بطاقة تعريف: نبها، خضرمحمد
Nabha, Khidr Muhammad
عنوان واسم المؤلف: مُسنَدُ هِشام بن الحَکَم/ خضرمحمد نبها.
تفاصيل المنشور: مشهد: مجمع البحوث الإسلامية، 1434 ق.= 1392.
مواصفات المظهر: 240 ص.
ISBN 978-964-971-614-5
شابک : 80000 ریال
حالة الاستماع: فاپا
لسان : العربية.
ملاحظة: الببليوغرافيا مترجمة.
مشكلة : هشام بن حکم، - 190؟ق.
مشكلة : أحاديث الشيعة -- قرن 2ق.
أحاديث الشيعة -- قرن 2ق. -- مآخذ
علماء الشيعة
المعرف المضاف: مجمع البحوث الإسلامية
ترتيب الكونجرس: BP201/75 /ھ5 ن2 1392
تصنيف ديوي: 297/998
رقم الببليوغرافيا الوطنية: 3103558
المتبرع الدیجیتالي : جمعیة المساعدة إمام الزمان (عج) في اصفهان
المحّرر : خانم شهناز محققیان
ص: 1
مسند هشام بن الحكم
الدکتور خضر محمدنبها
ص: 2
مسند هشام بن الحكم
الدكتور خضر محمد نبها
مراجعه : علي البصري
الطبعة الأولى: 1434ق / 1392 ش
1000 نسخة - وزيري/ الثمن: 80000 ريال إيراني
الطباعة: مؤسسة الطبع والنشر التابعة للأستانة الرضوية المقدسة
مجمع البحوث الإسلامية، ص.ب 366-91735
هاتف و فاكس وحدة المبيعات في مجمع البحوث الإسلامية: 2230803
معارض بيع كتب مجمع البحوث الإسلامية، (مشهد) 2233923، (قم)7733029
شركة به نشر، (مشهد) الهاتف 7-8511136 ، الفاكس 8515560
info@islamic-rf.ir www.islamic-rf.ir
حقوق الطبع محفوظة للناشر
ص: 3
مما ينبغي أن يؤخذ بنظر الاعتبار عند تقييم أي نتاج هو عامل الزمان والمكان؛ فهما يلعبان دائماً دوراً أساسياً إذا اجتمعا أحياناً في بناء الشخصية المبدعة والرسالية والتاريخية، ويتركان لا محالة تأثيرهما المباشر وغير المباشر عليها و على نتاجاتها وإبداعاتها، و يساهمان كذلك في تفجير الطاقات وصقل المواهب وتفتح العوالم، وهذا يشمل كل شخصية و إن تنوعت اهتماماتها واختلفت هواياتها، فبصمات الزمان والمكان تُرى واضحة على شخصيات التاريخ وما جاءت به وقدمته للبشرية من أعمال.
فالبيئة بما تمثل من مكان تكون في بعض الأحيان حاضرة من حواضر العلم والمعرفة، و مركزاً من مراكز الإشعاع الفكري والحضاري، وكذا العصر كزمان، فقد يزخر في فترة من فتراته بمفكرين وفلاسفة وأدباء تنحني لهم البشرية إكراماً وتعظيماً، والعكس يصح إذا كانت البيئة قاحلة خالية من معالم
ص: 4
المعرفة وآثار التقدم والازدهار، والحال نفسها إذا بخل الزمان، فلم ينجب عباقرة ولا مفكرين.
وفي هذا المقام نريد أن نسلط الأضواء على شخصية كلامية، فلسفية، فقهية، وحديثية؛ قل نظيرها في التأريخ، وذاع صيتها في الآفاق، وممن حظيت ببركات المكان ولفتات الزمان، وهي شخصية هشام بن الحكم؛ المفكر الإسلامي، والكلامي البارع، والفيلسوف الفذ، والفقيه النخبة.
وإذا كانت الكوفة هي محل ولادته، وبغداد محلاً لاستقراره وممارسته للتجارة، فولادته ونشأته وترعرعه كان في حاضرتين من حواضر الإسلام ومهدين من مهاد العلم والمعرفة والأدب والفكر، و هذا مما لا يدع للشك مجالاً بأنه تأثر بهما وأخذ منهما، وإنها - أي البيئة - نحلته من علومها وفنونها و حضارتها، و بهذا فقد وطأت قدما هشام بن الحكم مكاناً وعاش في أرض قلما كانت نصيباً لغيره، وطالما حلم بها غيره و تمناها.
أما الزمان الذي تفتحت فيه عيناه كان هو الآخر من نوادر الدهور، وتقدير الأقدار، و ظاهرة لا تتكرر في كل الأعصار، فقد عاصر هشام بن الحكم إمامين من أئمة أهل البيت علیهم السلام فعاصر الإمام جعفر بن محمد الصادق علیه السلام سادس أئمة الهدى وحضر عنده وجلس إليه و طرح عليه وأخذ منه، ونقل عند في التوحيد والعقائد، والفقه والتفسير، والآداب الاجتماعية، ثم حالفه الحظ مرة أخرى فعاش معاصراً للإمام موسى بن جعفر الكاظم علیه السلام سابع أئمة أهل البيت علیهم السلام فأخذ بإرشاداته ومواعظه و نصائحه، وبمعاصرته هذه للإمامين
ص: 5
الصادق والكاظم علیهماالسلام شهادة على تحالف المكان و الزمان في صنع شخصيته العلمية البارزة، وتألق اسمه في سماء العلم والمعرفة.
ثم لا يخفى ما كانت تمثله فترة الإمام الصادق علیه السلام من مرحلة استثنائية في تأريخ الإسلام والأمة الإسلامية، فأبواب المناظرات والمكاتبات والردود كانت مفتوحة على مصراعيها، فضلاً عن رواج علم الكلام والفلسفة آنذاك، ونشوء المدارس الفكرية والكلامية والفلسفية، في عهده علیه السلام، ففي ظل هذه الأجواء العلمية ترعرعت هذه الشخصية الكلامية التي بلغ فيها رجال أهل العلم والمعرفة أربعة آلاف رجل كلهم يقول: حدثني جعفر بن محمد الصادق علیه السلام، وهذا عدد يدل بحد ذاته على سعة مدرسة الإمام علیه السلام لاستقطابها هذا العدد الهائل وتخرجه منها.
لقد لمس مجمع البحوث الإسلامية التابع للعتبة الرضوية المقدسة حاجة وأهمية في مسند هشام بن الحكم كواحد من المجاميع الحديثية المهمة، ووجد في شخصية هشام ذلك الكلامي والفيلسوف، والفقيه والروائي، والتلميذ لإمامين من أئمة أهل البيت علیهم السلام، لذا رأى أنه من المناسب أن يظهر هذا المسند وهو بهذا الاعتبار بكتاب مستقل ليكون تراثاً روائياً يحمل خصائص قلما حوته كتب الحديث. وإن مما زاد في عزم المجمع على هذا الإقدام هو ما وجده في هذا المسند من حسن تبويب، وجودة ترتيب، وانتقاء للموضوعات سليم، إضافة إلى ما يحمله من عوامل الاستقلالية والبقاء في ذاته
ص: 6
ولا يغيب عليك أيها القارئ الكريم والباحث المحترم من أن الكتاب كلما توفرت فيه كمالية الموضوع، وكان على درجة من الانسجام والطرح والتناول، ولم يكن منضوياً تحت عنوان كتاب آخر أو مجموعة أخرى؛ كان أجدر بالتقدير، وأولى بالتقديم، وأحظى بالاحترام، وأوفر حظاً من غيره بالرجوع إليه والاعتماد عليه ثم لا يخفى عليك عزيزي القارئ أن هذه الشخصية العلمية قد تناولها كتاب: المنحى الكلامي عند هشام بن الحكم وأثره في الفكر الإسلامي بجميع جوانبها وأحوالها، وطبعت من قبل مجمع البحوث الإسلامية أيضاً.
و هذا الكتاب «مسند هشام بن الحكم» هو واحد من الكتب التي توفر فيها ما يمكنها من أن تؤدي دورها المطلوب، و تحقق الهدف المنشود، وهو رسالتنا في هذا المجمع و جزء من الواجب الذي علينا في نشر المعارف الإسلامية، وترويج علوم أهل البيت علیهم السلام، كهدف أساسي لمجمعنا هذا، والله من وراء القصد.
مجمع البحوث الإسلامية
ص: 7
ص: 8
[1] -1- أبو عبد الله الأشعري عن بعض أصحابنا ، رفعه عن هشام بن الحكم قال : قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر علیه السلام: يا هشام، إن الله تبارك وتعالى بشر أهل العقل والفهم في كتابه فقال: «فَبَشِّرْ عِبادِ * اَلَّذِینَ یَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَیَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِکَ الَّذِینَ هَداهُمُ اللّهُ وَ أُولئِکَ هُمْ أُولُوا الْأَلْباب»،(1)
یا هشام ان الله تبارک و تعالی اکمل للناس الحجج بالعقول و نصر النبیین بالبیان و دلهم علی ربوبیته بالادلة فقال: «وَ إِلهُکُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحیمُ * إنَّ فی خَلْقِ السَّمواتِ والأرضِ واخْتِلافِ اللَّیلِ والنَّهار والفُلکِ الَّتی تَجْری فِی البَحْرِ بِما یَنْفَعُ النّاسَ وَ ما أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمآءِ مِنْ ماء
ص: 9
فَأحْیا بِهِ الأرضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ بَثَّ فیها مِنْ کُلِّ دابَّه وَ تَصریفِ الرِّیاحِ والسَّحابِ المُسَخَّرِ بَیْنَ السَّماءِ والأرضِ لآیات لِقَوم یَعْقِلُونَ»(1)
يا هشام، قد جعل الله ذلك دليلاً على معرفته بأن لهم مدبراً ، فقال: «وَ سَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ»،(2) وقال: «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا ۚ وَ مِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّىٰ مِنْ قَبْلُ ۖ وَ لِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»(3) وقال: إن اختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيى به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون»،(4) وقال: «يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»(5) ، وقال: «وَ جَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَ زَرْعٌ وَ نَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَ غَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَ نُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ»(6). وقال: «وَ مِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَ طَمَعًا وَ يُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ»(7) وقال: «قل
ص: 10
تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَ بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَ لَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَ إِيَّاهُمْ ۖ وَ لَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَ مَا بَطَنَ ۖ وَ لَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَ صَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»(1) و قال : « هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ»(2).
يا هشام، ثم وعظ أهل العقل ورغبهم في الآخرة، فقال: «وَ مَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ ۖ وَ لَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ» ؟!(3).
يا هشام، ثم خوف الذين لا يعقلون عقابه، فقال تعالى: «ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ * وَ إِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَ بِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ» ؟!(4) وقال: «إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَىٰ أَهْلِ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَ لَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ»(5)
يا هشام، [ثم بيّن](6) أن العقل مع العلم فقال: «وَ تِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَ مَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ»(7)
ص: 11
يا هشام، ثم ذم الذين لا يعقلون فقال: « وَ إِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَیْئاً وَ لاَ یَهْتَدُونَ»؟!(1) وقال: « وَ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَ نِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ »(2) وقال: «وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ ۚ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَ لَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ »(3).، وقال: « أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا»(4) وقال: « لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَ قُلُوبُهُمْ شَتَّی ۚ ذَلِکَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا یَعْقِلُونَ»(5). وقال: « وَ تَنْسَوْنَ أَنْفُسَکُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْکِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ»؟!(6)
يا هشام، ثم ذم الله الكثرة فقال: «وَ إِن تُطِعْ أَکْثَرَ مَن فِی الأَرْضِ یُضِلُّوکَ عَن سَبِیلِ اللّهِ».(7) وقال: « و لَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَیَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَکْثَرُهُمْ لَا یَعْلَمُونَ»(8) ، وقال: «وَ لَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَحْیَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَیَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَکْثَرُهُمْ
ص: 12
لَا یَعْقِلُونَ»(1)
يا هشام، ثم مدح القلة فقال : «وَ قَلِیلٌ مِنْ عِبادِیَ الشَّکُورُ»(2)، وقال: «و قَلیلٌ ما هُم»(3)، وقال: « وَ قَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ یَکْتُمُ إِیمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن یَقُولَ رَبِّیَ اللَّهُ »(4)، وقال: «وَ مَنْ آمَنَ وَ ما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِیل»،(5) وقال: «وَ لَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ»(6)، وقال: « و أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ»(7). وقال:«و أكْثَرُهُمْ لا يَشْعُرُونَ».
يا هشام، ثم ذكر أولي الألباب بأحسن الذكر، وحلاهم بأحسن الجلية، فقال: «يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَ مَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ»(8)، وقال: «الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَ مَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ»(9)، وقال: « إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ»(10)، وقال: «أَفَمَنْ يَعْلَمُ
ص: 13
أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ ۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ»(1) . وقال: «أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَ قَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَ يَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ»(2) وقال « كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَ لِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ»(3)، وقال: « وَ لَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَىٰ وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ * هُدًى وَ ذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ»(4)، وقال: «وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ»(5)
يا هشام، إن الله تعالى يقول في كتابه: «إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ»(6)، يعني: عقل: وقال: «وَ لَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ»(7)، قال: العقل والفهم.
يا هشام، إن لقمان قال لابنه: تواضع للحق تكن أعقل الناس، وإن الكيس لدى الحق يسير. يا بني، إن الدنيا بحر عميق، قد غرق فيها(8) عالم كثير، فلتكن سفينتك فيها تقوى الله، وحشوها الإيمان(9)، وشراعها التوكل، وقيمها العقل، ودليلها العلم، وسكانها الصبر.
يا هشام، إن لكل شيء دليلاً، ودليل العقل التفكر، ودليل التفكر الصمت،
ص: 14
ولكل شيء مطية، ومطية العقل التواضع(1) ، وكفى بك جهلاً أن تركب ما نهيت نهيت عنه.
یا هشام، ما بعث الله أنبياءه ورسله إلى عباده إلا ليعقلوا عن الله، فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة، وأعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلاً، وأكملهم عقلاً أرفعهم درجة في الدنيا والآخرة.
يا هشام، إن الله على الناس حجتين : حجة ظاهرة وحجة باطنة؛ فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة علیهم السلام، وأما الباطنة فالعقول.
يا هشام، إن العاقل الذي لا يشغل الحلال شكره، ولا يغلب الحرام صبره.
یا هشام، من سلط ثلاثاً على ثلاث فكأنما أعان على هدم عقله؛ من أظلم نور تفكره بطول أمله، ومحا طرائف حكمته بفضول كلامه(2)، وأطفأ نور عبرته بشهوات نفسه، فكأنما أعان هواه على هدم عقله، ومن هدم عقله أفسد عليه دينه ودنياه.
یا هشام، كيف يزكو(3) عند الله عملك، وأنت قد شغلت قلبك عن أمر ربك وأطعت هواك على غلبة عقلك؟!
ص: 15
یا هشام، الصبر على الوحدة علامة قوة العقل، فمن عقل عن الله(1) اعتزل أهل الدنيا والراغبين فيها، ورغب فيما عند الله، وكان الله أنسه في الوحشة، وصاحبه في الوحدة، وغناه في العيلة(2)، ومعزه من غير عشيرة(3).
یا هشام، نصب الحق لطاعة الله(4)، ولا نجاة إلا بالطاعة، والطاعة بالعلم، والعلم بالتعلم، والتعلم بالعقل يعتقد(5)، ولا علم إلا من عالم رباني، ومعرفة العلم بالعقل.
یا هشام، قليل العمل من العالم مقبول مضاعف، وكثير العمل من أهل الهوى والجهل مردود.
يا هشام، إن العاقل رضي بالدون من الدنيا مع الحكمة، ولم يرض بالدون
ص: 16
من الحكمة مع الدنيا، فلذلك ربحت تجارتهم.
يا هشام، إن العقلاء تركوا فضول الدنيا، فكيف الذنوب؟! وترك الدنيا من الفضل، وترك الذنوب من الفرض.
يا هشام، إن العاقل نظر إلى الدنيا وإلى أهلها فعلم أنها لا تنال إلا بالمشقة، ونظر إلى الآخرة فعلم أنها لا تنال إلا بالمشقة، فطلب أبقاهما.
يا هشام، إن العقلاء زهدوا في الدنيا ورغبوا في الآخرة؛ لأنهم علموا أنّ الدنيا طالبة مطلوبة(1) والآخرة طالبة ومطلوبة، فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتى يستوفي منها رزقه، ومن طلب الدنيا طلبته الآخرة فيأتيه الموت فيفسد عليه دنياه وآخرته.
يا هشام، من أراد الغنى بلا مال، وراحة القلب من الحسد، والسلامة في الدين، فليتضرع إلى الله عز وجل في مسألته بأن يكمل عقله، فمن عقل قنع بما يكفيه، ومن قنع بما يكفيه استغنى، ومن لم يقنع بما يكفيه لم يدرك الغنى أبداً.
يا هشام، إن الله حكى عن قوم صالحين أنهم قالوا: «رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا(2)
ص: 17
بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَ هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ»(1) حين علموا أن القلوب تزيغ وتعود إلى عماها ورداها(2).
إنه لم يخف الله من لم يعقل عن الله، ومن لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة يبصرها ويجد حقيقتها في قلبه، ولا يكون أحد كذلك إلا من كان قوله لفعله مصدقاً، وسره لعلانيته موافقاً؛ لأن الله تبارك اسمه لم يدل على الباطن الخفي من العقل إلا بظاهر منه، وناطق عنه.
يا هشام، كان أمير المؤمنين علیه السلام يقول: ما عبد الله بشيء أفضل من العقل، وما تم عقل أمرئ حتى يكون فيه خصال شتى : الكفر والشر منه مأمونان، والرشد والخير منه مأمولان، وفضل ماله مبذول، وفضل قوله مكفوف، ونصيبه من الدنيا القوت. لا يشبع من العلم دهره، الذل أحب إليه مع الله من العز مع غيره، والتواضع أحب إليه من الشرف، يستكثر قليل المعروف من غيره، ويستقل كثير المعروف من نفسه، ويرى الناس كلهم خيراً منه، وأنه شرهم في نفسه، وهو تمام الأمر(3).
يا هشام، إن العاقل لا يكذب وإن كان فيه هواه.
یا هشام، لا دين لمن لا مروة له(4)، ولا مروة لمن لا عقل له، وإن أعظم
ص: 18
الناس قدراً الذي لا يرى الدنيا لنفسه خطراً(1)، أما إن أبدانكم ليس لها ثمن إلا الجنة(2) فلا تبيعوها بغيرها.
يا هشام، إن أمير المؤمنين علیه السلام كان يقول : إن من علامة العاقل أن يكون فيه ثلاث خصال: يجيب إذا سئل، وينطق إذا عجز القوم عن الكلام، ويشير بالرأي الذي يكون فيه صلاح أهله، فمن لم يكن فيه من هذه الخصال الثلاث شيء فهو أحمق.
إن أمير المؤمنين علیه السلام قال: لا يجلس في صدر المجلس إلا رجل فيه هذه الخصال الثلاث أو واحدة منهن، فمن لم يكن فيه شيء منهن فجلس فهو أحمق.
وقال الحسن بن علي علیه السلام: إذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها، قيل يا ابن رسول الله، ومن أهلها؟ قال: الذين قص الله(3) في كتابه وذكرهم فقال:
ص: 19
«إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ»، قال : هم أولو العقول.
وقال علي بن الحسين علیه السلام: مجالسة الصالحين داعية إلى الصلاح، وأدب العلماء زيادة في العقل، وطاعة ولاة العدل تمام العز، واستثمار المال تمام المروة (1)، وإرشاد المستشير قضاء لحق النعمة، وكف الأذى من كمال العقل، وفيه راحة البدن عاجلاً وآجلاً.
يا هشام، إن العاقل لا يحدث من يخاف تكذيبه، ولا يسأل من يخاف منعه، ولا يعد ما لا يقدر عليه، ولا يرجو ما يعنف برجائه(2)، ولا يقدم على ما يخاف فوته بالعجز عنه(3)
ص: 20
[2] -2- وصيته علیه السلام (أي موسى الكاظم) لهشام وصفته للعقل(1)
یا هشام، لو كان في يدك جوزة وقال الناس: في يدك لؤلؤة، ما كان ينفعك وأنت تعلم أنها جوزة؟! ولو كان في يدك لؤلؤة، وقال الناس: إنها جوزة. ما ضرك وأنت تعلم أنها لؤلؤة؟!
يا هشام، ما من عبد إلا وملك أخذ بناصيته، فلا يتواضع إلا رفعه الله، ولا
ص: 21
يتعاظم إلا وضعه الله.
يا هشام، إن كان يغنيك ما يكفيك فأدنى ما في الدنيا يكفيك، وإن كان لا يغنيك ما يكفيك، فليس شيء في الدنيا يغنيك.
یا هشام، من صدق لسانه زكا عمله، ومن حسنت نيته زيد في رزقه، ومن حسن بره بإخوانه وأهله مد في عمره.
یا هشام، لا تمنحوا الجهال الحكمة فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم.
یا هشام، كما تركوا لكم الحكمة، فاتركوا لهم الدنيا.
وكان أمير المؤمنين علیه السلام يوصي أصحابه يقول: «أوصيكم بالخشية من الله في السر والعلانية، والعدل في الرضا والغضب، والاكتساب في الفقر والغنى، وأن تصلوا من قطعكم، وتعفوا عمن ظلمكم، وتعطفوا على من حرمكم، وليكن نظركم عبراً، وصمتكم فكراً، وقولكم ذكراً، وطبيعتكم السخاء، فإنه لا يدخل الجنة بخيل، ولا يدخل النار سخي».
یا هشام، رحم الله من استحيا من الله حق الحياء، فحفظ الرأس وما حوى، والبطن وما وعى، وذكر الموت والبلى، وعلم أن الجنة محفوفة بالمكاره، والنار محفوفة بالشهوات.
یا هشام، من كف نفسه عن أعراض الناس أقاله الله عثرته يوم القيامة، ومن كف غضبه عن الناس كف الله عنه غضبه يوم القيامة.
يا هشام، إن العاقل لا يكذب، وإن كان فيه هواه.
يا هشام، وجد في ذؤابة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أعتى الناس على الله من
ص: 22
ضرب غير ضاربه، وقتل غير قاتله. ومن تولى غير مواليه فهو كافر بما أنزل الله على نبيه محمدصلى الله عليه وسلم ومن أحدث حدثاً أو آوى محدثاً لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً».
يا هشام، أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله - بعد المعرفة به - الصلاة وبر الوالدين، وترك الحسد والعجب والفخر.
یا هشام، أصلح أيامك الذي هو أمامك، فانظر أي يوم هو وأعد له الجواب، فإنك موقوف ومسؤول، وخذ موعظتك من الدهر وأهله؛ فإن الدهر طويلة قصيرة(1) ، فاعمل كأنك ترى ثواب عملك لتكون أطمع في ذلك، واعقل الله، وانظر في تصرف الدهر وأحواله، فإن ما هو آت من الدنيا كما ولى منها، فاعتبر بها. وقال علي بن الحسين علیه السلام: «إن جميع ما طلعت عليه الشمس في مشارق الأرض ومغاربها، بحرها وبرها وسهلها وجبلها عند ولي من أولياء الله وأهل المعرفة بحق الله كفيء الظلال. ثم قال علیه السلام: أو لا حر يدع [هذه] اللماظة لأهلها - يعني الدنيا - فليس لأنفسكم ثمن إلا الجنة، فلا تبيعوها بغيرها، فإنه من رضي من الله بالدنيا فقد رضي بالخسيس».
یا هشام، كل الناس يبصر النجوم، ولكن لا يهتدي بها إلا من يعرف مجاريها ومنازلها. وكذلك أنتم تدرسون الحكمة، ولكن لا يهتدي بها منكم إلا من عمل بها.
يا هشام، إن المسيح علیه السلام قال للحواريين: «يا عبيد السوء، يهولكم طول النخلة وتذكرون شوكها ومؤونة مراقيها وتنسون طيب ثمرها ومرافقها. كذلك
ص: 23
تذكرون مؤونة عمل الآخرة فيطول عليكم أمده، وتنسون ما تفضون إليه من نعيمها ونورها وثمرها. يا عبيد السوء، نقوا القمح وطيبوه وأدقوا طحنه تجدوا طعمه ويهنئكم أكله، كذلك فأخلصوا الإيمان وأكملوه تجدوا حلاوته وينفعكم غبه، بحق أقول لكم: لو وجدتم سراجاً يتوقد بالقطران في ليلة مظلمة لاستضأتم به ولم يمنعكم منه ريح نتنه. كذلك ينبغي لكم أن تأخذوا الحكمة ممن وجدتموها معه ولا يمنعكم منه سوء رغبته فيها. يا عبيد الدنيا، بحق أقول لكم: لا تدركون شرف الآخرة إلا بترك ما تحبون، فلا تنظروا بالتوبة غداً، فإن دون غد يوماً وليلة وقضاء الله فيهما يغدو ويروح. بحق أقول لكم: إن من ليس عليه دين من الناس أروح هما ممن عليه الدين وإن أحسن القضاء، وكذلك من لم يعمل الخطيئة أروح هما ممن عمل الخطيئة وإن أخلص التوبة وأناب. وإن صغار الذنوب ومحقراتها من مكائد إبليس، يحقرها لكم ويصغرها في أعينكم فتجتمع وتكثر فتحيط بكم. بحق أقول لكم: إن الناس في الحكمة رجلان: فرجل أتقنها بقوله وصدقها بفعله. ورجل أتقنها بقوله وضيعها بسوء فعله، فشتان بينهما، فطوبى للعلماء بالفعل، وويل للعلماء بالقول. يا عبيد السوء، إتّخذوا مساجد ربكم سجوناً لأجسادكم وجباهكم، واجعلوا قلوبكم بيوتاً للتقوى، ولا تجعلوا قلوبكم مأوى للشهوات. إن أجزعكم عند البلاء لأشدكم حباً للدنيا، وإن أصبركم على البلاء لأزهدكم في الدنيا. يا عبيد السوء، لا تكونوا شبيهاً بالحداء الخاطفة، ولا بالثعالب الخادعة، ولا بالذئاب الغادرة، ولا بالأسد العاتية كما تفعل بالفراس، كذلك تفعلون بالناس: فريقاً تخطفون، وفريقا تخدعون، وفريقاً
ص: 24
تغدرون بهم. بحق أقول لكم: لا يغني عن الجسد أن يكون ظاهره صحيحاً وباطنه فاسداً، كذلك لا تُغني أجسادكم التي قد أعجبتكم وقد فسدت قلوبكم. وما يغني عنكم أن تنقوا جلودكم وقلوبكم دنسة. لا تكونوا كالمنخل يخرج منه الدقيق الطيب ويمسك النخالة. كذلك أنتم تخرجون الحكمة من أفواهكم ويبقى الغل في صدوركم. يا عبيد الدنيا، إنما مثلكم مثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه. يا بني إسرائيل، زاحموا العلماء في مجالسهم ولو جئوا على الركب؛ فإن الله يحيي القلوب الميتة بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل المطر».
يا هشام، مكتوب في الإنجيل: طوبى للمتراحمين، أولئك هم المرحومون يوم القيامة. طوبى للمصلحين بين الناس، أولئك هم المقربون يوم القيامة. طوبى للمطهرة قلوبهم، أولئك هم المتقون يوم القيامة. طوبى للمتواضعين في الدنيا، أولئك يرتقون منابر الملك يوم القيامة.
يا هشام، قلة المنطق حكم عظيم، فعليكم بالصمت؛ فإنه دعة حسنة وقلة وزر وخفة من الذنوب. فحصنوا باب الحلم، فإن بابه الصبر. وإن الله عزوجل يبغض الضحاك من غير عجب، والمشاء إلى غير أرب. ويجب على الوالي أن يكون كالراعي لا يغفل عن رعيته ولا يتكبر عليهم. فاستحيوا من الله في سرائركم كما تستحيون من الناس في علانيتكم. واعلموا أن الكلمة من الحكمة ضالة المؤمن، فعليكم بالعلم قبل أن يرفع، ورفعه غيبة عالمكم بين أظهركم.
يا هشام، تعلم من العلم ما جهلت. وعلم الجاهل مما علمت. عظم العالم
ص: 25
لعلمه ودع منازعته، وصغر الجاهل لجهله ولا تطرده ولكن قربه وعلمه.
يا هشام، إن كل نعمة عجزت عن شكرها بمنزلة سيئة تُؤاخذ بها. وقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: «إن لله عباداً كسرت قلوبهم خشيته، فأسكتتهم عن المنطق وإنهم لفصحاء عقلاء، يستبقون إلى الله بالأعمال الزكية، لا يستكثرون له الكثير ولا يرضون لهم من أنفسهم بالقليل. يرون في أنفسهم أنهم أشرار وإنهم لأكياس وأبرار».
يا هشام، الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء والجفاء في النار.
یا هشام، المتكلمون ثلاثة: فرابح وسالم وشاجب: فأما الرابح فالذاكر لله، وأما السالم فالساكت، وأما الشاجب فالذي يخوض في الباطل. إن الله حرم الجنة على كل فاحش بذي قليل الحياء، لا يبالي ما قال ولا ما قيل فيه. وكان أبو ذر- رضی الله عنه- يقول: «يا مبتغي العلم، إن هذا اللسان مفتاح خير ومفتاح شر فاختم على فيك كما تختم على ذهبك وورقك».
یا هشام، بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين؛ يطري أخاه إذا شاهده ويأكله إذا غاب عنه، إن أعطي حسده، وإن ابتلي خذله. إن أسرع الخير ثواباً البر، وأسرع الشر عقوبة البغي. وإن شر عباد الله من تكره مجالسته لفحشه. وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم؟! ومن حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه.
يا هشام، لا يكون الرجل مؤمناً حتى يكون خائفاً راجياً، ولا يكون خائفاً راجياً حتى يكون عاملاً لما يخاف ويرجو.
ص: 26
یا هشام، قال الله جل وعز «وعزتي وجلالي وعظمتي وقدرتي وبهائي وعلوي في مكاني، لا يؤثر عبد هواي على هواه إلا جعلت الغنى في نفسه، وهمه في آخرته. وكففت عليه [في] ضيعته. وضمنت السماوات والأرض رزقه، وكنت له من وراء تجارة كل تاجر.
يا هشام، الغضب مفتاح الشر. وأكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً. وإن خالطت الناس فإن استطعت أن لا تخالط أحداً منهم إلا من كانت يدك عليه العليا فافعل.
يا هشام، عليك بالرفق، فإن الرفق يمن والخرق شؤم، إن الرفق والبر وحسن الخلق يعمر الديار ويزيد في الرزق.
یا هشام، قول الله: «هَلْ جَزَآءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ»(1) جرت في المؤمن والكافر والبر والفاجر. من صنع إليه معروف فعليه أن يكافئ به. وليست المكافأة أن تصنع كما صنع حتى ترى فضلك؛ فإن صنعت كما صنع فله الفضل بالابتداء.
يا هشام، إن مثل الدنيا مثل الحية؛ مسها لين وفي جوفها السم القاتل، يحذرها الرجال ذوو العقول ويهوي إليها الصبيان بأيديهم.
یا هشام، اصبر على طاعة الله واصبر عن معاصي الله، فإنما الدنيا ساعة؛ فما مضى منها فليس تجد له سروراً ولا حزناً. وما لم يأت منها فليس تعرفه، فاصبر على تلك الساعة التي أنت فيها فكأنك قد اغتبطت.
یا هشام، مثل الدنيا مثل ماء البحر؛ كلما شرب منه العطشان ازداد عطشاً
ص: 27
حتى يقتله.
يا هشام، إياك والكبر؛ فإنه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر. الكبر رداء الله، فمن نازعه رداءه أكبه الله في النار على وجهه.
يا هشام، ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم؛ فإن عمل حسناً استزاد منه. وإن عمل سيئاً استغفر الله منه وتاب إليه.
یا هشام، تمثلت الدنيا للمسيح علیه السلام في صورة امرأة زرقاء، فقال لها كم تزوجت؟ فقالت: كثيراً. قال: فكل طلقك؟ قالت: لا بل كلاً قتلت قال المسيح علیه السلام : فويح لأزواجك الباقين، كيف لا يعتبرون بالماضين؟!
يا هشام، إن ضوء الجسد في عينه، فإن كان البصر مضيئاً استضاء الجسد كله. وإن ضوء الروح العقل، فإذا كان العبد عاقلاً كان عالماً بربه، وإذا كان عالماً بربه أبصر دينه. وإن كان جاهلاً بربه لم يقم له دين. وكما لا يقوم الجسد إلا بالنفس الحية، فكذلك لا يقوم الدين إلا بالنية الصادقة، ولا تثبت النية الصادقة إلا بالعقل.
يا هشام، إن الزرع ينبت في السهل ولا ينبت في الصفا، فكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع ولا تعمر في قلب المتكبر الجبار؛ لأن الله جعل التواضع آلة العقل وجعل التكبر من آلة الجهل. ألم تعلم أن من شمخ إلى السقف برأسه شجه، ومن خفض رأسه استظل تحته وأكنه؟ وكذلك من لم يتواضع لله خفضه الله، ومن تواضع لله رفعه.
يا هشام، ما أقبح الفقر بعد الغنى، وأقبح الخطيئة بعد النسك، وأقبح من ذلك العابد لله ثم يترك عبادته.
ص: 28
یا هشام، لا خير في العيش إلا لرجلين: لمستمع واع، وعالم ناطق.
یا هشام، ما قسم بين العباد أفضل من العقل. نوم العاقل أفضل من سهر الجاهل. وما بعث الله نبياً إلا عاقلاً، حتى يكون عقله أفضل من جميع جهد المجتهدين. وما أدى العبد فريضة من فرائض الله حتى عقل عنه.
یا هشام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اذا رَأَيْتُمْ الْمُؤْمِنَ صَمُوتاً فَادْنُوا مِنْهُ؛ فَانَّهُ يُلْقِى الْحِكْمَةَ. والمؤمن قليل الكلام كثير العمل، والمنافق كثير الكلام قليل العمل».
يا هشام، أوحى الله تعالى إلى داوود علیه السلام: قل لعبادي: لا يجعلوا بيني و بینهم عالماً مفتوحاً بالدنيا، فيصدهم عن ذكري وعن طريق محبتي ومناجاتي. أولئك قطاع الطريق من عبادي. إن أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة محبتي ومناجاتي من قلوبهم.
يا هشام، من تعظم في نفسه لعنته ملائكة السماء وملائكة الأرض. ومن تكبر على إخوانه واستطال عليهم فقد ضاد الله، ومن ادعى ما ليس له فهو أعنى لغير رشده.
يا هشام، أوحى الله تعالى إلى داوود علیه السلام: یا داوود علیه السلام خذر وأنذر أصحابك عن حب الشهوات؛ فإن المعلقة قلوبهم بشهوات الدنيا قلوبهم محجوبة عني.
يا هشام، إياك والكبر على أوليائي والاستطالة بعلمك فيمقتك الله، فلا تنفعك بعد مقته دنياك ولا آخرتك. وكن في الدنيا كساكن دار ليست له، إنما ينتظر الرحيل.
یا هشام، مجالسة أهل الدين شرف الدنيا والآخرة. ومشاورة العاقل الناصح
ص: 29
يمن وبركة ورشد وتوفيق من الله، فإذا أشار عليك العاقل الناصح فإياك والخلاف، فإن في ذلك العطب.
یا هشام، إياك ومخالطة الناس والأنس بهم إلا أن تجد منهم تجد منهم عاقلاً ومأموناً فأنس به واهرب من سائرهم كهربك من السباع الضارية. وينبغي للعاقل إذا عمل عملاً أن يستحيي من الله. وإذا تفرد له بالنعم أن يشارك في عمله أحداً غيره. وإذا مر بك أمران لا تدري أيهما خير وأصوب، فانظر أيهما أقرب إلى هواك فخالفه؛ فإن كثير الصواب في مخالفة هواك، وإياك أن تغلب الحكمة وتضعها في الجهالة.
قال هشام: فقلت له: فإن وجدت رجلاً طالباً له غير أن عقله لا يتسع لضبط ما ألقي إليه؟
قال علیه السلام: فتلطف له في النصيحة؛ فإن ضاق قلبه [ف]لا تعرضن نفسك للفتنة. واحذر رد المتكبرين؛ فإن العلم يذل على أن يملى على من لا يفيق.
قلت: فإن لم أجد من يعقل السؤال عنها؟
قال علیه السلام: فاغتنم جهله عن السؤال حتى تسلم من فتنة القول وعظيم فتنة الرد. واعلم أن الله لم يرفع المتواضعين بقدر تواضعهم ولكن رفعهم بقدر ومجده. ولم يؤمن الخائفين بقدر خوفهم ولكن آمنهم بقدر كرمه وجوده. ولم يفرج المحزونين بقدر حزنهم ولكن بقدر رأفته ورحمته. فما ظنك بالرؤوف الرحيم الذي يتودد إلى من يؤذيه بأوليائه، فكيف بمن يؤذى فيه؟! وما ظنك بالتواب الرحيم الذي يتوب على من يعاديه، فكيف بمن يترضاه ويختار عداوة الخلق فيه؟!
ص: 30
يا هشام، من أحب الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه، وما أوتي عبد علماً فازداد للدنيا حباً إلا ازداد من الله بعداً، وازداد الله عليه غضباً.
يا هشام، إن العاقل اللبيب من ترك ما لا طاقة له به. وأكثر الصواب في خلاف الهوى. ومن طال أمله ساء عمله.
يا هشام، لو رأيت مسير الأجل لألهاك عن الأمل.
يا هشام، إياك والطمع، وعليك باليأس مما في أيدي الناس، وأمت الطمع من المخلوقين؛ فإن الطمع مفتاح للذل واختلاس العقل واختلاق المروات، وتدنيس العرض، والذهاب بالعلم. وعليك بالاعتصام بربك والتوكل عليه. وجاهد نفسك لتردها عن هواها؛ فإنه واجب عليك كجهاد عدوك.
قال هشام: فقلت له: فأي الأعداء أوجبهم مجاهدة؟
قال علیه السلام: أقربهم إليك، وأعداهم لك، وأضرهم بك، وأعظمهم لك عداوة، وأخفاهم لك شخصاً مع دنوه منك، ومن يحرض أعداءك عليك، وهو إبليس الموكل بوسواس [من] القلوب، فله فلتشتد عداوتك. ولا يكونن أصبر على مجاهدتك لهلكتك منك على صبرك لمجاهدته، فإنه أضعف منك ركناً في قوته، وأقل منك ضرراً في كثرة شره. إذا أنت اعتصمت بالله فقد هديت إلى صراط مستقيم.
يا هشام، من أكرمه الله بثلاث فقد لطف له: عقل يكفيه مؤونة هواه، وعلم يكفيه مؤونة جهله، وغنى يكفيه مخافة الفقر.
یا هشام، احذر هذه الدنيا واحذر أهلها؛ فإن الناس فيها على أربعة أصناف: رجل مترد معانق لهواه. ومتعلم مقرئ كلما ازداد علماً ازداد كبراً،
ص: 31
يستعلي بقراءته وعلمه على من هو دونه. وعابد جاهل يستصغر من هو دونه في عبادته، يحب أن يعظم ويوقر. وذو بصيرة عالم عارف بطريق الحق يحب القيام به، فهو عاجز أو مغلوب ولا يقدر على القيام بما يعرف[ه] فهو محزون، مغموم بذلك، فهو أمثل أهل زمانه وأوجههم عقلاً.
يا هشام، إعرف العقل وجنده، والجهل وجنده تكن من المهتدين.
قال هشام: فقلت: جعلت فداك، لا نعرف إلا ما عرفتنا؟
فقال علیه السلام: يا هشام، إن الله خلق العقل وهو أول خلق خلقه الله من الروحانيين عن يمين العرش من نوره، فقال له: أدبر، فأدبر. ثم قال له: أقبل فأقبل، فقال الله جل وعز: خلقتك خلقاً [عظيماً] وكرمتك على جميع خلقي. ثم خلق الجهل من البحر الأجاج الظلماني، فقال له: أدبر. فأدبر. ثم قال له: أقبل، فلم يقبل. فقال له: استكبرت، فلعنه. ثم جعل للعقل خمسة وسبعين جنداً، فلما رأى الجهل ما كرم الله به العقل وأعطاه، أضمر له العداوة، فقال الجهل: يا رب، هذا خلق مثلي، خلقته وكرمته وقويته وأنا ضده ولا قوة لي به، أعطني من الجند مثل ما أعطيته! فقال تبارك وتعالى: نعم، فإن عصيتني بعد ذلك أخرجتك وجندك من جواري ومن رحمتي، فقال: قد رضيت. فأعطاه الله خمسة وسبعين جنداً. فكان مما أعطى العقل من الخمسة والسبعين جنداً: الخير وهو وزير العقل، وجعل ضده الشر وهو وزير الجهل.
ص: 32
الإيمان الكفر التصديق التکذیب الخلاص النفاق الرجاء القنوط
العدل الجور الرضی السخط الشکر الکفران الیاس الطمع
التوكل الحرص الرفاة الغلظة العلم الجهل العفة التهتک
الزهد الرغبة الرفق الخرق الرهبة الحراة التواضع الکبر
التؤدة العجلة الحلم السفه الصمت الهذر الاستسلام الاستکبار
التسليم التجبر العفو الحقد الرحمة القسوة الیقین الشک
الصبر الجزع الصفح الانتقام الغنی الفقر التفکر السهو
الحفظ النسيان التواصل القطیعة القناعة الشره المواساة المنع
المودة العداوة الوفاء الغدر الطاعة المعصیة الخضوع التطاول
السلامة البلاء الفهم الغباوة المعرفة الانکار المداراة المکاشفة
سلامة الغيب المماكرة الکتمان الافشاء البر العقوق الحقیقة التسویف
المعروف المنكر التقیة الاذاعة الانصاف الظلم التقی الحسد
النظافة القذر الحیاء القحة القصد الاسراف الراحة التعب
السهولة الصعوبة العافیة البلوی القوام المکاثرة الحکة الهوی
الوقار الخفة السعادة الشقاء التوبة الاصرار المحافظة التهاون
الدعاء الاستنكاف النشاط الکسل الفرح الحزن الالفة الفرقة
ص: 33
السخاء البخل الخشوع العجب صون الحديث النميمة الاستغفار الاغترار
الكياسة الحمق
یا هشام، لا تجتمع هذه الخصال إلا لنبي أو وصي أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان، وأما سائر ذلك من المؤمنين فإن أحدهم لا يخلو من أن يكون فيه بعض هذه الجنود من أجناد العقل حتى يستكمل العقل، ويتخلص من جنود الجهل، فعند ذلك يكون في الدرجة العليا مع الأنبياء والأوصياء علیهم السلام، وفقنا الله وإياكم لطاعته.
ص: 34
[3] -1- عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن ابن أبي عمیر عن هشام بن الحكم وغيره، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: خطب النبی صلى الله عليه وسلم بمنى فقال: أيها النّاس، ما جاءكم عني يوافق كتاب الله فأنا قلته، وما جاء كم يخالف كتاب الله فلم أقله(1)
[4] -1- حدثني محمد بن قولويه والحسين بن الحسن بن بندار القمي
ص: 35
قالا: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثني محمد بن عيسى بن عبيد، عن یونس بن عبد الرحمن، أن بعض أصحابنا سأله وأنا حاضر، فقال له: يا أبا محمد، ما أشدك في الحديث وأكثر إنكارك لما يرويه أصحابنا! فما الذي يحملك على رد الأحاديث؟ فقال: حدثني هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبد الله علیه السلام يقول: لا تقبلوا علينا حديثاً إلا ما وافق القرآن والسنة، أو تجدون معه شاهداً من أحاديثنا المتقدمة؛ فإن المغيرة بن سعيد لعنه الله دس في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها أبي، فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى وسنة نبينا صلى الله عليه وآله، فإنا إذا حدثنا قلنا قال الله عزوجل، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال يونس: وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر علیه السلام، ووجدت أصحاب أبي عبد الله علیه السلام متوافرين، فسمعت منهم وأخذت كتبهم، فعرضتها من بعد على أبي الحسن الرضا علیه السلام، فأنكر منها أحاديث كثيرة أن يكون من أحاديث أبي عبد الله علیه السلام وقال لي إن أبا الخطاب. كذب على أبي عبد الله علیه السلام، لعن الله أبا الخطاب. وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسون هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد الله علیه السلام، فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن، فإنا إن تحدثنا حدثنا بموافقة القرآن وموافقة السنة. إنا عن الله وعن رسوله نحدث، ولا نقول: قال فلان وفلان، فيتناقض كلامنا. إن كلام آخرنا مثل كلام أولنا، وكلام أولنا مصدق لكلام آخرنا، فإذا أتاكم من يحدثكم بخلاف ذلك فردوه عليه، وقولوا: أنت أعلم وما جئت به؛ فإن مع كل قول منا حقيقة
ص: 36
وعليه نوراً، فما لا حقيقة معه ولا نور عليه فذلك من قول الشيطان (1)
ص: 37
[5] -1- علي بن إبراهيم عن محمد بن إسحاق الخفاف أو عن أبيه عن محمد بن إسحاق، قال: إن عبد الله الديصاني سأل هشام بن الحكم فقال له: ألك رب؟ فقال: بلى. قال: أقادر هو؟ قال: نعم قادر قاهر. قال: يقدر أن يدخل الدنيا كلها البيضة لا تكبر البيضة ولا تصغر الدنيا؟ قال هشام: النظرة. فقال له: قد أنظرتك حولاً.
ثم خرج عنه، فركب هشام إلى أبي عبد الله علیه السلام، فاستأذن عليه فأذن له، فقال له: يا ابن رسول الله، أتاني عبد الله الديصاني بمسألة ليس المعول فيها إلا على الله وعليك. فقال له أبو عبد الله علیه السلام: عماذا سألك؟ فقال: قال لي كيت وكيت. فقال أبو عبد الله علیه السلام : يا هشام، کم حواستك؟ قال: خمسة قال: أيها أصغر؟ قال: الناظر. قال: وكم قدر الناظر؟ قال: مثل العدسة أو أقل منها، فقال
ص: 38
له: يا هشام، فانظر أمامك وفوقك وأخبرني بما ترى، فقال: أرى سماء وأرضاً ودوراً وقصوراً وتراباً وبراري وجبالاً وأنهاراً. فقال له أبو عبد الله علیه السلام: إنّ الذي قدر أن يدخل الذي تراه العدسة أو أقل، منها قادر أن يدخل الدنيا كلها البيضة، لا تصغر الدنيا ولا تكبر البيضة. فأكب هشام عليه، وقبل يديه ورأسه ورجليه، وقال: حسبي يا ابن رسول الله، وانصرف إلى منزله.
وغدا عليه الديصاني فقال له: يا هشام، إني جئتك مسلماً، ولم أجئك متقاضياً للجواب. فقال له هشام: إن كنت جئت متقاضياً للجواب فهاك الجواب. فخرج الديصاني عنه حتى أتى باب أبي عبد الله علیه السلام، فاستأذن عليه فأذن له، فلما قعد قال له: يا جعفر بن محمد، دلني على معبودي، فقال له أبو عبد الله علیه السلام: ما اسمك؟ فخرج عنه ولم يخبره باسمه. فقال له أصحابه: كيف لم تخبره باسمك؟ قال: لو كنت قلت له: عبد الله، كان يقول: من هذا الذي أنت له عبد؟! فقالوا له: عد إليه وقل له يدلك على معبودك ولا يسألك عن اسمك. فرجع إليه فقال له: يا جعفر بن محمد، دلني على معبودي، ولا تسألني عن اسمي.فقال له أبو عبد الله علیه السلام: اجلس. وإذا غلام له صغير في كفه بيضة يلعب بها، فقال له أبو عبد الله علیه السلام: ناولني يا غلام البيضة، فناوله إياها، فقال له أبو عبد الله علیه السلام : يا ديصاني، هذا حصن مكنون، له جلد غليظ، وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق، وتحت الجلد الرقيق ذهبة مائعة وفضة ذائبة، فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضة الذائبة، ولا الفضة الذائبة تختلط بالذهبة المائعة، فهي على حالها، لم يخرج منها خارج مصلح فيخبر عن صلاحها، ولا دخل فيها مفسد فيخبر عن فسادها، لا يدرى: للذكر خلقت أم للأنثى، تنفلق
ص: 39
عن مثل ألوان الطواويس، أترى لها مدبراً ؟ قال: فأطرق ملياً، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأنك إمام وحجة من الله على خلقه، وأنا تائب مما كنت فيه (1)
[6] -2- أخبرنا أبو جعفر محمد بن يعقوب قال: حدثني علي بن إبراهيم ابن هاشم، عن أبيه عن الحسن بن إبراهيم عن يونس بن عبد الرحمن عن علي بن منصور، قال: قال لي هشام بن الحكم: كان زنديق بمصر يبلغه عن أبي عبد الله علیه السلام، فخرج إلى المدينة ليناظره فلم يصادفه بها. وقيل له: إنه خارج بمكة، فخرج إلى مكة(2)، ونحن مع أبي عبد الله علیه السلام، فقاربنا الزنديق ونحن مع أبي عبد الله علیه السلام في الطواف، فضرب كتفه كتف أبي عبد الله علیه السلام، فقال له جعفر علیه السلام: ما اسمك؟ قال: اسمي عبد الملك. قال: فما كنيتك؟ قال: أبو عبد الله. قال: فمن الملك الذي أنت له عبد؟ أمن ملوك السماء أم من ملوك الأرض؟ وأخبرني عن ابنك: عبد إله السماء أم عبد إله الأرض؟ فسكت، فقال له أبو عبد الله علیه السلام: قل ما شئت تخصم.
قال هشام بن الحكم: قلت للزنديق: أما ترد عليه؟! فقبح قولي. فقال له أبو عبد الله علیه السلام: إذا فرغت من الطواف فأتنا.
ص: 40
فلما فرغ أبو عبد الله علیه السلام أتاه الزنديق، فقعد بين يديه ونحن مجتمعون عنده، فقال للزنديق: أتعلم أن للأرض تحتاً وفوقاً؟ قال: نعم قال: فدخلت تحتها ؟ قال: لا. قال: فما يدريك بما تحتها؟ قال: لا أدري، إلا أني أظن أن ليس تحتها شيء. قال أبو عبد الله علیه السلام : فالظن عجز ما لم تستيقن. قال أبو عبد الله علیه السلام فصعدت إلى السماء؟ قال: لا. قال: أفتدري ما فيها؟ قال: لا. قال: فعجباً لك لم تبلغ المشرق ولم تبلغ المغرب، ولم تنزل تحت الأرض ولم تصعد إلى السماء، ولم تجز هناك فتعرف ما خلفهن وأنت جاحد ما فيهن! وهل يجحد العاقل ما لا يعرف؟! فقال الزنديق: ما كلمني بهذا أحد غيرك. قال أبو عبد الله علیه السلام: فأنت في شك من ذلك، فلعل هو أو لعل ليس هو قال الزنديق: ولعل ذاك. فقال أبو عبد الله علیه السلام : أيها الرجل، ليس لمن لا يعلم حجة على من يعلم. فلا حجة للجاهل يا أخا أهل مصر، تفهم عني؛ فإنا لا نشك فی الله أبدأ أما ترى الشمس والقمر والليل والنهار يلجان ليس لهما مكان إلا مكانهما؟! فإن كانا يقدران على أن يذهبا ولا يرجعان، فلم يرجعان؟ وإن لم يكونا مضطرين فلم لا يصير الليل نهاراً والنهار ليلا؟ اضطرا - والله - يا أخا أهل مصر إلى دوامهما. والذي اضطرهما أحكم منهما وأكبر منهما قال الزنديق: صدقت.
ثم قال أبو عبد الله علیه السلام: يا أخا أهل مصر، الذي تذهبون إليه وتظنونه بالوهم، فإن كان الدهر يذهب بهم لم لا يردهم؟! وإن كان يردهم لم لا يذهب بهم؟! القوم مضطرون؟ يا أخا أهل مصر. السماء مرفوعة، والأرضة موضوعة، لم لا تسقط السماء على الأرض؟ ولم لا تنحدر الأرض فوق
ص: 41
طباقها، فلا يتماسكان ولا يتماسك من عليهما؟ فقال الزنديق: أمسكهما - والله -ربهما وسيدهما. فآمن الزنديق على يدي أبي عبد الله علیه السلام. فقال له حمران ابن أعين: جعلت فداك، إن آمنت الزنادقة على يديك فقد آمنت الكفار على يدي أبيك. فقال المؤمن الذي آمن على يدي أبي عبد الله علیه السلام: اجعلني من تلامذتك. فقال أبو عبد الله لهشام بن الحكم: خذه إليك فعلمه. فعلمه هشام، فكان معلم أهل مصر وأهل الشام، وحسنت طهارته حتى رضي بها أبو عبد الله علیه السلام(1)
[7] -3- علي بن إبراهيم عن أبيه عن عباس بن عمرو الفقيمي عن هشام ابن الحكم في حديث الزنديق الذي أتى أبا عبد الله علیه السلام، وكان من قول أبي عبد الله علیه السلام: لا يخلو قولك: «إنهما اثنان» من أن يكونا قديمين قويين، أو يكونا ضعيفين، أو يكونا أحدهما قوياً والآخر ضعيفاً؛ فإن كانا قويين فلم لا يدفع كل واحد منهما صاحبه، ويتفرد بالتدبير؟! وإن زعمت أن أحدهما قوي والآخر ضعيف ثبت أنه واحد كما نقول؛ للعجز الظاهر في الثاني. فإن قلت: إنهما اثنان، لم يخل من أن يكونا متفقين من كل جهة أو مفترقين من كل جهة. فلما رأينا الخلق منتظماً، والفلك جارياً، والتدبير واحداً، والليل والنهار
ص: 42
والشمس والقمر، دل صحة الأمر والتدبير وائتلاف الأمر على أن المدبر واحد. ثم يلزمك، إن ادعيت اثنين، فرجة ما بينهما حتى يكونا اثنين، فصارت الفرجة ثالثاً بينهما قديماً معهما، فيلزمك ثلاثة. فإن ادعيت ثلاثة لزمك ما قلت في الاثنين حتى تكون بينهم فرجة فيكونوا خمسة، ثم يتناهى في العدد إلى ما لا نهاية له في الكثرة.
قال هشام: فكان من سؤال الزنديق أن قال: فما الدليل عليه؟ فقال أبو عبد الله علیه السلام: وجود الأفاعيل دلت على أن صانعاً صنعها. ألا ترى أنك إذا نظرت إلى بناء مشيد مبني علمت أن له بانياً وإن كنت لم تر الباني ولم تشاهده؟! قال: فما هو؟ قال: شيء بخلاف الأشياء. أرجع بقولي إلى إثبات معنى، وأنه شيء بحقيقة الشيئية، غير أنه لا جسم ولا صورة، ولا يحس ولا يجس، ولا يدرك بالحواس الخمس، لا تدركه الأوهام، ولا تنقصه الدهور، ولا تغيره الأزمان.(1)
[8] - 4 - عن هشام بن الحكم قال: دخل ابن أبي العوجاء على الصادق علیه السلام، فقال له الصادق علیه السلام : يا ابن العوجاء، أمصنوع أنت أم غير مصنوع؟ قال: لست بمصنوع. فقال له الصادق علیه السلام: فلو كنت مصنوعاً كيف
ص: 43
كنت تكون؟ فلم يحر ابن أبي العوجاء جواباً، وقام وخرج.(1)
[9] - 5 - الدقاق عن الأسدي عن الحسين بن المأمون القرشي عن عمر ابن عبد العزيز عن هشام بن الحكم قال: قال لي أبو شاكر الديصاني: إن لي مسألة تستأذن لي على صاحبك، فإني قد سألت عنها جماعة من العلماء فما أجابوني بجواب مشبع. فقلت: هل لك أن تخبرني بها؟ فلعل عندي جواباً ترتضيه، فقال: إني أحب أن ألقى بها أبا عبد الله علیه السلام. فاستأذنت له فدخل، فقال له: أتأذن لي في السؤال؟ فقال له: سل ما بدا لك، فقال له: ما الدليل على أن لك صانعاً؟ فقال: وجدت نفسي لا تخلو من إحدى جهتين؛ إما أن أكون صنعتها أنا؛ فلا أخلو من أحد معنيين: إما أن أكون صنعتها وكانت موجودة، أو صنعتها وكانت معدومة؛ فإن كنت صنعتها وكانت موجودة فقد استغنيت بوجودها عن صنعتها، وإن كانت معدومة فإنك تعلم أن المعدوم لا يحدث شيئاً، فقد ثبت المعنى الثالث أن لي صانعاً وهو الله رب العالمين، فقام وما أحار جواباً(2).
ص: 44
[10] - 6- أحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن ابن أبي ي عمير عن هشام بن الحكم، قال: دخل أبو شاكر الديصاني على أبي عبد الله الصادق علیه السلام فقال له: إنك أحد النجوم الزواهر، وكان آباؤك بدوراً بواهر، وأمهاتك عقيلات عباهر، وعنصرك من أكرم العناصر، وإذا ذكر العلماء فبك تثنى الخناصر، فخبرني أيها البحر الخضم الزاخر، ما الدليل على حدوث العالم؟ فقال الصادق علیه السلام: يستدل عليه بأقرب الأشياء. قال: وما هو؟ قال: فدعا الصادق علیه السلام ببيضة، فوضعها على راحته، ثم قال: هذا حصن ملموم، داخله غرقی رقیق، تطيف به فضة سائلة، وذهبة مائعة، ثم تنفلق عن مثل الطاووس، أدخلها شيء؟ قال: لا. قال: فهذا الدليل على حدوث العالم. قال: أخبرت فأوجزت وقلت فأحسنت، وقد علمت أنا لا نقبل إلا ما أدركناه بأبصارنا أو سمعناه بآذاننا، أو لمسناه بأكفنا، أو شممناه بمناخرنا، أو ذقناه بأفواهنا، أو تصور في القلوب بياناً، واستنبطته الروايات إيقاناً. فقال الصادق علیه السلام: ذكرت الحواس
ص: 45
الخمس وهي لا تنفع شيئاً بغير دليل، كما لا تقطع الظلمة بغير مصباح(1)
[11] -7- روي عن هشام بن الحكم أنه قال: من سؤال الزنديق الذي أتى أبا عبد الله علیه السلام قال (أي الزنديق): فمن أين قالوا إن الأشياء أزلية؟ قال علیه السلام: هذه مقالة قومِ جحدوا مدبر الأشياء، فكذبوا الرسل ومقالتهم، والأنبياء وما أنبأوا عنه، وسموا كتبهم أساطير، ووضعوا لأنفسهم ديناً بآرائهم واستحسانهم. إن الأشياء تدل على حدوثها من دوران الفلك بما فيه - وهي سبعة أفلاك - و تحرك الأرض ومن عليها، وانقلاب الأزمنة، واختلاف الوقت، والحوادث التي تحدث في العالم من زيادة ونقصان، وموت وبلى، واضطرار النفس إلى الإقرار بأن لها صانعاً ومدبراً، ألا ترى الخل-و يصير حامضاً، والغذب مراً، والجديد بالياً، وكل تغير وفناء؟!(2)
[12] - 8 - قال (أي الزنديق): أخبرني أيها الحكيم، ما بال السماء لا ينزل منها إلى الأرض أحد، ولا يصعد من الأرض إليها بشر، ولا طريق إليها ولا مسلك؟! فلو نظر العباد في كل دهر مرة من يصعد إليها وينزل لكان ذلك أثبت في الربوبية وأنفى للشك وأقوى لليقين، وأجدر أن يعلم العباد أن هناك مدبراً إليه يصعد الصاعد، ومن عنده يهبط الهابط!
ص: 46
قال علیه السلام : إن كل ما ترى في الأرض من التدبير إنما هو ينزل من السماء ومنها يظهر، أما ترى الشمس منها تطلع وهي نور النهار، وفيها قوام الدنيا، ولو حبست حار من عليها وهلك. والقمر منها يطلع وهو نور الليل، وبه يعلم عدد السنين والحساب والشهور والأيام، ولو حبس لحار من عليها وفسد التدبير. وفي السماء النجوم التي يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، ومن السماء ينزل الغيث الذي فيه حياة كل شيء، من الزرع والنبات والأنعام وكل الخلق، لو حبس عنهم لما عاشوا. والريح لو حبست لفسدت الأشياء جميعاً وتغيرت. ثم الغيم والرعد والبرق والصواعق، كل ذلك إنما هو دليل على أنّ هناك مدبراً يدبر كل شيء ومن عنده ينزل. وقد كلم الله موسى وناجاه، ورفع الله عيسى بن مريم، والملائكة تنزل من عنده، غير أنك لا تؤمن بما لم تره بعينك، وفيما تراه بعيك كفاية إن تفهم وتعقل.
قال: فلو أن الله رد إلينا من الأموات في كل مائة عام واحداً لنسأله عمن مضى منا إلى ما صاروا وكيف حالهم، وماذا لقوا بعد الموت، وأي شيء صنع لعمل الناس على اليقين، واضمحل الشك، وذهب الغل عن القلوب!
قال: إن هذه مقالة من أنكر الرسل وكذبهم، ولم يصدق بما جاؤوا به من عند الله، إذ أخبروا وقالوا: إن الله أخبرنا في كتابه عز وجل على لسان أنبيائه حال من مات منا، أفيكون أحد أصدق من الله قولاً ومن رسله؟!
وقد رجع إلى الدنيا ممن مات خلق كثير، منهم «أصحاب الكهف»، أماتهم الله ثلاثمائة عام وتسعة، ثم بعثهم في زمان قوم أنكروا البعث، ليقطع حجتهم، وليريهم قدرته، وليعلموا أن البعث حق. وأمات الله «أرمياء» النبي علیه السلام الذي
ص: 47
نظر إلى خراب بيت المقدس وما حوله حين غزاهم بخت نصر وقال: «أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مئة عام» ثم أحياه، ونظر إلى أعضائه كيف تلتئم وكيف تلبس اللحم، وإلى مفاصله وغروقه كيف توصل، فلما استوى قاعداً قال: «أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».(1)
وأحيا الله قوماً خرجوا عن أوطانهم هاربين من الطاعون لا يحصى عددهم، وأماتهم الله دهراً طويلاً حتى بليت عظامهم، وتقطعت أوصالهم وصاروا تراباً، فبعث الله في وقت أحب أن يري خلقه قدرته، نبياً يقال له: «حزقیل» فدعاهم، فاجتمعت أبدانهم، ورجعت فيها أرواحهم، وقاموا كهيئة يوم ماتوا، لا يفقدون من أعدادهم رجلاً، فعاشوا بعد ذلك دهراً طويلاً.
وإن الله أمات قوماً مع موسى علیه السلام حين توجه إلى الله فقالوا: «أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً»(2) فأماتهم الله ثم أحياهم(3)
[13] - 9- قال (أي الزنديق): فأخبرني عمن يزعم أن الخلق لم يزل يتناسلون ويتوالدون، ويذهب قرن ويجيء قرن، وتفنيهم الأمراض والأعراض وصنوف الآفات، ويخبرك الآخر عن الأول، وينبئك الخلف الأول، وينبئك الخلف عن السلف والقرون عن القرون أنهم وجدوا الخلق على هذا الوصف بمنزلة الشجر والنبات، في كل دهر يخرج منه حكيم عليم بمصلحة الناس، بصير بتأليف الكلام، ويصنف كتاباً قد حبره بفطنته، وحسنه بحكمته، قد جعله حاجزاً بين
ص: 48
الناس، يأمرهم بالخير ويحثهم عليه، وينهاهم عن السوء والفساد ويزجرهم عنه، لئلا يتهارشوا، ولا يقتل بعضهم بعضاً؟
قال علیه السلام: ويحك ! إن من خرج من بطن أمه أمس ويرحل عن الدنيا غداً لا علم له بما كان قبله ولا ما يكون بعده. ثم إنه لا يخلو الإنسان من أن يكون خلق نفسه أو خلقه غيره أو لم يزل موجوداً. فما ليس بشيء ليس يقدر أن يخلق شيئاً، وهو ليس بشيء، وكذلك ما لم يكن فيكون شيئاً، يسأل فلا يعلم كيف كان ابتداؤه. ولو كان الإنسان أزليا لم تحدث فيه الحوادث؛ لأن الأزلي لا تغيره الأيام، ولا يأتي عليه الفناء، مع أنا لم نجد بناء من غير بان، ولا أثراً من غير مؤثر، ولا تأليفاً من غير مؤلف. فمن زعم أن أباه خلقه، قيل: فمن خلق أباه؟ ولو أن الأب هو الذي خلق ابنه لخلقه على شهوته، وصوره على محبته، ولملك حياته، ولجاز فيه حكمه، ولكنه إن مرض فلم ينفعه، وإن مات فعجز عن رده، إن من استطاع أن يخلق خلقاً، وينفخ فيه روحاً حتى يمشي على رجليه سوياً، يقدر أن يدفع عنه الفساد (1)
[14] - 1 - ابن الوليد عن الصفار عن ابن عيسى عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام: ما الدليل على أن الله واحد؟ قال: اتصال التدبير وتمام الصنع، كما قال عز وجل: «لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا
ص: 49
اللَّهُ لَفَسَدَتَا»(1).
[15] -2 - علي بن إبراهيم عن أبيه عن أبي عمير عن هشام بن الحكم قال: قال أبو شاكر الديصاني: إن في القرآن آية هي قولنا! قلت: ما هي ؟ فقال: «وَ هُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَ فِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ ۚ»، فلم أدر بما أجيبه، فحججت فخبرت أبا عبد الله علیه السلام، فقال: هذا كلام زنديق خبيث، إذا رجعت إليه فقل له: ما اسمك بالكوفة؟ فإنه يقول: فلان، فقل له: ما اسمك بالبصرة؟ فإنه يقول: فلان. فقل له: كذلك الله ربنا في السماء إله وفي الأرض إله، وفي البحار إله، وفي القفار إله، وفي كل مكان إله. قال: فقدمت فأتيت أبا شاكر فأخبرته، فقال هذه نقلت من الحجاز!(2)
[16] -3 - سعد عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إن بنانا والسري وبزيعاً - لعنهم الله - تراءى لهم الشيطان في أحسن ما يكون صورة آدمي من قرنه إلى سرته. قال: قلت: إن بناناً يتأول هذه الآية «وَ هُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَ فِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ» أن الذي في الأرض غير إله السماء، وإله السماء غير إله الأرض، وأن إله السماء أعظم من إله الأرض، وأن أهل الأرض يعرفون فضل إله السماء، ويعظمونه، فقال علیه السلام: والله ما هو إلا الله وحده لا شريك له،
ص: 50
إله في السماوات، وإله في الأرضين؛ كذب بنان عليه لعنة الله، لقد صغر الله جل جلاله، وصغر عظمته.(1)
[17] -4 - قال (أي الزنديق): أيها الحكيم، فما تقول فيمن زعم أن هذا التدبير الذي يظهر في العالم تدبير النجوم السبعة ؟
قال علیه السلام: يحتاجون إلى دليل أن هذا العالم الأكبر والعالم الأصغر من تدبير النجوم التي تسبح في الفلك، وتدور حيث دارت متعبة لا تفتر، وسائرة لا تقف
ثم قال: وإن لكل نجم منها موكلاً مدبراً، فهي بمنزلة العبيد المأمورين المنهيين، فلو كانت قديمة أزلية لم تتغير من حال إلى حال(2).
[18] - 5 - قال (أي الزنديق): ومن زعم أن الله لم يزل ومعه طينة موذية، فلم يستطع التفصي منها إلا بامتزاجه بها ودخوله فيها، فمن تلك الطينة خلق الأشياء!!
قال علیه السلام: سبحان الله تعالى! ما أعجز إلها يوصف بالقدرة لا يستطيع التفصي(3) من الطينة! إن كانت الطينة حية أزلية، فكانا إلهين قديمين فامتزجا ودبرا العالم من أنفسهم، فإن كان ذلك كذلك، فمن أين جاء الموت والفناء؟! وإن كانت الطينة ميتة فلا بقاء للميت مع الأزلي القديم، والميت لا يجيء منه
ص: 51
حي.
وهذه مقالة الديصانية، أشد الزنادقة قولاً وأمهنهم مثلاً، نظروا في كتب قد صنفها أوائلهم، وحبروها لهم بألفاظ مزخرفة من غير أصل ثابت، ولا حجة توجب إثبات ما ادعوا، كل ذلك خلافاً على الله وعلى رسله وتكذيباً بما جاؤوا عن الله تعالى.
فأما من زعم أن الأبدان ظلمة والأرواح نور، وأن النور لا يعمل الشر والظلمة لا تعمل الخير، فلا يجب عليهم أن يلوموا أحداً على معصية، ولا ركوب حرمة، ولا إتيان فاحشة، وإن ذلك على الظلمة غير مستنكر؛ لأن ذلك فعلها، ولا له أن يدعو رباً، ولا يتضرع إليه؛ لأن النور رب، والرب لا يتضرع إلى نفسه، ولا يستعبد بغيره، ولا لأحد من أهل هذه المقالة أن يقول: «أحسنت» يا محسن أو «أسأت»؛ لأن الإساءة من فعل الظلمة وذلك فعلها، والإحسان من النور، ولا يقول النور لنفسه: أحسنت يا محسن، وليس هناك ثالث، وكانت الظلمة - على قياس قولهم - أحكم فعلاً وأتقن تدبيراً وأعز أركاناً من النور؛ لأن الأبدان محكمة، فمن صور هذا الخلق صورة واحدة على نعوت مختلفة؟! وكل شيء يرى ظاهراً من الزهر والأشجار والثمار والطير والدواب، يجب أن يكون إلها، ثم حبست النور في حبسها والدولة لها.
وأما ما ادعوا بأن العاقبة سوف تكون للنور فدعوى، وينبغي - على قياس قولهم - أن لا يكون للنور فعل؛ لأنه أسير وليس له سلطان فلا فعل له ولا تدبير. وإن كان له مع الظلمة تدبير فما هو بأسير بل هو مطلق عزيز، فإن لم یكن كذلك وكان أسير الظلمة فأنه يظهر في هذا العالم إحسان وخير مع
ص: 52
فساد وشر، فهذا يدل على أن الظلمة تحسين الخير وتفعله، كما تحسن الشر وتفعله. فإن قالوا: محال ذلك، فلا نور يثبت ولا ظلمة، وبطلت دعواهم، ورجع الأمر إلى أن الله واحد، وما سواه باطل، فهذه مقالة ماني الزنديق وأصحابه.
وأما من قال: النور والظلمة بينهما حكم، فلا بد من أن يكون أكبر الثلاثة الحكم؛ لأنه لا يحتاج إلى الحاكم إلا مغلوب أو جاهل أو مظلوم، وهذه مقالة المانوية، والحكاية عنهم تطول.(1)
[19] -1- علي بن إبراهيم عن أبيه عن العباس بن عمرو الفقيمي عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام أنه قال للزنديق حين سأله: ما هو؟ قال: هو شيء بخلاف الأشياء. أرجع بقولي إلى إثبات معنى وأنه شيء بحقيقة الشيئية، غير أنه لا جسم ولا صورة ولا يحس ولا يجس، ولا يدرك بالحواس الخمس. لا تدركه الأوهام، ولا تنقصه الدهور، ولا تغيره الأزمان. فقال له السائل: فتقول إنه سميع بصير؟
قال: هو سميع بصير، سميع بغير جارحة، وبصير بغير آله، بل يسمع بنفسه، ويبصر بنفسه. ليس قولي: «إنه سميع يسمع بنفسه وبصير يبصر بنفسه» أنه شيء والنفس شيء آخر. ولكن أردت عبارة عن نفسي إذ كنت مسؤولاً، وإفهاماً لك إذ كنت سائلاً. فأقول: إنه سميع بكله، لا أن الكل منه له
ص: 53
بعض، ولكني أردت إفهامك، والتعبير عن نفسي. وليس مرجعي في ذلك إلا إلى أنه السميع البصير العالم الخبير، بلا اختلاف الذات، ولا اختلاف المعنى. قال له السائل فما هو؟
قال أبو عبد الله علیه السلام : هو الرب وهو المعبود، وهو الله. وليس قولي «الله» إثبات هذه الحروف: ألف ولام وهاء ولا راء ولا باء. ولكن أرجع إلى معنى وشيء خالق الأشياء وصانعها، ونعت هذه الحروف وهو المعنى، سمي به الله والرحمن والرحيم والعزيز وأشباه ذلك من أسمائه، وهو المعبود جل وعز قال له السائل: فإنا لم نجد موهوماً إلا مخلوقاً.
قال أبو عبد الله علیه السلام : لو كان ذلك كما تقول لكان التوحيد عنا مرتفعاً؛ لأنا لم نكلف غير موهوم، ولكنا نقول كل موهوم بالحواس مدرك بها تحده الحواس وتمثله فهو مخلوق، إذ كان النفي هو الإبطال والعدم. والجهة الثانية: التشبيه، إذ كان التشبيه هو صفة المخلوق الظاهر التركيب والتأليف، فلم يكن بد من إثبات الصانع لوجود المصنوعين، والاضطرار منهم إليه أثبت أنهم مصنوعون، وأن صانعهم غيرهم وليس مثلهم، إذ كان مثلهم شبيهاً بهم في ظاهر التركيب والتأليف، وفيما يجري عليهم من حدوثهم بعد أن لم يكونوا، وتنقلهم من صغر إلى كبر، وسواد إلى بياض، وقوة إلى ضعف، وأحوال موجودة لا حاجة بنا إلى تفسيرها لبيانها ووجودها قال له السائل: فقد حددته إذ أثبت وجوده.
قال أبو عبد الله علیه السلام: لم أحده ولكني أثبته، إذ لم يكن بين النفي والإثبات منزلة. قال له السائل: فله إنية ومائية؟
ص: 54
قال: نعم. لا يثبت الشيء إلا بإنية ومائية. قال له السائل: فله كيفية؟
قال: لا، لأن الكيفية جهة الصفة والإحاطة، ولكن لا بد من الخروج من جهة التعطيل والتشبيه؛ لأن من نفاه فقد أنكره ودفع ربوبيته وأبطله، ومن شبهه بغيره فقد أثبته بصفة المخلوقين المصنوعين الذين لا يستحقون الربوبية. ولكن لا بد من إثبات أن له كيفية لا يستحقها غيره ولا يشارك فيها، ولا يحاط به-ا ولا يعلمها غيره. قال السائل: فيعاني الأشياء بنفسه؟
قال أبو عبد الله علیه السلام: هو أجل من أن يعاني الأشياء بمباشرة ومعالجة؛ لأنّ ذلك صفة المخلوق الذي لا تجيء الأشياء له إلا بالمباشرة والمعالجة، وهو متعال نافذ الإرادة والمشيئة، فعال لما يشاء (1)
[2ه] -2- ... قال (أي الزنديق): أمختلف هو أم مؤتلف؟ قال علیه السلام: لا يليق به الاختلاف ولا الايتلاف، وإنما يختلف المتجزي، ويأتلف المتبعض، فلا يقال له: مؤتلف ولا مختلف.
قال (أي الزنديق): فكيف هو الله الواحد؟ قال علیه السلام: واحد في ذاته، فلا واحد كواحد؛ لأن ما سواه من الواحد متجزي، وهو تبارك وتعالى واحد لا
ص: 55
يتجزى، ولا يقع عليه العد(1)
[21] - 3- ... قال علیه السلام: إن أصحاب التناسخ قد خلفوا وراءهم منهاج الدين، وزينوا لأنفسهم الضلالات، وأمرجوا أنفسهم في الشهوات، وزعموا أن السماء خاوية ما فيها شيء مما يوصف، وأن مدبر هذا العالم في صورة المخلوقين، بحجة من روى أن الله عز وجل خلق آدم على صورته...(2)
[22] -1- الدقاق عن أبي القاسم العلوي عن البرمكي عن الحسين بن الحسن عن إبراهيم بن هاشم القمي عن العباس بن عمرو الفقيمي عن هشام ابن الحكم، في حديث الزنديق الذي أتى أبا عبد الله علیه السلام قال: سأله عن قوله «الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى»(3)، قال أبو عبد الله علیه السلام: بذلك وصف نفسه، وكذلك هو مستول على العرش، بائن من خلقه، من غير أن يكون العرش حاملاً له، ولا أن يكون العرش حاوياً له، ولا أن العرش محتاز له، ولكنا نقول هو حامل العرش، وممسك العرش، ونقول: من ذلك ما قال: «وَسِعَ کُرْسِیُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ»(4) فثبتنا من العرش والكرسي ما ثبته، ونفينا أن يكون
ص: 56
العرش أو الكرسي حاوياً له، وأن يكون عز وجل محتاجاً إلى مكان، أو إلى شيء مما خلق؛ بل خلقه محتاجون إليه.
قال السائل: فما الفرق بين أن ترفعوا أيديكم إلى السماء وبين أن تخفضوها نحو الأرض؟
قال أبو عبد الله علیه السلام : ذلك في علمه وإحاطته وقدرته سواء، ولكنه عزوجل أمر أولياءه وعباده برفع أيديهم إلى السماء نحو العرش؛ لأنه جعله معدن الرزق، فتبتنا ما ثبته القرآن والأخبار عن الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: ارفعوا أيديكم إلى الله عز وجل. وهذا يجمع عليه فرق الأمة كلها.
قال السائل: فتقول إنه ينزل إلى السماء الدنيا؟ قال أبو عبد الله علیه السلام: نقول ذلك؛ لأن الروايات قد صحت به والأخبار. قال السائل: وإذا نزل أليس قد حال عن العرش، وحوله عن العرش انتقال؟ قال أبو عبد الله علیه السلام: ليس ذلك على ما يوجد من المخلوق الذي ينتقل باختلاف الحال عليه والملالة والسأمة، وناقل ينقله ويحوله من حال إلى حال؛ بل هو تبارك وتعالى لا يحدث عليه الحال، ولا يجري عليه الحدوث، فلا يكون نزوله کنزول المخلوق الذي متى تنحى عن مكان خلا منه المكان الأول، ولكنه ينزل إلى سماء الدنيا بغير معاناة ولا حركة، فيكون هو كما في السماء السابعة على العرش كذلك هو في سماء الدنيا؛ إنما يكشف عن عظمته، ويري أولياءه نفسه حيث شاء، ويكشف ما شاء من قدرته، ومنظره في القرب والبعد سواء(1)
ص: 57
[23] -2- ومن سؤال الزنديق الذي سأل أبا عبد الله علیه السلام عن مسائل كثيرة أنه قال: كيف يعبد الله الخلق ولم يروه؟ قال: رأته القلوب بنور الإيمان، وأثبتته العقول بيقظتها إثبات العيان، وأبصرته الأبصار بما رأته من حسن التركيب وإحكام التأليف، ثم الرسل وآياتها والكتب ومحكماتها، اقتصرت العلماء على ما رأت من عظمته دون رؤيته.
قال: أليس هو قادر أن يظهر لهم حتى يروه فيعرفونه فيعبد على يقين؟ قال: ليس للمحال جواب (1)
[24] -1- علي بن إبراهيم عن أبيه عن النضر بن سويد عن هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن أسماء الله واشتقاقها: الله مما هو مشتق؟ قال: فقال لي: يا هشام، الله مشتق من أله، والإله يقتضي مألوها، والاسم غير المسمى، فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر، ولم يعبد شيئاً، ومن عبد الاسم والمعنى فقد كفر وعبد اثنين، ومن عبد المعنى دون الاسم فذاك التوحيد، أفهمت يا هشام؟ قال: فقلت: زدني. قال: إن لله تسعة وتسعين اسماً، فلو كان الاسم هو المسمى لكان كل اسم منها إلها، ولكن الله معنى يدل عليه بهذه الأسماء، وكلها غيره. يا هشام، الخبز اسم للمأكول، والماء اسم للمشروب، والثوب اسم للملبوس، والنار اسم للمحرق؛ أفهمت يا هشام فهماً
ص: 58
تدفع به وتناضل به أعداءنا والمتخذين مع الله جل وعز غيره؟! قلت: نعم. قال: فقال: نفعك الله به وثبتك يا هشام. قال هشام: فوالله ما قهرني أحد في التوحيد حتى قمت مقامي هذا(1)
[25] -2- علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس عن هشام بن الحكم قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن سبحان الله، فقال: أنفة لله(2)
[26] قال (أي الزنديق): الكرسي أكبر أم العرش؟
قال لیه السلام: كل شيء خلقه الله في جوف الكرسي، ما خلا عرشه؛ فإنه أعظم من أن يحيط به الكرسي.
قال: فخلق النهار قبل الليل ؟
قال علیه السلام: خلق النهار قبل الليل والشمس قبل القمر، والأرض قبل السماء
ص: 59
ووضع الأرض على الحوت، والحوت في الماء، والماء في صخرة مجوفة، والصخرة على عاتق ملك، والملك على الثرى، والثرى على الريح العقيم، والريح على الهواء، والهواء تمسكه القدرة، وليس تحت الريح العقيم إلا الهواء والظلمات، ولا وراء ذلك سعة ولا ضيق ولا شيء يتوهم، ثم خلق الكرسي فحشاه السماوات والأرض؛ والكرسي أكبر من كل شيء خلقه الله، ثم خلق العرش فجعله أكبر من الكرسي(1)
[27] قال (أي الزنديق): أخبرني عن الله عز وجل كيف لم يخلق الخلق كلهم مطيعين موحدين وكان على ذلك قادراً ؟
قال علیه السلام: لو خلقهم مطيعين لم يكن لهم ثواب؛ لأن الطاعة إذا ما كانت فعلهم لم يكن جنة ولا نار، ولكن خلق خلقه فأمرهم بطاعته، ونهاهم عن معصيته، واحتج عليهم برسله، وقطع عذرهم بكتبه، ليكونوا هم الذين يطيعون ويعصون، ويستوجبون بطاعتهم له الثواب وبمعصيتهم إياه العقاب(2)
[28] علي بن إبراهيم عن أبيه عن العباس بن عمرو عن هشام بن الحكم في حديث الزنديق الذي سأل أبا عبد الله علیه السلام فكان من سؤاله أن قال له فله
ص: 60
رضا وسخط؟ فقال أبو عبد الله علیه السلام: نعم، ولكن ليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين؛ وذلك أن الرضا حال تدخل عليه فتنقله من حال إلى حال؛ لأنّ المخلوق أجوف معتمل مركب، للأشياء فيه مدخل؛ وخالقنا لا مدخل للأشياء فيه، لأنه واحد، واحدي الذات واحدي المعنى؛ فرضاه ثوابه وسخطه عقابه من غير شيء يتداخله فيهيجه وينقله من حال إلى حال؛ لأن ذلك من صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين (1)
[29] - 1- الدقاق عن الأسدي عن النخعي عن النوفلي عن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام قال: العلم هو من كماله(2)
[30] -2- أبي عن سعد عن ابن هاشم عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن الصيقل عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إن الله علم لا جهل فيه، حياة لا
ص: 61
موت فيه، نور لا ظلمة فيه(1)
[31] -3- حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن عيسى عن ابن أبي عن هشام ابن الحكم عن عيسى بن أبي منصور عن جابر الجعفي عن أبي جعفر علیه السلام قال: سمعته يقول: إن الله نور لا ظلمة فيه، وعلم لا جهل فيه، وحياة لا موت فيه (2)
[32] -4- عن هشام بن الحكم، أنه سأل الزنديق الصادق علیه السلام، فقال: فلم يزل صانع العالم عالماً بالأحداث التي أحدثها قبل أن يحدثها ؟ قال علیه السلام: لم يزل يعلم فخلق ما علم(3)
[33] - 5 - قال (أي الزنديق): فخلق الخلق للرحمة أم للعذاب ؟
قال علیه السلام: خلقهم للرحمة، وكان في علمه قبل خلقه إياهم أن قوماً منهم يصيرون إلى عذابه بأعمالهم الردية وجحدهم به.
قال (أي الزنديق): فما السعادة وما الشقاوة؟ قال علیه السلام: السعادة سبب الخير، تمسك به السعيد فيجره إلى النجاة، والشقاوة سبب خذلان، تمسك به الشقي
ص: 62
فيجره إلى الهلكة، وكل يعلم الله(1)
[34] ثم قال الزنديق:من أي شيء خلق الله الأشياء؟ قال علیه السلام: لا من شيء. فقال: كيف يجيء من لا شيء شيء؟
قال علیه السلام: إن الأشياء لا تخلو إما أن تكون خلقت من شيء أو من غير شيء، فإن كان خلقت من شيء كان معه فإن ذلك الشيء قديم، والقديم لا يكون حديثاً ولا يفنى ولا يتغير. ولا يخلو ذلك الشيء من أن يكون جوهراً واحداً ولوناً واحداً، فمن أين جاءت هذه الألوان المختلفة والجواهر الكثيرة الموجودة في هذا العالم من ضروب شتى؟ ومن أين جاء الموت إن كان الشيء الذي أنشئت منه الأشياء حياً؟ ومن أين جاءت الحياة إن كان ذلك الشيء ميتاً ؟! ولا يجوز أن يكون من حي وميت قديمين لم يزالا، لأن الحي لا يجيء منه ميت وهو لم يزل حياً، ولا يجوز أيضاً أن يكون الميت قديماً لم يزل لما هو به من الموت، لأن الميت لا قدرة له ولا بقاء(2)
[35] قال (أي الزنديق): فما تقول في علم النجوم ؟
قال علیه السلام: هو علم قلت منافعه، وكثرت مضراته؛ لأنه لا يدفع به المقدور،
ص: 63
ولا يتقى به المحذور. إن المنجم بالبلاء لم ينجه التحرز من القضاء، إن أخبر هو بخير لم يستطع تعجيله، وإن حدث به سواء لم يمكنه صرفه، والمنجم يضاد الله في علمه، بزعمه أن يرد قضاء الله خلقه(1)
[36] قال (أي الزنديق): يعذب من أنكر فاستوجب عذابه بإنكاره، فبم يعذب من وحده وعرفه؟
قال علیه السلام: يعذب المنكر لإلهيته عذاب الأبد، ويعذب المقر به عذاب عقوبة لمعصيته إياه فيما فرض عليه ثم يخرج، ولا يظلم ربك أحداً(2).
[37] -1- قال (أي الزنديق): فأخبرني عن الله: أله شريك في ملكه، أو مضاد له في تدبيره؟ قال: لا.
قال علیه السلام : فما هذا الفساد الموجود في العالم: من سباع ضارية، وهوام مخوفة، وخلق كثير مشوهة، ودود وبعوض وحيات وعقارب. وزعمت أنه لا يخلق شيئاً إلا لعلة؛ لأنه لا يعبث؟!
قال: ألست تزعم أن العقارب تنفع من وجع المثانة والحصاة، ولمن يبول في الفراش، وأن أفضل الترياق ما عولج من لحوم الأفاعي، فإن لحومها إذا أكلها المذموم بشب نفعه، وتزعم: أن الدود الأحمر الذي يصاب تحت الأرض نافع للأكلة؟ قال: نعم.
ص: 64
قال علیه السلام: فأما البعوض والبق: فبعض سببه أنه جعله أرزاق الطير، وأهان بها جباراً تمرد على الله وتجبر، وأنكر ربوبيته، فسلط الله عليه أضعف خلقه ليريه به قدرته وعظمته، وهي البعوض، فدخلت في منخره حتى وصلت إلى دماغه فقتله وأعلم أنا لو وقفنا على كل شيء خلقه الله تعالى لم خلقه ولأي شيء أنشأه؟ لكنا قد ساوينا في علمه وعلمنا كل ما يعلم واستغنينا عنه، وكنا وهو في العلم سواء.
قال: فأخبرني هل يعاب شيء من خلق الله وتدبيره ؟ قال علیه السلام: لا.
قال: فإن الله خلق خلقه غرلاً، أذلك منه حكمة أم عبث؟ قال علیه السلام: بل منه حكمة.
قال: غيرتم خلق الله، وجعلتم فعلكم في قطع الغلفة أصوب مما خلق الله لها، وعبتم الأغلف والله خلقه، ومدحتم الختان وهو فعلكم. أم تقولون إن ذلک من الله كان خطأ غير حكمة؟!
قال علیه السلام: ذلك من الله حكمة وصواب، غير أنه سن ذلك وأوجبه على خلقه، كما أن المولود إذا خرج من بطن أمه وجدنا سرته متصلة بسرة أمه، كذلك خلقها الحكيم فأمر العباد بقطعها، وفي تركها فساد بين للمولود والأم، وكذلك أظفار الإنسان أمر إذا طالت أن تقلم، وكان قادراً يوم دبر خلق الإنسان أن يخلقها خلقة لا تطول، وكذلك الشعر من الشارب والرأس، يطول فيجز، وكذلك الثيران خلقها الله فحولة وإخصاؤها أوفق، وليس في ذلك عیب في تقدير الله عز وجل(1)
ص: 65
[38] -2- قال (أي الزنديق): فلأي علة خلق الخلق وهو غير محتاج إليهم، ولا مضطر إلى خلقهم، ولا يليق به التعبث بنا؟
قال علیه السلام: خلقهم لإظهار حكمته وإنفاذ علمه وإمضاء تدبيره.
قال: أفمن حكمته أن جعل لنفسه عدواً وقد كان ولا عدو له، فخلق كما زعمت إبليس فسلطه على عبيده يدعوهم إلى خلاف طاعته، ويأمرهم بمعصيته، وجعل له من القوة كما زعمت ما يصل بلطف الحيلة إلى قلوبهم، فيوسوس إليهم فيشككهم في ربهم، ويلبس عليهم دينهم، فيزيلهم عن معرفته، حتى أنكر قوم - لما وسوس إليهم - ربوبيته وعبدوا سواه، فلم سلط عدوه على عبيده، وجعل له السبيل إلى إغوائهم؟
قال علیه السلام: إن هذا العدو الذي ذكرت لا تضره عداوته ولا تنفعه ولايته. وعداوته لا تنقص من ملکه شيئاً وولايته لا تزيد فيه شيئاً، وإنما يتقى العدو إذا كان في قوة يضر وينفع، إن هم بملك أخذه أو بسلطان قهره، فأما إبليس فعبد، خلقه ليعبده ويوحده، وقد علم حين خلقه ما هو وإلى ما يصير إليه فلم يزل يعبده مع ملائكته حتى امتحنه بسجود آدم، فامتنع من ذلك حسداً وشقاوة غلبت عليه، فلعنه عند ذلك، وأخرجه عن صفوف الملائكة، وأنزله إلى الأرض ملعوناً مدحوراً، فصار عدو آدم وولده بذلك السبب، ما له من السلطة على ولده إلا الوسوسة، والدعاء إلى غير السبيل، وقد أقر مع معصيته لربه بربوبيته(1)
ص: 66
[39] -1- علي بن إبراهيم عن أبيه عمن ذكره، عن يونس بن يعقوب، قال: كنت عند أبي عبد الله علیه السلام فورد عليه رجل من أهل الشام فقال: إني رجل صاحب كلام وفقه وفرائض، وقد جئت لمناظرة أصحابك، فقال أبو عبد الله علیه السلام: كلامك من كلام رسول اللہ صلى الله عليه وسلم أو من عندك ؟ فقال: من كلام رسول اللہ صلى الله عليه وسلم ومن عندي. فقال أبو عبد الله علیه السلام: فأنت إذا شريك رسول اللہ صلى الله عليه وسلم! قال: لا، قال: فسمعت الوحي عن الله عز وجل يخبرك ؟ قال: لا. قال: فتجب طاعتك كما تجب طاعة رسول اللہ صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا، فالتفت أبو عبد الله علیه السلام إلي فقال: يا يونس بن يعقوب، هذا قد خصم نفسه قبل أن يتكلم! ثم قال: يا يونس، لو كنت تحسن الكلام كلمته. قال يونس: فيا لها من حسرة! فقلت: جعلت فداك، إني سمعتك تنهى عن الكلام وتقول: ويل لأصحاب الكلام،
ص: 67
يقولون: هذا ينقاد وهذا لا ينقاد، وهذا ينساق وهذا لا ينساق، وهذا نعقله وهذا لا نعقله، فقال أبو عبد الله علیه السلام: إنما قلت: فويل لهم إن تركوا ما أقول وذهبوا إلى ما يريدون.
ثم قال لي: اخرج إلى الباب فانظر من ترى من المتكلمين فأدخله قال: فأدخلت حمران بن أعين وكان يحسن الكلام، وأدخلت الأحول وكان يحسن الكلام. وأدخلت هشام بن سالم وكان يحسن الكلام، وأدخلت قيس ابن الماصر وكان عندي أحسنهم كلاماً، وكان قد تعلم الكلام من علي بن الحسين علیه السلام، فلما استقر بنا المجلس - وكان أبو عبد الله علیه السلام قبل الحج يستقر أياماً في جبل في طرف الحرم في فازة له مضروبة - قال: فأخرج أبو عبد اللہ علیه السلام رأسه من فازته فإذا هو ببعير يخب فقال: هشام ورب الكعبة قال: فظننا أن هشاماً رجل من ولد عقيل كان شديد المحبة له.
قال: فورد هشام بن الحكم وهو أول ما اختطت لحيته، وليس فينا إلا من أكبر سناً منه. قال: فوسع له أبو عبد الله علیه السلام وقال:ناصرنا بقلبه ولسانه ويده،ثم قال: يا حمران، كلم الرجل. فكلمه فظهر عليه حمران. ثم قال: يا طاقي، كلمه. فكلمه فظهر عليه الأحول. ثم قال: يا هشام: بن سالم، كلمه فتعارفا. ثم قال أبو عبد الله علیه السلام لقيس الماصر: كلمه، فكلمه. فأقبل أبو عبد الله علیه السلام يضحك من كلامهما مما قد أصاب الشامي.
فقال للشامي: كلم هذا الغلام - يعني هشام بن الحكم، فقال: نعم. فقال لهشام: يا غلام، سلني في إمامة هذا. فغضب هشام حتى ارتعد، ثم قال للشامي: يا هذا، أربك أنظر لخلقه أم خلقه لأنفسهم؟ فقال الشامي: بل ربي
ص: 68
أنظر لخلقه. قال: ففعل بنظره لهم ماذا ؟ قال: أقام لهم حجة ودليلاً كيلا يتشتتوا أو يختلفوا، يتألفهم ويقيم أودهم ويخبرهم بفرض ربهم. قال: فمن هو؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هشام: فبعد رسول اللہ صلى الله عليه وسلم؟ قال: الكتاب والسنة. قال هشام: فهل نفعنا الكتاب والسنة في رفع الاختلاف عنا؟ قال الشامي: نعم، قال: فلم اختلفنا أنا وأنت وصرت إلينا من الشام في مخالفتنا إياك؟ قال: فسكت الشامي. فقال أبو عبد الله علیه السلام للشامي: ما لك لا تتكلم؟ قال الشامي: إن قلت: لم نختلف كذبت، وإن قلت: إن الكتاب والسنة يرفعان عنا الاختلاف أبطلت؛ لأنهما يحتملان الوجوه. وإن قلت: قد اختلفنا وكل واحد منا يدعي الحق، فلم ينفعنا إذن الكتاب والسنة، إلا أن لي عليه هذه الحجة، فقال أبو عبد الله علیه السلام: سله تجده ملياً.
فقال الشامي: يا هذا، من أنظر للخلق، أربهم أو أنفسهم؟ فقال هشام: ربهم أنظر لهم منهم لأنفسهم، فقال الشامي: فهل أقام لهم من يجمع لهم كلمتهم ويقيم أودهم ويخبرهم بحقهم من باطلهم؟ قال هشام في وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الساعة؟ قال الشامي: في وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والساعة من؟ فقال هشام: هذا القاعد الذي تشد إليه الرحال ويخبرنا بأخبار السماء [والأرض] وراثة عن أب عن جد. قال الشامي: فكيف لي أن أعلم ذلك؟ قال هشام: سله عما بدا لك. قال الشامي: قطعت عذري، فعلي السؤال.
فقال أبو عبد الله علیه السلام : يا شامي، أخبرك كيف كان سفرك، وكيف كان طريقك، كان كذا وكذا. فأقبل الشامي يقول: صدقت، أسلمت لله الساعة. فقال أبو عبدالله علیه السلام: بل آمنت بالله الساعة، إن الإسلام قبل الإيمان، وعليه
ص: 69
يتوارثون ويتناكحون، والإيمان عليه يثابون. فقال الشامي: صدقت، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنك وصي الأوصياء.
ثم التفت أبو عبد الله علیه السلام إلى حمران، فقال: تُجري الكلام على الأثر فتصيب. والتفت إلى هشام بن سالم، فقال: تريد الأثر ولا تعرفه ثم التفت إلى الأحول فقال: قياس رواغ، تكسر باطلاً بباطل إلا أن باطلك أظهر ثم التفت إلى قيس الماصر فقال: تتكلم وأقرب ما تكون من الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبعد ما تكون منه، تمزج الحق مع الباطل، وقليل الحق يكفي عن كثير الباطل، أنت والأحول قفازان حاذقان. قال يونس: فظننت، والله، أنه يقول لهشام قريباً مما لهما، ثم قال: يا هشام، لا تكاد تقع، تلوي رجليك إذا هممت بالأرض طرت، مثلك فليكلم الناس، فاتق الزلة، والشفاعة من ورائها إن شاء الله(1)
[40] -2- ومن سؤال الزنديق الذي سأل أبا عبد الله علیه السلام عن مسائل كثيرة: قال: فمن أين أثبت أنبياء ورسلاً ؟
ص: 70
قال علیه السلام: إنا لما أثبتنا أن لنا خالقاً صانعاً متعالياً عنا وعن جميع ما خلق، وكان ذلك الصانع حكيماً، لم يجز أن يشاهده خلقه ولا أن يلامسوه، ولا أن يباشرهم ويباشروه ويحاجهم ويحاجوه، ثبت أن له سفراء في خلقه وعباده يدلونهم على مصالحهم ومنافعهم، وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم، فثبت الأمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه، وثبت عند ذلك أن له معبرين، هم أنبياء الله وصفوته من خلقه، حكماء مؤدبين بالحكمة، مبعوثين عنه، مشاركين للناس في أحوالهم على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب، مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة والدلائل والبراهين والشواهد، من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، فلا تخلو الأرض من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقال الرسول ووجوب عدالته.
ثم قال علیه السلام بعد ذلك: نحن نزعم أن الأرض لا تخلو من حجة، ولا تكون الحجة إلا من عقب الأنبياء، ما بعث الله نبياً قط من غير نسل الأنبياء، وذلك أن الله شرع لبني آدم طريقاً منيراً، وأخرج من آدم نسلاً طاهراً طيباً، أخرج الأنبياء والرسل، هم صفوة الله، وخلص الجوهر، طهروا في الأصلاب، وحفظوا في الأرحام، لم يصبهم سفاح الجاهلية، ولا شاب أنسابهم؛ لأن الله عز وجل جعلهم في موضع لا يكون أعلى درجة وشرفاً منه، فمن كان خازن علم الله، وأمين غيبه ومستودع سره، وحجته على خلقه، وترجمانه ولسانه، لا يكون إلا بهذه الصفة، فالحجة لا يكون إلا من نسلهم، يقوم النبي صلى الله عليه وسلم في الخلق بالعلم الذي عنده، وورثه عن الرسول، إن جحده الناس سكت، وكان بقاء ما عليه الناس قليلاً مما كان في أيديهم من علم الرسول على اختلاف
ص: 71
منهم فيه، قد أقاموا بينهم الرأي والقياس، وإنهم إن أقروا به وأطاعوه وأخذوا عنه ظهر العدل، وذهب الاختلاف والتشاجر، واستوى الأمر، وأبان الدين، وغلب على الشك اليقين، ولا يكاد أن يقر الناس به ولا يطيعوا له أو يحفظوا له بعد فقد الرسول، وما مضى رسول ولا نبي قط لم تختلف أمته من بعده، وإنما كان علة اختلافهم على الحجة وتركهم إياه.
قال: فما يصنع بالحجة إذا كان بهذه الصفة؟ قال: قد يقتدى به ويخرج عنه الشيء بعد الشيء مكانه منفعة الخلق وصلاحهم، فأن أحدثوا في دين الله شيئاً أعلمهم، وإن زادوا فيه أخبرهم، وإن نفذوا منه شيئاً أفادهم(1)
[41] عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن يحيى بن عمران عن يونس عن هشام بن الحكم عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم عليا علیه السلام ألف باب فتح كل باب ألف باب. قال فقال لي: بل علمه باباً واحداً فتح ذلك الباب ألف باب، فتح كل باب ألف باب(2).
ص: 72
[42] حدثنا علي بن الفضل بن العباس البغدادي بالري - المعروف بأبي الحسن الحنوطي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن [أحمد بن] سليمان بن الحارث، وقال: حدثنا حسين الأشقر: قال: قلت لهشام بن الحكم ما معنى قولكم: إن الإمام لا يكون إلا معصوماً؟
فقال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن ذلك فقال: المعصوم هو الممتنع بالله من جميع محارم الله، وقال الله تبارك وتعالى: «وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ»(1)
[43] -1- محمد بن يحيى عن حمدان بن سليمان عن عبد الله بن محمد اليماني عن منيع بن الحجاج عن يونس عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام، في قول الله عز وجل: «لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ» يعني في الميثاق، «أَوْ کَسَبَتْ فِی إِیمَانِهَا خَیْراً» . قال: الإقرار بالأنبياء والأوصياء وأمير المؤمنين علیه السلام خاصة، قال لا ينفع إيمانها لأنها سلبت(2)
[44] -2- أحمد عن عبد العظيم عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام
ص: 73
قال: هذا صراط علي مستقيم(1)
[45] -3- علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان وهشام بن الحكم ودرست بن أبي منصور عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام: «الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ»، قال: نزلت في رحم آل محمد عليه وآله السلام، وقد تكون في قرابتك. ثم قال: فلا تكونن ممن يقول للشيء إنه في شيء واحد (2)
[46] -4- عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام في قول الله: «إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ»، قال: فقال لو علم الله أن اسماً أفضل منه لسمانا به(3).
[47] أخبرنا أبو نصر محمد بن عبد الواحد بن أحمد اللحياني، قال: أخبرنا أبو محمد بن أحمد بن أبي حامد الشيباني، أخبرنا أبو علي أحمد بن محمد بن علي الباشاني، قال: حدثني الفضل بن شاذان، قال: أخبرنا محمد بن
ص: 74
أبي عمر الأزدي المأمون عن هشام بن الحكم عن جعفر بن محمد علیه السلام في قوله: «وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظيماًً». قال: جعل فيهم أئمة، من أطاعهم فقد أطاع الله، ومن عصاهم فقد عصى الله(1)
[48] علي بن إبراهيم عن أبيه عن علي بن معبد عن هشام بن الحكم قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام بمنى عن خمسمائة حرف من الكلام، فأقبلت أقول: يقولون كذا وكذا. قال: فيقول: قل كذا وكذا. قلت: جعلت فداك، هذا الحلال وهذا الحرام، أعلم أنك صاحبه، وأنك أعلم الناس به، وهذا هو الكلام. فقال لي: ويك يا هشام، لا يحتج الله تبارك وتعالى على خلقه بحجة لا يكون عنده كل ما يحتاجون إليه(2)
[49] أبي رحمه الله، قال: حدثنا أحمد بن إدريس ومحمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد، عن إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن حماد، عن
ص: 75
الحسن بن إبراهيم، عن يونس بن عبد الرحمن، عن هشام بن الحكم، عن جاثليق من جثالقة النصارى يقال له بريهة، قد مكث جاثليق النصرانية سبعين سنة وكان يطلب الإسلام، ويطلب من يحتج عليه ممن يقرأ كتبه، ويعرف المسيح بصفاته ودلائله وآياته، قال: وعرف بذلك حتى اشتهر في النصارى والمسلمين واليهود والمجوس؛ حتى افتخرت به النصارى وقالت: لو لم يكن في دين النصرانية إلا بريهة لأجزأنا، وكان طالباً للحق والإسلام مع ذلك، وكانت معه امرأة تخدمه طال مكثها معه، وكان يسير إليها ضعف النصرانية وضعف حجتها....
... قال يونس بن عبد الرحمن: فغدا عليه، وليس معه أحد من أصحابه، فقال: يا هشام، ألك من تصدر عن رأيه، وترجع إلى قوله، وتدين بطاعته؟ قال هشام: نعم يا بريهة. قال: وما صفته؟ قال هشام: في نسبه أو في دينه ؟ قال: فيهما جميعاً، صفة نسبه وصفة دينه. قال هشام: أما النسب فخير الأنساب رأس العرب، وصفوة قريش وفاضل بني هاشم؛ كل من نازعه في نسبه وجده أفضل منه؛ لأن قريشاً أفضل العرب، وبني هاشم أفضل قريش، وأفضل بني هاشم خاصهم ودينهم وسيدهم، وكذلك ولد السيد أفضل من ولد غيره، وهذا من ولد السيد. قال: فصف دينه، قال هشام: شرائعه أو صفة بدنه وطهارته؟ قال: صفة بدنه وطهارته. قال هشام: معصوم فلا يعصي، وسخي فلا يبخل، شجاع فلا يجبن، وما استودع من العلم فلا يجهل، حافظ للدين، قائم بما فرض عليه، من عترة الأنبياء، وجامع علم الأنبياء، يحلم عند الغضب، وينصف عند الظلم، ويعين عند الرضا، وينصف من الولي والعدو
ص: 76
ولا يسأل شططاً في عدوه، ولا يمنع إفادة وليه، يعمل بالكتاب، ويحدث بالأعجوبات، من أهل الطهارات، يحكي قول الأئمة الأصفياء، لم تنقض له حجة، ولم يجهل مسألة، يفتي في كل سنة، يجلو كل مدلهمة.
قال بريهة: وصفت المسيح في صفاته، وأثبته بحججه وآياته، إلا أنّ الشخص بائن عن شخصه، والوصف قائم بوصفه. فإن يصدق الوصف نؤمن بالشخص. قال هشام: إن تؤمن ترشد، وإن تتبع الحق لا تؤنب.
ثم قال هشام: يا بريهة، ما من حجة أقامها الله على أول خلقه إلا أقامها على وسط خلقه وآخر خلقه، فلا تبطل الحجج، ولا تذهب الملل، ولا تذهب السنن. قال بريهة: ما أشبه هذا بالحق، وأقربه من الصدق! وهذه صفة الحكماء يقيمون من الحجة ما ينفون به الشبه. قال هشام: نعم، فارتحلا حتى أتيا المدينة والمرأة معهما وهما يريدان أبا عبد الله علیه السلام، فلقيا موسى بن جعفر علیه السلام فحكى له هشام الحكاية. فلما فرغ قال موسى بن جعفر علیه السلام: یا بريهة، كيف علمك بكتابك؟ قال: أنا به عالم. قال: كيف تقتك بتأويله؟ قال: ما أوثقني بعلمي فيه! قال: فابتدأ موسى بن جعفر علیه السلام بقراءة الإنجيل، قال بريهة: والمسيح، لقد كان يقرأ هكذا، وما قرأ هذه القراءة إلا المسيح.، ثم قال بريهة: إياك كنت أطلب منذ خمسين سنة أو مثلك. قال: فأمن وحسن إيمانه، وآمنت المرأة وحسن إيمانها.
قال: فدخل هشام وبريهة والمرأة على أبي عبد الله علیه السلام، وحكى هشام الحكاية والكلام الذي جرى بين موسى علیه السلام وبريهة، فقال أبو عبد الله علیه السلام: «ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ». فقال بريهة: جعلت فداك، أني لكم
ص: 77
التوراة والإنجيل وكتب الأنبياء ؟ قال: هي عندنا وراثة من عندهم، نقرؤها كما قرأوها، ونقولها كما قالوها، إن الله لا يجعل حجة في أرضه يسأل عن شيء فيقول: لا أدري، فلزم بريهة أبا عبد الله علیه السلام حتى مات »(1)
[50] -1- معجزات الإمام الصادق علیه السلام: ابن شهر آشوب في «المناقب» هشام بن الحكم قال: كان رجل من ملوك الجبل يأتي الصادق علیه السلام في حجته كل سنة، فينزله أبو عبد الله علیه السلام في دار من دوره في المدينة، وطال حجه ونزوله، فأعطى أبا عبد الله علیه السلام عشرة آلاف درهم ليشتري له داراً، وخرج إلى الحج. فلما انصرف قال: جعلت فداك اشتريت الدار؟ قال: نعم. وأتى بصك فيه (بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما اشتری جعفر بن محمد لفلان بن فلان الجبلي، اشترى له داراً في الفردوس، حدها الأول رسول اللہ صلى الله عليه وسلم، والحد الثاني أمير المؤمنين علیه السلام، والحد الثالث الحسن بن علي علیه السلام، والحد الرابع الحسين ابن علي علیه السلام). فلما قرأ الرجل ذلك قال: قد رضيت جعلني الله فداك. قال:
ص: 78
فقال أبو عبد الله علیه السلام : إني أخذت ذلك المال ففرقته في ولد الحسن والحسين علیهماالسلام، وأرجو أن يتقبل الله ذلك ويثيبك به الجنة. قال: فانصرف الرجل إلى منزله، وكان الصك معه. ثم اعتل علة الموت، فلما حضرته الوفاة جمع أهله وحلفهم أن يجعلوا الصك معه، ففعلوا ذلك. فلما أصبح القوم عدوا إلى قبره، فوجدوا الصك على ظهر القبر مكتوب عليه: (وفى إلي ولي الله جعفر بن محمد بما قال)(1)
[51] -2- حمدويه وإبراهيم ابنا نصير، قالا: حدثنا محمد بن عيسى بن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، قال: دخل أبو موسى البناء على أبي عبد الله علیه السلام مع نفر من أصحابه، فقال لهم أبو عبد الله علیه السلام: احتفظوا بهذا الشيخ. قال: فذهب على وجهه في طريق مكة، فذهب من قزح فلم ير بعد ذلك(2)
[52] -1- حمدويه وإبراهيم ابنا نصير عن محمد بن عيسى عن الوشاء عن هشام بن الحكم قال: كنت في طريق مكة وأنا أريد شراء بعير، فمر بي
ص: 79
أبو الحسن علیه السلام، فلما نظرت إليه تناولت رقعة فكتبت إليه: جعلت فداك، إني أريد شراء هذا البعير، فما ترى؟ فنظر إليه فقال: لا أرى في شراه بأساً، فإن خفت عليه ضعفاً فألقمه. فاشتريته وحملت عليه، فلم أر منكراً، حتى إذا كنت قريباً من الكوفة في بعض المنازل وعليه حمل ثقيل رمى بنفسه، واضطرب للموت. فذهب الغلمان ينزعون عنه، فذكرت الحديث، فدعوت بلقم، فما ألقموه إلا سبعاً حتى قام بحمله (1)
[53] -2- روي أن هشام بن الحكم قال: لما مضى أبو عبد الله، وادعى الإمامة عبد الله بن جعفر وأنه أكبر ولده، دعاه موسى بن جعفر علیه السلام وقال: يا أخي، إن كنت صاحب هذا الأمر فهلم يدك فأدخلها النار. وكان حفر حفيرة وألقى فيها حطباً وضربها بنفط ونار، فلم يفعل عبد الله، وأدخل أبو الحسن يده في تلك الحفيرة، ولم يخرجها من النار إلا بعد احتراق الحطب وهو يمسحها(2)
[54] -3- أخبرني أبو الحسين محمد بن هارون عن أبيه قال: حدثنا أبو القاسم جعفر بن محمد العلوي قال: حدثنا عبيد الله بن أحمد بن نهيك أبو العباس النخعي عن محمد بن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن عمر بن زيد قال: سمعت أبا الحسن يقول: لا يشهد أبو جعفر بالناس موسماً بعد
ص: 80
السنة. وكان حج في تلك السنة، فذهب عمر فخبر أنه يموت في تلك السنة، وكانت تسع عشرة، وكان يروى أنه لا يملك عشرين سنة.(1)
[55] -4- قال هشام بن الحكم: أردت شراء جارية بمنى، وكتبت إلى أبي الحسن أشاوره. فلم يرد علي جواباً، فلما كان في الطواف، مر بي الجمار على حمار، فنظر إلي وإلى الجارية من بين الجواري، ثم أناني كتابه: لا أرى بشرائها بأساً إن لم يكن في عمرها قلة. قلت: لا والله ما قال لي هذا الحرف إلا وهاهنا شيء، لا والله لا اشتريتها. قال: فما خرجت من مكة حتى دفنت(2).
[56] محمد بن يحيى عن بن احمد بن محمد عن ابن محبوب عن الحسين ابن نعيم الصحاف، قال: كنت أنا وهشام بن الحكم وعلي بن يقطين ببغداد. فقال علي بن يقطين: كنت عند العبد الصالح جالساً، فدخل عليه ابنه علي، فقال لي: يا علي بن يقطين، هذا علي، سيد ولدي، أما إني قد نحلته كنيتي. فضرب هشام بن الحكم براحته جبهته، ثم قال: ويحك! كيف قلت؟! فقال علي بن يقطين: سمعت والله منه كما قلت. فقال هشام: أخبرك أن الأمر فيه من بعده(3)
ص: 81
[57] وأخبرني أبو الحسن علي بن هبة الله، قال: حدثنا سعد بن عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن محمد بن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام، قال: لصاحب هذا الأمر غيبتان، إحداهما أطول من الأخرى، الأولى أربعين يوماً، والأخرى ستة أشهر ونحو ذلك (1)
[58] -1- بإسناده أيضاً عن هشام بن الحكم قال: قال لي أبو عبد الله علیه السلام: ما فعل ابن الطيار؟ قال: قلت: مات. قال: رحمه الله ولقاه نضرة وسروراً؛ فقد كان شديد الخصومة عنا أهل البيت(2)
[59] -2- حدثني حمدويه بن نصير، قال: حدثنا يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم وحماد بن عثمان، عن إسماعيل بن جابر، قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: إيت المفضل، قل له: يا کافر، يا مشرك، ما تريد إلى ابني؟! تريد أن تقتله؟!(3)
ص: 82
[60] -3- أحمد بن محمد عن سعد عن ابن يزيد عن مروك عن هشام بن الحكم عن أبي عبد اللہ علیه السلام قال: سمعته يقول: نعم الشفيع أنا وأبي لحمران ابن أعين يوم القيامة، نأخذ بيده ولا تزايله حتى ندخل الجنة جميعاً(1)
[61] -4- بهذا الإسناد عن يونس عن هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبد اللہ علیه السلام يقول: كان المغيرة بن سعيد يتعمد الكذب على أبي، ويأخذ كتب أصحابه. وكان أصحابه المستترون بأصحاب أبي يأخذون الكتب من أصحاب أبي فيدفعونها إلى المغيرة. فكان يدس فيها الكفر والزندقة ويسندها إلى أبي علیه السلام، ثم يدفعها إلى أصحابه فيأمرهم أن يبثوها في الشيعة؛ فكل ما كان في كتب أصحاب أبي علیه السلام من الغلو فذاك مما دسته المغيرة بن سعيد في كتبهم(2)
[62] مسند أبي حنيفة، قال هشام بن الحكم: قال الصادق علیه السلام لأبي حنيفة: أين أخذت القياس؟ قال: من قول علي بن أبي طالب علیه السلام وزيد بن ثابت شاهدهما عمر في الجد مع الإخوة، فقال له علي علیه السلام: لو أن شجرة
ص: 83
انشعب منها غصن، وانشعب من الغصن غصنان، أيما أقرب إلى أحد الغصنين؛ أصاحبه الذي يخرج معه أم الشجرة؟ فقال زيد: لو أن جدولاً انبعث فيه ساقية، فانبعث من الساقية ساقيتان، أيما أقرب؛ أحد الساقيتين إلى صاحبها أم الجدول(1)
[63] عن أبيه عن سعد عن أيوب بن نوح عن ابن أبي أيوب بن نوح عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد اللہ علیه السلام قال: كان رجل في الزمن الأول طلب الدنيا من حلال فلم يقدر عليها، وطلبها من حرام فلم يقدر عليها، فأتاه الشيطان فقال له: يا هذا، إنك قد طلبت الدنيا من حلال فلم تقدر عليها، وطلبتها من حرام فلم تقدر عليها، أفلا أدلك على شيء تكثر به دنياك ويكثر به تبعك؟ قال: بلی، قال: تبتدع ديناً، وتدعو إليه الناس. ففعل فاستجاب له الناس وأطاعوه وأصاب الدنيا، ثم إنه فكر فقال: ما صنعت؟! ابتدعت ديناً ودعوت الناس! ما أرى لي توبة إلا أن آتي من دعوته إليه فأردع عنه. فجعل يأتي أصحابه الذين أجابوه فيقول لهم: إن الذي دعوتكم إليه باطل، وإنما ابتدعته. فجعلوا يقولون كذبت، هو الحق، ولكنك شككت في دينك فرجعت عنه. فلما رأي ذلك عمد
ص: 84
إلى سلسلة فوتد لها وتدأ ثم جعلها في عنقه وقال: لا أحلها حتى يتوب الله تعالى علي: فأوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء: قل لفلان: وعزتي، لو دعوتني حتى تنقطع أوصالك، ما استجبت، حتى ترد من مات إلى ما دعوته إليه فيرجع عنه(1)
[64] -1- إبراهيم بن هاشم عن يحيى بن أبي عمران عن يونس عن هشام ابن الحكم عن سعد الإسكاف قال: سألت أبا جعفر عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: إني تارك فيكم الثقلين فتمسكوا بهما فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. قال: فقال أبو جعفر علیه السلام: لا يزال كتاب الله والدليل منا يدل عليه حتى يردا على الحوض.(2)
[65] -2- وعن علي بن أحمد عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي عن محمد بن إسماعيل البرمكي عن علي بن العباس عن عمر بن عبد العزيز عن
ص: 85
هشام بن الحكم، قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن علة الصلاة؛ فإن فيها مشغلة للناس عن حوائجهم ومتعبة لهم في أبدانهم. قال: فيها علل، وذلك أن الناس لو تركوا بغير تنبيه ولا تذكير للنبي صلى الله عليه وسلم بأكثر من الخبر الأول وبقاء الكتاب في أيديهم فقط، لكانوا على ما كان عليه الأولون، فإنهم قد كانوا اتخذوا ديناً، ووضعوا كتباً، ودعوا أناساً إلى ما هم عليه، وقتلوهم على ذلك، فدرس أمرهم، وذهب حين ذهبوا. وأراد الله تعالى أن لا ينسيهم ذكر محمد صلی الله علیه و آله ففرض عليهم الصلاة، يذكرونه في كل يوم خمس مرات ينادون باسمه، وتعبدوا بالصلاة وذكر الله لكيلا يغفلوا عنه فينسوه فيدرس ذكره(1)
[66] -3- أخبرنا أبو جعفر محمد بن يعقوب قال: حدثني علي بن إبراهيم ابن هاشم عن أبيه عن الحسن بن إبراهيم، عن يونس بن عبد الرحمن عن علي بن منصور قال: كان زنديق بمصر يبلغه عن أبي عبد الله علیه السلام أشياء... .
... فقال الزنديق: أمسكهما، والله، ربهما وسيدهما. فآمن الزنديق على يدي أبي عبد الله علیه السلام، فقال له حمران بن أعين: جعلت فداك، إن آمنت الزنادقة على يديك فقد آمنت الكفار على يدي أبيك. فقال المؤمن، الذي آمن على يدي أبي عبد الله علیه السلام : اجعلني من تلامذتك، فقال أبو عبد الله علیه السلام لهشام ابن الحكم: خذه إليك وعلمه. فعلمه هشام، فكان معلم أهل الشام وأهل مصر
ص: 86
الإيمان، وحسنت طهارته حتى رضي بها أبو عبد الله علیه السلام(1)
[67] -1- محمد بن مسعود عن علي بن محمد بن يزيد عن الأشعري عن إبراهيم بن هاشم عن محمد بن حماد عن الحسن بن إبراهيم عن يونس بن عبد الرحمن عن يونس بن يعقوب عن هشام بن سالم، قال: كنا عند أبي عبد اللہ علیه السلام جماعة من أصحابه، فورد رجل من أهل الشام فاستأذن فأذن له. فلما دخل سلم، فأمره أبو عبد الله علیه السلام بالجلوس.
ثم قال له: ما حاجتك أيها الرجل؟ قال: بلغني أنك عالم بكل ما تسأل عنه، فصرت إليك لأناظرك. فقال أبو عبد الله علیه السلام: في ماذا؟ قال: في القرآن وقطعه وإسكانه وخفضه ونصبه ورفعه. فقال أبو عبد الله علیه السلام: يا خمران، دونك الرجل. فقال الرجل: إنما أريدك أنت لا حمران! فقال أبو عبد الله علیه السلام: إن غلبت حمران فقد غلبتني. فأقبل الشامي يسأل حمران حتى ضجر ومل وعرض، وخمران يجيبه. فقال أبو عبد الله علیه السلام: كيف رأيت يا شامي؟ قال: رأيته حاذقاً، ما سألته عن شيء إلا أجابني فيه. فقال أبو عبد الله علیه السلام: يا حمران، سل الشامي! فما تركه يكشر. فقال الشامي: أرأيت يا أبا عبد الله،
ص: 87
أناظرك في العربية. فالتفت أبو عبد الله علیه السلام فقال: يا أبان بن تغلب، ناظره. فناظره، فما ترك الشامي يكشر. قال: أريد أن أناظرك في الفقه. فقال أبو عبد الله علیه السلام: يا زرارة، ناظره. فما ترك الشامي يكشر قال: أريد أن أناظرك في الكلام. فقال: يا مؤمن الطاق، ناظره. فناظره، فسجل الكلام بينهما، ثم تكلم مؤمن الطاق بكلامه فغلبه به.
فقال: أريد أن أناظرك في الاستطاعة. فقال للطيار: كلمه فيها. قال: فكلمه، فما تركه يكشر. فقال: أريد أناظرك في التوحيد، فقال لهشام بن سالم كلمه. فسجل الكلام بينهما ثم خصمه هشام. فقال: أريد أن أتكلم في الإمامة، فقال لهشام بن الحكم: كلمه يا أبا الحكم، فكلمه ما تركه يريم ولا يحلي ولا يمر قال: فبقي يضحك أبو عبد الله علیه السلام حتى بدت تواجذه.
فقال الشامي: كأنك أردت أن تخبرني أن في شيعتك مثل هؤلاء الرجال؟ قال: هو ذلك. ثم قال: يا أخا أهل الشام، أما حمران فحزقك فحرت له فغلبك بلسانه، وسألك عن حرف من الحق فلم تعرفه. وأما أبان بن تغلب فمغث حقاً بباطل فغلبك. وأما زرارة فقاسك فغلب قياسه قياسك. وأما الطيار فكان كالطير يقع ويقوم، وأنت كالطير المقصوص لا نهوض لك. وأما هشام بن سالم قام حباري يقع ويطير. وأما هشام بن الحكم فتكلم بالحق، فما سوغك بريقك. يا أخا أهل الشام، إن الله أخذ ضيغثاً من الحق وضغثاً من الباطل، فمغتهما ثم أخرجهما إلى الناس، ثم بعث أنبياء يفرقون بينهما، فعرفها الأنبياء والأوصياء، وبعث الله الأنبياء ليفرقوا ذلك، وجعل الأنبياء قبل الأوصياء، ليعلم الناس من فضل الله ومن يختص. ولو كان الحق على جدة والباطل على
ص: 88
حدة، كل واحد منهما قائم بشأنه، ما احتاج الناس إلى نبي ولا وصي، ولكن الله خلطهما وجعل يفرقهما الأنبياء والأئمة علیه السلام من عباده.
فقال الشامي: قد أفلح من جالسك. فقال أبو عبد الله علیه السلام: إن رسول اللہ صلى الله عليه وسلم كان يجالسه جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، يصعد إلى السماء فيأتيه الخبر من عند الجبار، فإن كان ذلك كذلك فهو كذلك. فقال الشامي: إجعلني من شيعتك وعلمني. فقال أبو عبد الله علیه السلام لهشام: علمه، فإني أحب أن يكون لك.
قال علي بن منصور وأبو مالك الحضرمي: رأينا الشامي عند هشام بعد موت أبي عبد الله علیه السلام، ويأتي الشامي بهدايا أهل الشام، وهشام يرده هدايا أهل العراق. قال علي بن منصور: وكان الشامي ذكي القلب(1)
[68] -2- ومن سؤال الزنديق الذي سأل أبا عبد الله علیه السلام عن مسائل كثيرة: قال: فمن أين أثبت أنبياء ورسلاً ؟
قال علیه السلام : إنا لما أثبتنا أن لنا خالقاً صانعاً متعالياً عنا وعن جميع ما خلق، وأن ذلك الصانع حكيم، لم يجز أن يشاهده خلقه، ولا أن يلامسوه، ولا أن يباشرهم ويباشروه، ويحاجهم ويحاجوه، ثبت أن له سفراء في خلقه وعباده، يدلونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم، وفي تركه فناؤهم، فثبت الأمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه، وثبت عند ذلك أن له معبرين هم أنبياء الله وصفوته من خلقه، حكماء مؤدبين بالحكمة، مبعوثين عنه، مشاركين للناس في أحوالهم على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب،
ص: 89
مؤيدين من عند الحكيم العليم، بالحكمة والدلائل والبراهين والشواهد، من إحياء الموتى، وإبراء الأكمه والأبرص، فلا تخلو الأرض من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقال الرسول ووجوب عدالته.
ثم قال علیه السلام بعد ذلك: نحن نزعم أن الأرض لا تخلو من حجة، ولا تكون الحجة إلا من عقب الأنبياء، ما بعث الله نبياً قط من غير نسل الأنبياء، وذلك أن الله شرع لبني آدم طريقاً منيراً، وأخرج من آدم نسلاً طاهراً طيباً، أخرج منه الأنبياء والرسل، هم صفوة الله، وخلص الجوهر، طهروا في الأصلاب، وحفظوا في الأرحام، لم يصبهم سفاح الجاهلية، ولا شاب أنسابهم؛ لأن الله عز وجل جعلهم في موضع لا يكون أعلى درجة وشرفاً منه، فمن كان خازن علم الله، وأمين غيبه، ومستودع سره، وحجته على خلقه، وترجمانه ولسانه، لا يكون إلا بهذه الصفة؛ فالحجة لا يكون إلا من نسلهم، يقوم مقام النبي صلی الله علیه و آله في الخلق بالعلم الذي عنده وورثه عن الرسول. إن جحده الناس سكت، وكان بقاء ما عليه الناس قليلاً مما في أيديهم من علم الرسول على اختلاف منهم فيه، قد أقاموا بينهم الرأي والقياس، وإنهم إن أقروا به وأطاعوه وأخذوا عنه ظهر العدل، وذهب الاختلاف والتشاجر، واستوى الأمر، وأبان الدين، وغلب على الشك اليقين، ولا يكاد أن يقر الناس به ولا يطيعوا له، أو يحفظوا له بعد فقد الرسول. وما مضى رسول ولا نبي قط لم تختلف أمته من بعده، وإنما كان علة اختلافهم خلافهم على الحجة و تركهم إياه.
قال: فما يصنع بالحجة إذا كان بهذه الصفة؟ قال: قد يقتدى به ويخرج عنه الشيء بعد الشيء مكانه منفعة الخلق وصلاحهم، فإن أحدثوا في دين
ص: 90
شيئاً أعلمهم، وإن زادوا فيه أخبرهم، وإن نقصوا منه شيئاً أفادهم (1)
[69] -3- قال (أي الزنديق): فالرسول أفضل أم الملك المرسل إليه؟
قال علیه السلام: بل الرسول أفضل(2).
[70] -4- قال (أي الزنديق): فأخبرني عن المجوس، أفبعث الله إليهم نبياً؟ فإني أجد لهم كتباً محكمة، ومواعظ بليغة وأمثالاً شافية، يقرون بالثواب والعقاب، ولهم شرائع يعملون بها.
قال علیه السلام: ما من أمة إلا خلا فيها نذير، وقد بعث إليهم نبي بكتاب من عند الله، فأنكروه وجحدوا كتابه...(3).
[71] - 5 - ثم قال علیه السلام: إن أكثر الأطباء قالوا: إن علم الطب لم تعرفه الأنبياء، فما نصنع على قياس قولهم بعلم زعموا، أليس تعرفه الأنبياء الذين كانوا حجج الله على خلقه، وأمناءه في أرضه، وخزان علمه، وورثة حكمته والأدلاء عليه، والدعاة إلى طاعته؟
ثم إني وجدت أن أكثرهم يتنكب في مذهبه سبلاً ويكذب الكتب المنزلة عليهم من الله تبارك وتعالى، فهذا الذي أزهدني في طلبه وحامليه.
قال: فكيف نزهد في قوم وأنت مؤدبهم وكبيرهم؟
قال علیه السلام: إني رأيت الرجل الماهر في طبه إذا سألته لم يقف على حدود
ص: 91
نفسه وتأليف بدنه وتركيب أعضائه، ومجرى الأغذية في جوارحه، ومخرج نفسه وحركة لسانه، ومستقر كلامه ونور بصره وانتشار ذكره، واختلاف شهواته وانسكاب عبراته، ومجمع سمعه وموضع عقله، ومسكن روحه ومخرج عطسته، وهيج غمومه وأسباب سروره، وعلة ما حدث فيه من بكم وصمم وغير ذلك، لم يكن عندهم في ذلك أكثر من أقاويل استحسنوها، وعلل فيما بينهم جوزوها (1)
[72] - 6- قال (أي الزنديق): فلو أن الله رد إلينا من الأموات في كل مائة عام واحداً لنسأله عمن مضى منا، إلى ما صاروا وكيف حالهم، وماذا لقوا بعد الموت، وأي شيء صنع بهم، لعمل الناس على اليقين، واضمحل الشك، وذهب الغل عن القلوب.
قال علیه السلام: إن هذه مقالة من أنكر الرسل وكذبهم، ولم يصدق بما جاؤوا به من عند الله، إذ أخبروا وقالوا: إن الله أخبر في كتابه عز وجل على لسان أنبيائه حال من مات منا، أفيكون أحد أصدق من الله قولاً ومن رسله؟!
وقد رجع إلى الدنيا ممن مات خلق كثير، منهم «أصحاب الكهف»، أماتهم الله ثلاثمائة عام وتسعة، ثم بعثهم في زمان قوم أنكروا البعث؛ ليقطع حجتهم، وليريهم قدرته، وليعلموا أن البعث حق.
وأمات الله «أرمياء» النبي علیه السلام ،الذي نظر إلى خراب بيت المقدس وما حوله حين غزاهم بخت نصر، وقال: «أَنَّی یُحْیِی هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَهَ عَامٍ»، ثم أحياه ونظر إلى أعضائه كيف تلتئم وكيف تلبس اللحم، وإلى
ص: 92
مفاصله وعروقه كيف توصل، فلما استوى قاعداً قال: «أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلی کُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ»(1)
وأحيا الله قوماً خرجوا عن أوطانهم هاربين من الطاعون لا يحصى عددهم، وأماتهم الله دهراً طويلاً حتى بليت عظامهم وتقطعت أوصالهم وصاروا تراباً، بعث الله - في وقت أحب أن يري خلقه قدرته - نبياً يقال له «حزقیل» فدعاهم فاجتمعت أبدانهم ورجعت فيها أرواحهم، وقاموا كهيئة يوم ماتوا، لا يفقدون من أعدادهم رجلاً، فعاشوا بعد ذلك دهراً طويلاً.
وإن الله أمات قوماً خرجوا مع موسى علیه السلام حين توجه إلى الله عز وجل، فقالوا: «أَرِنَا اَللّهَ جَهْرَهً»(2)، فأماتهم الله ثم أحياهم(3)
[73] -1- عن أبيه عن أحمد بن محمد بن أبي عبد الله البرقي عن الحسن بن علي عن هشام بن الحكم عن أبي عبد اللہ علیه السلام قال: إن الله عز وجل خلق آدم من طين فحرم أكل الطين على ذريته(4)
[74] -2- بالإسناد عن الصدوق عن أبيه عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام قال: لما
ص: 93
أوصى آدم إلى هابيل حسده قابيل، فقتله، فوهب الله تعالى لآدم هبة الله، وأمره وأن يوصي إليه، وأمره أن يكتم ذلك قال فجرت السنة بالكتمان في الوصية. فقال قابيل لهبة الله: قد علمت أن أباك قد أوصى إليك، فإن أظهرت ذلك أو نطقت بشيء منه لأقتلنك كما قتلت أخاك .(1)
[75] -3- قال هشام بن الحكم: قال أبو عبد الله علیه السلام: لما أمر الله آدم أن يوصي إلى هبة الله أمره أن يستر ذلك، فجرت السنة في ذلك بالكتمان، فأوصى إليه وستر ذلك(2)
[76] -4- قال (أي الزنديق): فما بال ولد آدم فيهم شريف ووضيع؟
قال علیه السلام: الشريف المطيع، والوضيع العاصي.
قال: أليس فيهم فاضل ومفضول؟ قال علیه السلام: إنما يتفاضلون بالتقوى.
قال: فتقول إن ولد آدم كلهم سواء في الأصل لا يتفاضلون إلا بالتقوى؟
قال علیه السلام: نعم. إني وجدت أصل الخلق التراب، والأب آدم والأم حواء، خلقهم إله واحد، وهم عبيده. إن الله عز وجل اختار من ولد آدم أناساً طهر ميلادهم، وطيب أبدانهم، وحفظهم في أصلاب الرجال وأرحام النساء، أخرج منهم الأنبياء والرسل، فهم أزكى فروع آدم. ما فعل ذلك لأمر استحقوه من الله عز وجل، ولكن علم الله منهم - حين ذر أهم - أنهم يطيعونه ويعبدونه ولا يشركون به شيئاً، فهؤلاء بالطاعة نالوا من الله الكرامة والمنزلة الرفيعة عنده،
ص: 94
وهؤلاء الذين لهم الشرف والفضل والحسب، وسائر الناس سواء، ألا من اتقى الله أكرمه، ومن أطاعه أحبه، ومن أحبه لم يعذبه بالنار(1)
[77] -5- روي عن هشام بن الحكم أنه قال: من سؤال الزنديق الذي أتى أبا عبد الله علیه السلام قال:... قال (أي الإمام الصادق علیه السلام): ... وكانت المجوس ترمي موتاها في الصحارى والنواويس، والعرب تواريها في قبورها وتلحدها. وكذلك السنة على الرسل، إن أول من حفر له قبر آدم أبو البشر، والجد له لحداً...(2)
[78] روي عن هشام بن الحكم أنه قال: من سؤال الزنديق... قال: (أي الإمام الصادق علیه السلام)... .
... وكانت المجوس تأتي الأمهات، وتنكح البنات والأخوات!!
قال علیه السلام: فإنهم احتجوا بإتيان الأخوات أنها سنة من آدم.
قال: فما حجتهم في إتيان البنات والأمهات وقد حرم ذلك آدم، وكذلك نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وسائر الأنبياء، وكل ما جاء عن الله عزوجل؟!(3)
[79] روي عن هشام بن الحكم أنه قال: من سؤال الزنديق... قال (أي
ص: 95
الإمام الصادق علیه السلام).
... وكانت المجوس تأتي الأمهات وتنكح البنات والأخوات، وحرمت ذلك العرب....
قال (أي الزنديق): فإنهم احتجوا بإتيان الأخوات أنها سنة من آدم.
قال: فما حجتهم في إتيان البنات والأمهات وقد حرم ذلك آدم، وكذلك نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وسائر الأنبياء، وكل ما جاء عن الله عزوجل؟!(1)
[80] قال (أي الزنديق): وكيف صعدت الشياطين إلى السماء، وهم أمثال الناس في الخلقة والكثافة وقد كانوا يبنون لسليمان بن داوود علیه السلام من البناء ما يعجز عنه ولد آدم؟
قال علیه السلام: غلظوا لسليمان كما سخروا وهم خلق رقيق، غذاؤهم النسيم. والدليل على كل ذلك صعودهم إلى السماء لاستراق السمع، ولا يقدر الجسم الكثيف على الارتقاء إليها إلا بسلم أو بسبب(2).
[81] -1- أبي عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إن ملك الموت أتى موسى بن عمران علیه السلام فسلم عليه فقال: من أنت؟ فقال: أنا ملك الموت. فقال: ما حاجتك؟ فقال له: جئت
ص: 96
أقبض روحك. فقال له موسى: من أين تقبض روحي؟ قال: من فمك. قال له موسى: كيف وقد كلمت ربي عز وجل؟! قال: فمن يديك. فقال له موسى: كيف وقد حملت بهما التوراة؟! فقال: من رجليك. فقال: كيف وقد وطئت بهما طور سيناء؟! قال وعد أشياء غير هذا. قال: فقال له ملك الموت: فإني أمرت أن أتركك حتى تكون أنت الذي تريد ذلك. فمكث موسى ما شاء الله، ثم مر برجل وهو يحفر قبراً، فقال له موسى: ألا أعينك على حفر هذا القبر؟ فقال له الرجل: بلى. قال: فأعانه حتى حفر القبر ولحد اللحد، فأراد الرجل أن يضطجع في اللحد لينظر كيف هو، فقال له موسى: أنا اضطجع فيه، فاضطجع موسى، فأري مكانه من الجنة، أو قال منزله من الجنة. فقال يا رب، اقبضني إليك. فقبض ملك الموت روحه، ودفنه في القبر، وسوى عليه التراب. قال: وكان الذي يحفر القبر ملك الموت في صورة آدمي، فلذلك لا يعرف قبر موسى (1)
[82] -2 - قال (أي الزنديق): أخبرني أيها الحكيم، ما بال السماء لا ينزل منها إلى الأرض أحد ولا يصعد من الأرض إليها بشر، ولا طريق إليها ولا مسلك، فلو نظر العباد في كل دهر مرة من يصعد إليها وينزل، لكان ذلك أثبت في الربوبية وأنفى للشك وأقوى لليقين، وأجدر أن يعلم العباد أن هناك مدبراً، إليه يصعد الصاعد ومن عنده يهبط الهابط؟!
قال علیه السلام : إن كل ما ترى في الأرض من التدبير إنما هو ينزل من السماء،
ص: 97
ومنها يظهر. أما ترى الشمس منها تطلع، وهي نور النهار، وفيها قوام الدنيا، ولو حبست حار من عليها وهلك، والقمر منها يطلع، وهو نور الليل، وبه يعلم عدد السنين والحساب، والشهور والأيام، ولو حبس لحار من عليها وفسد التدبير. وفي السماء النجوم التي يهتدي بها في ظلمات البر والبحر، ومن السماء ينزل الغيث الذي فيه حياة كل شيء من الزرع والنبات والأنعام، وكلّ الخلق لو حبس عنهم لما عاشوا، والريح لو حبست لفسدت الأشياء جميعاً وتغيرت، ثم الغيم والرعد والبرق والصواعق، كل ذلك إنما هو دليل على أن هناك مدبراً يدبر كل شيء ومن عنده ينزل، وقد كلم الله موسى وناجاه، ورفع الله عيسى بن مريم، والملائكة تنزل من عنده، غير أنك لا تؤمن بما لم تره بعينك، وفيما تراه بعينك كفاية إن تفهم وتعقل(1)
[83] علي بن إبراهيم عن أبيه عن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد اللہ علیه السلام قال: مر موسى النبي علیه السلام بصفاح الروحاء على جمل أحمر خطامه من ليف، عليه عباءتان قطوانيتان وهو يقول: لبيك يا كريم لبيك. قال: ومر يونس بن متى بصفاح الروحاء وهو يقول: لبيك كشاف الكرب العظام لبيك. قال ومر عيسى بن مريم بصفاح الروحاء وهو يقول:لبيك عبدك ابن أمتك لبيك.ومر محمد صلی الله علیه و آله بصفاح الروحاء وهو يقول: لبيك ذا المعارج لبيك(2)
ص: 98
[84] أبي عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام في قول يوسف علیه السلام: «أَيّتُهَا العِيرُ إِنّكُم لَسارِقُونَ»، قال: ما سرقوا، وما كذب(1)
[85] -1- علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام قال: مر موسى علیه السلام بصفاح الروحاء على جمل أحمر خطامه من ليف عليه عباءتان قطوانيتان وهو يقول: لبيك يا كريم لبيك. قال: ومر يونس بن متى بصفاح الروحاء وهو يقول: لبيك كشاف الكرب العظام لبيك. قال ومر عيسى بن مريم بصفاح الروحاء وهو يقول: لبيك عبدك ابن أمتك لبيك. ومر محمد صلی الله علیه و آله بصفاح الروحاء وهو يقول: لبيك ذا المعارج لبيك(2)
ص: 99
[86] -2- عنه قال: حدثنا جعفر بن محمد عن مسروق قال: حدثنا الحسين بن محمد بن عامر عن عامر عن المعلى بن محمد البصري عن جعفر بن سليمان عن هشام بن الحكم عن أبيه عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس، قال: قال رسول اللہ صلى الله عليه وسلم: إن خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق الاثنا عشر، أولهم أخي وآخرهم ولدي. قيل: يا رسول الله، ومن أخوك؟ قال: علي بن أبي طالب. قيل: فمن ولدك؟ قال المهدي الذي يملأها قسطاً وعدلا كما ملئت جوراً وظلماً. والذي بعثني بالحق بشيراً، لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي، فينزل روح الله عيسى ابن مريم ابن مريم فيصلي خلفه، وتشرق الأرض بنور ربها، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب.(1)
[87] -3- جيلويه عن عليّ عن أبيه عن يحيى بن عمران عن يونس عن هشام بن الحكم عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام : بلغنا أن رسول اللہ صلى الله عليه وسلم علم عليا علیه السلام ألف باب، يفتح كل باب ألف باب. قال: فقال لي: بل
ص: 100
علمه باباً واحداً فتح ذلك الباب ألف باب، فتح كل باب ألف باب (1)
[88] -4- وعن علي بن حاتم عن القاسم بن محمد عن حمدان بن الحسين عن الحسن بن الوليد عن الحسين بن إبراهيم عن محمد بن زياد عن هشام بن الحكم عن أبي الحسن موسى علیه السلام في حديث قال: قلت له: لأي علة يقال في الركوع سبحان ربي العظيم وبحمده، ويقال في السجود: سبحان ربي الأعلى وبحمده؟ قال: يا هشام، إن رسول اللہ صلى الله عليه وسلم لما أسري به وصلى وذكر ما رأى من عظمة الله ارتعدت فرائصه فابترك على ركبتيه، وأخذ يقول: (سبحان ربي العظيم وبحمده)، فلما اعتدل من ركوعه قائماً نظر إليه في موضع أعلى من ذلك الموضع، خر على وجهه وهو يقول: (سبحان ربي الأعلى وبحمده)، فلما قالها سبع مرات سكن ذلك الرعب؛ فلذلك جرت به السنة(2)
[89] -5- عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لما أخبرهم أنه أسري به، قال بعضهم لبعض: قد ظفرتم به فاسألوه عن أيلة. قال: فسألوه
ص: 101
عنها، قال: فأطرق ومكث، فأتاه جبرئيل فقال: يا رسول الله، ارفع رأسك، فإن الله قد رفع لك أيلة، وقد أمر الله كل منخفض من الأرض فارتفع، وكل مرتفع فانخفض. فرفع رأسه فإذا أيلة قد رفعت له. قال: فجعلوا يسألونه ويخبرهم، وهو ينظر إليها. ثم قال: إن علامة ذلك عير لأبي سفيان يحمل ند يقدمها جمل أحمر، يدخل غداً مع الشمس. فأرسلوا الرسل، وقالوا لهم: حيث ما لقيتم العير فاحبسوها؛ ليكذبوه بذلك. قال: فضرب الله وجوه الإبل فأقرت على الساحل. وأصبح الناس فأشرفوا. فقال أبو عبد الله علیه السلام: فما رئيت مكة قط أكثر مشرفاً ولا مشرفة منها يومئذ، لينظروا ما قال رسول اللہ صلى الله عليه وسلم فأقبلت الإبل من ناحية الساحل، فكان يقول قائل: الإبل الشمس، الشمس الإبل! قال: فطلعتا جميعاً.(1)
[90] - 6- عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إن رسول اللہ صلى الله عليه وسلم صلى العشاء الآخرة، وصلى الفجر في الليلة التي أسري به بمكة(2)
[91] -7- قد روى هشام بن الحكم عن أبي الحسن موسى بن جعفر علیه السلام لذلك علة أخرى، وهي أن النبي صلی الله علیه و آله لما أسري به إلى السماء، قطع سبعة حجب، فكبر عند كل حجاب تكبيرة، فأوصله الله عز وجل بذلك إلى منتهى الكرامة (3)
ص: 102
[92]- 8 - وفي العلل عن علي بن حاتم عن القاسم بن محمد عن حمدان بن الحسين عن الحسن بن الوليد عن الحسن بن إبراهيم عن محمد ابن زياد عن هشام بن الحكم عن أبي الحسن موسى علیه السلام، قال: قلت له: لأيّ علة صار التكبير في الافتتاح سبع تكبيرات أفضل؟...، (إلى أن قال): يا هشام، إن الله خلق السماوات سبعاً، والأرضين سبعاً، والحجب سبعاً، فلما أسري بالنّبي صلی الله علیه و آله، فكان من ربه كقاب قوسين أو أدنى، رفع له حجاب من حجبه. فكبر، رسول اللہ صلى الله عليه وسلم وجعل يقول الكلمات التي تقال في الافتتاح، فلما رفع له الثاني كبر، فلم يزل كذلك حتى بلغ سبع حجب فكبر سبع تكبيرات، فلتلك العلة يكبر للافتتاح في الصلاة سبع تكبيرات(1)
[93] -9- علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم أبي عبد الله علیه السلام قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد الحرام وعليه ثياب له جدد، فألقى المشركون عليه سلا ناقة، فملأوا ثيابه بها، فدخله من ذلك ما شاء الله، فذهب إلى أبي طالب فقال له: يا عم، كيف ترى حسبي فيكم؟ فقال له: وما ذاك، يا ابن أخي؟! فأخبره الخبر. فدعا أبو طالب حمزة، وأخذ السيف وقال لحمزة: خذ السلا. ثم توجه إلى القوم والنبي صلى الله عليه وسلم معه، فأتى قريشاً وهم حول الكعبة، فلما رأوه عرفوا الشر في وجهه. ثم قال لحمزة: أمر السلا على سبالهم. ففعل ذلك، حتى أتى على آخرهم. ثم التفت أبو طالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم
ص: 103
فقال: يا ابن أخي هذا حسبك فينا (1)
ص: 104
ص: 105
ص: 106
[94] علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام قال:كان علي بن الحسين علیه السلام يقول: ما أحب لي بذل نفسي حمر النعم، وما تجرعت جرعة أحب إلي من جرعة غيظ لا أكافي بها صاحبها (1)
[95] علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن
ص: 107
أبي عبد الله علیه السلام قال: من أحب الأعمال إلى الله عز وجل إدخال السرور على المؤمن، أو إشباع جوعته، أو كربته، أو قضاء دينه (1)
[96] -1- عن هشام بن الحكم من سؤال الزنديق الذي سأل أبا عبد الله الصادق علیه السلام عن مسائل كثيرة، أن قال: فما بال ولد آدم فيهم شريف ووضيع؟ قال علیه السلام: الشريف المطيع، والوضيع العاصي.
قال: أليس فيهم فاضل ومفضول؟ قال علیه السلام: إنما يتفاضلون بالتقوى.
قال: فتقول إن ولد آدم كلهم سواء في الأصل لا يتفاضلون إلا بالتقوى ؟
قال: نعم، إني وجدت أصل الخلق التراب، والأب آدم والأم حواء، خلقهم إله واحد، وهم عبيده. إن الله عز وجل اختار من ولد آدم أناساً طهر ميلادهم، وطيب أبدانهم، وحفظهم في أصلاب الرجال وأرحام النساء، أخرج منهم الأنبياء والرسل، فهم أزكى فروع آدم، ما فعل ذلك لأمر استحقوه من الله
ص: 108
عزوجل، ولكن علم منهم - حين ذرأهم - أنهم يطيعونه ويعبدونه ولا يشركون به شيئاً، فهؤلاء بالطاعة نالوا من الله الكرامة والمنزلة الرفيعة عنده، وهؤلاء الذين لهم الشرف والفضل والحسب، وسائر الناس سواء ألا من اتقى الله أكرمه، ومن أطاعه أحبه، ومن أحبه لم يعذبه بالنار(1)
[97] -2- عن هشام بن الحكم من سؤال الزنديق الذي سأل أبا عبد الله الصادق علیه السلام أن قال: أخبرني عن الله عز وجل كيف لم يخلق الخلق كلهم مطيعين موحدين وكان على ذلك قادراً ؟ قال علیه السلام: لو خلقهم مطيعين لم يكن لهم ثواب؛ لأن الطاعة إذا ما كانت فعلهم لم يكن جنة ولا نار، ولكن خلق خلقه فأمرهم بطاعته، ونهاهم عن معصيته، واحتج عليهم برسله، وقطع عذرهم بكتبه، ليكونوا هم الذين يطيعون ويعصون ويستوجبون بطاعتهم له الثواب، وبمعصيتهم إياه العقاب(2)
[98] -1- علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إذا كان يوم القيامة قام عنق من الناس حتى يأتوا باب الجنة، فيضربوا باب الجنة، فيقال لهم: من أنتم؟ فيقولون: نحن الفقراء، فيقال لهم: أقبل الحساب؟! فيقولون: ما أعطيتمونا شيئاً تحاسبوننا عليه، فيقول
ص: 109
الله عز وجل: صدقوا، أدخلوا الجنة(1)
[99] -2- عن هشام بن الحكم من سؤال الزنديق الذي سأل أبا عبد الله الصادق علیه السلام: بماذا استحق الذين أغناهم وأوسع عليهم من رزقه الغناء والسعة، وبماذا استحق الفقير التقتير والتضييق؟
قال علیه السلام: اختبر الأغنياء بما أعطاهم لينظر كيف شكرهم، والفقراء بما منعهم لينظر كيف صبرهم. ووجه آخر: إنه عجل لقوم في حياتهم، ولقوم آخر ليوم حاجتهم إليه ووجه آخر: فإنه علم احتمال كل قوم فأعطاهم على قدر احتمالهم، ولو كان الخلق كلهم أغنياء لخربت الدنيا وفسد التدبير وصار أهلها إلى الفناء، ولكن جعل بعضهم لبعض عوناً، وجعل أسباب أرزاقهم في ضروب الأعمال وأنواع الصناعات، وذلك أدوم في البقاء وأصلح في التدبير. ثم اختبر الأغنياء بالاستعطاف على الفقراء، كل ذلك لطف ورحمة من الحكيم الذي لا يعاب تدبيره(2)
[100] -1- علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عبد الرحمن ابن الحجاج عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر علیه السلام: يدخل النار مؤمن؟ قال: لا والله. قلت: فما يدخلها إلا كافر؟ قال: لا، إلا من شاء الله. فلما رددت عليه مراراً قال لي: أي زرارة، إني أقول: «لا» وأقول «إلا من شاء الله»، وأنت تقول:
ص: 110
«لا»، ولا تقول: «إلا من شاء الله». قال: فحدثني هشام بن الحكم وحماد عن زرارة، قال: قلت في نفسي: شيخ لا علم له بالخصومة! قال:فقال لي: يا زرارة، ما تقول فيمن أقر لك بالحكم، أتقتله؟ ما تقول في خدمكم وأهليكم، أتقتلهم؟ قال: فقلت: أنا - والله - الذي لا علم لي بالخصومة(1)
[101] -2- قال: فبين الكفر والإيمان منزلة؟ قال علیه السلام: لا.
قال: فما الإيمان وما الكفر ؟ قال علیه السلام: الإيمان: أن يصدق الله فيما غاب عنه من عظمة الله، كتصديقه بما شاهد من ذلك وعاين. والكفر: الجحود (2)
[102] علي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام: قال: قال رسول اللہ صلى الله عليه وسلم: لا هجرة فوق ثلاث(3)
[103] علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن سدير الصيرفي قال: قال لي أبو عبد الله علیه السلام: ما منعك أن تعتق كل يوم نسمة؟ قلت: لا يحتمل مالي ذلك. قال: تطعم كل يوم مسلماً. فقلت: موسراً
ص: 111
أو معسراً ؟ قال: فقال: إن الموسر قد يشتهي الطعام(1)
[104] وعن هشام بن الحكم عن الكاظم علیه السلام أنه قال: يا هشام، ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم؛ فإن عمل حسناً استزاد منه، وإن عمل سيئاً استغفر الله منه وتاب إليه(2)
[105] الحسن بن علي بن شعبة في «تحف العقول» عن هشام بن الحكم قال: قال الكاظم علیه السلام: إن الله حرم الجنة على كل فاحش بذي قليل الحياء لا يبالي ما قال ولا ما قيل فيه... الخبر(3)
[106] الحسن بن علي بن شعبة في «تحف العقول» عن هشام بن الحكم
ص: 112
عن الكاظم علیه السلام أنه قال: يا هشام، إياك والطمع، وعليك باليأس مما في أيدي النّاس، وأمت الطمع من المخلوقين، فإن الطمع مفتاح الذل، واختلاس العقل، واختلاف المروات، وتدنيس العرض، والذهاب بالعلم، وعليك بالاعتصام بربك، والتوكل عليه(1)
[107] الحسن بن علي بن شعبة في «تحف العقول» عن هشام بن الحكم عن الكاظم علیه السلام أنه قال: يا هشام، من أحب الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه، وما أوتي عبد علماً فازداد للدنيا حباً إلا ازداد من الله بعداً، وازداد الله عليه غضباً(2)
[108] الحسن بن علي بن شعبة في «تحف العقول» عن هشام بن الحكم عن الكاظم علیه السلام أنه قال: من حسن بره بإخوانه وأهله مد في عمره(3)
[109] الحسن بن علي بن شعبة في «تحف العقول» عن هشام بن الحكم
ص: 113
عن الكاظم علیه السلام قال: يا هشام، أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله - بعد المعرفة به - الصلاة وبر الوالدين، وترك الحسد والعجب والفخر(1)
[110] الحسين بن علي بن شعبة في «تحف العقول» عن هشام بن الحكم عن الكاظم علیه السلام قال: قال: يا هشام، من كف نفسه عن أعراض الناس أقاله الله عثرته يوم القيامة، ومن كف غضبه عن الناس كف الله عنه غضبه يوم القيامة(2)
[111] الحسن بن علي بن شعبة في «تحف العقول» عن هشام بن الحكم عن الكاظم علیه السلام قال: قال: يا هشام، إياك والكبر، فإنه لا يدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر. الكبر رداء الله، فمن نازعه رداءه أكبه الله في النّار على وجهه. (إلى أن قال:) يا هشام، إياك والكبر على أوليائي، والاستطالة بعلمك، فيمقتك الله، فلا تنفعك بعد مقته دنياك ولا آخرتك، وكن في الدنيا کساکن دار، ليست له، إنّما ينتظر الرحيل(3)
ص: 114
[112] الحسن بن علي بن شعبة في «تحف العقول» عن هشام بن الحكم عن الكاظم علیه السلام أنه قال: مكتوب في الإنجيل: طوبى للمتراحمين، أولئك هم المرحومون يوم القيامة. (إلى أن قال:) طوبى للمتواضعين في الدنيا، أولئك يرتقون منابر الملك یوم القيامة (1)
[113] الحسن بن علي بن شعبة في «تحف العقول»، عن هشام بن الحكم عن الكاظم علیه السلام أنه قال: يا هشام، عليك بالرفق؛ فإن الرفق يمن والخرق شوم. إن الرفق والبر وحسن الخلق يغمر الديار ويزيد في الرزق(2)
[114] -1- الحسن بن علي بن شعبة في «تحف العقول» عن هشام بن الحكم عن الكاظم علیه السلام في حديث أنه قال له: يا هشام،اصبر على طاعة الله، واصبر عن معاصي الله؛ فإنما الدنيا ساعة، فما مضى فليس تجد له سروراً ولا حزناً، وما لم يأت منها فليس تعرفه، فاصبر على تلك الساعة التي أنت فيها
ص: 115
فكأنك قد اغتبطت(1)
[115] -2- محمد بن عيسى عن رجل عن هشام بن الحكم قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام: «أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۖ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَ آتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا»، ما ذلك الملك العظيم؟ قال: فرض الطاعة، ومن ذلك طاعة جهنم لهم يوم القيامة، يا هشام(2)
[116] الحسن بن علي بن شعبة في «تحف العقول» عن هشام بن الحكم عن موسى بن جعفر علیه السلام أنه قال له: يا هشام: ، رحم الله من استحيا من الله حق الحياء، فحفظ الرأس وما حوى، والبطن وما وعى، وذكر الموت والبلى، وعلم أن الجنة محفوفة بالمكاره، والنّار محفوفة بالشهوات(3)
[117] -1- هشام بن الحكم: سأل الزنديق الصادق علیه السلام... ، قال: فأخبرني عن الناس، يحشرون يوم القيامة عراة؟ قال علیه السلام: بل يحشرون في أكفانهم.
قال: أنى لهم بالأكفان وقد بليت؟! قال علیه السلام: إن الذي أحيا أبدانهم جدد
ص: 116
قال: فمن مات بلا كفن؟ قال علیه السلام: يستر الله عورته بما يشاء من عنده.
قال: أفيعرضون صفوفاً؟ قال علیه السلام: نعم، هم يومئذ عشرون ومائة ألف صف في عرض الأرض(1)
[118] -2- قال: أخبرني عن السراج إذا انطفأ أين يذهب نوره؟ قال علیه السلام: يذهب فلا يعود.
قال: فما أنكرت أن يكون الإنسان مثل ذلك النور، إذا مات وفارق الروح البدن لم يرجع إليه أبدأ، كما لا يرجع ضوء السراج إليه أبدأ إذا انطفأ ؟
قال: لم تصب القياس؛ إن النار في الأجسام كامنة. والأجسام قائمة بأعيانها كالحجر والحديد، فإذا ضرب أحدهما بالآخر سقطت من بينهما نار تقتبس منها سراجاً له ضوء، فالنار ثابت في أجسامها والضوء ذاهب، والروح جسم رقيق قد ألبس قالباً كثيفاً، وليس بمنزلة السراج الذي ذكرت. إن الذي خلق في الرحم جنيناً من ماء صاف، وركب فيه ضروباً مختلفة من عروق وعصب وأسنان وشعر وعظام وغير ذلك، هو يحييه بعد موته ويعيده بعد فنائه.
قال: أفتتلاشى الروح بعد خروجه عن قالبه أم هو باق؟ (إلى أن سأل الزنديق).
قال: بل هو باق إلى وقت ينفخ في الصور، فعند ذلك تبطل الأشياء وتفنى
ص: 117
فلا حس ولا محسوس، ثم أعيدت الأشياء كما بدأها مدبرها، وذلك أربعمائة سنة يسبت فيها الخلق، وذلك بين النفختين.
قال: وأنى له بالبعث والبدن قد بلي، والأعضاء قد تفرقت، فعضو ببلدة يأكلها سباعها، وعضو بأخرى تمزقه هوامها، وعضو صار ترابا بني به مع الطين حائط ؟!
قال علیه السلام: إن الذي أنشأه من غير شيء وصوره على غير مثال كان سبق إليه، قادر أن يعيده كما بدأه. قال: أوضح لي ذلك!
قال: إن الروح مقيمة في مكانها، روح المحسن في ضياء وفسحة، وروح المسيء في ضيق وظلمة، والبدن يصير تراباً منه خلق، وما تقذف به السباع والهوام من أجوافها مما أكلته ومزقته. كل ذلك في التراب محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرة في ظلمات الأرض، ويعلم عدد الأشياء ووزنها، وإن تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التراب، فإذا كان حين البعث مطرت الأرض مطر النشور، فتربو الأرض ثم تمخضوا مخض السقاء، فيصیر تراب البشر كمصير الذهب من التراب إذا غسل بالماء، والزبد من اللبن إذا مخض، فيجتمع تراب كل قالب إلى قالبه، فينتقل بإذن الله القادر إلى حيث الروح، فتعود الصور بإذن المصور كهيئتها، وتلج الروح فيها، فإذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئاً (1)
[119] -3- قال: فما معنى الميزان ؟ قال علیه السلام: العدل.
ص: 118
قال: فما معناه في كتابه: «فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ»؟
قال علیه السلام : فمن رجح عمله(1)
[120] -1- الهمداني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن أحمد بن العباس والعباس بن عمرو الفقيمي معاً عن هشام بن الحكم عن ثابت بن هرمز عن الحسن بن أبي الحسن عن أحمد بن عبد الحميد عن عبد الله بن علي أنه لقي بلالاً مؤذن رسول اللہ صلى الله عليه وسلم فسأله فيما سأله عن وصف بناء الجنة قال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، سمعت رسول اللہ صلى الله عليه وسلم يقول: إن سور الجنة لبنة من ذهب ولبنة من فضة ولبنة من ياقوت، وملاطها المسك الأذفر، وشرفها الياقوت الأحمر والأخضر والأصفر. فما أبوابها؟ قال: أبوابها مختلفة، باب الرحمة من ياقوتة حمراء. قلت: فما حلقته؟ قال: ويحك! كف عني فقد كلفتني شططاً. قلت: ما أنا بكاف عنك حتى تؤدي إلي ما سمعت من رسول اللہ صلى الله عليه وسلم في ذلك. قال: أكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، أما باب الصبر فباب صغير، مصراع واحد من ياقوتة حمراء لا حلق له. وأما باب الشكر فإنه من ياقوتة بيضاء لها مصراعان مسيرة ما بينهما خمسمائة عام، له ضجيج وحنين، يقول: «اللهم جئني بأهلي». قلت: هل يتكلم الباب؟ قال: نعم، ينطقه ذو الجلال والإكرام. وأما باب البلاء.. قلت: أليس باب البلاء هو باب الصبر؟ قال: لا. قلت: فما البلاء؟ قال: المصائب والأسقام والأمراض والجذام، وهو باب
ص: 119
من ياقوتة صفراء مصراع واحد، ما أقل من يدخل منه! قلت: رحمك الله، زدني وتفضل علي؛ فإني فقير. قال: يا غلام، لقد كلفتني شططاً! أما الباب الأعظم فيدخل منه العباد الصالحون، وهم أهل الزهد والورع والراغبون إلى الله عز وجل المستأنسون به. قلت: رحمك الله، فإذا دخلوا الجنة ماذا يصنعون؟ قال: يسيرون على نهرين، في مصاف في سفن الياقوت، مجاذيفها اللؤلؤ، فيها ملائكة من نور، عليهم ثياب خضر شديدة خضرتها. قلت: رحمك الله، هل يكون من النور أخضر؟ قال: إن الثياب هي خضر، ولكن فيها نور من نور رب العالمين جل جلاله، يسيرون على حافتي ذلك النهر. قلت: فما اسم ذلك النهر؟ قال: جنة المأوى. قلت: هل وسطها غير هذا؟ قال: نعم، جنة عدن، وهي في وسط الجنان، فأما جنة عدن فسورها ياقوت أحمر، وحصباؤها اللؤلؤ. قلت: فهل فيها غيرها؟ قال: نعم، جنة الفردوس. قلت: وكيف سورها؟ قال: ويحك! كف عني، حيرت على قلبي! قلت: بل أنت الفاعل بي ذلك، ما أنا بكاف عنك حتى تتم لي الصفة وتخبرني عن سورها. قال: سورها نور. فقلت: والغرف التي هي فيها ؟ قال: هي من نور رب العالمين. قلت: زدني رحمك الله. قال: ويحك! إلى هذا انتهى بنا رسول اللہ صلى الله عليه وسلم طوبى لك إن أنت وصلت إلى بعض هذه الصفة، وطوبى لمن يؤمن بهذا(1)
[121] -2- قال: فمن أين قالوا: «إن أهل الجنة يأتي الرجل منهم إلى ثمرة
ص: 120
يتناولها فإذا أكلها عادت كهيئتها»؟
قال علیه السلام: نعم ذلك على قياس السراج: يأتي القباس فيقتبس عنه، فلا ينقص من ضوئه شيئاً، وقد امتلت الدنيا منه سراجاً.
قال: أليسوا يأكلون ويشربون، وتزعم أنه لا يكون لهم الحاجة؟
قال علیه السلام: بلى؛ لأن غذاءهم رقيق لا ثقل له، بل يخرج من أجسادهم بالعرق.
قال: فكيف تنعم أهل الجنة بما فيه من النعيم، وما منهم أحد إلا وقد فقد (افتقد: بحار) ابنه أو أباه أو حميمه أو أمه، فإذا افتقدوهم في الجنة لم يشكوا في مصيرهم إلى النار، فما يصنع بالنعيم من يعلم أن حميمه في النار ويعذب؟
قال علیه السلام: إن أهل العلم قالوا: إنهم ينسون ذكرهم. وقال: بعضهم: انتظروا قدومهم، ورجوا أن يكونوا بين الجنة والنار في أصحاب الأعراف(1)
[122] محمد بن الحسن الصفار في البصائر عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن ميسر، قال: قال أبو عبد الله علیه السلام : يا ميسر، لقد زيد في عمرك، فأي شيء تعمل؟ قلت: كنت أجيراً - وأنا غلام - بخمسة دراهم، فكنت أجريها على خالي(2)
ص: 121
[123] محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان وعلي بن إبراهيم عن أبيه جميعاً عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام في قول الله تبارك وتعالى: «أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ»، قال: إذا كان الرجل في بلد ليس فيه مسلم، جازت شهادة من ليس بمسلم على الوصية(1)
[124] ثقة الإسلام في «الكافي»، عن بعض أصحابنا رفعه عن هشام بن الحكم عن موسى بن جعفر علیه السلام أنه قال: قال الحسن بن علي علیه السلام في حديث: واستثمار المال تمام المروءة(2)
ص: 122
[125] الحسن بن علي بن شعبة في «تحف العقول»، عن هشام بن الحكم عن موسى بن جعفر علیه السلام في حديث قال: فقلت له: وإن وجدت رجلاً طالباً له غير أن عقله لا يتسع لضبط ما ألقي إليه ؟ قال: قتلطف له في النصيحة، فإن ضاق قلبه فلا تعرضن نفسك للفتنة، واحذر رد المتكبرين، فإن العلم يدل على أن يملى على من لا يفيق(1)
[126] جعفر بن محمد بن مسرور عن الحسين بن محمد بن عامر عن عمه عبد الله بن عامر عن محمد بن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن حمران بن أعين عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت سيد العابدين علي بن الحسين بن علي بن طالب علیه السلام يقول لشيعته: عليكم بأداء الأمانة، فوالذي بعث محمداً بالحق نبياً لو أن قاتل أبي الحسين بن علي علیه السلام أئتمنني على السيف الذي قتله به لأديته إليه(2)
[127] عن هشام بن الحكم أن الزنديق قال: فما الشرك وما الشك؟
ص: 123
قال علیه السلام: الشرك هو أن يضم إلى الواحد الذي ليس كمثله شيء آخر، والشك ما لم يعتقد قلبه شيئاً(1)
[128] قال: فأخبرني أو ليس في النار مقتنع أن يعذب خلقه بها دون الحيات والعقارب؟
قال علیه السلام: إنما يعذب بها قوماً زعموا أنها ليست من خلقه، إنما شريكه الذي يخلقه، فيسلط الله عليهم العقارب والحيات في النار ليذيقهم بها وبال ما كذبوا عليه فجحدوا أن يكون صنعه(2)
[129] -1- قال: فالعمل الصالح من العبد هو فعله، والعمل الشر من العبد هو فعله؟
قال: العمل الصالح من العبد بفعله والله به أمره، والعمل الشر من العبد بفعله والله عنه نهاه.
قال: أليس فعله بالآلة التي عمل بها الخير قدر على الشر الذي نهاه عنه.
قال: فإلى العبد من الأمر شيء؟
قال: ما نهاه الله عن شيء إلا وقد علم أنه يطيق تركه، ولا أمره بشيء إلا وقد علم أنه يستطيع فعله؛ لأنه ليس من صفته الجور والعبث والظلم
ص: 124
وتكليف العباد ما لا يطيقون.
قال: فمن خلقه الله كافراً أيستطيع الإيمان وله عليه بتركه الإيمان حجة؟
قال علیه السلام: إن الله خلق خلقه جميعاً مسلمين، أمرهم ونهاهم. والكفر اسم يلحق الفعل حين يفعله العبد، ولم يخلق الله العبد حين خلقه كافراً، إنما كفر من بعد أن بلغ وقتاً لزمته الحجة من الله، فعرض عليه الحق فجحده فبإنكاره الحق صار كافراً.
قال: أفيجوز أن يقدر على العبد الشر، ويأمره بالخير وهو لا يستطيع الخير أن يعمله، ويعذبه عليه؟
قال: إنه لا يليق بعدل الله ورأفته أن يقدر على العبد الشر ويريده منه، ثمّ يأمره بما يعلم أنه لا يستطيع أخذه، والإنزاع عما لا يقدر على تركه، ثم يعذبه على تركه أمره الذي علم أنه لا يستطيع أخذه(1)
[130] -2- قال: أخبرني عن السراج إذا انطفأ، أين يذهب نوره؟ قال علیه السلام: يذهب فلا يعود.
قال: فلم أنكرت أن يكون الإنسان مثل ذلك؛ إذا مات وفارق الروح البدن لم يرجع إليه أبدأ كما لا يرجع ضوء السراج إليه أبدأ إذا انطفأ ؟
قال: لم تُصيب القياس؛ إن النار في الأجسام كامنة. والأجسام قائمة بأعيانها كالحجر والحديد، فإذا ضرب أحدهما بالآخر سطعت من بينهما نار، يقتبس منها سراج له ضوء، فالنار ثابتة في أجسامها والضوء ذاهب. والروح جسم
(1)ص: 125
رقيق، قد ألبس قالباً كثيفاً، وليس بمنزلة السراج الذي ذكرت. إن الذي خلق في الرحم جنيناً من ماء صاف، وركب فيه ضروباً مختلفة من عروق وعصب وأسنان وعظام وغير ذلك، وهو يحييه بعد موته ويعيده بعد فنائه.
قال: فأين الروح ؟ قال: في بطن الأرض حيث مصرع البدن إلى وقت البعث.
قال: فمن صلب فأين روحه؟
قال: في كف الملك الذي قبضها حتى يودعها الأرض.
قال: أفيتلاشى الروح بعد خروجه عن قالبه أم هو باق؟
قال: بل هو باق إلى وقت ينفخ في الصور، فعند ذلك تبطل الأشياء وتفنى، فلا حس ولا محسوس، ثم أعيدت الأشياء كما بدأها مدبرها، وذلك أربعمائة سنة يسبت فيها الخلق وذلك بين النفختين.
قال: وأنى له بالبعث والبدن قد بلي، والأعضاء قد تفرقت، فعضو ببلدة يأكلها سباعها، وعضو بأخرى تمزقه هوامها، وعضو صار تراباً بني به مع الطين حائط؟
قال علیه السلام: إن الذي أنشأه من غير شيء وصوره على غير مثال كان سبق إليه، قادر أن يعيده كما بدأه. قال: أوضح لي ذلك !
قال: إن الروح مقيمة في مكانها، روح المحسن في ضياء وفسحة، وروح المسيء في ضيق وظلمة، والبدن يصير تراباً كما منه خلق. وما تقذف به السباع والهوام من أجوافها مما أكلته ومزقته كل ذلك في التراب، محفوظ عند من لا يعرب عنه مثقال ذرة في ظلمات الأرض، ويعلم عدد الأشياء
ص: 126
ووزنها،وإن تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التراب،فإذا كان البعث مطرت الأرض مطر النشور، فتربو الأرض ثم تمخضوا مخض السقاء، فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب إذا غسل بالماء، والزبد من اللبن إذا مخض، فيجتمع تراب كل قالب إلى قالبه، فينتقل بإذن الله القادر إلى حيث الروح، فتعود الصور بإذن المصور كهيئتها، وتلج الروح فيها، فإذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئاً(1)
ص: 127
[131] علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد اللہ علیه السلام قال: لما استسقى رسول اللہ صلى الله عليه وسلم وسقي الناس حتى قالوا: إنه الغرق، وقال رسول اللہ صلى الله عليه وسلم بيده وردها «اللهم حوالينا ولا علينا» قال: فتفرق السحاب، فقالوا: يا رسول الله، استسقيت لنا فلم نسق، ثم استسقيت لنا فسقينا! قال:إني دعوت وليس لي في ذلك نية، ثم دعوت ولي في ذلك نية(1)
[132] عن حمدويه بن نصير عن أيوب بن نوح عن ابن أبي عمير عن
ص: 128
هشام بن الحكم عن أبي حمزة قال: كانت بنية لي سقطت فانكسرت يدها، فأتيت بها التيمي، فأخذها فنظر إلى يدها فقال: منكسرة. فدخل يخرج الجبائر وأنا على الباب، فدخلتني رقة على الصبية فبكيت ودعوت، فخرج بالجبائر فتناول يد الصبية فلم ير بها شيئاً. ثم نظر إلى الأخرى فقال: ما بها شيء. قال: فذكرت ذلك لأبي عبد الله علیه السلام فقال: يا أبا حمزة، وافق الدعاء الرضى، فاستجيب لك في أسرع من طرفة عين(1)
[133] قال: ألست تقول: يقول الله تعالى: «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ»، وقد نرى المضطر يدعوه فلا يجاب له، والمظلوم يستنصره على عدوه فلا ينصره؟
قال: ويحك! ما يدعوه أحد إلا استجاب له، أما الظالم فدعاؤه مردود إلى أن يتوب إليه، وأما المحق فإنه إذا دعاه استجاب له، وصرف عنه البلاء من حيث لا يعلمه، أو اذخر له ثواباً جزيلاً ليوم حاجته إليه، وإن لم يكن الأمر الذي سأل العبد خيراً له إن أعطاه، أمسك عنه. والمؤمن العارف بالله ربما عليه أن يدعوه فيما لا يدري أصواب ذلك أم خطأ، وقد يسأل العبد ربه هلاك من لم ينقطع مدته، أو يسأل المطر وقتاً ولعله أوان لا يصلح فيه المطر؛ لأنه أعرف بتدبير ما خلق من خلقه، وأشباه ذلك كثيرة، فافهم هذا(2)
ص: 129
[134] - علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير وعلي بن الحكم عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام أنه كان يكره للرجل أن يصحب من يتفضل عليه، وقال: إصحب مثلك(1)
ص: 130
[135] علي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن جارود قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام: إن لي بنات. فقال: لعلك تتمنى موتهن، أما إنك إن تمنيت موتهن فمتن لم تؤجر، ولقيت الله عز وجل يوم تلقاه وأنت عاص(1)
[136] علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن عمر بن يزيد عن أبي عبد اللہ علیه السلام قال: قال رسول اللہ صلى الله عليه وسلم: من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات وجبت له الجنة. فقيل: يا رسول الله، واثنتين؟ فقال:
ص: 131
واثنتين. فقيل: يا رسول الله، وواحدة؟ فقال: وواحدة(1)
ص: 132
[137] -1- علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن شهاب بن عبد ربه، قال: قال أبو عبد الله صلى الله عليه وسلم : اعمل طعاماً وتنوق فيه، وادع عليه أصحابك(1)
[138] -2- علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن شهاب بن عبد ربه، قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: ليس في الطعام سرف(2)
ص: 133
[139] علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام قال: أصل خراب البدن ترك العشاء(1)
[140]- 1- علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد اللہ علیه السلام قال ذكرت التمور عنده فقال: الواحد عندكم أطيب من الواحد عندنا، والجميع عندنا أطيب من الجميع عندكم(2)
[141] -2- علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام قال: الصرفان سيد تموركم(3)
[142] -3- علي بن إبراهيم عن أبيه عن إسماعيل بن مرار عن يونس عن هشام بن الحكم عن زرارة عن أبي عبد اللہ علیه السلام قال: التمر البرني يشبع ويهنئ
ص: 134
ويمرئ، وهو الدواء ولا داء له، يذهب بالعياء، ومع كل تمرة حسنة(1)
[143] علي بن إبراهيم عن أبيه عن إسماعيل بن مرار وغيره عن يونس عن هشام بن الحكم عن زرارة قال: رأيت داية أبي الحسن موسى علیه السلام تلقمه الأرز وتضربه عليه، فغمني ما رأيته، فدخلت على أبي عبد الله علیه السلام فقال لي: أحسبك غمك ما رأيت من داية أبي الحسن موسى؟ قلت له نعم، جعلت فداك. فقال لي: نعم الطعام الأرز، يوسع الأمعاء، ويقطع البواسير، وإنا لغبط أهل العراق بأكلهم الأرز والبسر؛ فإنهما يوسعان الأمعاء ويقطعان البواسير(2)
ص: 135
[144] علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم قال: قال أبو الحسن علیه السلام: إن شرب الماء البارد أكثر تلذذاً(1)
والجدير ذكره أن الرواية نفسها عرضها صاحب المحاسن و مؤلف بحار الأنوار - نقلاً عن هشام بن الحكم - عن هشام بن أحمد. ونص الرواية هكذا: عنه عن أبي عبد الله البرقي عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن هشام بن أحمر قال: قال أبو الحسن علیه السلام: إني أكثر شرب الماء تلذذاً(2)
ص: 136
[145] ابن أبي عمير عن محمد بن الحكم أخي هشام بن الحكم عن عمر ابن يزيد عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إن لله في كل ليلة من شهر رمضان عتقاء من النار، إلا من أفطر على مسكر، أو مشاحن، أو صاحب شاهين. قال: قلت: وأي شيء صاحب شاهين ؟ قال: الشطرنج(1)
ص: 137
[146] علي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام قال: من السعادة سعة المنزل(1)
[147] علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد اللہ علیه السلام قال: نهى رسول اللہ صلى الله عليه وسلم أن يبات على سطح غير محجر(2)
ص: 138
[148] علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إذا كان سمك البيت فوق سبعة أذرع - أو قال: ثمانية أذرع - فكان ما فوق السبع والثمان الأذرع محتضراً. وقال بعضهم: مسكوناً(1)
[149] علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام قال: من كسب مالاً من غير حله سلط الله عليه البناء والماء والطين(2)
[150] علي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن
ص: 139
شاذان جميعاً عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن حفص بن البختري أن أبا عبد الله علیه السلام كان يطلي إبطه بالنورة في الحمام(1)
[151] علي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي الحسن صلی الله علیه و آله في الرجل يتدلك بالزيت والدقيق قال: لا بأس به(2)
[154] الحسين بن بسطام في «طب الأئمة» عن حسام بن محمد عن سعيد بن جناح عن محمد بن أبي عمير عن هشام بن الحكم قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: ذهن البنفسج سيد الأدهان (1)
ص: 141
ص: 142
ص: 143
ص: 144
[155] علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام في ميزابين سالا، أحدهما بول والآخر ماء المطر، فاختلطا فأصاب ثوب رجل، لم يضره ذلك(1)
[156] أحمد بن محمد عن البرقي عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد اللہ علیه السلام قال : قال رسول اللہ صلى الله عليه وسلم : يا معشر الأنصار، إن الله قد
ص: 145
أحسن عليكم الثناء، فماذا تصنعون؟ قالوا : نستنجي بالماء(1)
ص: 146
[157] علي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً، عن أبي عمير عن هشام بن الحكم قال: رأيت موسى علیه السلام يعزي قبل الدفن وبعده(1)
[158] علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم
ص: 147
عن أبي الحسن الأول علیه السلام، في المصعوق والغريق قال: ينتظر به ثلاثة أيام، إلا أن يتغير قبل ذلك (1)
ص: 148
[159] محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن عن أبي سعيد عن أبي جميل البصري قال: كنت مع يونس بن عبد الرحمن ببغداد وأنا أمشي معه في السوق، ففتح صاحب الفقاع فقاعه فأصاب يونس، فرأيته قد اغتم لذلك حتى زالت الشمس. فقلت له:ألا تصلي؟ فقال: ليس أريد أن أصلي حتى أرجع إلى البيت وأغسل هذا الخمر من ثوبي. قال فقلت له هذا رأي رأيته أو شيء ترويه؟ فقال: أخبرني هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبد الله علیه السلام عن الفقاع فقال: لا تشربه فإنه خمر مجهول، وإذا أصاب ثوبك فاغسله(1)
ص: 149
[160] علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام قال: سألته عن صلاة الاستسقاء، فقال: مثل صلاة العيدين يقرأ فيها ويكبر فيها كما يقرأ ويكبر فيها. يخرج الإمام ويبرز إلى مكان نظيف في سكينة ووقار وخشوع ومسكنة، ويبرز معه الناس، فيحمد الله ويمجده ويثني عليه ويجتهد في الدعاء، ويكثر من التسبيح والتهليل والتكبير، ويصلي مثل صلاة العيدين ركعتين في دعاء ومسألة واجتهاد. فإذا سلم الإمام قلب ثوبه وجعل الجانب الذي على المنكب الأيمن على الأيسر والذي على يسر على الأيمن، فإن النبي صلی الله علیه و اله كذلك صنع(1)
[161] علي بن إبراهيم عن أبيه عن عبد الله بن المغيرة عن هشام بن الحكم قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: ما من كلمة أخف على اللسان منها ولا أبلغ من «سبحان الله». قال: قلت: يجزئني في الركوع والسجود أن أقول مكان التسبيح «لا إله إلا الله والحمد الله والله أكبر»؟ قال: نعم، كل ذا ذكر الله. قال:
ص: 150
قلت: «الحمد لله ولا إله إلا الله» قد عرفناهما، فما تفسير سبحان الله؟ قال: أنفة لله، أما ترى الرجل إذا عجب من الشيء قال: سبحان الله؟! (1)
[162] عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إن رسول اللہ صلى الله عليه وسلم صلى العشاء الآخرة وصلى الفجر في الليلة التي أسري به فيها بمكة(2)
[163] حدثنا الشيخ الفقيه أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي، قال: حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه إبراهيم بن هاشم عن أحمد بن العباس والعباس بن عمرو الفقيمي، قالا: حدثنا هشام بن الحكم عن ثابت بن هرمز عن الحسن بن أبي الحسن عن أحمد بن عبد الحميد عن عبد الله بن عليّ قال: حملت متاعاً من البصرة إلى مصر فقدمتها، فبينما أنا في بعض الطريق إذا أنا بشيخ طويل شديد الأدمة أصلع أبيض الرأس واللحية، عليه طمران، أحدهما أسود والآخر أبيض، فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا بلال مؤذن [مولى]
ص: 151
رسول اللہ صلى الله عليه وسلم فأخذت ألواحي وأتيته، فسلمت عليه ثم قلت له: السلام عليك أيها الشيخ. فقال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. قلت: رحمك الله، حدثني بما سمعت من رسول اللہ صلى الله عليه وسلم قال: وما يدريك من أنا ؟ فقلت: أنت بلال مؤذن رسول اللہ صلى الله عليه وسلم قال: فبكى وبكيت حتى اجتمع الناس علينا ونحن نبكي. قال: ثم قال لي: يا غلام، من أي البلاد أنت ؟ قلت: من أهل العراق. فقال لي: بخ بخ. فمكث ساعة ثم قال اكتب يا أخا أهل العراق: بسم الله الرحمن الرحيم، سمعت رسول اللہ صلى الله عليه وسلم يقول المؤذنون أمناء المؤمنين على صلواتهم وصومهم ولحومهم ودمائهم، لا يسألون الله عز وجل شيئاً إلا أعطاهم، ولا يشفعون في شيء إلا شفعوا.
قلت زدني رحمك الله. قال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، سمعت رسول اللہ صلى الله عليه وسلم يقول: من أذن أربعين عاماً محتسباً بعثه الله يوم القيامة وله عمل أربعين صديقاً عملاً مبروراً متقبلاً.
قلت: زدني رحمك الله. قال اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، سمعت رسول اللہ صلى الله عليه وسلم يقول من أذن عشرين عاماً بعثه الله عز وجل يوم القيامة وله من النور مثل نور سماء الدنيا.
قلت: زدني رحمك الله. قال اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، سمعت رسول اللہ صلى الله عليه وسلم يقول: من أذن عشر سنين أسكنه الله عز وجل مع إبراهيم في قبته أو في درجته.
قلت زدني رحمك الله. قال اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، سمعت رسول اللہ صلى الله عليه وسلم يقول: من أذن سنة واحدة بعثه الله عز وجل يوم القيامة وقد غفرت
ص: 152
ذنوبه كلها بالغة ما بلغت، ولو كانت مثل زنة جبل أحد.
قلت: زدني رحمك الله. قال: نعم، فاحفظ واعمل واحتسب، سمعت رسول اللہ صلى الله عليه وسلم يقول: من أذن في سبيل الله صلاة واحدة إيماناً واحتساباً وتقرباً إلى الله عز وجل غفر الله له ما سلف من ذنوبه، ومن عليه بالعصمة فيما بقي من عمره، وجمع بينه وبين الشهداء في الجنة.
قلت: رحمك الله حدثني بأحسن ما سمعت. قال: ويحك يا غلام، قطعت أنياط قلبي. وبكى وبكيت حتى أني والله لرحمته.
ثم قال اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، سمعت رسول اللہ صلى الله عليه وسلم يقول إذا كان يوم القيامة وجمع الناس في صعيد واحد، بعث الله عز وجل إلى المؤمنين بملائكة من نور، معهم ألوية وأعلام من نور، يقودون جنائب أزمتها زبرجد أخضر، وحقائبها المسك الأذفر، ويركبها المؤذنون، فيقومون عليها قياماً، تقودهم الملائكة، ينادون بأعلى أصواتهم بالأذان.
ثم بكى بكاء شديداً حتى انتحبت وبكيت، فلما سكت قلت: مم بكاؤك؟ قال: ويحك ذكرتني أشياء سمعت حبيبي وصفتي صلی الله علیه و آله يقول: والذي بعثني بالحق نبياً، إنهم ليمرون على الخلق قياماً على النجائب، فيقولون «الله أكبر الله أكبر»، فإذا كان ذلك سمعت لأمتي ضجيجاً؛ فسأله أسامة بن زيد عن الضجيج ما هو؟ قال: الضجيج: التسبيح والتحميد والتهليل. فإذا قالوا: «أشهد أن لا إله إلا الله» قالت أمتي: «إياه كنا نعبد»، فيقال: صدقتم. فإذا قالوا «أشهد أن محمداً رسول الله» قالت أمتي: «هذا الذي أتانا برسالة ربنا آمنا به ولم نره»، فيقال: صدقتم، هو الذي أدى إليكم الرسالة من ربكم وكنتم به مؤمنين،
ص: 153
فحقيق على الله أن يجمع بينكم وبين نبيكم، فينتهي بهم إلى منازلهم وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر... (1)
[164] أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن سعيد عن النضر بن سويد عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قلت له: شارب الخمر والزاني والسارق يصلى عليهم إذا ماتوا؟ فقال: نعم(2)
[165] عنه عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام في صلاة العيدين قال: تصل القراءة بالقراءة. وقال: تبدأ بالتكبير في الأولى ثم تقرأ، ثم تركع بالسابعة(3)
[166] محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن هشام بن الحكم أنه قال لأبي عبد الله علیه السلام: أخبرني عما يجوز السجود عليه وعما لا يجوز. قال: السجود لا يجوز إلا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أو
ص: 154
لبس. فقال له: جعلت فداك، ما العلة في ذلك؟ قال: لأن السجود خضوع لله عز وجل فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل ويلبس؛ لأن أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون، والساجد في سجوده في عبادة الله عز وجل، فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها... الحديث(1)
[167] السرائر من كتاب محمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن محمد عن محمد بن أبي عمير عن هشام بن الحكم قال: سألت أبا عبد الله عن الرجل يصلي على الثلج، قال: لا، فإن لم يقدر على الأرض بسط ثوبه وصلى عليه. وعن الرجل يصيبه المطر وهو في موضع لا يقدر أن يسجد فيه من الطين ولا يجد موضعاً جافاً، قال: يفتتح الصلاة، فإذا ركع فليركع كما يركع إذا صلى، فإذا رفع رأسه عن الركوع يومئ بالسجود إيماء، وهو قائم، يفعل ذلك حتى يفرغ من الصلاة، ويتشهد وهو قائم ويسلم(2)
ص: 155
[168] عنه عن البرقي عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لا صلاة لحاقن ولا لحاقنة، وهو بمنزلة من هو في ثوبه(1)
[169] محمد بن عبد الحميد عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن عمر بن يزيد، قال: كان أبو عبد الله علیه السلام: يصلي عن ولده في كل ليلة ركعتين، وعن والديه في كل يوم ركعتين. قلت له: جعلت فداك، وكيف صار للولد الليل؟ قال: لأن الفراش للولد. قال: وكان يقرأ فيهما: «إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِی لَیْلَةِ الْقَدْرِ» و «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ»(2)
[170] علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس بن عبد الرحمن عن هشام بن الحكم، قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: ليتزين أحدكم يوم الجمعة، يغتسل ويتطيب ويسرح لحيته ويلبس أنظف ثيابه وليتهيأ للجمعة، وليكن
ص: 156
عليه في ذلك اليوم السكينة والوقار، وليحسن عبادة ربه، وليفعل الخير ما استطاع، فإن الله يطلع على أهل الأرض ليضاعف الحسنات(1)
[171] وبإسناده عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام في الرجل، يريد أن يعمل شيئاً من الخير مثل الصدقة والصوم ونحو هذا، قال: يستحب أن يكون ذلك الجمعة، فإن العمل يوم الجمعة يضاعف(2)
[172] علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبيدة الحذاء قال: سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول: من بنى مسجداً بنى
ص: 157
الله له بيتاً في الجنة. قال أبو عبيدة: فمر بي أبو عبد الله علیه السلام في طريق مكة وقد سويت بأحجار مسجداً، فقال له: جعلت فداك، نرجو أن يكون هذا من ذلك؟ فقال: نعم(1)
ص: 158
[173] علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام قال: من منع حقاً لله عز وجل، أنفق في باطل مثليه(1)
[174] محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان وعلي بن إبراهيم عن أبيه جميعاً عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام في الرجل يعطى الزكاة يقسمها، أله أن يخرج الشيء منها من البلدة التي هو فيها إلى غيرها؟ قال: لا بأس(2)
ص: 159
[175] علي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام قال: المكاري والجمال الذي يختلف وليس له مقام، يتم الصلاة ويصوم شهر رمضان(1)
[176] محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن أحمد بن هلال عن مروك بن عبيد عن نشيط بن صالح عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام قال: قال رسول اللہ صلى الله عليه وسلم: من فقه الضيف أن لا يصوم تطوعاً إلا بإذن صاحبه،
ص: 160
و من طاعة المرأة لزوجها أن لا تصوم تطوعاً إلا بإذنه وأمره،ومن صلاح العبد ومن وطاعته ونصحه لمولاه أن لا يصوم تطوعاً إلا بإذن مولاه وأمره، ومن بر الولد أن لا یصوم تطوعاً إلا بإذن أبويه وأمرهما، وإلا كان الضيف جاهلاً، وكانت المرأة عاصية، وكان العبد فاسقاً عاصياً، وكان الولد عاقاً(1)
[177] محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام قال: من لم يغفر له في شهر رمضان لم يغفر له إلى قابل، إلا أن يشهد عرفة(2)
[178] علي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن
ص: 161
شاذان جميعاً عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام قال: التمر في الفطرة أفضل من غيره، لأنه أسرع منفعة، وذلك أنه إذا وقع في يد صاحبه أكل منه. قال: وقال: نزلت الزكاة وليس للناس أموال، وإنما كانت الفطرة(1)
[179] ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام قال: ليلة القدر في كل سنة، ويومها مثل ليلتها(2)
[180] سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن
ص: 162
محمد بن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام أنه قال فيمن صام تسعة وعشرين، قال: إن كانت له بينة عادلة على أهل مصر أنهم صاموا ثلاثين على رؤية، قضى يوماً(1)
[181] روی كرام الخثعمي وعيسى بن أبي منصور وقتيبة الأعشى وشعيب الحداد والفضيل بن بشار وأبو أيوب الخراز بن عبد الملك وحبيب الجماعي وعمرو بن مرداس ومحمد بن عبد الله بن الحسين ومحمد بن الفضيل الصيرفي وأبو علي بن راشد وعبيد الله بن علي الحلبي ومحمد بن علي الحلبي وعمران بن علي الحلبي وهشام بن الحكم وهشام بن سالم وعبد الأعلى بن أعين ويعقوب الأحمر وزيد بن يونس وعبد الله بن سنان ومعاوية ابن وهب وعبد الله بن أبي يعفور ممن لا يحصى كثرة، مثل ذلك حرفاً بحرف(2)
ص: 163
[182] محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان وعلي بن إبراهيم عن أبيه جميعاً عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام قال: الحاج على ثلاثة أصناف: صنف يعتق من النار، وصنف يخرج من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمه، وصنف يحفظ في أهله وماله، وهو أدنى ما يرجع به الحاج(1)
[183] ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام قال: ما من سفر أبلغ في لحم ولا دم ولا جلد ولا شعر من سفر مكة، وما أحد يبلغه حتى تناله المشقة(2)
ص: 164
[184] علي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام في الرجل يشرك أباه وأخاه وقرابته في حجة. فقال: إذا يكتب لك حج مثل حجهم، وتزداد أجراً بما وصلت(1)
[185] علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم مثله ، وقال : لا بأس بالريح الطيبة فيما بين الصفا والمروة من ريح الصفا والمروة من ريح العطارين ، ولا يمسك على أنفه(2)
[186] علي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام قال: من
ص: 165
أقام بمكة سنة فالطواف أفضل له من الصلاة، ومن أقام سنتين خلط ومن ذا، ومن أقام ثلاث سنين كانت الصلاة أفضل له من الطواف(1)
[187] علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حفص بن الختري وهشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام أنه قيل له: أيما أفضل: الحرم أو عرفة؟ فقال: الحرم. فقيل: وكيف لم تكن عرفات في الحرم ؟ فقال: هكذا جعلها الله عز وجل(2)
[188] علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام قال: لا تجاوز وادي محسر حتى تطلع الشمس(3)
ص: 166
[189] أحمد بن محمد عن ابن أبي محمد عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام قال: من أدرك المشعر الحرام وعليه خمسة من الناس فقد أدرك الحج(1)
[190] ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام في حصی الجمار قال: كره الصم منها. وقال: خذ البرش(2)
[191] علي بن إبراهيم عن أبيه ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إذا زار الحاج منى، فخرج من مكة فجاوز بيوت مكة فنام ثم أصبح قبل أن يأتي منى، فلا شيء عليه(3)
ص: 167
[192] محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه وعن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله علیه السلام قال: غسل يومك ليومك، وغسل ليلتك لليلتك(1)
[193] وفي رواية هشام بن الحكم عن أبي عبد اللہ علیه السلام قال: إذا أحرمت من عمرة أو بريد البعث صليت وقلت ما يقول المحرم في دبر صلاتك، وإن شئت لبيت من موضعك، والفضل أن تمشي قليلاً ثم تلبي(2)
[194] وقد يجزي الحاج بالرخص أن يوفر شعره شهراً. روى ذلك هشام ابن الحكم وإسماعيل بن جابر عن الصادق(3)
ص: 168
[195] روى ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام فی الرجل يجني في غير الحرم ثم يلجأ إلى الحرم، قال: لا يقام عليه الحد، ولا يطعم ولا يسقى ولا يكلم ولا يبايع. فإنه إذا فعل ذلك به يوشك أن يخرج فيقام عليه الحد. وإن جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحد في الحرم؛ فإنه لم ير للحرم حرمة (1)
[196] روى الحسين بن سعيد عن محمد بن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد اللہ علیه السلام قال: لا بأس أن يصلي الرجل المغرب إذا أمسى بعرفة(2)
[197] يعقوب عن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام قال: ما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة إلا مرة، وبسط فيها ثوبه تحت قدميه وخلع
ص: 169
نعليه(1)
[198] وبإسناده عن حفص بن البختري وهشام بن الحكم جميعاً عن أبي عبد الله علیه السلام أنه قال: يكره للمحرم أن يجوز ثوبه أنفه من أسفل. وقال: إضح لمن أحرمت له(2)
[199] وفي كتاب «التوحيد» عن أبيه عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن محمد بن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام في قوله عز وجل: «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» ما یعنی بذلك؟ قال: من كان صحيحاً في بدنه، مخلى سربه، له زاد وراحلة(3)
[200] -1- محمد بن الحسن عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن
ص: 170
محمد بن عيسى عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن عبد الكريم بن حسان، قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام: ما يقال أن زيارة قبر الحسين علیه السلام تعدل حجة وعمرة؟ قال: فقال: إن الحج والعمرة هاهنا، ولو أن رجلاً أراد الحج ولم يتهيأ له فأتاه كتبت له حجة، ولو أن رجلاً أراد العمرة فلم يتهيأ له فأتاه كتبت له عمرة(1)
[201] -2- حدثني أبو القاسم جعفر بن إبراهيم بن عبد الله الموسوي العلوي عن عبد الله [عبيد الله] بن نهيك عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن فضيل بن يسار، قال: قال أبو عبد الله علیه السلام: إن إلى جانبكم لقبراً، ما أتاه مكروب إلا نفس الله كربته، وقضى حاجته(2)
ص: 171
[202] علي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام: إذا قال لك الرجل اشتر لي، فلا تعطه من عندك، وإن كان الذي عندك خيراً منه(1)
والجدير ذكره، أن صاحب «تهذيب الأحكام» يورد سند هذه الرواية تارة كما وردت(2)، ومرة أخرى عن «داوود بن رزین»، یوردها هكذا: «عنه عن داوود بن رزين عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام قال ... »(3)
[203] علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم
ص: 172
قال: كنت أبيع السابري في الظلال، فمر بي أبو الحسن موسى علیه السلام فقال لي: یا هشام، إن البيع في الظل غش، وإن الغش لا يحل(1).
[204] علي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام في رجل يشتري المتاع إلى أجل، قال: ليس له أن يبيعه مرابحة إلا إلى الأجل الذي اشتراه إليه، وإن باعه مرابحة فلم يخبره كان للذي اشتراه من الأجل مثل ذلك(2)
[205] علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام في الحمال والأجير، قال: لا يجف عرقه حتى تعطيه أجرته(3)
ص: 173
[206] محمد بن علي بن محبوب عن علي بن السندي عن محمد بن أبي عمير عن هشام بن الحكم قال: سألت أبا عبد اللہ علیه السلام فيمن تولى مال اليتيم، ما له أن يأكل منه؟ فقال: ينظر إلى ما كان غيره يقوم به من الأجر لهم،فليأكل بقدر ذلك(1)
[207] علي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام أنه اشتريت له جارية من الكوفة، قال: فذهبت لتقوم في بعض الحاجة، فقالت: يا أماه. فقال لها أبو عبد الله علیه السلام: ألك أم؟ قالت: نعم. فأمر بها فردت، فقال: ما أمنت لو حبستها أن أرى في ولدي ما أكره(2)
ص: 174
[208] محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان وعلي بن إبراهيم عن أبيه جميعاً عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله أو أبي الحسن علیه السلام قال: قيل له إنا نزوج صبياننا وهم صغار. قال: فقال: إذا زوجوا وهم صغار لم يكادوا يتألفوا(1)
[209] علي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إذا تزوج الرجل المرأة لجمالها أو مالها وكل إلى ذلك، وإذا تزوجها
ص: 175
لدينها رزقه الله الجمال والمال(1)
[210] أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره، عن ابن أبي عمير عن هشام ابن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام في المتعة قال: ما يفعلها عندنا إلا الفواجر(2)
[211] الحسين بن الحسن الهاشمي عن إبراهيم بن إسحاق الأحمر وعلي ابن محمد بن بندار عن السياري عن بعض البغداديين عن علي بن بلال قال لقي هشام بن الحكم بعض الخوارج فقال: يا هشام، ما تقول في العجم: يجوز، يتزوجوا في العرب؟ قال: نعم.
قال: فالعرب يتزوجوا من قريش ؟
قال: نعم.
قال: فقريش يتزوج في بني هاشم ؟
قال: نعم.
ص: 176
قال: عمن أخذت هذا؟
قال: عن جعفر بن محمد، سمعته يقول: أتتكافا دماؤكم ولا تتكافأ فروجكم؟!
قال: فخرج الخارجي حتى أتى أبا عبد اللہ علیه السلام فقال: إني لقيت هشاماً كذا، فأخبرني بكذا وكذا، وذكر أنه سمعه منك.
قال: نعم، قد قلت ذلك.
فقال الخارجي: فها أنا ذا قد جئتك خاطباً.
فقال له أبو عبد الله علیه السلام: إنك لكفؤ في دمك وحسبك في قومك، ولكن الله صاننا عن الصدقة وهي أوساخ أيدي الناس، فنكره أن تشرك فيما فضلنا الله به من لم يجعل الله له مثل ما جعل الله لنا.
فقام الخارجي وهو يقول: تالله ما رأيت رجلاً مثله قط! ردني والله أقبح رد، وما خرج من قول صاحبه(1)
ص: 177
[212] علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام، قال: لو يعلم الحاج ما له من الحملان ما غالى أحد ببعير(1)
ص: 178
[213] عنه عن أبيه ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم قال:سألت أبا عبد الله علیه السلام عن الرجل يدبر مملوكه، أله أن يرجع فيه؟ قال: نعم، هو بمنزلة الوصية(1)
ص: 179
[214] علي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن ابن أبي عمير عن سعد بن هشام بن الحكم عن أبي عبد اللہ علیه السلام قال: قال رسول اللہ صلى الله عليه وسلم: إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان، وبعضكم ألحن بحجته من بعض، فأيما رجل قطعت له من مال أخيه شيئاً فإنما قطعت له به قطعة من النار(1)
ص: 180
[215] علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام: في كفارة اليمين مد من حنطة وحفنة، لتكون الحفنة في طحنه وحطبه(1)
ص: 181
[216] وسأل هشام بن الحكم أبا عبد الله علیه السلام عن علة تحريم الربا فقال: لو كان الربا حلالاً لترك الناس التجارات وما يحتاجون إليه. فحرم الله الربا ليفر الناس من الحرام إلى الحلال وإلى التجارات وإلى البيع والشراء، فيبقى ذلك بينهم في القرض(1)
[217] عن علي بن أحمد بن محمد عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي عن محمد بن إسماعيل البرمكي عن علي بن العباس عن عمر بن عبد العزيز قال: حدثنا هشام بن الحكم قال: سألت أبا عبد اللہ علیه السلام فقلت: ما العلة في
ص: 182
بطن الراحة لا ينبت فيه الشعر وينبت في ظاهرها؟ فقال: لعلتين؛ أما إحداهما فلأن الناس يعلمون أن الأرض التي تداس ويكثر عليها المشي لا ينبت فيها نبات، والعلة الأخرى لأنها جعلت من الأبواب التي تلاقي الأشياء، فتركت لا ينبت عليها الشعر لتجد مس اللين والخشن، ولا يحجبها الشعر عن وجود الأشياء، ولا يكون بقاء الخلق إلا على ذلك(1)
[218] عن أبيه عن سعيد بن عبد الله أحمد بن محمد بن أبي عبد الله البرقي عن الحسن بن علي عن هشام بن الحكم عن أبي عبد اللہ علیه السلام قال: إنّ الله عز وجل خلق آدم من طين، فحرم أكل الطين على ذريته(2)
[219] وسأله هشام بن الحكم عن علة الحب تقع فيه القملة، فقال (أي الصادق علیه السلام): لولا أن الله عز وجل من على العباد بهذه الدابة لاكتنزها الملوك كما يكنزون الذهب والفضة(3)
[220] قال (أي الزنديق): ولم حرم الله الخمر ولا لذة أفضل منها ؟
ص: 183
قال علیه السلام: حرمها لأنها أم الخبائث، ورأس كل شر. يأتي على شاربها ساعة يسلب لبه، ولا يعرف ربه، ولا يترك معصية إلا ركبها ولا حرمة إلا انتهكها، ولا رحم ماسة إلا قطعها ولا فاحشة إلا أتاها. والسكران زمامه بيد الشيطان، إن أمره أن يسجد للأوثان سجد، وينقاد حيث ما قاده.
قال: فلم حرم الدم المسفوح ؟
قال علیه السلام: لأنه يورث القساوة ويسلب الفؤاد رحمته، ويعفن البدن ويغير اللون، وأكثر ما يصيب الإنسان الجذام يكون من أكل الدم.
قال: فأكل العدد؟ قال علیه السلام: يورث الجذام.
قال: فالميتة لم حرمها؟ قال علیه السلام: فرقاً بينها وبين ما يذكى ويذكر اسم الله عليه. والميتة قد جمد فيها الدم وتراجع إلى بدنها، فلحمها ثقيل غي مريء؛ لأنها يؤكل لحمها بدمها.
قال: فالسمك ميتة! قال علیه السلام: إن السمك ذكائه إخراجه حيا من الماء، ثمّ يترك حتى يموت من ذات نفسه، وذلك أنه ليس له دم، وكذلك الجراد.
قال: فلم حرم الزنا؟ قال علیه السلام: لما فيه من الفساد وذهاب المواريث وانقطاع الأنساب، لا تعلم المرأة في الزنا من أحبلها، ولا المولود يعلم من أبوه، ولا أرحام موصولة، ولا قرابة معروفة.
قال فلم حرم اللواط؟ قال علیه السلام: من أجل أنه لو كان إتيان الغلام حلالاً لاستغنى الرجال عن النساء، وكان فيه قطع النسل وتعطيل الفروج، وكان في إجازة ذلك فساد كثير.
قال: فلم حرم إتيان البهيمة؟
ص: 184
قال علیه السلام: كره أن يضيع الرجل ماءه و يأتي غير شكله، و لو أباح ذلك لربط كل رجل أتاناً يركب ظهرها و يغشى فرجها، و كان يكون في ذلك فساد كثير، فأباح ظهورها و حرم عليهم فروجها، و خلق للرجال النساء، ليأنسوا بهن و يسكنوا إليهن، و يكن مواضع شهواتهم و أمهات أولادهم.
قال: فما علة الغسل من الجنابة، و إنما أتى حلالاً و ليس في الحلال تدنيس؟
قال علیه السلام: إن الجنابة بمنزلة الحيض، و ذلك أن النطفة دم لم يستحكم، و لا يكون الجماع إلا بحركة شديدة و شهوة غالبة، فإذا فرغ تنفس البدن و وجد الرجل من نفسه رائحة كريهة، فوجب الغسل لذلك، و غسل الجنابة مع ذلك أمانة ائتمن الله عليها عبيده ليختبرهم بها.(1)
[221] علي بن أحمد بن محمد و محمد بن أحمد السناني و الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام جميعاً عن محمد بن أبي عبد الله السكوني عن محمد بن إسماعيل عن العبّاس عن عمر بن عبد العزيز عن رجل عن هشام ابن الحكم قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام فقلت له ما العلة التي من أجلها كلف الله العباد الحج و الطواف بالبيت؟ فقال: إن الله خلق الخلق لا لعلة إلا أنه شاء ففعل، فخلقهم إلى وقت مؤجل. قال: و أمرهم بما يكون من أمر الطاعة في الدين
ص: 185
و مصلحتهم من أمر دنياهم، فجعل فيه الاجتماع من الشرق و الغرب ليتعارفوا، و لينزع كل قوم من التجارات من بلد إلى بلد، و لينتفع بذلك المكاري و الجمال، و لتعرف آثار رسول اللہ صلى الله عليه وآله و سلم و تعرف أخباره، و يذكر و لا ينسى. و لو كان كل قوم إنما يتكلون على بلادهم و ما فيها هلكوا و خربت البلاد، و سقط الجلب و الأرباح، و عميت الأخبار، و لم يقفوا على ذلك، فذلك علة الحج. (1)
[222] قال هشام بن الحكم لأبي عبد الله علیه السلام: أخبرني عما يجوز السجود عليه وعما لا يجوز؟ قال علیه السلام : السجود لا يجوز إلا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلا ما أكل أو لبس. فقال له: جعلت فداك، ما العلة في ذلك؟ قال علیه السلام: لأن السجود خضوع الله عز وجل، فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل أو يلبس؛ لأن أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون و يلبسون، و الساجد في سجوده في عبادة الله عز وجل فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها. و السجود على الأرض أفضل؛ لأنه أبلغ في التواضع و الخضوع الله عز وجل.(2)
ص: 186
[223] و عن علي بن أحمد عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي عن محمد ابن إسماعيل عن علي بن العباس عن عكرمة بن عبد العرش عن هشام بن الحكم قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن علة الصلاة، كيف صارت ركعتين و أربع سجدات؟ ألا كانت ركعتين و سجدتين؟ فذكر نحو حديث إسحاق بن عمار عن أبي الحسن علیه السلام يزيد اللفظ و ينقص.(1)
[224] سأل هشام بن الحكم أبا عبد اللہ علیه السلام عن علة الصيام فقال: إنما فرض الله عز وجل الصيام ليستوي به الغني و الفقير، و ذلك أن الغني لم يكن ليجد مس الجوع فيرحم الفقير؛ لأن الغني كلما أراد شيئاً قدر عليه، فأراد الله عز وجل أن يسوي بين خلقه و أن يذيق الغني مس الجوع و الألم، ليرق على الضعيف فيرحم الجائع.(2)
ص: 187
[225] ابن إدريس عن أبيه عن ابن عيسى عن الحسين بن سعيد عن النضر عن هشام بن الحكم عن الأحول عن ابن سنان عمن ذكره، عن أبي عبد الله علیه السلام أن رسول اللہ صلى الله عليه و آله و سلم سئل عن صوم خميسين بينهما أربعاء، فقال: أما الخميس فيوم تعرض فيه الأعمال، و أما الأربعاء فيوم خلقت فيه النار، و أما الصوم فجنة من النار.(1)
[226] عن علي بن أحمد عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي عن محمد ابن إسماعيل البرمكي عن علي بن العباس عن عمر بن عبد العزيز عن هشام ابن الحكم قال: سألت أبا عبد الله علیه السلام عن علة الصلاة، فإن فيها مشغلة للناس عن حوائجهم، و متعبة لهم في أبدانهم. قال: فيها علل، و ذلك أن الناس لو تركوا بغير تنبيه و لا تذكير بالنبي صلى الله عليه و آله و سلم بأكثر من الخبر الأول و بقاء الكتاب في أيديهم فقط لكانوا على ما كان عليه الأولون، فإنهم قد كانوا اتخذوا ديناً
ص: 188
و وضعوا كتباً، و دعوا أناساً إلى ما هم عليه و قتلوهم على ذلك، فدرس أمرهم و ذهب حين ذهبوا، و أراد الله تعالى أن لا ينسيهم ذكر محمد صلی الله علیه و آله، ففرض عليهم الصلاة، يذكرونه في كل يوم خمس مرات، ينادون باسمه، و تعبدوا بالصلاة و ذكر الله كيلا يغفلوا عنه فينسوه فيدرس ذكره.(1)
[227] عن علي بن حاتم عن القاسم بن محمد عن حمدان بن بن الحسين عن الحسن بن الوليد عن الحسين بن إبراهيم عن محمد بن زياد عن هشام ابن الحكم عن أبي الحسن موسى علیه السلام في حديث قال: قلت له: لأي علة يقال في الركوع: «سبحان ربي العظيم وبحمده»، ويقال في السجود: «سبحان ربي الأعلى و بحمده»؟ قال: يا هشام، إن رسول اللہ صلى الله عليه و آله وسلم لما أسري به وصلى، و ذكر ما رأى من عظمة الله، ارتعدت فرائصه، فابترك على ركبتيه وأخذ يقول: «سبحان ربي العظيم وبحمده»، فلما اعتدل من ركوعه قائماً نظر إليه في موضع أعلى من ذلك الموضع خر على وجهه وهو يقول: «سبحان ربي الأعلى وبحمده»، فلما قالها سبع مرات سكن ذلك الرعب، فلذلك جرت به السنة.(2)
ص: 189
[228] وفي (العلل) عن علي بن حاتم عن القاسم بن محمد عن حمدان ابن الحسين عن الحسن بن الوليد عن الحسن بن إبراهيم عن محمد بن زياد عن هشام بن الحكم عن أبي الحسن موسى علیه السلام قال: قلت له: لأي علة صار التكبير في الافتتاح سبع تكبيرات أفضل ؟... إلى أن قال: قال: يا هشام، إن الله خلق السماوات سبعاً و الأرضين سبعاً و الحجب سبعاً، فلما أسري بالنبي صلى الله عليه و آله و سلم فكان من ربه كقاب قوسين أو أدنى رفع له حجاب من حجبه، فكبر رسول اللہ صلى الله عليه وآله و سلم، و جعل يقول الكلمات التي تقال في الافتتاح، فلما رفع له الثاني كبر. فلم يزل كذلك حتى بلغ سبع حجب، فكبر سبع تكبيرات، فلتلك العلة يكبر للافتتاح في الصلاة سبع تكبيرات .(1)
ص: 190
ص: 191
ص: 192
- في قوله تعالى: «فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً».(النساء: 3).
- في قوله تعالى: «وَ لَنْ تَسْتَطيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَميلُوا كُلَّ الْمَيْلِ».(النساء: 129).
[229] علي بن إبراهيم عن أبيه عن نوح بن شعيب و محمد بن الحسن قال: سأل ابن أبي العوجاء هشاماً بن الحكم فقال له: أليس الله حكيماً؟ قال: بلي، هو أحكم الحاكمين. قال: فأخبرني عن قول الله عز وجل: «فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً »، ليس هذا فرض ؟ قال: بلى. قال: فأخبرني عن قوله عز وجل: «وَ لَنْ تَسْتَطيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَميلُوا كُلَّ الْمَيْلِ»، أي حكيم يتكلم بهذا؟! فلم يكن عنده جواب. فرحل إلى المدينة إلى أبي عبد الله علیه السلام فقال: يا هشام، فی غير وقت حج و لا عمرة؟ قال: نعم، جعلت فداك، لأمر أهمني، إن ابن أبي العوجاء سألني عن مسألة لم يكن عندي فيها شيء. قال: و ما هي؟ قال: فأخبره بالقصة. فقال له أبو عبد الله علیه السلام: أما قوله عز وجل: فَانْكِحُوا ما طابَ
ص: 193
لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً»، يعني في النفقة، و أما قوله: «وَ لَنْ تَسْتَطيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَميلُوا كُلَّ الْمَيْلِ»فتذروها كالمعلقة»يعني في المودة. قال: فلما قدم عليه هشام بهذا الجواب و أخبره قال: و الله ما هذا ا من عندك(1)
- في قوله تعالى: «قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ».(2)(الكافرون: 1).
[230] قال صفوان الجمال: جاء زنديق إلى هشام بن الحكم فقال: من أشعر الناس؟ قال: امرؤ القيس. قال: فبأي شيء؟ قال: بقوله: قفا نبك من ذكرى حبيب و منزل. قالوا: لو كرر هذا أربع مرات ما يكون عندك؟ قال: مجنون. قال: فكيف لا تجنن نبيك إذ جاء به «قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ»السورة. فقال: وراءك الباب، فإن لي شغلاً. و رحل من ساعته إلى الصادق علیه السلام و حكى له جميع ذلك، فقال علیه السلام: ليس على ما ظنه، إن المشركين اجتمعوا إلى النبي علیه السلام فقالوا: يا محمد، أعبد إلهنا يوماً نعبد إلهك عشراً، و اعبد إلهنا شهراً نعبد إلهك سنة، فأنزل الله تعالى: «قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ(یوما) وَ لا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (عشرا)وَ لا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ (شهرا)وَ لا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ (سنة) لَكُمْ دينُكُمْ وَ لِيَ دين». فذكر هشام للزنديق فقال: ليس هذا من
ص: 194
خزانتك، هذا من خزانة غيرك.(1)
-في قوله تعالى: «إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِی لَیْلَةِ الْقَدْرِ».(القدر: 1).
- في قوله تعالى: «إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ».(الكوثر: 1)
[231] محمد بن عبد الحميد عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن عمر بن يزيد قال: كان أبو عبد الله علیه السلام يصلي عن ولده في كل ليلة ركعتين، و عن والديه في كل ليلة ركعتين. قلت له: جعلت فداك، و كيف صار الليل؟ قال: لأن الفراش للولد. قال: و أن يقرأ فيهما: «إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِی لَیْلَةِ الْقَدْرِ»«إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ»(2)
- في قوله تعالى: «أدعوني اَستَجِب لَكُم».(غافر: 60).
[232] قال (أي الزنديق): ألست تقول: يقول الله تعالى «أدعوني اَستَجِب لَكُم»، و قد نرى المضطر يدعوه فلا يجاب له، و المظلوم يستنصره على عدوه فلا ينصره؟
قال علیه السلام: ويحك ! ما يدعوه أحد إلا استجاب له، أما الظالم: فدعاؤه مردود إلى أن يتوب إليه، و أما المحق فأنه إذا دعاه استجاب له، و صرف عنه البلاء من حيث لا يعلمه، أو اذخر له ثواباً جزيلاً ليوم حاجته إليه. و إن لم يكن
ص: 195
الأمر الذي سأل العبد خيراً له إن أعطاه أمسك عنه. و المؤمن العارف بالله عز عليه أن يدعوه فيما لا يدري أصواب ذلك أم خطأ، وقد يسأل العبد ربه هلاك من لم ينقطع مدته أو يسأل المطر وقتاً و لعله أوان لا يصلح فيه المطر، لأنه أعرف بتدبير ما خلق من خلقه، و أشباه ذلك كثيرة، فافهم هذا(1)
في قوله تعالى: «وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبيلاً»(آل عمران: 97).
[233] و في «كتاب التوحيد»عن أبيه عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن محمد بن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله في قوله عز وجل: «وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبيلاً»ما يعني بذلك؟ قال: من كان صحيحاً في بدنه، مخلى سربه، له زاد و راحلة.(2)
- في قوله تعالى: «لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ».(سبأ: 3).
[234] عن هشام بن الحكم أنه قال الزنديق للصادق علیه السلام أني للروح بالبعث و البدن قد بلي، و الأعضاء قد تفرقت؛ فعضو في بلدة تأكلها سباعها، و عضو بأخرى تمزقه هوامها، و عضو قد صار تراباً بني به مع الطين حائط ؟! قال: إن الذي أنشأه من غير شيء، و صوره على غير مثال كان سبق إليه، قادر أن يعيده كما بدأه. قال: أوضح لي ذلك. قال: إن الروح مقيمة في مكانها،
ص: 196
روح المحسنين في ضياء و فسحة، و روح المسيء في ضيق وظلمة، و البدن يصير تراباً منه خلق، و ما تقذف به السباع و الهوام من أجوافها. فما أكلته و مزقته كل ذلك في التراب محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرة في ظلمات الأرض، و يعلم عدد الأشياء و وزنها. و إن تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التراب، فإذا كان حين البعث مطرت الأرض، فتربو الأرض ثمّ تمخض مخض السقاء، فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب إذا غسل بالماء، و الزبد من اللبن إذا مخض، فيجتمع تراب كل قالب، فينقل بإذن الله تعالى إلى حيث الروح، فتعود الصور بإذن المصور كهيئتها، و تلج الروح فيها، فإذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئاً. الخبر.(1)
في قوله تعالى: «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ».(البقرة: 255).
[235] قال السائل (أي الزنديق): فقوله: «الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى»؟ (طه: 5)، قال أبو عبد الله علیه السلام: بذلك وصف نفسه، و كذلك هو مستول على العرش، بائن من خلقه، من غير أن يكون العرش حاملاً له، و لا أن يكون العرش حاوياً له، ولا أن العرش محتاز له. و لكنا نقول هو حامل العرش، و ممسك العرش، و نقول من ذلك ما قال: «وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ»، فثبتنا من العرش و الكرسي ما ثبته، و نقينا أن يكون العرش و الكرسي حاوياً له، أو يكون عز وجل محتاجاً إلى مكان أو إلى شيء مما خلق، بل خلقه محتاجون إليه.
[قال السائل: فما الفرق بين أن ترفعوا أيديكم إلى السماء و بين أن
ص: 197
تخفضوها نحو الأرض ؟ قال أبو عبد الله علیه السلام: ذلك في علمه و إحاطته و قدرته سواء، و لكنه عز وجل أمر أولياءه و عباده برفع أيديهم إلى السماء نحو العرش؛ لأنه جعله معدن الرزق، ثبتنا ما ثبته القرآن و الأخبار عن الرسول علیه السلام حين قال: ارفعوا أيديكم إلى الله عز وجل، و هذا يجمع عليه فرق الأمة كلها] (1)
- في قوله تعالى: «قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لايَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً».(الإسراء: 88).
[236] و عن هشام بن الحكم قال: اجتمع ابن أبي العوجاء و أبو شاكر الديصاني الزنديق و عبد الملك البصري و ابن المقفع عند بيت الله الحرام، يستهزئون بالحاج و يطعنون بالقرآن.
فقال ابن أبي العوجاء: تعالوا ننقض كل واحد منا ربع القرآن، و ميعادنا من قابل في هذا الموضع، نجتمع فيه وقد نقضنا القرآن كله، فإن في نقض القرآن إبطال نبوة محمد، و في إبطال نبوته إبطال الإسلام و إثبات ما نحن فيه. فاتفقوا على ذلك و افترقوا، فلما كان من قابل اجتمعوا عند بيت الله الحرام، فقال ابن أبي العوجاء: أما أنا فمفكر منذ افترقنا في هذه الآية: «فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا»(يوسف: 80)، فما أقدر أن أضم إليها في فصاحتها و جميع معانيها شيئاً، فشغلتني هذه الآية عن التفكر فيما سواها.
ص: 198
فقال عبد الملك: و أنا منذ فارقتكم مفكر في هذه الآية: « يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَ لَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَ إِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَ الْمَطْلُوبُ»(الحج: 73)، و لم أقدر على الإتيان بمثلها.
فقال ابن المقفع: يا قوم، إن هذا القرآن ليس من جنس كلام البشر، و أنا منذ فارقتكم مفكر في هذه الآية: «وَ قيلَ يا أَرْضُ ابْلَعي ماءَكِ وَ يا سَماءُ أَقْلِعي وَ غيضَ الْماءُ وَ قُضِيَ الْأَمْرُ وَ اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَ قيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمينَ»(هود: 44)، لم أبلغ غاية المعرفة بها، و لم أقدر على الإتيان بمثلها.
قال هشام بن الحكم: فبينما هم في ذلك: إذ مر بهم جعفر بن محمد الصادق علیه السلام فقال: «قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لايَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً»(الإسراء: 88)، فنظر القوم بعضهم إلى بعض و قالوا: لئن كان للإسلام حقيقة لما انتهت أمر وصية محمد إلا إلى جعفر بن محمد، و الله ما رأيناه قط إلا هبناه و اقشعرت جلودنا لهيبته، ثم تفرقوا مقرين بالعجز.(1)
- في قوله تعالى: «إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ».(الزمر:10).
[237] علي بن إبراهيم عن أبيه و محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إذا كان يوم القيامة يقوم عنق من الناس فيأتون باب الجنة فيضربونه. فيقال لهم: من أنتم؟ فيقولون: نحن أهل الصبر، فيقال لهم: على ما صبرتم؟
ص: 199
فيقولون: كنا نصبر على طاعة الله، ونصبر عن معاصي الله. فيقول الله عزوجل: صدقوا، أدخلوهم الجنة. و هو قول الله عز وجل: «إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ».(1)
- في قوله تعالى: «وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظيماً».(النساء: 54).
[238]-1- أخبرنا أبو نصر محمد بن عبد الواحد بن أحمد اللحياني قال: أخبرنا أبو محمد بن أحمد بن أبي الشيباني، أخبرنا أبو علي أحمد بن محمد ابن علي الباشاني قال: حدثني الفضل بن شاذان، قال: أخبرنا محمد بن أبي عمر الأزدي الثقة المأمون، عن هشام بن الحكم عن جعفر بن محمد علیه السلام في قوله: «وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظيماً»، قال: جعل فيهم أئمة من أطاعهم فقد أطاع الله، و من عصاهم فقد عصى الله.(2)
[239]-2- محمد بن عيسى عن رجل عن هشام بن الحكم قال: قلت لأبي عبد الله علیه السلام:«أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظيماً»ما ذلك الملك العظيم قال: فرض الطاعة، و من ذلك طاعة جهنم لهم يوم القيامة، يا هشام.(3)
ص: 200
- في قوله تعالى: «إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً».(البقرة: 124).
[240] عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام في قول الله: «إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً»، قال: فقال: لو علم الله أن اسماً أفضل منه لسمانا به.(1)
- في قوله تعالى: «وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقيمٍ».(آل عمران: 101).
[241] ... قلت لهشام بن الحكم: ما معنى قولكم: إن الإمام لا يكون إلا معصوماً؟ فقال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن ذلك فقال: المعصوم هو الممتنع بالله من جميع المحارم، وقال الله تبارك وتعالى: «وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقيمٍ».(2)
- في قوله تعالى: «أَيَّتُهَا العير إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ».(يوسف: 70).
[242] أبي عن علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام في قول يوسف:«أَيَّتُهَا العير إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ»، قال: ما سرقوا و ما كذب.(3)
ص: 201
- في قوله تعالى: «الصِراطَ المُستَقيم».(الفاتحة: 5، الصافات: 118،الحجر: 41).
[243] أحمد عن عبد العظيم عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام: قال: هذا صراط علي مستقيم.(1)
- في قوله تعالى: «وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ».(الزخرف: 84)
[244]-1- علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم قال: قال أبو شاكر الديصاني إن في القرآن آية هي قولنا. قلت: ما هي؟ فقال: «وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ ،فلم أدر بما أجيبه. فحججت فخبرت أبا عبد اللہ علیه السلام فقال:هذا كلام زنديق خبيث، إذا رجعت إليه فقل له: ما اسمك بالكوفة؟ فإنه يقول: فلان. فقل له: ما اسمك بالبصرة؟ فإنه يقول: فلان، فقل: كذلك الله ربنا، في السماء إله وفي الأرض إله، و في البحار إله، وفي القفار إله. وفي كل مكان إله. قال: فقدمت فأتيت أبا شاكر فأخبرته فقال: هذه نقلت من الحجاز!. (2)
ص: 202
[245]-2- أسعد عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله علیه السلام قال: إن بناناً و السري و بزيعاً، لعنهم الله، تراءى لهم الشيطان في أحسن ما يكون صورة آدمي من قرنه إلى سرته. قال: فقلت: إن بناناً يتأول هذه الآية: «وَ هُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَ فِي الْأَرْضِ إِلهٌ» أن الذي في الأرض غير إله السماء، و إله السماء غير إله الأرض، وأن إله السماء أعظم من إله الأرض، و أن أهل الأرض يعرفون فضل إله السماء و يعظمونه. فقال علیه السلام: و الله ما هو إلا الله وحده لا شريك له، إله في السماوات و إله في الأرضين، كذب بنان عليه لعنة الله، لقد صغر الله جل جلاله و صغر عظمته.(1)
- في قوله تعالى: «وَ الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ».(الرعد: 21).
[246] علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد بن عثمان و هشام بن الحكم و درست بن أبي منصور عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد الله : «وَ الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ»، قال: نزلت في رحم آل محمد عليه وآله السلام، وقد تكون في قرابتك. ثم قال: فلا تكونن ممن يقول للشيء إنه في شيء واحد.(2)
- في قوله تعالى: «يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ
ص: 203
آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ».(الأنعام: 158).
محمد
[247] محمد بن يحيى عن حمدان بن سلمان عن عبد الله بن محمد اليماني عن منيع بن الحجاج عن يونس عن هشام بن الحكم عن أبي عبد اللہ علیه السلام في قول الله عز وجل: «لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ»يعني في الميثاق «أَوْ کَسَبَتْ فِی إِیمَانِهَا خَیْراً»، قال: الإقرار بالأنبياء و الأوصياء وأمير المؤمنين علیه السلام خاصة، لا ينفع إيمانها لأنها سلبت(1)
- في قوله تعالى: «لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا».(الأنبياء: 22).
[248] ابن الوليد عن الصفار عن ابن عيسى عن ابن أبي عمير عن هشام ابن الحكم قال:قلت لأبي عبد الله علیه السلام: ما الدليل على أن الله واحد؟ قال: اتصال التدبير وتمام الصنع، كما قال عز وجل: «لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا».(2)
- في قوله تعالى: «سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا».(الإسراء: 1).
[249] ما رواه علي بن إبراهيم عن أبيه عن عبد الله بن المغيرة عن هشام ابن الحكم عن أبي عبد الله في قول الله عز وجل: «سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا»الآية، قال: روي عن رسول اللہ صلی الله علیه و آله أنه قال: بينا أنا راقد بالأبطح، و علي عن يميني و جعفر عن يساري و حمزة بين يدي، إذ أنا بخفق أجنحة
ص: 204
الملائكة، و قائل يقول: إلى أيهم بعثت يا جبرئيل؟ فأشار إلى و قال: إلى هذا و هو سيد ولد آدم، و هذا وزيره و وصيه و ختنه، وهذا حمزة عمه سيد الشهداء، و هذا ابن عمه جعفر، له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنة مع الملائكة، دعه فلتنم عيناه وتسمع أذناه و يعي قلبه، و اضربوا له مثلاً: ملك بنى داراً و اتخذ مأدبة و بعث داعياً. فقال رسول اللہ صلى الله عليه و آله و سلم: الملك الله، و الدار الدنيا، و المأدبة الجنة، و الداعي إليها أنا، و ذكر الحديث بطوله.(1)
[250]-1- يا هشام، إن الله يقول: «إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ».(ق: 37)، يعني العقل، و قال: «وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ»(لقمان: 12)، قال: الفهم و العقل.
[251]-2- يا هشام، إن الله جل وعز حكى عن قوم صالحين أنهم قالوا: «رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ»(آل عمران: 8)، حين علموا أن القلوب تزيغ و تعود إلى عماها و رداها. إنه لم يخف الله من لم يعقل عن الله، و من لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة يبصرها و يجد حقيقتها في قلبه. و لا يكون أحد كذلك إلا من كان قوله لفعله مصدقاً، و سره لعلانيته موافقاً؛ لأن الله لم يدل على الباطل الخفي من العقل إلا بظاهر منه وناطق عنه.
ص: 205
ص: 206
ص: 207
ص: 208
[252] روي عن هشام بن الحكم أنه قال: من سؤال الزنديق ... قال علیه السلام: فأما من زعم أن الأبدان ظلمة و الأرواح نور، و أن النور لا يعمل الشر، و الظلمة لا تعمل الخير، فلا يجب عليهم أن يلوموا أحداً على معصية، و لا ركوب حرمة، و لا إتيان فاحشة، و إن ذلك عن الظلمة غير مستنكر؛ لأن ذلك فعلها، و لا له أن يدعو رباً ولا يتضرع إليه؛ لأن النور الرب، و الرب لا يتضرع إلى نفسه و لا يستعبد بغيره، و لا لأحد من أهل هذه المقالة أن يقول: أحسنت يا محسن أو أسأت؛ لأن الإساءة من فعل الظلمة و ذلك فعلها، و الإحسان من النور، و لا يقول النور لنفسه: أحسنت يا محسن، و ليس هناك ثالث، و كانت الظلمة على قياس قولهم، أحكم فعلاً و أتقن تدبيراً و أعز أركاناً من النور؛ لأنّ الأبدان محكمة، فمن صور هذا الخلق صورة واحدة على نعوت مختلفة؟!
ص: 209
و كل شيء يرى ظاهراً من الزهر و الأشجار و الثمار و الدواب يجب أن يكون إلها، ثم حبست النور في حبسها و الدولة لها، و أما ما ادعوا بأن العاقبة سوف تكون للنور، فدعوى، و ينبغي على قياس قولهم أن لا يكون للنور فعل، لأنه أسير، و ليس له سلطان، فلا فعل له و لا تدبير، وإن كان له مع الظلمة تدبير، فما هو بأسير بل هو مطلق عزيز، فإن لم يكن كذلك و كان أسير الظلمة، فإنه يظهر في هذا العالم إحسان و جامع فساد و شر، فهذا يدل على أن الظلمة تحسن الخير و تفعله، كما تحسن الشر وتفعله، فإن قالوا محال ذلك فلا نور يثبت و لا ظلمة، وبطلت دعواهم، ورجع الأمر إلى أن الله واحد و ما سواه باطل، فهذه مقالة ماني الزنديق و أصحابه.
و أما من قال: النور و الظلمة بينهما حكم، فلا بد من أن يكون أكبر الثلاثة الحكم، لأنه لا يحتاج إلى الحاكم إلا مغلوب أو جاهل أو مظلوم، و هذه مقالة المانوية و الحكاية عنهم تطول.
قال: فما قصة ماني؟
قال: متفحص أخذ بعض المجوسية فشابها ببعض النصرانية، فأخطأ الملتين و لم يصب مذهباً واحداً منهما، و زعم أن العالم دبر من إلهين نور و ظلمة، و أن النور في حصار من الظلمة على ما حكينا منه، فكذبته النصاري، و قبلته المجوس (1).
ص: 210
[253] قال (أي الزنديق): و من زعم أن الله لم يزل و معه طينة موذية، فلم يستطع التفصي منها إلا بامتزاجه بها و دخوله فيها، فمن تلك الطينة خلق الأشياء.
قال علیه السلام: سبحان الله تعالى!! ما أعجز إلها يوصف بالقدرة، لا يستطيع التفصي من الطينة! إن كانت الطينة حية أزلية، فكانا إلهين قديمين فامتزجا و دبرا العالم من أنفسهم، فإن كان ذلك كذلك، فمن أين جاء الموت والفناء؟ و إن كانت الطينة ميتة فلا بقاء للميت مع الأزلي القديم، و الميت لا يجيء منه حي.
و هذه مقالة الديصانية، أشد الزنادقة قولاً و أمهنهم مثلاً، نظروا في كتب قد صنفتها أوائلهم، و حبروها بألفاظ مزخرفة من غير أصل ثابت، و لا حجة توجب إثبات ما ادعوا، كل ذلك خلافاً على الله وعلى رسله بما جاؤوا عن الله.(1)
[254] قال (أي الزنديق): فأخبرني عن المجوس، أفبعث الله إليهم نبياً؟ فإني أجد لهم كتباً محكمة و مواعظ بليغة، و أمثالاً شافية، يقرون بالثواب و العقاب، و لهم شرائع يعملون بها.
ص: 211
قال علیه السلام: ما من أمة إلا خلا فيها نذير، و قد بعث إليهم نبي بكتاب الله، فأنكروه و جحدوا كتابه.
قال: و من هو، فإن الناس يزعمون أنه خالد بن سنان؟
قال علیه السلام: إن خالداً كان عربياً بدوياً، ما كان نبياً، و إنما ذلك شيء يقوله الناس.
قال: أفزردشت ؟
قال علیه السلام: إن زردشت أتاهم بزمزمة، و ادعى النبوة، فأمن منهم قوم و جحده قوم، فأخرجوه فأكلته السباع في برية من الأرض (1).
[255] قال (أي الزنديق): فيما استحق الطفل الصغير ما يصيبه من الأوجاع و الأمراض بلا ذنب عمله، و لا جرم سلف منه؟
قال علیه السلام: إن المرض على وجوه شتى: مرض بلوى، و مرض عقوبة، و مرض جعل علة للفناء، و أنت تزعم أن ذلك من أغذية ردية، و أشربة و بية، أو من علة كانت بأمه، و تزعم أن من أحسن السياسة لبدنه، و أجمل النظر في أحوال نفسه، وعرف الضار مما يأكل من النافع لم يمرض، وتميل في قولك إلى من يزعم أنه لا يكون المرض و الموت إلا من المطعم و المشرب. قد مات أرسطاطاليس معلم الأطباء و أفلاطون رئيس الحكماء، و جالينوس شاخ و دق بصره، و ما دفع الموت حين نزل بساحته، و لم يألوا حفظ أنفسهم،
ص: 212
و النظر لما يوافقها. كم مريضاً قد زاده المعالج سقماً، و كم من طبيب عالم، بالأدواء و الأدوية ماهر، مات، و عاش الجاهل بالطب بعده زماناً، فلا و بصير ذاك نفعه علمه بطبه عند انقطاع مدته و حضور أجله، و لا هذا ضره الجهل بالطب مع بقاء المدة و تأخر الأجل.(1)
[256] قال (أي الزنديق): فأخبرني عمن قال بتناسخ الأرواح، من أي شيء قالوا ذلك؟ و بأي حجة قاموا على مذاهبهم؟
قال علیه السلام: إن أصحاب التناسخ قد خلفوا وراءهم منهاج الدين، و زينوا لأنفسهم الضلالات، و أمرجوا أنفسهم في الشهوات، و زعموا أن السماء خاوية، ما فيها شيء مما يوصف، و أن مدبر هذا العالم في صورة المخلوقين، بحجة من روى أن الله عزوجل خلق آدم على صورته، و أنه لا جنة و لا نار، و لا بعث و لا نشور، و القيامة عندهم خروج الروح من قالبه و ولوجه في قالب آخر، فإن كان محسناً في القالب الأول أعيد في قالب أفضل منه قالب أفضل منه حسنا في أعلى درجة من الدنيا، و إن كان مسيئاً أو غير عارف صار في بعض الدواب المتعبة في الدنيا، أو هوام مشوهة الخلقة. وليس عليهم صوم و لا صلاة، و لا شيء من العبادة أكثر من معرفة من تجب عليهم معرفته، و كل شيء من شهوات الدنيا مباح لهم من فروج النساء وغير ذلك من الأخوات و البنات و الخالات و ذوات البعولة. و كذلك الميتة، و الخمر، و الدم، فاستقبح مقالتهم كل
ص: 213
الفرق، و لعنهم كل الأمم، فلما سئلوا الحجة زاغوا و حادوا. فكذب مقالتهم التوراة، و لعنهم الفرقان، و زعموا مع ذلك أن إلههم ينتقل من قالب إلى قالب، و أن الأرواح الأزلية هي التي كانت في آدم، ثم هلم جرا، تجري إلى يومنا هذا في واحد بعد آخر، فإذا كان الخالق في صورة المخلوق فبما يستدل على أنّ أحدهما خالق صاحبه؟!
و قالوا: إن الملائكة من ولد آدم، كل من صار في أعلى درجة من دينهم من منزلة الامتحان و التصفية فهو ملك، فطوراً تخالهم نصارى في أشياء، و طوراً دهرية، يقولون إن الأشياء على غير الحقيقة، فقد كان يجب عليهم أن لا يأكلوا شيئاً من اللحمان؛ لأن الذرات عندهم كلها من ولد آدم، حولوا من صورهم، فلا يجوز أكل لحوم القربات .(1)
و- المجوس و العرب
[257] قال (الزنديق): فأخبرني عن المجوس، كانوا أقرب إلى الصواب في دهرهم، أم العرب؟
قال علیه السلام: العرب في الجاهلية، كانت أقرب إلى الدين الحنيفي من المجوس، و ذلك أن المجوس كفرت بكل الأنبياء و جحدت كتبهم، و أنكرت براهينهم، و لم تأخذ بشيء من سننهم و آثارهم. و إن كيخسرو ملك المجوس في الدهر الأول قتل ثلاثمائة نبي، و كانت المجوس لا تغتسل من الجنابة، و العرب كانت تغتسل، والاغتسال من خالص شرايع الحنيفية و كانت
ص: 214
المجوس لا تختن و هو من سنن الأنبياء، و أول من فعل ذلك إبراهيم خليل الله. و كانت المجوس لا تغسل موتاها و لا تكفنها، و كانت العرب تفعل ذلك. و كانت المجوس ترمي الموتى في الصحاري و النواويس، و العرب تواريها في قبورها و تلحدها. و كذلك السنة على الرسل، إن أول من حفر له قبر آدم أبو البشر، و ألحد له لحد. و كانت المجوس تأتي الأمهات و تنكح البنات و الأخوات، و حرمت ذلك العرب. و أنكرت المجوس بيت الله الحرام و سمته بيت الشيطان، و العرب كانت تحجه و تعظمه، و تقول: بيت ربنا، و تقر بالتوراة و الإنجيل، و تسأل أهل الكتب و تأخذ عنهم، و كانت العرب في كل الأسباب أقرب إلى الدين الحنيفي من المجوس.
... قال علیه السلام: فإنهم احتجوا في إتيان البنات و الأمهات، و قد حرم ذلك آدم، و كذلك نوح و إبراهيم و موسى و عيسى، و سائر الأنبياء، و كل ما جاء عن الله عز وجل.(1)
ز- خالد بن سنان
[258] قال (أي الزنديق): فأخبرني عن المجوس، أفبعث الله إليهم نبياً؟ فإني أجد لهم كتباً محكمة و مواعظ بليغة، و أمثالاً شافية، يقرون بالثواب و العقاب، و لهم شرايع يعملون بها.
قال علیه السلام: ما من أمة إلا خلا فيها نذير، و قد بعث إليهم نبي بكتاب من عند الله، فأنكروه و جحدوا كتابه.
ص: 215
قال: و من هو؛ فإن الناس يزعمون أنه خالد بن سنان؟
قال علیه السلام: إن خالداً كان عربياً بدوياً، ما كان نبياً، و إنما ذلك شيء يقوله الناس.(1)
[259] قال (أي الزنديق): فمن قال بالطبائع؟
قال علیه السلام: القدرية، فذلك قول من لم يملك البقاء، و لا صرف الحوادث، و غيرته الأيام و الليالي، و يرد الهرم، و لا يدفع الأجل، ما يدري ما يصنع به.(2)
ص: 216
[260] قال (أي الزنديق): أفمن حكمته أن جعل لنفسه عدواً، و قد كان و لا عدو له، فخلق كما زعمت إبليس، فسلطه على عبيده، يدعوهم إلى خلاف طاعته، و يأمرهم بمعصيته،و جعل له من القوة كما زعمت ما يصل بلطف الحيلة إلى قلوبهم، فيوسوس إليهم فيشككهم في ربهم، و يلبس عليهم دينهم، فيزيلهم عن معرفته، حتى أنكر قوم - لما وسوس إليهم - ربوبيته و عبدوا سواه، فلم سلط عدوه على عبيده، و جعل له السبيل إلى إغوائهم؟
قال علیه السلام: إن هذا العدو الذي ذكرت لا تضره عداوته و لا تنفعه ولايته. و عداوته لا تنقص من ملكه شيئاً، و ولايته لا تزيد فيه شيئاً، و إنما يتقى العدو إذا كان في قوة يضر و ينفع، إن هم بملك أخذه، أو بسلطان قهره، فأما إبليس فعبد، خلقه ليعبده، و قد علم حين خلقه ما هو، و إلى ما يصير إليه، فلم يزل يعبده مع ملائكته حتى امتحنه بسجود آدم، فامتنع من ذلك حسداً و شقاوة،
ص: 217
و غلبت عليه فلعنه عند ذلك، وأخرجه عن صفوف الملائكة، و أنزله إلى الأرض ملعوناً مدحوراً، فصار عدو آدم و ولده بذلك السبب، ماله من السلطة على ولده إلا الوسوسة و الدعاء إلى غير السبيل، و قد أقر-مع معصيته لربه- بربوبيته.(1)
[261] قال (أي الزنديق): أفيصلح السجود لغير الله ؟ قال علیه السلام: لا. قال: فكيف أمر الله الملائكة بالسجود لآدم؟
قال: إن من سجد بأمر الله سجد لله، إذا كان عن أمر الله.(2)
[262] قال (أي الزنديق): فما علة الملائكة الموكلين بعباده، يكتبون عليهم ولهم، و الله عالم السر و ما هو أخفى ؟
قال علیه السلام: استعبدهم بذلك و جعلهم شهوداً على خلقه، ليكون العباد لملازمتهم إياهم أشد على طاعة الله مواظبة، و عن معصيته أشد انقباضاً، و كم من عبد يهم بمعصيته فذكر مكانهما فارعوى و كف، فيقول ربي يراني و حفظتي علي بذلك تشهد، و إن الله برأفته أيضاً و كلهم بعباده، يذبون عنهم مردة الشيطان و هو ام الأرض و آفات كثيرة، من حيث لا يرون، بإذن الله، إلى
ص: 218
أن يجيء أمر الله . (1)
[263] قال (أي الزنديق): فما تقول في الملكين: هاروت وماروت ؟ و ما يقول الناس بأنهما يعلمان الناس السحر ؟
قال علیه السلام : إنهما موضع ابتلاء و موقع فتنة، تسبيحهما اليوم: لو فعل الإنسان کذا و كذا لكان كذا وكذا، ولو يعالج بكذا وكذا لكان كذا.. أصناف السحر فيتعلمون منهما ما يخرج عنهما، فيقولان لهم: إنما نحن فتنة، فلا تأخذوا عنا ما يضركم و لا ينفعكم(2)
[364] قال (أي الزنديق): فكيف تكون الحوراء في جميع ما أتاها زوجها عذراء؟
قال غلیه السلام: لأنها خلقت من الطيب لا يعتريها عاهة، و لا يخالط جسمها آفة، و لا يجري في ثقبها شيء، و لا يدنسها حيض، فالرحم ملتزقة بالدم، إذ ليس فيها سوى الإحليل مجرى.
قال: فهي تلبس سبعين حلة، ويرى زوجها مخ ساقها من وراء حللها و بدنها؟
ص: 219
قال علیه السلام: نعم، كما يرى أحدكم الدراهم إذا ألقيت في ماء صاف قدره قدر رمح.(1)
[265] قال (أي الزنديق): أخبرني عن السراج إذا انطفأ أين يذهب نوره؟ قال علیه السلام: يذهب فلا يعود.
قال: فما أنكرت أن يكون الإنسان مثل ذلك إذا مات و فارق الروح البدن لم يرجع إليه أبداً، كما لا يرجع ضوء السراج إليه أبدأ إذا انطفى؟
قال علیه السلام: لم تصيب القياس، إن النار في الأجسام كامنة. و الأجسام قائمة بأعيانها كالحجر و الحديد، فإذا ضرب أحدهما بالآخر سقطت من بينها نار، تقتبس منها سراجاً له ضوء، فالنار ثابتة في أجسامها و الضوء ذاهب، والروح جسم رقيق قد ألبس قالباً كثيفاً، و ليس بمنزلة السراج الذي ذكرت. إن الذي خلق في الرحم جنيناً من ماء صاف، و ركب فيه ضروباً مختلفة من عروق و عصب و أسنان و شعر و عظام و غير ذلك، هو يحييه بعد موته، ويعيده بعد فنائه.
قال: فأين الروح؟ قال علیه السلام: في بطن الأرض حيث مصرع البدن إلى وقت البعث.
قال: فمن صلب فأين روحه؟
قال علیه السلام: في كف الملك الذي قبضها حتى يودعها الأرض.
ص: 220
قال: فأخبرني عن الروح أغير الدم ؟
قال علیه السلام: نعم، الروح على ما وصفت لك، مادتها من الدم، و من الدم رطوبة الجسم وصفاء اللون وحسن الصوت، و كثرة الضحك، فإذا جمد الدم فارق الروح البدن.
قال: فهل يوصف بخفة و ثقل و وزن؟
قال علیه السلام : الروح بمنزلة الريح في الزق، إذا نفخت فيه امتلأ الزق منها، فلا يزيد في وزن الزق ولوجها فيه، و لا ينقصها خروجها منه،كذلك الروح ليس لها ثقل و لا وزن.
قال: فأخبرني ما جوهر الريح ؟
قال علیه السلام: الريح هواء إذا تحرك يسمى ريحاً، فإذا سكن يسمى هواء، و به قوام الدنيا، و لو كفت الريح ثلاثة أيام لفسد كل شيء على وجه الأرض ونتن، و ذلك أن الريح بمنزلة المروحة، تذب و تدفع الفساد عن كل شيء و تطيبه، فهي بمنزلة الروح إذا خرج عن البدن نتن البدن وتغير، و تبارك الله أحسن الخالقين.
قال: أفتتلاشى الروح بعد خروجه عن قالبه أم هو باق؟
قال علیه السلام: بل هو باق إلى وقت ينفخ في الصور، فعند ذلك تبطل الأشياء، و تفنى، فلا حس و لا محسوس، ثم أعيدت الأشياء كما بدأها مدبرها، و ذلك أربعمائة سنة يسبت فيها الخلق، و ذلك بين النفختين.
قال: و أنى له بالبعث و البدن قد بلي و الأعضاء قد تفرقت، فعضو ببلدة يأكلها سباعها، و عضو بأخرى تمزقه هوامها، و عضو صار تراباً بني به مع
ص: 221
الطين حائط ؟!
قال علیه السلام: إن الذي أنشأه من غير شيء و صوره على غير مثال كان سبق إليه قادر أن يعيده كما بدأه. قال: أوضح لي ذلك!
قال علیه السلام: إن الروح مقيمة في مكانها، روح المحسن في ضياء و فسحة، و روح المسيء في ضيق و ظلمة، و البدن يصير تراباً كما منه خلق، و ما تقذف به السباع و الهوام من أجوافها مما أكلته و مزقته، كل ذلك في التراب محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرة في ظلمات الأرض، و يعلم عدد عدد الأشياء و وزنها، و إن تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التراب، فإذا كان حين مطرت الأرض مطر النشور، فتربوا الأرض ثم تمخضوا مخض السقاء، فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب إذا غسل بالماء، والزبد من اللبن إذا مخض، فيجتمع تراب كل قالب إلى قالبه، فينتقل بإذن الله القادر إلى حيث الروح، فتعود الصور بإذن المصور كهيئتها، و تلج الروح فيها، فإذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئاً.(1)
[266] قال (أي الزنديق): فمن أين أصل الكهانة، ومن أين يخبر الناس بما يحدث؟
قال علیه السلام: إن الكهانة كانت في الجاهلية، في حين فترة من الرسل كان
ص: 222
الكاهن بمنزلة الحاكم يحتكمون إليه فيما يشتبه عليهم من الأمور بينهم، فيخبرهم عن أشياء تحدث، و ذلك من وجوه شتى: فراسة العين، و ذكاء القلب، و وسوسة النفس، و فتنة الروح، مع قذف في قلبه؛ لأن ما يحدث في الأرض من الحوادث الظاهرة فذلك يعلم الشيطان و يؤديه إلى الكاهن، و يخبره بما يحدث في المنازل و الأطراف.
و أما أخبار السماء فإن الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السمع إذ ذاك، و هي لا تحجب، و لا تُرجم بالنجوم، و إنما منعت من استراق السمع لئلا يقع في الأرض سبب تشاكل الوحي من خبر السماء، فيلبس على أهل الأرض ما جاءهم عن الله، لإثبات الحجة، و نفي الشبهة. و كان الشيطان يسترق الكلمة الواحدة من خبر السماء بما يحدث من الله في خلقه، فيختطفها، ثم يهبط بها إلى الأرض، فيقذفها إلى الكاهن، فإذا قد زاد كلمات من عنده، فيخلط الحق بالباطل، فما أصاب الكاهن من خبر مما كان يخبر به فهو ما أداه إليه الشيطان لما سمعه، و ما أخطأ فيه فهو من باطل ما زاد فيها، فمنذ منعت الشياطين عن استراق السمع انقطعت الكهانة. و اليوم إنما تؤدي الشياطين إلى كهانها أخباراً للناس بما يتحدثون به، و ما يحدثونه، و الشياطين تؤدي إلى الشياطين: ما يحدث في البعد من الحوادث، من سارق سرق، و من قاتل قتل، و من غائب غاب، و هم بمنزلة الناس أيضاً، صدوق و كذوب.(1)
ص: 223
[267]-1- قال (أي الزنديق): فأخبرني عن السحر، ما أصله؟ و كيف يقدر الساحر على ما يوصف من عجائبه، و ما يفعل؟
قال علیه السلام: إن السحر على وجوه شتى: وجه منها بمنزلة الطب، كما أن الأطباء وضعوا لكل داء دواء، فكذلك علم السحر، احتالوا لكل صحة آفة، و لكل عافية عاهة، و لكل معنى حيلة. و نوع آخر منه خطفة و سرعة و مخاريق و خفة. و نوع آخر ما يأخذ أولياء الشياطين عنهم.
قال: فمن أين علم الشياطين السحر؟
قال علیه السلام: من حيث عرف الأطباء الطب: بعضه تجربة، و بعضه علاج.
قال: فما تقول في الملكين: هاروت و ماروت؟ و ما يقول الناس بأنهما يعلمان الناس السحر؟
قال علیه السلام : إنهما موضع ابتلاء و موقع فتنة، تسبيحهما اليوم لو فعل الإنسان كذا و كذا لكان كذا و كذا، و لو يعالج بكذا و كذا لكان كذا، أصناف السحر، فيتعلمون منهما ما يخرج عنهما، فيقولان لهم: إنما نحن فتنة فلا تأخذوا عنا ما يضركم و لا ينفعكم.
قال: أفيقدر الساحر أن يجعل الإنسان بسحره في صورة الكلب أو الحمار أو غير ذلك؟
قال علیه السلام: هو أعجز من ذلك و أضعف من أن يغير خلق الله، إن من أبطل ما ركبه الله و صوره و غيره فهو شريك الله في خلقه، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. لو قدر الساحر على ما وصفت لدفع عن نفسه الهرم و الآفة و الأمراض،
ص: 224
و لنفى البياض عن رأسه و الفقر عن ساحته، و إن من أكبر السحر النميمة، يفرق بها بين المتحابين، و يجلب العداوة على المتصافيين، و يسفك بها الدماء، و يهدم بها الدور، و يكشف بها الستور، و النمام أشر من وطئ الأرض بقدم، فأقرب أقاويل السحر من الصواب أنه بمنزلة الطب، إن الساحر عالج الرجل فامتنع من مجامعة النساء فجاء الطبيب فعالجه بغير ذلك العلاج، فأبرئ.(1)
[268]-2- روي عن هشام بن الحكم أنه قال: من سؤال الزنديق... قال علیه السلام: و أما أخبار السماء فإن الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السمع إذ ذاك، و هي لا تحجب، و لا تُرجم بالنجوم، و إنما منعت من استراق السمع لئلا يقع في الأرض سبب تشاكل الوحي من خبر السماء، فيلبس على أهل الأرض ما جاءهم عن الله، لإثبات الحجة، و نفي الشبهة. و كان الشيطان يسترق الكلمة الواحدة من خبر السماء بما يحدث من الله في خلقه فيختطفها، ثمّ يهبط بها إلى الأرض فيقذفها إلى الكاهن، فإذا قد زاد كلمات من عنده، فيخلط الحق بالباطل، فما أصاب الكاهن من خير مما كان يخبر به فهو ما أداه إليه الشيطان لما سمعه، و ما أخطأ فيه فهو من باطل ما زاد فيه، فمنذ منعت الشياطين عن استراق السمع انقطعت الكهانة. واليوم إنما تؤدي الشياطين إلى كهانها أخباراً للناس بما يتحدثون به، و ما يحدثونه، و الشياطين تؤدي إلى الشياطين ما يحدث في البعد من الحوادث من سارق سرق، و من
ص: 225
قاتل قتل، و من غائب غاب، و هم بمنزلة الناس أيضاً، صدوق و كذوب.
قال: و كيف صعدت الشياطين إلى السماء، و هم أمثال الناس في الخلقة و الكثافة و قد كانوا يبنون لسليمان بن داوود علیهما السلام من البناء ما يعجز عنه ولد آدم؟!
قال علیه السلام: غلظوا لسليمان كما سخروا، و هم خلق رقيق، غذاؤهم النسيم، و الدليل على كل ذلك صعودهم إلى السماء لاستراق السمع، و لا يقدر الجسم الكثيف على الارتقاء إليها إلا بسلم أو بسبب.(1)
[269] قال (أي الزنديق): فما تقول في علم النجوم؟
قال علیه السلام: هو علم قلت منافعه، و كثرت مضراته، لأنه لا يدفع به المقدور، و لا يتقى به المحذور، إن المنجم بالبلاء لم ينجه التحرز من القضاء، إن أخبر هو بخير لم يستطع تعجيله، و إن حدث به سوء لم يمكنه صرفه، و المنجم يضاد الله في علمه، يزعم أنه يرد قضاء الله خلقه.(2)
[270] قال (أي الزنديق): أفيكون العالم جاهلاً ؟ قال علیه السلام: عالم بما يعلم،
ص: 226
و جاهل بما يجهل(1)
[271] قال (أي الزنديق): أو ليس توزن الأعمال ؟
قال علیه السلام : لا، إن الأعمال ليست بأجسام، و إنما هي صفة ما عملوا، و إنما يحتاج إلى وزن الشيء من جهل عدد الأشياء، و لا يعرف ثقلها أو خفتها، و إنّ الله لا يخفى عليه شيء.(2)
[272] قال (أي الزنديق): فأخبرني عن الشمس أين تغيب ؟
قال علیه السلام: إن بعض العلماء قال: إذا انحدرت أسفل القبة دار بها الفلك إلى بطن السماء صاعدة أبداً، إلى أن تنحط إلى موضع مطلعها، يعني أنها تغيب في عين حامية ثم تخرق الأرض راجعة إلى موضع مطلعها، فتحير تحت العرش حتى يؤذن لها بالطلوع، و يسلب نورها كل يوم، و تجلل نوراً آخر.(3)
[273] قال (أي الزنديق): فخلق النهار قبل الليل ؟
قال علیه السلام: خلق النهار قبل الليل، و الشمس قبل القمر، و الأرض قبل السماء،
ص: 227
و وضع الأرض على الحوت، والحوت في الماء، و الماء في صخرة مجوفة، والصخرة على عاتق ملك، و الملك على الثرى، والثرى على الريح العقيم، و الريح على الهواء، و الهواء تمسكه القدرة، و ليس تحت الريح العقيم إلا الهواء و الظلمات، و لا وراء ذلك سعة و لا ضيق، و لا شيء يتوهم، ثم خلق الكرسي، فحشاه السماوات و الأرض، و الكرسي أكبر من كل شيء خلقه الله، ثم خلق العرش فجعله أكبر من الكرسي.(1)
[274]-1- روی هشام بن الحكم أنه سأل الزنديق أبا عبد الله علیه السلام فقال: أخبرني عن الناس يحشرون يوم القيامة عراة ؟
قال: بل يحشرون في أكفانهم.
قال: أنى لهم بالأكفان و قد بليت؟ قال: إن الذي أحيا أبدانهم جدد أكفانهم. قال: من مات بلا كفن؟ قال: يستر الله عورته بما شاء من عنده. قال: فيعرضون صفوفاً؟ قال: نعم، هم يومئذ عشرون و مائة صف في عرض الأرض... الخبر.(2)
[275]-2- عن هشام بن الحكم قال: قال الزنديق للصادق علیه السلام: أخبرني، أو ليس في النار مقنع أن يعذب خلقه بها دون الحيات و العقارب؟ قال: إنما عذب بها قوماً زعموا أنها ليست من خلقه، إنما شريكه الذي يخلقه فيسلط
ص: 228
الله عليهم العقارب و الحيات في النار ليذيقهم بها و بال ما كانوا عليه فجحدوا أن يكون صنعه... الخبر(1)
ص:229
ص:230
كلمة الناشر...3
الفصل الأول: العقائد 7-104
1 - كتاب العقل والجهل...9
باب العقل والجهل...9
جنود العقل والجهل...33
2 - كتاب فضل العلم...35
باب الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب...35
باب علل اختلاف الأخبار...35
3 - كتاب التوحيد...38
باب حدوث العالم و إثبات المحدث...38
باب التوحيد و نفي الشريك...49
باب إطلاق القول بأنه شيء...53
باب نفي الزمان و المكان و الحركة و الرؤية...56
باب معاني الأسماء و اشتقاقها...58
باب العرش و الكرسي...59
ص:231
باب صفات الذات...60
باب الرضا و السخط...60
باب العلم...61
باب الخلق...63
باب قضاء الله...63
باب ليس من صفته الجور و العبث و الظلم...64
باب حكمة الله في خلقه...64
4 - كتاب الحجة...67
باب الاضطرار إلى الحجة...67
باب علم رسول الله علياً...72
باب معنى عصمة الإمام...73
باب فيه نكت و نتف من التنزيل في الولاية...73
باب فرض طاعة الأئمة...74
باب الأئمة يعلمون علم ما كان...75
باب أن الأئمة عندهم جميع الكتب التي نزلت من الله عز وجل و أنهم يعرفونها على اختلاف ألسنتها...75
باب معجزات الإمام...78
معجزات الإمام الصادق علیه السلام...78
معجزات الإمام الكاظم (موسى بن جعفر علیه السلام):...79
باب الإشارة و النص على أبي الحسن الرضا علیه السلام...81
باب معرفة ما ورد من الأخبار في وجوب الغيبة...82
باب أصحاب الأئمة...82
باب البدع و الرأي و المقاييس...83
أ - القياس...83
ب - البدع...84
ص:232
باب النوادر...85
باب طبقات الأنبياء و الرسل و الأئمة علیهم السلام...87
باب آدم علیه السلام...93
باب نوح علیه السلام...95
باب إبراهيم علیه السلام...95
باب النبي سليمان علیه السلام...96
باب موسى علیه السلام96
باب حج الأنبياء علیهم السلام...98
باب يوسف علیه السلام...99
باب النبي محمد صلی الله علیه و آله...99
أ - حج رسول اللہ صلى الله عليه وآله و سلم...99
ب - رسول الله و خلفاؤه علیهم السلام...100
الفصل الثاني: الأخلاق
105-142
1 - كتاب الإيمان و الكفر...107
باب كظم الغيظ...107
باب إدخال السرور على المؤمنين...107
باب الطاعة و التقوى...108
باب فضل فقراء المسلمين...109
باب الكفر...110
باب الهجرة...111
باب إطعام المؤمن...111
باب وجوب محاسبة النفس في كل يوم...112
ص: 233
باب تحريم البذاء و عدم المبالاة...112
باب كراهة الطمع...112
باب تحريم حب الدنيا المحرمة...113
باب استحباب البر بالمؤمن...113
باب تحريم الحسد و وجوب اجتنابه...113
باب وجوب تسكين الغضب...114
باب تحريم التكبر...114
باب استحباب التواضع...115
باب استحباب الرفق في الأمور...115
باب وجوب الصبر على طاعة الله...115
باب استحباب الحياء...116
باب يوم الحشر...116
باب الجنة...119
باب استحباب صلة الأرحام...121
باب الاستشهاد على الوصية...122
باب خصال الفتوة و المروءة...122
استحباب الرفق بالمؤمنين...123
وجوب أداء الأمانة إلى البر و الفاجر...123
الشرك و الشك....123
عذاب النار...124
باب الإنسان...124
2 - كتاب الدعاء...128
باب الإقبال على الدعاء...128
باب صفات خيار العباد وأولياء الله...128
باب استجابة الدعاء...129
ص: 234
3 - كتاب العشرة...130
باب التخارج...130
4 - كتاب العقيقة...131
باب تحريم تمني موت البنات...131
باب فضل البنات...131
5 - كتاب الأطعمة...133
باب استحباب اتخاذ الطعام...133
باب فضل العشاء و كراهية تركه...134
باب التمر...134
باب الأرز....135
6 - كتاب الأشربة...136
باب كثرة شرب الماء...136
باب النرد والشطرنج...137
7 - كتاب الزي و التجمل و المروءة...138
باب سعة المنزل....138
باب تحجير السطوح...138
باب تشييد البناء...139
باب من كسب مالاً من غير حله...139
باب الإبط...139
باب الحمام...140
باب الخضاب بالحناء...140
كراهة لبس البرطلة...140
ص: 235
الفصل الثالث: الأحكام 143-192
1 - كتاب الطهارة...145
باب اختلاط ماء المطر بالبول...145
باب الاستنجاء بالماء...145
2 - كتاب الجنائز...147
باب التعزية...147
باب الغريق و المصعوق...147
3 - كتاب الصلاة...149
باب الرجل يصلي في الثوب وهو غير طاهر...149
باب صلاة الاستسقاء...150
باب أدنى ما يجزي من التسبيح في الركوع...150
باب إثبات المعراج و معناه...151
باب الآذان و الإقامة و فضلهما...151
باب وجوب الصلاة على كل ميت...154
باب صلاة العيدين...154
باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس...154
باب عدم جواز الصلاة في الطين...155
باب عقاب من صلى و به بول أو غائط...156
باب استحباب الصلاة عن الميت...156
باب التزين يوم الجمعة...156
باب وجوب تعظيم يوم الجمعة...157
باب بناء المساجد ...157
4 - كتاب الزكاة...159
ص: 236
باب منع الزكاة...159
باب الزكاة تبعث من بلد إلى بلد...159
5 - كتاب الصيام...160
باب من لا يجب له الإفطار و التقصير...160
باب من لا يجوز له صيام التطوع...160
باب فضل شهر رمضان...161
باب الفطرة...161
باب تعيين ليلة القدر...162
باب علاقة أول شهر رمضان و آخره...162
باب جواز شهر رمضان تسعة و عشرين يوماً...163
6 - كتاب الحج...164
باب فضل الحج و العمرة و ثوابهما...164
باب من يشرك قرابته و إخوته في حجته...165
باب الطيب للمحرم...165
باب أن الصلاة و الطواف أيهما أفضل...165
باب الغدو إلى عرفات و حدودها...166
باب ليلة المزدلفة و الوقوف بالمشعر...166
باب من فاته الحج...167
باب حصى الجمار...167
باب من بات عن منى في لياليها...167
باب ما يجزي من غسل الإحرام...168
باب عقد الأحرام و شرطه و نقضه...168
باب توفير الشعر للحج و العمرة.....168
باب فيمن جني ثم التجأ إلى الحرم. ..169
باب نزول المزدلفة...169
ص: 237
باب الزيادات في فقه الحج...169
باب الظلال للمحرم...170
باب اشتراط وجوب الحج بوجوب الاستطاعة...170
باب زيارة قبر الحسين علیه السلام...170
7 - كتاب المعيشة...172
باب آداب التجارة...172
باب الغش...172
باب بیع النسيئة...173
باب كراهة استعمال الأجير قبل مقاطعته...173
باب المكاسب...174
باب التفرقة بين ذوي الأرحام...174
8 - كتاب النكاح
باب أن الصغار إذا زوجوا لم يأتلفوا...175
باب فضل من تزوج ذات دين...175
باب نكاح المتعة و شروطها...176
باب نكاح المتعة و شروطها...176
9 - كتاب الدواجن...178
باب اتخاذ الإبل...178
10 -كتاب الوصايا...179
باب أن المدبر من الثلث...179
11 - كتاب القضاء و الأحكام...180
باب أن القضاء بالبينات و الأيمان...180
12 - كتاب الأيمان و النذور و الكفارات...181
باب كفارة اليمين...181
13 - كتاب علل الشرائع....18
ص: 238
باب علة تحريم الربا...182
باب العلة التي من أجلها لا ينبت الشعر في بطن الراحة...182
باب علة النهي عن أكل الطين...183
باب علة [تحريم] الحبة فيها القملة...183
علة تحريم الخمر و الدم و الميتة و غيرها...183
باب علة وجوب الحج و الطواف...185
باب علة النهي عن السجود على المأكول و الملبوس...186
باب علة كون الصلاة ركعتين و أربع سجدات...187
باب علة فرض الصيام...187
باب العلة التي من أجلها سن رسول اللہ صلى الله عليه وآ له و سلم في كل شهر صوم خميسين بينهما أربعاء...188
باب العلة التي من أجلها فرض الله الصلاة...188
باب العلة التي من أجلها يقال في الركوع: سبحان ربي العظيم و بحمده...189
باب علة افتتاح الصلاة بسبع تكبيرات...190
الفصل الرابع: تفسير القرآن 191-206
بیانات لآیات...205
الفصل الخامس: النوادر 207-229
1 - کتاب آراء الفرق و المذاهب...209
مقالة ماني الزنديق...209
مقالة الديصانية...211
ص: 239
ج - زرادشت...211
د - أرسطو وأفلاطون وجالينوس...212
ه- - أصحاب التناسخ...213
و- المجوس والعرب...214
ز- خالد بن سنان...215
ح - القدرية ...216
2 - النوادر...217
باب الله وإبليس...217
باب الله والملائكة...218
باب الملائكة والإنسان...218
باب هاروت وماروت (الملائكة)...219
باب الحوراء...219
باب الروح...220
باب الكهانة...222
باب السحر...224
باب الشياطين...225
باب علم النجوم....226
باب العالم والجهل...226
باب وزن الأعمال...227
باب غياب الشمس...227
باب خلق النهار قبل الليل...227
باب يوم القيامة...228
ص: 240