنوة الطفل وعدم الصاقه بطفل من غيره، والامر

ص: 45


1- الاتون : التنور.
2- الضوابط الخلقية للسلوك الجنسي لشيخ مرتضى ص19.

لديهم سهل ويسير في حق الباكر فلها ان تزني بشرط عدم الانجاب ولهذا السبب صارت حبوب منع الحمل مادة اساسية لا تفارق حقائب الطالبات!!!

الشيخ: احسنت يا دكتور، انهم يعتبرون امر البكارة شيئاً هامشياً لا قدسية ولا أهمية له فتمزيق البكارة ليس عيباً ما دامت راضية!! وافتضاضه ليس حراماً ما دامت غير مكرهة!!شهيد: والاسلام كيف ينظر إلى العلاقة الجنسية والمرأة يا شيخ ؟

الشيخ: ان العلاقة الجنسية التي تنشأ في الحياة الزوجية هي علاقة لها من الاهمية والقدسية ما جعلها آية تدل على وجود الله، وهذا واضح فكلنا نحفظ قوله تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)، اما مكانة المرأة فهذا ما طفحت به الروايات الكثيرة، فهذا نبينا الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) يخبرنا عن نظرة الاحترام للمرأة قائلاً: (من اخلاق الانبياء حب النساء) و(الجنة تحت اقدام الامهات).

ويقنن الاسلام العلاقات الجنسية، فيصف المؤمنين بانهم من يمارسون العلاقات الجنسية في وسط المحيط الزوجي الهانئ دون غيره (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ... وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ، إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ).

ص: 46

وعدم وجود اللوم والتقريع المنبعث من الفطرة الصافية مسألة وجدانية يمسها ويشعر بهاالزوجان بصورة واضحة كالشمس في رابعة النهار، وهذا بخلاف العلاقات غير المشروعة فانها علاقات تحمل في طياتها الشعور بالضياع والخروج عن الفطرة والناموس.

وهنا يحاول سعيد ان يلج في حلبة النقاش.

سعيد: ولكن الغرب حينما اطلق العنان للعلاقات الجنسية خارج محيط العائلة كان يهدف من ذلك التخلص من مسألة الكبت الجنسي، فمتى ما مارس الانسان قواه الجنسية التي اودعها الله فيه بصورة طبيعية فان ذلك يجعله فرداً سوياً في المجتمع، ويصبح في راحة من الاضطرابات والعقد التي تحدث نتيجة عدم صرف هذه الطاقة، وبالتالي فالحرية في المجال الجنسي يتبعها أمن ورخاء المجتمع ككل.

وهنا يطأطأ شهيد برأسه خجلاً من استماعه لكلمات اخيه الفارغة، ويرى الشيخ هادي حالة الانكسار التي يعيشها شهيد بسبب أفكار أخيه الزائفة، فيبادر لاحتواء الموقف:

الشيخ: انا متأكد يا سعيد بان هذه الافكار لم تخامر قلبكيوماً، لكنك تنقلها لنا طلباً لردها ودحضها، وبيان حكم الشرع فيها، ومن باب المناقشة ليس الا، أليس كذلك ؟

سعيد (بتلكؤ): ها .. نعم، نعم، يا شيخ.

ص: 47

الشيخ: سأنقل لك كلمة لاحد مفكري الاسلام يقول فيها: (لو اراد شخصان وتحت عنوان الزوج والزوجة اقامة حياة مشتركة بينهما محفوفة بالسعادة والبهجة، ومليئة بمتع الحياة وملذاتها، هل الافضل لهما ان يقيما حياتهما العائلية على اساس انها وسيلة لنيل السعادة والمتع الجنسية، وان يبذلا اكثر وقتهما لجعل الحياة اكثر سعادة بعيداً عن المجتمع الكبير ومشاكله ومشاغله، ام الاحسن هو نقل الملاذ والمتع الجنسية إلى خارج محيط العائلة إلى المجتمع الكبير، للأزقة والشوارع والدوائر والنوادي ومراكز التسلية العامة وتهيئة هذه المراكز لتكون مقراً لنيل كل المتع الجنسية على مختلف أنواعها ؟).

سعيد: الامر الاول افضل بكل تأكيد.الشيخ: احسنت يا سعيد فان فطرتك الصادقة هي التي حكمت، فهذا المفكر نفسه ينقل لنا اختيار الاسلام في هذه القضية فيقول: (اما الاسلام فقد اوصى بالطريقة الاولى وشدد على ضرورة توفر الاستعداد التام في المحيط العائلي لدى الزوج والزوجة لاشباع رغبة احدهما الآخر من المتعة الجنسية، كما انه لام وبعنف كل تقصير من أي من الزوجين في هذا المجال. واصر الاسلام ان يكون المجتمع الكبير محيطاً للعمل والكسب والنشاط وبعيداً عن أي نوع من الممارسات الجنسية. وهذه هي فلسفة حرمة النظر والتمتع الجنسي والمداعبة مع غير الزوجة، كما انه في الوقت نفسه يشكل

ص: 48

فلسفة تحريم تزين الزوجة وتبرجها امام غير زوجها).

شهيد: ثم ان هذه البلاد الغربية، بعد ان اختارت الامر الثاني اصبحت في غصة من امرها ولوعة وحيرة كبيرة حتى تعالت صرخات مفكري الغرب حزناً على اهدار الطاقات الشبابية في بلادهم، حتى صار العار والخزي في مجتمعاتهم يشار له بالبنان، فأي عار وخزي اشد من هذه النتيجة (شاب يموت حتف جنسه).فاهم: احسنتما، احسنتما، وهناك أمر أخر اود ان اضيفه إلى كلام جناب الشيخ.

الشيخ: تفضل يا اخي.

فاهم: ان الله سبحانه وتعالى قد اودع رباطاً متيناً بين الزوجين في الحياة الزوجية، مضافاً إلى الروابط الاخرى في العائلة المتمثلة بروابط الابوة والبنوة، فالمحيط العائلي هو البيئة الصغيرة التي تنمو فيها المشاعر النبيلة، والعواطف الانسانية الجميلة، والتي تمنح الاطفال الرقة والهدوء وسكينة النفس، وتزرع في قلوبهم الامن والمحبة، والذي اريد أن أقوله: هو ان الجو الاسري اذا كان خاليا من النقاء والصفاء والمودة كيف يستطيع ان يصدر هذه المفاهيم (الامن، الابوة، البنوة، الاخوة، المودة، الحنان، الشفقة، المروءة، الايثار...) إلى المجتمع الكبير؟

ان بناء المجتمعات يتم بعد مرحلة بناء الاسر المتينة، انظروا كيف ان القرآن يحرك فينا المشاعر التي الفناها وتذوقناها داخل

ص: 49

الاسرة لكي يمنحها إلى الاسرة الكبيرة (المجتمع) فيقول:(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ).

الجميع: احسنت يا فاهم، احسنت، رحم الله والديك.

سعيد: ولكن لا ننسى ان المجتمعات الانسانية في اوربا - مثلاً- نراها تحظى بالعدالة بصورة أكثر وضوحاً من البلاد الاسلامية والشرقية.

فاهم: لطيف جدا يا سعيد، ولكن هناك خلط في الموضوع، فاذا كان هناك ثمة عدالة فلماذا هذا الامتهان ومصادرة الحرية والكرامة والحقوق من الشعوب الاخرى، واستعمال العنف في حقها بلا رحمة ولا رأفة.

والامر الآخر يا سعيد هو اننا نتكلم عن العواطف الانسانية النبيلة التي لا يمكن ان تقتطف الا في ظل تشريعات الاسلام وهذا امر واضح فان المجتمعات الغربية والاوربية نراها خالية من هذه العواطف الانسانية فقد نزعت تماماً بين الاخوة والآباء والابناء خلافاً للشرقيين رغم ما يقال - خطأً- بان الغربيين اصحاب عدالة! فما هو السبب يا ترى ؟

شهيد: ما هو زادك الله فهماً ؟

فاهم: ان هذه العواطف لا تنمو الا في اجواء عائلية مفعمةبالصفاء والاخلاص والمودة، ولما كانت العلاقات الجنسية لديهم لا حدود لها، وكل من الزوج والزوجة يمارسان العلاقات

ص: 50

الجنسية خارج المنزل مع الخليلات والغرباء !! ... لما كان الامر كذلك فانهم خسروا الحياة الاجتماعية المتينة، فكيف ينتفع المجتمع الكبير من مجموعة الاسر التي يسودها الطابع الخياني للعهود الزوجية، والمواثيق السماوية.

انه صرف للقوى الجنسية في غير موضعها الصحيح، وخرق لحدود الله سبحانه وتعالى.

الدكتور: احسنت يا فاهم، يقول الباحث الاجتماعي كليمانس: (لقد علمت مما سبق ان الله اجاز استخدام هذه القوى داخل حدود الزواج، وان الاستمتاع بما يرافق عملها من لذة روحية وجسمية لامر صالح لا غبار عليه لانها متعة يمنحها الله لخلائقه مكافئة نقية صافية، اما استخدام هذه القوى خارج نطاق الزواج فهو خرق لحدود الله وعبث اثيم بهذه القوى. لان الله لم يمنحها ايانا لنتمتع بها على هوانا دون قيد ولا شرط)(1).الشيخ: ان فتح الباب على مصراعيه للحاجات الجنسية ينذر بوقوع الخراب والدمار الشامل لكل اروقة الحياة، وحصول انتكاستها، وسيادة الظلام الدامس واجتياحه لمجالاتها كافة.

سعيد: انكم تصورون الحياة الجنسية على انها ظلام دامس، ومصدر للخراب، وافيون للانسانية مع انها حاجة بيولوجية اودعها الله في جميع الافراد.

ص: 51


1- العادة السرية لعلي محمد علي دخيل، ص42.

اخذ الشيخ يخلل اصابعه في لحيته مبتسماً من كلام سعيد.

الشيخ: ان طغيان الحالة الشهوية للفرد يرافقه ضمور في عقله، فالشهوة اشبه ما تكون بهذه الجمرة المستعرة في طرف السيجارة، فاننا لو تصورنا خروج السنة النار منها فان هذا يؤذن باحتراق الاصابع التي تحملها ونشوب النار في السيجارة وتلفها وصيرورتها رماداً، بخلاف ما لو كانت الحرارة التي فيها هادئة ومنتظمة.

انظر يا سعيد إلى القرآن - وعلى لسان يوسف (عليه السلام)- كيف يصف لنا حالة الاتباع الخاطئ للشهوة والميل المحرم للنساء: (وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ) نعم، انهالجهل يا سعيد هو النتيجة المتحققة من طغيان الشهوة على العقل، والجهل ماذا يا سعيد ؟

سعيد: ظلام، لا أنكر ذلك، ولكن البعض يقول بان الحاجة إلى الجنس لا تختلف عن الحاجة إلى الغذاء فلماذا هذا التهويل في القضايا الجنسية ؟

الدكتور: ما يقولونه هراء وافتراء فالفرق واسع بين هذه الحاجيات من وجوه هي:

1- التغذية عامل مهم في بقاء الشخص، وهي (الحاجة الجنسية) كذلك عامل مهم في بقاء النوع الانساني ولكن بطريق غير مباشر، أما الجنس فهو لا دخالة له في ديمومة الحياة

ص: 52

الشخصية للفرد، ولكنه يعد العلة في بقاء النوع الانساني .. فتأمل في هذا الفرق يا سعيد.

2- ان الدافع إلى العملية الجنسية يأتي من محفزات خارجية، ولذا يستطيع الانسان ترك ممارسة الجنس امداً بعيداً متى ما حافظ على نفسه في عزلها عن المواجهة واللقاء مع المؤثرات الخارجية، اما الحاجة إلى الاكل والماء فهي مسألة يحسها الفرد في داخله نتيجة لحاجة خلايا الجسم اليهاباستمرار.

3- النقص الحاصل في توازن الجسم هو الذي يدفع إلى الاكل والشرب وصولاً إلى حالة الاتزان والاستقرار، بخلاف الحاجة إلى الجنس، فان اتيان العملية الجنسية هو الذي يفضي إلى حصول الاخلال بالتوازن الفسيولوجي وإنهاك القوى الجسمية، فالعملية الجنسية لا تؤتى الا في ظروف التوازن ولا تنتهي الا بإخلال في التوازن.

سعيد: اذاً التوازن في وظائف الاعضاء مع وجود المؤثرات الخارجية يدعو بالحاح إلى ضرورة صرف الشهوة الجنسية.

الشيخ: يجب الالتفات إلى ان الاسلام كان منتبهاً جداً إلى ضرورة صرف الشهوة الجنسية في محالها الصحيحة وعدم كبتها، ولذا نجد علماؤنا يقولون:

ان الله سبحانه وتعالى مثلما خلق في عالم الماديات كل عضو لفائدة معينة، ولغاية مقصودة، وهدف منشود، وبالتالي فلا

ص: 53

بد من تعذية هذه الاعضاء الجسمانية والمحافظة عليها، فكذلك الأمر فيما يخص الاستعدادات الفطرية ومنها الجنس، فهي أيضاً تشكلشيئاً مهماً من قوام الانسانية - لكن في حدها المعقول- ولهذا تجد الاسلام يدعو إلى ضرورة تربية الاستعدادات الفطرية في مجال النشاط الجنسي، لان تربية الاستعدادات الفطرية يغمر الانسان في بحر السعادة، ويحفظ له توازنه الروحي، وينقذه من الانغماس في وحل المادة ومستنقعات الرذيلة، ويحفظه من الانزلاق في اسر الجنس، ثم يعود ذلك كله وينعكس على أمن مجتمعه وسعادة البشرية التي تحتضنه.

شهيد: هل بامكانك يا شيخ ان تخبرنا متى وكيف دعى الاسلام إلى تربية وضبط الاستعدادات الفطرية والروحية ؟

الشيخ: بكل سرور، وبالخدمة، لقد دعى الاسلام إلى تشييد العلاقات الزوجية المتينة وحث عليها بشدة (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا) ونهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن العزوبة، فقال: (لا رهبانية في الاسلام) ... وهذا حفيده الامام الباقر (عليه السلام) يقول: (ما احب ان لي الدنيا وما فيها واني بت ليلة وليست لي زوجة)، وقد أوجب الاسلامعلى الزوجة تمكين الزوج منها، ومنعها من الصيام المستحب بدون أذنه لان ذلك يمنع من مقاربته لها، ومنع أيضاً من خروجها من بيته بدون أذنه لنفس السبب المتقدم، وحثها على التجمل والتبذل

ص: 54

في مخدع الزوج، واعتبرها ناشزاً وعاصية ان امتنعت من التمكين، وكذلك اذا جعلت المنفرات في جسدها، واذا زنى الزوج في حال نشوز الزوجة اعتبر غير محصن فيكتفى بجلده دون رجمه، أما هي فترجم لو زنت لأنها هي التي فتحت باب الفساد وأضمأت زوجها من ان يسد شبقه منها. وأباح الاسلام للزوج التمتع من زوجته بالطريقة التي يختارها كيفما شاء ما لم تكن مؤذية ومضرة بها.

سعيد (مقاطعاً للشيخ): ان ماذكرته يا شيخ لا يخرج عن كونه واجبات وقيود على المرأة المسكينة، والرجل هو حر طليق !!

الشيخ: لقد استعجلت الحكم يا سعيد، فلقد حث الاسلام على تزويج المرأة مبكراً (ان من سعادة الرجل ان لا تحيض ابنته في بيته) كما هو مروي عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأوجب علىالزوج وطئ زوجته كل أربعة اشهر مرة على الأقل وعدم جواز هجرها اكثر من ذلك الا بإذنها، ومنع من عزل المني الا بإذنها واسقط الاسلام ولاية الأب والجد عليها اذا منعا من تزويجها بالكفء اعضالاً لها، وإذا اقسم (حلف) الزوج على ترك وطء زوجته مدة اكثر من اربعة اشهر اوجب الاسلام عليه ترك هذا اليمين وأمره بالفيء - الرجوع إلى الوطء- ودفع الكفارة، وأوجب الاسلام القسمة بين الزوجات، وخص البكر في أول

ص: 55

زواجها بسبع ليال والثيب بثلاث ليال، وحث الاسلام على الاكثار من مداعبة الزوجة قبل الوطء، وان لا يسرع مغادرتها الا بعد نفاد وانتهاء الشهوة لديها، فقد ورد (اذا جامع احدكم فلا يأتيهن كما يأتي الطير ليمكث وليلبث) وفي روايات أخرى وصف الاسلام تحمل عناء الغسل من الجنابة في الليالي الباردة بأنه أمر جليل فيه ثواب كبير، وغير ذلك من الأمور التي تدل على التفات الاسلام إلى الاهتمام بتصريف الشهوة بالطرق الصحيحة، وتربية النفس وتزكيتها (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا).سعيد: ولكن الله هو الذي يزكي الأنفس.

الشيخ: لا تقل ذلك يا عزيزي، ان الله ما بعث الانبياء الا لهذا الغرض (وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ) صحيح ان الله يعلم بالنفوس التي اختارت التزكية وعملت وسعت إلى لبس ثوب الطهارة والفضيلة، ويعلم كذلك بالنفوس المنحطة والضعيفة والمريضة، ولكن هذا العلم لا ينافي امكانية وقدرة الفرد على تطهير نفسه، ولا يعني عدم قدرته على تزكيتها ... ولهذا نجد هذه الاية تشير إلى ثلاث حقائق مهمة هي:

الاولى: ان النفس الانسانية معرضة للتلوث.

الثانية: ان الانسان قادر على تزكية نفسه وتربيتها وتطهيرها من كل الادران والاوساخ لذلك نسب التزكية له (مَنْ زَكَّاهَا).

الثالثة: ان التطهير هو أمر واجب على الفرد، والسعادة رهن

ص: 56

هذا التطهير حصراً (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا).

سعيد: عفواً شيخي، ان تربية الاستعدادات الفطرية وتزكية النفس التي اشارت لها الاية، ليست امراً سهلاً ابداً والشهوةالجنسية لها حسابها الخاص، بدليل ان القرآن نفسه يقول: (ان النفس لأمارة بالسوء) فالنفس تواقة دائماً إلى اشباع حاجياتها الكثيرة وخاصة الغريزة الجنسية منها.

الشيخ: معذرة يا سعيد ان القرآن لا ينظر إلى النفس الانسانية على انها شر ذاتاً، بل ينظر إلى النفس - حينما تكون محاطة بظروف خاصة وفي ملابسات بعيدة عن الفطرة- ينظر لها وهي مكتسية لثوب التمرد والطغيان تميل إلى الشرور والعصيان، ولهذا حث الاسلام على ابعاد المؤثرات عنها، وجعل زمامها بيد العقل ... فلو كانت النفس شريرة بأصل الخلق لما أوصفها القرآن بأوصاف أخرى مثل النفس اللوامة والنفس المطمئنة والراضية والمرضية، ففي عالمنا هذا توجد النفوس التي قطعت أشواطاً من التكامل والسمو الروحي وعادت إلى ربها معززة مكرمة يحوطها هالة من الرضا الالهي (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً) ... نسأل الله تعالى ان يدخلنا جنته.

الجميع: آمين ... آمين.

وهنا شعر سعيد بالارتياح لان الجلسة هذه قد شارفت على الانتهاء، واخذ سعيد يطمئن نفسه: الحمد لله انهم لم يتكلموا حول

ص: 57

العادة السرية، فقد كان حديثهم في مشاكل الجنس بصورة عامة.

وفجأة يطلق شهيد هذه الكلمات التي أعادت الشقاء لسعيد من جديد.

شهيد: اسمحوا لي ان ادعوكم على مائدة العشاء ليلة الجمعة القادمة في بيتي، ولكن هذه المرة نسلط الاضواء على العادة السرية وأخطارها وأضرارها ورأي الشريعة والحقل الطبي فيها.

الجميع: اتفقنا يا شهيد.

لقد أصبح سعيد حائراً يقلب كفيه ولسان حاله: يا ويلي .. يا شقوتي .. لماذا لا يتركوني بحالي ... ؟

ص: 58

في صباح يوم الخميس اجتمع أفراد عائلة المرحوم جابر على مائدة الافطار.

شهيد: أمي أرجو أن تكوني على استعداد لاعداد الوليمة لهذا اليوم.

الأم: أي وليمة يا شهيد ؟

شهيد: لقد دعوت اصدقائي، الشيخ هادي والدكتور مصطفى وفاهم على العشاء في هذه الليلة.

الأم: أحسنت يا شهيد، انني احب أصدقاءك هؤلاء، انهم من عوائل طيبة وملتزمة، وهم من تلاميذ والدكم المرحوم.

شهيد (يلتفت إلى سعيد): ها .. يا سعيد ستكون حاضراً معنا هذه الليلة.

سعيد: لا ادري .. انني متعب نفسياً، سوف لن انفعكم في حوارية هذه الليلة.

شهيد: أرجوك يا سعيد لا تبخل علينا بحضورك، انهم يحبونك، لقد رأيت كيف اكبروا فيك اهتمامك بمشاكل الشباب، ولهذا قرروا ان يقدموا لك العون والمساعدة، فاضغط على نفسك واحضر رجاء.

سعيد: كما تريد ... سأحضر.

ص: 59

الحوارية الثانية

اشارة

لقد بدأ منزل الاستاذ المرحوم جابر بهي المنظر في هذا اليوم - الخميس- فقد بذلت الام جهوداً اضافية أخرى في تنظيف وترتيب أثاث البيت، فأعواد البخور موزعة في انحاء البيت، وروائحها تغمر كل زواياه، وصار منظره يروق لكل زائر ينظر في ثناياه، ولقد كانت أم شهيد في نشاط دائم، وحركة مستمرة، وكأنها إحدى العاملات في خلية النحل.

تتالت أصوات رنين الجرس تباعاً، انهم ضيوف هذه الليلة، ولقد كان شهيد مشغولاً بفتح الباب والترحيب بالاصدقاء.. بينما كان سعيد يعيش بين ركام الافكار الكثيرة، والهواجس الغزيرة، والهموم تعصر قلبه الذي علت خفقاته بسبب قرب موعد العشاء ... يا الهي ماذا عساني ان افعل وسط هؤلاء وأنا لا أحيط بشيء ؟! سوف اتمارض واعتذر من الحضور، فأبقى في غرفتي ... لا .. لا .. ان هذا يلفت انتباههم .. يجب ان اتصرف بشكل طبيعي ... سأحضر اذاً وأكتفيبكتابة ما يذكرونه.

نزل سعيد من غرفته متجهاً نحو الصالة حيث يجلس الشيخ هادي والدكتور مصطفى وفاهم، دخل سعيد مسلماً عليهم، وعلامات الارتباك ظاهرة على محياه، وقد ارتسمت ملامح

ص: 60

الترحيب الكبير على وجوههم:

(اهلا وسهلا بسعيد)

الشيخ: نرجو ان تكون قد استفدت من الحوارية السابقة في ليلة الجمعة الماضية.

سعيد: كثيراً يا شيخ.

الشيخ: نحن بحاجة ماسة لك ولأمثالك من الشباب الواعين.

سعيد: جزاك الله خيراً يا شيخ.

لم يشعر سعيد بالارتياح قط وهو يجلس بين اصدقاء أخيه، لكن سرعان ما شعر بالفرح المؤقت وهو يسمع صوت شهيد في المطبخ يناديه: سعيد أرجوك تعالى إلى هنا، نحن بحاجة إلى بذل المساعدة منك في تحضير العشاء.

هرع سعيد نحو المطبخ حيث الأم وشهيد، وبدأ الجميع يعدون العشاء ويعملون على تحضيره قبل رفع آذان صلاة العشاءين.

لقد انغمر قلب الأم بالراحة والسكينة وهي تعيش هذه اللحظاتالايمانية التي انبعثت من حضور هؤلاء المؤمنين ... ولكن فيضاً من السرور هطل على قلبها، وتهلل وجهها فرحاً حينما سمعت صوت فاهم وهو يرفع الآذان (ان الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً) ... تحركت شفتاها بالصلاة على محمد وآل محمد .. وهي لا تدري

ص: 61

كيف تعبر عن سرورها وغبطتها .. ولكن ها هي تبث إلى ولديها هذه الكلمات الصادقة (ما أجمل أن يلتقي الأحبة والأخوان على مائدة الإيمان).

شهيد: نعم يا أمي صدقت والله، نسأل الله ان يبعدنا عن مجالس اللهو والبطالين وقساة القلوب، فقد نهانا أمير المؤمنين (عليه السلام) عن مجالسة السفلة بقوله: (اياك ومخالطة السفلة، فان السفلة لا تؤول إلى خير).

الأم: آمين ... آمين.

تقدم الشيخ هادي نحو سجادة الصلاة، واصطف خلفه شهيد وسعيد وفاهم، بينما وقف الدكتور مصطفى يقيم للصلاة.

سكون يملأ زوايا الدار، سكون تسمع فيه حتى دبيب النمل في حشا الأرض وشقوق الجدران، انه ذوبانالاصدقاء في صلاة الجماعة لقد أعاد هذا السكون الأم إلى ارشيف الماضي، حيث المواليد التي كان يقيمها زوجها جابر بحضور جمع من أصحابه ... ووسط هذه الصور القديمة والذكريات الجميلة تسمع الأم صوت ابنها شهيد (تفتح ابواب الجنان وتغلق ابواب النيران بالصلاة على محمد وآل محمد) .. اللهم صل على محمد وآل محمد .. ثانية على حب فاطمة الزهراء .. اللهم صل على محمد وآل محمد، الثالثة على حب قائم آل محمد باعلى أصواتكم .. اللهم صل على محمد وآل محمد .. لقد قطعت هذه الصلوات

ص: 62

الشبابية أوصال السكون، وغدا أريج الإيمان يشع في كل جانب .. ثم تلاها صوت عذب رقيق: السلام عليك يا وارث آدام صفوة الله، السلام عليك يا وارث نوح نبي الله ... انه صوت فاهم وهو يقرأ زيارة وارث، هذا الصوت الذي يحمل في طياته ألوان الأسى، ويصدح بمظلومية الإمام الحسين (عليه السلام).

استمعت الأم إلى فقرات الزيارة ومقاطع الدعاء على لسان فاهم .. لحظات انقطع الصوت، فدخل شهيد وسعيد مسلمين عليها.الأم: وعليكما السلام، تقبل الله أعمالكم، وحفظكم الله من كل سوء.

شهيد: منا ومنك يا أمي، ولكن هيا يا سعيد لنحمل العشاء إلى الصالة، وعاد الصمت مرة أخرى يغلف أجواء المنزل، ولكن هذه المرة حول صحون الطعام الذي أعدته أم شهيد.

الجميع: سفرة دائمة، وبيت معمور بالايمان، ونشكر مساعي أم شهيد لقد أتعبناها في هذه الوليمة.

شهيد: جزاكم الله خيراً، إننا جميعاً مسرورون بهذا اللقاء الإيماني معكم، وخاصة الوالدة فهي أكثر سروراً.

فاهم: والان يا شيخ ويا دكتور، فقد كنا اتفقنا فيما مضى ان نسلط الأضواء في هذه الليلة حول ظاهرة منحرفة وفتاكة، تهدد بناء الشخصيات والمجتمع ككل، وهي العادة السرية أو الاستمناء،

ص: 63

وأخونا سعيد سيستمع إلى الحوارية ويطرح ما يريد من اسئلة حول هذه الظاهرة.

الجميع: اتفقنا.

فاهم: والآن يا شيخ أتحفنا بما عندك حول العادة السرية.الشيخ: أود، قبل الحديث، إلفات النظر إلى شيء، وهو تسميتها بالعادة السرية، ففيه غفلة عن الله تعالى الذي (... يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ)، (إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ)، (قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) واحب ان انقل لكم قصة اهتز لها كياني وبكيت عند سماعها، فقد نقل ان امرأة محتاجة طرقت باب أحد الموسرين ليعينها على دهرها، فأبى الا أن ينال من شرفها، فإمتنعت وتركته ولكنها لم تجد سبيلاً إلى سد رمقها الا هذا الرجل، فعادت اليه وأصر على طلبه، فاستجابت تحت ضغط الحاجة ودخلت معه إلى الدار، فلما اراد ان يقضي رغبته منها قالت له: هل أغلقت الأبواب ؟ قال: نعم أغلقتها كلها، قالت: لكن بقيت باب واحدة مفتوحة، قال: وما هي، قالت: باب الله تبارك وتعالى، فأدركت الرجل قشعريرة لم يحس بها من قبل وترك المرأة بعد ان اعطاها ما تحتاج اليه، وقال لها: ادعي لي دعوة صادقة، فدعت الله تبارك وتعالى ان يحرم جسده على النار في الدنيا والآخرة.

ص: 64

قال الرجل: قد وجدت اجابة دعائها في الدنيا، فاني امسك النار بيدي فلا تصنع بي شيئاً، واني لأرجو استجابة دعائها في الآخرة، كل ذلك ببركة مراقبة الله في السر، لانه معنا فعلاً حتى في خلوتنا، فلا توجد عادة سرية امام الله تبارك وتعالى، بل هي مفضوحة ومكشوفة أمامه تبارك وتعالى، فليكثر البكاء على نفسه من يفعل المعصية وان كان يظن انها سرية.

تأثر الحاضرون بهذه القصة، بينما اصفح سعيد بوجهه عن الجالسين وراح ينظر في حروف لفظ الجلالة (الله) في اللوحة المعلقة على احدى جدران الصالة، وكأنه ينظر لها أول مرة، وقد أثارت كلمات هذه الحادثة جروح قلبه التي لم تندمل بعد، ولكنه يحاول ان يخفي أحاسيسه المستعرة، ومشاعره المنكسرة.

وقد لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المستنمي (الناكح يده) فقال: (لعن الله الناكح كفه)(1)،

وفي رواية أخرى عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): (ناكح اليدملعون)(2).

وسئل الامام الصادق (عليه السلام) عن الخضخضة (العادة السرية) فقال: (هي من الفواحش)(3).

وعن ابي بصير (رضي الله عنه) قال: سمعت الامام ابا عبد الله

ص: 65


1- فلسفة الدين الاسلامي للزهيري ص103، نقلاً عن المصدر السابق.
2- روح المعاني للألوسي ج18 ص10، نقلاً عن المصدر السابق.
3- فروع الكافي للكيليني ج2 ص69، نقلاً عن المصدر السابق.

الصادق (عليه السلام) يقول: (ثلاثة لا يكلمهم الله تعالى ولا ينظر اليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم: الناتف شيبه، والناكح نفسه، والمنكوح في دبره)(1).

فاهم: ما معنى الناكح نفسه يا شيخ ؟!

الشيخ: هو نفسه ناكح اليد (المستمني).

الجميع: أعاذنا الله منها.

لقد ارتعدت فرائص سعيد، وأحمر وجهه، وكاد قلبه ينخلع في جوفه، وهو يسمع هذه النصوص المقدسة، وقد أدرك الحاضرون ذلك، ولكنهم كانوا يغضون الطرف عنه، وكأنهم لم يشعروا بذلك.شهيد: وما هي عقوبتها في الاسلام ؟

الشيخ: عن الامام الباقر (عليه السلام) قال: أُتي علي أمير المؤمنين (عليه السلام) برجل عبث بذكره حتى انزل، فضرب يده بالدرة حتى احمرت(2).

وهنا يشعر سعيد بخيبة الامل، مطأطأً رأسه من شدة الخجل، ولكنه يحاول ان يحمل جناحه المهيض ليكرّ مرةً أخرى.

سعيد: لا ادري ماذا أقول، ولكنكم تصفون العادة السرية وتصورونها وكأنها جريمة الزنا !

ص: 66


1- الوسائل للحر العاملي ج3 ص45، نقلاً عن المصدر السابق.
2- الاستبصار للشيخ الطوسي ج3 ص226.

الشيخ: لسيت الأخطار الناجمة عن الاستمناء (العادة السرية) قليلة كما يظن البعض خطأً، إنها عبث بمادة الحياة يا سعيد، سئل الامام الصادق (عليه السلام) عن الرجل ينكح بهيمة أو يدلك (أي يستنمي بيده) فقال (عليه السلام): (كل ما انزل به الرجل ماءه في هذا أو شبهه فهو زنا)(1).

فاهم: لا نبالغ يا سعيد لو قلنا ان العادة السرية اخطر من الزنا.

سعيد: ماذا ؟! كيف يكونذلك ؟!

فاهم:

أولاً: لان الزنا يحتاج في تحققه إلى طرف آخر وهو المرأة، فيحتاج إلى البحث عن امرأة تستجيب دعوة الداعي إلى الزنا بخلاف الاستمناء فانه أحادي الفاعل وهذا ما يكسبه خطورة.

ثانيا: توقف الزنا عادة على مكان خاص لممارسة الجريمة ومبلغ مالي، بخلاف العادة السرية فهي سهلة المؤونة على فاعلها وهي بمتناول يده يفعلها متى شاء فلا تعيقه الحدود، حتى روي لنا صاحب كتاب مشاكل الشباب الجنسية ان أحدهم مارس هذه العادة وهو في حالة الحمى فكانت سبب هلاكه وموته !!

ثالثاً: وقد يرتوي الزاني من جريمة الزنا ويقضي على ضمأه، أما العادة السرية فهي لا تطفئ نار الشهوة، بل هي التي تضرم هذه النار وتزيدها ضراوة، فيميل الفرد المصاب بهذا الداء

ص: 67


1- فروع الكافي ج2 ص69.

الوبيل إلى تكرار هذه العملية عدة مرات في اليوم الواحد، فتزداد العادة رسوخاً في كل مرة.

رابعاً: ان العادة السرية تكون أحياناً نافذة إلى ارتكاب الزنا - اعاذنا الله- فلربما قادتحمم الشهوة صاحبها لان يرتمي في احضان المومسات قضاءً لوطره وليُكتب في الخاسرين والخائبين !!

شهيد: وماذا بعد يا شيخ.

الشيخ: وعن سعيد بن جبير: (عذب الله امة كانوا يعبثون بمذاكيرهم)(1).

وعن عطاء: (سمعت قوماً يحشرون وايديهم حبالى، واظن انهم الذين يستمنون بأيديهم)(2).

فاهم: ها يا سعيد ما رأيك بهذه الروايات الشريفة، يبدو انها مفيدة ونافعة في البحث حول مشاكل الجنس ؟

سعيد: ولكن من يقول بان هذه الروايات صحيحة فمن يدري لعلها موضوعة ؟

تعجب الجميع من جحود سعيد لهذه الروايات، ولكن الشيخ تدارك الموقف فانبرى قائلاً: طيب يا سعيد ... ما رأيك بالقرآن ؟

ص: 68


1- روح المعاني، ج18 ص10، نقلاً عن كتاب العادة السرية.
2- المصدر السابق

سعيد: كلام لا ريب فيه.

الشيخ: ان الله حرم كل فعل خارج الموارد المحللة التي ذكرها القرآن.. اسمع هذه الاية: (قَدْأَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ... وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ، إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ، فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ).

شهيد: وماذا يعني المقطع الاخير من هذه الاية ؟

الشيخ: ان الله هو خالق الانسان وهو الذي خلق الجهاز التناسلي فيه، والله هو العالم بما يلائم هذا الجهاز والطرق الصحيحة التي يعمل بها ولذا قنن الله سبحانه وتعالى عمل هذا الجهاز وحدد دوائر نشاطه في مجالين هما الزوجة والأَمة، واعتبر أي نشاط جنسي خارج هذه الدوائر محظوراً ومروقاً عن التكوين الالهي لهذا الجهاز، وتعدياً عن الاذن السماوي المسموح به (الزوجة والامة)، والاستمناء (العادة السرية) من مصاديق التعدي والخروج عن المساحة المباحة للنشاط الجنسي، وبهذه الاية استدل الامام الصادق (عليه السلام) عن الخضخضة (العادة السرية) فقال (عليه السلام): (اثم عظيم قد نهى الله عنه في كتابه، فاعله كناكح نفسه ولو علمت بمن يفعله ما اكلت معه)فقال السائل: فبين لي يا ابن رسول الله من كتاب الله نهيه ؟ فقال (عليه السلام): قول الله جل وعلا: (فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ

ص: 69

الْعَادُونَ) وهو مما وراء ذلك.

فقال السائل: أيما أكبر الزنا أم هي ؟

فقال (عليه السلام): (هي ذنب عظيم)(1).

فاهم، يحاول ان يُسمع سعيد: هل عمل العلماء بهذه الروايات واستدلوا على حرمة الاستمناء بهذه الكلمات من القرآن ؟

الشيخ: ان العلماء هم أعرف الناس بكلام المعصوم، فأهل الدار ادرى بما فيه، فهم يسهرون أعينهم ويحنون ظهورهم عكوفاً على دراسة سند الرواية ومدلولها، ولا يأخذون بشيء الا بعد التحقيق والتدقيق فيه، وعلى أي حال فقد استدل علماؤنا على حرمة العادة السرية ومعاقبة مرتكبيها.

فقد افتى الشيخ المفيد في كتابه (المقنعة) وكذلك العلامة الحلي في كتابه (التحرير) بحرمة الاستمناء (العادة السرية) وهذه هي الفتوى:(من استمنى بيده حتى أمنى، كان عليه التعزير بضرب يده، أو ما يراه الامام) وقد جاء في كتاب المبسوط للشيخ الطوسي (قدس سره): (والاستمناء باليد محرم اجماعاً).

الدكتور: وما رأي العلماء المعاصرين في الموضوع يا شيخ ؟

ص: 70


1- بحار الأنوار، ج23 ص99، نقلاً عن كتاب العادة السرية.

الشيخ: نفس الفتوى والحكم يا أحبتي، فقد وجهت ثلاث اسئلة إلى المراجع العظام في النجف الأشرف وهم كل من: السيد محسن الحكيم الطباطبائي (قدس سره) والسيد ابو القاسم الخوئي (قدس سره) والسيد محمود الشاهرودي (قدس سره) ... فكان الجواب واحداً، والاسئلة هي:

1- هل يجوز للشاب ان يمارس العادة السرية ؟

2- هل يجوز للشابة ممارسة العادة السرية ؟

3- هل للحاكم الشرعي معاقبة مرتكبيها ؟

جواب السيد الحكيم (قدس سره):

بسم الله تعالى: محرم ممارسة العادة السرية على الشاب والشابة.

نعم يعاقب الحاكم الشرعيمرتكب هذه الجريمة.

جواب السيد الخوئي (قدس سره):

بسمه تعالى شأنه: الاستمناء حرام على الرجال والنساء، وللحاكم الشرعي تعزيرهما حسبما يرى من المصلحة والله العالم.

جواب السيد الشاهرودي (قدس سره):

بسم الله تعالى شأنه:

1- لا تجوز للشاب ممارسة العادة السرية.

2- لا تجوز للشابة ممارسة العادة السرية.

3- للحاكم الشرعي ان يعاقب مرتكبها مع وجود الشرائط.

ص: 71

لقد اصبحت الدنيا سوداء حالكة في عيني سعيد وهو يسمع هذه الاحكام من المراجع العظام، حتى صار معقود اللسان، ضعيف الجنان، تخونه الالفاظ، وكأنه نسى جميع الحروف، ولكي يخرج من المأزق الذي هو فيه، ويبرر تصرفه هذا، راح يتشدق بكل شيء وان كان واهياً ضعيفاً..

سعيد: وهل ذهب علماء السنة إلى نفس هذه الآراء في حرمة هذا الفعل وتفسير الآية بنفس المضمون ؟ فلعل هناك خلافاً فيالموضوع.

الشيخ، مبتسماً: طبعاً قول الأئمة المعصومين هو الصدق والحزم والجزم في تفسير القرآن، وفي بيان سائر الاحكام، لأنهم عُدلاء القرآن وتراجمة وحيه، وسكان مكة ادرى بشعابها يا سعيد .. ولكن نزولاً عند رغبتك أقول: ان اخواننا من علماء السنة وافقونا في الرأي بحرمة العادة السرية، فهذا الفقيه الشافعي يقول: (قال الله تبارك وتعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ، إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ، فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ)، فلا يحل العمل بالذكر الا في زوجة أو ملك يمين، فلا يحل الاستمناء والله أعلم).

وقال القرطبي في تفسيره (قال بعض العلماء انه كالفاعل بنفسه وهي معصية أحدثها الشيطان وأجراها بين الناس حتى صارت قبلة، وياليتها لم تُقل ولو قام الدليل على جوازها لكان ذو

ص: 72

المروؤة يعرض عنها لدناءتها، فان قيل انها خير من نكاح الأمة، قلنا: نكاح الأمة ولو كانت كافرة على مذهب بعض العلماء خير منهذا).

وقال الشيخ محمد نووي: ((وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) أي ممسكون فلا يرسلونها على أحد (إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُم) أي سراريهم (فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ) على عدم حفظها منهن، اذا كان اتياهن على وجه الحلال (فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ) أي فمن طلب غير ذلك المستثنى كإتيان بهيمة، أو زنا، أو لواط، أو استمناء بيد (فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) أي الكاملون في مجاوزة الحدود)).

وقال السيد محمود الالوسي في تفسير هذه الآية: (وكذا اختلف في استمناء الرجل بيده، ويسمى الخضخضة، وجلد عميرة، فجمهور الأئمة على تحريمه وهو عندهم داخل فيما وراء ذلك).

ويقول الفخر الرازي في التفسير الكبير، لدى تفسير هذه الآية: (يجب حفظ الفروج عن الكل الا في هاتين الصورتين) يعني الزوجة وملك اليمين (الأمة).

ويقول سيد قطب في تفسيره (في ظلال القرآن): ((فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ).. وراء الزوجات وملك اليمين، ولا زيادةبطريقة من الطرق، فمن ابتغى وراء ذلك فقد عدا الدائرة المباحة، ووقع في الحرمات، واعتدى على الاعراض

ص: 73

التي لم يستحلها بنكاح ولا بجهاد (ملك اليمين). وهنا تفسد النفس لشعورها بأنها ترعى في كلأ غير مباح، ويفسد البيت لانه لا ضمان له ولا اطمئنان، وتفسد الجماعة لان ذئابها تنطلق فتنهش من هنا وهناك: وهذا كله هو الذي يتوقاه الاسلام).

يطرب الجميع لصدى هذه الكلمات ذات المشاعر الصادقة والمعاني الشامخة.

الدكتور: الله ... الله .. ما احسنه من كلام، وأعذبه من بيان، ما اعظم دين الاسلام، وأعلاه على سائر الاديان !!

شهيد: ما اجمل نظم هذه الكلمات اتحفونا بالمزيد من هذه الدرر الجميلة، والمنح الثمينة.

الشيخ: ماذا يكون شعوركم اذاً لو قرأت على مسامعكم الكريمة تفسير هذا الرجل - سيد قطب- لهذه الاية: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) ؟!

فاهم: هيا .. ماذا تنتظر ؟ افض علينا يا شيخ، لقد سأمناهذه الحياة المادية، أقرع قلوبنا القاسية بهذه الكلمات، لعلها تنفض الرين - الصدأ- الذي علاها، ولعل هذه الكلمات تبدد الظلام الذي كساها.

الشيخ: يقول سيد قطب في تفسير الآية: ((وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) وهذه طهارة الروح والبيت والجماعة، ووقاية النفس والأسرة والمجتمع بحفظ الفروج من دنس المباشرة في

ص: 74

غير الحلال، وحفظ القلوب من التطلع إلى غير الحلال، وحفظ الجماعة من انطلاق الشهوات فيها بغير حساب، ومن فساد البيوت فيها والأنساب، والجماعة التي تنطلق فيها الشهوات بغير حساب جماعة معرضة للخلل والفساد، لانه لا أمن فيها للبيت، ولا حرمة فيها للأسرة، والبيت هو الوحدة الأولى في بناء الجماعة، إذ هو المحضن الذي تنشأ فيه الطفولة وتدرج، ولا بد له من الأمن والاستقرار والطهارة، ليصلح محضناً ومدرجاً، وليعيش فيه الوالدان مطمئناً كلاهما للآخر، وهما يرعيان ذلك المحضن ومن فيه من فراخ !

فاهم، مقاطعاً الشيخ: اسمع .. اسمع .. يا سعيد، أي حياة نزيهةونظيفة تلك التي يرسمها لنا الاسلام ؟!

سعيد، بانكسار واضح: انني اسمع.

الشيخ (متمماً لكلمة سيد قطب): .. والجماعة التي تنطلق فيها الشهوات بغير حساب جماعة قذرة هابطة في سلم البشرية، فالمقياس الذي لا يخطئ للارتقاء البشري هو تحكم الارادة الانسانية وغلبتها، وتنظيم الدوافع الفطرية في صورة مثمرة نظيفة، لا يخجل الاطفال معها من الطريقة التي جاءوا بها إلى هذا العالم، لأنها طريقة نظيفة معروفة، يعرف فيها كل طفل اباه، لا كالحيوان الهابط الذي تلقى الأنثى فيه الذكر للقاح، وبدافع اللقاح، ثم لا يعرف الفصيل كيف جاء ومن اين جاء ! والقرآن الكريم هنا

ص: 75

يحدد المواضع النظيفة التي يحل للرجل ان يودعها بذور الحياة: (إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ).

وما ان سكت الشيخ حتى هتف الجميع: أحسنت يا شيخ، انه سحر آيات القرآن الذي له حلاوة، وعليه طلاوة، وأسفله مغدق، وأعلاه مثمر قد اعد منها سيد قطب هذاالخليط الشهي، والمزيج الروي، والشراب النقي، الذي يحيي القلوب، ويسمو بالروح إلى أفق المسلم الرسالي، والمؤمن المثالي، الذي أراده القرآن (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ، الَّذِينَ....).

شهيد: أرى الدكتور لم يشارك كثيراً في هذه الحوارية، فلم يتحفنا هذه الليلة بالآراء العلمية في المجال الطبي لهذه العادة الخطيرة.

الدكتور: أعدك يا شهيد انني سأتكلم عن أضرار ومساوئ وطرق علاج هذه العادة بأقرب فرصة متاحة.

فاهم: والآن يا شيخ بماذا سنختم هذه الجلسة الرفيعة والحوارية المباركة ؟

الشيخ: كان الامام زين العابدين (عليه السلام) اذا ابتلى أو رأى مبتلى بفضيحة أو بذنب دعا بهذا الدعاء وهو المذكور في الصحيفة السجادية، فاسمعوا:

(اللهم لك الحمد على سترك بعد علمك، ومعافاتك بعد خُبرك، فكلنا قد اقترف العائبة فلم تشهره، وارتكب الفاحشة فلم

ص: 76

تفضحه، وتَسَتَرَ بالمساوئ فلم تُدلعليه، كم نهي لك قد اتيناه، وأمر قد أوقفتنا عليه فتعديناه، وسيئة أكتسبناها، وخطيئة ارتكبناها، كنت المطلع عليها دون الناظرين، والقادر على اعلانها فوق القادرين، كانت عافيتك لنا حجاباً دون أبصارهم، وردماً دون اسماعهم، فاجعل ما سترت من العورة، وأخفيت من الدخيلة، واعظاً لنا، وزاجراً عن سوء الخُلُق، وأقتراف الخطيئة، وسعياً إلى التوبة الماحية، والطريق المحمودة، وقرب الوقت فيه، ولا تسمنا الغفلة عنك، إنّا اليك راغبون، ومن الذنوب تائبون، وصل على خيرتك اللهم من خلقك: محمد وعترته الصفوة من بريتك الطاهرين، واجعلنا لهم سامعين ومطيعين كما أمرت).

الدكتور: احسنت يا شيخ، جزاك الله خيراً.

تعجب الجميع وهم يرون سيلان الدموع المنحدرة على وجنتي سعيد، وهو آخذ في كفكفتها، وهناك خلف هذه الدموع زفرات مكنونة في صدره، تبعث بهوادة نشيجاً بصوت نحيل ولكن مع ذلك فهو يشاور أسماع الجالسين ولا يخفى على الحاضرين.شهيد: اطلب منكم طلباً، وأرجو أن توافقوا عليه.

الجميع: تفضل يا شهيد.

شهيد: ارجو ان لا تحرمونا هذه المجالس الجميلة، فاني ادعوكم الخميس القادم إلى الحضور مرةً أخرى ولكن هذه المرة من دون عشاء.

ص: 77

ضحك الجميع موافقين على دعوة شهيد المجردة من العشاء، وطلبوا الاذن من شهيد وسعيد بالانصراف ملتمسين منهم الدعاء.

* * *

لم تكن هذه الجلسة الجميلة والحوارية الممتعة كسائر الجلسات والحواريات الاخرى، لقد غشيت الرحمة والبركة حياة الام، واعادت هذه الجلسة الحياة من جديد إلى منزل الاستاذ جابر، لقد بدا بياض الجدران في هذه الليلة - في نظر الام - اكثر نصعاً من الايام التي تلت رحيل الاب وكيف لا تكون كذلك ؟! وانوار الايمان ونسمات السماء قد غمرت فضاء الدار، حتى مازجت كل شيء في البيت.

لم يطل تفكير الام كثيراً، حتى ادركت سبب فيض هذه المنحالجليلة وهو بركة اجتماع القلوب على مائدة القرآن وبساط الالفة والانس بالله .. مجالس يرتضيها الله ويخلع عليها لباس العناية والهداية .. مجالس قال في حقها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

(مجالسة أهل الدين شرف الدنيا والآخرة).

* * *

ص: 78

أما شهيد فقد احس بشعور كاد ان يحلق به بعيداً عن سطح الدار، وهو يقف امام صورة ابيه يخاطبها: كم انت عظيم يا ابي، لقد ربيت هذه الشبيبة المؤمنة الواعية وأحسنت كفالتها، يا ليت اساتذة اليوم يسمعون ويعون مسؤوليتهم، فيستشعروا بحلاوة اعداد الجيل وتوجيههم إلى درب الرسل والانبياء والصالحين.

لقد احس شهيد بان هذه الجلسة وهذه الوجوه المؤمنة كلها من صنع ابيه، الذي كان مثابراً في تدريسه والعناية بالنشيء والجيل الصاعد ... وها هي جهود ابيه أثمرت عن هذا المستوى الطيب والرفيع الذي يتمتع بالاخلاق الفاضلة من تآزر وتكاتف وتعاون وبذل النصيحة لله وفي الله.

* * *

استقر سعيد في غرفته، يجيل في ذهنه المشاهد والصور التي رسمتها كلمات الشيخ وفاهم والدكتور وشهيد، انكب على وجهه يلعن حظه العاثر: يا للخيبة .. يا لتفاهتي لماذا انا بعيد عن خط هؤلاء الشباب ؟

ان الدرب الذي سلكوه هو درب الرساليين والمؤمنين، والاولياء والصالحين .. بلا شك .. فما هو الدرب الذي اسير فيه ؟! انه درب المردة والقردة درب الشياطين والفاسقين ! أين اسير ؟! وفي أي دهليز مظلم أعيش ؟! انا ملعون في لسان الروايات

ص: 79

وأحاديث المعصومين، انا متجاوز لحدود الله، انا ممن يصرف نعمة الله في غير موضعها الصحيح، لو كان الإمام علي (عليه السلام) موجوداً لضرب يدي حتى تُحمر، .. فانا إذاً من اعداءه !! ... لماذا لا أكون من شباب علي وحاملي فكره وخلقه ؟! آه ... آه .. يا لها من أحاديث مخيفة ويلي اين اذهب من عذاب الله وقد (أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ)، ان جهنم تنتظرني (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا) .. واسوأتاه، واشقوتاه .. واويلاه .. هل سأكون مع هذه الزمر المأخوذ بها إلىجهنم المضرمة ولظى ؟ سأخسر الآخرة .. ولن أحشر مع ابي في الجنة ..

انها زفرات وشهيق حطم شيئاً من الحجب التي كانت تغلف قلبه، جعلت قلبه الخافق يكتظ بالغيم ويرعد ويبرق .. فعلى نحيبه وهطلت دموعه وهو يصيح (يا ويلي .. يا ويلي .. يا ويلي) ..

تقطع قلب شهيد ألماً وهو يستمع لهذه الكلمات، التي لم تحل جدران المنزل والباب الخشبي عن سماعها، ولكنه في نفس الوقت فرح بهذا التحول الحاصل لسعيد، لأنها مسألة طبيعية وهي باكورة الخير وعلامة النجاح تماماً كالمطر بعد انقطاعه حينما ينقي الجو ويغسل الأحياء من غبار الخريف، ويفيض الصفاء على الحياة .. أما الأم فقد ركضت نحو غرفة سعيد، ودخلت عليه وهي في حيرة من أمرها.

الأم: ولدي سعيد ماذا دهاك ؟! أرجوك لا تقلقني عليك، هل هناك مشكلة ؟!

ص: 80

سعيد: لا شيء يا امي .. دعيني امسح رأسي بصدرك .. دعيني أرتمي في حضنك لأشعر ببرد العيش كما لو كنت وليداً صغيراً.

احتضنت الام سعيد بلهفة شديدةوهي تمسح خدها برأسه حتى اختلطت دموع الام والابن سوية.

لم ير شهيد بداً من الذهاب إلى غرفة سعيد، فدخل وجلس مع امه وسعيد على السرير وأخذ يمسح الدموع عن خدي أخيه، مخاطباً أمه:

لا تخشي شيئاً يا اماه .. الامر بسيط لا تقلقي .. ان سعيداً تذكر والده المرحوم فلم يستطع ان يتمالك مشاعره فراح يبكي.. دعيه أرجوك .. انا معه لا تخافي عليه .. اذهبي للراحة أقسم عليك بالزهراء يا اماه ..

خرجت الام وبقي شهيد بجانب سعيد فألقى اليه كلمات ذكية ومؤثرة، ثم خرج من عنده، وكانت الكلمات (يا سعيد ان رحمة الله وسعت كل شيء ... وان الله كتب على نفسه الرحمة .. وان الله يغفر كل شيء إلا ان يشرك به).

هدأ روع سعيد قليلاً .. وشعر بسكون جميل، كذاك الذي يعم الارض بعد ساعات المطر، وأطفأت مصابيح البيت، وساد السكون والظلام معاً .. لتنتهي هذه الليلة بهذا المشهد المثير.

* * *

ص: 81

في عالم الرؤيا

لقد اخذ التعب مأخذه من سعيد، وأطفأ نور غرفته واضطجع على فراشه... وفي وسط ساعات النوم انتقل سعيد من غرفته ومضجعه في فراشه إلى عالم آخر، انه عالم الرؤيا .. صحراء شاسعة مد البصر، لا ترى أطرافها، وصخور وعقبات كؤودة لا انقضاء لها، لقد اصبح سعيد وسط هذه الصحراء المقفرة وكل احشائه تصطرخ طلباً للماء، ان اظفار العطش تُغرز في عنقه، فيصرخ سعيد بعويل ويركض جارياً وراء الماء .. يا للهول انه صوت زئير السباع وعوي الذئاب يملأ مسامعه ويذيب حشى قلبه .. ولا يعرف مصدره، رياح الصحراء تلهب جسمه وتمزق طبلة أذنيه .. ولا جدوى فهو يركض والصحراء هي هي ..

سعيد: ما هذا ؟ ماذا ارى ؟ انها اشباح .. يا ربي رحماك لعلهم من بني البشر لينقذوني مما انا فيه، ويجد سعيد في السير رغم تعبه وعطشه اللاحب حتى صار يعلم بان هؤلاء من البشر وأخذ يحمد الله على ذلك ويسرع الخطى أكثر حتى عرف هؤلاء الاشخاص وأخذ يقول: لطفك ربي هذا والدي وامي والشيخ هاديوالدكتور مصطفى وفاهم وشهيد. وراح يصيح خلفهم: انتظروني .. انتظروني .. أرجوكم انتظروني ... (ولكنهم لا يسمعونه).

ص: 82

لقد كثر عثاره في هذه الصحراء الموحشة وادميت قدماه، وهو ما زال يسير بحزم، ولكن المسافة التي بينه وبينهم هي هي، فلم يقترب منهم ولم يلتحق بهم .. فصار يبكي ويصيح: (انا ولدكم سعيد أما تسمعون ؟! لا تتركوني سأضل الطريق، أرجوكم توقفوا، لماذا تجفونني) ولكن دون جدوى، فقد أخذت المسافة تزداد بعداً بينه وبينهم شيئاً فشيئاً .. لقد شعر باليأس وتوقف في مكانه يسقي موضعه بدموع عينيه وفجأة يسمع صوت حراك على الأرض من خلفه مع نفس يشبه زئير الاسد .. التفت سعيد وإذا بألسنة مشرعة .. انها ذئاب تقترب منه .. لقد توزعت الذئاب من حوله تحيطه من الجهات الأربع، مسح التراب والدموع عن وجهه ليتأكد من صحة ما يراه .. فكان ما يراه هو هو، بل انتبه إلى وجود كلبين أسودين قريبين منه أيضاً .. أما أشخاص الوالد والاموالاصدقاء فقد ابتعدوا كثيراً وعادوا اشباحاً مرة أخرى .. قفز احد الذئاب شاداً على سعيد ..، فتحرك سعيد وهو يستغيث: لا .. لا .. فسقط إلى جانب السرير وهو ما زال يردد هذه الكلمات: انا ولدكم سعيد، انتظروني، هنيهة واذا بالنور يجتاح الغرفة والى جانب الباب كان شهيد واقفاً حتى أقبل نحو أخيه رافعاً إياه من الأرض وهو يكلمه: ماذا يا سعيد ؟! انه كابوس لا تخف .. اهدأ، اشرب هذا الماء. عانق سعيد أخاه شهيداً معاتباً له: لماذا لم تنتظروني.

ص: 83

شهيد: لا أفهم ما تقوله يا سعيد ؟! ماذا تقصد ؟!

وهنا اخذ سعيد يقص عل أخيه الرؤيا التي شاهدها، لقد أدرك شهيد تعبير هذه الرؤيا ولكنه تجاهل تفسيرها مقترحاً عليه هذا الاقتراح:

شهيد: أرى أن تذهب غداً يا سعيد إلى الحاج عارف صديق الوالد (رحمه الله) فانه رجل خبير في تفسير الأحلام.

سعيد: سأذهب إن شاء الله.

ص: 84

في بيت الحاج عارف

لقد داهم عطر جميل انف سعيد وهو آخذ بالجلوس في برانية الحاج عارف، هذه الغرفة التي يذكّر كل ما فيها بالآخرة، وبأيام أهل البيت (عليهم السلام).

أي ترحيب وجده سعيد عند الحاج عارف، فقد انهال الحاج عليه بكلمات التقريظ والمديح لوالده المرحوم وصديقه في ايام الطفولة والشباب، لقد أصر الحاج على جلوس سعيد إلى جانبه، بينما كان سعيد خجلاً من هذه الحفاوة وذاك الترحيب لأنه لا يرى استحقاق ذلك، بل كان ذلك مما يزيد في شجونه وحزنه ويشعره بالخجل الدفين من والده ذي السمعة الطيبة والذكر المحمود على السنة الآخرين، لقد كان يقول في نفسه: كيف أجلس بقرب هذا الرجل الفاضل ؟! إنني لا أستحق احترام هؤلاء المؤمنين.

الحاج عارف: كيف حال والدتك وأخيك شهيد وأختك آمنة ؟ أرجو أن تكونوا جميعاً بخير.

سعيد: الحمد لله، اننا بخير، وان شهيداً أرسل بيدي سلاماً لك يا حاج.

الحاج: وعليكم السلام، إننيأحبكم كثيراً فانتم عائلة طيبة ومؤمنة، زاد الله من أمثالكم واشكر مجيئك إلى هنا، وأنا بخدمتك يا سعيد.

ص: 85

سعيد: أشكو اليك تدهور أحوالي واضطرابها وتغير مسيرة حياتي منذ رقود ابي في الفراش إلى هذه الساعة.

الحاج: تكلم يا سعيد من أي شيء تشكو ؟ لا تخبئ عليّ أمراً، فاني بمنزلة والدك.

سعيد: شاهدت يا حاج رؤيا مزعجة في الليلة الماضية، أقضت مضجعي وأدخلت الرعب في نفسي.

الحاج: قصّها عليَّ يا ولدي.

- وبدأ سعيد يحكي مشاهد القصة التي عاشها في رؤياه. بينما كان الحاج عارف يستمع بسكينة ووقار إلى كلمات سعيد، وما ان أتم سعيد كلامه حتى ساد الصمت في المكان وأخذ الحاج يشبك أصابع كفيه متكئاً بمرفقيه على فخذيه، وكأنه يفكر في حل لغز دقيق، ولكن الحقيقة غير هذه، فانه كان يستجمع في ذهنه الكلمات التي لا تجرح مشاعر سعيد ابن صديقه العزيز، ولم يدم الصمت طويلاً، حتى بدأ الحاج يترجم لسعيد ما جاء في رؤياه.الحاج عارف: اسمعني يا ولدي جيداً:

ليس من العيب أن يخطأ الإنسان في حياته (كل بني آدم خطاءون، وخير الخطائين التوابون) .. ولكن العيب كل العيب والخطر كل الخطر في عدم التفات الفرد إلى سبيله الخاطئ، وغفلته عن سقوطه في مهاوي الذنوب .. إن السير في الصحراء يعني خوض الرحلة في عالم البرزخ، وان كثرة الذنوب هي التي

ص: 86

تسبب العثار المستمر، وعرقلة المسير اما والدك ومن معه فان صلاح اعمالهم وحسن سيرتهم كان بمنزلة المطية التي أخذت بهم سراعاً إلى عبور هذه الصحراء والنجاة من خطرها والإفلات من قبضتها ... وبصراحة: إن خطاياك وذنوبك هي التي أعاقتك عن الالتحاق بهم، والوصول اليهم، وأما زئير الأسود وعوي الذئاب فهي الأعمال السيئة التي تتجسد عادةً بحقائق مخيفة كالعقارب والوحوش والأفاعي وما إلى ذلك، أما الكلبان الأسودان فهما أصدقاء السوء واللذان يرافقان المرء في هذه العوالم لأنهم كانوا يعملون المنكر سوية، ويفعلون القبيح معاً، فلا يفترقانفي عالم البرزخ ... إن الله يحبك كثيراً إذ منحك هذه الرؤيا النافعة، لكي تنظر في حساباتك من جديد وتراجع اعمالك وتراقب افعالك ... وهنا بدت ملامح الاسى والحزن واضحة تطرز وجه سعيد، انه لم يجد وسيلة إلا ان يتجه بصدق وإخلاص نحو الحاج عارف.

سعيد: بماذا تنصحني يا عم ؟

الحاج: يا سعيد لازم هؤلاء الفتية (الشيخ هادي والدكتور وفاهم وشهيد)، انهم آمنوا بربهم فزادهم هدىً، فقد أراك الله حالهم وسط تلك العوالم المذهلة، فاتبعهم يا سعيد ان من لا يتبع الحق يقع في الضلال لا محال، لا تماشي أحداً يخالف الله ورسوله وكتابه، لان الذين يخالفون ذلك هم شياطين الأنس

ص: 87

الذين يصدون عن سبيل الله وطريق معرفته، وعليك يا ولدي أن تكون من قراء القرآن الكريم فانه الشافع المشفع في الآخرة وهو الذي يهدي من اتبعه إلى سبل السلام.

* * *

تعجب شهيد كثيراً وهو يرى قصاصات صور سعيد ممزقة في سلة المهملات !! رفع شهيد هذهالقصاصات وأخذ يطابق ويجاور أجزاءها، وإذا بها صور سعيد وسط أصدقاء السوء مروان وهشام.

سحب شهيد نفساً طويلاً والارتياح والغبطة تملأ جوانحه وجوارحه قائلاً: الحمد لله، هذا من فضل الله، والرؤيا، وتعبير الحاج عارف لها.

* * *

لقد تغير سعيد كثيراً، انه إنسان آخر جديد، لقد صار يترقب ليلة الجمعة القادمة بشغف كبير، مع انه كان لا يهفو في ما مضى إلى تلك الجلسات، بل كان يحاول الهرب والاعتذار ويخلق المعاذير لكي لا يشارك في الحضور، انها رحمة الله التي وسعت كل شيء قد تداركته وأحاطت به.

* * *

ص: 88

في عصر يوم الخميس، دخل سعيد إلى المكتبة وفي حوزته القرآن ومجموعة من الكتب، فسلم سعيد على أخيه شهيد.

شهيد: ها .. يا سعيد ماذا تفعل بهذا المصحف الذي بيدك وهذه الكتب ؟!

سعيد: أريد أن اختم القرآن،فأنني لم اعمل بوصية والدي الذي كان يؤكد على قراءة القرآن، إذ كان يروي لنا هذا الحديث:

(من جعله - القرآن - أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار) ... وهذه مجموعة من الكتب استهوتني فتصفحتها.

شهيد: أحسنت، فان القرآن هو الشفيع الأكبر يوم القيامة، ولكن قل لي أيهما أفضل الكتب أم التلفاز ؟

سعيد: بالطبع الكتب هي الأفضل، لقد كنت مخطئاً في ما سبق.

شهيد: على أي حال، هل ستكون حاضراً جلسة هذا اليوم ؟

سعيد: نعم، بكل تأكيد.

ص: 89

الحوارية الثالثة

حضر الشيخ هادي وفاهم بعد صلاة المغرب في بيت الاستاذ جابر، ولقيا من لدن شهيد وسعيد تمام الاحترام والترحيب ... واستقر المجلس بالجميع، ولكن يظهر أن الجلسة لم يكتمل نصابها بعد، ولهذا بادر شهيد متسائلاً: لم يأت الدكتور معكم ... ما هو السبب يا ترى ؟

الشيخ: الغائب عذره معاه، ولكنه سيأتي ان شاء الله، فقد وصل الدور اليه كما تعلمون.

فاهم: على فكرة، كنت قبل يومين أقلب كتاب (الحب والطبيعة) لبول ريبو، وقد أعجبتني هذه الكلمات حول موضوع العادة السرية، فنقلتها لكم.

شهيد: هات ما عندك يا فاهم.

فاهم: (ما أفظع أن يحتلب الانسان بيده وان يستنمي كلما عنَّ له ذلك، فانه ان فعل ذلك رؤي مضطرباً في مشيته، محني الظهر، قد خرج من فتوته وشبابه باختياره. اذ يعتريه الصداع والخور، والزهق من الحياة، فيبدو مريضاً قد حمل يداً مجرمةتؤدي إلى الضيق والسويداء، اعرف ساعاتياً يتمتع بصحة جيدة ونشاط، ويمرح بشباب متوثب، قد أخذ يكرر هذه العملية بشغف

ص: 90

إلى ان صار يعيدها ثماني مرات في اليوم، فاعترته ارتجافات عصبية، واهتزازات ذهنية، وانتفخت رقبته بشكل غريب، ووصل إلى حالة خاف معها الموت، لانه قاس آلاماً لم يكن ليئن معها أنيناً بل كان يصرخ كالكلب الكليب ...

الشيخ: لا حول ولا قوة إلا بالله، أكمل يا فاهم هذه المأساة.

فاهم: ثم امتنع عن الطعام، وبح صوته، وانطفأت الحياة من جبينه، ولم ينفع حالته الندم ولا تبكيت الضمير، وقد ارتمى على الأرض شاحباً قذراً تفوح منه رائحة النتن، وكان المخاط يسيل من انفه، واللعاب من فمه وأخيراً أصيب بالإسهال، فصار يقضي حاجته في سريرة فضلاً عن أن عينيه قد رمدتا وانطفأ سناؤهما، وقلت سرعة نبضه، وتورمت قدماه، وتغير شكل جسمه نهائياً، فعلى فتياننا ان ينتبهوا إلى التلف الذي يحيق بالشباب من جراء هذه العادة المنحطة التي تقيد الشباب بالأغلال، وان مثل هذا الساعاتيليؤثر في النفس ... فأعينوا أنفسكم)(1).

كان سعيد مطأطأ الرأس وهو يستمع إلى هذه الكلمات، ولم يرفع رأسه إلا على صوت رنين الجرس الذي رنَّ مع آخر كلمة قالها فاهم، ذهب سعيد ليفتح الباب فكان الدكتور مصطفى على الباب، جلس الدكتور بين أصدقاءه، وقد أبدى شديد

ص: 91


1- الحب والطبيعة لبول ريبو ص37، نقلاً عن كتاب العادة السرية.

اعتذاره منهم بسبب تأخره عن موعد هذه الليلة.

شهيد: معذور إن شاء الله، ولكن ما هو سبب تأخيرك يا دكتور ؟

الدكتور: لقد عرضت علي حالة لشاب في السنة الحادية والعشرين من عمره، وقد بدا غائر العينين، ضعيف النظر، هزيل الجسم، تهيمن على بدنه رعشة، شديد النسيان، ترتجف قدمه اليسرى، ويشعر بتنمل في الساقين، وهو مكتئب، يميل إلى الانفراد، كسول، يلازم الصمت.

الشيخ: ما هي حالته بالضبط ؟ وماذا فعلت له ؟

الدكتور: طلبت من والده أن يغادر غرفة المعاينة، وانفردتبالفتى، وسألته هل تمارس العادة السرية ؟ فأنكر في البدء، ولكن بعد الاصرار على معرفة الحقيقة اعترف لي بأنه يمارس العادة، واعترف بانه صاحب الرسالة(1)

التي أُبرقت إلي قبل ستة أشهر.

شهيد: وما هو مضمون هذه الرسالة ؟

الدكتور: هذا هو مضمونها: (أريد أن ابكي دماً ولكن دموعي جفت من كثرة البكاء وأهدابي قتلها الضمأ. اريد أن أصرخ ولكن الحسرات تكسرت في صدري.

ص: 92


1- هذه الرسالة واقعية ذكرها الشيخ ناصر مكارم في كتابه مشاكل الشباب الجنسية وامتنع عن ذكر مرسلها.

أريد أن أفكر ولكن بأي شيء ؟ بأي عاقبة ؟ أيبقى عقل في مثل هذه المشاكل والصعوبات ؟! مسكين، وحيد، تائه، حيران، خائف مما انا فيه ومما سألاقيه، متنفر من هذا المحيط الملوث بالفساد.

انا في الحادية والعشرين من عمري، أمضيت عشر سنوات من أحسن واجمل أيام عمري وحيداً، مشاكل الحياة وصعوبتها، ألوان المجتمع الفاسدة كل هذه تحز في نفسي وتؤلمني كثيراً.

لا أعلم كيف حدث وماذا حدث،فقبل عدة سنوات، وبدون إرادة مني تعرفت على عادة خبيثة مشؤومة عندما كنت أطالع كتاباً، وانتهى ذلك الوقت ولم ينبهني أحد إلى خطورة مرحلة الشباب وحساسيتها، كانت تهيجني قدود النساء والبنات العاريات اللاتي كن يحترقن بنار الشهوة والهوس.

نعم، قد تعودت، فجسمي الآن مريض وروحي مريضة أيضاً وأنا الآن أخطو نحو دائرة الجنون الخطوة تلو الأخرى.

اسمحوا لي على إطالة الرسالة، إن هذا الانين والاستغاثة التي توجع اسماعكم ليست مني فقط، أنا أعلم ان كثيراً من الشباب مساكين مثلي.

لا أخفي عليكم فقد قدمت على الانتحار في سن السابعة عشر مرتين ولكن لم يسمحوا لنا - نحن المساكين- حتى بالموت.

ص: 93

أنا الآن ضعيف جداً، وقبل مدة قصيرة - مع كمال الاعتذار- أخذت تخرج مني قطرات الدفع بدون ارادتي.

انا الآن في خضم امواج الموت تتلاعب بي وتتقاذفني، فترميني إلى هذا الطرف مرة وإلى ذلك أخرى وربما قذفتني إلى طرفالفناء.

أرجو منكم أن تنقذوني وتخلصوني وأريد منكم أن تتلطفوا عليّ بالجواب السريع، كما واني أطلب من الله تعالى التوفيق).

س - د

فاهم: المشكلة إن البعض يدعي إنها حالة طبيعية كسائر أنشطة الجسم الأخرى.

الدكتور: لا يمكن ان يكون هذا الكلام صحيحاً بالمرة، فان الأخلاق الفاضلة والشرع المبين يرفض هذا اللون من النشاط المنحرف.

وكذلك يا أخوتي نجد الحقل الطبي والخبراء في هذا المجال يمنعون ذلك ويحذرون منه، يقول جيبون:

(الاستمناء باليد طريقة للذة العابرة، وإذا استمر الأخذ بهذا

ص: 94

التمرين الضال فستصبح الإنسانية غير طبيعية)(1).

سعيد: ولكنكم تبالغون في وصف العادة السرية وكأنها أم الخراب والدمار الذي تعيشه الإنسانية.

الدكتور: أتدري يا سعيد ماذايقول رافيليه ؟

سعيد: ماذا يقول ؟

الدكتور: يقول رافيليه:

(انها أشنع وأكثر تدميراً للمدنية من الطاعون والجدري والحرب وسائر الضربات التي يمكن أن توجه للإنسانية)(2).

الشيخ: وأضيف على جواب الدكتور يا سعيد، ما قاله علي محمد علي دخيل في مقدمة كتابه العادة السرية (احسب ان الانهيار الأخلاقي الذي تعانيه الامة الاسلامية هو أخطر شيء تعانيه اليوم وكل خطر اقتصادي أو عسكري فهو دونه وأننا ما أُوتينا إلا من قبل اخلاقنا، وما سقوط الأخلاق بأهون من سقوط المسلمين في ايدي الكافرين).

فاهم: فعلاً فهذا الشاعر يقول:

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فان هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

ص: 95


1- الحب والطبيعة، لبول ريبو، نقلاً عن كتاب العادة السرية.
2- العادة السرية عند النساء والرجال لمحمد فائق الجوهري، نقلاً عن كتاب العادة السرية.

سعيد: ولكن قرأت في ما مضى لبعض الاطباء يقولون بانها غير ضارة.

ضحك الدكتور حتى بدت نواجذه، بينما خيّم الفشل والخجل علىتقاسيم وجه سعيد، فاردف الدكتور قائلاً:

هل تحسب يا سعيد أن جميع الاطباء مطلعون على حقائق الأمور ؟!

سعيد: لا أفهم ماذا تقول.

الدكتور: يا أخي إن من يقول ذلك تجده لم يطالع جوانب المسألة حتى أوقع الشباب في فخ هذه العادة الوبيلة، وسأنقل لك كلام الاطباء المطلعين العارفين بأبعاد هذه المشكلة الجنسية (إن الأطباء الذين يقولون بعدم اضرار هذه العادة غفلوا عن نقطة أساسية في هذه المسألة، وهي ان هذا العمل بالمشاهدات الكثيرة وباعتراف من المصابين يشجع صاحبه على إجرائه بكثرة وعلى مواصلته والاستمرار عليه)(1) ...

فماذا تكون النتيجة ؟

الجميع: ماذا يا دكتور ؟

الدكتور: إن استعمال المادة المخدرة مرة واحدة في اليوم قد لا يؤدي إلى أي ضرر، ولكن العادة السرية تُخضع الممارس لها عبداً ذليلاً، يجيبها كلما تناديه، حتى يضمر شبابه، وتشيخ

ص: 96


1- مشاكل الشباب الجنسية، للشيخ ناصر مكارم ص90-91.

روحه وتُشل قواه، وتذبل مزاياه، ولا تقنع العادة بهذا الحد حتى تقضم عمره، وتحنطه برائحتها المنتنة، وتوسده في لحد جنسه !!

الجميع: أعاذنا الله من ذلك.

وهنا يحاول سعيد أن يكرَّ كرةً باهتة اللون لا تحمل من العمق شيئاً فهي أكثر فشلاً من سابقاتها.

سعيد: إذاً فالأضرار لا تعود إلا على صاحبها، وليس لها مساس بالحياة الاجتماعية العامة.

الدكتور (بغضب): سبحان الله ... إن كثيراً من التصرفات الفردية لها انعكاساتها السلبية على أمن المجتمع ورخاءه، والعادة السرية من هكذا قبيل، وقد ذكرت لك قبل قليل قول رافيليه، واذكر لك قول (برداخ): (انها خيانة على النوع الانساني)(1).

ويقول الدكتور فرنك: (يعتبر مرتكبي العادة السرية عالة على الهيئة الاجتماعية لانهم لا يمكن ان يفيدوها بل انهم ليعودون عليها بالضرر)(2).سعيد: ولكن هل نسوي بين مرتكب العادة السرية وبين من يسرق المجتمع ويعتدي على المجتمع ويعبث بأمن المجتمع ؟

ص: 97


1- العادة السرية عند النساء والرجال لمحمد فائق الجوهري ص42، نقلاً عن العادة السرية.
2- المصدر السابق.

الدكتور، ينفعل كثيراً: ومن قال لك ان مرتكب هذه العادة ليس بسارق وليس بمعتدي وليس بعابث وليس ...

تصور مجتمعاً كله يمارس هذه العادة، كيف يكون لونه، وماذا يكون قوامه ؟ ألا يكون هزيلاً، منحطاً، متعباً، ...

الشيخ، على الفور: ألا يكون مُغضباً لله، ألا يكون أضحوكة الشيطان والابالسة، ألا يكون خائناً للمنصب الذي يشغله (خلافة السماء)، ألا يكون ملقياً في حُمام الموت (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة).

فاهم: انه يشم أنفاس الموت وان كانت عينيه مفتوحتين، قد هبط في سُلّم الإنسانية إلى اسفل السافلين !

وهنا يواصل الدكتور الكلام بنفس منفعلة:

ان مرتكب العادة السرية يسرق قواه ويقتل نفسه وبالتالي فهو يسرق أحد أفراد المجتمع وهو يسرق لبنة من البناء الاجتماعيالكبير ويرضها بيديه العابثتين، فإذا أقدم كل أبناء المجتمع على هذا الفعل إنهار البناء بأجمعه .. نعم، إن مرتكب هذه العادة مجرم بحق نفسه ومجتمعه .. يقول الدكتور فرنك: (كل من يثبت عليه هذا الفعل يجب أن يوضع تحت المراقبة إسوة بسائر المجرمين)(1).

ص: 98


1- المصدر السابق.

ظلل جناح الصمت فضاء الصالة، وبدا كل شيء ساكن لا حراك فيه، وأخذ شهيد يمعن النظر في وجوه الجالسين فرداً فرداً، لقد شعر شهيد بضرورة استمرار هذه الحوارية المثيرة النافعة ولكن كيف السبيل والألسن عقدت والجلسة دنت من حالة الاحتضار ؟ ولكن سرعان ما أدرك شهيد ماء الحياة الذي به ينفخ الروح من جديد في شرايين حوارية هذه الليلة ... فناولهم هذه الساقية:

شهيد: نوروا قلوبكم بالصلاة على محمد وآل محمد.

الجميع: اللهم صل على محمد وآل محمد.

شهيد: على حب الحسن الحسين ثانية تؤجرون.

الجميع: اللهم صل على محمدوآل محمد.

شهيد: على حب قطيع الكفين ابي الفضل العباس بأعلى أصواتكم.

الجميع، بصوت قوي: اللهم صل على محمد وآل محمد.

الشيخ: أحسنت يا شهيد.

لقد انبجست العيون وانهمر الماء الزلال فاخضرت القلوب وابتلت عروقها وذهب ضمأها، وعاد الدم في شرايين حواريتهم المباركة بفضل الصلاة على محمد وآل محمد التي تحيي القلوب وتميت النفاق، كما جاء في الأخبار الصحيحة.

شهيد، من اجل استمرارية الحوارية: ما رأيك يا دكتور بمن

ص: 99

يقول: بأن كبت المشاعر الجنسية يؤثر على الحالة النفسية بالنسبة لغير المتزوجين ؟

الدكتور: جاء في كتاب (الاتحاد الجنسي) وهو يصف العادة السرية: (وهذا التصرف ينافي الطبيعة، ولا يمكن لحجة علمية ان تبرره، بالعكس يثبت العلم إن الامتناع عن النشاط الجنسي قبل الزواج أمر عادي غير مضر بالصحة بتاتاً ...)(1).فاهم: بصفتك طبيب نفساني يا دكتور، ما هي الأسباب المؤدية إلى حصول هذه العادة لدى المستمنين ؟

الدكتور: أسباب عديدة:

الأول: المرض النفسي:

يقول الطبيب شابل: (ان الاستمناء باليد لا يسبب المرض، وإنما هو مرض يقود إلى هذه العادة. لا يمرض لانه فعل، بل يفعل لانه مريض)(2).

الثاني: كونه مصاباً بالهستيريا:

يقول الدكتور جون ايف: (فالافراط بالاستمناء والاستمرار عليه هو على الأغلب مظهر من الاضطراب النفسي بدلاً من أن يكون سبباً له، فالعادة السرية شائعة بين المصابين بهستريا المرض الذي يصيب الاشخاص العاطفيين جداً)(3).

ص: 100


1- نقلاً عن كتاب العادة السرية ص27.
2- الحب والطبيعة لبول ريبو ص 38، نقلاً عن المصدر السابق.
3- صرخات جنسية للدكتور اسماعيل ناجي، نقلاً عن المصدر السابق.

الثالث: ضعف الارادة لدى المستمني:

تقول السيدة سوكو الفرنسية: (لا يستسلم لها إلا ضعفاء الارادة، فهي كمضاجعة البغي ليست طبيعية،ولا تتحقق فيها الغاية الجنسية)(1).

فاهم: بقي سؤال مهم يا دكتور.

الدكتور: ما هو ؟

فاهم: ما هي الأضرار الناجمة عن هذه العادة السيئة ؟ وما هي المساوئ التي تخلفها في الفرد ؟

الدكتور: حقاً إنها (أفعى الشباب)، نعم، فان الأخطار التي تسببها العادة السرية لا يمكن تغافلها وغض النظر عنها فان الادمان عليها يؤذن بالشقاء ... فاسمعوا ما يترتب على الافراط بممارستها:

1- الصدع والعمى:

يقول الطبيب الروماني ايسوس: (ان العادة السرية تضعف الجسم فيهزل ... ولا تكون النتيجة غير الصدع أو العمى أو غير ذلك من الآلام والأمراض)(2).

ص: 101


1- الحب والطبيعة لبول رييبو ص38، نقلاً عن المصدر السابق.
2- الشهوة الجنسية للدكتورة ماري آستوب والدكتور هنري، نقلاً عن المصدر السابق.

2- الجنون والأمراض العقلية:

يقول الدكتور شاكر الخوري:(يتسبب عن الاستمناء جميع الامراض العقلية)(1).

شهيد: كل ذلك تسببه هذه العادة الشيطانية.

الدكتور: نعم يا شهيد، فهي تسبب: خمول الفكر وشدة النسيان وشرود الذهن، وضعف قابلية الفرد على التصور، وضعف الذاكرة والبلادة فالخمول فالجنون الجزئي، فالجنون الكلي، نستجير بالله.

3- السيلان:

وهو خروج المني تلقائياً وعدم إمكان حبسه، يقول الدكتور بياترا:

(ان من الامارات ذات الدلالة على تحكم الشهوات بالمراهق، واستسلامه إلى العادة السرية السيلان أي خروج السائل المنوي من تلقائه، أو بمجرد انتصاب القضيب بتأثير عامل من العوامل، وفي ذلك ما فيه من تبديد لماء الحياة مما يجعل الفتى المراهق عرضة لأشد الأمراض فتكاً)(2)

ويقول الدكتور بياترا ايضاً: (ويردالاختصاصيين تسعين بالمائة من حالات الارتخاء

ص: 102


1- تحفة الراغب للدكتور شاكر الخوري ص38، نقلاً عن المصدر السابق.
2- الطب في خدمة الحب للدكتور بياترا ص32، نقلاً عن المصدر السابق.

والسيلان المنوي إلى تحكم العادة السرية واستفحال شأنها)(1).

ويقول ايضاً: (أما إذا أهمل السيلان فانه يؤدي إلى اضمحلال القوى وكثيراً ما يفضي بالمصاب إلى العنة المبكرة)(2).

4- العنة:

جاء في كتاب (الحقيقة الجنسية): (عادة الاستمناء باليد، وهي عادة غالباً ما يلجأ اليها المراهقون فتملكهم ولا يستطيعون الاقلاع عنها طوال مدة عزوبيتهم وكثيرون يشكون من العنة ولا يعرفون ان سببها يعود إلى تعودهم الاستمناء باليد)(3).

5- فقر الدم (الانيميا):

لقلة حصول غذاء الدم ونقصان مادته.

6- ضعف واضطراب الجهاز الهضمي:

وربما انعدام الهضم بصورة تامة عند التمادي في هذهالعادة، فيتدرج أولاً بفقدان الشهية للطعام ثم إلى فقدان الهاضمة ثم يقل امتصاص خلاصة الطعام من المعدة ثم حصول الاضطرابات المعدية ثم عسر هضم واسهال وامساك.

ص: 103


1- نفس المصدر السابق.
2- نفس المصدر السابق.
3- الحقيقة الجنسية عند الرجل والمرأة ص96، نقلاً عن كتاب العادة السرية.

7- الامراض التناسلية:

تسبب العادة السرية ضعف الجهاز التناسلي بصورة عامة، شعور بالألم في المثانة، حرقة عند البول، زيادة في إفراز الغدد التناسلية، تأخر النمو في الذرية بعد الزواج.

8- ضعف الجسم:

فيلاحظ اصفرار الوجه، وفقدان البشرة رونقها، وهزالة الجسم، وبطء الحركة، وانكماش جلد الاصابع، واستطالة الوجه وعدم تدويره، حصول هالة زرقاء تحت عينيه، ارتعاش في اليدين، وضعف في الركبتين، الشعور بالتعب لممارسة أدنى جهد، انتهاك قوى العضلات، هزال العظام فلا يقوى على المشي والجري بنشاط.

9- السل الرئوي والربو.

10- داء بوط (وهو تسوس العمود الفقري).

11- الصداع.وغيرها من الامراض التي تزعج الاسماع النظيفة عند ذكرها.

شهيد: احسنت يا دكتور.

الدكتور: احسن الله اليك.

فاهم: وما هي الاثار السلبية لهذه العادة على شخصية مرتكبها في الاوساط الاجتماعية ؟

ص: 104

الدكتور: سؤال جيد، هناك اضرار أخرى يجدها الفرد الممارس للعادة السرية في حياته الاجتماعية، وهذه الاضرار هي:

أولاً: تذهب بلذة الجماع بعد الزواج:

يقول الدكتور بياترا:

(ناهيك بصيرورته (المستمني) سريع الانزال كلما باشر الفعل الجسدي، وهو عيب في الرجل لا تستقيم معه الحياة الزوجية، وقد يؤدي في الغالب إلى إنفصام عرى الزواج)(1).

ويقول عبد العزيز القوصي: (وهذا يجعل من يمارس العادة السرية بكثرة قليل القدرة بعد زواجه على الاتصال الجنسي الطبيعي وذلك لسبق تعوده ممارسة المسألة الجنسية في جو يختلف اختلافاً جوهريا عن الجو الطبيعيسواء في خصائصه المحلية أو العامة)(2).

ثانياً: تسلب نضارة الفرد وتطفأ نور شبابه:

يقول الاستاذ كرافت ايبينج: (انها - أي العادة السرية- تنتزع الرائحة والجمال من البرعم الذي كان ينبغي أن يتفتح عن زهرة الناضرة وتخلف وراءها عقولاً سقيمة وغريزة حيوانية تسعى للرضاء الجنسي)(3).

ص: 105


1- الطب في خدمة الحب للدكتور بياترا، نقلاً عن كتاب العادة السرية.
2- أسس الصحة النفسية للدكتور عبد العزيز القوصي، نقلاً عن المصدر السابق.
3- الجنون الجنسي عند الجنسين لشارل 137، نقلاً عن المصدر السابق.

ثالثاً: فقدان الشخصية في المحافل الاجتماعية.

يقول الدكتور بوغارس هنري والدكتورة ماري أستوب: (إرادته تضعف كثيراُ وتنحل شخصيته ويغدو إنساناً قلقاً مريضاً في احاسيسه، مضطرباً، خائفاً، جباناً لا يستطيع المقاومة)(1).

رابعاً: تفقد الشخص رجولته:

يقول الباحث الاجتماعي كلمانس: (فإذا ما أخل الفتى بنظام هذه القوى - أي القوىالجنسية- وعبث بها، وأساء استعمالها فإنه يقترف ذنباً يجب أن يعترف به في منبر التوبة قائلاً: أنه أخطأ ضد الطهارة، أي أنه هيج اعضائه وأثارها مستلذة فسال منها السائل المنوي ضائعاً، أنها العادة السرية أخذت تعبث في منبع الرجولية فساداً لقد سعى هذا الفتى وراء اللذة (تلك اللذة التي سرعان ما تنقلب قرفاً) فاخذ يبدد قوى الجسم ليس بغنى عنها لاستكمال نموه واشتداده)(2).

خامساً: اتصاف صاحبها بالتردد والارتباك مع الأهل والأصدقاء وخاصة في المحافل النسائية.

سادساً: اتصافه كذلك بالكآبة والانعزالية عن المحافل العامة.

ص: 106


1- الشهوة الجنسية لماري وهنري ص 57، نقلاً عن المصدر السابق.
2- الحقيقة عن الشؤون الجنسية لكنيمانس، نقلاً عن المصدر السابق.

شهيد: أحسنت يا دكتور، والآن يا شيخ هل لك أن تحدثنا عن المساوئ الأخلاقية التي تخلفها العادة السرية ؟

الشيخ: هناك عدة مساوئ واضرار على المستوى الاخلاقي للفرد الممارس لهذه العادة أذكر منها:أولاً: الانحراف عن الفطرة والطريق السليم في تنمية الاستعدادات النفسية والجنسية، يقول الاستاذ عبد المنعم الزيادي واصفاً الاستمناء (علامة على الانحراف عن طريق التطور الجنسي)(1).

ثانياً: هي بمثابة بيع الروح بثمن زهيد، وقد ورد عن الامام الصادق (عليه السلام): (ليس لابدانكم ثمن فلا تبيعوها إلا بالجنة) فان الشخص الذي يقدم على العادة السرية مع كل هذه الاضرار التي سمعناها من الدكتور مصطفى لا يمكن أن يكون عاقلاً بل يعد قاتلاً لنفسه وهو أمر محرم بطبيعة الحال (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا).

يقول الدكتور محمد الخليلي: (لو اردنا بيان كل ما في هذه العادة الشريرة الشائنة من اضرار ومساوئ صحية أو أدبية أو أخلاقية لما استطاع القلم تحريرها فلقد سماها بعضهم (انتهاك الذات) والآخر (بيعالروح بثمن بخس) وذلك لأنها الفاتكة

ص: 107


1- حياتك مع الاسرة لعبد المنعم الزيادي ص40، نقلاً عن المصدر السابق.

بالطفل في احضان امه ومربيته وبالصبي في المدرسة أو الأزقة وبالشبان والرجال في عنفوان قواهم، فان مزاولها كلما فعلها مرة كان كمن خطا إلى الموت خطوة وبدد أجزاء من حياته وقوته وما مثله إلا كمثل شخص عمد إلى أوعيته الدموية فمزقها أو فتحها لينزف منها مقدار من دمه الذي هو حياته الحقيقية وهل وراء ذلك إلا تقصير الأجل وقذف النفس تحت براثن الموت المحتم)(1).

ثالثاً: تدني الروح والأنغماس بالحيوانية:

يقول الباحث الاجتماعي انقولا الحداد: (فهي شديدة الاذى لانها أمر غير طبيعي يلجأ اليه الانسان لاحتدام شهوته البهيمية وتجاوزها حد الغريزة الطبيعية ففي إمكان الإنسان أن يخمد هذه النعرة إذا كان يرفع نفسه ولا يخضعها لها، وينزه حياته الروحانية ويقيها من رجاسة الشهوة الحيوانية)(2).رابعاً: صيرورته عبداً لهذه العادة:

ويقول الاستاذ انقولا الحداد أيضاً في كتابه: (أما الأضرار التي تنجم عن هذه العادة فأولها أنها لا تطفئ النعرة الحيوانية كما يظن ممارسها بل بالعكس تزيدها استعاراً لأنها لا تشبع الشهوة

ص: 108


1- المغريات العشر لمحمد الخليلي ص128، نقلاً عن المصدر السابق.
2- ذكر وانثى خلقهم، لنقولا الحداد، نقلاً عن كتاب العادة السرية.

النفسانية ولا تروي غلة العاطفة، لا ترتوي بشهوة النفس بها لأنها ليست الوسيلة الطبيعية التي سن الخالق سنتها، لذلك بعد ان ينتهي المستمني من عمله الدنيء يشعر انه قد فشل وخاب، أي انه لم يقض الوطر كما زينته له النفس الشهوانية وصورته في مخيلته وأطمعت عواطفه به، فلا تلبث شهوته أن تثور ثانية وتحتدم فيلجأ إلى الطريقة نفسها آملاً أن يطفيء هذا السعير ولكنه لا ينتهي إلا بنفس النتيجة الخبيثة والفشل والحسرة وهكذا دواليك)(1).

كان سعيد خارجاً عن حلبة النقاش، ولكنه يستمع بشغف شديد، وقد أخذت اللوعة مجامع فؤاده من هول ما سمع على لسان الدكتوروالشيخ، وبدت علامات الندم تشع من جبهته وجبينه، وقد نفدت الألفاظ التي عنده فترك النقاش ومال إلى الصمت وإجالة ما يقولونه في ذهنه، وكان لسان حاله هيا ... صفوا لنا العلاج ماذا تنتظرون ؟!

أما شهيد فكان يحدق النظر في وجه سعيد ويقرأ ما يطفو على سطحه من الكلمات فادرك رغبة سعيد وما يطمح اليه، فاستغل الفرصة ملتفتاً إلى الدكتور مخاطباً اياه:

إلى هنا نجد الكلام كافياً وشافياً ومحيطاً باسرار العادة السرية وبواعثها وأعراضها، ومساوئها واضرارها والآن حان الكلام

ص: 109


1- المصدر السابق.

حول طرق الوقاية والعلاج من هذا الداء العضال وكسر طوقها والتحرر من قيودها.

الدكتور: أحسنت يا شهيد، ان مسألة الاقلاع عن هذه العادة مسألة بيد نفس هذا الشخص المدمن، ولكن بشرط ان يهيئ البساط والارضية للعلاج، فإذا نجح الفرد في مد هذا البساط أمكنه بعد ذلك أن يتناول العلاج.

فاهم، بابتسامة: لا تتكلم بالألغاز يا دكتور، ماذا تقصدبالبساط والأرضية ؟

الدكتور: الأرضية هي التصميم الراسخ، وتلقين النفس على انها قادرة باذن الله على ترك هذه العادة الوبيئة، وهذا التصميم الجدي عامل مهم وأساسي يدفع الفرد - في ظل العلاج- إلى التخلص من اسر هذه العادة، إذاً قبل كل شيء لا بد من التصميم الدائم وشحن النفس بالهمة والارادة على ترك هذه الظاهرة المحرمة والمضرة.

شهيد: ولكن البعض يدعي ان سلطان العادة قد قهر النفس وتحكم بها، فلا مناص من التخلص من أسره وقيوده.

الشيخ: من رخصة الدكتور أود ان اسأل سؤالاً.

الدكتور: تفضل مولاي.

الشيخ: إننا لو سألنا هؤلاء هل بإمكانكم أن تجربوا هذه الحماقة - العادة السرية- أمام الأب والأم والأخوة والأقارب ؟

ص: 110

الدكتور: طبعاً سيكون جوابهم لا يمكننا ذلك.

الشيخ: فما هو السبب يا ترى في عدم التمكن من ممارسة العادة السرية إلا في سرية بعيداً عن أعين المجتمع ؟الدكتور: الخجل يا شيخ.

الشيخ: إذاً هم يملكون الارادة، والدليل على ذلك إنهم يستعملون جانباً من هذه الارادة لكبح جماح النفس لدى الرغبة في ممارستها أمام المجتمع، فلو كانوا مسلوبين الارادة تماماً، كما يدعون، لمارسوا هذه العادة في كل زمان ومكان حتى امام الأب والأم والأقارب.

شهيد: ما هو ملخص الكلام يا شيخ ؟

الشيخ: أريد أن أقول بأنه ينبغي لهؤلاء أن يسحبوا هذه الارادة الموجودة في نفوسهم إلى أماكن السر والانزواء ويقفوا هناك في وجه نداء هذه العادة ويجتنبون إطاعتها ويقووا من إرادتهم ويجعلونها الحاكمة في كل مكان.

الدكتور: كلام لطيف يا شيخ.

الشيخ: نعم، فقد سأل أحدهم الإمام الصادق (عليه السلام) قائلاً : (مسكين فلان فقد ابتلى بانحراف جنسي - من نوع آخر غير هذه العادة- ولا إرادة له).

فاجابه الإمام غاضباً: ماذا تقول ؟ هل هو مستعد لاجراء هذا العمل امام الناس ؟

ص: 111

فقال الرجل: كلا.

فقال الإمام (عليه السلام): فقد علم بان اجراءه باختياره وارادته.

اذاً كما قال الدكتور مصطفى التصميم الجدي هو المرقاة الأولى في طريق ترك هذه العادة، (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ).

شهيد: طيب الله انفاسك يا شيخ، وماذا لو انتهى هذا التصميم بالفشل يا دكتور ؟

الدكتور: قبل كل شيء لا بد ان نفهم ان التصميم وان كان قد فشل اول مرة، لكنه في الحقيقة سبب وترك آثاراً للنجاح الآتي، وذلك لان نفس هذا التصميم الفاشل سيجعل الفرد يرى المعركة التي دارت رحاها بين نفسه وبين العادة، ويرى مواطن الضعف في نفسه، ويدعوه هذا التصميم الفاشل إلى تصميم آخر، اذاً نفس هذا التصميم الفاشل هو مقدمة لتصميم ناجح، حتى لو كان هذا الأخير هو التصميم الثالث أو الرابع أو الخامس مثلاً، لأن كل تصميم يترك آثاره والتي تتراكم لتنتج العزم الأخير على عدم العودة إلى أحضان هذه الآفة الجنسية.

شهيد: وبعد الارادة والتصميم،كيف يكون العلاج ؟

الدكتور: كنت قد ذكرت لك ان المريض بهذه العادة لا بد أن يحضّر ويجهز الارضية والتي هي العزم والحزم والتصميم القاطع بترك هذه العادة، وان يُقنع نفسه بانه قادر على نبذ هذه

ص: 112

الحالة وهجرها إلى الأبد، فإذا كان ذلك وجب متابعة هذه الخطوات:

الأولى: اجتناب مصادر الاثارة الجنسية:

ان انتشار أساليب الإثارة والاغراء هو الذي أدى إلى انتشار هذه العادة في الأوساط الشبابية إذ تكون العادة عندهم كالجمر تحت الرماد سرعان ما يتوهج ناراً اذا ما صافحها ريح النسيم، ومصادر الاثارة والاغراء عديدة، فمنها: مشاهدة الصور الخليعة، والمجلات الفاضحة ومتابعة الافلام الساقطة، والانشداد إلى الشاشة الماجنة، ومطالعة روايات العشق والقصص الغرامية، والنظر إلى النساء في الطرق والاسواق، والتفكير في القضايا الجنسية والنساء، وينبغي للفرد تجنب الملابس الضيقة وخاصةً الداخلية منها.

الثانية: اللجوء إلى عادةمباحة ونافعة:

فان علماء النفس يقولون: لاجل ترك عادة سيئة يجب التعود على عادة حسنة، فمثلاً يعوّد الفرد نفسه على هوايات صحيحة وعقلائية ومفيدة، كالرسم، والخط، والتنزه، والمشي في الهواء الطلق، أو المشي إلى مسجد بعيد نسبياً أو مرقد مبارك، وكذلك مطالعة الكتب الثقافية والدينية، أو كتابة قصة أو بحث معين أو مقال، أو اجراء انشطة اجتماعية كمسابقة علمية أو فكرية، أو محاولة ممارسة أو تعلم صنعة أو حرفة نافعة، أو تربية

ص: 113

اشجار الزينة والزهور، أو تربية الحيوانات ... ونحو ذلك فان ذلك يخلف عادة جديدة محل العادة السابقة الذميمة.

الثالثة: ملئ وقت الفراغ:

من الخطأ أن يهمل الفرد وقتاً معيناً من يومه بحيث يتركه خالياً من دون عمل مسلي ومنتج، لان وجود الفراغ يبعث في نفس الفرد التفكير بالحاجة البيولوجية إلى الجنس، ولهذا نجد يا أخوة ان المدخنين في ايام التعطيل والجمع يرتفع مستوى التدخين لديهم مقارنة بايام الانشغال فيالاعمال، لانصراف الذهن عن التدخين، وهكذا نجد انصراف الذهن إلى اكثر واقرب عادة كان يمارسها بمجرد ان يجد نفسه في فراغ من امره أو في حالة انزواء عن المجتمع ... يقول الدكتور عبد العزيز القوصي: (ويلاحظ ان اكثر النشئ ميلاً إلى ممارسة العادة هم أكثرهم شقاءً، وأكثرهم فراغاً، وأكثرهم عجزاً عن ملئ فراغهم بإنتاج يجلب احترامهم لأنفسهم واحترام غيرهم لهم ...)(1).

الشيخ: مع أهمية التذكير، يا دكتور، بان المؤمن الحقيقي لا يجد فراغاً لديه مطلقاً ما دام يشعر ان هناك عقبات كؤودة في عالم القبر والآخرة تنتظره، فعلى الانسان أن يتصرف بهذه المنحة السماوية - العمر- تصرفاً لا يندم عليه عند طي صفحة حياته، فان

ص: 114


1- أسس الصحة النفسية ص488، نقلاً عن كتاب العادة السرية.

قيمة الفرد بالآخرة منوطة بعمله في الدنيا فقد ورد في الروايات (انما أنت أيامك) ونحن نعلم ان الدنيا مزرعة الآخرة، فالمفروض أن يملأ الفرد قدح العمر بالأعمالالصالحة والطيبة، لكي لا يُؤتى به في يوم القيامة فارغاً عن كل ذلك، أو يُؤتى به مهمشاً على رصيف اللهو والبطالة والتسكع والأمور غير المنتجة التي لا هدفية فيها (حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ).

الجميع: أحسنت يا شيخ وطيب الله انفاسك.

يعود الدكتور لاتمام كلامه:

الرابعة: مخالطة الآخرين وترك الانزواء:

الوحدة والانفراد بالنفس يعد جواً مساعداً للانصراف إلى هذه العادة الممقوتة، فعلى الشخص المبتلى بهذه العادة ان يتجنب الوحدة والعزلة بأي طريقة متاحة، فيتجنب الجلوس في غرفة لوحده، أو المشي في طريق بمفرده، فالاندكاك في جسم المجتمع والاندماج مع الآخرين، والتواجد بين أفراد العائلة والاصدقاء الطيبين، كل ذلك يقلل من ممارسة هذه العادة، لان من أهم خصائصها الخطيرة هي السريَّة وعدم توقف فعلها على طرف ثاني كما في الزنا، فإذا ترك المرء الخلوة مع نفسه فانه يكون قد نجح في إعدام ظرفها الموضوعيوهو السرية.

الخامسة: عدم الذهاب إلى الفراش إلا لنعاس:

لا يخفى مدى الصلة بين الفراش والحياة الجنسية، فتتأكد

ص: 115

الرغبة لدى المعتاد على هذه العادة حينما يكون ملقى على فراشه، ولذا فالأجدر عدم الايواء إلى الفراش إلا عند الشعور بالنعاس والحاجة الملحة للنوم، واذا استيقظ الفرد في الصباح فالمفروض ان ينهض سريعاً مغادراً لفراشه ويتجنب البقاء متقلباً فيه.

السادسة: ممارسة الرياضة:

الملاحظ على أصحاب العادة السرية انهم أناس كسالى انزوائيين عن مسرح الحياة، عضلاتهم خامدة، وعليه فلا بد للشباب عموماً، والمبتلين بهذه العادة خصوصاً ان يهتموا بتربية أبدانهم، والسعي لطلب القوة والنشاط، بممارسة بعض الاعمال كترميم البيت، أو تعمير البستان أو ممارسة الركض والسباقات الأخرى أو لعبة كرة القدم، اذا كانت بشكل معقول لا يتعارض مع أوقات العبادة، ومع عدم الذوبان فيها إلى درجة الخضوع لهاكمعبود كما نشاهد ذلك عند البعض للأسف.

السابعة: هجر أصدقاء السوء:

انه من الضحالة بمكان أن يعيش الفرد مع طائفة من الشباب منحرفة عن جادة الصواب، فان هذه الطائفة لن تذكره إلا بما فيه غضب الله وحلول سخطه، ولن تعلمه إلا ما يسيء عاقبته، ولن تلقنه إلا السوء والضلال، ولا تلفت انتباهه إلا إلى الأفعال الشاذة والأعمال المنحرفة، بخلاف الصديق المؤمن فان معاشرته تكون باتجاه مرضي لله ونافع للفرد في نفس الوقت.

ص: 116

الشيخ: أحسنت يا دكتور، سأقرأ لكم مقاطع من دعاء الامام زين العابدين (عليه السلام) المعروف بدعاء ابي حمزة الثمالي: (مالي كُلَّما قُلْتُ قَدْ صَلَحَتْ سَريرَتي، وَقَرُبَ مِنْ مَجالِسِ التَّوّابينَ مَجْلِسي، عَرَضَتْ لي بَلِيَّةٌ اَزالَتْ قَدَمي، وَحالَتْ بَيْني وَبَيْنَ خِدْمَتِكَ سَيِّدي لَعَلَّكَ عَنْ بابِكَ طَرَدْتَني، وَعَنْ خِدْمَتِكَ نَحَّيْتَني اَوْ لَعَلَّكَ رَاَيْتَني مُسْتَخِفّاً بِحَقِّكَ فَاَقْصَيْتَني، اَوْ لَعَلَّكَ رَاَيْتَني مُعْرِضاً عَنْكَ فَقَلَيْتَني، اَوْ لَعَلَّكَ وَجَدْتَني في مَقامِ الْكاذِبينَ فَرَفَضْتَني، اَوْ لَعَلَّكَ رَاَيْتَني غَيْرَ شاكِر لِنَعْمائِكَفَحَرَمْتَني، اَوْ لَعَلَّكَ فَقَدْتَني مِنْ مَجالِسِ الْعُلَماءِ فَخَذَلْتَني، اَوْ لَعَلَّكَ رَاَيْتَني فِى الْغافِلينَ فَمِنْ رَحْمَتِكَ آيَسْتَني، اَوْ لَعَلَّكَ رَاَيْتَني آلفَ مَجالِسِ الْبَطّالينَ فَبَيْني وَبَيْنَهُمْ خَلَّيْتَني).

الدكتور: جميل جداً يا شيخ.

الثامنة: الاعتناء بالغذاء والاهتمام بالصحة:

لان المستنقع الذي تألفه هذه العادة وتعشعش وتنمو فيه هو الأبدان الضعيفة والنفوس الخائرة، المنكسرة، المتعبة، ولما كان الملاحظ شيوع هذه العادة في مثل هذه الاجسام، تعين اذاً بناء أبدان سليمة وأجسام صحيحة ونفوس قوية.

التاسعة: تلقين النفس واستلهام القناعة:

على الفرد المبتلي بهذه الظاهرة أن يلهم نفسه القناعة بأنه قادر على ترك هذه العادة بسهولة، وان ارادته ما زالت أقوى من

ص: 117

هذه العادة، ان مثل هذا التلقين للنفس وتحريك الارادة فيها عاملاً مهماً في سعي الانسان المستمر إلى المرحلة الأخيرة والوصول إلى الشوط النهائي وعدم اكتراثه بالممارسات الفاشلةسابقاً.

يقول الدكتور الفرنسي فيكتور بوشه:

(يجب ان يستمروا على التلقين بالشكل التالي، يجب ان يركزوا فكرهم ويرددوا الجملة التالية، في كل يوم وفي كل محل هادئ، وفي الوقت الذي لا يكون فكرهم مشغولاً بشيء (انا أستطيع أن أترك هذه العادة بسهولة انا استطيع)...)(1).

الشيخ: أحسنت يا دكتور، أود ان اذكر النقطة العاشرة.

الدكتور: تفضل يا شيخ افدنا مأجوراً.

الشيخ:

العاشرة: تقوية الصلة بالله سبحانه وتعالى.

ان اهم الأسباب التي اوقعت الشباب في مصيدة وشباك هذه العادة، هو الابتعاد عن الله سبحانه وتعالى، وعدم الشعور بوجود الله ومراقبته لنا في الصغيرة والكبيرة، فأنى للفرد الذي يستشعر وجود الله ووجود نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ورسالة الاسلام(القرآن) .. فأنى له ان يمارس هذه العادة المحرمة، والتي جاءت الروايات تترى في حرمتها، والمعاقبة عليها.

ص: 118


1- مشاكل الشباب الجنسية للشيخ مكارم ص105.

إذاً الرجوع إلى الله، والالتزام بالعبادة من صلاة، ومواظبة على قراءة القرآن والاكثار من الأدعية والمناجاة التي خلفها لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمعصومون (عليهم السلام)، وزيارة المراقد المقدسة في ليالي الجمعة ويومها ... فكل هذه الأمور تقوي الرابطة مع الله وتضعف العلاقة مع هذه العادة الشنيعة.

الدكتور: أحسنت يا شيخ، فان الانسان مفطور على الارتباط الديني والايمان بالخالق العظيم، وانفصام هذه الرابطة سبب للكثير من الامراض النفسية، يقول ويليام جيمس: (ان اشد العقاقير تأثيراً في رفع القلق هو الايمان بالله والاعتقاد الديني).

يقول الدكتور كارل اشهر الأطباء النفسانيين: (لقد راجعني في طي الثلاثين عاماً الأخيرة أُناسٌ من جميع الدول المتمدنة في العالم، وقد عالجت مئات المرضى، ولم يوجد الدين بين جميع هؤلاءالمرضى، وكان المنجى والمخلص في النصف الثاني من حياتهم (بعد الخامسة والثلاثين من عمرهم) هو العثور على العقيدة الدينية في نهاية الأمر - أي المشكلة في هؤلاء نابعة من خلو حياتهم من الدين- ولذا استطيع القول بكل تأكيد ان كلاً منهم كان قد تمرض لفقدانه ما تهبه الأديان الحية لأتباعها، وان الذين لم يسترجعوا عقائدهم الدينية لم يوفقوا للعلاج أصلاً).

الشيخ: وهذا القرآن يخبرنا بذلك: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ

ص: 119

ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).

فاهم: أحسنتما .. أحسنتما ؟ هل بقي شيء يا دكتور فيما يخص طرق علاج هذه العادة ؟

الدكتور: نعم، فقد وصل الحديث إلى أهم طرق العلاج.

العلاج الأخير: الزواج في أقرب فرصة متاحة.

فان الزواج طريق حصين لعدم انزلاق الفرد في الموارد الجنسية المحرمة فعند حوضه النقي يرتشف الفرد ما يطفأ لهيب شهوته المحتدمة، ويسكن من شبقه، ويرتوي لضمأه، ولا بد لنا أننتخلى عن رسوم الزواج المتعارفة، والتي تقع في طريق الزواج وتحول دون بناء العش الهانئ السعيد ... فإننا متى ما تركنا تشريعات العرف والتي تكون عادة صعبة المنال لدى الشباب، فان أمر الزواج يكون هيناً ويسيراً ونكون قد قطعنا شوطاً كبيراً في معالجة هذه الحالة لان باعثها هو الحاجة الجنسية، وهذه الحاجة يحصل عليها الفرد في مخدع الزوجية بيسر وسهولة وفي حالة نفسية مستقرة واطمئنان قلبي كبير.

شهيد: اذاً تنصح يا دكتور بالزواج المبكر.

الدكتور: طبعاً .. طبعاً، وهذا هو رأي الشرع أيضاً .. ماذا تقول يا شيخ ؟

الشيخ: نعم، فقد سئل أحد المراجع، في طيات كلام كان يدور حول الزواج: ان سن العشرين مبكر بالنسبة لمشروع الزواج،

ص: 120

فتعجب المرجع قائلاً: كلا ... بل ان سن العشرين لكثير.

وقد روي عن الامام الصادق (عليه السلام) انه قال: (ان أمير المؤمنين (عليه السلام) أتى برجل عبث بذكره فضرب يده حتى احمرت،ثم زوجه من بيت المال)(1).

شهيد: ولكن ما الفرق بين انزال المني عن طريق الجماع مع الزوجة وبين هذه العادة، اذا غضضنا النظر عن التشريع الالهي الحكيم ؟

الدكتور: هناك جملة من الفروق هي:

أولاً: ان الجماع يتكون من طرفين وسوف لن يكون الطرف الآخر - الزوجة- في كل وقت مستجيباً للجماع بسبب أيام الدورة الشهرية، وفترات الحمل الأخيرة والولادة ومرض الزوجة ونحوها، اما العادة السرية فهي أحادية الطرف، فالفرد يخلو بنفسه ويمكنه ان يفعل عدة مرات وفي كل آن بلا انقطاع، وفي هذا ما فيه من إِراقة مادة الحياة وتبذير قوى الفرد خارج حريم الانسانية النبيلة.

ثانياً: ان سد رمق الشهوة عن طريق الاتصال الجنسي في مخدع الزوجية يوفر للفرد حالة الارتواء الكامل، أما العادة السرية فهي لا تجعله في حالةإشباع وارتواء تامين كما قد يظن بعض

ص: 121


1- الاستبصار للشيخ الطوسي، ج3 ص 266، نقلاً عن كتاب العادة السرية.

من يمارسها، بل على العكس، فان هذه الحالة المزعجة - الاستمناء- تجعله في عطش لاحب، وتتأصل هذه العادة وتتجذر اكثر كلما تمادى في ممارستها، حتى يكون قتيل يده وصريع نفسه والميت حتف جنسه !

ثالثاً: الشعور النفسي لدى الفرد وهو يجامع زوجته شعور نقي .. نظيف .. طاهر. لان بذور هذه الممارسة الجنسية بذور سماوية الهية أودعها الله في الفرد، بل وحث عليها، فلا يرى الفرد نفسه في قفص الاتهام والندامة، بل يشعر انه يمارس التشريع السماوي ويقيم سنة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) (التزويج سنتي فمن رغب عنه فليس مني).

اما العادة السرية فأنها تترك صاحبها في حالة سوداوية يلعن فيها نصيبه، ويذم حظه، يقول أحد أولئك المدمنين على هذه العادة (فعند النزوة تسلب ارادتي وبعد الفراغ والصحوة لا املك غير البكاء)(1).رابعاً: الرغبة إلى الجماع رغبة تماشي الفطرة وتحاكي السليقة وتدعو إلى بناء الأسر المتينة وتأليف المجتمع المتماسك من خلال التناسل الصحيح الذي يماشي أوامر الله، فعن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): (تناكحوا، تناسلوا فاني مباهي بكم الأمم).

ص: 122


1- مشاكل الشباب الجنسية ص76.

بينما يشعر الجميع بالوجدان دونية العادة السرية وانحطاط مرتكبها ودناءة فاعلها، وهي حالة بعيدة عن الذوق الانساني المتسامي لا تجد هواتها إلا اراذل الناس بادي الرأي ولو اتجهت المجتمعات نحوها للزم انهيار النوع الانساني وانقطاع النسل وصيرورة الافراد في مصاف الكلاب والقردة والخنازير، نعوذ بالله.

خامساً: لم يقل قائل يوماً ما بان الزواج يسبب واحدة من الاعراض والمشاكل والمساوئ والأضرار التي تناولناها في هذه الحوارية، بينما سمعنا، المصائب والويلات التي تخلفها هذه العادة لدى ممارسيها.

لقد شعر فاهم ومن معه بانفصال سعيد وركونه على هامش الحوارية حتى صار لا يهمس بحرف قد اعار اذنيه لأفواه الجالسينيسمع ولا ينبس ببنت شفة فاراد فاهم ان يعيده إلى حلبة النقاش فبادر قائلاً:

ها .. يا سعيد نراك اعتزلت القوم وما يعملون، ما رأيك بهذه الحوارية ؟ نرجو ان تكون قد أحطت بالشيء الكثير والنافع حول هذه العادة.

سعيد، يتكلم بحرارة وصدق: الحمد لله الذي اكرمني بمعرفتكم، ومن علي بلقائكم وظلل علي غمام رحمته، وعلمني مما علمتم رشداً.

ص: 123

تعجب شهيد وهو يسمع كلمات أخيه سعيد، فان نبرات صوته تحمل مشاعر صادقة، والكلمات التي اطلقها تحمل في حروفها عطر الحكمة، فكان شهيد يحدث نفسه: لله درك يا سعيد، أنّى لك هذا، فعلى سعة مطالعاتي لا يمكنني ان اسبك مثل هذا الكلام الرائع الجميل.

الشيخ: الحمد لله، انك تستحق الكثير يا سعيد.

سعيد أشكرك كثيراً يا شيخ، ولكن فيما يخص الزواج أقول: بان التزويج في سن مبكرة يعيق الدراسة يا اخوان.

فاهم: ان الاحتجاج بالدراسةهو رابع الاثافي(1)،

فغالباً ما يتذرع الشباب بهذه الامور:

1- الانشغال بالدراسة.

2- التكاليف الباهضة للزواج.

3- انتشار مصادر ارواء الغريزة في كل مكان ومجاناً.

4- عدم العثور على فتاة الاحلام، وكأن الكوكب يخلو من فتاة صالحة للاقتران.

وبالمناسبة، ففيما يخص مسألة الدراسة، قرأت اقتراحاً جميلاً في كتاب (مشاكل الشباب الجنسية) للشيخ ناصر مكارم، يقول فيه: حبذا لو اختار الطالب فتاة بمشاورة الأهل والاصدقاء

ص: 124


1- الأثافي: مفردها أثفية، وهي ما يستند عليه القدر.

المخلصين، فيخطبها ويقوم باجراء مراسيم العقد الشرعي والقانوني، بدون اجراء لمراسيم الزفاف، ثم بعد التخرج يمكنهما الاقتران السعيد.

سعيد: وما فائدة هذا الزواج المجمد يا فاهم !

ابتسم فاهم وهو يستمع لكلمة الزواج المجمد، ثم راح يوضح الأبعاد المهمة لهذا الاقتراح.

فاهم: ان ما يحتاجه الانسانمن الجنس الآخر ليس هو العملية الجنسية فقط كما يتصوره اتباع الشهوات الحيوانية، بل قد لا يفكر الفرد بالشهوة وحاجة الجنس بقدر شعوره بالسكن والمودة والألفة الناشئة من الاقتران بالجنس الآخر، مع ما تيسره له هذه العلاقة من الاستمتاعات الأخرى والفوائد الملموسة.

شهيد: وما هي هذه الفوائد يا فاهم ؟

فاهم:

أولاً: يبعث في نفس هذين الزوجين الرغبة والأمل والسرور وهما يشعران بانهما قطعا شوطاً مهما في المراحل الأولى لبناء العش السعيد.

ثانياً: وجود العقد الشرعي المبرم بين الطرفين يعد حصانة جيدة إلى حد ما، تدفع عن أهلها الانحرافات الاخلاقية.

ثالثاً: يبعث فيهما روح المسؤولية ويلهب فيهما الجد الدائم والنشاط المستمر والحماس الدؤوب.

ص: 125

رابعاً: تعيين شريكة الحياة في زمن مبكر نسبياً.

فهذه الطريقة افضل بطبيعة الحال من انتظار انتهاءالدراسة، ثم التخرج، والحصول على فرصة عمل مثمر، حتى يصل سن أحدنا الخامسة والثلاثين وهو ما زال لم يعين شريكة الحياة !

سعيد: ان الانفجار السكاني الذي يشهده العالم لا يسمح ولا يشجع على الزواج، ولذا نجد بعض البلدان تحدد الإنجاب بطفل أو طفلين كما في الصين.

فاهم: ليس المشكلة التي نناقشها منحصرة بمسألة النسل والتكاثر البشري، فان العالم من هذه الناحية في نمو كبير، ولكن إحدى أهم الأمور التي يسببها ترك الزواج هو خلق أناس اتكاليين وهامشيين في معترك الحياة، كسالى، لا يتمتعون بالحيوية، ضعفاء عن إدارة حياتهم الشخصية، أماتوا الهمة والنبوغ في ريعان شبابهم.

سعيد: هل تعني ان الزواج يحرك الطاقة في نفوس المتزوجين ؟

فاهم: نعم، بكل تأكيد يا سعيد، فان الأفراد المتزوجين تجدهم بعد اشهر معدودة من بناء العش الزوجي يعملون بجد ونشاط وحيوية في ادامة الرباط الزوجي المقدس، وحماية المأوى الذهبيمن أن تناله يد التحطيم، فهم لا يتوانون لحظة واحدة في العمل الدؤوب من اجل استمرارية الأسرة فتراهم في

ص: 126

قوة وجدية ونشاط، ولعل هذا الامر يكشف لنا مطاوي الحديث الشريف: (اتخذوا الأهل فانه ارزق لكم) لان الزوجة تلهم في شخص الزوج الرجولة والمسؤولية التي تدفعه لان يستثمر كل طاقاته الدفينة التي وهبها له الله تبارك وتعالى.

سعيد: ما تقوله صحيح، ولكن البعض يقول: ان الزواج يضيف عبئاً ثقيلاً على كاهل الرجل وهذا واضح من خلال تنصل الكثير من الشباب عن الزواج، فأين البركات التي ذكرتها والتي هي من افرازات الرباط الزوجي ؟

فاهم: هذه النظرة الموجودة لدى بعض ابناء المجتمع نظرة سطحية وسقيمة تدل على التحجر العقائدي والالتقاط الفكري من الغرب الكافر، وإلا فان مسألة الأعراض عن الزواج في حقيقتها تستبطن الانانية واللا أبالية، وعدم الشعور بالمسؤولية، وحب الدعة والراحة والكسل والرقود، فاي عبء يزعمونه إذا كان الله هو المتكفل برزق الجميع (نَحْنُنَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) ومن هنا قالوا بان الرزق توأم الزوجة لأنهما يأتيان سوية ومقترنيين إلى بيت الزوجية.

سعيد: فما هو رأيك بما نعرفه عن أفراد استطاعوا أن يهزوا العالم باسره مع انهم لم يقترنوا يوما بزوجة.

فاهم: نعم صحيح .. لكنهم لم يهزوا العالم لأنهم بلا زوجة، وما يدريك انهم لو كانوا متزوجين لكان عطاءهم أكثر نضجاً

ص: 127

وجودة ووعياً، ولو سألتهم عن شيء لم يفعلوه في حياتهم وودوا لو فعلوه لأجابوك بلا تردد: الزواج، ومع ذلك فأننا نتكلم عن الحالة العامة لا قليل من الأفذاذ امتلكوا ارادات صلبة ونفوساً قوية.

ثم ان هؤلاء المعرضين لم يحدثونا يوماً انهم اعرضوا عن الزواج لانهم يريدون ان يغيروا ملامح وجه الحياة نحو الكمال والاصلح لكي نتماشى معهم في افكارهم ونبرر اعراضهم ونستميحهم عذراً.

الشيخ: ان الافراد المتزوجين في حالة استقرار تماماً كأصحاب المدن فان المكث الطويل فيبلادهم يبعث بهم نحو إصلاح مساكنهم وتعمير الأرض التي هم فيها، والإبداع الدائم لتحصيل الرفاهية في العيش (واستعمركم فيها) .. بخلاف الصنف الثاني التارك لهذه السنة المباركة (الزواج) فانهم كالبدو الرحل لا يقر لهم قرار فلا يألوا اهتماماً بالبيئة التي يسكنوها ما داموا في رحيل مستمر فتراهم (غير المتزوجين) لا دافع لهم في العيش سوى إشباع غريزة النوم والأكل والشرب والغريزة الجنسية بطرقها الملتوية المنحرفة كالعادة السرية.

سعيد: ولكن الصراحة تقال: إننا مازلنا في مرحلة الصفر، لم نعد شيئاً للزواج، ولم يترك لنا الأهلون شيئاً نقيم به بناء الحياة الزوجية، ذات التكاليف الباهضة، ان شروط الزواج اليوم في غاية

ص: 128

الصعوبة والمجتمع لن يتنازل عنها، فماذا نفعل ؟

فاهم: أقول لك ما قاله أحد العلماء: (الحياة قسمان لا أكثر، ينقضي القسم الأول في حلم القسم الثاني، وينقضي القسم الثاني حسرة على القسم الأول).

سعيد: لا أفهم ما تقول !فاهم: يريد ان يقول هذا العالم، بإن الفرد يهدر سني الشباب في أحلام خيالية طالباً الماء في ثنايا السراب، لانه ينتظر تحسن الدخل المعاشي، والاستقلال في السكن، وبناء العش الفخم، وهذه الفترة هي فترة الحيرة والتردد، وهي فترة القسم الأول. وبعد أن يصل إلى خيبة الأمل، يسعى حينئذ إلى الزواج بعد كلل وملل طويل، وهنا ينظر بعين الحسرة والألم على ما فرط في الايام الخالية، وهذه الفترة هي فترة الحسرة والندامة وهي القسم الثاني، اذاً التفكير غير المدروس لتحصيل السعادة الخيالية وأحلام الرفاهية، هو الذي ضيع فرصة الحياة الزوجية المبكرة، والرفاهية الواقعية.

الشيخ: ها نحن في الحوزات العلمية، تجد أحدنا إلى جانب الحياة الصعبة والانشداد إلى تحصيل العلم، إلا أننا لا نقصر في قضية الزواج، فترى طلبة العلم عادة يبدءون الحياة من الصفر، وهذه حقيقة مهمة، فان افراداً قليلين هم الذين وجدوا الحياة مهيأة الظروف بالنسبة للزواج، والا فان الغالبية هم الذين لم تتهيأ لهم

ص: 129

الظروف مائة بالمائة، ومع ذلك فهل نُعطل الحياة الزوجية ونقتصر على المتمكنين فقط ؟

الدكتور: بماذا تنصح شهيد وسعيد يا شيخ ؟

الشيخ، ملتفتاً إلى شهيد وسعيد: اني اطلب منكما ان تفكرا من هذه اللحظة في مشروع الزواج، لكي تقرا عيني أمكما، وتعيدا البهجة والسرور لقلبها المنكسر ... ولان الأرض تشتكي من بول العّزاب مع الاعتذار.

ضحك الجميع لقول الشيخ هذا ولأول مرة شوهد سعيد مبتسماً طيلة الحوارية هذه.

الدكتور: ها .. ماذا تقولان ؟

شهيد: لا ادري ماذا نقول.

فاهم: سمعت من أحد العلماء(1)

في الحوزة العلمية الشريفة انه اقترح عدة حلول لتيسير الزواج حيث يعرض الشخص تزويج أخواته على المؤمنين الاكفاء، وهم يعرضون عليه أخواتهم المؤمنات، فيتزوج الجميع ولا يبقى أحد معطلاً، السنا نسمع: (اخطب لبنتك كما تخطب لابنك)، وقد تمت حالاتزواج عديدة مباركة ميمونة بهذا الشكل وأنا مستعد لان أكلم أختّي (رباب ورحاب) في موضوع الزواج منكما إن لم يكن لديكما ممانعة في ذلك.

ص: 130


1- هو سماحة الشيخ المرجع محمد اليعقوبي (دام ظله).

الشيخ والدكتور: بارك الله فيك، هذا من طيب اخلاقك، وصدق التزامك.

كانت الام قريبة من باب الصالة، وقد وصلت إلى مسامعها هذه الكلمات، فلم تتمالك نفسها من الفرح حتى ارسلت دموعها - دموع الفرح هذه المرة - على وجنتيها.

شهيد: سأعرض الأمر على والدتي.

وهنا تبادر الأم من خلف الباب: الرأي رأيكما، يسرني ذلك كثيراً.

الشيخ: الحمد لله.

اخذ الجميع يضحكون حتى رن جرس الهاتف، فرفع شهيد السماعة وأخذ يتكلم بصوت عالٍ:

ألو .. من ؟ هل انا في حلم ؟! حبيبتي آمنة اين انت يا اختي اننا مشتاقون اليك.

آمنة: سنأتي لزيارتكم غداً انا وزوجي خالد، بلغ امي وسعيداًبذلك.

شهيد: ماذا تقولين، لا أصدق ! .. وكيف وافق خالد على ذلك مع انه كان يرفض باستمرار.

آمنة: الفضل يعود إلى صديقك فاهم، لقد زارنا وأقنعه بذلك.

ص: 131

شهيد: ما اطيبك يا فاهم ! نحن بانتظاركم اذاً .. مع السلامة.

وضع شهيد السماعة في موضعها وعاد نحو فاهم الذي قام معانقاً لشهيد بشدة ... ورفع الجميع اكفهم بالدعاء إلى الله يسألونه دوام المودة والايمان.

لم تكد الأم تصدق نفسها وهي تسمع هذه البشرى السعيدة - زيارة آمنة لهم غداً - لقد أحست الأم بان البيت تحول إلى جنان الخلد تغمره الأنوار من كل صوب .. إنها تكلم صورة زوجها: رحمك الله يا جابر لقد ربيت هؤلاء الفتية (الشيخ والدكتور وفاهم) خير تربية ... وها هم يردون الجميل لولديك شهيد وسعيد فلك الحمد يا رب العالمين.

النجف الاشرف

مساء السبت 5 شعبان1422 ه

12 / 10 / 2002 م

ص: 132

ملحق القصة : حوارية مع سماحة المرجع الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله)ملحق القصة

ص: 133

ص: 134

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الخلق محمد واله الطيبين الطاهرين

سماحة حجة الاسلام والمسلمين الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله)

هناك بعض المشاكل التي تواجه شبابنا المؤمن ومنها مشكلة (العادة السرية) فاستصرخناكم عسى الله ان ينقذنا من النار بكم.

س1 : ما هي العادة السرية باصطلاح الفقهاء ؟ وهل تقتصر على نكاح اليد فقط ؟

بسمه تعالى: نقصد بها - عند الرجال - انزال المني بطريقة غير شرعية، والشخص بصير بنفسه، فيعلم ان هذه الحالة شرعية وهذه لا. ولا تقتصر على الخضخضة باليد، وان كان يظهر من بعض الفقهاء عدم فهم هذه السعة، إلا ان الآية (فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ) مع بعض ما يأتي من الكلام يمكن أن يكون دليلاً على التعميم ويجب الالتفات إلى ان الآية تحرم سائر التصرفات الجنسية خارج الاطار الشرعي سواء للرجال أو النساء.

س2 : شخص له القدرة على الاسترخاء والانزال وذلك بتشنج الاعصاب وتقلص العضلات لفترة من الزمن فيحدث

ص: 135

الانزال بشهوة ودفق ماء غليظ من خلال هذه الحالة، فما حكم العملية المزبورة ؟ وما حكم الماء النازل ؟ وهل تعتبر هذه الحالة نوع من أنواع العادة السرية ؟

بسمه تعالى: هي عملية العادة السرية، لكنها ليست باليد لوضوح انه قاصد إنزال المني ومتعمد للفعل وإذا أردت أن تعرف حكمها، فانظر هل تستحي أن يعرف عنك هذا الفعل أم لاترى بذلك بأساً ؟ فالأول ممنوع والثاني لا، وبتعبير من المعصومين (عليهم السلام): (لا تفعل في السر ما تخشى ظهوره في العلانية) أعطيك معياراً آخر، مستفاد من المعصومين (عليهم السلام) إذا أردت أن تعرف حكم هذا الفعل، فانظر إذا قسمت الأفعال إلى قسمين: حق وباطل ففي أي قسم يكون هذا الفعل ؟ .. ولا تخادع نفسك.

س3 : ما علة تحريم الاستمناء ؟

بسمه تعالى: ليس من حقنا أن نناقش الشريعة، بل نطبقها بالرضا والتسليم ما دمنامسلمين، قال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) وقال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) نعم، قد يكون من المستحسن أن نسعى لفهم فلسفة الأحكام الشرعية والحكمة في تشريعها ولكن يجب التسليم والطاعة أولاً

ص: 136

وقبل كل شيء سواء توصلنا إلى نتيجة مرضية ام لا، وليس العكس بان تتوقف طاعتنا وتطبيق الحكم الشرعي على قناعتنا الزائفة التي تتغير وتتأثر بالأهواء والنزعات، فهذا من تحكيم عقولنا وأهواءنا وعواطفنا في شريعة الله الحكيم، العليم، المحيط بكل شيء علماً، وهذه من مشاكل بعض من يسمون أنفسهم مثقفين، وأضرب لك مثالاً من القوانين الوضعية، فلا أحد يناقش لماذا اذا كانت الاشارة المرورية حمراء يجب التوقف ؟

لا يناقش لماذا يفرض القانون العقوبة الكذائية على الفعل الفلاني ما دام ابن ذلك البلد وخاضعاً لقوانينه، وهكذا الاسلامفما دام الفرد منتسباً له فلا يناقش في أحكامه، وإلا فليكن واضحاً، وليخرج عن الاسلام قبحه الله، وهذه فكرة مهمة أحببت إيصالها بهذه المناسبة.

س4 : هل يجوز استمناء الزوج بيد زوجته ؟ وما الفرق بينه وبين الامناء بدون الزوجة ؟

بسمه تعالى: لا بأس بان تمارس الزوجة لزوجها عملية الخضخضة، أو أي فعل آخر لانزال المني، لجواز كل الاستمتاعات الجنسية بين الزوجين والفرق بينهما هو الفرق بين الحلال والحرام.

س5 : ما حكم هذه العملية، أن يستلقي الفرد على وجهه وبطنه عند نومه (نوم الشيطان) بحيث يداعب قضيبه الأرض

ص: 137

فيحدث الانزال بدفق وشهوة وفتور ؟

بسمه تعالى: هي من أشكال العادة السرية لانطباق التعريف السابق عليها.

س6 : على فرض بسط وإفشاء الحكم الإسلامي بين الناس، فما حكم المستمني ؟ وإذا لم يكن الحاكم الشرعي مبسوط اليد، فماذا يعمل المستمني مع نفسه بعد التوبة ؟

بسمه تعالى: على المستمنيالتعزير بمعنى جلده عدد من الأسواط يكفي لردعه ويناقش في اسباب لجوئه إلى العادة السرية، فان كانت حاجته إلى الزواج زوجه الحاكم الشرعي من بيت المال، واما التوبة الصادقة فتكون بالإقلاع عن هذا الفعل وعقد العزم على عدم العودة اليه، وتجنب المثيرات الجنسية، كأماكن الاختلاط واستماع الأغاني ومشاهدة المسلسلات وغيرها.

س7 : شخص متزوج، شهوته متغلبة عليه، وزوجته ذات شهوة ضعيفة (تتصف بالبرود الجنسي)، فبدأ هذا الزوج ممارسة العادة السرية بين الحين والآخر، فما حكمه ؟

بسمه تعالى: لتمارس الزوجة له العادة السرية بيدها، فانه من الاستمتاعات الجنسية المسموحة، وليس من حق الزوجة ان تمتنع عن أي استمتاع جنسي يريده الرجل منها إلا في حالات الضرر والحرج، وعلى أي حال فان الزوجة العفيفة تستطيع تصريف

ص: 138

شهوة زوجها بما لا يضر بحالها.

س8 : طلب طبيب عينة من نطفة مريض غير متزوج، لغرض اجراء الفحوصات الطبية، فهل يجوز لهذاالمريض ممارسة الاستمناء ؟

بسمه تعالى: اذا تطلب ضرورة العلاج ذلك فلا بأس بالفعل بمقدار الضرورة.

س9 : الآية من سورة (المؤمنون) تقول: (فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ)، هل هذه الآية تشمل عملية الامناء ؟ فقد يقال بان هذه الآية جاءت في سياق ذكر الزواج، فهي تتعرض لعملية الزنا، فما هو رأيكم ؟

بسمه تعالى: الآية شاملة لكل ما وراء العمليات الشرعية، أي التي اذن بها الشارع أو رخص فيها، ونزول الآية في مورد لا يخصصها لذلك المورد ما دامت الآية عامة في نفسها وهذا من معاني خلود القرآن، ولو قصرنا كل آية على مورد معين لانتهى مفعول القرآن الكريم بانتهاء مناسبات نزوله، وهذا خطأ فادح.

س10 : يقول البعض ان الاضرار النفسية والعضوية للعادة السرية غير ثابتة كما جاء في أحد الكتب الطبية، فما رأيكم ؟

بسمه تعالى: يكون الجواب ضمن عدة نقاط:

الأولى: قال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)

ص: 139

وكثير من المؤلفين في هذه الحقول العلمية غير ملتزمين دينياً فلا يؤتمنون في مثل هذه المجالات التي لها دخل في الاخلاق والشريعة والاجتماع خصوصاً وان كثيراً منهم متأثرون بالمدارس الغربية في علمي النفس والاجتماع ومنبهرون ومقلدون لها بحيث ان عندهم الاستعداد الكافي لمخالفة الشريعة من اجل دعم تلك المدارس.

الثانية: ان الطب من العلوم التجريبية وتتضارب فيه الآراء كثيراً وقد نقل لي أحد الأطباء المختصين ان ثلاثة عشر الف رسالة طبية تنشر يومياً عبر شبكة الانترنت تتضارب فيها الآراء والنتائج ولا يثبت منها شيء إلا بعد تدقيق وتمحيص طويلين ومحل الشاهد ان أي رأي طبي ومنه أضرار الاستمناء المتعددة يمكن ان يوجد من يعارضه وان كان ثابتاً بدرجة معتد بها.

الثالثة: ان حرمة الاستمناء بعد ان ثبتت بالشريعة ودلت عليها النصوص فلا يؤثر فيها وصولالعقل البشري إلى علة ذلك الحكم والمصلحة فيه أو عدم وصوله فان الايمان والتسليم بالشريعة مطلق (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ...) وان كنا نعتقد ان وراء كل حكم شرعي مصلحة واقعية هي ملاك الحكم وعلته.

س11 : قد يمر الشباب بموقف مهيج للشهوة الجنسية بحيث يكون من الحرج الشديد عليه عدم التنفيس عن شهوته بالاستمناء لعدم وجود زوجة عنده، فما حكمه ؟

ص: 140

بسمه تعالى: صحيح ان التكاليف الشرعية تسقط في حالات الحرج والضيق النفسي الشديد لقوله تعالى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) وفي حالات الضرر لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا ضرر ولا ضرار)، وحالات عدم القدرة لقوله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا) إلا ان ذلك لا يعفيه من المسؤولية والعقاب اذا كان ذلك الموقف قد حصل بسوء اختياره وإرادته، أي انه هو الذي أوقع نفسه في ذلك الحرج بمشاهدته لفلم جنسي أو صورة خليعة أو تواجد في مكان اختلاط فاحش لان المعروف عن الشهوةالجنسية انها لا تثار إلا بمؤثرات خارجية ومهيجات وليست هي كشهوة الطعام المنبعثة من داخل الانسان لحاجة الجسم إلى الغذاء والطاقة، لذا اشتهرت كلمة عند العلماء: (ان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار)، أي ان تعذر امتثال الحكم الشرعي وامتناعه لعسر أو ضرر ما دام قد حصل باختيار الفرد فان هذا الامتناع لا ينافي نسبة الفعل إلى الفاعل لانه كان بارادته واختياره.

س12 : سماحة الشيخ المفدى بماذا تنصحون الشباب الجامح الذي يرتكب هذه العملية ؟

بسمه تعالى: انا لا اتفق معك في اساءة وصف هؤلاء الشباب، فانهم طيبون وقريبون إلى الايمان، ولو كانوا سيئين لارتكبوا الفواحش علناً ولتجاهروا بها بدلاً من جعلها سرية،

ص: 141

فنفس شعورهم بان فعلهم هذا خطأ يجب التستر عليه يعتبر خطوة نحو الاصلاح والارتداع عن المنكر ولا يقع اللوم كله عليهم فبعضه يقع على أولياء أمورهم الذين لم يربوهم التربية الصحيحة ويثقفوهم الثقافة الدينية الاخلاقية، وبعض اللوم يقع علىوسائل الافساد واشاعة الفاحشة التي تملأ سمعه وبصره وعقله وقلبه ولا يجد مفراً منها، وبعض اللوم يقع على البيئة الفاسدة التي يعيش فيها حيث انتشر المنكر والانحراف والانحلال الخلقي في كل انحائها، بحيث اصبح الكثيرون لا يرون المنكر منكراً لتطبعهم عليه، ويقع بعضه على اصدقاء السوء الذين يزينون المعصية ويحسنونها بعين الشخص حتى يقع معهم في الهاوية فيتلذذون بسقوطه لان بقائه على الاستقامة والحياة النظيفة يكشف زيفهم ودناءتهم وخستهم، كل هذه العوامل تجتمع لتؤدي هذه النتائج السيئة، وأي علاج لابد أن يتناول جميع الاسباب، وقد قلت في (شكوى القرآن) إن الطبيب الحاذق هو من يشخص بدقة العلة الحقيقية وراء الاعراض المرضية التي هي معلولات لها، فيزيل العلة من اساسها وليس من الحكمة ان يعالج الأعراض ويترك العلة الاساسية لكن المؤمن الواعي المخلص الذي يستمد باستمرار العون والتسديد والعصمة من الله تعالى يقاوم كل هذه العلل ويقف بشموخ في وجهها حتى قال الحديث الشريف: (ان ايمان المؤمن أقوى من الجبل لان الجبل يستقل منه بالمعاول ولا

ص: 142

يستقل من ايمان المؤمن شيء) فهذا هو العلاج الرئيسي، ذكر الله تعالى دائماً، وخشيته، وتذكر عقوبته، والحياء منه، وتخيل ان الموت لو أتاك وأنت تمارس العادة السرية والموت يأتي فجأة فماذا سيكون حالك وانت تلقى الله على هذه الحال ؟ ومن الحلول المهمة ايضاً تجنب ما يثير الشهوة الجنسية في كل الاتجاهات من صحف ومجلات وأفلام ومسلسلات وغيرها ...، والاشتغال بمتطلبات الحياة كالكسب ولقاء الأخوة المؤمنين وقراءة الكتب والمجلات الهادفة والاستماع إلى نشرات الأخبار والبرامج المفيدة، وقد ناقشت هذا الامر في محاضرات وكتاب (الحوزة وقضايا الشباب) وقلت انهم يسمونها مشكلة جنسية وهي ليست مشكلة بل رحمة الهية (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) لكنهم حين عرضوها بصورتها الحيوانية فقط، وعملوا على استثارتها بكل وسيلة، ثم وضعوا العراقيل أمام الأسباب المشروعة لالتقاء الجنسينأصبحت مشكلة، وحولوها من نعمة إلى نقمة، أقول هذا الكلام باختصار راجياً من الله تعالى ان ينتفع به الصادقون، وان يوفر لي فرصة أخرى للحديث بشكل واسع عن هذه المشكلة.

الشيخ محمد اليعقوبي

ص: 143

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.