الفوائد الرجالية من كتاب (فقه الخلاف)

هویة الکتاب

الفوائد الرجالية من كتاب (فقه الخلاف)

لسماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله)

تأليف الشيخ علي سلمان العقيلي

دارالصادقین

ص: 1

اشارة

ص: 2

المقدمة الؤلف

اشارة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين، محمد وآله الطاهرين.

إن عوامل ظهور علم الرجال بدأت متزامنة مع بداية التشريع أي منذ أيام رسول الله (صلی الله علیه و آله) حين بدأ الكذب عليه، مما أثر في إختلاف الحديث في زمانه صلوات الله عليه، الأمر الذي دفع سليم بن قيس الهلالي أن يسأل أمير المؤمنين عليه السلام عن اختلاف الحديث فيما رواه الكليني في كافيه، أن سليم بن قيس قال : قال: قلت لأمير المؤمنين عليه السلام: إني سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئا من تفسير القرآن وأحاديث عن نبي الله صلى الله عليه وآله غير ما في أيدي الناس، ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الاحاديث عن نبي الله صلى الله عليه وآله أنتم تخالفونهم فيها، وتزعمون أن ذلك كله باطل، أفترى الناس يكذبون على رسول الله صلى الله عليه وآله متعمدين، ويفسرون القرآن بآرائهم؟ قال: فأقبل علي فقال: قد سألت فافهم الجواب : إن في أيدي الناس حقا وباطلا، وصدقا وكذبا، وناسخا ومنسوخا، وعاما وخاصا، ومحكما ومتشابها، وحفظا ووهما، وقد كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله على عهده حتى قام خطيبا فقال: أيها الناس قد كثرت علي الكذابة فمن كذب علي متعمدا فليتبوء مقعده من النار، ثم كذب عليه من بعده، وإنما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم

ص: 3

خامس: رجل منافق يظهر الايمان، متصنع بالاسلام لا يتأثم ولا يتحرج أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله متعمدا، فلو علم الناس أنه منافق كذاب، لم يقبلوا منه ولم يصدقوه، ولكنهم قالوا هذا قد صحب رسول الله صلى الله عليه وآله ورآه وسمع منه، وأخذوا عنه، وهم لا يعرفون حاله، وقد أخبره الله عن المنافقين بما أخبره ووصفهم بما وصفهم فقال عزوجل: " وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم" ثم بقوا بعده فتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والكذب والبهتان فولوهم الاعمال، وحملوهم على رقاب الناس، وأكلوا بهم الدنيا، وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم الله، فهذا أحد الاربعة.ورجل سمع من رسول الله شيئا لم يحمله على وجهه ووهم فيه، ولم يتعمد كذبا فهو في يده، يقول به ويعمل به ويرويه فيقول: أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله فلو علم المسلمون أنه وهم لم يقبلوه ولو علم هو أنه وهم لرفضه.

ص: 4

ورجل ثالث سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله شيئا أمر به ثم نهى عنه وهو لا يعلم، أو سمعه ينهى عن شئ ثم أمر به وهو لا يعلم، فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ، ولو علم أنه منسوخ لرفضه، ولم علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه.

وآخر رابع لم يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله، مبغض للكذب خوفا من الله و تعظيما لرسول الله صلى الله عليه وآله، لم ينسه، بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به كما سمع لم يزد فيه ولم ينقص منه، وعلم الناسخ من المنسوخ، فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ فإن أمر النبي صلى الله عليه وآله مثل القرآن ناسخ ومنسوخ وخاص وعام ومحكم ومتشابه قد كان يكون من رسول الله صلى الله عليه وآله الكلام له وجهان: كلام عام وكلام خاص مثل القرآن وقال الله عزوجل في كتابه: "ما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا" فيشتبه على من لم يعرف ولم يدر ما عنى الله به ورسوله صلى الله عليه وآله وليس كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله كان يسأله عن الشئ فيفهم وكان منهم من يسأله ولا يستفهمه حتى أن كانوا ليحبون أن يجيئ الاعرابي والطاري فيسأل رسول الله صلى الله عليه وآله حتى يسمعوا(1)..... الى آخر الحديث.

دلائل هذا النص العلوي :

1- إن أمر النبي (صلی الله علیه و آله) مثل القرآن ناسخ ومنسوخ وخاص وعام ومحكم ومتشابه ؛ كما إن فيما يروى عنهم عليهم السلام منه ما هو محفوظ مضبوط ومنه ما هو وهم مغلوط ؛ وعلى من يتحمل الحديث أن يعرف ما فيه من خصوصيات، وهو ما أمرونا به صلوات الله عليهم من أن نعقل الحديث

ص: 5


1- - أصول الكافي – الكليني1/83.

عقل دراية لا عقل رواية فنعرف ناسخه ومنسوخه وعامه وخاصه ومحكمه ومتشابهه.. وهذا الأمر يؤسس لعلم دراية الحديث.فكل فقرة من هذه الفقرات على اختصارها الشديد تفتح باب للتتبع والتنقيب والبحث مع ضبط هذه العمليات بضوابط شرعية او عرفية حتى لا تأخذ الاهواء والاستحسانات طريقها في القبول والرد.. بمعنى أن كل فقرة من هذه الفقرات تفتح علما ضروريا لفهم شريعة الله تبارك وتعالى والتوصل الى الصحيح مما يروى عنهم عليهم السلام.

2- وجود اختلاف في ما يروى عن رسول الله (صلی الله علیه و آله) بين الصحابة والتابعين ؛ وإن أحد مناشئ هذا الاختلاف الكذب على الرسول (صلی الله علیه و آله) ، "وقد كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله على عهده حتى قام خطيبا فقال: أيها الناس قد كثرت علي الكذابة فمن كذب علي متعمدا فليتبوء مقعده من النار".. إن فيما يروى عنهم عليهم السلام ما هو حق وصدق صادر منهم وما هو باطل وكذب لم يصدر منهم.

3- فإن ما يروى عنهم عليهم السلام جاء من اربعة اشخاص لا خامس لهم، رجل منافق يظهر الايمان، متصنع بالاسلام لا يتأثم ولا يتحرج أن يكذب على رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، ورجل سمع من رسول الله شيئا لم يحمله على وجهه ووهم فيه، ورجل ثالث سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله شيئا أمر به ثم نهى عنه وهو لا يعلم، أو سمعه ينهى عن شئ ثم

ص: 6

أمر به وهو لا يعلم، فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ، ورابع لم يكذب على رسول الله (صلی الله علیه و آله) ، ولم يخطأ ولم ينسى بل كان حافظا ضابطا..

فهنا نجد أن صفات الرجال لها مدخلية في مسألة صحة صدور الاحاديث، نعم قد يقال ان سماع المنسوخ دون الناسخ قد يحصل حتى للصدوق الضابط، لكن يبقى لدينا الاصناف الثلاثة الذين يميزهم عن بعضهم صفات خاصة فيهم، ففيهم الكاذب، وفيهم الواهم الغالط الغير ضابط، وفيهم الصادق الضابط.. وما بين أمير المؤمنين عليه السلام هذه الاصناف إلا لنعرف عمن نأخذ.. وهذا يحتاج الى التعرف على أحوال رواة الأخبار وبيان مدى صدقهم ووثاقتهم وضبطهم للحديث.. ومن هنا فلا بد من التعرف على أحوال رواة الأخبار والتقصي عنهم، ومن هنا نشأ علم الرجال.

ونشوء هذا العلم مرّ بمراحل أربعة، هي :

المرحلة الأولى : مرحلة بيان مدخلية حال الراوي في إختلاف الحديث، وهو ما قرره أمير المؤمنين عليه السلام في حديث سليم عنه.

المرحلة الثالثة : بيان مدخلية الوثاقة والعدالة في تقييم الأحاديث وترجيحها على بعضها ؛ ففي رواية عمر بن حنظلة ذكر الأمام الصادق عليه السلام أول المرجحات هو: "الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما

ص: 7

وأصدقهما في الحديث وأورعهما ولا يلتفت إلى مايحكم به الآخر"(1).. وفي رواية زرارة عن الأمام الباقر عليه السلام ذكر ثاني المرجحات بقوله : "خذ بقول اعدلهما عندك، وأوثقهما في نفسك"(2).

المرحلة الثالثة : تصدي الأئمة عليهم السلام للجرح والتعديل فمن ذلك قول الأمام الباقر عليه السلام لأبان بن تغلب : " أجلس في مسجد المدينة وأفت الناس ؛ فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك"(3).. وما ورد من مدح في الفضلاء الأربعة : زرارة، وبكير، ومحمد بن مسلم، ومعاوية بن بريد.

كما انهم صرحوا بضعف بعض الرجال كالمغيرة بن سعيد، وأبي الخطاب.

المرحلة الرابعة : وهي مرحلة تركز مبدأ الأخذ عن الثقة عند الإمامية، فمن ذلك قول عبد العزيز بن المهتدي :... أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه معالم ديني، فقال له الإمام الرضا عليه السلام: نعم(4)، فعلة التعويل على كلام يونس هي وثاقته، وكذلك ما ورد في حق عثمان بن سعيد العمري (...اطع له واسمع فانه الثقة المأمون)(5)، وفي حقه وحق ولده

ص: 8


1- - وسائل الشيعة 27/106، كتاب القضاء باب9 من ابواب صفات القاضي، ح1.
2- - مستدرك الوسائل17/238.
3- - نفس المصدر17/248
4- - وسائل الشيعة 27/144.
5- - وسائل الشيعة 27/143.

(العمري وابنه ثقتان، فما أديا عني فعني يؤديان)(1).. فالفاء في قوله : (فما أديا)، تفيد التفريع.. فكون حديث العمري وابنه عن الامام هو حقا كلام الامام هذا فرع وثاقتهما.وفي هذه الاخبار دلالة واضحة على ارتكازية العمل باخبار الثقات عند أسلافنا من الرواة رضوان الله تعالى عليهم وكذلك هي عند الإمام عليه السلام فيعلل كلامه أو يقر كلام الآخر بذلك.

ومع التوجيه من جهة، والبيان من جهة أخرى، والاقرار من جهة ثالثة تصدى جماعة من أصحاب الأئمة عليهم السلام للكتابة عن الرجال، وكانت هناك محاولات للكتابة في هذا الجانب بالمستوى الذي يحتاج إليه الأوائل، وكانت سيرتهم قائمة على تقييم الرواة ومعرفة أحوالهم، وقد أشار الشيخ الطوسي إلى هذه السيرة في عدته وذكر أنّ التعامل مع رجال الحديث والتدقيق في أحوالهم كانت عادتهم منذ القدم. وحيث إنّ الطوسي كان قريب عهد بأصحاب الأصول والمصنّفات السالفة وقد اهتمّ بجمعها وتصنيفها، فإنّ شهادته تستند على أصول ووقائع وأعراف وتقاليد في الوسط العلمي امتدت إلى زمانه.. يقول (قدس سره) في عدّته : انا وجدنا الطائفة ميزت الرجال الناقلة لهذه الاخبار، ووثقت الثقات منهم، وضعفت الضعفاء وفرقوا بين من يعتمد على حديثه وروايته، ومن لا يعتمد على

ص: 9


1- - نفس المصدر.

خبره، ومدحوا الممدوح منهم، وذموا المذموم وقالوا فلان متهم في حديثه، وفلان كذاب، وفلان مخلط، وفلان مخالف في المذهب والاعتقاد، وفلان واقفى، وفلان فطحى وغير ذلك من الطعون التى ذكروها وصنفوا في ذلك الكتب، واستثنوا الرجال من جملة ما رووه من التصانيف في فهارستهم، حتى ان واحدا منهم إذا أنكر حديثا نظر في اسناده وضعفه بروايته. هذه عادتهم على قديم الوقت وحديثه لا تنخرم(1).

فقول الشيخ (قدس سره) «انا وجدنا»، يعني أنه لم يؤسس ولم ينتظر أن يأتي بعده من يؤسس بل وجد من سبقه قد أسس، فإن «الطائفة ميزت الرجال الناقلة لهذه الاخبار، ووثقت الثقات منهم، وضعفت الضعفاء»، فهناك توثيق وتضعيف لكن لأجل أي شيء جاء التضعيف والتوثيق؟ إن سبب ذلك هو لأجل التفريق بين من يعتمد قوله ومن لا يعتمد «وفرقوا بين من يعتمد على حديثه وروايته، ومن لا يعتمد على خبره، ومدحوا الممدوح منهم، وذموا المذموم وقالوا فلان متهم في حديثه، وفلان كذاب، وفلان مخلط، وفلان مخالف في المذهب والاعتقاد، وفلان واقفى، وفلان فطحى وغير ذلك من الطعون التى ذكروها».. وهذه الموضوعات كانت مدونة، «وصنفوا في ذلك الكتب» التي اشتملت على هذه الموضوعات وهي :التضعيف والتوثيق والمدح والذم وصحة الاعتقاد وغير ذلك من الطعون.. كان ذلك سيرة وعادة قديمة ومستمرة «هذه عادتهم

ص: 10


1- - عدة الأصول1/107.

على قديم الوقت وحديثه لا تنخرم»، ونحن نعلم أن بين الطوسي وزمان السفراء واسطتين فهل يقصد بالقديمة ما نشأ في الجيلين السابقين أم أن كلامه يظهر بأن هذه السيرة تمتد لأجيال أكثر مما يوحي بمعاصرتها للمعصوم الذي لم يمنع منها بل بالعكس وجدنا في كلامه ما يؤكد عليها، ولو رجعنا قليلا إلى رواية سليم بن قيس عن أمير المؤمنين عليه السلام حيث يقول في بيان أصناف ناقلي الحديث : رجل منافق يظهر الايمان، متصنع بالاسلام لا يتأثم ولا يتحرج أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله متعمدا، فلو علم الناس أنه منافق كذاب، لم يقبلوا منه ولم يصدقوه ؛ والطريق الى العلم بأنه منافق كذاب يكون بتدوين هذا العلم واعتماده.

بل أن في الفقرة التالية من كلام الشيخ الطوسي إشارة إلى أن التأليف في أحوال الرجال والتصدي للتوثيق والتضعيف أمر مسلم عند الطائفة، ثم ينطلق من هذا التسليم ليستدل على حجية خبر الواحد إن كان راويه ثقة حيث يقول : فلولا ان العمل بما يسلم من الطعن ويرويه من هو موثوق به جائز، لما كان بينه وبين غيره فرق، وكان يكون خبره مطروحا مثل خبر غيره، فلا يكون فائدة لشروعهم فيما شرعوا فيه من التضعيف والتوثيق وترجيح الاخبار بعضها على بعض.

فهو هنا يحتج على من قال بعدم حجية خبر الواحد وإن كان راويه ثقة، بأنه ما فائدة توثيقات المتقدمين إن لم يكن لها أثر في قبول الحديث، وفي

ص: 11

ذلك دلالة على مذهب المتقدمين على الشيخ الطوسي في تصديهم للتوثيق والتضعيف وبيان أحوال الرجال.

والحاجة إلى علم الرجال تختلف سعة وضيقا تبعا لاختلاف المباني في قبول الخبر ورده، ولما كان بناء المتأخرين على حجية خبر الواحد الثقة، فإن الحاجة إلى علم الرجال تكون ثابتة، إلا أنها قد تتأثر سعة وضيقا ببعض المباني التي بنى عليها بعضهم، كمبنى الجابرية، أو مبنى الكاسرية، أو اعتماد بعض المراسيل، أو حتى على من استفاد من روايات (من بلغ) في تأسيس قاعدة التسامح في أدلة السنن، حيث أنه سيعتبر حجية الخبر الضعيف الذي قام على وجوب شيء، أو استحبابه، بالنسبة إلى استحبابه، فيكون حجة على استحباب ذلك الشيء ولو كان ظاهراً في وجوبه، وبالتالي سوف يستغني عن النظر في سنده.هذه المباحث وغيرها وجدناها متناثرة في طيات الموسوعة الفقهية لسماحة الشيخ الأستاذ محمد اليعقوبي (دام ظله الشريف) الموسومة بفقه الخلاف، على أننا وجدنا مباني في التعامل مع الأخبار وقبولها في هذه الموسوعة لم نجدها في حدود ما اطلعنا عليه من الكتب الرجالية، لذا عقدنا العزم على إستخراج ما له علاقة بعلم الرجال من هذه الموسوعة في كتاب مستقل عنوناه ب-(( الفوائد الرجالية من فقه الخلاف))، على أنني اضطررت للتصرف ببعض العبائر بإعتبار أن هذه المطالب الرجالية دونت ضمن تلك المباحث الفقهية ففيها من الإحالات على بعضها، والأقتضاب في

ص: 12

بعض المطالب، والتكرار في بعض آخر بحسب الحاجة إليها في المسائل المختلفة من الموسوعة، بالإضافة إلى بعض الإيضاحات التي سمعناها في الدرس دون أن تدون ضمن الموسوعة، فإعادة تدوينها استلزم التصرف ببعض عبائرها، فما حصل فيها من خلل ربما في التعبير فمني لا من الأصل.

ويقع هذا الكتاب في فصول أربعة :

الفصل الأول : في بيان بعض المباني الرجالية.

الفصل الثاني : في أحوال بعض الرجال.

الفصل الثالث : في تصحيح أسانيد بعض الروايات.

الفصل الرابع : في بعض التحقيقات الرجالية، سواء على مستوى المباني، أو الرجال، أو أسانيد بعض الروايات، وإنما أفردنا لها فصلا خاصا لكونها تحقيقات موسعة.

ومنه سبحانه نستمد العون وهو حسبنا ونعم الوكيل.

علي سلمان العقيلي

1/ربيع الأول/1438

ص: 13

الفصل الأول: في بيان بعض المباني الرجالية

كبرى الانجبار

بمعنى أن الخبر الضعيف إذا أفتى المشهور على طبقه فإن فتوى المشهور تكون جابرة لضعف سنده(1)، وهذه الكبرى قال بها جملة من الاعلام(2)، إلا أنها غير تامة عندنا(3).

نعم، يمكن إعتبار هذه الكبرى في صنف من الرويات الضعيفة لا جميعها، وذلك بالتفريق بين ما رواه المجروح المتهم بالكذب، وما رواه

ص: 14


1- - وأفضل ما قيل في توجيه ذلك : أن الخبر الضعيف بدلالة آية النبأ إنما يترك فيما لو لم يتحقق من صدقه بعد التبين عنه، وإفتاء المشهور على طبق الخبر الضعيف هو نحو من أنحاء التبين عن صدقه، فيكون بذلك حجة. ويمكن أن يجاب على ذلك : بأن التبين عبارة عن استيضاح صدق الخبر، وهو إما أن يكون بالوجدان، كما لو عثرنا على قرينة داخلية أو خارجية توجب العلم أو الاطمئنان بصدق الخبر، أو بالتعبد كما لو دل دليل معتبر على صدق الخبر فيؤخذ به، وكلاهما مفقود لأن الشهرة الفتوائية ليست حجة فلا يوجد هناك تبين لا وجداني ولا تعبدي. أو قل : إن الخبر الضعيف ليس حجة، وكذلك فتوى المشهور ليست حجة، وانضمام اللا حجة الى اللاحجة لا يوجب الحجية.. (المقرر).
2- - نسب السيد الخوئي (قدس سره) في مصباح الأصول 2/279، هذا القول الى المشهور.
3- - أشار سماحته إلى عدم تمامية كبرى الأنجبار في مواضع عديدة من كتابه فقه الخلاف منها ج3 ص44، ج4 ص177، ج6 ص218، ج7 ص199.

المجهول فإذا كان الإشكال في الرواية ليس من جهة العلم بكذب الراوي أو القطع بعدم الصدور من المعصوم (عليه السلام) وإنما من جهة جهالته وعدم معرفة حاله ونحن بعيدو العهد عن زمان الصدور فربما اطلع القدماء على ما لا نعلمه من حال الراوي أو الرواية فاطمأنوا بصدورها فتكون من تقديم بيّنة من يعلم على بيّنة من لا يعلم ونحن لا نعلم كذب الراوي أما القدماء فقد حصل عندهم الاطمئنان بالاستناد إلى الرواية.(1)

انجبار الخبر برواية المحمدين الثلاثة له.

ذكر صاحب الجواهر في محاولة لتصحيح بعض الروايات المرسلة بأنها رواها ((المحمدين الثلاثة الذي يكفي اتفاقهم على روايته جبراً لإرساله))(2)، لكن هذا المبنى غير تام، وللمحقق الحلي في المعتبر وجه في قبول هذه المراسيل، قال (قدس سره): ((وإذا سلم النقل من المعارض ومن المنكر لم يقدح إرسال الرواية الموافقة لفتواهم، فإنّا نعلم مذهب أبي حنيفة والشافعي وإن كان الناقل عنه واحداً، وربما لم يُعلم الناقل عنه بلا فصل وإن علمنا نقل المتأخرين له، وليس كل ما أسند عن مجهول لا يعلم نسبته إلى صاحب المقالة، ولو قال إنسان لا أعلم مذهب أبي هاشم في الكلام ولا مذهب الشافعي في الفقه لأنه لم ينقل مسنداً كان متجاهلاً، وكذا مذهب أهل البيت

ص: 15


1- - فقه الخلاف ج2 ص228
2- - جواهر الكلام:16/91.

(عليهم السلام) يُنسب إليهم بحكاية بعض شيعتهم سواء أرسل أو أسند إذا لم ينقل عنهم ما يعارضه ولا ردّه الفضلاء منهم))(1).(2)

وهو في الحقيقة جبر للخبر الضعيف بعمل الأصحاب واتفاقهم على الأخذ به والحجة حينئذٍ هذا الاتفاق، وهذا الكلام كبروياً صحيح إذا رجع إلى الاستدلال باتفاق قوم جيلاً بعد جيل على رأي معيّن على كونه رأي إمامهم ورئيسهم وهو مناط حجية الإجماع فإن مذهب إمام قومٍ يؤخذ من إجماع أتباعه واتفاقهم على العمل به.

ص: 16


1- - الحدائق الناضرة:12/384
2- كان أول كلام المحقق قوله : (والذى ينبغى العمل به اتباع ما نقله الاصحاب وافتى به الفضلاء ولم يعلم من باقى العلماء رد).. إلى أن قال : (وإذا سلم النقل من المعارض ومن المنكر لم يقدح ارسال الرواية الموافقة لفتواهم....) الى آخر كلامه. أراد بذلك ان مذهب كل امام وصاحب مقالة انما يعلم بنقل اتباعه ومقلديه وشيعته المشهورين بمتابعته والاخذ عنه والاعتماد عليه، وقد نظّر له بأصحاب المذاهب الاربعة ونحوهم، حيث يعلم رأيهم ومذهبهم من نقل أحد أتباعهم عنهم، وإن كان واحدا وبنقل مرسل. وقد اعتمد صاحب الوسائل على هذا التنظير للاستدلال على صحة جميع أخبار الكتب الأربعة حيث قال في وسائله 30/257: ( والعجب أن هؤلاء المتقدمين، بل من تأخر عنهم كالمحقق والعلامة والشهيدين وغيرهم إذا نقل واحد منهم قولا عن أبي حنيفة أو غيره من علماء العامة أو الخاصة أو نقل كلاما من كتاب معين، ورجعنا إلى وجداننا، نرى أنه قد حصل لنا العلم بصدق دعواه وصحة نقله لا الظن... فكيف يحصل العلم من نقله عن غير المعصوم، ولا يحصل من نقله عن المعصوم غير الظن، مع أنه لايتسامح ولا يتساهل من له أدنى ورع وصلاح في القسم الثاني، وربما يتساهل في الاول ).. وجوابه يتضح مما ذكره الشيخ الأستاذ (دام ظله).. (المقرر).

لكن الكلام قد يكون في كون هذا المقام أو ذاك صغرى له، وإذا رجع إلى أمر آخر كجبر حجية الخبر الضعيف بعمل الأصحاب فهو غير تام(1).

كبرى الإنكسار

ذهب بعض الأعلام إلى أن إعراض الأصحاب عن العمل بالرواية الصحيحة يسقطها عن الاعتبار والحجية، ونحن لا نلتزم بذلك إلا إذا ثبت المناط الذي قالوه وهو وقوفهم على ما يوجب الإعراض عن النص أو تأويله على غير المعنى الظاهر منه، بأن يكون هذا الإعراض مستمراً عبر الأجيال ومتصلاً بزمان المعصومين (عليهم السلام) أو يكون إعراضاً تعبدياً غير مستند إلى أسباب ودواعٍ فيكون كاشفاً عن إعراض المعصومين (عليهم السلام)، وأنى لنا أن نثبت ذلك وإنما هو مجرد دعوى وظن وتخمين، ولو أمكن ذلك فلا بد من دراسة دوافع الإعراض وظروفه فقد تكون كافية لإسقاط الحجية وقد تكون غير ذلك كما لو كان مدرك الإعراض عدم وضوح المقصود أو عدم انسجامه مع الرأي المشهور يومئذٍ، أو هيبة لرأي السلف الصالح بدرجة يصعب الخروج عليه حتى برواية صحيحة ونحوها، هذا كله غير كافٍ ويقلل الاطمئنان بكون اختيار المشهور تعبدياً، ولا يجعل إعراضه موهناً للرواية(2).

ص: 17


1- - فقه الخلاف 3/44.
2- - فقه الخلاف1/26، ج10/187.

وعليه فإن هذه الكبرى لو سلمناها فإن مناط السقوط عدم الوثوق بصدورها عن المعصوم (عليه السلام)(1).

مضافاً إلى انه يجب التفريق بين الإعراض وعدم العمل بالظاهر من اجل شيء من الدوافع التي ذكرناها ومجرد الفتوى على خلاف الظاهر من تلك الرواياتلا يدل على إعراضهم عنها بل انه لازم أعم كما لو تركوها لمعارضتها لروايات أخرى بل أن تأوّل الأصحاب وتوجيههم للظاهر دليل على أخذهم بالروايات(2).

الترجيح بالشهرة

فإذا كانت الشهرة غير جابرة لضعف الخبر، كما انها غير كاسرة للخبر الصحيح فهل تنفع في الترجيح عند التعارض؟

السيد الخوئي (قدس سره) رجح بعض الأخبار المتعارضة بالشهرة الفتوائية(3) وقد يقال في ترجيح الشهرة الفتوائية ما ورد من كلام للشيخ

ص: 18


1- - فقه الخلاف 7/129.
2- - فقه الخلاف1/26.
3- - التنقيح : 3/174 ؛ مع أنه (قدس سره)، بحسب مبانيه الأصولية قال بعدم حجية الشهرة الفتوائية (مصباح الأصول 2/170)، وبالتالي فلا تؤثر في الخبر جبرا وكسرا وترجيحا، قال : (ولكن التحقيق عدم كون عمل المشهور جابراً على تقدير كون الخبر ضعيف السند في نفسه، ولا إعراضهم موهناً على تقدير كون الخبر صحيحاً أو موثقاً في نفسه، بل الميزان في حجّية الخبر تمامية سنده في نفسه)(مصباح الأصول2/167).. بل ذهب في باب التعارض (مصباح الأصول3/495) إلى عدم مرجحية الشهرة مطلقا.(المقرر).

المفيد(رضوان الله تعالى عليه) بقوله: ((ولم تجمع العصابة على شيء كان الحكم فيه تقيةً ولا شيء دُلِّس فيه ووضع مخروصاً عليهم وكذب في إضافته إليهم، فإذا وجدنا أحد الحديثين متفقاً على العمل به دون الآخر علمنا أن الذي اتفق على العمل به هو الحق في ظاهره وباطنه، وإن الآخر غير معمول به، إما للقول فيه على وجه التقية، أو لوقوع الكذب فيه))(1).

أقول يمكن الرد على شهرة العمل بأنها بين المتأخرين أما المتقدمون فلا، لان المرجح في باب التعارض هي الشهرة الروائية لا الفتوائية لقوله (عليه السلام) : (خذ ما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذ النادر)، والمسلم به أن المراد من الشهرةهنا هي الشهرة الروائية، لا الفتوائية التي مرجعها إلى عمل الأصحاب(2).

اللهم إلا أن يقال أن معنى الشاذ والنادر هو ما لم يجرِ العمل عليه فتكون مدخلية الشهرة الفتوائية في الترجيح ليست مباشرة وإنما لتنقيح معنى الشاذ النادر.

ص: 19


1- - تصحيح الاعتقاد: 71 طبعة تبريز
2- - أشار سماحته إلى هذا المعنى في عدة مواضع من فقه الخلاف منها في ج1 ص176، وص208، وج2 ص112، وص152، وج4 ص187, وص188، وج6 ص60، وج7 ص376.

عدم الأكتفاء بجهالة الراوي لردّ الرواية

عدم الأكتفاء بجهالة الراوي لردّ الرواية(1).

ومن مبانينا في التعاطي مع الروايات عدم الاكتفاء بجهالة راوٍ ونحوها لرد الرواية لأن الأمد بينهم وبين من كتبوا في أحوال الرجال بعيد، وإن حال عدد كبير من فضلاء الحوزة وطلبتها يخفى على المتابع الخبير المعاصر لهم فكيف بالبعيد زمناً.

على أن ما في المصادر الرجالية والتراث الرجالي من توثيقات صريحة قليل جدا قياسا مع عدد الموجود من رواة الأخبار الذين تعج بأسمائهم أسانيد الروايات في المجامع الحديثية حيث لم يذكر منهم بالتوثيق أو التضعيف إلا القليل، وهذا يؤكد على عدم الاكتفاء بالنقد الرجالي في قبول الرويات وردها.

فهناك روايات متانة متنها يشهد بصدورها من المعصوم وإن كان في سندها مجاهيل، ويظهر هذا المبنى في كلمات السيد السبزواري (قدس سره) في تعليقه على رواية حمزة بن حمران(2) الذي لم يرد في حقه توثيق بأنها

ص: 20


1- - فقه الخلاف 4/177.
2- - خبر حمزة بن حمران (عن حمران) قال: (سألت أبا جعفر (عليه السلام) قلت له: متى يجب على الغلام أن يؤخذ بالحدود التامة وتقام عليه ويؤخذ بها؟ قال: إذا خرج عنه اليتم وأدرك، قلت: فلذلك حد يعرف به؟ فقال: إذا احتلم أو بلغ خمس عشرة سنة أو أشعر أو أنبت قبل ذلك أقيمت عليه الحدود التامة وأُخذ بها وأُخذت له، قلت: فالجارية متى تجب عليها الحدود التامة وتؤخذ بها ويؤخذ لها، قال: إن الجارية ليست مثل الغلام إن الجارية إذا تزوجت ودُخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم، ودُفع إليها مالها وجاز أمرها في الشراء والبيع وأُقيمت عليها الحدود التامة وأُخذ لها وبها، قال: والغلام لا يجوز أمره في الشراء والبيع ولا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة أو يحتلم أو يُشعر أو ينبت قبل ذلك). وسائل الشيعة: أبواب مقدمة العبادات، باب 4، ح2.

((من محكماتأخبار الباب ومبيّناتها ومما يشهد متنه بصحة سنده كما لا يخفى على أهله ولا بد من رد غيره إليه أو طرحه عند المعارضة))(1).

إنسجام الخبر مع مجموعة الأخبار في المسألة

أن انسجام الخبر مع منظومة الأخبار في مسألة ما قرينة مفيدة للاطمئنان بصدوره ولا يقدح فيه عدم معرفة حال أحد الرواة لخفاء حال كثير منهم عند من يعاصرهم فضلاً عمّن أتى بعدهم بقرنين من الزمان.

وقد قرّبتُ الحالة بمن يشكل لوحة أو بناءً من أجزاء معلومة المواضع فيها بترقيمها ونحوه وبقيت عنده قطعة غير معلومة الموضع إلا أن البناء اكتمل وفيه فراغ لا يسدُّه إلا هذه القطعة فيحصل الاطمئنان بأن موضعها هو هذا. وهذا البناء أو اللوحة هو ما سميناه منظومة الأخبار في المسألة.

فقد يصدر من المعصوم عليه السلام نصوص كثيرة لمعالجة أمر ما ونجد أن هذه النصوص متناسقة في معالجة الموضوع من جميع جوانبه وقد أحاطت بكل حدوده ولا ينقصها إلا جزء من أجزاءها أو جانب من جوانبها قد وردت في معالجته رواية ضعيفة إلا أنها منسجمة مع منظومة

ص: 21


1- - مهذب الأحكام: 21/137.

الأخبار في المسألة، بحيث تكون هي القطعة الوحدية الناقصة من تلك اللوحة كما مثلنا، فيحصل الاطمئنان بأن هذه الرواية صدرت فعلا مع تلك المجموعة من الروايات لمعالجة تمام هذه المسألة.

ويشار إلى أن هذه المحاولة لأجل قبول الأخبار، أو لعدم إهمالها على الأقل لمجرد مجهولية الراوي، وليست لتوثيق الرجال(1).

التضعيف بالغلو.

هناك كثير من التضعيفات الواردة بحق بعض الرجال ربما يفهم منها أن تضعيفهم مبني على اتهامهم بالغلو، وهي تهمة دخلها تسامح كبير، فهناك الكثير ممن نسب إليهم الغلو كانت لهم عقائد صحيحة، غاية الأمر أن بعض الشيعة كانوا– لقصورهم في بعض العقائد على حد تعبير الشيخ المفيد – ربّما يعدون بعض العقائد الكاملة غلوا وارتفاعا، كالذي حكي عن محمد بن الحسن بن الوليد شيخ الصدوق أنه يقول بأن نفي السهو عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أول الغلو(2)، فهذا اتهام لا يضر بوثاقته(3).

ص: 22


1- - فقه الخلاف 5/95.
2- - قال الشيخ الصدوق في اعتقاداته : وعلامة المفوِّضة والغلاة وأصنافهم نسبتهم مشايخ قمّ وعلمائهم إلى القول بالتقصير. م/ الاعتقادات ص101. وعلّق الشيخ المفيد على ذلك في شرحه لعقائد الصدوق بقوله : و أمّا نصّ أبي جعفر (رحمه الله) بالغلوّ على مَن نَسَبَ مشايخ القميين وعُلماءهم إلى التقصير، فليس نسبةُ هؤلاء القوم إلى التقصير علامة على غلوّ الناس، إذ في جملة المشار إليهم بالشيخوخة والعلم من كان مقصرّاً، وإنّما يجب الحكم بالغلوّ على من نسب المحقِّقين إلى التقصير، سواء كانوا من أهل قمّ أو من غيرها من البلاد وسائر الناس. وقد سمعنا حكاية ظاهرة عن أبي جعفر محمّد بن الحسن بن الوليد (رحمه الله)لم نجد لها دافعاً في التقصير، وهي ما حكي عنه أنّه قال : أوّل درجة في الغلوّ نفيُ السهوِ عن النبيّ والإمام. فإن صحّت هذه الحكاية عنه فهو مقصّر مع أنّه من علماء القميين ومشيختهم. وقد وجدنا جماعة وردوا إلينا من قمّ يقصّرون تقصيراً ظاهراً في الدِّين، ويُنزلون الأئمّة (ع) عن مراتبهم، و يزعمون أ نّهم كانوا لا يعرفون كثيراً من الأحكام الدينية حتى ينكت في قلوبهم، ورأينا من يقول : أنّهم يلتجئون في حكم الشريعة إلى الرأي والظنون، و يدّعون مع ذلك أ نّهم من العلماء. وهذا هو التقصير الذي لا شبهة فيه. تصحيح الاعتقاد ص135. ومن هنا نجد القميين قد ضعفوا من رأوا في إعتقاده غلوا أو إرتفاعا بحسب إعتقادهم، وحتى مع القول بعدم المنافاة بين الوثاقة وفساد الاعتقاد، إلا أنهم ضعفوا من وجدوا له رواية ظاهرة في ما يرونه غلوا، وهو تضعيف إجتهادي حدسي لا حسي فليس بحجة. (المقرر).
3- - الفقه الباهر ص327

حجية الرواية الضعيفة برواية الأساطين لها.

ذهب إلى هذا القول السيد الحكيم في المستمسك حين عمّم حكم مطهرية الشمس لسائر غير المنقول(1) استنادا إلى رواية أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (يا أبا بكر ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر)(2).

ص: 23


1- - مستمسك السيد الحكيم : 2/78.
2- - وسائل الشيعة : كتاب الطهرة، ابواب النجاسات، باب29، ح6.

هذا، بعد عدم الالتفات إلى ضعف سنده لإهمال عثمان بن عبد الملك الراوي لها عن أبي بكر الحضرمي، وعدم التنصيص على توثيق أبي بكر إذ في روايةالأساطين لها كالمفيد ومحمد بن يحيى وسعد واحمد بن محمد - الظاهر انه ابن عيسى الأشعري- وعلي بن الحكم، نوع اعتماد عليها، ولا سيما احمد الذي أخرج البرقي من (قم) لأنه أكثرَ الروايةَ عن الضعفاء واعتمد المراسيل، فكيف يعتمد هو على من لا ينبغي الاعتماد عليه(1).

وقد اجبنا عن هذا التقريب لقبول الرواية بأنه حدس واجتهاد وربما كان لانسجامها مع ما يفتون به مما يرونه حجة أو لاعتضادها بروايات أُخر، وكلها كبريات غير تامة وقد اعرض عن العمل بها أكثر القدماء -كما نقل في المستمسك- حيث اكتفوا بتطهير الشمس للحصر والبواري والأرض وكل ما عمل من نبات الأرض(2).

هذا مع المشكلة في سندها من جهة أبي بكر الحضرمي وعثمان بن عبد الملك الذين لم يرد فيهما توثيق ولا ينفع في إحراز الوثاقة رواية الأساطين لها كالمفيد والشيخ والقميين كأحمد بن محمد بن عيسى لأنهم نقلوا عن الضعفاء ونقلهم لها لا يدل على قبولها بذاتها عندهم لأنه قد يكون لاعتضادها بالروايات الصحيحة الأخرى وذكرهم إياها للتأكيد فلا يتمسك

ص: 24


1- - المستمسك : 2/79.
2- - فقه الخلاف1/187.

بإطلاقها(1).

مراسيل ابن أبي عمير

توجد دعوى ترتبط بمراسيل محمد بن أبي عمير بأنه لا يروي ولا يرسل إلا عن ثقة واستنتجوا من هذه الدعوى نتيجتين:

الأولى: ان كل من يروي عنهم ابن أبي عمير هم ثقات أي ان رواية ابن أبي عمير عن شخص دليل على وثاقته وان لم يرد شيء من ذلك في كتب الرجال.

الثانية: التسوية بين مسانيد ابن أبي عمير ومراسيله بل بين مراسيله ومسانيد غيره أو قل إنها لا يضرها الإرسال.ولا ملازمة بين النتيجتين فقد تثبت إحداهما دون الأخرى، ونحن نسلم بالنتيجة الثانية وهي التسوية بين مراسيله ومسانيده دون الأولى باعتبار ان الإرسال وعدم ذكر الاسم قد يكون دليلا على توثيق ابن أبي عمير للمروي عنه إلا ان ذكر اسمه يعني -فيما يعني- إلقاء ابن أبي عمير عهدة وثاقة المروي عنه إلى المروي إليهم، وسيأتي تحقيق الحال في المسألة في القسم الثاني

ص: 25


1- - فقه الخلاف1/170.

من هذا الكتاب(1).

كبرى وثاقة مشايخ ابن أبي عمير:

اشارة

هذه الكبرى غير ثابتة، إذ لا يمكن الجزم بان رواية ابن أبي عمير عن شخص مصرحٍ باسمه دليلٌ على وثاقته لاحتمال ان التصريح بالاسم هو للخروج من عهدة وثاقة الراوي ولما كانت كبرى (ان ابن أبي عمير لا يرسل ولا يروي إلا عن ثقة) عبارة عن ارتكاز متشرعي و(معروفية) بين الأصحاب فهو دليل لبي يُقتصر منه على القدر المتيقن وهو ما لو أرسل عن الراوي ولم يصرح باسمه فهو دليل تعهده بالوثاقة خصوصاً إذا عبّر عنه بما يؤيد ذلك كقوله (من أصحابنا) أو بما يعزز الاحتمال كقوله (عن جماعة) ونحوها، أما صورة التصريح بالاسم فهي خارجة عن القدر المتيقن(2).

ص: 26


1- - أورد سماحة الشيخ الأستاذ (دام ظله) بحثا تفصيليا حول مراسيل ابن ابي عمير في الجزء الأول من فقه الخلاف ص 339 – 354، ملحقا ببحث مسألة ( من لاط بغلام فأوقب حرمت عليه أمه وبنته وأخته)، وذلك حين استعرض طائفة من مراسيل ابن ابي عمير في تلك المسألة، ونحن هنا بحسب الترتيب الفني للكتاب ذكرنا كبرى حجية مراسيل ابن ابي عمير، وكبرى وثاقة مشايخ ابن ابي عمير، في الفصل الأول، باعتبار انه هذا الفصل مخصص لبيان المباني الرجالية لسماحته بشكل مجمل ؛ وذكرنا بحث تصحيح تلك الطائفة من الروايات في الفصل الثالث المعقود لبيان الروايات المصححة ؛ وذكرنا تفصيل البحث في مراسيل ابن ابي عمير في الفصل الرابع المعقود للتحقيقات، ولولا ملاحظة التصنيف الفني لجمعناها كلها في مبحث واحد. (المقرر).
2- - فقه الخلاف1/ 354.

فائدة

ان محمد ابن ابي عمير عبر في أكثر من رواية عمن روى عنه بأنه (من أصحابنا) وهو ظاهر في التوثيق خصوصاً إذا صدرت الكلمة من مثل ابن أبي عمير في جلالة قدره وتثبته وحكمته بينما يعبر في غيرها (عن رجل) ولا بد اناختلاف التعبير إنما هو لخصوصية(1).

فائدة

ما ذكر في الفائدة السابقة من إن التعبير بأحد أصحابنا لا يخلو من توثيق للراوي عرفاً، لا يختص بابن أبي عمير، فهذا الوصف لا يلقي جزافاً، حيث كانت يومئذٍ عدة ظروف تقتضي إخفاء بعض الأسماء(2).

مراسيل الثلاثة.

يلحق بمراسيل أبن ابي عمير مراسيل كل من صفوان والبزنطي فنحن لم نبنِ على توثيق كل من يروي عنهم الثلاثة وإنما مراسيلهم حجة دون مسانيدهم المشتملة على الضعاف(3).

ص: 27


1- - فقه الخلاف1/314.
2- - فقه الخلاف ج6 ص223
3- - ذكر هذا المعنى في مواضع متعددة من فقه الخلاف، منها ما ذكر عند البحث في مراسيل ابن أبي عمير، وكذلك أشير إلى مراسيل صفوان في ج6 ص228، وج7 ص251.

مراسيل يونس.

مراسيل يونس بن عبدالرحمن، قيل باعتبارها لأن يونس من أصحاب الإجماع(1) الذين اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنهم.لكن السيد الخوئي (قدس سره) ردّ ذلك ونفى ان يكون المراد عدم النظر إلى من بعد هؤلاء ممن وقع في السند بحيث يعامل معه معاملة الصحيح

ص: 28


1- - أصل هذه الدعوى ما ورد في رجال الكشي حيث قال في تسمية الفقهاء من اصحاب ابي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) : (اجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الاولين من اصحاب أبي جعفر عليه السلام وأبي عبدالله عليه السلام وانقادوا لهم بالفقه، فقالوا: أفقه الاولين ستة: زرارة، ومعروف بن خربوذ، وبريد، وأبوبصير الاسدي، والفضيل بن يسار، ومحمد بن مسلم الطائفي، قالوا: وأفقه الستة زرارة، وقال بعضهم مكان أبي بصير الاسدي أبوبصير المرادي وهو ليث بن البختري). وقال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبدالله (عليه السلام) : (أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح من هؤلاء وتصديقهم لما يقولون وأقروا لهم بالفقه، من دون أولئك الستة الذين عددناهم وسميناهم، ستة نفر: جميل بن دراج، وعبدالله بن مسكان، وعبدالله بن بكير، وحماد بن عيسى، وحماد ابن عثمان، وأبان بن عثمان). وقال في تسمية الفقهاء من أصحاب أبي ابراهيم وأبي الحسن الرضا (عليهما السلام) : (أجمع أصحابنا علي تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم وأقروا لهم بالفقه والعلم: وهم ستة نفر آخردون الستة نفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبدالله عليه السلام، منهم يونس بن عبدالرحمن، وصفوان بن يحيى بياع السابري، ومحمد بن أبي عمير، وعبدالله بن المغيرة، والحسن بن محبوب، وأحمد بن محمد بن أبي نصر. وقال بعضهم: مكان الحسن بن محبوب الحسن بن علي بن فضال وفضالة بن أيوب، وقال بعضهم، مكان ابن فضال عثمان بن عيسى، وأفقه هؤلاء يونس بن عبدالرحمن، وصفوان بن يحيى). راجع رجال الكشي ص507.

وان كان الراوي مجهولاً بل المراد اتفاق الكل على جلالة هؤلاء ووثاقتهم بحيث لم يختلف في ذلك اثنان وبذلك يمتازون عن غير أصحاب الإجماع(1).(2)

لكننا كتبنا بحثاً مفصلاً(3) في هذه النظرية أي مراسيل محمد بن أبي عمير ونظرائه كيونس الذي عدّوه افقه من ابن عمير وان الأصل في هذه الدعوى وهو كلام الشيخ الطوسي في العدة لم يقتصر على الثلاثة محمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى واحمد بن محمد بن أبي نصر وإنما قال وغيرهم ونحن وان كنّا لا ندّعي تعميمها إلى كل أصحاب الإجماع لعدم الدليل إلا ان تعميمها لمثل يونس ليس بعيداً لما ذكره وكانت النتيجة ان الإرسال لا يضر بها من هذه الجهة خصوصاً إذا عبر بمثل قوله (عن بعض رجاله) فإنها تشير إلى درجة عالية من الوثاقة.

ص: 29


1- - مستند العروة الوثقى: 8/175.
2- وقد وقع الخلاف بين الاعلام في بيان معقد الإجماع على أقوال منها : 1) وثاقة أصحاب الإجماع ووثاقة مشايخهم وصولا الى الإمام عليه السلام، وبالتالي تصحيح ما صح عنهم. وقد نسب هذا القول إلى السيد الداماد والشيخ البهائي والعلامة الحلي والحسن بن داوّد والشهيد الاول والمجلسيان والسيد بحر العلوم. 2) وثاقة أصحاب الإجماع وتصحيح ما صح عنهم ولا دلالة فيه على توثيق مشايخهم. وقد نسب هذا القول الى صاحب الرياض والسيد الكاظمي. 3) ان معقد الاجماع يدل على وثاقة هؤلاء وجلالتهم في انفسهم فحسب اي لا دلالة فيه على تصحيح رواياتهم فضلا عن وثاقة مشايخهم. وهو ما ذهب إليه صاحب الوافي واختاره السيد الخوئي. (المقرر).
3- - فقه الخلاف1/339-354، وقد أوردتها في الجزء الرابع من هذا الكتاب.

نعم، ان هذه المراسيل قابلة للقدح من جهات أخر، أي لو حصلت قرائن على الخلاف، هذا فيما لو لم يذكر اسم من يروي عنه يونس وأمثاله أما إذا ذكر فلا بد من التحقيق فيه لان ذكر يونس له لعله للخروج من عهدة توثيقه وتحمل مسؤوليته(1).

مراسيل أصحاب الأجماع.

هناك من عمم حجية المراسيل الثابتة للثلاثة الى بقية أصحاب الأجماع الثمانية عشر الذين سماهم الكشي في رجاله

لكننا لا نرى تعميمها إلى كل أصحاب الإجماع لعدم الدليل إلا ما تقدم من ان تعميمها لمثل يونس ليس بعيداً.

أما بقية أصحاب الأجماع فالمراد من الأجماع اتفاق الكل على جلالة هؤلاء ووثاقتهم بحيث لم يختلف في ذلك اثنان وبذلك يمتازون عن غير أصحاب الإجماع(2).

تصحيح ما صح عن عبدالله بن مسكان.

حيث يوجد مبنى لتصحيح يقول بذلك باعتبار أن ابن مسكان من أصحاب الإجماع الذين صُحِّح ما صحَّ عنهم، ولعله لهذا وَصفت جملة

ص: 30


1- - فقه الخلاف1/36.
2- - فقه الخلاف1/36.

من المصادر بعض رواياته عن المجاهيل بالصحاح(1)، وقد ذكرت المصادر في ترجمة ابن مسكانخصوصيةً له بأنه لم يروِ عن الإمام الصادق (عليه السلام) وإنما روى عن أصحابه لأنه كان لا يدخل على أبي عبد الله (عليه السلام) شفقة أن لا يوفيه حق إجلاله وكان يسمع من أصحابه ويأبى أن يدخل عليه إجلالاً له وإعظاماً، ولكن توجد أحاديث في جوامع الحديث نقلها عنه مباشرة(2).

وعلى كل حال فهذه الكبرى وهي تصحيح ما يصح عن عبد الله بن مسكان غير معتمدة عندنا(3)، لما تقدم عن قريب من أن المراد من الأجماع اتفاق الكل على جلالة هؤلاء ووثاقتهم بحيث لم يختلف في ذلك اثنان وبذلك يمتازون عن غير أصحاب الإجماع، وهذا هو القدر المتيقن من

ص: 31


1- - مستمسك العروة الوثقى 9/ 567،569. وهي رواية عبد الله بن مسكان عن زكريا بن مالك الجعفي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه سأله عن قول الله عز وجل: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ)؟ فقال: (أما خمس الله عز وجل فللرسول يضعه في سبيل الله، وأما خمس الرسول فلأقاربه وخمس ذوي القربى فهم أقرباؤه، واليتامى يتامى أهل بيته، فجعل هذه الأربعة أسهم فيهم وأما المساكين وابن السبيل فقد عرفت أنا لا نأكل الصدقة ولا تحل لنا فهي للمساكين وأبناء السبيل)، وزكريا بن مالك لم يوثق، ورواية أخرى رواها عن محمد بن مروان، وهو لم يوثق أيضا، ومع ذلك وصفتها بعض المصادر بالصحة.
2- - فقه الخلاف 3/12.
3- - فقه الخلاف 3/297.

الإجماع، أما توثيق مشايخهم أو حجية مراسيلهم فلا دلالة في ما ذكر عليه.

عدم حجية مراسيل الصدوق

يشتمل كتاب الفقيه للشيخ الصدوق على عدد كبير من المراسيل بلغت ثلث روايات الكتاب وبالتالي يشكل الاستناد إليها، وقد ذكر بعضهم كبرى لإعتبار بعض هذه المراسيل، وهي أن الصدوق إذا نسب الرواية إلى الامام (عليه السلام) بقوله (قال) فإنه تسليم منه بصحتها وإن قال (روي) فإنه يلقي عهدتها على راويها والرواية هنا وردت باللسان الأول، وهذه الكبرى ليست بعيدة الا انه لا يمكن الاعتماد عليها لأنها تبقى مبنية على اجتهاد وحدس الصدوق (رضي الله عنه)(1).

المراسيل التي وقع بنو فضال في سندها

قال الشيخ الأنصاري (قدس سره) في تعليقه على رواية داوود بن فرقد عن بعض أصحابنا قال: (قال الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام): إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب)(2)، وهي مرسلة وقد اشتمل سندها على بعض بني فضال:(وإرساله غير قادح بعد وجود ابن فضال

ص: 32


1- - فقه الخلاف1/194.
2- - الوسائل أبواب المواقيت، الباب17، ح4.

الذي ورد الأمر - في بعض الأخبار المعتبرة – بالأخذ بكتبه ورواياته وكذا كتب أولاده أحمد ومحمد وعلي وروايتهم)(1).

وهذا المبنى الذي تكرر في كلامه (قدس سره) غير تام لوجهين:

1- إن هذا المعنى ورد في رواية الشيخ الطوسي (قدس سره) في كتاب الغيبة عن أبي الحسين بن تمام عن عبد الله الكوفي خادم الحسين بن روح عن الحسين بن روح عن أبي محمد الحسن بن علي (عليه السلام): (أنه سئل عن كتب بني فضال فقال: خذوا بما رووا، وذروا ما رأوا)(2)، وسندها في غاية الضعف.

2- إن الرواية لا إطلاق لها حتى تقبل كل مرويات بني فضال مهما كان سندها إلى الأئمة (عليهم السلام) فلم يرد هذا حتى في أجل الأصحاب وإنما تدعو الرواية إلى عدم التوقف في قبول الخبر لمجرد أن رواية ابن فضال وهو فطحي(3).

ص: 33


1- - المجموعة الكاملة لآثار الشيخ الأنصاري (قدس سره): 6/82).
2- - وسائل الشيعة: كتاب القضاء أبواب صفات القاضي، الباب8، ح79.
3- - فقه الخلاف 3/122.

مضمرات أجلاء الأصحاب.

الأصل في المضمرات عدم الحجية لكن إذا كان المضمر من أجلاء الأصحاب الذين لا يناسب حالهم سؤال غير الأمام فلا ينقل إلا قول المعصوم (عليه السلام)، فعندها تكون حجة ويمكن الاستناد إليها(1).

مستثنيات كتاب نوادر الحكمة

أستثنى الشيخ محمد بن الحسن بن الوليد شيخ الصدوق من كتاب نوادر الحكمة لمحمد بن أحمد بن يحيى(2) ما رواه جماعة من الرواة، وعلق أبو العباس بن نوح على هذا الاستثناء بقوله : ((وقد أصاب شيخنا أبو جعفر محمد بن الحسن بن الوليد في ذلك كله، وتبعه أبو جعفر بن بابويه على ذلك))(3).

وقد استظهر جماعة منهم السيد الخميني ضعف من استثناهم ابن الوليد، حين ذهب إلى تضعيف الحسن بن الحسين اللؤلؤي رغم توثيق

ص: 34


1- - القول بحجية مضمرات أجلاء الأصحاب ورد كثيرا في فقه الخلاف كما في ج1 ص15، وج7 ص219، والفقه الباهر ص329.
2- - قال النجاشي : ((محمد بن احمد بن يحيى الأشعري كان ثقة في الحديث إلا ان أصحابنا قالوا كان يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل ولا يبالي عمن اخذ، وما عليه في نفسه مطعن في شيء، وكان محمد بن الحسن بن الوليد يستثني من رواياته ما رواه عن... وذكر عدة أسماء)) معجم رجال الحديث :15/51.
3- - معجم رجال الحديث:15/51.

النجاشي له لأن استثناء ابن الوليد على حد قوله : ((إنما هو لضعف في الرجال أنفسهم، نعم وثّقه النجاشي، لكن سكت عند نقل عبارة ابن نوح، ولعله لرضاه بما ذكره، وكيف كان يشكل الاتكال على توثيقه بعد تضعيف الصدوق وشيخه ظاهراً وابن نوح))(1).

أقول: لا ملازمة بين توثيق الراوي وردّ بعض رواياته كما هو معلوم، وقد ردّ ابن الوليد شيخ الصدوق روايات اللؤلؤي التي تفرّد بنقلها عنه محمد بن أحمد بن يحيى.

على أن السيد الخميني صحح رواية اللؤلؤي ولا نعلم كيف صحح الرواية حينئذٍ بعد أن شكك في وثاقة راويها وبعد كونها مشمولة بالمستثنيات؟

أما سكوت النجاشي عن التعليق على عبارة ابن نوح بعد توثيقه للحسن اللؤلؤي فلا يتعارض مع توثيقه له، وإنما هو تقييد للأخذ عنه في ما عدا المستثنيات.وفي ضوء ذلك يمكن البناء على توثيق النجاشي للحسن اللؤلؤي أما تضعيف الصدوق فهو مبني على رد شيخه ابن الوليد لروايات ابن يحيى عنه وهو لا يستلزم التضعيف إذ قد يكون الرد لأمر آخر كعدم ثبوت أخذه عنه

ص: 35


1- - كتاب الطهارة 3/167.

مباشرة أو عدم إجازته لرواياته عنه ونحوها(1).

من لم يستثنَ من كتاب نوادر الحكمة

فعلى القول بكون إستثناء ابن الوليد ما رواه بعض الرواة في كتاب نوادر الحكمة مستند إلى ضعف أولئك الرواة، فهل يمكن القول بوثاقة من لم يستثنهم ابن الوليد ؟

قال بعضهم باعتبار ووثاقة كل من يروي عنه محمد بن احمد بن يحيى ولم يكن ممن استثناه ابن الوليد، قال السيد الحكيم (قدس سره) : وقد استثنى ابن الوليد شيخ الصدوق وتبعه القمّيّون من رجال النوادر جماعة فصرح بعدم العمل برواياتهم، بل قد صرح الصدوق بضعف بعضهم ولم يذكر الرجل في تلك الجماعة، فعدم الاستثناء يكشف عن الاعتماد على رواياته وكفى بذلك مصححاً(2).

وقد رده السيد الخوئي (قدس سره) بقوله (ان العمل بروايات الشخص لا يستلزم منه توثيقه لعدم العلم بمبنى العمل فلعل مستنده كبرى لا نقول بها كالبناء على أصالة العدالة كما هو مسلك العلامة وغيره).

ويمكن الجواب على رد السيد الخوئي (قدس سره) : بأن الاستثناء لو

ص: 36


1- - فقه الخلاف 6/198.
2- - المستمسك ج8 ص80.

كان بلحاظ الروايات لتم ما قاله لكن الاستثناء كان للأشخاص فيكون المستفاد توثيق من لم يستثنَ ولا اقل من العمل برواياته في هذا الكتاب.

لكن الإنصاف ان هذا الجواب غير تام، لأن غاية ما يدل عليه عدم الطعن في الرواية من وجهة نظر ابن الوليد وهو غير ملزم لغيره لاختلاف المباني في قبولالروايات وتوثيق الرجال(1).

وبالتالي فنحن لا نعتمد هذه الكبرى في التوثيقات ولا في قبول الرواية لأنها اجتهاد من ابن الوليد وليس شهادة حسّية فلا يكون حجة وإنما نذكره كمقرّب للاعتماد على الرواية بضمِّه إلى غيره(2).

في حال تردد المروي عنه مع جلالة ووثاقة الراوي

ما يقتضيه طبع الرواة الثقات وخصوصاً ما لو كانوا من أجلاء الأصحاب، عدم الإيهام وعدم إجمال اسم من يروون عنه إذا كان مشتركاً إلا مع انسباق الذهن إلى الثقة ومعروفية ذلك عند المتلقي(3). فحينما يذكر اسم الراوي مجملاً فلا بد أنه اتكل على الانصراف إلى ثقة معلوم، ولا يخلطه بغيره من المجاهيل والمهملين.

أما الاشتراك والإجمال والترديد فنشأ لاحقاً بعد قيام أصحاب الرجال

ص: 37


1- - فقه الخلاف1/34.
2- - فقه الخلاف 2/230.
3- - فقه الخلاف 6/273.

وأرباب المعاجم المتأخرين بجمع كل أسماء الرواة وحشرها على نسق واحد(1).

فلو روى أحد الأجلاء عن رجل مردد بين الثقة وغيره فجلالة الرواي ووثاقته تمنعه من الأيهام على السامع ما لم يكن المروي عنه معروفا في أوساط المحدثين، لذا فعند التردد بين المعروف وغيره، وكان الراوي عنه من الأجلاء يحمل المروي عنه على المعروف لا المجهول.

الترجيح بالعقيدة

الترجيح بين الروايات المتعارضة بلحاظ عقيدة الراوي غير ثابت عندنا من جهة أن مقبولة عمر بن حنظلة واردة بلحاظ الفتويين المختلفتين لا الحديثينالمختلفين، فلا فرق بين كون الرواية صحيحة أو موثقة من ناحية الحجية والاعتبار(2).

كبرى الوقوع في أسناد كامل الزيارات

اشتمل كتاب (كامل الزيارات) للشيخ جعفر بن محمد بن قولويه على مقدمة جاء فيها : ((وقد علمنا أنّا لا نحيط بجميع ما روي عنهم في هذا المعنى ولا في غيره، لكنه ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا (رحمهم

ص: 38


1- - فقه الخلاف 2/195، 274.
2- - الفقه الباهر ص148

الله برحمته) ولا أخرجت فيه حديثاً روي عن الشذّاذ من الرجال يؤثر ذلك عنهم عن المذكورين غير المعروفين بالرواية المشهورين بالحديث والعلم)).

وقد استظهر منها بعض الأعلام أن ابن قولويه يذهب إلى توثيق جميع رجال كامل الزيارات، وهذا ما ذهب إليه السيد الخوئي (قدس سره) في أول رأييه، وبنى عليه كثيرا في بحثه.

لكن هذه الكبرى(1) غير تامة إذ لا يستفاد منها أكثر من توثيق الرواة المباشرين الذين يروي عنهم، وهذا ما استظهره جماعة منهم الحر العاملي حيث قال في وسائله : ((وقد شهد علي بن إبراهيم أيضاً بثبوت أحاديث تفسيره وإنها مروية عن الثقات عن الأئمة (عليهم السلام) وكذلك جعفر بن محمد بن قولويه فانه صرّح بما هو أبلغ من ذلك في أول مزاره))(2) يشير بها إلى ما تقدم من قول ابن قولويه (قدس سره) في مقدمة كتابه ((وقد علمنا أنّا لا نحيط بجميع ما روي....))، وكذلك المحدث النوري فقد استفاد من هذا البيان شهادة بن قولويه بوثاقة مشايخه فقط، وهم الذين صدَّر بهم سند أحاديث كتابه دون بقية رجال السند(3) وقد نُقل انالسيد الخوئي (قدس

ص: 39


1- - أشار سماحته إلى عدم تمامية هذه الكبرى في مواضع عديدة من فقه الخلاف منها : ج1 ص310، ج3 ص114، ج5 ص85، ج7 ص163.
2- - خاتمة الوسائل : الفائدة السادسة، ج20، ص68.
3- - قواعد الحديث للغريفي :186.

سره) عدل عن هذه الكبرى لاحقاً(1)، الى القول بوثاقة المشايخ المباشرين فقط.

هذا، ويمكن القول أن مفاد هذه المقدمة هو : أن الروايات المذكورة موافقة لما عليه الثقات من الأصحاب، وبالتالي فهي غير ناظرة إلى رجال الاسناد وتوثيقهم(2).

كبرى الوقوع في أسناد تفسير القمي

وقد اشتمل تفسير القمي أيضا على مقدمة جاء فيها : (ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهى الينا ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم واوجب ولايتهم)، وهي أيضا استظهر منها بعض الأعلام أن القمي يذهب إلى توثيق جميع رجال تفسيره، وممن قال بهذه الكبرى السيد الخوئي (قدس سره) حيث ذكر أن علي بن إبراهيم ((قد التزم هو في تفسيره بأن لا يروي إلا عن الثقة، فكانت هذه منه شهادة عامة بتوثيق كل من وقع في إسناد التفسير ولا بد من الأخذ به فانه لا يقل عن توثيق مثل النجاشي بل هو أعظم لكون عهده اقرب))(3).

لكن هذه الكبرى غير تامة إذ لا يستفاد منها أكثر من توثيق الرواة

ص: 40


1- - فقه الخلاف1/36.
2- - نفس المصدر.
3- - مستند العروة الوثقى: 8/176.

المباشرين الذين يروي عنهم أو ان الروايات المذكورة موافقة لما عليه الثقات من الأصحاب ولا يدل على توثيق كل رجال الاسناد(1).

حجية الرواية الضعيفة في التوثيق

لا شك في أن توثيق المعصوم لرواة الحديث هو أعلى درجات التوثيق، يقول السيد الخوئي (قدس سره) : (مما تثبت به الوثاقة أو الحسن أن ينص على ذلكأحد المعصومين عليهم السلام. وهذا لا إشكال فيه. إلا أن ثبوت ذلك يتوقف على إحرازه بالوجدان، أو برواية معتبرة. والوجدان وإن كان غير متحقق في زمان الغيبة إلا نادرا، إلا أن الرواية المعتبرة موجودة كثيرا).. إلى أن قال : (وربما يستدل بعضهم على وثاقة الرجل أو حسنه برواية ضعيفة أو برواية نفس الرجل، وهذا من الغرائب ! فإن الرواية الضعيفة غير قابلة للاعتماد عليها، كما أن في إثبات وثاقة الرجل وحسنه بقول نفسه دورا ظاهرا)(2).

نقول هنا ينبغي التفصيل فيما يروى عنهم عليهم السلام في هذا المعنى، من روايات ضعيفة السند، فإن بعض هذه الروايات يمكن الاعتماد عليها فيما لو توفرت فيها جملة شروط، وهي:

1) أن لا يكون ضعف السند بأكثر من واسطة، وإنما بواسطة واحدة.

ص: 41


1- - فقه الخلاف ج1 ص36، ج6 ص144، ج7 ص354.
2- - معجم رجال الحديث1/39

2) أن يرويها عن الضعيف أحد الأجلاء الثقات.

3) أن يكون هذا الراوي الجليل الثقة قريب ممن يراد توثيقه، بحيث لا يخفى عليه حاله.

فهنا لو نقل هذا الثقة عن المجهول قول الامام عليه السلام في توثيق أحد الرواة، فلا يخلوا حال من يراد توثيقه بنظر ذلك الثقة عن أحد ثلاث وجوه:

1. أن يكون ثقة بنظر هذا الناقل الثقة، فهنا ينقل هذا الثقة توثيق الامام لمن يراد توثيقه بدون أي حرج.

2. أن لا يكون ثقة بنظر الناقل الثقة.

3. أن يكون مجهولا لديه.

فهنا في الحالتين الاخيرتين لا ينقل هذا الثقة عن المجهول توثيق الامام وهو لا يرى وثاقة من يراد توثيقه لإحتمال كذب الراوي له عن الامام عليه السلام.أما وأنه نقله، فذلك يكشف عن تبنيه لهذا التوثيق(1)، وإلا لما نقله، وهذا بناء عقلائي لم يردع عنه، فهو ممضى شرعا.

ص: 42


1- - ويمكن توجيهه بنفس ما ذكروه في حجية الاجماع المنقول على وثاقة اصحاب الاجماع من أن الاجماع المنقول وإن لم يكن حجة فلا أقل من تبني من نقله وهو الكشي لهذا الاجماع.(المقرر).

بل يمكن القول أن نسبته الى المعصوم تكشف عن توثيق هذا الثقة حتى للراوي المجهول لدينا الذي حدثه بهذا الحديث(1).

ويمكن أن نمثل لذلك بما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام في توثيق عمر بن حنظلة، حيث روى الكليني بسند صحيح(2) عن يونس بن عبدالرحمن عن يزيد بن خليفة قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): إنّ عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت، فقال أبو عبدالله ( عليه السلام ): إذاً لا يكذب علينا، قلت: ذكر أنّك قلت: إنّ أوّل صلاة افترضها الله على نبيّه الظهر، وهو قول الله عزّ وجلّ: (أقم الصلاة لدولوك الشمس) فإذا زالت الشمس لم يمنعك إلاّ سبحتك، ثمّ لا تزال في وقت إلى أن يصير الظلّ قامة، وهو آخر الوقت، فإذا صار الظلّ قامة دخل وقت العصر، فلم تزل في وقت العصر حتّى يصير الظلّ قامتين، وذلك المساء ؟ فقال : صدق(3).

فقوله عليه السلام : (إذاً لا يكذب علينا) صريح بوثاقته لكن المشكلة فيمن رواها عن الإمام عليه السلام وهو يزيد بن خليفة فهو الآخر لم يرد فيه توثيق.

ص: 43


1- - أشار سماحته (دام ظله) إلى هذا المبنى بشكل مقتضب في ضمن توثيقه لعمر بن حنظلة في فقه الخلاف1/92.
2- - رواها الكليني عن علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس عن يزيد بن خليفة، فسند الكليني الى يونس صحيح.
3- - وسائل الشيعة، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، باب 5 ح6.

ولكن لما كان سند الكليني إلى يونس صحيح، وهذه الرواية تتضمن أعلى درجات التوثيق ولم يكن حال عمر خافياً على يونس فلو كان مجهولاً أو ضعيفاً لما نقلها يونس أو على الأقل كان عليه أن يسقط صدر الرواية المتضمن توثيق عمرو لعدم ارتباطه بأصل الحكم في الرواية وهو مواقيت الصلاة.

عدم ثبوت نسبة رجال الغضائري

ان الكتاب الموجود المعروف برجال الغضائري لم تثبت نسبته إلى الغضائري الأب وهو الحسين بن عبيد الله شيخ الطوسي والنجاشي الذي لم يعرف له كتاب في الرجال.

كذلك لم تثبت نسبته للأبن، وهو أحمد بن الحسين بن عبيد الله الغضائري، نعم ذكره الشيخ الطوسي (رحمه الله) في مقدمة فهرسته فقال ((أبو الحسين أحمد بن الحسين بن عبيد الله، فإنه عمل كتابين، أحدهما ذكر فيه المصنفات، والآخر ذكر فيه الأصول، واستوفاهما على مبلغ ما وجده وقدر عليه، غير ان هذين الكتابين لم ينسخهما أحد من أصحابنا، واخترم هو- رحمه الله- وعمد بعض الورثة إلى إهلاك الكتابين وغيرهما من الكتب، على ما حكى بعضهم عنه))(1)، ورجّح البعض أن له كتاباً ثالثاً في (الضعفاء) وهو الذي ذكره السيد ابن طاووس واعتمد عليه العلامة في

ص: 44


1- - قواعد الحديث، السيد محيي الدين الغريفي:1/198.

تضعيف البعض مما عُدّ دليلاً على اعتبار الكتاب لكن السيد ابن طاووس الذي يرجع إليه إظهار الكتاب تبرأ من نسبته ونفى وجود طريق إليه ووهّن تضعيفاته وان العلامة أيضاً خالف تضعيفاته ومنها في ترجمة إبراهيم بن عمر الصنعاني الذي نحن بصدده ((حيث قبل روايته وذكره في القسم الأول من خلاصته))(1).

وخلاصة الكلام انه لم يثبت لأحمد بن الحسين كتاب في الرجال لعدم خفاء ذلك على زميليه في الدرس الطوسي والنجاشي عند أبيه ولو ثبت فإنه تلف مع باقي كتبه والموجود منسوب إليه والمرجح أنه من دسائس أعداء مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) لتضييع تراثهم الثرّ(2).

التعليق في أسانيد الكافي

قد ترد رواية معلقة في الكافي كما لو كان مبتدأ السند ب-(حريز عن زرارة ) فيقال أننا لا نعرف طريق الكليني (قدس سره) إلى حريز، وبالتالي تكونالرواية مرسلة.

ولكن هذا الإشكال مردود، لأن الكليني (قدس سره) بنى على حذف الإسناد إذا تكرر في روايات متتالية، كما لو روى التي سبقتها عن (علي بن

ص: 45


1- - المصدر: 203.
2- - فقه الخلاف1/308.

إبراهيم عن أبيه عن حماد بن عيسى عن حريز)((1)) وهو طريق صحيح ثم قال مباشرة (حريز عن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام)... إلى آخر الحديث، فهو ظاهر في وحدة طريقهما، لذا بنى المشهور على صحة مثل هذه الرواية.

ما قيل في تصحيح سند كتب علي بن جعفر

لعلي بن جعفر كتابان في مسائل الحرام والحلال، أحدهما مبوَّب والآخر غير مبوّب، وقد نقل الحميري في قرب الإسناد كثيراً منها، وفي سنده ضعف لعدم توثيق عبد الله بن الحسن، لكن جمعاً من الأعلام صححوا من تلك الروايات ما نقله صاحب الوسائل عن كتاب علي بن جعفر باعتباره نقلاً مباشراً من الكتاب منهم السيد الخوئي (قدس سره) لذا نجده يصف بعض الروايات التي أخذها صاحب الوسائل مباشرة من كتاب علي بن جعفر بالصحيحة(2)، إلا أن هذا الطريق يمكن الإشكال فيه لأن صاحب الوسائل يرويه بالوجادة وهو طريق غير موثوق به لدى المحققين، وقد أورد المجلسي (قدس سره) نصّ الكتاب غير المبوَّب في كتابه بحار الأنوار(3)، وفيه عدة موارد تعزّز هذا الإشكال، لا تخفى على من راجعه.

ص: 46


1- - راجع فروع الكافي: كتاب الزكاة، باب ما يزكى من الحبوب.
2- - كما في المستند 22/186.
3- - البحار10/ 249-291.

إن قلتَ: لنا طريق لتصحيح كتاب علي بن جعفر هذا بمطابقة الروايات الواردة فيه مع ما رواه المشايخ في الكتب الأربعة فإذا وجدنا مطابقة في موارد كثيرة تعززت - بتراكم الاحتمالات- صحة هذه النسخة من كتاب علي بن جعفر.

وفيه:-1- إن هذا المقدار من التطابق حتى لو وصل إلى (70%) ونحوه فإنه لا يحل العلم الإجمالي بوجوب الفحص والتثبت لتحصيل الاطمئنان بالصدور، أو قل إنه لا يلغي احتمال عدم الصدور أو عدم مطابقة النص في الروايات الباقية.

2- إن هذه العملية غاية ما تثبت أن هذا الكتاب نسخة من كتاب علي بن جعفر إلا أنه لا يُعلم بأي مستند وصلت؛ لأن مرويات علي بن جعفر في الكتب الأربعة بأسناد مختلفة(1).

نسبة كتاب الفقه الرضوي

كتاب (الفقه الرضوي) نسبه البعض إلى الأمام الرضا (عليه السلام)، ودافع عنه عدد من المحققين كصاحب الحدائق(2)(قدس سره) ومما ذكره في ذلك ((اعتماد الصدوقين على هذا الكتاب والإفتاء بعبائره وترجيحها على

ص: 47


1- - الفقه الباهر 312
2- - الحدائق الناضرة 3/339،340.

النصوص الصحيحة المستفيضة في مواضع عديدة حتى أن الأصحاب نسبوا كثيراً من فتاوى علي بن الحسين بن بابويه إلى الشذوذ لمخالفتها صحاح الأخبار وهي مأخوذة من هذا الكتاب)) ((ويؤيده ما ذكره شيخنا المجلسي (طاب ثراه) في مقدمات كتاب البحار (وحكايته أنه) كان عليه خط الإمام الرضا (عليه السلام) وكان عليه إجازات جماعة كثيرة من الفضلاء)).

إلا أن هذه النسبة لم تثبت بحجة تامة والمظنون أنها رسالة عملية لأحد قدماء الفقهاء كتبه في المشهد الرضوي المقدس والراجح أنه والد الشيخ الصدوق (قدس سره)، وقد ثبت بالاستقراء ان فتاواهم كانت غالباً نصوصاً للمعصومين (عليهم السلام) فمن هذه الناحية تكون بقوة الرواية غير ثابتة الحجة فتصلح للتأييد.

وهو على هذا الفرض يكون شكل من أشكال الرواية التي لم يذكر سندها وهي وإن لم تكن معتبرة إلا أنها توحي بوجود رواية(1).

كتاب دعائم الأسلام

كتاب (دعائم الإسلام في معرفة الحلال والحرام والقضايا والأحكام، المأثورة عن أهل البيت عليهم السلام)، للقاضي نعمان المصري المغربي المتوفى سنة 363 ه-، قال المجلسي عن كتابه أنه ((أظهر الحق في كتابه هذا تحت ستر التقية كان من الكتب المتداولة المعمول بها في مصر في تلك

ص: 48


1- - فقه الخلاف ج1 ص171، 285 – ج6 ص219، 223

الأعصار)) وبسط المحدث النوري الكلام في خاتمة مستدركه حول اعتبار هذا الكتاب، قال صاحب كشف الظنون(1): ((وفي سنة 416 ه- أمر الظاهر (الخليفة الفاطمي) فأخرج من بمصر من الفقهاء المالكيين وأمر الدعاة الوعاظ أن يعظوا من كتاب (دعائم الإسلام) وجعل لمن حفظه مالاً))(2).

إلا أن روايات دعائم الإسلام ضعيفة لإرسالها فلا يمكن الاعتماد عليها(3).

ص: 49


1- - كشف الظنون1/492.
2- - كشف الظنون1/492، وراجع أيضا الذريعة إلى تصانيف الشيعة للشيخ آغا بزرك الطهراني: 8/139.
3- - فقه الخلاف10/206، و2/331.

الفصل الثاني: في أحوال بعض الرجال

1) إبراهيم بن عمر

1) إبراهيم بن عمر(1)

إبراهيم بن عمر الصنعاني تعارض فيه تضعيف الغضائري وتوثيق النجاشي، حيث وصفه ابن الغضائري بأنه ((ضعيف جداً))(2)، في حين قال عنه النجاشي : ((شيخ من أصحابنا ثقة))(3).

وهذا التضعيف مردود : بعدم ثبوت نسبة كتاب ابن الغضائري لا إلى الغضائري الأب ولا إلى الأبن، فيكون التوثيق بلا معارض.

2) احمد بن محمد بن الحسن بن الوليد

2) احمد بن محمد بن الحسن بن الوليد(4).

لم يرد في حقه توثيق لكننا نبني على قبول رواياته لأنه من شيوخ المفيد والحسين بن عبيد الله وابن عبدون وقد أخذوا منه وأكثروا الرواية عنه، وتتلمذوا عنده، فقبول هؤلاء الأعاظم للتلمذة عنده والنسبة إليه مع عدم ورود قدح فيه من أحد؛ قرينة عرفية على قبول روايته وهي غير مجرد

ص: 50


1- - فقه الخلاف1/308.
2- - معجم رجال الحديث1/126.
3- - معجم رجال الحديث:1/126.
4- - فقه الخلاف 4/280.

الرواية عنه التي لا تكفي لاعتماد المروي عنه كالذي قلناه في مسانيد ابن أبي عمير وأضرابه.

3) إسماعيل بن أبي السماك

3) إسماعيل بن أبي السماك(1).

اسماعيل ابن ابي سماك أو السماك اختلف في توثيقه لإجمال قول النجاشي الذي قال في أخيه إبراهيم: (ثقة هو وأخوه إسماعيل بن أبي السماك رويا عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)) فاستفاد العلامة في الخلاصة توثيقه بالعطف على ماسبقه ونفى السيد الخوئي (قدس سره) هذه الدلالة باعتباره معطوفاً على ما بعده أي أن (هو وأخوه) ابتداء كلام، وخبره جملة (رويا)(2) ولا أقل من الإجمال.

أقول: الأظهر ما اختاره العلامة (قدس سره) لأن المعنى المراد لو كان هو ما ذكره السيد الخوئي (قدس سره) لقدم النجاشي كلمة (روى) فيقول: (روى هو وأخوه عن أبي الحسن (عليه السلام)).

4) إسماعيل بن مرار

4) إسماعيل بن مرار(3)

ذكره الشيخ في رجاله فيمن لم يرو عنهم عليهم السلام، وقال أنه : روى عن يونس بن عبدالرحمن، وروى عنه إبراهيم بن هاشم، ولم يزد في

ص: 51


1- - فقه الخلاف 3/119.
2- - معجم رجال الحديث: 3/107.
3- - فقه الخلاف1/34.

ترجمته على ذلك، لذا فالرجل مجهول الحال، وقد قيل في دفع إشكال مجهولية إسماعيل بن مرار، ثلاث وجوه(1):

أ- ما ذكره السيد الحكيم (قدس سره)(2) من ان إسماعيل من رجال نوادر الحكمة لمحمد بن احمد بن يحيى، وقد استثنى ابن الوليد شيخ الصدوق وتبعه القمّيّون من رجال النوادر جماعة فصرح بعدم العمل برواياتهم، بل قد صرح الصدوق بضعف بعضهم ولم يذكر الرجل في تلك الجماعة، فعدم الاستثناء يكشف عن الاعتماد على رواياته وكفى بذلك مصححاً على حد تعبيره (قدس سره).

وقد رده السيد الخوئي (قدس سره) بقوله (ان العمل بروايات الشخص لا يستلزم منه توثيقه لعدم العلم بمبنى العمل فلعل مستنده كبرى لا نقول بها كالبناء على أصالة العدالة كما هو مسلك العلامة وغيره).

لكن يمكن الجواب على رده السيد الخوئي: بأن الاستثناء لو كان بلحاظالروايات لتم ما قاله لكن الاستثناء كان للأشخاص فيكون المستفاد توثيق الشخص ولا اقل من العمل برواياته في هذا الكتاب والرواية هذه منقولة منه.

ص: 52


1- - الوجه الأول والثالث ذكرهما في الجزء الأول صفحة 34، والوجه الثاني ذكره في الجزء الثاني صفحة 381.
2- - المستمسك ج8 ص80

لكن الإنصاف ان كلا الوجهين لا ينفعان لان غاية ما يدل عليه عدم الطعن في الرواية من وجهة نظر ابن الوليد وهو غير ملزم لغيره لاختلاف المباني في قبول الروايات وتوثيق الرجال.

ب- ما ذكره السيد الخوئي من الذهاب الى توثيق إسماعيل بن مرار لأجل أن محمد بن الحسن بن الوليد قال : كتب يونس بن عبد الرحمن التي هي بالروايات كلها صحيحة معتمد عليها، إلا ما ينفرد به محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس، ولم يرده غيره، فإنه لا يعتمد عليه ولا يفتى به، ذكره الشيخ في ترجمة يونس(1).

ويرد بإنه : اجتهاد من ابن الوليد ولا تدل على التوثيق وإنما قبول الرواية، ولا يُعلم أن الرواية هذه هي من كتب يونس ولا يكفي في إثباته ما قاله السيد الخوئي (قدس سره): ((إن إسماعيل بن مرار تبلغ رواياته عن يونس بن عبد الرحمن مائتين وزيادة فالظاهر أن رواياته هي من كتب يونس)).

ج- ما ذكره السيد الخوئي (قدس سره)(2) من ((ان إسماعيل مذكور في أسانيد علي بن إبراهيم وقد التزم هو في تفسيره -كجعفر بن محمد بن قولويه في كامله- بأن لا يروي إلا عن الثقة، فكانت هذه منه شهادة عامة بتوثيق كل

ص: 53


1- - معجم رجال الحديث: 3/178.
2- - مستند العروة الوثقى: 8/176.

من وقع في إسناد التفسير ولا بد من الأخذ به فانه لا يقل عن توثيق مثل النجاشي بل هو أعظم لكون عهده اقرب)).

لكن هذه الكبرى غير تامة إذ لا يستفاد منها أكثر من توثيق الرواة المباشرين الذين يروي عنهم أو ان الروايات المذكورة موافقة لما عليه الثقات من الأصحاب ولا يدل على توثيق كل رجال الاسناد.

5) جعفر بن محمد بن مسرور

5) جعفر بن محمد بن مسرور(1)

هذا العنوان ورد في بعض الروايات، إلا أنه ليس له ذكر في كتب الرجال، فجعفر بن محمد بن مسرور لم يعرف حاله بهذا العنوان ونقل السيد الخوئي (قدس سره)(2) عن الوحيد في تعليقته ((أن جعفر بن محمد بن قولويه اسمه مسرور، فإن النجاشي ذكر في ترجمة علي بن محمد بن جعفر بن موسى بن مسرور: أنه روى عنه أخوه جعفر بن محمد بن قولويه)) واستبعد (قدس سره) هذا الاحتمال جداً لأن ((جعفر بن محمد بن قولويه لم يروِ عن علي بن محمد بن جعفر بن موسى بن مسرور، وإنما روى كتابه عن أخيه علي، كما روى عن أخيه، وعليه فلم يثبت أن قولويه اسمه مسرور، بل الثابت خلافه)).

أقول: ما احتمله الوحيد قريب بعد ضم عدة مقدمات

ص: 54


1- - فقه الخلاف 3/17.
2- - معجم رجال الحديث 4/122.

(الأولى) إن اسم جعفر بن محمد بن قولويه هو جعفر بن محمد بن جعفر بن موسى بن قولويه(1).

(الثانية) إن جعفر بن محمد بن قولويه روى عن أخيه علي بن محمد(2). فيكون الاسم الكامل لأخيه علي بن محمد بن موسى بن قولويه.

(الثالثة) ورد في رجال النجاشي علي بن محمد بن جعفر بن موسى بن مسرور ولا يوجد غيره.

فالنتيجة التي يحصل الاطمئنان بها أن قولويه هو مسرور.

6) الحسن بن الحسين اللؤلؤي

6) الحسن بن الحسين اللؤلؤي(3).الحسن بن الحسين اللؤلؤي، تعارض فيه توثيق النجاشي وتضعيف ابن بابويه، وقد (( استثنى محمد بن الحسن بن الوليد من روايات محمد بن أحمد بن يحيى ما كان ينفرد به الحسن بن الحسين اللؤلؤي وتبعه على ذلك أبو جعفر ابن بابويه - الصدوق- وأبو العباس ابن نوح))(4)

وأورد السيد الخميني (قدس سره) في كتاب الطهارة رواية عن

ص: 55


1- - معجم رجال الحديث 4/99،108،118
2- - معجم رجال الحديث 4/100، 429.
3- - فقه الخلاف 6/198.
4- - معجم رجال الحديث: 4/388.

اللؤلؤي وصفها بالصحيحة قال: ((ولا يبعد أن تكون صحيحة))(1)، ولا نعلم لذلك وجهاً بعد أن رجّح (قدس سره) في موضع آخر من الكتاب عدم وثاقة اللؤلؤي لما ذكرناه واستظهر أن استثناء ابن الوليد ((إنما هو لضعف في الرجال أنفسهم))، ثم عقبه بقوله : ((نعم وثّقه النجاشي، لكن سكت عند نقل عبارة ابن نوح، ولعله لرضاه بما ذكره، وكيف كان يشكل الاتكال على توثيقه بعد تضعيف الصدوق وشيخه ظاهراً وابن نوح)) (2).

والصحيح : أنه لا ملازمة بين توثيق الراوي وردّ بعض رواياته كما هو معلوم، وقد ردّ ابن الوليد شيخ الصدوق روايات اللؤلؤي التي تفرّد بنقلها عنه محمد بن أحمد بن يحيى.

أما سكوت النجاشي عن التعليق على عبارة ابن نوح بعد توثيقه للحسن اللؤلؤي فلا يتعارض مع توثيقه له، وإنما هو تقييد للأخذ عنه في ما عدا المستثنيات.

وفي ضوء ذلك يمكن البناء على توثيق النجاشي للحسن اللؤلؤي أما تضعيف الصدوق فهو مبني على رد شيخه ابن الوليد لروايات ابن يحيى عنه وهو لا يستلزم التضعيف إذ قد يكون الرد لأمر آخر كعدم ثبوت أخذه عنه مباشرة أو عدم إجازته لرواياته عنه ونحوها.

ص: 56


1- - كتاب الطهارة: 3/167.
2- - نفس المصدر 2/ 377

بل يمكن القول أن الاستثناء دليل على توثيق الراوي لأنه لو كان ضعيفاً فيكفي ضعفه لرد رواياته ولا حاجة لاستثناء بعضها على عكس ما قاله السيد الخميني (قدس سره).

7) حمزة بن حمران

7) حمزة بن حمران(1).

حمزة بن حمران لم يوثق بعنوانه، نعم، وثّقه البعض –ومنهم صاحب الجواهر (قدس سره)- بكونه من آل أعين المعلوم جلالتهم وعظم منزلتهم وبرواية صفوان وابن أبي عمير وعدد كثير من المشايخ عنهم وهي كبرى لم نعتمدها، وبعبد العزيز العبدي الذي رواها عن حمزة وهو لم يوثق بل ضعفه النجاشي، لكن صاحب الجواهر (قدس سره) قال: ((لم ينص عليه بمدح ولا ذم، لكن رواية الحسن بن محبوب وخصوصاً في كتاب المشيخة المعروف بالاعتماد قد يحصل منه الظن بعدالته))(2) وهو كما ترى، مع تصريح النجاشي بالتضعيف، وقيل في ردّه أن التضعيف كان لاحتمال ((وجود الغلو في عقيدته الذي لا ينافي صدق لسانه ويؤيده احتمال اتحاده مع عبد العزيز بن عبد الله الذي روى الأربلي في كشف الغمة ما يدل على وجود الغلو فيه))(3).

ص: 57


1- - فقه الخلاف 4/176.
2- - جواهر الكلام: 26/26.
3- - رسالة في البلوغ للشيخ جعفر السبحاني: 24 عن قاموس الرجال: 6/178.

8) ابو الجارود زياد بن المنذر

8) ابو الجارود زياد بن المنذر(1)

ذكره الطوسي في رجاله قال : زياد بن المنذر، أبو الجارود الهمداني الحوفي، كوفي تابعي زيدي أعمى، إليه تنسب الجارودية منهم. وقال عنه النجاشي : كان من أصحاب أبي جعفر، وروى عن أبي عبد الله عليهما السلام، وتغير لما خرج زيد رضي الله عنه.ولم يتعرضا له بجرح أو تعديل فهو مجهول الحال، وقد يناقش بإمكان قبول روايته لجملة من القرائن بعضها على نحو المقتضي وبعضها على نحو عدم المانع وقد اعتمد السيد الخوئي (قدس سره) جملة منها وإن كانت قابلة للمناقشة ومما ذكر على مستوى المقتضي:

(منها) أن له أصلا.

(ومنها) رواية الأجلاء عنه، وقد ردّها لعدم كفايتها لإثبات الوثاقة.

(ومنها) وقوعه في اسناد كامل الزيارات وتفسير علي بن إبراهيم وهو (قدس سره) يوثق كل اسنادهما لكننا لا نعتمد هذه الكبرى.

(ومنها) شهادة الشيخ المفيد في الرسالة العددية بأنه من الأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام الذين لا يطعن عليهم ولا طريق إلى ذم واحد منهم.

ص: 58


1- - تعرض دام ظله له في الجزء الأول من فقه الخلاف صفحة 79.

(ومنها) ما قاله ابن الغضائري من ان أصحابنا يكرهون ما رواه محمد بن سنان عنه ويعتمدون ما رواه محمد بن بكر الأرحبي فكأن المشكلة ليست فيه.

واما على مستوى عدم المانع فلأن الروايات الواردة في ذمّه ضعيفة أو أنها تمثل مرحلة سابقة من حياته على أسوأ الاحتمالات وقد دلّت على ذلك رواية الحسن بن محبوب عنه رواية بسنده عن الصديقة فاطمة (عليها السلام) تذكر فيها الأئمة الاثني عشر، والحسن بن محبوب ولد قريباً من وفاة الصادق (عليه السلام) فتكون الرواية لا محالة بعد تغيره وبعد اعتناقه مذهب الزيدية بكثير فكان هذا رجوعاً منه إلى الحق والله العالم(1).

وعلى أي حال فإن عدم الاهتداء إلى الحق الكامل باعتقاد إمامة المعصومين الاثني عشر (عليهم السلام) لا يقدح لأن المهم هي الوثاقة ولو سرنا مع من يحاول إثبات توثيق الرواة بنظرية الاحتمالات وتراكمها فإن القرائن المذكورة يمكن أن تُعطى بإزائها درجات من الاحتمالات بضمّ بعضها إلى بعض يحصل الاطمئنان بالوثاقة لكن هذا ليس من مواردها لأن ضمّ اللاحجة إلى اللاحجة لا يفيد حجةونحن لسنا أمام رياضيات صرفة وإنما تحكمنا ضوابط تعبّدية.

ص: 59


1- - معجم رجال الحديث 7/324-327.

9) عدم إتحاد سالم بن مكرم مع سالم بن ابي سلمة

9) عدم إتحاد سالم بن مكرم مع سالم بن ابي سلمة(1).

عنوان سالم بن مكرم ذكره الطوسي دون أن يتعرض لحاله، أما النجاشي فقال عنه : أبو خديجة ويقال أبو سلمة الكناسي. يقال صاحب الغنم مولى بني أسد الجمال. يقال كنيته كانت أبا خديجة وأن أبا عبد الله عليه السلام كناه أبا سلمة، ثقة ثقة.

أما عنوان سالم بن أبي سلمة، فقد ضعفه الشيخ، ومدحه النجاشي، وقد استظهر السيد الخوئي اتحادهما، فيقع التعارض في وثاقة أبي خديجة سالم بن مكرم.

والصحيح أن توثيق النجاشي لسالم بن مكرم لا يعارضه تضعيف الطوسي لسالم بن أبي سلمة لإحتمال وحدتهما، لأن النجاشي صرح بإن أبي سلمة كنية سالم بن مكرم وليست كنية لأبيه.

10) سعدان بن مسلم

10) سعدان بن مسلم(2)

سعدان بن مسلم لم يرد في حقه توثيق، وقد وثقه السيد الخوئي (قدس سره) لأنه من رجال كامل الزيارات وتفسير علي بن إبراهيم وهذا كافٍ في توثيقه عنده، لكنه تراجع عن هذه الكبرى فيما بعد؛ نعم، يمكن

ص: 60


1- - فقه الخلاف ج1 ص90
2- - فقه الخلاف 2/138

توثيقه من جهة رواية محمد بن أبي عمير عنه(1) وهو من اصحاب الإجماع، ورواية صفوان بن يحيى عنه في طريق الشيخ اليه(2) بناءً على كبرى أنهما لا يرويان إلا عن ثقة، وقد تقدم مختارنا في هذه الكبرى، ((وعدّه ابن داوود في القسم الأول من رجاله وعن السيد الداماد:أن سعدان بن مسلم شيخ كبير القدر، جليل المنزلة له أصل))(3).

قال السيد الحكيم (قدس سره) عن سعدان أنه ((معتبر الرواية في نفسه، وإن لم ينصّ عليه توثيق، فإن ملاحظة أحواله المسطورة في كتب الرجال تستوجب الوثوق به واعتبار حديثه))(4).

11) الضحاك بن يزيد

11) الضحاك بن يزيد(5).

الضحاك بن يزيد لم يرد في حقه توثيق، وقد ذكر الشيخ الأنصاري وجهين لتوثيقه هما(6):

ص: 61


1- - معجم رجال الحديث: 8/103.
2- - معجم رجال الحديث: 8/101.
3- - معجم رجال الحديث: 8/102.
4- - مستمسك العروة الوثقى:14/447.
5- - فقه الخلاف 3/123.
6- - الموسوعة الكاملة لآثار الشيخ الأنصاري (قدس سره) 6/46.

1- رواية البزنطي عنه وقد أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه وأنه لا يروي إلا عن ثقة، وقد دفعنا هذه الكبرى(1).

2- إن الضحاك بن يزيد هو الضحاك أبو مالك الحضرمي - الذي قال عنه النجاشي أنه ثقة ثقة-: (إذ لم نجد فيما عندنا من الرجال في عنوان المسمين بهذا الاسم من يصلح لكونه هذا الرجل إلا من ذكر مكنى بأبي مالك. نعم، يحتمل أن يكون هذا الرجل ممن لم يذكر في الرجال أصلاً، لكن فتح باب هذا الاحتمال مما يسد باب الرجوع إلى كتب الرجال، إذ لو فرض أنهم ذكروا أيضاً الضحاك بن زيد ووثقوه قلنا: من أين نعلم أن هذا الرجل هو المذكور في كتب الرجال، فلعله رجل آخر غير من ذكر مشترك معه أسماً وأباً).

وهو وجه وجيه حدساً ومنسجم مع كبرى اخترناها في محلها من أصحاب المعاجم والجوامع للرواة بأسماء تفصيلية كاملة للانصراف والشهرة ويساعد عليهفي المقام اتحاد الطبقة.

12) عبدالرحمن بن سيابة

12) عبدالرحمن بن سيابة(2)

لم يرد فيه توثيق وإنما وثّقه السيد الخوئي (قدس سره) من جهة وقوعه في إسناد كامل الزيارات(3)، وهو غير كافٍ، نعم روى الشيخ الصدوق في

ص: 62


1- - في بحث مراسيل الثلاثة.
2- - فقه الخلاف ج1، هامش صفحة 203.
3- - معجم رجال الحديث 9/345

الامالي بسند صحيح ان الإمام الصادق (عليه السلام) دفع إليه مالاً ليقسّمه في عيالات من أصيب مع عمه زيد الشهيد(1)، وهي تدل على ائتمان الامام (عليه السلام) له على مثل هذا الأمر الخطير إضافة إلى ان الكليني روى في الكافي رواية تدل على ورعه وتديّنه الا انها مروية عن عبد الرحمن نفسه والراوي عنه هو الحسن بن أسباط وهو لم يوثق، فعلى القواعد المعمول بها عندهم يكون ما تقدم غير تام وهو ما علّق به سيدنا الأستاذ الشهيد الصدر (قدس سره) على البحث الذي قدّمته له عن مسألة حلية السمك إذا مات في الماء محبوسا.

13) عبدالواحد ابن عبدوس

13) عبدالواحد ابن عبدوس(2).

هو عبد الواحد بن محمد بن عبدوس، لم يرد في حقه توثيق وقد استفاد البعض توثيقه بعدة تقريبات :

1- قول الشيخ الصدوق في ذيل رواية له مقارناً لمتن نقله بطريق آخر عن حمزة بن محمد العلوي مع اختلاف ما هذا نصّه: ((وحديث عبد الواحد بن محمد بن عبدوس رضي الله عنه عندي أصح))(3).

ص: 63


1- - الرواية في معجم رجال الحديث 7/348
2- - الفقه الباهر 346.
3- - عيون أخبار الرضا: 339 نهاية الباب (35).

أقول: هذا لا يدل على التوثيق بل يدل على الاطمئنان إلى صحة الرواية لأي مبنى يراه الصدوق كالبناء على أصالة العدالة المعروف عند القدماء أو لقرائنحصلت عنده، بل المعروف عن الشيخ الصدوق (قدس سره) أنه لا يدقق في أسناد الروايات، وإنما يعتمد في ذلك على ما رواه شيخه ابن الوليد كما صرّح (قدس سره) بذلك.

فهذه كلها اجتهادات لا تفيد توثيقاً، إلا أن يصرّح بما يفيد ذلك ليكون شهادة حسّية.

2- ما ذكره المحدث النوري (قدس سره) في خاتمة المستدرك بناءً على تصحيح العلامة (قدس سره) في التحرير رواية للصدوق عن ابن عبدوس الواردة في لزوم كفارة الجمع على من أفطر في شهر رمضان على حرام.

أقول: هذا مما لا يمكن التعويل عليه في التوثيق؛ لاحتمال أن العلامة (قدس سره) بنى على مثل التقريبات المتقدمة في قبول الرواية.

3- ما قاله السيد صاحب المدارك (قدس سره) في ذيل الرواية التي أشار إليها العلامة آنفاً: ((أقول: إن عبد الواحد بن عبدوس وإن لم يوثق صريحاً لكنه من مشايخ الصدوق المعتبرين الذين أخذ عنهم الحديث فلا يبعد الاعتماد على روايته))(1).

ص: 64


1- - مدارك الأحكام: 6/84.

وعقب المحدث النوري على هذا بقوله: ((وكفى به مصححاً مع ما عُلم من مداقّته في السند، وتبعه جماعة))(1).

أقول: هذه المباني لا يعوَّل عليها في التوثيق بحسب ما هو المعمول عندهم؛ لأنها اجتهادات من أصحابها، وإن كان بعضها قريباً من الوجدان والفهم العرفي.

14) علي بن أبي حمزة البطائني

14) علي بن أبي حمزة البطائني(2).علي بن ابي حمزة البطائني لم يتعرض النجاشي في رجاله، ولا الشيخ الطوسي في كتابيه (الفهرست) و(الرجال) له بمدح ولا قدح، سوى دعوته إلى الوقف، ووصف ابن فضال له بأنه كذاب متهم ووردت روايات في ذمه، إلا أنها جميعاً ترتبط بقضية وقفه على الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) وعدم اعتقاده بإمامة خلفه الإمام الرضا (عليه السلام) وتسليمه أموال أبيه (عليه السلام)، وهذا لا يكفي لرد روايته في الأحكام، إلا إذا وجدت قرائن مانعة عن الأخذ بها، وقد روى عنه أجلاء الأصحاب كابن أبي عمير والبزنطي وصفوان بن يحيى ويونس بن عبد الرحمن وعبد الله بن المغيرة وأضرابهم.

ص: 65


1- - خاتمة المستدرك: 4/453، رقم (198).
2- - فقه الخلاف 7 / 82-84.

ولعل في تشبيه الإمام الكاظم (عليه السلام) له بالحمار في رواية أبي داوود المسترق قال: (كنت أنا وعيينة بياع القصب عند علي بن أبي حمزة، فسمعته يقول: قال لي أبو الحسن موسى (عليه السلام): إنما أنت يا علي وأصحابك أشباه الحمير، قال: فقال عيينه: أسمعت؟ قال: قلت: إي والله، قال: فقال: لقد سمعت، والله لا أنقل قدمي إليه ما حييت) دلالة إلى ما حمله علي من العلم إلا أنه لم يستفد منه كالحمار الذي يحمل أسفاراً إشارة إلى الآية الكريمة في سورة الجمعة.

ومثل هذه الانحرافات التي منشأها التعصب لجهةٍ ما، أو الركون إلى الدنيا موجودة في كل زمان، ولم تخرج أصحابها عن تصديق إخباراتهم كما يشهد به الواقع المعاش، وهذا ما يفسّر استغراب يونس بن عبد الرحمن في روايته قال: (دخلت على الرضا (عليه السلام) فقال لي: مات علي بن أبي حمزة؟ قلت: نعم، قال: قد دخل النار، قال: ففزعت من ذلك، قال: أما أنه سئل عن الإمام بعد موسى أبي فقال: لا أعرف إماماً بعده، فقيل لا؟ فضرب في قبره ضربة اشتعل قبره ناراً)(1).

ويظهر من رواية صحيحة في قرب الإسناد عن البزنطي أن منشأ وقف البطائني غير المشهور من الخيانة المالية، والرواية طويلة وفيها (ولولا ما قال أبو جعفر (عليه السلام) حين يقول لا تعجلوا على شيعتنا إن تزل قدم

ص: 66


1- - معجم رجال الحديث:11/233.

تثبت أخرى، وقال: من لك بأخيك كله، لكان مني من القول في ابن أبي حمزة وابن السراج وأصحاب ابن أبي حمزة.أما ابن السراج فإنما دعاه إلى مخالفتنا والخروج من أمرنا أنه عدا على مال لأبي الحسن عليه السلام عظيم، فاقتطعه في حياة أبي الحسن وكابرني عليه وأبى أن يدفعه، والناس كلهم مسلمون مجتمعون على تسليمهم الأشياء كلها إلي فلما حدث ما حدث من هلاك أبي الحسن عليه السلام اغتنم فراق علي بن أبي حمزة وأصحابه إياي وتعلل، ولعمري ما به من علة إلا اقتطاعه المال وذهابه به. وأما ابن أبي حمزة فإنه رجل تأول تأويلاً لم يحسنه ولم يُؤتَ علمه، فألقاه إلى الناس فلجّ فيه، وكره إكذاب نفسه في إبطال قوله بأحاديث تأولها، ولم يحسن تأويلها ولم يؤت علمها، ورأى أنه إذا لم يصدق آبائي بذلك لم يدر لعل ما خبر عنه مثل السفياني وغيره أنه كان لا يكون منه شيء، وقال لهم: ليس يسقط قول آبائه بشيء ولعمري ما يسقط قول آبائي شيء ولكن قصر علمه عن غايات ذلك وحقائقه، فصار فتنة له وشبهة عليه، وفرّ من أمر فوقع فيه)(1).

قال الشيخ (قدس سره) في العدة عن روايات الفطحية ونظائرهم: ((وإن كان ما رووه ليس هناك ما يخالفه ولا يعرف من الطائفة العمل بخلافه، وجب أيضاً العمل به إذا كان متحرجاً في روايته موثوقاً في أمانته،

ص: 67


1- - بحار الأنوار: 49/267.

وإن كان مخطئاً في أصل الاعتقاد. ولأجل ما قلناه عملت الطائفة بأخبار الفطحية مثل عبد الله بن بكير وغيره، وأخبار الواقفة مثل سماعة بن مهران، وعلي بن أبي حمزة، وعثمان بن عيسى، ومن بعد هؤلاء بما رواه بنو فضال وبنو سماعة والطاطريون وغيرهم، فيما لم يكن عندهم فيه خلافه))(1).

فالنتيجة هي : أنه يمكن العمل بروايات بن أبي حمزة علي إذا لم يقم شاهد على الكذب كمعارضتها مع رواية معتبرة أو فيها تأييد لمذهبه الفاسد.

15) علي بن سعيد

15) علي بن سعيد(2).

علي بن سعيد الذي يروي عن الأمام الصادق (عليه السلام) لم يرد في حقه توثيق، ولكن مع ذلك نقول بإعتبار روايته.فهو وإن لم يوثّق لجهالته في كتب الرجال لأن الثقة المشترك معه بالاسم هو علي بن سعيد القاساني وطبقته متأخرة لأنه يروي عن أحمد بن محمد بن عيسى فلا يحتمل أنه هو، أما علي بن سعيد هذا فنقول في قبول روايته أن لموسى بن بكر كتاباً رواه عن علي بن سعيد عن زرارة قال عنه صفوان بن يحيى: ((هذا مما ليس فيه اختلاف عند أصحابنا))(3) وهي عبارة

ص: 68


1- - عدة الأصول:1/150.
2- - فقه الخلاف 2/344.
3- - معجم رجال الحديث19/37.

غير كافية للتوثيق، ولكن من البعيد عرفاً أن يكون الرجل غير ثقة ويروي عنه موسى كتاباً كاملاً يصفه صفوان بهذا الاسم والوجدان قاضٍ بذلك، فإن من يُخبر عن مئة حالة مثلاً ويثبت بعد الفحص وثاقة نقله فيُركن إليه في نقله، فالمختار في علي بن سعيد قبول روايته إذا كانت موافقة في معناها لما ورد عن المعصومين (عليهم السلام).

16) علي بن السندي

16) علي بن السندي(1).

علي بن السندي، نقل الكشي عن نصر بن الصباح قوله: ((علي بن إسماعيل ثقة وهو علي بن السندي لقب إسماعيل بالسندي))، لكن السيد الخوئي(2) (قدس سره) وبعض أساتذتنا(3) أشكل عليه بوجود بعض الفوارق بينهما منشأه حمل علي بن إسماعيل على عناوين معينة لا تتطابق مع وضع علي بن السندي وطبقته، لكنه تحميل لكلام نصر بما لم يقله لكثرة من تسمّى علي بن إسماعيل(4).

والإشكال الآخر أن نصر نفسه لم يوثّق وإن نقل عنه الكشي كثيراً، فلا يُعتدّ بتوثيقه، ويمكن الرد عليه بنقل الكشي له من دون معارض.

ص: 69


1- - فقه الخلاف 7/300.
2- - المستند في شرح العروة الوثقى: 21/410.
3- - هو السيد السيستاني دام ظله في بحثه الشريف، محاضرة بتأريخ 3/ذ.ح./1415 ه-
4- - راجع معجم رجال الحديث:12/52.

17) علي بن محمد القتيبي

17) علي بن محمد القتيبي(1).

علي بن محمد بن قتيبة، لم يرد في حقه توثيق، وقد قُرِّب توثيقه بأمور: منها كونه من مشايخ الكشي وقد نقل عنه في رجاله كثيراً، وبقول النجاشي فيه: ((عليه اعتمد أبو عمرو الكشي في كتاب الرجال))(2) ووصفه الشيخ الطوسي بأنه ((فاضل))(3)، ورواية شيخ القميين أحمد بن إدريس عنه، وكذا روى عنه الحسن بن حمزة العلوي الطبري المرعشي الذي قالوا في ترجمته: كان من أجلاء هذه الطائفة وفقهائها، يروي عنه شيوخ أصحابنا كالمفيد وابن الغضائري وابن عبدون، وتصحيح العلامة لأكثر من رواية فيها القتيبي في ترجمة يونس بن عبد الرحمن(4).

أقول: هذه الكلمات غير كافية لتوثيقه على مصطلحاتهم، وأما اعتماد الكشي عليه فكذلك، فإن النجاشي بعد أن أثنى على الكشي قال: ((ولكن يروي عن الضعفاء كثيراً))(5).

ص: 70


1- - الفقه الباهر 347.
2- - رجال النجاشي: 259، رقم (679).
3- - رجال الشيخ: 429 رقم (6159).
4- - خاتمة المستدرك: 4/457، رقم (203).
5- - رجال النجاشي: 372، رقم (1018).

18) عمرو بن حنظلة

18) عمرو بن حنظلة(1)

ورد في عمرو بن حنظلة رواية، عن يزيد بن خليفة انه قال (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أن عمر بن حنظلة أتانا عنك بوقت فقال أبو عبد الله (عليهالسلام) : إذاً لا يكذب علينا)(2) وهذه الرواية تدل على أعلى درجات التوثيق لصدوره عن الإمام (عليه السلام) إلا أن يزيد هو الآخر لم يرد فيه توثيق، نعم على مبنى ان صفوان بن يحيى ونظيريه لا يرسلون ولا يروون إلا عن ثقة يكون عمر ويزيد ثقتين لرواية صفوان عنهما.

ومما يمكن الاستدلال به على وثاقتهما ان هذه الرواية نقلها الكليني بسند صحيح عن يونس عن يزيد وهي متضمنة لأعلى درجات التوثيق ولم يكن حال عمر خافياً على يونس فلو كان مجهولاً أو ضعيفاً لما نقلها يونس أو لأسقط صدرها المتضمن توثيق عمر لعدم ارتباطه بأصل الحكم في الرواية حيث يستمر يزيد يقول: (قلتُ: ذكر أنك قلتَ: إن أول صلاة...) وفي نهايتها قال الإمام (عليه السلام) : (صدق). وليس هذا من باب الاستحسان ونحوه وإنما هو جريٌ على سيرة العقلاء كما نستدل بها على حجية خبر الثقة ونحوها.

ص: 71


1- - فقه الخلاف ج1 ص92
2- - وسائل الشيعة، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، باب 5 ح6.

19) المثنى بن الحضرمي

19) المثنى بن الحضرمي(1).

المثنى بن الحضرمي وهو لم تثبت وثاقته لكن السيد الخوئي (قدس سره) بنى عليها لوروده في تفسير القمي، ولأنه ممن روى عنهم أبن أبي عمير، ولا نبني على وثاقة كل من روى عنهم ابن أبي عمير إذا صرّح بأسمائهم ولم يرسل عنهم.

20) محمد بن أحمد إبن الجنيد الإسكافي

20) محمد بن أحمد إبن الجنيد الإسكافي(2).

محمد بن أحمد بن الجنيد أبو علي الكاتب الاسكافي، أصله من إسكاف –قرية من قرى بغداد- مات سنة 381 بالري، يروي عنه الشيخ المفيد وغيره، قال في جامع الرواة : (من أكابر علماء الشيعة الإمامية جيد التصنيف)(3) وقال السيد بحر العلوم في رجاله : (من أعيان الطائفة، وأعاظم الفرقة وأفاضل قدماء الإمامية،وأكثرهم علماً وفقهاً وأدباً، وأكثرهم تصنيفاً وأحسنهم تحريراً، وأدقهم نظراً، متكلم فقيه، محدث، أديب، واسع العلم، صنف في الفقه والكلام والأصول والأدب والكتابة وغيرها، تبلغ مصنفاته - عدا أجوبة مسائله - نحوا ًمن خمسين كتاباً) ثمّ عدّ كتبه وقال: (وهذا الشيخ - على جلالته في الطائفة ورياسته وعظم محله - قد حكي

ص: 72


1- - فقه الخلاف 3/ 299.
2- - فقه الخلاف10/207 الهامش.
3- - جامع الرواة 2/59.

القول عنه بالقياس) الى أن قال: (واختلفوا في كتبه : فمنهم - من أسقطها ومنهم - من اعتبرها) (1).

أقول: هل يخفى على مثله وهو بهذه المنزلة حرمة العمل بالقياس عند أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، ولعلّ هذه التهمة التصقت به لدقة نظره واجتهاده وتفننّه في استعمال قواعد الاستنباط مما خفي على غيره، أو لأي دافع آخر، فإن النوابغ والعظماء يُبتلون بالحسّاد.

وذكر السيد البروجردي أنه (صنّف كتابين في الفقه، أحدهما يسمى التهذيب، وهذا كتاب استدلالي مدحه الشيخ أبو جعفر الطوسي (رحمه الله) ولم يكن عند المحقق والعلامة، ثانيهما المختصر الأحمدي في الفقه المحمدي، وهذا الكتاب كان عند العلامة عليه الرحمة)(2).

وكتاب التهذيب اسمه الكامل (تهذيب الشيعة لأحكام الشريعة) وهو كتاب كبير، قال عنه الشيخ : (نحواً من عشرين مجلداً يشتمل على عدد كتب الفقه على طريقة الفقهاء وكتاب المختصر الأحمدي للفقه المحمدي في الفقه مجرداً). والكتاب الذي لم يكن عند العلامة هو الأول أما الثاني فكان عنده ونقل عنه، وقد صرّح العلامة (قدس سره) بذلك.

ص: 73


1- - رجال السيد بحر العلوم 3/205-208.
2- - فقه الخلاف10/207، نقلا عن كتاب تقريرات ثلاث للسيد البروجردي، رسالة في إرث الزوجة.

وحكي عن الروضات نقله لكلام العلامة عن كتاب التهذيب: (وجدت بخط السيد السعيد محمد بن معد ما صورته: وقع إليّ من هذا الكتاب مجلد واحد قد ذهب من أوله أوراق وهو كتاب النكاح فتصفحته ولمحت مضمونه، فلم أرَ لأحد من هذه الطائفة كتاباً أجود منه، ولا أبلغ ولا أحسن عبارة ولا أدق معنى، وذكر الخلاف فيالمسائل واستدل بطريق الإمامية وطريق مخالفيهم، وهذا الكتاب إذا أمعن النظر فيه وحصّلت معانيه وأديم الإطالة فيه، عُلم قدره ومرتبته وحصل منه شء كثير لا يحصل من غيره، وأقول أنا –أي العلامة- وقع إلي من مصنفات هذا الشيخ المعظم كتاب الأحمدي في الفقه المحمدي وهو مختصر هذا الكتاب جيد يدل على فضل هذا الرجل وكماله وبلوغه الغاية القصوى في الفقه وجودة نظره)(1).

21) محمد بن إسماعيل

21) محمد بن إسماعيل(2).

محمد بن اسماعيل شيخ الكليني روى عنه الكليني كثيرا، وقد أختلف فيه، فقال بعضهم أنه ابن بزيع وهو غير صحيح لأن ابن بزيع لا يروي عن الفضل بن شاذان بل الفضل يروي عنه، وقيل أنه البرمكي الثقة وهو غير تام أيضاً لأن البرمكي لم يروِ عن الفضل(3).

ص: 74


1- - فقه الخلاف10/211 الهامش.
2- - فقه الخلاف 6/ 339.
3- - معجم رجال الحديث، ج15، رقم الترجمة10242

والذي رجحه كثير من المحقين أنه النيسابوري لأن الكشي صرّح بأن من روى عن الفضل هو النيسابوري. وبغضّ النظر عن معرفة هويته إلا أن الأصحاب اعتمدوا على روايات هذا العنوان لوجه أو لآخر ككثرة رواية الكليني (قدس سره) عنه، حيث بلغت روايات الكليني عنه في الكافي أكثر من ألف رواية.

22) محمد بن حكيم

22) محمد بن حكيم(1)

لم يرد توثيق صريح في محمد بن حكيم إلا أن الكشي روى عن يونس أن محمداً ممن نصبه الإمام الكاظم (عليه السلام) للمناظرة في المسجد النبوي الشريف وكان (عليه السلام) يُسَرُّ بفعله لذا وصفه السيد الخوئي (قدس سره) في المعجم بأنه ممدوح.

23) محمد بن حمران

23) محمد بن حمران (2).

والبحث هنا في تعيين محمد بن حمران المذكور في مشيخة الطوسي، وهو مشترك بين النهدي الثقة الذي وثقه النجاشي، وبين محمد بن حمران بن أعين المجهول، وقد ورد ذكر محمد بن حمران في مشيخة الشيخ الطوسي دون تعيين وسند الشيخ إليه صحيح ينتهي الى محمد بن ابي عمير الأزدي.

ص: 75


1- - الفقه الباهر 26.
2- - فقه الخلاف ج6 ص264

وقد اعتبره جمع - ومنهم المحقق البحراني(1)- ابن أعين المجهول بناءً على ما ورد في فهرست الشيخ من أن ابن أعين له كتاب يرويه ابن أبي عمير وابن أبي نجران إلا أن الصحيح ما ذكره النجاشي من أن صاحب الكتاب هو محمد بن حمران النهدي الثقة لقرينتين:

الأولى : إن الشيخ الصدوق (قدس سره) ذكر طريقاً مشتركاً إلى عنوان محمد بن حمران وجميل بن دراج ولم يحدد من هو المقصود بالعنوان وينتهي إلى ابن أبي عمير عنه وكذا ذكر طريقين آخرين خاصّين بمحمد بن حمران ولم يحدده أيضاً وينتهيان بابن عمير عنه، وجاء في مورد في الفقيه (وسأل محمد بن حمران النهدي وجميل بن دراج أبا عبد الله (عليه السلام) ) ((وهذا يدل على أن محمد بن حمران الذي ذكر في المشيخة ويروي عنه ابن أبي عمير هو محمد بن حمران النهدي))(2).

الثانية : إن محمد بن حمران بن أعين لم يوجد له ولا رواية واحدة(3)، (المعجم) مع كثرة ورود عنوان محمد بن حمران.

ص: 76


1- - الحدائق الناضرة:17/256
2- - معجم رجال الحديث:16/49
3- - المصدر نفسه

24) محمد بن سنان

24) محمد بن سنان(1)

محمد بن سنان وإن اختلفت الأقوال في مدحه وتضعيفه إلا أن خلاصة القول فيه قبول روايته إذا لم يكن منفرداً بمضمونها وكانت مؤيدة بروايات أُخَر.

25) محمد بن الطيار

25) محمد بن الطيار(2)

محمد الطيار، وفي بعض النسخ محمد بن الطيار، من أصحاب الأمام الصادق (عليه السلام)، وللأنس بالشهيد جعفر الطيار فقد سبق القلم في بعض النسخ وذكر (محمد بن جعفر الطيار) ولذا أشكل البعض على السند المشتمل لرواية الطيار عن الإمام الصادق (عليه السلام)، ومنهم الشيخ المنتظري (دام ظله الشريف)، بأن ((بقاء محمد بن جعفر بن أبي طالب إلى عصر الصادق (عليه السلام) مشكل))(3)، فحكم بجهالته.

والصحيح أنه مردد بين أثنين:

الأول : ابو جعفر محمد بن علي الأحول مؤمن الطاق، ولعل منشأ تلقيبه بالطيار، ما رواه أبو خالد الكابلي، قال : رأيت أبا جعفر صاحب الطاق وهو قاعد في الروضة، قد قطع أهل المدينة أزراره، وهو دائب يجيبهم

ص: 77


1- - فقه الخلاف 2/178.
2- - فقه الخلاف الجزء الرابع هامش صفحة 358.
3- - كتاب الزكاة1/153.

ويسألونه، فدنوت منه، فقلت : إن أبا عبدالله ينهانا عن الكلام، فقال : أمرك أن تقول لي ؟ فقلت : لاوالله، ولكن أمرني أن لا أكلم أحدا، قال : فاذهب وأطعه فيما أمرك، فدخلت على أبي عبدالله عليه السلام فأخبرته بقصة صاحب الطاق، وما قلت له، وقوله لي : اذهب فأطعه فيما أمرك، فتبسم أبوعبدالله عليه السلام، وقال : يا أبا خالد إن صاحب الطاق يكلم الناس فيطير وينقض، وأنت إن قصوك لن تطير(1).الثاني : محمد الطيار، كما ورد في رجال الطوسي، أو محمد بن عبد الله الطيار، كما ورد في موضع آخر من رجال الطوسي، وهو لقبه أو لقب لأبيه عبدالله. وقد كان الطيار من أصحاب الباقر والصادق (عليهما السلام) وكان يُعدَّه للمناظرات، وفي رواية قوية أن الإمام (عليه السلام) قال حينما بلغه وفاته: (رحمه الله ولقّاه نضرة وسروراً فقد كان شديد الخصومة عنا أهل البيت) وفي قوية أخرى أن الإمام (عليه السلام) أجابه لما سأله عن كراهته (عليه السلام) للخصومة ومناظرة الناس قال (عليه السلام): (أما كلام مثلك فلا نكرهه من إذا طار أحسن أن يقع، وإن وقع يحسن أن يطير، فمن كان هكذا فلا نكره كلامه)(2)، ولعلها منشأ تلقيبه بالطيار.

ص: 78


1- - أفاد سماحته (دام ظله) احتمال كونه مؤمن الطاق خارج الدرس، فهي غير مدونة في موسوعة فقه الخلاف.
2- - معجم رجال الحديث 6/279.

26) محمد بن عبدالحميد

26) محمد بن عبدالحميد(1).

قال النجاشي : محمد بن عبد الحميد بن سالم العطار أبو جعفر، روى عبد الحميد عن أبي الحسن موسى (عليه السلام)، وكان ثقة من أصحابنا الكوفيين. له كتاب النوادر. أخبرنا أبو عبد الله بن شاذان قال حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى، عن عبد الله بن جعفر، عنه بالكتاب.

اختلفوا في توثيقه لإختلافهم في أن التوثيق في النص السابق هل هو لمحمد أم لأبيه عبدالحميد.

لذا فإن السيد صاحب المدارك (قدس سره) ناقش في بعض الروايات لأن في طريقها محمد بن عبد الحميد، وهو غير موثق(2).

وردَّ عليه المحقق صاحب الحدائق (قدس سره) قال: ((أما الطعن من جهة السند ففيه أن منعه من توثيق محمد بن عبد الحميد ممنوع، والظاهر أنه اعتمد في ذلك على عبارة العلامة في الخلاصة وما كتبه جده (قدس الله أرواحهم) في حواشيها، حيث قال العلامة في الخلاصة: محمد بن عبد الحميد بن سالم العطار أبوجعفر روى عبد الحميد عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) وكان ثقة من أصحابنا الكوفيين. انتهى. فكتب شيخنا الشهيد الثاني في الحاشية: هذه عبارة النجاشي وظاهرها أن الموثق الأب لا الابن. انتهى.

ص: 79


1- - فقه الخلاف 7/117.
2- - مدارك الأحكام: 3/350.

وأنت خبير بأن ما ذكره في المدارك وإن احتمل بالنسبة إلى عبارة العلامة في الخلاصة إلا أنه لا يتم في عبارة النجاشي التي أخذ منها العلامة هذه العبارة فإن هذه العبارة بعينها في كتاب النجاشي وبعدها بلا فصل: له كتاب النوادر.. إلى آخره. وحينئذ فمرجع ضمير (له) هو مرجع ضمير (كان) كما لا يخفى على العارف بأسلوب الكلام من الأعيان، ولا معنى لرجوع الضمير الأولى إلى الأب والثاني إلى الابن للزوم التفكيك في الضمائر وهو معيب في كلام الفصحاء بل من قبيل التعمية والألغاز. ويؤيده أيضاً أن محمد صاحب الترجمة فجميع ما يذكر فيها يرجع إليه إلا مع قرينة على خلافه، ولهذا عد العلامة في الخلاصة طريق الصدوق إلى منصور بن حازم في الصحيح مع أن محمد المشار إليه في الطريق، وجزم بتوثيقه جملة من علمائنا الأعلام منهم الميرزا محمد صاحب كتاب الرجال وشيخنا المجلسي في الوجيزة وشيخنا أبو الحسن في البلغة وغيرهم))(1).

أقول: عبارة النجاشي بغضّ النظر عن تقطيع العلامة (قدس سره) في نقلها لا تخلو من إيهام فقد قال: ((محمد بن عبد الحميد بن سالم العطار أبو جعفر روى عبد الحميد عن أبي الحسن موسى، وكان ثقة من أصحابنا الكوفيين، له كتاب

ص: 80


1- - الحدائق الناضرة: 8/119-120.

النوادر))(1) فوجود الواو يرجّح عودة التوثيق إلى الأب لا الابن ولو كان الابن هو المقصود لما ذكر الواو كما قال عنه ((له كتاب النوادر)) كما هو دأبهم في وصف صاحب الترجمة كأن يقولوا: (عربي، من بني فلان، أخبرنا بكتبه) من دون وضع الواو، وعلى هذا فوجود الواو ظاهر في كون مرجع ضمير (كان) غير مرجع ضمير (له) خلافاً لما قاله صاحب الحدائق (قدس سره)؛ فيكون الرجل مجهول الحال وهو كذلك عند الشيخ.

وينبغي الالتفات إلى أن السيد الخوئي (قدس سره) استجود في بحثه الشريف ما قاله صاحب الحدائق (قدس سره) ونقله بطوله في بحثه الشريف وقال: ((فتقطيع العلامة في النقل هو الذي أوقع صاحب المدارك وقبله الشهيد (قدس سره) في الاشتباه مع أن عبارة النجاشي كالصريحة في رجوع التوثيق إلى الابن))(2) إلا أنه خالفه في المعجم فبنى على عودة التوثيق إلى الأب عبد الحميد بن سالم واعتبر إرجاع التوثيق إلى الابن توهماً(3).

وقد ظهر مما تقدم أن عبارة النجاشي تحتمل ما قاله صاحب المدارك إن لم تكن ظاهرة فيه ولم يبنِ صاحب المدارك وجدّه على تقطيع العلامة (قدس سره).

ص: 81


1- - معجم رجال الحديث:16/230.
2- - المستند في شرح العروة الوثقى:14/268.
3- - معجم رجال الحديث: 9/283.

27) محمد بن عبد الله بن المطلب

27) محمد بن عبد الله بن المطلب(1)

محمد بن عبدالله بن المطلب الشيباني أبو الفضل راوي الصحيفة السجادية، قال فيه النجاشي : ((رأيت جلّ أصحابنا يغمزونه ويضعّفونه))، ووصفه ابن الغضائري بأنه ((وضّاع كثير المناكير)).

وقد نسب إليه كتباً منها كتاب فضائل عباس بن المطلب مما دفع الشيخ المنتظري (قدس سره) إلى التشكيك في مصداقية رواياته فيما يوافق سياسة بني العباس. لكن هذه النكتة لا محل لها هنا، لأن في مقدمة الصحيفة ما لا يروق لبني العباس لما فيه من تأييد للثورات ضدهم.نعم قال الشيخ المنتظري (قدس سره): ((اللهم إلا أن يقال أن تلقي الأصحاب كتاب الصحيفة منه دليل على توثيقه عملاً فتأمل))(2).

أقول: لعل وجه التأمل أن التلقي بالقبول خاص بأدعية الصحيفة ؛ لقرائن مذكورة كمطابقتها مع النسخة المحفوظة عند الإمام الصادق (عليه السلام) بحسب الرواية نفسها، فلا تشمل مقدمتها، مضافاً إلى أن تلقي الأصحاب للرواية بالقبول لا يلزم منه توثيق راويها، ولسنا الآن بصدد توثيقه.

ص: 82


1- - فقه الخلاف 9/405.
2- - دراسات في ولاية الفقيه:1/223.

28) محمد بن علي ماجيلويه

28) محمد بن علي ماجيلويه(1).

محمد بن علي ماجيلويه شيخ الصدوق، لم يرد في حقه توثيق، ووثقه البعض بكونه من مشايخ الصدوق، وقد ردّ السيد الخوئي على ذلك بعدم ثبوت هذه الكبرى.

ويمكن توثيقه بترضّي الشيخ الصدوق عليه، حيث قيل بأن الترضي كافٍ في توثيقه كما ربما يُفهم من ذوق القدماء، أي أننا لا نقول بأن مجرد كونه شيخاً للصدوق يجعله موثقاً، ليرد السيد الخوئي (قدس سره) هذه الكبرى(2).

29) محمد بن الفضيل

29) محمد بن الفضيل(3).

محمد بن الفضيل ضعفه الشيخ في رجاله، ولكن يمكن أن نذكر وجهاً لتوثيقه بما أثنى عليه الشيخ المفيد (رضوان الله عليه) في رسالته العددية حيث عدّه ((من الفقهاء والرؤساء الأعلام، الذين يؤخذ منهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام، ولايطعن عليهم بشيء، ولا طريق لذم أحد منهم))(4) أما تضعيف الشيخ له فلا يضر إذ لعله مبني على اتهامه بالغلو كما

ص: 83


1- - فقه الخلاف 7/80.
2- - المعتمد في شرح العروة الوثقى: 27/139، هناك ردّ السيد الخوئي القائلين بوثاقة ماجيلويه لأنه من مشايخ الصدوق بعدم تسليمه بهذه الكبرى.
3- - الفقه الباهر ص327
4- - معجم رجال الحديث:17/163.

ذكر في موضع من رجاله(1) وهي تهمة دخلها تسامح كبير كالذي حكي عن الشيخ الصدوق أنه يقول بأن نفي السهو عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أول الغلو، فهذا اتهام لا يضر بوثاقته وجرح لا يعارض شهادة الشيخ المفيد (قدس سره) بالثناء والفقاهة.

30) محمد بن مروان

30) محمد بن مروان(2).

لم يرد توثيق في محمد بن مروان إلا أن بعضهم بنى على توثيقه لرواية الأجلاء عنه كالحلبي وابن مسكان وأبي أيوب وأبان ونقلوا إجماع العصابة على تصحيح ما يصح عن عبد الله بن مسكان وهو غير معتمد عندنا.

31) مسعدة بن صدقة

31) مسعدة بن صدقة(3).

لم يرد في حقه توثيق، ولكن صاحب الجواهر أورد له رواية عن الأمام الصادق (عليه السلام) أن عليا (عليه السلام) قال: (ان الجراد والسمك إذا خرج من الماء فهو ذكي)(4)، ووصفها بالصحيحة(5)، ووصفه

ص: 84


1- - ذكره الشيخ (قدس سره) في رجاله في أكثر من موضع فقد ذكره في أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) برقم (4259) من دون وصف وفي أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام) برقم (5124) ووصفه بالضعيف وفي أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام) برقم (5423) وقال عنه: ((يرمى بالغلو)).
2- - فقه الخلاف 3/297.
3- - فقه الخلاف ج1، هامش صفحة 200
4- - وسائل الشيعة : كتاب الصيد والذباحة، أبواب الذبائح، باب37، ح3.
5- - جواهر الكلام 36/167.

للحديث بالصحة يلزم منه توثيق مسعدة بن صدقة وهو ما لم يثبت في كتب الرجال التي قالت عنه انه بتري وقيل عامي ولم يرد فيه توثيق وما قيل في توثيقه حدس واجتهاد مبني على كبريات هي حجة عند القائل بها.(فمنها) ما عن السيد بحر العلوم في الفوائد الرجالية من انه ((ثقة لأن جميع ما يرويه في غاية المتانة والموافقة لما يرويه الثقات ولذا عملت الطائفة برواياته كما عملت برواية أمثاله من العامة بل لو تتبعت وجدت أخباره أسد وامتن من أخبار مثل جميل بن دراج وحريز بن عبد الله))(1)، والتزم به السيد البروجردي(2)، وهذا التتبع الذي أشار إليه (قدس سره) لو كان مبنيا على إستقراء تام لكان وجيها ومجديا.

و(منها) ما بنى عليه غلام رضا عرفانيان من وثاقته لوروده في تفسير القمي(3).

اما السيد الخوئي فقد رجح وجود اثنين بهذا الاسم أحدهما من أصحاب الامام الصادق (عليه السلام) وهو ثقة وهو الذي يروي عنه هارون بن مسلم، ولم يذكر دليلاً على توثيقه سوى أنه من رجال كامل الزيارات وهي كبرى غير تامة. وما قاله السيد بحر العلوم قريب رغم انه

ص: 85


1- - الفوائد الرجالية 3/338.
2- - طرائف المقال1/602.
3- - مشايخ الثقات145.

(عامي) بقرينة نسبة الامام (عليه السلام) أحاديثه معه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو أسلوب يتبعه عليه السلام مع رواة أحاديثه من العامة والظاهر اتحاده. وعلى أي حال فالإعراض عن روايات مسعدة بن صدقة من هذه الناحية مجازفة.

32) المعلى بن محمد

32) المعلى بن محمد(1)

من رجال كامل الزيارات، قال عنه النجاشي ((مضطرب الحديث والمذهب))، وقد حاول السيد الخوئي (قدس سره) الذي اختار توثيق رجال كامل الزيارات توجيه كلام النجاشي هذا بأنه ليس مانعاً عن وثاقته بتقريب ذكره فيمعجم رجال الحديث(2)، لكن كبرى وثاقة رجال كامل الزيارات غير تامة، ومن التقريبات التي ذكرت لقبول روايته:

1- رواية الصدوق عنه في (عيون أخبار الرضا) في موردين، فبقرينة عنوان الكتاب وان الصدوق حينما كان يروي فيه عن ضعيف فإنه كان يذكر مبرر النقل عنه كمحمد بن عبد الله المسمعي.

2- هو يروي عن الحسن بن علي، وهو الوشّاء، وللصدوق إليه طريق صحيح.

ص: 86


1- - فقه الخلاف1/ 310.
2- - معجم رجال الحديث:18/295.

3- ان الكليني روى عنه في (628) موضعاً وهو كاشف عن قبول روايته.

4- ان المعلى ليس رجلاً مجهولاً وذكره النجاشي ولم يذكر له تضعيفاً وهو يذكر حتى التضعيفات الضعيفة على نحو (قيل).

5- انه سلم من تضعيف ابن الغضائري على قسوته في التجريح، أما وصف النجاشي له بأنه مضطرب الحديث والمذهب فإنها مبنية على اجتهادات دقّية ولم يصمد كثير منها لدى التحقيق.

هذا ما ذكر من تقريبات لقبول روايته ولم يرد فيه توثيق صريح، لذا ذكره عدد من أرباب الرجال في قسم الضعفاء كالعلامة وابن داوّد(1)، نعم قال النجاشي ((وكتُبه قريبة)) حيث إن له عدة كتب أي ان أكثر مضامينها صحيحة يجوز العمل بها لذا تصلح أن تكون شاهداً ومؤيداً وهو مما قاله فيه ابن الغضائري ((ويجوز أن يخرج شاهداً))(2).

ص: 87


1- - الضعفاء من رجال الحديث، حسين الساعدي، 3/307.
2- - الضعفاء من رجال الحديث، حسين الساعدي، 3/307.

23) يحيى الأزرق

23) يحيى الأزرق(1).

قال السيد الخوئي (قدس سره): ((ويحيى الأزرق اسم لعدة أشخاص فيهم الثقة والضعيف، فيكون يحيى الأزرق المذكور في السند مردداً بين الثقة والضعيف ولكنه ينصرف إلى الثقة وهو يحيى بن عبد الرحمن لاشتهاره))(2).

أقول: الظاهر أن يحيى الأزرق واحد وهو ابن عبد الرحمن الكوفي الثقة حسب ما عنونه الشيخ والنجاشي وهو المعروف في الروايات. أما يحيى بن حسان فلم يرد له ذكر في الكتب الأربعة وإنما ذكره الشيخ الصدوق في المشيخة، قال (قدس سره): ((وما كان فيه عن يحيى الأزرق فقد رويته عن أبي.. عن يحيى بن حسان الأزرق)) ولعله من تصحيف النساخ أو استئناس الذهن وإن استبعده جداً السيد الخوئي (قدس سره) ((للبون البعيد بين عبد الرحمن وحسّان وظاهر كلام الشيخ))(3)، يعني من جهة تعدد ذكر العناوين في أصحاب الإمامين الصادق والكاظم (عليهما السلام) لكن البعد مستبعد وتعدد الذكر وارد في كلام الشيخ (قدس سره)، فالأقوى أن يحيى الأزرق هو ابن عبد الرحمن الثقة أو ينصرف إليه لأنه المعروف بالعنوان.

ص: 88


1- - فقه الخلاف 6/259.
2- - المعتمد في شرح المناسك 29/347.
3- - المعتمد 29/276.

34) يزيد الكناسي

34) يزيد الكناسي(1)

يزيد الكناسي المكنى بأبي خالد، لم يرد توثيق بعنوانه، إلا أن المظنون ظنا راجحا أنه متحد مع أبي خالد يزيد القماط الكوفي الذي قال عنه النجاشي: ((يزيد أبو خالد القماط الكوفي، ثقة)) لعدة قرائن:1- إن النجاشي ذكر يزيد أبا خالد القماط فقط وقال عنه كوفي ثقة له كتاب، وذكر الشيخ في رجاله في أصحاب الباقر (عليه السلام) تارة وفي اصحاب الصادق (عليه السلام) تارة أخرى يزيد أبا خالد الكناسي فقط فلو كان متعدداً لم يحصل هذا الإغفال منهما.

2- إذا صح ما قيل أن يزيد أبا خالد القماط ((لم يرد إلا مكنى بأبي خالد القماط من دون الاسم))(2) فإن إعطاء النجاشي اسم يزيد له مع عدم وروده في مروياته يعني أنه اعتمد على وحدة الاسم.

3- إن يزيد أبا خالد القماط كوفي والكناسي نسبة إلى الكناسة وهو اسم موضع في الكوفة صلب فيه الشهيد زيد بن علي بن الحسين (عليهما السلام)، فنُسب يزيد مرة إلى المحلة ومرة إلى المدينة وهذا متعارف.

ويؤيد التحقيق هذا التطابق بتقريب: أن الكُناسة بالضم –لغةً: القمامة،

ص: 89


1- - فقه الخلاف 4/177.
2- - مجلة الاجتهاد والتجديد، العدد الخامس، صفحة 211.

وقال المؤرخون(1) أنها اسم لحي في الكوفة كان فيه سوقها ومركز تجارتها، وكان يصلب فيها من يحكم عليه بالقتل وكانت محلاً لرمي الأنقاض عند مخرج الكوفة من الغرب، ويوجد فيها سوق البراذين، أي السوق الذي يتم فيها شراء وبيع الحمير والبغال والإبل والعبيد، مثلما هو الحال في سوق الغنم الواقعة إلى الشرق من الكناسة. والقِماط - بالكسر- ((حبل يُشدّ به الأخصاص وقوائم الشاة للذبح)) و((قمطه أي شد يديه ورجليه كما يفعل بالصبي في المهد)) و ((الخُصّ البيت من القصب؛ ومنه الحديث: (الخُصّ لمن إليه القمط) يعني شد الحبل))(2) فتقريب التأييد أن من الطبيعي أن تكون سوق القماطين في الكناسة التي يجري الذبح فيها فالنسبة إليهما متحدة.

واستبعد هذا الاتحاد بين الاسمين بثلاث وجوه:

1- إن البرقي ذكر أبا خالد الكناسي ويزيد أبا خالد القماط في أصحاب الصادق (عليه السلام) المشعر بالتعدد، ويرد عليه أن كثيراً من الرواة ترد أسماؤهم بهذا الشكل المتعدد وهو متحد ويذكر أرباب الرجال كل العناوين مثل (محمد بن أبيعمير، ومحمد بن زياد، ابن أبي عمير، أبو أحمد الأزدي، أبو أحمد محمد بن زياد الأزدي) وقد يشيرون إلى الاتحاد وقد يخفى.

ص: 90


1- - راجع (تأريخ الكوفة) للسيد حسين البراقي، و(خطط الكوفة) للمستشرق ماسينيون.
2- مجمع البحرين: ج2، مادة (كنس) و (قمط) و (خصص).

2- إن روايات يزيد الكناسي أكثرها عن الإمام الباقر (عليه السلام) وقليل منها عن الإمام الصادق (عليه السلام) بخلاف يزيد أبي خالد القماط؛ فإنها على العكس من ذلك، وهو لم يرد إلا مكنى بأبي خالد القماط دون الاسم.

ويرد عليه بعد فرض التسليم بهذا الادعاء: أنها حالة معروفة أن شخصاً يكون معروفاً بلقب وكنية في زمان ويعرف بغيرها في زمان آخر كأن كان قماطاً ثم ترك العمل وهكذا. وإن الشيخ (قدس سره) عنونه في رجاله بنفس العنوان في أصحاب الباقر (عليه السلام) تارة، وفي أصحاب الصادق (عليه السلام) تارة أخرى، فلا نتوقع إذن أن الراوي عن الإمام الباقر (عليه السلام) هو غير الراوي عن الإمام الصادق (عليه السلام).

3- اختلاف من يروي عنهما ((فيروي عن يزيد أبي خالد القماط: درست بن منصور وعلي بن عقبة وإبراهيم بن عمر وصفوان بن يحيى ومحمد بن أبي حمزة ومحمد بن سنان، ويروي عن يزيد الكناسي: هشام بن سالم وأبو أيوب وجميل بن صالح وحسن بن محبوب وعلي بن رئاب))(1).

ويرد عليه: أن الرواة عنهما من طبقة واحدة مع تقدم وتأخر لبعضهم عن بعض، مضافاً إلى أن فيمن ذُكر من روى عنهما كالحسن بن محبوب الذي روى عن (أبي خالد الكوفي) و (يزيد الكناسي)(2).

ص: 91


1- - رسالة في البلوغ للشيخ جعفر السبحاني: 25.
2- - معجم رجال الحديث: 5/95.

الفصل الثالث: في تصحيح أسانيد بعض الروايات

1) تصحيح سند الشيخ الطوسي الى كتب علي بن الحسن بن فضال.

ويوجد في سند الشيخ الطوسي (قدس سره) الى كتب علي بن الحسن بن فضال إشكال من جهة علي بن محمد بن الزبير الذي لم يوثّق.

وهذا على المباني المعمول بها في علم الرجال ولكنا لا نجد ضيراً في الاعتماد عليه - مهما يكن حال علي بن محمد بن الزبير- لأن ابن فضال أودع رواياته في كتب عديدة، قال عنها الشيخ الطوسي (قدس سره): ((جيد التصانيف، وكتبه في الفقه مستوفاة في الأخبار، حسنة)) وهو ظاهر في وصولها إليه وأخذه منها، بل صرّح بذلك في قوله: ((أخبرنا بجميع كتبه قراءة عليه أكثرها، والباقي إجازة: أحمد بن عبدون عن علي بن محمد بن الزبير سماعاً وإجازة عن علي بن الحسن بن فضال)) فالشيخ لم يرو هذه الأخبار رواية فحسب وإنما وصلت إليه الكتب وقرأها عليه لإيصال السند وللتأكد من صحة صدورها كما جرى عليه ديدنهم، فروايته عن كتب ابن فضال بالأخذ من تلك الكتب مباشرة، مضافاً إلى الاطمئنان بأن هذه الكتب هي نفسها التي وصلت إلى زميله النجاشي والتي رواها بطريق

ص: 92

صحيح عن (محمد بن جعفر في آخرين، عن أحمد بن محمد بن سعيد عن علي بن الحسن).

لذا نجد أن جملة من الفقهاء أخذوا بروايات الشيخ (قدس سره) عن ابن فضال كالسيد الحكيم (قدس سره) في المستمسك والسيد الأستاذ(1)(دام ظله الشريف)(2).

2) تصحيح سند ثلاث روايات تشتمل على :

محمد بن سنان مختلف في حاله، وأبي سعيد دون تعيين، بالاضافة الى الأرسال في أحدها، وهي:

ما رواه الشيخ الطوسي بسنده عن محمد بن سنان عن أبي سعيد قال: (سئل أبو عبد الله (عليه السلام) عن التمتع من الأبكار اللواتي بين الأبوين فقال: لا بأسولا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب)(3)، (القشب، الذي لا خير فيه).

واستشكل عليها من جهة محمد بن سنان الذي رواها عن أبي سعيد ولإجمال أبي سعيد.

ص: 93


1- - يقصد السيد السيستاني دام ظله، حيث وصف رواية زرارة التي رواها الشيخ بطريقه عن علي بن الحسن بن فضال والمذكورة في فقه الخلاف الجزء الرابع صفحة 361 بالصحيحة (من تقرير محاضرة يوم10/صفر/1420).
2- - فقه الخلاف 4/358.
3- - الوسائل كتاب النكاح، ابواب المتعة باب11 حديث6

وبنفس السند السابق عن أبي سعيد القماط عمن رواه قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) جارية بكر بين أبويها تدعوني إلى نفسها سراً من أبويها فأفعل ذلك؟ قال: نعم، واتقِ موضع الفرج، قال: قلت: فإن رضيت بذلك، قال: وإن رضيت فإنه عار على الأبكار)(1).

وهي ضعيفة من جهة الإرسال ولوجود محمد بن سنان في طريق الشيخ إلى أبي سعيد القمّاط.

ما رواه الشيخ الطوسي بإسناده عن أبي سعيد عن الحلبي قال: (سألته عن التمتع من البكر إذا كانت بين أبويها بلا إذن أبويها قال: لا بأس ما لم يقتضّ ما هناك لتعفَّ بذلك)(2).

واستشكل فيها من جهة وقوع أبي المفضل الضعيف في طريق الشيخ إلى عنوان (أبي سعيد) وإجمال أبي سعيد هذا.

إلا أن ضمّ بعضها إلى بعض وتوفر الدواعي لإخفاء اسم الراوي عن الإمام (عليه السلام) للضرر الشديد الذي يلحق بمن يقول بزواج المتعة والعيون متربصة بالإمام (عليه السلام) وأصحابه يحصل الظنّ بصدور هذا المعنى عن الأئمة (عليهم السلام) ويكون مؤيداً وشارحاً على الأقل للروايات المعتبرة المتقدمة.

ص: 94


1- - الوسائل كتاب النكاح، ابواب المتعة باب11 حديث7
2- - الوسائل كتاب النكاح، ابواب المتعة باب11 حديث9

ويُقرَّب الجواب عن الإشكالات على الرواية الأولى بالتالي:

إن طريق الشيخ إلى (أبي سعيد) وإن كان ضعيفاً بأبي المفضل إلا أن أبا1. سعيد في المقام لا ينطبق على ذلك لأكثر من قرينة:

أ- إن طريق الشيخ إليه الضعيف بأبي المفضل خاص بكتاب الطهارة له والرواية ليست منه قال الشيخ (قدس سره): ((أبو سعيد له كتاب الطهارة أخبرنا به..))(1).

ب- إن الشيخ عدَّ أبا سعيد في رجاله ممن لم يرو عنهم (عليهم السلام) وأبو سعيد قد روى في المقام عنهم في هذه الرواية.

2. باتباع برهان السبر والتقسيم لكل من يكنّى ب-(أبي سعيد) من الرواة وبقرينة الراوي والمروي عنه فإن أبا سعيد في المقام هو القمّاط وهذا لا يحلّ الإشكال لتردده بين خالد بن سعيد الثقة وصالح بن سعيد ولكن عنوان (أبا سعيد) إذا أطلق فالظاهر فيه خالد بن سعيد الثقة، والدليل يمكن أن يكون وجدانياً لأن من غير المعقول أن يهدر الراوي (الشيخ الطوسي (قدس سره) أو من سبقه في السند) عدداً من الروايات ويُجمل (أبا سعيد) إذا لم يكن هناك انصراف إلى الثقة، ((ويدل عليه ما في الكافي: الجزء الأول باب الأخذ بالسنة وشواهد الكتاب22 الحديث 8 ففيه: عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن إسماعيل بن مهران عن أبي سعيد القماط وصالح بن سعيد عن أبان بن تغلب، فإن ذكر صالح بن سعيد مع أبي سعيد القماط،

ص: 95


1- - معجم رجال الحديث (من الموسوعة الكاملة): 21/198.

يدل على أن المعروف بهذه الكنية غيره))(1).

3. إن الشيخ (قدس سره) قد رواها عن محمد بن سنان عن أبي سعيد القماط، وابن سنان وإن اختلفت الأقوال في مدحه وتضعيفه إلا أن خلاصة القول فيه قبول روايته إذا لم يكن منفرداً بمضمونها وكانت مؤيدة بروايات أُخَر وهذا الشرط متحقق في المقام.

4- بقيت مشكلة واحدة وهي وقوع موسى بن عمر بن يزيد في سندها وهو مهمل ويمكن معالجتها بتعويض السند لأن الرواية وردت في كتابيّ التهذيب والاستبصار، وقد قال الشيخ الطوسي عن محمد بن سنان: ((أخبرنا بكتبه ورواياته جماعة عن أبي جعفر بن بابويه، عن أبيه، ومحمد بن الحسن، جميعاً، عن سعد والحميري، ومحمد بن الحسين، وأحمد بن محمد، عنه))(2) والطريق صحيح وهو شامل بعمومه لكل ما أثبته الشيخ من رواية عن محمد بن سنان في كتبه، وبذلك نتجاوز موسى بن عمر بن يزيد ويصح سند الرواية(3).

3) تصحيح سند رواية عبدالخالق

3) تصحيح سند رواية عبدالخالق

قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة الثيب تخطب إلى نفسها قال: هي أملك بنفسها تولّي من شاءت إذا كان كفؤاً بعد أن تكون قد

ص: 96


1- - معجم رجال الحديث: 9/72، ترجمة صالح بن سعيد.
2- - معجم رجال الحديث:16/170، ترجمة محمد بن سنان.
3- - فقه الخلاف 2/175.

نكحت زوجاً قبل ذلك)(1).

وقد رواها الصدوق (رحمه الله) بسنده عن عبد الحميد بن عوّاض، عن عبد الخالق، وطريق الشيخ الصدوق (رحمه الله) إلى عبد الحميد صحيح وعبد الحميد ثقة قتله هارون العباسي حين استدعاه مع مرازم بن حكيم خادم الإمام الصادق (عليه السلام) وكان هو ومصادق مولى الإمام الصادق (عليه السلام) مع الإمام بالحيرة لما كان معتقلاً فيها عند المنصور واستدعي معه أخوه حديد بن حكيم فاستشهد عبد الحميد وسلما(2)، فحينما يذكر اسم عبد الخالق مجملاً فلا بد أنه اتكل على الانصراف إلى ثقة معلوم وليس هو إلا عبد الخالق بن عبد ربَّه الذي ورد في حديث صحيح قول الإمام الصادق (عليه السلام) لابنه إسماعيل بن عبد الخالق (صلى الله على أبيك)(3) ثلاثاً ولا يخلطه بغيره من المجاهيل والمهملين.

أما الاشتراك فنشأ لاحقاً بعد قيام أصحاب الرجال بجمع كل أسماء الرواة من دون إشارة إلى مثل هذه القرائن. فإن مثل عبد الحميد بن عواض لا يضيّع تراث أهل البيت (عليهم السلام) ويترك اسم عبد الخالق مجملاً

ص: 97


1- - وسائل الشيعة: كتاب النكاح، أبواب عقد النكاح وأولياء العقد، باب3،ح2.
2- - راجع ترجمته في معجم رجال الحديث للسيد الخوئي (قدس سره): 9/288 وخاتمة وسائل الشيعة، مج19، ص373، 418.
3- - معجم رجال الحديث، نفس الجزء.

لولا وضوح الاسم في تلك الفترة(1).

4) تصحيح سند موثقة إسحاق بن عمار :

(رجل صائم ارتمس في الماء متعمدا، عليه قضاء ذلك اليوم ؟ قال (عليه السلام): ليس عليه قضاؤه ولا يعودنّ)(2)

هذا الحديث ضعّفَه بعضهم -كصاحب الجواهر (قدس سره) حين سمّى الموثقة خبراً على غير عادته ووصف الرواية بقصور السند عن المعارضة- سند موثقة إسحاق بن عمار بدعوى أن عمران بن موسى الواقع في طريقها مردّد بين أن يكون الخشاب المجهول الحال، أو الزيتوني الأشعري القمّي الثقة، وقيل في ردّه: ((إن عمران بن موسى الخشاب لا وجود له أصلاً، والمسمى بهذا الاسم شخص واحد وهو الزيتوني الثقة، فإن جامع الرواة وإن ذكر في ترجمة عمران بن موسى الخشاب ما يقرب من خمسين رواية إلا أنه ليس في شيء منها تصريح بالخشّاب، ولا الزيتوني، وكلها بعنوان عمران بن موسى، ما عدا رواية واحدة ذكرها الشيخ في التهذيب بعنوان عمران بن موسى الخشاب(3)، فتخيَّل أن جميع تلك الروايات عنه، وهو وهم نشأ من سقط كلمة (عن) في نسخة التهذيب، والصحيح عمران

ص: 98


1- - فقه الخلاف 2/195.
2- - وسائل الشيعة، كتاب الصوم / أبواب ما يمسك عنه الصائم، باب6، حديث1.
3- - التهذيب 6/37.

بن موسى، عن الخشاب الذي هو حسن بن موسى الخشاب ويروي عمران بن موسى عنه كثيراً، فالخشاب شخص آخر يروي عمران عنه، لا أنه لقب لعمران نفسه كما توهم.

والذي يكشف عنه بوضوح أن الشيخ يروي هذه الرواية عن ابن قولويه في كامل الزيارات، وهي مذكورة بعين السند والمتن فيه(1) الكامل، لكن بإضافة كلمة(عن) فالسقط من الشيخ جزماً، فإن جميع نسخ التهذيب على ما قيل خالية عن كلمة (عن) فالاشتباه من قلمه الشريف، والمعصوم من عصمه الله تعالى.

وكيفما كان؛ فليس لدينا شخص مسمى بعمران بن موسى الخشاب لتوجب جهالته وهْناً في السند، وإنما هو شخص واحد مسمى بعمران بن موسى الزيتوني الأشعري القمّي المشهور الذي هو ثقة))(2).

أقول: ذكرنا هذا لعدة أمور:

1- الرد على الإشكال في السند كما تقدم من صاحب الجواهر (قدس سره).

ص: 99


1- - كامل الزيارت 29/10، نقلا عن المستند.
2- - المستند في شرح العروة الوثقى: 21/162.

2- لإلفات النظر إلى مثل هذه الاشتباهات التي تفقدنا خيراً كثيراً وقد سجّلت مثل هذه الموارد وربما سنحت الفرصة لعرضها خلال البحوث القادمة.

3- لكي نعطي الحق للميرزا النائيني (قدس سره) الذي قال في مجلس بحثه وسمِعه تلميذه السيد الخوئي (قدس سره) فروى كلمته: ((إن المناقشة في إسناد روايات الكافي حرفة العاجز))(1)، والرواية وإن وردت في كتابي التهذيب والاستبصار إلا أنه من الصحيح أن الاكتفاء بمثل هذه الإشكالات السندية وطرح الرواية حرفة العاجز.

4- ولتأكيد ما تقدم منا أن الرواة حينما يطلقون اسماً فهو ينصرف إلى الشخص المشهور المعروف في زمانهم، أما الإجمال والترديد فقد نشأ لدى أرباب المعاجم المتأخرين لحشرهم الأسماء على نسق واحد أو لمثل هذه الاشتباهات.(2)

ص: 100


1- - معجم رجال الحديث: المدخل/99.
2- - فقه الخلاف 2/274.

5) رواية الشيخ الكليني والطوسي (قدس سرهما)

عن إسماعيل بن مرار عن علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن (عليه السلام) في حديث قال (عليه السلام): (ولكل شهر عمرة، فقلت: يكون أقل؟ فقال: في كل عشرة أيام عمرة)(1).

وهي ضعيفة بعلي بن أبي حمزة الذي هو البطائني أو أنه مشترك بين الثقة وغيره، ولأن إسماعيل لم يوثق وإن ذهب إلى توثيقه بعض ((لأجل أن محمد بن الحسن بن الوليد قال: كتب يونس بن عبد الرحمن التي هي بالروايات كلها صحيحة معتمد عليها، إلا ما ينفرد به محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس، ولم يرده غيره، فإنه لا يعتمد عليه ولا يفتى به، ذكره الشيخ في ترجمة يونس))(2) إلا أنه اجتهاد من ابن الوليد ولا تدل على التوثيق وإنما قبول الرواية، ولا يُعلم أن الرواية هذه هي من كتب يونس ولا يكفي في إثباته ما قاله السيد الخوئي (قدس سره): ((إن إسماعيل بن مرار تبلغ رواياته عن يونس بن عبد الرحمن مائتين وزيادة فالظاهر أن رواياته هي من كتب يونس)).

ورواها الصدوق بسنده عن علي بن أبي حمزة(3) وهي ضعيفة بعلي بن

ص: 101


1- - وسائل الشيعة: كتاب الحج، أبواب العمرة، باب6، ح3.
2- - معجم رجال الحديث: 3/178.
3- - ذكر صاحب الوسائل في ذيل رواية الكليني أن الشيخ الصدوق رواها بسنده عن القاسم بن محمد عن علي بن أبي حمزة. ولا يوجد هذا في الفقيه والموجود ما نقلناه عن الفقيه، ج2، كتاب الحج، باب العمرة في كل شهر وفي أقل ما يكون، ح2. ونقلها في الوسائل مستقلة في أبواب العمرة، باب6، ح10.

أبي حمزة، وبضعف طريقه إليه لعدم النص على توثيق محمد بن علي بن ماجيلويه لكن السيد الحكيم (قدس سره) وصف الرواية بالاعتبار لرواية الشيخ الصدوق له بسنده إلى علي بن أبي حمزة ((وسنده صحيح وهو إن كان الثمالي فهو ثقة وإن كان البطائني فالظاهر اعتبار حديثه، لرواية جمع كثير من الأعاظم عنه، وفيهم جمع منأصحاب الإجماع، وجماعة ممن نصّوا على أنهم لا يروون إلا عن ثقة))(1).

وهو مردود بما تقدم من ضعف الطريق وعدم كفاية ما استُدل به على اعتبار حديث البطائني وقد ناقشنا هذه الكبرى في مراسيل ابن أبي عمير، فرواياته غير مقبولة خصوصاً إذا انفرد بها.

وقال السيد الخوئي (قدس سره) في معرض الرد على هذا الوجه: ((وربما يحتمل اعتبار رواية الصدوق لأن علي بن أبي حمزة الذي روى عنه الصدوق هو الثمالي الموثق، لأنه (قدس سره) يروي عنه في كتابه، ولكن يبعده أن الثمالي لا رواية له في باب الأحكام على أن الصدوق ذكر في مشيخة الفقيه أن ما رويته عن علي بن أبي حمزة فقد رويته عن محمد بن علي ماجيلويه عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن علي بن أبي حمزة.

ص: 102


1- - مستمسك العروة الوثقى:11/146.

ولا يمكن رواية البزنطي عن الثمالي لأن الثمالي من أصحاب الباقر (عليه السلام) والبزنطي من أصحاب الرضا والجواد (عليهما السلام)))(1).

ووجه الاستبعاد الذي ذكره (قدس سره) غير تام فإن البزنطي وأولاد أبي حمزة الثمالي من طبقة واحدة وقد روت عن البزنطي وأحد أولاد أبي حمزة - وهو محمد بن أبي حمزة الثمالي- معاً الطبقة التي تليهما كأحمد بن محمد بن عيسى فإنه روى عنهما.

فالصحيح في الرد أن يقال: إن غاية هذا الاحتمال هو الاشتراك بين الثقة وغيره إضافة إلى ضعف الطريق علماً أن الصدوق ذكر طريقاً واحداً إلى عنوان علي بن أبي حمزة فإن كان هو البطائني -كما هو الصحيح لأن الثمالي لا رواية له في الأحكام- فلا طريق له إلى الثمالي فيبعد الاحتمال المذكور بعدم الطريق إليه.

ولا ينفع أيضاً في تصحيحها تعويض السند -لو قلنا به- للتخلص من ضعف الطريق برفع هذا السند إلى أحمد بن أبي نصر بطريق الصدوق إليه وهو صحيحلكن تبقى مشكلة ابن أبي حمزة(2).

ص: 103


1- - المعتمد في شرح العروة الوثقى: 27/139.
2- - فقه الخلاف 2/381.

6) تصحيح رواية الحسن بن علي عن أبيه.

6) تصحيح رواية الحسن بن علي(1) عن أبيه.

قال: (سمعت أبا الحسن الأول (عليه السلام) يقول: لا بأس بتعجيل طواف الحج وطواف النساء قبل الحج يوم التروية قبل خروجه إلى منى، وكذلك من خاف أمراً لا يتهيأ له الانصراف إلى مكة أن يطوف ويودّع البيت، ثم يمر كما هو من منى إذا كان خائفاً)(2).

وهي ضعيفة سنداً بحسب الظاهر لاشتراك الحسن بن علي وأبيه بين الثقة والضعيف، إلا أنه يمكن تقريب كون المراد به الحسن بن علي بن يقطين عن أبيه وهما ثقتان لقرينتين على الأقل:

أ- الراوي عنه وهو إما أحمد بن محمد بن عيسى أو محمد بن عيسى الذي هو ابن عبيد بن يقطين على ما في بعض النسخ وكلاهما رويا عن الحسن بن علي بن يقطين.

ب- ما يقتضيه طبع الرواة الثقات وخصوصاً في مثل جلالة الراوي عن الحسن - وهما من ذكرنا- من عدم الإيهام وعدم إجمال الاسم إذا كان مشتركاً إلا مع انسباق الذهن إلى الثقة ومعروفية ذلك عند المتلقي.

ص: 104


1- - العنوان مشترك بين كثيرين فيهم الثقة وغيره، فيمكن أن يكون ابن يقطين الثقة هو وأبوه ويمكن أن يكون ابن علي بن أبي حمزة البطائني الضعيف هو وأبوه ويمكن أن يكون غيرهما، وسيأتي البحث في التمييز.
2- - وسائل الشيعة: كتاب الحج، أبواب الطواف، باب 64، ح1.

وقد وصفها بالصحة كاشف اللثام(1) ونسب صاحب الرياض (قدس سره) إلى البعض القول بصحتها(2)، واحتمل(3) ذلك صاحب الجواهر (قدس سره) بعد أنوصفها بالصحيحة في موضع سابق(4)، وسماها السيد الخوئي (قدس سره) صحيح علي بن يقطين(5) ولم يذكروا وجهاً لذلك، ومن لم يقل بصحتها فقد جبر ضعف سندها بعمل المشهور.

واعتمدوا عليها في الاستدلال على جواز التقديم عند الضرورة(6).

ومع ذلك فإنه يمكن المناقشة في سندها من جهتين:

الجهة الأولى : إن الحسن بن علي بن يقطين لم يروِ عن أبيه مباشرة وإنما بواسطة أخيه الحسين هذا بحسب استقراء من روى عنهم الحسن(7)، وبمقتضى طبقته في الحديث، إلا أنه توجد روايتان نقلهما ابن إدريس (قدس سره) في آخر السرائر من كتاب الجامع للبزنطي عن الحسن بن علي بن يقطين عن

ص: 105


1- - كشف اللثام: 5/488.
2- - رياض المسائل: 7/99.
3- - جواهر الكلام:19/394.
4- - جواهر الكلام:18/63.
5- - المعتمد في شرح المناسك: 29/352.
6- - فقه الخلاف 6/273.
7- - راجع ترجمته في معجم رجال الحديث 5/60.

أبيه عن أبي الحسن الأول (عليه السلام)(1)، وهو لا يصلح لمعارضة ما ذكرناه ويحتمل فيها السهو والخطأ لأمور:

1- لأن الجوامع التي نقل منها ابن إدريس (قدس سره) لم يثبت بالطرق المعتبرة.

2- منافاته لطبقة الحسن في الحديث.

3- إن الحسن لو كان راوياً عن أبيه لكثرت روايته بحسب ما تقتضيه العادة فلماذا اقتصرت على هذه؟الجهة الثانية :لوجود محمد بن عيسى في بعض النسخ بين أحمد بن محمد بن عيسى والحسن بن علي وهو مشترك.

وهذا يمكن دفعه (تارة) بتعيين كون محمد بن عيسى هو ابن عبيد بن يقطين الثقة جليل القدر، وإذا لم يتم هذا فيمكن الجواب (وتارة أخرى) بكون الرواية مروية بطريقين أحدهما عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن مباشرة والآخر بواسطة محمد بن عيسى عن الحسن والطريق الأول كافٍ لتجاوز هذه المشكلة ولعله لهذا قال صاحب الجواهر (قدس سره): ((صحيح ابن يقطين أو خبره)) بناءً على كون (أو) مفيدة لتعدد الخبر بمعنى الواو وليس البدلية، لكنهم عادة يستبعدون مثل هذا الاحتمال أي أن يروي

ص: 106


1- - وسائل الشيعة: كتاب الطهارة، أبواب آداب الحمام، باب 28، ح4، وباب 60، ح9.

أحمد عن الحسن بن علي مباشرة تارة وبواسطة محمد بن عيسى تارة أخرى، مع بقاء الإشكال الأول(1).

هذا، وقد حاول بعض الأعلام المعاصرين(2) تصحيح رواية الحسن بن علي عن أبيه بما حاصله ((احتمال كون المراد من حسن بن علي هو الوشاء، لكن يبعّده كون المروي عنه هو أبا الحسن الأول الكاظم (عليه السلام) )).

أقول: مقتضى الرواية أن الحسن يروي عن أبيه وليس عن الإمام الكاظم (عليه السلام) فلا مورد لهذه المناقشة.

ثم قال (قدس سره): ((توضيحه: أن الأمر يدور بين كون المراد هو حسن بن علي بن زياد الوشاء، أو حسن بن علي بن النعمان، أو حسن بن علي بن يقطين. وذانك كانا من أصحاب الرضا (عليه السلام) بخلاف علي بن يقطين، لكونه ممن يروي عن أبي الحسن الأول فيمكن نقل ابنه وهو حسن بن علي عنه، فبهذه القرينة الخارجية يحكم بأنه المراد دونهما فلا نقاش في السند من هذا الحيث)).

أقول: في الرواية معطيات لا بد من توفرها في من يحتمل كونه هو المراد

ص: 107


1- - فقه الخلاف 6/280.
2- - الشيخ عبد الله الجوادي الآملي (دام ظله الشريف) في تقريرات بحث أستاذه السيد محمد المحقق الداماد (قدس سره) في كتاب الحج: 4/242

بالحسن بن علي وهو كونه يروي عن أبيه، ويروي أبوه عن الإمام الكاظم (عليه السلام)، ويروي عنه أحمد بن محمد بن عيسى أو محمد بن عيسى.والأسماء التي قال (قدس سره) أن الأمر يدور بينها لا تتوفر فيها هذه المعطيات، فالوشاء لم يروِ عن أبيه، وعلي بن نعمان لم يروِ عن الإمام الكاظم (عليه السلام) والحسن بن علي بن يقطين لم يروِ عن أبيه، وقد أغفل (قدس سره) احتمال كون المراد ابن أبي حمزة البطائني الذي روى عن أبيه الذي روى عن الإمام الكاظم (عليه السلام) وقد روى أحمد بن محمد بن عيسى ومحمد بن عيسى عن عنوان الحسن بن علي القابل للانطباق عليه.

ثم نقل (قدس سره) قول صاحب الجواهر (قدس سره) ((صحيح ابن يقطين أو خبره)) جاعلاً الواو وليس (أو) في العبارة، واستظهر من ذلك وجود روايتين لابن يقطين (إحداهما) يرويها أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن مباشرة وهي صحيحة بعد تسليمه كون الحسن بن علي بن يقطين، (والثانية) بوساطة محمد بن عيسى وهو ((غير خالٍ عن الحزازة، لعدم ثبوت وثاقة محمد بن عيسى)).

وفيه مضافاً إلى مناقشاتنا السابقة:

1- إن الموجود في النسخ المطبوعة (أو) وهو ما أثبتناه وليس الواو.

ص: 108

2- إن المناقشة في محمد بن عيسى من جهة الاشتراك وليس الوثاقة وإلا فلو ثبت كونه ابن عبيد بن يقطين فإنه ثقة جليل القدر ولا يلتفت إلى القدح فيه.

3- ما ذكرناه من أنهم يستبعدون عادة أن يروي أحدهم بوساطة ثم يروي نفس الخبر مباشرة، والمقصود هنا رواية أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي.

هذا مع الإشكال الذي ذكرناه في كون الحسن بن علي هو ابن يقطين(1).

7) رواية الحسن بن أبي سارة.

قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن أصاب ثوبي شيء من الخمرأصلي فيه قبل أن أغسله؟ قال: لا بأس إن الثوب لا يسكر).(2)

الحسن بن أبي سارة ثقة، وقد رواها الشيخ (قدس سره) في التهذيب والاستبصار بسنده عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أبيه عن أبي عبد الله البرقي عن محمد بن أبي عمير عن الحسن بن أبي سارة، وفي الوسائل الحسين؛ وهو لم يوثّق في كتب الرجال لكن السيد الشهيد الصدر الأول

ص: 109


1- - فقه الخلاف 6/281.
2- - الموجود في التهذيب ج1، كتاب الطهارة، باب12: تطهير الثياب وغيرها من النجاسات، ح109 ؛ وفي الاستبصار ج1، كتاب الطهارة، باب112: الخمر يصيب الثوب والنبيذ والمسكر، ح5.

(قدس سره) قال: ((وسند الرواية تام، لأن الحسين بن أبي سارة ثقة، إما لأنه الحسن بن أبي سارة الموثّق عند النجاشي، باعتبار أنه لم يذكر حسين بن أبي سارة بالتصغير في كتب الرجال، وإما لرواية ابن أبي عمير عنه))(1).

وكلا الوجهين قابلان للمناقشة أما (الأول) فإن ترجيح كون الراوي هو الحسن لوروده هكذا في الاستبصار والتهذيب لا للاحتمال الذي ذكره (قدس سره) لأن الحسين بن أبي سارة المدائني موجود وروي عنه في التهذيب وكامل الزيارات وينطبق اسمه على الحسين بن أبي سيار المدائني وهو مجهول والعنوانان مجهولان.

وأما (الثاني) فلعدم تمامية الكبرى ولأن ابن أبي عمير من طبقة يعقوب بن يزيد الذي روى عنه الحسين فالحسين يروي عن طبقة ابن أبي عمير عنه وليس أن ابن أبي عمير يروي عن الحسين إلا أن يطبّق (قدس سره) هذه الكبرى على حسين آخر غير معروف.

فالنتيجة أنه لا يمكن أن يكون ما في الوسائل في المقام صحيحاً لأن الحسين روى عن يعقوب بن يزيد الذي لم يدرك الإمام الصادق (عليه السلام) وهو من أصحاب الرضا والجواد (عليهما السلام) وروى عنه محمد بن يحيى العطار فمنالمقطوع به أنه لم يروِ عن الإمام الصادق (عليه

ص: 110


1- - بحوث في شرح العروة الوثقى: 3/429.

السلام) (1).

8) محاولة تصحيح سند خبر الصدوق في الخصال

عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن محمد بن عيسى بن عبيد عن القاسم بن يحيى عن جده الحسن بن راشد، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السلام)، عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام)، قال: (قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إياكم وعمل الصور، فإنكم تسألون عنها يوم القيامة)(2).

حاول البعض تصحيح السند بوجوه:-

1- ورود القاسم بن يحيى وجده الحسن بن راشد في إسناد كامل الزيارات وتفسير القمي ورواية الأجلة كأحمد بن محمد بن عيسى عن القاسم.

2- إن الشيخ الصدوق (رضوان الله عليه) نقل في الفقيه روايتهما لزيارة الإمام الحسين (عليه السلام) وقال عنها: (إنها أصحّ الزيارات عندي من طريق الرواية)(3).

ص: 111


1- - فقه الخلاف 3/167، الهامش.
2- - مستدرك الوسائل، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، باب 75.
3- - الفقيه ج2، كتاب الزيارات.

وفي كل من الوجهين نظر؛ فالأول غير معتمد كبروياً والثاني لا يدل على توثيقهما وإنما على قبول هذه الرواية لهما، على أن الصدوق جعلها أصح من غيرها ولم يقل أنها صحيحة في نفسها فالصحة إضافية، ثم إن هذا اجتهاد منه لا نعلم مستنده، مضافاً إلى أن الحسن بن راشد كان وزيراً لعدد من خلفاء بني العباس (المهدي، الهادي، الرشيد) فيكون الأصل فيه أنه من الظلمة إلا أن يخرجه دليل(1).

9) رواية الشيخ الصدوق (قدس سره)

بإسناده عن علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: (لكل شهر عمرة، قال: وقلت له: يكون أقلّ من ذلك؟ قال: لكل عشرة أيام عمرة)(2).

وطريق الصدوق الى علي بن ابي حمزة هو : محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه، عن محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن الحسين بن ابي الخطاب، عن أحمد بن ابي نصر البزنطي، عن علي بن ابي حمزة.

ونوقش هذا الطريق بوجود محمد بن علي ماجيلويه شيخ الصدوق (قدس سره) ولم يوثّق، ورُدَّ بأن ترضّي الشيخ الصدوق عليه كافٍ في

ص: 112


1- - فقه الخلاف 3/298.
2- - وسائل الشيعة، كتاب الحج، أبواب العمرة، باب6،ح3.

توثيقه كما ربما يُفهم من ذوق القدماء، أي أننا لا نقول بأن مجرد كونه شيخاً للصدوق يجعله موثقاً ليرد السيد الخوئي (قدس سره) هذه الكبرى(1).

ويمكن دعوى حصول الاطمئنان بصدور الرواية عن علي بن أبي حمزة لتعدد الطرق واختلاف طبقات الرواة، فالمناقشة في الطرق إلى علي ليست مجدية:

(أما) علي بن أبي حمزة فقد تردد البعض في كونه هو الثمالي أو البطائني، قال السيد الحكيم (قدس سره): ((وهو إن كان الثمالي فهو ثقة، وإن كان البطائني فالظاهر اعتبار حديثه))(2).

أقول: لا مجال لهذا الترديد خصوصاً على ما قيل من أنه لم ترد عن الثمالي رواية في الأحكام بحسب الاستقراء، وما ورد بهذا العنوان فهو من خطأ النسّاخ بحسب المقابلة بين النسخ(3)، ومع ذلك فإن الاسم متعين بالبطائني لعدة وجوه:-

1- إن طريق الصدوق إلى علي بن أبي حمزة ينتهي بالبزنطي عن علي، وهو وإن لم يحدد أنه البطائني إلا أن البزنطي روى عدة روايات عن علي

ص: 113


1- - المعتمد في شرح العروة الوثقى: 27/139.
2- - مستمسك العروة الوثقى:11/146.
3- - معجم رجال الحديث:11/247.

بن أبي حمزة عن أبي بصير فيتعين بالبطائني لأنه كان قائداً لأبي بصير ومكثراً للرواية عنه لا الثمالي(1).

2- إن الرواية ذكرها بأكملها الشيخ الكليني في الكافي، أما في الفقيه فقد قطعت في موضعين:

(أحدهما) صدر الرواية فقال (قدس سره): ((وروى القاسم بن محمد عن علي بن أبي حمزة قال: (سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن رجل يدخل مكة في السنة المرة والمرتين والثلاث كيف يصنع؟ قال: إذا دخل فليدخل ملبيّاً، وإذا خرج فليخرج محلاً)(2).

(ثانيهما) محل البحث من الرواية، قال (قدس سره): ((وروى علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) قال: (لكل شهر عمرة، قال: فقلتُ له: أيكون أقلّ من ذلك؟ قال: لكل عشرة أيام عمرة).))(3).

ص: 114


1- - حصلت غفلة من قلم تقريرات السيد الخوئي (قدس سره) فقال: ((ولا يمكن رواية البزنطي عن الثمالي لأن الثمالي من أصحاب الباقر (عليه السلام) والبزنطي من أصحاب الرضا والجواد (عليهم السلام) )) (المعتمد في شرح العروة الوثقى: 27/139). وهذا الكلام جارٍ في أبي حمزة الثمالي الأب والرواية عن الابن علي وأشرنا إلى هذا في فقه الخلاف: 2/396.
2- - من لا يحضره الفقيه: ج2، باب: المتمتع يخرج من مكة ويرجع، ح2755.
3- - المصدر السابق: باب العمرة في كل شهر وفي أقل ما يكون، ح2966.

وتقريب القرينية على كون علي هو البطائني من هذه الملاحظة من جهتين:

(أولاهما) انتهاء طريق الجزء الأول إلى القاسم بن محمد وهو الجوهري وهو يروي عن البطائني لا الثمالي.

(ثانيهما) اتحاد روايتي الكليني والصدوق، وقد انتهى طريق الكليني إلى يونس الذي له روايات عديدة عن عنوان علي بن أبي حمزة عن أبي بصير فيتعين كون الذي يروي عنه يونس هو البطائني أيضاً.تنبيه: يوهم قول صاحب الوسائل (قدس سره) في ذيل رواية الكافي: ((ورواه الصدوق بإسناده عن القاسم بن محمد عن علي بن أبي حمزة مثله)) أن الصدوق قد رواها في موضعين، وقد ذكرناهما وتبيّن أن الموضع الأول أجنبي عما نحن فيه.

هذا وقد تقدم أنه يمكن العمل بروايات بن أبي حمزة علي إذا لم يقم شاهد على الكذب كمعارضتها مع رواية معتبرة أو فيها تأييد لمذهبه الفاسد(1).

ص: 115


1- - فقه الخلاف ج7 ص80-ص82

10) مناقشة في سند صحيحة علي بن مهزيار.

قال علي بن مهزيار: (كتب بُندار مولى إدريس: يا سيدي نذرت أن أصوم كل يوم سبت، فإن أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفارة؟ فكتب عليه السلام وقرأته: لا تتركه إلا من علة، وليس عليك صومه في سفر ولا مرض إلا أن تكون نويت ذلك، وإن كنت أفطرت منه من غير علة فتصدق بقدر كل يوم على سبعة مساكين، نسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى)(1).

قال المحقق الحلي (قدس سره) في المعتبر: ((ولمكان ضعف هذه الرواية جعلناه قولاً مشهوراً)) لذا لم يُفتِ بمضمونها، ونسبة القول إلى المشهور لا يعني وجود مخالف كما اعترف الجميع، ولكن لضعف المستند، كما استشكل فيها السيد صاحب المدارك (قدس سره) وقال إن ((الاحتياط يقتضي عدم التعرض لإيقاع هذاالنذر))(2)، وقال العلامة المجلسي (قدس سره) في مرآة العقول: ((المسألة قوية الإشكال))(3).

وكذا احتاط صاحب الحدائق (قدس سره) والسيد صاحب الرياض (قدس سره) بعد إيقاع مثل هذا النذر(4).

ص: 116


1- - وسائل الشيعة: كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، باب10، ح1.
2- - مدارك الأحكام: 6/149.
3- - مرآة العقول: 24/344.
4- - الحدائق الناضرة:13/193، رياض المسائل: 5/399.

وقد استُغرب هذا التضعيف من المحقق (قدس سره)، قال السيد الخوئي (قدس سره): ((ولا ندري ما هو وجه الضعف الذي يدعيه المحقق))(1)، وهو كلام المحقق السبزواري (قدس سره) في الذخيرة(2)، ومع ذلك فقد فُسر الضعف الذي ذكره المحقق (قدس سره) بعدة احتمالات يعود بعضها إلى السند وبعضها إلى المتن.

(أما) ما يعود إلى السند فمن جهات:

إحداها: الإضمار وعلى تعبير الشهيد الثاني (قدس سره) بأنه ((خبر مقطوع ضعيف))(3).

وأجيب بأن ابن مهزيار من أجلاء الأصحاب ولا يضمر إلا عن المعصوم (عليه السلام) ولو لم يعلم صدورها عن الإمام (عليه السلام) لما اعتنى بروايتها، مضافاً إلى ورود التعبير في المكاتبة ب-((يا سيدي))، وقد أثبتتها جوامع الحديث على أنها رواية عن المعصوم (عليه السلام)، وأثبتها ابن مهزيار في كتبه وهي معتمدة عند الأصحاب ولم يثبت فيها إلا عن المعصوم (عليه السلام).

ص: 117


1- - المستند في شرح العروة الوثقى: 21/465.
2- - حكاه عنه في الحدائق الناضرة:13/191.
3- - مسالك الأفهام: 2/46.

((وكان وكيلاً للإمام الجواد والهادي (عليهما السلام)، وكانت المراسلات تأتي إلى الأهواز عن طريقه. ولعل نظر المحقق إلى هذا الإشكال فقد ذكر في موضع من المعتبر (وأما النذر فكله معتمد على كتابات مجهولة) وقد اشتملت كتبه على كتب الحسين بن سعيد الأهوازي وزيادة –بحسب البرقي- والزيادة تضمنت المكاتبات عن الأئمة (عليهم السلام) لأنه لا يستدرك بما ليس للمعصوم (عليه السلام) ومنزلته وكونه وكيلاً للإمام (عليه السلام) دليل على أن المكاتب هو الإمام الجواد أو الهادي (عليهما السلام)))(1).

ثانيها: جهالة حال بُندار مولى إدريس صاحب المكاتبة.

وأُجيب بأن ذلك لا يضر لأن ابن مهزيار قد قرأ بنفسه جواب الإمام (عليه السلام) فهو راوي المكاتبة ولا يضرّ كون المكاتب هو بندار، قال السيد الخوئي (قدس سره): ((وهذا أوضح من أن يخفى على من هو دون المحقق فضلاً عنه، ولكنه غير معصوم، فلعله غفل عن ذلك، أو إنه أسرع في النظر فتخيّل أن بندار واقع في السند))(2).

ص: 118


1- - من محاضرة السيد السيستاني (دام ظله الشريف) يوم 5/رجب/1416.
2- - علق الشيخ الأستاذ (دام ظله) بأنه سيذكر ((لاحقاً أن مراد المحقق (قدس سره) بالضعف هو من جهة المتن وليس السند، فلا حاجة لفرض الغفلة أو العجلة في النظر خصوصاً وأنه (قدس سره) يناقش حكماً يخالف فيه المشهور الذي لم يوجد مخالف فيه)) ج6 من فقه الخلاف ص220، وقد ذكر ذلك في ص223 تحت عنوان حصيلة النظر في الرواية. (المقرر).

ثالثها: اشتراك أحمد بن محمد الوارد في سند المكاتبة.

ويجاب بأنه هنا مردد بين ابن عيسى وابن خالد لرواية الصفار عنهما وروايتهما عن ابن مهزيار وكلاهما ثقتان، ويتعين أنه ابن عيسى لاشتراكه مع أخيه عبد الله بن محمد في نقل الرواية.

مضافاً إلى أننا في غنى عن هذا الإشكال المبني على كون طريق الرواية ما ذكره صاحب الوسائل (قدس سره) من سند الشيخ (قدس سره). لكن الكليني (قدس سره) رواها بسند صحيح نقي عن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عنعلي بن مهزيار(1)، ولم يذكره صاحب الوسائل ولعل السبب أن الكليني لم يوردها في كتاب الصوم بل في باب النذور(2).

11) تصحيح سند رواية الشيخ

بإسناده عن محمد بن علي بن محبوب عن هارون بن الحسن بن جبّلة (جميلة) عن سماعة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (قلت له: جعلت فداك، يدخل علي شهر رمضان فأصوم بعضه فتحضرني نية زيارة قبر أبي عبد الله عليه السلام فأزوره وأفطر ذاهباً وجائياً أو أقيم حتى أفطر وأزوره بعد ما أفطر بيوم أو يومين؟ فقال له: أقم حتى تفطر،

ص: 119


1- - الكافي: كتاب الأيمان والنذور والكفارات، باب النذور، ح10.
2- - فقه الخلاف 7/219.

فقلت له: جعلت فداك، فهو أفضل؟ قال: نعم، أما تقرأ في كتاب الله: «فَمَنْ شَهِدَ مِنكُمُ الشَهْرَ فَلْيَصُمْهُ»(1).

وفي السند هارون بن الحسن بن جبلة (وليس جميلة كما في بعض النسخ) وهو غير معروف لدى الرجاليين ولم تنقل عنه غير هذه الرواية، ولعله لذلك استظهر بعض أساتذتنا ((أن في العبارة اشتباهاً وإن الصحيح هارون بن الحسن عن ابن جبلة))(2)، ولم يذكر (دام ظله) وجه هذا الاستظهار، ولعله لما ذكرناه.

ويقوي احتمال الاشتباه في الاسم أن السند تعرض لاضطراب في النقل، فقد أورده الشيخ (قدس سره) معطوف السند عما قبله فقال: ((وعنه عن هارون بن الحسن بن جبلة عن سماعة..))(3)

والذي قبله هكذا ((محمد بن يعقوب عن يعقوببن يزيد عن ابن أبي عمير..))(4) والرواية غير موجودة في الكافي، مضافاً إلى أنه من المعلوم أن محمد بن يعقوب لا يروي بلا واسطة عن يعقوب بن يزيد.

ص: 120


1- - وسائل الشيعة: كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، باب 3، ح7.
2- - السيد السيستاني (دام ظله) محاضرة بتأريخ14/ذ.ح./1415 ه-.
3- - التهذيب، ج4، باب 72، الزيادات، ح29.
4- - نفس المصدر، ح28.

وذكر في الحديث الذي يليه: ((عنه عن علي بن السندي عن حماد بن عيسى))(1)، وقد أرجع صاحب الوسائل الضمير في الثلاثة إلى محمد بن علي بن محبوب مع أنه لم يرد في سند المتقدم بل في الحديث اللاحق(2).

أما صاحب الوافي(3) فقد أرجع الضمير في الأولى إلى ابن محبوب، ولعله استظهر الاشتباه في اسم محمد بن يعقوب وأن الصحيح محمد بن علي بن محبوب لتقارب (محبوب) مع (يعقوب) وإن ابن محبوب يروي عن يعقوب بن يزيد، أما الثانية والثالثة فأرجع الضمير فيهما إلى أحمد بن محمد الذي ورد في الحديث السابق على الرواية المبدوءة بمحمد بن يعقوب(4).

ولعل ما ذكره صاحب الوسائل هو الأصح لأن رواية محمد بن يعقوب هي السابقة على رواية ابن جبلة، وما دام استظهر الاشتباه وأن الصحيح محمد بن علي بن محبوب، فهذه معطوفة عليها، ولأن أحمد بن محمد يروي بواسطة عن محمد بن علي بن محبوب فكيف يروي بواسطة واحدة أيضاً عن ابن جبلة كتاب ابن محبوب الذي هو مصدره، كمعتبرة الحسين بن المختار التي صرح بأخذها من كتاب ابن محبوب(5).

ص: 121


1- - نفس المصدر، ح30.
2- - نفس المصدر، ح31.
3- - الوافي:11/150 كتاب الصوم، باب 47: السفر في شهر رمضان.
4- - نفس المصدر، ح27.
5- - الحديث 85 من الباب.

وعلى أي حال فلا إشكال في السند من هذه الناحية لأن ابن محبوب وأحمد بن محمد ثقتان، وإنما ذكرنا هذا لبيان ما وقع من خلط في السند يشجعنا على دعوى الاشتباه في هارون بن الحسن بن جبلة.

ومن المعلوم أن هارون بن الحسن بن محبوب ثقة روى عن أبيه الحسن بن محبوب وغيره، ولم يضبط الرجاليون رواية له في الكتب الأربعة.

وابن جبلة فقيه ثقة وإن نسب إليه الوقف –كما عن النجاشي- فالرواية معتبرة على هذه التقريبات.

لكن إثبات الاشتباه في السند لا يكفي لإثبات ما استظهره بعض أساتذتنا (دام ظله الشريف) لعدم وجود دليل عليه، مضافاً إلى أن هارون بن الحسن بن محبوب ليست له رواية في الكتب الأربعة.(1)

12) رواية يونس في حديث.

(وقال: في المسافر يدخل أهله وهو جنب قبل الزوال ولم يكن أكل فعليه أن يتم صومه ولا قضاء عليه، يعنى إذا كانت جنابته من احتلام).

يشكل على هذه الرواية بورود لفظ (قال) مرة واحدة في طبعة الوسائل المتداولة، فتكون ظاهرة في أنها فتوى يونس لا كلام الإمام (عليه السلام) ولها نظائر عنه.

ص: 122


1- - الفقه الباهر161.

وأُجيب بوجود لفظ (قال) مكررة في صدر الحديث في الكافي والتهذيب الذي نقل عنه، لكن صاحب الوسائل (قدس سره) لمّا قطّع الحديث حصل هذا الإشكال، فقد بدأ الكليني رواية الحديث عن ((علي بن إبراهيم عن محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس (قال: قال في المسافر الذي يدخل أهله في شهر رمضان) إلى أن قال: (وقال..)، وقد أورد صاحب الوسائل هذا الصدر في الباب التالي، وكذا في الطبعة المحققة حديثاً فالرواية مضمرة، ومضمرات يونس معمول بها، على أنها رويت في الفقيه عن يونس عن موسى بن جعفر (عليه السلام) فينحل الإشكال.أقول: ما ورد في الكافي لا يحل الإشكال لظهور (قال وقال) أنهما كلام محمد بن عيسى ويونس لا كلام الإمام (عليه السلام) فتكون من فتاوى يونس وليست مضمرة له عن المعصوم (عليه السلام).

نعم ما في الفقيه يحل الإشكال(1) إلا أن المشكلة في عدم ذكر الشيخ الصدوق (قدس سره) طريقه في المشيخة إلى يونس فتكون الرواية مرسلة، إلا أنهم اعتمدوا(2) في ذكر الطريق على ما أورده الشيخ (قدس سره) في الفهرست من طرق عديدة إلى يونس، وذكر في اثنين منها الشيخ الصدوق، فتكون هذه من طرق الشيخ الصدوق إلى يونس.

ص: 123


1- - وصفها (قدس سره) بالمعتبرة (مستند العروة الوثقى: 22/18، 20) ولم يُشر إلى هذا الإشكال على سند الشيخ الصدوق إلى يونس.
2- - راجع مثلاً خاتمة وسائل الشيعة، ج19، مشيخة الصدوق.

وهذه معالجة لا تخلو من إشكال؛ لأن الشيخ (قدس سره) إنما ذكر طرقه إلى كتب يونس، وأنّى لنا العلم بأن الشيخ الصدوق (قدس سره) أخذ هذه الرواية من كتب يونس، وإن ابتدأ السند باسمه، فإن هذا بمجرده لا يعني أخذه منه كتابه.

اللهم إلا أن يجاب بأن الشيخ (قدس سره) قال: ((أخبرنا بجميع كتبه ورواياته)) ثم ذكر طرقه فهي لا تختص بالكتب بل تجري في الروايات أيضاً.

وينقل بعض أساتذتنا (دام ظله الشريف) ((أن المتتبع للفقيه يجد أن الشيخ الصدوق يبتدئ بأسماء لا كتب لهم، وآخرين ممن لم ينقل عنهم فلعله نقل ذلك من الكافي، وببالي أن المجلسي الأول قال: إن مرسلات الصدوق هي مسندات الكافي، فهو يأخذ من الكتب إما على سبيل الإرسال أو يبتدئ بأسماء بعض الرجال ولا يتعب نفسه بمراجعة الكتب))(1).أقول: من السهل التأكد من هذه النتيجة بمطابقة أسماء من ابتدأ بهم رواياته المذكورين في المشيخة مع الفهارس المعدّة لأصحاب الكتب والأصول كفهرست الشيخ والنجاشي، وقد وجدت مصداق ذلك.(2)

ص: 124


1- - السيد السيستاني محاضرة بتأريخ12/ذ.ق./1416.
2- - الفقه الباهر182

13) تصحيح سند رواية محمد بن الفضيل.

محمد بن الفضيل، عن أبي الصباح الكناني قال : ((سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل عليه من شهر رمضان طائفة ثم أدركه شهر رمضان قابل ؟ قال : عليه أن يصوم وأن يطعم كل يوم مسكينا، فإن كان مريضا فيما بين ذلك حتى أدركه شهر رمضان قابل فليس عليه إلا الصيام إن صح، وإن تتابع المرض عليه فلم يصح فعليه أن يطعم لكل يوم مسكينا))(1).

هذه الرواية وردت بطرق ثلاثة:

أحدها: للكليني في الكافي بسند صحيح عن محمد بن إسماعيل عن محمد بن الفضيل عن أبي الصباح.

ثانيها: للشيخ الطوسي بسنده إلى الكليني.

ثالثها: للشيخ الطوسي بسنده عن الحسين بن سعيد عن محمد بن الفضيل.

ص: 125


1- - وسائل الشيعة، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، باب 25، ح3.

فالطرق الثلاثة تتحد في كون الراوي عن الكناني هو محمد بن فضيل وهو مشترك بين الضبّي الثقة والأزدي الذي ضعّفه الشيخ(1) صريحاً، وكل منهما يروي عن الكناني وفي طبقة واحدة فلا يتعين بالثقة.وتوجد محاولات لتصحيح سند الرواية أشار إليها السيد الخوئي (قدس سره) باقتضاب قائلاً: ((وقد حاول الأردبيلي في جامعه لإثبات أن المراد به محمد بن القاسم بن الفضيل الثقة، وقد أسند إلى جده، وأقام على ذلك شواهد لا تفيد الظن فضلاً عن العلم، فإنه أيضاً معروف كذينك الرجلين وفي طبقة واحدة ولا قرينة يُعبأ بها على إرادته بالخصوص.

وعلى الجملة: لا مدفع لاحتمال كون المراد به الأزدي))(2).

أقول: لم يذكر (قدس سره) تلك الشواهد في تقريرات بحثه ويجيب عنها تفصيلاً وذكر أحدها في المعجم، وقد بيّن الأردبيلي (قدس سره) أهمية هذه المحاولات بقوله: ((وإنما أطنبنا الكلام في هذا المقام لأنه كان فيه نفعاً كثيراً عظيماً في تصحيح أخبار الأئمة عليهم السلام))(3) وقدّرها بعض أساتذتنا بثلاثمائة رواية، وقد ذكر الأردبيلي ثلاثة وجوه لتأكيد أن محمد بن الفضيل هذا هو محمد بن القاسم بن الفضيل بن يسار الثقة، لذلك قال:

ص: 126


1- - رجال الشيخ: 343 رقم (5124).
2- - المستند في شرح العروة الوثقى: 22/187.
3- - جامع الرواة: 2/183.

((وقد يُتوهم أن محمد بن الفضيل هذا مجهول وليس كذلك))، والوجوه هي:

الأول: ما ذكره (قدس سره) في ترجمة محمد بن الفضيل قال: ((لما تتبعنا بقدر وسعنا تتبعاً تاماً وجدنا محمد بن الفضيل الصيرفي الكوفي الأزدي الضعيف ومحمد بن القاسم بن الفضيل بن يسار النهدي البصري الثقة في مرتبة واحدة، وكثيراً ما يعبَّر عنه باسم جده أيضاً فيكونان مشتركين، ووجدنا رواة ومروياً عنهم مشتركين بينهما ورواة ومروياً عنهم مختصين بكل واحد منهما))(1).

أقول: هذا ظن لا يمكن الاعتماد عليه، إذ أن مجرد اشتراكهما في الطبقة والرواة عنهم في الجملة لا يكفي لإثبات التطابق بالاسم.

الثاني: ما ذكره في ترجمة محمد بن القاسم بن الفضيل قال: ((لما تتبعنا وجدنا روايته –أي الصدوق في الفقيه- عن محمد بن القاسم بن الفضيل فيموضعين وعقد في مشيخته طريقاً إليه بقوله: وما كان فيه عن محمد بن القاسم بن الفضيل فقد رويته عن فلان وفلان إلخ، فبعيد أن يعقد اليه طريقاً لأجل هذين الموضعين فقط))(2) ثم استنتج اتحاد الاسم.

ص: 127


1- - جامع الرواة: 2/175.
2- - جامع الرواة: 2/175.

أقول: نقل السيد الخوئي (قدس سره) هذا الوجه أيضاً عن السيد التفريشي في ترجمة إبراهيم بن نعيم العبدي –وهو اسم أبي الصباح-، وذكر في جوابه أن أكثر من مائة شخص روى عنهم الشيخ الصدوق (قدس سره) في الفقيه ولم يذكر طريقه إليهم في المشيخة، وفيهم من هو كثير الرواية، فلا دليل على صحة هذا الوجه(1).

وبتعبير آخر: إن الشيخ الصدوق (قدس سره) لم يلتزم بذكر طرقه في المشيخة إلى كل من نقل عنهم في الفقيه، فعدم ذكر طريقه إلى محمد الفضيل لا يعني أنه محمد بن القاسم بن الفضيل، إذ لعله من الطرق المائة التي لم يذكرها.

وأضاف له بعض أساتذتنا جواباً آخر، قال (دام ظله الشريف): ((إن هذا التصحيح محل إشكال، وتوضيحه: أن المراجع إلى المشيخة يعرف بأن الصدوق (قدس سره) يلاحظ في ترتيب المشيخة ترتيب ما ابتدأ باسمه في الفقيه إلا في مواضع نادرة، فإذا ذكر السند إلى عمار الساباطي فإنما بحسب ما ابتدأ باسمه في الفقيه، فبملاحظة هذا يعرف أن من كان ناظراً إليه في طريق المشيخة عندئذٍ بحسب الترتيب هو خصوص محمد بن القاسم بن

ص: 128


1- - معجم رجال الحديث:17/164.

الفضيل، فإن الترتيب يقتضي ذلك، لأن الرواية وردت في الفقيه(1)

وبحسب المشيخة يناسب إرادة هذا.

وأما أن الصدوق لا بد أن يذكر من يكثر الرواية عنه، فليس هذا قانوناً فقد ينقل عن شخص ولم يذكره في المشيخة، وهم كثير))(2).أقول: هذا الترتيب من الصدوق في المشيخة متوقع ويساعد عليه مسلك أهل الفن، ولكن من غير المتوقع أن يسير عليه إلى نهاية الكتاب؛ لأن طريقة عمله ستكون بتسجيل قائمة بأسماء من روى عنهم في الفقيه ثم يدوّن في المشيخة ما استحضر لديه من طرقه إليهم، وإذا لم يستحضر طريقاً لأحدهم فإنه لا يؤخر عمله حتى يجده، بل يدون ما يوجد عنده؛ لذا فقد تنخرم هذه الكبرى، ولنا على ذلك شاهدان:-

1- ما ذكره آنفاً تبعاً للسيد الخوئي (قدس سره) من أن مائة من أصحاب الأصول الذين نقل عنهم في الفقيه لم يذكر إليهم في المشيخة، فغياب هؤلاء يُخلُّ بالترتيب أكيداً.

2- إجراء مطابقة بين ترتيب الفقيه والمشيخة وستجد الاختلاف منذ أول الأسماء(3).

ص: 129


1- - من لا يحضره الفقيه 2/115
2- - تقرير بحث السيد السيستاني، محاضرة بتأريخ16/شوال/1417.
3- - أول أحاديثه المسندة في الفقيه كان عن هشام بن سالم (ح4) ثم علي بن جعفر (ح6) ثم عمار الساباطي (ح8) ثم أبي بصير (ح24) ثم إسحاق بن عمار (ح28) ثم يعقوب بن عثيم (ح30) وهكذا. لكنه في المشيخة ذكر أولاً عمار الساباطي ثم علي بن جعفر ثم إسحاق بن عمار ثم يعقوب بن عثيم وتأخر هشام بن سالم عدة أسماء، وأبو جعفر الأحول تأخر عن ترتيبه ب-(13) اسماً أما عمرو بن أبي المقدام الذي ترتيبه (13) في الفقيه (ح80) فقد تأخر عشرات الأسماء.

إذن لا يظهر أن الملتزم بهذه الكبرى طابق ترتيب الأسماء في الفقيه والمشيخة إلى النهاية.

والنتيجة أن هذه الكبرى تدخل في باب القرائن والمؤيدات؛ لأنها روعيت في الجملة كما هو مقتضى سلوك أهل الفن عند تحرير مثل هذه الرسائل.

الثالث: ما قاله في نفس الموضع من ((إن الصدوق (رحمه الله تعالى) روى أخباراً كثيرة في الفقيه معلقاً عن محمد بن الفضيل مطلقاً وعن محمد بن الفضيل عن أبي الصباح الكناني أيضاً، وإن أكثر الأخبار التي روى عنه عن أبي الصباح فيه وجدناها في كتاب آخر مثل التهذيب والكافي، رواها بعينها رواة محمد بن القاسم بن الفضيل عن أبي الصباح)).

أقول: إذا ثبت بالاستقراء مطابقة السند والمضمون في الروايات سوى كون المذكور في أحدها محمد بن الفضيل وفي المصادر الآخرى محمد بن

ص: 130

القاسم بن الفضيل فهذا شاهد معتدّ به على اتحاد الاسم، إلا أن هذا الفرض بعيد.

وهذا الوجه لم يذكره بعض أساتذتنا، لكنه ذكر وجهاً آخر حاصله ((أن نقول أنه في المقام توجد خصوصية تفيد كون المقصود من محمد بن فضيل هذا الراوي عن أبي الصباح هو محمد بن القاسم بن فضيل، والخصوصية هي رواية الحسين بن سعيد عنه.

وأصل هذا الوجه مذكور في كلام جامع الرواة حاصله أن خمسة من الرواة منهم الحسين بن سعيد ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب قد رووا عن شخص بعنوان محمد بن الفضيل، وهم بأنفسهم نقلوا عن محمد بن القاسم، فنحتمل أو يستكشف أن المعنون متحد، إلا أن هؤلاء الخمسة تارة يعبرون بمحمد بن الفضيل، وأخرى محمد بن القاسم بن الفضيل من باب التنوع في التعبير وإلا فإن المعنون متحد، والرواية محل البحث رواها الشيخ (قدس سره) بسنده عن الحسين بن سعيد عن محمد بن الفضيل))(1).

فهذا الوجه لو تم فإنه يصحح أحد طرق هذه الرواية وهو طريق الشيخ (قدس سره) إلى الحسين بن سعيد.

ص: 131


1- - محاضرة بتأريخ17/شوال/1417.

ونقض عليه بما أورده النجاشي(1) من أن لمحمد بن فضيل الصيرفي الأزدي –الذي هو محل الإشكال- كتاباً رواه ابن أبي الخطاب، فانخرمت القاعدة المذكورة.

أقول: لم يرد في كلام الأردبيلي هذا المعنى وإنما قال بعد أن أورد الوجوه المتقدمة ((فيظهر من مجموع هذه القرائن أن محمد بن الفضيل الذي روى عنه فيه كثيراً هو محمد بن القاسم بن الفضيل الثقة والله أعلم.ومن نظر وتأمل في هاتين الترجمتين حق النظر والتأمل ظهر له أن محمد بن الفضيل الذي روى عنه الحسين بن سعيد ومحمد بن إسماعيل بن بزيع وغيرهما كثيراً في كتب الأخبار هو محمد بن القاسم بن الفضيل الثقة))(2).

أقول: لا يظهر من كلامه (قدس سره) أنه وجه جديد كما ذكر بعض أساتذتنا خصوصاً وأنه ذكره بعد انتهائه من ذكر النتيجة، فذكره لهذه الاسماء من باب التعريف وليس الدليل أو القرينة.

ولعل ما ذكره بعض أساتذتنا كوجه مستقل هو فهم منه للوجه الثاني المتقدم بلحاظ هذه الأسماء.

ص: 132


1- - رجال النجاشي: 367، رقم (995).
2- - جامع الرواة: 2/183.

وأضاف (دام ظله الشريف) وجهاً آخر عبَّر عنه بأنه ((محاولة تصحيح الطريقين الآخرين للرواية وهما للكليني في الكافي والشيخ في التهذيبين عنه، وذلك لأن في السند محمد بن إسماعيل عن محمد بن الفضيل عن أبي الصباح. فيقال حينئذٍ إن الشيخ (قدس سره) ذكر في رجاله أن لأبي الصباح أصلاً »رواه محمد بن إسماعيل بن بزيع ومحمد بن الفضيل وصفوان بن يحيى عنه(1)«.

وهذا يعني أن ابن بزيع روى عن أبي الصباح مباشرة، وفي ضوء هذا فمن المحتمل وقوع تصرف في سند هذه الرواية والصحيح محمد بن إسماعيل ومحمد بن الفضيل عن أبي الصباح.

وهذا الوجه غير صحيح إذ لا يمكن الاعتماد على ما ذكره الشيخ في رجاله لأنه مخالف لما في التهذيب، فإن محمد بن إسماعيل يروي عن محمد بن الفضيل عن أبي الصباح لا مباشرة، وقد ذكر في عشرات الروايات أن محمد بن إسماعيل يروي بواسطة عن أبي الصباح))(2).أقول: هذه التخطئة للشيخ (قدس سره) لا وجه لها؛ لأن محمد بن إسماعيل الذي يروي عنه الكليني –المرَّد بين البرمكي والنيسابوري- ليس هو ابن بزيع الذي يروي أصل أبي الصباح الكناني.

ص: 133


1- - رجال الشيخ:123، رقم (1230).
2- - محاضرة بتأريخ17 / شوال/1417.

وبهذا يرد على محاولة التصحيح المذكورة وليس بما أورده (دام ظله الشريف).

أما نحن فلنا محاولة أخرى لتصحيح رواية الفضيل من دون هذه المحاولات العلاجية لأنها انطلقت من البناء على عدم وثاقة محمد بن الفضيل الأزدي، ولكن يمكن أن نذكر وجهاً لتصحيح الرواية بتوثيق محمد بن الفضيل الأزدي الصيرفي بما أثنى عليه الشيخ المفيد (رضوان الله عليه) في رسالته العددية حيث عدّه ((من الفقهاء والرؤساء الأعلام، الذين يؤخذ منهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام، ولا يطعن عليهم بشيء، ولا طريق لذم أحد منهم))(1) أما تضعيف الشيخ له فلا يضر إذ لعله مبني على اتهامه بالغلو كما ذكر في موضع من رجاله(2) وهي تهمة دخلها تسامح كبير كالذي حكي عن الشيخ الصدوق أنه يقول بأن نفي السهو عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أول الغلو، فهذا اتهام لا يضر بوثاقته وجرح لا يعارض شهادة الشيخ المفيد (قدس سره) بالثناء والفقاهة.

ص: 134


1- - معجم رجال الحديث:17/163.
2- - ذكره الشيخ (قدس سره) في رجاله في أكثر من موضع فقد ذكره في أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) برقم (4259) من دون وصف وفي أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام) برقم (5124) ووصفه بالضعيف وفي أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام) برقم (5423) وقال عنه: ((يرمى بالغلو)).

وهذا الوجه أوضح مما ذكروه وأقربها لتصحيح الرواية إن أمكن(1).

14) رواية معمّر بن خلاد عن أبي الحسن (عليه السلام).

عن معمّر بن خَلاد عن أبي الحسن (عليه السلام) قال: (كنت جالساً عنده آخر يوم من شعبان فلم أره صائماً فأتوه بمائدة فقال: ادنُ وكان ذلك بعد العصر، قلتُ له:جعلت فداك صمتُ اليوم، فقال لي: ولمَ؟ قلت: جاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) في اليوم الذي يشك فيه أنه قال: يوم وفّق الله له، قال: أليس تدرون أنما ذلك إذا كان لا يُعلم أهو من شعبان أم من شهر رمضان فصامه الرجل وكان من شهر رمضان كان يوماً وفق الله فأما وليس علّة ولا شبهة فلا)(2).

ابتدأ الشيخ الطوسي (قدس سره) الرواية في التهذيب باسم معمّر، وسنده إليه صحيح، لكن السيد الأستاذ (دام ظله) قال: ((إنها معلقة عن الرواية التي سبقتها (أي ح44) وابتدأها الشيخ (قدس سره) بمحمد بن أحمد بن داود وهو يروي عنه بواسطة جماعة منهم الشيخ المفيد، وفي سند الرواية محمد بن يعقوب الكسائي وهو لم يوثق)).

ص: 135


1- - الفقه الباهر ص321 -328
2- - التهذيب: ج4، كتاب الصيام، باب 41: علامة أول شهر رمضان وآخره، ح45، وهي موجودة في وسائل الشيعة: كتاب الصوم، أبواب وجوب الصوم ونيّته، باب 5، ح12.

ثم قال (دام ظله) في اليوم التالي: ((لا يقال إن ابن داود رواها عن محمد بن علي بن الفضل (من مشايخ الصدوق) وعن الكسائي والأول ثقة فهذا كافٍ لتصحيح الرواية)) وناقش فيه (دام ظله): ((بأن أكثر النسخ فيها عن الكسائي وليس (وعن) فالطريق متضمن للكسائي)).

أقول:

1- لقد دوّنت في تقريراتي ما سمعته منه (دام ظله) من أن الكسائي هو (محمد بن يعقوب) ولا يجد المتتبع في معاجم الرجال مثل هذا الاسم المشترك مع الكليني (قدس سره)، والصحيح أنه علي بن محمد بن يعقوب الكسائي.

2- إن الكسائي ثقة لأنه من مشايخ ابن قولويه وهم القدر المتيقن من توثيقه في كتابه (كامل الزيارات).

إن السيد الخوئي (قدس سره) سبق السيد الأستاذ إلى ذكر هذا التصحيف في ترجمة محمد بن أحمد بن داود(1) وعلى أي حال فإن احتمال رواية ابن داود عن الكسائي ممكن، لأن الكسائي شيخ ابن قولويه الذي توفي بعد سنة من وفاة ابن داود،1- بل توجد بعض الروايات التي ورد فيها (و) بين محمد بن علي بن الفضل والكسائي في جميع النسخ(2)، وورد في بعض آخر (عن)(3).

ص: 136


1- - معجم رجال الحديث14/353.
2- - الحديث 33 في نفس الباب من التهذيب.
3- - الحديث 31 من نفس الباب.

لكن يمكن أن يقال إن ابن داود كان ((شيخ هذه الطائفة وعالمها، وشيخ القميين في وقته وفقيههم، ثم ورد بغداد فأقام بها وحدّث وصنّف)) على تعبير النجاشي، فيكون قدومه بغداد وهو مكتفٍ عن الأخذ من غيره والله العالم.

2- لا يوجد أي دليل على أن هذه الرواية معلقة عن سابقتها حتى يقال أن الشيخ (قدس سره) رواها عن ابن داود بتوسّط المفيد (قدس سره) ليرد هذا الإشكال، فإن الشيخ بدأ باسم معمّر، ولم يقل (وعن)، على أننا لا نعلم سند ابن داود –لو افترضنا توسطه- إلى معمر أما سنده في الرواية السابقة (ح44) التي تنتهي إلى جعفر بن محمد (عليهما السلام) فإنها عن غير طريق معمر.

3- لا وجود في الرواية السابقة (أي ح44) ذكر للكسائي ولا محمد بن علي بن الفضل أصلاً.

أقول: لعل اشتباها حصل منه (دام ظله) عند إلقاء البحث أو مراجعته مع رواية ستأتي الإشارة إليها ضمن الاستدلال على العموم رواها ابن داود عنهما بسند ينتهي إلى عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق (عليه السلام) وهي أجنبية عن رواية معمر(1).

ص: 137


1- - جامع أحاديث الشيعة،ج10، كتاب الصوم، أبواب فضل الصوم وفرضه، باب 3، ح7

ووردت في هذه الرواية قراءتان بحسب النسخ (عن الكسائي) و (وعن الكسائي) فلعل نظره الشريف وقع عليها فذكر هذه المناقشة مع أنها لا ترتبط بالمطلب(1).

15) صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج.

قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): امرأة من أهلنا مختلطة أعليها زكاة؟ فقال: إن كان عمل به فعليها زكاة، وإن لم يعمل به فلا)(2).

الرواية معتبرة فقد رواها الكليني عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن ابن الحجاج، وأشكل عليه من جهة أن فيه محمد بن إسماعيل الذي يروي عنه الكليني (قدس سره) كثيراً. وقد اختلف فيه، فقال بعضهم أنه ابن بزيع وهو غير صحيح لأن ابن بزيع لا يروي عن الفضل بن شاذان بل الفضل يروي عنه، وقيل أنه البرمكي الثقة وهو غير تام أيضاً لأن البرمكي لم يروِ عن الفضل(3).

والذي رجحه كثير من المحقين أنه النيسابوري لأن الكشي صرّح بأن من روى عن الفضل هو النيسابوري. وبغضّ النظر عن معرفة هويته إلا أن

ص: 138


1- - فقه الخلاف 4/275.
2- - وسائل الشيعة: كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه الزكاة، باب 3، ح1.
3- - معجم رجال الحديث، ج15، رقم الترجمة10242

الأصحاب اعتمدوا على روايات هذا العنوان لوجه أو لآخر ككثرة رواية الكليني (قدس سره) عنه.

وفي خصوص هذه الرواية فإنها معتبرة بتقريبين :

أحدهما: أن الكليني وإن لم يصرح هنا أن له طريقاً آخر إلى الفضل إلا أنه ذكر في مئات الموارد أن له ذلك عن علي بن إبراهيم عن أبيه أو محمد بن عبد الجبار أو محمد بن الحسين وغيرهم.

ثانيهما: أن الشيخ (قدس سره) ذكر في المشيخة طريقه إلى روايات الفضل أنه روى عن مشايخه عن محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه ومحمد بن إسماعيل عن الفضل، وبعض الروايات المنقولة في التهذيبين عن الفضل نفس الروايات التي ذكرها الكليني بطريق واحد عن محمد بن إسماعيل فيظهر أنه إنما لم يذكر غيره مع وجوده رعاية للاختصار(1).

16) طائفة من مراسيل ابن ابي عمير.

ما رواه الكليني بسند صحيح عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) (في رجل يعبث بالغلام قال: إذا أوقب حرمت عليه ابنته وأخته)(2).

ص: 139


1- - فقه الخلاف ج6 ص339
2- - وسائل الشيعة، أبواب ما يحرم بالمصاهرة، باب15، ح1.

بنفس الإسناد عن أبي عبد الله (عليه السلام) (في رجل يأتي أخا امرأته فقال: إذا اوقبه فقد حرمت عليه المرأة)(1).

عن ابن أبي عمير عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) (في الرجل يعبث بالغلام قال: إذا أوقب حرمت عليه أخته وابنته)(2).

قد ناقش السيد الخوئي (قدس سره) في سند هذه الروايات من جهة الإرسال(3) ومنع من الاعتماد عليها لعدم إيمانه بصحة الكبرى المشهورة لدى الأعاظم (قدس سرهم) وهي ان مراسيل ابن أبي عمير كمسانيده لا تناقش من جهة الإرسال.

ولكني اذكر هنا وجوها لقبول مراسيل ابن أبي عمير، ويمكن تقسيمها إلى طائفتين:

الأولى: ما هو عام لكل مراسيله، وهي :

1- ان شيوخ ابن عمير الذين روى عنهم يتجاوز عددهم (80)(4) وقد عد الضعفاء منهم فلم يتجاوز عددهم الخمسة(5) فنسبة كون المرسل عنه ضعيفاً

ص: 140


1- - وسائل الشيعة، أبواب ما يحرم بالمصاهرة، باب15، ح2.
2- - وسائل الشيعة، أبواب ما يحرم بالمصاهرة، باب15، ح6.
3- - مباني العروة الوثقى: 32/235.
4- - راجع أسماءهم في المعجم :14/303-304
5- - المدخل إلى معجم رجال الحديث: 78-79.

هي نسبة 5 - 80 وهو احتمال ضعيف لا يعتد به ومن هنا تعرف الرد على كلام المحقق في المعتبر.

((ولو قال قائل: ان مراسيل ابن أبي عمير يعمل بها الأصحاب منعنا ذلك لان في رجاله من طعن الأصحاب فيه فإذا أرسل احتمل ان يكون الراوي احدهم))(1). فان هذا الاحتمال ضعيف كما تقدم هذا غير ما سيأتي من الردود بإذن الله تعالى.

فان قلت: ان العلم الإجمالي بوجود الضعفاء في من روى عنهم كاف لتنجز وجوب الاجتناب عن مراسيله.

قلت:

أ- ان هذا العلم غير منجز لان النسبة المذكورة ستجعل الشبهة غير محصورة.

ب- ان هذا العلم منحل بطرح بعض روايات ابن أبي عمير التي ذكر فيها اسم الراوي وكان ضعيفاً أو أنها معارضة بما هو أكثر اطمئناناً كرواية ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ذكرها الشيخ في كتابي التهذيب والاستبصار ثم قال في كلا الكتابين ((فأول

ص: 141


1- - قواعد الحديث للغريفي : 75 نقلها عن مقباس الهداية: 49.

ما فيه انه مرسل وما هذا سبيله لا يعارض به الأخبار المسندة))(1).

2. ان ابن أبي عمير قد صرح باسم الراوي إن كان ضعيفاً ولذلك استطعنا معرفة الضعفاء فيمن روى عنهم وهذا يشعر بان من سواهم هم من الثقات ولو راجعت أسماء شيوخه لوجدت أكثرهم من عظماء الرواة وفقهائهم ولا اقل من أنَّ هذا الإشعار يقلل من احتمال كون الراوي ضعيفاً فلا يعمل به.

3- ان المحذور في الإرسال إنما يقع لو كان المرسل عنه مجهولاً أما رواة ابن أبي عمير فهم معلومون عنده إلا انه أخفى أسماءهم تقية فهو دليل على كونهم ممن يخاف (عليهم) لا (منهم) لذا فقد صرح بالأسماء التي لا يخاف عليها كالضعاف المعدودين.

الثانية: ما يخص المراسيل في المقام هي:

1. انه عبر في أكثر من رواية عمن روى عنه بأنه (من أصحابنا) وهو ظاهر في التوثيق خصوصاً إذا صدرت الكلمة من مثل ابن أبي عمير في جلالة قدره وتثبته وحكمته بينما يعبر في غيرها (عن رجل) ولا بد ان اختلاف التعبير إنما هو لخصوصية.

2. ان لابن أبي عمير ثلاث مراسيل تقدم ذكرها. ويكفي صحة أحداها

ص: 142


1- - المدخل إلى معجم رجال الحديث: 76 عن التهذيب في باب العتق وأحكامه والاستبصار : باب ولاء السائبة.

لإثبات المطلوب وهو أصل الحكم فالروايات الثلاث تدل عليه فإذا كان احتمال الضعف في كل واحدة كما قدمنا .

واحتمال الاعتبار فإن وجود مرسلة واحدة يعطي احتمالاً للاعتماد عليها مقداره ×100

= 93.75 % وإذا انضمت إليها ثانية أضيف إليه احتمال مقداره × (1- ) = 0.0586 ومجموعهما 99.61 % وإذا انضمت

إليها ثالثة أضيف إليه احتمال مقداره (1- 0.9961)× 100= 0.37% فالمجموع 99.98 % وهو احتمال كبير لا يعتد بخلافه ويحصل منه ومن القرائن المتقدمة اطمئنان بالصدور وهو الحجة(1).

3. انجبارها بالشهرة عند من يقول بهذه الكبرى.

4. ان المرسلة الأولى بالذات قد تلقاها الأصحاب وصححوها فهي (مقبولة) وان لم تثبت الكبرى. وقد استدلوا بها على إضافة البنت للمحرمات كما سيأتي إن شاء الله تعالى واستند إليها الإجماع في الحكم بحرمة البنت وحينئذٍ يُقَرَّب الاستدلال بعدة وجوه:

أ- إطباق الأصحاب بمن فيهم القدماء على قبولها واستنادهم إليها مما

ص: 143


1- - قلنا في كتاب الرياضيات للفقيه/ ص324 من طبعة بيروت ما ملخصه: إن درجة الاحتمال مهما تصاعدت حتى لو بلغت100% فإنها لا تكون حجة حتى يحصل منها ولو بضميمة غيرها الاطمئنان الذي يعني سكون النفس إلى الشيء أما قوة الاحتمال فهي حالة عقلية.

يحصّل الاطمئنان بصدورها عن المعصوم (عليه السلام) وهذا الإجماع كاشف عن نص المعصوم وليس فقط عن رأيه الذي جعلوه مناط حجية الإجماع.

وإذا منع الأصوليون من حجية مثل هذا الإجماع باعتباره مدركياً فإنه لا تبقى للإجماع حجية لعدم إمكان تحصيل مناط الإجماع الذي ذكروه لاحتمال استناده إلى مثل هذه النصوص أو التي لم تصل كما تقدم في الحديث عن الفقه الرضوي فأنّى لهم إثبات كونه كاشفاً عن رأي المعصوم؟

فلا بد من تحليل الإجماع المدركي وفهم وجوهه وتمييز الحجة من غيره.

ب- أو يقال ان وصف الإجماع بأنه مدركي من خلال وجود نص استند إليه المجمعون لا بد أن يلحظ فيه كون قوة الإجماع بقوة المدرك ولا تطلق دعوى المدركية جزافاً وفي المقام يبلغ الإجماع ذروته حتى انه لا يوجد مخالف كما نقلنا والمدرك المدعى عبارة عن مرسلة لم تثبت حجيتها فإما ان تكون المرسلة مطمأنة الصدور عن المعصوم (عليه السلام) وهو الوجه الأول أو ان الحصة الزائدة من الإجماع هي من الإجماع التعبدي الكاشف عن رأي المعصوم (عليه السلام) وهو الوجه الثاني.

وهذه الكبرى الأخيرة مما كان يأخذ بها سيدنا الأستاذ الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) وفي بالي انه أخذها من أستاذه الشهيد الصدر الأول

ص: 144

(قدس سره).

والنتيجة إمكان الاستناد إلى هذه المراسيل(1).

17) موثقة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام).

قال: (كتبت إليه في الرجل يهدي إليه مولاه والمنقطع إليه هدية تبلغ ألفي درهم أو أقل أو أكثر هل عليه فيها الخمس؟ فكتب (عليه السلام): الخمس في ذلك، وعن الرجل يكون في داره البستان فيه الفاكهة يأكله العيال إنما يبيع منه الشيء بمائة درهم أو خمسين درهماً، هل عليه الخمس؟ فكتب: أما ما أكل فلا، وأما البيع فنعم، هو كسائر الضياع).أوردها بن إدريس في مستطرفات السرائر من كتاب محمد بن علي بن محبوب عن أحمد بن هلال عن ابن أبي عمير عن أبان بن عثمان عن أبي بصير، وقال ابن إدريس أن كتاب ابن محبوب وصل إليه بخط الشيخ (قدس سره) وطريق الشيخ (قدس سره) إلى ابن محبوب صحيح، وأحمد بن هلال وثّقه النجاشي وإن كان فاسد العقيدة، فالرواية معتبرة.

وذكر الشيخ الأنصاري (قدس سره) وجهاً آخر فقال: ((واشتمالها على أحمد بن هلال لا يقدح بعد إيراد ابن محبوب إياه في كتابه، وهو أعلم منا بحال ابن هلال، مع أن روايات ابن أبي عمير في ذلك الزمان ما كان

ص: 145


1- - فقه الخلاف1/ 311 – 316.

يحتاج إلى تلك الواسطة الواحدة، لاشتمال الكتب عليها، فذكر (أحمد) من جهة اتصال السند))(1).

وهو وجه حدسي إلا أن يحصل الاطمئنان بأن ابن محبوب رواها عن جماعة واكتفى بذكر أحمد بن هلال بحيث يطمأن بصدورها عن ابن أبي عمير(2).

18) محاولة تصحيح رواية موسى بن بكر

18) محاولة تصحيح رواية موسى بن بكر(3)

ورد في الكافي والتهذيب بسند معتبر عن الحسن بن محمد بن سماعة قال: (دفع(4) إلي صفوان كتاباً لموسى بن بكر فقال لي: هذا سماعي من موسى بن بكر وقرأته عليه فإذا فيه موسى بن بكر عن علي بن سعيد عن زرارة: هذا مما ليس فيه اختلاف عند أصحابنا عن أبي عبد الله وعن أبي جعفر عليهما السلام، إلى أن قال: ولا يرث أحد من خلق الله مع الولد إلا الأبوين والزوجة فإن لم يكن ولد وكان ولد الولد ذكوراً وإناثاً فإنهم بمنزلة الولد وولد البنين بمنزلة البنين يرثون ميراث البنين وولد البنات بمنزلة البنات

ص: 146


1- - المجموعة الكاملة للشيخ الأنصاري كتاب الخمس:11/194.
2- - فقه الخلاف 4/31.
3- - فقه الخلاف10/48.
4- - أورده صاحب الوسائل في: 26/132، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، باب18، ح3 من دون هذه المقدمة واكتفى بإدراج الأسماء في السند ففاتت على الباحث نكتة رجالية سنتعرض لها إن شاء الله تعالى.

يرثون ميراث البنات ويحجبون الأبوين والزوجوالزوجة عن سهامهم الأكثر وإن سفلوا ببطنين وثلاثة وأكثر يرثون ما يرث ولد الصلب ويحجبون ما يحجب ولد الصلب)(1).

وفي سند هذه الرواية : علي بن سعيد وهو مشترك بين الثقة وغيره، والموجود منه في هذه الطبقة لم يوثّق.

وفيها موسى بن بكر وهو لم يوثق لكن البعض وثّقه لرواية الأجلاء عنه ومنهم أصحاب الإجماع كصفوان وابن أبي عمير، وهذا مما لا نبني عليه.

نعم وثقه السيد الخوئي (قدس سره) بناءً على ما في صدر هذه الرواية، قال (قدس سره): ((الظاهر أنه ثقة وذلك لأن صفوان قد شهد بأن كتاب موسى بن بكر مما لا يختلف فيه أصحابنا))(2).

أقول: هذه قراءة غير دقيقة منه (قدس سره)؛ لأن ((قال: هذا مما)) من قول زرارة لا صفوان و ((هذا )) يعود إلى الحكم وليس إلى كتاب

ص: 147


1- - فروع الكافي: ج7، كتاب المواريث، باب 58: ميراث الولد مع الزوج والمرأة والأبوين، ح3.
2- - معجم رجال الحديث: 20/33، رقم (12764).

موسى كما هو واضح من الرواية، وقد تكررت مثل هذه المقدمة في روايات(1) أخرى بالمعنى الذي ذكرناه، فما قرّبه (قدس سره) ليس صحيحاً.

هذا من حيث السند، ويضعّف حجيتها أيضاً ما احتمله البعض من أن هذا البيان إنما هو لزرارة؛ لذا ذكر صاحب الوسائل في هامش نسخته: ((الظاهر أن هذا الكلام.. إلى آخره من الحديث، ويحتمل كونه من كلام زرارة، ولا يقصر عن الحديث لما يظهر بالتتبع، وكونه موجوداً في الكافي والتهذيب وكتاب الحسن بن محمد بن سماعة لعله قرينة على كونه حديثاً فتدبر))(2).ويمكن احتمال أن هذا البيان من كلام الفضل بن شاذان كما هو ديدن الكليني في روايات الباب وإن وصل كلامه هنا ولم يفصل بما اعتاد من ذكره (قال الفضل) وللفضل ثلاثة كتب في الفرائض كبير وأوسط وصغير.

19) تصحيح رواية عبد الرحمن بن الحجاج

19) تصحيح رواية عبد الرحمن بن الحجاج(3)

وهي رواية خالفت إجماع الطائفة على عدم توريث أولاد الأولاد بوجود الأولاد، وقد رواها الشيخ بسنده عن الحسن بن محمد بن سماعة

ص: 148


1- - راجع فروع الكافي: ج7، في أن السهام لا تعول.
2- - وسائل الشيعة: 26/133.
3- - فقه الخلاف10/51.

عن علي عن محمد بن أبي حمزة عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: (بنات الابن يرثن مع البنات)(1).

وللشيخ طريق صحيح إلى كتاب الحسن بن محمد بن سماعة.

أما (علي) فهو مشترك بين الثقة وغيره، والتمييز يكون بالراوي والمروي عنه والطبقة وهذه تعرف من مراجعة أسماء من رووا عنه ومن روى عنهم، وأضيف إليها القرائن الخاصة كما لو ثبت لدينا بالتتبع أن كل ما ينقله الكليني من الروايات في التفسير والاستدلال بالآيات الكريمة فإنه ينقله عن شيخه علي بن إبراهيم صاحب التفسير فإذا وجدنا رواية في هذا المجال مبدوءة بعلي فإنه يحصل الاطمئنان أنه ابن إبراهيم، أو كاختصاص النقل في بابٍ ما من أصل معين أو راوٍ معين أو أنه يكثر من النقل عنه فيه حتى يصبح مشهوراً في ذلك الباب فلا يحتاج إلى ذكر تمام الاسم، كإكثار نقل الشيخ الكليني من تعليقات الفضل بن شاذان وبياناته المفصّلة في كتاب الفرائض، وكان يكتفي بأن يقول: ((قال الفضل))(2).

ص: 149


1- - وسائل الشيعة: 26/112، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، باب 7، ح6.
2- - ويمكن اعتبار هذه الفكرة قرينة هنا على أن المراد بالمعنون هو علي بن سكين –وفي (المعجم:13/155) علي بن محمد بن سكين – بكثرة ما روى عنه في باب الفرائض إلا أنه مجرد احتمال لمشاركة غيره ممن اسمه علي في ذلك مضافاً إلى المانع الذي سنذكره إن شاء الله تعالى على أن المقابلة بين النسخ ومراجعة كتب الرجال ترجح أن الصحيح (علي عن محمد بن سكين) لأن محمداً هو العنوان المذكور في كتب الرجال.

وقد كتب بعض المحققين أبحاثاً في تمييز المشتركات كالشيخ الطريحي في جامع المقال، ومعاصره الشيخ محمد أمين الكاظمي في هداية المحدثين، وقد ميّز الطريحي بأن من يروي عنه الحسن بن محمد بن سماعة هو علي بن ميمون(1) الذي لم يوثَّق، وعلي بن النعمان الثقة.

وأضاف الكاظمي علي بن شجرة الثقة(2).

وهذه الجهود مشكورة منهم (قدس الله أرواحهم) إلا أنها مبنية على الاستقراء الناقص لتعذر التام في مثل هذه المطالب، مضافاً إلى أن الأسماء المذكورة لا يمكن حمل العنوان عليها هنا لأن هؤلاء الثلاثة لم تسجل عنهم الرواية عن محمد بن أبي حمزة.

فلا بد من التحقيق بنحو آخر وهو أن تجري عملية تساقط بين مجموعة الذين اسمهم علي ممن روى عنهم الحسن بن محمد بن سماعة(3) مع مجموعة الذين اسمهم (علي) ممن رووا عن محمد بن أبي حمزة(4)، ونأخذ الاسم المشترك بين المجموعتين ونهمل غير المشترك، فإن تعيّن أحدهم نتيجة هذا التقاطع فهو، وإلا اشترك بين من تصح فيهم النتيجة.

ص: 150


1- - وهو بالدقة علي بن الحسن بن حماد بن ميمون، لذا اختلف عنوانه في المصادر بتجزئة هذه الأسماء.
2- - جامع المقال: 82، هداية المحدثين:115.
3- - راجع معجم رجال الحديث: 6/129.
4- - معجم رجال الحديث:15/250.

وهذه المحاولة لم توصلنا إلى نتيجة أيضاً لأن من روى عنه ابن سماعة ممن اسمهم علي –وهم لا يقلون عن سبعة- ليس فيهم من روى عن محمد بن أبي حمزة؛ لأن من روى عن ابن أبي حمزة معنون ب-((علي بن الحسن، علي بن الحسن الجرمي، علي بن الحسن الطاطري)) وهي جميعاً لمعنون واحد وهو ((علي بن الحسن بن محمد الطائي الجرمي المعروف بالطاطري، وإنما سمّي بذلك لبيعه ثياباًيقال لها الطاطرية))(1) ولم يرد الطاطري في إسناد روايات ابن سماعة بل صرّح النجاشي في ترجمة علي بن الحسن الطاطري بأنه ((لا يروي الحسن عن علي شيئاً)).

لكن هذا لا يمنعنا من قبول احتمال كون (علي) في المقام هو الطاطري لما ذكره النجاشي نفسه من أنه ((من وجوه الواقفة وشيوخهم وهو أستاذ الحسن بن محمد بن سماعة الصيرفي الحضرمي ومنه تعلم، وكان يشركه في كثير من الرجال ومنه تعلّم المذهب)).

أقول: هذه التلمذة المؤكدة إلى حد الشراكة قد تكون قرينة كافية لانصراف علي إلى الطاطري عند ذكر اسمه مجرداً ولعل ابن سماعة كان لا يرى حاجة في إعلان الاسم الكامل لأستاذه بوجود هذا الاقتران، أو أنه كان يتعمد إخفاء الاسم الكامل للطاطري معتمداً على هذه القرينة لأمر ما فكلاهما من شيوخ الواقفة ووجوههم بل كانوا من المتعصبين في مذهبهم.

ص: 151


1- - معجم رجال الحديث:12/372 عن رجال النجاشي.

أما قول النجاشي بأن الحسن لم يرو عن علي فلا نعدّه مانعاً لأن الحسن روى عن عنوان (علي) و (علي بن الحسن) كثيراً وهما عنوانان ينطبقان على الطاطري فمن أين نعلم عدم روايته عنه، وإذا دخل الاحتمال بطل الاستدلال، وبالمناسبة فإن أحد كتب الطاطري في الفرائض، فيمكن أن نفهم كلام النجاشي على أن الحسن لم يرو عن الطاطري بعنوانه الخاص، أما روايته عما يمكن الانطباق عليه فلا مانع منه. وإذا صحّ عدم روايته عنه فما معنى تعلم الحسن عند علي وشراكته معه وإنما يراد يومئذٍ بالعلم الرواية لعدم تفرّع وتوسّع العلوم المعروفة.

والخلاصة أننا توصلنا إلى نتيجة كون (علي) هو الطاطري بمرحلتين:

أولاهما: نفي المانع عن رواية ابن سماعة عن الطاطري وهذه يكفي الاحتمال فيها، وقد وجهنا منع النجاشي.

ثانيهما: إثبات كون علي هو الطاطري وهذا متعين لأن الراوي عن محمد بن أبي حمزة بعنوان علي منحصر بالطاطري فلا يمكن فرض غيره ممن اسمهم علي،ويؤيده وجود قرائن عرفية ووجدانية فإن الملازمة وقوة العلاقة بين ابن سماعة والطاطري تبرّر إطلاق الاسم منفرداً.

وعلى أي حال فإذا صحّت هذه النتيجة كان السند معتبراً لأن ابن سماعة والطاطري مصرَّح بتوثيقهم وإن كان رأيهم مخالفاً للحق، ومحمد بن

ص: 152

أبي حمزة الثمالي موثّق كذلك وابن الحجاج غني عن التعريف؛ فتكون الرواية موثقة.

ومن الملاحظ أن السيد صاحب الرياض وصف رواية فيها نفس المشكلة في السند بالموثقة(1) ولم يبين لنا تحقيق ذلك، وهي ما رواه الشيخ بسنده عن ابن سماعة عن علي عن عبد الرحمن بن أبي نجران عن صفوان عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): (بنت الابن أقرب من ابن البنت)(2).

نعم قد يستشكل على الرواية من جهة كونها مقطوعة لم ينسبها ابن الحجاج إلى الإمام (عليه السلام) وهو لا يضر بمثله فقد وصفه النجاشي بأنه (ثقة ثقة ثبت وجه)(3).

ولو تنزلنا عن كونها رواية عن المعصوم (عليه السلام)، وأنها رأي ابن الحجاج نفسه، فهو رأي قيم من صاحب مقرب للأئمة (عليهم السلام) فيخدش تعبدية الإجماع.

وللعلم فإن الأصحاب ردّوا هذا الخبر لعدم موافقته لإجماعهم، قال الشيخ (قدس سره): ((هذا الخبر غير معوَّل عليه لأنّا قد بيّنا أن مع البنت للصلب لا ترث بنت البنت ولا ابن الابن ويشبه أن يكون الخبر ورد إما وهماً من

ص: 153


1- - رياض المسائل:14/219.
2- - وسائل الشيعة: 26/113، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، باب 7، ح8.
3- - رجال النجاشي: 630.

الراوي أو ورد مورد التقية لموافقته لمذهب بعض العامة))(1) وأضاف صاحب الوسائل (قدس سره): ((ويجوز حمله على الإنكار دون الإخبار، على أنه فتوى غير مصرّح بنسبتها إلى الإمام فلا حجة فيها)).

20) رواية عبد الملك بن أعين أو مالك بن أعين

20) رواية عبد الملك بن أعين(2) أو مالك بن أعين(3)

عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: سألته عن نصراني مات، وله ابن أخ مسلم، وابن أخت مسلم، وله أولاد وزوجة نصارى، فقال: أرى أن يعطي ابن أخيه المسلم ثلثي ما تركه، ويعطى ابن أخته المسلم ثلث ما ترك إن لم يكن له ولد صغار، فإن كان له ولد صغار فإن على الوارثَينِ أن ينفقا على الصغار مما ورثا عن أبيهم حتى يدركوا، قيل له: كيف ينفقان على الصغار؟ فقال: يخرج وارث الثلثين ثلثي النفقة، ويخرج وارث الثلث ثلث النفقة، فإذا أدركوا قطعوا النفقة عنهم، قيل له: فإن أسلم أولاده وهم صغار؟ فقال: يدفع مما ترك أبوهم إلى الإمام حتى يدركوا، فإن أتموا على الإسلام إذا أدركوا دفع الإمام ميراثه إليهم، وإن لم يتموا على الإسلام إذا

ص: 154


1- - تهذيب الأحكام: 9/318، باب 28، ح63.
2- - فقه الخلاف10/72.
3- - الترديد في الراوي بين عبدالملك بن اعين، ومالك بن اعين عند الصدوق فقط، اما الكليني والطوسي فقد جزما بكونه مالك بن اعين.

أدركوا دفع الإمام ميراثه إلى ابن أخيه وابن أخته المسلمَينِ، يدفع إلى ابن أخيه ثلثي ما ترك، ويدفع إلى ابن أخته ثلث ما ترك)(1).

وقد وصف هذه الرواية بالصحة ((جماعة من المحققين، كالعلامة في المختلف والشهيد في الدروس والشرح –غاية المراد- وغيرهما –كالمهذب البارع-))(2). ولعلهم لاحظوا سندها في الفقيه فقد رواها الشيخ الصدوق بسنده عن الحسن بن محبوب –وطريقه إليه صحيح- عن هشام بن سالم عن عبد الملك بن أعين أو مالك بن أعين، والأول موثق، ويرد عليه أن هذا غير كاف، لأن الرواية لم ترد عنهما معاً حتى يكفي توثيق أحدهما، إذ أن العطف بينهما ب-(أو) وليس ب-(و)، فهذا ترديد بينهما، والنتيجة تتبع أخسّ المقدمتين، وهذا التردد ليس موجوداً في الكافي والتهذيب، فقد جزما بأن الراوي هو مالك بن أعين.

أو أنهم التفتوا إلى ذلك واكتفوا من مالك بحسن عقيدته؛ باعتبار أن مالك بن أعين –وهو الجهني- وإن لم يرد فيه توثيق لكن دلّت عدة روايات على حسن عقيدتهومعرفته وتحميل الإمام (عليه السلام) له بعض المعارف

ص: 155


1- - وسائل الشيعة: 26/18، أبواب موانع الإرث، باب 2، ح1.
2- - مسالك الأفهام:13/32.

الولائية(1)، لكن هذا لا يكفي عند البعض ولذلك فقد أسقطها عن الحجية جمع.

قال الشهيد الثاني (قدس سره): ((إن مالك بن أعين لم ينص الأصحاب عليه بتوثيق ولا بمدح، بل المذمة موجودة في حقه كما في القسم الثاني من الخلاصة))(2).

أقول: لعل هذا اشتباه من قلمه الشريف فقد ظنه (مالك بن أعين) أخا زرارة الذي قال فيه الحسن بن علي بن يقطين: ((كان لهم غير زرارة وإخوته أخوان ليسا في شيء من هذا الأمر، مالك وقعنب)). وروى العلامة في الخلاصة أنه كان مخالفاً، وقال ابن داوود في القسم الثاني: ((مالك بن أعين هو وأخوه قعنب ليسا من هذا الأمر في شيء كان مخالفاً)).

أقول: أخو زرارة لم يذكره الشيخ في رجاله وهذا يُشعر بعدم روايته عن المعصوم (عليه السلام)، فعنوان مالك بن أعين ينطبق على الجهني الممدوح.

ص: 156


1- - راجع معجم رجال الحديث:15/161، رقم (9816).
2- - مسالك الأفهام:13/33.

21) رواية أبي بصير بين الصحيحة والموثقة

21) رواية أبي بصير بين الصحيحة والموثقة(1)

عن أبي عبد الله (عليه السلام) (في امرأة ماتت وتركت زوجها، قال: المال كله له، قلت: فالرجل يموت ويترك امرأته، قال: المال لها)(2).عدّ جملة من الأعلام هذه الصحيحة من قسم الموثّق وذكروا أن ذلك لما ورد في رجال الكشي من أنه كان من الناووسية، وهذه الدعوى لم ترد في رجال النجاشي والشيخ، ولعله تصحيف من النسّاخ إذ ورد في بعض النسخ أنه من القادسية، وهو جليل القدر وممن أجمعت العصابة على تصديقهم وتصحيح ما يصح عنهم من رجال الإمام الصادق (عليه السلام)، ومما يكذّب هذه الدعوى روايته عن الإمام الكاظم (عليه السلام) ((ومعه كيف يمكن أن يكون من الناووسية وهم الذين وقفوا على أبي عبد الله (عليه السلام) وقالوا: إنه حي لم يمت وهو المهدي الموعود. وذكر العلامة في الخلاصة أنه فطحي وتبعه الشهيد الثاني في الدراية، ولا يُعلم منشأ لها ولم يسبقه إليها أحد))(3).

ص: 157


1- - فقه الخلاف10/174 الهامش.
2- - وسائل الشيعة: 26/204، أبواب ميراث الأزواج، باب 4، ح9.
3- - معجم رجال الحديث:1/146.

22) مقطوعة ابن أذينة

22) مقطوعة ابن أذينة(1)

التي رواها الشيخ الصدوق في الفقيه بسنده عن ابن أبي عمير، والشيخ في التهذيب والاستبصار بسنده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة (في النساء إذا كان لهن ولد أعطين من الرباع).

وسند هذه الرواية صحيح إلا أن مشكلتها كونها مقطوعة لم يروها ابن أذينة عن المعصوم (بل ظاهرها أنه فتواه حيث ما أسند إلى أحد ولا بظاهر ولا بمضمر، بل هو قال من عند نفسه كما يقول الإنسان فتواه)(2)، فالمقطوع (غير حجة وإن ظن أنه عن الإمام (عليه السلام) ضرورة عدم حجية مظنون الرواية، ودعوى القطع بكونه عن الإمام (عليه السلام) واضحة المنع، وليس هو كالمرسل المعلوم كونهرواية، فإذا فرض جبر ضعفه بالشهرة ونحوها جاز العمل به)(3)، (كما صرّح به جماعة من أصحابنا)(4).

إلا أن بعض الأصحاب لم يعبأوا بهذه المشكلة لحصول الاطمئنان عندهم بكونها رواية صادرة من المعصوم وهو المناط الذي ذكروه في انجبار

ص: 158


1- - فقه الخلاف10/320و321.
2- - مجمع الفائدة والبرهان:11/444، وكذا مستند الشيعة:19/380.
3- - جواهر الكلام: 39/211.
4- - رياض المسائل:14/386 ويشير إلى المحقق الأردبيلي في مجمع الفائدة والبرهان والمحقق السبزواري في كفاية الفقه.

الرواية الضعيفة بالشهرة بلا فرق بين المقطوعة والمرسلة والمضمرة، ومنشأ الاطمئنان أن رواتها من الأجلاء الذين يتورعون عن الإفتاء بآرائهم الخاصة كابن أذينة وابن أبي عمير، وقد عُرف عن ابن أذينة أنه (من أضبط الناس على ما يُعرف من تتبع رواياته، وكان له كتاب في الفرائض، وما في كتابه منقول كثيراً من جماعة من أصحاب الصادقين عليهما السلام، ولم يكن يكتفي بالسماع من واحد منهم.

واحتمال كون الحكم استنباطاً من رأي ابن أذينة بعيد في الغاية ومدفوع بشهرة العمل بها، وليس ابن أذينة ممن نقل عنه قول اجتهاداً، كالفضل ويونس وجعفر وسماعة)(1) الذين تفصل المصادر قولهم عن رواية المعصوم بأن يذيّلها: قال يونس وقال الفضل.

كما يستبعد من الثقات الأجلاء كابن أبي عمير ويعقوب بن يزيد والرواة الآخرين أن ينقلوا آراء أحد الأصحاب مهما جلّ شانه بدل الرواية عن المعصوم أو لا يميزون بين الاثنين، ثم تتناقله الرواة جيلاً بعد جيل وتدونه جوامع الحديث إلى زمان الشيخ الصدوق والطوسي فيودعانها في كتبهم وأصولهم المعدّة لنقل روايات المعصومين (عليهم السلام) فربما اكتفى ابن أبي عمير باسم مؤلف الكتاب لمعروفية مصنّفه في الفرائض، ويمكن

ص: 159


1- - المحقق الشعراني (رحمه الله) في شرح الوافي:13/787.

القول أن الرواية لا تقل عن مراسيل ابن أبي عمير التي ألحقوها بالمسانيد واعتمدوها.

فالإشكال من هذه الجهة مردود.

(والمظنون قوياً أنّ كثرة التقطيع الواقع من قِبل أصحاب الكتب والمجاميع الحديثية في روايات المعصومين(عليهم السلام) هي منشأ صيرورة بعض الأحاديث مقطوعة غير مصرّح باسم الإمام المبارك فيها، ومن هنا اعتمد مشهور القدماء من الفقهاء خصوصاً علماء الحديث والرجال ممّن كانوا خبراء هذا الفنّ كالصدوق والشيخ وأتباعه ومشهور الفقهاء بعده على هذا الخبر بعنوان حديث المعصوم، ولم يتفوّه أحد منهم بالتشكيك في ذلك، حتى أنّ ابن إدريس الذي كان أوّل مخالف صريح للفتوى بالتفصيل لم يرمِ الحديث بأنّه غير صادر عن المعصوم، وإنّما قال إنّه خبر واحد، وهو على مبناه ومختاره لا يفيد علماً ولا عملاً، وهذه التشكيكات إنّما صدرت عن متأخّري المتأخّرين)(1).

أقول: يمكن إيراد عدة ملاحظات على تقريب كون المقطوعة رواية فضلاً عن اعتبارها:-

1- إنه دعوى حدسية فعهدتها على مدعيها.

ص: 160


1- - السيد محمود الهاشمي، مجلة فقه أهل البيت، العدد 45، صفحة 31.

2- إن الرواة كثيراً ما ينقلون ما يعرفون -أي فهمهم- مستقلاً أو كتفسير في نفس الروايات وهذا ليس خفياً على الممارس، وقد فهم الفقهاء من عدة مقطوعات أنها من كلام الأصحاب كأبي بصير ورفاعة فلا ينحصر الإفتاء بالأسماء المذكورة وإن كانت الأشهر.

3- إن كون الرواة عن ابن أبي أذينة من الثقات الأجلاء كابن أبي عمير ويعقوب بن يزيد لا ينفع المستدل؛ لأنهم لم ينسبوا الكلام إلى الإمام (عليه السلام) وإنما كانوا أمناء في نسبته إلى قائله وألقوا العهدة على المتلقي والراوي.

4- إن أكثر روايات ابن أذينة عن غير المعصوم وقد أرسل أحياناً.

5- ومما يبعد كونها رواية عدم إشارة جملة من القدماء إليها أو إلى مضمونها كالكليني والمفيد والمرتضى (قدس الله أسرارهم).

6- إن ابن أذينة نفسه هو من روى صحيحة الفضلاء التي فيها إطلاق الزوجة بل فيها تصريح بوجود الولد لذكر الثمن فيها المنصرف غالباً إلى كون ولد الزوج منها. فيمكن أن يكون هذه هي رواية ابن أذينة والمقطوعة فهمه بقرينة ما.

ولأجل هذه الأمور كلاً أو بعضاً لم يعتد القائلون بالإطلاق بهذه المقطوعة وناقشوا تقريب صحة سند الرواية بأنه (لا يقتضي أكثر من الظن بكونها رواية، وغير خفي أنّ الظن المذكور لا دليل على حجيته، واستدلال

ص: 161

العظام بها وذكرها في كتبهم الموضوعة لإرشاد العالم إنّما يدلّ على اعتقادهم أنّها مروية عن المعصوم، ومجرد اعتقادهم ذلك ليس بحجة لنا أو علينا، بل الحجة ما كان رواية، نعم لو أفادت تلك القرائن العلم بكونها رواية وجب التمسك بها، كما لا يخفى.

اللّهم إلاّ أن يقال: ذكر الشيخين لها في كتب الرواية شهادة منهما على كونها رواية، ويجب العمل بها ببينة، لا لحصول القطع.

وفيه: إنّ حصول الشهادة من مجرد ذكرهما لها أول الكلام، بل اللازم من ذلك كونها حجة عندهما ولو بحسب اجتهادهما، وبينه وبين الشهادة بون بعيد)(1).

أقول: يعني أن شهادتهما حدسية اجتهادية وليست حسّية، ولكنه (قدس سره) اعترف بأنه إذا حصل العلم من القرائن بكونها رواية وجب العمل بها والمفصلون مطمئنون بكونها رواية.

ص: 162


1- - السيد محسن الحكيم، مصدر سابق، العدد 43، صفحة197.

الفصل الرابع: تحقيقات رجالية

مفاد أخبار (من بلغ)

مفاد أخبار (من بلغ)(1)(2)

توجد عدة روايات معتبرة يطلق عليها أخبار (من بلغ)(3) جعلوها مستنداً لقاعدة التسامح في أدلة السنن التي يستدلون بها على كثير من المستحبات والمكروهات:

منها: صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (من سمع شيئاً من الثواب على شيء فصنعه كان له، وإن لم يكن على ما بلغه).

ص: 163


1- - فقه الخلاف 2/352-359.
2- مدخلية هذا البحث في علم الرجال هو من جهة أنه لو استفيد من روايات (من بلغ) تأسيس قاعدة التسامح في أدلة السنن، فأنها ستعتبر حجية الخبر الضعيف الذي قام على وجوب شيء، أو استحبابه، بالنسبة إلى استحبابه، فيكون حجة على استحباب ذلك الشيء ولو كان ظاهراً في وجوبه، وبالتالي سوف يستغنى عن النظر في سنده، فثبوت القاعدة يضيق من مساحة الحاجة الى علم الرجال.
3- - تجدها في وسائل الشيعة: كتاب الطهارة، أبواب مقدمة العبادات، باب18.

ومنها: معتبرته الأخرى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (من بلغه عن النبي (صلى الله عليه وآله) شيء من الثواب فعمله كان أجر ذلك له وإن كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يقله).

ومنها: معتبرة محمد بن مروان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (من بلغه عن النبي (صلى الله عليه وآله) شيء من الثواب ففعل ذلك طلب قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان له ذلك الثواب، وإن كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يقله).

ومنها: خبر صفوان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (من بلغه شيء من الثواب على شيء من فعل الخير فعمل به كان له أجر ذلك، وإن كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يقله).

وذكر هذا المعنى أحمد بن فهد الحلي في عدة الداعي وقال: روى الصدوقعن محمد بن يعقوب، بطرقه إلى الأئمة (عليهم السلام) أن من بلغه شيء من الخير فعمل به كان له من الثواب ما بلغه وإن لم يكن الأمر كما نقل إليه.

وروى السيد ابن طاووس في كتاب (الإقبال) عن الصادق (عليه السلام) قال: (من بلغه شيء من الخير فعمل به كان له ذلك وإن لم يكن الأمر كما بلغه).

ومن طريق العامة ما رواه عبد الرحمن الحلواني مرفوعاً إلى جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من بلغه من الله فضيلة فأخذ بها إيماناً بالله ورجاءَ ثوابه، أعطاه الله ذلك وإن لم يكن

ص: 164

كذلك)(1).

والمفهوم لدى الأصحاب من معنى هذه القاعدة أنه لو وجد خبر غير تام الحجية دالّ على مطلوبية شيء (أعم من الوجوب والاستحباب) فيعتبر مفيداً للاستحباب بعد تتميم حجّيّته بأخبار (من بلغ)، لذا احتوت الكتب الفقهية على مستحبات كثيرة لم يرد بها دليل تام وإنما بُني القول باستحبابها على هذه القاعدة.

لذا قيل في مفاد هذه الأخبار أنه ((حجية خبر الضعيف الذي قام على وجوب شيء، أو استحبابه، بالنسبة إلى استحبابه، فيكون حجة على استحباب ذلك الشيء ولو كان ظاهراً في وجوبه. وبيان دلالة هذه الأخبار على هذا الاحتمال هو دلالتها على ترتب الثواب على العمل الذي بلغه أن فيه الثواب.

ولا شك أن ترتب الثواب على عمل دليل على استحبابه، والمثبت لهذا الاستحباب هو عنوان البلوغ))(2).

القراءة الصحيحة لأخبار من بلغ

والقراءة الدقيقة لهذه الروايات تفيد عدة معانٍ وسنجد من خلالها أن

ص: 165


1- - عدة الداعي:13، تأريخ بغداد: 8/296.
2- - كتاب (القواعد الفقهية) الميرزا حسن البجنوردي (قدس سره): ج3، ص325، القاعدة 35.

الأصحاب توسعوا في فهم معناها من عدة جهات:

1- إن خبر صفوان وما نقله ابن فهد الحلي والسيد ابن طاووس وخبر جابر الأنصاري تفسّر العمل بأنه من فعل الخير في نفسه وليس إن أخبار (من بلغ)تؤسس استحبابه؛ نعم، هي تؤسس إعطاء الثواب الخاص، فلو صلى شخص ركعتي أول الشهر أو صام كل خميس رجاءَ ثوابهما الخاص أُعطي إياه وإن لم يكن المعصوم (عليه السلام) قد قاله ما دام الفعل خيراً في نفسه.

إن قلتَ: لا تنافي بين خبر صفوان وغيره حتى تحمل عليه؛ كما لو قال المولى: (أكرم العلماء) ثم قال: (أكرم العلماء الهاشميين) فإنه لا يقيّد الأولى بالثانية.

قلتُ: هذا صحيح بحسب القواعد في الظهورات لكننا ندّعي في المقام بجعل بعض الروايات قرينة على البعض الآخر أن الظاهر هو هذا المعنى.

فإن قلتَ: إن الفعل حتى لو لم يكن خيراً في نفسه فإنه مشمول بهذه الأخبار لأنه بترتب الثواب عليه سيكون مستحباً ومن فعل الخير.

قلتُ: هذا غير تام لأن القضية لا تثبت موضوعها بل لا بد أن يثبت الموضوع ليكون صغرى للحديث.

2- بناءً على ما تقدّم في النقطة الآنفة فإن الأخبار لا تختص بالمستحبات وإنما تعم الواجبات لأنها متّصفة أيضاً بالخير والفضيلة، وبلوغ الثواب عليها

ص: 166

ينجّز الوعد المذكور في الأخبار مع الالتفات إلى بقية الملاحظات المذكورة كما لو ورد الخبر في ثواب من صام شهر رمضان أو أدّى صلاة الصبح، فلا وجه لحصر مفاد الأخبار في المستحبات.

3- إن الاستحباب الناشئ من القاعدة بحسب ما عرضوه لمّا كان مبنياً على التسامح فلا يصلح أن يتصرف في ما ثبت بدليل معتبر كتخصيص العام أو تقييد المطلق لأنه ليس أقوى ظهوراً منها، ومن أمثلة ذلك كراهة مناكحة الأكراد المقيدة لإطلاق تزويج الكفؤ رغم أنه آبٍ عن التخصيص أو استحباب ختان النساء المعارض لقاعدة لا ضرر، وسنبحث هذين المثالين مستقلاً إن شاء الله تعالى.

4- إن الأخبار لا تفيد كراهة ما وردت كراهيته في الأخبار غير المعتبرة.

إن قلتَ: إن ترك المكروه مستحب فإذا ورد خبر ضعيف في كراهية شيء كان تركه مستحباً.

قلتُ:أ- إننا لو قلنا بهذه الملازمة وكان ترك المكروه مستحباً فإن هذا المستحب لا يكون صغرى لأخبار (من بلغ) كما هو واضح، لأنها لا تتضمن بلوغ ثواب على فعل.

ب- إن العرف لا يرى ترك كل مكروه مستحباً حتى يصدق على الترك

ص: 167

معنى الفعل والعمل، ولا يرى كل ترك للمستحب مكروهاً حتى يصدق عليه نفس المعنى، ففي مسألتنا كان التعجيل بتجهيز الميت فعلاً مستحباً والتأخير بتجهيزه فعلاً مكروهاً فإذا ورد خبر ضعيف في كراهة أمرٍ وصدق على تركه عنوان الفعل أمكن إجراء القاعدة على مبناهم.

نعم، لو افتُرض ورود أخبار على استحباب ترك بعض الأفعال كانت مشمولة بأخبار (من بلغ) كصوم يوم عرفة لمن يضعفه عن الدعاء وكذا استحباب ترك بعض الأمور للحاج أو في البيع والشراء كرؤية العبد ثمنه وكذا في النكاح أو في العلاقات الاجتماعية كمناداة شخص باسمه وغيرها كثير، ولكن هذا غير مقصود لهم في باب المكروهات.

5- إن الروايات تضمنت مفردة (بلغ) عدا الأولى التي ورد في صدرها (سمع) وقد يكون من تصرف الراوي باعتبار إذن الإمام (عليه السلام) بالنقل بالمعنى، وذيل الرواية (على ما بلغه) شاهد على أنها لم تخرج عن سياق الروايات الأخرى.

والبلوغ والتبليغ لا يصدق عرفاً إلا إذا كان النقل معتبراً وعليه يبنون في توجيه الدعوات والأوامر وغيرها، ولا يشمل مطلق الخبر حتى وإن كان معلوم الضعف؛ وسيأتي في المحكي عن الشهيد الثاني (قدس سره) هذا المعنى، ويشهد له الوضع اللغوي فإن ((البلوغ والبلاغ: الانتهاء إلى أقصى

ص: 168

المقصد والمنتهى))(1), ولم يرد في القرآن الكريم - في حدود استقرائي الناقص- إلا في الإخبار الصادق كتبليغ الله تبارك وتعالى والأنبياء والرسل صلوات الله عليهم أجمعين، أما في غيره فيستعمل مثل (جاء) كقوله تعالى: (إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ) (الحجرات: 6) (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ) (النساء: 83).ويمكن استظهار هذا المعنى من ذيل الأخبار: (وإن كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يقله) وهذا يعني أن حجية الخبر مكتملة في نفسها، ويأتي هذا الذيل لتأمين احتمال عدم مطابقة الواقع، فإن أهل الفن والمحاورة يرون هذا الذيل مناسباً للخبر ذي القيمة لا الخبر غير ذي القيمة؛ الذي هو ساقط في نفسه فلا معنى لتأمين احتمال عدم مطابقته للواقع لأنه لا يُعبأ به ابتداءً.

ولو استنطقنا الوجدان عن هذا المعنى فنقول لو عكسنا الحالة أي لو بلغ المكلف خبر غير معتبر بوجوب شيء فلم يفعله أو حرمة شيء فلم يجتنبه لعدم الوثوق بالخبر ثم ظهر أنه مطابق للواقع فإنه لا يؤاخذ عليه لعدم صدق البلوغ. وبالتالي عدم تنجّز التكليف وهذا المعنى واضح حتى عند من يلتزم بمسلك حق طاعة المولى عند احتمال التكليف والالتفات إليه وليس بقاعدة

ص: 169


1- - المفردات للراغب، مادة (بلغ).

قبح العقاب بلا بيان كالسيد الشهيد الصدر الأول (قدس سره).

فإن قلتَ: إن هذا صحيح لكن الفرق بينهما أن المقام قد تممت حجيته بأخبار (من بلغ) دون مورد النقض.

قلنا:

إننا بصدد شرح معنى البلوغ لا الحجية.

إن التتميم موجود بالاحتياط العقلي لوجود الاحتمال المنجّز له بناءً على مسلك حق الطاعة.

فالعرف وظهور الروايات والوضع اللغوي والوجدان كلها شاهدة على هذا المعنى.

6- إن الأخبار خاصة ببلوغ الثواب على فعل شيء ولا تشمل كل ما ورد في طلب فعل معين ما لم يقترن بذكر الثواب ليكون صغرى لأخبار (من بلغ).

فليس صحيحاً إجراؤهم القاعدة في كثير من الأخبار غير المعتبرة التي تطلب فعلاً معيناً أو تنهى عن فعل معين ولما لم يمكن استنباط حكم إلزامي منهما لعدم اعتبار الدليل فإنهم يحملونهما على الحكم غير الإلزامي.

ووجه عدم الصحة: ما تقدم من عدم تحقق صغرى أخبار (من بلغ) ولأن الأمر ظاهر في الوجوب، والنهي ظاهر في الحرمة، فإذا سقطت الرواية

ص: 170

عنالاعتبار فلا وجوب ولا حرمة، ولا ينتقل الظهور إلى الاستحباب والكراهة إلا بالقرائن.

نعم، على مذهب من قال بأن الوجوب مركّب من جنس وفصل هما الشيء والنهي عن تركه يمكن القول بحلول الاستحباب محل الوجوب باعتبار سقوط الفصل من التعريف وهو النهي عن الترك فيبقى الجنس وهو طلب الشيء الذي يحمل على الاستحباب.

لكن هذا مردود بعدم مساعدة العرف عليه لأن الوجوب بسيط أما النهي عن الترك فيستفاد من الإطلاق وليس من الوضع، ولو قلنا بالتركيب فإن الجنس يسقط أيضاً كالفصل عند عدم اعتبار الدليل، فعلى مختارهم لا بد من وجود طلب استحبابي ولو ضعيف ليكون صغرى لهذه القاعدة ولا يكفي مطلق الطلب..

7- إن ما بنوا عليه من تتميم حجّيّة الخبر الضعيف الذي يفيد الاستحباب بأخبار (من بلغ) غير صحيح، فالخبر غير الحجة لا يصبح حجة في استحباب الفعل بتتميم حجيته بأخبار (من بلغ)، وإنما يحقق هذا الخبر موضوع أخبار (من بلغ) وتبقى الحجية لأخبار (من بلغ) بعد اشتمال الموضوع على كل العناصر التي اشترطناها، فما لم يقترن مفاد الخبر غير الحجة بعنوان البلوغ فلا يكون الفعل سبباً للثواب وبالتالي لا يكون مستحباً.

8- إن الأخبار خاصة بمن بلغه الثواب فعمله ولا تشمل الفقيه ليفتي به

ص: 171

لأن الأخبار لا تؤسس لاستحباب العمل وإنما يعطى فاعله الثواب الذي دفعه إلى العمل، فالقاعدة المستفادة من أخبار (من بلغ) فقهية وليست أصولية كما نُسب إلى جملة من الأساطين ((لأن نتيجتها وهي حجية خبر الضعيف تقع كبرى في قياس الاستنباط))(1) فهي من هذه الناحية كقاعدة الطهارة والحل ونحوهما التي يطبقها المكلف مباشرة على المصداق ولا تكون حداً أوسط في عملية الاستنباط.

9- إن المكلف الذي يأخذ الاستحباب من الرسالة العملية لا يكون صغرى للأخبار لأنه ليس ممن بلغه ثواب عمل من أفعال الخير، إلا أن ينقل الفقيه في رسالته الثواب المروي على العمل، كما يحصل أحياناً نادرة، أو ما يرد من الثوابفي كتب السنن والمستحبات ككتاب (مفاتيح الجنان) وغيره.

وتوجد بعض الأمور التي ذكرناها في كلمات السلف الصالح (قدست أسرارهم) كاشتراط عدم بلوغ الخبر حد الوضع والاختلاق، أو اختصاص القاعدة بأخبار الفضائل ((والمحكي عن الشهيد الثاني -قدس سره- في الدراية أنه قال: جوّز الأكثر العمل بالخبر الضعيف في نحو القصص والمواعظ وفضائل الأعمال، لا في صفات الله تعالى، وأحكام الحلال والحرام، وهو حسن حيث لم يبلغ الضعيف حد الوضع والاختلاق.

والمحكي عن الذكرى: ((إن أخبار الفضائل يتسامح فيها عند أهل

ص: 172


1- - نقلها عنهم في القواعد الفقهية: للسيد حسن البجنوردي: 3/330.

العلم))(1).

وخلاصة المراد من أخبار (من بلغ) تحفيز المؤمنين على فعل الخير ونفي احتمال عدم حصول العامل على الثواب الموعود لاحتمال عدم مطابقته للواقع وتطمينه بأنه يُعطى الثواب حتى لو لم يكن صادراً من الشارع المقدس.

فالأخبار لا تدل على القاعدة التي ذكروها ولا يمكن الاستدلال بها على استحباب ما وردت به أخبار ضعيفة، فلا بد من الحزم والدقة في الاستفادة من أخبار (من بلغ) خشية الوقوع في الحرمة بنسبة أمور إلى الدين وهي ليست منه ويتحقق ذلك بالالتزام بهذه التنبيهات بفضل الله تبارك وتعالى.

والاقتصار في مفاد أخبار (من بلغ) على الحدود التي ذكرناها وإن التوسع الذي تعامل به الفقهاء يفتح الباب واسعاً لدخول كل ما هو مستهجن في مدرسة أهل البيت (سلام الله عليهم) بالكذب والافتراء.

مدرك آخر لقاعدة التسامح في أدلة السنن

مدرك آخر لقاعدة التسامح في أدلة السنن(2).

قد يكون للقاعدة دليل آخر غير أخبار (من بلغ) وهو حكم العقل

ص: 173


1- - الرسائل الأربع: قواعد أصولية وفقهية، تقريرات بحث الشيخ جعفر سبحاني، الرسالة الرابعة، بقلم علي أكبر الكلانتري الشيرازي، ص5.
2- - فقه الخلاف 2/359.

بحسن امتثال أوامر المولى حتى لو وردت بطريق ضعيف ما لم يعارضها دليل على الحرمة، وبحسن اجتناب ما ينهى عنه المولى ولو ورد بطريق غير معتبر ما لم يعارضهدليل على الوجوب، وهو حكم صحيح كحكم العقل بحسن الاحتياط، لكنه غير الحكم بالاستحباب والكراهة الذي فهموه من أخبار (من بلغ).

لذا لا نجد مانعاً من الإفتاء باستحباب ما ورد في أخبار الفضائل والأخلاق والمواعظ حتى لو لم يكن الخبر تاماً ما دام منسجماً مع أحكام الشريعة وكان فضيلة في نفسه كصلاة ليلة الدفن أو أول الشهر أو بعض الأغسال المسنونة ونحوها.

ص: 174

مراسيل ابن أبي عمير

مراسيل ابن أبي عمير(1)

توجد دعوى ترتبط بمراسيل محمد بن أبي عمير بأنه لا يروي ولا يرسل إلا عن ثقة واستنتجوا من هذه الدعوى نتيجتين:

الأولى: ان كل من يروي عنهم ابن أبي عمير هم ثقات أي ان رواية ابن أبي عمير عن شخص دليل على وثاقته وان لم يرد شيء من ذلك في كتب الرجال.

الثانية: التسوية بين مسانيد ابن أبي عمير ومراسيله بل بين مراسيله ومسانيد غيره أو قل إنها لا يضرها الإرسال.

وهم طبعاً لا يقصدون هاتين النتيجتين على نحو الموجبة الكلية لرواية ابن أبي عمير عن أشخاص ثبت كذبهم وعدم وثاقتهم ولو كانوا قليلين فيكون تفسير هذه الدعوى بان الأصل في مراسيل ابن أبي عمير هاتان النتيجتان إلا ان يقوم دليل على الخلاف.

ولا ملازمة بين النتيجتين فقد تثبت الثانية وهي التسوية بين مراسيله ومسانيده دون الأولى باعتبار ان الإرسال وعدم ذكر الاسم قد يثبت انه دليل على توثيق ابن أبي عمير للمروي عنه إلا ان ذكر اسمه يعني -فيما يعني- إلقاء ابن أبي عمير عهدة وثاقة المروي عنه إلى المروي إليهم.

ص: 175


1- - فقه الخلاف1/ 339 – 354.

وعلى أي حال فلا بد من الدخول في البحث بإذن الله تعالى لنتحقق من النتائج.

البحث عن أصل هذه الدعوى

البحث عن أصل هذه الدعوى(1).

والأصل في هذه الدعوى ما قاله النجاشي: ((انه حبسه المأمون حتى ولاه قضاء بعض البلاد وقيل ان أخته دفنت كتبه فهلكت الكتب وقيل بل تركها في غرفة فسال عليها المطر فهلكت فحدث من حفظه ومما كان سلف له في أيدي الناس فلهذاأصحابنا يسكنون إلى مراسيله))(2). وقال الكشي عنه انه أخذه المأمون وحبسه(3) بعد شهادة الرضا (عليه السلام) وذهبت كتب ابن أبي عمير فلم يخلص كتب أحاديثه فكان يحفظ أربعين مجلداً فسماه نوادر

ص: 176


1- - هذه العناوين الضمنية ليست في أصل البحث لكننا أضفناها لأن نفس البحث يتضمن عدة فوائد رجالية، فأردنا تمييزها ليسهل على القارئ تتبعها والألتفات إليها.
2- - معجم رجال الحديث:14/296.
3- - روى الكشي في رجاله عن الفضل بن شاذان قال: ((سعي بمحمد إلى السلطان أنه يعرف أسامي عامة الشيعة بالعراق فأمره السلطان أن يسميهم، فامتنع، فجرّد وضرب مائة سوط (وفي رواية مائة خشبة وعشرين خشبة) قال الفضل: فسمعت ابن أبي عمير يقول: لما ضُربت فبلغ الضرب مائة سوط، أبلغ الضرب الألم إلي فكدت أن أسمي، فسمعت نداء محمد بن يونس بن عبد الرحمن يقول: يا محمد بن أبي عمير، اذكر موقفك بين يدي الله تعالى، فتقويت بقوله فصبرت، ولم أخبر والحمد لله)) وفي رواية ((تولى ضربه السندي بن شاهك وحُبس فأدى مائة وواحداً وعشرين ألفاً حتى خلّي عنه)) (معجم رجال الحديث:15/294) ط طهران.

فلذلك توجد أحاديث منقطعة الأسانيد(1).

وقال الشيخ في العدة في أواخر بحثه عن خبر الواحد ((وإذا كان احد الراوِيَين مسنداً والآخر مرسلاً نظر في حال المرسل فان كان ممن يعلم انه لا يرسل إلا عن ثقة موثوق به، فلا ترجيح لخبر غيره على خبره، ولأجل ذلك سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى واحمد بن محمد بن أبي نصر وغيرهم من الثقات الذين عرفوا لا يروون ولا يرسلون إلا عمن يوثق به وبين ما أسنده غيرهم))(2) وقال الشهيد في المسالك ان الأصحاب قبلوا مراسيل ابن أبي عمير(3).

شبهة الأرسال في التوثيقات الرجالية.

فالدليل على هذه الكبرى هي هذه (المعروفية) بين الأصحاب ووصلت إلى الشيخ الطوسي (قدس سره) وسجلها وهي الدليل الرئيسي على توثيق الرجال فإن كتب الرجال المعتمدة يفصل بين أصحابها وبين أصحاب الأئمة أكثر من مئة عام فهم لم يعايشوهم ويستعلموا حالهم وإنما سجّلوا آراءهم استناداً إلى هذه (المعروفية) كما أننا لو كتبنا الآن معجماً للرجال فسوف نصف الشيخ الأنصاري بأعلى درجاتالوثاقة رغم ان بيننا وبينه حوالي مئة وخمسين عاماً.

ص: 177


1- - معجم رجال الحديث:14/298.
2- - المدخل إلى معجم رجال الحديث: 75.
3- - مسالك الأفهام: 7/343.

وقد حار الكثيرون في معرفة منشأ حجية توثيق الرجاليين كالكشي والطوسي والنجاشي وبينهم وبين الرواة هذه المدة الطويلة فهل بنوا على الحدس والاجتهاد وهو ليس بحجة أم على نقل الآحاد وهو كالمراسيل في الحجية.

ويقول بعض ممن ألف في هذا المجال من المعاصرين انه عرض الإشكال على الأساطين من أساتذته كالخوئي والحكيم والخميني والميلاني (قدس الله أسرارهم)، فلم يجد جواباً حتى قال ((ولو أجد من حلَّ لي المعضلة المذكورة لقدمت له مبلغاً من المال وكنت له شاكراً))(1) وإذا ناقشنا في حجية هذه (المعروفية) فيعني هذا عدم الاعتماد على كتب الرجال لذا فإن هذا المؤلف المعاصر وقع في تناقض مع نفسه فقال ((فإذا لم يُدفع الإشكال المذكور فلا بد من الالتزام بدليل الانسداد والجري على وفقه في الفقه، لكن العجيب إنني- نفسياً- لا أرى في الانسداد وأصوله إثبات الحلال والحرام بل الذي تطيب به نفسي هو العمل بصحاح الروايات وحسانها وموثقاتها حسب توثيق وتحسين هؤلاء الرجاليين)).

عودة للتحقيق في أصل الدعوى.

وعلى أي حال فإن أول من نقل هذه الدعوى الكشي في كتاب (الرجال) المعروف فقد قال تحت عنوان (تسمية الفقهاء من أصحاب أبي

ص: 178


1- - فوائد رجالية للشيخ محمد آصف المحسني الأفغاني.

إبراهيم (عليه السلام) وأبي الحسن الرضا (عليه السلام): ((أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح من هؤلاء وتصديقهم))(1) وعدَّ منهم محمد بن أبي عمير وهم ستة.

وقال مثله في ستة من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) واقتصر على التصديق في ستة من أصحاب أبي جعفر الباقر (عليه السلام) وقد نظم ذلك السيد بحر العلوم في أرجوزته:

قد أجمع الكل على تصحيح ما *** يصحّ عن جماعة فليعلما

وهم أولو نجابة ورفعة *** أربعة وخمسة وتسعة(2)

وقد جعل السيد محيي الدين الغريفي (قدس سره) الأصل في هذه الدعوى مقالة الكشي وان الشيخ الطوسي والنجاشي تبعاه على ذلك وكذا من تأخر عنهما وليس أنهما ادعيا الإجماع مستقلاً وبينهما فرق فقال: ((فهو -أي الكشي- أول من ادعاه ونقله الجماعة عنه ولذا كان من التسامح نسبة دعواه إلى جميع من ذكره وتعرض له))(3) وهو بذلك يرد على الشيخ المامقاني (قدس سره) الذي نسب الدعوى إليهم جميعاً.

وهذا الرأي من السيد الغريفي (قدس سره) غير صحيح لثلاث قرائن على الأقل وسيأتي بإذن الله تعالى بقية البحث وهي:

ص: 179


1- - قواعد الحديث : ج1، ص39.
2- - قواعد الحديث.
3- - قواعد الحديث: ص41-42.

1- ان ظاهر كلام الشيخ الطوسي انه ينقل قضية معروفة ومتداولة بين الأصحاب وليس انه ينقلها عن شخص.

2- اقتصاره على الثلاثة فقط دون الثمانية عشر، بل انه ناقش في بعض أصحاب الإجماع عند الكشي كعبد الله بن بكير حيث سوى بينه وبين الفطحية ((ولم يميزه عنهم واشترط فيه ما اشترط برواياتهم أمرين: عدم وجود المعارض لخبرهم، وعدم إعراض الطائفة عن مضمونه بالإفتاء بخلافه، فلو تم هذا الإجماع عند الشيخ لم يبق وجه للتسوية بين ابن بكير، وسائر الفطحية)) وكشاهد على ذلك فإن الشهيد الثاني نقل عن الشيخ الطوسي عند ذكر حديث له أسنده إلى زرارة ((إن إسناده إلى زرارة وقع نصرة لمذهبه الذي أفتى به لما رأى ان أصحابه لا يقبلون ما يقوله برأيه، وقع منه من العدول عن اعتقاد مذهب الفطحية ما هو معروف، والغلط في ذلك أعظم من الغلط في إسناد فتياً يعتقد صحته لشبهة دخلت عليه إلى بعض أصحاب الأئمة عليهم السلام))(1).

3- التعبير بغير ما عبر به الكشي حيث قال الشيخ: ((بان الثلاثة عرفوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة)) وقال الكشي بتصحيح ما يصح عنهم فكلام الشيخ مرتبط بالراوي وكلام الكشي مرتبط بالمروي فأين هذا من ذاك.

ص: 180


1- - قواعد الحديث : ج1، ص43.

تحقيق الحال في المسألة.

وعلى أي حال فقد ناقش السيد الخوئي(قدس سره) في كفاية هذا الكلام لإثبات الدعوى ((بأنها اجتهاد من الشيخ قد استنبطه من اعتقاده تسوية الأصحاب بين مراسيل هؤلاء ومسانيد غيرهم))(1) والظاهر انه كان ملتزماً بهذا الإشكال في بحثه قبل كتابه(2) فقد نقل عنه السيد الغريفي (قدس سره) قوله بأن هذا ((ليس شهادة منه بوثاقة من يروون عنه وإنما هو استعلام من حالهم بحسب اجتهاده فلا يكون حجة في حقنا، لقوله: (فإن كان ممن يعلم بأنه لا يرسل إلا عن ثقة....))(3) وأورد عليه السيد الغريفي ((بأنه مناف لما نقله الشيخ الطوسي من تسوية الأصحاب بين مراسيل الثلاثة ونظائرهم وما أسنده غيرهم لظهوره في ان عدم إرسال الثلاثة عن غير الثقة كان معروفاً لدى الطائفة ولأجله اعتمدت على مراسيلهم فلا يكون اجتهاداً منه)) ونقل جواب أستاذه الخوئي (قدس سره) على ذلك بقوله: ((ان الشيخ الطوسي وان نقل عن الطائفة التسوية بين مراسيل الثلاثة ومسانيد غيرهم إلا انه اجتهد في ان سبب ذلك عدم إرسالهم عن غير الثقة ولم ينقله لنا عن الطائفة)).

ص: 181


1- - معجم رجال الحديث:1/75.
2- - تاريخ طبع قواعد الحديث1388 ومعجم الرجال1390 إضافة إلى عدم نسبة السيد الغريفي الكلام إلى مصدر فيظهر انه أخذه شفهياً أو من بحثه.
3- - قواعد الحديث للسيد محيي الدين الغريفي:1/67.

ويرد على دعواه (انه اجتهاد) بان الأصل في الإخبار انه عن حس وهو ظاهر من تعبيره (بان المعروف عند الأصحاب) فهو كإخباره عن وثاقة الرجال، فلو أوكلنا الأمر إلى الحدس لما أخذنا بتوثيقات الرجاليين.

وقد ناقش السيد الخوئي (قدس سره) لاحقاً هذا الاجتهاد من الشيخ بحسب رأيه في مقدمة كتابه (معجم رجال الحديث) بعدة وجوه فقال:أولاً: ((ان التسوية المزبورة لم تثبت وان ذكرها النجاشي في ترجمة ابن أبي عمير وذكر ان سببها ضياع كتبه وهلاكها إذ لو كانت هذه التسوية صحيحة وأمراً متسالماً عليه بين الأصحاب لذكرت في كلام أحد من القدماء لا محالة وليس منها في كلماتهم عين ولا أثر)).

ويرد عليه ان هذا غير ضائر:

1- لندرة ما وصل إلينا من كتب الرجال من القدماء.

2- ان كثيراً من القضايا ذكرها رجاليون ولم يكن لها في العصر السابق عليهم عين ولا أثر، كنقل الكشي الإجماع على تصحيح ما يصح عن أصحاب الإجماع وما جاء في عدة الطوسي من معروفية السكوني بالوثاقة ولا نجد لذلك عيناً ولا أثراً في كتب الرجال(1).

ص: 182


1- - كتاب لسماحة السيد كاظم الحائري (دام ظله) في القضاء : فقهي استدلالي، ص29-30.

ثم قال، بعد ان ارجع منشأ هذه الدعوى إلى دعوى الكشي ((ويؤكد ما ذكرناه ان الشيخ لم يخص ما ذكره بالثلاثة المذكورين بل عممه لغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون إلا عمن يوثق به ومن الظاهر انه لم يعرف احد بذلك من غير جهة دعوى الكشي الإجماع على التصحيح)) وهي قرينة غير كافية على مدعاه فغاية ما يستفاد من كلام الشيخ ان هذه كبرى لا تختص بهذه الثلاثة وإنما يمكن تطبيقها على كل راوٍ ملتزم بها فكيف يجعلها مؤكداً لما ذكره من المنشأية.

ثم استشهد على ان نسبة الشيخ التسوية المذكورة إلى الأصحاب مبتنية على اجتهاده وهي غير ثابتة في نفسها بنقض الشيخ بنفسه لها ((حيث ذكر رواية محمد بن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)))(1) ثم قال في كلا الكتابين: ((فأول ما فيه انه مرسل وما هذا سبيله لا يعارض به الأخبار المسندة))(2).وقد أجاب العلامة المعاصر عرفانيان(3) عن هذا النقض بجوابين:

1- ان كتاب العدة متأخر تأليفاً عن التهذيب والاستبصار فلعله التفت في الزمن الثاني إلى تسوية الأصحاب.

ص: 183


1- - التهذيب : ج6، باب العتق وأحكامه، الحديث 932، الاستبصار : ج2، باب ولاء السائبة، الحديث 87.
2- - معجم رجال الحديث: ج1/76.
3- - مشايخ الثقات للشيخ عرفانيان : 30، (أخذناه عن كتاب السيد الحائري المتقدم).

2- ان مبنى الشيخ في التهذيب والاستبصار الاعتذار عن تعارض الأخبار تارة بالجمع وأخرى بإسقاط احد السندين وذلك أمام من طعن علينا بكثرة التعارض في أخبارنا فلعل المناقشة بالإرسال كانت بهذه النكتة.

ونضيف نحن جواباً آخر فنقول:

3- إننا حينما نقول ان مراسيل ابن أبي عمير كمسانيده ومسانيد غيره فإننا نريد ان القاعدة فيها ذلك. وهذا لا يمنع ان نسقط بعض المراسيل لوجود قرائن تفيد عدم الاطمئنان بالصدور نظير قولنا ان خبر الواحد الثقة حجة أي انه بنفسه والأصل فيه ذلك، وهذا لا يمنع سقوط بعض أخبار الآحاد عن الحجية ولا يضر في حجية ذلك، بل قد تقدم ان هذه النقوض لكبرى التسوية ضرورية لحل العلم الإجمالي خصوصاً وإننا حينما نقول أنهم لا يرسلون ولا يروون إلا عن ثقة فان الوثاقة المقصودة إنما هي بنظر ابن أبي عمير نفسه لا واقعاً وقد لا نتفق معه في التوثيق مما يتسبب طرح الرواية.

ثانياً: قال (قدس سره): ((فرضنا ان التسوية المزبورة ثابتة وان الأصحاب عملوا بمراسيل ابن أبي عمير وصفوان والبزنطي وأضرابهم ولكنها لا تكشف عن ان منشأها هو ان هؤلاء لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة بل المظنون قوياً ان منشأ ذلك هو بناء العامل على حجية خبر كل إمامي لم يظهر منه فسق وعدم اعتبار الوثاقة فيه كما نسب هذا إلى القدماء، وعليه

ص: 184

فلا اثر لهذه التسوية بالنسبة إلى من يعتبر وثاقة الراوي في حجية خبره))(1).

ويرد عليه:1- لو كان المنشأ هذا المبنى فلا فرق حينئذ بين هؤلاء الثلاثة وغيرهم فلماذا اختصوا بهذه الدعوى.

2- ان الشيخ لم ينسب الدعوى لنفسه حتى نحملها على المبنى المذكور بل قال عنها أنها معروفة بين الأصحاب.

ثالثاً: قال (قدس سره): ((ان هذه الدعوى وان هؤلاء الثلاثة واضرابهم من الثقات لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة دعوى دون إثباتها خرط القتاد، فان معرفة ذلك في غير ما إذا صرح الراوي بنفسه انه لا يروي ولا يرسل إلا عن ثقة أمر غير ميسور، ومن الظاهر انه لم يُنسب إلى احد هؤلاء اخباره وتصريحه بذلك وليس لنا طريق آخر لكشفه، غاية الأمر عدم العثور برواية هؤلاء عن ضعيف لكنه لا يكشف عن عدم الوجود على انه لو تمت هذه الدعوى فإنما تتم في المسانيد دون المراسيل، فان ابن أبي عمير بنفسه قد غاب عنه أسماء من روى عنهم بعد ضياع كتبه فاضطر إلى ان يروي مرسلاً على ما يأتي في ترجمته فكيف يمكن لغيره ان يطَّلع عليهم ويعرف وثاقتهم فهذه الدعوى ساقطة جزماً))(2).

ص: 185


1- - معجم رجال الحديث: ج1، ص77.
2- - معجم رجال الحديث:1/77.

ويرد عليه:

1- ان عدم وصول تصريح لهم بذلك لا يعني عدم صدوره منهم كما اشتهر بينهم (ان عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود) وقد استدل هو (قدس سره) بهذا المعنى في كلمته المنقولة.

2- ان معرفة كون هذا الراوي لا ينقل إلا عن ثقة لا تنحصر بتصريحه بل انه أمر يعرف من حالهم وتثبتهم في الأمور وقرائن أخرى يعرفها من عاشرهم مدة كافية وينقل هذه القناعة إلى غيره كالوثاقة والعدالة فإنها لا تعرف بتصريح صاحبها وإنما بمخالطته وملاحظة سيرته.

3- ان هذه المعرفة لو كانت منحصرة بهذا المنشأ -أي التصريح- وعدم وجود مثله فعلى الشيخ الطوسي بيان ذلك فإما ان لا ينحصر المنشأ بهذا أو انه يوجد مثل هذا التصريح وقد وصل إلى الشيخ ولم يذكره وإلا كيف جاز للشيخ تثبيت هذه الدعوى.4- ان هذه المعروفية لو افترضناها موجودة في عصر ابن أبي عمير -كما لا يبعد لان منشأها أما تصريحه أو اطمئنان أصحابه والراوين عنه المستفاد من طول مخالطته- فسيكون سكوت ابن أبي عمير إمضاءً لها واقراراً بصحتها وإلا لكان غاشاً والعياذ بالله إذ سيعلم من الناس بناءهم على وثاقة من يروي عنه والواقع غير ذلك.

ص: 186

5- ان ابن عمير لم تغب عنه أسماء الرواة وإنما أخفاها خوفاً عليهم بعد ان لاقى صنوف التعذيب والسجن من اجل التعريف بهم ولم يؤثر على ذاكرته تلف كتبه كغيره من أصحاب الأئمة الذين كانوا يعتمدون الحفظ في نقل الرواية والقليل منهم كانوا يدوّنون، فمن المعلوم ان أصحاب الأصول هم أربعمائة بينما الرواة عن الأئمة هم أُلوف حتى ان الرواة عن الإمام الصادق (عليه السلام) بلغوا أربعة آلاف فإخفاء ابن أبي عمير للأسماء كان لأنهم ممن يخاف (عليهم) وليس يُخاف (منهم) لعدم الوثاقة ونحوها لذلك فانه لم يتوقف عن التصريح ببعض الأسماء التي لا يخشى عليها من السلطة.

6- ان هذه الصفة لعلها قد عرفت عن ابن أبي عمير قبل سجنه حينما كان يسند اخباره فلا يضرها إرسالها المتأخر.

رابعاً: قال (قدس سره): ((قد ثبت رواية هؤلاء عن الضعفاء في موارد ذكر جملة منها الشيخ بنفسه ولا ادري انه مع ذلك كيف يدعى ان هؤلاء لا يروون عن الضعفاء فهذا ابن أبي عمير روى عن علي بن أبي حمزة البطائني كتابه، ذكره النجاشي والشيخ، وروى الكليني بسند صحيح عن ابن أبي عمير عن الحسين بن احمد المنقري وقد ضعفه النجاشي والشيخ وروى الشيخ بسند صحيح عن ابن أبي عمير عن علي بن حديد وقد ضعفه الشيخ في موارد من كتابيه وبالغ في تضعيفه، وتقدمت روايته عن يونس بن

ص: 187

ظبيان))(1).

ويرد عليه ما قلناه:

1- إننا وان قلنا ان هؤلاء لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة إلا ان هذا لا يضر فيه روايتهم عن غير الثقات كما في قولنا ان خبر الواحد الثقة حجة ولا ينافيهسقوط بعض أخبار الثقات عن الحجية لعدم الاطمئنان بالصدور.

2- ان الوثاقة المذكورة في هذه الدعوى يراد بها الوثاقة عند الراوي لا في الواقع فتكون شهادة منه على الوثاقة باعتبار تصريحه بأنه لا يروي إلا عن ثقة أو ان نفس نقل احدهم عن شخص وسكوتهم عن القدح فيه رغم علمهم بان الناس تراهم لا يروون إلا عن ثقة(2).

ص: 188


1- - معجم رجال الحديث:1/78. وقد اقتطعت من كلامه ما يرتبط بابن أبي عمير.
2- - وقد اعترض السيد الخوئي على هذا فقال: ((ان قلت: ان رواية هؤلاء الضعفاء لا تنافي دعوى الشيخ أنهم لا يروون إلا عن ثقة فان الظاهر ان الشيخ يريد بذلك أنهم لا يروون إلا عن ثقة عندهم، فرواية احدهم عن شخص شهادة منهم على وثاقته. وهذه الشهادة يؤخذ بها ما لم يثبت خلافها. وقد ثبت خلافها كالموارد المتقدمة. قلت: لا يصح ذلك بل الشيخ أراد بما ذكر: أنهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة في الواقع ونفس الأمر، لا من يكون ثقة باعتقادهم إذ لو أراد ذلك لم يكن الحكم بالتسوية بين مراسيلهم ومسانيد غيرهم، فانه إذا ثبت في موارد روايتهم من الضعفاء -وان كانوا ثقات عندهم- لم يكن الحكم بصحة مراسيله إذ من المحتمل ان الوساطة هو من ثبت ضعفه عنه فكيف يمكن الأخذ بها)) (المعجم :1/80). وجوابه: ان التسوية لو كانت من ادعاء الشيخ الطوسي -كما يذهب إليه (قدس سره)- لكان ما قاله صحيحاً لكنها معروفة بين الأصحاب ونقلها الشيخ ومرجعها إلى نفس ابن أبي عمير وأصحابه، أما الاحتمال الذي ذكره فرددناه وانه غير ضائر بالتسوية لضعفه بل ربما فهم الأصحاب ما فهمناه ان حذف الاسم كان لوثاقة الشخص والخوف عليه من السلطة بدليل تصريحه بأسماء الضعفاء فلم يكن الحذف عن إهمال أو نسيان. ثم نقل (قدس سره) كلام المحقق في المعتبر في آداب الوضوء وجعله شاهداً على ما يقول وهو قوله: ((ولو احتج بما رواه ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا كان الجواب الطعن في السند لمكان الإرسال ولو قال مراسيل ابن أبي عمير يعمل بها الأصحاب منعنا ذلك لان في رجاله من طعن الأصحاب فيه وإذا أرسل احتمل ان يكون الراوي احدهم)) وقد تحصلت وجوه عديدة لرده: 1- ان احتمال كون الراوي ضعيفاً احتمال غير معتد به وقد تقدمت وجوه تقليله. 2- ان المحقق لم يناقش في مقتضى صحة التسوية -وهي المعروفية بين الأصحاب- وإنما تذرع بوجود المانع الذي هو ليس بمانع فلو لم يوجد دليل ولا مقتضى لهذه التسوية لاستدل به على ترك مراسيل ابن أبي عمير فان الاستدلال بوجود المانع قبيح مع عدم وجود المقتضي. 3- ان الالتزام بالتسوية بين مراسيل بن أبي عمير ومسانيد غيره لا ينافي رد بعض المراسيل حينما لا يحصل الاطمئنان بالصدور أو قل ان رد بعض المراسيل لا يلزم منه نفي هذه التسوية كما ان سقوط بعض أخبار الثقات عن الاعتبار لأمر أو لآخر لا ينافي حجية الخبر الواحد.

لكنها يمكن ان تطرح عند وجود ما يكذبها كما في هذه الموارد أما عند عدم وجود ما يكذبها فتبقى شهادته حجة، نعم، لو كانت روايته عن الضعفاء كثيرة لاختلت هذه الدعوى ولكن تقدم أنها لا تتجاوز نسبة وهي قليلة لا تضرّ بقبول الشهادات الأخرى بل احتمال كون المرسل عنه من الضعفاء اضعف من ذلك لكثرة رواية ابن أبي عمير عن الثقات وندرة

ص: 189

روايته عن الضعفاء فدرجة الاحتمال لا بد ان تلحظ بنسبة عدد الروايات عن الضعفاء إلى مجموع الروايات لا عدد الرواة الموثقين وهي نسبة ضعيفة لا تكاد تذكر وعلى هذا فلا يضر الإرسال حتى لو قلنا ان المعروفية لم تحصل بأحد المنشأين المذكورين وإنما حصلت بملاحظة ظاهر حالهم فلا تختل بالرواية النادرة عن الضعفاء.

3- ان تصريح ابن أبي عمير بهذه الأسماء دليل على وثاقة غيرهم فانه بهذا التصريح يلقي مسؤولية هذه الموارد على الآخرين ويتحمل مسؤولية من لم يصرح بأسمائهم.

وهنا إشكال آخر ذكره احد الفقهاء المعاصرين(1) وأجاب عليه ملخصه ان نقل الشيخ لتسوية الأصحاب بين مراسيل هؤلاء الثلاثة ومسانيد غيرهم وأنهم عرفوا بأنهم لا يروون إلا عن ثقة يشبه نقل الإجماع فكما ان الإجماع المنقول غير حجة كذلك هذا النقل لا يكون حجة.

والجواب: ان نقل الإجماع ليس إلا نقلاً لآراء حدسية لا نستكشف من المقدار الذي نستخلصه عن طريق النقل رأي الإمام وهذا بخلاف معرفة الأصحاب الحسية أو القريبة من الحس بان هؤلاء الثلاثة لا يروون إلا عن ثقة.

ص: 190


1- - كتاب فقهي استدلالي في القضاء لسماحة السيد كاظم الحائري (دام ظله) راجع ص30 وما بعدها.

ثم ذكر هذا الفقيه إشكالين يرتبطان بمراسيل هؤلاء الثلاثة وأجاب عنهما بعد ان وصل إلى نتيجة ان الذي يروي عنه احد الثلاثة لو لم يردنا بشأنه تضعيف نحكم بوثاقته قال (دام ظله): ((أما إذا حذف اسم الرجل فقال مثلاً (عن رجل عن الإمام) فقد يستشكل في توثيقه بأحد وجهين:

الأول: ان توثيقه بعموم أنهم لا يروون إلا عن ثقة بعد ان عثرنا على نقلهم احياناً من المجروحين تمسك بالعام في الشبهة المصداقية إذ ان ذاك الفرد المجروح قد خرج من تحت العام ونحن نحتمل كون هذا الفرد المحذوف هو ذاك فكيف يمكن التمسك بعام من هذا القبيل؟والجواب:

أولاً: ان مفردات موضوع هذا العام هي الروايات لا الرواة فالشهادة تقول: ان هؤلاء لا يروون رواية عن غير الثقة فلو روى احدهم رواية عن غير الثقة ثم روى رواية أخرى عن نفس ذاك الشخص فهذا يعني تخلف فردين عن هذا القرار العام لا تخلف فرد واحد)) وفيه:

1- ان هذا سيزيد الإشكال لأنه سيكثر الأفراد الخارجة من تحت العام فيقلل من احتمال التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

2- ان الرواية هي ساحة عمل هذا العام ومجال تطبيقه لا أنها موضوع العام فان موضوع العام هو الراوي لا الرواية.

ص: 191

قال (دام ظله):

وثانياً: انه حتى لو فرض ان مفردات الموضوع هي الرواية فحينما نرى احدهم روى عمن ضُعّف فهذا لا يعني ان تضعيف من ضعف تخصيص للعام كما يأتي الكلام بان فرض رواية أخرى عنه هل هو تخصيص زائد يدفع بالعموم أو لا، وإنما يعني ان تضعيف من ضُعّف شهادة معارضة لهذه الشهادة بالوثاقة إذ ليس هذا مراده الجدي من العام وإنما هي شهادة معارضة من قبل شاهد آخر وفيه:

1- ان كون تضعيف من ضعف شهادة معارضة لتوثيق ابن أبي عمير لا ينافي كون الضعيف ممن خرج من تحت العام بل هو منشأ وسبب له.

2- ان دعوى عدم الرواية والإرسال إلا عن ثقة لم يثبت تصريح بها من ابن أبي عمير حتى نبحث عن سعة وضيق مراده الجدي وإنما اكتشفت من حالهم ونحن الذين نريد ان نطبقها فنحن مسؤولون عن فهمها سعة وضيقاً.

فما ذكره (دام ظله) لا يحل الإشكال والصحيح في جوابه ان يقال: ان المورد ليس من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية بل هو من تطبيق العام على مصاديقه والكبرى على صغرياتها فعندنا كبرى: ان هؤلاء الثلاثة لا يروون إلا عن ثقة، وصغرى: أنهم قد رووا عن هذا المحذوف والمجهول فيكون هذا المروي عنه ثقة ونحن إنما نؤسس القواعد للاستفادة منها في

ص: 192

الأفراد المجهولة والمشكوكة فإننا لا نحتاج هذه القاعدة إذا كنا نعلم وثاقة المروي عنه وإنما نحتاجها في موارد الجهلوالشك بحاله.

وفي الحقيقة فان هذا الإشكال يعود إلى ان احتمال كون المروي عنه من الضعفاء هل يمنع من التمسك بالعام أم لا ؟ وقد تقدم الجواب عنه وحاصله:

1- ان الراوي المحذوف اسمه وان كان يحتمل كونه ضعيفاً إلا انه احتمال ضعيف لا يعتد به لأنه كما قلنا أي 6.25

بالمئة ويزيد ضعفه كثيراً حينما نعلم ان رواية ابن أبي عمير عن الضعفاء قليلة جداً بالنسبة لروايته عن الثقات فإذا كان يروي عشر روايات عن الثقة فانه يروي واحدة عن غيره فيقل هذا الاحتمال إلى العشر ليصبح 6.25 بالألف.

2- إننا بعد ان استنتجنا ان ابن أبي عمير لا يروي إلا عن ثقة فتكون روايته عن رجل -ولو كان اسمه محذوفاً- شهادة بوثاقته لا نتخلى عنها إلا إذا ثبت القدح فيه والمفروض عدم ثبوته فتبقى الشهادة سارية المفعول.

مضافاً إلى أجوبة أخرى تقدمت وتأتي ان شاء الله تعالى.

قال (دام ظله): ((الثاني: ان أصالة عدم الاشتباه التي هي احد جزئي معنى حجية خبر الثقة -إذ معناها نفي الكذب ونفي الاشتباه- لا تجري في المقام بعدما رأيناه في أخبار ابن أبي عمير مثلاً المسندة من انه روى احياناً عن فلان الضعيف إذ لو كان اعتقد اشتباهاً بوثاقة فلان وكان الشخص

ص: 193

المحذوف في الرواية المرسلة عبارة عن نفس هذا الشخص الضعيف لم يكن هذا اشتباهاً جديداً ينفى بأصالة عدم الاشتباه))(1).

والجواب على ذلك هو ما جاء أصله في نفس الكلام الذي نقله الشيخ عرفانيان عن أستاذه الشهيد الصدر الأول (رضوان الله عليه) نذكره هنا مع قليل من الفرق وهو ان ندرة مشاهدتنا لرواية ابن أبي عمير مثلاً عمن وصلنا تضعيفه تجعلنا نطمئن في كل رواية مرسلة له بأنها ليست عن أولئك الذين وصلنا تضعيفهم فمثلاً حينما لم نر في مشايخه من وصلنا تضعيفه إلا بمقدار واحد من المائة أو اثنين من المائة بل سيكون اقل من ذلك:اولاً: لاحتمال كونها مروية عن إنسان آخر غير أولئك المشايخ الذين عرفناهم ولم يصلنا طبعاً تضعيف ذلك الإنسان المجهول اسمه لدينا.

ثانياً: لاحتمال كون المحذوف هو احد الأشخاص الذين كثرت روايات ابن أبي عمير عنهم -وهم جملة من الثقات- اقوي من احتمال كونه هو ذاك الضعيف الذي قلّت رواية ابن أبي عمير عنه.

وهذا الجواب يصلح جواباً للوجه الأول من الإشكال ايضاً إلا ان أستاذه السيد الشهيد الصدر (رضي الله عنه) حسب نقل الشيخ عرفانيان أورد على ذلك ((بان هذا الجواب إنما يتم لو لم يكن هناك مقوّ لاحتمال كون هذه الرواية المرسلة مروية عن ذاك الضعيف يجعله اقوي من سائر

ص: 194


1- - مشايخ الثقات، عرفانيان : ص42.

البدائل المحتملة مما قد يخلّ بحصول الاطمئنان والمقوّي الذي يمكن دعوى وجوده في المقام هو نفس حذف اسم الوسيط إذ يحتمل نشوء ذلك من درجة من عدم الاعتناء بالوسيط وعدم الوثوق به، نعم، يستثنى من هذا الإشكال ما لو عبّر ابن أبي عمير مثلاً بتعبير: عن غير واحد أو عن جماعة أو عن رهط ونحو ذلك لا بتعبيره عن رجل أو عن بعض أصحابه ونحو ذلك فان هذا التعبير يتناسب مع الاهتمام لا مع عدم الاهتمام بل في هذا الفرض يشتد الاطمئنان لبعد كون كل المحذوفين العرضيين -وهم ثلاثة على الأقل- من أولئك الذين وصلنا ضعفهم))(1).

أقول: ان هذا الإشكال غريب في المقام فترك ذكر اسم الوسيط لا اعرف كيف ينشأ -في احتمال معقول- من عدم الوثوق به وإنما ينشأ عادة من نسيانه ولو لم يكن ناسياً له فعدم ذكره لعله أنسب بوثوقه من عدم وثوقه به باعتبار انه لو لم يكن واثقاً به كان ينبغي له ذكره كي يتكفل السامع بنفسه بحسب الوثوق بالرواية أو عدم الوثوق بها.

وتوجد على مجموع الكلمات عدة تعليقات:

1- قوله: (إلا بمقدار واحد من المائة...الخ) قد علمت ان النسبة أكثر من ذلك أي أو 6.25 بالمئة، نعم، لو لاحظنا النسبة بلحاظ عدد الروايات لا الرواة فإنها ستقل لسبب تقدم ذكره.

ص: 195


1- - مشايخ الثقات : ص45.

2- قوله: (أولاً: لاحتمال...) هذا الاحتمال لا يقلل النسبة بل يزيدها أو يبقيها على حالها على الأقل لمجهوليته، نعم، يتم هذا الكلام بلحاظ (ثانياً) التي تلتها فهي ليست نقطة مستقلة عنها.

3- ما قاله الأستاذ من مقوي كون الراوي ضعيفاً ليس بصحيح إذ لا يعقل من ابن أبي عمير ان يهمل اسم الراوي إذا كان ضعيفاً لأنه غش وتدليس على الراوين عنه وإيقاع لهم في المخالفة خصوصاً مع علمه بوجود فكرة عند الرواة عنه انه لا يروي ولا يرسل إلا عن ثقة مضافاً إلى ان ابن أبي عمير نفسه قد صرح بأسماء الضعفاء الذين روى عنها صريحاً وهذا شاهد على ورعه وتثبته واحتياطه لمن يروي عنه أما اغفاله الاسم فكان اتكالاً على المعروفية المدعاة وخشيته على هؤلاء الأصحاب من الوقوع في قبضة السلطة ونحوها.

4- قوله: (نعم يستثنى...) يناقض الإهمال المدعى للراوي فلو كان الراوي غير معتنى به فما فائدة ضم مهمل إلى مهمل فانه لا ينتج الوثاقة كضم اللاحجة إلى اللاحجة فانه لا يصيره حجة.

5- قوله: (وإنما ينشأ من نسيانه...) ان الرواة عن الأئمة وحملة علومهم كانوا يعتمدون على الحفظ لمتون وأسانيد الأحاديث والقليل كانوا يدونون فمن المعلوم ان أصحاب الأصول هم أربعمائة بينما الرواة عن الأئمة هم أُلوف حتى ان الرواة عن الإمام الصادق (عليه السلام) بلغ أربعة

ص: 196

آلاف، ومحل الشاهد ان تلف كتب ابن أبي عمير لا يعني نسيانه الاسناد ولو أصيب بفقدان الذاكرة لنسي حتى المتون وليس فقط الأسانيد وإنما لم يذكر الأسانيد خوفاً عليهم غالباً، واحد الشواهد على ذلك ذكره الضعفاء الذين لا يخشى عليهم بل منهم كما قلناه.

6- قوله: (لو لم يكن واثقاً به...) هذا يناقض كونه ناسياً فكيف تطالب ابن أبي عمير ان يذكر الاسم -سواء كان ثقة أو غيره- إذا أصيب بالنسيان.

نتيجة البحث:

1- ان الإرسال لا يضر بروايات ابن أبي عمير من هذه الجهة، نعم، هي قابلة للقدح من جهات أُخر، أي لو حصلت قرائن على الخلاف كما تقدم مثاله في أصلالبحث.

2- لا يمكن الجزم بان رواية ابن أبي عمير عن شخص مصرحٍ باسمه دليلٌ على وثاقته لاحتمال ان التصريح بالاسم هو للخروج من عهدة وثاقة الراوي ولما كانت كبرى (ان ابن أبي عمير لا يرسل ولا يروي إلا عن ثقة) عبارة عن ارتكاز متشرعي و(معروفية) بين الأصحاب فهو دليل لبي يُقتصر منه على القدر المتيقن وهو ما لو أرسل عن الراوي ولم يصرح باسمه فهو دليل تعهده بالوثاقة خصوصاً إذا عبّر عنه بما يؤيد ذلك كقوله (من أصحابنا) أو بما يعزز الاحتمال كقوله (عن جماعة) ونحوها، أما صورة

ص: 197

التصريح بالاسم فهي خارجة عن القدر المتيقن(1).

ص: 198


1- - فقه الخلاف1/ 354.

تصحيح سند

رواية العلل للفضل بن شاذان

رواية العلل للفضل بن شاذان(1)

وقد وصفها بعض الأعلام(2) بالصحيحة –كصاحب الجواهر (قدس سره)- والمصححة –كالسيد الحكيم (قدس سره)- وغيره.

وقد قرّب بعض أساتذتنا (دام ظله الشريف) وجهين لذلك:-

1- ((إن أحد الطريقين على الأقل وهو عن ابن عبدوس عن ابن قتيبة يمكن تصحيحه))

أقول: سنذكر وجوهاً لذلك فيما يأتي ونناقشها إن شاء الله تعالى.

2- ((إن الصدوق لا ينقل في الفقيه إلا ما هو حجة، وقد نقل عن علل الفضل بن شاذان فهذا دليل على صحة ما في العلل، إلا ما صرّح بعدم صحته في العلل وأسقطه في العيون لاحتمال بنائه على إيراد ما يعتقد بصحته في العيون.

ص: 199


1- - الرواية طويلة جاءت لبيان علل بعض الاحكام الشرعية، راجع وسائل الشيعة، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، باب 25 ح8.
2- - جواهر الكلام:17/33، مستمسك العروة الوثقى: 8/499، مهذب الأحكام للسيد السبزواري (قدس سره):10/311، فقه الصادق:12/474 (ط-ح).

وحينئذٍ يقال إن الصدوق قد حصل له اطمئنان وإن كان من غير جهة التوثيق))(1).

أقول: هذه اجتهادات لا تكون حجة على غير من يعتقد بها، وللشيخ الصدوق مشايخ، قال هو في أحدهم –وهو أحمد بن الحسين أبو نصر- : ((ما لقيتُ أحداًأنصب منه))(2) لأنه كان يقول اللهم صلِّ على محمدٍ فرداً، كي لا يدخل في الصلاة أحد من أهل بيته (صلوات الله عليهم أجمعين).

وبرواية الفضل استدل صاحب الحدائق، قال (قدس سره): ((لا يخفى أن رواية الفضل بن شاذان المنقولة من كتابي العلل والعيون عن الرضا صريحة في السفر وأن حكمه حكم المرض فلا مجال للتوقف في ذلك. وبه يظهر قوة ما ذهب اليه الشيخ في الخلاف))(3).(4)

التشكيك في كون رسالة العلل لابن شاذان روايةً عن الإمام الرضا (عليه السلام):

إن المظنون أن هذه الرسالة هي من تأليف الفضل نفسه استناداً إلى الروايات مع ضم استنباطاته منها وفهمه لها، وليست هي رواية عن الإمام

ص: 200


1- - السيد السيستاني (دام ظله) محاضرة بتأريخ 23/شوال/1417.
2- - معاني الأخبار: 56/ح4.
3- - الحدائق الناضرة:13/308.
4- - الفقه الباهر ص337

الرضا (عليه السلام)، وتوجد روايات في العلل لغير الفضل وبعضها مفصّلة ومطولة كرواية محمد بن سنان عن الإمام الرضا (عليه السلام) في العيون، ورواية الفضل تشبهها، حتى ألّف الشيخ الصدوق (رضوان الله عليه) كتاباً في ((علل الشرائع).

فغاية ما يقال فيها أنها روايات مرسلة للفضل بن شاذان، وذلك لقرينتين:

أولاهما: إن الشيخ (قدس سره) عدَّ الفضل بن شاذان في رجاله من أصحاب الإمامين العسكريين (عليهما السلام) ولم يُذكر أنه من أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام) ولا ولده الإمام الجواد (عليه السلام).

بل إن النجاشي ذكر في رجاله عن الفضل: ((كان أبوه من أصحاب يونس، وروى عن أبي جعفر الثاني وقيل عن الرضا (عليهما السلام) ))(1)، واستظهر منه السيد الخوئي (قدس سره) أن هذا الكلام يعود إلى شاذان والد الفضل، وشرح ذلكبعض أساتذتنا (دام ظله الشريف) وأضاف: ((ويونس توفي بعد الرضا بسنين ولم يذكر في الفضل ذلك فهو لم يدرك الرضا، وإن مجموع هذه العلل يحتاج إلى مجالس وصحبة طويلة فيكون من المعمرين ولم يثبت))(2).

ص: 201


1- - رجال النجاشي: 306، رقم الترجمة (840).
2- - محاضرة بتأريخ 23/شوال/1417.

أقول: يمكن ردّ هذا الإشكال بوجوه:-

أ- إن الفضل روى عن صفوان بن يحيى ومحمد بن أبي عمير ومن هم في طبقتهما وهم من أصحاب الإمام الكاظم والرضا والجواد (عليهم السلام) وتوفي ابن أبي عمير في حياة الإمام الجواد (عليه السلام) فلا يبعد أن يروي الفضل عن الإمام الرضا (عليه السلام).

ب- روى الكشي بسنده قول الفضل بن شاذان: ((أنا خلف لمن مضى أدركت محمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وغيرهما وحملت عنهم منذ خمسين سنة))(1) فإذا علمنا أن الفضل توفي في عهد الإمام العسكري المستشهد سنة (260 ه-) فلا يكون بعيداً روايته عن الإمام الرضا (عليه السلام) المستشهد سنة (203 ه-).

ج- إن عبارة النجاشي المتقدمة لعل الأظهر فيها كون الموصوف بها الفضل لا أباه كما لا يخفى على من راجع، وهذا ما فهمه صاحب الوسائل (قدس سره) حيث أخبر بها عن الفضل نفسه قال (قدس سره) في خاتمة الوسائل: ((الفضل بن شاذان روى عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام)، وقيل: عن الرضا (عليه السلام) ))(2).

ص: 202


1- - معجم رجال الحديث:13/317.
2- - وسائل الشيعة: خاتمة الكتاب، رقم (906).

د- إن علي بن محمد بن قتيبة روى عن أصحاب الإمام الرضا (عليه السلام) فتكون طبقة الفضل الذي روى عنه ابن قتيبة معهم، فقد روى الشيخ الصدوق عن ابن عبدوس عن ابن قتيبة عن حمدان بن سليمان النيشابوري الثقة عن الإمام الرضا(1) (عليه السلام).

ومن الطريف أن حمدان بن سليمان ذكره الرجاليون في أصحاب الإمامين الهادي والعسكري (عليهما السلام) ولم يذكروه في أصحاب الرضا (عليه السلام) عدا ما ورد في النسخة المطبوعة من رجال الشيخ(2)، فتكون مشكلته نفس مشكلة الفضل بن شاذان.

ه-- ما ذكره السيد الخوئي (قدس سره) بعد أن ذكر عبارة النجاشي المتقدمة: ((ظاهر النجاشي حيث خص والد الفضل بروايته عن الجواد عليه السلام وعلى قول عن الرضا عليه السلام، عدم رواية الفضل عن الرضا عليه السلام، وهو أيضاً ظاهر الشيخ حيث أنه لم يعد الفضل من أصحاب الرضا ولا من أصحاب الجواد عليهما السلام، ولكن الظاهر أن ما ذكره الصدوق هو الصحيح، وذلك لقرب عهده وطريقه إلى الفضل، ويؤكد ذلك أن والد الفضل روى عن أبي الحسن الأول عليه السلام، فلا بعد في رواية

ص: 203


1- - كالذي أورده العلامة المجلسي في (بحار الأنوار: 5/200، ح 22) عن كتب الصدوق، (معاني الأخبار:145، باب 86، ح2. عيون أخبار الرضا:1/120، باب11، ح28. التوحيد: 241-242، باب 35، ح1).
2- - معجم رجال الحديث: ج6.

الفضل نفسه عن الرضا عليه السلام، فقد روى محمد بن يعقوب، عن الحسين بن محمد الأشعري، عن معلى بن محمد، عن محمد بن جمهور، عن شاذان، عن أبي الحسن موسى عليه السلام. الروضة: الحديث 138))(1).

أقول: فهذه القرينة على عدم صحة رواية العلل غير تامة، ولا أقل من دخول الاحتمال المبطل للاستدلال بها.

ثانيهما: وجود قرائن من نفس الرواية تقوي كونها من تأليف الفضل، فإن من دقق النظر في نظم الرواية يشعر بأنها ليست من كلام الإمام (عليه السلام) وإنما من وضع الفضل للاستفادة منها في الجدال والمناظرة، والذي يعزّز هذاوجود فقرات منها لا يمكن صدورها من الإمام المعصوم (عليه السلام) أو لا تصح نسبتها إليه ولا تناسب مقامهم:

(منها) قوله: ((فإن قال: فأخبرني من تلك العلل معروفة موجودة هي؟ أم غير معروفة ولا موجودة، قيل بل هي معروفة وموجودة عند أهلها. فإن قال: أتعرفونها أنتم أم لا تعرفونها، قيل لهم منها ما نعرفه ومنها ما لا نعرفه)).

(ومنها) قوله في صلاة الكسوفين: ((فإن قال: فلِمَ غُيِّرت عن أصل الصلاة التي افترضها الله، قيل: لأنه صلّى لِعلّةِ تغيُّر أمر من الأمور وهو الكسوف فلما تغيَّرت العلة تغيّر المعلول))(2).

ص: 204


1- - معجم رجال الحديث:13/323.
2- - عيون أخبار الرضا: 328.

أقول: هذا كلام يناسب أهل القياس والرأي ولا يعرف مثله عن أهل بيت العصمة (عليهم السلام).

ولعل هذا النمط من التفكير معروف عن الفضل(1) لذا سأله ابن قتيبة الراوي عنه بأن الرسالة من استنباطه واجتهاده أم أنها كلام رواه عن أبي الحسن (عليه السلام)، وتفوح من هذا السؤال رائحة التشكيك.

لذا شكك عدد من الأساطين في كونها رواية عن الإمام الرضا (عليه السلام)، ومنهم الشيخ الصدوق نفسه كما أورد العلامة المجلسي (قدس سره) في البحار، قال (قدس سره): ((إن الفضل (رحمه الله) ذكر تلك العلل من غير رواية، ثم لما سأله ابن قتيبة هل قلت جميع ذلك برأيك أو عن خبر؟ قال: بل سمعتها من مولاي أبي الحسن علي بن موسى الرضا المرة بعد المرة، والشيء بعد الشيء فجمعتها، ويظهر من الصدوق (رحمه الله) أنه حمل هذا الكلام على أن بعضهاسماعي وبعضها استنباطي ولذا

ص: 205


1- - ومن الشواهد على ذلك: التذييل الطويل للفضل عقب روايته صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج التي رويت بطريق آخر عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (بنات الابنة يرثن إذا لم تكن بنات كٌنَّ مكان البنات) (فروع الكافي: ج7، كتاب المواريث، باب 54: ميراث ولد الولد، ح3، 4) فذكر فروعاً كثيرة للمسألة وانتهى إلى الرد على ((الذين أرادوا إبطال الحسن والحسين (عليهما السلام) بسبب أمهما)) وتعليل ذلك وذكر ((الدليل على خطأ القوم في ميراث ولد البنات)).

تراه يقول في مواضع وغلط الفضل بن شاذان في ذلك، وهذا مما يضعف الاحتجاج به))(1).

وحكى من استقرأ بعض كلمات الشيخ الصدوق (قدس سره) في الفقيه أنه يشكك في كونها رواية عن الإمام الرضا (عليه السلام)؛ لقوله في عدة موارد: ((ويروى عن الفضل بن شاذان ويذكر أنه سمعه من الرضا (عليه السلام) ))(2).

ولا يخفى على المتتبع معرفة الأحاديث الأصلية التي اقتبس منها الفضل بعض ما ورد في رسالته(3)؛ لذا فإن الشيخ الصدوق قال بعد أن ذكر علة تأخير خطبتي العيد عن الصلاة وتقدمهما في الجمعة الواردة في رواية

ص: 206


1- - بحار الأنوار: 86/206.
2- - محاضرة بتأريخ 23/شوال/1417.
3- - كقوله: (وكذلك كل ما غلب الله عليه.. فهو أعذر له) وهو مأخوذ من صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (كل ما غلب الله عليه فليس على صاحبه شيء) ومن صحيحة علي بن مهزيار (أنه سأله –يعني أبا الحسن الثالث (عليه السلام)- عن هذه المسألة –يعني مسألة المغمى عليه – فقال: لا يقضي الصوم ولا الصلاة، وكلما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر) (وسائل الشيعة: كتاب الصوم، أبواب من يصح منه الصوم، باب 24، ح3، 6). ولمحمد بن سنان رواية مطولة في العلل عن الإمام الرضا (عليه السلام) أوردها الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا: 303 -311، باب 33.

العلل: ((قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله: جاء هذا الخبر هكذا))(1) ثم ذكر نصّاً آخر.

أقول: لو كان الصدوق يعتقد أن هذا من كلام الإمام الرضا (عليه السلام) فإنه لا معنى لتعليقته هذه

ضعف السند بطريقيه.

فقد ذكر الشيخ الصدوق (قدس سره) في أول الرواية: ((حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار بنيسابور في شعبان سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة قال حدثني أبو الحسن علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري قال: قال أبو محمد الفضل بن شاذان النيسابوري.وحدثنا الحاكم أبو محمد جعفر بن نعيم بن شاذان عن عمه أبي عبد الله محمد بن شاذان قال: قال الفضل بن شاذان النيسابوري: إن سأل سائل فقال:))(2).

وقال (قدس سره) في آخرها: ((وحدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار (رضي الله عنه) قال: حدثنا علي بن قتيبة النيسابوري قال: قلت للفضل بن شاذان لما سمعت منه هذه العلل: أخبرني عن هذه العلل أذكرتها عن الاستنباط والاستخراج وهي من نتائج العقل أو

ص: 207


1- - عيون أخبار الرضا: 325.
2- - عيون أخبار الرضا: 312، الباب (34)، طبعة أنصاريان، قم، الأولى1426ه-.

هي مما سمعته ورويته؟ فقال لي: ما كنت لأعلم مراد الله عز وجل بما فرض ولا مراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما شرع وسنّ ولا علل ذلك من ذات نفسي بل سمعتها من مولاي أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) المرة بعد المرة والشيء بعد الشيء فجمعتها، فقلتُ: فأُحدّث بها عنك عن الرضا (عليه السلام)؟ قال: نعم.

حدثنا الحاكم أبو محمد جعفر بن نعيم بن شاذان النيسابوري (رضي الله عنه) عن عمه أبي عبد الله محمد بن شاذان، عن الفضل بن شاذان أنه قال: سمعت هذه العلل من مولاي أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) متفرقة فجمعتها وألّفتها)).

أما ضعف الطريق الأول فلأن ابن عبدوس وابن قتيبة لم تثبت وثاقتهما، وقد تقدم ذكر بعض الوجوه والتقريبات لتوثيقهما إلا أنها لم تتم.

وأما الطريق الثاني فقد روى فيه الصدوق عن أبي محمد جعفر بن نعيم بن شاذان ولو يوثَّق في كتب الرجال.

ورواها هو عن عمه محمد بن شاذان وهو محمد بن شاذان بن نعيم وهو نفسه محمد بن أحمد بن نعيم وكنيته أبو عبد الله كما في رجال الكشي والشيخ(1)، وقد وردت فيه روايات مادحة منها ما رواه الصدوق والطوسي (رضي الله عنهما) بسندهما عن الكليني في التوقيع الشريف بواسطة محمد

ص: 208


1- - معجم رجال الحديث:15/28، رقم (10155).

بن عثمان العمري إلىإسحاق بن يعقوب: (وأما محمد بن شاذان بن نعيم فإنه رجل من شيعتنا أهل البيت (عليهم السلام) )(1).(2)

ص: 209


1- - معجم رجال الحديث:15/29، رقم (10155).
2- - الفقه الباهر ص340-348

تحقيق في الإرسال المحتمل بين الحسن بن محبوب ومؤمن الطاق

تحقيق(1)في الإرسال المحتمل بين الحسن بن محبوب ومؤمن الطاق(2)

احتمل السيد البروجردي (قدس سره)(3) وجود إرسال بين الحسن بن محبوب ومؤمن الطاق لأن الحسن بن محبوب من الطبقة السادسة والأحول من الطبقة الرابعة، وذلك عند مناقشة رواية الأحول (وهو محمد بن علي الملقب بمؤمن الطاق) عن أبي عبد الله (عليه السلام) في إرث الزوجة من العقار قال: سمعته يقول: (لا يرثن النساء من العقار شيئاً ولهن قيمة البناء والشجر والنخل) يعني من البناء الدور وإنما عنى من النساء الزوجة(4).

والبحث في اعتبار هذه الرواية له أهمية خاصة لأنها النص الوحيد الذي ورد فيه إعطاء الزوجة ميراثها من الشجر والنخل قيمةً لا عيناً، وهو الحكم الذي استقر عليه مشهور علماء الإمامية في القرون الأخيرة حيث اختاره صاحب الرياض والمستند والجواهر(5)، حتى مراجع العصر(6)، فلا

ص: 210


1- - طبع هذا التحقيق في رسالة مستقلة لتعميم الفائدة.
2- - فقه الخلاف10/ 283-300.
3- - اورد هذا الاحتمال في كتابه (تقريرات ثلاثة).
4- - وسائل الشيعة: كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، باب 6، ح16.
5- - رياض المسائل:14/384، مستند الشيعة:19/368، جواهر الكلام: 39/214.
6- - منهاج الصالحين للسيد الحكيم بتعليق السيد الشهيد الصدر: 2/488، مسألة (6)، وللسيد الخوئي: 2/372، مسألة (1788)، تحرير الوسيلة للسيد الخميني: 2/360، مسألة (5).

يقال: إننا في غنى عن البحث في حجية الرواية لأن روايات حرمان الزوجة من العقار بلغت حد التواتر أو الاستفاضة.

وقد انفرد الشيخ الصدوق بروايتها في الفقيه بسنده عن الحسن بن محبوب عن الأحول عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وقد ذكر (قدس سره) في مشيخة الفقيه أن سنده إلى ابن محبوب: ((محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه عن عبد اللهبن جعفر الحميري وسعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب)).

أقول: وصف المحدث النوري هذا السند بأنه ((صحيح بالاتفاق))(1).

أقول: هذا ظاهر لمن لاحظ رجال السند، نعم قد يتوهم عدم التصريح بالوثاقة في محمد بن موسى بن المتوكل، إلا أن أهل الفن لم يترددوا في توثيقه ونقلوا عن خلاصة العلامة ورجال ابن داوود ذلك صريحاً ونقل أبو علي الحائري وصفه في كتاب المشتركات ((ابن موسى بن المتوكل الثقة)) ونقل الوحيد البهبهاني في تعليقته الترحّم والترضّي(2) عليه علماً أن ((العلامة و

ص: 211


1- - خاتمة المستدرك، الفائدة الخامسة: شرح مشيخة من لا يحضره الفقيه، رقم (82).
2- - نقد الرجال للتفريشي: 4/333، جامع الرواة للأردبيلي: 2/212، منتهى المقال للحائري: 6/212، تعليقة الوحيد البهبهاني: 327، هداية المحدثين: 256.

ثقه في (58) من الباب (1) من حرف الميم من القسم الأول، وابن داوود في (1482) من القسم الأول صريحاً، وادعى ابن طاووس في فلاح السائل، الفصل 19: الاتفاق على وثاقته، فالنتيجة: أن الرجل لا ينبغي التوقف في وثاقته، وقد أكثر الصدوق الرواية عنه، وذكره في المشيخة في طرقه إلى الكتب في ثمانية وأربعين مورداً))(1).

وقد يتوهم أيضاً أن منشأ الإشكال في السند احتمال اشتراك(2) لقب الأحول مع بعض المجاهيل لكنه توهم لا يُعبأ به، لوضوح انصراف العنوان إلى مؤمن الطاق والتباني على ذلك.

أما احتمال الإرسال الذي ذكره السيد البروجردي (قدس سره) فلا أعهد أحداً صرّح به قبله (قدس سره) ولذا وُصفت الرواية بالصحيحة في كتب المحققين،نعم حفلت كتب الرجال بتسجيل نفس الإشكال على رواية ابن محبوب عن أبي حمزة الثمالي فقيل بوجود إرسال بينهما، فانقدح الإشكال عند السيد (قدس سره) لمقاربة بين أبي حمزة الثمالي ومؤمن الطاق في تأريخ الوفاة، كما سنبيّن في الوجه الثالث إن شاء الله تعالى.

ص: 212


1- - معجم رجال الحديث:18/299.
2- - حكى هذا الاحتمال المحدث النوري في خاتمة المستدرك، قال (قدس سره): ((واحتمل –ضعيفاً- أن يكون –أي الأحول- أحد المجهولين المذكورين في أصحاب الصادق (عليه السلام) الأزدي الكوفي أو الحضرمي الكوفي)) (خاتمة مستدرك الوسائل: 5/206: الفائدة الخامسة في شرح مشيخة الفقيه، رقم (300) وقال في الهامش: ((إن صاحب الاحتمال هو المجلسي كما في روضة المتقين:14/257)).

هذا وقد سبق الشهيد الثاني (قدس سره) إلى الإشكال على سند الرواية إذ قال في المسالك: ((لكن –أي الاستدلال بصحيحة الأحول- يتوقف على تحقيق السند))(1).

أقول: يمكن أن يكون توقّفه (قدس سره) بلحاظ أحد المنشأين المتقدمين، ولكن بعد الذي ذكرناه من الاتفاق على صحة سند الشيخ الصدوق (قدس سره) إلى الحسن بن محبوب وإلغاء توهم اشتراك عنوان الأحول، فكأن الإشكال يتعين في الموضع محل البحث، وربما تشعر عبارته (قدس سره) في هامش إحدى نسخ المسالك إلى تحديد هذا الموضع من الإشكال، قال: ((هذه الرواية ذكرها الشهيد في حاشيته على القواعد ونسبها إلى الفقيه، عن الحسن بن محبوب عن الأحول عنه (عليه السلام) فينبغي تحقيق أمرها)).

لكن صاحب مفتاح الكرامة لم يخطر على باله أن منشأ إشكال الشهيد على سند الصحيحة هو من هذه الجهة لذا رد على إشكال الشهيد بقوله: ((السند صحيح، لأن طريق الصدوق إلى الحسن بن محبوب صحيح فالرواية صحيحة))(2).

ص: 213


1- - مسالك الأفهام:13/187.
2- - مفتاح الكرامة:17/308.

وعلى أي حال فقد أورد السيد البروجردي (قدس سره) هذا الاحتمال للإرسال في عدة مواضع من رسالته في إرث الزوجة(1)، على صغر حجمها.

ويمكن تقريب عدة وجوه بني عليها هذا الاحتمال:-الوجه الأول: نظريته في تقسيم طبقات الرجال لكون ((الحسن بن محبوب من الطبقة السادسة والأحول من الطبقة الرابعة فلذا يحتمل كونها مرسلة))(2).

أقول: لخّص المقرر هذه النظرية بقوله: ((هذا اصطلاح خاص لسيدنا الأستاذ الأكبر (قدس سره) حيث أنه قد ألّف كتاب طبقات الرجال ورتّبه على ثلاث طبقات كل طبقة مشتملة على اثنتي عشرة مرتبة، من زمن النبي (صلى الله عليه وآله) إلى زمن الباقر (عليه السلام) اثنا عشر ومن زمانه إلى محمد بن الحسن الطوسي اثنا عشر ومن زمانه إلى زمان نفسه (قدس سره) اثنا عشر))(3).

ص: 214


1- - وهي إحدى رسائل ثلاث طبعت بعنوان (تقريرات ثلاثة) من أبحاث السيد البروجردي (قدس سره) بقلم الشيخ علي بناه الاشتهاردي حررها سنة1367 ه- أي في ذروة مرجعيته المباركة، الرسالة الثانية في ميراث الأزواج من ص 99 حتى ص126.
2- - تقريرات ثلاثة:107.
3- - تقريرات ثلاثة:103.

الوجه الثاني: استقراء تأريخي لحياة الرجلين إذ قال في موضع آخر: ((فلو لم نقل بحجية رواية محمد بن علي بن النعمان الأحول: باعتبار أن الراوي عنه الحسن بن محبوب وهو مات في حال طفوليته، فروايته عنه تصير مرسلة))(1).

أقول: أي أن مؤمن الطاق مات وابن محبوب طفل لا يدرك فلا تصح روايته عنه. وقال في موضع ثالث: ((ورواية الأحول قد قلنا أنها غير حجة للإرسال))(2).

أقول: ربما كان هذا الاحتمال مبنياً على استبعاد إدراك الحسن بن محبوب لمؤمن الطاق بعمر يؤهله لتلقي الرواية منه؛ لأن مؤمن الطاق وإن بقي بعد استشهاد الإمام الصادق (عليه السلام) سنة 148 ه- كما تدل عليه مناظرته مع أبي حنيفة(3)، إلا أن المظنون –بحسب المستشكل- أنه لم يعمّر كثيراً بعده لأنه كان كبير السن يومئذٍ بقرينة كونه شخصية اجتماعية معروفة عند قيام زيد الشهيد بثورته سنة121 حيث دعاه شخصياً لنصرته في حوارية معروفة(4)، وقول البرقي عنه أنه ((ممن أدرك أبا جعفر))(5) وربما ظن –كما

ص: 215


1- - تقريرات ثلاثة:116.
2- - تقريرات ثلاثة:120.
3- - ((قال أبو حنيفة لمؤمن الطاق: يا أبا جعفر إن إمامك –يعني الصادق (عليه السلام) – قد مات، فقال أبو جعفر: لكن إمامك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم)) (رجال الكشي، رقم 77) ونقلها في (معجم رجال الحديث:18/38).
4- - المصدر السابق:18/38.
5- - المصدر نفسه:18/36.

حصل للمرحوم الشيخ عباس القمّي في الكنى والألقاب(1)- أنه هو المقصود بقول النجاشي في ترجمته: ((روى أيضاً عن علي بن الحسين وأبي جعفر وأبي عبد الله (عليهم السلام)))(2)، فيظهر من مجموع هذه القرائن أنه كان كبير السن عند استشهاد الإمام الصادق (عليه السلام) فلا يحتمل بقاؤه كثيراً بعد سنة 148ه-.

أما الحسن بن محبوب فقد روى الكشي أنه ((مات في آخر سنة أربع وعشرين ومائتين وكان من أبناء خمس وسبعين))(3) فتكون ولادته سنة 149 ه- أي بعد استشهاد الإمام الصادق (عليه السلام) بسنة واحدة فهو إما لم يدرك مؤمن الطاق أو أدركه وهو طفل كما قال السيد (قدس سره)، فلا تصح روايته عنه مباشرة.

وقد يؤيد هذا الاحتمال بأمرين:-

أ- وقوع مثل هذه الحالة –أعني سقوط الواسطة بين ابن محبوب وأصحاب الإمام الصادق (عليه السلام)، ((فقد روى الشيخ عنه رواية مباشرة عن الإمام الصادق (عليه السلام) (التهذيب: ج10، باب البينات على القطع، الحديث 674) إلا أن هذه الرواية رواها محمد بن يعقوب

ص: 216


1- - الكنى والألقاب: 2/428 تحت عنوان (الطاقي).
2- - رجال النجاشي: 325، رقم (886).
3- - رجال الكشي، رقم 479، معجم رجال الحديث: 6/97.

بسنده عن ابن محبوب عن أبي ولاد عن أبي عبد الله (عليه السلام) في (الكافي: ج7، كتاب الديات، باب العاقلة: 53، ح1)وكذلك في (الفقيه: ج4، باب العاقلة، ح 357)، فالظاهر أن الواسطة سقطت عن كلام الشيخ))(1).

ب- عدم رواية مؤمن الطاق عن الإمام الكاظم (عليه السلام).

الوجه الثالث: وجود هذا الظن في حالة مقاربة لرواية ابن محبوب عن مؤمن الطاق وهي روايته عن أبي حمزة الثمالي، وقد اتهمه الأصحاب فيها، فقد نقل النجاشي في ترجمة أحمد بن محمد بن عيسى عن الكشي عن نصر بن الصباح قوله: ((ما كان أحمد بن محمد بن عيسى يروي عن ابن محبوب من أجل أن أصحابنا يتهمون ابن محبوب في أبي حمزة الثمالي ثم تاب ورجع عن هذا القول))(2).

أقول: وعلق القهبائي في ترتيب الفهرست على طريق الشيخ إلى أبي حمزة الذي ينتهي بالحسن بن محبوب عنه قال: ((فيه إرسال، فإنه لا يمكن رواية ابن محبوب عن الثمالي لما علم من تأريخ فوتهما)).

وقال الوحيد البهبهاني في تعليقته في ترجمة الحسن بن محبوب: 108: ((إن التهمة في روايته عن أبي حمزة ثابت بن دينار، وأن وفاة أبي حمزة

ص: 217


1- - معجم رجال الحديث: 6/98.
2- - رجال النجاشي: 82، رقم الترجمة (198).

كانت سنة خمسين ومائة، فبملاحظة سن الحسن وسن وفاته يظهر أن تولد الحسن كان قبل وفاة أبي حمزة بسنة والظاهر أن هذا منشأ تهمته، وربما يظهر من ترجمة أحمد أن تهمته من روايته وأخذه عنه في صغر سنه)).

أقول: وجه المقاربة هو تقارب وفاتي أبي حمزة الثمالي ومؤمن الطاق بحسب التحليل التأريخي المتقدم فالإشكال واحد.

ويرد على الوجه الأول للإشكال:-

1- إن المعلومات التي بنى عليها جعل الرجلين في الرابعة والسادسة يشكل الاعتماد عليها كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

2- المناقشة في أصل النظرية ومستنداتها، ولو في ضوء الخلاصة التي نقلناها آنفاً عن مقرّر بحثه الشريف فالفترات الثلاث التي قسّم إليها الطبقات متباينة جداً ولا نعلم لها وجهاً.

3- إن نظريته (قدس سره) في تقسيم طبقات الرجال تؤدي إلى نتائج تقريبية ولا يمكن التعويل عليها في نفي رواية أحد عن أحد إلا إذا وجدت قرائن وشواهد عليه، لتداخل الأجيال فمن الرجال من روى عن أربعة من الأئمة المعصومين (عليهم السلام) كأبي حمزة الثمالي، وعاش علي بن جعفر إلى إمامة حفيد أخيه الإمام الجواد (عليه السلام)، ومن الرجال من روى عن أقران جده، وهكذا وقع إدراك بعض المتأخرين لبعض المتقدمين

ص: 218

عليهم بعدة أجيال لطول عمر الأستاذ وطول مدة إفادته، او لاشتغال التلميذ في وقت مبكر فيختصر الوسائط إلى الأصل، فيصفون سنده بالعالي، ومن أمثلتهم

في عصرنا المرحوم الشيخ أغابزرك الطهراني (1293-1390) الذي ساهم بحذف واسطتين وصار بعض كهول اليوم (1437) يروون عن الميرزا النوري صاحب المستدرك (توفي 1320 هج-) بواسطة واحدة. وقد أُلِّفت كتب في مثل هذه الأسانيد التي تتصف بقلة الوسائط تسمى (قرب الإسناد).

وعلى هذا فرواية أصحاب الطبقة السادسة عن الرابعة ممكن.

وقد أورد المحقق أغا بزرك الطهراني أسماء عدد من الأصحاب جمعوا ما تحصّل لهم من (قرب الإسناد) وقال في تعريفه: ((قرب الإسناد: مجموع من الأخبار المسندة إلى المعصوم (عليه السلام) لقلة وسائطه، وقد كان الإسناد العالي عند القدماء مما يُشد له الرحال، ويبتهج به أعين الرجال، ولذا أفرده بالتصنيف جمعٌ منهم شيخ القميين عبد الله بن جعفر الحميري، سمع منه أهل الكوفة في سنة نيف وتسعين ومائتين، وقد جمع الأسانيد العالية إلى كل إمام في جزء))(1).

ص: 219


1- - الذريعة إلى تصانيف الشيعة:17/44.

ولوالد الشيخ الصدوق المتوفى سنة 329 ه- كتاب في قرب الإسناد يرويه عنه النجاشي المتوفى سنة 450 ه- بواسطة واحدة وهذا سند عالٍ أيضاً، وهكذا غيرهم فراجع.

4- إن رواية ابن محبوب عن مؤمن الطاق لم تختص بهذه حتى نحتمل الخلل فيها بل تعددت رواياته عنه وتنوعت الكتب التي أوردتها، فقد روى عنه في تفسير القمي في تفسير قوله تعالى من سورة الزمر: «وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ».

وفي أصول الكافي (ج2، كتاب الإيمان والكفر، باب 1، في تنقل أحوال القلب، ح1، وفي باب 60، الحب في الله والبغض في الله، ح3) وروى عنه في روضة الكافي، ح368.

5- قول الشيخ (قدس سره) عن الحسن أنه روى عن ستين رجلاً من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) فرواية الحسن عن طبقة مؤمن الطاق واردة، بل إن ابن محبوب روى عمّن هو أقدم من مؤمن الطاق كأبي حمزة الثمالي وروايته عنه كثيرة كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وعن أبي الجارود العبدي وهو من أصحاب الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) ووفاته مقاربة لأبي حمزة الثمالي فقد حكي عن ابن حجر قوله: ((ذكره البخاري في فصل من مات من خمسين ومئة إلى الستين))(1).

ص: 220


1- - تهذيب التهذيب لابن حجر: 3/333.

6- إن السيد (قدس سره) طبق نظريته هذه في مورد آخر في نفس الرسالة والتوهم فيه واضح فقد وصف رواية(1) الشيخ الطوسي في التهذيب والاستبصار بسنده عن الحسن بن محمد بن سماعة عن محمد بن زياد عن محمد بن حمران عن محمد بن مسلم وزرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ب-((أنها مرسلة)) وقال في موضع آخر: ((وكذا لو لم نقل بحجية رواية محمد بن حمران عن محمد بن مسلم وزرارة باعتبار احتمال إرسالها))(2).

أقول: لم يبين موضع الإرسال في سندها وإن كان يقصد محمد بن حمران عن محمد بن مسلم وزرارة فإنه لا أساس له من الصحة؛ لأن ابن حمران –وهو النهدي- روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) وعن محمد بن مسلم وزرارة وهكذافي بقية رجال السند فإنه متصل لا إرسال فيه، ولذا علق المقرر في الهامش قائلاً: ((هكذا بيّنه الأستاذ الأكبر (قدس سره) على ما هو ببالي –وهو أعلم بما قال- فإنه (قدس سره) كان خرّيتاً لهذا الفن وإلا فالظاهر كونها مسندة)).

ويرد على الوجه الثاني للإشكال أمور:-

1- إن هذه النتيجة التي بنى عليها السيد (قدس سره) إشكاله مستندة بشكل أساسي إلى المعلومة التي أوردها الكشي ورواها عن علي بن محمد

ص: 221


1- - وسائل الشيعة: 26/210، أبواب ميراث الأزواج، باب 6، ح13.
2- - تقريرات ثلاثة:116.

القتيبي عن جعفر بن محمد بن الحسن بن محبوب، والأول لم يرد فيه توثيق والثاني مجهول ولا يُعلم أنه أدرك جده الحسن وأخذ عنه تأريخه فالمعلومة غير موثوقة.

2- إن استبعاد بقاء مؤمن الطاق طويلاً بعد الإمام الصادق (عليه السلام) لا دليل عليه لأن تعبير البرقي: ((أدرك أبا جعفر)) تعني أنه صحبه مدة قصيرة في أواخر حياته ولم يرو عنه لذا لم يذكره الشيخ في رجاله من أصحاب الإمام الباقر (عليه السلام)، وأما قول النجاشي فإنه يخص ابن عم أبيه الحسين بن المنذر وليس مؤمن الطاق كما لا يخفى على المتأمل في العبارة.

قال: ((وعم أبيه المنذر بن أبي طريفة روى عن علي بن الحسين وأبي جعفر وأبي عبد الله (عليه السلام)، وابن عمه الحسين بن منذر بن أبي طريفة روى أيضاً عن علي بن الحسين وأبي جعفر وأبي عبد الله (عليهم السلام) )).

وممن توهم عودة هذه الفقرة إلى صاحب الترجمة المرحوم الشيخ عباس القمي في (الكنى والألقاب)(1)، وقول البرقي المتقدم دليل على عدم صحة هذا الاعتقاد.

ص: 222


1- - الكنى والألقاب: 2/428 تحت عنوان (الطاقي).

3- وعلى عكس الاستبعاد المذكور فإنه يمكن تقريب بقاء مؤمن الطاق بعد الإمام الصادق (عليه السلام) بما لا يقل عن عشر سنوات(1)، وذلك لأن الشيخالطوسي (قدس سره) عدّ مؤمن الطاق من أصحاب الإمام الكاظم(2) (عليه السلام)، وقد كانت الفترة الأولى من إمامة الكاظم (عليه السلام) قاسية جداً، وأمر المنصور العباسي واليه على المدينة أن يقتل من يجلس في موضع جعفر بن محمد (عليهما السلام) فوراً من دون مراجعته، فأخفى الإمام الصادق (عليه السلام) اسم الإمام الذي يليه بين خمسة أسماء ليموه على الطواغيت، فعاش الإمام الكاظم (عليه السلام) فترة تكتم شديدة ورواية هشام بن سالم شاهدة على ذلك(3)، حتى هلك المنصور بعد استشهاد

ص: 223


1- - وجدت لاحقاً في مصادر العامة ما يوافق هذا الحدس ففي كتاب (الأعلام للزركلي: 7/154) أنه توفي حدود سنة160 للهجرة وذكر في الهامش أن من مصادره (لسان الميزان: 5/300، خطط المقريزي: 2/348، 353، فرق الشيعة للنوبختي: 78)، وحُكي عن كتاب (الوافي بالوفيات: ج4) أنه توفي في حدود الثمانين ومائة، وكذلك قال صاحب توضيح المقاصد والبغدادي.
2- - رجال الشيخ: 343، باب الميم من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام)، رقم (18).
3- - روى الشيخ الكليني في الكافي بسند صحيح عن هشام بن سالم قال: (كنا بالمدينة بعد وفاة أبي عبد الله (عليه السلام) والناس مجتمعون على عبد الله بن جعفر أنه صاحب الأمر بعد أبيه، فدخلنا عليه أنا وصاحب الطاق والناس عنده وذلك أنهم رووا عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: إن الأمر في الكبير ما لم تكن به عاهة، فدخلنا عليه نسأله عما كنا نسأل عنه أباه، فسألناه عن الزكاة في كم تجب؟ فقال: في مائتين خمسة، فقلنا: ففي مائة؟ فقال: درهمان ونصف فقلنا: والله ما تقول المرجئة هذا، قال: فرفع يده إلى السماء فقال: والله ما أدري ما تقول المرجئة، قال: فخرجنا من عنده ضلالاً لا ندري إلى أين نتوجه أنا وأبو جعفر الأحول، فقعدنا في بعض أزقة المدينة باكين حيارى لا ندري إلى أين نتوجه ولا من نقصد؟ ونقول: إلى المرجئة؟ إلى القدرية؟ إلى الزيدية؟ إلى المعتزلة؟ إلى الخوارج؟ فنحن كذلك إذ رأيت رجلاً شيخاً لا أعرفه، يومي إليّ بيده فخفت أن يكون عيناً من عيون أبي جعفر المنصور وذلك أنه كان له بالمدينة جواسيس ينظرون إلى مَن اتفقت شيعة جعفر عليه السلام عليه؛ فيضربون عنقه، فخفت أن يكون منهم فقلت للأحول: تنحَّ فإني خائف على نفسي وعليك، وإنما يريدني لا يريدك، فتنحّ عني لا تهلَك وتعين على نفسك، فتنحى غير بعيد وتبعت الشيخ وذلك أني ظننت أني لا أقدر على التخلص منه، فما زلت أتبعه وقد عزمت على الموت حتى ورد بي على باب أبي الحسن عليه السلام ثم خلاني ومضى، فإذا خادم بالباب فقال لي: ادخل رحمك الله، فدخلت فإذا أبو الحسن موسى عليه السلام فقال لي ابتداءً منه: لا إلى المرجئة ولا إلى القدرية ولا إلى الزيدية ولا إلى المعتزلة ولا إلى الخوارج إليّ إليّ، فقلت: جعلت فداك مضى أبوك؟ قال: نعم، قلت: مضى موتاً؟ قال: نعم، قلت: فمن لنا من بعده؟ فقال: إن شاء الله أن يهديك هداك، قلت: جُعلت فداك إن عبد الله يزعم أنه من بعد أبيه، قال: يريد عبد الله أن لا يعبد الله، قال: قلت: جعلت فداك فمن لنا من بعده؟ قال: إن شاء الله أن يهديك هداك، قال: قلت: جعلت فداك فأنت هو؟ قال: لا، ما أقول ذلك، قال: فقلت في نفسي لم أصب طريق المسألة، ثم قلت له: جعلت فداك عليك إمام؟ قال: لا، فداخلني شيء لا يعلم إلا الله عز وجل إعظاماً له وهيبة أكثر مما كان يحلّ بي من أبيه إذا دخلت عليه، ثم قلت له: جعلت فداك أسألك عما كنت أسأل أباك؟ فقال: سل تخبر ولا تذع، فإن أذعت فهو الذبح، فسألته فإذا هو بحر لا ينزف، قلت: جعلت فداك شيعتك وشيعة أبيك ضُلال فألقي إليهم وأدعوهم إليك؟ وقد أخذت علي الكتمان؟ قال: من آنست منه رشداً فألق إليه وخذ عليه الكتمان فإن أذاعوا فهو الذبح – وأشار بيده إلى حلقه - قال: فخرجت من عنده فلقيت أبا جعفر الأحول فقال لي: ما وراءك؟ قلت: الهدى، فحدّثته بالقصة، قال: ثم لقينا الفضيل وأبا بصير فدخلا عليه وسمعا كلامه وساءلاه وقطعاً عليه بالإمامة، ثم لقينا الناس أفواجاً فكل من دخل عليه قطع إلا طائفة عمار وأصحابه، وبقي عبد الله لا يدخل إليه إلا قليل من الناس، فلما رأى ذلك قال: ما حال الناس؟ فأخبر أن هشاماً صدّ عنك الناس، قال هشام: فأقعد لي بالمدينة غير واحد ليضربوني) (أصول الكافي: ج1، كتاب الحجة، باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة، ح7).

ص: 224

الإمام الصادق (عليه السلام) بعشر سنوات أي سنة 158 ه-، فصحبة مؤمن الطاق للإمام الكاظم (عليه السلام) تحققت بعد هذه المدة؛ لأنه كان يسكن الكوفة ومن الصعب لقاؤه بالإمام (عليه السلام) في مثل تلك الظروف، وهذا يفسّر عدم روايته عن الإمام الكاظم (عليه السلام).

4- إن ابن محبوب ثقة بل وصف بأنه من الأربعة أركان المذهب في عصره، وقد عدّه الكشي من الفقهاء الذين أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عنهم من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا (عليهما السلام) وروى بسنده عن ابن أبي نصر قال: (قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) أن الحسن بن محبوب الزرّاد أتانا برسالة؟ قال: صدق، لا تقل الزرّاد بل قل السرّاد، إن الله تعالى يقول: «وَقَدّرْ في السَرْد»)، فإذا أخبر أنه روى عن مؤمن الطاق صدقنا قوله كما في المقام، ولا مسوِّغ لاحتمال الإرسال، نعم قد يسقط ذكر الواسطة من قبل الرواة غفلةً كالمورد المتقدم في غفلة التهذيب عن أبي ولاد بقرينة ما ورد في الكافي والفقيه.

5- إن ابن محبوب وقع في طريق الشيخ الصدوق إلى مؤمن الطاق في مشيخة الفقيه قال (قدس سره): ((وما كان فيه عن محمد بن النعمان فقد رويته عن محمد بن علي ماجيلويه عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه

ص: 225

عن محمد بن أبي عمير والحسن بن محبوب جميعاً عن محمد بن النعمان)) ولم يُنكر أحد ذلك، بل عن العلامة في الخلاصة(1) أن طريق الصدوق إليه صحيح، وإنما ضعّفه البعض كالسيد الخوئي لسبب آخر كوجود محمد بن علي بن ماجيلويه الذي لم تثبت وثاقته(2) عنده وليس من هذه الناحية.

6- إن الحسن روى عن أبي حمزة الثمالي كثيراً(3) وأبو حمزة توفي سنة 150(4) ه- وأدرك إمامة الكاظم (عليه السلام)، وروى الكَشي عن الفضل بن شاذان قال: (سمعت الثقة يقول: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: أبو حمزة الثمالي في زمانه كسلمان الفارسي، وذلك أنه خدم أربعة منا: علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وبرهة من عصر موسى بن جعفر (عليهم السلام))(5)، وأورد الشيخ الصدوق (قدس سره) هذا المعنى عند ذكر طريقه إلى أبي حمزة في المشيخة.

وعلى هذا فرواية ابن محبوب عن مؤمن الطاق –الذي بقي بعد الإمام الصادق (عليه السلام) المستشهد سنة 148 ه-- طبيعية جداً.

ص: 226


1- - خلاصة الأقوال في معرفة الرجال للعلامة الحلي: 439، الفائدة الثامنة.
2- - معجم رجال الحديث:18/43.
3- - معجم رجال الحديث: 6/98.
4- - رجال النجاشي:115، رقم (296).
5- - رجال الكشي: 485، رقم (919) وراجع الكنى والألقاب: 21/130، رقم (150).

إن قلتَ: كيف يتم رواية ابن محبوب عن أبي حمزة الثمالي ومقتضى نقل الكشي أن ابن محبوب ولد سنة 149 ه-؟.

قلتُ:-

أ- إن هذه المعلومة غير موثوقة كما تقدم.

ب- إن قبول قول الكشي في تأريخ ولادة ابن محبوب ليس أولى من قبول روايته الكثيرة عن أبي حمزة.

ومما تقدم يُعلم النظر في قول السيد الخوئي (قدس سره): ((مقتضى ما ذكره الكشي: أن الحسن بن محبوب تولّد بعد وفاة الصادق (عليه السلام) وهذا ينافي روايته كثيراً عن أبي حمزة المتوفى في زمان الصادق (عليه السلام) ))(1) فإن أبا حمزة توفي في زمان الإمام الكاظم (عليه السلام)، كما تقدم آنفاً عن النجاشي وورد اسمه في بعض الروايات(2) عن قيام الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) بالأمر بعد استشهاد أبيه (عليه السلام).

ص: 227


1- - معجم رجال الحديث: 6/98.
2- - في (إثبات الهداة للحر العاملي: 3/166، الباب 22: النصوص على أبي الحسن موسى (عليه السلام)، ح47) (أن إعرابياً جاء من المدينة إلى الكوفة فأخبر أن الصادق قد مات فشهق أبو حمزة الثمالي وضرب بيديه الأرض) إلى آخر الحديث.

نعم قال الشيخ في رجاله: ((اختلف في بقائه إلى وقت أبي الحسن موسى عليه السلام))(1).

ويرد على الوجه الثالث:-

1- إن احتمال الإرسال المذكور مبني على التاريخ الذي أورده الكشي عن ولادة ابن محبوب وقد علمت المناقشة فيه.

2- إن نصر بن الصباح ناقل هذه الكلمة مجهول الحال وهو غالٍ في مذهبه فلا يوثق بقوله إلا مع القرينة.

3- إن هذه العبارة التي ورد فيها الاتهام لابن محبوب في الرواية عن الثمالي وردت بألسنة مختلفة فما أوردناه كان من رجال النجاشي عن الكشي، ولكن الذي أورده الكشي نفسه في الرجال هو ((عن أبي حمزة))(2) من دون الثمالي وفي نسخة أخرى (ابن أبي حمزة) وقال في موضع آخر عند ترجمة الحسن بن محبوب عن نصر بن الصباح قال: ((وأصحابنا يتهمون ابن محبوب في روايته عن ابن أبي حمزة))(3).

أقول: إذن لم يثبت أن التهمة هي بإرساله عن أبي حمزة لعدم الاطمئنان بكون المقصود الثمالي بسبب تعدد العبارات واختلافها، لذا تعدد فهم

ص: 228


1- - رجال الشيخ، باب الثاء من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام)، رقم (1).
2- - رجال الكشي: 512/989.
3- - رجال الكشي: 585/1095.

الأصحاب لهذه التهمة فقد احتمل البعض أن المراد ابن أبي حمزة البطائني، قال القهبائي: ((والمراد منه علي بن أبي حمزة البطائني، فإن ابن محبوب روى عنه كما سيأتي في ترجمة ثابت بن دينار أبي حمزة الثمالي، ووجه التهمة حينئذٍ أن ابن محبوب أمتن وأجلّمن أن يروي عن علي بن أبي حمزة البطائني فإنه واقفي خبيث رديء معاند للرضا عليه السلام))(1).

4- إن طريق الشيخ الصدوق إلى أبي حمزة المذكور في المشيخة وإن لم يرد فيه اسم ابن محبوب إلا أنه (قدس سره) قال: ((وطرقي إليه كثيرة ولكني اقتصرت على طريق واحد منها)). لكن الشيخ الطوسي ذكر لنا أحدها وهو ينتهي إلى الحسن بن محبوب عنه، قال في الفهرست(2) : ((له كتاب أخبرنا به عدة من أصحابنا عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه ومحمد بن موسى بن المتوكل، عن سعد بن عبد الله والحميري، عن أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن أبي حمزة.

5- ولو سلّمنا بصحة الإشكال ووجود إرسال فإنه لا يضرّ، قال الوحيد البهبهاني في ترجمة الحسن بن محبوب: ((وعلى تقدير صحة التواريخ –التي بني عليها الإشكال- فالظاهر أن روايته –أي ابن محبوب- عن كتابه –أي الثمالي- وغير خفي أن هذا ليس بفسق ولا منشأ للتهمة، بل لا يجوز الاتهام

ص: 229


1- - مجمع رجال القهبائي:1/161 في ترجمة أحمد بن محمد بن عيسى وكذا في ترجمة الحسن بن محبوب: 2/144.
2- - الفهرست138.

بأمثال ذلك، سيما مثل الحسن الثقة الجليل، الذي قد أكثر الأعاظم والأجلّة من الثقات والفحول من الرواية عنه عموماً، وروايته عن أبي حمزة خصوصاً، وكذا الكلام في الأخذ حال صغر السن ولذلك ندم أحمد وتاب))(1).

وقال تلميذه أبو علي الحائري: ((وأما –أي الإشكال- في رواية الحسن بن محبوب عن أبي حمزة فالأصل فيه نصر بن الصباح، وأما محمد بن أحمد بن عيسى فإنه كان قد سبقه في ذلك إلا أنه تاب ورجع عنه، وكيف كان فالظاهر أن منشأ التوقف عدم درك الحسن علياً كما يظهر من تأريخ ولادة الأول ووفاة الثاني، لكن بعد الإقرار بوثاقة الرجل وعدّه من الأركان الأربعة في زمانه، لا ينبغي الإسراع إلى اتهامه، بل يجب أن نحمل ذلك على أحسن محمل، وهو أخذ الحسن الرواية منكتاب علي(2)، ومثله غير عزيز، بل هو أكثر كثير، ولا ينبغي الحمل على الإرسال، إذ لا يخلو من نوع تدليس وتغرير، وقد حقق الأستاذ العلامة دام علاه في غير موضع))(3).

أقول: ومال إلى هذا الرأي المامقاني في تنقيحه(4) في ترجمة أحمد بن محمد بن عيسى.

ص: 230


1- - تعليقة الوحيد البهبهاني:108.
2- - هذا من سهو القلم أو من ذهاب الذهن إلى الاحتمال الآخر –أعني علي بن أبي حمزة-، وإلا فإن المقصود الثمالي.
3- - منتهى المقال:1/42، نهاية المقدمة الرابعة.
4- - تنقيح المقال1/90

ولعل وصف صاحب البلغة(1) الرواية بالمصححة يشير إلى قبول هذا الوجه ونحوه في دفع الإشكال.

ص: 231


1- - بلغة الفقيه: 3/94.

التحقيق في رواية أن للخنساء أربعة أولاد استشهدوا في القادسية

التحقيق في رواية أن للخنساء أربعة أولاد استشهدوا في القادسية(1)

امتدت يد التحريف إلى مختلف العلوم الإسلامية تعصباً لمذهب أو حقداً على آخر وكيداً له أو مملقاً لذي مال أو جاه ونحوها، وكان التاريخ الإسلامي أحد المجالات الخصبة لهؤلاء المحرفين، ورغم ان الحقائق التاريخية لابد ان تظهر لان التلفيق والتزوير لا يصمد أمام التحقيق والتمحيص إلا ان

ص: 232


1- - كتب هذا التحقيق قبل ثلاثين سنة، وقد اطّلع عليه يومئذ عدد من العلماء وأثنوا عليه كالسيد الشهيد الصدر الثاني، والعلامة السيد محيي الدين الغريفي (قدس الله روحيهما)، إلا أنه لم يطبع حينها، ثم طبعه سماحته سنة1420ه-، في كتيب بعنوان (إنتصارا لأم البنين)، وقد أبقاه على حاله ولم يزد عليه وذكر أن عدم إعادة التحقيق أو إضافة شيء عليه راجع لأمرين : 1- لكي يبقى تذكاراً لتلك الفترة من حياتي، وقد جُبِلَ الإنسان على حب ذكرياته والتعلق بها والاحتفاظ بكل ما يمت إلى ماضيه بصلة. 2- إن إعادة النظر فيه وإصلاح ما ينبغي إصلاحه يتطلب جهداً أنا محتاج إلى صرفه في أولوياتي الأخرى. ثم علق عليه قائلا : (واعتقد ان مجموع هذين الأمرين مبرر كاف لإصدار البحث على حاله ؛ وهذا لا يعني ضعفاً في مستواه فأنا مقتنع الآن بأنه تحقيق نافع يكشف الستار عن كذب واحدة من الروايات التاريخية المشهورة ليفتح الباب واسعاً أمام المحققين لإعادة النظر في كثير من القضايا الموروثة وان اكتسبت رسوخاً وقدسية لينتصف المظلوم ويعود الحق إلى نصابه. وليست هذه المحاولة بأقل عمقاً من المستوى الذي كتبت به أمثاله (كمئة وخمسون صحابي مختلق) ونظائره وفيه جهد لا يستهان به).(المقرر).

بعضاً من هذا الكذب ظل متخفياً بلباس الشهرة وكثرة التداول و ( رب مشهور لا اصل له ) إلى ان تجند الأمانة العلمية والحقائق التاريخية من يميز الغيث من السمين وعندئذ يذهب الزبد جفاء أما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.

ولا ادري كيف سرى لي الشك والقدح في صحة الرواية عنوان البحث إلا أني وفي إحدى لحظات التأمل ألهمت ان الرواية موضوعة وان لا مقيل لها من الصحة فطفقت ابحث وأنقب في كتب التاريخ والرجال والحديث عن متن الرواية وسندها... فماذا وجدت ؟! وجدت رجال الرواية بين كذاب ووضاع ومنكر الحديث ومجهول وفي أحسن الأحوال تساوت فيه أحاديث الجرح والتعديل.وأما متن الرواية فمضطرب ويتعارض مع نفسه ومع حقائق أخرى تتصل به. ومالي استعجل ذكر النتيجة، وبين يدي القارئ تمام ما توصلت إليه من بحث وتنقيب ليتولى الحكم بنفسه.

وقد يتفق القارئ معي على صحة ما توصلت إليه لكنه لا يقبل التصديق بان الرواية موضوعة لشهرتها ولعدم سماع ما يقدح فيها، لكن ما العمل والخطب جليل والحقيقة العلمية يجب ان نقبلها وان لم تجد في أنفسنا هوى وقبول ثم ألم تسمع أو تقرأ ما احتوى عليه التاريخ من خلط الحابل بالنابل وتبديل الكذب صدقاً والصدق كذباً ؟ ويكفي ان تعلم ان من بين

ص: 233

صحابة الرسول (صلی الله علیه و آله) مئة وخمسون صحابياً مختلقاً(1) بكل تفاصيل سيرتهم وهذا الرقم يمثل ما توصل إليه مؤلف هذا الكتاب فقط وان مجموع بعض الروايات الموضوعة والمقلوبة والتي اتفق على كذبها بلغ اكثر من أربعمائة ألف حديث(2) وقد عد العلامة الأميني سبعمائة راوٍ ومحدث من المتفق على افترائهم(3) وهذه نماذج لما احتوت هذه الفترة من التاريخ الإسلامي من مفتريات وأباطيل نسجها الوضاعون والكذابون تحت أغراض شتى.

والرواية عنوان البحث إن صحت تمثل جانبا مشرقا من حياة المسلمين وموقفاً بطولياً مليئاً بالإيمان والتضحية في سبيل المبادئ الحقة هو ليس الوحيد... ولئن تطرق الشك إلى صحة وقوعه فله نظير متفق عليه ذلك هو إيثار أم البنين بنت حزام(4) الكلابية زوجة أمير المؤمنين عليه السلام وتفانيها في سبيل المبدأ حين استشهد لها أربعة بنين أحدهم أبو الفضل العباس بن أمير المؤمنين عليه السلام بين يدي أخيهم الحسين عليه السلام في معركة الطف يوم عاشوراء لكن التاريخ ولأسباب غير مجهولة تناسى هذا الموقف العظيم وصاغ من خيالات الوضاعين والكذابين ما يشابهه حنقاً

ص: 234


1- - عنوان كتاب للسيد مرتضى العسكري.
2- - الغدير للعلامة الأميني مج5 ص290.
3- - الغدير مج5 ص209-275.
4- - أو حزام على خلاف وتمام التحقيق في كتابنا المحظوظ عن أم البنين.

وغيظاً ينسب الفضل إلى أهله ولكن يريدون ان يطفئوا نور الله ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره محرفو الكلم عن مواضعه.واليكم نص الرواية مع مناقشة سندها ومتنها وليعط الحاكم النَصَف من نفسه والله من ورائهم شهيد.

نص الرواية

في الاستيعاب لابن عبد البر(1) في ترجمة الخنساء، وفي الإصابة لابن حجر(2) جمعاً بين النصين : (( ذكر الزبير بن بكار عن محمد بن الحسن المخزومي وهو المعروف بابن زبالة أحد المتروكين عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه عن أبي وجزة عن أبيه قال حضرت الخنساء بنت عمرو بن الشريد السلمية حرب القادسية ومعها بنوها أربعة رجال فقالت لهم من أول الليل يا بني إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين ووالله الذي لا اله إلا هو إنكم لبنو رجل واحد كما إنكم بنو امرأة واحدة ما خنت اباكم ولا فضحت خالكم ولا هجنت حسبكم ولا غيرت نسبكم وقد تعلمون ما اعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين واعلموا ان الدار الباقية خير من الدار الفانية يقول الله تعالى ( يا ايها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ) فان أصبحتم غدا ان شاء الله

ص: 235


1- - المطبوع هامش الإصابة لابن حجر مج4 ص295.
2- - مج4 ص287 كتاب النساء، حرف الخاء من القسم الأول.

سالمين فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين وبالله على أعدائكم مستنصرين فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها واضطرمت لظى على سياقها وجللت ناراً على أروافها فتيمموا وطيسها وجالدوا رسيسها عند احتدام وطيسها تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة، فخرجوا قابلين لنصحها عازمين على قولها فلما أضاء لهم الصبح باكروا مراكزهم وانشأ أولهم يقول :

يا أخوتا إن العجوز الناصحة *** قد نصحتنا إذ دعتنا البارحة

مقالة ذات بيان واضحة *** فباكروا الحرب الضروس الكالحة

وإنما تلقون عند الصائحة *** من آل ساسان الكلاب النابحة

قد أيقنوا منكم بوقع الجائحة *** وانتم بين حياة صالحة

أو ميتة تورث غنما رابحة

وتقدم فقاتل حتى قتل رحمه الله ثم حمل الثاني وهو يقول :

ان العجوز ذات حزم وجلد *** والنظر الاوفق والرأي السدد

قد أمرتنا بالسداد والرشد *** نصيحة منها وبراً بالولد

فباكروا الحرب حماة في العدد *** اما لفوز بارد على الكبد

أو ميتة تورثكم عز الأبد *** في جنة الفردوس والعيش الرغد

فقاتل حتى استشهد ثم حمل الثالث وهو يقول :

والله لا نعصي العجوز حرفاً *** قد أمرتنا حرباً وعطفاً

ص: 236

نصحاً وبراً صادقاً ولطفاً *** فبادروا الحرب الضروس زحفاً

حتى تلفوا آل كسرى لفاً *** أو يكشفوكم عن حماكم كشفاً

إنا نرى التقصير عنكم ضعفاً *** والقتل فيكم نجدة وزلفاً

فقاتل حتى أستشهد ثم حمل الرابع وهو يقول :

لست لخنساء ولا للاخرم *** ولالعمرو ذي السناء الأقدم

إن لم أرد في الجيش جيش الأعجم *** ماض على الهول خضم خضرم

إما لفوز عاجل ومغنم *** أو لوفاة في السبيل الأكرم

فقاتل حتى قتل رحمة الله عليه وعلى أخوته فبلغها الخبر فقالت الحمد لله شرفني بقتلهم وأرجو من ربي ان يجمعني بهم في مستقر رحمته.

مناقشة السند

اشارة

رجال السند ستة وهم :

1- الزبير بن بكار.

2- محمد بن الحسن المخزومي المعروف بابن زبالة.

3- عبد الرحمن بن عبد الله العمري.

4- أبو عبد الرحمن عبد الله العمري.

5- أبو وجزة السعدي الشاعر.

6- أبو أبي وجزة.

ص: 237

1- الزبير بن بكار :

في ميزان الاعتدال للذهبي(1): الإمام صاحب النسب قاضي مكة من اوعية العلم لا يلتفت إلى قول احمد بن علي السليماني حيث ذكره في عداد من يضع الحديث.

وقال مرة : منكر الحديث.

وفي الجرح والتعديل للرازي(2): الزبير بن بكار : رأيته ولم اكتب عنه وفي تهذيب التهذيب لابن حجر(3) قال ابن أبي حاتم كتب عنه أبي بمكة ورأيته ولم اكتب عنه، وقال احمد بن علي السليماني في كتاب الضعفاء له كان منكر الحديث وهذا جرح مردود ولعله استنكر إكثاره عن الضعفاء مثل محمد بن الحسن بن زبالة المخزومي فان في كتاب النسب عن هؤلاء أشياء كثيرة منكرة.

2- محمد بن الحسن المخزومي :

في تهذيب التهذيب لابن حجر(4): محمد بن الحسن بن زبالة وهو ابو الحسن المخزومي المدني عن ابن معين انه كذاب خبيث لم يكن بثقة ولا

ص: 238


1- - مج 2 ص66 عدد، 283.
2- - مج3 ص585.
3- - ج2 ص312.
4- - ج9 ص115.

مأمون يسرق، قال احمد بن صالح المصري كتبت عنه مئة ألف حديث ثم تبين لي انه كان يضعالحديث فتركت حديثه، وقال الاجري عن أبي داود : كذابا المدينة محمد بن الحسن بن زبالة ووهب أبو البختري، وقال الدار قطني متروك.

وقال ابن حبان كان يروي عن الثقات ما لم يسمع منهم، وقال الخليلي روى عن مالك مناكير وهو ضعيف، وفي الجرح والتعديل للرازي(1) محمد بن الحسن المخزومي ذاهب الحديث منكر الحديث، ومر بك في متن الرواية قول ابن حجر عند نقله لها عن المخزومي بأنه أحد المتروكين وفي الغدير للأميني(2) كذاب متروك واهي الحديث نسب إلى وضع الحديث وفيه أيضاً(3):

ابن زبالة : قال الحافظ احمد بن صالح كتبت عنه مئة ألف حديث ثم تبين لي انه كان يضع الحديث فتركت حديثه.

3- عبد الرحمن بن عبد الله :

عثرت على أسماء كثيرة تحت هذا العنوان فاتبعت عدة نقاط لمعرفة الراوي المقصود وهي :

ص: 239


1- - ج7 ص228.
2- - ج5 ص256 عن مجمع الزوائد للهيثمي1/306 واللآلىء المصنوعة للسيوطي 2/71.
3- - ج5 ص273 عن تاريخ الخطيب البغدادي 4/200.

1- تتبع أسماء من يروى عنهم ومن يروون عنه.

2- ملاحظة الزمن وتاريخ حيائه وعدد الوسائط.

3- ان يكون أبو الراوي راوياً حيث ورد في السند انه ينقلها عن أبيه.

فانطبقت هذه المواصفات على عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن حفص العمري المدني.

في ميزان الاعتدال للذهبي(1) عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن حفص العمري المدني هالك قال يحي بن معين سمعت منه مجلساً وهو ضعيف، وقال احمد ليس يسوى حديثه شيئاً، سمعت منه ثم تركناه، أحاديثه مناكير وكان كذاباً فمزقتحديثه، وقال النسائي متروك، قال ابن عدي : عامة ما يرويه مناكير أما متناً وأما إسناداً، وفي الجرح والتعديل للرازي(2) عبد الرحمن بن عبد الله العمري متروك الحديث كان يكذب.

وفي تهذيب التهذيب(3) عبد الرحمن بن عبد الله العمري قال أبو طالب عن احمد ليس بشيء وقد سمعت منه ومزقته وكان يقلب حديث نافع عن ابن عمر وقال عبد الله بن احمد عن أبيه أحاديثه مناكير كان كذاباً، وقال الجوزجاني القاسم وعبد الرحمن العمريان منكراً الحديث جداً.

ص: 240


1- - مج 2 ص571 ترجمة 4900.
2- - ج5 ص253.
3- - ج6 ص213.

وفي الغدير للأميني(1) عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر العدوي كان كذاباً يقلب الاحاديث متروك الحديث حديثه أحاديث مناكير كان كذاباً متروكاً لا يحتج به.

4- عبد الله بن عمر بن حفص العمري المدني:

في ميزان الاعتدال للذهبي(2) عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني أخو عبيد الله، صدوق في حفظه شيء، روى عن نافع وجماعة، وقال ابن المديني : عبد الله ضعيف، وقال ابن حبان كان ممن غلب عليه الصلاح والعبادة حتى غفل عن حفظ الاخبار وجودة الحفظ للاثار فلما فحش خطأه استحق الترك، مات سنة 137 ه-.

وفي تهذيب التهذيب لأبن حجر(3) قال ابن حبان كان ممن غلب عليه الصلاح حتى غفل عن الضبط فأستحق الترك وقال الترمذي في العلل الكبير عن البخاري ذاهب لا اروي عنه شيئاً وقال البخاري في التاريخ كان يحي بن سعيد يضعفه وقال أبو احمد الحاكم ليس بالقوي عندهم وقال المروذي ذكره فلم يرضه.

ص: 241


1- - ج5 ص236 عن تاريخ الخطيب البغدادي10/231 ونصب الراية للزيلعي الحنفي1/60.
2- - مج2 ص465 ترجمة 4472.
3- - ج5 ص326.

5- أبو وجزة :

في تهذيب التهذيب(1) أبو وجزة اسمه يزيد بن عبيد المدني أبو وجزة السعدي الشاعر، وقال(2) مات سنة 130 ه- وهو ثقة قليل الحديث شاعراً عالماً وفي الجرح والتعديل للرازي(3) أبو وجزة السعدي كان شاعراً لم يذكر أباه في من روى عنه.

6- أبو أبي وجزة :

يفترض أن اسمه عبيد المدني السعدي – من اسم ابنه أبي وجزة – ولا يوجد أحد بهذا الاسم في معاجم الرجال، نعم هناك ذكر لجد أبي وجزة ويكنى بابي وجزة أيضاً، قال ابن حجر(4) له إدراك وقال ابن عساكر أظنه جد أبي وجزة الشاعر.

ص: 242


1- - قسم الكنى ج12 ص271.
2- - ج11 ص349.
3- - ج9 ص279 وفي ميزان الاعتدال للذهبي (ج4 ص434) أبو وجزة السعدي مقل سكتوا عن توثيقه وتضعيفه روى عن عمر بن أبي سلمة والظاهر انه لم يسمع منه فقد اخرج النسائي له عن رجل عن عمر ( وهذا هو التدليس).
4- - الإصابة مج4 ص218 قسم الكنى.

استنتاج

بعد سير أحوال رجال السند يتضح لنا ان أكثرهم كذاب وضاع متروك الحديث أو مجهول وفي أحسن الأحوال تساوت فيه أقوال الجرح والتعديل وان وجود أحدهم كابن زبالة المخزومي يكفي لطرح الرواية وإهمالها.

والآن هلموا معي لمناقشة المتن وأمور تتعلق به تحت عناوين منفصلة والله المسدد:

مناقشة المتن

1- لم يكن للخنساء أربعة بنين من زوج واحد كما تنص الرواية فقد ولد لها من زوجها الأول وهو رواحة بن عبد العزى السلمي ولدها الأكبر عبد الله وهو أبو شجرة ولها من زوجها الثاني مرداس بن أبي عامر السلمي ثلاثة بنين وبنت واحدة وقد اختلف في أسمائهم فقيل معاوية ويزيد وعمراً وعمرة(1) وقيل سراقة وحزن وعمرو(2) أما العباس بن مرداس فهو ابن زوجها وعليه اكثر المؤرخين وأهل التراجم الأولين حتى إن ابن قتيبة جعل العباس متقدماً زمناً على الخنساء(3) وللعباس أخ من غير الخنساء اسمه شداد له قصة

ص: 243


1- - الشعر والشعراء لابن قتيبة1/343.
2- - الفرائد الغوالي للجواهري : مج7 ص17.
3- - الشعر والشعراء1/300،1/343.

مع أخته عمرة(1) أما من قال انه ابن الخنساء فلجهله بان الخنساء تزوجت اثنين أحدهما مرداس الذي كان قد تزوج قبل الخنساء، وكانت عمرة أخت العباس لأبيه تحب أخاها كما كانت أمها الخنساء تحب أخاها لأبيها صخراً ولما مات العباس رثته أخته عمرة بأبيات منها :

لتبك ابن مرداس على ما عراهم *** عشيرته إذ حم أمس زوالها

لدى الخصم إذ عند الأمير كفاهم *** فكان إليها فصلها وحلالها

ومعضلة للحاملين كفيتها *** إذا أنهكت هوج الرياح طلالها(2)

2- ان أبناء الخنساء توفوا أو قتلوا في تواريخ مختلفة وفي غير معركة القادسية التي حدثت سنة 14ه-.فالعباس – على فرض انه ابن الخنساء – توفي سنة 18 في بادية البصرة(3) ويزيد قتل اخذا بثار قيس بن الأسلت ولشقيقته عمرة شعر في رثائه منه قولها :

أجد ابن أمي ان لا يؤوبا *** وكان ابن أمي جليداً نجيبا

تقياً نقياً ريب المقام *** كمياً صليباً لبيباً خطيبا(4)

ص: 244


1- - الخنساء شاعرة بني سليم للدكتور محمد جابر عبد العال الجبني ص78، الفرائد الغوالي ج3 ص140.
2- - الخنساء شاعرة بني سليم للجبني ص97.
3- - الإعلام للزركلي 4/39 عن الاصابة وطبقات ابن سعد وتهذيب التهذيب والشعر والشعراء وغيرها.
4- - الخنساء شاعرة بني سليم ص97.

حليماً أريباً إذا ما بدا *** سديد المقالة صلباً دريبا

3-ان أبا شجرة وهو ابن الخنساء من زوجها الأول كان ممن ارتد عن الإسلام بعد وفاة الرسول (صلی الله علیه و آله) يقول الطبري في تاريخه(1)

وقد كان لحق فيمن لحق من بني سليم بأهل الردة، أبو شجرة بن عبد العزى وهو ابن الخنساء وذكر له أبياتاً من الشعر هي :

صحا القلب عن مي هواه واقصرا *** وطاوع فيها العاذلين فابصرا

واصبح أدنى رائد الجهل والصبا *** كما ودها عنا كذاك تغيرا

واصبح أدنى رائد الوصل منهم *** كما حبلها من حبلنا قد تبترا

ألا أيها المدلي بكثرة قومه *** وحظك منهم ان تضام وتقهرا

سل الناس عنا كل يوم كريهة *** إذا ما التقينا دارعين وحسرا

انسنا نعاطي ذا الطماع لجامة *** ونطعن في الهيجا إذا الموت أقفرا

وعارضة شهباء تخطر بالقنا *** ترى البلق في حافاتها والسنورا

فرويت رمحي من كتيبة خالد *** واني لأرجو بعدها ان اعمرا

ويظهر من هذه الأبيات إن أبا شجرة يحمل حقداً وحنقاً على الإسلام شديداً وانه شفى غيظه منهم ويرجو باستهزاء ان يعمر اكثر ليلغ اكثر من دمائهم، يقول الطبري عقب هذه الأبيات بأنه اسلم ودخل فيما دخل فيه الناس رغم انه ذيل كلامه هذا مما لا ينسجم معه إلا ان نقول انه اسلم

ص: 245


1- - حوادث سنة11 ه-، ج3 ص235 طبعة بيروت.

مكرها بعد ان ضاقت عليه الأرض مما رحبت، يقول الطبري ما ملخصه ان أبا شجرة أتى عمر بن الخطاب وهو يعطي المساكين من الصدقة فقال يا أمير المؤمنين اعطني فإني ذو حاجة قال ومن أنت قال أنا أبو شجرة بن عبد العزى، قال أبو شجرة أي عدو الله الست الذي تقول :

فرويت رمحي من كتيبة خالد *** وإني لأرجو بعدها ان اعمرا

قال ثم جعل يعلوه بالدرة في رأسه حتى سبقه فرجع إلى ناقته فأرتحلها ثم اسندها في حرة شوران راجعاً إلى ارض بني سليم فقال :

ضن علينا أبو حفص بنائله *** وكل مختبط يوماً له ورقُ

ما زال يرهقني حتى خذيت له *** وحال من دون بعض الرغبة الشفق

لما رهبت أبا حفص وشرطته *** والشيخ يفزع أحياناً فينحمق

إلى آخر الأبيات.

فمتى اسلم وحسن إسلامه حتى يبلي البلاء الحسن في معارك الفتح الإسلامي ويستشهد في معركة القادسية التي حدثت في أوائل خلافة عمر.

4- لا وجود للرواية في كتب الاقدمين سواء منها كتب التراجم والسير أو كتب التاريخ المطولة منها والمختصرة رغم ان خبرا كهذا يطير صيته ولا يغفل عنه مسجلو الحقائق، وانفرد بذكرها الزبير بن بكار عن رواته المجهولين الكذابين الوضاعين.

ص: 246

5- لو صح هذا الخبر لكان أحرى بالخنساء أن تمجده وتسجله في شعرها بدلاً من ان تبقى راثية أخويها الذين قتلا في الجاهلية صخر ومعاوية ولها نظم فيهما متأخر عن معركة القادسية(1).

6- إن صبغة التصنع والتكلف بادية على الوصية خصوصاً في جزئها الأخير وما أشبهها بصناعة القصاصين وأهل المقامات الذين راج سوقهم في العصر العباسي.

7- أثناء بحثي هذا في مصادر الكتب وجدت اثنين من الكتاب المتأخرين وهما الدكتورة بنت الشاطىء والدكتور محمد جابر عبد العال الجبني يشككان في صحة الرواية، أما بنت الشاطىء فتشكك في صحة صدور وصية الخنساء لبنيها وأما الجبني فانه يتهم الرواية كلها بالوضع، وأنا أسجل ما قالا محتفظاً لهما بما توصلا إليه.

تقول الدكتورة بنت الشاطىء(2)((والرواة مجمعون على ان عددهم أربعة وان لم يحددوا بالضبط أسمائهم وحين نحاول هذا يلقانا عنت من اضطراب الروايات فابن قتيبة ( الشعر والشعراء : 1/301 ) يذكر انها ولدت لمرداس ثلاثة بنين : زيداً ومعاوية وعمراً وبنتاً واحدة فهل كان رابعهم أبا شجرة ابن عبد العزى وقد تاب من الردة، لكن الخنساء تقول في وصيتها لهم : إنكم بنو

ص: 247


1- ديوان الخنساء ص103،126 وغيرها.
2- الخنساء ص40 نقلناها بواسطة كتاب (الخنساء شاعرة بني سليم) للجبني ص76.

أب واحد وأم واحدة فالأربعة إذن أشقاء وقد نجد مخلصاً في اتهام هذه الوصية بالوضع وإنها في الحق لظاهرة التكلف لكنا لا نملك ان نقطع هنا باليقين)).

ويقول الدكتور الجبني(1): ((ذهبت القصص عن الخنساء إنها رافقت بنيها الأربعة حين ضرب البعث على المسلمين فذهبت معهم وأوصتهم في وقعة القادسية وهذه الوصية ترد في المصادر على ثلاثة ألوان أما مشاراً إليها كما نرى في تاج العروس الذي يقول ( وروي انها شهدت القادسية ومعها أربعة بنين فلم تزلتحضهم بكلام فصيح فأبلوا بلاء حسناً واستشهدوا فكان عمر رضي الله عنه يعطيها ارزاقهم ).

وأما باختلاف في النص كما أورد صاحب أعلام النساء (ج1 ص313 وص314 وص315) الذي اختلف مع غيره فلم يذكر انهم بنو أب واحد وأم واحدة واتفق مع الآخرين بعد ذلك ولعله اسقط القول بأنهم بنو أب واحد لعلمه بان أحدهم – وهو أبو شجرة – من أب والباقون من أب آخر.

وأما اختلاف بحذف بعضها كاختلاف ابن حجر الذي قدَّم وأخَّر في بعض العبارات وجاء بالوصية مختصرة فإذا تغاضينا عن هذا الاختلاف السطحي لأنه لا يسقط النص وجدنا صاحبة الدر المنثور تتفق مع ناشر ديوان الخنساء ص11 في نص الوصية (في ص111) وهي كما يوردها على

ص: 248


1- - الخنساء شاعرة بني سليم للجبني ص87-89.

الوجه الآتي : (وكان للخنساء أربعة بنين فلما ضرب البعث على المسلمين بفتح فارس صارت معهم وهم رجال وحضرت وقعة القادسية سنة 16 ه-(1) وسنة 638م وأوصتهم من الليل بقولها : يا بني إنكم أسلمتم طائعين وهاجرتم مختارين ووالله الذي لا اله إلا الله هو إنكم لبنو رجل واحد كما إنكم بنو امرأة واحدة ما هجنت حسبكم ولا غيرت نسبكم واعلموا ان الدار الآخرة خير من الدار الفانية اصبروا وصابروا واتقوا الله لعلكم تفلحون فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها وجللت ناراً على أرواقها فتيمموا وطيسها وجالدوا رسيسها تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة ).

فلما أضاء لهم الصبح باكروا إلى مراكزهم فتقدموا واحداً بعد واحد ينشدون أراجيز يذكرون فيها وصية العجوز لهم حتى قتلوا عن آخرهم فبلغ الخبر إليها فقالت : (الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وأرجو من ربي ان يجمعني بهم في مستقر الرحمة).

وأنا اتفق مع الدكتورة بنت الشاطىء على ان هذه الوصية ظاهرة التكلف وأضيف إنها لو كانت صحيحة لما غفل القدماء عن ذكرها أو الإشارة إليها على الأقل وإذا عرفنا بعد ذلك ان من رواتها محمد بن الحسن المخزومي المعروف بابن زبالة الذي نص ابن حجر في الإصابة ( ج8

ص: 249


1- - وهذا وهمٌ لأن القادسية حدثت سنة14 ه- كما في تاريخ الطبري وغيره.

ص67) على انه أحد المتروكين رجح لدينا أنها موضوعة وان واضعها يتميز بأمرين واضحين : أحدهما : جهله بتاريخالخنساء أنها تزوجت اثنين ولدت اكبر بنيها من رواحة بن عبد العزى والباقين من مرداس بن أبي عامر وجهله ايضاً :

بتاريخ اكبر بنيها فانه اسلم وارتد ولم يعد إليه إلا مرغماً بعد ان ضاقت الدنيا في وجهه فعاد معلناً التوبة وذلك واضح من تاريخ أبي شجرة عبد الله الذي ذكره الطبري في أحداث سنة 11)). انتهى موضع الحاجة.

ثم وجدت للدكتور احمد الربيعي تحقيقاً نافعاً(1) نلخص منه قوله ((لقد وقع كثير من القدماء والمعاصرين الذين ترجموا حياة العباس بن المرداس السلمي في أخطاء فاحشة عندما ظنوا ان أمه تماضر بنت عمرو بن الشريد السلمية الشاعرة الجاهلية التي اشتهرت برثائها لأخيها صخر وعندما ظنوا ان الخنساء هذه حضرت مع أربعة من أولادها يوم القادسية وعندما ظنوا ان أولادها استشهدوا في هذا اليوم.

فالصحيح ان أم العباس بن المرداس أمة زنجية سوداء لا نعرف اسمها وان تماضر الخنساء ماتت في الجاهلية وان الخنساء التي شهدت القادسية هي الخنساء بنت عمرو النخعية القحطانية اليمانية، وان أبنائها الأربعة لم يستشهدوا بل قاتلوا حتى فتح الله على المسلمين فعادوا إلى أمهم سالمين.

ص: 250


1- - العذيق النضيد بمصادر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ص213-223.

وقد كان للمرداس ثلاثة زوجات إحداهن تماضر الخنساء وكان لتماضر أربعة أزواج غير المرداس، أحدهم عبد الله بن رواحة السلمي ولها منه ولد واحد هو أبو شجرة عبد العزى وقد حاول اغتيال عمر لولا الشرطة الواقفة على رأسه وله في ذلك شعر ( الكامل للمبرد 1/488 وتاريخ الطبري 3/266 ) ومنهم زهير بن جذيمة العبسي ولها منه اثنا عشر ولداً احدهم قيس بن زهير الذي قاد بني عبس في ملحمة داحس والغبراء وقد قتل أكثرهم في الجاهلية، وأخوه ورقاء بن زهير له شعر يذكر فيه أمه تماضر وأباه زهيراً (الجمهرة للكلبي/ 175، العقد الفريد : 5/135 – 137، الكامل لابن الاثير 1/558، امثال العرب للمفضل الضبي : 36 والنقائض لأبي عبيدة : 1/97 – 98 وغيرها ) وكان دريد بن الصمة الجشمي الهوزاني قد خطبها فردته وهو صديق أخيها معاوية وعضيده والآخذ بثاره لحلف بينهما ولابد ان يكون عمرهما متقارباً ودريد هو الوحيد من جيل تماضر الخنساء الذين أدركوا الإسلام، وقد قتل دريد يوم حنين في السنة التاسعة للهجرة وعمره بين150-200 سنة (الشعر والشعراء لابن قتيبة : 1/343، المعمرون للسجستاني : 27، الأغاني للأصفهاني : 10/3،22/32، 33 و 15/76).

أما تماضر الخنساء فقد ماتت يوم (ذي حسى ) وهو من أيام داحس والغبراء قتلها سيد بني ذبيان حذيفة بن بدر الفرازي فقتله ابنها قيس بن زهير بن جذيمة العبسي شر قتلة (الأغاني : 17/208، النقائض لأبي عبيدة : 1/97، أمثال العرب للمفضل الضبي : 36).

ص: 251

ولم يدرك الإسلام أحد من والديها واخوتها الثمانية وأزواجها الخمسة وأولادها منهم وأولادهم من غيرها سوى أبي شجرة عبد العزى والعباس بن المرداس السلمي وليس لها شعر في الإسلام.

أما الرواية التي زعمت أنها وفدت مع قومها على النبي (صلی الله علیه و آله) وانه استنشدها واعجب بشعرها وإنها شهدت مع أربعة من أبنائها معركة القادسية فهي رواية الزبير بن بكار الذي قال عنه احمد في كتابه (الضعفاء) انه يختلق الأخبار ويروي الأحاديث المنكرة عن المناكير وينسبها إلى النبي (صلی الله علیه و آله) (السيوطي : شرح شواهد المغني 1/254، الذهبي في ميزان الاعتدال 2/66، وابن حجر في تهذيب التهذيب: 1/313 ).

وأما الخنساء التي شهدت يوم القادسية بأشبالها الأربعة فهي امرأة من النخع وهي رواية الطبري (التاريخ : 3/544) وابن اعثم الكوفي ( الفتوح :1/206 ) وابن الجوزي البغدادي (صفة الصفوة 4/347).

ومن القدماء الذين أشاعوا رواية ابن بكار ابن عبد البر في الاستيعاب (4/1827) وابن الأثير في أسد الغابة (7/90) والنويري في نهاية الارب (18/23، 26 و19/215) وابن خلدون في العبر (م2 ق1 ص637) وابن حجر في الاصابة (4/279،280) والسيوطي في شرح شواهد المغني (1/452).

ص: 252

أما من المعاصرين فجرجي زيدان في تاريخ آداب اللغة العربية (1/741) والبستاني في دائرة المعارف (8/485) والزركلي في الإعلام (2/86) وجواد علي في المفصل (9/877) وغيرهم من الذين ساقوا رواية ابن بكار على علاتها قبل ان يسألوا أنفسهم : أين خطب تماضر الخنساء التي حرضت بها قومها بني الشريد في حروب الجاهلية لو كانت خطيبة وأين شعرها الإسلامي لو كانت صحابية، ولماذالم ترث أبنائها الأربعة – وهم فلذات أكبادها – وقد استشهدوا أربعتهم في ساعة واحدة وهي النائحة الثكلى التي رثت صخراً وبكته حتى عميت وماتت على زعم ابن بكار)).

انتهى ملخصاً.

أقول : بغض النظر عن المناقشات في بعض التفاصيل فان المهم وحدة النتيجة مع ما توصلنا إليه.

ثمرة البحث

بعد هذا التمحيص الذي تعرضت له الرواية فقد أسفرت الحقيقة عن وجهها ولاح الصبح لذي عينين بان الرواية من نسج الوضاعين الكذابين وقد راق للزبير بن بكار – مصدرها الوحيد – بثها لكي يغطي على مأثرة أم البنين فاطمة بنت حرام الكلابية زوجة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) التي تلقت نبأ استشهاد بنيها الأربعة العباس وعبد الله وعثمان وجعفر في معركة كربلاء سنة 61ه- بقولها (الحمد لله الذي جعل أولادي فداءً لأبي عبد الله

ص: 253

الحسين (عليه السلام) والحسين يعني رسول الله (صلی الله علیه و آله) والإسلام فهم فداءً للإسلام ولكن الزبير هذا وهو من نسل عبد الله بن الزبير الذي ترك الصلاة على محمد وآل محمد أربعين جمعة في خطبه حتى التاث عليه الناس فقال ان له (صلی الله علیه و آله) أهل بيت سوء إذا ذكرته اشرأبت نفوسهم إليه وفرحوا بذلك فلا احب ان اقرّ أعينهم بذلك(1) وقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) فيه قوله : ما زال الزبير منا أهل البيت حتى أدرك فرخه ونهاه عن رأيه(2) وينسب مثل هذا القول لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) قال : ما زال الزبير يعد منا أهل البيت حتى نشأ عبد الله(3) وهذا الفرع من ذاك الأصل ومن يشابه أباه فما ظلم، على ان انحراف الزبير بن بكار عن أهل بيت النبوة عليهم السلام معروف، يقول المرزباني : انحراف الزبير بن بكار عن أهل البيت (ع)ظاهر(4) وللزبير هذا هنات وهنات نسبها إلى آل بيت الرسول (صلی الله علیه و آله) الذين طهرهم الله واذهب عنهم الرجس فعند الله جزاءه وهو خير الحاكمين.

والتاريخ الذي كان ملكاً للحكومات الظالمة الجائرة تأثر كثيراً بهذا الدس والتحريف فقلب الحقيقة خيالاً والخيال حقيقة ووجد الحكام في مثل هؤلاء الوضاعين ما يحقق لهم أمانيهم في طمس كل فضيلة لآل الرسول

ص: 254


1- - الكنى والألقاب، الشيخ عباس القمي، ج1 ص294.
2- - معجم رجال الحديث، السيد الخوئي، مج10 ص194.
3- - الاستيعاب لابن عبد البر المطبوع بهامش الاصابة لابن حجر مج2 ص304.
4- - الموشح ص54 نقلناها عن كتاب (السيدة سكينة بنت الحسين (ع) ) للسيد عبد الرزاق الموسوي المقرّم.

(صلی الله علیه و آله) وصنع أبطال وهميين قبالتهم وكانت أم البنين إحدى ضحايا هذه السياسة الظالمة فقد اندرست مأثرتها وأختلست الخنساء بغير حق مكانها ولكن...

يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.

تم بعون الله

ص: 255

الفهرست

في بيان بعض المباني الرجالية 14

* كبرى الانجبار... 14

* انجبار الخبر برواية المحمدين الثلاثة له.... 15

* كبرى الإنكسار... 17

* الترجيح بالشهرة.... 18

* عدم الأكتفاء بجهالة الراوي لردّ الرواية.... 20

* إنسجام الخبر مع مجموعة الأخبار في المسألة.... 21

* التضعيف بالغلو..... 22

* حجية الرواية الضعيفة برواية الأساطين لها.... 23

* مراسيل ابن أبي عمير.... 25

* كبرى وثاقة مشايخ ابن أبي عمير: 26

* مراسيل الثلاثة..... 27

* مراسيل يونس..... 28

* مراسيل أصحاب الأجماع... 30

* تصحيح ما صح عن عبدالله بن مسكان. 30

* عدم حجية مراسيل الصدوق.... 32

* المراسيل التي وقع بنو فضال في سندها 32

* مضمرات أجلاء الأصحاب... 34

ص: 256

* مستثنيات كتاب نوادر الحكمة 34

* من لم يستثنَ من كتاب نوادر الحكمة 36

* في حال تردد المروي عنه مع جلالة ووثاقة الراوي..... 37

* الترجيح بالعقيدة.... 38

* كبرى الوقوع في أسناد كامل الزيارات 38

* كبرى الوقوع في أسناد تفسير القمي 40

* حجية الرواية الضعيفة في التوثيق 41

* عدم ثبوت نسبة رجال الغضائري 44

* التعليق في أسانيد الكافي... 45

* ما قيل في تصحيح سند كتب علي بن جعفر 46

* نسبة كتاب الفقه الرضوي.... 47

* كتاب دعائم الأسلام..... 48

الفصل الثاني :في أحوال بعض الرجال 50

1) إبراهيم بن عمر..... 50

2) احمد بن محمد بن الحسن بن الوليد. 50

3) إسماعيل بن أبي السماك.. 51

4) إسماعيل بن مرار.... 51

5) جعفر بن محمد بن مسرور.. 54

6) الحسن بن الحسين اللؤلؤي. 55

ص: 257

7) حمزة بن حمران.... 57

8) ابو الجارود زياد بن المنذر 58

9) عدم إتحاد سالم بن مكرم مع سالم بن ابي سلمة.... 60

10) سعدان بن مسلم..... 60

11) الضحاك بن يزيد..... 61

12) عبدالرحمن بن سيابة... 62

13) عبدالواحد ابن عبدوس... 63

14) علي بن أبي حمزة البطائني. 65

15) علي بن سعيد..... 68

16) علي بن السندي... 69

17) علي بن محمد القتيبي.... 70

18) عمرو بن حنظلة..... 71

19) المثنى بن الحضرمي..... 72

20) محمد بن أحمد إبن الجنيد الإسكافي. 72

21) محمد بن إسماعيل.... 74

22) محمد بن حكيم... 75

23) محمد بن حمران... 75

24) محمد بن سنان... 77

25) محمد بن الطيار.... 77

ص: 258

26) محمد بن عبدالحميد..... 79

27) محمد بن عبد الله بن المطلب 82

28) محمد بن علي ماجيلويه... 83

29) محمد بن الفضيل..... 83

30) محمد بن مروان... 84

31) مسعدة بن صدقة... 84

32) المعلى بن محمد.... 86

33) يحيى الأزرق.... 88

34) يزيد الكناسي... 89

الفصل الثالث : في تصحيح أسانيد بعض الروايات..... 92

3) تصحيح سند رواية عبدالخالق 96

4) تصحيح سند موثقة إسحاق بن عمار : 98

5) رواية الشيخ الكليني والطوسي (قدس سرهما).... 101

6) تصحيح رواية الحسن بن علي عن أبيه. 104

7) رواية الحسن بن أبي سارة. 109

8) محاولة تصحيح سند خبر الصدوق في الخصال 111

8) رواية الشيخ الصدوق (قدس سره) 112

10) مناقشة في سند صحيحة علي بن مهزيار. 116

11) تصحيح سند رواية الشيخ. 119

ص: 259

12) رواية يونس في حديث.... 122

13) تصحيح سند رواية محمد بن الفضيل. 125

14) رواية معمّر بن خلاد عن أبي الحسن (عليه السلام).... 135

15) صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج. 138

16) طائفة من مراسيل ابن ابي عمير. 139

17) موثقة أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام).... 145

18) محاولة تصحيح رواية موسى بن بكر 146

19) تصحيح رواية عبد الرحمن بن الحجاج 148

20) رواية عبد الملك بن أعين أو مالك بن أعين.... 154

21) رواية أبي بصير بين الصحيحة والموثقة 157

22) مقطوعة ابن أذينة 158

الفصل الرابع : تحقيقات رجالية 163

* مفاد أخبار (من بلغ).... 163

* القراءة الصحيحة لأخبار من بلغ 165

* مدرك آخر لقاعدة التسامح في أدلة السنن. 173

* مراسيل ابن أبي عمير..... 175

* البحث عن أصل هذه الدعوى.... 176

* شبهة الأرسال في التوثيقات الرجالية. 177

* عودة للتحقيق في أصل الدعوى. 178

ص: 260

* تحقيق الحال في المسألة..... 181

* نتيجة البحث:..... 197

تصحيح سند..... 199

* رواية العلل للفضل بن شاذان 199

* التشكيك في كون رسالة العلل لابن شاذان روايةً عن الإمام الرضا (عليه السلام): 200

* ضعف السند بطريقيه.... 207

تحقيق في الإرسال المحتمل. 210

بين الحسن بن محبوب ومؤمن الطاق 210

التحقيق في رواية..... 232

أن للخنساء أربعة أولاد استشهدوا في القادسية..... 232

* نص الرواية... 235

* مناقشة السند..... 237

* 1- الزبير بن بكار :... 238

* 2- محمد بن الحسن المخزومي :.. 238

* 3- عبد الرحمن بن عبد الله :..... 239

* 4- عبد الله بن عمر بن حفص العمري المدني: 241

* 5- أبو وجزة :..... 242

* 6- أبو أبي وجزة :.... 242

ص: 261

* استنتاج... 243

* مناقشة المتن..... 243

* ثمرة البحث... 253

الفهرست... 256

ص: 262

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.