وكلاء الإمام الهادي عليه السلام

هویة الکتاب

وكلاء الإمام الهادي عليه السلام

دراسة تاريخية وحديثية

د. علي عبد الزهرة الفحام

1436 ﻫ 2015 م

موسسة مسجد السهلة المعظم

ص: 1

الإهداء

إلى سيدي ومولاي وولي نعمتي ..

إلى صاحب الطلعة الرشيدة والغرة الحميدة ..

إلى الآية الكبرى والحجة العظمى ..

إلى وجه الله الذي منه يؤتى ..

إلى السبب المتصل بين الأرض والسماء ..

إلى مولانا الإمام المفدى ..

الحجة بن الحسن العسكري .. أرواحنا لتراب مقدمه الفدى .

أهدي هذا القليل ... عسى أن يكون وسيلة إلى رضاه .. وذلك غاية المنى ...

المؤلف .

ص: 2

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلَّم على خير خلقه أجمعين ، محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين ، وبعد :

فإن المكتبة الإسلامية اليوم – على شموليتها واتساعها - تفتقد للدراسات التفصيلية التي تتناول وكلاء الأئمة عليهم السلام ، بحيث يمكن من خلالها الوقوف على مراحل حياتهم ، وما اضطلعوا به من مهام تاريخية وروائية ، ودورهم في نقل التراث الفكري للتشيع ، ودراسة علاقتهم مع أئمة أهل البيت عليهم السلام من جهة ، ومع الجماهير الشيعية من جهة أخرى .

وللإمام أبي الحسن علي بن محمد الهادي العسكري (ت 254 ھ) عليه السلام أهمية خاصة عند الحديث عن الوكلاء ؛ لما اتسمت به مدة إمامته الشريفة من اتساع رقعة الوكلاء ، وتعاظم دورهم بحكم التغيرات السياسية والفكرية التي رافقت تسلمه أمور الخلافة ، وبحكم دوره المهم في التمهيد للتحولات "الدراماتيكية" الني كانت تنتظر القاعدة الشيعية في قادم الأيام .

ولقد وجدتُ أن ببليوغرافيا الكتب الشيعية تفتقد لدراسة شاملة حول وكلاء الإمام الهادي عليه السلام إلا نتفاً من الإشارات المترامية هنا وهناك طويت بين صفحات الكتب وزوايا المصنفات ، ويبدو أنها لم تتجاوز موضوعة السرد التاريخي والبحث في وثاقة الرواة ، فلم يُفرد مصنف خاص يتناول السيرة التفصيلية لوكلائه أو مشروع الوكالة في زمانه الشريف ، على أهمية هذا الموضوع في المباحث التاريخية والعقدية .

إن الخروج برؤية واضحة حول وكلاء الإمام الهادي عليهم السلام ودورهم التاريخي والحديثي (الروائي) يكتسب أهمية علمية على مستويين : أحدهما تاريخي يسلط الضوء

ص: 3

على منهجية الإمام الهادي عليه السلام في إدارة العمل الميداني كجزء من مشروعه الإصلاحي في هداية الناس ، وكذا البحث في شكل وطبيعة ومميزات العلاقة التي كانت قائمة بين الشيعة في زمان الأئمة عليهم السلام ، اما المستوى الآخر فيتعلق بالبحث الروائي بكل أبعاده الرجالية والحديثية كقواعد الجرح والتعديل ، وتمييز المشتركات ، ودراسة الظروف الموضوعية للنص الروائي .

لقد جاء كتاب (وكلاء الإمام الهادي عليه السلام) محاولة لتقديم مقاربة تاريخية جديدة حول دور الوكلاء في حركة الإمام الهادي عليه السلام ، كما يقدم الكتاب أسلوباً جديداً في ترجمة الرواة يتجاوز "كلاسيكية" الكتب الرجالية التي تعنى فقط بمباحث الوثاقة وما يتعلق بها .

يمتاز الكتاب بمنهجية جديدة في تناول التراجم تعتمد على تلمس معالم شخصية الراوي من خلال مروياته الحديثية ، التي يكشف جانب منها عن علاقة الرواي بالإمام الهادي عليه السلام ، وعلاقته مع الشيعة ، ومقدار سعة علمه ، وطبيعة الموضوعات التي كان مهتماً بها .

يتألف الكتاب من ثلاثة فصول ، اعتنى الأول منها بذكر ومضات من حياة الإمام الهادي عليه السلام ، بينما خصصتُ الفصل الثاني للبحث التاريخي والرجالي لموضوعة الوكالة ، في حين شمل الفصل الثالث التراجم التفصيلية لوكلاء الإمام الهادي عليه السلام مركزاً على الأدوار العقائدية والفكرية التي قام بها الوكلاء بأمر وتوجيه من الإمام الهادي عليه السلام ، مع إعطاء نماذج وافية من مرويات الوكيل للدلالة على مكانته وموقعه في علم الحديث .

وفي الختام ، فإني أسأل الله تعالى أن يقيل عثراتنا ، ويتقبل أعمالنا ، ويجعل هذا القليل خالصاً لوجهه الكريم ، وأن يكون ذخراً لنا ، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، والحمد لله رب العالمين .

المؤلف

الكوفة المقدسة – جمادى الثاني 1434 ھ

ص: 4

الفصل الأول : ومضات من حياة الإمام الهادي عليه السلام

اشارة

ص: 5

الفصل الأول

ومضات من حياة الإمام الهادي عليه السلام

نسبه الشريف

لا يخفى على أحد النسب الشريف والمنحدر الأصيل والسلف الصالح الذي نشأ منه إمامنا الهادي العسكري عليه السلام ، وإنما نذكره تبركاً بسلسلة آبائه الأطهار ، فهو الإمام الهمام عاشر أئمة أهل البيت عليهم السلام أبو الحسن ، علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم الصلاة والسلام .

أمه أم ولد يقال لها (سُمانة) (1) وقد تسمى سُمانة المغربية ، ويقال أيضاً (منفرشة المغربية) (2) ، وقد سميت في بعض الروايات باسم (سوسن) (3) ، كما وردت لها أسماء أخرى مثل يدش وحويت (4) .

وقد كانت هذه المرأة الشريفة من خيرة النساء في زمانها ، وصفها المؤرخون أنها كانت من القانتات (5) ، ومن روائع ما ورد بحقها من المدح والثناء ما رواه محمد بن الفرج وعلي بن مهزيار عن الإمام الهادي عليه السلام أنه قال : «أمي عارفة بحقي ، وهي من أهل الجنة ، لا يقربها شيطان مارد ، ولا ينالها كيد جبار عنيد ، وهي مكلوءة بعين الله التي لا تنام ، ولا تتخلف عن أمهات الصديقين والصالحين» (6) .

ص: 6


1- الكافي .1\498 ، الهداية الكبرى 313 .
2- تاريخ مواليد الأئمة ص42 .
3- عيون أخبار الرضا 2\48 ، وقد ذكرت الرواية أن سمانة هي أم الإمام العسكري عليه السلام .
4- حياة الإمام الهادي عليه السلام ، الشيخ باقر شريف القرشي ، ص19 ، نقلاً عن مخطوطة (مرآة الزمان) وكتاب (تاريخ الأئمة) .
5- عيون المعجزات 118 .
6- دلائل الإمامة 410 ، مدينة المعاجز 7\420، المارد هو : العاتد الشديد ، ومكلوءة أي محفوظة .

ألقابه المباركة

للإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام ألقاب كثيرة اشتُق بعضها من صفاته العلمية والأخلاقية الرفيعة ، واشتق البعض الآخر من موقع إقامته في سامراء كلقب العسكري ، بينما فرضت ظروف التقية والعمل السري أن يلقبه الشيعة ببعض الألقاب للتستر عليه وتضليل الأجهزة الأمنية العباسية .

ونحن نذكر من ألقابه الشريفة أشهر ما ذكره المؤرخون وما ورد في بعض الروايات :

1. العسكري : وهو من أشهر ألقابه في الروايات الشريفة ، بحيث إنه إذا ورد مجرداً عن الاسم والكنية فلا شك أنه يشير إلى إمامنا الهادي عليه السلام على عكس ما هو شائع في زماننا ، روى الشيخ الصدوق في علل الشرائع في باب (العلة التي من أجلها سمي علي بن محمد والحسن بن علي عليهما السلام : العسكريين) قال : «سمعت مشايخنا رضي الله عنهم يقولون إن المحلة التي يسكنها الإمامان علي بن محمد والحسن بن علي عليهما السلام بسُرَّ من رأى كانت تسمى عسكر فلذلك قيل لكل واحد منهما العسكري» (1) ، وقد يعرف الإمام الهادي عليه السلام بالفقيه العسكري (2) ، قال ابن عنبة : «أما علي الهادي فيلقب العسكري ؛ لمقامه بسُرَّ من رأى ، وكانت تسمى العسكر» (3) .

2. الهادي : وهو اللقب الشائع في زماننا ، ولم تكن شهرته بالتي هي عليه اليوم ، بل كان لقباً كسائر الألقاب ، ولعل شهرته بدأت من زمان السيد ابن طاووس ، ثم اتسعت

ص: 7


1- علل الشرائع 1\241 .
2- أنظر مثلاً : الاستبصار 1\118 ، وسائل الشيعة 1\431 .
3- عمدة الطالب ص199 .

بشكل أكبر في زمان العلامة الحلي (ت 726 ﻫ) إذ نجده يستعمل هذا اللقب بكثرة في كتبه ومصنفاته (1) .

3. أبو الحسن الثالث : وهو من كناه وألقابه المشهورة قديماً والمذكورة في متون الروايات وأسانيدها ، سمي بذلك تمييزاً له عن أبي الحسن الأول (الإمام الكاظم عليه السلام) وأبي الحسن الثاني (الإمام الرضا عليه السلام) .

4. النقي : وهو من ألقابه المشهورة قديماً وحديثاً ، سمي به لنقائه وحسن باطنه (2) .

5. العبد الصالح : وهو من ألقابه المذكورة في الروايات ، ولعله كان يستعمل عند التقية، وكانت الشيعة تستعمله أيضاً مع الإمام الكاظم عليه السلام (3) .

6. الرجل : وهو من الألقاب التي استعملت للتقية أيضاً (4) .

7. السيد : ومن الألقاب التي تستعمل أيضاً للتقية (5) .

8. له ألقاب أخرى أقل شهرة ذكرها بعض المؤرخين ، منها : النجيب ، المرتضى ، العالم ، الأمين ، المؤتمن ، الطيب ، المتوكل (6) .

ص: 8


1- أنظر مثلاً : تحرير الأحكام 2\125 ، تذكرة الفقهاء 2\121 ، خلاصة الأقوال 242 ، وغيرها كثير .
2- مناقب ابن شهرآشوب 3\504 ، 505 .
3- أنظر مثلاً : التهذيب 2\275 .
4- التوحيد 459 .
5- دلائل الإمامة 410 ، مدينة المعاجز 7\420 .
6- مناقب ابن شهرآشوب 3\505 ، وقد أورد الشيخ باقر شريف القرشي في كتابه (حياة الإمام الهادي عليه السلام) ص22، أن الإمام عليه السلام لم يكن يقبل أن يلقب ﺑ(المتوكل) ربما لأنه اللقب المشهور للطاغية العباسي في زمانه، ولم يورد الشيخ (رحمه الله) مصدراً لكلامه هذا ، وقد بحث في المصادر القديمة ولم أجد شيئاً من ذلك .

الولادة الشريفة

ولد عليه السلام في قرية (صُريا) (1) قرب المدينة المنورة للنصف من ذي الحجة سنة 212 ﻫ (2) ، وقيل يوم الثلاثاء في الخامس من رجب سنة 214 ﻫ (3) ، وروي عن إبراهيم بن هاشم القمي أنه ولد في 13 رجب سنة 214 ﻫ (4) ، وقال السيد ابن طاووس (رحمه الله) : «وروي ان اليوم الثالث من رجب كان مولد مولانا علي بن محمد الهادي عليه السلام» (5) .

حياته في زمن أبيه

عاش أبو الحسن الهادي في حياة أبيه ست سنوات أو ثمان سنوات ، وهذا يعني أنه عليه السلام كان أحد الأئمة الذين تولوا الإمامة في سن مبكرة إلى جانب أبيه الإمام الجواد وحفيده الإمام المهدي عليهما السلام .

ولم يكن لأبي الحسن الهادي عليه السلام حضور كثير في حياة أبيه القصيرة هي الأخرى ، وذلك لصغر سنه الشريف وسوء الأوضاع السياسية التي فرضت منهجية السرية والكتمان ، وكان أبوه الجواد عليه السلام يختار بعض المخلصين من أصحابه لاطلاعهم أن أمر الإمامة من بعده يؤول إلى ابنه علي ، فهو الابن الوحيد ، والوريث الشرعي الذي نص عليه رسول الله صلى الله عليه وآله ، وقد اجتمعت فيه كل صفات ومؤهلات الإمامة ، وكان المعتصم العباسي (لعنه الله) قد أشخص الإمام أبا جعفر الثاني عليه السلام إلى بغداد في 28 محرم سنة 220 ﻫ ، وقد اصطحب الإمام ابنه علياً الهادي عليه السلام

ص: 9


1- صُريا : هي قرية أسسها موسى بن جعفر عليه السلام على ثلاثة أميال من المدينة . مناقب آل أبي طالب 4\489 .
2- الإرشاد 2\297 .
3- الكافي .1\498 ، بحار الأنوار 50\114 .
4- بحار الأنوار 50\116 ، نقلاً عن مصباح المتهجد للطوسي ، ومصباح الكغعمي .
5- إقبال الأعمال 3\221 .

في رحلته التي انتهت باستشهاده على يد الطاغية المعتصم وتسلم الإمام الهادي أمور الإمامة الشرعية ، وما لبث الإمام الهادي عليه السلام أن رجع في السنة نفسها إلى المدينة ، ومر بقبر جده أمير المؤمنين عليه السلام يوم الغدير 18 ذي الحجة 220 ﻫ وزاره بالزيارة المعروفة اليوم بزيارة الغدير ، وهي زيارة شريفة يستعرض فيها الإمام تاريخ أمير المؤمنين عليه السلام منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وآله حتى استشهاده (1) .

النص على إمامته

يقع النص على إمامة الإمام الهادي عليه السلام في مستويين : يختص الأول منهما بالنصوص العامة على أسماء الأئمة الاثني عشر ومنهم الإمام الهادي عليه السلام وهي نصوص متواترة أو مستفيضة في كتب الشيعة ، أما المستوى الثاني فيتعلق بالنصوص الخاصة على الإمام الهادي من قبل أبيه الإمام الجواد عليهما السلام ، ومن ذلك ما رواه ثقة الإسلام الكليني عن علي بن إبراهيم (ثقة ثبت) ، عن أبيه (ثقة بالاتفاق) ، عن إسماعيل بن مهران (ثقة معتمد عليه) قال : لما خرج أبو جعفر عليه السلام من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأولى من خرجتيه ، قلت له عند خروجه : جعلت فداك إني أخاف عليك في هذا الوجه ، فإلى من الأمر بعدك ؟ فكر بوجهه إلي ضاحكا وقال : «ليس الغيبة حيث ظننت في هذه السنة» ، فلما اخرج به الثانية إلى المعتصم صرت إليه فقلت له : جعلت فداك أنت خارج فإلى من هذا الأمر من بعدك ؟ فبكى حتى اخضلت لحيته ، ثم التفت إلي فقال : «عند هذه يُخاف عليَّ ، الأمر من بعدي إلى ابني علي» (2) .

ومن الروايات المهمة في النص على إمامته الشريفة ما رواه الشيخ الصدوق في كمال الدين قال : حدثنا عبد الواحد بن محمد العبدوس العطار رضي الله عنه قال : حدثنا علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري قال : حدثنا حمدان بن سليمان قال : حدثنا الصقر بن أبي دلف قال : سمعت أبا جعفر محمد بن علي الرضا عليهما السلام يقول : «إن الإمام

ص: 10


1- مزار المشهدي 263 ، بحار الأنوار 97\395 .
2- الكافي 3\323 .

بعدي ابني علي ، أمره أمري ، وقوله قولي ، وطاعته طاعتي ، والإمام بعده ابنه الحسن ، أمره أمر أبيه ، وقوله قول أبيه ، وطاعته طاعة أبيه» ، ثم سكت . فقلت له : يا ابن رسول الله فمن الإمام بعد الحسن ؟ فبكى عليه السلام بكاءً شديداً ، ثم قال : «إن من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر» . فقلت له : يا ابن رسول الله لم سمي القائم ؟ قال : «لأنه يقوم بعد موت ذكره وارتداد أكثر القائلين بإمامته» . فقلت له : ولم سمي المنتظر ؟ قال : «لأن له غيبةً يكثر أيامها ويطول أمدها فينتظر خروجه المخلصون، وينكره المرتابون، ويستهزئ بذكره الجاحدون، ويكذب فيها الوقاتون، ويهلك فيها المستعجلون، و ينجو فيها المسلمون» (1) .

ويبدو أنه بسبب هذه النصوص ، وانحسار دور الواقفة (2) والفطحية (3) ، فقد كانت غالبية الشيعة تدين بالولاء والطاعة للإمام الهادي عليه السلام ، ولم يخالف إلا شرذمة

ص: 11


1- كمال الدين وتمام النعمة 378 .
2- الواقفة، حركة انحرافية فيفي داخل النسيج الشيعي ظهرت ملامحها الأولى في حياة الإمام الكاظم عليه السلام بعد دخوله السجن في سنة 179 ه، ونشطت بشكل فاعل بعد استشهاده سنة 183 ه، وقد ادعى زعماء هذه الفرقة أن الإمام الكاظم (عليه السلام) حي لم يمت، وأنه سيظهر في آخر الزمان، ويملاً الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، وبذلك أنكروا إمامة الإمام الرضا، وتوقف إيمانهم بالأئمة عند أبيه الكاظم، ومن هنا سُمّوا ب-"الواقفة"، ومن أبرز زعمائهم علي بن أبي حمزة البطائني وزياد بن مروان القندي وعثمان بن عيسى الرواسي – راجع كتاب : النحلة الواقفية للحاج حسين الشاكري .
3- كانت الفطحية من أخطر الفرق التي ظهرت بعيد وفاة الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام ، فقد قالت هذه الفرقة إن الإمامة بعد جعفر في ابنه عبد الله بن جعفر الأفطح ، وذلك لأنه كان أكبر أولاد الإمام الصادق سناً وجلس مجلس أبيه زوراً وادعى الإمامة ظلماً وعدواناً ، واستدل زعماء هذه الفرقة بحديث يروونه عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال : الإمامة في الأكبر من ولد الإمام ، فأظهر القول بإمامة عبد الله جل من قال بإمامة أبيه جعفر بن محمد غير نفر يسير عرفوا الحق فامتحنوا عبد الله بمسائل في الحلال والحرام من الصلاة وغير ذلك فلم يجدوا عنده علماً ، وسميت الفطحية بهذا الاسم لأن عبد الله كان أفطح الرأس ، وقال بعضهم : كان أفطح الرجلين ، وقال بعض الرواة : نسبوا إلى رئيس لهم من أهل الكوفة يقال له عبد الله بن فطيح . ومال إلى هذه الفرقة عدد من مشايخ الشيعة وفقهائها ، ولم يشكوا في أن الإمامة في عبد الله بن جعفر وفي ولده من بعده ، فمات عبد الله ولم يخلف ذكراً ، فرجع عامة الفطحية عن القول بإمامته - سوى قليل منهم - إلى القول بإمامة موسى بن جعفر ، وقد كان رجع جماعة منهم في حياة عبد الله إلى موسى بن جعفر (عليهما السلام) ، ثم رجع عامتهم بعد وفاته عن القول به ، وبقي بعضهم على القول بإمامته ثم إمامة موسى بن جعفر من بعده ، وعاش عبد الله بن جعفر بعد أبيه سبعين يوماً - نشوء الفرق والمذاهب الإسلامية ص72 .

قليلة ممن قالوا بإمامة أخيه موسى بن محمد المعروف بالمبرقع (ت296 ه) ، ثم ما لبثوا أن عادوا إلى إمامة الإمام الهادي عليه السلام ، انتقل موسى المبرقع إلى قم ، وتوفي هناك ، وله اليوم قبر معروف فيها (1) .

نشاطه في المدينة المنورة

لم يبق الإمام الهادي عليه السلام في بغداد بعد استشهاد أبيه إلا أياماً معدودة ، وسرعان ما رجع إلى مدينة جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سنة 220 أو 221 ﻫ ، وظل مقيماً في المدينة المنورة 14 عاماً حتى ارتحل عنها مكرهاً سامراء إلى سنة 234 ﻫ على الأرجح بأمر من المتوكل العباسي (لعنه الله) .

ويبدو أن الإمام الهادي عليه السلام مرّ بمرحلة سكون في أول إمامته ، ربما بسبب الوضع السياسي المتلبد ، وسياسة التضييق والمراقبة التي اتبعها المعتصم (لعنه الله) ، ومع ذلك فقد كان مولانا الهادي عليه السلام يمارس مهامه في هداية الناس ورعاية شيعته ، ويراقب الوضع السياسي وما يحصل من تغيرات في حاضرة الحكم العباسي ، وكان يوجه شيعته وأنصاره للعمل بمقتضى المصلحة التي تفرضها تلك التغيرات ، كما كان يدير معركة الشيعة ضد الغلاة والمفوضة ، وتشير بعض النصوص أنه عليه السلام قام سنة 232 ﻫ بنصب الوكيل الفذ أبي علي الحسن بن راشد وكيلاً في مناطق بغداد وما حولها (2) ، وكانت له توجيهات مع الوكيل الثقة (أيوب بن نوح) الذي يعدُّ من أوائل وكلائه ومن الفقهاء المخلصين من أصحابه (3) .

هجرته القسرية إلى سامراء

ص: 12


1- النحلة الواقفية ص13 .
2- اختيار معرفة الرجال 2\799 .
3- راجع الفصل الثالث من هذا الكتاب ، ترجمة الوكيل (أيوب بن نوح) .

شهدت السلطة العباسية في أيام المعتصم والواثق ترهلاً في الإدارة ، وتزعزعاً في الاستقرار السياسي والأمني (1) ؛ مما ساهم في إضعاف القبضة الحكومية على الإمام الهادي عليه السلام وشيعته ، لاسيما وإن صغر سن الإمام عليه السلام ، ومنهجيته في إدارة العمل بطريق الوكلاء ، واعتماد السرية ، كلها عوامل ساهمت في استرخاء الإمام الهادي بعض الشيء طيلة مدة إقامته في المدينة المنورة .

التحدي الأكبر كان في وصول المتوكل العباسي إلى السلطة ، فقد جعل مواجهة المد الشيعي في مقدمة أولوياته (2) ، وأطلق يد المتشددين من الخط السلفي ، وكان دائم المراقبة والحذر من حركات الإمام واتصالاته مع عيون الشيعة وأعلامهم ، فقرر بعد سنة أو سنتين من توليه الحكم أن يستقدم الإمام الهادي عليه السلام من المدينة المنورة إلى سامراء ؛ فكانت الهجرة القسرية للإمام في حدود سنة 234 ﻫ (3) .

محنة السجن والإقامة الجبرية

ص: 13


1- اما في زمان المعتصم فقد تعددت حالات العصيان والتمرد المسلح من قبل الولاة والأمراء الذي كان المأمون قد نصبهم على المدن والولايات ، واما في زمان الواثق فقد تسلط الأتراك ، وعاثوا في مفاصل الدولة فساداً ، وصار أمر القرار الحكومي إلى الأفن – راجع : تاريخ اليعقوبي ج2 ص476 وما بعدها .
2- قال ابن أثير في الكامل 7\55 : (وكان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي طالب ولأهل بيته وكان يقصد من يبلغه عنه انه يتولى علياً وأهله بأخذ المال والدم ... وانما كان ينادمه ويجالسه جماعة قد اشتهروا بالنصب والبغض لعلي " ع " منهم : علي بن الجهم الشاعر الشامي من بني شامة بن لوي ، وعمرو بن فرج الرخجي ، وأبو السمط من ولد مروان بن أبي حفصة من موالي بني أمية ، وعبد الله بن محمد بن داود الهاشمي المعروف بابن أترجة وكانوا يخوفونه من العلويين ويشيرون عليه بإبعادهم والاعراض عنهم والإساءة إليهم) .
3- ذكر الشيخ الكليني في الكافي ، والشيخ المفيد في الإرشاد أن المتوكل بعث يحيى بن هرثمة لإحضار الإمام الهادي عليه السلام سنة 243 ﻫ ، وهذا يتعارض مع مجموعة من الحقائق التي تؤكد أن الاستقدام كان قبل ذلك بكثير ، منها أن والي بغداد الذي استقبل الإمام الهادي عليه السلام في سفرته إنما كان (إسحاق بن إبراهيم الظاهري) وقد توفي هذا الرجل سنة 235 باتفاق أهل السير (تاريخ اليعقوبي 2\487) ، ومنها أن السمعاني من العامة وابن شهرآشوب من الخاصة وغيرهما ذكروا أن الإمام الهادي عليه السلام بقي في سامراء عشرين سنة وزاد بعضهم تسعة أشهر (الأنساب 4\195) ، أي إن الاستقدام كان بحدود 233 أو 234 وهذا هو الصحيح وما ورد في الكافي لعله من خطأ النساخ إذ حولوا (234) إلى (243) ، أما الشيخ المفيد فقد نقله عن الكافي كما هو دون تحقيق .

وفي سامراء بقي الإمام الهادي عليه السلام تحت الرقابة والإقامة الجبرية ، وقد تعرض للسجن بسبب كثرة الشكوك والهواجس التي كانت تحيط بالمتوكل وغيره من ملوك بني العباس ، وكان آخر اعتقال له في 2 شوال سنة 247 ﻫ وهي السنة التي هلك فيها المتوكل ، وقد زاره في السجن أحد ثقات أصحابه وهو (محمد بن أُوْرَمة القمي) (1) قبل يومين من مقتل المتوكل ، يروي الراوندي بسنده عن ابن أورمة قال : خرجت أيام المتوكل إلى سر من رأى فدخلت على سعيد الحاجب ودفع المتوكل أبا الحسن إليه ليقتله ، فلما دخلت عليه ، قال : تحب أن تنظر إلى إلهك ؟ قلت : سبحان الله إلهي لا تدركه الأبصار . قال : هذا الذي تزعمون أنه إمامكم ! قلت : ما أكره ذلك . قال : قد أمرت بقتله ، وأنا فاعله غداً - وعنده صاحب البريد - فإذا خرج فادخل إليه . فلم ألبث أن خرج قال : ادخل . فدخلت الدار التي كان فيها محبوساً فإذا هو ذا بحياله قبر يحفر ، فدخلت وسلمت وبكيت بكاءً شديداً ، قال : ما يبكيك ؟ قلت : لما أرى . قال : لا تبك لذلك فإنه لا يتم لهم ذلك . فسكن ما كان بي . فقال : «إنه لا يلبث أكثر من يومين حتى يسفك الله دمه ودم صاحبه الذي رأيته» . قال : فوالله ما مضى غير يومين حتى قُتل وقُتل صاحبه (2) .

وفي رواية أخرى يرويها الطبرسي في إعلام الورى قال : وذكر الحسن بن محمد بن جمهور العمي في كتاب الواحدة (3) قال : حدثني أخي الحسين بن محمد قال : كان لي

ص: 14


1- قال عنه النجاشي : محمد بن أوربمة أبو جعفر القمي ذكره القميون وغمزوا عليه ورموه بالغلو حتى دس عليه من يفتك به ، فوجده يصلي من أول الليل إلى آخره فتوقفوا عنه . وحكى جماعة من شيوخ القميين عن ابن الوليد أنه قال : محمد بن أورمة طعن عليه بالغلو ...، وقال بعض أصحابنا : إنه رأى توقيعاً من أبي الحسن الثالث عليه السلام إلى أهل قم في معنى محمد بن أورمة وبراءته مما قذف به – رجال النجاشي ص329 ، أقول : المعروف بين أهل التحقيق أن تضعيف القميين ليس بشيء ولاسيما إذا تعلق الأمر بتهمة الغلو ؛ فإنه كانوا يجرحون الرواة على الشبهة والظنة ، وما جرى مع الثقة الجليل (محمد بن أورمة) خير دليل على ذلك .
2- الخرائج والجرائح 1\412 ، ولعل المقصود بصاحبه (الفتح بن خاقان) كما سيتضح من الرواية الثانية .
3- قال النجاشي : الحسن بن محمد بن جمهور العمي أبو محمد بصري ثقة في نفسه ، ينسب إلى بني العم من تميم ، يروي عن الضعفاء ويعتمد على المراسيل . ذكره أصحابنا بذلك وقالوا : كان أوثق من أبيه وأصلح . له كتاب الواحدة – رجال النجاشي ص62 .

صديق مؤدب لولد بغاء أو وصيف (1) - الشك مني - فقال لي : قال لي الأمير . منصرفه من دار الخليفة : حبس أمير المؤمنين هذا الذي يقولون : ابن الرضا اليوم ودفعه إلى علي بن كركر ، فسمعته يقول : أنا أكرم على الله من ناقة صالح ﴿ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾ (2)، وليس يفصح بالآية ولا بالكلام ، أي شئ هذا ؟ قال : قلت : أعزك الله ، توعد ، انظر ما يكون بعد ثلاثة أيام . فلما كان من الغد أطلقه واعتذر إليه ، فلما كان في اليوم الثالث وثب عليه : باغز ، ويغلون ، وتامش ، وجماعة معهم فقتلوه وأقعدوا المنتصر ولده خليفة (3) . وفي رواية أبي سالم أن المتوكل أمر الفتح (4) بسبه فذكر الفتح ذلك للإمام الهادي عليه السلام فقال : قل له (تمتعوا في داركم ثلاثة أيام) الآية ، فأنهى ذلك إلى المتوكل فقال : اقتله بعد ثلاثة أيام ، فلما كان اليوم الثالث قتل المتوكل والفتح (5) ، ومن أصحابه الذين زاروه في السجن (الصقر بن أبي دلف الكرخي) (6) .

نشاطه الفكري والسياسي

لم يكن للإمام الهادي عليه السلام نشاط سياسي بالمعنى المعروف ؛ أي التدخل في الشأن السياسي العام ، أو محاولة تشكيل جبهة سياسية معارضة للسلطة ، أو حتى التفكير بالإنقلاب أو الثورة على النظام الحاكم ، فقد كان مستمراً بمسلك التقية والاعتزال الذي

ص: 15


1- وصيف ، وبُغا ، قائدان تركيان كبيران ، كان لهما نفوذ في دولة المستعين والمعتز ، فقد تحكما بمصير البلاد والعباد ، قتل وصيف سنة 253 ھ ، بينما قتل بُغا بعده بمدة يسيرة – تاريخ الإسلام 19\365 .
2- هود : 65 .
3- إعلام الورى 2\123 .
4- هو الفتح بن خاقان ، وزير المتوكل ، وهو تركي أيضاً ، قتل مع المتوكل بانتفاضة المنتصر سنة 247 ھ – تاريخ الإسلام 18\391 .
5- مناقب ابن شهرآشوب 4\511 ، يروى نظير هذه الرواية عن (زرافة) حاجب المتوكل أن الإمام الهادي إنما توعد المتوكل بالقتل بعد ثلاثة أيام لن المتوكل لما سيره مع موكب يضم القادة والوزراء في يوم شديد الحر نكاية بالإمام عليه السلام ، والله تعالى هو العالم بالأمور – راجع : الخراج والجرائح 1\401 .
6- ذكرناه في باب النص على إمامة الإمام الهادي عليه السلام فراجع .

انتهجه الأئمة بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام ، فبعد خذلان الناس لأهل البيت عليهم السلام ، وعدم استعداد الأمة نفسياً وعقدياً لتمكينهم من قيادة الناس ، امتنع أهل البيت عليهم السلام عن القيام ضد الحكومات الجائرة ، ودعوا شيعتهم إلى الكف عن السلطان واعتزال الناس ، وبدأت مرحلة "المعايشة السلبية" التي تتميز بحالة الانطواء على الذات ، وعدم الخوض في خضم الصراعات السياسية ، بحيث تتحقق من ذلك أمور عدة : منها الاحتجاج على شرعية الحكومات القائمة وعدم الاعتراف بأهليتها للقيادة والحكم ، ومنها حفظ الشيعة من المطاحن والمذابح التي ترافق حالة الصراع السياسي والتنافس على النفوذ والسلطة ، ومنها تحقيق حالة "تراكم الوعي" وهي عملية تغيير بطيئة جداً ترافق سقوط التجارب الحاكمة عبر القرون ، وزيادة وعي الأجيال الإسلامية حول عدم قدرة أي طائفة حاكمة على تحقيق العدل ، ونشر القيم الإسلامية بين المجتمع ، مما يُلزمهم في نهاية المطاف بالرجوع لأهل البيت عليهم السلام وقبول دولتهم التي سيقودها الإمام المهدي (عليه السلام) ، وفي هذا المعنى وردت مجموعة من الروايات والنصوص الشريفة ، ومنها ما روي عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال : «ما يكون هذا الأمر حتى لا يبقى صنف من الناس إلا وقد وُلُّوا على الناس ؛ حتى لا يقول قائل : إنا لو ولينا لعدلنا ، ثم يقوم القائم بالحق والعدل» (1) .

ولكن هذا لا يعني أن الإمام الهادي كان غائباً عن المشهد السياسي رصداً وتحليلاً وتوجيهاً لشيعته ؛ فإن مسؤوليته الشرعية في هداية الأئمة تقتضي أن يكون حاضراً بأوامره وتوجيهاته ورعايته في السر والعلن ، فقد شكل جهازاً متقدماً من ذوي الإخلاص والخبرة من الوكلاء استطاع بشكل كبير تحييد الأجهزة الأمنية العباسية واختراقها في بعض الأحيان بهدف ضمان مصالح الشيعة ودفع الضرر عنهم بقدر المستطاع ، ولعل مثل هذا النشاط المبكر الذي كان يمارسه الإمام في المدينة المنورة هو الذي دفع المتوكل العباسي لإخراجه منها واستقدامه إلى سامراء ، ليكون تخت نظره وإشراف المباشر ، ويبدو أن نشاط الإمام في المدينة آنذاك قد أثار حفيظة الوالي (ابن بريحة العباسي) الذي كتب

ص: 16


1- غيبة النعماني 282 .

إلى المتوكل كتاباً لا يخلو من التهويل ، جاء فيه : «إن كان لك في الحرمين حاجة فاخرج علي بن محمد منهما ؛ فإنه قد دعا الناس إلى نفسه ، واتبعه خلق كثير» (1) .

أما على المستوى الفكري ، فإن مدة إمامته الشريفة التي بلغت 34 عاماً مكنته من بناء منظومة معرفية كبيرة تصلح للتأسيس عليها في قابل الأعصار عندما تصبح الشيعة أمام استحقاق مواجهة " مرحلة الفراغ" في زمن الغيبة ، ويمكن تلخيص ما نفهمه من المشروع الفكري للإمام الهادي عليه السلام بالنقاط الآتية :

أولاً : أدى الإمام الهادي عليه السلام أدواراً مهمة في التصدي للحركات الفكرية المنحرفة ، وكان لحركته وتوجيهاته أثر مهم في تحصين الحالة الشيعية من الانعكاسات الخطيرة لهذه الجماعات الضالة ، وتأسيساً على ذلك ، كانت للإمام الهادي عليه السلام صولات كبيرة في التصدي للغلاة وبقايا الواقفة بمعونة كبيرة من جهاز وكلائه المنتشر في مختلف الحواضر الشيعية ، كما سجل التاريخ تصدي الإمام الهادي للمخالفين والنواصب الذين نشطوا بشكل كبير في عهد المتوكل العباسي ، وأصبحت لهم السيادة في حلقات الدرس ، ومنابر المسلمين (2) ، وكان المتوكل وغيره يجندونهم لمناظرة الإمام في المجالس العلنية ، ولذلك وقف الإمام الهادي عليه السلام بشكل قوي ومباشر بوجه المجسمة ودعاة التشبيه الذين كان لسوقهم رواج في زمن المتوكل وما بعده ، وقد كان لكلامه وبيانه أثر كبير في تحصين الحالة الشيعية من الوقوع في شبهات المجسمين ، وضلالات المشبهين ، وقد روى عن الإمام جملة من أصحابه روايات في إبطال الرؤية ونفي التجسيم والتشبيه ، منهم : أحمد بن إسحاق القمي ، والصقر بن أبي الدلف الكرخي ، وابراهيم بن محمد الهمداني، وحمزة بن محمد السروي (3) .

ص: 17


1- عيون المعجزات 119 ، بحار الأنوار 50\209 .
2- قال الذهبي : «وفي سنة 234 ه أظهر المتوكل السنة، وزجر عن القول بخلق القرآن ، وكتب بذلك إلى الأمصار ، واستقدم المحدثين إلى سامراء ، وأجزل صلاتهم ، ورووا أحاديث الرؤية والصفات» – سير أعلام النبلاء 12\34 .
3- جمع رواياتهم الشيخ القرشي في حياة الإمام الهادي عليه السلام ص108 ، باب (بحوث كلامية) .

وللإمام الهادي عليه السلام رسالة تفصيلية مهمة في إبطال (الجبر والتفويض) بعثها لأهل الأهواز جواباً لهم عن سؤال وجهوه اليه (1) .

ومن الأمور اللافتة أيضاً ما قام به الإمام الهادي عليه السلام من نقد لاذع للصوفية وطرقهم المبتدعة ، فقد وصفهم الإمام الهادي عليه السلام بأنه (خدّاعون) و (حلفاء الشيطان) و (ومخربو قواعد الدين) ، وقال إنهم كلهم (مخالفون لأهل البيت عليهم السلام)، إذ روى الثقة الجليل محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب وكان من خواصّ أصحاب الأئمّة عليهم السّلام . قال : كنت مع الهادي عليّ بن محمّد عليهما السّلام في مسجد النّبي (صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم) ، فأتاه جماعة من أصحابه منهم أبو هاشم الجعفري ، وكان رجلاً بليغاً وكانت له منزلة عظيمة عنده عليه السّلام ، ثمّ دخل المسجد جماعة من الصوفيّة وجلسوا في جانبه مستديرا وأخذوا بالتهليل . فقال عليه السّلام : «لا تلتفتوا بهؤلاء الخدّاعين فانّهم خلفاء الشياطين ومخرّبوا قواعد الدّين ، يتزهّدون لراحة الأجسام ويتهجّدون لتصييد الأنعام ، يتجوّعون عمرا حتّى يذبحوا (يديخوا) للايكاف حمراً (2) ، لا يهلَّلون إلَّا لغرور النّاس ولا يقلَّلون الغذاء إلَّا الملاء العساس (3) ، واختلاس قلب الدّفناس (4)، يتكلَّمون النّاس باملائهم في الحبّ ، ويطرحونهم بازاليلهم (بأوليائهم) في الجبّ ، أورادهم الرقص والتّصدية ، وأذكارهم الترنّم والتّغنية ، فلا يتّبعهم إلَّا السّفهاء ، ولا يعتقدهم إلا الحمقاء ، فمن ذهب إلى زيارة أحد منهم حيّا أو ميّتا فكأنّما ذهب إلى زيارة الشّيطان ، وعبادة الأوثان ومن أعان أحداً منهم فكانّما أعان يزيد ومعاوية وأبا سفيان»، فقال رجل من أصحابه : وإن كان معترفاً بحقوقكم قال : فنظر اليه شبه المغضب وقال عليه السّلام : «دع ذا عنك ، من اعترف بحقوقنا لم يذهب في عقوقنا ، أما تدرى انّهم أخسّ طوائف الصّوفيّة ، والصّوفيّة كلَّهم من مخالفينا ، وطريقتهم مغايرة لطريقتنا

ص: 18


1- تحف العقول 458 .
2- يديخوا : يذلّوا ويقهروا . والإيكاف : الإيقاع في الإثم .
3- العسّ : القدح أو الإناء الكبير .
4- الدفنس والدفناس : الأحمق الدّني .

، وإن هم إلَّا نصارى ومجوس هذه الأمة ، أولئك الذين يجحدون (يسعون) في إطفاء نور اللَّه ، واللَّه متم نوره ولو كره الكافرون» (1) .

ومن مواقفه العلمية طلبه من علي بن مهزيار سنة 228 ﻫ أن يعمل له (ساعة رملية) مما يدل على اهتمام الإمام بالجوانب العلمية التطبيقية ولاسيما المتعلق منها بقضاء حوائج الناس لأمر دينهم ودنياهم (2) .

ثانياً : للإمام الهادي عليه السلام نشاط مهم في الأدعية والزيارات ، فهو صاحب "الزيارة الجامعة الكبيرة" التي ألهمت العشرات لكي يكتبوا عنها الشروح والتعليقات ، وصارت واحدة من الموروثات المميزة للحالة الشيعية ، فهي تختزن عصارة العقيدة الشيعية في الأئمة عليهم السلام ، وفضائلهم ، ومقامهم عند الله تعالى ، وشأنهم في الدنيا والآخرة ، ولهذا تصدى كثير من المحققين لشرحها والتعليق على فقراتها الشريفة ، ذكر منهم :

1. شرح الزيارة الجامعة : للمولى محمد تقي المجلسي، والد العلامة المجلسي صاحب البحار (ت 1070ه-) (3) .

2. شرح الزيارة الجامعة : للسيد بهاء الدين محمد بن محمد باقر الحسيني النائيني المختاري (ت بعد 1131ه-) ، وهو من تلامذة العلامة المجلسي (4) .

3. الأعلام اللامعة في شرح الجامعة : للسيد محمد بن عبد الكريم الطباطبائي البروجردي ، المتوفى بحدود سنة 1160ه- ، وهو الجد الأول للسيد محمد مهدي بحر العلوم صاحب الفوائد الرجالية (5) .

ص: 19


1- موسوعة المصطفى والعترة 14\275، نقلاً عن كتاب (حديقة الشّيعة) عن السيّد المرتضى عن المفيد بسنده عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطاب وكان من خواصّ أصحاب الأئمّة عليهم السّلام .
2- بصائر الدرجات 357 .
3- الذريعة 13\305 .
4- الذريعة 13\306 ، تلامذة المجلسي ص70 .
5- الذريعة 2\239 ، 13\306.

4. شرح الزيارة الجامعة الكبيرة : للشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائي (ت 1241ه-)، وهو مطبوع في أربعة مجلدات (1) .

5. الأنوار اللامعة في شرح الزيارة الجامعة : للسيد عبد الله شبر (ت 1242ه-) (2) .

6. شرح الزيارة الجامعة : للعلامة الميرزا علي نقي بن السيد حسين المعروف بالحاج آغا ابن السيد الطباطبائي الحائري (ت 1289ه-) (3) .

7. البروق اللامعة (تعليقات على الزيارة الجامعة الكبيرة المعروفة وعلى بعض الأدعية المتداولة أيضاً) : للشيخ علي بن محمد جعفر الاسترابادي الطهراني (ت 1315ه-) (4).

8. الشموس الطالعة في شرح الزيارة الجامعة الكبيرة : للسيد ريحان الله ابن السيد جعفر الدارابي البروجردي (ت 1328ه-) (5) .

9. الشموس الطالعة في شرح الزيارة الجامعة الكبيرة : للسيد حسين بن السيد محمد تقي الهمداني الدرودآبادي (ت 1344ه-) (6) .

10. الأنوار الساطعة في شرح الزيارة الجامعة : للشيخ محمد رضا بن القاسم الغراوي (7) .

والإمام عليه السلام أيضاً هو صاحب (الزيارة الغديرية) (8) ، التي تعد وثيقة تاريخية مهمة ، كما ينقل عن الإمام الهادي عليه السلام في اختصاره لزيارة عاشوراء قوله : (من قرأ لعن زيارة عاشوراء المشهورة مرة واحدة ، ثم قال : " اللهم العنهم جميعاً ، تسعاً وتسعين مرة ، كان كمن قرأه مائة مرة . ومن قرأ سلامها مرة واحدة ثم قال : السلام

ص: 20


1- الذريعة 13\305 .
2- المصدر نفسه 13\305 .
3- المصدر نفسه 13\306 .
4- المصدر نفسه 14\234 .
5- المصدر نفسه 13\305 .
6- المصدر نفسه 14\234 .
7- المصدر نفسه 26\60 .
8- مزار المشهدي 263 ، فرحة الغري 136 ، بحار الأنوار 97\359 .

على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين ، تسعاً وتسعين مرة ، كان كمن قرأه مائة تامة من أولها إلى آخرها) (1) .

أما في الأذكار والتعقيبات ، فقد سجلت لنا كتب الأخلاق فصولاً مهمة من أدعية وتعقيبات الإمام الهادي عليه السلام ، وهي ذات مضامين فكرية عالية، وأسلوب بلاغي رقيق (2) .

ثالثاً : على المستوى التنظيمي ، شهدت إمامة أبي الحسن الهادي عليه السلام تنامياً واسعاً لجهاز الوكلاء كماً ونوعاً وسعة انتشار وتعاظم مهمات ، وهذا ما سنتحدث عنه بالتفصيل في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى .

رابعاً : كان للإمام الهادي عليه السلام دور مهم في التحضير لغيبة الإمام المهدي عليه السلام ، فهو واحد من ثلاثة أئمة تسلموا الإمامة في سن مبكرة ، وكان له اهتمام خاص واعتماد كبير على جهاز الوكلاء ومن بينهم عثمان بن سعيد العمري السفير الأول في زمن الغيبة ، وكان من أسباب ذلك تقييد حركة الإمام وابتعاده عن الناس ، وللإمام الهادي عليه السلام روايات مهمة في مسألة الإمام المهدي عليه السلام ، كان يودعها عند المخلصين من الشيعة ، وهي بالجملة تبشر بالإمام الموعود وتحذر من التشكيك أو الانحراف عن خطه الشريف .

وفاته

دفن عليه السلام في داره في سامراء ، وفي وفاته عليه السلام روايات أشهرها :

1. لخمس أو أربع بقين من جمادي الآخرة سنة 254 ﻫ (3) .

2. في رجب سنة 254 ﻫ (4) .

ص: 21


1- ربع قرن مع العلامة الأمني 231 ، نقلاُ عن العلامة شريف الشرواني في كتابه " الصدف " ج 2 ص 199 عن مشايخه الأجلة معنعناً عن الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام) انه قال ... الحديث .
2- راجع : موسوعة المصطفى والعترة 14\57 ، باب (سيرته وسننه عليه السلام) .
3- الكافي 1\497 ، تاريخ بغداد 12\56 .
4- الكافي 1\497 .

الفصل الثاني : الوكالة في المبحث التاريخي والرجالي

اشارة

ص: 22

الفصل الثاني

الوَكالة في المبحث التاريخي والرجالي

مفهوم الوكالة لغة واصطلاحاً

قال ابن منظور (ت 711 ﻫ) : «ووكل فلانٌ فلاناً : إذا استكفاه أمره ثقة بكفايته ، أو عجزاً عن القيام بأمر نفسه . ووكل إليه الأمر : سلّمه» (1) ، ويقول الطريحي (ت 1085 ﻫ) في مجمعه : «الوكيل على الشئ هو القائم بحفظه والذي يدفع الضرر عنه ... والتوكيل هو أن تعتمد على الرجل وتجعله نائباً عنك» (2) ، وأورد الزبيدي (ت 1205 ﻫ) في تاج العروس : «الوكيل ، معروف ، وهو الذي يقوم بأمر الإنسان ، سُمّي به ؛ لأن موكله قد وكّل إليه القيام بأمره ، فهو موكول إليه الأمر ، فعلى هذا هو فَعيل بمعنى مفعول ، وقد يكون الوكيل للجمع والأنثى كذلك . وقد وكّله في الأمر توكيلاً فوضه إليه فتوكل به ، والاسم الوَكالة ، بالفتح ، ويكسر» (3) ، وأورد أبو هلال العسكري (ت بحدود 395 ﻫ) : «الفرق بين وكالة الله ووكالة العباد ، بين الوكيل في صفات الله تعالى وبينه في صفات العباد : أن الوكيل في صفات الله بمعنى المتولي القائم بتدبير خلقه ؛ لأنه مالك لهم رحيم بهم ، وفي صفات غيره إنما يُعقد بالتوكيل» (4) ، وقد يعبر عن الوكيل في بعض النصوص بالقَيّم أو القائم ، والقُوّام جمع قائم ككُفار وكافر ، وهم الوكلاء القائمون بأمور الوقف ، وجمع الخمس وسائر الحقوق وإدارتها بأمر الإمام عليه السلام ، وقد ورد في الحديث : «نحن قُوّام الله على خلقه» (5)، أي نحن من يتولى أمرهم ونقوم بشأنهم ، وفي مجمع البحرين : «والقيِّم على الشئ : المستولي عليه ، ومنه قيم الخان والحمام ،

ص: 23


1- لسان العرب 11\734 .
2- مجمع البحرين 4\546 .
3- تاج العروس 15\785 .
4- الفروق اللغوية 577 .
5- بصائر الدرجات 538 .

ومنه (أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن) أي الذي تقوم بحفظها ومراعاتها ، وحفظ من أحاطت به واشتملت عليه ، تؤتى كل شئ ما به قوامه وتقوم علي كل شئ بما تراه من تدبيره من خلقك» (1) .

أما التعريف الاصطلاحي فهو لا يختلف كثيراً عن اللغوي إلا في صياغته التخصصية ، وقبل الخوض في التفصيل ينبغي أن نشير إلى أن مصطلح (الوكيل) أو (الوكالة) غالباً ما ترد في الأدبيات الفقهية والقانونية ، فقد ورد في المعجم القانوني أن الوكالة هي : «السلطة التي يأذن الأصيل -عن إدراك منه - للنائب أو الوكيل بمباشرتها أو يعتبر انه حائز لها ، وكذا السلطة التي يفترض أي شخص أوتي حظاً معقولاً من الفطنة وحسن التقدير ، أن النائب أو الوكيل قد خولها من الأصيل بحكم سلوك هذا الأخير تجاهه وعلاقاته معه» (2) ، أما في المباحث الفقهية فقد ذكروا أن الوكالة هي : «النيابة عن أصيل ، التفويض . : تولية الغير ، الاستنابة في التصرف ، فهي إما عامة من جهة التصرف وخاصة من جهة متعلقة كما إذا وكله في جميع التصرفات الممكنة في داره معينة من بيعها ، أو وقفها ، أو إجارتها وإصلاحها وغيرها من التصرفات ، أو بالعكس (خاصة من جهة التصرف وعامة من جهة متعلقة) كما إذا وكله في بيع جميع ما يملكه أو عامة من كلتا الجهتين كما إذا وكله في جميع التصرفات الممكنة في جميع ما يملكه» (3) .

وورد أيضاً «الوَكالة ، بالفتح والكسر ، اسم للتوكيل ، والمراد بها العقد الدال على الاستنابة في التصرف ، فخرج بقيد التصرف الوديعة ، ولم تدخل الوصية ؛ لأنها إحداث ولاية لا تبطل بما تبطل به الوكالة ؛ لأن الوصي يتصرف بالولاية التي أحدثها له الميت لا بالإذن ، والوكيل ، يتصرف بالإذن ؛ ولذلك تبطل وكالته بالموت ، أو الإغماء ، أو الجنون ، إذ لا إذن بعد الموت ولا وكالة» (4) .

ص: 24


1- مجمع البحرين 3\571 .
2- المعجم القانوني ج ق1\46 .
3- معجم ألفاظ الفقه الجعفري ص451 .
4- مفتاح الكرامة 7\ شرح ص 522 .

أقول : إن هذه التعريفات ناظرة إلى عقد الوكالة الذي يجري بين الناس ، وهو عقد يجري بين طرفين ، أما التوكل عن الإمام فهو تكليف واجب ، وليس عقداً يخضع للإيجاب والقبول ، كما إن الإمام سلام الله عليه لا يصيبه الجنون أو الإغماء ، وأما بطلان وكالة الوكيل بموت الإمام فغير معلوم باليقين ، بل الدليل على خلافه ؛ لأن الإمام اللاحق يخلف الإمام السابق في كل شيء ، وفي كل أمر يتعلق بشؤون الإمامة ، ومنها أمر الوكلاء ، والسيرة شاهدة على ذلك ، فليس عندنا مثال واحد على تجديد وكالة وكيل ، أو إلغائها ، بموت أحد من الأئمة ، فالوكالة عن الأئمة حالة خاصة ، ومما يتصل بذلك حال الوكيل ، فالوكالة بين الناس لا يشترط فيها العدالة ، أما وكلاء الأئمة فهم ثقات في أعلى درجات العدالة ، وأما من انحرف منهم فعدد قليل ، كان لتوكيلهم من قبل الأئمة حكمة معينة قد نكون مطلعين عليها ، وعلى كل حال فقد وجدنا في النصوص أن الوكيل إذا انحرف فإن الإمام عليه السلام لا يكتفي بإبطال وكالته ، بل يفضحه أمام الناس ، ويأمر الشيعة بلعنه ونبذه ، ولا يكون له قيمة او حضور في الحالة الشيعية .

ونفهم من خلاصة التعريفات اللغوية والاصطلاحية في الفقه والقانون أن الإمام عليه السلام إذا أراد أن "يوكل" شخصاً فإن هذا الوكيل يصبح نائباً عن الإمام عليه السلام في أداء بعض المهام التي هي من مسؤوليات الإمام ، أو تتصل ببعض التفريعات التنفيذية على مهام الإمامة ، وربما تكون الوكالة في الأمور الشخصية الخاصة بتفصيلات الحياة الشخصية للإمام عليه السلام كما سنعرف ذلك إن شاء الله تعالى ، ولعل هذا النوع من التوكيل هو الأقرب إلى نموذج التعريفات الفقهية والقانونية ، أما بقية أنواع الوكالات – التي سنوردها بعد قليل – فهي أقرب إلى المفهوم العقدي منه إلى غيره .

أنواع الوكالات

اشارة

يظهر من خلال النصوص والمرويات التاريخية أن الوكالة للأئمة عليهم السلام تقع على أنواع عدة بحسب سعة أو ضيق دائرة الصلاحيات الممنوحة ، وبحسب طبيعة التوكيل النافذ من قبل الإمام ، وهذه الأنواع هي :

ص: 25

أولا : الوكالة العامة

وقد يعبر عنها بالنيابة أو السفارة ، وتتضمن إعطاء النائب أو الوكيل صلاحيات واسعة للقيام بمهام القضاء أو الأمور الحسبية كجمع الأخماس والزكوات والكفارات ، وإدارة الأوقاف ، وتشكيل حلقة الوصل بين الشيعة والإمام عليه السلام ، بكل ما يتعلق بشؤون الإفتاء وهداية الناس ودفع الضرر عنهم ، ومحاربة البدع والانحرافات ، وصون الدين والعقيدة ، وقد يقوم السفير بإدارة جهاز وكلاء مرتبط به يعمل على ربط ذلك السفير بالمدن والقصبات الشيعية ، دون أن يعني ذلك أن النائب أو السفير أو الوكيل العام يستقل بقراراته أو إجراءاته التنفيذية عن الإمام عليه السلام ، بل يكون العمل في أعلى درجات التنسيق مع الإمام عليه السلام سواء بالأسباب الطبيعية أم بالطرق الغيبية ، وفي العادة يكون التواصل بين الناس وبين الإمام من خلال "توقيعات" تصدر من الإمام عن طريق السفير ، وفي العادة أيضاً أن تكون تلك التوقيعات مكتوبة بخط الإمام المهدي صلوات الله عليه .

وأوضح مثال على حالة الوكالة العامة هو ما جرى من أمر السفراء الأربعة في زمان الغيبة الصغرى وهم :

1. عثمان بن سعيد بن عمرو ، العَمري ، الأسدي ، السمان (ت بحدود 265 ه) .

2. محمد بن عثمان بن سعيد ، أبو جعفر ، العَمري ، الأسدي (ت 304 ه أو 305 ه) .

3. الحسين بن روح ، أبو القاسم ، النوبختي (ت 326 ه) .

4. علي بن محمد ، أبو الحسن ، السمري (ت 329 ه) .

يقول الشيخ محمد باقر الإيرواني : « الوكالة قد تكون على مستوى الممثلية العامة ، وفي جميع المجالات ، وقد تكون في مجال خاص معين ، والأولى هي ما يعبر عنها بالسفارة ، ولا إشكال في دلالتها على الوثاقة ، بل على ما هو أعلى منها من سمو المنزلة ورفعة المقام » (1) .

ص: 26


1- دروس تمهيدية في القواعد الرجالية ص23 .

ثانياً : الوكالة الخاصة

وتتضمن تفويض الوكيل أداء ولاية خاصة تتسع دائرتها أحياناً وتضيق أحياناً ، وتتضمن هذه الصلاحيات واحدة أو أكثر من الأمور الآتية :

1. القضاء بين الشيعة ، وإمامتهم في الصلاة ، وإفتاؤهم وفق روايات أهل البيت عليهم السلام ، وقد يتصل بذلك إدارة أمور الشيعة ، ورعاية القاصرين ، وإصلاح ذات بينهم ، ووراثة من لا وارث له .

2. جمع الحقوق الشرعية من الخمس والزكاة والصلات والكفارات وما أشبه ، وإيصال تلك الحقوق للإمام عليه السلام ، وربما يعطي الإمام وكيله صلاحيات في صرف بعض تلك الحقوق على الفقراء لا سيما الزكوات الواجبة والمندوبة .

3. التكفل بإيصال أوامر الإمام عليه السلام وتوجيهاته المباشرة للقواعد الشيعية في المدن والقصبات التي تقع تحت ولاية الوكيل ، وغالباُ ما تتعلق تلك الأوامر بالحوادث الواقعة سواءً أكانت سياسية أم فكرية في مواجهة بعض الفرق والعقائد المنحرفة التي ما فتأت تنتشر في البلاد الإسلامية انتشار النار في الهشيم ، وقد يتصل بذلك نقل الاستفتاءات العاجلة أو الحرجة للإمام سلام الله عليه .

4. إدارة الإوقاف من المساجد والمزارع التي يوفقها أصحابها إما في سبيل الله تعالى للفقراء والمساكين والأيتام أو للإمام سلام الله عليه .

والفرق بين هذا النوع وبين سابقة ، هو ان "السفير" يجمع كل هذه الصلاحيات ، وزيادة ، بينما الوكيل يقتصر على بعضها ، كما إن للسفير جهاز وكلاء مرتبط به لتسهيل تواصله مع الجمهور الشيعي .

ثالثاً : الوكالة الشخصية

ونقصد بها توكيل الإمام عليه السلام أحد شيعته بقضاء حوائج الإمام الشخصية كالبيع والشراء والإجارة والزواج ، ومن الأمثلة على ذلك وكلاء السيدة الزهراء (عليها السلام)

ص: 27

الذين كانوا قائمين على أرض فدك (1)، وتوكيل الإمام الباقر عليه السلام سدير الصيرفي لقضاء بعض حوائجه في المدينة ، كما طلب الإمام عليه السلام منه أن يخطب له امرأة من نساء أهل الكوفة ذات جمال وحسن تبعل (2) ، ومن الأمثلة على ذلك أن الإمام الرضا عليه السلام وكّل (محمد بن عيسى العبيدي اليقطيني) بتطليق إحدى نسائه فأشهد على طلاقها صفوان بن يحيى (ت 210) ورجلاً آخر (3) ، وكان الإمام الهادي عليه السلام يعتمد على (إسحاق الجَلاب) في شراء بعض ما يحتاجه من أمور (4) ، ويرى الشيخ النمازي الشهارودي أن الوكالة الشخصية «ثابتة بالفطرة وأمضاها الشارع قولاً وعملاً ، فعن غوالي اللئالي أنه (صلى الله عليه وآله) وكل عمرو بن أمية الضميري في قبول نكاح أم حبيبة وكانت بالحبشة ، ووكل أبا رافع في قبول نكاح ميمونة والنجاشي في تزويجه ، ووكل عروة البارقي في شراء شاة الأضحية ، ووكل السعاة في قبض الصدقات ، ووكل أمير المؤمنين (عليه السلام) أخاه عقيلاً وعبد الله بن جعفر في مجلس عثمان» (5) .

وقد رجح البعض إطلاق لفظ (القيّم) على الوكيل الشخصي (6) ، والحق إن الوكيل أعم من القيم ، كما أشرنا ذلك في مبحث الدلالة اللغوية .

نظرة تاريخية على نظام الوكالة

ظهرت الملامح الأولى لنظام الوكالة في عهد الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام ، إذ كانت الكوفة هي الحاضرة الأقوى للمد الشيعي ، والخزين الاستراتيجي لرجالات الشيعة من الرواة والمحدثين ، ويبدو أن الهاجس الأكبر للأئمة عليهم السلام إبان تلك الحقبة كان منصباً على تأسيس منظومة الحديث الشيعية في مقابل مدرسة الحديث

ص: 28


1- الكافي 1\543 .
2- الكافي 5\529 ، بصائر الدرجات 116 .
3- تهذيب الأحكام 8\40 .
4- بصائر الدرجات 426 ، الكافي 1\498 .
5- مستدرك سفينة البحار 1\340 .
6- راجع : تهذيب المقال 1\131 وما بعدها .

السلطوية التي اشتد عودها وقوي نفوذها بقوة المال والسلطان ، فكانت الخطوات الأولى تقتضي تصدير بعض المرجعيات الحديثية الموسوعية كجابر بن يزيد الجعفي (ت127 ھ) ذي الخمسة والسبعين ألف حديث ، ومحمد بن مسلم (ت150ھ) الذي حفظ خمسة وأربعين ألف حديث ، وأبان بن تغلب البكري (ت 141ھ) ، إلى جانب كم هائل من الرواة والمحدثين الذين لم يقتصروا على الكوفة وحسب بل انتشروا في مختلف الحواضر الإسلامية المترامية الأطراف ، وقد نجح الإمام الصادق عليه السلام نجاحاً باهراً في اختراق مدرسة المخالفين ، وصار (الحديث الكوفي) رقماً صعباً لا يمكن تجاهله في منظومة الحديث الإسلامية ، وما هذا الحضور اللافت لروايات فضائل أهل البيت عليهم السلام في صحاح العامة ومسانيدهم إلا ثمرة لتلك الجهود العلمية المضنية لتذويب النص الشيعي داخل المنظومة الإسلامية العامة .

ولم تكن جهود الإمام الصادق عليه السلام منصبة في تأسيس مدرسة الحديث فقط ، وإنما عمل الإمام سلام الله عليه بمنهجية متوازية على تأسيس جهاز الوكلاء الخاص به مستعيناً بأهل الإخلاص من شيعته ممن يثق بأمانتهم ويحرز عدالتهم كأمثال المفضل بن عمر الجعفي ، وعبد الله بن أبي يعفور (1) ، وكانت الوكالة لا تتعدى – إلى جانب الإفتاء بالرواية – جمع الأموال التي تكون في باب صلة الإمام أو الخمس والزكاة وما شاكل ذلك ، إلى جانب إعطاء وكالة القضاء لمن روى حديثهم ، ونظر في حلالهم وحرامهم أن يكون حكماً وقاضياً بين الشيعة .

وقد تعرض نظام الوكالة لانتكاسة بعد استشهاد الإمام الكاظم عليه السلام حين أعلن مجموعة من الوكلاء (القُوام) منهم : علي بن أبي حمزة البطائني ، وزياد بن مروان القندي ، وعثمان بن عيسى الرواسي (2) ، أعلنوا وقفهم على الإمام الكاظم عليه السلام ، وامتناعهم

ص: 29


1- أورد الشيخ الكشي في رجاله بإسناده عن علي بن الحسين العبيدي ، قال : كتب أبو عبد الله عليه السلام إلى المفضل بن عمر الجعفي حين مضى عبد الله بن أبي يعفور : «يا مفضل عهدت إليك عهدي {الذي} كان إلى عبد الله بن أبي يعفور صلوات الله عليه» – اختيار معرفة الرجال 2\518 .
2- غيبة الطوسي 64 ، اختيار معرفة الرجال 2\860 ، بحار الأنوار 48\252 .

عن تسليم ما بأيديهم من الأموال الضخمة للإمام الرضا عليه السلام ، ويبدو من خلال المرويات التاريخية أن عثمان بن عيسى قد رجع عن وقفه وعاد للحق ومات عليه ، بينما من المرجح أن القندي والبطائني قد ماتا على الوقف ، فاشتهر أمرهما بين الشيعة وصدرت من الإمام الرضا عليه السلام روايات في ذمهما ولعنهما ، وقد كان هؤلاء الوكلاء الثلاثة أول أمرهم من الثقات والرواة الصلحاء ، ولعل الإمام الكاظم عليه السلام كان مطلعاً على سوء عاقبتهم إلا أنه وكّلهم أول أمرهم عن قصد وتعمد لحكمة قد لا نقف على تفاصيلها بحكم قصورنا عن فهم تداعيات الساحة الإسلامية عموماً ، والشيعية على وجه الخصوص .

أعاد الإمام الرضا ومِن بعدِه ابنه أبو جعفر الثاني عليهما السلام بناء منظومة الوكلاء بشكل جيد (1) ، وكان لهؤلاء الوكلاء حضور مهم في دعم حركة التشيع في البلاد الشرقية ، كما وقفوا بوجه حركات الواقفة وبعض الفرق المنحرفة التي بدأت تظهر على الساحة الشيعية ، وقد وصل أمر الوكلاء في زمان أبي الحسن الهادي عليه السلام إلى درجات كبيرة من التنظيم والترتيب والتمدد بشكل أكثر في الحواضر المحتضنة للوجود الشيعي .

الوكالة في زمان الإمام الهادي عليه السلام

اشارة

تولى الإمام الهادي عليه السلام مسؤولية الإمامة بعد وفاة أبيه الإمام الجواد أبي جعفر الثاني عليه السلام في آخر ذي القعدة من سنة 220 ھ ، وكانت مدة إمامته الشريفة 34 سنة ؛ فقد لبى نداء ربه يوم الاثنين 3 رجب سنة 254 ھ (2) .

وقد فرضت الظروف السياسية والتطورات الفكرية على الساحة الإسلامية أن يعتمد الإمام الهادي عليه السلام على الوكلاء بشكل أكبر في إدارة أمور شيعته وتربيتهم أخلاقياً ، وتحصينهم عقدياً من التيارات المنحرفة التي باتت تهدد المنظومة الشيعية بجملة من

ص: 30


1- منهم : صفوان بن يحيى الكوفي ، إبراهيم بن سلام النيشابوري ، إسحاق بن إبراهيم الحُضيني ، وآخرون - رجال الطوسي 359 ، 353 .
2- أصول الكافي 1\469 وما بعدها ، بحار الأنوار 50\117 .

العقائد المنحرفة كالوقف والغلو والتفويض ، فضلاً عن الإنحراف العام الذي كانت تعيشه الأمة الإسلامية خصوصاً مع وصول المتوكل العباسي وعلاقته المشبوهة مع التيارات السلفية (الحنبلية) لتأسيس مذهب جديد يتجاوز المذهب المعتزلي وحتى الكلاسيكية الأشعرية التي سيطرت على الساحة الفكرية لمدرسة الجمهور أحقاباً من الزمان .

وبالجملة ، يمكن حصر الأسباب التي أدت إلى توسيع الإمام الهادي لمنظومة الوكلاء بالأمور الآتية :

أولاً : اتساع الوجود الشيعي

لم تعد الجغرافية الشيعية بعد عصر الإمام الصادق عليه السلام منحصرة بمدينة الكوفة وما حولها ، فقد ساهمت جهود الأئمة عليهم السلام بإيصال المد الشيعي إلى مناطق شاسعة من البلاد الإسلامية ، فاستقر قسم كبير منهم في خراسان ونيسابور وقم وما يحيط بها من مدن كالري وهمذان وصولاً إلى بغداد وما حولها من مدن وقصبات ، وسامراء وامتداداتها الجغرافية ، إضافات إلى تنامي الأقليات الشيعية في البصرة والمدينة المنورة وبعض بلاد الشام وبلاد المغرب العربي .

وقد شهدت هذه الحقبة انتقال المركز الروحي للتشيع من الكوفة إلى مدينة قم ، على يد ثلة من الرواة والمحدثين أبرزهم المحدث الجليل إبراهيم بن هاشم الكوفي القمي والد علي بن إبراهيم القمي صاحب التفسير (1) ، فأصبحت قم ونيسابور والري حواضر مهمة يسجل فيها الخط الشيعي حضوراً فاعلاً على جميع المستويات .

إزاء هذه التطورات ، كانت منهجية اعتماد الوكلاء واحدة من طرق الإدارة التي تتيح للإمام الهادي عليه السلام ربط القصبات الشيعية المترامية الأطراف ، وتسهيل إنفاذ الأوامر والتوجيهات ، ونقل الحقوق الشرعية إلى الإمام عليه السلام بطريقة تتجاوز عيون السلطة وجواسيسها المحيطة بتحركات الإمام وشيعته ، ولهذا نجد أن الخارطة الجغرافية للوكلاء تتسع لتشمل كل الحواضر المحتضنة للوجود الشيعي ؛ فأيوب بن نوح الكوفي

ص: 31


1- رجال النجاشي ص 16 .

كان وكيلاً في الكوفة وما حولها ، وسليمان بن الجهم الزراري كان وكيلاً متنقلاً بين الكوفة وبغداد ، وإبراهيم بن محمد الهمذاني استلم الوكالة في مدينته (همذان) ، وعلي بن جعفر الصيقل في مدينة (هيمنيا) القريبة من واسط اليوم ، وعثمان بن سعيد العَمري في بغداد ، والحسن بن راشد في بغداد أيضاً والقصبات المجاورة لها ، وعلي بن الريان في قم ، وعبد العظيم الحسني جعله الإمام مرجعاً حديثياً في الري ، وعلي بن مهزيار كان وكيلاً في الأهواز ، وعلي بن عمرو القزويني في قزوين .

ثانياً : الوضع السياسي العام

عاصر الإمام الهادي عليه السلام ستة من خلفاء بني العباس ، تعاقبوا على حكم البلاد الإسلامية متخذين من سُرّ من رأى عاصمة للخلافة منذ أكمل المتعصم بناءها سنة 221 ھ ، أي بعد سنة واحدة من تسلم الإمام الهادي مسؤولية الإمامة ، وحتى استشهاده سنة 254 ھ ، وهؤلاء الخلفاء هم :

1. المعتصم : تسلم الخلافة في 14 رجب 118 ھ ، وهو الذي قتل الإمام الجواد سلام الله عليه ، اغتاله بالسم سنة 220 ھ ، وكان المعتصم من أجهل خلفاء بني العباس وأكثرهم نفوراً من العلم ومجالس الأدب على عكس أخيه المأمون ، وهو الذي نقل الخلافة من بغداد إلى سامراء سنة 221 ھ وجعلها قاعدة للعساكر والجنود فسميت بالعسكر ، وقد سلط الأتراك على رقاب المسلمين ، فصارت الدولة الإسلامية تدار بعقلية الأتراك وسياساتهم الهوجاء ، هلك المعتصم سنة 227 ھ (1) .

2. الواثق : تسلم الخلافة في 19 ربيع الأول 227 ھ ، وكان من أكثر الخلفاء شغفاً بالغناء والغلمان ، ويقال إن له سيرة حسنة مع العلويين ، وقد سار على نهج عمه المأمون وأبيه المعتصم في القول بخلق القرآن وإجبار الناس على تبني هذه النظرية تحت وطأة السياط ومطامير السجون ، توفي في سُرّ من رأى سنة 232 ھ (2) .

ص: 32


1- الوافي بالوفيات 5\94 .
2- المصدر نفسه 27\120 .

3. المتوكل : شاءت مقادير الله تعالى أن تكون خلافة المتوكل هي الأطول من الناحية الزمنية ، وهي الأقسى على الحالة الشيعية ، فبلغت 15 عاماً (من 232- 247 ھ) قاسى خلالها المسلمون – لا سيما الشيعة – صنوفاً من البلاء ، وألواناً من العذاب ، وغرقت البلاد في وحل الجهل ، ونظريات التضليل ؛ بعد أن تسيّد الحنابلة المجسِّمون الساحة الإسلامية ووفرت لهم دولة المتوكل الحماية السياسية والدعم المالي والإعلامي وسمتهم (أهل السنة) (1) ؛ فانتعشت سوقهم ، وكثر الهمج الرعاع حولهم ، مع انكفاء المعتزلة وبعض الأشاعرة الكلاسيكيين عن المشهد السياسي والفكري .

عُرف المتوكل بأنه من أشد الخلفاء نصباً وعداءً لأهل البيت عليهم السلام وشيعتهم ، وهو الذي أنهى ما عرف بمحنة القرآن ، وأخرج الحنابلة وأتباعهم من السجون ، واهتم بإعادة إحياء مدرسة الحديث "السلفية" بكل ما تختزله من أدبيات النواصب ، والفكر الإسرائيلي ، وفقه السلطة .

ولم تمض أربع سنوات من حكمه حتى قام المتوكل بجريمته بحق قبر سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء ، فهدم القبر الشريف وكل ما حوله من البناء سنة 236 ھ ، وحرث المزارع والأراضي المحيطة به (2) ، وشدد الرقابة على حركة الزائرين متوعداً كل من يصل إليه بالأحكام العرفية القاسية ، ومن مظاهر نصبه وعداوته أنه كان يتخذ من يوم عاشوراء يوماً لتدشين قصوره ، والانتقال إلى مدنه التي أنفق عليها الملايين

ص: 33


1- بلغ من شدة تعصبهم أنهم لم يحاربوا من خالفهم وحسب ، بل حتى من توقف في عقائدهم ، فلم يقبلها ولم ينكرها ، أورد الذهبي عن حرب الكرماني قال : سالت أحمد بن حنبل أيكون من أهل السنة ، من قال : لا أقول مخلوق ولا غير مخلوق ؟ . قال : لا ، ولا كرامة – تاريخ الإسلام 17\54 .
2- تاريخ الطبري 7\365 ، البداية والنهاية 10\347 ، قال الذهبي : (وفي سنة ست وثلاثين هدم المتوكل قبر الحسين "رضي الله عنه" ، فقال البسامي أبياتاً منها : أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا * في قتله فتتبعوه رميماً وكان المتوكل فيه نصب وانحراف ، فهدم هذا المكان وما حوله من الدور ، وأمر أن يزرع ، ومنع الناس من انتيابه) – سير أعلام النبلاء 12\35 .

من أموال المسلمين وحقوق الفقراء ، وكان يجعله يوم احتفال وغناء ، ينشر فيه الزينة ويعطي فيه العطايا والهبات (1) .

قام المتوكل باستدعاء الإمام الهادي عليه السلام من المدينة المنورة إلى سامراء بحدود سنة 234 ھ ، فجعله تحت الإقامة الجبرية وقام باعتقاله في السجن وحاول اغتياله غير مرة إلا أنه لم يفلح ، هلك المتوكل في ليلة حمراء انقلبت عليه سوداء في شوال 247 ھ ، بعد اتفاق ابنه المنتصر وبعض الأتراك على تصفيته وإراحة البلاد من شره .

4. المنتصر : لم يدم حكمه طويلاً ، تولى الخلافة في شوال 247 ھ ، وتوفي مسموماً بمؤامرة من الأتراك في ربيع الثاني 248 ھ ، وكان محسناً للعلويين ، وقد وجد الشيعة في مدة حكمه القصيرة متنفساً عن ظلم أبيه إلا أن ذلك لم يدم إلا 13 شهراً (2) .

5. المستعين : تولى الحكم في شوال 248 ھ فحبس أخاه المعتز ، ولم يلبث أن كبت به سوء سيرته فثار عليه أخوه مع الأتراك فاضطر إلى خلع نفسه في محرم 252 ھ .

6. المعتز : وهو الطاغية الذي أقدم على قتل الإمام الهادي عليه السلام سنة 254 ھ (3)، واستمرت خلافته حتى عام 255 ھ حين قام الأتراك بخلعه ونصبوا المهتدي بدلاً عنه (4) .

في ظل هذه الأجواء السياسية ، كان لا بد من الإمام الهادي عليه السلام أن يعمل بحذر وحكمة ، دافعاً الشر والسوء عن نفسه وعن شيعته من السلطة وعمالها الذين كانوا يتربصون بهم الدوائر ، ويتحينون كل فرصة لتحجيم الوجود الشيعي وتصفية رموزه وشخصياته البارزة ، وكان من حنكة الإمام عليه السلام أن اعتمد بعض الشخصيات الشيعية المقربة من السلطة ممن لا مطعن في عقيدتهم وحسن نيتهم ، ومن المعروفين بولائهم الشديد لأهل البيت عليهم السلام ، فصاروا محط ثقة الإمام ، وموضع اعتماده في

ص: 34


1- أنظر مثلاُ : البداية والنهاية 10\383 .
2- الوافي بالوفيات 2\216 .
3- بحار الأنوار 50\117 .
4- الوافي بالوفيات 2\217 .

جمع الحقوق ، وربما لدفع الظلم والحيف عن بعض الشيعة بحكم قدرتهم على حرية التحرك التي وفرها لهم قربهم من السلطة ورجالاتها ، ومن هؤلاء محمد بن الفرج الرٌّخجي الذي كان شديد الولاء لأهل البيت عليهم السلام ، وقد شهدت كتب السيرة بإخلاصه وأمانته ، حتى إنه كان من الذين لعبوا دوراً مهماً في تعريف الشيعة بإمامة الإمام الهادي عليه السلام بعد وفاة أبي جعفر الثاني عليه السلام (1) .

ثالثاً : الانحرافات الفكرية

شهدت الحقبة التي عاشها الإمام الهادي عليه السلام ظهور موجه من التحولات العقدية الخطيرة التي عصفت بالساحة الإسلامية والشيعية على حد سواء ؛ فعلى المستوى الإسلامي العام ، ساهم وصول المتوكل العباسي بإنعاش الحركة السلفية وفرض متبنياتها العقدية على عموم البلاد الإسلامية بعد إنهاء ما سمي بمحنة خلق القرآن ، وصار الحنابلة المجسمون يتحكمون بمجالس العلم ، وعمد المتوكل إلى استقدام أحمد بن حنبل (ت 241ھ) من بغداد إلى سامراء سنة 237 ھ ، وأغدق عليه العطايا والهبات ، وجعله المستشار الديني للدولة فكان لا يولي أحداً إلا بمشورته (2) ، وقد استغل ابن حنبل هذه الرعاية السلطوية فراح يروج لكل نظرياته العقدية والفقهية بأريحية تامة ، فعمل على ترسيخ نظرية عدالة الصحابة (3) ، وإجماع الصحابة على خلافة أبي بكر ، وتفضيل عثمان على أمير المؤمنين عليه السلام ، وطاعة السلطان وإن كان ظالماً ، فضلاً عن أحاديث التجسيم والتشبيه التي غزت كتب الحديث إبان تلك الحقبة .

ومما يسجل من الانحرافات العقدية في خلافة المتوكل ظهور كتاب الجامع الصحيح للبخاري (ت 256 ھ) المعروف ﺑ (صحيح البخاري) ، وهو أهم كتب الحديث عند المدرسة

ص: 35


1- الكافي 1\324 .
2- البداية والنهاية 10\348 .
3- أورد الذهبي أن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي القاضي ، كان قاضي القضاة للمتوكل ، هو الذي وضع حديث : (أصحابي كالنجوم من اقتدى بشئ منها اهتدى) – ميزان الاعتدال 1\413 .

السنية ، ويبدو أن الأجواء السياسية هي التي فرضت تصدير مرويات البخاري وإضفاء هالة من القداسة على أحاديثه المحشوة بالإسرائيليات حتى صار ثاني كتاب بعد كتاب الله تعالى على ما فيه من التدليس والتحريف والرواية عن الضعفاء والمجروحين الذين بلغوا – بحسب إحصائية ابن حجر – ستمائة رجل (1) !

ولعل الانحرافات الداخلية التي عصفت بالحالة الشيعية كانت من أخطر الانحرافات العقدية التي واجهها الإمام الهادي عليه السلام ، فقد انتشرت بعض الفرق المنحرفة التي تسربلت باللباس الشيعي كالغلاة والمفوضة والواقفة ، وهي مجموعات فكرية تتبنى عقائد الغلو والكفر والإلحاد مستغلة هشاشة الوعي لدى بعض المناطق الشيعية ، ومنطلقة من تأويل الأحاديث المتشابهة لأهل البيت عليهم السلام كما هو دأب أهل الزيغ والضلال .

لقد واجه الإمام الهادي عليه السلام – بمعونة وكلائه – فرق الغلاة والواقفة بمنتهى الحزم والقوة مستفيداً من جهاز الوكلاء المتطور في ضرب رموز الفتنة ، وإسقاط هيبتهم ، وتحذير الشيعة من كل عقائدهم المنحرفة ، وقد وصل الأمر وشدة المواجهة في بعض الأحيان أن يطلب الإمام الهادي عليه السلام من بعض شيعته القيام بقتل بعض أولئك المنحرفين لما لمسه من خطورة الإبقاء على تحركاتهم المشبوهة .

ومن أولئك الغلاة الذين حاربهم الإمام الهادي عليه السلام ، وخرجت التوقيعات بذمهم ولعنهم ، وتحذير الشيعة منهم :

1. علي بن مسعود القمي ، المعروف بعلي بن حسكة يعرف بالحوار ، وتلميذه القاسم بن يقطين الشعراني القمي : كانت لعلي بن حسكة القمي حركة واسعة في قم ، استطاع من خلالها استغفال العديد من البسطاء والسذج ، وذوي النفوس المريضة ، والعقول السقيمة ، منهم : القاسم اليقطيني ، وابن بابا القمي ، ومحمد بن موسى الشريقي ، ومن عقائده الباطلة ادعاؤه ربوبية الإمام الهادي عليه السلام ، وتحريض الناس على ترك الفرائض والسنن ؛ بحجة المعرفة وعدم الحاجة إلى العبادة ، وقد صدرت من الإمام الهادي عليه السلام ثلاث توقيعات بذم علي بن حسكة وجماعته ، وفي أحدها يأمر الإمام بقتله

ص: 36


1- جواهر التاريخ ص8 ، مقدمة فتح الباري 381 .

وقتل كل من يروج لأفكاره الضالة ، وكان من كلام الإمام عليه السلام بحقهم : «فاهجروهم لعنهم الله ، والجؤوهم إلى ضيق الطريق ، فإن وجدتَ من أحدٍ منهم خَلوة فاشدخ رأسه بالصخر» (1) .

2. محمد بن نصير الفهري النميري البصري ، والحسن بن محمد بن بابا القمي : وقد زعم كل منهما أنه نبي وأن الإمام الهادي هو الذي أرسله ، وكانت من عقائدهم الفاسدة القول بالتناسخ ، والدعوة للإباحية والمثلية الجنسية ، وقد صدر من الإمام الهادي عليه السلام توقيع بلعنهما ، وأفتى الإمام فيه بوجوب قتلهما وإراحة الناس منهما (2) ، ويبدو أن الكوادر الشيعية استطاعت أن تظفر بالحسن بن محمد بن بابا القمي وتنجح في تصفيته ، أما النميري الفهري ففقد أفلت من الاغتيال وبقي إلى زمان الإمام المهدي عليه السلام ، وله فرقة منقرضة تعرف بالنصيرية ، ولعل من فروعها الطائفة العلوية المنتشرة اليوم في بلاد الشام لا سيما سوريا ولبنان ، غير أن المصادر السنية تنسب الفرقة النصيرية لنصير مولى أمير المؤمنين عليه السلام الذي يقولون إنه ادعى الإلوهية في أمير المؤمنين عليه السلام (3) .

3. فارس بن حاتم بن ماهويه القزويني : وتعد حركته من أخطر الحركات العقائدية المنحرفة التي انتشرت في مدينة بغداد وما حولها من القرى والقصبات ، ووصلت تأثيراتها إلى مناطق مهمة في إيران ، ولا سيما مدينة قزوين ، وقد استقر فارس أخيراً في سامراء مما دفع الإمام الهادي عليه السلام إلى إصدار أكثر من عشرة توقيعات في ذمه ولعنه ، والبراءة من عقائده ، وتحذير الشيعة من الانخداع بتسويقه الدعائي للغلو ولبس الباطل لبوس الحق ، والسبب في خطورة حركة فارس القزويني يكمن في أمور عدة منها :

ص: 37


1- اختيار معرفة الرجال 2\802 .
2- المصدر نفسه 2\805 .
3- الوافي بالوفيات 27\63 .

أ- إن فارس كان مستقيماً أول أمره ، وله مصنفات في الرد على الواقفة والإسماعيلية ، وفي تفضيل الأئمة عليهم السلام ، فالارتكاز الجماهيري عن شخصيته كان إيجابياً قبل إنحرافه حتى إن محمد بن عيسى اليقطيني روى عنه أحاديث في الفقه (1) .

ب- انتماؤه إلى أسرة علمية معروفة ، إذ يظهر من بعض الأدلة التاريخية كونه ابن اخت المحدث الجليل والوكيل الثقة (صفوان بن يحيى بياع السابري) ، فقد أورد الطوسي في أصحاب الإمام الرضا عليه السلام سعيد ابن أخت صفوان بن يحيى ، ثم عقب عليه بأنه (أخو فارس الغالي) (2) ، فإذا كان اخاه لأمه ، فقد ثبت كون فارس ابن أخت صفوان بن يحيى ، ومما لا شك فيه أن صفوان بن يحيى كان علماً من أعلام الطائفة الشيعية المحقة ، وهو من كبار الفقهاء والمحدثين ، ومن الوكلاء المخضرمين ، ولا شك أيضاً أن فارساً قد استغل صلة القرابة هذه للولوج إلى مجالس الفقه والرواية ، والسعي لاستجلاب الأتباع والنفوذ ، ومن ثم إظهار المعتقدات الباطلة . ومن أخوته أيضاً (طاهر بن حاتم) ، كان من رواة الحديث ، وحدثت عنه الشيعة قديماً ، ثم أظهر هو الاخر القول بالغلو فتركوه ، يقول الشيخ الطوسي في ترجمة : «كان مستقيماً ، ثم تغير وأظهر القول بالغلو ، وله روايات . أخبرنا برواياته في حال الاستقامة جماعة» (3) ، وقال النجاشي : «طاهر بن حاتم بن ماهويه القزويني ، أخو فارس بن حاتم ، كان صحيحاً ثم خلط . له كتاب ذكره الحسن بن الحسين ، قال : حدثنا خالي الحسين بن الحسن وابن الوليد ، عن الحميري ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن طاهر» (4) ، وقال ابن الغضائري : «طاهر بن حاتم بن ماهويه ، القزويني ، أخو فارس . كان فاسد المذهب ، ضعيفاً ، وقد كانت له حال استقامة ، كما كانت لأخيه ، ولكنها لا تثمر» (5) ، وكان من إخوانه (احمد بن حاتم بن ماهويه) ، وهو الذي أرسل كتاباً للإمام الهادي عليه السلام ، يسأله عمن يأخذ معالم دينه

ص: 38


1- رجال النجاشي 310 ، الاستبصار 1\178 .
2- رجال الطوسي 358 .
3- الفهرست 149 .
4- رجال النجاشي 208 .
5- رجال ابن الغضائري ص71 .

؟ وكتب أخوه (1) أيضا بذلك ، فكتب إليهما : «فهمت ما ذكرتما ، فاعتمدا في دينكما على مسن في حبنا ، وكل كثير القدم في أمرنا ، فإنهم كافوكما إن شاء الله تعالى» (2) .

ج- أنه كان يتصرف وكأنه وكيل عن الإمام الهادي عليه السلام ، وقد تصدى له علي بن جعفر الهماني ، الوكيل الشرعي للإمام الهادي عليه السلام ، فجرت بينهما مشاحنات كبيرة انتهت بكشفه أمام الشيعة .

د- إنه كان يحظى بدعم ورعاية من قبل جعفر المعروف بالكذاب ، وهو ابن الإمام الهادي عليه السلام ، ويبدو أن تأثير حركته قد تجاوز المدن العراقية ليصل إلى مدن إيران كمدينة قم وهمذان اللتين وجد فيهما بعض الأتباع والنفوذ (3) ، وقد استمرت هذه العلاقة حتى بعد هلاك فارس ، فقد أورد الخصيبي أن أتباع فارس قالوا بإمامة جعفر بن علي ، المعروف بالكذاب ، وأنكروا إمامة الحسن العسكري عليه السلام (4) ، ولا نستبعد أيضاً أن يكون لفارس علاقات مع السلطة العباسية ، ولاسيما في عهد المتوكل .

ه- إن فارس بن حاتم كان صلباً في رأيه ، عنيداً في موقفه ، ليس له حياء يردعه ، ولا ورع يحجزه ، وكان لتشدده هذا أثر في إيذاء الإمام الهادي عليه السلام ، وفي خداع الكثير من الناس ممن ينساقون جهلاً خلف الشخصيات التي تمتاز بالكاريزما والثبات على الموقف .

استعمل الإمام الهادي عليه السلام أسلوباً متدحرجاً في التعاطي مع حركة فارس القزويني ، فقد أمر أولاً وكلاءه وشيعته بترك الجدال معه ، ومقاطعته ، فلما لم ينفع معه ، انتقل الإمام عليه السلام إلى لعنه والبراءة منه ، وأخيراً أصدر الإمام الهادي أمراً بتصفيته وإراحة الشيعة من ضلالاته ، وقد كلف الإمام عليه السلام بمهمة قتله أحد المخلصين الأبطال من شباب الشيعة في سامراء ، يعرف باسم "جُنيد أو الجُنيد" ، فأخذ

ص: 39


1- لعله فارس نفسه او طاهر الذي مر ذكره .
2- اختيار معرفة الرجال 1\15 ، بحار الأنوار 2\82 .
3- كمال الدين 58 .
4- الهداية الكبرى 384 .

جُنيد ساطوراً وكمن لعدو الله بعد الصلاة المغرب وقتله ، وكان ذلك بعد سنة 250 ھ ، وروى الكشي ما يفيد أن الإمام العسكري عليه السلام ضمن لجُنيد الجنة (1) .

ومن الوكلاء الذين كان لهم دور في إخماد حركة فارس القزويني : علي بن جعفر الهُماني ، إبراهيم بن محمد الهمداني ، عثمان بن سعيد العَمري .

رابعاً : التمهيد لزمن الغيبة

من الأسباب المهمة التي دفعت الإمام الهادي ، ومن بعده الإمام العسكري ، عليهما السلام إلى زيادة الاعتماد على الوكلاء ، هو التمهيد لدخول الحالة الشيعية في زمن الغيبة ؛ لأن الوضع الشيعي كان هشاً في كثير من المناطق التي لم تعرف التشيع إلا قريباً بعد زمن الإمام الصادق عليه السلام ، فكان لا بد من تهيئة الذهنية الشيعية للتعامل مع (رواة الحديث) من الوكلاء الذين يروون للناس أحاديث أهل البيت عليهم السلام ويعلمونهم العقيدة والأحكام لا يتجاوزون بذلك كلام الأئمة عليهم السلام لكي تكون الحالة الشيعية بمأمن من الفتن والبدع والعقائد الفاسدة والسلوكيات المنحرفة، وبالفعل فإن هؤلاء الوكلاء الأجلاء كانوا في غاية الإخلاص والأمانة ، والاحتياط والورع ، والتحرز عن الإفتاء بما لا يعلمونه ، أو استعمال الرأي والاجتهاد ، فقاموا بنشر ثقافة الرواية ومنهجية الحديث في المناطق الشيعية ، وكانوا يقولون للشيعة : ما نقول لكم شيئاً من عند أنفسنا ، وإنما ذلك مسموع من الأئمة عليهم السلام ، وقد أعطاهم الأئمة عليهم السلام صلاحيات القاضي للفصل في القضايا والمنازعات التي تحصل للشيعة (2) .

ص: 40


1- اختيار معرفة الرجال 2\407 ، الإرشاد 2\365 ، وأورده ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب 3\519 وفيه (أبو الجنيد) وهو تحريف ، وقد جاء في هذه الروايات أن الإمام الهادي عليه السلام أعطى لجنيد بعض الدراهم ليشتري بها سلاحاً فاشترى سيفاً وعرضه على الإمام فأمره بإرجاعه ، فأرجعه واشترى (ساطوراً) وعرضه على الإمام فقبل به ، وقد حضي الجنيد برعاية الإمام الهادي فالعسكري عليهما السلام ، وكانوا يوصلون إليه الصلات والنفقات ، ويبدو من النصوص أنه توفي في بداية الغيبة الصغرى بعد وفاة أبي محمد العسكري (عليه السلام) بقليل .
2- من ذلك ما ورد في مقبولة عمر بن حنظلة : «ينظران { إلى } من كان منكم ممن قد روى حديثنا ، ونظر في حلالنا وحرامنا ، وعرف أحكامنا ، فليرضوا به حكما فإني قد جعلته عليكم حاكماً» – الكافي 1\67 .

ويرى بعض المحققين أن الإمام الهادي عليه السلام بدأ بتطبيق مسلك الاحتجاب عن الشيعة والاستعاضة عن ذلك بالوكلاء ، ثم تبعه الإمام العسكري عليه السلام بوتيرة متصاعدة ، كل ذلك من أجل التمهيد لغيبة الإمام المهدي عليه السلام ، وإزاء هذا الموقف الجديد ، كان لا بد للإمام الهادي عليه السلام من ترسيخ مفهوم الوكلاء في المجتمعات الشيعية لاستيعاب الصدمة التي سيخلفها غياب الإمام المهدي عليه السلام عن الأنظار مع بزوغ فجر الغيبة الصغرى، وقد نجح الإمامان العسكريان عليهما السلام نجاحاً كبيراً في هذه المهمة ؛ فمن الثوابت التاريخية أن الثقة الجليل (عثمان بن سعيد العَمري) ، كان أول أمره وكيلاً للإمام الهادي عليه السلام ، وقد خدمه وله من العمر 11 عاماً ، وكان من كبار وكلائه ، وموضع اعتماده ، بل كانت الوكلاء من المناطق البعيدة عن حاضرة المعصوم تقصد العَمري لأخذ التعليمات وإيصال الحقوق والصلات في حال تعذّرَ أو تعسّرَ اللقاءُ بالإمام الهادي عليه السلام ، وظل أبو عمرو عثمان بن سعيد ، من الوكلاء المبرزين في زمان الإمام العسكري عليه السلام ، وهكذا لما حانت الغيبة الصغرى سنة 260 ﻫ ، وصار عثمان بن سعيد أول السفراء ، لم يكن عند أي أحد من الشيعة شك في وثاقته ، وصدقه ، وأمانته ، ولذلك لم يجرؤ أحد من المنحرفين على ادعاء السفارة عن الإمام المهدي عليه السلام ما دام أبو عمرو حياً ، فلما أن توفي بحدود 265 ﻫ ، بدأ البعض بالتجاسر ، وإدعاء السفارة عن الإمام المهدي عليه السلام لاستدرار الأموال ، واستجلاب الأتباع ، فتصدى لهم الوكلاء الشرعيون ، العَمري الابن ، وابن روح ، والسمري ، ومن خلفهم الإمام المهدي عليه السلام ، وكثير من المخلصين من الشيعة ، واستطاعوا فضحهم وهتكهم أمام الجماهير الشيعية لما يتمتعون به من سمعة حسنة ، وسيرة طيبة ، وتوفيق من الله سبحانه وتعالى .

ولو لا هذا العدد الكبير من الوكلاء والرواة المخلصين الذين نشرهم الأئمة عليهم السلام في كل مدينة أو ناحية شيعية ، لشهدنا انهيار القواعد الشيعية مع بدء غيبة الإمام المهدي عليه السلام ، ولتمكنت الشبهات والبدع من تهشيم النسيج الشيعي لينتهي بعد مدة من الزمن ، ولكن الله تعالى متم نوره ولو كره الكافرون .

ص: 41

منهجية الإمام الهادي عليه السلام في إدارة الوكلاء

اشارة

يظهر لنا من خلال النصوص الحديثية والتاريخية أن الإمام الهادي عليه السلام اتبع منهجية دقيقة في تنظيم عمل الوكلاء ، وكان لهذا الأسلوب المنهجي في إدارة جهاز الوكالة أثر كبير في إنجاح مهام الوكلاء ، وتجنبيهم الكثير من الأخطار بسبب مضايقات السلطة ورجالها ، كما ساهمت هذه المنهجية في تقليل نسبة الخطأ المحتملة في تحركات الوكلاء الميدانية ، وتتخلص منهجية الإمام الهادي عليه السلام في إدارة عمل الوكلاء بالأمور الآتية :

أولاً : إتباع النظام الهرمي

ويتمثل بوجود ما يمكن أن نسميه (الوكلاء الإقليميين) ، وهم رجالات الصف الأول من الوكلاء الذين كانوا يمثلون مرجعيات إقليمية لوكلاء آخرين يعملون في مدن صغيرة أو مناطق محدودة .

وتهدف هذه التراتبية الإدارية إلى تقليل مراجعات الوكلاء للإمام الهادي عليه السلام في المدينة وسامراء ، وبالتالي تقليل الشد الأمني الذي كان محيطاً بالإمام وشيعته ، وخاصة وكلاء الإمام الذين كانت عيون السلطة ترصد تحركاتهم وتتحين الفرص لاعتقالهم .

كما تساهم هذه المنهجية التنظيمية في سهولة إيصال الأوامر والفتاوى من الإمام إلى الوكلاء ، وتسهيل نقل الأموال وسائر الحقوق الشرعية من مناطق الشيعة إلى الأمام الهادي عليه السلام .

وفي هذا السياق يبرز دور الوكيل الفذ (عثمان بن سعيد العَمري) كأحد أبرز وكلاء الصف الأول ، وكان الوكلاء يرجعون إليه في كثير من الأوقات لا سيما إذا كانت حركة الإمام مقيدة بالسجن أو الإقامة الجبرية .

ص: 42

كما أمر الإمام الهادي وكيله (علي بن بلال الواسطي) بالرجوع إلى الوكيل الكبير (الحسن بن راشد البغدادي) وأن يأخذ منه التوجيهات ، ويسلمه أموال الخمس والزكوات وما يتعلق بشؤون الوقف والقضاء بين الشيعة .

ثانياً : تحديد الصلاحيات

كان الإمام الهادي عليه السلام لا ينصب وكيلاً حتى يعرّفه مهامه وصلاحياته ، وكثيراً من يحدد له المناطق الجغرافية التابعة له ، وهذه المنهجية مهمة جداً في تنظيم العمل ، ومنع اختلاط الصلاحيات ، وقد نهى الإمام الهادي عليه السلام بعض الوكلاء عن التواصل الثنائي بينهم ؛ لأن هذه الاتصالات ربما تثير حفيظة السلطات ، وتكشف منظومة الوكلاء أمام أجهزة السلطة العباسية ، ومن أوضح الأمثلة على ذلك ما صدر من الإمام الهادي عليه السلام إلى الوكيلين الجليلين (أيوب بن نوح بن دراج) و (الحسن بن راشد البغدادي) ، فقد أمرهما بقطع الإكثار بينهما ، وعدم استلام الحقوق إلا من مناطق وكالتهما ، وجاء في نص الكتاب الذي رواه الكشي في رجاله : «وأنا آمرك يا أيوب بن نوح أن تقطع الإكثار بينك وبين أبي علي ، وأن يلزم كل واحد منكما ما وُكل به ، وأُمر بالقيام فيه بأمر ناحيته» (1) .

ثالثاً : السرية في العمل

لا شك أن اتباع السرية في العمل الميداني له فوائد كثيرة في إنضاج العمل ، وحفظه من عيون السلطة وأجهزتها ، لا سيما وسط الأجواء السياسية والفكرية الملتهبة التي عاصرها الإمام الهادي عليه السلام ، ومن أوضح الأمثلة على نجاح منهج السرية التي اعتمده الوكلاء ما جرى من خروج التوقيع بلعن فارس القزويني ، فبالرغم من أن فارس كان موجوداً وقتها في سامراء ، وله عيون على أصحاب الأئمة ، واتصالات مشبوهة مع السلطة ، إلا أن الإمام الهادي استطاع بمعونة وكيليه عثمان العمري ، وعلي بن عمرو

ص: 43


1- اختيار معرفة الرجال 2\800 .

القزويني ، أن ينفذ التوقيع إلى مدينة قزوين أولاً ثم بقية المدن ثانياً ، دون أن يشعر أتباع فارس بشيء من ذلك ، وساهمت حركة الممانعة المكثفة ، التي قادها الوكلاء وبعض المخلصين من الشيعة ، ساهمت في القضاء على حركة فارس ومحوها حتى من كتب التاريخ .

ومن مناهج العمل السري أن الإمام الهادي عليه السلام كان كثيراً ما يستعيض عن أسماء الوكلاء الصريحة بألقاب يعرفها الشيعة أكثر من غيرهم ، فالعَمري لم يكن لقباً معروفاً لعثمان بن سعيد ، وإنما لقبه الإمام الهادي عليه السلام ، وكذا الحال مع البلالي ، والعليل ، والغائب ، والزراري ؛ كلها ألقاب حركية تستعمل عادة للتغطية على الأسماء الصريحة للوكلاء .

رابعاً : حسن الاختيار

إن متابعة السيرة الذاتية لوكلاء الإمام الهادي عليه السلام يكشف للباحث أن الإمام الهادي عليه السلام كان دقيقاً في اختيارهم ، فكلهم من أهل الصدق والورع ، وأهل الفقه والرواية ، وأصحاب شأن بين الناس ، وحتى عروة بن يحيى الدهقان (1) الذي انحرف آخر عمره ، كان أول أمره مستقيماً ، وساهم في التصدي لحركة الانحراف الفكري الذي دبّ في بعض الأوساط الشيعية .

خامساً : رعاية الوكلاء

كان جميع وكلاء الإمام الهادي عليه السلام تحت أنظاره رعايته الشريفة ، سواء منهم من بعدت شُقته أو كان قريباً من حاضرة المعصوم ، وكان أبو الحسن عليه السلام يحرص على تأمين حاجة الوكلاء من الأموال ، ويغدق عليهم مما أنعم الله تعالى به عليه ، ولهذا التأمين دور مهم في مساعدة الوكيل على أداء دوره بشكل أفضل ، فبالمال يشتري العبيد

ص: 44


1- يعد عروة بن يحيى الدهقان المثال الوحيد للوكلاء الذين ختموا حياتهم بالنصب والانحراف ، وقد أفردناه في قسم الوكلاء المذمومين .

والدواب ، ويساعد الضعفاء والمحتاجين ، ويتنقل بين القرى والقصبات لجمع الحقوق وإيصال الأوامر والفتاوى ، وبالمال يتقي شر السلطة وعمالها فيعطيهم من الأموال ما يدفع به الضرر عن نفسه وعن الشيعة أو يستجلب النفع له ولهم ، والأمثلة الروائية على ما نقول كثيرة ، فمن ذلك ما رواه ابن شهرآشوب في مناقبه قال : «دخل أبو عمر عثمان بن سعيد وأحمد بن إسحاق الأشعري وعلي بن جعفر الهمداني على أبى الحسن العسكري ، فشكا إليه أحمد بن إسحاق دَيناً عليه فقال : يا أبا عمرو - وكان وكيله - ادفع إليه ثلاثين ألف دينار ، والى علي بن جعفر ثلاثين ألف دينار ، وخذ أنت ثلاثين ألف دينار» (1) .

ولم تقتصر رعاية الإمام عليه السلام لوكلائه على تأمين الاحتياجات المالية ، وإنما كان الإمام عليه السلام ملتزماً بتربيتهم ، وتعليمهم ، والدعاء لهم بالحفظ والرزق وحسن العاقبة ، وفي التاريخ شواهد عديدة على ما نقول .

الوكالة في المبحث الرجالي

تعد مسألة الوكالة للأئمة عليهم السلام من المسائل الرجالية القديمة التي أخذت مساحة من الجدل والنقاش بين أرباب هذا الفن ، ففي مباحث إمارات الوثاقة يبرز الحديث عن الملازمة بين الوكالة ووثاقة الرواة ، وربما يتوسع الكلام ليشمل تمييز المشتركات ، والبعض يوسع الدائرة أكثر لتشمل مسائل عقدية حول منهجية أئمة أهل البيت عليهم السلام في اختيار وكلائهم ومعتمديهم .

وقد انقسم الفقهاء والرجاليون في هذه المسألة إلى أقوال عدة :

القول الأول : إثبات الملازمة بين كون الراوي وكيلاً للائمة عليهم السلام وبين وثاقته ، فيبقى الوكيل على أصالة الوثاقة ما لم يثبت العكس ، وقد ذهب إلى هذا القول الكثير من الفقهاء وعلماء الرجال من القدماء والمحدثين ، نذكر منهم :

ص: 45


1- مناقب ابن شهرآشوب 3\512 .

1. العلامة الحلي (ت 726 ه) كما يظهر من الخلاصة ، وتبع في ذلك تلميذه ابن داود الحلي (ت 740 ه) ، فقد ذكر جماعة من الوكلاء في صنف الممدوحين (1) .

2. الشيخ حسن صاحب المعالم (ت 1011 ه) قال : «ومقام الوكالة يقتضي الثقة ، بل ما فوقها» (2) .

- محمد جعفر الخراساني الكرباسي (ت1175 ه) ، قال : «الظاهر من أصحاب الرجال حيث يطلقون الوكيل - من غير ذكر ما يدل على ضعفه - يدل على حسن حاله وأنه يساوق التوثيق ، ويؤيده ما في ترجمة خيران الخادم قول أبي عمرو : " هذا يدل . . . » (3) .

3. الوحيد البهبهاني (ت1205 ه) ، قال : «وقد أشرنا في صدر الرسالة إلى أن الوكالة تومي إلى الوثاقة» (4) ، وقال في موضع آخر : «الوكالة تلازم حسن العقيدة ، بل والوثاقة والجلالة» (5) .

4. الشيخ مهدي الكجوري الشيرازي (ت1293 ه) ، قال : «ولا ينبغي الريب في أنهم ما كانوا يوكلون فاسد العقيدة ، بل كانوا يأمرون بالتنفر عنهم وإيذائهم ، بل وأمروا بقتل بعضهم ، وكذا ما كانوا يوكلون إلا من كانوا يعتمدون عليه ويثقون به ، بل وكان عادلاً أيضاً ، ويؤكد ذلك أن جل وكلائهم كانوا في غاية الجلالة والوثاقة كما يظهر من تراجمهم ، وعن جمع الحكم بالعدالة وقبول الرواية من جهة الوكالة ، وحاشاهم أن يمكنوا الكفار والفساق في وكالتهم ولم ينكروا عليهم ، ولم ينهوهم عن المنكر ، بل ويداهنوا معهم ويتلطفوا بهم ، ويبسطوا إليهم» (6) .

ص: 46


1- رجال ابن داود ص74 .
2- منتقى الجمان 1\19 .
3- إكليل المنهج في تحقيق المطلب ص8 .
4- تعليقة على منهج المقال 273 .
5- المصدر نفسه 399 .
6- الفوائد الرجالية للشيخ مهدي الكجوري الشيرازي ص103 .

5. السيد علي البروجردي (ت 1313 ه) ، قال : «إن جل الوكلاء كانوا في غاية الجلالة والوثاقة ، بل من حواري كل إمام عليه السلام كما يظهر من تراجمهم ، ومن لم يُعلم ذلك منهم ، ولعله قليل ، فقد أشرنا أن مجرد الوكالة كافٍ في الوثاقة ، وقد ذهب إليه العلامة ، والميرزا ، وشيخنا البهائي ، وغيرهم من أئمة الرجال . وأما ما ورد من الذم والطعن بالنسبة إلى البعض ، فالجواب عنه يظهر بعد الملاحظة في تراجمهم ، وأما من غيّر وبدّل وأظهر البدع ، فقد ورد فيهم ما ورد ، ومما ذكر ظهر فساد نسبة الغلو والتفويض وأمثالهما بالنسبة إلى من لم ينعزل ، كالمفضل {بن عمر} ، ومحمد بن سنان» (1) ، وقال في مورد آخر : «كونه وكيلا لأحدهم ، قد أشرنا في ضمن كثير من التراجم أنه مما يدل على الوثاقة والثبات وحسن العقيدة ، بل التوكيل من قبلهم يدل على كونه من المخلصين في الغالب ، بل من حواريهم عليهم السلام ومن هذا القبيل عامل أمير المؤمنين عليه السلام» (2) .

6. أبو المعالي إبراهيم بن محمد الكلباسي (ت 1313 ه) ، قال في معرض حديثه عن محمد بن سنان : «قد حكى السيد السند النجفي أنه يعلم بالتتبع أن محمد بن سنان كان من خواص الأئمة الأربعة الذين روى عنهم ، وكان وكيلا لهم ، ولا خفاء في أن كونه من خواصهم (عليهم السلام) يقضي بحسن حاله ، بل وثاقته . وأما الوكالة لهم فهي تقضي أيضا بحسن حاله ؛ بل بوثاقته» (3) .

7. الشيخ عبد الله المامقاني (ت 1315 ه) : اعتبر أن من إمارات الوثاقة «اتخاذ الإمام رجلاً وكيلاً ، أو خادماً ، أو ملازماً ، أو كاتباً ، فإنه منه عليه السلام تعديل له ؛ لعدم تعقل صدور شيء من ذلك منه لغير العدل الثقة ، ضرورة استلزام إرجاع شيء من ذلك إلى عير العدل مفاسد عظيمة لا يعقل تمكينه عليه السلام منها ...» (4) .

ص: 47


1- طرائف المقال 2\328 .
2- المصدر نفسه 2\261 .
3- الرسائل الرجالية 2\650 .
4- تنقيح المقال ، المقدمة ص210 .

8. الشيخ محمد طه نجف (ت 1323 ه) كما يظهر من كتابه إتقان المقال .

9. والسيد محمد علي الأبطحي ، كما يظهر من كتابه تهذيب المقال حيث يقول : «ومما عد من أمارات الوثاقة الوكالة لأحد الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) ، بل صرح بذلك جماعة ، بل عن الوحيد البهبهاني رحمه الله) أنها من أقوى أمارات المدح ، بل الوثاقة ، والعدالة ، لأن من الممتنع عادة جعلهم (عليهم السلام) غير العدول وكيلاً ، سيما إذا كان وكيلاً على الزكاة ونحوها من حقوق الله تعالى . قلت : الأمر كما أفيد ، فإنه لا يكل عاقل أمراً من أموره إلى غيره إلا إذا وثق به فيما أوكل إليه . وهذا ظاهر لمن راجع الوجدان ، بلا اختصاص بالوكالة لهم (عليهم السلام) ، وإن كانت الملازمة في وكالتهم ظاهرة بلا كلام ، بل يجعل وكلاء أصحابهم الثقات من الممدوحين ، بل ومن الثقات . فإن التوكيل وإن لم يدل على التوثيق مطابقة أو تضمنا ، لكن يدل عليه التزاما ، ولا فرق في ذلك . فكما يؤخذ بتوثيق الثقات لفظا يؤخذ بتوثيقهم عملا ، فكلما كان الموكل ظاهر العدالة والوثاقة كانت الوكالة له واضحة الدلالة على الثقة بالوكيل .وعلى هذا فالوكيل للأئمة المعصومين (عليهم السلام) يكون ثقة عندهم فيما أوكل إليهم ... ثم إن الوكالة إن كانت عامة في الأمور أو خاصة في أمور الدين وأخذ المسائل وإرسال الكتب وجوابات المسائل وتعليم معالم الدين وأخذ الحقوق وإرسالها إليهم (عليهم السلام) ونحو ذلك ، فهي تلازم الوثاقة لا محالة ، والموثوق به في هذه الأمور يوثق به في الأمور الدنيوية الجزئية بنحو أولى . وأما إن كانت في الأمور الجزئية والشخصية من شراء ونحوه فلا تلازم الوثوق به فيها الوثوق في الأمور المهمة» (1) .

10. السيد علي الفاني الاصفهاني (ت 1409 ه) : ويرى ثبوت الوثاقة للوكالة الخاصة بأمور التبليغ وحفظ الدين ، وربما يندرج تحته الوكالات الوقفية والحسبية ، يقول في كتابه فقه الرجال : «والصحيح في المقام هو الالتزام بثبوت الملازمة في خصوص موردين اثنين لا ثالث لهما:

الأول - ما كانت الوكالة فيه من الأمور المهمة والخطيرة .

ص: 48


1- تهذيب المقال في تنقيح كتاب الرجال للنجاشي 1\131 .

الثاني - ما كانت الوكالة فيه مستلزمة لثبوت الوثاقة أو العدالة .

أما الأول فلان ديدن العقلاء فضلاً عن المتشرعة وفي خصوص أمورهم الخطيرة التثبت والتأكد من صحة ووثاقة من ينيطون هذه الأمور إليه . وأي شئ أعظم وأهم من حفظ الدين من الضياع ومن وقوع الدس فيه ولذا نلتزم بوثاقة كل من ينضوي تحت القسم الأول المتقدم ذكره آنفا بل وبعض أفراد القسم الثاني لا مطلقاً فان توكيل الامام شخصا في إجراء أحكام وقائية مما لا يحتمل فيه كونه كاذبا فاسقاً» (1) .

11.. المحقق الكاظمي ، قال في عدته : «وما كانوا (عليهم السلام) ليعتمدوا الا على ثقة سالم العقيدة ، وانى يعتمدون على الفاسد ويميلون إليه وهم مما ينهون عنه وينأون ؟ ! ومن ثم إذا ظهر الفساد من أحدهم عزلوه ، وقد عدل بهذه الطريقة غير واحد من الأصحاب كالعلامة ، وصاحب المنهج ، والشيخ البهائي وغيرهم ، ومن هنا تعرف مقام المفضل بن عمر ، ومحمد بن سنان وغيرهما وان غمز عليهم بارتفاع القول» (2) .

12. الميرزا الطبرسي النوري قال في معرض إثباته ملازمة بين الوكالة والوثاقة : «انهم (عليهم السلام) نهوا عن استبضاع شارب الخمر وائتمانه في اخبار كثيرة ، فحكموا (عليهم السلام) بأنه سفيه ، فيدخل في عموم قوله تعالى : ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ﴾ (3) ، الآية . وفي الصادقي - المروي في العياشي - قول الله تعالى : (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ ...) الآية ، قال : من لا يثق به ، ويظهر منه : ان المانع في شارب الخمر هو عدم الوثوق به ، فكل من لا وثاقة له لا يؤتمن على مال ، ونهوا (عليهم السلام) عن ائتمان الخائن ، والمضيع وغير المؤمن في جملة من الأحاديث . وفي اختصاص المفيد - في الباقري - : من عرف من عبد من عبيد الله كذباً إذا حدث ، وخلفاً إذا وعد ، وخيانة إذا ائتمن ، ثم ائتمنه على أمانة ، كان حقاً على الله ان يبتليه فيها ، ثم لا يخلف عليه ، ولا يأجره،

ص: 49


1- بحوث في فقه الرجال ص165 .
2- خاتمة المستدرك 5\264 .
3- النساء : 5 .

ومع هذه النواهي الأكيدة كيف يجوز ان ينسب إليهم (عليهم السلام) دفع مالهم إلى غير الثقة ، واتكالهم عليه في التجارة ، وسكونهم (عليهم السلام) إلى قوله وفعله ؟ !» (1) .

13. أبو الفضل حافظيان البابلي ، قال : «وما كانوا (عليهم السلام) ليعتمدوا الا على ثقة سالم العقيدة ، وانى يعتمدون على الفاسد ويميلون إليه وهم مما ينهون عنه وينأون ؟ ! ومن ثم إذا ظهر الفساد من أحدهم عزلوه ، وقد عدل بهذه الطريقة غير واحد من الأصحاب كالعلامة ، وصاحب المنهج ، والشيخ البهائي وغيرهم ، ومن هنا تعرف مقام المفضل بن عمر ، ومحمد بن سنان وغيرهما وان غمز عليهم بارتفاع القول») (2) .

14. الشيخ جعفر سبحاني : ويرى أن الراوي إذا كان «وكيلاً من جانب الإمام طيلة سنوات ، ولم يرد فيه ذم يمكن أن تكون قرينة على وثاقته وثبات قدمه ، إذ من البعيد أن يكون الكاذب وكيلاً من جانب الإمام عدة سنوات ولا يظهر كذبه للإمام فيعزله» (3) .

15. الشيخ محمد السند ، أسهب في بيان دلالة الوكالة على الوثاقة فقال في مباحثه : «الصحيح أنّ الوكالة في الأمور الشرعيّة ولو جباية الأموال كالخمس ونحوها دالّة على الوثاقة ، نظراً لكون هذه الوظائف الشرعية مسنداً ومنصباً شرعياً ، مع الالتفات إلى الانتساب له (عليه السلام) في نظر عامّة المكلّفين ، مضافاً إلى أنّ الحيطة في أداء تلك الوظيفة الشرعية إنّما يتمّ بوضع الثقة مع زيادة كونه بصيراً أيضاً . وتشتدّ الدلالة كلّما اتسعت دائرة مورد الوكالة وأعلاها في النوّاب والسفراء ، ولك أن تتمثّل ذلك بالوكلاء عن علماء الدين ، سواء في الأوقاف أو الأموال أو في بيان الأحكام الشرعيّة أو في حلّ الخصومات بالصلح ونحو ذلك ، فإنّه بمثابة تمثيل عن ذلك العالم الديني . ... ولذلك ورد في مضمون الرواية ، وهو مطابق لما في المثل الحكمي من قولهم (الرسول دليل عقل المُرسِل) ، ومن ثمّ يظهر قرينيّة الوكالة في الأمور العادية أو الشخصية أو النوّاب على الحُسن ، ولذلك ترى ركون الرواة الأجلاّء أو الثقات إلى ما يذكره موالي الأئمّة (عليهم

ص: 50


1- خاتمة المستدرك 5\264 .
2- رسائل في دراية الحديث 2\340 .
3- كليات في علم الرجال 343 .

السلام) تذييلاً لأقوالهم (عليهم السلام) ، كأن يكون قد خفي شيء على الراوي فيسأل "مصادف" مولى الإمام الصادق (عليه السلام) عنه ، حتّى أنّه قد روي أنّ الإمام الصادق (عليه السلام) قد خيّر بعض مواليه بالإقامة عنده بإزاء عظم الثواب في الآخرة أو بالرجوع إلى أهله ، بعدما بذل أحد التجار الشيعة مالاً على أن يحلّ محلّه في قبال أن يأتي هو في خدمته (عليه السلام) ، وأمّا الطعن في دلالة الوكالة بعدم اشتراطها بالعدالة ، فقد تقدّم أنّه وجه الملازمة والدلالة ليس هو للاشتراط الشرعي ، بل وجهها هو الاشتراط بحسب حكم الآداب ومنشئيتها للإضافة والإسناد إلى الموكّل» (1) .

16. الشيخ محمد باقر الإيرواني ، قال : «هذا والصحيح دلالة الوكالة على الوثاقة ؛ لأن السيرة العقلائية قد جرت على عدم توكيل شخص في قضية معينة إذا لم يحصل الوثوق الكامل بصدقه وعدم تعمده للكذب ، وجرِّب ذلك من نفسك تجد صدق ما نقول ، وإذا قيل إذن كيف تفسرون الذم الصادر في حق كثير من الوكلاء ؟

أجبنا بأن الانحراف قد حصل لهم بعد منحهم الوكالة فكم شخص نثق به ونمنحه الوكالة وبعد ذلك ينحرف .

وإذا قيل إن توكيل شخص في مجال معين يقتضي وثاقته في ذلك المجال دون غيره ، فتوكيل شخص في بيع دار يستلزم وثاقته وعدم كذبه في مجال بيع الدار فقط دون المجالات الأخرى كمجال نقل الحديث الذي هو محل كلامنا .

كان الجواب : إن العاقل إذا لم يحرز الوثاقة المطلقة في الوكيل فلا يقدم على توكيله ؛ لأنه مادام يحتمل كذبه في المجالات الأخرى فلربما يسري ذلك إلى المجال الخاص الذي منح فيه الوكالة ، ولا اقل ليس من المناسب للإمام (عليه السلام) إيكال بعض أموره المهمة إلى من هو خائن في بعض المجالات» (2) .

ص: 51


1- بحوث في مباني علم الرجال 160 .
2- دروس تمهيدية في القواعد الرجالية ص23 .

17. علي أكبر غفاري : «كونه وكيلاً لأحد الأئمة عليهم السلام . فإنه من أقوى أمارات المدح بل الوثاقة والعدالة ، لأن من الممتنع عادة جعلهم عليهم السلام غير العدل وكيلاً على الزكوات ونحوها من حقوق الله مطلقاً» (1) .

القول الثاني : إن الوكالة تدل على المدح دون الوثاقة ، ويظهر هذا القول من الميرزا أبي القاسم النراقي (ت 1319ه) في كتابه (شعب المقال في درجات الرجال) فقد وضع جملة من الوكلاء في شعبة الممدوحين لمجرد كونهم من وكلاء الائمة عليهم السلام ، ويظهر هذا القول أيضاً من الشيخ أبي الهدي الكلباسي (ت 1356ه) الذي جعل من إمارات المدح «كون الراوي وكيلاً لأحد من الأئمة عليهم السلام» (2) .

القول الثالث : عدم الملازمة مطلقاً بين الوكالة والوثاقة ، وعدم دلالتها لا على الوثاقة ولا على المدح ، وهذا الرأي تبناه بقوة السيد الخوئي في مقدمة كتابه الشهير (معجم رجال الحديث) إذ قال رحمه الله : «الوكالة لا تستلزم العدالة ، ويجوز توكيل الفاسق إجماعاً وبلا إشكال» (3) ، وإنطلاقاً من هذا التأصيل فقد حكم السيد الخوئي بجهالة عدد كبير من الوكلاء ممن لم يثبت عنده وثاقتهم من الطرق المشهورة ، وممن ذهب لهذا القول أيضاً الشيخ محمد حسين الحائري فقد أورد في فصوله قائلاً : «وقد يعد من أسباب التعديل أمور أخر منها كون الراوي وكيلاً لاحد الأئمة لأنهم لا يوكلون الفاسق ووجهه غير ظاهر نعم لو كان التوكيل فيما يشترط فيه العدالة دل عليها لكنه نادر ومثله نصبه قيماً على الصغير أو أمره بالإفتاء ونحو ذلك» (4) .

أقول : والحق إن الوكالة تستلزم الوثاقة والعدالة ، بل جلالة القدر ، إذا توفر في الراوي شرطان :

ص: 52


1- دراسات في دراية الحديث ص125 .
2- سماء المقال في علم الرجال 2\448 .
3- معجم رجال الحديث 1\71 .
4- الفصول الغروية 304 .

أولاً : أن تثبت وكالته بالنصوص الروائية ، أو شهادات أهل الاختصاص ممن يوثق بقولهم ، ويطمئن الباحث بتحقيقهم ، سيما مع وجود القرائن الخارجية على أقوالهم .

ثانياً : أن لا يَرِدَ فيه ذم من الإمام ، أو عزله عن وكالته ، أو جرح مفسر مؤيد بالأدلة النقلية .

أما أدلتنا على ثبوت الملازمة بين الوكالة والوثاقة وفق الطرح الذي قدمناه فيمكن تلخيصها بما يأتي :

1. إن السيرة العقلائية قائمة على قبح توكيل الفاسق أو الكاذب ، سواء تعلق التوكيل بشؤون الدين أو الدنيا ، وهذه السيرة تتأكد مع المعصومين عليهم السلام ؛ لأنهم أعقل الناس ، وأحوطهم على مصالح المسلمين ، وشريعة سيد المرسلين ، ولا شك في أن توكيل الفاسق مفسدة كبيرة لا سيما لو تعلق الأمر بشؤون الدين كإيصال الأوامر من المعصوم ، ونقل أحكام الشريعة ، وجمع الحقوق وتوزيعها ، وتوعية الناس وتعليمهم ، ورعاية المستضعفين وتبصرتهم ، وغيرها من المهام التي ينأى بحملها كبار الثقات والأخيار ، فكيف بالفساق الذين لا حريجة لهم في الدين ؟!

2. إن الشريعة المقدسة نصت على وجوب التحرز عند إيكال الأعمال إلى الناس ، وحذرت من التساهل غير المبرر خصوصاً في زمان يكثر فيه الشر ، ويقل فيه الخير ، فمنعت توكيل الخائن ، والكاذب ، والظالم ، والأحمق ، ومن سواهم ممن لا يليق بشرف الوكالة ، وفقد ورد عن أهل البيت عليهم السلام : «ليس لك أن تتهم من ائتمنته ، ولا تأتمن الخائن وقد جربته» (1) وورد أيضاً عن المعصومين عليهم السلام «من ائتمن غير مؤتمن فلا حجة له على الله» (2) ، ومما ورد أيضاً : «احذر من الناس ثلاثة : الخائن . والظلوم . والنمام ؛ لأن من خان لك خانك ، ومن ظلم لك سيظلمك ، ومن نمَّ إليك

ص: 53


1- الكافي 5\298 .
2- المصدر نفسه 5\299 .

سينمُّ عليك . لا يكون الأمين أميناً حتى يُؤتمن على ثلاثة فيؤديها : على الأموال ، والأسرار ، والفروج . لا تشاور أحمق . ولا تستعن بكذاب . ولا تثق بمودة ملول» (1) .

إننا نفهم من هذه النصوص الشريفة وغيرها وجوب الاحتياط في الوكالة ، وأهل البيت عليهم السلام هم أحوط الناس على الإسلام ، وأكثرهم تمسكاً بالأحكام ، بل هم أصول الدين ، وحماة الشريعة ، وحجة الله تعالى على من خلق ، فلا يمكن التصور والوهم أن المعصوم سلام الله عليه ربما يتساهل في أمر شددت عليه أحكام الشريعة ، أو يغفل عن شيء من ذلك والعياذ بالله .

3. إن سيرة أهل البيت عليهم السلام جرت على توكيل الثقات والأجلاء ، ولا نبالغ إذا قلنا إن وكلاء الأئمة عليهم السلام هم من أوثق الناس عند الناس ، وأصدقهم لهجة ، وأعلاهم حجة ، وأتقاهم في الدين ، وأحوطهم على المؤمنين ، وخذ من شئت من الأئمة عليهم السلام واعمل مسحاً لوكلائه ستجد صواب ما قلناه ، ودقة ما حققناه ، ويكفيك أن الإمام المهدي عليه السلام وصف وكلاء الأئمة أنهم (القرى الظاهرة) التي جعلها الله تعالى بين الناس وبين القرى التي بارك فيها (وهم الأئمة عليهم السلام) (2) .

ورب معترض يعترض ، وسائل يسأل عن المذمومين من الوكلاء الذين استفاضت الأخبار بسوء عاقبتهم ، وخيانتهم ، فكيف يجتمع هذا مع ذاك ؟

الجواب بعد الاتكال على الله تعالى : إننا لو نظرنا إلى هؤلاء الوكلاء "المذمومين" ، ودققنا في حالهم لتبين لنا أنهم – جميعاً – كانوا في بداية أمرهم من الصالحين الأتقياء ، والثقات الذين لا يشك الشيعة في صدقهم وورعهم ، وإنما حصل لهم الزيغ الضلال بعد مدة من الزمن ، مدفوعين بإغواء الشيطان الرجيم ، إما لمال يكسبونه ، أو لأتباع يستجلبونهم ، أو لمنصب زينه الشيطان لهم ، وما إن يستشعر الإمام سلام الله عليه – بإلهام من الله تعالى – أن بوادر الشر قد تسللت إلى قلب هذا الوكيل أو ذاك حتى يعاجله بالهتك والفضيحة ، ويدعو الشيعة إلى لعنه والبراءة منه ، فتنتهي بذلك وكالته ، وهذه

ص: 54


1- تحف العقول 316 .
2- كمال الدين 483 ، غيبة الطوسي 345 .

حجة لنا لا علينا ، وهي تدعم التأسيس الذي أسسناه في بداية كلامنا بعدم اجتماع الوكالة مع الفسق والانحراف .

والأمثلة على سوء عاقبة بعض الثقات والصالحين كثيرة ؛ فهذا (أحمد بن هلال العبرتائي – ت 267 ه-) لعنه الله ووقانا سوء عاقبته ، كان في أول أمره مستقيم السيرة ، وقد وصفه النجاشي بأنه «صالح الرواية» (1) ، وأخذ عنه وجوه هذه الطائفة وثقاتها ، وأخرج له الكليني في الكافي ، ومع هذا فقد انتهى أمره أن ينصب العداء للسفير الثاني (محمد بن عثمان بن سعيد) ، ربما حسداً من نفسه ، بعد أن رأى كبر سنه ، وصغر سن محمد بن عثمان ، وما وفقه الله تعالى ليحظى بثقة الإمام المهدي عليه السلام ، ويصبح الرجل الثاني عند الشيعة في زمانه ، فانتهت عاقبة العبرتائي إلى الخزي والخذلان ، لعنه الله وجزاه سوء منقلبه ، وهذا الأمر ربما يفسر لنا تشكيك الشيعة في ذلك الزمان بما ورد فيه من ذموم وتوقيعات مشددة على لعنه والبراءة منهم ، مما دفع الإمام المهدي عليه السلام أن يصدر التأكيد تلو التأكيد ، والتحذير ، ثم الإنذار والتشديد ، على وجوب لعنه والبراءة منه .

وهذا ابن أبي العزاقر ، محمد بن علي الشلمغاني (ت قبل 312 ه) ، قال عنه النجاشي : «كان متقدماً في أصحابنا ، فحمله الحسد لأبي القاسم الحسين بن روح على ترك المذهب والدخول في المذاهب الردية ، حتى خرجت فيه توقيعات ، فأخذه السلطان وقتله وصلبه» (2) ، وأورده الشيخ الطوسي في الفهرست قائلاً : «كان مستقيم الطريقة ، ثم تغير ، وظهرت منه مقالات منكرة ، إلى أن أخذه السلطان ، فقتله وصلبه ببغداد» (3) .

وهذا زياد بن مروان القَندي ، ممن وقف على الإمام الرضا عليه السلام ، واستبد بأموال الحقوق التي كانت عنده ، عده الشيخ المفيد من خاصة الإمام موسى بن جعفر ،

ص: 55


1- رجال النجاشي ص83 .
2- رجال النجاشي ص 378 .
3- الفهرست 224 .

وثقاته ، وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته (1) ، فكان أول أمره مستقيماً ، ثم انحرف عن جادة الصواب ، ومات على الوقف ، جزاه الله شر ما اقترف .

وأما علي بن أبي حمزة البطائني ، فقد كان وكيلاً للإمام الكاظم عليه السلام ، ثم صار رأس الواقفة ، وأول من وقف على الإمام الرضا عليه السلام ، إلا أنه يعدُّ من أصحاب الأصول ، وقد ذكره الشيخ الطوسي في العدة من المتحرجين في روايتهم ، الموثوقين في أمانتهم ، وإن كانوا على مذاهب فاسدة (2) ، وهذا يدل أنه كان من الثقات أول أمره ، ثم انتهى إلى سوء العاقبة والعياذ بالله .

ومن الأمثلة أيضاً : أبو طاهر محمد بن علي بن بلال ، كان أول أمره مستقيماً ، وقد وثقه الشيخ الطوسي في رجاله (3) ، صحب الإمام العسكري عليهما السلام وتوكل له ، وكانت بينهما مكاتبات ، وكانت التوقيعات تخرج إليه ، وروى عنه النص على الإمام المهدي عليه السلام ، وكان من الوكلاء المرتبطين بالسفراء ، إلا أنه ما لبث أن انحرف طمعاً بالمال والجاه ، وادعى أنه هو السفير بدل محمد بن عثمان العمري ، ولم تنفع معه محاولات النصح والوعيد التي قام به الإمام المهدي عليه السلام بنفسه ، وقام بها السفير الثاني أيضاً ، وبقي أبو طاهر البلالي مصراً على انحرافه وعناده ، فخرجت من الإمام المهدي عليه السلام تواقيع عدة بلعته والبراءة منه وطرده من الوكالة .

وتأسيساً على ما تقدم فإننا نقول : لم يحدث مرة واحدة أن أحداً من الأئمة المعصومين عليهم السلام قام بتوكيل شخص فاسق ، أو معروف بالكذب وسوء السيرة ، وإنما كان انحراف من انحرف منهم بعد مدة من الزمن ، فخرجوا من الوكالة ، فلم تجتمع عندهم الوكالة والانحراف بحمد الله تعالى .

4. إن الأئمة عليهم السلام ، من الإمام الرضا وحتى الإمام المهدي عليهما السلام ، اتخذوا من الوكلاء المنحرفين مواقف متشددة جداً ، وصلت أحياناً إلى الإفتاء بقتلهم ،

ص: 56


1- الإرشاد 2\248 .
2- عدة الأصول ، الطوسي 1\150 .
3- رجال الطوسي 401 .

وكانت توقيعات الإمام عليه السلام تصل تباعاً إلى المدن الشيعية تأمر بلعنهم ، وسبهم ، والبراءة منهم ، وفضحهم أمام الناس ، وتحصين المجتمع من العقائد المنحرفة التي كانوا يروجون لها ، ويخدعون البسطاء والسذج .

ولذلك ، لا نجد وكيلاً انحرف بعد استقامة إلا واشتهر أمره بين الشيعة ، واستفاضت أخباره عند أهل الجرح والتعديل ، حتى يظهر أمر انحرافه جلياً في كتب الفهارس ، وتراجم الرجال ، فنحن نقطع أن من سكت عنه أهل الجرح والتعديل ، ولم ترد الروايات في ذمه ، فهو على أصل عدالته ووثاقته ، وعليه فإن الوكالة من إمارات التوثيق التي لا شك عندي في ثبوتها .

ص: 57

الفصل الثالث : السيرة التاريخية والمكانة العلمية لوكلاء الإمام الهادي (عليه السّلام)

القسم الأول : الوكلاء الممدوحون

اشارة

يشكل الوكلاء الممدوحون الغالبية الساحقة من الوكلاء ، وهم الوكلاء الذين ثبتوا على الحق ، فلم يغيروا ولم يبدلوا ، وكانوا خير سند للإمام الهادي عليه السلام ، وأسهموا بشكل كبير في إنجاح المشروع الإصلاحي للإمام ، والتصدي لكل الانحرافات الفكرية والسلوكية ، ويظهر من خلال تراجمهم أنهم كانوا في أعلى درجات الوثاقة والعدالة والصدق والورع ، وقد لعبوا أدواراً مهمة في خدمة الإمام الهادي عليه السلام وتنفيذ توجيهاته ، وإيصال أوامره إلى المناطق الشيعية المترامية الأطراف ، ورعاية الشيعة في النواحي التي كانوا مكلفين بوكالتها ، فكانوا يجيبون على أسئلة الناس وفق روايات أهل البيت عليهم السلام ، ويرسلون ما استشكل عليهم من الأسئلة إلى الإمام الهادي عليه السلام للفصل فيها ، كما شملت دائرة مسؤولياتهم مساعدة المحتاجين ، وتوزيع أموال الزكاة ، وجمع الحقوق وإرسالها للإمام أو لأحد وكلائه المقربين ، والتصدي للحركات المنحرفة التي ظهرت في الحالة الشيعية كحركات الواقفة والغلاة والمفوضة .

وكان لمولانا أبي الحسن الهادي عليه السلام أصحاب أجلاء ورواة ثقات لا يقلون قدراً وشأناً عن الوكلاء ، وكان الإمام يعتمد عليهم في تفقيه الشيعة وتعليمهم ، ونشر أحاديث

ص: 58

أهل البيت عليهم السلام ، نذكر منهم السيد عبد العظيم الحسني (ت 252 ھ) ، وداود بن القاسم المعروف بأبي هاشم الجعفري ، وأحمد بن إسحاق القمي الأشعري ، وإبراهيم بن شيبة الأصبهاني ، وإبراهيم بن عبدة النيسابوري ، وغيرهم ممن كان لهم أدوار متميزة مع الإمام الهادي عليه السلام ، إلا أن النصوص التاريخية قاصرة عن إثبات وكالتهم ؛ لذلك لم تشملهم تراجم هذا الكتاب ، ولكن حتى لا نبخسهم حقوقهم ، فقد أفردنا لهم ملحقاً ذكرنا لكل واحد منهم ترجمة مختصرة عرفاناً بحقه ، من أجل تسليط مزيد من الضوء على الدور الفكري الذي اضطلع بها أصحاب الإمام الهادي عليه السلام .

خصصتُ هذا الفصل لعرض ترجمة وافية لكل وكيل من وكلاء الإمام الهادي عليه السلام ، من خلال التركيز على على علاقته بالإمام الهادي عليه السلام ، والأدوار التنفيذية التي قام بها ، محاولاً رسم صورة لحياته الاجتماعية وتوجهاته الفكرية وعلاقاته الشخصية بحسب ما وصل إلينا من كتب التاريخ والسيرة ، وفي الجانب الحديثي تطرقتُ لبيان وثاقته وأهميته في علم الحديث ، ورد الشبهات التي تدور حول تضعيف البعض منهم ، أو رميهم بالجهالة ، مع الاستشهاد بنماذج لمرويات الوكلاء في الفقه والعقيدة والأخلاق والتفسير ، وقد رتبت الأسماء بحسب حروف الهجاء ، ورقمتها زيادة في الفائدة .

ص: 59

1- إبراهيم بن محمد الهمداني (توفي بعد 248 ھ)

اشارة

هو إبراهيم بن محمد بن عمران الهمداني (الهمذاني) ، من الرواة الأجلاء ، والوكلاء المخلصين ، صحب الإمام الرضا والجواد والهادي عليهم السلام (1) ، وروى عنهم ، وكان موضع ثقتهم ، ومحل اعتمادهم ، وكانت له كتب ومراسلات معهم ، وقد توهم كثير من المحققين فجعلوه من وكلاء الناحية المقدسة ، والذي سبّب الوهم أن النجاشي ذكر في رجاله في ترجمة حفيد ابنه (القاسم بن محمد بن علي بن إبراهيم بن محمد) أنه «وكيل الناحية ، وأبوه وكيل الناحية ، وجده علي وكيل الناحية ، وجد أبيه إبراهيم بن محمد وكيل» (2) ، وفي بعض النسخ إضافة كلمة {الناحية} ، فصارت السبب في نشوء هذا الوهم ، إلا أن الظاهر أن هذه الزيادة غير صحيحة ، وهي من إضافات النساخ والمحشين ؛ فأن إبراهيم لم يُدرك زمان الإمام العسكري فضلاً عن الإمام المهدي عليهما السلام ، وكان أبناؤه وأحفاده من وكلاء الناحية المقدسة ، أولهم ابنه علي بن إبراهيم بن محمد الهمذاني ، ثم ابنه محمد ، ثم ابنه القاسم بن محمد بن علي بن إبراهيم بن محمد

ص: 60


1- رجال الطوسي 352 ، 373 ، 383 ، كما ذكره ابن حجر في لسان الميزان 1\107 .
2- رجال النجاشي 344 ، وعنه العلامة في إيضاح الاشتباه 275 ، والأردبيلي في جامع الرواة 1\33 ، والبروجردي في طرائف المقال 1\208 ، والشاهرودي في مستدركات علم رجال الحديث 1\205 ، والسيد الخوئي في معجم رجال الحديث 1\267 .

الهمذاني (1) ، وأما قول النجاشي (وكيل) فلعله إشارة إلى توكله للإمامين الجواد والهادي عليهما السلام ، وقد أشار إلى هذه النتيجة أيضاً المحقق الكبير الشيخ محمد تقي التستري في ترجمة إبراهيم قائلاً بعد أن نقل كلام الكشي أن إبراهيم كان وكيلاً : «الظاهر أن مراده أنه كان وكيل أبي الحسن الهادي (عليه السلام) أو من قبله» وأضاف : «أما النجاشي فإنما قال : وكيل ... وأما قوله إن {العلامة في} الخلاصة قال هنا : "إبراهيم وكيل الناحية" ، فليس أيضاً كذلك ؛ بل قال الكشي والنجاشي : إن وكيل ، وإضافة (صاحب الأمر) في بعض النسخ كان توضيحاً من المحشين بزعمهم ، فخلط بالمتن» (2) .

كنيته أبو الحسن على ما ذكره السيد ابن طاووس (3) ، أما لقبه (الهمذاني) بالذال المعجمة ، فهو مشتق من (همذان) المدينة الجبلية في شمال إيران (4) ، لا إلى قبلية همدان اليمانية العربية المعروفة ، وإن كانت نسخ الكتب ربما ذكرته بالدال المهملة تحريفاً ، كما جرت العادة مع مدينة همذان أن تكتب همدان (5) ، وقد استقر إبراهيم في مدينته همذان ، ولا نعلم أنه اتخذ موطناً غيرها ، ويبدو أنه التقى الإمام الرضا عليه السلام في نيسابور وحدّث عنه هناك كما تشير بعض المرويات (6) ، وتشير إحدى الروايات أن إبراهيم كان مخالفاً أول أمره ثم منَّ الله تعالى عليه بمعرفة هذا الأمر ، حتى صار من الخواص ، وموضع اعتماد الأئمة ، ومحل ثقتهم (7) .

ص: 61


1- خاتمة المستدرك 3\255 .
2- قاموس الرجال 1\292-293 .
3- إقبال الأعمال 3\161 .
4- قال الحموي في معجم البلدان 5\410 : هَمَذان : بالتحريك ، والذال معجمة ، وآخره نون ، في الاقليم الرابع ، قال هشام بن الكلبي : همذان سميت بهمذان بن الفلوج بن سام بن نوح ، عليه السلام ، وهمذان وأصبهان أخوان بنى كل واحد منهما بلدة .
5- ذكر المامقاني أن إبدال الذال المعجمة لمدينة (همذان) بالدال المهملة إنما نشأ من العجم – تنقيح المقال ص32 .
6- علل الشرائع 1\59 ، ومما يدل على ذلك أيضاً أن ابن شهرآشوب ذكره في أصحاب الإمام الرضا عليه السلام في مناقبه 3\477 .
7- الكافي 4\275 ، الوسائل 1\126 .
أولاده وأسرته

وكان لإبراهيم أولاد عدة كلهم رواة أجلاء ، ووكلاء ممدوحون ، فمن أولاده :

أ. محمد (وكان وكيلاً للناحية المقدسة) : وله من الأولاد علي (وهو من وكلاء الناحية المقدسة أيضاً) ، وجعفر (من رواة الحديث) .

ب. جعفر (وكان الرسول بينه وبين الإمام الهادي عليه السلام) .

ج. الحسين أو الحسن (من رواة الحديث روى عنه محمد بن أحمد بن يحيى) .

كما له بنت أو مجموعة من البنات ، وقد كتب ذات مرة يسأل الإمام عليه السلام في طلاق ابنته بعد أن أقسم زوجها بالطلاق ثم حنث بقسمه ، هل يقع الطلاق أم لا ؟ فأوصاه الإمام عليه السلام بتطبيق قاعدة الإلزام ، فإن كان زوجها من الشيعة لم يقع الطلاق وكان قسمه لغواً ، وإن استلزم حنثه التوبة والكفارة ، أما إن كان من المخالفين فيقع الطلاق ؛ لأن المخالف يعتقد بصحة وقوع الطلاق في القسم ، فيكون الطلاق صحيحاً من باب الإلزام بما ألزم به نفسه (1) .

وكالته

لم تصرح أقوال كثير من علماء الرجال بتوكل إبراهيم للإمام الهادي عليه السلام ، لأننا قلنا أن الخلط والتحريف الذي حدث في نسخ النجاشي جعل الأمر يختلط على المحققين والمترجمين ، فجعلوه من وكلاء الناحية المقدسة ، وقد بينا ما في ذلك من الوهم ، وأن القرائن التاريخية من الروايات والمنقولات تقطع بشكل كبير أنه كان من الوكلاء المقدمين عند أبي الحسن الهادي عليه السلام ، ومن هذه الأدلة ما يأتي :

1. إن النصوص التاريخية واضحة أن إبراهيم بن محمد الهمذاني كان من وكلاء أبي جعفر الثاني عليه السلام ، ولم يرد أن الإمام الهادي عليه السلام قد عزله أو رد وكالته ، بل العكس هو الثابت ، كما إنه لو صح ما ذكروه أنه من وكلاء الناحية فهذا دليل

ص: 62


1- الاستبصار 3\291 ، التهذيب 8\57 ، وسائل الشيعة 22\72 .

قطعي يثبت بقاء وكالته بعد زمان الجواد عليه السلام ، وهذا وإن أثبتنا عدم صحته إلا أن بقاء وكالته لزمان الهادي محتمل جداً .

2. إن بعض النصوص أطلقت القول بوكالته ، ولم تحدده بزمان الجواد عليه السلام ، فقد أورد الكشي في رجاله قال : «وكان إبراهيم وكيلاً ، وكان حج أربعين حجة» (1) ، والملفت أن الرواية التي كان الكشي بصدد ذكرها تتعلق بالإمام الهادي عليه السلام ، وقد مرّ علينا أيضاً قول النجاشي (وجد أبيه إبراهيم وكيل) ، واستدلال المحقق التستري (رحمه الله) بهذه العبارة على توكله للإمام الهادي عليه السلام أو من قبله من الأئمة .

3. إن العلاقة بين إبراهيم وبين الإمام الهادي عليه السلام وكثرة المكاتبات بينهما يقوي ما ذهبنا إليه من بقاء وكالته في زمان أبي الحسن الثالث عليه السلام ؛ إذ كانت أغلب مكاتباته في المواريث والوصايا والأخماس والأوقاف ، وهذه الأمور تكون في العادة من اختصاصات الوكيل ومن يعتمده الإمام عليه السلام في أمر الحكم والقضاء ، وكان الإمام الهادي عليه السلام يأمره بأمور ليبلغها أهل همدان ، وهو حلقة التواصل الرئيسة بين الإمام عليه السلام وبينهم ، وهذا من شأن الوكيل فتكون هذا التكليف كالنص الصريح في وكالته .

4. تصريح بعض كبار المحققين بتوكله للإمام الهادي عليه السلام ، اعتماداً على ما قدمنا من نصوص وقرائن ، ومن بين هؤلاء المحقق التستري رحمه الله (2)، والشيخ المامقاني في بحوثه الرجالية (3) .

فأما كتاب توكليه من أبي جعفر الثاني وخلافته للوكيل يحيى بن أبي عمران ، فقد أورده الشيخ محمد بن الحسن الصفار (ثقة جليل توفي 290 ﻫ) بسندين : أحدهما عن محمد بن عيسى اليقطيني (ثقة) قال حدثني إبراهيم بن محمد ، والآخر عن الحسن بن عبد الله بن سليمان قال : حدثني إبراهيم بن محمد قال : كان أبو جعفر محمد بن علي

ص: 63


1- اختيار معرفة الرجال 1\867 .
2- قاموس الرجال 1\292-293 .
3- تنقيح المقال ، ص32 .

عليه السلام كتب إليّ كتاباً ، وأمرني أن لا أفكه حتى يموت يحيى بن أبي عمران (1) ، قال {إبراهيم} : فمكث الكتاب عندي سنين (2) فلما كان اليوم الذي مات فيه يحيى بن ابي عمران فككت الكتاب فإذا فيه : «قم بما كان يقوم به» أو نحو هذا من الأمر ، قال ابن شهر آشوب : فقرأ إبراهيم هذا الكتاب في المقبرة يوم مات يحيى بن عمران .

قال {الصفار} : وحدثني يحيى واسحق ابنا سليمان بن داود أن إبراهيم قرأ هذا الكتاب في المقبرة يوم مات يحيى ، وكان إبراهيم يقول : كنت لا أخاف الموت ما كان يحيى بن أبي عمران حياً (3) .

ومن الكتب الدالة على وثاقته ووكالته للجواد عليه السلام ، وأنه كان الواسطة في نقل الحقوق الشرعية للإمام عليه السلام ، ما أورده الكشي بسنده عن إبراهيم بن محمد الهمداني ، قال وكتب إلي : «قد وصل الحساب تقبل الله منك ، ورضي عنهم ، وجعلهم معنا في الدنيا والآخرة ، وقد بعثتُ إليك من الدنانير بكذا ومن الكسوة كذا ، فبارك لك فيه وفي جميع نعمة الله عليك . وقد كتبتُ إلى النضر أمرته أن ينتهي عنك ، وعن التعرض لك وبخلافك ، وأعلمته موضعك عندي ، وكتبت إلى أيوب أمرته بذلك أيضاً ، وكتبت إلى مواليّ بهمدان كتاباً أمرتهم بطاعتك والمصير إلى أمرك ، وأن لا وكيل لي سواك» (4) .

ففي هذا الكتاب دلالات واضحة على جلالة الرجل ، وعلو منزلته ، عند أبي جعفر الثاني عليه السلام ، نلخصها في ما يلي :

1. دعاء الإمام الجواد عليه السلام لإبراهيم وللشيعة من خلاله .

2. إكرامه بكسوة ودنانير من أموال الإمام عليه السلام .

ص: 64


1- هو يحيى بن أبي عمران الهمداني ، تلميذ يونس بن عبد الرحمن ، من أصحاب الرضا والجواد عليهما السلام ، كان وكيلاً لهما ، روى عنه إبراهيم بن هاشم وأحمد بن محمد بن عيسى وعلي بن مَهْزِيار ، وفي بعض الكتب (يحيى بن عمران) – معجم رجال الحديث 21\28 .
2- في الثاقب : (سنتين) .
3- بصار الدرجات 282 ، الثاقب في المناقب 515 ، مناقب ابن شهرآشوب 3\502 .
4- اختيار معرفة الرجال 2\869 .

3. تشديد الإمام عليه السلام على بعض الشيعة في همدان وما حولها على وجوب الرجوع في أمورهم إلى إبراهيم ، وعدم التعرض له ومخالفته ، وانه الوكيل الشرعي الوحيد المعتمد في همدان ، وفي هؤلاء الشيعة رجال كبار كأيوب بن نوح رضوان الله تعالى عليه مما يشير إلى الموقع المركزي الذي كان يحضى به إبراهيم الهمداني .

وفي إحدى مكاتباته مع الإمام الجواد عليه السلام يشكو إبراهيم مضايقة السلطات العباسية له وتقييد حركته ، فقد روى الكشي عن علي بن محمد ، قال : حدثني أحمد بن محمد (1) ، عن إبراهيم بن محمد الهمداني ، قال : كتبتُ إلى أبي جعفر عليه السلام أصف له صنع السبع (2) بي . فكتب بخطه : «عجّل الله نُصرتك ممن ظلمك ، وكفاك مؤونته ، وأبشر بنصر الله عاجلاً وبالأجر آجلاً ، وأكثر من حمد الله» (3) .

وهذه البشارة بالنصر في الدنيا ، والأجر في الآخرة ، كافية لإثبات حسن عاقبته ، وصحة عقيدته ، وعلو شأنه عند الإمام الجواد عليه السلام .

علاقته بالإمام الهادي عليه السلام

كان إبراهيم الهمذاني على تواصل دائم مع الإمام الهادي عليه السلام ، وله مكاتبات مشهورة في مختلف المسائل الفقهية والعقدية ، وهو واحد من الوكلاء الذي ساهموا في

ص: 65


1- لعله أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري .
2- في نسخة البحار (السميع) ، ولعله هو الأصوب ، ويبدو أنه من رجالات السلطة العباسية ، أو لعله لقب للتورية على أحد رموز السلطة ، قال المحقق التستري في قاوس الرجال 1\295 : «أما قوله في الخبر الثاني : "أصف صنع السميع فيّ" فالظاهر كون كلمة "فيّ" محرفة "معي" ، والظاهر أن السميع فيه محرف "سميع" بكون المراد "سميع بن محمد بن بشير ، المبتدع" كما فهمه القهبائي» ، أقول : كان محمد بن بشير من الغلاة والواقفة الذين قالوا بالكفر والزندقة ، فقد ادعى الألوهية في الإمام أبي الحسن موسى الكاظم عليه السلام ، وادعى لنفسه الإمامة وكان يمارس السحر والشعوذة ، وقد قتل بعد استشهاد الإمام الكاظم عليه السلام في عهد هارون العباسي ، أو من بعده من ملوك بني العباس، وكان اوصى لولده (سميع) أن يكون هو "الإمام" من بعده ، ولكن ظاهر الدعاء الوارد في الرواية لا يشير إلى كون السميع رجلاً مغالياً فحسب ، وإنما هو شخصية ظالمة ، متسلطة ، فالراجح عندي أن يكون (السميع) أو (السبع) إشارة إلى بعض الولاة أو المتنفذين في الدولة العباسية الغاشمة .
3- اختيار معرفة الرجال 2\869 .

إخماد فتنة الزنديق (فارس بن حاتم القزويني) ، فقد كتب للإمام الهادي عليه السلام سنة 248 ھ يسأله عما شجر بين علي بن جعفر الوكيل الذي وصفه بالعليل وبين فارس بن حاتم القزويني ، وأن الفتنة قد وقعت بين الناس حول مشروعية أحدهما وتمثيله للإمام بعد أن ادعى فارس الوكالة وأخذ بالدعاية الرخيصة لنفسه ، فكتب الإمام الهادي عليه السلام بخطه الشريف : «ليس عن مثل هذا يُسأل ، ولا في مثل هذا يُشك ، وقد عظّم الله من حرمة العليل أن يُقاس إليه القزويني ، سمي باسمهما جميعاً (1) ، فاقصد إليه بحوائجك ومن أطاعك من أهل بلادك أن يقصدوا إلى العليل بحوائجهم ، وأن تجتنبوا القزويني أن تدخلوه في شئ من أموركم ، فإنه قد بلغني ما يموّه به عند الناس ، فلا تلتفتوا إليه إن شاء الله» (2) ، وفي هذا النص فوائد تاريخية عديدة منها :

1. النص الصريح على وكالة إبراهيم على أهل همدان بقوله عليه السلام : «فاقصد إليه بحوائجك ومن أطاعك من أهل بلادك» .

2. إن الإمام الهادي عليه السلام اعتمد النظام الهرمي في تشكيل جهاز الوكلاء ، فقد أمر إبراهيم بن محمد الهمداني أن يرجع لعلي بن جعفر الوكيل وأن يحث أهل بلدته على الرجوع إليه ، ولهذه الطريقة في الترتيب أسبابها وفوائدها ذكرنا قسماً منها في مقدمة هذا الكتاب .

3. إن تلك المرحلة (أي سنة 248 ﻫ) كانت المرحلة الأولى من المواجهة مع فارس القزويني ، والتي تميزت بدعوة الإمام الهادي عليه السلام شيعته إلى تجاهل فارس واجتنابه وعدم إدخاله في شيء من أمور الشيعة حتى يتبين للناس كذبه وافتراءه ، ولمّا لم تنفع هذه المرحلة انتقل الإمام عليه السلام إلى المراحل الأخرى والتي تمتاز بالشدة والحزم ، كقوله عليه السلام لأهل الري : «عن أبي محمد الرازي ، قال : ورد علينا رسول من قبل

ص: 66


1- كذا ولم يتضح لي معناه .
2- اختيار معرفة الرجال 2\809 .

الرجل : "أما القزويني فارس : فإنه فاسق منحرف ، وتكلم بكلام خبيث فلعنه الله"» (1) ، وصولاً إلى ترتيب أمر قتله وإراحة الشيعة منه .

ويظهر من الروايات الشريفة أن إبراهيم كان مهتماً بالفصل بين الروايات ذات المضامين المختلفة ، وهذا شأن الفقهاء وأهل العلم ، الذين يبحثون عن الدراية إلى جانب الرواية ، فوردت عنه مكاتبات عديدة في الروايات المختلفة سواء كانت في مسائل العقيدة كالتوحيد ، أو مسائل فقهية كمقدار الصاع وزكاة الفطرة والخمس ، ولهذه الروايات دور مهم في فهم المسائل الفقهية الخاصة بمثل هذه المواضيع .

طبقته في الحديث

أثبت الشيخ الصدوق في مشيخة الفقيه طريقه إلى إبراهيم بن محمد قائلاً : «وما كان فيه عن إبراهيم بن محمّد الهمدانيّ فقد رويته عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمدانيّ- رضي اللّه عنه- ، عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن إبراهيم بن محمّد الهمداني» (2) ، أما طبقاه في الحديث فيمكن ملاحظتها بدلالة التعرف على مشايخه وتلامذته ، وكما يأتي :

أولاً : مشايخه : روى إبراهيم بن محمد الهمداني عن ثلاثة من أئمة الهدى : الرضا والجواد والهادي عليهم السلام ، كما روى عن : محمد بن عبيدة الهمداني ، علي بن مَهْزِيار ، السلمي ، جعفر بن محمد بن يونس .

ثانياً : الرواة عنه (تلامذته) : روى عنه جماعة من ثقات الرواة وأجلائهم ، لا سيما من أهل قم ، منهم : إبراهيم بن هاشم ، أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري ، أبو عبد الله الحسين بن الحسن الحسني (الحسيني) ، حمدان بن سليمان

ص: 67


1- المصدر نفسه .
2- من لا يحضره الفقيه 4\379 ، والطريق قوي ، رجاله ثقات أجلاء .

النيسابوري ، سهل بن زياد ، علي بن مَهْزِيار ، عمر بن علي بن عمر بن يزيد ، محمد بن عيسى العبيدي ، يعقوب بن الحارث ، يعقوب بن يزيد .

وثاقته

إن النصوص على وثاقة إبراهيم الهمداني نصوص كثيرة متظافرة ، سواء ما جاء منها عن طريق الرواية ، أو ما ورد على لسان أهل التحقيق في هذا المجال ، ولم أجد من المعاصرين ممن توقف في وثاقته إلا السيد الخوئي فقد حكم بجهالته لضعف الروايات الدالة على وثاقته ، ولعدم الملازمة بين الوكالة والعدالة (1) ، والحق إن وثاقة الرجل ، بل جلالته ، ثابتة من وجوه عدة ، وهذه جملة من التوثيقات الصريحة بحقه :

1. الإمام الجواد عليه السلام (ت 220 ﻫ) : مرَّ علينا ما خصه الإمام أبو جعفر الثاني عليه السلام من النص على توكيله ، ومدحه ، والدعاء له ، ، كما مرّ علينا أن الإمام بشّره بالنصر في الدنيا ، وبالأجر في الآخرة ، بقوله عليه السلام : «عجّل الله نُصرتك ممن ظلمك ، وكفاك مؤونته ، وأبشر بنصر الله عاجلاً وبالأجر آجلاً ، وأكثر من حمد الله» (2) .

2. الإمام الهادي عليه السلام (ت 254 ﻫ) : نص عليه بالوثاقة الصريحة ، وهذا النص دليل آخر على توكيله ، ذكر ذلك الكشي في رجاله بإسناده عن أبي محمد الرازي ، قال : كنت أنا وأحمد بن أبي عبد الله البرقي بالعسكر فورد علينا رسول من الرجل فقال لنا : «الغائب العليل ثقة ، وأيوب بن نوح ، وإبراهيم بن محمد الهمداني ، وأحمد بن حمزة ، وأحمد بن إسحاق ثقات جميعاً» (3) ، وهذه الرواية معروفة في المصادر القديمة ، كرجال الكشي وغيبة الطوسي ، فلا يضرها ضعف سندها بالاصطلاح المعاصر .

ص: 68


1- معجم رجال الحديث 1\268 .
2- اختيار معرفة الرجال 2\869 .
3- اختيار معرفة الرجال 2\831 ، غيبة الطوسي ص417 ، مختصر البصائر ص29 .

3. الشيخ الصدوق (ت382 ﻫ) : «إبراهيم بن محمد الهمداني : رضي الله عنه» (1) .

4. محمد صالح المازندراني (ت1081 ﻫ) ، قال : «وكيل الناحية (2) ، ثقة على ما رواه الكشي» (3) .

5. أحمد بن عبد الرضا البصري (ت1085 ه) ، قال : «إبراهيم بن محمد الهمداني ، وكان جليل القدر ، صحيح الحديث والرواية» (4) .

6. محمد علي الأردبيلي (ت1101 ﻫ) ، ذكر أن الكشي روى توكيله وجلالة قدره (5) .

7. السيد علي البروجردي (ت 1313 ﻫ) ، قال عنه : «وكان جليل القدر ، صحيح الحديث والرواية» (6) .

8. الشيخ عبد الله المامقاني (ت 1315 ﻫ) ، قال فيه : «ونحن نبني على جلالة الرجل ، ووثاقته لوكالته للأئمة الثلاثة عليهم السلام» (7) .

9. الشيخ النمازي الشاهرودي (ت 1405 ﻫ) ، قال بحقه : «إبراهيم بن محمد الهمداني : ثقة جليل» (8) .

10. علي أكبر غفاري – محقق كتاب من لا يحضره الفقيه ، قال بحقه : «كان من أصحاب أبي جعفر الثاني والهادي والعسكريّ عليهم السلام ، وكان وكيلاً لهم ، ويظهر من كتاب أبي جعفر عليه السلام إليه كما في «كش» ، عظم شأنه وكونه ثقة» (9) .

ص: 69


1- كمال الدين 75 .
2- قلنا في ما سبق أنه لم يكن وكيلاً للناحية ، وهذا وهم مصدر خطا النساخ والمحشين في نسخة النجاشي ، والصحيح أن كان وكيلاً للإمام الهادي عليه السلام .
3- شرح أصول الكافي 2\231 .
4- فائق المقال في الحديث والرجال ص80 .
5- جامع الرواة 1\33 .
6- فائق المقال 80 .
7- تنقيح المقال ، ص32 .
8- مستدركات علم رجال الحديث 1\205 .
9- من لا يحضره الفقيه ج4 هامش ص480 .

11. صحح حديثه جملة من أكابر الفقهاء والمحققين كالمحقق البحراني في الحدائق الناضرة 22\637 ، والنراقي في مستند الشيعة 18\295 . والجواهري في جواهر الكلام 27\208 ، كما وثقه السيد الحكيم في مستمسك العروة الوثقى 12\ شرح ص34 ، ووثقه غلام رضا عرفانيان في كتابه مشايخ الثقات ص54 وآخرون .

نماذج من رواياته
اشارة

من مميزات روايات إبراهيم بن محمد الهمداني أنها متنوعة موضوعياً بين الفقه ، والعقيدة ، والأخلاق ، والتاريخ ؛ ففي الفقه تبرز موضوعات الأرث والوصية والخمس والزكاة والأجارة ، وفي العقيدة تبرز موضوعات التوحيد والإمامة .

ومن مميزاتها أيضاً أن كثيراً منها جاء عن طريق المكاتبة مع الأئمة عليهم السلام ، وبعضها سماع مباشر ، وقلما يروي إبراهيم عن غيره من الرواة ، وهذا يؤشر إلى حالتين ، الأولى رغبة الأصحاب في توثيق الروايات وتدوينها ، وحفظها عن الضياع والنسيان ، والأخرى تحول الإمام إلى أسلوب التوقيعات والمكاتبة لتعويد الحالة الشيعية على استقبال عصر الغيبة الصغرى ، وتواصلهم مع الإمام المهدي عليه السلام عن طريق التوقيعات التي كانت تخرج على يد السفراء (رضي الله عنهم) .

رواياته العقائدية

1. ثقة الإسلام محمد ين يعقوب الكليني : علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن إبراهيم بن محمد الهمداني ، عن محمد بن عبيدة {الهمداني} قال : قال لي أبو الحسن عليه السلام : يا محمد أنتم أشد تقليداً أم المرجئة (1) ؟ قال : قلت قلدنا وقلدوا ، فقال :

ص: 70


1- المرجئة : هم الذين يبالغون في إثبات الوعد (الثواب) ، وهم عكس المعتزلة المبالغين في إثبات الوعيد (العقاب) ، فهم يرجون المغفرة والثواب لأهل المعاصي ، ويرجئون حكم أصحاب الكبائر إلى الآخرة ، فلا يحكمون عليهم بكفر ولا فسق ويقولون : إن الإيمان إنما هو التصديق بالقلب واللسان فحسب ، وإنه لا يضر مع الإيمان معصية ، كما لا ينفع مع الكفر طاعة ، فالإيمان عندهم منفصل عن العمل ، ومنهم من زعم أن الإيمان اعتقاد بالقلب ، وإن أعلن الكفر بلسانه وعبد الأوثان ، أو لزم اليهودية والنصرانية وعبد الصليب ، وأعلن التثليث في دار الإسلام ومات على ذلك ، فهو مؤمن كامل الإيمان عند الله ، وهو ولي الله ، ومن أهل الجنة ، ذكر ذلك ابن حزم – نشوء الفرق والمذاهب الإسلامية ص98 . أقول : ويطلق في الروايات على المخالفين؛ لأنهم أخروا علياً (عليه السلام) .

لم أسألك عن هذا ، فلم يكن عندي جواب أكثر من الجواب الأول ، فقال أبو الحسن عليه السلام : إن المرجئة نَصَبت رجلاً لم تُفرض طاعته وقلدوه ، وأنتم نَصَبتم رجلاً وفرضتم طاعته ثم لم تقلدوه ، فهم أشد منكم تقليداً (1) .

2. الشيخ الكليني : سهل {بن زياد} ، عن إبراهيم بن محمد الهمداني قال : كتبتُ إلى الرجل عليه السلام (2) : أن مَن قِبَلَنا من مواليك قد اختلفوا في التوحيد ، فمنهم من يقول : جسم ، ومنهم من يقول : صورة ، فكتب عليه السلام بخطه : سبحان من لا يُحد ولا يوصف ، ليس كمثله شئ وهو السميع العليم - أو قال - : البصير (3) .

3. الشيخ الصدوق : حدثنا عبد الواحد محمد بن عبدوس النيسابوري العطار رضي الله عنه قال : حدثنا علي بن محمد بن قتيبة ، عن حمدان بن سليمان النيسابوري قال : حدثنا إبراهيم بن محمد الهمداني قال : قلت لأبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) : لأي علة أغرق الله عز وجل فرعون وقد آمن به وأقر بتوحيده ؟ قال : إنه آمن عند رؤية البأس وهو غير مقبول ؛ وذلك حكم الله تعالى ذكره في السلف والخلف قال الله تعالى : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا) (4) ، وقال الله عز وجل : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آَيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آَمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا

ص: 71


1- الكافي 1\53 ، وسائل الشيعة 27\125 ، وفي الحديث دلالة على وجوب الطاعة والتقليد للمعصوم دون غيره ، وقوله عليه السلام : (أشدُّ تقليداً) جاءت هنا في سبيل الذم .
2- يعني أبا الحسن الهادي عليه السلام .
3- بحار الأنوار 3\294 ، ورواه الصدوق في التوحيد 100 .
4- غافر : 84-85 .

مُنْتَظِرُونَ) (1) ، وهكذا فرعون لما أدركه الغرق قال : (آَمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آَمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (2) ، فقيل له (آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * ) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً) (3) ، وقد كان فرعون من قرنه إلى قدمه في الحديد وقد لبسه على بدنه ، فلما أُغرق ألقاه الله على نجوة (4) من الأرض ببدنه ؛ ليكون لمن بعده علامة فيرونه مع تثقّله بالحديد على مرتفع من الأرض ، وسبيل التثقيل أن يرسب ولا يرتفع فكان ذلك آية وعلامة ، ولعلة أخرى أغرق الله عزّ وجل فرعون ، وهي أنه استغاث بموسى لما أدركه الغرق ولم يستغث بالله فأوحى الله عز وجل إليه : يا موسى ما أغثتَ فرعون لأنك لم تخلقه ، ولو استغاث بي لأغثتُه (5).

4. الشيخ الصدوق : حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني - رضي الله عنه - قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم قال : حدثني محمد بن عيسى بن عبيد ، عن إبراهيم بن محمد الهمداني - رضي الله عنه - قال : قلت للرضا عليه السلام : يا ابن رسول الله أخبرني عن زرارة هل كان يعرف حق أبيك عليه السلام ؟ فقال : نعم ، فقلت له : فلِمَ بعث ابنه عُبيداً ليتعرف الخبر إلى من أوصى الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام ؟ فقال : إن زُرارة كان يعرف أمر أبي عليه السلام ، ونصَّ أبيه عليه ، وإنما بعث ابنه ليتعرف من أبي عليه السلام هل يجوز له أن يرفع التقية في إظهار أمره ونص أبيه عليه ، وأنه لما أبطأ عنه ابنه طولب بإظهار قوله في أبي عليه السلام فلم يحبَّ أن

ص: 72


1- الأنعام : 158 .
2- يونس : 90 .
3- يونس : 91-92 .
4- النجوة والنجاة : ما ارتفع من الأرض فلم يعله السيل فظننتَه نجاءك ، والجمع نِجاء . وقوله تعالى : (فاليوم ننجيك ببدنك) ، أي نجعلك فوق نجوة من الأرض فنظهرك أو نلقيك عليها لتعرف ، لأنه قال ببدنك ولم يقل بروحك ، وذكر ابن شميل : يقال للوادي نجوة وللجبل نجوة ، فأما نجوة الوادي فسنداه جميعاً مستقيماً ومستلقياً ، كل سند نجوة ، وكذلك هو من الأكمة ، ونجوة الجبل منبت البقل – لسان العرب 15\305 .
5- علل الشرائع 1\59 ، عيون أخبار الرضا 1\83 ، وسائل الشيعة 16\89 ، بحار الأنوار 6\23 .

يقدُم على ذلك دون أمره ، فرفع المصحف وقال : اللهم إن إمامي من أثبت هذا المصحف إمامته من ولد جعفر بن محمد عليهما السلام (1) .

رواياته الفقهية

5. الشيخ الكليني : سهل {بن زياد} ، عن إبراهيم بن محمد الهمداني قال : كتبتُ إلى أبي الحسن عليه السلام : أقرأني علي بن مَهْزِيار كتاب أبيك عليه السلام فيما أوجبه على أصحاب الضياع نصف السدس بعد المؤونة ، وأنه ليس على من لم تقُم ضيعته بمؤونته نصف السدس ولا غير ذلك فاختلف مَن قِبَلَنا في ذلك ، فقالوا : يجب على الضياع الخمس بعد المؤونة ، مؤونة الضيعة وخراجها لا مؤونة الرجل وعياله ، فكتب عليه السلام : بعد مؤونته ، ومؤونة عياله ، وبعد خراج السلطان (2) .

6. الشيخ الكليني : عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، وأحمد بن محمد ، عن علي بن مَهْزِيار ، عن إبراهيم بن محمد الهمداني ، ومحمد بن جعفر الرزاز ، عن محمد بن عيسى ، عن إبراهيم الهمداني قال : كتبتُ إلى أبي الحسن (عليه السلام) وسألته عن امرأة آجرت ضيعتها عشر سنين على أن تُعطى الأجرة في كل سنة عند انقضائها لا يُقدّم لها شئ من الأجرة ما لم يمض الوقت ، فماتت قبل ثلاث سنين أو بعدها هل يجب على ورثتها إنفاذ الإجارة إلى الوقت أم تكون الإجارة منتقضة بموت المرأة ؟ فكتب (عليه السلام) : إن كان لها وقت مسمى لم يبلغ فماتت فلورثتها تلك الإجارة ، فإن لم تبلغ ذلك الوقت وبلغت ثلثه أو نصفه أو شيئاً منه فيُعطى ورثتُها بقدر ما بلغت من ذلك الوقت إن شاء الله (3) .

ص: 73


1- كمال الدين 75 ، بحار الأنوار 47\338 ، وهذا النص له فوائد جمة في البحوث الرجالية والعقائدية ، وهو يفسر في جزء منه بعض النصوص الواردة في ذم زرارة ظاهراً ، وأنها إنما وردت على سبيل التقية والإبقاء عليه من الأعداء ، كما إنه يجيب بوضوح عن شبهة محترقة طالما رددها الوهابيون في أدبياتهم ووسائل إعلامهم حول إيمان زرارة بأبي الحسن موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام ، وهل مات زرارة عارفاً بإمام زمانه أم مات ضالاً على ميتة أهل الجاهلية ، وفي دفاع الإمام الرضا عليه السلام عن زرارة كفاية للسائل المسترشد .
2- الكافي 1\547 ، من لا يحضره الفقيه 2\42 ، وسائل الشيعة 9\508 ..
3- الكافي 5\270 ، التهذيب 7\207 ، وسائل الشيعة 19\136 .

7. الشيخ الكليني : كتب إبراهيم بن محمد الهمداني إليه عليه السلام : ميت أوصى بأن يُجرى على رجل ما بقي من ثلثه ولم يأمر بإنفاذ ثلثه ، هل للوصي أن يوقف ثلث الميت بسبب الإجراء ؟ فكتب عليه السلام : ينفذ ثلثه ولا يوقف (1) .

ورواه الصدوق عن محمد بن أحمد ، عن عمر بن علي بن عمر ، عن إبراهيم بن محمد الهمداني .. (2)

8. الشيخ الصدوق : روى عن إبراهيم بن محمد الهمداني قال : كتبت إلى أبى الحسن عليه السلام : رجل كتب كتاباً بخطه ولم يقل لورثته : هذه وصيتي ، ولم يقل إني قد أوصيت ، إلا أنه كتب كتاباً فيه ما أراد أن يوصى به هل يجب على ورثته القيام بما في الكتاب بخطه ولم يأمرهم بذلك ؟ فكتب (عليه السلام) : إن كان له وَلَدٌ يُنفِذون كلَّ شئ يجدون في كتاب أبيهم في وجه البر أو غيره (3) .

ص: 74


1- الكافي 7\36 ، ورواه الطوسي التهذيب 9\144 .
2- من لا يحضره الفقيه 4\239 ، وسائل الشيعة 16\226 ، قال المحدث البحراني – طاب ثراه – في شرح هذا الحديث : (الظاهر أن معنى الخبر المذكور أنه أوصى أن ينفق على رجل من ثلثه ما بقي ذلك الرجل ، فلو مات الرجل قبل نفاد الثلث يرجع الباقي إلى ورثة الموصي ولم يأمر بإنفاذ الثلث ، أي لم يوص إليه بالثلث كملاً على وجه ينحصر استحقاقه فيه وفي ورثته من بعده ، فهل للوصي أن يقطع الاجراء عليه ويجعله موقوفاً ؟ حيث إنه لم يوص له بالثلث كملاً ولم يستحقه كملاً بالوصية ، فكتب عليه السلام : ليس له أن يوقفه ، بل يجب أن يجري عليه النفقة من الثلث ما دام الرجل موجوداً والثلث باقياً كما هو مقتضى الوصية) – الحدائق الناضرة 22\641 ، أقول : ويحتمل أن يكون المقصود من قوله (هل للوصي أن يوقف ثلث الميت) أي يجعله وقفاً للرجل ، بدلاً من الإجراء .
3- من لا يحضره الفقيه 4\198 ، وسائل الشيعة 19\372 ، في هامش النسخة المطبوعة من الفقيه قول المحقق : (كذا وكأن فيه سقطاً ، وفي التهذيب نقلاً عن الصدوق " فكتب عليه السلام إن كان ولده ينفذون شيئاً منه وجب عليهم أن ينفذوا كل شئ - الخ ") ، وفي نسخة التهذيب بتحقيق السيد حسن الخرسان 9\242 : (عم أحمد بن محمد بن يحيى ، عن عمر بن علي ، عن إبراهيم بن محمد الهمداني قال : كتبت إليه : رجل كتب كتاباً فيه ما أراد ان يوصي به هل يجب على ورثته القيام بما في الكتاب بخطه ولم يأمرهم بذلك ؟ فكتب : إن كان ولده ينفذون كل شئ يجدون في كتاب أبيهم في وجه البر وغيره) .

9. الشيخ الطوسي : محمد بن أحمد بن يحيي ، عن عمر بن علي بن يزيد ، عن إبراهيم بن محمد الهمداني قال : كتبت إليه يسقط على ثوبي الوبر والشعر ، مما لا يؤكل لحمه ، من غير تقية ولا ضرورة ، فكتب (عليه السلام) : لا يجوز الصلاة فيه (1) .

10. الشيخ الطوسي : علي بن حاتم {القزويني} قال : حدثني أبو الحسن محمد بن عمرو ، عن أبي عبد الله الحسين بن الحسن الحسنى ، عن إبراهيم بن محمد الهمداني : اختلفت الروايات في الفطرة فكتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام أسأله عن ذلك فكتب : إن الفطرة صاع من قوت بلدك ، على أهل مكة ، واليمن ، والطائف ، وأطراف الشام ، واليمامة ، والبحرين ، والعراقَين (2) ، وفارس ، والأهواز ، وكرمان ، تمر ، وعلى أوساط الشام زبيب ، وعلى أهل الجزيرة والموصل والجبال كلها بُر أو شعير ، وعلى أهل طبرستان الأرز ، وعلى أهل خراسان البُر إلا أهل مرو والري فعليهم الزبيب ، وعلى أهل مصر البُر ، ومن سوى ذلك فعليهم ما غلب قوتهم ، ومن سكن البوادي من الأعراب فعليهم الأقط (3) ، والفطرة عليك وعلى الناس كلهم وعلى من تعول من ذكر أو أنثى صغير أو كبير حر ، أو عبد ، فطيم ، أو رضيع ، تدفعه وزناً ستة أرطال برطل المدينة ، والرطل مائة وخمسة وتسعون درهماً ، وتكون الفطرة ألفاً ومائة وسبعين درهماً (4) .

11. الشيخ الطوسي : محمد بن علي بن محبوب ، عن يعقوب بن يزيد ، عن إبراهيم بن محمد الهمداني قال : كتب أحمد بن هلال إلى أبي الحسن عليه السلام : امرأة شهدت

ص: 75


1- الاستبصار 1\384 ، التهذيب 2\209 ، الوسائل 4\381 .
2- بصيغة المثنى ، أي : الكوفة والبصرة .
3- الإقط ، مثلثة ، ويحرك ، وككَتِف ورَجُل ، وإبل ، نقل الفراء منها الأخير والمحرك ، وأما بكسر فسكون فقال الجوهري ، هو بنقل حركة القاف إلى ما قبلها ، شيء يتخذ من المخيض الغنمي يطبخ ، ثم يترك حتى يمصل ، وقيل : من اللبن الحليب ، كما في المصباح . وقال ابن الأعرابي : هو من ألبان الإبل خاصة ، وقال غيره : الأقط : لبن مجفف يابس مستحجر يطبخ به . تاج العروس 10\189 .
4- الاستبصار 2\44 ، التهذيب 4\79 ، وسائل الشيعة 9\342 ، 343 ، وتحديد جنس الفطرة بحسب المناطق الجغرافية لعله من باب الاستحباب ، أو بسبب انتشار تلك هذه الأصناف في تلكم المناطق ، وقد ورد في رواية اخرى استحباب إخراج الفطرة من التمر .

على وصية رجل لم يشهدها غيرها وفي الورثة من يصدقها وفيهم من يتهمها ، فكتب : لا ، إلا أن يكون رجل وامرأتان ، وليس بواجب أن تنفذ شهادتها (1) .

12. الشيخ الطوسي : أحمد بن محمد بن عيسى ، عن إبراهيم بن محمد الهمداني قال : كتبتُ إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام مع بعض أصحابنا وأتاني الجواب بخطه : فهمتُ ما ذكرتَ من أمر أبنتك وزوجِها فأصلح الله لك ما تحب صلاحه ، فأما ما ذكرتَ من حنثه بطلاقها غير مرة فانظر يرحمك الله ، فإن كان ممن يتولانا ويقول بقولنا فلا طلاق عليه ؛ لأنه لم يأت أمراً جهله ، وإن كان ممن لا يتولانا ولا يقول بقولنا فاختلعها منه فإنه إنما نوى الفراق بعينه (2) .

رواياته في الأخلاق

13. الشيخ الكليني : عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن إبراهيم بن محمد الهمداني قال : كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) في التزويج ، فأتاني كتابه بخطه قال رسول الله صلى الله عليه وآله) : إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه (إلا تَفعلوهُ تَكُنْ فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ كبيرٌ) (3) .

14. الشيخ الصدوق : حدثنا أبي (رضي الله عنه) ، قال : حدثني أحمد بن علي التفليسي ، عن إبراهيم بن محمد الهمداني ، عن محمد بن علي الهادي (4) ، عن علي بن موسى الرضا ، عن الإمام موسى بن جعفر ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن الباقر محمد بن علي ، عن سيد العابدين علي بن الحسين ، عن سيد شباب أهل الجنة الحسين ، عن سيد الأوصياء علي (عليه السلام) ، عن سيد الأنبياء محمد (صلى الله عليه وآله) ، قال

ص: 76


1- الاستبصار 3\28 ، التهذيب 6\298 ، وسائل الشيعة 19\319 ، 27\360 .
2- الاستبصار 3\291 ، التهذيب 8\57 ، وسائل الشيعة 22\72 ، وهذا الحديث الشريف يذكر في العادة كمثال في تطبيق (قاعدة الإلزام) أي إلزام المخالف بما ألزم به نفسه ، فإنه يرى صحة وقوع الطلاق مع اليمين ، وبالتالي ينبغي إلزامه بذلك فلو أقسم بالطلاق ثم حنث فقد بانت منه زوجه ولا كرامة له .
3- الكافي 5\347 ، التهذيب 7\396 ، وسائل الشيعة 20\77 ، والآية من سورة الأنفال : 73 .
4- هو السيد محمد المعروف بسبع الدجيل ، وقبره عامر في مدينة (بلد) القريبة من سامراء .

: لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم ، وكثرة الحج والمعروف ، وطَنطنتهم بالليل ، انظروا إلى صدق الحديث ، وأداء الأمانة (1) .

15. الشيخ الصدوق : حدثنا أبو محمد جعفر بن نعيم الشاذاني رضي الله عنه قال : أخبرنا أحمد بن إدريس قال : حدثنا إبراهيم بن هاشم ، عن إبراهيم بن محمد الهمداني قال : سمعت الرضا عليه السلام يقول : من أحب عاصياً فهو عاصٍ ، ومن أحب مطيعاً فهو مطيع ، ومن أعان ظالماً فهو ظالم ، ومن خذل عادلاً فهو ظالم ، إنه ليس بين الله وبين أحد قرابة ، ولا ينال أحد ولاية الله إلا بالطاعة ، ولقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لبني عبد المطلب : ائتوني بأعمالكم ، لا بأحسابكم وأنسابكم ، قال الله تعالى : (فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ) (2) .

16. الشيخ المفيد : عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن محمد بن الحسن الصفار والحسن بن متيل ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن إبراهيم بن محمد الهمداني ، عن السلمي (3) ، عن داود الرقي قال : سألني بعض الخوارج عن قول الله تبارك وتعالى : (من الضأن اثنين ومن المعز اثنين : إلى قوله - ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين) ، الآية ، ما الذي أحلَّ الله من ذلك ، وما الذي حرم الله ؟ قال : فلم يكن عندي في ذلك جواب فحججت فدخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) ، فقلت : جعلت فداك إن رجلاً من الخوارج سألني كذا وكذا ، فقال : إن الله عز وجل أحل في الأضحية بمنى الضأن والمعز الأهلية ، وحرم

ص: 77


1- أمالي الصدوق 379 ، عيون أخبار الرضا 1\55 ، وسائل الشيعة 19\69 .
2- عيون أخبار الرضا 1\260 ، وسائل الشيعة 16\185 ، بحار الأنوار 7\241 ، والآية من سورة المؤمنون 101-103 .
3- الملقبون بالسلمي مجموعة من الرواة ، منهم : (محمد بن حسان السلمي ، أبو عمرة (عروة) السلمي ، طلحة السلمي ، الربيع بن محمد السلمي ، يحيى بن إبراهيم بن أبي البلاد السلمي) ولم نستطع تحديد المراد منهم في هذا السند .

فيها الجبلية ، وذلك قوله عز وجل : (مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ) (1) ، وإن الله عز وجل أحل في الأضحية بمنى الإبل العراب وحرم فيها البُخاتي (2) ، وأحل فيها البقر الأهلية وحرم فيها الجبلية ، وذلك قوله تعالى : (وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ) (3) . قال {داود} : فانصرفتُ إلى صاحبي فأخبرتُه بهذا الجواب ، فقال : هذا شئ حملتْه الإبل من الحجاز (4) .

روايات تاريخية

17. السيد علي بن طاووس : عن كتاب المسائل وأجوبتها من الأئمة (عليهم السلام) ، فيما سئل عن مولانا علي بن محمد الهادي (عليهما السلام) ما هذا لفظه : أبو الحسن إبراهيم بن محمد الهمداني ، قال : كتبتُ إليه : إن رأيت أن تخبرني عن بيت أمك فاطمة (عليها السلام) ، أهي في طِيبة (5) أو كما يقول الناس في البقيع ؟ فكتب : هي مع جدي (صلوات الله عليه) (6) .

18. الشيخ الصدوق : عن الحسن بن علي بن شقير ، عن يعقوب بن الحارث ، عن إبراهيم الهمداني ، عن جعفر بن محمد بن يونس ، عن علي بن بزرج ، عن عمرو بن

ص: 78


1- الأنعام : 143 .
2- البُخت والبُختية : دخيل في العربية ، أعجمي معرب ، وهي الإبل الخراسانية ، الواحد : بُختي ، وناقة بُختية ، البُختية : الأنثى من الجمال البُخت ، وهي جمال طوال الأعناق ، ويجمع على بُخُت وبُخات ، وقيل : الجمع بُخاتي - لسان العرب 2\9 ، والإبل العراب ، والخيل العراب ، خلاف البخاتي والبراذين . وأعرب الرجل : ملك خيلاً عراباً ، أو إبلاً عراباً ، أو اكتسبها ، فهو معرب ، وفرقوا بين الخيل والناس ، فقالوا في الناس : عرب وأعراب ، وفي الخيل : عراب – لسان العرب 1\590 .
3- الأنعام : 144 .
4- الاختصاص 54 ، مستدرك الوسائل 10\85 ، بحار الأنوار 10\215 .
5- قال الطريحي في مجمع البحرين 3\81 : «وفي الخبر : (إنه أمر أن تسمى المدينة طيبة وطابة) وهما من الطيب أعني الرائحة الطيبة بعد أن كانت تسمى في الجاهلية بيثرب ، فنهى أن تطمى بذلك وقيل من الطيب الطاهر بخلوصها من الشرك وتطهيرها منه» .
6- مستدرك الوسائل 10\210 ، إقبال الأعمال 3\161 .

اليسع ، عن عبد الله بن اليسع ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر بغسل سعد بن معاذ حين مات ، ثم تبعه بلا حذاء ولا رداء ، فسئل عن ذلك ، فقال : إن الملائكة كانت بلا حذاء ولا رداء فتأسيتُ بها (1) .

2- أيوب بن نوح النخعي (ت بعد 254 ﻫ)

اشارة

هو أبوب بن نوح بن دَرّاج بن عبد الله ، أبو الحسين ، الكوفي ، النخعي بالولاء ، أحد رجالات الشيعة المخلصين ، ومن كبار فقهائهم ورواة حديثهم ، له مكانة كبيرة عند الأئمة عليهم السلام ، ذكره الطوسي في أصحاب الإمام الرضا والجواد والهادي عليهم السلام (2) ، ولكن ثمة رواية ذكرها ابن طاووس توثق إدراكه للإمام الكاظم عليه السلام ومكاتبته (3) ، كان وكيلاً لأبي الحسن الهادي عليه السلام في الكوفة ، وأدرك الإمام العسكري عليه السلام وتوكله له أيضاً (4) ، أنجز عملاً جيداً في مشروع الوكالة ، وله دور مهم في حركة الحديث الشيعية ، ويكفيه فخراً أن الإمام الهادي عليه السلام شهد له بأنه من أهل الجنة كما سيأتي .

ص: 79


1- بحار الأنوار 78\269 .
2- رجال الطوسي 352 ، 373 ، 383 .
3- فرحة الغري 129 .
4- رجال النجاشي 102 .

نشأ أيوب بن نوح في بيئة علمية عقائدية تهتم بالعلم ورواية الحديث ، وهو من أسرة "نَبَطية" (1) فقيرة ، فقد كان جده (دراج) بقالاً في الكوفة (2) ، وقيل كان حائكاً (3) ، ولمعرفة مدى تأثير هذه البيئة في صقل شخصيته العلمية والفكرية ، لا بأس أن نسلط الضوء على شخصيتين مؤثرتين في حياته ، هما أبوه (نوح بن دراج) وعمه (جميل بن دراج) .

أما أبوه (نوح بن دراج النخعي) ، فقد قال عنه النجاشي «كان قاضياً بالكوفة ، وكان صحيح الاعتقاد» (4) ، وقال في موضع آخر : «نوح بن دراج القاضي ، كان من أصحابنا ، وكان يخفي أمره» (5) ، أي يخفي عقيدته لاختلاطه بالعامة ، وكان يروي الحديث أيضاً ، ويبدو أن عوامل الفقر والحاجة ألجأت نوحاً إلى الدخول في أعمال السلطان (6) ، فتولى القضاء لحكام بني العباس ، وصار من كبار القضاة في بغداد ، إلا أنه ظل محافظاً على عقيدته ولم يصدر منه أي موقف بخلاف ذلك ، وكان عمله في القضاء على مرأى ومسمع من الإمام دون أن يصدر منه إنكار له أو طعن فيه ، بل إن حسن تربيته لولده (أيوب) على منهج الأئمة عليهم السلام دليل على استقامته وحسن عاقبته ، وقد سجل لنا التاريخ مواقف مشرفة كثيرة للقاضي الشيعي نوح بن دراج ، ومنها قضاؤه بحكم علي أمير المؤمنين عليه السلام في زمن المهدي العباسي وزمن هارون الرشيد ، فقد روى السيد ابن طاووس في الملاحم ، قال : مات مولى للمهدي وخلف

ص: 80


1- " النَّبَط " قوم ينزلون البطائح بين العراقَين ، والجمع أنباط كسبب وأسباب ، والنبطية منسوبة إليهم ، وفي المصباح : " النبط " جيل من الناس كانوا ينزلون سواد العراق ، ثم استعمل في أخلاط الناس وعوامهم . وفي المجمع النبط بفتحتين والنبط بفتح فكسر تحتية : قوم من العرب دخلوا في العجم والروم واختلفت أنسابهم وفسدت ألسنتهم ، وذلك لمعرفتهم بأنباط الماء ، أي استخراجه لكثرة فلاحتهم – مجمع البحرين 4\263 .
2- اختيار معرفة الرجال 2\521 ، تهذيب التهذيب 10430 .
3- تهذيب الكمال 30\47 .
4- رجال النجاشي 102 .
5- المصدر نفسه 126 .
6- روى الكشي في رجاله : «قال محمد بن مسعود : سألت أبا جعفر حمدان بن أحمد الكوفي ، عن نوح بن دراج ؟ فقال : كان من الشيعة وكان قاضي الكوفة ، فقيل له : لم دخلت في أعمالهم فقال : لم أدخل في أعمال هؤلاء حتى سألت أخي جميلاً يوماً ، فقلت له : لم لا تحضر المسجد ؟ فقال : ليس لي ازار» - اختيار معرفة الرجال 2\521.

ضياعاً كثيرة وأثاثاً ومتاعاً ولم يدع إلا ابنة واحدة ، فأمر المهدي نوح بن دراج القاضي أن ينظر في أمر الميراث ليحرز له النصف ، فقضى نوح أن المال كله للابنة ، وسلمه إليها ، فبلغ ذلك المهدي فغضب ودعا نوحاً ، وقال له : ما حملك على ما صنعت ؟ فقال له : قضيت بقضاء علي بن أبي طالب ، فإنه قضى للابنة بالمال كله ، فقيل له في ذلك ، فقال : «أعطيتها النصف بفريضة الله ، وأعطيتها الآخر بقول الله تعالى : ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ (1) ، فقال له المهدي : لتأتيني من يعلم ذلك أو لأفعلن ! ، فقال : يا أمير المؤمنين سل الفقهاء والقضاة عن هذا ، فإن كنت كاذباً فافعل ما شئت ، فكتب المهدي إلى شريك وابن أبي ليلى وجماعة من فقهاء الكوفة ممن يتولى القضاء وغيرهم ، فاحضروا ببغداد ، فسألهم عما قال نوح ، فصدقوه ، ورووا ذلك له عن علي بن أبي طالب بأسانيد كثيرة ، فقال لنوح : قد أجزت حكمك في هذه المرة ، فإن عدت قتلتك (2) ! ، وفي موقف آخر سأل هارون العباسي مجموعة من قضاته عن سبب مخالفة أيوب بن نوح لهم وحكمه بقضاء أمير المؤمنين عليه السلام قال : جسُر نوح وجبُنّا (3) !! ذكروا أن وفاته كانت سنة 182 ه (4) ، وبسبب تشيعه ضعفه العامة وطعنوا في حديثه ، فإنه روى في فضائل أهل البيت عليهم وسيرتهم ، فتركه أهل الحديث من العامة ، وحكموا بضعفه (5) ، ومن ومن دلائل إيمانه وصحة عقيدته أنه كان يدعو الناس إلى التشيع ، ونجح في استقطاب بعض وجوه العامة وعلمائها ، فقد أورد النجاشي بسنده عن محمد بن سكين (6) قال : «نوح بن دراج دعاني إلى هذا الأمر» (7) .

ص: 81


1- الأنفال : 75 .
2- الملاحم والفتن 358 .
3- عيون اخبار الرضا 2\80 ، الاحتجاج 4\163 .
4- التاريخ الصغير 2\208 .
5- راجع رواياته ذات الصبغة الشيعية في مستدرك الحاكم 3\144 ، 3\171 على سبيل المثال ، وما تضعيف العامة له إلا لروايته مثل هذه النصوص .
6- قال النجاشي في ترجمته : «محمد بن سكين بن عمار النخعي الجمال ، ثقة ، روى أبوه عن أبي عبد الله عليه السلام» – رجال النجاشي 361 .
7- رجال النجاشي 102 .

أما عم أيوب فهو الثقة الجليل (جميل بن دراج) ، من أصحاب الإجماع الذين أجمعت العصابة على تصديقهم وتوثيقهم ، وهم : (جميل بن دراج . وعبد الله بن مسكان ، وعبد الله بن بكير ، وحماد بن عيسى ، وحماد ابن عثمان ، وأبان بن عثمان) (1) ، وقد قيل إن أفقه هؤلاء (جميل بن دراج) (2) ، وصفه النجاشي بأنه «شيخنا ووجه الطائفة ، ثقة» (3)، وكان من رواة الحديث وأهل العلم ، معروفاً بالزهد والورع ، مشهوراً بالعبادة وحسن السمت ، فقد روى الكشي عن الفضل بن شاذان ، قال : دخلت على محمد بن أبي عمير ، وهو ساجد فأطال السجود ، فلما رفع رأسه وذكر له طول سجوده ، قال : كيف ولو رأيت جميل بن دراج ؟ (4)، مات جميل في زمن الإمام الرضا عليه السلام (5) .

أولاده

خلف أيوب جملة من الأولاد الفقهاء الأتقياء ، من أشهرهم (الحسن ، ومحمد ، والقاسم) ، وقد ولد (محمد) ببركة دعاء الإمام الهادي عليه السلام ، فمن المكاتبات الجميلة بين أيوب والإمام الهادي عليه السلام ما ذكره الأربلي عن أيوب بن نوح قال : «كتبت إلى أبي الحسن أن لي حَملاً فادع الله أن يرزقني ابناً ، فكتب إلي : إذا ولد لك فسمه محمداً» (6) ، وقد أصبح محمد بن أيوب بن نوح من الرواة والمحدثين ، ومن أصحاب الإمام العسكري عليه السلام ، وتشرف برؤية الإمام صاحب الزمان عليه السلام (7) ؛ ومن أولاده أيضاً (الحسن بن أيوب بن نوح) ويعد في الرواة وممن تشرف برؤية الإمام المهدي عليه السلام في زمان أبيه الحسن العسكري عليه السلام ، وكان أحد

ص: 82


1- مناقب ابن شهرآشوب 3\400 .
2- اختيار معرفة الرجال 2\673 .
3- رجال النجاشي 126 .
4- اختيار معرفة الرجال 2\471 .
5- رجال النجاشي 126 ، وذكر النجاشي أن جميل عمي آخر عمره ، والصحيح أن ذلك لنوح أخيه .
6- كشف الغمة 3\178 ، البحار 50\177 .
7- كمال الدين 435 .

الشهود الأربعين على ولادة الإمام المهدي ووكالة عثمان بن سعيد كأول السفراء في الغيبة الصغرى (1) ، وذكر ابن حجر في لسان الميزان من أحفاده (جعفر بن أحمد بن أيوب بن نوح بن دراج) (2) ، ولعله مصحف عن (جعفر بن محمد بن أيوب بن نوح بن دراج) ، فإن لمحمد بن أيوب ولداً يسمى جعفر ، ولجعفر ولد يسمى محمد ، وهو من الرواة المصنفين ، وله كتاب يروي عنه ابن عقدة ، وقد أورد السيد ابن طاووس طرفاً من مروياته (3) ؛ ومن اولاده القاسم بن ايوب (4) ، وكان أولاده وأحفاده من الرواة أيضاً ومنهم (جعفر بن أحمد بن القاسم بن أيوب بن نوح) (5) .

وكالته ودوره مع الإمام الهادي عليه السلام

يعد أبوب بن نوح من الوكلاء الذين أجمع الشيعة على وكالتهم وثقتهم وجلالتهم ، نص على وكالته النجاشي في رجاله إذ قال : «كان وكيلاً لأبي الحسن وأبي محمد عليهما السلام» (6) ، وروى الكشي والشيخ الصدوق والشيخ الطوسي نصوصاً عديدة في وكالته ، وما خرج على يديه من توقيعات لإدارة الحالة الشيعية .

ويظهر من خلال النصوص المنقولة أن أيوب بن نوح كان من أوائل وكلاء الإمام الهادي عليه السلام ، وكان الإمام الهادي يأمره بقضاء بعض الأمور منذ أن كان في المدينة المنورة ، أي قبل عام 234 ھ ، وهذا يعزز ما ذكره ابن حجر من أنه كان وكيلاً لأبي الحسن الرضا وابنه الجواد عليهما السلام (7) ، فيكون بذلك قد توكل لأربعة من أئمة

ص: 83


1- غيبة الطوسي 357 .
2- لسان الميزان 2\107 .
3- اليقين 363 .
4- مستدركات علم رجال الحديث 6\237 .
5- المصدر نفسه 2\141 .
6- النجاشي 102 ، أي : الإمام الهادي والعسكري عليهما السلام ، ولا يوجد من النصوص ما يشير إلى بقائه إلى زمن العسكري عليه السلام إلا قول النجاشي هذا .
7- لسان الميزان 1\490 .

أهل البيت عليهم السلام ، وهذا نادر الحدوث ، ويدل على كونه من أصحاب السبق ، ومن القدماء في التشيع والمخضرمين في معرفة هذا الأمر .

وقد أدى أيوب النخعي دوراً مهماً في التصدي للحركة الانحرافية التي قادها فارس بن حاتم القزويني ، إذ كان من الوكلاء الذين كتب لهم الإمام الهادي عليه السلام وأمرهم بإبعاد الشيعة عن فارس بن حاتم ، وتحذيرهم من فتنته وضلالاته وخيانته ، وفي ذلك روى الكشي في رجاله بإسناده عن سعد {بن عبد الله الأشعري} قال : وحدثني محمد بن عيسى بن عبيد ، أنه كتب إلى أيوب بن نوح يسأله عما خرج إليه في الملعون فارس بن حاتم ، في جواب كتاب الجبلي (1) علي بن عبيد الله الدينوري ؟ فكتب إليه أيوب : سألتني أن أكتب إليك بخبر ما كتب به إلي في أمر القزويني فارس ، وقد نسختُ لك في كتابي هذا أمره ، وكان سبب {ذلك} خيانته ، ثم صرفته إلى أخيه (2) ، فلما كان في سنتنا هذه أتاني ، وسألني وطلب إليّ في حاجة وفي الكتاب إلى أبي الحسن أعزه الله ، فدفعت ذلك عن نفسي ، فلم يزل يلح علي في ذلك حتى قبلت ذلك منه ، وأنفذت الكتاب ومضيت إلى الحج ، ثم قدمت فلم يأت جوابات الكتب التي أنفذتها قبل خروجي ، فوجهت رسولاً في ذلك فكتب إليّ ما قد كتبتُ به إليك ، ولولا ذلك لم أكن أنا ممن يتعرض لذلك حتى كتب به إلي : «كتب إليّ الجبلي يذكر أنه وجه بأشياء على يدي فارس الخائن لعنه الله متقدمة ومتجددة ، لها قدر ، فأعلمناه أنه لم يصل إلينا أصلاً ، وأمرناه أن لا يوصل إلى الملعون شيئاً أبداً ، وأن يصرف حوائجه إليك . ووجه بتوقيع من فارس بخطه له بالوصول ، لعنه الله وضاعف عليه العذاب ، فما أعظم ما اجترى على الله عز وجل وعلينا في الكذب علينا واختيان أموال موالينا وكفى به معاقباً ومنتقماً ، فاشهر فعل فارس في أصحابنا الجبليين وغيرهم من موالينا ولا تتجاوز بذلك إلى غيرهم من المخالفين

ص: 84


1- نسبة إلى الجَبَل ، وهي المناطق الجبلية قرب همذان وخراسان ، ولعل المقصود هنا مدينة (دينور) قرب همدان بقرينة نسبة الرجل إليها .
2- لعل الصواب : (ثم سرقته مال أخيه) .

، كيما تحذر ناحية فارس لعنه الله ويتجنبوه ويحترسوا منه ، كفى الله مؤونته ، ونحن نسأل الله السلامة في الدين والدنيا ، وأن يمتعنا بها ، والسلام» (1) .

وفي هذا النص فوائد تاريخية مهمة ، منها :

1. إن فارس كان يدعي الوكالة زوراً وبهتاناً ، متخذاً منها طريقاً لاختلاس أموال ضخمة من الشيعة .

2. إن الإمام الهادي عليه السلام أمر وكيله أيوب بن نواح بفضح فارس وتحذير الشيعة في مناطق الجبل في شمال إيران ، وهذا مؤشر على اتساع رقعة المسؤولية التي يتمتع بها أيوب النخعي بحكم شخصيته المتقدمة في القواعد الشيعية .

3. إن الإمام عليه السلام نهى أن يصل شيء من بدع فارس وانحرافاته إلى أهل العامة (المخالفين) الذين كان لهم حضور كبير في المدن الإيرانية آنذاك ، ربما لوجود علاقات مشبوهة بين فارس وبين هؤلاء المخالفين ، أو منعاً لاتخاذهم ذلك باباً للطعن بالشيعة والتشهير بهم ، ويبدو أن توجيهات الإمام عليه السلام قد تم تنفيذها بدقة عالية ، فلا نجد اليوم أي ذكر لحركة فارس أو فرقته الضالة في كتب السيرة والتاريخ عند العامة .

وقد أورد الكشي في رجاله توقيعاً أخر خرج لأيوب بن نوح ، وتتضح من خلاله منهجية الإمام الهادي عليه السلام في إدارة وتنظيم جهاز الوكلاء الممتد على مناطق واسعة من البلاد الإسلامية ، فقد أرسل الكشي هذا التوقيع قائلاً : «وفي كتاب آخر : وأنا آمرك يا أيوب بن نوح أن تقطع الإكثار بينك وبين أبي علي ، وأن يلزم كل واحد منكما ما وُكل به وأُمر بالقيام فيه بأمر ناحيته ، فإنكم إذا انتهيتم إلى كل ما أمرتم به استغنيتم بذلك عن معاودتي ، وآمرك يا أبا علي بمثل ما آمرك يا أيوب أن لا تقبل من أحد من أهل بغداد والمدائن شيئاً يحملونه ، ولا تلي لهم استيذاناً علي ، ومُرْ من أتاك بشئ من غير أهل ناحيتك أن يصيّره إلى الموكل بناحيته . وآمرك يا أبا علي في ذلك بمثل ما أمرت به أيوب ، وليقبل كل واحد منكما قبل ما أمرتُه به» (2) .

ص: 85


1- اختيار معرفة الرجال 2\808 .
2- اختيار معرفة الرجال 2\800 .

ففي هذا التوقيع الشريف يظهر الإمام الهادي عليه السلام وهو ينظم العمل الميداني لجهاز الوكلاء ؛ فيأمر أيوب بن نوح وأبا علي (وهو الحسن بن راشد) أن يقطعا كثرة التردد بينهما ، وأن يختص كل منهما بوكالة المدينة التي تم تكليفه للقيام بأمرها وجمع الحقوق منها ، وأن لا يقبل أحد منها شيئاً من الحقوق والأموال أو ينقل الاستفتاءات من مدينتي بغداد والمدائن (ربما لوجود وكلاء ثقات في هاتين المدينتين ، أو لأسباب أمنية) ، وأنهما إذا التزما هذه الأوامر والتعليمات فسيستغنيان عن كثرة التردد إلى مدينة سامراء والاتصال بالإمام الهادي عليه السلام .

ويبدو من هذه المنهجية التنظيمية أن الإمام قسم النواحي الشيعية إلى خلايا مستقلة لتسهيل عملية الإدارة ، ومنع اختلاط الصلاحيات ، وضمان السرية والاحتياط الأمني لعمل الوكلاء ، وتقليل تردد الوكلاء على الإمام عليه السلام حتى لا يثيروا الشبهات لدى الأجهزة الأمنية للسلطة العباسية ، إلا أن هذا لا يمنع ما قدمناه من وجود "وكلاء إقليميين" يتمتعون بصلاحيات واسعة ويمكن أن يرجع إليهم بعض "الوكلاء المحليين" في تراتبية هرمية دقيقة ومفيدة أيضاً في سرعة العمل وجودة التنظيم .

ومن المكاتبات التي تُصور جانباً آخر من الإدارة التنظيمية لجهاز الوكلاء ما رواه أيوب بن نوح أن الإمام الهادي عليه السلام طلب منه عدم إرسال زكاة الفطرة إليه وأمره بتوزيعها في منطقته خوفاً من عيون السلطة وجواسيسها ، فقد أورد الشيخ الكليني بسند قوي عن أيوب بن نوح قال : كتبتُ إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) أن قوماً سألوني عن الفطرة ويسألوني أن يحملوا قيمتها إليك ، وقد بعث إليك هذا الرجل عام أول وسألني أن أسألك فنسيت ذلك ، وقد بعثت إليك العام عن كل رأس من عيالي بدرهم على قيمة تسعة أرطال بدرهم فرأيك جعلني الله فداك في ذلك ؟ فكتب (عليه السلام) : «الفطرة قد كثر السؤال عنها وأنا أكره كل ما أدى إلى الشهرة ، فاقطعوا ذكر ذلك ، واقبض ممن دفع لها ، وأمسك عمن لم يدفع» (1) .

ص: 86


1- الكافي 4\174 .

وكان أيوب بن نوح يقبض الأموال التي تقع في باب الصلات والأوقاف والأخماس ، ويرسلها إلى الإمام الهادي أو العسكري عليهما السلام ، ويكون هو حلقة الوصل في نقل الأجوبة أو وصول القبض ، ومن أمثلة ذلك ما رواه الشيخ الطوسي عن علي بن الحسن بن فضال ، قال : مات محمد بن عبد الله بن زرارة فأوصى إلى أخي أحمد بن الحسن {بن فضال} وخلف داراً ، وكان أوصى في جميع تركته أن تباع ويحمل ثمنها إلى أبي الحسن عليه السلام ، فباعها {أخي} فاعترض فيها ابن أخت لمحمد بن عبد الله وابن عم له فأصلحنا أمرهما بثلاثة دنانير ، وكتب أخي إلى أبي الحسن عليه السلام ودفع الشئ بحضرتي إلى أيوب بن نوح وأخبره أنه جميع ما خلّف ، وابن عم له ، وابن أخته ، عرض فأصلحنا أمره بثلاثة دنانير ، فكتب (عليه السلام): «قد وصل ذلك» وترحم على الميت ، وقرأت الجواب (1) .

وقد ذكر الأربلي وثيقة مهمة يشكو فيها أيوب بن نوح المضايقات والأذى الذي كان يتعرض له من قبل جعفر بن عبد الواحد ، قاضي القضاة في زمن المتوكل ، يقول أيوب بن نوح : «كتبت إلى أبي الحسن : قد تعرض لي جعفر بن عبد الواحد القاضي ، وكان يؤذيني بالكوفة ، أشكو إليه ما ينالني منه من الأذى ، فكتب إلي : تُكفى أمره إلى شهرين ، فعزل عن الكوفة في شهرين واسترحت منه» (2) ، وجعفر هذا هو (جعفر بن عبد الواحد بن جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس بن المطلب) ، هاشمي عباسي ، كان ضعيفاً في الحديث عند العامة ، مطعوناً في روايته ، متهماً بالوضع ، فقد كان يضع الأحاديث للمتوكل ، لذلك جعله المتوكل قاضي القضاة وولاه صلاحيات واسعة ، إلا أنه ما لبث أن عزله سنة 249 ھ ، ونفاه إلى البصرة سنة 250 ھ (3) .

وثاقته ومكانته في علم الحديث

ص: 87


1- الاستبصار 4\123 ، التهذيب 9\195 .
2- كشف الغمة 3\178 ، البحار 50\177 .
3- تاريخ الإسلام 18\27 .

بعد أيوب بن نوح من المخضرمين في رواية الحديث ودرايته ، فقد أخذ عن ثلاثة من أئمة أهل البيت عليهم السلام ، ونشأ وترعرع في الكوفة (عاصمة الحديث الشيعي) في بيت اشتهر بالورع والفقه ورواية الحديث ، وكان ناقداً ، عارفاً بالرجال ، بصيراً بأحوالهم ، مقدّماً كلامه وقوله في الجرح والتعديل ، فمن ذلك ما رواه الكشي عن حمدويه قال : سألت أبا الحسن أيوب بن نوح عن سليمان بن خالد النخعي أثقة هو ؟ فقال : كما يكون الثقة (1) .

ومن ذلك ما رواه الكشي أيضاً عن حمدويه بن نصير ، أن أيوب بن نوح ، دفع إليه دفتراً فيه أحاديث محمد بن سنان ، فقال لنا : إن شئتم أن تكتبوا ذلك فافعلوا ، فإني كتبت عن محمد ابن سنان ولكن لا أروي لك أنا عنه شيئاً ، فإنه قال قبل موته : كلما حدثتكم به لم يكن لي سماع ولا رواية إنما وجدته (2) .

وكان أيوب بن نوح من الفقهاء الذين يرجع إليهم الشيعة في أخذ الفتوى وفق ما عندهم من روايات أهل البيت عليهم السلام ، ومن ذلك ما رواه الشيخ الكليني : الحسين بن محمد قال : حدثني حمدان القلانسي قال : قال لي عمر بن شهاب العبدي (3) : من أين زعم أصحابك أن من طلق ثلاثاً لم يقع الطلاق ؟ فقلت له : زعموا أن الطلاق للكتاب والسنة فمن خالفهما رد إليهما ، قال : فما تقول فيمن طلق على الكتاب والسنة فخرجت امرأته أو أخرجها فاعتدت في غير بيتها تجوز عليها العدة أو يردها إلى بيته حتى تعتد عدة

ص: 88


1- اختيار معرفة الرجال 2\645 .
2- اختيار معرفة الرجال 2\645 ، بحار الأنوار 46\272 ، توهم البعض ففهم من الرواية الجرح والطعن على محمد بن سنان ، والحق عكس ذلك ، فإن أيوب بن نوح روى عن محمد بن سنان في مواضع عديدة ، وقوله : (إن شئتم أن تكتبوا ذلك فافعلوا ، فاني كتبت عن محمد بن سنان) دليل واضح على حجية رواية محمد بن سنان ، أما ما ورد في ذيل الرواية من قوله : (ولكن لا أروي لك أنا عنه شيئاً ، فإنه قال قبل موته : كلما حدثتكم به لم يكن لي سماع ولا رواية إنما وجدته) فإنه خلاف الوجدان لما ورد عن محمد بن سنان من التقائه بالأئمة عليهم السلام وسماعه منهم ومن الرواة وتحمله الرواية عن مشايخه ، فلعل المقصود منها بعض مروياته التي حدث بها في زمان معين أو مكان معين ، وللتفصيل راجع : خاتمة المستدرك للمحدث النوري 4\84 وما بعدها .
3- لم أجد ترجمته ، إلا أنه روى عن جندل بن والق الكوفي المتوفى سنة 226 – تاريخ بغداد 13\343 .

أخرى فإن الله عز وجل قال : ﴿لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ﴾ (1) ؟ قال : فأجبته بجواب لم يكن عندي جواباً ومضيت فلقيت أيوب بن نوح فسألته عن ذلك فأخبرته بقول عمر ، فقال : ليس نحن أصحاب قياس إنما نقول بالآثار .. (2) .

ومن الأمثلة على رجوع كبار الفقهاء إليه في الفتيا ما رواه ابن قولويه قال : حدثني أبي رحمه الله ، عن سعد بن عبد الله ، قال : سألت أيوب بن نوح عن تقصير الصلاة في هذه المشاهد الأربعة : مكة والمدينة والكوفة وقبر الحسين (عليه السلام) ، والذي روي فيها ، فقال : أنا أقصر ، وكان صفوان يقصر ، وابن أبي عمير وجميع أصحابنا يقصرون (3) .

خلف أيوب بن نوح النخعي جملة من المصنفات التي ذكرها أصحاب الفهارس ، ورواها عنه أجلاء الطائفة وثقاتها ، فقد أورد الشيخ الطوسي بعضاً منها في ترجمته قائلاً : «أيوب بن نوح بن دراج ، ثقة ، له كتاب وروايات ومسائل عن أبي الحسن الثالث عليه السلام ، أخبرنا بها عدة من أصحابنا ، عن محمد بن علي بن الحسين بن بابويه ، عن أبيه ومحمد بن الحسن ، عن سعد بن عبد الله والحميري ، عنه» (4) ، وقال النجاشي :

ص: 89


1- الطلاق : 1 .
2- الكافي 6\92 ، وفي العبارة الأخيرة إشارة جميلة ومهمة جداً عن منهجية هؤلاء الوكلاء الأجلاء الذين كانوا ملجأ الشيعة ومعتمدي الأئمة عليهم السلام ، فهم أهل الرواية والحديث وأصحاب الآثار والسنن ، وليس لهم علاقة بالقياس والرأي والاستحسان والاجتهاد الذي عرفته مدارس المخالفين وتسرب إلى بعض الأدبيات الشيعية، ولاسيما في زمان الشيخ المفيد، وترسخ بشكل فاعل في زمن العلامة الحلي .
3- كامل الزيارات 429 ، والمقصود جواز التقصير ، أو وجوب التقصير مع عدم نية الإقامة لعشرة أيام ، كما هو مختار شيخنا الصدوق رضوان الله عليه ، قال المحدث البحراني (طاب ثراه) في الحدائق 11\441 : «وأجاب شيخنا المجلسي (عطر الله مرقده) في كتاب البحار عن خبر أيوب ابن نوح المذكور بأنه لا ينافي التخيير فإنهم اختاروا هذا الفرد . وعندي في هذا الجواب نظر لأنه وإن سلم أنه لا ينافي التخيير كما ذكره لكنه ينافي أفضلية الاتمام التي دلت عليها أخبار التمام ورغبت فيها وحثت عليها وصرحت بأنه من المذخور والمخزون في علم الله سبحانه ، ومن البعيد كل البعيد أن يرغب عنه هؤلاء الأفاضل مع ثبوت هذه الفضيلة بل جميع أصحابنا كما نقله أيوب بن نوح . والذي يظهر لي أن هذا الخبر ونحوه من الأخبار الآتية الدالة على التقصير في هذه الأماكن إنما خرجت ناصة على تحتم التقصير وتعينه مع عدم نية الإقامة وأنه لا يسوغ الاتمام إلا بنية الإقامة» .
4- الفهرست 56 .

«له كتاب نوادر ، أخبرنا محمد بن محمد عن الحسن بن حمزة قال : حدثنا محمد بن جعفر بن بطة قال : حدثنا محمد بن علي بن محبوب وأحمد بن محمد بن خالد عن أيوب» (1) .

إن النصوص الواردة في حق أيوب بن نوح لا تثبت وثاقته فحسب وإنما جلالة قدره عند الأئمة وعند رواة الحديث من الشيعة ، كما تثبت ما امتاز به من صفات الورع وحسن العبادة والأمانة والإخلاص والنقاء ، ومن تلكم النصوص ما يأتي :

1. الإمام الهادي عليه السلام (ت 254 ھ) : من النصوص الصريحة في توثيقه ما ذكرناه في ترجمة إبراهيم بن محمد الهمداني عن الكشي بسنده عن أبي محمد الرازي ، قال : كنت أنا وأحمد بن أبي عبد الله البرقي بالعسكر فورد علينا رسول من الرجل فقال لنا : «الغائب العليل ثقة ، وأيوب بن نوح ، وإبراهيم بن محمد الهمداني ، وأحمد بن حمزة ، وأحمد ابن إسحاق ثقات جميعاً» (2) .

ومن إمارات وثاقته أن كان وكيلاً للإمام الهادي عليه السلام ، وموضع اعتماده ، ومحط رعايته ، وقد دعا له بالخير والرزق في مواضع مختلفة ، وكان يحرص على تعليمه علوم آل محمد ، فيجيبه إذا سأل ، ويبتدئه إذا أمسك ، ومن ذلك ما رواه العياشي بسنده عن علي بن عبد الله بن مروان ، عن أيوب بن نوح النخعي، قال : قال لي أبو الحسن العسكري عليه السلام وأنا واقف بين يديه بالمدينة ابتداءً من غير مسألة : «يا أيوب انه ما نبأ الله من نبي إلا بعد أن يأخذ عليه ثلث خصال : شهادة أن لا إله إلا الله ، وخلع الأنداد من دون الله ، وان لله المشية يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء ، أما انه إذا جرى الاختلاف بينهم لم يزل الاختلاف بينهم إلى أن يقوم صاحب هذا الأمر» (3) .

ويكفي أن الإمام أبا الحسن الهادي سلام الله عليه شهد له بأنه من أهل الجنة ، وحسبك بها منقبة يتمناها كل مؤمن ، أورد ذلك الشيخ الطوسي في رجاله عن عمرو بن

ص: 90


1- رجال النجاشي ص102 .
2- اختيار معرفة الرجال 2\831 .
3- تفسير العياشي 2\215 .

سعيد المدائني (1) قال : كنت عند أبي الحسن العسكري عليه السلام بصُريا (2) إذ دخل أيوب بن نوح ووقف قدامه فأمره بشئ ، ثم انصرف ، والتفتَ إليّ أبو الحسن عليه السلام وقال : «يا عمرو ، إن أحببتَ أن تنظر إلى رجل من أهل الجنة فانظر إلى هذا» (3) .

2. النجاشي : وثقه بأقوى عبارات المدح والتوثيق قائلاً : «كان وكيلاً لأبي الحسن وأبي محمد عليهما السلام ، عظيم المنزلة عندهما ، مأموناً ، وكان شديد الورع ، كثير العبادة ، ثقة في رواياته» (4) .

3. محمد بن أحمد النهدي الكوفي (5) : ذكر الكشي عن محمد {بن مسعود} قال : حدثني محمد بن أحمد النهدي ، كوفي وهو حمدان القلانسي ، وذكر أيوب بن نوح وقال : «كان في الصالحين ، وكان حين مات ولم يخلف إلا مقدار مائة وخمسين ديناراً ، وكان عند الناس أن عنده مالاً لأنه كان وكيلاً لهم ، وكان يقع في يونس رحمه الله في ما يذكر

ص: 91


1- ثقة روى عن الإمام الرضا عليه السلام – رجال النجاشي 287 .
2- صُريا : هي قرية أسسها موسى بن جعفر عليه السلام على ثلاثة أميال من المدينة . مناقب آل أبي طالب 4\489 .
3- غيبة الطوسي 349 .
4- رجال النجاشي 102 ، ليس غريباً على أيوب بن نوح بن دراج أن يشتهر بكثرة العبادة ، فهذا عمه (جميل بن دراج) كان معروفاً بكثرة العبادة وطول السجود ، حتى أن محمد بن أبي عمير كان يضرب به المثل بالعبادة – اختيار معرفة الرجال 2\471 .
5- أورد الكشي عن شيخه محمد بن مسعود العياشي (وأما محمد بن أحمد النهدي : وهو حمدان القلانسي ، كوفي ، فقيه ، ثقة ، خير) .

عنه» (1) ، وأورد النجاشي عن الكشي عن حمدان النقاش قوله : «كان أيوب من عباد الله الصالحين» (2) .

4. أبو عمرو الكشي : ذكره في جملة «العدول والثقات من أهل العلم» (3) .

5. الشيخ الطوسي : وثقه في أكثر من موضع في رجاله وفهرسته (4) ، وذكره في جملة الوكلاء الممدوحين في كتاب الغيبة (5) .

6. ابن شهرآشوب : عده من ثقات أبي جعفر الثاني (عليه السلام) (6) .

طبقته في الحديث

ذكر السيد الخوئي أن أيوب بن نوح وقع في إسناد عدة من الروايات ، تبلغ 251 مورداً (7) . ولعل هذا الرقم يخص الكتب الأربعة فقط وإلا فإن العدد الواقعي أكثر من ذلك بكثير ، بل لعله يصل ضعف هذا العدد بحسب التتبع السريع ، يدل على ذلك كثرة مشايخه ، وكثرة تلامذته الذين حملوا عنه العلم ، ومن هؤلاء :

أ. مشايخه : روى الحديث عن أبي الحسن الرضا ، وأبي جعفر الجواد ، وأبي الحسن الهادي عليهم السلام ، كما روى عن أحمد بن الفضل ، وإسماعيل الفراء ، وأبي طالب ،

ص: 92


1- اختيار معرفة الرجال 2\841 ، لم يُثبت النقل أن أيوب بن نوح كان يطعن في يونس ، بل ربما كان العكس صحيحاً؛ فإن أيوب بن نوح روى عن أصدقاء يونس كابن أبي عمير ومحمد بن سنان، وقد روى عن أيوب محمد بن عيسى بن عبيد الذي كان يعرف باليقطيني، أو اليونسي لشدة قربه من يونس، فلو كان نفرة بين الرجلين لما اشتركا في الشيوخ وفي التلاميذ، والله العالم .
2- رجال النجاشي 102 ، ليس غريباً على أيوب بن نوح بن دراج أن يشتهر بكثرة العبادة ، فهذا عمه (جميل بن دراج) كان معروفاً بكثرة العبادة وطول السجود ، حتى أن محمد بن أبي عمير كان يضرب به المثل بالعبادة – اختيار معرفة الرجال 2\471 .
3- اختيار معرفة الرجال 2\645 .
4- رجال الطوسي 352 ، 373 ، 383 ، الفهرست ص56 .
5- غيبة الطوسي 349 .
6- مناقب ابن شهرآشوب 3\487 .
7- معجم رجال الحديث 4\171 .

والبراء ين محمد الكوفي ، وبشار بن ذراع ، وابن مسكان ، وجعفر بن محمد بن عبيد الله بن عتبة ، وحريز ، والحسن بن علي بن فضال ، والحسن بن علي الوشاء ، والحسن بن محبوب ، والحسين بن عثمان ، والحسين بن يزيد النوفلي ، وحماد بن عيسى ، وحنان بن سدير ، والربيع بن محمد المسلي ، وصالح بن عبد الله ، وصفوان بن يحيى (في موارد كثيرة) ، والعباس بن عامر ، وعبد السلام بن سالم ، وعبد الله بن المغيرة ، وعلي بن النعمان الرازي ، ومحمد بن أبي حمزة ، ومحمد بن أبي عمير ، ومحمد بن سنان ، ومحمد بن الفضيل ، ومحمد بن يحيى الصيرفي ، ومهران بن محمد ، والنضر بن سويد .

ب. الرواة عنه : روى عنه جمع غفير من الرواة كثير منهم من وجوه هذه الطائفة وثقاتها ، ومنهم : إبراهيم بن محمد بن فارس ، وإبراهيم بن نصير ، وأحمد بن إدريس ، وأحمد بن محمد بن عبد الله البرقي ، وأحمد بن محمد الجوهري ، وأحمد بن موسى ، وإسماعيل بن جعفر الهاشمي ، وإسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن هلال المخزومي ، والحسين بن سعيد ، والحسين بن محمد ، وحمدان بن أحمد القلانسي ، وحمدان بن إسحاق ، وحمدان بن سليمان ، وحمدويه بن نصير ، وسعد بن زياد ، وسعد بن عبد الله ، وسهل بن زياد ، وصفوان بن سالم ، وعبد الله بن جعفر الحميري ، وعلي بن الحسن بن فضال ، وعلي بن الحسن بن صالح التيملي ، وعلي بن خالد ، وعلي بن عبد الله بن مروان الأنباري ، وعلي بن محمد ، وعلي بن مَهْزِيار ، وعمار بن يونس ، وعمران بن موسى ، ومحمد بن أحمد بن يحيى ، ومحمد بن جعفر أبو العباس الرزاز ، ومحمد بن الحسن الصفار ، ومحمد بن الحسين ، ومحمد بن علي بن محبوب ، ومحمد بن عيسى ، ومحمد بن موسى السمان ، ومحمد بن يحيى العطار ، وموسى بن الحسن ، وموسى بن القاسم ، ويعقوب بن يزيد .

ص: 93

نماذج من رواياته
اشارة

يمتاز أيوب بن نوح بالسعة والشمولية ، فقد روى في كل صنوف المعرفة ، وإيراد كل رواياته يخرج بهذا الكتاب عن هدفه ، ولذا نذكر نماذج من مروياته المهمة في العقيدة والفقه والأخلاق .

رواياته في العقيدة

1. علي بن جعفر : روى أيوب بن نوح ، عن الحسن بن فضال ، قال : سمعت علي بن جعفر يقول : كنت عند أخي موسى بن جعفر عليه السلام - وكان والله حجة بعد أبي صلوات الله عليه - إذا طلع ابنه علي . فقال لي : يا علي هذا صاحبك ، وهو مني بمنزلتي من أبي ، فثبتك الله على دينه ، فبكيت ، فقلت في نفسي : نعى والله نفسه فقال : يا علي لابدّ من أن تمضي مقادير الله فيّ ، ولي برسول الله صلى الله عليه وآله أسوة ، وبأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام . وكان هذا قبل أن يحمله هارون الرشيد في المرة الثانية بثلاثة أيام (1) .

2. الشيخ محمد بن الحسن الصفار : حدثنا أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن شعيب الخزاز ، عن ضريس الكناسي قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام وعنده أبو بصير فقال أبو عبد الله عليه السلام : إن داود ورث الأنبياء ، وان سليمان ورث داود ، وإن محمداً ورث سليمان ، وإنّا ورثنا محمداً ، وإن عندنا صحفَ إبراهيم وألواحَ موسى ، فقال له أبو بصير : إن هذا لهو العلم ، فقال : يا أبا محمد ، ليس هذا هو العلم ، إنما هذا الأثر ، إنما العلم ما حدث بالليل والنهار يوماً بيوم وساعة بساعة (2) .

3. الشيخ الصفار : حدثنا أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى قال : حدثني حماد بن أبي طلحة ، عن أبي عوف ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال {أبو عوف} : دخلت عليه فلاطفني وقال : إن رجلاً مكفوف البصر أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال : يا

ص: 94


1- مسائل علي بن جعفر 347 .
2- بصائر الدرجات 155 .

رسول الله صلى الله عليه وآله ، ادع الله أن يرد على بصري ، فدعى الله له فرد عليه بصره ، ثم أتاه آخر فقال : يا رسول الله صلى الله عليه وآله ادع الله لي أن يرد على بصري ، فقال : الجنة أحب إليك {أو} أن يُرد عليك بصرك ، قال : يا رسول الله ، وإن ثوابها الجنة ؟ فقال : إن الله أكرم من أن يبتلى عبده المؤمن بذهاب بصره ثم لا يثيبه الجنة (1) .

4. الشيخ الصفار : روى محمد بن علي بن محبوب ، عن جعفر بن إسماعيل بن جعفر الهاشمي ، عن أيوب بن نوح ، عن الحسين بن يزيد النوفلي ، عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليه السلام قال : أوصاني النبي صلى الله عليه وآله : إذا أنا مت فغسلني بست قرب من بئرِ غَرْس (2) ، فإذا فرغت من غسلي فادرجني في أكفاني ، ثم ضع فاك على فمي ، قال {أمير المؤمنين عليه السلام} : ففعلت وأنبأني بما هو كائن إلى يوم القيامة (3) .

5. الشيخ الصفار : حدثنا سهل بن زياد ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن ابن مسكان ، عن بدر بن الوليد ، عن أبي ربيع الشامي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الإمام إذا شاء أن يعلم علِم (4) .

6. الشيخ الطوسي : أخبرنا محمد بن محمد ، قال : أخبرني أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن المغيرة ، قال : حدثنا أبو أحمد حيدر بن محمد ، قال : حدثنا أبو عمرو محمد ابن عمر الكشي ، قال : حدثنا جعفر بن أحمد ، عن أيوب بن نوح بن نوح بن دراج ، عن إبراهيم المخارقي ، قال : وصفت لأبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) ، ديني فقلت : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً (صلى الله عليه وآله) رسول الله ، وأن علياً إمام عدل بعده ، ثم الحسن والحسين ، ثم علي بن الحسين ، ثم

ص: 95


1- بصائر الدرجات 292 .
2- غَرْس ، بالغين المعجمة المفتوحة والراء المهملة الساكنة : بئر معروفة بالمدينة غسل منها النبي صلى الله عليه وآله ، وهي من عيون الجنة – مجمع البحرين 3\304 .
3- بصائر الدرجات 304 .
4- بصائر الدرجات 335 ، الكافي 1\258 .

محمد بن علي ، ثم أنت . فقال : رحمك الله . ثم قال : اتقوا الله ، اتقوا الله ، اتقوا الله ، عليكم بالورع ، وصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وعفة البطن والفرج ، تكونوا معنا بالرفيق الاعلى (1) .

7. الشيخ الصفار: حدثنا أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن الحارث ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال {الحارث} : قلت اخبرني من علم عالمكم ، قال : وراثة من رسول الله صلى الله عليه وآله ومن علي بن أبي طالب عليه السلام ، قلت : إنا نتحدث انه يقذف في قلوبهم وينكت في آذانهم ، قال : ذاك وذاك (2) .

8. الشيخ الصفار : حدثنا أيوب بن نوح ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : الرجل يكون في المسجد فيكون الصفوف مختلف فيه الناس فيميل إليه مشياً حتى يقيمه قال : نعم لا بأس به ، إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : يا أيها الناس إني أراكم من خلفي كما أراكم من بين يدي ، لتقيمُنّ صفوفكم أو ليخالفَنّ الله بين قلوبكم (3) .

9. الشيخ الصفار : حدثنا أحمد بن موسى ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان ، عن عبد الله بن مسكان ، عن عبد الرحيم القصير ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : كان علي عليه السلام إذا ورد عليه أمر ما نزل فيه كتاب ولا سنة رجم فأصاب (4) ، قال أبو جعفر : وهي المعضلات (5) .

ص: 96


1- أمالي الطوسي 222 .
2- بصائر الدرجات 347 .
3- المصدر نفسه 436 .
4- المراد بالرجم هنا القول وفق الإلهام ، من غير نص مأثور ، يدل على ذلك جملة من النصوص ، منها ما رواه الصفار عن أبي جعفر عليه السلام قال : (كان علي عليه السلام يعمل بكتاب الله وسنة نبيه فإذا ورد عليه الشئ الحادث الذي ليس في الكتاب ولا في السنة الهمه الله تعالى الهاما وذلك والله من المعضلات) – بصائر الدرجات ص255 .
5- المصدر نفسه 409 .

10. الشيخ الصفار : حدثنا عمران بن موسى ، عن أيوب بن نوح ، عن عبد السلام بن سالم ، عن الحسين ، عن يونس بن ظبيان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الإمام يسمع في بطن أمه ، فإذا ولد خُط على منكبيه خط ، ثم قال هكذا بيده ، فذلك قول الله تعالى (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ) (1) ، وجُعل له في كل قرية عمود من نور يرى به ما يعمل أهلها فيها . قال الصفار : حدثنا علي بن خالد ، عن أيوب بن نوح مثله (2) .

وروى الشيخ الصفار قال : حدثنا عمار بن يونس ، عن أيوب بن نوح ، عن العباس بن عامر ، {عن} الربيع بن محمد المسلمي ، عن محمد بن مروان قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : يا محمد إن الإمام يسمع الصوت في بطن أمه ، فإذا ولد خُط على منكبه خط ، ثم قال : هكذا بيده ، وذلك قول الله (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وهُوَ السَّميعُ العليمُ) (3) .

11. الشيخ الصفار : حدثنا أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن عبد الله بن بكير ، عن عمرو قال : كنا عند أبي عبد الله عليه السلام نحو من عشرين إنساناً فقال : لعلكم ترون إن هذا الأمر إلى رجل منا نضعه كيف نشاء ، كلا والله ، إنه عهد من رسول الله صلى الله عليه وآله ، يُسمَّى رجلٌ فرجل حتى انتهى إلى صاحبه (4) .

12. الشيخ الصفار : حدثنا أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن مروان بن إسماعيل ، عن حمزة بن حمران ، قال : ذكرنا - عند أبي عبد الله عليه السلام - خروج الحسين وتخلف ابن الحنفية عنه فقال أبو عبد الله : يا حمزة إني سأحدثك في هذا الحديث ولا تسأل عنه بعد مجلسنا هذا ، إن الحسين لما فصل متوجهاً دعا بقرطاس وكتب :

ص: 97


1- الأنعام : 115 .
2- بصائر الدرجات 456 .
3- المصدر نفسه 458 ، والآية من سورة الأنعام : 115 ..
4- بصائر الدرجات 491 ، والعبارة الأخيرة مضطربة ولعلها (يسمي رجلاً فرجلاً) أو (فسمى رجلاً فرجلاً) ، ولعلها أيضاً على صيغة المبني للمجهول ، والله العالم .

"بسم الله الرحمن الرحيم ، من الحسين بن علي إلى بني هاشم ، أما بعد فإنه من لحق بي منكم استشهد معي ، ومن تخلف لم يبلغ الفتح والسلام" (1) .

13. الشيخ الصفار : حدثنا أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن موسى بن بكر ، عن زرارة ، عن أبي عبيدة {الحذاء} قال : قال أبو جعفر عليه السلام : من سمع من رجل أمراً لم يُحط به علماً فكذب به ، ومِن أمرِه الرضا بنا والتسليم لنا ، فان ذلك لا يكفره (2) .

14. ابن بابويه القمي : عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أيوب بن نوح ، عن محمد بن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن زرارة قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم . فقلت له : ما يصنع الناس في ذلك الزمان ؟ قال : يتمسكون بالأمر الذي هم عليه حتى يتبين لهم (3) .

15. القطب الراوندي : عن أيوب بن نوح ، عن العباس بن عامر ، عن ربيع بن محمد ، عن أبي الربيع الشامي ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : إن قائمنا إذا قام مد الله لشيعتنا في أسماعهم وأبصارهم حتى لا يكون بينهم وبين القائم بريد ، يكلمهم ويسمعون وينظرون إليه ، وهو في مكانه (4) .

16. ابن بابويه القمي : سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي غانم القزويني ، قال : حدثني إبراهيم بن محمد بن فارس ، قال : كنت أنا { ونوح } وأيوب بن نوح في طريق مكة فنزلنا على وادي زُبالة ، فجلسنا نتحدث فجرى ذكر ما نحن فيه ، وبعد الأمر علينا ، فقال أيوب بن نوح : كتبت في هذه السنة أذكر شيئاً من هذا ، فكتب إلي : إذا رفع علمكم من بين أظهركم ، فتوقعوا الفرج من تحت أقدامكم (5) .

ص: 98


1- بصائر الدرجات 501 .
2- المصدر نفسه 544 .
3- الإمامة والتبصرة 125 ، هذه الرواية مهمة جداً في منهجية العمل في الغيبة الكبرى .
4- الخرائج والجرائح 2\840 .
5- بصائر الدرجات 121 ، كمال الدين 381 .

ورواه ثقة الإسلام الكليني عن علي بن محمد ، عن بعض أصحابنا ، عن أيوب بن نوح ، عن أبي الحسن الثالث عليه السلام قال : إذا رفع علمكم من بين أظهركم فتوقعوا الفرج من تحت أقدامكم (1) .

17. الشيخ الكليني : محمد بن يحيى ، عن سعد بن عبد الله ، عن محمد بن عيسى ، عن أيوب بن نوح أنه كتب إلى أبي الحسن عليه السلام يسأله عن الله عز وجل أكان يعلم الأشياء قبل أن خلق الأشياء وكونها أو لم يعلم ذلك حتى خلقها وأراد خلقها وتكوينها فعلم ما خلق عندما خلق وما كون عندما كون ؟ فوقع بخطه : لم يزل الله عالماً بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء كعلمه بالأشياء بعد ما خلق الأشياء (2) .

18. الشيخ الصدوق : حدثنا أبي - رضي الله عنه - قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري ، عن حمدان بن سليمان ، عن أيوب بن نوح ، عن إسماعيل الفراء ، عن رجل ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أليس قال رسول الله صلى الله عليه وآله في أبي ذر - رحمة الله عليه - : " ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر " ؟ قال : بلى . قال : قلت : فأين رسول الله وأمير المؤمنين ؟ وأين الحسن والحسين ؟ قال : فقال لي : كم السنة شهرا ؟ قال : قلت : اثنا عشر شهراً ، قال : كم منهما حرم ؟ قال : قلت : أربعة أشهر . قال : فشهر رمضان منها ؟ قال : قلت : لا ، قال : إن في شهر رمضان ليلة أفضل من ألف شهر ، إنا أهل بيت لا يقاس بنا أحد (3) .

19. الشيخ الكليني : عدة من أصحابنا ، عن سعد بن عبد الله ، عن أيوب بن نوح قال : قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام : إني أرجو أن تكون صاحب هذا الأمر ، وأن يسوقه الله إليك بغير سيف ، فقد بويع لك وضربت الدراهم باسمك ، فقال : ما منا أحد اختلفت إليه الكتب ، وأشير إليه بالأصابع ، وسئل عن المسائل ، وحملت إليه الأموال

ص: 99


1- الكافي 1\341 .
2- المصدر نفسه 1\107 .
3- معاني الأخبار 179 .

، إلا اغتيل أو مات على فراشه ، حتى يبعث الله لهذا الأمر غلاماً منا ، خفيَّ الولادة والمنشأ ، غيرَ خفي في نسبه (1) .

ورواه الشيخ الصدوق : حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن أيوب بن نوح قال : قلت للرضا عليه السلام : إنا لنرجو أن تكون صاحب هذا الأمر وأن يرده الله عز وجل إليك من غير سيف ، فقد بويع لك وضربت الدراهم باسمك ، فقال : ما منا أحد اختلفت إليه الكتب ، وسئل عن المسائل ، وأشارت إليه الأصابع ، وحملت إليه الأموال إلا اغتيل أو مات على فراشه حتى يبعث الله عز وجل لهذا الأمر رجلاً خفي المولد والمنشأ ، غير خفي في نسبه (2) .

20. الشيخ الصدوق : حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال : حدثنا محمد ابن الحسن الصفار ، وسعد بن عبد الله جميعاً ، عن أيوب بن نوح ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن سعد بن أبي خلف ، عن معاوية بن عمار قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : بقي الناس بعد عيسى بن مريم عليه السلام خمسين ومائتي سنة بلا حجة ظاهرة (3) .

21. الشيخ الصدوق : حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، وعبد الله بن جعفر الحميري ، عن أيوب بن نوح ، عن الربيع بن محمد بن المسلي ، عن عبد الله بن سليمان العامري ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ما زالت الأرض إلا ولله تعالى ذكره فيها حجة يعرف الحلال والحرام ، ويدعو إلى سبيل الله عز وجل ، ولا ينقطع الحجة من الأرض إلا أربعين يوماً قبل يوم القيامة ، فإذا رفعت الحجة أغلق باب التوبة ، ولن

ص: 100


1- الكافي 1\341 .
2- كمال الدين 370 .
3- كمال الدين 161 ، يعني كان هناك مرحلة غيبة لحجج الله تعالى إبان تلك الفترة .

ينفع نفساً إيمانُها لم تكن آمنت من قبل أن تُرفع الحجة ، أولئك شرار {مَن} خلق الله ، وهم الذين تقوم عليهم القيامة (1) .

22. الشيخ الصدوق : حدثنا محمد بن الحسن رضي الله عنه قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، وعبد الله بن جعفر الحميري جميعاً ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن عبد الله بن خداش البصري ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سأله رجل فقال : تخلو الأرض ساعة لا يكون فيها إمام ؟ قال : لا تخلو الأرض من الحق (2) .

23. الشيخ الصدوق : حدثنا أحمد بن هارون الفامي ، وعلي بن الحسين بن شاذويه المؤدب ، وجعفر بن محمد بن مسرور ، وجعفر بن الحسين رضي الله عنهم قالوا : حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أبيه ، عن أيوب بن نوح ، عن العباس بن عامر القصباني ، عن موسى بن هلال الضبي ، عن عبد الله بن عطاء قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : إن شيعتك بالعراق كثيرون ، فوالله ما في أهل بيتك مثلك فكيف لا تخرج ؟ فقال : يا عبد الله بن عطاء ، قد أمكنت الحشو من أذنيك ، والله ما أنا بصاحبكم ، قلت : فمن صاحبنا ؟ قال : انظروا من تخفى على الناس ولادته فهو صاحبكم (3) .

24. الشيخ الصدوق : حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رضي الله عنه ، قال : حدثنا أبي ، عن أيوب بن نوح ، عن محمد بن سنان ، عن صفوان بن مهران ، عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال : من أقر بجميع الأئمة وجحد المهدي كان كمن أقر بجميع الأنبياء وجحد محمداً (صلى الله عليه وآله) نبوته ، فقيل له : يا ابن رسول الله فمن المهدي من ولدك ؟ قال : الخامس من وَلَد السابع ، يغيب عنكم شخصه ، ولا يحل لكم تسميته (4) .

ص: 101


1- كمال الدين 229 .
2- المصدر نفسه 233 .
3- المصدر نفسه 325 .
4- المصدر نفسه 333 .

25. الشيخ الصدوق : وبهذا الإسناد ، عن محمد بن مسعود قال : حدثني محمد بن إبراهيم الوراق قال : حدثنا حمدان بن أحمد القلانسي ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن ابن بكير ، عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : إن للقائم غيبةً قبل أن يقوم ، قال : قلت : ولم ؟ قال : يخاف - وأومأ بيده إلى بطنه - (1) .

26. الشيخ الصدوق : حدثنا أحمد بن هارون الفامي (رضي الله عنه) ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر بن جامع الحميري ، عن أبيه ، عن أيوب بن نوح ، عن محمد بن أبي عمير ، عن أبان الأحمر ، عن سعد الكناني ، عن الأصبغ بن نباتة ، عن عبد الله بن عباس ، قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) : يا علي ، أنت خليفتي على أمتي في حياتي وبعد موتي ، وأنت مني كشيث من آدم ، وكسام من نوح ، وكإسماعيل من إبراهيم ، وكيوشع من موسى ، وكشمعون من عيسى .

يا علي ، أنت وصيي ووارثي وغاسل جثتي ، وأنت الذي تواريني في حفرتي ، وتؤدي ديني ، وتنجز عداتي .

يا علي ، أنت أمير المؤمنين ، وإمام المسلمين ، وقائد الغر المُحَجّلين ، ويعسوب المتقين .

يا علي ، أنت زوج سيدة النساء فاطمة ابنتي ، وأبو سبطي الحسن والحسين .

يا علي ، إن الله تبارك وتعالى جعل ذرية كل نبي من صلبه ، وجعل ذريتي من صلبك .

يا علي ، من أحبك ووالاك أحببتُه وواليتُه ، ومن أبغضك وعاداك أبغضتُه وعاديتُه ، لأنك مني وأنا منك .

يا علي ، إن الله طهرنا واصطفانا ، لم يلتق لنا أبوان على سفاح قط من لدن آدم ، فلا يحبنا إلا من طابت ولادته .

ص: 102


1- كمال الدين 481 .

يا علي ، أبشر بالشهادة فإنك مظلوم بعدي ومقتول . فقال علي (عليه السلام) : يا رسول الله ، وذلك في سلامة من ديني ؟ قال : في سلامة من دينك . يا علي ، إنك لن تضل ولن تزل ، ولولاك لم يُعرف حزب الله بعدي (1) .

رواياته الفقهية

27. الحميري : أيوب بن نوح ، عن صالح بن عبد الله ، عن إسماعيل بن جابر ، عن أبي الحسن الأول عليه السلام ، قال : ابتدأني فقال : ماء الحمام لا ينجسه شئ (2) .

28. الحميري : أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن سليمان بن أذينة قال : كتبتُ إلى أبي الحسن موسى عليه السلام أسأله عن رجل أجنب في شهر رمضان من أول الليل ، فأخّر الغُسل حتى طلع الفجر . فكتب إليّ بخطه - أعرفه - مع مصادف : يغتسل من جنابته ، ويتم صومه ، ولا شئ عليه (3) .

29. البرقي : عن أيوب بن نوح ، وسمعته منه ، عن العباس بن عامر ، عن الحسين بن المختار ، قال : سئل (4) عن رجل فاتته ركعة من المغرب من الإمام وأدرك الاثنتين ، فهي الأولى له والثانية للقوم ، أيتشهد فيها ؟ - قال : نعم ، قلت : ففي الثانية أيضا ؟ - نعم ، هن بركات (5) .

30. البرقي : عن علي بن محمد ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، عن محمد بن مروان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن جبرئيل أتاني فقال : إنا معشر الملائكة لا ندخل بيتاً فيه كلب ، ولا تمثال جسد ، ولا إناء يبال فيه (6) .

ورواه الشيخ الصدوق قال : حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن عبد الله بن مسكان ، عن محمد بن مروان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله

ص: 103


1- أمالي الصدوق 449 .
2- قرب الإسناد 309 .
3- المصدر نفسه 340 ، ولعل المقصود إذا لم يكن التأخير عن عمد ، لأن المشهور من النصوص أن تأخير الغسل بعد الفجر إن كان عمدياً يبطل الصوم .
4- هكذا مضمراً ، ولعله الصادق أو الكاظم عليه السلام .
5- المحاسن 2\326 .
6- المحاسن 2\615 .

عليه وآله : إن جبرئيل عليه السلام أتاني فقال : إنا معشر الملائكة لا ندخل بيتاً فيه كلب ، ولا تمثال جسد ، ولا إناء يبال فيه (1) .

31. الشيخ الكليني : أحمد بن إدريس ، عن محمد بن أحمد ، عن أيوب بن نوح ، عن الوشاء ، عمن ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه كان يكره سؤر كل شئ لا يؤكل لحمه (2) .

32. الشيخ الكليني : أحمد بن إدريس ، عن محمد بن أحمد ، عن أيوب بن نوح ، عن الوشاء ، عمن ذكره عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه كره سؤر ولد الزنا ، وسؤر اليهودي ، والنصراني ، والمشرك ، وكل ما خالف الاسلام ، وكان أشد {ذلك} عنده سؤر الناصب (3) .

33. الشيخ الكليني : عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أيوب بن نوح رفعه ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) : قال : إذا قُطع من الرجل قطعة فهي ميتة ، وإذا مسه الرجل فكل ما كان فيه عظم فقد وجب على من مسه الغسل ، وإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه (4) .

ص: 104


1- الخصال 138 .
2- الكافي 3\10 ، ورواه الطوسي في التهذيب 2\209 .
3- الكافي 3\11 ، الكراهة هنا تجمع بين الحرمة لبعض الفقرات ، وبين الكراهة بالمعنى الاصطلاحي ، وإلا فإن سؤر ولد الزنا طاهر ، بحسب المستفاد من جملة الأخبار .
4- الكافي 3\212 ، الاستبصار 1\100 .

34. الشيخ الكليني : محمد بن يحيى وغيره ، عن محمد بن أحمد ، عن أيوب بن نوح ، عن أبي الحسن الأخير (عليه السلام) قال : قلت له : تحضر الصلاة والرجل بالبيداء ؟ فقال : يتنحى عن الجَوادّ (1) يمنة ويسرة ويصلي (2) .

35. الشيخ الكليني : وبهذا الإسناد ، عن علي بن مَهْزِيار ، عن أيوب بن نوح ، عن محمد بن أبي حمزة قال : قال أبو عبد الله (عليه السلام) : من قرأ الكهف في كل ليلة جمعة ، كانت كفارة ما بين الجمعة إلى الجمعة (3) .

36. الشيخ الكليني : محمد بن يحيى ، عن محمد بن أحمد ، عن أيوب بن نوح ، عن العباس بن عامر ، عن داود بن الحصين ، عن رجل من أصحابنا ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال وهو بالحيرة في زمان أبي العباس : إني دخلت عليه وقد شك الناس في الصوم وهو والله من شهر رمضان فسلمت عليه ، فقال : يا أبا عبد الله أصمت اليوم ؟ فقلت : لا ، والمائدة بين يديه قال : فادن فكل ، قال : فدنوت فأكلت وقلت : الصوم معك والفطر معك ، فقال الرجل لأبي عبد الله (عليه السلام) : تفطر يوماً من شهر رمضان ؟ فقال : إي والله إن أفطر يوماً من شهر رمضان أحب إلى من أن يضرب عنقي (4) .

37. الشيخ الكليني : محمد بن يحيى ، عن عبد الله بن جعفر ، عن أيوب بن نوح قال : كتبت إليه : أن أصحابنا قد اختلفوا علينا فقال بعضهم : إن النفر يوم الأخير بعد الزوال أفضل ، وقال بعضهم : قبل الزوال ؟ فكتب : أما علمت أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلى الظهر والعصر بمكة ولا يكون ذلك إلا وقد نفر قبل الزوال (5) .

38. الشيخ الكليني : عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان ، وابن أبي عمير ، وغير واحد ، عن جميل بن دراج قال : قلت لأبي عبد الله

ص: 105


1- الجوادّ ، جمع جادة ، مثل دابة ودواب ، والجادة هي وسط الطريق – مجمع البحرين 1\348 .
2- الكافي 3\389 .
3- المصدر نفسه 3\429 .
4- المصدر نفسه 4\83 ، وفيه إشارة واضحة إلى أجواء التقية التي كان يعيشها الإمام الصادق عليه السلام .
5- المصدر نفسه 4\521 .

(عليه السلام) : الصلاة في بيت فاطمة (عليها السلام) مثل الصلاة في الروضة ؟ قال : وأفضل (1) .

39. السيد ابن طاووس : قرأت بخط السيد الشريف أبي يعلى الجعفري (صهر الشيخ المفيد) في كتابه ما صورته : روى أصحابنا عن أيوب بن نوح ، قال : كتبت إلى أبي الحسن موسى (عليه السلام) : إن أصحابنا قد اختلفوا في زيارة قبر أمير المؤمنين (عليه السلام) ، فقال بعضهم : بالرحبة ، وقال بعضهم : بالغري . فكتب : زره بالغري (2) .

40. الشيخ الكليني : محمد بن يحيى ، عن علي بن إبراهيم الجعفري ، عن حمدان بن إسحاق قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) أو حكي لي عن رجل عن أبي جعفر (عليه السلام) ، الشك من علي بن إبراهيم قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) : من زار قبر أبي بطوس غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال : فحججت بعد الزيارة فلقيت أيوب بن نوح فقال لي : قال أبو جعفر الثاني (عليه السلام) : من زار قبر أبي بطوس غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وبنى الله له منبراً في حذاء منبر محمد وعلي (عليهما السلام) حتى يفرغ الله من حساب الخلائق . فرأيته وقد زار ، فقال : جئت أطلب المنبر (3) .

ورواه ابن قولويه القمي قال : حدثني أبي رحمه الله ، عن سعد بن عبد الله ، قال : حدثني علي بن إبراهيم الجعفري ، عن حمدان الدسوائي ، قال : دخلت على أبي جعفر الثاني (عليه السلام) فقلت : ما لمن زار أباك بطوس ، فقال (عليه السلام) : من زار قبر أبي بطوس غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، قال حمدان : فلقيت بعد ذلك أيوب بن نوح بن دراج فقلت له : يا أبا الحسين إني سمعت مولاي أبا جعفر (عليه السلام) يقول : من زار قبر أبي بطوس غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فقال أيوب : وأزيدك فيه ، قلت : نعم ، قال : سمعته يقول ذلك - يعني أبا جعفر (عليه السلام) - وانه إذا

ص: 106


1- الكافي 4\556 .
2- فرحة الغري 129 .
3- الكافي 4\585 ، ورواه عنه ابن قولويه في كامل الزيارات 507 .

كان يوم القيامة نصب له منبر بحذاء منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى يفرغ الناس من الحساب (1) .

41. الشيخ الكليني : أبو العباس محمد بن جعفر ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان ، عن سعيد بن يسار قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن امرأة حرة تكون تحت المملوك فتشتريه هل يبطل نكاحه ؟ قال : نعم لأنه عبد مملوك لا يقدر على شئ (2) .

42. الشيخ الكليني : محمد بن جعفر أبو العباس ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان عن يعقوب بن شعيب قال : سمعت أبا بصير يقول : سألت أبا جعفر عليه السلام عن امرأة طلقها زوجها لغير السنة وقلنا : إنهم أهل بيت ولم يعلم بهم أحد ، فقال : ليس بشئ (3) .

43. الشيخ الكليني : محمد بن جعفر الرزاز ، عن أيوب بن نوح ، وأبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن حريز ، عن حمزة بن حمران ، عن عبد الله بن سليمان ، عن أبيه قال : كنت في المسجد فدخل علي بن الحسين عليهما السلام ولم أثبته وعليه عمامة سوداء قد أرسل طرفيها بين كتفيه فقلت لرجل قريب المجلس مني : من هذا الشيخ ؟ فقال : مالك لم تسألني عن أحد دخل المسجد غير هذا الشيخ ؟ قال : فقلت له لم أرَ أحداً دخل المسجد أحسن هيئة في عيني من هذا الشيخ فلذلك سألتك عنه ، قال : فإنه علي بن الحسين عليهما السلام قال : فقمتُ وقام الرجل وغيره فاكتنفناه وسلمنا عليه ، فقال له الرجل : ما ترى أصلحك الله في رجل سمى امرأته بعينها ، وقال يوم يتزوجها فهي طالق ثلاثاً ثم بدا له أن يتزوجها أيصلح له ذلك ؟ قال : فقال : إنما الطلاق بعد النكاح ، قال عبد الله : فدخلت أنا وأبي على أبي عبد الله جعفر بن محمد

ص: 107


1- كامل الزيارات 506 .
2- الكافي 5\548 .
3- المصدر نفسه 6\59 .

عليهما السلام فحدثه أبي بهذا الحديث ، فقال له أبو عبد الله عليه السلام : أنت تشهد على علي بن الحسين عليهما السلام بهذا الحديث قال : نعم (1) .

44. الشيخ الكليني : أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، ومحمد بن جعفر أبو العباس الرزاز ، عن أيوب بن نوح ، وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعاً عن صفوان بن يحيى ، عن ابن مسكان ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : طلاق السنة يطلقها تطليقة ، يعني على طُهر من غير جِماع ، بشهادة شاهدين ، ثم يدعها حتى تمضي أقراؤها ، فإذا مضت أقراؤها فقد بانت منه ، وهو خاطب من الخُطاب إن شاءت نكحته وإن شاءت فلا ، وإن أراد أن يراجعها أشهد على رجعتها قبل أن تمضي أقراؤها فتكون عنده على التطليقة الماضية ، قال : وقال أبو بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام : هو قول الله عز وجل (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) (2) التطليقة الثانية التسريح بإحسان (3) .

45. الشيخ الكليني : أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، وأبو العباس الرزاز ، عن أيوب بن نوح جميعاً ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : طلاق الحُبلى واحدة ، وأجلها أن تضع حملها ، وهو أقرب الأجلين (4) .

46. الشيخ الكليني : أبو العباس الرزاز ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها تطليقة واحدة فقد بانت منه وتزوَّجُ من ساعتها إن شاءت (5) .

ص: 108


1- الكافي 6\63 .
2- البقرة : 229 .
3- الكافي 6\64 ، 6\71 .
4- المصدر نفسه 6\82 .
5- المصدر نفسه 6\84 .

47. الشيخ الكليني : أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، والرزاز ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان ، عن محمد بن حكيم ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : التي لا تحبل مثلها لا عدة عليها (1) .

48. الشيخ الكليني : أبو العباس الرزاز ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن موسى بن بكر ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إن المطلقة ثلاثاً ليس لها نفقة على زوجها إنما هي للتي لزوجها عليها رجعة (2) .

49. الشيخ الكليني : أبو العباس محمد بن جعفر الرزاز ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فقد بانت منه ، وتتزوج إن شاءت من ساعتها ، وإن كان فرض لها مهراً فلها نصف المهر ، وإن لم يكن فرض لها مهراً فليمتعها (3) .

50. الشيخ الكليني : أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، وأبو العباس الرزاز ، عن أيوب بن نوح جميعا ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، عن الحسن بن زياد ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : في المرأة إذا بلغها نعي زوجها ، قال : تعتد من يوم يبلغها ، إنما تريد أن تحد له (4) .

51. الشيخ الكليني : أبو العباس الرزاز ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن ابن مسكان ، عن الحسن الصيقل ، وأبي العباس ، عن أبي عبد الله عليه السلام في المرأة يموت عنها زوجها قبل أن يدخل بها ؟ قال : لها نصف المهر ، ولها الميراث ، وعليها العدة (5) .

52. الشيخ الكليني : أبو العباس الرزاز ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عمن حدثه ، عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل طلق امرأته

ص: 109


1- الكافي 6\85 .
2- المصدر نفسه 6\104 .
3- المصدر نفسه \6\106 .
4- المصدر نفسه 6\112 ، وفي المصدر (إنها تريد ..) وما أثبتناه من الوسائل .
5- المصدر نفسه 6\119 .

وهو مريض قال : إن مات في مرضه ولم تتزوج ورثته ، وإن كانت قد تزوجت فقد رضيت بالذي صنع لا ميراث لها (1) .

53. الشيخ الكليني : أبو العباس الرزاز ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان ، عن أبي خالد القماط قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : رجل يعرف رأيه مرة وينكره أخرى يجوز طلاق وليه عليه ؟ قال : ماله هو لا يطلق ؟ قلت : لا يعرف حد الطلاق ، ولا يؤمن عليه إن طلق اليوم أن يقول غداً : لم اطلق ، قال : ما أراه إلا بمنزلة الإمام يعني الولي (2) .

54. الشيخ الكليني : أبو العباس الرزاز ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن سعيد الأعرج ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن رجل جعل أمر امرأته إلى رجل فقال : اشهدوا أني جعلت أمر فلانة إلى فلان أيجوز ذلك للرجل ؟ قال : نعم (3) .

55. الشيخ الكليني : أبو العباس محمد بن جعفر الرزاز ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن الايلاء ما هو ؟ فقال : هو أن يقول الرجل لامرأته : والله لا أجامعك كذا وكذا ويقول : والله لأغيضنّك ، فيتربص بها أربعة أشهر ثم يؤخذ فيوقف بعد الأربعة الأشهر ، فإن فاء وهو أن يصالح أهله فإن الله غفور رحيم ، وإن لم يفئ جُبر على أن يطلق ، ولا يقع طلاق فيما بينهما ولو كان بعد الأربعة الأشهر ما لم يرفعه إلى الإمام (4) .

56. الشيخ الكليني : وأبو العباس محمد بن جعفر الرزاز ، عن أيوب بن نوح ، عن سفيان ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : المبارأة تقول المرأة لزوجها : لك ما عليك واتركني ، أو تجعل له من قبلها شيئاً فيتركها ، إلا

ص: 110


1- الكافي 6\121 .
2- المصدر نفسه 6\125 .
3- المصدر نفسه 6\129 .
4- المصدر نفسه 6\132 .

أنه يقول : فإن ارتجعت في شئ فأنا أملك ببضعك ، ولا يحل لزوجها أن يأخذ منها إلا المهر فما دونه (1) .

57. الشيخ الكليني : أبو العباس الرزاز محمد بن جعفر ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان عن موسى بن بكر ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إذا نعى الرجل أهله ، أو خبّروها أنه طلقها ، فاعتدت ، ثم تزوجت ، فجاء زوجها بعد فإن الأول أحق بها من هذا الآخر دخل بها أو لم يدخل بها ، ولها من الأخير المهر بما استحل من فرجها ، قال : وليس للآخر أن يتزوجها أبداً (2) .

58. الشيخ الكليني : أبو العباس الرزاز ، عن أيوب ابن نوح ، عن صفوان ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الله بن المغيرة قال : تزوج حمزة بن حمران ابنة بكير فلما أراد أن يدخل بها قال له النساء : لسنا ندخلها عليك حتى تحلف لنا ولسنا نرضى أن تحلف بالعتق لأنك لا تراه شيئاً ولكن احلف لنا بالظهار وظاهر من أمهات أولادك وجواريك ، فظاهر منهن ثم ذكر ذلك لأبي عبد الله عليه السلام فقال : ليس عليك شئ ارجع إليهن (3) .

59. الشيخ الكليني : أبو العباس الرزاز ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن إسحاق بن عمار قال : سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يظاهر من جاريته ، فقال : الحرة والأمة في ذلك سواء (4) .

60. الشيخ الكليني : أبو العباس الرزاز ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان قال : حدثنا أبو عينية ، عن زرارة قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : إني ظاهرت من أم ولد لي ثم واقعت عليها ثم كفرت ، فقال : هكذا يصنع الرجل الفقيه إذا واقع كفّر (5) .

ص: 111


1- الكافي 6\143 .
2- المصدر نفسه 6\149 .
3- المصدر نفسه 6\154 .
4- المصدر نفسه 6\156 .
5- المصدر نفسه 6\159.

61. الشيخ الكليني : أبو العباس الرزاز ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن عيص بن القاسم قال : إن ابن شبرمة قال : الطلاق للرجل ؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام : الطلاق للنساء ، وتبيان ذلك أن العبد يكون تحته الحرة فيكون تطليقها ثلاثا ويكون الحر تحته الأمة فيكون طلاقها تطليقتين (1) .

62. الشيخ الصدوق : أبي رحمه الله قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان ، عن موسي بن بُكير ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : تزوجوا في الشُكاك ولا تزوجوهم ؛ لأن المرأة تأخذ من أدب زوجها ويقهرها على دينه (2) .

63. الشيخ الكليني : محمد بن يحيى ، عن محمد بن أحمد ، عن أيوب بن نوح ، عن العباس بن عامر قال : سألته عن رجل أوصى له بوصية فمات قبل أن يقبضها ولم يترك عقباً ؟ قال : اطلب له وارثاً أو مولى فادفعها إليه ، قلت : فإن لم أعلم له ولياً ؟ قال : اجهد على أن تقدر له على ولي ، فإن لم تجده وعلم الله عز وجل منك الجد فتصدق بها (3) .

64. ابن قولويه القمي : حدثني محمد بن أحمد بن الحسين ، عن الحسن بن علي بن مَهْزِيار ، عن أبيه علي ، عن أيوب بن نوح وغيره ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن أبي اليسع ، قال : سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) - وأنا اسمع - عن الغسل إذا أتى قبر الحسين (عليه السلام) ، فقال : لا .

وحدثني جماعة مشايخي ، عن سعد بن عبد الله ، عن محمد ابن الحسين ، عن أيوب بن نوح وغيره ، عن عبد الله بن المغيرة ، قال : حدثنا أبو اليسع - وذكر الحديث بنفسه (4)

ص: 112


1- الكافي 6\167 ، والكلام الأخير لعله من تعليقات الكليني أو أحد الرواة كأيوب وصفوان .
2- علل الشرائع 2\502 .
3- الكافي 7\13 .
4- كامل الزيارات 347 ، لعل المقصود نفي الوجوب ، أو نفي الغسل للتقية .

65. ابن قولويه القمي : حدثني محمد بن جعفر ، عن محمد بن الحسين ، عن أيوب ابن نوح وغيره ، عن عبد الله بن المغيرة ، قال : حدثنا أبو اليسع ، قال : سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) وأنا اسمع عن الغسل إذا أتى قبر الحسين (عليه السلام) ، قال : اجعله قبلة إذا صليت ، قال : تنح هكذا ناحية ، قال : آخذ من طين قبره ويكون عندي اطلب بركته ، قال : نعم - أو قال : لا بأس بذلك (1) .

66. الشيخ الصدوق : حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد - رضي الله عنه - قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن معاوية بن عمار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن يوم الحج الأكبر فقال : هو يوم النحر ، والأصغر العمرة (2).

67. الشيخ الصدوق : أبي - رحمه الله - قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن أخي دارم ، عن محمد بن مسلم ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : من ولد في الاسلام فهو عربي ، ومن دخل فيه طوعاً أفضل ممن دخل فيه كرهاً ، والمولى هو الذي يؤخذ أسيراً من أرضه ويسلم فذلك المولى (3) .

68. الشيخ الصدوق : أبى رحمه الله قال : حدثنا محمد بن يحيى وأحمد بن إدريس جميعاً ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ومحمد بن عيسى ، عن أيوب بن نوح رفعه قال : قال أبو عبد الله الصلاة في الخز الخالص : لا بأس به ، وأما الذي يخلط فيه الأرانب أو غيرها مما يشبه هذا فلا تصل فيه (4) .

69. الشيخ الصدوق : أبي رحمه الله قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أيوب بن نوح ، عن محمد بن الفضل ، عن أبي الصباح الكناني قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام

ص: 113


1- كامل الزيارات 425 .
2- معاني الأخبار 295 .
3- المصدر نفسه 404 .
4- علل الشرائع 2\357 .

عن الرجل يقوم في الصف وحده ؟ قال : لا بأس إنما تبدأ الصفوف واحداً بعد واحد (1) .

70. الشيخ الصدوق : حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : صار السعي بين الصفا والمروة ؛ لأن إبراهيم عليه السلام عرض له إبليس فأمره جبرئيل عليه السلام فشد عليه فهرب منه فجرت به السنة - يعني بالهرولة - (2).

71. الشيخ الصدوق : أبي رضي الله عنه قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن معاوية بن عمار قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : إعلم ان من تمام الحج والعمرة أن تحرم من الوقت الذي وقّته رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا تتجاوز إلا وأنت محرم ، فإنه وقّت لأهل العراق ولم يكن يومئذ عراق (بطن العقيق) (3) من قبل العراق ، ووقّت لأهل الطائف (قَرَن المنازل) (4) ، ووقّت لأهل المغرب (الجُحفة) (5) وهي مكتوبة عندنا مهيعة ، ووقّت لأهل المدينة (ذا الحليفة) (6)

ص: 114


1- علل الشرائع 2\361 .
2- المصدر نفسه 2\432 .
3- وادٍ قرب المدينة المنورة ، يقال إنه ببطن ذي الحليفة ، ويقال له امتداد إلى البقيع ، ويقال إنه قريب من (ذات عرق) قبلها بمرحلة أو مرحلتين – معجم البلدان 4\139 .
4- القَرَن (بالتحريك) : موضع ، وهو ميقات أهل نجد ، ومنه أويس القرني ويسمى أيضا ( قرن المنازل ) و ( قرن الثعالب ) – مجمع البحرين 3\496 ، ويقال بينه وبين الطائف ستة وثلاثون ميلاً – معجم البلدان 4\332 .
5- الجُحفة : كانت قرية كبيرة ذات منبر على طريق المدينة من مكة على أربع مراحل ، وهي ميقات أهل مصر والشام ، وكان اسمها مهيعة ، وإنما سميت الجحفة لان السيل اجتحفها وحمل أهلها في بعض الأعوام – معجم البلدان 2\111 .
6- موضع على ستة أميال من المدينة وميقات الحاج منه – مجمع البحرين 1\560 ، وقال الحموي : (الحليفة : بالتصغير أيضا ، والفاء ، ذو الحليفة : قرية بينها وبين المدينة ستة أميال أو سبعة ، ومنها ميقات أهل المدينة) – معجم البلدان 2\295 .

، ووقت لأهل اليمين (يلملم (1)) ، ومن كان منزله بخلف هذا المواقيت مما يلي مكة فوقته منزله (2) .

72. ابن إدريس الحلي : عن أيوب بن نوح قال : كتب معي بشر بن بشار (3) : جعلت فداك رجل تزوج امرأة فولدت منه ، ثم فارقها متى يجب له أن يأخذ ولده ، فكتب له : إذا صار له سبع سنين ، فإن أخذه فله ، وإن تركه فله (4) .

73. الشيخ الصدوق : حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن طير أهلي اقبل فدخل الحرم ، قال : لا يُمس ؛ لأن الله تعالى يقول : (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا) (5) .

74. الشيخ الكليني : محمد بن يحيى ، وغيره ، عن محمد بن أحمد ، عن أيوب بن نوح ، عن العباس بن عامر عن داود بن الحصين ، عن منصور قال : سألته عن الشاة بالشاتين والبيضة بالبيضتين ، قال : لا بأس ما لم يكن كيلاً أو وزناً (6) .

روايات الأخلاق

75. الشيخ الصدوق : حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس (رحمه الله) ، قال : حدثني أبي ، عن أيوب بن نوح ، عن محمد بن زياد ، عن غياث بن إبراهيم ، عن الصادق جعفر

ص: 115


1- الملم : بفتح أول وثانيه ، يقال : يلملم ، والروايتان جيدتان صحيحتان مستعملتان : جبل من جبال تهامة على ليلتين من مكة ، وهو ميقات أهل اليمن ، والياء فيه بدل من الهمزة وليست مزيدة ، وقد أكثر من ذكره شعراء الحجاز وتهامة ، فقال أبو دهبل يصف ناقة له : خرجت بها من بطن مكة ، بعدما أصات المنادي للصلاة وأعتما ، فما نام من راع ولا ارتد سامر ، من الحي ، حتى جاوزت بي ألملما – معجم البلدان 1\246 .
2- علل الشرائع 2\343 .
3- بشر بن بشار النيسابوري : من أصحاب الهادي صلوات الله عليه ، وهو عم أبي عبد الله الشاذاني – مستدركات علم رجال الحديث 2\28 .
4- مستطرفات السرائر 581 .
5- علل الشرائع 2\451 آل عمران : 98 .
6- الكافي 5\191 .

بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه (عليهم السلام) ، قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : من أحسن فيما بقي من عمره ، لم يؤاخذ بما مضى من ذنبه ، ومن أساء فيما بقي من عمره أُخذ بالأول والآخر (1) .

76. الشيخ الكليني : عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن أيوب بن نوح ، عن ابن سنان ، عن أبي الجارود ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إن الله تبارك وتعالى يبعث يوم القيامة ناساً من قبورهم ، مشدودة أيديهم إلى أعناقهم ، لا يستطيعون أن يتناولوا بها قيس أنملة ، معهم ملائكة يعيرونهم تعييراً شديداً ، يقولون : هؤلاء الذين منعوا خيراً قليلاً من خير كثير ، هؤلاء الذين أعطاهم الله فمنعوا حق الله في أموالهم (2) .

77. الشيخ الصدوق : حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رضي الله عنه) ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، قال : حدثنا أيوب بن نوح ، قال : حدثنا محمد بن أبي عمير ، قال : حدثني محمد بن حمران ، عن الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) ، قال : من قال في أخيه المؤمن ما رأته عيناه وسمعته أذناه ، فهو ممن قال الله عز وجل : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ) (3) .

78. الشيخ الصدوق : حدثنا أبي (رحمه الله) ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أيوب بن نوح ، عن محمد بن أبي عمير ، عن مثنى بن الوليد الحناط ، عن أبي بصير ، قال : قال لي أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) : أما تحزن ، أما تهتم ، أما تألم ؟ قلت : بلى والله . قال : فإذا كان ذلك منها فاذكر الموت ، ووحدتك في قبرك ، وسيلان عينيك

ص: 116


1- أمالي الصدوق 111 .
2- الكافي 3\506 .
3- أمالي الصدوق 417 ، والآية من سورة النور : 19 .

على خديك ، وتقطع أوصالك ، وأكل الدود من لحمك ، وبلاك ، وانقطاعك عن الدنيا ، فإن ذلك يحثك على العمل ، ويردعك عن كثير من الحرص على الدنيا (1) .

79. الشيخ الصدوق : حدثنا أبي (رحمه الله) ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أيوب بن نوح ، عن محمد بن أبي عمير ، عن بشر بن مسلمة ، عن مسمع أبي سيار ، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) ، قال : من تصدق حين يصبح بصدقة ، أذهب الله عنه نحس ذلك اليوم (2) .

80. الشيخ الصدوق : حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رضي الله عنه) ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) ، قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إن آدم شكا إلى الله عز وجل ما يلقى من حديث النفس والحزن ، فنزل عليه جبرئيل (عليه السلام) فقال له : يا آدم ، قل : لا حول ولا قوة إلا بالله ، فقالها فذهب عنه الوسوسة والحزن (3) .

81. الشيخ الصدوق : حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، وسعد بن عبد الله جميعاً ، قالا : حدثنا أيوب بن نوح ، عن محمد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل : (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه) (4) قال : يحول بينه وبين أن يعلم أن الباطل حق ، وقد قيل : إن الله تبارك وتعالى يحول بين المرء وقلبه بالموت (5) ، وقال أبو عبد الله عليه السلام : إن الله تبارك وتعالى ينقل العبد من الشقاء إلى السعادة ولا ينقله من السعادة إلى الشقاء (6) .

ص: 117


1- أمالي الصدوق 4126 .
2- المصدر نفسه 528 .
3- المصدر نفسه 637 .
4- الأنفال : 24 .
5- لعل هذا القيل من كلام هشام أو راوٍ آخر .
6- التوحيد 358 .

82. الشيخ الصدوق : حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أيوب بن نوح ، عن محمد بن أبي عمير ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن علي بن الحسين عليهما السلام ، قال : إن الله تبارك وتعالى وكّل بالسعر ملكاً يدبره بأمره ، وقال أبو حمزة الثمالي : ذكر عند علي بن الحسين عليهما السلام ، غلاء السعر فقال : وما علي من غلائه ، إن غلا فهو عليه ، وإن رخص فهو عليه (1) .

83. الشيخ الصدوق : حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا سعد بن عبد الله قال : حدثنا أيوب بن نوح ، عن محمد بن أبي عمير ، عن الفراء ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام قال : من رضي القضاء أتى عليه القضاء وهو مأجور ، ومن سخط القضاء أتى عليه القضاء وأحبط الله أجره (2) .

84. الشيخ الصدوق : حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار قال : حدثني أيوب بن نوح ، عن محمد بن سنان ، عن موسى بن بكر الواسطي قال : قلت لأبي - الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام : الرجل يقول لابنه أو لابنته بأبي أنت وأمي أو بأبوي . أترى بذلك بأساً ؟ فقال : إن كان أبواه حيين فأرى ذلك عقوقاً ، وإن كانا قد ماتا فلا بأس . قال : ثم قال : كان جعفر عليه السلام يقول : سَعُدَ امرؤ لم يمت حتى يرى خلفه من بعده ، وقد والله أراني الله خلفي من بعدي (3) .

85. الشيخ الصدوق : حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال : حدثنا محمد ابن الحسن الصفار ، عن أيوب بن نوح ، عن الربيع بن محمد المسلي ، عن أبي الربيع الشامي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ما عبد الله بشئ أفضل من الصمت ، والمشي إلى بيته (4) .

ص: 118


1- التوحيد 388 .
2- الخصال 23 .
3- المصدر نفسه 26 .
4- المصدر نفسه 35 .

86. الشيخ الصدوق : حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أيوب بن نوح ، وإبراهيم بن هاشم جميعاً ، عن محمد بن أبي عمير عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : وجدنا في كتاب علي عليه السلام : إن الكبائر خمس : الشرك بالله عز وجل ، وعقوق الوالدين ، وأكل الربا بعد البينة ، والفرار من الزحف ، والتعرب بعد الهجرة (1) .

87. الشيخ الصدوق : حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أيوب بن نوح ، عن ربيع بن محمد المسلي ، عن عبد الأعلى ، عن نوف {البكالي} قال : بت ليلة عند أمير المؤمنين علي عليه السلام فكان يصلي الليل كله ويخرج ساعة بعد ساعة فينظر إلى السماء و يتلو القرآن ، قال : فمر بي بعد هدوء من الليل فقال : يا نوف أراقد أنت أم رامق ؟ قلت : بل رامق أرمقك ببصري يا أمير المؤمنين ، قال : يا نوف طوبى للزاهدين في الدنيا والراغبين في الآخرة ، أولئك الذين اتخذوا الأرض بساطاً ، وترابها فراشاً ، وماءها طيباً ، والقرآن دثاراً ، والدعاء شعاراً ، وقرضوا من الدنيا تقريضاً ، على منهاج عيسى بن مريم عليه السلام ، إن الله عز وجل أوحى إلى عيسى بن مريم عليه السلام : قل للملا من بني إسرائيل : لا يدخلوا بيتاً من بيوتي إلا بقلوب طاهرة ، وأبصار خاشعة ، وأكف نقية ، وقل لهم : اعلموا أني غير مستجيب لأحد منكم دعوة ولأحد من خلقي قِبَلَه مظلمة ، يا نوف إياك أن تكون عشّاراً (2) ، أو شاعراً ، أو شرطياً ، أو عريفاً (3) ، أو صاحب عَرْطَبة وهي الطُنبور (4) ، أو صاحب كوبة وهو الطبل ، فإن نبي الله صلى الله عليه وآله خرج ذات ليلة فنظر إلى السماء فقال : إنها

ص: 119


1- الخصال 273 .
2- هو الذي يأخذ من الناس عشر أموالهم ضريبة بأمر السلطان الجائر .
3- العَريف ، مفرد عُرفاء ، وهو القيم بأمور القبيلة أو الجماعة من الناس يلي أمورهم ويتعرف الأمير منه أحوالهم ، فعيل بمعنى فاعل ، والعرافة عمله – لسان العرب 9\238 .
4- الطُنبور : الطنبار معروف ، فارسي معرب دخيل ، أصله دنبه بره أي يشبه ألية الحمل ، فقيل : طنبور . الليث : الطنبور الذي يلعب به ، معرب وقد استعمل في لفظ العربية – لسان العرب 4\504 .

الساعة التي لا ترد فيها دعوة إلا دعوة عريف ، أو دعوة شاعر ، أو دعوة عاشر ، أو شرطي ، أو صاحب عرطبة ، أو صاحب كوبة (1) .

88. الشيخ الصدوق : حدثني محمد بن الحسن قال : حدثني محمد بن الحسن الصفار ، عن أيوب ابن نوح ، عن محمد بن أبي عمير ، عن ابن سنان قال : حدثني رجل من أهل همذان يقال له عبد الله بن الضحاك ، عن أبي خالد الأحمر ، عن أبي مريم الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إن اليتيم إذا بكى اهتز له العرش فيقول الرب تبارك وتعالى : من هذا الذي أبكى عبدي الذي أسلبته أبويه في صغره ، فوعزتي وجلالي لا يسكته أحد إلا أوجبت له الجنة (2) .

89. الشيخ الصدوق : أبى رحمه الله قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أيوب بن نوح ، عن محمد بن أبي عمير ، عن عبد الأعلى مولى آل سام قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : لو يعلم الناس كيف كان أصل الخلق لم يختلف اثنان (3) .

90. الشيخ الصدوق : أبى رحمه الله قال : حدثنا سعد بن عبد الله قال : حدثنا أيوب بن نوح ، عن محمد بن أبي عمير ، عن حفص بن البختري ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان الناس لا يشيبون فأبصر إبراهيم عليه السلام شيباً في لحيته ، فقال يا رب : ما هذا ؟ فقال : هذا وقار ، فقال : رب زدني وقاراً (4) .

91. الشيخ الصدوق : أبى رحمه الله قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أيوب بن نوح ، عن محمد بن أبي عمير ، عن غير واحد ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، عن أبيه عن جده عليهم السلام قال أمير المؤمنين عليه السلام : عجبت لابن آدم أوله نطفة ، وآخره جيفة ، وهو قائم بينهما وعاء للغائط ، ثم يتكبر (5) .

ص: 120


1- الخصال 337 .
2- ثواب الأعمال 200 .
3- علل الشرائع 1\85 .
4- المصدر نفسه 1\104 .
5- المصدر نفسه 1\275 .

92. الشيخ الصدوق : حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أيوب بن نوح ، عن العباس بن عامر ، عن داود بن الحصين ، عن سفيان الحريزي ، عن العزرمي ، عن أبيه رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وآله قال : من أمّ قوماً وفيهم من هو أعلم منه ، لم يزل أمرهم إلى سفال إلى يوم القيامة (1) .

93. الشيخ الصدوق : أبي رحمه الله قال : حدثنا سعد بن عبد الله عن أيوب بن نوح عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن محمد بن مسلم قال : أبو عبد الله عليه السلام : إن العبد ليرفع له من صلاته نصفها أو ثلثها أو ربعها أو خمسها وما يرفع له إلا ما أقبل عليه منها بقلبه وإنما أمروا بالنوافل لتتم لهم بها ما نقصوا من الفريضة (2) .

94. الشيخ الصدوق : أبي رحمه الله قال : حدثنا سعد بن عبد الله قال : حدثنا أيوب بن نوح قال : حدثنا محمد بن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان رجل في الزمن الأول طلب الدنيا من حلال فلم يقدر عليها وطلبها من حرام فلم يقدر عليها فاتاه الشيطان فقال له : يا هذا إنك قد طلبت الدنيا من حلال فلم تقدر عليها وطلبتها من حرام فلم تقدر عليها ، أفلا أدلك على شئ تكثر به دنياك ويكثر به تبعك ، قال : بلى ، قال : تبتدع ديناً وتدعو إليه الناس ففعل ، فاستجاب له الناس ، فأطاعوه ، وأصاب من الدنيا ، ثم إنه فكر فقال : ما صنعت ابتدعت ديناً ، ودعوت الناس ما أرى لي توبة إلا آتي مَن دعوتُه إليه فأردَّه عنه ، فجعل يأتي أصحابه الذين أجابوه فيقول : إن الذي دعوتكم إليه باطل ، وإنما ابتدعته ، فجعلوا يقولون : كذبت وهو الحق ، ولكنك شككت في دينك ، فرجعت عنه فلما رأى ذلك عَمَد إلى سلسلة فوتد لها وتداً ، ثم جعلها في عنقه وقال : لا أحلها حتى يتوب الله تعالى علي ، فأوحى

ص: 121


1- علل الشرائع 2\326 .
2- المصدر نفسه 2\328 .

الله تعالى إلى نبي من الأنبياء قل لفلان : وعزتي لو دعوتني حتى تنقطع أوصالك ما استجبت لك حتى ترد من مات إلى ما دعوته إليه فيرجع عنه (1) .

95. الشيخ الصدوق : أبي رحمه الله قال : حدثنا سعد بن عبد الله عن أيوب بن نوح عن صفوان بن يحيى عن معاوية بن عمار قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : الصاعقة لا تصيب المؤمن ، فقال له رجل : فانا قد رأينا فلاناً يصلي في المسجد الحرام فأصابته فقال أبو عبد الله عليه السلام : إنه كان يرمى حمام الحرم (2) .

96. أو الفتح الكراكجي : عن محمد بن أحمد بن شاذان القمي ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن صالح ، عن سعد بن عبد الله ، عن أيوب بن نوح قال : قال الرضا عليه السلام : سبعة أشياء بغير سبعة أشياء من الاستهزاء : من استغفر بلسانه ولم يندم بقلبه فقد استهزأ بنفسه ، ومن سأل الله التوفيق ولم يجتهد فقد استهزأ بنفسه . ومن استحزم ولم يحذر فقد استهزأ بنفسه ، ومن سأل الله الجنة ولم يصبر على الشدائد فقد استهزأ بنفسه ، ومن تعوذ بالله من النار ولم يترك شهوات الدنيا فقد استهزأ بنفسه ، ومن ذكر الله ولم يستبق (يشتق) إلى لقائه فقد استهزأ بنفسه (3) .

97. الشيخ الطوسي : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا محمد بن جعفر الرزاز أبو العباس القرشي ، قال : حدثنا أيوب بن نوح بن دراج ، قال : حدثنا بشار بن

ص: 122


1- علل الشرائع 2\492 ، هذا مخالف لقوله تعالى : (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) النساء : 48 ، فلعل توبته لم تكن عن ندم حقيقي ، وقد ورد هذا المعنى عن أهل البيت عليهم السلام ، منها ما رواه البرقي في محاسنه 1\207 قال : عن يعقوب بن يزيد ، عن محمد بن جمهور العمي ، بإسناده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أبي الله لصاحب البدعة بالتوبة ، قيل : يا رسول الله كيف ذاك ؟ - قال : «إنه قد أشرب قلبه حبها» ، وقال المولى المازندراني في شرح هذا الحديث : «والمقصود أنه لما دخل حب البدعة في أعماق قلبه وتداخل شراب محبتها في جميع أجزائه صار قلبه مريضا بأمراض مهلكة بل ميتا لا يدرك قبح عمله وفساده فلا يندم عنه أبدا ، فلا رجاء لحياته بروح التوبة والندامة ولذلك لا يرجع إلى الحق من أصحاب الملل الفاسدة والجهل المركب إلا قليل ممن أخذ بيده التوفيق وهداه إلى سواء الطريق» – شرح أصول الكافي 2\237 .
2- علل الشرائع 2\462 .
3- كنز الفوائد 152 ، بحار الأنوار 75\356 .

ذراع (1) ، عن أخيه يسار ، عن حمران ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه (عليه السلام) ، عن جابر بن عبد الله ، قال . بينا أمير المؤمنين (عليه السلام) في جماعة من أصحابه أنا فيهم ، إذ ذكروا الدنيا وتصرفها بأهلها ، فذمها رجل ، فذهب في ذمها كل مذهب ، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : أيها الذامُّ للدنيا ، أنت المتجرم عليها ، أم هي المتجرمة عليك ؟ فقال . بل أنا المتجرم عليها ، يا أمير المؤمنين . قال : فبم تذمها ؟ أليست منزل صدق لمن صدقها ، ودار غنى لمن تزود منها ، ودار عافية لمن فهم عنها ، ومساجد أنبياء الله ، ومهبط وحيه ، ومصلى ملائكته ، ومتجر أوليائه ، اكتسبوا فيها الرحمة وربحوا فيها الجنة ؟ فمن ذا يذمها ؟ وقد آذنَتْ ببينها ، ونادتْ بانقضائها ، ونعتْ نفسها وأهلها ، فمثلت ببلائها البلى ، وتشوقت بسرورها إلى السرور تخويفاً وترغيباً ، فابتكرت بعافية ، وراحت بفجيعة ، فذمها رجال فرطوا غداة الندامة ، وحمدها آخرون اكتسبوا فيها الخير .

فيا أيها الذام للدنيا ، المغتر بغرورها ، متى استذمت إليك ، أم متى غرتك ، أبمضاجع آبائك من البلى ، أم بمصارع أمهاتك تحت الثرى ؟ كم مرضت بيديك ، وعالجت بكفيك ؟ تلتمس لهم الشفاء ، وتستوصف لهم الأطباء ، لم تنفعهم بشفاعتك ، ولم تسعفهم في طلبتك ، مثّلتْ لك - ويحك - الدنيا بمصرعهم مصرعك ، وبمضجعهم مضجعك ، حين لا يغني بكاؤك ، ولا ينفعك أحباؤك . ثم التفت إلى أهل المقابر ، فقال : يا أهل التربة ، ويا أهل الغربة ، أما المنازل فقد سكنت ، وأما الأموال فقد قسمت ، وأما الأزواج

ص: 123


1- قال الرازي في الجرح والتعديل 1\428 : «شار بن ذراع العبدي روى عن جابر الجعفي روى عنه الحسن ابن عبد الله بن حرب المصيصي» ، وقال ابن ماكولا في إكمال الكمال 1\312 : «يسار بن ذراع ، كوفي ، وهو أخو بشار بن ذراع ، روى عن حمران عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر عن علي رضي الله عنه ، روى عنه اخوه بشار بن ذراع ، ولم يقع له إلى غير هذا الحديث» ، وهو يشير إلى هذه الرواية التي أوردناها ، وإنما رواها الإمام الباقر عليه السلام عن جابر الأنصاري لأسباب منها : أنه عليه السلام كان مطالباً أن يسند مروياته عن أمير المؤمنين عليه السلام ، ومنها للدلالة أن جابراً كان حاضراً في تلك الواقعة ، والله تعالى هو العالم .

فقد نكحت ، هذا خبر ما عندنا ، فما خبر ما عندكم ؟ ثم أقبل على أصحابه فقال : والله لو أذن لهم في الكلام لأخبروكم أن خير الزاد التقوى (1) .

98. الشيخ الطوسي : أخبرنا جماعة ، عن أبي المفضل ، قال : حدثنا محمد بن جعفر الرزاز القرشي أبو العباس بالكوفة ، قال : حدثنا أيوب بن نوح بن دراج ، قال : حدثنا علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده ، عن الحسين بن علي ، عن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) ، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : أوحى الله عز وجل إلى نجيه موسى بن عمران (عليه السلام) : يا موسى أحببني وحببني إلى خلقي . قال : يا رب إني أحبك ، فكيف أحببك إلى خلقك ؟ قال : أذكر لهم نعمائي عليهم ، وبلائي عندهم ، فإنهم لا يذكرون إذ لا يعرفون مني إلا كل خير (2) .

رواياته التاريخية

99. الشيخ الصدوق : حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد - رحمه الله - قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أيوب بن نوح ، ويعقوب يزيد ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن شعيب ، عن أبي كهمس قال : حضرت موت إسماعيل وأبو عبد الله عليه السلام جالس عنده فلما حضره الموت شد لحييه وغطاه بالملحفة ، ثم أمر بتهيئته ، فلما فرغ من أمره دعا بكفنه وكتب في حاشية الكفن (إسماعيل يشهد أن لا إله إلا الله) (3) .

100. الشيخ الصدوق : حدثنا محمد بن الحسن رضي الله عنه قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أيوب بن نوح ، عن العباس بن عامر ، عن علي بن أبي سارة ، عن محمد ابن مروان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن أبا طالب أظهر الكفر

ص: 124


1- أمالي الطوسي 595 .
2- المصدر نفسه 484 .
3- كمال الدين 72 .

وأسر الإيمان ، فلما حضرته الوفاة أوحى الله عز وجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله : أخرج منها ، فليس لك بها ناصر ، فهاجر إلى المدينة (1) .

101. الشيخ الصدوق : حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد - رضي الله عنه - قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أيوب بن نوح ، عن محمد بن أبي عمير ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام ، قال : الاشتهار بالعبادة ريبة ، إن أبي حدثني عن أبيه ، عن جده عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : أعبد الناس من أقام الفرائض ، و أسخى الناس من أدى زكاة ماله ، وأزهد الناس من اجتنب الحرام ، وأتقى الناس من قال الحق فيما له وعليه ، وأعدل الناس من رضي {للناس} ما يرضى لنفسه وكره لهم ما يكره لنفسه ، وأكيس الناس من كان أشد ذكراً للموت ، وأغبط الناس من كان تحت التراب قد أمن العقاب يرجوا الثواب ، وأغفل الناس من لم يتعظ بتغير الدنيا من حال إلى حال ، وأعظم الناس في الدنيا خطراً من لم يجعل للدنيا عنده خطراً ، وأعلم الناس من جمع علم الناس إلى علمه ، وأشجع الناس من غلب هواه ، وأكثر الناس قيمة أكثرهم علماً ، وأقل الناس لذة الحسود ، وأقل الناس راحة البخيل ، وأبخل الناس من بخل بما افترض الله عز وجل عليه ، وأولى الناس بالحق أعلمهم به ، وأقل الناس حرمة الفاسق ، وأقل الناس وفاء الملوك (2) ، وأقل الناس صديقاً الملك ، وأفقر الناس الطامع ، وأغنى الناس من لم يكن للحرص أسيراً ، وأفضل الناس إيماناً أحسنهم خُلُقاً ، وأكرم الناس أتقاهم ، وأعظم الناس قدراً من ترك ما لا يعنيه ، وأورع الناس من ترك المراء وإن كان محقاً ، وأقل الناس مروءة من كان كاذباً ، وأشقى الناس الملوك ، وأمقت الناس المتكبر ، وأشد الناس اجتهاداً من ترك الذنوب . وأحلم الناس من فر من جُهّال الناس ، وأسعد الناس من خالط كرام الناس ، وأعقل الناس أشدهم مداراة للناس ، وأولى الناس بالتهمة من جالس أهل التهمة ، وأعتى الناس من قتل غير قاتله أو ضرب غير ضاربه ، وأولى

ص: 125


1- كمال الدين 174 .
2- في من لا يحضره الفقيه : (المملوك) .

الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة ، وأحق الناس بالذنب السفيه المغتاب ، وأذل الناس من أهان الناس ، وأحزم الناس أكظمهم للغيظ ، وأصلح الناس أصلحهم للناس ، وخير الناس من انتفع به الناس (1) .

102. الشيخ الصدوق : أبي - رحمه الله - قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا أيوب بن نوح قال : حدثنا محمد بن أبي عمير ، وصفوان بن يحيى جميعاً رفعاه إلى أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : المحصور غير المصدود ، وقال : المحصور هو المريض ، والمصدود هو الذي يرده المشركون كما ردوا رسول الله صلى الله عليه وآله ليس من مرض ، والمصدود تحل له النساء ، والمحصور لا تحل له النساء (2) .

103. الشيخ الكليني : - بعض أصحابنا ، عن علي بن الحسين بن صالح التيملي عن أيوب بن نوح ، عن محمد بن سنان ، عن رجل ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : أتى رجل النبي (صلى الله عليه وآله) فقال : يا رسول الله عندي مهيرة العرب (3) وأنا أحب أن تقبلها وهي ابنتي ، قال : فقال : قد قبلتُها ، قال : فاخري يا رسول الله ، قال : وما هي ؟ قال : لم يضرب عليها صدغ قط (4) قال : لا حاجة لي فيها ولكن زوجها من حلبيب (5) ، قال : فسقط رجلا الرجلِ مما دخله ، ثم أتى أمها فأخبرها الخبر فدخلها مثل ما دخله ، فسمعت الجارية مقالته ، ورأت ما دخل أباها ، فقالت لهما : ارضيا لي ما رضي الله ورسوله لي ، قال : فتسلى ذلك عنهما ، وأتى أبوها النبي (صلى الله عليه

ص: 126


1- معاني الأخبار 195 ، من لا يحضره الفقيه 4\394 من غير طريق أيوب بن نوح .
2- معاني الأخبار 222 .
3- المهيرة من النساء : الحرة الغالية المهر .
4- قال الشيخ علي أكب غفاري محقق كتاب الكافي : الصُدغ - بضم المهملة واعجام الغين - : ما بين العين والأذن وكان ضربها كناية عن الإصابة بمصيبة . وفى بعض النسخ { لم يضرب عليها صدع } ولعله من الصداع وهو وجع الرأس يقال منه صدع تصديعا بالبناء للمفعول كما في المصباح .
5- قال الشيخ علي أكب غفاري محقق كتاب الكافي : في أكثر النسخ بالحاء المهملة ولكن الصحيح - بالجيم كقنيديل - كما في القاموس ، وفى جامع الأصول جُلَيْبيب بن عبد الله الفهري الأنصاري - بضم الجيم وفتح اللام وسكون الياء الأولى وكسر الباء الموحدة وبعدها ياء أخرى بنقطتين ثم الباء - وفى الإصابة (جلبيب) وأشار إلى قصة تزويجه بالأنصارية .

وآله) فأخبره الخبر فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : قد جعلتُ مهرها الجنة . وزاد فيه صفوان قال : فمات عنها حلبيب فبلغ مهرها بعده مائة ألف درهم (1) .

104. الشيخ الصدوق : أبي رحمه الله قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أيوب بن نوح ، عن صفوان بن يحيى ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : أول من رمى الجِمار آدم عليه السلام ، وقال : أتى جبرئيل عليه السلام إبراهيم فقال : إرم يا إبراهيم ، فرمى جمرة العقبة ، وذلك أن الشيطان تمثل له عندها (2) .

105. الرواندي : بسنده عن الصفار ، عن أيوب بن نوح ، عن محمد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، قال : قلت لأبي عبد الله صلوات الله عليه : ما بلغ من حزن يعقوب على يوسف ؟ قال : حزن سبعين ثكلى ، قال : ولما كان يوسف صلوات الله عليه في السجن دخل عليه جبرئيل عليه السلام ، فقال : إن الله تعالى ابتلاك وابتلى أباك وان الله ينجيك من هذا السجن ، فاسأل الله بحق محمد وأهل بيته أن يخلصك مما أنت فيه ، فقال يوسف : "اللهم إني أسألك بحق محمد وأهل بيته الا عجلت فرجي وأرحتني مما انا فيه" ، قال جبرئيل عليه السلام : فابشر أيها الصديق ، فان الله تعالى أرسلني إليك بالبشارة بأنه يخرجك من السجن إلى ثلاثة أيام ، ويملكك مصر وأهلها تخدمك أشرافها ، ويجمع إليك اخوتك وأباك ، فابشر أيها الصديق انك صفي الله وابن صفيه . فلم يلبث يوسف عليه السلام إلا تلك الليلة حتى رأى الملك رؤيا أفزعته ، فقصها على أعوانه ، فلم يدروا ما تأويلها . فذكر الغلام الذي نجا من السجن يوسف فقال له : أيها الملك أرسلني إلى السجن ، فان فيه رجلاً لم يُرَ مثله حلماً وعلماً وتفسيراً ، وقد كنت أنا وفلان غضبت علينا وأمرت بحبسنا رأينا رؤيا فعبرها لنا وكان كما قال ، ففلان صلب وأما أنا فنجوت فقال له الملك : انطلق إليه ، فدخل وقال : يا يوسف : (أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ) (3)

ص: 127


1- الكافي 5\343 .
2- علل الشرائع 2\437 ، والآية من سورة آل عمران : 97 .
3- يوسف : 46 .

فلما بلغ رسالة يوسف الملك قال : (ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي) (1) فلما بلغ يوسف رسالة الملك قال : كيف أرجو كرامته وقد عرف براءتي وحبسني سنين ؟ ، فلما سمع الملك أرسل إلى النسوة فقال ما خطبكن (قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ) (2) . فأرسل إليه وأخرجه من السجن ، فلما كلمه أعجبه كماله وعقله فقال له : أقصص رؤياي فإني أريد أن اسمعها منك ، فذكره يوسف كما رأى وفسرها . قال الملك : صدقت فمن لي بجمع ذلك وحفظه ؟ فقال يوسف : إن الله تعالى أوحى إلي إني مدبره والقيم به في تلك السنين ، فقال له الملك : صدقت ، دونك خاتمي وسريري وتاجي .

فأقبل يوسف على جمع الطعام في السنين السبع الخصيبة يكبسه في الخزائن في سنبله ، ثم أقبلت السنون الجدبة اقبل يوسف عليه السلام على بيع الطعام ، فباعهم في السنة الأولى بالدراهم و الدينار ، حتى لم يبق بمصر وما حولها دينار ولا درهم إلا صار في مملكة يوسف ، وباعهم في السنة الثانية بالحلي والجواهر حتى لم يبق بمصر حلي ولا جوهر إلا صار في مملكته ، وباعهم في السنة الثالثة بالدواب والمواشي حتى لم يبق بمصر وما حولها دابة ولا ماشية إلا صارت في مملكة يوسف ، ولا أمة إلا وصار في مملكة يوسف ، وباعهم في السنة الخامسة بالدور والعقار حتى لم يبق بمصر وما حولها دار ولا عقار إلا صار في مملكة يوسف ، وباعهم في السنة السادسة بالمزارع والأنهار حتى لم يبق بمصر وما حولها نهر ولا مزرعة إلا صار في مملكة يوسف عليه السلام ، وباعهم في السنة السابعة برقابهم حتى لم يبق بمصر وما حولها عبد ولا حر إلا صار في مملكة يوسف عليه السلام وصاروا عبيداً له . فقال يوسف للملك : ما ترى فيما خولني ربي ؟ قال : الرأي رأيك ، قال ، إني اشهد الله وأشهدك أيها الملك إني أعتقت أهل مصر كلهم ، ورددت عليهم أموالهم وعبيدهم ، ورددت عليك خاتمك وسريرك وتاجك على أن لا تسير إلا بسيرتي ، ولا تحكم إلا بحكمي ، فالله أنجاهم

ص: 128


1- يوسف : 54 .
2- يوسف : 51 .

على يدي ، فقال الملك : إن ذلك لديني و فخري (1) ، وأنا اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وانك رسوله ، وكان من إخوة يوسف وأبيه ما ذكرته (2) .

ص: 129


1- في إحدى نسخ البحار : إن ذلك لزيني وفخري .
2- قصص الأنبياء ، الراوندي 135-136 ، بحار الأنوار 12\291 .

3- جعفر بن سهل (سُهيل) الصَّيقل (ت بعد 260 ﻫ)

اشارة

هو جعفر بن سهل (سهيل) بن ميمون الصيقل ، نصَّ على وكالته للإمام الهادي عليه السلام ، الطوسي في رجاله (1) ، وابن شهرآشوب في مناقبه (2) ، وكان وكيلاً لأبي محمد العسكري والإمام المهدي عليهما السلام (3) ، ذكر ابن حجر أنه روى عن الإمام الرضا عليه السلام ، ولم يثبت ذلك (4) .

وأما لقب الصَّيقل : بفتح الصاد المهملة ، وسكون الياء ، وفتح القاف ، وقد تلحق الياء في آخرها للنسبة إليها فيقال (الصيقلي) ، وهذه النسبة إلى صقّال الأشياء الحديدية : كالسيف والدرع والمرآة وغيرها (5) .

الأخبار عن جعفر بن سهل قليلة جداً ، فلم يرد في كتب السيرة أو كتب الحديث ذكر لطبيعة الوكالة التي اضطلع بها ، ولا مكانها ، ولم يصلنا شيء عن مكاتباته ، كما لم يصلنا عن روايته إلا الشيء القليل .

وثاقته

استفاد البعض وثاقته من كونه وكيلاً للأئمة المعصومين عليهم السلام ، وربما يضاف إلى ذلك رواية الأجلاء عنه كسعد بن عبد الله الأشعري وجعفر بن محمد الفزاري الكوفي ، ومن النصوص الواردة في توثيقه :

1. الوحيد البهبهاني : «قوله في جعفر بن سهل (سهيل) وكيل ، هذا يشير إلى الجلالة بل الوثاقة أيضاً» (6) .

ص: 130


1- رجال الطوسي 398 .
2- مناقب ابن شهرآشوب 3\506 .
3- المصدر نفسه 3\525 .
4- لسان الميزان 2\116 .
5- أنساب السمعاني 3\575 .
6- تعليقة على منهج المقال 106 .

2. علي البروجردي، قال : «جعفر بن سهيل الصيقل ، كونه وكيلاً لأولي الأمر الأطهار عليهم السلام يدل على الوثاقة والجلالة كما لا يخفى» (1) .

3. وثقه المامقاني في تنقيح المقال (2).

4. الشيخ النمازي الشاهرودي، قال عنه : «وكيل مولانا أبي الحسن وأبي محمد وصاحب الدار صلوات الله عليهم . ولا خلاف فيه» (3) .

طبقته في الحديث

أ. مشايخه : روى جعفر بن سهل (سهيل) عن الإمام الرضا عليه السلام (4) ، وعن أبي عبد الله الكابلي ، سعيد بن محمد ، محمد بن إسماعيل الدارمي .

ب. الرواة عنه : نصر بن الصباح ، جعفر بن محمد بن مالك الفزاري الكوفي ، سعد بن عبد الله الأشعري .

رواياته

1. الشيخ الصدوق : بسنده ، عن محمد بن مسعود (ت 330 ﻫ) ، عن نصر بن الصباح ، عن جعفر بن سهيل قال : حدثني أبو عبد الله أخو أبي علي الكابلي ، عن القابوسي ، عن نصر بن السندي ، عن الخليل بن عمرو ، عن علي بن الحسين الفزاري ، عن إبراهيم بن عطية عن أم هانئ الثقفية قالت : غدوت على سيدي محمد بن علي الباقر عليهما السلام فقلت له : يا سيدي آية في كتاب الله عز وجل عرضت بقلبي فأقلقتني وأسهرت ليلي ، قال : فسلي يا أم هانئ ، قالت : قلت : يا سيدي قول الله عز وجل : (فَلَا أُقْسِمُ

ص: 131


1- طرائف المقال 1\229 .
2- تنقيح المقال ص26 .
3- مستدركات علم رجال الحدث 2\163 .
4- ذكر ذلك ابن حجر في لسان الميزان 2\116 .

بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ) (1) قال : نعمَ المسألةُ سألتيني يا أم هانئ ، هذا مولود في آخر الزمان هو المهدي من هذه العترة ، تكون له حيرة وغيبة يضل فيها أقوام ، ويهتدي فيها أقوام ، فيا طوبى لك إن أدركتيه ، ويا طوبى لمن أدركه (2) .

2. الشيخ الصدوق : أبي رحمه الله قال : حدثنا سعد بن عبد الله قال : حدثني جعفر بن سهل الصيقل ، عن محمد بن إسماعيل الدارمي عمن حدثه ، عن محمد بن جعفر الهرمراني ، عن أبان بن تغلب قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : يا بن رسول الله لمَ سُميت الزهراء عليها السلام "زهراء" ؟ فقال : لأنها تزهر لأمير المؤمنين عليه السلام في النهار ثلاث مرات بالنور ، كان يزهر نور وجهها صلاة الغداة والناس في فرشهم فيدخل بياض ذلك النور إلى حجراتهم بالمدينة فتبيض حيطانهم فيعجبون من ذلك ، فيأتون النبي صلى الله عليه وآله فيسألونه عما رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة عليها السلام ، فيأتون منزلها فيرونها قاعدة في محرابها تصلي والنور يسطع من محرابها من وجهها ، فيعلمون أن الذي رأوه كان من نور فاطمة ، فإذا نصف النهار وترتبت للصلاة زهر وجهها عليها السلام بالصفرة فتدخل الصفرة حجرات الناس فتصفر ثيابهم وألوانهم فيأتون النبي صلى الله عليه وآله فيسألونه عما رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة عليها السلام فيرونها قايمة في محرابها وقد زهر نور وجهها عليها السلام بالصفرة ، فيعلمون أن الذي رأوا كان من نور وجهها ، فإذا كان آخر النهار وغربت الشمس أحمَرَّ وجه فاطمة عليها السلام فأشرق وجهها بالحُمرة فرحاً وشكراً لله عز وجل فكان يدخل حمرة وجهها حجرات القوم وتحمر حيطانهم فيعجبون من ذلك ، ويأتون النبي صلى الله عليه وآله ويسألونه عن ذلك فيرسلهما إلى منزل فاطمة فيرونها جالسة تسبح الله وتمجده ونور وجهها يزهر بالحمرة فيعلمون أن الذي رأوا كان من نور وجه فاطمة

ص: 132


1- التكوير : 15-16 .
2- كمال الدين 330 .

عليها السلام ، فلم يزل ذلك النور في وجهها حتى ولد الحسين عليه السلام فهو يتقلب في وجوهنا إلى يوم القيامة في الأئمة منا أهل البيت إمام بعد إمام (1) .

3. الشيخ الصدوق : حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل (رضي الله عنه) ، قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن جعفر بن محمد بن مالك الفزاري الكوفي ، قال : حدثنا جعفر بن سهل ، عن سعيد بن محمد ، عن مسعدة بن صدقة ، قال : قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) : إنَّ عيال الرجل أسراؤه ، فمن أنعم الله عليه نعمة فليوسع على أسرائه ، فإن لم يفعل أوشك أن تزول عنه تلك النعمة (2).

ص: 133


1- علل الشرائع 1\180 ، بحار الأنوار 43\11 .
2- أمالي الصدوق 526 ، بحار الأنوار 101\69 .

4- الحسن بن راشد البغدادي (توفي بحدود 241 ﻫ)

اشارة

هو أبو علي ، الحسن بن راشد ، البغدادي ، مولى آل المهلب ، أدرك الإمام الرضا عليه السلام وروى عنه على الأظهر ، كما صحب الإمام الجواد والهادي عليهما السلام ، وروى عنهما ، وصار من الوكلاء المبرزين للإمام أبي الحسن الهادي عليه السلام .

عند الحديث عن الحسن بن راشد لا بد من تمييز المشتركات ؛ فقد ذكرت كتب الرجال عدة من الرواة ممن عرفوا باسم (الحسن بن راشد) ، ومما زاد التعقيد - إضافة إلى تشابه الأسماء - تقارب الطبقة ، فلا بد من وضع الضوابط العلمية لتمييزهم على أساس الراوي والمروي عنه ، والقرائن المحيطة بالمتن والسند .

وبتطبيق هذه الضوابط نستطيع تمييز ثلاثة من الرواة باسم الحسن بن راشد :

1. أبو علي ، الحسن بن راشد ، البغدادي ، مولى لآل المهلب ، وهو من أصحاب الرضا ، والجواد ، والهادي عليهم السلام ، روى عنهم جميعاً ، وهو وكيل الإمام الهادي عليه السلام الذي نتحدث عنه في هذه الترجمة ، أكثَرَ الرواية عنه محمد بن عيسى العبيدي اليقطيني (1) .

2. أبو محمد (أو أبو علي) ، الحسن بن راشد بن يحيى ، الكوفي ، البغدادي ، مولى بني العباس (مولى المنصور) ، كان وزيراً للمهدي العباسي وابنيه موسى وهارون ، صحب الإمامين الصادق والكاظم عليهما وروى عنهما ، كما روى عن جملة من أصحابهما لا سيما أبا بصير ومحمد بن مسلم ، وهو جد القاسم بن يحيى ، الذي روى عنه أغلب رواياته ، له كتاب (الراهب والراهبة) ، ضعفه ابن الغضائري (2) .

3. أبو محمد (أو أبو عبد الله) ، الحسن بن راشد ، الطُّفاوي ، البصري ، لم أجد له رواية عن أحد من الأئمة عليهم السلام ، وإن كان في طبقة أصحاب الكاظم والرضا والجواد

ص: 134


1- رجال الطوسي 334 ، 375 ، 385 .
2- رجال الطوسي 181 ، و334 ، الفهرست 106 ، رجال ابن الغضائري 49 ، معجم رجال الحديث 5\312 ، تاريخ الطبري 6\536 .

عليهم السلام ، له كتاب نوادر ، رواه عنه علي بن السندي والحسن بن علي البصري، كما روى هو عن علي بن إسماعيل الميثمي ، وقيس بن الربيع (ت 165 ﻫ) (1) .

وكالته ودوره مع الإمام الهادي عليه السلام

يبدو من بعض النصوص أن الحسن بن راشد البغدادي كان يضطلع بمهام الوكالة للإمام الرضا عليه السلام ، من ذلك ما رواه الصدوق بسند قوي عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن أبي علي الحسن بن راشد قال : قدمت أحمال وأتاني رسول الرضا عليه السلام قبل أن انظر في الكتب أو أوجه بها إليه فقال لي : يقول الرضا عليه السلام : «سرح إلي بدفتر» ، ولم يكن لي في منزلي دفتر أصلاً فقلت فأطلب ما لا أعرف بالتصديق له ، فلم أجد شيئاً ولم أقع على شئ ، فلما ولى الرسول قلت : مكانك ، فحللت بعض الأحمال فتلقاني دفتر لم أكن علمت به ، إلا إني علمت أنه لم يطلب إلا الحق فوجهت به إليه (2) .

تسلم الحسن بن راشد البغدادي ، ويعرف بأبي علي بن راشد ، مهام وكالته للإمام الهادي عليه السلام خلفاً للوكيل (علي بن الحسين بن عبد ربه) التي توفي في بداية سنة 230 ھ أو نهاية 229 ھ (3) ، وشملت وكالته – في أول أمره - مدينة بغداد وما حولها وصولاً إلى منطقة المدائن والسواد المحيط بها ، وهي من المناطق المهمة سياسياً وعقائدياً ، وكان للحسن بن راشد صلات مع بقية الوكلاء كأيوب بن نوح ومحمد بن الفرج وعلي بن بلال ، وذلك بحكم التنسيق الذي كان قائماً بين الأذرع المشكلة لجهاز الوكلاء للإمام الهادي عليه السلام .

استمرت وكالة ابن راشد 10 سنوات تقريباً ، إذ من المرجح أنه توفي بحدود سنة 241 ھ ، وكانت هذه المدة من أصعب المقاطع الزمنية التي مرت على الحالة الشيعية مع

ص: 135


1- رجال النجاشي 38 ، مناقب الخوارزمي 140 .
2- عيون أخبار الرضا 1\239 .
3- اختيار معرفة الرجال 2\797 .

وصول المتوكل العباسي إلى واجهة السياسة ، وسيطرة المدرسة السلفية التجسيمية على القرار العقائدي والفقهي للدولة ، ولذلك صدرت توجيهات صارمة من الإمام الهادي عليه السلام إلى شيعته بوجوب التقيد بما يصلهم من أوامر وتعليمات ينقلها جهاز الوكلاء لتحييد أجهزة السلطة عن البطش بالشيعة وأخذهم على الشبهة والظنة .

وقد أورد الكشي كتابين أرسلهما الإمام الهادي عليه السلام إلى شيعة بغداد والمناطق المحيطة بها يؤكد فيهما أمر تنصيب أبي علي بن راشد وكيلاً معتمداً في تلك المناطق ويأمرهم بطاعته والرجوع إليه ، وقد ورد الكتاب الأول إلى علي بن بلال (1) مؤرخاً بسنة 232 ھ ، وهذا نصه : «بسم الله الرحمن الرحيم ، أحمد الله إليك وأشكر طَوله وعوده ، وأصلي على النبي محمد وآله صلوات الله ورحمته عليهم ، ثم إني أقمت أبا علي مقام {علي} (2) الحسين بن عبد ربه ، وائتمنته على ذلك بالمعرفة بما عنده الذي لا يتقدمه أحد ، وقد أعلم أنك شيخ ناحيتك ، فأحببت إفرادك وإكرامك بالكتاب بذلك ؛ فعليك بالطاعة له والتسليم إليه جميع الحق قِبَلَك ، وأن {تحضَّ} (3) مواليَّ على ذلك ، وتعرفهم من ذلك ما يصير سبباً إلى عونه وكفايته ، فذلك توفير علينا ومحبوب لدينا ، ولك به جزاء من الله وأجر ، فان الله يعطي من يشاء ، ذو الإعطاء والجزاء برحمته ، وأنت في وديعة الله ، وكتبت بخطي ، وأحمد الله كثيراً» (4)

إن تاريخ الكتاب ليس بالضرورة يشير إلى تاريخ التوكيل الفعلي ، فيحتمل أن يكون التوكيل سابقاً عليه (عند وفاة علي بن الحسين بن عبد ربه في 229 ھ) ولكن الإمام سلام الله عليه رأى أن يوسع دائرة وكالته لتشمل بعض النواحي والقصبات فكتب إلى علي بن بلال – وهو من الوكلاء الوجهاء والثقات – يأمره بتسليم الحقوق لأبي علي بن راشد

ص: 136


1- علي بن بلال البغدادي : من أصحاب الجواد والهادي والعسكري صلوات الله عليهم . ثقة بالاتفاق .
2- في المصدر محذوف ، وما أثبتناه هو الصحيح لإجماع الآثار على ذلك .
3- في المصدر (تخص) : وما أوردناه موافق للسياق .
4- اختيار معرفة الرجال 2\799 .

والطاعة لأوامره ، وفي الكتاب مدح جليل لابن راشد كما لا يخفى ، ولاسيما قوله عليه السلام : «وائتمنته على ذلك بالمعرفة بما عنده الذي لا يتقدمه أحد» .

وفي كتاب آخر ذكره الكشي بسنده عن أحمد بن محمد بن عيسى ، قال : نسخة الكتاب مع ابن راشد إلى جماعة الموالي الذين هم ببغداد المقيمين بها والمدائن والسواد وما يليها : «أحمد الله إليكم ما أنا عليه من عافيته وحسن عادته ، وأصلي على نبيه وآله أفضل صلواته وأكمل رحمته ورأفته ، واني أقمت أبا علي بن راشد مقام علي بن الحسين بن عبد ربه ومن كان قبله من وكلائي ، وصار في منزلته عندي ، ووليته ما كان يتولاه غيره من وكلائي قبلكم ، ليقبض حقي ، وارتضيته لكم وقدمته على غيره في ذلك ، وهو أهله وموضعه ، فصيروا رحمكم الله إلى الدفع إليه ذلك واليّ ، وأن لا تجعلوا له على أنفسكم علة ، فعليكم بالخروج عن ذلك والتسرع إلى طاعة الله ، وتحليل أموالكم ، والحقن لدمائكم ، وتعاونوا على البر والتقوى واتقوا الله لعلكم ترحمون ، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ، فقد أوجبت في طاعته طاعتي ، والخروج إلى عصيانه الخروج إلى عصياني ، فالزموا الطريق يأجركم الله ويزيدكم من فضله ، فان الله بما عنده واسع كريم ، متطول على عباده رحيم ، نحن وأنتم في وديعة الله وحفظه ، وكتبته بخطي ، والحمد لله كثيراً» (1) .

وفي هذا الكتاب زيادة من التأكيد على وجوب طاعة ابن راشد ، وتسليم الحقوق الشرعية إليه من الخمس والزكاة والصلة والأوقاف ، وعدم الخروج عليه ، ووجوب الالتزام بما ينقله من أوامر وتوجيهات ، وأنه مرضي ومقدم على غيره ، وهو أهل لهذه الثقة وموضعها كما صرح الإمام سلام الله عليه .

ص: 137


1- اختيار معرفة الرجال 2\800 ، ورواه الطوسي في غيبته ص350 بسنده عن ابن أبي جيد ، عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن الصفار ، عن محمد بن عيسى وفيه : «كتب أبو الحسن العسكري عليه السلام إلى الموالي ببغداد والمدائن والسواد وما يليها : قد أقمت أبا علي بن راشد مقام علي بن الحسين بن عبد ربه ، ومن قبله من وكلائي ، وقد أوجبت في طاعته طاعتي ، وفي عصيانه الخروج إلى عصياني ، وكتبت بخطي» .

ولا شك إن مضامين هذا الكتاب تكشف للباحث المكانة الرفيعة ، والمنزلة العظيمة التي كان يتمتع بها الحسن بن راشد عند الإمام الهادي عليه السلام إلى الدرجة التي يقرن فيها أبو الحسن عليه السلام طاعة ابن راشد بطاعته ، ومعصيته بمعصيته ، وهذا مدح قلَّ ما نجد له نظيراً في كلام المعصومين عليهم السلام .

وقد مر علينا في ترجمة أيوب بن نوح أن الإمام الهادي عليه السلام أمر الحسن بن راشد وأيوب بن نوح أن يلزم كل منهما أمر ناحيته ، وأن يقللا من التردد بينهما لأسباب أمنية وإدارية ، ويبدو من هذا الكتاب أن الإمام الهادي عليه السلام قد عمد إلى إنشاء الوكالات المحلية لتقليل الضغط على الحسن بن راشد وقصر عمله على ناحيته الرئيسة بحيث يعمل كلٌ منهما بحسب الصاحيات المخولة له ، ولا يحتاج أن يراجع الإمام في كل صغيرة وكبيرة ، ويظهر من التوقيع أن بغداد والمدائن كانتا خارج مسؤولية الحسن بن راشد ، وجاء في نص الكتاب الذي أرسله الكشي قائلاً : وفي كتاب آخر : «وأنا آمرك يا أيوب بن نوح أن تقطع الإكثار بينك وبين أبي علي ، وأن يلزم كل واحد منكما ما وُكل به وأُمر بالقيام فيه بأمر ناحيته ، فإنكم إذا انتهيتم إلى كل ما أمرتم به استغنيتم بذلك عن معاودتي ، وآمرك يا أبا علي بمثل ما آمرك يا أيوب أن لا تقبل من أحد من أهل بغداد والمدائن شيئاً يحملونه ، ولا تلي لهم استيذانا علي ، ومُر من أتاك بشئ من غير أهل ناحيتك أن يصيره إلى الموكل بناحيته ، وآمرك يا أبا علي في ذلك بمثل ما أمرت به أيوب ، وليقبل كل واحد منكما قبل ما أمرته به» (1) .

وكان أبو علي الحسن بن راشد مفزعاً للشيعة في ناحيته ، يلجأون إليه عند الشدائد بحكم صلاحياته في صرف أموال الزكاة والصدقات ، ومما ورد في علاقة الشيعة به ما رواه الراوندي عن مسرور الطباخ قال : كتبت إلى الحسن بن راشد لضيقة أصابتني ، فلم أجده في البيت ، فانصرفت فدخلت مدينة أبي جعفر (2) فلما صرت في الرحبة حاذاني

ص: 138


1- اختيار معرفة الرجال 2\800 .
2- هي بغداد ، ولعله نسبها لأبي جعفر المنصور ، والله العالم .

رجل لم أر وجهه وقبض على يدي ودس إلي صُرة بيضاء فنظرت فإذا عليها كتابة فيها اثنا عشر ديناراً ، وعلى الصرة مكتوب (مسرور الطباخ) (1) .

كانت وفاة الحسن بن راشد بحدود 240 ھ أو بعدها بقليل ، وقد دعا له الإمام الهادي عليه السلام وترحم عليه فيما رواه الشيخ الطوسي عن ثقة الإسلام الكليني مرفوعاً عن محمد بن الفرج الرُّخَجي قال : «كتبت إليه أسأله عن أبي علي بن راشد ، وعن عيسى بن جعفر بن عاصم ، وعن ابن بند ، وكتب إلي : ذكرت ابن راشد رحمه الله ، فإنه عاش سعيداً ومات شهيداً ... الحديث» (2) .

وفي هذا التوقيع فوائد تاريخية جمة ، منها قوله (عاش سعيداً) ، ولعل المقصود من السعادة هنا لزوم طاعة الإمام ، والعمل على وفق أوامره وتوجيهاته ، وقوله (ومات شهيداً) يحتمل أمرين : أولهما الشهادة بالمعنى العام (كل مؤمن شهيد وإن مات على فراشه) (3) ، والأمر الثاني الشهادة بمعناها الخاص ، وهو القتل في سبيل الحق ، وهذا غير مستبعد وفق الأجواء التي فرضها المتوكل العباسي وولوغه في دماء المسلمين ولا سيما شيعة أهل البيت عليهم السلام .

وثاقته

ص: 139


1- الخرائج والجرائح 2\697 ، بحار الأنوار 51\295 ، وقد نسب البعض هذه القصة إلى زمان الإمام المهدي عليه السلام ، وفي ذلك وهم أكيد ، والذي سبب الوهم أمران ، أولهما أن الصدوق ذكر أن مسروراً الطباخ ممن شاهد الصاحب عليه السلام ووقف على معجزاته ، وثانيهما أن الراوندي ذكر هذه القصة في ذكر معجزات صاحب الزمان ، والذي أراه – والله العالم – أن الرواية أعلاه إنما حصلت في زمان الإمام الهادي عليه السلام ، أولاً لأنه مسروراً كان من موالي أبي الحسن الهادي العسكري عليه السلام ، وثانياً لمناسبة ذكر الحسن بن راشد وهو وكيل الإمام الهادي ، وقد توفي بحدود 240 ھ ، فلم يدرك الإمام أبا محمد العسكري فضلاً عن مولانا صاحب الزمان .
2- غيبة الطوسي ص350 .
3- أمالي الطوسي 676 .

لا شك أن وثاقة أبي علي الحسن بن راشد ثابتة بالنصوص الواردة بحقه من الإمام الهادي عليه السلام ، وهو مع ذلك معروف بالوثاقة والجلالة عند أهل الحديث وأرباب الجرح والتعديل ، ومن كلمات الأعلام في توثيقه ما يأتي :

1. الشيخ المفيد : عده في رسالته العددية ، من الفقهاء الأعلام ، والرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام ، الذي لا يطعن عليهم بشئ ولا طريق لذم واحد منهم (1) .

2. الشيخ الطوسي : وثقه في كتابه الرجال (2) كما عدّه في كتاب الغيبة من الوكلاء الممدوحين (3) .

3. العلامة الحلي وتلميذه ابن داود : وثقاه في كتابيهما (4) .

4. الميرزا القمي، قال عنه : «وأبو علي بن راشد الوكيل الجليل» (5) .

5. الشيخ النمازي الشاهرودي قال عنه : «جليل ، وكيل ، ثقة بالاتفاق ، من أصحاب الجواد والهادي صلوات الله عليهما» (6) .

6. السيد الخوئي : «الروايات فيها دلالة على جلالة الحسن بن راشد» (7) .

طبقته في الحديث

أ. مشايخه : روى الحسن بن راشد البغدادي عن الرضا ، والجواد ، والهادي عليهم السلام ، كما روى عن حماد بن عيسى ، ومحمد بن بادية (8) .

ص: 140


1- مستدركات علم رجال الحديث 2\385 ، معجم رجال الحديث 5\313 .
2- رجال الطوسي 375 .
3- غيبة الطوسي ص350 .
4- خلاصة الأقوال 100 ، رجال ابن داود 73 .
5- مناهج الأحكام 749 .
6- مستدركات علم رجال الحديث 2\385 .
7- معجم رجال الحديث 5\315 .
8- كذا في رجال الكشي ، وقد اختُلف في ضبط الكلمة اختلافاً كبيراً ، ففي الكافي (زاوية) وفي غيره (ذادويه) .

ب. الرواة عنه : روى عن الحسن بن راشد ثلة من كبار الرواة كان أبرزهم محمد بن عيسى بن عبيد (روى معظم مروياته) ، علي بن مَهْزِيار ، محمد بن يعقوب (وليس هو الكليني) ، عثمان بن سعيد العَمري ، أحمد بن عبد الله الخلنجي ، السياري ، موسى بن جعفر البغدادي ، علي بن الريان ، أبو عبد الله البرقي ، موسى بن عمر (1) .

نماذج من رواياته
رواياته في العقيدة

1. الشيخ الكليني : محمد بن يحيى ، عن محمد بن أحمد ، عن محمد بن عيسى ، عن أبي علي بن راشد ، عن صاحب العسكر قال : قلت له : جعلت فداك نؤتى بالشئ فيقال هذا كان لأبي جعفر عندنا فكيف نصنع ؟ فقال : ما كان لأبي جعفر عليه السلام بسبب الإمامة فهو لي ، وما كان غير ذلك فهو ميراث على كتاب الله وسنة نبيه (2) .

2. ابن حمزة الطوسي : عن عثمان بن سعيد ، عن أبي علي بن راشد ، قال : اجتمعت العصابة بنيسابور في أيام أبي عبد الله عليه السلام فتذاكروا ما هم فيه من الانتظار للفرج ، وقالوا : نحن نحمل في كل سنة إلى مولانا ما يجب علينا ، وقد كثرت الكاذبة ، ومن يدعي هذا الأمر ، فينبغي لنا أن نختار رجلاً ثقة نبعثه إلى الإمام ، ليتعرف لنا الأمر ، فاختاروا رجلاً يعرف بأبي جعفر محمد بن إبراهيم النيسابوري ، ودفعوا إليه ما وجب عليهم في السنة من مال وثياب ، وكانت الدنانير ثلاثين ألف دينار ، والدراهم خمسين ألف درهم ، والثياب ألفي شقة ، وأثواب مقاربات ومرتفعات . وجاءت عجوز من عجائز الشيعة الفاضلات اسمها (شطيطة) ومعها درهم صحيح ، فيه درهم ودانقان ، وشُقة من غزلها خام تساوي أربعة دراهم ، وقالت ما يستحق عليّ في مالي غير هذا ، فادفعه إلى مولاي

ص: 141


1- مردد بين (موسى بن عمر بن بزيع) و (موسى بن عمر بن يزيد) .
2- الكافي 7\59 ، بحار الأنوار 50\148 ، يعني أن الأموال التي هي من حقوق منصب الإمامة كالخمس مثلاُ تنتقل إلى الإمام اللاحق دون بقية الورثة ، أما الأموال الشخصية فتوزع بحسب الضوابط الفقهية المعروفة .

، فقال : يا امرأة استحي من أبي عبد الله عليه السلام أن أحمل إليه درهماً وشُقة بطانة . فقالت : ألا تفعل ! إن الله لا يستحي من الحق ، هذا الذي يستحق ، فاحمل يا فلان فلئن ألقى الله عز وجل وما له قبلي حق قل أم كثر ، أحب إلي من أن ألقاه وفي رقبتي لجعفر بن محمد حق .

قال : فعوجت الدرهم ، وطرحته في كيس ، فيه أربعمائة درهم لرجل يعرف بخلف بن موسى اللؤلؤي ، وطرحت الشقة في رزمة فيها ثلاثون ثوباً لأخوين بلخيين يعرفان بابني نوح بن إسماعيل ، وجاءت الشيعة بالجزء الذي فيه المسائل ، وكان سبعين ورقة ، وكل مسألة تحتها بياض ، وقد أخذوا كل ورقتين فحزموها بحزائم ثلاثة ، وختموا على كل حزام بخاتم ، وقالوا : تحمل هذا الجزء معك ، وتمضي إلى الإمام ، فتدفع الجزء إليه ، وتبيته عنده ليلة ، وعدْ عليه وخذه منه ، فإن وجدت الخاتم بحاله لم يكسر ولم يتشعب فاكسر منها ختمه وانظر الجواب ، فإن أجاب ولم يكسر الخواتيم فهو الإمام ، فادفعه إليه وإلا فرد أموالنا علينا . قال أبو جعفر : فسِرتُ حتى وصلتُ إلى الكوفة ، وبدأت بزيارة أمير المؤمنين صلوات الله عليه (1) ، ووجدت على باب المسجد شيخاً مسناً قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر ، وقد تشنج وجهه ، متزراً ببرد ، متشحاً بآخر ، وحوله جماعة يسألونه عن الحلال والحرام ، وهو يفتيهم على مذهب أمير المؤمنين عليه السلام ، فسألت من حضر عنده ، فقالوا : أبو حمزة الثمالي . فسلمت عليه ، وجلست إليه ، فسألني عن أمري ، فعرفته الحال ، ففرح بي وجذبني إليه ، وقبل بين عينيّ وقال : لو تجدب (2) الدنيا ما وصل إلى هؤلاء حقوقهم ، وإنك ستصل بحرمتهم إلى جوارهم . فسررت بكلامه ، وكان ذلك أول فائدة لقيتُها بالعراق ، وجلست معهم أتحدث إذ فتح عينيه ، ونظر إلى البرية ، وقال : هل ترون ما أرى ؟ فقلنا : وأي شئ رأيت . قال : أرى شخصاً على ناقة ، فنظرنا إلى الموضع فرأينا رجلاً على جمل ، فأقبل ، فأناخ البعير ، وسلم علينا وجلس ، فسأله الشيخ وقال : من أين أقبلت ؟ قال : من يثرب . قال : ما وراءك ؟ قال : مات جعفر بن

ص: 142


1- لعله يقصد زيارة مسجد الكوفة المعظم .
2- النسخ مختلفة في ضبط هذه الكلمة ، ففيها (تخرب) ، (نحرت) ، (تجرت) .

محمد عليهما السلام . فانقطع ظهري نصفين ، وقلت لنفسي : إلى أين أمضي ؟ ! فقال له أبو حمزة : إلى من أوصى ؟ قال : إلى ثلاثة ، أولهم أبو جعفر المنصور ، وإلى ابنه عبد الله ، وإلى ابنه موسى . فضحك أبو حمزة ، والتفت إلي وقال : لا تغتم فقد عرفت الإمام . فقلت : وكيف أيها الشيخ ؟!

فقال : أما وصيته إلى أبي جعفر المنصور فستر على الإمام ، وأما وصيته إلى ابنه الأكبر والأصغر فقد بين عن عوار الأكبر ، ونص على الأصغر . فقلت : وما فقه ذلك ؟ فقال : قول النبي (صلى الله عليه وآله) : (الإمامة في أكبر ولدك يا علي ، ما لم يكن ذا عاهة) ، فلما رأيناه قد أوصى إلى الأكبر والأصغر ، علمنا أنه قد بين عن عوار كبيره ، ونص على صغيره ، فسِرْ إلى موسى ، فإنه صاحب الأمر . قال أبو جعفر : فودعت أمير المؤمنين ، وودعت أبا حمزة ، وسرت إلى المدينة ، وجعلت رحلي في بعض الخانات ، وقصدت مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وزرته ، وصليت ، ثم خرجت وسألت أهل المدينة : إلى من أوصى جعفر بن محمد ؟ فقالوا : إلى ابنه الأفطح عبد الله فقلت : هل يفتي ؟ قالوا : نعم . فقصدته وجئت إلى باب داره ، فوجدت عليها من الغلمان ما لم يوجد على باب دار أمير البلد ، فأنكرتُ ، ثم قلت : الإمام لا يقال له لم؟ وكيف؟ ، فاستأذنت ، فدخل الغلام ، وخرج وقال : من أين أنت ؟ فأنكرت وقلت : والله ما هذا بصاحبي . ثم قلت : لعله من التقية ، فقلت : قل : فلان الخراساني ، فدخل وأذن لي ، فدخلت ، فإذا به جالس في الدست على منصة عظيمة ، وبين يديه غلمان قيام ، فقلت في نفسي : ذا أعظم ، الإمام يقعد في الدست ؟ ! ثم قلت : هذا أيضا من الفضول الذي لا يحتاج إليه ، يفعل الإمام ما يشاء ، فسلمت عليه ، فأدناني وصافحني ، وأجلسني بالقرب منه ، وسألني فأحفى ، ثم قال : في أي شئ جئت ؟ قلت : في مسائل أسأل عنها ، وأريد الحج . فقال لي : اسأل عما تريد ، فقلت : كم في المائتين من الزكاة ؟ قال : خمسة دراهم . قلت : كم في المائة ؟ قال : درهمان ونصف . فقلت : حسن يا مولاي ، أعيذك بالله ، ما تقول في رجل قال لامرأته : أنت طالق عدد نجوم السماء ؟ قال : يكفيه

ص: 143

من رأس الجوزاء ثلاثة . فقلت : الرجل لا يحسن شيئاً . فقمت وقلت : أنا أعود إلى سيدنا غداً . فقال : إن كان لك حاجة فإنا لا نقصر .

فانصرفت من عنده ، وجئت إلى ضريح النبي (صلى الله عليه وآله) فانكببت على قبره ، وشكوت خيبة سفري ، وقلت : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، إلى من أمضي في هذه المسائل التي معي ؟ إلى اليهود ، أم إلى النصارى ، أم إلى المجوس ، أم إلى فقهاء النواصب ؟ إلى أين يا رسول الله ؟ فما زلت أبكي وأستغيث به ، فإذا أنا بإنسان يحركني ، فرفعت رأسي من فوق القبر ، فرأيت عبداً أسود عليه قميص خلق ، وعلى رأسه عمامة خلق ، فقال لي : يا أبا جعفر النيسابوري ، يقول لك مولاك موسى بن جعفر عليهما السلام : لا إلى اليهود ، ولا إلى النصارى ، ولا إلى المجوس ، ولا إلى أعدائنا من النواصب ، إلي ، فأنا حجة الله ، قد أجبتك عما في الجزء ، وبجميع ما تحتاج إليه منذ أمس ، فجئني به ، وبدرهم شطيطة الذي فيه درهم ودانقان ، الذي في كيس أربعمائة درهم اللؤلؤي ، وشُقتها التي في رزمة الأخوين البلخيَين . قال : فطار عقلي ، وجئت إلى رحلي ، ففتحت وأخذت الجزء والكيس والرزمة ، فجئت إليه فوجدته في دار خراب ، وبابه مهجور ما عليه أحد ، وإذا بذلك الغلام قائم على الباب ، فلما رآني دخل بين يديّ ، ودخلت معه ، فإذا بسيدنا عليه السلام جالس على الحصير ، وتحته شاذكونه يمانية ، فلما رآني ضحك وقال : لا تقنط ، ولم تفزع ؟ لا إلى اليهود ، ولا إلى النصارى والمجوس ، أنا حجة الله ووليه ، ألم يعرفك أبو حمزة على باب مسجد الكوفة جري أمري ؟ ! . قال : فأزاد ذلك في بصيرتي ، وتحققت أمره . ثم قال لي : هات الكيس ، فدفعته إليه ، فحلّه وأدخل يده فيه ، وأخرج منه درهم شطيطة ، وقال لي : هذا درهمها ؟ فقلت : نعم . فأخذ الرزمة وحلها وأخرج منها شُقة قطن مقصورة ، طولها خمسة وعشرون ذراعاً وقال لي : اقرأ عليها السلام كثيراً (1) ، وقل لها : قد جعلت شُقتك في أكفاني ، وبعثت إليك بهذه من أكفاننا ، من قطن قريتنا صريا ، قرية فاطمة عليها السلام ، وبذر قطن ،

ص: 144


1- في المناقب : وقال : ان الله لا يستحي من الحق يا أبا جعفر أبلغ شطيطة سلامي وأعطها هذه الصرة - وكانت أربعين درهماً- ... الخ .

كانت تزرعه بيدها الشريفة لأكفان ولدها ، وغزل أختي حكيمة بنت أبي عبد الله عليه السلام وقصارة يده لكفنه فاجعليها في كفنك . ثم قال : يا معتب (1) ، جئني بكيس نفقة مؤوناتنا ، فجاء به ، فطرح درهماً فيه ، وأخرج منه أربعين درهماً ، وقال : اقرأها مني السلام ، وقل لها : ستعيشين تسع عشرة ليلة من دخول أبي جعفر ، ووصول هذا الكفن ، وهذه الدراهم ، فانفقي منها ستة عشر درهماً ، واجعلي أربعة وعشرين صدقة عنك ، وما يلزم عليك ، وأنا أتولى الصلاة عليك ، فإذا رأيتني فاكتم ، فإن ذلك أبقى لنفسك ، وافكك هذه الخواتيم وانظر هل أجبناك أم لا ؟ قبل أن تجئ بدراهمهم كما أوصوك ، فإنك رسول . فتأملت الخواتيم فوجدتها صحاحاً ، ففككت من وسطها واحداً فوجدت تحتها : ما يقول العالم عليه السلام في رجل قال : نذرت لله عز وجل لأعتقن كل مملوك كان في ملكي قديماً . وكان له جماعة من المماليك ؟ تحته الجواب من موسى بن جعفر عليهما السلام : من كان في ملكه قبل ستة أشهر ، والدليل على صحة ذلك قوله تعالى : (حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيم) (2) ، وكان بين العرجون القديم ، والعرجون الجديد في النخلة ستة أشهر .

وفككت الآخر ، فوجدت فيه : ما يقول العالم عليه السلام في رجل قال : { واللهِ } أتصدق بمال كثير ، بمَ يتصدق؟ . تحته الجواب بخطه عليه السلام : «إن كان الذي حلف بهذا اليمين من أرباب الدنانير تصدق بأربعة وثمانين ديناراً ، وإن كان من أرباب الدراهم تصدق بأربعة وثمانين درهماً ، وإن كان من أرباب الغنم فيتصدق بأربعة وثمانين غنماً ، وإن كان من أرباب البعير فبأربعة وثمانين بعيراً ، والدليل على ذلك قوله تعالى : (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ) (3) ، فعددتُ (4) مواطن رسول الله صلى الله عليه وآله قبل نزول الآية فكانت أربعة وثمانين موطناً . وكسرتُ الأخرى فوجدت تحته

ص: 145


1- معتب ، مولى كان لأبي عبد الله الصادق عليه السلام ، روى عن الإمام الكاظم عليه السلام ، وهو ثقة – رجال الطوسي 324 .
2- يس : 39 .
3- التوبة : 25 .
4- الظاهر أن هذا من كلام أبي جعفر الخراساني النيسابوري ، ولعله استفاده من بيان الإمام عليه السلام .

: ما يقول العالم عليه السلام في رجل نبش قبراً وقطع رأس الميت وأخذ كفنه ؟ الجواب تحته بخطه عليه السلام : تقطع يده ، لأخذ الكفن من وراء الحرز ، ويؤخذ منه مائة دينار لقطع رأس الميت ، لأنا جعلناه بمنزلة الجنين في بطن أمه من قبل نفخ الروح فيه ، فجعلنا في النطفة عشرين ديناراً ، وفي العلقة عشرين ديناراً ، وفي المضغة عشرين ديناراً ، وفي اللحم عشرين ديناراً ، وفي تمام الخلق عشرين ديناراً ، فلو نفخ فيه الروح لألزمناه ألف دينار ، على أن لا يأخذ ورثة الميت منها شيئاً ، بل يتصدق بها عنه ، أو يحج ، أو يغزى بها ، لأنها أصابته في جسمه بعد الموت» . قال أبو جعفر : فمضيت من فوري إلى الخان ، وحملت المال والمتاع إليه ، وأقمت معه وحج في تلك السنة فخرجت في جملته معادلاً له في عماريته في ذهابي يوماً وفي عمارية أبيه يوماً ، ورجعت إلى خراسان فاستقبلني الناس ، وشطيطة من جملتهم ، فسلموا على ، فأقبلت عليها من بينهم وأخبرتها بحضرتهم بما جرى ، ودفعت إليها الشقة والدراهم ، وكادت تنشق مرارتها من الفرح ، ولم يدخل إلى المدينة من الشيعة إلا حاسد أو متأسف على منزلتها ودفعت الجزء إليهم ، ففتحوا الخواتيم ، فوجدوا الجوابات تحت مسائلهم .

وأقامت شطيطة تسعه عشر يوماً ، وماتت رحمها الله ، فتزاحمت الشيعة على الصلاة عليها ، فرأيت أبا الحسن عليه السلام على نجيب (1) ، فنزل عنه وأخذ بخطامه ، ووقف يصلي عليها مع القوم ، وحضر نزولها ، إلى قبرها ونثر في قبرها من تراب قبر أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، فلما فرغ من أمرها ركب البعير وألوى برأسه نحو البرية ، وقال : «عرف أصحابك وأقرأهم عني السلام ، وقل لهم : إنني ومن جرى مجراي من أهل البيت لابد لنا من حضور جنائزكم في أي بلد كنتم ، فاتقوا الله في أنفسكم وأحسنوا الأعمال لتعينونا على خلاصكم ، وفك رقابكم من النار» . قال أبو جعفر : فلما ولى

ص: 146


1- النجيب الفاضل من كل حيوان ... والنجيب من الإبل ، والجمع النُجُب والنجائب . وقد تكرر في الحديث ذكر النجيب من الإبل ، مفرداً ومجموعاً ، وهو القوي منها ، الخفيف السريع ، وناقة نجيب ونجيبة – لسان العرب 1\748 .

عليه السلام عرفت الجماعة ، فرأوه وقد بَعُدَ والنجيب يجري به ، فكادت أنفسهم تسيل حزناً إذ لم يتمكنوا من النظر إليه (1) .

رواياته في الفقه

3. الشيخ الصدوق : حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن أحمد بن عبد الله الخلنجي (2) ، عن أبي علي الحسن بن راشد قال : سألت الرضا عليه السلام عن تكبيرة الافتتاح ، فقال : سبع ، قلت : روي عن النبي صلى الله عليه وآله إنه كان يكبر واحدة ، فقال : إن النبي صلى الله عليه وآله كان يكبر واحدة يجهرُ بها ويسر ستاً (3) .

4. الشيخ الكليني : محمد بن جعفر الرزاز ، عن محمد بن عيسى ، ومحمد بن يحيى ، عن محمد بن أحمد ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن الحسن بن راشد قال : سألت العسكري (عليه السلام) بالمدينة عن رجل أوصى بمال في سبيل الله ؟ فقال : سبيل الله شيعتنا (4) .

5. الشيخ الصدوق : وروى محمد بن عيسى العبيدي ، عن الحسن بن راشد قال : " سألت العسكري (عليه السلام) عن رجل أوصى بثلثه بعد موته فقال : ثلثي بعد موتى بين موالي وموالياتي ، ولأبيه موال يدخلون موالي أبيه في وصيته بما يسمون مواليه أم لا يدخلون ؟ فكتب (عليه السلام) : لا يدخلون (5) .

ص: 147


1- الثاقب في المناقب 439 ، مناقب ابن شهرآشوب 3\409 ، مدينة المعاجز 6\421 وقال معلقاً عليه : (وهذا الخبر متكرر في الكتب ، ذكره الراوندي مختصراً وابن شهرآشوب : عن أبي علي بن راشد وغيره ، باختلاف يسير ، والله سبحانه الموفق) .
2- الخلنج : شجر فارسي معرب تُتخذ من خشبه الأواني – لسان العرب 2\261 .
3- الخصال 347 ، وسائل الشيعة 6\33 .
4- الكافي 7\15 ، وسائل الشيعة 19\339 .
5- من لا يحضره الفقيه 4\233 ، وسائل الشيعة 19\401 ..

6. الشيخ الطوسي : اخبرني الحسين بن عبيد الله ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن محمد بن علي بن محبوب ، عن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن راشد قال : قال الفقيه العسكري عليه السلام : ليس في الغسل ، ولا في الوضوء ، مضمضة ولا استنشاق (1) .

7. الكشي : علي بن محمد ، عن أحمد بن محمد ، عن أبي علي بن راشد ، عن أبي جعفر الثاني عليه السلام قال ، قلت : جعلت فداك قد اختلف أصحابنا ، فأصلي خلف أصحاب هشام بن الحكم ؟ قال : عليك بعلي بن حديد ، قلت : فآخذ بقوله ؟ قال : نعم فلقيت علي بن حديد فقلت له : نصلي خلف أصحاب هشام بن الحكم ؟ قال : لا (2) .

8. الشيخ الطوسي : سهل بن زياد ، عن علي بن مَهْزِيار ، عن أبي علي بن راشد قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : إن مواليك قد اختلفوا فأصلي خلفهم جميعاً ؟ فقال : لا تصل إلا خلف من تثق بدينه وأمانته (3) .

9. الشيخ الكليني : علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن مَهْزِيار ، عن أبي علي بن راشد قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : إن مواليك قد اختلفوا فاصلي خلفهم جميعاً ؟ فال : لا تصل إلا خلف من تثق بدينه ، ثم قال : ولي موالٍ ؟ فقلت : أصحاب ... فقال مبادراً قبل أن أستتم ذكرهم : لا ، يأمرك علي بن حديد بهذا - أو هذا مما يأمرك به علي بن حديد - فقلت : نعم (4) .

10. الشيخ الطوسي : روى محمد بن أحمد بن يحيى ، عن محمد بن عيسى {بن عبيد}، عن الحسن بن راشد قال : سألته عن ثياب تعمل بالبصرة على عمل القصب اليماني من

ص: 148


1- الاستبصار 1\118 ، وسائل الشيعة 1\431 ، ربما يكون المقصود نفي الوجوب ، وإلا فإن المضمضة والاستنشاق واردة في الوضوء بروايات عدة .
2- اختيار معرفة الرجال 2\563 .
3- التهذيب 3\266 ، بحار الأنوار 85\39 .
4- الكافي 3\374 .

قز وقطن هل يصلح أن يكفن فيها الموتى ؟ قال : إذا كان القطن أكثر من القز فلا بأس (1) .

11. الشيخ الطوسي : عن العبدي ، عن الحسن بن راشد ، عن العسكري (عليه السلام) قال : إذا بلغ الغلام ثماني سنين فجايز أمره في ماله ، وقد وجب عليه الفرائض والحدود ، وإذا تم للجارية سبع سنين فكذلك (2) .

12. البرقي : عن محمد بن أحمد ، عن موسى بن جعفر البغدادي ، عن أبي علي بن راشد قال : سمعت أبا الحسن الثالث عليه السلام يقول : أكل العسل حكمة (3) .

13. الشيخ الطوسي : عن أحمد بن محمد بن الحسن ، عن أبيه ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن محمد بن عيسى ، عن أبي علي بن راشد قال : كتب إلي أبو الحسن العسكري عليه السلام كتاباً وأرخه يوم الثلاثاء لليلة بقيت من شعبان ، وذلك في سنة اثنين وثلاثين ومائتين ، وكان يوم الأربعاء يوم شك ، فصام أهل بغداد يوم الخميس وأخبروني أنهم رأوا الهلال ليلة الخميس ، ولم يغب إلا بعد الشفق بزمان طويل ، قال : فاعتقدت أن الصوم يوم الخميس وأن الشهر كان عندنا ببغداد يوم الأربعاء ، قال : فكتب إلي : زادك الله توفيقاً فقد صمت بصيامنا ، قال : ثم لقيته بعد ذلك فسألته عما كتبت به إليه ، فقال لي : أوَ لم أكتب إليك إنما صمت الخميس ولا تصم إلا للرؤية (4) .

14. الشيخ الطوسي : عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن محمد بن عيسى ، عن أبي علي بن راشد قال : كتبت إليه أسأله عن رجل محرم سكر وشهد المناسك وهو سكران أيتم حجته على سكره ؟ فكتب : لا يتم حجه (5) .

15. الشيخ الطوسي : عن محمد بن الحسن الصفار ، عن محمد بن عيسى ، عن أبي علي بن راشد قال : قلت له (عليه السلام) : جعلت فداك إنه يشتد علي كشف الظلال

ص: 149


1- الاستبصار 1\211 .
2- التهذيب 9\183 ، وسائل الشيعة 19\112 .
3- المحاسن 2\500 ، وسائل الشيعة 25\100 ، بحار الأنوار 63\293 .
4- التهذيب 4\167 ، وسائل الشيعة 10\281
5- التهذيب 5\296 ، وسائل الشيعة 12\413 .

في الإحرام ؛ لأني محرور يشتد علي حر الشمس ، فقال : ظلل وأرق دماً ، فقلت له : دماً أو دمين ؟ قال : للعمرة ؟ ، قلت : إنا نحرم بالعمرة وندخل مكة فنحل ونحرم بالحج قال : فأرق دمين (1) .

16. الشيخ الكليني : عن محمد بن جعفر الرزاز ، عن محمد بن عيسى ، عن أبي علي بن راشد قال : سألت أبا الحسن عليه السلام قلت : جعلت فداك اشتريت أرضاً إلى جنب ضيعتي بألفي درهم ، فلما وفيت المال خُبِّرت أن الأرض وقف ، فقال : لا يجوز شراء الوقف ولا تدخل الغلة في مالك وادفعها إلى من وُقِفَتْ عليه ، قلت : لا أعرف لها رباً ، قال : تصدق بغلتها (2) .

17. الشيخ الطوسي : بإسناده عن الصفار ، عن محمد بن عيسى ، عن أبي علي بن راشد قال : سألته قلت : جعلت فداك رجل اشترى متاعاً بألف درهم أو نحو ذلك ولم يسمِّ الدراهم وضحاً (3) ولا غير ذلك ؟ قال : فقال : إن شرط عليك فله شرطه ، وإلا فله دراهم الناس التي تجوز بينهم . قال {ابن راشد} : وإنما أردت بذلك معرفة ما يجب عليّ في المهر ؛ لأنهم قالوا : لا نأخذ إلا وضحاً وإنما تزوجتُ على دراهم مسماة ، ولم نقل وضحاً ولا غير ذلك (4) .

18. الشيخ الطوسي : بإسناده عن الصفار ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن أبي علي بن راشد قال : قلت له : إن رجلاً اشترى ثلاث جوار قوّم كل واحدة قيمة (5) ، فلما صاروا إلى المبيع جعلهن بثمن ، فقال : البيع لك على نصف الربح فباع جاريتين بفضل

ص: 150


1- التهذيب 5\311 ، وسائل الشيعة 13\165 ، ورواه في الكافي 4\352 بسنده عن محمد بن يحيى ، عمن ذكره ، عن أبي علي بن راشد قال : سألته عن محرم ظلل في عمرته ؟ قال : يجب عليه دم ، قال : وإن خرج إلى مكة وظلل وجب عليه أيضاً دم لعمرته ودم لحجته .
2- الكافي 7\37 ، وسائل الشيعة 17\364 .
3- الوضح : الدرهم الصحيح . والأوضاح : حلي من الدراهم الصحاح . وحكى ابن الأعرابي : أعطيته دراهم أوضاحاً – لسان العرب 2\635 .
4- التهذيب 7\229 ، وسائل الشيعة 18\95 .
5- الظاهر أن الشراء هنا بالدين ، كما يظهر من تبويبها في الوسائل أيضاً ، ويظهر من الرواية أيضاً أن البائع اشترط على المشتري إن هو باع الجواري بفضل على قيمتهن أن يعطيه نصف الربح ، فأجاز له الإمام شرطه .

على القيمة ، وأحبل الثالثة ، قال : يجب عليه أن يعطيه نصف الربح فيما باع ، وليس عليه فيما أحبل شئ (1) .

19. الشيخ الطوسي : بإسناده عن محمد بن الحسن الصفار ، عن محمد بن عيسى ، عن أبي علي بن راشد قال : سألته مشافهة عن رجل طلق امرأته بشاهدين على طُهر ثم سافر وأشهد على رجعتها فلما قدم طلقها من غير جماع أيجوز ذلك له ؟ قال : نعم قد جاز طلاقها (2) .

20. الشيخ الطوسي : محمد بن علي بن محبوب ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن مَهْزِيار ، عن أبي علي بن راشد قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : إن امرأة من أهلنا اعتل صبي لها فقالت : اللهم إن كشفتَ عنه ففلانة حرة ، والجارية ليست بعارفة فأيهما أفضل - جعلت فداك - تعتقها ؟ أو تصرف ثمنها في وجوه البر ؟ قال : لا يجوز إلا عتقها (3) .

21. الشيخ الطوسي : بإسناده عن علي بن مَهْزِيار قال : قال لي أبو علي بن راشد قلت له : أمرتني بالقيام بأمرك وأخذ حقك فأعلمت مواليك بذلك ، فقال لي بعضهم : وأي شئ حقه ؟ فلم أدر ما أجيبه ؟ فقال : يجب عليهم الخمس ، فقلت : ففي أي شئ ؟ فقال : في أمتعتهم وضياعهم (4) ، قلت: والتاجر عليه والصانع بيده ؟ فقال: إذا أمكنهم بعد مؤونتهم (5) .

22. الخصال : حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن - أحمد ، عن موسى بن عمر ، عن أبي علي بن راشد رفعه إلى الصادق عليه

ص: 151


1- التهذيب 7\82 ، وسائل الشيعة 18\279 .
2- التهذيب 8\45 ، وسائل الشيعة 22\144 .
3- التهذيب 8\228 ، وسائل الشيعة 23\99 .
4- في الوسائل (وصنائعهم) .
5- التهذيب 4\123 ، وسائل الشيعة 9\500 .

السلام إنه قال : خمس هُنَّ كما أقول : ليست لبخيل راحة ، ولا لحسود لذة ، ولا لملوك وفاء (1) ، ولا لكذاب مروة ، ولا يسود سفيه (2) .

23. الشيخ الصدوق : حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار قال : حدثني الحسن بن علي بن النعمان ، عن أبي عبد الله البرقي ، عن علي بن مَهْزِيار ، وأبي علي بن راشد ، عن حماد بن عيسى ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من مخزون علم الله عز وجل الإتمام في أربعة مواطن : حرم الله عز وجل ، وحرم رسوله صلى الله عليه وآله ، وحرم أمير المؤمنين عليه السلام ، وحرم الحسين بن علي عليهما السلام (3) .

24. الشيخ الكليني : علي بن محمد ، ومحمد بن الحسن ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن مَهْزِيار ، عن أبي علي بن راشد قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) ما تقول في الفِراء أي شئ يصلى فيه ؟ فقال : أيَّ الفراء ؟ قلت : الفنك والسنجاب والسمور (4) ، قال : فصلِّ في الفنك (5) والسنجاب ، فأما السمور فلا تصل فيه ، قلت : فالثعالب نصلي فيها ؟ قال : لا ، ولكن تلبس بعد الصلاة ، قلت : أصلي في الثوب الذي يليه ؟ قال : لا (6) .

ص: 152


1- يظهر أن الصواب (ولا لمملوك وفاء) ، وما في النسخ تصحيف .
2- الخصال 271 ، بحار الأنوار 69\193 .
3- الخصال 252 ، بحار الأنوار 86\77 .
4- " السَّمّور " بالفتح كتنور : دابة معروفة يتخذ من جلدها فراء مثمنة تكون ببلاد الترك تشبه النمر ومنه أسود لا مع وأشقر ، حكى البعض أن أهل تلك الناحية يصيدون الصغار فيخصون الذكر ويتركونه يرعى ، فإذا كان أيام الثلج خرجوا للصيد فمن كان مخصيا استلقى على قفاه فأدركوه وقد سمن وحسن شعره - قاله في المصباح . وجمع السَّمور سمامير ، كتنور وتنانير – مجمع البحرين 2\416 .
5- الفَنَك كعسل : دويبة برية غير مأكولة اللحم يؤخذ منها الفرو – مجمع البحرين 3\431 .
6- الكافي 2\400 وسائل الشيعة 4\349 ، وسائل الشيعة 4\356 .

25. الشيخ الكليني : أبو العباس الكوفي ، عن محمد بن عيسى ، عن أبي علي بن راشد قال : سألته عن الفطرة لمن هي ؟ قال : للإمام ، قال : قلت له : فأخبر أصحابي ، قال : نعم من أردت أن تطهره منهم ، وقال : لا بأس بأن تعطي وتحمل ثمن ذلك وَرِقاً (1) .

26. الشيخ الكليني : لي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن أحمد بن عبدوس ، عن محمد بن زاوية ، عن أبي علي بن راشد قال : قلت لأبي الحسن (عليه السلام) : جعلت فداك إنك كتبت إلى محمد بن الفرج تعلمه أن أفضل ما تقرأ في الفرائض بإنا أنزلناه وقل هو الله أحد . وإن صدري ليضيق بقراءتهما في الفجر ، فقال (عليه السلام) : لا يضيقَنَّ صدرُك بهما ؛ فإن الفضل والله فيهما (2) .

26. الشيخ المفيد : روى أبو علي بن راشد ، عن أبي هاشم الجعفري قال : شكوت إلى أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام الحاجة ، فحك بسوطه الأرض فأخرج منها سبيكة فيها نحو الخمس مائة دينار ، فقال : " خذها يا أبا هاشم وأعذرنا " (3) .

5- سليمان بن الحسن بن الجهم الزراري (ت بعد 250 ﻫ)

اشارة

هو سليمان بن الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين ، الكوفي ، الزراري ، وكان أبوه (الحسن) سبطاً لعبيد بن زرارة ، ونسبتهم إلى زرارة من هذه الجهة ، وإلا فهم أولاد بكير

ص: 153


1- الكافي 4\174 ، وسائل الشيعة 9\346 .
2- الكافي 2\315 ، ورسالة الإمام الهادي تجدها في ترجمة (محمد بن الفرج الرُّخَجي) من هذا الكتاب .
3- الإرشاد 2\238 .

أخي زرارة بن أعين ، وأول من سماه (الزراري) هو الإمام الهادي عليه السلام توريةً عليه ، فقد كان شخصية معروفة للناس ولرجال السلطة ؛ فهو من بيت كوفي عريق ، وكان أجداده من جهة أمه وأبيه من كبار المحدثين الشيعة ، ممن يشار إليهم بالبنان ، وتشد إليهم الرحال ، وقد استفاد المامقاني حسن حاله بما ورد من وكالته وعلاقته بالإمام الهادي عليه السلام (1) .

ولسليمان أولاد وأحفاد معروفون بالجلالة والوثاقة ورواية الحديث ، وكان بعضهم من وجوه الطائفة وفقهائها ، ومن أصحاب الأئمة ومعتمديهم ، ونذكر منهم :

1. ابنه ، علي بن سليمان بن الحسن بن الجهم ، أبو الحسن ، الزراري . كان له اتصال بصاحب الأمر عليه السلام ، وخرجت إليه توقيعات ، وكانت له منزلة في أصحابنا ، وكان ورعاً ، ثقة فقيهاً ، لا يطعن عليه في شئ (2) .

2. ابنه الثاني ، محمد بن سليمان بن الحسن بن الجهم ، أبو طاهر ، الزراري (237 - 301 ه) ، حسن الطريقة ، ثقة ، عين ، وله إلى مولانا أبي محمد عليه السلام مسائل وجوابات (3) .

3. حفيد ابنه محمد ، أحمد بن محمد بن محمد بن سليمان بن الحسن بن الجهم ، المشهور بأبي غالب الزراري (285 - 368 ه) . شيخ العصابة في زمانه ووجههم ، وله مؤلفات معروفة (4) ، حدث عن الشيخ الكليني ، ولقي أبا القاسم الحسين بن روح ، وقد دعا له الإمام المهدي عليه السلام أن يصلح الله بينه وبين زوجته (5) .

وكالته ودروه مع الإمام الهادي عليه السلام

ص: 154


1- تنقيح المقال ، المقدمة ، ص 68 .
2- رجال النجاشي 260 .
3- المصدر نفسه 347 .
4- رجال النجاشي 360 .
5- غيبة الطوسي 302 .

ليس بين أيدينا من النصوص التي تروي حياة سليمان بن الحسن الزراري إلا ما أورده حفيده أبو غالب الزراري في رسالته عن تاريخ آل زرارة ، ويظهر من كلامه أن سليمان كان وكيلاً شخصياً للإمام الهادي عليه السلام ، وكان يأمره بقضاء بعض الحاجات لما يتمتع به من السمعة الحسنة والنفوذ لدى السلطة ، فلنستمع إلى غالب الزراري فهو أحسن من يستطيع أن يصور لنا حياة جده الوكيل :

«وأول من نسب منا إلى زرارة جدنا سليمان ، نسبه إليه سيدنا أبو الحسن علي بن محمد صاحب العسكر عليهما السلام ، وكان إذا ذكره في توقيعاته إلى غيره قال : "الزراري" ، تورية عنه وستراً له ، ثم اتسع ذلك وسُمينا به ، وكان عليه السلام يكاتبه في أمور له بالكوفة وبغداد ، وأمه أم ولد يقال لها : رومية ، {انتقل} سليمان من الكوفة ، وباع عقاره بها في محلة بني أعين ، وخرج مع خاله إلى خراسان ، فتزوج بنيشابور امرأة من وجوه أهلها وأرباب النعم ، فولدت له بنيشابور ابنا أسماه احمد ، مات في حياة أبيه ، وولدت له جدي (محمد بن سليمان) ، وعم أبي (علي بن سليمان) ، وأختاً لهما . فلما انصرف آل طاهر عن خراسان أراد سليمان أن ينقل عياله وولده إلى العراق فامتنعت زوجته ووطنت بعمها وأهلها ، فاحتال عليها بالحج ووعدها الرجوع بها إلى خراسان ، فرغبت في الحج ، فأجابته إلى ذلك ، فخرج بها وبولده منها ، فحج بها ثم عاد إلى الكوفة ، وليس له بها دار فنزل دور أهله ومحلتهم إذ ذاك بقية ، فنزل بالقرب من المسجد الجامع ، رغبة فيه على قوم من التجار ، يعرفون بيني عباد ، ثم ابتاع موضعه دوراً واسعة بقيت في أيدي ولده . . وخلف ضيعة في بساتين الكوفة المعروفة بالحراسة ، واسعة ، وقرية في الفلوجة تعرف بقرية (منير) ، وأرضاً واسعة جميعها في النجف مما يلي الحيرة لا أعرف من أي قرية هي ، وكان قد استخرج لها عيناً يجريها إليها في بئر عملها من حديقته بالحيرة ، وتعرف (قبة الشفيق) ، وقد رأيت أنا أثر القناة ، وأدركت شيخاً كان قد قام له عليها . فلم تزل تلك الضياع في يده إلى أن مات .

وكانت دارنا بالكوفة من حدود بني عباد في دار الخرازين في زقان عمرو بن حريث ، الشارع من جانبيه بقية من بناء سليمان ، ودار بناها جدي محمد بن سليمان ، ودار بنيتها

ص: 155

أنا ، ودار اصطبل ، ودور للسكان ، ليس في الشارع وجانبيه دار لغيرنا إلا دار لعمى علي بن سليمان ، ودار لعمات أبي الثلاث ، وكن مقيمات ببغداد في دار عبيد الله بن عبد الله بن طاهر ، وربما وردن الكوفة للزيارة فنزلن بدارهن إلى مات عبد الله ومتن قبله وبعده بيسير ، فأقام عبد الله بن سليمان في دوره بالكوفة . وكان عمال الحرب والخراج يركبون إلى سليمان ، وسيدنا أبو الحسن عليه السلام يكاتبه . وكان يحمل إليه من غلة زوجته بخراسان في كل سنة مع الحاج ما تحمل . ومات سليمان في طريق مكة بعد خمسين ومأتين بعدة لست أحصيها ، وكانت الكتب ترد بعد ذلك على جدي محمد بن سليمان» (1) .

ص: 156


1- تاريخ ال زرارة ، ص195 وما بعدها ، بتصرف قليل .

6- عثمان بن سعيد العَمري (ت 265 ﻫ) .

اشارة

هو أبو عمرو ، عثمان بن سعيد بن عمرو ، الأسدي (1) ، يعرف بالعَمري نسبة إلى جده ، ويقال إن الإمام الحسن العسكري عليه السلام لقبه بهذا اللقب حتى يكسر كنيته ؛ لأنه كره عليه أن يجمع اسم عثمان وكنية أبي عمرو (2) .

من ألقابه (العسكري) : نسبة إلى منطقة العسكر في سامراء ، ويعرف أيضاً بالسّمان أو الزيات ؛ نسبة إلى مهنته في تجارة السمن والزيت (3) ، وأطلق عليه التستري في قاموسه لفظ (الدهان) (4) ولم أجده في المصادر القديمة ، وكان عثمان يشتغل بمهنة بيع السمن والزيت لغرض التغطية على أمره ، فقد كان ينقل الكتب والرسائل والتوقيعات في زقاق السمن خوفاً من اكتشافها من قبل أجهزة السلطة وعيونها المكلفين برصد تحركات الأئمة عليهم السلام ومن يتصل بهم من وجوه الشيعة ورجالاتها .

ليس بين أيدينا تاريخ محدد لولادة عثمان بن سعيد العمري إلا أن الذي وصلنا من النصوص أنه خدم أبا الحسن الهادي وهو في سن الحادية عشرة بحسب الشيخ الطوسي في رجاله (5) ، أما العلامة الحلي وابن شهرآشوب في مناقبه فقد ذكرا أنه خدم الإمام الجواد عليه السلام وله أحد عشر عاماً (6) ، والصحيح عندي ما ذكره الشيخ الطوسي لأسباب :

ص: 157


1- أورد الحاج حسين الشاكري في كتابه (كشكول مبوب) هامش ص87 نقلاً عن كتاب (نزهة الحرمين) للسيد حسن الصدر أنه قال : «(الشيخ عثمان بن سعيد العمري ، من أولاد عمار بن ياسر ..» ، وهذا غريب ؛ فإن عمار بن ياسر مخزومي بالولاء ، وهذا أسدي صميم ، ولعله يتصل بعمار بن ياسر من جهة الأم ، والله العالم .
2- غيبة الطوسي ص354 .
3- غيبة الطوسي 109 ، 354 ، رجال الطوسي 389 ، مناقب ابن شهرآشوب 3\487 ،وقد ورد وصف الزيات لابنه محمد بن عثمان في كتاب (نوادر الأنوار) لأبي علي محمد بن همام ، كما نقل ذلك المحدث النوري في المستدرك 18\187 .
4- قاموس الرجال 9\334 .
5- رجال الطوسي 389 .
6- خلاصة الأقوال 220 ، مناقب ابن شهرآشوب 3\487 ، وقد تابعهم المولى المازندراني فعده من أصحاب الإمام أبي جعفر الثاني عليه السلام – شرح أصول الكافي 7\227 .

1. إن الشيخ الطوسي متقدم على العلامة الحلي وابن شهرآشوب وأعلم منهما بالآثار وأخبار الرجال .

2. لم أجد لعثمان بن سعيد ذكراً في زمان أبي جعفر الجواد عليه السلام .

3. إن الوكالة من الأمور الشاقة التي تحتاج إلى جهد جهيد وحركة مكوكية بين المناطق لجمع الحقوق وإيصال التبليغات ، ولم يُعهد أن يوكل هذا الأمر لصغار السن ممن هم في سن الحادية عشرة أو قريباً منها .

4. إن دور عثمان بن سعيد العمري لم يظهر إلا في نهاية حياة الإمام الهادي عليه السلام ، وبالتحديد في إرهاصات فتنة فارس القزويني بحدود سنة 250 ھ ، فمن المستبعد أن يكون له حضور في زمان أبي جعفر الثاني عليه السلام .

وتأسيساُ على ما تقدم ، فإننا نرجح أن تكون ولادة عثمان بن سعيد بين 210 ھ و 220 ھ ، باعتبار أن الإمام الهادي عليه السلام تسلم الإمامة بحدود سنة 220 ھ ، فيحتمل أنه تشرف بخدمته بين 220 و230 ھ .

كان عثمان بن سعيد وكيلاً للإمام الهادي ومن بعده للإمام العسكري عليهما السلام ، وهو أول السفراء الأربعة في زمان الغيبة الصغرى ، أما وفاته فمن المرجح أنها كانت بحدود 265 ھ أي بعد خمس سنوات من الغيبة الصغرى (1) ، وقد نعاه الإمام المهدي عليه السلام بعبارات بليغة تدل على جلالة قدره وسمو منزلته عند أهل البيت عليهم السلام ، والغريب أن بعض الباحثين المعاصرين ذكره وفاته سنة 257 ھ (2) ، وهذا واضح البطلان ؛ لبقاء الرجل بعد وفاة الإمام العسكري (ت 260 ھ) ، ولعله يقصد 267 ھ أو 275 ھ ، وكلاهما مستبعد أيضاً .

ص: 158


1- وممن رجح ذلك أيضاً السبحاني في طبقات الفقهاء 3\371 ، وذكر الشيخ علي خازم أنه توفي سنة 266 ﻫ كما في كتابه (مدخل إلى علم الفقه عند المسلمين الشيعة) ص19 ، وتحقيق الأمر أن (أحمد بن هلال العبرتائي) الذي ادعى السفارة كذباً وزوراً إنما توفي في زمان السفير الثاني محمد بن عثمان سنة 267 ، فنستطيع أن نقدر أن حركته من حين انحرافه إلى هلاكه قد استغرقت من سنة إلى سنتين ، وهذا يرجح أن السفير الأول مات قبل أحمد بن هلال بأكثر من سنة ، وأقرب الأمور أن يكون في سنة 265 ﻫ .
2- مزارات أهل البيت وتاريخها ص122 .

خلف عثمان بن سعيد اثنين من الأولاد : محمد (وهو السفير الثاني) وأحمد ، وقد ورد في الآثار أنه لما مات الحسن بن علي العسكري عليهما السلام حضر غسله عثمان بن سعيد رضي الله عنه وأرضاه ، وتولى جميع أمره في تكفينه وتحنيطه وتقبيره ، مأموراً بذلك من الإمام المهدي عليه السلام (1) ، وكانت توقيعات صاحب الأمر عليه السلام تخرج على يدي عثمان بن سعيد وابنه أبي جعفر محمد بن عثمان إلى شيعته وخواص أبيه أبي محمد عليه السلام بالأمر والنهي ، والأجوبة عما يسأل الشيعة عنه إذا احتاجت إلى السؤال فيه بالخط الذي كان يخرج في حياة الحسن عليه السلام ، فلم تزل الشيعة مقيمة على عدالتهما إلى أن توفي عثمان بن سعيد رحمه الله ورضي عنه وغسله ابنه أبو جعفر وتولى القيام به وصار الأمر كله مردوداً إليه (2) .

دفن الوكيل والسفير عثمان بن سعيد العمري في بغداد في جانب الرصافة قرب نهر دجلة في الجانب الغربي من سوق الميدان ، قبالة مسجد كان يُعرف بمسجد (الدرب) ، وقد ذكر الشيخ الطوسي أنه رآه وزاره منذ دخوله بغداد سنة 408 ھ ، وحتى ما بعد سنة 430 ھ ، قال : «رأيت قبره ... وكان بني في وجهه حائط وبه محراب المسجد ، وإلى جنبه باب يدخل إلى موضع القبر ، في بيت ضيق مظلم ، فكنا ندخل إليه ونزوره مشاهرة ، وكذلك من وقت دخولي إلى بغداد ، وهي سنة ثمان وأربعمائة إلى سنة نيف وثلاثين وأربعمائة . ثم نقض ذلك الحائط الرئيس أبو منصور محمد بن الفرج ، وأبرز القبر إلى

ص: 159


1- علل الشيخ الطوسي هذا الإجراء بقوله : «مأمورا بذلك للظاهر من الحال التي لا يمكن جحدها ولا دفعها إلا بدفع حقائق الأشياء في ظواهرها» - غيبة الطوسي ص356 ، ولعله يشير إلى عدم قدرة الإمام على تجهيزه بنفسه بسبب ظروف الغيبة والتداعيات الأمنية التي رافقتها ، وسعي السلطات للإمساك بالإمام المهدي عليه السلام ، ولعل هذا الأمر يصطدم مع ظاهر الرواية التي تقول : «أن الامام لا يلي أمره الا امام مثله ؟» – اختيار معرفة الرجال 1\764 ، أي لا يلي أمر تجهيزه ، والجواب إما أن نحتمل أن عثمان بن سعيد كان يتولى الأمر في الظاهر ، بينما الذي يلي التجهيز في الحقيقة هو الإمام المهدي عليه السلام عن طريق الاعجاز ، أو أن نقول إن عثمان إنما تولى التجهيز بأمر الإمام ، وهذا يعني أن المتولي الأساس هو الإمام ، وما جرى كان تحت نظره الشريف ، والأمر هين في مثل هذه الأمور ، ولاسيما وأن الثابت أن الإمام المهدي عليه السلام هو الذي صلى على أبيه في القصة المشهورة .
2- غيبة الطوسي ص356 .

برا (1) ، وعَمَلَ عليه صندوقاً ، وهو تحت سقف يدخل إليه من أراده ويزوره ، ويتبرك جيران المحلة بزيارته ويقولون هو رجل صالح ، وربما قالوا : هو ابن داية الحسين عليه السلام ولا يعرفون حقيقة الحال فيه ، وهو إلى يومنا هذا - وذلك سنة سبع وأربعين وأربعمائة - على ما هو عليه» (2) ، وذكر السيد حرز الدين أنه زاره سنة 1387 ھ ، وكان كُتب على بابه في سوق الميدان : «هذا مسجد نائب الإمام عليه السّلام عثمان بن سعيد العَمْري العسكريّ ، سنة 1348 ھ» (3) ، وهو اليوم مرقد عامر تتبرك به الناس يقع في منطقة باب المعظم مقابل وزارة الدفاع العراقية.

وكالته عن الإمام الهادي عليه السلام

لا خلاف بين أرباب السير والتراجم على توكل عثمان بن سعيد للإمام الهادي عليه السلام ، فقد ذكر الشيخ الطوسي أن لعثمان عهداً معروفاً من الإمام الهادي عليه السلام (4) ، ونص على وكالته صراحة ابن شهرآشوب في مناقبه (5) ، والطبرسي في الاحتجاج (6) ، وذكر الطبري أنه كان باباً للهادي عليه السلام (7) ، والباب تعبير آخر عن الوكيل والنائب ، وممن نص على وكالته للهادي عليه السلام الشيخ محمد مهدي الأصفهاني (ولد سنة 1319 ﻫ) في كتابه أحسن الوديعة ، والسيد محمد الصدر (8) .

كان لعثمان بن سعيد العَمري دور في التصدي لحركة الضال المنحرف (فارس بن حاتم القزويني) التي كانت بحدود سنة 250 ھ أو ما قبلها بقليل ، فقد تكفل – بأمر من

ص: 160


1- قال محقق كتاب الغيبة : (إلى برا ، أي إلى خارج ، ولعل الألف في آخره زيادة من النساخ) .
2- غيبة الطوسي ص358 .
3- راجع : مزارات أهل البيت عليهم السلام وتأريخها ص122 .
4- رجال الطوسي 389 .
5- مناقب ابن شهرآشوب 3\512 .
6- الاحتجاج 2\296 .
7- دلائل الإمامة 411 ، وورد أيضاً في تاريخ الأئمة للكاتب البغدادي 33 .
8- تاريخ الغيبة الصغرى 397 .

الإمام – بإيصال التوقيع الخاص بلعن فارس والبراءة منه إلى وفد مدينة قزوين برئاسة علي بن عمرو العطار القزويني ، روى ذلك الكشي في رجاله بسنده عن أبي يعقوب يوسف بن السخت (1) ، قال : كنت بسر من رأى أتنفل في وقت الزوال ، إذ جاء إلي علي بن عبد الغفار ، فقال لي : أتاني العمري رحمه الله (2) ، فقال لي يأمرك مولاك أن توجه رجلاً ثقة في طلب رجل يقال له : علي بن عمرو العطار قدم من قزوين ، وهو ينزل في جنبات دار أحمد بن الخضيب ، فقلت : سماني ؟ فقال : لا ، ولكن لم أجد أوثق منك . فدفعت إلى الدرب الذي فيه علي فوقفت على منزله ، فإذا هو عند فارس ، فأتيت علياً (3) فأخبرته ، فركب وركبت معه فدخل على فارس فقام وعانقه ، وقال : كيف أشكر هذا البر . فقال : تشكرني ؟! فاني لم آتك ! إنما بلغني أن علي بن عمرو قدم يشكو ولد سنان ، وأنا أضمن له مصيره إلي ما يحب ، فدلّه عليه ، فأخذ بيده فأعلمه أني رسول أبي الحسن عليه السلام وأمره أن لا يحدث في المال الذي معه حدثاً وأعلمه أن لعن فارس قد خرج ، ووعده أن يصير إليه من غد ، ففعل ، فأوصل العمري ، وسأله عما أراد ، وأمر بلعن فارس وحمل ما معه (4) .

وكان الإمام الهادي عليه السلام قد فرض للعَمري صلاحيات واسعة ، منها الاتصال بالوكلاء ونقل التوجيهات إليهم دون رجوعهم للإمام عليه السلام ، ومنها أنه كان المسؤول المالي لخزانة الإمام الهادي عليه السلام ، ومما يدل على ذلك ما رواه ابن شهرآشوب في مناقبه قال : «دخل أبو عمر عثمان بن سعيد وأحمد بن إسحاق الأشعري وعلي بن جعفر الهمداني على أبى الحسن العسكري فشكا إليه أحمد بن إسحاق دَيناً عليه فقال : يا أبا

ص: 161


1- ذكره الشيخ الطوسي في أصحاب الإمام الحسن العسكري عليه السلام – رجال الطوسي 403 ، وقد ضعفه ابن الغضائري ومراه بالغلو دون دليل أو برهان ، بينما أثبت الشيخ علي النمازي الشاهرودي حسنه ومدحه – مستدركات علم رجال الحديث 8\288 ، ويظهر من هذه الرواية ومن روايات أخرى كونه من المقربين لأصحاب الأئمة ، ومن المعتمدين عندهم ، فلا وجه لما ذكر ابن الغضائري في رجاله .
2- لعل عبارة (رحمه الله) من كلام يوسف بن السخت ، وقد حدث بهذا الحديث بعد وفاة العمري قدس الله روحه .
3- أي : علي بن عبد الغفار .
4- اختيار معرفة الرجال 2\809 .

عمرو - وكان وكيله - ادفع إليه ثلاثين ألف دينار ،والى علي بن جعفر ثلاثين ألف دينار ، وخذ أنت ثلاثين ألف دينار» (1) ، وهذا العطاء الكبير يكشف عن حرص الإمام الهادي عليه السلام على تأمين الحصانة المالية للوكلاء بما يضمن عدم احتياجهم للآخرين ، وقدرتهم على توفير مستلزمات العمل الميداني كوسائط النقل ، وشراء الموالي ، وكتابة الكتب ونسخها ، ودفع شر السلطة وأعوانها ، وغيرها من الأمور التي تساعد في تحسين المستوى الأدائي للوكيل .

لقد كان لعثمان بن سعيد دور عقائدي كبير في تثبيت الشيعة على العقيدة الحقة مع بروز استحقاق الغيبة بوفاة الإمام العسكري عليه السلام سنة 260 ﻫ ، وبحسب التاريخ الذي قربناه ، فقد عاصر العَمري الإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام ما يزيد على ثلاثين عاماً ، وهي مدة كانت كافية لترسيخه كأحد رجالات الصف الأول من الشيعة ، وأحد الوكلاء الثقات الذين لهم باع طويل وخبرة تراكمية في إدارة العمل الميداني بكل تعقيداته الفكرية والسياسية والأمنية ، فلم يكن أحد من الشيعة في حواضر التشيع المعروفة آنذاك يجهل قدر عثمان بن سعيد أو يشكك في إخلاصه وحسن بلائه وقوة شخصيته ، ولهذا نجح العمري بشكل كبير في امتصاص الصدمة التي خلفها غياب الإمام المهدي عن الجماهير الشيعية ، وما أن علمت الشيعة أن المفزع لأبي عمرو عثمان بن سعيد العمري حتى استعادت هامشاً كبيراً من وعيها وثباتها الذي دخل مرحلة التحدي الكبرى مع بدء الغيبة الكبرى ، وهذا الأمر يفسر لنا بوضوح غياب المدعين للسفارة وانحسار الهزات الارتدادية المنحرفة عن الساحة الشيعية طيلة مدة السفارة الأولى التي امتدت خمس سنين تقريباً (260-265 ﻫ) ، ولم تظهر السفارات الكاذبة إلا في زمن العمري الابن (محمد بن عثمان) .

ص: 162


1- مناقب ابن شهرآشوب 3\512 .
وثاقته

لا يختلف اثنان من الشيعة في وثاقة أبي عمرو عثمان بن سعيد ، وليس تزيده أقوال الرجال شرفاً أو رفعة بعد ما استفاضت الأخبار عن ثلاثة من الأئمة الأطهار عليهم السلام بمدحه والثناء عليه وبيان ما كان عليه من صحة الاعتقاد ، وحسن البلاء في سبيل الحق ونصرة أهل البيت عليهم السلام وخدمة شيعتهم .

ونحن ذاكرون إن شاء الله ما ورد بحقه من المدح والثناء :

1. الإمامان الهادي والعسكري عليهما السلام : وردت عنهما روايات عديدة منها :

أولاً : أورد الشيخ الطوسي في غيبته بإسناده عن أبي محمد هارون بن موسى {التعلكبري} ، عن أبي علي محمد بن همام الإسكافي ، قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، قال : حدثنا أحمد بن إسحاق بن سعد القمي قال : دخلت على أبي الحسن علي بن محمد صلوات الله عليه في يوم من الأيام فقلت : يا سيدي أنا أغيب وأشهد ولا يتهيأ لي الوصول إليك إذا شهدت في كل وقت ، فقول من نقبل ؟ وأمر من نمتثل ؟ فقال لي صلوات الله عليه : هذا أبو عمرو الثقة الأمين ما قاله لكم فعني يقوله ، وما أداه إليكم فعني يؤديه . فلما مضى أبو الحسن عليه السلام وصلت إلى أبي محمد ابنه الحسن العسكري عليه السلام ذات يوم فقلت له عليه السلام مثل قولي لأبيه ، فقال لي : هذا أبو عمرو الثقة الأمين ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات ، فما قاله لكم فعني يقوله ، وما أدى إليكم فعني يؤديه . قال أبو محمد هارون : قال أبو علي : قال أبو العباس الحميري : فكنا كثيراً ما نتذاكر هذا القول ونتواصف جلالة محل أبي عمرو .

ثانياً : وأخبرنا جماعة ، عن أبي محمد هارون ، عن محمد بن همام ، عن عبد الله بن جعفر قال : حججنا في بعض السنين بعد مضي أبي محمد عليه السلام فدخلت على أحمد بن إسحاق بمدينة السلام فرأيت أبا عمرو عنده ، فقلت إن هذا الشيخ وأشرت إلى أحمد بن إسحاق ، وهو عندنا الثقة المرضي ، حدثنا فيك بكيت وكيت ، واقتصصت عليه ما تقدم يعني ما ذكرناه عنه من فضل أبي عمرو ومحله ، وقلت : أنت الآن ممن لا يشك في قوله وصدقه فأسألك بحق الله وبحق الإمامين اللذين وثقّاك هل رأيت ابن أبي محمد الذي هو صاحب الزمان عليه السلام ؟ فبكى ثم قال : على أن لا تخبر بذلك أحداً

ص: 163

وأنا حي ، قلت : نعم . قال : قد رأيته عليه السلام وعنقه هكذا - يريد أنها أغلظ الرقاب حسناً وتماماً - قلت : فالاسم ؟ قال : نهيتم عن هذا (1) .

ثالثاً : وروى ثقة الإسلام الكليني في الكافي عن محمد بن عبد الله ومحمد بن يحيى جميعاً ، عن عبد الله بن جعفر الحميري قال : أخبرني أبو علي أحمد بن إسحاق ، عن أبي الحسن عليه السلام قال : سألته وقلت : من أعامل أو عمن آخذ ، وقول من أقبل ؟ فقال له : العمري ثقتي فما أدى إليك عني فعني يؤدي وما قال لك عني فعني يقول ، فاسمع له وأطع ، فإنه الثقة المأمون ، وأخبرني أبو علي أنه سأل أبا محمد عليه السلام عن مثل ذلك ، فقال له : العمري وابنه ثقتان ، فما أديا إليك عني فعني يؤديان وما قالا لك فعني يقولان ، فاسمع لهما وأطعمها فإنهما الثقتان المأمونان ، فهذا قول إمامين قد مضيا فيك . قال : فخر أبو عمرو ساجدا وبكى ثم قال : سل حاجتك فقلت له : أنت رأيت الخلف من بعد أبي محمد عليه السلام ؟ فقال : إي والله ورقبته مثل ذا - وأومأ بيده - فقلت له : فبقيت واحدة فقال لي : هات ، قلت : فالاسم ؟ قال : محرم عليكم أن تسألوا عن ذلك ، ولا أقول هذا من عندي ، فليس لي أن أحلل ولا أحرم ، ولكن عنه عليه السلام ، فإن الأمر عند السلطان ، أن أبا محمد مضى ولم يخلف ولدا وقسم ميراثه وأخذه من لا حق له فيه وهو ذا ، عياله يجولون ليس أحد يجسر أن يتعرف إليهم أو ينيلهم شيئا ، وإذا وقع الاسم وقع الطلب ، فاتقوا الله وأمسكوا عن ذلك (2) .

رابعاً : وروى أحمد بن علي بن نوح أبو العباس السيرافي ، قال : أخبرنا أبو نصر هبة الله بن محمد بن أحمد المعروف بابن برينة الكاتب ، قال : حدثني بعض الشراف من الشيعة الإمامية أصحاب الحديث ، قال : حدثني أبو محمد العباس بن أحمد الصائغ قال : حدثني الحسين بن أحمد الخصيبي قال : حدثني محمد بن إسماعيل وعلي بن عبد الله الحسنيّان قالا : دخلنا على أبي محمد الحسن عليه السلام بسر من رأى وبين يديه جماعة من أوليائه وشيعته ، حتى دخل عليه بدر خادمه فقال : يا مولاي بالباب قوم شعث غبر

ص: 164


1- غيبة الطوسي ص354 - 355 .
2- الكافي 1\329 .

، فقال لهم : هؤلاء نفر من شيعتنا باليمن في حديث طويل يسوقانه إلى أن ينتهي إلى أن قال الحسن عليه السلام لبدر : فامض فائتنا بعثمان بن سعيد العمري فما لبثنا إلا يسيراً حتى دخل عثمان ، فقال له سيدنا أبو محمد عليه السلام : امض يا عثمان ، فإنك الوكيل والثقة المأمون على مال الله ، واقبض من هؤلاء النفر اليمنيين ما حملوه من المال . ثم ساق الحديث إلى أن قالا : ثم قلنا بأجمعنا : يا سيدنا ! والله إن عثمان لمن خيار شيعتك ، ولقد زدتنا علماً بموضعه من خدمتك ، وأنه وكيلك وثقتك على مال الله تعالى ، قال : (نعم واشهدوا على أن عثمان بن سعيد العمري وكيلي ، وأن ابنه محمداً وكيل ابني مهديكم) (1) .

خامساً : وفي كتاب آخر ورد لإسحاق بن إبراهيم النيسابوري يصف الإمام العسكري عليه السلام وكيله العَمري بأنه (الطاهر ، الأمين ، العفيف ، القريب منا والينا) (2) .

2. الإمام المهدي عليه السلام : بعد وفاة عثمان بن سعيد أرسل الإمام المهدي عليه السلام إلى ولده السفير الثاني أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد يعزيه بوفاة والده وينصبه مكانه سفيراً ونائباً ، أورد ذلك الشيخ الطوسي في غيبته قائلاً : وأخبرنا جماعة ، عن محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه ، عن أحمد بن هارون الفامي قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أبيه عبد الله بن جعفر الحميري قال : خرج التوقيع إلى الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري قدس الله روحه في التعزية بأبيه رضي الله تعالى عنه ، جاء فيه : «إنا لله وإنا إليه راجعون ، تسليماً لأمره ، ورضىً بقضائه ، عاش أبوك سعيداً ، ومات حميداً ، فرحمه الله ، وألحقه بأوليائه ومواليه عليهم السلام ، فلم يزل مجتهداً في أمرهم ، ساعياً فيما يقربه إلى الله عز وجل وإليهم ، نضّر الله وجهه ، وأقاله عثرته» ، وفي فصل آخر من الكتاب نفسه : «أجزل الله لك الثواب وأحسن لك العزاء ، رزئتَ ورزئنا ، وأوحشك فراقه وأوحشنا ، فسرّه الله في منقلبه ، وكان من كمال سعادته أن رزقه الله تعالى ولداً مثلك يخلفه من بعده ، ويقوم

ص: 165


1- غيبة الطوسي 355-356 .
2- اختيار معرفة الرجال 2\848 .

مقامه بأمره ، ويترحم عليه ، وأقول الحمد لله ، فإن الأنفس طيبة بمكانك ، وما جعله الله عز وجل فيك وعندك ، أعانك الله وقواك وعضدّك ووفّقك ، وكان لك ولياً وحافظاً وراعياً وكافياً» (1) ، وكان الإمام المهدي عليه السلام قد ترحم على عثمان وترضى عنه في غير واحد من كتبه وتوقيعاته التي خرجت لابنه محمد بن عثمان (2) .

ويمكننا مما تقدم تلخيص ما ورد بشأنه من المدح في ما يلي :

1. إنه معصوم بالعصمة التشريعية ، فلا يبلّغ شيئاً فيه باطل مطلقاً ، ولا ينقل عن الإمام إلا الحق ، وهذه ميزة غير متوفرة في أحد من الرواة لا قبله ولا بعده بحسب التحقيق القاصر، ومما يدل على ذلك قول العسكريين عليهما السلام (هذا أبو عمرو الثقة الأمين ما قاله لكم فعني يقوله) ، (ما قاله لكم فعني يقوله ، وما أداه إليكم فعني يؤديه) ، وقول أبي محمد عليه السلام فيه وفي ابنه : (فاسمع لهما وأطعمها) ، وقول العمري نفسه : (ولا أقول هذا من عندي ، فليس لي أن أحلل ولا أحرم ، ولكن عنه عليه السلام) ، وهذا يؤكد حقيقة أخرى وهو أن الرجل لم يكن من أهل الرأي والاجتهاد ، وإنما من أهل الحديث والرواية ، وهذا شان الشيعة المخلصين ، السائرين على هدي أئمتهم ، وطريقة سلفهم الصالح ، وبسبب هذه المدائح العظيمة كلن الثقة الجليل عبد الله بن جعفر الحميري يقول : (فكنا كثيراً ما نتذاكر هذا القول ونتواصف جلالة محل أبي عمرو) .

2. إنه كان في أعلى درجات الوثاقة والأمانة والقرب من أهل البيت عليهم السلام ، وقد تكررت هذه الألفاظ وعبارات المدح في النصوص الشريفة التي قدمناها : (الطاهر ، الأمين ، العفيف) ، (القريب منا والينا) ، (فإنك الوكيل والثقة المأمون) ، (فإنه الثقة المأمون) ، (العمري وابنه ثقتان) ، (أبو عمرو الثقة الأمين ثقة الماضي ، وثقتي في المحيا والممات) .

أما ما ورد بحقه من أقول المؤرخين والرجاليين فشيء كثير نقتصر على ما يأتي :

ص: 166


1- غيبة الطوسي ص361 .
2- المصدر نفسه ص291 .

1. الشيخ الطوسي قال عنه : «الشيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري رحمه الله، وكان أسدياً» (1) ، وذكره في رجاله في أصحاب الإمام الحسن العسكري فقال : «جليل القدر ثقة ، وكيله عليه السلام» (2) .

2. الشيخ الطبرسي : «وكان أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري قدس الله روحه باباً لأبيه وجده – أي للهادي والعسكري- عليهما السلام من قبلُ ، وثقةً لهما ، ثم تولى الباقية من قبله ، وظهرت المعجزات على يده» (3) .

2. السيد الخوئي قال عنه : «وكيل من جهة صاحب الزمان عليه السلام ، وله منزلة جليلة عند الطائفة» (4) .

طبقته في الحديث

لم يكن عثمان بن سعيد من المكثرين في رواية الحديث ، وليس له كتاب أو أصل حديثي بحسب ما وصلنا من أقوال الرجاليين ؛ لذلك لم يذكره النجاشي في رجاله ولا الطوسي في الفهرست ، وإنما ذكره الطوسي في كتاب الرجال فقال : (جليل القدر ثقة) (5) ، ومن أثاره المشهورة روايته دعاء السمات بسنده عن الإمام الباقر عليه السلام (6) ، ولعل لهذا الخمول والانحسار في الدور الحديثي ما يبرره ، من حيث أن الوظيفة التي تكفل بها العمري لم تكن تسمح له أن يكون على تواجد كبير كأحد المحدثين المشهورين الذين تعرفهم مجالس العامة والخاصة ؛ ربما ليظل بعيداً عن عيون السلطة ورجالاتها من الأجهزة الأمنية أو من ذيول المدرسة الحديثية الرسمية ، وإلى هذه الحقيقة يشير الشيخ الطوسي في غيبته قائلاً : «وكانت توقيعات صاحب الأمر عليه السلام تخرج على يدي

ص: 167


1- غيبة الطوسي ص353 .
2- رجال الطوسي ص401 .
3- إعلام الورى 2\259 .
4- معجم رجال الحديث 12\123 .
5- رجال الطوسي 401 .
6- بحار الأنوار 78\96 .

عثمان بن سعيد وابنه أبي جعفر محمد بن عثمان إلى شيعته وخواص أبيه أبي محمد عليه السلام بالأمر والنهي والأجوبة عما يسأل الشيعة عنه إذا احتاجت إلى السؤال فيه بالخط الذي كان يخرج في حياة الحسن عليه السلام ، فلم تزل الشيعة مقيمة على عدالتهما إلى أن توفي عثمان بن سعيد رحمه الله ورضي عنه وغسله ابنه أبو جعفر وتولى القيام به وحصل الأمر كله مردوداً إليه ، والشيعة مجتمعة على عدالته وثقته وأمانته ، لما تقدم له من النص عليه بالأمانة والعدالة والأمر بالرجوع إليه في حياة الحسن عليه السلام وبعد موته في حياة أبيه عثمان رحمة الله عليه» (1) .

أ. مشايخه : روى عثمان بن سعيد عن الإمامين العسكري وصاحب الزمان عليهم السلام ، كما روى عن أبي عبد الله محمد بن مهران ، ومحمد بن راشد (أو محمد بن علي الراشدي) ، والحسن بن راشد .

ب. الرواة عنه : ابنه محمد بن عثمان ، محمد بن موسى الجورجاني (2) ، الحسين بن حمدان الخصيبي (3) (ت 358) .

نماذج من رواياته

1. الخزاز القمي : بسنده عن محمد بن الحسين بن الحكم الكوفي ببغداد ، عن الحسين بن حمدان الحصيبي (ت 358) ، عن عثمان بن سعيد العمري ، عن أبي عبد الله محمد بن مهران ، عن محمد بن إسماعيل الحسني ، عن خلف بن المفلس ، عن نعيم بن جعفر ، عن الثمالي ، عن الكابلي ، عن علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي عليهم السلام قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو متفكر مغموم ، فقلت ، يا

ص: 168


1- غيبة الطوسي ص356 .
2- ذكر ذلك الطوسي في رجاله 447 .
3- وروايته عن عثمان بن سعيد فيها إرسال .

رسول الله ما لي أراك متفكراً ؟ فقال : يا بني إن الروح الأمين قد أتاني فقال : يا رسول الله العلي الأعلى يقرؤك السلام ويقول لك : إنك قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك ، فاجعل الاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة عند علي بن أبي طالب ، فإني لا أترك الأرض إلا وفيها عالم تعرف به طاعتي وتعرف به ولايتي ، فإني لم أقطع علم النبوة من الغيب من ذريتك ، كما لم أقطعها من ذريات الأنبياء الذين كانوا بينك وبين أبيك آدم ،

قلت : يا رسول الله فمن يملك هذا الأمر بعدك ؟ قال : أبوك علي بن أبي طالب أخي وخليفتي ، ويملك بعد علي الحسن ثم تملكه أنت وتسعة من صلبك ، يملكه اثنا عشر إماماً ، ثم يقوم قائمنا يملا الدنيا قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، يشفي صدور قوم مؤمنين (1) .

2. الخزاز القمي : بسنده عن هارون بن موسى ، عن الحسين بن حمدان ، عن عثمان بن سعيد ، عن محمد بن مهران ، عن محمد بن إسماعيل الحسني ، عن خالد بن المفلس عن نعيم بن جعفر ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي خالد الكابلي قال : دخلت على علي بن الحسين عليهما السلام وهو جالس في محرابه ، فجلست حتى انثنى وأقبل عليّ بوجهه يمسح يده على لحيته ، فقلت : يا مولاي أخبرني كم يكون الأئمة بعدك ؟ قال عليه السلام : ثمانية ، قلت : وكيف ذاك ؟ قال عليه السلام : لأن الأئمة بعد رسول الله اثنا عشر إماماً عدد الأسباط ، ثلاثة من الماضين ، أنا الرابع ، وثمانية من ولدي ، أئمة أبرار من أحبنا وعمل بأمرنا كان معنا في السنام الأعلى ، ومن أبغضنا وردنا أو رد واحداً منا فهو كافر بالله وآياته (2) .

3. المحدث النوري : عن الفاضل المعروف بمير لوحي المعاصر للمجلسي في كتاب الأربعين ، نقلاً من كتاب الغيبة للحسن بن حمزة العلوي الطبري : قال : قال أبو علي محمد بن همام في كتاب نوادر الأنوار : حدثنا محمد بن عثمان بن سعيد الزيات رضي

ص: 169


1- البحار 36\345 ، كفاية الأثر 178 .
2- بحار الأنوار 36\388 .

الله عنه ، قال : سمعت أبي يقول : سئل أبو محمد (عليه السلام) عن الخبر الذي روي عن آبائه (عليهم السلام) : " أن الأرض لا تخلو من حجة لله تعالى عل خلقه إلى يوم القيامة ، فإن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية " ، فقال : "إن هذا حق ، كما أن النهار حق "... الخبر (1) .

4. العلامة المجلسي : وجدت بخط الشيخ الأجل شمس الدين محمد بن علي الجبعي جد شيخنا العلامة البهائي قدس الله روحهما ما هذا لفظه : دعاء السِّمات وهو المعروف بدعاء الشَّبّور (2) ، ويستحب الدعاء به في آخر ساعة من نهار الجمعة ، رواه أبو عبد الله أحمد بن محمد بن عياش الجوهري (3) قال : حدثني أبو الحسين عبد العزيز بن أحمد بن محمد الحسني قال : حدثني محمد بن علي بن الحسن بن يحيى الراشدي من ولد الحسين بن راشد قال : حدثنا الحسين بن أحمد بن عمر بن الصباح قال : حضرت مجلس الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري قدس الله روحه فقال بعضنا له : يا سيدي ما بالنا نرى كثيراً من الناس يصدقون شّبّور اليهود على من سرق منهم وهم ملعونون على لسان عيسى بن مريم ومحمد رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فقال : لهذا علتان ظاهرة وباطنة ، فأما الظاهرة فإنها أسماء الله ومدائحه إلا أنها عندهم مبتورة وعندنا صحيحة موفورة عن سادتنا أهل الذكر ، نقلها لنا خلف عن سلف ، حتى وصلت إلينا ، وأما الباطنة فانا روينا عن العالم عليه السلام أنه قال : "إذا دعا المؤمن يقول الله عز وجل : صوت أحب أن أسمعه ، اقضوا حاجته ، واجعلوها معلقة بين السماء والأرض

ص: 170


1- مستدرك الوسائل 18\187 .
2- قال الطريحي في مجمعه 2\476 : «دعاء السمات المشهور يسمى دعاء الشَّبّور، وهو عبراني وفيه مناسبة للقرون المثقوبة ، لما روي أن يوشع لما حارب العمالقة أمر أن يأخذ الخواص من بني إسرائيل جراراً فرغاً على أكتافهم بعدد أسماء العمالقة ، وأن يأخذ كل منهم قرناً مثقوباً من قرن الضأن ويدعون بهذا الدعاء سراً لئلا يسترقه بعض شياطين الجن والإنس فيعملونه ، ففعلوا ذلك ليلتهم ، فلما كان آخر الليل كسروا الجرار في معسكر العمالقة فأصبحوا موتى منتفخي الأجواف ( كأنهم أعجاز نخل خاوية ) ..» .
3- من رواة الشيعة ، ومن مشايخ النجاشي ، له مصنفات مهمة في العقيدة وتاريخ الأئمة وأصحابهم ، ت 401 ﻫ - رجال النجاشي 86 .

حتى يكثر دعاؤه شوقاً مني إليه ، وإذا دعا الكافر يقول الله عز وجل : صوت أكره سماعه ، اقضوا حاجته ، وعجلوها له حتى لا أسمع صوته ، ويشتغل بما طلبه عن خشوعه" . قالوا : فنحن نحب أن تملي علينا دعاء السمات الذي هو للشّبَور حتى ندعو به على ظالمنا ومضطهدنا ، والمخاتلين لنا والمتعززين علينا ؟ قال : حدثني أبو عمر{و} عثمان بن سعيد قال : حدثني محمد بن راشد (1) قال : حدثني محمد بن سنان قال : حدثني المفضل بن عمر الجعفي أن خواصاً من الشيعة سألوا عن هذه المسألة بعينها أبا عبد الله عليه السلام فأجابهم بمثل هذا الجواب ، قال : وقال أبو جعفر باقر علم الأنبياء : "لو يعلم الناس ما نعلمه من علم هذه المسائل وعظم شأنها عند الله وسرعة إجابة الله لصاحبها مع ما ادخر له من حسن الثواب ، لاقتتلوا عليها بالسيوف ، فان الله يختص برحمته من يشاء" ثم قال : "أما إني لو حلفتُ لبررتُ أن الاسم الأعظم قد ذكر فيها فإذا دعوتم فاجتهدوا في الدعاء بالباقي ، وارفضوا الفاني ، فان ما عند الله خير و أبقى" ، ثم قال : "هذا هو من مكنون العلم ومخزون المسائل المجابة عند الله تعالى : (بسم الله الرحمن الرحيم ، اللهم إني أسألك باسمك العظيم الأعظم الأعظم الأعظم ، الأعز الأجل الأكرم ، الذي إذا دُعيت به على مغالق أبواب السماء للفتح بالرحمة انفتحت ، وإذا دُعيت به على مضايق أبواب الأرض للفرج انفرجت ، وإذا دُعيت به على العُسر لليسر تيسرت ، وإذا دعيت به على الأموات للنشور انتشرت ، وإذا دعيت به على كشف البأساء والضراء انكشفت ، وبجلال وجهك الكريم ، أكرم الوجوه وأعز الوجوه ، الذي عنت له الوجوه ، وخضعت له الرقاب ، وخشعت له الأصوات ، ووجلت له القلوب من مخافتك ، وبقوتك التي تمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنك ، وتمسك السماوات والأرض أن تزولا ، وبمشيتك التي دان لها العالمون ، وبكلمتك التي خلقت بها السماوات والأرض ، وبحكمتك التي صنعت بها العجائب ، وخلقت بها الظلمة وجعلتها ليلاً وجعلت

ص: 171


1- محمد بن راشد ، من أصحاب الإمام الرضا عليه السلام ، قال ابن شهرآشوب : كان باب أبي الحسن الرضا عليه السلام ، أي الوكيل المقرب ، وفي نسخ أخرى للدعاء أن الراوي اسمه (محمد بن علي الراشدي) فيكون شخصاً آخر ، وفي إسناد ثالث أنه (محمد بن أسلم) .

الليل مسكناً (سكناً) ، وخلقت بها النور وجعلته نهاراً ، وجعلت النهار نشوراً مبصراً ، وخلقت بها الشمس وجعلت الشمس ضياءً ، وخلقت بها القمر وجعلت القمر نوراً ، وخلقت بها الكواكب وجعلتها نجوماً وبروجاً ومصابيح وزينة ورجوماً ، وجعلت لها مشارق ومغارب ، وجعلت لها مطالع ومجاري ، وجعلت لها فَلَكاً ومسابح ، وقدّرتها في السماء منازل فأحسنت تقديرها ، وصورتها فأحسنت تصويرها ، وأحصيتها بأسمائك إحصاءً ، ودبرتها بحكمتك تدبيراً ، فأحسنت تدبيرها ، وسخرتها بسلطان الليل وسلطان النهار والساعات ، وعدد السنين والحساب ، وجعلت رؤيتها لجميع الناس مرأى واحداً . وأسألك اللهم بمجدك الذي كلّمت به عبدك ورسولك موسى بن عمران في المَقدَسين (1) فوق أحساس الكروبيين (2) ، فوق غمائم النور ، فوق تابوت الشهادة (3) ، في عمود النور ، وفي طور سيناء ، وفي جبل حوريث في الوادي المقدس في البقعة المباركة من جانب الطور الأيمن من الشجرة ، وفي أرض مصر بتسع آيات بينات ، ويوم فرقت لبني إسرائيل البحر ، وفي المنبجسات التي صنعت بها العجائب في بحر سوف ، وعقدت ماء البحر في قلب الغمر كالحجارة ، وجاوزت ببني إسرائيل البحر ، وتمت كلمتك الحسنى عليهم بما صبروا وأورثتهم مشارق الأرض ومغاربها التي باركت فيها للعالمين

ص: 172


1- " في المقدسين " بفتح الدال في الملائكة الذين قدستهم وطهرتهم من الذنوب والعيوب – بحار الأنوار 87\109 .
2- " فوق أحساس الكروبيين " المضبوط بخط الشيخ شمس الدين بفتح الهمزة جمع الحس ، وفي نسخ المصباح وكتابي الكفعمي بكسر الهمزة ، لكن يظهر من شرحه أنه بالفتح ، قال : فوق نقيض تحت قال تعالى : " والذين اتقوا فوقهم يوم القيمة " أي أعلى منزلة عند الله تعالى ، وأحساس الكروبيين أصواتهم والحس والحسيس الصوت الخفي ، والمعنى أن كلامه سبحانه أعلى من كل شئ وفوق كل شئ لأنه فوق أصوات الكروبيين ، والكروبيون هم القريبون منه تعالى ، من قولك كرب كذا أي قرب ، وكربت الشمس قريب للمغيب ، وكل دان قريب فهو كارب ، والمراد بقربهم منه تعالى شرف منزلتهم عنده وجلالة محلهم منه ، ومنه حديث أبي العالية الكروبيون هم سادة الملائكة - بحار الأنوار 87\109 .
3- وقال الكفعمي : التابوت هو صندوق التوراة وفي كتاب الزبدة عن الباقر عليه السلام هذا التابوت هو الذي أنزله الله تعالى على أم موسى فوضعته فيه فألقته في البحر ، فلما حضرت موسى الوفاة وضع فيه الألواح ودرعه وما كان عنده من آثار النبوة ، وأودعه وصيه يوشع بن نون فلم يزل بنو إسرائيل يتبرك به وهم في عز وشرف حتى استخفوا به فكانت الصبيان تلعب به فرفعه الله تعالى عنهم - بحار الأنوار 87\110 .

وأغرقت فرعون وجنوده ومراكبه في اليم . وباسمك العظيم الأعظم الأعظم الأعظم الأعز الأجل الأكرم ، وبمجدك الذي تجليت به لموسى كليمك في طور سيناء ، ولإبراهيم خليلك من قبل في مسجد الخيف ، ولإسحاق صفيك في بئر شيع ، وليعقوب نبيك في بيت إيل ، وأوفيت لإبراهيم عليه السلام بميثاقك ، ولإسحاق عليه السلام بحلفك ، وليعقوب عليه السلام بشهادتك ، وللمؤمنين بوعدك ، وللداعين بأسمائك فأجبت ، وبمجدك الذي ظهر لموسى بن عمران على قبة الرُّمان ، وبآياتك التي وقعت على أرض مصر بمجد العزة والغلبة بآيات عزيزة ، وبسلطان القوة ، وبعزة القدرة ، وبشأن الكلمة التامة ، وبكلماتك التي تفضلت بها على أهل السماوات والأرض وأهل الدنيا والآخرة ، وبرحمتك التي مننت بها على جميع خلقك ، وباستطاعتك التي أقمت بها العالمين ، وبنورك الذي قد خرَّ من فزعه طور سيناء ، وبعلمك وجلالك وكبريائك وعزتك وجبروتك التي لم تستقلها الأرض وانخفضت لها السماوات ، وانزجر لها العمق الأكبر ، وركدت لها البحار والأنهار ، وخضعت لها الجبال ، وسكنت لها الأرض بمناكبها ، واستسلمت لها الخلائق كلها ، وخفقت لها الرياح في جريانها ، وخمدت لها النيران في أوطانها ، وبسلطانك الذي عرفت لك الغلبة دهر الدهور ، وحمدت به في السماوات والأرضين وبكلمتك كلمة الصدق التي سبقت لأبينا آدم وذريته بالرحمة .

وأسألك بكلمتك التي غلبت كل شئ ، وبنور وجهك الذي تجليت به للجبل فجعلته دكاً وخر موسى صعِقاً ، وبمجدك الذي ظهر على طور سيناء فكلمت به عبدك ورسولك موسى بن عمران ، وبطلعتك في ساعير ، وظهورك في جبل فاران بربوات المقدسين ، وجنود الملائكة الصافين ، وخشوع الملائكة المسبحين ، وببركاتك التي باركت فيها على إبراهيم خليلك عليه السلام في أمة محمد صلواتك عليه وآله ، وباركت لإسحاق صفيك في أمة عيسى عليه السلام وباركت ليعقوب عليه السلام إسرائيلك في أمة موسى عليه السلام ، وباركت لحبيبك محمد صلى الله عليه وآله وعترته وذريته وأمته ، وكما غبنا عن ذلك ولم نشهده ، وآمنا به - ولم نره - صدقاً وعدلاً أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تُبارك على محمد وآل محمد ، وتَرَحّم على محمد وآل محمد كأفضل ما

ص: 173

صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، فعال لما تريد . ثم تذكر ما تريد ثم قل : يا حنان يا منان ، يا بديع السماوات والأرض ، يا ذا الجلال والاكرام ، يا أرحم الراحمين ، اللهم بحق هذا الدعاء ، وبحق هذه الأسماء التي لا يعلم تفسيرها ولا يعلم باطنها غيرك ، صل على محمد وآل محمد ، وافعل بي كذا وكذا . . . . وانتقم لي من فلان بن فلان ، واغفر لي ذنوبي ما تقدم منها وما تأخر ، ووسع علي من حلال رزقك ، واكفني مؤنة إنسان سَوء ، وجار سَوء ، وسلطان سَوء ، إنك على ما تشاء قدير ، وبكل شئ عليم ، آمين رب العالمين") (1) .

قال العلامة المجلسي بعد نقله هذا الدعاء الشريف : (المتهجد والبلد الأمين والجنة والاختيار : يستحب الدعاء بهذا الدعاء آخر ساعة من نهار يوم الجمعة وهو دعاء السمات مروي عن العَمرى - ره - وذكروا الدعاء إلى قوله : وأنت على كل شئ قدير ثم تذكر ما تريد . وفي بعض نسخ المتهجد ثم تقول : "يا الله يا حنان - إلى قوله - صل على محمد وآل محمد وافعل بي ما أنت أهله ولا تفعل بي ما أنا أهله ، وانتقم لي ممن يؤذيني ، واغفر لي من ذنوبي - إلى قوله - واكفني من جميع مهمات الدنيا والآخرة ، واكفني مؤنة إنسان سوء وجار سوء وقوم سوء ، وسلطان سوء إلى آخر الدعاء" . وقال الكفعمي روح الله روحه قال مولانا الصدر السعيد ضياء الدين قدس الله سره : "قرأت في بعض نسخ دعاء السمات في آخره اللهم بحق هذا الدعاء - إلى قوله - آمين رب العالمين وصلى الله على محمد وآله وسلم" .... أقول (2) : هذا الدعاء من الدعوات التي اشتهرت بين أصحابنا غاية الاشتهار ، وفي جميع الأعصار والأمصار ، وكانوا يواظبون عليها ، وقال الشيخ إبراهيم بن علي الكفعمي طيب الله تربته في كتاب صفوة الصفات : روي عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال : "لو حلفت أن في هذا الدعاء الاسم الأعظم لبررت ، فادعوا به على ظالمنا ومضطهدنا ، والمتعززين علينا . ثم قال عليه السلام : إن يوشع بن نون وصي موسى عليه السلام لما حارب العماليق ، و كانوا في صور هائلة ضعفت

ص: 174


1- بحار الأنوار 87\95-99 .
2- هذا القول للمجلسي رحمه الله .

نفوس بني إسرائيل عنهم ، فشكوا إلى الله عز وجل فأمر الله تعالى يوشع عليه السلام أن يأمر الخواص من بني إسرائيل أن يأخذ كل واحد منهم في القرن هذا الدعاء لان لا يسترق السمع بعض شياطين الجن والإنس ، فيتعلموه ، ثم يلقون الجرار في عسكر العماليق آخر الليل ويكسرونها ، ففعلوا ذلك فأصبح العماليق كأنهم أعجاز نخل خاوية ، منتفخي الأجواف موتى ، فاتخذوه على من اضطهدكم من سائر الناس ، ثم قال : هذا من عميق مكنون العلم ، ومخزونه ، فادعوا به ولا تبذلوه للنساء السفهاء ، والصبيان ، والظالمين والمنافقين" .

ثم قال الكفعمي : وهو مروي عن الصادق عليه السلام أيضا بعينه إلا أنه ذكر أن محاربة العمالقة كانت مع موسى عليه السلام روى ذلك عنه عثمان بن سعيد العمروي قال محمد بن علي الراشدي : ما دعوت به في مهم ولا ملم إلا ورأيت سرعة الإجابة ، ويستحب أن يدعى بها عند غروب الشمس من يوم كل جمعة وليلة السبت أيضا ويقال : إن من اتخذ هذا الدعاء في كل وجه يتوجه أو كل حاجة يقصدها أو يجعله أمام خروجه إلى عدو يخافه أو سلطان يخشاه ، قضيت حاجته ، ولم يقدر عليه عدوه ، ومن لم يقدر على تلاوته فليكتبه في رقعة ويجعله في عضده أو في جيبه ، فإنه يقوم مقام ذلك) (1) .

ص: 175


1- بحار الأنوار 87\99-102 .

7- علي بن بلال البغدادي (ت بعد 254 ﻫ)

اشارة

أبو الحسن ، علي بن بلال بن راشتة (1) المتطبب ، لا يُعرف شيء عن انتمائه النسبي إلا كونه بغدادياً انتقل إلى واسط واستقر فيها (2) ، أسند عن الإمام الرضا عليه السلام ، ويعد في أصحاب الأئمة الأطهار : الرضا والجواد والهادي والعسكري عليهم السلام (3) .

كان علي بن بلال من المعتمدين عند الإمام الهادي عليه السلام ، وهو – إلى جانب ذلك – من الرواة المبرزين ، له كتاب أورده النجاشي في رجاله ، إذ قال في ترجمته : «علي بن بلال ، بغدادي انتقل إلى واسط ، روى عن أبي الحسن الثالث عليه السلام . له كتاب ، أخبرنا أبو عبد الله بن شاذان قال : حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى قال :

ص: 176


1- كذا في رجال الطوسي 394 ، وفي بعض النسخ (راشة) ، وفي بعض النسخ المطبوعة جعل (ابن راشتة المتطبب) عنواناً مستقلاً ، وقد أثبتناه لعلي بن بلال لما وجدناه في كتب المحققين كالشيخ صاحب المعالم والتستري والخوئي .
2- رجال النجاشي 278 .
3- رجال الطوسي ص 359 ، 377 ، 388 ، 400 .

حدثنا أبي قال : حدثنا محمد بن أحمد بن أبي قتادة ومحمد بن أحمد بن يحيى ، عن علي بن بلال بكتابه» (1) .

له من الأولاد ثلاثة : أبو طاهر محمد ، وأبو الحسن ، وأبو الطيب ، أشهرهم هو الأول ، ويعرف محمد بأبي طاهر ، أما (أبو الطيب) فيُعرف بكنيته ولا نعرف اسمه ، وقد كان أبو طاهر محمد بن علي بن بلال أول أمره مستقيماً ، صحب الإمام العسكري عليهما السلام وتوكل له ، وروى عنه النص على الإمام المهدي عليه السلام ، وقد ورد في إحدى الروايات أن الإمام العسكري عليه السلام راسله قبل ثلاثة أيام من استشهاده ، وأخبره بالخلف من بعده (2) ، وهو أحد الذين سمعوا من السيدة حكيمة قصة ولادة الإمام المهدي عليه السلام (3) ، وهو من رواة الحديث وممن كانت الشيعة تقصدهم لطلب الرواية (4) ، حتى إن الشيخ الحسين بن روح كان يقصده لطلب الحديث أيام استقامته ، وكان من الوكلاء المرتبطين بالسفراء ، عده ابن شهرآشوب من ثقات الإمام العسكري عليه السلام (5) ، إلا أنه ما لبث أن انحرف ، وساءت عاقبته – والعياذ بالله -، واستبد بالأموال وادعى أنه هو السفير بدل محمد بن عثمان العمري ، ولم تنفع معه محاولات النصح والتذكير التي قام به الإمام المهدي عليه السلام بنفسه ، وقام بها السفير الثاني أيضاً ، وبقي أبو طاهر البلالي مصراً على انحرافه وعناده ، فخرجت من الإمام المهدي عليه السلام تواقيع عدة بلعنه والبراءة منه والتحذير من الانخداع به وبمجموعة من المنحرفين الذين كانوا يحيطون به ، قال الشيخ الطوسي في ذكر الوكلاء المذمومين : (ومنهم : أبو طاهر محمد بن علي بن بلال ، وقصته معروفة فيما جرى بينه وبين أبي جعفر محمد بن عثمان العمري نضر الله وجهه ، وتمسكه بالأموال التي كانت عنده للامام ، وامتناعه من تسليمها ، وادعائه أنه الوكيل حتى تبرأت الجماعة منه ولعنوه ، وخرج فيه من صاحب

ص: 177


1- رجال النجاشي 278 .
2- الكافي 1\328 .
3- غيبة الطوسي 239 .
4- فرحة الغري 113 .
5- بحار الأنوار 50\310 .

الزمان عليه السلام ما هو معروف ، وحكى أبو غالب الزراري قال : حدثني أبو الحسن محمد بن محمد بن يحيى المعاذي قال : كان رجل من أصحابنا قد انضوى إلى أبي طاهر بن بلال بعدما وقعت الفرقة ، ثم أنه رجع عن ذلك وصار في جملتنا ، فسألناه عن السبب قال : كنت عند أبي طاهر بن بلال يوما وعنده أخوه أبو الطيب وابن حرز وجماعة من أصحابه ، إذ دخل الغلام فقال : أبو جعفر العمري على الباب ، ففزعت الجماعة لذلك وأنكرته للحال التي كانت جرت وقال : يدخل ، فدخل أبو جعفر رضي الله عنه ، فقام له أبو طاهر والجماعة وجلس في صدر المجلس ، وجلس أبو طاهر كالجالس بين يديه ، فأمهلهم إلى أن سكتوا . ثم قال : يا أبا طاهر نشدتك الله ألم يأمرك صاحب الزمان عليه السلام بحمل ما عندك من المال إلي ؟ فقال : اللهم نعم ، فنهض أبو جعفر رضي الله عنه منصرفاً ووقعت على القوم سكتة ، فلما تجلت عنهم قال له أخوه أبو الطيب : من أين رأيت صاحب الزمان ؟ . فقال أبو طاهر : أدخلني أبو جعفر رضي الله عنه إلى بعض دوره ، فأشرف علي من علو داره فأمرني بحمل ما عندي من المال إليه ، فقال له أبو الطيب : ومن أين علمت أنه صاحب الزمان عليه السلام ؟ قال : قد وقع علي من الهيبة له ودخلني من الرعب منه ما علمت أنه صاحب الزمان عليه السلام ، فكان هذا سبب انقطاعي عنه) (1) ، وقد ورد ذكر محمد بن علي بن بلال المعروف ﺑ(البلالي) في توقيع خرج عن طريق الحسين بن روح يعلن فيه الإمام المهدي عليه السلام براءته من محمد بن علي المعروف بالشلمغاني ، ويأمر الشيعة بلعنه والبراءة منه ، جاء فيه : «أعلمهم تولاك الله ! أننا في التوقي والمحاذرة منه على مثل ما كنا عليه ممن تقدمه من نظرائه ، من : السريعي ، والنميري ، والهلالي ، والبلالي وغيرهم» (2) ، نستجير بالله تعالى من سوء العاقبة ، وسلب التوفيق .

ص: 178


1- غيبة الطوسي 400-401 .
2- الاحتجاج 2\290 .
وكالته ودوره مع الإمام الهادي عليه السلام

نستطيع التعرف على وكالة علي بن بلال من خلال النصوص الروائية الواردة في كتب الحديث وبعض الأصول الرجالية ، أما النصوص الحديثية فتشير إلى مكاتبات كثيرة جرت بين علي بن بلال والإمام الهادي عليه السلام ، وكثير منها يتعلق بشؤون الزكاة والوصايا ، وفي بعض تلك النصوص ما يشعر أن الإمام الهادي أوكله بالتصرف في شؤون الأموال ، وكان ينقل المسائل للإمام الهادي عليه السلام ، وهو الذي أرسله أبو هاشم الجعفري – بتوجيه من الإمام الهادي عليه السلام – ليذهب إلى الحائر الحسيني ويدعو للإمام الهادي عليه السلام لشفائه من مرض ألمَّ به ، روى ذلك المحدث النوري في مستدرك الوسائل عن أبي علي محمد بن همام (رحمه الله) قال : حدثني محمد الحميري قال : حدثني أبو هاشم الجعفري قال : دخلت على أبي الحسن علي بن محمد (عليهما السلام) ، وهو محموم عليل ، فقال لي : يا أبا هاشم ابعث رجلاً من موالينا إلى الحير يدعو الله لي ، فخرجت من عنده فاستقبلني علي بن بلال ، فأعلمته ما قال لي وسألته أن يكون الرجل الذي يخرج ، فقال : السمع والطاعة ، ولكني أقول : إنه أفضل من الحير ، إذا كان بمنزلة من في الحير ، ودعاؤه لنفسه أفضل من دعائي له بالحائر ، فأعلمته (صلوات الله عليه) ما قال ، فقال لي : «قل له : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أفضل من البيت والحجر ، وكان يطوف بالبيت ويستلم الحجر ، وأن لله تبارك وتعالى بقاعاً يُحبُّ أن يدعى فيها ، فيستجيب لمن دعاه ، والحائر منها» (1) .

ويبدو من خلال رواية أوردها الكشي في رجاله أن علي بن بلال كان معتمد الإمام الهادي عليه السلام في ناحيته (لعلها ناحية بالقرب من واسط) ، وقد أمره الإمام بالرجوع إلى الوكيل (الحسن بن راشد) ، قال الكشي : وجدت بخط جبريل بن أحمد ، حدثني محمد بن عيسى اليقطيني قال : كتب عليه السلام إلى علي بن بلال مؤرخاً بسنة 232 ھ ، وهذا نصه : «بسم الله الرحمن الرحيم ، أحمد الله إليك وأشكر طَوله وعوده ، وأصلي على النبي محمد وآله صلوات الله ورحمته عليهم ، ثم إني أقمت أبا علي مقام {علي} (2)

ص: 179


1- مستدرك الوسائل 10\346 .
2- في المصدر محذوف ، وما أثبتناه هو الصحيح لإجماع الآثار على ذلك .

الحسين بن عبد ربه ، وائتمنته على ذلك بالمعرفة بما عنده الذي لا يتقدمه أحد ، وقد أعلم أنك شيخ ناحيتك ، فأحببت إفرادك وإكرامك بالكتاب بذلك ؛ فعليك بالطاعة له والتسليم إليه جميع الحق قبلك ، وأن {تحضَّ} (1) مواليَّ على ذلك ، وتعرفهم من ذلك ما يصير سبباً إلى عونه وكفايته ، فذلك توفير علينا ومحبوب لدينا ، ولك به جزاء من الله وأجر ، فان الله يعطي من يشاء ، ذو الإعطاء والجزاء برحمته ، وأنت في وديعة الله ، وكتبت بخطي ، وأحمد الله كثيراً» (2) .

وفي هذه الكتاب فوائد مهمة لا بد من الإشارة إليها :

1. قول الإمام : (وقد أعلم أنك شيخ ناحيتك ، فأحببت إفرادك وإكرامك بالكتاب بذلك) ، يدل على أن علي بن بلال كان يتمتع بمكانة اجتماعية مرموقة في منطقته ، وقد خصه الإمام الهادي عليه السلام بهذا الكتاب إكراماً له ، وفي ذلك من المدح والثناء ما لا يخفى .

2. قول الإمام : (فعليك بالطاعة له والتسليم إليه جميع الحق قبلك) : تأكيد لما أوردناه سابقاً من أن الإمام الهادي عليه السلام اعتمد نظاماً هرمياً في عملية التوكيل ، فهو – سلام الله عليه - يأمر علي بن بلال بتسليم ما بيده من أموال الحقوق إلى الحسن بن راشد ، وأن يأخذ منه التعليمات والأوامر الصادرة من الإمام .

3. قول الإمام : (وأن {تحضَّ} (3) مواليَّ على ذلك ، وتعرفهم من ذلك ما يصير سبباً إلى عونه وكفايته) ، يدل على جانب آخر من المهمة الموكلة إلى علي بن بلال بتعميم وكالة الحسن بن راشد بين الشيعة في ناحيته ، وبالتالي تكون تلك الناحية من المناطق الساندة والواقعة تحت الرقعة الجغرافية الأكبر التي اضطلع بوكالتها الحسن بن راشد في مناطق بغداد وما حولها .

ص: 180


1- في المصدر (تخص) : وهو تصحيف ، وما أوردناه موافق للسياق .
2- اختيار معرفة الرجال 2\799 .
3- في المصدر (تخص) : وما أوردناه موافق للسياق .

4. إن الإمام الهادي عليه السلام وعده بالأجر الكبير والعاقبة الحسنة إذا التزم بتعليمات الإمام ونفذ توجيهاته ، وقد دعا له الإمام : (وأنت في وديعة الله) .

وثاقته

نص الشيخ الطوسي في رجاله على وثاقة (علي بن بلال) فقال : «علي بن بلال ، بغدادي ، ثقة» (1)، ولا شك إن وثاقته تثبت أيضاً من كونه وكيلاً للإمام الهادي عليه السلام ، ومما ورد بحقه من مدح في كتابه إليه في سنة 232 ﻫ ، ومن الأمور الدالة على وثاقة رواية الأجلاء عنه ، كأحمد بن محمد بن عيسى ، ومحمد بن الحسن الصفار ، وإبراهيم بن هاشم .

ومن الكتب الأخرى التي توثق مكانة علي بن بلال ، وجلالة قدره ، ما أورده الكشي عن بعض الثقات من نيسابور ، أن الإمام أبا محمد العسكري عليه السلام بعث برسالة إلى إسحاق بن إبراهيم النيسابوري جاء فيه : «ويا إسحاق اقرأ كتابنا على البلالي رضي الله عنه ، فإنه الثقة المأمون العارف بما يجب عليه» (2) ، فمن المحتمل أن يكون المقصود به علي بن بلال ، كما استظهر ذلك السيد الخوئي في رجاله (3) ، والشيخ التستري في قاموسه (4) ، ولاستظهارهما وجه وإن كان لفظ البلالي أكثر ما يطلق في كتب الرجال على ابنه (محمد بن علي بن بلال) الملقب بأبي طاهر البلالي ، وكان من وكلاء الإمام العسكري عليه السلام كما ذكرنا ، وقد انحرف آخر عمره ، وصار من المنبوذين والمذمومين ، وعليه فإن التحقيق والنظرة الموضوعية يفيدان أن المقصود من البلالي (علي بن بلال) لكونه من الوكلاء الممدوحين ، ومن الثقات المشهورين ، فان الوصف بأنه ثقة ، مأمون ، عارف ، لا يليق بمن مصيره الانحراف عن جادة الصواب ومعاداة

ص: 181


1- رجال الطوسي 377 .
2- اختيار معرفة الرجال 2\847 .
3- معجم رجال الحديث 12\307 .
4- قاموس الرجال 12\12 .

أولياء الله تعالى ، وتلقيب الرواة بأسماء آبائهم شائع في تواقيع المعصومين ، كوصف أحمد بن إسحاق بالإسحاقي ، ومحمد بن نمير بالنميري ، وأحمد بن هلال بالهلالي ، ويبدو أن لاستعمال هذا الأسلوب جوانب أمنية تهدف إلى التغطية على أسماء والوكلاء ومنع اشتهارها .

وتشير إحدى الروايات أن علي بن بلال كان أحد الأربعين رجلاً الذين دخلوا على الإمام العسكري عليه السلام وسألوه أن يريهم الإمام المهدي عليه السلام ، فأخرجه لهم وكان غلاماً (1) .

طبقته في الحديث

أ. مشايخه : روى علي بن بلال معنعناً عن الإمام الرضا عليه السلام ، وروى مكاتبة ومشافهة عن الإمام الهادي عليه السلام ، ولم أجد له رواية عن الإمام الجواد أو الإمام العسكري عليهما السلام ، كما روى عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، والحسن بن بسام الجمال ، ومحمد بن محمد الواسطي ، محمد بن بشير الدهان .

ب. الرواة عنه : روى عنه إبراهيم بن هاشم (2) ، علي بن محمد القاساني ، ومحمد بن أحمد بن يحيى ، وسهل بن زياد ، والحسن بن محمد بن جمهور ، محمد بن محمد بن يحيى (أبو علي ، ثقة جليل من نيشابور) ، محمد بن الحسن الصفار ، أحمد بن محمد بن غيسى .

نماذج من رواياته
رواياته العقدية

ص: 182


1- رجال الطوسي .
2- قال الشيخ الصدوق في مشيخة الفقيه : «وما كان فيه عن علي بن بلال فقد رويته عن محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه عن علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن علي بن بلال» – من لا يحضره الفقيه 4\434 .

1. الشيخ الصدوق : حدثنا أحمد بن الحسن القطان ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد الحسني ، قال : حدثني محمد بن إبراهيم بن محمد الفزاري ، قال : حدثني عبد الله ابن يحيى الأهوازي ، قال : حدثني أبو الحسن علي بن عمرو ، قال : حدثنا الحسن بن محمد بن جمهور ، قال : حدثني علي بن بلال ، عن علي بن موسى الرضا ، عن موسى ابن جعفر ، عن جعفر بن محمد ، عن محمد بن علي ، عن علي بن الحسين ، عن الحسين بن علي ، عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، عن النبي (صلى الله عليه وآله) ، عن جبرئيل عن ميكائيل ، عن إسرافيل ، عن اللوح ، عن القلم ، قال : يقول الله تبارك وتعالى : ولاية علي بن أبي طالب حصني ، فمن دخل حصني أمن ناري (1) .

2. الشيخ الصدوق : أبي رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا محمد بن عيسى قال : قرأت في كتاب علي بن بلال أنه سأل الرجل يعني أبا الحسن عليه السلام : أنه روي عن آبائك عليهم السلام أنهم نهوا عن الكلام في الدين ، فتأول مواليك المتكلمون بأنه إنما نهى من لا يحسن أن يتكلم فيه فأما من يحسن أن يتكلم فيه فلم ينه ، فهل ذلك كما تأولوا أو لا ؟ فكتب عليه السلام : المحسن وغير المحسن لا يتكلم فيه فإن إثمه أكثر من نفعه (2) .

3. الشيخ الطوسي : حدثنا الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن الحسن الطوسي (رحمه الله) ، قال : أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن الحسن بن شاذان القمي ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا محمد بن الحسن ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا محمد بن عيسى ، قال : حدثني علي بن بلال ، عن محمد بن بشر الدهان ، عن محمد بن سماعة ، قال : سأل بعض أصحابنا الصادق (عليه السلام) ، فقال له : أخبرني أي الأعمال أفضل ؟ قال : توحيدك لربك . قال : فما أعظم الذنوب ؟ قال : تشبيهك لخالقك (3) .

ص: 183


1- أمالي الصدوق 306 ، معاني الأخبار 271 .
2- التوحيد 459 .
3- أمالي الطوسي 687 .
رواياته الفقهية

4. الشيخ الكليني : علي بن إبراهيم ، عن علي بن محمد القاساني ، عن محمد بن محمد ، عن علي بن بلال أنه كتب إليه يسأله عن الجريدة إذا لم نجد نجعل بدلها غيرها في موضع لا يمكن النخل ؟ فكتب : يجوز إذا اعوزت الجريدة ، والجريدة أفضل ، وبه جاءت الرواية (1) .

5. الشيخ الكليني : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن محمد القاساني قال : كتب علي بن بلال إلى أبي الحسن (عليه السلام) أنه ربما مات الميت عندنا وتكون الأرض ندية فنفرش القبر بالساج (2) أو نطبق عليه فهل يجوز ذلك ؟ فكتب : ذلك جائز (3) .

6. الشيخ الكليني : محمد بن يحيى ، عن محمد بن أحمد قال : كنت بفيد (4) فمشيت مع علي بن بلال إلى قبر محمد بن إسماعيل بن بَزيع فقال علي بن بلال : قال لي صاحب هذا القبر عن الرضا (عليه السلام) قال : من أتى قبر أخيه ، ثم وضع يده على القبر ، وقرأ إنا أنزلناه في ليلة القدر سبع مرات ، أمن يوم الفزع الأكبر أو يوم الفزع (5) .

7. الشيخ الكليني : عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن بلال ، عن الحسن بن بسام الجمال ، عن رجل قال : كنت مع أبي عبد الله (عليه السلام) فيما بين مكة والمدينة في شعبان وهو صائم ثم رأينا هلال شهر رمضان فأفطر فقلت له : جعلت

ص: 184


1- الكافي 3\153 .
2- الساج شجر عظيم جداً ، ولا تنبت إلا ببلاد الهند . وفي المصباح : الساج ضرب عظيم من الشجر لا تكاد الأرض تبليه ، والجمع " سيجان " مثل نار ونيران . وفى حديث الميت " وتغسيله على ساجة " وهي لوح من الخشب المخصوص ، والمراد وضعه عليها أو على غيرها مما يؤدي مؤداها ويفيد فائدتها – مجمع البحرين 2\447 .
3- الكافي 3\197 .
4- فَيد : بالفتح ثم السكون ، ودال مهملة ، قال ابن الأعرابي : الفيد الموت ، والفيد : الشعرات فوق جحفلة الفرس ، وهي : بليدة في نصف طريق مكة من الكوفة – معجم البلدان 4\282 .
5- الكافي 3\229 ، وتروى هذه الرواية لمحمد بن علي بن بلال ، والصحيح ما في الكافي ، لتقارب الطبقة ، فإن الكليني يروي عن علي بن بلال بواسطتين تقريباً .

فداك أمس كان عن شعبان وأنت صائم واليوم من شهر رمضان وأنت مفطر ؟ فقال : إن ذاك تطوع ولنا أن نفعل ما شئنا وهذا فرض فليس لنا أن نفعل إلا ما أمرنا . (1)

8. الشيخ الكليني : عدة من أصحابنا ، عن محمد بن عيسى ، عن علي بن بلال قال : كتبت إلى الرجل (عليه السلام) أسأله عن الفطرة وكم تدفع ، فكتب : ستة أرطال من تمر بالمدني وذلك تسعة أرطال بالبغدادي (2) .

9. الشيخ الكليني : سهل بن زياد ، عن علي بن بلال ، عن الحسن بن بسام الجمال قال : كنت عند إسحاق بن عمار الصيرفي فجاء رجل يطلب غلة بدينار وكان قد أغلق باب الحانوت وختم الكيس فأعطاه غلة بدينار فقلت له : ويحك يا إسحاق ربما حملت لك من السفينة ألف ألف درهم قال : فقال لي ترى كان لي هذا لكني سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول : من استقل قليل الرزق حرم كثيره ، ثم التفت إلي فقال : يا إسحاق لا تستقل قليل الرزق فتحرم كثيرة (3) .

10. روى ابن أبي الجمهور الأحسائي : وروى علي بن بلال ، عن الحسين الجمال ، قال : شهدت إسحاق بن عمار قد شد كيسه وهو يريد أن يقوم ، فجاء إنسان يطلب دراهم بدنانير ، فحل الكيس وأعطاه دراهم بدنانير . فقلت سبحان الله ما كان فضل هذا الدينار ! ؟ فقال إسحاق : ما فعلت هذا رغبة في الدنيا ، ولكن سمعت الصادق عليه السلام يقول : (من استقل قليل الرزق حرم الكثير) (4) .

11. الشيخ الصدوق : وكتب علي بن بلال إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام : الرجل يموت في بلاد ليس فيها نخل فهل يجوز مكان الجريدة شئ من الشجر غير النخل فإنه قد روي عن آبائكم عليهم السلام أنه يتجافى عنه العذاب ما دامت الجريدتان رطبتين وأنها تنفع المؤمن والكافر ؟ فأجاب عليه السلام : يجوز من شجر آخر رطب . ومتى حضر

ص: 185


1- الكافي 4\131 .
2- الكافي 4\172 ، الاستبصار 2\49 .
3- الكافي 5\318 .
4- عوالي اللئالي 3\203 .

غسل الميت قوم مخالفون وجب أن يقع الاجتهاد في أن يغسل غسل المؤمن وتخفى الجريدة عنهم (1) .

12. الشيخ الصدوق : وروى محمد بن عيسى ، عن علي بن بلال قال : كتبت إلى الطيب العسكري عليه السلام : هل يجوز أن يعطى الفطرة عن عيال الرجل وهم عشرة أقل أو أكثر رجلاً محتاجاً موافقاً ؟ فكتب عليه السلام : نعم ، افعل ذلك (2) .

13. الشيخ الصدوق : وروى محمد بن أحمد بن يحيى قال : حدثنا محمد بن عيسى ، عن محمد بن محمد قال : كتب علي بن بلال إلى أبى الحسن - يعنى علي بن محمد (عليهما السلام) : يهودي مات وأوصى لديانه بشئ أقدر على أخذه هل يجوز أن آخذه فأدفعه إلى مواليك أو أنفذه فيما أوصى به اليهودي ؟ فكتب (عليه السلام) : أوصله إليّ ، وعرفنيه لأنفذه فيما ينبغي إن شاء الله تعالى (3) .

14. الشيخ الطوسي : ما رواه محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن عيسى عن أبي الحسن علي بن بلال قال : كتبتُ إليه في قضاء النافلة من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ومن بعد العصر إلى أن تغيب الشمس ، فكتب : لا يجوز ذلك إلا للمقتضي فأما لغيره فلا (4) .

15. الشيخ الطوسي : روى محمد بن الحسن الصفار ، عن محمد بن عيسى قال : حدثني علي بن بلال وأراني قد سمعته من علي بن بلال قال : كتبت إليه هل يجوز أن يكون الرجل في بلدة ورجل آخر من إخوانه في بلدة أخرى يحتاج أن يدفع له الفطرة أم لا ؟ فكتب : يقسم الفطرة على من حضرها ، ولا يخرج ذلك إلى بلدة أخرى وإن لم يجد موافقاً (5) .

ص: 186


1- من لا يحضره الفقيه 1\144 ، وسائل الشيعة 3\24.
2- من لا يحضره الفقيه 2\179 .
3- من لا يحضره الفقيه 4\233 ، الاستبصار 4\130 .
4- الاستبصار 1\291 .
5- المصدر نفسه 2\51 .

16. الشيخ الطوسي : محمد بن الحسن الصفار عن علي بن بلال قال : كتبت إليه أسأله هل يجوز أن أدفع زكاة المال والصدقة إلى محتاج غير أصحابي ؟ فكتب : لا تعط الصدقة والزكاة إلا لأصحابك (1) .

17. الشيخ الصدوق : بإسناده عن علي بن بلال ، أنه كتب إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) : الرجل يموت في بلاد ليس فيها نخل ، فهل يجوز مكان الجريدة شئ من الشجر غير النخل ؟ فإنه قد روي عن آبائك (عليه السلام) ، أنه يتجافى عنه العذاب ما دامت الجريدتان رطبتين ، وأنها تنفع المؤمن والكافر ؟ فأجاب (عليه السلام) : يجوز من شجر آخر رطب (2) .

رواياته التاريخية

19. السيد ابن طاووس : أخبرنا أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري ، عن علي بن بلال عمن ذكره ، عن عبد الله بن أبي رافع ، عن أبيه قال : لما أحضرني أمير المؤمنين عليه السلام وقد وجه أبا موسى الأشعري فقال له : احكم بكتاب الله ولا تجاوزه ، فلما أدبر قال : كأني به وقد خدع . قلت : يا أمير المؤمنين فلم توجهه وأنت تعلم أنه مخدوع ؟ فقال : يا بني لو عمل الله في خلقه بعلمه ما احتج عليهم بالرسل ، هذا آخر الحديث المذكور (3) .

20. الشيخ المفيد : أحمد بن محمد بن عيسى ، عن سهل بن زياد ، عن أبي يحيى الواسطي قال : حدثني علي بن بلال قال : حدثني محمد بن محمد الواسطي قال : كنت ببغداد عند محمد بن سماعة القاضي وعنده رجل ، فقال له : إني دخلت مسجد الكوفة فجلست إلى بعض أساطينه لأصلي ركعتين فإذا خلفي امرأة أعرابية بدوية وعليها شملة وهي تنادي : يا مشهوراً في الدنيا ، ويا مشهوراً في الآخرة ، ويا مشهوراً في السماء ، ويا

ص: 187


1- التهذيب 4\53 .
2- وسائل الشيعة 3\24 .
3- الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف 511 .

مشهوراً في الأرض ! جهدت الجبابرة على إطفاء نورك وإخماد ذكرك فأبى الله لنورك إلا ضياء ولذكرك إلا علوا ولو كره المشركون ، قال ، فقلت : يا أمة الله ومن هذا الذي تصفينه بهذه الصفة ؟ قالت : ذاك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي لا يجوز التوحيد إلا به وبولايته ، قال : فالتفت إليها فلم أر أحداً (1) .

21. الشيخ حمدان الخصيبي : عن موسى بن محمد قال : حدثني أبو الحسن علي بن بلال وجماعة من إخواننا انه لما كان في اليوم الرابع من زيارة سيدنا أبي الحسن (عليه السلام) (2) أمر المعتز بأن ينفذ إلى أبي محمد (عليه السلام) من بشركم (3) إلى المعتز ليعزيه ويسليه فركب أبو محمد إلى المعتز فلما دخل عليه رحب به وعزاه وأمر فرتب بمرتبة أبيه (عليه السلام) ، وأثبت له رزقه وزاد فيه (4) .

ص: 188


1- الاختصاص 19 .
2- لعل المقصود اليوم الرابع من وفاة الإمام الهادي عليه السلام .
3- كذا ، ولم نفهم المراد منه ، ولكن من سياق الكلام أن المعنى أن يذهب الإمام إلى المعتز .
4- الهداية الكبرى ص384 .

8- علي بن جعفر الهُماني (ت بعد 254 ﻫ)

اشارة

يعد علي بن جعفر الهُماني من الوكلاء المخلصين الذين كان لهم حضور في الساحة الشيعية في عهد الإمام الهادي عليه السلام ، وقد أجمعت النصوص والروايات على صحة وكالته ، وكونه من الأجلاء الممدوحين ، فقد ذكره الشيخ الطوسي في غيبته في جملة الوكلاء الممدوحين (1) ، ووثقه أيضاً في كتاب الرجال واصفاً إياه بالوكيل (للإمام الهادي) (2) ، وبالقيّم (للإمام العسكري) (3) .

يُعرف علي بن جعفر بالهُماني والبَرمكي ، فأما لقب (الهُماني) بضم الهاء ، فنسبةً إلى بلدة (هُمانية أو هُمانيا) ، وهي بلدة كبيرة على ضفة نهر دجلة بين بغداد والنَّعمانية (من مدن محافظة واسط) ، وبالتحديد بين المدائن والنَّعمانية ، والنسبة إليها هُماني أو هُمَني (4) .

وأما لقب البرمكي فقد قيل إنه إما نسبة إلى (برمك) جد يحيى بن خالد البرمكي ، وإما نسبة إلى البرامكة وهي محلة ببغداد ، أو البرمكية وهي قرية من قرى بغداد (5) .

وكالته ودوره مع الإمام الهادي عليه السلام .

أدى علي بن جعفر الهماني دوراً بارزاً في التصدي لحركة المنحرف الضال (فارس بن حاتم بن ماهويه القزويني) ، فقد كان من أوائل الوكلاء الذين تصدوا لفضح فارس وكشفه ، وإبعاد الشيعة عنه ، وجرت بين الاثنين سجالات كبيرة دفعت بعض الأجلاء من الشيعة أن يكتبوا للإمام الهادي عليه السلام بشأنهما والموقف من هذه الفتنة التي كان خلفها رئيس الغلاة فارس ، فكان من الإمام عليه السلام أن أمرهم بالاصطفاف إلى جانب علي

ص: 189


1- غيبة الطوسي 350 .
2- رجال الطوسي 388 .
3- المصدر نفسه 400 .
4- معجم البلدان 5\410 ، 5\417 ، الأنساب للسمعاني 5\647 .
5- الأنساب للسمعاني 1\329 .

بن جعفر ووجوب الابتعاد عن القزويني وعقائده المنحرفة وتحذير الشيعة من الضلالات والبدع التي كان يسعى إلى تذويبها في الحالة الشيعية في مناطق العراق وإيران .

وقد وثق الكشي تلك السجالات التي جرت بين الهُماني والقزويني فروى بإسناده إلى موسى بن جعفر بن {وهب} عن إبراهيم بن محمد {الهمداني} أنه قال : كتبت إليه جعلت فداك قبلنا أشياء يحكى عن فارس والخلاف بينه وبين علي بن جعفر ، حتى صار يبرأ بعضهم من بعض ، فإن رأيت أن تمُنَّ عليّ بما عندك فيهما وأيّهما يتولى حوائجي قبلك حتى لا أعدوه إلى غيره فقد احتجت إلى ذلك ، فعلت متفضلاً إن شاء الله . فكتب عليه السلام : «ليس عن مثل هذا يُسأل ولا في مثله يُشك ، قد عظّم الله قدر علي بن جعفر - متعنا الله تعالى به - عن أن يقاس إليه ؛ فاقصد علي بن جعفر بحوائجك ، واجتنبوا فارساً ، وامتنعوا من إدخاله في شئ من أموركم أو حوائجكم ، تفعل ذلك أنت ومن أطاعك من أهل بلادك ، فإنه قد بلغني ما تَموّه به على الناس ، فلا تلتفتوا إليه إن شاء الله» (1) .

كشف هذا الكتاب عن الدرجة الكبيرة ، والمكانة الرفيعة ، التي كان يحظى بها هذا الوكيل الفذ عند الإمام الهادي عليه السلام ، فقد دعا له الإمام بقوله : (متعنا الله تعالى به) ، وهو مدح كبير ، وشرف عظيم ، أن يدعو الإمام لأحد بمثل هذا الدعاء ، وفي الكتاب أيضاً دلالة على ان الوكيل كان مفزعاً لقضاء حوائج الشيعة ، وتيسير أمورهم ، ودفع الظلم والحيف عنهم .

وقد روى الكشي هذا الكتاب بلفظ مقارب عن إبراهيم الهمذاني ، وهو أحد الوكلاء الذي ساهموا في إخماد فتنة الزنديق (فارس بن حاتم القزويني) ، فقد كتب للإمام الهادي عليه السلام سنة 248 ھ يسأله عن السجال الحاد الذي جرى بين علي بن جعفر (العليل) وبين فارس القزويني ، فكتب الإمام الهادي عليه السلام بخطه الشريف : «ليس عن مثل هذا يُسأل ، ولا في مثل هذا يُشك ، وقد عظّم الله من حرمة العليل أن يُقاس إليه القزويني

ص: 190


1- اختيار معرفة الرجال 2\807 .

، سمي باسمهما جميعاً (1) ، فاقصد إليه بحوائجك ومن أطاعك من أهل بلادك أن يقصدوا إلى العليل بحوائجهم ، وأن تجتنبوا القزويني أن تدخلوه في شئ من أموركم ، فإنه قد بلغني ما يموّه به عند الناس ، فلا تلتفتوا إليه إن شاء الله» (2) ، ويبدو أن هذا الكتاب كان قبل صدور اللعن الصريح والبراءة العلنية من فارس سنة 250 ھ ، فقد سبق وقلنا أن الإمام الهادي عليه السلام قد استعمل أسلوباً متدحرجاً في التعاطي مع حركة فارس القزويني وتمكن سلام الله عليه في نهاية الأمر من إخمادها نهائياً وإراحة الشيعة من شرها .

ويبدو أن السلطات العباسية كان ترقب حركة وكلاء الإمام الهادي عليه السلام وتضع عليهم العيون والجواسيس ، فرُصدت تحركات علي بن جعفر – بوشاية من عمه – فتم اعتقاله وزجه في مطامير السجون ، وعزم المتوكل العباسي على قتله ، فكتب علي بن جعفر من داخل السجن رقعة للإمام الهادي عليه السلام ، فدعا له الإمام عليه السلام بكشف محنة السجن عنه فما كان أسرع من أن استجاب الله تعالى له وخرج من السجن بمعجزة الإمام الهادي عليه السلام ، روى ذلك الكشي في رجاله عن محمد بن مسعود ، قال : قال يوسف بن السخت : كان علي بن جعفر وكيلاً لأبي الحسن عليه السلام ، وكان رجلاً من أهل همينيا ، قرية من قرى سواد بغداد ، فسُعي به إلى المتوكل ، فحبسه فطال حبسه واحتال من قبل عبيد الله بن خاقان بمال ضمنه عنه ثلاثة آلاف دينار ، فعرض ابن خاقان جامعه على المتوكل ، فقال : يا عبيد الله لو شككت فيك لقلت أنك رافضي ، هذا وكيل فلان وأنا على قتله . فتأدى الخبر إلى علي بن جعفر ، فكتب إلى أبي الحسن عليه السلام : «يا سيدي الله اللهَ فيّ ، فقد والله خفت أن أرتاب» ، فوقع في رقعته : «أما إذا بلغ بك الأمر ما أرى فسأقصد الله فيك» ، وكان هذا في ليلة الجمعة ، فأصبح المتوكل محموماً فازدادت علته حتى صرخ عليه يوم الاثنين ، فأمر بتخلية كل محبوس عرض عليه اسمه ، حتى ذكر هو علي بن جعفر . فقال لعبيد الله : لم لم تعرض

ص: 191


1- كذا ولم يتضح لي معناه .
2- اختيار معرفة الرجال 2\809 .

عليَّ أمره ؟ فقال : لا أعود إلى ذكره أبداً ، قال : خل سبيله الساعة وسله أن يجعلني في حل ، فخلي سبيله ، وصار إلى مكة بأمر أبي الحسن عليه السلام فجاور بها ، وبرأ المتوكل من علته .

وفي نص آخر يروي الكشي عن محمد بن مسعود ، قال : حدثني علي بن محمد القمي ، قال : حدثني محمد بن أحمد ، عن أبي يعقوب يوسف بن السخت ، قال : حدثني العباس ، عن علي بن جعفر قال : عرضت أمري على المتوكل فأقبل على عبيد الله بن يحيى بن خاقان (1) فقال له : لا تتعبن نفسك بعرض قصة هذا وأشباهه ، فان عمه أخبرني أنه رافضي ، وأنه وكيل علي بن محمد ، وحلف أن لا يخرج من الحبس إلا بعد موته ، فكتبت إلى مولانا :«أن نفسي قد ضاقت واني أخاف الزيغ» . فكتب إلي : «أما إذا بلغ الأمر منك ما أرى فسأقصد الله فيك» ، فما عادت الجمعة حتى أُخرجت من السجن (2) .

وفي هذه القصة موارد عدة للاعتبار ، نذكر منها :

1. إن عائلة علي بن جعفر كانت مولية للسلطة العباسية ، لاسيما عمه الذي وشى به عند المتوكل ، وهذا يرجح أنه برمكيٌ نسبة إلى اسم العائلة لا اسم المحلة .

2. إن الفساد الإداري والمالي كان مستشرياً في منظومة الدولة العباسية ، فنلاحظ أن وزير المتوكل ابن خاقان يأخذ الرشوة من السجناء لغرض التوسط لإطلاق سراحهم .

3. إن علي بن جعفر لما أحس بوطأة الافتتان ، وأنه قريب من الشك والارتياب ، سارع للكتابة للإمام الهادي عليه السلام ، فاستجاب له الإمام ودعا الله تعالى في خلاصه وهذا ما حدث بالفعل ، فعلى كل مؤمن يستشعر الضيق في هذه الدنيا ، وتكالب الفتن ، وشدة المحن أن يلتجأ إلى الله تعالى عن طريق أهل البيت عليهم السلام بقلب منقطع فإن الإجابة تكون سريعة بإذن الله تعالى .

ص: 192


1- تركي ، كان وزيرا للمتوكل ، وللمعتمد . وقد نفاه المستعين إلى برقة ، ثم قدم بغداد بعد خمس سنين ، ثم صار وزيراً سنة ست وخمسين – سير أعلام النبلاء 13\9 .
2- اختيار معرفة الرجال 2\865 .

وكان علي بن جعفر موضع اهتمام الإمام الهادي عليه السلام ، فقد كان الإمام سلام الله عليه يغدق عليه الأموال بهدف مساعدته في أداء دور وكالته ، وكان علي بن جعفر يستعين بتلك الأموال لتقوية ضعفاء الشيعة ، وسد حاجاتهم ، وتأمين الاحتياجات اللوجستية التي تعينه في مهامه الجسيمة ، وبسبب ما كان ينفقه علي بن جعفر من نفقات عظيمة فقد ارتاب فيه أبو طاهر بن بلال (وهو محمد بن علي بن بلال) (1) ، فأرسل للإمام العسكري عليه السلام يخبره ، فما كان من الإمام عليه السلام إلا أن امتدح وكيله علي بن جعفر ، وأمر له بمزيد من الأموال تأكيداً لمكانته وصدقه ووثاقته ، فقد روى الشيخ الطوسي عن أحمد بن علي الرازي ، عن علي بن مخلد الأيادي قال : حدثني أبو جعفر العمري رضي الله عنه قال : حج أبو طاهر بن بلال (2) فنظر إلى علي بن جعفر وهو ينفق النفقات العظيمة ، فلما انصرف كتب بذلك إلى أبي محمد عليه السلام فوقع في رقعته : «قد كنا أمرنا له بمائة ألف دينار ، ثم أمرنا له بمثلها فأبى قبوله إبقاء علينا ، ما للناس والدخول في أمرنا فيما لم ندخلهم فيه» ، قال {أبو جعفر العمري} : ودخل على أبي الحسن العسكري عليه السلام فأمر له بثلاثين ألف دينار (3) .

وثاقته

لم يشكك أحد ممن يُعتمد قوله من أهل الرجال ونقلة الأخبار بوثاقة علي بن جعفر الهُماني وجلالة قدره عند الأئمة عليهم السلام ، فقد وثقه الشيخ الطوسي في غير مورد من كتبه المعروفة فقال عنه في كتاب الغيبة : «علي بن جعفر الهماني ، وكان فاضلاً

ص: 193


1- رجحنا في ما سبق أن يكون ابن (علي بن بلال البغدادي) ، وذكرنا ثمة أن محمداً هذا آل أمره إلى سوء المنقلب ، وانحرف في زمان السفير الثاني في الغيبة الصغرى ، حين أنكر سفارته ، وادعى لنفسه البابية ، وخرج أكثر من توقيع بذمه والبراءة منه ، أعاذنا الله تعالى من سوء العاقبة .
2- يبدو من الرواية أن إمارات الانحراف كانت موجودة فيه ، من خلال نظرته للأموال ، وسوء ظنه بالأصحاب ، نسأل الله العافية .
3- غيبة الطوسي 350 ، بحار الأنوار 50\220 .

مرضياً ، من وكلاء أبي الحسن وأبي محمد عليهما السلام» (1) ، وذكره في رجاله مرتين فقال : (وكيل ، ثقة) (2) ، «قيم لأبي الحسن عليه السلام ، ثقة» (3) ، كما وثقه ابن شهرآشوب في مناقبه (4) ، وقال المولى محمد صالح المازندراني : «كان ثقة ، ووكيلاً لأبي الحسن الثالث علي بن محمد ، ومن أصحابه وأصحاب أبي محمد الحسن بن علي العسكري» (5) .

ولم أجد أحداً من المتقدمين ممن تكلم فيه إلا النجاشي فإنه قال عنه : «علي بن جعفر ، الهُماني ، البرمكي ، يُعرف منه ويُنكر» (6) ، وجواب ذلك من جهات عدة :

1. إن كثيراً من علماء الحديث وأهل الدراية شككوا في إفادة عبارة (يُعرف منه ويُنكر) على الجرح ؛ لأن كل راوٍ – حتى الثقة منهم – لا يخلو حديثه مما يُعرف منه وينكر ، وممن تبنى ذلك القول السيد الخوئي في رجاله إذ قال في حديثه عن علي بن جعفر : «قد عرفت من الشيخ وابن شهرآشوب الشهادة على وثاقة علي بن جعفر الوكيل المؤيدة بأمور أُخَر مما تقدم ، ولا يعارض ذلك بما ذكره النجاشي يُعرف منه ويُنكر ؛ فإن ذلك لا ينافي وثاقة الرجل في نفسه ، فقد يروي الثقة أمراً منكراً بعيداً عن الواقع لحسن ظنه بالراوي أو لغير ذلك من الأسباب» (7) ، وممن ذهب إلى هذا الرأي أيضاً السيد حسن الصدر (ت 1351 ه) قال : «وأما نحو يعرف حديثه وينكر : يعني يأخذ به تارة ويرد

ص: 194


1- غيبة الطوسي 350 .
2- رجال الطوسي 388 .
3- المصدر نفسه 400 .
4- مناقب ابن شهرآشوب 3\542 .
5- شرح أصول الكافي 6\219 .
6- رجال النجاشي 280 .
7- معجم رجال الحديث 12\323 .

أخرى ، أو أن بعض الناس يأخذونه ، وبعضهم يرده ، أما لضعفه أو لضعف حديثه ، لا ظهور له بالقدح كما لا يخفى» (1) ، وأبو الفضل البابلي (2) .

2. إنها ليست المرة الأولى التي يطعن فيها النجاشي في ثقات الرواة من أصحاب الأئمة الأطهار عليهم السلام ، فقد طعن بجابر الجعفي والمفضل بن عمر والمعلى بن خنيس وأمثالهم من خواص الأئمة ووكلائهم ؛ لذلك فإن طعنه مردود عندنا ما لم يُقم عليه دليلاً أو شاهداً معتبراً ، والدليل على خلاف قوله ولله الحمد .

إن وثاقة علي بن جعفر وجلالته مستفادة من كونه وكيلاً للأئمة عليهم السلام ، ومن عبارات المدح والتوثيق التي وردت من الأئمة الطاهرين بحقه ، من ذلك ما أوردناه من قول الهادي عليه السلام : «قد عظّم الله قدر علي بن جعفر - متعنا الله تعالى به - عن أن يقاس إليه ؛ فاقصد علي بن جعفر بحوائجك ، واجتنبوا فارساً ...» (3) .

كما وثقه الإمام الهادي عليه السلام بنص صريح ذكره الكشي في رجاله بإسناده عن أبي محمد الرازي ، قال : كنت أنا وأحمد بن أبي عبد الله البرقي بالعسكر فورد علينا رسول من الرجل فقال لنا : «الغائب العليل ثقة ، وأيوب بن نوح ، وإبراهيم بن محمد الهمداني ، وأحمد بن حمزة ، وأحمد ابن إسحاق ثقات جميعاً» (4) ، والمقصود بالعليل هو علي بن جعفر كما علمنا سابقاً (5) .

طبقته في الحديث

أ. مشايخه : روى علي بن جعفر عن الإمام الهادي عليه السلام .

ص: 195


1- نهاية الدراية 437 .
2- رسائل في دراية الحديث 1\546 ، وراجع كتاب (معجم مصطلحات الرجال والدراية) ص196 لمحمد رضا جديدي ، وقد جمع فيه غالبية الأقوال في المسألة ، وفيها اتفاق على عدم دلالتها على الذم في الراوي .
3- اختيار معرفة الرجال 2\807 .
4- المصدر نفسه 2\831 .
5- في تعليقة البهبهاني : العليل هو علي بن جعفر الهماني وفي بعض النسخ العامل بدل العليل وهو تصحيف – أعيان الشيعة 2\224 .

ب. الرواة عنه : روى عنه أحمد بن المعافا الثعلبي (التغلبي) من أهل رأس العين ، وموسى بن جعفر بن وهب .

مؤلفاته : كتاب مسائل أبي الحسن العسكري ، قال النجاشي : «أخبرنا ابن الجندي عن ابن همام ، عن ابن مابنداذ أنه سمع ابن المعاني التغلبي من أهل رأس العين يحدث عن أحمد بن محمد الطبري عن علي بن جعفر بالمسائل» (1) .

رواياته

1. الشيخ الكليني : بسنده عن موسى بن جعفر بن وهب ، عن علي بن جعفر قال : كنت حاضراً أبا الحسن عليه السلام لما توفي ابنه محمد فقال للحسن : يا بني أحدث لله شكراً فقد أحدث فيك أمراً (2) .

2. ابن قولويه : حدثني أبو محمد هارون بن موسى التلعكبري ، عن أبي علي محمد بن همام بن سهيل ، عن أحمد بن مابنداد ، عن أحمد بن المعافا الثعلبي من أهل رأس العين ، عن علي بن جعفر الهماني ، قال : سمعت علي بن محمد العسكري (عليهما السلام) يقول : من خرج من بيته يريد زيارة الحسين (عليه السلام) فصار إلى الفرات فاغتسل منه كتب من المُفلحين ، فإذا سلّم على أبي عبد الله كتب من الفائزين ، فإذا فرغ من صلاته أتاه ملك فقال : إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقرؤك السلام ويقول لك : أما ذنوبك فقد غفرت لك ، استأنف العمل (3) .

ص: 196


1- رجال النجاشي ص280 .
2- الكافي 1\326 ، قال الشيخ محمد صالح المازندراني : (قوله ( فقد أحدث فيك أمراً ) حيث أمات محمدا وقد ظن الشيعة أنه امام بعد أبيه فاظهر الإمامة فيك وخصها بك ورفع الاختلاف بينهم وهذه نعمة عظيمة توجب الشكر) - شرح أصول الكافي 6\219 .
3- كامل الزيارات 344 .

9- علي بن الحسين بن عبد ربه (ت 229 ھ)

اشارة

ذكره الشيخ الطوسي في أصحاب الإمام أبي الحسن الثالث عليه السلام (1) ، وهو من الوكلاء الأوائل للإمام الهادي عليه السلام ، كان وكيلاً معتمداً قبل الحسن بن راشد ، وكانت لأبيه علاقة مع الإمام الرضا عليه السلام ، ويبدو أنه كان يعيش في مناطق السواد المحيطة ببغداد كما الحسن بن راشد ، فقد أورد الشيخ الطوسي في غيبته قال : أخبرني ابن أبي جيد ، عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن الصفار ، عن محمد بن عيسى قال : كتب أبو الحسن العسكري عليه السلام إلى الموالي ببغداد والمدائن والسواد وما يليها : قد أقمت أبا علي بن راشد مقام علي بن الحسين بن عبد ربه (2) .

لم يصلنا الكثير عن الدور الذي قام به هذا الوكيل في حركة الأحداث أو مجمل العمل الفكري والإصلاحي في زمان الإمام الهادي عليه السلام ؛ ربما لأنه عاش في المدة التي كان فيها الإمام الهادي عليه السلام في المدينة المنورة ، وهي مرحلة تميزت بالعمل الصامت ، وكان مرحلة تأسيسية تهدف إلى بناء منظومة الوكلاء ، وتوزيعها حيث يكون التواجد الشيعي ملحوظاً ومؤثراً .

ولذلك لم يصلنا من أخبار هذه الوكيل نتف عن قصة وفاته التي كانت في نهاية سنة 229 ھ أو بداية سنة 230 ھ ، وما تبعها من إقامة الحسن بن راشد وكيلاً عنه ، أورد تلك النصوص الكشي في رجاله عن حمدويه بن نصير ، قال : حدثنا محمد بن عيسى

ص: 197


1- رجال الطوسي 388 .
2- غيبة الطوسي 350 ، اختيار معرفة الرجال 2\799 – 800 .

. قال حدثنا علي بن الحسين بن {عبد ربه} (1) ، قال : سألته أن ينسئ في أجلي فقال : «أو يكفيك ربك ليغفر لك خيراً لك» ، فحدث بذلك علي بن الحسين أخوانه بمكة ، ثم مات (2) بالخزيمية (3) في المنصرف من سنته ، وهذا في سنة تسع وعشرين ومأتين رحمه الله ، فقال : وقد نعى إلي نفسي ، قال : وكان وكيل الرجل عليه السلام قبل أبي علي بن راشد .

وروى الكشي أيضاً عن محمد بن مسعود ، قال : حدثنا محمد بن نصير ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى قال : كتب إليه علي بن الحسين بن {عبد ربه} يسأله الدعاء في زيادة عمره حتى يرى ما يحب ، فكتب إليه في جوابه : تصير إلى رحمة الله خير لك ، فتوفى الرجل بالخزيمية (4) .

وثاقته وطبقته في الحديث ورواياته

تثبت وثاقته من جهة كونه وكيلاً معتمداً للإمام الهادي عليه السلام ، وقد ترحم عليه الإمام ووعده بالعاقبة الحسنة ، وهذا كافٍ في وثاقته وحسن حاله .

روى علي بن الحسين بن عبد ربه عن الإمام الهادي عليه السلام ، وقد روى عنه محمد بن عيسى بن عبيد ، وقد وجدتُ له في الكتب الشيعية روايتين :

1. الشيخ الكليني : سهل بن زياد ، عن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحسين بن عبد ربه قال : سرح الرضا عليه السلام بصلة إلى أبي ، فكتب إليه أبي هل علي فيما سرحت إلي خمس ؟ فكتب إليه : لا خمس عليك فيما سرح به صاحب الخمس (5) .

ص: 198


1- في المصدر (عبد الله) وهو تحريف ، والصواب (عبد ربه) وهو كذلك في بعض النسخ والمخطوطات ، راجع : التحرير الطاووسي ص371 وما بعدها .
2- يبدو أن الكلام هنا لمحمد بن عيسى بن عبيد .
3- الخُزَيمية : بضم أوله ، وفتح ثانيه ، تصغير خزيمة ، منسوبة إلى خزيمة بن خازم فيما أحسب : وهو منزل من منازل الحاج بعد الثعلبية من الكوفة – معجم البلدان 2\370 .
4- اختيار معرفة الرجال 2\797 .
5- الكافي 1\547 .

2. الشيخ الكليني : محمد بن يحيى ، عن محمد بن أحمد ، عن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحسين بن عبد ربه قال ، قلت له : ما تقول في الفص يتخذ من حجارة زمرد (1) ؟ قال : لا بأس به ولكن إذا أراد الاستنجاء نزعه (2) .

10- علي بن عمرو العطار القزويني (ت بعد 254 ﻫ)

اشارة

هو علي بن عمرو العطار ، من أهالي قزوين ، كان شخصية معروفة في مدينة قزوين ، يحمل الأموال والحقوق للإمام الهادي عليه السلام ، ويوصل الفتاوى والتعليمات من الإمام إلى أهل منطقته ، ذكره الشيخ الطوسي والبرقي في رجال الإمام الهادي عليه السلام (3) ، وعده ابن شهرآشوب في المناقب ممن روى النص على أبي محمد العسكري عليه السلام (4) ، له من الأولاد (محمد) ، وكان حفيد ابنه (أبو علي الحسن بن علي بن محمد بن علي بن عمرو العطار القزويني) من مشايخ الصدوق رحمه الله ، حدّث عنه الصدوق بمدينة (بلخ) (5) .

كان لعلي بن عمرو العطار دور بارز في إخماد حركة المنحرف (فارس بن حاتم بن ماهويه القزويني) ، وقد خرج على يديه أول توقيع في لعن فارس والبراءة منه ، ويبدو أن الإمام الهادي عليه السلام قد اختاره لهذه المهمة لما له من حضور شعبي وسمعة طيبة بين أهالي قزوين ، وكان فارس القزويني قد استغل نفوذه في مدينة قزوين لخداع بعض البسطاء والسذج وذوي النفوس الضعيفة بما كان يروج له من بدع وضلالات ، روى الكشي في رجاله عن أبي النضر قال : سمعت أبا يعقوب يوسف بن السخت ، قال : كنت بسر من رأي أتنفل في وقت الزوال ، إذ جاء إليّ علي بن عبد الغفار ، فقال لي :

ص: 199


1- في بعض نسخ الكافي (زمزم) والصواب ما أثبتناه ، راجع : الحدائق الناضرة 2\83 .
2- المصدر نفسه 3\17 .
3- رجال الطوسي 388 .
4- مناقب ابن شهرآشوب 3\534 .
5- الخصال 323 ، وبلخ : مدينة مشهورة بخراسان – معجم البلدان 1\479 ..

أتاني العمري رحمه الله ، فقال لي يأمرك مولاك أن توجه رجلاً ثقة في طلب رجل يقال له : (علي بن عمرو العطار) قدم من قزوين ، وهو ينزل في جنبات دار أحمد بن الخضيب ، فقلت : سماني ؟ فقال : لا ، ولكن لم أجد أوثق منك . فدفعت إلى الدرب الذي فيه علي فوقفت على منزله ، فإذا هو عند فارس ، فأتيت علياً (1) فأخبرته ، فركب وركبتُ معه فدخل على فارس فقام وعانقه ، وقال : كيف أشكر هذا البر . فقال : تشكرني ؟! فاني لم آتك ! إنما بلغني أن علي بن عمرو قدم يشكو ولد سنان ، وأنا أضمن له مصيره إلي ما يحب ، فدلّه عليه ، فأخذ بيده فأعلمه أني رسول أبي الحسن عليه السلام وأمره أن لا يحدث في المال الذي معه حدثاً وأعلمه أن لعن فارس قد خرج ، ووعده أن يصير إليه من غد ، ففعل ، فأوصل العمري ، وسأله عما أراد ، وأمر بلعن فارس وحمل ما معه (2) .

وهذا الحادثة – التي أشرنا إليها سابقاً – تشير إلى مقدار التنسيق الذي كان قائماً بين أتباع الإمام الهادي من الوكلاء وغيرهم ، كما تشير إلى تمرس وعمل لا يخلو من الخبرة والسرية بحيث لم يشعر فارس بأي خبر حول لعنه والبراءة منه إلا بعد أن وصل علي بن عمرو القزويني إلى مدينة قزوين وأشاع بين الناس لعن فارس الذي صدر من الإمام الهادي عليه السلام .

وقد ذكر الشيخ الطوسي نص كتاب البراءة من فارس برواية الثقة عبد الله بن جعفر الحميري قال : كتب أبو الحسن العسكري عليه السلام إلى علي بن عمرو القزويني بخطه : «اعتقد فيما تدين الله تعالى به أن الباطن عندي حسب ما أظهرتُ لك فيمن استنبأت عنه ، وهو فارس لعنه الله فإنه ليس يسعك إلا الاجتهاد في لعنه ، وقصده ومعاداته ، والمبالغة في ذلك بأكثر ما تجد السبيل إليه ، ما كنت آمر أن يُدان الله بأمر غير صحيح ، فجُدّ وشُدّ في لعنه وهتكه ، وقطع أسبابه ، وصد أصحابنا عنه ، وإبطال أمره وأبلغهم ذلك مني ، واحكه لهم عني ، وإني سائلكم بين يدي الله عن هذا الأمر المؤكد ، فويل

ص: 200


1- أي : علي بن عبد الغفار .
2- اختيار معرفة الرجال 2\809 .

للعاصي وللجاحد ، وكتبت بخطي ليلة الثلاثاء لتسع ليال من شهر ربيع الأول سنة خمسين ومائتين ، وأنا أتوكل على الله وأحمده كثيراً» (1) .

وفي هذه الوثيقة فوائد تاريخية وعقدية كثيرة ، نذكر منها :

1. إن الإمام الهادي عليه السلام أمر علي بن عمرو القزويني بعدم الشك فيما أظهره الإمام عليه السلام من بواطن وضلالات فارس القزويني .

2. إن الإمام عليه السلام استعمل أقسى عبارات التشديد لحث الشيعة على لعن فارس ، ومعاداته ، وفضحه بين الناس ، وتجفيف الحواضن والمنابع التي يعتمد عليها في إدامة الموارد البشرية والمادية المسخرة لخدمة عقائده الضالة ، ومن هذه العبارات قوله عليه السلام : (الاجتهاد في لعنه) ، (وقصده ومعاداته) ، (والمبالغة في ذلك بأكثر ما تجد السبيل إليه) ، (فجُدّ وشُدّ في لعنه وهتكه) ، (وقطع أسبابه) ، (وصد أصحابنا عنه) ، (وإبطال أمره) ، (فويل للعاصي وللجاحد) .

3. حث الإمام عليه السلام وكيله علي بن عمرو القزويني على نشر الوعي العقائدي بين جمهور الشيعة في قزوين ، وتحصين الناس من الاختراق والشبهات الفاسدة .

4. وثق الإمام عليه السلام تاريخ الكتاب في 9 ربيع الأول 250 ھ .

طبقته في الحديث ووثاقته

أما وثاقة علي بن عمرو القزويني فتظهر من اختياره من قبل الإمام الهادي عليه السلام لأداء مهمة عقائدية خطيرة تتعلق بنشر الدين ، والحفاظ عليه من تأويل المبطلين ، وانتحال الغالين ، فلولا أنه ثقة ، جليل القدر ، مأمون الجانب ، لم يكن الإمام الهادي ليختاره لإخراج أول توقيع بلعن فارس القزويني (2) ، ومن إمارات وثاقته أيضاً رواية الثقة الجليل سعد بن عبد الله الأشعري القمي عنه .

ص: 201


1- غيبة الطوسي 352 .
2- الخصال 323 ، قال عنه الشيخ الصدوق : (علي بن عمرو صاحب علي بن محمد العسكري عليه السلام وهو الذي خرج على يده لعن فارس بن حاتم بن ماهويه) .

وممن وثقه ومدحه الشيخ النمازي الشاهرودي في مستدركاته قائلاً : «علي بن عمرو العطار القزويني : من خواص أصحاب مولانا الهادي عليه السلام» (1) .

أ. مشايخه : روى علي بن عمرو القزويني عن الإمام الهادي عليه السلام .

ب. الرواة عنه : روى عنه سعد بن عبد الله الأشعري ، وأبو محمد الأسبارقيني (الاسترآبادي) .

رواياته

1. ثقة الإسلام الكليني : عن علي بن محمد ، عن أبي محمد الأسبارقيني (2) ، عن علي بن عمرو العطار قال : دخلت على أبي الحسن العسكري عليه السلام وأبو جعفر ابنه في الأحياء وأنا أظن أنه هو ، فقلت له : جعلت فداك من أخُصُّ من وَلدك ؟ فقال : لا تخصوا أحداً حتى يخرج إليكم أمري ، قال {القزويني} : فكتبت إليه بعد : فيمن يكون هذا الأمر ؟ فكتب إلي : في الكبير من ولدي ، قال {القزويني} : وكان أبو محمد أكبر من أبي جعفر (3) .

2. الشيخ الطوسي : عن محمد بن محمد {المفيد} ، عن جعفر بن محمد {بن قولويه} ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن علي بن {عمرو} (4) العطار قال : دخلتُ على أبي الحسن العسكري (عليه السلام) يوم الثلاثاء فقال : لم أرك أمس (5) ، قلتُ : كرهت الخروج في يوم الاثنين ، قال : يا علي ، من أحب أن يقيه الله شر يوم الاثنين فليقرأ

ص: 202


1- مستدركات علم رجال الحديث 5\418 .
2- في الإرشاد (الاسترآبادي) وهو مجهول .
3- الكافي 1\236 ، الإرشاد 2\316 .
4- في المصدر (عمر) وهو تحريف .
5- هذا يدل أنه كان دائم اللقاء مع الإمام الهادي عليه السلام ، بحيث أنه إذا لم يحضر يوماً فإن الإمام يسأله عن سبب تغيبه وعدم حضوره .

في أول ركعة من صلاة الغداة (هَلْ أتى عَلَى الإنسان) (1) ، ثم قرأ أبو الحسن (عليه السلام) : (فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا) (2) .

11- علي بن مَهْزِيار الأهوازي (ت بعد 254 ﻫ)

اشارة

هو علي بن مَهْزِيار ، أبو الحسن ، الدورقي ، الأهوازي ، أصله من الدورق (منطقة بخوزستان) ، وقيل سكن قرية (هند) من قرى فارس ثم انتقل إلى الأهواز واستقر فيها ، كان هو وأبوه من النصارى فأسلما (3) ، ثم تعرف عليٌّ على هذا الأمر وصار من كبار الفقهاء والمحدثين ، ومن خواص أهل البيت عليهم السلام ، وقد ذكر الشيخ الطوسي أن المحدث الثقة الجليل (الحسن بن سعيد الأهوازي) هو الذي أوصل علي بن مَهْزِيار إلى التشيع ، وعرّفه على الإمام الرضا عليه السلام ، فتشرف بخدمته ، وتوكل للإمامين الجواد والهادي عليهما الصلاة والسلام (4) .

وتشير بعض المنقولات أن علي بن مَهْزِيار رأى الإمام الكاظم عليه السلام وروى حديثه ، وذكر ابن شهر آشوب أنه كان من خواصه عليه السلام ، وهذا يتعارض مع ما مرّ آنفاً من تشيعه في زمان أبي الحسن الرضا عليه السلام ، والأقرب عندي أن (علي بن مَهْزِيار) الذي حدث عن الإمام الكاظم إنما هو محرف عن (الحسن بن علي بن مهران) وهو من أصحاب الإمام الكاظم عليه السلام (5) ، ويقوي هذا الاحتمال إن رواية الصدوق التي

ص: 203


1- الإنسان : 1.
2- أمالي الطوسي 224 ، وسائل الشيعة 11\352 ، والآية من سورة الإنسان : 11 .
3- اختيار معرفة الرجال 2\825 .
4- رجال الطوسي 354 ، وفي رجال الكشي (علي بن الريان) ويبدو أن الصحيح ما ذكره الشيخ الطوسي للقرائن الدالة على ذلك ، منها أن علي بن الريان من أصحاب الهادي والعسكري عليهما السلام ، ومنها أن علي بن مَهْزِيار أهوازي ، وكان صديقاً للحسن بن سعيد وأخيه الحسين .
5- رجال الطوسي 335 .

وردت في بعض نسخ ثواب الأعمال عن (الحسن بن سهل البصري ، عن علي بن مَهْزِيار ، عن الإمام الكاظم عليه السلام) (1) ، إنما رواها ثقة الإسلام الكليني عن (الحسن بن سهل ، عن الحسن بن علي بن مهران ، عن الإمام الكاظم عليه السلام) (2) .

أضف إلى ذلك أن الحسين بن سعيد الأهوازي الذي أوصل علي بن مَهْزِيار إلى التشيع إنما هو من أصحاب الإمام الرضا عليه السلام ، ولم تُعهد روايته عن الإمام الكاظم عليه السلام .

ويعد علي بن مَهْزِيار من الرواة المكثرين ، صنف نيفاً وثلاثين كتاباً ، وهي مثل كتب الحسين بن سعيد الأهوازي وزيادة ، وكانت كتبه من الأصول المعتمدة التي عليها المعول في الإفتاء ، قبل أن يصنف الشيخ الكليني والشيخ الصدوق كتابيهما الكافي والفقيه (3) .

لعلي بن مَهْزِيار أولاد محدثون أجلاء ، منهم الحسن بن علي بن مَهْزِيار (وكان ابنه أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي بن مَهْزِيار من المحدثين أيضاً ، وهو شيخ بن قولويه وابي غالب الزراري (4)) ، أما الابن الآخر لعلي بن مَهْزِيار فهو المحدث الثقة (محمد بن علي مَهْزِيار) ، من أصحاب الإمام الهادي عليه السلام ، أدرك الإمام المهدي عليه السلام ، وكان أول أمره شاكاً ، فأصلح الله تعالى له قلبه ، وأزال شكه ، حتى صار من الوكلاء الذين ينقلون الكتب والتوقيعات من الإمام وسفرائه إلى الشيعة (5) ، ومن إخوانه (إبراهيم بن مَهْزِيار) وهو الذي روى مصنفات أخيه علي بن مَهْزِيار (6) .

ص: 204


1- ثواب الأعمال 175 ، وفي إحدى نسخ البحار (علي بن الحسن بن مهران) وهو يؤكد ما أوردناه .
2- الكافي 6\472 .
3- أنظر : مستدركات علم رجال الحديث 1\44 .
4- رسالة أبي غالب الزراري ص40 .
5- رجال الطوسي 390 ، نقد الرجال 4\281 ، معجم رجال الحديث 18\32 .
6- رجال النجاشي 254 .

توفي علي بن مَهْزِيار في الأهواز ، وله اليوم مرقد عامر ، ومزار معروف ، شمال مدينة الأهواز في إيران (1) ، وكان أوصى بعد وفاته أن يُحَجَّ عنه من أموال ضيعة كانت له (2) .

وقد شكك الشيخ جعفر سبحاني في بقاء علي بن مَهْزِيار إلى زمان الإمام العسكري عليه السلام (3) ، إلا أني رأيت له رواية عن الإمام أبي محمد العسكري عليه السلام ، ذكرها الشيخ الطوسي في التهذيب (4) ، ونسبها الصدوق إلى إبراهيم بن مَهْزِيار (5) ، وقد ذكره ابن شهر آشوب في جملة رواة النص على إمامة أبي محمد العسكري عليه السلام (6) ، ويبدو أنه أن توفي مبكراً في زمان إمامة الإمام العسكري عليهما السلام ، ولذلك لا يصح ما أورده الراوندي من لقائه بالإمام المهدي عليه السلام (7) ، والصحيح أن ذلك هو (علي بن إبراهيم بن مَهْزِيار) (8) .

ومن رواياته في النص على الإمام العسكري ما أورده الشيخ الكليني عن علي ابن محمد ، عن محمد بن أحمد القلانسي ، عن علي بن الحسين بن عمرو ، عن علي بن مَهْزِيار ، قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام : إن كان كون - وأعوذ بالله - فإلى من ؟ قال : «عهدي إلى الأكبر من ولدي» (9) يعني الحسن عليه السلام .

وكالته ودوره مع الإمام الهادي عليه السلام

ص: 205


1- موارد الاعتبار في تواريخ أهل البيت عليهم السلام 14\25 ، وذكرت بعض مواقع الانترنت أن مرقده يقع في مدينة الاهواز العاصمة في حي الجسر الاسود او حي (علي مازيار) القريب من نهر الكارون.
2- الكافي 4\309 .
3- موسوعة طبقات الفقهاء 3\411 .
4- تهذيب الأحكام 2\363 .
5- من لا يحضره الفقيه 1\263 .
6- مناقب ابن شهر أشوب 3\524 .
7- الخرائج والجرائح 3\1101 .
8- غيبة الطوسي 253 .
9- الكافي 1\326 ، بحار الأنوار 50\244 .

أورد الكشي عن حمدويه بن نصير قال: «لما مات عبد الله بن جندب قام علي بن مَهْزِيار مقامه» (1) ، وعبد الله بن جندب البجلي كان من أصحاب الصادق والكاظم والرضا عليهم السلام ، وكان ثقةً جليل القدر ، وهذا الأمر يرجح أن علي بن مَهْزِيار تولى أمر الوكالة في زمان الإمام الرضا عليه السلام .

عُرف علي بن مَهْزِيار بأنه من خواص أصحاب أبي جعفر الثاني ، الإمام الجواد عليه السلام ، فقد كان عظيم المنزلة عنده ، وأصبح من وكلائه المعتمدين ، وثقاته المعروفين ، وقد جرت بينهما مكاتبات كثيرة ، اختصت بمسائل الفقه وشؤون الوكالة ، ثم أصبح علي بن مَهْزِيار أيضاً من وكلاء الإمام الهادي عليه السلام ، نص على ذلك النجاشي في رجاله عندما قال : «روى عن الرضا وأبي جعفر عليهما السلام ، واختص بأبي جعفر الثاني (عليه السلام) وتوكل له وعظم محله منه ، وكذلك أبو الحسن الثالث عليه السلام وتوكل لهم في بعض النواحي ، وخرجت إلى الشيعة فيه توقيعات بكل خير» (2) .

بذل علي بن مَهْزِيار جهداً في التصدي للواقفة والفطحية ، ونجح في إرجاع الثقة الجليل (علي بن أسباط بن سالم) عن فرقة الفطحية إلى إمامة أبي جعفر الثاني عليه السلام بعد مراسلات وسجالات بينهما (3) .

وقد أورد ابن شهرآشوب في مناقبه رواية مرسلة عن كتاب (معتمد الأصول) (4) أن علي بن مَهْزِيار شك في إمامة أبي الحسن الهادي عليه السلام ، وأنه تيقن بعد ما رأى من معجزاته عليه السلام (5) ، وهذا النقل لا يصح في شيء ؛ فإن اختصاص علي بن مَهْزِيار بأبي جعفر الجواد عليه السلام ، وتوكله له ، وما ورد بحقه من المدح ، وتوكله

ص: 206


1- اختيار معرفة الرجال 2\825 .
2- رجال النجاشي 253 .
3- رجال النجاشي 252 .
4- ذكر العلامة المجلسي في البحار 77\117 أن هذا الكتاب للشيخ المفيد ، ولم نجده في جملة مصنفاته المذكورة في كتب الفهارس والتراجم .
5- مناقب شهر آشوب 3\516 .

للإمام الهادي عليه السلام ، كلها أمور تمنع من قبول هذا النص المرسل ، ولاسيما مع جهالة المصدر الذي استند اليه صاحب المناقب .

ويبدو أن نشاط علي بن مَهْزِيار قد تراجع بعض الشيء في زمان أبي الحسن الهادي عليه السلام ؛ ربما لكبر سنه ، وسوء الأوضاع الأمنية التي رافقت وصول المتوكل إلى الخلافة وتضييقه على الإمام الهادي عليه السلام وشيعته .

ومما ورد عن نشاطه أن الإمام الهادي عليه السلام كلفه سنة 228 ھ بعمل (مقدار الساعات) وهو – على ما يبدو – آله لحساب ساعات الليل والنهار كالساعة الرملية وما شابه ، فقد أورد الصفار في بصائر الدرجات قال : حدثنا الحسن بن علي السرسوني ، عن إبراهيم بن مَهْزِيار قال : كان أبو الحسن كتب إلى علي بن مَهْزِيار يأمره أن يعمل له مقدار الساعات ، فحملناه إليه في سنة ثمان وعشرين ، فلما صرنا بسيالة (1) كتب يعلمه قدومه ، ويستأذنه في المصير إليه ، وعن الوقت الذي نسير إليه فيه ، واستأذن لإبراهيم ، فورد الجواب بالإذن أنا نصير إليه بعد الظهر فخرجنا جميعاً إلى أن صرنا في يوم صايف شديد الحر ومعنا مسرور غلام علي بن مَهْزِيار ، فلما أن دنوا من قصره (2) إذا بلال قائم ينتظرنا ، وكان بلال غلام أبي الحسن عليه السلام فقال : ادخلوا ، فدخلنا حجرة وقد نالنا من العطش أمر عظيم ، فما قعدنا حيناً حتى خرج إلينا بعض الخدم ومعه قِلال من ماء أبرد ما يكون ، فشربنا ثم دعا – أي الإمام عليه السلام - بعلي بن مَهْزِيار فلبث عنده إلى بعد العصر ، ثم دعاني فسلمت عليه واستأذنته أن يناولني يده فاقبلها فمد يده عليه السلام فقبلتها ، ودعاني وقعدت ثم قمت فودعته ، فلما خرجت من باب البيت ناداني فقال : يا إبراهيم ، فقلت : لبيك يا سيدي ، فقال : لا تبرج ، فلم نزل جالساً ومسرور غلامنا معنا ، فأمر أن ينصب المقدار ثم خرج عليه السلام فألقي له كرسي فجلس عليه وألقي لعلي بن مَهْزِيار كرسي عن يساره فجلس ، وكنت أنا بجنب المقدار فسقطت حصاة

ص: 207


1- سيالة ، منطقة على طريق الحاج ، وهي أول مرحلة لأهل المدينة إذا أرادوا مكة ، وواديها كثير السيل فسميت سيّالة – موسوعة المصطفى والعترة 13\214 .
2- لم يُعهد للإمام قصر ، ولعله بيت في إحدى ضيعه القريبة من المدينة المنورة .

، فقال مسرور : هشت ، فقال : "هشت" ثمانية ، فقلنا : نعم يا سيدنا ، فلبثنا عنده إلى المساء ثم خرجنا فقال لعلي : ردّ إليّ مسروراً بالغداة ، فوجهه إليه فلما أن دخل قال له بالفارسية : "بار خدايا چون" فقلت له : "نيك" يا سيدي ، فمرَّ نصر (1) ، فقال لمسرور : "درببند درببند" فأغلق الباب ، ثم ألقى رداه عليّ يخفيني من نصر ، حتى سألني عما أراد فلقيه علي بن مَهْزِيار فقال : له كل هذا خوفاً من نصر ، فقال : يا أبا الحسين يكاد خوفي منه خوفي من عمرو بن قرح (2) .

ومن الروايات الدالة على حسن حاله ، وسلامة نفسه ، وميله لأهل البيت عليهم السلام ، وطاعته للإمام الهادي ولآبائه ، ما أورده الكشي من موقف حصل له سنة 226 ھ ، فقد روى بسنده عن محمد بن مسعود ، قال : حدثني علي بن محمد ، قال : حدثني أحمد بن محمد ، عن علي بن مَهْزِيار ، قال بينا أنا بالقرعاء (3) في سنة ست وعشرين ومأتين منصرفي عن الكوفة ، وقد خرجت في آخر الليل أتوضأ أنا وأستاك ، وقد انفردت من رحلي ومن الناس ، فإذا أنا بنار في أسفل مسواكي ، يلتهب لها شعاع مثل شعاع الشمس أو غير ذلك ، فلم أفزغ منها وبقيت أتعجب ، ومسستها فلم أجد لها حرارة ، فقلت : الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون . فبقيت أتفكر في مثل هذا ، وأطالت النار المكث طويلاً ، حتى رجعت إلى أهلي ، وقد كانت السماء رشت وكان غلماني يطلبون ناراً ، ومعي رجل بصري في الرحل ، فلما أقبلت قال الغلمان : قد جاء أبو الحسن ومعه نار ، وقال البصري مثل ذلك ، حتى دنوت ، فلمس البصري النار فلم يجد لها حرارة ولا غلماني ، ثم طفيت بعد طول ، ثم التهبت فلبثت قليلاً ثم طفيت ، ثم التهبت ثم طفيت الثالثة فلم تعد ، فنظرنا إلى السواك : فإذا ليس فيه أثر نار ، ولا حر ، ولا شعث ، ولا سواد ، ولا شئ يدل على أنه حُرق ، فأخذت السواك فخبأته ، وعدت به

ص: 208


1- لعله من أعوان السلطة العباسية .
2- بصائر الدرجات 357 ، ولعل الأصوب (عمر بن الفرج) وهو من كبار النواصب ، ويعد من رجالات بني العباس المبرزين ، وهو أخو الثقة (محمد بن الفرج الرُّخَجي) من أصحاب الإمام الهادي عليه السلام .
3- القَرعاء : تأنيث الأقرع ، كأنها سميت بذلك لقلة نباتها : وهو منزل في طريق مكة من الكوفة بعد المغيثة وقبل واقصة إذا كنت متوجها إلى مكة – معجم البلدان 4\325 .

إلى الهادي عليه السلام وذلك سنة ست وعشرين بعد موت الجواد عليه السلام ، وكشفت له أسفله وباقيه مغطى وحدثته بالحديث ، فأخذ السواك من يدي وكشفه كله وتأمله ونظر إليه ، ثم قال : هذا نور ، فقلت له : نور جعلت فداك ؟ فقال : بميلك إلى أهل هذا البيت ، وبطاعتك لي ولأبي ولآبائي ، أو بطاعتك لي ولآبائي (1) ، أراكه الله (2) .

وقد شاهد علي بن مَهْزِيار وروى لنا الكثير من معاجز أهل البيت عليهم السلام ، من ذلك ما ذكره الشيخ المفيد في الاختصاص ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، وإبراهيم بن مَهْزِيار ، عن علي بن مَهْزِيار قال : أرسلت إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) غلامي وكان صقلابياً فرجع الغلام إلي متعجباً ، فقلت له : ما لك يا بني ؟ قال : وكيف لا أتعجب ما زال يكلمني بالصقلابية كأنه واحد منا ، فظننت أنه إنما أراد بهذا اللسان كيلا يسمع بعض الغلمان ما دار بينهم (3) .

ومن ذلك أيضاً ما رواه الشيخ الصفار عن محمد بن الحسين ، عن علي بن مَهْزِيار عن الطيب الهادي عليه السلام قال {ابن مَهْزِيار} : دخلتُ عليه فابتدأني وكلمني بالفارسية (4) .

ومن الكرامات المشهورة التي رواها علي بن مَهْزِيار قصة (زينب الكذابة) التي ظهرت في زمان المتوكل لعنه الله ، وادعت أنها (زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السلام) ، وما تلا ذلك من أحداث ، يروي ذلك ابن حمزة الطوسي ، قال : عن علي بن مَهْزِيار ، قال إنه صار إلى سر من رأى ، وكانت زينب الكذابة ظهرت وزعمت أنها زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السلام ، فأحضرها المتوكل وسألها فانتسبت إلى علي بن أبي طالب وفاطمة ، فقال لجلسائه : كيف بنا بصحة أمر هذه ، وعند مَن نجده ؟ فقال الفتح

ص: 209


1- هذا الترديد من الراوي .
2- اختيار معرفة الرجال 2\825 .
3- الاختصاص 289 ، بحار الأنوار 26\191 ، وفيه : في القاموس : الصَّقالبة جيل تتاخم بلادهم بلاد الخزر بين بلغر وقسطنطينية وقال : السقلب : جيل من الناس ، وهو سقلبي والجمع سقالبة .
4- بصائر الدرجات 353 .

بن خاقان : ابعث إلى ابن الرضا (1) فأحضره حتى يخبرك بحقيقة أمرها ، فأحضر عليه السلام فرحب به المتوكل وأجلسه معه على سريره ، فقال : إن هذه تدعي كذا ، فما عندك ؟ فقال : "المحنة في هذا قريبة ، إن الله تعالى حرّم لحم جميع من ولدته فاطمة وعلي والحسن والحسين عليهم السلام على السباع ، فألقوها للسباع ، فإن كانت صادقة لم تتعرض لها ، وإن كانت كاذبة أكلتها" . فعرض عليها فكذّبت نفسها ، وركبت حمارها في طريق سر من رأى تنادي على نفسها وجاريتها على حمار آخر بأنها زينب الكذابة ، وليس بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي وفاطمة صلوات الله عليهم قرابة ، ثم دخلت الشام . فلما أن كان بعد ذلك بأيام ذكر عند المتوكل أبو الحسن عليه السلام ، وما قال في زينب ، فقال علي بن الجهم (2) : يا أمير المؤمنين ، لو جربت قوله على نفسه فعرفت حقيقة قوله . فقال : أفعل ، ثم تقدم إلى قوام السباع فأمرهم أن يجوعوها ثلاثة ويحضروها القصر فترسل في صحنه فنزل وقعد هو في المنظر ، وأغلق أبواب الدرجة ، وبعث إلى أبي الحسن عليه السلام فأحضر ، وأمره أن يدخل من باب القصر ، فدخل ، فلما صار في الصحن . أمر بغلق الباب ، وخلى بينه وبين السباع في الصحن . قال علي بن يحيى : وأنا في الجماعة وابن حمدون ، فلما حضر عليه السلام وعليه سواد وشقة فدخل وأغلق الباب والسباع قد أصمت الاذان من زئيرها فلما مشى في الصحن يريد الدرجة مشت إليه السباع وقد سكنت ، ولم نسمع لها حساً حتى تمسحت به ، ودارت حوله ، وهو يمسح رؤوسها بكمه ، ثم ضرب بصدورها الأرض ، فما مشت ولا زأرت حتى صعد الدرجة ، وقام المتوكل ودخل ، فارتفع أبو الحسن عليه السلام وقعد طويلاً ، ثم قام فانحدر ، ففعلت السباع به كفعلها في الأول ، وفعل هو بها كفعله الأول ، فلم تزل رابضة

ص: 210


1- لقب (ابن الرضا) عنوان كان يطلق على كل أولاد الإمام الرضا وحتى أحفاده ، كالهادي والعسكري عليهما السلام ، ربما لما كان يتمتع به الإمام الرضا علي السلام من هيبة في نفوس الناس والعباسيين بشكل خاص ، ولاسيما بعد تسلمه ولاية العهد ، والله العالم .
2- قال ابن حجر : (علي بن الجهم بن بدر بن محمد بن مسعود بن أسد بن أذينة الساجي ، الشاعر في أيام المتوكل ، كان مشهوراً بالنصب كثير الحط على علي وأهل البيت ، وقيل إنه كان يلعن أباه لِمَ سماه علياً ! قتل في أيام المستعين سنة تسع وأربعين ومائتين) – لسان الميزان 4\210 .

حتى خرج من الباب الذي دخل منه ، وركب وانصرف ، وأتبعه المتوكل بمال جزيل صلة له . وقال علي بن الجهم : فقمت وقلت يا أمير المؤمنين ، أنت إمام فافعل كما فعل ابن عمك . فقال : والله لئن بلغني ذلك من أحد من الناس لأضربن عنقه وعنق هذه العصابة كلهم . فوالله ما تحدثنا بذلك حتى قتل (1) .

وثاقته

أجمعت الروايات وأقوال أهل الاختصاص من نقاد الرجال على توثيق علي بن مَهْزِيار ، بل على جلالة قدره ، وحسن عبادته ، وغزارة علمه ومؤلفاته ، ومكانته عند الأئمة عليهم السلام وعند إخوانه الشيعة ، ومن تلكم النصوص :

1. الإمام الجواد (ت 220 ه) : جرت بين علي بن مَهْزِيار وبين الإمام أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام مكاتبات كثيرة في مسائل الفقه والعقيدة ، وقضايا تهم الدور الذي كُلف به علي بن مَهْزِيار في وكالته ، واللافت في تلك المراسلات أن الإمام عليه السلام دعا له وأثنى عليه ثناءً بليغاً في غير واحد من كتبه ، ولو ثبتت هذه النصوص ففيها أدلة كافية على اعتبار علي بن مَهْزِيار أفضل أصحاب الإمام الجواد عليه السلام دون منازع ، ففي أحدها يقول عليه السلام : «قد وصل إليّ كتابك ، وقد فهمتُ ما ذكرتَ فيه ، وملأتني سروراً ، فسرّك الله ، وأنا أرجو من الكافي الدافع أن {يكفيك} كيد كل كائد إن شاء الله تعالى» . وفي كتاب آخر قال له : «سرَّك الله بالجنة ، ورضي عنك برضائي عنك ، وأنا أرجو من الله حسن العون والرأفة ، وأقول حسبنا الله ونعم الوكيل» . وفي كتاب آخر بالمدينة : «صيرك الله إلى خير منزل في دنياك وآخرتك» . وفي كتاب آخر : «وأسأل الله أن يحفظك من بين يديك ، ومن خلفك ، وفي كل حالاتك ، فأبشر فاني أرجو أن يدفع الله عنك ، وأسأل الله أن يجعل لك الخيرة فيما عزم لك به عليه من الشخوص في يوم الأحد ، فأخر ذلك إلى يوم الاثنين إن شاء الله ، صحبك الله في سفرك ، وخلفك في أهلك ، وأدى غيبتك ، وسلِمتَ بقدرته» .

ص: 211


1- الثاقب في المناقب ص545 .

وفي أحد تلك المراسلات يقول علي بن مَهْزِيار إلى الإمام أبي جعفر عليه السلام : كتبت أسأله التوسع علي والتحليل لما في يدي ؟ فكتب : «وسّع الله عليك ، ولمن سألت به التوسعة في أهلك ، ولأهل بيتك ولك يا علي عندي من أكبر التوسعة ، وأنا أسأل الله أن يصحبك بالعافية ، ويُقدمك على العافية ، ويسترك بالعافية ، إنه سميع الدعاء» ، وفي كتاب آخر سأل علي بن مَهْزِيار الدعاء فجاءه الجواب من الإمام عليه السلام مكتوباً بخطه الشريف : «وأما ما سألتَ من الدعاء فإنك بعدُ لستَ تدري كيف جعلك الله عندي ، وربما سميتُك باسمك ونسبك ، مع كثرة عنايتي بك ، ومحبتي لك ، ومعرفتي بما أنت إليه ، فأدام الله لك أفضل ما رزقك من ذلك ، ورضي عنك برضائي ، وبلغك أفضل نيتك ، وأنزلك الفردوس الأعلى برحمته ، انه سميع الدعاء ، حفظك الله ، وتولاك ، ودفع الشر عنك برحمته ، وكتبتُ بخطي» .

ومن الرسائل الفريدة في مضامينها التي تدل على علو منزلته ، وأنه خير أصحاب الإمام الجواد عليه السلام ، ما رواه الشيخ الطوسي في غيبته قال : أخبرني جماعة عن التلعكبري ، عن أحمد ابن علي الرازي ، عن الحسين بن علي ، عن أبي الحسن البلخي ، عن أحمد بن مابندار الإسكافي ، عن العلاء المذاري ، عن الحسن بن شمون قال : قرأت هذه الرسالة على علي بن مَهْزِيار عن أبي جعفر الثاني بخطه : «يا علي أحسن الله جزاك ، وأسكنك جنته ، ومنعك من الخزي في الدنيا والآخرة ، وحشرك الله معنا . يا علي ، قد بلوتك وخبرتك في النصيحة والطاعة ، والخدمة والتوقير ، والقيام بما يجب عليك ، فلو قلت إني لم أرَ مثلك ؛ لرجوت أن أكون صادقاً ، فجزاك الله جنات الفردوس نزلاً ، فما خفي علي مقامك ، ولا خدمتك في الحر والبرد ، في الليل والنهار ، فأسأل الله إذا جمع الخلائق للقيامة أن يحبوك برحمة تغتبط بها ، إنه سميع الدعاء» (1) .

ص: 212


1- الغيبة للطوسي 349 .

2. الكشي : أورد في كتابه عن يوسف بن السخت البصري ، قال عن علي بن مَهْزِيار : «كان إذا طلعت الشمس سجد ، وكان لا يرفع رأسه حتى يدعو لألف من إخوانه بمثل ما دعا لنفسه ، وكان على جبهته سجادة مثل ركبة البعير» (1) .

3. النجاشي ، قال عنه : «روى عن الرضا وأبي جعفر عليهما السلام ، واختص بأبي جعفر الثاني (عليه السلام) وتوكل له وعظم محله منه ، وكذلك أبو الحسن الثالث عليه السلام وتوكل لهم في بعض النواحي ، وخرجت إلى الشيعة فيه توقيعات بكل خير ، وكان ثقة في روايته لا يُطعن عليه ، صحيحاً اعتقاده ، وصنف الكتب المشهورة ، وهي مثل كتب الحسين بن سعيد» (2) .

4. الطوسي ، قال عنه : «علي بن مَهْزِيار الأهوازي رحمه الله ، جليل القدر ، واسع الرواية ، ثقة» (3) ، وقال أيضاً : «أهوازي ، ثقة ، صحيح» (4) ، وذكره في كتاب الغيبة في جملة الوكلاء الممدوحين قائلاً : «ومنهم علي بن مَهْزِيار الأهوازي وكان محموداً» (5) .

5. الشيخ حسن صاحب المعالم ، قال عنه : «ومن كتاب اختصرته أنا : سرك الله بالجنة ورضي عنك برضاي عنك. وغير ذلك من أخبار تدل على حال جليل وفخر عظيم ، ولم أعرف من الورود في هذا الكتاب غير ذلك من جميل قاعدته ، ولا شرف طريقته ، ولا غير هذا الكتاب ، رحمه الله تعالى ورضي عنه» (6) .

6. السيد ابن طاووس : «وقرأت أن علي بن مَهْزِيار كانت جبهته مثل ركبة البعير» (7) .

ص: 213


1- اختيار معرفة الرجال 2\825 .
2- رجال النجاشي 253 .
3- الفهرست 152 .
4- رجال الطوسي 360 .
5- غيبة الطوسي 349 .
6- التحرير الطاووسي 370 .
7- الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف 195 .

7. المحدث البحراني ، قال بحقه : «الثقة الجليل علي بن مَهْزِيار) (1) وأضاف بعد أن أورد رواية مضمرة لم يصرح فيها علي بن مَهْزِيار باسم الإمام القائل لها : (أن علي بن مَهْزِيار في جلالة شأنه لا ينسب مثل هذه العبارة إلى غير الإمام (عليه السلام) بل ولا يعتمد على غيره في شئ من الأحكام كما صرحوا به (رضوان الله عليهم) في أمثال هذا المقام» (2) .

طبقته في الحديث

أ. مشايخه : روى عن الإمام الرضا ، والجواد ، والهادي عليهم السلام ، وعن أبي داود المسترق ، وأبي علي بن راشد ، وإبراهيم بن عبد الله ، وإبراهيم بن محمد الهمداني ، وأحمد بن إسحاق الأبهري ، وأحمد بن حمزة ، ، وأحمد بن محمد بن أبي نصر ، وإسحاق بن إبراهيم ، وإسماعيل بن سهل ، وإسماعيل بن عباد ، وإسماعيل بن همام ، وأيوب بن نوح ، وبكر بن صالح ، وجعفر بن محمد الهاشمي ، والحسن بن علي بن عثمان بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، عليهم السلام ، والحسن بن علي بن فضال ، والحسن بن محبوب ، والحسن بن محمد بن مَهْزِيار ، والحسين بن بشار ، والحسين بن سعيد ، والحسين بن عمار ، وحماد بن عيسى ، وسليمان بن جعفر ، وصفوان ، وعبد العزيز بن المهتدي ، وعبد الله بن يحيى ، وعثمان بن عيسى ، وعلي بن إسماعيل الميثمي ، وعلي بن حديد ، وعلي بن فضال ، وعلي بن محمد ، وعمرو بن إبراهيم ، وعمرو بن عثمان ، وفضالة بن أيوب ، والفضل بن يونس ، والقاسم بن عروة ، والقاسم بن محمد ، ومحمد بن إبراهيم الحضيني ، ومحمد بن أبي عمير ، ومحمد بن إسماعيل بن بزيغ ، ومحمد بن الحسن الأشعري ، ومحمد بن الحسن القمي ، ومحمد بن راشد ، ومحمد بن رجاء الخياط ، ومحمد بن سنان ، ومحمد بن عبد الحميد ، ومحمد بن عبد الله بن مروان ، ومحمد بن علي بن شجاع النيسابوري ، ومحمد بن الفضيل ، ومحمد بن القاسم بن

ص: 214


1- الحدائق الناضرة 5\424 .
2- المصدر نفسه 5\425 .

الفضيل ، ومحمد بن يحيى الخزاز ، ومخلد بن موسى ، وموسى بن القاسم ، والنضر بن سويد ، ويحيى بن أبي عمران الهمداني .

ب. الرواة عنه : وروى عنه ، وأبو عبد الله البرقي ، وإبراهيم بن مَهْزِيار ، وإبراهيم بن هاشم ، وأحمد بن الحسين ، وأحمد بن محمد ، وأحمد بن محمد بن عيسى ، والحسن بن علي بن مَهْزِيار ، والحسن بن علي بن عبد الله ، والحسن بن علي الكوفي ، والحسين بن إسحاق ، والحسين بن سعيد ، وسهل بن زياد ، وصالح بن أبي حماد ، والعباس بن معروف ، وعبد الله بن عامر ، وعبد الله بن محمد ، وعبد الله بن محمد بن عيسى ، وعلي بن الحسين بن عمرو ، وعلي بن محمد الصيمري ، وعيسى بن أيوب ، ومحمد بن أبي أيوب ، ومحمد بن علي بن يحيى الأنصاري (روى عنه في محرم سنة 229) (1) ، ومحمد بن عبد الجبار ومحمد بن عيسى بن عبيد ، والهيثم بن أبي مسروق النهدي .

مؤلفاته

أورد النجاشي في ترجمة علي بن مَهْزِيار قائمة بأسماء مؤلفاته قائلاً : (وصنف الكتب المشهورة ، وهي مثل كتب الحسين بن سعيد ، وزيادة كتاب الوضوء ، كتاب الصلاة ، كتاب الزكاة ، كتاب الصوم ، كتاب الحج ، كتاب الطلاق ، كتاب الحدود ، كتاب الديات ، كتاب العتق والتدبير ، كتاب التجارات والاجارات ، كتاب المكاسب ، كتاب التفسير ، كتاب الفضائل ، كتاب المثالب ، كتاب الدعاء ، كتاب التجمل والمروة ، كتاب المزار ، كتاب الرد على الغلاة ، كتاب الوصايا ، كتاب المواريث ، كتاب الخمس ، كتاب الشهادات ، كتاب فضائل المؤمنين وبرهم ، كتاب الملاحم ، كتاب التقية ، كتاب الصيد والذبائح ، كتاب الزهد ، كتاب الأشربة ، كتاب النذور والايمان والكفارات ، وزاد على كتب الحسين بن سعيد كتاب الحروف ، كتاب القائم ، كتاب البشارات ، كتاب الأنبياء ، كتاب النوادر ، رسائل علي بن أسباط ، أخبرنا محمد بن محمد والحسين بن عبيد الله والحسين بن أحمد

ص: 215


1- رجال النجاشي 145 .

بن موسى بن هدية عن جعفر بن محمد ، عن محمد بن الحسن بن علي ، عن أبيه ، عن جده ، بكتبه جميعها . وروى كتب علي بن مَهْزِيار أخوه إبراهيم . أخبرنا أبو عبد الله القزويني قال : حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى قال : حدثنا عبد الله بن جعفر عن إبراهيم عن أخيه علي بها . فأما رواية العباس بن معروف ، فأخبرنا بها علي بن أحمد ، عن محمد بن الحسن ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن العباس عن علي بكتبه كلها) (1) .

ومعنى قول النجاشي : (وهي مثل كتب الحسين بن سعيد ، وزيادة) أن علي بن مَهْزِيار أخذ كتب الحسين بن سعيد وزاد فيها فصولاً وأبواباً ، وربما عضّدها بنصوص وروايات أخرى ، يدل على ذلك ما نقله الشيخ الطوسي عن البرقي قائلاً : «قال أحمد بن أبي عبد الله البرقي : ان علي بن مَهْزِيار اخذ مصنفات الحسين بن سعيد ، وزاد عليها في ثلاثة كتب منها ، زيادة كثيرة اضعاف ما للحسين بن سعيد ، منها كتاب الوضوء ، وكتاب الصلاة ، وكتاب الحج ، وسائر ذلك زاد شيئاً قليلاً» ثم ذكر الطوسي طرقه إلى تلكم الكتب قائلاً : «أخبرنا بكتبه ورواياته جماعة عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه ، عن أبيه ومحمد بن الحسن ، عن سعد بن عبد الله والحميري ومحمد بن يحيى وأحمد بن محمد ، عن أحمد بن محمد ، عن العباس بن معروف عنه ، الا كتاب المثالب ، فان العباس روى نصفه عنه . ورواها أبو جعفر ابن بابويه ، عن أبيه وموسى بن المتوكل ، عن سعد بن عبد الله والحميري ، عن إبراهيم بن مَهْزِيار ، عن أخيه ، عن رجاله . وله وفاة أبي ذر رضي الله عنه ، وحديث بدر ، واسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه ، ورويناه بهذا الاسناد عنه» (2) ، والناظر في أسانيد النجاشي والطوسي يجد أنها تمتاز بتعددها واشتمالها على كبار الرواة والمحدثين ، مما يدل على اشتهار تلك الكتب في عصر الشيخ الطوسي وما بعده ، وعلى قوة حضور روايات ابن مَهْزِيار في المنظومة الحديثية الشيعية ، كما يُلحظ التعدد المعرفي لتلك الكتب ، فهي موزعة ما بين

ص: 216


1- رجال النجاشي 253 .
2- الفهرست 152 .

الفقه ، والعقيدة ، والتاريخ ، ومما يلفت النظر أيضاً تصنيف علي بن مَهْزِيار في موضوع (المثالب) ، وهو من المواضيع الحساسة التي يتطلب طرحها جرأة كبيرة ولاسيما في حقبة صعبة وقاسية كمرحلة المتوكل لعنه الله .

نماذج من رواياته
اشارة

ذكر السيد الخوئي في معجم رجال الحديث أن عنوان علي بن مَهْزِيار وقع في إسناد كثير من الروايات تبلغ سبعة (437) مورداً (1) ، ويبدو أن هذا العدد مختص بالكتب الأربعة كما هي عادته في المعجم ، وإلا فإن العدد الواقعي أكثر من ذلك بالتأكيد ، بالنظر لسعة مرويات علي بن مَهْزِيار فإن الإحاطة بها يخرج هذا الكتاب عن منهجيته ، لذلك فقد اقتصرت على ذكر مروياته المباشرة عن الأئمة عليهم السلام سواء ما كان منها عن طريق السماع أو المكاتبة .

رواياته في العقائد

1. ابن بابويه القمي : وعنه ، عن محمد بن عمرو الكاتب ، عن علي بن محمد الصيمري ، عن علي بن مَهْزِيار : قال : كتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام : أسأله عن الفرج ؟ فكتب : إذا غاب صاحبكم عن دار الظالمين ، فتوقعوا الفرج (2) .

2. الشيخ الكليني : عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، جميعاً عن علي بن مَهْزِيار قال : كتب رجل إلى أبي جعفر (عليه السلام) يشكو إليه لَمَماً (3) يخطر على باله ، فأجابه في بعض كلامه : إن الله عز وجل إن شاء ثبّتك فلا يجعل لإبليس عليك طريقاً ، قد شكى قوم إلى النبي (صلى الله عليه وآله) لمماً

ص: 217


1- معجم رجال الحديث 13\212 .
2- الإمامة والتبصرة 93 .
3- قال الطريحي في مجمع البحرين 4\134 : «واللمم : طرف من الجنون ، يلم بالإنسان ، من باب قتل . يقال " أصابه من الشيطان لمم " و " أصابته من الجن لمة " أي مس» ، والمقصود من الرواية هو الوسوسة ، والله العالم .

يعرض لهم لأن تهوي بهم الريح أو يقطعوا أحب إليهم ، من أن يتكلموا به ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أتجدون ذلك ؟ قالوا : نعم ، فقال : والذي نفسي بيده إن ذلك لصريح الإيمان ، فإذا وجدتموه فقولوا : آمنا بالله ورسوله ولا حول ولا قوة إلا بالله (1) .

3. الشيخ الطوسي : عن الفضل ، عن محمد بن علي ، عن محمد بن سنان ، عن حي بن مروان (2) ، عن علي بن مَهْزِيار قال : قال أبو جعفر عليه السلام: كأني بالقائم يوم عاشوراء يوم السبت قائماً بين الركن والمقام ، بين يديه جبرئيل عليه السلام ينادي : البيعة لله ، فيملاها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً (3) ..

رواياته في الفقه

4. الشيخ الطوسي : عن محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد وعبد الله بن محمد جميعاً ، عن علي بن مَهْزِيار قال : كتب إليه سليمان بن رشيد (4) يخبره : أنه بال في ظلمة الليل وأنه أصاب كفه برد نقطة من البول لم يشك أنه أصابه ولم يره ، وأنه مسحه بخرقة ثم نسي أن يغسله ، وتمسح بدهن فمسح به كفيه ووجهه ورأسه ، ثم توضأ وضوء الصلاة فصلى ؟ فأجابه بجواب قرأته بخطه : أما ما توهمت مما أصاب يدك فليس بشئ إلا ما تحقق ، فإن حقّقت ذلك كنت حقيقاً أن تعيد الصلوات اللواتي كنت صليتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهن في وقتها ، وما فات وقتها فلا إعادة عليك لها ، من قِبَلِ أن الرجل إذا كان ثوبه نجساً لم يُعد الصلاة إلا ما كان في وقت ، وإذا كان جنباً أو صلى على غير وضوء فعليه إعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته ، لان الثوب خلاف الجسد ، فاعمل على ذلك ، إن شاء الله (5) .

ص: 218


1- الكافي 2\425 .
2- لعله (حسين بن مروان) .
3- غيبة الطوسي 453 .
4- ذكره الطوسي في أصحاب الإمام الرضا عليه السلام – رجال الطوسي 358 .
5- تهذيب الأحكام 1\426 ، وسائل الشيعة 3\479 .

5. الشيخ الكليني : الحسين بن محمد ، عن عبد الله بن عامر ، عن علي بن مَهْزِيار ، ومحمد بن يحيى عن أحمد بن محمد ، عن علي ، وعلي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن مَهْزِيار قال : قرأت في كتاب عبد الله بن محمد إلى أبي الحسن (عليه السلام) : جعلت فداك روى زرارة ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله صلوات الله عليهما في الخمر يصيب ثوب الرجل أنهما قالا : لا بأس بأن يصلي فيه إنما حرم شربها (1) . وروى غير زرارة ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال : إذا أصاب ثوبك خمر أو نبيذ - يعني المسكر - فاغسله إن عرفت موضعه وإن لم تعرف موضعه فاغسله كله وإن صليت فيه فأعد صلاتك - فأعلمني ما آخذ به ؟ فوقع بخطه (عليه السلام) : خذ بقول أبي عبد الله (عليه السلام) (2) .

6. الشيخ الصدوق : عن علي بن مَهْزِيار قال : رأيت أبا جعفر الثاني (عليه السلام) يصلي الفريضة وغيرها في جبة خز طاروني (3) ، وكساني جبة خز ، وذكر أنه لبسها على بدنه وصلى فيها وأمرني بالصلاة فيها (4) .

7. الشيخ الطوسي : بإسناده عن سعد بن عبد الله ، عن أبي جعفر يعني أحمد بن محمد بن عيسى ، عن العباس بن معروف ، عن علي بن مَهْزِيار قال : رأيت أبا جعفر (عليه السلام) صلى حين زالت الشمس يوم التروية ست ركعات خلف المقام ، وعليه نعلاه لم ينزعهما (5) .

8. الشيخ الصدوق : بإسناده عن علي بن مَهْزِيار أنه سأل أبا الحسن الثالث (عليه السلام) عن الرجل يصير في البيداء فتدركه صلاة فريضة فلا يخرج من البيداء حتى

ص: 219


1- لعل ذلك إنما صدر للتقية .
2- الكافي 3\407 ، وسائل الشيعة 3\468 .
3- (الطُرْن) بالضم : الخز ، والطاروني ، ضرب منه – مجمع البحرين 3\46 .
4- من لا يحضره الفقيه 1\262 ، وسائل الشيعة 4\359 ، وهذه من مناقبه الأخرى رضي الله عنه ؛ فإن الإمام الجواد عليه السلام خصّه بجبة كان يلبسها على بدنه الشريف ويصلي فيها .
5- تهذيب الأحكام 2\233 ، وسائل الشيعة 4\426 .

يخرج وقتها ، كيف يصنع بالصلاة وقد نُهِيَ أن يصلي في البيداء ؟ فقال : يصلي فيها ويتجنب قارعة الطريق (1) .

9. الشيخ الكليني : عن الحسين بن محمد ، عن عبد الله بن عامر ، عن علي بن مَهْزِيار قال : رأيت أبا جعفر الثاني (عليه السلام) يتفل في المسجد الحرام فيما بين الركن اليماني والحجر الأسود ، ولم يدفنه (2) .

10. الشيخ الكليني : علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن مَهْزِيار قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : جعلت فداك زيارة الرضا (عليه السلام) أفضل أم زيارة أبي عبد الله الحسين عليه السلام ؟ فقال : زيارة أبي أفضل ؛ وذلك أن أبا عبد الله (عليه السلام) يزوره كل الناس ، وأبي لا يزوره إلا الخواص من الشيعة (3) .

11. ابن قولويه القمي : حدثني محمد بن الحسن بن أحمد ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن العباس بن معروف ، عن علي بن مَهْزِيار ، قال : قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام : ما لمن زار قبر الرضا عليه السلام ؟ قال : الجنة والله (4) .

12. الشيخ الكليني : أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن علي بن مَهْزِيار قال : كتب بندار مولى إدريس : يا سيدي نذرتُ أن أصوم كل يوم سبت فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفارة ؟ فكتب وقرأته : لا تتركه إلا من علة ، وليس عليك صومه في سفر ولا مرض إلا أن تكون نويتَ ذلك ، وإن كنتَ أفطرتَ منه من غير علة فتصدق بعدد كل يوم لسبعة مساكين ، نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى (5) .

13. الشيخ الطوسي : علي بن مَهْزِيار قال : كتب رجل من بني هاشم إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام : إني كنت نذرت نذراً منذ سنين أن اخرج إلى ساحل من سواحل البحر إلى ناحيتها مما ترابط فيه المتطوعة ، نحو مرابطهم بجدة وغيرها من سواحل البحر ،

ص: 220


1- من لا يحضره الفقيه 1\244 ، وسائل الشيعة 5\156 .
2- الكافي 3\370 ، وسائل الشيعة 5\221 .
3- الكافي 4\582 ، المزار للمشهدي 544 ، كامل الزيارات 510 .
4- كامل الزيارات 509 ، مزار المفيد 196 .
5- الكافي 7\456 ،وسائل الشيعة 10\379 .

أفتَرى -جعلت فداك - أنه يلزمني الوفاء به أولا يلزمني ، أو أفتدي الخروج إلى ذلك الموضع بشئ من أبواب البر لأصير إليه إن شاء الله تعالى ؟ فكتب إليه بخطه وقرأته : إن كان سمع منك نذرك أحد من المخالفين فالوفاء به إن كنت تخاف شنيعة ، وإلا فاصرف ما نويت من نفقة في ذلك في أبواب البر ، وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى (1) .

14. الشيخ الكليني : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، وعدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد جميعا ، عن علي بن مَهْزِيار قال : كتبت إلى أبى جعفر عليه السلام أن فلاناً ابتاع ضيعة فوقفها ، وجعل لك في الوقف الخُمس ، ويسأل عن رأيك في بيع حصتك من الأرض أو يقوّمها على نفسه بما اشتراها به أو يدعها موقوفة : فكتب عليه السلام إلي : أعلِم فلاناً أنى آمره ببيع حقي (2) من الضيعة ، وإيصال ثمن ذلك إليّ ، وإن ذلك رأيي إن شاء الله ، أو يقومها على نفسه إن كان ذلك أوفق له .

قال علي بن مَهْزِيار : وكتبتُ إليه أن الرجل ذكر أن بين من وقف بقية هذه الضيعة عليهم اختلافاً شديداً ، وأنه ليس يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعده فإن كان ترى أن يبيع هذا الوقف ويدفع إلى كل إنسان منهم ما كان وقف له من ذلك أمرته ؟ فكتب بخطه إلي : وأعلمه أن رأيي له إن كان قد علم الاختلاف ما بين أصحاب الوقف أن يبيع الوقف أمثل ؛ فإنه ربما جاء في الاختلاف ما فيه تلف الأموال والنفوس (3) .

15. الشيخ الطوسي : محمد بن الحسن بن الوليد ، عن محمد بن الحسن الصفار ، عن الهيثم بن أبي مسروق النهدي ، عن علي بن مَهْزِيار قال : سألت أبا جعفر الثاني عليه

ص: 221


1- تهذيب الأحكام 8\311 ، وسائل الشيعة 15\32 .
2- في الفقيه " أني آمره ببيع حصتي " .وقد ورد في هامش المطبوع : وقال العلامة المجلسي : «يحتمل أن يكون هذا الخمس حقه عليه السلام وقد كان أوقفه السائل فضولاً فلما لم ينفذه عليه السلام بطل، وأيضا لا يصح وقف مال الإنسان على نفسه فلذا أمره عليه السلام ببيعه» ، وقال الفاضل التفرشي : «ظاهره أنه ملك الإمام عليه السلام خمس الضيعة الموقوفة فلذا جوز بيعها» . وقال الشيخ الصدوق : «هذا وقف كان عليهم دون من بعدهم ، ولو كان عليهم وعلى أولادهم ما تناسلوا ومن بعد على فقراء المسلمين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، لم يجُز بيعه أبداً» .
3- الكافي 7\36 ، من لا يحضره الفقيه ، 4\240 ، وسائل الشيعة 19\188 .

السلام عن رجل طلب شُفعة (1) أرض فذهب على أن يحضر المال فلم يُنَضَّ (2) ، فكيف يصنع صاحب الأرض إن أراد بيعها أيبيعها أو ينتظر مجئ شريكه صاحب الشفعة ؟ قال : إن كان معه بالمصر فلينتظر به ثلاثة أيام ، فان أتاه بالمال وإلا فليبع وبطلت شفعته في الأرض ، وان طلب الأجل إلى أن يحمل المال من بلد إلى بلد آخر فلينتظر به مقدار ما سافر الرجل إلى تلك البلدة وينصرف وزيادة ثلاثة أيام إذا قدم ، فإن وافاه وإلا فلا شُفعة له (3) .

16. الشيخ الكليني : عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن مَهْزِيار قال : سألت أبا جعفر الثاني عليه السلام عن دار كانت لامرأة وكان لها ابن وابنة فغاب الابن بالبحر ، وماتت المرأة ، فادّعت ابنتها أن أمها كانت صيّرت هذه الدار لها ، وباعت أشقاصاً (4) منها ، وبقيت في الدار قطعة إلى جنب دار رجل من أصحابنا ، وهو يكره أن يشتريها لغيبة الابن وما يتخوف من أن لا يحل له شراؤها وليس يعرف للابن خبر فقال لي : ومنذ كم غاب ؟ فقلت : منذ سنين كثيرة فقال : ينتظر به غيبته عشر سنين ثم يشتري ، فقلت له : فإذا انتظر به غيبته عشر سنين يحل شراؤها ؟ قال : نعم (5) .

ص: 222


1- الشُّفعة كغُرفة قد تكرر ذكرها في الحديث ، وهي في الأصل التقوية والإعانة ، وفي الشرع استحقاق الشريك الحصة المبيعة في شركة ، واشتقاقها على ما قيل من الزيادة ، لان الشفيع يضم المبيع إلى ملكه فيشفعه به ، كأنه كان واحداً وترا فصار زوجاً شفعاً – مجمع البحرين 2\523 .
2- على صيغة المجهول ، بمعنى لم يُعطَ المال ، والنضُّ الحاصل . يقال : خذ ما نض لك من غريمك ، وخذ ما نض لك من دين أي تيسر . وهو يستنض حقه من فلان أي يستنجزه . ويأخذ منه الشئ بعد الشئ . وتضنض الرجل إذا كثر ناضه ، وهو ما ظهر وحصل من ماله ، قال : ومنه الخبر : خذ صدقة ما نض من أموالهم ، أي ما ظهر وحصل من أثمان أمتعتهم وغيرها – لسان العرب 7\237 .
3- تهذيب الأحكام 7\167 ، وسائل الشيعة 25\406 ، قال المحدث البحراني : (مورد الرواية المذكورة إنما هو الشفعة قبل البيع ، وأن الذي ينتظر الشريك الذي يريد أن يبيع لا المشتري ، والأصحاب قد استدلوا بها على الشفعة بعده ، ولعلهم قاسوا حال المشتري على البايع ، وهو مشكل وأيضا فظاهر الخبر الجواز ، أعم من أن يكون في ذلك ضرر أم لا ، وهم قد قيدوا الجواز بعدم الضرر ، وكأنهم قيدوا الخبر بذلك ، لأنه منفي بالعقل والنقل وحينئذ لو كان البلد بعيدا جدا ويتضرر بالتأخير فلا شفعة) – الحدائق الناضرة 20\308 .
4- الأشقاص جمع شَقص ، والشقص والشقيص : الطائفة من الشئ والقطعة من الأرض – لسان العرب 7\48 .
5- الكافي 7\174 ، وسائل الشيعة 26\299 .

17. الشيخ الكليني : حمد بن الحسين وعلي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن مَهْزِيار قال : كتبت إليه : يا سيدي رجل دُفِعَ إليه مالٌ يحجُّ به ، هل عليه في ذلك المال حين يصير إليه الخمس أو على ما فضل في يده بعد الحج ؟ فكتب عليه السلام : ليس عليه الخمس (1) .

18. الشيخ الكليني : علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن مَهْزِيار قال : كتب أبو الحسن ابن الحصين إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) معي : جعلت فداك قد اختلفت موالوك في صلاة الفجر فمنهم من يصلي إذا طلع الفجر الأول المستطيل في السماء ومنهم من يصلي إذا اعترض في أسفل الأفق واستبان ولست أعرف أفضل الوقتين فاصلي فيه ، فإن رأيت أن تعلمني أفضل الوقتين وتحده لي وكيف أصنع مع القمر والفجر لا يتبين معه حتى يحمر ويصبح وكيف أصنع مع الغيم وما حد ذلك في السفر والحضر ؟ فعلت إن شاء الله . فكتب (عليه السلام) بخطه وقرأته : الفجر - يرحمك الله - هو الخيط الأبيض المعترض ليس هو الأبيض صعداء فلا تُصَلِّ في سفر ولا حضر حتى تتبينه فإن الله تبارك وتعالى لم يجعل خلقه في شبهة من هذا فقال : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) (2) فالخيط الأبيض هو المعترض الذي يحرم به الأكل والشرب في الصوم وكذلك هو الذي توجب به الصلاة (3) .

19. علي بن مَهْزِيار : قال كتب إليه إبراهيم بن عقبة عندنا جوارب وتكك تعمل من وبر الأرانب فهل تجوز الصلاة في وبر الأرانب من غير ضرورة ولا تقية ؟ فكتب (عليه السلام) : لا تجوز الصلاة فيها (4) .

ص: 223


1- الكافي 1\547 .
2- البقرة : 187 .
3- الكافي 3\282 ، الوسائل 4\210 .
4- الكافي 3\398 ، الوسائل 4\356 .

20. الشيخ الكليني : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن العباس بن معروف ، عن علي بن مَهْزِيار قال : قرأت في كتاب عبد الله بن محمد إلى أبي الحسن (عليه السلام) جعلت فداك روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال : وضع رسول الله (صلى الله عليه وآله) الزكاة على تسعة أشياء : الحنطة والشعير والتمر والزبيب والذهب والفضة والغنم والبقر والإبل . وعفا رسول الله (صلى الله عليه وآله) عما سوى ذلك ، فقال له القائل : عندنا شئ كثير يكون أضعاف ذلك ، فقال : وما هو ؟ فقال له : الأرز ، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : أقول لك : إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وضع الزكاة على تسعة أشياء وعفا عما سوى ذلك وتقول : عندنا أرز وعندنا ذرة وقد كانت الذرة على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) فوقع (عليه السلام) : كذلك هو ، والزكاة على كل ما كيل بالصاع (1) .

21. الشيخ الكليني : غير واحد ، من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن مَهْزِيار قال : كتبت إليه أسأله عن رجل عليه مهر امرأته لا تطلبه منه إما لرفق بزوجها وإما حياء فمكث بذلك على الرجل عمره وعمرها ، يجب عليه زكاة ذلك المهر أم لا ؟ فكتب : لا يجب عليه الزكاة إلا في ماله (2) .

22. الشيخ الكليني : أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن علي بن مَهْزِيار قال : كتبت إليه (عليه السلام) امرأة طهرت من حيضها أو من دم نفاسها في أول يوم من شهر رمضان ثم استحاضت فصلت وصامت شهر رمضان كله من غير أن تعمل ما تعمل المستحاضة من الغسل لكل صلاتين فهل يجوز صومها وصلاتها أم لا ؟ فكتب (عليه السلام) : تقضي صومها ولا تقضي صلاتها ، إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأمر فاطمة صلوات الله عليها والمؤمنات من نسائه بذلك (3) .

ص: 224


1- الكافي 3\510 ، الجواب فيه تناقض ظاهر ، ولعل ذيل الرواية للتقية لأنه موافق للعامة .
2- المصدر نفسه 3\521 .
3- الكافي 4\136 ، وسائل الشيعة 2\349 .

23. الشيخ الكليني : عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن مَهْزِيار قال : كتبت إليه : الرجل يحج عن الناصب هل عليه إثم إذا حج عن الناصب ، وهل ينفع ذلك الناصب أم لا ؟ فكتب : لا يُحَجُّ عن الناصب ، ولا يُحَجُّ به (1) .

24. الشيخ الكليني : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن مَهْزِيار قال : سألت الرجل عن المحرم يشرب الماء من قربة أو سقاء اتخذ من جلود الصيد هل يجوز ذلك أم لا ؟ فقال : يشرب من جلودها (2) .

25. الشيخ الكليني : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن مَهْزِيار قال : رأيت أبا جعفر الثاني (عليه السلام) ليلة الزيارة طاف طواف النساء وصلى خلف المقام ثم دخل زمزم فاستقى منها بيده بالدلو الذي يلي الحجر وشرب منه وصب على بعض جسده ثم أطلع في زمزم مرتين . وأخبرني بعض أصحابنا أنه رآه بعد ذلك بسنة فعل مثل ذلك (3) .

26. الشيخ الكليني : أحمد بن محمد ، عن علي بن مَهْزِيار قال : رأيت أبا جعفر (عليه السلام) يمشي بعد يوم النحر حتى يرمي الجمرة ثم ينصرف راكباً وكنت أراه ماشياً بعد ما يحاذي المسجد بمنى (4) .

27. الشيخ الكليني : عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، وأحمد بن محمد جميعاً ، عن علي بن مَهْزِيار قال : كتبت إلى أبي جعفر (عليه السلام) : أن الرواية قد اختلفت عن آبائك (عليهم السلام) في الإتمام والتقصير في الحرمين فمنها بأن يتم الصلاة ولو صلاة واحدة ومنها أن يقصر ما لم ينو مقام عشرة أيام ولم أزل على الإتمام فيها إلى أن صدرنا في حجنا في عامنا هذا فإن فقهاء أصحابنا أشاروا علي بالتقصير إذ كنت لا أنوي مقام عشرة أيام فصرت إلى التقصير وقد ضقت بذلك حتى أعرف رأيك ؟ فكتب إلي بخطة

ص: 225


1- الكافي 4\309 .
2- المصدر نفسه 4\397 .
3- المصدر نفسه 4\430 .
4- المصدر نفسه 4\486 .

: قد علمت يرحمك الله فضل الصلاة في الحرمين على غيرهما فإني أحب لك إذا دخلتهما أن لا تقصر وتكثر فيهما الصلاة : فقلت له بعد ذلك بسنتين مشافهة : إني كتبت إليك بكذا وأجبتني بكذا فقال : نعم ، فقلت : أي شئ تعني بالحرمين ، فقال : مكة والمدينة (1) .

28. الشيخ الكليني : عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، وأبو علي الأشعري ، عن الحسن بن علي الكوفي ، عن علي بن مَهْزِيار قال : رأيت أبا جعفر الثاني (عليه السلام) في سنة خمس {عشرة} (2) ومائتين ودع البيت بعد ارتفاع الشمس وطاف بالبيت ، يستلم الركن اليماني في كل شوط فلما كان في الشوط السابع استلمه واستلم الحجر ومسح بيده ثم مسح وجهه بيده ثم أتي المقام فصلى خلفه ركعتين ثم خرج إلى دُبر الكعبة إلى الملتزم فالتزم البيت وكشف الثوب عن بطنه ثم وقف على طويلاً يدعو ، ثم خرج من باب الحناطين وتوجه ، قال {علي بن مَهْزِيار} : فرأيته في سنة سبع عشرة ومائتين ودع البيت ليلاً يستلم الركن اليماني والحجر الأسود في كل شوط ، فلما كان في الشوط السابع التزم البيت في دبر الكعبة قريباً من الركن اليماني وفوق الحجر المستطيل وكشف الثوب عن بطنه ، ثم أتى الحجر فقبله ومسحه وخرج إلى المقام فصلي خلفه ثم مضى ولم يعد إلى البيت ، وكان وقوفه على الملتزم بقدر ما طاف بعض أصحابنا سبعة أشواط وبعضهم ثمانية (3) .

29. الشيخ الكليني : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن مَهْزِيار قال : كتب عبد الله بن محمد إلى أبي الحسن (عليه السلام) : روى بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الرجل يطلق امرأته على الكتاب والسنة ، فتبين منه بواحدة فتزوج زوجاً غيره فيموت عنها أو يطلقها فترجع إلى زوجها الأول أنها تكون عنده على تطليقتين وواحدة قد مضت ؟ فوقع (عليه السلام) بخطه : صدقوا ، وروى بعضهم أنها

ص: 226


1- الكافي 4\525 .
2- في المصدر : (و عشرين) ، ولعل الصحيح ما أثبتناه ؛ لأن الإمام أبا جعفر استشهد سنة 217 ھ .
3- الكافي 4\532 .

تكون عنده على ثلاث مستقبلات وأن تلك التي طلقها ليست بشئ لأنها قد تزوجت زوجاً غيره ، فوقع (عليه السلام) بخطه : لا (1) .

30. الشيخ الكليني : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن مَهْزِيار ، قال : كتبت إليه أسأله عن المملوك يحضره الموت فيعتقه المولى في تلك الساعة فيخرج من الدنيا حراً فهل لمولاه في ذلك أجر ؟ أو يتركه فيكون له أجره إذا مات وهو مملوك ؟ فكتب : يترك العبد مملوكاً في حال موته فهو أجر لمولاه ، وهذا عتق في هذه الساعة ليس بنافع له (2) .

31. الشيخ الكليني : علي بن مَهْزِيار قال : قلت : روى بعض مواليك عن آبائك عليهم السلام أن كل وقف إلى وقت معلوم فهو واجب على الورثة وكل وقف إلى غير وقت معلوم جهل مجهول باطل مردود على الورثة وأنت أعلم بقول آبائك ، فكتب عليه السلام : هو عندي كذا (3) .

32. الشيخ الكليني : عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد جميعا ، عن علي بن مَهْزِيار قال : كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام أعلمه أن إسحاق بن إبراهيم وقف ضيعة على الحج وأم ولده وما فضل عنها للفقراء ، وأن محمد بن إبراهيم أشهدني على نفسه بمال ليفرق على إخواننا وأن في بني هاشم من يعرف حقه يقول بقولنا ممن هو محتاج ، فترى أن أصرف ذلك إليهم إذا كان سبيله سبيل الصدقة لان وقف إسحاق إنما هو صدقة ؟ فكتب عليه السلام : فهمت يرحمك الله ما ذكرت من وصية إسحاق بن إبراهيم رضي الله عنه ، وما أشهد لك بذلك محمد بن إبراهيم رضي الله عنه ، وما استأمرت فيه من إيصالك بعض ذلك إلى من له ميل ومودة من بني

ص: 227


1- الكافي 5\426 ، قيل : الوجه في هذا الخبر شيئان : أحدهما أن يكون الزوج الثاني لم يدخل بها أو يكون التزويج متعة . والثاني ان يكونا محمولين على ضرب من التقية لأنه مذهب أهل الجماعة .
2- الكافي 6\195 .
3- المصدر نفسه 7\36 .

هاشم ممن هو مستحق فقير ، فأوصل ذلك إليهم يرحمك الله فهم إذا صاروا إلى هذه الخطة أحق به من غيرهم لمعنى لو فسرته لك لعلمته إن شاء الله (1) .

33. الشيخ الكليني : أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن علي بن مَهْزِيار قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام : رجل جعل على نفسه نذراً إن قضى الله حاجته أن يتصدق بدراهم فقضى الله حاجته فصير الدراهم ذهباً ووجهها إليك أيجوز ذلك أو يعيد ؟ فقال : يعيد (2) .

34. الشيخ الكليني : محمد بن جعفر الرزاز ، عن محمد بن عيسى ، عن علي بن مَهْزِيار كتب إليه : يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوم الجمعة دائماً ما بقي فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى أو أيام التشريق أو السفر أو مرض هل عليه صوم ذلك اليوم أو قضاؤه أو كيف يصنع يا سيدي ؟ فكتب إليه : قد وضع الله عنه الصيام في هذه الأيام كلها ويصوم يوماً بدل يوم إن شاء الله ، وكتب إليه يسأله يا سيدي رجل نذر أن يصوم يوماً فوقع ذلك اليوم على أهله ما عليه من الكفارة ؟ فكتب إليه : يصوم يوماً بدل يوم وتحرير رقبة مؤمنة (3) .

35. الشيخ الصدوق : حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رضي الله عنه) ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن العباس بن معروف ، عن علي بن مَهْزِيار ، قال : كتبت إلى أبي جعفر محمد بن علي بن موسى الرضا (عليهم السلام) : جعلت فداك أصلي خلف من يقول بالجسم ، ومن يقول بقول يونس بن عبد الرحمن ؟ فكتب (عليه السلام) : لا تصلوا خلفهم ، ولا تعطوهم من الزكاة ، وابرءوا منهم ، برئ الله منهم (4) .

36. الشيخ الصدوق : حدثنا أحمد بن محمد {بن الحسن بن الوليد} ، عن أبيه ، عن محمد بن خالد ، عن محمد بن عيسى ، عن علي بن مَهْزِيار قال : كتبت إلى أبي جعفر

ص: 228


1- الكافي 7\65 .
2- المصدر نفسه 7\65 .
3- التهذيب 8\305.
4- الأمالي 352 .

(عليهم السلام) وشكوت إليه كثرة الزلازل في الأهواز ، ترى لنا التحول عنها ، فكتب : لا تتحولوا عنها ، وصوموا الأربعاء والخميس والجمعة واغتسلوا وطهروا ثيابكم وأبرزوا يوم الجمعة ، وادعوا الله فإنه يرفع عنكم ، قال : ففعلنا فسكنت الزلازل ، قال : ومن كان منكم مذنب فيتوب إلى الله سبحانه وتعالى ، ودعا لهم بخير (1) .

37. ابن إدريس الحلي : علي بن مَهْزِيار قال كتبت إليه أسأله عن امرأة ترضع ولدها وغير ولدها في شهر رمضان ، فيشتد عليها الصوم ، وهي ترضع حتى يغشى عليها ، ولا تقدر على الصيام ، أترضع وتفطر وتقضي صيامها إذا أمكنها ، أو تدع الرضاع وتصوم ؟ فإن كانت ممن لا يمكنها اتخاذ من ترضع ولدها فكيف تصنع ؟ فكتب : إن كانت مما يمكنها اتخاذ ظئر ، استرضعت لولدها ، وأتمت صيامها ، وإن كان ذلك لا يمكنها ، أفطرت وأرضعت ولدها ، وقضت صيامها متى ما أمكنها (2) .

38. لابن طاووس : ما رواه سعد بن عبد الله في كتاب الأدعية ، عن علي بن مَهْزِيار ، قال : كتب أبو جعفر الثاني إلى إبراهيم بن شيبة : " فهمت ما استأمرت فيه من أمر ضيعتك التي تعرض لك السلطان فيها ، فاستخر الله مائة مرة خيرة في عافية ، فإن احلولى بقلبك بعد الاستخارة بيعها فبعها ، واستبدل غيرها إن شاء الله تعالى ، ولا تتكلم بين أضعاف الاستخارة ، حتى تتم المائة ، إن شاء الله" (3) .

39. ابن شهرآشوب : علي بن مَهْزِيار عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قيل له : ان رجلاً تزوج بجارية صغيرة فأرضعتها امرأته ثم أرضعتها امرأة أخرى ، فقال ابن شبرمة : حرمت عليه الجارية وامرأتاه ، فقال (عليه السلام) : أخطأ ابن شبرمة حرمت عليه الجارية وامرأته التي أرضعتها أولاً ، فأما الأخيرة لم تحرم عليه لأنها أرضعت لبنته (4) .

ص: 229


1- علل الشرائع 2\555 .
2- مستطرفات السرائر 583 .
3- فتح الأبواب 142 .
4- مناقب آل أبي طالب 3\331 .
في الأخلاق

40. الشيخ الكليني : عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، ومحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، جميعاً ، عن علي بن مَهْزِيار قال : كتب محمد بن حمزة الغنوي (1) إلي يسألني أن أكتب إلى أبي جعفر (عليه السلام) في دعاء يعلمه يرجو به الفرج فكتب إلي : أما ما سأل محمد بن حمزة من تعليمه دعاء يرجو به الفرج فقل له : يلزم (يا من يكفي من كل شئ ولا يكفي منه شئ اكفني ما أهمني مما أنا فيه) فإني أرجو أن يكفي ما هو فيه من الغم إن شاء الله تعالى . فأعلمته ذلك فما أتى عليه إلا قليل حتى خرج من الحبس (2) .

41. الشيخ الكليني : عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن مَهْزِيار قال : كتب إلى أبي جعفر (عليه السلام) رجل يشكو إليه مصابه بولد له وشدة ما يدخله فقال : وكتب (عليه السلام) إليه : أما علمتَ أن الله عز وجل يختار من مال المؤمن ومن ولده أنفَسَه ليأجُرَه على ذلك (3) .

42. الشيخ الكليني : علي بن محمد ، عن سهل بن زياد ، عن علي بن مَهْزِيار ، قال : كتب محمد بن إبراهيم ، إلى أبي الحسن (عليه السلام) : إن رأيت يا سيدي أن تعلمني دعاء أدعو به في دبر صلواتي يجمع الله لي به خير الدنيا والآخرة . فكتب (عليه السلام) : تقول : أعوذ بوجهك الكريم وعزتك التي لا ترام وقدرتك التي لا يمتنع منها شئ من شر الدنيا والآخرة ومن شر الأوجاع كلها (4) .

43. الطبرسي : عن علي بن مَهْزِيار قال : تغذيت مع أبي جعفر (عليه السلام) فأتي بقطا ، فقال : إنه مبارك . وكان يعجبه . وكان يقول : اطعموا الصاحب اليرقان ، يشوى له (5) .

ص: 230


1- في عدة الداعي (العلوي) .
2- الكافي 2\560 ، عدة الداعي 262 .
3- الكافي 3\263 .
4- المصدر نفسه 3\346 .
5- مكارم الأخلاق 161 .

44. الطبرسي : عن علي بن مَهْزِيار أن جارية له أصابها الحيض فكان لا ينقطع عنها الدم حتى أشرفت على الموت ، فأمر أبو جعفر (عليه السلام) أن تسقى سويق العدس ، فسقيت فانقطع عنها (1) .

ص: 231


1- المصدر نفسه 193

12- محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني (ت بعد 254 ه)

اشارة

هو أبو جعفر ، محمد بن عيسى بن عبيد بن يقطين بن موسى ، بغدادي ، أسدي بالولاء ، من أسد بن خزيمة ، كان – رحمه الله – من كبار الرواة والمحدثين ، ومن أجلاء الأصحاب ، ومن الوكلاء الثقات والمعتمدين ، وكان كثير الرواية ، مقرباُ من الإمام الهادي عليه السلام ، ظلمه بعض القميين فرموه بالغلو والضعف ، وهو بريء من ذلك براءة الذئب من دم يوسف ، ذكره الطوسي في رجاله في أصحاب الإمام الجواد عليه السلام ووصفه بأنه (بغدادي) (1) ، وذكره في أصحاب الإمام الهادي عليه السلام مع وصفه بأنه (اليقطيني ، يونسي) (2) ، كما ذكره في أصحاب الإمام الحسن العسكري عليه السلام (3) .

يعد محمد بن عيسى اليقطيني من الرواة المقربين من يونس بن عبد الرحمن (ت 208 ﻫ) ، ومن شدة التصاقه به فقد نسب إليه وقيل له (يونسي) ، ومن ألقابه المشهورة في كتب الحديث (اليقطيني) ، نسبة إلى جد أبيه (يقطين) ، أما في التواقيع الشريفة فالغالب عليه لقب (العُبيدي) ، نسبة إلى جده عُبيد .

له من الأبناء أحمد (4) ، ولم أجده مشهوراً في كتب الحديث والرجال ، أما أخوته فجعفر وموسى ، ويعد جعفر بن عيسى من المحدثين الأجلاء ، روى عن الرضا والجواد عليهما السلام ، واستظهر السيد الخوئي حسن حاله (5) .

وكالته ودوره مع الإمام الهادي عليه السلام

يظهر لنا وجه وكالته من نصوص متعاضدة تحكي مكاتبات جرت بينه وبين الإمام الهادي عليه السلام ، وفي بعضها أوامر وتوجيهات لا تصلح إلا للوكيل ، كما يظهر من إحدى الروايات أن محمد بن عيسى كان أيضاً وكيلاً للإمام الرضا (عليه السلام) ، فقد روى الشيخ الطوسي في التهذيب بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن محمد بن عيسى اليقطيني ، قال : بعث إليّ أبو الحسن الرضا (عليه السلام) رزم ثياب وغلماناً ،

ص: 232


1- رجال الطوسي 367 .
2- المصدر نفسه 391 .
3- المصدر نفسه 401 .
4- مستدركات علم رجال الحديث 1\467 .
5- معجم رجال الحديث 5\59 .

وحجة لي (1) ، وحجة لأخي موسى بن عبيد ، وحجة ليونس بن عبد الرحمن ، فأمرنا أن نحج عنه ، فكانت بيننا مائة دينار أثلاثاً فيما بيننا ، فلما أرتُ أن أعبئ الثياب رأيت في أضعاف الثياب طيناً ، فقلت للرسول : ما هذا ؟ فقال : ليس يوجه بمتاع إلا جعل فيه طيناً من قبر الحسين (عليه السلام) ، ثم قال الرسول : قال أبو الحسن (عليه السلام) : هو أمان بإذن الله ، وأمر (عليه السلام) بالمال بأمور من صلة أهل بيته ، وقوم محاويج لا مؤونة لهم ، وأمر بدفع ثلاثمائة دينار إلى رحم (2) إمرأة كانت له ، وأمرني أن أطلقها عنه ، وأمتعها بهذا المال ، وأمرني أن أشهد على طلاقها صفوان بن يحيى وآخر ، نسي محمد بن عيسى اسمه (3) .

وكان لمحمد بن عيسى دور في التصدي للواقفة ، وهم فرقة من الشيعة أنكرت إمامة أبي الحسن الرضا عليه السلام ووقفت على أبيه موسى وزعمت أنه لم يمت ، وقد منّ الله على محمد بن عيسى فلم يشك في أمر الإمامة وثبت على الحق ، وصنف كتاباً في الرد على الواقفة ، كما قام بجمع مسائل الإمام الرضا عليه السلام فبلغت 15 ألف مسألة ، روى ذلك الشيخ الطوسي في غيبته عن عبد الله بن جعفر الحميري ، عن محمد بن عيسى اليقطيني قال : «لما اختلف الناس في أمر أبي الحسن الرضا عليه السلام جمعت من مسائله مما سئل عنه وأجاب عنه خمس عشرة ألف مسألة» (4) .

أنجز الوكيل اليقطيني دوراً مهماً في التصدي لحركة الغلاة في زمن الهادي عليه السلام ، لا سيما ما ظهر منها في قم ، وهذا دليل قاطع على فساد تهمة الغلو التي ألصقها به بعض القميين ، وكانت التوقيعات تصله من الإمام الهادي عليه السلام بوجوب أخذ الحيطة واليقظة من أفكار الغلاة وتحركاتهم ، فقد روى الكشي بإسناده عن سعد ، قال : حدثني سهل بن زياد الآدمي ، عن محمد بن عيسى ، قال : كتب إليّ أبو الحسن

ص: 233


1- أي أموالاً يحج بها .
2- في الاستبصار (رحيم) .
3- تهذيب الأحكام 8\40 ، الاستبصار 3\280 .
4- غيبة الطوسي 73 .

العسكري ابتداء منه : «لعن الله القاسم اليقطيني ، ولعن الله علي بن حسكة القمي ، إن شيطاناً تراءى للقاسم فيوحي إليه زخرف القول غروراً» (1) .

وكان علي بن حسكة من كبار الغلاة ، وقد أظهر في الدين بدعاً جسيمة ، ومقولات تقشعر لها الأبدان ، فقد زعم – لعنه الله تعالى – أن الإمام الهادي عليه السلام هو الرب ، وأنه قديم ليس بمخلوق ، وأنه أرسل علي بن حسكة نبياً وأمره أن يدعو الناس إليه ! ومن عقائده الباطلة إسقاط الفرائض والأحكام ، وأن المعرفة تغني عن الصلاة والزكاة والحج والصوم ، وقد لعنه الإمام الهادي في مواضع كثيرة ، منها ما رواه الكشي أيضاً قال : حدثني الحسين بن الحسن بن بندار القمي ، قال : حدثنا سهل بن زياد الآدمي ، قال : كتب بعض أصحابنا (2) إلى أبي الحسن العسكري عليه السلام : جعلت فداك يا سيدي إن علي بن حسكة يدعي أنه من أوليائك ، وأنك أنت الأول القديم ، وأنه بابك ونبيك أمرته أن يدعو إلى ذلك ، ويزعم أن الصلاة والزكاة والحج والصوم كل ذلك معرفتك ومعرفة من كان في مثل حال ابن حسكة فيما يدعى من البابية والنبوة فهو مؤمن كامل سقط عنه الاستعباد بالصلاة والصوم والحج ، وذكر جميع شرائع الدين أن معنى ذلك كله ما ثبت لك ، ومال الناس إليه كثيراً ، فان رأيت أن تمن على مواليك بجواب في ذلك تنجيهم من الهلكة . قال : فكتب عليه السلام : «كذب ابن حسكة عليه لعنة الله وبحسبك أني لا أعرفه في موالي ماله لعنه الله ، فوالله ما بعث الله محمداً والأنبياء قبله إلا بالحنيفية والصلاة والزكاة والصيام والحج والولاية ، وما دعا محمد صلى الله عليه وآله إلا إلى الله وحده لا شريك له . وكذلك نحن الأوصياء من ولده عبيد الله لا نشرك به شيئاً ، إن أطعناه رحمنا ، وان عصيناه عذبنا ، مالنا على الله من حجة ، بل الحجة لله عز وجل علينا وعلى جميع خلقه ، أبرء إلى الله ممن يقول ذلك وانتفى إلى الله من هذا

ص: 234


1- اختيار معرفة الرجال 2\804 .
2- لعله محمد بن عيسى بن عبيد نفسه ، فإنه من مشايخ سهل بن زياد .

القول ، فاهجروهم لعنهم الله والجؤوهم إلى ضيق الطريق ، فان وجدت من أحد منهم خلوة فاشدخ رأسه بالصخر» (1) .

ويظهر من هذا النص الشريف أن حركة الملعون ابن حسكة كانت قوية إلى درجة أنها استهوت كثيراً من الناس ، ربما لما فيها من الركون إلى الراحة وترك العبادات ، مما يكشف عن هشاشة المجتمع القمي آنذاك ، وسهولة اختراقه من قبل أهل الزيغ والضلال ، ولذلك فإن الإمام الهادي عليه السلام مع وكلائه بذلوا جهوداً جبارة في تحصين الحالة الشيعية من براثن الغلو والانحطاط الفكري ، وأدى رواة الحديث من الوكلاء والمعتمدين دوراً بارزاً في إيصال توجيهات الإمام وتنفيذ تعليماته ، فكانوا يده التي يبطش بها ، ولسانه التي ينطق به ، وعينه التي يبصر بها .

ومن النصوص التي توثق دور اليقطيني العبيدي في محاربة الغلاة وتحجيم حركتهم ، ما رواه الكشي أيضاً بإسناده عن سعد الأشعري قال : حدثني العبيدي قال : كتب إلي العسكري (عليه السلام) ، ابتداءً منه : «أبرأ الله من الفهري ، والحسن بن محمد بن بابا القمي ، فابرأ منهما ، فإني محذرك وجميع مواليّ ، وإني ألعنهما عليهما لعنة الله ، مستأكلَين ، يأكلان بنا الناس ، فتانَين مؤذيَين ، آذاها الله وأركسهما في الفتنة ركساَ ، يزعم ابن بابا أني بعثته نبياَ ، وأنه باب ، ويله لعنه الله ، سخر منه الشيطان فأغواه ، فلعن الله من قبل منه ذلك ، يا محمد ، إن قدرت أن تشدخ رأسه بحجر فافعل ، فإنه قد آذاني ، آذاه الله في الدنيا والآخرة» (2) .

وفي هذا النص فوائد عديدة يستحسن الوقوف عندها :

1. إن الإمام الهادي عليه السلام خصّ محمد بن عيسى بن عبيد بالكتاب من دون سؤال مسبق ، وهذا يكشف أنه كان وكيلاً له ومحل اعتماده في قم .

2. يبدو من خلال قرائن خارجية أن تاريخ مثل هذا الكتب كان بعد سنة 250 ھ ، أي بعد صدور أول توقيع بلعن فارس القزويني والبراءة منه .

ص: 235


1- اختيار معرفة الرجال 2\804 .
2- المصدر نفسه 2\805 .

3. إن الفهري هو (محمد بن نصير الفهري النميري البصري) ، وكان من رؤساء الفرق الضالة ، وقد استمر هكذا إلى زمان الإمام المهدي عليه السلام ، وقد صدر من أبي جعفر العمري توقيعات بلعنه ، فما لبث أن تراجع سوقه ، وضعفت عوده ، ولكن دعوته وأباطيله ظلت باقية في شرذمة من أتباعه ، عرفوا فيما بعد ﺑ(النصيرية) ، وهم اليوم يشكلون تياراً مهماً في سوريا ، وأحد أجنحة (الطائفة العلوية) .

4. إن هؤلاء الغلاة ، إلى جانب عقائدهم الباطلة ، كانوا يجمعون الأموال من الناس ، ربما بحجة الصلات أو الهبات أو شيء من ذلك ، وربما كانوا يدعون أن هذا الغسيل المالي بأمر الإمام الهادي عليه السلام ، وهو ما حذر منه الإمام عليه السلام وأمر العبيدي بكشفه للناس .

5. إن الإمام الهادي عليه السلام أفتى بقتل ابن بابا القمي ، وكلف محمد بن عيسى الإشراف على هذه المهمة ، ولعله نجح في مهمته هذه ، إذ لم نجد لابن بابا ذكراً بعد ذلك لا في زمان الإمام العسكري عليه السلام ، ولا في زمان الغيبة الصغرى .

6. إن الإمام الهادي كتب هذا الكتاب ابتداءً من غير مسألة مسبقة ، وهذا دليل اعتماده على محمد بن عيسى في تنفيذ المهمات العقدية ، والوثوق به في مسائل خطيرة تهم حفظ الدين وسلامة العقيدة .

وثاقته

ليس من شك أن وثاقة محمد بن عيسى بن عبيد واضحة كالشمس في رائعة النهار ، وليس ثمة ما يكدرها إلا تهمة أطلقها بعض القميين ونسج على منوالها بعض علماء الرجال ، تاركين منهج التحقيق العلمي ضحية لمتاهات التقليد .

ولعل منشأ الشبهة في محمد بن عيسى اليقطيني جاء من شيخ الصدوق (محمد بن الحسن بن الوليد) ، الذي استثنى مجموعة من الرواة ممن روى عنهم محمد بن أحمد بن يحيى في كتابه (نوادر الحكمة) ، وكان محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ممن استثناه ابن الوليد ، ونسبه للغلو في المذهب ، وقال فيه : «ما تفرد به محمد بن عيسى من كتب

ص: 236

يونس وحديثه لا يُعتمد عليه» ، وقلده في ذلك الصدوق لشدة تأثره بشيخه (1) ، ويبدو أن الطوسي هو الآخر قلد الصدوق في ذلك فحكم على اليقطيني بالضعف في كتابيه الرجال والفهرست (2) ، كما يظهر أن ابن شهرآشوب قلّد الطوسي والصدوق فحكم هو الآخر بضعفه (3) !

وقد تصدى المحققون – قديماً وحديثاً – للدفاع عن محمد بن عيسى بن عبيد ، وبيان وثاقته ، بل جلالته وعلو منزلته (4) ، ونحن إن شاء الله تعالى نحتسب الأجر عند الله تعالى في الإدلاء بدلونا وبيان فساد ما ضعفوه به ، فأقول مستعيناً بالله تعالى :

1. إن الغلو تهمة محترقة ، لا سيما إذا جاءت من القميين ، وبالأخص من محمد بن الحسن بن الوليد ، الذي كان يقول : «أول درجة في الغلو نفي السهو عن النبي صلى الله عليه وآله» (5)، وعليه فإن أغلب الشيعة في زماننا غلاة من وجهة نظره ؛ لأنهم ينفون السهو عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، والأئمة عليهم السلام ، ولم يقدّم لنا ابن الوليد أو غيره دليلاً واحداً على فساد مذهب اليقطيني ، لا من خلال رواياته ، ولا من خلال مواقفه ، بل الدليل على خلاف ذلك كما سنذكر .

2. إننا قرأنا أن محمد بن عيسى بن عبيد كان رأس الحربة في مواجهة العديد من فرق الغلاة والمنحرفين الذي وجدوا في قم سوقاً رائجة لبضاعتهم ، فكيف يعتمد الإمام الهادي عليه السلام في محاربة الغلاة على شخصية تستبطن الغلو ، وتنطوي على الانحراف وسوء العقيدة ؟!

ص: 237


1- رجال النجاشي 333 .
2- رجال الطوسي 391 ، الفهرست 216 .
3- معالم العلماء 136 .
4- راجع في ذلك ما كتبه وأجاد فيه المحدث النوري (أعلى الله مقامه) في خاتمة المستدرك 4\137 .
5- من لا يحضره الفقيه 1\360 .

3. إن محمد بن عيسى بن عبيد روى روايات عديدة في نفي عقيدة الغلو ، وإثبات المعرفة الحقة للأئمة المعصومين عليهم السلام ، وقد أورد بعض تلك النصوص الميرزا النوري في خاتمة المستدرك (1) .

4. إن كبار الفقهاء والمحدثين لم يقبلوا نسبة الغلو أو الضعف إلى محمد بن عيسى ، فقد عقب النجاشي على تضعيف ابن الوليد قائلاً : «ورأيت أصحابنا ينكرون هذا القول ، ويقولون : مَن مثل أبي جعفر محمد بن عيسى» (2) ، ومن هؤلاء الأصحاب أبو العباس بن نوح السيرافي ، وهو من كبار أئمة الجرح والتعديل ، كان يقول حول استثناءات ابن الوليد : «وقد أصاب شيخنا أبو جعفر محمد بن الحسن بن الوليد في ذلك كله وتبعه أبو جعفر بن بابويه رحمه الله على ذلك ، إلا في محمد بن عيسى بن عبيد فلا أدري ما رابه فيه ، لأنه كان على ظاهر العدالة والثقة» (3) .

5. إن محمد بن عيسى لم يكن ثقة وحسب ، وإنما كان معوّلاً عليه في تقويم الرجال وتعديلهم ، وبيان حالهم من الضعف والقوة ، يؤيد ذلك ما أورده الكشي من اعتماد شيخه الثقة (حمدويه بن نصير بن شاهي) على أقوال اليقطيني في التعديل ، ومن ذلك ما أورده في ترجمة محمد بن بكر الأزدي ، قال : «قال حمدويه : ذكر محمد بن عيسى العبيدي : أن بكر بن محمد الأزدي خير فاضل» (4) .

6. إننا رجحنا أن محمد بن عيسى بن عبيد كان من وكلاء الإمام الرضا ، ثم الإمام الهادي عليهما السلام ، وقد قررنا في مقدمة الكتاب ثبوت الملازمة بين الوكالة والعدالة ، فتنتفي بذلك شبهة الغلو ، إذ لو كان فيه شائبة من ذلك لفضحه الأئمة عليهم السلام وهتكوه ، وتبرؤوا منه ولعنوه ، كما فعلوا بالغلاة والمنحرفين من الوكلاء وأدعياء الوكالة والسفارة .

ص: 238


1- خاتمة المستدرك 4\141 .
2- رجال النجاشي 333 .
3- المصدر نفسه 348 .
4- راجع : اختيار معرفة الرجال 2\856 .

7. إن رؤساء الطائفة وكبار محدثيهم في قُم وبغداد والكوفة والبصرة رووا عن محمد بن عيسى بن عبيد في كتبهم ومصنفاتهم ، وفيهم الثقات الأثبات الذين كانوا يتحرجون النقل عن الضعفاء ، فكيف بالغلاة وفاسدي العقيدة ؟ وسنذكر أسماءهم تفصيلاً في الحديث عن تلامذته .

وبعد أن نفينا – ولله الحمد – شبهة الغلو ، وشائبة الضعف ، لا بد من ذكر نصوص التوثيق ، وإمارات العدالة في محمد بن عيسى مما ورد في النصوص وأقوال الرجال :

1. من علامات توثيقه ، كما ذكرنا ، كونه من وكلاء الأئمة عليهم السلام ، واعتماد الإمام الهادي عليه السلام على جهوده في محاربة الغلاة والمنحرفين .

2. النص الصريح في توثيقه بأعلى العبارات من النجاشي إذ قال فيه : «جليل في أصحابنا ، ثقة ، عين ، كثير الرواية ، حسن التصانيف» (1) ، فإن واحداً من هذه الأوصاف كافٍ في التوثيق ، فكيف إذا اجتمعت جميعها في شخص واحد .

3. قول أبي العباس بن نوح الذي ذكرناه : «كان على ظاهر العدالة والثقة» (2) .

4. توثيق الفضل بن شاذان على ما أورد أبو عمرو الكشي عن القتيبي قال : «كان الفضل بن شاذان رحمه الله يحب العبيدي ، ويثني عليه ، ويمدحه ، ويميل إليه ويقول : ليس في أقرانه مثله» (3) .

5. التوثيق الضمني للكشي إذ أورده في جملة (العدول والثقات من أهل العلم) (4) .

6. ما أوردناه من التوثيق الضمني لحمدويه بن نصير باعتماده على اليقطيني في الجرح والتعديل (5) .

7. ندامة جعفر بن معروف لعدم استكثاره من الرواية عن محمد بن عيسى ، إذ قال : «صرت إلى محمد بن عيسى لا كتب عنه فرأيته يتقلنس بالسوداء ، فخرجت من عنده

ص: 239


1- رجال النجاشي 333 .
2- المصدر نفسه 348 .
3- اختيار معرفة الرجال 2\626 ، رجال النجاشي 333 .
4- اختيار معرفة الرجال 2\796 .
5- راجع : اختيار معرفة الرجال 2\626 ، 2\856 .

ولم أعد إليه ، ثم اشتدت ندامتي لما تركت من الاستكثار منه لما رجعت ، وعلمت أني قد غلطت» (1) .

8. ما رواه الكشي بسنده عن بورق البوسنجاني (2) قال : «خرجت حاجاً فأتيت محمد بن عيسى العبيدي ، ورأيته شيخا فاضلاً ، في أنفه عوج وهو القنا ، ومعه عدة رأيتهم مغتمين محزونين ، فقلت لهم : ما لكم قالوا : إن أبا محمد عليه السلام قد حُبس . قال بورق : فحججت ورجعت ثم أتيت محمد بن عيسى ، ووجدته قد انجلى عنه ما كنت رأيت به ، فقلت : ما الخبر ؟ قال : قد خلي عنه» (3) ، أقول : في هذه الرواية من المدح ، وحسن العقيدة ما لا يخفى .

9. اتفاق معظم المتأخرين على توثيقه ، فقد ذكره العلامة الحلي في الممدوحين وقال : «والأقوى عندي قبول روايته» (4) ، وكذا فعل السيد علي البروجردي (5) ، وقال عنه المحدث النوري : «والحق أنه ثقة ثبت جليل لقوة ما دل عليه ، وضعف ما جرحوه به» (6) ، وقال عنه السيد الخوئي : «هو ممن تسالم أصحابنا على وثاقته وجلالته» (7) ، وقال عنه الشيخ جعفر السبحاني : «كان محمد بن عيسى معروفاً بولائه لهم ، والتمسك بعروتهم ، وهو أيضاً كان محل ثقتهم ، فقد روي عن الإمام الرضا عليه السلام أنه استنابه للحج ، والنائب لا بد فيه أن يكون عادلاً ، وثقة عند المنوب عنه» (8) .

طبقته في الحديث

ص: 240


1- المصدر نفسه ، ولا بأس بلبس القلنسوة السوداء ؛ لورود الروايات في جوازه .
2- قال عنه ، شيخ الكشي ، محمد بن إبراهيم الوراق السمرقندي : (كان من أصحابنا معروف بالصدق والصلاح والورع والخير) ، وبوسنجان ، قرية من قرى هِراة ، في أفغانستان .
3- اختيار معرفة الرجال 2\817 .
4- خلاصة الأقوال 242 .
5- طرائف المقال 1\354 .
6- خاتمة المستدرك 4\137 .
7- معجم رجال الحديث 18\121 .
8- موسوعة طبقات الفقهاء 3\553 .

أ. مشايخه : فقد روى عن الإمام الرضا والهادي عليهما السلام ، كما روى عن طائفة واسعة من الرواة ، نذكر منهم : أحمد بن عبد الله الغروي ، وإبراهيم بن عبد الحميد ، وإبراهيم بن محمد المدني (المزني) (النوفلي) ، وإبراهيم بن محمد الهمداني ، وأحمد بن إبراهيم الكرماني ، وأحمد بن محمد بن أبي نصر ، وإسماعيل بن مهران ، وأيوب بن نوح ، وجعفر بن بشير ، وجعفر بن عيسى أخيه ، والحسن بن راشد ، والحسن بن علي بن يقطين ، والحسن بن علي بن يقطين ، والحسن بن محبوب ، والحسين بن سعيد ، وحماد بن عيسى ، وحمزة بن الربيع ، وحنان بن سدير ، وحفص المؤذن ، وخيران مولى الرضا عليه السلام ، وداود بن أبي زيد ، وداود الصرمي ، وزكريا المؤمن ، وزياد ابن مروان القندي ، وزياد القندي ، وسعدان بن مسلم ، وسعيد بن جناح ، وسليمان بن حفص المروزي ، وسليمان بن راشد ، وصفوان بن يحيى ، وطاهر بن حاتم القزويني (أخا فارس) ، وعبد الرحمن بن أبي نجران ، وعبد العزيز بن المهتدي ، وعبد الله بن حماد ، وعبد الله بن المغيرة ، وعبد الله حصين الأهوازي ، بن محمد بن وعبد الله بن ميمون ، وعبيد الله بن عبد الله الدهقان ، وعثمان بن عيسى ، وعلي بن إسماعيل الميثمي ، وعلي بن أسباط ، وعلي بن الحسان ، وعلي بن الحسن بن نافع ، وعلي بن الحكم ، وعلي بن سليمان بن داود ، وعلي بن محمد القاساني ، وعلي بن المسيب ، وعلي بن مَهْزِيار ، وعلي بن يحيى أبي الحسن ، ومحمد بن إسحاق ، ومحمد بن إسماعيل بن بزيع ، ومحمد بن أبي عمير ، ومحمد بن الحسين الواسطي ،ومحمد بن سليمان المصري ، ومحمد بن سنان ، ومحمد بن شعيب ، ومحمد بن عرفة ، ومحمد بن عمر ، وموسى بن القاسم البجلي ، والفضل بن المبارك البصري ، والقاسم بن يحيى ، والقاسم بن يوسف ، ومحمد بن الفضيل ، ونباتة بن عمر ، والنضر بن سويد ، والنضر بن يحيى ، وهاشم بن العباس ، وياسين الضرير ، وياسين الضرير البصري ، ويونس بن عبد الرحمن ، ويحيى بن زكريا .

كما روى عن أبي جميلة ، وأبي زكريا الأعور ، وأبي القاسم الصيقل ، وأبي محمد الأنصاري ، والقداح ، وأبي عبد الله محمد الأنصاري ، وأبي عاصم .

ص: 241

ب. الرواة عنه : وروى عنه ثلة من وجوه الطائفة وثقاتها ، منهم : أبو علي بن همام ، وإبراهيم بن نصير ، وأحمد بن محمد بن خالد ، وأحمد بن محمد بن عيسى ، وجبريل بن أحمد ، والحسن بن علي الهاشمي ، والحسين بن أحمد المالكي ، والحسين بن عبد الله ، والحسين ين عامر ، وحمدويه بن نصر ، وسعد بن عبد الله الأشعري ، وسهل بن زياد ، وعبد الله بن جعفر الحميري ، وعلي بن إبراهيم بن هاشم ، وعلي بن محمد القاشاني ، والعمركي بن علي ، ومحمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري ، ومحمد بن جعفر الرزاز الكوفي أبو العباس ، ومحمد بن الحسن الصفار ، ومحمد بن الحسين ، ومحمد بن علي بن محبوب ، ومحمد بن موسى الهمداني ، ومحمد بن نصير ، ومحمد بن يحيى .

مؤلفاته

ذكر له النجاشي مجموعة من الكتب التي تدل على دوره البارز في التصدي للواقفة ونقل تراث آل محمد عليه السلام ، ومن تلك الكتب : (كتاب الإمامة ، كتاب الواضح المكشوف في الرد على أهل الوقوف ، كتاب المعرفة ، كتاب بعد الإسناد ، كتاب قرب الإسناد ، كتاب الوصايا ، كتاب اللؤلؤة ، كتاب المسائل المجربة ، كتاب الضياء ، كتاب الطرائف ، كتاب التوقيعات ، كتاب التجمل والمروة ، كتاب الفئ والخمس ، كتاب الرجال ، كتاب الزكاة ، كتاب ثواب الأعمال ، كتاب النوادر) (1) ، وقال الطوسي : (له كتاب الوصايا ، وله كتاب تفسير القرآن ، وله كتاب التجمل والمرؤة ، وكتاب الأمل والرجاء) (2) .

ص: 242


1- رجال النجاشي 334 .
2- الفهرست 217 .
رواياته
اشارة

يعد محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني من الرواة المكثرين (1) ، فقد أخرج له أغلب مشايخ الرواية وأصحاب المصنفات ، ورواياته ذات تنوع معرفي واضح بين العقيدة والفقه والتفسير والأخلاق والتاريخ ، وسأقتصر على مرويات المكاتبة والمشافهة التي رواها مباشرة عن المعصومين عليهم السلام .

رواياته في العقيدة

1. الشيخ الصدوق : حدثنا أبي (رضي الله عنه) ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ، قال : كتب علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا (عليهم السلام) إلى بعض شيعته ببغداد : بسم الله الرحمن الرحيم ، عصمنا الله وإياك من الفتنة ، فإن يفعل فأعظم بها نعمة ! وإلا يفعل فهي الهلكة ، نحن نرى أن الجدال في القرآن بدعة اشترك فيها السائل والمجيب ، فتعاطى السائل ما ليس له ، وتكلف المجيب ما ليس عليه ، وليس الخالق إلا الله ، وما سواه مخلوق ، والقرآن كلام الله ، لا تجعل له اسما من عندك فتكون من الضالين ، جعلنا الله وإياك من الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون (2) .

2. الشيخ الصدوق : حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن جعفر بن بطة ، قال : حدثني عدة من أصحابنا ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، قال : قال لي أبو الحسن عليه السلام : ما تقول إذا قيل لك : أخبرني عن الله عز وجل شئ هو أم لا ؟ قال فقلت له : قد أثبت الله عز وجل نفسه شيئا حيث يقول : (قُلْ أيُّ شئ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) (3) فأقول : إنه شئ لا كالأشياء ، إذ في نفي الشيئية عنه إبطاله ونفيه ، قال لي : صدقت وأصبت ، ثم قال لي الرضا عليه

ص: 243


1- قال السيد الخوئي : «وقع بهذا العنوان في إسناد كثير من الروايات ، تبلغ مائة وثلاثة وستين مورداً»– معجم رجال الحديث 18\116 ، وهذا الرقم أقل من الواقع ، ولعله مقتصر على إحصائية الكتب الأربعة .
2- أمالي الصدوق 639 ، بحار الأنوار 89\118 .
3- الإنعام : 19 .

السلام : للناس في التوحيد ثلاثة مذاهب : نفي ، وتشبيه ، وإثبات بغير تشبيه ، فمذهب النفي لا يجوز ، ومذهب التشبيه لا يجوز لأن الله تبارك وتعالى لا يشبهه شئ ، والسبيل في الطريقة الثالثة إثبات بلا تشبيه (1) .

3. الشيخ الطوسي : روى محمد بن عيسى بن عبيد العبيدي قال : أخبرتني رحيم أم ولد الحسين بن علي بن يقطين ، وكانت امرأة حرة فاضلة قد حجت نيفاً وعشرين حجة ، عن سعيد مولى أبي الحسن {الكاظم} عليه السلام - وكان يخدمه في الحبس ويختلف في حوائجه - أنه حضره حين مات كما يموت الناس من قوة إلى ضعف إلى أن قضى عليه السلام (2) .

4. الشيخ الصدوق: علل الشرائع : بإسناده إلى الأشعري ، عن اليقطيني ، عن عثمان بن سعيد ، عن عبد الكريم الهمداني ، عن أبي ثمامة قال : دخلت على أبي جعفر عليه السلام وقلت له : جعلت فداك إني رجل أريد أن ألازم مكة وعلي دين للمرجئة فما تقول ؟ قال فقال : ارجع إلى مؤدي دينك وانظر أن تلقى الله عز وجل وليس عليك دين ، فإن المؤمن لا يخون (3) .

رواياته في الفقه

5. الشيخ الصدوق : حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني رضي الله عنه قال : حدثنا محمد بن يعقوب الكليني ، عن محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني قال : كتبت إلي علي بن محمد بن علي عليهم السلام : رجل جعل لك جعلني الله فداك - شيئاً من ماله ، ثم احتاج إليه أيأخذه لنفسه أو يبعث به إليك ؟ قال : هو

ص: 244


1- التوحيد 107 ، بحار الأنوار 3\262 .
2- غيبة الطوسي 24 ، بحار الأنوار 48\230 .
3- علل الشرائع 2\528 ، بحار الأنوار 100\142 .

بالخيار في ذلك ما لم يخرجه عن يده ، ولو وصل إلينا لرأينا أن نواسيه به وقد احتاج إليه (1) .

6. الشيخ الصدوق : كتب محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني إلى أبي الحسن علي بن محمد العسكري عليهما السلام : في رجل دفع ابنه إلى رجل وسلمه منه سنة بأجرة معلومة ليخيط له ، ثم جاء رجل آخر فقال له : سلم ابنك مني سنة بزيادة هل له الخيار في ذلك ؟ وهل يجوز له أن يفسخ ما وافق عليه الأول أم لا ؟ فكتب عليه السلام بخطه : يجب عليه الوفاء للأول ما لم يعرض لابنه مرض أو ضعف (2) .

رواياته في التفسير

7. الشيخ الصدوق : حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد بن يعقوب الكليني ، قال : حدثنا علي بن محمد المعروف بعلان الكليني ، قال : حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد ، قال : سألت أبا الحسن علي بن محمد العسكري عليهما السلام ، عن قول الله عز وجل : (والأرض جميعا قبضته يوم القيمة والسماوات مطويات بيمينه) فقال : ذلك تعيير الله تبارك وتعالى لمن شبهه بخلقه ، ألا ترى أنه ، قال : (وما قدروا الله حق قدره) ومعناه إذ قالوا : إن الأرض جميعا قبضته يوم القيمة والسماوات مطويات بيمينه ، كما قال عز وجل : ( وما قدروا الله حق قدره ) إذ قالوا : (ما أنزل الله على بشر من شئ) ، ثم نزه عز وجل نفسه عن القبضة واليمين فقال : (سبحانه وتعالى عما يشركون) (3) .

رواياته في الأخلاق

ص: 245


1- كمال الدين 522 ، بحار الأنوار 93\187 .
2- من لا يحضره الفقيه 3\173 .
3- التوحيد 160 ، بحار الأنوار 4\1 .

7. حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا أحمد بن إدريس ، عن محمد بن أحمد ، عن إبراهيم بن حمويه ، عن محمد بن عيسى اليقطيني قال : قال الرضا عليه السلام : في الديك الأبيض خمس خصال من خصال الأنبياء عليهم السلام : معرفته بأوقات الصلاة ، والغيرة ، و السخاء والشجاعة ، وكثرة الطروقة (1) .

13- محمد بن الفرج الرُّخَجي (ت بعد 241 ﻫ)

اشارة

هو محمد بن الفرج بن زياد الرُّخَجي ، ينحدر من عائلة مترفة ذات علاقات وطيدة مع السلطة العباسية ، فأبوه (فرج الرُّخَجي) كان مملوكاً لحمدونة بنت غضيض أم ولد الرشيد ، سباه معن بن زائدة الشيباني في زمان المنصور الدوانيقي عند هجومه على مدينة

ص: 246


1- الخصال 298 ، قال الطريحي في مجمع البحرين 2\45 : «ومنه الحديث ( كثرة الطروقة من سنن المرسلين) يريد كثرة الجماع وغشيان الرجل أزواجه وما أحل له . ومثله ( كثرة الطروقة من أخلاق الأنبياء )» .

(الرٌّخَج) (1) ، وكان له قصر في بغداد يعرف بقصر الرُّخَجي (2) ، ولفرج الرُّخَجي ولدان (محمد) و (عمر) ؛ كان عمر منحرفاً شديد العداء لأهل البيت عليهم السلام ، فهو من أعوان طواغيت بني العباس وجلاوزتهم ، تميز بالقسوة على الشيعة لاسيما العلويين منهم (3) ، تولى مناصب إدارية رفيعة منها مسؤولية الدواوين ومنها ولاية المدينة المنورة في زمان الواثق فالمتوكل ، وكان المتوكل (لعنه الله) قد وجهه لهدم قبر أبي عبد الله الحسين عليه السلام في كربلاء فلم يستطع بعد أن امتنع البقر عن التقدم نحو القبر الشريف ، وعلى الرغم من هذه الكرامة الظاهرة فإن عمر بن الفرج الرُّخَجي لم يرتدع عن نصبه وغيه ، وما لبث أن انقلب عليه المتوكل ، فحبسه وصادر أمواله ، ومات بعد سنين قليلة ، لعنة الله عليه وعلى المتوكل (4) ، وقد فرح الإمام الهادي عليه السلام بمقتله ،

ص: 247


1- يقول المولى المازندراني في شرح أصول الكافي 3\229 : «(محمد بن الفرج الرُّخَجي) بضم الراء وفتح الخاء المعجمة في النسبة إلى الرخج ، بوزن زُفَر ، اسم كورة استولى عليها الترك ، و قد يشدد الخاء كما في قول الشاعر : الرُّخَجيون لا يوفون ما وعدوا * والرُّخَجيات لا يخلفن ميعاداً {وفي} قول بعض أصحابنا : الرخج قرية بكرمان» ، وقال علي شيري محقق كتاب الإمامة والسياسة أنها «مدينة من نواحي كابل» ، وقال السمعاني في أنسابه 3\52 : «الرُّخَجي : بضم الراء وفتح الخاء المعجمة المشددة ، هذه النسبة إلى الرُّخَجية ، وهي قرية على نحو فرسخ من بغداد وراء باب الأزج» ، وقال السيوطي في "لب اللباب في تحرير الأنساب" ص115 : «والرخج بلاد بسجستان» ، والحق إن الأدق ما ذكره السيوطي لما سيأتي من أن آباء محمد بن الفرج كانوا في مدينة (الرُّخّج) وقد أخذهم معن بن زائدة سبايا لما هاجم تلك المنطقة إبان ولايته على سجستان سنة 151 أو 152 ه .
2- فتوح البلدان 2\494 ، روى الخطيب البغدادي عن إبراهيم بن محمد بن عرفة قال : «وقصر فرج منسوب إلى فرج الرُّخَجي ، وابنه عمر بن فرج كان يتولى الدواوين وأوقع به المتوكل» - تاريخ بغداد 1\111.
3- ومن صور نصبه للعلويين ، وحقده عليهم ، ما أورده الاصفهاني في مقاتل الطالبيين 369 ، قال : «واستعمل – أي المتوكل- على المدينة ومكة عمر بن الفرج الرُّخَجي فمنع آل أبي طالب من التعرض لمسألة الناس ، ومنع الناس من البر بهم ، وكان لا يبلغه أن أحداً أبر أحداً منهم بشئ وان قل إلا أنهكه عقوبة ، وأثقله غرماً ، حتى كان القميص يكون بين جماعة من العلويات يصلين فيه واحدة بعد واحدة ، ثم يرقعنه ويجلسن على مغازلهن عواري حواسر ، إلى أن قتل المتوكل ، فعطف المنتصر عليهم وأحسن إليهم ، ووجه بمال فرقه فيهم ، وكان يؤثر مخالفة أبيه في جميع أحواله ومضادة مذهبه طعناً عليه ونصرة لفعله» .
4- تاريخ اليعقوبي 2\485 ، تاريخ الطبري 7\374 ، الكامل 5\606 ، أمالي الطوسي 325 .

وذكر لشيعته ما كان يلقاه هو وأبوه الجواد عليهما السلام من الإيذاء والمضايقة من هذا الناصبي الخبيث ، أورد ذلك ابن شهر آشوب في مناقبه عن محمد بن سنان : دخلت على أبي الحسن (عليه السلام) فقال : يا محمد حدث بآل فرج حدث فقلت : مات عمر ، فقال : الحمد لله على ذلك - أحصيت له أربعاً وعشرين مرة - ثم قال : أفلا تدري ما قال لعنه الله لمحمد بن علي أبي ؟ قال قلت : لا ، قال : خاطبه في شئ ، قال : أظنك سكراناً فقال أبي : اللهم إن كنت تعلم أني أمسيت لك صائماً فأذقه طعم الخرب وذل الأسر . فوالله ما ان ذهبت الأيام حتى خرب ماله وما كان له ثم اخذ أسيرا فهو ذليل حتى مات (1) .

وعلى عكس أبيه وأخيه ، كان محمد بن الفرج الرُّخَجي من الشيعة المخلصين الموالين لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) ، وصار في زمان الهادي عليه السلام من وجوه الشيعة وأعيانهم رغم أنه كان يستعمل التقية المشددة حتى لا ينكشف أمره عند الأجهزة القمعية للدولة العباسية .

ليس عندنا نصوص تاريخية واضحة لتوثيق كيفية التحاق محمد بن الفرج بركب التشيع ، إلا أن المظنون أنه تأثر بالإمام الرضا عليه السلام إبان تسلمه ولاية العهد في زمن المأمون ، فالتحق بأبي الحسن الرضا عليه السلام وصار من شيعته ، ثم اختص بالإمام أبي جعفر الثاني عليه السلام حتى صار من وجوه الشيعة ومن المعتمدين عند الإمام الهادي عليه السلام ، أو لعله تعرف على أحد الشيعة المخلصين ممن كان لهم حظ من علم وأخلاق وورع ، فتأثر به وهداه إلى التشيع .

المشهور - وهو الصحيح - أن محمد بن الفرج عاصر ثلاثة من أئمة الهدى عليهم السلام ، هم : الرضا والجواد والهادي عليهم السلام ، إلا أن النجاشي في رجاله ذكر أن محمد بن الفرج روى عن أبي الحسن موسى عليه السلام (2) ، وهذه العبارة أربكت بعض

ص: 248


1- مناقب ابن شهرآشوب 3\501 .
2- رجال النجاشي ص 371 .

المحققين وجعلتهم يظنون أنه أدرك الإمام الكاظم عليه السلام ، والحق أن محمد بن الفرج الرُّخَجي لم يدرك أبا الحسن موسى الكاظم عليه السلام للأسباب الآتية :

1. أغلب الظن أن النجاشي قال إن «محمد بن الفرج روى عن أبي الحسن موسى عليه السلام» اعتماداً على رواية الشيخ الطوسي في التهذيب بسنده عن عن محمد بن فرج قال : «كتبت إلى العبد الصالح أسأله عن مسائل ..» (1) ، فتوهم أن العبد الصالح إنما هو موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام ، والحق أن لقب (العبد الصالح) يطلق على الإمام الهادي أيضاً فلا مجال للقطع بتعلق الرواية بالإمام الكاظم عليه وعلى آبائه السلام .

2. إن معن بن زائدة تولى إمارة سجستان من قبل المنصور سنة 151 ه (2)، وكان والد محمد - أي الفرج بن زياد الرُّخَجي – ما زال صبياً صغيراً ، وبالتالي فإن ما بين سبيه من قبل العباسيين وبين وفاة الإمام الكاظم ثلاثين سنة ، فلو فرض أنه تزوج بعد عشرين سنة ، فمن المستبعد أن يكتب محمد بن الفرج كتاباً لأبي الحسن الكاظم عليه السلام وهو ابن عشر سنين أو ما يقاربها ، سيما وأنه ولد في بيئة موالية للعباسيين ويحتاج إلى شيء من النضج وتوسع القابليات الذهنية قبل أن يعتنق عقيدة مخالفة للوسط الاجتماعي الذي ينطلق منه .

3. إن الشيخ الطوسي – صاحب رواية التهذيب - ذكر محمد بن الفرج الرُّخَجي في أصحاب الرضا والجواد والهادي عليهم السلام (3) ، ولم يذكره في أصحاب الإمام الكاظم عليه السلام ، وهذه قرينة واضحة على اختصاص لفظ العبد الصالح في رواية التهذيب بالإمام الهادي عليه السلام .

ولمحمد بن الفرج أولاد التزم بعضهم خط التشيع سيراً على منهج أبيهم ، نذكر منهم : جعفر «وله ولد اسمه محمد كان من رواة الشيعة الموالين» (4)، وإبراهيم بن محمد بن

ص: 249


1- تهذيب الأحكام 2\173 .
2- تاريخ الطبري 6\294 ، الكامل 5\606 .
3- رجال الطوسي 364 ، 377 .
4- أمالي الطوسي 325 .

الفرج الرُّخَجي «روى عنه محمد بن جرير الطبري الشيعي ، وهو من الذين كاتبوا الإمام المهدي عليه السلام» (1) ، والعباس بن محمد بن الفرج الرُّخَجي ويكنى بأبي يعلى (2) وقد وجدته في مصادر المخالفين ، قال السمعاني : «وأبو يعلى العباس بن محمد بن فرج الرُّخَجي ، يروي عن يوسف بن موسى القطان {ت253 ه} ، روى عنه أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني {ت360 ه} ...» (3) .

وكالته ودوره مع الإمام الهادي عليه السلام

لم تشر المرويات التاريخية بشكل صريح إلى وكالة محمد بن الفرج ، إلا أن بعض القرائن من التاريخ والنصوص الروائية تشير إلى تمتعه بمكانة متقدمة لدى الإمامين الجواد والهادي عليهما السلام سيما مع موقعه المبرز في السلطة العباسية الذي يؤهله لأن يلعب دوراً مهماً في خدمة الشيعة ورد المظالم عنهم ، ومن تلك النصوص ما ورد أن الإمام الجواد عليه السلام كان يكلفه بمهمة جمع الحقوق والأخماس من الشيعة وإرسالها للإمام عليه السلام ؛ ربما لأن محمد بن الفرج كان يمتلك الحصانة في تحركاته واتصالاته بحيث لا تتوجه إليه عيون السلطة وجواسيسها ، فقد روى ابن جمزة الطوسي عن محمد بن الفرج ، قال : كتب إلي أبو جعفر عليه السلام : «احمل إلي الخمس ، فإني لست آخذ منكم سوى عامي هذا" فقبض عليه السلام في تلك السنة» (4) ، وقد كانت له اتصالات ومسائل مع الإمامين الجواد والهادي عليهما السلام مكنته من أداء دور متميز في حركة التشيع الفكرية والسياسية إبان تلك الحقبة ، وكان من مكانته عند الجواد عليه السلام أنه أهدى لمحمد بن الفرج ثوبين من خاصته ليحرم بهما ودعا له بالبركة ، فقد روى علي بن مَهْزِيار ، قال : حدثني محمد بن الفرج أنه قال : ليتني إذا دخلت على أبي جعفر عليه

ص: 250


1- كمال الدين 493 .
2- المعجم الأوسط 4\298 .
3- الأنساب للسمعاني 3\53 .
4- الثاقب في المناقب ص522 .

السلام كساني ثوبين قَطَوانين (1) مما لبسه أحرم فيهما . قال : فدخلت عليه بشرف وعليه رداء قَطَواني يلبسه ، فأخذه وحوله من هذا العاتق إلى الآخر ، ثم إنه أخذ من ظهره وبدنه إلى آخر يلبسه خلفه ، فقال : «أحرم فيهما ، بارك الله لك» (2) .

ذكرت الروايات لمحمد بن الفرج دوراً بارزاً في جمع الشيعة على القول بإمامة الإمام الهادي عليه السلام ومنع التفرق عنه والانحراف عن إمامته كما حصل مع آبائه عليهم السلام ، وكان الإمام الجواد عليه السلام قد لمح لمحمد بن الفرج عن قرب أجله الشريف فكتب إليه ابتداءً : «إذا غضب الله تبارك وتعالى على خلقه نحانا عن جوارهم» (3) ، فلما مات الإمام الجواد عليه السلام اجتمعت وجوه الطائفة في بيت محمد بن الفرج الرُّخَجي في بغداد يتفاوضون أمر الإمامة (4) ، فبعث محمد بن الفرج إلى خادم الإمام الجواد عليه السلام وهو رجل من الأعاجم يدعى (الخيراني) ، وكان الإمام الجواد عليه السلام أودع عند الخيراني رسالة بخطه الشريف تنص على إمامة ابنه علي الهادي من بعده ، فجاء الخيراني إلى بيت محمد بن الفرج وأحضر الرسالة وقرأها وأشهد عليها (أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري) الذي لم يشهد إلا بعد تردد (5)، وكانت النتيجة إجماع الحاضرين على القول بإمامة الإمام الهادي عليه السلام الذي لم تشهد إمامته بروزاً لحركات الواقفة كما حصل مع آبائه عليهم السلام، روى ذلك الشيخ الكليني في الكافي عن الحسين بن

ص: 251


1- (العباءة القَطَوانية) بالتحريك ، هي عباءة بيضاء قصيرة الخمل ، نسبة إلى قَطَوان موضع بالكوفة ، منه الأكسية القطوانية – مجمع البحرين 3\528 .
2- الثاقب في المناقب 514 .
3- الكافي 1\343 .
4- بسبب الظروف الأمنية الضاغطة لم يستطع الأئمة عليهم السلام من إعلان النص على إمامة الإمام اللاحق إلا للخواص والقلة من شيعتهم ، وكانت مرحلة تحديد الإمام من الفترات الحرجة التي يمر بها خط التشيع ، فقد كان على رجالات الشيعة الواعين المخلصين أن يواجهوا الخطر العباسي من جهة ، والجهل والانحراف الفكري الذي تسرب لبعض مجاميع الشيعة كالغلاة والواقفة من جهة أخرى .
5- ذكرت الرواية أن سبب تردده أنه كان من العرب وأراد لمنقبة الكشف عن الوصية أن تكون لواحد من العرب وليس للخيراني الذي هو من العجم !! وهذا يدل أن هؤلاء الرجال على جلالتهم ووثاقتهم إلا أنهم لم يستطيعوا التخلص من الرواسب القبلية والتعصبات القومية .

محمد ، عن الخيراني ، عن أبيه أنه قال : «كان يلزم باب أبي جعفر عليه السلام للخدمة التي كان وكل بها وكان أحمد بن محمد بن عيسى يجيئ في السحر في كل ليلة ليعرف خبر علة أبي جعفر عليه السلام وكان الرسول الذي يختلف بين أبي جعفر عليه السلام وبين أبي إذا حضر قام أحمد وخلا به أبي ، فخرجت ذات ليلة وقام أحمد عن المجلس وخلا أبي بالرسول واستدار أحمد فوقف حيث يسمع الكلام ، فقال الرسول لأبي : إن مولاك يقرأ عليك السلام ويقول لك : إني ماضي والامر صائر إلى ابني علي وله عليكم بعدي ما كان لي عليكم بعد أبي ثم مضى الرسول ورجع أحمد إلى موضعه وقال لأبي ما الذي قد قال لك ؟ قال : خيرا ، قال : قد سمعت ما قال ، فلم تكتمه ؟ وأعاد ما سمع فقال له أبي : قد حرم الله عليك ما فعلت لان الله تعالى يقول : ﴿ولا تَجَسّسُوا﴾ فاحفظ الشهادة لعلنا نحتاج إليها يوما ما وإياك أن تظهرها إلى وقتها . فلما أصبح أبي كتب نسخة الرسالة في عشر رقاع وختمها ودفعها إلى عشرة من وجوه العصابة وقال : إن حدث بي حدث الموت قبل أن أطالبكم بها فافتحوها واعملوا بما فيها ، فلما مضى أبو جعفر عليه السلام ذكر أبي أنه لم يخرج من منزله حتى قطع على يديه نحو من أربعمائة إنسان واجتمع رؤساء العصابة عند محمد بن الفرج يتفاوضون هذا الأمر، فكتب محمد بن الفرج إلى أبي يعلمه باجتماعهم عنده وأنه لولا مخافة الشهرة لصار معهم إليه ويسأله أن يأتيه ، فركب أبي وصار إليه ، فوجد القوم مجتمعين عنده ، فقالوا لأبي : ما تقول في هذا الأمر ؟ فقال أبي لمن عنده الرقاع : احضروا الرقاع فأحضروها ، فقال لهم : هذا ما أمرت به ، فقال بعضهم : قد كنا نحب أن يكون معك في هذا الامر شاهد آخر ؟ فقال لهم : قد آتاكم الله عز وجل به هذا أبو جعفر الأشعري يشهد لي بسماع هذه الرسالة وسأله أن يشهد بما عنده ، فأنكر أحمد أن يكون سمع من هذا شيئاً فدعاه أبي إلى المباهلة ، فقال : لما حقق عليه ، قال : قد سمعت ذلك وهذا مكرمة كنت أحب أن تكون لرجل من العرب لا لرجل من العجم : فلم يبرح القوم حتى قالوا بالحق جميعاً» (1) .

ص: 252


1- الكافي 1\324 .

كان لمحمد بن الفرج مكاتبات ومسائل تدل على فقهه وتقواه واحتياطه في الدين ، وكانت له اتصالات مع وكلاء آخرين للإمام الهادي عليه السلام مثل علي بن مَهْزِيار وأبي علي بن راشد ، وقد حضي بكرامات من الإمام الهادي عليه السلام ، منها ما رواه الطبرسي في الثاقب عن محمد بن الفرج ، قال : قال لي علي بن محمد عليهما السلام : «إذا أردت أن تسأل مسألة فاكتبها ، وضع الكتاب تحت مصلاك ، ودعه ساعة ، ثم أخرجه وانظر إليه» . قال محمد : ففعلت ، فوجدت جواب ما سألت عنه موقعاً في الكتاب (1) ، وقد دلت هذه الرواية على صحة عقيدة محمد بن الفرج ، وقدة إيمانه ، وتسليمه لأمر أهل البيت عليهم السلام ، بحيث تتكرر معه هذه الكرامة بشكل دائم ، جون أن يشعر بالشك أو الريبة .

تولى محمد بن الفرج ولاية مصر في بداية خلافة المتوكل سنة 232 ھ ، ولكنه سرعان ما ابتلي بعد أن سخط المتوكل على أخيه عمر بن الفرج فأودعهما السجن وصادر أموالهما ، وقد بعث له الإمام الهادي عليه السلام قبل حبسه برسالة تحذير لكي يستعد لبلاء الحبس ومحنة القيود والحديد ، أورد ذلك ثقة الإسلام الكليني في الكافي بسنده عن علي بن محمد النوفلي قال لي محمد بن الفرج : إن أبا الحسن كتب إليه : «يا محمد أجمع أمرك وخذ حذرك» ، قال : فأنا في جمع أمري وليس أدري ما كتب إلي حتى ورد علي رسول حملني من مصر مقيداً وضرب على كل ما أملك وكنت في السجن ثمان سنين . ثم ورد علي منه في السجن كتاب فيه : «يا محمد لا تنزل في ناحية الجانب الغربي» فقرأت الكتاب فقلت : يكتب إلي بهذا وأنا في السجن ، إن هذا لعجب ، فما مكثت أن خلي عني والحمد لله . قال : وكتب إليه محمد بن الفرج يسأله عن ضياعه ، فكتب إليه : «سوف ترد عليك ، وما يضرك أن لا ترد عليك» ، فلما شخص محمد بن الفرج إلى العسكر كُتب إليه برد ضياعه ومات قبل ذلك ، قال {النوفلي} : وكتب أحمد بن

ص: 253


1- الثاقب في المناقب ص548 .

الخصيب (1) إلى محمد بن الفرج يسأله الخروج إلى العسكر ، فكتب إلى أبي الحسن عليه السلام يشاوره ، فكتب إليه : «أخرج فإن فيه فرجك إن شاء الله تعالى» ، فخرج ، فلم يلبث إلا يسيراً حتى مات (2) .

وفي هذا النص فوائد تاريخية مهمة نذكر منها :

1. إن دخول محمد بن الفرج في ولايات بني العباس لم يكن مذموماَ عند أبي الحسن الهادي عليه السلام ، فلو كان كذلك لقطع الإمام صلته به ، ولأكثر من ذمه أمام المخلصين من أصحابه ، ولكن يبدو أن الإمام كان عالماً أن محمد بن الفرج لم يكن داخلاً في أعمال السلطان رغبة في الدنيا وزخارفها وانبهاراً بالحكم وطمعاً في السلطة ، وإنما دخل لأحد أمرين : إما خوفاً وفرقاً من المتوكل الذي قد يشك بعقيدته إذا رفض تسلم الولاية (3) ، أو رغبةً في استغلال الولاية لخدمة الشيعة والتشيع ، وبظني أن الخيار الثاني هو الأرجح لأنه منسجم مع شخصية محمد بن الفرج الولائية المخلصة ، والذي يؤيد ذلك أن الإمام الهادي عليه السلام لم يقطع اتصالاته معه وكان دائم التوجيه والحرص عليه والدعاء له بالخير وحسن العاقبة .

2. إن ثمان سنوات من السجن الرهيب في معتقلات المتوكل العباسي لم تغير من التوجه العقائدي لمحمد بن الفرج ، وظل صلباً في عقيدته رغم المحن .

ص: 254


1- في المصدر (الخضيب) ولعله تحريف ، هو أبو العباس أحمد بن الخصيب بن عبد الحميد الجرجرائي ، كان من قواد المتوكل ، ولما قتل المتوكل وقعد المنتصر مكانه استوزره ، كما وزر للمستعين إلا أنه نفاه إلى المغرب سنة 248 ، وكان أبوه أمير مصر في دولة الرشيد ، مات سنة 265 ، وفي كشف الغمة (علي بن الخضيب) وهو تحريف – سير أعلام النبلاء 12\553 ، وردت روايات عن الإمام الهادي في ذمه ، وفيها إشارة إلى أنه توفي في تلك الأيام وهذا مخالف لتاريخ وفاته في سنة 256 فلعلهما رجلين مختلفين .
2- الكافي 1\500 ، كشف الغمة 3\172 .
3- تشير بعض منقولات المخالفين أن محمد بن الفرج أهدى جاريته (فضل) إلى المتوكل العباسي ، وكانت في غاية الأدب والفصاحة ، والذي رأيته من أحوالها أنها كانت تتشيع أول أمرها لكنها أحبت سعيد بن حميد – وكان شاعراً ناصبياً خبيثاً من أعوان السلطة– فانقلبت من التشيع إلى مذهب أهل النصب ، فلعل محمد بن الفرج أحس ذلك منها فرأى أن يتخلص منها ويهديها للمتوكل حتى يتقي شره وشرها ، وكان ذلك في بداية خلافته سنة 232 ، والله تعالى هو العالم بالحقائق – راجع : فوات الوفيات 3\186 ، تاريخ الإسلام 19\229 .

3. إن محمد الفرج بعد أن خرج من السجن وطلب منه أحمد بن الخضيب (الخصيب) أن يرد العسكر لم يفعل ذلك حتى شاور الإمام الهادي عليه السلام ، وهذا دليل على حسن أدبه وصلاح عقيدته في إمامه .

4. إن الإمام وصف موت محمد بن الفرج بأنه (فرجٌ له) ، وهي إشارة واضحة لحسن عاقبته ومآله في الدار الآخرة ، فإن الدنيا سجن المؤمن ، وجنة الكافر ، والخروج من هذه الدنيا ، لا شك أنه ، فرج للمؤمن ، ونقمة على الكافر .

ويبدو أن محمد بن الفرج شخص فعلاً إلى سامراء بحسب مشورة الإمام الهادي عليه السلام حيث اعتل هناك علة الموت وكان ذلك في سنة 241 ه أو بعدها بقليل ، فقد روى الشيخ المفيد عليه الرحمة عن أبي يعقوب قال : رأيت محمد بن الفرج قبل موته بالعسكر في عشية من العشايا ، وقد استقبل أبا الحسن عليه السلام فنظر إليه نظراً شافياً ، فاعتل محمد بن الفرج من الغد ، فدخلت عليه عائداً بعد أيام من علته ، فحدثني أن أبا الحسن عليه السلام قد أنفذ إليه بثوب وأرانيه مدرجاً تحت رأسه ، قال : فكفن فيه والله (1) ، وهذه منقبة أخرى تكشف عن جلالته ، وحسن عاقبته ، بحيث لا يتركه الإمام في آخر لحظات حياته ، ويكون معه ، ويشرفه بكفن من عنده ، وهذا غاية الفخر في الدنيا والآخرة .

مكانته في الحديث ووثاقته

يعد محمد بن الفرج الرُّخَجي من الرواة المجمع على وثاقتهم عند أهل الحديث وأرباب الجرح والتعديل من الشيعة ، ونحن ذاكرون إن شاء الله تعالى الأقوال والإمارات الدالة على وثاقته وجلالته وحين حاله :

1. دعاء الإمام الجواد له بالبركة كما مر ، ورعايته له ، وإكرامه .

2. توكله للإمام الهادي عليه السلام ودعاء الإمام له بحسن العاقبة ، وتزويده بكفن من الإمام عليه السلام ، وإحاطته بالرعاية في آخر أيامه ولحظاته .

ص: 255


1- الإرشاد 2\306 .

3. الشيخ الطوسي : وثقه باللفظ الصريح ، فقال عنه : (ثقة) (1) ، وتبعه على ذلك العلامة الحلي وتلميذه ابن داود (2) .

4. المولى محمد صالح المازندراني ، قال عنه : «محمد بن فرج الرُّخَجي من رجال أبي الحسن الرضا والجواد والهادي (عليهم السلام) ، ثقة معتمد» (3) .

5. الحر العاملي ، قال في آخر الوسائل : «من أصحاب الرضا عليه السلام ثقة ، قاله الشيخ والعلامة ، وذكره الشيخ - أيضا - في أصحاب الجواد والهادي عليهما السلام . وقال النجاشي : إنه روى عن أبي الحسن موسى عليه السلام . وروى المفيد في الإرشاد ما يدل على مدحه وعلو منزلته» (4) .

6. أحمد بن عبد الرضا البصري ، قال عنه : «محمد بن الفرج الرُّخَجي ، ثقة» (5) .

7. السيد الخوئي قال بعد أن ذكر الروايات المادحة له : «هذه الروايات وإن كانت كلها ضعيفة ، إلا أنها تؤيد جلالة الرجل ، ومكانته عند الشيعة ، والإمامين الجواد والهادي ، عليهما السلام ، ويكفي في اعتباره شهادة الشيخ بوثاقته» (6) .

8. الشيخ النمازي الشاهرودي قال : «محمد بن الفرج الرُّخَجي .... ثقة بالاتفاق» (7) .

9. الحاج حسين الشاكري : «محمد بن الفرج الرُّخَجي : ثقة ، جليل القدر» (8) .

10. الشيخ باقر شريف القرشي : «محمد بن الفرج : الرُّخَجي ، ثقة ، كان شديد الولاء لائمة الهدى (عليهم السلام) ووثيق الصلة بهم ، وله مكاتبات معهم» (9) .

ص: 256


1- رجال الطوسي 364 .
2- الخلاصة 239 ، رجال ابن داود 181.
3- شرح أصول الكافي 6\216 .
4- الوسائل 30\482 .
5- فائق المقال في الحديث والرجال 156 .
6- معجم رجال الحديث 18\139 .
7- مستدركات علم رجال الحديث 7\282 .
8- موسوعة المصطفى والعترة 11\273 .
9- حياة الإمام الرضا 2\167 .
مؤلفاته

كتاب المسائل : رواه عنه أحمد بن هلال ، قال النجاشي : «أخبرنا أحمد بن عبد الواحد قال : حدثنا عبيد الله بن أحمد قال : حدثنا الحسين بن أحمد المالكي قال : قرأ علي أحمد بن هلال مسائل محمد بن الفرج» (1) .

- مشايخه : روى محمد بن الفرج الرُّخَجي عن الإمامين الجواد والهادي عليهما السلام ، كما روى عن : علي بن معبد ، وأبي دعامة .

- الرواة عنه : أحمد بن هلال ، والسياري ، وأبو يعقوب ، وعلي بن محمد النوفلي ، وعلي بن مَهْزِيار ، ومحمد بن دادنة ، ومحمد بن عبد الله ، ومحمد بن علي بن محبوب ، وميمون بن يوسف النخاس .

رواياته
أولاً : الروايات الفقهية

1. الشيخ الكليني : عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن بعض أصحابه ، عن محمد بن الفرج قال : كتب إلي أبو جعفر بن الرضا (عليهما السلام) بهذا الدعاء وعلّمَنِيه وقال : (من قال في دُبرِ صلاةِ الفجرِ لم يلتمسْ حاجةً إلا تيسّرتْ له وكفاهُ اللهُ ما أهمهُ : "بسمِ الله وبالله وصلى الله على محمد وآله وأفوّض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد فوقاهُ الله سيئات ما مكروا ، لا إله إلا أنت ، سُبحانك إني كنتُ من الظالمين ، فاستجبنا له ونجّيناه من الغمّ وكذلك نُنْجي المؤمنين ، حسبُنا الله ونعم الوكيل ، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يَمسسهم سوء ، ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله { العلي العظيم } ، ما شاء الله لا ما شاء الناسُ ، ما شاء الله وإن كَرِهَ الناسُ، حسبي الربُّ من المربوبين ، حسبي الخالقُ من المخلوقين ، حسبي الرازقُ من المرزوقين ، حسبي الذي

ص: 257


1- رجال النجاشي 371 .

لم يزل حسبي منذ قطُّ (1) ، حسبي الله الذي لا إله إلا هو ، عليه توكلت وهو رب العرش العظيم") .

وقال : إذا انصرفتَ من صلاة مكتوبة فقل : " رضيتُ بالله رباً وبمحمدٍ نبياً وبالإسلامِ ديناً وبالقرآن كتاباً وبفلان وفلان أئمة ، اللهم وليك فلان فاحفظه من بين يديه ، ومن خلفه ، وعن يمينه ، وعن شماله ، ومن فوقه ، ومن تحته ، وامدد له في عمره واجعله القائم بأمرك والمنتصر لدينك وأره ما يحب وما تقر به عينه في نفسه وذريته وفي أهله وماله وفي شيعته وفي عدوه وأرهم منه ما يحذرون ، وأره فيهم ما يحبُّ وتُقِرُّ به عينَه واشف صدورَنا وصدور قوم مؤمنين " .

قال : وكان النبي (صلى الله عليه وآله) يقول إذا فرغ من صلاته : " اللهم اغفر لي ما قدّمتُ وما أخّرتُ وما أسررتُ وما أعلنتُ وإسرافي على نفسي وما أنت أعلم به مني ، اللهم أنت المقدّمُ وأنت المؤخّرُ لا إله إلا أنت بعلمك الغيبَ وبقدرتك على الخلق أجمعين ما علمتَ الحياةَ خيراً لي فأحيني ، وتوفّني إذا علمتَ الوفاةَ خيراً لي ، اللهُمَّ إني أسألُك خشيتَك في السرِّ والعلانيةِ وكلمةَ الحقِّ في الغضبِ والرضا ، والقصدَ في الفقر والغنى ، وأسألك نعيماً لا ينفدُ ، وقرة عين لا ينقطع ، وأسألك الرضا بالقضاء ، وبركة الموت بعد العيش وبرد العيش بعد الموت ، ولذة المنظر إلى وجهك وشوقا إلى رؤيتك ولقائك من غير ضراءَ مضرةٍ ، ولا فتنةٍ مضلةٍ ، اللهُمَّ زيّنا بزينةِ الإيمانِ ، واجعلنا هداةً مهديين ، اللهم اهدنا فيمن هديتَ ، اللهُمَّ إني أسألك عزيمةَ الرشاد والثباتَ في الأمر والرشد ، وأسألك شكر نعمتك وحسن عافيتك وأداء حقك ، وأسألك يا رب قلباً سليماً ولساناً صادقاً ، وأستغفرك لما تعلم وأسألك خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم فإنك تعلم ولا نعلم وأنت علام الغيوب " (2) .

ص: 258


1- في من لا يحضره الفقيه " حسبي من كان منذ كنت لم يزل حسبي ، حسبي الله لا اله الا هو " وفى مفتاح الفلاح : " حسبي من كان مذ كنت حسبي " وبهما يستقيم الكلام .
2- الكافي 2\548 .

2. الشيخ الكليني : محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن السياري (1) قال : كتب محمد بن الفرج إلى العسكري (2) (عليه السلام) يسأله عما روي من الحساب في الصوم عن آبائك في عدة خمسة أيام بين أول السنة الماضية والسنة الثانية التي تأتي ، فكتب : صحيح ولكن عُدَّ في كل أربع سنين خمساً ; وفي السنة الخامسة ستاً فيما بين الأولى والحادث وما سوى ذلك فإنما هو خمسة خمسة ; قال السياري : وهذه من جهة الكبيسة قال : وقد حسبه أصحابنا فوجدوه صحيحاً ، قال : وكتب إليه محمد بن الفرج في سنة ثمان وثلاثين ومائتين : هذا الحساب لا يتهيؤ لكل إنسان { أن } يعمل عليه إنما هذا لمن يعرف السنين ومن يعلم متى كانت السنة الكبيسة ثم يصح له هلال شهر رمضان أول ليلة فإذا صح الهلال لليلته وعرف السنين صح له ذلك إن شاء الله (3) .

3. الشيخ الصدوق : روى محمد بن علي بن محبوب ، عن محمد بن الفرج ، عن علي بن معبد قال : كتب إليه محمد بن أحمد بن إبراهيم في سنة ثلاث وثلاثين ومائتين يسأله عن رجل مات وخلّف امرأة وبنين وبنات وخلّف لهم غلاماً أوقفه عليهم عشر سنين ثم هو حر بعد العشر سنين ، هل يجوز لهؤلاء الورثة بيع هذا الغلام وهم مضطرون إذا كان على ما وصفته لك جعلني الله فداك ؟ فكتب (عليه السلام) : (لا يبيعونه إلى ميقات شرطه إلا أن يكونوا مضطرين إلى ذلك ، فهو جائز لهم) (4) .

4. الشيخ الطوسي : سعد بن عبد الله ، عن جعفر بن موسى ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن ميمون بن يوسف النخاس ، عن محمد بن الفرج قال : كتبتُ أسأل عن أوقات الصلاة فأجاب : (إذا زالت الشمسُ فصلِّ سُبحتَك وأحِبُّ أنْ يكونَ فراغُك من الفريضةِ والشمسُ على قدمينِ ثُمّ صَلِّ سُبحتَك وأحِبُّ أنْ يكونَ فراغُك من العصر والشمسُ على

ص: 259


1- هو أحمد بن محمد بن سيار البصري ، ضعفه علماء الرجال وطعنوا في مذهبه ، إلا أن المحدث النوري في خاتمة المستدرك ردّ تلك التضعيفات ووثق كتابه (القراءات) – خاتمة المستدرك 1\111 .
2- أي : الإمام أبا الحسن علي الهادي ، والعسكري من أشهر ألقابه في الروايات الشريفة .
3- الكافي 4\81 .
4- من لا يحضره الفقيه 4\245 .

أربعة أقدام فان عَجل بك أمرٌ فابدأ بالفريضتين واقضِ بعدهما النوافل ، فإذا طلع الفجر فصلِّ الفريضة ثم اقض بعد ما شئت) (1) .

5. الشيخ الطوسي : سعد ، عن موسى بن جعفر بن أبي جعفر ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن ميمون ، عن محمد بن الفرج قال : كتبتُ إلى العبد الصالح (2) عليه السلام أسأله عن مسائل فكتب إلي : و صلِّ بعد العصر من النوافل ما شئتَ و صلِّ بعد الغداة من النوافل ما شئت (3) .

6. السيد ابن طاووس : روى أبو الفضل محمد بن عبد الله قال : حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود العباسي قال : حدثنا أبي ، عن جعفر بن أحمد قال : حدثني العمركي بن علي ، عن يعقوب بن يزيد ، عن أحمد بن عبدوس الخلنجي ، عن محمد بن دادنه ، عن محمد بن الفرج انه كتب إلى الرجل عليه السلام يسأله عما يقرأ في الفرائض وعن أفضل ما يقرأ به فيها فكتب عليه السلام إليه : (إن أفضلَ ما يُقرأ في الفرايض "انا أنزلناه في ليلة القدر" و"قل هو الله أحد") (4) .

ثانياً : الروايات العقدية

7. الشيخ الكليني : علي بن محمد رفعه ، عن محمد بن الفرج الرُّخَجي ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عما قال هشام بن الحكم في الجسم وهشام بن سالم في الصورة فكتب : (دَعْ عنك حيرةَ الحَيران واستعذ بالله من الشيطان ، ليس القولُ ما قال الهشامان) (5) .

ص: 260


1- الاستبصار 1\255 .
2- أي الإمام الهادي عليه السلام .
3- التهذيب 2\275 .
4- فلاح السائل 162 .
5- الكافي 1\105 . أمالي الصدوق 351 ، التوحيد للصدوق 97 ، وقد كتب أخونا د. يحيى الدوخي بحثاً جيداً في تنزيه هشام بن الحكم من تهمة التشبيه بعنوان (دفاع عن هشام بن الحكم) .

14- خيران القراطيسي الأسباطي الخادم (ت بعد 241 ﻫ)

اشارة

اسمه خيران ، لا تعرف كنيته ، ولا انتماؤه القومي ، تعددت الروايات في نسبته ، فقد اورده الشيخ الطوسي والشيخ البرقي في أصحاب الإمام الهادي عليه السلام بعنوان (خيران الخادم) (1) ، وذكره النجاشي بعنوان (خيران مولى الرضا عليه السلام) (2) ، وأورده الكشي

ص: 261


1- رجال الطوسي 386 ، رجال البراقي 58 .
2- رجال النجاشي ص155 .

بعنوان (خيران الخادم القراطيسي) (1) ، وذكره المسعودي في إحدى رواياته بعنوان (خيران الخادم مولى فراطيس {قراطيس} أُمّ الواثق) ، وورد ذكره في بعض الروايات بعنوان (خيران الأسباطي) (2) ، ومن هنا لا بد أن نجيب عن تساؤلات عدة لفك رموز حياة هذا الوكيل الجليل :

هل سمي خيران خادماً لأنه كان يخدم الأئمة عليهم السلام ، كما يُشعر لفظ النجاشي (مولى الرضا عليه السلام) ؟

هل سمي بالقراطيسي ، لأنه كان يبيع القراطيس ، أم لكونه مولى لقراطيس أم الواثق ، كما روى المسعودي ؟

هل خيران رجل واحد ، أم هم رجال عدة اشتركوا باسم واحد ؟

إن ما أورده النجاشي من كونه مولى الرضا عليه السلام أمر انفرد به من بين المؤرخين وأرباب التراجم ، فلم يرد ذكره في كلام المحدثين ، أو في أسانيد الروايات ، بعنوان مولى الرضا عليه السلام ، وإنما ورد تسميته بالخادم مطلقاً دون نسبته لأحد ، والذي يرجح عندي أنه لم يكن من موالي أهل البيت عليهم السلام لأمور عدة :

منها إن أحداً لم يذكره في أصحاب الرضا عليه السلام غير النجاشي ، ومنها رواية المسعودي التي جعلته مولى لأم الواثق ، وهي رومية تعرف باسم قراطيس ماتت سنة 227 ھ (3)، ومنها عدم وجود رواية تؤيد خدمته للأئمة عليهم السلام ، أو كونه مولى لهم ، ومنها أنه كان بعيداً في سكناه عن المعصومين عليهم السلام ، ولاسيما الإمامين الجواد والهادي عليهما السلام ، فكان غالباً ما يتواصل معهما عن طريق الكتابة ، او يسافر إليهم إلى المدينة المنورة ليأخذ عنهم العلم والتوجيهات ، لذا فالمرجح أن يكون - كما قال المسعودي - خادماً عند بني العباس ، وأن لفظ القراطيسي جاء من نسبته

ص: 262


1- اختيار معرفة الرجال 2\867 .
2- الكافي 1\498 ، قال السمعاني في الأنساب 1\127 في شرح لقب الأسباطي : (الأسباطي : بفتح الألف وسكون السين وفتح الباء الموحدة وفي آخرها الطاء المهملة ، هذه النسبة إلى أسباط وهو اسم لبعض أجداد المنتسب إليه) .
3- تاريخ الطبري 7\318 .

لقراطيس أم الواثق ، لا نسبة لبيع القراطيس كما توهم بعض المحققين كالشيخ محمد باقر البهبودي محقق بحار الأنوار (1) ، والسيد أحمد الحسيني محقق كتاب رجال الكشي – طبعة مؤسسة الأعلمي (2) ، أما الأسباطي فلعله نسبة إلى أحد أجداده كما كانت العادة في تلقيب الموالي .

ومن هنا يتضح أن خيران الخادم ، وخيران الأسباطي ، وخيران القراطيسي ، رجل واحد ، وهو من أصحاب الإمامين الجواد والهادي عليهما السلام ، ومن وكلائهما ، وربما يكون قد أدرك عصر الإمام الرضا عليه السلام ، إلا أن روايته عنه لم تصل إلينا .

وكالته ودوره مع الإمام الجواد والهادي عليهما السلام

نص على وكالة المحدث الثقة والوكيل المخلص خيزران الخادم القراطيسي جملة من نقاد الرجال وأرباب التراجم ، فقد قال الكشي بعد أن أورد رواية عن توكيل الأئمة له باستلام حقوق أهل البيت عليهم السلام والتصرف فيها : «وهذا يدل أنه كان وكيله» (3) أي للإمام الجواد أو الهادي عليهما السلام ، كما نص على وكالته الشيخ حسن صاحب المعالم في التحرير (4)، والشيخ الحر العاملي في وسائله (5)، والشيخ محمد جعفر الخراساني الكرباسي في تحقيقاته (6)، ومن المعاصرين الشيخ جعفر سبحاني في موسوعته (7) .

ص: 263


1- راجع : بحار الأنوار 50\106 ، هامش رقم (2) .
2- رجال الكشي ص428 ، مؤسسة الأعلمي ، هامش رقم (1) .
3- اختيار معرفة الرجال 2\868 ، الرواية مضمرة ؛ لذا اختلف المحققون بين من جعلها للجواد وبين من جعلها للهادي عليهما السلام .
4- التحرير الطاووسي ص 185 .
5- وسائل الشيعة 30\365 .
6- إكليل المنهج في تحقيق المطلب ص8 .
7- موسوعة طبقات الفقهاء 3\240 .

أورد المحدثون مجموعة من الروايات التي تحكي حال خيران الخادم في تعامله مع الأئمة عليهم السلام، وجملة المهمات والنشاطات التي كان يقوم بها في إطار عمله في جهاز الوكلاء التابع للإمامين الجواد والهادي عليهما السلام :

الرواية الأولى : أورد الكشي في رجال في باب (خيران الخادم القراطيسي) ، قال : وجدت في كتاب محمد بن الحسن بن بندار القمي بخطه : حدثني الحسين بن محمد بن عامر ، قال : حدثني خيران الخادم القراطيسي قال : حججت أيام أبي جعفر محمد بن علي بن موسى عليهم السلام ، {وسألت} (1) عن بعض الخدم وكانت له منزلة من أبي جعفر عليه السلام ، فسألته أن يوصلني إليه ، فلما صرنا إلى المدينة ، قال لي : تهيأ فاني أريد أن أمضي إلى أبي جعفر عليه السلام . فمضيت معه ، فلما أن وافينا الباب قال : ساكن في حانوت (2) فاستأذن ودخل فلما أبطأ علي رسوله ، خرجت إلى الباب فسألته عنه ، فأخبرني أنه قد خرج ومضى . فبقيت متحيراً ، فإذا أنا كذلك ، إذ خرج خادم من الدار ، فقال : أنت خيران ؟ فقلت : نعم ، قال لي : ادخل ، فدخلت ، وإذا أبو جعفر عليه السلام قائم على دكان (3) لم يكن فرش له ما يقعد عليه ، فجاء غلام بمصلى فألقاه له ، فجلس فلما نظرت إليه تهيبت ودهشت ، فذهبت لأصعد الدكان من غير درجة فأشار إلى موضع الدرجة ، فصعدت وسلمت ، فرد السلام ومد يده إلي فأخذتها وقبلتها ووضعتها على وجهي ، فأقعدني بيده ، فأمسكت يده مما داخلني من الدهش ، فتركها في {يدي} صلوات الله عليه . فلما سكنت خليتها فساءلني ، وكان الريان بن شبيب قال لي : إن وصلت إلى أبي جعفر عليه السلام قلت له مولاك الريان بن شبيب يقرأ عليك السلام ، ويسألك الدعاء له ولولده ؟ فذكرت له ذلك ، فدعا له ولم يدعُ لولده ، فأعدت عليه فدعا له ولم يدعُ لولده ، فأعدت عليه ثلاثاً فدعا له ولم يدعُ لولده . فودعته وقمت ، فلما مضيت نحو الباب سمعت كلامه ولم أفهم ما قال ، وخرج الخادم في أثري ، فقلت له : ما قال سيدي لما قمت ؟

ص: 264


1- في المصدر (وسألته) وما أثبتناه هو الموافق للسياق .
2- أصل الحانوت ، دكان البيع – مجمع البحرين 2\198 .
3- الدُّكان ، بالضم : بناء يسطح أعلاه للمقعد – تاج العروس 13\559 .

فقال لي : قال : من هذا الذي يرى أن يهدي نفسه ؟ هذا ولد في بلاد الشرك فلما أخرج منها صار إلى من هو شر منهم ، فلما أراد الله أن يهديه هداه (1) .

وثمة ملاحظات عدة على هذه الرواية ودلالتها :

أولاً : ظاهر الرواية أن خيران حدث بهذه الرواية بعد وفاة الإمام الجواد عليه السلام ، بدليل قوله (حججت أيام أبي جعفر) .

ثانياً : إن وجود الإمام أبي جعفر في مكان خاص ربما يشير إلى حالة من العزلة ، ولاسيما أن احداً لم يكن يعرف بمكانه إلا خادمه المقرب منه .

ثالثاً : إن ظاهر هذه الرواية يؤكد ما قررناه سابقاً من كون خيران مولى لأم الواثق ، وخادماً في البيت العباسي ، فليس من اجواء الرواية ما يدل على لزومه خدمة الإمام أو أحدٍ من آبائه .

رابعاً : ليس من عادة أهل البيت عليهم السلام أن يعطوا أيديهم للتقبيل ، ولا سيما ابتداءً من عند انفسهم ، نعم إذا طلب أو استأذن أحد منهم بتقبيل يد أحدهم فإنه يجيبونه لما طلب ، وبالتالي فالمشهد المرسوم في الرواية غريب عن سيرة المعصومين عليهم السلام .

خامساً : ليس في الرواية ما يفيد مدح خيران أو ذمه ، ولاسيما لو قورنت برواية أخرى ستأتينا ويظهر منها اختصاصه العظيم بالإمام الجواد أو الهادي عليهما السلام .

سادساً : قال السيد محسن الأمين في شرح الفقرة الأخيرة من الرواية : «واما قوله من هذا الذي {يرى أن يهدي نفسه} الخ فهو استفهام انكاري اي أن الإنسان لا يهدي نفسه وانما الهداية منه تعالى فعلي بن مَهْزِيار ولد في بلاد الشرك ثم خرج إلى المجوس ولم تكن الأسباب العادية توجب هدايته فلما أراد الله هدايته هداه» (2) .

ص: 265


1- اختيار معرفة الرجال 2\867 ، بحار الأنوار 50\106 .
2- أعيان الشيعة 6\363 .

الرواية الثانية : روى الكشي عن محمد بن مسعود ، قال : حدثني سليمان بن حفص ، عن أبي بصير حماد بن عبد الله القندي ، عن إبراهيم بن مَهْزِيار ، قال : كتب (1) خيران : «قد وجهت إليك ثمانية دراهم ، كانت أهديت إلي من طرسوس (2) دراهم منهم ، وكرهت أن أردها على صاحبها أو أحدث فيها حدثاً دون أمرك ، فهل تأمرني في قبول مثلها أم لا لأعرفها إن شاء الله ، وانتهي إلى أمرك» فكتب وقرأته : «اقبل منهم إذا أهدي إليك دراهم أو غيرها ؛ فان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يرد هدية على يهودي ولا نصراني» (3) .

أقول : يظهر من الرواية بشكل جلي وكالة خيران للإمام ، كما يظهر شدة ورعه واحتياطه في الدين ، حتى إنه يسأل عن كيفية التصرف بمجموعة دراهم أعطيت له بعنوان الهدية ، كما يظهر وجود المد الشيعي في بلاد الشام ، ولعل الأقلية الموجودة اليوم من الشيعة والعلويين إنما هو من آثار ذلك الوجود الشيعي في تلك الأعصار .

الراوية الثالثة : روى الكشي عن حمدويه وإبراهيم ، قالا : حدثنا محمد بن عيسى ، قال : حدثني خيران الخادم ، قال : وجهت إلى سيدي ثمانية دراهم ، وذكر مثله سواء (4) ، وقال : قلت : جعلت فداك إنه ربما أتاني الرجل لك قِبَله الحق ، أو يعرف موضع الحق لك ، فيسألني عما يعمل به ؟ فيكون مذهبي آخذ ما يتبرع في سر ، قال : «اعمل في ذلك برأيك ؛ فان رأيك رأيي ، ومن أطاعك فقد أطاعني» .

ص: 266


1- في المصدر (كتب إلى خيران) ، وهو تحريف بلا شك ، فإن الكاتب هو خيران ، والمكتوب له إما الإمام الجواد أو الهادي عليه السلام ، والثاني أقرب .
2- طرسوس : بفتح أوله وثانيه ، وسينين مهملتين بينهما واو ساكنة ، بوزن قربوس ، كلمة عجمية رومية ، ... وهي مدينة بثغور الشام بين أنطاكية وحلب وبلاد الروم - معجم البلدان 4\28 ، وتعرف اليوم بمدينة (طرطوس) وهي مدينة ساحلية تقطنها أغلبية علوية موالية للنظام السوري .
3- اختيار معرفة الرجال 2\868 .
4- أي مثل الحديث السابق .

قال أبو عمرو {الكشي} : هذا يدل على أنه كان وكيله ، ولخيران هذا مسائل يرويها عنه ، وعن أبي الحسن عليه السلام (1) .

أقول : وهذه من أجل الروايات في مدح خيران ، وبيان وثاقته ، وعظيم منزلته عند الإمام ، حتى أن الإمام اجاز له التصرف بأموال الحقوق الشرعية التي تصل ، ومثل هذه الإجازة لم ترد إلا بحق المخلصين المقربين من الوكلاء من أمثال المفضل بن عمر الجعفي ، بينما جرت السيرة مع بقية الوكلاء أن يبعثوا بالأموال للإمام ليتولى بنفسه الشريفة الإشراف على صرفها في مواردها .

وثمة مدح عظيم آخر ، وكلام جليل ورد في الرواية ، وهو قول الإمام (ومن أطاعك فقد أطاعني) ، وهذا النوع من المدح والتبجيل لم يرد – بحسب تتبعي – إلا للسفير عثمان بن سعيد العمري وابنه محمد بن عثمان (رحمة الله عليهما) ، والذي يظهر لي أن القضية مع خيران مختصة بمورد خاص يتعلق بصرف الخمس والصلات في مواردها ، لا مطلق الرأي أو مطلق الطاعة ، فإن إطلاقهما يعني القول بعصمة خيران ، وهذا لم يثبت من طريق آخر ، كما إن النصوص السابقة قاصرة عن البلوغ به إلى هذه المرتبة ، وعليه فإن المعنى أن رأي خيران في صرف المستحقات الشرعية موافق لرأي المعصوم ، ومن أطاعه في هذا الأمر فكأنما اطاع المعصوم عليه السلام ، وفي ذلك من المدح والوثاقة ما لا يخفى على ذي حجى ، رحمه الله وأسكنه فسيج جناته .

الرواية الرابعة : روى ثقة الإسلام الكليني : الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن خيران الأسباطي قال : قدمت على أبي الحسن عليه السلام المدينة فقال لي : ما خبر الواثق عندك ؟ قلت : جعلت فداك خلفته في عافية ، أنا من أقرب الناس عهدا به ، عهدي به منذ عشرة أيام ، قال : فقال لي : إن أهل المدينة يقولون : إنه مات ، فلما أن قال لي " الناس " علمت أنه هو ثم قال لي : ما فعل جعفر ؟ ، قلت : تركته أسوء الناس حالاً في السجن ، قال : فقال : أما إنه صاحب الأمر ، ما فعل ابن الزيات ؟ ، قلت : جعلت فداك ، الناس معه والامر أمره ، فقال : أما إنه شؤم عليه ، قال

ص: 267


1- اختيار معرفة الرجال 2\868 .

{خيران} : ثم سكت وقال لي : لابد أن تجري مقادير الله تعالى وأحكامه ، يا خيران ، مات الواثق ، وقد قعد المتوكل جعفر، وقد قتل ابن الزيات ، فقلت : متى جعلت فداك ؟ قال : بعد خروجك بستة أيام (1) .

أقول : هذا هو المورد الوحيد الذي جاء فيه ذكر خيران بلقلب (الأسباطي) ، ولكن المسعودي في إثبات الوصية أورد الرواية بلفظ مختلف ، قال : {عن الحميري قال :} حدّثني خيران الخادم مولى فراطيس {قراطيس} أُمّ الواثق قال : حججت في سنة اثنتين وثلاثين ومائتين ، فدخلت على أبي الحسن (عليه السلام) فقال : ما حال صاحبك - يعني الواثق - .

فقلت : وجع ولعلّه قد مات .

قال : لم يمت ولكن ألماً به .

ثمّ قال : فمن يقال بعده ؟ قلت : ابنه .

فقال : الناس يزعمون أنّه جعفر . قلت : لا !

قال : بلى ! هو كما أقول لك .

قلت : صدق اللّه ورسوله وابن رسوله ! فكان كما قال (2) .

ولنا في الجمع بين الروايتين فوائد عدة :

أولاً : إن (الأسباطي) هو عينه خيران الخادم القراطيسي .

ثانياً : إن تاريخ هذه الرواية كان في ذي الحجة من سنة 232 ه ، وهو التاريخ الذي تسلم فيه المتوكل (لعنه الله) أمور الحكم والسلطة .

ثالثاً : إن الروايتين معاً تؤكدان ما رجحناه من نسبة القراطيسي لقراطيس أم الواثق وليس لمهنة بيع القراطيس .

رابعاً : إن هذه الرواية تؤيد بشكل واضح ما ذكرنا من سياسة الإمام الجواد ومن بعده انه الهادي عليهما السلام في اختراق المنظومة الحكومية للسلطة العباسية من خلال جملة

ص: 268


1- الكافي 1\498 ، الإرشاد 2\301 ، مناقب ابن شهرآشوب 3\513 ، بحار الأنوار 50\158 .
2- إثبات الوصية ص246 .

من الوكلاء والأصحاب الذين لهم حضور وحضور لدى ملوك بني العباس وأهلهم وحاشيتهم ، وهذه السياسة كانت مهمة في تلك الحقبة من الزمن لدفع المظالم والتعديات الكبيرة التي كانت تلحق بالشيعة في أرواحهم وأموالهم بسبب انتهاج سياسة التمييز الطائفي وممارسة إرهاب السلطة المنظم ضد الأقلية الشيعية ، وما من شك أن ذلك الاختراق الشيعي لجسد الدولة العباسية قد أسهم بشكل فاعل في تخفيف الوطأة عن الشيعة ومكنتهم أحياناً من تسخير أموال الدولة وإمكانياتها الإدارية في توفير الدعم المالي والحماية الأمنية للمجتمع الشيعي .

وثاقته ومكانته في الحديث

يظهر وثاقة خيران من جملة الروايات السابقة ، ومما يزيد وثاقته ما ورد بحثه من عبارات التعديل والثناء من جملة من نقاد الحديث من المتقدمين والمتأخرين ، وهذه أقوالهم :

1. الشيخ الطوسي ، قال : «خيران الخادم ، ثقة» (1) .

2. ابن داوود الحلي ، قال : «خيران الخادم القراطيسي ، محمود الطريقة ثقة» (2) .

3. للشيخ حسن صاحب المعالم ، قال : «خيران الخادم القراطيسي ، شهد له الجواد محمد بن علي عليه السلام بالهداية ... وروى ما يشهد بأنه في مقام وكيل» (3) .

4. الشيخ محمد بن إسماعيل المازندراني ، قال : «من أصحاب أبي الحسن الثالث عليه السّلام ، ثقة ، وفي كش ما يدلّ على جلالته في آخره ، وخيران هذا من أصحاب الرضا والجواد والهادي عليهم السّلام ، ومن مستودعي أسرارهم عليهم السّلام ، وحكايته مع أحمد بن محمّد بن عيسى تنبئ عن علوّ مرتبته ونهاية جلالته» (4) .

ص: 269


1- رجال الطوسي 386 .
2- رجال ابن داوود 89 .
3- التحرير الطاووسي 184-185 .
4- منتهى المقال 3\188 ، وقد أورد عبارته بعينها السيد علي البروجردي في طرائف المقال 1\304 ، أما قصته التي ألمح إليها مع أحمد بن محمد بن عيسى ، فهو يشير إلى ما رواه الكليني في الكافي 1\324 عن الحسين بن محمد ، عن الخيراني ، عن أبيه ... الحديث وفيه يكتم أحمد بن محمد بن عيسى شهادة الوصية على الإمام الهادي من أبيه الجواد عليهما السلام ، فدعاه أبو الخيراني للمباهلة ، فتراجع أحمد عن موقفه وشهد أمام الشيعة ، وقد حكم جمع من المحققين أن الخيراني في هذه الرواية هو ابن خيران الخادم ، وأبوه إنما هو خيران القراطيسي ، وهذا لم يثبت عندي ، وقد رجحنا أن يكون لقب الخادم نسبة إلى خدمته في البيوتات العباسية ، وكونه مولى أم الواثق .

5. المولى محمد صالح المازندراني ، قال : «خيران الخادم الثقة من أصحاب أبي الحسن الثالث ومولى الرضا عليهما السلام» (1) .

6. الشيخ النمازي الشاهرودي ، قال : «خيران الخادم القراطيسي : من أصحاب الرضا والجواد والهادي عليهم السلام . ثقة بالاتفاق» (2) .

7. السيد الخوئي استظهر اتحاده مع خيران الأسباطي (3) ، وقال بعد ان نقل رواية الكشي : «وفيه دلالة على جلالته وعظم منزلته عند الإمام عليه السلام» (4) .

أساتذته في الحديث

روى خيران الخادم عن أبي جعفر الثاني وأبي الحسن الثالث عليهما السلام .

تلامذته

روى عنه إبراهيم بن مَهْزِيار ، والحسين بن محمد بن عامة ، وسهل بن زياد، ومحمد بن عيسى بن عبيد ، والوشاء .

نماذج من مروياته

لم يكن خيران مكثراً من رواية الحديث ، ربما بسبب حركته المقيدة في أجواء البيت العباسي الحاكم ، ولذلك ما وصلنا عن رواياته نزر قليل ، على الرغم من الكشي قال له مسائل عن الجواد والهادي عليهما السلام ، وأورده النجاشي في مصنفي الشيعة وذكر

ص: 270


1- شرح أصول الكافي 7\297 .
2- مستدركات علم رجال الحديث 3\374 .
3- معجم رجال الحديث 8\87 .
4- المصدر نفسه 8\89 .

طريقه إلى كتابه قائلاً : له كتاب أخبرنا أحمد بن محمد بن هارون قال : حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن فنتي قال : حدثنا محمد بن عيسى العبيدي قال : حدثنا خيران (1) ، ومما وصلنا من رواياته ما يأتي :

* روى الشيخ الكليني عن علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن خيران الخادم قال : كتبت إلى الرجل صلوات الله عليه أسأله عن الثوب يصيبه الخمر ولحم الخنزير أيصلى فيه أم لا ؟ فان أصحابنا قد اختلفوا فيه ، فقال بعضهم : صل فيه فإن الله إنما حرم شربها وقال بعضهم : لا تصل فيه ، فكتب (عليه السلام) : «لا تصل فيه فإنه رجس» . قال (2) : وسألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم أنه يأكل الجري أو يشرب الخمر فيرده أيصلي فيه قبل أن يغسله ؟ قال : «لا يصل فيه حتى يغسله» .

القسم الثاني : الوكلاء المذمومون

اشارة

ذكرنا في الفصل الثاني من هذا الكتاب أن سياسة الأئمة عليهم السلام في نصب الوكلاء وتعيينهم كانت قائمة على أساس الاختيار الدقيق لشخصية الوكيل بحيث تكون جامعة لصفات العلم والورع والالتزام بأوامر أهل البيت عليهم السلام وعقيدتهم الحقة ، ولم يكن من شأن الأئمة سلام الله عليهم أن يوكلوا الفسّاق والمنحرفين ابتداءً ، وإنما كانت حالات الانحراف السلوكي والفكري تظهر على بعض الوكلاء بعد مدة من توكيلهم إما طمعاً بالمال والمناصب الدنيوية أو تأثراً بالموجات الفكرية المنحرفة التي كانت تغزو الساحة الإسلامية ومنها الساحة الشيعية .

ص: 271


1- رجال النجاشي 155 .
2- المفروض أن القول عنا لخيران الخادم، ولكن الطبقة بعيدة بينه وبين الإمام الصادق (عليه السلام) .

إن التنظير الذي ذكرناه يتأكد بشكل واضح عن الإطلاع على سيرة الإمام الهادي عليه السلام في اختيار الوكلاء ، فقد لاحظنا من خلال العرض المفصل للسير الشخصية والفكرية لوكلاء الإمام الهادي عليه السلام أن الغالبية الساحقة من هؤلاء الوكلاء إنما هم وجوه الطائفة وثقاتها وأعيان الشيعة وأثباتها ، كان لهم باع طويل في نشر علوم آل محمد عليهم السلام وتحصين المجتمع الشيعي من الاختراق بواسطة الحركات العقدية المنحرفة كحركات الغلاة والواقفة والفرق المنحرفة من خارج الحالة الشيعية كالمجسمة والمشبهة والقدرية والمرجئة والسلفية الناصبية التي راجت في زمان الإمام الهادي عليه السلام وما بعده من الأعصار .

لم يسجل لنا التاريخ انحرافاً لأحد وكلاء الإمام الهادي (عليه السلام) ما خلا الوكيل المعروف ﺑ (الدهقان) ، والذي يظهر أن انحرافه كان بعد مدة ليست بالقصيرة من توكيله إذ تشير الروايات أنه انحرف في زمان الإمام العسكري عليه السلام ، وأنه كان أول أمره مستقيماً ، إلا أن ضعف النفس وقلة الهمة وتصدع التحصين الذاتي عنده أودى بعاقبته إلى الانحراف ، وما إن ظهرت منه بعض البوادر والمواقف التي تنم عن انحرافه حتى صدرت من الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) مواقف شديدة في فضحه وهتكه ولعنه فتبرأت منه الحالة الشيعية وانتهت وكالته بظهور فسقه وانحرافه ، نعوذ بالله تعالى من سوء العاقبة .

1- عروة بن يحيى البغدادي الدُّهقان

اشارة

عروة بن يحيى البغدادي الدُّهقان (1)

ذكره الشيخ الطوسي في رجاله في أصحاب الإمام الهادي عليه السلام قائلاً : «عروة بن يحيى الدهقان ، غال» (2) ، وذكراً شخصاً آخر في أصحاب الإمام الهادي عليه السلام بعنوان : «عروة النخاس الدهقان ، ملعون ، غال» (3) ، أما العلامة الحلي فقد جعلهما

ص: 272


1- في لسان العرب 10\107 : «الدُّهقان : التاجر ، فارسي معرب» ، يقرأ بضم الدال المهملة وكسرها أيضاً .
2- رجال الطوسي 389 .
3- المصدر نفسه .

شخصاً واحداً فقال : «عروة بن يحيى النخاس الدهقان ، غال ، ملعون» (1) ، وتوهم البعض أنه متحد مع (عروة الوكيل القمي) الذي ذكره الطوسي في أصحاب الإمام العسكري عليه السلام (2) ، واستبعد جمع من المحققين هذا الاتحاد ، منهم الوحيد البهبهاني (3) ، والسيد علي البروجردي (4) ، والسيد الخوئي (5) ، والحق معهم ؛ فإن عروة بن يحيى بغدادي ، وهذا الوكيل قمي ، ولو فهم الطوسي اتحادهما لوصفه بالدهقان أو الغالي كما فعل سابقاً .

وكالته ودوره مع الإمام الهادي عليه السلام

اضطربت فيه الأقوال ، وتناقضت حوله الأخبار ، والمتيقن أنه كان مستقيماً أول أمره ، وقد شارك في التصدي لفتنة فارس القزويني ، وبعث للإمام الهادي عليه السلام كتاباً يسأله فيه الفصل في قضية فارس القزويني بعد أن انقسم الناس تجاهه فرقتين ، وربما يشير في ذلك إلى بداية ما كان يجري بين فارس وبين الوكيل علي بن جعفر الهُماني من سجالات وتبادل اتهامات ، وقد ذكر الكشي نص الرسالة بسندين مختلفتين ، نقل الأول عن محمد بن مسعود قال : حدثني علي بن محمد ، قال : حدثني أحمد بن محمد بن عيسى ، قال : قرأنا في كتاب الدهقان وخط الرجل في القزويني ، وكان كتب إليه الدهقان يخبره باضطراب الناس في هذا الأمر ، وأن الموادعين قد أمسكوا عن بعض ما كانوا فيه لهذه العلة من الاختلاف ، فكتب عليه السلام : «كذبوه وهتكوه أبعده الله وأخزاه ، فهو كاذب في جميع ما يدعي ويصف ، ولكن صونوا أنفسكم عن الخوض والكلام في ذلك ،

ص: 273


1- خلاصة الأقوال 383 .
2- رجال الطوسي 400 .
3- تعليقة على منهج المقال 241 .
4- طرائف المقال 1\325 .
5- معجم رجال الحديث 12\155 .

وتوقوا مشاورته ، ولا تجعلوا له السبيل إلى طلب الشر ، كفى الله مؤونته ومؤونة من كان مثله» (1) .

أقول : ربما قصد الإمام سلام الله عليه في قوله (كذبوه وهتكوه) أن يكون ذلك بين خواص شيعة الإمام وأصحابه ؛ لأن قوله (وتوقوا مشاورته) يناقض الهتك ، فإنه من يهتك شخصاً لا يفكر أبداً بمشاورته ، فلعل هذا الكتاب كان في بدايات انحراف فارس القزويني بدليل أن الإمام عليه السلام قال لهم : (صونوا أنفسكم عن الخوض والكلام في ذلك) ربما خوفاً عليهم من بطش فارس الذي كان له علاقات مشبوهة مع أعيان السلطة والمتنفذين في دولة بني العباس ، ولهذا قال لهم الإمام سلام الله عليه : (ولا تجعلوا له السبيل إلى طلب الشر) .

وروى الكشي هذا الكتاب بسند آخر عن موسى بن جعفر بن وهب ، قال : كتب عروة إلى أبي الحسن عليه السلام في أمر فارس بن حاتم ، فكتب : «كذبوه وهتكوه أبعده الله وأخزاه ، فهو كاذب في جميع ما يدعي ويصف ، ولكن صونوا أنفسكم عن الخوض والكلام في ذلك ، وتوقوا مشاورته ، ولا تجعلوا له السبيل إلى طلب الشر ، كفانا الله مؤونته ومؤونة من كان مثله» (2) .

ليس معلوماً بالضبط متى بدأ انحراف عروة بن يحيى ، فقد ذكر ابن شهرآشوب إنه كان يكذب على الإمام الهادي عليه السلام (3) ، وأورد الكشي عن علي بن سليمان بن رشيد العطار البغدادي (من أصحاب الإمام الهادي) قال : كان عروة بن يحيى يلعنه أبو محمد عليه السلام ، وذلك أنه كانت لأبي محمد عليه السلام خزانة وكان يليها أبو علي بن راشد رضي الله عنه ، فسلمت إلى عروة فأخذها لنفسه ، ثم أحرق باقي ما فيها يغايظ بذلك أبا محمد عليه السلام فلعنه وبرئ منه ، ودعا عليه ، فما أمهل يومه ذلك وليلته ، حتى قبضه الله إلى النار . فقال عليه السلام : «جلست لربي في ليلتي هذه كذا وكذا

ص: 274


1- اختيار معرفة الرجال 2\810 .
2- المصدر نفسه 2\806 .
3- مناقب آل أبي طالب 3\534 .

جلسة ، فما انفجر عمود الصبح ، ولا انطفئ ذلك النار ، حتى قتل الله عروة لعنه الله» (1) .

ونقف مع هذه النصوص على مجموعة من الملاحظات :

أولاً: من المستبعد جداً أن يكون عروة قد انحرف في زمان أبي الحسن الهادي عليه السلام ؛ فإن شيئاً من ذلك لو حصل لقام الإمام الهادي عليه السلام بفضحه وهتكه وبيان كذبه للناس ، لا سيما إذا علمنا أن الحسن بن راشد توفي بحدود 240 ه، ورواية الكشي تذكر أن عروة خلفه على أمر الخزانة ، فيكون قد قضى قرابة 14 عاماً في خدمة الإمام الهادي عليه السلام ، فمن المستحيل حصول الانحراف في زمانه عليه السلام .

ثانياً : إن رواية الكشي الأخيرة واضحة أن عروة إنما خان وانحرف في زمان الإمام العسكري عليه السلام ، فسرق بعض الأموال وأحرق البعض الآخر ، ليغيظ بذلك الإمام العسكري عليه السلام .

ثالثاً : إن فعل الدهقان كان بغضاً لأبي محمد العسكري عليه السلام ، وهذا متناقض مع وصف الشيخ الطوسي بأنه (غالٍ) ؛ فإن الغلو نقيض البغض والنصب ، إلا إذا فرضنا أن الغلو لم يكن في الأئمة ، وإنما في نفسه ، أو في غيرهم .

رابعاً : إن الإمام المهدي عليه السلام ذكر قصة (الدهقان) في أحد توقيعاته على سبيل العظة والاعتبار للشيعة ، فقال سلام الله عليه في التوقيع الذي لعن فيه أحمد بن هلال العبرتائي : «وقد علمتم ما كان من أمر الدهقان عليه لعنة الله ، وخدمته ، وطول صحبته ، فأبدله الله بالإيمان كفراً حين فعل ما فعل ، فعاجله الله بالنقمة ولا يمهله ، والحمد الله لا شريك له ، وصلى الله على محمد وآله وسلم» (2) .

إن هذا النص الشريف ذو فائدتين : أولهما : إنه يؤكد أن الدهقان كان مستقيماً أول أمره ، وقد خدم الأئمة ردحاً طويلاً من الزمن ، وثانيهما : أن انحرافه لم يدم طويلاً حتى عاجله الله تعالى بالعذاب والنقمة ، وفضحه الإمام العسكري عليه السلام ، وهذا يؤكد من

ص: 275


1- اختيار معرفة الرجال 2\842 ، بحار الأنوار 50\301 .
2- اختيار معرفة الرجال 2\816 .

تم تأصيله في مقدمة هذا الكتاب من عدم اجتماع الوكالة والانحراف ؛ لأن الأئمة عليهم السلام لم يكونوا ليسلطوا الوكلاء المنحرفين على دين الله تعالى وحقوق الناس مع ملاحظة ما كان يتمتع به جهاز الوكالة من أهمية بالغة جعلته رأس الحربة في أي مشروع أو نشاط أو مواجهة يقوم بها الأئمة عليهم السلام .

خامساً : ورد في أحد تواقيع الإمام الحسن العسكري عليه السلام مدح وتوثيق للوكيل الدهقان ، روى الكشي ذلك ضمن رسالة الإمام العسكري عليه السلام إلى إسحاق بن إبراهيم النيسابوري ، فقد ورد فيها : «فإذا وردت بغداد فاقرأه على الدهقان ، وكلينا وثقتنا ، والذي يقبض من موالينا» (1) .

ورجح الكثير أن يكون هذا الدهقان هو عروة بن يحيى المترجم له ، وهذا مستبعد لأمرين :

1. إن توثيق الإمام العسكري عليه السلام لعروة ، ثم لعنه وهتكه بعد فترة وجيزة ، سيرسل رسالة خاطئة للشيعة عن تناقض تواقيع الإمام العسكري عليه السلام ، وهذا النوع من التخبط وسوء الإدارة لا يليق بمقام الإمام عليه السلام .

2. إن في أصحاب الإمام العسكري عليه السلام وكيلاً يعرف بالدُّهقان ، ذكره الشيخ الطوسي في رجاله قائلاً : «محمد بن صالح بن محمد الهمداني ، وكيل ، الدُّهقان» (2) ، فمن المرجح جداً أن يكون هذا هو الوكيل الدهقان الثقة المذكور في التوقيع الشريف ، وهذا ما قرّبه السيد الخوئي (رحمه الله) في رجاله قائلاً : «وغير بعيد ، أن يكون المراد بالدُّهقان ، هو محمد بن صالح الهمداني ، فإن الموصوفين بالدُّهقان بين من لم يكن وكيلاً ، مثل إبراهيم الدُّهقان ، وعبيد الله بن عبد الله الدُّهقان ، وبين من هو خبيث وملعون ، كعروة بن يحيى» (3) .

ص: 276


1- المصدر نفسه 2\847 .
2- رجال الطوسي 402 .
3- معجم رجال الحديث 17\196 .
رواياته

لعله لم يصلنا من مرويات عروة بن يحيى إلا رواية واحدة أوردها صاحب الاختصاص بسنده عن سهل بن زياد الآدمي قال : حدثني عروة بن يحيى ، عن أبي سعيد المدائني (1) قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ما معنى قول الله عز وجل في محكم كتابه : (وما كنتَ بجانب الطور إذ نادينا) (2) ، فقال عليه السلام : «كتاب لنا كتبه الله يا أبا سعيد ، في ورق قبل أن يخلق الخلائق بألفي عام ، صيّره معه في عرشه أو تحت عرشه ، فيه : يا شيعة آل محمد أعطيتكم قبل أن تسألوني ، وغفرت لكم قبل أن تستغفروني ، من أتاني منكم بولاية آل محمد أسكنته جنتي برحمتي» (3) .

القسم الثالث : الوكلاء المشكوك في وكالتهم

اشارة

وهم مجموعة من الرواة الذين ذكرهم بعض المحققين ضمن وكلاء الإمام الهادي عليه السلام ، إلا أن البحث التاريخي لم يثبت صحة نسبة الوكالة إليهم ، فرأيت من المستحسن إفراد قسم خاص بهم ، وهم شخصان : علي بن الريان ، وجعفر بن عيسى بن عاصم .

1- علي بن الريان الأشعري القمي

هو علي بن الريان بن الصلت ، قمي أشعري النسب ، خراساني الأصل ، بغدادي المنشأ ، من الرواة الثقات ، كان أبوه الريان بن الصلت من أصحاب الإمام الرضا عليه

ص: 277


1- ذكره الطوسي في أصحاب الإمام الصادق عليه السلام – رجال الطوسي 326 .
2- من الآية 46 من السورة القصص .
3- الاختصاص 111 ، بحار الأنوار 65\64 ، وهذه الرواية من الروايات المشهورة ؛ فقد رواها الحسيني بسند آخر عن محمد بن العباس ، عن جعفر بن محمد بن مالك ، عن الحسن بن علي بن مروان ، عن طاهر بن مدرار ، عن أخيه ، عن أبي سعيد المدائني - بحار الأنوار 26\296 ، ورواه بإسناده عن الفضل بن شاذان يرفعه إلى سليمان الديلمي ، عن مولانا جعفر بن محمد عليه السلام – تأويل الآيات 1\417 ، كما أورده فرات الكوفي في تفسيره ص316 .

السلام ، ولعب دوراً مهماً في تثبيت الشيعة على إمامة أبي جعفر الجواد عليه السلام بعد وفاة أبيه (1) ، وكان الريان بن الصلت خال المعتصم العباسي ، له كتاب (منتثر الأحاديث) رواه عنه علي بن إبراهيم (2) .

ولعل أول من نصّ على وكالة علي بن الريان للإمام الهادي عليه السلام العلامةُ الحلي في خلاصته (3) ، ثم تبعه تلميذه ابن داود ، والشيخ صاحب المعالم (4) (1011 ھ) ، ومن المتأخرين ذكر ذلك السيد علي البروجردي (5) ، والشيخ النمازي الشاهرودي (6) .

ربما استفاد العلامة مما ذكره الكشي (7) أن الحسين بن سعيد الأهوازي أوصل علي بن الريان إلى معرفة الإمام الرضا عليه السلام وجرت خدمة الإمام على أيديهم ، وفسر الخدمة بالوكالة ، وتبعه على ذلك من جاء بعده ، ولكن الصحيح أن الذي أوصله الحسين بن سعيد هو علي بن مَهْزِيار وليس علي بن الريان لأسباب :

1. إن علاقة علي بن الريان بالإمام الرضا عليه السلام قديمة ، ونشأت عن طريق أبيه الريان بن الصلت .

2. إن علي بن مَهْزِيار أهوازي ، صحب الحسين بن سعيد ، وروى عنه ، وكان علي نصرانياً ، فأسلم وتعرف على هذا الأمر .

3. إن الطوسي إنما ذكر (علي بن مَهْزِيار) بدل الريان بن الصلت ، والطوسي أوثق وأدق وأثبت في الرجال من الكشي (8) .

ص: 278


1- دلائل الإمامة 388 .
2- رجال النجاشي 278 .
3- خلاصة الأقوال 185 .
4- التحرير الطاووسي 380 .
5- طرائف المقال 1\245 .
6- مستدركات علم رجال الحديث 5\372 .
7- اختيار معرفة الرجال 2\827 .
8- رجال الطوسي 354 .

وبناءً على ما تقدم ، فليس ثمة دليل على وكالة علي بن الريان للإمام الهادي عليه السلام ، ويؤيد هذه النتيجة أننا لم نجد له دوراً في حركة الإمام الهادي الفكرية والدعوية التي كان للوكلاء فيها دور بارز ، ويزيدها تأكيداً أن الكشي والنجاشي والطوسي لم يذكراه في الوكلاء رغم أنهم ذكروه في كتبهم إما قصداً وإما عرضاً .

2- عيسى بن جعفر بن عاصم (ت 241 ﻫ)

وهو عيسى بن جعفر بن عاصم ، نص على وكالته ، الكرباسي في إكليله (1) ، والشهارودي في مستدركاته (2) ، والأبطحي في تهذيب مقاله (3) ، وربما جرى الخلط بينه وبين أبي عبد الله أحمد بن محمد بن عاصم العاصمي الذي هو من الوكلاء الذين تشرفوا برؤية الإمام المهدي عليه السلام ، وكان لجعفر بن عيسى بن عاصم خان ببغداد يرتزق منه ، وقد وشي به عند القاضي أنه يسب الصحابة وأزواج النبي ، فرُفع أمره للمتوكل ، فأصدر الخليفة الظالم أمراً بضرب عيسى بن جعفر (رحمه الله) ضرباً مبرّحاً بالسياط حتى

ص: 279


1- إكليل المنهج 403 .
2- مستدركات علم رجال الحديث 6\154 .
3- تهذيب المقال 1\134 .

الموت ورمي جثته الشريفة في نهر دجلة ، وهكذا بدأ المد السلفي بزعامة المتوكل باستعمال إرهاب الدولة المنظم لفرض نظرياته العقدية ، وتذويب العقيدة السلفية في أذهان الناس تحت وطأة السياط وحر السيوف .

لم تحدثنا النصوص القديمة عن علاقة عيسى بن جعفر بالإمام الهادي عليه السلام إلا ما ورد أن الإمام الهادي عليه السلام دعا له بعد استشهاده ، أورد ذلك الكشي في رجاله قال : حدثني محمد بن قولويه ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا أحمد بن هلال ، عن محمد بن الفرج ، ورواه أيضاً الطوسي في غيبته عن ثقة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني رفعه إلى محمد بن فرج قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن أبي علي بن راشد وعن عيسى بن جعفر بن عاصم وابن بند . فكتب إلي : ذكرت ابن راشد رحمه الله فإنه عاش سعيداً ومات شهيداً ، ودعا لابن بند والعاصمي ، وابن بند ضرب بالعمود حتى قتل ، وأبو جعفر ضرب ثلاثمائة سوط ورمي به في دجلة (1) .

والحق إن وكالة عيسى بن جعفر غير ثابتة ؛ فليس في الرواية المذكورة ما يوحي بأنه كان وكيلاً ، والشبهة جاءت لبعض الأعلام باعتباره من الوكلاء لأن الطوسي ذكر تلك الرواية في إطار حديثه عن الوكلاء الممدوحين ، والصحيح أنه قصد بإيراد هذه الرواية الحديث عن الحسن بن راشد لا غير ، وهذا واضح لمن يراجع كتاب الغيبة .

وقصة عيسى بن جعفر مشهورة في كتب التاريخ ذكرها أغلب المؤرخين وأصحاب السير ، فقد ذكر ابن كثير في أحداث سنة 241 ھ ، قال : «وفيها أمر الخليفة المتوكل بضرب رجل من أعيان أهل بغداد يقال له "عيسى بن جعفر بن محمد بن عاصم" ، فضرب ضرباً شديداً مبرحاً ، يقال : إنه ضرب ألف سوط حتى مات ، وذلك أنه شهد عليه سبعة عشر رجلاً عند قاضي الشرقية أبي حسان الزيادي (2) أنه يشتم أبا بكر وعمر

ص: 280


1- اختيار معرفة الرجال 2\863 ، غيبة الطوسي 351 .
2- هو الحسن بن عثمان بن حماد بن حسان ، أبو حسان الزيادي ، واحد من وعاظ البلاط العباسي وأبواقه الإعلامية ، ذكر الخطيب أنه ولي قضاء الشرقية بعد محمد بن عبد الله بن المؤذن في خلافة المتوكل سنة 241 ، ت سنة 242 – تاريخ بغداد 7\372 .

وعائشة وحفصة ، فرفع أمره إلى الخليفة فجاء كتاب الخليفة إلى محمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين نائب بغداد يأمره أن يضربه بين الناس حد السب (1) ، ثم يضرب بالسياط حتى يموت ويلقى في دجلة ولا يصلى عليه ، ليرتدع بذلك أهل الإلحاد والمعاندة» (2) ، والملفت أن المتوكل نفسه هو الذي حكم بهذه القضية ، وجعل شتم الخلفاء إلحاداً في الدين ، بينما كان يقيم حفلات الرقص والغناء ليشتم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام جهاراً أمام حفنة من السكارى من أشباه البشر ، هذا الخليفة تنسب إليه السلفية المعاصرة نصرة السنة النبوية ، فليت شعري أية سنة هذه التي تجعل الدولة ترفع راية النفاق وتهدم منارة الحق ، إنه حال الأمة التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً !

وجاء في مرسوم الإعدام الذي بعث به وزير المتوكل عبيد الله بن يحيى بن خاقان : «أبقاك الله وحفظك ، وأتم نعمته عليك ، وصل كتابك في الرجل المسمى عيسى بن جعفر بن محمد بن عاصم صاحب الخانات ، وما شهد به الشهود عليه من شتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولعنهم ، وإكفارهم ، ورميهم بالكبائر ، ونسبتهم إلى النفاق ، وغير ذلك مما خرج به إلى المعاندة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وتثبتك في أمر أولئك الشهود وما شهدوا به وما صح عندك من عدالة من عدل منهم ، ووضح لك من الأمر فيما شهدوا به ، وشرحك ذلك في رقعة درج كتابك ، فعُرضت على أمير المؤمنين أعزه الله ذلك ، فأمر بالكتاب إلى أبي العباس محمد بن عبد الله بن طاهر مولى أمير المؤمنين أبقاه الله بما قد نفذ إليه مما يشبه ما عنده أبقاه الله من نصرة دين الله ، وإحياء سنته ، والانتقام ممن ألحد فيه ، وأن يضرب الرجل حداً في مجمع الناس حد الشتم وخمسمائة سوط بعد الحد للأمور العظام التي اجترأ عليها فإن مات ألقى في الماء من

ص: 281


1- هذا الحد إنما هو من بدع المتوكل التي تسربت إلى المدرسة السلفية فيما بعد .
2- البداية والنهاية 10\357 .

غير صلاة ؛ ليكون ذلك ناهياً لكل ملحد في الدين خارج من جماعة المسلمين ، وأعلمتك ذلك لتعرفه إن شاء الله تعالى ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته» (1) .

وفي مشهد الإعدام يروي الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد بسنده عن ابن أبي الدنيا قال : «كنت في الجسر واقفاً وقد حضر أبو حسان الزيادي القاضي ، وقد وجه إليه المتوكل من سر من رأى بسياط جدد في منديل ديبقي مختومة ، وأمره أن يضرب عيسى بن جعفر بن محمد بن عاصم - وقيل أحمد بن محمد بن عاصم صاحب خان عاصم - ألف سوط ، لأنه شهد عليه الثقات وأهل الستر أنه شتم أبا بكر وعمر وقذف عائشة ، فلم ينكر ذلك ولم يتُب منه ، وكانت السياط بثمارها ، فجعل يُضرب بحضرة القاضي وأصحاب الشُرَط قيام ، فقال : أيها القاضي قتلتني . فقال له أبو حسان : قتلك الحق ، لقذفك زوجة الرسول ، ولشتمك الخلفاء الراشدين المهديين . قال طلحة : وقيل : لما ضرب تُرك في الشمس حتى مات ، ثم رُمي به في دجلة» (2) .

الخاتمة

تبين من خلال طيات البحث أن الوكالة كانت مشروعاً متقدماً في حركة الإمام الهادي عليه السلام ، وقد امتازت هذه الحركة بمجموعة من السمات والمميزات التي فرضتها طبيعة المرحلة ومستوى التحديات السياسية والفكرية التي أحاطت بالحالة الإسلامية لاسيما الشيعية منها .

ويمكن الإضاءة على أهم مفزرات هذا الكتاب من خلال النقاط الآتية :

1. إن مجموعة من العوامل السياسية والفكرية والعقدية واللوجستية فرضت على الإمام الهادي عليه السلام تشكيل جهاز عالي التنظيم من الوكلاء لتنسيق العمل والتواصل مع الحواضر الشيعية .

ص: 282


1- تاريخ الطبري 7\375 .
2- تاريخ بغداد 7\369 ، تاريخ دمشق 13\135 .

2. أدى هؤلاء الوكلاء أدوراً مميزة يتعلق قسم منها بتنظيم العلاقة بين الشيعة والإمام عليه السلام كجمع الأخماس والزكوات ، وإدارة الأوقاف ، والإشراف على الأيتام ، والفصل القضائي بين المؤمنين ، وإيصال المسائل الشرعية من الشيعة إلى الإمام ، ونقل الأحكام والتوجيهات الابتدائية من الإمام إلى الشيعة .

3. مارس الوكلاء دوراً فاعلاً في التصدي للحركات الفكرية المنحرفة لاسيما حركة الغلاة التي بدأت بالانتشار في بعض النواحي الشيعية مستغلة هشاشة الحصانة لدى الطبقات الطارئة على التشيع ، فساهم هؤلاء الوكلاء في رفع مستوى الممانعة العقدية لدى الجماعة الشيعية ، ونجحوا في تصفية بعض رؤوس الفتنة كالضال المنحرف فارس بن حاتم القزويني سنة 250 ﻫ ، فضلاً عن محاصرة وتحجيم كثير منهم .

4. تميز جهاز الوكلاء الذي أسسه وأشرف عليه الإمام الهادي عليه السلام بحسن التنظيم ، وتوزيع الصلاحيات ، والسرية في العمل مما ساهم في نجاح مهمته وتحييد الأجهزة الأمنية العباسية عن اختراقه أو ضربه .

5. أثبت البحث أن الإمام الهادي عليه السلام كان دقيقاً في اختيار الوكلاء بما يتناسب مع أدوارهم والمناطق التي يعملون فيها ، فكانوا جميعاً من أهل الصلاح والتقوى ، ومن كبار الفقهاء والمحدثين ، ولم يسجل التاريخ انحراف أحد من وكلاء الإمام الهادي عليه السلام ما خلا عروة بن يحيى المعروف بالدُّهقان الذي انحرف في زمان الإمام أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام وصدرت تواقيع الإمام بلعنه والبراءة منه ، وتأسيساً على ذلك فقد توصل الباحث إلى إثبات الملازمة بين الوكالة والوثاقة في المباحث الرجالية .

6. كان من شأن الإمام الهادي عليه السلام الاهتمام الكبير بوكلائه ، فقد حرص على توفير الدعم المالي اللازم لمساعدتهم على القيام بمهامهم على أتم وجه ، كما كان دائم الرعاية لهم ، وطالما خصهم بدعائه المبارك لحفظهم وتأييدهم وحسن عاقبتهم ، كما تميزت إدارة الإمام الهادي عليه السلام لجهازه بالمراقبة الدائمة ورصد الحالات السلبية من أجل تقويمها ومعالجتها .

ص: 283

7. ساهم الإمام الهادي عليه السلام من خلال الوكيل الثقة الجليل عثمان بن سعيد العمري (ت265 ﻫ) بإعداد الذهنية الشيعية لاستقبال غيبة الإمام المهدي عليه السلام ، فقد تم ترسيخ عثمان بن سعيد طيلة مدة إمامة الإمامين الهادي وابنه العسكري كواحد من رجالات الصف الأول من الشيعة الذين لا يشك أحد بصدقهم وورعهم وولائهم وحسن بلائهم ، مما كان له الأثر الكبير في امتصاص الصدمة التي خلفها رحيل الإمام العسكري عليه السلام وغيبة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

مصادر الكتاب

أولاً: الكتب

* القرآن الكريم .

* إتقان المقال في أحوال الرجال ، للشيخ محمد طه نجف (ت 1323 ه) . المطبعة العلوية - النجف ، 1340 ه .

* الاحتجاج على أهل اللجاج ، أبو منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي (ت548 ه) . تحقيق : محمد باقر الخرسان . مطبعة النعمان - النجف الأشرف (1966م) .

* اختيار معرفة الرجال المعروف برجال الكشي ، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه) . تصحيح وتعليق : المعلم الثالث ميرداماد الاستربادي ، تحقيق : مهدي الرجائي مؤسسة آل البيت عليهم السلام ، 1409 ه .

ص: 284

* الاختصاص ، المنسوب إلى أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الشيخ المفيد ( م 413 ه) . تحقيق : علي أكبر الغفاري ، قم : مؤسسة النشر الإسلامي ، 1414 ه ، الرابعة .

* الإرشاد في معرفة حجج الله علي العباد ، الشيخ المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العُكبري البغدادي (336 - 413 ه) . تحقيق : مؤسسة آل البيت عليهم السلام لتحقيق التراث ، دار المفيد للطباعة والنشر ، الطبعة الثانية ، 1414 ھ - 1993 م .

* الاستبصار فيما اختلف من الأخبار ، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه) . حققه وعلق عليه : حسن الموسوي الخرسان ، الناشر : دار الكتب الإسلامية ، طهران ، 1390 ه .

* الإصابة في تميز الصحابة ، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 ه) . دراسة وتحقيق وتعليق : الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمد معوض . دار الكتب العلمية بيروت - لبنان ، الطبعة الأولى ، 1415ه - 1995م .

* إعلام الورى بأعلام الهدى ، أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (من أعلام القرن السادس الهجري) . تحقيق : مؤسسة آل البيت لإحياء التراث . نشر : مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث – قم ، 1417 ه .

* إكليل المنهج في تحقيق المطلب ، محمد جعفر بن محمد طاهر الخراساني الكرباسي (1080 - 1175 ه) . تحقيق : السيد جعفر الحسيني الإشكوري ، دار الحديث- قم ، الطبعة الأولى ، 1424 ه .

* إقبال الأعمال ، رضي الدين علي بن موسى جعفر بن طاووس (ت664 ھ) . المحقق : جواد القيومي الأصفهاني ، نشر : مكتب الإعلام الإسلامي ، الطبعة الأولى ، 1414 ه .

ص: 285

* الأمالي ، الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين القمي (ت 381 ه) . تحقيق : قسم الدراسات الإسلامية في مؤسسة البعثة ، قم ، الطبعة الأولى ، 1417 ه .

* الأمالي ، الشيخ المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العُكبري البغدادي (336 - 413 ه) . تحقيق : الحسين أستاد ولي - علي أكبر الغفاري ، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية قم المقدسة ، المطبعة الإسلامية 1403 ه .

* الأمالي ، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (385 - 460 ه) . تحقيق : قسم الدراسات الاسلامية - مؤسسة البعثة للطباعة والنشر والتوزيع ، الطبعة الأولى ، 1414 ه .

* الإمامة والتبصرة من الحيرة ، أبو الحسن علي بن الحسين بن بابويه القمي "والد الشيخ الصدوق" (ت 329 ه) . تحقيق ونشر : مدرسة الإمام المهدي عليه السلام قم المقدسة ، 1404 ه .

* الأنساب ، أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي السمعاني المتوفى سنة 562 ه . تقديم وتعليق : عبد الله عمر البارودي . دار الجنان ، بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى 1408 ه - 1988 م .

* بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ، محمد باقر المجلسي (ت1111 ه) . مؤسسة الوفاء بيروت - لبنان الطبعة الثانية ، 1403 ه - 1983 م .

* البداية والنهاية ، أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي (ت774 ه) . تحقيق : علي شيري ، دار إحياء التراث العربي ، الطبعة الأولى ، بيروت – لبنان ، 1408 ه . 1988 م .

* بصائر الدرجات الكبرى ، أبو جعفر محمد بن الحسن بن فروخ الصفار (ت290 ه) . الناشر : مؤسسة الأعلمي - طهران ، المطبعة : مطبعة الأحمدي - طهران ، 1404 ھ .

ص: 286

* تاج العروس من جواهر القاموس ، محب الدين أبو فيض محمد مرتضى الحسيني الواسطي الزبيدي الحنفي (ت 1205 ه) . دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ، 1994 م - 1414 ه .

* تاريخ الاسلام ووفيات المشاهير والأعلام ، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت748 ه) . تحقيق : عمر عبد السلام تدمري . بيروت ، دار الكتاب العربي ، 1411 ه .

* تاريخ آل زرارة ، محمد على الموحد الأبطحي . مطبعة رباني ، 1399 ه .

* تاريخ الأمم والملوك (تاريخ الطبري) ، أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت310 ه) . مؤسسة الأعلمي للمطبوعات . بيروت – لبنان . 1403ﻫ - 1983م .

* تاريخ بغداد أو مدينة السلام ، لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي ( ت 463 ه) . دراسة وتحقيق : مصطفى عبد القادر عطا . دار الكتب العلمية بيروت ، 1417 ه .

* تاريخ الغيبة الصغرى . محمد محمد صادق الصدر (ت 1419 ه) . انتشارات القدس ، مركز بني الزهراء للطباعة والنشر والتوزيع ، قم ، إيران ، الطبعة الثانية ، 1427 ه .

* تاريخ مدينة دمشق ، أبو القاسم علي بن الحسين بن هبة الله المعروف بابن عساكر الدمشقي (ت 571 ه) . تحقيق : علي الشيري . دار الفكر ، بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى 1415 ه .

* تاريخ اليعقوبي ، أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح الكاتب العباسي المعروف باليعقوبي (ت284 ه) . دار صادر بيروت .

* تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة ، شرف الدين علي الغروي الحسيني الأسترآبادي النجفي (ت ح 933 ه) . تحقيق ونشر: مدرسة الإمام المهدي عليه السلام ، قم المقدسة ، 1407 ه .

* تحرير الأحكام الشرعية ، أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي المعروف بالعلامة الحلي (648 - 726 ه) . المحقق : الشيخ إبراهيم البهادري ، الطبعة الأولى

ص: 287

- المطبعة : اعتماد - قم ، الناشر : مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام) ، 1420 ه .

* التحرير الطاووسي المستخرج من كتاب حل الاشكال للسيد أحمد بن موسى الطاووس (ت 673 ه) ، حسن بن زين الدين صاحب المعالم (ت 1011 ه) . تحقيق : فاضل الجواهري ، ، نشر : مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي - قم المقدسة الطبعة الأولى ، 1411 ه .

* تحف العقول عن آل الرسول ، أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني (من أعلام القرن الرابع) . عنى بتصحيحه والتعليق عليه : علي أكبر الغفاري . مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين ، قم - إيران ، الطبعة الثانية 1404 ھ .

* تذكرة الفقهاء ، أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي المعروف بالعلامة الحلي (648 - 726 ه) . تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث . قم ، 1414 ھ .

* تعليقة على منهج المقال ، محمد باقر بن محمد ، الوحيد البهبهاني (ت1205 ه) . مكتبة أهل البيت عليهم السلام الالكترونية ، الإصدار الأول .

* تفسير العياشي ، أبو النظر محمد بن مسعود بن عياش السلمي السمرقندي المعروف بالعياشي (ت320 ه) . وقف على تصحيحه وتحقيقه والتعليق عليه : السيد هاشم الرسولي المحلاتي . المكتبة العلمية الإسلامية .

* تفسير الفرات الكوفي ، فرات بن إبراهيم الكوفي (ت352 ه) . تحقيق : محمد الكاظم . الناشر : مؤسسة الطبع والنشر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي. طهران – إيران ، الطبعة الأولى ، 1410 ه . - 1990 م .

* تنقيح المقال ، عبد الله المامقاني (ت 1351 ه) . النجف الأشرف : المطبعة المرتضوية ، طبعة حجرية ، 1348 ھ .

ص: 288

* تهذيب الأحكام في شرح المقنعة للشيخ المفيد ، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه) . حققه وعلق عليه : حسن الموسوي الخرسان ، الناشر : دار الكتب الإسلامية طهران ، 1390 ه .

* تهذيب المقال في تنقيح كتاب الرجال للشيخ الجليل أبي العباس أحمد بن علي النجاشي ، محمد علي الموحد الأبطحي . المطبعة : نكارش ، قم ، 1417 ھ .

* التوحيد ، الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد علي بن الحسين بن بابويه القمي (ت381 ھ) . صححه وعلق عليه : هاشم الحسيني الطهراني ، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية في قم المقدسة .

* الثاقب في المناقب ، عماد الدين أبو جعفر محمد بن علي الطوسي المعروف بابن حمزة (ت560 ھ) . تحقيق : نبيل رضا علوان . الناشر : مؤسسة أنصاريان ، قم المقدسة – إيران ، الطبعة الثانية ، 1412 ھ .

* ثواب الأعمال وعقاب الأعمال ، لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق ( ت 381 ھ) . تحقيق : تقديم : السيد محمد مهدي السيد حسن الخرسان . الناشر : منشورات الرضي – قم .

* جامع الأخبار أو معارج اليقين في أصول ، محمد بن محمد السبزواري (القرن 7 ھ) . تحقيق علاء آل جعفر مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث حقوق الطبع محفوظة الطبعة الأولى 1413 ه - 1993 م .

* جامع الرواة ، محمد بن علي الأردبيلي الحائري الغروي (ت 1101 ه) . مكتبة المحمدي مطبعة رنكين – طهران .

* الجامع للشرائع ، يحيى بن سعيد الحلي الهذلي (ت 690 ه) . الناشر : مؤسسة سيد الشهداء ، المطبعة العلمية – قم ، 1405 ه .

* جواهر التاريخ ، علي الكوراني العاملي . دار القارئ للطباعة والنشر ، بيروت – لبنان ، 1425 ھ .

ص: 289

* جواهر الكلام " في شرح شرائع الاسلام " ، محمد حسن النجفي (ت 1266 ه) . دار الكتب الاسلامية ، طهران .

* الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة ، يوسف البحراني (ت 1186 ه) . مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين ، قم المشرفة - إيران .

* حياة الإمام الرضا عليه السلام ، الشيخ باقر شريف القرشي (ت 1433 ه) . منشورات سعيد بن جبير ، المطبعة : مهر- قم ، الطبعة الأولى ، 1372 ه .

* حياة الإمام الهادي عليه السلام ، الشيخ باقر شريف القرشي (ت 1433 ه) . دار جواد الأئمة – بيروت ، 1429 ه .

* خاتمة مستدرك الوسائل ، الميرزا حسين النوري الطبرسي (ت 1320 ه) . تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث . - قم ، 1415 ه .

* الخرائج والجرائح ، قطب الدين الراوندي (ت 573 ھ) . تحقيق ونشر : مؤسسة الإمام المهدي عليه السلام ، قم المقدسة ، الطبعة الأولى ، 1409 ه .

* الخصال ، الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد علي بن الحسين بن بابويه القمي (ت381 ھ) . صححه وعلق عليه : علي أكبر الغفاري . منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية قم المقدسة .

* خلاصة الأقوال في معرفة الرجال ، أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر الأسدي المعروف بالعلامة الحلي (648 - 726 ه) . التحقيق : جواد القيومي ، المطبعة : مؤسسة النشر الإسلامي ، الطبعة الأولى ، 1417 ھ .

* دروس تمهيدية في القواعد الرجالية ، الشيخ محمد باقر الإيرواني (معاصر) . مؤسسة انتشارات مدين ، قم ، الطبعة الثانية ، 2007 م .

* دلائل الإمامة ، أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري الصغير (من أعلام القرن الخامس الهجري) . تحقيق : قسم الدراسات الإسلامية ، مؤسسة البعثة ، قم – إيران ، الطبعة الأولى 1413 ه .

ص: 290

* الذريعة إلى تصانيف الشيعة ، آقا بزرگ الطهراني (ت 1389 ه) . دار الأضواء ، بيروت ، الطبعة الثالثة ، 1403 ه - 1983 م .

* ربع قرن مع العلامة الأميني ، حسين الشاكري . الناشر : المؤلف ، مطبعة ستارة ، الطبعة الأولى – قم ، 1417 ه .

* رجال ابن داود ، تقي الدين الحسن بن علي بن داود الحلي (647 ه -707 ه) . حققه وقدم له : محمد صادق آل بحر العلوم ، منشورات المطبعة الحيدرية – النجف ، 1392 ه - 1972 م .

* رجال الطوسي ، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه) . المحقق : جواد القيومي الأصفهاني ، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة - رمضان المبارك 1415 ھ .

* الرجال لابن الغضائري ، أحمد بن الحسين الغضائري الواسطي البغدادي (من أعلام القرن الرابع الهجري) . تحقيق السيد محمد رضا الحسيني الجلالي . مؤسسة دار الحديث ، قم ، 1422 .

* رجال النجاشي ، أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد بن العباس النجاشي الأسدي الكوفي (372 – 450ھ) . التحقيق : موسى الشبيري الزنجاني ، مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين ، قم المشرفة ، إيران ، 1429 ھ .

* الرسائل الرجالية ، أبو المعالي محمد بن محمد إبراهيم الكلباسي (ت 1315 ه) . تحقيق : محمد حسين الدرايتي . دار الحديث ، قم ، 1422 ھ .

* سماء المقال في علم الرجال ، أبو الهدى الكلباسي (ت 1356 ه) . تحقيق السيد محمد الحسيني القزويني - مؤسسة ولي العصر - قم المقدسة ، 1419 ھ .

* سير أعلام النبلاء ، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748 ه) . مؤسسة الرسالة - بيروت ، الطبعة التاسعة ، 1413 ه - 1993م .

ص: 291

* شرح أصول الكافي ، المولى محمد صالح المازندراني (ت 1081 ه) مع تعاليق الميرزا أبو الحسن الشعراني . ضبط وتصحيح : السيد علي عاشور، دار احياء التراث العربي ، بيروت - لبنان ، الطبعة الأولى ، 1421 ه - 2000 م .

* الصحاح ، أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري (ت398ھ) . تحقيق أحمد عبد الغفور عطار ، دار العلم للملايين ، بيروت - لبنان ، الطبعة الرابعة 1407 ه - 1987 م .

* الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف ، أبو القاسم علي بن موسى الحلي ، ابن طاووس (ت 664 ه) . مطبعة الخيام ، قم ، الأولى ، 1400 ه .

* طرائف المقال في معرفة طبقات الرجال ، علي أصغر بن محمد شفيع الجابلقي البروجردي ( 1313 ه) . تحقيق : مهدي الرجائي ، إشراف : السيد محمود المرعشي . نشر : مكتبة النجفي العامة - قم المقدسة ، مطبعة بهمن - قم ، الطبعة الأولى ، 1410 ه .

* عدة الداعي ونجاح الساعي ، أحمد بن فهد الحلي (ت841 ھ) . صححه وعلق عليه : أحمد الموحدي القمي . الناشر : مكتبة وجداني - قم .

* العدة في أصول الفقه ، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه). تحقيق محمد رضا الأنصاري القمي ، المطبعة : ستارة – قم ، 1417 ھ .

* علل الشرائع ، الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد علي بن الحسين بن بابويه القمي (ت381 ھ) . منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها في النجف ، 1385 ه - 1966 م .

* عمدة الطالب ،

* عيون أخبار الرضا ، الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد علي بن الحسين بن بابويه القمي (ت381 ھ) . صححه وقدم له وعلق عليه : حسين الأعلمي ، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت - لبنان ، الطبعة الأولى ، 1404 ه - 1984 م .

ص: 292

* غوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية ، محمد بن علي بن إبراهيم الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور (ت 940 ه) . تحقيق : مجتبى العراقي . مطبعة سيد الشهداء (عليه السلام) - قم ، الطبعة الأولى ، 1403 ه .

* الغيبة ، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (385 - 460 ه) . تحقيق : عباد الله الطهراني وعلي أحمد ناصح ، مؤسسة المعارف الاسلامية ، قم المقدسة . الطبعة الأولى ، شعبان 1411 ه .

* فائق المقال في الحديث والرجال ، أحمد بن عبد الرضا البصري (ت1085 ھ) . تحقيق : غلام حسين قيصريه . دار الحديث ، قم ، الطبعة الأولى ، 1422 ھ .

* فرحة الغري في تعيين قبر أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : عبد الكريم بن طاووس الحسني (647 - 693 ه) . تحقيق : تحسين آل بيب . مؤسسة دائرة معارف الفقه الاسلامي ، الطبعة الأولى ، 1419 ه - 1998 م .

* فتوح البلدان ، أحمد بن يحيى بن جابر المعروف بالبلاذري (ت279 ھ) . نشره ووضع ملاحقه وفهارسه صلاح الدين المنجد . النشر والطبع : مكتبة النهضة المصرية ، القاهرة ، 1956 م .

* فلاح السائل ، رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد بن الطاووس (ت 664 ه) . مكتب الإعلام الإسلامي - قم ، 1372 ه .

* الفوائد الرجالية ، الوحيد البهبهاني (ت 1205) . مكتبة أهل البيت عليهم السلام الالكترونية ، الإصدار الأول .

* الفهرست ، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه) . المحقق : جواد القيومي . طبع ونشر مؤسسة نشر الفقاهة ، الطبعة الأولى ، شعبان المعظم 1417 ھ .

* فوات الوفيات ، محمد بن شاكر الكتبي . إحسان عباس ، الناشر : دار صادر – بيروت ، الطبعة الأولى ، ج4 ، 1974 م .

ص: 293

* قاموس الرجال ، محمد تقي التستري . تحقيق ونشر : مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة ، 1419 .

* القاموس المحيط ، مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي ( ت 817 ه) . دار العلم للجميع ، بيروت - لبنان .

* قرب الإسناد ، أبو العباس عبد الله بن جعفر الحميري (من أعلام القرن الثالث الهجري) . تحقيق ونشر : مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث - قم ، الطبعة الأولى ، 1413 ه .

* الكافي ، أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (ت 329 ه) . صححه وعلق عليه : علي أكبر الغفاري . الناشر : دار الكتب الإسلامية ، طهران – إيران ، الطبعة الثالثة ، 1388 ھ .

* كامل الزيارات ، أبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه القمي (ت 368 ھ) . التحقيق : الشيخ جواد القيومي ، المطبعة مؤسسة النشر الإسلامي ، الطبعة الأولى ، 1417 ھ .

* الكامل في التاريخ : عز الدين أبو الحسن علي بن أبي الكرم الشيباني المعروف بابن الأثير . دار صادر للطباعة والنشر – بيروت ، 1385 ه - 1965 م .

* كشف الغمة في معرفة الأئمة ، علي بن عيسى الأربلي ( م 687 ه) . دار الأضواء بيروت لبنان ، الطبعة الثانية ، 1405 ﻫ - 1985 م .

* الكشكول المبوب ، حسين الشاكري . الناشر : المؤلف ، المطبعة : ستارة – قم ، الطبعة الخامسة ، 1418 ﻫ .

* كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر ، أبو القاسم علي بن محمد بن علي الخزاز القمي الرازي (من علماء القرن الرابع) . حققه : عبد اللطيف الحسيني الكوه كمري الخوئي ، الناشر : بيدار مطبعة الخيام - قم ، 1401 ه .

* كليات في علم الرجال ، جعفر السبحاني . مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة ، ذو القعدة الحرام 1414 ه .

ص: 294

* كمال الدين وتمام النعمة ، الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد علي بن الحسين بن بابويه القمي (ت381 ھ) . صححه وعلق عليه : على أكبر الغفاري ، مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين ، قم المشرفة - إيران ، محرم الحرام 1405 ھ .

* كنز الفوائد ، أبو الفتح محمد بن علي الكراجكي (ت381 ھ) . نشر : مكتبة المصطفوي ، قم المقدسة ، طبعة حجرية ، الطبعة الثانية .

* لسان العرب ، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الإفريقي المصري (ت711 ھ) . نشر أدب الحوزة قم - إيران ، 1405 ه .

* لسان الميزان ، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 ھ) . منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت - لبنان ، الطبعة الثانية 1971 م- 1390 ه .

* لب اللباب في تحرير الأنساب : جلال الدين عبد الرحمن الأسيوطي الشافعي (ت 911 ﻫ) . دار صادر – بيروت ، لبنان .

* مجمع البحرين ، فخر الدين الطريحي (ت 1085 ھ) ، تحقيق : السيد أحمد الحسيني ، مكتب النشر الثقافة الإسلامية ، الطبعة الثانية ، 1408 ھ .

* مجمع الرجال الحاوي لذكر الرجال المترجمين في الأصول الخمسة الرجالية ، زكي الدين عناية الله بن علي القهبائي (ق 11 ھ) . صححه وعلق عليه : ضياء الدين العلامة الأصفهاني ، إصفهان : مطبعة رباني ، 1384 ه .

* "تاريخ الأئمة" مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمة للكاتب البغدادي (ت 322 ه) . تأليف : عدة من علماء الشيعة . نشر : مكتبه آية الله العظمى المرعشي النجفي ، مطبعة الصدر ، قم ، 1406 ه .

* المحاسن ، أبو جعفر أحمد بن محمد بن خالد البرقي (ت 290) ، عنى بنشره وتصحيحه والتعليق عليه : جلال الدين الحسيني المشتهر بالمحدث ، دار الكتب الإسلامية .

ص: 295

* مدخل إلى علم الفقه عند المسلمين الشيعة ، علي خازم . دار العزبة للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت - لبنان ، الطبعة الأولى ، 1413 ه - 1993 م .

* مدينة معاجز الأئمة الاثني عشر ودلائل الحجج على البشر ، هاشم البحراني (ت 1107 ھ) . تحقيق : الشيخ عزة الله المولائي الهمداني . نشر : مؤسسة المعارف الإسلامية ، الطبعة الأولى ، 1413 ه .

* المزار ، محمد بن المشهدي (ت 610 ه) . التحقيق : جواد القيومي الأصفهاني . المطبعة : مؤسسة النشر الاسلامي ، الطبعة الأولى ، 1419 ه .

* مزارات أهل البيت وتأريخها ، محمد حسين الحسيني الجلالي . مؤسسة الأعلمي ، بيروت – لبنان ، الطبعة الثالثة ، 1415 ه .

* مسائل علي بن جعفر ومستدركاتها ، تحقيق وجمع : مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث - قم المشرفة ، نشر : المؤتمر العالمي الإمام الرضا عليه السلام - مشهد المقدسة ، الطبعة الأولى - قم ، 1409 ه .

* المسترشد في إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، محمد بن جرير بن رستم الطبري الامامي (ت القرن 4) . تحقيق : الشيخ أحمد المحمودي . الناشر : مؤسسة الثقافة الاسلامية لكوشانبور ، قم – إيران ، الطبعة الأولى ، 1415 .

* مستدركات علم رجال الحديث ، علي النمازي الشاهرودي ، الطبعة الأولى ، مطبعة شفق - تهران ، 1412 ھ .

* المستدرك على الصحيحين : الحافظ أبو عبد الله الحاكم النيسابوري (ت405 ه) . إشراف : د . يوسف عبد الرحمن المرعشلي . دار المعرفة بيروت – لبنان .

* مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل ، حسين الطبرسي النوري (ت 1320 ه) . تحقيق ونشر : مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ، قم – إيران .

* مستطرفات السرائر ، أبو جعفر محمد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلي (ت598 ه) . مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة ، الطبعة الأولى ، 1411 ه .

ص: 296

* مستمسك العروة الوثقى ، محسن الطباطبائي الحكيم (ت 1390 ه) . الطبعة الرابعة ، مطبعة الآداب - النجف الأشرف ، 1391 ه .

* مستند الشيعة في أحكام الشريعة ، أحمد بن محمد مهدي النراقي (1245 ﻫ) . تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث ، مشهد المقدسة – إيران ، 1415 ه .

* مشايخ الثقات ، الميرزا غلام رضا عرفانيان . طبع ونشر : مؤسسة النشر الاسلامي ، قم ، الطبعة الأولى ، 1417 ه .

* معالم العلماء ، ابن شهرآشوب المانزدراني (ت 588 ﻫ) . مكتبة أهل البيت عليهم السلام الالكترونية ، الإصدار الأول .

* معاني الأخبار ، الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد علي بن الحسين بن بابويه القمي (ت381 ھ) . عني بتصحيحه : علي أكبر الغفاري ، مؤسسة النشر الإسلامي - جماعة المدرسين ، قم المشرفة – إيران .

* معجم ألفاظ الفقه الجعفري ، أحمد فتح الله . المطبعة : مطابع المدوخل – الدمام - السعودية ، 1415 ه .

* المعجم الأوسط ، أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (ت360 ھ) . تحقيق : قسم التحقيق بدار الحرمين . الناشر دار الحرمين للطباعة والنشر والتوزيع ، 1415 ه - 1995 م .

* معجم البلدان ، شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي (ت626 ھ) . دار إحياء التراث العربي بيروت – لبنان ، 1399 ه - 1979 م .

* معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة ، أبو القاسم الموسوي الخوئي (ت1413 ه) . الطبعة الخامسة طبعة منقحة ومزيدة ، منشورات ردمك ، 1413 ه - 1992 م .

* معجم الفروق اللغوية الحاوي لكتاب أبي هلال العسكري (ت 395 ه) . تحقيق مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة . 1412 .

* المعجم القانوني ، حارث سليمان الفاروقي . المطبعة : تيپو پرس . الناشر : مكتبة لبنان ، 1991 .

ص: 297

* معجم مصطلحات الرجال والدراية ، محمد رضا جديدي نژاد . بإشراف محمد كاظم رحمان ستايش ، دار الحديث- قم ، 1380 ش .

* مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة ، محمد الجواد بن محمد العاملي الحسيني الشقرائي (ت 1226 ه) . مطبعة الشورى ، مصر ، 1326 .

* مقدمة فتح الباري ، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 ه) . دار إحياء التراث العربي ، بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى ، 1408 - 1988 م .

* مكارم الأخلاق ، رضي الدين أبي نصر الحسن بن الفضل الطبرسي (ت 548 ه) . منشورات الشريف الرضي ، الطبعة السادسة ، 1392 ه - 1972 م .

* الملاحم والفتن ، رضي الدين أبي القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس (ت 664 ه) . نشر مؤسسة صاحب الامر ، النشر : كلبهار - أصفهان ، الطبعة الأولى، 15 شعبان - 1416 ه .

* المناقب ، الموفق بن أحمد البكري المكي الحنفي الخوارزمي (ت 568 ه) . تحقيق : الشيخ مالك المحمودي . طبع ونشر : مؤسسة النشر الإسلامي ، الطبعة الثانية ، 1411 ه .

* مناقب آل أبي طالب ، مشير الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن شهرآشوب السروي المازندراني (ت 588 ه) . قام بتصحيحه وشرحه ومقابلته على عدة نسخ خطية لجنة من أساتذة النجف الأشرف ، المطبعة الحيدرية 1376 ه - 1956 م .

* مناهج الأحكام ، الميرزا أبو القاسم القمي ( ت1321 ه) . مؤسسة النشر الإسلامي – قم ، الطبعة الأولى ، 1420 ه .

* منتقى الجمان في الأحاديث الصحاح والحسان ، جمال الدين أبو منصور الحسن بن زين الدين الشهيد (ت 1011 ه). صححه وعلق عليه : علي أكبر الغفاري ، منشورات جامعة المدرسين ، قم المشرفة ، الطبعة الأولى ، 1362 شمسي .

ص: 298

* من لا يحضره الفقيه ، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي المعروف بالشيخ الصدوق (ت 381 ه) . تحقيق : علي أكبر الغفاري ، مؤسسة النشر الإسلامي - قم ، الطبعة الثانية .

* موارد الاعتبار في تواريخ أهل البيت عليهم السلام ، محمد حسين الحسيني الجلالي . مطبعة عرشيا ، قم ، 1423 ه .

* موسوعة طبقات الفقهاء ، الشيخ جعفر سبحاني . مطبعة اعتماد ، قم – إيران ، 1424 ھ .

* موسوعة المصطفى والعترة : حسين الشاكري . نشر الهادي - قم ، الطبعة الأولى - 1417 ه .

* ميزان الاعتدال في نقد الرجال ، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748 ه) . تحقيق : علي محمد البجاوي . دار المعرفة للطباعة والنشر . بيروت – لبنان 1382 - 1963م .

* النحلة الواقفية ، حسين الشاكري . الناشر : المؤلف ، مطبعة ستارة ، قم – إيران، الطبعة الأولى ، 1418 ه - 1997 م .

* نشوء المذاهب والفرق الإسلامية ، حسين الشاكري . المطبعة : ستارة . الجمهورية الإسلامية في إيران - قم المقدسة ، الطبعة الأولى - 1418 ه .

* نقد الرجال ، مصطفى بن الحسين الحسيني التفرشي (ت 1015 ه) . تحقيق : مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، قم - إيران ، 1418 .

* نهاية الدراية ، حسن الصدر (ت 1354 ه) . تحقيق : ماجد الغرباوي ، الناشر : نشر المشعر ، مطبعة اعتماد ، قم .

* الهداية الكبرى ، أبو عبد الله الحسين بن حمدان الخصيبي (ت 334 ه) . مؤسسة البلاغ للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت - لبنان ، الطبعة الرابعة ، 1411 ه - 1991 م .

ص: 299

* الوافي بالوفيات ، خليل بن أبيك الصفدي (ت 764 ه) . تحقيق : أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى ، دار إحياء التراث - بيروت ، لبنان ، 1420 ه - 2000م .

* وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ، محمد بن الحسن الحر العاملي (ت 1104 ه) . تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ، 1414 ھ .

* وفيات الأعيان ، ابن خلكان (ت610 ه) . تحقيق : إحسان عباس . لبنان - دار الثقافة .

* اليقين باختصاص مولانا علي (عليه السلام) بإمرة المؤمنين ، رضي الدين علي بن الطاووس الحلي (589 - 664 ه) . مؤسسة الثقلين لإحياء التراث الإسلامي ، قم-إيران ، الأولى ربيع الثاني 1413 ه .

ص: 300

الفهرس

الموضوع الصفحة

العنوان1

الإهداء2

المقدمة3

الفصل الأول : ومضات من حياة الإمام الهادي عليه السلام 5

نسبه الشريف6

ألقابه المباركة7

الولادة الشريفة8

حياته في زمن أبيه9

النص على إمامته 10

نشاطه في المدينة12

هجرته القسرية إلى سامراء12

محن السجن والإقامة الجبرية13

نشاطه الفكري والسياسي 15

وفاته21

الفصل الثاني : الوكالة في المبحث التاريخي والرجالي22

الوكالة لغة واصطلاحاً23

أنواع الوكالات 26

نظرة تاريخية على نظام الوكالة 29

الوكالة في زمان الإمام الهادي عليه السلام31

ص: 301

منهجية الإمام الهادي عليه السلام في إدارة الوكلاء 42

الوكالة في المبحث الرجالي46

الفصل الثالث : السيرة التاريخية والمكانية العلمية لوكلاء الإمام الهادي58

القسم الأول : الوكلاء الممدوحون 59

(1) إبراهيم بن محمد الهمداني61

(2) أيوب بن نوح النخعي 80

(3) جعفر بن سهل الصيقل131

(4) الحسن بن راشد البغدادي134

(5) سليمان بن الحسن الزراري 155

(6) عثمان بن سعيد العَمري 158

(7) علي بن بلال البغدادي178

(8) علي بن جعفر الهُماني191

(9) علي بن الحسين بن عبد ربه199

(10) علي بن عمرو القزويني201

(11) علي بن مهزيار الأهوازي205

(12) محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني234

(13) محمد بن الفرج الرُّخجي 249

القسم الثاني : الوكلاء المذمومون274

(1) عروة بن يحيى الدهقان275

القسم الثالث : الوكلاء المشكوك في وكالتهم 280

(1) علي بن الريان القمي280

(2) جعفر بن عيسى بن عاصم282

الخاتمة285

المصادر287

ص: 302

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.