الحوزة وقضايا الشباب

هویة الکتاب

الحوزة وقضايا الشباب

كتاب ضمّ مجموعة محاضرات بهذا العنوان ومحاضرات وتوجيهات أخرى.

محاضرة لسماحة الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله)

ص: 1

اشارة

ص: 2

الحوزة وقضايا الشباب

الحوزة وقضايا الشباب(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

الشباب وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله: (أوصيكم بالشباب خيراً؛ فإنهم أرقُّ أفئدة وأنقى نفوساً)، لأنهم مازالوا قريبين إلى الفطرة لم تلوثهم الذنوب كثيراً، ولم تضغط عليهم الأعراف والتقاليد الاجتماعية والبيئة المنحرفة.

والشباب: المحرك الرئيسي لحياة الأمة والدم الذي يجري في عروقها.

والشباب: يعني الطاقة والحيوية والحماس والاندفاع والتفاعل والعاطفة والحب والمودة والصدق والإخلاص والتواضع، كل هذه الخصال الحميدة تجدها عند الشباب، لذا تجد الاستجابة الفعالة للدعوات الإصلاحية –كرسالة الإسلام- أكثر ما تكون بين الشباب.

فأين الخلل إذن حين نخسر شبابنا، فيقعون فريسة الانحراف والانحلال والتبعية للغرب، أو يضيعون أعمارهم في اللهو والعبث والهوايات الفارغة؟! هذا العمر الثمين الذي نستطيع أن نكتسب في كل ساعة، بل في كل دقيقة منه كمالاً، لماذا يضيع؟ فإن الشباب له القدرة والإرادة على أن يفعل ما يعزم عليه، فإذا ذهب شبابه فإن إرادته ستضعف وهمته ستذوب، والنتيجة هي الضياع!

ص: 3


1- أربع محاضرات ألقيت على طلبة الحوزة الشريفة في درس الفقه بتأريخ 22-25 صفر 1423 الموافق 5-8/5/2002م بمناسبة ذكرى وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتأسّياً به باهتمامه بالشباب وبمناسبة تنصيب أمير المؤمنين (عليه السلام) إماماً وخليفة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو في ريعان الشباب

أما تحب أن تكون ممن يباهي الله تعالى بك ملائكته، فقد جاء في الحديث: إن الله يباهي ملائكته بالشاب الذي نشأ في طاعة الله تبارك وتعالى. وقد يغريك بعضهم بأن الشباب مخصص للعب واللهو وبعد انقضائه نتوب! لا يا حبيبي، ما خلقنا للهو والعبث، بل للجد والعمل، قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ] (الانشقاق:6).

ثم هل يعرف الموت صغيراً وكبيراً حتى تضمن أنك باقٍ إلى حين التوبة؟ وضرب لذلك مثال في الموعظة: لو أنك كنت متعلقاً بحبل ومدلّى في بئر عميق، وفي قعر البئر أفعى عظيمة تنتظر سقوطك لتفترسك، ويوجد جرذان يقرضان في أعلى الحبل ويوشك أن ينقطع فتسقط في فم الأفعى، ماذا سيكون عملك؟ هل اللهو والعبث والغفلة أم يتركز تفكيرك على كيفية النجاة قبل انقراض الحبل؟ هذا المثال المرعب هو حقيقة حياتنا، فالحبل هو حبل العمر الذي يتصرم يوماً بعد يوم، والجرذان هما الليل والنهار اللذان يبليان العمر، والأفعى هو الموت الذي يلتهم كل البشر، فلا تغرّنّكم أيها الشباب هذه الدنيا التي تضحك لكم ويزينها لكم الشيطان، ولا تدفعكم النفس الأمارة بالسوء إلى اتباع الشهوات، قال تعالى: [وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا] (النساء:27).

في مقابل ذلك تقول الروايات: إن الله تعالى ليباهي الملائكة بالشابّ الذي ينشأ في طاعة الله تعالى، وأن الله ليفرح بالعبد التائب الذي يرجع إليه أشد من فرح أحدكم إذا وجد الدابّة الضالّة في الصحراء الواسعة بمائه وشرابه ومتاعه، وإن رحمة الله وسعت كل شيء، ولتقريب سعتها اُنظر إلى رحمة الأم بولدها كيف تتحمل الجوع والأذى والسهر وربما الموت من أجل سعادة ولدها، وفي بعض القصص أن أصحاب الأخدود لما عرضوا على النار ليحرقوا بها، عمدت أحد الأمهات فقطعت ثدييها وأعطتها لولدها ليجعله تحت قدميه خشية أن تكوى بالنار، وفي طوفان نوح (عليه السلام) حملت إحدى الأمهات ولدها

ص: 4

والماء يعلو شيئاً فشيئاً حتى أخذها وغرقت، فرفعت يديها إلى الأعلى وحملت ولدها، وهذه هي رحمة المخلوقين وهي جزء من مائة جزء من رحمة الله وزّعت على المخلوقات من إنسان وحيوان بها يتراحمون، فما مدى سعة رحمة الله تعالى؟

وما الذي يضرّ الشابّ لو عاد إلى الله تعالى والتزم بطاعته وترك معاصيه؟ إنه لا يخسر؛ لأن الله لم يحرّم عليه شيئاً من الطيبات أو اللذات وكل ما يريد منه تنظيم حياته وضبط شهواته في الإطار الصحيح لتكون حياته مستقرة وسعيدة ليس فيها اعتداء وتجاوز على حقوق الآخرين، وليس فيها ظلم لنفسه التي هي أعزّ شيء عنده فكيف يعمل على إيذائها بعمل المعاصي والاستجابة لشهواتها التي ترديه في المهالك؟

أنا لا أصبّ اللوم على الشاب وحده إذا انحرف أو أساء التصرف، وإنما هناك عوامل كثيرة آدت إلى ذلك (منها):

1 جهل المربّين وأولياء الأمور بالأساليب الصحيحة للتربية وضغطهم على الأبناء ليعيشوا الحياة التي يعيشونها هم، وهو تصرف غير صحيح ونهى عنه الإمام (عليه السلام)، وفسر ذلك بأنهم (خلقوا لزمان غير زمانكم)(1).

2 - غياب القدوة الحسنة(2) التي يتأسى بها، وعلى النقيض من ذلك فإنه يوجد المثل السيئ الذي يعكسه عناصر الاقتداء للناشئ، كالأب والأم والمعلم في حياته، فإذا كانت القدوة سيئة فماذا نتوقع من المقتدى؟ فهم ينهونه عن تصرف ويفعلونه أو يأمرونه بفعل ويخالفونه، لذا نصحت الأحاديث كل من يؤدب غيره ويعظه أن يؤدب نفسه ويعظها أولاً.

ص: 5


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: 20/267.
2- راجع محاضرة (حاجتنا إلى الأسوة الحسنة) التي ألقيت بمناسبة ذكرى ميلاد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عام 1423.

3 - البيئة الفاسدة التي تحيط بالناشئ، وهو لخلوه من التجربة وعدم نضجه يحاول أن ينفتح على أصدقائه ليأخذ منهم الحلول لمشاكله وهمومه في غياب العلاقة الودية المبنية على الصراحة والثقة بين الولد وأبيه.

4 - انتشار وسائل الإفساد وإحاطتها به في مقابل غياب صوت الحق أو ضعفه وصعوبة إيصال صوته، فأغلب المساجد خالية من أئمة الجماعات وليس فيها خطب أو محاضرات أو حوارات، ونحو ذلك من الصعوبات.

5 - الجهل لدى المربّين باتخاذ المواقف الصحيحة التي تتناسب مع الفرد والبيئة والخلفيات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والنفسية.

ونحن بحمد الله تعالى نمتلك تراثاً ضخماً خلّفه المعصومون (عليهم السلام) يعالج كل هذه المشاكل، ويواجه كل هذه التحديات، ويخلق جيلاً واعياً خلوقاً ملتزماً هادفاً يحقق السعادة والرفاه والاستقرار لنفسه ولمجتمعه، وقد حفلت كتب التربية الإسلامية بهذه الحلول، وذكرتُ بعضها في عدد من كتبي ك(فقه الجامعات) و(فقه العائلة) و(ظواهر اجتماعية منحرفة)، وسأحاول بإذن الله تعالى أن أتناول بالتفصيل مشاكلهم وهمومهم وطموحاتهم عندما يوفقني الله تعالى، عسى أن تتكلل جهودنا بالنجاح ونوفر جيلاً مسلماً صادقاً كما ينتظره الإمام الموعود من المطالبين بالخلاص من الظلم على يديه وإقامة العدل في أنحاء المعمورة بإذن الله تعالى.

لكني في هذه العجالة أنبّه باختصار إلى بعض الظواهر المنحرفة والصفات السيئة لدى الشباب، لنتعاون على إصلاحها تطبيقاً لقوله تعالى: [وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى](المائدة:2)، [وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ](العصر:3):

1 - قلة التفقه في أمور الدين وضعف مستوى الوعي الديني لديهم، فنادراً ما تجد واحداً منهم يعدّ قارئاً، وإلا فان أغلبهم سطحيون ودون مستوى تحديات العصر، لذا حاولت أن أطرح لهم ما يحتاجون من أفكار في كتيبات

ص: 6

وحواريات مبسطة مع إرشادهم إلى الكتب المعمقة للسعي نحو المزيد من التكامل.

وعندما حللت أسباب هذه السطحية وضعف رغبة الشاب في القراءة المعمقة والتأمل والتفكير وجدت أن أهمها متابعة التلفزيون والرياضة، فإنهما كلاهما يركّزان على جانب الإثارة والانفعالات العاطفية ويهمشان الفكر، فيبتعد المواظب عليها عن الفكر العميق والصبر والمثابرة في اكتشاف الحقائق العلمية والتوصل لها، فلم تبقَ لأحدهم همة في متابعة الكتب والتعمق فيها. هذا غير العوائق الأخرى كغلاء الأسعار وضعف القدرة الشرائية، ولكن توجد عدة فرص لهم للتفقه في أمور دينهم في مدنهم من خلال حلقات الدرس التي يعقدها أئمة المساجد ووكلاء المرجعية الشريفة، أو بالالتحاق بالدورات السريعة(1)

في العطلة الصيفية في الحوزة الشريفة التي تعطيهم دروساً مكثفة، أو الالتحاق كلياً بالحوزة الشريفة. وأهم دروس يركز عليها الشباب: العقائد والأخلاق والفقه والتاريخ.

2 التبعية للغرب في المظهر الخارجي، كقصات الشعر والملابس والأدوات وفي الأعراف والتقاليد وأنماط الحياة، ومما يؤلمني أني أرى أمريكا والصهاينة يفعلون كل هذه الأفعال في المسلمين، خصوصاً وأنا أكتب هذه السطور والقوات الصهيونية تعيد احتلال المدن الفلسطينية وتهدم البيوت على أهلها وتقتل كل من تجده حتى الأسرى وتقطع الماء والطعام والكهرباء وتمنع سيارات الإسعاف من نقل الجرحى والشهداء وتجرف الأراضي الزراعية وتحاصر المدن بشكل خانق، كل ذلك بمباركة ودعم أمريكا، وتخرج المظاهرات للتنديد بذلك لكنها ردود فعل عاطفية وليست حقيقية، لأن المظاهرات تندد

ص: 7


1- كانت هذه الكلمات أول إعلان ودعوة غير مباشرة إلى الشباب خصوصاً الجامعيين منهم للانضمام إلى هذه الدورات، وقد فهمها المئات والتحقوا ذلك الصيف في تلك الدورات، وستأتي الإشارة إليها بإذن الله تعالى.

بأمريكا وهي تقتني البضائع الأمريكية وتلبس الملابس الأمريكية وتأخذ عاداتها وملابسها وقصّات شعرها من الأفلام والمجلات الأمريكية.

إن المواجهة الحقيقية مع أمريكا تكون بالانفصال الكامل عنها في جميع الاتجاهات، وهذا القرآن يسجل سنة إلهية ثابتة: أن النصر لا ينزل على المؤمنين إلا إذا عاشوا هذه المباينة الكاملة مع معسكر الكفر. قال تعالى: [قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ، لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ، وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ، وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ ، وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ](الكافرون). والشواهد التأريخية على ذلك كاملة، فلم ينزل النصر على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا بعد الهجرة والانفصال عن معسكر الشرك، ولا على موسى (عليه السلام) إلا بعد أن خرج ببني إسرائيل من دار الكفر، وهكذا.

آمل أن لا تقع عيني على شاب مسلم يصفّف شعره على نمط بطل فلم (تايتانك)، أو فتاة مسلمة سافرة، أو تلبس الحجاب على الطريقة الفرنسية أو الأمريكية، أو أخر يلبس الميدالية وربما الصليب في عنقه ويضع الأساور في يديه ويتكلم بكل أنوثة ولا يوجد على ظاهره ما يدل على أنه ذكر.

وعلى جميع المؤمنين أن يتعاونوا على اجتناب هذه التصرفات الممقوتة، والذي يزيد الطين بلة أن أبناء الغرب الواعين أنفسهم بدأوا يستحيون من الانتساب إلى حضارتهم المزيفة بعد هذه التصرفات الهمجية والوحشية، فكيف نرضى نحن المسلمون لأنفسنا ذلك.

3 - التدخين ظاهرة سيئة وضارّة من جميع الجهات: اقتصادياً ودينياً وصحياً واجتماعياً وأخلاقياً، فما المبرر للاستمرار بها فضلاً عن التورط فيها كما يحلو لبعض المراهقين الذي يريد أن يثبت رجولته وتشبهه بالكبار من خلال التدخين، وكان عليه أن يثبت ذلك بالتصرفات الحكيمة والمواقف الواعية التي تكشف عن نضجه ووفور عقله، وإني أنظر بازدراء ورفض لمثل هذا الشاب.

ص: 8

وقد بيّن كتاب (حتى متى التدخين)(1)

بوضوح، هذه الأضرار، وأنا أسأل نفس سؤال الكتاب: حتى متى التدخين؟ خصوصاً وأننا نعلم أن صناعة التبوغ من المصالح الاقتصادية المهمة لدى الغرب الكافر، فلماذا نعينه على أنفسنا وندعم اقتصاده الذي يستعمله في القضاء علينا، فهو يقتلنا مرتين: مرة حين يصدر إلينا هذه السموم وينهب أموالنا، ومرة حين يسخّر هذه الأموال لبناء اقتصاده وترسانته العسكرية ليذبحنا بها، فإلى متى نستمر بهذا العمل الشنيع؟ أضف إلى ذلك الأضرار الصحية على الجسم التي يعرفها الجميع وأضرارها الاجتماعية وكذا الأخلاقية، حيث يصبح المدخن أسير هذه السيكارة الملعونة، ويريده الله تعالى أن لا يكون عبداً إلا له تبارك وتعالى.

4 - قضاء الأوقات بالأمور التافهة لتضييع (وقت الفراغ) كما يسمونه، فيتسكعون في الشوارع أو يتبادلون أحاديث غير مجدية وربما كانت مشحونة بالمحرمات، أو يمضون ساعات طويلة في مشاهدة الرياضة ونحوها، فيضيعون على أنفسهم أرباحاً هائلة في تجارتهم التي لن تبور مع الله تبارك وتعالى، لأن الحديث يقول: (إنّما أنت أيامك) ورأس مالك في هذه التجارة ساعات عمرك، فكلما استثمرت منها أكثر نلت درجات أعلى، ومن لا يطمع في الأكمل والأفضل؟ ولذلك كان من أسماء يوم القيامة (يوم التغابن)؛ لأن كل إنسان يشعر بالغبن والتفريط والتقصير لأنه كان يمكنه أن يكون في وضع أفضل لو استغلّ تلك الساعة التي ضيعها في محرم أو لهو وعبث وتسكع وحديث فارغ، لو استغلها في ما ينفعه ويكسبه رضا الله تبارك وتعالى.

وقد عولجت هذه المشكلة وذكرنا البدائل وكيفية استغلال الوقت في كتب عديدة ك(احذر في بيتك شيطان) و(الرياضة المعاصرة في الفكر المعادي للإسلام) و(ظواهر اجتماعية منحرفة)، فاستثمروا - أيها الشباب - ساعات

ص: 9


1- كتيب صدر ضمن سلسلة (نحو مجتمع نظيف) كتبه أحد طلبة جامعة الصدر الدينية بإشراف وتوجيه سماحة الشيخ (دام ظله الشريف).

عمركم فيما هو نافع في دنياكم وآخرتكم، واستشعروا الندم والأسف لأي وقت يضيع منكم؛ فإن هذا الشعور يكون دافعاً ومحركاً لتصحيح المسيرة، ومن لا يمتلك هذا الشعور فإنه في تسافل وانحدار تطبيقا للحديث الشريف: (من استوى يوماه –أي يومه السابق واللاحق - فهو مغبون، ومن كان أمسه خيراً من يومه فهو ملعون)(1)،

وإن الشاب يمتلك طاقات متوثبة وقوية وهي نعمة من الله عليه فليحسن توظيفها.

5 - يعاني الشباب من ضغط (المشكلة الجنسية) كما يسميها علماء التربية والنفس والاجتماع، وأنا لا أراها معاناة ولا مشكلة، فإن العلاقة الجنسية والميل إلى الاتصال بالجنس الآخر من أعظم النعم على الإنسان، ولا أقصد بها الجانب الجسدي منها فقط فإنه بذلك يشترك مع الحيوان، وإنما أقصدها بتمام ما تحمل من معاني روحية ونفسية، تلك التي عبر عنها الله تبارك وتعالى بالمودة والرحمة والسكن وجعلها من المنن العظيمة على عباده: [وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ](الروم:21).

ومن الطبيعي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقصد هذه المعاني حينما يقول: (جعلت لذتي في النساء)(2)،

أو أن يجعل النساء إحدى ثلاثة أمور حببت إليه من الدنيا، لذلك قرنها مع قوله (وقرة عيني الصلاة)(3)

لتعرف معنى اللذة التي أرادها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي لذة الروح والقلب بالسكينة والطمأنينة والحب والمودة والرحمة، والتي هي كلها صفات مشتقة من أسماء الله الحسنى، وقد أحس كل ذلك وجداناً من عاش حياة زوجية سعيدة، كرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع أم المؤمنين خديجة

ص: 10


1- بحار الأنوار: 68/173.
2- الكافي: 5 / 320.
3- بحار الأنوار: 80 / 16.

(عليها السلام)، أو أمير المؤمنين (عليه السلام) مع سيدة النساء فاطمة الزهراء (عليها السلام)، لذا جاء في الحديث الشريف: (ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد الإسلام أفضل من امرأة، تسره إذا نظر إليها، وتطيعه إذا أمرها، وتحفظه في نفسها وماله)(1)،

فهي أعظم نعمة بعد نعمة الإسلام والهداية إلى الإيمان، فيكفي هذه النعمة عظمة أنها تقرن مع نعمة الإيمان.

وبعد هذه المقدمة أقول: إن الغريزة الجنسية نعمة، وفيها فوائد جمة لا يتسع المقام لاستيعابها، وإنما أصبحت مشكلة ومعاناة بسبب سوء الاستفادة منها وسوء توظيفها والابتعاد عن الإطار الصحيح لتلبية هذه الحاجة وعمل عبدة الهوى وأتباع النفس الأمارة بالسوء الذين لا يعلمون إلا ظاهراً من الحياة الدنيا و[إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً](الفرقان:44)، عملوا على تصوير الإنسان وكأنه حيوان هائج نهم لا يعرف غير طاعة الشهوات والاستجابة لنداء الغريزة بأي وسيلة كانت ولو كانت غير شريفة وغير نظيفة، وهذا ناتج من عقيدتهم الفاسدة بأنه: [مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ](الجاثية:24)، ونظرتهم إلى الكون والحياة (إننا خلقنا لنتمتع)، فعلينا أن نحوز أكبر قدر من المتع، وهي من إفرازات حضارتهم المادية الخاوية.

لذلك تجدهم يتفننون بابتداع المتع وإشباع غرائز النفس، ولا تكاد تألف النفس شيئاً من هذه المتع حتى يستحدثوا لها فناً جديداً يجذبها ويستهويها، ولم يكتفوا بضلال أنفسهم وإنما عملوا على تصدير بؤسهم ومصائبهم الأخلاقية والاجتماعية والنفسية إلى المسلمين، وقد حذر القرآن من هجمتهم هذه بقوله: [وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء](النساء:89)، [وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ](البقرة:217)، ولم يتركوا وسيلة لنشر الفساد إلا اتبعوها، وساعدهم على ذلك التقنية العالية المثيرة التي

ص: 11


1- الكافي 5/ 327.

وصلوا إليها، فلا يخلو فلم أو مسلسل أو مجلة أو جريدة من لقطات مثيرة للشهوة الجنسية، بل حتى الصناعات المستوردة(1)

من أبسط شيء كالعلك إلى الملابس أو أدوات التجميل والعطور وغيرها لم تخلُ من هذه الصور، وأشاعوا السفور والتبرج والاختلاط بين الجنسين في محلات العمل وفي دوائر الوظيفة وفي الجامعات وفي المستشفيات(2)،

حتى عاد أمراً طبيعياً ولا يستنكره أحد. كل ذلك لأجل تهييج الشهوة وتصعيد الضغط الجنسي لدى الشباب والشابات مع تعقيد فرص الارتباط المشروع بين الجنسين بالزواج، وستكون النتيجة حتماً ضياع عدد كبير من الشباب وانجرافهم وخضوعهم لسلطان الشهوة القاهر. ومن هنا حصلت المشكلة الجنسية من فعل أيدينا وليست من الطبيعة الإنسانية التي خلقها الله تعالى في أحسن تقويم، فتبارك الله أحسن الخالقين.

وأنا هنا لا أريد أن أحلُّ هذه المشكلة من جميع الجهات، لأن الكلام مختصر وسأؤجله إلى مناسبة أخرى(3)،

ولكن أحب أن أنبّه إلى بعض خطوات العلاج، وهي تجنب المثيرات الجنسية، لأن الغريزة الجنسية ليست كغريزة الجوع، فغريزة الجوع تلحّ على صاحبها سواء أثارها أم لا، أما الحاجة الجنسية فإذا لم يثرها صاحبها فإنها تبقى خامدة.

والمثيرات عديدة تبدأ من الأفلام والمسلسلات إلى المجلات والجرائد إلى الدعايات والإعلانات إلى الحفلات المختلطة والأغاني الماجنة إلى التجمعات التي تحتوي مشاهد الفسق كالمتنزهات ومدينة الألعاب إلى الألبسة النسائية وغيرها كثير مما هو معلوم، فتجب مقاطعتها جميعاً، فإن الله تعالى حريص على أن يسدّ كل منافذ الفساد، فحرَّم النظر إلى ما سوى الوجه والكفين، بل حتى هذه إذا كان النظر إليها يسبب إثارة وفتنة، وحرم الاختلاء والانفراد مع المرأة

ص: 12


1- راجع استفتاء (احذروا الصناعات المستوردة) في القسم الثاني من الكتاب.
2- راجع كتاب: رفقاً بالرجال يا قوارير.
3- راجع محاضرة تالية بعنوان (الزواج والمشكلة الجنسية).

إذا خشي الوقوع في الحرام معها(1)،

وحرم عليها أن تتميع في كلامها لتغري الرجل، قال تعالى: [فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا](الأحزاب:32)، وكره التحادث مع المرأة إلا بكلمات معدودة وضمن الحاجة، وكره أن يقعد الرجل في مكان قامت عنه المرأة حتى يبرد، إلى غيرها من التشريعات التي تهدف إلى توجيه هذه الغريزة وتوظيفها في الموارد الصحيحة، فشجع على الزواج المبكر، وحث على تخفيف المهر لتسهيل أمر الزواج، وجعل الذي يرفض الزواج مع توفر ظروفه راغباً عن سنته (صلى الله عليه وآله وسلم)، وشرع الزواج المؤقت، والذي أريد أن أركز عليه هنا هو ضرورة أن يتجنب الشاب كل المثيرات الجنسية حتى حينما يختار عملاً، فلا يورط نفسه في عمل يسبب له هذه الإثارة، كبيع الكماليات النسائية ونحوها، وسنتناول التفاصيل في مناسبات أخرى إن شاء الله تعالى.

6 - من الحلول الفعالة لضغط الشهوة الجنسية: الزواج المؤقت، وهي منّة عظيمة من الله على هذه الأمة المرحومة التي يعلم الله تعالى أنها ستمر بمثل هذه الأزمة المعاصرة التي حفلت بالمثيرات الجنسية التي تضغط بقوة على الإنسان ليقع في أحد محذورين: إما السقوط في وهدة الغريزة الحيوانية والتنازل عن الشرف والدين، أو الكبت وتلف الأعصاب والإصابة بالأمراض النفسية والاجتماعية.

فكان الزواج المؤقت تشريعاً إلهياً عظيماً، وقد خفف الله تعالى أعباءه وشروطه بدرجة كبيرة ليحقق الهدف الذي شرع من أجله، وهو التنفيس من حدة الشهوة والميل إلى الاتصال بالجنس الأخر، ولو امتثلته الأمة وأطاعت فيه ربها لما بقي للفساد أثر ولا عين، لذا روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (لولا نهي فلان عن المتعة ما زنى إلا شقي)(2).

ص: 13


1- راجع التفاصيل هذه الأحكام في كتاب (أختي انتبهي) و (وفقه المرأة المسلمة).
2- تفسير الطبري: 5 / 19.

لكن الذين يضربون بيدٍ من حديد على هذا الزواج ويشنَّعون على فاعله، لا يستنكرون الدعارة العلنية ولا يجدون في أنفسهم غضاضة من ممارستها، حتى نقل عن بعضهم أن بغياً عرضت نفسها عليه للزنا فرفض، وعرض عليها الزواج المؤقت ليكون اتصالهما مشروعاً فنفرت منه، وقالت باشمئزاز: هذا الذي حرمه سيدنا فلان!! والأغرب من ذلك قضية شهدتها المحاكم التونسية حيث عقد رجل ملتزم على زوجة ثانية، فرفعت الأولى دعوة ضده باعتباره لم يستأذنها، فلم يجد بُدّاً إلا أن يدّعي أنها خَدينة وليست زوجة، لأن القانون لا يعاقب على اتخاذ الخَدينة، ورفضت الزوجة الأولى هذا الدفاع لأنه ملتزم دينياً، هذا هو حال القضاء في بلاد المسلمين. يا لسخرية الأقدار؟

والذي أردت أن أنبه إليه أن هذا التشريع العظيم الرحيم قد أُسيء فهمه وتطبيقه، وأصبح مستهجناً بسبب سوء التطبيق، فقد بلغني أن بعض الشباب يعقد على بنت عقداً مؤقتاً، وإذا أراد الاتصال بها فإنه يتسلل سراً في الليل إلى بيت أهلها ليجتمع بها، باعتبار أن والدها لا يرضى بذلك، فهل هذا تطبيق صحيح، وهل عرف هذان الشابان جواز المتعة وغضّا النظر عن حرمة الاعتداء على أموال الآخرين ودورهم إلا بإذنهم؟ أليسا مصداقاً لقوله تعالى: [أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إلى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ](البقرة:85)؟

أو إن بعضهم يستغلّ فتوى السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) بجواز العقد المنقطع على الباكر من دون إذن ولي أمرها مع عدم الدخول وينسى الأعراف والتقاليد الاجتماعية التي نعيشها، والتي ترفض العلاقة السرية بين الرجل والمرأة وتعاقب عليها أشد العقوبات، خصوصا للمرأة، لذلك استحب في الزواج الإشهاد وعمل الوليمة، ليحصل إعلان عام للعلاقة الشرعية بين الرجل والمرأة.

ص: 14

كما أنهما كثيراً ما لا يلتزمان بهذا الشرط - وهو عدم الدخول - إذ يزين لهما الشيطان هذا الفعل ويغلب على عقلهما فيحصل المحذور، وكثيراً ما يؤدي إلى قتل الفتاة، فهل هذا تطبيق صحيح؟!

كما أن بعضهم تولّع بزواج المتعة حتى صارت عينه تتلصّص على أعراض الناس، ويوزع عروض الزواج على كل امرأة يلقاها بكلمات تصريح أو تلميح.

وكثير من عقود الزواج المؤقت تكون مبنية على مقدمات محرمة؟ فهل بهذا أمر الله تبارك وتعالى: [سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ](الصافات:159)، وقبّحهم الله إذ أساءوا إلى هذا التشريع بخبث سرائرهم واتباعهم لشهوات النفس الأمارة بالسوء.

لذا كان الاحتياط واجباً في اشتراط إذن ولي أمر الباكر في العقد عليها بالمنقطع حتى مع عدم الدخول، ولهذا الاحتياط مناشيء عديدة لا مجال لذكرها الآن، فلابد من الاستفادة من هذه المنّة العظيمة بشكلها الصحيح وبظروفها الموضوعية ومقدماتها المشروعة، وسيكون حلاً مثالياً وإطاراً صحيحاً لكثير من العلاقات العاطفية التي تحصل داخل الجامعات أو خارجها بعد زوال السلبيات واقتناع المجتمع بهذا التشريع، وسأترك(1)

تفصيل الكلام إلى فرصة أخرى بإذن الله تعالى.

7 - ضرورة الارتباط بالحوزة الشريفة ومتابعة إصداراتها وأفكارها ومشاريعها وبذل الجهد لتطبيق أوامرها، وعدم الانقطاع عن زيارة العلماء، خصوصاً وأنهم في النجف الأشرف حيث المرقد الطاهر لأمير المؤمنين (عليه السلام) فيكون من تمام زيارته (عليه السلام) زيارتهم وتفقّد أحوالهم، وعرض

ص: 15


1- تناول سماحته هذه المسألة ببحث فقهي استدلالي ضمن كتابه (فقه الخلاف).

أية مشكلة تواجه المجتمع عليهم للاستفادة من رأيهم، ووجوب تعظيمهم واحترامهم وإظهار الولاء لهم.

ومن ذلك أيضاً الالتفاف حول الوكلاء المخلصين الواعين للمرجعية الشريفة، والمواظبة على حضور صلاة الجماعة(1) والاستفادة من محاضراتهم، وإعطاء الفرصة لهم لأجراء الحوارات والندوات، ومتابعة الحوزة الشريفة من خلالهم، والمشاركة في المسابقات التي يجرونها، ومساعدتهم في تنفيذ الأفكار والمشروعات النافعة، وتقديم المشورة لهم وعرض الاقتراحات المفيدة عليهم. وقد فصلنا القول في ذلك في كتاب (شكوى المسجد).

والقيادة الدينية الواعية العاملة لم تقصَّر في مواكبة كل الأحداث ومواجهة كل التحديات ومعالجة كل المشاكل وتقديم الآراء السديدة في مختلف القضايا، فتصدر عشرات الكتب والنشرات لتغطية ذلك، وما على المجتمع وخصوصاً الشباب إلا متابعتها وإيصال رأيها إلى كل أفراد المجتمع، فعليهم مسؤولية كبيرة لكونهم حلقة الوصل بين الحوزة وبين سائر أبناء الأمة لما يتمتعون به من حيوية ونشاط ومن ثقافة ووعي ومن همة وحماس ومن ثقة

ص: 16


1- ولما كانت هذه الفرصة غير متاحة للجميع فيكون من المستحب شرعاً إقامتها في البيت بحسب الإمكان أو تقيمها الأم في بناتها في البيت إذا كان الرجل يقيمها خارجاً، وهذه الفكرة لو طبقت فأنها ستدفع الكثيرين إلى الالتزام المكثف بالشريعة ومراقبة النفس، والتفقه في الدين ليحافظ على شروط إمام الجماعة من عدالة وفقاهة أمام أسرته، والمراقبة هنا أأكد من مما أمام الناس باعتبار أن أسرته مطلعة على تفاصيل حياته. واقل ما يمكن المحافظة عليه هو صلاة الظهرين من يوم الجمعة مع خطبة بسيطة يجتمع كل أفراد الأسرة لأدائها، يتناول رب الأسرة بعض الأحكام الفقهية المهمة، وإيصال أخر إصدارات الحوزة وتوجيهاتها، ومناقشة بعض مشاكل الأسرة الخاصة وعلاجها وهكذا، وقد جرب بعض الإخوة هذه الممارسة المقدسة فوجد لها بركات مهمة في تكامل الأسرة وحسن بنائها.

الناس بهم، وهذه كلها حجة عليهم إن أحسنوا استخدامها وتوظيفها أُوتوا كفلين من رحمته وإلا فالحساب العسير.

ويجب على الشباب أن يختاروا بدقة المرجعية التي يأتمرون بأمرها؛ لأن اختيار المرجع الذي يقودك إلى الجنة أهم قرار على الإطلاق في حياة المؤمن، لأنه يرسم منهج الحياة الدينية الذي سيتخذه، وقد وضح العلماء ضوابط ومعايير لهذا الاختيار، وقد ذكرت أفكار حول الموضوع في مقدمتي لكتاب (أصل الشيعة وأصولها)، وقد صنفت هذه الشروط إلى ثابتة ومتحركة، وأحذر الشباب أن يكونوا ساذجين وعاطفيين فينخدعون بالدعاوى المجردة من دون تأمل في القرار الخطير.

8 - كثيراً ما يشعر الشباب والمراهقون أن آباءَهم وأولياء أمورهم ليسوا على ما يريدون، فيحدث انفصال بين الطرفين وبرود في العلاقات، وقد تنفقد المودة والصراحة والثقة، وفي ذلك خسارة للطرفين، ويحتاج كل منهما عندئذ إلى إعادة النظر في مجمل علاقته وتصرفاته مع الآخر، وقد قلت كلمتي للآباء في كتاب (فقه العائلة)(1)

وملحق (رسالة إلى الآباء في تربية الأبناء) الذي كتبه أحد الأخوة المؤمنين.

وهنا أريد أن أخاطب الشباب فأقول لهم: صحيح أن لكم الحق في أن ترسموا شكل الحياة التي تعيشونها والمستقبل الذي تعملون من أجله، وليس من حق أحد –حتى الآباء - أن يجبركم على نمط الحياة الذي عاشه هو، كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) محذراً لهم من ذلك ومعللاً: (بأنهم خلقوا لزمان غير زمانكم)، لكن يجب عليكم أن تتذكروا أن للوالدين حقوقاً على الولد لا تبرأ ذمته إلا بأدائها وإلا فعليه وزر عظيم، والأحاديث الواردة في ذلك تقشعر منها الأبدان، ومنها: (ما بين البار بوالديه والأنبياء إلا درجة واحدة وما بين

ص: 17


1- طبع مستقلاً وضمن كتاب (مسائل في الفقه الاجتماعي).

العاق لوالديه والكافر إلا دركة واحدة)، ومنها: (من نظر إلى أبويه شزراً - أي باحتقار وغيظ - وهما ظالمان له أكبه الله على منخريه في نار جهنم)، لاحظ فداحة العقوبة رغم أنهما ظالمان له فكيف وهما لا يريدان له إلا الخير وهما أرحم به من نفسه، فيجوعان ليشبعاه ويعريان ليكسواه ويسهران لينام نوم الهدوء والعافية ويبردان ليدفئاه؟ فهل جزاء ذلك العقوق والتمرد والعصيان؟ وقد قال تعالى: [فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً] (الإسراء:23-24)، وفي الحديث أنه لو وجد شيئا أقلّ من قول (أف) لحرمّه الله تعالى.

فأول حق هو الإحسان إليهما ورعايتهما والتذلل لهما وعدم إدخال الأذى عليهما بأي شكل من الأشكال، وفعل كل ما يدخل السرور على قلبيهما إلى درجة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يأمر أحد الشباب بالرجوع عن الجهاد وهو من أعظم واجبات الإسلام لأن له أمّاً تأنس به، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) له: (إن أنس والدتك بك ليلة خير من جهاد سنة)(1)، وقد قرن الله تعالى الأمر بالإحسان إليهما بوجوب طاعته وتوحيده: [وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا] (الإسراء:23).

وثاني حق لهما هو الانفتاح عليهما في كل الأمور واطلاعهما بصراحة واستشارتهما، فإن كل مقومات المستشار الناصح موجودة فيهما، فهما مخلصان ولا يتوقع منهما الغش ورحيمان ويريدان لك الخير ولهما من النضج والتجربة والخبرة ما ليس عندك، كما أنهما خير عون لك لو اقتنعا برأيك. فالقطيعة معهما تعني سقوطك في أيدي من هم مثلك قليلو الخبرة وليسوا حريصين عليك، بل

ص: 18


1- الكافي: 2/160.

يريدون إيقاعك في الخطأ لكي لا يكونوا هم وحدهم مخطئين، فهل يرضى عاقل بهذه المبادلة؟!

فنصيحتي للشباب ألاَّ يخسروا آباءَهم وأمهاتهم، وأن يعاشروهم بالمعروف حتى لو كانوا مخطئين؛ فمن البرّ بهم والإحسان إليهم أن تهديهم إلى الطريق الصحيح. وأحياناً قد يصعب تحمل تصرفات الوالدين للفارق الكبير في المستوى العلمي والفكري، ولكن ليعلم هذا الشاب أن هذا حصته من البلاء فإن تحمله وأحسن الصبر عليه أوتي أجر الصابرين، قال تعالى: [إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ] (الزمر:10)، وإن قصرّ فيه –والعياذ بالله - جرى عليه البلاء نفسه وأزيد منه، وهو موزور لتقصيره وعصيانه، وأعيذكم بالله أن تكونوا كذلك.

9 - يتظاهر الشباب بأمور كثيرة منافية للدين والأخلاق والمبادئ الموروثة انطلاقاً من قناعات وهمية وليست حقيقية. وسأنبه إلى بعضها:

أ - ممارسة العنف والحركات البهلوانية والاعتداء على الآخرين ولو على نحو المزاح لإثبات رجولته وتفوقه على الغير، تأثراً بأفلام الرعب والبطولات الزائفة.

ب - حفّ الحواجب ووضع مواد الزينة ولبس الأساور ووضع الإكسسوارات تشبهاً بالإناث، والقيام بحركات متميّعة تقليداً للجنس الآخر.

ج - الظهور في الشوارع العامة بالملابس غير العفيفة، كالشورت أو البنطلون الكلاسيك الذي يجسم العورة.

د - الوقوف في طريق النساء وقرب مدارس الطالبات وفي سائر أماكن اجتماع الجنسين بما فيها العتبات المقدسة أحيانا، والعياذ بالله، والتحرش بهن وإطلاق الكلمات التي تخدش بالحياء والعفة.

ه - وضع صور اللاعبين والفنانين والفنانات ورموز الفسق والفجور على صدورهم أو على محافظ الورق (لفكسات)، وكأنه يريد أن يثبت انتماءه

ص: 19

إلى هؤلاء الذين يستحيي حتى أصحابهم من الانتماء لهم، غافلاً عن قوله تعالى: [يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ] (الإسراء:71)، فهل يقبل هذا المسلم كما يسمي نفسه!! أن يحشر مع هؤلاء الذين اتخذهم أئمة؟.

و - ارتداء الألبسة التي تحمل كلمات نابية وغير شريفة سواء في قبعة الرأس أو الصدر أو الظهر وربما تحمل بعضها معنى الكفر، وستأتي الإشارة إلى نفس النقطة بالنسبة للشابات بإذن الله تعالى.

ز - ممارسة العادة السرية والاستمناء ويسمى (نكاح اليد)، وهو محرم شرعاً غاية التحريم، ويجلد الذي يمارس هذه العادة عدداً من السياط حتى يتأدب. وغالباً ما يضطر الشاب إليها لأنه بسوء تصرفه أوقع نفسه في مقدمات محرمة تثير فيه الشهوة الجنسية فيفقد الصبر عليها، كمشاهدة الأفلام والصور الخليعة أو التواجد في أماكن الاختلاط والتبرج أو الاسترسال في التأملات الجنسية أو قراءة الروايات المثيرة للجنس، وهكذا فالحال هو ما ذكرناه في النقطة الخامسة من تجنب المثيرات الجنسية، وربما سنتناول الموضوع بالتفصيل في مناسبة لاحقة(1).

ح - استخدام الهاتف للتحرش بالنساء والاعتداء على أعراض الناس وإزعاج الآخرين وإدخال الأذى عليهم، وكلها أعمال محرمة وإن كان هو يتلذذ بها لغفلته إلا إنها تنقلب إلى حيوانات تؤذيه وتؤلمه في القبر حيث تظهر الأعمال هناك على حقيقتها (الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا)(2)

من غفلتهم ورأوا حقيقة أعمالهم.

ط - ومما يشاع بين الشباب خصوصاً الجامعيين منهم أن يلتقي الواحد منهم مع الآخر بالقبلات من الفم بكل شهوة وميوعة، وتفعل النساء ذلك أيضاً

ص: 20


1- تحقق ذلك في مجموعة من الاستفتاءات ألحقت بكتاب (شباب في مقبرة الجنس) عن نفس القضية، كتبه أحد الفضلاء بإشراف سماحة الشيخ (دام ظله الشريف).
2- بحار الأنوار: 4/134.

بمرأى الرجال، وهو تصرف مستهجن ومحرم وباب واسع للفساد فاجتنبوه [فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ] (المائدة:91).

ي - بعض الشباب يلبس الذهب على شكل خاتم أو حلقة زواج أو قلادة، وكل هذا محرم شرعاً على الرجال، وقد ثبت أن في لبس الذهب أضراراً صحية مهمة، وكذا يحرم على الرجال لبس الحرير الطبيعي.

ك - ومما يفعله الشباب التشبه بالجنس الآخر، فالرجل يلبس الأساور ويتزين كالمرأة ويقضي الساعات الطويلة أمام المرآة لوضع المحسنات وإجراء عمليات التجميل، والمرأة تلبس البنطلون. وغيرها من الأمثلة وهو حرام شرعاً، فلكل جنس شخصيته الطبيعية التي لا تناسبه إلا هي، وأي محاولة للتشبه بالآخرين تجعله فاشلاً (ويضيّع المشيتين) كما يقال في المثل، حيث حاول الغراب أن يقلد الطاووس في مشيته فلم يفلح، فأراد أن يعود إلى مشيته الأصلية فلم ينجح لأنه قد (نسيَها فضيع المشيتين) وهو المثل المشهور.

ل - قيل إنّ عدداً من الشباب يعملون أعمالاً مختصة بالنساء، كالعمل في صالونات الحلاقة والتجميل للنساء أو خياطة الألبسة النسائية، وكل من هذه الأعمال يورط صاحبها في محرمات عديدة، فلا يجوز للرجال العمل في هذه المجالات مطلقاً. وقد نبّهت إلى محرمات الأول في كتاب (فقه الحلاقة)، ومحرمات الثاني في كتاب (فقه العمال).

10 - الانصياع وراء (الموضة) كما يسمونها، وتطبيق كل جديد ولو كان تافهاً وسمجاً ومرفوضاً سواء في قصة الشعر أو تدهينه أو الملابس الخارجية أو السيارات أو الأثاث، والتباهي والرياء بالأمور الدنيوية الزائفة كالموديل الحديث للسيارة أو العشيرة الكبيرة أو الأسرة المعروفة أو المنطقة الراقية أو البيوت الفخمة، والفخر الحقيقي إنما هو بطاعة الله تبارك وتعالى: [قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ

ص: 21

تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ](التوبة:24).

وقد بلغني بكل أسف أن روحاً جديدة من العنصرية بدأت تتفشى في المجتمع، وذلك أن الشاب من مدينة (بغداد) يشعر بالتفوق على أبناء المحافظات الأخرى، فإذا أراد أن يستهزئ بأحد يقول عنه أنه (محافظات)، ولا أدري كيف يكون مجرد الانتساب إلى بغداد أو أي مدينة أخرى سبباً للتفوق؟ إنها عنصرية ممقوتة ومبغوضة ومرفوضة لا تختلف عن عنصرية الجنس والدم واللون والعشيرة التي وضعها الإسلام ونبي الإسلام تحت قدميه، وجاء المعيار الإلهي للتفوق: [إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ](الحجرات:13)، وتوالت الأحاديث الشريفة لترسيخه: (إن الله خلق الجنة لمن أطاعه ولو كان عبداً حبشياً وخلق النار لمن عصاه ولو كان سيداً قرشياً)، فانبذوا هذه النظرة العنصرية وقاطعوا قائلها، وقولوا له (كلنا أبناء الإسلام)، و(كلها مدن الإسلام) وفي كل منها للإسلام ولله تبارك وتعالى ذكرى وموقع، فلا فضل لأحدها على الأخرى إلا بمقدار انتسابها لله تبارك وتعالى.

11 - ارتياد السينمات والملاهي التي تعرض الأفلام الساقطة، وصالات الألعاب التي يتداولون فيها المجلات والصور الخليعة ويتعاطون المخدرات وربما يمارسون بعض المنكرات كاللواط ونحوه، والذهاب إلى مدينة الألعاب ليستغلوا بعض الألعاب كفرصة للاعتداءات الجنسية، كالذي يسمونه (النفق المرعب) وهو مرعب فعلا لما تحصل فيه من معاصي لجبار السماوات والأرض الذي أعد: [نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ](التحريم:6) للعاصين المنحرفين. هذا كله وهم مسلمون ينتسبون إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)!! فأقول لهؤلاء: تداركوا أمركم بالتوبة، فإن الموت يأتي بغتة ولا ينفعكم الندم حين توضعون وحيدين في القبر تلك الحفرة الموحشة، ولا قرين لكم إلا ما قدمتم من أعمال،

ص: 22

وعوّضوا عن هذه الأماكن بالتردد على المساجد ومجالس الوعظ والإرشاد والتوجيه وإحياء الشعائر الدينية، أو اللقاء مع المؤمنين لتبادل الأحاديث النافعة، أو أي مكان فيه نفع دنيوي عقلائي أو أخروي أو ترفيهي من دون أن يتضمن مخالفات شرعية.

12 - كثرت السفرات المدرسية والجامعية التي تكون سبباً للفساد والانحراف لأنها مختلطة ولا تراعى فيها الحشمة والعفاف، وتتطلب أحيانا المبيت ليلة أو أكثر كما لو كانت إلى الموصل مثلاً، وفي هذه المناسبات تنطلق النفس الأمارة بالسوء ويغيب العقل ويحضر الشيطان ليزين المعصية بقوة، وإذا لم تكن نفس السفرة مختلطة فإنها تذهب إلى أماكن فيها اختلاط ومُجون وأجواء عاطفية تضغط على الإنسان للوقوع في المعصية بدرجة من الدرجات وبشكل من الأشكال، وكثيراً ما يرافق هذه السفرات أجواء صاخبة من الغناء والرقص والموسيقى، ويجري كل هذا على حين غفلة من أولياء أمور الطالبات اللواتي جئن لطلب العلم!! فسلاماً على العلم الذي جئن لطلبه! وتحية لأولياء أمورهن الطيبين الوديعين البريئين الذين يحسنون الظن حتى بإبليس ويعتقدون أن نيته سليمة و(قصده شريف)!! ماعشت أراك الدهر عجباً!

وأرجو مطالعة قصة (صراع مع الشيطان) التي تتحدث عن بعض ما يحصل في السفرات المدرسية من مخالفات للشريعة والأخلاق بلا نكير من أحد! وما خفي أعظم. فأين أنتم يا مديرو المدارس والجامعات ويا مربون ويا اساتذة؟ أعلى هذه الدناءة والخسة تربون أبناء الجيل الصاعد؟ مالكم تقدمون خدمة مجانية للصهاينة والأمريكان الذين دأبهم دفع البشرية إلى الحضيض حتى لا يبقى أحد يستحيي من إبراز عورته أمام الناس (كما يقولون في بروتوكولاتهم)؟! ولو واظبوا بدلاً من ذلك على السفرات إلى العتبات المقدسة وزيارة العلماء ورجال الفكر، وإلى مشاهدة رموز تراثنا الإسلامي العظيم ليعمقوا صلتهم بالله تعالى ويأخذوا الدروس والعبر فسيعودون بسعادة روحية وسمو نفسي يتلذذون به

ص: 23

لذة حقيقية لا تلك اللذة الزائفة التي تعقبها حسرة دائمة أو سفرات ترفيهية خالصة من الشوائب.

13 - يرى بعض الشباب أن من تمام التقدم والتحضر أن يصطحب زوجته أو أخته إلى الملاهي والنوادي الاجتماعية ومسارح الرقص وهي في أبهى حلة وأكمل زينة، ومن مقتضيات ذلك أن لا يمتنع لو دعاها غيره على الرقص معه أمام عينيه وإلا وصم بالتخلف والرجعية والالتزام بالتقاليد البالية، ومن أتيكيت حفلات الزواج أن يعرفها على أصدقائه وهي متبرجة ببدلة العرس قد كشفت عن مفاتنها فتصافحهم وربما... أتريد أن أستمر بالحديث أم اهتز كل كيانك ووقفت كل شعرة على بدنك لهذه الفضائع التي ترتكب هنا في هذا البلد الذي يقع في قلب العالم الإسلامي، وهو مركز الإشعاع الفكري على مدى قرون، ومقر المرجعية الشريفة ومراقد الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) والأولياء والعلماء الصالحين، وزيادة على ذلك فهو البلد الذي سيحتضن الإمام المنتظر (عجل الله فرجه) عما قريب ويتخذه عاصمة له، لينطلق منه ويفتح العالم كله فيبسط على البشرية جناح العدل المطلق.

14 - لكل إنسان (هواية) كما يسمونها، وتكثر هذه عند الشباب، وهي مشتقة من (الهوى) وهو يعني الرغبات والنوازع النفسية والميول باتجاه شيء معين يجد فيه راحته، وهو أمر مشروع أن يسعى الإنسان لتحقيق رغبته وسعادته، لكن (الهواية) يجب أن تكون ضمن ضوابط، لأن الاتباع المطلق للهوى من المرديات وقد ورد الذم الأكيد لاتباع الهوى ومدح من منع نفسه عن اتباعه: [وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى](النازعات:40-41).

واتباع الهوى له درجات بعضها كافٍ لاستحقاق أسفل دركات الجحيم، وممارسة الهوايات المتعارفة ليس منه، إلا أن الذي أريد أن أقوله أن الشاب حينما يريد أن يختار هواية أو مالت نفسه إلى هواية معينة فلابد أن

ص: 24

يفحصها أولاً ويدقق في أمرها قبل أن يتعلق بها قلبه ولا يستطيع الصبر عليها، فإن بعض الهوايات تافهة ولا معنى لها ومضيعة للوقت، كحلّ الكلمات المتقاطعة أو المراسلة التي لا جدوى فيها أو الذوبان في الرياضة أو جمع الطوابع ونحوها، فضلاً عن التي توقع في المعصية كتربية الطيور وقضاء الساعات يومياً على سطح الدار لإرسالها وتوجيهها وإعادتها، مع ما يتضمن ذلك من معاصي، كالاطلاع على حرمات الناس ووقوع النزاعات مع هؤلاء الذين يسمونهم ب(المطيرجية)(1)،

فلا بد من اختيار الهواية التي فيها نتائج مثمرة دينياً ودنيوياً كقراءة الكتب أو ابتكار الأجهزة أو الاتصال عبر الانترنيت لتحصيل أحدث المعلومات والأخبار في العلم لتكوين رؤية واعية ومعمقة وواسعة، ونحوها من الهوايات المفيدة.

15 - للعمل والكسب أهمية كبرى في الإسلام، وقد أشرت إلى محبوبيته عند الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في مقدمة كتاب (فقه العمال)، لكن بعض الشباب يعزف عن العمل، أو يشترط شروطاً عديدة لنوع العمل إما هروباً من المسؤولية أو اتكالا على غيره أو استعلاءً أو استكباراً فارغاً، وهم بذلك يخرجون عن سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) التي حبّبت الكسب وشجعت عليه ولم تستنكف منه مادام حلالاً؛ فقد عمل أمير المؤمنين (عليه السلام) أجيراً عند امرأة يهودية في المدينة لسقي الزرع كل دلو بتمره، فاجتمعت عنده ست عشرة تمرة، فجاء بها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأكل معه، وكان عمل أكثر الأنبياء والأئمة الرعي والزراعة. فلا تقصروا معاشر الشباب في الكسب والعمل امتثالاً لقوله تعالى: [هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا](هود:61)، أي طلب منكم إعمارها، نعم يجب أن تتفقهوا وتتعلموا أحكام التجارة والكسب لئلا تتورطوا في الحرام من حيث

ص: 25


1- صدر استفتاء تفصيلي لمعالجة هذه القضية وسيأتي في هذا القسم من الكتاب.

لا تشعرون، وتجنبوا الأعمال التي تكون مظنة للحرام، كبيع الكماليات النسائية فضلاً عن المحرمة وهي كثيرة. وقد ناقشت هذه التفاصيل في استفتاءات وكتب مستقلة فراجعوها، وعليكم بأداء الحقوق الشرعية من أرباح مكاسبكم ليبارك الله لكم فيها ويثيبكم عليها.

16 - ومن القضايا التي تجب دراستها بدقه وإمعان ووضع الحلول لها ظاهرة السفر إلى الخارج، والتي قد تكون لها مبرراتها أحيانا إلا إنها في كثير من الأحوال لا تكون مشروعة، لأنها ليس لها هدف إلا التمتع بالدنيا والاستزادة منها والهروب من المسؤولية ومن واقع المحن والبلايا، وأول نتيجة لمثل هؤلاء هي عدم تشرفهم بنصرة الإمام (عجل الله فرجه)، لأن من يفرّ من هذا البلاء ولا يصبر عليه ولا يسعى إلى تغييره نحو الأفضل، لا يستطيع تحمل أعباء نصرة الإمام (عجل الله فرجه)، وإن كثيراً من الشباب الذين سافروا ضعف التزامهم الديني وربما اضمحل، لأن الانحراف هناك يضغط بشدة ولا يستطيع أكثر الشباب مواجهته لضعف حصانتهم الدينية وتربيتهم الأخلاقية وعدم قدرتهم على السيطرة على أنفسهم، فيكون السفر عندئذ من أوضح مصاديق (التعرّب بعد الهجرة) الذي هو من كبائر الذنوب، وحتى لو استطاع أن يسيطر على نفسه فإنه لا يضمن السيطرة على أبنائه والأجيال اللاحقة، فسيضيعون في ذلك المجتمع الفاسد ويكون هو المسؤول عن ضياعهم، لأنه ألقاهم في مستنقع الرذيلة، ونحن نرى أننا من الصعب أن نسيطر على أبنائنا ونحن في بلاد الإسلام والإيمان، فكيف نسيطر عليهم في بلاد الكفر والانحراف؟ وقد فصلنا القول في هذه الظاهرة في الحلقة الثانية من سلسلة (ظواهر اجتماعية منحرفة)، والحلقة الأولى من سلسله (ظاهرة اجتماعية في الميزان).

17 - إن خطابي التوجيهي هذا للشباب ليس فقط للذكور، وإنما هو للإناث أيضاً، وإن كثيراً من أفكاره مشتركة بين الجنسين، وإن كان الاتجاه

ص: 26

الظاهر له مخاطبة الذكور إلا أنه يمكن تطبيقه على الشابات أيضاً، ويمكن إلفات النظر إلي عدة نقاط مختصة بالإناث، منها:

أ - الاهتمام بالموضة، واللهاث وراء كل جديد، والانصياع لما يقتضيه الأتكيت على مستوى الأزياء، أو قصات الشعر، أو مواد الزينة والإكسسوارات، وهذه من آلهة الجاهلية المعاصرة التي تطاع وتؤدي لها فروض الولاء، وهي مرتبة من مراتب الشرك؛ لأن العبادة في القرآن هي الطاعة والولاء [أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ](الجاثية:23)، وقد أشبعت القول في تصحيح هذه المفاهيم: العبودية، الجاهلية، الألوهية في كتاب (شكوى القرآن) فراجعوه لأهميته، ونوقش موضوع ضياع المرأة في هذه التفاهات وإثارة السلبية على النفس والمجتمع في كتاب (رفقا بالرجال يا قوارير).

ب - محاولة إلفات نظر الرجال وإيقاعهم في فخ (الإعجاب) بهن، سواء في شكل الملابس أو تصميمها أو الحركات أو طريقة التكلم، حتى أنّ بعض المحجبات تختار شكلاً من الحجاب للجسد أو للرأس يؤدي هذا الغرض، وبذلك فهن لا يعشنَ حقيقة الحجاب وإنما ظاهره، وبعضهن يكون الحجاب لهنّ أكثر إثارة وفتنة من غيره، ولكي يفهمن حقيقة الحجاب فلتقرأ النساء الكتاب الآنف الذكر.

ج - الولع بمشاهدة التلفزيون ومتابعة المسلسلات والأفلام، وربما الأغاني المصحوبة بالرقصات الماجنة والمظاهر الخليعة. وقد نبّهنا إلى مخاطر ذلك في كتاب (احذر في بيتك الشيطان) والحلقة الثالثة من (نحو مجتمع نظيف).

د - فقدان الحياء والعفة والحشمة في بعض المناسبات، كالأعياد وحفلات الزواج، حيث يكون التبرج والزينة المثيرة والملابس الفاضحة والرقصات الماجنة بحجة أن الموجودات كلهن نساء، مما يسبب وقوعهن في محرمات عديدة. نبهنا إليها في كتاب (رفقا بالرجال يا قوارير)، بل حتى خلع الملابس في بعض

ص: 27

المجالس الحسينية فيه بعض الإشكالات، راجع كتاب (الخطابة النسائية بين الواقع والطموح).

ه - الخروج وحدهن والسفر كذلك، مما يسبب كثيراً من الحرام الشرعي أو النقص الأخلاقي، فقد تتعرض لخلوة مع أجنبي كسائق التاكسي ونحوه أو الاشتراك مع الرجال في مقعد واحد في سيارات النقل، وقد بلغني أن المرأة ربما نامت في الطريق الطويل وتمايلت فتسقط على الرجل الذي بجانبها، كما أن انفرادها يعرضها لتحرش الساقطين وإساءة الظن بها، والأكمل من ذلك أن لا تخرج من البيت إلا لضرورة، ومع تطبيق كافة الأحكام الشرعية، لذا كانت صلاة المرأة في بيتها أفضل من المسجد.

و - من كمال الشابة الالتزام بغطاء الوجه (البوشية) كلما أمكن ذلك، فإن فيه حماية لها والآخرين، لأن وجه الشابة عموماً مما يسبب إثارة وانجذاب، فلا تكن سبباً لفتنة الآخرين وهي بذلك تكون مطبقة لوصية الزهراء (عليها السلام) عندما سأل أبوها (صلى الله عليه وآله وسلم) عما هو خير للنساء، قالت: إن أكمل صفة في المرأة أن لا ترى رجلاً ولا يراها رجل.

ز - إن بعض النساء يبالغن في الاهتمام بالجمال الظاهري، وهو في بعض مراتبه صحيح خصوصاً للزوجة مع زوجها، ومن متطلبات الغريزة الأنثوية إلا أنه لا ينبغي أن يزيد عن حده، فلتكتفي منه بمقدار معقول وتترك الباقي للاهتمام بالجمال الباطني [وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ](الأعراف:26).

ح - عدم الاهتمام بتثقيف أنفسهن والتفقه في أمور الشريعة وزيادة الوعي الديني، بحيث لو أردنا الآن أن نفتح حوزة علمية للنساء لما وجدنا الكادر الكافي للقيام بمسؤولياتها، فكيف نحقق رغبة النساء في إنشاء هذه

ص: 28

الحوزة(1)

ونحن لا نمتلك مثل هذا الكادر؟ فهذا النقص فيهن أكثر من الرجال، ويكفيهن أن يقرأن ما يهمهن من أمور الدنيا والآخرة ككتب الأخلاق والتربية والفقه والعقائد والتاريخ، ومنها (فقه العائلة) و(من ينقذني) و(أختي انتبهي) و(فقه المرأة المسلمة) و(أصل الشيعة وأصولها) بالمقدمة التي كتبتها له و(من وحي المناسبات) خصوصاً ما يتعلق بسيرة السيّدتين خديجة بنت خويلد (رضي الله عنها) وفاطمة بنت أسد (رضي الله عنها) و(ظواهر اجتماعية منحرفة) وسلسلة (نحو مجتمع نظيف) و(فقه الجامعات) و(القلب السليم) و(أحسن القصص) و(منازل الآخرة).

ط - عدم اكتراثهن بأداء وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذه الفريضة الإلهية العظيمة التي نبهت إلى أهميتها في كتاب (الأسس العامة للفقه الاجتماعي)، وهي شاملة للجنسين على حد سواء، بل هي في النساء أهم لكثرة المخالفات عندهن وتفشي الجهل ونقص الوعي فيهن.

ي - ومن مجموع النقطتين السابقتين نشأ نقص مهم آخر، وهو عدم تصدي الواعيات المثقفات منهن لمنبر الوعظ والإرشاد والتوجيه وتبليغ الأحكام، وتركنه بأيدي نساء دنيويات غير متعظات لا يعرفن الا مصالح أنفسهن، فإذا أرادت النساء أن يحظين برضا الإمام المنتظر (عليه السلام) وتأييده لتشملهن ألطافه فعلى الكفوءات منهن اللواتي تتوفر فيهن شروط التصدي - وهنّ كثيرات في هذا الزمان، فأغلب نسائنا مثقفات واعيات تزوّدن بعلوم العصر وأفكاره ومنفتحات - أن يؤدين هذا الواجب خصوصاً نساء الطلبة والفضلاء والعلماء، ويشجعن غيرهن ليكون الجميع من الممهدين للظهور

ص: 29


1- بهذه الطريقة من التساؤل ونحوها، يوصل سماحة الشيخ (دام ظله) مشاريعه وأفكاره إلى من يعيها ويفهمها، وليس بشكل أمر صريح حتى يتجنب (التهم) التي توجَّه إليه من جلاوزة أمن الطاغوت.

الميمون والفائزين بنصرته (عليه السلام) والاستشهاد بين يديه (عليه السلام). وقد ذكرنا معلومات نافعة في كتاب (الخطابة النسائية بين الواقع والطموح).

ك - التزامهن بمقاييس مادية دنيوية عندما يتقدم أحد لخطبتهن، وهو خلاف المقاييس التي وضعتها الشريعة؛ فقد جاء في الحديث: (إذا جاءكم الرجل وقد رضيتم عقله ودينه فزوجوه، إلاّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفسادٌ كبير)(1)،

أما البيت والسيادة والثروة فيمكن أن تأتي مستقبلاً كما وعد الحديث: (إنما الرزق مع الزوجة والعيال)، وهذه الأمور وحدها لا تجلب السعادة إذا لم تغمر الحياة الزوجية المودة والحب والإخلاص والوفاء والإيثار وسائر الخصال الحميدة التي جمعها الحديث المتقدم ضمن عناوين العقل والدين، فأعيذكن بالله أن تخرجن عن سنة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وتقع الفتنة والفساد بسبب الخضوع للمقاييس الدنيوية، لأن الأمر متعلق بكنّ قبل أي أحد آخر حتى الآباء.

ل - خضوعهن للشهوة الجنسية والانفعالات العاطفية والوعود المعسولة، فتتبع بعضهنّ أي إشارة شيطانية وتنسى الدين والشرف والعفة، وتغفل عن التقاليد الاجتماعية التي لا ترحم الفتاة المنحرفة ولا تعطيها العذر، فتكون عاقبتها القتل لغسل العار. فهل تستحق تلك اللذة العابرة هذه النتيجة القاسية؟ ويعلم الله كم أتألم ويعتصر قلبي عندما أسمع بمقتل الفتيات وبطريقة بشعة، لسقوطهن في شباك الذئاب من الرجال الذين لا ينالون نفس العقاب ولا يغسل عارهم، رغم أن العقوبة في الشريعة لهما واحدة على حد سواء. وقبلهما لا بدَّ من عقوبة أولياء أمورهم وغسل عارهم، لأنهم الذين يورطون أبناءَهم في الانحراف بسوء التربية وبالسماح للأفلام الخليعة واللقطات المثيرة أن تعرض في الدار، فماذا يتوقعون أن تكون النتيجة؟

ص: 30


1- الكافي: 5 / 347.

إن من مشاكل مجتمعنا هذه الازدواجية، فنحن نعيش نمطاً من الحياة منفتحاً على الغرب لا يمانع من مشاهدة الأغاني والأفلام والصور المثيرة للشهوة، ونعيش في نفس الوقت الأعراف والتقاليد الموروثة التي لا تسمح بأي شائبة من الانحراف، وبسبب هذه الازدواجية تحصل الكوارث الاجتماعية، فلا نحن نستطيع أن نكون كالغرب الذي تخلى عن كل المبادئ الأخلاقية والإلهية، ولا نحن الذين نرفض ما يخالف التزاماتنا ومبادئنا، فمتى نصحو حتى نخفف عن بعض الآلام التي أمضت بقلب الإمام المهدي (عليه السلام)؟.

م - مباشرتهن العمل في أماكن تسبب الوقوع في المعاصي، فينبغي أن تراعي في العمل تجنب المحرمات كالخلوة مع الأجنبي في بعض الدوائر التي ليس فيها اتصال بالمراجعين، أو في المستشفيات أثناء الخفارات الليلية وفي صالات العمليات وفي غرف النقاهة أو غرف المختبرات، وأحيانا يتطلب الأمر ترك العمل نهائياً. وأريد أن أنبه إلى موردين من ذلك:

الأول: إن بعض المعامل الأهلية تركّز على توظيف العاملات، فيقعن فريسة صاحب المعمل أو رئيس العمال، حيث يزايدونهنّ على شرفهن، وإلا فعقوبتهن الفصل. وهذه ظاهرة منتشرة في كثير من المدن.

الثاني: خروج المرأة الريفية إلى أعمال الزراعة والحراثة ونقل الماء، مما يعرضها إلى السقوط والانحراف وإلى اعتداءات الذئاب والخنازير الذين يحملون صورة البشر، فالله الله في شرفكم ودينكم وأخلاقكم، فإنه أعز من كل شيء، وخذوا من الحسين (عليه السلام) عبرة، فانه لما وصل الماء يوم عاشوراء وأراد أن يشرب وقلبه يتفطر من شدة العطش نودي: أتشرب الماء وقد هتكت حرمك؟ فرمى الماء وعاد إلى المخيم ليحامي عن شرفه وهو يرتجز:

أنا الحسين بن علي *** آليت ألاَّ أنثني

أحمي عيالات أبي *** أمضي على دين النبي

ص: 31

وتوجد قضايا أخرى كثيرة عولجت في كتب متعددة ككتاب (فقه العائلة) و(شكوى القرآن) و(فقه العمال) و(فقه المصورين) و(قيادة السيارات: أحكام وآداب) و(فقه السوق) و(الغناء ينبت النفاق ويورث الفقر) و(فقه الجامعات) و(زيارة مدرسة) و(المسلم الحدث بين حملات التضليل ومسؤولية التكليف) و(التوبة باب الرحمة) وغيرها كثير فراجعها، إضافة إلى الكتب الأخلاقية والعقائدية والفقهية وسير المعصومين والصالحين من العلماء والأولياء.

بعد كل هذه التنبيهات أقول: على كل شاب أن يعيد النظر في حياته ويحاسب نفسه ويدقق تصرفاته، ليرى هل اقترب من الحق أم من الباطل؟ والعياذ بالله.

هل هو من جند الرحمن أم من جند الشيطان؟!

هل هو ممن يمهد للظهور المبارك واليوم الموعود أم ممن يعرقل الظهور وينشر الفساد في الأرض؟!

هل هو ممن يدخل السرور على قلب الإمام المنتظر (عليه السلام) لأنه الحجة الفعلية فتعرض عليه أعمال العباد أولاًًً بأول كما دلّت عليه الآية الشريفة: [وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ](التوبة:105)، وهم (عليهم السلام) المؤمنون، أم إنه ممن يدخل الأذى على قلب الإمام لما يرى من أعماله من صحائف سوداء؟.

أسأل الله تعالى أن يكون جميع الشباب وجميع المسلمين من الأوائل الفائزين في هذه المقابلة، فإني أحبهم وأتمنى لهم الخير وأسرُّ بمشاهدتهم في المساجد ودور العبادة والشعائر الإلهية وفي العتبات المقدسة، وأتفاءل برؤيتهم وأدعو الله تعالى لهم بالتسديد والتثبيت وقضاء الحوائج وحسن العاقبة.

ص: 32

كلمة إلى المدرسين والطلبة

بمناسبة الامتحانات العامة والامتحانات الجامعية(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جعلنا أشرف المخلوقات، بما وهبنا من العقل الذي به يعبد الرحمن ويعصى الشيطان، وبما نفخ فينا من روحه، ولولاها لكنّا نحن والطين سواء، والحمد لله الذي يسّر لنا سبل الكمال في الوصول إليه والتقرب منه، ودلنا عليها وهدانا إليه، والحمد لله الذي منّ علينا بالوجود والحياة والإيمان والولاية لنطيعه ونعبده فنتكامل ونسمو، ولم يجعلنا من الذين اخترمهم الموت فانقطعت عنهم أسباب التكامل إلا ما رحم ربي، والحمد لله الذي جعلنا من الموفين بعهده وميثاقه الذي واثقنا به من توحيده والإخلاص وولاية الهداة إلى سبيله والأدلاء على طاعته محمد وآل محمد صلى الله عليهم أجمعين وسلم تسليماً كثيراً.

لا أملّ من الحديث عن الشباب ومع الشباب، ففي الأسبوع الماضي ألقيت عدة دروس عن مشاكل الشباب ونصيحة الحوزة الشريفة لهم في علاجها ومواجهتها. واليوم –واستجابة لطلب عدد منهم - أودّ توجيه كلمة أبوية لهم، لأن كثيراّ منهم يحسنون الظن بي ويرون فيّ ناصحاً ومرشداً وموجهاً، وهذا من لطف الله تبارك وتعالى بي، واستجابة منه - وهو المتفضل المنان الذي نعمه كلها

ص: 33


1- ألقيت في مسجد الرأس الشريف المجاور لمرقد أمير المؤمنين (عليه السلام) في النصف من شهر آيار/2002 تقريباً، بعد أيام من المحاضرة السابقة (الحوزة وقضايا الشباب).

ابتداء من غير استحقاق مني - لدعاء لا زلت أدعو به منذ عشرين عاماّ تقريباّ وأنا في بداية العشرينيات من عمري، حيث كنت أقرأ في كتاب الميزان في تفسير القران فوصلت إلى قوله تعالى على لسان طائفة من المؤمنين [وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا](الفرقان:74)، فتحدث السيد الطباطبائي (قدس سره) عن علوّ همة هؤلاء، حيث لم يكتفوا بطلب جعلهم من المتقين، بل ارتقت همتهم إلى أن يطلبوا منه تبارك وتعالى أن يكونوا أئمة للمتقين، ومن حينها التزمت بهذا الدعاء وغيره في صلواتي أسوة بهذا السلف الصالح.

وها أنا ذا أجد لطف الله تعالى بي، فإنه عند حسن ظن عبده، فما يضر العبد أن يحسن الظن بربّه غاية الإحسان مادام الرب عند حسن ظن عبده، ومن لطفه أن عدداً من المؤمنين المتقين –خصوصاً من الشباب الذين أرجو شفاعتهم لي يوم الحساب وأتقرب إلى الله بمودتهم - يرون فيَّ هذا الوصف بمعنى من المعاني وبدرجة من الدرجات، فالحمد لله كما هو أهله، أقول هذه الكلمات لإظهار نعمة الله تعالى ولتحفز الهمم لديكم حتى تكون آمالكم معلقة بالله تعالى بأعلى صورها وأكمل أشكالها.

وعوداً على بدء أقول: إنني أريد اليوم توجيه كلمة أبوية لهم بمناسبة قرب الامتحانات الوزارية العامة والامتحانات الجامعية، فلا ينبغي لي أن أدَعَهم وحدهم. فأنا أحبّهم حبين، حب هو لحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إياهم ووصيته (صلى الله عليه وآله وسلم) بهم إذ قال: (أوصيكم بالشباب خيرا فإنهم أرقّ أفئدة)، وحبٌّ لهم لما يتمتعون به من صفات وخصال حميدة ذكرتها في بداية حديثي السابق معهم بعنوان (الحوزة ومشاكل الشباب)، ولأنهم يذكّرونني بمرحلة سابقة من عمري خصوصاً حياتي الجامعية التي عشتها ما بين سنتي 1978 - 1982 بكل ما حفلت به تلك السنون الحبلى بالأحداث، والتي كانت تزهو بالشباب المؤمنين الواعين المخلصين الذين صدق فيهم قوله تعالى: [مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ

ص: 34

وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً](الأحزاب:23)، وبقيت أعيش ذكرياتهم وأحنّ إلى لقائهم، ومن دأب الإنسان الحنين إلى الذكريات، فهذا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يمرّ على جبل أحد بعد مدة طويلة من معركته، فتهيج في نفسه ذكريات تلك الواقعة الأليمة في تضحياتها، العظيمة في نتائجها ودروسها بحسب ما سطرته سورة آل عمران المباركة فيقول (صلى الله عليه وآله وسلم): (أحُد: جبل نحبه ويحبنا)(1).

من أجل هذا كله وجدت من المناسب أن أشاركهم - وهم يدخلون الامتحانات - بالدعاء لهم بالتوفيق والنجاح وتحقيق الآمال التي ترضي الله تبارك وتعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتدخل السرور على قلب بقية الله الأعظم (أروحنا له الفداء)، والدعاء ليس قليلاً، فهو سلاح المؤمنين كما في بعض الأحاديث، فقد قال تعالى: [قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ](الفرقان:77).

لكن الدعاء –على أهميته - لا يكفي وحده حيث قضت الإرادة الإلهية بتحصيل الأمور بأسبابها وعلى مبدأ (اعقل وتوكل)(2)

أضع بين أيديهم بعض النقاط:

النقطة الأولى: يوجد تفكير خاطئ لدى الشباب وأولياء أمورهم بأن الدراسة والشهادة الجامعية لا تنفع، فهؤلاء الخريجون عاطلون عن العمل ولم يحصلوا على وظائف تناسب شهاداتهم، فلماذا التعب والدراسة والعناء؟ وهذا التفكير لا أصفه فقط بأنه خاطئ بل هو خطير، ويقدم خدمة مجانية إلى أعدائنا، لأن من أهدافهم أن نتخلف ونكون جهلة لنبقى تابعين لهم وحراساً لمصالحهم ومنفذين لخططهم، أما التقدم العلمي فيعني استغناءَنا عنهم، وهو شيء لا

ص: 35


1- البخاري: 5 - 136.
2- تأويل مختلف الحديث: لابن قتيبة، ص309.

يطيقونه، فلماذا نحقق لهم مآربهم وهم أعداؤنا؟ أما الإشكال الذي يثار من عدم نفع الشهادة فنجيب عنه بأكثر من جواب:

1 - إن نفع الشهادة لا يقتصر علي تحصيل الوظيفة أو فرصة عمل بموجبها، فهناك آثار إيجابية نفسية واجتماعية وثقافية تترتب على الشهادة، فإن نضج التفكير والوعي لدى حامل الشهادة ليس كالذي عند غير المتعلم، وقوة الشخصية والموقع الاجتماعي ونظرة الناس للمتعلم ليست كما لغيره، وثقة الإنسان بنفسه والشعور بالمسؤولية وعلو الهمة عند المتعلم ليست كما عند غيره.

2 - ما قاله سيدنا الأستاذ (قدس سره)(1)

حينما نقل له اعتراض بعض الطلبة على دراسة الكفاية –وهو أعلى كتاب في الأصول يدرس قبل الدخول في البحث الخارج - وأن هذا الكتاب لا ينفع في العمل الاجتماعي ولا يدخل في عملية الإصلاح والهداية. فقال (قدس سره): نعم هو كذلك لكنك لا تستطيع أن تنفع المجتمع إلا بدراسة (الكفاية)؛ لأن تحصيل الاجتهاد متوقف عليه وبنيل الاجتهاد تنفع الناس وتبين لهم أحكام الشريعة. ونقل عن العالم اليوناني أرخميدس أنه كان بين طلابه يوماً يشرح بعض نظرياته، فقام إليه أحد الطلبة وقال: ما فائدة هذه النظرية في حياتنا حتى نتعب أنفسنا في بيانها والاستدلال عليها، فقال لخادمه: أعطه درهماً. وكأنه يريد أن يقول له: إنك إذا قصدت بالنفع، المردود المادي المباشر فخذ هذا الدرهم لكنه ثمن بخس للعلم، وإنما غاية العلماء هو وضع لبنة في بناء الحضارة الإنسانية، فقد لا يعلم الفائدة المباشرة لهذه النظرية في الفيزياء أو ذلك القانون في الرياضيات أو تلك القاعدة في الكيمياء أو هذه الفكرة في علم الاجتماع إلا أنها جميعاً ساهمت على المدى البعيد في تقدم البشرية وتكاملها تطبيقا لقوله تعالى: [هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا](هود:61)، أي طلب منكم إعمارها.

ص: 36


1- الشهيد الصدر الثاني.

3 - لو سلّمنا وقلنا بعدم نفع الشهادة، فهذا ليس ذنب الحصول عليها، وإنما هو ناشئ من سوء التطبيق والخلل في توزيع المواقع على مستحقيها وبسبب الظروف التي يمر بها البلد، وإلا فقد عشنا في زمان وجدَ كل خريج فرصته من العمل، وهذه البلدان كلها تعدّ خططاّ خمسية أي خطة سياسة البلد لخمس سنين قادمة وفي ضوئها تحدد حاجاتها من الطلبة الجامعيين وكيفية توزيعهم ليكون النصاب المطلوب لتنفيذ الخطة جاهزاّ في الزمان المحدد، وهذا الظرف الذي يمر به البلد طارئ يمكن أن يزول فتعود الحياة إلى مجاريها كما يقال.

فهذا التفكير خاطئ ومضرّ بالمصالح الشخصية والاجتماعية ولابد من علاجه على المستوى النظري والعملي، أما على المستوى النظري، فبالالتفات إلى هذه الأفكار وتعميق القناعة بها واستثارة المحفزات للدراسة والنجاح، ومن هذه المحفزات:

1 - بأن نجعل هدفنا بناء مجتمع مثقف يجيد أرقى فنون العصر وعلومه استعداداً لاحتضان عاصمة الإمام المهدي (عليه السلام) وإقامة دولته التي مقرها هنا في العراق. وأسألكم أيّ المجتمعين أجدى في نصرة الإمام (عليه السلام) مجتمع جاهل ليس فيه شهادات اختصاص في مختلف حقول العلم والمعرفة أم مجتمع مثقف متكامل، فيه الخبراء والاختصاصيون في كل المجالات التي نحتاجها في عصر الظهور الميمون انطلاقاً من قوله تعالى: [وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ](الأنفال:60)؟.

2 - إن الشباب المثقف الخريج المتعلم أقرب إلى الهداية وأكثر استجابة إلى داعيها من غير المتعلم، لأن التدين أمر فطري عند الإنسان، فإذا انضم إليه الوعي والتعقل فلا بد أن ينتج الإيمان، أما غير المتعلم فتصعب هدايته، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن الإيمان إذا دخل قلب المؤمن المثقف فإنه يكون

ص: 37

راسخاً بعكس غير المتعلم، لذا قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (قصم ظهري رجلان عالم متهتك وجاهل متنسك)(1)

ومحل الشاهد هنا الصنف الثاني.

وأعطيك مثالاً من الواقع، فإن مستوى الوعي الديني في بغداد والبصرة أكثر منه في الناصرية والعمارة والسماوة بل حتى النجف وكربلاء(2)

- وأرجو أن لا يتأذى مني أحد، فإنهم كلهم أحبائي وأبنائي. وقد أكون مخطئاً في هذا الاستقراء الناقص لكن المهم الالتفات إلى الفكرة - فلماذا هذا التباين؟ قد يكون له عدة أسباب، لكن السبب الذي أود الإشارة إليه هنا هو وجود الجامعات في بغداد والبصرة دون تلك المدن، وقد قلت قبل قليل أن وجود الجامعة في مدينة تعني ارتفاع المستوى الثقافي والعلمي، فإذا انضمّ إلى الولاء الفطري للتدين الذي يتميز به مجتمعنا العراقي أكثر من أي شعب آخر فسينتج حتماً ارتفاع مستوى الالتزام الديني.

وإني بقدر ألمي من خلو هذه المدن الحبيبة (الناصرية والعمارة والسماوة وكربلاء وديالى) من الجامعات كان فرحي بإعلان الجهات الرسمية عن إنشاء وافتتاح جامعات في بعض هذه المدن خلال العام الدراسي المقبل. هذا قرار كان ينبغي اتخاذه قبل الآن، لأن الدراسات العالمية تؤكد أن معدل عدد الجامعات في بلد ما هو جامعة واحدة لكل مليون من السكان، ونحن في العراق حوالي (24) مليون، فيكون المعدل الطبيعي لعدد الجامعات هو (24) جامعة إن لم يكن أكثر، فمتى نصل إلى هذا الرقم؟ أرجو أن لا يكون بعيداً.

3 - إن كل واحد منا يجب أن يهدي الآخرين ويؤثر فيهم طمعاً في الأجر ورضا الله تبارك وتعالى الذي وعد به رسوله الكريم (صلى الله عليه وآله

ص: 38


1- فيض القدير شرح الجامع الصغير: 6 / 378.
2- بقي سماحة الشيخ يطالب بإنشاء الجامعات والمعاهد العلمية في كل محافظات العراق، وينشر الوعي بالمطالبة لدى أبنائها إلى ما بعد سقوط صدام المقبور، وقد تم افتتاح الجامعات في كل محافظات العراق بعد سنوات.

وسلم): (يا علي، لئن يهدي الله بك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس وما غربت)(1)،

وإن تأثير حامل الشهادة في الناس وقبولهم لكلامه أكثر بكثير من غيره، فإن كلمة هداية واحدة تصدر من طبيب أو مهندس أو أستاذ جامعي خصوصاً إذا ارتقى منبراً، تؤثر في الناس وتشدهم إليه أكثر من ألف كلمة يقولها غيره، فحصَّل على الشهادة لتمتلك هذه النقطة القوية من التأثير.

4 - إن العلم مقرون بالإيمان، وقد قيل إن أكثر من خمسمائة آية في القرآن الكريم في فضل العلم والعلماء والحث على تحصيله وذم الجهلاء الذين لا يعقلون و لا يفقهون، ويزيد من معرفته، قال تعالى: [إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء](فاطر:28)، كما حصل لبعض روّاد الفضاء، فإنه لما خرج إلى الكون الفسيح ورأى عجائب الصنع ودقة التنسيق في الكون آمن بالخالق مباشرة بعد أن زالت عن عين بصيرته ظلمات المادية. وإن 93 % من العلماء والمكتشفين الذين استقرأت عقائدهم كانوا موحدين، والباقي لم يثبت له اعتقاد، والأقل جداً كان ملحداً: وقد ألفتْ كتب عديدة في هذا المجال نحو (العلم يدعو إلى الإيمان) و(الله والعلم الحديث) و(قصة الإيمان) و(الله يتجلى في عصر العلم) و(الطب محراب الإيمان).

وأما علاجه على المستوى العملي فبالجد والاجتهاد في الدراسة والنجاح في الامتحانات، وتعاون أولياء أمور الطلبة معهم، وتوفير كل أسباب الراحة لهم ليتفرغوا للتحصيل العلمي، وتقديم كل المعونات اللازمة لتحقيق ذلك، وليعلموا أن أي نجاح يحققه أبناؤهم فإن خيره وفخره لهم بالتأكيد.

النقطة الثانية: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يأخذ من كل شيء عظة وعبرة، فإذا دخل إلى الحمام ونظر إلى الماء الحار تذكر ماء الحميم يوم القيامة الذي قال عنه القرآن: [وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ

ص: 39


1- الكافي: 5: 28.

أَمْعَاءهُمْ](محمد:15)، عندئذ يقول (صلى الله عليه وآله وسلم): (نعم البيت الحمام يزيل الدرن ويذكر بالآخرة)، وإذا رأى ماءً جارياً طهوراً ومطهراً رسم لأصحابه صورة فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (لو أن بباب أحدكم نهراً يغتسل منه خمس مرات في اليوم أترى يبقي على جسده من الدرن شيء، قالوا له: لا يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: فكذلك الصلاة خمس مرات في اليوم كفارة لما بينها من الذنوب)(1)

وهو قوله تعالى: [إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ](هود:114).

فمن تمام التأسي برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي دعت إليه الآية الشريفة: [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا](الأحزاب:21) أن نأخذ الدروس والعبر من كل شيء.

فنتذكر ونحن نخوض الامتحانات: امتحاننا الكبير في هذه الدنيا والمسؤولية التي تحملناها حين رضينا أن نكون خلفاء الله في أرضه، وأخذ سبحانه علينا العهود والمواثيق [وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ](الأعراف:172)، هذا الامتحان لا بد من المرور به [تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ](الملك:1-2)، وقال تعالى: [أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ](البقرة:214)، وقال تعالى: [ألم ، أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا

ص: 40


1- بحار الأنوار: 33/449.

وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ](العنكبوت:1-3)، فليستعدوا لهذا الامتحان الكبير: [وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ](البقرة:197)، كما يستعدون للامتحانات الدراسية وليحذروا من الفشل في ذلك الامتحان كما يحذرون في هذا الامتحان، خصوصاّ وأن في الامتحانات الدراسية يوجد دور ثانٍ وتوجد إعادة السنة، أما الامتحان الإلهي فينقطع بالموت، ويقول عندما يرى عاقبة أعماله: [رَبِّ ارْجِعُونِ ، لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ](المؤمنون:99-100)، فيأتيه الجواب: [كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ](المؤمنون:100)، وفي آية أخرى: [وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ](ص:3) ، نعم ما دام هو في قاعة الامتحان وهي دار الدنيا فإنه يمكنه إعادة الفرصة بالتوبة واستئناف العمل والتعويض عما فات، فليبادر إليها ويغتنمها، فإن الموت يأتي بغتة.

وليأخذ من صورة نجاحه ونشوته والزهو الذي يملأه وهو يسير مرفوع الرأس بين أهله وأصدقائه وأقرانه وأساتذته، نجاحه في الآخرة وهو يعطي كتابه في يمينه فيهنئه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويسقيه أمير المؤمنين (عليه السلام) من نهر الكوثر شربة لا يظمأ بعدها أبداّ، ويجاور الأئمة الطاهرين والأنبياء والمرسلين وعباد الله الصالحين وحسن أولئك رفيقاً، قال تعالى: [وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ](التوبة:72)، أما الفاشل فيكون مطأطئ الرأس قد غُلّت يداه إلى عنقه، وهو قوله تعالى: [فَهُم مُّقْمَحُونَ](يس:8)، ووصف حالهم في آية أخرى: [خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ، ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ، ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ](الحاقة:30-32)، وكثيرة هي مشاهد القيامة في القرآن فراجعوها وتأملوا فيها، وخذوا من صور امتحانكم في الدراسة وما فيها من انفعالات ونتائج فكرة عن ذلك الامتحان الكبير، فإن من طبع الإنسان الاستئناس بالماديات والصور الحسية، ولا يستوعب المعاني الغيبية إلا عبر تجسيدها بالحس.

ص: 41

النقطة الثالثة: إن امتحانات هذا العام ستقترن مع مباريات بطولة كأس العالم، وهي مصادفة سيئة جداً، وقد بينت القيادة الدينية في الحوزة الشريفة رأيها في هذه البطولة وغيرها ببيان تفصيلي تحت عنوان: (الحوزة تحذر من الوقوع في فخ الرياضة)(1)،وقد تضمّن الآثار السلبية والنتائج الخطيرة للانهماك في الرياضة، وإلفات النظر إلى البدائل المفيدة الممكنة. وأريد أن أشدد المنع هنا، لأن الانشغال بها من خلال متابعة المباريات نفسها أو أخبار الفرق واللاعبين وترتيب الدول والتوقعات للفائزين وغيرها ستربك الذهن وتضيع الوقت.

وقد ثبت طبياّ أن متابعة التلفزيون تضعف قوة التركيز عند المشاهد المتابع له، ونقل أحدهم أن مشاهدة ساعة للتلفزيون كافية لشغل الذهن أسبوعاًّ كاملاً، فكيف يصفو للدروس التي سيمتحن بها الطالب؟ فأكرر تحذيري الشديد والأكيد، وإذا دعت النفس الأمارة بالسوء وألحّت وضغطت عليك للمشاهدة فقاومها وانتصر عليها، فإنها أعدى أعدائك كما يقول الحديث وتقودك دائماّ نحو الردى، فلا تتبعها وستجد حلاوة النصر عليها حين مخالفتها وكفى بذلك لذة وزهواً [وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى](القصص:60)، وإذا كان الضغط النفسي شديداً يصعب مقاومته، ومن الحرج التوقف عن الاستجابة إليه فخفّف عن نفسك بمشاهدة وقت قصير بالمقدار الذي يرفع هذا الحرج النفسي، لقوله تعالى: [وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ](الحج:78)، ومن دون أن يتسبب في الآثار السلبية التي أشرنا إليها هناك.

النقطة الرابعة: وهي تتعلق بمسألة الغش في الامتحانات وعدم التقييم الصحيح، وعدم نيل كل طالب ما يستحق، وأريد أن أتناولها من جهتين:

الجهة الأولى: جهة الأساتذة: فإني مطلع على أشكال عديدة من الغش وإعطاء الطلبة ما لا يستحقون، ولا زالوا يبتكرون الأساليب لذلك، فلم تعد

ص: 42


1- راجعه في قسم الاستفتاءات من الكتاب.

تقتصر على أسلوب واحد، بل تنوعت، فمنها إملاء الإجابات الصحيحة على الطالب في قاعة الامتحان، أو تغيير إجاباته الخاطئة إلى الصحيحة عند النظر في دفتره، أو تبديل دفاتر الطلبة فيأخذ أجوبة الطالب الجيد ويعطيها إلى من يريد بتبديل غلاف الدفتر، أو إعطاء الأسئلة الامتحانية إلى الطلبة قبل الامتحانات بمدة وحلّها لهم، أو التلاعب بدرجاتهم، أو ضمان النجاح لمن يأخذ الدروس الخصوصية لديهم، أو فتح دورات سريعة قبل الامتحانات يضمن من يلتحق بها النجاح، وكثيرة هي الأساليب الملتوية التي تؤلم كل غيور على مجتمعه ومستقبل أمته، فإن الأساتذة كالقضاة وعلماء الدين، آخر من نتوقع فقدانهم النزاهة، لأن خرابهم يعني تدمير كيان الأمة ونسفه من القواعد.

وأنا متفهم للضغوط المادية(1)

التي يتعرضون لها والوضع الاجتماعي المحرج الذي يعيشونه، بحيث أصبحوا عرضة للتندر والاستهزاء، ومن هوان الدنيا على الله أن لا يجد المعلم المربي الملتزم الذي كله عطاء وخير القوت الكافي له ولعياله وبأبسط مستويات المعيشة، ولا يملك ما يمكنه من الظهور بالمظهر اللائق به في المجتمع، أو يقف طويلاً على الطريق ينتظر سيارات النقل العام ويتعرض للإهانات بسبب ذلك، في حين يمر عليه أحد طلابه يركب سيارة من أحدث الموديلات وأرقاها من دون أن يعبأ به، أو قد يتصدق عليه فيوصله وقد ملأ الأستاذ الشعور بالذل من رأسه إلى أخمص قدميه، وقد يأتي المدرس إلى المدرسة صباحاً وهو لا يجد طعام الفطور في بيته، فيزاحم الطلبة على ما جلبوه من دورهم من الأطعمة، أو يفتح المدرسون حانوتاً في المدرسة ويجبرون الطلبة على الشراء منه عسى أن يدرَّ عليهم بعض الأرباح، حقاً إن هذه المناظر المؤلمة

ص: 43


1- كان المرتب الشهري لموظفي الدولة يومئذٍ –ومنهم المعلمون والمدرسون- يقل عن خمسة دولارات شهرياً مما اضطر الكثير منهم إلى ممارسة الأساليب المذكورة إلا القلة ممن حافظوا على نزاهتهم وكانوا يتكسبون بعمل آخر خارج الدوام الرسمي، ولا يخفى ما في هذه الكلمات من غمز وانتقاد للسلطة الحاكمة.

تنبئ عن هوان الدنيا على الله تبارك وتعالى كما في الحديث: (لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة لما سقى منها كافراً شربة ماء)(1).

أقول: أنا متفهم لكل ذلك وأرجو أن يصل صوت الحوزة هذا إلى المسؤولين ليرفعوا من مستوى الدعم المادي والمعنوي للأساتذة عموماً كما اهتموا بالقضاة وأصبحت رواتبهم الشهرية تتجاوز نصف مليون دينار، حتى نعيد لهم هيبتهم وشخصيتهم ونمكنهم من أداء دورهم الرسالي في بناء المجتمع الفاضل المتطور.

وإلى أن يتحقق ذلك أقول للأساتذة الأجلاء: إن تربية الأجيال وتعليمهم بل مستقبل الأمة كلها أمانة بأعناقكم، وقد تحملتم هذه الأمانة أو اختاركم الله لحمل هذه الأمانة فأحسنوا تحملها وأدّوها إلى أهلها كما أُمرتم: [إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إلى أَهْلِهَا](النساء:58)، وإذا كانت الظروف قد ظلمتكم فلا تظلموا أنفسكم وتسقطوا وتنحدروا عن مقامكم الرفيع، وارتفعوا عن هذه المطالب المتدنية فإن أول ما تجنونه من هذا الانحدار هو هوان أمركم عند الناس واستصغاركم واحتقاركم ولا نرضى لكم أن تكونوا بهذا المستوى، بل لا يبقى لوجودكم وعطائكم قيمة إذا كانت يدكم هي السفلى، واجعلوا كلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) نصب أعينكم: (استغنِ عمّن شئت تكن نظيره، واحتج لمن شئت تكن أسيره، وامنن على من شئت تكن أميره)(2)،

وأنتم الأمراء لأن عندكم العلم، والعلم خير من المال.

واحتسبوا الضيق الذي تمرون به عند الله تعالى وقد جعله حصتكم من البلاء، إذ لا بد للإنسان من بلاء فإن لم تصبروا عليه وحاولتم التخلص منه بالأساليب غير المشروعة فسيبتليكم بغيره مما لا تطيقونه أولاً، ولا تؤجرون عليه

ص: 44


1- الكافي: 2 / 246.
2- فيض القدير للمناوي: 1 / 134.

ثانياً، ولا تعرفونه ثالثاً، فارضوا ببلاء تعرفونه وتستطيعون تحمله والصبر عليه وتؤجرون به ليدفع عنكم ذلك.

وليعلموا أن في ممارستهم لهذه الأساليب المنحرفة ظلماً للطلبة وعدم إعطاء كل ذي حق حقه والله لا يحب الظالمين. وأروي لهم هذه الرواية ليأخذوا منها العبرة، فقد أحتكم طفلان إلى الإمام الحسن (عليه السلام) ليرى أيهما أحسن خطاً، فقال له أبوه أمير المؤمنين (عليه السلام): (اتق الله، واعلم أن هذا حكم، والله سائلك عنه)(1)

فإذا كان التقييم بين خطين فيه هذه المراقبة والحذر، فكيف بتقييم المستويات العلمية ووضع كل طالب في موضعه المناسب.

وأما وضعكم الاقتصادي فيمكن أن يُحسَّن بالعمل والكسب بعد انتهاء الدوام، أو بأخذ محاضرات إضافية أو بعض الدروس الخصوصية، أو فتح دورات التقوية.

وإني أقول هنا –وهو رأي مراجع الدين جميعاً - أنه يجوز صرف الحقوق الشرعية من الخمس والزكاة ورد المظالم والكفارات ونحوها على الأساتذة الملتزمين الذين لا تكفي رواتبهم لسد احتياجاتهم المتعارفة بالمستوى الذي يحفظ كرامتهم الاجتماعية. والجواز شامل لغيرهم من الموظفين والعمال الملتزمين النزيهين، ولا يحتاج الصرف إلى مراجعة واستئذان.

وإنه ليعجبني ويفرحني ويجعلني متفائلاً ما أسمع عن نزاهة والتزام الكثيرين منهم، وحرصهم على إيصال المعلومات بكل إخلاص إلى الطلبة، وأسأل الله تعالى أن يعينهم ويثبتهم ويكفيهم مؤونة الدنيا والآخرة.

الجهة الثانية: الطلبة: والمنع فيهم أوضح، لأنهم المعنيون، وإنما نقول هذا الكلام حرصاً على مستقبلهم وكيان أمتهم الذي تبنيه سواعدهم وعقولهم، وقد يتذرعون لممارسة الغش في الامتحانات أو دفع الأموال لضمان النجاح أو

ص: 45


1- تفسير مجمع البيان: 3 / 113.

التفوق بغير استحقاق، وسلوك مختلف الأساليب لتحقيق ذلك بعدة مبررات كلها مرفوضة:

(منها): المثل السيئ المشهور (حشر مع الناس عيد) وقد رده الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم وذم اتباع سواد الناس؛ قال تعالى: [وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ](يوسف:103)، [وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ](المؤمنون:71).

(ومنها): أن غيري يفعل ذلك وينال أكثر مما يستحق فأنا أفعله، وجوابه أن الخطأ لا يعالج بالخطأ ولا يبرره؛ قال تعالى: [وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ](الروم:60) أي لا تكن أفعال الآخرين سبباً لاستفزازك وخروجك عن جادة الصواب.

(ومنها): إني إن لم أفعل ذلك أقع في المحذور الفلاني(1)، ونحوه، نعم من حقك أن تدفع ذلك المحذور لكن بالجهد والتعب من أول السنة، وليس حينما يضيق الأمر بك. وليعلم أحبائي الطلبة أن في الغش إهانة للعلم وللأستاذ وللمجتمع الذي يعلق الآمال على هذه الصفوة لتبني له الرفاه والسعادة والتقدم.

النقطة الخامسة: بعد نهاية الامتحانات يتمتع الطلبة بالعطلة الصيفية وهو أمر ضروري لمن أتعب نفسه خلال السنة، فإن الطالب يحتاج إلى عطلة ليريح ذهنه من ذلك العناء الطويل، خصوصاً بعد أن لم يقصر في القيام بواجباته وتحقيق النجاح والتفوق، ولكن العطلة لا تعني التسكع وتضييع العمر وهدر الوقت، فإن هذا لا يناسب الإنسان المخلوق لهدف وهو التكامل، وإنما العطلة

ص: 46


1- يريد به سماحة الشيخ (دام ظله) الخدمة العسكرية التي يُلزَم بها الطالب الذي لا ينجح في الدراسة، ولم يصرّح بها على نحو عام.

تعني التنويع في الأداء والممارسة كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (وإن القلوب لتكلّ فروضوها بطرائف الحكم)(1)،

فكيف نجعل عطلتنا الصيفية هادفة ونافعة؟

وهنا أطرح عدة خيارات يمكن الجمع بينها أو بعضها والجمع أكمل كما يقال في الفقه:

الأول: العمل والكسب خصوصاً لأبناء الأسر ذات الدخل المحدود ليعينوا أولياء أمورهم ويوفروا لأنفسهم مصاريف السنة القادمة، وعليهم اختيار العمل الذي ليس فيه معصية أو شبهة أو يكون باباً للوقوع في الحرام، وقد بينت ذلك في سلسلة محاضرات (الحوزة ومشاكل الشباب) وتوجد فوائد أخرى للعمل والكسب:

أ - إن كثيراً من الآباء لا يؤدون فريضة الخمس في أموالهم أو لا يتورعون عن المكاسب المحرمة والمشبوهة عن علم أو غير علم، فإذا أصبح مكسب الشابّ مستقلاً، أو ساهم مع الأب في مصاريف البيت بالمقدار الذي يساوي تصرفاته في الدار أمكنه رفع هذا الإشكال.

ب - لكي يهيئ مقدمات الزواج الذي هو ضروري لكل شاب، ليحصن نفسه من الانحراف والفساد الذي يحوطه من كل مكان.

ج - إن الكثير من الشباب يعاني من تسلط أبيه وفرضه عليه نظاماً في الحياة لا يوافق التزاماته الدينية، أو يمنعه من ممارسة بعض الأمور التي يقتنع أن فيها رضا الله تبارك وتعالى، وما دام الولد خاضعاً لأبيه من الناحية الاقتصادية فإنه مضطر للاستجابة لأوامره، فإذا أستقل الولد اقتصادياً أمكنه أن يتخذ قراره بشكل مستقل، وهو رأي قدمته لكثير من أبنائي كمقدمة لحلّ مشاكلهم مع آبائهم.

ص: 47


1- نهج البلاغة: 4 / 20.

د - لكي يوفر مبلغاً يمكنه من اقتناء جهاز الكمبيوتر الذي سيساعده كثيراً على التزود بالعلم والمعرفة أو مواصلة الدروس الحوزوية، ويغنيه عن مكتبة ضخمة، والأهم من ذلك كله ليكون البديل عن جهاز التلفزيون الذي أفسد على الجميع دينهم سواءً كانوا رجالاً أو نساءً أو أطفالاً(1).

الثاني: الالتحاق(2)

بالدورات المكثفة السريعة التي تعقدها الحوزة الشريفة خلال العطلة في النجف أو في بقية المدن، حيث تعطي للطالب - الذي يفترض أنه ذو ذهنية معمقة وهمة عالية وإخلاص - دروساً خلال العطلة تعادل ما يأخذه غيره في سنة كاملة، وتتضمن محاضرات في الفقه والعربية والأخلاق والمنطق والعقائد وتلاوة القرآن، وتوفر له بعض ما يسد احتياجاته وبذلك يضمن الطالب عدة أمور:

أ - أنه يسلح نفسه بالعلم والمعرفة التي تعينه على تكميل نفسه وقربه من الله تعالى وتحصنه من الوقوع في شباك الفساد والانحراف والعقائد الفاسدة والأفكار الضالة.

ب - أنه سيكون عنصراً فعالاً في الهداية سواء على صعيد المجتمع أو الجامعة أو المدرسة أو الأسرة، وقد قلنا في مناسبة سابقة إن الإسلام محتاج إلى جميع أبنائه، وهؤلاء الطلبة من خيرة أبنائه، فلماذا يحرمون الإسلام من بركات جهودهم ويعود النفع في النهاية لهم؟.

ج - أنه سيجتاز عدة مراحل دراسية في الحوزة الشريفة خلال السنين، وربما يصل إلى مراحل عالية من دون أن يفرط بدراسته الأكاديمية.

ص: 48


1- كانت مثل هذه المشاريع تثير حفيظة النظام فيداهم البيوت ويصادر جهاز الكومبيوتر والأقراص المدمجة ويعتبرها مبرراً جرمياً يدين المتّهمين!!.
2- قدح هذا المقترح حماس المئات من الشباب الجامعيين فالتحقوا في العطلة الصيفية في دورات حوزوية نظمت لهم، وستأتي الإشارة إليها بإذن الله تعالى.

د - ستصبح له القابلية على الكتابة والتأليف والخوض في مختلف القضايا والمشكلات التي تواجه المجتمع، مما يؤهله بشكل واسع لممارسة دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح الاجتماعي، فيكون من الثلة المؤمنة المخلصة التي عناها الله تعالى بقوله: [وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ](آل عمران:104)، ولا شك أن المناهج الحوزوية تساعد على تنظيم الفكر وتقويته وتوسيعه وتجهيزه بأدوات العلم والمعرفة(1).

وأنا شخصياً قد استفدت من هذه التجربة عندما كنت صبياً دون البلوغ في بداية سبعينيات القرن الماضي حيث التحقت ببعض الدراسات الحوزوية التي كان ينظمها المرحوم السيد علي العلوي وأولاده في مدينة العبيدي في بغداد من الصباح حتى الظهر بعد أن يتلقى هو دروسه في حوزة الكاظمية المقدسة، وكان (رحمه الله) يدرس الشباب، وولداه يدرسان الأطفال من أقراني. ومن تلك الفترة استمر ولعي واهتمامي بقراءة الكتب الدينية والأدبية والأخلاقية والتأريخية. ومن قبل ذلك أي في نهاية الستينات كنت أصحب أخي الكبير الشيخ علي الذي يكبرني بعشر سنين أو أزيد إلى مساجد ومجالس الكرادة الشرقية الزاهرة في تلك الفترة، فاستفدت من تلك المصاحبة لعدد من المؤمنين الصالحين، وكان يستعير لي القصص الدينية للأطفال الصادرة من مصر المزدانة بالرسوم والتي تحكي تأريخ الإسلام، وكنت شديد الولع بها، وكانت البداية المباركة التي فتحت عيني علي المعرفة الدينية إضافة إلى الكثير مما استفدته من مرافقتي لوالدي (رحمه الله) الذي كان خطيباً معروفاً ورث الخطابة والأدب عن أبيه وعن جده رحمهم الله تعالى جميعاً.

ص: 49


1- أثمرت هذه الدورات فعلاً في إنضاج عدد من الأقلام الفتية وظهرت لها آثار علمية نافعة.

ومحل الشاهد هو ضرورة شمول هذه الدورات والحلقات الدراسية لجميع الأعمار حتى الأطفال، بل هم أهم شريحة يجب الاعتناء بهم لأنهم جيل المستقبل، وقد وضع عدد من الأخوة منهجاً لتدريسهم، صدرت منه الحلقة الأولى بعنوان (دروس للصبي المسلم) فيه أزاهير منوعة من الفقه والأخلاق والتربية والسيرة، وإذا لم نحتضن الأطفال ونوجههم فإنهم سيضيعون في الشوارع وبين أصدقاء السوء والبيئة الفاسدة. ومن الطبيعي أن لا تقتصر هذه الحلقات الدراسية على النجف فقط، بل تعم جميع المدن، وليس للذكور فقط بل حتى للإناث اللواتي ظلمن كثيراً، ولم يؤخذن بنظر الاعتبار في أي تفكير حوزوي، رغم أنهن يساوين الرجال في الحقوق، ولكن بالطبع إعطاء كل واحد ما يناسبه ومن دون التجاوز على حدود اللياقة الشرعية والعرفية.

الثالث: إن ممارسة الهوايات أمر طبيعي للشباب خصوصاً في العطلة الصيفية، ولكن من دون أن يكون شعارنا (التسلية للتسلية) أو لقتل وقت الفراغ، بل لابد من أن تكون هذه الهوايات نافعة ومثمرة على صعيد أو أكثر، كممارسة بعض الألعاب الرياضية التي فيها ترويح عن النفس، وتسلية وتقوية للبدن وحفظ للصحة من دون أن تتجاوز الحدود فتدخل في عنوان اللهو الباطل، أو تكون غير عقلائية كالملاكمة وسباق السيارات أو تحتوي على محرمات كالاختلاط بين الجنسين، أو الظهور بمظاهر تثير الشهوة والفتنة وتبرز الأجزاء المحرمة، ومن دون أن تحتوي على مراهنات وغيرها من المحرمات، ومن دون أن تساهم في تشييد هذه الآلهة المزيفة من أصنام الجاهلية الحديثة التي يسمونها بلا خجل من رب العباد (معبودة الجماهير).

فهذه الهوايات على صعيد البدن، وهناك هوايات على صعيد الفكر كقراءة الكتب والمجلات والصحف المفيدة، أو الاشتراك بشبكة الاتصالات العالمية، أو متابعة الأقراص الليزرية العلمية والثقافية والأخبار والأحداث

ص: 50

واستخلاص التجارب منها وهكذا. ويمكن أن تكون الهوايات على الصعيد الاجتماعي كاللقاء مع الإخوة المؤمنين وصلة الرحم ونحوها.

الرابع: المشاركة الفعالة في الشعائر الدينية كصلوات الجماعة أو المجالس الحسينية أو الندوات أو المحاضرات أو المسابقات، والمواظبة على الحضور في المساجد، واللقاء بالعلماء ووكلائهم والاستفادة منهم، وزيارة العتبات المقدسة فإن العطلة فرصة مناسبة للتعويض عما فاتهم من هذه الأمور خلال السنة الدراسية.

ص: 51

الزواج والمشكلة الجنسية

الزواج والمشكلة الجنسية(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

من أوضح سمات حالة الجاهلية –بحسب التعبير القرآني(2) - التي تتردى إليها البشرية كلما ابتعدت عن المنهج الإلهي، هو انتشار الفساد والانحلال الخلقي والعودة إلى الهمجية الحيوانية والانفلات من كل المعايير الإنسانية (وقد فصلت الكلام في ذلك في كتاب شكوى القرآن)(3) وقد بلغ أوجه في جاهلية القرن الحادي والعشرين، ساعدهم على ذلك الرقي المادي والتكنولوجي وتطور وسائل الإعلام وارتباط المعمورة كلها بشبكة الاتصالات العالمية (الانترنت)، فسخروا كل هذه الأدوات الجبارة بما تمتلك من فن وإثارة وانشداد وانجذاب لتمييع الأخلاق وتدمير أية مقاومة نفسية يمتلكها الإنسان لضبط الشهوات والميل إلى إشباعها.

ص: 52


1- محاضرة لسماحة الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) ألقاها بمناسبة ذكرى زواج أمير المؤمنين من الزهراء (عليهما السلام) ألقيت بتأريخ 1/ذي الحجة/ 1423ه الموافق 3/2/2003 م على طلبة جامعة الصدر الدينية بعد منع سماحته من دخول مسجد الرأس الشريف.
2- [أفَحُكْمَ الجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أحسَنُ مِن اللهِ حُكماً لِقَومٍ يُوقِنُونَ] (المائدة:50).
3- راجع فصل (جاهلية اليوم) من كتاب (شكوى القرآن) وقد تقدم صفحة 118 من الجزء الأول من هذا الكتاب.

ولم يسلم شعبنا من ذلك، فدخلوا إليه من كل باب ونافذة كالأفلام التلفزيونية - التي تجاوزت الحد في نشر الخلاعة والمجون - والصحف والمجلات والسينما والفيديو كاسيت والأقراص الليزرية، حتى أبسط الأشياء سخروها لذلك؛ فإذا فتحت غلاف قطعة حلوى وجدت صورة مثيرة وعلى علبة الشخاط كذلك، أما الموجود على أغلفة الألبسة النسائية وعلب الشامبو وغيرها فقد ملأت الأسواق وانتشرت الصور الفاضحة في كل مكان حتى في المدن المقدسة.

أمام هذه الهجمة الكاسحة التي لا تبقي ولا تذر والتي لا يستطيع أن يصمد أمامها إلاَّ من عصم الله ماذا سيكون موقفنا؟

هل التفرج والاكتفاء بقول (لا حول ولا قوة إلاَّ بالله العلي العظيم) ولعن الفساد والمفسدين؟

هذا لا يكفي بالتأكيد فقد نص القرآن الكريم على ذلك بقوله: [وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً](الأنفال:25)، وإنما تكوي بنارها حتى الذين لم يباشروا الفساد لكنهم سكتوا عنه ولم يفعلوا ما يستطيعون لدفعه وحماية المجتمع منه، وقد اطلع الكثير منكم على الرواية التي قصّت خبر أحد الأنبياء الذي أوحي إليه ربه: إني سأعذب مائة ألف من أمتك: أربعون ألفاً من العاصين وستين ألفاً من المؤمنين، قال: يا رب قد علمنا وجه عقوبة العاصين فلماذا تعاقب المؤمنين؟ فأوحي إليه ربه: لأنهم سكتوا عنهم وداهنوهم وجاملوهم ولم ينكروا عليهم(1).

لذا كان من أعظم الفرائض الإلهية، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وورد في الأحاديث ما يبين قيمة هذه الفريضة ودورها في إنشاء المجتمع الفاضل الكامل، فقال الإمام الباقر (عليه السلام) في صفة هذه الفريضة الإلهية: (فريضة

ص: 53


1- المحجّة البيضاء في تهذيب الإحياء للمولى محسن الكاشاني (قده) ج4 ، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

عظيمة بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحلّ المكاسب وترد المظالم وتعمر الأرض وينتصف من الأعداء ويستقيم الأمر)(1)،

فإذا كانت كل هذه البركات موجودة في هذه الفريضة فلماذا التقاعس عن أدائها؟! وإذا ضممنا إليها الآية الشريفة: [وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ](العصر:3) خرجنا بنتيجة هي تكليفنا الشرعي أمام الله ورسوله وأمير المؤمنين وإمام العصر والزمان وهي ألاَّ نقف مكتوفي الأيدي أمام حالات الانحراف والفساد بل ننكرها ونعمل على إزالتها ونتعاون على إيجاد الحلول الشرعية لها، وحينئذ يمكننا أن نطمع بشفاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الطاهرين: [وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ](التوبة:105).

وقد ذكرنا في أكثر من مناسبة وجوب مقاطعة كل وسائل الانحراف والفساد التي اشرنا إليها آنفاً ومقاطعة كل من يتعامل بها ويروجها والتشهير به إن أصر على العناد والعصيان.

لكن الذي أريد أن اهتم ببيانه الآن هو التعاون على إيجاد وتوفير البديل الصالح انطلاقاً من الحكمة المشهورة: (أشعل شمعة خير من أن تلعن الظلام ألف مرة)، والحل هو تشجيع الزواج المبكر فان فيه فوائد جمة:

فوائد الزواج المبكر:

الفائدة الأولى: تحقيق الاستقرار النفسي والطمأنينة والسعادة، فان كلا من الجنسين يشعر أن كمال حياته بالاتصال بالجنس الآخر.

الفائدة الثانية: التكاثر والإنجاب مما يحفظ ذكر الشخص والنوع الإنساني عموماً، وتكثير المؤمنين الموحدين وجنود الإمام المنتظر (أرواحنا له الفداء)،

ص: 54


1- وسائل الشيعة: كتاب الجهاد، أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، باب 1، ح6.

فعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما يمنع المؤمن أن يتخذ أهلاً، لعل الله يرزقه نسمة تثقل الأرض ب لا اله إلاّ الله)(1).

الفائدة الثالثة: الشركة والتعاون على مسؤوليات الحياة، حيث يقتسمها الزوجان وأولادهم في حالة الكبر، فعلى الزوج العمل والكسب وقضاء حوائج الأسرة، وعلى الزوجة رعاية البيت والأسرة والزوج، وعندما يكبر الأولاد يعينونهما ويرفعان عن كاهلهما الكثير من المسؤوليات.

الفائدة الرابعة: تحصيل المكاسب الدنيوية والأخروية المترتبة عن الزواج.

فمن الدنيوية زيادة الرزق، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (اتخذوا الأهل؛ فإنه أرزق لكم)(2).

ومن الأخروية الثواب، فعن أبي عبد الله (عليه السلام): (ركعتان يصلّيهما المتزوج خير من سبعين ركعة يصليها أعزب)(3)، وعن أبي عبد الله (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (من تزوج أحرز نصف دينه)(4)، وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (ما بني بناء في الإسلام أحب إلى الله عز وجل من التزويج)(5).

ومن الفوائد الأخروية أيضاً: إدخال السرور على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بإحياء سنته وتكثير أمته، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: تزوجوا فإنّي مكاثر بكم

ص: 55


1- وسائل الشيعة: كتاب النكاح، أبواب مقدمات النكاح وآدابه، باب 1، ح3.
2- المصدر السابق، ح5.
3- المصدر السابق: باب2، ح1.
4- المصدر السابق، باب1، ح11.
5- المصدر السابق، ح4.

الأمم غداً في القيامة، حتى أن السقط يجيء مُحْبَنْطِأً على باب الجنة، فيقال له: ادخل الجنة، فيقول: لا، حتى يدخل أبواي الجنة قبلي)(1).

الفائدة الخامسة: حماية النفس من الوقوع في الانحراف الجنسي وتجنيب المجتمع الكثير من الجرائم التي لو فتشت عنها لوجدت أن السبب هو الحرمان الجنسي.

الفائدة السادسة: اكتمال شخصية كل من الجنسين بالزواج، فإن من مقومات الشخصية الاجتماعية الزواج والعمل وغيرهما.

لهذه ولغيره مما يعلم الله سبحانه ورد التأكيد الشديد على الزواج والتبكير به، ففي الحديث: (من سعادة المرء أن لا تطمث ابنته في بيته)(2)، وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (تزوجوا؛ فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: من أحب أن يتبع سنتي فإن من سنتي التزويج)(3)، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (من أحب أن يلقى الله طاهراً فليلقه بزوجة)(4)، وعن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قال: جاء رجل إلى أبي (عليه السلام) فقال له: هل لك من زوجة؟ قال: لا، فقال أبي: ما أحبّ أن لي الدنيا وما فيها وأني بتُّ وليست لي زوجة، ثم قال: الركعتان يصليهما رجل متزوج أفضل من رجل أعزب يقوم ليله ويصوم نهاره، ثم أعطاه أبي سبعة دنانير، ثم قال: تزوج بهذه)(5) فترى الإمام (عليه السلام) يعطي من ماله ليعين غير القادرين على الزواج.

ص: 56


1- المصدر السابق: ح2.
2- المصدر السابق: باب 23، ح1.
3- المصدر السابق، باب1، ح6.
4- المصدر السابق، ح15.
5- المصدر السابق، باب2، ح4.

أفبعد كل هذا أحتاج إلى أن أقول شيئاً لتشجيع الزواج والحث عليه؟

هذه هي سنة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا هو الموقف الشرعي، لكن الشيطان وأولياءه الذين يعلمون أن إشاعة الفوضى الجنسية أقوى وسائلهم لتدمير النظام الاجتماعي للشعوب، وبالتالي إركاعها وإخضاعها لأرادتهم، كما عبر البروفسور (ريتشارد كروسمان) المسؤول السابق لقسم الحرب النفسية في بريطانيا: (إن هدف هذه الحرب تحطيم أخلاق العدو وإرباك نظرته السياسية، ودفن جميع معتقداته ومُثُله التي يؤمن بها، والبدء بإعطائه الدروس الجديدة التي نودُّ إعطاءها له، ليصار بالتالي إلى أن يعتقد بما نعتقد به نحن)(1).

والدروس الجديدة التي يعطونها هي بهيمية الجنس المتحرر من كل المعايير الإنسانية والأخلاقية التي سقطوا بها هم وأذلت أعناقهم، حتى إن مثل (كلينتون)(2) رئيس أكبر دولة في الغرب المادي قبل الرئيس الحالي يحاكم علناً بفضيحة جنسية! وأصبح من السهل الحصول على أهم أسرار الدولة بإرسال جاسوسة حسناء!!

إنهم يريدون أن نسقط في الهاوية كما سقطوا [وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء](النساء:89) [وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ](البقرة:120) وقد صدّروا إلينا هذه البضاعة الكاسدة من خلال الأفلام والمسلسلات والصور التي ملأت منتوجاتهم الصناعية، أو باسم الرياضة تارة والفن أخرى أو ملكات الجمال أو عارضات الأزياء، فالأساليب متعددة ولكن النتيجة واحدة، وهي: (إرباك العدو ودفن جميع معتقداته) كما

ص: 57


1- تقدم في كتاب (نحن والغرب) من الجزء الأول من هذا المجلد صفحة 247 في فصل (ما هو تكليفنا في الصراع الحضاري).
2- بيل كلنتون: رئيس الولايات المتحدة الأمريكية لدورتين من 1992-2000.

نقلنا لك قبل قليل عن قادتهم.

ولم يكتفوا بذلك بل وضعوا لنا أعرافاً وتقاليدَ ونظماً للحياة، فيجب على الزوج أن يفعل كذا وكذا، مما يجعل من الصعب أن يحظى كل جنس بالجنس الآخر بالطريقة المشروعة، ليسدّوا عليه منافذ الحلال ويسقط رغم إرادته في الحرام الشنيع.

كل هذا ونحن مطيعون تابعون لهم قد خدعتنا تكنولوجيتهم، ولم نستطع التفريق بين أخلاقهم وعلمهم حتى نأخذ الحسن منهم ونترك لهم قبائحهم.

وقد آن الأوان أن نعود إلى الله تبارك وتعالى، وإلى إسلامنا الذي أنزله الله تبارك وتعالى رحمة للإنسانية وشفاء لأمراضها ودواء لعللها [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ](الأنبياء:107)، وإذا كنا من قبل مغرورين بهم فقد انكشفت الأوراق وبانت الحقائق وزيف ما يدّعون، وبدأوا هم يعانون من ويلات حضاراتهم المادية ويطالبون بإفشاء القيم الروحية ونشر تعاليم السماء بعد أن فشلت كل قوانينهم وإجراءاتهم في الحد من الأمراض الجسدية والأمراض الاجتماعية:

أما الجسدية فعلى رأسها مرض نقص المناعة (الإيدز) الذي يفتك بحياة الملايين منهم، والشرق المسلم خالٍ منه بفضل سيادة شريعة الله.

وأما الأمراض الاجتماعية حيث انتشرت عندهم الجريمة والاغتصاب الجنسي وحوادث الانتحار، وقد دلت الإحصائيات الأخيرة في الولايات المتحدة ازدياد نسبة جرائم القتل والسطو المسلح والاغتصاب الجنسي بمقدار يزيد عن 50% في بعضها، فما هو الحل؟

وللإجابة أقول: إنني قد نبهت في كتاب (شكوى القرآن) إلى أن مما يستفاد من طريقة القرآن في الهداية والإصلاح على صعيد النفس والمجتمع:

ص: 58

معالجة العلل والأسباب للانحراف وإعطاءه الأهمية أزيد من معالجة الانحراف نفسه، وهو بالضبط ما يفعله أطباء الجسد، فمن الخطأ أن تعالج أعراض المرض من دون أن تشخص العلة وتعطي الجرعة المناسبة لإزالتها.

وقد حللّت في مناسبة سابقة أسباب الانحراف الجنسي وشيوع الصحف والمجلات وأشرطة الفيديو والأقراص الليزرية التي تتضمن صوراً خلاعية وأصبح التعامل بها رائجاً سواء على نحو البيع والإجارة أو الاستعارة، وقلت إن وراء ذلك عدة أسباب:

الانحراف الجنسي:

1- ضعف الوازع الديني ونقص التربية الأخلاقية والعقائدية، وهؤلاء الذين يشيعون الفاحشة ويضعون العراقيل في طريق إقامة السنة الشريفة وتطبيق شريعة الله تبارك وتعالى في حياة الناس، وإن كانوا يسمون أنفسهم مسلمين إلا أنهم ليسوا كذلك حقيقة، وإلاَّ لانعكس على سلوكهم وتصرفاتهم [قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ](الحجرات:14)، وإنما هم يعبدون الشهوات وهوى النفس ويطيعون غرائزهم من دون الله تعالى: [أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ](الجاثية:23)، فهل يعد مسلماً من يخير بين طاعة الله وطاعة الشيطان فيختار طاعة الشيطان؟!.

2- الكساد الاقتصادي وقلة فرص العمل، مما حدا بالبعض في أن يفكر بأي طريقة للكسب وتحصيل المال ولو كان بطرق غير مشروعة، وهذه المجلات وأمثالها تدر عليهم أرباحاً كثيرة.

3- ارتفاع تكاليف الزواج وكثرة معوقاته الاقتصادية والاجتماعية

ص: 59

والنفسية(1)، مما أدى إلى تعطيل هذه السنة الشريفة، فراح الشباب يحاولون التنفيس عن كبتهم الجنسي وإشباع شهواتهم بشتى الطرق المتيسرة، ولو كانت محرمة، فشاعت العلاقات غير الشريفة والشذوذ الجنسي واستعمال العادة السرية واقتناء المجلات والروايات المثيرة للشهوة الجنسية والصور الخليعة للفاسقات.

4 التقصير في أداء وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى أصبح المجتمع كما وصفه الإمام الحسين(عليه السلام): (ألا ترون إلى الحق لا يعمل به والباطل لا يتناهى عنه)(2) فأصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً، وفي مقابل انسحاب صوت الحق والفضيلة تجد أدوات الرذيلة منتشرة وعلى مختلف الأصعدة، مما جعل الأعمال الشنيعة مستساغة ولا بأس فيها ولا يستنكرها أحد من المؤمنين فضلاً عن غيرهم.

5- الفراغ الذي يعيشه الشباب نتيجة فقدان ما يمكن أن يملي عليه حياته ويأنس بممارسته، كالهوايات النافعة النزيهة أو الشعائر الدينية وبعض المراسيم الاجتماعية النظيفة.

هذه بعض الأسباب وراء شيوع الفاحشة والانحراف الجنسي والتي

ص: 60


1- سيأتي تفصيلها في يأتي إن شاء الله تعالى.
2- من كلام الإمام الحسين (عليه السلام) لأصحابه حينما لقيه الحر بن يزيد الرياحي حيث جمع الإمام (عليه السلام) أصحابه وقام فيهم خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه وذكر جده فصلى عليه، ثم قال: إنه قد نزل من الأمر ما قد ترون وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها.. ولم تبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء وخسيس عيش كالراعي الوبيل، ألا ترون إلى الحق لا يُعمل به وإلى الباطل لا يُتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقاً فإني لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلا برماً. (منتهى الآمال: ج1، الفصل السابع).

تعمل على تغذيتها أيدٍ خبيثة لا تريد الخير للمجتمع، وسخّرت لذلك أدوات عديدة، فماذا علينا أن نفعل؟ هل نكتفي بسب وشتم ولعن من يقف وراء ذلك وكفى الله المؤمنين القتال ونلوم الزمان والدنيا على الحال الذي آلت إليه؟ أم نقف بحزم وشجاعة وتجرد من الأنانية وبكل عطف وحب ورحمة لنمد يد العون إلى الشخص المنحرف اليائس المسكين حتى ننقذه من مخالب الشر التي مزقت أعصابه ونكدت عيشه وسلبت راحته وطمأنينته وتركته عرضة للأمراض الروحية والنفسية والاجتماعية؟.

وإن الحلول تبدو قريبة منا ما دمنا قد شخصنا مناشئ العلة والداء، ومن تلك الحلول:

1- اهتمام الخطباء وأئمة المساجد وطلاب الحوزة الشريفة وكل المثقفين والواعين المخلصين بتربية المجتمع أخلاقياً وعقائدياً، حتى يعيشوا مع الله تبارك وتعالى في كل تفاصيل حياتهم، ومحاولة سد كل نقص في هذا المجال وتوفير الكتب والنشرات التي تبني ذات المؤمن وتحصنه، وتبصير الناس بأخطاء هذه المنكرات وقبيح آثارها الصحية والنفسية والاجتماعية والدينية، وتشجيع سبيل المعروف والترغيب فيه، ونشر الأحاديث الشريفة التي تحث عليه، وها هي الولايات المتحدة منبع الشر والرذيلة بعد أن عجزت عن مكافحة الأمراض الناشئة من الممارسات الجنسية غير المشروعة وعلى رأسها (الإيدز) أعلنت أن أفضل علاج له هو بث التعاليم الأخلاقية والروحية وهو إحياء الشعور الديني في مواطنيها.

2- تعاون الجميع على تشجيع الزواج وتذليل صعوباته، فيشارك أولياء الأمور بتخفيف المهور وتكاليف الزواج والاكتفاء بشروط الزواج التي جعلها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهي الدين والعقل أي حسن التصرف وطيب المعاشرة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إذا رضيتم من

ص: 61

الرجل عقله ودينه فزوجوه، إلاَّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)(1)، وعدم الاكتراث بالتقاليد والأعراف والضغوط الاجتماعية التي زرعها أولياء الشيطان لتعطيل هذه السنة المباركة، وعلى الحوزة الشريفة أن تساهم بما تستطيع في دعم مشاريع الزواج، وعلى جميع أهل المعروف السعي بالجمع بين المؤمنين والمؤمنات على كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ففي الحديث: (أفضل الشفاعات أن يشفع بين اثنين في نكاح حتى يجمع شملهما)(2)، فلتتظافر كل هذه الجهود لتشييد كيان الأسرة المؤمنة التي هي نواة المجتمع الإسلامي الصالح المؤهل لنصرة الإمام (عجل الله فرجه) واحتضان دولته المباركة، وفي الحديث: (ما بني بناء في الإسلام أحب إلى الله تعالى من التزويج)(3).

3- على التجّار وأصحاب الأموال والمتمكنين مادياً توفير فرص العمل بأي صيغة مناسبة، كالمضاربة وإنشاء المصانع والمعامل وورش الحرف والمحال التجارية، وأن يفكروا بتحريك عجلة الاقتصاد للمجتمع، وتشغيل الأيدي العاملة حتى يجدوا لقمة العيش ويكتفون اقتصادياً وتستقر حياتهم أكثر من تفكيرهم بزيادة مدخولهم المادي وثرائهم الفاحش، بحيث لو عرض عليهم - أي أصحاب الأموال – مشروعان؛ أحدهما كثير الربح ولا يحتاج لأيدٍ عاملة، والثاني أقل منه ربحاً إلاّ أنه يشغل أيدي عاملة أكثر، فعليه اختيار الثاني ولا يجعل روح الأنانية تسوده فيزداد ثراؤه على حساب عدد من الجياع، فكيف يهنأ

ص: 62


1- وسائل الشيعة: كتاب النكاح، أبواب مقدمات النكاح وآدابه، باب 28، ح1.
2- المصدر السابق، باب12، ح1.
3- المصدر السابق، باب1، ح4.

بالعيش وحوله (من لا عهد له بالشبع ولا طمع له بالقرص)(1) فضلاً عن غيره كما يصفهم أمير المؤمنين (عليه السلام)، بينما إذا وفر فرصة عمل واحدة انطبق عليه الحديث: (من فرَّج عن مؤمن كربته فرج الله عن قلبه يوم القيامة)(2).

4- تكثير البدائل التي تشغل حياة الإنسان وتملأ فراغه، كإقامة الشعائر الدينية والمجالس الحسينية والحث على الحضور في المساجد والمشاركة في المناسبات الدينية وإقامة المنتديات والمسابقات والمحاضرات الثقافية والعلمية وتبادل اللقاءات والزيارات مع المؤمنين وتشجيع السفرات الجماعية لزيارة العتبات المقدسة أو للترفيه والنزهة وممارسة الرياضات النزيهة والشريفة التي تسلي النفس وتزيل الهم وتقوي العلاقات وتبادل الكتب والإصدارات النافعة، وإذا تعسّر شراؤها فيمكن اشتراك مجموعة بشراء الكتب تدريجياً حتى تتكون مكتبة ملكاً للجميع.

فهذه عدة فقرات وأعمال اجتماعية أجدكم جميعاً مسؤولين عن تنفيذها، وأخص بالمسؤولية طلبة الحوزة الشريفة ووكلاء المرجعية، فليعمل كل منهم سجلاً يكتب فيه هذه الوظائف ويحاسب نفسه باستمرار على مقدار ما أدى منها، والمجتمع رقيب عليه فيتابع عليه قيامه بالمسؤولية وأداءه الرسالة الملقاة على عاتقه، ومن دون هذه الرقابة المتبادلة لا نستطيع أن نتعامل ونسير في طريق رضا الله تبارك وتعالى ونصرة الإمام الموعود (عجل الله فرجه)، قال تعالى: [وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ](العصر:3)، وقال تعالى: [وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ](التوبة:71)، وفي الحديث الشريف: (المؤمنون كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر

ص: 63


1- نهج البلاغة: ج3، من كتاب أمير المؤمنين (ع) إلى عثمان بن حنيف الأنصاري وهو عامله على البصرة.
2- الكافي: 2/2006.

والحمى)(1)، وهكذا المؤمنون إذا مرَّ أحد بضائقة أو مشكلة أو احتاج إلى شيء فعلى الجميع أن يبادروا إلى مساعدته وقضاء حاجته.

وبعد هذا الطرح العام لمشكلة الفساد الأخلاقي والانحراف الجنسي أريد أن أتناول قضية محددة تهدد كياننا الاجتماعي والديني وتنذر بالخطر، ألا وهي العزوف القهري أو الاختياري عن الزواج، ولو أجرينا دراسة إحصائية لعدد من الشباب والشابات غير المتزوجين وهم في سن الزواج لكانت النتائج مثيرة للرعب، فأين أنتم أيها الغيورون على دين الله وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) القائل: (النكاح سنتي، فمن رغب عن سنتي فليس مني)(2)،

ألم تسمعوا بهذا الحديث الشريف أنه يؤتى يوم القيامة بأناس لهم أعمال مثل الجبال تزفها الملائكة، فيأمر الله بهم إلى جهنم، فيقال له: لِمَ ذلك؟ فيقول تبارك وتعالى: إنهم كانوا لا يغضبون لي عندما أعصى. فاغضبوا لله أيها المؤمنون، واعملوا ما بوسعكم لإصلاح مجتمعكم وحمايته من الانحراف.

وأنقل لكم نتائج هذه الإحصائية التي أجراها شخص غيور على عينات عشوائية في جامعة البصرة ومستشفى أبي الخصيب وفي أسرته وبعض أقربائه لتطلعوا على حجم الكارثة.

ففي الدائرة القانونية في جامعة البصرة توجد (20) من أصل (25) امرأة غير متزوجة فوق سن (25) سنة.

وفي مستشفى أبي الخصيب (19) امرأة فوق سن (24) سنة كلهن غير متزوجات، وفي شعبة الإحصاء (5) من (5)، وفي شعبة المذخر (3) من (3)، وفي شعبة الصيدلة (4) من (5)، وفي شعبة الحسابات (3) من (4).

أما في الجامعة، ففي المرحلة الرابعة توجد اثنتان فقط متزوجات من أصل (180) لسنة 2001 وعمر المرحلة الرابعة هو (22) سنة على الأقل.

ص: 64


1- بحار الأنوار:20/142.
2- بحار الأنوار:22/124.

أما في البيوت، فلا يخلو بيت من امرأة تصل إلى العشرين بدون زواج. أما على صعيد الذكور فأصبح من المألوف أن تجد عدداً من الشباب في كل بيت تجاوز سن الخامسة والعشرين وهم بلا زواج.

فما هي أسباب هذه المشكلة الاجتماعية التي يتألم لها قلب الإمام عجل الله تعالى فرجه ويعتصر حرقةً وكيف نعالجها؟

وأعرض بين أيديكم بعض ما خطر بذهني القاصر من أفكار، عسى أن تكون فاتحة خير لكم لتنطلقوا منها نحو أفكار جديدة والمساهمة في تطبيقها:

معوقات الزواج المبكر:

المانع الأول: الاقتصادي، فإن المجتمع يمرُّ بحصارٍ(1)

جائر وعدوان ظالم وأصبح تدبير الضروريات كالغذاء والدواء أمراً عسيراً فضلاً عن غيره، كما أن فرص العمل قليلة بسبب توقف الكثير من النشاطات الاقتصادية، فازداد عدد العاطلين عن العمل أو الذين لا يفي مردودهم المادي بسدِّ احتياجاتهم مما يسمى بالبطالة المقنعة، وهذا كله صحيح وواقع لا يمكن إنكاره، ولكن يمكن معالجته بعدة أمور:

الأمر الأول: إنشاء صندوق خيري في كل مدينة ومنطقة، ولنطلق عليه اسم صندوق (الزواج رحمة)(2)

نظير ما هو متداول عند العشائر للصرف على الفواتح وديات القتل وشؤون أخرى، ونظير الصندوق الذي تخصص وارداته لشعائر الحسين (عليه السلام) وغيرها، ويمكن وضع الضوابط التالية للصندوق:

ص: 65


1- الحصار الشامل الذي فُرض على العراق بقرارات من مجلس الأمن الدولي بعد غزو صدام للكويت عام 1990.
2- أسس سماحة الشيخ (دام ظله) هذا الصندوق وموّله وأنشأ مصنعاً في بغداد لتوفير غرف النوم للراغبين في الزواج، واعتمد وكلاء له في عدة محافظات، مما ساهم في تزويج الكثير من الشباب بفضل الله تبارك وتعالى.

1 – يشرف عليه وكيل المرجعية في تلك المدينة وينضم إليه بعض الوجهاء المتدينين.

2 – يتكفل الصندوق بتأمين كل مستلزمات الزواج من أخشاب وملابس وحلي ذهبية وغيرها، ولكن بالمعروف والمتوسط.

3 – يتفق المشرفون عليه مع عدد من التجار وأهل الحرف والمهن كالنجار والصائغ وبائع الأقمشة وبعض الجمعيات التعاونية والاجتماعية لتوفير مستلزمات الزواج بصيغة معينة لتسديد الأموال بأسعار مدعومة.

4 – يتم تمويل الصندوق من الحقوق الشرعية التي تصل إلى الوكيل، أو تقدمه الحوزة الشريفة لأجل هذا المشروع، أو من تبرعات المحسنين الغيورين على الدين والمجتمع، ومن اشتراكات الشباب أو أولياء أمورهم الراغبين في الاستفادة من الصندوق ويلاحظ في مقداره أن يكون بسيطاً ك(5) آلاف دينار شهرياً.

5 – يكون المبلغ الذي يصرفه الصندوق قرضاً على الشاب المستفيد منه، يسدده بأقساط شهرية مريحة على مدى (15 – 20) شهراً، ويكون أول قسطين منه هدية لزواجه، وقسط آخر عندما يرزق بأول مولود، وتكون الاشتراكات التي دفعها بمثابة أقساط قد سددها مسبقاً.

الأمر الثاني: التزام الناس بدفع ما بذممهم من حقوق شرعية، فإنها كافية لسد احتياجات المجتمع، وقد ورد عن الأئمة أن الناس لو دفعوا ما عليهم من حقوق شرعية لما بقي فقير، هذا غير الحث الشديد على الإنفاق المستحب، وقد بحث الموضوع بشكل تفصيلي في كتاب (حبس الحقوق الشرعية من الكبائر)(1).

ص: 66


1- وهو السابع من سلسلة (نحو مجتمع نظيف) قام بإعداده وتقديمه أحد طلبة الحوزة العلمية الشريفة، ويشمل نص المحاضرة التي ألقاها الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) والتي تمثل الشكوى الثانية للإمام (عج) بعنوان (حبس الحقوق الشرعية من الكبائر). مضافاً إليها الملاحق التالية: 1 – مختصر الأحكام الشرعية للخمس. 2 – مختصر الأحكام الشرعية للزكاة. 3 – قصص تبين آثار الالتزام بالخمس وعواقب تركه.

الأمر الثالث: أن يفكر أصحاب رؤوس الأموال بإيجاد فرص عمل للعاطلين والمساهمة في مشاريع اقتصادية تحرك الناس وتؤدي إلى معالجة وضعهم الاقتصادي المتردي وقد تقدمت الإشارة إليه.

الأمر الرابع: تقليل المهور والاكتفاء بضروريات الحياة، فليس الزواج عملية تجارية مربحة حتى تستغلّ أسوأ استغلال، وقد جعلت الأحاديث من بركة المرأة قلة مهرها، ومن شؤمها غلاء مهرها، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (أفضل نساء أمتي أصبحهن وجهاً وأقلهن مهراً)(1).

المانع الثاني: الاجتماعي، فقد تبنت بعض شرائح المجتمع أعرافاً وتقاليدَ وأحكاماً بعيدة عن الشريعة:

فمنها: أن الكثير من العلويين لا يزوجون لغير العلوي(2)،

بل لا يزوجون للعلوي من غير عشيرتهم حتى لو أدى ذلك إلى بقاء علويات لا يحصى عددهن بلا زواج، وفي بيت توجد (9) علويات تجاوزن عمر الزواج بقينَ عوانس وحُرمنَ من نيل حقّهن في الحياة الذي مَنَّ الله به على عباده، فجعل الزواج من آياته لما فيه من رحمة ومودة وسكن وسعادة وطمأنينة وذرية وهم زينة الحياة الدنيا، فلماذا هذا العرف القاسي الجائر؟ ومن أين أخذه هؤلاء الذين يفتخرون بالانتساب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو نفسه حارب هذه الفكرة الجاهلية حيث زوج ابنة عمه ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب للمقداد

ص: 67


1- مرآة الكمال للمامقاني: ج2،نقلاً عن التهذيب: 7، ب43.
2- راجع ظواهر اجتماعية منحرفة ج3 وهي سلسلة تعالج عدة ظواهر منحرفة ، وستأتي في هذا المجلد بإذن الله تعالى.

بن الأسود؟ يقول الإمام الصادق (عليه السلام) في علة ذلك: (لتتضع المناكح ولتتأسوا برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولتعلموا أن أكرمكم عند الله أتقاكم، وكان الزبير أخا عبد الله وأبي طالب لأبيهما وأمهما)(1)،

وقال الإمام الصادق (عليه السلام) في الرد على هذه العادة: (أتتكافأ دماؤكم ولا تتكافأ فروجكم)(2)،

وقد فصلت الكلام عن الموضوع في كتاب (ظواهر اجتماعية منحرفة ج3).

ومنها: ما يصطلح عليه عند العشائر بالنهوة؛ فإن المرأة إذا (نهى) عليها أحد أولاد عمها لم يجز لأحد أن يتقدم لها، وكثيراً ما يكون الدافع لهذه النهوة هو الإضرار بها وبأهلها، أو لمجرد التباهي والرياء، أو لإرغام أنف المرأة وإذلالها، وإلا فهو لا يريد الزواج منها أو هي لا تريد الزواج منه، وتبقى المرأة معطلة لا يقدم عليها أحد، وقد تهرب مع رجل آخر بعد أن تعجز عن الصبر على مثل هذه الحالة مما يسمى ب (النهيبة)، ويكون حكمها القتل، أما ابن عمها فيتزوج من يشاء من النساء، فمن أين جاءت هذه الأحكام القاسية؟ وما هي ولاية ابن العم أو أي واحد آخر على المرأة حتى يمنعها من التزويج بغيره؟ أليست هي إنسانة كالرجل لها مشاعرها وأحاسيسها ورغباتها ولها الحق الكامل في اختيار شريك حياتها المناسب؟ فإلى أين أنتم سائرون يا من تسمون أنفسكم مسلمين؟

ومنها: ما جرت عليه بعض الأعراف في الزواج، فلا بد أن يوفر الشاب غرفة أخشاب من الموديل الفلاني وقطع ذهبية بكذا أوصاف، وأن يعمل وليمة ضخمة وحفلة للزفاف وبيت مستقل ووو... فيرى الشاب أن من الخير له أن يكبت شهوته ويدفن رغبته في الارتباط بالجنس الآخر في أعماق نفسه، لعدم قدرته على مواكبة المجتمع في هذه المطالب! فهل نزل قرآن بهذه الالتزامات التي

ص: 68


1- بحار الأنوار: 22/265.
2- بحار الأنوار:31/36.

تثقل كاهل الجميع، اقرأوا التأريخ وانظروا ماذا كان أثاث بيت فاطمة سيدة نساء العالمين وابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سيد الخلق أجمعين وزوجة أمير المؤمنين سيد الأوصياء، هل كان غير أشياء بسيطة(1)؟

وقد حاولت النساء استفزازها وإثارتها إلاَّ أنها كانت أكبر من أن تهتم بالقشور الدنيوية، وإنَّما المهم أن تحظى بالزوج الكفوء القادر على إسعادها والتعاون معها على طاعة الله تعالى وكفاية شؤونها، أما هذه المطالب الدنيوية فلا توفر سعادة أبداً، فتأسوا جميعاً بهؤلاء الكرام [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ](الأحزاب:21).

ومنها: ألاَّ تكون متزوجة سابقاً، أو أنها أكبر منه سناً، فإذا أقدم الشاب على أرملة أو مطلقة فكأنه جنى ذنباً لا يغتفر، حتى وإن لم يكن مدخولاً بها أو كانت صغيرة السن أو مظلومة، هذا ونحن نعلم أن أكثر زوجات الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) ثيبات ومتقدمات بالسن، فكأن المتزوجة سابقاً كتب عليها ألاَّ تذوق طعم الزواج مرة أخرى، فأين أنتم يا

ص: 69


1- سيرة الأئمة (عليهم السلام) لهاشم معروف الحسني: ج1، حديث زواجها (عليها السلام) من الإمام علي (عليه السلام)، وكذلك نفحات من السيرة حيث جاء فيه (تحت عنوان الزواج الفريد) ما نصه: (لقد زوج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة بمهر متواضع وأثث بيتها بما يعادل هذا المهر لتعرف الأجيال فناء المادة وتصاغر شأنها أمام القيم والمعاني الإنسانية الرفيعة، تسلم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) دراهم المهر الزهيد من علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأشرف بنفسه على تجهيز ابنته وأعد بيتها المتواضع في أثاثه ومحتواه العظيم في مجده ومقامه وأرسل (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى السوق عدة من أصحابه لإعداد جهاز فاطمة (عليها السلام) وشراء ما يحتاجه بيتها الجديد الذي شمل الفرش والأغطية البسيطة، وعدداً من حاجيات البيت والطبخ الأساسية مع حلة من الملبس وبعض الطيب).

طلبة الحوزة ويا مثقفون من إصلاح هذه الأفكار الظالمة والأوضاع الفاسدة؟

ومنها: كراهة تعدد الزوجات، وأن الزوجة يمكن أن تقبل الزنا من زوجها وتغفر له هذه الفاحشة ولا تقبل التزوج بثانية، وساعدت على ذلك القوانين الوضعية الأرضية البعيدة عن الشريعة، فإنها تحاسب الزوج إذا تزوج بثانية من دون إذن الأولى، ولا تعترض على اتخاذ الخدينة، ومن المضحك المبكي ما جرى في أحد المحاكم التونسية (الإسلامية) أنّ زوجة رفعت دعوى ضد زوجها أنه تزوج بثانية دون أخذ موافقتها، فحاول الدفاع عن نفسه بأنها خدينة وليست زوجة ليتخلص من العقاب، لكن دفاعه رُفِضَ لأنه إنسان محافظ ومعروف بالتدين فلا يتصور في حقه هذا.

رغم أن تعدد الزوجات تشريع إلهي لحل مشكلات عديدة منها:

1 – حالات زيادة نسبة النساء غير المتزوجات في أزمنة الحروب أو هجرة الشباب إلى خارج البلاد، كما يعيشه بلدنا؛ حيث يعيش في الغربة أربعة ملايين عراقي(1)

أكثرهم من الشباب.

2 – كثرة الأرامل والمطلقات ممن تقل فرصة حصول شاب غير متزوج.

3 – عدم اكتفاء الزوج جنسياً بزوجة واحدة لكثرة الأعذار والموانع في الزوجة، كالحيض والحمل والإنجاب ونحوها. ولتعلم النساء اللواتي يرفضن الزوجة الثانية إنهن أول ضحية لهذا الخروج عما أباحه الله تعالى، لأنهن سيحتجنَ إلى زوج وإن كان متزوجاً بغيرهن، فليتقين الله وليسلمن له أمره.

المانع الثالث: النفسي، ويمكن ذكر عدة شواهد على ذلك:

1- إن كثيراً من الشباب يعزف عن الزواج لأنه لم يجد فتاة أحلامه التي تصلح للارتباط به، حيث رسم لها صورة مثالية، فهي شقراء بيضاء ممشوقة

ص: 70


1- كان سماحة الشيخ (دام ظله) يأخذ هذه الإحصائيات من نشرات الأخبار التي يستمع إليها، أما النظام الصدامي فكان لا يعترف بوجود مشاكل في البلاد ويعتبر مثل هذه التصريحات استفزازاً له وخروجاً على طاعته.

القوام ذات عينين زرقاوين وتحمل شهادة عالية ومتدينة وذات أخلاق عالية ومن أسرة وجيهة اجتماعياً وثرية وصغيرة السن، بحيث قد تخطب أصغر البنات مع وجود الأكبر منها، الجامعة للشروط والمناسبة لعمر الزوج وغيرها، فلا يجد من تحقق هذه الأوصاف؛ لأن الشيء إذا كثرت قيوده عز وجوده كما يقولون، ويظل يبحث دون جدوى، وأحد أسباب حصول هذه الحالة لدى الشباب هي مشاهدتهم لصور (الحسناوات) كما يسمونها التي تأتينا من الغرب في الصحف والمجلات والتلفزيون، التي من آثارها السيئة ليس فقط إفساد الأخلاق وذهاب الغيرة والحياء، بل إفساد الأفكار لدى الشباب إذا امتلأت عينه من هذه الصور فسوف لا تقنعه أية امرأة، وبالنتيجة يعزف عن الزواج خشية أن يرتبط بامرأة لا تملأ عينه.

فكونوا حذرين يا أحبائي من هذا الغزو الفكري والأخلاقي، وابحثوا عن الصفات التي أرادها الله لكم وهي العفة والحياء والتدين والأصل الطيب والأخلاق الحسنة، أما الجمال فهو متوفر تلقائياً لحاجة كل جنس إلى الجنس الآخر، كما يروى أن شخصاً أكل طعاماً لذيذاً فقال: ما أطيب هذا الطعام! فقال له حكيم: إنما طيبته العافية، وكذلك الحاجة الجنسية الملحة جعلت الطرف الآخر لذيذاً وهذه الحاجة تقضى بما دون شروط كثيرة، وتجد هذه الأفكار في تراث أهل البيت (عليهم السلام)، فعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا نظر أحدكم إلى المرأة الحسناء فليأتِ أهله؛ فإن الذي معها مثل الذي مع تلك(1)، وعن علي (عليه السلام): إن أبصار هذه الفحول طوامح، وإن ذلك سبب هبابها، فإذا نظر أحدكم إلى امرأة تعجبه فليلامس أهله فإنما هي امرأة كامرأة(2).

فهذه المشكلة لا تخص العزاب، وإنما هي موجودة عند المتزوجين، فإنهم

ص: 71


1- المحجة البيضاء: ج3، كتاب آداب النكاح.
2- نهج البلاغة: الجزء الرابع، من كلماته (عليه السلام) الكلمة 420.

إذا تطلعوا إلى غير زوجاتهم صرفوا أعينهم عنهن، وحينئذٍ تقع عدة نتائج وخيمة إما المشاكل بين الزوجين أو الطلاق أو الوقوع في الزنا من كلا الطرفين والعياذ بالله وغيرها. لذا سد الشارع المقدس هذا الباب للفساد ومنع النظر للأجنبية، وأمر كلاً من الزوجين أن يعطي حق الطرف الآخر، وأي تقصير فيه يمكن أن يؤدي إلى انحراف جنسي وخيم. وقد بلغني أن عدداً من النساء التجأن إلى تصرفات غير شرعية بسبب إعراض الزوج وإهماله لحق زوجته من الاستمتاع الجنسي.

وإنما وجهت خطابي إلى الرجال لأن بيدهم زمام المبادرة في الزواج، وإلا فإن المانع قد يقع من طرف النساء أيضاً؛ فإنهن يشترطن الكثير من الصفات في الزوج مما يجعلها ترفض عدداً من الخطاب حتى يتقدم بها العمر فلا تتاح لها هذه الفرصة، رغم أن بعض أسباب الرفض غير مقنعة، فإن المهم في الرجل أن يكون متديناً عاقلاً في تصرفاته، حسن العشرة قادر على إعالة زوجته، فقد كتب علي بن أسباط إلى أبي جعفر (عليه السلام) في أمر بناته وأنه لا يجد أحداً مثله، فكتب إليه أبو جعفر (عليه السلام): فهمت ما ذكرت من أمر بناتك، وإنك لا تجد أحداً مثلك، فلا تنظر في ذلك رحمك الله، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلاَّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير(1).

ولمزيد من الإطلاع على صفات الزوج الصالح والزوجة الصالحة وآداب الزواج راجع الجزء السادس من كتاب (ما وراء الفقه) لسيدنا الأستاذ الشهيد الصدر الثاني (قدس سره).

2 – كثرة المشاكل الزوجية وكثرة حالات الطلاق أدى إلى شعور الشباب بأن ترك الزواج أقرب لراحة البال، فإذا أردنا تشجيع الزواج فعلينا أن نسعى

ص: 72


1- تقدم ذكر مصدره هنا.

لدراسة مناشئ المشاكل بين الأزواج وحلها – راجع دراسة تحليلية عن الموضوع بعنوان (المشاكل الزوجية.. أسباب وعلاج) – وعلى أي حال لا ينبغي أن يكون فشل أحد في تجربته مانعاً لغيره من خوض التجربة، كالتجارة؛ فإن خسارة تاجر لا تمنع من أن يعيد نفس النشاط من جديد فضلاً عن غيره.

3 – الخوف من المستقبل، فأم الزوج تخشى أن تخطفه الزوجة، وأبو الزوج يخاف من إضافة عبء جديد إلى كاهله، والشاب يخاف من المسؤولية الجديدة حيث يصبح رباً لأسرة ومسؤولاً عنها بعد أن كان خالياً منها، والشابة تخشى من عدم قدرتها على إدارة بيت الزوجية وعدم نجاحها في كسب ود زوجها ورضا أهله، فلا بد أن يعالج هذا بتعزيز الثقة بالنفس، وأن يعرف كل طرف حقوقه وواجباته حتى لا يتجاوز أحد على حق أحد، والتخطيط للمستقبل واشتراك الجميع في ترتيبه.

4 – ما تعرضه الأفلام والمسلسلات من خيانات زوجية وصعوبة تحصيل السعادة والوئام والوفاء والحب المتبادل سبب حصول انكماش في الرغبة في الزواج ونفور منه؛ فإنهم يصورون غالباً الحياة الزوجية كمصدر للمتاعب والآلام.

5 – ومن ذلك ما تصوره نفس الأفلام والمسلسلات من حلاوة الحب ولذة العلاقات الجنسية خارج رباط الزوجية، وليس فيها مؤونة ولا مسؤولية، فيشعر الشباب أن بإمكانهم الاكتفاء بهذه العلاقات وعدم الحاجة إلى الزواج، وكأن الهدف من الزواج هو قضاء الشهوة الحيوانية فقط، وهم بذلك يغالطون الفطرة السليمة ويخرجون عن الإطار الإنساني الذي يميز بوضوح بين رباط الزوجية والعلاقات غير المشروعة.

6 – قناعة كثير من الشباب بأن مستقبلهم الزاهر يتحقق بمغادرة البلد والهجرة إلى غيره، والزواج عائق عن هذا المشروع، وقد عالجنا موضوع السفر إلى خارج البلاد في الحلقة الثانية من (ظواهر اجتماعية منحرفة) و(فقه

ص: 73

الجامعات)(1).

7 – معارضة النساء أشد المعارضة لتعدد الزوجات رغم أنه شيء أباحه الله تبارك وتعالى كحل لكثير من الحالات، وأحدها ما يمر به بلدنا من كثرة العوانس وقلة الشباب بسبب هجرتهم، والكوارث التي مرَّ بها البلد وعدم القدرة لدى الموجودين، فهذا التيار العارم من النساء ضد التشريع الإلهي كان أول ضحية له النساء أنفسهن، فبقين بلا زواج، وإن الكثير من الزوجات لا تعترض على زوجها إذا زنى بقدر اعتراضها عليه إذا تزوج ثانية، ألا ترى هذه المفارقة؟!.

هذه جملة من الأفكار قلتها باختصار، وهي باب ينفتح من ألف باب، فتمعنوا فيها واعملوا على تحقيقها، وأول من يتحمل المسؤولية طلاب الحوزة الشريفة ووكلاء المرجعية وبتعاون الواعين المخلصين الغيورين، ويحاسب المقصر في ذلك، فإن الإمام عجل الله تعالى فرجه يعيش مرارة هذا الوضع المزري ويشارك ألم كل فتاة أو شاب حرموا من بركة هذا الرباط المقدس ورحمته ونعمته وسعادته وطمأنينته بسبب هذه الأفكار أو الأعراف أو التصرفات الخاطئة أو تقصير المقصرين، وإنما حملت طلاب الحوزة ووكلاء المرجعية المسؤولية أكثر من غيرهم لأن عليهم الكثير، وألخصه بنقاط:

1-الدعم المالي لمشاريع الزواج وفق التفاصيل المتقدمة.

ص: 74


1- وهو كتاب مكون من مقدمة وسبعة فصول، الأول يدور حول المقارنة بين ماضي الجامعة وحاضرها وأجوبة لأسئلة تدور حول التحديات الفكرية والاجتماعية والأخلاقية، والفصل الثاني يدور حول أساتذة الجامعات وفيه نصائح مهمة لهم، والثالث يدور حول الانتماء إلى الجامعة وهدف الطالب الجامعي، والفصل الرابع موضوعه الاختلاط بين الجنسين، والخامس كشف النقاب عن بعض التعاملات المالية والاجتماعية والتصرفات العامة داخل الجامعة، أما السادس فقد اختص بالحجاب الإسلامي لطالبة الجامعة، والفصل السابع يتعلق بالسفر خارج البلاد.

2-السعي للجمع بين المؤمنين والمؤمنات، ومن الخير أن تكون عند وكيل المرجعية إحصائية بعدد الشباب والشابات المؤهلين للزواج مع ذكر أوصافهم ومؤهلاتهم متأسين برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي لم تشغله أعباء الرسالة ومحنها عن تفقد رعيته، فينظر برقة ورحمة إلى جويبر وكان رجلاً قصيراً ودميماً محتاجاً عارياً وكان من قباح السودان ويقول له: يا جويبر، لو تزوجت امرأة فعففت بها فرجك وأعانتك على دنياك وآخرتك، فقال جويبر: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، من يرغب فيّ، فوالله ما من حسب ولا نسب ولا مال ولا جمال، فأية امرأة ترغب فيّ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا جويبر، الله قد وضع بالإسلام من كان في الجاهلية شريفاً، وشرف بالإسلام من كان في الجاهلية وضيعاً، وأعز بالإسلام من كان في الجاهلية ذليلاً، وأذهب بالإسلام ما كان من نخوة الجاهلية وتفاخرها بعشائرها وباسق أنسابها، فالناس كلهم أبيضهم وأسودهم وقرشيهم وعربيهم وأعجميهم من آدم، وآدم خلقه الله من طين، وإن أحب الناس إلى الله أطوعهم له وأتقاهم، وما أعلم يا جويبر لأحد من المسلمين عليكَ اليوم فضلاً إلا لمن كان أتقى لله منك وأطوع، ثم قال له: انطلق يا جويبر إلى زياد بن لبيد، فإنه من أشرف بني بياضة حسباً فيهم، فقل له: إني رسول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إليك، وهو يقول: زوج جويبراً بنتك الدلفاء، فزوجه زياد بعدئذٍ(1)،

وقد تقدم الحديث الشريف: (أفضل الشفاعات أن يشفع بين اثنين في نكاح حتى يجمع شملهما)(2).

3-إصلاح ذات البين والتوسط في حل الخلافات، وتقريب وجهات النظر بين الزوجين وذويهم، قال علي (عليه السلام): إني سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة

ص: 75


1- الكافي: 5/340.
2- تقدم ذكر مصدره في هذا الكتاب.

والصيام(1).

4 – نشر الوعي الديني والأخلاقي، وإلفات النظر إلى أهمية الزواج واستحبابه شرعاً، وفضل المتزوجين بحيث أن صلاة المتزوج خير من سبعين صلاة لغير المتزوج، وكراهة غلاء المهور واستحباب تقليلها، والصفات المطلوبة في الزوج والزوجة، ومسؤولية أولياء الأمور تجاه هذه المسألة الاجتماعية، وغيرها، والتركيز كثيراً على ما تسببه الأفلام والمسلسلات من آثار سلبية نشير إلى بعضها باختصار:

أ – الإثارة الجنسية، مما يؤدي إلى الكبت الجنسي وإشاعة الفاحشة.

ب – اختلال الموازين في التقييم والاختيار، حيث تركز على القشور كالثروة والجاه الاجتماعي واتباع أحدث الموديلات.

ج – تشجع التصرفات المنحرفة البعيدة عن الشرف والدين، وتنفر عن المبادئ والأخلاق، وتوجد إصدارات عديدة لتفصيل هذا الموضوع مثل: (احذر في بيتك شيطان) و (الآثار السلبية للأفلام والمسلسلات).

ولا أريد أن أُطيل وأتوسع بالتفاصيل، فإن عليّ إثارة الأفكار أمامكم وعليكم التأمل والتدبر في تفاصيلها والسعي إلى تطبيقها، وإني لمنتظر لأول من يقدّم لي تقريراً عمّا أنجز من خطوات تدخل السرور على قلب الإمام (عجل الله فرجه) وعلى المؤمنين والمؤمنات، وإن من أحب الأعمال إلى الله تعالى إدخال السرور على قلوب المؤمنين. فالشباب أمانة بيد الشابات، فلا تتركوهم تحت ضغط الحاجة الجنسية وإغراءات الباطل، والشابات أمانة في يد الشباب، فلا تتركوهن فريسة القلق والخوف من المستقبل إذا لم يحظين بزوج يكفل لهنَّ السعادة [وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ] (التوبة: 105). والله معكم ولن يتركم أعمالكم وهو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير.

ص: 76


1- الكافي: ج7، باب صدقات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وفاطمة والأئمة (عليهم السلام)، ح7.

الحوزة الشريفة تحذر من الوقوع في فخ الرياضة

الحوزة الشريفة تحذر من الوقوع في فخ الرياضة(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

انطلاقاً من حرص الحوزة الدينية على مجتمعنا الحبيب من الوقوع في شباك الغرب الكافر الذي كان وما يزال يجدّ ويجتهد لاستنباط الحيل والمكائد من أجل صرف المجتمع عن الصراط المستقيم فيوهم المجتمع المسكين بعناوين مضللة ظاهرها الإثارة والمتعة وباطنها الخسة والدناءة والإلحاد, فالحوزة المجاهدة الناطقة وبعد علمها بحلول موسم مباريات كأس العالم كما هو دأبها برصد سلبيات المجتمع، وأخص بالذكر في هذا المجال سماحة الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) شرعت ببيان هذه النقاط المهمة عن مشكلة اجتماعية ألا وهي الرياضة (معبودة الجماهير) هذا الصنم الذي سلب من الناس قلوبهم وعقولهم.

أسباب تمسك الغرب بالرياضة

أسباب تمسك الغرب بالرياضة (2):

1 - إنهم فارغون من الوازع الأخلاقي والديني ومن الاعتقاد بالآخرة، وهم يودون قضاء وقت الفراغ بما هو مفرح ومؤنس، في حين أن الدين والأخلاق لا يوجد فراغ في الوقت للمؤمن أصلاً، ولا وقت إلا وفيه طاعة لله سبحانه وتعالى, إلا إذا كان الفرد من الغافلين.

ص: 77


1- بيان كتبه أحد فضلاء الحوزة بالاستفادة من توجيهات سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) وبعض ما ورد في كلمات وخطب السيد الشهيد الصدر الثاني (دام ظله)، وقد نُشر البيان صيف عام 2002 بمناسبة قرب إقامة بطولة كأس العالم بكرة القدم.
2- مستل من الخطبة الثانية للجمعة الثالثة عشرة للشهيد محمد الصدر (قدس سره).

2 - الأرباح التي يحصلون عليها منها، وهم يحرصون أن يصل إليهم الدينار والدرهم بأي شكل وإن كان فيها دمار غيرهم، ونجدهم يعملون على أي ربح كالسرقة, فكثير من طبقات مجتمعهم تسرق, وشركات السرقة في أمريكا وإيطاليا كالنار على المنار.

3 - إلهاء شعوبهم عن مشاكلهم ومظالمهم، لتلافي المظاهرات والاحتجاجات، وذلك بتكثير الملاهي والحانات والسينمات وأنواع الرياضة واللعب.

مضار الرياضة:

1 - إلهاء المسلمين: عن واقعهم المعاش ومشاكلهم وترك الاحتجاج والمناقشة وخاصة التغافل عن البلاء الوارد علينا من جانب الغرب نفسه.

2 - صدّ المسلمين عن دينهم: فإنها سبب لترك الصلاة والصيام واجتماع الجنسين بشكل غير مشروع، وإبراز الأعضاء وهكذا.. وهذا كله مما لا ترضاه الشريعة.

3 - إسقاط أهمية الدين وأهدافه في نظرنا: وتحويله إلى هدف كرة قدم خزياً لنا وعاراً.

4 - منع التكامل لأفراد المجتمع: لأن الفرد عندئذٍ يقضي الوقت كله أو أغلبه في لعب الرياضة أو التفرج عليها أو سماع أخبارها أو الذهاب إلى الملاعب أو السفر إليها، وبقي الوقت الباقي لديه يقضيه في ضرورات حياته وأسرته ولا يبقي له وقتاً آخر ليقضيه في تكامله العلمي والعقلي والديني والروحي، وبهذا يخطط الغرب الكافر أن يكون الجهل والتدني هو الصفة العامة في العالم كله ليكونوا لقمة سائغة له ولأطماعه وأرباحه ولكبريائه.

5 - السفهية: إن الرياضة غير منتجة لا لبناء ولا للباس ولا لمصلحة اجتماعية ولا لأي شيء آخر.

ص: 78

6 - تأييد للاستعمار والظلم: وإنها تأييد بخلاف المصلحة العامة، وإن الاستكبار إنما بذر بيننا هذه الأمور لأجل إبعاد الناس عن المصالح العامة وعن واقعهم ومشاكلهم حتى (يلهون ويستأنسون)(1).

7 - لهو ولغو: الإسلام يرفض وسائل اللهو، ويحرم الكثير منها؛ لأنها تشغل القلب وتهدر الوقت الذي هو رأس مال الإنسان وقيمته، فبهذا الوقت يكتسب الصديقون مكان الصديقين، قال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم): (يا ابن آدم إنما أنت أيامك)، فانظروا أيها المؤمنون كم تهدر الرياضة من الوقت، وكم حرمنا من صلاة الفجر بسبب السهر على المباريات، فأي كارثة أشد من هذه؟ وينبغي التفريق هنا بين اللهو المرفوض والتسلية والترويح عن النفس الذي هو أمر عقلائي وضروري للنفس لكي تستعيد نشاطها.

8 - شغل القلب: القلب يتشبع بما يوضع فيه، والرياضة منهاج مرسوم ومخطط يشغل القلب عن كل أمر مهم، فبدل أن يخشع ويبكي من خشية الله يرتجف ويتحرك للعبة كرة القدم ويبقى مشغولاً بها لساعات من الزمن. ومن المؤسف أن ترى فريقاً لدولة مسلمة يذرف الدموع لأنه خسر مباراة لكرة القدم ولا تخرج من عينه دمعة واحدة ألماً وأسفاً على ما يصيب الإسلام والمسلمين من مخاطر وكوارث، فتحولت عواطفنا بعيدة عن الله تعالى.

9 - العنصرية: لا تزال هذه الحلبة السياسية الماكرة التي تلعب بهؤلاء الكرات وبأذهان الجماهير من ورائها، حيث تقسم الفرق حسب القارات لخلق العنصرية والتفرقة، ويعطون لقارة أوربا أضعاف ما لقارة آسيا وأفريقيا لمبرر ولآخر، ويخفون وراء ذلك مقصودهم الأساسي، وهو تركيز تفوق

ص: 79


1- المصدر السابق.

جنسهم على سائر الشعوب، وإشعار تلك الشعوب بالنقص وعقدة الحقارة تجاههم.

10 - الإثارة الجنسية: كما في المشاهد الخليعة التي تعرض وخاصة في رياضة الجمباز والسباحة وحتى في كرة القدم، فإنهم يحولون توجيه الكاميرات نحو المجموعة التي تضم الجنسين من المتفرجين لتحفيز شبابنا على مثل هذا وتهوينه في نظرهم، وكذلك في حلبات الملاكمة فبين الجولتين يعرضون فتاة خليعة تدور في الحلبة حاملة رقم الجولة وهكذا..

11 - إثارة المشاكل: فكثيراً ما تحدث النزاعات والخصومات بين الناس لأن النفس الأمارة بالسوء تريد الفوز ولو بأي ثمن وبأي أسلوب، وقد تصل إلى القتل والحروب كما حصل ذلك بين (السلفادور والهندوراس)، أضف إلى النزاعات التي تحدث داخل الأسرة، فالأب يريد الرياضة وباقي الأفراد يريدون غيرها، أو أن أحد الأولاد يميل إلى فريق والآخر إلى فريق آخر، مما يؤدي إلى حصول البغض والقطيعة بينهم وهذا مما يريده الغرب لنا.

حلول ممكنة:

1 - الاستغناء عنها بجلسات عائلية ناجحة تستثمر توطيد العلاقة بين أفراد الأسرة، خصوصاً أن الانقطاع إلى الرياضة بدلا من الانقطاع إلى الله عامل أساس في تفكيك الروابط الأسرية، فكثرة متابعة الرياضة جعلت الفرد على معرفة دقيقة بأخبار الرياضيين تفوق بكثير معرفته بأخبار أسرته.

2 - الاستعاضة عنها بقضاء الوقت بأمور مفيدة، كقراءة القرآن والكتب الاجتماعية النافعة من إصدارات الحوزة التي تعالج مشاكل المجتمع وتسعى إلى إصلاحه وتكامله، وسماع المحاضرات والأخبار والتزاور مع المؤمنين واللقاءات المثمرة النافعة.

ص: 80

3 - الاستغناء عنها بعمل مسابقات علمية أو دينية بين أفراد الأسرة أو بين أفراد المجتمع في المساجد وغيرها، مما يؤدي إلى تحفز أفراد الأسرة والمجتمع عموماً على الاستزادة بالمعلومات للإجابة على الأسئلة من ناحية، ومن ناحية أخرى إيصال المعلومات إليهم بأسلوب شيق وممتع.

4 - حصر الرياضة في أنواع الرياضة التي نحتاجها بحياتنا، فما هي فائدة سباق السيارات والملاكمة ونحوها من التوافه؟ لماذا لا نستبدل هذه الأنواع بأنواع نافعة؟ لماذا لا تدخل رياضة القتال للدفاع عن الأوطان وعن النفس في النوادي والهيئات الرياضية؟ لماذا لا تدخل رياضة التصنيع مثلاً بتعطيل المكائن الصناعية ومحاولة المهندسين إعادة تشغيلها في أوقات قصيرة وللعمال بكميات الإنتاج ونوعياته في مختلف الظروف.

5 - لماذا تنحصر الحركة الرياضية بشعار (الرياضة للرياضة أو للتسلية) ولا يرفع شعار (الرياضة للعمل أو الرياضة للنهوض بالشعوب)، فتشكل فرق رياضية عالمية من المهندسين والمهنيين والعمال، وتقام مبارياتها في دولة نامية لتنتج لها في شهر عشر أو خمس مشاريع تكون عاملاً للنهوض بها.

6 - رفع السبب الأساس الذي عن طريقه يتم إيصال سمومهم لنا ألا وهو التلفزيون (الشيطان).

7 - ابتكار أساليب للترفيه والتسلية وهي نافعة بنفس الوقت، مثلاً بدل لعبة (الحية والدرج) المتعارفة نصنع(1)

رقعة مثلها وننشر على بعض مربعاتها أسماء الخصال الحميدة والذميمة، فكل من يصل إلى مربع من القسم الأول يصعد؛ لأنها تؤدي إلى تكامله، ومن يصل إلى مربع من القسم الثاني ينزل، ويكون مقدار الصعود والنزول بحسب أهمية الخصلة، فالولاء لأهل البيت يصعد كثيراً، والرياء ينزل كثيراً وهكذا...

ص: 81


1- قدّم بعض الإخوة تصاميم لهذا المقترح لكن بعض الموانع حالت دون الطبع والنشر، ولا زالت الفكرة قائمة.

8 - ممارسة الرياضة المفيدة لتربية البدن وللترفيه بانتظام ومن دون تجاوز على الحقوق والواجبات.

النصائح:

1 - النصيحة الأكيدة لشبابنا الناهض الواعي أن يلتفت إلى مصالح نفسه ومجتمعه، ويسقط أهمية الرياضة والرياضيين عن نظر الاعتبار، ويخافوا الله تعالى؛ فإن هذه الدعايات والعنايات إنما هي مصيدة له لإدخاله في فخ الشيطان، ويكون حب الرياضة إنما هو حب للمخططات الاستكبارية من حيث تعلم أو لا تعلم، ونكون قد أعنا الاستكبار الظالم الغاشم على أنفسنا ومكناه في بلادنا.

2 - اتقوا الله حق تقاته بالالتزام بطاعة الله والاهتمام بالأهداف الحقيقية للمجتمع وتربية النفس والآخرين تربية صالحة، وترك كل ما يرتبط بالشيطان والكفر والكافرين والابتعاد عنهم ابتعادنا عن الأجرب، فإنه يصد عن ذكر الله والآخرة: [فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ] (المائدة:91).

3 - إن الحكم الشرعي لها هو الحرمة لما تتضمنه من نصرة وتأييد للباطل، والذي يقترفها أو يعين عليها فهو آثم بأي شكل من الأشكال.

4 - لن أجيز الرياضة إلى أن أدخل التراب؛ لأنها على الإطلاق أوهام وخيالات فاسدة وسفيهة ليست أكثر من ذلك، حبيبي سلام الله على الأنعام التي لا تؤذي أحداً، وسلام الله على الوحوش التي تأكل الناس لجوعها، أما هم فيأكلون الناس بعد شبعهم لأجل ثرائهم ومصالحهم العجيبة الغريبة الباطلة(1).

5 - كلنا عندما نسأل عن ما هو مذهبنا؟ نجيب وبكل ثقة جعفرية، وجعفر الصادق (عليه السلام) نفسه يقول: (ما شيعتنا إلا من عمل عملنا)، فهل

ص: 82


1- مستل من الخطبة الثانية للجمعة الثالثة عشرة للشهيد محمد الصدر (قدس سره).

أطعناهم وعملنا عملهم بمشاهدة الرياضة وترك المجتمع غارقاً بالظلم والفساد، لكي نسمي أنفسنا شيعة؟ ويقول (عليه السلام): (كونوا زيناً لنا ولا تكونوا شيناً لنا)، فهل نحن زين لهم ونحن غارقون في هذه الغفلة التي أدت بنا إلى هذا الحال من عدم الشعور بالمسؤولية والخضوع لأعدائنا وعدم الوقوف بوجوههم بمقاطعتهم في كل شيء؟.

6 - اعلم أن الرياضة مؤامرة لإلهاء الجماهير كما جاء في (بروتوكولات حكماء صهيون) البروتوكول 13: (الفن والرياضة وما إليهما هذه المتع الجديدة ستلهي ذهن الشعب عن المسائل التي سوف نختلف فيها معهم)، وأنت بموافقتك عليها ستكون شريكاً معهم في إنجاحها، فبادر بمقاطعتها ومحاربتها قبل الندم.

7 - الكثير من المؤمنين كان يسمع الغناء، وانشداده له كانشداده للرياضة أو أكثر، ولكن بعدما علم بمفاسده قاطعه وحاربه، وها نحن علمنا مفاسد الرياضة التي أحياناً تفوق مفاسد الغناء، فليس بإمكان الكل أن يكونوا مطربين، ولكن بإمكانهم أن يلتهوا بالرياضة لتعدد أنواعها ومناسبتها للصغير والكبير، فلماذا لا نتركها؟ وعليك بقراءة (الرياضة المعاصرة والفكر المعادي للإسلام) لتعرف هذه المفاسد.

8 - إن الأعم الأغلب من سمومهم تبث لنا من خلال جهاز الشيطان (التلفزيون) الذي سلب من الناس غيرتهم وشرفهم وعزتهم، فوا أسفاه ثم وا أسفاه على المسلمين وبالأخص شيعة الإمام المهدي (عجل الله فرجه) كم هم ضعفاء بحيث لم يستطيعوا أن يستغنوا عن هذا الجهاز اللعين - ولا أقول كلهم لأن بعضهم استيقظ من نوم الغفلة وتخلص منه جزاه الله خيراً - الذي دمر أسرهم ومجتمعهم، ألا يعلمون أنه سيف مشهور بوجه الإمام (عجل الله فرجه) - كما نقل ذلك سماحة الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) في أحد كتبه عمن اتصل بالحجة - إنه (عجل

ص: 83

الله فرجه) يقول: (التلفزيون سيف مشهور في وجهي)، فهل ترضى الشيعة أن يكون في بيتها سيف مشهور بوجه الحجة (عجل الله فرجه)؟ فالراضي أقول له: إنك بفعلك هذا مسؤول عن تأخير الإمام (عجل الله فرجه) عن الظهور وكفانا نفاقاً، فكل يوم ندعو أن نكون من أنصاره وأعوانه ونحن بدرجة كبيرة من الضعف أمام أنفسنا وأهلينا مترددين لا نستطيع أن نتخذ قراراً حاسماً، أبهذا الضعف والخنوع نعين الإمام (عجل الله فرجه)؟ أم بخضوعنا للغرب الكافر ننصر الإمام (عجل الله فرجه)؟. فها أنا ذا أعلنها صرخة ويتفطر قلبي ألماً وحزناً:

(أعينوا إمامكم يرحمكم الله، لا تؤخروا ظهور إمامكم يرحمكم الله، فإمامكم ينادي: أما من ناصر ينصرني، فانصروا إمامكم يرحمكم الله، وحطموا السيوف المشهورة في وجهه، ولا تضعفوا ولا تستكينوا مهما كلف الأمر، وسارعوا إلى إنقاذ أنفسكم قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه ندم).

اللهم إني قد بلغت

اللهم إني قد بلغت

ص: 84

الحوزة والمجتمع

بسم الله الرحمن الرحيم

أجرت مجلة (الكوثر) النجفية حواراً مع سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دامت بركاته) لاستكشاف رأي الحوزة الشريفة في عدد من القضايا التي تهم المجتمع، وقد رأينا من المفيد نشر الحوار مستقلاً لتعم الفائدة:

سماحة البقية الصالحة لحبيب القلب، آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله الوارف)، أرجو من سماحتكم التفضل علينا بالإجابة على الأسئلة التالية:

سؤال1: نعم للوحدة الإسلامية لا للتناحر الإسلامي، كيف تنظرون لهذا الشعار؟ وما هي السبل الكفيلة التي تقدمونها للترابط والوحدة والتآزر في ما بيننا؟

سؤال2: كيف تنظرون للدراسة في الحوزة وما هي اقتراحاتكم لتطويرها؟

سؤال3: نصائح مفيدة يقدمها سماحتكم لطلاب الحوزة الشريفة؟

سؤال4: نصائحكم للشباب المسلم المؤمن؟

سؤال5: السلوك إلى الله تعالى هو المطلوب من كل مسلم، نرجو منكم بيان وتوضيح كيفية السلوك إلى الله تعالى؟

سؤال6: كيف تنظرون لمخططات أعداء الإسلام والمسلمين وترويج كل ما هو مضر للمسلمين، مع توضيحها والطرق اللازمة للرد عليها؟

سؤال7: هنالك من يريد شق عصا المسلمين بالتكلم والتجريح برجال الدين الأجلاء وعلى عموم المسلمين بالكلام غير اللائق، نصيحة توجهونها لهم.

ص: 85

ج1: بسمه تعالى:

هذا شعار رفعه القرآن الكريم بقوله تعالى: [وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ] (الأنفال:46)، وحرص الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) على إرساء الوحدة في المجتمع الإسلامي، فآخى بين المهاجرين والأنصار، ولم يرُق ذلك لأعداء الإسلام من يهود ومنافقين، فكانوا يثيرون الضغائن والعصبيات القبلية والقومية والعنصرية حتى أفلحوا في إيجاد التنازع بينهم وتواعدوا القتال خارج المدينة ليعيدوا أيام الجاهلية، فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إليهم مغضباً يجر رداءَه - حسبما تقول الرواية - للإسراع في إطفاء نار الفتنة، حتى نجح في ذلك (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكان لعلمائنا المخلصين (قدس الله أسرارهم) مواقف مشهورة ومساعٍِ مشكورة لجمع الصف وتوحيد الكلمة، حتى اشتهرت كلمة أحدهم: (بُنيَ الإسلام على كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة)، وبحسب تجربتي فإن لجمع الكلمة ركيزتين:

الأولى: الالتفات إلى القواسم المشتركة بيننا وهي كثيرة، فربّنا واحد ونبينا واحد وكتابنا واحد وقبلتنا واحدة وعدونا واحد وهمومنا واحدة ومصالحنا واحدة ومستقبلنا واحد وأسس ديننا واحدة، وهي التي أشارت إليه الآية المباركة السابقة وأمرت بالاعتصام به وجعلته المحور الذي يجتمع عليه المسلمون، فلماذا نعرض عنها جميعاً ونركز على النقاط الفرعية جداً التي نختلف عليها؟.

الثانية: احترام كل طرف قناعة الآخر ورأيه ما دام قد توصل إليه بطريق صحيح أو ما نعبر عنه بحجة شرعية تبرر له عند الحساب الاعتماد عليها، وأن نعلم أن الاختلاف في الرأي سنة طبيعية، فحتى داخل الأسرة الواحدة تجد القناعات مختلفة ولم يعكر ذلك صفو العائلة و(لم يفسد بالود قضية) كما يقول الشاعر، فلماذا لا نتصرف بنفس الأسلوب داخل أسرتنا الكبيرة وهو المجتمع فإنه أهم من أسرتنا الصغيرة وأعظم شأناً.

ص: 86

وأنت ترى أعداء الله ورسوله اجتمعوا على باطلهم واتحدت كلمتهم ضد الإسلام والمسلمين، فلماذا نتفرق عن حقنا؟ إنها لمفارقة لا يمكن التصديق بها، قال تعالى: [كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ] (الكهف:5)، فعزة الإسلام في وحدة أبنائه التي يحبها الله تبارك وتعالى كما في قوله: [إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ] (الصف:4)، فلماذا لا تفعلون ما يحببكم إلى الله تبارك تعالى، ولا بد أن لا يقتصر فهمنا للقتال في سبيله على المواجهة المسلحة مع الكفار، بل مطلق المواجهة على صعيد النفس ومع الشيطان وفي ساحة التحديات الفكرية والاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية، وبين يديك تعاليم الإسلام ومصادر تشريعه تجدها حافلة بكل ما يدعم الألفة والتقارب بين القلوب، فأمر بالخمس والزكاة لمساعدة الفقراء، وشجع على قضاء حوائج المؤمنين وإدخال السرور عليهم وتفريج كربهم والتراحم والتواد والتواصل بينهم والتخفيف عن آلامهم، حتى جاء في الحديث: (من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم)، فيخرج من ربقة الإسلام وحسن الرعاية الإلهية من لا يحمل هذا الشعور اتجاه أمته، وتفصيل الكلام في هذا المجال مما يتطلب فرصة أوسع، لكن الإشارة تغني اللبيب وتنفع المخلصين الصادقين، وقد سجلت بعض هذه التفاصيل في مقدمتي لكتاب (أصل الشيعة وأصولها) وبعض كتبي الأخلاقية والاجتماعية.

ج2: تحتاج الحوزة الشريفة إلى كثير من الإصلاحات في عدة اتجاهات: مناهجها الدراسية، أساليب الدراسة، شؤونها الإدارية، نظام التقييم والشهادات فيها، توظيف العلوم الحديثة في خدمة الاستنباط الفقهي، أداء مسؤولياتها، علاقتها بالمجتمع، وليس لي في هذا الكلام قدح فيها؛ لأن التطوير والتغير شيء طبيعي تبعاً للمتغيرات والمستجدات التي تحصل في المجتمع، فلا يعقل أن نبقى نفكر بوتيرة واحدة بالرغم من تغير الحاجات وتكثر التحديات،

ص: 87

وأنا أستغل بعض المناسبات لطرح هذه الأفكار على الطلبة، كما أني بدأت فعلاً بتنفيذ بعضها مما يتيسر لي وما زال الطريق طويلاً، وقد وضعت الخطوط العريضة لهذه الأفكار في كتاب لم يطبع(1) بعنوان (المعالم المستقبلية للحوزة الشريفة)، وأشرت إليه في مقدمة كتاب (القول الفصل) المطبوع.

ج3: وضعت هذه النصائح في كتاب (وصايا ونصائح إلى طلبة الحوزة الشريفة) وهو مطبوع، ولكي لا تخلو هذه الإجابات عن شيء منها أقول باختصار: إن مقومات شخصية الحوزوي ثلاثة: البعد العلمي، والبعد الأخلاقي، والبعد الاجتماعي، ولكي تتكامل شخصيته ويكون ناجحاً في مهمته وينال الحظوة عند الله تبارك وتعالى ورسوله الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) لا بد أن يجدَّ ويجتهد في المسارات الثلاثة بتوازن، فإن أي تقدم في أحدها على حساب الآخر يلزم منه خلل في شخصيته، وهو معنى الحديث الشريف: (قصم ظهري رجلان: عالم متهتك وجاهل متنسك)، فالأول حاز العلم ولم يهذّب نفسه ويطهّر باطنه، والثاني يتفرغ للعبادة والنسك إلا أنه فارغ من العلم، وفي كليهما نقص، ففي الاتجاه الأول وهو العلمي لا بد أن يسعى لتحصيل كل العلوم الحوزوية المتعارفة من مقدمات وسطوح، ويضم إليها غير المتعارفة كالتاريخ والحكمة والتفسير، والأولى أن يلمّ معها بالثقافة العامة، وفي البعد الأخلاقي يعمل على مراقبة نفسه ووعظها باستمرار ومحاسبتها وعرضها على الميزان الصحيح، وأن يكون الله حاضراً عنده في كل عمل وكل فكرة بل وفي كل خاطرة، ويجاهد في طريق تهذيب النفس وتطهير الباطن من الرذائل الخلقية وتحلّيه بالفضائل مما هو مدون في كتب الأخلاق المخلصة، وفي الاتجاه الاجتماعي يعمل على إصلاح مجتمعه وهدايته وتقريبه إلى الطاعة وتجنيبه

ص: 88


1- طبع هذا الكتاب فيما بعد.

المعصية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم الناس أحكام دينهم في العبادات والمعاملات وأن يسعى لقضاء حوائجهم ورعايتهم اجتماعياً ويشاركهم في همومهم وآمالهم وطموحاتهم ويعمل على تحقيقها بقدر المستطاع.

ومن المهم لطالب الحوزة أن يقتدي بسيرة الأئمة (عليهم السلام) والعلماء الصالحين ويهتدي بهداهم ويأخذ سمتهم وطريقتهم حتى في أبسط التفاصيل الحياتية، وأنا أعلم أنها مسؤولية ضخمة وجسيمة، لكن الأجر عظيم والنتائج كبيرة، وعلى حد تعبير الشاعر:

على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ وتأتي على قدر الكرام المكارمُ

ج4: ذكرت تفاصيل نافعة في كتاب (فقه الجامعات) الذي يخاطب الشباب الجامعي، وهم نخبة هذه الشريحة وصفوتها، وأنا أعتذر عن هذه الإحالات على الكتب، وعذري في ذلك أن كل سؤال من هذه الأسئلة الواعية التي تنمُّ عن وعي معمق لدى السائل للواقع المعاش تحتاج إلى كتاب لبيان تفاصيل الجواب، وعادة في كتاباتي أسعى لتعميق عدة مفاهيم لدى الشباب وعموم أبناء المجتمع، لكن مطلوبيتها من الشباب أكثر:

1 - العودة إلى الله تبارك وتعالى وتعاليم الإسلام فإنها سر قوتنا، والتاريخ يشهد على ذلك، وسر فلاحنا ونجاحنا في الآخرة وسعادتنا واطمئناننا في الدنيا، وهذه كلها نتائج مهمة تستحق بذل الجهد في التمسك بها.

2 أن يكون الشاب هادفاً في حياته غير لاهٍ ولا عابث كما وصف القرآن الكريم: [يَا أَيُّهَا الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ] (الانشقاق:6)، والكدح هو العناء والتعب، وأن تكون الأهداف التي نسعى من أجلها حقيقية لا وهمية.

ص: 89

3 - الاعتزاز بشخصيتنا الأصيلة التي تحمل الكثير من القيم والأخلاق والمثل التي تثير حسد الغرب وتدفعه إلى أن يكرس كل خبثه ومكره لينزعها منا فنصير أذناباً، ويؤسفني أن أرى الشباب وهم مقلدون للغرب في ملبسهم ومأكلهم وتصرفاتهم وحركاتهم وكأنهم لا يملكون ذلك التاريخ العريق حتى يستنسخوا شخصية الغير في حياتهم.

4 - التحذير من مكائد الغرب الكافر وخططه الخبيثة التي يريد من خلالها استعبادنا وتكريس تبعيتنا له.

5 - أن يفكر بمجتمعه وأمته في الحاضر والمستقبل ويعمل على إعمار الحياة ونجاحها في جميع نواحيها كما قال القرآن: [وَإلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ] (هود:61)، أي في الأرض بمعنى أن الله تعالى خلقكم فيها وطلب منكم إعمارها فلا يقصر أحد في أداء وظيفته ومسؤوليته في أي موقع مفيد كان.

6 - تعميق الارتباط بالحوزة الشريفة؛ لأن العلماء حصون الإسلام ومنار الهدى وقد قال عنهم الإمام (عليه السلام): (فإنهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله، والراد عليهم كالراد علينا)(1).

ج5: أشرت إجمالاً في جواب السؤال الثالث إلى البعد الأخلاقي وكيفية تعميقه، وهو كلام شامل لكل مسلم مخلص يريد الوصول إلى الله تبارك وتعالى، وتوجد كتب نافعة في هذا المجال متدرجة في مستوى عطائها، فأولها (القلب السليم)، ثم (جامع السعادات) و(المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء) وغيرها مما هو معروف، ولكن المربّي الرئيسي هو القرآن وأحاديث المعصومين

ص: 90


1- كمال الدين وتمام النعمة: ص484.

(عليهم السلام)، الذي يغني السطر منها عن صفحات من كلمات غيرهم (عليهم السلام)، وقد توجد كلمة واحدة تغير مجرى حياة الإنسان، وأنقل لكم حديثاً واحداً وهو قول الإمام الحسين (عليه السلام): (من حاول أمرا بمعصية الله كان أفوت لما يرجو وأقرب لما يحذر)(1)، فلو وصل الناس إلى مثل هذه القناعة لما تكالبوا على تحقيق مطالبهم بشتى الوسائل حتى المحرمة منها، فهذا الإمام (عليه السلام) يخبرك أن من حاول تحصيل غايات مطلوبة بوسائل محرمة كان عمله أقرب لما يحذر، وهذا الحديث دستور حياة لنا، ومثله قول الإمام (عليه السلام): (عجبت لمن يرجو عفو من هو فوقه كيف لا يعفو عمن هو دونه)، فكلنا نرجو عفو الله تعالى، ونحن نحاسب أمثالنا من المخلوقين بالمليم كما يعبرون؟! إنها مفارقة مرفوضة، وتصور لو أن علاقة العفو هذه سادت بيننا كم ستصفو علاقات المجتمع ويكللها الود والاحترام والأخوة والتآلف.

ج6: أشرت في استفتاءات عديدة إلى هذه الأساليب خصوصاً استفتاء (اِحذروا الصناعات المستوردة) و(الحجاب الفرنسي) و(عصير الشعير المسمى بالبيرة الإسلامية) وغيرها، وهو المتوقع منهم، فإنهم لا يتركون فرصة لإبعادنا عن إسلامنا وقرآننا إلا استغلوها بوسائلهم الخبيثة المتعددة، يساعدهم على ذلك جهلنا وانبهارنا بحضارتهم المادية الزائفة، ولا نأخذ العبرة من أمم سابقة سادت العالم ولم تكن الشمس تغيب عن ممالكهم ثم سقطوا وانتهوا لعدم استنادهم إلى ركن وثيق، والذي يقرأ القرآن ويتمعن فيه يجد تحذيراً كثيراً منهم، وقد أشرت إلى بعضها في كتابي (شكوى القرآن) و(فقه الجامعات)، والخلاصة أنهم يريدون أن يعطونا أسوأ ما عندهم ويأخذوا منا أحسن ما عندنا، فهل صفقة

ص: 91


1- صحيفة الحسين (عليه السلام): ص336.

أخسر من هذه؟! والمسلم الواعي يكون في حذر منهم في كل شيء ويتسلح بالقرآن وتعاليم الإسلام في مواجهة ما يفعلون.

ج7: لا يجوز القدح بالمسلم مطلقاً، فكيف بالعلماء الذين خصَّهم الله تبارك وتعالى بالمنزلة الرفيعة، حتى قيل أن أكثر من (500) آية في القرآن وردت في مدح العلماء وذم الجهلة وأفضلية صفة العلم ومن يحمله على جميع المميزات الأخرى، وجاءت السنة الشريفة لتعزز ذلك: (مداد العلماء خير من دماء الشهداء)، وقد قرأت قبل قليل عن الإمام الصادق (عليه السلام): (إنهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله، والراد عليهم كالراد علينا) والواقع يشهد بذلك؛ فإن أية أمة بلا علماء تكون كالغنم بلا راع، فهم يرشدونها ويهدونها إلى الطريق الصحيح ويتحملون التضحيات من أجلها من دون أن يتوقعوا من الأمة جزاءً ولا شكوراً، بل أفنوا حياتهم زاهدين معرضين عن حطام الدنيا، فهل جزاء كل ذلك ذمهم والقدح فيهم والافتراء عليهم وتتبع عثراتهم؟! إنها معاوضة غير منصفة، والعقلاء يقولون والقرآن يؤكد: [هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ] (الرحمن:60)، إنها واحدة من خطط الكفار لفصل الأمة عن علمائها حتى تضل وتتيه بتسقيط العلماء وتشويه صورتهم والافتراء عليهم ونسج الأكاذيب عنهم، والكثير من أبناء المجتمع لجهلهم وسذاجتهم يصدقون، كما قال القرآن: [وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ] (التوبة:47)، وهي خطة ليست جديدة، فقد حاولوا تشويه صورة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لينفضَّ المسلمون من حوله، حتى اتهموه بشرفه فنزلت سورة النور لتخبر عن حديث الإفك والدفاع عن شرف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، واتهموا أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه لا يصلي، فشاء الله أن يستشهد علي (عليه السلام) في محراب الصلاة لتتوجه صفعة إلى أولئك المنافقين، ولكن لماذا لا نعرف عظمة علمائنا إلا بعد موتهم؟ وماذا ينفعنا الندم؟ ثم ألا تكفينا المرة

ص: 92

والمرتان من الخطأ فنصرُّ على تكراره، والمفروض أن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين؟! إنها فتنة زرعها أعداء الإسلام، فلا ينبغي للمسلمين الوقوع فيها، وعليهم احترام علمائهم فهم حصون الإسلام الحافظون لحدوده والمرابطون في ثغوره لحماية المسلمين وكيان الإسلام من مكائد وخطط الكفار وإغواء إبليس.

أكرر اعتذاري عن الاختصار وأسأل الله تعالى أن يأخذ بأيدينا جميعاً لنيل رضاه وإصلاح حالنا إنه ولي النعم.

ص: 93

تنبيهات على الأقراص الليزرية وصالات (البلي ستيشن)

بسم الله الرحمن الرحيم

من غريب الأمر أنّا نرى تعاليم الصهيونية جميعاً مطبقة في بعض بلاد الإسلام، ومن المعلوم أن الشجرة لا تموت إلا بإماتة جذورها. وقد جاء في كتاب (أسرار الماسونية) ما يلي :

1 - (دعوا الكهول والشيوخ جانباً وتفرغوا للشباب بل تفرغوا للأطفال).

2 - (إننا لا نكتفي بالانتصار على المتدينين ومعابدهم، إنما غايتنا الأساسية هي إبادتهم من الوجود).

أثرها في المجتمع :

1 - لقد بلغت مبلغها واتسع استعمالها في المجتمع وأصبحت مكاتب تأجير الأقراص وصالات الأتاري منتشرة في كل مدينة.

2 - لقد دخلت في أدمغة أطفالنا واستوعبوا ما فيها من نكات ومواقف وأفكار، ويترددون عليها من كل حدب وصوب، فكذِّب من ادعى أنها لم يكن لها أثر في حياتنا.

مضارها :

1 - غسل الدماغ : فالهدف الأول والأخير للإعلام هو خلق جيل بعيد عن الإسلام يحمل فلسفة وروح وتاريخ أعداء الدين، فيصبح جزء من قطيع تتحول لغته ولهجته..حب.. فلم الموسم.. لعبة أتاري.

ص: 94

2 - الإثارة الجنسية : دأب الإسلام على تهذيب هذه الغريزة للحد من الشهوة، ففرض الحجاب وغض البصر للرجل والمرأة، والتفريق في المضاجع بين الأخوة والأخوات. وهم أرادوا جعل مناظر الفسوق مألوفة لدينا، بل هي مقتضى عرفنا، والمداعبات أيسر ما تقدمه، وصورة الجنس مشهد عادي أدركه حتى الأطفال الصغار، اُنظر وتأمل كلام الماسونية: (يجب أن نخلق جيل لا يخجل من كشف عورته)، فاللقطات الفاحشة التي تأتي من الغرب في هذه الأقراص التي يصممونها بحيث لا يمكن اقتطاع هذه المشاهد ترغمك أن تراها مع أسرتك، فتسقيهم بيدك السم الزعاف، وكذلك اللقطات الخليعة التي تعرض خلال استعراض ألعاب البلي استيشن.

3 - التربية اللا إسلامية : إن أول ما تقوم به الأفلام هو طمس الحياء الناتج من تكرار مشاهد المناظر الخليعة وعلاقات الحب والغرام المحرمة، وما أعمق قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (من لا حياء له لا إيمان له)، وتصور الكثير من الأفلام والمسلسلات أردأ صور العلاقات العائلية، والشيء الطبيعي أنها تعتمد على نظريات الغربيين في التربية، وغالباً ما تحتوى أفضل صورة على كثير من الجفاء والعقوق وقطيعة الرحم..

وبذلك يستجيب المراهقين لما يشاهدون وتعجبهم الصورة الرديئة بما تحمل من شموخ وتكبر وحصول على كثير من المكاسب، وبهذا تعلمهم معنى العقوق والصراع مع أقرب الناس.

وأصبح الطفل يتفنن في اصطناع الأكاذيب على والديه ويتهرب من المدرسة لأجل لعبة أتاري، وتصل أحياناً إلى سرقة المال من والديه لأجل الذهاب إلى صالات الألعاب.

فانظر كم أثرت هذه الأفكار في تربية أطفالنا، أليس من الواجب علينا مقاطعتها لكيلا يتفاقم الأمر أكثر من ذلك؟.

ص: 95

4 - الشعور بالحقارة : بقطع الصلة بين الجيل ودينه وتاريخه وقيمه. فالأفلام والمسلسلات توضح لنا التطور العلمي والتقدم الحضاري الهائل في الغرب، وتصور لنا أن نظرتهم للحياة هي الحق وما سواهم الباطل، وكل حركة تصدر منهم لا بد أن تعبر عن روح العصر المتقدمة.

إن خططهم نجحت إلى الدرجة التي جعلت من أبنائنا يخجلون حتى من لغتهم وأصبح خلطها بلغات أخرى من علامات التقدم، وصارت عاداتنا وأمور ديننا مثيرة للاستنكار، حيث يخجلون من عزاء الحسين (عليه السلام) مثلاً أو قبور المعصومين (عليهم السلام) وغيرها كثير.

5 - شغل القلب: القلب يتشبع بما يوضع فيه، وهذه الأمور منهاج مرسوم ومخطط يشغل القلب عن كل أمر مهم، فبدل أن يخشع ويبكي من خشية الله، يرتجف ويتحرك للعبة أتاري أو جريمة قتل في فلم ويبقى مشغولاً بها لساعات من الزمن.

6- لهو ولغو: الإسلام يرفض وسائل اللهو، ويحرم الكثير منها؛ لأنها تشغل القلب وتهدر الوقت الذي هو رأس مال الإنسان وقيمته، فبهذا الوقت يكتسب الصديقون مكان الصديقين، قال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم): (يا ابن آدم إنما أنت أيامك)، فانظروا أيها المؤمنون كم تهدر هذه الأمور من الوقت، وكم حرمنا من صلاة الفجر بسبب السهر على الأفلام وألعاب الأتاري، فأي كارثة أشد من هذه؟.

7 - السفهية: إن هذه الأمور غير منتجة لا لبناء ولا للباس، ولا لمصلحة اجتماعية ولا لأي شيء آخر.

8 - إلهاء المسلمين: عن واقعهم المعاش ومشاكلهم، وترك الاحتجاج والمناقشة وخاصة التغافل عن البلاء الوارد علينا من جانب الغرب نفسه.

9- منع التكامل لأفراد المجتمع: لأن الفرد عندئذ يقضي الوقت كله أو أغلبه في لعب الأتاري أو التفرج على الأفلام، ويبقى الوقت الباقي لديه يقضيه

ص: 96

في ضرورات حياته وأسرته، ولا يبقى له وقت آخر ليقضيه في تكامله العلمي والعقلي والديني والروحي، وبهذا يخطط الغرب الكافر أن يكون الجهل والتدني هو الصفة العامة في العالم كله ليكووا لقمة سائغة له ولأطماعه ولأرباحه ولكبريائه.

10 - تأييد للاستعمار والظلم: وإنها تأييد بخلاف المصلحة العامة، وإن الاستعمار إنما بذر بيننا هذه الأمور لأجل إبعاد الناس عن المصالح العامة وعن واقعهم.

11 - إثارة المشاكل: فكثيراً ما تحدث النزاعات والخصومات بين الشباب في هذه الصالات والسب والشتم والألفاظ الفاحشة، وحتى الكفر بالله والمعصومين (عليهم السلام)، فإلى أي مدى يريد الغرب إيصال شبابنا وأطفالنا، وكأن أولياء الأمور في معزل عن هذه المخططات، ولم يتخذوا موقفاً حاسماً تجاه هذه المفسدة التي تؤدي إلى خراب أطفالهم ودينهم.

المبررات للعمل في هذه الصالات والمكاتب:

1 - البعض يدعي أنه لا يستطيع أن يجد عملاً مناسباً له غير هذا العمل.

الإجابة: هذا من تسويلات الشيطان وما أشبهها بدعوى الجاهلية الذين كانوا يقتلون أولادهم خشية إملاق بحسب دعواهم، فوعدهم الله سبحانه بقوله: [نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءاً كَبِيراً] (الإسراء:31)، فهؤلاء يقتلون الدين والأخلاق والغيرة ويخربون البناء الاجتماعي، مدعين الفقر إن لم يقوموا بهذه الأعمال، فعليهم أن يثقوا بوعد الله سبحانه، وحاشاه تعالى أن يخلق الخلق ويتخلى عن رزقه ويجعل رزقه في معصيته، بل إن هؤلاء أشنع من أولئك الجاهلين، فقد كان أولئك يقتلون الأولاد، وهؤلاء يفتنون الناس عن دينهم، وقد قال تعالى: [وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ] (البقرة:191)، [فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ] (النور:63).

ص: 97

فلتكن ثقتهم وحسن ظنهم بالله تعالى كبيراً، فإن الله عند حسن ظن عبده كما في الحديث، وليحاولوا مهما واجهتهم المصاعب، فقد يكون طريق الحرام سهلاً سريعاً إلا أن عاقبته وخيمة، ولسنا فقط خلقنا لهذه الدنيا فإنها مرحلة زائلة، وإنما خلقنا للآخرة، فيجب أن نفكر فيها كما نفكر بالدنيا ونوازن تصرفاتنا.

2 - البعض يدعي أنه يشاهد هذه الأفلام من باب الترويح عن النفس.

الإجابة : الترويح عن النفس لا يجوز أن يكون بأساليب محرمة، فإن الغاية لا تبرر الوسيلة، فليروّح عن نفسه بأمور محللة، كمفاكهة الأخوان والسفر والزيارة والتنزه.

3 - بعضهم يقول إن بعض المراجع يجوّزها.

الإجابة : هذا ناشئ من النظرة الفردية التي حكمت أذهان الفقهاء، وأعني بالنظرة الفردية بأن الفقيه حينما يفكر ويستنبط فإنه يتصور أمامه فرداً مسلماً يريد أن يبرئ ذمته أمام الله تعالى وينجي نفسه من العقوبة، ولا يتصور أمامه مجتمعاً مسلماً يريد أن يمتثل بالشريعة الإلهية، فبنظرة بسيطة لأثر هذه الأمور على المجتمع نجدها كيف استحوذت على مشاعر الناس وعواطفهم حتى أصبحت إلهاً يطاع وتتوجه إليه القلوب والأفئدة وتصرف عليها المليارات.

حلول ممكنة :

1 - الاستغناء عنها بجلسات عائلية ناجحة تستثمر توطيد العلاقة بين أفراد الأسرة، خصوصاً أن الانقطاع إلى هذه الأمور بدلاً من الانقطاع إلى الله عامل أساس في تفكيك الروابط الأسرية.

2 - الاستعاضة عنها بقضاء الوقت بأمور مفيدة، كقراءة القرآن والكتب وسماع المحاضرات والأخبار.

ص: 98

3 - الاستغناء عنها بعمل مسابقات علمية أو دينية بين أفراد الأسرة، مما يؤدي إلى تحفيز أفراد الأسرة على الاستزادة بالمعلومات للإجابة على الأسئلة من ناحية، ومن ناحية أخرى إيصال المعلومات إليهم بأسلوب شيق وممتع ومحاولة منح الجوائز لهم.

4 - رفع السبب الذي عن طريقه يتم إيصال سمومهم لنا، ألا وهو التلفزيون.

5 - محاولة اقتناء جهاز كمبيوتر والسيطرة عليه بما هو مفيد.

أحكامها :

هذه الأحكام جاءت في كتاب (ظواهر اجتماعية منحرفة) للشيخ اليعقوبي (دام ظله).

مسألة: انتشرت في الآونة الأخيرة مكاتب بيع وإجارة الأقراص الليزرية والتي تروّج عادة أفلام أهل الفسق والكفر؟

بسمه تعالى:

1 - التكسب بمثل هذه الأعمال محرم، وأخذ الأجرة عليها حرام؛ لما فيها من نشر الفساد وهتك للحرمات وانتهاك للمقدسات، فلا يجوز بيعها ولا شراؤها ولا تأجيرها.

2 - يعد اللهو بهذه الأجهزة سفهاً ومفوتاً للمصالح الاجتماعية العامة، وتضييع الوقت هدف غير عقلائي ومرفوض من قبل الشارع المقدس، بل هو (لا هدف)، واللاهدفية ممقوتة من قبل الشارع الإسلامي ومنافية للحكمة من الخلق والإيجاد وفيها تفويت لمصالح شخصية واجتماعية كثيرة.

3 - لا يجوز إيجار المحلات من قبل الأهالي لهؤلاء الأشخاص حتى يعملون فيها هذه الأعمال الباطلة، ومن يفعل ذلك فإنه شريكهم في الإثم، ولو لم يكن يعلم فعليه إخراجهم بمجرد علمه، ولا يجوز أخذ الأجرة منهم، وحاله

ص: 99

كمن يؤجر المساكن ليعمل فيها الخمر أو تعمل فيها الفاحشة وإيجار السيارة لنقل الخمر وكلها أمور محرمة.

4 - لا يجوز إعارة جهاز الفيديو للأصدقاء إلا بعد إحراز كونه يستعمله في أمور محللة، خصوصاً مع غلبة استعمالها في المحرم كما هو معروف.

5 - بالنسبة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعاملوا هؤلاء بالأسلوب المناسب لإصلاحهم، فقد يكون بالعلاقات الودية والرفق بهم، وقد يكون بزجرهم وتوبيخهم، وقد يكون بمقاطعتهم، ولابد من توجيههم وإرشادهم بالحكمة والموعظة الحسنة وبيان النتائج السيئة لعملهم هذا.

6 - لا يجوز إصلاح هذه الأجهزة مع علم المصلح أنّ صاحبها سوف يستخدمها للحرام فيكون معيناً له على فسقه وفساده وشريكاً له في عمله المحرم.

النصائح :

1 - النصيحة الأكيدة لشبابنا الناهض الواعي أن يلتفت إلى مصالح نفسه ومجتمعه، ويسقط أهمية هذه الأمور عن نظر الاعتبار، ويخاف الله تعالى، فإن كل هذه الدعايات والعنايات إنما هي مصيدة له لإدخاله في فخ الشيطان، ويكون حب هذه الأشياء إنما هو حب للمخططات الاستعمارية من حيث يعلم أو لا يعلم، ونكون قد أعنا الاستعمار الظالم الغاشم على أنفسنا وأمكناه من بلادنا.

2 - اتقوا الله حق تقاته بالالتزام بطاعة الله والاهتمام بالأهداف الحقيقية للمجتمع، وتربية النفس والآخرين تربية صالحة، وترك كل ما يرتبط بالشيطان والكفر والكافرين والابتعاد عنه ابتعادنا عن الأجرب، فإنه يصدّ عن ذكر الله والآخرة [فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ] (المائدة:91).

3 - إني لأعجب لهذا الغرب الكافر كيف يتفنن في تخريب الأخلاق وتدمير القيم الروحية بشتى الأساليب ومختلف العناوين من الفن إلى الرياضة إلى الألعاب الكمبيوترية، بقدر ما أعجب لمجتمعنا المسلم الساذج الجاهل الذي

ص: 100

يقلد تقليداً أعمى بعقل مقفل وقلب غافل للغرب الكافر اللعين، والمسلمون يعلمون أن هؤلاء يريدون أن يسلبونا ديننا الذي هو عنوان عزتنا وشرفنا وكرامتنا، وها هو القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه يخبرنا عنهم: [وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء] (النساء:89)، فلا تتخذوا منهم أولياء، وقوله تعالى: [وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى] (البقرة:120)، فلماذا؟! لا نصغي إلى تحذير الله تعالى العلام الرحيم ونبقي في غينا سائرين ولأولياء الشيطان معينين؟... عجباً!!(1).

وأخيراً وبعد هذه الأدلة التي عرضناها لإخواننا المؤمنين، والتي ستكون حجة عليهم أمام الله تعالى، أدعوهم أن يقفوا إزاء هذه الهجمة الشرسة التي يتبناها الغرب الكافر موقفاً حاسماً، بأن يقاطعوها ولا يعينوا الكفار على أنفسهم فيكونوا شركاء معهم في إنجاح مخططاتهم وبروز قدراتهم في تدمير الدين، وذلك بغلق هذه المكاتب والصالات فوراً، والسعي لإيجاد عمل مرضٍ لله تعالى، ليربحوا الدنيا والآخرة، وإلا فسوف لا ينالون إلا خزي الدنيا والآخرة، وأدعو أولياء الأمور أن يكونوا دقيقين مع أبنائهم ولا يتركونهم لقمة سائغة لمخططات الغرب الكافر، فإنهم مسؤولون عن كل ذلك [يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ] (الشعراء: 88)، [وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ] (الشعراء:227)، [وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ] (الأعراف:128).

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.

اللهم إني قد بلغت

اللهم إني قد بلغت

ونسألكم الدعاء

ص: 101


1- خطبة صلاة الجمعة الثالثة عشرة للسيد الشهيد محمد الصدر (قدس سره).

كلمة شكر وتقدير إلى طلبة الدورات السريعة

كلمة شكر وتقدير إلى طلبة الدورات السريعة(1)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، وصلى الله على سيد خلقه ومظهر رحمته وباب إفاضاته محمد وآله الطيبين الطاهرين.

حينما تحدثت في محاضرة بمناسبة حلول العطلة الصيفية عن كيفية جعل العطلة مثمرة ونافعة بدلاً من أن يقضيها أحبائي الطلبة بالضياع والتسكع كما يوحي اسمها بأنها (عطلة)، والمفروض أن الإنسان الواعي لا يعرف التعطيل، بل هو في عمل دؤوب ما دام أنه يستطيع أن يستمر كل لحظة في طاعة الله تعالى وفي تجارة لن تبور، فلماذا تكون بعض أوقاته عاطلة عن الاستثمار؟ هذه خسارة يأباها كل عاقل.

وقد روي في سبب تسمية يوم القيامة بيوم التغابن لأن الجميع يشعرون بالغبن والتقصير وضياع الفرصة حتى المؤمنين لأنهم أضاعوا شيئاً ولو يسيراً من عمرهم من دون استثمار، أي (عطّلوه)، وكان يمكنهم أن يستثمروه فينالوا درجة أعلى، وقد عبّر الله تعالى عن هذا الجهد المتواصل في الحياة الدنيا والممزوج بالعناد والمشقة والصعوبات بالكدح [يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إلى

ص: 102


1- الكلمة التي وجهها سماحة الشيخ إلى المئات من الطلبة الجامعيين عند انتهائهم من الدورات الحوزوية المكثفة خلال العطلة الصيفية التي التحقوا بها صيف عام 2002 تلبية لمقترح سماحته في محاضرة متقدمة عن العطلة الصيفية، وكان المقرر أن يجتمعوا كلهم في مسجد الرأس مع أساتذتهم والمشرفين عليهم (قُسّموا كل (25) طالباً في مجموعة ونظمت لهم دروسهم بالاتفاق مع أساتذة كفوئين) إلا أن كبر العدد والضغوط الأمنية حالا دون عقده فوزّع سماحة الشيخ نسخاً من الكلمة إلى المشرفين ليقرأها كل منهم على مجموعته.

رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ] (الانشقاق:6)، وإذا كنت ملاقيه فكيف تحب أن يكون؟ بالتأكيد تريده أن يكون مسرّاً ملؤه البِشر [وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ ، إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ] (القيامة:22-23).

من أجل هذا كله لا تعني العطلة الصيفية تعطيلاً وكسلاً، وإنما تعني صورة جديدة من العمل والكدح بعد إمضاء أشهرٍ طويلة في الدراسة الأكاديمية، فيحتاج إلى أن ينوّع عمله وكدحه لئلا يسري الملل إلى النفس والعقل فيكلان ويملان، لذا طرحنا في تلك المحاضرة عدة خيارات لاستثمار العطلة الصيفية، وكان منها الالتحاق بالدورات المكثفة التي تقيمها الحوزة الشريفة لمدة (3) أشهر الصيف يُعطى فيها الطالب دروساً يأخذها غيره في سنة كاملة، لأننا نتوسم منهم القابلية الذهنية أولاً، والهمة والإخلاص ثانياً، وكفاءة القيمين على رعايتهم ثالثاً.

ونحن حينما ذكرنا هذه الأفكار هناك وبشكل عرضي من غير تركيز عليها لم نكن نتوقع هذه الاستجابة الواسعة المثيرة للشعور بالفخر والاعتزاز والشموخ، والتي أدخلت السرور على قلب ولي الله الأعظم (أرواحنا له الفداء) وهو يرى هذه البراعم الفتية المخلصة بين أحضان حوزته الشريفة المباركة، فاستحققتم التهنئة والتبريك من جهتي العلل والمعلولات لهذه الاستجابة لدعوة الحق.

أما من حيث العلل فان تلبيتكم هذا النداء يكشف عن مستوى ليس بالقليل من الإيمان والشعور بالمسؤولية والغيرة على الدين وأهله وحب الإصلاح والتكامل على صعيد النفس والمجتمع؛ بحيث تنازلتم عن الكثير من مشتهيات النفس وميولها للراحة والدعة واللهو واللعب وتغربتم عن أهلكم وتحملتم مشقة الذهاب والإياب وشظف العيش وصعوبة المقام.

وأما في جانب المعلولات فلما حصلتم عليه من عطايا ومنح إلهية باستجابتكم لهذه الدعوة وحضوركم في هذه الحلقات العلمية الشريفة.

ص: 103

وأول هذه العطايا مجاورتكم لأمير المؤمنين ومولى المتقين ووجودكم تحت قبته الشريفة، ولو كان في الوقت سعة لسردت لكم الأحاديث في فضل أرض النجف وساكنيها، ويكفي أن أحدها قوله (عليه السلام): (الصلاة عند علي بمائتي ألف صلاة) هذه البقعة التي استجاب الله في صحبها دعوة إبراهيم الخليل (عليه السلام) [فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ] (إبراهيم:37)، وها هي قلوب المؤمنين من شتى بقاع العالم تبذل الغالي والنفيس لكي تصل هذه الأرض المقدسة وتلثم تربتها المباركة، وأروي لكم قصة صغيرة؛ فقد جاء أحد الملوك لزيارة النجف، وما إن رأى القبة الشريفة من بعيد حتى ترجّل احتراماً لصاحبها، وكان وزيره ناصبياً، فتأذى من احترام أمير المؤمنين، فقال للملك بخبث: إن علياً كان خليفة الله في الأرض، وأنت خليفة الله أيضاً، فلا فرق بينكم، فلماذا تترجل؟ وكان الشك قد دخل نفس الملك فاحتكما إلى القرآن، وإذا به يتلقى الآية الشريفة: [فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى] (طه:12)، فأمر بقتل الوزير ومشى حافياً إلى المرقد الشريف الذي قال الشاعر فيه:

يا صاحب القبة البيضاء في النجفِ *** من زار قبرك واستشفى لديك شُفي

وثاني العطايا وجودكم في حلقات العلم التي هي روض من رياض الجنة كما في الحديث: (وإن الملائكة لتفرش أجنحتها لطالب العلم، ويستغفر له من في السموات والأرض، حتى حيوانات البر والبحر) إلى غيرها من الأحاديث الشريفة.

وثالثها الاتصال المباشر بعلماء وفضلاء الحوزة الشريفة والاستفادة منهم علماً وعملاً، فتفعل ما يفعلون وتترك ما يتركون مما لا تحصل عليه لو قرأت الكثير من الكتب، لكن يبقى الدور الأهم للأسوة والقدوة الحسنة التي وجدتموها متمثلة في الكثير من أبناء الحوزة العلمية، فتعلمتم منهم الكثير.

ص: 104

ورابعها أنكم عشتم الأجواء الروحية والقدسية هنا في النجف وأنتم تنتقلون من مسجد إلى مسجد ومن روضة إلى روضة، فهنا كان الشيخ الطوسي مؤسس الحوزة، وهنا كان السيد بحر العلوم يلتقي بصاحب العصر، وهنا وقف السيد محمد سعيد الحبوبي ليعلن الجهاد ضد الإنكليز ويعبّئ المؤمنين للقتال، وهنا كانت تدور رحى المناقشات العلمية والأدبية التي حفظت لنا الدين والمذهب طيلة أربعة عشر قرناً، ونظل نستعيد ذكريات الفخر والاعتزاز والبطولة مما لا أعتقد أنكم ستنسوها وإن طال الزمن، وستشكل لكم زاداً يكفيكم مدة طويلة ويحصّنكم من الفساد والانحراف الذي حاول أولياء الشيطان إشاعته في كل مكان خصوصاً في أروقة الجامعات، لكنكم بمجيئكم إلى هنا انتصرتم عليهم وأفسدتم عليهم أحلامهم، فأعزَّ الله بكم الدين وقوّى شوكة المؤمنين.

ونحن إذا أردنا أن نقيم مدى نجاح هذه التجربة المباركة فعلينا أن نلتفت إلى الأهداف وقد ذكرتها في المحاضرة التي أشرت إليها آنفا وأعيدها ملخصاً:

أ- إنه يسلّح نفسه بالعلم والمعرفة التي تعينه على تكميل نفسه وقربه من الله تعالى وتحصنه من الوقوع في شباك الفساد والانحراف والعقائد الفاسدة والأفكار الضالة.

ب- إنه سيكون عنصراً فعالاً في هداية الآخرين، سواء على صعيد المجتمع أو الجامعة أو المدرسة أو الأسرة، وقد قلنا في مناسبة سابقة: إن الإسلام محتاج إلى جميع أبنائه، وهؤلاء الطلبة من خيرة أبنائه، فلماذا يحرمون الإسلام من بركات جهودهم ويعود النفع بالنهاية لهم.

ج- إنه سيجتاز عدة مراحل دراسية في الحوزة الشريفة خلال السنين من دون أن يفرط بدراسته الأكاديمية.

ص: 105

د- ستصبح له القابلية على الكتابة والتأليف والخوض بمختلف القضايا والمشكلات التي تواجه المجتمع مما يؤهله بشكل واسع لممارسة دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح الاجتماعي، فيكون من الثلة المؤمنة المخلصة التي عناها الله تعالى في قوله: [وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ] (آل عمران:104)، ولا شك أن المناهج الحوزوية تساعد على تنظيم الفكر وتقويمه وتعميقه وتجهيزه بأدوات العلم والمعرفة.

وأرجو أن تكون دراستكم ووجودكم في النجف قد حققت كل هذه الأهداف لكم ووفرت عندكم القابلية لتفعيلها، ولابد أن أشكر أيضاً الأساتذة والفضلاء الذين تحمسوا للفكرة وساهموا في إنجاحها بالتدريس وتوفير مستلزمات الإقامة والمساهمة في تذييل الصعوبات، فأضافوا عناءً إلى عنائهم وجهداً إلى جهدهم، علماً منهم بأن هذا كله بعين الله تعالى [ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ] (التوبة:120) [وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ] (التوبة:111).

وأسجل شكري لعدد من المراجع العظام والأساتذة والفضلاء والمفكرين الذين استحسنوا هذه الخطوة وباركوا للعاملين عليها ودعوا الله لنجاحها.

وإني لأشعر بالضعة والضآلة أمام عواطف ومشاعر المؤمنين الذين عبروا عن دعم هذه التجربة بأشكال مختلفة، خصوصاً تلك الأخت المؤمنة التي أرسلت مبلغاً بسيطاً من الناحية المادية، لكنه كبير من الناحية المعنوية، حيث لم تجد ما تشارك به إلا هذا المبلغ الذي ادخرته من عمل منزلي مضنٍ تقوم به، فبعثته مع رسالة تعبر فيها عن مشاعرها، فأثرت في قلبي كثيراً وألقت الحجة

ص: 106

عليّ وعلى كل المخلصين في أن لا نألو جهداً في إعلاء كلمة الله، فأمرت بتوزيع الأوراق النقدية التي بعثتها على المتفوقين الأوائل للتبرك بها؛ لأنها صدرت بإخلاص، وذكرتني بنساء الإسلام الخالدات حيث لم تكن إحداهن تستطيع أن تشارك في الجهاد فتقطع ضفيرتها لتكون رباطاً لخيول المجاهدين.

أكرر شكري لله تبارك وتعالى ولي النعم ومفيضها، وأساله أن يقع كل هذا منه موقع الرضا والقبول، وأن يحسن العطاء ويتجاوز عن الأخطاء؛ إنه أرحم الراحمين.

محمد اليعقوبي

18/ج2/1423ه

27-8-2002

ص: 107

متوجيهات ثقافية وأخلاقية للشباب

بسم الله الرحمن الرحيم

سماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

انطلاقاً من الحديث الوارد (من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم) نوجّه إليكم هذه الشكوى الفكرية التي تعصف ببعض أخواننا المؤمنين، حيث نجد بعضهم في الفترة الأخيرة اتّجه إلى الترف الفكري بعد أن قضوا فترة مهمة من حياتهم تحت ظل مرجعية السيد الشهيد (قده)، وحيث أنه كان الموجه إليهم من منبره المقدّس، ولكن بعد أن غيّبه الثرى انخدع هؤلاء ببعض من لهم باعٌ في الاصطلاحات المنطقية والفلسفية، وأخذ هؤلاء يقرأون لهم الكتب ويسمعون لهم المحاضرات التي لا تمت إلى واقعنا المعاش بصلة، صحيح أننا لا ننكر أن هذه الكتب والمحاضرات حقّ، لكن لكل مقام مقال، ولكل عصر حديثه، فنحن الآن لا نعيش فتنة الماديين الملحدين ونظرياتهم الباطلة، ولا توجد، ولا يوجد هناك من يشكك بوجود الله نظرياً حتى نردّ عليه، لا بل إن الأعداء هم أنفسهم غير أن الأسلوب اختلف، فكل هؤلاء الآن يحاربوننا لكن بسلاح جديد، من كرة قدم وسينمات وفساد أخلاقي ومهرجانات وقصات شعر و(مودة) ولباس الشهرة .. والكثير الكثير.

وبحسب قول أحد مفكرينا العظام: (إننا يجب أن نتعامل مع الأحياء لا مع الأموات)، لذا نرجو منكم الإجابة على هذه الأسئلة:

1. ما هي الكتب التي يستطيع الفرد المؤمن أن يعالج واقعه نفسياً واجتماعياً من خلالها؟.

ص: 108

2. إذا وجد هناك أشخاص يلقون مثل هذه المحاضرات، هل يجوز الاستماع إليهم؟.

3. إن العديد من هذه الكتب صعب، مما يولد للناس بعض الشبهات، فهل يجوز قراءة مثل هذه الكتب بدون ثقافة كافية؟.

4. هل يجوز قراءة الكتب العرفانية المعمقة جداً أيضاً لمثل هذه الطبقات من الناس؟.

5. ما هي نوعية الكتب الأخلاقية التي يستطيع الفرد المؤمن في وقتنا الحاضر الاستفادة منها؟.

6. هناك طبقة من الطلبة الجامعيين أو الشباب من يفسر القرآن برأيه طبقاً لما يسمعه أو يفهمه من محاضرات التفسير أو الكتب، ويشرحون تلك المحاضرات لهؤلاء الأشخاص، مع أنهم لم يطووا مرحلة في التفسير (أي حتى تفسير شبّر)، فما هي النصيحة لهؤلاء الطلبة؟.

7. من باب عدم وجود تيارات المد والجزر للمجتمع على حد تعبير أحد المفكرين، كيف يستطيع الشخص أن ينمي جميع القيم داخله، لكي لا تنمو قيمة واحدة فتعصف بالمجتمع ويترك باقي القيم؟.

نرجو من الله أن يوفقكم لما فيه خدمة الإسلام والمسلمين.

ابنك

عبد الله الخزاعي

بسمه تعالى:

من الضروري أن يعيش المسلم واقعه ويتفاعل معه، ولا يستنسخ تجارب وأفكار الآخرين، بل يهضمها ويتمثلها ويستفيد منها في مواجهة تحدياته الفعلية، مثلاً كانت في الخمسينات والستينات مشكلة الإلحاد وإنكار وجود الله تبارك وتعالى، فانبرت الأقلام وملأت الصحائف للرد على هذه الموجة وإثبات

ص: 109

وجود الله تبارك وتعالى. أما الآن فحتى الماديون الغارقون في الجاهلية يؤمنون بوجود الله، فهل نستمر بنفس الجهاد والجهد السابقين؟ كلا طبعاً، وإنما مسئوليتنا اليوم أن نعمّق الإحساس بوجود الله، وأن نعلم أنفسنا والناس كيف نتعامل مع الله تبارك وتعالى كموجود فعلاً، وليس موجوداً نظرياً ولكنه غائب عن ساحة التطبيق، وهذا ما يعكسه واقع المسلمين والمؤمنين بالله عموماً، فإنه ليس لله في حياتهم مكان سوى بعض الطقوس الشكلية الخالية من المحتوى.

فالصحيح إذن أن يكون المفكر والمسلم عموماً واعياً لظرفه، مستوعباً لمشاكله بشكل دقيق، منشغلاً في تحضير العلاج المناسب لها، ولا يجترّ معلومات السابقين، بل حتى ولا أفكار المعاصرين ممن يعيشون في ظروف اجتماعية وتحديات فكرية لا نعيشها نحن، وإلا سنكون كمن يغرد خارج السرب – كما يقول المثل – ولا زلتُ أركّز في كتبي الاجتماعية على ما نواجه من تحديات تستحق أن نكرس جهودنا في مواجهتها بكل ما أوتينا من قوة.

بعد هذه المقدمة أحاول الإجابة باختصار عن الأسئلة التفصيلية:

1- أرشدت في كتبي المختلفة إلى هذه الكتب. (راجع: فقه العائلة، فقه الجامعات، شكوى القرآن، شكوى المسجد.. وغيرها).

2- إذا شغلت المستمع عما هو أهم، فتركها أولى، ومع عدم التزاحم كما هو الغالب فلا مانع من الاستماع إليها لأنها أولاً وأخيراً علم نافع في نفسه، ولكن التركيز عليها من دون تلبية الاحتياجات الأخرى نقص.

3- لا يجوز قراءة الكتب التي تشكك المسلم في عقائده الحقّة، سواء كان بسبب احتوائها على شبهات مضلة، أو معلومات معمقّة لا يحتملها القارئ، ولا يجوز لمؤلفٍ طرح مثل هذه الكتب للعامة، وفي الحديث: (من كسر مؤمناً فعليه جبره).

4- لا تخرج الكتب العرفانية عما ذكرناه آنفاً، والمخلصون منهم يبثون الحقائق العالية بين ركام من المعلومات العادية، ليلتقطها أهلها المستحقون لها

ص: 110

فقط، كما تنثر الجواهر بين الحصى، على أنه يوجد خلط في الفهم بين (العرفان) و(الأخلاق) لا مجال لبيانه الآن.

5. الكتب التي أراها مناسبة، ولا أخشى منها على القراء، وصادرة من قلوب مخلصة وصادقة، ولها أثر في التربية، منها: (القلب السليم، مرآة الرشاد، جامع السعادات).

6. جوابهم الحديث الشريف: (من فسّر القرآن برأيه هلك)، فلا بد من الاستدلال على التفسير، والاهتداء بآية شريفة أو سنة محكمة أو حجة قاطعة.

7. جوابه بحث طويل في مقومات الشخصية المتوازنة التي تنمو وتتكامل بجميع الاتجاهات، وقد شرحته باختصار في أول فصل من كتاب (وصايا ونصائح إلى الخطباء وطلبة الحوزة العلمية)، وتوجد لفتات متفرقة في (فقه الجامعات) يمكن اقتناؤها.

سدد خطاكم وكثّر أمثالكم من الواعين المخلصين في المجتمع، خصوصاً في أوساط الجامعات.

الشيخ محمد اليعقوبي

ص: 111

الانتماء إلى الحوزة الشريفة

سماحة آية الله الشيخ محمد اليعقوبي (دام عزه)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

توالت على بلاد الإسلام المقدسة قرون طويلة مفتقرة إلى الإصلاح والسعادة وقريبة من الفوضى والفساد بسبب الابتعاد عن الحوزة الشريفة والدين القويم.

وبما أن النجف هي مهد الإسلام ومركز المسلمين ومهوى قلوب العالم، وإنها الأرض التي تحتضن بفخر واعتزاز مرقد الإمام علي (عليه السلام) الوصي الأمين لرسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولوجود تلك الحملة الإصلاحية التي تبنتها الحوزة الشريفة، نوجه إليكم بعض الأسئلة التي نريد منكم التفضل بالإجابة عليها، راجين توجيه هذا الخطاب إلى الشباب الواعين الذين التحقوا بالحوزة الشريفة رغم كل الصعوبات والعراقيل يرخصون في سبيلها الأموال وبعد المسافة وفراق الأهل والأحبة، وكذلك توجيهه إلى من لا يستطيع الالتحاق بالحوزة الشريفة وهم يتحرقون شوقاً ويذوبون وجداً إلى الوصول والحياة في رحاب هذه الأجواء الإلهية المقدسة، ومن هذه الأسئلة :

1- هناك بعض الطلبة من طلاب الحوزة الشريفة سامحهم الله يمنعون هؤلاء الشباب عندما يطلبون منهم النصيحة في المجيء، يكون جوابهم (بقاؤكم خارج أفضل!!) وغيرها من الأعذار التافهة التي لا داعي لذكرها.

2- وهناك بعض آخر يقومون بنقل بعض السلبيات التي لا قوام لها إلى العوام، وبالتالي يؤثر على المركز القيادي للحوزة الشريفة بصورة عامة وعلى طالب العلم بصورة خاصة.

ص: 112

1- هناك بعض الموجهين والفضلاء الذين اعتزلوا الحوزة الشريفة لشرائهم جهاز الكمبيوتر، وأصبحوا يأتون فقط في يوم الراتب مما أثر على الطلبة الجدد في تحصيلهم الدراسي.

بسمه تعالى:

إن هؤلاء (الطلبة) الذين يقدمون هذه (النصائح) غير عارفين بمسؤولياتهم وما ينبغي عليهم فعله، ومثلهم لا يؤتمن على نصيحة، فالحوزة الشريفة من أوسع الطرق الموصلة إلى الله تبارك وتعالى حيث تنفتح لك من خلالها أبواب للطاعة وزيادة الأجر مما لا يحصي ثوابه إلا الله تبارك وتعالى، ولا يعرف طعم الحياة وقيمة الوجود أحد أكثر ممن سلك هذا الطريق، واني أتحسر على من لم ينتم للحوزة لأنه محروم من هذه النعم.

وأجد من اللازم شرعاً على من يجد في نفسه الكفاءة لطلب العلم والتحصيل وتتوفر فيه شروط حمل هذه الرسالة الشريفة ألاَّ يتخلف عن الالتحاق بها، فإن وجوب رفد الحوزة الشريفة بالطاقات النافعة وجوب عيني وليس كفائياً على أمثالهم، وأنت ترى مصداق ذلك في الفراغ الذي يعيشه مجتمعنا من العلماء والفضلاء والمرشدين والمصلحين، وسيكون الأمر أكثر إيلاماً عندما تعلم أن مسؤولية الحوزة إيصال صوت الحق إلى كل بقاع العالم، فكيف يتحقق ذلك ونحن إلى الآن لم نملأ حاجة مجتمعنا القريب؟!

أما السلبيات الحاصلة من بعض المنتسبين إلى الحوزة فلا يجوز أن تنعكس على الحوزة ككيان، فما من شريحة إلا وفيها منحرفون لا يمثلون الخط الصحيح لتلك الشريحة، فهؤلاء الذين يحملون اسم الإسلام وهم يجترحون الكبائر ويبارزون الله بالمعاصي والموبقات هل يمكن أن نلوم الإسلام إذا كانوا هم أساؤوا التطبيق؟ فيا عزيزي كن أنت مستقيماً ولا يضرك انحراف الآخرين، قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ] (المائدة: 105).

ص: 113

وأما الدراسة بالكمبيوتر فإنها لا تغني عن الالتحاق بالحوزة الشريفة لعدة أمور أذكر بعضها باختصار :

1 - إن كيان الحوزة ليس كياناً علمياً فقط حتى يعوّض بالكمبيوتر، بل هو كيان تربوي وتوجيهي وإصلاحي ينظم حياة المسلمين ومعاملاتهم.

2 - إن من يدرس من خلال الكمبيوتر يفقد البركات والآثار العظيمة التي يفيضها الله تبارك وتعالى على حلقات العلم، وأحدها ما جاء في الحديث : (حلق العلم روضة من رياض الجنة)، هذا غير بركات جوار أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقد جربت بنفسي أنه عندما أغيب عن الدرس - وهو نادر جداً - وأتلقى الدرس بالكاسيت يفرق تماماً عن الدرس الذي أتلقاه مباشرة من الأستاذ (رغم أن الكاسيت هو درسه نفسه).

3 - إن الكمبيوتر لا يعدو كونه كتاباً مسموعاً، فهو كالكتاب المقروء من هذه الناحية، فهل يغني الكتاب عن الأستاذ.

4 - إن اللقاء المباشر مع الأستاذ فيه تفاعل وحوار وانشداد وإيضاح مما يفقدها درس الكمبيوتر، وغير هذا كثير.

ومع ذلك فإن الدراسة بالكمبيوتر والاستفادة من خدماته يمكن أن تكون في أكثر من اتجاه :

أ - في البحث والتحقيق في المصادر، فإن الجهد الذي يوفره للباحث والدارس في بطون الكتب مما لا يمكن أن يأتي به جهد شخصي .

ب - مواصلة الدراسة وتلقي العلوم من خلال أقراصه وبأشراف حوزوي طبعاً ومع تقرير المطالب التي تلقى فيه، وذلك لمن لا يتسنى له مواصلة الدراسة في الحوزة الشريفة لمانع أو لآخر خصوصاً النساء.

والخلاصة إن الكمبيوتر يصلح أن يكون مساعداً لطالب العلوم الدينية لا بديلاً عن الالتحاق بها، وينبغي الالتفات إلى أن الذي يدرس على الكمبيوتر

ص: 114

وليس في أروقة مدارس الحوزة العلمية ومساجدها لا يستحق المال الذي تخصصه المرجعية الشريفة لطلبة الحوزة.

وأكرر القول أني أعد من أعظم النعم عليَّ وجودي ضمن هذا الكيان الشريف، وكلما استمعت إلى الآية الشريفة: [فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ] (التوبة:122)، أعيش سعادة روحية ما بعدها سعادة شكراً لله تعالى أن جعلني من أهل هذه الآية، وأقول كم أن مجتمعنا مقصر في تطبيقها، فإذا كان الله تبارك وتعالى يحث على أن ينفر من كل فرقة طائفة (وهي لا تقل عن ثلاثة) إلى مراكز العلم والحوزة الشريفة ليتفقهوا في الدين ومن ثم يعودون إلى قومهم يعلمونهم أحكام دينهم ويدلونهم على طاعة الله تبارك وتعالى ويجنبونهم معاصيه، فلماذا نرى مدناً كبيرة وعشائر عظيمة ولا يوجد واحد من أبنائنا من النافرين إلى الحوزة الشريفة؟ أترى كيف حرمنا أنفسنا من هذه النعمة الكبيرة وحرمنا مجتمعنا الذي يحرص على سماع كلمة الحق في مواجهة أبواق الضلالة ودعاة الفساد والانحراف، فلماذا نصدَّ أسماعنا عن هذه الآية المباركة الشريفة؟!

إن حبي للناس يدفعني إلى أن أدعو الله تبارك وتعالى لهم جميعاً بالالتحاق بهذا الكيان الشريف ذكوراً وإناثاً، فالإسلام يحتاجهم جميعاً ليوصل صوته إلى البشرية جمعاء حتى تعيش بسعادة وسلام وطمأنينة، ولكنني أعلم أن الفرصة ليست متاحة للجميع، وحينئذ يمكن أن يؤدي كل دوره في الهداية والإصلاح بالطريقة التي تناسبه.

وتفصل الكلام في كتاب خاص عن الشؤون والشجون الحوزوية(1)، جعلنا الله ممن ينتصر بهم لدينه ويبلغنا غاية رضاه إنه ولي النعم.

ص: 115


1- طبع لاحقاً كتاب (المعالم المستقبلية للحوزة الشريفة).

من مشاكل الشباب: ممارسة العادة السرية

بسم الله الرحمن الرحيم

سماحة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله)

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

هناك بعض المشاكل التي تواجه شبابنا المؤمن ومنها مشكلة (العادة السرية) فاستصرخناكم عسى الله تبارك وتعالى أن يستنقذنا بكم:

س1: ما المقصود بالاستمناء (العادة السرية) باصطلاح الفقهاء؟ وهل تقتصر على نكاح اليد فقط؟

بسمه تعالى:

نقصد بها عند الرجال إنزال المني بطريقة غير شرعية، والشخص بصير بنفسه فيعلم أن هذه الحالة شرعية وهذه لا. ولا يقتصر الاستمناء على الخضخضة باليد وإن كان يظهر من بعض الفقهاء عدم فهم السعة هذه، إلاّ أن آية [فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ] (المؤمنون:7) مع بعض ما يأتي من الكلام يمكن أن يكون دليلاً على التعميم.

ويجب الالتفات إلى أن هذه الآية تحرّم سائر التصرفات الجنسية خارج الإطار الشرعي سواء للرجال أو للنساء، وتوجد روايات عديدة على التحريم جعلت (المستمني) أو (ناكح يده) أو (ناكح نفسه) على اختلاف التعابير أحد سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ويدخلون النار مع الداخلين إلا أن يتوبوا.

ص: 116

وأود هنا إلفات النظر إلى شيئين:

1- إن تسميتها بالعادة السرية فيه غفلة عن الله تعالى الذي لا تخفى عليه مِنْكم خافيَةٌ [إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ](آل عمران:5) [قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أو تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] (آل عمران:29)، وأحب أن أنقل لكم قصة اهتز لها كياني وبكيت عند سماعها، فقد نُقل أن امرأة محتاجة طرقت باب أحد الموسرين ليعينها على دهرها، فأبى إلا أن ينال من شرفها فامتنعت وتركته، ولكنها لم تجد إلى سد رمقها إلا هذا الرجل، فعادت إليه وأصرّ على طلبه، فاستجابت تحت ضغط الحاجة ودخلت معه الدار، فلما أراد أن يقضي حاجته قالت له: هل أغلقت الأبواب؟ قال: نعم، أغلقتها كلّها، قالت: لكن بقيت باب واحدة مفتوحة! قال: وما هي؟ قالت: باب الله سبحانه وتعالى، فأدركت الرجل قشعريرة لم يحس بها من قبل، وترك المرأة بعد أن أعطاها ما تحتاج، وقال لها: ادعي لي دعوة صادقة. فدعت الله تبارك وتعالى أن يُحرّم جسده على النار في الدنيا والآخرة، قال الرجل: قد وجدت إجابة دعائها في الدنيا، فإني أمسك النار بيدي فلا تصنع بي شيئاً، وإني لأرجو استجابة دعائها في الآخرة. كل ذلك ببركة مراقبة الله في السر لأنه معنا فعلاً حتى في خلوتنا، فلا توجد عادة سرية أمام الله تعالى، بل هي مفتوحة ومكشوفة أمامه تبارك وتعالى، فليُكثر البكاء على نفسه من يفعل المعصية وإن كان يظن أنها (سرّية).

2- إن الآثار الصحية والنفسية والاجتماعية التي تظهر على من يمارس العادة السرية تفضحه كما سيأتي بيانه.

س2: شخص له القدرة على الاسترخاء والإنزال وذلك بتشنج الأعصاب وتقلص العضلات لفترة من الزمن، فيحدث الإنزال بشهوة ودفق ماء

ص: 117

غليظ من خلال هذه الحالة. فما حكم هذه العملية؟ وما حكم الماء النازل؟ وهل تعتبر هذه الحالة نوع من أنواع العادة السريّة؟

بسمه تعالى:

هي عملية العادة السرّية، لكنها ليست باليد؛ لوضوح أنه قاصد لإنزال المني ومتعمد للفعل. وإذا أردت أن تعرف حكمها: هل تستحي أن يعرف عنك هذا الفعل أو لا ترى بذلك بأساً؟ فالأول ممنوع والثاني لا. وبتعبير من المعصومين (عليهم السلام): (تفعل في السرّ ما تخشى ظهوره في العلانية)، و أعطيك معياراً آخراً مستفاداُ من المعصومين (عليهم السلام): إذا أردت أن تعرف حكم هذا الفعل فانظر إذا قسِّمت الأفعال إلى قسمين: حق وباطل، ففي أي قسم يكون هذا الفعل ولا تخادع نفسك؟.

س3: هل يجوز استمناء الزوج بيد زوجته في حالة الجماع؟ وما الفرق بينه وبين الإمناء بدون الزوجة؟

بسمه تعالى:

لا بأس بأن تمارس الزوجة لزوجها عملية الخضخضة أو أي فعل آخر لإنزال المني لجواز كل الاستمتاعات بين الزوجين، والفرق بينها هو الفرق بين الحلال والحرام.

س4: ما علة تحريم الاستمناء؟

بسمه تعالى:

ليس من حقنا أن نناقش الشريعة، بل نطبق بالرضا والتسليم ما دمنا مسلمين؛ قال تعالى: [فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ

ص: 118

لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً] (النساء: 65)، وقال تعالى: [وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً](الأحزاب:36).

نعم؛ قد يكون من المستحسن أن نسعى لفهم فلسفة الأحكام الشرعية والحكمة في تشريعها، ولكن يجب التسليم والطاعة أولاً وقبل كل شيء، سواء توصلنا إلى نتيجة مرضية أو لا، وليس العكس بأن تتوقف طاعتنا وتطبيق الحكم الشرعي على قناعتنا الزائفة التي تتغير وتتأثر بالأهواء والنزعات، فهذا من تحكيم عقولنا وأهوائنا وعواطفنا في شريعة الله الحكيم العليم المحيط بكل شيء، علماً إن هذه من مشاكل بعض من يسمّون أنفسهم مثقفين.

وأضرب لهم مثالاً من القوانين الوضعية؛ فلا يناقش أحد: لماذا إن كانت الإشارة المرورية حمراء فيجب التوقف؟ لا يناقش: لماذا يفرض القانون العقوبة الكذائية على الفعل الفلاني ما دام ابن ذلك البلد وخاضعاً لقوانينه؟ وهكذا الإسلام؛ فما دام انتسب له فلا يناقش في أحكامه وإلاّ فليكن واضحاً وليخرج عن الإسلام (قبّحه الله)، وهذه فكرة مهمة أحببت إيصالها بهذه المناسبة.

وعلى أي حال ففي حدود اطّلاعي توجد أضرار صحيّة عديدة لعملية الاستمناء منها: زوال قوة وشفافية العين مع ذبولها وفقدان لونها الأصلي، عدم مشاهدة الذكاء والإدراك السابق في المبتلين به، ظهور الانقباض في وجوههم، إحاطة عيونهم بحلقات زرقاء، مشاهدة الضعف والكسل في مختلف أعضائهم، قلة الحافظة، عدم الرغبة في الأكل، عسر الهظم، ضيق التنفس، تغير الأخلاق والمزاج، اختلال العقل، التفكير بالوحدة والانعزال، وقد يؤدي الإفراط فيها إلى الأمراض العقلية كالجنون وأمراض الرئة كالسل الرئوي وأمراض القلب، وقد تؤدي هذه الأعراض إلى الوفاة – راجع كتاب (شباب في مقبرة الجنس)

ص: 119

وهو الحلقة الثامنة من سلسلة نحو مجتمع نظيف – وهذه الأعراض المرضية تفضح الممارسين للعادة السرّية مهما حاولوا إنكارها والتكتم عليها، فوا خجلتاه من الناس فضلاً عن الخجل أمام الله تبارك وتعالى المطّلع على السرائر.

س5: رجل يتسامر مع أصدقائه في مجلس ما وكان مستلقياً بوجهه على الأرض (نوم الشيطان)، وكان المجلس يتكلّم عن قضايا جنسية وأوصاف الجنس اللطيف، وكان الرجل المستلقي يتقلّب على الأرض، وكان القضيب يتداعب في الأرض، فحدث الإنزال بدفق وشهوة وفتور، فما حكم الماء النازل وما حكم العملية المذكورة؟

بسمه تعالى :

هي من أشكال العادة السرية لانطباق التعريف السابق عليها.

س6: على فرض بسط وإفشاء الحكم الإسلامي بين الناس فما حكم المستمني؟ وإذا لم يكن الحاكم الشرعي مبسوط اليد فماذا يعمل المستمني مع نفسه بعد التوبة؟

بسمه تعالى :

على المستمني التعزير، بمعنى جلده عدداً من الأسواط يكفي لردعه ويناقش في أسباب لجوئه إلى العادة السرّية، فإن كانت حاجته إلى الزواج زوّجه الحاكم الشرعي من بيت المال، والتوبة الصادقة تكون بالإقلاع عن هذا الفعل وعقد العزم على عدم العودة إليه وتجنب المثيرات الجنسية كأماكن الاختلاط واستماع الأغاني ومشاهدة المسلسلات والصور الخليعة وغيرها.

ص: 120

س7: طبيب طلب عيّنة من نطفة المريض وهو غير متزوج لأمراض معينة ضرورية، فهل يجوز أن يستمني الرجل لإجراء الفحوصات الطبيّة؟

بسمه تعالى :

إذا تطلبت الضرورة العلاج بذلك فلا بأس بالفعل بمقدار الضرورة .

س8: الآية السابقة من سورة المؤمنون [فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ] هل هذه الآية تشمل عملية الإمناء؟ فقد يقال إن هذه الآية جاءت في سياق ذكر الزواج، وهذا يعني أنها تقصد عملية الزنا فما هو رأيكم؟

بسمه تعالى :

الآية شاملة لكل ما وراء العمليات الشرعية أي التي أذن بها الشارع أو رخص فيها، ونزول هذه الآية في مورد معيّن لا يخصصها لذلك المورد ما دامت الآية في نفسها عامة، وهذا من معاني خلود القرآن ولو قصرنا كل آية على أي مورد معين لانتهى مفعول القرآن بانتهاء مناسبات نزوله وهذا خطأ فادح.

س9: ماذا تنصحون – سماحة الشيخ المفدّى – الشباب الجانح الذي يرتكب هذه العملية؟

بسمه تعالى :

أنا لا أتفق معك في إساءة وصف هؤلاء الشباب، فإنهم طيبون وقريبون من الإيمان، ولو كانوا سيئين لارتكبوا الفواحش علناً ولتجاهروا بها

ص: 121

بدل جعلها سريّة، فنفس شعورهم أن فعلهم هذا خطأ يجب التستر عليه يعتبر خطوة نحو الإصلاح والارتداع عن المنكر.

ولا يقع اللوم كله عليهم، فبعضه يقع على أولياء أمورهم الذين لم يربوهم التربية الصحيحة ويثقفوهم الثقافة الدينية الأخلاقية، وبعض اللوم يقع على وسائل الإفساد وإشاعة الفاحشة التي تملأ سمعه وبصره وعقله وقلبه ولا يجد مفراً منها، وبعض اللوم يقع على البيئة الفاسدة التي يعيش فيها حيث انتشر المنكر والانحراف والانحلال الخلقي في كل أنحائه بحيث أصبح الكثيرون لا يرون المنكر منكراً لتطبعهم عليه، ويقع بعضه على أصدقاء السوء الذين يزينون المعصية ويحسنونها بعين الشخص حتى يقع معهم في الهاوية فيتلذذون بسقوطه لأن بقائه على الاستقامة والحياة النظيفة يكشف زيفهم ودناءتهم وخستهم.

كل هذه العوامل تجتمع لتؤدي هذه النتائج السيئة، وأي علاج لابدّ أن يتناول جميع الأسباب، وقد قلت في كتاب (شكوى القرآن) إن الطبيب الحاذق هو من يشخص بدقة العلّة الحقيقية وراء الأعراض المرضية التي هي معلولات لها فيزيل العلة من أساسها، وليس من الحكمة أن يعالج الأعراض ويترك العلة الأساسية، فالمؤمن الواعي المخلص الذي يستمد باستمرار العون والتسديد والعصمة من الله تعالى يقاوم كل هذه العلل ويقف بشموخ في وجهها، حتى قال الحديث الشريف: (إن إيمان المؤمن أقوى من الجبل؛ لأن الجبل يستقل منه بالمعاول ولا يستقل من إيمان المؤمن شيء)، فهذا هو العلاج الرئيسي: ذكر الله دائماً وخشيته وتذكر عقوبته والحياء منه، وتخيّل أن الموت لو أتاك وأنت تمارس العادة السرّية والموت يأتي فجأة فماذا سيكون حالك وأنت تلقى الله على هذا الحال؟.

ومن الحلول المهمة أيضاً تجنّب ما يثير الشهوة الجنسية في كل الاتجاهات من صحف ومجلات وأفلام ومسلسلات وغيرها والاشتغال بمتطلبات الحياة كالكسب ولقاء الأخوة المؤمنين وقراءة الكتب والمجلات الهادفة

ص: 122

والاستماع إلى نشرات الأخبار والبرامج المفيدة وممارسة الرياضة النافعة، وقد ناقشت هذا الأمر في محاضرات وكتاب (الحوزة وقضايا الشباب) وقلت أنهم يسمونها مشكلة جنسية، وهي ليست مشكلة بل رحمة إلهية [وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ] (الروم:21)، لكنهم حين عرضوها بصورتها الحيوانية فقط وعملوا على استثارتها بكل وسيلة ثم وضعوا العراقيل أمام الأسباب المشروعة لالتقاء الجنسين أصبحت مشكلة وحوّلوها من نعمة إلى نقمة.

أقول هذا الكلام باختصار راجياً من الله تعالى أن ينفع به الصادقين وأن يوفر لي فرصة أُخرى للحديث بشكل واسع عن هذه المشكلة.

س10: شخص متزوج شهوته متغلبة عليه، وزوجته ذات شهوة ضعيفة (تتصف بالبرود الجنسي) فبدأ هذا الزوج ممارسة العادة السرّية بين الحين والآخر، فما حكمه؟

بسمه تعالى :

لتمارس له الزوجة العادة السرية بيدها؛ فإنه من الاستمتاعات الجنسية المسموحة، وليس من حق الزوجة أن تمتنع عن أي استمتاع جنسي يريده الزوج منها إلا في حالات الضرر والحرج، وعلى أي حال فإن الزوجة العفيفة تستطيع تصريف شهوة زوجها بما لا يضر بحالها.

س11: يقول البعض: إن الأضرار النفسية والعضوية للعادة السرية غير ثابتة كما يذكر أحد المصادر الطبية، فما رأيكم؟

ص: 123

بسمه تعالى :

يكون الجواب في عدة نقاط:

1- قال الله تعالى: [إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ] (الحجرات:6)، وكثير من المؤلفين في هذه الحقول العلمية غير ملتزمين دينياً فلا يؤتمنون على مثل هذه المجالات التي لها دخل في الأخلاق والشريعة والاجتماع خصوصاً، وإن كثيراً منهم متأثرون بالمدارس الغربية في علم النفس والاجتماع ومنبهرون بها ومقلدون لها، بحيث إن عندهم الاستعداد الكافي لمخالفة الشريعة من أجل دعم تلك المدارس.

2- إن الطب من العلوم التجريبية وتتضارب فيه الآراء كثيراً، وقد نقل أحد الأطباء المختصين: إن ثلاثة عشر ألف رسالة طبية تنشر يومياً عبر الانترنيت تتضارب فيها الآراء والنتائج ولا يثبت منها شيء إلا بعد تدقيق وتفحص طويلين، ومحل الشاهد إن أي رأي علمي وان كان ثابتاً بدرجة معتد بها كالأضرار المتعددة للعادة السرية يمكن أن يوجد من يعارضه.

3- إن حرمة الاستمناء بعد أن ثبتت بالشريعة ودلت عليها النصوص فلا يؤثر فيها وصول العقل البشري إلى علة ذلك الحكم والمصلحة فيه أو عدم وصوله، فإن الإيمان والتسليم بالشريعة مطلق [فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً] (النساء:65)، وإن كنا نعتقد أن وراء كل حكم مصلحة واقعية هي ملاك الحكم وعلته.

ص: 124

س12: قد يمرّ الشاب بموقف مثير للشهوة الجنسية بحيث يكون من الحرج الشديد عليه عدم التنفيس عن شهوته بالاستمناء لعدم وجود زوجة له، فما الحكم؟

بسمه تعالى :

صحيح أن التكاليف الشرعية تسقط في حالات الحرج والضيق النفسي الشديد لقوله تعالى: [وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ] (الحج: 78)، وفي حالات الضرر لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (لا ضرر ولا ضرار) وحالات عدم القدرة لقوله تعالى: [لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا] (البقرة:286) إلا إن ذلك لا يعفيه من المسؤولية والعقاب إذا كان ذلك الموقف قد حصل بسوء اختياره وإرادته، أي إنه هو الذي أوقع نفسه في ذلك الحرج بمشاهدة فلم جنسي أو صورة خليعة أو تواجدَ في أماكن اختلاط فاحش، لأن المعروف عن الشهوة الجنسية أنها لا تثار إلا بمؤثرات خارجية ومهيجات وليست هي كشهوة الطعام المنبعثة من داخل الإنسان لحاجة الجسم إلى الغذاء والطاقة، ولذا اشتهرت كلمة عند العلماء (إن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار) أي إن تعذر امتثال الحكم الشرعي وامتناعه لعسر أو ضرر ما دام حصل باختيار الفرد، فإن هذا الامتناع لا ينافي نسبة الفعل إلى الفاعل لأنه كان بإرادته واختياره.

محمد اليعقوبي

1423 ه / 2002م

ص: 125

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.