التصنيف الموضوعي لحِكم ومواعظ وإرشادات

هویة الکتاب

التصنيف الموضوعي لحِكم ومواعظ وإرشادات

سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله الشريف)

مستلة من خطاباته ومحاضراته ومؤلفاته المباركة

الطبعة الثانية مزيدة ومُنقحة

إعداد: الشيخ فيصل التميمي

ص: 1

اشارة

ص: 2

بِسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ

مقدمة الكتاب

الحمد لله رب العالمين, الرحمن الرحيم، والحمد لله كما هو أهله, وكما يحب ويرضى والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وعلى آله الطيبين المعصومين.

يحوي هذا الكتاب على مجموعة كبيرة من الكلمات الحكمية والارشادات القيمة لسماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله الشريف) وفي مختلف الموضوعات والتي اقتبسناها من مؤلفاته وخطاباته المباركة، وبوبناها (بحمد الله وعونه) حسب الموضوع، لكي نتقدم خطوة معرفية نحو الأمام تُطل عن كثب على فكر مرجعنا المفدى ومن جهة أخرى لكي يتسنى لنا تصدير هذه الأفكار النيرة إلى المجتمع عبر وسائل الهداية والإصلاح لاسيما الأخوة الخطباء الكرام وأصحاب الأقلام الهادفة وغيرهم من الشبيبة الرسالية.

فمن الواجب على الحلقة الوسطية بين المرجعية والأمة من فضلاء الحوزة الشريفة هو نقل آراء المرجع وأفكاره وتوجيهات، بالإضافة إلى سائر المعارف والعلوم والأحكام الشرعية، وفي هذه العملية إحياء كبير لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعلينا إذن نشر هذه المعارف الإسلامية بكل ما أوتينا من قوة لتحقيق الهداية والصلاح في المجتمع، لأنها من أولويات العمل الرسالي للطالب الحوزوي.

وقد أكد سماحة الشيخ المرجع(دام ظله) على أهمية إحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مرات عديدة، منها ما جاء في إحدى كتبه التي قال فيها: (إن النصر لا يتحقق في الجهاد إلا بعد انتصار المجتمع المسلم على نفسه بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالصبر، كما إن أي هزيمة تحصل في الجهاد يعود سببها إلى التقصير في هذه الفريضة، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا}، {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِير} ففريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علة لنتائج الجهاد والعلة مقدمة رتبة على المعلول).(1)

ص: 3


1- - ينظر كتاب (دور الائمة (عليهم السلام) في الحياة الإسلامية) لسماحة الشيخ المرجع (دام ظله).

وفي الختام أود أن أذكر بعض الملاحظات المهمة بخصوص هذا الكتاب:

أولاً/ إن بعض الحِكم والإرشادات متداخلة الموضوعات فعمدنا إلى تصنيفها بحسبالموضوع الأبرز فيها أو لغاية أخرى حسب فهمنا القاصر.

ثانياً/ إن هذا التصنيف الموضوعي يساعد الإخوة الخطباء والكتّاب وسائر القراء الكرام بالوصول المواد الفكرية المتنوعة التي تطرحها المرجعية الرشيدة والاستفادة منها بسهولة أكثر وذلك لأنها مصنفة حسب الموضوع كما ذكرنا آنفاً.

ثالثاً/ هذه الحِكم التي بين يديك قمنا بوضع عناوين لها بحسب ذوقنا وفهمنا القاصر لمضامينها السامية.

رابعاً/ عند اقتباسنا لهذه الحِكم والإرشادات المباركة من خطابات ومؤلفات سماحة الشيخ المرجع(دام ظله) حاولنا جاهدين على عدم التلاعب بالنص قدر الإمكان.

خامساً/ إن هذه الجولة الواسعة في الموضوعات المختلفة التي تطرق إليها سماحة الشيخ المرجع(دام ظله) في محاضراته ومؤلفاته، تكشف لنا وبكل وضوح سعة الاطلاع وبعد الأفق ووضوح الرؤية التي يتحلى بها سماحته، كما ينم عن التمتع بلياقة كبيرة في استيعاب المرحلة ومتطلباتها، وهذه الخصال هي المميزات المهمة للشخصية القيادية، التي يقل نظيرها في المجتمع، بالإضافة إلى تحلي هذه الحِكم والنصائح بصفة الانسجام والتوافق الموضوعي والفكري فيما بينها.(1)

نفعنا الله وأياكم بها وجعلنا من أهلها والآخذين بها إنه نعم المولى ونعم النصير.

فيصل التميمي

كربلاء المقدسة

ص: 4


1- - وللتعرف على المزيد من مميزات خطابات سماحة الشيخ المرجع (دام ظله) راجع الكتيب الذي أعددناه بهذا الخصوص والذي يحوى على أربعين ميزة لمجمل خطاباته ومؤلفاته المباركة.

القرآن الكريم

القادة والقرآن الكريم

إنّ أي مصلح اجتماعي أو قائد عظيم لا يكون ناجحاً إلا إذا عاش في ظل القرآن وتربى في أحضانه وتفاعل مع آياته.

إني ألزمكم ب ...

وإني هنا ألزم كل من يرى لي حقاً عليه سواء كان أخلاقياً أو شرعياً أن يختم القرآن على الأقل في السنة مرتين وهذا مقدار يسير جداً اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان شهر رمضان وحده يمكن أن يقرأ فيه نصف هذا المقدار أو اكثر.

مظلومية القرآن المجيد

اعتاد الناس افتتاح الندوات والمؤتمرات واللقاءات وبرامج الإذاعة والتلفزيون بتلاوة آيات من الذكر الحكيم تبركاً بها وتعظيماً لها وقد جرى على ذلك حتى غير المسلمين مما يدلُّ على هيبة هذا الكتاب الكريم حتى في قلوب اعدائه فما أحرانا نحن طلبة الحوزة الشريفة أن نفتتح دروسنا بالقرآن الكريم وينبغي ان يكون افتتاحاً واعياً متفاعلاً مع روح القرآن ومضامينه ومعانيه وليس افتتاحاً شكلياً وكأنه مجرد نشيد وترنيمه أو عوذة وتميمة.

دواء لكل داء

من أراد الله سبحانه وطلب الوصول إليه (لأن أول الدين معرفته تبارك وتعالى) فعليه بالقرآن فقد (تجلى الله تعالى في كتابه لخلقه ولكن لا يبصرون) -كما هو مروي عن امير المؤمنين (علیه السلام)- ومن أراد إصلاح نفسه وتهذيبها وتخليصها من أمراضها فعليه بالقرآن ومن اراد إصلاح مجتمعه وإقامة أمره على السلام والسعادة والطمأنينة فعليه بالقرآن فانه الدليل لكل هدى والمرشد لكل خير وصلاح .

أخرجوه من عزلته

نحن بحاجة إلى إعادة فاعلية القرآن في حياة المسلمين واخراجه من عزلته بحيث اقتصر وجوده على المآتم التي تعقد للموتى والعوذ والاحراز .

ص: 5

الربيع القرآني

شهر رمضان ربيع القرآن فلا ينبغي للمؤمنين التقصير في تلاوته، وليس من الكذب على الله وعلى رسوله إن كانت قراءته غير مطابقة للقواعد الدقيقة ما دام هذا المقدار هو غاية ما يحسنه ومع عدم تعمد نسبة الخطأ إلى الله تبارك وتعالى وعدم كون الخطأ مغيّراًللمعنى.

(وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)

سورة (العصر) قصيرة جداً في كلماتها لا تتجاوز السطرين لكنّها عظيمة في فضلها، خطيرة في مضمونها، وإنها مظهر من مظاهر إعجاز القرآن حينما يُقدِّم في سطر واحد منهجاً متكاملاً لنجاح البشريّة من أوّل الخلقة إلى نهايتها ويعرِّف هويّة الأمّة الرابحة الفائزة ويعلّمها وظائفها في هذا السطر. عن الإمام الصادق(علیه السلام): (من قرأ (والعصر) في نوافله بعثه الله يوم القيامة مشرقاً وجهه ضاحكاً سنّه، قريرة عينه حتّى يدخل الجنة) ولأهمية ما جاء فيها فقد ورد أن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)كانوا اذا اجتمعوا لا يفترقون إلاّ بعد تلاوة سورة (والعصر) ويتذاكروا في مضامينها.

مضامين سورة العصر 1

التعبير يمزج مع التحذير والتهديد والتوبيخ استغراباً وعتاباً، لأنّ الله تعالى خلقهم للرحمة والسعادة والفوز وأعطاهم كلّ ما يوصلهم إلى هذه النتيجة من أسباب معنوية ومادّية قال تعالى (إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ), وروي عن أمير المؤمنين (علیه السلام) قوله: (يقول الله تعالى: يا ابن آدم، لم أخلقك لأربح عليك، إنّما خلقتك لتربح عليّ, فاتخذني بدلاً من كل شيء، فإني ناصر لك من كل شيء) فلماذا يخسرون كلّ ذلك بتوظيفه في عكس الهدف الذي خلقوا من أجله {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون }لذلك يسجّل القرآن الكريم استغرابه من دخول أهل النار إليها، قال تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} ولم يسجّل استغرابه من دخول أهل الجنة فيها لأن وجودهم على القاعدة ومع الهدف الذي خُلقوا من أجله.

مضامين سورة العصر 2

..المرعب في هذه الحقيقة إطلاقها وعمومها (إن الإنسان) مطلقاً فتكون كقوله تعالى: (وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً ) نعم استثني من هذه النتيجة المهولة بعض توفّرت فيه أربع خصائص مجتمعة:

ص: 6

1. (إلاّ الذين آمنوا) واعتقدوا صدقاً وإخلاصاً بكل العقائد الحقّة بتوحيد الله تعالى والرسالة للنبي (صلى الله عليه وآله)وولاية أمير المؤمنين والأئمة المعصومين(عليهم السلام) وسائر العقائد الحقّة.

2. (وعملوا الصالحات) لأنّ الإيمان لا يكون حقيقياً وصادقاً إلاّ أن يظهر إلى الخارج بعمل صالح يكون موافقاً لما يريده الله تبارك وتعالى.1. (وتواصوا بالحق) فلا يكتفون بكونهم صالحين في أنفسهم مؤمنين يعملون الصالحات بل يتحركون برسالتهم في المجتمع فيوصي بعضهم بعضاً بالتزام الحق والعمل به، والتعبير بالتواصي يتضمّن معنى الاستمرارية والتواصل، والحق الذي يتواصون به له مساحة واسعة، فكلّ خير وكل ما هو مثمر وكلّ ما يوصل إلى الله تبارك وتعالى ويعين على طاعته ويجنّب معصيته هو حق فيتواصون به. ولابد لمن يقوم بهذه الوظيفة أن يكون ملتفتاً قبل ذلك إلى نفسه فيتعاهدها ويتواصى معها ويشارطها على الهدى والصلاح والثبات، لأنّها أعز وأثمن من يتواصى معه. إن الحقّ إذا لم يتم التواصي به والتواصل معه جيلاً بعد جيل وبين عامة الجيل الواحد أي التحرّك به أفقياً وعمودياً فإنّه يضيع كما ضاعت حقوق كثيرة وعلى رأسها حقّ الإمامة وولاية أمر الأمة لأمير المؤمنين (علیه السلام) وأولاده المعصومين (سلام الله عليهم أجمعين).

2. (وتواصوا بالصبر) فإنّ من يسير بهذا الطريق الذي تخلّى عنه أكثر الناس وأصبحوا ينظرون إليه بازدراء وسخرية سيلقى الكثير من المشقّة والعنت والأذى وسيتطلب منه تضحية كثيرة بأعز ما لديه فيحتاج إلى صبر ومصابرة ومرابطة وثبات {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }فيوصي هؤلاء الثلة القليلة بعضهم بعضاً بالصبر والمضي على هذا النهج المقدّس المبارك.

حقائق مهمة من سورة العصر

إنّ الحقيقة الخطيرة التي أضافتها هذه السورة المباركة إن الإيمان والعمل الصالح على مستوى النفس غير كافٍ للفوز وللنجاة من الخسران الشامل لأفراد الإنسان، بل لابد أن ينضم له التحرّك بهذه الوظيفة في المجتمع والاستمرار على ذلك والثبات عليه وتحمّل أعبائه، وبتعبير مختصر أنّ صلاح الفرد الشخصي لا يكفي من دون أن يضم له العمل على إصلاح الآخرين، وهي مسؤولية كبيرة لكن منزلتها عظيمة لا مكان فيها للمتقاعس والمتكاسل الذي لا يكترث بما يعجّ به المجتمع من مفاسد وظلم وانحراف وضلالات وشبهات وخرافات وجهل وغير ذلك، حينئذٍ يتحقق صلاح الفرد وصلاح المجتمع أيضاً، ونجاة

ص: 7

الفرد ونجاة المجتمع وعزّتهما معاً بفضل الله تبارك وتعالى.

بركات سورة الفاتحة

حينما يبلغك الحديث الشريف في فضل سورة الفاتحة أنها (إذا قرأت سبعين مرة على ميت فقام حياً لم يكن عجيباً) نستفيد منه عملاً وهو قراءة سبعين مرة سورة الفاتحة إذا أردنا من الله تبارك وتعالى قضاء حاجة أو شفاء مريض أو تحقيق شيء نطلبه، لأنها كلهادون إرجاع الحياة إلى الميت الذي يقبل التحقق بهذا العمل بإذن الله تعالى. وبهذه العين وهذه البصيرة يمكن النظر في كثير من هذه الأحاديث الشريفة بفضل الله تبارك وتعالى.

نفي الهم اليوسفي النفسي بالمعصية

هذا التفسير غير صحيح، لوجوه:

1. لأن الهم لا يطلق على مجرد الميل النفسي الطبيعي بل على قصد الفعل والعزم عليه وقد يشترط فيه ظهور هذا العزم من خلال الإتيان بشيء مما يكشف عنه كمن يهمّ بالضرب فيتوجه الى الطرف الآخر ويتأهب للفعل وهذه كلها لا يمكن نسبتها الى النبي الكريم يوسف (علیه السلام).

2. إن الهم –بأي معنى من المعاني- لم يصدر من النبي يوسف (علیه السلام) أصلاً حتى نجتهد في تفسيره بما يناسب عصمة الأنبياء، لأنه رأى برهان ربّه فلم يهمّ لكن جواب لولا تقدم عليها فيوجد تقديم وتأخير في الآية، نظير قوله تعالى: (إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا).

3. إن الميل النفسي للنبي يوسف(علیه السلام) بالمقدار الطبيعي الغريزي لم يحصل لا لنقص بيولوجي أو سيكولوجي أو فسيولوجي في جسمه وإنما لأمرين على الأقل:

أ- لأنه كان والهاً بربه مستغرقاً بحبه ولم يكن يرى غيره تبارك وتعالى لا المرأة أمامه ولا غيرها فذوبان النبي يوسف(علیه السلام) في عشق ربه وفناءه فيه لا يقارن بانجذاب النسوة الى جمال يوسف(علیه السلام) حتى ذهلن عن السكين وقطع ايديهن، فيوسف أولى بالذهول عن المرأة وغيرها بحيث أنساه ولهه.

ب- إن الغرائز والشهوات يستثيرها تزيين الشيطان –وهذه هي وظيفته- وعندما تُسلَبْ قدرة الشيطان على التزيين فإن هذه الشهوات تفقد سبباً رئيسياً لإثارتها مع وجودها في النفس الإنسانية، وقد اعترف الشيطان بأنه لا سبيل له على المخلصين وليست له القدرة على إغوائهم فقد حكى الله تبارك وتعالى قوله: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إلا عِبَادَكَ

ص: 8

مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) قال الله تعالى: (إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) فهو من مأمن من تزيين ابليس وشياطينه، ولا تتحرك غريزته وشهوته نحو الحرام لعدم وجود التزيين، مضافا الى وجود الصوارف عنها – وهو برهان ربه - كما إن الجائع لا يشتهي الطعام عند وجود صوارف كالخوف والقلق والانشغال بمن يحب ونحو ذلك، فالغرائز فيها مقتضي التحرك نحو ما يلبي شهوتها الا أن ذلك مشروط بوجود المقتضي وهو التزيين وبعدم وجود الصارف وكلا الشرطين مفقودان هنا.

كيف تحصن النبي يوسف(علیه السلام) من المعصية؟

كيفية حصول هذه الحصانة من ضغط الشهوات والمغريات وتحرره من أسرها والسقوط في هاويتها وعدم تأثره بمثيراتها أصلاً فبالالتفات الى امور صرّح بها الصديق يوسف(علیه السلام): (قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) وقد كانت مكتملة عنده لأنه نبي معصوم ولذا ورد في الحديث الشريف: (إن برهان ربه كانت النبوّة):

أ- الاعتقاد اليقيني بانه في محضر الله تبارك وتعالى والإستعاذة به واللجوء الى حصنه المنيع فالإنسان بمفرده عاجز عن تجاوز الامتحانات السهلة فضلاً عن الصعبة لكنه يستمد التسديد والمعونة والعصمة من الله تعالى (لا حول ولا قوة الا بالله) وفي دعاء الصباح لأمير المؤمنين (علیه السلام): (وَاِنْ خَذَلَني نَصْرُكَ عِنْدَ مُحارَبَةِ النَّفْسِ وَالشَّيْطانِ فَقَدْ وَكَلَني خِذْلانُكَ اِلى حَيْثُ النَّصَبُ وَالْحِرْمانُ).

ب- يقينه أنه مربوب أي مملوك مدبر من قبل الله سبحانه لا يملك لنفسه شيئاً الا ما يريده ربه منه.

ج- الالتفات الى نعم الله العظيمة التي لاتُعد ولاتُحصى ورعايته وتربيته الرحيمة المستمرة (إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ) منذ أن ولد وعاش في كنف أبيه النبي يعقوب (علیه السلام) وجعله من ذرية إبراهيم وإسحاق ونجاته من كيد إخوته الباغين الحاسدين ومن الجب ونقله الى مصر وتمكينه في بيت عزيز مصر وآتاه الله العلم والحكمة وغيرها مما لا يُعد ولا يُحصى.

د- استحضار سوء عاقبة مرتكب المعصية في الدنيا والآخرة (إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)، وفي هذا الفعل ظلم لربه وظلم لنفسه وظلم لعزيز مصر الذي أكرمه.

دروس من آية قرآنية

قال تعالى: (وَلَوْلا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً

ص: 9

أَلِيماً) نستطيع استنباط عدة دروس من الآية:

1- إن الغرض الذي يجب أن يكون ماثلاً دائماً أمام كل القادة والعاملين في السلم وفي الحرب وفي كل عمل هو إدخال الناس في الرحمة الإلهية (لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ) لأن الغرض من الخلق رحمتهم (إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ) فالرحمة المُشار اليها في الآية يمكن أن يكون المقصود بتحصيلها المؤمنين المستضعفين المتخفين بإيمانهم، أو المؤمنين الموجودين في أصلاب المشركين ولو بعد عدة أجيال، أو لنفس المشركين بأن يُوفقوا للإيمان، وقوله تعالى (من يشاء) ليس اعتباطياً وإنما مبني علىأهلية الشخص وقابليته وحسن اختياره، لأن الله تعالى حكيم والحكيم يضع الاشياء في مواضعها.

فليست الحرب في الإسلام لتوسيع النفوذ وبسط السلطة وجني المزيد من المكاسب والمغانم وإنما لشمول الناس بالنفحات الإلهية فإذا تحقق ذلك بالسلم والكفّ عن القتال فقد تحقق الغرض ولا معنى للحرب، فليفهم المعترضون على تشريع الإسلام للقتال.

2- إن الآية تعطينا تفسيراً لصبر أمير المؤمنين (علیه السلام) على الظلم الذي لحق به وبالصديقة الزهراء (عليها السلام) بعد وفاة النبي(صلى الله عليه وآله) وعجز الكثيرون عن فهم موقفه (علیه السلام) لذا بادروا الى إنكار أصل الموضوع مع تسليم المصادر بوقوعه، لكن أمير المؤمنين (علیه السلام) كان يعلم بما علّمه الله تعالى من أن في أصلاب هؤلاء من يكونون موالين عاجلاً أو آجلاً ولو قتلهم فأنه سيقطع نسلهم ويحرم اولئك من الكمال.

3- وتعرّفنا أيضاً على سرّ من أسرار طول غيبة الامام المهدي (علیه السلام) وهو استفراغ الوسّع في إخراج المؤمنين من أصلاب الكافرين والمنافقين وتوفر فرصة الهداية لكل البشر كما ان النبي نوح (علیه السلام) لبث طويلاً في قومه (أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً) للوصول الى هذه النتيجة فلا نستغرب من طول غيبة الامام (علیه السلام) - وان ضاقت صدور المؤمنين بذلك- لأنه مُدّخر لإقامة دولة العدل الالهي، واذا كان النبي المعصوم المزوّد بالعلم اللدنّي يعجز عن معرفة هذا الوقت فيظن انهم لا يلدون الا فاجراً كفار فكيف يعرفه الجهلة، وفي هذا جواب للمشككين والمتسائلين.

4- إن الله تعالى يدفع بالمؤمنين عن غيرهم (وَلَوْلا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ.... لَعَذَّبْنَا) وفي رواية عن الامام الصادق (علیه السلام): (إن الله يدفع بمن يصلي من شيعتنا عمن لا يصلي من شيعتنا ، ولو اجتمعوا على ترك الصلاة لهلكوا. وإن الله ليدفع بمن يزكي من

ص: 10

شيعتنا عمن لا يزكي من شيعتنا، ولو اجتمعوا على ترك الزكاة لهلكوا. وإن الله ليدفع بمن يحج من شيعتنا عمن لا يحج، ولو اجتمعوا على ترك الحج لهلكوا وهو قول الله عز وجل: (وَلَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ).

5- إن الكف عن القتال كان رعاية لجمع من المؤمنين أن يصيبهم ضرر جهلاً بغير علم (لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ).6- عدم اليأس من صلاح الناس وهدايتهم مهما رتعوا في الكفر والشرك فمن الممكن شمولهم بالرحمة الإلهية فقد دخل المشركون بعد ذلك في الإسلام طوعاً أو طمعاً أو لأي سبب آخر، وعلى العاملين أن يستمروا في محاولاتهم فأن كل شيء ممكن عند الله تعالى (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ، لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِر) وان الإسلام قادر على استيعاب حتى أعتى الناس واكثرهم همجية ووحشية كالمغول الذين اكتسحوا العالم الإسلامي وأوغلوا فيه قتلاً وتدميراً، وما اسرع ما دخلوا في الإسلام واصبحوا جزءاً من المجتمع المسلم وآمن كثير منهم بولاية أهل البيت (عليهم السلام).

أهم وسائل بناء الإنسان الصالح

إن أهم وسائل بناء الإنسان الصالح نشر المعارف القرآنية والعودة الى كتاب الله تعالى لأن القرآن متفق عليه ولا يمكن ردّه فهو الأساس والمنطلق وهو سيؤدي تلقائياً إلى ضرورة إتباع أهل البيت (عليهم السلام) وبذلك نمنع من التشويش والصخب الذي يحاول به الخصوم التعتيم على نشر تعاليم أهل البيت (عليهم السلام) ويتحقق هذا العمل من خلال المحاضرات والندوات والكتب والنشرات والمدارس القرآنية لقطع الطريق على من يريد تأويل القرآن على غير وجهه وخداع الناس بقراءته المنحرفة حتى استطاعوا تجنيد الكثيرين لممارسة الجريمة بأبشع صورها.

خصائص الممكنين في الأرض

وردت أوصاف الذين يُمَكّنون في الأرض في عدة آيات منها قوله تعالى (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) بعد قوله تعالى في وعدهم بالنصر (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) فتمكينهم في الأرض تكون له بركات وآثار تكشف عن صدق نياتهم وإخلاصهم في أهدافهم وثباتهم على الاستقامة التي أمرهم الله تعالى بها وعدم انخداعهم

ص: 11

بالدنيا البرّاقة التي تتزيّن لهم إذا مُكّن لهم في الأرض وهذه الخصائص هي:

(أقاموا الصلاة) فهم لا يكتفون بأداء الصلوات المفروضة عليهم كتكليف شخصي، وإنما يبذلون جهدهم لحث الناس جميعاً على الالتزام بها والمواظبة عليها وجعل الصلاة وجوداً اجتماعياً مؤثراً في حياة الناس ورادعاً لهم عن الفحشاء والمنكر ويشعر الجميع بمسؤوليتهم عن إقامته والمحافظة عليه، وأوضح مصداق لهذا الوجود صلاة الجمعة التي لا تؤدّى إلا جماعة وبحضور امة كبيرة من الناس مما يجعل لها كياناً مؤثراً في حياتهم، وهذا ما جرّبه المجتمع العراقي عندما أقيمت فيه صلاة الجمعة المباركة.(وآتوا الزكاة) بأن أخرجوا ما في ذممهم من حقوق شرعية وأقنعوا الآخرين بفعل ذلك وحثّوهم عليه وساعدوهم في إيصال هذه الأموال إلى مستحقّيها وانشئوا بها المشاريع الاقتصادية التي تؤدي إلى رفاه الناس وتوفير فرص العمل المناسبة والحياة الكريمة لهم.

(وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر) فلم يتركوا أهل المنكر يفعلون ما يشاؤون بل وعظوهم وزجروهم واتخذوا الإجراءات الكفيلة بردعهم حتّى لو اقتضى الأمر معاقبتهم، ولم يجاملوا أو يداهنوا كما يفعل الكثير من المتصدين اليوم تحت عناوين مخادعة كالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني وفصل الدين عن الدولة والحداثة والعصرنة والتقدم ونحوها من الخدع والأباطيل.

بركات سورة الحديد

سورة الحديد من السور النافعة في الموعظة وترقيق القلب ، فإدامة تلاوتها قبل النوم يساعد على إجراء المراجعة مع النفس في نهاية كلِ يوم، وهي المحاسبة التي أمرنا المعصومون (عليهم السلام) بها.

معنى الفتنة

قال تعالى: (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ)..تقرّر الآية الكريمة واحدة من الحقائق القرآنية الاستراتيجية –كما يقال- التي ترتّب أولويات الحياة الإنسانية وتنظم العلاقة مع الآخرين، وورد هذا المعنى بتعبير اخر في آية لاحقة، قال تعالى: (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) الفتن في اللغة إدخال الذهب أو الفضة في النار لتخليصه من الشوائب وتمييز الجيد من الرديء ومنه نقلت الى معنى تعريض الإنسان الى الاختبار والابتلاء والتمحيص بالإغراءات أو بالمكاره والآلام ليتميز المحسن من المسيء، قال تعالى: ( وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) وقال تعالى: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ) باعتبار انها ادوات واسباب للاختبار والتمحيص، وقال تعالى: (الم

ص: 12

أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) أي لا يُختبرون حتى يتميز الخبيث من الطيب، روي عن الامام الكاظم (علیه السلام) في تفسيرها قوله: (يُفتنون كما يُفتن الذهب، ثم يخلَصون كما يُخلص الذهب) هذا هو معنى الفتنة اذا نُسبت الى فعل الله تعالى فتكون من السنن الإلهية الجارية في عباده، وقد وردت الفتنة بمعنى مذموم في آيات أخرى، ولدى الاستقراء تبين إن هذا المعنى يرد إذا نُسبت الفتنة الى العباد فيُراد بها التعريض لضغوط الاغراء او الاكراه طلبا لتحقيق النتيجة الشريرة والخبيثة من الابتلاء كما في الآيتين محل البحث وقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ) وقوله تعالى: (وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ) وقوله تعالى: (وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ) وذلك بتدبير الحيل والمكائد لك وممارسة الضغوط والاغراءاتعليك لصرفك عما أنت عليه من الحق، وعلى هذا يكون معنى الآية إن الفتنة بمعنى الاضلال والابعاد عن الدين وايقاع الفرد في الفساد والانحراف هو أشد وأكبر من إزهاق روحه، او قل ان القتل المعنوي للإنسان بسلب دينه الذي هو سبب نعيمه في الحياة الخالدة الدائمة، هو اشد خطرا واكبر جرما من سلب حياته المادية وفنائه الجسدي، ولإقامة الشهادة على هذه الحقيقة كان القتل من أجل دفع الفتنة والضلال وحماية الدين والمجتمع منها اقدس مراتب القتل وأفضلها.

الزعم الباطل

ما يزعمه غيرنا من اهتمامه بالقرآن أكثر منا باطل جزماً، نعم، اهتموا بمخارج حروفه وتحسين الصوت إلى حد الغناء بقراءته وضبط قواعد التجويد التي وضعوها هم وبعضها مخالف للحكم الشرعي وهذه كلها اهتمامات قشرية والمهم هو استيعاب المحتوى والمضمون والعمل به فان اللفظ هو قشر والمعنى هو اللب .

هو حصن الإمة

إن أعداء الله سبحانه واتباع الشيطان علموا إن القرآن هو حصن هذه الأمة الحامي لها من الزيغ والانحراف وان أهل البيت (عليهم السلام) هم القيمون عليه فخطّطوا لإبعادهم فبقيت الأمة بلا راعٍ والحصن بلا حامٍ، واصبحت فريسة سهلة بيد الأعداء والمتربصين بها السوء وها أنت تراها تتزعزع لأبسط شبهة وتسقط في أول فتنة وتنهار بأول اختبار.

الانصات لتلاوة القرآن المجيد

قال تعالى: {وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} وهو يشمل

ص: 13

صوت القراءة الصادر من آلة التسجيل، وقد وردت أحاديث كثيرة في ذم مَن يتكلم والقرآن يقرأ وأنه مطرود من رحمة الله سبحانه.

درس تربوي من القرآن الكريم

إن مما يستفاد من طريقة القرآن الكريم في الهداية والإصلاح على صعيد النفس والمجتمع (هو) معالجة العلل والأسباب للانحراف وإعطاءه الأهمية أزيد من معالجة الانحراف نفسه، وهو بالضبط ما يفعله أطباء الجسد، فمن الخطأ أن تعالج أعراض المرض من دون أن تشخص العلة وتعطي الجرعة المناسبة لإزالتها.

تأملات في قوله تعالى: (فلينظر الإنسان إلى طعامه)

الأول: في الآية احتجاج على منكري وجود الخالق فيُخاطب عقولهم ويقول لهم أنظروا الى هذه المفردة في حياتكم التي تشتركون جميعاً في التعاطي معها ،كيف وجدتوهُيئت لها الظروف المناسبة ولاحظوا تنوع النباتات وكلها ترجع في أصلها إلى عناصر واحدة وهي المعروفة كيميائياً وانما اختلفت في نسب تركيبها ،ولاحظوا تنوع استخداماتها فبعضها طعامٌ أساسي وبعضها فواكه للتمتع لكم وبعضها للإنعام وبعضها للدواء وبعضها للألبسة أو الفراش كالقطن والكتان ونحو ذلك ،وحينئذٍ لابد أن يحكم العقل بوجود خالق مدبر حكيم عالم قادر ولا يمكن ان تحصل كل هذه التفاصيل في هذا الطعام من دونه، ومن يقول ذلك –كالملحدين- أو يجعل له شريكاً لا يمتلك هذه الصفات فإنّه لا يحترم عقله.

الثاني: وفي الآية احتجاج على منكري المعاد ودليل على قدرة الله تعالى على بعث الأموات ونشرهم فكما أن الأرض الميتة إذا سقيت بالماء تنبعث فيها الحياة وتخرجُ منها انواع الشجر والثمار فكذلك يكون بعث الموتى من قبورهم ،ومثل هذه الاحتجاجات كثيرة في القرآن الكريم كقوله تعالى (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ).

الثالث: شكر الله تعالى والاعتراف بالعجز عن تعداد نعمه فضلاً عن شكرها ،فلو تأمل الإنسان في الطعام وانواعه وكيفية وصوله اليه لأيقنَ بان نعم الله تعالى لا تُعّد ولا تحصى.

الرابع: أن ينظر الإنسان في طعامه ليتأكد من كونه حلالاً طيباً ،لأن الذين يأكلون الحرام (إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)ولكي يكون الطعام حلالاً لابد ان تنظر في عدة جهات: (منها) نفس الطعام كأن يكون اللحم مذكى وغير مخلوط بمادة محرمة أو

ص: 14

نجسة (ومنها) طريقة تحصيله وكسبه فلا يكون بمعاملة محرمة وما أكثرها في السوق حتى ورد في الحديث الشريف عن الامام الصادق(علیه السلام):) من أراد التجارة فليتفقه في دينه ليعلم بذلك ما يحلّ لهُ مما يحرم عليه ،ومن لم يتفقه في دينه ثم أتجرّ تورط في الشبهات) أو يسرق المال العام بطريقة غير شرعية ،أو يأخذ حق غيره بحيلةٍ وخداع ونحو ذلك.

الخامس: أن يلتفت الى الجانب المعنوي للآية فان الطعام يُضرب مثالاً للعلم والمعرفة لأن كلاً منهما غذاء ،فأحدهما للبدن والأخر للروح عن زيد الشحام عن أبي عبد الله (علیه السلام) :(في قول الله عز وجل (فَلْيَنْظُرِ الإنسان إِلَى طَعَامِهِ) قلتُ :ما طعامه قال (علیه السلام) : علمه الذي يأخذه عمن يأخذهُ).

سُنة التدافع

توجد عدة أمور نستوحيها من الآيتين الكريمتين: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)، ( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْبِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ):

أولاً/جعل هذه السُنة الإلهية من منن الله تعالى وأفضاله على العالمين في الآية الأولى، رغم أن هذا التدافع يقتضي حصول تضحيات بالأرواح والأموال ومفارقة الأهل والأوطان وبذل الجهود الكبيرة لأنها حرب مستمرة ضارية، فلولا هذا الدفع لامتلأت الأرض بالشر والفساد والظلم والكفر ولم تستقم فيها حياة إنسانية كريمة، ولأزيلت كل مظاهر الخير والصلاح التي أشير إليها في الآية الثانية بأسماء دور العبادة والذكر في الديانات التوحيدية، مادام هذا التدافع سنة إلهية فهي ثابتة وحتمية (وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً)، (وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً) ولا يمكن التخلص من هذه المواجهة بالهروب من الواقع أو الانزواء أو غض الطرف ودفن الرأس في التراب، لأن النتيجة حينئذ ما ذكرته الآية الشريفة، وإن هذه المواجهة مستمرة ولا تقتصر على زمان ومكان محدودين، لأنّها مرتبطة بوجود الناس على هذه الأرض وانقسامهم إلى فريق في الجنة وفريق في السعير.

ثانياً/ الغرض من التدافع ومنه الجهاد بل العمل الإسلامي عموماً هو تثبيت كلمة التوحيد وحفظ شعائره ومشاعره، وإخراج الناس من عبادة العبيد وتحريرهم ليكونوا عباداً لله تبارك وتعالى ولم يُشرّع القتال والتدافع بأي نحو كان (ومنه التدافع والتنافس السياسي) طلبا لدنٌيا أو مال أو توسيع سلطة و نفوذ أو أي مغانم أخرى غير رضا الله تبارك وتعالى وإعلاء كلمته خلافاً لأهداف غير الربانيين فإنها لتلك الأهداف الدنيوية وهذا يجيب

ص: 15

عن الإشكالات عن تشريع الجهاد في شريعة الإسلام.

ثالثاُ/ ما قلناه آنفاً يدعونا إلى تصحيح مقاييس النصر والربح والنجاح في ثقافتنا:

ظنّوا بأن قتلَ الحسينَ يزيدُهم كذبوا فقد قتلَ الحسينُ يزيداً

وأن نرتب أولوياتنا بشكل صحيح ونعرف بماذا نضحي ومن اجل ماذا نضحي بعد معرفة الأهم و المهم، إذ يظهر من الآية أنّ الهدف الأسمى هو إعلاء ذكر الله تعالى وإقامة شريعته ويهون دون ذلك القتل والقتال والتدافع بكل أشكاله وبذل كل شيء، وليس العكس بأنّ يُجعل الدين وسيلة لكسب الدنيا.

رابعاً/ إن الدفع يعني عدم إمكانية اجتماع الطرفين المتدافعين معاً كالمعروف والمنكر أو الحق والباطل بل إن كلاً منهما يسعى لإزالة الآخر واجتثاثه، فلا مجال للمداهنة ولا لأنصاف الحلول لتصادم الأحكام والتشريعات الإلهية مع القوانين الوضعية التي تخضع للأهواء والنزوات، لأنّهم لا يرضون إلاّ بمحو الدين وإلغاء هوية أهله التي عبّرت عنها الآيتانبالهدم، وقال تعالى عنهم (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ).

خامساً/ إن الله تعالى قادر على إعزاز دينه ونصرهِ بقدرته اللامحدودة فيقول للشيء كن فيكون ويقطع دابر الفساد والكفر والشر، إلا انه تعالى أبى الا إن تسير الأمور وفق أسبابها الطبيعية {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ}، {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً}، {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ } فجعل تعالى دفع الأشرار بعمل الأخيار وحركتهم المباركة مع تأييد الله تعالى وإمداده {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ}، {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}، {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} فلابد إذن وفق هذه السنة الإلهية من عمل دؤوب متواصل.

سادساً/ إن هدم المساجد لا يقتصر على المعنى المادي أي إزالتها من وجه الأرض إذ قد يكون التخريب معنوياً (وهذا هو الأخطر) وذلك بحرمان الناس من بركاتها وتعطيل دورها الذي ذكرته الآية الشريفة بأنّه يُذكر فيها الله كثيراً وتُتلى فيها آياته ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، والمساجد هي مراكز تجمع المسلمين وتعارفهم وتحشيد قواهم ونشر الوعي بينهم وتهذيب أخلاقهم وتعليمهم الدين. وهذا التخريب المعنوي هو ما يلجأ إليه الطواغيت والمنافقون المتستّرون بالدين فهم يعمّرون المساجد مادياً إلاّ أنّهم يفرغونها من محتواها وتأثيرها في حياة الأمة كالذي شهدناه أيام صدام المقبور وأمثاله. وقد يكون تأثير

ص: 16

مساجد المنافقين معادياً للدين القويم {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} وهذا شاهد على ما قلناه من كون التخريب المعنوي أخطر.

سابعاً/ إن سُنة التدافع تجري داخل المجتمع المسلم أيضاً وليس فقط مع الأعداء الخارجيين وتكون حينئذٍ مع من يحرّف الدين ويداهن فيه ويعرقل مسيرته ويحارب المصلحين ويقف حجر عثرة في طريق الإصلاح مكتفياً بشكليات الدين ومظاهره الخارجية.

ثامناً/ لابد أن يلاحظ في آليات التدافع مناسبتها لما يستعمله العدو، لأنّه إذا لم يكن مناسباً ومكافئاً للعدو فلا يعتبر دفعاً ولا تدافعاً، فإذا كان عمل العدو وهدمه فكرياً فلابد من دحضه بفكر مثله وان كان إفساده أخلاقياً فلابد من مواجهته بحملة مثلها، وهكذا إن كان سياسياً أو إعلامياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً أو عسكرياً ونحو ذلك فانه يقابل بمثله.

تاسعاً/ إن الله تبارك وتعالى لطيف بعباده ولا يتركهم سدى فريسةً بأيدي شياطينالأنس و الجن بل يقيّض من عباده من ينهض بهذا الحمل الثقيل لذا نسب تعالى الدفع إليه فهو الذي يدفع الناس بالناس، وهذا المعنى من قبيل ما ورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق (علیه السلام): (يحمل هذا الدين في كل قرن عُدول ينفون عنه تأويل المبطلين وتحريف الغالين وانتحال الجاهلين) واذا تقاعس قوم عن اداء واجباتهم فان الله تعالى يوفّق غيرهم لهذه الطاعة قال تعالى {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}.

عاشراً/ الوعد الإلهي لعباده العاملين المخلصين بالنصر وتأكيد ذلك بعدة مؤكدات في الآية، كاللام ونون التوكيد في قوله تعالى {وَلَيَنْصُرَنَّ} نعم قد يتأخر النصر لحكمة إلهية كحماية المؤمنين من العجب او لتعريضهم لمزيد من البلاء لإنضاجهم وتأهيلهم، أو لكي يستشعروا أهمية وقيمة النصر، وقد يحقق الله تعالى النصر للمؤمنين لكن على نحو لا يفهمه الناس لاختلال القيم والمقاييس عندهم، وعلى أي حال فان هذا النصر مشروط بإخلاصهم لله تعالى وصدقهم في ما عاهدوا الله عليه، فقد وضحت الآية التالية للآية الثانية التي فيها الوعد بالنصر من ينصرهم الله تعالى بقوله سبحانه {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}.

الحادي عشر/ ورد في الروايات معنى آخر للدفع يناسب قوله تعالى: {وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} لأنّ فيه منّة من الله تعالى، ففي رواية عن الامام الصادق (علیه السلام): (إن الله يدفع بمن يصلي من شيعتنا عمن لا يصلي من شيعتنا، ولو اجتمعوا على ترك الصلاة لهلكوا، وإن الله ليدفع بمن يصوم منهم عمن لا يصوم من شيعتنا، ولو اجتمعوا على ترك

ص: 17

الصيام لهلكوا، وإن الله يدفع بمن يزكي من شيعتنا عمن لا يزكي، ولو اجتمعوا على ترك الزكاة لهلكوا، وإن الله يدفع بمن يحج من شيعتنا عمن لا يحج منهم، ولو اجتمعوا على ترك الحج لهلكوا وهو قول الله تعالى(وَلَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ).

الثاني عشر/إنّ الدفع وإن كان في المصطلح يعني مقاومة الشيء بعد وقوعه، إلا أن معناه هنا أوسع فيشمل ما يعرف بالرفع أي منع وقوع الفساد والظلم والانحراف أصلاً، بل أن العمل عل النحو الثاني هو الذي يجب أن نفكر فيه ونضع خططنا له على طريقة الحكمة القائلة: (الوقاية خير من العلاج) فتهيئة أسباب الصلاح والبيئة المساعدة لانتشاره وإقناع الناس به مقدَّم على انتظار وقوع المنكر ثم التفكير في كيفية إزالته ومعالجته.

الثالث عشر/ ولابد أن نلتفت الى ساحة أخرى للتدافع وهو الذي سماه النبي (صلى الله عليه وآله) الجهاد الاكبر وهي ساحة النفس التي يتصارع فيها جنود الرحمن مع جنودالشيطان لتحسم المعركة بانتصار إرادة الخير أو ارادة الشر، والاولى مؤيدة بالألطاف الالهية والبصيرة والعقل والمعرفة والعزم والحكمة، والثانية مزودة بالشهوات والأهواء والميول النفسية.

سُنة الاستبدال

قال تعالى: (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ).. تبيّن الآية سُنة إلهية وقانوناً ثابتاً وفي نفس الوقت توجّه تحذيراً لكل الناس، مفاده إن المشروع الإلهي الذي حملته رسالة الإسلام العظيمة ماضٍ وسائر في طريق تحقيق الأهداف المرسومة له، وإنَّ تقاعسَ وأعراض البعض – مهما كثر عددهم- لا يعرقل هذه المسيرة الإلهية وإنما تُعرض الرسالة عليهم وتطلب النصرة منهم لطفاً بهم من الله تعالى وامتناناً عليهم ليحصلوا على شرف المشاركة وثواب العاملين في الدنيا والآخرة، فإذا أعرضوا عن هذا التكليف ولم يتحملوه فإنهم هم الخاسرون وسيوفق الله تعالى أقواماً غيرهم لينهضوا بهذه المسؤولية ويحصلوا على نتائجها المباركة، والخطابات القرآنية عامة شاملة لكل الأجيال ولكل الأزمان فلا يتصور أحد أن هذه الآية خاصة بالقوم الذين كانوا حول النبي (صلى الله عليه وآله) وإنه تهديد لهم فقط، وإنما هي سنة إلهية عامة ثابتة (فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً) وقد أشارت عدة آيات قرآنية إلى هذه السنة الإلهية ،قال تعالى: (إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، (وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ) وقد تركت الآية كلمة

ص: 18

(تتولوا) بلا ذكر لمتعلقها، وإن التولي يكون عن ماذا؟ لتكون مطلقة وتكون السُنة جارية في كل تولي واعراض سواء تعلق بأصول الدين أو فروعه أي مطلق طاعة الله تعالى.

درسان من آية قرآنية

(لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ)

1. تطمينه من قبل الله تبارك وتعالى بأن مع كل إنسان من يحفظه ويرعاه ويدفع عنه كل ما لا يلائم صلاحه، فلا داعي الى القلق والمخاوف والهواجس المرعبة مما يحصل في المستقبل القريب أو البعيد، هذا القلق الذي تعاني منه الشعوب في الغرب رغم توفر اسباب الترف والحياة المنعّمة وتؤدي ببعضهم الى الانتحار ليتخلص بزعمه من هذا الرعب والخوف ولو التفت الى هذه الحقيقة القرآنية لاطمأن بوجود رب شفيق رحيم ودود يرعاه ويخصص ملائكة لحفظه ورعايته.1. في الآية تكريم عظيم للإنسان من خالقه بأن يجعله اداة تنفيذ عملية الاصلاح وتحقيق السعادة التي يريدها الله تعالى لخلقه، وتدعوه الى أن يتحمل بنفسه مسؤولية التغيير ولا يترك الأمر للعوامل الخارجية لكي تتصرف في البشر وتنتهي الى نتائج خارجة عن اختياره، لان الله تعالى كلّف الملائكة تمنع من هذه التأثيرات، فللإنسان باعتباره عاقلاً مختاراً دور في هذه العملية فيستطيع ادامة عمل هذه الملائكة الحفظة بان يلح في الدعاء مثلا او يتصدق فيدفع البلاء أو ينشئ المؤسسات النافعة أو ينشر العلوم المثمرة والأخلاق الفاضلة أو يقوم بأعمال صالحة فيكّفر عن سيئاته التي تجلب له السوء، وقد يعرقل عمل هذه الملائكة الحفظة ويجعلها ترفع يدها عنه كما لو قطع رحمه فتسبب في تقصير عمره، أو ارتكب من الذنوب ما ينزل النقم او تسلب النعم أو تحبس الدعاء ونحو ذلك، او ترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فتسبّب في تسلط الاشرار، بحسب ما افادته الآيات الشريفة، لذلك جاء في تكملة الآية: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) فالمعقبات الحفظة ليس عملهم مطلقاً غير مشروط ولا محدود بل هو مطلق لكل الناس الى مقدار معين ثم يكون مشروطاً باختيار الإنسان حتى لا يتساوى المحسن والمسيء، وحتى تظهر آثار من أحسن عملاً، وعاقبة من اساء عملاً على كيانهما ووجودهما، في مجمع البيان عن أمير المؤمنين(علیه السلام) في تفسير الآية قال: (إنهم ملائكة يحفظونه من المهالك حتى ينتهوا به إلى المقادير فّيخلون بينه وبين المقادير) وفي هذه الحقائق ردّ على من قال بحتمية التاريخ أو الجبر ونحو ذلك من النظريات السالبة لدور الإنسان في التغيير.

ص: 19

بيان مدلول آية قرآنية

قال تعالى: (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ) إن هذه الدعوة تتضمن عدة معانٍ:

1- تحدي المشركين والملحدين والكفار ليقدّموا ما صنعته الهتهم التي يعبدونها من دون الله، فاذا عجزوا - وهم عاجزون قطعاً حتى عن استنقاذ ما يسلبهم الذباب منه وهم يعلمون بعجزهم- فليذعنوا بألوهية الله تبارك وتعالى وليثوبوا الى رشدهم وليحترموا عقولهم، فالآية فيها تحدي وتعجيز وانتزاع للإقرار منهم.

اظهار حب الله لخلقه وتكريمه تعالى اياهم واحترامه لهم باعتبارهم صنعا جميلا له تبارك وتعالى حتى انه سبحانه يتباهى بهم امام الاخرين فيقول (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي1- مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ)كما ان الصنّاع المبدعين يتباهون بما صنعوا امام اهل المهنة والزبائن.

2- تذكير عباده بنعمته العظيمة ومعجزاته في خلقه التي يغفلون عنها لطول الفتهم لها واعتيادهم عليها ولجهلهم او أي شيء اخر فتراهم يقفون مبهورين امام جهاز يصنعه الإنسان ويتقن صنعه لكنهم يمرّون معرضين على هذا الخلق العجيب.

3- الفات نظرهم الى تجليات صفاته الحسنى في صنعه من القدرة والعلم والحكمة والعظمة والإنعام ونحو ذلك ليزدادوا معرفة بربهم (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الافَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) وهنا يأتي الحكم النهائي الذي يصدره كل عاقل منصف على من لم يُذعن بهذه الحقائق وليتوجه الى خالقه الحقيقي (بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ).

استعمار الأرض من منظور قرآني

قال تعالى: (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأرض وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) يمكن ملاحظة عدة أمور في الآية:

1- إن الله تعالى يذكِّر عباده بنعمه العظيمة عليهم وذلك لأنه خلقهم من نفس هذه الأرض مباشرة –كخلقه لآدم (علیه السلام)- أوانه خلق الإنسان من نفس عناصر الأرض ومكوناتها وغذائها ومع ذلك فانه أعطاهم هذا التكريم العظيم وفضّلهم على مخلوقاته ومكّنهم من هذه الأرض ليعمروها واستخلفهم عليها كجنس بشري أو كأفراد باعتبار أنهم يخلفون من سبقهم في التملّك والاستيلاء والاعمار.

ص: 20

2- وفي الآية بيان لحقيقة اعتقادية وزجرٌ وتوبيخٌ وردع للذين تركوا عبادة الله تعالى وأطاعوا أهواءهم وزيّن لهم الشياطين عبادة آلهة وهمية من دون الله تعالى

3- إن الله تعالى فوّض أمر إعمار الأرض الى الإنسان وهيّأ له الوسائل والظروف التي تعينه على ذلك وطلب أن يفكّر ويبحث ويسعى وينتج، وبدون ذلك لا يحصل إعمار ولا يستفيد من منابع الرفاه والسعادة الموجودة في هذه الأرض ويكون من الخاسرين، فلا اتكالية ولا تقاعس ولا كسل وإنما لابد من العمل والله تعالى يبارك فيه ويؤتي ثماره بلطفه.

4- بما أن الإنسان مأمور بان يتخلّق بأخلاق الله تعالى كما في الحديث الشريف وفي الآية الكريمة (وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ) ونحن مأمورون بأن نُقيم الدين والسنن الإلهية وهذا يوجب علينا أن نعطي الفرصة الكاملة لكل فرد أو مؤسسة أو مجتمع ونهيئ الأسباب والإمكانيات لكي يعمّروا الأرض بالحياة وينتفعوا من الخيرات المتاحة لهم على كلِّ الأصعدة سواء على الصعيد العلمي أو الإقتصادي أو السياسي أو الديني أو الإجتماعي وغير ذلك، بالتصويت لهم اذا توقفت المسالة على الانتخاب، او بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب بالتعيين او بتقديم الدعم المادي والمعنوي لأي مشروع مثمرٍ او فكرة مفيدة او مؤسسة نافعة ونحو ذلك.

5- إن الإستعمار مصطلح قرآني مثمر وإيجابي ويُغني الحياة بالخير، لكن الدول المستكبرة اختطفته وحوّلته الى معنى معاكس يتضمن القتل والتدمير والخراب والاستحواذ على ثروات الشعوب وتجويعهم والاستيلاء على زمام الامور في بلدانهم، ككثير من المصطلحات التي شوهوها كالحرية التي تعني الانعتاق من اغلال الاهواء والشهوات والتعصّب والعبودية الخالصة لله تعالى فأصبحت تعني عندهم الانفلات من كل الضوابط الأخلاقية أو السياسة التي تعني رعاية مصالح البلاد والعباد وصلاح امورهم ونصف أئمتنا (عليهم السلام) بها كما ورد في الزيارة (يا ساسة العباد) وهكذا، لكنهم وظّفوها لمآربهم الخبيثة المعادية للإنسانية.

6- ولابد من الإلتفات الى الجوانب المعنوية للإعمار لأن الله تعالى أنشأ لنا هذه الأبدان لتكون وسيلة لتكامل النفس والعقل وسمو الرّوح، فالبدن هو أرض النفس الذي أنشأه الله تعالى لإعمارها بطاعة الله تعالى وعلى هذا فان إعمار الأرض لابد أن يكون مقترنا بنية التقرب الى الله تعالى لأن الإعمار الحقيقي هو ملئ القلب بحب الله تعالى وذكره وتحلية النفس بالفضائل وتهذيبها من الرذائل والأغلال والآصار، فالأمر بالإعمار إنما يُراد منه تهيئة أسباب الطاعة والتمكين منها. أذ كلّما كانت الأسباب المساعدة على الطاعة

ص: 21

متوفرة كان إقبال النفس عليها أكثر فعوالم الإنسان مترابطة، كما قيل في المثل المشهور: (العقل السليم في الجسم السليم).

7- إن الله تعالى خلقنا من الأرض، فالأرض سابقة بوجودها علينا، وقد سخّرها الله تبارك وتعالى لنفعنا (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأرض جَمِيعاً) فنِعمُ الله تعالى سابقةٌ على وجودنا وهو جلّت آلآؤه المبتدئ بالفضل وبالنعم، والدرس الذي نستفيده هو أن نبادر نحن بالعطاء للأخرين قبل أن نتوقع منهم تقديم شيء من الخير.

8- ما دام معنى اعمار الارض يتحقق بجعلها على نحو مثمر ينتفع به، كما تقدم في التعريف فإذن هو يشمل كل نواحي الحياة لكلٍ بحسبه، فهناك الإعمار السياسي والإقتصادي والإجتماعي والزراعي والعلمي وغير ذلك، لأنها كلها تساهم في تحقيق هذا المعنى فكأن الإعمار مرادفٌ للإصلاح أو هو نتيجته.

دلالات من آية قرآنيةقال تعالى:

(ويَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ):

أولاً: إن الشريعة الإلهية توفر الحرية الحقيقية للإنسان لأنها تحرره من كل القيود والاغلال التي تكبّله، فهي تخلّصه أولاً من عبودية نفسه الأمارة بالسوء التي تدعوه الى طاعة الشهوات والاهواء والانفعالات وهي لا عقل لها فتوقعه في المهالك وهذه نتيجة حتمية لا تحتاج الى دليل لأن الواقع المزري للبعيدين عن القانون الالهي شاهد على ذلك، وتخلّصه ثانياً من عبودية غيره من بني جنسه من البشر كالحكام المستبدين والطواغيت وسدنة المعابد وأدعياء العناوين المقدسة المتاجرين بالدين من أجل الدنيا وحيازة المغانم والمصالح لذواتهم على حساب الناس، وتحرّره من القلق والأوهام والضيق والاضطراب وكل الضغوط (أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

ثانياً : أن هذه الشريعة المباركة دليل على صدق النبي(صلى الله عليه وآله) في دعواه بأنه مُرسل من الله تبارك وتعالى لهداية البشر وإصلاحهم، لأنه حارب كل تلك الأغلال والآصار وسعى بكل جهده لتخليص الناس منها.

ثالثاً: إن الآية فيها وعد وترغيب وتطمين للمؤمنين بأنهم إذا امنوا بالنبي(صلى الله عليه وآله) وأتبعوا تعاليمه واستقاموا على دينه فان الله تعالى سيرفع عنهم الكثير من الصعوبات والمكاره والبلاءات, وسيضع عنهم هذه الأغلال والاصار, وسيرحمهم.

رابعاً: إن هذه الفقرة من الآية الكريمة تعرّفنا على جانب مشرق من سيرة النبي(صلى الله عليه وآله) وثمرات شريعته المباركة إذ لولا كونه رحيماً شفيقاً ودوداً له

ص: 22

أخلاق عظيمة لما استطاع تأدية هذا الدور المبارك في رحمة العباد، وبهذه المعرفة نزداد حباً لأن المعرفة تولد الحب، وهل يمكن أن يحب الإنسان شيئاً يجهله ولا يعرف عنه شيئا، والحب يحرّك نحو اتباع المحبوب وهو رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم).

خامساً: إن الآية والمعرفة التي استخلصناها منها تحمّلُنا مسؤولية إعانة رسول الله(صلى الله عليه وآله) في تحقيق أهدافه المذكورة وهي وضع الآصار والأغلال عن الأمة وتحريرها من قيودها من خلال تفعيل فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمساعدة الناس على إزالة هذه الآصار والأغلال.

لو تمسكنا بقرآننا

إننا مبهورون بالغرب الكفار وما توصل إليه من تكنولوجيا متقدمة وهو حق، لكن كما أن لهم نقاط قوة، فعندهم نقاط ضعف، وكما أن عندنا نقاط ضعف، فان عندنا نقاط قوة، فلنأخذ منهم ما فيه خير لنا، ولنلتفت إلى أسباب قوتنا وأولها الإيمان باللهسبحانه والالتزام بشريعته وما يثمر عنه من سعادة وطمأنينة، فترى المؤمن في أشدّ الحالات صعوبة وهو رابط الجأش قوي العزيمة ثابت القلب، وهم عندما يصدرون لنا هذه المزالق الشيطانية فإنما يريدون سلب قوتنا هذه حسداً منهم [أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ] ولو كنا متمسكين بقرآننا لوجدنا فيه علاجاً لكل داء فاستمع إليه يبين لنا ماذا يريد هؤلاء الكفار منا [وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ] هذا أحد أسرار عظمة القرآن إنه حي خالد يخاطب الأجيال جميعاً وكأنه نزل عليهم الآن ويأخذ بأيديهم نحو كل ما يصلحهم.

الذي يهدي إلى التقوى هو..

قد دلّ الله تعالى على النور الذي يهدي به الإنسان في حياته ويميز به الصواب في سائر أموره وما أحوج الإنسان إلى مثله لينقذه من التخبط والضياع والمزالق، وذلك بالتقوى قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وما الذي يهدي إلى التقوى ويحصلها إنه القران الكريم قال تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} لذا أُمرنا باتخاذ القرآن إماماً وقائداً وهادياً، فمن أراد أن يكون له فرقان في الدنيا يميز به بين الحق والباطل وينير بصيرته ويأخذ بيده على الصراط المستقيم فليجعل القرآن إماماً له وقائداً يقتبس من نور مصابيحه قال النبي(صلى الله عليه وآله): (فإذا التبست الأمور عليكم كقطع الليل المظلم

ص: 23

فعليكم بالقرآن, فإنه شافع مشفع, وماحل مصدَّق, ومن جعله أمامه قاده الى الجنة, ومن جعله خلفه قاده الى النار) وإنما يجعله أمامه باتباعه والعمل بما فيه والاستضاءة بنوره, ويجعله خلفه باستدباره والإعراض عما فيه وعدم الاعتناء بأوامره ونواهيه.

طالب العلم والقرآن الكريم

قد تمر الأيام والأسابيع ولا تجد طالب العلم يمسك المصحف الشريف ليتلو آياته ويتدبر فيها وهذه مصيبة عظيمة للحوزة والمجتمع فإن الأمة لا تكون بخير إلا إذا تمسكت بقرآنها واهتدت بهديه واستضاءت بنوره.

من مَعين القرآن الكريم

كَرَّس القرآن الكريم جزءاً كبيراً منه لعرض طبيعة هذه المواجهة بين المعسكرين (معسكر المصلحين ومعسكر الظالمين) والأسلحة المستعملة فيها، وميزان القوى لكل منهما، وأساليب المعسكر الكافر، ليجد المصلح أن الحرب نفس الحرب، والناس نفس الناس، والأساليب نفس الأساليب، حتى ان الله تبارك وتعالى يثير الاستغراب من اجتماع اجيالهم المختلفة على هذا الموقف المعادي للحق وأهله (أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) كل ما كانهناك أن الأدوات والمصاديق والعناوين قد تغيرت.

إماتة الابداع

مما يُؤسف له أن أُمتنا لا ترعى الإبداع، وأن المبدعين ضائعون بين ظهرانيها فيهاجرون أو يتخلون عن المجالات التي يبدعون فيها، وربما تتذكرهم بعد وفاتهم فتقيم لهم مجالس التأبين وتعدّد فضائلهم وآثارهم وإسهاماتهم، وفي هذا بعض وفاءٍ لهم لكنه غير كافٍ لتشجيعهم وتفجير طاقات غيرهم، قال الشاعر:

لا ألفينّك بعد الموت تندُبني *** وفي حياتي ما زودّتني زادي

وموت الإبداع يعني موت الأمة، فإذا أرادت الأمة أن تكون حيّة فعليها رعاية المبدعين وأن تكرِّمهم في حياتهم وتوفر كل الإمكانيات التي تكشف عن هذه الكنوز وتستثير ما فيها، خصوصاً إذا تعلق الأمر بالقرآن الكريم الذي لا تصلح الأمة إلا به كما صلح سلفها والذي يقول فيه أمير المؤمنين(علیه السلام) باب مدينة العلم: (إن كل ما عندي هو من القرآن).

آية قرآنية منبع للبركة

إن أول آية في القرآن الكريم وهي (بِسمِ اللهِ الرَحمَنِ الرَحِيمِ) هي أول هذه القواعد تتعلم منها أن تفتتح كل أعمالك ومشاريعك وخطواتك باسم الله تعالى ليكون عملك مباركاً،

ص: 24

وفي سبيل الله تعالى حتى يكون صالحاً مقبولاً منتجاً، لذا ورد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): (كُلُّ أمْر ذِي بَال لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ اسْمُ اللهِ فَهُوَ أَبْتَرُ) منقوص لايحقق أهدافه المرجوّة. فإذا أردت أن تبدأ الطعام فافتتح بالبسملة، وإذا أردت الانطلاق من دارك إلى عملك أو أي شيء آخر فابدأ بالبسملة، وإذا تحركت بالسيارة فابتدأ بالبسملة وهكذا لتكون في رعاية الله تعالى ولطفه وتأييده، وقد ورد في كل ذلك روايات شريفة فراجعها.

القرآن وإصلاح النفوس

هذه بعض الدروس المستفادة من طريقة القرآن في إصلاح النفس والمجتمع وهدايته:

1. الالتفات إلى جانب العلل اكثر من المعلولات عند معالجة حالة معينة.

2. إن طريقة القرآن في اصلاح النفس والمجتمع وهو ضرورة بناء الجانب الاخلاقي والعقائدي لشخصية المسلم وقد اعتمد القرآن في هذا البناء على عدة اساليب... فالعقيدة والاخلاق هي التي ترسم الهدف الذي يعيشه الإنسان وبالتالي فهي تحدد معالم مسيرته .1. التدريجية في الهداية والاصلاح والأخذ بأيدي الناس برفق ومثالهم الرئيسي على ذلك: التدريج في تحريم شرب الخمر -باعتباره عادة راسخة في المجتمع وقد اشربت في قلوبهم وعقولهم- فتدرج في المنع على مراحل .

2. الاهتمام والفات نظر الأمة إلى المرتكزات الاساسية لكيان الأمة الذي لا يحفظ الا بها .

3. التسلية وتطييب الخاطر والتخفيف عن المصاعب والاتعاب التي تواجه الشخص الذي يسعى إلى اصلاح المجتمع وهدايته أو ما سميناه بحامل القرآن... وارق تعبير والطفه قوله تعالى: (واصبر لحكم ربك فانك بأعيننا) .

4. الحث على طلب العلم والتعلم والتفقه بكل ما يقرب إلى الله سبحانه ويزيد من المعرفة به .

5. تكرار واستمرار جرعات العلاج وعدم الاكتفاء بعرض العلاج لمرة واحدة عند التصدي لتصحيح حالة منحرفة أو سد نقص أو علاج خلل موجود في فكر الأمة أو عقيدتها أو سلوكها.

6. سلوكه مختلف الطرق لهداية الإنسان ولما كان له عوالم ثلاثة هي النفس والعقل والقلب فتجده قد سخّرها جميعاً ووظفها لاستمالة البشر إلى طاعة الله تبارك وتعالى.

أهم وظائف الحوزة

ص: 25

إن أهم وظيفة تقوم بها الحوزة في المجتمع هي طرح مفاهيم القرآن ورؤاه وتصوراته وأخلاقه وعقائده إلى المجتمع بالفهم الصحيح النقي كما يريده القرآن وبالشكل المناسب ليكون دوره فاعلاً في حياة الأمة.

علاجية القرآن للأمراض

إن القرآن خالد وحيّ ومعطاء إلى يوم القيامة ومن خلوده قدرته على تشخيص الداء وتقديم الدواء لكل مجتمع وكل زمان ومكان وما علينا إلا إن نستشير كوامن القرآن ونلتمس منه دواء دائنا وأمراضنا الاجتماعية والفردية فاذا أصيبت الأمة بالتمزق والتشتت فدواؤهم (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)... وإذا أصيبت الأمة بالجبن والخَوَر فعلاجهم (أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة)...وإذا مرّ المجتمع ببلايا ومصاعب ومحن فشفاؤهم في قوله تعالى: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مسّتهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله الا ان نصر الله قريب) واذا شعروا بالإحباط واليأس فعلاجه (ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون)..واذا القينا مسؤولية الانحراف والظلمعلى غيرنا أو على الزمن فلنقرأ (وما أصابك من سيئةٍ فمن نفسك)،(وما ظلمهم الله ولكن انفسهم يظلمون) وإذا انصاع الناس وراء الكثرة الكاثرة ولسان حالهم (حشر مع الناس عيد) بلا تعقّل وروية وبصيرة أجابهم القرآن (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) ومن الامراض الاجتماعية التي عالجها القرآن (الاشاعة) وهو داء فتاك يفرق المجتمع ويزلزل كيانه ويبلبل افكاره فقال فيها وفي علاجها: (واذا جاء امرٌ من الأمنِ أو الخوف اذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول والى اولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم، ولولا فضلُ الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان الا قليلاً) .

نورانية القرآن

(قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين، يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بأذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم) فهو نور لأنه يشرق أولاً في قلب المؤمن فيطهّره من أدران المعاصي وكدورات الذنوب ويجلّي صفحته ليكون مستعداً لتجليات الحق فيه وهو نور للأمة وللمجتمع يرشدها إلى النظام الذي يكفل سعادتها.

علاج النفس بالقرآن

الإستفادة من طريقة القرآن في إصلاح النفس والمجتمع، وهي ضرورة بناء الجانب

ص: 26

الأخلاقي والعقائدي لشخصية المسلم، حيث أنه (القرآن) ركز على (العقل، القلب، والروح) فالعقيدة والأخلاق هي التي ترسم الهدف الذي يعيشه الإنسان، وتحدد معالم مسيرته.

ركنا القيادة الناجحة والواعية

لا يمكن لقائد أن يتصدى لمسؤولية تربية الامة وإصلاحها دون أن يعيش في أجواء المدرسة القرآنية المباركة وينهل من سيرة المعصومين(عليهم السلام) قادة الإسلام العظيم.

مصدر الانطلاق

المصدر الذي ننطلق منه لمعرفة تكليفنا ودورنا وعملنا هي سيرة المعصومين(عليهم السلام) لأنهم إعدال الكتاب وصنوه كما نصّ عليه حديث الثقلين المشهور - وانهما لا يفترقان فإذا كان القرآن لم يفرّط في شيء يمكن أن يستفاد منه في هداية الإنسان وتكميله وإصلاحه وتهذيبه وسعادته واستقامته وأن فيه تبياناً لكل شيء.

نُكتة بلاغية

أن اسم (اللطيف) يستعمل في موارد اللطف، وهذا من بلاغة القرآن الكريم حيث تنتهي الآية بما يناسب مضمونها، فإذا كان المضمون حكماً صارماً وموقفاً حازماً - كآية القطع في السرقة - فإنها تنتهي بالعزيز الحكيم، وإذا كان مورد رحمة ورفق انتهت بالرؤوف الرحيم، وعلى هذا جرت السنة الشريفة، فدققوا في الموارد التي ذكر فيها اسم (اللطيف)لتعرفوا موارد اللطف، وأوضحها في أذهانكم حديث الثقلين المشهور الذي ألزم الأمة بالتمسك بالثقلين وفيه (وقد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض) وأي لطف أعظم على الأمة بعد البعثة النبوية الشريفة من لطف حبلي القرآن والإمامة؟

كنوز القرآن الكريم

وصف الله تبارك وتعالى القرآن بأنه (تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ)...وما على الإنسان إلا أن يستثير كوامنه ويستخرج درره وجواهره بالوسائل التي تؤهله لهذا (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ):

وأولها: الاخلاص لله تبارك وتعالى وتطهير القلب من الرذائل والنفس من الاهواء.

وثانيها: طلب العلم والمعرفة على يد المؤهلين الصادقين (فَلْيَنْظُرِ الإنسان إِلَى طَعَامِهِ).

فهم القرآن مشروط بتطبيقه

إن القرآن لا يفهم حق فهمه إلا عندما يحمله الإنسان كرسالة يصلح بها نفسه والذين من حوله ويواجه بها الخطأ والانحراف الذي يضرب بأطنابه على البشرية عندئذٍ

ص: 27

يعيش في مثل الاجواء التي نزل فيها وعندئذٍ تنفتح له اسراره ولا تكفي قراءته لمجرد التبرك وان كان في ذلك فضل لا ينكر.

التنزيل المتدرج للقرآن

إن هذا التنزيل المتدرج للقرآن بدلاً من النزول دفعة واحدة له وقعه المباشر وتأثيره الفعال في الحالات التي عالجها (وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكثٍ ونزلناه تنزيلاً) وما دام هو كتاب تربية وهداية واحياء فلا بد ان يكون تدريجياً وبلطف فيصف العلاج المناسب في الوقت المناسب وبالجرعة المناسبة لا اقل ولا اكثر ولا قبل الموعد ولا بعده، وهكذا أخذ القرآن بيد هذه الامة برفق لتجد نفسها بعد عقدين من الزمان في قمة السمو والكمال والرفعة والعزة والمنعة.

القرآن والتلاوة الواعية

لا ينبغي لكم وأنتم مثقفون واعون وشباب رساليون أن تكتفوا من قراءة القرآن بتلاوة حروفه، بل لابد من التدبر في معانيه للوصول إلى حقائقه، وقد قدّمت في أحاديث سابقة أنماطاً للتدبر، ومنها ما أذكره اليوم وذلك بأن تلتفت بلطف الله تعالى إلى قضية معينة لها مساس بالواقع المعاش، ثم تجمِّع ما ورد فيها من آيات شريفة حتى تكتمل صورتها، وسيفتح الله عليك وستظهر أمامك حقائق عن تلك القضية، لم تكن ملتفتاً إليها عندما كنت تقرأ كل آية على حدة فتعرف كيفية تشخيصها، وأسباب حصولها، والآثار المترتبة عليها وهكذا.

مسؤولية الحوزة تجاه القرآن

تقع المسؤولية على الحوزة أولاً لإخراج القرآن من عزلته واعادته إلى الحياة إماماً وهادياً ورائداً للتغيير في النفس والمجتمع .

صفات حامل القرآن

يتصاغر أمام حامل القرآن كل ما سوى الله تبارك وتعالى مهما عظم ظاهراً أو حاول أولياؤه واتباعه تعظيمه والنفخ في صورته فاذا قدرة الله تلقف ما يأفكون فلا إرم ذات العماد ولا فرعون ذو الاوتاد ولا صاحب الكنوز التي تنوء مفاتحه بالعصبة اولي القوة، اما حامل القرآن فقوّته متصلة بالله فلا يخشى ما سواه (مَثَلُ الذين اتخذوا من دون الله اولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً وان اوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون)و(من خاف الله اخاف الله منه كل شيء)... وسيجد في القرآن الوعد الالهي بالإمداد والقوة الغيبية

ص: 28

في كل موقف وشدة ومأزق ومعركة مع النفس الأمارة بالسوء أو الشيطان وأنَّ الله معه وكفى به ناصراً ما دام هو مع الله (إن الذين قالوا ربّنا الله ثم استقاموا تتنزّل عليهم الملائكة الاّ تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون، نحن اولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي انفسكم ولكم فيها ما تدعّون، نُزُلاً من غفور رحيم، ومن أحسنُ قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال انني من المسلمين) وآيات كثيرة تخبر عن انزال السكينة في قلوب المؤمنين والامداد بالملائكة المسوّمين وغيرها.

البعد عن الأدب القرآني

...ومن هنا تعرف ما عليه الكثير من أفراد المجتمع من البعد عن الأدب القرآني حينما يدخلون إلى الدار بلا سلام ولا استئذان، وأحيانا يفعل رب الأسرة ذلك فيكون قدوة سيئة لأفراد أسرته، ولا أدري هل إن منشأ هذا التصرف الاستكبار والاستنكاف عن السلام على أهله؟! وقد جعل حديث آخر عدم انتشار السلام مسبباً لحصول القطيعة بين أفراد المجتمع ففي حديث: (وإذا قلّ سلام المؤمنين بعضهم على بعض ظهرت العداوة والبغضاء بينهم)، ويستحب السلام على أرواح المؤمنين عند زيارة قبورهم بنصوص مأثورة.

التدبر القرآني

من آداب تلاوة القرآن الكريم أن نقف عند كل آية عذاب وتحذير وتخويف وتهديد لنتوقع استحقاقنا لها، وأن نقف عند كل آية وعد وترغيب وتكريم ونعيم لنرجو أن نكون مشمولين بها، ولا نتصور أننا في مأمن ومنأى من آيات التخويف والتهديد، ورد في وصف سيرة الإمام الرضا (علیه السلام) إنه كان: (يكثر بالليل في فراشه من تلاوة القرآن فإذا مرّ بآية فيها ذكر جنة أو نار بكى وسأل الله الجنة وتعوّذ من النار) وروي عن الإمام الصادق (علیه السلام) في صفة الذينيتلونه حق تلاوته قال (علیه السلام): (ويرجون وعده ويخشون عذابه).

هدفية القصص القرآنية

إن الوقائع التي يحكيها القرآن الكريم ليست حوادث تاريخية وقصصاً تذكر للتسلية والإطلاع بل هي دروس حيّة ورسالة هداية وإصلاح وثبات على صراط الحق لجميع الأجيال حتى يوم القيامة.

درس قرآني

درس نستفيده من القرآن الكريم وهو يتناول تداعيات معركة أُحُد، قال تعالى: (وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ)

ص: 29

فالآية تدعو المؤمنين إلى عدم الضعف والاستكانة والانهزام أمام الضغوط والتحديات وأن لا يقصّروا في متابعة القوم والاستمرار في مواجهتهم في كل ساحات العمل والتحدّي سواء كانت عقائدية أو فكرية أو اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو عسكرية وغير ذلك، وتهيئة كل أسباب ومقوّمات هذه المواجهة، ولا يقعدكم ما يصيبكم من ألم القتل والجراح والخسائر والجهود، لأنّ الآخر يصيبه نفس ما يصيبكم ومع ذلك فإنّه لا ينسحب من المواجهة ويستمر في استهدافكم فلماذا تشعرون أنتم بالوهن والضعف والانسحاب، مع أنّ عندكم ميزة ليست عند أعدائكم وهي أنّكم ترجون ما عند الله تعالى من الرضوان ومجاورة أحبّائه وأوليائه (صلوات الله عليهم أجمعين) وهذا يشكّل حافزاً ودافعاً قويّاً يفتقده خصمكم. ولهذا جاءت الآية الأخرى لتطمئن المؤمنين وتقول لهم (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) فالضعف والتخاذل والخوف والقلق غير مبرّر لأنّكم الأعلون دائماً بطاعتكم لله تبارك وتعالى ورجائكم لما عنده وموالاة أوليائه، فأنتم أعلون إن كنتم ترجون من الله تعالى رضوانه.

النظرة التأملية

قال تعالى: (فلينظر الإنسان إلى طعامه)...(فلينظر) دعوة من الله تعالى للنظر بتدبر وتأمل وتفكر وليس مجرد النظر بالعين ،موجهة الى (الإنسان) كل انسان يمتلك مقومات الإنسانية بأن يكون له عينٌ يبصر بها وله اذن يسمع بها ،وله عقلٌ يفهم به ،وليس كالذين (لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) والحياة كلها حولنا مليئة بالعبر والدروس ،لكن الله تعالى اختار لنا الطعام لنتدبر فيه ونأخذ منه الموعظة لأنه ألصق الاشياء بالإنسان في هذه الدنيا وحاجته اليه يومية ومستمرة وبه ديمومة الحياة ،فأخذ العبرة منه يكون سهلاً ومؤثراً.

فلينظر الإنسان إلى طعامه...

يحصل الإنسان من هذا النظر والتأمل على عدة دروس ويلتفت الى عدة أمور:

الأول: في الآية احتجاج على منكري وجود الخالق فيُخاطب عقولهم ويقول لهم أنظروا الى هذه المفردة في حياتكم التي تشتركون جميعاً في التعاطي معها ،كيف وجدت وهُيئت لها الظروف المناسبة ولاحظوا تنوع النباتات وكلها ترجع في أصلها الى عناصر واحدة وهي المعروفة كيميائياً وانما أختلفت في نسب تركيبها ،ولاحظوا تنوع استخداماتها فبعضها طعامٌ أساسي وبعضها فواكه للتمتع لكم وبعضها للإنعام وبعضها للدواء وبعضها للألبسة

ص: 30

أو الفراش كالقطن والكتان ونحو ذلك ،وحينئذٍ لابد أن يحكم العقل بوجود خالق مدبر حكيم عالم قادر ولا يمكن ان تحصل كل هذه التفاصيل في هذا الطعام من دونه، ومن يقول ذلك –كالملحدين- أو يجعل له شريكاً لا يمتلك هذه الصفات فإنّه لا يحترم عقله.

الثاني : وفي الآية احتجاج على منكري المعاد ودليل على قدرة الله تعالى على بعث الأموات ونشرهم فكما أن الأرض الميتة إذا سقيت بالماء تنبعث فيها الحياة وتخرجُ منها انواع الشجر والثمار فكذلك يكون بعث الموتى من قبورهم ،ومثل هذه الاحتجاجات كثيرة في القرآن الكريم كقوله تعالى (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ).

التأويل المعنوي لمصطلح الماء

الماء من النعم الإلهية العظيمة التي يغفل عنها الإنسان لاعتياده لها وتوفرها حوله، فالماء قوام الوجود في هذه الدنيا وبه تقوم الحياة ولا يمكن للمخلوقات (بشراً و حيوانات ونباتات) أن تحيا إلاّ بالماء، قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْء أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) وقال تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء)..ولا ينبغي أن نغفل عن التأويل المعنوي للماء في الآيات الكريمة والروايات الشريفة حيث يراد به العلم والمعرفة التي تُحيي قلب الإنسان وتُسعده في حياته المعنوية، ووجه المقاربة أنّ الماء قوام الحياة الطبيعية، والمعرفة قوام الحياة المعنوية فيتشابهان من جهة كونهما قوام الحياة في عالمهما المناسب لهما.

من ثمرات الأمثلة القرآنية

كثيراً ما يعتمد القرآن الكريم أسلوب ضرب الأمثلة لتقريب الفكرة، والاحتجاج بالمثال للنقض على المنكرين والمشكّكين، كمن ينكر البعث يوم القيامة فيمثّل له بالأرض الميّتة التي نزل عليها الماء وإذا هي اهتزّت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج وهكذا، ومن ثمرات ضرب الأمثلة فتح الذهن أمام طلاب الكمالات للتأمّل في المعارف الإلهية كقوله تعالى: (وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا) فتأويلها أن لا ييأس المذنبون الذينجفّت أرض نفوسهم من حياة الإيمان والحبّ الإلهي من أن تشملهم الرحمة واللطف الإلهي فينزل عليهم ماء المعرفة فينبت فيها الإيمان والحب ويزدهر القلب، وفي تفسير قوله تعالى: (أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً) قال علي بن إبراهيم: (أنزل الحق من السماء فاحتملته القلوب بأهوائها، ذو اليقين على قدر يقينه، وذو الشك على قدر شكّه، فاحتمل الهوى باطلاً كثيراً وجفاءً، فالماء هو الحق، والأودية هي القلوب،

ص: 31

والسيل هو الهواء، والزبد هو الباطل).

آية ورواية

إن ظاهر هذه الآية: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ) هو الامتنان على العباد والاحتجاج عليهم وتذكيرهم بهذه النعمة العظيمة التي تعرف قيمتها فيما لو تصوّروا فقدانها بأن يصبح الماء غائراً في الأرض فلا يستطيعون تحصيله قال تعالى: (أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْراً فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً) فلو لم تكن في الأرض خاصية عدم النفاذ لما بقي الماء على سطحها لتتناولوه لأنه سيغور في أعماق الأرض، ولو لم تكن فيه خاصية النفاذ لبقي جميع الماء على سطحها وغرقت اليابسة كلها، أما تأويلها فقد وردت فيه الرواية عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر(علیه السلام) قال: (قُلت: ما تأويل قول الله عز وجل: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ) فقال: إذا فقدتم إمامكم فلم تروه فماذا تصنعون) وفي رواية عن الإمام الرضا (علیه السلام) في قوله تعالى: (فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ) قال(علیه السلام): (يعني بعلم الإمام).

وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم

الملاحظ في الطاعة بحسب هذه الآية أمران:

أولهما: الاستمرارية والدوام والثبات وعلامته استعمال فعل المضارع (ومن يطع) وذلك بأن يتخذ طاعة الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) منهجاً في حياته ودليلاً لسلوكه فلا يقدّم ولا يؤخّر إلا وفق ما يرضي الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) فيكون الطابع العام لسلوكه ومواقفه طاعة الله تعالى، ولو زلّت قدمه بسبب الغفلة أو الجهل أو ضعف النفس تذكّر المطلوب منه وعاد إلى خطّ الطاعة، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ).

ثانيهما: إطلاق لفظ الطاعة فلا تختص بنماذج محددة منها، وإن ذكرت الروايات بعض هذه الطاعات، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الأسلمي، قَالَ : كُنْتُ أَبِيتُ عند النبي (صلى الله عليه وآله) فَآتِيهِ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فقال لي: سل. قلتُ: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أو غيرُ ذلك؟ قلتُ: هو ذاك، قال: فأعنّي على نفسك بكثرة السجود. وفي رواية أخرى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذكر الطاعات الواجبة ثم قال (صلى الله عليه وآله): (ما لم يعق والديه) إلاّ أنّ ذكر هذه الطاعات المهمة من باب المثال أو بما يناسب السائل وإلا فإن الشرط المذكور في

ص: 32

الآية (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) مطلق، فلا تقتصر طاعة الله تعالى على العبادات المعروفة كالصلاة والصوم والطهارة والخمس ونحو ذلك وإن كانت منها وعلى رأسها، لكن هناك طاعات مهمة وثقيلة الميزان نغفل عنها أو نستثقلها كالإنصاف من نفسك وإن كان على خلاف هواك وكالسعي لقضاء حوائج الناس وإدخال السرور عليهم وأمثال ذلك، عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال (ثلاث لا تطيقها هذه الأمة: المواساة للأخ في ماله، وإنصاف الناس من نفسه وذكر الله على كل حال) فإن بهذه الأمور قوام الدين وصلاح الأمة، عن أمير المؤمنين(علیه السلام): (نظام الدين خصلتان: إنصافك من نفسك ومواساة اخوانك) أو مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي وصفتها الأحاديث الشريفة بأنها سبيل الأنبياء ومنهاج الصلحاء وأسمى الفرائض وأشرفها أو مثلاً العفاف للرجل والمرأة والتنزه عن الأمور الدنيّة، عن الإمام الباقر (علیه السلام) قال (ما عبد الله بشيء أفضل من عفّة بطن وفرج) وغيرها من الطاعات العظيمة كالتفقه في الدين ونشره بين الناس ورعاية الأيتام والمعوزين وتزويج المؤمنين ونحو ذلك.

ما يوجب الفرح بحق؟

الذي ينبغي أن يوجب الفرح أكثر هو التوفيق للنعم المعنوية والاهتداء إليها كنعمة القرآن الكريم الذي وصفت آثاره الآية السابقة عليها (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) فهذه النعم الإلهية (الموعظة، شفاء الصدور، الهدى، الرحمة) هي التي تستحق ان يفرح بها الإنسان فرحاً يحركه للحصول عليها والاستزادة منها، وهي آثار مترتبة يوفرها القرآن الكريم للإنسان.. ويصف الإمام السجاد (علیه السلام) أنسه وفرحه بالقرآن بقوله (لو مات من بين المشرق والمغرب لما استوحشت بعد أن يكون القرآن معي) فهذه هي النعم الحقيقية التي تستحق الفرح بها. والنعمة الأخرى التي يستحق الفرح بها رسول الله(صلى الله عليه وآله) الذي هدانا الله تعالى به للإسلام وعلّمنا القرآن وأرسله إلينا رحمة {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} ونعمة أمير المؤمنين (علیه السلام) الذي ثبت به الإسلام وحافظ على إصالته ونقاوته وحفظ مسيرة المسلمين من الانحراف والتزييف.

الآثار المعنوية للقرآن

أول أثر للقرآن هو أن يطرق باب النفوس الغافلة المتعلّقة بالدنيا وزخارفها اللاهثة

ص: 33

وراء الماديات، والقلوب المملوءة بالرذائل فيعظها ويوقظها من الغفلة والجهل فيحركهم نحو الطريق الصحيح. فإذا لزموا هذا الطريق أخذ القرآن في تهذيب نفوسهم وتطهير قلوبهم بمدة قد تطول وقد تقتصر بحسب استعداد الشخص وهمته وقوة عزيمته حتى يطهره منها ويشفيه من عللها وهذه هي المرتبة الثانية. وحينئذٍ تكون قلوبهم صافية ونفوسهم صالحة متهيئة لتلقي الأخلاق الفاضلة والمعارف الحقة والأعمال الصالحة التي يرتقون بها في درجات الكمال، وهذا هو الهدى في المرتبة الثالثة. وبذلك يستحقون منازل الرحمة ودار الكرامة عند ربهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، لذا ورد في الدر المنثور في تفسير الآية عن ابن عباس (قل بفضل الله) القرآن (وبرحمته) حين جعلهم من أهل القرآن، وفي حديث مروي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) يبيّن فيه آثار القرآن التي تستحق أن يفرح الإنسان بها ويعمل لتحصيلها، قال(صلى الله عليه وآله): (إن اردتم عيش السعداء وموت الشهداء والنجاة يوم الحسرة والظل يوم الحرور والهدى يوم الضلالة، فادرسوا القرآن فإنه كلام الرحمن وحرز من الشيطان ورجحان في الميزان).

معاني القرآن لا تنتهي

وصف النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله) القرآن بأنه: (لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه) فالآيات الكريمة والأحاديث الشريفة لأهل البيت (عليهم السلام) غنية بالمعاني وعميقة الفهم، وهي متجدّدة ومفتوحة لا تنتهي، وكل جيل من العلماء يأتي يبين شيئاً يسيراً منها وما يخفى عليه أكثر بكثير، ويأتي الجيل الآخر ويغترف منها شيئاً وهكذا من دون أن تنتهي تلك المعاني. وقد يستغرب البعض كيف يكون لكلام مؤلف من هذه الحروف الثمانية والعشرين في اللغة العربية التي نتداولها يمكن أن تكون لها هذه السعة من المعاني، وهذا الاستغراب منشأه القصور والتقصير في معرفة معاني القرآن الكريم وعدم الالتفات إلى من أودعها في هذه القوالب اللفظية وقدرته وعظمته وعلمه.

التدبر القرآني المستمر

العلماء لا يتوقفون عن التدبر في آيات القرآن الكريم واكتشاف ما يهتدون إليه من معانيها وإيداعها في التفاسير، ومع ذلك لا زالت حقائقه كثيرة خافية على العلماء فضلاً عن غيرهم، وحكي عن السيد الطباطبائي (قدس سره) صاحب تفسير الميزان قوله اننا نحتاج في كل سنتين إلى تفسير، وقد أنهى (قدس سره) تفسيره في عشرين عاماً فهذا يعني أن محاولات التفسير لابد أن تكون متعدّدة ومتواصلة في الجيل الواحد فضلاً عن الأجيال المتتالية.

ص: 34

النهضة القرآنية الحقيقية

إننا نشهد في هذا العصر نهضة قرآنية لا بأس بها ونسأل الله تعالى ان يوسّعها ويزيدها، لكنها غالباً تقتصر على التجويد وتحسين الصوت ومخارج الحروف والنغمات ونحوها، وهذا شيء جيدٌ في نفسه لأن حلية القرآن الصوت الحسن، لكن الاقتصار عليه والوقوف عنده من دون الانطلاق إلى فهم معاني القرآن الكريم واكتشاف أسراره ومعرفة حدوده يكون خطوة ناقصة نحو الكمال المنشود.

وقل ربي زدني علماً

يظهر من كلمة (زِدْنِي) وتعقب هذه الفقرة لقوله تعالى {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} إن الحصول على هذا العلم تدريجي فكلما وصل الى مرتبة وحفظها وعمل بها أُعطيت له مرتبة جديدة فاذا حفظها وعمل بها أستحق الاعلى وهكذا {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} وهذه نتيجة صحيحة إذ ان العلم لا يهجم دفعة واحدة من غير توفر القدرة على تحمله ,عن أمير المؤمنين(علیه السلام): (من زاد علمه على عقله كان وبالاً عليه) ,وقال (علیه السلام): (كل علم لا يؤيده عقل مظلّةٌ).

ص: 35

شخصية النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)

درس من الجامعة النبوية

درسٌ يمكن أن نستفيده من سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو أن لا نتبوء مقعداً إجتماعياً إلا حينما نكون أهلاً له، بحيث تتوفر القناعة الكاملة لدى الأمة باستحقاق هذا الموقع.

هو الأساس الرصين !

التماسك والتآلف هو الأساس الرصين لبناء أمة مزدهرة متقدمة قوية وترى إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أول ما عمل حين صدع بدعوته المباركة هي المؤاخاة بين المهاجرين أنفسهم ثم بعد ما هاجر آخى بين المهاجرين والانصار كأول خطوة قبل ان يبدأ عمله الرسالي الواسع العظيم وكان اصحابه بمستوى المسؤولية فكان الانصاري يتنازل للمهاجر عن نصف ماله حتى اذا كان له رغيفان أعطاه واحد وإذا كانت له زوجتان طلّق واحدة وتزوجها المهاجر وهكذا استطاع ان يبني رسول الله (صلى الله عليه وآله) دولته المباركة الحصينة في المدينة وانطلق منها ليفتح العالم لأنه (صلى الله عليه وآله) يعلم انه لا تستقيم له دولة ولا يستطيع ان يبلّغ رسالة ربه واصحابه متقاطعون متباغضون يلعن بعضهم بعضاً ويفسق بعضهم بعضاً فكان لا يسمع كلام احدهم السيئ عن الآخر ويقول لهم (أحبّ أن امضي عنكم وأنا سليم الصدر) وبذلك قطع هذه المادة الاساسية للتقاطع وسوء الظن وهي النميمة ونقل نقائص الآخرين وتشويه سمعتهم وتسقيطهم.

من أعظم النعم

من أعظم النعم التي منّ الله تعالى بها على الأمة بالبعثة النبوية الشريفة هو التأليف بين القلوب ونبذ الخلافات والنزاعات قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) وقال تعالى: (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِين وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) فلنستذكر هذه النعمة العظيمة ولنحرص عليها كما أمرنا الله تبارك وتعالى، ولنتعاهد في هذا اليوم المبارك على عدم الوقوع في التنازع والتقاطع والتخاصم قدر الإمكان بفضل الله

ص: 36

تبارك وتعالى.

ما أحوجنا اليوم لخصال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)

تصوروا لو أنّ هذه الصفات (الصدق، الرحمة، العفو إلى المسيء، العمل على تحقيق مصالح الناس وإسعادهم) توفّرت في قادة البلاد هل تصل الحال إلى ما نحنُ عليه الآن من التمزّق والتناحر والصراع الطائفي والعرقي والفساد والعبث بأموال الشعب، فإذا أردنا الحل فإنّه يبدأ من الالتفات إلى هذه المبادئ السامية والأخلاق الكريمة حتى تتحوّل إلى خلق ثقافة عامة مبنيّة عليها، والعمل الجاد لترسيخها والله تعالى وليّ التوفيق.

الرحمة العالمية

النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله) قد خاطبه ربّه الكريم: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) وليس للمسلمين فقط، ويظهر من الآية منشآن لهذه الرحمة العالمية، أولهما من طبيعة التكليف من الله تعالى بالرسالة العالمية، والثاني من الخصال الكريمة لشخص النبي (صلى الله عليه وآله) كونه بنفسه مملوءً رحمة للعالمين، وهو مظهر تتجلى فيه الرحمة الإلهية، وهذان الأمران موجودان بدرجة من الدرجات في ورثة الأنبياء والرسل (سلام الله عليهم) وهم مراجع الدين.

التأسي بأدب النبي(صلى الله عليه وآله)

عن النبي (صلى الله عليه وآله): (أدبني ربي فاحسن تأديبي) ومما أدّب الله تعالى به نبيه(صلى الله عليه وآله) قوله تعالى {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} وقد اخذ النبي(صلى الله عليه وآله) بهذا الادب وسائر الآداب الربانية فكان يطلب الزيادة في العلم باستمرار ويدعو(اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وزدني علما والحمد لله على كل حال ) حتى روي عنه قوله(صلى الله عليه وآله): (اذا أتى عليَّ يوم لا أزداد فيه علماً يقربني الى الله فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم) وإذا كان النبي(صلى الله عليه وآله) في مقامه السامي يطلب الزيادة باستمرار فنحن أولى، مضافاً الى أننا مأمورون بالتأسي بالنبي(صلى الله عليه وآله) وهذا الادب الشريف منه ,فالازدياد مطلوب في كل زمان وفي كل مكان حيث يوجد علم نافع ,ويبقى الإنسان طالب علم وإن حاز على أعلى الالقاب العلمية ولا معنى للتخرج وإنهاء الدراسة أو التعطيل إلا بالتحول من مجال الى مجال انفع منه، وإلاّ حُرمنا من البركة التي أشار إليها النبي(صلى الله عليه وآله) في حديثه المتقدّم؟

المقام المجهول لرسول الله (صلى الله عليه وآله)

ص: 37

سُنن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ومكارم أخلاقه تفوق حد الحصر، وما بين أيدينا هو ما نقل لنا منه عبر الروايات أما مقاماته وخصاله وملكاته فلا يعرفها إلا الله تبارك وتعالى.

المربي الوحيد لرسول الله ( صلى الله عليه وآله)

لما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أكمل البشر وأفضلهم ومعداً لأداء أعظم الرسالات الإلهية، فلم يكن هناك من هو جدير بتربيته وتأديبه، لذا تكفل الله تبارك وتعالى بذلك، قال (صلى الله عليه وآله): (أدبني ربي فاحسن تأديبي) وعنه (صلى الله عليه وآله): (أنا أديب الله وعلي أديبي) وفي نهج البلاغة يصف أمير المؤمنين (علیه السلام) هذه الصناعة بقوله (ولقد قرن الله به من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره) وأرّقَ تعبير وألطفه وأعظمه لهذه الفكرة هو ما وردفي القرآن الكريم في حق نبي الله تعالى وكليمه موسى (علیه السلام)، قال تعالى: (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) وقال تعالى: (واصطنعتك لنفسي) حينما يحظى الإنسان بلحظة من العناية الإلهية والألطاف الإلهية فإنها تغنيه وتكفيه، فكيف بمن يُصنع كله بعين الله تعالى ورعايته ولطفه، وليس هذا فقط بل يصطنعه لنفسه خالصاً مخلصاً ليحمل رسالته الكريمة إلى البشرية فليس له نظرٌ إلى ما سوى الله تبارك وتعالى، ولا يطمع فيه أحد من شياطين الجن والإنس، وذكرت المعاجم أن الصنع يعني (إجادة الفعل) أما الاصطناع فإنه (المبالغة في إصلاح الشيء). وكانت النتيجة أن يكون موسى (علیه السلام) مخلصاً لله تبارك وتعالى نبياً رسولاً من أولي العزم {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً}.

إهمال غير مبرر

إن إهمالنا نحن الإمامية لتأريخ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) غير مبرر أبداً ولا يغني عنه الاهتمام المتزايد بسيرة المعصومين (عليهم السلام) ومهما قيل فيه من مبررات فأنها واهية، لقد ترتبت على هذا الإهمال نتائج سيئة عديدة:

أولاً/خسارة كبيرة بإسقاط هذه التجربة العظيمة عن الحساب والانقطاع عن هذا التراث الضخم بكل ما يحتويه من دروس ومواقف.

ثانياً/ إن تأريخه (صلى الله عليه وآله وسلم) كتب بيد العامة، فتجد أغلب السير النبوية بأقلامهم مع وضوح الفرق بين نقلنا ونقلهم

ثالثاً/ التقصير بحقه (صلى الله عليه وآله وسلم) علينا، وهو صاحب الحق العظيم

ص: 38

الذي إليه يرجع الفضل في هداية كل شخص على وجه المعمورة

رابعاً/ تربص الأعداء بشخصيته (صلى الله عليه وآله وسلم) للحطّ من كرامته وتشويه سمعته وإلصاق التهم به ما دام المسلمون بين جاهل بمقامه (صلى الله عليه وآله وسلم) وهم العامة، ومعرض عن الاهتمام به وهم الخاصة.

من خبث أعداء الإسلام

من خبث أعداء الإسلام أنهم يمدحون علياً ويرفعونه إلى القمة -وهو أهل لكل كمال ولا يبلغون حقه- ولا يثيرون عليه أي أشكال، بينما يتناول شخص رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقدح والتشويه، وما ذاك حبا منهم بعلي أو اعترافا بفضله، وإلا لأقروا بمثله لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو مربيه ومعلمه، ولكن لامتصاص غضب مفكري الشيعة وعلمائهم الذين لهم الصولة في الكلام والجدال والفكر العميق، فيسترخي هؤلاء لهذا المدح ويغضون الطرف عما يوجه إلى نبيهم (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي هو الأصل، وما علي ومذهبه إلا فرع ذلك الأصل.

من أبرز صفات النبي(صلى الله عليه وآله) في القرآن

من أبرز الصفات الكريمة التي سجّلها القران الكريم للنبي (صلى الله عليه وآله): الرحمة بالمؤمنين والشفقة عليهم والرأفة بهم كقوله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) وتستخلص منها عدة دروس:

أولاً/أهمية صفة الرحمة في القائد والمسؤول الذي يريد التأسي بالقيادة النبوية المباركة لأنها سر نجاح القادة والمسؤولين في حركتهم نحو نفع الأمة ورعايتها ,وهي أساس كل احسان ومعروف تقدّمه للآخرين وإن أساس التفاف الناس حوله هي الاخلاق اما الفظ الغليظ فقد يضيّع حقه لافتقاده هذه الصفة.

ثانياً/ ان هذه الصفة وسائر خصال الخير والكمال لا يمكن تحصيلها بالسعي والعمل وحده, بل لابد من توفيق الهي ولطف بالعبد فوصفت الآية الرحمة أنها (من الله) عن الامام الجواد (علیه السلام): (المؤمن يحتاج الى توفيق من الله وواعظ من نفسّه وقبول ممن ينصحه).

ثالثاً/ ان القائد هو محور وحدة الأمة إذا كان رحيماً ليناً شفيقاً وهو سبب تفرقها وتشتتها وانقضاضها إذا كان فظاً غليظ القلب قاسياً لا يهتم بشؤون الرعية ولا يتواضع

ص: 39

لهم ولا يتفقدهم.

رابعاً/ الاجراء التربوي والاصلاحي الذي مارسه النبي(صلى الله عليه وآله) مع أصحابه ,فأن الآية جاءت في السياق القرآني الذي تحدّث عن ملابسات معركة أُحد والهزيمة التي حلّت بالمسلمين بعد الانتصار الذي تحقق اول المعركة نتيجة عصيان بعضهم لأوامر رسول الله(صلى الله عليه وآله) فأنهزم الجيش إلا أفراد قلائل ثبتوا حول رسول الله(صلى الله عليه وآله) وفي مقدمتهم أمير المؤمنين(علیه السلام)وتسببت الهزيمة في استشهاد سبعين من أجلاء الصحابة بينهم عم رسول الله حمزة بن عبد المطلب والمتوقع من القادة في مثل هذه المواقف انزال العقوبات الصارمة بحق المنهزمين مضافاً الى العقاب الإلهي لارتكابهم جريمة (الفرار من الزحف) لكن الله تعالى وجّه نبيه الى اجراء عكس المتوقع وهو قوله تعالى: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) وليس هذا فحسب بل اعادة الثقة بأنفسهم وإشعارهم بدورهم الفاعل في حياة الأمة والمشاركة في قراراتها المصيرية (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) وفي هذا درس مهم لأولياء الأمور على جميع الأصعدة بان يعتمدوا أسلوب العفو والصفح وزرع الثقة في نفس المخطئ وقلع شعوره بالنقص والدونّية لينقلب تماماً على خطأه ويعود الى الوضع الصالح السوي، ولو تعاملنا بيننا بهذه الخصال النبوية الكريمة لشملتنا الرحمة والالطاف الالهية وحُلَّ الكثير من مشاكلنا بلطف الله تعالى.

تحذير الجاهل والمعرض عن المقام النبوي

تربص الأعداء بشخصيته (صلى الله عليه وآله) للحطّ من كرامته وتشويه سمعته وإلصاق التهم به ما دام المسلمون بين جاهل بمقامه (صلى الله عليه وآله) وهم العامة، ومعرض عن الاهتمام به وهم الخاصة .

مظلومية الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله)

إن ذكريات النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) قليلة في السنة لا تناسب عظيم أثره وعميم بركاته التي ننعم جميعاً بخيراته في الدنيا والآخرة...وتكثير هذه المناسبات أمر مستحسن شرعاً لما فيه من نتائج إيجابية على صعيد الدين والفرد والمجتمع.

جاذبية الأخلاق الكريمة

من أهم العوامل التي جذبت الناس إلى الإسلام الانبهار والذوبان في شخصية رسول الله (صلی الله علیه و آله) التي ظلت مؤثرة في نفوس أصحابه حتى بعد وفاته (صلی الله علیه و آله) بل إلى اليوم فإن الكثير ممن اعتنقوا الإسلام إنما اعتنقوه إعجاباً بسيرة رجاله،

ص: 40

كرسول الله (صلی الله علیه و آله) وأمير المؤمنين والصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء والحسن والحسين (علیهم السلام).

سيفتحون العالم بهدوء

إذا التزم المسلمون بالتوجيهات النبوية الشريفة فإنهم سيفتحون العالم بهدوء وبحركة بيضاء -كما يقال- وهذا يقدّم لنا فهماً لما ندعو به دوماً لإمامنا المنتظر (أرواحنا له الفداء) (حتى تسكنه أرضك طوعاً).

الطهارة المحمدية

كان (صلى الله عليه وآله) إذا قرأ القرآن أثَّرَ في مستمعيه، وأشعرهم وكأنَّ، الآياتالمباركة، تنزل على قلوبهم مباشرة، قرأ سورة الزمر على شاب نقي القلب طاهر السريرة، فلما وصل إلى قوله تعالى: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً ..إلى آخر الآية) شهق ذلك الشاب شهقة كانت فيها نفسه .

النفس المحمدية الكبيرة

إن الصدر الواسع والقلب الكبير للنبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) كان نتيجة طبيعية لعدة أمور:

1. عظمة الأهداف التي يعيشها، والمشروع الإلهي العظيم الذي يرى نفسه جزءاً منه، ضمن سلسلة طويلة من الأنبياء والرسل والصالحين .

2. العالم العلوي الحقيقي الذي يحيا فيه بعيداً عن هذا العالم المحسوس، مما يجعله لا يقيم لتصرفات أهل الدنيا وزناً .

3. أهمية النتائج والعاقبة الحسنة التي يتوقعها، فكلما تسامى عن ردود الفعل العاطفية، وعن الإنتصار لنفسه وانانيته، كان جزاؤه عند الله تعالى أعظم .

4. عظمة الله في عينه، التي صغَّرت ما دونه .

5. وعد الله تبارك وتعالى بانه هو الذي يأخذ بحق المؤمنين وينتصر لهم، إن صدقوا فيما عاهدوا الله من الإخلاص له ونكران ذاتهم، (إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ..) .

الرحمة النبوية

كانت رحمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) تسع حتى الكفار والمشركين، فحينما كانوا يؤذونه أشد الأذى كان يقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ويرق قلبه على الحيوانات.. فهو رحمة لكل العوالم، وليس فقط لعالم البشر دون غيره، فهو مظهر الرحمة

ص: 41

الإلهية.

كيف نوفق لمرافقة النبي في الجنة؟

إن هذه الآية: (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم):

أولاً/ تطمئن القلوب الوالهة المشتاقة إلى رؤية رسول الله وآله الأطهار (صلوات الله عليهم) وتبشرهم بإمكان ذلك إذا تحقق الشرط وهو العمل بطاعة الله تعالى.

ثانياً/ تبيّن أن النعمة في الجنان لا تكتمل إلا بمرافقة هذه الفئات الكريمة فقد ذكرت هذه النعمة أو قل الثمرة لطاعة الله تعالى بعد عدة ثمرات في الآيات السابقة (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْراً عَظِيماً وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً{ثم جاءت الآية محل البحث فالجنة الحقيقية ليست بالحور العين ولحم الطير والأنهار والقصور وإنّما بهذه المرافقة الكريمة.ثالثاً/ إنّ هذه الآيات ترتبط ارتباطاً وثيقاً بما ندعو به يومياً في صلواتنا فنقول عشر مرات يومياً على الأقل (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ) فإنها تدل على أن طاعة الله تعالى والأخذ بما يعظك به تحقق لك الهداية إلى الصراط المستقيم (وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً) وتبين من هم الذين أنعم الله عليهم وكيف تتحقق الأمنية بمرافقتهم ومصاحبتهم.

رابعاً/ إنها تجيب عن السؤال الذي توجّه به الصحابة في (كيفية مرافقة النبي في الجنة) والملاحظ في الطاعة بحسب هذه الآية أمران:

أولهما: الاستمرارية والدوام والثبات وعلامته استعمال فعل المضارع (ومن يطع) وذلك بأن يتخذ طاعة الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وآله) منهجاً في حياته ودليلاً لسلوكه فلا يقدّم ولا يؤخّر إلا وفق ما يرضي الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) فيكون الطابع العام لسلوكه ومواقفه طاعة الله تعالى، ولو زلّت قدمه بسبب الغفلة أو الجهل أو ضعف النفس تذكّر المطلوب منه وعاد إلى خطّ الطاعة، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ). ثانيهما: إطلاق لفظ الطاعة فلا تختص بنماذج محددة منها، وإن ذكرت الروايات بعض هذه الطاعات، عنْ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبٍ الأسلمي، قَالَ : كُنْتُ أَبِيتُ عند النبي (صلى الله عليه وآله) فَآتِيهِ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ ، فقال لي: سل. قلتُ: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أو غيرُ ذلك؟ قلتُ: هو ذاك، قال: فأعنّي على نفسك بكثرة السجود. وفي رواية أخرى عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) ذكر الطاعات الواجبة ثم قال (صلى الله عليه وآله) (ما لم يعق والديه) إلاّ

ص: 42

أنّ ذكر هذه الطاعات المهمة من باب المثال أو بما يناسب السائل وإلا فإن الشرط المذكور في الآية (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) مطلق، فلا تقتصر طاعة الله تعالى على العبادات المعروفة كالصلاة والصوم والطهارة والخمس ونحو ذلك وإن كانت منها وعلى رأسها، لكن هناك طاعات مهمة وثقيلة الميزان نغفل عنها أو نستثقلها كالإنصاف من نفسك وإن كان على خلاف هواك وكالسعي لقضاء حوائج الناس وإدخال السرور عليهم وأمثال ذلك.

الشفقة المحمدية

كان (صلى الله عليه وآله) يوصي بما ينشر الرحمة في القلب ويزيل قساوته، كالمسح على رأس اليتيم فمن وصاياه لعلي (علیه السلام): يا علي، مَنْ مسح يده على رأس يتيم ترحماً له، أعطاه الله عز وجل بكل شعرة نوراً يوم القيامة.

الحلم المحمدي

من سعة صدر النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) إن من بين زوجاته من كانت تنغص عليه عيشه...ونحن نعلم أن المنغصات والمتاعب حينما تكون من داخل البيت فإنها تنكِّد العيش، وتكدِّر القلب.. ورغم ذلك كله لم نسمع أنه صدر منه ما يدل على أنه تململ، أو رَدَّ الصاع صاعين.

كيف نشكر الرسول الخاتم (صلى الله عليه وآله) ؟

كل خير يصل إلينا وكل مكرمة يمكن أن توجد فينا بل كل وجودنا فنحن مدينون بفضله لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبركات بعثته الشريفة، التي هي من الألطاف الإلهية الخاصة لهذه الأجيال، فاعرفوا حق رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأكثروا من الصلاة عليه والدعاء له.

حياء النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)

النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) يستحي أن يعيش لحظة لنفسه، فإذا أحب فلله، وإن أبغض فلله، وإذا تألم فلله، وإذا فرح فلله .

رحمة النبي بأعدائه

كان (صلى الله عليه وآله) معروفاً بالرحمة والرقة حتى مع أعدائه، وقد استغلوا كرم أخلاقه هذا، تأسياً بكرم الله تعالى حينما يوقف عبده المذنب ويقول له: (ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) حتى عصيته، وتمردت عليه، فعلَّمه العذر والجواب بنفس السؤال ليقول العبد العاصي: غرني كرمك.

ص: 43

نمط الزهد النبوي

إن الدنيا التي أعرض عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليست هي الدنيا المحرمة، فهذا أوضح مصاديق العصمة ومتطلباتها، وإنما كان إعراضه عن الدنيا المحللة، التي لم يكن هناك بأس من التمتع بها: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ)، وإنما زهد فيها (صلى الله عليه وآله) تواضعاً لله سبحانه .

قيمة العمل بقيمة ..

لا قيمة لأي عمل مهما كان عظيماً في نفسه إذا لم يكن مخلصاً لله سبحانه ومقبولاً لديه ولنا في رسول الله (صلى الله عليه وآله) أسوة حسنة فقد جاهد نفسه وتعبد لله ردحاً طويلاً برعاية الله سبحانه حتى بُعث بالنبوة ففي الحديث عن الصادق (علیه السلام): (ان الله عز وجل ادب نبيَّه فأحسن ادبه فلما اكمل له الادب قال: انك لعلى خلق عظيم، ثم فوض اليه امر الدين والامة ليسوس عباده، فقال عز وجل: (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُفَانْتَهُوا).

دقة حذر النبي الأعظم(صلى الله عليه وآله) من الغفلة

إذا اقتضت طبيعته البشرية وجسده المادي أن يعطيه حقه من نوم، أو، نحوه مما يراه (صلى الله عليه وآله وسلم) غفلة عن الله تبارك وتعالى، وإعراضاً عن ذكره، وتقصيراً في مقام العبودية، فكان يستغفر الله سبحانه من ذلك، حتى نزل الوعد من قبل المولى تبارك وتعالى (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً، لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً، وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً) وإن كان الاعتقاد فيهم أنهم (عليهم السلام) إذا ناموا نامت أعينهم فقط، أما قلوبهم فهي واعية متصلة ببارئها، كما هو المنقول عنهم (عليهم السلام)، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (تنام عيني ولا ينام قلبي).

من شروط الرسالة الفاعلة والمؤثرة

لا تكون الرسالة فاعلة ومؤثرة وتؤدي دورها في حياة الأمة إذا لم يكن حاملها مستوعباً لها قد أٌشرب بها وتمثلها في حياته وجسدًها في سلوكه وواقعه، حتى عاد صورة خارجية لها وعادت صورة نظرية له، لذا لما سُئِلت إحدى أمهات المؤمنين عن سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخلاقه قالت باختصار: (كان خلُقه القرآن).

من أعظم الألطاف الإلهية

ص: 44

من أعظم الألطاف الإلهية البعثة النبوية الشريفة التي نعيش عبق ذكراها، فقد شكلت أعظم نقلة في تاريخ البشرية لأمة كانت متهرئة متخلفة يقتل بعضها بعضاً وتتفاخر بالموبقات والجرائم كوأد البنات والزنا وشرب الخمر وهي مشتتة متفرقة أحاطت بها دول قوية تنهشها، حوت جميع المنكرات والمفاسد، فأصبحت ببركة رسول الله(صلى الله عليه وآله) أمة متحضرة مدنية تقود العالم.

امتدادية صلاحية الرسول

إن الله تعالى عندما يخاطب النبي (صلى الله عليه وآله) بوصفه رسولاً كقوله تعالى: ( يا أيها الرسول بلغ..) فإنها ليست خاصة بشخصه الشريف وإنما هي سنة إلهية ترتبط بموقعه المبارك.

من تقصيراتنا....

إن تقصيرنا نحن الإمامية من أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في كتابة تأريخ رسول الله (صلى الله عليه وآله) غير مبرر أبداً، ولا يغني عنه الإهتمام المتزايد بسيرة المعصومين (عليهم السلام) رغم أنهم (عليهم السلام) منه(صلى الله عليه وآله وسلم) ينهلونوعنه ينقلون، وما قيل فيه من مبررات فإنها غير كافية.

خصائص النبي النفسية

الأولى: الفناء التام في الله تبارك وتعالى، والعبادة الدائمة له سبحانه، بحيث يكون الله تبارك وتعالى، هدفه دائماً، والمحور الذي ترتكز عليه كل تفاصيل حياته، والإخلاص في الطاعة.

الثانية: المعرفة التامة بحقيقة الربوبية وحقوقها، والعبودية ووظائفها.

الثالثة: عدم التصدي لموقع، أو، منصب إلا أن يولِّيه الله سبحانه إياه، وغاية ما يفعله أن يهيء في نفسه الإستعداد والأهلية للعطاء الإلهي، وعندئذ يفيض الله سبحانه على العبد ما يستحقه، فانه تبارك وتعالى لا بخل في ساحته .

الرابعة: الأدب الرفيع مع الله سبحانه بالتسليم المطلق له تبارك وتعالى، فلا يقترح على الله شيئاً، ولا يعزم على أمر دون أن يستاذنه تبارك وتعالى، حتى في مثل تسمية سبطيه .

الخامسة: تطبيق الشريعة في كل تفاصيل حياته، ومراجعة بسيطة لكتاب مكارم الأخلاق تعطيك الشاهد على ذلك، فكلُّ حركاته وسكناته كانت وفق الشريعة، بل كانت أفعاله عين الشريعة وتأسيساً لها .

ص: 45

العزلة والتربية الخاصة

عَلِم (صلى الله عليه وآله) إن هذا المنصب الشريف (أي الرسالة والإمامة) لا يُعطى إلا بعد تربية مكثفة، وانعزال تام عن انحرافات المجتمع وشروره، فحبِّب إليه الإختلاء في غار حراء لينفرد بالخالق، ويتفكر في المخلوقات، ويطيل التأمل في الوجود والحياة وسرهما، والهدف من وراء هذا الكون المترامي الأطراف بكل ما يحمله من دقة وتناسق وتنظيم، وتجرَّدَ عن الماديات حتى يفنى بالعظيم الذي بيده كل ذلك. ولما تكاملت التربية التي تولاها الله تبارك وتعالى بنفسه، لعدم وجود من هو أكمل منه يربيه، وتَمَّ الأدب: (أدَّبني ربي فأحسن تأديبي)، كان من الطبيعي جداً أن يحضى بالشرف العظيم: السفارة الإلهية، والرسالة عن الله سبحانه وتعالى الخالق إلى المخلوقين، وأن يكون الواسطة في الفيض الإلهي على البشرية جميعاً، والسبب في هداية الناس، وتكميل نفوسهم بالفضائل، وتطهيرها من الرذائل، وفي الحديث عن الإمام الصادق (علیه السلام): (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَدَّبَ نَبِيَّهُ فَأَحْسَنَ أَدَبَهُ، فَلَمَّا أَكْمَلَ لَهُ الأَدَبَ قَالَ: (إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ثُمَّ فَوَّضَ إِلَيْهِ أَمْرَ الدِّينِ وَ الأُمَّةِ لِيَسُوسَ عِبَادَهُ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) كَانَ مُسَدَّداً مُوَفَّقاً مُؤَيَّداً بِرُوحِ الْقُدُسِ، لا يَزِلُّ وَلا يُخْطِئُ فِي شَيْ ءٍ مِمَّا يَسُوسُ بِهِ الْخَلْقَ) .

معجزة الإصلاح النبوي

إن عملية التغيير التي قام بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) معجزة من معجزاته (صلى الله عليه وآله)، يتعزز بها إيمان المسلم المؤمن برسالته (صلى الله عليه وآله وسلم) وتكون حجة على غير المؤمن به (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهي بين هذا وذاك مثال يحتذى لأي قائد يريد أن يؤسس أمة ويسوسها، ويبني مجتمعاً فاضلاً صالحاً.

أدّبني ربي

إن نظرة واحدة تقارن بين حالي العرب قبل الإسلام وبعده تكفي لمعرفة عظمة النقلة الكبيرة التي عاشتها الأمة، مما يعكس الإعجاز في العلاج والمعالج، أما العلاج فهو القرآن الكريم، هذه الوصفة الإلهية التي وهبها خالق البشر لهذه المخلوقات البائسة التائهة المنحرفة، التي تعاني الآلام والمصاعب والمآسي، بسبب إبتعادها عن الله تبارك وتعالى، والمعالج هو رسول الله (صلى الله عليه وآله) المعجزة في أخلاقه وسلوكه مع الآخرين، ونموذج التربية الإلهية (أدّبني ربي فأحسن تأديبي) .

من معاجزه(صلى الله عليه وآله) المغفول عنها

ص: 46

لعل من الحكمة الإلهية أن يُبعث رسوله (صلى الله عليه وآله) في ذلك المجتمع المنحط إلى الحضيض لتكون المعجزة أعظم، بينما لو بُعث في أمة متحضرة لشكك في صحة رسالته، وأنه ليس نبياً، وإنما هو من إفرازات تلك الحضارة والمدنية الراقية. فما أحرانا نحن الحوزة الشريفة والسياسيين والقادة، وقد نصبنا أنفسنا مرشدين ومصلحين للمجتمع، بل ما أحرانا نحن المسلمين جميعاً أن نستوعب هذه الدروس من حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لنفعل كما فعل، وننتج كما أنتج، مع سهولة الأمر أمامنا بالقياس إليه (صلى الله عليه وآله) لأننا نتعامل مع أناس تربوا في أحضان الإسلام قروناً طويلة، ونهلوا من نميره، وأن الوازع الديني موجود في بواطنهم، وما علينا إلا اثارته وتوجيهه وتهذيبه، فلماذا نحتار، ولماذا نتعثر في المسيرة، ونحن نملك هذا التراث الضخم والمعين الذي لا ينضب من التجارب.

من خبث أعداء الإسلام

من خبث أولئك (أي الذين يحاولون الإساءة لشخص النبي (صلى الله عليه وآله ) أنهم يمجدون علياً ويرفعونه إلى القمة، ولا يثيرون عليه أي اشكال، وهو اسمى مما يتصورون، بينما يتناولون شخص رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالقدح والتشويه، وما ذاك منهم حباً بعلي، واعترافاً بفضله، وإلا لأقروا بمثله لمحمد (صلى الله عليه وآله) وهومربيه وصانع كماله، ولكن لامتصاص غضب مفكري الشيعة وعلمائهم، الذين لهم الصولة في الكلام والجدال والفكر العميق، ولهم ألسنة حداد تدافع عن الحق، فيسترخون لهذا المدح، ويغضّون الطرف عما يُوجَّه إلى نبيهم (صلى الله عليه وآله ) الذي هو الأصل، وما علي (علیه السلام) وشيعته إلا فرع ذلك الأصل.

ص: 47

شخصية السيدة الزهراء وابنتها العقيلة زينب(صلوات الله وسلامه عليهما)

ثمرات القيام الفاطمي والزينبي

إن من أهم ثمرات ونتائج القيام الفاطمي والزينبي هو إعادة الثقة للمرأة بنفسها وأنها قادرة على انتزاع الحقوق وإيقاظ الأمة وإعادة الأمور إلى نصابها.

تنوع العطاء الفاطمي

لقد تنوع عطاء الزهراء بتنوع المسؤوليات التي تحمّلتها والتحديات التي واجهتها فصدر منها هذا الخير الكثير حتى فُسّر قوله تعالى: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) بالزهراء فاطمة (عليها السلام) لأن الكوثر هو الخير الكثير وقد كانت الزهراء كذلك فتركت للأجيال ما يغنيهم في طريق السمو والكمال ويرسّخ عقائدهم ويثبّت أقدامهم في مواجهة الفتن والتحديات المتنوعة فلا مشكلة إلا وحلّها عند الصديقة الطاهرة وأبيها وبعلها وبنيها صلوات الله عليهم أجمعين.

السيدة الزهراء وتثبيت الأمة على الحق

لقد كان للسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) الأثر الحاسم في تثبيت الأمة عندما انزلقت يوم الانقلاب على الأعقاب، ولم يستطع أحد أن يقف موقفها فقد ضعفت الهمة وجبنت القلوب وخارت القوى وارتفع صوت الشيطان، وعمّت الشبهات وتبلّدت العقول فلم تدرك خطورة الموقف والنتائج الكارثية المترتبة عليه، وكان كل همّها (عليها السلام) أن تحفظ مسيرة الإسلام على الصراط المستقيم.

تبعات نكث بيعة الغدير

لو أطاعت الأمة ربّها وما أنزله على رسوله الكريم (صلى الله عليه وآله) في ما بلَّغ في اليوم الأول (يوم الغدير) لما احتاجت إلى اليوم الثاني وهو يوم القيام الفاطمي الذي دفعت فيه الزهراء (عليها السلام) حياتها ثمناً له وهي في عمر الزهور حيث لم تتجاوز ثمانية عشر ربيعاً. ولو استُمعت نصيحة الزهراء(عليها السلام) في قيامها المبارك وأعادت الأمة الحق إلى نصابه ودفعته إلى أهله وأذعنت لحق أمير المؤمنين(علیه السلام) لما حصل الانحراف والانحدار بالأمة حتى تطلَّب تقويمُ المسار سفكَ دم سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسيد شباب

ص: 48

أهل الجنة وسبي عقائل النبوة من بلدٍ إلى بلدٍ يتصفح وجوههن الأعداء.

إنها ليلة القدر

من ألقاب الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) إنها ليلة القدر؛ لأنموقفها صحّح مسيرة الأمة إلى قيام يوم الساعة، فهذا الانقلاب الإيجابي المضاد الذي أحدثته الزهراء (عليها السلام) بموقفها يعدل عمل الأمة آلاف السنين إلى آخر عمرها فيما لو لم تهتدِ إليه.

المطرودون من تشييع السيدة الزهراء(ع)

علينا أن نعترف بالعجز عن شكر الله تعالى على التوفيق لإقامة الشعائر الفاطمية وتشييع السيدة الزهراء (عليها السلام) للمرة العاشرة وهذا لا ينال إلا بنظرة كريمة منها (سلام الله عليها) إذ لم تأذن لأي أحد في تشييعها إلا لبضعة افراد من الموالين المخلصين ونأمل ان تكون هذه النهضة خطوة حقيقية على طريق اقامة دولة الحق والعدل (وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً).

السيدة الزهراء نموذج للمرأة الناجحة

كانت السيدة الزهراء (عليها السلام) أكمل مثال للنجاح في بناء مشاريع (الحياة الناجحة) فعلى صعيد الذات هي من الخمسة أهل الكساء أكمل الخلق وقد خُلِقَ الوجود لأجلهم: فاطمة وأبوها وبعلُها وبنوها (صلوات الله عليهم أجمعين) وهي محور هؤلاء الخمسة وعلى صعيد الاسرة فأسرتها أسعد وأطيب وأطهر أسرة هي وأمير المؤمنين(صلوات الله عليهما) وفي ظل رعاية أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى صعيد الذرية فهي أصل الذرية الطيّبة الطاهرة المعصومة ومنها ذرية رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، وعلى صعيد العطاء المثمر المبارك سمّاها الله تعالى (الكوثر) وجعلها هبة الله تبارك وتعالى لرسول الله (صلى الله عليه وآله) (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) والكوثر تعني الخير الكثير.

طريق الحق

لنعرّف البشرية جميعاً طريق الحق الذي رسمته فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وستلقون من الله تبارك وتعالى تأييداً ونصرةً وقبولاً، فإنكم ترون العالم اليوم مقبلاً على تعاليم أهل البيت السامية وقد فتح أعينه على إسلام جديد غير الصورة البشعة التي سنّها من ظلمَ الزهراء (عليها السلام) وغصَبها حقها وسار على نهجه من هم على شاكلته إلى اليوم

ص: 49

.ففرص الهداية إلى طريق الحق اليوم عظيمة فاغتنموها ببركة قضية الزهراء(عليها الصلاة والسلام)، وتذكّروا قول النبي (صلى الله عليه وآله) لعليّ (علیه السلام) مرغّباً: (يا علي لئن يهدي الله بك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس وما غربت).

سرقة مقام قيادة الأمة

إن القيادة لا تكون بالادعاءات وإنما بالاستحقاق والمؤهلات التي يريدها الله تباركوتعالى لكن تزوير الحقائق الذي مارسه فقهاء السلطة عبر القرون رسخ في أذهان أتباعهم أن من يتسلط على رقاب الناس ولو بالسيف والقهر والانقلابات العسكرية هو ظل الله في الأرض وخليفته، وأن الله تعالى يأمر بطاعتهم ولا يزال الكثير منهم يرددها، لكن شعوب المنطقة اليوم بثورتها على حكامها الطواغيت ونزوعها إلى الحرية، رفضت ذلك التزوير للحقائق الذي مارسه علماء السوء فاضطر بعضهم إلى مجاملة حركة الشعوب وتأييدها، فأثبت الواقع على الأرض دحض نظرية أعداء السيدة الزهراء من أمويين وعباسيين وأمثالهم، وآمن الجميع - شاؤوا أم أبوا- بصحة ما طالبت به الزهراء (عليها السلام) من تسليم الأمر إلى أهله ومستحقيه.

التحليل الفاطمي لأسباب الانحراف

لا بد أن نقف عند تحليل السيدة الزهراء (سلام الله عليها) وتشخيصها لأسباب هذا الانحراف والتغيير في الدين والتخاذل والنكوص عن الحق ومساندة الباطل، وكيف تعطى له الفرص ليستفحل ويتجذّر في المجتمع، ومن كلماتها (سلام الله عليها) في ذلك: (معاشر المسلمين، المسرعة إلى قيل الباطل، المغضية على الفعل القبيح الخاسر، أفلا تتدبرون القرآن [أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا] كلا بل ران على قلوبكم ما أسأتم من أعمالكم، فأخذ بسمعكم وأبصاركم، ولبئس ما تأوّلتم).

الأول: بعض رجال الدين بانقيادهم لأهواء النفس وميلهم لحب الدنيا وتزيين الشيطان وحسدهم لأهل الحق وتصدّيهم لمواقع ليسوا مؤهلين لها (فوسمتم غير إبلكم ووردتم غير مشربكم) حتى طُبع على قلوبهم فحرموا من التدبر في الآيات الكريمة والروايات الشريفة فأخذوا يأوّلونها ويحرفون معانيها.

الثاني: عامة الناس بجهلهم وحماقتهم وسذاجتهم وميلهم إلى الدعة والراحة وتخاذلهم عن نصرة من تجب طاعته وسكوتهم عن المنكر والباطل، ونعيقهم مع كل ناعق وخوضهم مع الخائضين وإسراعهم إلى الشبهات والقيل والقال وتصديق المدّعين وعدم

ص: 50

تصحيحهم للأخطاء التي يقعون فيها وعدم توبتهم من الذنوب التي يرتكبونها. وهذه الأسباب لحصول الانحراف وابتعاد الناس عن الحق موجودة في كل زمان.

البكاء الثوري

أهتم الأئمة بتأجيج العاطفة لدى الأمة، واستشعارها في حركتهم الرسالية، وإظهار مظلوميتهم، والدفاع عن حقهم، كبكاء فاطمة الزهراء (علیها السلام) على أبيها (صص) وكبكاء آل الحسين (علیه السلام) عليه بعد معركة الطف .

التربية النبوية للصديقة الزهراء(عليها السلام)

ربّى (صلى الله عليه وآله) ابنته الزهراء (عليها السلام) لتكون سيدة نساء العالمين، وكان يبيّن لها تفاصيل رسالته العظيمة كما كانت هي تلتقط أخبار أبيها(صلى الله عليه وآله) أولاً بأول من خلال ولديها الحسنين (عليهما السلام) وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يستقبل النساء ويجيبهن عن أسئلتهن وقد صدرت منه كلمات ثناء وإطراء على عدد منهن كأم سلمة وأم أيمن وأسماء بنت عميس وهند أخت عبد الله والد جابر الأنصاري وغيرهن، وبذلك أعطاهن دورهن الكامل في الحياة بشكل لم تعطه لهن أي شريعة أو نظام، حتى المتشدقين بحقوق المرأة اليوم وهم يريدونها بذلك أن تكون وسيلة لإشباع شهواتهم وغرائزهم ويمتهنون بذلك كرامتها.

السيدة الزهراء وأحكام الأحوال الشخصية

إن السيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) حينما قامت بأمر الله تعالى في وجه الانحراف والظلم وطالبت بحقها في فدك وحاججتهم بآيات المواريث إنما أرادت أن تنطلق من هذا الحكم المتعلق بالأحوال الشخصية إلى مطلب أوسع وأعظم وهو إقامة شريعة الله تعالى في الأرض وعلى رأسها اتباع الإمام الحق والقيادة الصالحة المصلحة المتعيّنة بأمير المؤمنين(علیه السلام) والقوم قد فهموها هكذا؛ لذا أرادوا قطع الطريق من أوله على مشروع السيدة الزهراء (عليها السلام).. وهذا ما يقوم به الأعداء على طول التأريخ منذ أن صدع النبي (صلى الله عليه وآله) بالدعوة الإسلامية المباركة فيعملون على إجهاض كل حركة لإيقاظ الناس وتفعيل دور الدين في حياة الأمة ويسعون لإبقاء الأغلال التي تكبّل الأمة ويحيطون الحركة بالتشويه والتسقيط والشبهات كما حصل اليوم في مواجهة القانون الجعفري لتبقى الغشاوة على عيون الناس وإلحاق الهزيمة بالإسلام، وهذا يفسّر اجتماع كل القوى في الداخل والخارج على معارضة القانون وهو ما يزال مسودّة لم يعرض للنقاش

ص: 51

أصلاً؛ لأنهم يخشون من آثاره المباركة اللاحقة على الأمة.

أهمية الموقف الفاطمي والزينبي

إن موقف الزهراء(عليها السلام) لم يكن يستطيع أحدٌ أن يؤديه حتى أمير المؤمنين(علیه السلام) لأن خصومه سيقولون عنه أنه شاب مغامر يهوى السلطة والنفوذ على مشايخ قومه فيخلطون الأوراق وتضيع الحقيقة، لكن الزهراء(عليها السلام) كانت فوق أي تهمة أو إشكال، وما ثبت حق أمير المؤمنين وإمامته بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لو لا تلك النهضة الفاطمية المباركة. وهكذا العقيلة زينب فإن مبادئ الإمام الحسين(علیه السلام) وأهدافحركته المباركة ما كانت لتعرف وتنتشر لولا خطب العقيلة زينب التي كانت غاية في المتانة والوضوح والحجة البالغة، فإن الإعلام الأموي كان من القوة والتأثير بدرجة تقلب الحقائق تماماً، وقد جعلوا من الحسين(علیه السلام) وأصحابه مجموعة من الخارجين على الدولة المتمردين على النظام المطالبين للشغب والفتنة فاستحقوا القتل، وهكذا تذهب دماؤهم هدراً في الصحراء حيث لا ناقل للحقيقة إلاّ الجيش الأموي الظالم المجرم.

التشخيص الفاطمي للداء

شخّصت الصديقة الطاهرة (عليها السلام) داءً عظيماً ابتليت به الأمم وستظل تعاني منه وهو سبب كل معاناتها وكوارثها وهو سوء اختيار من يحكمهم ويتولى أمورهم والإعراض عن القيادة الصالحة والالتفاف حول من يريدهم للدنيا، قالت (سلام الله عليها): (استبدلوا والله الذنابى بالقوادم، ويحهم أفمن يهدي إلى الحق أحقّ أن يتّبع أم من لا يهدِّي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون) فهم بدل أن يحلّقوا نحو الأعلى ونحو الكمال بالقوادم، هبطوا نحو الأسفل بالذنابى.

الدفاع الفاطمي والزينبي عن حريم الرسالة

إن قضية (الإمامة) والخلافة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) هي أعظم قضايا الإسلام بعد التوحيد، وأخطرها وامضاها تأثيراً في الأمة تولّت بيانها وإرساء قواعدها، ونفي الزيف عنها امرأتان هما فاطمة الزهراء (عليها السلام) سيدة نساء العالمين وابنتها زينب عقيلة الهاشميين.

فضل السيدة الحوراء في القضية الحسينية

إن مبادئ الإمام الحسين (ع) وأهداف حركته المباركة ما كانت لتعرف وتنتشر لولا

ص: 52

خطب العقيلة زينب التي كانت غاية في المتانة والوضوح والحجة البالغة، فإن الإعلام الأموي كان من القوة والتأثير بدرجة تقلب الحقائق تماماً، وقد جعلوا من الحسين (علیه السلام) وأصحابه مجموعة من الخارجين على الدولة المتمردين على النظام المطالبين للشغب والفتنة فاستحقوا القتل، وهكذا تذهب دماؤهم هدراً في الصحراء حيث لا ناقل للحقيقة إلاّ الجيش الأموي الظالم المجرم.

الزهراء(عليها السلام) وميزان الاعمال

اجعلوا الزهراء (عليها السلام) نصب أعينكم فيما يصدر منكم من فعل أو قول أو موقف أو فكرة تعتقدونها في عقولكم أو ضميمة تضمرونها في قلوبكم، واسألوا أنفسكم عنكل ذلك فحينما لا تلتزم المرأة بحجابها أو لا يؤدي الشاب الصلاة لربه أو لا يدفع التاجر خمس أمواله، أو يقصّر المسؤولون في خدمة شعبهم أو يقوم أحد بتصرف من دون الرجوع إلى المرجعية الرشيدة، فاجعلوا الزهراء (عليها السلام) حكما عليكم في خلواتكم هل ترضى بذلك أم تسخط فإن رضاها رضا الله تبارك وتعالى وسخطها سخط الله تبارك وتعالى. وإذا سألتم كيف ندرك ذلك؟ وكيف ينبلج نور الفرقان هذا في قلوبنا حتى نستطيع به هذا التمييز، فإن الله تبارك وتعالى يجيبكم من قبل أن تسألوه تفضّلا منه وكرما، قال تبارك وتعالى: (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) إنها تقوى الله تبارك وتعالى التي تفجّر ينابيع المعرفة في القلب، لأن التقوى تزيل تأثير الهوى الذي يصدّ عن الحق ويحجب القلب عن رؤيته بما يجعل من الحجب فتعمى القلوب التي في الصدور، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إن أخوف ما أخاف على أمتي الهوى وطول الأمل، أما الهوى فانه يصدُّ عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة، وهذه الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وهذه الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فإن استطعتم أن تكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فافعلوا، فإنكم اليوم في دار عمل ولا حساب وانتم غداً في دار حساب ولا عمل).

الأسوة الفاطمية

إن الصدّيقة الزهراء(سلام الله عليها) أسوة لنا جميعاً بل هي حجة علينا جميعاً، فلنأخذ منها هذا الدرس الشريف ونسير على هديها ونعمل جميعاً على حمل رسالة الإسلام ومذهب أهل البيت (عليهم السلام) إلى الدنيا بأسرها، ونحميها من الانحراف والبدع والضلالات والشبهات وندافع عنها، ولا يقول أحدٌ: إن هذه وظيفة الحوزة العلمية ورجال

ص: 53

الدين، فهذا تفكير غير صحيح، والفرصة متاحة للجميع أن يكونوا من هؤلاء المدافعين عن الدين ضمن الإطار الذي تضعه المرجعية الدينية الرشيدة العارفة بطبيعة الظروف، والحديث النبوي الشريف يدعوكم جميعاً لكي تكونوا من حماة الدين وحملته بعد أن تهذّبوا أنفسكم وتتعلموا من العلوم والمعارف الدينية ما يؤهلكم لأداء هذا العمل المبارك، لأن الحديث لم يخصص هذه الوظيفة الشريفة -أي حمل الدين وحمايته- بشخص أو فئة أو شريحة معينة كالحوزة العلمية والمؤسسة الدينية، ولا بالرجال دون النساء، وإنما وصفت هؤلاء الذين يحملون الدين ويحمونه أنهم عدول موجودون في كل قرن، فابذلوا وسعكم لتكونوا منهم وتلتحقوا بالركب الذي قادته الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) على نهج أبيها وزوجها أمير المؤمنين (صلوات الله عليهما وآلهما) والفرصةأوسع ما تكون هذا الزمان لسهولة الحصول على المعلومة وسهولة إيصالها إلى أي شخص أو جهة في أنحاء العالم نتيجة التطور الهائل في تقنيات الاتصال، كما أن الحجة اليوم أكبر على الجميع للقيام بمسؤولياتهم في إيقاظ الآخرين وتوعيتهم وإرشادهم وهدايتهم، حيث لا يقتصر المدعوون اليوم على غير المسلمين لهدايتهم إلى الإسلام، ولا على غير أتباع أهل البيت (عليهم السلام)من المسلمين لهدايتهم إلى ولاية أهل البيت والأخذ منهم، بل ابتلينا داخل إطار مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) بالبدع والضلالات والتجهيل والتخلف وتسطيح العقول، كما ابتلينا أيضاً بصناعة القيادات غير الصالحة وغير المؤهلة لهذه المواقع الشريفة وأصحاب الدعاوى الضالة الباطلة، واستخدم في الترويج لذلك المال والإعلام والمكر والأساليب الخادعة.

السيدة الزهراء (عليها السلام) توقظ الأمة لمعرفة قادتها

ورد في حديث مشهور (الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا) فالناس وإن تراهم يعملون ويأكلون ويتحدثون إلا أنهم في نومٍ هو نوم الغفلة عن حقيقة وجودهم، وما يراد منهم والهدف الذي يجب أن يتوجهوا إليه، وما الذي ينتظرهم بعد موتهم والنتيجة التي سيحصلون عليها من السعادة أو الشقاء، فإذا ماتوا اكتشفوا أنهم كانوا في هذه الغفلة، وفوجئوا بعدم الاستعداد لتلك الحياة الجديدة الدائمة التي لا يستطيع أحد مهما أوتي من علم أن يدعي معرفة حقيقتها إلا من عرّفهم الله تعالى، وحينئذٍ سيصاب بالذهول وتأخذه الحسرة والندامة كما قال أمير المؤمنين (علیه السلام): (اجتمعت عليهم سكرة الموت وحسرة الفوت).

ص: 54

كيف نتأسى بالسيدة زينب(عليها السلام)؟

إنّ التأسي الحقيقي بالعقيلة زينب يكون بالتفقّه في أحكام الدين كما كانت عالمة غير معلّمة وبالعفاف وصون الحرائر وعدم إبرازهنّ للرجال الأجانب وبالالتزام بطاعة الله تعالى حيث لم تترك العقيلة زينب (عليها الصلاة والسلام) صلاة الليل حتّى ليلة الحادي عشر من محرم.. إنّ المأثور في روايات المعصومين هو قرار النساء في بيوتهنّ وعدم خروجهنّ، وإذا التزمت المرأة بذلك فإنّها ستُعطى حينئذٍ ثواب من قصد تلك المشاهد المقدّسة، فقد روى الشيخ الصدوق في الفقيه والطوسي في التهذيب عن الإمام الصادق (علیه السلام) قوله: (خير مساجد نسائكم البيوت) وروى في مكارم الأخلاق قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): (صلاة المرأة وحدها في بيتها كفضل صلاتها في الجامع خمساً وعشرين درجة).

الانتصار الزينبي

أعادت العقيلة زينب الأمور إلى نصابها وبيّنت من هو المنتصر الحقيقي وهزمت هؤلاءالطواغيت وجيوشهم الجرّارة التي غلبت بالسيف لكنّها هُزِمت بالبيان والحجة الدامغة فقلبت أفراحهم أحزاناً.

ربيبة القرآن العقيلة زينب (عليها السلام) تعيد للأمة بصيرتها

قد وقعت الأمة في هذه الفتنة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبلغت ذروتها في عهد يزيد بن معاوية، ولهذا كان من الأدوار المهمّة التي أدّتها ربيبة القرآن والنبوّة والإمامة العقيلة زينب (عليها السلام) هي إعادة الأمة إلى وعيها وبصيرتها، وتصحيح موازين النظر عندها، فقد كان يزيد وابن زياد وأزلامهم يعتقدون أنّهم هم المنتصرون فأخذتهم سكرة الغلبة ونشوتها كما وصفتهم العقيلة زينب (فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك جذلان مسروراً، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة والأمور متّسقة، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا) وتصبح مشكلة المفاهيم المقلوبة أخطر حينما تُستغل لخداع الناس وتُجعل دليلاً على شرعية حكم أولئك الطواغيت وسلطتهم، وهذا ما نبّهت إليه العقيلة زينب (صلوات الله عليها): (أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نُساق كما تُساق الإماء أنّ بنا على الله هواناً وبك عليه كرامة!! وأنّ ذلك لعظيم خطرك عنده، فمهلاً مهلاً، أنسيت قول الله عز وجل: [وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ].

ص: 55

القيام الزينبي

أعادت العقيلة زينب(عليها السلام) الأمور إلى نصابها وبيّنت من هو المنتصر الحقيقي وهزمت هؤلاء الطواغيت وجيوشهم الجرّارة التي غلبت بالسيف لكنّها هُزِمت بالبيان والحجة الدامغة فقلبت أفراحهم أحزاناً، وعلينا نحن أن نستفيد من هذا الدرس الزينبي ونُصحِّح جملة من المفاهيم والرؤى والنظريات التي أُريد بها خداع الناس وتسييرهم بالاتجاه الذي يريده أصحاب تلك الأجندات الهدّامة، ولنأخذ على ذلك مثالاً من عالم المرأة ممّا حاولوا به خداعها ودفعوها إلى ما يريدون من الانحلال والفساد ومزاحمة الرجال وترك وظيفتها الأساسية في بناء الأسرة الصالحة وتنشئة الجيل الصالح وهو شعار (المساواة).

ص: 56

القضية الحسينية المباركة

بداية السنة الهجرية حسيني

من لطف الله تعالى أن سنتنا تفتتح بذكرى الإمام الحسين(علیه السلام) وفي أجواء التضحية والفداء والعشق الإلهي حيث نحر الإمام الحسين(علیه السلام) وأهل بيته وأصحابه في محراب الحب والفناء في الله تبارك وتعالى، وهذه الأجواء لها أثرها الذي لا ينكر في تقريب النفوس إلى الطاعة، حتى الفسقة والعصاة يتركون آثامهم في هذه الأيام ببركة الإمام الحسين(علیه السلام) فتكون هذه الأيام في مفتتح السنة حافزاً لنجاح المشارطة والتعهد أمام الله تبارك وتعالى بأن لا نفعل في سنتنا إلا خيراً مستمدين العزم وقوة الإرادة والتضحية بشهوات النفس وأهوائها وإدامة ذكر الله تعالى من الإمام الحسين(علیه السلام).

تنوع التعاطي مع قضية سيد الشهداء(ع)

التعاطي مع قضية أبي عبد الله الحسين(ع) تختلف أشكالها بحسب الأشخاص فقد يُقبل من العامة ما لا يقبل من النخب المثقفة الواعية، وعلى الإنسان أن لا ينساق وراء بعض السلوكيات الاجتماعية مهما كانت صالحة في نفسها ويغفل عن دوره المطلوب منه، ونحن في عالم مليء بالتحديات المتنوعة فلا يعذر أحد عندما يترك موقعه من العمل اللائق به ويذهب ليؤدي دور غيره فتحصل ثغرة في كيان الإسلام والمسلمين وإضرار بالمصالح العامة.

درس من المدرسة الحسينية

توجد كلمة قيّمة للإمام الحسين (علیه السلام) تحث على العمل الاجتماعي وتعطيه أعلى قيمة، قال (علیه السلام) لرجل: (أيهما أحبُّ اليك، رجلٌ يروم قتل مسكين قد ضعُف تنقذه من يده، أو ناصبٌ يريد إضلال مسكين من ضعفاء شيعتنا تفتح عليه ما يمتنع به ويفحمه ويكسره بحجج الله تعالى) قال (علیه السلام): (بل انقاذ هذا المسكين المؤمن من يد هذا الناصب، إن الله تعالى يقول: َ(مَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) أي ومن أحياها وأرشدها من كفرٍ إلى إيمان فكأنما أحيا الناس جميعاً من قِبلَ أن يقتلهم بسيوف الحديد) فهذا جواب وإلقاء المعلومة بصيغة السؤال (أيهما أحبُّ إليك) أي ليكن هذا الأمر أحبُّ إليك من الآخر وإنما عرضها(علیه السلام) بصيغة السؤال ليشترك المتلقي معه في صنع المعلومة والتفكير فيها والاستعداد اثر لتقبّلها.

ص: 57

العمر الكوثري لسيد الشهداء(ع)

إن تفاعلنا مع يوم واحد من حياة الامام الحسين الشريفة وهو يوم عاشوراء أثمرعن هذا النتاج العظيم وهذه الاثار المباركة التي شهدها العالم كله .. فماذا يمكن أن تفعل (57) عاماً من عمره الشريف إذا قرأناها من زوايا متعددة ؟

المشروع الحسيني الاصلاحي

إن شريعة الإسلام وهي خاتمة الشرائع الإلهية وأكملها لم تكتف بالإعمار والإصلاح الديني وانما عمّت بقوانينها واحكامها كل شؤون الحياة وقضايا الناس، وقد عبَّر الامام الحسين(علیه السلام) وارث الأنبياء وحامل رسالاتهم كلها عن هذا المشروع الإعماري الشامل وأشار في كلماته الشريفة الى كل هذه المجالات، ففي مجال الاعمار والاصلاح الديني قال(علیه السلام): ( وإنِّي لم أخرج أشِراً ولا بَطِراً ، ولا مُفسِداً ولا ظَالِماً ، وإنَّما خرجتُ لطلب الإصلاح في أمَّة جَدِّي (صلى الله عليه وآله) أريدُ أنْ آمُرَ بالمعروفِ وأنْهَى عنِ المنكر ، وأسيرُ بِسيرَةِ جَدِّي ، وأبي علي بن أبي طَالِب عليهما السلام) وفي مجال الاعمار القانوني قال (علیه السلام): (وأنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنّة نبيّه، فإنّ السنة قد اُميتت والبدعة قد اُحييت، وإن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد) أي ان هؤلاء الطغاة عطّلوا العمل بالدستور والقانون فالإمام(علیه السلام) يدعوهم الى العودة الى العمل بالدستور –وهو القرآن- والقوانين المبيّنة له –وهي السنة الشريفةوفي مجال الاعمار السياسي وبيان صفات المستحقين للإمامة والقيادة وولاية امور الأمة قال(علیه السلام): (فلعمري ما الامام الا العامل بالكتاب، والآخذ بالقسط، والدائن بالحق والحابس نفسه على ذات لله) واعتبر(علیه السلام) سبب الخراب والفساد الاقتصادي والاجتماعي والأخلاقي والديني وضياع الحقوق والعدالة يرجع الى ولاية القادة غير الشرعيين لأمور الناس قال(علیه السلام) بعد ان حمّله كل افراد الأمة مسؤولية التغيير: (مَن رأى سُلطاناً جائِراً مُستحلاً لحرم الله، أو تاركاً لعهد الله، ومُخالِفاً لسنّةِ رسولِ الله(صلى الله عليه واله وسلم)، فَعَمِلَ في عبادِ الله بالإثمِ والعدوانِ، ثم لم يُغيّرْ عليهِ بقولٍ ولا فعلٍ، كان حَقّاً على الله أن يُدخِله مَدخلَه) قال(علیه السلام) في تحليله: (وقد عَلمتُم أنَّ هؤلاء لَزِموا طاعةَ الشيطانِ وتَولَوا عن طاعةِ الرحمنِ، وأظهرُوا الفسادَ وعطلّوا الحدودَ واستأثَروا بالفيء، وأحَلّوا حرامَ اللَّهِ وحَرَّموا حلالَهُ، وأنا أحقُّ من غيري بهذا الأمر لقرابتي من رسول الله (صلى الله عليه واله) وفي رواية أخرى (وأنا أولى من قام بنصرة دين الله وإعزاز شرعه والجهاد في سبيله، لتكون كلمة الله هي العليا).

ص: 58

ديمومة الاستنصار الحسيني

إن الحسين(ع) عندما كان يردد يوم عاشوراء (هل من ناصر) لم يكن يتوقع من أولئك الطغاة الذين طبع الله على قلوبهم هداية ولا صلاحاً وإنما كان يريد لها أن تبقىصرخة مدويّة لجميع الأجيال على مدى الأزمنة والدهور لينصروه في تحقيق أهدافه، ويبقى النداء ما دام الواقع الفاسد والظلم الذي قام الإمام الحسين (علیه السلام) لتغييره وإنشاء البديل الصالح عنه –فلينصره كلٌ بحسبه ومن موقعه وبما يناسبه من عمل. فقد يُقبل من البعض شكل من أشكال إحياء الشعائر الحسينية ولا يقبل من آخر لأن المطلوب منه غير ذلك فالتفتوا جيداً.

لهم على كل مسلم مِنّة وفضل

نحن نغبط أصحاب الإمام الحسين(ع) لانهم صنعوا مستقبل الأمة إلى نهاية التاريخ وارجعوا الامة الى اتجاهها الصحيح وصانوها من الانحراف والتزييف فلهم على كل مسلم فضل ومنّة بموقف وقفوه عدة ساعات من النهار.

أهمية الدور التكميلي لملحمة عاشوراء

إن الإمام الحسين (ع) خصص جزءاً كبيراً من خطبه لتعريف نسبه الشريف وكان (ع) يقول: (انسبوني من أنا) ثم يذكر صلته برسول الله (صلی الله علیه و آله) لرفع الغشاوة عن أولئك الرعاع. وهذه الحقيقة تبرز أهمية دور الإمام السجاد (علیه السلام) والعقيلة زينب وبقية الهاشميات في تحقيق أهداف الثورة الحسينية المباركة ولولاهم لأهمل التاريخ هذه الواقعة التي لا نظير لها ويكتفي بالإشارة إلى أنهم مجموعة رجال تمردوا على السلطة وخرجوا إلى الصحراء واُبيدوا هناك وتركت جثثهم في العراء وانتهى كل شيء.

النصرة الحقيقية للإمام الحسين (ع)

من خلال تجسيد مبادئ الثورة الحسينية وتحقيق أهدافها، فإن نداء الإمام الحسين(ع) (هل من ناصر) لا زالَ يتردد في أرجاء الأرض، فهو يطلب أنصاراً يعينونه على إنجاز مشروعه وإكمال رسالته في إصلاح الأمة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والوقوف في وجه أئمة الضلال وسلاطين الجور وتحرير الناس من اسر الطواغيت وشياطين الأنس والجن.

ص: 59

قضية الحسين (ع) عنوان قضايانا

شاء الله تبارك وتعالى أن يفتتح سنتنا الهجرية بأيام عاشوراء التضحية والفداء والإصلاح، وكأنها تعني فيما تعني جعل قضية الحسين (ع) عنواناً لقضايانا، والعنوان كما تعلمون يختزن كل تفاصيل ومضامين المعنون، كما أن عنوان الكتاب يتكون من كلمتين أو ثلاث لكنه يعطي فكرة عن الكتاب كله وكأن الله تعالى أراد منّا أن نجعل من قضية الحسين (علیه السلام) مضمون حياتنا الذي يجب أن نسير عليه، ولا عجب في ذلك فقضية الحسين (علیه السلام) هيقضية التوحيد الكبرى والإسلام المحمدي الأصيل والمبادئ الإنسانية النبيلة التي يتفق جميع الناس عليها.

المبادئ الحسينية

القيم السامية والمثل العليا التي عمل الإمام الحسين(علیه السلام) على إقامتها وترسيخها ودعوة الناس إليها؛

1-أول تلك المبادئ وأهمها وأرقاها والتي تتقوم بها إنسانية الإنسان هي الحرية ونعني بها الانعتاق من عبودية ما سوى الله تبارك وتعالى.

2- العدالة بين أفراد الأمة من دون تفريق بين أحد وآخر لأي من الاعتبارات الموجودة.

3- المساواة في الحقوق الاعتبارية والمادّية.

4- العمل بالدستور والقوانين التي آمنت بها الأمة بملء إرادتها واختيارها، والمطالبة بتطبيقها وهي بالنسبة للمسلمين: القرآن الكريم والسنة الشريفة

5- احترام إرادة الأمة في تولية أمورها إلى مستحقيها الذين يقومون فيها بالقسط والعدل وينصفون المظلومين ويعمرون الحياة بالخير ويقرّبون الناس إلى الله تبارك وتعالى، ومنع وصول الفاسدين والمستبدّين إلى السلطة.

6- الكرامة ورفض الذلّ والمهانة بكل أشكالها.

7- إحقاق الحق ونصرته، وإبطال الباطل ومقاومته بكل الوسائل المتاحة التي تقتضيها الحكمة وتكون مطابقة لأحكام الشريعة حتّى لو أدّت إلى شهادته.

8- الإصلاح وتصحيح الواقع الفاسد وإقامة البديل الصالح في كل تفاصيل شؤون الأمة، سواء على صعيد الوضع السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو القضائي أو الأخلاقي والعقائدي وغيرها، من خلال أداء وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بكل أدواتها وكافة مستوياتها

ص: 60

9- حريّة التعبير عن الرأي واتخاذ القرار بكل اختيار وإرادة من دون أي تأثير وإكراه.

10- الشفافية والوضوح وعدم المخادعة والتضليل.

11- الرحمة والشفقة عليهم والنصيحة لهم.

12- عدم التجاوز على حقوق الآخرين وردِّها إلى أهلها.

13- التضحية بالمصالح الخاصة من أجل وحدة الأمة ومصالحها العليا.

ما يسمى ب(عرس القاسم) !

لم يثبت شيء من هذه التفاصيل التي يذكرونها عن عرس القاسم(ع) وإنما هي منتخيلات ونسج القصاصين لتهييج العواطف واستدرار الدموع، ومن المؤسف أن هذه القصة أصبحت سبباً لإقامة مظاهر الفرح والسرور في خضم أيام عاشوراء التي يفترض أن تكون حزناً خالصاً، وقد تتضمن مظاهر الفرح أموراً محرمة كالأطوار الغنائية وغير ذلك، نعوذ بالله من تسويلات الشيطان.

النصرة الحقيقية لسيد الشهداء(علیه السلام)

الجهاد الذي وصفه أمير المؤمنين(علیه السلام) بأنّه بابٌ من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه وهو درع الله الحصينة وجنّته الواقية، والذي نخاطب أصحابه (يا ليتنا كنّا معكم) تتضائل قيمته أمام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه الفرصة العظيمة متاحة لنا ونستطيع أن نعوّض من خلالها ما فاتنا من نصرة أبي عبد الله الحسين (علیه السلام) بل أنّ إحياء هذه الفريضة هو تلبية لنداء الإمام الحسين(علیه السلام) وتحقيق لغرضه الذي خرج من أجله (وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمد (صلى الله عليه وآله) لأأمر بالمعروف وأنهى عن المنكر) فالقيام بهذه الوظيفة نصرة فعلية للإمام الحسين (علیه السلام).

جاذبية القضية الحسينية

لا يخفى ما للقضية الحسينية بما حملت من فصول المأساة والمواقف النبيلة والسمو الإنساني من تأثير في جذب الناس إلى هذا الصراط المستقيم ،لأنها تثير الكثير من التساؤلات والتأملات عند من لا يعرف ، وهذه أول خطوة للوصول إلى الحقيقة. ولا يقلّ تأثير القضية الفاطمية عنها في ذلك كلّه.

شاهدان تأريخيان لسُنة الاستبدال

إذا أردنا أن نعرّج على كربلاء ونأخذ الشواهد منها، فهناك شخصان نقرّب جريان

ص: 61

سُنة الاستبدال عليهما بحسب الظاهر؛

أحدهما: عبيد الله بن الحر الجعفي أحد الفرسان المعروفين بالفتك وهو معدود من شيعة أمير المؤمنين (علیه السلام) وله نسخة يرويها عنه (علیه السلام) – بحسب رجال النجاشي- التقاه الحسين(علیه السلام) في طريقه إلى كربلاء ودعاه إلى نصرته فامتنع عبيد الله عن الإجابة وقدّم للحسين فرسه المسماة بالمحلّقة وقال ((هذه فرسي المحلّقة فاركبها فوالله ما طلبت عليها شيئاً إلاّ أدركته ولا طلبني أحد إلا فتّته حتى تلتحق بمأمنك وأنا ضمين بعيالاتك أؤديهم إليك) فقال الحسين (علیه السلام): (لا حاجة لنا فيك ولا في فرسك، وما كنت متخذ المضلّين عضداً) فنصحه الحسين(علیه السلام) بأن يغيّب وجهه ولا يشهد واعيته وقال(علیه السلام): (فوالله لا يسمع اليومواعيتنا أحد ثم لا يعيننا إلاّ كبّه الله على منخريه في النار).

ثانيهما: الحر الرياحي الذي كان قائداً كبيراً في جيش الأمويين وهو الذي قاد الكتيبة التي اعترضت الإمام الحسين (علیه السلام) في طريقه ومنعته من العودة إلى أهله ودياره ورافقته حتى نزل كربلاء لكنه في لحظة من لحظات التوفيق والألطاف الإلهية وقف وتأمل في مصيره وعاقبته وخيّر نفسه بين الدنيا المزخرفة التي كان يتمتع بها في ركاب بني أمية لكن عاقبتها النار، وبين القتال والشهادة بين يدي أبي عبد الله الحسين (علیه السلام) وختامها مسك والفوز والجنة ورضوان الله فقال كلمته التي نقلت عبر الأثير إلى كل الأجيال (لا أختار على الجنة شيئاً أبداً) إن هذا المقعد في قافلة شهداء الخلود لما تولى عنه عبيد الله وأعرض عنه ملأه غيره وهو الحر الرياحي وفاز به ومضت القافلة في طريقها، وبقي عبيد الله نادماً متحسراً على تفويت هذه الفرصة فالتحق بالمختار لأخذ الثأر ثم اختلف معه والتحق بمصعب ثم اختلف معه وقاتله.

ص: 62

الشعائر الدينية

التجسيد الحضاري للشعائر

وجّهنا بالعمل على تجسيد المبادئ والقيم لإقامة الشعائر الحسينية، وأن يكون تعبيرهم بإحياء النهضة الحسينية بشكل حضاري ، لأن العالم أصبح كالقرية الواحدة وقد أُمرنا بأن نخاطب الناس على قدر عقولهم .

التجسيد الحقيقي للشعائر

إن شعائر الإمام الحسين(علیه السلام) يجب أن تكشف بوضوح عن المعاني التي جسدها(علیه السلام) في مواقفه من الشجاعة والإنسانية والإخلاص لله تعالى والسمو والتحرر من عبادة الذات والطواغيت ورفض الباطل والفساد بكل أشكاله .

إدامة الآثار المباركة

المأمول إدامة هذه الآثار المباركة التي عاشها الجميع خلال أيام المناسبة لتكون خصالاً ثابتة في سلوكنا، مثلاً رغم مشاركة الملايين في الزيارة إلا أنه لم يحصل خلاف أو شجار بين الزوار بل إذا وقع خطأ –كارتطام سيارتين مثلاً- كان المجني عليه يسبق الجاني للاعتذار منه وتحمّل نفقات إصلاح سيارته. أقول: هذا السمو وهذا النبل لماذا نتخلى عنه عندما نعود إلى أهلنا وديارنا فتحصل النزاعات لأمور تافهة عند الله تبارك وتعالى، أليس هذان المختلفان هنا هما من تعاملا بذلك النبل في رحاب أبي عبد الله الحسين (علیه السلام) وكلاهما شيعة علي والحسين (عليهما السلام)؟ فما حدا مما بدا!

الإحياء الحضاري للشعائر

المأمول هو أحياء هذه الشعائر بشكل واعٍ مع استحضار للأهداف التي أسست من أجلها، فلم يستشهد الإمام الحسين(ع) من أجل أن نبكي عليه فقط أو لنتفجّع ونحزن، وإن كان هذا مطلوباً في نفسه، ولكن الهدف هو توظيف هذا الحزن والبكاء والألم في رفض الظلم والانحراف والفساد والسعي بهمة عالية نحو الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

مراجعة وتقييم بعد نهاية الموسم الحسيني

ونحن ننهي الموسم الحسيني لشهري محرم وصفر لابد ان نقف ونراجع ونحلل مقدار استفادتنا من إقامة الشعائر الحسينية، كما أمرنا الائمة المعصومون (عليهم السلام) في كل

ص: 63

طاعة، كالصلاة حينما جعل الإمام(علیه السلام) مقياسا لقبولها والانتفاع بها وهو مقدار نهيها عن الفحشاء والمنكر، فدرجة استفادتنا من النهضة الحسينية المباركة يحددها مقدار نجاحنافي إنجاز الرسالة الحسينية المباركة وتحقيق الإعمار في نواحي الحياة الإنسانية الكريمة، وهي نفس الدرجة التي نستحقها في اختبار التمهيد للظهور المبارك للإمام المهدي (علیه السلام) لأن الرسالة واحدة والغرض واحد، فلنراجع انفسنا ونقّيم افعالنا بدقة ولا نكون من الغافلين المخدوعين ببعض الشكليات والعناوين المزوّقة والطقوس المتخلّفة لنقنع انفسنا باننا قد أحيينا شعائر الحسين (علیه السلام) وهي لا تزيد الا بعدا عن الامام الحسين (علیه السلام) واهدافه المباركة لأنها تساهم في تجهيل الناس وتسطيح عقولهم وهو مخالف لما أراده الإمام (علیه السلام) كما ورد في زيارته المخصوصة إنه (بذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة).

ميزان قيمة العبادات والشعائر

إن قيمة العبادات والشعائر التي نؤديها بمقدار تحقيقها لتلك المضامين العالية، قال تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ)، (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ)، (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ) فإذا تجردت عن المضامين فإنها ستفرغ من القيمة إلا أن يتداركها الله تعالى بفضله وكرمه. خذ لذلك مثالاً قشور الفاكهة فإنها ما دامت محتوية على اللب وحافظة له فلها كل القيمة، ولكنها إذا نزعت عنها فلا قيمة لها وترمى في سلة النفايات.

انحراف الشعائر

تواجه الشعائر اليوم تحديات في الشكل والمضمون. أما بالشكل فقد أصبح أداء الكثير من المراثي والمواليد مطابقاً لألحان الغناء المحرم وطرقه وتصاحبه حركات وآلات موسيقية، وبعض ما يسمى (فيديو كليب) لا يختلف عما ينتجه أهل الفسق. وخلت من الأجواء القدسية التي تضفيها ذكرى أبي عبد الله الحسين(علیه السلام) وأما بالمضمون فقد تحول الكثير من المراسيم خصوصاً في زيارة الأربعين والشعبانية إلى ما يشبه الفلكلور الشعبي الذي اعتادته كثير من الأمم ووضعت له برامج وفعاليات من دون أن يستلهم معاني الثورة الحسينية، والأهداف التي سعى الإمام (علیه السلام) لتحقيقها وطالب الأجيال كلها بنصرته في تحقيقها، بل إن الكثير من المشاركين مخالفون لتعاليم أهل البيت (عليهم السلام) وتاركون

ص: 64

للواجبات ومرتكبون للمحرمات فواجبنا اليوم تنقية هذه الشعائر المقدسة وصيانتها من الانحراف عن مسارها الذي وضعه لنا أهل البيت (عليهم السلام) وترسيخ القيم والمبادئ التي شادتها الثورة الحسينية المباركة، وهي إصلاح الأمة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة السنة وإماتة البدعة وتحرير العباد من طاعة الشيطان والأهواء و الطواغيتليعودوا إلى عبادة الله تعالى وحده. وهذه مسؤولية تقع على الجميع: سواء الخطباء على المنابر أو الشعراء الذين ينظمون القصائد أو الذين يتلونها أو غيرهم.

ضرورة التدقيق في التعامل مع القضية الحسينية

التعاطي مع القضية الحسينية وإحياء شعائرها – على كل الأصعدة كالمنبر الحسيني والمواكب الحسينية والكتابة والتأليف في القضية الحسينية وغيرها- يحتاج باستمرار إلى مراجعة ومراقبة وتمحيص لأمرين على الأقل:

(أولهما) تنقيتها مما يدخل فيها وهو ليس منها سواء على صعيد المفاهيم أو الممارسات إما بحسن نية كطلب الأجر والثواب وإن أخطأوا الطريق أو جهلاً أو حماساً أو انسياقاً وراء من يصنعها من دون تفكير فيها وهذا كله يشوه الصورة الناصعة لقيام الإمام الحسين (علیه السلام) ويؤخر مسيرته في بلوغ أهدافه.

(ثانيهما) تحديثها وتجديدها بما يناسب خلود الثورة الحسينية ودوام دورها في حفظ الإسلام النقي الأصيل ونشره في ربوع الأرض وإقناع كل الأمم به حتى يُظهر الله تعالى دينه على الدين كله بظهور بقيته الأعظم (أرواحنا له الفداء) ولذا يكون شعاره (يا لثارات جدي الحسين (علیه السلام) إن تبني الإمام (علیه السلام) لهذا الشعار ليس مستنداً إلى زخم العاطفة فقط وإنما لأن وسيلته الفاعلة التي ينفذ منها إلى قلوب وعقول كل الناس هي قضية جدّه الحسين (علیه السلام) لذا لابد من عرض القضية الحسينية بالنحو الذي يمهّد لقيام الإمام (علیه السلام) وينصر حركته المباركة.

الزيارات المليونية وتعجيل الظهور

المسيرة المليونية يمكن أن تساهم بشكل كبير في تعجيل الظهور الميمون المبارك إذا أبرَزت بشكل أكبر الأهداف والمبادئ التي أعلنها الإمام الحسين (علیه السلام) وإنما يتحقق التأسي به(علیه السلام) بمقدار تجسيد تلك المبادئ والمحافظة عليها وليس بمقدار شجّ الرؤوس بالسيوف وإدماء الظهور بالسلاسل والمشي على الجمر وبعض الممارسات التي تشوه الصورة الناصعة لمدرسة أهل البيت (سلام الله عليهم).

ص: 65

الإحياء الواعي للشعائر

(ينبغي) أن يكون إحياؤنا لشعائر الإمام الحسين (علیه السلام) واعياً ملتفتاً إلى الأهداف الإصلاحية التي تحرك الإمام (علیه السلام) لتحقيقها لأن قيمة الأعمال بمضامينها وتحقيق أغراضها وليس بأشكالها، فهذه الصلاة التي هي عمود الدين واستشهد الإمام الحسين (علیه السلام) لإقامتها حق إقامتها (أشهد أنك قد أقمت الصلاة) لا تكون لها قيمة إذا خلت من مضمونها الذيذكرته الآية الشريفة (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) وقد ورد عن الإمام الصادق (علیه السلام) قال: (والله إنه ليأتي على الرجل خمسون سنة وما قبل الله منه صلاة واحدة، فأي شيء أشدُّ من هذا، والله إنكم لتعرفون من جيرانكم وأصحابكم من لو كان يصلي لبعضكم ما قبلها منه لاستخفافه بها، إن الله لا يقبل إلا الحسن، فكيف يقبل ما يستخف به).

رسالية الشعائر

إن الشعائر الحسينية ليست انفعالات وردود فعل عاطفية هوجاء لا معنى لها وإنما هي مدرسة يستلهم منها العلماء والمفكرون وطالبوا الفضيلة كل معاني السمو والكمال وبهذا وغيره من عناصر القوة .

التنوع الواعي لممارسة الشعائر

دعوا الناس تختار الطريقة التي تعبر بها عن انتمائها لمدرسة الحسين (علیه السلام) في التضحية والإباء ورفض الظلم والسعي إلى الإصلاح في الأمة ما لم تقترن بمخالفة شرعية فإن كل طبقة لها صيغة تناسبها لتربيتها .

شعيرة الزيارة سيراً على الأقدام

تبقى شعيرة الذهاب إلى كربلاء سيراً على الأقدام أهم الوسائل الحضارية التي تعبر الاُمة من خلالها عن مطالبها وأهدافها وهو أسلوب أثبت نجاحه عبر التاريخ واستفاد منه القادة العظماء وأولهم رسول الله (صلی الله علیه و آله) الذي أمر المسلمين بالتوجه إلى مكة في عمرة القضاء في السنة السابعة للهجرة والسيوف في إغمادها مما اضطر قريش إلى الاستسلام وسحب المبررات من اتخاذ أي اجراءٍ مسلح وانهزمت بعدها قريش.

منبع الحرارة الإيمانية

إن هذه الشعائر تمد الامة بالإيمان وحرارة الولاء التي كلما خبت زادتها هذه الشعائر اتقاداً وما بقاء الدين عامراً في أمتنا رغم المحن الكثيرة إلا ببركات الحسين(ع)

ص: 66

و ما هذا الحماس الدینی الذي تنبض به قلوب المومنین الا من آثار إقامة الشعائر الحسينية.

من أشكال خدمة أهل البيت

أن خدمة أهل البيت (عليهم السلام) لا تقتصر على قضاء الحوائج الشخصية لهم حتى تنحصر بمن عاصرهم وباشرهم فإن من أرقى أشكال خدمتهم دراسة علومهم وسيرتهم ونقلها إلى الناس وقد وردت عنهم (عليهم السلام) كلمات جليلة في حق أصحابهم الذين قاموا بهذا الدور بحيث ورد في الحديث أن تعليم حديث واحد من أحاديثهم أفضل مما بين المشرق والمغرب، وهذه فرصة متاحة للجميع ولا تنحصر بطلاب الحوزة العلمية، ووسائل الاتصال الحديثة أتاحت فرصة واسعة جداً للحركة، وهكذا تتنوع الخدمة بحسب قابليات الشخصومؤهلاته، فالبعض يقيم المجالس الحسينية والبعض الآخر يخدم الزوار ويوفّر لهم الطعام وأسباب الراحة وسائر الخدمات، أو يشارك في المواكب والشعائر، ووسائل الإعلام تقدّم خدمة بعرض هذه الحركة المباركة التي أقنعت الكثيرين بدراسة مذهب أهل البيت (عليهم السلام) واعتناقه عن معرفة، وقد تكون خدمة أهل البيت (عليهم السلام) بمواقف تنصرهم وتعزّ كلمتهم وتقوّي وجود شيعتهم ولا نغفل أيضاً عن أن أي خدمة نقدّمها لأحد المؤمنين هي خدمة لأهل البيت (عليهم السلام) لأنهم أولياء أمورهم وآباؤهم المعنويون كما أن أي أب يتشكر عندما تقدّم خدمة لولده، ويتضاعف الجزاء حينما يكون المؤمن من ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله)، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة: (المكرم لذريتي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم في أمورهم عندما اضطروا إليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه).

فوائد المشي للزيارة

1. إن التوجّه سيراً على الأقدام من مسافات بعيدة مع ما يرافقه من العناء والمشقّة فيه تعبير عن عميق المودّة والولاء للإمام (ع) التزاماً بقوله تعالى (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى).

2. إنّ فيه إظهاراً لعظمة الإمام المقصود بما عظّمه الله تعالى، كما سار الإمامان الحسن والحسين(عليها السلام) ماشيين إلى مكة المكرمة تعظيماً لبيت الله الحرام.

3. إنّ فيها إدخالاً للسرور على قلب النبي وأهل بيته المعصومين (صلوات الله عليهم) ومواساة لهم على عظيم مصابهم، وفيه إحياء لأمرهم والتزام بما وجهوا إليه (أحيوا أمرنا رحم الله من أحيا أمرنا).

ص: 67

4. الثواب العظيم الذي رصد لمن يقصد زيارة الإمام الحسين(علیه السلام) ماشياً وقد وردت في ذلك روايات عديدة منها عن الإمام الصادق (علیه السلام) قال: (من أتى قبر الحسين(علیه السلام) ماشياً كتب الله له بكل خطوة ألف حسنة ومحا عنه ألف سيئة ورفع له ألف درجة).

5. إنها وسيلة هداية للآخرين، فقد اهتدى بشعائر الحسين(علیه السلام) إلى الحق كثيرون وعادوا إلى الصلاح والرشد في حين عجزت كل الوسائل عن إصلاحهم، وهذه من بركات الإمام الحسين(علیه السلام) فإنه (مصباح هدى وسفينة نجاة).

6. إنها توحّد الأمة بكل طوائفها وقومياتها وتوجهاتها الاجتماعية والسياسية ومختلف انتماءاتها الجغرافية والعشائرية، وهذا واضح حيث يذوب الجميع في حب الإمام الحسين(علیه السلام) وبعضهم لبعض مما يستحيل تحقيقه في غير هذا الهدف قال تعالى: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ).

7. إنّ المسيرات السلمية وسيلة حضارية تتبعها كل الأمم المتحضرة لإلفات النظر إلى قضاياها والمطالبة بحقوقها ودفع الآخرين للسؤال والفحص عن المشروع المحرِّك لها، وهذا ما تحقق إذ صار العالم كله يتساءل اليوم عن الإمام الحسين وأهل البيت والشيعة، والسؤال مفتاح الوصول إلى الحقيقة.

8-. إنها تحبط محاولات الأعداء المتنوعين التي تستهدف الشعب العراقي الأبي وهذا البلد الكريم، لإفساده وإخضاعه وإرعابه وتدجينه وسلخه من هويته الإسلامية الأصيلة، فقد حاول الإرهابيون بكل وسائل القتل والتدمير والجريمة إخافته، وحاول الاحتلال تدجينه وتحويله إلى جزء من مشروع الشرق الأوسط الكبير بل رأس الحربة فيه، وحاولت تقنيات الإغراء والغواية والتضليل إفساده وإبعاده عن إسلامه الأصيل ففشل الجميع، ببركة هذه المسيرات المليونية.

9. إنها ممارسة تعبوية تحافظ على جاهزية الأمة وحضورها في الميدان على الدوام وبدونها يصاب الشعب بالخمول والكسل والاسترخاء فيكون مكشوفاً وهدفاً سهلاً لكل استهداف.

10. إنها تقوّي الإرادة والتحمل وتوطين النفس على الصعاب مما يعجز عن تحقيقه أي ممارسة أخرى وتشكّل بذلك فقرة مهمة من عملية الاستعداد لنصرة الإمام الموعود (عجل الله تعالى فرجه) والمشاركة الفاعلة في التمهيد لدولته المباركة ونصرته.

ص: 68

11. إن أجواء الزيارة والمشاعر الروحية فيها تعطي للنفس زاداً معنوياً وحصانة وغذاءً روحياً يبقى تأثيره ولذته إلى أمد بحسب استحقاق كل شخص واستعداده، وكما يقال بحسب سعة إنائه ووعائه فإنه يغترف من هذه الألطاف الإلهية (فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا).

12. بهذه الحركة المليونية يبرز الشعب العراقي انتماءه للإسلام ولمذهب أهل البيت ويبرز هويته في عملية إحصاء سكّاني صادق ودقيق لا يقبل الخطأ والتزوير وليردّ بذلك على بعض الجهات التي تحاول القفز على الواقع وتدّعي خلافه.

فوائد أخرى للزيارة سيراً على الأقدام

فوائد أخرى للزيارة سيراً على الأقدام(1)

1. إن فيها مواساة لآل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعيالات الحسين (علیه السلام) الذين اقتيدوا أسارى في الصحراء بلا غطاء ولا وطاء من كربلاء إلى الكوفة ثم إلى دمشق ثم أعيدوا إلى كربلاء ثم إلى مدينة جدهم (صلى الله عليه وآله وسلم) وهن عشرات النسوة وأزيد منهم من الأطفال بلا محامِ ولا كفيل وإنما يحوطونهم قتلة الطيبين من آل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

2. إن هذه الحركة الجماعية تنمي روح العمل الجماعي الذي إن تعودت عليه الأمة حصلت لها بركات كثيرة.

3. إن وحدة الهدف والغاية لهذه الملايين الزاحفة يوحد الأمة ويذوب خلافاتها وما أحوجنا اليوم لهذه الوحدة.

4. إن كثيراً من الناس يتحركون بفعل ما يسمى ب(العقل الجمعي) فقد لا يكون الشخص مندفعاً نحو التدين وتعظيم شعائر أهل البيت (عليهم السلام) لكنه لا يملك نفسه دون أن ينخرط في هذه الحركة المليونية المباركة ويتأثر بها فتكون خير وسيلة للهداية والإصلاح كالذي تفعله صلاة الجمعة ونحوها.

5. إنها تقوي الإرادة وتحقق النصر على النفس الأمارة بالسوء التي تميل إلى الدعة والراحة وتكره العنت والمشقة وهي بذلك تحقق قفزة كبيرة على صعيد تهذيب النفس والسلوك إلى الله تبارك وتعالى.

6. إن هذه الحركة تعزز الانتماء إلى الإمام الحسين(علیه السلام) ونهضته المباركة وما أحلاه من انتماء وما أشرفه وما أعظمه وهذه الهوية تحتوي على الكثير من الخصائص والعلامات

ص: 69


1- - مستلة من خطاب آخر.

المميزة له عن غيره التي ينبغي للسائر إلى الإمام الحسين(علیه السلام) أن يعيها ويلتفت إليها ويجسدها في حياته.

7. والفوائد الصحية التي ربما هي أخر ما يفكر بها السائر إلى الحسين(علیه السلام) لأنه يرنو ببصره إلى المعنويات والآثار الروحية، لكن هذه الآثار الطيبة على الصحة ليست قليلة، ونحن نعلم أنَّ كل أحكام الشريعة إنما جعلت لمصالح يجنيها الفرد أو مفاسد يراد دفعها عنه، وقد ذكروا أن المشي يقلل من خطر ارتفاع ضغط الدم ويحسن أداء القلب ويساهم في خفض نسبة الدهون في الدم (الكوليسترول) المسبب لتصلب الشرايين، ويقوم بتقوية العظام ويحافظ على صحة المفاصل والعضلات ويخفف من حدة التوتر النفسي وغيرها كثير.

الزائر النموذجي

لقد وردت روايات عديدة في فضل زيارة أهل البيت (عليهم السلام) خصوصاً الإمام الحسين (علیه السلام) كالرواية المعتبرة عن معاوية بن وهب عن الإمام الصادق (علیه السلام) وغيرها، لكن هذا الثواب لا يُعطى إلاّ لمن التزم بواجبات الزيارة وحقوق الإمام المزور لذا جاء في بعضها (جئتك زائراً عارفاً بحقك) فإن هذه المراتب الجليلة لا ينالها كلّ من هبّ ودب، فلا تخدعنكم الأوهام والكلمات المعسولة، بل إنّ بعض الزوار يعود إلى أهله وقد أثقلت ظهره الذنوب، وهو يظن أنّه قد أحسن عملا وأدّى طاعة لله تعالى. وكتاب الله تعالى ينطق بذلك، قال تبارك وتعالى (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) وقد جعل تعالى مقياس النجاح في الامتحان هو إتقان العمل وإحسانه وليس الإتيان به على أي نحو كان، قال تعالى (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً).

أثر الشعائر والمجالس

إن لهذه الشعائر والمجالس الأثر الكبير في تمسّك الشيعة بعقيدتهم والتعرّف على تفاصيل مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) عقيدةً وأحكاماً وأخلاقاً وأفكاراً، وكانوا كلما شرّقت بهم الأهواء وغرّبت أعادتهم هذه الشعائر إلى هذه الجنة المباركة.

ص: 70

القضية المهدوية المباركة

لماذا ادّخر الله السيد المسيح (علیه السلام)؟

اختصاص السيد المسيح(علیه السلام) بهذا الادخار من دون سائر الأنبياء(عليهم الصلاة والسلام) له سّر؛ إذ إنهّ يكشف إن المواجهة الرئيسية المهمة للإمام المهدي(علیه السلام) ستكون مع دول الغرب التي تدين للسيد المسيح(علیه السلام) فيكون ظهوره وصلاته خلف الإمام(علیه السلام) حجّة ضدّهم ويجردهم من كلّ حق في هذه المواجهة، وعندئذٍ سيذعن المؤمنون منهم للإمام(علیه السلام) لوضوح حقّه(علیه السلام) وباطلهم وهو يكشف عن درجة من درجات الإيمان لدى المسيحيين، إذ أنهّم سيتبعون الحقّ عند اقتناعهم به. أمّا اليهود الذين سيكونون المحرضّين لدول الغرب ويدفعون المسيحيين نحو المواجهة فإنهّم متمردون على نبيهم (علیه السلام) ولا يطيعونه، فلا ينفع بقاءه لليوم الموعود.

تصحيح مسار الأمة

إذا عجزت الأحزاب عن ضبط مسيرتها وفق الأهداف السليمة فإنها عن ضبط مسيرة الأمة اعجز لذا تبتلى الأمة حينئذ بما وصفه أمير المؤمنين(علیه السلام): (بخبط وشماس وتلّون واعتراض) يؤدي إلى تشتتها وتمزقها وانهيارها، وهاهم المسلمون اليوم يبلغ عددهم أكثر من مليار ومائتي مليون شخص وهم في أضعف حال وبؤس وشقاء يتحكم فيهم أراذل الناس رغم اكتنازها لكل مقومات القوة والغلبة والتقدم، وهذا ما سيثيره الإمام المهدي (أرواحنا له الفداء) فإنه بالثلّة الصالحة المخلصة المنظمة القادرة على توحيد الأمة وضبط حركتها وتفجير طاقاتها سيقود حركة عالمية تبدأ بعدد لا يتجاوز الثلاثمائة بقليل وسيعبئ هذه الأعداد الضخمة كلها في حركته المباركة.

قرب الظهور المبارك

إن اليوم الموعود للظهور المبارك قد قرب بشكل ملحوظ وقد يقال بتحقق جملة من علاماته، والأهم من ذلك توفر شروطه، فإن العلامات قد يحصل فيها البداء كما إنها واردة بألفاظ مجملة ورمزية وقابلة للانطباق على كثيرين، فالمهم مراعاة الشروط، لأن الشرط جزء من أجزاء العلة التامة، فلا بدَّ من اكتمالها، ولا أريد الدخول في بيان التفاصيل فإنها موكولة إلى كتاب شكوى الإمام (علیه السلام).

ص: 71

كيف نتشرف بلقاء الامام(علیه السلام)؟

إنّنا نحظى بوجود بقية الله الأعظم الإمام المهدي (علیه السلام) بين ظهرانينا وإن كنّا لا نعرفه شخصياً، ونخاطبه في دعاء الندبة (متى ترانا ونراك) وتتحدث الشواهد التاريخية الكثيرة على إمكان ذلك لمن رضي عنه الإمام(علیه السلام) لخير وجده فيه، يُروى ان عابداً كان يتمنى لقاء إمام الزمان (علیه السلام) وبعد فترة من الرياضات الروحية والتعب والمشقة لم يصل الى شيء واخذ اليأس يدب الى قلبه ، وفي ليلة من الليالي بينما كان قائما يتعبد إذا بهاتف يناديه : (الوصول الى المولى يعني شد الرحال الى ديار الحبيب) فشدَّ الرحال من جديد واخذ يزيد من الصلاة والتعبد حتى انتهى الأمر به الى المكوث في المسجد أربعين يوما فأتاه نداء آخر يقول: (إن سيدك تجده في سوق الحدادين يجلس في باب رجل عجوز يصنع الأقفال) فذهب مسرعا فوجد الإمام(علیه السلام) يشع نورا فارتعدت فرائص العابد إلا ان الإمام (عجل الله تعالى فرجه) طلب منه ان ينظر ما سيحصل ،فجاءت عجوز منحنية الظهر بيدها قفل عاطل وقالت للبائع أرجوك اشترِ هذا القفل بثلاثة دنانير فقال البائع: إن هذا القفل بثمانية دنانير وإذا أصلحته يصبح بعشرة فتصورت العجوز انه يسخر منها إلا انه بادر بإعطائها سبعة دنانير وقال لها: لأني أبيع واشتري أخذته بسبعة دنانير لأربح دينارا فذهبت العجوز مسرورة فالتفت الإمام(علیه السلام) إلى العابد وقال: (كونوا هكذا كهذا العجوز كي نأتيكم نحن بأنفسنا لا حاجة الى التعبد أربعين يوما ولا فائدة من الجفر والحروف فقط اصلحوا أعمالكم).

فكرة خاطئة

إنّ العراق يثبت جدارته لاحتضان الإمام الموعود(علیه السلام) واستعداده الكامل لتحمل كلّ أنواع الصعوبات معه، وهذا سر المعاناة التي يمر بها مجتمعنا؛ لأنهّ المجتمع الذي يحتضن الإمام(علیه السلام) لا ما يشاع من أنّ العراقي مستحق للعذاب لخبث أفعاله وسوء معدنه، فهذه فكرة أنشأها فينا أعداؤنا ليفقدونا الثقة بأنفسنا.

صور التعاطي مع القضية المهدوية

إن التعاطي مع القضية المهدوية له شكل سلبي وآخر إيجابي، أما السلبي فهو تحوّلها إلى مادة للجدل والتحليلات المبنيّة على الأوهام والظنون وما يستدعي ذلك من الإدّعاءات الفارغة والعناوين المزعومة، التي تشوّش على العامة من الناس وتدفعها إلى ارتكاب الحماقات وأما الإيجابي وهو شحذ الهمة في طاعة الله تعالى ليكون ممن يحظى برضا الإمام(علیه السلام) ويمهّد لدولته المباركة وليأمن من الانحراف والزلل في المنعطفات والمفاصل

ص: 72

التي تمرّ بها مسيرة الأمة. والمؤسف أنّ الشكل الأول هو السائد وعلامته التقاعس والكسل عن أداء الوظائف المطلوبة من المؤمن.

أنتم أسلحة الدمار الشامل!

إنهم (أي قوى الاستكبار العالمي) حينما يتحدثون عن أسلحة الدمار الشامل إنما يقصدونكم أنتم جنود الإمام المهدي (ع) الذين سيفتح بكم الإمام (ع) العالم كله منطلقاً من هذه الأرض الحبيبة المعطاء، وحينما تقول أخبار الظهور أنه في زمانه يكشف الفرات عن كنوز ما هي والله من الذهب والفضة، فالكنوز هم أنتم الذين أنجبكم الفرات والعراق كله بدجلة والفرات هو ابن الفرات لأنه الأسم الأوضح في الأذهان يومئذٍ كما نقول الحسنين تغليباً للحسن والشمسين تغليباً للشمس فنقول للعراق الفرات تغليباً له، فإذا أردتم الفوز والفلاح فحافظوا على دينكم واقطعوا أسباب الفساد والانحراف عن أنفسكم أولاً وعن أسركم ثانياً وعن مجتمعكم ثالثاً لتكونوا من تلك الكنوز.

الظهور المبارك وإقناع البشرية بالإسلام

إننا نقترب بسرعة من يوم الظهور المبارك لبقية الله الأعظم، ومن شروطه وصول البشرية إلى قناعة كاملة بالإسلام...والقناعة بالإسلام كنظام ورؤية للحياة لا تنفك عن القناعة بسلوك حامليه ومعتنقيه، فكلما كان التطبيق أكثر صدقاً كان أسرع في حصول هذه القناعة، وقد وردت التطمينات بأن الإسلام لا يحتاج إلى جهد كبير من أبنائه لتحصل قناعة الآخرين به، لأنه يغلب العقول ويفتح القلوب بلا عناء كثير، بخلاف المبادئ الأرضية التي لا تستطيع أن تُحَصّل هذه النتيجة بكل أساليب الإغراء أو البطش والتهديد، وقد ورد عن الإمام الرضا (علیه السلام): (إن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا) والتأريخ شاهد على ذلك، فإن المغول -وهم أكثر الشعوب وحشية- ما لبثوا أن دخلوا الإسلام بعد أن اكتسحوا بلاده قتلاً ونهباً وتدميراً، وها هو ذا الغرب ينتابه القلق من إقبال أبنائه على الإسلام .

علاقة فضح النموذج الغربي بتقريب الظهور

لعل آخر نموذج تجرّبه البشرية -من غير المسلمين- قبل اليوم الموعود هو النموذج المادي الغربي بحسب الظاهر، فكلما عجلنا بفضحه وتنفير البشرية منه فإننا نعجّل بظهور الإمام (علیه السلام) فلا تبقى قناعة إلاّ بالإسلام وحده .

تدخلون السرور على الأمام

اعلموا إنكم بكل عمل خير تقومون به أو باب معصية تغلقونها تدخلون السرور على

ص: 73

أمام العصر (عليه السلام)، كما أن أي تقصير في ذلك يؤلم قلبه .

مما يؤخر الظهور المبارك

هل يعلم أتباع الحق المنتظرون لظهور إمامهم والتواقون لرؤية طلعته المباركةوالذين يتضرعون ليل نهار إلى الله تبارك وتعالى ليقرب يومه الموعود حتى يعيد البسمة إلى المظلومين والمحرومين ويقيم دولة الحق والعدل ويقصم ظهر الطغاة والمستكبرين والمجرمين، أقول هل يعلمون انهم يؤخرون كل تلك البركات بما يعيشون بينهم من حالة التنافر والشحناء والتقاطع .

شكوى الإمام المهدي (علیه السلام)

للإمام المهدي (علیه السلام) شكاوى عديدة من شيعته، جعلها(علیه السلام) هي المانعة عن التشرف بلقائه ونيل بركات ظهوره، ولا يعني شكواه من شيعته عدم وجود شكوى من غيرهم، بل الخطبُ عند أولئك أفظع، ولكنّه باعتبار المسؤولية الخاصة عن شيعته وأحاطتهم برعاية إضافية باعتبارهم الشريحة المؤمنة بإمامته (علیه السلام) والموالية له والمبادرة إلى نصرته، كالأب الذي إذا أساء ولده يزجره ويوبخه، وربما يعاقبه، بينما لا يهتم بنفس الدرجة فيما لو أخطأ الغريب عنه، وما ذلك إلاّ لشعوره الخاص بالمسؤولية عن تربية ولده .

الاهتمام بالقضية المهدوية

الاهتمام بقضية الإمام المهدي (ع) والدفاع عنها والعمل على الاستعداد لاستقباله والفوز بنصرته وتحديد تكاليفنا تجاهه وفي عصر غيبته ومن هذه التكاليف إقامة الشعائر الدينية الجماعية باستمرار من صلاة الجمعة أو الجماعة أو مآتم حسينية أو احتفالات أو مجالس ذكر ودعاء والحضور المستمر في المساجد وفتح حلقات الدروس في العقائد والأخلاق والسيرة والتفسير.

من حكمة الغَيبة

اقتضت الحكمة الإلهية ان تُغيب الامام الثاني عشر(علیه السلام) هذه المدة الطويلة إلى ان يأذن الله تعالى له بالظهور كل ذلك لتستمر تربية الامة مدة اطول ولتمر بتجارب وابتلاءات وتمحيصات اكثر حتى تصل إلى مستوى النضج والكمال المطلوب الذي يؤهلها لمواصلة مسيرة الكمال مع الامام المهدي(علیه السلام) بينما لو قدر لهذه الامة ان تتربى في احضان الائمة المعصومين (عليهم السلام) لوصلت إلى درجة الكمال قبل هذا التاريخ بكثير.

ص: 74

الإهتداء لمعرفة حجة الزمان

كان الواعون من أصحاب الأئمة (عليهم السلام) والحريصون على دينهم وآخرتهم ينظرون باهتمام بالغ إلى ما يصدر عنهم (عليهم السلام) من أخبار عن الفتن والغربلة والسقوط في الامتحان ويحملونها محمل الجد ليصونوا أنفسهم من الوقوع في تلك الفتنومن الفشل في الامتحان الذي يحصل لكثير من عامة الناس؛ لذا كانوا يسألون الأئمةَ (عليهم السلام) عن تكليفهم وعما ينجّيهم من الجهالة ويخلصهم من حيرة الضلالة، التي هي وظيفة الأنبياء والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين)، ومن بعدهم علماء الدين خصوصاً في زمان غيبة الإمام (عجل الله فرجه) التي قال فيها الإمام الحسن العسكري (علیه السلام): (أما إن له غيبة يحار فيها الجاهلون ويهلك فيها المبطلون) والحيرة والهلاك تكون بعدة مستويات:

(منها) على نحو إنكار أصل الغيبة لاستبعاد أن يبقى إنسان هذه المدة الطويلة أو لأي شبهة أخرى.

(ومنها) الاعتراض على طول الغيبة لعدم الصبر على تأخير الانتقام من الظالمين او للعجز عن إدامة حالة الاستعداد والتمهيد للظهور بأشكال التمهيد الذي يتطلب أحياناً تضحيةً بالنفس ومواجهةً مع الظالمين واصطداماً بالمجتمع، ولذا ستكون فترة الغيبة صعبة وشاقة.

(ومنها) كثرة أصحاب الدعاوى الباطلة الذين يدّعون الارتباط بالإمام (علیه السلام) ومشروعه فيخدعون بها السذّج والجهلة ليتأمّروا عليهم، وهكذا.

المعنى الإيجابي والسلبي للبلاء

إن في هذا البلاء معنيين:

أحدهما: ايجابي وهو انه يساهم في تربية هذا الشعب وإعداده لتحمل أعباء واستحقاقات حركة الإمام المهدي(علیه السلام) العالمية التي ستنطلق من عاصمته في العراق.

والآخر: سلبي وهو إعراض الناس عن ذكر الله تعالى وإقامة شعائر أهل البيت فينزل بهم البلاء لأعادتهم إلى الطريق الصحيح رحمة بهم.

علاقة الشروط والعلامات بالظهور

إنّ ارتباط الظهور بالشرائط ارتباط واقعي لأنهّا تدخل ضمن العلّة والسبب له، أمّا ارتباطه بالعلامات فهو ارتباط ظاهري بمعنى الكشف والإعلام.

ص: 75

اعلموا بأن...

العراق قاعدة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) فلا يجوز لأحد إضعافه.

من وسائل الاقتراب الروحي

إن الرحمة بالناس والصفح عنهم والإحسان إليهم من وسائل الاقتراب الروحي منه (أي الامام المهدي (علیه السلام) وعلى الذين يعنيهم أمر تزكية النفس ان يتجنبوا الاضرار بالناسوالبغض لهم والاّ يحملوا في صدورهم ضغينة ولا غلاً ولا رغبة في الانتقام .

أنتم ذخيرة الإمام (ع)

أيها الأحبة: إن كل تقدم ونجاح تحققونه يدخل السرور على قلب إمامكم المهدي الموعود(ع) لأنكم ذخيرته وعُدّتُه وهو (ع) ينتظركم أكثر مما تنتظرونه، ويتابع أخباركم كما عبّر (ع) في رسالته إلى الشيخ المفيد (ق) في كتاب الاحتجاج (إنه لا يعزب عنا شيء من أخباركم).

الذكر الدائم للإمام (ع)

ينبغي للقواعد المؤمنة بقضية الإمام المهدي(ع) والمتطلعة لظهوره الميمون وإقامة دولته المباركة أن يكون ذكر الإمام (ع) حاضراً في قلوبهم وعقولهم دائماً.

التمهيد لعاصمة الامام (ع)

لنجعل هدفنا بناء مجتمع مثقف يجيد أرقى فنون العصر وعلومه استعداداً لاحتضان عاصمة الإمام المهدي (ع) وإقامة دولته التي مقرها هنا في العراق.

التأسي بالإمام المنتظر (علیه السلام)

تأسّوا بإمامكم المهدي الموعود(صلوات الله عليه) فإنه مع ما يعانيه من ألم الغيبة عن ممارسة دوره الكامل في حياة الأمة فإنه لم يغفل لحظة عن رعاية شيعته، قال (علیه السلام): (نحن وإن كنا ناوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين حسب الذي أرانا الله تعالى لنا من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الفاسقين، فإننا نحيط علماً بأنبائكم، ولا يعزب عنا شيء من أخباركم، ومعرفتنا بالذل الذي أصابكم، مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعاً ونبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون. إنا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء

ص: 76

فاتقوا الله جل جلاله..).

الاهتمام الخاطئ

إنّ الصحيح الاهتمام بشروط الظهور الميمون لا علاماته، فحصول العكس من قبل شيعة الإمام(علیه السلام) هي الشكوى الأخرى التي أريد أن أرفعها بالنيابة عنه (علیه السلام).

اللهم اجعلنا من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك

علّمنا الإمام المهدي المنتظر(علیه السلام) مجموعة من الأدعية لندعو بها في زمن الغيبة، وأقول لندعو بها وليس لنقرأها ..ومن تلك الأدعية المباركة المشهورة

الدعاء (وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك) وقد قلنا أن المطلوب في الدعاء حقيقة الطلب والسعي الجدي لتهيئة مقدمات الاستجابة، ولكي يكون من الدعاة إلى طاعة الله تباركوتعالى والقادة إلى سبيله عليه أن يوفّر في نفسه جملة من الصفات والمؤهلات، ومن أبرزها التفقه في الدين وتحمّل علوم أهل البيت (عليهم السلام) وإلا فكيف يكون بدونها دليلاً إلى الله تعالى وهادياً إلى رضوانه ومن الغريب أن تقرأ ملايين الشيعة هذا الدعاء ولا يندفع إلا اليسير منهم لتحقيق مقدماته.

أوجه شبه الإمام المهدي(علیه السلام) بالشمس

1- إنّ الشمس أصل الحياة وبدونها تنعدم الموجودات وهي الواسطة لإفاضة الحياة على الموجودات، وهكذا الإمام علة الوجود وواسطة الفيض الإلهي على جميع الموجودات وهم علة الوجود ولأجلهم خلق، ولولاه ساخت الأرض بأهلها كما في الحديث الشريف وفي دعاء العديلة (ببقائه بقيت الدنيا وبيمينه رُزق الورى، وبوجوده ثبتت الارض والسماء).

2- ولأن الشمس أصل الحياة فقد وُجدت قبل أي شيء آخر، وكذلك نور محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين) وجدوا قبل الخلق، عن الإمام الصادق (علیه السلام) قوله (الحجّة قبل الخلق ومع الخلق وبعد الخلق).

3- إن الشمس مصدر النور وهي التي تنير الأشياء وتجعلها منظورة بالعين ويمكن التعرّف عليها ولولا هذا النور لما أمكن التعرّف على الشيء، وكذلك الإمام هو مصدر المعارف الإلهية والعلوم ولولا تأصيلات الأئمة الأطهار (عليهم السلام) لما امكن الاهتداء إلى شيء منها، وما يؤخذ عن غيرهم فهو زخرف من القول .

ص: 77

4- ان نفع الشمس عام لا تمنعه عن شيء من الموجودات، وهم (صلوات الله عليهم اجمعين) كالشمس في عموم نفعهم {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} وإنما لا ينتفع بهم من أراد لنفسه أن يكون أعمى لا يستفيد من نور الشمس، عن أمير المؤمنين (علیه السلام) قال: (أشدّ العمى من عمي عن فضلنا وناصبنا العداوة بلا ذنب سبق إليه منا إلاّ أنّا دعونا إلى الحق ودعاهُ من سوانا إلى الفتنة والدنيا فأتاهما ونصب البراءة منّا والعداوة لنا).

5- إن الشمس من المطهرات –كما هو الصحيح- فهي تطهّر من النجاسة المادية ، فكذلك ولاية الإمام المعصوم وحبّه واتباعه من المطهّرات المعنوية فبها تقبل الأعمال وتكفّر الذنوب وفي ذلك أحاديث كثيرة، لأنها من أعظم الحسنات والقربات إلى الله تعالى، والآية الشريفة تقول (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ).1- ان أي شيء يقترب من الشمس يصلى بحرارتها ويحترق تدريجيا حتى يفنى في نورها، وكذلك من يتقرب من اهل البيت (عليهم السلام) بطاعتهم وحبّهم والسير على هديهم يفنى فيهم وتذوب انانيته ونفسه الامارة بالسوء(فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) وفي الحديث النبوي الشريف (سلمان مّنا اهل البيت).

2- كما أنّ الناس متفاوتون في الاستفادة من نور الشمس فبعضهم يمنعها من الدخول إلى داره فيغلق الأستار والنوافذ ولا يستفيد من ضوء الشمس، وبعضهم يفتح منافذ بسيطة للإنارة والآخر يملأ داره بالفتحات والآخر يستفيد منها في الزراعة وآخر لتوليد الطاقة الشمسية، فكذلك نور الهداية المتصلة بالمعصومين(عليهم السلام) التي تركوها لنا من خلال أحاديثهم الشريفة، تتفاوت الناس في الاستفادة منها والعمل بها، فربّما أغلق البعض نوافذ قلبه وعقله لمنع نور الهداية من دخولهما، بينما فتح آخر كلّ حواسه ومنافذه الظاهرية والباطنية لتلقي هذه العلوم والمعارف والكمالات اللاّمحدودة بإذن الله تعالى.

أوجه شبه غيبة الإمام المهدي(علیه السلام) بالشمس

1- كما ان احتجاب الشمس بالسحاب لا يؤثر على حقيقة وجودها ولا يصح لعاقل أن يستدل على عدم وجودها لعدم ظهورها للعين بسبب تغطية السحاب لها، فكذلك لا يمكن إنكار وجود الإمام (علیه السلام) لمجرّد عدم ظهوره للناس فهو (علیه السلام) موجود وتوجد معه آثاره المباركة وألطافه الكريمة ورعايته الحانية.

ص: 78

2- إنّ جملة من منافع الشمس لا تتوقف على ظهورها المباشر وبتعبير آخر أن فائدة الشمس لا تقتصر على التعرض لأشعتها المباشرة حتى يُقال بعدم الانتفاع منها إذا حجب السحاب أشعتها، فاحتجابها بالسحاب لا يمنع من الانتفاع بها وتبقى تؤدي دورها في حفظ نظام الحياة واستقرار المجموعة الشمسية وحركة الافلاك، وكذلك الانتفاع بوجود الإمام وفيوضاته المباركة لا تتوقف على ظهوره المباشر وإن حرم الناس من بعض تلك الانتفاعات بسبب غيبته، ومنها في الرواية الشريفة من كونه اماناً لأهل الارض ورد في رسالته الشريفة (إنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء).

3- إن احتجاب الشمس بالغيوم إنما هو لمن كان على الأرض فلو خرج من جو الأرض كالذي يحصل لركاب الطائرة عندما ترتفع فوق الغيوم فإنهم سيرون السماء صافية والشمس ظاهرة، فكذلك الإمام فإنه غير مشخّص لذوي الدرجات الاعتيادية والمتدنّية، أما الأنقياء المخلصون ومن حلّقوا في سماء الكمالات المعنوية فإنّ الإمام (علیه السلام) يظهر لهم ويرونه ويعرفونه ويتعاملون معه، وما على المؤمن إلاّ أن يسمو ويرتقي ويخرج من الحجب الأرضية لتكتحل عينه بالنظر إلى الإمام (علیه السلام).

4- إن تغطية السحاب للشمس فيه رحمة بالناس وفيها مصلحة لهم أما من جهة نفس الغيوم لكونها تحمل أمطاراً تحيي الأرض الميتة، أو لعجز الناس عن تحمّل الأشعة المباشرة للشمس فتضر أبصارهم وتصيب رؤوسهم بضربة الشمس وربما اضطروا إلى السكون في منازلهم والقعود عن أعمالهم حذراً من أشعة الشمس، وكذلك غيبة الإمام (علیه السلام) فيها مصلحة للناس، من عدة جهات كالتفاتهم إلى ذنوبهم التي أوجبت حرمانهم من الاتصال المباشر بالإمام أو لأنّ إيمانهم ليس قوياً يحتمل القيادة المباشرة والنظر المباشر للإمام، كالذين لم يتحملوا قيادة أمير المؤمنين (علیه السلام) ففشلوا وخسروا الدنيا والآخرة، فعدم الابتلاء بالقيادة المباشرة رحمة بالناس لئلاّ تزيغ بصائرهم كتضرّر بصر من ينظر إلى الشمس مباشرة ويفشلوا في الامتحان نظير نصيحة الإمام الحسين (علیه السلام) لبعض من تخاذلوا عن نصرته بأن يبتعدوا لئلاّ يسمعوا صرخة الإمام (علیه السلام) فتصيبهم الكارثة، فمثل هؤلاء يكون من الرحمة بهم تربيتهم بعيداً عن القيادة المباشرة للمعصوم (علیه السلام) وقبولهم على ما هم عليه.

5- إن احتجاب الشمس بالسحاب أمر نسبي أي لبعض الناس إذ يمكن أن تكون الشمس في نفس الوقت ظاهرة لبعض في بلد آخر لا يحجبهم السحاب، كما يقال في النشرة

ص: 79

الجوية غائم جزئي فكذلك غيبة الإمام (علیه السلام) نسبية لبعض الخلق دون بعض فهو ظاهر لبعض الخلق (وما في ثلاثين من وحشة ) .

6- إن احتجاب نور الشمس لا لسبب منها أي لا لقصور في المقتضي- كما يقال- وانما لوجود المانع وهو السحاب فمتى ما زال السحاب اشرقت الشمس على الموجودات، وكذلك الامام (علیه السلام) لم يحتجب لسبب منه فان أهل البيت (عليهم السلام) ابواب رحمة الله وكرمه وفضله، وهو تبارك وتعالى لا بخل في ساحته (بابك مفتوح للراغبين وخيرك مبذول للطالبين وفضلك مباح للسائلين ونيلك متاح للآملين ورزقك مبسوط لمن عصاك وحلمك معترض لمن ناواك) وسبب احتجابه (علیه السلام) يعود إلى الخلق انفسهم ( إلا أن تحجبهم الذنوب دونك).

7- (كما أن الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بها ينتظرون في كل آن انكشاف السحاب عنها وظهورها ليكون انتفاعهم بها أكثر فكذلك في أيام غيبته ينتظر المخلصون من شيعته خروجه وظهوره في كل وقت وزمان ولا ييأسون منه).

تضييع ذكر الله تعالى

اننا ضيعنا حتى الحد الأدنى من ذكر الله تعالى وهو الالتجاء اليه عند الاضطرار فها هو البلاء يحيق بنا والاعداء يتربصون بنا ولا اجد المؤمنين يعقدون مجالس الدعاء والتوجه إلى الله تعالى والاستغاثة بالمعصومين(عليهم السلام) والتوسل إلى صاحب الأمر (عجل الله تعالى فرجه) كي يتولانا برعايته مع عدم الاخلال بالواجبات الأخرى طبعاً.

كيف تحرز رضا الإمام (علیه السلام) ؟

إنَّ إحراز رضا الإمام (علیه السلام) عنك وضمان ثباتك على نهجه والانضمام إلى أنصاره قبل الظهور وبعده يكون بالإخلاص لله تبارك وتعالى والصدق في إتباع الحجة المنصوبة من الأئمة الطاهرين(علیه السلام) على الأمة قال تعالى (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً) ومثل هؤلاء ليطمأنوا وليهدأ بالهم لأن الأمور ستكون واضحة عندهم وسوف لا يتوانون في نصرة الإمام وإتباعه، ولمثل هؤلاء سيكون الأمر أبين من الشمس كما وصف الإمام (علیه السلام).

أمره (أبين من الشمس)

إنّ التعاطي مع هذه القضية المهدوية ليس وليد الساعة بل كان منذ أن بدأ المعصومون (عليهم السلام) يعلنون عن الإمام المهدي (أرواحنا له الفداء) وكان يساور القلق

ص: 80

بعض الأصحاب أحياناً، خشية عدم الاهتداء إلى الموقف الصحيح، والإمام (علیه السلام) يطمئنهم بأن أمره (أبين من الشمس) فهل في الشمس الطالعة شك وارتياب؟

علاقتنا بإمامنا المهدي (علیه السلام)

حينما نطلب في الدعاء (اللهم إنا نرغب إليك بدولة كريمة...) فهذا لا يعني أن أملنا يتحقق ودعاءنا يستجاب بقيام حكومة يترأسها وتضمّ رجالاً يرفعون لافتات إسلامية أو يتظاهرون بالارتباط بالمرجعية الدينية، وإنما تتحقق الدولة الإسلامية بأن نعيش الإسلام في كل تفاصيل حياتنا ونحكّمه في كل أمورنا وقضايانا وتصرفاتنا {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً}وهذا واضح من أوصاف هذه الدولة في الدعاء (تُعزُّ بها الإسلام وأهله، وتُذلُّ بها النفاق وأهله) ووصف الله تعالى الذين يقومون بشؤون هذه الدولة الكريمة بقوله سبحانه (الَّذِينَ إِنمَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ) فلا تكون الدولة كريمة إلا حينما يكون رعاياها أحراراً يعيشون بعزة وكرامة وأعداؤهم أذلاء مقهورين، وقد يتحقق هذا المعنى للدولة الكريمة عند المؤمنين وهم بعيدون عن الحكم وليس لهم في السلطة نصيب، كما كان عند أهل البيت (سلام الله عليهم)).

الفرج الحقيقي

حينما ندعو لإمامنا المهدي (علیه السلام) بالفرج وتعجيل الظهور فإن الفرج الحقيقي يبدأ من داخل أنفسنا حينما نهذّبها بطاعة الله تبارك وتعالى وتسير نحو الكمال، وإلا فما الذي نجنيه من ظهور الإمام (علیه السلام) إذا لم نحقق هذه الدرجات في داخلنا؟ ربما سنكون في الصف المعادي له أو مع المتخاذلين عن نصرته حرصاً على مصالح دنيوية أو وضع اجتماعي أو مكاسب سياسية ونحوها. فالدولة الكريمة والفرج يبدأن من داخل النفس ثم يشرقان على الآخرين فإذا عاش المجتمع أجواءً إسلامية وكان سلوكه إسلامياً، وتفكيره مبنياً على أساس الإسلام فهذه هي الدولة الكريمة وهذا هو الفرج الحقيقي وهذا لا يتحقق إلا بمواصلة العمل الدؤوب على صعيد تهذيب النفس وعلى صعيد إقامة المشاريع الإسلامية الإصلاحية في المجتمع وإدامتها وأن لا يكتفي بالعمل الارتجالي الذي دافعه وهج العاطفة أو ردود الأفعال فعن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام): جُعلت فداك متى الفرج؟ فقال: يا أبا بصير وأنت ممن يريد الدنيا؟ من عرف هذا الأمر فقد فُرِّج عنه لانتظاره.

كيف تكون مهدوياً؟

ص: 81

إننا نندب الإمام (عجل الله فرجه) وندعوه لإزالة الظلم والجور وإقامة العدل (أين المعدُّ لقطع دابر الظلمة، أين المنتظر لإقامة الأمت والعوج أين المرتجى لإزالة الجور والعدوان) ولا يكون الإنسان جزءاً من هذه الحركة المباركة إلاّ إذا أقام حياته وعلاقاته على العدل وإنصاف الآخرين، فليراجع الإنسان نفسه هل هو عادل في علاقته مع زوجته وأسرته ووالديه أو جيرانه أو أصدقائه في العمل أو من هم في رعايته إذا كان في مواقع المسؤولية، أم إنه جائر عليهم مقصر في حقوقهم ويظلمهم كالذي يحصل كثيراً في مجتمعنا؟ وحينئذٍ فلا يمنّي نفسه بإتباع الإمام والانخراط في جماعته الميمونة.

كيف نرتبط ارتباطاً حقيقياً وواعياً بالإمام المهدي(علیه السلام)

إن الارتباط الحقيقي والواعي بالإمام(علیه السلام) سيعزز الالتفاف حول المرجعية الرشيدة لأن الإمام(علیه السلام) هو الذي أمر باتباع الفقهاء العدول وجعل الراد عليهم كالراد على المعصومين وهو كالراد على الله تبارك وتعالى لأن المجتهدين العدول هم نواب الإمام بالنيابة العامة لاالنيابة الخاصة بتعيين الإمام (علیه السلام) لأن كل من ادعاها بعد السفراء الأربعة فهو كذاب، ومن أجل تعبئة القواعد المؤمنة بقضية الإمام المهدي (علیه السلام) لهذا الهدف المبارك، عليهم أن ينظموا أنفسهم في تجمعات وكيانات تغطي النشاطات المختلفة في مواجهة التحديات العديدة، فقد يرى البعض أن يؤسس جمعية خيرية لمساعدة الأيتام والأرامل والمحتاجين، وآخرون ينظمون مؤسسة اجتماعية لتشجيع الزواج وتذليل صعوباته والإصلاح بين المتخاصمين والمختلفين. وآخرون ينشؤون مركزاً ثقافيا ينشر الخطابات والإصدارات الواعية ويقيم دورات تقوية للطلبة الأكاديميين خصوصا للصفوف المنتهية ويفتح دورات لتعليم الكومبيوتر والانترنيت. وقد يرى البعض الذين يعيشون في مناطق يسخن فيها الإرهاب والفساد والظلم أن يكوّنوا مجاميع مسلحة لدعم المجهود الحكومي في ردع هؤلاء المجرمين وتخليص الأمة من هذا الداء المستشري. وقد أوعزتُ لمكاتب حزب الفضيلة الإسلامي أن تعتبر كل هذه التشكيلات وحدات تنظيمية تابعة له وتتمتع بامتيازات مجاميع الحزب من حيث الترشيح للمناصب العليا.

نصرة الإمام المنتظر (علیه السلام)

إننا جميعاً ندعو أن نكون ممن يحظى بنصرة الإمام المنتظر (علیه السلام) وصحبته والجهاد بين يديه، فأيهما أسرع استجابة لدعوة الإمام ونصرته: المؤمن الذي خاض المحن والشدائد والصعوبات وواجهها بصبر وجلد، أم المترف المتنعم الذي يتبرم بأبسط بلاء يمر به؟ فإن

ص: 82

رغبتم في نصرة الإمام (علیه السلام) فوطنوا أنفسكم على كل الصعوبات، فإنها من مؤهلاتكم لهذا الفوز العظيم، والذي يثقل عليه هذا البلاء البسيط لا يحظى بذلك الشرف كما قال أمير المؤمنين(علیه السلام) في مثلها: (إذا كنتم من الحر ومن البرد تفرون، فأنتم من السيف أفر).

من أهم وظائف المنتظرين

ماذا تعني الجاهلية غير الضلال والانحراف والفساد وكان غاية جهد الأنبياء والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين) وتضحياتهم إنقاذ العباد من الجاهلية وأغلالها وآصارها [الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ] وفي زيارة الأربعين للإمام الحسين(علیه السلام): (فأعذر في الدعاء ومنح النصح وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة) وهذه العلامات لأولياء الأمور الذين يقودون الأمة ويأخذون بأيدي الناس نحو الهداية والصلاح ذكرتها الآية الشريفة: [الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِالْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ] وأي تمكين في الأرض زمان الغيبة أقوى من ولاية أمور المسلمين والنيابة عن الإمام المهدي(علیه السلام) فعلامات قيادتهم الصحيحة إقامة معالم الدين المذكورة [أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ] فمن أهم وظائف المنتظرين في زمان الغيبة معرفة الحجة التي إن تمسكت بها لن تضل عن دينك، بإقامتهم لدين الله تعالى وحرصهم على عباد الله تعالى، وان السبب الرئيسي لمعاناة الامة والكوارث التي تحلٌ بها هو عدم اهتدائها إلى قادتها الحقيقيين، او عدم طاعتهم كما يلزم.

الرقي الاجتماعي لايعطى بالمجان

المستوى السامي لا يحصل للمجتمع في عصر الظهور تلقائياً وبجرة قلم كما يُقال أو بمعجزةٍ (كن فيكون) وإنما يصل اليه المجتمع بعد إعدادٍ مكثّفٍ وتربيةٍ معمقةٍ طويلةٍ، إذ أن هذه الحكمة والمستوى العالي من العلم لا يُعطى(أي في زمن الظهور) لجاهلٍ غير مؤهل لحمله وهذا يجعلنا أمام مسؤولية كبيرة في الاستعداد والظهور المبارك وتعجيله إذ كلما تقدمنا في هذا الاستعداد أكثر نكون قد قرّبنا اليوم الموعود، وهذه الحركية وهذا الاندفاع نحو العمل المثمر المبارك هو من ثمرات الإيمان بقضية الإمام المهدي (علیه السلام) والأمل بظهوره في أي لحظة ولو لم يكن عندنا هذا الأمل وهذه الغاية لما امتلكنا المحفّز للحركة والعمل.

ص: 83

ص: 84

انتظار الإمام المهدي (علیه السلام)

الانتظار الانتفاعي المذموم

في الكافي عن أبي بصير قال: (قلت لأبي عبد الله (علیه السلام): جُعلت فداك متى الفرج؟ فقال: يا أبا بصير وأنت ممن يريد الدنيا؟ من عرف هذا الأمر فقد فُرِّج عنه لانتظاره) ولا يخفى ما في جواب الإمام (علیه السلام) من توبيخ لمن ينتظر الفرج طلباً للدنيا مثلاً لكي يكون الحكم لأتباع أهل البيت (سلام الله عليهم) فتكون له حصة من (الكعكة) كما يقولون فيكون الوصول إلى الحكم غاية وهدفاً وليس وسيلة لإحقاق الحق وإقامة العدل فيقع أمثال هؤلاء في الظلم والانحراف ولا يحققون الهدف المنشود، وهذا أحد وجوه معنى الرواية الشريفة: (كل راية قبل المهدي فهي راية ضلالة) لأنها تتحرك لتغيير الظالم وأخذ موقعه والتمتع بالجاه والسلطة والثروة وليس لتغيير الظلم وخدمة الناس وإصلاح أحوالهم وتأسيس الدولة الكريمة التي تضمن الحياة السعيدة لكل إنسان.

مفهوم الانتظار

مفهوم الانتظار الذي اقترن في أذهان الأجيال بالسلبية والانكماش والتخلي عن ممارسة وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو في الحقيقة عكس ذلك إذ يتضمن معناه في بعده العملي السعي الجاد للإصلاح والتغيير والتمهيد لإقامة دولة العدل الإلهي .

إنه ينتظرنا كما ننتظره

لنعمل بهمّة وإخلاص لإصلاح ما فسد من أمورنا تمهيداً لقيام صاحب الأمر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) فإنه ينتظرنا كما ننتظره، ينتظر منا النصرة والتمهيد والتمكين وتوطيد الأرض ونشر راية الهدى، كما أن جدّه المصطفى (صلى الله عليه وآله) لما وجد النصرة الصادقة من أهل يثرب هاجر إليهم وأقام فيهم دولة الحق والعدل.

إيجابية الانتظار

الانتظار حالة إيجابية وهو يستبطن عملياً معنى الاستعداد ولو لم يكن كذلك لما حظي بالمنزلة الرفيعة في الأحاديث...فحينما نقول أننا ننتظر الامتحانات العامة فإن هذا يعني أن يكون الطلبة في ذروة الاستعداد لها فيجدّون ويجتهدون ويوفّر لهم ذووهم كل الظروف التي تساعدهم على تحقيق أفضل النتائج .

ص: 85

حتى لا يكون ظهور الامام(علیه السلام) وبالاً علينا

الظهور نفسه لا ينفعنا إن لم نكن من أهل التقى والإيمان والإخلاص والعمل الصالح لنحظى بنصرة الإمام (علیه السلام) فعلينا أن نفكر في كيفية وصولنا إلى هذه المرتبة ولنساهم في تحقيق شرط الظهور وإلا سيكون ظهور الإمام (علیه السلام) قاصماً لظهورنا فاستمعوا بتدبر لقوله تعالى {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُون}، وقال تعالى {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} فأحد مصاديق الفتح هو يوم الظهور المبارك وحينئذ لا ينتفع به إلا من هذّب نفسه وآمن وعمل صالحاً وهو المعنى الحقيقي للانتظار.

ثواب الإنتظار

شدّدت الآية: (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) على أن الجزاء لا يتخلف عن السعي بل يكون نتيجة حتمية له، بعكس من يطلبون الدُنيا الذين ذكرته الآية السابقة على هذه، قال تعالى: [مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَّدْحُوراً]فلا يتحقق له ما يريد بل ما يريده الله تبارك وتعالى، وليس لكل أحدٍ بل لمن يشاء الله تعالى أن يعطيه، وبهذا المعنى الذي شرحناه لسعي الآخرة لا بد أن نفهم كل قضايانا، ومنها معنى انتظار الإمام صاحب الأمر (علیه السلام) والدعاء بقيام دولته المباركة، فلابد أن يقترن بالسعي الخاص به والمناسب له، فتقيّد أحاديث ثواب الانتظار والمنتظرين بأن يُسعى له سعيه.

ص: 86

الدين الإسلامي الحنيف

قوة أسس الإسلام

إن الإسلام ينتشر بقوة وبسرعة ويشهد إقبالاً واسعاً وما علينا إلا إيصال صوته إلى العالم كما قال الإمام (علیه السلام): (فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا) وعلى المسلمين وخصوصاً شيعة أهل البيت (عليهم السلام) أن لا يرتكبوا ما يشين وان لا يبتدعوا من أنفسهم أفعالاً بحجة الترويج للدين والمذهب كالتطبير ونحوه مما منعنا منه فإن الإسلام الناصح النقي لا يحتاج إلى مثل هذه الأمور التي تضرّ ولا تنفع.

من الأدلة على خلود الإسلام

إن استيعاب النظام الإسلامي لهذه التعاملات وتقنينها وفق الأُطر الشرعية دليل على خلوده وقدرته على قيادة المجتمع البشري في كل حين وإدارة جميع شؤونه، بل له القدرة على التعايش مع النظم الوضعية حتى مع إقصائه عن قيادة المجتمع [قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ].

سمو التشريع الإسلامي

هذا هو الإسلام في سمو تشريعاته (أي في مسألة الحث على الزواج المبكر الذي أثبت العلم الحديث أهميته الكبيرة) وعظمةِ أئمتهِ وقادتهِ ويدرك أعداؤه ذلك ويدركون النعمة العظيمة التي يتنّعم بها المسلمون ويعلمون تفاهتهم وحماقتهم وجاهليتهم وان حاولوا تلميع صورتهم بالنفخ والتهريج للتقدم التقني فلذلك ما انفكوا عن الكيد للإسلام والمسلمين وشن الحروب عليهم ليسلبوهم هذه النعمة العظيمة قال تعالى: (وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ) تارة بالحروب العسكرية وأخرى بالتشويه والتسقيط والاستهزاء والخداع وأخرى بنشر الفساد والانحراف وأخرى بصنع نماذج منفّرة مقزّزة تسمّى بالإسلام مثل داعش والقاعدة ليستحي المسلمون من التحدث بالإسلام كل ذلك للضغط على المسلمين حتى يتخلوا عن نعمة الإسلام العظيمة حسداً لكم، والحسد تمنّي زوال نعمة من مستحق لها، وربما كان مع سعي في إزالتها وقال تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم) وقال تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ) والفضل هو الإسلام والقرآن والنبي واله المعصومون (عليهم السلام) وبركاتهم الكثيرة.

ص: 87

من سياسة الشريعة في الجانب الاصلاحي

إن المسيرة الإصلاحية للشريعة المقدسة أنها تقدّم البديل الصالح حينما تهدمالحالة الفاسدة (لاَ تَقُمْ فِيهِ – اي مسجد ضرار- والبديل أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ -وهو المسجد المؤسس على التقوى) وهو منهج رباني اعتمدته الشريعة منذ أول كلمة نطق بها الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله) (لا اله الا الله) فهي في الوقت الذي تبطل الآلهة المزيفة المصطنعة تُقيم عبادة التوحيد لله تبارك وتعالى، فلنتعلم اننا حينما نريد هدم حالة معينة فاسدة اجتماعية او ثقافية او عقائدية علينا ان نؤسس ونبني البديل الصالح، فحينما نريد معالجة الفساد الأخلاقي والانحراف الجنسي علينا ان نيسّر امور الزواج ونساعد عليه وهكذا.

أحد أسباب انحطاط وضع المسلمين

صار الناس لا يقتنعون بأي رسالة مهما كانت ترفع من مبادئ ومثل وأخلاق عالية ونبيلة إذا كان حاملوها والقائمون عليها أول من يخالفها وهذا أحد أسباب انحطاط المسلمين وتشوه صورة الإسلام.

سبب انتشار الإسلام

هذا الانتشار للإسلام ليس بفضل جهود المسلمين مع الأسف، وإنمّا لعظمة مبادئ الإسلام وأحكامه، فهو بنفسه ينتشر، فبالرغم من حاجته لأبنائه إلاّ أنهّ إذا قصر المسلمون فإنهّ يمشي بنفسه.

الريادة العالمية لأهل البيت

..وكشاهد على اعتراف المجتمع الدولي بريادة وسبق أهل البيت (عليهم السلام) في تثبيت حقوق الإنسان فقد اعتمدت الأمم المتّحدة عام (2000م) عهد أمير المؤمنين (علیه السلام) إلى مالك الأشتر كوثيقة تأسيس لمبادئ حقوق الإنسان.

دوافع الجهاد في الإسلام

لا يجوز قتال أحد من البشر ولا قتله إلا إذا كان مفسداً في الارض يهدّد حياة الناس والنظام الاجتماعي العام أو كان ممن يمنع الناس عن ممارسة عقائدهم وشعائرهم بحرية ويعمل على قمعهم وترك دينهم بالعنف، قال تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه): وقال تعالى: (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ) وهكذا كان

ص: 88

القتال وانطلاق جيوش الإسلام ليس لتوسيع سلطات أو نفوذ أو كسب غنائم او لإكراه أحد على الدخول في الإسلام وإنما لدفع فتنة الطواغيت والمستكبرين الذين كانوا يقمعون شعوبهم ولا يعطوهم الحرية في الإصغاء لصوت الحق، فاذا اُزيلت هذه الحواجز (كما في عالم اليوم) فلا يحل القتال لأنه (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) وكان أهل الديانات المتعددة موجودينفي دولة الإسلام ولم يكرههم أحد على تغيير دينهم. وإذا وردت نصوص دينية بقتال عناوين محدّدة كالمشركين وغيرهم فأنهم لم يلحظوا بعنوانهم الذاتي كمشركين وإنما بلحاظ أفعالهم إذا اعتدوا على أهل الإسلام وأكرهوهم على ترك ديانتهم.

من أشكال الأغلال

قال تعالى: (ويَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) يمكن أن نفهم عدة أشكال لهذه الأعباء والأغلال والمعوّقات التي بُعث النبي (صلى الله عليه وآله) بالشريعة الإسلامية لرفعها ووضعها عن الأمة:

1- أنه (صلى الله عليه وآله) ألغى من حياتهم التشريعات الشاقة التي كتبت على الامم السابقة عقوبة لهم أو أنهم ابتدعوها من عندهم كاشتراط قتل النفس لصحة التوبة (فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ) أو قطع الاعضاء التي تقع في الخطيئة أو قرض موضع النجاسة من البدن والثوب أو صوم الوصال ونحو ذلك، هذه التي جمعها قوله تعالى: (رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ) أو الرهبنة والانعزال (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ).

2- أنه (صلى الله عليه وآله) حررهم من كل القيود والأغلال العقائدية والفكرية والنفسية والاجتماعية التي تصيب بصيرته بالغشاوة وتضرب على عقله بالقيود فيعمى عن رؤية الحق وتُكبّل إرادة الناس وتعيق حركة الإصلاح.

3- إن المراد بالآصار والأغلال: الصعوبات والبلاءات التي تُصيب الإنسان، فوضعها عن المسلمين يُراد منه أن النبي(صلى الله عليه وآله) بيّن لهم الوسيلة التي تحميهم و تجنبُهم من هذه البلاءات والكوارث التي تصيب الناس عندما ينغمسون في المعاصي ويتمردون على السنن الإلهية.

الفرق بين الشريعة الإلهية والقوانين الوضعية

إن من الفروق بين الشريعة الإلهية والقوانين الوضعية إن الشرائع الإلهية تربي الإنسان من الداخل أولاً وتبني ذاته، لذا يندفع إلى التطبيق بلا رقابة من الخارج ولا يحتاج

ص: 89

إلى أي ضغط للطاعة والامتثال، بينما القوانين الوضعية تحتاج إلى فرض عقوبات وأجهزة مراقبة وردع، ومع ذلك يحاول الشخص بكل وسيلة التحايل والالتفاف عليها، خذ مثلاً الخمس، فإن المؤمن هو وحده يحاسب نفسه ويخرج ما عليه من حقوق ويأتي بكل سرور ليسلمها إلى الحوزة الشريفة أو يصرفها في مواردها، بينما يتهرب بكل الوسائل من الضرائب التي يفرضها عليه القانون، فهذا هو فرق أساسي بين الإسلام والحضارة المادية.

تكريم الإسلام للمرأة وامتهان أعداءه لها

إن الإسلام قدّم أرقى قانون لتكريم المرأة وصون شرفها وكرامتها وكثرت الوصايا في النصوص الشرعية بإكرام المرأة وحسن معاشرتها (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً)، (ما أكرمهن إلاّ كريم وما أهانهنّ إلا لئيم)، (اتقوا الله في الضعيفين المرأة واليتيم)، (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) وعلى العكس مما يدعي هؤلاء (أي المعادون للإسلام) فإنهم هم الذين يمتهنون المرأة ويحوّلون جسدها إلى سلعة رخيصة في دعاياتهم وإعلاناتهم، لذا لم نستغرب هذه المواقف منهم لأنّ بعض رموز هذه الحملة طالبنَ منذ الأيام الأولى للتغيير عام 2003م بإباحة زواج المثليين والشذوذ الجنسي وتعدّد الأزواج للمرأة الواحدة واتخاذ العشيق والخدين خارج رباط الزوجية ونحو ذلك، ويتباكون على تزويج البنات بعمر مبكّر بعد البلوغ ويريدون أن يتأخّر الزواج إلى ما بعد الثلاثين لتقضي سنين صباها وشبابها في أحضان الرجال الأجانب والإحصائيات في الغرب تؤكد عدم وجود فتاة باكر عند التزويج بها، لأنّ اعرافهم تقضي أنّه من المعيب أن تبلغ الفتاة وهي غير مرتبطة بعشيق.

معالجة الإسلام لظاهرة ظلم المرأة

1- التأكيد في الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة على حقيقة المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات، والثواب والعقاب، ومنها قوله تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى)

2- ضرب الأمثلة من نساء فضليات لكي يتأسى بها الرجال والنساء وليعلم الرجال قبل النساء أن المرأة يمكن أن تبلغ مراتب سامية يغبطها عليها الرجال كمريم ابنة عمران وامرأة فرعون، قال تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ

ص: 90

مِنَ الْقَانِتِينَ) والآية تصرّح أنهما ضُربتا مثلاً لكل الذين آمنوا سواء كانوا من الرجال أو النساء.

3- التهديد والوعيد لمن يقتل المرأة مادياً بوأدها أو معنوياً بإهانتها وظلمها وسحق شخصيتها قال تعالى: (وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ، بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) وفي الحديث الشريف عن النساء: (ما أكرمهنّ إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم).

4- منح الدرجات الرفيعة لمن فرح بكون المولودة بنتاً وأكرم المرأة وأحسن رعايتها، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) بسند عالي الصحة قال: (قال رسول الله (صلى اللهعليه وآله): من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات وجبت له الجنة، فقيل: يا رسول الله واثنتين؟ فقال: واثنتين، فقيل: يا رسول الله وواحدة؟ فقال: وواحدة) وعن الإمام الصادق (علیه السلام) أيضاً: (البنات حسنات، والبنون نعمة، والحسنات يثاب عليها، والنعمة يسأل عنها)) وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إن الله تبارك وتعالى على الإناث أرق منه على الذكور، وما من رجل يدخل فرحة على امرأة بينه وبينها حرمة إلا فرّحه الله تعالى)

5- جعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو أكرم الخلق وسيدهم أبا بنات، ففي رواية صحيحة عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبا بنات بل جعل ذريته من بنته الزهراء (عليها السلام) وسماها بالكوثر التي تعني الخير الكثير، قال تعالى: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ).

وأهم تلك المعالجات ما منَ الله تبارك وتعالى على المسلمين بل جميع الناس بسيدة كريمة هي أكمل الخلق أجمعين بعد أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وزوجها أمير المؤمنين (علیه السلام) وهي الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) فهي سيدة العالمين من الرجال والنساء، ولا يتوهم أحد أنها سيدة نساء العالمين، وإنما هي سيدة العالمين جميعاً من الرجال والنساء لكنها من النساء، وأذكر دليلاً واحداً على ذلك، فقد ذكرت الآيتان في الفقرة (2) أعلاه أن الله تبارك وتعالى جعل مريم ابنة عمران وامرأة فرعون مثلاً وأسوة لجميع الذين آمنوا، ولا شك أن الزهراء (عليها السلام) هي أفضل منهما وأحرى بالتأسي بها.

موقف الإسلام إزاء تطور الأجهزة

لا يقف الإسلام إزاء التطور والتقدم موقفاً سلبياً كما يتصور ذلك بعض الجهلة،

ص: 91

حيث يعتبرون الحوزة عدوة التطور والتقدم وأنها حرمت التلفزيون والرياضة والمسلسلات وغيرها من الأمور التي لابد من مواكبتها حسب اعتقادهم، وهذا ناشئ طبعاً من عدم فهمهم لرأي الحوزة في هذا المجال، فهي لم تحرم التلفزيون، وإنما حرمت برامج التلفزيون من أغانٍ وأفلام ومسلسلات وغيرها من المشاهد التي لا محالة تؤدي إلى وقوع الفرد المسلم بالحرام وتحرك غرائزه وشهواته كما هو الواقع فعلاً، فنحن وأفراد أسرنا لسنا بالمعصومين لكي لا نتأثر بهذه الكلمات المعسولة التي تخدش العفة والحياء، بل بالعكس فقد شجعت الحوزة على استغلال التلفزيون بأمور محللة علمية أو أخلاقية أو ثقافية نافعة، إذن فالإسلام ليس عدواً لتطور الأجهزة والآلات، وإنما عدو استخدام الآلة أو الجهازفي الأغراض غير المشروعة، فأي جهاز هو سلاح ذو حدين يمكن استخدامه للحلال ويمكن استخدامه للحرام؛ كما قال السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي: (ينشر الهدى من حيث ينتشر الفساد)، وترى كثيراً من الآيات والروايات التي تحث على طلب العلم ورفع الجهل والتخلف، مثلاً: (اطلب العلم من المهد إلى اللحد)، (العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة) فجهاز الهاتف من أهم سمات العصر التكنولوجية، وقد انتفع منه الناس بشكل مذهل، ووفر عليهم الكثير من الجهد والمال وقرب البعيد وجعل البشر بفضل الله تبارك وتعالى تدرك ما لم تكن تدركه بدونه، إلا أن البعض ولعدم نيله التربية الكافية يوظف هذه النعمة في استعمالات سيئة مرفوضة دينياً وأخلاقياً واجتماعياً.

اعتراف الغرب بعظمة التشريع الإسلامي

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) هذه الآية الشريفة دعت أرصن كليات القانون في العالم تجعلها شعاراً على بابها ليستفيد منها كل داخل وخارج، أما المسلمون فإنهم غافلون لايدركون قيمة هذه الجواهر التي منّ الله تعالى بها بواسطة نبيه الكريم(صلى الله عليه وآله) وقد استغل أعداء الإسلام غفلة المسلمين وجهلهم فأقنعوهم بضرورة تطبيق القوانين الوضعية ونبذ قوانين الإسلام لينفرد أولئك بهذه الغنائم ويصدروا إلينا بضاعتهم الكاسدة، وإلى الآن لا زالت المناهج التي تُدرَّس في كليات القانون هي القوانين الوضعية فيتخرج الطالب وهو لا يفقه من دينه العظيم شيئاً ولا يأخذ من دينه إلاّ القشور ويترك اللّب لأولئك الأجانب حتى يؤسسوا بها حضارتهم، بل أن الأمر أسوأ من ذلك حيث يواجه بالتشنيع من يستثمر فرصة حكم الأغلبية الشيعية في العراق لتقديم قانون شرعي

ص: 92

ينظم حياة الناس في أحوالهم الشخصية وفق شريعة الله وهو حقّ كفله الدستور، وتتعالى أصوات المعترضين من داخل الأوساط الدينية والاجتماعية الشيعية لتتهم وتعرقل وتجعل العقبات وتحرّض على عدم إقامة شرع الله تعالى.. هذا شكل من أشكال عدم الإنصاف الذي يتعامل بها المسلمون مع شريعتهم حيث لا يسعون إلى تطبيقها والاستفادة منها بل يعرقلونها، بينما يفتخر الغرب بهذه الآية الكريمة والمسلمون عندهم القرآن الذي فيه أكثر من ستة آلاف آية كريمة وعشرات الآلاف من الأحاديث الشريفة للمعصومين(عليهم السلام).

الإسلام والموازنة بين متطلبات الفرد والمجتمعإن الإسلام هي الشريعة الوحيدة التي وازنت بين متطلبات الفرد والمجتمع بل وازنت قوى الفرد نفسه فللروح حقوق وللجسد حقوق وللنفس والعقل كذلك وكفلت حقوق الآخرين وإذا وضع الله تبارك وتعالى حدوداً يمنع تجاوزها فذلك لمصلحة الإنسان نفسه الجهول الذي كثيراً ما تختلط عليه الأمور فلا يميز بين ما يضره وما ينفعه كما أن القوانين الوضعية تضع حدوداً تعاقب على تجاوزها وتقول إن حرية الفرد تنتهي عند حدود حرية الآخرين وإنما الفرق في مفردات ومصاديق هذه الحقوق فلماذا التباكي على الحرية والمساواة وحقوق الإنسان.

الشريعة والفقر

إن الله تعالى قد تكفّل بأرزاق عباده وخلق لهم من الأرض ما يكفيهم لمعاشهم بكرامة، وتدلّ الأحاديث الشريفة على أن نسبة الفقر الطبيعية من وجهة نظر المشرّع الإسلامي هي 2.5% مع الالتفات إلى أن معنى الفقير شرعاً هو من لا يملك القدرة على توفير أسباب الحياة الكريمة من دار للسكن وزوجة ووضع معاشي لائق، أما حال الفقراء الموجود اليوم فهو مرفوض في الشريعة تماماً.

أفضلية التشريع الإسلامي على الأنظمة الأخرى

لقد أهمل المعسكر الشرقي (بقيادة الشيوعية) الأسرة وحمل المجتمع فوق جميع المؤسسات التنظيمية المجتمعية، فذوبت الأسرة للوصول إلى مجتمع متكامل، وكانت النتيجة بأقل من مائة عام انهيار تلك السياسة وانهيار مجتمعها بالكامل، أما (الرأسمالية) فحملت الأفراد فوق رقبة المجتمع والأسرة فحطمتهما لأجل تلبية رغبات وشهوات افراد محدودين محاولة منها للوصول إلى تلبية رغبات جميع الأفراد وبالتالي تلبية رغبة المجتمع

ص: 93

وبنائه وأنى لهم ذلك!!, إذ كانت النتيجة تكالباً وجرياً وراء رغبات النفس الأمارة بالسوء, وبالتالي شيوع الجريمة.. أما الإسلام بتشريعاته الفذة ونظرياته التي حفظت للفرد حقه وللأسرة مكانتها وللمجتمع حقه فهو مؤهل لأن يصل بالمجتمع إلى الذروة وكان من بين هذه التشريعات واللبن الاجتماعية التي شرعت وأسست في الإسلام للوصول إلى بناء المجتمع الصالح هو: المسجد، فهو مكان تنفيذ الكثير من العبادات والطقوس والمناسبات التي لوحظ فيها الجانب الاجتماعي أو التجمعي والجمعي هذا من ناحية, ومن ناحية أخرى فللمسجد الريادة في توجيه وقيادة المسلمين وتوعيتهم وهدايتهم . . إلخ.

الشريعة الإسلامية وتكريم المرأة

إن الشريعة الإسلامية هي أفضل القوانين التي كرمت المرأة ونظرت إليها بتوازن وعرّفت حقوقها وواجباتها في ضوء المسؤوليات المناطة بها، ولا غرابة في ذلك فان هذهالشريعة من وضع الله تبارك وتعالى صانع الإنسان وخالقه والخبير بما يصلحه ويوازن بين عوالمه (عالم الروح والنفس والعقل والقلب والجسد) فليس فيها إفراط الحضارات المادية التي ألقت حبل المرأة على غاربها فحولتها إلى سلعة بيد الرجال فامتهنوا شرفها وكرامتها ثم يرمونها على قارعة الطريق بعد قضاء وطرهم أو بوار سلعتها. وليس فيها تفريط الجهلة والمتعصبين الذين ينظرون إليها بتعالي وقهر وكأنها مملوكة لهم إلى حد استعمال الأساليب الوحشية.

سر ازدهار التشيّع وديمومته

سر ديمومة هذا الكيان الشريف وصموده رغم كل تلك الحرب الجهنّمية التي أحاطت به حتى حافظ على وجوده بل نمى وازدهر وتوسّع وفرض نفسه على الجميع مما أصاب الحاسدين والحاقدين من بعض طوائف المسلمين الأخرى أو غير المسلمين بالذهول والدهشة.. ومن أسباب الديمومة والازدهار والتوسّع ما يلي:

1. الحفظ الإلهي، فقد تعهّد الله تبارك وتعالى بحفظ كتابه الكريم وعترة النبي (صلى الله عليه وآله) الذين هم عدل الكتاب، قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) والذكر شامل لأهل البيت (عليهم السلام) لأن ذكرهم ذكر الله تعالى، قال تعالى (قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَّسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ) عن الإمام الصادق (علیه السلام): (إنّ شيعتنا الرحماء بينهم، الذين إذا خلوا ذكروا الله، إنّ ذكرنا من ذكر الله، إنّا إذا ذكرنا ذُكر الله وإذا ذُكر عدوّنا ذُكر الشيطان).

ص: 94

2. رعاية إمام العصر كل عصر ودعاؤه، في الكافي (عن عبد الله بن أبان الزيّات وكان مكيناً عند الرضا (علیه السلام) قال: قلتُ للرضا (علیه السلام): ادعُ الله لي ولأهل بيتي فقال: أولستُ أفعل؟ والله إنّ أعمالكم لتُعرض عليّ في كل يومٍ وليلة، قال: فاستعظمتُ ذلك فقال لي: أما تقرأ كتاب الله عزّ وجل (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) قال: هو والله عليّ بن أبي طالب (علیه السلام) وفي رواية أخرى هم الأئمة (عليهم السلام)).

3. أصالة هذه المدرسة واقترانها بالإسلام نفسه فهي محفوظة بحفظ الإسلام لأنها ليست شيئاً آخر غير الإسلام المحمدي الأصيل فالتشيّع هو الإسلام وليس مذهباً من مذاهبه التي نشأت لاحقاً.

4. سموّ المبادئ والقيم الإنسانية العليا التي احتوت عليها مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) والتي تُلهم البشرية السعادة وتضمن لها العدالة والحياة الكريمة.

5. السلوك السامي وطريقة التعامل المثالية التي كان يظهرها أئمة أهل البيت (عليهم السلام) إلى درجة كان يذهل العدو قبل الصديق ويجعل الجميع يذعن لهم بالتقدّم على كلّ الناس، حيث كانوا يتعاملون برحمة ونبل وشهامة مع الأعداء والأصدقاء.

6. التعاطف الإنساني الذي تجاوز حدود الطائفة والدين مع أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم بسبب شدة الظلم والبطش والقسوة التي تعرض لها أهل البيت (عليهم السلام) وارتكبت في حقّهم أبشع الجرائم.

7. تواصل وجود القيادة المتمثلة بالمرجعية الدينية الرشيدة العارفة بزمانها والتي تتوفر فيها شروط الشرعية التي أعطاها الأئمة (عليهم السلام) لورثتهم من العلماء الذين يقومون مقامهم في ولاية أمور الأمة.

8. الانفراج السياسي وتخفيف قبضة السلطات الجائرة وقد تصل الفرصة أحياناً إلى حد التمكين في الأرض من خلال الحصول على السلطة والحكم أو الحضور فيها أو وجود ظروف سياسية مناسبة.

9. الشعائر الدينية، فقد كان لهذه الشعائر وخصوصاً الشعائر والمجالس الحسينية وزيارات مراقد المعصومين (عليهم السلام) الأثر الفاعل في هداية الكثير من الناس وإلفات أنظارهم إلى مظلومية أهل البيت (عليهم السلام) ومناقبهم وفضائلهم وتوضيح مبادئ وأصول هذه المدرسة المباركة.

10. انتشار المبلغين والدعاة والمؤمنين المتحمّسين لنشر مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) حيث شيّدوا المساجد والحسينيات وأقاموا الشعائر الدينية ورفعوا شعارات أهل

ص: 95

البيت (عليهم السلام) في كل بقاع الأرض، وعلى طريقة الآية الكريمة (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم) والمثل المعروف (ربّ ضارة نافعة) فقد كان تشريد وتهجير أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم في بقاع الأرض سبباً لانتشار هذا الصوت الإلهي المقدّس.

إن الالتفات إلى عناصر القوّة والديمومة والإقناع في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) تزيد إيماننا بصحتها وأحقيتها وبنفس الوقت توجب علينا مسؤولية المحافظة على هذه العناصر وإدامتها وتنميتها، وتجنّب كل ما يضعفها ويحجّم دورها وأثرها، فنكون (والعياذ بالله) سبباً في خيانة هذه الرسالة العظيمة وخذلان أئمتنا الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين).

حقوق الإنسان في الإسلام

حقوق الإنسان الإسلام هو رائدها ومؤسسها والتزم بها قادة الإسلام ورسموا لهاأنبل الصور التزاماً بقوله تعالى: ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ … وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ) وجوامع الحديث مليئة بهذه التعاليم. راجع كتاب آداب العشرة في المجلد الثامن من وسائل الشيعة ورسالة الحقوق للإمام السجاد (علیه السلام)، وعهد الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) إلى مالك الاشتر لما ولاّه مصر ومما جاء فيه: (واستشعر الرحمة للرعية فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق) فمَنْ مِنْ زعماء الدول التي تدّعي الديمقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان يقف كرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما جمع أصحابه وقال لهم: (يوشك أن ادعى فأجيب فمن كانت له قبلي مظلمة فليقتصها مني قبل أن يأتي يوم القصاص الإلهي العادل) فيقوم له أحد أصحابه ويقول له: إنك في يوم كان ازدحام الناس حولك شديداً ورفعت قضيبك الممشوق لتضرب ناقتك فوقع عليّ خطأ فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقضيب وكشف عن موضع القصاص من جسده الشريف ودعا الصحابي للاقتصاص ورأى أحد أصحابه يعبث بصيد العصافير فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) له: استعد لمساءلته يوم القيامة فإنه يخاصمك أمام رب العزة والجلال ويقول: ربّ اسأله لماذا قتلني وهو لا ينتفع بلحمي.

الشريعة وحقوق الحيوان

سبقت شريعة الإسلام إلى وضع قوانين حقوق الحيوان والرفق به ورعايته مما يتبجّح بوضعه الغرب مؤخراً وهذا دليل على عظمة الإسلام وسمو تعاليمه.. والأحاديث في ذلك كثيرة كالمروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من قتل عصفوراً عبثاً عجَّ إلى الله

ص: 96

يوم القيامة ويقول: يا ربِّ عبدُك قتلني عبثاً ولم يقتلني لمنفعة) وعن الإمام الصادق (علیه السلام): (إن امرأة عُذِّبت في هرة ربطتها حتى ماتت عطشاً) وروي عن الإمام الكاظم(علیه السلام) قال: (مرّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) على قوم نصبوا دجاجة حية وهم يرمونها بالنبل، فقال: من هؤلاء لعنهم الله) وقصة العابد الذي خسفَ الله تعالى به الأرض فهو يهوي أبد الآبدين لأنه رأى أطفالاً يعبثون بديك وينتفون ريشه ولم ينههم عن ذلك.

معالم نظام الحكم في الإسلام

إن نظام الحكم في الإسلام يبتني على ولاية الفقيه الجامع للشرائط من الاجتهاد والعدالة والكفاءة فهو قمة الهرم في القرار وبيده خيوط السلطات وله مستشارون يرجع اليهم في تنقيح الأحكام وموضوعاتها وتهيئة مقدمات القرار له ويستمد مشروعيته من نيابته للإمام المنتظر (علیه السلام) بعد شهادة أهل الخبرة في هذا المجال باجتماع الشروط فيه وينزع عنه هذا القميص متى ابتعد عن هذه الشروط وزلت قدمه والعياذ بالله ، قال الإمام (علیه السلام) : (إذارأيتم العالم مكباً على الدنيا فاتهموه على دينكم) وكذا إذا فقد الأهلية للقيام بمسؤوليات هذا الموقع المشرف وبالرغم من أن الحجة الشرعية قائمة على صحة هذا النظام إلا أن موانع عديدة تحول الآن عن السعي لتحقيقه على أرض الواقع ومنها بإختصار ديمغرافية الشعب العراقي وتركيبة الحوزة العلمية في النجف الاشرف وتشتت مركز القرار وسعة قاعدة المرجعيات التي لا تؤمن بهذا النظام وغيرها من الأسباب لذا فإن الخيار الاقرب للشرعية هو إجراء الإنتخابات لإختيار ثلة تقوم بإدارة البلد ومستند هذه الشرعة تفويض الناخبين لهذه الثلة بإعتبار إن الأصل عدم ولاية أحد على أحد إلا إذا فوضه بذلك ولكن مشروعيته تبقى مقيدة بحدود الشريعة الإلهية ولا يحق مخالفتها لأن الحاكمية لله تبارك وتعالى وحده وهو المصدر الوحيد للتشريع (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) فحينما نطالب بالإنتخابات لإدارة العملية السياسية فلا بد ان نلفت الى هذه الحقيقة المهمة بأن هذه الطريقة ليست هي القاعدة في حكم الامة المسلمة وانما هي الإستثناء الذي يلجأ اليه عند وجود المانع من إجراء القاعدة كأكل الميتة الذي يحل عند الضرورة وحليته هذه لا تعني إن حكم الميتة ذلك بالعنوان الأولي بل بالعنوان الثانوي وإدراك هذه الحقيقة مهم وضروري لكي لا تختلط علينا الأمور وتضيع معالم شخصيتنا وهويتنا الإسلامية العظيمة التي شيد أركانها أهل البيت (عليهم السلام) وننساق وراء الأطروحات الغربية البراقة.

ص: 97

موجبات نجاح أداء الرسالات

لابد لأي رسالة لكي تستمر في الوجود وتحافظ على نفسها، ومنها رسالة الإسلام - ولك أن تطبقها على أية رسالة... إلى عدة مقومات أستطيع تصنيفها إلى:

عوامل ذاتية وموضوعية، فأما الذاتية فهي ترجع إلى:

(أ) ذات الرسالة من حيث المحتوى والمضمون

(ب) ذات حاملها وما يمتلك من مؤهلات وقابليات وملكات. وأعني بالعوامل الموضوعية، العوامل الخارجية المحيطة بالرسالة، ورسالة الإسلام اكتملت فيها هذه المقومات، فمن الناحية الذاتية ذات الرسالة شريعة إلهية نزلت من خالق السماوات والأرض، وذات حاملها أكمل مخلوق وأشرف مخلوق،

وأما العوامل الموضوعية الخارجية فهي ثلاثة:

أولاً: القوة التي تدافع عن الرسالة وحاملها، وقد تمثلت بأمير المؤمنين (علیه السلام).ثانياً: العنوان الاجتماعي الكبير الذي يمثل الغطاء والحصانة الاجتماعية لحامل الرسالة فيحميه من الأخطار .

ثالثا: المال .

إقناع الناس بالإسلام

إننا مسؤولون عن إقناع الناس بالإسلام كمنهج شامل للحياة وان ذلك إنما يتحقق من خلال الوصول إلى مفاصل الحكومة والنجاح في العمل وحسن الأداء وحينئذ ستزداد ثقة الناس وإيمانهم بالإسلام.

الحرب الخفية

إن الأخطر منه (أي حرب العدو الخارجي) هو الحرب الخفية بتشويه صورة الإسلام، وتمييع أحكامه، وإفراغه من مضامينه، والإكتفاء بالشكليات، فلا مانع من أن تتحجب المرأة ولكن على الطريقة الأمريكية، أو، الفرنسية، ولا بأس بأن يلتزم الشاب بالصلاة والصوم ما دام غربياً في أفكاره وولائه ومظهره وأن يكون إهتمام الناس منصبَّاً على الازدياد من المظاهر الدنيوية، فلا يستقر في دار حتى يطمح إلى أحسن منها.

أحذروا الأعداء

أعداء الإسلام لا يتركون فرصة لإبعادنا عن إسلامنا وقرآننا إلا استغلوها بوسائلهم

ص: 98

الخبيثة المتعددة يساعدهم على ذلك جهلنا وانبهارنا بحضارتهم المادية الزائفة ولا نأخذ العبرة من أمم سابقة سادت العالم ولم تكن الشمس تغيب عن ممالكهم ثم سقطوا وانتهوا لعدم استنادهم إلى ركن وثيق .

إيصال صوت الإسلام

أننا نعيش بفضل الله تبارك وتعالى فرصة عظيمة لإيصال الكلمة الطيبة إلى مسامع العالم التوّاق للسلام والسعادة والخير، بعد أن فشلت أمامه كل الأيديولوجيات وبعد أن فشل غير إتباع أهل البيت (عليهم السلام) في عرض الإسلام بشكله الصحيح مما أوجب نفوراً وارتداداً لدى معتنقيه، فالعالم كله ينتظر منكم يا اتباع أهل البيت (عليهم السلام) أن تعكسوا لهم الصورة النقية الناصعة للإسلام المملوءة بالرحمة وحب الخير والسلام والطمأنينة لكل البشر.

الإسلام وانتصاره على أعدائه

أن للإسلام القدرة ليس فقط على ردع مشاريع الغزو والاحتلال والفساد وإنما له القدرة على التأثير في الغزاة والمحتلين وإقناع الكثير منهم بالإسلام كما حصل للمغول حينما غزوا بغداد وسرعان ما اعتنقوا الإسلام ودعوا إليه. لكن هذه النتائج الكبيرة مشروطةبالعمل الدؤوب المخلص وبالترفع عن الأنانيات والمصالح الشخصية والفئوية.

إيجابية الاختلاف الفقهي

يعتبر الاختلاف بين الفقهاء في المذهب الشيعي في استنباط الأحكام جانباً إيجابياً كبيراً يدل على دينامكية الجو العلمي وحركيته وإبداع علمائه، وبعكسه الجمود والانغلاق الموجود في غيره من المذاهب الإسلامية فهو عامل سلبي وحالة من التحجم غير أن هذه الحالة الإيجابية من تعدد الآراء المتنوعة ينبغي أن لا تكون سبباً للتقاطع والعداء بين مختلف التوجهات من أتباع هذا المذهب الشريف، والسبيل الحقيقي في ذلك هو أن نعود إلى الله تبارك وتعالى وأن نحطم صنم العصبية المقيت الذي نعبده من دون الله تعالى، كما قال جل ثناؤه: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ) فتجد شخصاً يتعصب لعشيرته، وآخر متعصب لمرجعيته، وثالث متعصب لحزبه، وهكذا.

إيجابية تعدّد الآراء الفقهية

إن تعدّد الآراء الفقهية والرؤى الاجتهادية تبعاً للاختلاف في فهم نصوص التشريع حتّى تصل أقوال الفقهاء في مسألة واحدة إلى أكثر من عشرة، وهذه حالة إيجابية أصّل لها

ص: 99

المشرِّع الإسلامي وتدل بعض الروايات على أنّ الأئمة (عليهم السلام)كانوا يتعمّدون إلقاء أجوبة مختلفة في الموارد الممكنة لمصالح مهمّة ذكروها وتُعدُّ من المفاخر التي ورّثها أئمة أهل البيت (عليهم السلام) لأتباعهم هو فتح باب الاجتهاد وإعطاء حريّة النظر والاستنباط من المصادر الأصلية للتشريع (أعني القرآن الكريم والسنة الشريفة) ليعطي الفرصة لكل جيل أن يفهم النصوص الشرعية وفق ما تراكم لديه من إرث علمي وثقافي ونفسي واجتماعي مع مستجدات الواقع الذي يعيشه، والاستفادة من كل الأدوات المتوفّرة لديه بعيداً عن التقليد والجمود، وقد أمر الأئمة (عليهم السلام) علماء الدين بأن لا يُقسِروا النصوص على فهم معيّن ويحصروها به، وإذا تعسّر عليهم شيء فليتركوا فهمه للزمان فسيأتي الجيل الذي يفهمه وفق متطلبات عصره ويأخذ حاجته منه (سأل رجلٌ الإمام الصادق (علیه السلام): ما بال القرآن لا يزداد على النشر والدرس إلا غضاضة؟ فأجابه الإمام (علیه السلام): (لأن اللّه تعالى لم يجعله لزمان دون زمان ولا لناس دون ناس فهو في كل زمان جديد وعند كل قومٍ غض إلى يوم القيامة) وروي عن ابن عباس أنه قال: (لا تُفسّروا القرآن فإن الدهر يُفسّره).

تبرئة النص الديني

إن اتهام النص الديني بالابتعاد عن الواقع ليس صحيحاً لأنه إنما ورد ليعالج الواقع ويرتقي به وليس يتناول أمورا خيالية، وان كثيرا من الآيات القرآنية نزلت في حوادثمعينة شرحها المؤلفون في علم (أسباب النزول) وكذلك الأحاديث الشريفة جاءت جوابا عن تساؤلات ومشاكل، مضافا الى ان الشريعة تضمنت قواعد عامة تغطي الاحتياجات المستجدة للإنسان الى يوم القيامة، ولم يقف الشيعة حيارى إزاء اي قضية مستحدثة، وتوجد كلمة مشهورة: (ما من واقعة الا ولله فيها حكم) فاتهام من يتمسك بالشريعة بالابتعاد عن الواقع غير صحيح، أما دور العقل فيتلخص في قراءة و فهم النص واستنباط الموقف منه اولا وفي الحكم ببعض القضايا التي تقع في دائرة عمله ثانيا لذا كان العقل أحد مصادر التشريع عند الشيعة الأمامية لكن يجب ان نعترف ان المنتوج البشري يبقى مليئا بالثغرات و النقائص إذا لم يستلهم من النص الشرعي ولذا تجد القوانين الوضعية عرضه للنقض و التغيير والحذف باستمرار وهذا دليل قصورهم. مضافا الى ان العقل محدود ولا يستطيع تفّهم كل شيء ويعجز عن إقناع نفسه قبل ان يقنع الآخرين اي لا يستطيع تحريك وجدانه وقلبه للإيمان بالقضية التي أذعن بها، وهذه الحقيقة نقلها القران الكريم عن النبي إبراهيم (علیه السلام): (قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) فالعقل مؤمن بالقضية لكن قلبه لم يذعن مثله .

ص: 100

نَفَس النص الديني

إن نَفَس النص الديني فيه خطاب التخويف والتحذير وفيه خطاب التحبيب والجذب والتودد، لأن كلا السياستين ضروريتان لتحريك الإنسان وهما متوازنتان في الشريعة، وان كان الشارع المقدس يريد من الناس ان يتحركوا بخطاب الحب ولا يلجئونه الى خطاب التخويف، لكن فئة من الناس لا ينفع معها الا خطاب التخويف، والأنظمة والوضعية تعتمد نفس الأسلوبين فهناك قانون للمكافئات وقانون للعقوبات، انظر كيف يقسم أمير المؤمنين (علیه السلام) عبادة الناس الى ثلاث اقسام : خوفاً من النار وسماها عبادة العبيد، وعبادة طمعاً في نعيم الجنة وسماها عبادة التجار، وحبا لله تعالى لانهم وجدوه أهلا للعبادة وسماها عبادة الأحرار وهي الأفضل طبعاً.

ص: 101

الفقيه (مقامه ومسؤولياته)

الفقهاء أمناء الرسل

التأمل في حديث (الفقهاء أمناء الرسل) واختيار مفردة (الرسل) دون (الأنبياء) مثلاً للإشعار بأن الفقهاء مسؤولون عن حمل امانة الرسل وحمايتها وصيانتها من الانحراف وتحبيبها إلى الناس حتى يقنعوا بها بشتى وسائل الاقناع فلا يكون الفقيه جديراً بأن يكون أميناً للرسل حتى يؤدي هذه الوظائف في حياة الأمة وقد فصلت الحديث عنها في كتاب (دور الأئمة في الحياة الإسلامية).

الفقيه الجامع للعلوم الأكاديمية يكون ...

العالم الديني الذي يملك الادوات المتعددة من العلوم يكون تأثيره في المجتمع أكبر وفهمه للواقع المعاش أوسع ورؤيته أنضج كما أن تلقي الناس منه وإقبالهم عليه يكون أفضل حينما يعلمون شهادته العلمية أو يرون من تطعيم أحاديثه الدينية بأفكار ونظريات علمية وهو سر نجاح عدد من الخطباء المرموقين.

الدور الحقيقي للفقيه

لا ينبغي للفقيه أن يفهم دوره كمفتي ينتظر من يسأله عن مشكلة ما فيعطيه حلها أو يكتب رسالة عملية قلَّ من يفهمها بل يجب عليه ان يعرف انه قائد تنتظر منه الأمة الكثير وهي تلتف حوله وتتفانى في حبه بمقدار ما يؤدي من هذا الدور لا من الدور الأول مهما كان ثقله وعليه ان يتحرك نحو المجتمع ولا ينتظر ان يتحرك المجتمع اليه ويقصده وربما استدل لذلك بقوله تعالى: (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ) فهم الذين يبدأون قومهم بالإنذار وتبليغ الرسالة ويصف امير المؤمنين (علیه السلام) رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأنه: (طبيب دوار بطبه) وليس يجلس في بيته ينتظر مجيء المرضى المصابين بالرذائل الخلقية والمعاصي والبعد عن الله تبارك وتعالى وشريعته المباركة.

من مسؤولية الفقيه

وان كان من الصحيح في الجملة إن الفقيه غير مسؤول عن تشخيص الموضوعات وتطبيق الاحكام على صغرياتها إلا إنه قد يكون من الضروري تدخله في ذلك من جهة أهمية المسألة وضرورة وحدة القرار فيها وهذا يحتاج إلى المام واسع بالعلوم التي تشخص

ص: 102

الموضوعات وبالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية للمجتمع.

الفقيه بالمصطلح القرآني وبالمعنى الحوزوي

بين الفقيه بالمصطلح القرآني والفقيه بالمعنى الحوزوي عموم من وجه إذ قد يكون فقيهاً بالمعنى القرآني وهو ليس كذلك بالمعنى الحوزوي اذ يوجد الكثير من اولياء اللهالعارفين ولهم الكرامات المشهودة مع انهم لم يبلغوا درجة عالية في العلوم الحوزوية وقد يكون العكس فتجد شخصاً امتلأ ذهنه بالنظريات والافكار الاصولية والمعقولية والمسائل الفقهية بحيث تجده ملماً حتى بدقائق المسائل لكن قلبه غير معمور بذكر الله تعالى ولو سألته عن ابسط مسألة في تهذيب النفس والسلوك الصالح إلى الله تبارك وتعالى وتصفية الباطن وتطهير القلب لبقي متحيراً فمثل هذا ليس فقيهاً بالمعنى القرآني والكامل هو من جمع المعنيين .

صفات ومميزات صاحب مقام المرجعية وأصحاب العناوين الحوزوية الأخرى:

أولاً / على صعيد بناء الذات في الجانب الاخلاقي:

أ أن يكون له استعداداً وتكاملاً نفسياً عظيماً...قال تعالى: (لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) والعهد في الآية يراد به الإمامة بمقتضى تسلسل الآيات التي تتحدث عن جعل إبراهيم(علیه السلام) إماماً، فسألها لذريته فأجيب بهذا القول، والمرجعية هي إمامة بالحمل الشايع حيث يقوم الولي الفقيه بوظائفها. وتفسر آية أخرى الظلم بأنه الشرك: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) والشرك له مراتب عديدة منها الخفي ومنها الجلي، وكل من عصى الله فقد أطاع غيره وأشرك به، فتكون النتيجة أن المرجعية وولاية أمر الأمة لا يكون إلا لمن نزه نفسه عن طاعة غير الله تبارك وتعالى، ولن تجد لغير الله سبحانه عليه سبيلاً بعصمة الله وتسديده .

ب - الإعراض عن الدنيا وزخارفها وملذاتها الفانية وعدم التكالب عليها .

ج - الثبات على الحق وصلابة الإرادة وعلو الهمة ورباطة الجأش وقوة القلب وشجاعة النفس وعدم التزلزل والتراجع مهما كانت الضغوط عليه عظيمة ومهما كانت المغريات كبيرة .

د - سعة الصدر وتحمل الناس على اختلاف مستوياتهم وطبائعهم، وهو القائل (آلة الرئاسة سعة الصدر) .

ه - الرحمة والرأفة بالمؤمنين .

ص: 103

و - الاهتمام بالقرآن الكريم .

ز - عدم التقاعس عن أداء المسؤولية والوظيفة الشرعية بالتمسك بمبررات واهية كقلة الأتباع ونحوه .

ح - الاتعاظ بكل ما حوله وأخذ العبرة من كل شيء يمر به، وهذه العظة والعبرة رزق يقذفه الله في قلب من يشاء .

ط - عدم الاغترار بالمنصب والجاه وكثرة الأتباع والمريدين في أي موقع كنت (مرجعادينياً أو إمام جماعة أو مدرسا حوزوياً أو خطيب منبر)، ففي الحديث: (إنما أهلك الذين من قبلكم خفق النعال من ورائهم) .

ي - التواضع بغير تكلف.

ثانياً / على صعيد إصلاح المجتمع وتقويمه وبنائه أو ما نسميه ب(الوعي الاجتماعي) :

أ - أن يكون طبيباً معنوياً يعالج بتعاليمه وآدابه وأحكامه أمراض الروح والنفس والقلب، فإنه لم يقبع في بيته ينتظر أن يأتيه السائل، بل كان يقصد الناس في بيوتهم وأماكن تجمعهم ...وها هي الآية الشريفة تصرح بذلك: (فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)...فالفقيه هو الذي يقصد قومه ويحذرهم ويرشدهم ويهديهم، فهل استفاد أحد هذا الدرس من الآية الشريفة؟ وهل كتبنا في بعدها الاجتماعي عشر ما كتبناه عن الاستدلال بهذه الآية الشريفة عن صحة خبر الواحد والإشكالات على ذلك وردّها رغم أن ذلك من أوضح الواضحات؟ ونسينا واجبنا المهم .

ب - عدم اتخاذ بطانة وحاشية قبل التحقق من إخلاصهم لله تبارك وتعالى وشعورهم بالمسؤولية أمام مجتمعهم، بحيث تجدهم يفكرون في هموم الناس وآلامهم وآمالهم أكثر مما يفكرون في مصالح أنفسهم، قال الله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً).

ج - عدم الاستخفاف بالناس الضعفاء والمتدنين اجتماعياً أو اقتصادياً، وفي مقابلها الاهتمام بالوجهاء والأثرياء، قال الله تعالى مؤدباً نبيه: (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) .

د - الحرص على وحدة المسلمين والضرب بشدة على من يسعى لتمزيقهم وتشتيتهم

ص: 104

وتفريق أمرهم .

سمات الفقيه العارف

لابد أن تكون للفقيه العارف بالقانون الإلهي والقادر على استنطاق مصادر التشريع والأخذ منها وأن يكون بدرجة عالية من النزاهة وعدم الانسياق وراء أهواء النفس والترفع عن الدنيا والذوبان في الله تبارك وتعالى بحيث يعيش معه في كل وجدانه وأن يكون متخلقاً بأخلاقه تبارك وتعالى .

غياب الهدف الاجتماعي

إن غياب الهدف الاجتماعي عن أذهان الفقهاء بغض النظر عن أسبابه ومبرراته لهالأثر الكبير في تباطؤ بل تجميد الفقه الاجتماعي الذي هو ليس غريباً ولا مبايناً للفقه الفردي الموجود، بل إنه يولد في أحضانه.

صلاحيات الفقيه ومسؤولياته

كما أنّ الفقيه الجامع للشرائط نائب عن الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في الامتيازات والصلاحيات فهو نائب عنه في تحمل المسؤوليات والقيام بالوظائف التي كان يؤديها الإمام (علیه السلام) وقد ذكرنا جملة وافرة منها في كتاب (دور الأئمة في الحياة الإسلامية).

واجبات الفقيه ووظائفه

إنّ الفقيه الجامع للشرائط لما كان نائباً عن الإمام المعصوم(علیه السلام) بالنيابة العامة لا الخاصة التي تعني تعيينه بالنص من قبل الإمام فله كل الصلاحيات والوظائف التي جعلها الله تبارك وتعالى للإمام(علیه السلام) مما يرجع إلى تدبير شؤون الأمة ديناً ودنياً والتي يتعذر على الامام المعصوم الحجة الغائب القيام بها لمنافاتها لمقتضى المصلحة الالهية باخفاء امره على الناس، ويستثنى منها الوظائف الخاصة بالإمام كالتبليغ عن الله تبارك وتعالى والصفات الخاصة بالإمام كالعصمة. والدليل على هذه الولاية لنائب الإمام - في حال غيبته- هو نفس الدليل على وجوب وجود الإمام نفسه وهو حكم العقل بوجوب نصب إمام ومرجع يحفظ البلاد وينظّم أمور العباد الدينية والدنيوية وقد عبّر أمير المؤمنين عن هذا الوجوب بقوله: (لا بد للناس من أمير بر أو فاجر يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلّغ الله فيه الأجل، ويجمع به الفيء، ويُقاتَل به العدو، وتأمن به السُبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي، حتى يستريح بَرٌ ويُستراحُ من فاجر) ومع ثبوت هذه اللابدّية فيلزم منها جعلها من قبل الله تعالى ولا بد أن تكون للفقيه العارف بالقانون الإلهي والقادر على

ص: 105

استنطاق مصادر التشريع والأخذ منها وأن يكون بدرجة عالية من النزاهة وعدم الانسياق وراء أهواء النفس والترفع عن الدنيا والذوبان في الله تبارك وتعالى بحيث يعيش معه في كل وجدانه وأن يكون متخلقاً بأخلاقه تبارك وتعالى.

الفقهاء المجددون والمنكفؤن

إن مذهب الشيعة الجعفرية له القدرة على التجديد وتحديث الأفكار والآليات لانفتاح باب الاجتهاد عندهم ومن العناصر المهمة في عملية الاجتهاد لتحصيل الحكم الشرعي هو ملاحظة الزمان والمكان وما يعرف بالعناوين الثانوية ومناسبات الحكم والموضوع، لكن تقييم تجارب المؤسسة الدينية في مراحلها المتعددة يختلف باختلاف أنماط المرجعية التي تقف على رأس المؤسسة الدينية فيوجد فقهاء مثقفون متحركون متجددونمواكبون للحياة لذلك استطاعوا إقناع النخب العلمية والمثقفة والتفوا حولها إلى حد الفناء في أفكارها كالسيد الشهيد الصدر الأول (قدس سره) وتوجد مرجعيات منكمشة منكفئة على ذاتها وتقتصر على أقل ما يكفي لبقاء الحياة.

ثمار تعدد آراء الفقهاء

تظهر إيجابية التعدّدية في آراء الفقهاء من أكثر من جهة:

1- إنها تعطي فرصة لكل جيل أن يفهم النصوص وفق متطلبات عصره وملابسات الزمان والمكان ونحوها من العناصر التي تشكّل قرائن لفهم النصوص الشرعية.

2- إنها تحمي الدين من أخطاء علمائه وحملته، فلو كان للشريعة فهم واحد فإنّ رفض هذا الفهم ينعكس على الدين نفسه فيؤدي إلى رفضه، كالذي حصل للكنيسة في العصور الوسطى حيث أدّى إكراهها لأتباعها على نمط معين للحياة إلى رفض الدين من الأساس، فتصوّروا لو أن الإسلام له صورة واحدة هي التي يسوّقها التكفيريون والإرهابيون فكيف ستكون النظرة إلى الإسلام نفسه؟ أما حينما توجد وجهات نظرٍ معتدلةٌ وحضاريةٌ فإنها تحمي الإسلام من تلك الرؤى الخاطئة.

3- إيجاد منافذ وخيارات بديلةٍ عند العسرِ والحرج ورفع التضييق عن الأمّة، فمثلاً شخصٌ يرجع إلى فقيهٍ يحرّمُ حلقَ اللحية وهو يجد حرجاً في تطبيقِ هذا الحكم فيرجع في هذه المسألةِ إلى فقيه آخر لا يرى حرمة حلقها وهكذا، لذا يلتزم الفقهاء بإرجاع أتباعهم إلى فقهاء آخرين في موارد الاحتياط الوجوبي وفق عمليّة منضبطة بقواعد، أي أنّ الفرد يلتزم بالرجوع إلى مرجع معيّن وهو الذي يراه جامعاً للمؤهِّلات، ويرجع إلى غيره في حدود

ص: 106

الرخصة التي يمنحها له مرجعُ تقليدِه، فالعملية ليست عشوائية أو انتقائية بحيث يستطيع الشخص أن يرجع إلى من يشاء في كلّ مسألة بحسب أهوائه ومشتهياته فيختار آراءً شاذة في كل مسألة لأنّه سيصل في النهاية إلى دين مشوّه لاتُحفظ فيه المعالم العامّةُ والأساسيةُ للدين.

ص: 107

ولاية أمر الأمة وقيادتها

وظائف ولي أمر الأمة

ولاية أمر الأمة، وهذا العنوان يضمّ عدة وظائف:

1- رعاية شؤون الأمة -كياناً وأفراداً- ومصالحها وحل مشاكلها وقضاء حوائجها.

2- الدفاع عن حقوق الأمة في جميع النواحي الدينية والاقتصادية والسياسية والفكرية والأخلاقية والاجتماعية.

3- المحافظة على وحدتها وتماسكها وصيانة عزّتها وكرامتها.

4- هدايتها إلى الكمال وإرشادها وتوجيهها إلى ما يسعدها ويصلح حالها في الدنيا والآخرة.

5- الوقوف في وجه الظلم والفساد والانحراف وتفعيل وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

6- القيام بما يتوقف عليه حفظ النظام الاجتماعي العام.

7- التصدي للوظائف الاجتماعية التي لا يجوز تأديتها اعتباطاً كإقامة صلوات الجمعة وتنظيم العمل المسلح وتحديد مصارف الأموال العامة ومستحقيها ومراعاة العدالة في الاستفادة من الثروات الطبيعية والأراضي العامة ونحوها.

8- التدخل لتشخيص الشبهات الموضوعية التي ليست هي من وظائف المفتي لكنها من وظائف القائد وولي أمر الأمة كإثبات أوائل الشهور وكانتهاك المقدسات الموجب للدفاع المسلح ونحوه.

شمولية نظام ولاية الفقيه

إن ولاية أمر الأمة ممارسة عملية واسعة تدير شؤون الحياة بكل تفاصيلها فإنها تحتاج إلى مؤازرة ونصرة، وقدرة لدى الأنصار على تحمل المسؤوليات على مختلف مستوياتها كالعسكرية، و السياسية، والاقتصادية، و الإدارية، و الفكرية، والإعلامية، والاجتماعية، وغيرها، ومالم يجد الإمام العدد الكافي من القادرين على النهوض بمفاصل المشروع المخلصين له و المطيعين لأوامره، فإنه لا يتحرك بمشروعه في ولاية أمر الأمة وإدارة شؤونها مع انه حق حصري به، خوفاً على الرسالة من الفشل و الضياع وتعريضها لضربةٍ قاضيةٍ من الأعداء. لذا نعتقد إن عرض الأمة نصرتها الصادقة للمعصوم(علیه السلام) وقناعته بقدرتها على تحمل المسؤولية شرط ومقدمة لإعمال المعصوم هذا الحق وتنفيذه على الأرض،

ص: 108

والشاهد على ذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يقم دولته المباركة ويمارس صلاحياته فيسياسة أمر الأمة في مكة بل في المدينة المنورة بعد أن بايعه أهلها في العقبة الأولى والثانية واشترط عليهم أن ينصروه ويحموه كما يحمون نسائهم وأموالهم. ولما لم يجد أمير المؤمنين (علیه السلام) عدداً كافياً من الأنصار بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) اعتزل أمر الناس وتركهم لما أرادوا فانقلبوا على أعقابهم مع الاستمرار في وظائف الإمامة الأخرى. ولما وجد الأنصار بعد مقتل الثالث وانثال الناس عليه بالبيعة نهض بالأمر وولي أمر الأمة.. وهذا الشرط كما هو ملاحظ في بداية النهوض بالأمر، كذلك هو مطلوب لاستدامة التصدي، فمتى ما شعرت القيادة الدينية إن الأمة قد تغيرت، وأنها لا تريد هذه القيادة وهذا النظام، ولم تعد مستعدة للدفاع عنهما ونصرتهما، بسبب شقوتها وسوء اختيارها ولانسياقها وراء الشهوات وحب الدنيا والإخلاد إلى الأرض وتزيين الشيطان وتضليل الأعداء، فإن الإمام والقائد يعيد إليها أمرها وليتولاه من تشاء إن كانت لها أراده، أو يتولاها من يقهر إرادتها ويتسلط عليها بالقوة.

مسؤولية إمام الإمة

الإمام (المعصوم (علیه السلام)) وإن سكت عن المطالبة بحقه في السلطة الدنيوية من أجل حفظ الإسلام وكيان المسلمين إلا انه لا يمكنه باي حال من الاحوال التنازل لهم عن الامامة الدينية أو الاعتراف بهم وامضاؤهم كممثلين لهذه السلطة فان في ذلك خيانة لله ولرسوله وللإسلام على ان هذا الحق لا يتصور التنازل عنه فانه ليس امتيازاً أو موقعاً حتى يتخلى عنه، بل قدرة وقابلية على تلبية احتياجات الأمة فكل من كان قادراً على ذلك ووجدت الأمة حاجتها وآمالها وطموحاتها عنده أصبح إماماً.

استحقاق لقب (نائب الإمام(علیه السلام))

لا يمكن إطلاق لقب (نائب الإمام) على كل مجتهد عادل حتى لو كان مرجعاً تتوفر فيه الشروط الأخرى المذكورة في الرسالة العملية، ما لم ينهض بأعباء ومسؤوليات الإمام(علیه السلام) الواسعة بحسب استعداداته وقابلياته الناشئة من الفوارق الذاتية بين المعصوم وغيره؛ لأن ذلك مقتضى معنى النيابة، وهذا واضح في سائر المواقع كالوظائف السياسية والإدارية فإن النائب يقوم بواجبات المنوب عنه في غيابه، أما إذا كان يتمتع بالامتيازات أكثر مما يقوم به من الواجبات فهذا مصداق للمطففين الذين وعدهم الله عز شأنه بالويل العكس من

ص: 109

ذلك فإنها لا تكتفي بعدم التقدم بل تتراجع وتفرّط بما مكّنها الله تبارك وتعالى من إمكانيات وتضيّع هذا الرصيد الضخم فإنا لله وإنا إليه راجعون.

لإحداث التغيير لابد من..

إن وجود القيادة والزعامة الجامعة للشروط في الأمة لا يكفي وحده لإحداث التغيير والإصلاح وبلوغ الأهداف المنشودة ما لم تتحرك وتتحفز نوازع ودوافع الخير لدى الإنسان بداخله، وبالمقابل فإن عوامل الفساد والتخريب الخارجية لا يمكن أن تؤثر إذا لم تجد استجابةً لها من قبل بعض النفوس المريضة المنحرفة.

دور الامام (علیه السلام) ونائبه

الامام (أو نائبه بالحق) يجب أن يواجه الفلسفات والتيارات الفكرية التي تعصف بالمجتمع بما يفندها ويعري زيفها من الاصول الإسلامية ولكل زمان ما يناسبه من الأدلة التي تنسجم مع الاتجاهات الفكرية العامة فيه وتستند على المبادئ الاصيلة للدين الحنيف .

الولي الفقيه والعلم الإلهامي !

إذا كان علم الامام إلهامياً - كما نعتقد نحن الإمامية - فالذي نستفيده هنا إن ولي أمر المسلمين يجب ان يكون كذلك باعتباره وارثهم(عليهم السلام) أو يوفر عنده من يقوم بذلك.

إعمال ولاية الفقيه مشروطة ب..

لا يفرض الفقيه ولايته على الأمة بالإكراه وإنّما يشترط تحقق إرادتها واقتناعها بولايته، نعم، لا نقصد بالأمة كل الأمة ولا يتم اختيار الولي الفقيه بالانتخابات العامة لكل الناس وإنّما نقصد بالأمة أهل الخبرة والاختصاص منها في هذا المجال وهم فضلاء وأساتذة الحوزة العلمية الشريفة المتصفون بالورع والنزاهة والمعرفة بمتطلبات العمل الاجتماعي وتطبيق المشروع الإسلامي المبارك.

منشأ ولاية الفقيه

ولاية شؤون الأمة لا تكون بالادعاء ولا بالتسلط ولا بالقهر وإنما بإرادة الأمة وبالآلية التي تضعها لنفسها فولي أمر المسلمين يختاره أهل الخبرة من المجتهدين ومن قاربهم في العلم والفضيلة والورع والترفع عن الدنيا وهكذا بقية مواقع المسؤولية في الأمة.

ص: 110

معيار القائد الحقيقي

لو كان النبي الكرم (صلى الله عليه وآله) مدعياً بغير حق ويبتغي بدعواه الوصول إلى السلطة والنفوذ وحيازة الدنيا لأستعبدَ الناس واستأثرَ بخيراتهم ولأبقاهم على قيود الجهل والغفلة والتخلف ليسيطر عليهم ويتمكن من مقدراتهم كما يفعل كل الطغاة والمستبدين، وهذا معيار ينفع في تمييز القيادات الحقة في كل المجالات وأولها القيادات الدينية التييفترض أنها تمثل نيابة المعصومين(عليهم السلام).

توضيح لنظام الولاية وسلطة الولي الفقيه

نظام ولاية الفقيه لا يعني فرض رأي الشخص على الأمة ولا مصادرة إرادتها أو الانقلاب على الديمقراطية كما يظهر من بعض الكلمات، وإنما الفقيه هو راعي إرادة الأمة وصمام الأمان لحفظ كرامتها ووحدتها لأنه يمثل القانون والشريعة، وسلطته لا تعني سلطة الشخص بل سلطة القانون وإذا حولها إلى سلطة شخص فسيكون فاقداً للعدالة التي هي من الشروط الأساسية للولي الفقيه. وقد شبّهت الحالة في بعض كلماتي بسلطة القاضي فحينما يحكم فإن حكمه نافذ على الأمة لأنه يحكم باسم القانون وليس باسم الشخص، ولا نقبل بتغيير حكمه حتى لو اعترض المعترضون أو خرجت المظاهرات لتغيير حكمه، نعم يمكن مناقشته في المقدمات التي استند إليها أو الوسائل التي استخدمها لتغيير ما ابتنى عليها من حكم).

هل يمكن تطبيق نظام ولاية الفقيه في العراق؟

نحن لا نرى مجالاً الآن لتطبيق نظام ولاية الفقيه في العراق لأنه مشروط بإرادة الأمة وعرضها النصرة على الفقيه الجامع للشرائط ولا يوجد مثلها الآن لعدة أمور ذكرناها في عدد من خطابات المرحلة، ويدل على هذا الشرط باختصار قوله تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) فلا يستطيع الفقيه فرضها على الأمة حتى ولو كان مستحقاً لها ثبوتاً وواقعاً، ويدل عليه السيرة العملية للمعصومين (عليهم السلام) فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يقِم دولته المباركة في مكة وإنما أقامها في المدينة بعد أن بايعه أهلها على السمع والطاعة وأن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأموالهم، وكذا أمير المؤمنين فإنه ما تصدى للخلافة إلا بعد أن ازدحم الناس على بيعته بعد مقتل الخليفة عثمان وقال (علیه السلام) مشيراً إلى هذا الشرط: (لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر لألقيت حبلها على غاربها) فلا يكفي ادعاء الولاية ولا بسطها من دون إرادة الجماهير. وبهذه الالتفاتة الدقيقة نحل جملة

ص: 111

من الإشكالات حول ولاية الفقيه كمسألة تعددهم في مجتمع واحد أو بسط ولاية فقيه مقيم في بلد على بلد آخر أو ما يحلو للبعض أن يقول أنه إذا ادعاها فقيه وجب على الآخرين طاعته والانقياد له.

عوامل نجاح أو فشل تطبيق نظام ولاية الفقيه في العراق

إن النظام الديمقراطي في حالة تطبيقه بشكله الصحيح ووصول أشخاص أكفاء إلى الحكومة فهو يحتوي على 80% مما تمنحه التجربة الإسلامية، أما بالنسبة للنظامالإسلامي المطبق في ايران فإن فرصة نجاحة ضئيلة في العراق كما أن فرصة القناعة به ضئيلة أيضاً، وثانياً لأن الخط العام للحوزة العلمية في النجف بمجمله يسير ضمن الخط الذي لا يؤمن بولاية الفقيه، واكثر الاتباع في العراق هم اتباع هذا الخط وقد أدى هذا الى عدم تبلور نظرية ولاية الفقيه فكرياً وعملياً، ومع ذلك فان هذه القناعة يمكن أن تزداد لدى الأمة مع زيادة وعيهم والتفاتهم إلى قيادتهم الحقيقية وفشل الحلول الأخرى.

حاكمية الولي الفقيه

عندما لا يكون النظام السياسي قائماً على أساس الإسلام ولا يكون الفقيه مبسوط اليد فإنّه يأذن بتصرفات الحكومات القائمة في حدود ما فيه حفظ النظام الاجتماعي العام وعدم مخالفتها للشريعة فتكون تلك الحكومات بمثابة الوكيل عنه في هذه التصرفات وهو المالك الحقيقي لها لذا يشترط استئذانه في هذه التصرفات ويترتب على ذلك أنّ كل ما جرت عليه يد الدولة من أبنية ومؤسسات واستثمارات وغيرها فمالكها الحقيقي هو الإمام ويحتاج التصرف فيها الى اذن من نائب الامام وهو المرجع، وليست هي من مجهول المالك أو من المباحات العامة التي تُملك بالحيازة ووضع اليد.

مسؤوليات الولي الفقيه تجاه العملية السياسية

يمكن تلخيص بعض مسؤوليات الولي الفقيه تجاه العملية السياسية بنقاط:

1. ترشيد عمل السياسيين وتسديدهم على طبق القوانين الإسلامية وتقديم الأفكار والمشاريع التي تحقق الأغراض المرجوة.

2. تصحيح الأخطاء والانحرافات ومعالجتها بحزم.

3. غربلة المرشحين لمواقع الإدارة والسلطة وتأييد الصالح منهم.

4. إعطاء الشرعية للقوانين والمصادقة على نتائج الفعاليات لتكون شرعية.

5. الاحتكام اليه اذا اُشكلت الامور وأعيتهم الحيل والتدابير .

ص: 112

وعلى هذا فقد سجّلت اعتراضي على المقولة المتداولة على ألسنة بعض المتصدين (إن المرجعية تقف على مسافة واحدة من الجميع) فهذا موقف المداهن والمجامل على حساب الحق ويخالف المبادئ القرآنية (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ)، (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) (أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى).

نصرة الولي الفقيه

من وجوب نصرة الأمة للفقيه الجامع للشرائط القائل بالولاية حتى يمكّن له في الأرض ويفعّل ولايته ويقيم شرع الله تعالى بمقدار ما يتيسّر له أي لتحقيق الآية الشريفة:(الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ) ونصرته تكون بنصرة أتباعه الذين يعملون بتوجيهاته وينفذون مشاريعه على أرض الواقع.

وظيفة الولي الفقيه

الولي الفقيه والمرجع الجامع لشروط القيادة ليس جزءاً من السلطة التنفيذية في الدولة، ولا هو رئيس كيان سياسي وإنما هو الراعي لها كما يرعى كل المشاريع الإصلاحية في الأمة سواء كانت دينية أو اجتماعية أو أخلاقية أو ثقافية وما هو أوسع من ذلك؛ لأنّ موقع المرجعية ووظائف المرجع أوسع من هذا بكثير بسعة متطلبات المشروع الإسلامي الذي يجب أن يقود الأمة.

اختيار القائد

من علامة اختيار القائد للأمة استشعاره المنن الإضافية، وإحساسه الوجداني بالفيوضات الإلهية، ليس على صعيد العلم والمعرفة بالله سبحانه، بل في سائر الملكات النفسية الشريفة: كالورع، والتقوى، والشجاعة، والصبر، والحلم، وكظم الغيظ، والكرم، والقناعة، والغنى عما في أيدي الناس، وقطع الأمل عما سوى الله تبارك وتعالى، وهي أمور تُحَسُّ بالوجدان، ويعتبر تحققها إذناً من قبل الله سبحانه، واختباراً منه تبارك وتعالى لهذا المنصب الشريف، وعندئذ يرعاه الله بعنايته، ويسدد خطاه، ويجري الخير عليه، وإذا تهالك على هذا المنصب وتنافس عليه فسيتخلى الله سبحانه عنه، ويوكله إلى نفسه تطبيقاً للحديث (من اختاره الله سبحانه لأمر أعانه الله عليه، ومن اختار لنفسه وكَّله الله إليها).ولأن هذا الأمر وجداني غير قابل للإستدلال؛ أذكر المزيد من الشواهد على كون هذه الحالة الوجدانية التي يسكبها الله تعالى في قلب من يختاره شرطاً للإذن في التصدي للمواقع

ص: 113

الشريفة، ومنها ما ورد في زيارة الإمام الحسين (علیه السلام)، أنك تقف على الباب، وتستأذن، فإذا خشع قلبك، ودمعت عيناك، فهي علامة الإذن بالدخول. وينقل عن بعض أهل المعرفة أنه قدم للزيارة فقرأ الإستئذان ورجع ولم يدخل، وكررها ثانياً، ودخل في الثالثة، فقيل له في تفسير ذلك، قال: لأنني لم أحصل على الإذن في الدخول إلا في الثالثة، بهذه العلامات الوجدانية.

أهم شروط قيادة البشرية

إن قيادة البشرية نحو تكميل النفوس بالفضائل، وتخليتها عن الرذائل، لا يقوم بها إلا من بلغ أعلى درجاتها.

نتائج سوء اختيار القائد

(عندما تولي الأمة أمرها غير صاحب الحق الشرعي تنتج) النتائج السلبية الاتية:النتيجة الأولى: تصدي اناس غير مؤهلين لإمامة الامة فمن المعلوم ان اية رسالة واية ايديولوجية -بتعبير اليوم- لا بد ان يكون حاملها مستوعباً لها بشكل كامل فهماً وتطبيقاً بحيث تكون هذه العقيدة هي الموجهة له في كل سلوكه وتصرفاته وافكاره وعلاقاته.

النتيجة الثانية: فتح باب الاجتهاد مقابل النص أي الحكم والتشريع بالآراء الشخصية خلافاً للنص الالهي الحكيم وهو يعني ان الإنسان ينصب نفسه مشرعاً والهاً يطاع في مقابل الوهية الله تبارك وتعالى الذي هو وحده له حق التشريع والحاكمية .

النتيجة الثالثة: عرقلة تربية الأمة وتكاملها .

النتيجة الرابعة: تمزق الامة وتشتتها وتفرقها شيعاً واحزاب (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) وهذه نتيجة طبيعية للابتعاد عن الامامة الحقيقية لأن سر تشريع الامامة هو تحصين الامة من التمزق والانحراف كما قالت الزهراء (عليها السلام) في خطبتها الشهيرة بعد وفاة أبيها (صلى الله عليه وآله): (وجعل امامتنا نظاماً للملة) أي تنتظم بها امورهم وتستقر .

النتيجة الخامسة: عزل الدين عن إدارة الحياة بكل أبعادها وتفاصيلها واقتصاره على الطقوس التعبدية والشؤون الفردية فقط .

النتيجة السادسة: حدوث الانفصال بين الامة والخلافة لان الامر لم يعد في نظر المتصدين أمر إصلاح وهداية وتكميل النفوس ونيل رضا الله تبارك وتعالى حتى تتعلق بهم الأمة وتهفوا اليهم القلوب، بل زعامة وملك ومصالح واستئثار واستعلاء.

ص: 114

النتيجة السابعة: تأخر ركب الحضارة الإنسانية بحيث احتجنا إلى أربعة عشر قرناً لكي نصنع الطائرة والكومبيوتر ونغزو الفضاء وكان يمكن لهذه الامور وغيرها مما لم يصل اليه العقل الإنساني إلى الان ان تتحقق قبل مدة طويلة لان اليد الالهية واضحة.

فسح المجال للقائد

على القائد الذي يشعر أنه ليس له القدرة على مليء موقعه أن يترك الفرصة لغيره ممن له القدرة على أن يكون بمستوى المسؤولية.

أهمية القائد الواعي المُكمل للمسيرة

إن أية رسالة مهما كانت تمتلك من نقاط قوة -كرسالة الإسلام- تموت بموت صاحبها فإنه من المقطوع به ارتباط الرسالات والدعوات بحامليها المقيمين عليها المدافعين عنها المستوعبين لإسرارها لذلك فإنها تنتهي بنهاية صاحبها الا ان يواصل الطريق من هو جدير بحملها .

هذا المرجع لايصلح لنيابة المعصوم(علیهم السلام)!

المرجع الذي لا يتحرك بالمشروع الإلهي ولا ينزل إلى أرض الواقع ليقنع الناس به ويأخذ بأيديهم في طريق الهداية والصلاح والتكامل لا يصلح أن يكون نائباً للمعصوم حتى لو طبع رسالة عملية تاركاً الخيار للمكلفين إن شاءوا أخذوا بها أو لم يأخذوا وينتظر من يراجعه ولا يتحرك هو إليه بشكل من الأشكال. لأن غاية ما تؤديه هذه الأمور إراءة الطريق والعمل على نطاق محدود وهي وظيفة الأنبياء وطوبى لمن وصلها، لكن الإمام هو من لا يقتصر دوره على ذلك وإنما يأخذ بأيدي الناس ويوصلهم إلى الهدف كمن لا يكتفي بدلالة التائه الذي لا يعرف الطريق الذي يوصله إلى ضالته، وإنما يصطحب هذا التائه ويوصله إلى هدفه، وهذه هي وظيفة أصحاب الرسالات وهم الرسل والأئمة (عليهم السلام)، فنائب الإمام يرث منهم هذه المسؤوليات الواسعة.

خطورة غياب القائد

إن غياب القائد والموجه المتمثل بالمرجع الفذ له الأثر الكبير في خمود النصوص وجمود الشعائر وعدم فاعلية هذه المحاضرات الملقاة في المجالس الحسينية لعدم الحضور القيادي عن يمينها وشمالها خير شاهد على ذلك إن القران الكريم هو حبل الله المتين وصراطه المستقيم وفيه نبأ ما قبلنا وخبر ما بعدنا والحكم فيما بيننا ومع ذلك فهو لا يضيء الدرب لوحده ولا يروي الظامئ ما لم يكن إلى جانبه قرناؤه وتراجمته وهم آل محمد ومعلوم

ص: 115

ان امتداد إمامتهم مناطة بالفقهاء العدول وليست المجالس الحسينية بأعلى شأنأً من القران الكريم لذا فلا يتوقع منها أن تؤتي أكلها مع عدم ارتباطها بالمرجع المشرف ولذا أصبحت توجيهات هذه المجالس غير عاملة في المجتمع بل كانت معطلة من حيث التطبيق.

مشكلة تأليه القادة

إن الارتباط بذات القائد مهما كان القائد عظيماً - كالرسل (عليهم السلام) - يؤدي إلى نتائج سلبية، عديدة، وتكون المشكلة أعظم لو لم يكن هذا القائد من المعصومين(عليهم السلام) ومن الأخطاء التي تمخض عنها هذا التقديس للذات، التأليه وهذا تيه عظيم.

القائد وصفة الفراسة

إن صفة الحذق والفراسة صفة مهمة في شخصية المتصدي لمسؤولية اجتماعية، أما إذا كان ساذجاً قصير النظر فسيكون مصيدة سهلة للمنافقين والأعداء والانتهازيين، ومن السهل اختراقه وتمرير المخططات عليه. وكانت هذه السذاجة عند بعض من تولى قيادة الأمة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) باباً جَرَّ الويلات على الإسلام والمسلمين، وما زلنا نعاني من آثارها .

القائد الرسالي

سمو الهدف يشغل القائد الرسالي عن الإلتفات إلى ذاته، والتأثر لها، والإنفعال بملابساتها.

أول سلاح يُستعمل في مواجهة المصلح

إن التشويه لشخِّصية المصلح، وإحاطتها بالضباب الكثيف الذي يمنع الرؤية الصحيحة مع ما يرافقها من تزييف الحقائق، وهو أول سلاح يُستعمل في المواجهة، هَمُّ ثقيل، وحَرَج آخر يلقي بكلكله على الروح، وقد يشعر القائد بالإحباط واليأس، من التغيير من أول خطوة بعد ان مسخوا شخصيته اما المجتمع واصبح مرفوضاً حتى عند أقرب الناس إليه ثَمَّ يأتي دور الأسلحة الأخرى في المواجهة، كتعذيب المؤمنين أو سجنهم او قتلهم او التآمر على قتل القائد نفسه .

يفرز تصدي غير المؤهلين (لولاية أمر الأمة) عدة آثار خطيرة:

1. تشوّه صورة الإسلام نفسه .

2. تجرّي أعداء الإسلام .

ص: 116

3. انفتاح باب الطمع بهذا المنصب الشريف لكلّ محبي الرئاسات والجاه واتباع الهوى بعد ان اصبح نيله ليس بالاستحقاق وفق معايير الرسالة

(16) صفة للقائد الرسالي

وهي تمثِّل صفات وخصائص من يتولى أمر الأمة تأسياً برسول الله (صلى الله عليه وآله)، ومن هذه الصفات:

الصفة الأولى: التذكُّر الدائم لقدرة الله عليه والتصرف بحاله .

الصفة الثانية: الإعراض عن زخارف الدنيا وزينتها وزبرجها .

الصفة الثالثة: المبدأية، وهي صفة تختصر عناوين كثيرة كالثبات على الحق، وصلابة الإرادة، وعلو الهمة، ورباطة الجاش، وقوة القلوب، وشجاعة النفس، وعدم التزلزل والتراجع مهما كانت الضغوط الخارجية عظيمة، ومهما كانت المغريات كبيرة .

الصفة الرابعة: سعة الصدر، وفي الحديث (آلَةُ الرِّئَاسَةِ سَعَةُ الصَّدْرِ)...ومن لا يجد في نفسه هذا الإستيعاب لاستحقاقات الموقع فلا يتصدى لمثل هذه المناصب الشريفة والمقامات الشامخة.

الصفة الخامسة: التواضع، ولا يتميز عن أصحابه بمأكل، ولا بملبس، ولا بمجلس، وإذا دخل منزلاً قعد في أدنى المجلس .الصفة السادسة: الرحمة ورقة القلب، والرأفة بالمؤمنين، ومشاركتهم في آلامهم وهمومهم، يصف القرآن الكريم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، بأنه (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) فيؤلمه ويعز عليه أن يصيب العنَتَ أحداً من المؤمنين، وهو حريص عليكم، فكان يودُّ أن يؤمن جميع الناس، ويدخل كل البشر الجنة .

الصفة السابعة: الإحساس الوجداني بالتسديد الإلهي، وشموله بالرعاية الربانية، وعدم انقطاع اللطف الإلهي عنه... من خلال تحقق علامات وجدانية باطنية يحسها الشخص حين إختياره لقيادة الأمة وولاية أمرها وحمل امانة الأنبياء.. ومن هذه العلامات إستشعار هيبة وخشية إضافية لله سبحانه عند تشريفه بمنصب إلهي كبير، عَنْ هَارُونَ بْنِ الْفَضْلِ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا الْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ فِي الْيَوْمِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام) فَقَالَ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، مَضَى أَبُو جَعْفَرٍ (علیه السلام)، فَقِيلَ لَهُ: وَكَيْفَ عَرَفْتَ؟، قَالَ: لأَنَّهُ تُدَاخِلُنِي ذِلَّةٌ لِلَّهِ لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهَا)..ويبقى هذا العطاء الإلهي مستمراً ومحسوساً، مادام في هذا الموقع، إن كان تلبُّسه به حقيقياً لا ادعاءاً وتقمصاً.

الصفة الثامنة: الحياة في ظل القرآن، فما من قائد ومصلح يسعى لإنجاح مسيرته إلا

ص: 117

ويجب عليه أن يعيش مع القرآن بكل كيانه ويتزود منه، فإنه (تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ)،و(ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ)...فإن الحياة في كنف القرآن كفيلة باطلاع القائد وتزويده بما لا غنى عنه.

الصفة التاسعة: التحلِّي بالأخلاق الفاضلة، وتهذيب النفس، وتطهير القلب من الرذائل .

الصفة العاشرة: قوة العاطفة .

الصفة الحادية عشرة: الأبوية .

الصفة الثانية عشرة: عدم خلق المبررات للتقاعس عن المسئولية، كالإعتذار بقلِّة الأنصار، أو، قلة الإمكانيات، أو، عدم وجوده على رأس الهرم، وقمة القيادة الدينية، أو السياسية.

الصفة الثالث عشرة: الحذق والفراسة، ودقة النظر في الأمور، ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): (اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ، فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)

الصفة الرابع عشرة: الإلتفات وعدم الغفلة .

الصفة الخامس عشرة: عدم الإغترار بالمنصب والجاه، وكثرة الأتباع ، وحَذَّر (صلى الله عليه وآله وسلم) من ذلك بقوله: (إنما أهلك الذين من قبلكم خفق النعال من ورائهم)...فإن أعظم الأمراض القلبية: حب الجاه، والتسلُّط، والرئاسة، والملك ، وولاية امر الامة، وسائرالعناوين البراقة، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (آخر ما يُنزع من قلوب الصدِّيقين حَبُّ الجاه) وهو داء أهلك الكثيرين، وأوردهم النار عن علم وعن عمد، وبئس الورد المورود.

الصفة السادس عشر: النجاح في اجتياز الإبتلاءات التي لا بُدَّ منها في هذه الدنيا، وإجراءاً لسنن الله تبارك وتعالى في مخلوقاته، ولكل مسئولية وموقع ابتلاءات وامتحانات لا بُدَّ من تجاوزها، والغرض منها تأهيل الشخص لذلك المقام الذي يريد الله تبارك وتعالى أن يعطيه إياه .

أهداف القائد الحقيقي

المفروض في القائد أن يستهدف ما عند الله سبحانه، وبتعبيرنا أن يفعل ما يراه حجة بينه وبين الله سبحانه، سواء رضي الناس أم أبوا، قال على (علیه السلام): (لا يَزِيدُنِي كَثْرَةُ النَّاسِ حَوْلِي عِزَّةً، وَلا تَفَرُّقُهُمْ عَنِّي وَحْشَةً) وإلا فما فائدة كثرة الأتباع حولك، وأنت تزداد غياً وبُعداً عن الله سبحانه.

ص: 118

مخاطر انحراف القائد

إن داء حب الجاه والتسلط إذا تمكَّن من قلب القائد، أو، المتصدي للمجتمع، بأي موقع كان، فإنه سيؤدي به إلى الإنحدار، وسيكون منشأً لعدة رذائل قلبية أولها؛ الرياء، فإنه يبدأ بالتصنُّع والتكلُّف، ليستهوي قلوب الناس، وسيكون هدفه رضا الناس، لا رضا الله تبارك وتعالى، وسيسير وفق أهواء الناس ومشتهياتهم، ويخشى الناس، أي انفضاض الناس من حوله، ولا يخشى الله...وعندئذ ستكون الناس هي المحركة والموجهة للقائد بحسب رغباتها، وليس هو الذي يحركها، قال تعالى: (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأْرْضِ يُضِلُّوكَ)... وهنا تزداد المشكلة سوءاً، فإنه حينما يريد أن يفعل فعلاً فسوف لا يفكر بما يرضي الله سبحانه، أو، تقوم عليه حجة شرعية، بل يفعل ما يرضي الناس، ويزيد من خفق النعال خلفه، وسيبدأ القائد بالخداع والتضليل، والوعود الخلابة .

أسباب فصل السلطة (الدينية والدنيوية)

(إن الذين يفصلون بين السلطتين(الدينية والدنيوية) لا يذعنون لخطأ هذه الفكرة ) لعدة أمور:

1- ان الشريعة لا تنسجم مع اهوائهم وانانيتهم وحبهم للاستئثار بالفيء وسائر الامتيازات وتتعامل مع الجميع على حد سواء.2- إن تحكيم الشريعة فيه اظهار لجهلهم وقصورهم وتقصيرهم وهو ما تأباه نفوسهم الامارة بالسوء.

3- إن ذلك ايضاً يعني احتياجهم للإمامة الدينية وبالتالي يعني تفوق اولئك عليهم واستحقاقهم لهذا الموقع بدلاً عنهم.

القائد وصفة الأبوية

الأبوية من الصفات المهمة في القائد والمصلح والمسؤول، لأنها تعني الكثير من الخصال الحميدة التي تُنجح العمل، ومنها حب رعاياه كما يحب أبنائه، والإخلاص لهم، وبذل الوسع من أجل إسعادهم، وصناعة مستقبل زاهر لهم، ومن مظاهر هذه الصفة التضحية من أجلهم، وإيثارهم على نفسه، فيجوع ليشبعوا، ويتحمل المتاعب والآلام، ويقتحم الصعاب والمخاطر، وسهر الليالي، من أجل أن يرتاحوا ويتنعموا.

من سلبيات بعض القادة

غالباً ما يتوفر نقصاً في تفكير قادة الوعي الإسلامي حيث ينهمكون في العمل

ص: 119

الاجتماعي وتربية الناس عليه ويتركون بناء الأمة أخلاقياً وكانت من نتائج ذلك فشل الكثير في المواقف الحاسمة أو سقوطهم في رذائل الأنانية وحب الحياة والعنوان والتحزب والفئوية والتقاطع في العمل مع الآخرين إلى حد المعاداة والخصومة .

ولي أمر المسلمين ومنصب الإمامة

حينما يقول الله تبارك وتعالى (قد افلح المؤمنون...إلخ الآية) فإن رسول الله (صلى الله عليه واله) يجسد الصورة المثلى والكاملة لتلك الصفة الحميدة .ويليها الكلمات التي وردت عن المعصومين(عليهم السلام) في ذلك، فعندما يصف أمير المؤمنين (علیه السلام) المتقين، فيفترض أن القائد الذي يلي أمر الأمة هو أشرفهم وأكملهم، وفيه ما فيهم، وزيادة، لأننا نقول إن الإمام (علیه السلام) أكمل الخلق، وجامع لصفاتهم الحميدة كلها، وولي أمر المسلمين وقائدهم ومرشدهم وهاديهم هو إمام بالحمل الشايع، أي عملياً وعلى أرض الواقع وإن لم يكن منصوصاً عليه بالإسم فإنه يؤدي وظيفة الإمام، وإن لم يكن إماماً بالحمل الأولي، فيجب أن يكون متصفاً بأكمل صفات المسلمين وأعلاها مرتبة.

ما ينبغي على الفقيه القائد تطبيقه وفق منهج أهل البيت(عليهم السلام):

أولاً/ رعاية الأمة عموماً :

1. تموين الأمة بالعلم والعقيدة والفكر وشخصيتها الإسلامية الاصيلة.

2. مقاومة التيارات الفكرية التي تشكل خطرا على الرسالة.1. مواجهة المشاكل والتحديات التي تواجه كيان الأمة ودولتها.

2. تثبيت حق أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في ولاية أمر الامة وحفظه من الضياع.

3. المحافظة على وحدة المسلمين.

4. معايشة آلام الأمة وآمالها والاهتمام بما يجري للقاصي والداني.

5. تحذير الأمة من الممارسات الخاطئة في فهم وتطبيق الإسلام.

6. تربية الأمة على اخلاق الإسلام والالتزام بتعاليمه.

7. الاهتمام بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

ثانياً/ رعاية الشيعة خصوصاً :

1. تنظيم شؤونهم الداخلية من خلال عدة أمور:

ص: 120

الاول: وضع معالم نظام المرجعية والتقليد حيث يكون المرجع هو ولي أمور الأمة نيابة عن الإمام المعصوم ويقوم بجميع مسؤوليات الإمام ويستمد شرعية طاعته من وجوب طاعة الإمام

الثاني: تشجيع الحركة الفكرية من خلال فتح باب الاجتهاد لذوي الكفاية والقابلية ليتمكن المسلمون من تطبيق شريعة الإسلام في كل زمان ومكان ومواكبة تطورات الحياة والحث على طلب العلم وتكريم العلماء،

الثالث: الحث على التدوين والتأليف لديمومة الرسالة وصيانتها

الرابع: ضرورة اهتمام بعضهم بأمور البعض الآخر انطلاقاً من الحديث الشريف والشامل لكل الأمة «من أصبح ولا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم»،

الخامس: التأكيد على مراعاة العلاقات الاجتماعية بينهم لزيادة التقارب والألفة ومن هذه المناسبات عيادة المرضى والتهنئة بالأفراح وتشييع الجنازة والتعزية بالمصائب وإطعام الطعام وإفشاء السلام.

2. توفير ما يشبه الصندوق المالي.

3. صيانة حقوق الشيعة وأرواحهم وممتلكاتهم .

4. تسهيل سبل الاتصال بشيعتهم

5. تفهيمهم المعنى الحقيقي للتشيع وصفات الشيعي

6. الاشراف المباشر أو تأليف لجنة للإشراف.

7. حفظ الشيعة والتخطيط لحمايتهم.

8. النهي عن المبالغة في نقل المناقب والكرامات.2. تهيئة الاذهان لقبول الافكار الجديدة.

3. تحميل كل شخص المسؤوليات حسب درجته وقابلياته النفسية والتربوية .

4. الثناء عليهم والاشادة بهم وبيان عظيم منزلتهم.

5. الدعاء لهم في ظهر الغيب.

ثالثاً/ العلاقة مع حكام الجور :

1. ايقاف الحاكم عن المزيد من الانحراف.

2. تعرية الزعامة المنحرفة إذا شكلت خطراً.

3. التنديد بجرائم السلطات واستنكار جرائمها.

4. قول كلمة الحق في وجوههم بإرادة صلبة لا تلين وقوة نفسية.

ص: 121

5. مسايرة الحكام ما داموا في خط الإسلام في الجملة وإسداء النصيحة لهم.

6. عدم الركون اليهم ورفض ولايتهم وعدم مداهنتهم مما يؤدي الى امضاء انحرافهم.

7. التعاون معهم في مجابهة المشاكل التي تهدد كرامة الدولة وتعجز الزعامات عن حلها وتهدد سياسة الدولة.

8. الحذر من اعطاء أي ذريعة للوقيعة بهم.

9. مواجهة المؤامرات التي تقوم بها السلطات الظالمة.

الفرق بين الوكالة والنيابة عن الامام (علیه السلام)

يتضح الفرق عند التأمل في حديثين وردا في فضل العلماء، أحدهما قول الإمام (علیه السلام): (العلماء ورثة الأنبياء) وثانيهما (الفقهاء أمناء الرسل) بضميمة ما رواه أمير المؤمنين (علیه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفيه:(الفقهاء قادة) فالعلماء بما تحملوا من علوم هم ورثة الأنبياء، أما إذا تحركوا بهذا العلم في واقع حياة الناس لإقناعهم بالرسالة الإلهية استحقوا أن يكونوا أمناء للرسل حملة الشرائع السماوية وامتداداً لدورهم الرسالي، فالفرق بين العالم والفقيه الذي يستحق قيادة الأمة وولاية أمورها كالفرق بين الأنبياء والرسل الذي هو معلوم، واستحقوا بذلك أن يكونوا قادة للأمة ونواباً لأصحاب الرسالات المعصومين (سلام الله عليهم) وهذا الفرق بين نيابة المعصوم(علیه السلام) والوكالة عنه بالرغم من أنه على مقتضى القاعدة التي قربناها، وأنه لا دليل عندهم على أن كل عالم مجتهد عادل تتوفر فيه شروط التقليد هو نائب عن الإمام، وكل الذي ورد هو تخويله ببعض الأمور كالإفتاء والقضاء بين الناس -كما في مقبولة عمر بن حنظلة- ولا تصلح النيابة إلا لمن تحمل وظائف الإمام (علیه السلام) في حياة الأمة، أقول بالرغم من ذلك كله فقد دلت عليه بدقة رواية معتبرة. فقد روى المحققالثقة الشيخ عباس القمي في كتابه المعروف (مفاتيح الجنان) عن الميرزا حسين النوري (قدس سره) صاحب مستدرك الوسائل حادثة لقاء الحاج علي البغدادي (الذي وصفه بالسعيد الصالح الصفي المتقي) وأوردها النوري في كتابيه (جنة المأوى) و(النجم الثاقب) ولها فوائد جليلة، ومحل الشاهد منها أن الحاج البغدادي لما أخبر صاحبه في الطريق -وهو لا يعرفه أنه الإمام المهدي (علیه السلام)- أنه أعطى جزءاً من حقوقه الشرعية إلى الشيخ الأنصاري (قدس سره) وجزءً إلى الشيخ محمد حسين الكاظمي - صاحب هداية الأنام - وادّخر جزءاً لإعطائه إلى الشيخ محمد حسن آل ياسين الكاظمي، فقال له(علیه السلام): (نعم قد أبلغت شطراً من حقنا إلى وكلائنا في النجف الأشرف) إن هذا التفريق الذي نذكره بين العنوانين ليس مسألة اختلاف في الألفاظ أو العناوين بل له

ص: 122

واقع وحقيقة من خلال المواقع والوظائف التي له الحق في التصدي لها، إذ ليس لغير من ينطبق عليه عنوان نائب المعصوم (علیه السلام) ولاية أمر المسلمين أو قيادة الأمة أو اتخاذ القرارات العامة ما لم يتحمل مسؤولية العنوان ويتحرك به في تمام ما يقتضيه من وظائف ولا يكفي فيه مجرد الادعاء.

كيفية تعيين نائب الأئمة المعصومين (عليهم السلام)

تعيين الائمة المعصومين (عليهم السلام) يكون بالنص من الله تبارك وتعالى وتوجد نصوص وفيرة تذكرهم على نحو المجموع وأخرى تعينهم فرداً فرداً وقد جمع عدداً كبيراً منها الشيخ الكليني في أصول الكافي أما نوابهم فهم معينون بالأوصاف والشروط فمن انطبقت عليه بحسب شهادة أهل الخبرة العارفين فهو نائبهم بالحق. والشروط هي، الاجتهاد والعدالة في أعلى صورها والكفاءة في القيادة، ومن اعتقد بحجية أوامر شخص لاجتماع الشروط فيه وجبت طاعته وحرمت مخالفته. أما التسديد الذي من آثاره الرحمة واللطف بالعباد وإجراء ما هو خير لهم فإنه من الصفات الإلهية الذاتية وقد لا يستحق المتصدي لأمر ذلك لأنه ليس أهلاً وقد تقمصها بغير استحقاق إلا أنه ما دام قناة لإجراء هذه الآثار للأمة فإن الله تعالى يجريها وهو أحد نتائج الحديث الشريف: (ان الله يؤيد هذا الدين برجال لا خلاق لهم) لكن الذين يختارهم الله تعالى لموقع المسؤولية الشريفة فان الله تعالى يتولاهم برعايته ويسددهم ويلهمهم الخير(وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ) لطفاً بهم وبالأمة.

تأمل في حديثين شريفين

عند التأمل في حديثين وردا في فضل العلماء، أحدهما قول الإمام (علیه السلام): (العلماء ورثة الأنبياء) وثانيهما (الفقهاء أمناء الرسل) بضميمة ما رواه أمير المؤمنين (علیه السلام) عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) وفيه: (الفقهاء قادة)، فالعلماء بما تحملوا من علوم هم ورثة الأنبياء، أما إذا تحركوا بهذا العلم في واقع حياة الناس لإقناعهم بالرسالة الإلهية استحقوا أن يكونوا أمناء للرسل حملة الشرائع السماوية وامتداداً لدورهم الرسالي، فالفرق بين العالم والفقيه الذي يستحق قيادة الأمة وولاية أمورها كالفرق بين الأنبياء والرسل الذي هو معلوم، واستحقوا بذلك أن يكونوا قادة للأمة ونواباً لأصحاب الرسالات المعصومين (سلام الله عليهم).

موجبات الاهتداء للقيادة الحقة

ص: 123

إذا أرادت الأمة أن تسير نحو الكمال فعليها أولاً الاهتداء إلى قيادتها الحقيقية المتمثلة بعد انتهاء العصر الظاهري للمعصومين بالمرجعية الشريفة الجامعة للشروط الثابتة - كالاجتهاد والعدالة والذكورة - والمتحركة كالرؤية الميدانية الدقيقة والمعايشة مع الواقع، والتفاعل مع قضايا الأمة والتشخيص الواعي الحكيم لمشاكلها وطرق معالجتها، فإن التشخيص الدقيق هو نصف الطريق نحو العلاج، كالطبيب الذي يستخدم كل الوسائل من قياس الضغط وعدد دقات القلب والحرارة ولون الوجه وحركة العين وغيرها ليشخص الحالة ثم يصف الدواء. والمرجعية تمتلك من الوسائل ما يؤهلها لتحقيق هذه الرؤية الدقيقة من حيث فهمها العميق للرسالة واتصال جميع عقول الأمة بها ووجود المستشارين حولها إضافة إلى خصائصها الذاتية من الحكمة وسعة الصدر والرحمة والرفق بالأمة والنصح لها، ثم تعرض سماحته باقتضاب إلى عناصر القوة الأخرى التي تستثمر طاقات الأمة وتوجه مسيرتها.

استمرارية القيادة الواعية

القيادة الواعية تتمثل في الائمة (عليهم السلام) أعدال الكتاب وبعد عصرهم في نوّابهم بالحق من العلماء الفقهاء العدول الذين لهم الكفاءة في قيادة أمر الأمة والدراية الكافية في شؤونها وأي محاولة لأبعاد القيادة الحقيقية عن مكان الصدارة يجعل الثورة منحرفة عن الغايات الحقيقية سواء حقّقت نجاحاً عسكرياً وتسلّمت سلطة أو لا .

صلاحيات ووظيفة الفقيه النائب

إنّ الفقيه الجامع للشرائط لما كان نائباً عن الإمام المعصوم (عجل الله تعالى فرجه الشريف) بالنيابة العامة لا الخاصة التي تعني تعيينه بالنص من قبل الإمام فله كل الصلاحيات والوظائف التي جعلها الله تبارك وتعالى للإمام مما يرجع إلى تدبير شؤون الأمة ديناً ودنياً والتي يتعذر على الامام المعصوم الحجة الغائب القيام بها لمنافاتها لمقتضى المصلحة الالهية بإخفاء امره على الناس، ويستثنى منها الوظائف الخاصة بالإمام كالتبليغعن الله تبارك وتعالى والصفات الخاصة بالإمام كالعصمة... ويجب على الفقيه أن يخطط وينفذ قولاً وعملاً بمقدار ما ييسره الله تبارك وتعالى له لإقناع الناس بالإسلام والنظام الإسلامي وصلاحيته لقيادة البشرية نحو السعادة والسلام.

مراقبة القائد

يجب على كل من يُسلّم قياده لأحد أو يدخل في طاعة أحد ومتابعته، أن يراقبه فإن

ص: 124

كان في طاعة الله سبحانه سار معه وإلا نبذه وتخلف عنه، فإنه حينئذ -كفرعون- يقدم قومه حتى يوردوهم النار وبئس الورد المورود.

عصرنة إصلاح القائد الواعي

من الضروري أن يعيش المسلم واقعه ويتفاعل معه، ولا يستنسخ تجارب وأفكار الآخرين، بل يهضمها ويتمثلها ويستفيد منها في مواجهة تحدياته الفعلية، مثلاً كانت في الخمسينات والستينات مشكلة الإلحاد وإنكار وجود الله تبارك وتعالى، فانبرت الأقلام وملأت الصحائف للرد على هذه الموجة وإثبات وجود الله تبارك وتعالى. أما الآن فحتى الماديون الغارقون في الجاهلية يؤمنون بوجود الله، فهل نستمر بنفس الجهاد والجهد السابقين؟ كلا طبعاً، وإنما مسئوليتنا اليوم أن نعمّق الإحساس بوجود الله، وأن نعلم أنفسنا والناس كيف نتعامل مع الله تبارك وتعالى كموجود فعلاً، وليس موجوداً نظرياً ولكنه غائب عن ساحة التطبيق، وهذا ما يعكسه واقع المسلمين والمؤمنين بالله عموماً، فإنه ليس لله في حياتهم مكان سوى بعض الطقوس الشكلية الخالية من المحتوى، فالصحيح إذن أن يكون المفكر والمسلم عموماً واعياً لظرفه، مستوعباً لمشاكله بشكل دقيق، منشغلاً في تحضير العلاج المناسب لها، ولا يجترّ معلومات السابقين، بل حتى ولا أفكار المعاصرين ممن يعيشون في ظروف اجتماعية وتحديات فكرية لا نعيشها نحن، وإلا سنكون كمن يغرد خارج السرب كما يقول المثل.

مؤهلات الزعامة والقيادة

للزعامة والقيادة والرئاسة على الناس شروط ومواصفات وخصائص يجب توفّرها ليكون مؤهلاً لهذا الموقع الشريف والروايات في ذلك كثيرة لا يسع المجال ذكرها، وإنما نورد شيئاً منها للاتعاظ والتدبر.. ومن تلك الشروط: توفّر ملكة الاجتهاد والإحاطة العلمية التامة بأصول الشريعة وكيفية تحصيل الحكم الشرعي والموقف إزاء أي قضية تواجه الأمة من تلك المصادر، فعن العيص بن القاسم قال: (سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: عليكم بتقوى الله وحده لا شريك له وانظروا لأنفسكم، فوالله إن الرجل ليكون له الغنم فيها الراعي، فإذاوجد رجلاً هو أعلم بغنمه من الذي هو فيها يخرجه ويجيء بذلك الرجل الذي هو أعلم بغنمه من الذي كان فيها، والله لو كانت لأحدكم نفسان يقاتل بواحدة يجرب بها ثم كانت الأخرى باقية تعمل على ما قد استبان لها، ولكن له نفس واحدة إذا ذهبت فقد والله ذهبت التوبة فأنتم أحق أن تختاروا لأنفسكم، إن أتاكم آت منا فانظروا على أي شيء

ص: 125

تخرجون).. ومن مؤهّلات الزعامة: الخصائص والملكات النفسية والمعنوية، عن الإمام الباقر(علیه السلام): (إن الإمامة لا تصلح إلا لرجل فيه ثلاث خصال: ورع يحجزه عن المحارم، وحلم يملك به غضبه، وحسن الخلافة على من وُلّي حتى يكون له كالوالد الرحيم).

حفظ الشريعة رهن اختيار القيادة الحقة

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ..) فجعل الله تبارك وتعالى تعيين القيادة وتنصيب ولاة أمر المسلمين في كفّة والرسالة كلها بكفّة أخرى، وإن لم تنجح الأمة في اختيار قادتها الحقيقيين وإيصالهم إلى المواقع التي يستحقونها فإنها ستضيّع الشريعة كما حصل خلال القرون المتمادية، ولم يبق على دين الحق إلا النزر اليسير من هذه البشرية الضالة المتعبة.

تنصيب القيادة الحقة

إن القيادة ليست شيئا يُدّعى ولا ينال بالقهر والتسلط بالقوة وإنما هي علاقة تنشأ بين القائد والآخرين يحددها عاملان هما حاجة الآخرين إلى الشخص وإحسانه إلى الآخرين، قال أمير المؤمنين (علیه السلام): (أحسن إلى من شئت تكن أميره، واستغن عمن شئت تكن نظيره، واحتج إلى من شئت تكن أسيره) وقيل لأحد العلماء ما هو الدليل على إمامة أمير المؤمنين (علیه السلام) فقال: (حاجة الناس إليه واستغناؤه عن الناس) فكلما كان الإنسان معطاء في حياته ومحسنا إلى الناس كل أشكال الإحسان فإن حاجة الناس إليه ستزداد وستختاره لقيادتها ، على إننا تعلمنا من أئمتنا المعصومين عليهم السلام الزهد في المناصب واحتقار الدنيا التي تُنال بالظلم والعدوان والمكر والخديعة، ولا نرى المناصب إلا وسيلة للإحسان إلى الناس ورفع الظلم عنهم وإسعادهم وتوجد كلمات جليلة لأمير المؤمنين (علیه السلام) في هذا الصدد في نهج البلاغة لا ينبغي لأحد أن يغفل عنها.

التنازل لمن هو أكفأ

من الصفات الرئيسية التي أكد الأئمة المعصومون (عليهم السلام) على توفّرها في من يسوس أمر الأمة ويتولى القيادة والإدارة في أي موقع كان خصوصاً الفقهاء والأمراء، أي المرجعية الدينية والسلطة الحاكمة: أن يكون (مخالفاً لهواه مطيعاً لأمر مولاه) كما فيالحديث المروي عن الإمام العسكري (علیه السلام) ومن أعلى موارد اختبار وجود هذه الصفة وأشدّها: تنازله عن الموقع إلى غيره ممن يراه أكفأ منه وأقدر على القيام بوظائف هذا الموقع، أما لتفوّق هذا البديل، أو لعجزه هو عن مواكبة التحديات وتحمّل المسؤوليات التي

ص: 126

تتوسّع وتتعقّد بمرور الزمن، ومثل هذه الخطوة تحتاج إلى قوة قلب للتغلب على هوى النفس التي تصرّ على التمسّك بموقع النفوذ والجاه والسلطة والحصول على مزيد من الامتيازات.

البيعة الحقيقية للقائد هي..

إن البيعة الحقيقية هي في الالتزام بما أمر الله تعالى ورسوله الكريم والأئمة المعصومون (عليهم الصلاة والسلام) والعمل بتوجيهات المرجعية الرشيدة التي تصدر تباعاً، ولا زال الكثير منها طيَّ النسيان والغفلة والتكاسل والتقصير.

ص: 127

المرجع ومقام المرجعية ووظائفها

مطالبة المرجع

توجد مسؤولية على الأمة يجب ان تعيها وتؤديها وهي مطالبة المرجع بتعيين البديل فاذا عينه كان من واجبهم الالتفاف حوله والاشادة به ودلالة المجتمع عليه وقد تكاملت هذه التربية عند اصحاب الائمة (عليهم السلام) فكانوا يسألونهم (مَنْ الحجة بعدك) و(الى من المفزع اذا حدث حادث) وهكذا.

المرجعية الشريفة وهي لها شكلان:

الأول: المرجعية الفردية التي يقتصر عملها على استنباط الحكم الشرعي من دون العمل على تطبيقه ودفع المجتمع إلى امتثاله والأمر راجع إلى المكلف ان شاء طبق أو لا ولا تتدخل الا في حدود الشؤون الفردية وما يبرئ ذمم المكلفين كأفراد.

الثاني: المرجعية الاجتماعية التي لا تكتفي بمستوى النظرية أي مجرد التقنين والتشريع وانما تعمل على تهيئة كل الفرص واتخاذ مختلف الاساليب لإقناع الناس بتطبيق الشريعة في كل تفاصيل حياتهم واذا لم تنفع وسيلة جربت اخرى، وقد شبهت الاولى بالأم التي تهيئ الطعام لولدها المريض وتترك الباقي عليه ان شاء اكل وان شاء لم يأكل وقد لا يعرف مصلحته فيموت جوعاً. والثانية تشبه الام التي لا تكتفي بإعداد الطعام بل تطيبه وتعمل كل المرغبات والمحفزات لولدها كي يأكل ويحفظ حياته ويستعيد عافيته ولا شك ان الثانية ارحم وأرأف واكرم واصبر من الاولى أو قل انها اكثر اتصافاً بالأسماء الحسنى التي ورد الحث على التخلّق بها. وهذه المرجعية الثانية هي الاكثر التصاقاً بالناس واعمق تأثيراً فيهم والاكثر تعلقاً بهم وهي الاجدر بتمثيل دور المعصومين (عليهم السلام).

الشهادة المتبادلة بين المرجعية والأمة

من مسؤوليات المرجعية ووظائفها الشهادة على الأمة لأنها امتداد للإمامة التي هي وارثة الرسالة والنبوة وقد وصف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في القرآن الكريم بأنه (شاهد) بكل ما تعني الشهادة من هداية إلى الحق وإصلاح للخطأ والفساد وتقويم للاعوجاج وتشخيص للخلل وغيرها، ولكن المرجعية باعتبارها غير معصومة فهي لا ترث كل وظائف الإمامة وامتيازاتها فشهادة القيادة المعصومة لا تقابلها شهادة من الأمة عليها بينما الأمة شاهدة على المرجعية بمعنى أنها تراقب حركة المرجعية وتتأكد على الدوام من قيامها

ص: 128

بوظائفها، لأن المرجع لم يعيَّن بالاسم وإنما بالشروط والأوصاف فمن انطبقت عليه رجعت إليه الأمة ولو تجرد عنها تخلّت عنه. ومن المفارقة أن الرسائل العملية للمرجعياتالتقليدية تتضمن آلاف المسائل التي تعلّم أتباعها تكاليفهم ولكنها لم تذكر مسؤوليات المرجعية في أول كتاب تبدأ به الرسالة العملية وهو (الاجتهاد والتقليد) وحينئذ كيف سيتسنى للأمة تدقيق قيام المرجعية بوظائفها. ونحن بفضل الله تبارك وتعالى لم نغفل عن هذه النقطة وسجلناها في (سبل السلام) وكذا المرجعيات الواعية الحركية وضعت هذه المعالم في الرسائل العملية أو في كتبها الأخرى. كما أننا ذكرنا العشرات من النقاط في (دور الأئمة في الحياة الإسلامية) والتي تمثل حركة المرجعية امتداداً لها وكذا في كتاب (الأسوة الحسنة)، وقد تضمّن كتاب نهج البلاغة جملة منها كقول أمير المؤمنين (ولولا ما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كِظةِ ظالم ولا سغب مظلوم) والحياة من حولنا مملوءة بالمظالم التي تعرضها وسائل الإعلام بشكل يومي فهل استجابت المرجعية لما أخذ الله تعالى عليها من عدم المقارّة عليها؟.

دور المرجعية امتداد لدور الأئمة (عليهم السلام)

ما أحوج المرجعية الشريفة في هذا العصر عصر صراع الحضارات وحوارها وعصر الظلم والانحراف وعصر العلم والتكنلوجيا إلى تحقيق هذه النتائج (أي أدوار الأئمة (عليهم السلام) واستيعابها والاستفادة منها لتحقيق الوراثة الحقيقية لهم (عليهم السلام) لأنهم لا يستطيعون فهم كل ما يجب عليهم إلا إذا عرف كل الأدوار التي مارسها الأئمة (عليهم السلام) .

المرجعية في نظر أهل الدنيا وأهل الآخرة

مقام المرجعية عند أهل الله والآخرة : هي وسيلة لإحقاق الحق وابطال الباطل وهداية المجتمع واصلاحه ومساعدته على تكميل نفسه والتقرب إلى الله تعالى وقد عبر عن ذلك أمير المؤمنين (علیه السلام): (ولولا ما أخذ الله على العلماء ان لا يقاروا على كظة ظالم وعلى سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ولألفيتم دنياكم هذه عندي اهون من عفطة عنز) .

أما عند أهل الدنيا: فهي غاية، بل غاية الغايات فإنها أشرف موقع واعلى مرتبة تحلم بها النفوس لما فيها من قدسية وهيبة وجاه ومال واستعلاء على الناس وكفى بذلك غاية للنفوس الامارة بالسوء أعاذنا الله واياكم وبصَّرنا بحقائق الامور ورزقنا القدرة على التمييز بين الحق والباطل واعاننا على اتباع الأول ونبذ الثاني.

ص: 129

ديمومة اللطف الإلهي

لا ينقطع اللطف بانقطاع الوجود الظاهري للائمة (عليهم السلام) لأن أسماء الله الحسنى ثابتة له تبارك وتعالى، فاللطف يقتضي وجود امتداد لهذه السلسلة المباركة منالأنبياء والأئمة متمثلاً بالعلماء السائرين على نهجهم والمقتفين لآثارهم ولا تخلوا الأرض منهم، ومرور أربعة عشر قرناً حافلة بالأساطين منهم شاهد على ذلك وسيبقى حتى ظهور القائم (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وحينئذٍ فمن يقول: أننا لا نحتاج إلى المرجعية، أو انه لا توجد مرجعية نقلدها، أو أن لدينا فقه يكفينا لكذا من السنين فلا نحتاج للرجوع إلى احد، فمثل هذا بعيد عن الصواب ولو حللنا كلامه فإنه ينكر هذا الاسم من الأسماء الحسنى والعياذ بالله.

مسؤولية الجميع

نعيش اليوم عصر انتشار الضلالات والأفكار المنحرفة وأنواع الادعاءات الماكرة التي يريد منها أصحابها ركوب رقاب الناس والتسلط عليهم، ويكون الخلاص منها والنجاة من لججها المظلمة بركوب سفن النجاة التي أرشدنا إليها الأئمة (عليهم السلام) وهم مراجع الدين الرساليون العاملون العارفون بزمانهم الذين يفنون أعمارهم لإنقاذ الناس من الجهالة وحيرة الضلالة وهذه المسؤولية لا تختص بالعلماء والحوزات العلمية الدينية بل هي مسؤولية الجميع وكل شخص بحسبه وبما يناسب من الآليات المؤثرة، وإذا عجز أحدكم فليلجأ إلى من هو أعلى منه معرفة، ولا يتوقف عن أي جهد يستطيع بذله، ولابد أن يسبق هذا تفقه في الدين ولو بالمقدار الذي ينفعه في إصلاح نفسه ومن يليه.

الشذوذ عن خط المرجعية

الشذوذ عن خط المرجعية هو الخطأ الأكبر حتى لو تصورنا أن موقف المرجعية كان غير صائب لعدم ادعاء العصمة وعلى هذه ربانا الأئمة (عليهم السلام) فلا يجوز لأي فرد من الأمة أن يحكّم مزاجه وأهواءه ويخضع لإسقاطاته النفسية.

المرجعية للجميع

إنني حينما أتحدث إليكم فهذا لا يعني إنني لكم فقط وان خطابي منغلق عليكم لأن المرجعية الرسالية هي رحمة وخير حتى لأعدائها وخصومها، ولكن تحجيم دورها إنما يكون بلحاظ المتلقي الذي يصمُّ إذنه عن سماع ما ينفعه كما أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو رحمة للعالمين جميعاً وليس فقط للبشر ومع ذلك لم يتبعه إلا القليل وهذا لا يعني

ص: 130

تضييقاً في رسالته أو انغلاقاً على فئته لكننا لا ننكر رعايته الخاصة للفئة المؤمنة به مع سعة رحمته ورعايته للآخرين، كما أن أئمتنا (عليهم السلام) كانت أعمالهم المباركة تشمل الجميع لكن لهم مزيد عناية بشيعتهم باعتبارهم الشريحة المؤمنة بمشروعهم الرسالي والمطيعة لهم .

شهادة الأمة

إن دور الشهادة التي يجب على الأمة أداؤه تجاه العالم الديني لا يعني التعدي على مقامه ومحاسبته لكل ما يفعل وإنما مطالبته والالحاح عليه لكي يرتبط بالمجتمع ويعيش همومه وهذا الإلحاح يدفعه بلا شك نحو العطاء لأن الأمة الواعية تخلق المرجع العظيم أكيداً حيث ترتقي إلى مستوى طموحه فتجعله يشعر بالقوة والتفوق على وسائل الحرب المعنوية التي يشنها أعداء الدين على شخصيته وكلما ارتبطت الأمة بعلمائها أدركت فضلهم وأدركوا خطر هذه الأمة وما يمكن أن تقوم به من دور فاعل فتزداد بذلك حصانته وتتضاعف قوته.

من مسؤوليات المرجعية الدينية

إن إحدى مسؤوليات المرجعية الدينية التي هي امتداد لدور الائمة المعصومين (عليهم السلام) في حياة الأمة رعاية الناس وهدايتهم وإرشادهم لما فيه صلاح الدين والدنيا، لكنها وحدها لا تستطيع أن تقوم بهذه المهمة الواسعة مالم يتعاون معها العاملون الرساليون المخلصون الذين وصفهم الله تبارك وتعالى بقوله (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلا اللَّهَ).

توسيع دائرة العمل الإسلامي

هذه الوظيفة - اعني توسيع دائرة العمل الإسلامي وتضييق دائرة الخطوط الحمراء - تؤديها المرجعيات الرسالية الواعية وتدفع الثمن في النهاية دماً زكياً أسوة بالأئمة المعصومين (سلام الله عليهم)، أما المرجعيات التقليدية فعلى.

من صفات المرجعية الحركية الواعية

من صفات المرجعية الحركية الواعية التي تمثل الامتداد الحقيقي للأئمة (سلام الله عليهم) الصراحة والشفافية في التعامل مع الأمة والعمل على رفع مستوى الوعي والمعرفة والبصيرة لديها بعكس المتقمصين لهذا الموقع الشريف فإنهم يرون استمرار وجودهم بإبقاء الأمة على حالة السذاجة والجهل والتخلف ليستطيعوا تضليلها وخداعها بالهالة المقدسة

ص: 131

التي يصطنعونها. المرجعية الدينية في مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) ليست مقاماً علمياً فقط يكون مسؤولاً عن بيان الحكم الشرعي وطبع الرسالة العملية ونشرها. وإنما هي قيادة وارثة للائمة المعصومين (عليهم السلام) ووظيفة الإمامة لا تكتفي بإراءة طريق الحق والهدى للناس وإنما تأخذ بأيديهم وتوصلهم الى الكمال، وفرق شاسع بين من يدل على الطريق وبين من يأخذ باليد ويوصل السائر إلى الغاية .

المرجعية الناطقة

إن المرجعية الناطقة الصادقة الشاهدة تتحدث إلى الناس وتبيّن لهم ما لها وما عليهاوتسمع منهم وتشرح لهم برنامجها ومشروعها (ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيَّ عن بينة) من دون تدليس أو خداع أو تضليل لأنها مطمئنة إلى الحق الذي هي عليه.

مقام المجتهد ومقام المرجع النائب عن المعصوم(علیه السلام)

الاجتهاد ملكة شريفة تؤهّل صاحبها لأخذ الأحكام من مصادرها وهو شرط أساسي للوصول إلى مرتبة المرجعية وقيادة الأمة التي تعبّر عن لطف إلهي عظيم باختيار من اجتمعت فيه شروطها لنيابة المعصوم(علیه السلام) وبين الوصول إلى درجة الاجتهاد -التي هي درجة علمية- واستحقاق المرجعية وقيادة الأمة -التي هي مسؤولية دينية اجتماعية عامة- مدة زمنية أولاً لإنضاج الملكة وتقويتها بالممارسة وسعة الإحاطة، ومراتب معنوية ثانياً للسير في مدارج الكمال وتهذيب النفس والارتباط بالله تبارك وتعالى بحيث يصبح مسؤولاً عن مصير أمة كبيرة مما ذكرناه في كتاب (الأسوة الحسنة) وتأهيل اجتماعي ثالثاً للتدريب على تحمّل المسؤولية ورعاية شؤون الأمة حتى يستحق نيابة المعصوم في استحقاقاته ووظائفه ومسؤولياته.

معالم القيادة والمرجعية

لقد وضع الأئمة المعصومون (عليهم السلام)معالم القيادة والمرجعية التي تتبعونها في أحاديث بعضها معروف لديكم، ومنها عن أمير المؤمنين (علیه السلام): (اعرفوا الله بالله، والرسول بالرسالة، وأولي الأمر بالأمر بالمعروف والعدل والإحسان) فتثبّتوا ممن ترجعون إليه أن يكون حاملاً للرسالة الإلهية مدافعاً عنها حامياً لها، وآمراً بالمعروف والعدل والإحسان صائناً لها من الانحراف والتأويل والبدع. عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن لكم معالم فاتبعوها، ونهاية فانتهوا إليها).

ص: 132

شعور المرجعية بالمسؤولية

لابد أن تمتلك المرجعية الدينية من الشعور بالمسؤولية والشجاعة وقوة القلب ما يكفيها لتحمل المسؤولية وإرشاد الناس لما فيه صلاحهم، أمّا دفع الناس إلى الانتخابات من دون الإشارة إلى البديل الصالح فهذا مكر بهم وظلم لهم إذ أنهم يؤدّون ما عليهم ويدلون بأصواتهم استجابة لنداء المرجعية من دون أن تعطيهم الالتزام المقابل والضمان بل تتنصّل من المسؤولية وتلقيها عليهم وتقول لهم أنّهم لم يحسنوا التصويت، وان شرائح كثيرة من الشعب لا تمتلك الرؤية الناضجة والتحليل الدقيق ازاء هذه القضايا المعقدة، لانشغالهم بمعيشتهم وهمومهم اليومية والأزمات المحيطة بهم من كل جانب فالشعب عليه الغرم بلاغُنم وزعماؤه لهم الغُنم بلا غرم و (تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى) ومخالفة للقاعدة العقلائية (من كان له الغنم فعليه الغُرم).

سر انقسام المرجعية الدينية والحوزة

إن فهم هذا الصراع والنهوض بمسؤولية الدفاع عن الإسلام وإقناع البشرية به وبقدرته على قيادة الحياة -كما عبّر السيد الشهيد الصدر الأول (قدس سره) حينما عنون أحد كتبه بذلك- هو سر انقسام المرجعية الدينية والحوزة العلمية إلى خطين وقيادتين متباينتين في المنهج والسلوك، أولهما عالم فاعل عامل لا يكتفي بتنميق الكلمات على الأوراق فقط بل يتحرك ويواصل الليل بالنهار ليعيد للإسلام هيبته وعزته وللمسلمين كرامتهم وحريتهم وثقتهم بأنفسهم ويدلّهم على معالم هويتهم المسلوبة من خلال ما يقدّم من نظريات وتشريعات ومنظومات فكرية ومعرفية تثبت أن دين الإسلام هو أصلح نظام للبشرية اليوم وغداً كما كان بالأمس.

بذل الوسع هو مسؤولية المرجعية

نحن لا ندعي إن المرجعية قادرة على حل كل المشاكل ومعالجة كل المفاسد وتحقيق كل المطالب فهذا فوق الطاعة، ولكن المطلوب منها أن تبذل وسعها في اداء وظائفها والباقي على الله تعالى، وهذا يشبه المسؤولية عن الاهل، ففي الرواية عن الامام الصادق (علیه السلام): ( لما نزلت هذه الآية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} جلس رجل من المؤمنين يبكي وقال أنا عجزت عن نفسي وكُلِّفتُ أهلي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حسبك أن تأمرهم بما تأمر به نفسك وتنهاهم عما تنهى عنه نفسك.

ص: 133

مخاطر تصدّي الحوزة غير العاملة للمرجعية

إنّ تصدّي الحوزة غير العاملة للمرجعية، يتسبّب في نتائج خطيرة تساعد اللعين(أي الشيطان) في مشاريعه، منها:

1. تعطيل فرائض مهمة كصلاة الجمعة التي عُطّلت مئات السنين وهي عنوان عزّة الأمة وكرامتها ومصدر وعيها وتربيتها، وكفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي وصفها الإمام الباقر (علیه السلام) بأنّها أسمى الفرائض وأشرفها (وأنّها سبيل الأنبياء ومنهاج الصلحاء فريضة عظيمة بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحلّ المكاسب وتردّ المظالم وتعمر الأرض وينتصف من الأعداء ويستقيم الأمر).1. تراجع العمل الإجتماعي للحوزة العلمية إلى حدّ الإصابة بالشلل أحياناً لأنّ كلّ مؤسسة تقوم برأسها وعقلها المدبّر، فالحوزة مرهونة بمرجعيتها وطريقة تفكيرها ومنهجها في التعاطي مع شؤون الأمة.

2. ضعف الحالة الدينية في المجتمع وانتشار الفساد والظلم والجهل وترك الواجبات الشرعية.

3. خمول الحركة الإسلامية وتعطيل المشاريع الإسلامية عن الانتشار والتوسع والنمو والإزدهار لتخلي سدنته وحفاظه عنه.

4. عدم وجود من يرعى شؤون الأمة ومصالحها ومن يستمع لهموم الناس ويقضي حوائجهم ويرفع الظلم عنهم ويدافع عن حقوقهم خلافاً للعهد الذي أخذ عليهم، قال أمير المؤمنين (علیه السلام): (وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كِظّةِ ظالم ولا سغب مظلوم).

5. بسبب تقوقع هذه الجهة وانكفائها على ذاتها وأنانيتها فيحصل لديها ضعف الوعي بقضايا الأمّة والظروف والملابسات المحيطة بها ونتيجته فقدان الرؤية الصحيحة لمعالجتها واتخاذ المواقف الحكيمة وفي ذلك مخالفة لتوجيهات أهل البيت (عليهم السلام) حيث ورد عنهم: (العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس).

6. وغيرها من الأمور التي تظهر لمن يتابع حركة المرجعية في حياة الأمة وعلاقتها معها.

وجهة نظر الإسلام في التعدّدية الدينية

إن وجهة نظر الإسلام في التعدّدية الدينية بنّاءة وحضارية..(وإن تعدد آراء الفقهاء والرؤى الاجتهادية) جعلها بعض أهل الحداثة ودعاة التجديد غير المقنَّن منفذاً لمسخ الدين

ص: 134

والتنصّل من التزاماته بدعوى أن كلَّ الأحكام الموجودة هي عبارة عن رؤى اجتهاديةٍ لأصحابها ولا تمثّلُ الدين نفسَهُ فلا وجهَ للالتزام بها، وهذا تفكيرٌ غير سليم لأنّ فتاوى المجتهدين هي تعبير عن الأحكام التي قامت الحجّة الشرعية على وجوب العمل بها بعد الفحص عن المجتهد الجامع لمؤهلات المرجعية.

التشكيك بالمرجعية الصالحة

التشكيك بالمرجعية والقيادة فمستمر، لماذا لم تفعل كذا، ولماذا فعلت كذا؟ وهل تعلم بكذا أو لا تعلم وكأنهم هم القيمون عليها وأن المرجعية أُمرت بطاعتهم لا العكس ونتيجة هذا التشكيك التقاعس والتخاذل والتنازع والتمرد وهي أسباب لانهيار الكيان واضمحلاله (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)والأمة هي التي تدفع ثمن هذه النتائج كما تشهد به وقائع التاريخ.

طاعة نواب أئمة الهدى

صدرت من الأئمة كلمات مهمة في وجوب طاعة نوّابهم المستحفظين على شريعتهم وحرمة التمرّد عليهم كقول الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه): (وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجة الله عليهم)وقوله (علیه السلام): (الراد عليهم، كالراد علينا وعلى الله تعالى، وأنه شرك بالله) مما أعطى لحركة المرجعية زخماً كبيراً في حياة الأمة وهيبة وطاعة عظيمة عزّزها ما يتمتع به هؤلاء النوّاب من علمٍ جم وأخلاقٍ رفيعة وشفقة كبيرة على رعاياهم.

وظائف المرجعية والحوزة العلمية

إن وظائف المرجعية والحوزة العلمية المرتبطة بالمرجعية ليست علمية فقط بل هي مسؤولة عن قيادة الأمة والدفاع عن كيانها وهويتها وتحقيق مصالحها وحل مشاكلها ورفع الحيف والظلم عنها مضافاً إلى الدور العالمي في إعلاء كلمة الله تبارك وتعالى ونشر الإسلام وتعاليم أهل البيت (عليهم السلام) وهذا يتطلب قاعدة واسعة من العاملين الرساليين المخلصين، ولذا قلنا بعدم الاستغناء بوسائل تحصيل العلوم الدينية عن الالتحاق بالحوزات العلمية. ذكر علماء الأخلاق ثلاث آليات للوصول إلى الاستقامة والثبات عليها التي ندعو الله تبارك وتعالى بالهداية إليها يومياً في صلواتنا، وهي المشارطة والمراقبة والمحاسبة، فالأولى قبل العمل والثانية أثناء العمل والثالثة بعده. ولنوضّح الفكرة بتطبيقها على مفردة في حياتنا وهو اليوم والليلة، فعندما يقوم الفرد من نومه صباحاً يشارط نفسه على أن لا

ص: 135

يفعل إلا خيراً وطاعة ويجتنب كل ما يسخط الله تبارك وتعالى ويتعهد أمام الله تعالى بأن يبذل ما بوسعه لتحقيق ذلك فهذه هي المشارطة. ثم يأتي دور المراقبة أثناء الفعاليات اليومية بالالتفات إلى كونها مطابقة للشريعة ولا يغفل عن شيء منها، وهكذا في كل مفردات حياته وبرنامجه اليومي وتكون المراقبة أكمل لو لاحظ حتى المستحبات والمكروهات، فيؤدي الأولى ويجتنب الثانية، والمراقبة المستمرة تضمن هذه المطابقة والموافقة. وبعد انتهاء اليوم يأتي دور المحاسبة ليراجع نفسه وما قدّمت خلال اليوم، فإن وجد عملاً صالحاً شكر الله تعالى وسأله القبول والزيادة، وإن وجد سيئة استغفر الله تعالى وعقد العزم على عدم العودة بالاعتصام بالله تبارك وتعالى. وإذا التزم الإنسان بهذه الآليات الثلاث فإنه سيقلّل الفجوات التي ينفذ منها الشيطان فيوقعه في الخطأ، والمطلوب الالتفات إليها يومياً.

السبب في عدم نهوض المرجعية بالمجتمع إلى مستوى أفضل

يرجع ذلك إلى عاملين: ذاتي وموضوعي، واقصد بالذاتي، القصور والتقصير لدى المتصدي للمرجعية نفسه. وبالموضوعي، الظروف المحيطة به فعلى صعيد الأول تستطيع ان تستقرأ عدة نقاط:

1. غياب الحس الاجتماعي والوعي الحركي.

2. تركز الانانية وحب الذات.

3. قلة الثقافة العامة.

4. عدم مواكبة العصر والانفتاح على مستجداته.

5. عدم الاحتكاك بالناس وانما تجده ينطلق من محبسه بين الكتب إلى قمة هرم المرجعية.

6. احاطة نفسه بحاشية تبحث عن مصالحها لا ورع لهم بل ولا دين مع قلة البصيرة.

7. عدم فهم واستيعاب مسؤولية الموقع الذي يتصدون له فيخلطون بين فهم المرجعية كموقع علمي وفهمها كموقع قيادي.

8. عدم القدرة على تشخيص الداء ومن ثم العلاج.

9. عدم الاستفادة من تجارب القادة والمصلحين وعلى رأسهم رسول الله (صلى الله عليه وآله).

10. التفكير الفردي في عمل المرجعية وعدم تحولها الى مؤسسة ثابتة فيبدأ كل منهم مستقلاً عن الآخر ومن الصفر بدلاً من تكاتف الجهود وتظافرها.

ص: 136

وأما العامل الموضوعي فهو واضح تأريخياً ويمكن حصر عدة نقاط فيه:

1. ضغط الحكام ومحاصرتهم للمرجعية.

2. سلب ادوات القوة والنفوذ من ايديهم.

3. تشويه صورتهم والقدح في شخصياتهم واسقاطهم من أعين الناس.

4. فصل الأمة عنهم بالترغيب والترهيب وغيرهما.

5. العمل على ترسيخ الجهل لدى الناس وهو رأس المشاكل.

6. اشغال المرجعية بصراعات وتحديات هامشية كالجدال المذهبي أو المشاكل الاجتماعية.

7. اختراقها بعناصر غير مخلصة ولا امينة تسيء اليها وتضعف من دورها وتحجب عنها الرؤية الصحيحة.

8. الهاء المجتمع بمشاكل اقتصادية واجتماعية وغيرها تشغله عن متابعة مرجعيته.والبحث في تفاصيل هذه الأمور يحتاج إلى فرصة اوسع من هذه لكن مجرد اثارة هذه النقاط كافٍ لفتح باب التفكير في الاسباب ووضع العلاج المناسب.

ص: 137

العلماء وفضيلة طلب العلم

تهديد العلماء؟!

ورد التهديد الكبير للعلماء إذا نكبوا عن الصواب وفارقوا الطريقة المثلى، لأن هذا يؤدي إلى إعراض الناس عن الشريعة .

لكي ينتشر الإسلام

الإسلام إنما يتقدم وينتشر وتحصل القناعة به بتقدم أبنائه - خصوصاً العلماء والحوزة الشريفة والمؤمنين الرساليين - وتكاملهم وحسن تجسيدهم له .

علاقة العلماء والأمراء

إن علاقة العلماء والأمراء بفساد وصلاح المجتمع ليست بمرتبة واحدة من حيث العلية والمعلولية ففساد العلماء علّة لفساد المجتمع وفساد الامراء معلولة لفساد المجتمع فيكون فساد العلماء متقدماً برتبتين على فساد الامراء، وكذا صلاحهم طبعاً، لان الامراء حصيلة ونتاج المجتمع نفسه ولا يمكن لأمير فاسد ان يبقى ويستمر اذا لم يكن المجتمع الذي يحكم فيه فاسداً .

سبب فساد المجتمع

إن فساد العلماء هو سبب فساد المجتمع أما فساد الأمراء فهو كاشف عن هذا الفساد لأنه أثر من آثاره.

العلماء حصون الإسلام

تعرض الإسلام - وسيتعرض - خلال الغيبة الكبرى لمؤامرات هدامة ودسائس تهدف إلى تمييعه وتحريفه كالأديان السابقة ولكن جهود العلماء المخلصين وجهادهم بالمرصاد لها ولم يؤثر عليهم غيبة إمامهم وكثرة عدوهم وشدة الفتن بهم وتظاهر الزمان عليهم.

مسؤولية علماء الأمة

العلماء هم حراس الأمة وبتعبير الحديث (أمناء الرسل وحفاظ الشريعة) فبقدر ما يكونوا يقظين تكون الامة في أمان واذا ناموا احتوشتها اللصوص وعاثوا فيها فساداً وسرقوا منها الاهم من المال وهو دينها وعقيدتها وشرفها وعزتها وجعلوا اعزة اهلها أذلة.

ص: 138

العالم الرباني

سُئل سماحته (دام ظله): البعض ممن يتسمون ب(العلماء) يتقول على سماحتكم بأمور كثيرة من دون ذكر العلة الحقيقية الموجبة لذلك ؟ فأجاب قائلاً :إذا أردت أن أحسن الظن بهم فأقول إن عذرهم صدور تصرفات من هذا القاصر لم يستطيعوا فهمها وفقالقواعد والضوابط العامة فاستنتجوا انحراف هذا القاصر ووجوب التصدي له لكن هذا الوجه مردود لأننا أمرنا بنصيحة الأخ المؤمن سراً فكان عليهم قبل التشهير الاستماع إلى وجهة نظر هذا القاصر فان كانت صحيحة ومستندة إلى حجة شرعية اعذروه وان لم تكن كذلك قوموه فان امتنع قاوموه، فلماذا لم يتبعوا هذه الخطوات المخلصة. وإن أردت أن أسيء الظن قلت إن ذلك حسد منهم:(أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) والله تعالى هو الحكم العدل وان كنت دائماً اكرر الدعاء بان يجمع الله تعالى كلمة عباده على طاعته ولا يفرقهم وأن يوفق أولياء أمورهم لما فيه صلاح عباده إنه ولي النعم.

حصانة العلماء العاملين

لا يجوز القدح بالمسلم مطلقاً، فكيف بالعلماء الذين خصَّهم الله تبارك وتعالى بالمنزلة الرفيعة، حتى قيل أن أكثر من (500) آية في القرآن وردت في مدح العلماء وذم الجهلة وأفضلية صفة العلم ومن يحمله على جميع المميزات الأخرى، وجاءت السنة الشريفة لتعزز ذلك: (مداد العلماء خير من دماء الشهداء)، وقد قرأت قبل قليل عن الإمام الصادق (علیه السلام): (إنهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله، والراد عليهم كالراد علينا) والواقع يشهد بذلك؛ فإن أية أمة بلا علماء تكون كالغنم بلا راع، فهم يرشدونها ويهدونها إلى الطريق الصحيح ويتحملون التضحيات من أجلها من دون أن يتوقعوا من الأمة جزاءً ولا شكوراً، بل أفنوا حياتهم زاهدين معرضين عن حطام الدنيا، فهل جزاء كل ذلك ذمهم والقدح فيهم والافتراء عليهم وتتبع عثراتهم؟! إنها معاوضة غير منصفة، والعقلاء يقولون والقرآن يؤكد: [هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ] إنها واحدة من خطط الكفار لفصل الأمة عن علمائها حتى تضل وتتيه بتسقيط العلماء وتشويه صورتهم والافتراء عليهم ونسج الأكاذيب عنهم، والكثير من أبناء المجتمع لجهلهم وسذاجتهم يصدقون، كما قال القرآن: [وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ].

ورثة الأنبياء (عليهم السلام)

إن العلماء وعلى رأسهم المرجعية الشريفة هم ورثة الأنبياء ليس فقط في الحقوق

ص: 139

والامتيازات وانما في الوظائف والمسؤوليات والواجبات.

العلم طعام لروح الإنسان

كما إن حاجة البدن للطعام دائمة ومستمرة ،فأن حاجة الروح والقلب للعلم والمعرفة والموعظة والتذكير بالله تعالى دائمة ومستمرة قال تعالى: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) وروي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): (إذا اتى عليَّ يومٌ لا أزداد فيه علماً يُقربني الى الله فلابورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم) فلابد أن ينظر الإنسان في أحكامه الشرعية ومواقفه في مختلف شؤون الحياة ومنهجه وسلوكه عمن يأخذها ،وهل إن ذلك الأخذ والرجوع بحجة شرعية معتبرة أم لا ،فيلتفت الى كون مصادرها صالحة ليسعد الإنسان.

كيف تكون سفينة للنجاة ؟

سُميّ العلماء الصالحون الهداة في الأحاديث (سفن النجاة) لأنهم خلفاء الأئمة المعصومين(سلام الله عليهم) والأمناء على شريعتهم والمبلغون لرسالتهم. وهكذا تجد التواصل والوراثة مستمرة بين حلقات هذه السلسلة الكريمة من الرسل والأنبياء والأئمة والعلماء الصالحين، يستطيع كل واحد منكم أن يكون سفينة نجاة بدرجة من الدرجات حينما يعلِّم غيره مسألة شرعية يجهلها أو يوصل له موعظة ينتفع بها، أو يصدّه عن معصية أو انحراف أو ظلم، أو يهديه الى ما فيه رضا الله تبارك وتعالى وصلاح العباد. ولا ينال ذلك أيها الأحبة إلا بلطف الله تبارك وتعالى وتوفيقه لأنه من الأرزاق المعنوية التي لا تنال بالأسباب الطبيعية، أي أنها تختلف عن الأرزاق المادية، قال تعالى (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين)، (واجعل أفئدة من الناس تهوي اليهم)، (وجعل بينكم مودة ورحمة)فمن شمله هذا اللطف أضاء في قلبه وعقله وجوارحه نور من الله تبارك وتعالى، (ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور) وستزل قدمه، ويضل الطريق في دنياه وآخرته. (قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً).

تقية بعض العلماء من عوام الناس؟!

إن فقهاء الشيعة وإن لم يتعرضوا لفتنة السير في ركاب السلطة إلا أنهم ابتلوا بشيء آخر وهو مسايرة عوام الناس باعتبارهم يمثلون القواعد الشعبية ومصدر التمويل التي تؤسس للزعامة، فراحوا يحسبون ألف حساب قبل بيان موقف أو إصدار حكم فيه إغضاب لهؤلاء العوام خوفاً من تحولهم عن تقليدهم واتباعهم. ومن الشواهد على ذلك الموقف من قضية التطبير في عاشوراء فبالرغم من أن جملة منهم يرى حرمته لإضراره

ص: 140

بالبدن ولجلبه منقصة على الدين إلا أنه لا يجرؤ على التصريح بموقفه هذا ويعترف بأنه لا يملك الشجاعة لاتخاذ مثل هذا الموقف. لذا كان من أهدافنا في بيان موقفنا بكل صراحة هو بعث الشجاعة في نفوس العلماء وتحرير فتاواهم من مداهنة العوام ومسايرة أهوائهم، وإلا فإن المسؤولية عظيمة أمام الله تبارك وتعالى (وَقِفُوهُم إنَّهُمْ مَسؤُولُونَ).

العلماء على نحوين

أحدهما يؤلف الرسالة العملية ويقعد في بيته وينتظر من يطرق بابه ويسأله، والآخر يتوسل بمختلف الأساليب لإيصال الوعي الديني إلى المجتمع، فإذا فشلت وسيلة جرّبغيرها. فمشكلة الناس ليست مسألة علمية أي في عدم التمييز بين الحرام والحلال، إذ أن جلهم يعرف الحلال والحرام، وإنما المشكلة هو في كيفية جذبهم إلى الالتزام بالحكم الشرعي، وكيف تخلق عندهم الحافز في ذلك، وبالطبع من تلك الأدوات هو اللقاء المباشر للمرجع بالأمة، وخصوصاً من خلال القنوات الفضائية.

العلماء الكسالى

إن نجاة الأمة على يد العلماء لا تتحقق بالقعود والكسل والاكتفاء بتعاطي المصطلحات العلمية، وإنما تتحقق بالعمل الدؤوب ورصد الثغور التي يتسلل منها شياطين الإنس والجن ليثيروا الشبهات والفتن والفساد، وليحرفوا مسيرة الأمة عن صراطها المستقيم الذي حدده لها الله تبارك وتعالى، وفي ذلك قال إبليس: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ، ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ).

العلماء حصون الأمة

العلماء حصون الأمة والدين فإذا ابتعد الناس عن العلماء كانوا مكشوفين للأعداء بلا حصون، تحمي عقائدهم من الشبهات والعقائد المنحرفة والدعوات الضالة، وتحمي أخلاق الأمة من الفساد والانحرافات والسلوكيات البعيدة عن الدين والأخلاق الفاضلة، وتحمي فكر الأمة من الأفكار الهدّامة والهجينة والمستوردة من الأعداء والتي يعلبونها بعناوين برّاقة ليسهل تسويقها على الناس ويخلطون عليهم الأمور، كالمنكرات التي يدعون إليها تحت عناوين الحداثة والحرية والمساواة والتحضّر والتقدم ونحوها.

فضل العلم والعلماء

لا شكّ أن الحديث عن فضل العلم وطلبه، وفضل العلماء ودرجاتهم لا ينقضي،

ص: 141

والأقلام التي تكتب عنه لا تجف ولن تجف إن شاء الله تعالى، لكنّ الحديث عن العلم وحده لا يكفي، لأنّ العلم وحده لا يكفي، ولا بد أن ينضم إليه الحديث عن العمل بهذا العلم، وإلاّ فإن الكثير ممن ضلوا وانحرفوا وأضلّوا لم تكن مشكلتهم في نقص العلم، بالعكس فقد كان لديهم علم كثير، وما استطاعوا أن يخلقوا فتنة في المجتمع، ويضلّوا أمة كثيرة من الناس إلاّ من جهة أنّ عندهم علماً فاستطاعوا التأثير في الناس، وبدون ذلك العلم لم يكن أحدٌ يعبأ بهم فالعلم قد يكون وبالاً على صاحبه، والأحاديث في ذلك كثيرة حتى جعلت أشد الناس حسرة يوم القيامة شخصاً حمل علماً ونقله إلى الآخرين فاستفادوا منه، لكنّه هو لم ينتفع منه ولم يعمل به.

الفرح بوجود العلماء المصلحين

لذلك كثرت الروايات في كتب المسلمين عامة أن المراد بفضل الله في الآية: (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ) إنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبرحمته علي بن أبي طالب (علیه السلام) ومن بعد أمير المؤمنين الأئمة الطاهرون (عليهم السلام) ومن بعدهم العلماء العاملون المخلصون المتفانون في اعلاء كلمة الله تعالى وهداية الناس وخدمتهم، فإذا كان النظر إلى وجه العالم عبادة، وزيارته كمن زار رسول الله(صلى الله عليه وآله) ونحو ذلك مما دلت عليه الروايات الشريفة ألا يكون مثل هؤلاء العلماء نعمة تستحق الفرح بوجودهم وأخذهم لموقعهم الذي يستحقونه؟ فالتفوا حولهم واستفيدوا منهم وخذوا بتوجيهاتهم.

طلب العلم يحتاج إلى لطف خاص

ينبغي الالتفات إلى أن سلوك هذا الطريق (أي طلب العلوم الدينية) لا يتيسر لكل أحد إلا بلطف خاص من الله تعالى، وليس كل أحد يوفق إليه ويوفق فيه، فألحّوا في الدعاء والطلب من الله تعالى وأصلحوا أنفسكم وأخلصوا نياتكم كي يختاركم الله تعالى لحمل هذه الأمانة الإلهية العظيمة، لما ورد من الفضل العظيم والدرجة الرفيعة لحملة العلم، وأنقل لكم رواية واحدة تغنيكم عن الباقي وهي كافية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، ففي رواية صحيحة عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً به، وإنه يستغفر لطالب العلم مَنْ في السماء ومن في الأرض حتى الحوت في البحر، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر، وإن العلماء

ص: 142

ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورّثوا العلم، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر).

نعمة طلب العلم ومسؤوليته

إني كلما قرأت أو سمعت قوله تعالى: [فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ] استشعر عظيم المنة واللطف الإلهي بي إذ جعلني بفضله من أهل هذه الآية. فإن كل العطاء الإلهي الذي ذكرته الأحاديث لطالب العلم شامل له _أي المدرس- بالأولوية بل أنه يحظى بألطاف خاصة فإنه يبذل العلم وينفقه على المحتاجين إليه وينشره، وبذل العلم لمن لا يعلمه صدقة، وأنه يزكو بالإنفاق، وهذا ما جربناه عملياً فإن إفاضات يحصل عليها المدرس أثناء وبعد إلقائه المحاضرة لم يحصل عليها أثناء الدراسة، والمراجعة و (المذاكرة به تسبيح والعمل به جهاد) وبالمدرّسين تنعقد حلق العلم التي ورد فيها أنها (روض من رياض الجنة) وأنه (ترغب الملائكة في خلتهموبأجنحتها تمسحهم وفي صلواتها تبارك عليهم ويستغفر لهم كل رطب ويابس حتى حيتان البحر وهوامه وسباع البر وأنعامه، فطوبى لمن لا يحرمه الله من حظه).

كيف يريح الطالب عقله ؟

فإن الطالب قد يتعب من الدرس والتحصيل وهذا شيء طبيعي فكيف يريح عقله ؟! يريحه بالقيام بأعمال ومسؤوليات أخرى لا تقل وجوباً عن تحصيله الدراسي، وهي في نفس الوقت راحة له عن الجهد العقلي الذي بذله، فراحة طالب العلم في هذا التنويع في المسؤوليات، وهذا التنقل بين المسؤوليات ضروري على الدوام لكي لا تجزع النفس وتتمرد، فإن لها حدوداً وقابليات فإذا كلفها فوق طاقتها نخشى عليها أن تعصي صاحبها فيخسر كل شيء، وإلى هذا التنوع أشار الإمام (علیه السلام): (إن العقول لتمل أو لتكل كما تكل الأبدان، فروّضوها بطرائف الحكم) فمن حقها أن ترتاح بعد أن تبذل جهوداً مضنية، لكن راحتها ليس بالخمول والكسل وكثرة النوم وإنما بممارسة مسؤوليات وأداء واجبات مغايرة.

منابع العلم

أولاً/ التقوى: قال تعالى {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} فالتعليم الالهي يتعقب التقوى وهو العلم اللدني الذي ورد في قوله تعالى {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا} وعن النبي(صلى الله عليه وآله): (لو خفتم الله حق خيفته لعُلّمتم العلم الذي لا جهل معه) وهو العلم اللّدني. قال الشاعر :

ص: 143

شكوتُ الى وكيع سوء حفظي *** فأرشدني الى ترك المعاصي

وعلّله بأن العلم نورٌ *** ونور الله لا يؤتى لعاصي

وكلما أزداد الإنسان تقوى وابتعاداً عما يُسخط الله تعالى وعملاً بما يرضيه كان أكثر انفتاحاً على الاسباب الالهية وكانت مرآته أصفى وأنقى فتنعكس فيها حقائق العلوم حتى تبلغ الذروة عند المعصومين (عليهم السلام) وسُئل الامام الصادق (علیه السلام) (إنا نسئلك احياناً فتسرع في الجواب وأحياناً تطرق ثم تجيبنا ؟ قال : نعم انه ينكت في أذاننا وقلوبنا فاذا نكت نطقنا وإذا امسك عنا أمسكنا) وهذا المصدر هو الذي يفسر الظاهرة الغريبة التي بدأت مع الامام الجواد (علیه السلام) وولده الإمام الهادي (علیه السلام) بقيامهما بأعباء الامامة وقيادة الأمة ومناظرة العلماء في مختلف الفنون وهما صبيان في الثامنة من العمر وعجز الاخرون عن تفسيرها لعدم إيمانهم بالعقائد الحقة.

ثانياً/ من خلال العمل به، فان العمل بما تعلم وتطبيقه ينتج علما جديدا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ( من تعلّم فعمل علّمه الله ما لم يعلم) وهكذا تستمر جدليةالتأثير والترابط بين العلم والعمل، زيادة ونقصاً، فمن عمل بالعلم ازداد ,ومن لم يعمل بعلمه يفقده، عن امير المؤمنين (علیه السلام)قال (مَنْ عَلِمَ عَمِلَ وَالْعِلْمُ يَهْتِفُ بِالْعَمَلِ فَإِنْ أَجَابَهُ وَإِلاَّ ارْتَحَلَ) وهذه الحقيقة جارية في كل المجالات فمن اكتسب معلومة اخلاقية وعمل بها سيوفق الى درجة أعلى، ومن استفاد نظرية علمية اكاديمية ثم اجرى تجارب ومحاولات عليها فانه سيتوصل الى نتائج ومعلومات جديدة، حتى على مستوى الطالب الذي يطالع دروسه فانه عندما يلخصّ ويستذكر ويخطّط ويرسم او يحلّ المسائل الرياضية بيده يحصل على معلومات لا يحصل عليها من يكتفي بمطالعة الكتاب.

ثالثاً/ ومن خلال إنفاقه اي نشره وتعليمه من لا يعلمه بأيّ وسيلة للنشر التي اتّسعت اليوم وأصبح بإمكان الشخص أن يخاطب الآخرين في العالم كله، من وصية أمير المؤمنين (علیه السلام) لكميل بن زياد وهو يقارن بين المال والعلم قال (علیه السلام): (وَالْمَالُ تُنقِصُهُ النَّفَقَةُ، وَالْعِلْمُ يَزْكُو عَلَى الْإِنْفَاقِ) والتجارب اثبتت ايضا صحة هذا المسلك فأن من يتصدى للتدريس وتعليم الاخرين وينشر ما عنده من العلم فانه يشعر بزيادة في العلم لم يحصّلها من احد، عن الامام الحسن (علیه السلام) قال (علّم الناس، وتعلّم علم غيرك، فتكون قد اتقنت علمك، وعَلِمْتَ ما لم تعلمْ).

أشرف العلوم

أنفس العلوم وأشرفها وأهمّها المعارف الدينية من العقائد والأخلاق والأحكام لأنها

ص: 144

اكثر التصاقا بعلاقة الإنسان بربّه ودينه وما يضمن له السعادة في دنياه واخرته، من وصية الامام علي لولده الحسن (عليهما السلام): (ورأيت ... ان ابتدأك بتعليم كتاب الله عز وجل وتأويله، وشرائع الإسلام واحكامه، وحلاله وحرامه، لا اجاوز ذلك بك الى غيره) في الكافي عن الإمام الصادق (علیه السلام) (عليكم بالتفقّه في الدين، ولا تكونوا اعراباً فإنه من لم يتفقه في دين الله لم ينظر الله إليه يوم القيامة ولم يزكِّ له عملاً) وعنه (علیه السلام) قال (لوددت أن أصحابي ضربت رؤوسهم بالسياط حتى يتفقّهوا) فإذا نال قسطاً وافراً من العلم بالمقدار الذي يستطيع به إرشاد الناس وهدايتهم كان من أهل الحديث الشريف عن الامام الجواد (علیه السلام): (من تكفّل بأيتام آل محمد(صلى الله عليه وآله) المنقطعين عن امامهم المتحيرين في جهلهم الأُسراء في أيدي شياطينهم وفي أيدي النواصب من أعدائنا فأستنقذهم منهم وأخرجهم من حيرتهم وقهر الشياطين برد وساوسهم وقهر الناصبين بحجج ربهم ودليل أئمتهم ليُفضَّلون عند الله تعالى على العباد بأفضل المواقع بأكثر من فضل السماء على الأرض والعرش والكرسي والحجب على السماء ,وفضلهم على هذا العابد كفضل القمر ليلة البدر على أخفىكوكب في السماء).

ثواب نشر العلم

الثواب الكثير لمن علّم الناس شيئا ينتفعون به ولو كان حديثاً شريفاً أو مسألة شرعية أو عملاً صالحاً أو... وقد وردت في ذلك روايات كثيرة نكتفي بواحدة منها عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) (يجيء الرجل يوم القيامة وله من الحسنات كالسحاب الركام أو كالجبال الرواسي، فيقول: يا ربِّ أنّى لي هذا ولم أعملها ؟ فيقول : هذا علمك الذي علّمته الناس، يُعمل به من بعدك).

المصادر البشرية والغيبية للعلم

عندما يطلب الإنسان الزيادة المستمرة في العلم عليه أن يسعى لتحصيل هذا العلم من مصادره من خلال المطالعة والاستماع الى كل معلومة نافعة ومن خلال التلقي ممن عنده هذا العلم والاستفادة منه كما هو شأن الجامعات والمعاهد والمدارس والحوزات العلمية وامثالها وهذه هي المصادر البشرية للزيادة من العلم أي العلم المكتسب من الآخرين، ونغفل عن المصادر الغيبية أو الالهية للازدياد من العلم وهي مصادر أوسع وأنقى وأثبت وأعمق وأكثر تأثيراً كمن يريد ان يسقي أرضه الزراعية فتارةً يفتح لها قناة تأتيه بالماء من النهر مع ما يَحمل في طريقها من الأوساخ والأوبئة، وأخرى يفجر من الارض ينبوعاً صافياً

ص: 145

نقياً , فكذلك القنوات التي تغذّي العقل والقلب بماء العلم والمعرفة فإنها تارة تؤخذ من الآخرين، وتارة تتفجّر من باطن الإنسان.

قنوات تحصيل العلم

إن قنوات تحصيل العلم عديدة لا تقتصر على الطرق الطبيعية المتعارفة من الدراسة ومطالعة الكتب فقد يلهم الله تعالى العلوم والمعارف للشخص بأن يقذفها دفعة واحدة في قلبه وعقله عندما يطهرهما وينقيهما الإنسان فتصبح مرآة نقية تعكس الحقائق الواقعية (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) كما أوحى الله تعالى إلى أمّ موسى (وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى) بل إلى الحيوان كالنحل (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ).. وهذا يزرع الأمل في قلوب طلاب العلم والمعرفة حتى لا يقولوا لسنا مؤهلين ولا نفهم شيئاً أو ما يقال في المثل الشعبي السيئ (عكَب ما شاب ودّوه للكتّاب) أي بعد أن بلغ سن المشيب بعثوه إلى الكتاتيب -على الطريقة القديمة- والمدارس ليتعلم، فهذا المثل وأمثاله يركّز ثقافة خاطئة تدخل اليأس من التعلم لدى من تقدّم بهم العمر فيستمرون على حرمانهم من قراءة القرآن والأدعية المباركة وضروريات حياتهم.

رسالة لطلبة الجامعات والمعاهد

..وليعلم أحبائي الطلبة أني شاعر بالصعوبات التي يعانونها، لكن ذلك مما يعظم أجرهم عند الله تعالى، فإن الثواب يزداد والدرجة ترتفع كلما كانت الصعوبات أكثر والبلاء أشدّ، والحياة فرصة للازدياد من الطاعة والقرب من الله تعالى، وما علينا إلا تقوية إرادتنا وعزمنا على الطاعة والباقي على الله تبارك وتعالى؛ فإن معونته للعبد تزداد كلما اشتد البلاء.

ص: 146

الحوزة العلمية الشريفة

نعمة الانتماء للحوزة الشريفة

الحوزة الشريفة من أوسع الطرق الموصلة إلى الله تبارك وتعالى حيث تنفتح لك من خلالها أبواب للطاعة وزيادة الأجر مما لا يحصي ثوابه إلا الله تبارك وتعالى، ولا يعرف طعم الحياة وقيمة الوجود أحد أكثر ممن سلك هذا الطريق، واني أتحسر على من لم ينتم للحوزة لأنه محروم من هذه النعم. وأجد من اللازم شرعاً على من يجد في نفسه الكفاءة لطلب العلم والتحصيل وتتوفر فيه شروط حمل هذه الرسالة الشريفة ألاَّ يتخلف عن الالتحاق بها، فإن وجوب رفد الحوزة الشريفة بالطاقات النافعة وجوب عيني وليس كفائياً على أمثالهم، وأنت ترى مصداق ذلك في الفراغ الذي يعيشه مجتمعنا من العلماء والفضلاء والمرشدين والمصلحين، وسيكون الأمر أكثر إيلاماً عندما تعلم أن مسؤولية الحوزة إيصال صوت الحق إلى كل بقاع العالم، فكيف يتحقق ذلك ونحن إلى الآن لم نملأ حاجة مجتمعنا القريب؟!

إنهم لايمثلون الحوزة

إن السلبيات الحاصلة من بعض المنتسبين إلى الحوزة فلا يجوز أن تنعكس على الحوزة ككيان، فما من شريحة إلا وفيها منحرفون لا يمثلون الخط الصحيح لتلك الشريحة، فهؤلاء الذين يحملون اسم الإسلام وهم يجترحون الكبائر ويبارزون الله بالمعاصي والموبقات هل يمكن أن نلوم الإسلام إذا كانوا هم أساؤوا التطبيق؟ فيا عزيزي كن أنت مستقيماً ولا يضرك انحراف الآخرين، قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ].

الاجتهاد التخصصي

إذا سار نظام الحوزة العلمية الشريفة في طريق التخصص في الاجتهاد فيمكن أن نصل في يوم ما إلى مجلسٍ من المجتهدين الجامعين للشرائط تتوزع عليهم مسؤولية الافتاء، ويكون المرجع القائد رئيساً لهم ويمسك بالوظائف الاجتماعية كالقرار السياسي وصلاة الجمعة والقضاء وإقامة الحدود وتنظيم الميزانية المالية ونحوها.

ص: 147

الحوزة والدراسة بالكمبيوتر

الدراسة بالكمبيوتر فإنها لا تغني عن الالتحاق بالحوزة الشريفة لعدة أمور أذكر بعضها باختصار:1 - إن كيان الحوزة ليس كياناً علمياً فقط حتى يعوّض بالكمبيوتر، بل هو كيان تربوي وتوجيهي وإصلاحي ينظم حياة المسلمين ومعاملاتهم.

2 - إن من يدرس من خلال الكمبيوتر يفقد البركات والآثار العظيمة التي يفيضها الله تبارك وتعالى على حلقات العلم، وأحدها ما جاء في الحديث : (حلق العلم روضة من رياض الجنة)، هذا غير بركات جوار أمير المؤمنين (علیه السلام) وقد جربت بنفسي أنه عندما أغيب عن الدرس - وهو نادر جداً - وأتلقى الدرس بالكاسيت يفرق تماماً عن الدرس الذي أتلقاه مباشرة من الأستاذ (رغم أن الكاسيت هو درسه نفسه).

3 - إن الكمبيوتر لا يعدو كونه كتاباً مسموعاً، فهو كالكتاب المقروء من هذه الناحية، فهل يغني الكتاب عن الأستاذ.

4 - إن اللقاء المباشر مع الأستاذ فيه تفاعل وحوار وانشداد وإيضاح مما يفقدها درس الكمبيوتر، وغير هذا كثير.

ومع ذلك فإن الدراسة بالكمبيوتر والاستفادة من خدماته يمكن أن تكون في أكثر من اتجاه :

أ - في البحث والتحقيق في المصادر، فإن الجهد الذي يوفره للباحث والدارس في بطون الكتب مما لا يمكن أن يأتي به جهد شخصي .

ب - مواصلة الدراسة وتلقي العلوم من خلال أقراصه وبأشراف حوزوي طبعاً ومع تقرير المطالب التي تلقى فيه، وذلك لمن لا يتسنى له مواصلة الدراسة في الحوزة الشريفة لمانع أو لآخر خصوصاً النساء. والخلاصة إن الكمبيوتر يصلح أن يكون مساعداً لطالب العلوم الدينية لا بديلاً عن الالتحاق بها.

نِعمة ومسؤولية الإنضمام للحوزة

أني أعد من أعظم النعم عليَّ وجودي ضمن هذا الكيان الشريف، وكلما استمعت إلى الآية الشريفة: [فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ] أعيش سعادة روحية ما بعدها سعادة شكراً لله تعالى أن جعلني من أهل هذه الآية، وأقول كم أن مجتمعنا مقصر في تطبيقها، فإذا كان الله تبارك وتعالى

ص: 148

يحث على أن ينفر من كل فرقة طائفة (وهي لا تقل عن ثلاثة) إلى مراكز العلم والحوزة الشريفة ليتفقهوا في الدين ومن ثم يعودون إلى قومهم يعلمونهم أحكام دينهم ويدلونهم على طاعة الله تبارك وتعالى ويجنبونهم معاصيه، فلماذا نرى مدناً كبيرة وعشائر عظيمة ولا يوجد واحد من أبنائنا من النافرين إلى الحوزة الشريفة؟ أترى كيف حرمنا أنفسنا من هذه النعمةالكبيرة وحرمنا مجتمعنا الذي يحرص على سماع كلمة الحق في مواجهة أبواق الضلالة ودعاة الفساد والانحراف، فلماذا نصدَّ أسماعنا عن هذه الآية المباركة الشريفة؟!

أهم وظائف الحوزة

أولاً : إعداد المجتهدين والمجتهدين القادة، لأجل إدارة أمور الناس من الناحية الاجتماعية والدينية والاقتصادية، وتوجيه الناس وإرشادهم في كل الأصعدة، وربما كانت هذه الوظيفة هي الأهم من بين الوظائف جميعاً، لأنها وإن كانت نتيجة من نتائج وجود الحوزة إلا أن الحوزة بدون المجتهد تضيع وتتفكك وتتمزق، فهو المقوّم لوجودها وعلة استمرارها.

ثانياً : إعداد المحققين والفضلاء والكتّاب لأجل إنضاج وتطوير حركة التأليف، ونشر الوعي في صفوف المجتمع عبر استلهام العبر والمواعظ من القرآن والسنة الشريفة بما يناسب العصر وطرحها للناس، أو لا أقله تبويب آثار أهل البيت (عليهم السلام) وفهرستها وطرحها للناس.

ثالثاً : إعداد المبلغين والخطباء لتذكير الناس بالله سبحانه وتعالى وتقوية علاقتهم به وتوجيههم نحو الطريق الصحيح.

رابعاً : رد الشبهات والمؤامرات التي تحاك ضد المذهب بمختلف أساليب الرد.. فالحوزة من هذه الناحية كانت ولا زالت المدافع المغوار الذي لا يكل ولا يمل ضد كل ألوان الدسائس التي يتعرض لها الدين.

مفهوم الحوزة الحقيقي

واجب المجتمع تجاه الحوزة هو أن يربط نفسه بها ويتعاون معها في إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة دائماً لتلقي ما يصدر عنها مباشرة، بل يكون المجتمع جزء من الحوزة، حيث أن مفهوم الحوزة الحقيقي لا يشمل المعممين فقط بل يشمل كل الشيعة حتى غير طلبة العلوم الدينية لأنهم جزء من الجهاز المرجعي، وجزء من الحوزة الناطقة.

ص: 149

مؤامرة عزل المجتمع عن الحوزة

من المحاولات التي حاولها الأعداء من أجل عزل الحوزة عن المجتمع هي تفريغ الحوزة عن محتواها القيادي الشامل وتصويرها بأنها ذات وجه واحد وهو الدين ولا تشمل أو تغطي جوانب الحياة الأخرى، واتهموا من يرتبط بها بالرجعية أو غير ذلك، وطبّلوا وزمّروا لشعارات رفعوها، مفادها فك العلائق والروابط الكثيرة بين الدين وجوانب الحياة الأخرى تمهيداً لتشويه صورة عالم الدين وتأطيرها بإطار ينفر منه الواعون والمثقفون والملتزمون ويدنو منهالتافهون وأصحاب عقول رّبات الحجال، وهنا برز دور المعمم أو إمام الجماعة أو الوكيل لمساعدة المجتمع على الارتباط بالحوزة وذلك عن طريق تفعيل دور المسجد وتهيئة المقدمات التي توصل إلى الفوائد الدينية والاجتماعية.

شمولية مسؤولية الحوزة

الحوزة العلمّية مؤسسة تتسم بالشمول والسعة لطلبتها ومجتهديها ومقلديهم، بل أن واجباتهم تتعدى ذلك لتشمل المعرضين عنها، كما أنها لا تتحدد بإطار واحد فحسب، بل لها عدة أطر تختار وتعّين الإطار المناسب للحدث المناسب في الوقت المناسب حسب ظروف المرحلة، وحسب تكليفها الشرعي تجاه الأحداث، وفي بعض الأحيان تتأطر بجميع الأطر لو سنحت لها الفرصة وكانت لديها القابلية، فتراها من ناحية مؤسسة اجتماعية تتعامل مع الأفراد وبصيغ أخلاقية الغاية منها خلق شخصية إنسانية مؤمنة, ومن ناحية أخرى تجدها تخط للإنسان طريقاً يوصله إلى ربَّه في عباداته ومعاملاته فهي بمثابة الضوء الكاشف عن حلال الله وحرامه، ومن ناحية ثالثة تراها نظاماً اقتصادياً ومالياً متيناً، تجري فيها عمليات القبض والبسط بكل مستوياتها، وحسب ما يقتضيه الموقف من إنفاق في حين أو قبض واستلام في حين آخر، ومن ناحية رابعة فهي مؤسسة ثقافية وجهازا إعلاميّ بإصداراتها ونشراتها وما يصدح به خطباؤها المنتمون إليها والواعون.

يجب على الحوزة..

ضرورة مواكبة الزمن وعدم الإبقاء على الموروث من الأساليب، لأن هذا فيه تقصير في أداء الوظائف، إن لم يكن فيه إنهاء للحوزة وتعطيل لدورها، ومن ثم فلا تعدو أن تكون الحوزة مجرد مؤسسة (استهلاكية) وليست (إنتاجية) وهادية وبانية. فالسلبيات تكمن بعدم مواكبة الزمن أحيانا،ً ولا ننكر هنا أن في ذلك إيجابيات أحياناً أخرى لأن فيه تروي وتفكّر في جدوى هذا الأسلوب أو النظام وعدم جدواه، وما إلى ذلك من المحافظة على كيان الحوزة

ص: 150

الذي سلّمه لنا السلف وضمان عدم تسلّل عناصر غير أمينة أو غير واعية إلى الجهاز الإداري مما يربك المرجعية ويوقعها في مشاكل مع جهات عدة.

تنتج عدة سلبيات إذا لم تواكب الحوزة للزمن، وهي:

أولاً : صعوبة الانتماء إلى الحوزة العلميّة من قبل أبناء المجتمع.

ثانياً : الغموض الذي يكتنف سير الدراسة في الحوزة العلميّة بالنسبة إلى منتسبيها فضلاً عمن هو خارجها.

ثالثاً : عدم معرفة بداية العام الدراسي للحوزة ليتم التسجيل فيه مع بدايته.

رابعاً : عدم الإعلان عن موعد التقديم أو أي أمر آخر يهم المجتمع في أحد البرانياتفضلاً عن التفكير في وسيلة لإيصال هذا الإعلان إلى المجتمع عن طريق المساجد المنتشرة.

خامساً : صعوبة الدخول إلى البرانيات لأنها ليست مفتوحة دائماً أو يكون مكانها مجهولاً لكثير من المؤمنين.

فوائد الدورات السريعة

إن الالتحاق بالدورات المكثفة السريعة التي تعقدها الحوزة الشريفة خلال العطلة توفر للطالب عدة أمور:

أ - أنه يسلح نفسه بالعلم والمعرفة التي تعينه على تكميل نفسه وقربه من الله تعالى وتحصنه من الوقوع في شباك الفساد والانحراف والعقائد الفاسدة والأفكار الضالة.

ب - أنه سيكون عنصراً فعالاً في الهداية سواء على صعيد المجتمع أو الجامعة أو المدرسة أو الأسرة، وقد قلنا في مناسبة سابقة إن الإسلام محتاج إلى جميع أبنائه، وهؤلاء الطلبة من خيرة أبنائه، فلماذا يحرمون الإسلام من بركات جهودهم ويعود النفع في النهاية لهم؟.

ج - أنه سيجتاز عدة مراحل دراسية في الحوزة الشريفة خلال السنين، وربما يصل إلى مراحل عالية من دون أن يفرط بدراسته الأكاديمية.

د - ستصبح له القابلية على الكتابة والتأليف والخوض في مختلف القضايا والمشكلات التي تواجه المجتمع، مما يؤهله بشكل واسع لممارسة دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح الاجتماعي، فيكون من الثلة المؤمنة المخلصة التي عناها الله تعالى بقوله: [وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ] ولا شك أن المناهج الحوزوية تساعد على تنظيم الفكر وتقويته.

ص: 151

هذا الطالب ينقص في عيني

إنّ طالب العلم الذي أجده ماكثاً في النجف في مواسم التبليغ والإرشاد ولا ينتشر في الأرض ليؤدي رسالته ينقص في عيني إلاّ أن يكون ممن يمارس ذلك في النجف نفسها، ولا أجد أي مرجح على ذلك كالتأليف ومراجعة الدروس ونحوها، فإنها مما يمكن إتيانها في غير هذه المواسم) وإذا كان هذا مما يزعجكم فاعلموا إنّ هذا مما ينقصكم في عين الله ورسوله وأمير المؤمنين والإمام الحجة أرواحنا له الفداء.

أهمية العلوم غير الحوزوية

يمكن بواسطة العلوم الحديثة اكتشاف الكثير من أسرار التشريع وحكمه ومصالحه مما يساعد على تثبيت الايمان في نفوس شريحة معتدٍ بها في المجتمع وهي تلك التي تؤمن بالنتائج العلمية.

شكوى آية كريمة

نحن اليوم بين يدي شكوى آية كريمة وهي قوله تعالى: (فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) ففي الآية دعوة لنخب من الأمة لكي ينفروا لطلب العلم والتفقه في الدين ثم التحرك بهذا العلم والفقه إلى سائر الناس ليرشدوهم ويعلموهم ويأخذوا بأيديهم إلى ما فيه صلاحهم.. إن هذا الحث الإلهي (فَلَوْلاَ نَفَرَ) مصداق لقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ) والتفقه في الدين هو الذي يحيي العقول ويطهر القلوب ويهذب النفوس ويسمو بالروح، فلا يسع الأمة إلا الاستجابة لهذه الدعوة.

تضييع الأهم

لو أن شخصاً مريضاً ويجب عليه تناول دواء معين وعنده ثمنه لكنه لا يفعل ذلك بل صرف الثمن على شراء أكلة يشتهيها وترك نفسه عرضة للأوجاع وتداعيات المرض مع أن الأكل في نفسه مفيد، قال أمير المؤمنين (علیه السلام): (من اشتغل بغير المهم ضيع الأهم) وفي غرر الحكم عن أمير المؤمنين (علیه السلام): (من شغل نفسه بما لا يجب ضيّع من أمره ما يجب) ومن أمثلتها عندنا نحن (الحوزة العلمية) اشتغال البعض بمطالب علمية ترفية لا دخل لها في وظيفتنا الإلهية. هذه هي أهمية الوقت، لكننا نشهد أن أتفه شيء عند الإنسان هو الوقت وآخر ما يحرص عليه وقته، بل إنه يقوم بأفعال عبثية ولهوية كثيرة مما يسمى بالهوايات أحياناً كتربية الطيور أو جمع الطوابع أو حل الكلمات المتقاطعة أو بعض الألعاب المسلية

ص: 152

ويقول بصراحة ووضوح إنه يفعل ذلك لقتل الوقت أو حرق الوقت وفي الحقيقة فإنه إنما يقتل نفسه ومستقبله الحقيقي.

دور الحوزة في توعية المجتمع

تقع على الحوزة الشريفة مسؤولية عظيمة بأن تكون أهدافهم سامية، وهو نيل رضا الله سبحانه والقربى منه والزلفى لديه والعمل بكل ما يقرب الناس إلى الطاعة ويبعدهم عن المعصية، وأن يكونوا قدوةً حسنة للناس بأخلاقهم وأعمالهم وإن لم يتحدثوا بألسنتهم تطبيقاً للحديث الشريف: (كونوا لنا دعاة صامتين) وفي حديث آخر (كونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا شيناً)، فهم ورثة الأنبياء وأولى من يتأسى برسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأمير المؤمنين (علیه السلام) الذي يتأوه ويتضرع إلى الله سبحانه من أي تقصير محتمل في أدائه للمسؤولية ويقول (أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همهاعلفها أو المرسلة شغلها تقممها) ويأمر أصحابه بمراقبة أفعاله ومحاسبته على تصرفاته وإن كان على رأس دولة واسعة ويقول لهم (إن خرجت منكم بغير هذه القطيفة التي جئتكم بها من المدينة فأنا خائن) وهكذا مضى (علیه السلام) طاهراً نقياً فإذا أردنا الفوز بلقائه (علیه السلام) وصحبته فلا بد من التأسي به ولا تخدعنا العناوين البرّاقة والمواقع الاجتماعية الزاهية فإنها دنيا زائلة لا تسوى عند أمير المؤمنين(علیه السلام) شسع نعلٍ بالٍ، ولا نكون شيعته حقاً إلا إذا شاركنا الناس في معاناتهم وبذلنا الوسع في قضاء حوائجهم وتفهّم مشاكلهم خصوصاً في هذا الظرف العصيب، ولنتذكر دائماً أن هذه المواقع التي نحن فيها أمانة في أعناقنا، فهل أديناها إلى أهلها وهو الإمام المهدي (علیه السلام) ولا يعتبر أحدٌ أن هذه الأموال غنيمة فاز من استكثر منها بل هي مسؤولية يجب الخروج من عهدتها (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ)وحينئذٍ يكون في حلالها حساب وفي حرامها عقاب وفي الشبهات عتاب فأي هذه النتائج الثلاث تتحملها في ذلك اليوم العصيب يوم القيامة، وأي تقصير في أداء هذه الأمانة يكون خيانة لله والله لا يحب الخائنين قال تعالى: (هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَْنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) وماذا يضرّنا لو كنّا صادقين في أقوالنا وأفعالنا وتخلينا عن كل ما لا يليق بنا حتى من المباحات التي ليس فيها حرمة شرعية إلا إن فيها منقصة أخلاقية.

ص: 153

أساس الانطلاق الاصلاحي

إن التحصيل العلمي في الحوزة العلمية وتلقّي علوم أهل البيت(سلام الله عليهم) هو أساس الانطلاق في كل المشاريع الأخرى سواء السياسية أو الاجتماعية أو الفكرية، وحتى الاقتصادية وغيرها، لأن تلك العلوم تورث الحكمة وتنير البصيرة وتنمي العقل وتصحح المسيرة وتفتح آفاق التفكير على أوسع أبوابها.

وظيفة الحوزة

إن من وظيفة الحوزة العلمية الإصلاح وتغيير الواقع الفاسد ومقاومة الظلم والانحراف على جميع الأصعدة.

الحوزة وأصناف طلابها

أُقدم لكم مثالاً لشكلين من الحوزة: أحدهما يؤلف الرسالة العملية ويقعد في بيته وينتظر من يطرق بابه ويسأله، والآخر يتوسل بمختلف الأساليب لإيصال الوعي الديني إلى المجتمع، فإذا فشلت وسيلة جرّب غيرها، فمثالهما كأمّين، إحداهما تطبخ الطعام وتتركه إلى جانبولدها المريض الضعيف المحتاج إلى الطعام، فإن شاء أكل وإن شاء لم يأكل، وهو لا يعرف ما يصلح حاله، فينتهي أمره إلى الهلاك، وأخرى لا تكتفي بتهيئة الطعام، بل تتفنن في إقناع الطفل بالأكل، وكلما فشلت وسيلة أو لم يرغب بالطعام أعدت غيره وبوسيلة أخرى حتى يأكل ويسترد عافيته. إن المجتمع كالطفل المريض؛ أما أنه كالطفل فلأنه قاصر ويحتاج إلى من يرعاه ويربيه ويحتضنه، ومريض لأنه مليء بالأمراض الاجتماعية ويعمّه الفساد والانحراف وهو لا يعرف من أين وكيف يأخذ طعام المعرفة والإيمان ليعالج أمراضه، والحوزة هي الأم الحنونة الرحيمة الرؤوفة الشفيقة الحريصة، فأي الأُمَّين في المثالين أجمع لهذه الصفات الكريمة التي هي مشتقة من الأسماء الحسنى، وقد أمرنا بالتحلي بها كما في الحديث الشريف: (تخلقوا بأخلاق الله تبارك وتعالى) فأي الأُمَّين حنونة رحيمة رؤوفة شفيقة حريصة؟ الثانية طبعاً.

فوائد العمل الجماعي

إن الارتقاء في سلم التكامل قد يحصل من أعمال ورياضات فردية لكنه يتسارع بدرجة أكبر من خلال الانخراط في العمل الجماعي وأداء الوظائف الاجتماعية، إذ ان المؤمن يشعر بدرجة من المسؤولية أمام ربه فيؤدي الواجبات ويتجنب المحرمات حتى في السر فاذا انخرط في سلك الحوزة الشريفة وارتدى الزي الديني فان شعوره سيزداد وسيترك بعض

ص: 154

التصرفات المحللة لمجرد انها غير لائقة بوضعه الجديد فإذا صار إماماً للجماعة فسيكون أكثر مراقبة لنفسه لأنه صار محل ثقة عدد من الناس يصلون خلفه ويعتقدون بعدالته ولا بد من مطابقة ظاهره لباطنه لكي لا يصير منافقاً وهكذا يرتقي في السعي نحو الكمال .

التضحية المتبادلة

إن المجتمع قد اعطانا (أي العلماء وأبناء الحوزة)كل ما عنده من الجاه والمال والتقديس والتفاني في الخدمة فيجب أن نعطيه كل ما عندنا .

المسؤولية المتبادلة

إنّ المسؤولية متبادلة بين المجتمع والحوزة فإن بعضهم يكمل بعضاً، فالحوزة ترشد المجتمع وتوجهه إلى طريق الصلاح، والمجتمع يطبّق ويمتثل ويمارس دور الشاهد على الحوزة ليقيّمها هل أدّت دورها كما ينبغي.

مسؤولية طلبة الحوزة

يجب على طلبة الحوزات الشريفة -رجالاً ونساء- أن يستوعبوا مسؤولياتهم ووظائفهم التي يقتضيها وجودهم في هذا الكيان الشريف، وهي إن بدت واسعة وثقيلة إلا أنها تكون يسيرة مع الإخلاص لله تبارك وتعالى والهمة وقوة العزم والتعاون مع كل العاملين.

مقومات شخصية الحوزوي

البعد العلمي، والبعد الأخلاقي، والبعد الاجتماعي، ولكي تتكامل شخصيته ويكون ناجحاً في مهمته وينال الحظوة عند الله تبارك وتعالى ورسوله الكريم (صلى الله عليه وآله) لا بد أن يجدَّ ويجتهد في المسارات الثلاثة بتوازن، فإن أي تقدم في أحدها على حساب الآخر يلزم منه خلل في شخصيته، وهو معنى الحديث الشريف: (قصم ظهري رجلان: عالم متهتك وجاهل متنسك) فالأول حاز العلم ولم يهذّب نفسه ويطهّر باطنه، والثاني يتفرغ للعبادة والنسك إلا أنه فارغ من العلم، وفي كليهما نقص، ففي الاتجاه الأول وهو العلمي لا بد أن يسعى لتحصيل كل العلوم الحوزوية المتعارفة من مقدمات وسطوح، ويضم إليها غير المتعارفة كالتاريخ والحكمة والتفسير، والأولى أن يلمّ معها بالثقافة العامة، وفي البعد الأخلاقي يعمل على مراقبة نفسه ووعظها باستمرار ومحاسبتها وعرضها على الميزان الصحيح، وأن يكون الله حاضراً عنده في كل عمل وكل فكرة بل وفي كل خاطرة، ويجاهد في طريق تهذيب النفس وتطهير الباطن من الرذائل الخلقية وتحلّيه بالفضائل مما هو مدون في كتب الأخلاق المخلصة، وفي الاتجاه الاجتماعي يعمل على إصلاح مجتمعه وهدايته وتقريبه

ص: 155

إلى الطاعة وتجنيبه المعصية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم الناس أحكام دينهم في العبادات والمعاملات وأن يسعى لقضاء حوائجهم ورعايتهم اجتماعياً ويشاركهم في همومهم وآمالهم وطموحاتهم ويعمل على تحقيقها بقدر المستطاع.

ص: 156

الخطابة والخطباء

لكي يكون الحوزوي متكاملاً

إنّ من النقص في الحوزوي أن لا يكون خطيباً، ومن النقص في الخطيب أن لا يكون حوزوياً؛ فإن الحوزة لا تستطيع أن تؤدي واجبها كاملاً إلاّ من خلال الخطابة، والخطيب لا يكون ناجحاً ومفيداً إلاّ إذا تربى في الحوزة الشريفة، وهو ما نستفيده من الآيات الكريمة التي أناطت هذه المسؤولية بثلة خاصة أُعدّوا إعداداً كافياً: (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ..) طائفة تتميز وتعد إعداداً كاملاً وأخرى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوف) إشارة إلى القلة التي تتوفر فيها هذه الصفات.

سر نجاح وفشل المنبر الحسيني

كان السلف الصالح - قبل أن تسيطر على المنبر مجالس الثقافة- يهتمون في أن تكون المجالس عامرة بالموعظة والإرشاد وإحياء القلوب لذلك نجد أن القلوب عامرة بالإيمان والأرواح تسمو في أفق الكمال ولكن ضاع هذا الاتجاه والحس في المدارس الحديثة للخطابة وصرت لا تسمع إلا آية فيها عدة بحوث وفي كل بحث عدة أقوال فيخرج المستمع خالي الوفاض من أية فائدة روحية يفترض ان المنبر قد أسس لها إلا من ذكرى أبي عبد الله الحسين (علیه السلام) الذي هو سر النجاح والبقاء والديمومة.

القوى الناعمة الإيجابية

من القوى الناعمة غير الملتفت إليها في هذا العلم والتي لم تأخذ حقها من الدراسة والبحث لان القائمين على هذا العلم في الغرب من البعيدين عنها لانغماسهم في الماديات، مضافا الى انهم يستهدفون من القوى الناعمة تحقيق مآربهم الشخصية ومصالحهم على حساب استعباد الشعوب والسيطرة عليها، فلا يلتفتون الى القوى الناعمة الايجابية التي تجلب الخير والسعادة للبشرية وتصليح أحوال الناس وتصنع لهم حياة سعيدة طيبة يكونون فيها احرارا كراما. ومن تلك القوى (الدعاء) الذي ورد فيه انه يدفع البلاء وقد ابرم ابراما أي تمت كل مقدمات نزوله وتنفيذه على ارض الواقع، فهذه وسيلة غيبية للتأثير في الحوادث، وكذلك (الصدقة) التي تفعل نفس الفعل، عن الامام الصادق(علیه السلام) : (داووا مرضاكم بالصدقة وادفعوا البلاء بالدعاء واستنزلوا الرزق بالصدقة) فقد يعجز الطب بكل

ص: 157

تكنولوجيته المتطورة عن العلاج لكن الله تعالى يمن بالشفاء والعافية بسبب دعاء او صدقة، ومن القوى الناعمة المؤثرة في الاخرين وجذبهم (الاخلاق الحسنة) من وصيةالنبي(صلى الله عليه وآله) لعمه العباس بن عبد المطلب: (انكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم) وقد دخل كثير في الإسلام والايمان بسبب تأثرهم بأخلاق وسيرة أئمة الإسلام وقادته وعلمائه، روي عن الامام الصادق (علیه السلام) قوله: (كونوا دعاة للناس بغير السنتكم ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير فان ذلك داعية) ومن القوى الناعمة (المنبر الحسيني والشعائر الحسينية) التي اثبتت إنها قوة عظيمة للجذب الى الحق والتأثير في الشعوب لأنها تستمد قوتها من قوة مواقف الامام الحسين(علیه السلام) النبيلة وتضحياته العظيمة ومبادئه السامية.

الخطاب العالمي الواعي

نلفت نظر الخطباء الأعزاء الذين يظهرون على شاشات التلفزيون أو المثقفين الذين ينشرون على مواقع التواصل الإجتماعي إلى أن يكون خطابهم عاماً شاملاً مؤثراً في كل التنوعات الإنسانية وليس مقتصراً على الفئة أو الشريحة التي ينتمي إليها أو الموجودة أمامه، فاستحضر إنك تخاطب الموجودين في المغرب أو الجزائر ومصر أو في اليمن والخليج أو الهند وباكستان وروسيا وأوربا وأمريكا وغيرها من بقاع العالم.

المجلس الحسيني الواعي

يجب أن يكون المجلس(أي المجلس الحسيني) مليئاً بالوعظ وتهذيب النفوس وإرشاد القلوب وإحيائها ففي وصية الإمام أمير المؤمنين لولده الإمام الحسن (علیه السلام): (أحيي قلبك بالموعظة وأمته بالزهادة) وورد الحث الكثير على أن تجعل زادك الموعظة فإن (القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد وجلاؤها قراءة القرآن وذكر الموت) ويمكن لمن تصدى للمنبر -هذه الرسالة الخالدة- أن يراجع ويقرأ بعض الكتب النافعة في الموعظة والإرشاد كإرشاد القلوب للديلمي ونهج البلاغة، فكم سيكون المجلس نافعاً لو كرس ليتلى به على الجالسين خطبة أمير المؤمنين (علیه السلام) في وصف المتقين ويطلب أن يطبق كل واحد منهم فقرات الخطبة على نفسه ليرى كم من تلك الصفات متحققة فيه، فقد ولى زمان (الترف الفكري) حيث لا تمثل المجالس -في أحسن صورها- إلا كمّاً من المعلومات التي تغذي العقل لا الروح ولا تترك أثراً على السلوك حتى لو دأبت على حضورها سنيناً طويلة ولا تنفع إلا كثقافة عامة لا أزيد ولولا ارتباطها بقضية الإمام الحسين (علیه السلام) لما كان فيها أي منفعة.

ص: 158

ضرورة ديمومة مجالس التذكير

لا بد من إدامة المجالس طوال أيام السنة ولا أعني فقط المجالس الحسينية بل كل المجالس المنعقدة لإدامة ذكر الله سبحانه وفضائل أهل البيت (عليهم السلام) ونشرتعاليمهم والموعظة وإحياء القلوب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتقريب الناس من طاعة الله سبحانه وتبعيدهم عن معصيته، ولا أقل من عقد مجلس واحد من كل جمعة فقط، قال الإمام (علیه السلام): (أفٍّ لرجل لا يفرّغ نفسه ولو ساعة في كل جمعة ليتفقه في أمور دينه) والتفقه بمعناه العام.

نقد لبعض الخطباء

هناك نسبة معتداً بها من رواد المنبر الحسيني قليلي الثقافة والعلوم فهم لا يتمتعون بالحنكة والقدرة على تسخير المنبر الحسيني والقضية الحسينية في خدمة الإسلام ونحن بدورنا نسأل وهل الحسين إلا دين الإسلام؟ نعم هو الإسلام (حسين مني وأنا من حسين) بل نقول إن هؤلاء الخطباء في المجالس فهموا أمراً واحداً وهو إحياء الذكرى الحسينية فحسب وإن كانت بذاتها لا تخلو من أهمية ولكن كان ينبغي عليهم أن يستغلوا العاطفة الجمة في قلوب الناس في فهم الدين وتيسير تطبيقه أمامهم وشدهم عليه وبيان الجوانب العظيمة الدفينة فيه.

حب زيادة الاتباع

إن هذا الداء وهو السعي لزيادة الأتباع، قد تفشَّى إلى مراكز عديدة كمرجعية التقليد، أو خطيب المنبر، أو إمام المسجد، أو المدرس في الحلقات العلمية، وأصبح هو المعيار، وانطمست المعايير الحقيقية، ولو وقف الأمر إلى هذا الحد لأمكن السكوت عليه، لكن الداهية العظمى أن يكون ذلك هدفاً يسعى إليه، ويغفل عن الله سبحانه، وعندئذ لا يهمه الأسلوب الذي يؤدي إلى هذه النتيجة، وهذا انحدار مريع في تفكير القيادة ومنهجها. وقد تنقلب الموازين، فتكون هذه الكثرة الكاثرة هي الدليل عنده على أنه على الحق، ويبدأ بمغالطة نفسه فضلاً عن مغالطة الآخرين، وينسى ان عدد مريدي لاعب رياضي، أو مغني هم أكثر من أتباعه، فما الحق الذي نالوه من هذه الكثرة.

احذروا من هذا الطرح المضلل

ما يصوّره بعض الخطباء من أن اللطم على الإمام الحسين (ع) والبكاء عليه ولو جناح بعوضة يدخل الجنة بغير حساب وان ملأ الشخص صحیفة أعماله بالاثام کلام

ص: 159

مخالف للقرآن الکریم و الروایات الثابته عن المعصومین علیه السلام و انحراف في الفهم وخداع للعامة، وهذا الطرح خطير على الدين لأنه يشوهه ويمحقه، وخطير على المجتمع لأنه يؤدي إلى التمادي في الانحراف ويعطي مشروعية للعكوف على المعاصي ما داموا قد حصلوا على صك الغفران. فاحذروا أيها الأخوة من هذا الطرح المضلل.

المنبر صوت الحوزة

إذا كسبنا المنبر الحسيني استطعنا تسخير هذه القناة لإسماع صوت الحوزة وقطعالطريق أمام المرتزقة والجهلة، وشجعنا ذوي الكفاءات في هذا المجال على السير فيه باطمئنان .

من أفضل سبل الإصلاح

إنّ الوسيلة الأهم (لأداء رسالة التوجيه والإصلاح) هي الخطابة بكل أشكالها، خصوصاً خطابة المنبر الحسيني الذي يمزج العاطفة بالوعي، فإذا انضم إليها الولاء والإخلاص والإيمان فقد تكاملت لديه أسباب النجاح .

أهمية الخطباء

إن خطباء المنبر يستطيعون أكثر من أية وسيلة أخرى على شد الناس إلى مرجعيتهم والالتفاف حولها وطاعتها كما تستطيع العكس من ذلك هز سمعة المرجعية والتشكيك فيها والقدح منها وتنفير الناس عنها وتوجد شواهد تاريخية على ذلك .

دور المنبر الحسيني

المنبر الحسيني من مختصات الشيعة سنّه لهم الأئمة الأطهار (عليهم السلام) وكان له الدور المهم في حفظ كيان المذهب ويحمل مقومات نجاحه في نفسه بضم الفكر الى العاطفة والولاء ويلبي كل حاجة إذ ليس له نمط معين ولا اختصاص واحد حتى يتحدد به وما يزيده نجاحاً إن الجماهير هي التي تختار خطيبها.

أوسع الابواب وأشدها تأثيراً في النفوس هو (المنبر الحسيني) الذي يستمد قدسيته ومكانته من صاحب المناسبة .

دور الخطباء

ينبغي أن ندرك أهمية دور الخطباء في المجتمع وعظيم مسؤوليتهم فليس دورهم ابكاء الناس واستدرار دموعهم وان كان هذا مهماً ولكن الأهم ايصال الفكر اليهم لان مشكلتنا الرئيسية وعدونا الأول هو الجهل، الجهل بعقائدنا ومبادئنا واخلاقنا وشرائعنا.

ص: 160

مقومات الخطيب الناجح

الخطيب لا يكون ناجحاً ومتمكناً من أداء دوره في المجتمع إلا إذا تربى في أحضان الحوزة العلمية ونهل من معين علومها الصافي، كما أن الحوزوي لا يتمكن من أداء رسالته كما ينبغي له إلا حينما يكون خطيباً ويواجه الجمهور بشكل مباشر، فكما إنه من النقص في الخطيب ألا يكون حوزوياً فكذلك نقص في الحوزوي أن لايكون خطيباً.

من تقصيرات بعض الخطباء والمدرسين

إعتاد المتحدثون مدرسين أو خطباء أو محاضرين أن يخصصوا نصف سطر في بداية حديثهم لله تبارك وتعالى ثم يطلقوا لأنفسهم العنان للخوض في مختلف المواضيع وهي وإنكانت دينية إلا أنها لا تخاطب الروح والقلب وليست غذاءً لهما بل هي تخاطب العقل ولا يغني أحدهما عن الآخر ، وهذا تقصير في وظائف العبودية لله تبارك وتعالى .

الخطباء السُرّاق ؟!!

المنبر الذي يرتقيه أي واحد من هؤلاء والجمهور الذي يستمع إليه أمانة عنده وهو مسؤول عن رعايتها وأداء حقها ف(كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته) فيحرم تصدي غير أهله له وإذا لم يكن كفؤاً قادراً على اداء الأمانة فإنه خائن لها وسارق لوقت هؤلاء الجالسين وجهد القائمين بالمجلس وأموال الباذلين.

التجديد في الخطاب الديني

التجديد ضرورة لأنه من سنن الحياة فلابد أن تجري، ومن لا يتجدد تخلفه الحياة ويصبح ميتاً أو جزءاً من الماضي، كالماء الراكد فإنّه يفسد ولكنه يحيى ويتجدد بالجريان، وقد أخذ الشارع المقدس هذه الضرورة بنظر الاعتبار، ومن الشواهد على ذلك بعث مئة وأربعة وعشرين ألف نبي على مدى التاريخ من لدن أول البشر لإبلاغ رسالة التوحيد وكان يكفيه إرسال واحد يبلّغ عن الله تعالى، وما ذلك إلاّ لمراعاة التغيرات التي تطرأ على أذهان البشر والنمو الحاصل في المجتمع البشري في تفاصيل الشرائع الإلهية حتى ختمت بشريعة الإسلام التي صمّمت على شكل يتيح لها أن تكون الرسالة المستوعبة.

ضرورة التجديد

الإنسان يجب أن يكون متجدداً مع ما يقتضيه الزمان فطناً لتقلبات الاحداث ومستجداتها ليأمن من الشبهات والفتن واختلاط الأمور وحينئذٍ تكون عنده الرؤية واضحة وتتوفر القدرة على اتخاذ السلوك والموقف الصحيح، خصوصاً العلماء الذين يحملون

ص: 161

رسالة الهداية والصلاح إلى الناس جميعا بكل تنوّعاتهم، فهم أحوج من غيرهم إلى هذا التجدّد.

الافراط في التجديد الديني

لقد بالغ البعض في ادعاء التجديد واعتناق الحداثة حتى شكّك في الثوابت والمقدسات وخرج من الدين وفي هذه خسارة عظيمة لأنفسهم وللمجتمع، وحصل بعض هذا كردة فعل على قساوة التعامل أحياناً عند بعض دهاقنة المؤسسة الدينية، أو بسبب سذاجتهم وغفلتهم عما يراد في الحقيقة من دعاوى الحداثة والتجديد وبعض الشعارات المحببة الأخرى، وتصبح المشكلة أخطر حينما يصاب بهذا الاختلال رجال من الحوزة العلمية .

التجديد الحكيم

لابد للمعالج البصير من التصرف بحكمة وتأمل ليعالج الموضع المريض فقط وليس كل شيء يمتد في جذور الزمان بعنوان الحداثة والتجديد، فهذا هدم وتدمير، وأذكر أنني عرضت بعض الأفكار التجديدية في مناهج الحوزة العلمية وإدارتها على السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) قبل ثلاثين عاماً فأوصاني بالحذر والتروّي وقال لئلا نكون كالغراب الذي حاول أن يقلّد الطاووس في مشيته فلم يفلح فأراد أن يعود إلى مشيته فلم يستطع فضيًّع (المشيتين) وهو المثل المعروف.

تأثير الكلمة الصادقة

نؤكد على أهمية الكلمة الصادقة وتأثيرها الفاعل في الإصلاح والتغيير اذا انطلقت وفق آليات مناسبة ويمكن لكلمة واحدة أن تغيّر مجرى حياة الإنسان كما يروي التاريخ عن العارف بشر الحافي الذي كان مولعاً بالشراب واللهو مدة من حياته وفي أحد الأيام مرَّ الامام الكاظم(علیه السلام) على داره الفخمة في بغداد حينما كان يُفرَج عنه سويعات للترويح فخرجت جارية لبشر وألقت فضلات مجالس الشراب فقال لها الامام لمن هذه الدار قالت لسيدي بِشر قال(علیه السلام): أسيّدُكِ حرٌّ أم عبد؟ فقالت: بل حرّ ،فقال الامام (علیه السلام): صدقتِ لو كان عبداً لاستحيا من مولاه، ولما عادت الى سيدها وسألها عن تأخّرها نقلت له الحوار فسألها عن أوصاف الرجل فوصفته فقال ذاك سيدي ومولاي موسى بن جعفر (علیه السلام) ولحقه في الطريق ووقع على يديه ورجليه معلناً توبته الصادقة وغيَّر مجرى حياته وأصبح العارف الشهير لأن كلمة الإمام وقعت في قلبه وذكرته بتمرده على سيده وخالقه وخروجه عن

ص: 162

وظائف العبودية لله تبارك وتعالى.

مسؤولية الكلمة والكلمة المسؤولة

(الكلمة) من أوسع القنوات الموصلة إلى رضا الله تبارك وتعالى فمن خلالها تكون النصيحة وبها تتم الموعظة وتجري الهداية ويتحقق الإصلاح وينتشر العلم والمعرفة وتُبنى الحضارة وتتقدم الإنسانية وتتكامل التربية فهي وعاء لهذه الطاعات العظيمة وغيرها، لذلك جاء رجل إلى الإمام (علیه السلام) وسأله: هل الكلام أفضل أم السكوت؟ ففهم الإمام (علیه السلام) من حاله إنه واقع في شبهة أن السكوت واعتزال الناس ومقاطعتهم أفضل لما بلغه من الأحاديث الشريفة التي تحثّ على السكوت وقلّة الكلام فبيّن له الإمام(علیه السلام) إن الكلام إذا كان خالياً من السوء والفحشاء فهو أفضل بالتأكيد وقال له: وهل بُعثَ الأنبياء إلا بالكلام، قال تعالى: [لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أمر بِصَدَقَةٍ أو مَعْرُوفٍ أو إصلاح بَيْنَ النَّاسِ] حتى عُدّت (الكلمة الطيبة صدقة) في بعض الأحاديث، وفي المقابل فإن الكلمة السيئة لها ضرر بليغومدمّر وإن كثيراً من الكبائر التي وعد الله بها النار مرتبطة بالكلمة كالغيبة والنميمة والبهتان والكذب والافتراء والسب والشتم والإيذاء وإشاعة الفاحشة وغيرها لذا ورد في الحديث (وهل يدخل الناس النار إلا حصائد ألسنتهم) وألّف العلماء والمربّون والأخلاقيون كتباً في (آفات اللسان).

تهذيب الشريعة للكلمة

خصص المشرع الأقدس حصة كبيرة من تعاليمه لتهذيب (الكلمة) وتوجيهها لتكون نافعة بنّاءة فرسم ملامح الكلمة الطيبة [كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بإذن رَبِّهَا] وحذر من ضرر الكلمة الخبيثة: [وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ] وحذر من مغبّة الكلمة الضارة, فمثلاً اعتبر من يقول ولو شطر كلمة في المشرق فقُتل بها شخص في المغرب اعتبره قاتلاً، كما يفعل اليوم صناع ثقافة التكفير والقتل والظلم والعدوان فيطيعهم وينخدع بضلالاتهم شخص في المشرق أو المغرب ويقوم بعملية إجرامية يكون وزرها الأول على صانع هذه الثقافة.

ص: 163

الشخصية الرسالية والعمل الرسالي

مقومات الشخصية الرسالية

لشخصية الرسالي ثلاثة أبعاد:

أ. البعد الأخلاقي: ونعني به الجهاد المتواصل في تهذيب النفس وضبط شهواتها وأهوائها وتنقية القلب من الرذائل وتحليته بالفضائل والعمل على إخلاص النية لله تبارك وتعالى .

ب. البعد العلمي: فلابد من امتلاء عقله بالعلوم والمعارف التي يحتاجها في أداء مسؤولياته ووظيفته في الإصلاح والهداية خير قيام.

ج. البعد الحركي والاجتماعي: بمعنى انه يحمل وعياً اجتماعياً وتفاعلاً مع هموم الأمة وآلامها وآمالها وما تحيط بها من تحديات والوسائل والأدوات المناسبة لمواجهة هذه المشاكل والتحديات فيمتلك رؤية مرحلية (تكتيكية) وثابتة (استراتيجية) لكيفية الارتقاء بالمجتمع وإصلاحه .والعقيدة هي محور هذه الأبعاد بل أن هذه الأبعاد نشاطات وأوجه لها.

أول هم ثقيل

المواجهة الواسعة مع المجتمع البعيد عن الله سبحانه، والسعي إلى تغييره وإصلاحه،(هي) أول هم ثقيل و(حرج) على التعبير القرآني، يتلجلج في صدر المصلح الكبير.

مؤامرات الأعداء وتكليفنا تجاهها

إننا كثيراً ما نتحدث عن مؤامرات الأعداء واستهدافنا وانهم يفعلون كذا وكذا، ولا نتحدث إلا القليل عمّا يجب أن نفعله نحن في مواجهتهم والقيام بمسؤولياتنا، ومنها هذا التكليف بالإصحار والإعلان عن عناصر الهوية ويجب الالتفات إلى أن يكون ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة كما أمر الله تبارك وتعالى، وأوصى نبيّه الكليم وأخاه هارون وهما يتوجهان إلى فرعون لدعوته إلى التوحيد (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى).

تصرف خطير

إن مجاملة المستغنين الطاغين ومداهنتهم بحجة كسبهم وهدايتهم من التصرفات الخطرة على الدين خصوصاً للمتصدّين في العمل الرسالي لأنها تؤدي إلى مزيد من التمرد والطغيان وإغراء لهم بالمضي في هذا الطريق وإقصاء الفقير، قال تعالى ملفتاً نظر

ص: 164

النبي(صلى الله عليه وآله) إلى هذه الحقيقة ومحذراً منها (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى).

الانفصال الرسالي

من سنن الله تعالى في نصر المؤمنين الرساليين وإنجاح مشروعهم هو تمايزهم عن الآخرين مهما رفع الآخرون من لافتات وعناوين حتى لو تلبسوا بالدين، بل إن استقراء قصص الأنبياء في القران الكريم يوحي بأن هذا التمايز والانفصال في الرؤية والسلوك ومنهج الحياة شرط لتحقيق النصر كانفصال النبي نوح (علیه السلام) ومن معه في السفينة وموسى(علیه السلام) وبني إسرائيل عن فرعون وقومه وهجرة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن آمن برسالته إلى المدينة.

وظيفة الدعاة إلى الله

...يتعلّق بوظيفتنا في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى وإصلاح الأمة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي هي أهداف الإمام الحسين(علیه السلام) من خروجه العظيم، إذ أننا نشخّص في المجتمع الكثير من الانحرافات والمنكرات التي تقشعّر منها الأبدان أحياناً، ونلقي باللوم على الناس بأنّهم لا تنفع معهم النصح والموعظة والإرشاد وتارة نلوم الزمان ونتأفّف من الدهر والظروف التي لا تُساعد على عملية الإصلاح، ولو راجعنا أنفسنا -كحوزة علمية ومبلغين وخطباء- لوجدنا أنّ التقصير عندنا واللوم علينا، الناس يستجيبون بدرجة كبيرة للموعظة الحسنة والتوجيه المخلص لذا تأثّروا بالعلماء الربّانيين العاملين كالسيد الخميني والشهيدين الصدرين (قدس الله أرواحهم جميعاً) الذين أيقظوا الأمّة وحرّكوها فاستجابت، وقد نقل لي بعض الأخوة المبلّغين في السجون أن عدداً كبيراً منهم عاد إلى رشده والتزم بالصلاة والفرائض الأخرى وانخرطوا في دورات لتعلّم الفقه والقرآن وساهموا في فعاليات مثمرة، هذا في السجون التي تؤوي بين نزلائها القتلة والمجرمين والمنحرفين، فالعمل مع غيرهم أيسر.

مسؤولية النفر الرسالي

إن مسؤوليتنا لا تقف عند حدود تلقّي العلوم المتعارفة في الحوزة العلمية والتي تختص بالأحكام الشرعية وما يرتبط بها، مع أن المطلوب في الآية الشريفة(أي آية النفر) هو التفقه في الدين كل الدين كالعقائد وتفسير القرآن والمعرفة بالله تعالى وتهذيب النفس بالأخلاق الفاضلة وسيرة المعصومين (عليهم السلام) وكل ما يتصل بالدين من علوم

ص: 165

ومعارف وما نحتاجه في حركة الإسلام العالمية ونشره وإقناع البشرية به والدفاع عنه ورد الشبهات ومواجهة الفتن والحوار مع الأديان والحضارات والأيديولوجيات الأخرى، وهذا باب واسع ينكشف منه بوضوح الجهل والتقصير اللذان يكتنفان الأمة بكل طبقاتها.

تقصير بعض أتباع المرجعية

من التقصير أن يتلاقف الآخرون مشاريع المرجعية الرشيدة وأفكارها ويتبنوها ويعقدوا الندوات والمؤتمرات لمناقشتها من دون أن يكون لإتباع المرجعية دور فاعل في ذلك والشواهد على ما نقول كثيرة. وخفي بسبب ذلك الكثير من المواقف النبيلة والشجاعة للمرجعية.

همم المصلحين

إن المستفاد من البيان الإلهي في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة عن المعصومين (عليهم السلام) هو عدم الاكتفاء ببيان الحكم وإنما حشد كل المؤثرات العقلية والنفسية والقلبية لإقناعه به (أي المكلف) وتحريكه نحو الالتزام والتطبيق وهو ما نحتاجه فعلاً ، لأننا نرى الكثير من المنحرفين عن الشريعة لا ينقصهم معرفة الحكم كوجوب الصلاة وحرمة السفور وإنما يفتقدون الارادة الصادقة للالتزام.

الهم الرسالي

الشباب الرسالي الذين لا يكتفون بإصلاح أنفسهم وإنما يسعون لإصلاح مجتمعهم ما يميّز عمل المؤمن الرسالي عن غيره فإن المؤمن غير الرسالي يقف عند حدود تربية ذاته وإصلاح نفسه وأداء دوره الأول وهو خير ويثاب عليه ولكنه ليس كالثاني الذي يتحرك في الأمة ويبذل كل ما في وسعه لإصلاح الآخرين وهدايتهم وإقامة الحق والعدل في البلاد .

الفرق بين الصالح والمُصلح

توفير الفرص لأكبر عدد من الراغبين في العمل الاجتماعي وخدمة الناس قربة إلى الله تبارك وتعالى وهذا فرق الرسالي عن غيره فإن الأول لا يكتفي بهداية نفسه ويقف عند هذا الحد و إنما يسعى لهداية اكبر عدد من الناس و خلق فرص الطاعة لهم .

مضار حالة التقاعس

إنّ المتقاعس والمتخاذل سوف لا ينجو من البلاء وسيصيبه بشكل أو بآخر فتكون خسارته مضاعفة لأنّه سيذوق الألم وسيحرم من الأجر والثواب لأنّه لم يرابط لأداء

ص: 166

مسؤولياته.

شفقة المؤمن الرسالي

طبيعة الرسالي الذي لا يتوقف عمله حتى يرى كل الناس قد اهتدوا إلى طريق الحق أسوة برسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي كان يتمنى صلاح كل البشرية وهو أمر مستحيل عادة لأن بعض القلوب قاسية فهي كالحجارة أو اشد قسوة وبعض الآذان صماء وبعض العيون عمياء لذا خفف الله تعالى من آلامه وطيب من خاطره في عدة آيات (فلعلك باخع -أي قاتل - نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً) (لعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)) .

من مقومات نجاح المصلحين

إن أشد ما يحتاجه حامل الرسالة مقابل ما يتعرض له من مصاعب ومحن هو البيت الهادئ والصدر الحنون والواسع، وعلى العكس فإن أصعب من كل ما يواجه في الخارج هو البيت المشاكس، لذلك نجد أن أشد تهديد في القرآن لم يوجه إلى المشركين - رغم أنهم نصبوا الحرب لرسول الله (صلى الله عليه وآله) - ولا إلى الكفار ولا إلى اليهود ولا إلى إبليس ولا إلى المنافقين، وإنما وجه إلى داخل البيت الذي كان ينغص على رسول الله (صلى الله عليه وآله )حياته فقال تعالى: (وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فإن اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ) فإنه تعالى لم يهدد أحداً بهذا التهديد، فغاية ما أعد للمشركين أنه نزل عليهم ثلاثة آلاف من الملائكة مسوّمين، أما إبليس فقال عنه: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً)، مما يدل على خطورة التنغيص من داخل البيت.

حملة مشعل الدين في كل جيل

روي عن الإمام الصادق(علیه السلام): (يحمل هذا الدين في كل قرن عُدول ينفون عنه تأويل المبطلين وتحريف الغالين وانتحال الجاهلين كما ينفي الكير خبث الحديد) والقرن هم أبناء الجيل الواحد باعتبارهم مقترنين في الزمان، فمعنى الحديث الشريف أنه يوجد في كل جيل من الأجيال من يحمل رسالة الإسلام المحمدي الأصيل ويحميه من الشبهات والبدع والتحريف والضلالات والأهواء وينقي الإسلام مما علق به من تلك البدع والشبهات كما يفعل الحداد حين يصنع الحديد في النار وينفخ فيها ليزيل عنه الشوائب وفي هذا الحديث الشريف تطمين وتحذير ودعوة. أما التطمين فلأنه يطمئن الناس بأن الله تعالى لا يخلي الأرض من العلماء العاملين المخلصين الواعين الذين يؤدون هذه الأمانة الإلهية فإنهم

ص: 167

موجودون في كل جيل، فلا يقلق الناس من هذه الناحية، أو يبررون ضلالهم وانحرافهم وسوء اختيارهم لمسلكهم في الحياة بعدم وجود مثل هؤلاء العلماء. وفي الحديث إخبار وتحذير بأن المبطلين والمدعين والمنحرفين وأهل الأهواء وطلاب الدنيا من المتلبسين بالعناوين الدينية ومن ينخدع بهم من الجهلة والسذّج سوف لا يتوانون عن تحريف هذا الدين وإدخال البدع والضلالات تحت أي عنوان وقد تُعطى البدعة عنواناً دينياً مقدساً، ولا يتوقفون عن خداع الناس بمكرهم ودجلهم، وأنهم موجودون في كل جيل ويعملون باستمرار كما أن العلماء العاملين موجودون في كل جيل ويواجهونهم، وفي الحديث أيضاًدعوة للناس للالتفات إلى هذا الصراع وهذه المواجهة، والالتفاف حول مثل هؤلاء العلماء الذين وصفهم الحديث الشريف لاتّباعهم والالتزام بما يصدر منهم، وعدم الانخداع بمن يدّعون القداسة والقيمومة على الدين والمؤسسة الدينية ليطلبوا بها الدنيا؛ لأن عملية التأويل والتحريف وخداع الناس لا تكون إلا ممن أعطى لنفسه عناوين دينية كبيرة، ووضع له حاشيته والمستفيدون منه هالة مقدسة وجعلوه صنماً يعبد ويطاع من دون الله تعالى. لذلك يؤكد الأئمة (عليهم السلام) على أن نختار بوعي ودراية وبصيرة وليس بتقليد الأسلاف أو بالسلوك الجمعي مع عامة الناس ونحوها.

الحفاظ على المكتسبات الرسالية

العاملون الرساليون المخلصون لهم دورهم في هذه الحركة المباركة فلا يقصّروا فيه وإذا حققوا تقدماً في ساحة من ساحات العمل الإسلامي فعليهم أن يحافظوا على التقدم الذي يحصلون عليه ويمسكون بما يتحقق لهم ويتقدمون أزيد، وإن تنوعت الآليات وأشكال العمل بحسب ما يتاح لهم.

دور النخب الواعية

علينا أن نكون واعين ونحسب تصرفاتنا بدقة ونشخص أهدافنا بوضوح، وهنا يكون دور نخب الأمة وطليعتها من فضلاء وأساتذة ومفكرين ومثقفين وسياسيين وخطباء ضرورياً في ضبط إيقاع حركة الأمة بما ينسجم مع توجهات القيادة لأن (المتقدم عليهم مارق والمتأخر عنهم زاهق واللازم لهم لاحق) لأنه ليست كل الأمة قادرة على أن تقرأ أو تفهم إذا قرأت أو تهتدي إلى طريقة التنفيذ إذا فهمت أو تنفذ بصورة صحيحة وغيرها من المشاكل، وهذه السلسلة من خطابات المرحلة لا تجد فيها اختلافاً ولا تناقضاً بفضل الله تبارك وتعالى وليس فيها تراجع أو تغيير بل تضم مشاريع محكمة ومتواصلة مع قضايا الأمة والتحديات

ص: 168

التي تواجهها، ورغم أن كثيراً من الآخرين لا يأخذون بهذه الأفكار والمشاريع إلا إنني أجدهم يعودون إليها ولو بعد مدة لأنهم يجدون فيها الحل السليم لمشاكل الأمة.. وتناولنا مختلف قضايا الأمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية والفكرية والفضل في ذلك كله لله وحده المتفضّل المنان.

من أسباب فشل بعض القادة في مشروعهم الإصلاحي؟

أريد أن أشير إلى أن كثيراً من المشاريع الإصلاحية للأنبياء والرسل والأئمة والعلماء والقادة إنما تفشل في بلوغ المراد بسبب القيادة الوسطية التي تدير مفاصل المشروع وتتعامل ميدانيا مع الجمهور، و لنأخذ مثالا من حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإن الحلقة القريبة منه و التي تصدَّت لقيادة المشروع الإسلامي من بعده رغم أنها واكبتمسيرته الطويلة خلال عشرين عاماً و تعرف أنه مسدد من الله تعالى: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى) لما دنت منه الوفاة وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (ائتوني بدواة لأكتب لكم كتاباً لن تضلوا من بعده أبداً) قال أحدهم (إن الرجل ليهجر) واختلفوا عنده حتى زجرهم و أمرهم بالخروج من داره لأنهم علموا أن كتابه (صلى الله عليه وآله وسلم) يخالف مصالحهم و يحبط مخططاتهم .و أما توبيخ أمير المؤمنين(علیه السلام) لأصحابه الذين ملأوا قلبه قيحاً فقد ملأ بطون الكتب، وهي عين المشكلة التي يواجهها الإمام المنتظر (علیه السلام) في غيبته الطويلة فانه ينتظر وجود (313) رجلاً يقود بهم مشروعه العالمي العظيم ولم يجدهم إلى الآن. فالحالة التي تشكو منها الجماهير طبيعية وتاريخية و أن كانت سيئة في نفسها، وما دمنا ممهدين للظهور الميمون فعلينا أن نعمل لبناء هذه الحلقة الوسطية القادرة على إنجاح المشروع الإلهي.

التقصير في إيصال رؤى المرجعية

تذويب الرسالي لخصوصياته مجاملة أو خوفاً أو طمعاً فإنه يمنع عنه اللطف الإلهي وتفسيره واضح من وجهة نظر طبيعية لأن المشروع الرسالي ما لم يتميز وتظهر معالمه على مستوى النظرية والتطبيق فكيف سيطلّع عليه الآخرون ليقتنعوا به فالتقصير في إيصال رؤى المرجعية الرشيدة غير مغتفر وسيحرم الأمة الكثير من الحلول والمعالجات لأزماتها ومشاكلها وما أكثرها في عالم اليوم.

استهداف الشعب العراقي

قد كثر استهدافكم لأسباب سياسية واقتصادية وجغرافية وقومية وطائفية فكثر

ص: 169

أعداؤكم وعظمت محنتكم، لكن لا يكن كل ذلك سبباً للتنصّل عن مسؤولياتكم التي يمكن أن نلفت النظر إلى عناوين بعضها:

1. وحدتكم لأنّ فيها قوّتكم وقدرتكم على تحصيل حقوقكم وتوجب احترام الآخرين بوجودكم، والالتفاف حول المخلصين من أبنائكم.

2. تأسيس المنظمات الخيرية لمساعدة العوائل المحتاجة والأرامل والأيتام وهم كثر خلّفتهم المحنة الشديدة والطويلة والشرسة وقد أعطيت الأذن للمؤمنين بأن يصرفوا حقوقهم الشرعية في هذا المورد.

3. تشجيع جملة من شبابكم الواعين المحبّين للعلم ليلتحقوا بالحوزة العلمية في النجف الأشرف ليكونوا حلقة الوصل مع المرجعية الرشيدة وليفقّهوكم في الدين ليعزّزوا عقيدتكم ويثبّتوا قلوبكم على الحق.1. المواظبة على إقامة شعائر الدين من صلوات الجمعة والجماعة وإحياء الشعائر الحسينية وإعمار المساجد، وجعلها منبراً للتوعية والتربية والتزوّد بالأخلاق والمعرفة، وأنتم بالتزامكم بهذه الخطوات العملية وأمثالها تتحقّق استجابتكم للآية المتقدمة (وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ) لأنّ عدم الوهن يتحقق من خلال الاستمرار بالنهوض بالواجبات التي أشرنا إلى عدد منها.

الفئة الواعية في كل جيل

توجد في كل زمان فئة تحمل هموم المسلمين تمتاز عن باقي فئات المجتمع بكونها تنظر إلى معطيات الواقع وتتعامل معها بروح إلهية هذه الفئة المؤمنة الرسالية تمثل بحق خلاصة المجتمع المؤمن وطليعة التغيير نحو الرقي بالإسلام المنشود.

تأسيس المنظمات

إنني لا أجد عذراً لمعتذر لم يؤدِّ دوره في تحفيز إخوانه والاشتراك معهم في تأسيس المنظمات الإنسانية والخيرية والثقافية والتبليغية والاجتماعية وغيرها حتى تملأ مثل هذه المنظمات كل مساحات الاحتياج.

ما يعيق تقدّم العمل الإسلامي الرسالي

من مظاهر تقصيرنا الذي تحوّل إلى مشكلة تعيق تقدّم العمل الإسلامي الرسالي هو عدم إبراز هويتنا اما ضعفاً أو مجاملة أو مداهنة أو خوفاً على بعض المصالح والامتيازات أو لأي سبب آخر، ونقصد بهويتنا كل الانتماءات التي تشكل عناصر هذه الهوية، فنحن

ص: 170

مسلمون ننتمي للإسلام، ونحن من الموالين لأهل البيت (عليهم الصلاة والسلام) ونحن نتبع المرجعية الفلانية ونقلدها فعلى صعيد الهوية الإسلامية نجد أن بعض المسلمين - في بعض المجتمعات المتمدنة كما يزعمون- قد يترك الصلاة بين زملائه في العمل أو في الجامعة حتى لا يعرف انه مسلم، أو المرأة تضعف عن لبس الحجاب العفيف لأنها لا تستطيع أن تواجه تعليقات الآخرين، أو يجلس شخص على مائدة الشراب أو يسمع الغناء حتى لا يقال عنه انه (معقّد) أو (متخلّف) أو يجاري الآخرين في لبسه ومظهره الخارجي واندماجه معهم في سلوكهم المنحرف حتى يقال عنه أنه متمدن متحضر مثلهم وعلى صعيد الهوية الشيعية نجد من يترك المشاركة في إحياء الشعائر الحسينية المهذبة المسنونة شرعاً، أو يعرض عن قضية فاطمة الزهراء (عليها الصلاة والسلام) وما جرى بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو يخفي شهادته لأمير المؤمنين( (uبالولاية، أو السجود على التربة ونحوها والذي يقلّد المرجعية المعيّنة لا يصرّح بذلك ويحاول التمويه والابتعاد عن انتسابه إليها ونحوها منالأمثلة على التخلي عن الهوية وما تقتضيه انتماءاته لتلك الهوية من التزامات، إن هذا الضعف عن ابراز الهوية لا يضرّ فقط في دينه وآخرته ويسقطه من عين الآخرين لاتهامه بالنفاق، بل انه يضرّ بكل المشروع الذي ينتمي إليه لأنه يؤدي إلى تمييع الهوية وتضييعها، ولأنه إذا لم يعلن انتماءه ويبيّن نقاط القوة فيه ودواعي تبنّيه له، فكيف سيدعو الآخرين إليه ويقنعهم به؟ وكيف سيتقدم المشروع الرسالي؟

كيف نكون قادة صالحين؟

احرصوا على أن تكونوا أهلاً لهذه النعم ومن أهل هذا العنوان: (الدعاة إلى طاعة الله والقادة إلى سبيله) ولا ينال ذلك إلا بالإخلاص لله تبارك وتعالى وتنقية العمل من الشوائب والأشواك الداخلية والخارجية. أما الداخلية فهي النابعة من داخل النفس كطلب العلم للتباهي والاستعلاء على الناس وتحصيل مكانة مرموقة، أو استدرار المال، أو لكي يحظى بقداسة وجاه ونفوذ في المجتمع ونحوه، وشيئاً فشيئاً تنمو هذه الشجرة الخبيثة في داخل الإنسان ويستدرجه الشيطان إلى ما هو أسوأ وأشقى حتى يصير كل همه طلب الدنيا ويطلب العلم لأجلها فيكون من الأخسرين أعمالا (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) وأما الخارجية فنعني بها الصعوبات التي تواجهكم في هذا الطريق الشريف وتعيق مسيرة طلبة العلم حتى قيل: (العلم آفاته كثيرة) حيث إن قلة ممن بدأ مسيرة تحصيل العلم وصل إلى نهايته المرجوّة.

ص: 171

نصيحة للعاملين الرساليين

على العاملين الرساليين أن لا يستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه وأن لا يشعرهم كثرة أعدائهم بالإحباط واليأس فهذا دليل نجاحهم وتأثيرهم في الناس، ولو كانوا فاشلين ولا يمتلكون القدرة على الإصلاح والتغيير لما عاداهم أحد ولا حسدهم أحد.

وعي القواعد الموالية

إنني على ثقة كبيرة بوعي القواعد المرتبطة بالمرجعية الرشيدة وأنها لا تحيد عن أوامر قيادتها الشرعية. وفي ضوء هذه الثقة فإنني أتخذُّ قرارات قد يراها البعض مجازفة إلا أنها في الحقيقة مستندة إلى التقييم الموضوعي لقدرات الأمة وتربيتها النفسية والعقلية، وأرجو منكم أن تكونوا عند حُسن ظن قيادتكم فلا تنساقوا وراء عواطفكم وتحملوا توجيهات المرجعية أزيد مما ذُكِر فيها.

كل يعمل على شاكلته

الذي ينتمي إلى المرجعية الناطقة الحركية يشعر بالمسؤولية عن دينه ومجتمعه أكثر ممن ينتمي إلى المرجعيات التقليدية الساكنة لذا تجد الحيوية والاندفاع والسبق إلى تنفيذالمشاريع التي تعلي كلمة الله تبارك وتعالى وترفع راية الإسلام في أتباع المرجعية الأولى أكثر .

مقومات الثورة الناجحة

إن أية ثورة يراد لها النجاح لابد أن تستند الى مقومات:

1.وجود واقع فاسد وشعور عام لدى الامة به وإرادة جدّية لتغييره .

2- النظرية التغييرية التي تزيل الواقع الفاسد وتأتي ببديل قادر على تحقيق السعادة والصلاح للأمة.

3- القيادة الواعية الملتزمة بنظرية الثورة فكراً وسلوكاً.

4- القواعد الشعبية المؤمنة بقيادتها والمطيعة لها.

تبقى الركيزة الأخيرة للثورة وهي القواعد الشعبية ومع توفر سابقاتها فتكون هذه هي العامل المؤثر في نجاح الثورة وتتمثل في توفّر العدد الكافي من الافراد الذين بلغوا في مستواهم الإيماني وتربيتهم لأنفسهم درجة تؤهلهم لوعي أهداف قيادتهم مطيعين لأوامرها صابرين على ما ينزل بهم.

ص: 172

ص: 173

الاستقامة والثبات الإيماني

من معاني الاستقامة

يظهر أن الاستقامة تتضمن عدة معانٍ:

(أولها) الثبات وعدم الميلان والانحراف تحت ضغط الشهوة أو الخوف أو الحرص على منصب أو المجاملة أو التقليد ونحوها فيخرج عن حد الاستقامة.

(ثانيها) المداومة على الطاعة وعمل الخير والاستمرارية فيه؛ إذ لا يصل الإنسان إلى الهدف بمجرد وضع قدمه على الطريق الصحيح بل لا بد من الحركة الصحيحة باستمرار على الطريق الصحيح.

(ثالثها) الاعتدال فلا إفراط ولا تفريط، لأن كلاً منهما ابتعاد عن الاستقامة.

(رابعها) الوضوح في الإيصال إلى الهدف فلا شبهات ولا شكوك ولا غموض ولا التفاف ولا حيرة أو تردد.

(خامسها) الإخلاص، فالاستقامة لا تكون إلا إذا كانت لله تبارك وتعالى وعلى الصراط الذي أمر باتباعه.

كيف نحقق الاستقامة في نفوسنا ؟

إن تحقق الاستقامة والثبات عليها التي نطلبها يومياً في صلاتنا – مما يعني أنها شيء يجب السعي لتحصيله تتطلب أموراً:

العزم والإرادة .

الصادقة والشجاعة في اتخاذ القرارات والمواقف وإنجاز الأعمال المطلوبة.

الوعي والمعرفة والمطالعة الواسعة لروايات المعصومين (عليهم السلام) وآثار السلف الصالح لأن أي عمل لا بد أن تسبقه معرفة، وبعد العمل يكتسب معرفة جديدة.

الالتفات إلى موجبات الانحراف عن صراط الاستقامة مقدمة لاجتنابها وهي اتباع الشهوات والركون إلى الدنيا بزخارفها الباطلة أو الخوف من فقدان شيء أو القلق من فوات أمور، ومن موجبات الانحراف أيضاً أمور تبدو خارجة عن إرادة الإنسان، لكن مقدماتها بيده فيستطيع تجنبها بإزالة مقدماتها كالجهل والنسيان والغفلة والسهو فقد يشذّ الإنسان عن الصراط المستقيم لا عن عمدٍ بل جهلاً وغفلة، وبالنتيجة فقد فاته خير كثير.

التقوى والثبات

ص: 174

من الوسائل الوثيقة لتحصيل الثبات هي التقوى، قال أمير المؤمنين(علیه السلام): (إنما هي نفسي أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر، وتثبت على جوانب المزلق) والورع عنمحارم الله تعالى، عن الإمام الصادق(علیه السلام) وقد سئل عما يثبت الإيمان في العبد، قال: (الذي يثبته فيه الورع، والذي يخرجه منه الطمع) ولا يثبت الإيمان ويؤتي ثماره إلا بالعمل الصالح، عن الإمام الصادق (علیه السلام): (ولا يثبت الإيمان إلا بعمل).

سمات المجتمع غير الإيماني

يستفاد من القرآن الكريم أن من سمات المجتمع البعيد عن التربية الإيمانية هو فقدان البصيرة والقدرة على تمييز الحق من الباطل، وانقلاب موازين النظر عنده في الأمور كلها ولنأخذ مثالاً على ذلك حيث نجد المجتمع الجاهلي البعيد عن النظرة الإلهية يعيش لدنياه ويراها غاية أمله فيصارع من أجل الاستزادة منها [وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ] لكن المجتمع الرباني يعتقد بوجود الآخرة ويعمل لها لأنها الحياة الباقية، ويرى الحياة الدنيا مزرعة، قال تعالى [وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ] والمورد الآخر اغترارهم بما عندهم من قوة وإمكانيات ماديّة هائلة فيظنون أنهم الرب الأعلى المدبّر لأمور الناس [وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ] أما المنطق الرباني فيؤكد حقيقة [وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ] و[إَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً] ويصف أولئك المغرورين بأنّهم [مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ].

الأمور بخواتيمها

هذا الإنسان الذي تعتقد أنه سيئ الآن ولكنك لا تعلم كيف يُختم عمله، وكذا الإنسان الذي يظهر منه الصلاح، ولكن قد تنقلب الأمور إلى العكس، والعاقبة للمتقين والأمثلة كثيرة كالخاتمة الحسنة للحر الرياحي ، والخاتمة السيئة لمن انقلبوا على الأعقاب من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما وصفتهم الآية الشريفة.

هي دليل على الإيمان !

قد يشعر الإنسان إن سعة المسؤوليات وقوة التحدي دليل على إن إيمانه بخير وإن مستواه ليس متدنياً حيث اختاره الله تبارك وتعالى لهذا الدور الكبير فهو من مواطن الشكر لله تعالى على لطفه بعبده حين اختاره لهذا الدور الشريف ووفقه لاستجابة دعوة الرسول

ص: 175

(صلى الله عليه وآله): (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ...).

الحذر من الخاتمة السيئة

مما يوجب حذر المؤمن في هذه الحياة الدنيا ويجعله في توجّس ويدفعه إلى مزيد من الاعتصام بالله تعالى، هو أن لا يختم له بخير، وإن كان عمله بحسب الظاهر صالحاً الآن إلاّأنه لا تعرف خاتمته والأمور بخواتيمها، روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله ((لا يزال المؤمن خائفاً من سوء العاقبة لا يتيقن الوصول إلى رضوان الله حتى يكون وقت نزع روحه وظهور ملك الموت له)) وقد ينجح الإنسان في امتحانات عديدة لكنه يسقط في أحدها سقوطاً نهائياً والعياذ بالله، عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (أن العبد ليعمل عمل أهل الجنة فيما يرى الناس وإنه لمن أهل النار، وإنه ليعمل عمل أهل النار فيما يرى الناس وإنه لمن أهل الجنة وإنما الأعمال بالخواتيم) وعنه (صلى الله عليه وآله سلم): (الأمور بتمامها والأعمال بخواتيمها).

كيف تضمن حُسن الخاتمة؟

..لأهميّة حُسن الخاتمة فقد أشير إليها كثيراً في الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، وتكرّر طلبها في الأدعية المباركة، وأجاب القرآن الكريم باختصار عن كيفية ضمان الفوز بحسن الخاتمة في قوله تعالى: [تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ] وبتفصيل أكثر قال تعالى [وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً] فالفوز بالآخرة يتطلب بحسب الآية الشريفة:

أولاً: إرادة جديّة وقصد حقيقي لنيل رضوان الله تبارك وتعالى وليس مجرد لقلقة لسان كما وصفهم الإمام الحسين (عليه السلام) (الناس عبيد الدُنيا، والدين لعقٌ على ألسنتهم يحيطونه ما درّت معائشهم، فإذا مُحصّوا بالبلاء قلّ الديانون) وأن تكون إرادته مبنية على قصد الوصول إلى الهدف الحقيقي وهو رضا الله تبارك وتعالى وليس طاعة لغيره أو لأي هدفٍ آخر سواه.

ثانياً: السعي الجاد الدؤوب بما يصلح الآخرة ويضمن الفوز فيها، فقوله تعالى [وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا] يتضمن عدة خصائص لهذا السعي، منها كونه حثيثاً ودؤوباً فقد قيل في معنى السعي أنّه ((المشي السريع ويستعمل للجد في الأمر))، ((وأكثر ما يُستعمل السعي في الأفعال المحمودة))، ولتأكيد ذلك فقد أضافت الآية السعي إلى الآخرة أي أن يكون السعي مناسباً للآخرة بكل ما يعني ذلك.

ص: 176

ثالثاً: أن يقترن ذلك بالإيمان بالله تعالى وبرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنّه شرط القبول ونيل الجزاء، ولأنّه باب الله الذي لا يُؤتى إلاّ منه [وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا] وأن يتعزز الإيمان بالمعرفة بالله تعالى وإخلاص النية له سبحانه، إذ القيام بعمل أهل الآخرة من دون هذا الإيمان يجعلها بلا قيمة.

الثابتون عند المزالق

الامتحانات والمزالق لا تختص بجيل دون آخر ولا بزمن دون آخر فإن سنة الابتلاء والتمحيص جارية في كل الأجيال والأزمان، وإن كانت أصعب في زمان الغيبة حيث لا نبي ولا إماماً معصوماً يرجع إليه ولا وحي ينزل من السماء، روي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) : (سيأتي قوم من بعدكم الرجل الواحد منهم له أجر خمسين منكم، قالوا يا رسول الله نحن كنا معك ببدر وأُحد وحنين ونزل فينا القرآن، فقال: إنكم لو تُحمَّلون لما حُمِّلوا لم تصبروا صبرهم) فالثبات على الدين أمر صعب يحتاج إلى عزم وإلى إرادة وإلى معرفة ووعي ومراقبة وإلى توسل إلى الله تبارك وتعالى روي عن الإمام الصادق (علیه السلام): (ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يُرى ولا إمام هدى لا ينجو منها إلا من دعا بدعاء الغريق، قلت وكيف دعاء الغريق قال: تقول: يا الله يا رحمن يا رحيم يا مقلب القلوب ثبّت قلبي على دينك، فقلت: يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك، فقال: إن الله مقلب القلوب والأبصار، ولكن قل كما أقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك) ومهما يكن الأمر شاقاً وصعباً ويحتاج إلى مجاهدة طويلة فإنه يسهل بتوفيق الله تعالى والالتفات إلى الحوافز العظيمة.

(إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)

1. إن نصرة الله تعالى مفتوحة على كل المجالات وإن كان أرقاها والذي كانت الآيات بصدده هو القتال في سبيل الله لكن نصرة الله تعالى تتحقق بما لا يحصى من الطرق فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نصرة لله تعالى وغضب له أذا عُصي، وكذا دعوة الناس الى الله تعالى وهدايتهم وإصلاحهم، وتتحقق أيضاً بأي مشروع فيه رضا الله تعالى وصلاح العباد، وبأي حوار تردّ به الإشكالات الموجهة الى الدين أو فيها انتقاص من قادته العظام، وحينما نؤيد مسعى لتطبيق قوانين الله تعالى وأحكامه في حياة الناس كمشروع القانون الجعفري فهذه نصرة لله تعالى، وتتحقق أيضاً بأي خدمة تقدمها للناس المحتاجين لأنك بذلك تدفع عنهم الاعتراض على قضاء الله وقدره فهو نصرة لله تعالى ودفاع عنه.

ص: 177

2. إن الكثيرين يستشهدون بالآية إلى قوله تعالى (ينصركم) ويعتقدون ان هذا كافٍ وان هذا هو موضع الحاجة ولا يلتفتون الى ما هو أهم من النصر وهو الثبات عليه الذي ذكرته فإن النصر قد يتحقق لكنه لا يدوم لعدم توفير إمكانية المحافظة عليه، أو لأنهم بعد أن انتصروا تغيرّت نواياهم وانحرفت فلم يعودوا مستحقين للنصر، وتزول عنهم نعمة الانتصار ويكون بلا قيمة،

3- إن كل هذه الألوان من النصرة بما فيها القتال المؤدي إلى الموت إنما هي على مستوى (الجهاد الأصغر) والأسمى من ذلك تطبيق هذه المعادلة على (الجهاد الأكبر) أي على صعيد مجاهدة النفس ومنعها من اتباع الاهواء والشهوات وتطبيعها على طاعة الله تبارك وتعالى والورع والتقوى وتتجرد عما سوى الله تبارك وتعالى حتى تكون احبّ الى الشخص من نفسه ومن كل ما سوى الله تبارك وتعالى.

اللجوء إلى لطف الله

الإيمان والمعرفة لابد أن تكون لها حقيقة، فيعتقد أن هذا كله لطفٌ من الله تعالى وأنّه لا يستقل بشيء عن ربّه، وأن يكون خائفاً مشفقاً إذا نظر إلى العمل من زاويته الشخصية، فإذا قُبل عمله فبفضل الله ورحمته، وهذا ما أكدته الآية اللاحقة: [كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُوراً] ونحو ذلك من المعاني. وقد بيّنت الروايات الشريفة بعض مظاهر هذه المعرفة وهذه الأعمال الصالحة الموجبة لحسن الخاتمة، منها: عن أمير المؤمنين (علیه السلام): (إذا أردت أن يؤمنك الله سوء العاقبة فاعلم أن ما تأتيه من خير فبفضل الله وتوفيقه، وما تأتيه من سوء فبإمهال الله وإنظاره إياك وحلمه وعفوه عنك) ومن كلام الإمام الصادق (علیه السلام) لبعض الناس: (إن أردت أن يُختم بخير عملك حتّى تُقبض وأنت في أفضل الأعمال فعظّم لله حقّه أن تبذل نعمائه في معاصيه، وأن تغتر بحلمه عنك، وأكرم كلّ من وجدته يذكر منّا أو ينتحل مودّتنا) عن الإمام الكاظم (علیه السلام): (إنّ خواتيم أعمالكم قضاء حوائج إخوانكم والإحسان إليهم ما قدرتم وإلاّ لم يُقبل منكم عمل، حنّوا على إخوانكم وارحموهم تُلحقوا بنا).

قيمة الإنتصار

إن قيمة الإنتصار في الثبات عليه وإدامته بإدامة الأسباب الموجبة له، ولا شك أن هذا التثبيت هو من مصاديق الجزاء (ينصركم) وأحد مفرداته فيكون من قبيل ذكر الخاص بعد العام كما يقال وانما ذكر تثبيت الاقدام مع انه داخل في عنوان (ينصركم ) لأكثر من

ص: 178

نكتة:

أ- إلفات النظر اليه والاهتمام به.

ب- ولتمييزه عن ثبات آخر يسبق النصر لا بد أن يحققه العبد الناصر لربه بشجاعة وإصرار ليتحقق الانتصار على العدو كقول طالوت لما بارز جالوت الطاغية (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) فتلاحظ ان ثبات الاقدام كان مقدمة للنصر، فيوجد ثبات يسبق النصر وتثبيت يلحقه .

الانزلاق وراء الأهواء

هذا الإنسان الذي خُلق للسمو والتكامل، تراه ينحدر ويتسافل ويعرض عن ذكر ربّه، فيخسر رأس ماله وكلّ القوى التي زوّدها الله تعالى بها لتحقيق الغرض المنشود من حياة ووجود وعقل وفكر وبدن وثروة وجاه وعلاقات وأسرة وعشيرة وموقع وغيرها، حتّى الأشياء البسيطة الدقيقة التي يمكن أن تُكتسب بها الجنان (فمن يعمل مثقال ذرة خير يره) كتسبيحة أو ذكر مع كل شهيق وزفير وفي كل طرفة عين، وإذا به على العكس يسخّرها للشقاء والعذاب، فإذن هو فعلاً (في خسر) بل خسر عظيم، قال تعالى {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} كمن يزوّد برأس مال عظيم وتوفَّر له كلّ فرص النجاح والاستثمار وتقدِّم له كلّ معونة والتسهيلات في السوق، لكنّه بحماقته وضيق نظره يخسر كلّ ذلك، عن الإمام الهادي(علیه السلام): (الدنيا سوق ربح فيها قوم وخسر آخرون) هذه الصفقة التي أنشأها الله تعالى مع عباده (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ) فلا ثمن لهذه النفس إلاّ الوفاء بهذه الصفقة، عن أمير المؤمنين(علیه السلام): (إنّه ليس لأنفسكم ثمن إلاّ الجنّة فلا تبيعوها إلاّ بها).

أهم مظهر للتوحيد

أهم مظهر للتوحيد والإيمان بالله هو إقامة حكم الله تبارك وتعالى في الأرض، وتطبيق شريعته في شؤون الحياة والرجوع إليه في الحكم والالتزام بمنهجه في الحياة، وإن هاتين القضيتين متلازمتان، وإن جوهر الصراع بين الإيمان وخصومه هو في من له حق الحاكمية والتشريع ورسم المنهج الذي تسير عليه البشرية، هل هو الله تعالى خالق الكون والإنسان والعالم بما يصلحه ويسعده، أم الإنسان بقصوره وفقره وعجزه ومصالحة المتصارعة وأهوائه المتقلبة (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ).

ص: 179

ادعاء رتبة الإيمان

من كلمات الإمام الصادق(علیه السلام) في مجال ادعاء رتبة الإيمان قوله: (لا يبلغ أحدكم حقيقة الإيمان حتى يحب أبعد الخلق منه في الله ويبغض أقرب الخلق منه في الله) فهل نحن كذلك أم نحابي ونجامل ونداهن؟

الثبات عند مزالق الابتلاءات

إن الإنسان يتعرض في هذه الدنيا إلى ابتلاءات كثيرة ومزالق خطيرة لا ينجيه منها إلا طلب التثبيت من الله تعالى والعمل على تحصيل ذلك، لذا كان مطلب المؤمنين في ساحات المواجهة مع الشيطان والنفس الأمّارة بالسوء والأعداء من الناس هو (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراًوَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ).

الاستقامة والثبات الايماني

إن التثبيت على الإيمان والاستقامة لطفٌ يؤتيه الله من يشاء من عباده (وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)،(وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ)، (كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ) ولكنه مع ذلك ينطلق من داخل النفس المطمئنة بالإيمان والمحبة لله تبارك وتعالى الذين ذكرهم في كتابه الكريم ووصفهم بأنهم يقومون بأفعال الخير انطلاقاً من رغبتهم النفسية في التثبيت والمداومة على الطاعة: (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فإن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) فإذا صدق العبد مع ربّه وسعى بالدعاء والعمل للثبات على الإيمان والهدى ثبّته الله تعالى وآمنه وأسعده في الدنيا والآخرة (يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ).

عناصر الإيمان الحقيقي

إن الآية الكريمة: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً) تؤكد على أن الإيمان الحقيقي يكتمل بثلاثة عناصر:

1- الرجوع إلى شريعة الله تعالى التي بلّغها رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة المعصومون (عليهم السلام) ومن بعدهم العلماء العاملون المخلصون (حَتَّى يُحَكِّمُوكَ) أي يرجعون إليك في كل أمورهم ويأخذون الحكم منك ولا يحكمون غيرك وغير من

ص: 180

نصبتهم من الحجج، وإن كل قانون يضعه البشر لم يؤخذ من الشريعة فإنه باطل وينافي أصل الإيمان بالله تعالى ولا يجوز لأحد أن يشرّع ويقنن خارج النصوص الشرعية.

2- أن يسلّموا بتلك الأحكام ويذعنوا إليها ويؤمنوا بها سواء أدركوا المصلحة فيها وعرفوا أسرار تشريعها أو لم يدركوا ذاك، وأن لا يشعروا بالحرج والضيق إذا عاب أحد عليهم هذه الأحكام أو انتقصها أو زعم أنها تخالف حقوق الإنسان وتنافي الحرية والعدالة والمساواة، أو أنها رجعية وتخلف ولا تواكب الزمان الحاضر، ونحو ذلك من التهم والاستفزازات.

أن يلتزموا بتلك الأحكام ويطبقوها في حياتهم من دون تبعيض وانتقائية للأحكام التي توافق رغباتهم وأهوائهم ومصالحهم، ويعرضون عنها إذا كانت لا تحقق مصالحهم1- الضيقة وتصطدم مع أهوائهم وشهواتهم، وإنَّ صدق الإيمان يظهر عندما يكون الحكم على خلاف الهوى والمصلحة ومع ذلك يسلِّم له ويطبقه ولا يجد في نفسه حرجاً منه.

ص: 181

التربية الربانية والإنسانية

التربية المعنوية للمعصومين (عليهم السلام)

لنذكر شاهداً على التربية المعنوية التي قام بها المعصومون (عليهم السلام)..عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): لم يعبد الله عز وجل بشيء أفضل من العقل ولا يكون المؤمن عاقلاً حتى يجتمع فيه عشر خصال: الخير منه مأمول، والشرُّ منه مأمون، يستكثر قليل الخير من غيره، ويستقل كثير الخير من نفسه ولا يسأم من طلب العلم طول عمره، ولا يتبرّم بطلّاب الحوائج قبله، الذلّ أحبّ إليه من العز، والفقرُ أحبّ إليهِ من الغنى، نصيبهُ من الدنيا القوت، والعاشرة وما العاشرة لا يرى أحداً إلاّ قال هو خير مني وأتقى، إنما الناس رجلان فرجل هو خيرٌ منه وأتقى وآخر هو شرٌّ منه وأدنى فإذا رأى من هو خيرٌ منه وأتقى تواضع لهُ ليلحق به، وإذا لقي الذي هو شرٌّ منهُ وأدنى قال عسى خير هذا باطن وشرُّه ظاهر، وعسى أن يختم له بخير، فإذا فعل ذلك فقد علا مجده، وسادَ أهل زمانه) هذه هي الصفات التي يكمل بها عقل المؤمن وتكون أفضل وسيلة لنيل رضا الله تعالى: أن يكون الخير منه متوقعاً في قوله وفعله وسائر حركاته ومعاملاته مع الآخرين، والشر منه مأمون فلا يسيء إلى أحد ولا يعتدي على أحد ولا يجرح مشاعر الآخرين ولا يظلمهم ولا يبخسهم حقوقهم ولا يبغي عليهم، ولا يشهّر ولا يسقّط ولا يفتري، حتى لو أسيء إليه فلا يتوقع منه رداً عدوانياً.

أهمية الرعاية الربانية

التأثير في قيادة ركب الحضارة البشرية بفضل ما بثه الأنبياء والائمة (عليهم السلام) من علوم أو من خلال الالهام والايحاء ولولا الرعاية الالهية لما استطاع الإنسان ان يهتدي إلى أبسط الأمور حتى دفن موتاه في التراب.

لطف الله تعالى بالعبد المؤمن

المؤمن إذا صدر منه فعل مبغوض إلى الله تعالى فتح له باب التوبة والاستغفار وطلب العفو حتى يمحو ذلك الخطأ ويعود إلى المسار الصحيح، وقد يحتاج الأمر إلى أن يُبتلى ويعاقب بمرض أو مصيبة أو همٍّ أو خسارة وغيرها مما ذُكر في كفارات الذنوب، قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) والكافر الذي ليس له في الآخرة من خلاق، إذا صدر منه فعل يحبّه الله تعالى أعطى جزاءه في الدنيا مما يحبّه ويرغب

ص: 182

فيه ويعمل من أجله لكي لا يبقى له استحقاق عند الله تعالى ويعود التطابق بين الظاهر والباطن، لأنّ الحب والبغض بالنسبة إلى الله تعالى ليس بالمعنى المعروف عندنا نحن البشرلتنزهه سبحانه عن ذلك، وإنما يعني آثارهما من الثواب والعقاب وهذا معنى صحيح أكّدته روايات كثيرة.

القتل المعنوي للأبناء

...ولا نغفل عن قتل معنوي آخر من خلال إهمال تربية الأطفال تربية صالحة فيصبحوا أفراداً سيئين منحرفين وربما يتحولون إلى مجرمين ويجلبون الشر للمجتمع، ومن أمثلتها أيضاً الهجرة إلى الغرب وعموم بلاد الكفر وتعريض الأبناء لتلك الضغوط والمغريات والشهوات فيبتعدون عن الدين ويلتحقون بالمجتمعات الضالة فهذا كله قتل معنوي للإنسان على خلاف ما أراده الله تعالى ورسوله.

أهمية مصادقة الآباء للأبناء

أهمية التفات الوالدين إلى أن يكونا صديقين لأولادهما منسجمين مع تفكيرهم ولا يشعرونهم بالفوارق بينهم - مع مراعاة الآداب طبعاً- وينزلان إلى مستوى اهتماماته وتوجهاته لينفتح عليهما بكل شيء ولا يلتجأ إلى أقرانه السيئين، وفي أحسن الأحوال هم جهلة وقاصرون مثله فيقوم الأبوان تارة بابتداء ولدهما بتعليمه وإرشاده وإلفات نظره إلى بعض الأمور، وأحياناً بالاستماع إلى أسئلته واستفهاماته والإجابة عليها بما يناسبه، ومن هنا وردت الوصايا عن المعصومين عليهم السلام في تربية الأولاد ومنها (اتركوهم سبعاً، وأدّبوهم سبعاً، واصحبوهم سبعاً).

ثمار مصاحبة الأبناء

إن التعليم والتأديب ينبغي أن يقترن بمصاحبة الصبي والصبية واتخاذهما صديقين وصاحبين لإلغاء الحواجز النفسية، وأن يصحبوهم معهم إلى الأماكن والتجمعات واللقاءات والزيارات التي تعزّز تلك التربية والتأديب والتعليم، وتمارس تلك الأفكار على ضوء تطبيقات عملية ومشاهدات.

الحفظ الإلهي للإنسان

لو فكّر (الإنسان) في حصول خلل ما في تركيب جسمه ووظائف اعضائه أو عندما يركب الطائرة أو السيارة أو يمارس عملاً معيناً ثم يتصور ما يمكن أن يحصل له فإنه يصاب بالذهول والرعب وانهيار الأعصاب لكن الله تعالى سخّر الملائكة المتعاقبة لتدفع عنه كل تلك

ص: 183

الاحتمالات ويستمر في حياته ويعمّر طويلاً، بل قد يتعرض فعلا لحوادث خطيرة ثم يخرج منها سالما معافى، وينبغي الالتفات أيضاً إلى الحفظ المعنوي (إذا صحّ التعبير) وذلك من خلال تأثير الملائكة الحافظة في الدعوة الى فعل الطاعة وتزيينها وترغيب الإنسان فيها، وتجنيب المعصية وتكرهيها للإنسان وهو ما يسمى بالتوفيق واللطف الذي يجريه الله تعالى على ايديملائكته، وقد يكون الامر اكثر من ذلك بان تهيئ له موضوع الطاعة كأن تجعله يلتقي بشخص محتاج ليساعده أو تأتي به إلى مكان ليستمع موعظة مفيدة تنفعه أو يذهب باتجاه معيّن ثم يحس بداخله ما يدعوه إلى تغيير مساره فيجد نفسه إنه قد ازداد حسنة أو اجتنب سيئة، وبالمقابل تجنبّه موارد المعصية وتحول بينه وبينها او تُوجِد موانع لارتكابها، حتى لو ارتكبها فان تلك الملائكة تمنع حصول تداعيات وآثار سلبية لها عليه.

تنبيه تربوي مهم

تقتضي الطفولة لعب الأطفال مع بعضهم وأحياناً يكونون من الجنسين، وقد يستمر هذا اللعب إلى ما بعد البلوغ، فالبنت تصل التاسعة من العمر وهي ما زالت تلعب مع أقرانها، وهذه مشكلة يجب التنبه لها في وقت مبكر، فيفصل بين الجنسين من عمر الخامسة ويُعَلَّمون أن هذا الاختلاط غير صحيح وعاقبته وخيمة وأضراره كثيرة.

الصناعة الإلهية للإنسان

من المعلوم أن فترة الطفولة لدى الإنسان هي أطول من كل الكائنات الحية، وما ذلك إلا لينال التربية الكاملة والكافية التي تؤهله لممارسة دوره كخليفة لله تعالى في أرضه وليستطيع بناء كل قواه البدنية والعقلية والفكرية والنفسية حتى يتمكن من تلقي التشريف الإلهي ويبلغ سن التكليف الذي يتأخر عن السنة العاشرة عند الإناث وأكثر من ذلك عند الذكور ولاشك أنه كلما تتوفر للإنسان عوامل أقوى لتربيته وبنائه فإن فرصته لبلوغ الكمال والرقي أفضل وأوسع، وكلّما كان الدور المناط بالشخص والمسؤولية التي سيضطلع بها أهم وأوسع، كان نوع المربي المطلوب متصفاً بكمالات أرقى.

من الأخطاء في تربية الأبناء

من الأخطاء في تربية الأبناء حصول حواجز من الحياء أو الخوف أو الجهل أو عدم التوافق والانسجام بين الوالدين والأبناء تمنعهم من الانفتاح بصراحة وشفافية على الأبوين في حل مشاكلهم الخاصة والإجابة على تساؤلاتهم واستفهاماتهم، خصوصاً في مرحلة المراهقة التي يشهد فيها الصبي والصبية تغيّرات جسمية ونفسية يحتاج إلى الاستفهام عنها

ص: 184

ومعرفة التصرف الصحيح إزاءها، فإذا كان الفتى والفتاة لا يستطيعان مفاتحة الوالدين بذلك، فإن كلاً منهما سيلجأ إلى أقرانه وسيأخذ منه ويتأثّر به، وهو - أي ذلك المستشار من أقرانهم- مثلهم وربما أقل منهم، بل الغالب فيه أن يكون متمرداً مشاكساً كذاباً يدعو إلى مخالفة الأخلاق و الدين والتقاليد الاجتماعية.

آثار حب الإنسان لله تعالى وعلاماته

إذا كان الحب صادقاً فإن آثاره ستظهر على سلوك الإنسان وعلاقته بالآخرين، فهذه الآثارتكون علامات على صدق الحب، ومن دون تحققها يكون إدعاء الحب وهماً:

1- طاعة المحبوب والقيام بكل ما يقربه من محبوبه ويطبّق ما يكسبه رضاه ويجتنب ما يسخطه.

2- إدامة ذكر الله تبارك وتعالى، فإن المحب لا يغفل عن ذكر حبيبه ومن أحب شيئاً أكثر ذكره بلسانه أو بقلبه وعقله وأحبّ ذكر الله تعالى، عن الرسول (صلى الله عليه وآله): (علامة حب الله تعالى حب ذكر الله، وعلامة بغض الله تعالى بغض ذكر الله تعالى).

3- إيثار محبة الله على ما يحبه العبد، فإذا خُيِّر بين أمرين اختار أرضاهما لله تبارك وتعالى وإن كان على خلاف هواه وما تشتهيه نفسه، لأن المحب يؤثر رضا محبوبه على رضا نفسه ففي البحار عن الإمام الصادق (علیه السلام): (دليل الحب، إيثار المحبوب على من سواه).

4- إنه سيحب كل ما يرتبط بمحبوبه فيحب الأنبياء والرسل (صلوات الله عليهم أجمعين) لأنهم مبعوثون من الله تبارك وتعالى، ويحب الأئمة والأوصياء (عليهم السلام) لأنهم منتجبون من الله تبارك وتعالى، ويحب القرآن لأنه رسالة ربه إلى عباده.

5- وإذا أحبَّ العبدُ ربَّه نشطت الأعضاء للعبادة ولم يستثقلها واستزاد منها فلم يقتصر على الواجبات، بل يكثر من المستحبات لأنها محبوبه عند الله تعالى

6- ومن علامات حب الله تعالى أن العبد لا يكره الموت.

7- ومن علامات حب الله تعالى وآثاره أنه يسعى للاتصاف بصفاته الحسنى، فالمحب يتمثل في حياته كل حركات وسكنات بل رغبات محبوبه.

8- ومن علامات حبّ الله تعالى حبّ عباده ومخلوقاته والرحمة بهم والشفقة عليهم لأنهم من صنع ربه وإبداعه ولأنهم رعاياه فيسعى لإسعادهم وقضاء حوائجهم وتفريج كربهم ورفع الظلم عنهم.

9- ومن علامات حب الله تعالى الرضا بقضائه والتسليم لأمره.

ص: 185

10- وأن يكون الحب ممزوجاً بالخوف من الإعراض أو الإبعاد أو أن يستبدل به غيره.

لطف الله تعالى بخلقه

من لطف الله تعالى بعباده وحكمته في تدبير شؤونهم وتغطية كل مساحات الحياة أنه نوّع الطاعات والقربات الموصلة إليه وأعطى لعباده إمكانيات ومؤهلات مختلفة، فبعض أعطي العلم النافع فهو يتقرب إلى الله بإرشاد الناس وتعليمهم معالم دينهم وهدايتهم، وآخر أعطي المال ليتقرب إلى الله بإنفاقه في وجوه البر والإحسان، وآخر أعطي أخلاقاً كريمة يعاشر بها الناس فيحبّه الله تبارك وتعالى.

أسباب استصعاب الطاعات وعلاج ذلك

قد يتصوّر الإنسان صعوبة الاستمرار على الطاعة وإن إدامتها شاقة لا تطاق وهذا نابع من غفلته، ويهوّل الشيطان له هذا الأمر، أما الواقع فهو خلاف ذلك لأنه لا يعيش عمره كله في هذه اللحظة حتى يستحضر كل الصعوبات فيها، بل هو يعيش لحظته وهي مما لا يعسر تحمّل العمل فيها، أما الزمان السابق فقد مرّ وانتهى، والزمان اللاحق لم يأت بعد فلماذا يحمل همَّه، وفي ذلك يقول أمير المؤمنين (علیه السلام): (إن عمرك وقتك الذي أنت فيه) وقال (علیه السلام): (المرء ابن ساعته).وفي الحديث الشريف: (العمر ثلاث ساعات، ساعة مضت لست بقادر على إرجاعها، وساعة تأتي لست بضامن لها وساعة أنت فيها فعليك بها) وفي حديث آخر: (الطاعة صبر ساعة).

كيف تجعل قلبك يستشعر الشفقة والرحمة؟

القلب الشفيق الرحيم خير حافز على العمل الإنساني النبيل، وهو موجود لدى الكثيرين ولكنه يحتاج إلى تحريك وإثارة والدليل على ذلك انه عندما يوجد إنسان مبتلى أو مصاب بنكبة أو عاهة أو معدم يحتاج إلى مساعدة فإن الكثيرين تهتز قلوبهم بالشفقة والرحمة ويهبون لنجدته ومساعدته، وهذا عمل عظيم ولكن أليس أهم منه أن نهَّب لهداية الضّال وفاقد البصيرة والمنحرف والجاهل وهؤلاء أولى بالمساعدة والشفقة والرحمة، لأن حياتهم الباقية الدائمة في خطر، وهي أهم من حياتهم الدنيا.

أرباب القلوب لا الجوارح

..لذا تجد العارفين والأخلاقيين يهتمون بتربية قلوبهم، وإذا اهتموا بأعمال الجوارح فلأنها تؤدي الى تصفية القلب، لذا يسمون (أرباب القلوب) جاء في الحديث الشريف: (إِنَّ

ص: 186

اللَّهَ اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ عَبْداً قَبْلَ أَنْ يَتَّخِذَهُ نَبِيّاً ) فالخطوة الأولى: التربية المتكاملة حتى بلوغ العبودية المحضة لله سبحانه، ومن ثَمَّ إفاضة المناصب الإلهية، ولكل منصب تربيته المناسبة، فإن تكملة الحديث السابق: (وَإِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَهُ نَبِيّاً قَبْلَ أَنْ يَتَّخِذَهُ رَسُولاً، وَإِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَهُ رَسُولاً قَبْلَ أَنْ يَتَّخِذَهُ خَلِيلاً، وَإِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَهُ خَلِيلاً قَبْلَ أَنْ يَجْعَلَهُ إِمَاماً، فَلَمَّا جَمَعَ لَهُ الأَشْيَاءَ قَالَ: (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) .

التربية الإلهية

لقد عوقب يعقوب النبي(علیه السلام) بفقدان ولده يوسف (علیه السلام) لأن عاطفته لم تتحرك حينما تعشى، وجارٌ له جائع، فلم يشمله برعايته بحسب ما ورد في بعض الروايات.

إذا لم تجد المربي فعليك ب ..

إذا تعذر المربي الذي من أهم شروطه الصدق والاخلاص فيوجد البديل في الكتب المعبرة عن سمو مرتبة مؤلفيها ويمكن للمؤمن ان يتربى على يديها، ومن هذه الكتب(جامع السعادات) و(القلب السليم) وغيرها.

من له حق القيمومة على البشر

من شروط القيمومة على البشر من يريد تكميل غيره أن يكون كاملاً في نفسه فإن فاقد الشيء لا يعطيه كما قالوا ومن ضرورة القيمومة على البشر أن يتصدى لها من لا نقص فيه ولا خلل ولا قصور ولم يتحقق ذلك إلا في هذا الكتاب الكريم وعدله الثقل الأصغر أهل بيت النبوة (صلوات الله تعالى عليهم) وكل ما سواهم لا حقَّ له في إمامة المجتمع والقيمومة عليه.

إدخال السرور على قلب النبي (صلى الله عليه وآله) وعلى قلب وصيه(علیه السلام)

من أراد أن يدخل السرور على قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (علیه السلام) فليتزوج ولينجب أربعة على الأقل ويحسن تربيتهم ليكون ملبياً دعوة رسول الله(صلى الله عليه وآله) بالإكثار من النسل.

أضرار التجسس على الأبناء

أن التجسس من المحرمات قال تعالى: (وَلَا تَجَسَّسُوا) وإن الهدف قد يكون صحيحاً ولكن الوسيلة يجب أن تكون مشروعة أيضاً و(الغاية لا تبرر الوسيلة) إذا كانت غير مشروعة ,وإن الأب والأم قد يكتشفان خطأ في تصرف أبنائهم بهذا التجسس ويعالجانه ,إلا إنهم بذلك يخسرون ثقة أبنائهم ويفقدون الصراحة والشفافية بينهم ,وهذه مرحلة خطيرة

ص: 187

من العلاقة بين الوالدين وأولادهم، فالصحيح متابعة الابناء بحذر وفطنة ومن دون التجاوز على حرياتهم الشخصية.. ونفس الحكم يجري على الزوجين فلا يحق لأي منهما التفتيش في حاجيات الآخر لاحتمالات وشكوك يتوهمها كل طرف باتجاه الآخر ,لأنه يؤدي كما قلنا الى فقدان الثقة والصراحة والشفافية.

من بركات التبني

التبني (بمعنى احتضان أبناء الآخرين ورعايتهم وتربيتهم) عمل إنساني جليل لما يتضمن من إيجابيات عديدة منها:

1- توفير الفرصة لمن حرموا من الذرية أن يشعروا بهذه النعمة من خلال هؤلاء المتبنين.

2- حفظ حياة الأبناء الذين يتخلون عنهم أهلهم لسبب أو لآخر ويحاولون التخلصمنهم إما برميهم بالشوارع العامة، أو في دور اللقطاء والأيتام.

3- التخفيف عن كاهل بعض الأسر التي تشعر بأعباء الإنفاق على العيال الكثيرين، لذا ورد في الحديث: (قلة العيال أحد اليسارين).

4- قد يكون المتبنى يتيماً فيفوز كافله بثواب عظيم، ذكره الحديث الشريف: (أنا وكافل اليتيم كهاتين) وأشار إلى أصبعين متجاورين له (صلى الله عليه وآله) إشارة إلى منزلة كافل اليتيم منه (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم القيامة.

التبني في الإسلام

تتجلى الرحمة الإنسانية بوضوح في عملية التبني، وهي مشتقة من رحمة الله تعالى التي هي أحب صفاته تبارك وتعالى إليه حتى اختار اسمين من الرحمة (الرحمن، الرحيم) دون غيرهما من الأسماء الحسنى في البسملة ليفتتح بها كل شيء، وفي الحديث: إن الله يحب من عباده الرحماء ويحب رقة القلب ويثيب عليها بلا حساب، لأنه كريم ولا يسبقه أحد، فإذا كان المخلوق يحمل هذه الرحمة فكيف سيجازيه.. لكن هذه العملية الإنسانية (أعني التبني) يجب أن تكون ضمن الضوابط الشرعية؛ لأن الفوضى مرفوضة خصوصاً في الأنساب، وما نزلت الشريعة إلا لتنظيم حياة البشر وإسعادهم في الدنيا والآخرة، ومن المؤسف أن المجتمع غير ملتفت لهذه الأحكام الشرعية للتبني، مما سبب مفاسد كثيرة واختلالاً في الحقوق والواجبات.

ص: 188

ص: 189

المعرفة الإلهية والتكامل الإنساني

الحياة الحقيقية

الحياة الحقيقية هي في رحاب الله تعالى ووسط أهل الله، في هذه الزخارف التافهة .

فطرة العبودية

يعلم الإنسان أنه لا بد من إلهٍ يُعبد، وشيء يطاع، فإن لم يكن الله تبارك وتعالى كان غيره ، وكفى بذلك خسراناً مبيناً أن يرمي نفسه في أحضان هذه الآلهة، التي لا تملك لنفسها فضلاً عن غيرها ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، فليعرف الإنسان قيمة هذه الجوهرة الثمينة التي حباه الله بها، وجعلها قابلة لأن ترتقي فوق مقام الملائكة المقربين: (من عرف نفسه فقد عرف ربَّه) ولا يفرِّط بها فيبيعها بثمنٍ بخس.

من موجبات الحصول على النور

من موجبات النور في الدنيا والآخرة بحسب ما أفادت الروايات الشريفة:

1. تقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)

2. الصلاة، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (الصلاة نور).

3. تلاوة القرآن، عنه (صلى الله عليه وآله): (عليك بتلاوة القرآن، فإنه نور لك في الأرض، وذخرٌ لك في السماء) وعن الإمام الحسن (علیه السلام): (إن هذا القرآن فيه مصابيح النور).

4. صلاة الليل، عن أمير المؤمنين (علیه السلام): (ما تركتُ صلاة الليل منذ سمعت قول النبي (صلى الله عليه وآله): (صلاة الليل نور).

5. ترك فضول الكلام وهو مادة أكثر أحاديث الناس في مجالسهم، عن أمير المؤمنين (علیه السلام): (أكثر صمتك يتوفر فكرك، ويستنر قلبك ويسلم الناس من يديك).

6. تجنب ظلم الآخرين، والآخرون المقصودون بالظلم يمكن أن يكونوا الوالدين أو الزوجة أو الأولاد أو الجيران لتضييع حقوقهم أو عموم الناس عند عدم مراعاة الحق والعدل والإنصاف معهم، روي أن رجلاً قال لرسول الله (صلى الله عليه وآله): أحبُّ أن أحشرَ يوم القيامة في النور) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :(لا تظلم أحداً تُحشر يوم القيامة في النور).

7. أن تشهد بالحق للآخرين وتنصفهم، على أي مستوى من المستويات كما لو أريد منك

ص: 190

الشهادة لأحد بالصلاح وحسن السيرة لتزويجه أو بحق مالي له أو أي حق اعتباري آخر عن النبي (صلى الله عليه وآله): (من شهد شهادة حق ليحيي بها حق امرئٍ مسلم أتى يوم القيامة ولوجهه نورٌ مدَّ البصر يعرفه الخلائق باسمه ونسبه).

الدعاء، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أكثر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي بعرفه: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، اللهم اجعل في سمعي نوراً، وفي بصري نوراً، وفي قلبي نوراً، اللهم اشرح لي صدري ويسّر لي أمري وأعوذ بك من وسواس الصدور وتشتت الأمور).

معنى الفقه هو..

من الشواهد على أن معنى الفقه هو المعرفة بالله تعالى جعل محلّه القلب في الآيات الشريفة وهو محل المعرفة الحقيقية بالله تعالى بينما الاحكام الشرعية محلها العقل.

الحب الإنساني الحقيقي

إن الحب الإنساني الحقيقي هو ما يتعلق بمن يستحق الحب وهو الله تبارك وتعالى، لان كل ما يوجب المحبة متحقق فيه سبحانه، فالله تعالى جميل ويعرف ذلك من لمساته الجميلة على الكون وما فيه من حولنا، والقلب يحب الجمال والله تعالى محسن إلينا وقد تولاّنا بإحسانه ونعمه قبل ان نكون وبعد ان كنّا، والإنسان مجبول على حب من احسن اليه، والله تعالى يحبنا ويشفق علينا حتى جعل من احبّ الاشياء اليه تعالى الاحسان الى المخلوقين، عن النبي(صلى الله عليه وآله): (الخلق عيال الله، فاحبّ الخلق الى الله من نفع عيال الله، وادخل على اهل بيت سروراً) ومقتضى المقولة ان نبادله تعالى الحب وقد أثنى تعالى على قوم يبادلونه هذا الحب (يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) وهكذا فان كل مقومات الحب متوفرة فيه تعالى.

يتفرع عن حُب الله سبحانه

ويتفرع عن حبّه تعالى حب من يرتبط به ومن أمرنا بحبّه كرسول الله (صلى الله عليه وآله) والائمة المعصومين (عليهم السلام) والاخوة المؤمنين عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أفضل الاعمال الحب في الله والبغض في الله تعالى) وكذلك فان حب الأبوين والزوجة والاولاد داخل في هذا الاطار وهو مبارك من الله تعالى ويثيب عليه لأنه مما ينسجم مع الفطرة، لكنه متى خالف ما يحبّه الله تعالى وخرج عن تعاليمه فهو مذموم ويجب رفضه ونبذه (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا

ص: 191

وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) ولكي يكون الحب صادقا فلا بد ان تظهر اثاره على المحب من التملق للمحبوب والحرص على ارضائه والمسارعة الى تحقيق مراده، فالحب لله تعالى لا بد أن يقترن بطاعته تبارك وتعالى وطاعة رسوله(صلى الله عليهوآله) والابتعاد عن معصيته قال تعالى (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )

تعصي الاله وأنت تزعم حبَّه *** هذا لعمري في الفعال شنيع

لو كان حبّك صادقاً لأطعته *** ان المحب لمن أحبَّ مطيعُ

كيف تكون مطيعاً لله حتى في اشباع غرائزك؟

لابد أن يبذل الإنسان وسعه في السيطرة على غرائزه ومشاعره وشهواته وعواطفه ويجعلها وفقاً لما يريده الله تبارك وتعالى، فيفعل ما يحبه الله تعالى، ويجتنب ما يكرهه تعالى، وليس عليه أن يكبتها ويقضي عليها، فإن الله تعالى خلق هذه القوى لنفع الإنسان وإعمار الحياة وإدامة الوجود، وجعل ثواباً جزيلاً على من سيّرها وفق الشريعة المقدسة، كاستخدام الشهوة الجنسية في إقامة سنة الله تعالى وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله) بالتزويج وتكثير النسل ونحوها، وهكذا المال وغيرها من أمور الدنيا فإذا أخذ من حله وأنفق في حله فإنه يصبح من أمور الآخرة.

الحب فرع المعرفة

لا بد أن يُبنى الحب على المعرفة ليكون راسخاً، لأن المجهول لا يمكن أن تتعلق به المحبّة، ولو تعلّقت فلا تدوم، فعلينا أن نزداد معرفة بالله تعالى لنزداد حباً، ومن دون النظر بعين المعرفة والبصيرة فإننا لا ندرك معنى حب الله تعالى ولا نستطيع فهم حب عابس الشاكري للإمام الحسين (علیه السلام) بذلك الشكل الذي أذهل الأعداء والأصدقاء على حدٍ سواء، يُحكى أن قيس المجنون بحبِّ ليلى قيل له أن ليلى ليست بذاك الجمال الذي يُصيب بالجنون وتهيم في الصحراء شوقاً إلى لقائها، قال قيس: ذلك لأنكم نظرتم إلى ليلى بعيونكم وليس بعيني، فإذا لم ننظر إلى هذه الحقائق المعنوية بعين المعرفة والبصيرة فإننا لا ندركها.

القصد إلى الله بالقلوب أبلغ

عن الإمام الجواد(علیه السلام): (القصد إلى الله تعالى بالقلوب أبلغ من إتعاب الجوارح بالأعمال)..نحن نهتم كل الإهتمام بطاعة الجوارح فنبادر إلى الصلاة الفلانية لأن فيها كذا

ص: 192

وكذا من الثواب وإلى الصوم الفلاني لأن فيه كذا وكذا، وهذا كلّه حسنٌ جميل، ويعطي الله تعالى بكرمه هذا الثواب المذكور في الخبر وإن لم يقله المعصومون (عليهم السلام)كما أفادت الروايات الصحيحة، ولكنّ الإمام(علیه السلام) ينبّهنا إلى أنّ الطاعات الأسرع إنتاجاً وإيصالاً إلى الكمال هي الطاعات القلبية، وأهمّ الطاعات القلبية المعرفة بالله تعالى، ولا نتصور أن المعرفة والعرفان علمٌ خاص بنخبة نادرة من العرفاء الشامخين، وإنّما هي متاحة لكل منطلبها وسألها من الله تعالى، لذلك دعا الله تعالى جميع خلقه إليها من خلال التدبّر بالقرآن الكريم والأحاديث الشريف، ويعطينا الإمام الجواد(علیه السلام) واحدة من أشكال وأدوات هذه المعرفة لتتأكد أنّ هذه المعرفة ميسّرة لكل أحدٍ إذا صدق في طلبها.

ماهية القلب

عبارة عن مخلوق إبداعي، ونفخة ربانية ليست من سنخ الموجودات، بل هي من عالم الأمر المجرد من المادة والمتعلق بهذا البدن.. القلب بمعنى المتقلب بين العقل والنفس. هناك معنى آخر للقلب، فهو مشتق من التقلب بين العقل والطبع ، أي مرة يطيع العقل وأخرى يطيع النفس حتى يغلب أحدهما الآخر.. حين يغلب العقل ويحكم مملكة الإنسان، يصبح الإنسان سعيداً ويرتقي في مدارج الكمال، وإن غَلَبَ الطبع يكون كالبهائم، وإن غَلَبَ الغضب يصير كالوحوش، وإن غَلَبَ المكر يصبح كالشيطان.. وتظهر هذه الحالات الأربع بعد انفصال الروح عن البدن، حيث يحشر الناس على صورهم الباطنية [يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ] إذن القلب هو النفس الناطقة الإنسانية، قال الله تعالى: [يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ، إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ] في الكافي: (السليم الذي يلقى ربه وليس فيه أحد سواه)، وروي عن الصادق (علیه السلام): (هو القلب الذي سَلِمَ من حب الدنيا) ويؤيده قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (حب الدنيا رأس كل خطيئة)، وورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): (القلب حَرَمْ الله فلا تُدْخِلْ حَرَمْ الله أحداً غير الله) والمحصل أن مدار السعادة يومئذ على سلامة القلب، والذي يعوق ذلك هو إشغاله وملئه بأمور أخرى تجعله سقيماً وليس سليماً.

الرقابة الإلهية الدائمة

عن الإمام الجواد(علیه السلام): (إعلم أنّك لن تخلو من عين الله فانظر كيف تكون)..هل توجد حقيقة أوضح من أن الله تعالى أقرب إلينا من حبل الوريد ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وأنّه على كل شيء شهيد، إذا كان الأمر كذلك -وهو كذلك بلا شك ولا ريب-

ص: 193

فلنراقب أنفسنا ولنتأدب بحضرة الله تبارك وتعالى ولنتعلم كيف يجب أن نكون ما دمنا في جميع أحوالنا بمنظر منه تبارك وتعالى في أقوالنا وأفعالنا وخطراتنا وظنوننا ومشاعرنا وعواطفنا، فالذي يتصور أنّه قد غلب الآخر أو خدعه أو فعل شيئاً في السر والخلوة حيث لا يراه ولا يعلم به أحد إنّما يخدع نفسه لأنّ الله شهيد عليه، ويكون قد أعان على نفسه من حيث يعلم أو لا يعلم (إعلم أنّك لن تخلو من عين الله فانظر كيف تكون).

درس من مدرسة الامام الجواد(علیه السلام)

عن الإمام الجواد(علیه السلام): (من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان الناطق عن الله فقد عبد الله، وإن كان الناطق ينطق عن لسان إبليس..) لأن العبادة تعني الطاعة والانقياد، فالإنصات إلى الناطق نوع من الانقياد فلينظر الإنسان إلى من يأخذ منه ونوع الكلام ومضمونه، وليعلم من يستمع إلى الغناء أو الغيبة أو الكلام البذيء أو تسقيط المؤمنين وتشويه صورتهم ونحوها أنه دخل في طاعة إبليس وعبادته، وإذا كان للإنصات هذا التأثير فما هي أهمية الكلمة نفسها وما مسؤولية المتكلم عمّا يصدر عنه من كلمات قد تؤدي إلى ما تؤدي من نتائج.

مصدر كل الكمالات

وصفة العبودية لله تعالى وحده والتحرّر من طاعة غيره، هي مصدر كل الكمالات الأخرى لذلك اختارها الله لتكون الصفة التي يسلّم عليه بها يومياً في صلواتنا (وأشهد أن محمداً عبده ورسوله).

نصيحة في الجانب العبادي

أذكر لكم عملاً عبادياً بسيطاً لو واظبتم عليه تكونون ممن أخذ بسنة النبي (صلى الله عليه وآله) وجدّه إبراهيم الخليل (علیه السلام)حيث أمرنا بالتأسي به أيضاً قال تعالى (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه) وهي صلاة ركعتين يوم الجمعة بين الظهر والعصر، تقرأ في كلٍ منهما بالحمد مرة والتوحيد سبع مرات فإذا فرغت منها تقول (اللهمّ اجعلني من أهل الجنة التي حشوها البركة وعمّارها الملائكة مع نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) وأبينا إبراهيم (علیه السلام) روي عن الأئمة (عليهم السلام): أنّ من صلاّها لم تضره بليّة ولم تصبه فتنة إلى الجمعة الأخرى، وجمع الله بينه وبين محمدٍ وبين إبراهيم.

ثمار العمل بالمستحبات

1. إنها صيانة ووقاية للواجبات، فمن كان مؤدياً للنوافل والمستحبات، فإنه بالطبع أشدّ

ص: 194

التزاماً بالواجبات، أما من اقتصر على الواجبات فإنه معرّض لفواتها بسبب أو آخر.

2. إن النوافل والمستحبات أسرع إيصالاً في سلّم الكمال، عن الإمام الباقر (علیه السلام) في الحديث القدسي: (وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّب إليَّ بِالنَوَافِلِ حَتَى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ).

3. إن بها إتمام نقص الفرائض من حيث القبول، لأن الناس غالباً لا يأتون بالفريضةبالشكل الموجب للارتقاء، كالصلاة الخاشعة مثلاً، فشرعت النوافل لإتمام هذا النقص، عن الإمام الباقر (علیه السلام): (إنَّ العبد ليرفع له من صلاته نصفها أو ثلثها أو ربعها أو خمسها، فما يرفع له إلا ما أقبل عليه منها بقلبه، وإنما أمرنا بالنافلة ليتم لهم بها ما نقصوا من الفريضة).

4. الثواب الكبير المرصود لمن أتى بالمستحبات بشكل مذهل أوجب عدم تصديق الكثيرين، ولم تتحمل عقولهم أن يكون مثل ذلك الثواب لمن صلى ركعتين أو قرأ سورة قصيرة من القرآن أو قضى حاجة لأخيه المؤمن أو تصدق بمبلغ يسير، لكن كرم الله تعالى واسع وخزائنه لا تنفد.

النفس الكبيرة

عليك أن تنسى إحسانك إلى الآخرين لأنك لم تفعله ليشاد بك وإنما قربة إلى الله تعالى وابتغاء رضوانه، ولأنك إذا ركزت على انجازاتك فسيؤدي بك إلى الغرور والعجب والرضا عن النفس وهذا يؤدي إلى الوهن والعطب والكسل... وإن هذه الانجازات ليس فيها شيء زائد لأنها مما تقتضيه طبيعة عملك، ولا بد أن تنسى إساءة الآخرين إليك لأنك مأمور بالصفح والعفو والتسامح ليقابلك الله تعالى على أخطائك بنفس الكرم وأكثر منه (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).

التفاتة مهمة

كلما أزداد اهتمام الله تعالى في كتابه والمعصومين(عليهم السلام) بشيء فهذا يعني أن مدخليتهُ في التكامل والقرب من الله تعالى أقوى, والاهتمام بتحصيل العلوم والمعارف الدينية بلغت الذروة في كتاب الله تعالى وسنة نبيه(صلى الله عليه وآله) وأحاديث الائمة (عليهم السلام) بحيث تجاوزت المئات في كل منهما، فلابد أن نفهم ونستوعب هذه الرسالة

ص: 195

من الله تعالى ورسوله وأهل بيته الكرام (عليهم السلام).

الميدان الأول لتحصيل المعنويات

يبحث الإنسان بطبعه وفطرته عن الأمور المعنوية والكمالات الروحية، ويظنّ أنه يحصل عليها من خارجه فيتحرك نحو الأسباب الموجبة لها بحسب ظنّه، لكنه يكتشف أنه لم يصل إلى ما يريد، لأنه لا يعلم إنها موجودة في باطنه وداخل نفسه فعليه استثارتها واستخراجها من داخله، فالساحة الأولى للعمل والميدان الأول للانطلاق هي النفس، حكي عن أمير المؤمنين قوله (ميدانكم الأول أنفسكم فحاسبوها قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا، فإن انتصرتم عليها كنتم على غيرها أقدر)، وهذا المعنى مكرّر كثيراً في كلماتالمعصومين(عليهم السلام) حتى أصبح متواتراً كقول علي (علیه السلام): (سياسة النفس أفضل سياسة).

مقام أهل الفعل وأهل القول

كان الكثير من أصحاب الأئمة يظنون أنهم قد أدوا ما عليهم وأنهم نجحوا في أداء ما هو مطلوب منهم لكن الإمام السجاد (علیه السلام) أثبت لهم توهمهم في ذلك بتجربة عملية تتعلق بطاعة ولي الأمر الذي أمر الله بطاعته فيما تحب وتكره، روي عن الإمام الباقر (علیه السلام): (قال أبي يوماً وعنده أصحابه: من منكم تطيب نفسه أن يأخذ جمرة في كفه فيمسكها حتى تطفأ؟ قال: فكاع الناس كلهم ونكلوا، فقمت وقلت: يا أبة أتأمر أن أفعل؟ فقال: ليس إياك عنيت إنما أنت مني وأنا منك، بل إياهم أردت، قال: وكررها ثلاثا، ثم قال: ما أكثر الوصف وأقل الفعل، إن أهل الفعل قليل إن أهل الفعل قليل، ألا وإنا لنعرف أهل الفعل والوصف معاً، وما كان هذا منا تعاميا عليكم بل لنبلو أخباركم ونكتب آثاركم، فقال: والله لكأنما مادت بهم الارض حياء اً مما قال، حتى أني لأنظر إلى الرجل منهم يرفضّ عرقا ما يرفع عينيه من الارض فلما رأى ذلك منهم قال: رحمكم الله فما أردت إلا خيرا، إن الجنة درجات فدرجة أهل الفعل لا يدركها أحد من أهل القول ودرجة أهل القول لا يدركها غيرهم، قال: فوالله لكأنما نشطوا من عقال) ويحكي القرآن حوادث عديدة ممن فشلوا في المواقف ولم يستطيعوا القبض على دينهم كالمسلمين في معركة أُحد حين نهى النبي(صلى الله عليه وآله) الرماة الخمسين على الجبل أن يتركوا مواقعهم فلما حاز أخوانهم المقاتلون الغنائم عصوا رسول الله(صلى الله عليه وآله) وتركوا مواقعهم فهاجمهم العدو من الخلف وحصلت الكارثة.

ص: 196

التضييع التدريجي للديّن

إن السير بهذا المنهج من عدم الاعتناء بالمستحبات وترك الشبهات والمكروهات يؤدي إلى تضييع الدين شيئاً فشيئاً، لأنه سيترك قراءة القرآن وزيارة الأئمة المعصومين (عليهم السلام) والإحسان إلى الآخرين والحضور في المساجد باعتبارها ليست واجبة، وسيقترب من الشبهات لأنها ليست محرمة جزمية فماذا بقي من الدين؟ وأين التقوى والورع الذي هو خير الزاد ليوم المعاد؟.

شرف الحكمة وفضلها

اكتسبت الحكمة أهمية كبرى في حياة الساعين إلى الكمال والراغبين في رضوان الله عز وجل، لما ورد فيها من الفضل والشرف حيث وصفتها الآية الكريمة بانها خير كثير، وجعل تحصيلها الغرض من بعث النبيين (صلوات الله عليهم أجمعين) قال تعالى (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُمِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ) وعن نبينا(صلى الله عليه وآله) قال تعالى: (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ) وفي الحديث النبوي الشريف: (كلمة الحكمة يسمعها المؤمن خير من عبادة سنة) وفي مواعظ عيسى (علیه السلام) (إن الحكمة نور كل قلب) وعن النبي(صلى الله عليه وآله) قال: (كاد الحكيم أن يكون نبياً) وفي كتاب منية المريد للشهيد الاول (قدس سره) أنه مكتوب في التوراة قول الله تبارك وتعالى (عظّم الحكمة فأني لا أجعل الحكمة في قلب أحد إلا و أردت أن أغفر له فتعلمها ثم أعمل بها ثم ابذلها كي تنال بذلك كرامتي في الدنيا والآخرة) لأنها كما وصفها الامام الصادق (علیه السلام) (الحكمة ضياء المعرفة وميزان التقوى وثمرة الصدق، وما أنعم الله على عبد من عباده نعمة أنعم واعظم وأرفع وأجزل وأبهى من الحكمة للقلب، قال الله عز وجل: (يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ) أي لا يعلم ما أودعت وهُيأت في الحكمة إلا من استخلصته لنفسي وخصصته بها، والحكمة هي النجاة وصفة الحكمة الثبات عند أوائل الأمور والوقوف عند عواقبها، وهو هادي خلق الله الى الله تعالى، قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) لعلي(علیه السلام): (لأن يهدي الله على يديك عبداً من عباد الله خير لك مما طلعت عليه الشمس من مشارقها الى مغاربها) ولأهمية طلب الحكمة الموصلة الى الله تعالى التي فسرتها بعض الروايات بالتفقه بالدين.

تقسيمات الحكمة

وفي ضوء ما تقدم ومن استقراء الآيات الكريمة والروايات الشريفة نتوصل إلى أن

ص: 197

الحكمة على ثلاثة اقسام، وهي في الحقيقة ثلاث مراتب ومراحل ودرجات تفضي الواحدة إلى الأخرى بفضل الله تبارك:

أولها: الحكمة العلمية: وهي العلوم والمعارف التي اتى بها الانبياء والمرسلون والائمة (صلوات الله عليهم اجمعين) لتكميل نفوس الناس وتشمل علوم العقائد والأخلاق والشريعة والمواعظ والامثال والسنن الإلهية والآيات الكونية ونحو ذلك، وقد تضمّنها القران الكريم لذا وصف بالحكيم ووصفته آياته بقول الله تعالى {ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ} وجعل ايصال هذه الحكمة وتعليمها هدف بعثه النبيين، قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}.

ثانيا: الحكمة العملية: وهي الممارسة العملية المؤدية الى التكامل من خلال الالتزام وتطبيق تلك الحكمة العلمية، وسياتي في روايات كثيرة اطلاق الحكمة على جملة من هذهالممارسات.

ثالثها: الحكمة الحقيقية: وهي حالة الانكشاف والنورانية التي يهبها الله تعالى لمن نجح في المرحلتين السابقتين وهو العلم والفقه الحقيقي المقصود في الآيات والروايات كقوله تعالى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ).

هل يمكن أن تكون مثل لقمان الحكيم ؟

والجواب: نعم، لأن إيتاء الحكمة فضل من الله تعالى مفتوح ومعروض لكل من يستحقه ولذا حثّت الآية الكريمة على أن نكون من أهلها، وذلك إذا سرت على المنهاج المؤدي لتحصيلها كالذي وصفه رسول الله(صلى الله عليه وآله) عن لقمان الحكيم علماً وعملاً، وقد ورد في روايات توصيف عدد من أصحاب أهل البيت (علیه السلام)انهم مثل لقمان الحكيم فقد روي عن الإمام علي (علیه السلام) في وصف سلمان الفارسي (من لكم بمثل لقمان الحكيم، وذلك امرؤ منّا أهل البيت، أدرك العلم الأول وادرك العلم الآخر، وقرأ الكتاب الاول وقرأ الكتاب الاخير بحر لا ينزف) بل عن الامام الصادق(علیه السلام): (سلمان خير من لقمان) وورد مثل ذلك في أبي حمزة الثمالي ويونس بن عبد الرحمن فقد روي عن الإمام الرضا (علیه السلام): (أبو حمزة الثمالي في زمانه كلقمان في زمانه، وذلك إنه خدم أربعة منا: علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وبرهة من عصر موسى بن جعفر (عليهم السلام)، ويونس بن عبد الرحمن كذلك هو سلمان زمانه) هذه هي الحكمة التي فيها خير كثير، فاطلبوها طول عمركم ودوّنوا ما ترزقون منها في دفتر خاص لتستفيدوا منها دائما وتراجعوها وتتعظوا بها وتتخذوها

ص: 198

برنامجا لحياتكم.

مقدمات الحصول على الحكمة

إن لتحصيل الحكمة مقدّمات ومقومات فينبغي تحقيقها، وموانع تجب إزالتها، أي أن لتحصيلها ركنين اشارت إليها الروايات الشريفة:

أ/ ايجاد المقدمات مثل ما ورد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): (رأس الحكمة مخافة الله) وعن امير المؤمنين (علیه السلام) قال (حفظ الدين ثمرة المعرفة ورأس الحكمة) وعنه (علیه السلام) قال: (رأس الحكمة تجنب الخداع) وعنه(علیه السلام): ( رأس الحكمة لزوم الحق وطاعة المحق).

ب/ إزالة الموانع مثل ما ورد عن أمير المؤمنين (علیه السلام): (أغلب الشهوة تكمل لك الحكمة) وعن الامام الصادق (علیه السلام) قال (من زهد في الدنيا اثبت الله الحكمة في قلبه وانطق بها لسانه) وفي الحديث القدسي في المعراج ( يا أحمد إن العبد إذا أجاع بطنه وحفظ لسانه علمتهالحكمة، وان كان كافرا تكون حكمته حجة عليه ووبالا، وان كان مؤمنا تكون حكمته له نورا وبرهانا وشفاءاً ورحمة، فيعلم مالم يكن يعلم ويبصر مالم يكن يبصر، فأوّل ما ابصّره عيوب نفسه حتى يشتغل عن عيوب غيره، وابصّره دقائق العلم حتى لا يدخل عليه الشيطان)، وعن امير المؤمنين (علیه السلام): (التخمة تفسد الحكمة، البطنة تحجب الفطنة) وعنه (علیه السلام): ( لا تجتمع الشهوة والحكمة ) وفي كلام منسوب لأمير المؤمنين (علیه السلام): (من أخلص لله أربعين صباحاً يأكل الحلال صائماً نهاره وقائماً ليله أجرى الله سبحانه ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه) وعن الإمام الصادق (علیه السلام): (الغضب ممحقة لقلب الحكيم، ومن لم يملك غضبه لم يملك عقله) وعن الإمام الكاظم (علیه السلام):( إن الزرع ينبُتُ في السَّهل ولا ينبُتُ في الصَّفا، فكذلك الحكمة تعمرُ في قلب المتواضع، ولا تعمرُ في قلب المتكبّر الجبّار؛ لأن الله جعل التواضع آلة العقل) وعن النبي عيسى (علیه السلام): (إنه ليس على كل حال يصلح العسلُ في الزِّقاق، وكذلك القلوب ليس على كل حال تعمر الحكمة فيها، إن الزِّقَّ ما لم ينخرِق أو يَقحَل- اي ييبس – أويَتْفَلْ – اي تكون فيه رائحة نتنة - فسوف يكون للعسل وعاء، وكذلك القلوب ما لم تخرِقها الشهوات ويدّنسها الطمع ويقسِها النعيم فسوف تكون أوعية للحكمة) وعن الإمام الهادي(علیه السلام): (الحكمة لا تنجعً في الطباع الفاسدة) وعن الإمام علي (علیه السلام): (غير منتفع بالحكمة عقل معلول بالغضب والشهوة) وعنه (علیه السلام): (غير منتفع بالعِظات قلب متعلِّق بالشهوات).

ص: 199

من آثار الحكمة على السلوك

نبّهت الروايات إلى عدد من السلوكيات التي تعتبر من آثار وجود مرتبة من مراتب الحكمة لدى الإنسان، أي إن الحكمة لابد أن تظهر لها آثار على صاحبها، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لابد له من معاشرته، حتى يجعل الله له من ذلك مخرجا) وعن أمير المؤمنين (علیه السلام): (ليس الحكيم من لم يدارِ من لا يجدُ بداً من مداراته) وعنه (علیه السلام) قال: (ليس بعاقل من انزعج من قول الزور فيه، ولا بحكيم من رضّي بثناء الجاهل عليه) وعنه (علیه السلام): (الحكماء أشرف الناس أنفساً، واكثرهم صبراً، واسرعهم عفوا وأوسعهم أخلاقاً).

الأكثر إيصالاً للكمال

صحيح إن الواجبات أهم من المستحبات بدليل جعلها واجبات أي أن المصلحة في الفعل الواجب ملزمة -كما يعبّرون- وتفيد بعض الروايات أنها أكثر ثواباً عند الله تعالى منالمستحبات، لكنّنا بصدد الحديث عمّا هو أكثر إنتاجاً وإيصالاً في طريق التكامل، والمستفاد من بعض الروايات أن النوافل هي الأكثر فاعلية، ويساعد عليه الوجدان، لأن الإنسان يؤدي الفرائض بدافع الخوف من العقوبة إذا تركها غالباً باعتبارها واجبة، أما المستحبات فيؤديها رغبة في ثواب الله تعالى والتقرب إليه والفوز بمحبته ورضاه، وهذه النية الثانية موجبة أكثر من الأولى للتقرب من الله تبارك وتعالى.

المنهج المنير

إن الإنسان في هذه الدنيا لابد أن يكون له منهج يسير عليه وغاية يسعى لتحقيقها، وإنما يحصد النتائج بحسب نوع المنهج وراسمه والمخطط له، قال أمير المؤمنين (علیه السلام): (الا وإن لكل مأموم إماماً يقتدي به ويستضئ بنور علمه) ولأن في القرآن مصابيح النور، ولا يستطيع الإنسان أن يتقدم إلا بضياء ينير له الدرب وإلاّ كان كمن يسافر في الصحراء في ليلة مظلمة بلا دليل فيكون معرضاً لعدة أخطار: حيوانات مفترسة تمزّقه، أو لصوص وقطّاع طرق يقتلونه ويسلبونه، أو آبار وأودية يهوي فيها، أو يضل الطريق ويتيه وينفد ما عنده من ماء وطعام، وهذه هي الأخطار التي يواجهها من لا نور معه في حياته المعنوية فتفرسه الذئاب البشرية وقطّاع الطرق ليسرقوا دينه وإنسانيته فيهوي في وادي الذنوب السحيق ويحرم من الزاد ليوم المعاد وهو التقوى.

ص: 200

بدائل متاحة للحصول على المعنويات

إنّك إنما تطلب قرب رسول الله(صلى الله عليه وآله) لأنه سبب مقرّب إلى الله تعالى وأنك تعيش بقربه سمواً روحياً متميزاً وهذا تأثير أكيد كالمغناطيس الذي يؤثر في الحديد ويجذبه من دون أن يلامسه، ولكن الله تعالى بكرمه ورحمته ولطفه بعباده لم يشأ حرمان عباده من هذه المؤثرات المباركة، حيث دلّت أن الحالة المعنوية المتألقة التي ترجوها من الكون في حضرة رسول الله(صلى الله عليه وآله) والأئمة المعصومين (سلام الله عليهم أجمعين) يمكن أن تحققها بدرجة ما من خلال توفير بيئة الطاعة وتهيئة أسبابها كالحضور في المساجد والروضات المطهّرة واستثمار الأزمنة الشريفة ومجالس ذكر الله تعالى والمعصومين (عليهم السلام) والاستفادة من العلماء الذين يقربونك من الله تعالى، فهذه هي الجنة المعجّلة، عن أمير المؤمنين (علیه السلام): (الجلسة في الجامع خير لي من الجلسة في الجنة، لأن الجنة فيها رضا نفسي والجامع فيه رضا ربي).

النور الباطني والنور الظاهري

قد يتجلى النور الباطني المعنوي الذي يهدي البصائر من خلال نورٍ ظاهري تكتشفهالحواس وتهتدي به، سئل الإمام زين العابدين(علیه السلام) مابال المتهجدين بالليل من أحسن الناس وجها؟ قال (علیه السلام): (لانهم خلوا بالله فكساهم الله من نوره) وروى صاحب مفاتيح الجنان عن أمير المؤمنين (علیه السلام) حادثة مباغتة جيش المشركين لسرية المسلمين في الليل وهم نيام فلم يتبيّن المسلمون الامر حتى يعرفوا ما يفعلون وكاد العدو يستأصلهم واذا بأضواء تسطع من افواه اربعة منهم كانوا يحيون الليل بالعبادة وتلاوة القرآن تضيئُ معسكر المسلمين فتمدهم بالقوة والشجاعة وواجهوا المشركين وقتلوهم فلما رجعوا قصوا على النبي (صل الله عليه وآله وسلم)ما وقع. قال (صلى الله عليه وآله): (إن هذه الأنوار قد كانت لما عمله اخوانكم هؤلاء من اعمال في غرّة شعبان) هذا النور الذي تقتبسه في الدنيا ستكون أحوج شيء اليه في حياة ما بعد الدنيا إلى القيامة ففي القبر حيث الوحشة والظلمة سينير القرآن لأهله، من دعاء الإمام السجاد (علیه السلام): (ونوّر به قبل البعث سُدَفَ قبورنا، ونجّنا به من كلّ كرب يوم القيامة وشدائد أهوال الطامة)، وما أحوجنا إلى النور في يوم القيامة ليضيء لنا طريق النجاة ونتوقى مزالق الهلكة, قال تعالى في وصف أحوال يوم القيامة (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ , يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ

ص: 201

وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ) وورد عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) في تفسير الآية قال: (ثم يقول – يعني الرب تبارك وتعالى – ارفعوا رؤوسكم, فيرفعون رؤوسهم فيعطيهم نورهم على قدر أعمالهم, فمنهم من يُعطى نوره مثل الجبل العظيم يسعى بين يديه, ومنهم من يُعطى نوره اصغر من ذلك, ومنهم من يُعطى نوره مثل النخلة بيده, ومنهم من يُعطى أصغر من ذلك ,حتى يكون آخرهم رجلاً يُعطى نوره على إبهام قدميه يضيئ مرة ويُطفأ مرة) فليهيئ الإنسان في هذه الدنيا أكثر ما يستطيع من مصابيح النور ليوم القيامة بما يكتسبه من الطاعات ويجتنبه من المعاصي.

موارد الحصول على النور الباطني

إن الدين والرسالة السماوية بما تضمنت من عقائد وأحكام وأخلاق هي مصدر النور، قال تعالى {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} وعن امير المؤمنين (u ) قال (الدين نور) وقد ورد في روايات ذكر بعض تلك المصابيح كأداء الصلاة المفروضة خصوصاً في أوقات فضيلتها، عن النبي(صلى الله عليه وآله) قال:(الصلاة نور) ومناسك الحج نور قال(صلى الله عليه وآله): (إذا رميت الجمار كان لك نوراً يوم القيامة)وكل عمل فيه اعزاز الدين ونصره نور، قال(صلى الله عليه وآله) (من رمى بسهمٍ في سبيل الله كان له نوراً يوم القيامة) ومن اجتنب ظلم الآخرين بكل أشكال الظلم والتجاوز والتعدي أعطاه الله نوراً، قال(صلى الله عليه وآله) (لا تظلم أحداً تُحشر يوم القيامة في النور) وصلاة الليل وسائر الطاعات والعبادات عن أمير المؤمنين (علیه السلام) قال (ما تركت صلاة الليل منذ سمعت قول النبي (صلى الله عليه واله وسلم): صلاة الليل نور) ومما يوجب النور تجديد الطهور في غير أوقات الصلاة، عن الإمام الصادق(علیه السلام): (الوضوء على الوضوء نورٌ على نور) واستنقاذ حقوق الاخرين نور عن النبي (صل الله عليه واله وسلم): (من شهد شهادة ليحيي بها حق امرئ مسلم اتى يوم القيامة ولوجهه نور مدًّ النضر يعرفه الخلق باسمه ونسبه) ومما يوجب النور الشيب في طاعة الله تعالى، عن الإمام الصادق (علیه السلام): (ما رأيت شيئاً أسرع إلى شيء من الشيب إلى المؤمن، وإنّه وقارٌ للمؤمن في الدنيا، ونورٌ ساطعٌ يوم القيامة) وهكذا.

قيمة العمل بنيته

إن الأعمال التي يقوم بها الإنسان لا يثاب عليها ولا يؤجر إلاّ إذا نوى بها القربة إلى الله

ص: 202

تعالى وبدون هذه النية لا يكون عملاً تعبدياً فلا يعطى الأجر كمن انشغل بشيء فلم يأكل ولم يشرب من الفجر حتى الغروب فإنه لا يعتبر له صوماً حتى ينويه صوماً قربة إلى الله تعالى، ويستثنى من ذلك الأعمال الإنسانية التي فيها خير وإحسان للآخرين حتى الحيوانات فإن الله تعالى يكافئ عليها حتى لو لم ينوي صاحبها القربة إلى الله تعالى.

كيف تبدأ طريق الكمال؟

إنّ سلوك طريق الكمال يبدأ بالإرادة والعزم، وكلما كان العزم أقوى كان قطف الثمار أسرع (على قدر أهل العزم تأتي العزائم) وينسب السيد الخميني (قدس سره) إلى شيخه (رضوان الله تعالى عليه) قوله: (إن العزم هو جوهر الإنسانية ومعيار ميزة الإنسان، وإن اختلاف درجات الإنسان باختلاف درجات عزمه) وإنما يشتد عزم الإنسان وتقوى إرادته بزيادة القناعة والمعرفة.

قاعدتان للسلوك المعنوي

من دعاء الإمام الحسين (علیه السلام) يوم عرفة وهو يناجي ربه بكل تذلّل وخضوع (عميت عينٌ لا تراك عليها رقيباً وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبّك نصيباً) وهاتان الفقرتان فضلاً عن بقية فقرات الدعاء تزوّدنا بقواعد في السلوك المعنوي إلى الله تبارك وتعالى، وتدلّنا على الجناحين اللذين نطير بهما في سماء الكمال ومعرفة الله تعالى وبلوغ رضوانه وهما المراقبة والحب، مراقبة الله تعالى في كل الأفعال والأقوال والمواقف، واحتواء القلبعلى محبة الله تعالى حتى يكون هذا الحب هو البوصلة الموجّهة لكل الحركات والسكنات، وبالحب والمراقبة تتحقق التقوى التي هي خير الزاد ليوم المعاد (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ) فالشخص الذي يفعل ما يحلو له من دون إحساس وجداني بأن الله تعالى مطّلع عليه وأنه بمحضر رب العزة والجلال دائماً (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) (إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء) (وَمَا يَخْفَى عَلَى اللّهِ مِن شَيْءٍ فَي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء) مثل هذا الشخص لا يبصر الحقيقة وهو أعمى البصيرة وإن كانت له عينان تبصران: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ).

كيف نحصل على الألطاف الإلهية الخاصة؟

هل يمكن أن نحظى بهذه الألطاف الإلهية ونكون ممن يصنعهم الله تعالى على عينه

ص: 203

ويصطنعهم لنفسه بدرجة من الدرجات؟ ومن الواضح اننا نتحدث هنا عن التربية الإلهية الخاصة، لأن العامة شاملة للجميع، فهو (رب العالمين) و(مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا) والجواب واضح بإمكان ذلك إذ أن الله تبارك وتعالى لا بخل في ساحته -كما قيل- ولا يحتجب عن خلقه، إلا أن تحجبهم الذنوب دونه -كما في الدعاء- والسؤال الأهم في كيفية تحصيل ذلك:

الأول: من قوله تعالى: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) فالطريق أن تحبّ الله تعالى ويحبك الله تعالى.. وورد في كلمات الحكماء (إن الله إذا أحبّ عبداً تفقّده كما يتفقّد الصديق صديقه).

الثاني: من قوله تعالى: (فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) فعندما يكون الإنسان ذا همّة عالية وطموح كبير للعمل في إعلاء كلمة الله تعالى ونشر علوم أهل البيت (عليهم السلام) واصلاح النفس والمجتمع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن الله يستخلصه لنفسه وسيصلح شأنه ويتولاه بنفسه ويعينه على هذه الرسالة ويؤهله لأدائها. ويستفاد من الروايات الشريفة ما يوجب تلك الألطاف الإلهية.

(منها) عن الباقر (علیه السلام): (إن الله جلّ جلاله قال: ما يتقرب إلي عبدٌ من عبادي بشيء أحبُّ إليّ مما افترضت عليه، وإنه ليتقرب إليّ بالنافلة حتّى أحبّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، ويده التي يبطش بها، إن دعاني أجبته، وإن سألني أعطيته).(منها) ما في الحديث القدسي: (أيما عبد اطلعتُ على قلبه فرأيت الغالب عليه التمسك بذكري تولّيتُ سياسته وكنت جليسه ومحادثه وأنيسه).

(ومنها) ما في الحديث الشريف (لا يزال عبدي يتقرّب اليّ بالنوافل مخلصاً لي حتّى احبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ان سألني أعطيته وان استعاذني أعذته) عن إرشاد الديلمي وغيره (فمن عمل برضائي ألزمه ثلاث خصال: أعرفه شكراً لا يخالطه الجهل، وذكراً لا يخالطه النسيان، ومحبة لا يؤثر على محبتي محبة المخلوقين.

معرفة الحق المتعال

المعرفة بحقيقته (تعالى) وكنه مقام الربوبية ومقام العبودية رأس الفضائل وأساس التكامل، قال أمير المؤمنين(علیه السلام): (أول الدين معرفته) والعمل بلا علم ومعرفة لا قيمة له مهما كثُر، بينما له كل القيمة إذا كان مع معرفة وإن قلَّ، وإن الله سبحانه يقيِّم عباده في

ص: 204

ضوء معرفتهم به تبارك وتعالى، لذا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أفضل الأنبياء وأشرف الخلق، لأنه أكملهم معرفة.

فتش في نفسك عن الخلل

قلتُ في أكثر من مناسبة: أن أحدكم قد يتأذى لو كان مدرِّساً فترك أحد الطلبة حلقة درسه، أو، كان إمام جماعة فترك أحد المأمومين الصلاة خلفه، أو، كان مرجعاً فعدل أحد المقلدين عن تقليده، وكان عليه بدلاً من أن يتأذى من هذا المسكين، ويصب عليه جام غضبه، أن يفتش في نفسه عن العلة التي أوجبت ذلك فيسعى في إصلاحها.

كيف نجعل الصلاح ملكة ؟

إن الإنسان يستطيع بتركيز الأعمال الصالحة والمواظبة عليها وترسيخ آثارها أن يجعل الصلاح ملكة راسخة عنده، فيواظب على الكرم حتى يصبح كريماً، وعلى الرحمة حتى يصبح رحيماً، وعلى الجود حتى يصبح جواداً، وعلى العفو حتى يصبح عفوّاً، وعلى الحكمة حتى يصبح حكيماً، بمعنى أن هذه الصفات تصبح ملكات راسخة فيه وليس حالات طارئة أو تصدر عنه تكلفاً، فأمير المؤمنين والزهراء والحسنان (عليهم السلام) حينما جاءهم المسكين واليتيم والأسير وتصدقوا بكل أرغفتهم كان يمكنهم إعطاء حصة فرد منهم لقضاء حاجته، لكنهم ولكون الكرم بل الإيثار صفة ذاتية لهم لم يكونوا يرون قضاء حاجة هذا السائل واجباً كفائياً بل هو عيني على كل واحد منهم. فقد وصف الفرزدقُ الشاعرُ الإمام السجّادَ (علیه السلام):

ما قال لا قطّ إلاّ في تشهّدهِ *** لولا التشهّدُ كانت لاؤه نعمُ

فكان الخير ينبع من ذاته ولا يعرف غير الخير، وبذلك يستطيع أن يقترب من الله تبارك وتعالى ويتحلى بصفاته وينال الدرجات القريبة منه تبارك وتعالى: (أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) ففي الحديث القدسي: (ما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به...إلخ)، بل الأمر أكثر من ذلك، ففي حديث آخر: (ما زال عبدي يتقرب إلي بالفرائض حتى أحبه فإذا أحببته صار سمعي الذي أسمع به...الخ)، هذا الإنسان الضعيف العاجز القاصر يصبح سمع الله تبارك وتعالى وعين الله ووجه الله، وقد وصل مثل أمير المؤمنين (علیه السلام) إلى هذا المقام، فيقول (علیه السلام): (أنا وجه الله)، ويقول (علیه السلام): (أنا عين الله).

مراتب التحول الباطني

ص: 205

الإنسان قد تصدر منه الأعمال الصالحة من دون أن تتحول ذاته من مادية أرضية إلى إلهية، فهذه وإن كانت على خير إلا أنها عرضة للانحراف في أية لحظة، وهي أدنى مرتبة من تلك التي تبدلت حقيقتها وتحولت فأصبحت مصدراً للخير فقط ولا تصدر منها المعصية بل لا يخطر على ذهنها شيء من ذلك، وقد سمّى الله تبارك وتعالى الفئة الأولى أصحاب اليمين، والثانية السابقون، وقال عنهم: (أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) رغم أن كليهما على خير.

التوفيق للطاعة

كنّا في الروضة النبوية الشريفة في الموسم المنقضي (1431ه) وجاء أحد الرفقة فرحاً بزيارته للنبي (صلى الله عليه وآله) وبما ورد في النص المعروف الذي يستحب أن يزار به النبي (صلى الله عليه وآله) كل يوم سبت وهو: (اللهم إنك قلت ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً، إلهي فقد أتيت نبيّك مستغفراً تائباً من ذنوبي) وشعرت منه وكأنه قدّم شيئاً وينتظر من الله تعالى الجزاء فقلت له: لست أنت الذي جئت إلى هنا وأتيت وإنما الله تبارك وتعالى الذي جاء بك وأذن لك ويسّر لك العسير وطوى لك المسافات البعيدة. لكن الله تعالى بكرمه ضمن لعباده انه لا يضيع أجر من أحسن عملاً. وهكذا عندما تقرأ صباحاً في دعاء العهد مع الإمام المنتظر (علیه السلام): (اللهم أني أجدد له في صبيحة يومي هذا وما عشت من أيامي عهداً وعقداً وبيعة له في عنقي لا أحول عنها ولا أزول أبداً) فلا تشعر أنك أنت الذي بقدراتك الذاتية المليئة بالنقص والقصور والتقصير والعجز لا تحول عن بيعة الإمام (علیه السلام) ولا تزول أبداً، فقد زلّت أقدام كثيرين وفتنتهم الدنيا وضعفوا أمام المغريات أو الصعوبات، فالثبات على الحق نعمة من الله تعالى وفضل.

نيل مقام الرضا الإلهي

إن الإنسان قد يقوم بطاعات يحصل عليها ثواب لكنها لا تجعله من أهل رضا الله تبارك وتعالى ورضوانه: (ورضوان من الله أكبر) وهذه مراتب عالية في الجنان أسمى من جنة الحور العين ولحم طير مما يشتهون، ومن امتيازاتها أن صاحبها يحاسب حساباً يسيراً، لأن أهل رضا الله تبارك وتعالى كالطالب الذي يُعفى من الامتحانات النهائية بعد أن حصل بجهده على درجة الإعفاء وكالطالب الذي عُرف بنيله الدرجات الكاملة في الامتحانات فإن المدرِّس لا يدقق في ورقته الامتحانية وبمجرد أن يرى اسمه يضع علامة الإجابة الصحيحة على كل أجوبته من دون أن يقرأها لأنه يعلم أن الطالب أهل لهذه الدرجة حتى لو وقعت في

ص: 206

أجوبته أخطاء فإنه لا يحاسبه عليها لأنها لا تضرّ بمستواه العام وإنما وقعت لظروف خاصة.

الاضطرار المستمر إلى الله تعالى

الالتجاء إلى الله في أوقات الاضطرار والمحن يمثل الحد الأدنى من المطلوب، وإلا فان الإنسان في كل حالاته وفي كل نفس هو مضطر ومفتقر ومحتاج إلى الله فكيف يستغني عن الله تعالى.

تفسير لا يخلو من إشكال أخلاقي

يفسّر البعض الآية الشريفة: (وأما بنعمة ربك فحدّث) بمعانٍ لا تخلو من إشكال أخلاقي ويشكل بعضهم بأن التحديث بالنعمة يوجب الرياء والعجب خصوصاً إذا كانت النعمة طاعة أداها ونحوها، وأريد هنا أن أفسّرها بمعنى أفضل وهو أنك إذا حباك الله بنعمة فانفع الآخرين بها وانقلها إليهم بأن تتحدث لهم عن موجباتها ومقدماتها ليحظوا من ربهم بنفس النعمة لأننا مأمورون بأن نحب للناس ما نحب لأنفسنا ونكره لهم ما نكره لها.مثلاً أنت شاب متدين ملتزم بالصلاة والصوم وبارٌ بوالديك وذو أخلاق محمودة وتزور الأئمة المعصومين (عليهم السلام) ونحوها من الكمالات، فلا تقتصر بهمّك على نفسك وأحبب أن يكون غيرك مثلك وحدّث بهذه التجربة المباركة للآخرين وعلّمهم كيف يبدأون وكيف يصيرون.

نتائج البعد عن الله تعالى

إن البعيدين عن طاعة الله تبارك وتعالى يعيشون خواءً روحياً والروح -كالجسد- تحتاج الى غذائها فالنقص فيه يجعله في هزيمة نفسية وتمزق داخلي عبر عنها الله تبارك وتعالى بقوله (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً) .

كيف تعمق الصلة بالله سبحانه؟

تعميق الصلة بالله تعالى والتقرب إليه من خلال الالتزام الكامل بالشريعة واجتناب ما يبّعد عن الله تعالى والذكر المستمر له سبحانه وذلك باستحضار وجوده واطلاعه الكامل على ما تخفي الصدور فضلاً عمّا هو أظهر وأنه أقرب الينا من حبل الوريد ولا تخفى عليه خافية في السماوات ولا في الارض ومن عَلم أن الله تبارك وتعالى مطلّع عليه بهذا الشكل فسيعيد النظر في كثير من تصرفاته ومن مقوّمات ذلك الدعاء والشعور المستمر بالحاجة إلى الله تعالى والاهتمام بصلاة الليل ولو بركعة واحدة وتلاوة القرآن والكون على طهارة زماناً

ص: 207

معتداً به.

مصير قرين الشيطان

تصوروا أي حياة شقية تكون للشخص الذي يلازمه فيها شيطان يكون قريناً له يخلّي الله بينه وبينه ليرديه في الضلالات والمهالك وفي حياة تعيسة ضيقة يصفها قوله تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) ولذا تكون النتيجة يوم القيامة قوله تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ، خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ).

توجد عدة عوامل تساهم في تحقيق الإخلاص لله تبارك وتعالى عند الإنسان:

1- قوة القلب والشجاعة والإرادة الصلبة في اتخاذ الموقف وعدم الضعف أمام المغريات؛ لأن كثيراً ممن يطلبون غير الله ويعملون لغير الله يعلمون بعدم جدوى ذلك، إلا أنهم يضعفون أمام أهوائهم ونزواتهم ولو كانوا ذوي عزم لما خيروا بين أمرين إلا اختاروا أرضاهما لله تبارك وتعالى ومن هنا أشار القرآن الكريم إلى العزم في عدة موارد (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)، (فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً)

2- العلم والمعرفة فإن الإنسان كلما ازداد علماً ومعرفة بمصالح الأفعال -في الدنيا- كان أكثر اندفاعاً للقيام بها، وكلما كان اعرف بمفاسدها كان أكثر اجتناباً لها وكذا على صعيد الآخرة أي العلم بالثواب والعقاب، فكل من العلمين يساهم في الدفع بالاتجاه الصحيح، فمثلاً نجد أن ملايين في الغرب اجتنبوا الخمر والتدخين اقتناعاً بإضرارهما ومفاسدهما فكيف إذا انضم إليها معرفة المصير في الآخرة.

3- المستشار الناصح الذي لا يبخل بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة التي تزيد في الهدى وترد عن الردى وتسوق نحو الصلاح والسعادة، فجعل الله تبارك وتعالى أثمن هدية للأخ المؤمن هي النصيحة.

4- لطف وتوفيق من الله تبارك وتعالى وهذا حاصل ابتداء لكن الإنسان بإخلاصه يستنزلالمزيد ومن مظاهر هذا اللطف قوله تعالى (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمان وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) بعكس الشيطان والنفس الأمارة بالسوء اللذين يزينان المعصية (وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ)، (إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلا

ص: 208

مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ).

وبهذه البصيرة التي يكشف بها الله لعبده حقائق الأمور يزداد المؤمنون إيماناً وتسليماً وتثبيتاً فينفر من حب الدنيا لأنه يرى حقيقتها عبارة عن جيفة تتنافس عليها الكلاب، ويرى المرأة التي تدعوا إلى المعصية على صورتها الباطنية الشوهاء فيبتعد عنها بلا تكلف كما حصل لنبي الله يوسف (علیه السلام).

لنيل الدرجات الرفيعة

إن من رغب في نيل الدرجات الرفيعة عند الله تعالى فإن شرط الله تعالى هو الزهد في هذه الدنيا وعدم الالتفات إليها والأخذ منها إلا بمقدار الحاجة وأول من استجاب لهذا الشرط ووفى به رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة من أهل بيته والأنبياء والرسل الكرام(صلوات الله عليهم) يقول الدعاء (اللهم لك الحمد على ما جرى به قضاؤك في أوليائك الذين استخلصتهم لنفسك ودينك إذ اخترت لهم جزيل ما عندك من النعيم المقيم الذي لا زوال له ولا اضمحلال بعد أن شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدنيّة وزخرفها وزبرجها فشرطوا لك ذلك وعلمت منهم الوفاء به فقبلتهم وقرّبتهم وقدّمت لهم الذكر العليَّ والثناء الجليّ وأهبطتَ عليهم ملائكتك وكرّمتهم بوحيك ورفدتهم بعلمك وجعلتهم الذريعة إليك والوسيلة إلى رضوانك). ووجه الاشتراط واضح لأن القلب المملوء بالتعلق بالدنيا لا يصلح بيتاً للرحمن ففي الحديث القدسي (لم يسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن) ثم قال تعالى: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ) لذا أدّبَ اللهُ تبارك وتعالى نبيه (وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى).

الإمدادات الروحية

كان الإمام المعصوم(علیه السلام) يقول: (لولا أننا نزداد في كل ليلة جمعة لنفد ما عندنا) فما أحوج غيرهم لهذه الإمدادات الروحية حتى تبقى شعلة الإيمان والتواصل مع الله تبارك وتعالى والإخلاص له وحب الناس والترفع عن الأنانية وحب الذات.

الشجاعة في تهذيب النفس

لا شك إن التغيير على صعيد النفس والمجتمع يحتاج إلى شجاعة كبيرة خصوصاً إذااصطدم بموانع اجتماعية وعادات راسخة؛ لذلك كان هذا التغيير هو (الجهاد الأكبر) لأن فيه مقاومة لأعدى الأعداء وهي النفس الأمارة بالسوء الموجودة في داخل كل إنسان، وسيجد الفرد عند انتصاره على نفسه لذة كبيرة سواء عند إقدامه على طاعة أو تجنبه

ص: 209

لمعصية، لذلك ورد في الحديث: (النظرة إلى الأجنبية سهم مسموم من سهام إبليس فمن تركها لله وجد حلاوة الإيمان في قلبه)، فلا بد من امتلاك هذه الشجاعة للتغيير وإذا عارض المجتمع أو المحيط والبيئة فإن ذلك حسداً منه لأنه لا يستطيع أن يكون شجاعاً مثلك لينتصر فيعمل على أن يخذل الآخرين ليكون مثله.

استشعار التعلق بالله تعالى

يسأل شخص الإمام (علیه السلام) عن الدليل على وجود الله تعالى فيجيبه بما يناسبه ويقول له: (هل ركبت البحر يوماً فانكسرت بك السفينة في لججه المظلمة وأيقنت بالهلاك؟) قال الرجل: نعم قال (علیه السلام): (فهل تعلّق قلبك بقوة قادرة على أن تنجيك وتنقذك مهما استحال الأمر بالوسائل الطبيعية؟) قال: نعم قال (علیه السلام): (ذلك هو الله تعالى فأنت تؤمن به وإن كنت لا تعرفه). أقول: هذا التعلق بالله تبارك وتعالى واللجوء إليه يجب أن تستشعره دائماً وليس فقط في وقت الاضطرار، وهذه العلاقة الطيبة العامرة مع الله تبارك وتعالى هي حقيقة الدين لا الشكليات والمظاهر.

حقيقة الدعاء

إن مجرد قراءة الدعاء وتحريك اللسان به لا يحقّق معناه وتأثيره وإن كان هذا العمل لا يخلو من ثواب، لكن حقيقة الدعاء هي الطلب فلابد أن نحقق صدق الطلب في أنفسنا ليكون دعاءً حقيقة فهل يُعقل أن يطلب الإنسان الذرية الصالحة وهو لا يسعى للتزويج وتهيئة مقدماته، أو يقرأ دعاءً لطلب الرزق وهو كسول جالس في مكانه لا يتحرك لكسب الرزق واستثمار الفرص المتاحة، فلا معنى للدعاء إلا إذا وفّر حقيقته وهو الطلب الصادق. والعمل الجدي لتحقيق ما دعا به وحينئذ سيجد الله تعالى حاضراً ومُلبياً طلبه بإذن الله تعالى.

سُنة التكامل التدريجي

العالم أو الباحث الذي ينضجّ علمه ويتعمق ويتسع تدريجياً عندما يراجع ما كتبه وما قدّمه قبل سنين فإنه يخجل منه ويعترف بالتقصير إزاءه وربما يطلب إتلافه وتغييبه مع أنه كان يمثل قدراته في ذلك الوقت وكان مقتنعاً به، إلا أنه لما ترقّى صار يراه موجباً للخجل والاعتذار أما كونهم (صلوات الله عليهم أجمعين) في ارتقاء وزيادة حتى بعد وفاتهم فهذا مانطقت به الروايات لذا ورد الحث على الدعاء لهم بطلب الوسيلة والفضيلة والمقام المحمود والصلاة عليهم، وورد في ذلك قول الإمام الصادق (علیه السلام): (لولا أنّا نزداد لأنفدنا).

ص: 210

استغفار الأولياء

المعصومون (عليهم السلام) يستغفرون الله تعالى من التبعات التي لحقتهم بسبب سوء تصرفات أتباعهم بل هم آباء لهذه الأمة بنص الحديث النبوي الشريف: (يا علي أنا وأنت أبوا هذه الأمة) فما يصدر من الأمة يحسب عليهم. ووردت في بعض الروايات كما في تفسير القمي بسنده عن عمر بن يزيد قال: (قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) قول الله عز وجل في كتابه: (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) قال (علیه السلام): (ما كان له ذنب ولا همَّ بذنب ولكن الله حمّله ذنوب شيعته ثم غفرها له) لذا وردت الوصايا عن المعصومين (عليهم السلام) لشيعتهم: (كونوا لنا زيناً، ولا تكونوا علينا شيناً).

شروط صفاء القلب وعمرانه

إن القلب ما لم يعمر بالتقوى وينفض عنه غبار الهوى وأغلال الشهوات لا يمكن أن يهتدي إلى الحق ولو أقمت له ألف دليل (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ) لأن الدليل مهما كان مفحماً ومسكتاً فإنه لا يكون مؤثراً إذا لم تسكن إليه النفس ويطمئن به القلب إن من لا يمتلك هذا الفرقان يتخبط ويسير على غير هدى ويضلّ نفسه والآخرين ولا يميّز بين ما يضرُّه وما ينفعه ولا بين العدو وغيره كالثور المستعمل في حلبات مصارعة الثيران يجعل همّه في نطح قطعة القماش الحمراء غافلاً عن عدوّه المصارع الذي يطعنه بالخناجر حتى يصيب مقتله.

نعمة الدعاء ومناجاة الحق تعالى

الأدعية والمناجاة وسائر الأذكار لطف، إذ بدونها لا نعرف ماذا نقول بين يدي الله تبارك وتعالى وما هو مقتضى آداب العبودية، بل لا نعلم هل يحق لنا أن نقف بين يديه تبارك وتعالى ونخاطبه، ونحن نرى أن إنساناً وضيعاً يتبوأ موقعاً لا قيمة له كوزير أو ملك، يوضع (أتكيت) لزيارته ومحادثته والآداب الواجب إتباعها بحضرته، بينما نخاطب رب العالمين متى شئنا وبما شئنا وبأي لغة نشاء وهو جل جلاله يقبل علينا ويسمع منا ويبادلنا من الحب والرحمة أكثر مما نعطي، لذا ورد في مناجاة الذاكرين(ومن أعظم النعم علينا جريان ذكرك على ألسنتنا، وإذنك لنا بدعائك وتنزيهك وتسبيحك).

النفحات الإلهية الخاصة

هناك رحمة خاصة يمنُّ بها على عباده المؤمنين الذين عرفوه ودلّهم عليه بفضلهوكرمه وهداهم إلى طاعته فراحوا يتحروّن رضاه، وهي التي أشير إليها في الحديث النبوي

ص: 211

الشريف: (اطلبوا الخير دهركم كله، وتعرّضوا لنفحات الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده) وعنه (صلى الله عليه وآله): (تعرّضوا لرحمة الله بما أمركم به من طاعته) والتعرض لها يعني التعرض لأسبابها وموجباتها، كما في الدعاء (اللهم إني أسألك موجبات رحمتك).

موجبات الرحمة الإلهية

للرحمة الإلهية موجبات وهي كثيرة نذكر منها شيئاً مختصراً لإلفات نظركم :

(منها) طاعة الله ورسوله قال تعالى: (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) وقال تعالى (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) وقال تعالى (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً).

(ومنها) الصبر على المصائب قال تعالى: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)

(ومنها) الاستغفار قال تعالى: (لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) .

(ومنها) الإصلاح بين الإخوة المتخاصمين، قال تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).

(ومنها) ما ورد في الأحاديث الكثيرة من قولهم (عليهم السلام) رحم الله امرءً كذا وكذا، كقول أمير المؤمنين (علیه السلام): (رحم الله امرءً أحيا حقاً وأمات باطلاً، وأدحض الجور وأقام العدل) وقوله (رحم الله امرءً علم أن نفسه خطاه إلى أجله فبادر عمله وقصّر أمله) .

(ومنها) عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (سبعة يُظلهم الله عز وجل في ظله يوم لا ظلّ إلا ظلُّه: إمام عادل، وشابٌ نشأ في عبادة الله عز وجل، ورجل قلبه متعلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه، ورجلان كانا في طاعة الله عز وجل فاجتمعا على ذلك وتفرّقا، ورجل ذكر الله عز وجل خالياً ففاضت عيناه من خشية الله عز وجل، ورجل دعته امرأة ذات حسب وجمال، فقال: إني أخاف الله عز وجل، ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما يتصدق بيمينه).

من مصاديق الشرك الخفي

إن تقديس الذات شكل من أشكال العبادة والشرك والمبتلى بها يعمى عن رؤية الحق لان هذا التقديس يحجبه عن الرؤية الصحيحة.

ص: 212

أهمية التكامل الروحي

إن التقدم المادي مرتبط تماماً بالتكامل الروحي من خلال البناء الصحيح للعقيدة ولابد أن يتقدما معاً وإن الأول بدون الثاني يصبح وبالاً على البشرية ويقودها نحو الدمار كالذي نشاهده اليوم ممن يسمون أنفسهم بالقوى العظمى .

لكي نصلح الأمراء علينا أن...

من أراد إصلاح الأمراء وتغييرهم فليبدأ بتغيير المجتمع ومن العبث وإلقاء النفس في التهلكة التفكير في الاول أي بالتزام المقاومة المسلحة ونحوها لتغيير انظمة الحكم من دون السعي لتحقيق الثاني أولاً، فان هذا وعد الله سبحانه (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ).

من مقومات الاصلاح

إن الاصلاح والعلاج لا يكون ناجحاً الا بعد تشخيص علل الخلل والفساد اما الاكتفاء بمعالجة الظواهر الفاسدة والمنحرفة التي هي معلولات ونتائج لتلك العلل فهذا علاج ناقص.

طاعات مقربة للرب سبحانه

إن المقصود بالطاعة الموجبة للرضا الإلهي ما يشمل اجتناب المحرّم، كالذي ورد في غض البصر عن المرأة الأجنبية، روي عن الإمام الصادق (علیه السلام) قوله:(النظرة سهم من سهام إبليس مسموم، من تركها لله عز وجل لا لغيره أعقبه الله آمناً وإيماناً يجد طعمه) وعنه (علیه السلام) قال: (من نظر إلى امرأة فرفع بصره إلى السماء أو غض بصره لم يرتدّ إليه بصره حتى يزوجه الله من الحور العين) وكذا تشمل المعصية الموجبة للغضب الإلهي ترك الطاعة والتقصير فيها، كالذي ورد في التقاعس عن قضاء حاجة المؤمن، وقد وردت في ذلك عدة روايات منها قول الإمام الكاظم (علیه السلام): (من أتاه أخوه المؤمن في حاجة فإنما هي رحمة من الله تبارك وتعالى ساقها إليه، فإن قبل ذلك فقد وصله بولايتنا، وهو موصول بولاية الله، وإن ردّه عن حاجته وهو يقدر على قضائها سلّط الله عليه شجاعاً من نار ينهشه في قبره إلى يوم القيامة مغفوراً له أو معذباً).

هل تريد ان تكون من الفائزين؟

الذي يريد أن يكون من المفلحين الفائزين بما عند الله تبارك وتعالى يجد وصفة العلاج المتضمنة لعدة فقرات في قوله تعالى في أول سورة المؤمنون: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ،

ص: 213

الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ.. ) إلى قوله تعالى: (أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ، الَّذِينَ يَرِثُونَالْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) وهكذا الآيات التي تصف عباد الرحمن أو المتقين وغيرهم.

المستقبل المعنوي

على الإنسان أن يلتفت إلى وجوب ضم التفكير في إعمار مستقبله المعنوي لتضمين الحياة الكريمة في الآخرة، وهذا البناء له أدوات نظرية وعملية، أي معرفية وتطبيقية، وحديثنا اليوم في الأولى من خلال وضع أُطر و محددات وقواعد تضبط بوصلة حياته وسلوكه العملي، وهذه الأطر والقواعد العامة تُؤخذ من القرآن الكريم والسنة الشريفة والأدعية المباركة وكلمات الحكمة الصادرة من العلماء والعارفين.

قاعدة لإصلاح الذات

اليوم أود التعرض لقاعدة أخرى من تلك الأطر والمحددات، وهي كلمة للإمام الحسن العسكري (علیه السلام) قال: (ما أقبح المؤمن أن يكون له رغبة تُذّله) فالكلام مع المؤمن لأنه عزيز بعزة الله تعالى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)...والحديث الشريف لم ينكر على الإنسان أن تكون له رغبة، لأن الرغبات من النوازع النفسية التي أودعها الله تبارك وتعالى لدى الإنسان –كالخوف- لتدفعه إلى ما ينفعه ويُصلح شأنه ويحميه من الخطر والضرر ولتحفزّه على طلب الكمال، مضافاً إلى ما يأمر به العقل.. فالمشكلة ليست إذن في أن تكون لك رغبات، وإنما المشكلة في أن تكون للمؤمن رغبة تُذله وتحط من كرامته وتعيق سعيه نحو الكمال، وليس المقصود الرغبة في المعاصي والمحرمات فهذه خارجة عن نطاق الحديث الشريف لأنها غير متصورة في المؤمن، وإنما الكلام في الرغبات المباحة التي تأسر صاحبها وتضغط عليه وتشوش عليه فكره حتى ينهار تحت إلحاحها وضغطها فيرتكب ما لا يليق به.

نعمة الضمير

في غرر الحكم عن أمير المؤمنين (علیه السلام): (عجبتُ لمن ينشد ضالته، وقد أضلَّ نفسه فلا يطلبها) ولرحمة الله تعالى الواسعة بعباده فإنه لم يكتفِ بالواعظ الخارجي وهم الأنبياء والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين) وحملة علومهم، فجعل لهم واعظاً من داخل أنفسهم ينبِّههم إلى الخطأ وهو ما يعرف ب(الضمير) يحذره من الخطأ قبل وقوعه، ويؤنبه بعد ارتكابه لردعه عن تكراره، بحيث انتشر مصطلح (وخز الضمير) أو (تأنيب الضمير) وهي عبارة عن حالة تألم ورفض داخل النفس تؤدي إلى كربة في القلب، تدعو صاحبها لمراجعة نفسه

ص: 214

والعودة إلى رشده. ولكن الإنسان لسوء اختياره يصمّ أذنه عن سماع الواعظ الخارجي ويكبت واعظه الداخلي، إما بمخادعة نفسه وقلب الحقائق ليوهم نفسه إنه ليس على خطأ، وربما يحاول الهروب من صراعه الداخلي من خلال احتساء الخمر وتناول المخدرات،أو بالتكثير من ارتكاب الأخطاء ليعتاد عليها ويميت ضميره.

تعدد سبل القرب من الله تعالى

لانتصور أن السبيل الموصل إلى الله تعالى منحصر بالعبادات المتعارفة كالصلاة والصوم والحج والزيارة، بل يُفهم من الأحاديث الشريفة أنه يوجد ما يمكن أن يكون أسرع في طي مراحل التكامل، قال الإمام الحسن العسكري (علیه السلام) ليست العبادة كثرة الصيام والصلاة وإنما العبادة كثرة التفكر في أمر الله) فالعبادة أن تشعر وتحسّ بوجدانك أن الله تبارك وتعالى حاضر عندك مطّلع عليك أقرب إليك من حبل الوريد يحنو ويشفق عليك ويحبّك ويداريك ويدفع عنك، ولازم ذلك أن تفعل كل ما يحبّبك إليه ويقرّبك منه وأن تتعرف إليه تبارك وتعالى أكثر وأكثر وتفهم حقائق أسمائه الحسنى وتسعى لتحقيق تلك الصفات في حياتك كالرحمة والعفو والعلم والكرم وغيرها.

خوف المعصومين (عليهم السلام) من التقصير

المعصومون (عليهم السلام) يعتبرون أنفسهم مذنبين ومقصّرين ما دام يوجد فرد في هذه الدنيا لم يتكامل ولم يحقق العبودية الكاملة في حياته؛ لأن هذا يعني أنهم (عليهم السلام) لم يحققوا هدفهم ولم تنجح وظيفتهم بشكل كامل وهي بسط التوحيد الخالص في الأرض، فكيف إذا كانت أكثر البشرية ضالة (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) وهذا النقص في تحقيق الغرض وإن كان بسبب خارج عنهم وهو سوء اختيار المتلقي من الناس وعدم استجابتهم لداعي الحق، أي في قابلية القابل وليس في فاعلية الفاعل كما يعبّرون، إلا أنهم (عليهم السلام) على أي حال يشعرون بالذنب والتقصير وحرقة القلب لعدم اكتمال أهداف رسالتهم، ويطلبون من الله تعالى العفو والصفح ولذا وردت تطمينات من الله تبارك وتعالى لنبيه وعفو عن مسؤولية هذه النتائج المؤسفة، وتطييب لقلبه (صلى الله عليه وآله)، قال تعالى: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً).

من أعظم نعم الله تعالى

إن من أعظم نعم الله تعالى على الإنسان توفير هذه الفرص الخاصة للألطاف الإلهية ليسرِّع الله تبارك وتعالى لعباده التكامل والرقي ويطوي لهم المسافات المعنوية نحو

ص: 215

الكمال.

من موجبات المقت والطرد

من موجبات المقت والطرد أمر يستسهل فعله الكثير من المتدينين ولكن ورد فيه ما لم يرد حتى في الكبائر، وهو تسقيط المؤمنين ففي الكافي عن الإمام الصادق (علیه السلام) قال (منروى على مؤمن رواية يريد بها شينه وهدم مروءته ليسقُط من أعين الناس أخرجه الله من ولايته إلى ولاية الشيطان فلا يقبله الشيطان).

ترك الملهيات الفارغة

يقول الإمام السجاد(علیه السلام): (واكفني ما يشغلني الاهتمام به) فالطريق أن تصفي ذهنك وبرامج حياتك من كل شيء زائد عما يشغلك الاهتمام به عن السير نحو الغاية، وإلا سيضيع وسط هذه الفوضى ولا يصل إلى النتيجة المطلوبة، وفي غرر الحكم لأمير المؤمنين (علیه السلام): (اشتغال النفس بما لا يصحبها بعد الموت من أكبر الوهن).

شُكر الله سبحانه حق شكره

من رحمته (سبحانه) أن جعل الاعتراف بالقصور والتقصير عن إحصاء النعم فضلاً عن شكرها هو حق الشكر له تبارك وتعالى، كما روي في أخبار الرسول الكريم موسى بن عمران (علیه السلام) أن الله تعالى أوحى إليه أن يا موسى اشكرني حق شكري، قال (علیه السلام): (وأنّى لي أن أشكرك حقّ شكرك) فأوحى الله إليه: إن هذا الاعتراف بالعجز هو حق شكري. وفي الكافي (كان الإمام علي بن الحسين (علیه السلام) إذا قرأ هذه الآية: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا) يقول: سبحان الذي لم يجعل في أحد من معرفة نعمة إلا المعرفة بالتقصير عن معرفتها، كما لم يجعل في أحد من معرفة إدراكه أكثر من العلم أنه لا يدركه، فشكر جل وعز معرفة العارفين بالتقصير عن معرفة شكره فجعل معرفتهم بالتقصير شكراً، كما عَلِم عِلْم العالمين أنهم لا يدركونه فجعله علماً).

من أعظم القربات إلى الله تعالى

من أعظم القربات إلى الله تعالى الإحسان إلى خلقه لأنهم عياله وصنيعته والإحسان إليهم إحسان إليه تبارك وتعالى، قال الإمام الحسن العسكري (علیه السلام) (إنّ في الجنة لباباً يقال له المعروف، لا يدخله إلا أهل المعروف، وإن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة).

الصدق والألطاف الخاصة

ص: 216

إذا علم الله من العبد صدقه وإخلاصه في السير إليه أحاطه بلطفه الخاص وعصمه من الزلل، إذ أن العبد مهما كانت همّته وقوة إرادته فانه لا يصل إلى العصمة الكاملة إلا بمزيد عناية من الله تبارك وتعالى.

الرحمة العامة والخاصة

إن لله تبارك وتعالى رحمة عامة لكل مخلوقاته وهي التي أشير إليها في موارد كثيرة كمافي أدعية رجب: (يا من يعطي من سأله، يا من يعطي من لم يسأله ومن لم يعرفه تحنناً منه ورحمة) وفي دعاء آخر: (ورزقك مبسوط لمن عصاك، وحلمك معترض لمن ناواك، عادتك الإحسان إلى المسيئين وسبيلك الإبقاء على المعتدين) فجميع خلقه حتى الذين يبارزونه بالمعصية والإنكار يرفلون بنعمه التي لا تعد ولا تحصى. وهناك رحمة خاصة يمنُّ بها على عباده المؤمنين الذين عرفوه ودلّهم عليه بفضله وكرمه وهداهم إلى طاعته فراحوا يتحروّن رضاه، وهي التي أشير إليها في الحديث النبوي الشريف (اطلبوا الخير دهركم كله، وتعرّضوا لنفحات الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده) وعنه (صلى الله عليه وآله) (تعرّضوا لرحمة الله بما أمركم به من طاعته) والتعرض لها يعني التعرض لأسبابها وموجباتها، كما في الدعاء (اللهم إني أسألك موجبات رحمتك).

معلومة تعينكم على تقوية الإرادة

نشير اليوم إلى مفردة في العلاج النظري تعينكم على تقوية إرادتكم وعزمكم في مواجهة التحديات وقمع الأهواء والشهوات وذلك بأن يعرف الإنسان قدره، كما ورد في الحديث: (من عرف قدر نفسه لم يوردها موارد الهلكة) وهو حديث يمكن أن يفهمه كل شخص بحسب مستواه ومجاله، فالقائد العسكري عليه أن يعرف عدد قواته وعدّتها قبل أن يخوض أيَّ معركة وإلا فإنه سيهلك نفسه وجيشه وهكذا.

التوفيق لمعرفة الحق والباطل

في الدعاء (اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه) أي أننا نسأل الله تعالى أولاً أن يعرّفنا الحق لان أهل الدنيا يخلطون الأوراق فتشتبه الأمور ثم نطلب ثانياً أن يرزقنا إتباعه، لأنه ليس كل من عرف الحق اتبعه فإن قوماً وصفهم الله تبارك وتعالى بقوله (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً).

استثمار فرص الطاعة

على الإنسان الذي يعرف قيمة نفسه أن لا يقصّر في استثمار فرص الطاعة مهما

ص: 217

اعتقد بضآلتها فلعل ذلك العمل يكون موجباً لتحصيل الرضا الإلهي، وأن لا يستخف بمعصية فلعلها تكون موجبة للغضب الإلهي والعياذ بالله ولا يغرّه توالي النعم عليه فيظن أن له حظوة عند الله تبارك وتعالى، بل عليه أن يخشى من ذلك إذ ربما كان من المستدرجين إلى الهلاك بهذه النعم.

خطوات عملية تساعد على إصلاح الباطن، منها:

1. مصاحبة المؤمنين الأخيار الصلحاء، قال(علیه السلام): (أكثرُ الصلاح والصواب في صحبة أولي النهى والألباب).1. مداراة الناس والرفق بهم واللطف معهم، قال(علیه السلام): (الرفق لقاح الصلاح وعنوان النجاح، وقال(علیه السلام) عوّد نفسك السماح وتجنّب الإلحاح يلزمك الصلاح).

2. تجنب معاشرة أهل الدنيا والغفلة عن الله تبارك وتعالى، قال (علیه السلام) في اعتزال أبناء الدنيا جِماع الصلاح).

3. عدم الاكثار من المباحات ككثرة الطعام والشراب والنوم ونحوها قال(علیه السلام): (إذا ملئ البطن من المباح عمي القلب عن الصلاح).

4. تجنّب الصفات المذمومة كالكذب وإيذاء الناس، قال(علیه السلام): (أبعد الناس عن الصلاح الكذوب وذو الوجه الوقّاح).

5. محاسبة النفس وتدارك ما فاته من تقصير وخلل وردّ المظالم إلى أهلها وقضاء ما فات، قال(علیه السلام): (حسن الاستدراك عنوان الصلاح).

الشعور بالمسؤولية

إن العبد كلما ازدادت مسؤوليته، فتزداد همته للطاعة، ومراقبته لله سبحانه، وإمساكه بزمام نفسه، منطلقاً من شعوره المتزايد بالمسؤولية .

ص: 218

جهاد النفس وتهذيبها

هما العدو الأصلي

إننا وإن كنا ننسب كثيراً من الفضائح إلى الغرب الكافر وهو صحيح؛ لأنه يعمل جاهداً على نشر التخلف والجهل في مجتمعنا المسلم لكي لا يفكر في قضاياه المصيرية، إلا إن الغرب نفسه هو من صنيعة العدوين الرئيسين وهما إبليس والنفس الأمارة بالسوء، فلا بدَّ من الالتفات إلى العدو الأصلي وخدعه وغروره وفخوخه وجنوده وأوليائه وحبائله (راجع أدعية نهار شهر رمضان؛ ففيها تعريف بطرق الشيطان ومكائده ووسائله) وقد نبهنا القرآن إلى هذين العدوين وحذرنا من الاغترار بخداعهما وأمانيهما، وأهم علاج لدفع مكائدها هو ذكر الله سبحانه وتعالى ومراقبته ومراعاة أحكامه قال تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ].

تحديد الحزن والفرح المذموم عن غيره

الحزن بفوات أمور دنيوية مذموم، قال تعالى: [مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ، لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ].. والصحيح أن يكون الفرح للأسباب الأخروية، فتفرح إذا وفقك الله تعالى لصلاة الليل، أو زيارة قبر الحسين(علیه السلام) أو قضاء حاجة أخيك المؤمن، وتفرح إذا انتصرت على نفسك، مثلاً حصل سوء تفاهم بينك وبين أخيك المؤمن، فإن نفسك تستكبر وتنتظر من ذلك الطرف أن يأتي ويعتذر، فتنتصر عليها وتذهب أنت إلى أخيك وتعتذر إليه، أو تمر بك امرأة جميلة قد ظهرت بعض مفاتنها فتدعوك نفسك إلى النظر إليها، فتعصيها وتنتصر عليها بترك النظر إلى تلك المرأة، عندئذ ستشعر بلذة وسعادة في قلبك تكون منشأ لفرح حقيقي ومحمود عند الله تبارك وتعالى.

الاستبدال الإلهي يتبع الاستبدال داخل النفس

إن الاستبدال من الله تعالى ما كان ليحصل في الخارج إن لم يسبقه استبدال في داخل النفس من قبل الشخص نفسه فاستحق ذلك التبديل (أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ)، (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) وهذا كله تطبيق لسنة الله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) سواء بإتجاه الخير أو الشر، ولذا كان من الأدعية الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام):

ص: 219

(وتجعلني ممن تنتصر به لدينك ولا تستبدل بي غيري) فعلينا أن نكون حذرين يقظين ونبادر إلى أي فرصة للطاعة ولا نفوّتها أو نؤخرها أو نعتقد أنه لا أحد يستطيع أن يأخذها منّا ويملأمكاننا فيها، فإن الله تعالى غني عن خلقه ويستبدل بالمقصرين والعاصين من يحبّهم الله تعالى ويحبونه ثم لا يكونوا أمثالكم.

إطاعة الهوى

عن الإمام الجواد(علیه السلام): (من أطاع هواه أعطى عدوَّه مناه).. أي كأنه أهدى مقتله المعنوي مجاناً إلى أعدائه المتربصين به وبغوايته، وأولهم نفسه الأمّارة بالسوء (أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك) وقال الإمام الصادق (علیه السلام):(لا تدع النفس وهواها، فإن هواها رداها، وترك النفس وما تهوى أذاها، وكفّ النفس عما تهوى دواها) وثانيهم الشيطان الذي أقسم على غواية البشر (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِين إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ).

علة الخلاف

ما هذه المفاسد التي نعاني منها كالخلاف والبغضاء وتبادل الاتهامات والتمزق إلا نتيجة النفس الأمارة بالسوء وعدم الإمساك بقيادها، والا لو كان الجميع مخلصين لله سبحانه وهدفهم واحد هو رضا الله سبحانه: لتآخوا ولتحابّوا ولشكر بعضهم بعضاً على معاونته اياه في هذا الطريق، أترى لو ان جميع الأنبياء - وهم مئة واربعة وعشرون الفاً- جُمعوا في مكان واحد وزمان واحد ماذا ستكون العلاقة بينهم؟ هل الشجار والخلاف كما يحصل بيننا ونحن شرذمة قليلون ؟!

الإصلاح العلوي للنفس

قد دلّنا أمير المؤمنين (علیه السلام) على آليات الإصلاح في ميدان النفس وعناصر النجاح في هذه العملية فهي تحتاج أولاً وقبل كل شيء إلى توفيق من الله تعالى، قال(علیه السلام) (التوفيق قائد الصلاح) ثمّ إلى تقوى من العبد، قال(علیه السلام): (التقوى مفتاح الصلاح) وإلى مداومة على ذكر الله تعالى، قال(علیه السلام): (أصل صلاح القلب اشتغاله بذكر الله)، وقال(علیه السلام): (مداومة الذكر قوت الأرواح ومفتاح الصلاح) وتحتاج إلى مجاهدة للنفس لضمان الاستمرار على العناصر المتقدمة والمحافظة عليها، قال(علیه السلام): (في مجاهدة النفس كمال الصلاح).

حتى لاترمى أعمالنا في وجوهنا

على الإنسان أن يهذب نفسه ويطهر قلبه من أية نيةٍ لغير الله تبارك وتعالى فإنّ كل شيء ما خلا الله باطل و(إنّما الأعمال بالنيات) و(لكل امرئ ما نوى) ومن الحماقة أن يقوم

ص: 220

الإنسان بأفعال يستحق بها المقامات الرفيعة لكنه يضيعها بأن يقصد بعمله غير الله تبارك وتعالى فترمى هذه الأعمال في وجهه والعياذ بالله تعالى.

منطلق النصر من..

النصر والغلبة إنما ينطلق من داخل النفس فمن انتصر على نفسه وعزّز قواه المعنوية الداخلية من التقوى والصبر والمصابرة كان هو المنتصر حقيقة، ومن عاش الهزيمة في داخله فلم يلتزم بما أمره الله تعالى كان هو المهزوم في الخارج، قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ).

الإصلاح العلوي للنفس

قد دلّنا أمير المؤمنين (علیه السلام) على آليات الإصلاح في ميدان النفس وعناصر النجاح في هذه العملية فهي تحتاج أولاً وقبل كل شيء إلى توفيق من الله تعالى، قال(علیه السلام) (التوفيق قائد الصلاح) ثمّ إلى تقوى من العبد، قال(علیه السلام): (التقوى مفتاح الصلاح) وإلى مداومة على ذكر الله تعالى، قال(علیه السلام): (أصل صلاح القلب اشتغاله بذكر الله)، وقال(علیه السلام): (مداومة الذكر قوت الأرواح ومفتاح الصلاح) وتحتاج إلى مجاهدة للنفس لضمان الاستمرار على العناصر المتقدمة والمحافظة عليها، قال(علیه السلام): (في مجاهدة النفس كمال الصلاح).

حتى لاترمى أعمالنا في وجوهنا

على الإنسان أن يهذب نفسه ويطهر قلبه من أية نيةٍ لغير الله تبارك وتعالى فإنّ كل شيء ما خلا الله باطل و(إنّما الأعمال بالنيات) و(لكل امرئ ما نوى) ومن الحماقة أن يقوم الإنسان بأفعال يستحق بها المقامات الرفيعة لكنه يضيعها بأن يقصد بعمله غير الله تبارك وتعالى فترمى هذه الأعمال في وجهه والعياذ بالله تعالى.

علاج رذيلة الطغيان

إن العلاج لتطهير القلب والنفس من هذه الرذيلة {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} فإذا التفت إلى هذه الحقيقة وإنه سيموت ويرجع إلى ربِّه، فإنه يتيقن من أن غناه وهمٌ زائل وإن كل ما بيده سيفنى ويزول، وسيحاسبه ربّه على طغيانه وتمرده ويأوي إلى شر مآب، ولذا ورد في بعض الأدعية ما يذكّرنا بهذه الحقيقة (الحمد لله الذي قهر عباده بالموت والفناء) ليرغم أنف الطاغين.

منطلق النصر من..

ص: 221

النصر والغلبة إنما ينطلق من داخل النفس فمن انتصر على نفسه وعزّز قواه المعنوية الداخلية من التقوى والصبر والمصابرة كان هو المنتصر حقيقة، ومن عاش الهزيمة في داخله فلم يلتزم بما أمره الله تعالى كان هو المهزوم في الخارج، قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ).

المؤمن القوي

إن الإنسان المؤمن القوي بإيمانه قوي باتصاله بالله سبحانه وقد ورد في وصفهم إنهم لا تأخذهم في الله لومة لائم، فليجرب أحد لذة الانتصار التي يعيشها عندما يمضي بشجاعة لتطبيق شريعة الله سبحانه.

الغفلة عن العدو الداخلي

من أهم مشاكلنا عدم التمييز بين الاعداء والاصدقاء فهذه النفس الامارة بالسوء هي أعدى اعدائنا -كما في الحديث- وهي في داخلنا وبين جنبينا فهل إنتهينا من قهرها حتى نتفرغ لمعاداة الآخرين.

مراتب العدالة

إن الشخص كلما تعاظمت مسؤوليته وجب أن تكون درجة تكامله بمقدارها ومن هنا يجب أن نفسر مصطلح (العدالة) الذي يشترط في الشاهد وإمام الجماعة ومرجع التقليد بدرجات متفاوتة .

المسؤوليات التي يمارسها طالب العلم في التعطيل هي:

أولها وأهمها: نشر أحكام الله سبحانه وتوجيه المجتمع وإرشاده وتوعيته بالموعظة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر من خلال المنبر الحسيني أو القاء المحاضرات او عقد الندوات أو إجراء الحوارات وهذا واجب الجميع والحوزة تكون مقصرة لو وجدت نقطة في أقصى البلاد لم تبعث اليها من يهدي اهلها ويرشدهم الى سواء السبيل .

ثانيهما: الالتفات الى تنقية القلب وتطهير النفس، فإننا قد اعطينا السنة كلها لغذاء العقل وهو على اهميته الا انه لا يكفي وحده بل لا بد من الاهتمام بغذاء القلب من الموعظة والازدياد من المعرفة بالله سبحانه بالتدبر بالقران الكريم والادعية الشريفة وقراءة كتب الاخلاق والوعظ والتهذيب

ثالثها: مراجعة الدروس وتدارك ما فات منها، وسد الثغرات التي حصلت خلال المسيرة

ص: 222

الدراسية.

رابعها: الاهتمام بالاتجاه الفكري او ما نسميه بالوعي الاجتماعي فانه من مقومات شخصية العالم الديني ومع ذلك فان منهاج الدراسة الحوزوية المتعارفة خالية منه، فعليك أن تسعى لتحصيله بجهدك وتوفيق الله سبحانه، ومن خلال مطالعة الكتب في هذا المجال لكبار مفكرينا المخلصين.

خامسها: تحصيل العلوم المكملة للدراسات الحوزوية مما لا يدخل في منهجها المألوف ، كالتفسير والعقائد والتاريخ والرجال ، مضافاً الى الثقافة العامة والعلوم العصرية.سادسها: تبادل الزيارات واللقاءات خصوصاً مع الارحام وتحسين العلاقات مع من تدخل الشيطان بينك وبينه فحصل سوء تفاهم فتسعى لإصلاح ذات البين فانه افضل من عامة الصلاة والصوم كما عبر أمير المؤمنين (علیه السلام).

من تكاليف فضلاء الحوزة

على الإخوة الفضلاء والطلبة شحذ الهمم والتصدي لدراسة ما يعصف بالمجتمع من مشاكل وانحرافات وشبهات وكتابة البحوث وعلاجها ومواجهتها ويفضل أن تكون البحوث بحجم كراسات وكتيبات يسهل قراءتها ولا يتعذر بذل الثمن بإزائها ويكفي في هذه الكتابات تلخيص افكار علمائنا ومفكرينا الكبار وتجميعها وصياغتها بما يناسب واقعنا المعاش.

مقدمة العمل الاجتماعي

إن الخروج الى المجتمع قبل تحصيل السيطرة على النفس الأمارة بالسوء والاخذ بعنانها بما يتضمنه هذا الظهور من مزالق كحب الجاه والتعالي على الآخرين والعجب والرياء والكبر والحسد والمكر سيجعل الإنسان فريسة سهلة للشيطان وللنفس الامارة بالسوء وعندئذ يخسر المبطلون.

نصيحة مربي

· إن النفس الأمارة بالسوء قد تكون كامنة وخامدة باتجاه ما فإذا حصل ما يثيرها هاجت وأودت بصاحبها .

· النفس كالأخطبوط الذي يروى عنه إنه كلما تقطع منه ذراعاً تولّد له أكثر من ذراع الا من عصم الله سبحانه.

مخالفة النفس والهوى

ص: 223

دعا الله تبارك وتعالى كثيراً إلى مخالفة النفس والهوى وعدم الانصياع لغوايتها وتزيين الشيطان ومنها قوله تعالى: (فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإنّ الجنة هي المأوى) وقد فهم الاخلاقيون من الآية الشريفة عدم اتباع هوى النفس وما تشتهيه حتى في الأمور المحللة إذا وجد شيئاً أفضل منها فمثلاً حينما يريد الإنسان ان يستريح من حرّ الصيف والانقطاع الطويل للكهرباء وصعوبة الحياة فيسافر إلى اوربا أو الدول المجاورة لقضاء فصل الصيف فإنه لم يفعل محرماً ولكن ألم يكن الأجدر به ان يواسي أهله واخوانه ويشاركهم صعوبة الحياة وينفق هذه الملايين في قضاء حاجة مؤمن أو تزويج شباب يعانون من الكبت الجنسي أو يعالج مريضا يشكو من حالة مستعصية ولا يجد ثمناً للعلاج، فهذه مرحلة أرقى من درجاتنهي النفس عن الهوى تزيد العبد قرباً إلى الله تبارك وتعالى.

العدو الأخطر

إن الأعداء الخارجيين الذين نتحمس لمواجهتهم مهما ضعفوا وانهزموا أو تلاشوا يبقى العدو الأول الذي نحمله في داخلنا وهي النفس الأمارة بالسوء التي تدعوا إلى اتباع الشهوات وإشباع الغرائز بأي وسيلة كانت ولو كانت محرمة، وتورث عذاب الله الأليم وتميل إلى الراحة والدعة والسكون وعدم الامتثال لأوامر الله تبارك وتعالى حتى جاء في الحديث الشريف (اعدي أعدائك نفسك التي بين جنبيك) وحتى سمي الوقوف في وجه اندفاعة النفس للشهوات وتحقيق الرغبات بالجهاد الأكبر، في حين إن جهاد الأعداء الآخرين بكل ما يمتلكون من قوة وعدة وعدد هو جهاد أصغر لأن الأول دائمي ومستمر ولأنه يخفى على غير البصير الذي وفقه الله تبارك وتعالى ونال ألطافه، ولأنه صعب عسير التحمل ولأنه ضد مشتهيات النفس بينما يمكن أن يكون الآخر موافقاً لها لما فيه من سمعة ورياء وامتيازات أخرى تحببه إلى النفوس.

فلسفة تفاوت الامتحانات

تفاوت الامتحانات شدةً وضعفاً بحسب استعداد الشخص وقابليته ليستحق النتائج بجدارة، وقد مرّت الأمم السابقة ببلاءات عسيرة كانت فيها قلوب الصفوة من المؤمنين تتزلزل فضلاً عن عامة الناس، قال تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) وليس من الضروري أن يكون هذا النصر القريب

ص: 224

هو بانفتاح الدنيا عليه وتنعّمه بالخيرات وتسلّمه لمواقع السلطة لأن النصر الحقيقي والأكبر هو على النفس الأمارة بالسوء والتحرر من الانصياع لأهوائها ومطامعها والنصر على غواية الشيطان وعدم الاستجابة لإغراءاته .

اختبار النفس عملياً

وضع علماء الأخلاق امتحانات للنفس الإنسانية ليروا صدقها ونجاحها فمثلاً لكي يختبر الإنسان إخلاصه لينظر انه لو نافسه احد على موقع وكان الآخر أولى منه هل يتنازل عنه بكل رحابة صدر؟ وإذا قدّم أعمالاً جبارة ولم يذكره أحد وإنما بقي مجهولاً معتّماً عليه لا تذكره وسائل الإعلام فهل يتأذى من ذلك ؟ إن المخلص يعلم ان عمله بعين الله تبارك وتعالى فلا يضيره إن يجهله أهل الأرض عكس الذي يستهدف حب الظهور والجاه والثناء والموقع ونحوها فانه يسعى إليها (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) .

أنواع الأصنام والآلهة !

الأصنام والآلهة التي تُعبد من دون الله تعالى عديدة ومتنوعة وباقية ما بقي البشر ...ولئن زال أحد أشكالها وهي الأصنام والأوثان التي تُصنع من الحجر والخشب وربما التمر ثم تعبد من دون الله وتقدس وتقدم لها النذور والقرابين، فإن أشكالاً أخرى من الأصنام تعبد وتقدس وهي أشد وطئاً على الإنسان وأكثر إذلالاً للبشرية وتكلف الناس أضعاف ما كانت تكلفهم تلك الأصنام، وأولها هوى النفس وشهواتها وأطماعها وغرائزها التي يطيعها الإنسان ويسعى لتنفيذ إرادتها ويخضع لسلطتها وإن كان في ذلك معصية الله تبارك وتعالى، فأصبح الهوى إلهاً يعبد من دون الله تعالى لأن معنى العبادة هي الطاعة والانقياد والاستسلام بحيث ورد في الحديث الشريف (من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان ينطق عن الله فقد عبد الله، وإن كان ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان) وقد سمى الله تبارك وتعالى الهوى إلهاً في قوله تعالى (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ...).

وثاني الآلهة؛ التشريعات التي تُسنُّها عقول الناس القاصرة وبحسب ما يقدرونها من مصالح بنظرهم الضيّق ويتعبدون بها ويلتزمون بها ويعاقبون على مخالفتها من دون الرجوع إلى شريعة الله تبارك وتعالى تحت عناوين مختلفة كالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان وحاكمية الشعب والقوانين والدساتير الوضعية وغيرها.. ومن الآلهة الأخرى الأعراف والتقاليد الاجتماعية التي يضعها الناس ثم يعطونها قداسة وأهمية بحيث لا يستطيع الفرد

ص: 225

الخروج عنها خشية العار والفضيحة والضغط الاجتماعي ونحوها.. ومن تلك الآلهة الحكام والطواغيت الذين يريدون من شعوبهم الاستسلام لهم وتنفيذ أطماعهم ونزواتهم والتضحية من أجل إدامة حكمهم وتقديم الشعب كله قرابين لهم، وهكذا سائر النظم الاقتصادية والسياسية والقوانين الوضعية المتبعة في المحاكم والكيانات المتنفذة كالمصارف وغيرها مما صنعه البشر من دون الرجوع إلى حكم الله تعالى (آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ).

لا تغتر بالنجاح في مجال معين

علينا أن نتذكر أيضاً إن منافذ الفتنة كثيرة وأبوابها إلى النفس الأمارة بالسوء والميالة إلى اللعب واللهو كثيرة وقد ينجح الإنسان في اختبار باتجاهٍ ما لكنه يفشل في الاتجاه الآخر بشكل فضيع ، وهذا مضمون ما ورد في الحديث عن الإمام السجاد انه إذا رأيت الرجل لا ينخدع بالدينار والدرهم فرويدك رويدك ولا تحكم عليه بالصلاح فلعله يفشل في الامتحان أمام النساء فإذا نجح فلا تغتر به فلعله يسقط في فتنة حب الجاه وهكذا.

التحديات الحقيقية

مهما عظمت هذه المواجهة (أي مواجهة التحديات الخارجية)فإنها تبقى في حيز (الجهاد الأصغر) الذي لا يؤتي ثماره الحقيقية إلا إذا اقترن ب(جهاد أكبر) تتخلص فيه النفس من أهوائها وعبادة الطاغوت وحب الجاه والدنيا الذي هو رأس كل خطيئة وينقى القلب من أدرانه فلا يبقى فيه حسد ولا حقد ولا تعصب ولا شرك بل يكون (سليماً) مؤهلاً لان يكون منتصراً ومحصناً في الصراع الطويل الشامل بين جنود الرحمن وجنود الشيطان في ميدان النفس البعيد الأغوار .

هي أكثر خطراً من الشيطان !

إننا مطالبون بمحاربة الشياطين في انفسنا الأمارة بالسوء قبل كل شيء ومهما تعاظمت شياطين الجن والأنس فإنها دون هذا العدو الأكبر الذي وصفه الحديث الشريف (اعدى اعدائك نفسك التي بين جنبيك) بل ان كل تلك الشياطين هي ثمرة هذا الشيطان ولو أصلحنا ما في نفوسنا لم يبق شيء من تلك الشياطين لذا سمى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جهاد النفس بالجهاد الأكبر ومعناه ان العدو في هذا الجهاد هو العدو الأكبر. وجهاد الاعداء الآخرين مهما تفرعنوا بالأصغر.

نصرنا الحقيقي

ص: 226

إن نصرنا الحقيقي حينما نستطيع سحق اهوائنا وأنانياتنا ونزيل الغل والحقد والكراهية وحب الدنيا بكل اشكالها (وأخطرها حب الرئاسة والتسلط وتصفيق الجماهير) والحسد والرياء والعجب والتكبر والعنجهية والاستعلاء وغيرها من الرذائل ونملأ قلوبنا بالحب والرحمة والشفقة والعفو والصفح والتآلف والمودة والصبر وكظم الغيظ وغيرها من الفضائل .

لذة الانتصار

إن من يطيع الله سبحانه ويتجنب معصيته يعيش لذة الانتصار على اعدى أعدائه وهي نفسه التي بين جنبيه الأمارة بالسوء وكلّما كانت شهوة النفس واندفاعها للفعل قوياً كلما كان الترك اشد لذة وكلما كانت رغبة النفس في الترك قوية كان الفعل اكثر لذة مثلاً تعرض أمامك امرأة متبرجة قد أظهرت مفاتنها أو طالبة جامعية أو زميلة في دائرة تبرعت بإنشاء علاقة عاطفية غير مشروعة معك فتنتصر أنت على نفسك الطموحة إلى ذلك فتعيش لذة الانتصار بشكل لا يوصف وهو ما أشار إليه الحديث: (النظرة سهم مسموم من سهام إبليس فمن تركها لله تعالى أبدله الله نوراً وإيماناً يجد حلاوته في قلبه) والمال من أقوى ما تتعلق به النفس قال تعالى: { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَ الْبَنِينَ وَ الْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ}، وقال تعالى: {الْمالُ وَ الْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا} وقال الإمامالصادق(علیه السلام): (ما بلى الله عز وجل العباد بشيء اشد عليهم من إخراج الدرهم) لذا كانت لذة الانتصار على هذا العدو عظيمة تستحق أن يبذل المال بإزائها بلطف الله تعالى عن رسول الله (صلى الله تعالى عليه وآله): (إذا أراد الله بعبد خيراً بعث إليه ملكاً من خزّان الجنة فيمسح صدره ويسخى نفسه بالزكاة).

الوهج العاطفي والوعي العميق

انا لا أنكر تقدم المستوى الإيماني لدى هذا الجيل بفضل الله تبارك وتعالى بشكل أذهل الأعداء واصاب خططهم بالخيبة والخسران إلا أنه مع الأسف في كثير من حالاته عبارة عن وهج عاطفي وحرارة ايمانية متدفقة غير مقترن بوعي عميق وتربية راسخة للقلب والنفس مما يجعل هذه الاندفاعة في مهب الريح -والعياذ بالله- اذا لم نتداركها بما يصلحها. والا بماذا تفسر انتشار الافتراء والبهتان والتسقيط والتشويه بين المؤمنين بل اصبح شغل الكثير من أهل الغفلة هو ذم العلماء والمراجع والقدح فيهم وانتقادهم ولا ادري من اين نال هؤلاء القيمومة على الآخرين ليعطوا لهم الحق في تقييم اعمال المراجع والمفكرين ؟! الم

ص: 227

يسمعوا الحديث الشريف: (إن حرمة المؤمن عند الله اعظم من الكعبة) فالاعتداء على سمعة المؤمن وكرامته وتشويه صورته اشد من الاعتداء على الكعبة أو على العتبات الطاهرة للأئمة المعصومين (عليهم السلام).

موجبات الصد عن الحق

إن التكبر والنظر إلى الأنا والإعجاب بالنفس يصد عن سماع الحق ويعمي البصيرة ويذل صاحبه، وعلى العكس منه فإن التواضع يرفع صاحبه ففي الحديث: (من تواضع لله رفعه الله) وفي دعاء مكارم الأخلاق للإمام السجاد (علیه السلام): (ولا ترفعني في الناس درجة إلا حططتني عند نفسي مثلها، ولا تحدث لي عزّاً ظاهراً إلا أحدثت لي ذلّةً باطنة عند نفسي بقدرها) فلا تتكبر على الآخرين وتواضع لأدنى خلق الله فقد يجري الله الكلمة المفيدة النافعة الصالحة على لسان من لا تأبه بهم، ومما روي عن سيرة عيسى روح الله (علیه السلام) انه قال لحوارييه يوماً: أريد أن اغسل أقدامكم قالوا نحن أولى بأن نفعل لك ذلك يا روح الله. قال (علیه السلام): لكي تتواضعوا من بعدي.

نشوة النصر

من دروس القران الكريم ما أدب به نبيه المصطفى (صلى الله عليه واله) في سورة النصر، حيث ان للنصر نشوة وسكرا تتبعها غفلة وانسياقاً وراء نزوات النفس وشهواتها خصوصا في مثل النصر الذي تحقق لرسول الله صلى الله عليه واله على طواغيت قريشودخل مكة فاتحا منتصرا واذعنت له جزيرة العرب، فماذا كان التوجيه الذي صدر من الله تبارك وتعالى لرسوله (صلى الله عليه وآله) وهو في ذروة ذلك النصر (فسبح بحمدك واستغفره انه كان تواباً) أن تسبح الله وتنزهه عن كل ما يخالط النفس من اهواء ونزوات وشياطين تطاع من دون الله، وان تحمد ربك الذي ما اصابك من خير إلا بلطفه ورعايته، واستغفره من كل ما خالطك من غفلة أو شعور بالزهو والخيلاء، واعتقاد بأن لك يداً في تحقيق النصر او ما صادف من تصرف لا يليق بالعبد في محضر ربه المتعال.

لمن النجاة يوم القيامة ؟

لا تكون النجاة يوم القيامة إلا لمن أتى الله بقلب سليم مملوء بالخير والرحمة والحب للآخرين وإنصاف الناس ومداراتهم، أما القلب المملوء أنانية وحب النفس وعدم الشعور بآلام الآخرين فمن البعيد أن يحظى برحمة الله تبارك وتعالى إلا بعد أن يعالج بعذاب شديد؛ فقد ورد أن النبي سليمان (علیه السلام) آخر الأنبياء دخولاً إلى الجنة، وهو نبي معصوم سخر كل ما

ص: 228

وهبه الله سبحانه وتعالى لعبادته وطاعته ونيل رضاه، وإنما كان ذلك لأنه وهب ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، ونقرأ في سيرة أمير المؤمنين (علیه السلام) إن ابنته حينما قدمت له إفطاره وكان خبز شعير ولبناً وملحاً، عاتبها على وضع إدامين مع طعام واحد وقال لها: أتريدين أن يطول موقف أبيك يوم القيامة، وأمرها برفع أحد الإدامين.

مشارطة النفس

جرّب بأن تعزم في نفسك على ان لا تؤذي أحداً وتحاول إدخال السرور على خمسة - مثلا - يومياً فإن الامام (علیه السلام) لا يؤذي أحداً ويحب إدخال السرور على الآخرين واعلم ان تطهير القلب شرط لقائه (علیه السلام) فلا يتحقق ذلك لمن هو حقود ويغتاب ويفتري ويحقّر الآخرين فان الامام هو خليفة الله تبارك وتعالى المتصف بصفاته ونحن نخاطبه عظمت آلاءه: (يا من أظهر الجميل وستر القبيح) فلا يكشف عيوب الناس ويصفح عن أخطائهم وينشر محامد الآخرين.

امتحان النفس

على المؤمن المخلص أن يبتعد عن حالات الرياء والعجب ويمتحن نفسه دائماً فإن وجدها ميالة إلى هذه العناوين فليؤدبها ولو اقتضى ترك العمل.

احذروا من هذين العدوين

على الأمة أن تلتفت إلى هذين العدوين الكامنين في داخلها، وهما اتباع الهوى وقلّة الوعي، وإلا فإن الأمة سوف لا تهتدي إلى طريقها ولا تتعرف على قيادتها الحقيقية التي تريدلها الخير والتي وصفتهم الأحاديث الشريفة بأنهم سفن النجاة.

اللذة الحقيقية

اللذة التي تحصل لكم بتجنبكم لبعض اللذات التي تقترن بالمعاصي هي أكبر وأحلى فإن لذة المعصية زائلة وتبقى تبعتها وتكون مشوبة بالكدر وخوف الفضيحة وغيرها من الآثار السيئة. بل هي في الحقيقة لا لذة فيها ولكن الشيطان والنفس الأمارة بالسوء تزيّن المعصية، أما إذا انتصر الشاب على نفسه فسيجد في قلبه حلاوة ولذّة سامية كما ورد في الحديث (النظرة سهمٌ مسموم من سهام إبليس فمن تركها أبدله الله تعالى نوراً وإيماناً يجد حلاوته في قلبه).

في الصراع على الدنيا ثلاث آفات

من يراقب حال البشر اليوم وقبل اليوم من لدن خلق البشرية: يجدهم في صراع

ص: 229

مستمر وتنازع وتنافس على كل الأصعدة والمستويات، وتثار الأزمات لأتفه الأسباب، ولنيل مغانم دنيوية لا قيمة لها حقيقة، كالصراع على زعامة العشيرة أو ليكون مختار المحلة أو للاستيلاء على مكسب ما، أو الصراع على السلطة والحكم والنفوذ والجاه، وتنتهك في هذا الصراع كل المحرمات والمقدسات وأولها سمعة المسلم من خلال التسقيط والافتراء والبهتان والكذب وانتهاءً بالصراعات المسلحة التي تهلك الحرث والنسل. ومهما خدع الإنسان الآخرين فانه لا يستطيع أن يخدع الله تعالى ولا نفسه بان هذا الصراع هو نتيجة نزوات وشهوات وأهواء النفس الأمارة بالسوء وطاعة لأوامرها التي يحرّكها الشيطان كيف يشاء، فالدخول في هذه الصراعات والتنافسات انحدار وسقوط وابتعاد عما أراده الله تبارك وتعالى، ومنشأه جهل وغفلة عن غرض وجوده في هذه الدنيا وما يراد منه ومسؤولياته أمام الله تبارك وتعالى وحجته على خلقه. فليراجع الكيِّس العاقل نفسه وليحاسبها أشد مما يحاسب الشريك شريكه كما ورد في الأحاديث الشريفة. واذكر لكم هنا حديثاً في الموعظة روي عن النبي الكريم عيسى بن مريم سلام الله عليه قال: (في المال ثلاث آفات: أن يأخذه من غير حلِّه، فقيل إن أخذه من حلِّه؟ قال (علیه السلام): يضعه في غير حقه، فقيل: إن وضعه في حقه، فقال: يشغله إصلاحه عن الله تعالى).

دقة محاسبة النفس

ينبغي الالتفات إلى أنواع أخرى من الطاعات المعنوية كمحاسبة النفس وتذكّر ما صدر من معاصي والندم عليها والاستغفار منها، والتفكر في العلاقة مع الله تبارك وتعالى بكل جوانبها كحب الله تعالى أو الشعور بالتقصير أمام عظيم نعمه أو الخجل من عدم أداءوظائف العبودية، ومن الأعمال أيضاً سماع الموعظة وما يرقق القلب، ومطالعة وصايا المعصومين (عليهم السلام) وسير الصالحين للتأسّي بهم، وقضاء حوائج الناس وإدخال السرور عليهم.

معنى الحكمة وحقيقتها

الحكمة أخذت من (الحَكَمة) وهو لجام الدابة الذي يمنعها من التقّحم والاضطراب ويضبط حركتها فكذلك الحكمة لجام للنفس الامارة بالسوء والشهوات والنزوات والانفعالات وترشّد أفعال الإنسان بما يوافق العقل والفطرة، وأصل الكلمة (حَكَم) بمعنى (مَنَع) ولكن ليس مطلق المنع وإنما ما كان لإصلاح وسمي الحكم حكماً لان الحاكم العادل

ص: 230

يمنع الظلم وسمي العلم حكمة لأنه يمنع المتصف به من الجهل، لذا فهي تعني الاتقان والإحكام وإحسان العمل وسميت الآيات محكمات لأنهن متقنات لا تقبل الاختراق، فالحكمة - بحسب ظاهر القران الكريم واللغة لا ما شيّده الفلاسفة واضافوا فيه من عندياتهم - ما يضبط تفكير الإنسان وإرادته وتوجهاته وسلوكه في الإتجاه الصحيح وتكون له بوصلة حياته، فتبدأ بالعلم النافع والمعرفة الحقة وتنتهي بالعمل بمقتضاهما والأخذ بهداهما ثم اتمامها بالثبات على ذلك، وقد قيل في تعريف الحكمة أقوال عديدة تندرج ضمن هذا الاطار فقيل بأنها (إصابة الحق بالعلم والعقل) وإنها (تحقيق العلم وإتقان العمل) أو (ما يمنع من الجهل والإصابة في القول).

بشرى للثابتين زمن الغيبة

أيها الثابتون على الحق في زمان الغيبة وردت البشرى من رسول الله (صلى الله عليه وآله) في كتب الشيعة والسنة قال: (سيأتي قومٌ من بعدكم، الرجل الواحد منهم له أجر خمسين منكم، قالوا: يا رسول الله نحن كنّا معك ببدر وأُحُد وحنين ونزل فينا القرآن! فقال: إنكم لو تُحمَّلون ما حُمِّلوا لم تصبروا صبرهم).

من شروط دعاة الخير

لكي تكونوا دعاة إلى الخير وإلى الصلاح لا بد من تهذيب النفس وتوسيع دائرة العلم والمعرفة وشحذ الهمة وإخلاص النية (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) إن كل ما عندنا هو نعمة من الله تبارك وتعالى وفضل ورحمة (الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ) فنسأل الله تعالى دوام النعم والاستقامة والهدى.

أثر مصاحبة الصالحين

يُشبِه الأخلاقيون أثر مصاحبة الصالحين في تهذيب الأخلاق والسير نحو الكمالبالنبات المتسلق الذي إذا تُرك وحده فانه ينمو ولكن قريباً إلى الأرض لا يستطيع أن يقف قائماً ويرتفع نحو الأعلى، ولكنه إذا أُسند إلى الحائط أو أي قائم ثابت فانه يتسلق نحو الأعلى ويرتفع، هذا مثال لتأثر مريد الكمال بالأجواء الإيمانية إذا آوى إليها وكان قريباً من أهلها وان لم يسمع منهم كلمة، كما أن مطالعة سير الصالحين تؤثر في روحية الإنسان وتدله على طريق الكمال، وان لم يسمع ولم يلتقِ بصاحب الكلام في الكتاب لكنه يلتقيه روحياً من خلال هذه الكلمات فكأنما يعيش معه.

مزالق النفس الإنسانية

ص: 231

إن مزالق النفس الإنسانية مما يخفى حتى على صاحبها؛ لذا شبه الحديث الشريف الرياء بأنه أخفى من دبيب النمل بين الصفا (أي الصخور) في الليلة الظلماء. وبين أيدينا قصة ذلك الرجل الذي قضى صلاة ثلاثين سنة؛ لأنه كان يصلي طيلة تلك الفترة في الصف الأول، وفي يوم جاء متأخراً فصلى في صف متأخر، فشعر داخل نفسه بالخجل أنه لم يحضر مبكراً فيحصل على مكان في الصف الأول، وحينئذ تأمل في حاله طول تلك الفترة وانكشف له أنه كان راضياً على نفسه معجباً بها، إذ كان مواظباً على الصلاة في الصف الأول، ولم ينكشف له ذلك إلا بهذا الاختبار، وقد وضع أهل الأخلاق والمعرفة امتحانات للنفس، ليختبر صدقها وإخلاصها لله تعالى، وعلى الإنسان الطالب للكمال أن يعرض نفسه على هذه الاختبارات ليقومها ويهذبها وينال القرب من الله تعالى.

ايقاظ للغافلين

تخيل يا عزيزي وأنت تشيع جنازة أنك أنت المحمول فيها، أو تسمع بوفاة أحد فتصور أنت هو، فأن الموت لا يعرف صغيراً ولا كبيراً، وتصور أن الله تعالى أعاد عليك الروح وأحال الموت إلى ذلك الغير استجابة لدعائك الذي ينقله القرآن عن الإنسان [حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ] وها هو ربك الكريم قد أعادك إلى الدنيا وأبقاك فيها ومنحك فرصة جديدة للعمل ليرى صدقك في هذا الطلب وإخلاصك في هذا الدعاء، فهل الجواب أن يعود الإنسان إلى نفس حياته السابقة بما تتضمنه من معاصي وغفلة وتمرد وإعراض وخوض في الأمور التافهة وإلهاء عن الوصول إلى الهدف العظيم.

لكي تكون قابلاً للعطاء الإلهي

إن الأساس والبناء التحتي لأي كمال هو تطهير القلب من الرذائل والمعاصي حتى يكون مستعداً وقابلاً للعطاء الإلهي الذي لا حدود له، إلا ترى الأرض الزراعية قبل نشر البذر فيها لابد من حرثها وتنقيتها وتطهيرها من الأوساخ، فكذلك النفس قبل سقيها بماء المعرفةوالكمال لابد من تطهيرها وتجنيبها ما يعيق هذا الحرث الإلهي العظيم.

من لطف الله ورحمته

إن الله تعالى يعلم ضعف العبد عن مسك زمام نفسه الأمّارة بالسوء ومقاومة غواية الشيطان وتزيين الشهوات ويعلم بجهل الإنسان بعواقب أفعاله، وهو أشفق على عباده وأرحم بهم من أنفسهم، وأكرم من أن يقابلهم على سيئاتهم بمثلها، قال تعالى: [وَلَوْ يُؤَاخِذُ

ص: 232

اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً] قال الإمام الصادق (علیه السلام): (وما يعفو الله أكثر مما يؤاخذ به) في تفسير قوله تعالى: [وَمَا أصَابَكُم مِن مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَت أيدِكُم وَيَعفُو عَن كَثِيرٍ] فضاعف سبحانه وتعالى لهم الحسنات وتمهل في تسجيل السيئات، ثم لم يكتف سبحانه بكرمه ورحمته بذلك بل جعل لهم مكفرات لذنوبهم حتى يخفف عنهم أوزارهم التي احتملوها على ظهورهم بسوء أفعالهم ويلاحظ على تلك المكفرات أن بعضها اختيارية وبعضها غير اختيارية، فالاختيارية أفعال ينبغي للإنسان أن يقوم بها ليكفّر بها عن سيئاته وإن لم يفعل ابتلي بغير الاختيارية وهي أشق عليه، لذا ورد في بداية دعاء أبي حمزة الثمالي عن الإمام السجاد (علیه السلام): (إلهي لا تؤدبني بعقوبتك) أما غير الاختيارية -كالأمراض- فهي أمور تعرض للإنسان بسبب منه أو من غيره فيعتبرها الله تعالى بكرمه كفارة لذنوب من تعرض لها، فعلى الإنسان أن يسعى بجد في طلب المغفرة والتكفير عن ذنوبه بالأسباب الاختيارية، وأن لا يجزع إذا حصل له ما يكفّر الذنوب، فإن بقاء ذنب واحد عليه إلى يوم القيامة كافٍ لفضيحته وإيلامه.

لماذا كانت الفتنة عن الدين أشد وأكبر من القتل؟

1- إن الدين وعبادة الله تبارك وتعالى أقدس شيء في هذا الوجود وهو غاية خلق الإنسان والهدف من وجوده، لذا يرخّص كل شيء من أجل الاحتفاظ بهذا الحق المقدس، فقد ضحى أكرم الخلق من الأنبياء والمرسلين والائمة (صلوات الله عليهم اجمعين) ومن تبعهم من الصالحين بأرواحهم وأعزّ ما عندهم في سبيل اقامة الدين، واثمن تضحية ما نعيش ذكراها هذه الايام وهي تضحية الامام الحسين (علیه السلام).

اذن فالعدوان على الدين ومنع الإنسان من ممارسة حقه فيه هو اشد من أي اعتداء آخر سواء على الجسد بالقتل او غيره.

2- إن جهاد النفس الامارة بالسوء ومعركة السيطرة على غرائزها وشهواتها وانفعالاتها أشد وأكبر من جهاد العدو بالقتل والقتال حتى سمي الاول الجهاد الاكبر والثاني الجهاد الاصغر، فالخسارة في الجهاد الاول وهو الأكبر أشد وأخطر من الخسارة في الجهاد الثاني بالقتل.

3- ان الفتنة بلاء وامتحان دائم ومستمر ولا يمكن تجنبه فتحقيق الانتصار فيه عسير وشديد، اما القتل فهي حالة قليلة الحدوث ويمكن تجنب اسبابه فالأول اشد واكبر من الثاني.

ص: 233

4- إن القتل ينهي حياة الإنسان المادية في هذه الدنيا وهي زائلة وفانية ولو لم يقتل فانه يموت، بينما الفتنة تكون سببا لشقائه في الحياة الاخرة الدائمة، وانما تكتسب الحياة الدنيا قيمتها بمقدار تحقيقها لنتائج طيبة في الاخرة، فإعدام الحياة الدائمة اشدُّ واكبر من اعدام الحياة الفانية.

5- إن القاتل يزهق روحا واحدة، بينما المفتون عن دينه والمتجرد من خوف الله تعالى والمبادئ الإنسانية والملوث عقائديا كالخوارج والتكفيريين يفتكون بالآلاف من البشر من دون أن يرفّ لاحدهم جفن كما عبَّر بعض الطواغيت المعاصرين.

6- إن القاتل ما كان ليقتل لولا انه تخلى عن مبادئه الدينية قبل ذلك فالسبب الاصلي للقتل هي الفتنة عن الدين والانسلاخ عنه، ولو التزم بما يأمره به دينه لتورّع عن القتل (اللهم اصلح لي ديني فانه عصمة امري)

7- إن خطر الفتنة خفي لا يلتفت اليه المفتون غالبا لذا فإنه لا يتخذ الاجراءات الاحترازية منه، بل قد يتجاوب معها لأنها توافق شهواته واهواءه، بينما خطر القتل بيّن واضح يخاف منه ويحترز منه.

8- إن الفتنة تعم بضررها مساحة واسعة ولا تقتصر على صاحبها فقط، قال تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) بينما القتل يقع على المقصود خاصة.

9- إن فتنة الإنسان لأخيه الإنسان شرٌ كلها فهي مذمومة اما القتل فيمكن ان يكون سببا لحياة الأمة ونجاتها وصلاحها كاستشهاد الإمام الحسين (علیه السلام).

ص: 234

صفات المؤمن

(13 صفة للمؤمن):

1.أن يجعل أهوائه النفسية عدواً له لا يغفل عن مجاهدته للحديث: (أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك) ولا يجعلها إلهاً يطيعه ويسير وفق رغبات نفسه قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُون} وبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) سرية فلما رجعوا قال: (مرحباً بقومٍ قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر فقيل يا رسول الله ما الجهاد الأكبر قال جهاد النفس).

2 - أن يشتغل بإصلاح عيوب نفسه بدل التفتيش عن عيوب الناس قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ثلاث خصال من كُنَّ فيه أو واحدة منهن كان في ظل عرش الله يوم لا ظلّ إلا ظلّه : رجل أعطى الناس من نفسه ما هو سائلهم ورجلٌ لم يقَدّم رجلاً ولم يؤخر رجلاً حتى يعلم إن ذلك لله رضا ورجل لم يعب أخاه المسلم بعيب ينفي ذلك العيب عن نفسه فإنه لا ينفي منها عيباً إلا بدا له عيب وكفى بالمرء شغلاً بنفسه عن الناس).

3 وأن ينصف الناس من نفسه فيحب لهم ما يحب لها ويكره لهم ما يكره لها ويقول الحق ولو على نفسه قال أمير المؤمنين (علیه السلام): (ألا إنه من ينصف الناس من نفسه لم يزده الله إلا عزاً)

4 أن لا يتعصب لنفسه أو لعشيرته أو قوميته أو أي شيء آخر سوى الله تبارك وتعالى قال الصادق (علیه السلام): (من تعصّب أو تُعصِبَ له فقد خلع ربقة الإيمان من عنقه ).

5 وأن ينتهز فرص الخير قال تعالى {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات} ،وقال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} وفي وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي(علیه السلام): (يا علي بادر بأربع قبل أربع: شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وحياتك قبل موتك) وأن يجعل حياته زيادة في كل خير قال الصادق (علیه السلام): (من استوى يوماه فهو مغبون ومن كان آخر يوميه خيرهما فهو مغبوط ، ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون ومن لم يرَ الزيادة في نفسه فهو إلى النقصان ومن كان إلى النقصان فالموت خير له من الحياة).

6 وأن يحاسب نفسه عن موسى الكاظم (علیه السلام) قال: ( ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كل يوم فإن عمل حسناً استزاد الله وإن عمل سيئاً استغفر الله منه وتاب عليه) وفي وصية

ص: 235

النبي (صلى الله عليه وآله) لأبي ذر : (يا أبا ذر لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسبنفسه اشد من محاسبة الشريك شريكه فيعلم من أين مطعمه ومن أين مشربه ومن أين ملبسه أمن حلالٍ أو من حرام ؟ يا أبا ذر من لم يبالِ من أين اكتسب المال لم يبال الله من أين ادخله النار).

7- ويتحلى بالصدق ومطابقة قوله لفعله وسره لعلانيته قال الإمام الصادق (علیه السلام) :(أبلغ شيعتنا أن اعظم الناس حسرة يوم القيامة من وصف عدلاً ثم يخالفه إلى غيره) ،وقال(علیه السلام): (ليس من شيعتنا من قال بلسانه وخالفنا في أعمالنا وآثارنا ولكن شيعتنا من وافقنا بلسانه وقلبه واتبع آثارنا وعمل بأعمالنا أولئك شيعتنا ). وفي وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لأبي ذر : (يا أبا ذر يطلع قوم من أهل الجنة إلى قومٍ من أهل النار فيقولون ما أدخلكم النار وإنما دخلنا الجنة بفضل تعليمكم وتأديبكم فيقولون : إنّا كنّا نأمركم بالخير ولا نفعله) قال تعالى { كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ}.

8 - ويتصفون بالصبر فمن وصية الإمام الصادق (علیه السلام) : (اصبروا على الدنيا فإنما هي ساعة فإن ما مضى منه لا تجد له ألماً ولا سروراً ، وما لم يجيء فلا تدري ما هو وإنما هي ساعتك التي أنت فيها فاصبر فيها على طاعة الله واصبر فيها عن معصية الله).

9 ويقدّمون الآخرة على الدنيا فمن خطبة النبي(صلى الله عليه وآله): (ومن عرضت له دنيا وآخرة فاختار الدنيا وترك الآخرة لقي الله وليست له حسنة يتقي بها النار ، ومن أخذ الآخرة وترك الدنيا لقي الله يوم القيامة وهو عنه راضٍ)

10 والشيعي لا يكون كلامه بذيئاً ولا فاحشاً ولا لعّاناً أو سبّاباً فقد بلغ الإمام الصادق(علیه السلام) إن أحد أصحابه قال مثل هذه الكلمات لرجل ظلمه فقال(علیه السلام): (إن هذا ليس من فعالي ولا آمر به شيعتي استغفر ربك ولا تعد) قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): ( إذا رأيتم الرجل لا يبالي ما قال ولا ما قيل له فهو شرك الشيطان).

11 وإذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم أو مسَّهم طائف من الشيطان تذكروا والتفتوا إلى خطأهم الكبير في حق ربهم الكريم فتداركوا أمرهم بالتوبة واستغفروا الله تعالى ففي حديث إن الله أعطى التائبين ثلاث خصال لو أعطي خصلة منها جميع أهل السماوات والأرض لنجوا بها قوله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}.

12 - وهو عفيف البطن عفيف الفرج قال الإمام الصادق(علیه السلام):(والله ما شيعة علي إلا من عفّ بطنه وفرجه وعمل لخالقه ورجا ثوابه وخاف عقابه).

13 التفقه في الدين ولا اقل من المسائل الإبتلائية كما يسميها الفقهاء أي تلك التي يتعرض

ص: 236

لها كثيراً في عباداته أو في معاملاته سئل أبو الحسن (علیه السلام) هل يسع الناس ترك المسألة عما يحتاجون إليه فقال لا وقال رسول الله: ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ألا وإن الله يحب بغاة العلم).

المؤمن ومفهوم التعطيل

إن الإنسان المؤمن لا يعرف (التعطيل) بمعنى الكسل والخمول والسبات فانه ما خلق لذلك بل خلق ليتكامل ويسمو ويتنافس في درجات القرب من الله تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) وقد عبّرت الآية الشريفة عن حياة الإنسان بالكدح والعمل المضني الشاق: (يَا أَيُّهَا الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيه)فلا نعني بالتعطيل: التعطيل المطلق وانما التعطيل النسبي أي بلحاظ الدراسة وإلا فانه ينتقل إلى نشاطات أخرى ليريح عقله من الجهد العلمي بالاتجاه الذي كان يدرس فيه لكنه يقوم بنشاطه الفكري والبدني في اتجاهات أخرى لا تقل نفعاً وأهمية عن ذلك الجهد وهي بالتالي تعينه على العودة بهمّة كبيرة واستعداد مفتوح للعطاء عند بداية العام الدراسي المقبل بإذن الله تعالى.

من صفات المؤمن الحقيقي

إن المؤمن الحقيقي إذا بلغه نقد أو توبيخ نظر فان كان الذي قيل موجوداً فيه حمد الله تعالى على هذه النصيحة والهدية الثمينة وسعى في تجاوز هذا الخطأ وعلاجه خصوصاً إذا كان صادراً من مؤمن، وان لم يكن فيه حمد الله على السلامة ولا يرد الصاع صاعين.

مايحتاجه المؤمن في مسيرته التكاملية

عن الإمام الجواد(علیه السلام): (المؤمن يحتاج إلى توفيق من الله، وواعظٍ من نفسه، وقبول ممن ينصحه)..فأول تلك العناصر والمقوّمات: توفيق الله تبارك وتعالى ولطفه بعبده، ولذلك كان هناك تركيز في أدعية المعصومين بطلب التوفيق (اللهم ارزقنا توفيق الطاعة وبعد المعصية) ومدخلية التوفيق وأسباب اللطف الإلهي واضحة في حياتنا، مثلاً تجد الاندفاع والحماس للصوم في شهر رمضان بروحية عالية وإقبال شديد مع انه في صيف لاهب ونهار طويل جداً، بينما يتكاسل عن صوم يوم مستحب في غيره ولو في نهار بارد قصير قليل المؤونة.

والعنصر الثاني: هو أن يكون له واعظ من نفسه وقلب يستجيب لما فيه حياته وسلامته وإذن واعية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ) وإلاّ

ص: 237

فإن الهداية لا تحلّ قلباً منكوساً مُعرِضاً عن الحق ولهذا كان من اللازم إحياء القلوب دائماًبالموعظة وذكر الموت وتلاوة القرآن وتقليل العلائق بالدنيا. والعنصر الثالث: أن تبحث عن الأخ الناصح الذي يسدّدك بكلماته وأفعاله وتذكرّك رؤيته بالآخرة ويهدي إليك عيوبك ويدلّك على ما فيه صلاحك كهذه الكلمات التي نتحدث بها.

العلاج الرئيسي !

إن الطبيب الحاذق هو من يشخص بدقة العلّة الحقيقية وراء الأعراض المرضية التي هي معلولات لها فيزيل العلة من أساسها، وليس من الحكمة أن يعالج الأعراض ويترك العلة الأساسية، فالمؤمن الواعي المخلص الذي يستمد باستمرار العون والتسديد والعصمة من الله تعالى يقاوم كل هذه العلل ويقف بشموخ في وجهها، حتى قال الحديث الشريف: (إن إيمان المؤمن أقوى من الجبل؛ لأن الجبل يستقل منه بالمعاول ولا يستقل من إيمان المؤمن شيء) فهذا هو العلاج الرئيسي: ذكر الله دائماً وخشيته وتذكر عقوبته والحياء منه.

الحكمة ضالة المؤمن

إن طلب الحكمة والبحث عنها من صفات المؤمنين بغض النظر عن مصدرها انطلاقاً من كلمة أمير المؤمنين (علیه السلام) (لا تنظر الى من قال وأنظر الى ما قال) عن أمير المؤمنين قال (الحكمة ضالة المؤمن فخذ الحكمة ولو من أهل النفاق) وفي كلمة أخرى (فأطلبوها ولو عند المشرك تكونوا أحق بها وأهلها) وهذا الطلب للحكمة من اي مصدر كان له ما يبررّه، من مواعظ النبي عيسى(علیه السلام): (لو وجدتم سراجاً يتوقد بالقطران في ليلة مظلمة لأستضأتم به ولم يمنعكم منه ريح نتِنه، كذلك ينبغي لكم ان تأخذوا الحكمة ممن وجدتموها معه ولا يمنعكم منه سوء رغبته فيها) ووصف الحكمة بانها ضالة المؤمن يحمل عدة معانٍ منها:

أولاً/ إن صاحب الضالّة – وهو الحيوان الشارد التائه – كما لا يستقر له قرار حتى يجد ضالته، كذلك المؤمن عليه ان لا يتوقف عن السعي لطلب الحكمة، حتى يقتنصها من اي مصدر كان.

ثانياً/ إن الضالة ملك لصاحبها فيأخذها من دون منازع، وعلى كل من يجدها أن يعيدها الى صاحبها وكذلك الحكمة فأن المؤمن أحق بها فلابد من إيصالها اليه، عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): (كلمة الحكمة ضالّة المؤمن فحيث وجدها فهو احق بها).

ثالثاً/ كما إن الضالة تبقى قلقة مضطربة عند من يلتقطها حتى تعود الى صاحبها

ص: 238

وراعيها لأنسها به وبرعايته ورفيقاتها في الحضيرة، كذلك الحكمة لا تستقر عند غير صاحبها فيخرجها ليلتقطها المؤمن الذي هو صاحبها وبهذا المعنى وردت كلمات عديدة، عن أمير المؤمنين(علیه السلام): (خذ الحكمة أنّى كانت، فان الحكمة تكون في صدر المنافق فتلّجلجُ في صدرهحتى تخرج فتسكن إلى صواحبها في صدر المؤمن) فالمطلوب تحري الحكمة والموعظة واقتناصها من كل شيء حولك وتحويلها إلى سلوك عملي (قيل للقمان: ممن تعلمت الحكمة؟ قال: من العميان: لأنهم لا يضعون أقدامهم في محل حتى يختبروه) و(قيل للقمان ممن تعلمت الأدب؟ فقال: ممن لا أدب لهم فأجتنبت كل ما استهجنته منهم) وهذا وجه لفهم سبب ورود الفعل في الآية مبنياً للمجهول (وَمَن يُؤْتَ)، ( أُوتِيَ) رغم ان الواهب معروف وهو الله تعالى لكن في ذلك اشارة الى ان الحكمة أمر مرغوب ومطلوب بغّض النظر عن مصدرها.

ص: 239

السعادة والشقاء

الغاية من التكاليف الشرعية

ينبغي للمسلم أن يلتفت إلى أنّ التكاليف الشرعية لا يراد منها الأداء الشكلي الخارجي لها فحسب إنّما تستهدف بناء شخصيته وضمان سلامة مسيرته في الحياة والفوز بالسعادة والفلاح في الدنيا والآخرة وتحقيق الطهارة والسمو له، قال تعالى عن ذبح الهدي في الحج (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ).

السعادة الحقيقية

السعادة الحقيقية هي الفوز بالجنة وهي ثمرة التقوى والعمل بما يرضي الله تبارك وتعالى ويقرب منه، قال تعالى: ( وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ)…وتحيط الشقاوة بالإنسان -والعياذ بالله- حينما يعصي الله تبارك وتعالى ويبتعد عنه قال تعالى: (وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ، وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ، حَتَّى إِذَا جَاءنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ).

السعادة المزيفة

السعادة التي هي مطلوب كل إنسان والغاية التي يريد أن يصل إليها، يظن كثير من البشر أنها في كثرة المال، والحياة المترفة أو في مواقع السلطة والنفوذ، أو أنها في قضاء الوقت في اللهو والمتعة، ونحو ذلك، وقد تتحقق لهم بذلك لذة وراحة آنية لكنهم يشعرون في النهاية أنهم لم يحققوا السعادة المرجوّة، ولا نستغرب من وجود أعلى نسب للانتحار والمصابين بالأمراض النفسية في دول الغرب المترفة مادياً.

ص: 240

كيف تتحقق السعادة ؟

عن الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام): (حقيقة السعادة أن يختم الرجل عمله بالسعادة وحقيقة الشقاء أن يختم المرء عمله بالشقاء)، فإن الإنسان لا تكتمل سعادته إلا عندما يختم عمله بخير فإننا نرى كثيرين يعملون عمل السعداء لكنهم في منعطف من حياتهم ينقلبون ويغويهم الشيطان ويلتحقون بالأشقياء وقد يحصل العكس أحياناً كما في قضية الحر الرياحي حتى قال فيه الإمام الحسين (علیه السلام): (أنت حرّ في الدنيا وسعيد في الآخرة) فلا تتحقق السعادة إلا بالمداومة على الخير والثبات عليه.

إن الإنسان لا تكتمل سعادته إلا عندما يختم عمله بخير كما في قضية الحر الرياحي حتى قال فيه الإمام الحسين (ع): (أنت حرّ في الدنيا وسعيد في الآخرة) فلا تتحقق السعادة إلا بالمداومة على الخير والثبات عليه.كيف تحقق السعادة؟

إن السعادة الحقيقية إنما تتوفر بالارتباط بالله تبارك وتعالى لا في المتع المادية والتوسع في أمور الدنيا كما يتوهّم الغافلون فيبحثون عنها ولا يجدونها ويبقون يعيشون الحياة الضنكى لكن الملاحظ أن هذه السعادة وهذه النتائج الطيبة للعمل الصالح تتفاوت في درجاتها عند الناس كما تتفاوت في استمرار تأثيرها، فقد تنتهي بمجرد انتهاء العمل، وقد تستمر فترة أطول وتزول، وقد تبقى ثابتة، والسر في ذلك هو أن السعادة لا تكتمل بالعمل الصالح وحده بل لابد من تحقق أمرين آخرين:

1. إحسان العمل بأن يأتي به بشروطه وحدوده التي أرادها الله تبارك وتعالى، ولا يخدع نفسه ويتوهم بأنه يقوم بعمل صالح وهو في الحقيقة من الخاسرين، كما لو قام به رياءً أو على غير وجهه الشرعي.

2. إدامة العمل بإدامة آثاره والتزاماته وما يقتضيه ذلك العمل من مسؤوليات أخلاقية وشرعية، مثلاً المؤمن المصلي عليه أن يديم أثرها بأن يجتنب الفحشاء والمنكر، قال تعالى (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) والصائم يديم أثره بقوة الإرادة في اجتناب المعاصي وكل ما يبعده عن الله تبارك وتعالى وبمواساة الفقراء والمحرومين وتذكّر معاناتهم، وتذكر أحوال القيامة من جوع وعطش وغيرهما، والذي يعود من الحج يديم حالة الإخلاص لله تعالى والتجرد عما سواه، ومحورية التوحيد في حياته، ورجم شياطين الجن والإنس. والذي يعود من زيارة الإمام الحسين (علیه السلام) يديم حالة الإيثار والأخوة والمحبة والسعي الحثيث لإصلاح الأمة ورفض الظلم، والتضحية في سبيل الله تعالى بكل غالٍ ونفيس.

أسباب السعادة الحقيقية

نستطيع تلخيص أسباب السعادة الحقيقية بالإيمان بالله تعالى وتقواه والالتزام بطاعته وطاعة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) بإخلاص ونشاط وعزيمة لا تلين، وتطهير القلب من أمراض الحسد والحقد والبغضاء والبخل والحرص والخوف والقلق وتنقية العقل، من الشبهات والشكوك والظنون والتهم والأوهام والوساوس (فإن الشكوك والظنون لواقح الفتن ومكدرة لصفو المنائح والمنن) وتهذيب النفس من الأهواء المنحرفة وضبط الغرائز على وفق ما يصلح حال الإنسان في دنياه وآخرته وتجنب الإفراط والتفريط.

قلب المؤمن

ص: 241

ليس في قلب المؤمن حقد ولا غل ولا كراهية لذلك جعل الله من نعمه على أهل الجنة انه يزيل ما بقي في صدورهم وقلوبهم من هذا قال تعالى: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) لأن هذا الغل والحقد والكراهية أول ما يؤذي صاحبه فيجعل حياته منكدة ومعذبة وباله مشغولاً بهذه الدوّامة من التفكير مما يقعده عن القيام بالكثير من الأعمال الناجحة، أما لو نقّى قلبه منه فسيكون سعيداً فارغ البال للمسؤوليات المهمة، لكن الناس متفاوتون في تطهير قلوبهم حتى المؤمنين، لذا يوجد من يدخل الجنة وهو لم يكمل تنقية قلبه مما ينكد عليه صفو الحياة في نعيم الجنان فيتم الله نعمته عليه بنزع الغل من قلبه ولكن بعد ألم طويل، فلماذا لا يعمل الإنسان على إزالته من الدنيا لينعم بالسعادة مباشرة ويملأ قلبه بحب الخير للناس جميعاً ولا ينال السعادة الكاملة (إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ).

من أين تنبع السعادة والشقاوة ؟

إن السعادة والشقاوة تنبعان من داخل الإنسان، وهي من حالات عالمه المعنوي ووصف لباطنه، فالسعيد من كان كذلك في باطنه، والشقي من كان كذلك في داخله؛ فلا تتحقق إلا بأمور من جنسها أي معنوية، وليس بأمور مادية كالمال والجنس وترف الدنيا، فكم من شخص لا تتوفر له أسباب السعادة المادية الدنيوية بفقر أصابه أو مرض ابتلي به أو مصيبة نزلت به لكنك تراه سعيداً متفائلاً مبتسماً، وآخر يعيش في ترف وتتوفر له كل أسباب المتعة والعيش الرغيد لكنه عبوس كئيب وقد ينتهي به الأمر إلى الانتحار، وهذه النشرات والإحصائيات تطلعنا باستمرار على أن أكثر حالات الانتحار موجودة في أكثر الدول رفاهية. ولا يعني كلامنا هذا تقليلاً من أهمية توفير متطلبات الحياة الهنيئة السعيدة، فإن لها دوراً في تحقيق تلك السعادة إذا أُخذ منها بالمقدار المناسب للحاجة ووُظّفت لتحقيق الهدف، فإنها خير معين لها بفضل الله تبارك وتعالى.

من علامات السعادة

اطمئنان القلب الذي هو علامة السعادة يتحقق بأن تجعل الله تعالى محور حركاتك وسكناتك وهدفك الذي تسعى إليه، ولا تنال تلك السعادة إلا بالتقوى؛ لذا يعلمنا الأئمة (عليهم السلام) أن نطلبها في الدعاء كما طلبوها لأنفسهم، من دعاء الإمام الحسين (علیه السلام) يوم عرفة: (اللهم اجعلني أخشاك كأني أراك، وأسعدني بتقواك. فالسعادة الحقيقية هي الفوز بالجنة وهي ثمرة التقوى والعمل بما يرضي الله تبارك وتعالى ويقرب منه، قال تعالى:

ص: 242

(وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَمَجْذُوذٍ).

قاعدة في السلوك المعنوي

(باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب) فهذه قاعدة مهمة في السلوك المعنوي إلى الله تعالى، وهي الالتفات إلى حقائق الأمور لاتخاذ المواقف الصحيحة، وعدم الانخداع بالظاهر وبناء القرارات عليه، فإن كثيراً من الأفعال والمواقف تبدو في ظاهرها لذيذة ممتعة إلا أنّها تستبطن الشقاء والعذاب والألم، وعلى العكس من ذلك فإن بعضاً آخر منها يبدو ظاهره متعباً مكروهاً إلا أن حقيقته السعادة والنعيم، لذا ورد في الحديث (حُفّت الجنة بالمكاره والنار بالشهوات) ولنأخذ أمثلة من واقعكم الشبابي الجامعي، فإن البعض قد يتصور ان إقامة علاقات غير مشروعة مع الجنس الآخر فيها لذة ومتعة وسعادة ولكن الحقيقة خلاف ذلك لأن المجتمع سيرفضهما خصوصاً البنت وسيؤثر ذلك على مستقبلها وتسبّب تلك العلاقة شقائها، وربما بعض ردود الأفعال المؤلمة، هذا في الدنيا أما ما بعد الموت وفي الآخرة فسيعيشون حالة الألم والندامة والعذاب والمثال الآخر بعض الشباب المهووسين بالسفر إلى بلاد الغرب ليعيش حياة مرفهة سعيدة لكنه يضيّع دينه وأسرته وتكون زوجته وأولاده متمردين عليه وخارجين عن إرادته بسبب القوانين المعمول بها هناك.

المشرع هو الصانع

إن الشريعة الإلهية إنما وضعها الله سبحانه لتنظيم حياة البشر وهدايتهم إلى ما فيه صلاحهم؛ لأنه خالقهم وهو العارف بما يصلحهم، فإن أي جهاز يعطل نرجع إلى الشركة المصنعة للجهاز فتعرف عيبه وطريقة إصلاحه، والله هو خالق الإنسان وصانعه فهو العارف بمناشئ انحرافه وطرق علاجها، ومن القبيح والمستهجن أن نرجع إلى نفس الإنسان التائه الضال ليرسم لنا طريق الصلاح، وقد جربت البشرية كل النظم الوضعية فزادتها سوءاً على سوء وظلماً على ظلم، ومازالت تتجرع ويلات تلك النظم البشرية، والنتيجة أن الالتزام بالتعاليم الإلهية هو الطريق الوحيد الذي يضمن للبشرية سعادتها واستقرارها وطمأنينتها، وأنت ترى بعينك وتحس سعادة المؤمن واستقراره الروحي في مقابل شقاء الكافر الفاسق وصراعه النفسي وانحرافاته [وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى].

سؤال لطالبي الدنيا والأموال

ص: 243

هل وفرت لهم هذه الأموال السعادة؟ وهل شبعوا من الأموال؟ وهل اكتفوا باقتناء السيارات الفارهة والدور الوسيعة أم ازدادوا لهاثاً كالعطشان الذي يشرب من ماء البحر المالح؟ هذه هي حقيقة الدنيا لطالبيها، أما السعادة الحقيقية فيعيشها من أدخل السرورعلى قلب مكروب أو ساعد ضعيفاً أو قضى حاجة محتاج أو جاهد نفسه الأمارة بالسوء وانتصر عليها ولم يخضع لشهواتها.

الجمع بين علوم المدرستين

إن العلوم الأكاديمية تبني حضارة الإنسان وتوفر له أسباب الرفاهية والسعادة، إلا أنها لا تبني إنسانية الإنسان إلا إذا انضمت إليها العلوم الدينية والمعرفة بالله تبارك وتعالى وحينئذٍ تتحقق السعادة الحقيقية والفوز والفلاح في الدنيا والآخرة.

من ثمار التفكر والمحاسبة

في الرواية (تفكر ساعة خير من عبادة ستين سنة) وهو مضافاً إلى معناه المنسبق إلى الذهن وهو أن التفكير والتأمل والفهم هو حقيقة العمل والغاية المنشودة منه لا الحركات الخارجية التي إنما تكتسب قيمتها من محتواها وهو التفكر والتأمل المنتج للخشوع والحب والرغبة والرهبة. فإن للحديث معنى آخر.. وهو أن الإنسان قد يقف ساعة للتفكر والمراجعة والتحقيق في مسيرة حياته وهدفه الذي يريد أن يصل إليه، ونيته في أعماله، والقيادة التي يرجع إليها في أموره، وإذا به يتخذ قراراً يقلب كل مسيرة حياته ويغير وجهتها إلى الهدف الصحيح، فتكون هذه الساعة من المراجعة والتأمل خيراً من كل ما يؤديه خلال حياته عن غير بصيرة وهدى وكان يظن أنه يحسن صنعاً. وأوضح مثال على هذه الحالة الحر الرياحي الذي أمضى ستين سنة من عمره بعيداً عن ولاية أهل البيت (عليهم السلام) وإتباع منهجهم، فوقف ساعة يوم عاشوراء وتأمل في حاله وراجع نفسه واتخذ القرار الشجاع بالانتقال إلى معسكر الحسين (علیه السلام) وتحول من الشقاوة الأبدية إلى السعادة الأبدية.

أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ!

ان الرحمة الكبيرة التي يحملها الامام الحجة (علیه السلام) للبشر جميعاً من اتباعه ومن غيرهم لا تسمح بان يترك البشرية معذبة وتعيش الشقاء بل يتدخل لانقاذها ولكن ماذا يفعل لها اذا اختارت الشقاء بنفسها كما قال تعالى (أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ).

من أسباب الشقاء

إن أكثر ما يوجب الشقاء بعد الإعراض عن الله تعالى هو الحزن والقلق، الحزن على

ص: 244

ما فات من عزيز أو مال أو شهوة أو شيء حريص عليه، والقلق مما يأتي كالتاجر يخاف أن يخسر والمرأة تقلق أن يفوتها قطار الزواج أو يتزوج عليها زوجها امرأة ثانية. فينكد عيشهم باحتمالات لم تقع، والحل في تجنب هذه الحالات، وإيكال الأمر إلى الله تبارك وتعالى والأخذ بالأسباب المتيسرة قال تعالى في علاج هذه الحالة: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ، لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاتَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ).

العيش بسعادة وسلام مشروط ب

إن البشرية إذا أرادت أن تعيش بسعادة وسلام وطمأنينة فعليها العودة إلى الله تبارك وتعالى والالتزام بشريعته (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) .

خفة اللحية والسعادة؟!!

قال الإمام الصادق (علیه السلام): (من سعادة المرء خفة لحيته) أي قلة أتباعه ورعيته سواء كان على صعيد العائلة أو السلطة أو الزعامة الدينية أو الاجتماعية؛ لأن التابع يتمسك بلحية المتبوع -كما يقال في العرف- وقد يتحمل المتبوع مسؤولية تكثير أتباعه بتكبير لحيته الظاهرية فيتبعه من يراعي تلك المقاييس. وفي (معاني الأخبار) للشيخ الصدوق (رضوان الله عليه) قراءة أخرى للحديث (خفة عارضيه) أي خفة لحييه وعارضيه بذكر الله تعالى وعدم غفلته عن ربّه.

ما يحقق السعادة

اشتق اسم السعادة أصلاً من المساعدة وهي المعاونة على ما تتحقق به السعادة الحقيقية التي سميت سعادة لما فيها من معاونة الألطاف الإلهية للإنسان حتى وُفق إلى الخير والجنة ورضا الله تبارك وتعالى، ولذا نجد في الروايات الشريفة المأثورة عن المعصومين (عليهم السلام) إرشادات إلى ما تتحقق به السعادة الأخروية وما يستعان به على تحقيقها من أمور الدنيا وهذا الانسجام مع الفطرة والتوازن في مخاطبة كل عوالم الإنسان، وتلبيته كل احتياجاته الروحية والنفسية والعقلية والجسدية هي من مختصات شريعة الله تبارك وتعالى الخالق العظيم والبصير بما يصلح حال الإنسان ويسعده، بينما تاهت النظريات البشرية في تفسير السعادة وبيان ما تتحقق به لأن تحقيق السعادة حلم كل البشر ولم تنته بهم تلك النظريات إلا إلى الشقاء والقلق والخوف والكآبة والصراعات والشرور والآثام، بين

ص: 245

أصحاب النظريات المادية الذين حددوا السعادة بالمتعة وتلبية الغرائز واحتياجات الجسد إلى حد الإفراط –كما في الغرب- من دون التفات إلى حاجة الروح إلى الكمال، ونزوع النفس إلى التحلي بالأخلاق الفاضلة، وبين أصحاب النظريات الفلسفية والروحية الذين جعلوا السعادة في تحقق الكمالات النفسية ولو على حساب التفريط في احتياجات الجسد، بل يجعل بعض أهل الرياضات الروحية تعذيب الجسد وإيلامه سبباً لنيل تلك الكمالات وتحقيق السعادة ويتغافلون بذلك عن حقيقة أن من تمام السعادة تحقيق التوازن فيمتطلبات كل جوانب الإنسان. وهذا ما وجدناه في شريعة الإسلام دين الفطرة (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).

ص: 246

الأزمنة المباركة (المواسم العبادية)

انتهاز فرص الخير

أهمية شهر رجب ليست فقط ناشئة من شرف نفس الشهر وكرامته والألطاف الإلهية العظيمة المتاحة للعباد فيه، بل لأنه بداية أشهر ضيافة الرحمن التي تكتمل في شهر رمضان فعلينا أن نؤهل أنفسنا لتلقي هذه الألطاف الإلهية، بمزيد من الالتفات والذكر والمراجعة لعلاقتنا مع الله تبارك وتعالى، وتكون هذه المراجعة والمحاسبة على عدة محاور وبعدّة اتجاهات، فالأعمال الصالحة التي كنّا نؤدّيها نداوم عليها ونحسِّن أداءها، والتي كنّا لا نؤديها نبادر إلى الإتيان بها، والتي كنا نؤدي جزءاً منها نكملها، وإذا وُجد في برامج حياتنا تضييع وتفريط بالوقت الثمين من أعمارنا فيما لا ينفعنا في الآخرة فعلينا أن نتجنبه ونحوّله إلى وقت مثمر ومنتج بالأعمال الصالحة.

شهر الألطاف الإلهية

ما شهر رمضان إلا باب من أبواب اللطف الإلهي لإعانة الإنسان وإعطائه دفعة كبيرة إلى الإمام، ولطف الله تعالى مبذول على الدوام وأبوابه مفتوحة، وإذا أغلق باب شهر رمضان بانتهائه فتح الله تبارك وتعالى بكرمه ورحمته أبواب أخرى قد تكون أوسع، وإذا رفعت موائد شهر رمضان وليلة القدر و العشر الأواخر، وحصل كلُ واحد من الناس على مقدار ما يسره الله تعالى له، فإن موائد رب شهر رمضان الكريم مستمرة، وقد يتاح للعبد الحصول منها على أفضل مما حصل عليه غيره في شهر رمضان.

من معاني ليلة القدر

إن الله تعالى يقدِّر في ليلة القدر مصائر العباد وأرزاقهم وأمورهم المستقبلية قال تعالى: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) ومعنى كونها خيراً من ألف شهر أن العبد قد يحظى بالتفاتة من ربه ويناله لطف خاص فيقدّر الله تبارك وتعالى له في هذه الليلة أمراً يساوي حياته كلها التي تمتد في المعدل ألف شهر وهي حوالي 83 سنة.

مقامات الرمضانيون المتفاوتة

ينتاب المؤمن في نهاية شهر رمضان شعور بالأسى والحزن لفراق هذا الشهر الكريم والفيوضات الإلهية التي تقترن به وقد عبرّت عن هذا الحزن أدعية وداع شهر رمضان، وهذا

ص: 247

الشعور له ما يبرّره، لأن شهر رمضان من أعظم محطات التزوّد بالتقوى والطاقة المعنوية حيث يحسُّ المؤمنون بسموٍّ وارتقاءٍ في حالتهم المعنوية وإقبالاً على الطاعات في شهر رمضان المبارك، وهذه واحدة من بركات موائد هذا الشهر في ضيافة الله تبارك وتعالى، ولا شك أنالمؤمنين يتفاوتون في هذا التحصيل تبعاً لتفاوت درجاتهم وسعة آنيتهم التي يغترفون بها من عطاء الله تبارك وتعالى: (فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا) فبعضهم قد تنتهي عنده هذه الحالة بمجرد إنتهاء الشهر فيعود في العيد إلى ما كان عليه حتى المعاصي والعياذ بالله، وبعض آخر تستمر حالته أكثر من ذلك ولكنّها تنتهي مالم يزوّدها بوقود جديد، وبعضٌ تدوم عنده وتثبت معه الى شهر رمضان المقبل كالأجسام التي تلامس النار، فبعضها يفقد الحرارة بمجرد ابعاده عنها، وأخرى تحتفظ بها مدة ثم تفقدها، وأخرى -كالفحم- تتحول الى جمرة متّقدة تهب النور والدفء إلى الاخرين.

كيف نجعل الحالة المعنوية الرمضانية مستمرة؟

1- إن شهر رمضان إذا انقضى ورُفِعَتْ موائده وبركاته فإن رب شهر رمضان باقٍ وهو الذي منَّ على عباده بتلك العطايا والمنن، قال تعالى: (وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ) فليكن تعلقنا بالخالق لا بالمخلوق وبمسبب الأسباب لا بالأسباب نفسها، وهو قادر بكرمه على أن يجعل من الكرامة في غير شهر رمضان لعمل أكثر مما يعطي في شهر رمضان المبارك فان الله تعالى اخفى رضاه في اي طاعة من طاعاته ولا يعلمها العبد، فلعلك ترحم انسانا ضعيفاً او تزوج شاباً عفيفاً لا يجد مؤونة الزواج فيكون لك من المنزلة عند الله تعالى اكثر مما نلته من شهر رمضان، فلا يشغلنا الأسف على فوات شهر رمضان عن الأمل بكرم ربِّ شهر رمضان.

2- إن الله تعالى الذي أوجب علينا الصوم في شهر رمضان هو الذي رفع هذا الوجوب في غيره، علينا ان نعبد الله تعالى من حيث هو يريد لا من حيث نحن نريد فكما نطيعه في وجوب الصوم نطيعه تعالى في عدم الوجوب، والحديث يقول (إنَّ اللهَ يُحِبُّ أن تُؤتى رُخَصُهُ –أي عدم إلزاماته- كَما يُحِبُّ أن تُؤتى عَزائِمُهُ -أي إلزاماته في الوجوب والحرمة) فهذه الإنتقالة بمشيئة الله تعالى وطاعة له، لذا فهي ليست مشمولة للحديث الشريف (ومن كان آخرُ يوميه...).

3- إن هذا التقلب في الحالات فيه أكثر من ثمرة مباركة فهو من جهة رحمة ورأفة من الله تعالى بالإنسان لأنه يعجز عن الاستمرار على الحالة العالية والدوام عليها حتى قيل (دوام الحال من المحال) فهذه الإنتقالة الى الحالة الأدنى فيها تخفيف عنه وإشفاق به،

ص: 248

في الحديث الشريف: (إن للقلوب إقبالاً وإدباراً، فإذا أقبلت فتنفلوا وإذا أدبرت فعليكم بالفريضة) وعن أمير المؤمنين (علیه السلام): (إِنَّ هذِهِ الْقُلُوبَ تَمَلُّ كَمَا تَمَلُّ الأَبْدَانُ فَابْتَغُوا لَهَا طَرَائِفَ الْحِكْمَةِ).

4- إن ثواب العمل يمكن تحصيله وإدامته بالنية، فمادام الإنسان راغبا في عمل ويحب القيام به اذا تحقق موضوعه –كشهر رمضان- وسنحت فرصته فانه يُعطى اجر ذلك العمل وان لم يقم به وإن من أحبّ عمل قوم أُشرك معهم محباً لعملهم فإنه يُشْرَك في أجره.. وهذا الدوام في النية هو ايضاً من لطف الله تبارك وتعالى فكأننا نقدّمه عذراً بين يدي الله تعالى على تقصيرنا في العمل.

5- إن الله تعالى جعل بكرمه أسباباً أخرى تؤدي هذا الغرض – أي إدامة العمل- فبخصوص الصوم ورد أنه (من صام ثلاثة أيام من كل شهر، كان كمن صام الدهر، لأن الله عز وجل يقول "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها") وهي أول خميس وآخر خميس والأربعاء في الوسط، فإذا واظب عليها المؤمن كان في حالة صوم دائم ولم يفقد شيئا وهو من الأعمال التي أكّد عليها النبي(صلى الله عليه وآله) في وصيته لأمير المؤمنين والتي جاء فيها: (يَا عَلِيُّ أُوصِيكَ فِي نَفْسِكَ بِخِصَالٍ فَاحْفَظْهَا عَنِّي ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ أَعِنْهُ) الى ان قال(صلى الله عليه وآله) (وَأَمَّا الصِّيَامُ فَثَلاثَةُ أَيَّامٍ فِي الشَّهْرِ الْخَمِيسُ فِي أَوَّلِهِ وَ الأرْبِعَاءُ فِي وَسَطِهِ وَ الْخَمِيسُ فِي آخِرِهِ).

6- إن للتشريعات الإلهية أسراراً وعللاً وأن أوامر الله تعالى ونواهيه لم ترد عبثاً وإنما المصالح ترجع إلى العباد (رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سبحانك)، (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً) فالمطلوب من هذه الأعمال ليس حركاتها الخارجية وشكلياتها فقط وإنما حقائقها، وما هذه الأفعال الخارجية الا وسيلة لتحصيل تلك الحقائق قال تعال (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ) فأثر الصلاة النهي عن الفحشاء والمنكر (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) فالغرض من تشريع الصوم هو تحصيل التقوى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) وإنما تكتسب هذه الأعمال قيمتها بمقدار تحقق الغرض منها كما في الرواية أن (مَن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلاّ بُعداً) ولما كان المراد من الأعمال هذه الحقائق الواقعية لها فإدامتها يكون بإدامة آثارها، أعني التقوى من الصوم فكلما كان محافظاً على الصوم كان محافظا على التقوى والاحسان في العمل فهو في ضيافة الله تعالى وينهل من موائده المباركة وإن لم يكن في شهر رمضان، قال

ص: 249

تعالى (إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ).

رجب شهر المعرفة بالله تعالى

إن من معنى شهر الله هو إنه شهر معرفة الله تعالى، التي هي غاية الغايات كما يقالوبها يتفاضل العباد وتتفاوت درجة قربهم من الله تعالى، والذي يؤيد هذا الوجه تركيز اذكار وتسبيحات وأدعية شهر رجب على هذه المعرفة فشهر رجب فرصة لتحصيل هذه المعرفة، ومن طرق تحصيلها التأمل في الادعية الرجبية التي تعرّف الله تعالى الى عباده ومن تلك الادعية الدعاء المروي عن الامام الصادق (علیه السلام) : (يَا مَنْ أَرْجُوهُ لِكُلِّ خَيْر، وَ آمَنُ سَخَطَهُ عِنْدَ كُلِّ شَرٍ، يَا مَنْ يُعْطِي الْكَثِيرَ بِالْقَلِيلِ، يَا مَنْ يُعْطِي مَنْ سَأَلَهُ، يَا مَنْ يُعْطِي مَنْ لَمْ يَسْأَلْهُ وَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ تُحَنُّناً مِنْهُ وَ رَحْمَةً) تصّور لو ان أنساناً بهذه الصفات : ترجو منه كل خير يخطر على بالك وتتوقع منه أي عطاء مهما عظم، وتأمن شرّه وعقوبته مهما صدرت منك من اساءة وجرم وتقصير، لا يكتفي بإعطاء من سأله بل يعطي إبتداءاً لمن لم يسأله بل ومن لم يعترف به ويضعه في المنزلة التي يستحقها ومع ذلك يعطيه ويفيض عليه من كرمه لا لشيء إلا لأنه كتب على نفسه الرحمة، فكم ستحب مثل هذا الإنسان وتعشقه وتتودد اليه وتقترب منه وتلهج بذكره والثناء على جميل صنعه، هذا مع ان عطاء المخلوق مهما عظم لا يقاس بعطاء الخالق..فعلينا أن نتخذ هذه الصفات والأسماء الحسنى مثلاً أعلى نتأسى به ونعمل على تزيين سلوكنا وتهذيب مشاعرنا بهذه الصفات، قال تعالى: (وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى) فهل المتدينون متصفون بهذه الصفات: ترجوهم لكل خير تقصدهم فيه، وتأمن غضبهم وسخطهم اذا اسأت لهم او قصّرت في حقهم وهكذا.

رجب محطة للنفحات الإلهية

إن شهر رجب يمثل بيئة ومناخاً مناسباً لتحصيل المعرفة بالله سبحانه لأنه من محطات النفحات الإلهية الخاصة ومن الأسباب التي جعلها الله تبارك وتعالى لنيل رضوانه، فمن طلب هذه المقامات من الله تعالى وسعى لها سعيها أعطاه الله تبارك وتعالى ذلك، وهذا وعد بلغه رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقد روي عن النبي(صلى الله عليه وآله) أنه قال: (إنّ الله تعالى نصب في السماء السابعة ملَكاً يقال له الداعي، فإذا دخل شهر رجب ينادي ذلك الملك كلّ ليلةٍ منه إلى الصباح طوبى للذاكرين طوبى للطائعين، ويقول الله تعالى: أنا جليس من جالسني، ومطيع من أطاعني، وغافر من استغفرني، الشهر شهري، والعبد عبدي، والرحمة رحمتي، فمن دعاني في هذا الشهر أجبته، ومن سألني أعطيته، ومن

ص: 250

استهداني هديته، وجعلت هذا الشهر حبلاً بيني وبين عبادي، فمن اعتصم به وصل إليّ).

توضيح مسألة رمضانية

لتوضيح مسألة دخول ليلة التاسع عشر في أعمال ليالي القدر – مع أن الليلة متعينة في العشر الأواخر من شهر رمضان- نقول: إن أي طلب يمر بعدة مراحل من النظر فيه ثمدراسة كيفية تلبية وتهيئة ظروف استجابته، ثم اتخاذ القرار بالاستجابة له، ثم تنفيذ هذا القرار وتحقيق المراد، ففي الليلة التاسعة عشرة يبدأ المؤمنون بتقديم طلباتهم ويُنظر في تلبيتها لهم، وفي الليلة الحادية والعشرين: تتخذ القرارات بالاستجابة لمن يشمله اللطف الإلهي الواسع، لكن يبقى قلم المحو والإثبات لم يجفّ، وفي الليلة الثالثة والعشرين: تمضى تلك الأوامر نفياً أو إثباتاً، ولذا تكرر وصف القضاء الإلهي في ليلة القدر بأنه لا يرد ولا يبدَّل... وهذا المعنى ورد في رواية ..عن أبي عبد الله (علیه السلام): (التقدير في تسع عشرة، والإبرام في إحدى وعشرين، والإمضاء في ليلة ثلاث وعشرين).

مشاعر إيمانية عند حلول أيام الله

حينما يحلّ شهر رمضان ويتطلع المسلم إلى هلاله ينتابه شعوران:

الأول: الفرح لكونه ممن حظي فشهد هذا الشهر المبارك ولم يكن من الذين اخترمهم الاجل خلال العام الماضي فحرِم من هذه الفرصة الثمينة للتكامل والقرب من الله تعالى ،فكم شخص كان بيننا في رمضان السابق وهو اليوم ليس فينا اما نحن فقد شملنا الله بلطفه وفتح لنا الباب على مصراعيه للاستزادة من الفضائل والحسنات والتقرب أكثر إلى الله تبارك وتعالى كالطالب الذي تعطى له فرصة أخرى للامتحان في الدور الثاني ونحوه من اجل ان ينجح أو يحسّن درجته فحاله أفضل ممن يمنح فرصة واحدة، وان لله تبارك وتعالى الطافاً ونفحات خاصة في شهر رمضان لا ينالها العبد في غيره وقد ورد في الحديث الشريف: (ان لله تبارك وتعالى نفحات الا فتعرضوا لها)، هذه الالطاف والامدادات الروحية يحسها حتى البعيدون عن الله تعالى فالمرأة السافرة تتحجب في شهر رمضان والذي يعاقر الخمرة يجتنبها احتراماً لهذا الشهر وتارك الصلاة يلتزم بها كل ذلك من بركات هذا الشهر الكريم. من هذه الالطاف ما ذكرها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في خطبته التي القاها على المسلمين في آخر جمعة من شعبان ورواها أمير المؤمنين (علیه السلام) فقال (صلى الله عليه وآله): (ايها الناس إنه قد اقبل اليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، ايها

ص: 251

الناس: ان ابواب الجنان في هذا الشهر مفتحة فسلوا ربكم ان لا يغلقها عليكم، وابواب النيران مغلقة فسلوا ربكم ان لا يفتحها عليكم، والشياطين مغلولة فسلوا ربكم ان لا يسلطها عليكم .. الخ). الثاني: الرهبة والهيبة لهذا الشهر الكريم لأنه شهر الله وله حرمة عظيمة فلذا أوجب الله تبارك وتعالى صومه من دون الشهور وجعل فيه ليلة القدر وجعلها خيراً من الف شهر وأنزل فيه القرآن ودعا عباده إلى ضيافته يرتعون في موائده ويغدق عليهم من كرمه وماذاتجد على تلك الموائد.

سُنة الإعتكاف وبناء الذات

شُرع الاعتكاف لكي يتجرد الإنسان لربه ويخلو بمعبوده ويقطع كل علائقه المادية التي هي في الحقيقة حجب عن الوصول إلى الحضرة الإلهية والخوض فيها يوجب الرين على القلوب (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل الإسلام يعتكف في غار حِراء، وظل يفعل ذلك أيام رسالته، فقد كان في العشر الأواخر من شهر رمضان يطوي فراشه (صلى الله عليه وآله) أي يعتزل النساء ويشد مئزره للعبادة، فالإعتكاف إذن خطوة مهمة في طريق الوصول إلى تهذيب النفس وتصفية القلب والتكامل للوصول إلى الله تبارك وتعالى، الذي سماه رسول الله(صلى الله عليه وآله) الجهاد الأكبر.

ثلاثة أيام تأريخية وانعطافية

ثلاثة أيام في الإسلام أراد الله تبارك وتعالى لها أن تثبّت عقيدة الأمة وتصحح مسيرتها وتحفظ الإسلام نقياً ناصعاً سليماً من الزيغ والانحراف الذي يريده طلاب الدنيا لتحقيق مصالحهم الذاتية، ومثّلت هذه الأيام أهم منعطفات في حياة الأمة:

الأول: يوم الغدير وبيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) إماماً للأمة وخليفة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ومكملاً لرسالته المباركة، فجعله الله تعالى يوم إكمال الدين وإتمام النعمة؛ لأنه يوم خلود الرسالة وعدم اندثارها بموت صاحبها رسول الله (صلى الله عليه وآله).

الثاني: يوم القيام الفاطمي حينما انقلبوا على الأعقاب بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما أخبر به الله تعالى: (أفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ) وهو يوم الفرقان في معركة التأويل التي خاضها أمير المؤمنين (علیه السلام) بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بحسب ما ورد في حديث النبي (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (علیه السلام): (تقاتل على التأويل كما قاتلتُ على التنزيل) أي تخوض حربَ تصحيح المفاهيم والسلوكيات وتقويم الانحراف

ص: 252

ووضع النقاط على الحروف وبيان التفاصيل.

الثالث: يوم عاشوراء، يوم التضحية بالقرابين النفيسة لفضح الحكام المستبدين الفاسقين المحاربين لله ولرسوله (صلی الله علیه و آله)، ومن بعد يوم عاشوراء تميّز خط الإمامة والخلافة الإلهية عن خط الملك والسلطنة والصراع على الحكم (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ) وانتهى عصر خلط الأوراق وتداخل الخنادق.

أفضل الفرص الزمانية للطاعة

قد وفر الله سبحانه لعباده عدة فرص خلال السنة لكن أهمها وأوفرها حظاً شهر رمضان، ففي دعاء الإمام السجاد (ع) في وداع شهر رمضان، وإني انصح بقراءته في استقبال شهر رمضان ليعرف الإنسان قيمته قبل الدخول فيه ويزداد معرفة بعظمته وجلالة قدره وعظمة نعمة الله سبحانه بتوفير هذه الفرصة لعباده وبإبقائهم أحياء حتى أدركوا هذه الفرصة مجدداً، وإلا فإن أشخاصاً عديدين كانوا معنا في شهر رمضان السابق ليسوا معنا الآن لكن الله بفضله ورحمته ولطفه أدرك بنا هذا الشهر العظيم وجدد لنا هذه الفرصة لينظر كيف نصنع.

حالة يؤسف لها

إن مما يؤسف له أن الحالة العامة للناس هي التراخي والفتور في هذه الليالي على عكس ما هو مطلوب من زيادة الهمة ومضاعفة النشاط وتكريس الإنسان نفسه لطاعة الله تبارك تعالى، حتى أن البعض يتوقف عن تلاوة القرآن بعد أن يختمه في ليلة القدر، مع أن شهر رمضان كله هو ربيع القرآن، ولعل لهذا الفتور عدة أسباب:

1- الغفلة عن عظمة هذه الليالي وشرفها وما أعد الله تبارك وتعالى فيها للعاملين.

2- إرهاصات العيد والاستعداد له بشراء الملابس وتهيئة الأطعمة ووضع برامج الاحتفال.

3- التعب من فريضة الصوم واشتياق الإنسان للعودة إلى ممارسة المباحات.

4- انتهاء مجالس الوعظ والإرشاد والتوجيه والتبليغ والشعائر الدينية حيث تختم هذه المجالس في ليلة (21) أو(23) ونادراً ما تتجاوز ليلة (25).

5- تحول برامج التلفزيون بشكل ملحوظ نحو المجون والفسق والفجور.

ما ينبغي علينا في الليالي العشر الأواخر من شهر رمضان

أن لا نفرط في استثمارها من خلال عدة نشاطات:

1- المواصلة على حضور المساجد وإقامة صلوات الجماعة والأدعية الجماعية الحاشدة.

ص: 253

2- الحث على القيام بعبادة الاعتكاف لمن يتيسّر له ذلك، فإنها من أعظم السنن وعقدها في المساجد الجامعة لأهل المدينة مع الالتفات إلى الاعتكاف المعنوي الذي ذكرناه، ومراقبة النفس بشدة خشية وقوعها في العجب والرياء والتباهي أمام الناس؛ لأن هذه الفعالية مظنة للوقوع في تلك الآثام فيفسد الإنسان على نفسه.

3- الاستمرار بمجالس الوعظ والإرشاد والتوجيه وإحياء الشعائر الدينية وإلقاء المحاضرات.

4- استثمار فترة إقبال النفس للقيام ببعض الأعمال التي اشرنا إليها.5- الإكثار من الدعاء والتوسل إلى الله تبارك وتعالى وطلب الفوز بالجنة والعتق من النار والتعجيل لظهور بقية الله الأعظم وطلب قضاء حوائج الدنيا والآخرة له ولسائر المؤمنين.

6- اجتناب موارد الغفلة واللهو والعبث والصد عن ذكر الله تعالى كلعبة المحيبس ومتابعة التلفزيون وحضور مجالس البطالين.

فإذا علم الله تعالى منا الإخلاص ورأى حركة جماعية بهذا الاتجاه فسيرفع عنّا البلاء وسيعطينا فوق سؤلنا فإنه الكريم الرحيم الذي لا تنقص خزائنه ولا تزيده كثرة العطاء إلا جوداً وكرماً.

العجز عن أداء الشكر لله تعالى

إن أول شعور للإنسان المؤمن حينما يبلّغه الله تبارك وتعالى العشر الأواخر من شهر رمضان هو العجز عن أداء الشكر لله تعالى على بلوغ هذه الأيام الشريفة ولم يجعله من السواد المخترم قبلها، أي الذين جاءهم الموت واخترمهم الأجل فلم يدركوا هذه الليالي الشريفة، فإن هذه العشرة أولى بالفضل والشكر من العشرة الأولى من شهر ذي الحجة التي ورد في أدعيتها (اللهم هذه الأيام التي فضّلتها على الأيام وشرّفتها قد بلّغتَنيها بمنّك ورحمتك فأنزل علينا من بركاتك وأوسع علينا فيها من نعمائك).

الألطاف الإلهية الإضافية

إن الألطاف الإلهية الإضافية التي يمن الله تعالى بها على عباده في العشر الأواخر ليستشعرها المؤمن من خلال الشحنة الإضافية التي تدبّ فيه فينشط لطاعة الله تبارك وتعالى أكثر من غيرها، وتزيد همته للإتيان بما عجز عنه في غيرها. وقد تضمنت كتب السنن والمستحبات أعمالاً لهذه الليالي تشكل برنامجاً يأنس به المؤمنون، ويشتاق إليه طلاب

ص: 254

القرب من الله سبحانه.

روح الشهر وخلاصته

تمثّل العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك روح الشهر وخلاصته، وفيها يحصد العبد ثمرة أعماله الصالحة ويستشعر نتائجها بفضل الله تبارك وتعالى، ويهب الله تبارك وتعالى فيها من الألطاف والمنن لعباده، والبركات على موائده ما يزيد على ما قدّمه في سائر أيام الشهر ولياليه. ويكفي في شرفها وعظمتها أن فيها ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وفيها الليلة الأخيرة التي ورد أن الله تعالى يعتق فيها رقاباً من النار كمثل ما أعتق في جميع الشهر.

مرحلية نزول الألطاف الإلهية

أن شهر رجب شهر أمير المؤمنين (علیه السلام) وشهر شعبان شهر رسول الله (صلى الله عليه وآله) وشهر رمضان شهر الله تبارك وتعالى، فيكون معناه أن السعي لنيل رضا الله تبارك وتعالى وألطافه الخاصة تبدأ من شهر رجب عن طريق أمير المؤمنين (علیه السلام) لأنه باب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وولايته ميزان قبول الأعمال، ثم ينظر فيها في شهر شعبان بواسطة رسول الله (صلى الله عليه وآله) باب الرحمة الإلهية والوسيلة إلى رضوان الله تبارك وتعالى، ويشهد له ما ورد في تفسير قوله تعالى: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) أنها ليلة النصف من شعبان، ثم يجري القضاء الإلهي بالفوز والفلاح وحسن الخاتمة في شهر رمضان بعد أن تكون مقدماته قد تحققت.

ذنوبٌ قلّما نلتفت إليها

قد يرضى البعض عن نفسه، ويعتقد أنه على خير ما دام قد أدّى الواجبات الرئيسية كالصلوات المفروضة وصيام شهر رمضان ودفع ما بذمته من خمس ونحوه من الحقوق الشرعية، وما دام قد اجتنب المحرّمات الرئيسية كالزنا وشرب الخمر واللواط والسرقة والقتل بغير حق ونحوها. وهو لعمري خيرٌ كثير أن يلتزم العبد بذلك، لكن حالة الرضا عن النفس حالة غير صحيحة لأنّ أموراً أخرى كثيرة لا يلتفت إليها الإنسان، لكنّها مؤثرة في ميزان أعماله، وقد تقلب هذا الميزان رأساً على عقب باتجاه الفوز أو باتجاه السقوط والعياذ بالله تعالى. وكلامنا في الحالة الثانية إذ قد يظنّ الإنسان أنه على خير، ولا يعلم ما سوّد به صحائفه، ولا يلتفت إليها أصلاً إمّا لغفلته، أو لجهله بأنّ هذه ذنوب، أو انّه يعلم ذلك ولكنه يتساهل فيها ويقلّل من شأنها وتأثيرها، ولذا ورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق

ص: 255

(علیه السلام) التحذير من المحقّرات من الذنوب قال (علیه السلام): (اتقوا المحقرات من الذنوب فإنّها لا تغفر، قلت: وما المحقرات؟ قال: الرجل يذنب الذنب فيقول: طوبى لي إن لم يكن لي غير ذلك).

تشخيص الإمام الحسين (ع) للخسارة الحقيقية

ستجدون في دعاء الإمام الحسين (ع) يوم عرفة: (إلهي عميت عينٌ لا تراك عليها رقيباً، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيباً) تشخيص الخسارة الحقيقية وهي أن لا يُخلص الإنسان عمله لله تبارك وتعالى ويوحّد هدفه في هذه الحياة ليجعله رضا الله تبارك وتعالى، ولا يُثبت على الصراط المستقيم ويتيه يمنة ويسرة بين هذه الآلهة والأرباب المصطنعة.

حج الوالهين

المراد من الحج هو الشخوص إلى الله تبارك وتعالى والتجرد له والتخلي عمّا سواهوالحياة في كنفه وذكره، وباختصار فإن الحج فرار إلى الله تعالى من أسر الهوى والشهوات والتعلق بغير الله تعالى مما ذكرته الآية الشريفة (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) ومن الأغلال الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والنفسية وغيرها التي بُعث النبي (صلى الله عليه وآله) لتحريرهم من أسرها ووضع أوزارها عنهم، قال تعالى (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ).

قوة الإرادة في عمل الطاعات

لا تتهيبوا أي طاعة ولا تستصعبوها بل أقدموا عليها وأحبّوها وتشوقوا إليها فإنها مهما كانت صعبة فإنها ليست أصعب من الحج الذي يجمع مشاق كل العبادات وقد تكفل الله تعالى بتيسرها وتذليل صعوباتها، وحتى لو لم تتمكنوا من أدائها فإنكم تؤجرون على النية، فقد ورد في الحديث الشريف: أن من نوى العمل الصالح وعمله كتب له عشر حسنات ومن نواه ولم يعمله كتبت له حسنة واحدة.

الطاعات البديلة

جعل الله تعالى بدائل عن الطاعات المهمة ونزّلها منزلتها لإشباع رغبة التواقين للكمال فجعل مثلاً صوم ثلاثة أيام في كل شهر (أول خميس وأربعاء في العشرة الوسطى وآخر

ص: 256

خميس) تعدل صوم الشهر كله فإذا التزم بها فكأنما بقي في حالة صوم مستمر، وجعل زيارة الحسين (علیه السلام) تعدل حجة أو عمرة أو أكثر كتعويض عمّن فاته الحج.

إدامة روحانية الحج

يمكن للعبد إدامة الحج بإدامة آثاره وأغراضه التي شُرّع من أجلها بأن يكون العبد متجرداً إلى الله تعالى لا تشغله أمور حياته- وإن اقتضت طبيعته البشرية والتزاماته الخوض فيها- عنه تبارك وتعالى فعن الإمام الصادق (علیه السلام): (الحاج لا يزال عليه نور الحج ما لم يلم بذنب) وهذا يعني أن الله تعالى تفضل على الحجاج بإبقائهم في حج مستمر – إذا صح التعبير- وفي رحاب بيته الآمن وإن غادروه إلى أوطانهم إلا أن يشاؤوا هم الخروج منه بارتكابهم الذنب والعياذ بالله تعالى.

سفر الحج وسفر الآخرة

سفركم إلى الحج هو سفر قصير لا تتجاوز مدته الشهر ومعكم أدلاء يرشدونكم ومتعهدون يتولون إدارة شؤونكم ورفقة وإخوان وجهات توفر لكم الخدمة والمنزل والطعام ومع ذلك فإن أحدكم يستعد له منذ مدة طويلة ويتحسب لكل احتمال ويُعدّ كل ما يحتاجهمن دقائق الأمور ويعيد النظر في جهازه خشية أن يكون قد نسي شيئاً.. فكيف بسفر الآخرة الذي لا أمد له ولا مُعين ولا رفيق ولا زاد إلا عملك فإنه قرينك صالحاً كان أو سيئاً والعياذ بالله تعالى وزادك التقوى.

المحافظة على المكتسبات الروحية

ينبغي للمؤمن أن يحافظ على كل المكاسب التي يحققها في جهاده مع نفسه مما يُوفّق له في الأزمنة الشريفة –كشهر رمضان- أو الأمكنة الشريفة أو المواسم المباركة كالحج. لاحظوا ما ورد في من حفظ سورة من القرآن الكريم أو آية ثم نسيها وهي عدة روايات معتبرة منها صحيحة أبي بصير قال: (قال أبو عبد الله (علیه السلام): من نسي سورة من القرآن الكريم مثلت له في صورة حسنة ودرجة رفيعة في الجنة فإذا رآها قال: ما أنتِ فما أحسنك ليتك لي؟ فتقول: أما تعرفني أنا سورة كذا وكذا ولو لم تنسني رفعتك إلى هذا) ومن المداومة على العمل إدامة آثاره كالانتهاء عن الفحشاء والمنكر بالنسبة للصلاة قال تعالى (إنَّ الصَلاةَ تَنهَى عَنِ الفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ) فيجعل المؤمن صلاته نصب عينيه ويتذكرها دائماً لتردعه عن الهم بأي معصية أو منكر، فهذه مداومة على الصلاة، وقد وعد الله تعالى بأن (الحاج لا يزال عليه نور الحج ما لم يلمّ بذنب).

ص: 257

أعمال كل شهر قمري

أوّد ألفات نظر الأحبّة إلى أنه توجد أعمال للشهر القمري كشهر بغضّ النظر عن أعمال أيامه، يستحب المواظبة عليها في كل شهر قمري، وإذا لم يتسنّ الالتزام بها في كل شهر فلا أقل من العمل بها في مثل هذه الأشهر الشريفة حتى لا يكون تاركاً لها، فللملتزم بعمل –كصلاة الليل- منزلة، ولمن لم يكن من تاركي العمل منزلة، فإن لم تكن من أهل الأولى فكن من أهل الثانية ومن الأعمال المتعلقة بكل شهر قمري:

صلاة أول الشهر وهي ركعتان يقرأ في الأولى الحمد مرة والتوحيد ثلاثين وفي الثانية الحمد مرة وسورة القدر ثلاثين، ثم يتصدق بما يتيسر ليشتري سلامة ذلك الشهر، والسلامة المذكورة مطلقة فلا تختص بالسلامة من الآفات والكوارث والمصائب وإنما تشمل السلامة المعنوية من الذنوب والمعاصي والتقصيرات والانشغال عن الله تبارك وتعالى وإنما يُذكر الثواب بإزاء العمل لتحفيز البعض من المؤمنين وإلا فإن مجرد كون العمل محبوباً عند الله تعالى ومطلوباً عنده كافٍ للمبادرة إلى فعله.

صوم ثلاثة أيام من الشهر والأفضل أن تكون أول خميس وآخر خميس والأربعاء فيالعشرة الوسطى وهذه سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) التي علّمها أمير المؤمنين (علیه السلام) وواظب عليها حتى وفاته (صلى الله عليه وآله).

ختم القرآن مرة واحدة كما ورد في الكافي عن الإمام الصادق (علیه السلام) وإن لم يتيسّر في سائر الشهور ففي شهرين مرة.

بركة شهر رجب

إن عظمة شهر رجب تأتي من جهتين:

(أولهما) شرفه الذاتي، والقيمة الكبرى التي أعطيت لمن أدى عملاً فيه بما لا ترقى إليه نفس الأعمال في شهور السنة الأخرى بحسب ما ورد في الروايات الشريفة حتى سُمّي (رجب الأصب) لأن الرحمة تُصبّ فيه صبّاً.

و(الثانية) أنه الاستعداد لضيافة الرحمن في شهر رمضان تبدأ منه، حيث يتنعم أولياء الله تعالى بعيدهم في الشهر الكريم، فمن أراد أن يحظى بتلك الضيافة، ويفرح بعطاء الله تعالى في ذلك العيد، فلابد أن يبدأ بالعمل وتقديم الطلبات – كما يقال - من شهر رجب، لينظر فيها في شهر شعبان، ويمضي القرار الإلهي بها في شهر رمضان، وهذا هو المدخل

ص: 258

الطبيعي لنيل الألطاف الإلهية الخاصة، وإن كانت رحمة الله تعالى أوسع من ذلك.

بداية السنة المعنوية

السنة المعنوية عند طالبي الكمال والمشتاقين إلى رضا الله تبارك وتعالى تبدأ في الأول من رجب، البداية التي تعني الانطلاقة الجديدة، وتعبئة الهمة، وزيادة النشاط، ومراجعة صحائف الأعمال الماضية و الأمل بفتح صحائف جديدة بيضاء.

الاستعداد للوقوف بعرفة

ورد في الحديث الشريف: (إن لربكم في دهركم نفحات، ألا فتعرضوا لها) والمقصود هنا نفحات إلهية خاصة بالمتعرضين لها وليست تلك الألطاف الإلهية العامة لكل البشر حتى الملحدين والكافرين والعاصين والتي بها يُخلقون ويرزقون ويتنعمون…والتعرض لها يكون بالتعرض لأسبابها وموجباته.

درس بليغ من مدرسة الحج الإبراهيمي

إذا خرجت إلى عرفات -وهي أرض تقع خارج الحرم- إلتفت إلى هذا الدرس وهو أن مقتضى استحقاق الناس بحسب سعيهم في الحياة الدنيا أن يخرجوا من حرم الله وجنانه وأن يحرموا رضوانه، ولكنهم بعد أن يجأروا إلى الله تبارك وتعالى بالدعاء ويلحّوا بطلب التوبة يوم عرفة يؤذن لهم بالعودة التدريجية إلى حرم الله، ولكن بعد أن يطهروا أنفسهم بالدعاء وذكر الله تعالى في مزدلفة (فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ)ويستجمع العدة لمواجهة الشيطان ورد كيده - بجمع الحصى- ثم يتوجه إلى منى ليرمي الجمرات معبّراً عن رفضه لطاعة وعبادة كل ما سوى الله تبارك وتعالى (لا إله إلا الله) وينحر أطماعه وشهواته وأهواءه المضلّة، ثم يحلق رأسه علامة على الاستعداد التام لنصرة الله تبارك وتعالى والتضحية في سبيله (حيث أن حلق الرأس كان دليلاً على بلوغ أعلى درجات التضحية وشدة الاستعداد للحرب) وحينئذ يؤذن له بالعودة إلى بيت الله الحرام الآمن لأداء بقية المناسك تعبيراً عن رضا الله تعالى عنه وقبوله إياه ودخوله في جنانه وتحت ظلِّه.

من مواعظ الحج

الحج من أوله إلى آخره، حافل بالمواعظ ابتداءً من الاستعداد للسفر والتزود له الذي يذكّرك بسفر الآخرة الطويل المجهول الأبدي والتزود له بالتقوى والأعمال الصالحة، قال تعالى: (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ)..ومصاعب السفر وغربته ووحشة الأهل والوطن والأحبة تذكّر بوحشة البرزخ وغربته.

ص: 259

إدامة روحانية الطاعة

إن العمل وإن لم يستمر لانتفاء موضوعه أو لزوال ظروفه كانتهاء شهر رمضان أو موسم الحج إلا إن نية العود والمواصلة يمكن أن تبقى مستمرة فتكون سبباً لاستمرار الأجر لذلك ورد استحباب نية العود إلى الحج وكراهة نية عدم العود ..ومما ورد في دعاء الإمام الحسين (علیه السلام) يوم عرفة (إلهي إنك تعلم إني وإن لم تدم الطاعة مني فعلاً جزماً فقد دامت محبة وعزماً) وهذا المعنى يريد الإمام (علیه السلام) أن نتأدب به إزاء كل طاعة وليس الحج فقط.

من كنوز دعاء عرفة

دعاء الإمام الحسين (ع) في يوم عرفة وهو مليء بالمعارف الإلهية التي هي زاد الروح وجلاء القلب .

الاستعداد لليلة القدر

ينبغي للمؤمن أن يلح في مثل هذا الطلب في ليلة القدر لعله يحظى بالقبول...وإذا وجد في عمل رتابة وملل فلينوِّع ولينتقل إلى عمل آخر، فإن الأعمال المذكورة لهذه الليالي كثيرة ومتنوعة، وأحد أهداف تنوعها هو منع الكسل والملل والرتابة، ولإحداث الحيوية، ولإعطاء الفرصة لكل شخص أن يأخذ ما يناسبه ويتفاعل معه من أعمال الجوارح والجوانح…وينبغي الاستعداد لليلة القدر من قبلها بالورع عن معاصي الله تبارك وتعالى والإقبال على طاعته، ومن أشكال الاستعداد أن يأتي بأعمالها منذ ليلة التاسع عشر كما هو مقرَّر مع أنها لا يحتمل أن تكون ليلة القدر لأنها تقع في العشر الأواخر من شهر رمضان لكنهاجعلت منها وشملت بأعمالها ليوفّق المؤمن لليلة القدر، ومن يتهاون بها فلعله يحرم من شيء من فضل ليلة القدر إلا أن يتداركه الله تعالى بفضله وكرمه.

أفضل فرصة للقرب الإلهي

قد وفر الله سبحانه لعباده عدة فرص خلال السنة لكن أهمها واوفرها حظاً شهر رمضان ففي دعاء الامام السجاد(علیه السلام) في وداع شهر رمضان وأني أنصح بقراءته في استقبال شهر رمضان ليعرف الإنسان قيمته قبل الدخول فيه ويزداد معرفة بعظمته وجلالة قدره وعظمة نعمة الله سبحانه بتوفير هذه الفرصة لعباده وبإبقائهم أحياء حتى أدركوا هذه الفرصة مجدداً، وإلا فان أشخاصاً عديدين كانوا معنا في شهر رمضان السابق ليسوا معنا الآن لكن الله بفضله ورحمته ولطفه ادرك بنا هذا الشهر العظيم وجدد لنا هذه

ص: 260

الفرصة لينظر كيف نصنع.

المؤثر الدائم والمؤقت

إنّ صلاحنا وهدايتنا لا ينبغي أن تكون موجودة مادام المؤثر موجوداً، فإذا زال المؤثر انتهى كلّ شيء، كذاك الشاعر الذي يقول:

رمضان ولّى هاتها يا ساقي *** مشتاقة تسعى إلى مشتاقِ

أو ما نسمع من أن بعض النساء السافرات تتحجب في شهر رمضان فقط، أو شاب يترك العادة السرية في هذا الشهر فقط وغيرها، فمثل هذا التأثر بدواعي وأسباب الطاعة ناقص، ولا يكون ذا قيمة كاملة إلا إذا رسخ وتغير جوهر الإنسان وحقيقته به وأصبح ملكة راسخة، وإلا فإن مثل هذه المرأة التي تؤمن بوجوب الصوم، ولا تؤمن بحرمة السفور ستقع في التبعيض في الإيمان بالله الذي استنكره في القرآن الكريم: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إلى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ).

ميزان التفوق الرمضاني

إذا أردنا أن نعرف مدى نجاحنا في شهر رمضان فعلينا أولاً أن نلتفت إلى الامتحانات التي حملناها في هذا الشهر الكريم لنعرف ماذا أنجزنا على طريق النجاح فيها، ومن ثم نكون مسؤولين عن الاستمرار بالنجاح هذا والمحافظة على الروحية العالية التي حصلت لنا بفضل الله تبارك وتعالى وببركات هذا الشهر.

شهري العزة والكرامة

لقد أراد الأئمة المعصومون (ع) لشهري محرم وصفر أن يكونا موسم عزةٍ وكرامةٍ وتحررٍ وانتزاع للحقوق الإنسانية، ومثار شجاعة وثورة على الظالمين وانعتاق من أسرالشهوات والمطامع الدنيوية والإخلاد إلى الأرض، وميداناً للإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وساحة للأخوة والتآلف والوحدة، وانطلاقة للحياة الحرة الكريمة، وزيادة في وعي الأمة وتثبيتاً لقلوبها، وفرصة لإظهار المودة لأهل بيت النبوة ومواساتهم أداءً لأجر الرسالة كما ورد في القرآن الكريم، فعلينا أن نقف في نهاية هذا الموسم من كل عام لنجري مراجعة ونتحقق من مقدار مطابقة أعمالنا وشعائرنا التي قمنا بها لتلك المبادئ المباركة.

ص: 261

ص: 262

الدعاء والذِكر وتأثيرهما

القرآن الكريم والذِكر

لقد أولى القرآن الكريم قضية (الذِكر) أي ذكر الله تعالى اهتماماً بالغاً لأهميتها وعظيم آثارها، حتى أن هذه المفردة ومشتقاتها تكررت في عشرات الآيات، والملاحظ أن ورودها في الآيات المكية حوالي ثلاثة أضعاف الآيات المدنية تقريباً حيث كان القرآن المكي يركّز على بناء عقيدة التوحيد وعلاقة المسلم بالله تعالى ونبذ الشركاء والأنداد وتطهير القلب وتهذيب النفس... وجاءت الأحاديث الشريفة لتؤكد هذه الأهمية، وتدعوا المؤمنين إلى ذكر الله تعالى على كل حال، ففي الخصال عن الإمام الصادق (علیه السلام) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا علي سيد الأعمال ثلاث خصال: إنصافك الناس من نفسك، ومواساتك الأخ في الله عز وجل، وذكر الله تعالى على كل حال).

تأثير دعاء الفرج الجماعي

إننا في موسم الحج عام 1424ه وجّهنا إلى أن نرفع أصواتنا بشكل جماعي اثناء الطواف حول الكعبة بدعاء الفرج (اللهم كن لوليك الحجة ابن الحسن...) ليلتفت المسلمون القادمون من حوالي(180) دولة في العالم إلى إمامهم الحق ويسألوا عنه ويتعرفوا عليه ويهتدوا إلى نوره، وكنّا على ثقة بأنه سيتجاوب معنا الموالون، وهذا ما حصل وكان له وقع واثر ولم يستطع المناوؤن منعه واستمرت هذه السُنّة إلى اليوم ونسأل الله تعالى أن تبقى وتستمر وتتسع حتى يأذن الله لوليه بالظهور المبارك.

صدأ القلوب وعلاجها

أخبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنّ هذه القلوب - التي هي محل معرفة الله تعالى ووعاء الوصول إليه- يعروها الصدأ والرين بما يكتسب الإنسان من ذنوب ولكثرة مشاغله ومشاكله في هذه الدنيا، فإذا ازداد الرين طبع على القلب واسودّت صفحته فانغلق عن المعرفة وتلقّي الفيض الإلهي، إلى أن يتداركه الله بلطفه ورحمته، روي عن النبي(صلى الله عليه وآله) قوله: (إنّ هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد إذا أصابه الماء، قيل: وما جلاؤها؟ قال: كثرة ذكر الموت وتلاوة القرآن) لذلك أوصى أهل البيت (عليهم السلام) بتعاهد هذا القلب بالموعظة حتى تبقى فيه جذوة الحياة وتبقى فيه قابلية التكامل، من وصية أمير المؤمنين(علیه السلام) لولده الحسن (علیه السلام): (احيي قلبك بالموعظة وأمته بالزهادة).

ص: 263

زيارة عاشوراء والبراءة من أعداء الله

نُقِلَ عن المرحوم الشيخ عبد الكريم الحائري مؤسس الحوزة العلمية في قم المقدسة انهقال: (عندما كنت في سامراء مُشتغلاً بتحصيل العلوم الدينية، انتشر وباء الطاعون في المدينة وراح يحصد كل يوم عدداً من اهل المدينة. وذات يوم، اجتمع عدد من اهل العلم في منزل استاذي المرحوم السيد محمد فشاركي (اعلى الله مقامه) وفجأة دخل علينا المرحوم الميرزا محمد تقي الشيرازي (رحمة الله عليه) وكان على درجة عالية من العلم، وتكلم المرحوم فشاركي عن الوباء، وان الجميع سيكونون عرضة لخطر الموت. فقال المرحوم الميرزا: اذا حكمتُ بحكم، هل يكون ملزما ام لا؟ فوافقه الجميع وقالوا: نعم...قال: أنا أحكم على كل الشيعة المقيمين في سامراء بدءاً من اليوم، وإلى عشرة أيام بقراءة زيارة عاشوراء، واهداء ثواب ذلك الى روح السيدة نرجس(عليها السلام) حتى يبعد الله عنهم هذا البلاء فنقل أهل المجلس، هذا الحكم الى كل الشيعة في سامراء، وانصرف الجميع الى الزيارة. وفي اليوم التالي، لم يلقَ احد من الشيعة حتفه، وكان يموت كل يوم عدد من أهل السنة، وكان ذلك ظاهرا جلياً. سأل بعض السنة معارفهم من الشيعة، عن السبب، فاخبروهم بذلك، فاخذوا هم بدورهم يقرأون زيارة عاشوراء، فأبعد الله عنهم ذلك الوباء...!) أقول: المواظبة على زيارة عاشوراء مجربة في رفع البلاء مضافاً إلى الثواب على هذا العمل، إلا أن الآثار لا تترتب على مجرد تحريك اللسان بهذه الزيارة او ذاك الدعاء وانما على حقائقها وحصول مضامينها، لذا فإنني اريد الان ان احلل لماذا اوصى الميرزا الشيرازي الناس بهذه الوصية دون غيرها من الوصايا الكثيرة التي أكَّد عليها المعصومون (عليهم السلام) كالصلاة في أوقاتها والورع عن محارم الله، ونستطيع أن نقول إن الميرزا الشيرازي شخّص بثاقب بصره ان الشيعة في مدينة سامراء ابتلوا بعدم صدق البراءة من اعداء الله تعالى ورسوله(صلى الله عليه وآله) واهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) اما مجاملة او مداهنة او خوفا باعتبار إنهم حديثو العهد بالإقامة في هذا المجتمع المخالف لهم، أي أنهم تخلوا ولو جزئياً عن هذا المعلم البارز للمؤمن الموالي وفي ذلك نقص في اعتقادهم، فتركهم الله تعالى عرضة للبلاء ولم يشملهم الإمام (علیه السلام) بألطافه (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) وان هذا البلاء لا يزول الا بإعادة تصحيح عقيدتهم لان الولاية لله تعالى ولرسوله(صلى الله عليه وآله) ولأهل بيته الطاهرين (صلوات الله عليهم) لا تتم الا بالبراءة من اعدائهم، وقد كان تشخيصه (قدس سره) دقيقا لذا أثّر العلاج مباشرةً.

ص: 264

المعنى الحقيقي لذكر الله تعالى

هو حضوره في القلب والالتفات إليه لأنه الذي تتحقق به الآثار، أما حركة اللسان به فهي تعبير وكاشف عنه ومظهر ومبرز له، وليست ذكراً حقيقياً إلا من باب ذكر الدال وإرادةالمدلول به، ولا تترتب الآثار المتقدمة عليه وحده. أترى لو أن إنساناً كان له حصن يحميه من عدوه فهل يكفيه أن يكرّر: أعوذ بهذا الحصن من عدوي لحمايته من العدو إذا هجم عليه، أم المطلوب الدخول فعلاً في الحصن، وهكذا كل الأذكار لها حقائق تترتب عليها الآثار ولا يكفي مجرد لقلقة اللسان، كما في الرواية عن أمير المؤمنين (علیه السلام) في نهج البلاغة لرجل قال بحضرته: أستغفر الله، فعلّمه الإمام (علیه السلام) حقيقة الاستغفار.

واجعل الحياة زيادة لي في كل خير

يعلمنا الإمام السجاد(علیه السلام) في الدعاء أن نجعل بتوفيق الله تعالى وكرمه ورحمته حياتنا كلها خيراً وعطاءاً ونفعاً للنفس وللأهل وللآخرين، وفي زيادة مستمرة من التزود والخير من دون توقف الذي يعني هدر رأس المال الذي منحنا إياه وهو العمر وسائر النعم الإلهية من دون استثمار، فضلاً عن الرجوع إلى الوراء والخسارة باجتراح السيئات والعياذ بالله، ويبيّن الحديث الشريف هذه الحالات الثلاث عن الصادق(علیه السلام): (من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان آخر يوميه خيرهما فهو مغبوط ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون، ومن لم ير الزيادة في نفسه فهو إلى النقصان، ومن كان إلى النقصان فالموت خير له من الحياة) وهذا الطلب أدب قرآني أدّب الله تعالى به نبيه الكريم(صلى الله عليه وآله) قال تعالى: (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً) والعلم المراد هو العلم النافع الذي يقترن مع العمل الصالح وفعل الخير وإلاّ فإنه لا قيمة له.

مدرسة الأدعية الشريفة

إن الأدعية الشريفة مدرسة ننهل منها المعارف الحقيقية والدروس التي تنظم حياتنا وتصلح نفوسنا، وليست هي فقط نصوصاً مباركة نقرأها لطلب الثواب الجزيل المرصود لها وإن كان هذا بحد ذاته غرضاً نبيلاً يستحق التعب.

قيمة الذكر القلبي

الله تعالى بكرمه جعل ثواباً حتى على مجرد تحريك اللسان بالذكر وإن كان ليس ذا قيمة مقابل ما يقترن بالذكر القلبي، لذا لا ينبغي الالتفات إلى ما يقوله بعض الصوفية من أن الذكر باللسان دون حضور القلب لا قيمة له وتركه أولى، فهذا من تسويلات الشيطان؛

ص: 265

لأن لكل جارحة ذكراً، والذكر اللساني يحقق طاعة بمقداره ويصونه من استعماله في المعاصي اللسانية بمقداره أيضاً، وفيه إرغام للشيطان ولو بأدنى مستوياته فلا ينبغي تركه. يقول السيد الشهيد الصدر الثاني عن قيمة الذكر القلبي إنه: ((من أعظم الرياضات التي توصل إلى المدارج والمقامات التي فوقه بلطف الله سبحانه. وإن من أفضل أشكال الذكرالقلبي هو استحضار مضمون الأسماء الحسنى ذات المدلول الطيب أعني ليس من قبيل (شديد العقاب) و (ذو الانتقام) ونحوها، بل نحو (العظيم) و(الرحيم) و(الحليم) و(الغفور) و(الشكور) وغيرها. ثم التفكير في الخلق الذي يرجع إلى مضمون مجموعة أخرى من الأسماء الحسنى كالخالق والرازق والمدبّر والمنعم والمعطي والحنّان والمنّان ونحوها. ثم التفكير في شأن الفرد أمام خالقه من القصور والجهل والذنب والتقصير وحسن الظن به تبارك وتعالى وكونه محل لطفه ونعمه وسبحانه ونحو ذلك)).

جزاء ذكر الله سبحانه

إن التوفيق لذكر الله تعالى من أعظم النعم على العبد، من دعاء الإمام السجاد (علیه السلام): (إلهي لولا الواجب من قبول أمرك لنزّهتك عن ذكري إياك، على أن ذكري لك بقدري لا بقدرك، وما عسى أن يبلغ مقداري حتى أُجعلَ محلاً لتقديسك، ومن أعظم النعم علينا جريان ذكرك على ألسنتنا).

من آثار الذِكر

1) إن الذكر يوجب محبة الله تعالى للذاكر، عن النبي (صلى الله عليه وآله): (يا ربّ وددتُ أن أعلم من تحبُ من عبادك فأحبّه، فقال: إذا رأيت عبدي يكثر ذكري فأنا أذنت له في ذلك وأنا أحبُّه، وإذا رأيت عبدي لا يذكرني فأنا حجبته وأنا أبغضته)، وعن الإمام الصادق(علیه السلام) : (من أكثر ذكر الله أحبَّه).

2) وأن الله تعالى يتولى أمر الذاكر وجميع شؤون حياته في دنياه وآخرته، فكم يكون الإنسان سعيداً حينما يتولى شؤونه محبٌّ له شفيق عليه حكيم بأفعاله عالم بكل شيء إلى غيرها من الأسماء الحسنى، ففي بعض الأحاديث القدسية قال الله تعالى: (أيما عبدٍ اطلعتُ على قلبه فرأيتُ الغالب عليه التمسك بذكري تولّيتُ سياسته وكنتُ جليسَه ومحادثه وأنيسه) وعن النبي (صلى الله عليه وآله): (قال الله سبحانه إذا علمت أن الغالب على عبدي الاشتغال بي نقلتُ شهوته في مسألتي ومناجاتي، فإذا كان عبدي كذلك فأراد أن يسهو حِلتُ بينه وبين أن يسهو، أولئك أوليائي

ص: 266

حقاً، أولئك الأبطال حقاً، أولئك الذين إذا أردتُ أن أهلك أهل الأرض عقوبةً زويتها عنهم من أجل أولئك الأبطال).

3) أنه يوجب الثواب العظيم فعنهم (سلام الله عليهم): (إن في الجنة قيعاناً فإذا أخذ الذاكر في الذكر أخذت الملائكة في غرس الأشجار فربما وقف بعض الملائكة فيقال له: لم وقفت؟ فيقول: إن صاحبي قد فتر، يعني عن الذكر).4) الذكر الطيب، عن أمير المؤمنين(علیه السلام): (من اشتغل بذكر الله طيّب الله ذكره) ومن وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لأبي ذر: (عليك بتلاوة القرآن وذكر الله كثيراً فإنه ذكر لك في السماء ونورٌ لك في الأرض).

5) يقيه الكثير من الحوادث، عن الإمام الصادق (علیه السلام): (إن الصاعقة لا تصيب ذاكراً لله عز وجل).

6) في الذكر إعمار القلب وصلاحه وهذا القلب هو الذي ينجو صاحبه يوم القيامة، من وصية أمير المؤمنين (علیه السلام) لولده الحسن (علیه السلام): (أوصيك بتقوى الله أيْ بُني، ولزوم أمره، وعمارة قلبك بذكره).

7) بالذكر تحيى القلوب، روي عن النبي(صلى الله عليه وآله): (بذكر الله تحيى القلوب، وبنسيانه موتها)، وعن أمير المؤمنين (علیه السلام): (اذكروا الله ذكراً خالصاً تحيوا به أفضل الحياة وتسلكوا به طرق النجاة) وعنه (علیه السلام): (من ذكر الله سبحانه أحيى الله قلبه ونوّر عقله ولبّه).

8) وبه شفاء القلوب، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ذكر الله شفاء القلوب)، وعنه(صلى الله عليه وآله): (عليكم بذكر الله فإنه شفاء، وإياكم وذكر الناس فإنه داء)، وفي دعاء كميل: (يا من اسمه دواء وذكره شفاء).

9) بالذكر يطرد الشيطان، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إن الشيطان واضع خطمه -أي فمه- على قلب ابن آدم، فإذا ذكر الله سبحانه خنس، وإذا نسي التقم قلبه، فذلك الوسواس الخنّاس) وعن أمير المؤمنين (علیه السلام): (ذكر الله مطردة الشيطان).

10) وأن في الذكر أماناً من النفاق، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من أكثر من ذكر الله فقد برئ من النفاق).

من ثمرات الذِكر

ذكر الله سبب لطمأنينة القلب وما أعظمها من نتيجة، قال تعالى: [الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ] ومن آثار الطمأنينة الأُنس، عن أمير

ص: 267

المؤمنين (علیه السلام): (ذكر الله ينير البصائر ويؤنس الضمائر) وعنه(علیه السلام): (ذاكر الله مؤانسه) وعنه (علیه السلام): (إذا رأيت الله سبحانه يؤنسك بذكره فقد أحبّك، وإذا رأيت الله يؤنسك بخلقه ويوحشك من ذكره فقد أبغضك) أنه سبب ليقظة القلب من غفلته، وحياته بعد قسوته، قال تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ] وعن أمير المؤمنين (علیه السلام): (من ذكر الله استبصر) وعنه (علیه السلام): (من كثر ذكره استنار لبّه) وعنه (علیه السلام):(دوام الذكر ينير القلب والفِكر) إن الله تعالى يذكر من ذكره، قال تعالى: [فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ] وفي عدة الداعي: (يعني اذكروني بالطاعة والعبادة أذكركم بالنعم والإحسان والرحمة والرضوان، وعن الإمام الصادق (علیه السلام) قال: (قال الله تعالى: يا ابن آدم اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي، ابن آدم اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي، ابن آدم اذكرني في الخلاء أذكرك في خلاء، ابن آدم اذكرني في ملأ أذكرك في ملأ خير من ملأك، وقال: ما من عبد يذكر الله في ملأ من الناس إلا ذكره الله في ملأ من الملائكة) إن الذكر سبيل موصل إلى الله تعالى، قال تعالى: [إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً].

فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي

إن المُنجي ليس هو مجرد تحريك اللسان بهذه الكلمات فإنها لا توصل إلى هذه النتيجة وإن كانت توجب بعض الفوائد كتحصيل الثواب، وهذا معنى كررته في أحاديثي لأهميته، لذلك لم يقل الإمام (علیه السلام): (قل هذه الكلمات) وإنما قال: (ادعُ بهذا الدعاء) أي أوجد في نفسك حقيقة هذا الدعاء وطلب هذه المعاني، وحينئذٍ سيعصمك الله تعالى من الضلال، ألا ترى أن الإنسان لو تعرض إلى عدو قاتل أو حيوان مفترس وله مأوى محصَّن، فهل ينجيه أن يردد بلسانه بأي عدد من المرات: (أعوذ بهذا الحصن من العدو)؟ أم أن عليه أن يدخل في ذلك الحصن فعلاً؟

فطريق النجاة يتطلب معرفة الإمام(علیه السلام) معرفة صحيحة والسير على نهجه، والدعاء المذكور في الحديث يشير إلى ترتيب في طريق المعرفة على عكس ما هو متعارف لدى أغلب الناس فنحن ننتقل بالمعرفة من الأثر إلى المؤثر ومن الفرع إلى الأصل، وهو طريق مقبول ولم ينفه الحديث الشريف.. فعن الصادق(علیه السلام) قوله: (لولا الله ما عُرِفنا، ولولا نحن ما عُرف الله) ثم قال الشيخ الصدوق: (ومعناه لولا الحجج ما عُرف الله حق معرفته ولولا الله ما عُرف الحجج) فهذه المعرفة الغالبة لدى الناس مقبولة, لكن الحديث يدعو الى المعرفة الأسمى وهي التي تبدأ بالأصل ثم إلى الفرع، ففرقٌ بين من يعرف طلوعَ الشمس من

ص: 268

خلال إخبار الآخرين أو من خلال وجود ضوئها ونورها منعكساً عن الأشياء وبين من يراها عياناً، قال تعالى: [سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ] فبناءً على كون الصفة المشبهة (شهيد) بمعنى إسم المفعول (مشهود) تفيد الآية أن ظهور الله تعالى في كل شيء يغني عن الآيات والدلائل في الأنفس والآفاق.

معنى ذكر الله على كل حال:

..نفهم من (على كل حال) عدة مستويات وكلها صحيحة ومستفادة من الآياتالمتقدمة:

1) أي في كل زمان وفي كل آن، كما في الآية [بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ] والآية[بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ] عن الإمام أبي جعفر (علیه السلام) قال: (مكتوب في التوراة أن موسى سأل ربه فقال: إني أكون في حال أُجِلُّك أن أذكرك فيها، قال: يا موسى اذكرني على كل حال وفي كل أوان).

2) أي في كل وضع من أوضاع الإنسان قائماً وقاعداً وعلى جنوبهم كما في الآية [قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ]، وعن الإمام الباقر (علیه السلام) قال: لا يزال المؤمن في صلاة ما كان في ذكر الله قائماً كان أو جالساً أو مضطجعاً إن الله تعالى يقول: [الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ].

3) في كل مكان وموضع كان فيه، عن الإمام الصادق (علیه السلام): (إن سمعت الأذان وأنت على الخلاء فقل مثل ما يقول المؤذن ولا تدع ذكر الله عز وجل في تلك الحال لأن ذكر الله حسن على كل حال) ثم ذكر (علیه السلام) المكتوب في التوراة أعلاه، وعن أمير المؤمنين (علیه السلام): (اذكروا الله في كل مكان فإنه معكم، وقال (علیه السلام): (أكثروا ذكر الله عز وجل إذا دخلتم الأسواق وعند اشتغال الناس فإنه كفارة للذنوب وزيادة في الحسنات ولا تُكتبوا من الغافلين).

4) في كل قضية تعرض لك وكل معاملة وكل قضية، فإن كان فيها رضا الله سبحانه فعلتها، وإلا تركتها، روي عن الإمام الصادق (علیه السلام) قوله: (ألا أحِّدثك بأشد ما فرض الله عز وجل على خلقه، قلتُ بلى، قال، قال: إنصاف الناس من نفسك مواساتك لأخيك وذكر الله في كل موطن، أما إني لا أقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر - وإن كان هذا من ذاك- ولكن ذكر الله في كل موطن إذا هجمت على طاعته أو معصيته) وفي حديث آخر عنه: (وذكر الله على كل حال فإن عرضت له طاعة لله عمل بها وإن عرضت له معصية تركها).

5) في كل حال من أحوال النفس من الغضب أو الرضا، والفرح أو الحزن، والغم والضيق أو

ص: 269

الانشراح والسرور، روي عن النبي (صلى الله عليه وآله): (يقول الله عز وجل: يا ابن آدم، اذكرني حين تغضب أذكرك حين أغضب، ولا أمحقك في من أمحق) وفي حديث: (إنما المؤمن الذي إذا غضب لم يخرجه غضبه من حق وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل وإذا قدر لم يأخذ أكثر مما له).

6) أن يُعِدَّ لكل حالٍ ذِكره الخاص به، فللنعمة ذكر وللمصيبة ذكر وللقتال ذكر وللوضوء ذكر ولتناول الطعام ذكر وللنوم ذكر وللنكاح ذكر وللتخلي ذكر ولركوب السيارة ذكر،وهكذا، وخلاصة الوجوه أن معنى الذكر الكثير أن يكون الإنسان في جميع أحواله مطيعاً لله تبارك وتعالى، عن الإمام الصادق (علیه السلام): من أطاع الله فقد ذكر الله وإن قلّت صلاته وصيامه وتلاوته، ومن عصى الله فقد نسي الله وإن كثرت صلاته وصيامه وتلاوته).

عقوبة من يعرض عن الذكر

من يعرض عن ذكر الله تعالى ويهمل وظائف العبودية لربه تحصل له عقوبتان:

الأولى: المعيشة الضيقة النكدة المليئة بالقلق والخوف وعذاب الضمير ويزداد هذا الضيق قسوة عليه عند الموت وما بعده في القبر والبرزخ.

الثانية: يُحشر يوم القيامة أعمى لا يرى طريق السعادة والنجاة ورضوان الله تعالى وإن كان يرى العذاب والألم والأهوال أي أنّ عماهُ ليس مطلقاً وإنّما عن خصوص ما ينجيه ويوصله إلى السعادة والفلاح أمّا العذاب والألم والمصير المشؤوم فإنّه يراه (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ)، (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ)، (وَأَسَرُّواْ النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ الْعَذَابَ)... لأنه كان هكذا في دار الدنيا، كان معرضاً عن الهداية والرشد ولا يرى طريق السعادة لكنّه كان يبصر الشهوات والهوى والدنيا فتجلّت حقيقته في الآخرة كما اختار هو في الدنيا (وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) وبهذا نردّ على إشكال بعض متحذلقة الكلام بوجود تناقض في القرآن الكريم بين آيات الإبصار والرؤية وآيات العمى.

فريضة الصلاة المباركة

اشارة

ص: 270

الصلاة ميزان دين الإنسان

الصلاة مقياس دين الإنسان والتزامه بما فرض الله تعالى عليه، روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لكل شيء وجهٌ، ووجهُ دينكم الصلاة) ، وعنه (صلى الله عليه وآله): (أولُ ما ينظر في عمل العبد في يوم القيامة في صلاته، فإن قبلت نُظر في غيرها، وإن لم تُقبل لم ينظر في عمله بشيء) وعن أمير المؤمنين (علیه السلام): (الصلاة ميزانٌ، فمن وفّى استوفى) ولذا كثرت الوصايا بها، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ليكن أكثر همِّكَ الصلاة، فإنها رأس الإسلام بعد الإقرار بالدين) ومما جاء في وصية أمير المؤمنين (علیه السلام) لأولاده قبيل وفاته (اللهالله في الصلاة فإنها عمود دينكم)، وعن الإمام الصادق (علیه السلام): (أحب الأعمال إلى الله عز وجل الصلاة، وهي آخرُ وصايا الأنبياء)، وعنه (علیه السلام) (إن طاعة الله خدمته في الأرض فليس شيء من خدمته يعدل الصلاة).

كيف تؤدي الصلاة دورها؟

ولكي تأخذ الصلاة دورها الكامل في حياة الإنسان لابد أن يؤتى بها بحدودها وشروطها. (ومنها) الإتيان بها في أول وقتها، عن الإمام الصادق (علیه السلام): (لكل صلاة وقتان: أوّلٌ وآخرٌ، فأول الوقت أفضلُه، وليس لأحدٍ أن يتّخذ آخر الوقتين وقتاً إلا من علّةٍ، وإنما جُعِل آخر الوقت للمريض والمعتل ولمن له عذرٌ، وأولُ الوقت رضوان الله، وآخرُ الوقت عفو الله) وعنه (علیه السلام): (فضل الوقت الأول على الآخر كفضل الآخرة على الدنيا). (ومن) شروط تأثيرها الورع عن محارم الله تعالى، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لو صلّيتم حتّى تكونوا كالأوتارِ، وصُمتم حتى تكونوا كالحنايا، لم يقبلِ الله منكم إلاّ بورعٍ) (ومن) أبرز الموانع من قبولها وتأثيرها:

1.عقوق الوالدين، عن الإمام الصادق (علیه السلام): (من نظر إلى أبويه نظر ماقتٍ وهما ظالمان له، لم يقبل الله له صلاة).

2.الغيبة، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من اغتاب مسلماً أو مسلمة لم يقبل الله تعالى صلاته ولا صيامه أربعين يوماً وليلة، إلاّ أن يغفر له صاحبه).

(إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ)

كثيراً ما ألتقي بوفود الشباب وطلبة الجامعات وأستمع إلى أسئلتهم وهمومهم ومشاكلهم، والسؤال الأكثر تردداً هو: كيف نستطيع مقاومة المغريات والشهوات وأساليب

ص: 271

الإفساد وهم يعيشون في بيئة مليئة بأسباب الفتنة والإغراء متزامنة مع فورة الشباب وعنفوان القوى وهيجان العواطف. وفي الحقيقة فإنّ المشكلة لا تختص بالشباب، فإنّه مادام الإنسان في هذه الدنيا فهو مبتلى بالإغراءات والشهوات والفتن ويخوض (جهاداً أكبر) لمواجهتها كما سمّاه النبي (صلى الله عليه وآله) في الحديث المشهور، ويعزّز قوة هذه الضغوط الميل العارم للنفس الأمّارة بالسوء نحو الاستجابة لها، مع تزيين الشيطان لها (إلهي إليك أشكو نفساً بالسوء أمّارة وإلى الخطيئة مبادرة وبمعاصيك مولعة) (إلهي أشكو إليك عدواً يضلني وشيطاناً يغويني.. يعاضد لي الهوى ويزيّن لي حب الدنيا) والإنسان في هذه المواجهة يحتاج إلى معونة ومناعة وتحصين كالتطعيم الصحي ضد الأوبئة والأمراضالجسدية، وهذه المعونة يحتاجها الإنسان قبل التعرض للامتحان وأثناءه وبعده، فما هي الوسيلة لتحصيل هذه المعونة والتطعيم والتحصين؟ والجواب بكلمة واحدة إنّها (الصلاة) ومن دلائل عظمة الصلاة إنها هي الوسيلة التي توفر الحصانة والمناعة في جميع تلك المراحل المترتّبة في الفضل والسمو، عن أمير المؤمنين (علیه السلام): (عباد الله، إن أفضل ما توسل به المتوسلون إلى الله جل ذكره: الإيمان بالله وبرسله وما جاءت به من عند الله،... وإقامة الصلاة فإنها الملة).

العودة إلى الصلاة

إن من تكليفنا اليوم وفي كل يوم أن نطلق حملة شاملة لإعادة المسلمين إلى صلاتهم بالإقناع أو بالإلزام لمن كانت له سلطة وقيمومة، كالوالدين على أبنائهم، أو إدارات المدارس على الطلبة، وأن نقوم بتيسير السبل لذلك من خلال إنشاء المصليات داخل الجامعات والمدارس والمؤسسات الحكومية، وتفعيل دور المساجد ونحوها من الآليات.

حقيقة الأشياء

ورد في أحاديث شريفة عديدة عن النبي (صلى الله عليه وآله) قوله: (إن لكل شيء حقيقة) وهذه الحقيقة تمثل روح ذلك الشيء ومضمونه الفعلي ومحتواه الذي يتقوّم به، ولا تتحقق للشيء مصداقية إلا به، ولا يكون الشيء بدون هذه الحقيقة إلا عبارة عن شكل وظاهر بلا محتوى، فالصلاة لها حقيقة وهي المناجاة مع الله تبارك وتعالى والارتقاء إليه والانتهاء عن الفحشاء والمنكر، وتنقص قيمة الصلاة وحقيقتها بمقدار خلوّها من هذه الحقيقة، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بُعداً) وقولنا في سورة الفاتحة (إِيَّاكَ نَعبُدُ) له حقيقة هي الطاعة التامة لله

ص: 272

تعالى والتسليم والانقياد المطلق له تبارك وتعالى في سائر أمورنا وحركاتنا وسكناتنا، وكل حقيقة تحتاج إلى دليل يبرزها ويؤكدها ويثبت وجودها، ومن دونه تكون الأشياء مجرد دعاوى، ويؤكد هذا الأمر الإمامُ الكاظم (علیه السلام) في وصيته لهشام بن الحكم: (يا هشام لكل شيء دليل ودليل العاقل التفكر ودليل التفكر الصمت) فلا بد أن لا نسلّم بالأمور والدعاوى حتى نتحقق من الدليل، ولا نسترخي للأوصاف التي ندّعيها لأنفسنا ونثبتها في هويتنا كالإسلام والتشيع وولاية أهل البيت (عليهم السلام) من دون أن نراقب أنفسنا ونتفقدها باستمرار ونمتحنها لنتلمس الدليل على صدق هذه الدعاوى.

أهمية صلاة الجماعة

من المستحب شرعاً إقامتها (أي صلاة الجماعة) في البيت بحسب الإمكان أو تقيمهاالأم في بناتها في البيت إذا كان الرجل يقيمها خارجاً، وهذه الفكرة لو طبقت فأنها ستدفع الكثيرين إلى الالتزام المكثف بالشريعة ومراقبة النفس، والتفقه في الدين ليحافظ على شروط إمام الجماعة من عدالة وفقاهة أمام أسرته، والمراقبة هنا أأكد من مما أمام الناس باعتبار أن أسرته مطلعة على تفاصيل حياته. وأقل ما يمكن المحافظة عليه هو صلاة الظهرين من يوم الجمعة مع خطبة بسيطة يجتمع كل أفراد الأسرة لأدائها، يتناول رب الأسرة بعض الأحكام الفقهية المهمة، وإيصال آخر إصدارات الحوزة وتوجيهاتها، ومناقشة بعض مشاكل الأسرة الخاصة وعلاجها وهكذا، وقد جرب بعض الإخوة هذه الممارسة المقدسة فوجد لها بركات مهمة في تكامل الأسرة وحسن بنائها.

مايحتاجه العبد عند الامتحان الإلهي

قبل الامتحان يحتاج الإنسان إلى اللطف الإلهي والعناية الإلهية لتحميه من الابتلاء بالمعاصي أصلاً، أو حمايته منها عند عروضها عليه حيث يبصّره الله تعالى بحقائق تلك المعاصي المنفرّة الموجبة للاشمئزاز والتقزّز وليس الاقبال والرغبة، وهذا ما توفره الصلاة، عن أمير المؤمنين (علیه السلام): (الصلاة تستنزل الرحمة) وعنه(علیه السلام): (ما دمت في الصلاة فإنك تقرع باب الملك الجبار ومن يُكثِر قرع باب الملك يُفتَح له) وعنه (علیه السلام): (إذا قام الرجل إلى الصلاة أقبل إبليس ينظر إليه حسداً، لما يرى من رحمة الله التي تغشاه). وعنه (علیه السلام): (لو يعلم المصلي ما يغشاه من جلال الله ما سره أن يرفع رأسه من سجوده) ومن تغشته رحمه الله وأحاط به جلاله فهو في أمن وأمان وحصن وثيق من الوقوع في شراك إبليس، وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إنّ الصلاة قربان المؤمن) وكلما اقترب الإنسان من ربّه

ص: 273

ابتعد عن الشيطان وموجبات الوقوع في المعصية، وإذا وُفِّق الإنسان إلى هذه المرحلة فهي الأكمل والأسمى والأعظم عند الله تعالى حينما لا يجد في نفسه أي ميل للمعصية ولا رغبة له فيها، وبالتالي فهو لا يجد أي مشكلة في اجتنابها. وفي المرحلة الثانية أي عند الابتلاء بما يوجب المعصية وحينما يكون بين خيارين أحدهما كبح جماحِ النفس والفوز بطاعة الله، وثانيهما الانسياق وراء الشهوة والوقوع في المعصية، وهنا يأتي دور الصلاة في زيادة مناعته وتحصينه من الوقوع في المعصية بل أن الثمرة الأبرز لإقامة الصلاة هي هذه، قال تعالى (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) وعن الإمام الصادق (علیه السلام): (اعلم إن الصلاة حُجزةُ الله في الأرض، فمن أحبّ أن يعلمَ ما أدركَ من نفعِ صلاته، فلينظر: فإن كانت حَجَزَتهُ عن الفواحش والمنكر فإنما أدرك من نفعها بقدرِ ما احتجزَ) وعن أمير المؤمنين(علیه السلام): (الصلاة حصن من سطوات الشيطان)، وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله): (لا يزال الشيطانذعراً من المؤمن هائباً له ما حافظ على الصلوات الخمس، فإذا ضيّعهن اجترأ عليه)، وهذه المرحلة وإن كانت أقل درجة من سابقتها لأن الإنسان يجتنب المعصية بمعاناة ومشقّة وجهاد، إلاّ انها مرحلة عظيمة أيضاً. أما في المرحلة الثالثة وهي ما بعد الفعل ونفترض أن العبد لم يستفد من بركات صلاته مما أدى إلى سقوطه في الخطأ لسبب أو لآخر فإن الصلاة هي التي تمدّ حبل النجاة لإنقاذه على نحوين:

أولهما: إعادته إلى الحالة الصحيحة وتطعيمه من جديد ضد الانحراف والمعصية وزيادة مناعته بجرعة أكبر، روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) - في رجلٍ يُصلّي معه ويرتكبُ الفواحش: (إنّ صلاته تنهاهُ يوماً ما، فلم يلبث أن تابَ)، وعنه (صلى الله عليه وآله) قال - في رجل يُصلّي بالنهار ويسرقُ بالليل: (إنّ صلاته لتردعهُ).

ثانيهما: إنها تكفّر الإثم الذي ارتكبه وتبيّض صفحته التي اسودّت بفعل المعصية وتمنحه فرصة التكامل من جديد، روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه أخذ غصناً من شجرة كانوا في ظلّها فنفضه فتساقط ورقهُ ثم فسّر لأصحابه ما صنع فقال: (إن العبد المسلم إذا قام إلى الصلاة تحاتّت عنه خطاياه كما تحاتَت ورقُ هذه الشجرة) وروي عن أمير المؤمنين (علیه السلام) قال (سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول أرجى آية في كتاب الله(وأقم الصلاة طرفي النهار وزُلفاً من الليل) وقال: يا علي والذي بعثني بالحق بشيراً ونذيراً إن أحدكم ليقوم من وضوئه فتساقط عن جوارحه الذنوب فإذا استقبل الله بوجهه وقلبه لم ينفتل وعليه من ذنوبه شيء كما ولدته أمه فإن أصاب شيئاً بين الصلاتين كان له مثل ذلك حتى عد الصلوات الخمس، ثم قال: يا علي إنما منزلة الصلوات الخمس لأمتي كنهر جار

ص: 274

على باب أحدكم فما يظن أحدكم لو كان في جسده درن ثم اغتسل في ذلك النهر خمس مرات أكان يبقى في جسده درن فكذلك والله الصلوات الخمس لأمتي).

أهمية الصلاة

اهتموا بصلاتكم أيها الأحبّة وحافظوا على أول وقتها وواظبوا على أدائها جماعة في المسجد مهما تيسر لكم لتزدادوا نوراً على نور واستزيدوا منها فوق الفرائض اليومية، روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال لأبي ذر لما سأله عن الصلاة (خير موضوع، فمن شاء أقلّ ومن شاء أكثر) وعن الإمام الصادق(علیه السلام) لما سئل عن أفضل الأعمال بعد المعرفة قال: (ما من شيء بعد المعرفة يعدل هذه الصلاة) وعن الإمام الكاظم(علیه السلام): (صلوات النوافل قُربات كل مؤمن) لقد لخّصَتْ الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) هذه الأهمية للصلاة ودورها في تهذيب الإنسان وتكامله بقولها في خطبتها: (فجعل الله...الصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر) فالصلاة تنزّه الإنسان وتطهّره من التكبر والعتوّ والتمرّد والإستكبار والفرعنة التي هي أساس الوقوع في المعاصي وإتّباع الشيطان والابتعاد عن الله تعالى ولشدّة اهتمامها (سلام الله عليها) بالصلاة سألت أباها رسول الله (صلى الله عليه وآله) يا أبتاه ما لمن تهاون بصلاته من الرجال والنساء؟ قال: يا فاطمة: من تهاون بصلاته من الرجال والنساء ابتلاه الله بخمسة عشر خصلة، ستّ منها في دار الدنيا، وثلاث عند موته، وثلاث في قبره، وثلاث في القيامة إذا خرج من قبره) ثم عدّدها رسول الله.

استشعار العبودية لله

إن من استشعر العبودية لله تبارك وتعالى واعتزّ بها يجد في الصلاة لذة كبيرة، ولا يجد للحياة طعماً ولا معنى إذا خلت من الصلاة، ولا يكتفي بالصلوات المفروضة لأنه يجد الأوقات بينها كثيرة لا يتحملها بلا صلاة فيتنفل بما يسَّر الله تعالى له خصوصاً في الليل، فإن ما بين المغرب والفجر وقت طويل.

من آثار السلوك الجمعي في العبادة

نلاحظ للسلوك الجمعي أثر في الصلاة نفسها، فلنأخذ مثلاً صلاة الجماعة لنرى وجداناً ما تخلقه الجماعة في الفرد من إقبال نحو الصلاة وانشداد إليها فيؤديها بصورة أفضل من ناحية الخشوع وحضور القلب مما لو أداها فرادى، ومن آثار السلوك الجمعي في صلاة الجماعة أيضاً ما نلاحظه من التأثر بالغير، فنرى ذلك مراراً وذلك عندما يسجد أحد المصلين بعد الصلاة شكراً فنجد المصلي الآخر يميل إلى السجود تأثراً به وما هذا إلا لانشداد

ص: 275

المصلي إلى الجماعة وذوبانه فيها لأن الاشتراك الزماني والمكاني بين المسلمين له نفع كبير فيحصل بسببه اشتراك أو تجاوب قلبي أو نفسي في التكامل. ومن الأمثلة على ذلك أيضاً : أن الفرد قد يسمع شخصاً يقول لا إله إلا الله، فيميل نفسياً جداً أن يقول: لا إله إلا الله، وتصبح الجماعة كالفرد الواحد خاصة عند توافق حركاتها ووحدة مشاعرها وذلك كما في الأدعية عقب الصلوات.

من فوائد صلاة الجمعة

· إنها نافذة وإطلالة الإسلام برمته وعظمته وتعاليمه وشؤونه على أفراده الذين زيفت حقيقة الإسلام في نظرهم بسب أعدائه.. إذن ترك هذا التشريع(1) يعني إيجاد فراغ كبير لا يرتق في توجيه المجتمع نحو أهدافه السامية ومصالحه القويمة .

الجمعة تشريع سماوي...ومن المؤكد إن لها آثاراً جلية مهمة وإلا لماذا شددت وأكدت· الآيات والروايات على إقامتها.

· إن صلاة الجمعة تمثل التعليمات الإلهية الواسعة الشاملة العادلة الكاملة للشريعة الإسلامية ولها طبعاً استعدادها الزماني والمكاني في استيعاب كافة البشر.

· صلاة الجمعة أثبتت لأفراده قبل غيرهم إن الإسلام حي ناطق ينبض بالحياة مهما اجتاحه أعداؤه بعدتهم وعددهم. ثم توجهت هذه النافذة إلى الأعداء واثبت لهم أن الإسلام ما زال يقود أفراده وأبناءه مهما تكن الظروف.

· إن كل فكرة لا تحضى بالنجاح ما لم يكن هناك وسط مؤمن بها يؤدي دوراً في إذاعتها ونشرها والدفاع عنها وهذا ما حصل في قضية صلاة الجمعة وما سبقها من أفكار.

فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

للأسف سقطوا في هذا الإمتحان!

فقهاء الشيعة وإن لم يُبتلوا بمسايرة السلطة بفضل هذا التخطيط المبارك أو لأن السلطة لم تقع بأيديهم ولو وقعت لما اختلفوا كثيراً عن علماء العامة كالذي نشهده اليوم حيث ذاب جملة منهم في مصالح مع الحكومات التي أخذت منهم المشروعية وساقوا الناس

ص: 276


1- أي صلاة الجمعة.

لتأييدهم فخلّفوا وراء ظهورهم المبادئ والوظائف الإلهية وعلى رأسها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى صار العراق يتصدر دول العالم في الفساد.

الآثار السلبية لترك هذه الفريضة

إن الآثار السلبية لعدم امتثال المجتمع للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تعم حتى الذي قام به وأبرأ ذمته كفرد أمام الله تعالى، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو الذي أشارت إليه الآية: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً).

الفرصة الكبيرة لهداية الآخرين

إن فرص القيام بهذا الوظيفة الإلهية العظيمة (أي هداية الآخرين وتحصينهم من الشبهات) اليوم ونيل الدرجات الرفيعة عند الله تعالى أوسع وأكثر تأثيراً من أي زمان مضى للتقدم الهائل في تكنولوجيا الاتصالات والتواصل، وأصبح من في اقصى الشرق يسمع ويرى من في اقصى الغرب مباشرة، والكلمة تصل الى انحاء المعمورة وإلى كل الناس في آن واحد، وما علينا إلا أن نشمِّر عن ساعد الجد ونوصل الليل بالنهار بالعمل على بناء أنفسنا أولاً أخلاقياً وعقائدياً وفكرياً ثم ننطلق بهذه الرسالة إلى المجتمع، لنتصف بقوله تعالى: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً).

أربح من تجارة الأطباء!

إن الامام الحسين (علیه السلام) يدلّنا على تجارة أربح من تجارة (العاملين في الميدان الطبي)العظيمة، وهم يستطيعون الجمع بينهما من خلال حديثه الآتي، قال(علیه السلام) لرجل: (أيهما أحبُّ إليك، رجل يروم قتل مسكين قد ضعُف تنقذه من يده، او ناصب يريد اضلال مسكين من ضعفاء شيعتنا تفتح عليه ما يمتنع به ويفحمه ويكسره بحجج الله تعالى) قال(علیه السلام): (بل انقاذ هذا المسكين المؤمن من يد هذا الناصب، إن الله تعالى يقول: َ(مَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعا) أي ومن احياها وارشدها من كفرٍ الى ايمان فكأنما أحيا الناس جميعاً من قِبلَ ان يقتلهم بسيوف الحديد) فهذه المعرفة وهذا الايمان الذي يكتسبوه من مشاهدة وبرهان مع ما يضيفون إليه من معارف دينية وأخلاقية وفكرية يستطيعون نقلها للآخرين فيجعلون منها وسيلة للهداية والإصلاح وتحصين اخوانهم من الإنحراف فيسيرون بذلك على خُطى الانبياء والمرسلين والائمة (صلوات الله عليهم أجمعين).

فريضة الأمان للمجتمع

ص: 277

إن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شرعت لتكون صمام أمان للمجتمع من الانحراف والفتن ولتحصينه من نخر الأعداء الداخليين الذين ينشرون البدع والضلالات والانحراف في مجتمع المسلمين والذين وقعوا في شراكهم عن جهل وسذاجة. فهي كالجهاد في الأهمية الذي شرع ليحمي بلاد المسلمين من الخارج.

أهمية البعد الاجتماعي في عملية الإصلاح

ركز الإسلام - في تشريعاته وأساليب هدايته للناس - على الإجتماع أشد التركيز، قال الله سبحانه وتعالى: { وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} فهذه هي أهم فريضة في الإسلام، ألا وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالأسلوب الأنفع فيها والذي فيه الفلاح كما عبر القرآن هو الأسلوب الجماعي {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ} ويمكن القول في الصدد أن السلوك الجمعي له أثر فعال في خلق ظرف موضوعي لتحقق ما مطلوب من ذلك التشريع بأقصر الطرق، لذلك فالأمر بالمعروف الجماعي له قوة في التأثير على المقابل أكثر من الأسلوب الفردي، قال الله تعالى في كتابه العزيز: (إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ) وما ذلك إلا لإحداث تيار عام في المجتمع بتكثير الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر أو إقامة الحجة أو غيرها من وجود الحكمة المحتملة. كما نلاحظ للسلوك الجمعي أثر في الصلاة نفسها، فلنأخذ مثلاً صلاة الجماعة لنرى وجداناً ماتخلقه الجماعة في الفرد من إقبال نحو الصلاة وانشداد إليها فيؤديها بصورة أفضل من ناحية الخشوع وحضور القلب مما لو أداها فرادى.

رسالة الأنبياء

إن عملية الإصلاح التي هي رسالة الأنبياء والأئمة (سلام الله عليهم أجمعين) [إنْ أُريدُ إلا الإصْلاحَ مَا استَطَعْتُ وَمَا تَوفِيقِيَ إلا بِاللهِ] إنما تتحرك وتُنفَّذ على أرض الواقع من خلال هذه الفريضة المباركة(1) والدعوة إلى الخير، فإحياء هذه الفريضة يعني مواصلة تأدية رسالة الرسل والأنبياء والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين) في كل ميادين الإصلاح السياسي والاجتماعي والفكري والأخلاقي والتشريعي والاقتصادي.

احذروا من التواكل والتخاذل

كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: (إذا أمتي تواكلت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فليأذنوا بوقاع من الله) فاحذروا أيها الأخوة من التواكل والتخاذل والتقاعس عن أداء

ص: 278


1- - أي فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

هذه الوظيفة الإلهية العظيمة.

بركات فريضة إلهية

من أعظم الفرائض الإلهية، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وورد في الأحاديث ما يبين قيمة هذه الفريضة ودورها في إنشاء المجتمع الفاضل الكامل، فقال الإمام الباقر (علیه السلام) في صفة هذه الفريضة الإلهية: (فريضة عظيمة بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحلّ المكاسب وترد المظالم وتعمر الأرض وينتصف من الأعداء ويستقيم الأمر) فإذا كانت كل هذه البركات موجودة في هذه الفريضة فلماذا التقاعس عن أدائها؟! وإذا ضممنا إليها الآية الشريفة: [وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ] خرجنا بنتيجة هي تكليفنا الشرعي أمام الله ورسوله وأمير المؤمنين وإمام العصر والزمان وهي ألاَّ نقف مكتوفي الأيدي أمام حالات الانحراف والفساد بل ننكرها ونعمل على إزالتها ونتعاون على إيجاد الحلول الشرعية لها، وحينئذ يمكننا أن نطمع بشفاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته الطاهرين: [وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ].

الفريضة السيادية ؟!

وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة (سيادية) بالمصطلح السياسي المتداول؛ لقيام وجود الأمة وديمومتها وحفظ رسالة الإسلام من التحريف والتشويه والدس والتأويل بغير ما أنزل الله تعالى بهذه الفريضة، ولولا قيام من انتجبهم الله تعالى بها لما بقي منالإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه، كالذي حلّ بالديانات السابقة على الإسلام، ففي الحديث الشريف عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ويحمل هذا الدين في كل قرن عدول ينفون عنه تأويل المبطلين، وتحريف الغالين وانتحال الجاهلين، كما ينفي الكير خبث الحديد) ولكن القائمين بهذه الفريضة قليل، والجهد المطلوب لمكافحة الانحراف والفساد والتزوير كبير جداً؛ لذا انحرفت سيرة المسلمين ومسيرتهم منذ اللحظة الأولى بعد رحيل رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الرفيق الأعلى.

من أسباب فساد المجتمع

إن فساد المجتمع والعياذ بالله إنما هو بفساد علمائه الذي يمكن تصوره على شكلين:

الاول: التقصير في أداء المسؤوليات من ارشاد الامة وتوجيهها والامر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو الضامن لسلامة الأمة من الانحراف .

ص: 279

الثاني: انحراف رجال الدين المتصدين للمجتمع وتغير نواياهم واهدافهم من ربانية مخلصة إلى دنيوية محضة.

فريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر صمام الامان للمجتمع

المسلم من الانحراف وتضييع الرسالة ولا تقل اهميتها عن الجهاد فان دورهما واحد سوى أن الجهاد هو حماية كيان الإسلام من الاعداء إلى الخارجيين أما هذه الفريضة فتحميه من الاعداء الداخليين الذين يشيعون الفساد والانحراف لينخروا البناء من الداخل. بل يمكن دعوى زيادة اهمية هذه الفريضة على الجهاد من وجوه:

أ. استمرار التكليف به لكل زمان ومكان لتحقق موضوعه دائما وهو وجود المنكر والجهل بالشريعة بينما لا يكون موضوع الجهاد منجزا ألا نادراً.

ب. شمول وجوب الفريضة لكل المكلفين بحسب المراتب المذكورة بينما لا يجب الجهاد ألا على شريحة محدودة من القادرين عليه.

ج. إن النصر لا يتحقق في الجهاد ألا بعد انتصار المجتمع المسلم على نفسه بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالصبر كما أن أي هزيمة تحصل في الجهاد يعود سببها إلى التقصير في هذه الفريضة قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا}،{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِير}ففريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علة لنتائج الجهاد والعلة مقدمةرتبة على المعلول.

د. أن المجتمع المسلم لا ينطلق إلى الجهاد ألا بعد أن يبني نفسه ومن ركائز بنائه الاساسية هذه الفريضة فيكون الامر بالمعروف والنهي عن المنكر اسبق رتبة من الجهاد من ناحية عملية، ولا قيمة لأي انتصار عسكري مما يسمونه (جهاداً) إذا لم يكن مخلصا لله تعالى و(معروفاً).

موارد فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على شكلين:

أولاً/ المعروف والمنكر على الصعيد الفردي كشخص لا يصلّي فتأمره بالصلاة أو يشرب الخمر فتنهاه عنها أو لا يدفع الخمس والزكاة فتدعوه إلى الالتزام بهما أو امرأة سافرة فتأمرها بالحجاب.

ثانياً/ المعروف والمنكر على المستوى الاجتماعي: وذلك حينما يتحوّل المنكر إلى ظاهرة

ص: 280

اجتماعية متفشيّة في المجتمع، خصوصاً إذا أصبح فعله معتاداً لا يستنكره أحد، بل ربّما يستهجن فعل الناهي عنه.

وكلّما اتّسعت دائرة المنكر وازدادت خطورته كانت المسؤولية عن تغييره أكبر والأدوات المستعملة أقوى وأكثر فاعلية، فإذا كان كافياً ردع المنكر من المستوى الأول بالحكمة والموعظة الحسنة، فإنّ الثاني يحتاج إلى خلق وعي اجتماعي ضاغط وحركة جماعية من الخطباء والعلماء والمثقّفين ووسائل الإعلام.

القتل المادي والمعنوي

إن من يفتن الناس عن دينهم بأي شكل يجب دفعه بشتّى الوسائل كالذي يهدد حياة الناس بل الأول أحرى وإن لم يشهر سلاحاً، ولعل هذا هو المسوِّغ الوحيد للقتال في الإسلام بحسب مايفيده القران الكريم، وبقية الاسباب والمسوِّغات ترجع إليه، قال تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ) وفي آية أخرى: (وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه) وهذه نتيجة مهمة تُزيل الكثير من الشبهات حول انتشار الإسلام بالسيف ونحو ذلك، وقد جاء هذا المقطع من الآية جوابا للمشركين الذين استغربوا من قتال المسلمين في الشهر الحرام أو في الأرض الحرام بانكم – أيها المشركون- ارتكبتم فيها ما هو اعظم من القتل و القتال بأفعالكم الوحشية المحمومة لإخراج الناس من دينهم واعادتهم الى الجاهلية، قال تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ).

هم أشد إجراماً

إن الذين ينشرون الفساد والرذيلة في المجتمع ويشككون الناس في عقائدهم الحقة ويدعونهم إلى الإلحاد والإنحلال الخلقي ونبذ الدين تحت مسميات عديدة منها قديمة كالدين أفيون الشعوب والمضي على ما كان عليه الاباء (أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ) أو حديثة تحت عناوين متعددة معروفة لا يقلّون خطراً واجراماً عن الجماعات الارهابية الذين ينشرون القتل والخراب في كل مكان، بل إن الجماعة الأولى أكثر اجراماً من الثانية لأن القتل المعنوي بحسب هذه الحقيقة القرآنية اعظم في الواقع من القتل المادي، وفي مقابل ذلك فان من يحيي وظيفة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ويقيم الدين في المجتمع امتثالا لقوله تعالى: (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ) وينصح الناس ويرشدهم ويقوّي عقائدهم، ويدفع عنهم الشبهات

ص: 281

والأباطيل التي يبثها أعداء الله ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور، ويهدونهم إلى الحياة الباقية هم أعظم اجراً ومنزلة عند الله من المجاهدين المقاتلين الذين يضحّون بدمائهم من اجل حماية ارواح الناس وحفظ حياتهم المادية وفي ضوء هذه الحقيقة نفهم الحديث الشريف عن الامام الصادق (علیه السلام) : (اذا كان يوم القيامة جمع الله عز وجل الناس في صعيد واحد ووضعت الموازين، فيوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء، فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء) وليس المراد مطلق المداد والحبر على الورق ما لم يكن علماً ينتفع الناس به ولا يكتفي صاحبه بحمله بل يعمل به وينشره بين الناس ويدعوهم إليه حتى يهتدوا به.

كيف نكون من أهل (يا ليتنا كنّا معكم)؟

كلّنا نخاطب الإمام الحسين (علیه السلام) وأصحابه البررة بألسنتنا ووجداننا (يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزاً عظيماً) ونتأسّف أننا لم نكن من أولئك الجيل الذي عاصر المعصومين (عليهم السلام) وتشرّف بلقائهم وفاز بنصرتهم ونال الشهادة بين أيديهم ونحن نعتقد أنّ الله تعالى عادل يعطي فرصاً متكافئة لعباده حتّى يتقرّبوا بها إليه، فهل أنّ الله تعالى حبى ذلك الجيل بهذه الفرصة وحرمنا نحن منها؟ هذا خلاف هذه الحقيقة الثابتة، فما هي فرصتنا التي تناسب ذلك؟ أنّها أداء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من كلمة لأمير المؤمنين(علیه السلام) قال: (وما أعمال البرّ كلها، والجهاد في سبيل الله عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلاّ كنفثة في بحر لُجّي).

تأثير السلوك الجمعي في الإصلاح

ركز الإسلام - في تشريعاته وأساليب هدايته للناس - على الاجتماع أشد التركيز، قال الله سبحانه وتعالى: { وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} فهذه هي أهم فريضة في الإسلام، ألا وهي الأمر بالمعروف والنهي عنالمنكر، فالأسلوب الأنفع فيها والذي فيه الفلاح كما عبر القرآن هو الأسلوب الجماعي { وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ} ويمكن القول في الصدد أن السلوك الجمعي له أثر فعال في خلق ظرف موضوعي لتحقق ما مطلوب من ذلك التشريع بأقصر الطرق، لذلك فالأمر بالمعروف الجماعي له قوة في التأثير على المقابل أكثر من الأسلوب الفردي، قال الله تعالى في كتابه العزيز: (إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ) وما ذلك إلا لإحداث تيار عام في المجتمع بتكثير الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر أو إقامة الحجة أو غيرها من وجود الحكمة المحتملة. كما نلاحظ للسلوك الجمعي أثر في الصلاة نفسها، فلنأخذ مثلاً صلاة

ص: 282

الجماعة لنرى وجداناً ما تخلقه الجماعة في الفرد من إقبال نحو الصلاة وانشداد إليها فيؤديها بصورة أفضل من ناحية الخشوع وحضور القلب مما لو أداها فرادى، ومن آثار السلوك الجمعي في صلاة الجماعة أيضاً ما نلاحظه من التأثر بالغير.

تضييع الأهم بالمهم

إننا لا نريد من الاهتمام بالمستحبات أن يكون على حساب الفرائض، لأنه (لا قربة بالنوافل إذا أضرّت بالفرائض) كما في الحديث الشريف كمن ينفق في الإطعام واستضافة الزوار وهو لا يؤدي الحق الشرعي، وإنما نتكلم عن الاهتمام بالمستحبات بعد الفراغ من الالتزام بالواجبات، إنّ هذا المنهج من التفكير الذي نريد معالجته في هذا الحديث منتشر مع الأسف وهو عقبة في طريق الإصلاح بل عطّل فرائض مهمة في الإسلام كفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنها ذابت بسبب عدم شعور الفرد بالمسؤولية أمامها، وأحد أسباب ذلك ذهاب المشهور إلى كون وجوبها كفائياً فاتّكل كلٌ على الآخر باعتبار أن الوجوب ليس متعيناً به. وكذا صلاة الجمعة المباركة حيث قال المشهور أن وجوبها تخييري والمكلف مخيّر بين إقامتها أو أداء صلاة الظهر، فضيّعوها طيلة هذه القرون لأنهم اعطوا لأنفسهم الرخصة في الاختيار بين الظهر والجمعة مع أنهم يعترفون انها أفضل من صلاة الظهر حتى لو قلنا بمقالتهم، وحرمنا بسبب ذلك من بركات هذه الفريضة العظيمة.

الفريضة المعطلة

إن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لو قلنا بها على نحو الواجب الكفائي فهو ليس الواجب الذي إذا قام به البعض سقط عن الآخرين كما فهم بعض العلماء ومنهم المتأخرين ، بل: إن امتثال البعض مع تحقق الغاية من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يُسقط الوجوب عن الآخرين.

المسؤولية الجماعية

أنّنا كلّنا مسؤولون عن القيام بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المباركة واناختلف حجم المسؤولية ونوعها من واحد لآخر، وهي فرصة لكلّ واحد منّا ليكون من أهل (يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزاً عظيماً) حقاً وصدقاً، خصوصاً داخل المجتمع النسوي وفي أوساط الشباب.

بتركها يعاني المجتمع!

فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موجهة للمجتمع وهي بذلك من الوظائف

ص: 283

الموجهة إلى المجتمع ككل، وليس تكليفاً للأفراد مستقلين ويحاسب الجميع عن أي تقصير يقع. وإذا أُديت الفريضة كما ينبغي تنعم الجميع ببركتها، وإن لم يؤدها كما ينبغي عانى الجميع من ويلات تركها وإن قام بها بعضهم، وهذا واضح من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، والحوادث التأريخية شاهدة على ذلك؛ فالإمام الحُسين (علیه السلام) وإن أدى هذه الوظيفة أًحسن أداء إلاّ إنه أيضاً ذهب ضحية تضييع المجتمع لها.

مضار ترك فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

قد بيَّنتْ كثيرٌ من الأحاديث العلاقة الحميمة بين ترك هذه الفريضة(أي فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وتسلّط الأشرار وعدم إستجابة الدعاء، لأن شكل المتسلطين مناسب للإتجاه العام في المجتمع ومن إفرازاته، ولا يمكن له الدوام والبقاء إذا كان من سنخ مغاير، لذا لما استشرى في المجتمع الميل إلى الدنيا وحب الدِّعة والراحة، وترك العمل من أجل الله سبحانه والتضحية في سبيله، كانت النتيجة الحتمية أن لا يدوم الأمر لأمير المؤمنين(علیه السلام) والإمام الحسن(علیه السلام) مما اضطره إلى التصالح والمهادنة، وعلى العكس حينما تقوى إرادة الأمة وترفض الواقع المنحرف، فسوف لا تكون فرصة البقاء متاحة أمام الأشرار، قال تعالى: (فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ).

الأمة الميتة

الأمة إذا أرادت أن تكون حيّة فعليها أن تؤدي هذه الفريضة(أي فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وإلا فهي ميتة لا قيمة لها (أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ).

معرفة المفاسد فرع إصلاحها

إن الالتفات إلى الواقع الفاسد يشكّل حافزاً للتحرك نحو الإصلاح والتغيير أداءً لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن استشراف المستقبل ووعي متطلباته يشكل حافزاً أكبر وأوسع للعمل الإيجابي، فلا نكرّس كل همنا وشغلنا لتشخيص المشاكل الآنيةومعالجتها وإن كان هذا واجباً عظيماً إلا أنه لا ينبغي إغفال الحافز الآخر.

التدقيق في مميزات الشخصية

لو نظرت حولك وفي داخلك لوجدت ما لا يعد ولا يُحصى من الخيرات وسبل الطاعة

ص: 284

الموصلة إلى رضا الله تبارك وتعالى بعكس ما يصوّر البعض من امتلاء الدنيا والناس بالفساد والمعصية، وهذا صحيح لكنك انظر إلى العالم الأول لا الثاني. كمن ينظر من خلال عدسة بيضاء شفافة فانه يرى الدنيا منيرة مشرقة، وآخر ينظر إليها من خلال عدسة سوداء قاتمة فيراها مظلمة، بل يستطيع الإنسان أن يجعل من نفس دنيا الفساد والمعصية والانحراف ساحة للطاعة من خلال ممارسة الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والهداية إلى الحق وغلق منافذ الفساد وأدواته.

كيف نتعامل مع الانحرافات بإيجابية؟

يتحدث الشباب كثيراً عن انتشار وسائل الفساد والانحراف بتنوعها وتطورها وتأثيرها القوي وضغطها على النفوس، لكن التركيز على هذا الحديث والالتفات إليه فيه معنى إيجابي وآخر سلبي أما الإيجابي فهو أن نلتفت إلى هذا الخطر ونشخّص أسبابه ونضع العلاجات النظرية والعملية له، وهي جزء من وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أما السلبي فهو ما نخشاه من كون الدافع إلى هذا الكلام هو إعطاء المبررات لضعف النفس وانسياقها وراء الشهوات والمعاصي بحجة الضغط القوي وعدم استطاعة المقاومة.

سُنة التدافع

قال تعالى: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ) وقال تعالى: ( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) تكشف هاتان الآيتان عن سنة إلهية عظيمة وفريضة واجبة على المسلمين وهي سنة التدافع أي دفع الكفر بالإيمان، والشر بالخير، والفساد بالصلاح، والباطل بالحق، والمنكر بالمعروف، وتظهر عظمة هذه السنّة من اندراج فريضتين عظيمتين تحت عنوانها وهما الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مضافاً الى الطاعات الاخرى كالدعوة الى الخير والنصيحة والارشاد والموعظة.

التحذير القرآني المهم

حذّرت الآيتان: (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)،( وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) من التقاعسعن العمل والمرابطة في مواجهة قوى الشر والانحراف و الفساد لان النتيجة تسلّط

ص: 285

الطواغيت والفسقة وخلوّ الساحة لهم وهو ينطبق على الحديث النبوي الشريف: (لتأمرنّ بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر، أو ليستعملنّ عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم) ويقوم هؤلاء الأشرار باستعباد الناس ومحو كل شعائر الدين ومشاعره وشعاراته، ورمزها ومجمعها الذي اشارت إليه الآية الشريفة المساجد فيعملون على هدمها وتخريبها.

ص: 286

الحقوق المالية الشرعية

البخل بدفع الخمس

قد يبخل المكلف بدفع الخمس، ويحلو المال في عينيه، ويعز عليه دفعه في طاعة الله، فيخسر أضعافه في معصية الله، ومن ورائه عذاب شديد؛ وقد يبخل الإنسان بنفسه، أو بصحته، أو براحته، حينما يدعوه الواجب، ويؤثر الكسل والراحة، فيقع في بلاء يكلفه أكثر من ذلك، مع التفاوت الكبير في النتائج التي يحصل عليها بين البلاء الإختياري والإضطراري، فإن الأول أقل كلفة أولاً، وأعظم أجراً ثانياً، وأشد تأثيراً في تحقيق التكامل، والنتائج المطلوبة فردياً واجتماعياً ثالثاً. وهذا الموضوع يستحق أفراده بالبحث، وهي المقارنة بين تكاليف عبادة الله سبحانه وعبادة غيره، سواء أكانت أهواء النفس، أو، الطواغيت، أو المصالح ونحوها.

مظلومية فريضة الخمس

لقد تعرّض وجوب الخمس لحملة واسعة من التشكيك والتضليل وتزييف الحقائق لمنع الناس من أداء هذا الحق إلى أهله لينسفوا هذا الركن الوثيق الذي يستند إليه هذا الكيان الإسلامي الحنيف من أجل بقائه وديمومة مشاريعه المباركة.

الفوائد المعنوية للخمس

دفع الحقوق المالية يطهّر الإنسان من البخل والشح والأنانية وحب الدنيا ويعلّمه التراحم والتعاون ويطهّر ماله لان المتبقي بعد دفع الخمس يكون له حلالاً هنيئا، ويزكو عمل الإنسان وينمو بزيادة من الحسنات لا يعلمها إلا الله تبارك وتعالى (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ)، وقد وعد الله تبارك وتعالى بالخلف والتعويض لمن انفق في سبيل الله فيعود إليه ماله بأزيد مما أعطى مع ما حصل عليه من ثواب الآخرة، قال تعالى (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ).

عواقب تأخير دفع الحقوق الشرعية

ورد تحذير شديد من مغبة التخلّف عن دفع الحقوق الشرعية ففي الحديث عن الإمام الباقر(علیه السلام): ما من عبدٍ منع من زكاة ماله شيئاً إلاّ جعل الله ذلك يوم القيامة ثعباناً من نار مطوّقاً في عنقه ينهش من لحمه حتّى يفرغ من الحساب، وهو قول الله عز وجل (سَيُطَوَّقُونَ

ص: 287

مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) يعني ما بخلوا به من الزكاة) وقد طرد النبي (صلى الله عليه وآله) جماعة من المسجد وحرمهم من الصلاة معه لأنّهم لم يؤدّوا حقوق أموالهم، عن أبي جعفرالباقر(علیه السلام) قال (بينما رسول الله(صلى الله عليه وآله)في المسجد إذ قال: قم يا فلان قم يا فلان، قم يا فلان، حتّى أخرج خمسة نفر، فقال: أخرجوا من مسجدنا لا تصلوا فيه وأنتم لا تزكّون) وفي حديث عن الإمام الصادق(علیه السلام): (من منع قيراطاً من الزكاة فليمت إن شاء يهودياً أو نصرانياً) وفي حديثٍ عنه قال (من منع قيراطاً من الزكاة فليس مؤمن ولا مسلم، وهو قول الله عز وجل: (... رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).

كيف يبخل الناس على الله بما رزقهم؟

كما تشير الرسالة ضمناً إلى أن كل ما بأيدي الناس من أموال إنما هو شيء رزقهم الله تعالى إياه، ولو شاء منعهم، فكيف يبخلون عليه تبارك وتعالى بطاعته وتنفيذ أمره في إنفاق البعض اليسير مما رزقهم لقضاء حوائج المحتاجين الذين ابتلاهم الله بالمنع والفقر كما ابتلى هؤلاء بالعطاء والغنى (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) .

لماذا نركز حديثنا على الخمس؟

تندرج تحت عنوان الحقوق الشرعية مصاديق عديدة كالزكاة والخمس والكفارات والنذور وردود المظالم، أما الإنفاق المستحب فمجالاته واسعة جداً، ونحن نركّز في حديثنا هذا عن الخمس لأمرين:

1 إنه من أهم الفرائض المالية، ويشكل اليوم عنصراً مهماً لحفظ التوازن الاقتصادي في المجتمع بعد أن قلّ دور الزكاة عمّا كانت عليه في صدر الإسلام بسبب تغيّر الحياة الاقتصادية، فبعد أن كانت عُمدَة واردات الناس مستندة إلى الزراعة وتربية الحيوانات التي هي موارد وجوب الزكاة أصبحت اليوم مستندة إلى التجارة والصناعة والحرف مما يخرجها عن دائرة وجوب الزكاة، فيشملها الخمس، فيكون تشريعه إلى جنب تشريع الزكاة دليلاً على خلود هذه الرسالة وصلاحيتها لتنظيم حياة البشرية إلى النهاية حيث خطط الشارع المقدس لكل تغيرات الحياة.

2 توالي هجمات التشكيك في وجوب الخمس وصدّ الناس عن أداء هذه الفريضة بأساليب مختلفة تأتي الإشارة إليها بإذن الله تعالى.

ص: 288

عقوبة مانع الخمس

الخمس فريضة واجبة كوجوب الصلاة والصوم والزكاة والحج في الموارد التي ذكرها الفقهاء استناداً إلى القرآن الكريم وسنة النبي العظيم (صلى الله تعالى عليه وعلى آله الطاهرين) الذين هم عدلُ الكتاب، فمن أخلَّ بشيء منها فقد ارتكب كبيرة يستحق عليها(ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ)، (يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكارى وَما هُمْ بِسُكارى وَلكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) وقد عدّت بعض الروايات الشريفة بصراحة حبس الحقوق الشرعية من غير عسر من الكبائر، وقرنها الإمام الرضا(علیه السلام) إلى الزنا وشرب الخمر واللواط والفرار من الزحف وأكل مال اليتيم والربا، وكذا في حديث عن الإمام الصادق (علیه السلام).

الآثار الوضعية لعدم دفع الخمس

إن لعدم دفع الخمس آثاراً وضعية؛ فإن اللقمة غير المُخمّسة تكون حراماً فتترك آثاراً سيئة في الذرية التي تتكون منها، والملبس غير المخمس لا يكون مباحاً فلا تصح الصلاة فيه، والماء إذا لم يكن مباحاً فالوضوء به باطل، وبذلك تتراكم هذه الذنوب والمشاكل على مانع الحقوق الشرعية.

محفزات لدفع الحقوق الشرعية

1- إن نعم الله علينا كثيرة (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها) سواء في أبداننا أو حياتنا والطبيعة التي من حولنا عموماً، ومن شأن كل عاقل أن يرد الجميل بالجميل (هَلْ جَزاءُ الإْحْسانِ إِلاَّ الإْحْسانُ)، (وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ) ولما كان الله غنياً عن عباده فيكون رد الجميل إليه بطاعته واستعمال نعمه فيما يرضيه تبارك وتعالى، ومن غير الإنصاف والمروءة أن نعصيه بالنعم التي منّ بها علينا ونبخل عليه بحقه، عن أبي جعفر (علیه السلام): (أن الله تعالى يبعث يوم القيامة ناساً من قبورهم مشدودة أيديهم إلى أعناقهم لا يستطيعون أن يتناولوا بها قيد أنملة، معهم ملائكة يعيّرونهم تعييراً شديداً يقولون: هؤلاء الذين منعوا خيراً من خير كثير، هؤلاء الذين أعطاهم الله فمنعوا حق الله في أموالهم).

2- إن كل واحدٍ منا يحب أن تزيد النعم عليه وهي بيد الله سبحانه المنعم الحقيقي، وقد وعدنا سبحانه (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) وفي الحديث: (بالشكر تدوم النعم)، ومن أشكال

ص: 289

شكر النعمة أن تؤدي حق الله فيها ليزيدها الله تبارك وتعالى، وقال الإمام الصادق (علیه السلام) في حديث: (واستنزلوا الرزق بالصدقة)وعموماً فإن طاعة الله تبارك وتعالى سبب لإفاضة البركات: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالأْرْضِ).

3- إنه إذا أخبرنا إنسانٌ ثقة بأن حيواناً مفترساً في هذه الجهة فإننا نهرب بلا تردد في1- الاتجاه المعاكس ونحذر منه ونتخذ الإجراءات الواقية من الوقوع في الخطر، فإذا أكّد هذا الخبر ثقة آخر ازداد استعدادنا لذلك وكنّا أكثر حزماً، وقد أخبرنا مائة وأربعة وعشرون ألف نبي ومثلهم من الأوصياء والعلماء وكلهم ثقاة أنه سيكون هناك يوم قيامة، يثاب فيه المطيع على طاعته، ويعاقب العاصي على عصيانه بنارٍ وقودها الناس والحجارة، أفلا يوجب هذا البيان المؤكد الحذر والابتعاد عن كل ما يورّطنا في هذه النار المتأججة ولو احتمالاً؟ وقد وصفها الله تعالى بمشاهد مرعبة، وأخبرنا أنّ معصية الله سبحانه توقعنا فيها، وأن طاعته تورثنا جنةً عرضها السماوات والأرض فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ).

4- أن نسأل أنفسنا سؤالاً: ماذا يخسر الإنسان لو أطاع الله سبحانه واستقام على الشريعة؟ إنه لا يخسر شيئاً، بل على العكس فإنه يعيش ويتمتع بالحياة كما يفعل البعيد عن الله سبحانه، وفوق ذلك له المكاسب الدنيوية والأخروية التي يحققها له الإيمان بالله سبحانه والسير على شريعته، قال تعالى: (وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ) وقال تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الآْياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) وقد اتبع هذا الأسلوب الإمام الصادق (علیه السلام) حيث قال لأحدهم: (يا هذا إن كان ما تقول أنت - بأنه لا جنة ولا نار ولا حساب - حقاً فنحن وأنتم سواء، فإننا نأكل كما تأكلون وننكح كما تنكحون، وإن كان الأمر كما نقول - وهو كما نقول - هلكتم ونجونا) وهو أسلوب لا يستطيع أن يرفضه أي عاقل، وقد جرّب الكثير ممن بدأوا بإخراج الخمس من أموالهم أن ثروتهم ازدادت، حتى أن بعضاً من غير الملتزمين بطاعة الله يخمّسون من أجل زيادة الثروة، فأين الخسارة إذن؟!.

5- أن نلتفت إلى أنّ الله تعالى مطّلع علينا ولا تخفى عليه خافية في السماوات والأرض، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد، وقد جعل على كل واحدٍ منا ملائكة يحصون الأعمال في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، وجعل الشهود على ذلك من أعضائنا التي نمارس بها

ص: 290

حياتنا: (حَتَّى إِذا ما جاؤُوها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ ، وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ ءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ، وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ ، وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ ، فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) فإذا التفتنا إلى هذه الحقائق فسنكون دقيقين في تصرفاتنا وسنحسب ألف حساب قبل أن نورط أنفسنا في المعصية ومخالفة الشريعة.

6- إن الإنسان الذي يمتنع عن إعطاء شيء من نفسه أو ماله لطاعة الله تعالى فإنه سيدفع أكثر منها في معصية الله وهو راغم، وستكون عليه حسرة يوم القيامة: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ).

وأنقل لكم الحديث التالي عن الإمام الصادق (علیه السلام) وهو حجة دامغة في وجه كل من يمتنع عن أداء الحقوق الشرعية، قال (علیه السلام) في قول الله عز وجل: (كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ) قال (علیه السلام): (هو الرجل يدع ماله لا ينفقه في طاعة الله عز وجل بخلاً - وقد عرفت البخيل قبل قليل - ثم يموت فيدعه لمن يعمل فيه بطاعة الله أو بمعصية الله، فإن عمل فيه بطاعة الله رآه في ميزان غيره فرآه حسرةً وقد كان المال له، وإن كان عمل به في معصية الله قوّاه بذلك المال حتى عمل به في معصية الله عز وجل) وقد وصف أمير المؤمنين (علیه السلام) مثل هذا الرجل بقوله: ( إن أعظم الحسرات يوم القيامة حسرة رجل جمع مالاً بمعصية الله فمات فورثه رجل دخل به الجنة) وهذا الحديث كافٍ (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)، (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) عن الصادق(علیه السلام) قال: ما من رجل يمنع درهماً في حقه إلا أنفق اثنين في غير حقه، وما من رجل يمنع حقاً في ماله إلا طوّقه الله به حية من نار يوم القيامة) وعنه (علیه السلام): (من منع حقاً لله عز وجل أنفق في باطل مثليه)... إن من يطيع الله سبحانه ويتجنب معصيته يعيش لذة الانتصار على أعدى أعدائه، وهي نفسه التي بين جنبيه الأمارة بالسوء، وكلّما كانت شهوة النفس واندفاعها للفعل قوياً كلما كان الترك أشد لذة، وكلما كانت رغبة النفس في الترك قوية كان الفعل أكثر لذة، مثلاً تعرض أمامك امرأة متبرجة قد أظهرت مفاتنها أو طالبة جامعية أو زميلة في دائرة تبرعت بإنشاء علاقة عاطفية غير مشروعة معك فتنتصر أنت على نفسك الطموحة إلى ذلك فتعيش لذة الانتصار بشكل لا

ص: 291

يوصف، وهو ما أشار إليه الحديث: (النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، فمن تركها لله تعالى أبدله الله نوراً وإيماناً يجد حلاوته في قلبه) والمال من أقوى ما تتعلق به النفس، قال تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) وقال تعالى: (الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا) وقال الإمام الصادق (علیه السلام): (ما بلى الله عز وجلالعباد بشيء أشد عليهم من إخراج الدرهم) لذا كانت لذة الانتصار على هذا العدو عظيمة تستحق أن يبذل المال بإزائها بلطف الله تعالى، عن الإمام الصادق (علیه السلام) عن آبائه عليهم السلام قال: (قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: إذا أراد الله بعبد خيراً بعث إليه ملكاً من خزّان الجنة فيمسح صدره ويسخى نفسه بالزكاة).

الآثار المباركة لإخراج الزكاة

1. إنّها من أعظم القربات إلى الله تعالى وانها مقرونة بالصلاة.

2. توجب المحبة الإلهية للعبد وشموله بالرحمة العظيمة.

3. إنّها تُطفئ غضب الرب، وتوجب كفّارة الذنوب وإنها حجاب ووقاية من النار.

4. إنّها اختبار يعطي فرصة للعبد لكي ينجح فيه فيستحق الجائزة، فبدون خوض الامتحان لا يرتقي الإنسان إلى مرحلة أعلى وأكمل، وإنّ امتحان إخراج شيء من المال صعبٌ على الإنسان لكنّه منتج ومثمر، عن الإمام الصادق (علیه السلام): (ما بلى الله عز وجل العباد بشيء أشد من إخراج الدرهم).

5. انها سبب لزيادة النعم ودوامها.

6. تحصّن المال من التلف والخسارة، وإنّ من يبخل بالزكاة يخسر أكثر منها من المال بتلف أو سرقة أو خسارة فيخسر الدنيا والآخرة.

7. تقضي على الفقر وتنمي الاقتصاد وتزدهر بها أحوال الناس، لأنّ الناس إذا كانوا فقراء فإنّهم لا يمتلكون قدرة على الشراء فيصاب السوق بالكساد، فإذا توفّر لديهم المال تحرّك السوق وعاد بالنفع على نفس دافعي الزكاة وسائر الحقوق الشرعية وهذه الحقيقة يعرفها دافعوا الضرائب في الدول الصناعية والبنوك العالمية المموّلة.

8. وهذا الكلام يجري في إخراج سائر الحقوق الشرعية كالخمس وردّ المظالم لوضوح انطباق الأحاديث الشريفة عليها.

أسباب عدم دفع الخمس

ص: 292

1- الجهل بوجوب الخمس، فبعضهم لا يعلم بوجوبه أصلاً، وبعضهم يظن وجوبه على خصوص الموسرين، وقد رسّخت هذا الجهل الأجيال المتعاقبة من المسلمين بإعراضهم عن امتثال هذه الوظيفة وترفّع العلماء عن المطالبة بها خشية سوء الظن بهم.

2 حملات التشكيك التي يمارسها أعداء الدين والمذهب ويروّج لها المرتزقة والجهلة السذّج بكل القنوات المتاحة.

3 سوء تصرف بعض الوسطاء والوكلاء في نقل الحقوق الشرعية، مما يقلّل من الثقة بالدفع إليهم.

4 النفس الأمّارة بالسوء التي تشحّ بإنفاق المال ومطلق عمل الخير؛ فالكثير من الناس يؤدي الفرائض التي لا تكلفه مالاً، أما التي تحتاج إلى بذل المال فيتردد فيها.

5 قلة الثقة بما عند الله، مما يجعله متمسكاً بما عنده من متاع زائل.

6- الغفلة عن موارد صرف هذا الحق الشرعي، ولو عَلم أنها تصرف في قضاء حوائج المؤمنين وتزويج شبابهم لتحصينهم من الحرام ومعالجة مرضاهم وشؤون الحوزة العلمية الشريفة وحفظ كيانها ومدارسها الدينية التي أنجبت عبر التاريخ آلاف العلماء والمفكرين والكتّاب والخطباء الذين ساهموا في نشر الوعي الديني وحفظ المذهب الشريف والإسلام العظيم طيلة ألف وأربعمائة عام وكأنَّ الدين نزل اليوم، ولو علم الإنسان ذلك لأدّى ما عليه من حقوق بكل سرور، إن كان غيوراً على دينه ومجتمعه ومخلصاً في التزامه.

الآثار الإيجابية لدفع الحقوق

ومن هذه الآثار الإيجابية قوله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) قال رسول الله (صلى الله عليه واله): (داووا مرضاكم بالصدقة وحصّنوا أموالكم بالزكاة)وعن الإمام الصادق (علیه السلام): (ما تلف مال في بر ولا بحر إلا بمنع الزكاة) وقال الإمام الصادق (علیه السلام): (إن الشحيح من منع حق الله وأنفق في غير حق الله) وتمّمها بحديث آخر: (حرام على الجنة أن يدخلها شحيح) وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبدٍ أبداً) وشكى شخص إلى الإمام (علیه السلام) إنه يرى أحلاماً مفزعة في المنام فقال (علیه السلام): (إنك لا تؤدي الزكاة قال بلى أؤديها قال إذن لا تضعها في محلها) وقال الصادق (علیه السلام): (استنزلوا الرزق بالصدقة) وقال (علیه السلام): (داووا مرضاكم بالصدقة وما على أحدكم أن يتصدق بقوت يومه، إن ملك الموت يدفع إليه الصك بقبض روح العبد فيتصدق فيقال له: رد عليه الصك). وقال (علیه السلام): (الصدقة باليد تقي ميتة السوء وتدفع سبعين نوعاً من

ص: 293

أنواع البلاء) وعن رسول الله صلى الله عليه وآله): (إن الله ليربّي لأحدكم الصدقة كما يربّي أحدكم ولده حتى يلقاه يوم القيامة وهو مثل أُحد) وقال رسول الله صلى الله عليه وآله): (صدقة السر تطفئ غضب الرب) وعن أبي جعفر (علیه السلام) قال: (البر وصدقة السر ينفيان الفقر ويزيدان في العمر ويدفعان سبعين ميتة سوء).

ص: 294

المسجد وتأثيره في المجتمع

الإعمار الحقيقي للمساجد

قال تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ} تبين الآية أن الذي يعمر المساجد هو الذي يرتادها بقلب طاهر وبصر خاشع فهو يعمرها معنوياً فتواجد المؤمنين في المسجد بهذه الصورة إحياءً له وعمارةً له بذكر الله فيه, وهذا لا يحصل إلا من المؤمنين لذلك خصّت الآية عمارة المساجد بالمؤمنين, ولا تدل الآية على البناء المادي(1), لأن كثيراً من المنافقين قد تحقق منهم البناء خارجاً.

أسس المجتمع الإسلامي الثلاثة

إن أسس بناء الأمة المسلمة ومقومات كيان المجتمع المسلم هي هذه الأركان الثلاثة (أي الأمام المعصوم (علیه السلام) والقرآن الكريم والمسجد) ...وما دامت هذه الثلاثة هي أسس كيان المسلمين فتضييعها يعني زوال هذا الكيان وفنائه لذا كان لزاماً علينا ان نفرد كل واحد منها ببحث خاص لبيان اثره في حياة الأمة وعظيم خسارتها بالإعراض عنه وأساليب تفعيل دوره في حياة المسلمين وأرى من واجبي أن أنصب نفسي (مدعياً عاماً) كما يعبرون اليوم لأرفع هذه الشكاوى الثلاث.

مؤسسة المسجد

يمثل المسجد جهة إعلامية مرعبة لأعداء الإسلام، وذلك لأنهّ المبرز لنقاط القوة في الدين الإسلامي، والتي تميزه عن باقي الأديان والاعتقادات والأيديولوجيات، وهو بذلك ليساهم بشكل فعال في تحسين سمعة الدين الإسلامي، وترغيب أفراد باقي الأديان للدخول فيه، وقد اعتنق كثيرون الإسلام لمّا شاهدوا مساجد المسلمين وشعائرهم ومشاعرهم.

مسؤوليات إمام الجماعة

ص: 295


1- - وإن كان فضل البناء المادي لا ينكر وقد ورد الحث عليه في السنة الشريفة.

أولاً: الجانب الديني:

1 - إقامة صلاة الجماعة.

2 - الإجابة على الأسئلة والاستفسارات الفقهية وحل الشبهات العقائدية التي تواجه المذهبعلى الدوام.

3 - إحياء الشعائر الدينية والحث على إقامتها وخصوصاً مناسبات عاشوراء والعزاء الحسيني وتقديم المساعدة المادية والمعنوية لها.

4 - ربط المجتمع بخالقه عن طريق تكثير الدروس والمحاضرات في بيان علاقة العبد بربه، وعليه أن يعتمد على فطنته وحسه ووعيه في إقامة تلك الدروس وحسب الظروف.

5 - ربط المجتمع بالحوزة العلميّة وتركيز مفهوم التقليد في فروع الدين عند المجتمع.

ثانياً : الجانب الاجتماعي : وفيه :

1 - مد الصِلات والروابط الاجتماعية خارج المسجد وذلك عن طريق مشاركة الناس أفراحهم وأحزانهم وكل مناسبة لهم ويكون السّباق إلى ذلك.

2 - حل المشاكل الاجتماعية وعلى المستويين الفردي والجماعي، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عن طريق حث الوجهاء والمتدينين لحل المشاكل بين الناس.

3 - التعامل مع أفراد المجتمع وفقاً لمستوياتهم واستحقاقاتهم فلا يبخس حقاً لأحد.

4 - معالجة الظواهر السلبية التي تسود المجتمع بالطرق الناجحة والمؤثرة، وكل ذلك يعتمد على مدى إدراكه ووعيه وحسه الاجتماعي، وتطبيقه للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

5 - تعزيز الروابط الأخوية بين أفراد مجتمعه، ويكون ذلك - مثلاً - عن طريق اشتراكهم في بعض الأعمال أو النشاطات وكل حسب استعداده وطاقته.

6 - السعي في التوفيق بين المؤمنين والمؤمنات من غير المتزوجين لأجل الزواج.

ثالثاً: الجانب الاقتصادي:

1 - إدارة شؤون الأموال والحقوق الشرعية - بعد أخذ الإذن من الحوزة العلمّية الشريفة.

2 - رعاية الطبقات الفقيرة والمعوزة بما يسمح له من التصرف في قسم من الحقوق الشرعية أو عن طريق إنشاء صندوق خيري لجمع التبرعات, والصندوق إما أن يكون ثابتاً في أحد جدران المسجد أو متحركاً بين صفوف المصلين بعد الصلاة.

3 - البحث عن فرص عمل عند بعض أرباب المهن والأعمال ممن يرتادون المساجد، لانتشال مجموعة من الشباب العاطل والمحتاج.

ص: 296

4 - السعي في أجراء عقود القرض والدين لإنجاز أعمال بعض المحتاجين مستغلاً وجاهته وتأثيره في المجتمع.

5 - التنسيق مع الأطباء والصيادلة المؤمنين وتوفير سبل العلاج السهلة للمرضى المعوزين.

رابعاً : الجانب الثقافي:

1 - إنشاء مكتبة خاصة بالمسجد، وفتح باب التبرعات بالكتب لإغناء هذه المكتبة منتقياًعناوين الكتب التي تبني الإنسان وتكون شخصيته الدينية والإيمانية متجنباً كل عنوان يثير حفيظة ومشاعر أي جهة أخرى.

2 - استثمار بعض المناسبات الإسلامية وغيرها مما يراها مناسبة لإقامة المسابقات في شتى فروع المعارف والعلوم، وإلقاء الخطب والمواعظ.

3 - إجراء دورات فقهية في أحكام الرسالة العملية للمصلين.

4 - القيام بفتح دورات تحفيظ القرآن وتلاوته والتركيز على الأطفال والأحداث والشباب. هذا وعلى إمام الجماعة أن يركز علاقته مع الشباب لأنهم الأرض الصالحة لزرع الأفكار الجديدة البناءة.

وآخر ما يمكن أن يقال تحت عنوان مسؤوليات إمام الجماعة أو المعمم، هو أن هذه المسؤوليات تختلف من مجتمع إلى آخر ومن زمان إلى آخر، فلا يمكن حصرها أو استقصاؤها جميعاً في نقاط، لأن بعض مفردات المسؤوليات تمليها ظروف المنطقة أو المرحلة الزمانية، لذا فهي خاضعة لشخصية الوكيل ومقوماته الفكرية والإيمانية والثقافية.

من معاني المرابطين

إن من المرابطين من يثبت على مصلاه ينتظر حلول وقت الفريضة فلتحصيل فضل المرابطين يستغل المؤمن هذه الحالة وهي فترة انتظار وقت الصلاة لتلاوة القرآن ويكون الاجر اعظم لو كان ذلك في المسجد منتظراً صلاة الجماعة.

الحوزة ودور إمام الجماعة

إن أهمية الحوزة العلميّة وأداء وظائفها يعتمد كلياً على أداء دور إمام الجماعة لدوره في المسجد وتفعيل دور المسجد، فأصبح المسجد وسيلة لا غنى عنها من وسائل المرجعية الرسالية الصالحة، فكلما تعددت المساجد كان دور الحوزة أوسع وكلما تعدد المجتهدون والوكلاء كان المذهب أكثر عزّاً، لكن مما يلاحظ أن بعض المساجد غير مرتبطة بإمام جماعة

ص: 297

وبالتالي فهي غير مرتبطة بالحوزة، لذا وجب على المجتمع من جهة والمعمم من جهة أخرى السعي إلى إشغال جميع تلك المساجد الفارغة.

ضوابط التنافس بين المؤمنين

الصلاة في الصف الأول أفضل من غيره وميامن الصفوف خير من مياسرها والأذان والإقامة لصلاة الجماعة فيها خير كثير، فإذا كان معنى التنافس هو الاستباق إلى الخيرات فهو صحيح ودعا له القرآن الكريم { فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ }لكن هذا لا يعني تجاوز الآداب والحدود الشرعية فقد وضعت أولويات فالصف الأول لذوي الفضل كما أنه إذا وجد مؤذنراتب فيقدم إلا إذا أذنَ لغيره، وأن لا يؤدي هذا التنافس إلى خشونة في الكلام وخروج عن الآداب بين الأخوة المؤمنين.

الإعمار المعنوي للمساجد

إنّ الإعمار المطلوب (للمساجد) هو الإعمار المعنوي لها بطاعة الله تعالى بكلّ أشكال الطاعة؛ لأنهّا فسّرت الخراب بعدم صلاة أهله - أي المنطقة السكنية التي تحيط به فيه - بل إن نفس استعمال كلمة (خراب) يعني إنهّا مقابل الإعمار المعنوي، ولو أراد ما يقابل الإعمار المادي لاستعمل كلمة (الهدم) وفي اللغة ما يشهد لذلك فنقول: بيت عامر أي بأهله وساكنيه مقابل بيت خراب أي خلا من ساكنيه وإن كان ماثلاً للعيان وليس منهدماً، لذا أعطى القرآن أوصافاً للذين يعمرون المساجد لا تجدها في الكثير ممن يبنون المساجد، قال تعالى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الأخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ).

الفوائد الجماعية للمسجد

أولاً: تقوية الأواصر الأخوية الإيمانية بين أفراد المجتمع عند حضورهم في المساجد، وإحساسهم بقوة الإسلام، ووحدة صف المسلمين ويوحى بهذا صلاة الجماعة أو الجمعة وكذا الآيات والعيدين والطواف وصلاة الطواف جماعة والتي هي من أبرز مظاهر الوحدة وقوة الإسلام والمسلمين.

ثانياً: الترابط الاجتماعي بين المسلمين من خلال تعرف بعضهم على بعض.

ثالثاً: حصول الاستقرار والسكون في نفس الإنسان المؤمن عند لقائه بإخوانه في المسجد، ويدل على ذلك قول الإمام الصادق(علیه السلام): (أن المؤمن ليسكن إلى المؤمن كما يسكن الضمآن إلى الماء البارد).

ص: 298

رابعاً : مهمة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والتي أشار إليها الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) بقوله: (أو كلمةً ترده عن ردى أو يسمع كلمةً تدله على هدى) فهي من الأمور المتحصلة عند الحضور إلى المسجد.

خامساً: يعتبر المسجد المشخص الأول لما موجود في المجتمع من سلبيات لأنه ملتقى كل الطبقات وإليه ترد جميع أنواع السلبيات والمشاكل، وبذلك فالتوجيهات بخصوص هذه المشاكل تصدر منه، لذا فالمجتمع ميدان لتطبيق ما يأمر به المسجد.

سادساً: إطلاع المسلمين على القضايا المعاصرة التي تهمهم خاصة تلك التي تهدد كيان الإسلام ووحدته.سابعاً: المسجد يزرع روح الأخوة الحقيقية والمسؤولية المشتركة فيما يتعرض له الإسلام من تحديات داخلية وخارجية، وهو بهذا يمثل دعوةً للتقريب بين المذاهب الإسلامية.

ثامناً: يمثل المسجد جهة إعلامية مرعبة لأعداء الإسلام، وذلك لأنه المبرز لنقاط القوة في الدين الإسلامي والتي تميزه عن باقي الأديان والاعتقادات والأيديولوجيات وهذه النقاط متمثلة بالأسلوب الاجتماعي في التشريع والدعوة.

تاسعاً : المسجد وسيلة مهمة لتقليل الفوارق الطبقية الاجتماعية والاقتصادية بين أفراد المجتمع ولعل أوضح مصداق من المساجد في تطبيق هذه الفائدة هو المسجد الحرام وذلك أثناء مراسيم الحج حيث اللباس الواحد والحركة الواحدة.

عاشراً: ونختم الفوائد الاجتماعية للمساجد بفائدة كبيرة ومهمة ومؤثرة في نشر الوعي والإيمان داخل صفوف المجتمع، ألا وهي إحياء الشعائر الدينية.

المسجد بمثابة الراية للجيش

لقد أدرك أعداء الدين والإسلام ومنذ زمان بعيد هذه الفوائد الدينية والاجتماعية للمسجد وعرفوا من خلالها بأن المسجد بالنسبة للدين الإسلامي بمثابة الراية إلى الجيش فحاولوا بشتى الوسائل الإيقاع بتلك الراية لينهار الجيش كله وحاولوا ذلك بشتى الوسائل الخبيثة المتاحة لهم، فكانت محاولاتهم تلك وردّها من قبل الخلّص من المسلمين سجالاً على مر التاريخ: {كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} وكانت محاولاتهم تلك على محورين:

الأول: من ناحية هدم أبنية الجوامع والسعي في خرابها على شكل هجوم عدواني مباشر أو تحت ذرائع أخرى واهية غير متسمة ظاهراً بالعدوانية.

والثاني: محاولة تفريغ الجامع من دوره الحقيقي عن طريق عرقلة فوائده، بمنع

ص: 299

الآذان مرة ومنع الصلاة أخرى أو مضايقة الأفراد البارزين المرتادين لتلك الجوامع أو محاربة الأفكار المؤثرة في المجتمع والتي يبثها المسجد عن طريق إذكاء نقائضها وبث الإشاعات ضدها ومحاولة إخماد أثرها.

خارطة طريق لعمل إمام الجماعة

يجب على إمام الجماعة أن ينسجم مع ما هو معاش من ظروف وحالات، لا على حساب دينه طبعاً لكن عليه أن يتصرف وفق ما تقتضيه المصلحة العامة، وليس صحيحاً أن يقف مكتوف الأيدي متحججاً بالظروف الصعبة، بل عليه أن يحاول بالاستعانة بالله سبحانه خلق ظرف مناسب للعمل من خلال العلاقات الاجتماعية مع أهل المنطقة أووجهائها أو جهات أخرى لكي لا يكون مرفوضاً أساساً, ثم بعد ذلك يفيد الناس بأمور أخرى لا تتعارض في البداية مع مصالح تلك الجهات, وبعد ذلك يمكن له إقناع تلك الجهات أو الوجهاء بوجهة نظره المتعارضة معهم وكسبهم لناحيته فيعم الخير والنفع للمجتمع كله وقد قيل: (لا تكن ليناً فتعصر ولا يابساً فتكسر).

مواصفات إمام الجماعة الناجح

أولاً: يجب أن يكون ذا وعي اجتماعي بحيث تكون له نظرة ثاقبة تنفذ إلى طبقات المجتمع، لتحلل الشخصيات والسلوكيات والأفعال، ويبني على تلك التحليلات بالاستعانة بالأفراد الجيدين والأخذ بيد الآخرين.

ثانياً: أن يكون ذا وعي تأريخي لحركة المجتمعات والأمم ومطلعاً على تأريخ أهل البيت (عليهم السلام) وبهذا يكون مستوعباً للماضي ومعبراً عنه بصيغة عصرية منسجمة مع مستوى أفراد مجتمعه.

ثالثاً: أن يكون طيب النفس، عظيم الخلق، دائم الورع، صاحب المبادرة في كل خير وبر، وإلا لا يستطيع أن ينفع الناس لأن (فاقد الشيء لا يعطيه).

رابعاً: أن يكون متوجهاً توجهاً علمياً صحيحاً، أي عليه أن يكون من ناحية الدروس الحوزوية قد أكمل دورة فقهية كاملة حتى (يستطيع التمييز بين فروع المسائل وتطبيق بعضها على بعض) أما من ناحية العلوم والمعارف الإسلامية غير الحوزوية فيجب عليه أن يكون مثقفاً ثقافة عالية مطلعاً على أخص ما يمكن الاطلاع عليه ليكون مستوعباً لكل فئات المجتمع وطبقاته الثقافية.

خامساً: أن يكون مرتبطاً بالحوزة ارتباطاً صحيحاً لا أن يدور في فلك ذاته أو فلك مَن

ص: 300

لا يمثل الحوزة العلميّة الشريفة.

إعراض المجتمع عن المساجد

إن هذا شيء مؤسف ومؤلم ويعبر عن ضعف الوازع الديني بدرجة كبيرة بحيث لا يُظن أن الالتزام الديني قد خالط لحمهم ودمهم ورسخ في قلوبهم وإنما هو (لقلقة لسان) وإني قد اطلعت على الواقع المؤلم حيث أجد مسجداً يتوسط مدينة كبيرة أو حياً سكنياً مكتظاً لا يتجاوز عدد المصلين فيه مئة مصلي، فأين الآخرون؟! وما هو البديل الآخر الذي هو أهم من أداء الصلاة الفريضة في وقتها جماعة في المسجد حتى قدّموه على هذا الحضور المثمر؟! بل الخطب الأفظع أنك تجد البديل هو الجلوس في المقاهي أو مخالطة أصدقاء السوء أو التسكع في الشوارع والطرقات مما يملأ الظهر أوزارا وأثقالاً.

مسؤولية المجتمع تجاه المسجد

عليهم الالتفاف حول حوزة الدين الشريفة والالتزام بتعاليمها ونصائحها وإعطاء الأولوية في الاهتمام لنداء الدين ولا يكونوا من ابناء الدنيا إن دعتهم لبوا نداءها وإن دعاهم الدين تثاقلوا إلى الأرض، وإن كان إمام الجماعة مقصراً فعليهم أن يضغطوا عليه ويخرجوه من جموده ليكون بمستوى المسؤولية ضمن الفرصة المتاحة له ولهم، كما أن عليهم رفع أمرهم إلى المرجعية الواعية المخلصة لتضع لهم الحل المناسب عندما يواجهون مشكلة ما، وعليهم التعاون مع إمام مسجدهم الذي يمثل حلقة الوصل بينهم وبين المرجعية.

لا صلاة لجار المسجد

(لا) هنا نافية للجنس فيكون مفادها نفي الحقيقة، أي حقيقة الصلاة ويكون معناها أن صلاة جار المسجد في غير المسجد لغو، لكن لما دلت أدلة أخرى على أجزائها وبراءة الذمة بأداء الصلاة ولو في غير المسجد فتحمل (لا) هنا - في الحديث - على نفي الكمال ويكون تقدير الجملة (لا صلاة كاملة) وبالتأكيد فإن الصلاة في المسجد أكمل من الصلاة خارجه، وليس في ذلك تقليل من أهمية الصلاة في المسجد، لكن الشارع المقدس لعلمه بتباين مستويات الناس واستعدادهم لتطبيق الشريعة الإلهية فإنه وضع حدا أدنى (وهي المحرمات والواجبات) التي لا يسمح بالتهاون بها وهو حد يشترك به جميع الناس ويستطيع أداءه جميع الناس ولا يستطيع أن يكلف الناس كلهم بأكثر من ذلك لأنهم سيتمردون، ثم جعل فوق ذلك مكروهات حث على اجتنابها ومستحبات رغب في إتيانها ليتنافس فيها المتنافسون ويزداد منها من يطلب الكمال, والمفروض أن كلا منا يريد الاستزادة من الخير ولا يقف عند حد وليس

ص: 301

طالب الدنيا بأشد فهما وطلبا للمزيد من الراغب في الآخرة، فكما أن ابن الدنيا لا يقف طموحه عند حد فكذا ابن الآخرة, فإذن هو لا يقف عند الحد الأدنى بل يسعى نحو المزيد والالتزام بهما عنده سواء.

سؤال وجوابه

س/ قد لا يتوفر للبعض فرصة الحضور في المساجد لبعد المسافة أو سوء الأحوال الجوية أو وقت الفجر حيث يصعب الخروج إلى المسجد فما هو البديل؟

ج/ إن ما ذكر في السؤال لا يعد مانعاً عن الحضور في المساجد بل على العكس هو فرصة لزيادة الأجر والثواب باعتبار أن أفضل الأعمال أشقها على النفس وأكثرها مخالفة لهواها، فبعد المسافة يعني زيادة عدد خطوات المشي إلى المسجد وقد نصت الأحاديث على أن في كل خطوة ما شاء الله من الحسنات، أما الأحوال الجوية، فقد رؤي الإمام السجاد (علیه السلام) في ليلة ممطرة شاتية وهو يسير في طرقات المدينة بأبهى حلة فقيل إلى أين يا ابن رسولالله (صلى الله عليه وآله) في مثل هذا الحال؟ قال(علیه السلام): إلى مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أخطب إلى الله عزّ وجل الحور العين في الجنة. وأما وقت الفجر ورد الحث الأكيد على إقامة صلاة الصبح جماعة، ولو تنزلنا عما قلناه فإنه يستحب لكل إنسان أن يتخذ مسجداً في بيته بمعنى أن يخصص مكانا للعبادة، ويظهر من بعض الأحاديث أن الأئمة كانوا يفعلون ذلك، لذا ورد استحباب إشعال السراج في مصلى المؤمن في الليلة الأولى بعد دفنه وورد أن ممن يبكي على المؤمن إذا مات البقعة التي كان يعبد الله فيها ويرفع منها عمله الصالح، مما يدل على وجود بقعة معينة كان يتخذها مسجداً. وإذا كان الشخص يحسن القراءة وملتزماً بالشريعة (وهو ما يعرف بالعدالة) فيمكنه أن يقيم صلاة الجماعة بأهله في الدار فيؤجر ويؤجرون, وتنعقد الجماعة ولو بواحد مع الإمام.

فوائد الصلاة في المسجد

الصلاة في المساجد تثمر عن نتائج إيجابية كبيرة على الصعيد الروحي والديني والاجتماعي ورد عن أمير المؤمنين(علیه السلام): (من اختلف إلى المساجد أصاب إحدى الثمان أخا مستفادا في الله أو علما مستظرفاً أو آية محكمة أو رحمة منتظرة أو كلمة ترده عن ردى أو يسمع كلمة تدله على هدى أو يترك ذنبا خشية أو حياءً) وقوله(علیه السلام) إحدى الثمان أي على الأقل وإلا فيمكن للمؤمن أن يحصل عليها جميعا فإنه يتعرف على أخوة مؤمنين ويكسب

ص: 302

أصدقاء خيرين كما أنه يستفيد علما جديداً أو يتعلم تفسير آية محكمة من خلال استماعه للمحاضرات والخطب والحوارات التي تعقد في المساجد وأنه يشمل بالرحمة التي يفيضها الله تبارك وتعالى على زائريه في بيته وعلى المجتمعين في صلاة الجماعة أو محاضرة دينية أو مجلس لذكر مناقب وفضائل أهل البيت(عليهم السلام) ويستمع أيضاً إلى موعظة تولد عنده روح التقوى والورع وتذكره بالموت وأهوال الآخرة فيرتدع عن المعاصي والذنوب أو ينصت إلى إرشاد وتوجيه يهديه إلى طريق الحق كما أنه خلال وجوده في المسجد يكون في مأمن من الوقوع في كثير من المحرمات التي يمكن أن يتورط بها الإنسان في حياته العامة فتكون فرص الذنوب معدومة في المسجد كالنظر إلى الأجنبية أو استماع الغناء أو مجاملة أهل الفسق والعصيان، وهذه الفوائد وغيرها كثير مما يجنيه الإنسان من تردده على المساجد، وقد جرب كل واحد منا هذه النعم والفيوضات الإلهية وعظمة السعادة والطمأنينة التي يشعر بها أثناء وجوده في المساجد ويبقى طعمها في أعماقه ويعطيه جرعة جديدة لاجتناب المعاصي والازدياد من الطاعات.

ماينبغي سلوكه على أئمة المساجد

أن يكون سلوك أئمة الجماعة والمتصدين للمسؤوليات الاجتماعية موافقاً للصورة النقية المشرقة لأئمة الإسلام وبين أيدينا سير ناصعة لهم وما علينا إلا الاقتداء بها وإتعاب النفس في تطبيقها ولو أدى ذلك إلى حرمان النفس من بعض مشتهياتها فإن ذلك في عين الله سبحانه ورعايته ولطفه، قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} وهذا النهي شامل حتى للمباحات مادام ذلك يؤدي إلى حزازة في قلوب الناس وامتعاض وسوء ظن، وبين أيدينا سيرة أمير المؤمنين(علیه السلام) الذي رقع مدرعته حتى استحيى من راقعها وتجنب ما يحلّ له من طيب المعاش مواساةً للفقراء وهو يقول(علیه السلام): (لكي لا يتبيغ بالفقير فقرة) ووصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعمه العباس: (يا بني عبد المطلب أنكم لا تسعون الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم) وفي الحديث: (آلة الرئاسة سعة الصدر) ويعني بالرئاسة كل مسؤولية اجتماعية.

لكي لا تشكو المساجد منا

يمكن تحصيل عدة نقاط لإعادة دور المسجد في حياة المجتمع وإبراء الذمة أمام الله تبارك وتعالى من شكوى المساجد المعطلة:

1 - إشغال كل مسجد مهما كان بسيطاً ونائياً بإمام يقيم فيه الشعائر وإذا خلت المنطقة أو

ص: 303

ناحية من مسجد فيمكن اتخاذ غرفة كبيرة في أحد البيوت مما يعرف ب(المضيف) أو (الديوانية) أو(غرفة الاستقبال) وتتخذ لها باب خارجية تفتح للمصلين في أوقات الصلوات ولإقامة الشعائر الدينية وتجهيزه بمكبر صوت لرفع الأذان، ولا اعتقد أن هذا يكلف شيئاً يذكر رغم كثرة الخيرات والبركات فيه.

2 - الحرص على إقامة صلاة الجماعة خصوصاً المغرب والعشاء وكل الفرائض اليومية بل في العيدين وعند حصول الخسوف والكسوف، فلقد ثبت بالتجربة أن المسجد الذي تقام فيه صلاة الجماعة يكون أكثر فاعلية واجتذاباً للناس من المسجد الخالي منها, وهم على حق في ذلك من عدة جهات:

أ - الثواب العظيم في صلاة الجماعة بحيث أن عدد المصلين إذا بلغ عشراً لا يحصي ثوابها إلا الله تبارك وتعالى.

ب - إن وجود إمام الجماعة يلزم منه تحقيق فوائد كثيرة كإجابة الاستفتاءات وقضاء الحوائج الاجتماعية - كإصلاح ذات البين والتوفيق بين الأزواج - والاقتصادية كذلك والوعظ والإرشاد وتبليغ الأحكام الشرعية.

3 - اختيار إمام الجماعة المخلص لله تبارك وتعالى الحريص على المصالح الاجتماعية أكثر من مصلحة نفسه وأن يكون ذا فضيلة علمية ليستطيع تلبية احتياجات المجتمع الفكرية والفقهية والثقافية، وأقل ما يجزيه من النشاط هو إلقاء محاضرة في الأسبوع مرة تطبيقاً للحديث الشريف : (أف لرجل لا يُفرغ نفسه ولو في كل جمعة - أي أسبوع - ساعة ليتفقه في الدين).

4 - إحياء الشعائر الدينية ومناسبات أهل البيت(عليهم السلام) وعدم الاكتفاء بشهر رمضان والعشرة الأولى من شهر محرم الحرام. وأؤكد على ضرورة إقامة المجالس في المساجد بدلاً من البيوت لعدة فوائد :

أ انها أبعد عن الرياء والعُجُب.

ب - يكون الحضور خالصاً لله تبار ك وتعالى لا مجاملة لأحد.

ج - في ذلك إعطاء أهمية للمسجد.

د اقتران تلك المجالس عادةً بصلاة الجماعة وغيرها من الفوائد.

ه - أنها أعظم أجراً لأن الجلوس في المساجد عبادة كما في الحديث الشريف.

5 إقامة المسابقات الدينية والثقافية خصوصاً في شهر رمضان وليالي وأيام الجمع وتعيين الجوائز للفائزين, وهذا يحقق أكثر من ثمرة:

ص: 304

أ - حث المؤمنين على قراءة الكتب والازدياد من العلم والمعرفة ليكونوا بمستوى المسابقات.

ب - حثهم على الحضور في المساجد لما في جو المسابقات من متعة وفائدة وتسلية مشروعة.

6 وضع لوحة إعلانات يُسجّل فيها مثلاً حديث شريف له ثمرة اجتماعية أو أخلاقية أو عقائدية ويُسجّل فيها بعض الأحكام الإبتلائية أو استفتاءات مستحدثة أو خبر نافع عن الحوزة أو إصدار جديد أو إلفات النظر إلى حالة اجتماعية منحرفة أو معاملة سوقية باطلة وتصحيح ذلك وفق الضوابط الشرعية، وأي شيء آخر يشد الناس إليها ويجعلهم في تفاعل مستمر مع المسجد.

7 - إنشاء حلقات تعليم القرآن الكريم : تلاوة وتجويداً وتفسيراً وحلقات دروس الفقه والأخلاق والعقائد.

8 - ولا بأس بإعطاء الفرصة للنساء بالمشاركة في صلاة الجماعة والاستماع إلى المحاضرات ومجالس التعزية إذا كان بناء المسجد يسمح بتوفير مكان مخصص لهنّ من دون احتكاك أو اختلاط مع الرجال ومن دون حصول أية مخالفة شرعية.

9 - تأسيس مكتبة عامة في كل مسجد تضم مجموعة من الكتب الدينية والثقافية التييُحسن بالمسلم الإطلاع عليها.

ص: 305

القدوة والأسوة الحسنة

من الوسائل المهمة في التربية

من الوسائل المهمة في التربية هي القدوة والاسوة الحسنة حسب تعبير القرآن الكريم فإن التعليم والتأديب وحده لا يؤثر إذا لم يقترن بالعمل والتطبيق وغالباً ما يتوفر على مدى الاجيال حملة كثيرون للعلم ووعاظ وخطباء إلا أن أثرهم محدودٌ في المجتمع لعدم اقتران القول بالفعل بشكل دقيق .

غياب القدوة الحسنة

إننا لو درسنا أسباب الضياع لوجدنا أن أهمها غياب القدوة الحسنة التي تبهر العقول وتدخل القلوب وتقنعهم بالاتباع والتأسي وتلغي كل ما سواها.

خطر غياب القدوة

من العناصر المهمة في التربية هي القدوة والاسوة الحسنة على تعبير القرآن لأنه يمثل التطبيق للأفكار التربوية فاذا غاب القدوة أو كان القدوة منحرفاً فلا ينفع الكلام مهما كثر ويبقى مجرد حبر على ورق.

أهم ما يقرب الناس إلى الطاعة

إن أهم ما يقرب الناس إلى الطاعة هو وجود القدوة الحسنة والنموذج الأكمل وخير من يجسده رسول الله والأئمة الطاهرون [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً] وهم وإن غابوا عن الحياة بأشخاصهم إلا أن سيرتهم ماثلة للعيان وما علينا إلا طرحها بالشكل الذي يمكن أن ينتفع به الناس.

من علامات حب الله

من علامات حب الله تعالى وآثاره أنه يسعى للاتصاف بصفاته الحسنى، فالمحب يتمثل في حياته كل حركات وسكنات بل رغبات محبوبه، كما نجد من يحب عالماً أو بطلاً فيقلّده في ملبسه ومشيته ومطعمه وحركاته ونحوها، فالعبد إذا أحب ربه اتصف بصفاته الحسنى. ومن علامات حبّ الله تعالى حبّ عباده ومخلوقاته والرحمة بهم والشفقة عليهم لأنهم من صنع ربه وإبداعه ولأنهم رعاياه فيسعى لإسعادهم وقضاء حوائجهم وتفريج كربهم ورفع الظلم عنهم. فالذي يقابل حاجة الناس ومعاناتهم بقسوة قلب وعدم اكتراث لا يحلّ في

ص: 306

قلبه حبّ الله تعالى. ومن علامات حب الله تعالى الرضا بقضائه والتسليم لأمره روي (إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مرّ بقومٍ فقال لهم: ما أنتم؟ فقالوا: مؤمنون. فقال: ما علامة إيمانكم؟ قالوا: نصبر على البلاء ونشكر عند الرخاء ونرضى بمواقع القضاء، فقال(صلى الله عليه وآله): مؤمنون برب الكعبة).

القدوة الضالة

إن الذي يستقطب مشاعر الناس في الأفلام ويصبح القدوة والمثل الأعلى بكل بساطة تجده شخصاً فاسقاً آخر ما يعكسه في سلوكه هو تعاليم الدين بل يزني ويشرب الخمر ولكنه قد يحارب عصابة لصوص أو فساد اقتصادي، هذا القدوة سيقلده الكثيرون في سلوكه وقيمه فأي فائدة في انتصاره للحق وهو يسير إليه في طريق معوج ضال.

لابد للمصلح من قدوة

ينبغي على كل مصلح يريد أن يتأسى بقيادة القادة وسادة السادة ويسعى للتغيير في النفس والمجتمع أن يلتفت إلى جانب العلل قبل جانب المعلولات، وإذا فكر بعكس ذلك فإنه سيتعب نفسه ويضيِّع جهوده، ولا تتحقق إلا نتائج بسيطة لا تناسب حجم الجهد المبذول، ومثاله في طب الأبدان: أن الطبيب الحاذق لا يكتفي بمعالجة الأعراض والظواهر كارتفاع درجة الحرارة، أو الألم وعدم الشهية ونحوها، وإنما يشخِّص العلة الحقيقية وراء هذه الأعراض فيعالجها، ولو اكتفى بمعالجة الأعراض والآثار والمعلولات دون العلة فهو ليس بطبيب، ونفس الكلام يأتي في طب النفس والمجتمع.

التأسي برسول الحكمة(صلى الله عليه وآله)

إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يأخذ من كل شيء عظة وعبرة، فإذا دخل إلى الحمام ونظر إلى الماء الحار تذكر ماء الحميم يوم القيامة الذي قال عنه القرآن: [وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ] عندئذ يقول (صلى الله عليه وآله): (نعم البيت الحمام يزيل الدرن ويذكر بالآخرة)، وإذا رأى ماءً جارياً طهوراً ومطهراً رسم لأصحابه صورة فقال (صلى الله عليه وآله) : (لو أن بباب أحدكم نهراً يغتسل منه خمس مرات في اليوم أترى يبقي على جسده من الدرن شيء، قالوا له: لا يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: فكذلك الصلاة خمس مرات في اليوم كفارة لما بينها من الذنوب) وهو قوله تعالى: [إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ] فمن تمام التأسي برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي دعت إليه الآية الشريفة: [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا] أن نأخذ

ص: 307

الدروس والعبر من كل شيء.

مسؤولية إحياء سُنة التدافع

من أفضل أشكال التأسي برسول الله (صلى الله عليه وآله) وبالإمام الحسين(علیه السلام) إحياء هذا القانون الإلهي العظيم (سُنة التدافع) في كل ساحاته سواء داخل كيان المجتمعالمسلم أو خارجه وبالآليات المناسبة لكل مواجهة، ولا يسعنا القعود عن هذه الوظيفة المباركة وإلاّ ضاع الدين واضمحل كيان الإسلام كما نبّأت به الآية الشريفة:(وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) ومن تخلف عن هذه المواجهة لم يبلغ الفتح، كما قال الإمام الحسين(علیه السلام) في رسالته، قال تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}.

مسؤوليتنا تجاه سير الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)

إننا اليوم أحوج ما نكون إلى عرض صورة الأسوة الحسنة في حياتنا، فنحن مسؤولون أكثر من أي وقت مضى عن دراسة حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيرته دراسة تحليلية، لكي نتمثلها في حياتنا وتكون نبراساً لنا، ليس فقط في حياته الشخصية الخاصة لكونه أكمل المخلوقات وأشرفها وأحقها بالإقتداء في حياته العامة، بل لكونه أعظم مصلح اجتماعي عرفته البشرية، ولكونه مؤسس خير أمة أخرجت للناس من العدم، ولكون قيادته المباركة وفرت للبشرية أسعد عصر من عصورها .

فهم خطأه جسيم

ركز الأئمة (عليهم الصلاة والسلام) على النظر إليهم على أنهم بشر وليسوا بدعاً من الناس ويمكن تقليدهم والاقتداء بهم في جميع أعمالهم لأن بدون هذه النظرة تولدت عند البعض فكرة عدم إمكانية بل وعدم وجوب الإقتداء بهم في كل تفاصيل حياتهم وحجتهم إن أولئك أئمة معصومون ونحن ناس عاديون وشتان بيننا وبينهم وفي هذا من الخطأ الجسيم ما لا تحمد عقباه ويؤدي إلى التقاعس والتخاذل عن كثير من المسؤوليات والأعمال الكبيرة وخسارة لعنصر مهم من عناصر التربية وهو الاقتداء بالأسوة الحسنة.

الاقتداء الحرفي بالصالحين

من المهم لطالب الحوزة أن يقتدي بسيرة الأئمة (عليهم السلام) والعلماء الصالحين ويهتدي بهداهم ويأخذ سمتهم وطريقتهم حتى في أبسط التفاصيل الحياتية، وأنا أعلم أنها مسؤولية ضخمة وجسيمة، لكن الأجر عظيم والنتائج كبيرة، وعلى حد تعبير الشاعر:

ص: 308

على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ *** وتأتي على قدر الكرام المكارمُ

ص: 309

قضايا الشباب

مرحلة الشباب

هذه المرحلة من العمر من أعظم النعم على الإنسان وأهم الفرص التي تتاح له لذا وردت الوصية باغتنامها، فمن وصية النبي(صلى الله عليه وآله) لأبي ذر (يا أبا ذر: اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)ومن الملاحظ أن هذه الخمسة كلها متوفرة عند الشباب غالباً فهو قوي البدن صحيح معافى، وغني لأنه مكفول المعيشة في أسرته، وعنده فراغ من المسؤولية، لكن هذه الفرص تقل بمرور الزمان فتزداد مسؤوليته ومشاغله ومشاكله ومعوّقات التكامل وتضعف قواه، لكن أكثر الشباب لا يلتفتون إلى هذه الغنيمة ولا يستثمرونها، ويضيعون هذه النعم في أمور تافهة وربما محرّمة، ولا يعطون هذه الثروة العظيمة حقها وقدرِها، فتارة يعبّرون عن فتوتهم وشبابهم بالتمرد على المجتمع أو الانخراط في جماعات العنف أو الخروج عن النظام العام، أو يوظّفون طاقاتهم المتدفقة في فعاليات جنونية وهو ما أشار إليه النبي (صلى الله عليه وآله) في بعض خطبه قال: ( الشباب شعبة من الجنون) أو يعتنقون بعض الدعوات الضالة فينساقون وراء أصحابها من دون روّية أو تدبّر في محتواها أو عواقبها.

نصيحة للشباب

1 - العودة إلى الله تبارك وتعالى وتعاليم الإسلام فإنها سر قوتنا.

2 أن يكون الشاب هادفاً في حياته غير لاهٍ ولا عابث كما وصف القرآن الكريم: [يَا أَيُّهَا الإنسان إِنَّكَ كَادِحٌ إلى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ] والكدح هو العناء والتعب، وأن تكون الأهداف التي نسعى من أجلها حقيقية لا وهمية.

3 - الاعتزاز بشخصيتنا الأصيلة التي تحمل الكثير من القيم والأخلاق والمثل التي تثير حسد الغرب وتدفعه إلى أن يكرس كل خبثه ومكره لينزعها منا فنصير أذناباً.

4 - التحذير من مكائد الغرب الكافر وخططه الخبيثة التي يريد من خلالها استعبادنا وتكريس تبعيتنا له.

5 - أن يفكر بمجتمعه وأمته في الحاضر والمستقبل ويعمل على إعمار الحياة ونجاحها في

ص: 310

جميع نواحيها.

6 - تعميق الارتباط بالحوزة الشريفة؛ لأن العلماء حصون الإسلام ومنار الهدى.

نصيحة أخرى للشباب

ألاَّ يخسروا آباءَهم وأمهاتهم، وأن يعاشروهم بالمعروف حتى لو كانوا مخطئين؛ فمن البرّ بهم والإحسان إليهم أن تهديهم إلى الطريق الصحيح. وأحياناً قد يصعب تحمل تصرفات الوالدين للفارق الكبير في المستوى العلمي والفكري، ولكن ليعلم هذا الشاب أن هذا حصته من البلاء فإن تحمله وأحسن الصبر عليه أوتي أجر الصابرين، قال تعالى: [إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ] وإن قصرّ فيه (والعياذ بالله) جرى عليه البلاء نفسه وأزيد منه، وهو موزور لتقصيره وعصيانه، وأعيذكم بالله أن تكونوا كذلك.

الهجمات متنوعة ضد الشباب

إن مجتمعنا خصوصاً جيل الشباب يتعرضون لهجمات متنوعة من الداخل والخارج مليئة بالشبهات والفتن والضلالات لإبعادهم عن الدين القويم والصراط المستقيم ...تأتيني رسائل عديدة من الشباب عبر الإيميل يتحدثون فيها عمّا يتعرضون له أثناء ايفادهم خارج العراق من مؤثرات وغسيل دماغ بأساليب علمية ينبهر بها المتلقي فيتبع اجنداتهم، وهم مخادعون يعطونه نصف الحقيقة، ويوهمونهُ انها تنفي وجود الخالق او تؤدي الى عدم الحاجة الى الدين ونحو ذلك ولو اعطوا الحقيقة كاملة لوجدوها لا تنافي الدين على اقل تقدير وربما ستجدها مؤيدة للثوابت الدينية بل ان تعاليم الدين سبقت العلم الى الكثير من الحقائق التي اكتشفها لاحقاً وقد رأينا كيف صوّروا نظرية اصل الانواع او الانفجار العظيم او علم الداينتكس على انها تنفي وجود الخالق مع انها على العكس تماماً ولكن تحتاج الى اخذ المعلومة كاملة.

الفجوة المصطنعة بين العلماء والشباب

يحاول الكثيرون ممن لهم أجندات معيّنة أن يصطنعوا حواجز بين العلماء والمجتمع خصوصاً الشباب، فيشيعون بينهم أنّ العلماء في بروج مشيّدة ولا يمكن الوصول إليهم وإن لغتهم غير مفهومة، ولا يعرفون مخاطبتكم حتى لو وصلتم إليهم، وإنهم يعيشون في زمان وعوالم غير ما أنتم فيه ونحو ذلك من الأفكار، فيعزف الشباب عن الوصول إلى العلماء والجلوس معهم والتحدث إليهم والاستفادة منهم، وهدف أولئك المخادعين مزدوج، فمن جهة يريدون عزل المرجعية عن الناس خصوصاً الشباب لتجريدها من أهم عناصر

ص: 311

القوة لدى المرجعية وهي قوة تأثيرها ونفوذ كلمتها وسلطتها الروحية التي تعيق مشاريعهم الاستكبارية الشيطانية في السيطرة على الشعوب ونهب خيراتها بتغيير هويتها لتسيير أبنائها وفق ما يريدون.

الشباب ومزالق النفس

(بعض الشباب) ينصاع وراء (الموضة) كما يسمونها، ويطبق كل جديد ولو كان تافهاًوسمجاً ومرفوضاً سواء في قصة الشعر أو تدهينه أو الملابس الخارجية أو السيارات أو الأثاث، والتباهي والرياء بالأمور الدنيوية الزائفة كالموديل الحديث للسيارة أو العشيرة الكبيرة أو الأسرة المعروفة أو المنطقة الراقية أو البيوت الفخمة، والفخر الحقيقي إنما هو بطاعة الله تبارك وتعالى: [قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ].

مسؤولية الشباب مع القيادة الدينية

القيادة الدينية الواعية العاملة لم تقصَّر في مواكبة كل الأحداث ومواجهة كل التحديات ومعالجة كل المشاكل وتقديم الآراء السديدة في مختلف القضايا، فتصدر عشرات الكتب والنشرات لتغطية ذلك، وما على المجتمع وخصوصاً الشباب إلا متابعتها وإيصال رأيها إلى كل أفراد المجتمع، فعليهم مسؤولية كبيرة لكونهم حلقة الوصل بين الحوزة وبين سائر أبناء الأمة لما يتمتعون به من حيوية ونشاط ومن ثقافة ووعي ومن همة وحماس ومن ثقة الناس بهم، وهذه كلها حجة عليهم إن أحسنوا استخدامها وتوظيفها أُوتوا كفلين من رحمته وإلا فالحساب العسير.

إلى متى نوم الغفلة؟

إن الكثير من شبابنا غير متفقهين في أمور دينهم وغير واعين وساذجون تنطلي عليهم الشبهات ويقعون في الفتن ببساطة، وهي مشكلة ليست جديدة، فها هو الإمام جعفر الصادق (علیه السلام) الذي إليه ننتسب يقول: (ليت السياط على رؤوس أصحابي حتى يتفقهوا في الدين)، ويقول: (أُفٍّ لرجل لا يفرغ نفسه كل جمعة ولو ساعة ليتفقه في الدين) فإلى متى نوم الغفلة؟ وإلى متى تتلاقفهم أيدي الفتن بأدنى شبهة وبأقل إشارة أو دعوة من الشيطان وأوليائه، حتى أن إبليس نفسه يستغرب من سهولة انقيادهم له وسرعة استجابتهم لدعوته رغم أنه لا يملك أي سلطة عليهم، ويتركون داعي الله تبارك وتعالى، فاستمع إلى هذا المشهد

ص: 312

من مشاهد القيامة التي تنجلي فيها الحقائق وأعجب من الواقع المؤلم الذي يعيشه المجتمع [وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ] بينما المؤمنون الواعون الذين مضوا على بصيرة واتبعوا علماءهم ورجعوا إلى الحوزة الشريفة ولم يخرجوا عن تعاليمها تصفهم الآية التالية [وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْالصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ].

الشباب غنيمة الأمة

نِعمُ الله تعالى على الإنسان كثيرة، ومنها نعمة الفتوة والشباب بما تعني من حيوية ونشاط، وصحة وعافية، وقوة إرادة وسعة طموح وعواطف جياشة وغرائز متدفقة وحماس واندفاع وصفاء ونقاء وأريحية وذهن وقّاد وغيرها من القوى وهذه القوى مشمولة بأمر الله تعالى (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ) والقوة المطلوب إعدادها تكون ملائمة للعدو المقصود، فهذه القوى مما يُعدُّ لمواجهة النفس الأمّارة بالسوء (أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك) والشيطان، قال تعالى (إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ).

فرصة الشباب الثمينة

أنتم أيها الشباب في قمة العطاء والعمل وعندكم فرصة أن تكونوا ممن يفاخر بكم الله الملائكة إذا استقمتم على طاعة الله تبارك وتعالى والتزمتم بأحكام الشريعة كما ورد في الحديث الشريف، لأن الملائكة مجبولة على الطاعة ومخلوقة لها، أما الشباب فتتنازع فيه قوى الخير والشر وهو بإرادته ولطف الله تبارك وتعالى ينحاز إلى قوى الخير فيكون أفضل عند الله تعالى من الملائكة أما إذا كبرتم وتجاوزتم مرحلة الشباب فإن هذا التنافس سيزول موضوعه وتفقدون الفرصة لنيل مثل هذه الخطوة عند الله تبارك وتعالى، ولا تعاد الفرصة ولا تتكرر ولا ينفع الندم والتأسّف فاغتنموها.

أمل القائد الرحيم بالشباب

أأمل أن لا تقع عيني على شاب مسلم يصفّف شعره على نمط بطل فلم (تايتانك) أو فتاة مسلمة سافرة، أو تلبس الحجاب على الطريقة الفرنسية أو الأمريكية، أو أخر يلبس الميدالية وربما الصليب في عنقه ويضع الأساور في يديه ويتكلم بكل أنوثة ولا يوجد على ظاهره ما يدل على أنه ذكر. وعلى جميع المؤمنين أن يتعاونوا على اجتناب هذه التصرفات

ص: 313

الممقوتة، والذي يزيد الطين بلة أن أبناء الغرب الواعين أنفسهم بدأوا يستحيون من الانتساب إلى حضارتهم المزيفة بعد هذه التصرفات الهمجية والوحشية، فكيف نرضى نحن المسلمون لأنفسنا ذلك.

الشباب ومزاولة العمل والتكسب

للعمل والكسب أهمية كبرى في الإسلام، لكن بعض الشباب يعزف عن العمل، أو يشترط شروطاً عديدة لنوع العمل إما هروباً من المسؤولية أو اتكالا على غيره أو استعلاءً أو استكباراً فارغاً، وهم بذلك يخرجون عن سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) التي حبّبت الكسب وشجعت عليه ولم تستنكف منه مادام حلالاً.. وكان عمل أكثر الأنبياءوالأئمة الرعي والزراعة. فلا تقصروا معاشر الشباب في الكسب والعمل امتثالاً لقوله تعالى: [هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا] أي طلب منكم إعمارها، نعم يجب أن تتفقهوا وتتعلموا أحكام التجارة والكسب لئلا تتورطوا في الحرام من حيث لا تشعرون، وتجنبوا الأعمال التي تكون مظنة للحرام، كبيع الكماليات النسائية فضلاً عن المحرمة وهي كثيرة. وعليكم بأداء الحقوق الشرعية من أرباح مكاسبكم ليبارك الله لكم فيها ويثيبكم عليها.

محفزات للحصول على الشهادة

1 - بأن نجعل هدفنا بناء مجتمع مثقف يجيد أرقى فنون العصر وعلومه استعداداً لاحتضان عاصمة الإمام المهدي (علیه السلام) وإقامة دولته التي مقرها هنا في العراق. وأسألكم أيّ المجتمعين أجدى في نصرة الإمام (علیه السلام) مجتمع جاهل ليس فيه شهادات اختصاص في مختلف حقول العلم والمعرفة أم مجتمع مثقف متكامل، فيه الخبراء والاختصاصيون في كل المجالات التي نحتاجها في عصر الظهور الميمون انطلاقاً من قوله تعالى: [وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ].

2 - إن الشباب المثقف الخريج المتعلم أقرب إلى الهداية وأكثر استجابة إلى داعيها من غير المتعلم، لأن التدين أمر فطري عند الإنسان، فإذا انضم إليه الوعي والتعقل فلا بد أن ينتج الإيمان، أما غير المتعلم فتصعب هدايته، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن الإيمان إذا دخل قلب المؤمن المثقف فإنه يكون راسخاً بعكس غير المتعلم، لذا قال أمير المؤمنين (علیه السلام): (قصم ظهري رجلان عالم متهتك وجاهل متنسك) ومحل الشاهد هنا الصنف الثاني.

3 - إن كل واحد منا يجب أن يهدي الآخرين ويؤثر فيهم طمعاً في الأجر ورضا الله تبارك وتعالى

ص: 314

الذي وعد به رسوله الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم): (يا علي، لئن يهدي الله بك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس وما غربت) وإن تأثير حامل الشهادة في الناس وقبولهم لكلامه أكثر بكثير من غيره.

4 - إن العلم مقرون بالإيمان، وقد قيل إن أكثر من خمسمائة آية في القرآن الكريم في فضل العلم والعلماء والحث على تحصيله وذم الجهلاء الذين لا يعقلون و لا يفقهون، ويزيد من معرفته، قال تعالى: [إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء].

الحالة السلبية في المجتمع تحفّز على العمل

إن الفساد الأخلاقي والانحراف الموجود لدى الشباب حالة سلبية أكيداً، والمؤمن الرسالي لا يرضى بوجودها في المجتمع، ويعمل على إزالتها ومعالجتها، لكنه إذا لم يستطعذلك فإنه لا يدخله اليأس والإحباط وترك العمل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنه أولاً وقبل كل شيء يؤدي وظيفته أمام الله تبارك وتعالى وحجته على خلقه، ولأن النتائج ليست بيده وإنما هي بيد مسبّب الأسباب ومدبر الأمور، وللثقة بنصر الله تعالى ووعده بغلبة الحق (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) وفي حديث لأمير المؤمنين (علیه السلام) (قليل من الحق يغلب كثيراً من الباطل، كما أن قليلاً من النار تأكل كثيراً من الحطب) بل إن المؤمن يرى وجود مثل هذه الحالات فرصة للطاعة، ولو لم توجد فإن باباً من أبواب الطاعة سيكون مغلقاً، فالفقر مثلاً الذي هو حاله مرضية في المجتمع ونسعى بكل جهد لتخليص الناس منها، بحيث ينسب إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) قوله: لو كان الفقر رجلاً لقتلته، لكنه في نفس الوقت موضوع لطاعات عديدة من البر والإحسان فإذا لم يوجد فقير –كما في أخبار الظهور الميمون أن أحدكم يجوب البلدان بصدقته ليجد مستحقاً لها فلا يجد- فهذا يعني عدم وجود فرصة لهذه الطاعات، فهذه الحالة السلبية تحوّلت إلى حالة مُحرّكة ومحفّزة للعمل ودافعة للإصلاح والتغيير.

من فوائد العمل والتكسب للشباب

أ - إن كثيراً من الآباء لا يؤدون فريضة الخمس في أموالهم أو لا يتورعون عن المكاسب المحرمة والمشبوهة عن علم أو غير علم، فإذا أصبح مكسب الشابّ مستقلاً، أو ساهم مع الأب في مصاريف البيت بالمقدار الذي يساوي تصرفاته في الدار أمكنه رفع هذا الإشكال.

ب - لكي يهيئ مقدمات الزواج الذي هو ضروري لكل شاب، ليحصن نفسه من الانحراف والفساد الذي يحوطه من كل مكان.

ص: 315

إن الكثير من الشباب يعاني من تسلط أبيه وفرضه عليه نظاماً في الحياة لا يوافق التزاماته الدينية، أو يمنعه من ممارسة بعض الأمور التي يقتنع أن فيها رضا الله تبارك وتعالى، وما دام الولد خاضعاً لأبيه من الناحية الاقتصادية فإنه مضطر للاستجابة لأوامره، فإذا أستقل الولد اقتصادياً أمكنه أن يتخذ قراره بشكل مستقل.

محل فخر المرجعية

إننا لنفخر بالشباب الرسالي الذين استنشقوا نسيم الحرية مع السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) وساهموا بحركته وتقدموا بها بعد استشهاده (قدس سره) فلم يقفوا عند الفورة الإيمانية والحماس والوهج الذي أسّسه السيد الشهيد (قدس سره) وإنما رسّخوه وعمّقوا معانيه وشيّدوا مضامينه وبنوا أمة الفكر والوعي والبناء تمهيداً لإقامة دولة العدل الإلهي. ويجري نفس هذا المعنى على صعيد تهذيب النفس والجهادالأكبر كما يجري في الجهاد الأصغر لأن (أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك) كما في الحديث وهي تضع بمساعدة الشيطان خطوطاً حمراء على كل طاعة وتفتح السبل لكل معصية، فالمؤمن أول ما يفعل هو رفع الخطوط الحمراء عن كل طاعة ووضعها إزاء كل معصية، ثم يتحرك ليوسّع دائرة العمل بالطاعات إلى كل ما يحبّه الله تبارك وتعالى وإن لم يكن واجباً، ويضيق دائرة المتروكات إلى كل ما يبغضه الله تبارك وتعالى وإن لم يكن حراماً، فإذا حقق تقدماً في هذا الصراع كما لو لم يكن يؤدي صلاة الليل فشجعته أجواء شهر رمضان المعنوية لأدائها، أو كان لا يؤدي صلاة الصبح فوُفّق لأدائها، أو كان ينظر إلى الحرام فاستمد من ذكرى الحسين (علیه السلام) ما يعينه على تركه، أو كان سيئ الخلق مع أهله أو جيرانه أو قاطعاً للرحم فسمع موعظة أعانته على علاج هذه الحالات، فمثل هذا التقدم عليه أن يحافظ عليه ويستمر به ويعمل على تحقيق المزيد. فالدعاء الشريف (ولا تردّنا في سوء استنقذتنا منه أبداً) لا يختص بالمعاصي وسلب النعم التي أنقذه الله تعالى منها بل يعم الاستنقاذ من حالات الطاعة المتدنية إلى حالات الطاعة الأعلى منها.

كيف تكسر شوكة المغريات؟

إن المغريات أمام الشاب كثيرة، لكن هذه كلها ليست معوقات للتكامل بلطف الله تعالى، بل ربما هي مفيدة للتكامل لأنها تزيد من الهمة والإرادة لمواجهتها حتى يشعر بزهو الانتصار عليها. فالشباب يحبون اقتحام الصعوبات حتى يحققوا الانتصارات ويفرحوا بها ولا يحتاج الأمر من الشباب إلا إلى الاعتصام بالله تبارك وتعالى وتقوية إرادته. فإذا جعل

ص: 316

أمام عينيه مثلاً الحديث الشريف(من غضّ بصره عما حرّم الله تعالى، أبدله الله تعالى إيماناً يجد حلاوته في قلبه) فإنه سيكون أكثر إصراراً على مواجهة هذه الإغراءات.

من موجبات إنحراف الشباب

1 - قلة التفقه في أمور الدين وضعف مستوى الوعي الديني لديهم، فنادراً ما تجد واحداً منهم يعدّ قارئاً، وإلا فإن أغلبهم سطحيون ودون مستوى تحديات العصر.

2 التبعية للغرب في المظهر الخارجي، كقصات الشعر والملابس والأدوات وفي الأعراف والتقاليد وأنماط الحياة.

3 - التدخين ظاهرة سيئة وضارّة من جميع الجهات: اقتصادياً ودينياً وصحياً واجتماعياً وأخلاقياً.

4 - قضاء الأوقات بالأمور التافهة لتضييع (وقت الفراغ) كما يسمونه، فيتسكعون في الشوارع أو يتبادلون أحاديث غير مجدية وربما كانت مشحونة بالمحرمات.5 - كثيراً ما يشعر الشباب والمراهقون أن آباءَهم وأولياء أمورهم ليسوا على ما يريدون، فيحدث انفصال بين الطرفين وبرود في العلاقات، وقد تنفقد المودة والصراحة والثقة، وفي ذلك خسارة للطرفين، ويحتاج كل منهما عندئذ إلى إعادة النظر في مجمل علاقته وتصرفاته مع الآخر.

6 - الانصياع وراء (الموضة) كما يسمونها، وتطبيق كل جديد ولو كان تافهاً وسمجاً ومرفوضاً.

7 ارتياد السينمات والملاهي التي تعرض الأفلام الساقطة، وصالات الألعاب التي يتداولون فيها المجلات والصور الخليعة ويتعاطون المخدرات وربما يمارسون بعض المنكرات كاللواط ونحوه.

8 - كثرت السفرات المدرسية والجامعية التي تكون سبباً للفساد والانحراف لأنها مختلطة ولا تراعى فيها الحشمة والعفاف.

9 - بعض الشباب يعزف عن العمل، أو يشترط شروطاً عديدة لنوع العمل إما هروباً من المسؤولية أو اتكالا على غيره أو استعلاءً أو استكباراً فارغاً.

10 - السفر إلى الخارج، والتي قد تكون لها مبرراتها أحيانا إلا إنها في كثير من الأحوال لا تكون مشروعة، لأنها ليس لها هدف إلا التمتع بالدنيا والاستزادة منها والهروب من المسؤولية ومن واقع المحن والبلايا.

ص: 317

الربح الذي لاخسارة فيه

ما الذي يضرّ الشابّ لو عاد إلى الله تعالى والتزم بطاعته وترك معاصيه؟ إنه لا يخسر؛ لأن الله لم يحرّم عليه شيئاً من الطيبات أو اللذات وكل ما يريد منه تنظيم حياته وضبط شهواته في الإطار الصحيح لتكون حياته مستقرة وسعيدة ليس فيها اعتداء وتجاوز على حقوق الآخرين، وليس فيها ظلم لنفسه التي هي أعزّ شيء عنده فكيف يعمل على إيذائها بعمل المعاصي والاستجابة لشهواتها التي ترديه في المهالك؟

رحمة الله الواسعة

تقول الروايات: إن الله تعالى ليباهي الملائكة بالشابّ الذي ينشأ في طاعة الله تعالى، وأن الله ليفرح بالعبد التائب الذي يرجع إليه أشد من فرح أحدكم إذا وجد الدابّة الضالّة في الصحراء الواسعة بمائه وشرابه ومتاعه، وإن رحمة الله وسعت كل شيء، ولتقريب سعتها اُنظر إلى رحمة الأم بولدها كيف تتحمل الجوع والأذى والسهر وربما الموت من أجل سعادة ولدها.. وفي طوفان نوح (علیه السلام) حملت إحدى الأمهات ولدها والماء يعلو شيئاً فشيئاًحتى أخذها وغرقت، فرفعت يديها إلى الأعلى وحملت ولدها، وهذه هي رحمة المخلوقين وهي جزء من مائة جزء من رحمة الله وزّعت على المخلوقات من إنسان وحيوان بها يتراحمون، فما مدى سعة رحمة الله تعالى؟

الشباب والحصول على الشهادة

يوجد تفكير خاطئ لدى الشباب وأولياء أمورهم بأن الدراسة والشهادة الجامعية لا تنفع، فهؤلاء الخريجون عاطلون عن العمل ولم يحصلوا على وظائف تناسب شهاداتهم، فلماذا التعب والدراسة والعناء؟ وهذا التفكير لا أصفه فقط بأنه خاطئ بل هو خطير، ويقدم خدمة مجانية إلى أعدائنا، لأن من أهدافهم أن نتخلف ونكون جهلة لنبقى تابعين لهم وحراساً لمصالحهم ومنفذين لخططهم، أما التقدم العلمي فيعني استغناءَنا عنهم، وهو شيء لا يطيقونه، فلماذا نحقق لهم مآربهم وهم أعداؤنا؟.... وإن نفع الشهادة لا يقتصر علي تحصيل الوظيفة أو فرصة عمل بموجبها، فهناك آثار إيجابية نفسية واجتماعية وثقافية تترتب على الشهادة، فإن نضج التفكير والوعي لدى حامل الشهادة ليس كالذي عند غير المتعلم، وقوة الشخصية والموقع الاجتماعي ونظرة الناس للمتعلم ليست كما لغيره، وثقة الإنسان بنفسه والشعور بالمسؤولية وعلو الهمة عند المتعلم ليست كما عند غيره... لو سلّمنا وقلنا بعدم نفع الشهادة، فهذا ليس ذنب الحصول عليها، وإنما هو ناشئ من سوء

ص: 318

التطبيق والخلل في توزيع المواقع على مستحقيها وبسبب الظروف التي يمر بها البلد.

لن يستطيعوا هزيمة شبابنا بإذن الله تعالى

إن المد الإسلامي المتدين قد نضج بمقدار معتد به في مقاومة واحتواء تأثير هذه الانحرافات الأخلاقية التي اكتسحت المجتمع منذ عشرات السنين وأدت إلى انحراف الأغلبية الساحقة من الشباب في ستينات وسبعينيات القرن الماضي، لكن التيار الديني استعاد التوازن والصمود واحتواء هذا الخطر رغم تزايد قوته وإمكانياته ودخول التقنيات الحديثة لترويجه.

الحوزة العلمية والشباب

أيها الأحبّة: أنتم شريحتان مهمتان في المجتمع وعليكم المعوَّل في إحداث التغيير والإصلاح: الشباب الذي هم قلب الأمة النابض الذي يتدفق بالحياة في جسدها، والحوزة العلمية التي هي عقل الأمة المفكر والمخطط والقائد لها خصوصاً الحوزة النجفية التي تتسع مسؤولياتها لتشمل العالم كله.

أخشى عليكم أيها الشباب

وأهتم بكم أيها الشباب لأنكم المحرك الرئيسي لحياة الأمة والدم الذي يجري فيعروقها وانتم معيار صلاح الأمة وفسادها -والعياذ بالله- فكلما كانت شريحة الشباب بخير وصلاح وفاعلية ووعي والتفات لما هو مهم كانت الأمة جميعاً بخير وصلاح لأن فيكم الطاقة والحيوية والحماس والاندفاع والتفاعل والعاطفية والحب والمودة والصدق والاخلاص والتواضع فكل هذه الخصال الحميدة تجدها عند الشباب لذا تجد الاستجابة الفعالة للدعوات الاصلاحية -كرسالة الإسلام- اكثر ما تكون بين الشباب وان النهوض بواقع الامة والاخذ بيدها في مواجهة التحديات إنما يكون على يد الشباب. وأخشى عليكم لأن سهام الباطل وحملات الافساد والتضليل اكثر ما توجه اليكم لأهميتكم في كيان الأمة. أيها الأحبة: أننا أمام أخطار وتحديات عديدة وضخمة وجديدة علينا ومعقدة مما يضاعف المسؤولية علينا ويدفعنا الى مضاعفة الهمة لنخرج من عهدة المسؤولية وقد فزنا برضا الله تبارك وتعالى وشفاعة اوليائه العظام.

أيها الشباب

أنتم أكثر المراحل العمرية عرضة للانخداع والغفلة عن النفس، فقد ورد في الحديث

ص: 319

الشريف (السكر في أربعة) أحدها سكر الشباب، فمرحلة الشباب سبب للغفلة والطيش والغرور.

إن الشباب والفراغ والجده *** مفسدة للمرء أي مفسدة

العوامل المساعدة لانحراف الشباب

أنا لا أصبّ اللوم على الشاب وحده إذا انحرف أو أساء التصرف، وإنما هناك عوامل كثيرة أدت إلى ذلك ، منها:

1 جهل المربّين وأولياء الأمور بالأساليب الصحيحة للتربية وضغطهم على الأبناء ليعيشوا الحياة التي يعيشونها هم، وهو تصرف غير صحيح ونهى عنه الإمام (علیه السلام) وفسر ذلك بأنهم (خلقوا لزمان غير زمانكم).

2 - غياب القدوة الحسنة التي يتأسى بها، وعلى النقيض من ذلك فإنه يوجد المثل السيئ الذي يعكسه عناصر الاقتداء للناشئ، كالأب والأم والمعلم في حياته، فإذا كانت القدوة سيئة فماذا نتوقع من المقتدى؟ فهم ينهونه عن تصرف ويفعلونه أو يأمرونه بفعل ويخالفونه، لذا نصحت الأحاديث كل من يؤدب غيره ويعظه أن يؤدب نفسه ويعظها أولاً.

3 - البيئة الفاسدة التي تحيط بالناشئ، وهو لخلوه من التجربة وعدم نضجه يحاول أنينفتح على أصدقائه ليأخذ منهم الحلول لمشاكله وهمومه في غياب العلاقة الودية المبنية على الصراحة والثقة بين الولد وأبيه.

4 - انتشار وسائل الإفساد وإحاطتها به في مقابل غياب صوت الحق أو ضعفه وصعوبة إيصال صوته، فأغلب المساجد خالية من أئمة الجماعات وليس فيها خطب أو محاضرات أو حوارات، ونحو ذلك من الصعوبات.

5 - الجهل لدى المربّين باتخاذ المواقف الصحيحة التي تتناسب مع الفرد والبيئة والخلفيات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والنفسية.

من سلبيات الشباب

قضاء الأوقات بالأمور التافهة لتضييع (وقت الفراغ) كما يسمونه، فيتسكعون في الشوارع أو يتبادلون أحاديث غير مجدية وربما كانت مشحونة بالمحرمات، أو يمضون ساعات طويلة في مشاهدة الرياضة ونحوها، فيضيعون على أنفسهم أرباحاً هائلة في تجارتهم التي لن تبور مع الله تبارك وتعالى، لأن الحديث يقول: (إنّما أنت أيامك) ورأس مالك

ص: 320

في هذه التجارة ساعات عمرك، فكلما استثمرت منها أكثر نلت درجات أعلى، ومن لا يطمع في الأكمل والأفضل؟ ولذلك كان من أسماء يوم القيامة (يوم التغابن)؛ لأن كل إنسان يشعر بالغبن والتفريط والتقصير لأنه كان يمكنه أن يكون في وضع أفضل لو استغلّ تلك الساعة التي ضيعها في محرم أو لهو وعبث وتسكع وحديث فارغ، لو استغلها في ما ينفعه ويكسبه رضا الله تبارك وتعالى.

معاشر الشباب

ما دمتم في مقتبل العمر وبداية الطريق لصناعة مستقبلكم المعنوي والمادي، فاسألوا الله تعالى أن يختاركم لأعظم الأدوار وأرقى المسؤوليات وأن يصنعكم بيده سبحانه لأدائها، وواظبوا على طلب ذلك بإخلاص ولسوف يعطيكم ربكم ذلك كما حكى سبحانه عن عباد الرحمن أن من دعائهم (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً).

عليكم أيها الشباب بالعمل بهذه النصيحة

لا نبخل على القرآن بدقائق يومياً في أوقات صلواتنا أو فراغنا لنتلو عدداً من الآيات الكريمة، وقلت مراراً أن الأولى أن تكون في مصحف مؤطّر بتفسير بسيط لمفرداته وآياته كتفسير شبر لنحيط ولو إجمالاً بالمعاني العامة للقرآن الكريم، وهو كتاب جليل وضعه مؤلفه بعد مراجعة عدة تفاسير واطّلع على الأقوال المختلفة. وليكن لكل فرد من الأسرة نسخة واحدة على الأقل من المصحف تختص به، والأفضل أكثر من نسخة، هذا غير المصاحف الأخرى الموجودة في الدار. وأؤكد عليكم أيها الشباب بالعمل بهذه النصيحةفإنكم في بداية حياتكم ونقطة الانطلاق لتأسيس مستقبلكم، فعندما يكون الأساس هو القرآن الكريم وعلومه ومعارفه فإن المستقبل يكون سعيداً قوياً مثمراً بلطف الله تبارك وتعالى، وفي كل الميادين سواء في دراستك أو عملك وكسبك أو في علاقاتك مع أهلك والآخرين، فضلاً عن العلاقة السامية مع ربك والنبي وآله الطاهرين(عليهم السلام) وقد جّربت ذلك في حياتي عندما كنت في بداية العشرينيات من عمري ومنَّ الله تعالى عليَّ بالأنس بالقرآن وملازمتي له ولازلت أحيى بركاته والحمد لله وحده.

مما يؤسفني..!

يؤسفني أن أرى الشباب وهم مقلدون للغرب في ملبسهم ومأكلهم وتصرفاتهم وحركاتهم وكأنهم لا يملكون ذلك التاريخ العريق حتى يستنسخوا شخصية الغير في حياتهم.

ص: 321

علاقة الشباب بآبائهم

صحيح أن لكم الحق في أن ترسموا شكل الحياة التي تعيشونها والمستقبل الذي تعملون من أجله، وليس من حق أحد -حتى الآباء - أن يجبركم على نمط الحياة الذي عاشه هو، كما قال أمير المؤمنين (علیه السلام) محذراً لهم من ذلك ومعللاً: (بأنهم خلقوا لزمان غير زمانكم) لكن يجب عليكم أن تتذكروا أن للوالدين حقوقاً على الولد لا تبرأ ذمته إلا بأدائها وإلا فعليه وزر عظيم، والأحاديث الواردة في ذلك تقشعر منها الأبدان، ومنها: (ما بين البار بوالديه والأنبياء إلا درجة واحدة وما بين العاق لوالديه والكافر إلا دركة واحدة) ومنها: (من نظر إلى أبويه شزراً - أي باحتقار وغيظ - وهما ظالمان له أكبه الله على منخريه في نار جهنم)، لاحظ فداحة العقوبة رغم أنهما ظالمان له فكيف وهما لا يريدان له إلا الخير وهما أرحم به من نفسه، فيجوعان ليشبعاه ويعريان ليكسواه ويسهران لينام نوم الهدوء والعافية ويبردان ليدفئاه؟ فهل جزاء ذلك العقوق والتمرد والعصيان؟ وقد قال تعالى: [فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً] وفي الحديث أنه لو وجد شيئا أقلّ من قول (أف) لحرمّه الله تعالى، فأول حق هو الإحسان إليهما ورعايتهما والتذلل لهما وعدم إدخال الأذى عليهما بأي شكل من الأشكال، وفعل كل ما يدخل السرور على قلبيهما إلى درجة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يأمر أحد الشباب بالرجوع عن الجهاد وهو من أعظم واجبات الإسلام لأن له أمّاً تأنس به، فقال (صلى الله عليه وآله) له: (إن أنس والدتك بك ليلة خير من جهاد سنة) وقد قرن الله تعالى الأمر بالإحسان إليهما بوجوب طاعته وتوحيده: [وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِإِحْسَانًا] وثاني حق لهما هو الانفتاح عليهما في كل الأمور واطلاعهما بصراحة واستشارتهما، فإن كل مقومات المستشار الناصح موجودة فيهما، فهما مخلصان ولا يتوقع منهما الغش ورحيمان ويريدان لك الخير ولهما من النضج والتجربة والخبرة ما ليس عندك، كما أنهما خير عون لك لو اقتنعا برأيك. فالقطيعة معهما تعني سقوطك في أيدي من هم مثلك قليلو الخبرة وليسوا حريصين عليك، بل يريدون إيقاعك في الخطأ لكي لا يكونوا هم وحدهم مخطئين، فهل يرضى عاقل بهذه المبادلة؟!

التصرفات الطائشة لبعض الشباب

يتظاهر الشباب بأمور كثيرة منافية للدين والأخلاق والمبادئ الموروثة انطلاقاً من قناعات وهمية وليست حقيقية. منها:

ص: 322

أ - ممارسة العنف والحركات البهلوانية والاعتداء على الآخرين ولو على نحو المزاح لإثبات رجولته وتفوقه على الغير، تأثراً بأفلام الرعب والبطولات الزائفة.

ب - حفّ الحواجب ووضع مواد الزينة ولبس الأساور ووضع الإكسسوارات تشبهاً بالإناث، والقيام بحركات متميّعة تقليداً للجنس الآخر.

ج - الظهور في الشوارع العامة بالملابس غير العفيفة، كالشورت أو البنطلون الكلاسيك الذي يجسم العورة.

د - الوقوف في طريق النساء وقرب مدارس الطالبات وفي سائر أماكن اجتماع الجنسين بما فيها العتبات المقدسة أحيانا، والعياذ بالله، والتحرش بهن وإطلاق الكلمات التي تخدش بالحياء والعفة.

ه - وضع صور اللاعبين والفنانين والفنانات ورموز الفسق والفجور على صدورهم أو على محافظ الورق (لفكسات) وكأنه يريد أن يثبت انتماءه إلى هؤلاء الذين يستحيي حتى أصحابهم من الانتماء لهم، غافلاً عن قوله تعالى: [يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ] فهل يقبل هذا المسلم كما يسمي نفسه!! أن يحشر مع هؤلاء الذين اتخذهم أئمة؟.

و - ارتداء الألبسة التي تحمل كلمات نابية وغير شريفة سواء في قبعة الرأس أو الصدر أو الظهر وربما تحمل بعضها معنى الكفر.

ز - ممارسة العادة السرية والاستمناء ويسمى (نكاح اليد) وهو محرم شرعاً غاية التحريم، ويجلد الذي يمارس هذه العادة عدداً من السياط حتى يتأدب. وغالباً ما يضطر الشاب إليها لأنه بسوء تصرفه أوقع نفسه في مقدمات محرمة تثير فيه الشهوة الجنسية فيفقد الصبر عليها، كمشاهدة الأفلام والصور الخليعة أو التواجد في أماكن الاختلاط والتبرجأو الاسترسال في التأملات الجنسية أو قراءة الروايات المثيرة للجنس.

ح - استخدام الهاتف للتحرش بالنساء والاعتداء على أعراض الناس وإزعاج الآخرين وإدخال الأذى عليهم، وكلها أعمال محرمة وإن كان هو يتلذذ بها لغفلته إلا إنها تنقلب إلى حيوانات تؤذيه وتؤلمه في القبر حيث تظهر الأعمال هناك على حقيقتها (الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا) من غفلتهم ورأوا حقيقة أعمالهم.

ط - التشبه بالجنس الآخر، فالرجل يلبس الأساور ويتزين كالمرأة ويقضي الساعات الطويلة أمام المرآة لوضع المحسنات وإجراء عمليات التجميل، والمرأة تلبس البنطلون. وغيرها من الأمثلة وهو حرام شرعاً، فلكل جنس شخصيته الطبيعية التي لا تناسبه إلا هي، وأي محاولة للتشبه بالآخرين تجعله فاشلاً .

ص: 323

ي - بعض الشباب يلبس الذهب على شكل خاتم أو حلقة زواج أو قلادة، وكل هذا محرم شرعاً على الرجال، وقد ثبت أن في لبس الذهب أضراراً صحية مهمة، وكذا يحرم على الرجال لبس الحرير الطبيعي.

نصيحة أبوية للشباب

تداركوا أمركم بالتوبة، فإن الموت يأتي بغتة ولا ينفعكم الندم حين توضعون وحيدين في القبر تلك الحفرة الموحشة، ولا قرين لكم إلا ما قدمتم من أعمال، وعوّضوا عن هذه الأماكن بالتردد على المساجد ومجالس الوعظ والإرشاد والتوجيه وإحياء الشعائر الدينية، أو اللقاء مع المؤمنين لتبادل الأحاديث النافعة، أو أي مكان فيه نفع دنيوي عقلائي أو أخروي أو ترفيهي من دون أن يتضمن مخالفات شرعية.

حاسب نفسك واعد النظر

على كل شاب أن يعيد النظر في حياته ويحاسب نفسه ويدقق تصرفاته، ليرى هل اقترب من الحق أم من الباطل؟ والعياذ بالله. هل هو من جند الرحمن أم من جند الشيطان؟! هل هو ممن يمهد للظهور المبارك واليوم الموعود أم ممن يعرقل الظهور وينشر الفساد في الأرض؟! هل هو ممن يدخل السرور على قلب الإمام المنتظر (علیه السلام) لأنه الحجة الفعلية فتعرض عليه أعمال العباد أولاً بأول كما دلّت عليه الآية الشريفة: [وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ] وهم (عليهم السلام) المؤمنون، أم إنه ممن يدخل الأذى على قلب الإمام(علیه السلام) لما يرى من أعماله من صحائف سوداء؟.

ص: 324

قضايا المرأة والأسرة

(البوشية) وكمال المرأة؟!

من كمال الشابة الالتزام بغطاء الوجه (البوشية) كلما أمكن ذلك، فإن فيه حماية لها والآخرين، لأن وجه الشابة عموماً مما يسبب إثارة وانجذاب، فلا تكن سبباً لفتنة الآخرين وهي بذلك تكون مطبقة لوصية الزهراء (عليها السلام) عندما سأل أبوها (صلى الله عليه وآله) عما هو خير للنساء، قالت: إن أكمل صفة في المرأة أن لا ترى رجلاً ولا يراها رجل.

المدرسة الأولى

إن تخلّف المرأة يعني تخلف نصف المجتمع، بل كل المجتمع؛ لأنها المدرسة الأولى التي تحتضن الطفل وترعاه وتربّيه، فإذا كانت متعلمة متدينة سهّلت المسير لأبنائها نحو الكمال.

المرأة والاجتهاد

ليس من المستحيل بلوغ المرأة درجة الاجتهاد إذا توفرت لديها الظروف المساعدة على ذلك كما حصل لعدد من النسوة فلديها من الذكاء والصبر والمطاولة والعزم ما يكفي لبلوغ هذا الهدف ولكن المشكلة عدم وجود البيئة المناسبة مع كثرة مشاغل المرأة العائلية فإذا بلغت المرأة درجة الاجتهاد فلا يجوز لها الرجوع الى غيرها وتعمل بفتاوى نفسها وإذا كانت ممن يحتمل فيها الأعلمية فإنها يمكن تقليدها والرجوع اليها من قبل النساء خاصّة.

نداء إلى المجتمع النسوي

نحن بحاجة إلى نساء يتخصصن بطب الأمراض المعنوية للنساء كما تخصصت الكثير منهن في الأمراض الجسدية للنساء، مع أهمية الحقل الأول لتعلقه بالحياة الباقية.

توجيه لمسألة نقائص المرأة في الشريعة

إن تشخيص النقائص في النساء إلاّ من عصم الله تعالى يُراد منه قطع الخطوة الأولى في طريق التكامل، فلا ينبغي أن يُقابل بالاحتجاجات والاعتراضات ودعاوى امتهان المرأة وظلمها واحتقارها، فعن الإمام الصادق (علیه السلام): (أحبّ إخواني إليّ من أهدى إليّ عيوبي) وما من شريحة في الأمة إلاّ وقد ورد فيها كلمات التحذير والتهديد، خُذ مثلاً العلماء الذين فضّلهم الله تعالى على سائر الناس حتى الشهداء وانظر ماذا ورد في ذم المُستأكل بعلمه، والذي يطلب الدنيا به، أو يماري به السفهاء، أو العالم غير العامل بعلمه وهكذا، فهذا لا يوجب تحسساً وشعوراً بالإذلال إن خوطبوا بذلك، لأنه تحذير وموعظة، بل حتى الأنبياء الذين هُم أشرف

ص: 325

الخلق وأكرمهم خوطبوا بهذه اللغة قال تعالى مخاطباً نبيه الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم): [وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ].

توجيهات للمجتمع النسوي

· نحن بحاجة إلى نساء يتخصصن بطب الأمراض المعنوية للنساء كما تخصصت الكثير منهن في الأمراض الجسدية للنساء، مع أهمية الحقل الأول لتعلقه بالحياة الباقية.

· يُعوّل عليكن (يا طالبات العلوم الدينية في الحوزات العلمية) في التصدي لهذه الوظيفة الإلهية - علاج أمراض النساء المعنوية. ابتداء من تشخيص هذه الأمراض ومعرفة عللها وأسبابها ومناشئها، ثم وضع العلاجات النظرية والعملية لها.

· كما إن أمراض الجسد لها أدوات وآثار لتشخيصها يعرفها المختصون، فإن هذه الأمراض المعنوية يمكن التعرّف عليها وتشخيصها بعدة وسائل:

1. الاستفادة مما ورد في روايات أهل البيت (عليهم السلام) من إشارات لمناشئ هذه الأمراض في النساء كالذي ورد في كلمات أمير المؤمنين (علیه السلام) عن المرأة فإنهم الأطباء الذين يدلّونا على ما خفي علينا.

2. استقراء الحالات الموجودة ودراستها وتحليلها وضم المعلومات بعضها إلى بعض للوصول إلى السبب مستعينين ببعض الدراسات والبحوث النفسية والاجتماعية والسلوكية.

3. مطالعة كتب أهل الفن في مجال السلوك الصالح والأخلاق.

دروس من سيرة امرأة عظيمة

من سيرة السيدة فاطمة بنت أسد (عليها السلام) تستطيع المرأة المسلمة أن تأخذ عدة دروس منها:

أولاً: طلب العلم والمعرفة والسعي نحو الكمال، فترى فاطمة تأخذ العلم من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مباشرة.

ثانياً: تلبية نداء الدين وداعي الله - أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ - مهما كان الثمن غالياً - وذكرنا شاهداً على ذلك هجرتها.

ثالثاً: عدم الانسياق نحو العواطف وجعلها معيار التفضيل في العلاقات، بل توزن الأمور

ص: 326

بالتقوى، فنراها تفضل محمداً على أولادها، لأنه بالموازين الصحيحة أكرم وأجلّ منهم، فتقدمه (صلى الله عليه وآله) عليهم، بل تقدمه على نفسها كما شهد لها رسول الله نفسه فيقول تجوع وتطعمني وتعرى وتكسيني... .

رابعاً: العناية بالأسرة وتوثيق روابطها وبناءها بشكل سليم، وهذا واضح من علاقتها بزوجها أبي طالب وأولادها النجباء.خامساً: عدم الانصياع وراء العرف والإتكيت السائد، فرغم أن النساء في مجتمع قريش كان لهن أعراف وتقاليد معروفة، إلا أن فاطمة لم تتابعهم فيه إلا بمقدار ما ينسجم مع عقيدتها والسلوك الذي يرسمها لها الشرع المقدس سواء قبل الإسلام وبعده.

من وسائل هداية الطالبات

1- إن الدور الرئيسي لهداية الطالبات موكول إلى المؤمنات منهن، فإن اتحاد الجنس بينهن يجعل فرص التفاهم بينهن أكبر ، ولا اعتقد أن شريحة ما تخلو من وجود مؤمن أو أكثر بينها.

2- بالإمكان هدايتهن بإيصال الاستفتاءات المكتوبة أو الكتب والكراريس المطبوعة المفيدة في هذا المجال، وإذا اقتضت الحاجة سؤالاً منهن فيمكن اعتماد طريق الكتابة فيستطيع أن يوصل أي فكرة أو مسألة شرعية أو توجيه لحالة معينة من خلال كتابة ورقة وتسليمها إليها كما يسلمها المحاضرة أو كتاباً مفيداً وهي توصل الاستفتاءات بنفس الطريقة.

3- عقد ندوات عامة يشترك فيها عدد من الطلاب والطالبات، فإن عموميتها تقلل من المحاذير.

من أعظم الطاعات

من أعظم أعمال الخير والطاعات التي أمرنا بالمسارعة إليها واستباقها والمبادرة إليها هي التفقه في الدين ونشر علوم أهل البيت (عليهم السلام) وإرشاد الناس وتعليمهم وتوعيتهم، خصوصاً في المجتمع النسوي الذي يحتاج إلى جهد مضاعف لطول الحرمان والعوائق التي صنعها المجتمع ونحوها من الأسباب.

كيف نوجه الأحاديث الذامة للمرأة؟

إذا كانت المرأة لا تختلف عن الرجل في الحقوق والواجبات ولهما فرص متكافئة لنيل الكمالات والقرب من الله تعالى وقد زُوِّد الرجل والمرأة على حد سواء بما يعينهم على التكامل

ص: 327

من قوى ذهنية وجسدية، إذن كيف نفهم الأحاديث الكثيرة الواردة في ذم النساء (منها) أن بعض الأحاديث محمولة على امرأة معيّنة ضلّت وأضلّت مستفيدة من عنوانها الكبير في المجتمع الإسلامي (ومنها) أن أحاديث شريفة أخرى ظاهرها ذم النساء إلا أنها في الحقيقة لا تحمل هذا المعنى وإنما وردت لتحذير الرجال من الوقوع في فتنة النساء وارتكاب المعصية بسببهنّ، كالحديث النبوي الشريف (ما لإبليس جند أعظم من النساء والغضب) (ومنها) أن تكون الأحاديث غير مطلقة وإنما ناظرة إلى حالات معينة، كالنهي عن مشاورة النساء وممادلّ على عدم عمومية هذه النصيحة الاستثناء الوارد في كلام له (علیه السلام) قال: (إياك ومشاورة النساء إلا من جُرِّبت بكمال عقل فإن رأيهنّ يجر إلى الأفن وعزمهنّ إلى الوهن) وبالرغم من هذه التوجيهات لكلام المعصومين (عليهم السلام) إلا أنه مما لا يمكن إنكار حقيقة في النساء تمثّل الوجه الرابع الذي هو ظاهر بعض هذه الأحاديث، وهي أن الحالة العامة للنساء عدم الاهتمام بالأمور المعنوية والنزوع إلى الارتقاء في مدارج الكمال. فهذا الذم للنساء بلحاظ الحالة الغالبة وليس بالضرورة أنه يشمل كل امرأة.

استحقاقات المرأة وواجباتها

الآيات الشريفة واضحة وصريحة في تكافؤ الفرص والاستحقاقات بين المرأة والرجل، إلا أنه قد يختلف الرجال عن النساء بنوع المسؤوليات والواجبات بحسب اختلاف تركيبتهم التكوينية أي الفسيولوجية، وبحسب الدور الذي أنيط بهم في هذه الحياة قال تعالى: [الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ] فالقيمومة لم تُعطَ للرجال من باب تفضيل الذكور على الإناث، وإن المجتمع الإسلامي (ذكوري) كما يزعمون، بل لأمرين: بعض الخصائص التي اتّصفوا بها مما يؤهلهم للقيام بهذه المسؤوليات، ولأنّهم المسؤولون عن الإنفاق على الأسرة، ولكن هذا لا ينافي العدالة في توزيع المسؤوليات ومنح الاستحقاقات من الثواب والعقاب، لأن العدالة لا تعني بالضرورة المساواة أي التماثل بنحوٍ مطلق، والمطلوب هو تحقيق العدالة، أما المساواة فقد تكون من العدالة وقد لا تكون مثلاً هل من العدالة أن يساوى المحسن بالمسيء؟ أو أن يعطى الطلبة الذين يجرى لهم امتحان درجات متساوية؟ أو أن يعطي الطبيب لجميع المرضى الذين يراجعونه دواءً موحداً وإن اختلفت أمراضهم؟ فلا معنى للمساواة إلا إذا تحققت بها العدالة، وهي متحققة بين الرجال والنساء.

أهمية العنصر النسوي في المجتمع

ص: 328

إن المرأة عنصر فعّال في بناء المجتمع فهو نصفه عدداً وإن كان كله بالأهمية التربوية لأنه المربي المباشر للأسرة التي هي نواة المجتمع ولقد صدق الشاعر اذ قال:

الأم مدرسة إذا أعددتها *** أعددت شعباً طيب الأعراقِ

خطر جهل الأم

قد أدى جهل الأم وضعف تربيتها إلى انحراف أبناء المجتمع وضياعهم ووقوعهم بأيدي غير كفوءة.

خطر جهل المرأة

· إن تخلّف المرأة يعني تخلف نصف المجتمع بل كل المجتمع لأنها المدرسة الأولى التي تحتضن الطفل وترعاه وتربّيه فإذا كانت متعلمة متدينة سهّلت المسير لأبنائها نحو الكمال.

· إن المجتمعات تبقى واهية مع بقاء هذا النصف (أي المجتمع النسوي) معطلاً عن التفاعل في بناء المجتمع .

المرأة ما لها وما عليها

إن المرأة أداة مهمة في عملية إفساد المجتمع وتدمير أخلاقه فيما إذا أقنعوها بخلع جلباب العفة والحياء والطهارة وفي الروايات أن أحد الأنبياء التقى بإبليس ومعه أدوات غوايته فكانت المرأة من أهمها وقال (قرة عيني في النساء) ووصف أمير المؤمنين (علیه السلام) أخاً له في الله تبارك وتعالى ومن أوصافه التي ركز عليها (إنه لم يستسلم لشهوة فرجه) ولا نحتاج إلى إسهاب لكي نبين الجريمة الكبرى التي ترتكبها المرأة المتبرجة التي تظهر مفاتنها أمام الرجال مما يؤدي إلى عدة نتائج سيئة كالوقوع في الفاحشة ومعصية الله تبارك وتعالى أو الكبت لمن يضغط على نفسه لمنعها من الوقوع في الحرام وكم من أسر دُمِّرت وحصل الفراق بسبب تداعيات وآثار الإنحلال الجنسي.

المرأة والمنبر الرسالي

عدم تصدي الواعيات المثقفات منهن لمنبر الوعظ والإرشاد والتوجيه وتبليغ الأحكام، وتركنه بأيدي نساء دنيويات غير متعظات لا يعرفن الا مصالح أنفسهن، فإذا أرادت النساء أن يحظين برضا الإمام المنتظر (علیه السلام) وتأييده لتشملهن ألطافه فعلى الكفوءات منهن اللواتي تتوفر فيهن شروط التصدي - وهنّ كثيرات في هذا الزمان، فأغلب نسائنا مثقفات

ص: 329

واعيات تزوّدن بعلوم العصر وأفكاره ومنفتحات - أن يؤدين هذا الواجب خصوصاً نساء الطلبة والفضلاء والعلماء، ويشجعن غيرهن ليكون الجميع من الممهدين للظهور الميمون والفائزين بنصرته (علیه السلام) والاستشهاد بين يديه (علیه السلام) وقد ذكرنا معلومات نافعة في كتاب (الخطابة النسائية بين الواقع والطموح).

درس قرآني في رعاية الأسرة

قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُم وَيَفعَلُونَ مَا يُؤمَرُونَ] الآية الشريفة تتضمن درساً في المسؤولية الأسرية والاجتماعية انطلاقاً من الحديث الشريف: (ألا كُلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على أهل بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) وتبرزأهمية هذه المسؤولية اليوم بشكل واضح لامتلاك الفساد والضلال والانحراف وسائل وتقنيات وأدوات متطورة وفاعلة ومثيرة وجاذبة مما يوجب أكثر من ذي قبل الاهتمام بهذا الأمر الإلهي العظيم ووضع الآليات المناسبة للالتزام به.

مسؤولية وقاية الأسرة من الإنحراف

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ }...[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا] خطاب عام موجّه لجميع المؤمنين والمؤمنات [قُوا] فعل أمر من الوقاية، و((الوقاية حفظ الشيء عما يؤذيه ويضرّه، قال تعالى: [فَوَقَاهُم اللهُ] وقال تعالى: [وَوَقَاهُم عَذَابَ الجَحِيمِ] والتقوى جعل النفس في وقاية مما يُخاف، وصار التقوى في تعارف الشرع حفظ النفس عما يؤثم، وذلك بترك المحظور، ويتم ذلك بترك بعض المباحات لما روي (الحلال بيِّن والحرام بيِّن ومن رتع حول الحمى فحقيق أن يقع فيه) [أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ] وجوب وقاية النفس وحفظها من النار ثابت وواضح، والجديد في الآية أنها تقرن الأهل بالنفس في حفظهم من ارتكاب ما يوجب النار التي وصفتها الآية الشريفة بأوصاف مرعبة. وقد نبه القرآن الكريم إلى هذه العناية الخاصة بالأهل في آيات كثيرة، كقوله تعالى مخاطباً نبيه الكريم (صلى الله عليه وآله): [وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا] وكان من أوائل ما نزل عليه(صلى الله عليه وآله) في بداية الدعوة الإسلامية: [وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ] وحكى عن إسماعيل صادق الوعد بقوله تعالى: [وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ] فهناك إذن مسؤولية خاصة عن الأهل جمعها قوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا

ص: 330

النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ]

كيف نحصن عوائلنا من النار

عن الإمام الصادق (علیه السلام) قال: (لما نزلت هذه الآية: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً] جلس رجلٌ من المسلمين يبكي، وقال: أنا عجزت عن نفسي وكُلّفت أهلي! فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): حسبك أن تأمرهم بما تأمر به نفسك، وتنهاهم عما تنهى عنه نفسك) فالمطلوب بمقتضى هذه الآية أن يحفظ الإنسان أهله من الوقوع في المعاصي وما يسخط الله تعالى بأن يرشدهم إلى الطاعة ويقرّبهم منها ويزيّنها لهم ويقنعهم بها ويكافئهم على فعلها، وبنفس الوقت يحذّرهم من المعصية ويردعهم عنها ويحميهم من الوقوع فيها، وقد ذكر العلماء (قدس الله أرواحهم) في رسائلهم العملية أمثلة لهذه المسؤولية فقالوا: (يجب عليه إذا رأى من أهله التهاون في الواجبات، كالصلاة وأجزائها وشرائطها بأن لا يأتون بها على وجهها لعدم صحة القراءة والأذكار الواجبة منهم، أو أنهم لا يتوضأون وضوءاًصحيحاً، أو لا يطهرون أبدانهم ولباسهم من النجاسة على الوجه الصحيح، فيجب عليه تعليمهم وأمرهم ونهيهم على الترتيب المتقدم حتى يأتوا بها على وجهها الصحيح. وكذا الحال في بقية الواجبات، وكذلك في المعاملات وسائر الأحكام. وكذا إذا رأى منهم التهاون في المحرمات كالغيبة والنميمة والعدوان بين بعضهم على بعض أو على غيرهم أو الزنا أو شرب الخمر أو السرقة، فإنه يجب عليه أن ينهاهم عن المنكر، حتى يرتدعوا عن المعصية).

ملاكات المسؤولية الأسرية

ذكر سماحته(دام ظله) مناشيء وملاكات المسؤولية الأسرية المستفادة من الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}:

1. إن هذا التأكيد وقرن الأهل بالنفس في الخير والشر يلاحظ أمراً فطرياً ونزعة لدى الإنسان فإنه يعتبر أهله كنفسه يصيبه ما يصيبهم، من وصية أمير المؤمنين (علیه السلام) لولده الحسن (علیه السلام) قال: (ووجدتك بعضي بل وجدتك كلي حتى كأن شيئاً لو أصابك أصابني، وكأن الموت لو أتاك أتاني، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي) وقد حكى القرآن الكريم عن جملة من الأنبياء (عليهم السلام) هذه الغريزة الإنسانية، قال تعالى عن إبراهيم(علیه السلام): [قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي] وقال عن النبي نوح (علیه السلام): [وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ] وقال تعالى عن النبي لوط (علیه السلام): [رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ] ومن الأدعية التي وردت في القرآن

ص: 331

الكريم [رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي].

2. إن للشخص سلطنة وقيمومة وولاية عرفية واجتماعية وشرعية خاصة على أهله وذويه مما تعطيه قوة في التأثير ومن غير المتوقع وجود موانع من ممارسة الفريضة كالتي يمكن أن تحصل مع الغير مثل حصول الضرر أو اختلال النظام ونحو ذلك، فتكون مسؤوليته أكبر لأن وجود المقتضي أقوى والمانع يكاد يكون مفقوداً.

3. إن الأسرة هي الوحدة الأساسية للمجتمع فإذا صلحت هذه الأسرة وتلك وتلك صلح المجتمع، فصلاح المجتمع –الذي هو الهدف- يتحقق بقيام كل فرد بإصلاح أسرته، فكأن الشارع المقدس بتأكيده على إصلاح الأسرة يضع لنا المنهج والطريق لإصلاح المجتمع.

إن الفرد مسؤول اجتماعياً عن أسرته فإذا صدر منهم ما يزين كان له، وإذا صدر منهم ما يشين كان عليه؛ لذلك ورد عن الإمام الصادق (علیه السلام) مخاطباً شيعته: (كونوا زيناً لنا ولا تكونوا علينا شيناً) لأنهم محسوبون على الإمام (علیه السلام) يتسمون باسمه، فإصلاح الفرد1. لأسرته إنما هو عمل يقدّمه لنفسه لأن الثناء يعود إليه فيما لو صلحوا وأحسنوا، كما أن الولد المنحرف يعيَّر به ويعتذر عن إساءته.

2. إن عدم صلاح الأهل يضعف موقف الفرد عند قيامه بواجبه في ممارسة الأمر والنهي في المجتمع؛ لأنهم سيردّون عليه بأنه ليبدأ أولاً بإصلاح أهله، مما يجعله في حرج من ممارسة هذه الفريضة العظيمة.

3. إن الأسرة وحدة مصغرة من المجتمع وفيها تنوع نفسي وفكري وثقافي فتصلح أن تكون معسكراً تدريبياً –كما يقال- لأداء الوظيفة في المجتمع فيستفيد العامل من كيفية التعاطي مع الأهل مع تنوعهم في التعاطي مع المجتمع وهو أحد وجوه فهم الحديث النبوي الشريف (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهله) وكذلك حديث (من عرف نفسه فقد عرف ربّه).

موارد وجوب وقاية الأسرة وهدايتها

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}...ما أكثر مصاديق هذا الوجوب المؤكد اليوم كتوفير البيئة الصالحة لهم في البيت بدءاً من اختيار الزوجة المؤمنة العفيفة المتفقهة، وأن يكون لهم أسوة حسنة لأن رب الأسرة يكون المثل الأعلى لهم، وأن يجنبهم أصدقاء السوء، وأن يعلمهم ويرشدهم إلى كل ما فيه صلاح الدنيا والآخرة، وأن لا يهمل أمر متابعتهم وتفقد شؤونهم بعذر الانشغال بالكسب

ص: 332

أو أي أمر آخر، وأن ينبههم إلى أوقات الصلاة برفع الأذان في البيت –وقد ورد فيه عن الإمام الرضا (علیه السلام): أنه مما يوجب كثرة الولد والشفاء من الأمراض- ويصلي بهم جماعة إن استطاع، وأن يختار لهم أحمد السبل وأرشدها في دراستهم وكسبهم وأوضاعهم الاجتماعية ونحو ذلك. وهذه المسؤولية ممتدة طول الزمان لأن الإنسان لا يخلو من المسؤولية عن الاهل فهو إما أن يكون ابناً أو أباً أو زوجاً أو أخاً، وكذلك بالنسبة للمرأة، أما مسؤوليته عن أسرته الخاصة فلا بد من الالتفات إليها ورعايتها من قبل الزواج باختيار المرأة الصالحة المؤهلة لحفظ بيته وماله وتربية أولاده.

إحذري الذئاب البشرية

بعض النساء يخضعن للشهوة الجنسية والانفعالات العاطفية والوعود المعسولة، فتتبع بعضهنّ أي إشارة شيطانية وتنسى الدين والشرف والعفة، وتغفل عن التقاليد الاجتماعية التي لا ترحم الفتاة المنحرفة ولا تعطيها العذر، فتكون عاقبتها القتل لغسل العار. فهل تستحق تلك اللذة العابرة هذه النتيجة القاسية؟ ويعلم الله كم أتألم ويعتصرقلبي عندما أسمع بمقتل الفتيات وبطريقة بشعة، لسقوطهن في شباك الذئاب من الرجال الذين لا ينالون نفس العقاب ولا يغسل عارهم، رغم أن العقوبة في الشريعة لهما واحدة على حد سواء. وقبلهما لا بدَّ من عقوبة أولياء أمورهم وغسل عارهم، لأنهم الذين يورطون أبناءَهم في الانحراف بسوء التربية وبالسماح للأفلام الخليعة واللقطات المثيرة أن تعرض في الدار، فماذا يتوقعون أن تكون النتيجة؟

التأثير السلبي للهاتف

تقول بعض النساء: إننا طوال الوقت في البيت وإذا لم نقضِ الوقت بالتكلم بالهاتف مع الشباب فإن حياتنا لا تطاق. والجواب: إن هذا التأثير الكبير الذي تركته هذه المكالمات في النفس بحيث أصبحت الحياة لا تطاق بدونها سببه التعود عليها يومياً فأخذت حيزاً من أنفسنا، والعادة كما يقولون طبع ثانٍ، وإن الأبدان كما عودت فعندما يمارس الإنسان عملاً ما كالنوم أو قراءة الكتب أو مشاهدة التلفزيون، فإن هذه الممارسات ستتحول بالتدريج إلى عادة تلازم الشخص فيكون أسيراً لها؛ لذا فإن الخير عادة والشر كذلك عادة، فلماذا إذن لا نعود أنفسنا على فعل الخير وترك الشر بكل أشكاله، وبالتدريج ستكون عاداتنا كذلك، عن أمير المؤمنين (علیه السلام): (عوّد نفسك فعل المكارم وتحمل أعباء المغارم تشرف نفسك وتعمر آخرتك ويكثر حامدوك)، (عوّد نفسك حسن النية وجميل القصد تدرك مباغيك) أما

ص: 333

النساء فيمكن لهن أن يقضين أوقاتهن بأمور مفيدة دنيوياً وأخروياً، وذلك من خلال مطالعة الكتب وسماع المحاضرات والتطريز والخياطة وغيرها من الأمور المفيدة والممتعة [وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى]، [فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى ، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى] فيستطيع الإنسان أن يكيف نفسه ويطبعها على المنهج الذي يقتنع به.

المحادثة الطويلة بالهاتف

هذا التصرف ناشئ من الفراغ والجهل الذي يسود الكثيرين فلا يعرفون قيمة الوقت ولا كيفية استثماره في النافع دينياً أو دنيوياً، وستكون مثل هذه الأوقات الضائعة حسرة وندامة على أهلها حينما تعرض لحظات العمر كلها، ويحاسب عن كل واحدة منها أين قضاها؟ ويجد أن الثانية الواحدة كان يمكن أن تنقله من الجحيم إلى الجنان فيما لو استثمرها بتسبيحة أو بكلمة طيبة أو موقف صالح، فكيف بهذه الساعات الطوال؟ هذا إذا لم نفترض أن هذا الكلام الطويل سيتطرق إلى محرمات كالغيبة والقدح في سمعة الناس وإذاعة أخبارهم، وقد رُوِيَ عن الإمام أمير المؤمنين علي ( عليه السَّلام ) أنهُ قال : " مَنْ كَثُرَكَلَامُهُ كَثُرَ خَطَؤُهُ ، وَ مَنْ كَثُرَ خَطَؤُهُ قَلَّ حَيَاؤُهُ ، وَ مَنْ قَلَّ حَيَاؤُهُ قَلَّ وَرَعُهُ ، وَ مَنْ قَلَّ وَرَعُهُ مَاتَ قَلْبُهُ ، وَ مَنْ مَاتَ قَلْبُهُ دَخَلَ النَّارَ "(1)- فتعاونوا على استثمار أوقاتكم فيما ينفع، ولينصح بعضكم بعضاً وتذاكروا بينكم [وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ].

مسؤولية الأسرة

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُم وَيَفعَلُونَ مَا يُؤمَرُونَ} الآية الشريفة تتضمن درساً في المسؤولية الأسرية والاجتماعية انطلاقاً من الحديث الشريف: (ألا كُلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على أهل بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم، ألا فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) وتبرز أهمية هذه المسؤولية اليوم بشكل واضح لامتلاك الفساد والضلال والانحراف وسائل

ص: 334


1- - وسائل الشيعة ( تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ) : 12 / 187 ، للشيخ محمد بن الحسن بن علي ، المعروف بالحُر العاملي ، المولود سنة : 1033 هجرية بجبل عامل لبنان ، و المتوفى سنة : 1104 هجرية بمشهد الإمام الرضا ( عليه السَّلام ) و المدفون بها ، طبعة : مؤسسة آل البيت ، سنة : 1409 هجرية ، قم / إيران .

وتقنيات وأدوات متطورة وفاعلة ومثيرة وجاذبة مما يوجب أكثر من ذي قبل الاهتمام بهذا الأمر الإلهي العظيم ووضع الآليات المناسبة للالتزام به [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا] خطاب عام موجّه لجميع المؤمنين والمؤمنات.. والتقوى جعل النفس في وقاية مما يُخاف، وصار التقوى في تعارف الشرع حفظ النفس عما يؤثم، وذلك بترك المحظور، ويتم ذلك بترك بعض المباحات لما روي (الحلال بيِّن والحرام بيِّن ومن رتع حول الحمى فحقيق أن يقع فيه) ..{أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ} وجوب وقاية النفس وحفظها من النار ثابت وواضح، والجديد في الآية أنها تقرن الأهل بالنفس في حفظهم من ارتكاب ما يوجب النار التي وصفتها الآية الشريفة بأوصاف مرعبة. وقد نبه القرآن الكريم إلى هذه العناية الخاصة بالأهل في آيات كثيرة، كقوله تعالى مخاطباً نبيه الكريم (صلى الله عليه وآله): [وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا] وكان من أوائل ما نزل عليه(صلى الله عليه وآله) في بداية الدعوة الإسلامية: [وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ] وحكى عن إسماعيل صادق الوعد بقوله تعالى: [وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ] فهناك إذن مسؤولية خاصة عن الأهل جمعها قوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ].

الأسرة هي المعسكر التدريبي الأول

إن الأسرة وحدة مصغرة من المجتمع وفيها تنوع نفسي وفكري وثقافي فتصلح أن تكون معسكراً تدريبياً –كما يقال- لأداء الوظيفة في المجتمع فيستفيد العامل من كيفية التعاطي مع الأهل مع تنوعهم في التعاطي مع المجتمع وهو أحد وجوه فهم الحديث النبوي الشريف: (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهله) وكذلك حديث: (من عرف نفسه فقد عرف ربّه).

مناشئ بعض الأمراض المعنوية التي تصيب المرأة وأسبابها:

1.قلة التفقّه في الدين، بل الجهل حتّى في الأمور الأساسية، ومع هذا الجهل كيف يتوقّع منها التكامل، وقد قال أمير المؤمنين (علیه السلام): (أوّل الدينِ معرفته).

2.تركيز الأنا الأنثوية عندها وحب الذات عندها والتفاتها إلى ما يبرّزها ويلفت الأنظار إليها، وليس إلى الأهداف الواقعية التي خُلقت لأجلها، أي أنها تلتفت إلى كونها أنثى أكثر من كونها إنساناً، فتحب أن تمدح ويثنى على جمالها ومظهرها الخارجي وتفوّقها على قريناتها، وهذا ما يُسبب للكثير من النساء الوقوع في الخطيئة بسبب كلمة مدح أو إطراء يلقيها هذا الرجل العابث أو ذاك، فتفقد عقلها وحكمتها، ومن كلمات أمير المؤمنين (علیه السلام): (لا ينبغي

ص: 335

لعاقل أن يمدح امرأة حتى تموت) ونتيجة لهذه الصفة فإنّها تعطي اهتماماً زائداً بتزيين وتجميل الظاهر، قال أمير المؤمنين (علیه السلام) (وإن النساء همهنّ زينة الحياة الدنيا والفساد فيها).

3.الغيرة إلى حد الاندفاع نحو الظلم والعدوان ..قال أمير المؤمنين (علیه السلام): (غيرة المرأة عدوان) وقال (علیه السلام): (غيرة المرأة كفر وغيرة الرجل إيمان).

4.عدم القناعة والرضا بما عندها ومدّ عينيها إلى ما عند الأخريات، خلافاً لقوله تعالى: (وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) وقال تعالى (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) فتجد الواحدة منهنّ لها ما لا يعد ولا يُحصى من النعم التي حباها الله تعالى، ومع ذلك فإنّها تعرض عنها وتُركّز على شيءٍ موجود عند غيرها فتحسدها وتكيد لها أو تنتقص منها لتحط من منزلتها ونحو ذلك فتقع في عدة كبائر فالتصرف الصحيح أن تشكر الله تعالى على ما أعطاها وتسأل الله من فضله كما وجّهت الآية.

5. الانسياق وراء الانفعالات العاطفية مما يجعلها عرضة للانخداع والزلل بكلمة معسولة، وهذه العاطفة الجياشة والمشاعر المتدفقة إنما أعطاها الله تعالى لها لتؤديوظيفتها في رعاية الأسرة والأطفال وتربيتهم على أكمل وجه، وليس لتنساق وراءها بلا تعقّل، قال تعالى في سبب جعل شهادة امرأتين بشهادة رجل واحد (أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى) قال أمير المؤمنين (علیه السلام): (المرأة إذا أحبتك آذتك، وإذا أبغضتك خانتك وربما قتلتك، فحبّها أذى وبغضها داء بلا دواء).

6.القصور الذاتي، من خطبة أمير المؤمنين (علیه السلام) بعد فراغه من حرب الجمل (معاشر الناس، إن النساء نواقص الإيمان، نواقص الحظوظ، نواقص العقول. فأما نقصان إيمانهن فقعودهن عن الصلاة والصيام في أيام حيضهن، وأما نقصان عقولهن فشهادة امرأتين كشهادة الرجل الواحد، وأما نقصان حظوظهن فمواريثُهن على الأنصاف من مواريث الرجال. فاتقوا شرار النساء وكونوا من خيارهن على حذر، ولا تطيعوهن في المعروف حتى لا يطمعن في المنكر) وقد تقول: أن هذه أمور خارجة عن إرادتها فليس من العدل أن تكون معوّقاً لها، والجواب أن هذا صحيح إلا أن معوقيتها من جهة عدم قيامها بما يتدارك هذا النقص الذاتي، فلو كانت مواظبة على صلاة الليل أو صوم ثلاثة أيام في الشهر فإنه يكتب لها أجر العمل إذا طرأ عليها العذر، مع أن طاعات كثيرة لا ترتبط بالأعذار

ص: 336

كالذكر والتفكّر فلتداوم عليها.

7.الثرثرة وكثرة اللغو في الكلام، وهذا الفضول من الكلام يوقع في الباطل بلا ريب، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أكثر الناس ذنوباً أكثرهم كلاماً فيما لا يعنيه)، وعن أمير المؤمنين (علیه السلام): (إيّاك والهذّر فمن كثر كلامه كثرت آثامه) وعنه (علیه السلام) لمّا مرّ برجل يتكلّم بفضول الكلام (إنّك تملي على حافظيك كتاباً إلى ربّك، فتكلّم بما يعنيك ودع مالا يعنيك) إن تشخيص هذه النقائص في النساء إلاّ من عصم الله تعالى يُراد منه قطع الخطوة الأولى في طريق التكامل، فلا ينبغي أن يُقابل بالاحتجاجات والاعتراضات ودعاوى امتهان المرأة وظلمها واحتقارها، فعن الإمام الصادق (علیه السلام): (أحبّ إخواني إليّ من أهدى إليّ عيوبي).

من خطط الاستكبار الافسادية

1- تشويه صورة التشريعات الإسلامية وعرضها كقانون ظالم للمرأة فهو يبيح تعدد الزوجات ويجعل شهادة امرأتين بشهادة رجل وحصتها في الميراث نصف حصته وغيرها مستغلين جهل المرأة بفلسفة هذه التشريعات واسرارها مما يؤدي إلى نفور المرأة عن الإسلام ومن نتائج ذلك انها لا ترغب في سن دستور إسلامي لأنه يضطهدها كما تتخيل.

2- خداع المرأة بعناوين براقة تخدعها وتدفعها إلى التشبث بها كالحرية والمساواة بالصورة التي تخدم مصالحهم واغراضهم الخبيثة وليس بمعانيها الحقيقية التي لا تجدهاإلا في الإسلام فيفسرون الحرية بالانحلال الخلقي والتخلي عن القيم والمبادئ الإسلامية واوضح معالمه عندهم خلع الحجاب ويعرفون المساواة بانها مزاحمة المرأة للرجل في كل شيء وإهمالها لأهم وظيفة لها تضمن بها سعادتها وتحفظ كيان أسرتها وهي الاعتناء بزوجها واطفالها وبيتها.

3- توجيه اهتمام المرأة إلى قيم زائفة لا قيمة لها كالاهتمام بالأزياء وقصة الشعر وادوات التجميل ونوع الاثاث والتباهي بأمور دنيوية زائلة وصنعوا لذلك مهرجانات واحتفالات لعرض احدث الازياء واختيار ملكة الجمال أو أحسن أغنية وهكذا لإقناع المرأة بان هذه هي الحياة التي يجب ان تحياها وهذه هي الاهداف التي تعيش من اجلها وتبقى بهذه التفاهات وتنسى الأهداف الحقيقية الخالدة التي خلقت من اجلها وتضمن لها السعادة وهي طهارة النفس وسمو الذات والفوز برضوان الله تبارك وتعالى (ورضوان من الله وأكبر).

الاجتهاد التخصصي للمرأة

ص: 337

نأمل أن تصل بعض النساء إلى درجة الاجتهاد لتتخصص في فقه المرأة فإنها أعرف بشؤون بنات جنسها وأقدر على فهم النصوص المتعلقة بها، وهو جزء من مشروع (الفقه المتخصص) الذي دعونا إليه وعندي كل الثقة بالقدرات العقلية لنسائنا وهمتهن وحماسهن وشعورهن الكبير بالمسؤولية، فقد نقلت بعض الإحصائيات أن عدد المهندسات في العراق يساوي عدد المهندسات في الولايات المتحدة مع أن سكان الولايات المتحدة عشرة أضعاف عدد سكان العراق، وهذا أحد الشواهد التي يؤخذ بها لمعرفة رقي الشعوب.

وجه ذم النساء في الروايات

عرضنا وجهاً من عدة وجوه لفهم كلمات أمير المؤمنين (علیه السلام) في المرأة بأنه (علیه السلام) تعرض من بعض النساء لمواقف مذمومة مزقت الأمة وأزهقت أرواح الآلاف من المسلمين فصدرت منه كلمات منسوبة إليه في حق المرأة وقلنا في ذلك الوجه أننا لا نفهم من (ال) التعريف إنها للجنس ليشمل الذم كل النساء، وإنما هي (ال) العهدية أي التي تشير إلى امرأة معهودة معروفة لدى المتكلم والسامع.

صلاح المجتمع بصلاح المرأة

إن المرأة يراهن عليها الإسلاميون وأعداؤهم على السواء لأن كلا الطائفتين يعلمان أنهم لو كسبوا المرأة سيكسبون الجولة؛ لأن المرأة من حيث العدد تمثل نسبة تصل (58%) وهي تمتد أكثر من ذلك من حيث التأثير لأنها الأم والأخت والزوجة والبنت، وأنتم تعلمون أن المرأة إذا صلحت صلح المجتمع وإذا فسدت -والعياذ بالله- فسد المجتمع، وهذا المحور منالحديث تناولته في كتاب (دور المرأة في العراق الجديد) فلا نكرر.

رسالة إلى النساء الرساليات

إن توجهات المرأة أصبحت بعيدة عن الهدف الحقيقي والإتجاه الصحيح للتعامل، فصارت تهتم بالزينة الظاهرية وتتباهى بأفخر الثياب والحلي ومواد التجميل والمصوغات ونحوها وهذه مشكلة كبيرة. وليس صحيحاً أن نقتصر بالنظر على المجتمع المرتبط بنا الذي هو ملتزم دينياً لتقييم خطورة مثل هذه القضية فتهوّنوا منها، لأنكن بفضل الله مؤمنات واعيات ملتزمات ولكن انظروا إلى كل أنماط ومستويات التربية للمجتمع.

قيمومة الرجل

قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا

ص: 338

أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) ورغم إن القيمومة للرجل مسألة إدارية تنظيمية لأن الأسرة تجمع يشكل نواة المجتمع فلا بد من رأس يديرها وقد ذكرت الآية علة إعطاء هذا الموقع للرجل وانه يرجع إلى سببين أولهما ذاتي يعود إلى نفس تركيبة الرجل الفسلجية والنفسية والعقلية وثانيهما الموضوعي فان الرجل غالباً هو المنفق على الاسرة ويدبر شؤونها لكن الكثير حولوا هذه المسألة الفنية إلى ظلم وتعسف واستبداد بسوء تطبيقهم مما انعكس سلبياً على فهم هذا التشريع.

المرأة والتعليم

لا يوجد ما يدل على منع المرأة من التعليم بل على العكس فإن المرأة كالرجل مشمولة بمئات الآيات والروايات التي حثت على طلب العلم النافع والتدبر في آيات الله والتفكير فيها وتفضيل أهل العلم على غيرهم درجات لكن لابد من تعيين الآليات المناسبة لتعليم المرأة بما يصون عفتها وحجابها ولا يجعلها فتنة للآخرين ومن دون أن تخل بمسؤولياتها تجاه زوجها واطفالها وأن تقنن العلوم التي تدرسها بما يناسب حاجتها ورسالتها ويمكن تقديم عدة اطروحات وأفكار في هذا المجال.

المساواة بين الرجل والمرأة

خدع الأعداء كثيراً من أبنائنا بهذه الدعوى من دون أن يعرفوا بدقة مغزاها ويتخبطون بمجرد أن نسألهم عن معنى المساواة وهم بأنفسهم يحجبون المرأة عن كثير من الاعمال والمسؤوليات التي لا تناسب المرأة ولا يفرقون بين المساواة والمماثلة فان الإسلام هو مؤسس العدل والمساواة الا ان ذلك لا يعني المماثلة في الحقوق والواجبات واضرب لذلك مثالاً فلو ان رجلاً يملك أموالاً وعقارات ومعامل فأراد ان يوزع ممتلكاته بالتساوي فقديعطي لأحدهم نقداً ولآخر عقارات بنفس القيمة ولآخر معامل بنفس القيمة مراعياً حال كل منهم ومايناسبه وما يحسنه من أعمال فهل يؤاخذ الأب على ذلك أم يحمد لأنه ساوى بين اولاده وبالشكل الذي يصلحهم وان لم يماثلهم في العطاء فهكذا فعلت الشريعة تساوي الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات وان لم يتماثلوا فيها.

تعدد الزوجات

وهو موضوع صوره الأعداء وكأنه ظلم للمرأة وتجاوز على عواطفها فنفروا المرأة من الشريعة بسببه فما فلسفة هذا التشريع وما هي الحكمة وراءه والمشاكل التي يعالجها هذا

ص: 339

التشريع وكيف اضطرت الكثير من الأمم إلى اباحته بعد ان منعته لما وجدت ان عاقبته تدمير كيان المجتمع وانحلال روابطه ، راجع تفسير الميزان وفي ظلال القرآن وشبهات حول الإسلام لمحمد قطب والمرأة في الإسلام وغيرها.

جمال المرأة

لقد أقنع الأعداء المرأة بأن جمالها في لبسها أفخر الثياب وأغلاها أو وضعها للزينة الصارخة أو شكل تسريحة شعرها أو المبالغة في إبداء مفاتنها فحولوا المرأة إلى دمية تتفنن دوائر الإفساد العالمي في صنعها واخراجها وليس لها إلا التسليم والاذعان أما الإسلام فيرى ان الجمال الحقيقي للمرأة في عفتها وحيائها وحجابها وسترها عن اعين الرجال وفي تقواها وتدينها قال تعالى -مشيراً إلى أن اللباس الحقيقي الذي يزين الإنسان هو التقوى- (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) وتستطيع تلك المرأة المغلوب على أمرها ان تستقرئ اذواق الرجال لترى انهم إلى أي المرأتين أشد ميلاً واكثر إعجاباً فستجدهم يختارون المرأة المحتشمة العفيفة الممتنعة عن الرجال ويشترك في هذه النظرة المؤمنون والفسقة من الرجال مع موعظة للمرأة المغترة بجمالها مما يدفعها إلى معصية الله تبارك وتعالى بأن هذا الجمال زائل وقد يكون زواله سريعاً لتعرضها لحادث سيارة أو حرق ونحوها مما هو محتمل ووارد وكم امرأة كان جمالها وبالاً عليها وعلى زوجها وأدى إلى طغيانها واستعلائها وتفكك اسرتها وتوجيه النصيحة إلى الشباب الذين يبحثون عن اوصاف مثالية في المرأة التي يريدون الزواج منها فلا يجدونها مما يؤدي إلى تعطيلهم وتعطيل النساء وحصول مفسدة كبيرة أن هذا العزوف هو من النتائج التي يريد أولياء الشيطان ايصال شبابنا إليها بنشر صور من يسمونهن بالحسناوات في الصحف والمجلات وقد عالج الشرع المقدس ذلك بالأمر بغض البصر عن ما حرم الله تعالى.

المرأة وآلهة الجاهلية الحديثة

قلنا في كتاب (شكوى القرآن) إن الجاهلية ليست فترة زمنية انتهت بظهور الإسلام بلهي حالة اجتماعية وفكرية عقائدية تتردى اليها البشرية كلما ابتعدت عن المنهج الالهي ولها سمات وخصائص ذكرناها هناك وهي مجتمعة في عالم اليوم بل ان الجاهلية المعاصرة جمعت مساوئ كل تلك الجاهليات وتشكل المرأة ركيزة اساسية في حالة التردي هذه ووسيلة مهمة لإعادة الأمة الى جاهليتها لذا ورد في الحديث ان النساء حبائل الشيطان والهم الرئيسي للشيطان ابعاد الناس عن طاعة الله تعالى وقد صنعت الجاهلية آلهة جديدة اقتنعت المرأة

ص: 340

بالخضوع لها وطاعتها وعدم الخروج عن مقتضياتها وهي معاني العبادة (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ) فالمرأة اليوم تخضع للتقليد وللأعراف ولما يقتضيه الاتكيت الاجتماعي من مشاركة في الحفلات المختلطة وارتياد النوادي ولبس افخر الثياب وتبديل اثاث البيت في كل موسم وتلهث وراء الموضه -كما يسمونها- وتقلد الفنانات وعارضات الأزياء وقد كلفها هذا الخضوع وهذه العبادة الخروج عن دينها واخلاقها بل ادى الى تفكك الكثير من الأسر وانحلالها لعدم قدرة الزوج على تلبية هذه المتطلبات فإما ان يلتجئ إلى الوسائل المحرمة او ينهي علاقته بمثل هذه المرأة.

المرأة والعمل

مما خدعوا به المرأة وأخرجوها من بيتها ضرورة عمل المرأة وأن جلوسها في البيت تعطيل لنصف المجتمع وضرب المثل بالمرأة الغربية التي خرجت للعمل وكل هذه أباطيل فان ممارسة المرأة لوظيفتها الإلهية في بناء اسرة متكاملة أهم من خروجها للعمل الذي ادى إلى تعطيل دورها ودور الآخرين باشغالهم وفتنتهم بها فتعطل المجتمع كله ، وهل اننا وفرنا فرصة عمل لكل رجل حتى نحتاج إلى خروج المرأة وان مقارنة المرأة المسلمة للمرأة الأوربية باطل فان المرأة في الإسلام مكفولة الرزق ضمن نظام أسري قبل الزواج وبعده أما الأوربية فليست كذلك كما أن أوربا مرت بظروف الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر والحروب الكارثية التي اضطرت المرأة للعمل وليس حالنا مثلها ومحل الشاهد أننا نحتاج إلى عرض هذه الشبهات التي ظللوا بها نساءنا والاجابة عنها وبيان مساوئ الخروج العشوائي وغير المنتظم والمبرمج للمرأة إلى ميدان الحياة العامة مما يسوق الأمة إلى التردي والاضمحلال.

المرأة وتربية الأجيال

إن المرأة عنصر مهم في تربية المجتمع فإن كانت واعية وصالحة وملتزمة فإنها تكون قادرة على إنشاء جيل صالح لأنها المربي المباشر للأبناء باعتبار انشغال الرجال في اعمالهم خارج البيت وقد سمعنا عن الكثير من النساء اللواتي كن سبباً في هداية أزواجهن وبقية ذويهن.

توضيح معنى القيمومة

القيمومة لم تُعطَ للرجال من باب تفضيل الذكور على الإناث، وإن المجتمع الإسلامي (ذكوري) كما يزعمون، بل لأمرين: بعض الخصائص التي اتّصفوا بها مما يؤهلهم للقيام بهذه المسؤوليات، ولأنّهم المسؤولون عن الإنفاق على الأسرة، ولكن هذا لا ينافي العدالة في

ص: 341

توزيع المسؤوليات ومنح الاستحقاقات من الثواب والعقاب، لأن العدالة لا تعني بالضرورة المساواة أي التماثل بنحوٍ مطلق، والمطلوب هو تحقيق العدالة، أما المساواة فقد تكون من العدالة وقد لا تكون، مثلاً هل من العدالة أن يساوى المحسن بالمسيء؟ أو أن يعطى الطلبة الذين يجرى لهم امتحان درجات متساوية؟ أو أن يعطي الطبيب لجميع المرضى الذين يراجعونه دواءً موحداً وإن اختلفت أمراضهم؟ فلا معنى للمساواة إلا إذا تحققت بها العدالة، وهي متحققة بين الرجال والنساء، فهذه الصيحات المطالبة بالمساواة إما منافقة أو جاهلة أو مأجورة تنفّذ أجندات معيّنة، هذه مقدمة لما نريد أن نقوله، وهو أنه إذا كانت المرأة لا تختلف عن الرجل في الحقوق والواجبات ولهما فرص متكافئة لنيل الكمالات والقرب من الله تعالى وقد زُوِّد الرجل والمرأة على حد سواء بما يعينهم على التكامل من قوى ذهنية وجسدية.

النشاط الرسالي النسوي

إن حماس النساء وهمتهن في العمل كانت أكثر من الرجال ولا اعتقد أن الرسالي يضره عدم التفات الناس إلى ما يبذله من جهود لأنه لا يبتغي من احد جزاءاً ولا شكوراً وغاية ما يستهدف رضا الله تبارك وتعالى وهو اقرب إلينا من حبل الوريد ويحول بين المرء وقلبه ومطلع على ما تخفي الصدور.

الجمال الحقيقي للمرأة

الإسلام يرى إن الجمال الحقيقي للمرأة في عفتها وحيائها وحجابها وسترها عن أعين الرجال وفي تقواها وتدينها قال تعالى -مشيراً إلى أن اللباس الحقيقي الذي يزين الإنسان هو التقوى- (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ).

مؤامرة لتنفير المرأة من الأخلاق

على الصعيد الفكري فإننا نشهد حملة واسعة لتشويه الأفكار وتضليل الآراء من أجل تنفير المرأة من دينها وأخلاقها وآدابها الاجتماعية ودعوتها إلى التحرر من كل هذه المعايير، لتصبح دميةً يتلهى بها الرجال فيسقطان معاً ويكونان آلة للمستكبرين ليحققوا مصالحهم اللامشروعة، فنجد ثلة من المتحللات صنائع شياطين الإنس والجن (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) ويصيدون بشباكهم السذّج والجهلة من النساء رغم ضحالة وسطحية ما يتبجحون به وإمكان الرد عليه بيسر وسهولة لو توفر عند المقابل شيءمن الثقافة والوعي. ومن الكتب النافعة في هذا المجال (فلسفة تشريعات المرأة) وغيرها،

ص: 342

فهذه كلها مشاكل كبيرة قد لا تبدو صورتها المرعبة واضحة الآن لأن مجتمعنا ما زال متماسكاً ومحتفظاً بأخلاقه ودينه، لكنها قنابل موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة، وتنهي هذه التركيبة المنسجمة لمجتمعنا وتقوده نحو الانحلال والضياع والتشتت، كما حصل في أكثر الدول الإسلامية العربية القريبة منا في دول الخليج والدول العربية والإسلامية الأخرى فضلاً عن الغربية والأمم الأخرى، ما لم نحتط للأمر ونحسب له حسابه ونضع الخطط الاستتراتيجية لمعالجته.

شِعارية الحجاب

إن الحجاب شعار لنظام كامل في الحياة تختطه المرأة المسلمة لأن الحجاب يعني انتهاج السلوك النظيف والعفيف الخالي من الخيانة والرافض للخطيئة والذي يمتنع عن الفساد والانحراف عن الاخلاق الإسلامية العليا.

النساء ومرض المباهاة والتفاخر

الخطوة العملية المطلوبة هي حثّ النساء على الترفّع عن المباهاة والتفاخر والتزيّن بأمور الدنيا والتنافس مع النساء الأخريات والتفوّق عليهنّ، فهذه أمور تافهة لا قيمة لها وإن التنافس الحقيقي بالعمل الصالح وبالخصال الكريمة التي أشرنا إليها، أمّا هذه المنافسات الدنيوية فهي من خدع الشيطان

تكافؤ فرص الطاعة للجنسين

فرص الطاعة والتقرب إلى الله تعالى متكافئة للجميع لكنها منوّعة بحسبهم، روي أن مجموعة من النسوة شكت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) تفضيل الرجال عليهن بإعطائهم فرصة الجهاد الذي هو (باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه) -كما وصفه أمير المؤمنين(علیه السلام)- وسقط عنهنّ، فأجاب النبي (صلى الله عليه وآله): بأن (جهاد المرأة حسن التبعّل) فالتساوي في فرص التكامل مكفولة للجميع. وكذلك فرصة الحج التي منحت للمستطيعين لم يُحرم منها الفقراء فورد فيهم (صلاة الجمعة حج المساكين) وهذه من عدالة الله تبارك وتعالى ومن حكمته.

أثر المرأة في الحياة السياسية

إن من يكسب صوت المرأة وينجح في إقناعها ستكون له الفرصة الأوفر للنجاح في الحياة السياسية بكل تفاصيلها.

أهمية دور المرأة

ص: 343

النتيجة التي نريد أن نصل إليها إن للمرأة دوراً لا يقلّ عن الرجل في التصدي لأخطرقضايا الأمة وأعظم التحديات التي تواجهها جنباً إلى جنب الرجل، ولا تقعد بها همتها لمجرد أنها امرأة، لكن طبعاً مع مراعاة الدور الذي يناسبها، وساحة العمل التي تتحرك فيها.

من الطرق للقضاء على السفور؟

إنكم تتحدثون عن سفور أو حجاب غير مطابق للحدود الشرعية عند الحرم الشريف، فلو جنَّدت بعض الأخوات أنفسهن للزيارة يومياً أو في الأيام التي يكثر فيها الزوار، وكلما شاهدت امرأة أو أكثر غير محتشمة اقتربت منها وسلمت عليها وعرضت خدماتها عليها كقراءة الزيارة أو أية مساعدة وبعد حصول الألفة بينهنّ توجهها برفق وتعلمها، لأنني أعتقد أن السبب الأكبر للابتعاد عن الدين هو الجهل والغفلة وهما يزولان بالتعليم والموعظة الحسنة.

المرأة ومواجهة الجهل

المجتمع يواجه اليوم مشاكل وتحديات كثيرة يكون للمرأة دور مهم في مواجهتها كقضية تبليغ الأحكام الشرعية ونشر تعاليم مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم الناس أمور دينهم، فإن الجهل قد تفشى وخفيت على الناس خصوصاً النساء أكثر مسائل الحرام والحلال وضوحاً، وفي ذلك مخالفة صريحة لما أراده الله ورسوله والأئمة المعصومون (سلام الله عليهم أجمعين).

ظاهرة الطلاق

للمرأة دور في إنقاذ المجتمع من مشاكله وعقده الاجتماعية ومنها ظاهرة الطلاق التي ازدادت بشكل مرعب في السنوات الأخيرة، حيث تشير إحصائيات بعض المحاكم إلى بلوغها نسبة 30% أو 40% أي أن ثلث حالات الزواج تقريباً تنتهي إلى الطلاق، وهذه نتيجة مقلقة لأن الله تعالى يبغض الطلاق بقدر حبّه للزواج، وقد جاء في الحديث عن الإمام الباقر (علیه السلام) قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما بني بناء في الإسلام أحب إلى الله عز وجل من التزويج) فالطلاق تهديم لأحب بناء إلى الله عز وجل، وآثاره الاجتماعية السيئة على المجتمع وخصوصاً الأطفال مما لا يخفى على أحد.

الحياء والعفة صفتان رئيسيتان للمرأة

الاتّصاف بالحياء والعفّة، وهاتان الصفتان في النساء خصّهما بالطلب الدعاء المأثور في زمن الغيبة الذي أوّله: (اللهم ارزقنا توفيق الطاعة وبعد المعصية) والذي يبيّن الصفات

ص: 344

المطلوبة في كل شريحة كالعلماء والأمراء والأغنياء والفقراء والشباب وغيره إلى أن يقول: (وعلى النساء بالحياء والعفة) فالتركيز عليهما ناشئ من أهميتهما ودورهما في تكامل النساء. وقد وردت فيهما أحاديث كثيرة كالمروي عن أمير المؤمنين (علیه السلام) قال: (العفة رأس كل خير) وقدجعلته إحدى الفاضلات عنواناً لكتاب مفصّل في هذه الخصلة الكريمة، وعن أمير المؤمنين(علیه السلام) قال: (ما المجاهد الشهيد في سبيل الله بأعظم أجراً ممّن قدّر فعفّ، لكاد العفيف أن يكون ملكاً من الملائكة).

المرأة وطلب المعالي

يوجد شعور أو ارتكاز أو ثقافة لدى النساء قبل الرجال بأنهنّ قاصرات عن بلوغ المعالي ودرك الكمال، وقد ترسّخت هذه الثقافة حتّى تحوّلت إلى قناعة..إنّ سلوك طريق الكمال يبدأ بالإرادة والعزم، وكلما كان العزم أقوى كان قطف الثمار أسرع (على قدر أهل العزم تأتي العزائم) وينسب السيد الخميني (قدس سره) إلى شيخه (رضوان الله تعالى عليه) قوله: (إن العزم هو جوهر الإنسانية ومعيار ميزة الإنسان، وإن اختلاف درجات الإنسان باختلاف درجات عزمه) وإنما يشتد عزم الإنسان وتقوى إرادته بزيادة القناعة والمعرفة، لذا أقدّم بعض المحفزّات لرفع الهمّة يوجد في القرآن الكريم والروايات والأدعية الشريفة ثناء عظيم على من تكون همته كبيرة في طلب الكمال ونيل معالي الأمور، قال تعالى في وصف عباد الرحمن (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) والزوج لغة يطلق على المرأة والرجل فتجري الآية فيهما معاً، ويسجّل القرآن الكريم علّو همتهم بأنهم يطلبون أن يكونوا للمتقين إماماً، ولا يكتفون بأن يكونوا من المتقين، وإن كانت درجتهم رفيعة.

معنى الحياء والعفة

ورد في الحياء قول أمير المؤمنين (علیه السلام): (الحياء سبب إلى كل جميل) وقوله (علیه السلام): (الحياء مفتاح كلّ الخير) وتلاحظ أنّ العفّة والحياء يشتركان في صفة كونهما أصل وسبب ومنشأ كلّ خير وجميل. وقد عُرِّفَ الحياء بأنّه: (انقباض النفس عن القبائح وتركها)، وفي الحديث الشريف: (إنّ الله حيِيّ) أي تارك للقبائح فاعل للمحاسن)) وفُسّرت العفّة بأنها: (حصول حالة للنفس تمتنع بها عن غلبة الشهوة) فهما إذن ملكتان نفسيّتان وخصلتان كريمتان بهما جمال المرأة وكمالها، أمّا ارتداء الحجاب الخارجي مهما كان متكاملاً فهو جزء منهما ومظهر لهما لكنّه لا يكفي وحده للتعبير عنهما ما لم ينعكس أثرهما على السلوك

ص: 345

الخارجي والتعامل مع الآخرين، فلا فضول في الكلام ولا ملاطفة ولا انبساط في الحديث ولا خضوع بالقول ونحو ذلك، أما ما نسمع عنه اليوم من جلسات مختلطة غير محتشمة أو صداقات أو حوارات بين المؤمنين والمؤمنات على مواقع التواصل الاجتماعي أو بأي وسيلة أخرى مباشرة أو غير مباشرة تحت عنوان الحوار المفيد أو الهادف أو أي شكل آخر هو خداعمنافي للحياء والعفّة ولا مبرّر له لإمكان التواصل مع أبناء نفس الجنس، وتوجد شواهد كثيرة على انتهاء هذه العلاقات إلى نتائج مؤلمة.

قيمة الحجاب

إن الحجاب جزء مهم وضروري من كيان المرأة المسلمة ولا تتخلى عنه مهما كان الثمن حتى لو كلّفها حياتها فمثل هذا القرار سيدفع النساء المسلمات إلى ترك الدراسة وعدم التخلي عن الحجاب وفي ذلك حرمان لهّن من حق اساسي في الحياة وهو التعليم.

من أين تبدأ المرأة بالسلوك إلى الله؟

لاشكّ أن الوسيلة التي تصل بها المرأة إلى هذه المقامات (السامية) تبدأ من خطّ الشروع والقاعدة الأساسية وهي التزامها بواجباتها الدينية على أكمل وجه، عن النبي (صلى الله عليه وآله): (كلّ امرأة صالحة عبدت ربّها وأدّت فرضها وأطاعت زوجها دخلت الجنّة) وهذا يتطلّب منها تفقّها ومعرفة بأمور الدين بمعناه الواسع الشامل للأحكام الشرعيّة والمبادئ الاعتقادية والأخلاق السامية ومعرفة أولياء الأمر وهم الأئمة الذين فرض الله ولايتهم ومودّتهم وقرن طاعتهم بطاعته.

خطوات عملية للمبلغات

بعض الخطوات العملية التي تزيد في التكامل وتوصل إلى المراد بإذن الله تعالى، ونأمل أن تكون من الإضافات التي تتميّز بها هذه المؤسسة المباركة (جامعة الزهراء الدينية) عن بقية المؤسسات وتهتم بها:

1. إحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنّها معطّلة وغائبة في المجتمع وهذا التعطيل لدى النساء أشدّ لضعف حركة التبليغ والوعظ والإرشاد، رغم أنّ هذه الفريضة وُصِفت في الأحاديث الشريفة بأنّها أسمى الفرائض وأعظمها وأنّها منهاج الأنبياء وسبيل الصلحاء وغير ذلك.

2. الاتّصاف بالحياء والعفّة، وهاتان الصفتان في النساء خصّهما بالطلب الدعاء المأثور في زمن الغيبة الذي أوّله (اللهم ارزقنا توفيق الطاعة وبعد المعصية) والذي يبيّن الصفات

ص: 346

المطلوبة في كل شريحة كالعلماء والأمراء والأغنياء والفقراء والشباب وغيره إلى أن يقول (وعلى النساء بالحياء والعفة) فالتركيز عليهما ناشئ من أهميتهما ودورهما في تكامل النساء.

حثّ النساء على الترفّع عن المباهاة والتفاخر والتزيّن بأمور الدنيا والتنافس مع النساء الأخريات والتفوّق عليهنّ، فهذه أمور تافهة لا قيمة لها وإن التنافس الحقيقي بالعمل الصالح وبالخصال الكريمة التي أشرنا إليها، أمّا هذه المنافسات الدنيوية فهي من خدع1. الشيطان.

2. السعي الدؤوب لحماية المجتمع من المشاكل العائلية والخلافات على أمور لا تستحق الالتفات إليها تُسبّب الكراهية والبغضاء بين الأخ وأخته والأمّ وولدها والزوج وزوجته والأب وأبنه وبين الجيران والأرحام ونحو ذلك وتتضاعف وتتضخّم وتؤدي إلى تفكّك الأسر وتخريب المجتمع وهو ما يبغضه الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) ويؤدي إلى تشوش الفكر وانشغال القلب وزيادة الهم، وعلى العكس فإنّ المرأة تستطيع أن تصبح بعواطفها الجيّاشة ورحمتها الواسعة وقلبها الكبير أن تصبح جسراً للمودّة والمحبّة والتواصل بإذن الله تعالى.

مظلومية المرأة الريفية

إن وضع المرأة في الريف والمناطق العشائرية نموذج للتطبيق السيئ لقيمومة الرجل على المرأة، والشواهد على ذلك كثيرة؛ منها ما يتعلق بجعلها (فصلية) أي ضمن دية القتل، ومنها (النهوة) التي تؤدي إلى تعطيل النساء عن الزواج، ومنها القتل لأتفه الأسباب مما يسمونه (بغسل العار)، ومن الشواهد على عدم الإنصاف والمروءة والرحمة في توزيع الأعمال على الجنسين، فالمرأة تستيقظ من النوم قبل الفجر لتعجن الطحين، ثم تخبز وتهيئ طعام الإفطار، ثم تجلب الماء وتطبخ الطعام وتحرث وتزرع وتجني وتحلب الدواب وغيرها كثير، مضافاً إلى مسؤولياتها العائلية كالحمل والإنجاب والرضاع وقضاء حاجة الزوج وخدمة أفراد العائلة، فبماذا استحق الرجل كل هذه الخدمة؟! وماذا جنت المرأة حتى تعاقب بهذه (الأشغال الشاقة) التي يُحكَم بأقل منها على الجناة ومرتكبي الجرائم؟! وإني لأعجب لهؤلاء الرجال الذين ينبض فيهم عرق الغيرة لأقل كلمة يسمعونها في شرفهم من دون التحقق من صدقها، وقد يكون قائلها مغرضاً يريد الانتقام من هذا (الغيور) ومن شرفه، فتراق الدماء التي حرمها الله تبارك وتعالى، وجعل حرمة دم المؤمن أعظم عند الله من الكعبة كما ورد في الحديث النبوي الشريف. فبينما تراهم بهذا المستوى من (الغيرة)

ص: 347

الجوفاء تراهم يرسلون نساءهم إلى مسافات بعيدة لجلب الماء وفي طرق خالية، مما يعرضهن إلى اعتداء الذئاب البشرية وهن ساذجات جاهلات يسهل خداعهن وإيقاعهن في الفاحشة، فهل يقع اللوم الأكثر عليهن أم على أولياء أمورهن الذين يجبرونهن على القيام بهذه الأعمال وهم يعلمون هذه النتائج سلفاً؟! وإذا ما حدث الخطأ - والعياذ بالله- أنزلوا العقوبة الشديدة بهن. فلماذا يستنكف الرجل من القيام بهذه الأعمال وقد هيّأ الله أبدانهم للقيام بهذه الأعمال الشاقة؟! وقد يخشى التعيير بذلك، لكن طاعة الله وتجنب معصيتهوالعمل بما تقتضيه الأخلاق والشرف والعفة والحياء ليس عاراً، بل العار هو ما يفعله هؤلاء الناس حيث حذر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من مثل هذا الزمان الذي يرى الناس فيه المعروف منكراً والمنكر معروفاً، وحتى لو كان عاراً فهو أولى من دخول النار ، كما كان يرتجز الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء:

الموت أولى من ركوب العارِ *** والعار أولى من دخول النارِ

وإن قلبي ليتمزق ألماً وأسفاً لوقوع مثل هذه التصرفات المنافية للدين والأخلاق، وفي هذا البلد الذي يحتضن المرجعية الشريفة ومراقد الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ويعد مركز إشعاع الفكر الإسلامي للعالم كله، وسيكون عمّا قريب عاصمة الإمام المهدي (عجل الله فرجه) فهل ترجون نصرة الإمام ونيل رضاه بهذه الهمجية والجاهلية؟!

كيف تكونين داعية للحجاب بغير لسانك؟

1- إن من أهم وسائل التربية وجود الأسوة الحسنة وقد ألفت الله تبارك تعالى نظر الأمة الى شخصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) باعتباره النموذج الأكمل الذي يتأسى به فقال عز من قال: (ولقد كان لكم في رسول الله أُسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر) فوجود المؤمنات الرساليات بهذه الهيبة والجلالة الإسلامية (أي بالحجاب الإسلامي) يجعل منهّن أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ولا أشكُ أنهّن محط احترام الجميع ومظهر مشّجع على الاقتداء به.

2- إنهّن بهذا السلوك العفيف ألقين الحجة على الجاهلة بالحجاب الإسلامي والمترددة في لبسه والتي تخشى الناس (والله أحقُ أن تخشاه) وهو بيان عملي لكيفية الحجاب بعد أن أفرغه أعداء الإسلام من محتواه وجلبوا الى المسلمين نماذج متميعة يسمونها حجاباً .

3- أنه رَدُ حازم على اللواتي تخليّن عن جلباب العفّة والحياء وأظهرن أنؤثتهن أمام الرجال الاجانب فأهانن بذلك أنفسهن وكرامتهن ويندرج فعل تلكم الفاضلات في وظيفة الأمر

ص: 348

بالمعروف والنهي عن المنكر الواجبة على الأُمة وأعتقد ان مثل هذا العمل النبيل سينمو ويربو بمباركة الله تبارك وتعالى مما يؤدي الى إنحسار المظاهر المنحرفة من دون التحدث بكلمة. وقد جربنا ذلك فأن الشباب المؤمن او المرأة المحجبة أذا مروّا مجرد مرور على جماعة يخوضون بأحاديث الفسق والفجور فأنهم يسكتون ويبدّلون الحديث هيبة لهؤلاء الطيبين الذين

أضاءت أعمالهم الصالحة طريق حياتهم بعد أن نورت قلوبهم وبصائرهم أما الآخرون فأنهميطلبون النور ليضيء لهم الدرب بعد أن ملأوا حياتهم ظلمة وسواداً وقتاماً بمعاصيهم وإبتعادهم عن الله تعالى فلا يجدوننه.

كوني حذرة!؟

اعتادت بعض العوائل على كثرة الدخول إلى الجيران وكأنهم عائلة واحدة، وهذه الحالة ترافقها أحياناً مخالفات شرعية من قبيل عدم الاستئذان عند الدخول، أو ذهاب المرأة إلى بيت الجيران ولا يوجد فيه إلا رجل فيكون من الخلوة بالأجنبية وهو حرام، ويؤدي إلى مفاسد كثيرة، كما أن هذا الدخول المتكرر غالبا ما يكون من دون احتشام وحجاب كامل فيؤدي إلى محرمات كثيرة، وقد سمعنا كيف ان محرمات وفواحش وقعت بسبب هذا التسامح والإهمال. فلا بد من مراعاة الأحكام والآداب الشرعية في هذه العلاقات.

حجاب زوجة الإبن

صحيح أن زوجة الابن لا يجب عليها الحجاب الكامل أمام والد زوجها لكن هذا لا يعني تبرجها الزائد، والخلاعة في اللبس، فإن الشيطان يزين المعصية لذوي النفوس المريضة حتى يوقعهم فيها، فلتحافظ هذه المرأة على حشمتها ووقارها لأن حالات عديدة حصلت والعياذ بالله لممارسات غير شريفة بين الأب وزوجة ابنه، فكونوا حذرين من خدع الشيطان وغروره وملتفتين إليها.

نصيحة تربوية إلى الأمهات

بعض الآباء والأمهات يتغاضون عن تصرفات أولادهم المنحرفة فربما يسرق ويعدونه ذكاءً أو يتعدى على الجيران ويرونه شجاعة وبطولة وهذا جناية عليهم وعلى المجتمع كله وهم مسؤولون عنه أو يسمعون أطفالهم يتفوهون بكلمات قبيحة فلا يردعونهم ولا يوجهونهم.

دور الطالبات المؤمنات في هداية غيرهن

1- إن الدور الرئيسي لهداية الطالبات موكول إلى المؤمنات منهن، فإن اتحاد الجنس

ص: 349

بينهن يجعل فرص التفاهم بينهن أكبر ، ولا اعتقد أن شريحة ما تخلو من وجود مؤمن أو أكثر بينها.

2- بالإمكان هدايتهن بإيصال الاستفتاءات المكتوبة أو الكتب والكراريس المطبوعة المفيدة في هذا المجال، وإذا اقتضت الحاجة سؤالاً منهن فيمكن اعتماد طريق الكتابة فيستطيع أن يوصل أي فكرة أو مسألة شرعية أو توجيه لحالة معينة من خلال كتابة ورقة وتسليمها إليها كما يسلمها المحاضرة أو كتاباً مفيداً وهي توصل الاستفتاءات بنفس الطريقة.

3- عقد ندوات عامة يشترك فيها عدد من الطلاب والطالبات، فإن عموميتها تقللمن المحاذير التي ذكرناها، وليعلم أحبائي الطلبة أني شاعر بالصعوبات التي يعانونها، لكن ذلك مما يعظم أجرهم عند الله تعالى، فإن الثواب يزداد والدرجة ترتفع كلما كانت الصعوبات أكثر والبلاء أشدّ، والحياة فرصة للازدياد من الطاعة والقرب من الله تعالى، وما علينا إلا تقوية إرادتنا وعزمنا على الطاعة والباقي على الله تبارك وتعالى؛ فإن معونته للعبد تزداد كلما اشتد البلاء.

الأمل كبير بالمجتمع النسوي

فليبدأ إخواني الطلبة الذين منهم تكون البداية وعليهم تقع المسؤولية بتثقيف زوجاتهم وأخواتهم وبناتهم ومن يليهم من النساء حتى إذا اطمأنوا إلى قدرتهم على إيصال العلم إلى غيرهم وفّروا لهن هذه الفرصة من خلال مجالس التعزية أو حفلات الزواج وسائر الشعائر الدينية والمناسبات الاجتماعية، والأمل كبير بنساء هذا الجيل أن يكنّ بمستوى المسؤولية ويتحملن أعباء رسالة الهداية والإصلاح؛ لأنهن مثقفات وحاملات شهادات راقية وذوات ذهنية وقادة ومنفتحة فلا يضيعن هذه القابليات والنعم التي حباهن الله تبارك وتعالى بها في التوافه من الأمور والأهداف الزائلة الوضيعة، بل يكرسنها للغرض الحقيقي الدائم وهو رضا الله سبحانه وإعمار أرضه بطاعته.

مستوى الخطابة النسوية

لا زالت المجالس النسوية والخطابة النسوية متخلفة وبعيدة عن الهدف المنشود لها فتحتاج إلى نهضة قوية وإذا كان منبر الرجال قد تقدم خطوات بتصدي الحوزة العلمية له فإن عدم وجود حوزة للنساء يجعل المنبر النسائي متأخراً، من هنا تدعو الحاجة إلى حث المرأة على التوجه إلى الدراسات الدينية فإن قضايا المرأة عندما تتصدى لبيانها ومعالجتها

ص: 350

امرأة تكون أدق وأصوب وأدعى لانفتاح النساء عليها.

مخاطر اختلاط الجنسين

شدد القرآن في مسألة اختلاط الجنسين والتعامل غير الشريف بينهما فنهى النساء على ترقيق الصوت وجعله مثيرا فقال تعالى: [فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ] وأمر النساء بالحجاب والستر وإخفاء أجسادهن وما عليها من زينة [وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُن] وأمر الطرفين بغض البصر وعدم اختلاس النظرات وملء العين من النظر إلى الجنس الآخر [قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ] [وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ] كل هذه الاحتياطات وأزيد منها مما ورد في الأحاديث الشريف اتخذها الشارع المقدس لسد منافذ الشيطان الذي يعترف بأن أقوى سلاح بيده هو سلاح الشهوة الجنسية فمن أراد لنفسه راحة البالوالسعادة في الدارين: الدنيا والآخرة فليلتزم بهذه التعاليم الإلهية الشريفة وعصيان نفسه فإن اتباع الشهوات وان كان يبدو لأول مرة لذيذاً وموافقاً للنفس إلا أنه يورث النكد والشقاء والتعاسة فيما بعد ولا ينبغي لعاقل أن يضيع حياته الباقية الخالدة بلذة فانية زائلة فكم من لذة أورثت حسرة وندامة دائمة فالمؤمن الحقيقي من ملك زمام نفسه ولا يترك لها حبلها على غاربها فإنها كالدابة الصعبة إن لم يمسك بها راكبها أقحمته في المهالك.

دور المرأة في العراق الجديد

شعبنا المسلم الواعي استطاع بسرعة بعد زوال الطاغوت أن يتكيف مع متطلبات الرقي والكمال، ولم يحتج إلى تأهيل واستطاع أن يخطف الأضواء ويثير إعجاب العالم بتصرفاته الحكيمة ومشاريعه الرائدة ونجح في الالتحاق بركب الحضارة العالمية، رغم العقود الطويلة التي عاشها في ظل القهر والحرمان والتجهيل والاستبداد، وانتشرت مؤسسات المجتمع المدني لتملأ كل أنشطة الحياة الثقافية والإنسانية والاقتصادية والعلمية والدينية والاجتماعية والأخلاقية، وكانت المرأة سبّاقة في هذه الحركة رغم أنها الأكثر حرماناً واضطهاداً وإقصاءً، وأنشأت على أرض الواقع مؤسسات تثير بنشاطاتها الواسعة الفخر والاعتزاز ولم تثنِ من عزائمهم جرائم المتحجرين والجهلة والمستبدين وأعداء الشعب والإنسانية.

دور المرأة في بناء الأسرة

إننا في كل تفاصيل حياتنا في عملية بناء ابتداء من بناء أنفسنا الى اسرتنا الى

ص: 351

مؤسساتنا الى مجتمعنا إلى البشرية كلها فلا بد من الالتفات الى الاسس الرصينة التي تقوِّم هذا البناء وتحسّنه ليؤدي أهدافه بشكل تام. وكما هو واضح فإن في كل الحالات المتقدمة وأنواع البنيان المذكور فان المرأة هي المدير التنفيذي –كما يُقال- لتلك المشاريع وهي المهندس المباشر لتنفيذ مراحل البناء واستقامته وانما سُمّيت اماً لأنها الاصل في هذا الوجود، ولذا ورد عن السيدة الزهراء (عليها السلام) قولها: (الزم رجلها – أي الام- فان الجنة تحت اقدامها) أما الرجل فهو المهندس المصمم لتلك المراحل والمخطّط لها والمقوِّم لمسيرتها وقد كانت السيدة الزهراء (عليها السلام) أكمل مثال للنجاح في بناء كل هذه المشاريع، فعلى صعيد الذات هي من الخمسة أهل الكساء أكمل الخلق وقد خُلِقَ الوجود لأجلهم: فاطمة وأبوها وبعلُها وبنوها (صلوات الله عليهم أجمعين) وهي محور هؤلاء الخمسة وعلى صعيد الاسرة فاسرتها أسعد وأطيب وأطهر اسرة هي وأمير المؤمنين وفي ظل رعاية أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى صعيد الذرية فهي أصل الذرية الطيّبة الطاهرةالمعصومة ومنها ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى صعيد العطاء المثمر المبارك سمّاها الله تعالى (الكوثر) وجعلها هبة الله تبارك وتعالى لرسول الله(صلى الله عليه وآله): (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ) والكوثر تعني الخير الكثير.

اليوم العالمي للمرأة

بمناسبة مولد الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام)... هو أفضل مناسبة ليكون يوم المرأة المسلمة تجدد الأمة النظر في قضايا المرأة وما ينبغي أن نفعله لتأخذ المرأة بموقعها الكريم الذي جعلها الله تبارك وتعالى فيه واعادة تقييم عملنا في هذا الاتجاه.

نتائج إهمال المرأة

1- تعطيل هذه الشريحة التي تمثل نصف المجتمع عن اداء دورها الرسالي العظيم للأمة وفي ذلك خسارة جسيمة.

2- تمرير الغرب لمؤامرته في تدمير عقيدة المجتمع واخلاقه من خلال تشويه صورة المرأة في الإسلام ومن خلال التلويح بمصطلحات براقة خادعة كحرية المرأة ومساواتها للرجل.

3- نفور عدد من النساء من الشريعة وأهلها بسبب عدم فهم وجهة نظر الشريعة أو سوء التطبيق لجملة من احكامها كقيمومة الرجل على المرأة أو تنصيف حصتها في الميراث والشهادة ونحوها.

ص: 352

4- كثرة المشاكل وتعقيد الحياة بسبب عدم فهم المرأة لدورها وما هو المطلوب منها وما هي الاولويات التي يجب عليها الاهتمام بها فمثلاً تتصور أهميتها تكمن في غلاء مهرها أو منافستها لقريناتها في ارتداء احدث الموديلات أو قابليتها على اجتذاب الجنس الاخر وغيرها من المفاهيم الخاطئة لذا احتجنا إلى حملة واسعة للنهوض بواقع المرأة والبلوغ بها إلى ما نطمح إليه بأن تكون بالصورة التي أرادها الله تبارك وتعالى لها.

المرأة ورتبة الإجتهاد

ليس من المستحيل بلوغ المرأة درجة الاجتهاد إذا توفرت لديها الظروف المساعدة على ذلك كما حصل لعدد من النسوة فلديها من الذكاء والصبر والمطاولة والعزم ما يكفي لبلوغ هذا الهدف ولكن المشكلة عدم وجود البيئة المناسبة مع كثرة مشاغل المرأة العائلية فإذا بلغت المرأة درجة الاجتهاد فلا يجوز لها الرجوع الى غيرها وتعمل بفتاوى نفسها وإذا كانت ممن يحتمل فيها الأعلمية فإنها يمكن تقليدها والرجوع اليها من قبل النساء خاصّة.

المرأة المسلمة في زمن الظهور

على صعيد التكامل المعرفي والعلمي فقد روي عن الإمام الباقر (علیه السلام) قوله: (وتؤتونالحكمة في زمانه حتى أن المرأة لتقضي في بيتها بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله (صلى الله عليه واله) ويذكر الحديث الشريف المرأة لأنها الفرد الأضعف والأبعد عادةً عن مصادر العلم والمعرفة والثقافة بسبب القيود الاجتماعية المفروضة، ومع ذلك فإنها تفتي على طبق الكتاب والسنة وتقضي في الخصومات بأحكامهما، فالمرأة في بيتها تبلغ رتبة الإجتهاد في الفقه أو ما يقرب منها، وهذا كاشف عن التكامل العلمي والمعرفي الذي يسود المجتمع، لكن هذا المستوى السامي لا يحصل للمجتمع في عصر الظهور تلقائياً وبجرة قلم كما يُقال أو بمعجزةٍ (كن فيكون) وإنما يصل اليه المجتمع بعد إعدادٍ مكثّفٍ وتربيةٍ معمقةٍ طويلةٍ، إذ أن هذه الحكمة والمستوى العالي من العلم لا يُعطى لجاهلٍ غير مؤهل لحمله وهذا يجعلنا أمام مسؤولية كبيرة في الاستعداد للظهور المبارك وتعجيله إذ كلما تقدمنا في هذا الاستعداد أكثر نكون قد قرّبنا اليوم الموعود، وهذه الحركية وهذا الاندفاع نحو العمل المثمر المبارك هو من ثمرات ثمرات الإيمان بقضية الإمام المهدي (علیه السلام) والأمل بظهوره في أي لحظة ولو لم يكن عندنا هذا الأمل وهذه الغاية لما امتلكنا المحفّز للحركة والعمل.

ص: 353

ص: 354

الزواج في الإسلام

فوائد الزواج المبكر

إن التزويج في سنٍّ مبكر فيه فوائد عديدة كتحصين البنت من الانحراف وإشعارها بكرامتها وأنها أصبحت فرداً كاملاً في المجتمع؟ فالمعترضون يريدون سحق كرامتها وإبقاءها سلعة مبتذلة بيد الرجال وتضييع زهرة شبابها بالفسق والفجور والعلاقات غير المشروعة.

دعوة لتكثير النسل

إنّ شيعة أهل البيت (عليهم السلام)مدعوّون لبذل الوسع في تكثير النسل لعدّة مبررات منها:

1- الأخذ بسنة رسول الله والأئمة المعصومين(عليهم الصلاة والسلام) وتلبية رغبتهم التي نقلتها الأحاديث الشريفة المتقدمة.

2- إنّ فيها استجابة لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ).

وفي الذريّة حياة مستمرة للإنسان حتّى يوم القيامة قال الشيخ الصدوق في الفقيه (روي أنّ من مات بلا خلف فكأنّ لم يكن بين الناس، ومن مات وله خلف فكأنّه لم يمت).

3- الذرية مصدر لكثير من الطاعات للوالدين حتى بعد موتهم كحديث السقط الذي تقدم في الروايات الشريفة، وعن أمير المؤمنين (علیه السلام) في المرض يصيب الصبي، قال: (إنّه كفّارة لوالديه) ويلخص النبي (صلى الله عليه وآله) بعض هذه الطاعات بقوله: (إنّ ولد أحدكم إذا مات أُجر فيه، وإن بقي بعده استغفر له بعد موته) والحديث النبوي المشهور (إذا مات المرء انقطع عمله إلاّ من ثلاث) أحدها ولد صالح يدعو ويستغفر له.

4-إن اتباع أهل البيت (عليهم السلام) هم الجماعة الخيّرة الطيّبة التي اختارها الله تعالى لتحتضن ولاية أهل البيت (عليهم السلام) وتحافظ على الإسلام الأصيل فتكثيرهم اعزاز للدين والولاية وتثبيت لقيم الخير والإنسانية في هذه الأرض فالخير منهم مأمول والشر منهم مأمون، فهم كالشجرة الطيبة المثمرة التي تكون هي أولى بالتكثير.

5- إن في تكثير الشيعة نصرة للإمام الموعود(علیه السلام) وتقوية لأركانه وتمهيداً لظهوره المبارك، تطبيقاً لقوله تعالى: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ) وأعظم قوة نعدّها لنصرة

ص: 355

الإمام(علیه السلام) هي هذا النسل المبارك لأنّ الموارد البشرية هي أعظم الموارد التي تحرص الدول على تحصيلها فاستكثروا منه ما استطعتم.6- إنّ الشيعة في المنطقة مستهدفون بحرب إبادة واجتثاث كما تشهد به الوقائع الجارية خصوصاً عندنا في العراق وقد فقدنا خلال العقود الأربعة الماضية أكثر من مليون ونصف المليون من الرجال.

بأي عدد من الذرية يتحقّق معنى تكثير النسل؟

الجواب: إنّه يتحقق بأربعة على الأقل، لأنّ الزوجين إذا أنجبا اثنين - ذكوراً او اناثاً- فإنّهما لم يزيدا شيئاً فإن اثنين ولدا اثنين، ثمّ هما يحتاجان إلى واحد آخر لتعويض حالات النقص في المجتمع لأنّ كثيراً يموتون في عمر الطفولة أو الصبى أو الشباب قبل الزواج بالموت الطبيعي أو الحوادث كالتفجيرات وحوادث السير أو في الحروب ونحوها، أو يتزوّجون ولكن لا ينجبون أو ينجبون دون العدد، فيحصل نقص في المعدّل يسدّه انجاب الثالث، ويتحقق التكثير بالرابع، وكلما زاد على ذلك كان أفضل وأقرّ لعين رسول الله(صلى الله عليه وآله).

أعمال تسبب برزق الذرية

لأجل تحقيق الإنجاب لمن ليس عنده ذرية ولتكثير النسل فقد علَّم الأئمة(عليهم السلام) شيعتهم أعمالاً لعلّها تكون سبباً لرزقهم بالأولاد منها:

1- رفع الصوت بالآذان في المنزل، روى هشام بن ابراهيم صاحب الإمام الرضا (أنه شكى إلى أبي الحسن(علیه السلام) سقمه وأنه لا يولد له فأمره أن يرفع صوته بالآذان في منزله، فقال : ففعلت، فأذهب الله عني سقمي وكثر ولدي).

2- الاستغفار، ففي الكافي شكا الابرش الكليني إلى أبي جعفر الباقر(علیه السلام) أنه لا يولد له وقال له علمني شيئاً، فقال له: استغفر الله في كل يوم (أو) في كل ليلة مائة مرة فإن الله عز وجل يقول: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ) وفي رواية أخرى (فإن نسيته فاقضه).

3- الدعاء، سواء بالنصوص المذكورة في القرآن الكريم أو كتب الأدعية لطلب الولد كقوله تعالى (رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً)، وقوله تعالى: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ) وقوله تعالى: (رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ) أو تدعو بأي شيء يعبّر عمّا في قلبك.

4- التوسّل بالمعصومين (سلام الله عليهم) وتوجد حكايات موثوقة كثيرة لمؤمنين توسّلوا إلى

ص: 356

الله تعالى بالزهراء(عليها السلام) أو بالحسين(علیه السلام) أو بالإمام الرضا(علیه السلام) فتحقّق مرادهم فيما طلبوا.

مواصفات الزوجة المثالية

على الشاب المؤمن أن يبحث عن صفات مهمة أخرى في المرأة وليس الجمال وحده كالالتزام الديني والأخلاق الفاضلة وحسن العشرة والمعدن الكريم، وقد ورد التحذير من التركيز على صفة الجمال دون الصفات الحسنة الأخرى كقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إياكم وخضراء الدمن، قيل: ومن هي يا رسول الله؟ قال: المرأة الحسناء في منبت السوء) وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (تخيروا لنطفكم فإن الخال أحد الضجيعين) بمعنى تأثير قرابة الأم في صفات الولد.

عدد الأطفال المطلوب من كل زوجين

قد قلت في أكثر من مناسبة إن عدد الأطفال المطلوب لكل زوجين هو أربعة على الأقل للمحافظة على الوجود، ولتكثير النسل، فإذا قصّر المسلمون في تحقيق الهدف وهو تكثير النسل، فقد خالفوا وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأعانوا أعدائهم على أنفسهم إن مقولة (تحديد النسل) و (تقليل الإنجاب) هي من الثقافة المدمّرة التي دسّها الأعداء في عقول المسلمين، وأكثر الأسباب التي تُقال في تبريرها ليست مقبولة كصعوبة المعيشة وزيادة تكاليف الحياة، لأن الله تعالى هو الرازق لعباده وليتذكر الوالدان اللذان يقولان مثل هذا الكلام انهما كانا حملين في بطن الأم ويأتيهما رزقهما رغداً هنيئاً سائغاً، فلا يعول الفرد على نفسه ويغفل عن لطف الله تعالى، روي عن رسول الله قوله (اتخذوا الأهل فإنهم أ رزق لكم).

بركات تكثير الإنجاب

تكثير الإنجاب أحد أسباب الرزق للفرد والازدهار للدولة، وتقليل الإنجاب لأجل تخفيف الأعباء الاقتصادية وغيرها تفكير خاطئ لدى الدولة والفرد على حد سواء، إن المنع من الإنجاب سواء كان بالطرق الطبيعية أو بالعلاجات بلا مسوِّغ معقول ومقبول يتطابق بالنتيجة مع قتل الإنسان الموجود فكلاهما يحرم الأمة من هذا الوجود الذي جعله الله تعالى خليفته في أرضه قال تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم)، (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ).

عدم تزويج العلويات من غير الهاشمي

ص: 357

إن منشأ ذلك شعور بالعصبية الجاهلية وروح الاستعلاء وأن الآخرين هم أدنى مرتبة فلا يستحقون التزويج منهم، وإنما سمّيتها بالجاهلية لأن القرآن يسمي كل عقيدة أو سلوك بعيداً عن المنهج الالهي (جاهلية) وقد كان قوم في الجاهلية لا يزوّجون نساءهم إلى غيرهم ويعتقدون بأفضليتهم على الناس ويسمون أنفسهم (الحمس) وقد تسربت هذه الروح إلى المسلمين فكان العرب الفاتحين يرون أنفسهم أفضل من غير العرب فلا يزوّجونهمويسمونهم (الموالي) وقد شكى الموالي ذلك إلى أمير المؤمنين(علیه السلام) فخرج إليهم وهو مغضب ووبخهم، لكنهم عصوا أمره وأصرّوا على استكبارهم.

فوائد تعدد الزوجات

إن تعدد الزوجات تشريع إلهي لحل مشكلات عديدة منها:

1 - حالات زيادة نسبة النساء غير المتزوجات في أزمنة الحروب أو هجرة الشباب إلى خارج البلاد.

2 - كثرة الأرامل والمطلقات ممن تقل فرصة حصول شاب غير متزوج.

3 - عدم اكتفاء الزوج جنسياً بزوجة واحدة لكثرة الأعذار والموانع في الزوجة، كالحيض والحمل والإنجاب ونحوها. ولتعلم النساء اللواتي يرفضن الزوجة الثانية إنهن أول ضحية لهذا الخروج عما أباحه الله تعالى، لأنهن سيحتجنَ إلى زوج وإن كان متزوجاً بغيرهن، فليتقين الله وليسلمن له أمره.

من الموانع النفسية للزواج1

إن كثيراً من الشباب يعزف عن الزواج لأنه لم يجد فتاة أحلامه التي تصلح للارتباط به، حيث رسم لها صورة مثالية، فهي شقراء بيضاء ممشوقة القوام ذات عينين زرقاوين وتحمل شهادة عالية ومتدينة وذات أخلاق عالية ومن أسرة وجيهة اجتماعياً وثرية وصغيرة السن، فلا يجد من تحقق هذه الأوصاف؛ لأن الشيء إذا كثرت قيوده عز وجوده كما يقولون، ويظل يبحث دون جدوى، وأحد أسباب حصول هذه الحالة لدى الشباب هي مشاهدتهم لصور (الحسناوات) كما يسمونها التي تأتينا من الغرب في الصحف والمجلات والتلفزيون، التي من آثارها السيئة ليس فقط إفساد الأخلاق وذهاب الغيرة والحياء، بل إفساد الأفكار لدى الشباب إذا امتلأت عينه من هذه الصور فسوف لا تقنعه أية امرأة، وبالنتيجة يعزف عن الزواج خشية أن يرتبط بامرأة لا تملأ عينه. فكونوا حذرين يا أحبائي من هذا الغزو الفكري والأخلاقي، وابحثوا عن الصفات التي أرادها الله لكم وهي العفة

ص: 358

والحياء والتدين والأصل الطيب والأخلاق الحسنة، أما الجمال فهو متوفر تلقائياً لحاجة كل جنس إلى الجنس الآخر،

كما يروى أن شخصاً أكل طعاماً لذيذاً فقال: ما أطيب هذا الطعام! فقال له حكيم: إنما طيبته العافية، وكذلك الحاجة الجنسية الملحة جعلت الطرف الآخر لذيذاً وهذه الحاجة تقضى بما دون شروط كثيرة، وتجد هذه الأفكار في تراث أهل البيت (عليهم السلام)، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): إذا نظر أحدكم إلى المرأة الحسناء فليأتِ أهله؛ فإنالذي معها مثل الذي مع تلك، وعن الإمام علي (علیه السلام): إن أبصار هذه الفحول طوامح، وإن ذلك سبب هبابها، فإذا نظر أحدكم إلى امرأة تعجبه فليلامس أهله فإنما هي امرأة كامرأة، فهذه المشكلة لا تخص العزاب، وإنما هي موجودة عند المتزوجين، فإنهم إذا تطلعوا إلى غير زوجاتهم صرفوا أعينهم عنهن، وحينئذٍ تقع عدة نتائج وخيمة إما المشاكل بين الزوجين أو الطلاق أو الوقوع في الزنا من كلا الطرفين والعياذ بالله وغيرها. لذا سد الشارع المقدس هذا الباب للفساد ومنع النظر للأجنبية، وأمر كلاً من الزوجين أن يعطي حق الطرف الآخر، وأي تقصير فيه يمكن أن يؤدي إلى انحراف جنسي وخيم. وقد بلغني أن عدداً من النساء التجأن إلى تصرفات غير شرعية بسبب إعراض الزوج وإهماله لحق زوجته من الاستمتاع الجنسي.

من الموانع النفسية للزواج2

كثرة المشاكل الزوجية وكثرة حالات الطلاق أدى إلى شعور الشباب بأن ترك الزواج أقرب لراحة البال، فإذا أردنا تشجيع الزواج فعلينا أن نسعى لدراسة مناشئ المشاكل بين الأزواج وحلها، وعلى أي حال لا ينبغي أن يكون فشل أحد في تجربته مانعاً لغيره من خوض التجربة، كالتجارة؛ فإن خسارة تاجر لا تمنع من أن يعيد نفس النشاط من جديد فضلاً عن غيره.

من الموانع النفسية للزواج3

الخوف من المستقبل، فأم الزوج تخشى أن تخطفه الزوجة، وأبو الزوج يخاف من إضافة عبء جديد إلى كاهله، والشاب يخاف من المسؤولية الجديدة حيث يصبح رباً لأسرة ومسؤولاً عنها بعد أن كان خالياً منها، والشابة تخشى من عدم قدرتها على إدارة بيت الزوجية وعدم نجاحها في كسب ود زوجها ورضا أهله، فلا بد أن يعالج هذا بتعزيز الثقة بالنفس، وأن يعرف كل طرف حقوقه وواجباته حتى لا يتجاوز أحد على حق أحد، والتخطيط للمستقبل واشتراك الجميع في ترتيبه.

ص: 359

موانع نفسية أخرى للزواج4

1) ما تعرضه الأفلام والمسلسلات من خيانات زوجية وصعوبة تحصيل السعادة والوئام والوفاء والحب المتبادل سبب حصول انكماش في الرغبة في الزواج ونفور منه؛ فإنهم يصورون غالباً الحياة الزوجية كمصدر للمتاعب والآلام.

2) ومن ذلك ما تصوره نفس الأفلام والمسلسلات من حلاوة الحب ولذة العلاقات الجنسية خارج رباط الزوجية، وليس فيها مؤونة ولا مسؤولية، فيشعر الشباب أن بإمكانهم الاكتفاء بهذه العلاقات وعدم الحاجة إلى الزواج، وكأن الهدف من الزواج هو قضاء الشهوةالحيوانية فقط، وهم بذلك يغالطون الفطرة السليمة ويخرجون عن الإطار الإنساني الذي يميز بوضوح بين رباط الزوجية والعلاقات غير المشروعة.

3) قناعة كثير من الشباب بأن مستقبلهم الزاهر يتحقق بمغادرة البلد والهجرة إلى غيره، والزواج عائق عن هذا المشروع.

من الحلول الفعالة لضغط الشهوة الجنسية

الزواج المؤقت، وهي منّة عظيمة من الله على هذه الأمة المرحومة التي يعلم الله تعالى أنها ستمر بمثل هذه الأزمة المعاصرة التي حفلت بالمثيرات الجنسية التي تضغط بقوة على الإنسان ليقع في أحد محذورين: إما السقوط في وهدة الغريزة الحيوانية والتنازل عن الشرف والدين، أو الكبت وتلف الأعصاب والإصابة بالأمراض النفسية والاجتماعية.

فوائد الزواج المبكر

الفائدة الأولى: تحقيق الاستقرار النفسي والطمأنينة والسعادة، فان كلا من الجنسين يشعر أن كمال حياته بالاتصال بالجنس الآخر.

الفائدة الثانية: التكاثر والإنجاب مما يحفظ ذكر الشخص والنوع الإنساني عموماً، وتكثير المؤمنين الموحدين وجنود الإمام المنتظر (علیه السلام) فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ما يمنع المؤمن أن يتخذ أهلاً، لعل الله يرزقه نسمة تثقل الأرض ب لا اله إلاّ الله).

الفائدة الثالثة: الشركة والتعاون على مسؤوليات الحياة، حيث يقتسمها الزوجان وأولادهم في حالة الكبر، فعلى الزوج العمل والكسب وقضاء حوائج الأسرة، وعلى الزوجة رعاية البيت والأسرة والزوج، وعندما يكبر الأولاد يعينونهما ويرفعان عن كاهلهما الكثير من المسؤوليات.

ص: 360

الفائدة الرابعة: تحصيل المكاسب الدنيوية والأخروية المترتبة عن الزواج. فمن الدنيوية زيادة الرزق، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (اتخذوا الأهل؛ فإنه أرزق لكم) ومن الأخروية الثواب، فعن أبي عبد الله (علیه السلام): (ركعتان يصلّيهما المتزوج خير من سبعين ركعة يصليها أعزب) وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من تزوج أحرز نصف دينه).

الفائدة الخامسة: حماية النفس من الوقوع في الانحراف الجنسي وتجنيب المجتمع الكثير من الجرائم التي لو فتشت عنها لوجدت أن السبب هو الحرمان الجنسي.

الفائدة السادسة: اكتمال شخصية كل من الجنسين بالزواج، فإن من مقومات الشخصية الاجتماعية الزواج والعمل وغيرهما.

الزواج سلاح المؤمن

هذه هي سنة النبي (صلى الله عليه وآله) وهذا هو الموقف الشرعي لكن الشيطان وأولياءه الذين يعلمون أن إشاعة الفوضى الجنسية أقوى وسائلهم لتدمير النظام الاجتماعي للشعوب، وبالتالي إركاعها وإخضاعها لأرادتهم، كما عبر البروفسور (ريتشارد كروسمان) المسؤول السابق لقسم الحرب النفسية في بريطانيا: (إن هدف هذه الحرب تحطيم أخلاق العدو وإرباك نظرته السياسية، ودفن جميع معتقداته ومُثُله التي يؤمن بها، والبدء بإعطائه الدروس الجديدة التي نودُّ إعطاءها له، ليصار بالتالي إلى أن يعتقد بما نعتقد به نحن) والدروس الجديدة التي يعطونها هي بهيمية الجنس المتحرر من كل المعايير الإنسانية والأخلاقية التي سقطوا بها هم وأذلت أعناقهم.. إنهم يريدون أن نسقط في الهاوية كما سقطوا [وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء]،[وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ] وقد صدّروا إلينا هذه البضاعة الكاسدة من خلال الأفلام والمسلسلات والصور التي ملأت منتوجاتهم الصناعية، أو باسم الرياضة تارة والفن أخرى أو ملكات الجمال أو عارضات الأزياء، فالأساليب متعددة ولكن النتيجة واحدة، وهي: (إرباك العدو ودفن جميع معتقداته) ولم يكتفوا بذلك بل وضعوا لنا أعرافاً وتقاليدَ ونظماً للحياة، فيجب على الزوج أن يفعل كذا وكذا، مما يجعل من الصعب أن يحظى كل جنس بالجنس الآخر بالطريقة المشروعة، ليسدّوا عليه منافذ الحلال ويسقط رغم إرادته في الحرام الشنيع.

من مقومات الزواج الناجح

ص: 361

الزواج وُصفَ في بعض الأحاديث الشريفة أنه بنيان، عن رسول الله(صلى الله عليه وآله):(مَا بُنِيَ بِنَاءٌ فِي الإسلام أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عزّ وجلّ مِنَ التَّزْوِيجِ) فالذي يريد أن يبني حياة زوجية سعيدة صالحة مثمرة عليه أن يبنيها من أول خطوة عندما يبحث عن الزوجة أن يجعل أساس اختياره التقوى ورضوان الله تعالى في صفات الزوجة ومعدنها وفي نيته من مشروع الزواج، وليس البحث عن الامور الدنيوية الزائلة، وهو ما نطقت به الأحاديث الشريفة، كقوله(صلى الله عليه وآله) (عليك بذات الدين) والمرأة يوجه لها نفس الخطاب قال (صلى الله عليه وآله): (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)... وما بعد الزواج وهو إنجاب ذرية طيبة صالحة تكون عاقبتهم الى خير عليه وذلك بأن يؤسس بنيانهم ويلتفت الى تربيتهم من أول أيامهم على الخير وطاعة الله تعالى والأخلاق الفاضلة وتجنب الرذائل فإن بناءه سيكون رصيناً ثابتاً مستقيماً حتى ورد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) قوله: (منتعلم في شبابه كان بمنزلة الرسم في الحجر) وعن أمير المؤمنين (علیه السلام) قال: (العلم من الصغر كالنقش على الحجر) أما إذا لم يكن أساسه كذلك وحصل اعوجاج فيحتاج الى مشقة كبيرة لإصلاحه وقد يتعذر ذلك كما هو واضح. فليلتفت أحبتنا الشباب وأولياء امور الفتيان والصغار إلى هذا المعنى.

التطبيقات الخاطئة للزواج المؤقت

إن هذا التشريع العظيم الرحيم قد أُسيء فهمه وتطبيقه، وأصبح مستهجناً بسبب سوء التطبيق، فقد بلغني أن بعض الشباب يعقد على بنت عقداً مؤقتاً، وإذا أراد الاتصال بها فإنه يتسلل سراً في الليل إلى بيت أهلها ليجتمع بها، باعتبار أن والدها لا يرضى بذلك، فهل هذا تطبيق صحيح، وهل عرف هذان الشابان جواز المتعة وغضّا النظر عن حرمة الاعتداء على أموال الآخرين ودورهم إلا بإذنهم؟ أليسا مصداقاً لقوله تعالى: [أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إلى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ]؟ أو إن بعضهم يستغلّ فتوى السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) بجواز العقد المنقطع على الباكر من دون إذن ولي أمرها مع عدم الدخول وينسى الأعراف والتقاليد الاجتماعية التي نعيشها، والتي ترفض العلاقة السرية بين الرجل والمرأة وتعاقب عليها أشد العقوبات، خصوصا للمرأة، لذلك استحب في الزواج الإشهاد وعمل الوليمة، ليحصل إعلان عام للعلاقة الشرعية بين الرجل والمرأة. كما أنهما كثيراً ما لا يلتزمان بهذا الشرط - وهو عدم الدخول - إذ يزين لهما الشيطان هذا الفعل ويغلب على عقلهما فيحصل المحذور، وكثيراً ما يؤدي إلى قتل الفتاة،

ص: 362

فهل هذا تطبيق صحيح؟! كما أن بعضهم تولّع بزواج المتعة حتى صارت عينه تتلصّص على أعراض الناس، ويوزع عروض الزواج على كل امرأة يلقاها بكلمات تصريح أو تلميح. وكثير من عقود الزواج المؤقت تكون مبنية على مقدمات محرمة؟ فهل بهذا أمر الله تبارك وتعالى: [سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ] وقبّحهم الله إذ أساءوا إلى هذا التشريع بخبث سرائرهم واتباعهم لشهوات النفس الأمارة بالسوء.

عادة ظالمة

روي عن الامام الباقر (علیه السلام)أنه قال: (لما حضر علي بن الحسين (عليهما السلام) الوفاة ضمّني الى صدره، ثم قال: يا بنيّ: أوصيك بما أوصاني به أبي (علیه السلام) حين حضرته الوفاة، بما ذكر أن اباه اوصاه به، قال: يا بنيَّ، إيّاك وظلم من لا يجد عليك ناصراً الا الله) فلنتذكر هذه الوصية التي تواصى بها الائمة المعصومون (عليهم السلام) واحداً بعد واحد في لحظاتهمالاخيرة. وهذه الوصية تنطبق بشكل واضح على ظلم المرأة العفيفة المصونة الصابرة لأنها لا تجد ناصرا على من ظلمها الا الله تعالى، فلا تملك الا ان تخلو مع ربها وتُفضي بآلامها اليه سبحانه وتدعو على من ظلمها، في الحديث الشريف عن النبي(صلى الله عليه وآله) قال: (اتقوا دعوة المظلوم وان كان كافراً، فانه ليس دونه حجاب) بل إن ظلم المرأة من افحش الظلم لأنها مستضعفة، كما ورد في الحديث الشريف عن النبي (صلى الله عليه وآله): (اتقوا الله في الضعيفين: المرأة واليتيم) وقال امير المؤمنين (علیه السلام): (ظلم الضعيف افحش الظلم) ونريد ان ننبّه اليوم الى واحدة من المظالم التي تتعرض لها المرأة، حيث يوجد عُرُف لدى بعض العشائر من السادة المنتسبين إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) وهي عدم تزويج بناتهم إلى غير السادة، حتى لو أدّى ذلك إلى تعطيل البنت وحرمانها من الزواج، وفي ذلك ظلم للمرأة وحرمان لحق من حقوقها وقد بالغ بعض السادة فمنعوا من تزويج بناتهم من سادة آخرين لا يرونهم بمستواهم، كما نُقل لنا عن بعض السادة، حيث استردّ ابنته كرهاً من زوجها الذي هو من سادة غيرهم، واعتبر ذلك الزواج غير شرعي (زنا) بنظره. وقد سَرَتْ هذه الثقافة إلى بعض العشائر من غير السادة أيضاً.. إن روح الاستعلاء هذه من نزعات الشيطان وتسويلات النفس الأمّارة بالسوء، فعلى الأخوة المؤمنين نبذها وتركها والاستنان بسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإني أقول قولي هذا مراعاة لذرية الزهراء (علیه السلام) فقد بلغني أن الكثير من العلويات تعنس ويفوتها الزواج بسبب هذه العادة الظالمة، حيث ينهى عنها أولاد عمها ولا يتزوجونها، فيحرمونها من ممارسة حقها في الحياة كزوجة وكأم لأولاد يرعونها في الكبر، وهذا ظلم، لان معنى الظلم حرمان الاخر من حقه

ص: 363

والزواج من الحقوق الإنسانية التي اهتم بها الشرع المقدس حتى قال فيه رسول الله (صلى الله عليه واله): (من سنتي التزويج، فمن رغب عن سنتي فليس مني) وحرمان المرأة من هذا الحق ظلم كبير فلماذا هذا الظلم؟! ألم يبلغهم ما ورد عن المعصومين (سلام الله عليهم) من التهديد والوعيد الشديدين في من يمارس الظلم، ومنها الحديث عن النبي (صلى الله عليه واله): (انه ليأتي العبد يوم القيامة وقد سرته حسناته فيجيئ الرجل فيقول: يا رب ظلمني هذا، فيؤخذ من حسناته فيجعل في حسنات الذي سأله، فما يزال كذلك حتى ما يبقى له من حسنة، فاذا جاء من يساله نظر الى سيئاته فجعلت مع سيئات الرجل، فلا يزال يستوفي منه حتى يدخل النار).

عادة جاهلية

بلغني أن بعض السادة حرموا إحدى بناتهم من زوجها لأنه من سادة غيرهم،ويعتبرون بقائها معه (زنا) والعياذ بالله؟! وهذه جناية كبيرة أن يتكبر أحدهم حتى على أولاد عمه من ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنها (الجاهلية) تعود من جديد بشعارات دينية وعلى جميع الخطباء والمثقفين ان يقوموا بنهضة اصلاحية وخلق ثقافة عامة ضد هذه العادات الظالمة، فتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون، وعودوا إلى كتاب ربكم وسنة نبيكم (صلى الله عليه وآله) واستغفروا الله من ظلمكم للنساء؛ فإن رسول الله(صلى الله عليه وآله) أوصى بهن، وقال: اتقوا الله في الضعيفين - المرأة واليتيم- وفي حديث آخر ما أكرمهن الا كريم وما أهانهن إلا لئيم.

نعمة تشريع الزواج المؤقت

الزواج المؤقت تشريع إلهي عظيم، وقد خفف الله تعالى أعباءه وشروطه بدرجة كبيرة ليحقق الهدف الذي شرع من أجله، وهو التنفيس من حدة الشهوة والميل إلى الاتصال بالجنس الأخر، ولو امتثلته الأمة وأطاعت فيه ربها لما بقي للفساد أثر ولا عين، لذا روي عن أمير المؤمنين (علیه السلام): (لولا نهي فلان عن المتعة ما زنى إلا شقي).

المقاييس الدنيوية لقبول الزواج

بعض النساء يلتزمن بمقاييس مادية دنيوية عندما يتقدم أحد لخطبتهن، وهو خلاف المقاييس التي وضعتها الشريعة؛ فقد جاء في الحديث: (إذا جاءكم الرجل وقد رضيتم عقله ودينه فزوجوه، إلاّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفسادٌ كبير) أما البيت والسيادة والثروة فيمكن أن تأتي مستقبلاً كما وعد الحديث: (إنما الرزق مع الزوجة والعيال) وهذه الأمور

ص: 364

وحدها لا تجلب السعادة إذا لم تغمر الحياة الزوجية المودة والحب والإخلاص والوفاء والإيثار وسائر الخصال الحميدة التي جمعها الحديث المتقدم ضمن عناوين العقل والدين، فأعيذكن بالله أن تخرجن عن سنة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وتقع الفتنة والفساد بسبب الخضوع للمقاييس الدنيوية، لأن الأمر متعلق بكنّ قبل أي أحد آخر حتى الآباء.

مواصفات الزوج المقبول شرعاً

إنهن يشترطن الكثير من الصفات في الزوج مما يجعلها ترفض عدداً من الخطاب حتى يتقدم بها العمر فلا تتاح لها هذه الفرصة، رغم إن بعض أسباب الرفض غير مقنعة، فإن المهم في الرجل أن يكون متديناً عاقلاً في تصرفاته، حسن العشرة قادر على إعالة زوجته، فقد كتب علي بن أسباط إلى أبي جعفر (علیه السلام) في أمر بناته وأنه لا يجد أحداً مثله، فكتب إليه أبو جعفر (علیه السلام): (فهمت ما ذكرت من أمر بناتك، وإنك لا تجد أحداً مثلك، فلا تنظر في ذلكرحمك الله، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إلاَّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير).

ص: 365

العيد

العيد الحقيقي

العيد الحقيقي لا يتحقق بثوب جديد أو موقع كبير أو مال جزيل، وإنما العيد الحقيقي أن تحيى في ظل طاعة الله تعالى وإدامة ذكره وعدم الغفلة عنه والارتباط المتواصل به، بحيث لا تندفع إلا إلى ما أمر به وحثّ عليه، ولا تنزجر إلا عمّا نهى عنه لذا ورد في الحديث الشريف (كل يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد).

الفرح بالعيد

من حق الناس أن يفرحوا بالعيد لكن فرحهم مع الأسف لأسباب دنيوية، فهو يفرح لإباحة الطعام والشراب والنكاح ولإزالة الموانع التي كانت مفروضة عليه في شهر رمضان، وكان المفروض عليه أن يحزن لفوات تلك البركات والنعم التي كان شهر رمضان سبباً لنزولها على العباد والتي ذكرنا بعضها في الخطبة السابقة، لذا قال الإمام السجاد (علیه السلام) في دعائه: (فنحن مودعون وداع من عز فراقه علينا وغمنا وأوحشنا انصرافه عنا)، وقال (علیه السلام): (السَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ قَرِينٍ جَلَّ قَدْرُهُ مَوْجُوداً، وَأَفْجَعَ فَقْدُهُ مَفْقُوداً، وَمَرْجُوٍّ آلَمَ فِرَاقُهُ).

مفهوم العيد

إن للعيد معنى غير ما يفهمه عامة المجتمع ويسيئون به إلى أنفسهم وإلى دينهم ويسخطون به خالقهم فالعيد الحقيقي كما عرّفه أمير المؤمنين (علیه السلام) هو:(كل يوم لا تعصي الله فيه فهو عيد)، وعن سويد بن غفلة قال: دخلت على أمير المؤمنين (علیه السلام) يوم عيد فرأيت عنده طعاماً بسيطاً، فاستغرب سويد خصوصاً وإن اليوم عيد، فقال له الإمام (علیه السلام):(إنما هذا عيدُ مَنْ غُفِرَ لهُ).

العيد والمخالفات الشرعية

من المؤسف أنه حتى الأُسر الملتزمة المتدينة (تتحرر) وتتخلى - أيام العيد - من بعض التزاماتها، فتظهر النساء متبرجات وقد أبدت زينتهن، وربما تبادلت المصافحة أو ما هو أسوء مع الأقرباء والأصدقاء باعتبار أن اليوم يوم فرح وسرور.

أعظم عيد في الإسلام

ص: 366

يوم الغدير أعظم عيد في الإسلام وبه تمام الرسالة؛ لأنهَّ يوم انتقال ولاية أمر المسلمين من القائد الشخصي وهو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى القائد النوعي،أي كلّ من حمل صفات ومؤهّلات حامل الرسالة فحافظ على ديمومة الرسالة وحمايتها من الإنحراف، وكان يمكن أن تندثر لو ارتبطت بالشخص فمات أو قتل، فهذه فكرة مهمة يجب الالتفات إليها .

تعريف آخر للعيد الحقيقي

العيد الحقيقي إنما هو حينما تملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً (ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله، ينصرُ من يشاء وهو العزيز الرحيم) .

الاستعداد بالعود إلى الله تعالى

يوم عرفة يسبق يوم العيد والعيد معنى مأخوذ من العود حيث يمثل مناسبة لعودة الإنسان إلى ربه الكريم و عودة الرب الكريم على العبد بمزيد من الخير والرحمة والعطاء الإلهي الذي لاينفد ، ومثل هذه المبادلة العظيمة لابد أن يسبقها تهيئة المقدمات لاستقبالها كما أن من أراد زراعة ارضٍ فلابد له أولا من تنقيتها من الأدغال وتنظيفها من الأوساخ ومن ثم غرس النبات الطيب فيها، وهكذا قلب الإنسان ونفسه لابد من تطهيرها وتنقيتها من الرذائل والانغماس غير المشروع في الشهوات وإعلان الاستغفار و التوبة بالمعاني المتقدمة في يوم عرفة لتكون محلاً صالحاً يوم عيد الأضحى لتلقي النفحات الإلهية.

التدبير الإلهي في العيد

علم الله تبارك وتعالى إن الناس يشتغلون خلال السنة بتفاصيل حياتهم اليومية فتقل اللقاءات بينهم خصوصاً مع تعقيد الحياة المعاصرة لذا جعل العيد فرصة ليجددوا هذه العلاقات ويزيلوا عنها ما شابها من الكدر ونزعات الشيطان.

فرحة الزهراء في الميزان

إن هذه الفرحة (أي فرحة الزهراء ) وهذا العيد لا أصل له وليس له وجود في عصر الأئمة المعصومين (عليهم السلام) وعلمائنا الأقدمين وأول ظهور للمناسبة هو في العصر البويهي إذا صحّت النسبة إلى كتاب (مسارّ الشيعة) للشيخ المفيد (قدس سره) ومن غير المقبول جعل فرحة للزهراء (عليها السلام) في مثل هذه الأيام التي شهدت الهجوم على دارها الشريف وجريان المظالم عليها وعلى أمير المؤمنين (علیه السلام) بعد وفاة أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفي مثل هذه الأيام كان وصول سبايا آل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى

ص: 367

المدينة المنورة بعد زيارة الأجساد الطاهرة في كربلاء يوم الأربعين، وهذا الموقف لا ينافي إقامة بعض المناسبات المفرحة بعد انتهاء شهر صفر كالتزويج وذكرى تنصيب الإمام الحجة (عجل الله فرجه) فإنها من سنن الله الحسنة.

للأسف فرحنا بالعيد دنيوي

من حق الناس أن يفرحوا بالعيد لكن فرحهم مع الأسف لأسباب دنيوية، فهو يفرح لإباحة الطعام والشراب والنكاح ولإزالة الموانع التي كانت مفروضة عليه في شهر رمضان، وكان المفروض عليه أن يحزن لفوات تلك البركات والنعم التي كان شهر رمضان سبباً لنزولها على العباد، لذا قال الإمام السجاد (علیه السلام) في دعائه: (فنحن مودعون وداع من عز فراقه علينا وغمنا وأوحشنا انصرافه عنا)، وقال (علیه السلام): (السَّلاَمُ عَلَيْكَ مِنْ قَرِينٍ جَلَّ قَدْرُهُ مَوْجُوداً، وَأَفْجَعَ فَقْدُهُ مَفْقُوداً، وَمَرْجُوٍّ آلَمَ فِرَاقُهُ).

ص: 368

التقوى

آثار التقوى

إن القرآن الكريم يلفت نظرنا إلى آثار مباركة عظيمة للتقوى في الدنيا والآخرة:

(منها) تكفير السيئات؛ قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً).

(ومنها) البركات المادية والمعنوية؛ قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ).

(ومنها) إيجاد الفرج والمخرج والرزق بدون احتساب؛ قال تعالى: (مَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ).

(ومنها) إلهام العلم؛ قال تعالى: (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).

(ومنها) قذف البصيرة ونور الفرقان في القلب؛ قال تعالى: (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) وغيرها كثير مما لا يسعه المقام وتستحق إفرادها بكتاب مستقل. وقد اختُصر تعريف التقوى (بأن لا يفتقدك الله حيث أمرك ولا يجدك الله حيث نهاك) والأمر أعم من الواجب والمستحب، والنهي أعم من الحرام والمكروه.

للتقوى ركنان:

(الأول) ترك ما يكره الله تبارك وتعالى ويسخطه، وهو أوسع من المحرمات فيشمل المكروهات المؤثرة في تكامل الإنسان وتقربه من الله تعالى.

(الثاني) فعل ما يحبه الله تعالى ويرضاه وهو أعم من الواجبات فيشمل المستحبات الموجبة لرضا الله تبارك وتعالى ومحبته فمن أراد الكمال سار بهذين الطريقين معاً، ولا يغني أحدهما عن الآخر، فمن قام ببعض الطاعات لكنه لم يجتنب المعاصي والعياذ بالله، فإنه يهدم ما بناه بتلك الطاعات وسوف لا يقوم له بناء أبداً، روي عن المعصومين (عليهم السلام) قولهم: (جدّوا واجتهدوا، وإن لم تعملوا فلا تعصوا، فإن من يبني ولا يهدم يرتفع بناؤه وإن كان يسيراً، وإن من يبني ويهدم يوشِك أن لا يرتفع بناؤه) ونفس المعنى يجري في الأمراض البدنية، فإن من ابتلي بمرض معين -كالسكري أجاركم الله تعالى منه- فإن الطبيب

ص: 369

يأمره بأخذ بعض العلاجات وينهاه عن ارتكاب بعض الأفعال أو تناول أطعمة تضره بكميتها أو نوعها، فإذا أراد الحفاظ على صحته فلا بد أن يأخذ بهما معاً ولو حاولنا ترجيح أحدالركنين على الآخر أو قل بيان أيهما أهم وأكثر تأثيراً في تحصيل التكامل فإن الجواب يكون لصالح الاجتناب عما يسخطه الله تبارك ويكرهه، وقد دلّت عليه بعض الأحاديث الشريفة كقول أمير المؤمنين (علیه السلام): (اجتناب السيئات أولى من اكتساب الحسنات).

نيل الرغائب

هذه الرغائب الحقيقية يمكن نيلها بالتقوى والصبر والعمل الدؤوب والمعرفة، قال أمير المؤمنين (علیه السلام): (إن تقوى الله.. بها تنال الرغائب) وقال (علیه السلام): (بالصبر تدرك الرغائب) وقال (علیه السلام): (توكّلوا على الله عند ركعتي الفجر بعد فراغكم منها ففيها تعطى الرغائب) وتحتاج أيضاً إلى إرادة للسيطرة على جموح الرغبات، يروى أن أحد العلماء أصيب بمرض صدري فأمره الطبيب بالإقلاع عن التدخين، فقال العالم: لا أستطيع ذلك، فاستغرب الطبيب منه، وقال أنتم تطالبون شارب الخمر بتركها وقد أدمن عليها وأصبحت جزءاً من بدنه، وتطالبون معاقري اللهو والمجون والليالي الحمراء بتركها وهو يجد لذته وأنسه فيها، ولا تعذرونهم إذا قالوا: لا نستطيع، وأنت تقول: لا أستطيع، فاستحيا العالم وأصر على ترك التدخين.

هي منبع كل الرحمات

منبع الرحمات كلها تقوى الله تبارك وتعالى وحب الله تبارك وتعالى، فالتقوى تردعه عن ظلم الآخرين والإساءة إليهم والتقصير في أداء حقوقهم وحب الله يترشح منه حب الخير لجميع الخلق حتى أعدائه بأن يسأل الله تعالى لهم الصلاح والهدى لأن الجميع عيال الله تبارك وتعالى، وخلقه فيحبهم حباً لخالقهم وربّهم ومدبر شؤونهم وفي بعض الأحاديث ما مضمونه (الخلق عيال الله، فأحب خلقه إليه أنفعهم لعياله) وفي حديث آخر عن الإمام الكاظم(علیه السلام) عن مثل هذا الشخص أنه معنا في درجتنا.

تفاوت منازل أهل النعيم

أهل الجنة ليسوا على نمط واحد من النعيم يوم القيامة وإن كانت الآيات الكريمة تقسّمهم إلى (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) وفي سورة الواقعة إلى (المقرّبين وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال) وإنما تتفاوت منازلهم يومئذ على أنماط ومراتب لا حصر لها، وهذا كله فرع تفاوتهم في كيفية استثمار فرصة وجودهم في الحياة الدنيا (وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ

ص: 370

دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) وقد وردت الأحاديث الشريفة في مراتب الإسلام و الأيمان و الورع والتقوى مما يعطي رؤية عن التفاوت الواسع في درجات الناس في الدنيا. والمؤمن الطامح للكمال يرنو ببصره إلى أعلى تلك الدرجات ويسعى إليها، وهو متيسّر لكل أحد بكرم الله تعالىوفضله، وقد وصل إلى تلك الدرجات ناس ليسوا من المعصومين (عليهم السلام).

تعريف قرآني للتقوى

إذا قابلنا (مضامين سورة العصر مع قوله تعالى: (وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً)) نحصل على تعريف للتقوى فتكون حقيقتها الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر بمقتضى المطابقة وتحقيق ما تحصل به النجاة من النار والخسران وهذه الحقيقة طبيعية لأنّ الإيمان يدعو إلى العمل الصالح، والعمل الصالح لا يعرف الإنزواء والجمود والتقوقع، وإنّما يدعو للحركة المثمرة لهداية الآخرين وإرشادهم ونصحهم ومساعدتهم، فإنّ من أعظم الأعمال الصالحة ما كانت مندرجة في هذه الحركة الاجتماعية لذا ورد في بعض الروايات تفسير عمل الصالحات بمواساة الإخوان.

الفائز والمحسن الحقيقي

إنما يكون الإنسان فائزاً ومحسناً ويستحق الجائزة إذا أتى بالعمل المطلوب كما أراده منه ربُّه وتحقق لديه الهدف من التشريع، وما هو هذا الهدف؟ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فالهدف هو تربية الإنسان لتحصيل ملكة التقوى وهي حالة تحصل في قلب الإنسان تحرّكه نحو كل ما يرضي الله تبارك وتعالى سواء كان واجباً أو مستحباً وتمنعه عن اقتحام كل ما يوجب سخط الله تبارك وتعالى أو تقلل من مرتبة القرب إليه سبحانه سواء كان محرماً أو مكروهاً أو مباحاً.

هدفية التكاليف الشرعية

المتتبع لأغراض الشارع المقدس من جعل الأعمال والتكاليف يجد أن الهدف هو تحصيل ملكة التقوى وذكر الله تبارك وتعالى ومراقبته في السر والعلن، كما تقدم في أثر الصلاة على سلوك الإنسان، وقال الله تبارك وتعالى في الصوم: (يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ الصِيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلى الذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ) وقال عز من قائل في الهدي الذي يتقرب به الحاج: (لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُها وَلَكِن يَنَالُه التَقوَى مِنكُم) وقال تعالى في عموم الشعائر من حج وغيره: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّم شَعَائِرَ اللهِ فإنَّهَا مِن تَقوَى القُلُوبِ)

ص: 371

حتى في المعاملات فإن الله تبارك وتعالى يذكّر عباده بالتقوى ففي سورة الطلاق المؤلفة من اثنتي عشرة آية وردت مفردة التقوى خمس مرات. وهذا التركيز على التقوى لأنها خير وسيلة لتحصيل الكمال والفوز والفلاح قال تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإنَّ خَيرَ الزَادِ التَقوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الألبَابِ).

عفة الأولياء

كان أمير المؤمنين (علیه السلام) لا يسلم على الفتاة الشابة خشية أن يدخل في قلبه شيء من سماع صوتها إذا ردت السلام، وذمَّ أهل الكوفة ووبخهم لأنه سمع أن نساءهم تخرج إلى الأسواق وتختلط بالرجال، وذكر في سيرة العقيلة زينب (عليها السلام) حين كانت تخرج لزيارة أمها الزهراء (عليها السلام) يسبقها أبوها أمير المؤمنين (علیه السلام) فيطفئ قناديل المسجد وتخرج محاطة بأخويها الحسنين (عليهما السلام)، هذا غير كلمة الزهراء (عليها السلام) عندما سألها أبوها (صلى الله عليه وآله وسلم) عن أفضل خصلة في المرأة، فقالت (عليها السلام): أن لا ترى رجلاً ولا يراها رجل، وجرى على هذا ديدن العلماء والمؤمنين المتشرعين، ومنه نعرف أن الأصل هو منع الاختلاط إلا إذا دعت الضرورة الدينية أو الاجتماعية أو العقلائية إلى ذلك.

أساسا البناء الرصين

إن البنيان المثمر الراسخ الرصين هو ما اُسس على ركيزتين: التقوى ورضوان الله تعالى، فالأساس الأول التقوى المأخوذة من الاتقاء والاجتناب والاحتماء تعني تجنب كل شيء سيء وخبيث سواء على مستوى النيّات أو الأعمال فلا رياء ولا سمعة ولا حب الجاه والدنيا ولا مصادر غير مشروعة للمال وأساليب ماكرة في العمل، والأساس الثاني هو الرضوان الذي يعني اشتراك كل العناصر الإيجابية من نظافة الأيدي وسلامة النيات والصدق في العمل وابتغاء الخير والإحسان، ويقابله بنيانٌ فاشلٌ في مهب الريح وبالٌ على أصحابه يشبهه القران الكريم بمن بنى على (شفا) أي حافة (جرف) وهي حافة النهر أو البئر التي جرف الماء ما تحتها فهو (هارٍ) أي متصدع مشرف على السقوط والانهيار في أي لحظة لأنها حافة منخورة متآكلة فيسقط في هذا الوادي المرعب العميق.

أساس بناء المجتمع

إن الذي يتصدى لقيادة دينية أو سياسية في مساحة صغيرة أو مساحة واسعة ويريد

ص: 372

أن يبني مجتمعاً صالحاً فإنه لابد أن يكون أساس بنيانه تقوى الله تعالى وطلب رضوانه، روي في الحديث الشريف: (صنفان من امتي ان صلحا صلحت وان فسدا فسدت: العلماء والامراء).

ص: 373

حُسن الخلق

نِعَم لايُحسد عليها صاحبها

من النعم المعنوية حُسن الخلق وبها امتدح الله تعالى نبيه الكريم: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) والناس لا تلتفت إلى هذه النعم ولا تعيرها اهتماماً ولذا فإنهم لا يحسدون صاحبها عليها، وقد ورد في التواضع ما مضمونه انه نعمة لا يحسد عليها صاحبها، فهل يلتفت المجتمع إلى تهنئة من يكتسب خلقاً كريماً أو يؤدي طاعة عظيمة كصلاة الليل أو بر الوالدين أو قضاء حوائج الناس أو المواظبة على صلاة الجماعة في المساجد كما يهنئون من يرزق مالاً أو ولداً، وهل يعزّون أحداً على فوات شيء من ذلك كنومه عن صلاة الصبح أو عقوق الوالدين أو الإفطار في شهر رمضان كما يعزون على فقدان عزيز أو حصول خسارة.

بشاشة الوجه

ما أجمل أن تستقبل الناس دائماً بالبشاشة والانفتاح وتتودد لهم والبسمة دائماً على وجهك حتى في أحلك الظروف وليس أن تكون عبوساً في وجوه الناس.

تذكر ونسيان الإساءة والإحسان

وردت أحاديث كثيرة تدعوا إلى أن يكون الإنسان مصدر خير وعطاء وعنصراً مثمراً في المجتمع كالأحاديث التي تحث على السعي في قضاء حوائج الناس ومساعدتهم وإدخال السرور عليهم ورفع الأذى عنهم وفعل المعروف لجميع الناس بغضّ النظر عن الدين أو القومية أو النسب ونحو ذلك وتذكر لهذه الأعمال الإنسانية الصالحة ثوابا عظيما يفوق اكثر العبادات أهمية، وأكمل الشارع المقدس هذه الصورة الحسنة لسلوك المؤمن فطالبهُ بالعفو والصفح عن إساءة الآخرين، قال تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} وأمر بنسيان إساءة الآخرين وكأنها لم تقع وان يبقى دائماً يتذكر إحسان الآخرين إليه بل دعا إلى مقابلة السيئة بالحسنة {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} كما أمر بأن يكون على عكس ذلك في العلاقة مع نفسه، وذلك بان يتذكر دائماً إساءته للآخرين حتى يكون رادعاً عن تكرارها، وأن ينسى إحسانه للآخرين حتى لا يحصل عنده شعور بالعجب والمنّ والتفضّل عليهم فيمنعه ذلك من الاستمرار في فعل المعروف، ففي الحديث الشريف: (انسى اثنين: إحسانك إلى الغير وإساءة الغير اليك، واذكر اثنين: أساءتك إلى الغير وإحسان الغير إليك).

ص: 374

الخُلق السجادي

إن الإمام السجاد (علیه السلام) يترفع عن الانتقام ومقابلة من ظلمه بالمثل لأنه يرى المقابلةبالمثل ومعاقبة المسيء سيئة وان الأليق بخصاله الكريمة العفو والصفح والإحسان إلى المسيء، تأدباً بقوله تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ) وقوله تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) وقوله تعالى: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) فالذي يرجو عفو الله تعالى وإحسانه وفضله وكرمه لابد أن يتعامل مع الناس على هذا الأساس.. ولابد أن نلتفت إلى أن هذا التغاضي وعدم الرد فيما يتعلق بالمظالم الشخصية، أما إذا كان الظلم يتعلق بالحقوق العامة خصوصاً إذا انتهكت محارم الله تعالى فالنهي عنه واجب والسكوت قبيح، روى في كنز العمال عن عائشة قالت: ما رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) منتصراً من ظلامة ظلمها قطّ إلا أن يُنتهك من محارم الله شيء، فإذا انتُهك من محارم الله شيء كان أشدَّهم في ذلك).

التخلق بأخلاق الله

وردت كلمة على ألسنة المربّين مضمونها: (تخلّقوا بأخلاق الله) أي جاهدوا لتهذيب أنفسكم حتى تتصف بأخلاق الله تعالى التي تناسب المخلوقين مما عبّرت عنها الأسماء الحسنى, وكان النبي وآله الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين) المظهر الأكمل والتجلي الأعظم لهذه الصفات الإلهية, ورد في دعاء شهر رجب المروي عن الإمام الحجة (علیه السلام): (فجعلتهم معادن لكلماتك واركاناً لتوحيدك وآياتك ومقاماتك) إلى أن يقول: (لا فرق بينك وبينها إلا أنهم عبادك وخلقك).

وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ

إن الآية التي ورد فيها الأمر بالعفو والصفح جاءت في سياق جريمة كبرى ارتكبها البعض في حق رسول(صلى الله عليه وآله) اذ اتهموا زوجته مارية القبطية(رضوان الله عليها) بالفاحشة وإنها ولدت إبراهيم من خدين لها لا من زوجها رسول الله(صلى الله عليه وآله) وهي الحادثة المعروفة بحديث الافك، فرغم عظم الجريمة وعظم من وقعت عليه وهو اكرم خلق الله وخاتم الأنبياء ،ورئيس الدولة ،وقد أشارت الآيات إلى ذلك: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) وقال تعالى عنها: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا

ص: 375

وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) ومع ذلك فقد جاء معها الأمر بالعفو والصفح في الآية محل البحث، فكيف لا نعفو ولا نصفح نحن عن توافه الأمور التي نتعرض لها في حياتنا.

عمومية الإحسان لكل البشر

قال تعالى: (هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ).. هذه الآية عامة لا تختص بالمؤمنين فكل من يصدر منه فعل الاحسان يكافئه الله تعالى بالإحسان مؤمنا كان أو غير مؤمن على اختلاف درجاتهم في الكفر و الشرك أو الجهل بالخالق، فعن رسول الله(صلى الله عليه وآله): ما أحسن محسن من مسلم ، ولا كافر إلا أثابه الله: فقلنا: يا رسول الله، ما إثابة الكافر؟ قال : إن كان قد وصل رحما، أو تصدق بصدقة، أو عمل حسنة أثابه الله المال والولد والصحة وأشباه ذلك، قال: فقلنا: فما إثابته في الآخرة ؟ قال: عذاباً دون العذاب، وقرأ (أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) هذا بالنسبة للمعاند اما غير المعاند فيكافئه الله تعالى بالهداية إلى الإسلام والايمان وطريق الجنة والشواهد كثيرة على حصول مكافأة كبيرة لمن قام بعمل يسير كتلك المرأة الفاسقة التي دخلت الجنة لأنها سقت قطة عطشى ماءاً، أو الحر الرياحي الذي لم يرّد على الإمام الحسين(علیه السلام) حين قال له ثكلتك أمك يا حر لأن أمه الزهراء (عليها السلام) فكوفئ بنيل الشهادة والسعادة الابدية، ونقل بعض المفسرين إن شخصاً مسلماً شاهد امرأة كافرة تنثر الحب للطيور في الشتاء فقال لها: لا يقبل العمل من امثالك، فأجابته: إني أعمل هذا سواء قبل أم لم يقبل، ولم يمض وقت طويل حتى رأى الرجل هذه المراءة في حرم الكعبة، فقالت له يا هذا إن الله تفضل عليّ بنعمة الإسلام ببركة الحبوب القليلة

الثمرة العملية للإحسان

أراد الله تعالى بتذكيرنا بهذا القانون الفطري وبتعامله معنا على اساسه أن يؤدبنا بهذا الأدب وان نتعامل بهذه القاعدة العقلائية الفطرية مع الله تبارك وتعالى المحسن المتفضل، وكذلك بيننا نحن البشر وإن خالفونا في الدين، فنجازي الاحسان بالإحسان، روى علي بن سالم قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: آية في كتاب الله مسجّلة، قلت: وما هي؟ قال: قول الله تبارك وتعالى: (هل جزاء الإحسان إلاّ الإحسان) جرت في المؤمن والكافر والبرّ والفاجر، من صُنِع إليه معروف فعليه أن يكافىء به، وليس المكافأة أن يصنع كما صنع به، بل حتّى يرى مع فعله، لذلك ان له فضل المبتدئ) وقد حثت الآيات الكريمة والروايات الشريفة على اتباع طريقة الاحسان في التعامل مع الاخرين وانه من افضل القربات التي

ص: 376

توجب المحبة الالهية، قال تعالى (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ).

إنصاف الرب والإحسان لعباده

إذا كان السائد على علاقة الانسان مع ربّه وخالقه هو عدم الإنصاف، فهو كذلك مع الناس حيث يسود الناس الظلم والفساد والغش والخداع والاحتيال قال تعالى (ظَهَرَالْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) خلافاً للأدب الذي أمرنا الله تعالى به أن نجازي بالإحسان من احسن الينا وعلى رأسهم النبي(صلى الله عليه وآله) والائمة الطاهرون (صلوات الله عليهم اجمعين) والعلماء العاملون المخلصون والوالدان (َبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) وجيراننا وارحامنا والذين علّمونا والذين ربّونا وهكذا كل من أحسن الينا، بل أمرنا بالإحسان حتى لمن أساء إلينا، قال تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ )، (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ).

مداراة الناس وتحمل أذاهم

للنبي (صلى الله عليه وآله) أحاديث كثيرة تحثُّ على مداراة الناس وتحمل أذاهم، ومخاطبتهم على قدر عقولهم، فقد روى الإمام الصادق (علیه السلام) عن جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (أَمَرَنِي رَبِّي بِمُدَارَاةِ النَّاسِ، كَمَا أَمَرَنِي بِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ) وقال (صلى الله عليه وآله): (ثَلاثٌ مَنْ لَمْ يَكُنَّ فِيهِ لَمْ يَتِمَّ لَهُ عَمَلٌ، وَرَعٌ يَحْجُزُهُ عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ، وَخُلُقٌ يُدَارِي بِهِ النَّاسَ، وَحِلْمٌ يَرُدُّ بِهِ جَهْلَ الْجَاهِلِ) ومن تأديب الله تبارك وتعالى له (صلى الله عليه وآله): (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) وقال تعالى: (وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ).

آداب المهنة أهم من المهنة

تسعى الجامعات والمعاهد العلمية والأكاديميات العسكرية لوضع برامج للطلبة تتضمن كل المفردات التي يحتاجها الطالب عندما ينهي دراسته ويبدأ بممارسة مهنته كالطب أو الهندسة أو التعليم أو الإعلام أو العمل الأمني والعسكري وهي تؤهِّل بدرجة معتد بها من هذه الناحية. إلا أن هذه البرامج والخطط تفتقد إلى دروس في أخلاقيات ممارسة المهنة التي يتعلمها، وهذا نقص كبير لأن العلم وحده لا يكفي ما لم تنضم إليه آداب وأخلاقيات ممارسة تلك المهنة، لذلك تجد الأخطاء الفاحشة والفظيعة في سلوك هؤلاء عند ممارسة العمل، وقد تصل إلى الكوارث والانتهاكات الخطيرة في حقوق الإنسان والأمة

ص: 377

فإن الطبيب لا تكتمل أهليته إذا لم يكن قلبه مفعماً بالرحمة ونفسه نقية من الجشع والكذب والتضليل، والمهندس لا يكون نافعاً إذا لم يتحلى بالنزاهة والإخلاص والدقة والصراحة، والإعلامي يكون ضاراً إذا أصبح مأجوراً يبيع قلمه لمن يدفع ويذبح بذلك شرف مهنته، والعسكري يهلك الحرث والنسل إذا لم يحمل شرف المقاتل ونبل الرجال، والسياسي يكون وبالاً على أمته وبلده إذا لم يكن مخلصاً لهما ويعمل بجد لعزتهما وكرامتهما وازدهارهما، وقد علمنا قادة الإسلام العظام وعلى رأسهم رسول الله (صلى الله عليه وآلهوسلم) وأمير المؤمنين(علیه السلام) أنهم لا يرسلون والياً أو إداريا أو قائدا عسكريا إلا وحملوه سجلاً حافلاً بالوصايا والتعاليم والآداب، رغم أن من يرسلونهم كانوا على درجة من الإيمان والوعي لمبادئ الإسلام ولكن للتذكير وللتأكيد على ضرورة التمسك بتلك المبادئ.

دعوة لوضع قوانين لأخلاق كل المهن

نحن بحاجة إلى أن تتصدى نخبة من الاختصاصيين التربويين والمفكرين لوضع قوانين لأخلاق كل المهن، وقد وضعنا نحن أسس هذه العملية حينما سجلنا الخطوط العريضة لآداب وضوابط أغلب المهن كالأطباء والصيادلة والموظفين والمعلمين والعسكريين والعمال وسائقي السيارات والخياطين والحلاقين والمصورين والصيادين والفلاحين وطلبة الجامعات وخطباء المنابر والصاغة، حتى كتبنا للعاملين في تجارة العتيق وهي مطبوعة ومنشورة وممكن أن تتخذ هذه الكتيبات وثائق أساسية للمباشرة في هذا المشروع، وسنتكفل بطبع ونشر ما تجود به قرائح هذه النخب.

هي النِعَم التي لا تحصى

من النعم المعنوية (الإيمان بالله وبرسوله وولاية أهل البيت (عليهم السلام) وحسن الأخلاق) وهي الأوضح في عدم قبولها الإحصاء والاستقصاء لأنها تمتد إلى الحياة الباقية الخالدة، ولأن بركاتها وأثارها واسعة، ولأنها مستمرة بالعطاء لا تنقطع كما عبّر الإمام الصادق (علیه السلام) في حديثه مع أبي حنيفة وهذه النعم هي التي طلب الله تعالى من عباده أن يتحدثوا بها وينشروها ويدعوا الناس إليها لتغمرهم سعادتها، قال تعالى (وأمّا بنعمةِ ربّك فحدّث).

التواضع المحمود

إن التواضع المحمود على قسمين:

الاول: تواضع من يرى لنفسه شأناً ما، ولكنه يتواضع لما بلغه من حسن التواضع،

ص: 378

والأجر الذي يُعطى للمتصف به، والحمد والثناء على صاحبه، فيتواضع.

الثاني: تواضع المعرفة بحقيقة العبودية، وأنه لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، تواضع الفقر والحاجة والإضطرار، فهو لا يرى لنفسه قيمة ولا شأناً، فيكون التواضع طبيعة له وعلى القاعدة، وليس إستثناءاً يتكلفه، لأنه لا يملك شيئاً يتعالى به، أو، يتكبر، أو، يطغى من أجله، فتكون هذه الصفات عنده سالبة بانتفاء الموضوع، ومثله لا يحتاج إلى دليل على حسن التواضع ومدح صاحبه ليتواضع .

لتكون في عداد الصالحين

من يتأسى بالصالحين ويريد أن يكون منهم أن لا يبتغي من أحدٍ أجراً على إحسانهفضلاً عن المنّ على من أحسن إليه، لأنه إنما يحسن لنفسه أولاً قبل أي أحد (إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ) وتكون درجته أرقى حينما يحسن إلى الناس بل إلى الحيوان باعتبارهم خلق الله تبارك وتعالى وعياله، ومن كانت هذه نيته فسيجزيه الله تبارك وتعالى على إحسانه بأضعافه، لأن الله تعالى يعتبر الإحسان إلى خلقه إحساناً إليه، كما أن الأب مثلاً يعتبر الإحسان إلى أولاده إحساناً إليه.

أطيب الشعوب قلباً

جرب الذين اختلطوا بمختلف الشعوب أنّ العراقيين هم أطيب قلباً وأكرم أخلاقاً وأكثر استجابة لداعي الدين والتمسك به.

استقطاب الاخلاق من الصالحين

إن كثيراً من الأخلاق والأعمال الصالحة والسنن التي يلتزم بها المتدينون لم نقرأها في كتاب أو نتعلمها في مدرسة وإنما أخذناها بمصاحبتنا للكبار الصالحين واعتدنا عليها وصارت جزءاً من حياتنا، ولو ترك أحد هو ونفسه ليحاول تحصيلها من الكتب لأفنى العمر قبل أن يتعرف عليها، وأقول كل ذلك عن تجربة مررت بها في طفولتي حيث استفدت كثيراً من صحبة والدي وأخي الكبير (رحمهما الله تعالى) وغيرهما من الصالحين.

التخلّق بأخلاق الله (اللطيف) ... الدرس الأول

من أخلاق الله تعالى انه (لطيف) فليكن المؤمن لطيفاً بهذا المعنى فإن درجات الناس تتفاوت يوم القيامة بحسب ما يحققونه في ذواتهم من أسماء الله الحسنى وصفاته العليا.

التخلّق بأخلاق الله (اللطيف) ... الدرس الثاني

من عنوان (اللطيف) يمكننا أن نأخذ هذا الدرس وهو أن يكون كلّ منا لطيفاً يقرّب

ص: 379

الآخرين للطاعة ويعينهم عليها وييسرها لكم ويهيئ لهم أسبابها كمن يؤذن لإلفات النظر إلى دخول وقت الصلاة ودعوتهم إليها أو يشوّق الآخرين للحضور في المساجد والمشاركة في صلوات الجمعة والجماعة لما فيها من البركات والثواب أو يتبرع بأجور سيارة لنقل الزائرين أو يدفع نفقات حاج أو معتمر أو يسعى لتزويج مؤمن ومؤمنة ونحوها، فإننا قد دُعينا إلى التخلّق بأخلاق الله تعالى والتحلّي بمقدار ما ييسره الله تعالى من أسمائه الحسنى كما ورد في الحديث (تخلّقوا بأخلاق الله).

التخلّق بأخلاق الله (اللطيف) ... الدرس الثالث

إننا أمرنا بالتخلق بأخلاق الله تبارك وتعالى وأن نتصف بأسمائه الحسنى، ومنها هذا الاسم المبارك (اللطيف) فإن الله تعالى لطيف بعباده يقربهم من الطاعة ويبعدهم عن المعصية، قال تعالى (حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَوَالْعِصْيَانَ) وخصوصاً أنتم أتباع أهل البيت (عليهم السلام) فإنكم تحظون بألطاف خاصة دون غيركم لذا تجدون هذا الحماس والاندفاع والتضحية في سبيل الله تعالى مما لا يوجد عند غيركم وهذا يكشف عن هذه الألطاف الخاصة.. فليكن كل منا لطيفاً بهذا المعنى أي يكون مقرباً للناس من الطاعة ويزينها لهم ويحثهم عليها، ويبعدهم عن المعصية ببيان مساوئها وأضرارها وأخطارها في الدنيا والآخرة ويوجد البدائل الصالحة عنها، وليعرف من يعمل على عكس ذلك أنه بعيد عن الله تعالى وغير متصف بأسمائه.

أكثروا من هذه الأعمال الطيبة

برّوا بوالديكم وأظهروا لهم المودة والشفقة والرحمة، و صلوا أرحامكم وأصلحوا ذات بينكم وما فسد من أمور مجتمعكم، وأكثروا من الدعاء لصاحب الأمر الحجة الخلف الهادي المهدي (أرواح العالمين له الفداء) وحسّنوا أخلاقكم، وادعوا الناس إلى كل خير وساعدوهم على اجتناب كل سوء أعاذنا الله وإيّاكم.

حُسن الخلق الجوانحي والجوارحي

حسن الخلق له معنيان (ضيق) و(وواسع)، فالأول: يُراد به حُسن التعامل مع الآخرين، والثاني: يُراد به مطلق الملكات الفاضلة، وهي على قسمين:

الأول: الجوانحية، ونعني بها صفاته الشخصية الذاتية، وملكاته النفسية والعقلية والقلبية، كالإخلاص لله تبارك وتعالى، والعلم، ونكران الذات، والتخلِّي عن الحسد والعجب

ص: 380

والكبر وعدم الحقد على الآخرين، والرحمة والرقة والكرم والشجاعة والحلم والحزم والصبر، وغيرها.

الثاني: الجوارحية، أي المرتبطة بسلوكه الخارجي، وهي على صنفين :

أ- الفردية: وهي أعماله وسلوكياته الخاصة به، كالإلتزام بالنوافل الراتبة، وخصوصاً صلاة الليل، والكون على طهارة دائماً، وإطالة السجود، والبكاء خوفاً من الله سبحانه، او شعوراً بالتقصير بين يديه، وتألماً على ما حصل من مصائب على أولياء الله تبارك وتعالى، وأهل بيت نبيه (صلى الله عليه وآله).

ب- الاجتماعية: وأعني بها تعامله (صلى الله عليه وآله) مع غيره، وسلوكياته العامة، كالإحسان إلى الآخرين، والصبر على أذاهم، وقضاء حوائجهم، والتواضع لهم، ومداراتهم، وإدخال السرور عليهم، ويمكن أن تدرس هذه الآداب والأخلاق ضمن عدة دوائر، أولها دائرة بيته وأهله ثم أمته، مجتمعه وخصومه، وتصرفاته كقائد دولة ضمن دولته مع الدولالأخرى، وهكذا.

أخلاق القسم الأول هي الأهم، لأنها الأصل، أما القسم الثاني بصنفيه فهي من آثار ورشحات وملازمات القسم الأول وهي طريقة القرآن في تربيته البشر وهدايتهم وتكميل نفوسهم، فإنه إذا حصل في القلب والنفس والعقل تلك الملكات حصلت تصرفات القسم الثاني تلقائياً، وعلى السجية، لذا كان القسم الأول هو الأهم والأسرع في التكامل، لأنها تربية مباشرة للقلب، حتى يتحقق القلب السليم، حيث (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ، إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)، مضافاً إلى خصيصة أخرى تميز القسم الأول وهي: أن مفردات هذه الأخلاق خالية من الشوائب، ومن محبطات الأعمال، أما الثانية فيمكن أن يشوبها الرياء، ومجاملة الآخرين، وطلب السمعة والجاه والأنا، وحب المدح والثناء، فتتجرد عن القيمة والمصداقية، ولا يترتب عليها الأثر المطلوب، لأنها لا تكون منتجة إلا إذا ترشَّحت عن الأولى، وكانت ناشئة عن إخلاص لله سبحانه، فالجهاد مثلاً الذي هو أشَقُّ أعمال الجوارح وأثقلها إذا كان لغير الله سبحانه كطمع في مال، أو جاه، أو طلباً للمدح والثناء، فيكون وبالاً على صاحبه، ويقال له يوم القيامة: خذ أجرك ممن عملت له. لذا تجد العارفين والأخلاقيين يهتمون بتربية قلوبهم، وإذا اهتموا بأعمال الجوارح فلأنها تؤدي الى تصفية القلب، لذا يسمون (أرباب القلوب).

ص: 381

مواعظ ونصائح

موعظة بليغة

تجتمع الذنوب التي يستصغرها صاحبها ويقدم عليها بلا اكتراث وتترك آثارها عليه حتّى تطبع على قلبه فتورده النار والعياذ بالله. حُكيَ أنّ أحد التجّار كان يصنع القماش ليبيعه فيعاد عليه لعيب يوجد فيه، ففرّغ نفسه مدة وأتقن صنع القماش لكيلا يرد عليه، وباعه بعد أن تأكّد من سلامته من العيوب، وما لبث أن رجع إليه المشتري وأخبره بعيوب قماشه، فجلس التاجر يبكي والمشتري يطيّب خاطره ويقول له سأقبل القماش ولا أرجعه فلا تتأثّر، لكن التاجر (الواعي) قال: ما لإرجاع القماش أبكي، ولكن أبكي لأعمالي إذا عُرضت على الناقد البصير، كم سيجد فيها من العيوب، وكيف سيردّها عليّ، وما موقفي غداً، إذا كان المخلوق القاصرُ يجد كل هذه العيوب في قماش أتقنت صُنعه. وقد يبقى الإنسان على غفلته ولا يلتفت منها حتى يأتيه الموت (لقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ).

كتب نافعة للسلوك الأخلاقي

توجد كتب نافعة في المجال الأخلاقي متدرجة في مستوى عطائها، فأولها؛ (القلب السليم) ثم (جامع السعادات) و(المحجة البيضاء في تهذيب الأحياء) وغيرها مما هو معروف، ولكن المربّي الرئيسي هو القرآن وأحاديث المعصومين (عليهم السلام) الذي يغني السطر منها عن صفحات من كلمات غيرهم (عليهم السلام) وقد توجد كلمة واحدة تغير مجرى حياة الإنسان.. (وقال سماحته في مكان آخر): الكتب التي أراها مناسبة، ولا أخشى منها على القراء، وصادرة من قلوب مخلصة وصادقة، ولها أثر في التربية، منها: (القلب السليم، مرآة الرشاد، جامع السعادات).

الواعظ المؤثر

إن الترابط الوثيق بين الرسالة وسلوك حاملها عبّر عنه أمير المؤمنين (علیه السلام): (ما أمرتكم بطاعة إلاّ كنت أول من يؤديها، ولا نهيتكم عن معصية إلاّ كنت أول من يجتنبها) ولذا قالوا: إنّ الواعظ إذا لم يكن متعظاً لم يؤثر في القلوب ولم يهذب في النفوس .

ص: 382

إقرأ ... واعتبر

يُحكى أن النبي الكريم يوسف الصديق(علیه السلام) لما استتب له ملك مصر كان له مجلس عام للناس يقضي حوائجهم ويرفع عنهم ظلاماتهم، وفي أحد الأيام كان هناك شاب متواضع لا يُلتفت إليه وكان الروح الأمين جبرائيل إلى جانب النبي يوسف (علیه السلام) فسأله أتعرف هذا الشاب؟ قال: ومن يكون؟ قال هذا الطفل الصغير الذي شهد ببراءتك عندما راودتك امرأة العزيز واستبقتما الباب وألفيتما العزيز لديها. فاهتم به يوسف(علیه السلام) وأكرمه وخلع عليه الهدايا، وهنا تبسّم الروح الأمين(علیه السلام) وقال ليوسف(علیه السلام): إن شهادة واحدة بالتنزيه والبراءة لك أوجبت هذا العطاء الكثير فكيف سيكرّم الله تعالى عباده الذين يشهدون له تبارك وتعالى يومياً عدة مرات بالتنزيه والبراءة من الشركاء ويسبّحونه.. أقول: لعلكم تتفقون معي أن يوسف الصديق (علیه السلام) مهما أعطى إلى هذا الشاب فإنه قليل بإزاء قيمة الشهادة التي أدلى بها ذلك الشاب عندما كان طفلاً حين أنقذ يوسف مادياً من القتل ومعنوياً بتبرئته من الفاحشة والظلم وتنزيه ساحته. هذا ويوسف(علیه السلام) مهما كان ملكه عظيماً فهو مخلوق لا يملك لنفسه شيئاً، فكيف هو عطاء الله تبارك وتعالى الخالق العظيم مالك السماوات والأرض الجواد الكريم لعباده الذين يسبحون بحمده وله يسجدون. وفي ضوء هذا نعرف فضل النبي والأئمة المعصومين لأنهم علّمونا ما نعبد الله تعالى به وما نسبحه به ونحمده.

نصيحة لتأسيس مشاريع البناء

المشروع الاول: بناء النفس والذات والمستقبل المعنوي والعلاقة مع الله تعالى التي هي أساس الحياة الآخرة الباقية لأن الفتى الذي يبلغ سن الرشد ويلتحق بالبالغين هو في بداية حياة جديدة يُشرّف فيها بالتكاليف الإلهية وتنفتح امامه فرص التكامل والقرب الالهي عليه ان يلتفت الى بناء حياته على تقوى من الله ورضوان، ويكون كما أراد الإمام السجاد (علیه السلام) في دعائه (واجعل الحياة زيادة لي في كل خير والوفاة راحة لي من كل شر) لذلك أعطت الأحاديث الشريفة قيمة كبيرة لمن ينشأ من أول أمره ويؤسس بنيان نفسه على طاعة الله تعالى، عن النبي(صلى الله عليه وآله) قال: (سبعة في ظلّ عرش الله عز وجل يوم لا ظل الا ظله: إمام عادل وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل..) وفي حديث آخر عنه(صلى الله عليه وآله) (فضل الشاب العابد الذي تعبّد في صباه على الشيخ الذي تعبّد بعدما كبرت سنُّه كفضل المرسلين على سائر الناس) وعنه(صلى الله عليه وآله) قال (إن أحب الخلائق الى الله عز وجل شاب حدث السن في صورة حسنة جعل شبابه وجماله لله وفي طاعته، ذلك الذي يباهي به

ص: 383

الرحمن ملائكته، يقول: هذا عبدي حقا).

المشروع الثاني: إن الطالب الجامعي الذي يُنهي دراسته ويتوجه إلى العمل والكسب عليه أن يفهم أنه يبني مستقبله ويحدد بوصلة حياته القادمة فلا بد أن يحدد اختياره لنوع الوظيفة والعمل ويضع برنامج عمله وفق هذه الاسس المتينة للبناء.

المشروع الثالث: الزواج.. والزواج وُصِفَ في بعض الأحاديث الشريفة أنه بنيان، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (مَا بُنِيَ بِنَاءٌ فِي الإسلام أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عزّ وجلّ مِنَ التَّزْوِيجِ) فالذي يريد أن يبني حياة زوجية سعيدة صالحة مثمرة عليه أن يبنيها من أول خطوة عندما يبحث عن الزوجة أن يجعل أساس اختياره التقوى ورضوان الله تعالى في صفات الزوجة ومعدنها وفي نيته من مشروع الزواج، وليس البحث عن الامور الدنيوية الزائلة، وهو ما نطقت به الأحاديث الشريفة، كقوله(صلى الله عليه وآله): (عليك بذات الدين)، والمرأة يوجه لها نفس الخطاب قال (صلى الله عليه واله وسلم): (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه).

المشروع الرابع: ما بعد الزواج وهو إنجاب ذرية طيبة صالحة تكون عاقبتهم الى خير عليه وذلك بأن يؤسس بنيانهم ويلتفت الى تربيتهم من أول أيامهم على الخير وطاعة الله تعالى والأخلاق الفاضلة وتجنب الرذائل فإن بناءه سيكون رصيناً ثابتاً مستقيماً حتى ورد عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): (من تعلم في شبابه كان بمنزلة الرسم في الحجر).

نصيحة لطالب جامعي مجاهد لنفسه

اصبر حتى يرزقك الله تعالى زوجة صالحة تغنيك عن المتبرجات الفاسقات، أما النظر لهنَّ فهو سهم مسموم من سهام إبليس وفخّ عميق من فخوخه لاصطياد المؤمنين فاحذر منه واجتنبه واعلم إن لذّة الانتصار على النفس الامارة بالسوء والامتناع عن السقوط في غوايتهن لا تقاس به المتعة الوهمية التي يحسُّ بها أصحاب العيون الخائنة (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) ثم تكون عليهم حسرة وندامة في الدنيا والآخرة، وهم لهزيمتهم في داخل أنفسهم يعملون على استفزاز أمثالك من المتسامين والمترفّعين عن أفعالهم ليسقطوهم معهم كما يفعل الكفار (وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء) فإذا وقعت عينك على امرأة لا تحلّ لك فتذكّر أن الله تعالى مطلّع عليك وأنت في محضره المبارك وعلى الفور غيّر اتجاه نظرك الى جهة أخرى وستجد الطمأنينة في قلبك.

نتائج التكبر على سماع الموعظة

ص: 384

إن الطغيان يزداد ويتركز في سلوك الفرد إذا استكبر عن سماع النصيحة والموعظة والارشاد، ولم يراجع نفسه ويحاسبها، {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} ، {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} عن أمير المؤمنين (علیه السلام): (ومن طغى ضلّ على عمد بلا حجة) وحينئذ يتجذّر في ذات الإنسان وطبيعته حتى يصبح صاحبه مثالاً للطغيان فيسمّى (طاغوتاً) وحينئذ يكون قدوةً للطغيان والتمرد والمعصية وداعياً لها ومعيناً عليها ويسنّ القوانين المخالفة لشريعة الله تعالى بسوء توفيقه فيضل أمة من الناس باتباعه، قال تعالى (وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).

مثال وموعظة

لو أنك كنت متعلقاً بحبل ومدلّى في بئر عميق، وفي قعر البئر أفعى عظيمة تنتظر سقوطك لتفترسك، ويوجد جرذان يقرضان في أعلى الحبل ويوشك أن ينقطع فتسقط في فم الأفعى، ماذا سيكون عملك؟ هل اللهو والعبث والغفلة أم يتركز تفكيرك على كيفية النجاة قبل انقراض الحبل؟ هذا المثال المرعب هو حقيقة حياتنا، فالحبل هو حبل العمر الذي يتصرم يوماً بعد يوم، والجرذان هما الليل والنهار اللذان يبليان العمر، والأفعى هو الموت الذي يلتهم كل البشر، فلا تغرّنّكم أيها الشباب هذه الدنيا التي تضحك لكم ويزينها لكم الشيطان، ولا تدفعكم النفس الأمارة بالسوء إلى اتباع الشهوات، قال تعالى: [وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا].

نصيحة لأهل الله

وأنصح اللاهين بهذه الألعاب أن لا يصرفوا عمرهم الثمين في ما هو محرّم ويكون وبالاً عليهم ويسبّب لهم العذاب الأليم، ولينشغلوا بدل اللعب المحرّم بأمور نافعة كالأعمال الاجتماعية المثمرة أو حل مشاكل الناس أو خدمتهم وقضاء حوائجهم أو صلة الأرحام أو التزاور أو حضور المجالس النافعة أو مناقشة قضايا المدينة والمجتمع، لتتحول المقاهي إلى منتديات ثقافية وأدبية واجتماعية، وأن لا يشغلهم كل ذلك عن المحافظة على الصلاة في أوقاتها في المساجد وصلوات الجماعة وسيجدون لذة ومتعة وسعادة في هذه الأجواء الصالحة أكثر مما يتوقعون حصوله في ممارسة هذه الألعاب.

قصة وفائدة عظيمة

حُكي أن عالماً سأل أحد علماء السلف الصالح أنه لماذا ندعو فلا يستجاب لنا، بينما

ص: 385

كان دعاء السلف الصالح مستجاباً، قال في جوابه: لأننا كنّا نقسّم أحكام الأشياء على قسمين فقط: ما نلتزم بفعله وهي الواجبات والمستحبات، وما نلتزم بتركه وهي المحرمات والمكروهات، أما أنتم فقسمتموها إلى خمسة أقسام: واجب ومستحب ومباح ومكروه وحرام ولم تلزموا أنفسكم إلاّ بفعل الأول وترك الأخير فسبّب لكم هذه القسوة والابتعاد عن الله تعالى.

شواهد وعظية

أنقل لكم بعض الأخبار في وصف نار جهنم وحرها وجحيمها، ولو لم نكن من أهل الغفلة لما احتجنا إلى تلك الأخبار، لأن شواهدها كثيرة حولنا، فكم جرب أحدنا ماءً ساخناً على النار أو في الحمام يلسع جلده الرقيق أو زيتاً أعد للقلي ينسكب على جلده فيتمزق ويتلف وربما أدى به إلى الوفاة! هذه هي المفارقة التي يعيشها الإنسان: ضعف في القابلية ورقة لا يتحمل بها الأذى البسيط، لكنه يرتكب بحماقته ما يورده العذاب العظيم الخالد، كالمرأة السافرة، أو تارك الصلاة، أو الذي لا يؤدي حقوق الله في أمواله من خمس وزكاة وغيرها، أو رجل وامرأة تجمعهما علاقات جنسية غير مشروعة، أو يمارسون أفعالاً منكرة كالاستمناء والمساحقة ومشاهدة الأفلام الخليعة، أو يخوض في الغيبة وتفسيق المؤمنين والانتقاص منهم خصوصاً العلماء، فضلاً عن الذي يظلم الناس في أنفسهم وأموالهم بأي أشكال الظلم كالسرقة والغصب والغش والمعاملات المحرمة، فإن ظلم الناس ذنب لا يتركه الله تعالى.

نصيحة للمبتلين

عن الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام): (إنّك إن صبرت جرت عليك المقادير وأنت مأجور، وإنجزعت جرت عليك المقادير وأنت مأزور) فالأقدار والبلاءات جارية على كل حال وأنت بموقفك -إيجاباً أو سلباً- محدِّد أثرها عليك؛ والمهم أن تكون دائماً ممن ترجو الله تبارك وتعالى وتحتسب عنده، واجعل هذا دائماً الفرق بينك وبين خصمك.

فرحة العودة إلى الله سبحانه

إننا جميعاً مطالبون بالعودة إلى الله سبحانه والرجوع إليه لأنه هو الغاية وهو المنتهى [إِنَّ إلى رَبِّكَ الرُّجْعَى]، [وَأَنَّ إلى رَبِّكَ الْمُنتَهَى] قال تعالى: [قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا] فلنغسل قلوبنا مما علق بها من أدران المعاصي ولنتوجه إلى الله ضارعين تائبين عازمين على عدم العود لمعصيته، وإن الله ليفرح بعودة عبده إليه أكثر من

ص: 386

فرح شخص تائه في الصحراء قد فقد دابته وعليها كل متاعه وما يحتاج إليه من مؤنه، ثم عثر عليها فأوصلته إلى غايته، وقد قال تعالى [إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ] أما يريد أحدكم أن يكون ممن أحبه الله سبحانه؟! ولك أن تجرّب عندما يحبك مدير دائرتك أو رئيسك أو مرجعك كم تشعر بالنشوة، فكيف إذا أحبك رب العالمين وخالق الكون وما فيه؟!.

الحذر من نار جهنم

إذا أخبرنا إنسان ثقة بأن حيواناً مفترساً في هذه الجهة، فإننا سنهرب تجاه الجهة المعاكسة منه ونتخذ الإجراءات الواقية من الوقوع في الخطر، فإذا أكد هذا الخبر ثقة آخر ازدادت استعداداتنا لذلك وكنا أكثر حزماً. وقد أخبرنا مائة وعشرون ألف نبي أنه سيكون يومُ القيامة، ويثاب فيه المطيع على طاعته ويعاقب العاصي على معصيته بنار وقودها الناس والحجارة، أفلا يوجب هذا الحذر والابتعاد عن كل ما يورطنا في هذه النار المتأججة؟ وقد وصفها القرآن الكريم بمشاهد مرعبة، وأخبرنا أن معصية الله سبحانه توقعنا فيها، وأن طاعته تورثنا جنّة عرضها عرض السماوات والأرض، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت.

تذكرة وموعظة بليغة

تذكروا ونحن نخوض (الامتحانات) امتحاننا الكبير في هذه الدنيا والمسؤولية التي تحملناها حين رضينا أن نكون خلفاء الله في أرضه، وأخذ سبحانه علينا العهود والمواثيق [وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ] هذا الامتحان لا بد من المرور به [تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ] وقال تعالى: [أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُمَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ] وقال تعالى: [ألم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ] فليستعدوا لهذا الامتحان الكبير: (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ) كما تستعدون للامتحانات الدراسية واحذروا من الفشل في ذلك الامتحان كما تحذرون في هذا الامتحان، خصوصاّ وأن في الامتحانات الدراسية يوجد دور ثانٍ وتوجد إعادة السنة، أما الامتحان الإلهي فينقطع بالموت، ويقول عندما يرى عاقبة أعماله: [رَبِّ ارْجِعُونِ ، لَعَلِّي

ص: 387

أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ] فيأتيه الجواب: [كَلا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ]وفي آية أخرى: [وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ] نعم ما دام هو في قاعة الامتحان وهي دار الدنيا فإنه يمكنه إعادة الفرصة بالتوبة واستئناف العمل والتعويض عما فات، فليبادر إليها ويغتنمها، فإن الموت يأتي بغتة.

استثمار نعمة الجاه

الجاه نعمة فيسأل الإنسان عنه نُقل أن أحد العلماء شوهد متألماً ساعة احتضاره، فقيل له لماذا أنت متألم ولم تدّخر مالاً أو علماً إلا أنفقته في سبيل الله تعالى، قال نعم. ولكن عندي جاه أيضاً وأخشى ألاّ أكون قد بذلت كل جاهي في سبيل الله تعالى. إن هذا السؤال وهذه المسؤولية تدفع الإنسان للتفكير ملياً في ما يستخدم فيه جاهه.

موعظة للإعلاميين

جاء في الحديث الشريف: (طالبان منهومان لا يشبعان طالب العلم وطالب المال) إن الصحفيين نهمون أيضاً في اقتناص الأخبار وتغطية الأحداث وتحقيق السبق الصحفي، فمن أي الفريقين هم؟ إنهم يمكن أن يكونوا من الأول ويمكن أن يكونوا من الثاني فإذا عملوا بمهنية وموضوعية وحيادية وإنصاف في كشف الحقائق وإيصال المعلومة الصحيحة كانوا من الأول لان العلم هو انكشاف الحقيقة كما هي في الواقع، وإن خضعوا للإغراءات وباعوا أمانتهم وشرف مهنتهم بثمن بخس فأصبحوا أبواقاً تردد ما تطلبه منهم الجهة التي تدفع لهم كانوا من الثاني، والأول هو الإعلامي الناجح الذي يحظى بالرضا والقبول.

اقرؤا هذا الكتاب

إني من موقع المسؤولية الأخلاقية والشرعية ألزم كل فرد بقراءة كتاب (تاريخ الغيبة الكبرى) لسيدنا الاستاذ (قدس سره) وفهمه وتلخيص أفكاره ومعرفة ما ينبغي علينا معرفته والعمل به وجعل الكتاب محوراً للمناقشات والحوارات والمسابقات وجعل نسخ الكتاب والكتب المتقدمة هدايا للفائزين.

انصح بقراءة هذا الكتاب

إني أنصح بقراءة كتاب (القلب السليم) الذي يتألف من جزئين اولهما في العقائد والآخر في الاخلاق وهما صادران من قلب مخلص طاهر.

قصة وموعظة

ص: 388

يروى إن يهودياً كان يتعاطى الصياغة في بلدٍ مسلم، فضاعت منه خواتم ثمينة، فجاء إلى عالم المدينة باعتباره الزعيم المتنفذ فيها وأعلمه بالأمر وطلب مساعدته في العثور عليها، وقام العالم بدوره بإعلام الناس وإنّ من عثر على الخواتم فليجلبها إليه، وبينما هو في مجلسه إذ دخل عليه رجل بسيط رث الثياب وقدّم إليه الخواتم، فأكبر العالم في نفسه أمانة الرجل لكنه أراد أن يمتحنه فسأله عن عمله ومقدار كسبه فوجده لا يكاد يكفي لسد رمقه وعائلته فقال له: هلاّ تصرّفت بالخواتم حيث لا يعلم أحد بأنك وجدتها، وإن واحداً منها يكفي ثمنه لتحسّن وضعك المعاشي، ومالكها رجل غير مسلم، فقال الرجل وهو يظن أن العالم جادٌ بعرضه ذاك - ما كنت أظنك تقول مثل هذا الكلام! أتريد أن يدخل الحياء والخجل على رسول الله(صلى الله عليه وآله)يوم القيامة حينما يقول له النبي موسى(علیه السلام) أمام الملأ : إن رجلاً من أمتك سرق خواتم من رجل من أمتي! فبماذا أجيب.

درس من قصة النبي موسى وأخيه هارون (عليهما السلام)

لنأخذ درساً في قصة النبي موسى (علیه السلام) وأخيه النبي هارون لما استخلفه على قومه وذهب إلى مناجاة ربّه، فأضل قومه السامري وجعل لهم عجلاً جسداً له خوار ودعاهم إلى اتخاذه رباً وعبادته ووقف هارون في وجه هذا الانحراف والفساد وواجهه إلا انه لم ينشق عنهم وقال لأخيه موسى لما رجع إليهم (قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) فكانت المحافظة على وحدة قومه هو المشروع الأهم لديه لأنه وعاء حفظ العقيدة والكيان والمشروع.

خدمة الناس غايتي

إن خدمة الناس لها مجالات واسعة بسعة الاحتياجات والمشاكل والمصائب والكوارث التي تصيبهم، وما أكثر ما يعاني مجتمعنا اليوم من مشاكل اجتماعية واقتصادية وصحية وتعليمية وخدماتية وغيرها. عندما يأتيني المسؤولون وهم يشعرون بأن للمرجعية فضلاً عليهم بشكل من الأشكال ويعرضون أي خدمة نطلبها منهم ليردوا بها الجميل، فيكون جوابي لهم إنني حينما أخدمكم لا أطلب منكم جزاءً ولا شكوراً وجزائي هو أن تخدموا الناس، كما قال تعالى على لسان نبيه الكريم (صلى الله عليه وآله): (قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِأَجْراً إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) وقرباي أنا ليس أخي وابن عمي وإنما هم المؤمنون وعموم الناس، ودائماً أذكّرهم بالحديث الشريف: (كفارة عمل السلطان الإحسان إلى الإخوان).

الاهتمام بالمعلولات دون عللها

ص: 389

عندما يهتم المسلمون اليوم بأمر الدولة الصهيونية اللقيطة ويسعوا إلى إزالتها عليهم أن يلتفتوا أن هذه الدولة ما هي إلا أحد الأعراض المرضية التي تظهر على جسد الأمة الإسلامية نتيجة وجود مرض كامن فيها هو الأصل والعلة لهذه الأعراض والمرض هو ابتعاد المسلمين عن المنهج الالهي في حياتهم فلا ينبغي لهم الإهتمام بالأعراض المرضية والغفلة عن علة هذه الأعراض ويكون مثلهم كما يجري في ساحة مصارعة الثيران فالثور الهائج يركز كل همه وعدائه وغضبه وقوته إلى الخرقة الحمراء ويغفل عن المصارع الحامل لها.

موعظة من أحد العلماء الأتقياء

يروى أن أحد الوعّاظ في بلد مقدس يقصده الزوار من دول العالم جمع التجار والكسبة في السوق وقال لهم إنني أحذركم من هؤلاء الزوار أن يخدعوكم، قالوا: كيف ذلك وهم غرباء لا يعلمون شيئاً ونحن نخدعهم ونبيع إليهم الأشياء بأضعاف سعرها، قال لهم: هذا ماعنيته بكلامي فلا يخدعونكم ويورطونكم في المعصية.

مما قلت بمناسبة الامتحانات اننا لنأخذ منها الموعظة فإن هذا الجهد المضني وسهر الليالي والأعصاب المشدودة التي يعاني منها الطالب في فترة الامتحانات اذا كانت تستحقها شهادة دنيوية -مهما عظمت أهميتها- فإنها زائلة فكيف يجب ان نستعد لامتحان الآخرة ونتائجها الباقية أما نعيم مقيم أو عذاب خالد -والعياذ بالله- مما لا تحتمله جلودنا الرقيقة ولنأخذ أيضاً من لذة النجاح والتفوق في هذه الامتحانات أو الشعور بالخجل والخيبة والحقارة عند الرسوب فيها درساً لموقفنا يوم القيامة حينما يحشر الأولون والآخرون في عرصة القيامة.

جزاء الشجرة المثمرة

كان أحد العلماء قد تعرَّض لتهم باطلة وتشنيع من قبل الحاسدين، وهو يسير قُدماً في مرضاة الله سبحانه، ويقدم العطاء النافع لنفس هذا المجتمع الذي يحاربه، وكان يتألم لهذه المبادلة غير المنصفة، وفي طريقه رأى شجرة مثمرة، والناس يرمونها بالحجارة، وهي تهدي إليهم من ثمراتها، فتعلَّم الدرس من هذه الشجرة، كيف يحاربها الناس وهي تدر عليهم الخيرات، فاطمأن قلبه، ورضي بما قسم الله سبحانه.

أهمية الأسلوب القصصي في الموعظة

أنصح دائماً الخطباء والمعلمين وأولياء الأمور وكل المهتمين بالتربية والإصلاح والإرشادأن يستفيدوا من القصص والحوادث والوقائع في أداء رسالتهم، لأنّها تشدُّ المتلقي وتثبت في

ص: 390

عقله ووعيه لترابط الأحداث فيها، وهذا يؤدي إلى رسوخ الفكرة لديه، وهذه الثمرات واضحة، فالخطيب مثلاً حينما يبدأ بعرض حكاية أو حادثة فتجد الحضور ينشدّون إليه ويصغون، فهذا الأسلوب ناجح ومثمر خصوصاً في تربية الأطفال وتثقيفهم.

نصيحة لمن يريد السفر للخارج

لا ينبغي لأحد أن يقوم بذلك إلا إذا كان صاحب تربية دينية مركزة ووعي معمق ولسفره غرض مشروع كتحصيل علم جديد أو تطويره أو تعميقه أو ازدياد خبرة أو إصلاح وضع مهين.

نصيحة للعاملين في المجال السياسي

الاهتمام باستماع الموعظة وقراءة القرآن وحضور الشعائر الدينية وعمل كل ما يحيي القلب لأن هذا العمل مهما كانت نيته مخلصة لله تعالى فانه يبقى من أمور الدنيا التي تقسي القلب كالكسب وغيره وهذه القساوة إذا استمرت بلا جلاء وتنقية فإنها تؤدي إلى الطبع على القلوب فلا تسمع صوت الحق والهدى والعياذ بالله ويذهب نور الإيمان وانما يكون جلاؤها بما ذكرناه قال أمير المؤمنين (علیه السلام) موصياً ولده الإمام الحسن (علیه السلام): (يا بني احيي قلبك بالموعظة وأمته بالزهادة) وقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يوما لأصحابه: (إن القلوب لتصدأ كما يصدأ الحديد) قيل وما جلاؤها يا رسول الله ، قال (صلى الله عليه واله وسلم): ( تلاوة القرآن وذكر الموت).

موعظة الشيخ جعفر الشوشتري

نُقل عن الواعظ الشهير الشيخ جعفر الشوشتري صاحب كتاب الخصائص الحُسينية وقد كان له منبر وعظ في الصحن الحيدري الشريف يحظره المجتهدون والعلماء والفضلاء وعامة الناس، نُقل عنه أنه قال يوماً: أيها الناس أن مئة وأربع وعشرين ألف نبي بعثهم الله تعالى كلهم يقولون للناس: (كونوا موحدين وأنا أقول كونوا مشركين) فتعجب الناس من كلامه ولم يفهموا مرامه فأمهلهم حتى قال لهم: (إنكم أصبحتم كلكم للدنيا وأنا أدعوكم إلى أن تجعلوا لله نصيباً من حياتكم فأشركوه في أعمالكم)..وستجدون في دعاء الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عرفة: (إلهي عميت عينٌ لا تراك عليها رقيباً، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيباً) .

فرص ثمينة للطاعة

قد عرضت عليكم فرصة ثمينة لعمل الخير مع بساطتها، وهي أن يقوم كل واحد

ص: 391

بتعميم رسالة قصيرة على من يحتفظ بأرقام هواتفهم المحمولة ويوصيهم بتعميمها تتضمنالرسالة القصيرة تعليم مسألة شرعية أو موعظة أو إرشاد إلى عمل الخير كالتنبيه على زمن شريف قريب - كالأول من رجب، والنصف منه، والمبعث الشريف او آخر أيام من رجب - والأعمال الواردة فيه ليستعد لها ولا تفوته بسبب الغفلة عنها، أو تتضمن الرسالة مسألة شرعية غير ملتفت إليها فيتورط فيها الناس - كحرمة الزواج بأخت وبنت من لاط به آخر على اللائط ، أو حرمة الزواج بامرأة لم تطلق بشكلٍ صحيح - فإن الالتفات إلى مثل هذه المسائل لاحقاً يوقع الزوجين في الحرج وهكذا. أو يبعث بموعظة قصيرة توقظه وتحيي قلبه من الأحاديث الشريفة المباركة المؤثرة في النفوس، كأن يبعث على الشباب المبتلين بالنظر إلى النساء الأجنبيات قوله (النظرة سهم مسموم من سهام إبليس فمن تركها لله تعالى أبدله نوراً يجد حلاوته في قلبه) فلعل شاباً يتأمل بهذه الكلمات فيستحقر هذه النظرة ويتركها لاكتساب ذلك النور الإلهي.

موعظة الموت

الموت يا أحبتي آت وكل آت قريب فلماذا إذن الاغترار بالدنيا مهما عظمت ولماذا التنافس على أمور وهمية ليست حقيقية.

البحث عن الموعظة

إذا كنتم تبحثون عن الموعظة وتتحرون مواطنها وتتأثرون بها وتتفاعلون معها فهذا يعني أن قلوبكم ما زالت حية ويرجى منها الخير وهذه نعمة عظيمة تستحق الشكر المتواصل لله تبارك وتعالى.

تحرى الموعظة

لا بد للمؤمن أن يتحرى الموعظة ليستثير في قلبه الحياة ويأخذ بأسبابها كالتي ذكرها رسول الله (صلى الله عليه وآله) و إلا فإن الرين الذي ينشأ من خوض الإنسان في أفعاله الحياتية ولوازمها وما تقتضيه طبيعته البشرية فضلاً عن ارتكاب المعاصي –والعياذ بالله تعالى- يتراكم على القلب فيسوّد ويقسو حتى يطبع عليه فيموت ولا تؤثر فيه الموعظة وأسباب الهداية. ومن هنا جاء العتاب الرباني للذين لا يديمون إحياء قلوبهم بالموعظة، قال تعالى (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) ثم يضرب مثلاً لحياة القلوب قال تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ

ص: 392

تَعْقِلُونَ).

نصيحة للمفكرين والمثقفين

نحن في هذا العصر أمام تجليات واسعة ومتسارعة لعزة الإسلام وعظمته، وقد كانتالأجيال السابقة تعيش عقوداً أو قروناً لتشاهد نصراً واحداً وقد لا يحصل ما يبشّر بخير وليس لهم إلا رثاء أحوالهم، واليوم تتوالى هذه الانتصارات ويتحقق هذا التقدم المستمر بمشيئة الله تبارك وتعالى إن هذه الانتصارات وهذا التقدم فيه امتحان واختبار للإسلاميين – علماء ومثقفين وسياسيين ومتدينين – ليبلوهم الله تبارك وتعالى أيهم أحسن عملا، وهل هم بمستوى هذه النعم وتحمل هذه المسؤوليات؟ إن لله تعالى سنناً في عباده (فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلا سُنَّتَ الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً) ومن سنته تبارك وتعالى في هذا المجال أن يتم نصره على عباده المؤمنين إن أقاموا دين الله تعالى وأجروا أحكامه وكانوا من أهل الآية الشريفة (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) وهؤلاء وعدهم الله تبارك وتعالى في الآية التي سبقتها (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) وإن لم يكونوا كذلك جرت فيهم سنة أخرى أشارت إليها الآية الشريفة (وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) فالله غني عن كسل المتقاعسين وخذلانهم وتلكؤهم وسوف يأتي بقوم آخرين ينهضون بالمشروع الإلهي ولا يبالي بهؤلاء السيئين أين يصيرون.

من آليات العمل الإصلاحي

أعرض عليكم الآن واحدة من آليات العمل لإصلاح المجتمع وتطويق الفساد وتحجيمه حتى القضاء عليه، وهي أن نتعهد مع أنفسنا على أن يقوم كل واحد منا بنقل أي مسألة شرعية يتعلمها أو موعظة يتأثر بها أو نصيحة نافعة أو قصة هادفة، ينقلها إلى أهله وأصدقائه وزملائه في العمل والمحلة وأقرانه، وحينئذ سيحصل عندنا انتشار على شكل متوالية هندسية تتضاعف فيها أعداد المستفيدين، وتتضاعف معها حسنات العاملين، فالواحد يعلّم عشرة، والعشرة يعلمون مئة وهكذا، وستلمسون بركة هذا العمل الشريف.

حكاية معبرة

أذكر لكم باختصار حكاية لنأخذ منها العبرة رواها أحد الفضلاء الأساتذة عن أبيه وهو أحد مراجع الدين في كربلاء المقدسة عن شخص ثري تعرّض لسجن واضطهاد في بعض البلدان وكانت له أموال وتجارات فهاجر مع أهله إلى كربلاء قبل سبعين عاماً تقريباً وبسبب

ص: 393

تلك الضغوط والآلام أصيب بلوثة في عقله فكان إذا أراد أن يسخّن الماء ليصنع قدحاً من الشاي يحرق الدنانير –كان كل دينار يعادل مثقالاً من الذهب يومئذٍ- في الموقد إلى أن ينضج الشاي، ثم يحتسي القدح فرحاً منتشياً ويقول هذا القدح من الشاي قيمته عشرة آلاف دينار. ربما نسخر من هذا ونستقبح فعله ولا نعلم –وشر البلية ما يضحك- أننا أسوأ حالاًمنه؛ لأننا نحرق ساعاتنا وأيامنا وليالينا التي هي رأس المال في التجارة التي لن تبور مع الله تعالى، ويمكن أن نحصل بها على الدرجات العليا في الجنان والنعم العظيمة ومصاحبة النبي وآله الكرام (صلوات الله عليهم أجمعين) نحرقها في ما لا قيمة له، بل أحياناً في ما يسخط الله تبارك وتعالى ويوجب عقابه والعياذ بالله. وإذا كنا دقيقين أكثر فإن علينا أن نقدّم الأهم على المهم والأعلى رتبة على الأقل رتبة وإن كان كل منهما طاعة.

نصيحة للمربين

أن يكون حكيماً حاذقاً في وصف الجرعات التربوية لأن إعطاء أزيد من استحقاق الفرد ظلم له وكذا إعطاء الأقل وهم (عليهم السلام) وان لم يعطوا ذلك بشكل واضح ومحدد بسبب التباين الكبير بين قابليات البشر واستعدادهم النفسي للتكامل فلا يمكن تقديم وصفة موحدة للجميع ومن هنا كانت طريقتهم (عليهم السلام) بإلقاء الوصايا والنصائح والمواعظ الكثيرة وفي مختلف الاتجاهات والأساليب ليأخذ منها كل شخص بحسب استحقاقه تطبيقاً لقوله تعالى: (فسالت أودية بقدرها) فأن قلوب الناس وعقولهم أوعية وأودية تختلف في استيعاب ماء المعرفة النازل عليها من سماء الرحمة واللطف الإلهيين.

نصيحة غيور

احفظوا وحدتكم أيها الأحبة ولا تعطوا فرصة للأعداء ليوقعوا بينكم فلا يوجد شيء يستحق الاختلاف بيننا.

هذه وصيتي

إن قوتنا في وحدتنا ولا تتحقق الوحدة إلا برص الصفوف وتجنب الخلاف والعمل سوية في إطار المرجعية الشريفة هذه وصيتي فمن كان يحبّني فليعمل بها ليكون ذلك أعظم رد توجهونه إلى الأعداء الذين يتربصون بكم الدوائر عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم حتى لو استفّزكم بعضهم بكلام عليَّ او عليكم وتشويه صورتي ومحاولة تسقيطي في أعين الناس فلا تردّوا عليهم بالمثل ولا تذكروا الجهة التي يرجعون اليها بسوء، الا يكفيكم في الجواب عليهم قول الإمام (علیه السلام): (كفى بك نصراً على عدوك أن يعصي الله فيك) لأنه سيقحم نفسه في كبائر عديدة كالغيبة والكذب والبهتان، الا يكفيكم في

ص: 394

جوابه قول الامام (علیه السلام): (من روى رواية على اخيه المؤمن يبتغي بها شينه وهدم مروته وليسقطه في اعين الناس أخرجه الله من ولايته الى ولاية الشيطان ثم لا يقبله الشيطان).

ص: 395

الانعزال عن المجتمع

انقطاع العالِم عن مجتمعه

إن انقطاع العالِم عن مجتمعه ما هو إلا تعبير عن قسوة القلب لأن هذا الإنقطاع يكشف عن فراغ روحي كبير حال دون تحسسه بآلام وهموم الناس.

التربية الحوزوية

من الواجب أن تشمل التربية الحوزوية ثلاثة اتجاهات:

الأول: الاتجاه العلمي: ونعني به تزويد الطالب بكل العلوم المكونة لشخصيته العلمية وبالعمق والتدقيق .

الثاني: الاتجاه الاخلاقي: فلا بد من تهذيب النفس والسعي إلى تكميلها بالفضائل وتطهيرها من الرذائل وتوطيد الصلة بالله تعالى ومراقبته في كل صغيرة وكبيرة ويكون ذلك قبل التصدي لأية مسؤولية اجتماعية لأن المنصب والجاه والإمتيازات الأخرى التي يتمتع بها علماء الدين من أقوى فخوخ الشيطان وأصعب شراكه.

الثالث: الاتجاه الاجتماعي والحركي: فلا بد من خلق الوعي لدى الحوزة بمشاكل المجتمع والمؤامرات والدسائس التي تعصف به والفتن المحدقة به تحت شتى العناوين وأسلوب مواجهتها وتحصين الأمة من الوقوع فيها وتنبيهه إلى اعدائه الحقيقيين والتحرك نحو المجتمع لا الانعزال عنه وارشاده وتوجيهه باستغلال كل القنوات المتاحة لذلك كالكتب والمنبر الحسيني والخطب والمحاضرات والندوات واللقاءات.

الصناعة الإلهية

إن الله سبحانه عندما يريد أن يهيء شخصاً، أو مجتمعاً لقيادة البشرية وهدايتها وإصلاحها، فإنه تبارك وتعالى سيعرض هذا الشخص، أو هذه الأمة للإبتلاءات المطلوبة، فإن وفوا باستحقاقاتها واجتازوها بنجاح اختيارا فسيؤتيهم الله كفلين من رحمته، وسيمنح الناجح المرتبة التي أهلها له، وإن تراخى وتسامح وتهاون، والمفروض أن يجتاز هذه الإمتحانات، فسيضطره الله سبحانه إلى بعض البلاءات، مثلاً قد يحتاج المصلح والقائد إلى أن يمر بفترة عزلة وتربية مركزة لنفسه، بعيداً عن النشاط الإجتماعي، فينفر هذا الشخص من الإنعزال ولا تطيقه نفسه، فيبتليه الله بالسجن رغماً عليه، لتتحقق له هذه الثمرات.

ص: 396

المفهوم الصحيح للانعزال

الانعزال الذي أمر به الناس عند ظهور الفتن ليس هو الإنعزال المادي أي الانزواء في البيت بل المعنوي أي الابتعاد عن الخوض فيها واجتنابها أما العالم الذي فهم الكتابالكريم وسنة المعصومين فيضع الامور في نصابها ولا تختلط عليه ولا تلتبس والذي يطلّع على سلسلة من محاضرات (دور الائمة في الحياة الإسلامية) يجد المواقف المتنوعة بإزاء الاحداث والقضايا والمشاكل ولا يميّز بينها إلا القائد البصير.

النشاط الرسالي بين الافراط والتفريط

لابد أن يتحرك (العالم وطلبة الحوزة) نحو المجتمع في حدود الفرصة المتاحة لا أزيد منها لأنه إفراط وإلقاء للنفس في التهلكة وتهور ولا أقل منها لأنه تفريط في الواجب وتقصير ولا مبالاة وقد أخذ على العلماء ألا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم أي لا يسكتوا على ذلك كما ورد في الخطبة الشقشقية لأمير المؤمنين(علیه السلام) ولا ينتظر أن يتحرك المجتمع إليه ويقصده ولربما يشعر بذلك قوله سبحانه: (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ) فهم الذين يبدؤون قومهم بالإنذار وتبليغ الرسالة ولا ينتظرون من المجتمع أن يبتدأهم فضلاً عن الانعزال عنه وترك حبله على غاربه، وإذا وردت أحاديث تحبب العزلة عن الناس فليست بمعنى التقوقع داخل البيوت وإنما بمعنى مباينة المجتمع الفاسد في تصرفاته وعدم الانسياق معهم وإعلان البراءة من انحرافهم وهذه سنة إلهية أكد عليها القرآن الكريم(لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ).

من محاسن اعتزال الناس

الإسلام دين الاجتماع والتواصل ومظاهر ذلك كثيرة كالحج وصلاة الجماعة والجمعة ومنها تشريع العيد ففي دعاء الإمام السجاد(علیه السلام) في وداع شهر رمضان عن يوم الفطر (الذي جعلته... لأهل ملتك مجمعاً ومحتشدا ) وفي الرواية عن الإمام الرضا (علیه السلام): (إنما جُعل يوم الفطر العيدَ ليكون للمسلمين مجتمعاً يجتمعون فيه ويبرزون لله عز وجل فيمجدونه على ما منَّ عليهم، فيكون يومَ عيدٍ ويوم اجتماع)، وهو دين إعمار الحياة المثمرة وبناء الأمة الصالحة الوسط الشاهدة على الناس جميعاً مضافاً إلى أن وظائف كثيرة لا يمكن القيام بها إلا بالتواصل مع الناس كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتكافل الاجتماعي وتعليم أحكام الدين وورد النهي عن الترهّب وترك إعمار الحياة كقوله (صلى الله عليه وآله): (ليس في أمتي رهبانية) ويشرح (صلى الله عليه وآله) معناها لعثمان بن مضعون

ص: 397

عندما أراد الترهب: (إن ترهّب أمتي الجلوس في المساجد انتظاراً للصلاة) فيعطي للرهبانية معنى اجتماعياً واسعاً خلافاً للمعروف عنها.

موجبات تشوش الفكر

إذا تشوش الفكر بهذه الأحاديث (أي الأباطيل والكلام الفارغ) فإنه لا يكون مؤهلاًللإقبال على الله تبارك وتعالى والأنس بذكره، عن أمير المؤمنين (علیه السلام): (من انفرد عن الناس أنس بالله سبحانه) (الانفراد راحة المتعبدين) وعن الإمام الصادق (علیه السلام): (لو ذُقتَ حلاوة الوحدة لاستوحشت من نفسك) ومن حِكم لقمان(علیه السلام): (إن طول الوحدة أفهم للفكرة، وطول الفكرة دليل على طريق الجنة). لذا كان اعتياد هذه المجالس سبباً للحرمان من القرب الإلهي كما في دعاء الإمام السجاد (علیه السلام) في ليالي شهر رمضان: (أو لعلك فقدتني من مجالس العلماء فخذلتني أو لعلك رأيتني في الغافلين فمن رحمتك آيستني، أو لعلك رأيتني آلف مجالس البطالين فبيني وبينهم خلّيتني) وفي وصية الإمام الكاظم (علیه السلام) لهشام بن الحكم: (الصبر على الوحدة علامة قوة العقل، فمن عقل عن الله اعتزل أهل الدنيا والراغبين فيها، ورغب فيما عند الله، وكان الله أنيسه في الوحشة، وصاحبه في الوحدة، وغناه في العيلة، ومُعِزَّه من غير عشيرة).

علة الوجود

الغرض من وجودنا هو التعرف إلى الله تبارك وتعالى وعبادته بحقيقة العبادة، بأن يكون الله تبارك وتعالى كقطب الرحى الذي ندور حوله وإلى هذا المعنى يشير الطواف بالكعبة، وأن يكون تبارك وتعالى محور حياتنا في كل حركاتنا وكل سكناتنا ومشاعرنا وعواطفنا ومواقفنا التي نتخذها في حياتنا. وهذا لا يعني أن نترهب ونعتزل الدنيا في الصوامع والكهوف، بل بالعكس فإن هذا الهدف يدفعك إلى أن تخوض الحياة بكل تفاصيلها وتمارسها بشكل طبيعي لتؤدي رسالتك ولكن عليك أن توظف كل ممارساتك لهذا الهدف، لقد كان الأنبياء والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين) عباداً مخلصين لله تبارك وتعالى ومعصومين عن الالتفات إلى غيره ومع ذلك فقد كانوا يمارسون حياتهم الطبيعية كأي إنسان، فلا منافاة.

استدراج أهل الباطل

إن أهل الباطل يحاولون جاهدين لاستدراج أهل الحق حتى يكونوا مثلهم، كما لو

ص: 398

وُجد موظف نزيه مثابر في عمله يخدم الناس بإخلاص فإنهم يقومون بكل وسائل الضغط والترغيب والترهيب ليتخلى عن مبدأيته ويصبح مثلهم، ليعطوا المبررات لأنفسهم ويتخلصوا من محاسبة الضمير وليصبغوا أفعالهم بالشرعية، فالعزلة والاعتزال الذي حثت عليه الآيات الكريمة والروايات الشريفة يعني إبقاء الخط الفاصل بين المنهجين والسلوكين والرؤيتين.

أُنس المؤمن بربه

إن المؤمن له أنس بربّه لا يستوحش معه ولا يحتاج إلى غيره إلا بمقدار الضرورة، وينفر من مخالطة الناس أزيد من ذلك ومجاملتهم ومداهنتهم، عن الإمام الصادق (علیه السلام): (ما من مؤمن إلا وقد جعل الله له من إيمانه أنساً يسكن إليه حتى لو كان على قلّة جبل لم يستوحش) وروي عنه (علیه السلام): (خالط الناس تخبرهم ومتى تخبرهم تَقْلِهم - من القلى أي البغض والاجتناب) فترجيح الاختلاط او العزلة وتحديد مقدارهما يدور مدار ما يقربّك الى الله تبارك وتعالى ويجنّبك معصيته ولا يحرمك من طاعته.

قيمة العمر

إنّ كل ثانية من حياة الإنسان يمكن أن يحولّها إلى طاعة عظيمة كما لو شغلها بتسبيحة ليغرس الله تعالى له بكل تسبيحة عشرة أشجار في الجنة وفي رواية أخرى شجرة، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من قال سبحان الله غرس الله له بها شجره في الجنة و من قال الحمد لله غرس الله له بها شجره في الجنة و من قال لا اله الا الله غرس الله له بها شجره في الجنة و من قال الله اكبر غرس الله له بها شجره في الجنة فقال رجل من قريش يا رسول الله إن شجرنا في الجنة لكثير قال نعم ولكن إياكم أن ترسلوا عليها نيرانا فتحرقوها وذلك إن الله عز وجل يقول يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ إنّ هذه الطاعة التي قد لا تستغرق أكثر من ثانية واحدة من وقت الإنسان قد يكون لها دور خطير عندما تتساوى حسنات الإنسان وسيئاته فيحتاج إلى حسنة واحدة لترجيح كفّة الحسنات، فيتحسّر على ثوان يتمنى لو كان استثمرها في تسبيحة من عمره الكثير الذي أضاعه من دون فائدة.

المعاشرة أفضل من العزلة بشرط

المعاشرة مع الآخرين أفضل من العزلة إذا كانت مثمرة ونافعة ويؤدي فيها الفرد

ص: 399

وظائفه ولا تستدرجه المجاملات إلى الوقوع في المعاصي؛ لأن الاختلاط مع الآخرين يوفر فرصاً عظيمة للطاعة كقضاء حوائج الناس وإدخال السرور عليهم وهدايتهم وإرشادهم و الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونحو ذلك روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على اذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على اذاهم) وقال (صلى الله عليه وآله) لرجل أراد الجبل ليتعبد فيه: (لصبرُ أحدكم ساعة على ما يكره في بعض مواطن الإسلام خير من عبادته أربعين سنة) وعليه أن يكون يقظاً ملتفتاًحتى لا يتسبب اختلاطه مع الناس بالوقوع في المعاصي أو تشويش فكره بفضول الكلام، وأن يلتزم بمبادئه والأفعال الموافقة للشريعة ويعتزل سلوكياً الآخرين ويحذر من مناهجهم ورؤيتهم أما من لا يملك الشجاعة والمعرفة والقدرة على أداء وظائفه مع الآخرين فالحل المناسب له تقليل اختلاطه بالناس والاقتصار على مقدار الضرورة وأن يحرص على مجالسة ومحادثة من يقرّبه إلى الله تعالى.

إيجابيات العزلة وموجباتها

توجد روايات كثيرة حثّت على الانفراد والعزلة عن الناس وذكرت فضل العزلة والآثار المباركة فيها كقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): (العزلة عبادة) وعن أمير المؤمنين (علیه السلام): (في الانفراد لعبادة الله كنوز الأرباح) وعنه (علیه السلام): (ملازمة الخلوة دأب الصلحاء) وعنه (علیه السلام): (الوصلة بالله في الانقطاع عن الناس) وعن الإمام الرضا (علیه السلام): (يأتي على الناس زمان تكون العافية فيه عشرة أجزاء، تسعة منها في اعتزال الناس وواحدة في الصمت) وهنا قد يثار إشكال منشأه وجود التنافي بين التوجيه بالعزلة والمنحى الاجتماعي لدين الإسلام؟ ويجاب هذا الإشكال بأكثر من مستوى:

الأول: أن نضع هذه الأحاديث في موضعها الصحيح ولا نأخذها على إطلاقها، ونتعرف على المخاطبين بها وحالاتهم، ومن تلك الحالات التي خاطبتها هذه الأحاديث المحبِّبة للعزلة:

1. وهي أوضحها: عندما يكون الاختلاط بالناس سبباً للوقوع في المعاصي فإن المجالس لا تخلو غالباً من المحرمات بل الكبائر، وعلى رأسها الغيبة التي جعلها الناس فاكهة المجالس، وهي من الموبقات التي توجب إحباط العمل وذهاب الدين، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (الغيبة أسرعُ في دين الرجل المسلم من الأَكْلَة في جوفه)... ولذا قيل إن ((في العزلة صيانة الجوارح وفراغ القلب وسلامة العيش وكسر سلاح الشيطان

ص: 400

والمجانبة من كل سوء وراحة الوقت، وما من نبي ولا وصي إلا واختار العزلة في زمانه إما في ابتدائه وإما في انتهائه)).

2. عندما يكون الاختلاط مع الناس والحضور في مجالسهم مسبباً لتشوش الفكر بالأحاديث الفارغة المضيِّعة للوقت وتسمى مجالس البطّالين.

3. عندما لا يكون الفرد قادراً على أداء حق الاختلاط مع الناس ومراقبة ما يجري فيها ليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فمثل هذا يكون الأفضل له تجنب الاختلاط إلا بما هو ضروري حتى لا يكون من الساكتين على الباطل والراضين بالظلم، عن الإمامالصادق(علیه السلام): (إن قدرت أن لا تخرج من بيتك فافعل، فإن عليك في خروجك أن لا تغتاب ولا تكذب ولا تحسُد ولا ترائي ولا تتصنع ولا تداهن) وعنه (علیه السلام): (أقلُّ ما يجد العبد في الوحدة الراحة من مداراة الناس).

الثاني: أن نفهم من معنى العزلة غير المعنى المتعارف وهو الانكفاء على الذات وترك الاختلاط بالناس فلا يرد الإشكال أصلاً، وإنما يراد باعتزال الناس مباينتهم في السلوك والأفعال المخالفة للشريعة، فلا مانع من أن يعيش المؤمن وسط المجتمع بكل فئاته بشرط أن يكون متميزاً بعقيدته وأخلاقه وسلوكه وتقييمه للأمور عن أهل المعاصي ولا يتأثر بشيء من انحرافاتهم أو يداهن أو يجامل أو يتنازل عن شيء، وبثباته ومبدئيته سوف يكون موقفه قوياً مؤثراً في الآخرين وهادياً ومصلحاً لهم.

الثالث: أن يكون الاعتزال بمعنى الانقطاع عما سوى الله تعالى وعدم التمسك بأي سبب من المخلوقات، عن الإمام الباقر (علیه السلام): (لا يكون العبد عابداً لله حق عبادته حتى ينقطع عن الخلق كلهم إليه فحينئذٍ يقول: هذا خالص لي، فيقبله بكرمه) فذِكرُ الله تعالى والتمسك بالنبي وآله الكرام (صلوات الله عليهم وسلامه) وولاية أهل البيت(عليهم السلام) هو الكهف الذي نكون فيه دائماً ونأوي إليه باستمرار وان كنّا في أوساطهم ، قال تعالى: (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحمته ويُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقاً).

فوائد الاعتزال المحدود

إن الاعتزال فترة محددة أمر مفيد، فقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعتزل الناس في غار حراء في مكة، أما في المدينة فقد كان يطوي فراشه ويشد مئزره للعبادة في العشرة الأواخر من شهر رمضان ولأجل تحقيق هذا النقاء وتصفية الباطن لله تعالى شُرّع

ص: 401

الاعتكاف في المساجد، وقد وردت الأحاديث في فضله وآثاره المباركة.

ص: 402

الجاهلية

الإسلام والجاهلية

إن الله سبحانه يقسِّم من خلال القران الكريم نظام حياة البشر إلى نوعين: الإسلام والجاهلية، وهذا التقسيم ليس مختصاً بفترة نزول القرآن، أي عصر البعثة الشريفة، بل هي حالة مستمرة لأن الجاهلية ليست فترة زمنية مرت وانتهت إلى الأبد بظهور الإسلام، بل هو نظام حياة يمكن أن تعيشه البشرية في كل زمان ومكان، لأن لكل من القسمين صفاته ومميزاته، فمتى تحققت هذه السمات وجد هذا المجتمع.

خطر جاهلية اليوم

إننا نواجه جاهلية عاتية تضرب بإطنابها أرجاء الأرض في أفكارها واعتقاداتها وفي سلوكياتها وأهوائها ونزعاتها، بل إن جاهلية اليوم جمعت كل مساوئ جاهليات الأمس القريب والبعيد .

جاهلية أمس وجاهلية اليوم

تلتقي جاهلية أمس بجاهلية اليوم بعدة نقاط :

1- إن جاهلية الأمس كانت تعبد غير الله تعالى، وجاهلية اليوم كذلك تعبد غير الله تعالى، لأن العبادة بمعنى (الطاعة والولاء)، وأصنام اليوم أشد خطراً من أصنام الأمس الصماء، فهي اليوم أشد تأثيراً وإغراءً، كالمطربين، والممثلات، والموضة، والاتكيت.

2- إن جاهلية الأمس كانت تحكمها غير شريعة الإسلام، وكل حكم اليوم بغير ما أنزل الله تعالى فهو حكم جاهلي (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ)، وما أكثر هذه الأحكام اليوم من حكم العشائر إلى القوانيّن الوضعية التي تبنتها دول العالم.

3- انحراف العقيدة في مجتمع الأمس يشبهه انحرافها اليوم.

4- من معالم الجاهلية السفور والتبرج والتهتك وشيوع الفاحشة الذي لا يخفى على مبصر.

5- ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

6- التقليد الأعمى للآباء والأعراف المتفشية بينهم، وتقليد اليوم أخطر من سابقه، حيث إتباع المطرب والفنان والرياضي.

ص: 403

7- عدم معرفة الإمام الحقيقي والمسئولية المترتبة على هذه المعرفة، مثلما نراه اليوم بكل وضوح.

8- الخضوع للماديات، وعدم الاعتراف بما وراء المادة وإنكار الغيب.9- ومن سمات الجاهلية عزل الناس عن القرآن.

10- ومن سمات الجاهلية التشتت والتمزق، كما هو واضح.

11- ومن سمات الجاهلية الرعب من الموت، ومن كل ما يوحي به .

مميزات المجتمع الجاهلي

أول صفة من صفات الجاهلية هي عبادة الناس لغير الله تبارك وتعالى والعبادة بمعنى الطاعة والولاء كما ورد عنهم (عليهم السلام) في تفسير قوله تعالى: (اتخذوا احبارهم ورهبانهم ارباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما امروا الا ليعبدوا إلهاً واحداً لا اله الا هو سبحانه عما يشركون) قال (علیه السلام): (اما والله ما دعوهم إلى عبادة انفسهم ولو دعوهم إلى عبادة انفسهم ما اجابوهم ولكن احلوا لهم حراماً وحرمّوا عليهم حلالاً فعبدوهم من حيث لا يشعرون)....و هذه بعض آلهة الجاهلية الأولى التي كانت تُعبد من دون الله تبارك وتعالى وهي: (الاصنام، العلماء غير المخلصين، الفراعنة، هوى النفس الامارة بالسوء وشهواتها، إبليس، العصبية، العادات والتقاليد الموروثة عن السلف) وأصلها اتباع الهوى (فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون اهواءهم ومن اضلُّ ممن اتبع هواه بغير هدى من الله، ان الله لا يهدي القوم الظالمين) .

الجاهلية الجديدة !!

إن البشرية تعيش اليوم جاهلية جديدة -وان تسمى بعضهم بالإسلام- بحسب المفهوم الذي يعطيه القرآن للجاهلية إذ انه لا يعتبرها فترة زمنية انتهت بطلوع شمس الإسلام بل هي حالة اجتماعية تتردى اليها الأمة وينتكس اليها المجتمع كلما اعرض عن شريعة الله سبحانه (افحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقومٍ يوقنون) وقد نبه القرآن الكريم إلى حصولها حينما قال: (ولا تبرّجن تبرج الجاهلية الأولى) وكأنه إشعار بوجود جاهلية ثانية وهي هذه التي تعيش البشرية اليوم شؤمها وتعاستها وشقاءها بل جمعت جاهلية اليوم مساوئ الجاهليات القديمة كلها فالقوي يأكل الضعيف واللواط يُسنُّ بقانون رسمي يجيزه ويرتضي الزواج بين الذكرين والزنا يفوح برائحته الكريهة وهمجيته الحيوانية وامراضه الفتاكة كالإيدز ونحوه في كل ارجاء العالم والبخس في الميزان

ص: 404

منتشر بجميع اشكاله ليس على مستوى الأفراد فقط بل على مستوى الدول فلا يوجد انصاف في العلاقات بين المجتمعات البشرية وهو ما يسمى بالمصطلح (الكيل بمكيالين) واتخاذ الاحبار والرهبان وسائر رؤوس الضلال من شياطين الانس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ارباباً من دون الله يحرمّون ما أحلّ ويحلّون ما حرّم.

المجتمع الجاهلي هو..

من فقد خصائص المجتمع المسلم، فالسلطة ليست لله، وإنما لعباده، والتصورات والأعراف التي تحكمه شيطانية ما أنزل الله بها من سلطان، فيكون بعضهم أرباباً لبعض، يشرعون لهم، والباقون عبيداً لهم (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ).. فينقسم المجتمع إلى مستضعفين ومستكبرين، وتابعين ومتبوعين، ويكون الولاء لغير الله سبحانه، وانما لعناوين يبتدعونها، وآلهة يصطلحون على عبادتها، وأداء مراسيم الطاعة والولاء لها، كالعشيرة والوطن والقومية والجنس واللون وربما الرياضة او الحزب او اي انتماء آخر، التي قد علمتَ أنها عناصر ذاتية في إنسانية الإنسان، وتكون الأعراف والتقاليد والنظم الاجتماعية المتبعة من وضع البشر، لا الخالق سبحانه وتعالى.

مستنقعات جاهلية اليوم

من أوضح سمات حالة الجاهلية -بحسب التعبير القرآني- التي تتردى إليها البشرية كلما ابتعدت عن المنهج الإلهي، هو انتشار الفساد والانحلال الخلقي والعودة إلى الهمجية الحيوانية والانفلات من كل المعايير الإنسانية، وقد بلغ أوجه في جاهلية القرن الحادي والعشرين، ساعدهم على ذلك الرقي المادي والتكنولوجي وتطور وسائل الإعلام وارتباط المعمورة كلها بشبكة الاتصالات العالمية (الانترنت) فسخروا كل هذه الأدوات الجبارة بما تمتلك من فن وإثارة وانشداد وانجذاب لتمييع الأخلاق وتدمير أية مقاومة نفسية يمتلكها الإنسان لضبط الشهوات والميل إلى إشباعها.

من سمات الجاهلية

انحراف عقائدها واليها أشير بقوله تعالى: (يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية) فقد كانوا يعتقدون مثلاً انه مهما ارتكب الإنسان من موبقات فانه ينجو من العقاب اذا قرّب إلى الآلهة قرباناً، ومجتمعنا بفعل ما رسّخه خطباء المنبر الحسيني في اذهانهم يعتقدون انه مهما

ص: 405

فعل من منكرات وكبائر فان دمعة واحدة على الحسين (علیه السلام) تكفيه لدخول الجنة انطلاقاً من الحديث الشريف: (من بكى على الحسين ولو مقدار جناح بعوضة وجبت له الجنة) واستدلوا بقول الشاعر:

فان النار ليس تمسُّ جسماً *** عليه غبار زوار الحسين

ونحن لا ننكر كرامة الحسين(علیه السلام) على الله تبارك وتعالى فهو يستحق هذا التكريموازيد، لكن هذا على نحو المقتضي وجزء العلة لدخول الجنة ولا بد من تمامه من جزء العلة الأخرى من الشروط وعدم الموانع وأول الشروط طاعة الله تعالى في اوامره ونواهيه وهذا القرآن صريح (ولا يشفعون الا لمن ارتضى)وفي حديث الإمام الصادق (علیه السلام): (لن تنال شفاعتنا مستخفاً بالصلاة) ومنافٍ للآية الشريفة: (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) الا ان يتدارك عمله بالتوبة الصادقة. وهذا الانحراف في الاعتقاد له اثره الخطير في ابتعاد الناس عن الدين وقلّة وعيهم بعد ان خُدِّروا بهذه العقيدة البعيدة عن القرآن وركونهم اليها فتركوا العمل بالقرآن.

سمات أخرى للجاهلية

فساد التصورات وانحراف الرؤية للحياة فمثلاً كان بعض الجاهليين يرفضون تزويج بناتهم من غيرهم لانهم يرون انفسهم فوق الآخرين وهم ما يُسمَّون ب(الحُمُس) وفي جاهلية اليوم توجد شرائح كثيرة ولعل اوضح مصاديقها بعض السادة المنتسبين لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فانهم لا يزوجون نسائهم الا لسيد مثلهم وقد تعنّس بناتهم ويفوتها الزواج وتحرم من ممارسة حق مشروع لها في التنعم بتكوين اسرة وتعيش سعادة الأمومة كل ذلك بسبب هذا التصور الخاطئ الجاهلي فاين هذه التصورات من مبادئ القرآن (خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً) ومن تعاليم رسول الله (صلى الله عليه وآله): (اذا رضيتم الرجل عقله ودينه فزوجوه) ...ويقول هو (صلى الله عليه وآله): (ولو عصيت لهويتُ) فما قيمة هؤلاء الذين يتاجرون باسمه (صلى الله عليه وآله) وهم يخالفون شريعته؟

من أهم خصائص الجاهلية

من أهم خصائص الجاهلية بل هي السبب في تحققها ترك الأمر بالعروف والنهي عن المنكر هذا الذي حذّر منه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (كيف بكم إذا فسدت نساؤكم وفسق شبابكم ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر ؟ فقيل له: ويكون ذلك يا

ص: 406

رسول الله ؟ فقال: نعم، وشر من ذلك، كيف بكم اذا امرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟ فقيل له: يا رسول الله ويكون ذلك؟ قال: نعم، وشر من ذلك، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً) وهذا ما وصلت إليه المجتمعات اليوم والتقصير أول ما يبدأ من علماء الدين أو الربانيين على تعبير القرآن وتخاذلهم وتقاعسهم عن اداء وظيفتهم واوضح مصداق للربانيين هم أنتم يا طلبة وفضلاء الحوزة الشريفة .

من معالم الجاهلية

من معالم الجاهلية سيطرة الخرافات والاساطير فمثلاً كانت العرب تتشاءم من صوت الغراب والبوم والغرب اليوم يتشاءم بلا معنى من رقم (13) وانتشر يومئذ العرافون والكهنة وراجت سوقهم واليوم نرى اقبال الناس على قارئي الكف والرمل والابراج والطريحة واصحاب النور والمطوعات ونظائرها مما ينطلي على الجهلة والسُذَّج.

حقيقة اجتماعية مؤسفة

توجد حقيقة اجتماعية مؤسفة في حياة البشر، وهي أنّه كلّما أنقذهم الله تعالى من بلاءٍ معنوي أو مادي أعادوا أنفسهم إلى مثله أو أسوأ منه، ولذا ورد في أدعية التوسل إلى الله تعالى بعدم الوقوع في مثل هذه الحالة (اللهم لا تنزع عنّا صالحاً ولا تردَّنا في سوء استنقذتنا منه أبداً)..فمن البلاءات المعنوية نذكر مثالاً وهو أن الناس كانوا يعيشون جاهليةً مليئة بالظلم والفساد والقتل والانحطاط فأنقذهم الله تعالى بالإسلام وبرسول الله لكنّهم ما لبثوا أن انقلبوا على الأعقاب بعد وفاته ثم عادوا إلى جاهليتهم الأولى.

جاهلية اليوم

ها هي جاهلية اليوم تصف القرآن نفس الأوصاف إنه من كلام محمد ويمثل نبوغاً انسانياً وليس وحياً الهياً وحاولوا التأليف في متناقضات القرآن ولكنهم لما عجزوا واكتسحهم القرآن وفرض وجوده عليهم عمدوا -بما اوتوا من خبث ومكر وخداع- إلى تفريغه من مضمونه وعزله عملياً عن واقع الحياة وحولّوه إلى ما يشبه الاناشيد والاغاني التي يترنم بها المطربون ويعبّر الجالسون عن طربهم بصيحات (الله الله يا شيخ) وحولّوه إلى تعويذات يعلّقوه على صدورهم أو في بيوتهم لا ازيد من ذلك .

من صفات الجاهليون

من صفات الجاهليون هي الجمود على التقاليد الموروثة عن السلف والتزمت في

ص: 407

الالتزام بها وعدم الخروج عنها وان قام الدليل والحجة على خلافها وهذا التصرف نتيجة التحجر وعدم السلامة في التفكير وتحكيم العاطفة باعتبار ان الشيء الذي تتوالى عليه اجيال من الاباء والاجداد يكتسب قداسة يصعب اختراقها وقد كرّر القرآن هذا المعنى كثيراً بحيث نستطيع ان نفهم منه انّ هذه كانت من المحن التي اشترك فيها جميع الأنبياء قال تعالى: (واذا قيل لهم اتبعوا ما انزل الله قالوا بل نتبع ما الفينا عليه آباءنا، اولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون)...وهذه المحنة الكبيرة تواجه كل من يريد أن يحرر مجتمعه ويسعى لإصلاحه لقوله تعالى: (وكذلك ما ارسلنا من قبلك) وليست مختصة بالأنبياء وحدهم.

شمولية لطف الله بعباده

إن لطف الله بعباده دائم ولا يختص بقوم دون قوم فجاهلية الأمس ليست أولى من جاهلية اليوم ولا خصوصية لها حتى ينزل اليها تبارك وتعالى قرآناً ويبعث اليهم رسولاً ويترك جاهلية اليوم سدى فما أحوجها إلى مصلح وهو الحجة بن الحسن (ارواحنا له الفداء) وما احوجنا إلى القرآن لينقذنا من حضيض الجاهلية إلى قمة الإسلام ولنكرّس جهدنا في الاستفادة من قابلية القرآن وقدرته على علاج امراض البشرية والارتقاء بها في سلّم الكمال .

يسخرون من أنفسهم..

يَسخر الناس اليوم من عقول أسلافهم في الجاهلية ويسخفونهم حيث اتخذوا آلهة من أصنام يصنعونها بأيديهم وهاهم اليوم يفعلون فعلتهم وينقادون لأصنام وآلهة من صنعهم وإن كان من نوعٍ آخر. هذه الحقيقة التي يدمغ اللهُ تبارك وتعالى بها الناس في قوله تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ).

العَالَم والجاهلية

العَالم الذي يسمي نفسه بالمتحضر، فإنه غارق في وحل الجاهلية إلى شحمة أذنيه، فمعبوده المادة والمصالح الإقتصادية، حيث تشتعل الحروب، وتسحق الشعوب من أجل المصالح والنزوات والشهوات، والآلهة تحولت من أصنام حجرية تؤدَّى لها الطقوس، وتهدر بين أقدامها الأموال، ويتسابق على نيل رضا أربابها الناس، تحولت إلى آلهة جديدة هي الرياضة والفن، فبدل أن تتوجه القلوب إلى الله سبحانه، وتتوحد على طاعته، أصبحت العيون متجهة إلى ملاعب كرة القدم، ودور الأزياء، لمعرفة ما تقدمه من جديد، وبدلاً من أن يكون الولاء لله ولرسوله ولأمير المؤمنين أصبح الولاء للعشيرة وللقومية وللفريق الفلاني..

ص: 408

وأما الأعراف والتقاليد المتحكمة فليست من صنع الشريعة، وإنما فرضها البشر القاصر العاجز، والويل لمن يخرج عنها، حتى لو كانت على خلاف الشريعة.. وأصبح المعروف منكراً، والمنكر معروفاً، فالمسلسلات التلفزيونية تمجِّد الحب، وتدعو إليه، وتنبذ (المتزمتين الرجعيين) الذين يقفون في طريق الحب وأهله، وأبطال الشاشة هم المتمردون على الأخلاق الإجتماعية العامة، والشجاع هو الأكثر إعتداءاً على الآخرين، والذي ينقضُّ بالسلاح على كل أحد يقف في طريقه.والدين أفيون الشعوب، لأنه يصادر حريات الإنسان، ويمنع عليه أن يمارس أعماله كيف يشاء، فلا مانع إذن من أن يصدر قرار رسمي بإباحة الإتصال الجنسي بين أفراد الجنس الواحد. أما الظلم فعلى أشده، يمتصون خيرات الشعوب، ويتركونهم يموتون جوعاً، ليترهلوا هم من التخمة والترف الزائد، ويحرقون اللحوم والأغذية حفاظاً على أسواقهم وأسعارهم، وغيرها كثير مما لا يغيب عن الملتفت.

الفصل بين السلطة(الدينية والدنيوية)

إن الفصل بين السلطتين(الدينية والدنيوية) ترسّخ وتعمّق وانعكس على الدين نفسه فأصبح مرتكزاً في الاذهان ان ادارة شؤون الحياة ليس من شؤون الامامة الدينية وان دورها يقتصر على العبادات وبعض الاحكام الشخصية والتقوا بذلك مع نظرة الجاهلية (ما لله لله وما لقيصر لقيصر) وهذا هو الشرك بعينه فان الملك كله لله وحده والحكم كله لله وحده وما من واقعة الا ولله فيها حكم، أترى ان الشريعة التي لم تغفل عن تنظيم ابسط التصرفات الحياتية كالتخلي والنوم والاكل والجماع ووضعت لها احكاماً وآداب فهل تغفل عن وضع انظمة وقوانين تنظم حياة المجتمع من جميع الجهات ؟

ص: 409

الحضارة الغربية

تأثير العلم والمعرفة على الإرادة

إن الإنسان كلما ازداد علماً ومعرفة بمصالح الأفعال -في الدنيا- كان أكثر اندفاعاً للقيام بها، وكلما كان أعرف بمفاسدها كان أكثر اجتناباً لها وكذا على صعيد الآخرة أي العلم بالثواب والعقاب، فكل من العلمين يساهم في الدفع بالاتجاه الصحيح، فمثلاً نجد أن ملايين في الغرب اجتنبوا الخمر والتدخين اقتناعاً بإضرارهما ومفاسدهما فكيف إذا انضم إليها معرفة المصير في الآخرة.

إننا نتألم على شبابنا!

إننا نتألم حينما نرى الكثير من شبابنا يسقطون وينحرفون ويلتقطون مظاهر الفساد والانحلال من حثالات الغرب المنبوذين في بلادهم قبل بلادنا، أو ينخرطون في جماعات ضالة فاسدة من دون الالتفات الى اجندات اصحابها والاهداف التي يريدون تحقيقها، وقد تكلفهم حياتهم فيخسر نفسه وتخسره الامة وهو في عنفوان العطاء و التألق .أيها الاحبة: ان لكم دورا مهما في استنقاذ زملائكم واقرانكم وتوجيههم وهدايتهم الى السلوك العفيف النظيف، فانتم تصلون الى ساحات للعمل لا نصل اليها نحن، ومشتركاتكم مع الشباب من اقرانكم أكثر، ولغة التفاهم بينكم اوضح فاستثمروها في كسبهم ولا تضيّعوا هذه الفرصة الثمينة بلطف الله تبارك وتعالى.

الحرب التي يعيشها الإسلام اليوم

إننا نعيش حرباً شعواء على الإسلام بأشكال مختلفة، أحدها الحرب العسكرية التي يسمونها الحرب ضد الإرهاب، وقد اتحدوا جميعاً وتناسوا خلافاتهم وكل عداوات الأمس ليكونوا يداً واحدةً في هذه الحرب، وقد أعلنت الأخبار اليوم (28/5/2002) - وأنا أكتب هذه السطور - أنهم وضعوا المسمار الأخير في نعش الحرب الباردة بالاشتراك في اتخاذ القرار بين روسيا وحلف شمال الأطلسي. وهذا الشكل من الحرب واضح وملتفت إليه، لكن الأخطر منه هو الحرب الخفية بتشويه صورة الإسلام وتمييع أحكامه وإفراغه من مضامينه والاكتفاء بالشكليات، فيسوّقوا لنا أنه لا مانع من أن تتحجب المرأة ولكن على الطريقة الأمريكية أو الفرنسية، ولا بأس بأن يلتزم الشاب بالصلاة والصوم مادام غربياً في أفكاره

ص: 410

وولائه ومظهره، وأن يكون اهتمام الناس منصباً على الازدياد من المظاهر الدنيوية فلا يستقر في دار حتى يطمح إلى أحسن منها، وسرعان ما يبدل سيارته إلى أحدث موديل أو أثاثه، أو يتفاخر بكثرة أمواله، هذا غير ضياعه في المتع المتنوعة من رياضة وفن، فلا يلبث أن يمل منمتعة حتى يأتوه بغيرها؛ ليبقى في هذه الدوامة والدائرة المفرغة، ولا يلتفت إلى أهدافه الحقيقية رغم أن القرآن صريح وواضح: (قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ).

وجهة نظر حول الإساءة للإسلام

من وجهة نظري فإن (محاولة الإساءة لنبي الإسلام والقرآن الكريم) تشعرنا بالزهو والفخر والانتصار لأن صدورها منهم تعني إفلاسهم وهزيمتهم وتدل على اعترافهم بانتصار الإسلام وتقدمه وغزوه لهم وفشل كل مشاريعهم للقضاء على حركته المباركة وإيقاف مدِّها إلى عقر دورهم فلجأوا إلى هذه الأساليب للتضليل وللتشويه، ولو كان الإسلام هزيلاً مهزوماً ضعيفاً لما خافوا منه وقلقوا وقاموا بهذه الأفعال البائسة.

الطغيان الفردي والجماعي

إنّ هذه المتلازمة المنافية لمنطق العقل تتجلى في حياة الإنسان فرداً ومجتمعاً، ولنبدأ من داخل الأسرة حيث يغترّ الرجل بسلطته وقيمومته فيطغى ويظلم أهل بيته وكم رأينا من رجال لما صار بأيديهم مال أهملوا أهلهم وتوجهوا إلى اللهو والمتعة أو الوقوع في أسر الشهوات الجنسية أو عدم مراعاة مشاعر زوجته ونحو ذلك فيخرب بيته بيده، والمرأة تعتدّ بنفسها لجمالها أو لأنها من الأسرة الفلانية أو لأن لها مرتباً شهرياً جيداً أو لشهادتها الراقية ونحو ذلك فتشعر بالاستغناء عن الرجل وتطغى وتتمرد وتتعالى وتقصّر في واجباتها فتنهدم أواصر العلاقة الزوجية، ومن الأمثلة على ذلك طغيان بعض حملة العلم واستعلاؤهم وترفعهم عن الآخرين ورفضهم النصح والتذكير واستهزاؤهم بمن يقوم بذلك، وفرض وضع خاص للتعامل معهم كعدم الرضا الا بتقبيل اليد وإظهار التبجيل والتعظيم لهم ونحو ذلك، أما طغيان الزعامات ومن بيدهم شيء من السلطة فقد ملأ التاريخ بمصائبه وكوارثه، وكذا الزعامات الاجتماعية كبعض رؤساء العشائر والمتنفذين وأمثالهم، خذ مثلاً أيضاً الغرب الذي اغترّ بالتقدم العلمي الذي توفّر لديه حتى غزا الفضاء وظن أنه قادرٌ على أن يحقق كل ما يريد فطغى وتجبر واستغنى عن ربّه وكفر به وصار التفكير المادي هو قائده ورائده ونسي ضعفه

ص: 411

وعجزه وقصوره ونحوها من اللوازم لذاته.

ماذا يريدون من حربهم الحالية ضد الإسلام والمسلمين؟

يقول البروفسور ريتشارد كروسمان المسؤول السابق لقسم الحرب النفسية في بريطانيا: (هدف هذه الحرب تحطيم أخلاق العدو وإرباك نظرته السياسية، ودفن جميع معتقداته ومثله التي يؤمن بها، والبدء بإعطائه الدروس الجديدة التي نود إعطاءَها لهليصار بالتالي إلى أن يعتقد بما نعتقد به نحن) فانظر إلى الكلمات المرعبة التي اختارها: (حرب - تحطيم - عدو - إرباك - دفن) فهل نحن في مرحلة الحرب أم الإرباك أم الدفن والعياذ بالله؟.

مؤامرات الأعداء لتدمير المجتمعات

لقد تفنن أعداء الدين والإنسانية في السعي لإيجاد الوسائل المدمرة والعوامل التي من شأنها أن تجعل الانحطاط يدب في صفوف العالم الإسلامي، وتنخر أعمدة الدين الحبيب .. ولقد سعوا إلى التركيز على كيفية جعل المسلم يفقد الثقة بنفسه، بحيث ينظر إلى معتقداته وحضارته بعين الاحتقار، وإن الحضارة الغربية مثال التقدم والارتقاء، وفيها الحياة والهناء، وعملوا وبشكل دؤوب على غرس هذه الفكرة في نفس الشعب المسلم، وهي أنه متخلف - كان ولا يزال وسيبقى - في دور النمو، وأنهم هم أسياده وأسياد العالم، وسعوا إلى سقي ما غرسوا بماء الغواية والدناءة من أجل أن تطرح الثمار، وهي خلق جيل مشبع بل غارق في الرذيلة والانحراف مُطلِق العنان للغرائز تتصرف هي به كيف تشاء، منكب على وجهه لا يقوى على الحراك ولا على ان ينبس ببنت شفة، فيقلبونه كيف شاءوا وأنَّى شاءوا.. وكان التلفزيون -ذاك السلاح ذو الحدين - وأحد تلك الأدوات الفعالة والأسلحة الفتاكة للعمل على إنجاز وتحقيق ما خطط ورسم إليه أعداء الله وأعداء رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم).

الغرب وفصل الدين عن الحياة

لكي يحقق المستعمر أهدافه لا بد وأن يقطع الصلة بين الجيل وبين دينه وقيمه وتاريخه وأهدافه، وليس أفضل من رسم هذه القيم بصورة مشوهة تثير الاشمئزاز. فالأفلام والمسلسلات توضح لنا التطور العلمي الهائل والنمو الحضاري في الغرب، تصور لنا مفاهيمهم وقيمهم ونظرتهم للحياة على أنها الحق وأن ما سواهم الباطل، كل حركة تصدر عنهم لا بد وأن تعبر عن روح العصر المتقدمة، إن خططهم في هذا السبيل قد نجحت إلى

ص: 412

الدرجة التي جعلت من أبنائنا يخجلون حتى من لغتهم، وأصبح خلطها بلهجات ولغات أخرى من علامات التقدم والرقي، وصارت عاداتنا بل وتعاليم ديننا أموراً مثيرة للاستنكار، حيث يخجلون من عزاء الحسين(علیه السلام) مثلاً أو زيارة قبور الأئمة والأولياء (عليهم السلام) وكثير غيرها.

منهج الغرب المنحرف

يتفننون بابتداع المتع وإشباع غرائز النفس، ولا تكاد تألف النفس شيئاً من هذه المتع حتى يستحدثوا لها فناً جديداً يجذبها ويستهويها، ولم يكتفوا بضلال أنفسهم وإنماعملوا على تصدير بؤسهم ومصائبهم الأخلاقية والاجتماعية والنفسية إلى المسلمين، وقد حذر القرآن من هجمتهم هذه بقوله: [وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء]، [وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ] ولم يتركوا وسيلة لنشر الفساد إلا اتبعوها، وساعدهم على ذلك التقنية العالية المثيرة التي وصلوا إليها، فلا يخلو فلم أو مسلسل أو مجلة أو جريدة من لقطات مثيرة للشهوة الجنسية، بل حتى الصناعات المستوردة من أبسط شيء كالعلك إلى الملابس أو أدوات التجميل والعطور وغيرها لم تخلُ من هذه الصور، وأشاعوا السفور والتبرج والاختلاط بين الجنسين في محلات العمل وفي دوائر الوظيفة وفي الجامعات وفي المستشفيات حتى عاد أمراً طبيعياً ولا يستنكره أحد. كل ذلك لأجل تهييج الشهوة وتصعيد الضغط الجنسي لدى الشباب والشابات مع تعقيد فرص الارتباط المشروع بين الجنسين بالزواج، وستكون النتيجة حتماً ضياع عدد كبير من الشباب وانجرافهم وخضوعهم لسلطان الشهوة القاهر. ومن هنا حصلت المشكلة الجنسية من فعل أيدينا وليست من الطبيعة الإنسانية التي خلقها الله تعالى في أحسن تقويم، فتبارك الله أحسن الخالقين.

نتيجة الابتعاد عن الإسلام

إننا نتعرض لأشرس هجمة ضد الشعوب العربية والإسلامية بقيادة الولايات المتحدة، وقد قلنا في مناسبة سابقة أن مواجهة أمريكا والصهاينة لا تكون إلا بالعودة إلى الإسلام؛ لأنهم إنما يحاربوننا من أجل سلخنا عنه، قال تعالى: [وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ] فأي ابتعاد عن الإسلام إذن هو انهزام أمام هذا العدو المتغطرس، واعتراف له بالنصر علينا؛ لأنه يكون قد حقق

ص: 413

مراده فينا، ولا أعتقد أن عاقلاً يعين عدوّه على نفسه.

استغراب وتعجب

إن العالم كله حتى أكثر الشعوب انغماساً بالماديات كالولايات المتحدة وأوربا يطالب بالعودة إلى القيم الروحية والأخلاق، بعد أن ذاق الأمرّين من الفساد والانحراف، ولا يرى علاجاً لها إلا بتعميق الدين والارتباط بالله تعالى في نفوس الناس، فإذا كانوا هم كذلك، فكيف نعمل نحن على تمييع هذه الأخلاق والتعاليم الإلهية في النفوس؟!.

احذروا سياسة (التعقيم) الغربية

لقد حاولت حكومات الغرب إقناع الشعوب بتحديد النسل وتقليله لكنهم أصيبوا بكارثة حيث بدأ عدد السكّان ينخفض وارتفع عدد المسنين في المجتمع، والجدل الآن دائر عندهمعن كيفية معالجة هذه المشكلة. واتّبعوا سياسة (التعقيم) في بلاد المسلمين قبل عقدين أو أكثر وفق آليات معيّنة كشفت عنها بعض الوثائق السريّة المسرّبة وحدّدوا مدداً معيّنة حتى يثمر مشروعهم الشيطاني وسارت على هذا المنهج.

طغيان الزعامة

إن الغرب الذي اغترّ بالتقدم العلمي الذي توفّر لديه حتى غزا الفضاء وظن أنه قادرٌ على أن يحقق كل ما يريد فطغى وتجبر واستغنى عن ربّه وكفر به وصار التفكير المادي هو قائده ورائده ونسي ضعفه وعجزه وقصوره ونحوها من اللوازم لذاته حتى يأتيهم أمر ربهم {حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} وقد شهد التاريخ الماضي والحاضر كيف ينهار الطغاة وهم في أوج عنفوانهم كفرعون، (فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ) وكان جزاؤهم (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ) وكقارون (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ) وكهارون العباسي الذي يخاطب السحاب (أينما تمطري فخراجك لي) وإذا به يمرض مرض الموت وهو في ريعان الشباب فيأمر بحفر قبره وكان يقف عليه ويقرأ الآيات الكريمة (مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ) وشهدنا في العصر الحديث كيف قُتل الرئيس المصري أنور السادات عام (1981م) وهو في قمة طغيانه ويستعرض قواته المسلحة في ذكرى 6/تشرين الأول ويملؤه زهو القوة والمقدرة، وهكذا، على كل هؤلاء وكل من يطغى ويتمرد ويستكبر أن يستحضر قدرة الله تعالى، قال تعالى {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ

ص: 414

يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} أعاذنا الله تعالى وإياكم من تزيين الشيطان وخداع الدنيا والنفس الأمارة بالسوء.

المواجهة الحقيقية مع الاستكبار العالمي

إن المواجهة الحقيقية مع أمريكا تكون بالانفصال الكامل عنها في جميع الاتجاهات، وهذا القرآن الكريم يسجل سنة إلهية ثابتة: أن النصر لا ينزل على المؤمنين إلا إذا عاشوا هذه المباينة الكاملة مع معسكر الكفر. قال تعالى: [قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ، لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ ، وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ] والشواهد التأريخية على ذلك كاملة، فلم ينزل النصر على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا بعد الهجرة والانفصال عن معسكر الشرك، ولا على موسى (علیه السلام) إلا بعد أن خرج ببني إسرائيل من دار الكفر، وهكذا.

اعتراف الغرب بعظمة التشريع الإسلامي

نشرت بعض مواقع التواصل الاجتماعي يوم 7/2/2014م صورة لجدارية ضخمة تزيّن المدخل الرئيسي لكلية القانون في جامعة هارفارد الأمريكية، على حائط مخصّص لأهم العبارات التي قيلت عن العدالة عبر الأزمان، وقد كُتب على هذه الجدارية باللغة الإنجليزية وبخط كبير ترجمة قوله تعالى في الآية 135 من سورة النساء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) ووضعوا شرحاً للآية ومعناها ولمحة صغيرة عن السورة التي وردت فيها فكُتب عن الآية أنها ((تؤكد على أهمية الصدق في الشهادة)) وكُتب عن سورة النساء ((أنّها تتعامل بشكل رئيسي مع التزامات ومسؤوليات المرأة في المجتمع الإسلامي، وتشرح أيضاً أصول الميراث وقانون الأسرة)) وقد أحسن هؤلاء الاختيار لأنّ الآية تؤسس قاعدة مهمة في قانون تطبيق العدالة في جميع المجالات وبناء الدولة العادلة والمجتمع الصالح، إذ تبدأ بتوجيه الأمر إلى جميع الناس وتخصّ الذين آمنوا بالذكر تشريفاً لهم أو لأنّهم هم المتوقع منهم الالتزام بالأوامر الإلهية أكثر من غيرهم، تأمرهم أن يكونوا قوامين بالعدل، فاستعمل صيغة المبالغة (قوّام) لتدل على حالة دائمة وصفة راسخة لدى الإنسان، وليست وضعاً طارئاً، وبذلك يكون إقامة العدل منهجاً ثابتاً في حياة الإنسان.

أبعاد الغزو الفكري

ص: 415

بعد أن وطأت أقدام المحتل هذه الأرض المباركة كان هذا الغزو العسكري وسيلة لغزو فكري وأخلاقي وعقائدي واجتماعي يريدون به مسخ الهوية الإسلامية لهذا الشعب وتغيير ثقافته وتقاليده وأنماط سلوكه وإلحاقه بالركب الغربي، ويجري كل ذلك على أيدي منظمات ومؤسسات بعناوين مختلفة كحقوق الإنسان وأطباء بلا حدود والتدريب على الديمقراطية وتأهيل الاقتصاد ومواكبة تكنولوجيا العصر وتحرير المرأة وتطوير المهارات وغيرها، وكانت هذه المنظمات تمثل جيشاً جراراً لا يقلّ عدداً ولا عدة عن تجهيزات الغزو العسكري، ويمتلك عناصر القوة والتأثير من مبالغ مغرية ووسائل إثارة وتكنولوجيا متطورة يقدّمها بالمجان من أجل أهدافه الخبيثة.

الحياء من إعلان الهوية الإسلامية

إن الله تبارك وتعالى أحق أن تخشوه والحق أحق أن يتبَّع وليس الغرب، إنها مفارقة غير منصفة أن نستحي من إعلان هويتنا الإسلامية والتزامنا بما شرّعه الله تبارك وتعالى، بينما لا يستحي الغرب من إصدار مؤسساته بشكل رسمي قوانين تبيح زواج المثليينوالشذوذ الجنسي واستباحة المنكرات التي يعلمون هم قبل غيرهم أخطارها الصحية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية، فهل من المعقول أن نستحي نحن ونجاملهم على حساب شريعة الله تبارك وتعالى وهم بهذه الضعة والدناءة؟

التبعية المقيتة للغرب

ما أفهمه أن الإنسان يعتز بحضارته وتراثه وتاريخه، فعندما ينعقد محفل دولي أو تجمع إنساني ترى كل شخص يظهر بزي بلاده ويتكلم لغة قومه ويؤدي شعائر أمته ويحيي بتحية أهله. خصوصاً لمن يملك مثل تاريخنا المضيء الذي أنار للأجيال، فلماذا هذه التبعية المقيتة للغرب؟ ولماذا نتنازل عن مُثلنا الإنسانية العليا لمصلحة سلوكياتهم الحيوانية المنحطة؟ وماذا يخسر هذا الأستاذ وماذا يضره لو ظل محافظا على أخلاقه ومبادئه وتقاليده الصحيحة؟ إنها الهزيمة من الداخل وعقدة الحقارة والنقص التي يشعر بها هذا الأستاذ أمام الغرب، وما النقص في هذه المثل العليا التي نحملها وإنما النقص فينا، فإن هذه القيم تلتقي مع التطور العلمي وتحث عليه وتدعو إليه. قال تعالى (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ) واستعمركم فيها أي طلب منكم إعمارها وإصلاحها.

استهانة الغرب بمبادئنا ومعتقداتنا

ص: 416

إن الغرب عندما يستهينون بمبادئنا وتقاليدنا فلأنه يعلم إنها خير محض وإنها تهب السعادة والطمأنينة للبشرية، فيحسدنا على هذه النعمة، مما يدفعه إلى إغرائنا بتركها بشتى الطرق ويصورها لنا وكأنها تخلف ورجعية وعدم تحضر، ولو درسنا حياة الغربيين ونظرنا إليهم نظر الناقد الخبير لوجدنا عندهم العجائب، ففي اليابان يقام احتفال يتبارى فيه المتسابقون على كثرة ما يزدرد من شطائر الطعام، وتوضع تلول الشطائر على مائدة وهم يلتهمونها كالحيوانات، ففي أي مقياس يكون هذا عملاً إنسانيا متحضراً؟ وفي إسبانيا يقام احتفال سنوي تنطلق فيه ثيران المصارعة من مأواها إلى ساحة ملعب المصارعة مخترقة شوارع المدينة والناس يزدحمون أمامها وهم يركضون وهي خلفهم فربما قتلت هذا وجرحت ذاك، وهم يعتبرونه مهرجاناً سنوياً ينتظره المتحضرون بفارغ الصبر وتنقله شاشات التلفزيون وكأنه حدث إنساني عظيم، وهذه شريعة الغرب التي يحكم بها الغرب المتحضر شعوب الدنيا، فهو مستعد لسحق البشرية كلها من أجل مصالحه، وإذا كان الحيوان المفترس يكتفي بضحية واحدة يشبع بها بطنه فإن نهمهم لا يقف عند حد، وطمعهم لا حدود له، فهو أشرس وأسوء من الحيوانات المفترسة.

السلاح الفتاك ضد الأعداء

إنّ بلدنا وأمتنا يتعرضان لهجمة شرسة من أعداء الإنسانية والخير والعدل، وهم الصهاينة والأمريكان وذيولهما، ونحن إذا قايسنا إمكانياتنا المادية معهم فإن صفقتنا خاسرة بالتأكيد، فبماذا نواجههم؟ نواجههم بالإيمان الراسخ بالله والطاعة الكاملة لشريعته، فنحن إنمّا نكون أقوياء بالله تبارك وتعالى، ولا يكون الله معنا إلا إذا كنّا معه، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ).

الاستكبار الغربي

جرّدوا المرأة من لباس الحياء والشرف وأقحموها في كلّ ميدان لإشباع شهواتهم الحيوانية فتارة باسم الفن وأخرى باسم الرياضة وثالثة باسم مسابقات الأزياء وملكات الجمال وفي إعلانات كل المنتجات حتى الرخيصة منها، وعندما يقضون وطرهم منها يرمونها على قارعة الطريق لتتسوّل أو تمتهن البغاء ثمّ تنتحر لأنّها لا تجد فرصة للحياة الكريمة. فمن الطبيعي أن يقفوا في وجه كلّ من يريد وضع ضوابط أخلاقية واجتماعية وشرعية وعندهم عقد نفسية متأصّلة تجاه كل ما يمت إلى الدين بصلة، وقد كانوا يريدون للمجتمع العراقي أن يقع في هذا الانحطاط والعودة إلى الجاهلية الأولى لولا يقظة هذا الشعب -رجالاً

ص: 417

ونساءً- وتمسكه بدينه وجهود علمائه العاملين وأبنائه المخلصين وتردي الوضع الأمني الذي دعا كثيراً منهم إلى الرجوع من حيث أتوا (يَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ).

المؤامرات الغربية الخبيثة

مواجهة التحديات الغربية وإفشال مؤامراتهم التي تستهدف فصلنا عن ديننا وسلخنا عن مبادئنا، قال تعالى: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) وقوله: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم) فكلما حافظنا على إسلامنا كنّا أكثر نجاحاً في مواجهتهم، وكلّما تخلينا عن إسلامنا كنّا أقرب إلى تحقيق ما يريدون، فهذه المرأة السافرة وهذا الشاب الفارغ والتارك للصلاة والعاكف على شرب الخمر والمهمل لتعاليم القران، والذي يثير الفتن والضلالة في المجتمع، كلّ هؤلاء يساهمون من حيث يعلمون أو لا يعلمون في إنجاح خطط الأعداء (إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ).

مجتمعاتنا الإسلامية والجاهلية

مجتمعاتنا الإسلامية ليست بعيدة عن الحياة الجاهلية، بعد أن أقنعها الغرب الكافر بأن تخلع عنها لباس الدين، لأنه يعرقل مسيرتها، ويمنع تطورها، فلتنبذه وتتبع الغرب، فتخلت عن أحسن ما عندها، وأخذت من الغرب أسوأ ما عنده، وأصبحوا له عبيداً أذلاء، فمن يسعى إلى أن يعيد للمجتمع صبغته الإلهية (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ) فسيواجه عين ما واجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأولواالعزم من الرسل قبله. وما دامت المواجهة نفسها فليتسلح بما يتسلح به المؤمنون السابقون، ولكي لا نبخس الناس أشيائهم فلا بد أن نقول بتفاؤل: إنه رغم ذلك توجد ثلة مؤمنة وعت الشريعة وطبقتها في حياتها، وثلة أخرى يعيش الدين في ضمائرها، ولا تحتاج إلى أزيد، ممن يحركها ويحتضنها، فالمهمة أيسر مما واجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفرص النجاح أكبر (وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ).

التعويد الخاطيء

لقد عوّدنا الغرب على تعظيم ما عنده وإعطائه هالة مقدسة، والتقليل من شأن ما عندنا ليرسخ فينا التبعية له حتى يسهل سلخنا من ديننا وأخلاقنا ومبادئنا، ومن ذلك تركيزه على التأريخ الميلادي وأنّه دقيق ومضبوط بعكس التأريخ الهجري. وقد انخدع المسلمون بذلك وتركوا التأريخ الهجري والتزموا بالميلادي، وأضاعوا على أنفسهم الكثير من المناسبات الدينية والليالي والأيام الشريفة التي يتضاعف فيها العطاء الإلهي .

ص: 418

شراك الحضارة الزائفة

إنّ المادية السابقة على الظهور هي من أعقد وأعمق الماديات على مدى التأريخ البشري (ما بين خلق آدم إلى يوم القيامة) وتشكل خطراً حقيقياً على كلّ الدعوات المخلصة للأنبياء أجمعين (عليهم السلام)، ونحن بدورنا نحذّر من الوقوع في شراك الحضارة الزائفة التي يدعيها الغرب، ويخفي في داخلها السم الزعاف.

صفات الدجال

الدجال كافر لأنهّ يعبد المادة والمصالح ولا يعبد الله ولا يطيعه ولا يلتفت إليه ويطيع شهوات النفس (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ، وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاّ الدَّهْرُ) وهذا بعينه ما يقوله الغرب، فلا وجود ولا اعتبار للآخرة في حياتهم، وإنمّا خلقنا لنتمتع ولنعبَّ من الشهوات أكبر قدر ممكن ولو على حساب كلّ القيم والمثل التي تليق بالإنسان، لذلك فهم يعادون الإسلام وبعيدون عن الحق والصواب، لانّ الإسلام يحاسبهم ويمنع من ممارساتهم الخاطئة ويدعو إلى مواجهتهم.

أدعوكم إلى ..

أدعو الذين انبهروا بالغرب فقلدوهم في أفكارهم وسلوكياتهم ونظرتهم للحياة حتى عادوا يتباهون بهذه التبعية ويتبجحون بها، وأخص بالذكر أساتذة الجامعات والمثقفين والشباب، وأطلب منهم أن لا ينخدعوا بالظاهر، بل لينظروا بعين البصيرة؛ فإنهّم نخبة المجتمع والقادرون على توجيهه، وأنا لا أقول بالتقاطع التام مع الغرب لأنّ عندهم ما هونافع كالعلم والتكنولوجيا، ولكن لا يلزم من ذلك التبعية الفكرية والأخلاقية والاجتماعية والقانونية، فإن عندنا شريعة وضعها خالق البشر والعالم بما يصلحهم والقادر على إسعاد البشرية في كلّ زمان ومكان، فقد جاء الذكر الحكيم: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).

التبعية البغيضة للغرب

هل يعقل أن تتداول أسواقنا جهاراً هذه الصور الخليعة المفسدة للدين والمذهبة للغيرة والحياء والمشجعة على إشاعة الفحشاء والمنكر والتي هي من أفتك أسلحة الشيطان؟! ماذا حل بنا حتى صرنا نرى المنكر معروفاً ولا أحد يستنكر! ومن أجل ماذا نقوم

ص: 419

بتلك المنكرات التي تفقدنا أعز ما لدينا: ديننا وأخلاقنا وشرفنا وعزتنا ونظامنا الاجتماعي؟ وتعوضنا بدلاً عنه الجريمة والفساد والانحلال والضياع [وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى] ألا يوجد غيور؟ ألا يوجد عاقل؟ ألا يوجد مسلم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وينبه الغافلين ويوقظ النائمين؟! لماذا نأخذ من الكفار أسوأ ما عندهم - الانحراف والفساد والابتعاد عن الله سبحانه - ولماذا هذه التبعية البغيضة لهم ؟ أليست لنا القدرة على إنتاج هذه البضائع ؟ وإذا لم نقدر فلماذا لا نشترط على شركاتهم المصنعة ان يحترموا ديننا وأخلاقنا ولا نشتري منهم إلا إذا التزموا بشروطنا؟ وهم (كما نعلم) يلهثون وراء الربح والمصالح فلماذا تكون يدنا السفلى ونحن أصحاب اليد العليا [وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ] يكفي أن الله مولانا ويتولى أمرنا وهم لا مولى لهم إلا الشيطان الضعيف.

الانبهار بالعناوين البراقة

إن العناوين البراقة التي يتشدق بها البعض ويبررون بها أفعالهم كالحضارة وما شابه، فهم يعلمون أنها خالية من المحتوى، ولا تصلح مبرراً لما يفعلون، فهل الحضارة والتطور والتقدم تنافي الأخلاق والعفة والحياء؟! أليس الدين هو مَنْ أمر بالعلم والعمل الصالح وفضّل العلماء على جميع شرائح الخلق؟! ألم يكن الإسلام هو السبب في إنشاء أعظم حضارة شهدتها البشرية في سعتها وعمقها ورحمتها وأخلاقها وسمومها، ولا زال الغرب مديناً لها في تطوره؟! ثم أنسي هؤلاء المتحضرون ما يفعله الغرب المتقدم من أفعال وحشية يندى لها الجبين وتربأ أفتك الوحوش بأنفسها عن الإتيان بمثلها [مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ].

ص: 420

حُب الدنيا والانخداع بزخارف زينتها

الهدف من خلق الإنسان

الإنسان ما خلق فقط لهذه الدنيا حتى يكرس همه لها بل جعل في الأرض خليفة ليستعمرها ويجعلها حرثاً لآخرته وخالقه يحصي عليه اعماله لينظر كيف يعمل ويأتي التوبيخ الالهي لمثل هذا الإنسان الغارق في الماديات (ايحسبُ الإنسان ان يترك سدى، الم يك نطفة من منيٍّ يمنى، ثم كان علقة فخَلقَ فسوى، فجعل منه الزوجين الذكر والانثى، اليس ذلك بقادرٍ على ان يحيي الموتى)... لكن هذا لا يمنع من ان يأخذ نصيبه من الدنيا من دون ان يجعله هدفاً وغاية وانما يوظفه لخدمة الهدف الحقيقي وهو رضا الله تبارك وتعالى (وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا) .

هي رأس كل خطيئة

ينبغي الإعراض عن حب الدنيا والمنافسة عليها بكل أشكالها ومصاديقها فإنها رأس كل خطيئة وباب الشرور كلها وان النجاة في تركها تأسياً بأمير المؤمنين (علیه السلام) الذي خاطبها: (يا دنيا غرّي غيري قد طلقّتك ثلاثا لا رجعة لي فيك). وعلى تعبير الإمام الحسين (علیه السلام): (فالمغرور من غرّته والشقي من فتنته). وقد شبّهها الأئمة (عليهم السلام) بالجيفة التي تتزاحم عليها الكلاب وهذه هي حقيقتها فهل يقبل العاقل ان يكون ضمن هذا المشهد المقزّز وكلما ابتعد عنها الإنسان فانه يكون سعيداً مرتاح البال فالعاقل من جعلها مزرعة لآخرته.

التكامل علة الوجود

إن الهدف من وجود الإنسان في هذه الحياة الدنيا هو التكامل والسمو و نيل رضا الله تبارك وتعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) فلا بد أن يكون هذا الهدف محور سلوك الإنسان فيحاول تكريس حياته لتحقيق هذا الهدف أو ما يعينه عليه لذا ورد في الحديث إن ساعات المؤمن ثلاث: واحدة لعبادة الله وطاعته والأخرى للكسب والمعاش والثانية يتفرغ فيها لنفسه يحقق رغباتها واحتياجاتها المباحة والثالثة تعينه على الأوليين ومع إخلاص النية فان الجميع تكون لله تبارك وتعالى وما عدا ذلك فهو لهو وعبث.

موجبات طغيان الإنسان

المفروض أن يكون رد الفعل على تحصيل الغنى هو الشكر والتواضع والاحسان، لا

ص: 421

الطغيان والكفر والجحود والتمرد، وهذه المتلازمة المرضية في عالم القلب والنفس أخطر من المتلازمة المرضية في عالم الجسد كمرض الايدز لأن الثاني يفتك بالحياة الدنيوية الزائلة أما الأول فيفتك بالحياة المعنوية الباقية. والغريب أن تكون هذه الثنائية هي الحالةالعامة لدى (الإنسان) الذي تذكره الآية وكأنه ملازم لذاته بحيث صحّت نسبتها إلى الإنسان كجنس إلا من عصم الله تعالى، قال أمير المؤمنين (علیه السلام): (الغنى يطغي) وكأن هذه العلاقة دائمية مطلقة، وقال (علیه السلام): (غرور الغنى يوجب الأشر) وهو أسوأ من البطر ويحذر(علیه السلام) من هذه النتيجة بسبب الشعور بالغنى، قال (علیه السلام): (إستعيذوا بالله من سكرة الغِنى، فإن له سكرة بعيدة الإفاقة).. كون غنى المال موجب للطغيان- صحيح إلا أن الأمر لا يقتصر عليه، فقد يطغى الإنسان بكثرة الولد والأنصار، قال تعالى: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ* حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ) وقال تعالى: (واعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ و تَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ) وقد يطغى بالعلم فيعتدُّ بنفسه (قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيّ قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي)، (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي) ولاشك أن من أقوى أسباب الطغيان السلطة بكل أشكالها وليس الحكّام فقط، كما حصل لفرعون (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) حتى بلغ به الطغيان حدّاً أن يقول (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) لأن السلطة تتضمن أدوات القوة والهيمنة والنفوذ (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ) والسبب الجامع للطغيان هو حب الدنيا والركون إليها والتعلّق بزخارفها (فَأَمَّا مَن طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى) والأنانية وتزيين الشيطان، عن أمير المؤمنين (علیه السلام): (من شغل نفسه بغير نفسه تحيّر في الظلمات، وارتبك في الهلكات، ومدّت به شياطينه في طغيانه).

عدم الاغترار بالحالة الايمانية

لايجوز لنا أن نغترّ بمقدار الإيمان الذي نحن عليه والالتزامات الظاهرية التي نؤديها ما لم تقترن بالثبات على الإيمان والاستقامة في موارد الامتحان والابتلاء عندما تتعرض الأقدام للانزلاق بسبب اتباع الهوى والركون إلى الدنيا والتفرّق عن الهادين إلى الحق.

الانشغال عن ذكر الله تعالى

الانشغال بمداراة هذا المال وتنميته واستثماره ومداولته ومتابعة السوق والتعامل مع الناس بكل ما يعنيه ذلك من خلافات ونزاعات وحيل ومشاكسات فيشغله ذلك عن ذكر

ص: 422

الله تعالى وعن العروج في ملكوته، وكل ما يشغل العبد عن الله تعالى فهو خسران وانحطاط والعياذ بالله تعالى. هذه هي الدنيا، وهذه ضريبة اللهاث وراءها، والصراع والتنافس على كُل شأن من شؤونها، وأقل ضريبة يدفعها هي انشغال الفكر بالأخذ والرد وتهيئة طرق التغلب على الآخر والتخطيط ووضع المقدمات وحساب النتائج. وأول ضحية هي الصلاة بين يدي الله تعالى وذكره والتفكير في شكره على نعمه، ويضاف إليها القلق والهم، وما يستتبع هذهالخصومة من الكيد والحسد والإيقاع بالآخر، وتستمّر قائمة الموجبات للتعاسة.

حال أغلب اهل الدنيا

اغلب أهل الدنيا انشغلوا بمتاعها الزائل الذي سيفارقونه حتى إذا حلّ أجلهم وجاء ملك الموت لم يمهلهم لحظة ليكتسبوا بها حسنة تنفعهم يوم القيامة، وكان يمكنهم أن يستثمروا كل ساعة بل كل دقيقة بل كل ثانية باكتساب حسنة كتسبيحة أو استغفار، نسأل الله تعالى أن يوقظنا من نومة الغافلين ويدخلنا في الصالحين.

ثم ماذا ؟

نزل جبرئيل الأمين على رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوماً وقال له: (يا محمد، السلام يقرئك السلام، ويقول لك: إن شئتَ صَيَّرْتُ معك جبال تهامة ذهباً وفضة، وخذ هذه مفاتيح كنوز الأرض، ولا ينقص ذلك من حظك يوم القيامة، قال: يا جبرئيل، وما يكون بعد ذلك؟، قال: الموت؛ فقال: إذن لا حاجة لي في الدنيا، دعني أجوع يوماً وأشبع يوماً، فاليوم الذي أجوع فيه أتضرع إلى ربي وأسأله، واليوم الذي أشبع فيه أشكر ربي وأحمده، فقال له جبرئيل: وفقتَ لكل خير يا محمد. فليكن هاجس (ثم ماذا) يراودنا دائماً حينما نغتر بالدنيا، ونزهو بالموقع، ونتنعم على حساب الآخرين.

حقارة الدنيا

ان أي شيء مهما عظمت أهميته في عين الإنسان فانه لا قيمة له اذا لم يكن لله فيه نصيب ويبقى تافهاً كما وصفه الحديث الشريف ((لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى فيها كافراً شربة ماء)).

حقيقة الدنيا في القرآن

يعطي القرآن الكريم لرسول الله (صلى الله عليه وآله) مثالاً عن حقارة الدنيا: (وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ، وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ، وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا

ص: 423

وَالآْخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) فهذا كله لا قيمة له، ولا يصلح تعويضاً عما أعدَّ الله للمتقين، فماذا حصل عليه أهل المعاصي حتى رضوا بجهنم ثمناً (ماذا وجد من فقدك، وما الذي فقد من وجدك).

فريسة الشيطان والنفس

إن الخروج إلى المجتمع قبل تحصيل السيطرة على النفس الأمارة بالسوء والأخذ بعنانها وبما يتضمنه هذا الظهور من مزالق كحب الجاه والتعالي على الآخرين والعجب والرياء والكبر والحسد والمكر سيجعل الإنسان فريسة سهلة للشيطان وللنفس الأمارةبالسوء وعندئذٍ يخسر المبطلون وإن صوّر له إنه يعمل لله سبحانه وسيقع أجره عليه تعالى بل ربما منَّ عليه بأعماله (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا).

من نتائج النفس الأمارة

العلم لايساوى شيئاً بلا عمل وتطبيق بل يكون وبالاً على صاحبه وحجة عليه وحجاباً على قلبه، وما هذه المفاسد التي تحصل كالخلاف والبغضاء وتبادل الاتهامات والتمزق إلا نتيجة النفس الامارة بالسوء وعدم الامساك بقيادها، وإلا لو كان الجميع مخلصين لله سبحانه وهدفهم واحد هو رضا الله سبحانه. لتآخوا ولتحابوا ولشكر بعضهم بعضاً على معاونته إياه في هذا الطريق. أترى لو ان جميع انبياء الله سبحانه -وهم مئة وأربعة وعشرون الفاً- جمعوا في مكان واحد وزمان واحد ماذا ستكون العلاقة بينهم ؟ هل الشجار والخلاف ؟ طبعاً لا لانهم مخلصون ومتآخون فيه فما اختلافنا إذن إلا من أجل دنيا زائلة أو عناوين زائفة كحب الجاه أو حفنة من الأموال تذهب لذتها وتبقى تبعتها، وقد يتدخل الشيطان بمكره فيوهم كل طرف أنه على الحق ويصور له من واهمته مبررات مشروعة يقنع بها نفسه ويسير وراءها ولا يزداد عن الحق إلا بعداً. ولو أنصف الناس من نفسه ونظر بعينين مفتوحتين لا بعين واحدة هي عين أهوائه لرأى الحق واضحاً.

ذكر الموت

فوائد ذكر الموت

إن لذكر الموت ثمرات عديدة :

ص: 424

1. يحجز المرء عن عمل المعاصي وإتباع الشهوات، فإن من يكون متوقعاً للموت في أية لحظة كيف يقدم على معصية وهو يعتقد أنه قد يأتيه الأجل .

2. يدعوه إلى الإسراع بالخيرات، والإزدياد من الطاعات، وإغتنام كل لحظة، وإستثمار كل آن في حياته .

3. عدم تسويف التوبة، بل المبادرة إليها، والقيام بكل متطلباتها، من الاستغفار، والندم، وعقد العزم على عدم العود، وأداء الحقوق، ورَدِّ المظالم إلى أهلها .

4. عدم التكبر والغرور والطيش، ما دام يعلم أن نهايته إلى الموت والفناء، وهل يرضى عاقل أن يغتر، أو، يطغى بشيء زائل مهما كان عظيما في تصوره، فتزول اللذة وتبقى التبعة .

جلاء القلوب من الرين والصدأ الذي يعتريه بسبب الذنوب، كالمرآة التي تصدأ من الغبار والدخان الذي تتعرض له، فتتضاءل قابليتها على عكس الصور الخارجية بوضوح، كذلك القلب الذي هو مرآة الحقائق الواقعية يتكدر بغبار الذنوب ويسوَدُّ، وجلاؤه في الموعظة وذكر الموت... فلماذا إذن الإغترار بالدنيا مهما عظمت، ولماذا التنافس على أمور وهمية ليست حقيقية لأنها زائلة.

أول صدمة حين الموت

يقول بعض الأخلاقيين إن أول صدمة يواجهها الإنسان حين موته قبل صعوبات القبر والبرزخ وغيرها، هو حينما يعلم أن ما نزل به هو الموت وإن عمره قد انتهى وهذا يعني أن باب العمل قد أغلق عليه، فلا يستطيع أن يستزيد ولو ذرة من عمل الخير إلا ما يهدى إليه من أهله أو أحبائه، فيصاب بالذهول والألم والندامة والحسرة على كل لحظة أضاعها بغير عمل صالح، فبينما أفنى عمره في اللهو والغفلة والانشغال بالدنيا الزائلة وزينتها وقضى عمره يخطط لأفكار ومشاريع لا تنتهي حتى خطف منه الموت كل تلك الأحلام، فيضغط عليه هذا الألم بقوة وتعصره الندامة، فيكون ممن قال فيهم رب العزة والجلال (أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ، أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ، أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ).

سكرة الموت

قال تعالى: (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ، وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ، وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ، لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ).. وبقراءة ما بين سطور الآية الشريفة نستنتج أن هذه

ص: 425

الحقائق موجودة في هذه الدنيا؛ لأن الغفلة لا تكون إلا عن شيء موجود، لكن الإنسان لا يرى تلك الحقائق بالعين وإن كانت مفتوحة وإنما بالبصيرة والقلب الطاهر من الرجس فإذا ضرب عليه بحجاب من الغفلة والقساوة والرين فإنه سوف لا يكون مرآةً قابلة لانعكاس الحقائق الموجودة في اللوح المحفوظ.

ثمار الشعور بالمراقبة

غالباً ما يدفع الشعور بالمراقبة من قبل الغير بالإنسان إلى سلوك معين مختلف عن سلوكه لو لم يكن يشعر بكونه مراقباً، وهذا أمر واضح وله عدة أمثلة وتطبيقات في الواقع، فالإنسان يفعل في السر أموراً يخشى ويخجل من فعلها في العلن، ولو علم حينها أنه مراقب لما فعلها بكل تأكيد.. وأوضح مصاديق ذلك وأشدها غفلة وخسارة هي عدم الشعور بكون الله تعالى رقيباً عليه، فتجد الإنسان قد يؤمن نظرياً بأن الله تبارك وتعالى يراه (وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ) لكن منحيث التطبيق لا تجد هذا الاعتقاد منعكساً على أفعاله، وهو علامة على أن إيمانه لم يكن واقعياً، وإلا لو كان كذلك لظهر أثر واقعية الإيمان في فعله.. ومن مصاديق ذلك أيضاً الغفلة عن الموت مع الاعتقاد به يقيناً، حتى قال أمير المؤمنين (علیه السلام): (ما رأيت يقيناً أشبه بشك من الموت).. ومن مصاديق الغفلة والتصرف بخلاف وجود المراقبة ما ذكرته الرواية الشريفة: (والله إن صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كل سنة يرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه) وهي رواية موجودة وصحيحة، إذن نحن بمرأى من الإمام (عجل الله تعالى فرجه الشريف) فمن يستشعر الخجل والحياء من فعل أمر أمام الناس علناً في حين يفعله في السر، مثل هذا الإنسان كيف به إذا اعتقد أن إمامه يراه دائماً، بالتأكيد إن ذلك سيدفعه إلى أن يكون أكثر مراقبة لنفسه في تعاملاته وتصرفاته.

الغفلة

جمع الأموال سلاح ذو حدين

العمل والكسب يمكن أن يجعله الإنسان لاكتناز الأموال وزيادة أرصدته في البنوك للمباهاة والتفاخر ولايخرج حقوقه الشرعية فيكون وبالاً عليه، ويمكن أن يجعله للتعفف مما في أيدي الناس وللإنفاق في وجوه البر والإحسان ومساعدة المحتاجين والحج والزيارة

ص: 426

وتزويج المؤمنين ودعم المؤسسات الخيرية فينال رضا الله تبارك وتعالى ويحقق الهدف. والأكل مثلاً يمكن أن يجعله لحفظ البدن الذي هو واجب وللتقوي على العبادة ونحوها من الأهداف الصحيحة، والزواج الذي فيه إشباع للشهوة والغريزة يمكن وضعه في هذا السياق بأن يجعل غرضه إقامة سنة الله تبارك وتعالى وصيانة النفس والزوجة من الحرام وإدخال السرور على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (علیه السلام) وتكثير نسمات الموحّدين وبناء أسرة صالحة وإدخال السرور على امرأة مؤمنة ونحوها من النيات المباركة وهذا إنما يتحقق حينما يكون الإنسان دائم الذكر لربه مستحضراً وجوده المقدس والإنسان غير المعصوم لا يكون كذلك على الدوام ولكن ليجعله هدفه الذي يسعى لتحقيقه، ولو أدركته غفلة أو انساق وراء شهوة فليعد فور تذكره إلى ربّه قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ).

حصانة الذكر

الذكر المتواصل وعدم الغفلة هو صمام الامان للإنسان من الوقوع في الخطأوالانحراف فليس من المعقول ان يرتكب الذاكر لله تعالى معصية.

سنة الله تعالى في المستكبرين

إن السنن الإلهية جارية في هؤلاء الأقوام الذين استكبروا عن المنهج الإلهي القويم وعصوا شريعة الله تبارك وتعالى فلا بد ان يتعرضوا لما جرى على الأمم السابقة لهم وقد مرت بهم مرحلتان وهما:

الأولى: مرحلة الأخذ بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون ويعودون الى الله تبارك وتعالى .

الثانية وهي مرحلة الاستدراج وإغداق النعم والإغراق في الترف واللهو والملذات التي تسبب الغفلة وقسوة القلوب وقد وصف الله تبارك وتعالى هذه الحالة عندهم بقوله (حتى عفوا) أي تعافوا وأصبحوا في سعة من الحال وعافية .

أخطر النوم

الذي سيعرف الإنسان حقيقته عندما ينكشف عنه غطاء الغفلة بالموت، هو النوم عن معرفة السبيل الذي يوصله إلى معرفة ربّه ويهديه إلى الصراط المستقيم وفي دعاء الندبة (وقلتَ ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلاً، فكانوا هم السبيل إليك والمسلك إلى رضوانك) والغفلة عن القيادة الحقة للأمة قد تكون غفلة كاملة

ص: 427

باتباع قيادة مناقضة تماماً.

علاج الذنوب المغفول عنها

الاستغفار المستمر وطلب التوبة مما يعلم ومما لا يعلم من الذنوب.

أداء الصلاة في أوقاتها لأنّها كفّارة لما بينها ولأن فيها تذكيراً بالله تعالى وعودة إليه (وأقم الصلاة لذكري).

الإكثار من الطاعات لأن الحسنات يذهبن السيئات، قال تعالى: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ).

تجنّب الغفلة لأنّها الأصل في الوقوع بالمعاصي.

محاسبة النفس يومياً، لأن المحاسبة والتدقيق والمراجعة تكشف أموراً يغفل عنها لو لم يُجرِ هذه المحاسبة.

مطالعة كتب الأخلاق والموعظة، وزيادة المعرفة بالله تعالى لأنّها أصل الدين وأساسه.

مجالسة الصالحين والتردد على المساجد والمشاهد الشريفة.

الاعتراف أمام الله بالتقصير وكثرة الذنوب مما نعجز عن عدّه وإيكال الأمر إلى عفوه ومغفرته وصفحه وإحسانه وكرمه.

من مواطن الحذر

إن تواتر النعم من مواطن الحذر من الاستدراج الإلهي نحو المقت والسخط، ومن مواطنه أيضاً غفلة الإنسان ووقوعه في المعاصي بعد مواسم الطاعة وتمتعه بنعم الرحمن وموائده المعنوية، فهذا الذي يُحصل في عيد الفطر بعد مائدة شهر رمضان المعنوية، أو ما يحصل في عيد الأضحى بعد يوم عرفة وأيام ذي الحجة المباركات، أو يقضي الإنسان صلاة الجماعة في المسجد ولا يقدّر هذه النعمة المعنوية وغيرها فهذه كلها من مواطن الحذر والخشية، ويطبق بعضهم على هذه الموارد قوله تعالى في طلب حواريي المسيح عيسى (علیه السلام) مائدة من السماء: (قال عيسى ابن مريم اللهم أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين، قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعدُ منكم فإني أُعذّبه عذاباً لا أُعذّبه أحداً من العالمين) وموائد النعم المعنوية أولى من الموائد المادية في ترتيب هذه الآثار القاسية والعياذ بالله تعالى.

الغفلة وتضييع رأس المال

إن الإنسان تعتريه الغفلة والنسيان والكسل مما يضيع عليه كثيراً من رأسماله

ص: 428

الثمين وهو عمره ووقته، مضافاً إلى النوم الذي هو ضروري للبدن لكن كثرته مذمومة وهو من أوسع أسباب تضييع العمر فإنه يستغرق ثلث العمر أو أكثر أي عشرين سنة ممن عمره ستون سنة، لذا ورد عن الإمام الكاظم (علیه السلام): (إن الله يبغض العبد النوّام) وفي غرر الحكم لأمير المؤمنين (علیه السلام) (أربعٌ القليل منها كثير: النار والنوم والمرض والعداوة) وفيها (بئس الغريم النوم يفني قصير العمر ويفوّت كثير الأجر) أقول لأن الله تعالى يعلم ذلك من الإنسان فقد دلّه بكرمه على ما يحوّل هذا النوم إلى وقت مثمر بأن ينام على طهور حتّى ورد في الحديث (إن من نام متطهراً كان فراشه مسجده، ومن مات في نومه على طهور مات شهيداً) خصوصاً إذا سبقه بتلاوة بعض الآيات والأدعية المباركة وان لا يتجاوز المقدار اللازم لتجديد نشاط البدن، وورد في نوم الصائم في شهر رمضان (ونومكم فيه عبادة).

المخدوع الغافل

كثير من الناس يتصور أنه يخدع الآخرين ولكنه في الحقيقة يخدع نفسه، مثلاً شابٌ ينشئ علاقة غير شريفة مع فتاة فيتبجح أمام زملائه بذلك وكأنّه حقق انتصاراً واستدرج هذه الفتاة، ولا يعلم أنها هي التي استدرجته وخدعه الشيطان بها لأنها سلبت منه دينه وخسر نفسه.

الغفلة عن أعمال الجوانح لا الجوارح

ما لا يُلتفت إليه إلا نادراً أعمال الجوانح لا الجوارح أي ما يهذّب النفس ويطهّر القلب، مع أنها المقياس الحقيقي للكمال والقرب من الله تبارك وتعالى، وانتم تعلمون أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما انتهى من خطبته في استقبال شهر رمضان في آخر جمعة من شعبان، سأله أمير المؤمنين(علیه السلام) عن أفضل الأعمال في هذا الشهر العظيم، فأجاب (صلى الله عليه وآله) انه الورع عن محارم الله، والورع ملكة جوانحية ليست من أعمال الجوارح وإن كانت تظهر آثارها عليها فتمتنع عّما حرّم الله تبارك وتعالى.

من معاني الغبن

الغبن هو البخس بضرب من الإخفاء، والخفاء هنا هو ظهور الجزاء يومئذٍ للجميع بشكل لم يتوقعوه ولم يتصوروه قال تعالى بالنسبة للفريق الأول: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وقال تعالى في الفريق الثاني: (وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) فهناك تبدو لهم الأمور مختلفة تماماً عن مقاييسهم في الدنيا (وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيّاً أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ

ص: 429

تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) هذا الشكل من الغبن واضح، لكن شكلاً آخراً منه يحتاج إلى التفات وتأمّل، وهو أنّ نفس المؤمنين يشعرون بالغبن أيضاً لأنّهم سيكتشفون بعد ارتفاع حجاب الغفلة عن بصائرهم أنّهم فوّتوا على أنفسهم فرصاً عظيمة للطاعة ولو استثمروها لحصلوا على درجة أعلى ومقاماً أرفع وقرب متزايد من رضوان الله تعالى وأوليائه العظام، روي عن أمير المؤمنين (علیه السلام): (من أغبن ممّن باع الله سبحانه بغيره) وغير الله تعالى مطلق يشمل ما يرجوه عامة المؤمنين من نعيم الجنّة كالحور العين ولحم الطير وفواكه ممّا يشتهون.

ص: 430

البلاء والامتحان الإلهي

إيجابية البلاء ؟!

قد يتعرض المجتمع لبلاء يحتاج لرفعه إلى مقدار من التضحيات، فيبخل بها، ويؤثر الدعة والراحة، فتكلّفه السنن الإلهية خسائر أضعاف ما بخل بها، ومن دون أن تتحقق له نتيجة إيجابية. فتصوروا لو أن الأمة وقفت مع أمير المؤمنين ضد الإنحراف والباطل، وقد يكلّفها ذلك شيئاً من التضحيات في سبيل الله، ولكنها تنعم في النهاية بسلطة الحق، لكن الأمة آثرت الخضوع والذلة فوقعت، بحسب سنن الله تعالى، ببلاء تطول مدته تحت وطأة الباطل، يسومها سوء العذاب، ودفعت اضعاف تلك التضحيات من دون ان يتغير حالها.

النظر للسلبيات بإيجابية

ننظر إلى كل الحالات السلبية بأنها ابتلاء وامتحان من الله تعالى لعباده ليميز المحسن من المسيء، والعامل من غير العامل حتى يأخذ كل إنسان استحقاقه كما أن امتحاناتكم في الجامعات والمدارس تترتب عليها هذه الآثار، قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) وقال تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) وبنفس الوقت هي محرّكات ومحفزات للعمل الإصلاحي وتوجد فرصاً للطاعة، وبهذه النظرة ستخرجون من حالة التذمّر والإحباط إلى حالة العمل النشيط المبارك بإذن الله تعالى.

نعمة العودة للقيم الأخلاقية

قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) فمن الرحمة الإلهية التي جاء بها النبي (صلى الله عليه وآله) للبشرية أنه علمهم كيف يخلصون أنفسهم ومجتمعاتهم من هذه البلاءات (فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) وقد اعترف الغرب اليوم بعد عجزه عن إيقاف تمدد الأمراض الفتاكة كالإيدز وأمثاله والصراعات التي تهلك الحرث والنسل بأن العلاج الناجح الوحيد هو بالعودة إلى الإيمان بالله والقيم الروحية والمبادئ الإنسانية.

وإلا حلّ بنا البلاء...!؟

إننا إذا شخّصنا خللاً في العقيدة أو نقصاً في الأخلاق أو مخالفةً لحكم الشريعة أو

ص: 431

مفسدة اجتماعية فعلينا المبادرة والتكاتف لإصلاحها وإلا حلّ بنا البلاء، وأذكر لكم مثالاً من حالة عشناها قبل عام عندما تضافرت جهود عدد من الاخوة السياسيين والقانونيين لصياغة القانون الجعفري للأحوال الشخصية وحصل على موافقة كل العلماء (عدا جهةواحدة) وتأييد مجلس الوزراء حتى السني والمسيحي إلا أن رسالة وصلت من بعض معتمدي تلك الجهة اجهض القانون، وعلى اثرها قلت في الخطاب الفاطمي للعام الماضي: (اعلموا انكم بنصرتكم للسيدة الزهراء (عليها السلام) والقانون الجعفري ساهمتم في رفع جزء من البلاء والتيه الذي كان ستقع فيه الأمة لو اجمعت على خذلان دين الله تعالى ولم يجد الدين انصاراً مثلكم، قال الله عز وجل: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) ولم يكن هذا مجرد توقع ورجماً بالغيب وانما كان مبنيا على قراءة للسنن الإلهية في الكون، وبعد شهرين وقع ما وقع من هجوم ارهابيي داعش وبمساعدة الكثير من الحاقدين والحاسدين والعملاء والمُغرّر بهم على الموصل وسقوطها في ليلة واحدة رغم وجود اكثر من سبعين الف من القوات المسلحة، وما تلاه من تداعيات سقوط محافظتي الموصل وصلاح الدين واجزاء كثيرة من محافظات كركوك وديالى والانبار، وكادت الروضة العسكرية في سامراء أن تقع بأيديهم النتنة وأحدق الخطر بالعتبات المقدسة في النجف وكربلاء، وببركة وقفة اتباع هذا الخط الشريف ومن ناصرهم لإقرار القانون الجعفري وتثقيف المجتمع عليه والمطالبة بهذا الحق الشرعي للأغلبية الشيعية في العراق، فقد دفع الله تعالى جزءاً من البلاء كما قلنا في الخطاب الفاطمي، ولولا وقفة هذا البعض لأحرقت النار الأخضر واليابس.

مناسبة البلاء لنوع الذنب وحجمه

إن هذه المعادلة المتوازنة بين مقدار الذنب ونوعه وبين مقدار البلاء ونوعه حذّرنا منها الائمة المعصومون (عليهم السلام) ففي الرواية عن الامام الرضا (علیه السلام): (كلّما أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعملون ، أحدث الله لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون) فإذا رأيت بلاءاً جديداً غير معهود من قبل فاعلم انه قد صدر من العباد ذنوب لم تكن معروفة (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) فعندما نشخّص حالة سلبية وخطأً عاماً في المجتمع فعلينا أن نسارع الى مواجهته وازالته قبل أن يحصل بلاءاً يعمّنا جميعاً (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً).

مفهوم الحُب

الحب معنى شريف نبيل أودعه الله تبارك وتعالى في قلوب الناس ليجعل لحياتهم

ص: 432

طعماً جميلاً ممتعاً، فإن الحياة بلا حب كصحراء جرداء قاحلة مخيفة، اما الحب فيحوّلها الى واحة خضراء مؤنسة، والحب يعطي للحياة معنى وجدوى لأنه يولّد عند الإنسان املا وغرضا وهدفا يحيى ليحققه وهو الوصول الى محبوبه، سواء كان هذا المحبوب امرا معنوياً كالقرب من الله تعالى ورسوله الكريم(صلى الله عليه وآله) والائمة الطاهرين (سلام اللهعليهم) أو ماديا كالمال او الشهرة او السلطة او الاتصال بالجنس الاخر، ولولا هذا الامل لأصبحت الحياة بلا هدف ولا معنى مما يؤدي الى الشعور بالإحباط واليأس والموت.. فالحب اذا نعمة الهية عظيمة، وقد نسب الله تعالى وجوده في قلب الإنسان اليه تبارك وتعالى كما في العلاقة الزوجية (وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) أو بين الاخوة المتحابين في الله تعالى (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ.. وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) بالحب تعمر الحياة لان الإنسان اذا لم يحب شيئا فانه لا يتحمس لفعله والتحرك باتجاهه، اما اذا احبَّ فانه يضحي من اجل حبه ويذوب في محبوبه كالوالدين بالنسبة لأبنائهما، او القائد الرسالي بالنسبة الى شعبه، وهكذا، لذا ليس غريباً أن نجد في الحديث الشريف عن الإمام الباقر(علیه السلام): (الدين هو الحب، والحب هو الدين) وعن الإمام الصادق(علیه السلام): (هل الدين إلا الحب؟ إن الله عز وجل يقول (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ) لأن الدين محرّك ودافع لكل عمل مثمر يجلب الخير والسعادة له وللآخرين، والحب هكذا أيضا فهما يلتقيان دائماً.

الإنسان ودور الملائكة في حفظه

إن الملائكة الحافظة موجودة وتؤدي عملها للجميع إلا أن الإنسان بسوء اختياره يوقف مساعدتها له في مرحلة معينة بمعاصيه وذنوبه فيجّر على نفسه البلاء، رغم كثرة ما يغفر الله تعالى من الذنوب. قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) إلا أن سُنة الإمتحان لابد أن تمضي فيكافأ المُحسن على إحسانه والمسيء على أساءته وإلا ستكون المساواة بينهما عين الظلم.

الدين هو الحب، والحب هو الدين

لكن المشكلة في تحريف هذا العنوان الشريف النبيل وإفراغه من محتواه بل تحويله الى عكس معناه ككثير من المصطلحات والعناوين التي تناولناها في كلمات عديدة كالحرية والاستعمار والسياسة، فاصبح الحب يعني العلاقات المشبوهة بين الجنسين واتباع الشهوات والنزوات بلا تعقل وروية وخارج اطارها الصحيح مما يولّد مشاكل اجتماعية وآثار نفسية تكون عاقبتها وخيمة وان بدت في اوّلها كأنها سعادة ومتعة، ويوجد

ص: 433

من يغذّي هذا المعنى السيء للحب بين الشباب وخصوصا في الجامعات ويهيؤون البيئة المناسبة له، ويمجّدون من يقع فيه لاستدراج الآخرين وكسر الحواجز الأخلاقية والاجتماعية والنفسية والدينية، وتنتج دور السينما والتلفزيون والمسرح سيلا متواصلا من الافلام والمسلسلات لتحقيق هذا الغرض وتساندهم وسائل الاعلام المختلفة وهذا كله انحراف عن الفطرة السليمة وخروج عن الروابط الاجتماعية المتينة وتحطيم للأطر الصحيحة التيتنظم العلاقة بين الجنسين، وهذا تشويه لمعنى الحب ومصادرة له وتحويله إلى معنى سيء، وهو ليس حبا اصلاً ولا يمكن تسميته بالحب بل هو اتباع للنزوات والشهوات الحيوانية التي لا يمكن اعطاء عنوان الحب لها.

لعنة خذلان القانون الجعفري

إن تخاذل الكثيرين عن نصرة القانون الجعفري ومعارضة البعض الآخر حتى أجهضوه كانت سبباً في التقدير الإلهي لنزول بلاء عام لولا نصرة البعض للقانون وحماسهم للدفاع عن إقراره وتثقيف الأمة على المطالبة به، وبعد شهرين من ذلك نزلت بلاءات لم نكن نعهدها من سقوط عدة محافظات بيد داعش وتهجير الملايين وتدمير المدن وأخذ النساء سبايا ووقوع مذابح بالآلاف جملة واحدة وكادت تسقط بعض المدن المقدسة لولا أن الله تعالى رفع جزءاً من البلاء ببركة تلك النصرة، فأقرأوا جيداً السنن الإلهية وتأثيرها في الحياة لئلا تتكرر الأخطاء والخطايا الكارثية.

نعمة الامتحان الالهي

هذه الامتحانات ليست لقهر الإنسان وإثبات الغلبة عليه وإفشاله والانتقام منه، بل هي لإعطائه المزيد من الكرامات والألطاف الإلهية وإظهار جدارته واستحقاقه لها.

من فلسفة العقوبات الربانية

إن الله تبارك وتعالى حينما يؤاخذ العباد ببعض ذنوبهم فليس ذلك انتقاماً منهم سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً وإنما يريد لهم الخير وما يصلح حالهم فقد يكون الفقر أصلح لحال شخص من الغنى لأن الغنى يبطره ويبعده عن الله تعالى ويوقعه في المعاصي، ويحرم آخر من الذرية لأنه لو رزق منها لكانت شريرة وبالاً عليه بسبب الظروف المحيطة بهم وهكذا. نعم إن الله تعالى ينتقم من الظالمين لتعد يهم على الآخرين، ولو كانت ذنوبهم بينهم وبين الله تعالى لكان لها حساب آخر.

تنوع الامتحانات

ص: 434

كما أن الامتحانات في الدراسة الأكاديمية على نوعين، فبعضها ثابتة معلومة مسبقاً ومحدّدة المواعيد كالامتحانات الفصلية والنهائية، وبعضها يفاجئ الأستاذ بها الطالب من دون إشعار مسبق كالامتحانات اليومية ليكشف عن الاستعداد المتواصل والتحضير اليومي، ولا يعذر الطالب فيه أن يقول: لا أعلم بموعده وأنني لو علمت لحضّرت له، لأن وظيفته التحضير باستمرار والاستعداد لمثل هذه الامتحانات فكذلك الامتحانات التي تمر بالإنسان في الحياة الدنيا.

أعينوا إمامكم يرحمكم الله

إن الإنسان المؤمن الواعي الراغب بالكمال عليه أن يكون ملتفتاً دائماً إلى أن كل ما يجري له ويتعرض إليه هو امتحان له وعليه أن يحسن في اتخاذ التصرف المناسب بإزائه وان ينتهز فرص الخير بلطف الله تبارك وتعالى. فها أنا ذا أعلنها صرخة ويتفطر قلبي ألماً وحزناً:(أعينوا إمامكم يرحمكم الله، لا تؤخروا ظهور إمامكم يرحمكم الله، فإمامكم ينادي: أما من ناصر ينصرني، فانصروا إمامكم يرحمكم الله، وحطموا السيوف المشهورة في وجهه، ولا تضعفوا ولا تستكينوا مهما كلف الأمر، وسارعوا إلى إنقاذ أنفسكم قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه ندم).اللهم إني قد بلغت اللهم إني قد بلغت.

مستويات الاختبار ثلاثة

الاختبارات على مستويات ثلاثة، أقلها، المصائب والصعوبات التي تعترض الإنسان كفقد الأعزاء والأحباء، أو المرض والفقر والجوع والأذى والألم، وأعلى منها امتحان الصبر على اجتناب المحرمات، وترك الشبهات، والورع عنها، وعدم التسامح فيها، وأعلى منها اختبار الصبر على الطاعة، والمداومة عليها، وتكريس النفس لها، وعدم التقصير فيها، وهذه أرقى الدرجات بحسب تقسيم الأحاديث الشريفة.

الاختبار الالهي المتنوع

لكل شريحة في المجتمع امتحانها وابتلاؤها بآيات الله التي يلزم العمل بها فلرجل الدين والطبيب والمدرّس والمهندس والكاسب والزوجة والابن والوالدين وغيرها من العناوين له الآيات والأحاديث التي تخاطبه وتنطبق عليه قوله تعالى (كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا) حيث بلغه تكليفه والمطلوب منه، عن النبي (صلى الله عليه وآله): (ومن قرأ القرآن ولم يعمل به حشره الله يوم القيامة أعمى فيقول: (رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً)) وقد علّمنا هذا الحديث وكلمة الإمام الحسين (علیه السلام): (عميت عينٌ لا تراك عليها رقيباً) المدى الواسع لمن

ص: 435

يمكن أن تشملهم الآية وأنّه لا أحد -حتى الملتزمين بأداء العبادات الدينية- بمنأى عن حشرهم عمياً إذا لم يكونوا مراقبين لله تعالى متّقين عاملين بشكل تفصيلي بآيات الله تعالى، وهذا يفسّر لنا لماذا يطلب الأئمة (عليهم السلام) منّا أن نشعر بأنّنا مشمولون بكل آية فيها تخويف وإنذار وتهديد وأنّها ليست مقتصرة على الكافرين والمشركين والمنافقين، ففي وصف سيرة الإمام الرضا (علیه السلام) أنّه كان (يكثر بالليل في فراشه من تلاوة القرآن فإذا مرّ بآية فيها ذكر جنة أو نار بكى وسأل الله الجنة وتعوّذَ من النار).

كيف تدفع البلاء قبل حصوله؟

إن كثيراً من البلاء يستطيع الإنسان دفعه قبل حصوله، وليس فقط دفعه بعدحصوله من خلال اجتناب مسبّباته، ولكن الإنسان لا يلتفت إلى هذه الحقيقة، أو لا يلتفت إلى ما تكسبه يداه من أعمال، وإذا التفت فإن الكثيرين يستصغرون ما يصدر منهم ولا يقدّرون عواقبها، بينما حذر المعصومون من الاستهانة بالذنوب( لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر لمن عصيت) فيتساهلون فيما يصدر منهم من كلام مع أن كلمة غير مسؤولة قد تقال هنا وهناك تسبّب سفك الدماء وهتك الأعراض وإهلاك الحرث والنسل وكما يتساهلون في التجاوز على المال العام، الذي هو ملك عموم الناس الذين هم أيتام آل محمد(صلى الله عليه وآله) المقطوعون عن إمامهم فمن أكل أموالهم كان مشمولاً بالآية الشريفة( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً).

التأثير الايجابي للبلايا !

إن هذه البلاءات يمكن أن يكون تأثيرها على الأمة إيجابياً فتكون سبباً ومقدمة ليقظة الأمة ونهضتها وحركتها نحو ما يصلحها ويعيد إليها عزّتها وكرامتها، ويمكن أن يكون دورها سلبياً فتكون سلباً ليأس الأمة وفشلها وإحباطها ونومها وانهيارها، ومثال ذلك: أنّ من يكون متعباً بحاجة إلى النوم فإنّه يتثاءب، ومن يستيقظ من نومه يتثاءب، فالحالة واحدة وهي (التثاؤب) إلاّ أنّها قد تكون مقدّمة ومؤشراً للصحوة والاستيقاظ والنشاط والحيوية، وقد تكون علامة على الكسل والخمول والركود والنوم ولا شك أن المطلوب من الأمة الحيّة الواعية المتطلّعة إلى الارتقاء والازدهار، تجعل هذه الصعوبات والمحن والضغوط سبباً لتكاملها وتقدّمها ويقظتها واستشعارها لمسؤولياتها.

البلاء ورفع درجات الأولياء

ص: 436

إن بعض البلاء يجريه الله تعالى على عباده الذين اصطفاهم ليرفع درجاتهم ولينالوا المقام المحمود عند الله تعالى قال تعالى(وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً) وفي أخبار مقتل الإمام الحسين(علیه السلام) إن جده رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال له: إن لك عند الله مقامات لن تنالها إلا بالشهادة فهذا نوع آخر من البلاء لا تجري فيه الفكرة السابقة.

كاشفية البلاء

تصدر كلمات من الناس عندما يشتد الحَرُّ توحي بالتأفف والانزعاج والسخط، وهو يعني الاعتراض على قضاء الله تعالى ومشيئته، وهذا من الذنوب الكبيرة التي تنقص بها درجة الإنسان.

البلاء وصقل الشخصية

إن الإبتلاء يصقل الشخصية، ويظهر معدنها الأصيل، كما أن النار تفتن المعادن وتنقيها من الشوائب وتظهر المعدن النقي فكذلك الابتلاء يُظهر النقائص في الشخص حتى يسعى نحو علاجها وفق السنن الإلهية، وهي إضافة إلى ذلك ترفع درجات المبتلى حينما ينجح فيها.

الامتحان دائم وإحسان العمل

ما دام الإنسان في هذه الدنيا فهو في امتحان وابتلاء قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) فالابتلاء سنة ثابتة من السنن الإلهية، ولا يفهم منها معنى القهر وإظهار الغلبة والانتقام، فإن الله تعالى غني عن ذلك، وإنما أجرى هذه السنة لمصلحة العباد، واضرب لكم مثلاً من الحياة الأكاديمية فإن السنة الدراسية تشتمل على امتحانات متنوعة من أولها إلى آخرها، ومهما أشكل بعض التربويين وعلماء النفس على الامتحانات وتأثيرها على نفسية الطالب، وإنها ليست معبّراً حقيقياً عن مستويات الطلبة، إلا أن هذا الإجراء هو لمصلحة الطالب من أكثر من جهة:

1- إن الامتحان يميّز مستويات الطلبة ويبين استحقاق كل طالب ليكرّم الناجح ويُحفَّز الفاشل ويأخذ كل ذي حق حقه.

2- أنه يحفز الطلبة على القراءة والمراجعة، ولو خلت الدراسة من الامتحانات فإن النادر من الطلبة سيبذل جهداً لمراجعة دروسه واستيعابها حباً للعلم لا أكثر.

وهذا الابتلاء الذي يجري على الإنسان في هذه الدنيا فإنه لمصلحته لكي يثاب

ص: 437

المحسن على إحسانه ويعاقب المسيء على إساءته، وليلتزم الناس بالحقوق والواجبات، ولو شعر الناس بأنه لا ثواب ولا عقاب ينتظرهم لانتشر الظلم والعدوان والفساد، ولعمَّ اليأس الحياة.

من فوائد الإبتلاء؟!

الابتلاء الذي يجري على الإنسان في هذه الدنيا فإنه لمصلحته لكي يثاب المحسن على إحسانه ويعاقب المسيء على اسائته، وليلتزم الناس بالحقوق والواجبات، ولو شعر الناس بأنه لا ثواب ولا عقاب ينتظرهم لانتشر الظلم والعدوان والفساد، ولعمَّ اليأس الحياة.

ثواب الصبر على المصائب

الابتلاءات التي يمر بها الإنسان متفاوتة الدرجات والتأثير في ميزان الأعمال، فقد ورد في الحديث الشريف: (إن الصبر على المصائب بثلاثمائة درجة، والصبر على الحرام بستمائة درجة، والصبر على الطاعة بتسعمائة درجة) فهذه الأمور كلها تحتاج إلى الصبر لكن درجات الصبر متفاوتة فالصبر على الطاعة - كالقيام من النوم اللذيذ الدافئ في الشتاء لأداء صلاةالصبح، وكبذل المال وفراق الأحبة وتحمل أعباء السفر لأداء الحج - أعلى من الصبر على الحرام - كمن تعرض له امرأة متبرجة فيصرف نظره عنها أو الذي يعرض له مال مغري إلا أنه من طريق غير مشروع فلا يمدُّ يده إليه - وهذا أعلى من الصبر على النوائب كفقد عزيز.

من أنواع الذنوب

بعض الذنوب اجتماعية عامة لا تقتصر في آثارها على مرتكبيها فقط بل تشمل كل الناس حتى الصالحين قال تعالى: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً) ومثل هذه الابتلاءات يدفع ضريبتها ناسٌ لم يكونوا السبب فيها فهذه العواصف الترابية التي تحصل ويقال أنها ستستمر لسنين طويلة بسبب التصحر، وهذا الجفاف في الأنهار، وهذا الارتفاع في درجات الحرارة كلها بسبب حماقات وسياسات ظالمة لبعض المتصدين لكن شرها عمّ الجميع وإن كان أكثر الناس يستحقون ذلك لأنهم هم من انتخب أولئك الحمقى الأنانيين وأجلسوهم في مواقع المسؤولية.

البلاء والمقامات الرفيعة

قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) لقد ابتلى شعبنا المؤمن الموالي

ص: 438

لأهل البيت (عليهم السلام) بألوان المصائب والمحن وتكالبت عليه قوى الشر والبغي والعدوان من الكفار والمنافقين والحاسدين وساعدهم في تنفيذ مآربهم الجهلة والمرتزقة والمتحجرون وفي جميع الأحوال يدفع هذا الشعب الممتحن الثمن الباهض الذي لم يذهب سدى لأنه يولّد وعياً وثورة ورسوخاً للإيمان في الدنيا والمقامات الرفيعة في الآخرة.

حكمة مُسكّنة لقلب المبتلى

تتصاعد شدة الإبتلاء كلما إزداد المقام أهمية لذا ورد في الحديث الشريف: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُ بِمَنْزِلَةِ كِفَّةِ الْمِيزَانِ كُلَّمَا زِيدَ فِي إِيمَانِهِ زِيدَ فِي بَلائِهِ) وهناك بلاءات ناتجة من كون الإنسان في هذه الدنيا المليئة بالأسقام والعلل، وهذه عامة لكل البشر. وأخرى أخص منها للمؤمنين، باعتبارهم يرجون ما عند الله سبحانه، وهكذا تضاف بلاءات جديدة كلما تقدم الإنسان خطوة نحو التكامل.

إيجابية التعامل مع الصعوبات

من الخير للإنسان ألا ينظر الى مصاعب الحياة ومصائب الزمان بأّذى ومن غير ارتياح، ذلك ان ما يرد على المرء من بلاءات إما أن يكون تكفيراً عن ذنوبه ومعاصيه أو إنها نهج لتزكيته وتهذيبهوكلها خير .

بيان لحال النبي يعقوب(علیه السلام)

يقول أهل المعرفة: إن يعقوب (علیه السلام) لما بكى حتى إبيضت عيناه من الحزن فهو كظيم، لم يكن ذلك لأجل فقدان يوسف (علیه السلام)، وإن كان خطباً عظيماً، وإنما بكى لأجل التوبة من التقصير الذي ظهر منه أمام المولى، حتى عوقب بذلك، وأيُّ واحدٍ منا عندما يبتلى ببلاء، أو، يُحرم من طاعة كصلاة الليل، أو، صلاة الفجر، فعليه أن يفكِّر بإصلاح ما فسد من حاله الذي أدَّى به إلى هذه النتيجة .

المعاصي والذنوب والوقاية منهما

الذنوب تلوث مرآة القلب

الله تبارك وتعالى حمَّل بني آدم الشهادة أولا بأن أطلعهم على أنفسهم وكانت صافية كالمرآة تعكس حقيقة ربوبية رب العالمين، فوجدوا فيها حقيقة الربوبية لله تبارك وتعالى

ص: 439

والفقر التام إلى لطفه ورعايته، لذلك حينما سئلوا: ألست بربكم؟ أدّوا الشهادة التي تحمّلوها بلا تردد لوضوح الصورة أمامهم: بلى. وهذه هي فطرة الله التي فطر الناس عليها، وهي موجودة عند كل أحد، ولكن الإنسان الذي يلوثها ويعكر صفوها بالذنوب (بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ)،(فَإِنَّها لا تَعْمَى الأْبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)، فعندما كانت قلوبهم صافية لم تلوثها الذنوب ولم تكدرها المؤثرات الخارجية كان اعترافه بالربوبية بلا تردد، وفي الحديث: (كل مولود يولد على الفطرة وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجّسانه)، وفي الدعاء: (وَأنَّ الرَّاحِلَ إِلَيْكَ قَرِيبُ المَسافَةِ، وأَنَّكَ لا تَحْتَجِبُ عَنْ خَلْقِكَ إِلاّ أَنْ تَحْجُبَهُمُ الأعمال دُوَنَكَ).

مما يعصم العبد من الذنوب

على رأس العواصم من الذنوب -وهو الأصل فيها- اللطف الإلهي الذي به عصم الله تعالى أنبياءه ورسله والصالحين من عباده قال تعالى: [وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ]وقال تعالى: [وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً]ومن العواصم الدعاء والذكر واليقظة كلما اعترته غفلة. والشوق إلى الله تبارك وتعالى ومحبّته. وتجنب الحضور والتواجد في الأجواء المساعدة على المعصية لقطع منافذ الشيطان والنفس الأمارة بالسوء بحيث يصبح ارتكابالمعصية متعذراً. والمراقبة والمحاسبة الدقيقة والمستمرة للنفس. واستعظام الذنب واستفضاع عاقبته. وعدم الإعجاب بالنفس، وما يصدر منها من طاعات؛ لأن ذلك يوجب إيكال العبد إلى نفسه فيذنب حتى يكون له واعظاً ومؤدباتً من نفسه.

بعض الصعوبات من جراء أيدينا

الذي يخفى على الكثيرين أن جملة من الصعوبات التي يمرّ بها الإنسان هي من صنعه وكسب يديه، فلو أراد التخلص منها فليتجنب الأسباب التي أدّت إليها. قال تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) والباء هنا سببية أي بسبب ما كسبوا، وإن ما حصل لهم هو نتيجة لبعض ما جنت أيديهم، وإلا فإن استحقاقهم أكثر لكن الله تعالى يعفو بكرمه وحلمه عن كثير، قال تعالى (أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ)أي يهلكهن – وهي السفن في البحر- بأهلهن بإرسال الرياح العاتية عليها بما كسبوا من الذنوب، ولكن الله تعالى يعفو عن الكثير وقال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ).

ص: 440

نصرة الله بالإنتصار على النفس

جاء في الحديث الشريف: (أعدى أعداءك نفسك التي بين جنبيك) فهي تهشّ إلى المعصية ويزيّنها الشيطان فمقاومتها نصرة لله تبارك وتعالى على إدعائه الشيطان وأوليائه والنفس الأمارة بالسوء، وحينئذ ينصرك الله تعالى ويزيدك قوة وعزيمة ويرقّيك في درجات التكامل، من دعاء الصباح لأمير المؤمنين(علیه السلام): (وَإِنْ خَذَلَنِي نَصْرُكَ عِنْدَ مُحارَبَةِ النَّفْسِ وَالشَّيْطانِ، فَقَدْ وَكَلَنِي خِذْلانُكَ إِلى حَيْثُ النَّصَبِ وَالحِرْمانِ) فإذا اعانك الله تعالى ونصرك على نفسك ونجحت في الامتحان وحققت تقدماً في هذه الاشهر المباركة او المشاهد المشرّفة او بحضورك مجالس الصالحين وفي المساجد وصلوات الجمعة والجماعة وغيرها فثبت عليه وادمه ولا تضيّعه بسبب شهوة او غضب او تزيين من شياطين الانس والجن، فان السقوط في الهاوية حينئذٍ يكون مريعاً والعياذ بالله تعالى.

مفتاح الذنوب

مفتاح هذه الذنوب الغفلة عن الله تبارك وتعالى والالتفات إلى النفس والأنا، فيكون علاجها بالذكر الدائم، ولا نعني به - كما ورد عنهم (عليهم السلام): أن تلزق لسانك بحنكك تقول: سبحان الله والحمد لله؛ وإنما أن ترى الله حاضراً عندك ومعك ويحول بينك وبين قلبك، فحينما تحدث نفسك فالله مطلع على هذا الحديث، فإذا غفل عن الله هوى وتردى وأضاع نفسه ونساها [ولا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ].

وجوه استغفار المعصومين (عليهم السلام)

إن استغفار المعصومين (عليهم السلام) إنما هو من وجود مقتضيات الذنب والمعصية فيهم وإن كانت عندهم الملكة القدسية الرادعة عن توظيفها إلا في طاعة الله تبارك وتعالى، فتعتبر الشهوة الجنسية شراً بمعنى من المعاني، وكذا الغضب لأنها مناشئ الذنوب، ففي الخصال بسنده عن هشام بن الحكم في تفسير عصمة الإمام قال: ((إن جميع الذنوب لها أربعة أوجه لا خامس لها: الحرص والحسد والغضب والشهوة فهذه منتفية عنه)) فالأئمة (عليهم السلام) يستغفرون من وجود هذه المقتضيات للذنوب عندهم وإن كانوا بلطف الله تبارك وتعالى لا يستعملونها إلا في ما يرضي الله تبارك وتعالى كما في معاني الأخبار بسنده عن الإمام الصادق (علیه السلام) قال: (المعصوم وهو الممتنع بالله من جميع محارم الله وقد قال تبارك وتعالى: (وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).

درس من نجاة النبي يوسف(علیه السلام) من المعصية

ص: 441

المؤمن المخلص يتذكر ربَّه المنعم عليه دائماً ويعيش في حضرته المتعالية ويعلم العاقبة السيئة لمن يبتعد عنه تبارك وتعالى، وحينئذٍ يدركه هذا البرهان(لولا أن رأى برهان ربه) ويعينه عند التعرّض للإمتحانات وإنما يتحصل ذلك البرهان بالإزدياد بالطاعات التي تنفعه في لحظات الإمتحان الصعبة، كمن يدّخر المال ليوم فقره وفاقته، قال تعالى: {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً} والتجربة شاهدة على ذلك حيث يحكي البعض عن تعرضه لمثل هذه الإغراءات والمكائد لكنه لا يجد في نفسه أي حركة في اتجاهها أو أي (همّ) لفعلها لا لنقص في قواه البدنية والشهوية وإنما لأن الشيطان كان مغلولاً عنه فلم يزيّن له المعصية، والنفس وحدها من دون تزيين لا تتوجه نحو الفعل.

التزيين الشيطاني الخدّاع

توجد حالة معروفة لدى الكثيرين، مثلاً رجل عنده زوجة ولا يشعر بإثارة نحوها وقد يكون في بداية زواجه منها، لكنه يقع في هوى امرأة أجنبية أخرى وهو يعترف بأن زوجته قد تكون أجمل وألطف وأرق مشاعر ومتحببة ومتوددة إليه ونحو ذلك، فلماذا هذا التناقض في الميول؟ والجواب؛ إنه تزيين الشيطان للثانية دون الأولى لأنه يريد أن يوقع الإنسان في المعصية ويخرّب بيت الزوجية المبارك الذي ما بُني بناء في الإسلام مثله.

العجز عن شكر المنعم سيئة

إن الله تعالى يقول: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا) فإذا كان الإنسان عاجزاً عن معرفة نعم الله وعدّها فكيف يتسنى له شكرها فهو عن أداء الشكر أعجز وفي ذلك ورد فيدعاء للإمام السجاد (علیه السلام): (ونعماؤك كثيرة قصُر فهمي عن إدراكها فضلاً عن استقصائها، فكيف لي بتحصيل الشكر وشكري إياك يفتقر إلى شكر، فكلما قلت لك الحمد وجبَ عليَّ لذلك أن أقول لك الحمد) فإذا ضممنا إلى ذلك مقدمة أخرى مأخوذة من وصية الإمام الكاظم (علیه السلام) المشهورة لهشام بن الحكم وفيها (يا هشام إن كل نعمة عجزت عن شكرها بمنزلة سيئة تؤاخذ بها) ينتج وجه جديد لفهم الذنوب وهو العجز عن أداء شكر النعم، ويكون الشعور بالذنب أكبر كلما كانت النعم أكثر، ولذا يشعر الأئمة المعصومون (عليهم السلام) أنهم أكثر الخلق ذنوباً كقوله (علیه السلام): (وما في الورى شخص جنا كجنايتي) لأنهم حُبوا بأعظم النعم فقد أعطاهم الله تعالى منزلة يغبطهم عليها الأولون والآخرون وخلق الكون لأجلهم.

رب طاعة تستوجب الاستغفار؟!!

ص: 442

إذا كان أهم ما يتقرب به العبد إلى ربه من الأعمال وهي العبادات موجبة للاستغفار كما ورد في الأدعية، كدعاء الإمام الحسين (علیه السلام) يوم عرفة: (إلهي كم من طاعة بنيتها، وحالة شيّدتها، هدم اعتمادي عليها عدلك، بل أقالني منها فضلك) وفي بعض الأدعية عقيب الفرائض (إلهي إن كان فيها خلل أو نقص من ركوعها أو سجودها فلا تؤاخذني وتفضّل عليَّ بالقبول والغفران)، فإذا كانت العبادات والطاعات تقتضي طلب المغفرة والعفو فما هو حال الأعمال الأخرى؟

مكفرات الخطايا والذنوب

1- التوبة والاستغفار بصدق: والتي تتضمن بحسب بيان أمير المؤمنين (علیه السلام) لمعنى الاستغفار الندم على ما صدر منه وعقد العزم بصدق على عدم العود ورد المظالم إلى أهلها وتدارك ما فاته من التقصير، وحينئذٍ يكفّر الله سيئاته وينسي الملائكة الحافظين ما كتبوا وكل الشهود بما فيهم جوارحه ويمحو عنه آثار تلك الذنوب والخطايا، ويكتب له بدل ذلك كله حسنات

2- القيام بالأعمال الصالحة والطاعات: قال تعالى: [وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ]، [ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً] قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إذا عملت سيئة فاعمل حسنة تمحها)، وورد في أعمال كثيرة كزيارة الحسين (علیه السلام) وإحياء ليلة القدر وصوم بعض الأيام المعينة وبعض الصلوات المستحبة.

3-الصلاة في أوقاتها: عن الإمام الصادق (علیه السلام) قال: (لو كان على باب أحدكم نهرفاغتسل منه كل يوم خمس مرات هل كان يبقى على جسده من الدرن شيء؟ إنما الصلاة مثل النهر الذي ينقي، كلما صلى صلاة كان كفارة لذنوبه إلا ذنب أخرجه من الإيمان مقيم عليه) وننبه دائماً إلى أن مثل هذه الأمور تلحظ مع شروطها كقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لو صلّيتم حتى تكونوا كالأوتار، وصمتم حتى تكونوا كالحنايا لم يقبل الله منكم إلا بورع) وكقول الإمام الصادق (علیه السلام): (من صلّى ركعتين يعلم ما يقول فيهما، انصرف وليس بينه وبين الله ذنب).

4- الابتلاءات والمصائب والمصاعب في الدنيا: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إن المؤمن إذا قارف الذنوب ابتلي بها بالفقر، فإن كان في ذلك كفارة لذنوبه وإلا ابتلي بالمرض، فإن كان في ذلك كفارة لذنوبه وإلا ابتلي بالخوف من السلطان يطلبه، فإن كان في ذلك كفارة لذنوبه وإلا ضيق عليه عند خروج نفسه، حتى يلقى الله حين يلقاه وما له من

ص: 443

ذنب يدعيه عليه فيأمر به إلى الجنة) وعن الإمام الصادق (علیه السلام) قال: (إذا أراد الله بعبد خيراً عجّل عقوبته في الدنيا، وإذا أراد بعبد سوءاً أمسك عليه ذنوبه حتى يوافي بها يوم القيامة).

5- رعاية حرمة شهر رمضان: من دعاء الإمام السجاد (علیه السلام) في وداع شهر رمضان (السلام عليك ما كان أمحاك للذنوب وأسترك لأنواع العيوب)، (السلام عليك كما وفدت علينا بالبركات وغسلت عنا دنس الخطايا) حتى روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (سمّي شوال شوالاً لأنّ فيه شالت -أي ارتفعت وذهبت- ذنوب المؤمنين فلم يبق فيه ذنب إلا غفره الله تعالى ببركة صيام شهر رمضان فإن أجر كل أجير يعطى عند ختمه للعمل).

6- الأمراض: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (السقم يمحو الذنوب) وقال (صلى الله عليه وآله): (ساعات الوجع يذهبن ساعات الخطايا)، وقال (صلى الله عليه وآله): (حمى ليلة كفارة سنة).

7- الأحزان والهموم: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إذا كثرت ذنوب المؤمن ولم يكن له من العمل ما يكفرها ابتلاه الله بالحزن ليكفرها به عنه) وقال (صلى الله عليه وآله): (ساعات الهموم ساعات الكفارات، ولا يزال الهم بالمؤمن حتى يدعه وما له من ذنب).

8- إتيان المساجد: عن الإمام الصادق (علیه السلام) قال: (عليكم بإتيان المساجد، فإنها بيوت الله في الأرض، ومن أتاها متطهراً طهره الله من ذنوبه وكتب من زوّاره، فأكثروا فيها من الصلاة والدعاء).

9- العفو والصفح عن أخطاء الآخرين وتقصيراتهم: لأن هذه من أخلاق الله تبارك وتعالى وهو يجازي من اتصف بها بأكثر منها، قال تعالى: [وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنيَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ] روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله: (من عفا عند المقدرة عفا الله عنه يوم العسرة) ولكن مع الالتفات إلى معنى العفو ومنه ما قاله أمير المؤمنين (علیه السلام): (ما عفا عن الذنب من قرَّع به) وفي دعاء الإمام السجاد (علیه السلام): (اللهم إنك أنزلت في كتابك العفو وأمرتنا أن نعفو عمن ظلمنا وقد ظلمنا أنفسنا فاعفُ عنا فإنك أولى بذلك منا).

10- اتباع رسول الله (صلى الله عليه وآله) والاستنان بسنته الشريفة في الأفعال والأقوال: قال تعالى: [قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ].

11- إغاثة الملهوف: قال أمير المؤمنين (علیه السلام): (من كفارات الذنوب العظام: إغاثة

ص: 444

الملهوف والتنفيس عن المكروب).

12- كفارات خاصة: إن بعض الذنوب والتقصيرات لها كفارات خاصة، فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله: (إن من الذنوب ذنوباً لا يكفّرها صلاة ولا صوم، قيل يا رسول الله، فما يكفرها؟ قال: الهموم في طلب المعيشة) وما في قول النبي (صلى الله عليه وآله): (من الذنوب ذنوب لا تغفر إلا بعرفات) ومن الكفّارات الخاصة ما ورد عند القيام من أي مجلس أو انفضاض أي لقاء أو اجتماع كان مشوباً بالغفلة عن الله تعالى فيقول: [سُبحَانَ ربِّكَ رّبِّ العِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى المُرسَلِينَ، وَالحَمدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ].

13- حسن الخُلُق: قال الإمام الصادق (علیه السلام): (إن حسن الخلق يذيب الخطيئة كما تذيب الشمس الجليد، وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل).

14- كثرة السجود: قال الإمام الصادق (علیه السلام): (جاء رجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: (يا رسول الله كثرت ذنوبي وضعف عملي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أكثر من السجود فإنه يحط الذنوب كما تحط الريح ورق الشجر).

15- الحج والعمرة: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحجة المتقبلة ثوابها الجنة، ومن الذنوب ذنوب لا تغفر إلا بعرفات) وعن أمير المؤمنين (علیه السلام) قال: (إن أفضل ما توسل به المتوسلون إلى الله .. حج البيت واعتماره، فإنهما ينفيان الفقر ويرحضان الذنب).

16- افتتاح صحيفة العمل واختتامها بالخير: قال الإمام السجاد (علیه السلام): (إن الملك الموكل على العبد يكتب في صحيفة أعماله فأملوا بأولها وآخرها خيراً يغفر لكم ما بين ذلك).

17- الصلاة على محمد وآله: قال الإمام الرضا (علیه السلام): (من لم يقدر على ما يكفر به ذنوبه فليكثر من الصلاة على محمد وآله فإنها تهدم الذنوب هدماً).

18- سكرات الموت: عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (الموت كفارة لذنوب المؤمنين).

19- الصدقة: عنه (صلى الله عليه وآله): (الصدقة تطفئ غضب الرب) وقال الإمام الصادق (علیه السلام): (إن صدقة الليل تطفئ غضب الرب، وتمحو الذنب العظيم).

البدائل المحللة

إن كثيراً من المحرمات التي يرتكبها الإنسان في حياته لتحقيق رغبة الوصول الى هدف معيّن، يتمكن من تحصيل نفس النتائج بطريق محلل فتتحول نتائجها من التأثير السلبي إلى الإيجابي، لكنه لقلّة تفقّهه وعدم جدّيته في السير على وفق ما أراده الله تبارك وتعالى فإنه لا

ص: 445

يوفّق لذلك ويتورط في المعاصي ويبتلي بآثارها في الدنيا والآخرة.

الفرص الممنوحة للتخلص من الذنوب

(منها) فتح باب التوبة ما دام في هذه الدنيا، عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): (من تاب قبل أن يعاين قَبِل الله توبته)، وعنه (صلى الله عليه وآله) قال :(إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر).

و(منها) انه إذا فعل حسنات فانها تكفر السيئات بل تبدّلها إلى حسنات (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ)، (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً).

و(منها) اعتبار البلايا والصعوبات والالام التي يمر بها الانسان كفارة لذنوبه، عن أمير المؤمنين (علیه السلام):(الحمد لله الذي جعل تمحيص ذنوب شيعتنا في الدنيا بمحنتهم لتسلم بها طاعاتهم ويستحقوا عليها ثوابها).

و(منها) العفو والصفح ابتداءاً تكرماً من الله تعالى وفضلاً من غير تسبيب العبد (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ).

ذنب مغفول عنه

أنقل لكم نصاً من الصحيفة السجادية يلفت نظرنا إلى ذنوب نغفل عنها وهي تتعلق بالعلاقات مع الآخرين، ولك أن تقيس عليها غيرها مما لا يعلمه إلاّ الله تبارك وتعالى، قال (علیه السلام) في الاعتذار من تبعات العباد ومن التقصير في حقوقهم (اللهم إنّي اعتذر إليك من مظلوم ظُلم بحضرتي فلم أنصره، ومن معروف أسدي إليّ فلم أشكره، ومن مسيء اعتذر إليّفلم أعذره، ومن ذي فاقة سألني فلم أوثره. ومن حقّ ذي حقٍ لزمني فلم أوّفره، ومن عيب مؤمن ظهر لي فلم أستره، ومن كل إثم عرض لي فلم أهجره) فالسيئات لا تقتصر على ما صدر منه من أمثالها، بل على ما فوّت مما ينبغي فعله، فلا ينشغل الإنسان بالنظر إلى ما قدّم من طاعة أو معروف بين الناس، بل إلى ما كان يجب عليه فعله ولم يفعله. كالشخص يفرح بما أنفق في سبيل الله، ويغفل عن مورد قصده فيه صاحب حاجة وكان قادراً على قضائها فلم يفعل، ووردت في ذلك روايات شديدة كالذي روي عن أبي الحسن(علیه السلام) قال: (من أتاه أخوه المؤمن في حاجة فإنّما هي رحمة من الله تبارك وتعالى ساقها إليه، فإن قبل ذلك فقد وصله بولايتنا وهو موصول بولاية الله وإن ردّه عن حاجته وهو يقدر على قضائها سلّط الله عليه شجاعاً من نار ينهشه في قبره إلى يوم القيامة مغفوراً له أو مُعذّباً فإن عذره الطالب كان

ص: 446

أسوأ حالاً).

حقيقة مخيفة

كما أنّ الحسنات يذهبن السيئات، فإن بعض السيئات تُذهب الحسنات وتُحرقها، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من قال: (سبحان الله غرس الله له بها شجرة في الجنة، ومن قال الحمد لله غرس الله له بها شجرة في الجنة، ومن قال لا إله إلا الله غرس الله له بها شجرة في الجنة، ومن قال الله أكبر غرس الله له بها شجرة في الجنة) فقال رجلٌ من قريش يا رسول الله إنّ شجرنا في الجنة لكثير، قال: (نعم ولكن إيّاكم أن تُرسلوا عليها نيراناً فتحرقوها، وذلك إنّ الله عزّ وجل يقول: (يا أيّها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تُبطلوا أعمالكم)).

التطمين والتعويض الإلهي

ورد التطمين بلطف الله تعالى وكرمه أن من ضيّع جزءاً من عمره بما لا ينفع وقد يضرّ فإن الله تعالى سيكتبه عمراً صالحاً إذا رجع إلى ربّه والتفت وأصلح حاله فيما استقبل من عمره، عن النبي (صلى الله عليه وآله): (من أحسن فيما بقي من عمره لم يؤاخذ بما مضى من ذنبه، ومن أساء فيما بقي من عمره أخذ بالأول والآخر) قال تعالى: (إلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيئَاتِهِم حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً).

من أين تبدا الرحمة؟

الرحمة بالآخرين تبدأ من رحمة نفسه بأن يجنبّها ما يضرّها في الدنيا ككثير من الحماقات والأفعال اللاعقلائية كالتدخين وصرف الأموال الطائلة في اللهو والعبث، وما يضرّها في الآخرة كارتكاب المعاصي والعياذ بالله) وصرف العمر في التفاهات وعدم التفقه فيأمور الدين والمعرفة الضرورية. ثم تتوسع الرحمة إلى من يليه في بيته كوالديه، قال تعالى (فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً *وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) ثم الرحمة بالزوجة والزوج بالنسبة للمرأة، قال تعالى ممتناً على عباده (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)... ثم الرحمة بالأقرباء وقد اشتق لهم إسم من الرحمة فيقال لهم الأرحام والأوامر في صلة الرحم كثيرة والنواهي عن قطعه شديدة. ثم الرحمة بالآخرين خصوصاً إذا كانوا من ذوي الحاجة والمرضى والفقراء والمبتلين ببلاء ما، وهكذا حتى يمتلئ قلبه رحمة وشفقة على كل الموجودات.

ص: 447

من هو الكيس الفطن ؟

وصفت الأحاديث الشريفة المؤمن بأنه: (كيِّس فطن) ومن كياسته ما ورد في أحاديث أخرى أن (الكيّس من اتعظ بغيره) وهذا الغير الذي دعينا للاتعاظ به قد يكونون أشخاصاً وقد تكون حالات أو مواقف أو مشاهد. ومن تلك الحالات ما نراه في السوق عندما يشتري أحد وزناً معيناً من الدقيق أو السكر فإن كيلة كبيرة منهما يغترفها البائع المحترف لا تنزل الميزان بالوزن المطلوب لكن حبات يضعها البائع في الكفّة يقطّرها بعد ذلك تنزل بها كفة الميزان، محل الشاهد أن نأخذ من هذه الأمثال درساً، وهو أن الإنسان قد تصدر منه معاصي فيمهله الله تبارك وتعالى ويحلم عنه بطول أناته في غضبه (الحمد لله الذي يحلم عني حتى كأني لا ذنب لي) بل يواصل نعمه عليه والعبد يجازيها بالمعصية ويسوّد صحائف أعماله بها ثم يصدر منه فعل قد لا يراه من الكبائر إلا انه يقع بعين المقت والغضب من الله تبارك وتعالى فتنزل عليه العقوبة الإلهية والعياذ بالله، ويكون هذا الفعل كما قيل في المثل (القشة التي قصمت ظهر الجمل).

أهمية معرفة الذنوب

معرفة الذنوب بمداها الواسع ومراتبها الكثيرة بحسب مستويات الأشخاص وتحصيل القدرة على اجتنابها صغيرها وكبيرها مما يهتم به الساعون إلى الكمال، لذا فقد شُغل حيز كبير من القرآن الكريم ببيان الذنوب وآثارها في الدنيا وعاقبتها في الآخرة والتحذير منها وبيان ما يكفّرها ويزيل آثارها، وقصص الأمم التي عكفت على المعاصي ولم تجتنبها وما حلّ بها من العذاب بسبب ذلك، والحياة السعيدة لمن اجتنبها، ولو حاولنا جمعها لوجدنا أن القرآن الكريم كله يعالج هذه القضية بشكل مباشر أو غير مباشر.

لماذا يذنب العبد؟

لا يمكن التقليل من قوة ضغط الذنوب والخطايا على الإنسان حتى يندفع إلىارتكابها مع كثرة ما يعرف عن آثارها الوخيمة في الدنيا وعاقبتها الفظيعة في الآخرة، يقول أمير المؤمنين (علیه السلام): (ألا وإن الخطايا خيلٌ شُمُسٌ حُمل عليها أهلها وخُلعت لُجُمها فتقحّمت بهم في الناس) فالخطايا كالخيول العنيدة المتمردة على صاحبها ولا لجام لها ليمسك بها فتقتحم بصاحبها إلى المخاطر.

التزيين الشيطاني

إن التزيين الشيطاني الموافقة لأهواء النفس وشهواتها جعل للخطايا تأثيراً ساحراً

ص: 448

يسكر صاحبه حتى يتورط فيها، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (احذروا سكر الخطيئة، فإن للخطيئة سكراً كسكر الشراب، بل هي أشدُّ سكراً منه، يقول الله تعالى: [صُمٌّ بُكمٌ عميٌّ فهم لا يرجعون].

بعض مناشئ ارتكاب الذنوب

أولاً/ الجهل وهو على أشكال، منها الجهل بمقام الربوبية ووظائف العبودية، فإن من يعرف الله تعالى يتجنب المعاصي بمقدار تلك المعرفة ويؤتيه الله تعالى فرقاناً يميز به بين الحق والباطل [إنْ تَتقوا اللهَ يَجعَل لَكُم فُرقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُم سَيئَاتِكُم وَيَغفِرْ لَكُم وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ] حتى إذا اكتملت عنده المعرفة كالمعصومين (عليهم السلام) أصبح عبداً خالصاً لله تعالى ينفر بطبعه من المعصية ويتقزز منها.

ثانياً/ وجود الدوافع وأصول الذنوب في النفس الإنسانية المعبَّر عنها بالغرائز والشهوات والتي خلقت أصلاً لتؤدي أدواراً إيجابية في حياة الإنسان ولتكمّل قواه الأخرى كالعقلية والجسدية والقلبية، لكنها إذا خرجت عن حدّها إلى جانب الإفراط أو التفريط كان سبباً للوقوع في المعاصي.

ثالثاً/ ويعاضدها الشيطان بالتزيين والإغواء والتطمين والتهوين من الأمر حتى يقارف الذنب والمعصية قال تعالى حاكياً عن إبليس: [قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ] وفي دعاء للإمام السجاد (علیه السلام): (فلولا أن الشيطان يختدعهم عن طاعتك ما عصاك عاصٍ، ولولا أنه صوَّر لهم الباطل في مثال الحق ما ضلَّ عن طريقك ضال).

رابعاً/ الاغترار بالستر الإلهي على العاصين وعدم فضح الإنسان بذنبه (فلو اطلع اليوم على ذنبي غيرك ما فعلته ولو خفتُ تعجيل العقوبة لاجتنبته.

خامساً/استصغار الذنب والاستخفاف به لما ارتكز في الذهن من أن الذنوب الموعود بها النار هي الكبائر أما غيرها فيمكن ارتكابها، وهذا التفكير بحد ذاته من الكبائر لما فيه منالجرأة على الله تعالى وعدم الاعتبار بعظمته وعلو شأنه وهو موجب لسخط الله وسلب اللطف عن العبد فتؤدي به هذه الصغائر إلى الوقوع في الكبائر والعياذ بالله.

سادساً/الغفلة، فإن كثيراً من الذنوب -وبعضها من الكبائر- ترتكب لا للجهل بها وإنما للغفلة كالغيبة التي يُعلم أنها من الكبائر ووصفها الله عز وجل بأشنع الأوصاف وهي إدام أهل النار، ومع ذلك فقد أصبحت الغيبة فاكهة المجالس والمادة الرئيسية للأحاديث، فينبغي للمؤمن أن يتجنب الغفلة بترك المقدمات الموجبة لها.

ص: 449

سابعاً/سوء الخلق، عن النبي (صلى الله عليه وآله): (لكل ذنب توبة إلا سوء الخلق، فإن صاحبه كلما خرج من ذنب دخل في ذنب).

ثامناً/الاختلاط الكثير مع الناس ومجالسة البطّالين، والخوض في فضول الكلام، فهذه الأمور كلها مظنة الوقوع في الذنوب والمحرمات؛ لذا ورد التحذير من حضور هذه المجالس والمشاركة في اللغو الباطل [وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ] عن أمير المؤمنين (علیه السلام) قال: (مجالسة أهل الهوى منسأة للإيمان ومحضرة للشيطان) وفي الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أكثر الناس ذنوباً أكثرهم كلاماً في ما لا يعنيه) وعن أمير المؤمنين (علیه السلام): (إياك والهذر، فمن كثر كلامه كثرت آثامه).

تاسعاً/سوء فهم بعض ما ورد في الروايات الشريفة من الثواب على بعض الأفعال كدخول الجنة بالبكاء على الحسين (علیه السلام) وإقامة شعائره وشفاعة أهل البيت (عليهم السلام) فقد أعطى الله تعالى هذه الكرامات لأهل البيت (سلام الله عليهم) رحمة بالعباد لكي تسدّ الخلل والتقصير والقصور مع حسن النية والعزم على فعل الخير والطاعة وبذل الوسع في ذلك، وليس بأن تكون سبباً للتمادي والجرأة والعناد واللجاجة، قال تعالى: [وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى]وقال تعالى: [وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ].

كيف نتمكن من اجتناب الذنوب؟

إن اجتناب الذنوب يحتاج أولاً إلى معرفة تفصيلية بها لأن بعضها وإن كان معلوماً كالكبائر إلا أن الكثير منها غير معلوم وبعضها لا يلتفت إليها أحد كعدم قضاء حوائج المؤمنين والاهتمام بها، ففي رواية عن الإمام الصادق وولده الكاظم (عليهما السلام): (من أتاه أخوه في حاجة يقدر على قضائها فلم يقضها له سلّط عليه شجاعاً ينهش إبهامه في قبره إلى يوم القيامة مغفوراً له أو معذباً) وهكذا غيرها، ومما يقلل فرصة ارتكاب الذنب زيادة المعرفة بالله تعالى وتقوية العلاقة به تبارك وتعالى، كتذكر أنه محسن إلينا بما لا يعد ولايحصى من النعم، أو الالتفات إلى أن الذنوب تمنع بعض عطاء الله تبارك وتعالى ونحن محتاجون إليه، عن أمير المؤمنين (علیه السلام): (لو لم يرغّب الله سبحانه في طاعته لوجب أن يطاع رجاء رحمته) أو تذكر أنك بمحضر الله تبارك وتعالى وتحت نظره ولا تخفى عليه خافية في السماوات والأرض [يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ] فمعصيته والحال هذه جرأة على جبار السماوات والأرض وتحدٍ لعظمته أو أن يلتفت إلى أن هذا الذنب قد يوجب هتك الستر الذي ضربه الله تعالى عليه فتفضحه الذنوب، أو أن ينال به سخط الله تعالى وغضبه

ص: 450

بحيث لا تنفعه توبة ولا تدركه الألطاف الإلهية، فقد أخفى الله غضبه في معصيته، فلا يُعلم أي معصية توجب ذلك فعلى العبد أن يتوقاها جميعاً، ومما يساعد على تجنب المعاصي أن يعلم بأن في ارتكاب الذنب إيذاءً وإساءة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ولأمير المؤمنين (علیه السلام) ولفاطمة الزهراء (عليها السلام) والأئمة المعصومين (سلام الله عليهم) ونحن نحبهم ولا نريد إيذاءهم وهم مطّلعون على أعمال العباد، كما نطقت به الآية الكريمة: [وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ] روي عن الإمام (علیه السلام) قال: (ما لكم تسوؤون رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقال رجل: جُعلتُ فداك وكيف نسوؤه؟ قال: أما تعلمون أن أعمالكم تعرض عليه فإذا رأى فيها معصية الله ساءه ذلك، فلا تسوؤوا رسول الله وسرّوه) ومن المعرفة الموجبة لتجنب المعاصي الالتفات إلى الهدف من وجودنا في هذه الدنيا وما ينبغي أن نصرف أعمارنا فيه مما يوصل إلى الغاية، وحينئذٍ سوف لا يكون للإنسان مجال للعب والعبث واللهو فضلاً عن ارتكاب المعاصي.

بعض الآثار الوخيمة للذنوب

أولاً/ قصر العمر وتعجيل الفناء بحيث يظهر من أقوال المعصومين شيء عجيب وهو: أن أكثر الناس لا يبلغون أعمارهم المقدرة بسبب الذنوب مما يسمى بالأجل المخروم، قال أمير المؤمنين (علیه السلام): (موت الإنسان بالذنوب أكثر من موته بالأجل، وحياته بالبر أكثر من حياته بالعمر).. ومن الذنوب التي اشتهر أنها تعجل الفناء قطيعة الرحم، وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ثلاثة من الذنوب تعجل عقوبتها ولا تؤخَّر إلى الآخرة، عقوق الوالدين، والبغي على الناس، وكفر الإحسان).

ثانياً/ إن الذنوب سبب للمصائب والآلام والنكبات التي يتعرض لها الفرد والمجتمع، عن الإمام الصادق (علیه السلام): (أما إنه ليس من عرق يُضرب ولا نكبة ولا صداع ولا مرض إلا بذنب، وذلك قول الله عز وجل في كتابه: [وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنكَثِيرٍ] ثم قال (علیه السلام): (وما يعفو الله أكثر مما يؤاخذ به).

ثالثاً/ إنها توجب اسوداد القلب وانغلاقه فلا يستجيب للهداية، في الكافي عن الإمام الصادق (علیه السلام) قال: (كان أبي يقول: ما من شيء أفسد من خطيئة، إن القلب ليواقع الخطيئة فلا تزال به حتى تغلب عليه فيصير أعلاه أسفله) أي يصبح كالإناء المقلوب فلا يحتفظ بشيء من الحق والهدى ولا تؤثر فيه الموعظة.

رابعاً/ نقص الرزق، عن أبي جعفر (علیه السلام): (إن العبد ليذنب الذنب فيُزوى (أي يقبض

ص: 451

ويصرف)عنه الرزق).

خامساً/ زوال النعم، قال تعالى: [إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ] عن الإمام الصادق (علیه السلام): (إن الله قضى قضاءً حتماً ألا ينعم على العبد بنعمة فيسلبها حتى يحدث العبد ذنباً يستحق بذلك النقمة).

سادساً/ عدم استجابة الدعاء والإبطاء في تحقيق ما يطلبه الداعي، عن الباقر (علیه السلام): (إن العبد ليسأل الحاجة من حوائج الدنيا فيكون من شأن الله قضاؤها إلى أجل قريب أو وقت بطيء فيذنب العبد عند ذلك ذنباً فيقول الله للملَك الموكَّل بحاجته لا تنجز له حاجته واحرمه إياها فإنه تعرَّض لسخطي واستوجب الحرمان مني).

سابعاً/ تشوّش الفكر وانشغال الذهن وسوء الحفظ والحرمان من العلم النافع المقرِّب إلى الله تعالى، بسبب الصراع الذي يعيشه ووخز الضمير وخوف الفضيحة والعقاب، والذلة الباطنية التي يحسّ بها، ولحرمانه من لطف الله تعالى، روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (اتقوا الذنوب فإنها ممحقة للخيرات، إن العبد ليذنب الذنب فينسى به العلم الذي كان قد علمه) وهو ما عبّر عنه الشاعر:

شكوتُ إلى حكيمٍ سوء حفظي *** فأرشدني إلى ترك المعاصي

وعلّله بأن العلم نورٌ *** ونور الله لا يؤتى لعاصي

ثامناً/ الحرمان من الطاعات خصوصاً المهمة منها كصلاة الليل أو النوم عن صلاة الصبح، عن أبي عبد الله (علیه السلام): (إن الرجل يذنب الذنب فيُحرم من صلاة الليل وإن العمل السيئ أسرع في صاحبه من السكين في اللحم).

تاسعاً/ ويعم أثر الذنوب حتى يتضرر به الآخرون وربما المجتمع كله، قال تعالى: [وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً] وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (الذنب شؤم على غير فاعله، إن عيَّره ابتلي، وإن اغتابه أثم، وإن رضي به شاركه).

الحرب النفسية لأهل المعاصي

إن الضغط النفسي الذي يسببه أهل المعاصي للمؤمنين الملتزمين ناشئ من حسدهم لهم وشعورهم بالنقص وعقدة الحقارة أمامهم؛ لأنهم يعلمون أن هؤلاء على خير، وأنهم حائزون لسعادة الدنيا والآخرة، وليس عندهم الشجاعة لئن يكونوا أمثالهم ويرتقون إلى درجاتهم، فيحاولون إنزالهم إلى الحضيض الذي يعيشونه ليقنعوا أنفسهم ويهربوا من هزيمتهم الداخلية، وقد جعلوا لأنفسهم شعاراً (حشرٌ مع الناس عيد) فوجود هؤلاء المؤمنين

ص: 452

يكشف نقصهم وحقارتهم وضعفهم أمام شهواتهم وتسويلات الشيطان، وهكذا دوماً يكون وجود العنصر النظيف مسبباً للكشف عن فساد العنصر المنحرف.

أسباب المعاصي وعلاجها

إن المصرين على المعصية هم جهلة من عدة جهات؛ فهم يجهلون لماذا وجدوا في هذه الحياة، وكيف ستكون نهايتهم، وما هو حق المولى المنعم عليهم، وما هو جزاء العاصين. فالحل الصحيح ليس فقط أن نقول لهم: إن هذا حرام وذاك ممنوع، بل لا بد معه من بيان الحكمة من التشريع، وتقوية العلاقة بين الإنسان وخالقه، والتذكير بالآخرة، واستشارة الفطرة، وإحياء القلوب بالموعظة، وذكر الموت كما فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع مشركي قريش، وكل ذلك يجب أن يكون بالحكمة والموعظة الحسنة والحوار الهادئ وقلب وعقل مفتوحين وصدر واسع، من دون تعنت ولا عصبية، فهؤلاء البعيدون عن الله يستحقون العطف والرحمة؛ لأنهم مرضى، لكن مرضهم ليس في الجسد بل في القلب والروح، وهم أولى بالرعاية من مرضى الجسم الذين يثيرون العطف ويستحقون المساعدة، فلا تقصروا في مساعدتهم على إصلاح نفوسهم، وستجدون أكثرهم يحبون الطاعة ويقتربون إلى الله تبارك وتعالى عندما يكون الأسلوب مقبولاً، وحينما يعرف المعالج كيف يشخّص داءهم وينجح في وصف العلاج الصحيح.

ص: 453

تصحيح المفاهيم ونقد الأفكار والمصطلحات

نقد مصطلح مبتدع

أودّ الإشارة إلى مصطلح مبتدع تحوّل إلى ظاهرة لا تنسجم مع هذا الفهم لحقيقة الدين حيث أسيء استخدامه وهو عنوان (المتدين) وجعلوه مرادفاً لعنوان (المؤمن) وهو غير صحيح، لأن عنوان المؤمن مصطلح قرآني تكرّر كثيراً يعبّر عن سلوك صالح وعقيدة صحيحة وأخلاق سامية، أما عنوان المتدين فإنهم جعلوه يركّز على شكليات ومظاهر، كإطلاق اللحية ومسك المسبحة ولبس الخاتم باليمين وأداء بعض الطقوس الدينية، وهذا كله من الشريعة بالتأكيد، لكن أن يكون هو المقياس بغّض النظر عن الجوهر وسلامة الباطن والاستقامة في التعامل مع الآخرين فهذا تديّن مزيّف روّج له من يريد خداع السذّج لتحقيق أجندات خاصة به والمتاجرة بالدين للوصول إلى مآربه والحصول على المواقع الدينية والسياسية، حتى تحمّل الدين إساءات كثيرة بسبب تصرفات بعض المتديّنين.

تصحيح فكرة

حينما قسم الفقهاء المسائل الفقهية إلى (عبادات) و(معاملات) وقسموا المعاملات إلى (عقود) و(ايقاعات) و(أحكام) فانهم انطلقوا من ناحية علمية وفنية... ولم يدُرْ في خلد هؤلاء الفقهاء ان هذا التقسيم الفني العلمي سيتحول إلى ممارسة خاطئة وفهم ضيق لدور الشريعة في حياة الأمة حيث رسخ هذا التقسيم في اذهان الناس ان عبادة الله تعالى ومراعاة الشريعة انما يختص بالقسم الأول وتراهم يسألون عن تفاصيل جزئية في الوضوء والصلاة والصوم وهو شيء حسن لكن السيء انهم اقصوا الشريعة عن المعاملات حين أصبحت قسماً مستقلاً عن العبادات وكأن الشريعة مختصة بالعبادات، ولا أدعي إن هذا التقسيم هو السبب الوحيد في هذه النتيجة السيئة وانما توجد أسباب أخرى.

هل (السعيد من اكتفى بغيره) ؟

لا أعلم إن كان لها منشأ من الأحاديث الشريفة أو لا، وقد يكون لها مورد تصح فيه فإنّ من سعادة المرء مثلاً أن يكون مكفول الرزق والمؤونة كما ورد في الأحاديث الشريفة عن طالب العلم، فهذا من السعادة أن يكون فارغ الهم من طلب المعاش. لكن هذه الكلمة استُخدمت مبرّراً للتقاعس عن كثير من الأعمال الصالحة بإيكال الأمر إلى من يقوم به

ص: 454

كإرشاد الناس وتعليمهم الأحكام وتدريس العلوم الدينية، وإمامة الصلاة والتبليغ في البلدان الأخرى ونشر الوعي والإصلاح وهكذا. وتطورّت هذه الثقافة إلى ترك واجبات مهمّة كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعنوان أنه واجب كفائي لا يتعيّن عليه شخصياً القيام به ولعلغيره يفعل ذلك وهكذا. وفي هذا خطر على الأمة لأنّ حالة (التواكل) تسبّب ضياع المعروف وضعف أهله وتفشّي المنكر وتقوية فاعليه، وفيه أيضاً ضرر على الفرد نفسه بتضييع فرص مهمّة لطاعة الله تعالى والتقرّب منه. عن الإمام الرضا (علیه السلام)قال: (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إذا أمّتي تواكلت (تواكلوا) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فليأذنوا بوقاع من الله).

مصطلح حرية المرأة

من المصطلحات المجملة التي طبل لها أعداء الإسلام كثيراً هي الحرية والمطالبة بحرية المرأة ورفض القيود عليها وهم لا يريدون بالحرية الا الانفلات من كل الضوابط والانصياع وراء الشهوات الحيوانية والانغماس في اللذات وهي عين العبودية للنفس الأمارة بالسوء فان الحرية الحقيقية في التحرر من عبودية ما سوى الله تبارك وتعالى من آلهة الجاهلية الحديثة المعقدة التي اشرنا إليها في كتاب (شكوى القرآن) وغيرها ولو سألتهم هل تريدون بالحرية عدم الخضوع إلى القانون وتنفيذ كل ما يريد الشخص ولو على حساب الآخرين فسيقولون لا إذ ان حرية الشخص تنتهي عند حقوق الآخرين فلا بد من قانون إذن ينظم حياة البشر ويوزع الحقوق والواجبات هذا القانون نراه هو الشريعة التي وضعها خالق البشر وصانعهم والعارف بما يصلحهم لا القوانين الوضعية التي يضعها نفس الإنسان الناقص التائه العاجز ولا تتحقق السعادة إلا بالتسليم المطلق لأوامر الشريعة الالهية (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً).

شمولية معنى العبادة

يقول تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) والآية تعمم معنى العبادة لكل الحياة بما فيها الواجبات والفرائض الإلهية أي تجعل الحياة كلها عبادة وإن الغرض من الخلقة هو لكي يكون الإنسان في كل حياته في حالة عبادة وليس أدل على ذلك من قيام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته المعصومين (عليهم السلام) بأداء كل متطلبات الحياة - كالأكل والشرب والنوم وسائر المباحات - وهم في كل أوقاتهم يحققون معنى العبادة فكل

ص: 455

هذه الأفعال يمكن أن تكون من العبادات لكن الذي حدث الآن إن مفهوم العبادة إنحسر وأصبح يشمل الطقوس العبادية فقط كالصلاة والصوم ونحو ذلك ويتبادر الذهن لها إذا ورد هذا المصطلح، وفي الحقيقة فإنها مأساة كبرى للإسلام والمسلمين حشدت قوى الاستكبار العالمي وأذنابها والمسلمون المنحرفون -إن صحت التسمية- كالأمويينوالعباسيين كل ما أوتيت من قوة لتكريس هذا المفهوم، ويبدو إن جذوره تعود إلى ما بعد رحيل الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث أقصيت القيادة الشرعية عن تولي أمور الأمة وأخذت الحكومات المنحرفة تبتعد شيئاً فشيئاً عن المنهج الإسلامي القويم وتم إكتمال الانحراف (180 درجة) في عهد الأمويين وما بعدهم والذي يحز في قلوبنا ذكره هنا إن علمائنا من حيث لا يشعرون ساهموا في تضييق مفهوم (العبادة) في الأذهان منذ أن بدؤوا بتقسيم الفقه إلى قسمي (العبادات) و(المعاملات) وصحيح إن تقسيمهم هذا هو تقسيم فني بحت إلا أنه أوحى في آذان العامة إن العبادات شيء والمعاملات شيء آخر، وان الفرد يستطيع أن يكون مسلماً ملتزماً في عباداته وبنفس الوقت يتخذ له منهجاً في الحكم غير الإسلام ودستوراً في الاقتصاد وآخر في الاجتماع مما وصلت إليه من غير المسلمين بل وحتى من أعدائهم كل ذلك وهو يعتقد انه ما زال مسلماً ملتزماً بحقيقة (لا اله إلا الله، محمد رسول الله) التي تؤكد إن الحاكمية في كل شيء لله وحده وان مبلغ أحكامه عز وجل هو محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وفي القرآن تأكيدات كثيرة لذلك لا حاجة لذكرها.

مفاهيم خاطئة

إن الفهم الخاطئ لفكرة الانتظار والتقية والعزلة وغيرها تُعدُّ من الأغلال الفكرية التي تقيّد حركة الإسلام المباركة مضافاً إلى القصور والتقصير الذاتيين، وما لم نحطّم الأغلال ونكسر القيود فإننا لا نستطيع أن نتحرك، وما بِعثة الأنبياء والرسل (صلوات الله عيهم أجمعين) إلا لكسر هذه القيود وتحرير الإنسان من الأغلال الفكرية والنفسية والاجتماعية التي تعيق حركته.

منطلق سلوكيات الإنسان

ينطلق الإنسان في تصرفاته من ثقافته ومنظومته الفكرية فقد يقوم بالسلوك الخاطئ لأنه يراه صحيحاً من وجهة نظره، وهذا الانقلاب في القيم والأفكار هو ما حذّر منه النبي (صلى الله عليه وآله)بقوله: (كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً أو المنكر معروفاً) فإذا أردنا إصلاح سلوك هذا الشخص فلابدّ من تصحيح أفكاره أولاً.

ص: 456

العلماء ومسؤولية تصحيح المفاهيم للأمة

من مسؤولية القادة والعلماء والمفكرين وصنّاع الرأي وثقافة الأمة أن يتصدوا لبيان المعاني الصحيحة للمصطلحات وإزالة الغبار عنها، وهذا ما قام به السيد الشهيد (قدس سره) واذكر بعض

الموارد لذلك:

أولاً/ (مفهوم الانتظار) الذي اقترن في أذهان الأجيال بالسلبية والانكماش والتخلي عن ممارسة وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو في الحقيقة عكس ذلك إذ يتضمنمعناه في بعده العملي السعي الجاد للإصلاح والتغيير والتمهيد لإقامة دولة العدل الإلهي.

ثانياً/ (الاجتهاد).

ثالثاً/ (الجهاد) الذي يتبادر منه مواجهة الطواغيت والسعي لتغيير نظام الحكم والانخراط في العمل الاجتماعي ونشر الوعي الإسلامي، ولا شك أن هذه أعمال مباركة ثقيلة الميزان عند الله تبارك وتعالى لكن بشرط أن تبنى على الإخلاص لله تبارك وتعالى، ولا يحصل ذلك إلاّ بعد جهد وجهاد طويلين في ميدان تهذيب النفس وتطهير القلب والسير في مدارج الكمال، أمّا الانهماك في العمل الاجتماعي من دون النجاح في جهاد النفس فإنّه يجعل صاحبه من الأخسرين أعمالاً.

سن التكامل والرشد لا سن اليأس

مصطلح متداول يخصّ المرأة وهو ((سنّ اليأس)) الذي يراد به عمر الخمسين للمرأة وتُسمى المرأة باليائس، وهو قد يكون له منشأ صحيح حيث يحصل فيه اليأس من الإنجاب لانقطاع الدورة الشهرية، إلاّ أنّ هذا العنوان اُخذ على إطلاقه وكأنّه سن اليأس من الحياة، مما ولّد شعوراً عندها بالإحباط وفقدان الأمل وأنّها أصبحت لا قيمة لها وانتهى دورها في الحياة وأحيلت على التقاعد كما يُقال، فتعتريها أعراض نفسية وعصبية قد تفاقم المشكلة عليها، وهذه الأعراض ليس لها أصلٌ فسيولوجي أو عضوي كما يشهد به الأطباء، أي أن بلوغ المرأة هذا العمر لا يصاحبه أي تغيير في جسمها يقتضي هذه الأعراض، وإنما هي نتائج صنعتها المرأة بنفسها بسبب ذلك الشعور الذي غذاهُ المصطلح البائس...فالأليق أن يُسمى هذا العمر للمرأة (سن الكمال والنضج وتمام الرشد) لاكتمال تجربة المرأة في الحياة بعد أن تكون قد ربّت جيلاً كاملاً وتعلّمت الكثير، وهو سن التفرغ لنفسها ولآخرتها ولزوجها بعد أن انتهت من وظائف الحمل والإنجاب والتربية، وشبّ أبناؤها وبناتها فهم يعينونها على قضاء حوائجها، فهذا العمر فرصة مثمرة لكي يجتمع الزوجان من جديد على حياة زوجية

ص: 457

يتفرغان لبعضهما ويلتفتان لآخرتهما وينشغلان لما يقرّبهما إلى الله تعالى من الطاعات والقربات مما لم تكن مشاغلهما السابقة تسمح لهما بها، كالسفر لأداء الحج والعمرة وزيارة المعصومين (صلوات الله عليهم) والصلاة المستحبة والصوم وقضاء ما فات ومطالعة الكتب، والمساهمة في الأعمال الخيرية والتبليغ الديني والوعظ والإرشاد وغيرها من فرص الكمال.

مفهوم الحُب

الحب معنى شريف نبيل أودعه الله تبارك وتعالى في قلوب الناس ليجعل لحياتهمطعماً جميلاً ممتعاً، فإن الحياة بلا حب كصحراء جرداء قاحلة مخيفة، اما الحب فيحوّلها الى واحة خضراء مؤنسة، والحب يعطي للحياة معنى وجدوى لأنه يولّد عند الإنسان املا وغرضا وهدفا يحيى ليحققه وهو الوصول الى محبوبه، سواء كان هذا المحبوب امرا معنوياً كالقرب من الله تعالى ورسوله الكريم(صلى الله عليه وآله) والائمة الطاهرين (سلام الله عليهم) أو ماديا كالمال او الشهرة او السلطة او الاتصال بالجنس الاخر، ولولا هذا الامل لأصبحت الحياة بلا هدف ولا معنى مما يؤدي الى الشعور بالإحباط واليأس والموت.. فالحب اذا نعمة الهية عظيمة، وقد نسب الله تعالى وجوده في قلب الإنسان اليه تبارك وتعالى كما في العلاقة الزوجية (وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) أو بين الاخوة المتحابين في الله تعالى (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ.. وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) بالحب تعمر الحياة لان الإنسان اذا لم يحب شيئا فانه لا يتحمس لفعله والتحرك باتجاهه، اما اذا احبَّ فانه يضحي من اجل حبه ويذوب في محبوبه كالوالدين بالنسبة لأبنائهما، او القائد الرسالي بالنسبة الى شعبه، وهكذا، لذا ليس غريباً أن نجد في الحديث الشريف عن الإمام الباقر(علیه السلام): (الدين هو الحب، والحب هو الدين) وعن الإمام الصادق(علیه السلام): (هل الدين إلا الحب؟ إن الله عز وجل يقول (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ) لأن الدين محرّك ودافع لكل عمل مثمر يجلب الخير والسعادة له وللآخرين، والحب هكذا أيضا فهما يلتقيان دائماً.

الدين هو الحب، والحب هو الدين

لكن المشكلة في تحريف هذا العنوان الشريف النبيل وإفراغه من محتواه بل تحويله الى عكس معناه ككثير من المصطلحات والعناوين التي تناولناها في كلمات عديدة كالحرية والاستعمار والسياسة، فاصبح الحب يعني العلاقات المشبوهة بين الجنسين واتباع الشهوات والنزوات بلا تعقل وروية وخارج اطارها الصحيح مما يولّد مشاكل

ص: 458

اجتماعية وآثار نفسية تكون عاقبتها وخيمة وان بدت في اوّلها كأنها سعادة ومتعة، ويوجد من يغذّي هذا المعنى السيء للحب بين الشباب وخصوصا في الجامعات ويهيؤون البيئة المناسبة له، ويمجّدون من يقع فيه لاستدراج الآخرين وكسر الحواجز الأخلاقية والاجتماعية والنفسية والدينية، وتنتج دور السينما والتلفزيون والمسرح سيلا متواصلا من الافلام والمسلسلات لتحقيق هذا الغرض وتساندهم وسائل الاعلام المختلفة وهذا كله انحراف عن الفطرة السليمة وخروج عن الروابط الاجتماعية المتينة وتحطيم للأطر الصحيحة التي تنظم العلاقة بين الجنسين، وهذا تشويه لمعنى الحب ومصادرة له وتحويله إلى معنى سيء، وهو ليس حبا اصلاً ولا يمكن تسميته بالحب بل هو اتباع للنزوات والشهوات الحيوانية التيلا يمكن اعطاء عنوان الحب لها.

الفهم الصحيح لذم النساء

توجد أحاديث شريفة ظاهرها ذم النساء إلا أنها في الحقيقة لا تحمل هذا المعنى وإنما وردت لتحذير الرجال من الوقوع في فتنة النساء وارتكاب المعصية بسببهنّ، كالحديث النبوي الشريف: (ما لإبليس جند أعظم من النساء والغضب) وعن الصادق (علیه السلام) قال: (في كتاب علي (علیه السلام) الذي أملى رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن كان الشؤم في شيء ففي النساء) وفي غرر الحكم عن أمير المؤمنين (علیه السلام) قال (ليس لإبليس وهق -وهو الحبل- أعظم من الغضب والنساء) فهذه الأحاديث ليس فيها منقصة أو ذم للمرأة، لأن مسؤولية الافتتان والوقوع في حبائل الشيطان ومصائده تقع على الرجل نفسه الذي فشل في الاختبار، كما لو سقط في امتحان المال أو أي فتنة من فتن الدنيا فلا يلومنَّ إلا نفسه ولا ذنبَ للمال نفسه ولا شرّ فيه، وكذا التحذير من الدنيا مع أنّها مزرعة الآخرة، فاللوم على من افتتن واغترّ بها..وإن الحالة العامة للنساء عدم الاهتمام بالأمور المعنوية والنزوع إلى الارتقاء في مدارج الكمال. فهذا الذم للنساء بلحاظ الحالة الغالبة وليس بالضرورة أنه يشمل كل امرأة، فمن لا تردّ أن تكون مشمولة بهذا الذم فلتكن من الاستثناء لا الحالة العامة كما كانت خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت أسد استثناءً من نساء قريش.

المجتمع المسلم

هو المجتمع الذي يطبق شريعة الله سبحانه في كل تفاصيل حياته، ابتداءً من الاعتقادات إلى النظم والتشريعات، إلى الأخلاق والأعراف والقيم والموازين التي تسود فيه، أما أن يسمي المجتمع نفسه مسلماً، والسلطة العليا فيه ليس لله سبحانه وتعالى ولرسوله

ص: 459

والائمة الاطهار (عليهم السلام) والعلماء الجامعين لشرائط النيابة العامة عن الامام المنتظر (علیه السلام) ولا القوانين والتشريعات التي تحكمه إلهية، ولا الأعراف والتقاليد التي تسيِّره ويعيش تحت ضغطها مستفادة من شريعة الله سبحانه، ولا القيم والموازين التي يقيم بها حياته مأخوذة من الله سبحانه، ولا الآصرة التي تربط أفراده هي وحدة المعتقدات الإلهية الحقيقية، وإنما هي الجنس، أو اللون، أو العشيرة، أو الوطن، أو القومية، أو الشعارات المختلفة، فهذا ليس مجتمعاً مسلماً، وإن سمَّى نفسه كذلك، لأن هذه الأمور لا تقوِّم إنسانية الإنسان، وليست عناصر ذاتية فيها، بل هي أمور خارجة عن إرادته؛ بل إنسانية الإنسان بروحه وفكره، وما يحمله من عقائد وتصورات، ترسم له منهج حياته، وهو يبقى إنساناً إذا سلخناه من لونه ووطنه وجنسه وعشيرته، ولكنه لا يبقى إنساناً إذا جردناه منروحه وعقله وفكره، وإنما يصبح كالأنعام بل هم أضل سبيلاً.

فرحة الزهراء في الميزان

اعتاد بعض الشيعة (أيدهم الله بلطفه) أن يحتفلوا يوم التاسع من ربيع الأول من كل عام بما يسمّونه (فرحة الزهراء) ..من دون أن يعرفوا منشأً واضحاً لهذه المناسبة وقد تصدّى البعض لإثبات أصل لها لكن محاولاتهم غير مقنعة ولا يساعد عليها الدليل.

فهم وسلوك خاطئ

إن النشاط الاوضح في الحوزة هو تحصيل العلوم الدينية وتعميقها والابداع فيها ونشرها وتدوينها إلا أن هذا الوصف رسخ في أذهان أبنائها إن وظيفتهم هو طلب العلم وتدريسه ونحوه من الشؤون وصار الكثير من المرجعيات التقليدية واتباعهم يردد إن وظيفتهم الدرس ونحوه وعدم التدخل في شؤون الامة، وهو تحجيم لدورها وافراغ لمحتواها فهي ليست كالجامعات الاكاديمية عبارة عن كيان علمي صرف بل إنها حوزة وعلى رأسها المرجعية تمثل الكيان القيادي للأمة بما تقتضيه القيادة من نشاط سياسي واجتماعي وأخلاقي وتربوي وفكري وانساني وحتى اقتصادي.

الحكمة أساس لتقييم الأشخاص

صحيح إن التدين أساس تقييم الأشخاص فيُعطى قيمة أكبر كلما كان التزامه بأحكام الشريعة أدّق وأكثر إلا أن الدين لا يقتصر على العبادات المعروفة، فإذا أردنا التعامل مع شخص كمصاحبته و مصادقته أو تزويجه ومصاهرته، فإنه لا يكفي أن يكون ملتزماً بالواجبات الدينية المعروفة كالصلاة والصوم وتجنب الكبائر كشرب الخمر والزنا وأن

ص: 460

كان في هذا خير كثير، وإنما نبحث أيضاً عن حكمته وتعقلّه لأن الحكمة عُبر عنها في الكثير من الاحاديث بالعقل، وذلك يعني أن نختبر حسن تصرفه ومعاشرته وتعامله وانه يضع الامور في مواضعها ويتحلى بالحكمة والأخلاق الفاضلة، وقد وردت في ذلك أحاديث شريفة، فعن النبي(صلى الله عليه وآله): (إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجّوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) فلم يكتفِ الحديث بأن يكون دينه مرضياً بل أن تكون له حكمة في تصرفاته.

تصحيح مفهوم المشكلة الجنسية

يعاني الشباب من ضغط (المشكلة الجنسية) كما يسميها علماء التربية والنفس والاجتماع، وأنا لا أراها معاناة ولا مشكلة، فإن العلاقة الجنسية والميل إلى الاتصال بالجنس الآخر من أعظم النعم على الإنسان، ولا أقصد بها الجانب الجسدي منها فقط فإنه بذلك يشترك مع الحيوان، وإنما أقصدها بتمام ما تحمل من معاني روحية ونفسية، تلكالتي عبر عنها الله تبارك وتعالى بالمودة والرحمة والسكن وجعلها من المنن العظيمة على عباده: [وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ].

بعض الجرائم وليدة أفهام خاطئة

إن كثيراً من الأعمال والسلوكيات يقوم بها أصحابها نتيجة لقناعة بنيت على فهم خاطئ لفكرة معينة، وقد تصل إلى حد إرتكاب الجرائم الشنيعة، ولو صحح المفهوم في أذهانهم لغيّروا طريقة حياتهم.

تصحيح اعتقاد

كان الأئمة (عليهم السلام) يصرحون بندائهم إن الجنة ليست حكراً على الشيعة بل هي تستقبل كل مسلم مخلص شيعياً كان أم غيره، فعن زرارة قال: سئل أبو عبد الله(علیه السلام) وأنا جالس عن قول الله تبارك وتعالى: (من جاء بالحسنة فله عشر امثالها) يجري لهؤلاء ممن لا يعرف منهم هذا الامر (يعني ولاية أهل البيت(عليهم السلام))؟ فقال: إنما هي للمؤمنين خاصة، قلت له: أصلحك الله أرأيت من صام وصلّى واجتنب المحارم وحسن ورعه ممّن لا يعرف ولا ينصب (العداوة لأهل البيت(عليهم السلام))؟ فقال (علیه السلام) : إن الله يدخل أولئك الجنة برحمته.

ظن خاطئ

ص: 461

قد يظن البعض أن الالتزام بالدين شيء يسير ولا يستحق هذه المبالغة في صعوبته، فما أيسر أن يؤدي الإنسان صلواته المفروضة وصوم رمضان وتجنب الخمر والزنا ونحو ذلك وهكذا، وهو ظن خاطئ ناشئ من قصور في فهم معنى الحديث إذ ينبغي الالتفات إلى أن الحديث عبّر بلفظ الدين وهو أوسع من الأحكام الشرعية كالصلاة والصوم والحج والخمس من الواجبات والمحرمات المذكورة في الفقه، لأن للدين معنى واسعاً يشمل كل ما تضمنته الرسالة السماوية من العقائد والتصورات والمواقف والأخلاق سواء على صعيد الملكات النفسية أو السلوك العملي والعلاقات مع الآخرين، هذا كله مضافاً إلى الالتزام بالأحكام الشرعية، فالتمسّك بالدين يعني الالتزام بكل هذه التفاصيل والجزئيات التي يتعرض الإنسان فيها للابتلاء دائماً، تصوّر شخصاً في مواقع القيادة في الدولة ويستطيع كغيره أن يثري على حساب المال العام ويدير ظهره للشعب والأمانة التي في عنقه لكنه يدع ذلك خوفاً من الله تعالى وليكون مع نفسه وشعبه أو افرض أنّك مدرّس وعندك طالب لا يستحق النجاح لكن له صلة بجهة قوية نافذة فتضغط عليك لتنجحه أو تغريك بشيء ما وأنت ترىفي ذلك خيانة لشرف المهنة فهل تقاوم الضغوط والاغراءات وتكون أميناً، أو تؤذيك زوجتك بكلمات جارحة وهي ظالمة لك وأنت قادر على ردِّها فتكظم غيظك طاعة لله تعالى إذ يقول: (وعاشروهن بالمعروف) أو تتعرض لمنظر مثير للشهوة المحرمة فتعرض بوجهك من خشية الله تعالى وهكذا.

تصحيح مصطلح فقهي

إنّ أغلب الواجبات التي اصطلح عليها الفقهاء بالوجوب الكفائي تندرج ضمن التكاليف الاجتماعية فالمقترح إذن إعطاء عنوان (التكاليف الاجتماعية) لهذه الواجبات التي تسمى بالواجبات الكفائية.

تصحيح فكرة مهمة

إن توصيف الحوزة الشريفة بالعلمية فيقال: (الحوزة العلمية) وإن كان له ما يبرره باعتبار إن النشاط الأوضح فيها هو تحصيل العلوم الدينية وتعميقها والإبداع فيها ونشرها وتدوينها، إلا أن هذا الوصف رسخ في أذهان أبنائها أن وظيفتهم هو طلب العلم وتدريسه ونحوه من الشؤون، وصار الكثير من المرجعيات التقليدية وأتباعهم يردد أن وظيفتهم الدرس ونحوه وعدم التدخل في شؤون الأمة، وهو تحجيم لدورها وإفراغ لمحتواها فهي ليست كالجامعات الأكاديمية عبارة عن كيان علمي صرف، بل إن الحوزة وعلى رأسها

ص: 462

المرجعية تمثل الكيان القيادي للأمة بما تقتضيه مسؤوليات القيادة من نشاط سياسي واجتماعي وأخلاقي وتربوي وفكري وإنساني وحتى اقتصادي.

أمثال دارجة... وخاطئة!

من الأمثال الخطيرة (حشرٌ مع الناس عيد) التي يبرّر بها الكثير إنسياقهم وراء السواد الأعظم في العقائد أو السلوك أو الأخلاق أو المواقف بل حتى في العقائد بحجة أنّ الأكثرية مضوا على هذا، وان الموقف المشهور هو هذا، من دون تمحيص وتحقيق وبحث عن الدليل، رغم أنّ الله تعالى يؤكد في كتابه الكريم أنّ هذه الأكثرية لا توصل إلى الحق ولا تغني عن الحقّ شيئاً (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ) (فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ) (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ)... ولو كانت مقولة (حشر مع الناس عيد) تفيد حقاً لحكمنا بصحة العقائد الباطلة لكثرة معتنقيها. وبالعكس امتدح القلّة الثابتة على الحق (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ) (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ) (فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ) (فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً) فإذن من الخطأ أن يكون شعارنا (حشرٌ مع الناس عيد) بل (حشرٌ مع الحقّ عيد) فنكون مع الحق ولو لم يكن معنا أحد، وإذا كان الأكثرية على أمر فلا نأخذ به مندون تروٍ وتثبّت ورجوع إلى أهل الاختصاص قبل الأخذ بها ولا نستوحش الطريق لقلّة سالكيه كما عبّر أمير المؤمنين(علیه السلام).

معاني التعطيل:

أ- التعطيل المطلق بمعنى أن طالب العلم يخلد إلى الراحة والنوم والكسل في العطلة -أية عطلة، وهو معنى غير صحيح أكيدا فان الإنسان في هذه الحياة الدنيا في عمل دؤوب نحو الهدف وهو رضا الله سبحانه، وبلوغ المزيد من درجات التكامل ورأس ماله في هذا العمل وهذه التجارة ساعات عمره التي هي في انقضاء ومرور سريع، وأية ساعة يضيعها الإنسان من دون ان يوظفها في خدمة الهدف فإنها سوف تكون حسرة عليه يوم القيامة، ويشعر بالغبن حينما يرى غيره قد استثمرها فنال مرتبة أعلى منه، وفي الخبر أن ساعات عمر الإنسان تعرض أمامه على شكل خزائن تفتح له فان قضاها في خير وجد في تلك الخزينة خيرا أو في شر - والعياذ بالله- فيجد فيها شراً، وإذا قضاها في عمل غير هادف ولا مثمر فيجدها فارغة فيتحسر على فواتها عليه دون ان يملأها بما ينفعه (ولات حين مندم).

ب- التعطيل المقيد بمعنى أنه تعطيل عن الدروس الحوزوية المتعارفة فقط، وليس

ص: 463

تعطيلاً عن كل عمل، وهذا المعنى هو الصحيح واللائق بالمؤمن الهادف الواعي.

تصحيح مسار الفرح

الفرح حالة وجدانية طبيعية لا يمكن الغاؤها والاعتراض عليها، وإنما يحتاج إلى وضعه في مساره الصحيح المثمر، وفي ضوء هذا نفهم ما ورد في قوله تعالى (لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) والمشكلة ليست في نفس الفرح والحل في قوله تعالى بعد ذلك (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) فالفرح بالمال والموقع الوظيفي والجاه والنفوذ لا يكون لذات هذه الأمور لأنها زائلة ولذتها وقتية وهي لوحدها غير قادرة على تحقيق السعادة للإنسان، والشاهد على ذلك كثرة الانتحار وشيوع الأمراض النفسية والعصبية والتفكك الأسري والعنصرية والتمايز الطبقي وأمثالها من الأمراض الاجتماعية التي تؤدي إلى نشوء مافيات العنف والقتل في الدول الأكثر ترفاً ورفاهية، فالآية تدلنا على ما يوجب الفرح الحقيقي بهذه النعم من خلال توظيفها واستثمارها في الوصول إلى الهدف الحقيقي وهو نيل رضا الله تعالى من خلال الالتزام بطاعته تبارك وتعالى فإنها توفِّر السعادة الحقيقية للإنسان (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) من كلام لأمير المؤمنين(علیه السلام): (فإن المرء ليفرح بالشيء الذي لم يكن ليفوته، ويحزن على الشيء الذي لم يكن ليصيبه، فلا يكن أفضلُ ما نلتَ في نفسك من دنياك بلوغ لذةٍ أو شفاءَ غيظ، ولكناطفاء باطل أو إحياء حق، وليكن سرورك بما قدّمت، وأسفك على ما خلّفت، وهمّك فيما بعد الموت).

خدعة إبليس

أسمع عن البعض إنه حين تعرض عليه مسؤولية دينية معينة كإمامة الجماعة أو التدريس فانه يرفضها ظناً منه إن ذلك تورع وحفظ للنفس من الرياء والعجب ونحوها وهو قد يكون حسن النية وقد يكون تكليفه ذلك لكن هذا تصرف سلبي وتحقيق لمراد الشيطان بلباس الدين فان ابليس لا يريد ان يعبد الله تبارك وتعالى (لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ) فحينما تنسحب من الاعمال الايمانية فقد اعطيت لإبليس مراده ووقعت في حبائل خداعه فان المسجد إذا خلى من صلاة الجماعة سوف لا يقصده المصلون وتعطل شعائر الله ويفتقد الناس الكلمة الطيبة والموعظة الحسنة اما التصرف الايجابي فهو في اقتحام المسؤولية والاستعداد لها والحذر من المزالق التي يخاف منها من خلال تهذيب النفس وتأهيل الشخصية لممارسة هذه الوظائف.

ص: 464

ص: 465

لغة الحوار ونبذ الاختلاف

لغة الحوار واحترام رأي الأخرين

علينا نبذ الفرقة والخلاف باجتناب أسبابه التي أهمها التعصب للانتماءات سواء كانت للأشخاص او الجهات ومحاولة الغاء الآخر والتطرف في المعتقدات والتحجر في الافكار فلابد ان نحترم وجهات نظر الآخرين خصوصاً اخواننا في المذهب والدين ونعتقد ان الانماط المختلفة من السلوك انما هي ادوار مختلفة يؤديها اصحابها لتصب في هدف واحد واذا اريد اقناع الآخرين فبالحوار والدليل والحكمة والموعظة الحسنة وليس القسر والاكراه.

لغة العنف

في عالم اليوم غابت فيه الحكمة والتعقل وأصبح العنف ولغة السلاح الذي يفترض إن يكون آخر العلاج أو ليس علاجاً أصلاً أصبح هو أداة التعامل وتحوّل الحوار والجدال بالحكمة والموعظة الحسنة الى حرب تهلك الحرث والنسل واختلطت الأوراق على الناس بمن فيهم المسلمون ولم يعودوا يعرفون متى تستخدم القوة وفي أي مورد ومن أجل ماذا فتخبطوا وهلكوا وأهلكوا وتبادلوا التهم الى حد تكفير بعضهم بعضاً.

مخالفة آراء الآخرين

يجب أن نلتفت إلى أن المخالفين لنا في الرأي على صنفين:

الأول: وهو مجرد مخالف لنا في الرأي فهذا الذي ننظر إلى نقاط الالتقاء معه ونغض النظر عن نقاط الخلاف، وما لم نعاديه فانه لا يعادينا.

الثاني: الذي لا يكتفي بمجرد المخالفة وانما يتربص بنا الدوائر ويقف حجر عثرة في طريق الاصلاح ومهما حاولنا ثنيه عن ذلك لا ينثني، فهذا الذي نعاديه إذا استنفدنا كل الطرق للتقارب معه. وبهذا التصنيف نستطيع ان نفهم طائفتين من الآيات الشريفة:

الأولى: مثل قوله تعالى: (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ).

والثانية: (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ) (قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ).

هذا هو الحل!

وهذا هو طريق النجاة أن نقوم لله تعالى مثنى وفرادى متآلفين ومتحابين أنقياء

ص: 466

القلوب أصفياء النفوس ونعمل بوصايا المعصومين (عليهم السلام) ونتأدب بأدبهم ونترك التعصب والتشنج والتطرف والانانية وحب الدنيا (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلا الإصلاح مَااسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ).

لغة الحوار الهادف

الحوار والعمل المشترك مع كل من ترتبط به بقواسم مشتركة سواء أكانت دينية أو وطنية أو إنسانية فإنه ادعى لتحقيق الرفاه والسعادة وتجنب المشاكل والأخطار وحماية الأمة من الكوارث والويلات، والالتزام بهذا الأسلوب ما وجد إليه سبيلا فإنه يريح البال ويوفر الدعة والأمان والسلام للرعية ويوفر الفرصة للإعمار والبناء عكس لغة العنف والمواجهة والاحتراب.

كثرة الجدل وقلة العمل

لأن أهل البيت(عليهم السلام) ورثوا أخلاق النبي (صلى الله عليه وآله) وصفاته الكريمة فقد كانوا محور اجتماع الأمة ووحدتها, وهذا ما عبرّت عنه الصديقة الزهراء (عليها السلام) بقولها:(وجعل امامتنا نظاماً للملة) فإذا وجدت إمة متوحدة فاعلة فاعلم إن رحمة الله شملتها, والعكس بالعكس وقد ورد في الحديث الشريف: (إذا غضب الله على قوم ابتلاهم بكثرة الجدل وقلة العمل).

حُسن الظن بالآخرين وطلب العذر لهم

طلب الشارع المقدس أن تختار الأحسن والأفضل للآخرين عندما تكون بين خيارين أو بين موقفين أو سلوكين فأمر بأن تحمل فعل أو قول أخيك على سبعين محملاً حسناً، وان كان ظاهره السوء، لكنه مادام يحتمل أن يكون حسناً فلا تقصّر في الأخذ بهذا الاحتمال، حتى وان تجاوزت السبعين احتمالاً، وهو رقم يقال للتعبير عن الكثرة فلا يمنع من الأزيد، وان يكون هذا هو منهج حياتك بان تفتش عن أحسن ما عند الآخرين فتنظر اليه على أساسه، وان تفتش عن أسوء ما في نفسك فتُقيّمها على أساسه لتكون بين هذا وذلك أنسانا صالحا يسعى نحو الكمال ويحب الخير للناس، روي أن أخوة يوسف الصديق (علیه السلام) لما تعارفوا معه واعترفوا بجريمتهم تملكهم الحياء مما صنعوا به لكنه خففّ عليهم واعتبرهم أصحاب فضل عليه لانهم عرفّوه الى أهل مصر انه ابن الأنبياء الكرام وكان يُنظر اليه على انه عبد كنعاني أُشتريَ من سوق النخّاسين، فهل يوجد سمو في التعاطي مع الأمور مثل هذا ؟ فيما

ص: 467

روي من مواعظ النبي الكريم عيسى (علیه السلام) انه مرَّ هو وأصحابه على جيفة كلب ميت فقال بعضهم ما انتن ريحه وقال الآخر ما اقبح منظره وهكذا، لكن النبي الكريم المتأدب بخلق الله تعالى قال: (ما اشَّد بياض أسنانه) إن الإنسان حينما يسير وفق هذه الرؤية ويتبع هذا المنهج من التفكير يحصل على ثمرات عديدة، منها القرب إلى الله تعالى، وراحة البال، والسعادة وحسنالذكر عند الناس مضافا الى شيء مهم يحسُن الالتفات إليه وهو انه ستتجاوب معه كل عناصر الخير في الكون لأنه محكوم بسنن الهية ثابتة فمن اخذ بها نال كل خيراتها وبركاتها {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}.

طريقة رائعة لحل المشكلات

إننا حينما نتعرض لمشكلة أو خلاف بين زوجين أو اخوة أو جيران وغير ذلك علينا أن نراجع أنفسنا طويلاً قبل أن نلقي اللوم على الآخرين فلعل السبب فينا ونحنُ لا نعلم، ولو تعاملنا مع مشاكلنا بهذه الطريقة لاستطعنا تجاوز الكثير منها، لأنّنا سنكتشف أننا مسؤولون عنها فنحن لسنا معصومين وحينئذ نعالج السبب، كما أن الطرف الآخر حينما يراك تتهّم نفسك بكل تواضع ونكران ذات ولا تتعرض له فإنّه سيقابلك بنفس الشعور ويتنازل عمّا يشعر به من التشنّج والانفعال والعصبية، وهذا مما يفسّر وصايا المعصومين (عليهم السلام) بأن ننسى إساءة الآخرين إلينا ونذكر إساءتنا للآخرين بمعنى أنّه حتى لو أساءَ الآخر إليك فتغافل عنها وتناساها وفتّش عن عيوبك أنت وتقصيراتك، وهذا السلوك وإن كان صعباً ويحتاج إلى شجاعة إلاّ أنّه مقدور ويتّبعه ثواب عظيم ومنزلة رفيعة عند الله تعالى وعند عباده الصالحين، والذي يؤسف له أنّ السلوك الجاري في المجتمع عكس هذا الأدب النبوي الشريف، إذ ما إن تحصل مشكلة حتّى يبدأ كل طرف بالبحث والتنقيب عن كل عيب أو نقيصة يلصقها بالآخر ليبرّئ نفسه ويبرّر موقفه، فتتعاظم المشكلة وتتحوّل إلى صراع وتنقطع سبل الوئام.

كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة

إن لجمع الكلمة ركيزتين.

الأولى: الالتفات إلى ان القواسم المشتركة بيننا كثيرة، فربنا واحد ونبينا واحد وكتابنا واحد وقبلتنا واحدة وعدونا واحد وهمومنا واحدة ومصالحنا واحدة ومستقبلنا واحد وأسس ديننا واحدة، وهي التي اشارت اليه الآية المباركة السابقة بالاعتصام به وجعلته المحور الذي يجتمع عليه المسلمون، فلماذا نعرض عنها جميعاً ونركز على النقاط الفرعية

ص: 468

جداً التي نختلف عليها.

الثانية: احترام كل طرف قناعة الآخر ورأيه مادام قد توصل إليه بطريق صحيح أو ما نعبر عنه بحجة شرعية تبرر له عند الحساب الاعتماد عليها، وأن نعلم أن الاختلاف في الرأي سنة طبيعية، فحتى داخل الأسرة الواحدة تجد القناعات مختلفة ولم يعكر ذلك صفو العائلة و(لم يفسد في الود قضية) كما يقول الشاعر، فلماذا لا نتصرف بنفس الأسلوبداخل أسرتنا الكبيرة وهو المجتمع فإنه أهم من أسرتنا الصغيرة واعظم شأناً.

أسباب التفرق والتنازع

من أسباب الفرقة والتنازع التعصب لشخص أو اتجاه معين وهو سلوك باطل لأن التعصب يجب ان يكون للحق، ولنتأمل طويلاً في قولهم(علیه السلام): (لا يعرف الحق بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله) فليس الرجال معياراً لمعرفة الحق بل الحق معيار لتقييم الرجال.

نستطيع تحقيق الوحدة ب..

بخلق ثقافة المحبة والأخوة واحترام الرأي الآخر والشراكة معه ولا تتحقق هذه الثقافة إلا بقيام صناع الرأي في الأمة من علماء ومفكرين وكتاب وخطباء وأدباء وصحفيين وإعلاميين في إشاعة هذه الأجواء الايجابية وحينئذ ستتوجه الأمة كلها بهذا الاتجاه إما أن تكون اللغة السائدة هي التكفير والإلغاء والاتهام والحقد فلا معنى للحديث عن الوحدة والمؤاخاة .

الاختلاف بوجهات النظر

إن الاختلاف بوجهات النظر لا يستلزم التناحر والتشاجر ومن ثم التكفير وربما الحكم باستحقاق القتل، إن الاختلاف بالرأي سنة جارية بين أبناء البشر وقد قصَّ القرآن شواهد على ذلك حتى بين الأنبياء وهم معصومون من الخطأ فعندما عبدت بنو إسرائيل العجل وكان موسى (علیه السلام) غائباً فلم يتخذ أخوه هارون (علیه السلام) إجراءً حاسماً خشية تفرق بني إسرائيل .

الحوار البنّاء

فليكن حوارنا مبنياً على أسس وموازين علمية بعيداً عن التحزبات والاهواء والولاءات الشخصية لكن لا نفقد الرؤية الصحيحة (اللهم ارني الحق حقاً وارزقني اتباعه والباطل باطلاً وارزقني اجتنابه ولا تجعله علي متشابهاً فاتبع هواي بغير هدى منك).

حوار المؤمن وحوار الكافرين

ص: 469

الذي يلجأ إلى العنف هو من لا حجة له فيصمّ اذنه عن سماع الحق كما كان يفعل المشركون والكفار عند مواجهة الأنبياء والرسل لهم بالهدى والبينات أما المؤمن فهو قوي بحجته وإيمانه لا يتزلزل والقرآن الكريم حافل بالحوارات بين المؤمنين والكافرين فلنتأدب بأدبه.

وجوب ستر عيوب الآخرين

في وجوب ستر عيوب الآخرين ورد عن الإمام الباقر (علیه السلام): (يجب للمؤمن على المؤمن أن يستر عليه سبعين كبيرة) وإن الخلاف اليوم بين المؤمنين لم يصل إلى حد الكبيرة فإن أحدهم لم يزنِ ولم يشرب الخمر بل نجد الخلاف لا يتجاوز الاختلاف في الرأي، فهل يوجب ذلكالقطيعة والحقد والتشهير والتسقيط على المنابر.

وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا..

قال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) الآية تنهى المؤمنين عن التنازع والتخاصم فيما بينهم وتحذرهم، بأن عاقبة هذا التنازع هو الفشل والضعف والانهزام لأنهم سينشغلون بهذا الصراع الداخلي عن الاستعداد لمواجهة الأعداء وسينهك قواهم وسيفقدهم الثقة بأنفسهم ويحطّم شخصياتهم ويذهب بحرمتهم وكرامتهم لأن كلاً من الطرفين المتنازعين يريد أن يتغلب على الآخر بأي ثمن فيبذل طاقته في تسقيط الآخر والبحث عن عيوبه ونقائصه وإظهارها للأخرين لكي يثبت أحقيته وغلبته، فيسقط الجميع بهذا الانتقاص المتبادل ويفشلون، ويؤدي الفشل الى ذهاب ريحهم أي عزّتهم وقوتهم وغلبتهم وتسير الامور على غير ما يريدون، وفي التعبير عن القوة بالريح رمزية وكناية دقيقة عن هذا المعنى لأن الريح هي التي ترفع الأشرعة وتعطي القدرة لاندفاع السفن في البحار فإذا توقفت الريح فإن السفن تعجز عن الحركة ولم يتحقق الوصول إلى الهدف المطلوب، كذلك فإن الريح تجعل الأعلام والألوية ترفرف مرتفعة في ساحة الحرب فتشعر بالقوة فإذا ذهبت الريح انتكست الأعلام وخارت القوى.

أسباب ذهاب القوة المادية والمعنوية

قال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).. لا يختص الفشل وذهاب الريح والقوة بالجانب المادي وما يتعلق بالدنيا، بل تذهب القوة المعنوية أي روح الايمان وطمأنة القلب أيضاً, فتخسر الأمة ريحها ورُوحها ورَوْحها لأن التنازع يوقع صاحبه في الكبائر من أجل تحقيق الغلبة فيتورط في الغيبة

ص: 470

والكذب والبهتان والإفتراء والتجسس على خصمه ليضعفه وهذه كلها من الكبائر الموبقة، ويبرّر لنفسه المداهنة والسكوت عن الباطل عند من يريد الاستقواء به على خصمه وينشغل تفكيره بالمجادلات والمنازعات عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة وهو من فعل الشيطان بهم وهكذا يذهب في منزلق خطير نحو الهاوية، وهذه الامور مجرّبة ومعروفة في كل المنازعات مهما صغرت دائرتها او اتسعت كالخلاف بين الزوجين أو بين العائلة الواحدة على الميراث مثلاً أو النزاع بين عشيرتين أو حزبين سياسيين أو بين جماعتين أو بين مقلدي المرجعيات الدينية المتعددة، أو بين طائفتين.

طريقتان لحل النزاعات

قال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)..الآية الكريمة تعطي الحل لحسم النزاع وانهائه وهما أمران كفيلان بإزالةأسباب النزاع ومنعه من أصله، وبتركهما يحصل التنازع وهما:

1- التحاكم الى علماء الشريعة في كل اختلاف والتسليم والاذعان لحكمها سواء كان لمصلحته أو على خلافها، ولذا ابتدأت الآية بالأمر بطاعة الله تعالى ورسوله(صلى الله عليه وآله) وطاعة القيادة الحقة التي جعلها الله تعالى حجة على عباده، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} فالالتزام بكتاب الله تعالى وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآلة وسلم) والرجوع الى القيادة الحقة هما الضمان من وقوع التنازع او الانجرار اليه بسبب الاختلافات فالآية تشير الى سبيل تحقيق وحدة المسلمين ومنع تشرذمهم وهو ما عبرت عنه الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بقولها (وجعل امامتنا نظام للملة وامانا من الفرقة).

2- الالتزام بالصبر لأن الاحتكام الى الشرع والعمل بالتوجيهات الشرعية على خلاف هوى النفس يحتاج الى مجاهدة ومصابرة فيأمرنا الله تعالى بالصبر ويعدنا بأحسن الجزاء وهو{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} معهم مطلقاً أي في كل الأحوال وفي الدنيا والاخرة، وكفى بهذه المعية حافزاً ودافعاً للصبر على القيام بما يريده الله تبارك وتعالى.

والآية صريحة بان التنازع يؤدي الى الفشل، لكن المستفاد من غير موضع عكس ذلك أي أن الفشل هو سبب التنازع ، قال تعالى فيما يتعلق بواقعة اُحُد {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ } وقال تعالى في معركة بدر: {وَلَوْ

ص: 471

أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ} فالعلاقة بين الفشل والتنازع جدلية تلازمية حيث يؤدي كل منهما الى الاخر بمرتبة من المراتب، وقد اتضحت صورة أداء التنازع إلى الفشل.

من أسباب الفشل

إن الفشل يؤدّي الى التنازع لسببين على الأقل:

1- ان التنازع لم يحصل الا عندما استسلم لهواه واطماعه وفشل في مجاهدة نفسه والالتزام بما يريده الله تبارك وتعالى كالذي حصل في معركة اُحُد حينما اتبعوا أهواءهم وعصوا وصايا رسول الله(صلى الله عليه وآله) وتركوا مواقعهم لكي يشاركوا إخوانهم في جمع الغنائم (مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّون) فحصل الفشل ثم التنازع.

إن الفاشل لا يريد أن يعترف بفشله ولا يحمل نفسه المسؤولية حتى يعالج الاسباب وانما يلتجأ الى التنازع ليغطي فشله بالتخاصم والتنازع مع الآخرين واظهار انهم1- فاشلون، اي انه بدل ان يرتقي الى مستوى الناجحين يعمل الى انزال الناجحين الى مستواه الفاشل، وأتذكر هنا مثالاً طريفاً من الواقع فحينما كَّنا صبياناً وكان بعض أصدقائنا يلعبون كرة القدم فإذا فاز فريقهم عادوا فرحين مستبشرين، وإن خسروا رجعوا يتلاومون ويُحمّل بعضهم الآخر مسؤولية الخسارة ويبحث كل واحد عن خطا وتقصير الآخرين.

وهكذا في كل المجالات واسوء مثال لهذه الحال السياسيون المتصدرون للمشهد فانهم بسبب فشلهم الذريع في أداء مسؤلياتهم أمام الشعب وانشغالهم بمصالحهم الشخصية وسرقة قوت الشعب فانهم يغّطون على فشلهم بالمخاصمات والجدل العقيم وتبادل الاتهامات من دون ان يحلّوا اي مشكلة ، ويؤدي بهم هذا التنازع الى فشل جديد وهكذا.

من أسباب اختلاف الناس

إن الخلاف بين الناس يمكن أن يحصل بسبب اختلاف الفهم أو النوايا او بسبب تدخل الاخرين والعوامل الخارجية ونحو ذلك، وهو بهذا المقدار يبقى ضمن الاطار الطبيعي مادام المختلفون عازمين على أن يعودوا الى حكم الشريعة وحاكمها والقيادة الشرعية الرسالية ليفصل بينهم وعليهم التسليم له وان يكون مبتغاهم دائما معرفة الحق واتباعه، فالتنازع المذموم انما يقع من نقطة الابتعاد عن حكم الشريعة وأوامر القيادة الرسالية الحقّة والتشكيك فيها والتمرد عليها، ومن نقطة اتباع الاهواء والانانيات والتعصب بحيث

ص: 472

يجعل هواه وارادته هي المتبعة والحاكمة في الاختلاف وحينئذ يقترن به الشيطان ويسوّل له ان الرضوخ للحق هو هزيمة واهانة واذلال بينما الصحيح هو إن الحق احق ان يتبع وطالبه هو الغالب دائماً.

النهي عن التنازع والفرقة

لقد نهى الله تبارك وتعالى عن كل ما يوجب الفرقة والتشتت والخصام والنزاع بقوله: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ) وكلما ازدادت المشتركات بين فئتين وجب مراعاة هذا الأمر أزيد، وإذا عجزت هذه المشتركات الكثيرة عن توحيد صفوفنا فليوحّدنا العدو المشترك الذي لا يرقب فينا جميعاً إلاّ ولا ذمة ولا يتورع عن انتهاك أقدس المقدسات وارتكاب أعظم المحرمات .

حُب الشيعة للتعايش السلمي

إن الشيعة بطبعهم يحبون التعايش بسلام مع الآخرين مهما كانت بينهم اختلافات دينية أو مذهبية أو قومية والشواهد التاريخية والحاضرة اكثر من أن تحصى، لاحظ مثلاً عندما حصل التهجير القسري من محافظات شمال العراق بعد سقوط الموصل فتحتالنجف وكربلاء أبوابها للنازحين من دون تمييز بين المسلم والمسيحي والآيزيدي، وهذه من الادبيات التي تعلموها من ائمتهم (عليهم السلام).

ص: 473

النِعمة (أنواعها وكيفية شكرها)

أشكال كفر النعمة

إن كفر النعمة وما يقابله من شكرها له معانٍ وأشكال عديدة:

1. عدم استعمالها في طاعة الله تعالى كالأحاديث الشريفة التي وصفت الفراغ والصحة والأمن بأنّها نعم مكفورة لأنّها لم تُستثمر في طاعة الله تعالى، والأسوأ أن تستخدم في معاصيه، عن أمير المؤمنين (علیه السلام): (أقل ما يلزمكم لله ألاّ تستعينوا بنعمه على معاصيه) وعنه (علیه السلام): (استتموا نِعم الله عليكم بالصبر على طاعته، والمجانبة لمعصيته).

2. عدم أداء حقوق النعمة كمن لا يؤدي ما بذمته من الحقوق الشرعية أو يهمل أداء فريضة الحج وهو مستطيع أو لا يصوم شهر رمضان وهو قادر وهكذا.

3. عدم التحديث بها ونشرها قال تعالى (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله: (إنّ الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده).

أعظم النعم علينا

إنّ أعظم النعم على الإطلاق الإسلام كما دلّت عليه الروايات الشريفة عن الإمام الحسين (علیه السلام) في قوله تعالى: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) قال (علیه السلام): (أمره أن يحدّث بما أنعم الله به عليه في دينه) وتمام هذه النعمة التي كمُل بها الإسلام نعمة ولاية أهل البيت (عليهم السلام) بدلالة النصوص القرآنية ومنها الآية الشريفة التي نزلت في واقعة الغدير وتنصيب أمير المؤمنين(علیه السلام) إماماً وهادياً للأمة وخليفة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) فنزل قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً) وما ورد في تفسير قوله تعالى {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} من حديث الإمام الصادق (علیه السلام) مع أبي حنيفة قال: (نحنُ -أهل البيت- النعيم الذي أنعم الله بنا على العباد وبنا ائتلفوا بعد أن كانوا مختلفين وبنا ألّف الله بين قلوبهم وجعلهم اخواناً بعد أن كانوا أعداءاً وبنا هداهم الله إلى الإسلام وهي النعمة التي لا تنقطع، والله سائلهم عن حقّ النعيم الذي أنعم الله به عليهم وهو النبي (صلى الله عليه وآله) وعترته) فأهل البيت ليسوا نعمة فقط بل نعمة باقية ثابتة مقيمة فتكون كثيرة مباركة لذا وصفهم بالنعيم.

أوضح مصاديق تبديل نعمة الله كفراً

ص: 474

إن أوضح مصاديق تبديل نعمة الله كفراً هم الذين لم يؤمنوا بالإسلام وأشركوا بالله تعالى وأنكروا نبوة الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) وكلّ من أعرض عن ولاية أمير المؤمنين(علیه السلام) ولم يلتزم بوصية النبي (صلى الله عليه وآله) فضلاً عمّن ظلم أهل البيت (عليهمالسلام) ونصب لهم العداوة والبغضاء فهو ممن بدّل نعمة الله كفراً. وهذه النتيجة مذكورة نصّاً في القرآن الكريم بلفظ الانقلاب الذي هو معنى آخر لتبديل النعمة كفراً قال تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ فالألفاظ المستعملة نفسها وهي الانقلاب المرادف للتبديل والشكر المقابل للكفر، وعلينا أن نتذكر أن من كفر النعمة عدم إظهارها والتحديث بها وعدم القيام بحقوقها، فمن قصّر في إظهار نعمة ولاية أهل البيت (عليهم السلام) ولم يتحرّك لإقناع الناس بها بأيّ وسيلة خصوصاً مع توسّع وسائل تبادل المعلومات ونقلها، أو لم يحفظ حرمة أهل البيت (عليهم السلام) في سلوكه وصفاته فهو ممّن لم يشكر هذه النعمة وربّما انطبقت عليه الآية بمعنى من المعاني (الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً).

ثُمَّ لَتُسألُنّ يَومَئِذٍ عَن النَعِيمِ

قال الله تبارك وتعالى في أكثر من موضع من كتابه الكريم: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا) ولو أجهد الإنسان نفسه لإحصاء هذه النعم فإنه يعجز فعلاً، بل إن كل نعمة يذكرها –كصحة وسلامة البدن- هي في الحقيقة مجموعة من النعم لا تُعدّ ولا تحصى، فكل نفس من الهواء يستنشقه هو نعمة، وكل قطرة دم تسري في عروقه هي نعمة وكل نبضة من قلبه هي نعمة وهكذا، وإذا أراد الإنسان أن يعرف أهمية هذه النعم التفصيلية فليلتفت إلى ما يحصل لو حُرم منها. وهكذا كل نعمة كرغيف الخبز الذي يأكله كل إنسان يومياً ويعتبره أمراً عادياً، فليتأمل كيف وصل إليه وكم نعمة اشتركت في إعداده، من الأرض التي جعلت صالحة للزراعة والماء الذي يسقيها، والحب الذي ينبت في تلك الأرض، والزارع الذي يصلح الأرض ويداري الزرع إلى أن يحصده ويخرج الحب من سنبله، ثم التاجر الذي ينقله، إلى الطحان والعجان والخباز والبائع، وأودع الله تعالى في هؤلاء غرائز تدفعهم إلى القيام بهذه الأعمال وتحمل المشاق والصعوبات كحب البقاء. ولكن الإنسان يغفل عن هذه النعم، وحتى لو التفت إليها فإنه لا يشكرها ولا يؤدي حقها، قال تعالى في ذيل الآية في موضعها الأول من سورة إبراهيم (إِنَّ الإنسان لَظَلُومٌ كَفَّارٌ).

ص: 475

الأهم من النعم المادية

لابد أن نلتفت إلى أن الأهم من النعم المادية هي النعم المعنوية، عن أمير المؤمنين (علیه السلام): (إن من النعم سعة المال، وأفضل من سعة المال صحة البدن، وأفضل من صحةالبدن تقوى القلب) وعن الإمام الباقر (علیه السلام): (لا نعمة كالعافية، ولا عافية كمساعدة التوفيق) ومن النعم المعنوية اجتماع الكلمة على الإيمان بالله تعالى وبرسوله وولاية أهل البيت (عليهم السلام) كما ورد في تفسير قوله تعالى: (وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا) قالت الصدّيقة الزهراء (عليها السلام) في خطبتها (فأنقذكم الله بأبي محمد (صلى الله عليه وآله) وروى العياشي في تفسيره قال: كان أبو عبد الله (علیه السلام) إذا ذكر النبي (صلى الله عليه وآله) قال: (بأبي وأمّي ونفسي وقومي وعترتي عجبٌ للعرب كيف لا تحملنا على رؤوسها والله يقول في كتابه: (وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها فبرسول الله والله انقذوا).

موجبات شكر النعمة

إن الذي يوجب بقاء النعمة ودوامها ويمنع من نفورها شكر النعمة، والذي يوجب نفور النعمة وزوالها كفر النعمة، وهما معنيان متضادان يعرف معنى كل منهما بعكس معنى الآخر عن أمير المؤمنين (علیه السلام): (أحسن الناس حالا في النعم من استدام حاضرها بالشكر وارتجع فائتها بالصبر) وعنه (علیه السلام): (إذا وصلت إليكم أطراف النعم فلا تنفروا أقصاها بقلة الشكر) وعن الإمام الصادق (علیه السلام): (لا تدوم النعم إلاّ بثلاث: معرفة بما يلزم لله سبحانه فيها، وأداء شكرها، والتعب فيها) وعن الإمام الهادي (علیه السلام): (القوا النعم بحسن مجاورتها والتمسوا الزيادة فيها بالشكر عليها).

تمسكوا بأعظم النعم الإلهية

تمسكوا أيها الأحبة بدينكم وصلتكم الوثيقة بالله تعالى ولا تعطوا الفرصة لأي أحد حتى يسلبكم دينكم فإنّه أعظم النعم الإلهية، وهم لهم طرقهم في سلب الدين من أهله ولكل شريحة بحسبها، فالشباب الجامعي بالإغواء والفتنة وإثارة الشهوات، وعلماء الدين بالحسد والغيرة وحب الجاه وصراع الزعامات وشراء الولاءات بالأموال ونحو ذلك والغرض واحد هو سلخكم من هذا العز والكرامة وشرف الدنيا والآخرة.

كيف نشكر نعمة الولاية؟

فليتفقّه كلّ شيعة أهل البيت (عليهم السلام) في دينهم وليطلعوا على سيرة أهل

ص: 476

البيت (عليهم السلام) ومناقبهم وفضائلهم ومحاسن كلامهم ليوصلوها إلى البشرية جمعاء إذا أردنا أن نكون من الشاكرين على هذه النعمة، وحتى نكون صادقين مع الله تعالى ومع أنفسنا حينما نتبادل التهاني والتبريكات، وعلينا أن نُحيي أمر أهل البيت (عليهم السلام) خصوصاً الشعائر الفاطمية والحسينية شكراً لله تعالى على نعمة مودّتهم وولايتهم وقد كثرتالروايات عنهم (عليهم السلام) أنّهم هم النعمة التي ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم وبهم يفوز من فاز، ففي الأحاديث الشريفة أن شكر النعمة يتحقق بإظهارها والتحدّث بها.

الواجبات الشرعية تشريف لا تكليف

إن التكاليف الشرعية ليست طوقاً في عنق الإنسان ثقيلاً يريد أن يتحرر منه، بل هو تشريف له. وأضرب لك مثالاً لو أن الملك دعي إلى مأدبة فأناب إنساناً بدلا عنه، كم سيكون هذا الإنسان محظوظاً أن ينال شرف النيابة عن الملك ويتحدث باسمه، فكذلك الإنسان اختاره الله سبحانه ليكون خليفته في هذه الأرض [إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً] والله ملك الملوك ورب الملوك فكم تكون عظمة النعمة أن يستخلف أحداً ويسخر له كل ما في الأرض [هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً] وينقل عن شخص عارف انه احتفل يوم بلوغه سن التكليف الشرعي لأنه يوم تشريفه بأعظم النعم.

رد الجميل

إن من شأن كل عاقل أن يرد الجميل بالجميل ويجازي الإحسان بالإحسان [هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ] ونعم الله تعالى علينا كثيرة سواء على صعيد أبداننا التي هي عبارة عن معامل ومصانع كثيرة تعمل بدقة وإتقان، وأبسط مراجعة لكتاب (الطب محراب الإيمان) تنبئك عن هذا، أو على صعيد الحياة حولنا من كون متناسق وأرض طيبة معطاء ونعم لا تعد ولا تحصى [وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا] وجزاء هذا الإحسان إحسان مثله، ولما كان الله غنياً عن عباده، ولا يمكن أن يصل إليه نفع من أحد؛ فردُّ الإحسان بالنسبة إليه طاعته، ومن أشكال شكر النعم أن تطيع المنعم بها، أما عصيانه مع نعمه الوفيرة وبنفس نعمه فهذا مما لا يرتضيه عاقل .

نعمة اللسان وآفاته

اللسان من النعم التي منَّ الله تعالى بها على عباده قال تعالى: [خَلَقَ الإنسان ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ] أي أعطاه القدرة وعلمه كيف يوصل أفكاره ومطالبه وحاجاته إلى الآخرين، ولولا ذلك لما قامت للبشرية حياة، وعندما سئل الإمام (علیه السلام): أيهما أفضل النطق أم الصمت؟

ص: 477

قال(علیه السلام): (وهل بُعث الأنبياء إلا بالنطق؟!) ولكن هذا مع الاستعمال الصحيح لهذه النعمة واستغلالها في مواردها الصحيحة، ولكن غفلة الناس وميل نفوسهم إلى اللعب واللهو واتباع الهوى أدى إلى إساءة استعمال هذه الجارحة، حتى أصبح اللسان أكثر الجوارح ضرراً وأقوى الأسباب لابتعاد الإنسان عن الله تعالى والانتهاء به إلى نار جهنم؛ لأن معاصي اللسان كبيرة كالغيبة والنميمة والبهتان والسب والكذب والمراء والظلم، ولعل شخصاً يقول كلمة فيالشرق فيقتل بها إنساناً في الغرب، ولأجل تنبيه الناس إلى مغبة هذا الأمر ورد التحذير الشديد عن المعصومين، فعن الرسول (صلى الله عليه وآله): (هل يكبُّ الناس على مناخرهم في النار إلاّ حصائد ألسنتهم؟) وقال تعالى: [مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ] وقال رجل للنبي (صلى الله عليه وآله): (ما أخوف ما يخاف علي؟ فأخذ بلسانه، وقال: هذا) وعن أبي عبد الله (علیه السلام): (إن أبغض خلق الله عبد اتقى الناس لسانه) وعن أبي عبد الله (علیه السلام): (من خاف الناس لسانه فهو في النار).

نعمة قضاء حوائج الآخرين

(إن لله تعالى عباداً يخصُّهم بالنعم، ويُقرُّها فيهم ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها عنهم وحوّلها إلى غيرهم) وهذا تحذير شديد مطابق لقوله تعالى: (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) يدعونا إلى الانفاق مما أنعم الله تعالى به علينا من سائر النعم وليس المال فقط، فإن نعمة العلم أهم من المال، فمن حباه الله تعالى بشيء من العلم عليه أن يعلّمه من لا يعلمه فإنه زكاة له وصدقة. فأنت حينما تقوم بفعل المعروف في أي مجال فإنه يعود بالنفع عليك أولاً قبل من اسديت إليه المعروف.

(نعمة لا تشكر كسيئة لا تغفر)

يا له من تشبيه خطير بحيث يكون عدم الشكر على النعمة سيئة لا تغفر (والعياذ بالله) وهذا الحديث فيه عموم لكل من ينعم عليك نعمة ويسدي اليك فضلاً حتى من المخلوقين، وإن كان الله تعالى هو المدبِّر الحقيقي ومسبِّب الأسباب، عن الإمام الرضا (علیه السلام): (من لم يشكر المنعم من المخلوقين لم يشكر الله عز وجل) بل في حديث آخر أن المشكورين ثلاثة، الله تعالى وهو المنعم الحقيقي، والشخص الذي أنعم وأسدى المعروف، والثالث الشخص الذي سعى وتوسّط لقضاء الحاجة عند من قضاها. وهذا أدب قد افتقده أكثر الناس - مع الأسف- وهم بذلك يسيئون لأنفسهم، ويقطعون سبيل المعروف عن الإمام الصادق (علیه السلام): (لعن الله قاطعي سبيل المعروف، وهو الرجل يُصنع إليه المعروف فيكفره،

ص: 478

فيمنع صاحبه من أن يصنع ذلك إلى غيره) ومن تمام الشكر الذي يحفظ النعمة ويديمها، القيام بواجباتها وأداء ما افترض الله تعالى فيها، وإلا فإنها يخشى عليها الزوال.

المصاديق الواسعة للنعمة

قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ) يتصور أكثر الناس أن النعمة هي المال والحياة المرفّهة، وهذا لا شك مصداق مهم للنعمة لكن مصاديقها أوسع من ذلك بكثير مما لا يلتفت إليه أغلب الناس، عن رسول الله (صلى اللهعليه وآله): (الصحة والفراغ نعمتان مكفورتان) وعنه (صلى الله عليه وآله): (نِعمتان مكفورتان: الأمن والعافية) وعنه (صلى الله عليه وآله) : (نعمتان مفتون فيهما كثير من الناس: الفراغ والصحة) وكل نعمة من هذه النعم تتحلل إلى ما لا يعد ولا يحصى من النعم، قال تعالى: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا) ولكن الإنسان يغفل عنها غالباً، عن الإمام الصادق (علیه السلام): (كم من مُنعَم عليه وهو لا يعلم) ولا يحسّ بقيمتها إلا إذا فقدها لا سامح الله، عن أمير المؤمنين (علیه السلام): (من كان في النعمة جهل قدر البليّة) وعن الإمام الحسن (علیه السلام): (تجهل النعم ما أقامت، فإذا ولّت عُرفت)، وإن كان في غنى عن الوصول إلى هذه المرحلة، إذ يكفي تذكرها والالتفات إليها أو تخيّل أضدادها لمعرفة قيمتها، عن أمير المؤمنين (علیه السلام): (إنما يُعرف قدر النعم بمقاساة ضدّها).

حقوق النِعم

كلّ نعمة تستوجب حقّاً، الوالدان نعمة ولهم حقوق، والمرجعية المخلصة العاملة نعمة ولها حقوق، والجاه والموقع نعمة وعلى صاحبه حقوق، عن الإمام الرضا(علیه السلام): (استعمال العدل والإحسان مؤذن بدوام النعم) وهكذا، ومن كفر النعمة التقصير باستعمال ما أنعم الله تعالى عليه في خدمة الناس وقضاء حوائجهم وإدخال السرور عليهم، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إن لله عباداً اختصهم بالنعم يُقرّها فيهم ما بذلوها للناس فإذا منعوها حوّلها منهم إلى غيرهم) وعن أمير المؤمنين (علیه السلام): (من كثرت نعم الله عليه كثرت حوائج الناس إليه، فمن قام لله فيها بما يجب فيها عرّضها للدوام والبقاء، ومن لم يقم فيها بما يجب عرّضها للزوال والفناء). فالذي يمكّنه الله تعالى في الأرض ويضع تحت تصرفه موارد الدولة والشعب وهو يسخّرها لمصالحه الشخصية والحزبية فهو ممن بدّل نعمة الله كفراً، والذي يستعمل الوسائل العلمية الحديثة التي أنعم الله تعالى بها على عباده في غير مرضاة الله فهو ممن بدّل نعمة الله كفرا وهكذا.

ص: 479

ص: 480

العمل (تقييمه وآثاره وكيفية إنجاحه)

الآثار المعنوية للأعمال

إن قيمة الأعمال هي بمقدار آثارها المعنوية، فالصوم لا تُنال حقيقته بالامتناع عن المفطرات الظاهرية المدونة في كتب الفقه كالأكل والشرب وان كان هذا المقدار مبرئاً للذمة، وإنما بكف النفس والجسد عّما حرّم الله تعالى وتفريغهما لطاعة الله تبارك وتعالى وإذا انضم إليهما القلب كان الحال أكمل بفضل الله تبارك وتعالى.

المنهج غير المنتج!

إنّ منهج عدم فعل شيء إلاّ إذا كان واجباً جزماً، وعدم ترك شيء إلا إذا كان حراماً جزماً، منهج غير منتج ولا يوصل إلى الفلاح، ومن يسير وفق هذا المنهج فإنّه يسقط في الهاوية وتزلّ قدمه.

من مضار التقاعس عن المسؤولية

إن التقاعس عن المسؤولية وقلِّة الأنصار وقلة الإمكانيات...تقلِّل من فرص العمل، وتحدُّ النشاط، إلا أنها لا يمكن أن تبرر التقاعس المطلق، والخلود إلى الدعة والسكون.

ركنا العمل والمشاريع الناجحة

إن كل حالة أو مؤسسة أو مشروع فردي أو جماعي يراد له أن يكون صالحاً ومثمراً ومتيناً ويدوم عمله لا بد أن يشتمل على ركنين:

1. أن يكون الغرض الذي اسس من أجله والهدف الذي يصبو الى تحقيقه نبيلاً سامياً والنية التي تدفعه اليه حسنة مستندة الى تقوى الله تبارك وتعالى وطلب رضوانه (أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ).

2. أن يكون القائمون على هذا البنيان والمدبرون لأمره والعاملون فيه مؤمنين مخلصين يحبون الخير والتطهر والكمال ويسعون اليه (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ) وإلا فان البناء ينهار ولا يحقق شيئاً بل يكون وبالاً على أصحابه في الدنيا والاخرة وإن رفع شعارات وأسماء دينية لخداع الناس وسوقهم لتحقيق المصالح الشخصية فلا يصح أن يكون الإنسان مغفلاً وينخدع بالعناوين الفارغة من المحتوى الصحيح.

كيف نقيم قيمة العمل ؟

إن القيمة الحقيقية للأعمال والطاعات التي يؤديها الإنسان هي بمقدار ما تثمر من

ص: 481

سلامة القلب وتزكية النفس لذا حينما يسال أحدهم الإمام الصادق(علیه السلام): ( عن كيفية التعرف على مقدار قبول صلاته فأجابه(علیه السلام): (إنه بمقدار ما نهتك هذه الصلاة عن الفحشاء والمنكر).

تحديد نسبة نجاح العمل

إنّ أي عمل يراد تقييمه وتحديد نسبة نجاحه، فلابد أن يكون ذلك بلحاظ مقدار النتائج التي حقّقها، وفق الأهداف المرجوّة منه، كفريق كرة القدم فإن نتيجته تُحدّد في ضوء الكرات التي أدخلها في شباك الخصم مهما كان لعبه حسناً وجميلاً. وهكذا تُعرف قيمة العبادات وكلّ الأعمال من خلال آثارها في حياة الفرد والمجتمع، كقوله تعالى في الصلاة (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) وورد في تفسير القمي قولهم (عليهم السلام): (من لم تنههُ الصلاة عن الفحشاء والمنكر لم تزدهُ من الله عزّ وجل إلاّ بعداً).

كيف نحول العلم إلى عمل؟

أنتم تستطيعون تحويل العلم إلى عمل، مثلاً ورد في الحديث القدسي ما مضمونه (من أحدث ولم يتطهر فقد جفاني، ومن تطهر ولم يصلي فقد جفاني، ومن صلى ولم يدعني فقد جفاني، ومن دعاني ولم أجبه فقد جفوته، ولست بربٍ جافٍ) والحديث صريح باستحباب الكون على الطهارة، ولكن المعنى العملي الذي يمكن أن نحصل عليه هو أن الإنسان إذا كانت عنده حاجة عسرت عليه بالأسباب الطبيعية أو مريض يطلب شفاءهُ أو طلب يريد تحقيقه –وما أكثرها- فليتوضأ إذا أحدث وليصلي ركعتين في غير وقت الفريضة وليطلب من الله تبارك وتعالى حاجته بعدها، فإن الله تبارك وتعالى سيحقق له مراده لأنه تبارك وتعالى ليس بربٍ جافٍ.

بركات عظيمة بعمل واحد !

أن موقفاً يصدر من الإنسان أو قراراً يتخذه في منعطف من حياته أو صفة كريمة يتصف بها تكون مصدراً لبركات تعمه كل حياته... كأصحاب الكهف ، قال تعالى: (إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا) فقد وقفوا في وجه الشرك والوثنية ورفضوا عبادة الطاغوت ،واظهروا عبادة الله الواحد الأحد فكانت النتيجة (وربطنا على قلوبهم) أي قوّيناها ونوّرناها بالمعرفة والبصيرة وكشفنا لها الحقائق (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) والمثال الآخر مريم ابنة عمران (عليها السلام) قال تبارك وتعالى فيها: (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً

ص: 482

لِلْعَالَمِينَ) وضربها الله تعالى وامرأة فرعون مثلاً للمؤمنين قال تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ).

ما يعينكم في حياتكم التكاملية

من الوسائل التي تعينكم في حياتكم التكاملية هذه أن تتخذوا لأنفسكم مفكرة أو دفتر ملاحظات يدوّن فيها أحدكم ما يؤثر فيه ويتفاعل معه من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة والكلمات الحكيمة القصيرة كالذي يعرض في الشريط أسفل الشاشة على بعض الفضائيات، فإن مثل هذا التفاعل يعني أن هذه الكلمة رزق ساقه الله إليك.

العمل وحده لا يكفي

العمل وحده لا يكفي لنيل رضا الله تبارك وتعالى والفوز عنده، بل قد يكون وبالاً على صاحبه كما ورد في دعاء الإمام الحسين (علیه السلام) في يوم عرفة: (إلهي كم طاعة بنيتها، وحالة شيدتها هدم اعتمادي عليها عدلك بل أقالني منها فضلك) فقد كنت أتصور أن ميزاني ثقيل بالأعمال الصالحة التي قدّمتها وعوّلت عليها لكنها لما عُرضت على الموازين القسط ليوم القيامة وإذا بها لا قيمة لها، بل صرت أهرب وأتبرأ منها وأطلب الإقالة والعفو عنها. وقد تستغرب ذلك لكنني أقرّبُ القضية بمثال: فلو أن ملكاً دعا شخصاً حقيراً للقائه وضيافته فلبى الدعوة وكان الملك مقبلاً عليه وهيأ له كل أسباب التكريم والجوائز الثمينة لكن المدعو كان مُعرضاً عنه ولا يلتفت إليه ومتشاغلاً بأمور أخرى، ألا تعد هذه إساءة في الأدب مع الملك ويعاقب عليها؟ فالصلاة دعوة للقاء الله تبارك وتعالى ومناجاة معه فإذا كان المصلي مشغولاً عن ربه وشارد الذهن عن صلاته فهو كهذا الشخص مع حقارة قدره أمام ملك الملوك فماذا سيكون جزاؤه؟ فهذا هو حال صلاتنا التي هي أهم العبادات وعمود الدين فكيف نرجو الثواب عليها؟ إلا بلطف الله تعالى وكرمه وفضله وصفحه فلا بد أن يقترن العمل بأمرين لينتج الغرض المطلوب وهما:

الأول: تحسين العمل، قال تعالى (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً فليس المهم كثرة العمل وإنما حسنه، وقد حثّت آياتٌ كثيرة على حُسن العمل وإن القبول بحسب الإحسان في العمل.

قال تعالى (إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً).

ص: 483

الثاني: المداومة على العمل وحفظه ومواصلته، ولا نعني بهذا الأمر تكرار الحج لأن هذا غير متيسّر إلا نادرٌ فللمداومة أنحاء عديدة ربما نتعرض لشرحها في خطبة مستقلة بإذن الله تعالى.

من وصايا أمير المؤمنين(علیه السلام)

لجيشه في ساحة القتال (أجزأ امرؤٌ قِرنه، وآسى أخاه بنفسه، ولم يَكِلْ قِرنَه إلى أخيه فيجتمع عليه قِرنهُ و قِرنُ أخيه).. وهذه الوصية منه (علیه السلام) وإن كانت واردة في المواجهةالعسكرية، إلا أنها في الحقيقة جارية في كل المواجهات والمسؤوليات، فإذا لم يقم أحدٌ بواجبه فستحصل إحدى نتيجتين: إما إهمال ذلك الواجب وتضييعه، أو اجتماع هذا الواجب على أخيه الذي يشاطره المسؤولية إضافة إلى واجبه الأصلي، وفي كل من النتيجتين ظلم وقد قيل في الأدب (من الظلم سعي اثنين في قتل واحدٍ).

معرفة قيمة العمل

قيمة العمل إنما تعرف من مقدار مطابقة نتائجه مع الهدف المطلوب من العمل كما سئل الإمام الصادق (علیه السلام) عن كيفية معرفة أن الصلاة مقبولة أم لا؟ قال (علیه السلام): أنظر إلى مقدار نهيها لصاحبها عن الفحشاء والمنكر. تطبيقاً للآية الشريفة: (إنَّ الصَلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحشَاءِ وَالمُنكَرِ) فكذلك الصوم الذي لا يربي في الإنسان ملكة التقوى ولا يمنعه من ارتكاب المحرمات لا قيمة له في ميزان التكامل، روى السيد ابن طاووس عن الإمام الباقر (علیه السلام) قوله: (إن الكذبة لتفطر الصائم، والنظرة بعد النظرة والظلم قليله وكثيره).

السعي المناسب للهدف

كل قضية في حياتنا يُراد تحقيقها فلابد أن يسعى لها سعيها المناسب لها، كمن يريد أن يصبح طبيباً أو مهندساً فلابد أن يبذل الجهد المطلوب كماً ونوعاً ويسير وفق الآليات التي توصله إلى هدفه، ولا ينال كل ذلك إلاّ بلطف الله تعالى وتوفيقه ومدده.

نصيحة علوية لإنجاز الأعمال

دلّنا أمير المؤمنين (علیه السلام) على هذا الأسلوب من الاهتداء للعمل، قال في خطبة الوسيلة (الاهتمام بالأمر يثير لطيف الحيلة) فإن الإنسان قد يجد نفسه لأول وهلة عندما يريد كتابة بحث أو تأليف كتاب أو إنشاء مشروع اقتصادي في السوق وكأنه لا يعرف ماذا يعمل ومن أين يبدأ، ولكنه حينما يفكّر في المطلوب ويكرّس نفسه له ويضع قدميه على خط البداية يجد ضوءً يدلّه على الخطوة التالية وهكذا تتوالى الخطوات وتثار في ذهنه (لطائف

ص: 484

الحيل) والتدابير والبرامج والخطط العملية حتى يجد نفسه وقد أسس شيئاً لم يكن يتوقعه.

إطلاع الله وأوليائه على أعمالنا

إننا لسنا متروكين في هذه الدنيا نفعل ما نشاء بلا حساب ولا رقابة، فإن الله تعالى يقول :(وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) أي اعملوا ما شئتم ولكن عليكم أن تعلموا أن عملكم هذا هو تحت نظر الله تبارك وتعالى وإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) يطلعون عليه فيفرحون لما يجدون من أعمال صالحة ويحزنون لما يرون من أعمال سيئة والعياذ بالله، فعلينا أن نبذل جهدنا لإدخال السرور علىنبيّنا وأئمتنا (صلوات الله عليهم أجمعين) ولا نشعرهم بالخجل أمام الأنبياء والأوصياء الآخرين (عليهم السلام) حين تعرض الأعمال أمام الأشهاد.

إحسان العمل يتحقق بجملة أمور:

منها: إخلاص النية لله تبارك وتعالى والإتيان بالعمل لنيل رضاه وليس لأي هدف آخر. ومنها: إتقان الأحكام الشرعية للعمل وحفظ حدوده، ومنها: الالتفات إلى أسرار العمل ومعانيه وحقائقه، فإن وراء هذه الأعمال الجوارحية حقائق هي المطلوبة من العمل وليس هذه الحركات الشكلية، كالأمثال التي تُضرب وتراد منها الحقيقة التي صورت على شكل هذا المثل، وكالرؤيا الصادقة في المنام التي لها حقيقة تؤول إليها الرؤيا وترجع إليها لذا سميت تأويل الأحلام.

حبب نفسك إلى الناس

حبب نفسك إلى الناس بالكلمة الطيبة والمواقف النبيلة وشاركهم في أفراحهم وأحزانهم واهتم بما يهتمون به لا فرق بين صغير أو كبير، غني أو فقير، وجيه معرّف أم مجهول من عامة الناس، واسعَ في قضاء حوائجهم بمقدار ما تستطيع، وإن لم تستطع فتعاطف معه وتفاعل مع قضيته.

ذم المتقاعسين

إن الله تبارك وتعالى ذم المتقاعسين المتواكلين الذين لا يريدون أن يقدّموا جهداً أو تضحية وينتظرون من الغير إنجاز العمل وينشغلون هم بالتشكيك والاعتراض، ولقد ذكر الله تبارك وتعالى مثالاً لهم من قوم موسى (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ، قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن

ص: 485

نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ) لكن الله تبارك وتعالى أثنى على المبادرين إلى العمل المستجيبين لأوامر نبيهم (قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ). فكانت عاقبة التخاذل والتمرد والتشكيك التيه جيلاً كاملاً حتى استبدل بهم ربهم غيرهم (قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ).

الصمود في الاختبارات العظيمة

لا تتقاعسوا أيها الأحبة عن القيام بأي عمل صالح أو اتخاذ قرار فيه لله رضا في حياتكم خصوصاً في المنعطفات الحاسمة ولاشك أنكم تعرضتم لمثل هذه الاختبارات كشاب تعرض له امرأة ذات جمال في غير ما أحله الله تعالى، أما مبلغ كبير يعرض عليه إزاء عمل لا يرضي الله ورسوله أو يطلع على حاجة لمؤمن يستطيع قضاءها ببذل مال أو جهد أو نصرةمظلوم أو الإجهار بذكر الله تعالى وأهل بيته في أوساط الغافلين ونحوها. ولا تقللوا من شأن أي طاعة فإنكم لا تعلمون أيها جعلها الله تعالى سبباً لشمول ألطافه فقد أخفى رضاه في طاعته كما أخفى سخطه في معصيته فلا تعلم أي معصية تكون القاصمة والضربة القاضية التي تؤدي إلى الطبع على القلب بحيث لا تنفعه الهداية والعياذ بالله تعالى.

لا تستصغر قيمة العمل

لا تقللوا من شأن أي طاعة فإنكم لا تعلمون أيها جعلها الله تعالى سبباً لشمول ألطافه فقد أخفى رضاه في طاعته كما أخفى سخطه في معصيته فلا تعلم أي معصية تكون القاصمة والضربة القاضية التي تؤدي إلى الطبع على القلب بحيث لا تنفعه الهداية والعياذ بالله تعالى.

كيف نزيد من قيمة العمل ؟

(للإنسان) أن يزيد قيمة العمل أكثر بإهدائه إلى المعصومين الأربعة عشر (سلام الله عليهم) فإنهم بكرمهم سيتقبّلون الهدية ويباركونها ويردُّون الفعل الجميل بأجمل وأحسن منه. كما ورد في الدعاء (مني ما يليق بلؤمي ومنك ما يليق بكرمك)وكما قال إخوة يوسف لأخيهم لما وردوا مصراً (وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ ) لكنه (علیه السلام) أكرمهم ورفع من شأنهم بما يليق بكرمه وليس بما يليق بفعلهم.

كيف نتقن العمل

إن من تمام إتقان العمل وإحسانه أن يحتفظ الإنسان بالآثار التي حصلت له خلال

ص: 486

العمل ويديم وجودها، لأن بعضاً يكتسب تلك الآثار ما دام في العمل وبمجرد انتهائه يعود إلى طريقته الأولى، وآخر يحتفظ بها مدة أكثر وتضعف تدريجياً إلى أن يفقدها ثم يجدّدها بعمل آخر، وآخر تختلط مع روحه ودمه فتثبت فيه وتسري منه بركاتها إلى الآخرين، كالأجسام التي تلامس النار، فبعضها يفقد الحرارة بمجرد إبعاده عنها، وأخرى تحتفظ بها مدة ثم تفقدها، وأخرى - كالفحم - تتحول إلى جمرة متقدة تهب النور والدفء إلى الآخرين.

كيف تحوّل حياتك كلها إلى مصنع لإنتاج عمل الخير؟

إنك تستطيع أن تحوّل حياتك كلها إلى مصنع لإنتاج عمل الخير قال تعالى: (يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ) وقال تعالى: (فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ) حتى الأفعال الاعتيادية كتناول الطعام يكون خيراً لأن فيه حفظ الصحة والتقوّي على طاعة الله والقيام بأعمال الخير، والنوم المقتصد يكون خيراً لأن فيه راحة واستجماماً وتجديد النشاط للاستمرار في الاستزادة من الخير بل يكون النوم شكلاً من أشكال العبادة بحسب ما أفاد الحديث الشريف عن الإمام الصادق (علیه السلام): (من تطهّر ثم أوى إلى فراشه بات وفراشه كمسجده) قد يقول البعض؛ إننا لا نستطيعأن نكون بهذه الفاعلية دائماً لأن غير المعصوم تعتريه الغفلة والنسيان والضعف فيحصل تراجع ولا يمكن أن يكون دائماً في حالة زيادة من الخير، وهذا التساؤل موجود، لكن الله تعالى عالج هذا القصور الذاتي بأكثر من علاج:

1- أن ينوي الإنسان فعل الخير ويعزم عليه كلما تيسّر له، فهذه النية بحد ذاتها خير، وان الله تعالى بكرمه يعطي لصاحب النية الصادقة والعزم الأكيد ما يعطي للعامل كما في الحديث النبوي الشريف (نية المؤمن خير من عمله)وإيجاد هذه النية وهذه الإرادة ليس صعباً على الإنسان فيحصّل بها ما يفوته من الأعمال.

2- إن الله تعالى تكفّل للإنسان الذي يستيقظ من غفلته ويعود إلى العمل الصالح وفعل الخير عند تذكره والالتفات إليه، أن يمحو كل ذلك التقصير والقصور ويثبّت بدلاً عنه حصيلة هذا الالتفات، قال تعالى: (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) وقال تعالى: (فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ) أي ليس فقط يمحو السيئات بل يبدلها إلى حسنات في صحيفة الأعمال، ومن معاني هذا التبديل أن يجعل حياته ما قبل التغيير بمثل حياته بعد التغيير، فلو كان تاركاً لصلاة الليل أو لا يلتزم بأداء الصلاة في أوقاتها ثم قام بذلك فإنه يجعل حياته السابقة على هذه الصورة الجديدة، كالمدرّس الشفيق الرحيم الذي يقول لطلابه سأعيد لكم الامتحان فإذا جئتم بدرجات أفضل فإنني سأعتبر درجاتكم السيئة في الامتحان السابق على طبق هذه الدرجات الجيدة الجديدة، ولا شك أن الله

ص: 487

أشفق على عباده وارحم بهم وهو أرحم الراحمين، وهو تعالى الذي جعل هذه الرحمة في قلوب عباده فكيف لا يكتبها على نفسه؟ فما على الإنسان إلا أن ينتبه من غفلته ويعود إلى منهج الزيادة من الخير.

قيمة العمل الصالح

أن العمل الصالح إنما يكتسب قيمته بمقدار ما تتغير ذات الإنسان به ويقربه من الأخلاق الإلهية.

تلبية الدعوة الإلهية

كونوا ممن يلبي دعوة الله تعالى إلى الطاعة وامتثلوا قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ) وقوله تعالى (مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ) ولا تلتفوا إلى الشيطان الذي يعمل عكس ذلك فيزيّن المعصية والفسوق ويصعّب الأعمال الصالحة ويجعل أمام الإنسان الاحتمالات والتصورات السيئة ويثير في النفس المخاوف والقلق والمثبطات. يضرب لنا الله تبارك وتعالىمثلاً من بني إسرائيل لأنحاء من التصرفات إزاء الطاعة قال تعالى حاكياً عن نبيه الكريم موسى(علیه السلام) وقومه: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ، قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ)وهذا هو موقف أغلب الناس مع الأسف، لكن الأرض لا تخلو من المخلصين الصادقين: (قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) فالمطلوب منك الإقدام على الطاعة وعدم التهيب وامتلاك الحزم والشجاعة ودخول الباب كما في الآية وسيمنحكم الله تعالى القوة والغلبة وإنجاز العمل بفضله وكرمه.

الاعتقاد القلبي وحده لا يكفي

إن الالتفات الاعتقادي القلبي وحده لا يكفي مالم يقترن بالعمل قال تعالى مبيناً علة استحقاق يوسف(علیه السلام) للمراتب السامية: (وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) وقال تعالى على نحو القاعدة العامة، ولا تختص بالمعصومين (عليهم السلام): (إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ).

ص: 488

استثمار الوقت ونعمة العُمُر

طيّ المسافة المكانية والزمانية

إن (طيّ المسافة) المذكور في كرامات الأولياء لا يختص بالبعد الجغرافي، وإنما يمكن تحقيقها بلطف الله تعالى في البعد المعنوي كالحُر الرياحي فبالرغم من إنه عاش عمره في خدمة الطواغيت إلا أن موقفاً عُمرُه لحظات اتصف بما تقدم جعله في أعلى عليين ودخل في زمرة الشهداء بين يدي أبي عبد الله الحسين (علیه السلام).

عذاب الندم

إن الإنسان في هذه الحياة الدنيا في عمل دؤوب نحو الهدف وهو رضا الله سبحانه وبلوغ المزيد من درجات التكامل ورأس ماله في هذا العمل وهذه التجارة ساعات عمره التي هي في انقضاء ومرور سريع وأية ساعة يضيعها الإنسان من دون أن يوظفها في خدمة الهدف فإنها سوف تكون حسرة عليه يوم القيامة ويشعر بالغبن حينما يرى غيره قد استغلها فنال مرتبة اعلى منه وفي الخبر ان ساعات عمر الإنسان تعرض امامه على شكل خزائن تفتح لهفان قضاها في خير وجد في تلك الخزينة خيراً أو في شر -والعياذ بالله- فيجد فيها شراً واذا قضاها في عمل غير هادف ولا مثمر فيجدها فارغة فيتحسر على فواتها عليه دون ان يملأها بما ينفعه (ولات حين مندم).

قيمة عمر الإنسان

التاجر الذي يملك مالاً كثيراً ونفوذاً واسعاً وفرصاً جيدة للاستثمار ولا يوجد أيّ عائق في طريقه لكنّه يضع أمواله في أمور بسيطة لا تناسب المأمول فإنّه يشعر بالخسارة والغبن، فرأس مال الإنسان في هذه الدنيا عمره أيّاماً وليالي بل ساعات ودقائق لأنّها كلها يمكن أن تستثمر بطاعة ترفع درجته يوم القيامة بدل قضائها في أحاديث فارغة أو لهواً أو فضول أو أي عمل غير مثمر، ففي بعض الروايات أنّ ساعات عمر الإنسان تُعرض عليه على نحو صناديق بأشكال ثلاثة، ساعة الطاعة وساعة المعصية وساعة الفراغ فساعة الطاعة يفرح بها وساعة المعصية يتعذّب بها وساعة الفراغ يندم عليها، في الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله): (ما من ساعة تمرُّ بابن آدم لم يذكر الله فيها إلا حَسِر عليها يوم القيامة).

ص: 489

الشباب والمقاهي

إنها من أساليب الشيطان ليصدهم عما ينفعهم في الدنيا والآخرة وقد قالوا إن رأس مال كل إنسان عمره، فإذا ضيعه وصرفه بلا فائدة فسيكون حسرة عليه فليستغله بما روي أن للمؤمن ثلاث ساعات (سعي في معاش أو طاعة مفترضة أو لذة محللة).

الرصيد المفتوح

في الحديث الشريف: (إذا مات المؤمن انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) فإن الميت يبقى رصيد أعماله مفتوحاً بما يهدى له من ثواب الأعمال كالصلاة والصوم والحج والصدقة وتلاوة القرآن وسائر وجوه البر والإحسان وأنه ليفرح بالعمل الذي يهدى إليه لحاجته الشديدة بعد أن انقطع عمله واكتشف حاجته إلى كل عمل خير وإن قل؛ لذا ندعو أنفسنا وإخواننا إلى أن نستغل كل دقيقة بل كل لحظة من أعمارنا.

غُصة من لم يستثمر العمر الإضافي

ينبغي الالتفات إلى حالة أخرى من الغبن يشعر بها حتى من استثمر عمره في الطاعة لكنّه لم يستفد من العمر الإضافي الذي يُعطى له لاكتساب المزيد من الحسنات، وهو الذي أشير إليه في الحديث الشريف: (إذا مات المرء انقطع عمله إلا من ثلاث: علم يُنتفع به، صدقة جارية، ولد صالح يدعو له) فيستطيع الإنسان بفضل الله تبارك وتعالى أن يستمر فياكتساب الحسنات حتى بعد وفاته بأن يصبح من أهل العلم الذين يخلّفون أثراً نافعاً أو يؤسس مشروعاً مباركاً يكون صدقة جارية كمسجد أو شقق سكنية للفقراء أو طلبة العلم أو مدرسة دينية أو مركزاً صحيّاً أو يجري شبكة ماء والمصدر الثالث هو الولد الصالح بأن يتزوج امرأة صالحة ويتعب نفسه في تربية أولاده ليكونوا صالحين ثمّ يؤسس كلّ منهم أسرة صالحة وهكذا يتكاثرون وفق متوالية هندسية على مرِّ الأجيال أي أنّ الاثنين يصبحون أربعة والأربعة ستة عشر بل أكثر بفضل الله تبارك وتعالى، وإذا به بعد أجيال يكون من ذريته الآلاف من الصالحين وتستمر حسناته بالزيادة، فاغتنموا هذه الفرص بفضل الله تعالى ولطفه.

تضييع رأس المال الذي لا يعوض

لاحظوا الفرق بين ما نحن عليه، وما يريد الله تبارك وتعالى منّا، إننا نضيّع رأس مالنا بما يضرّ ولا ينفع، والله تعالى يريد لنا أن لا نقف عند حدود استثمار أعمارنا بل يدعونا إلى

ص: 490

أن نكون مباركين معطائين حتى بعد وفاتنا فنحصل على عمر مديد من العطاء أو قل لنحصل على رأس مال إضافي كالشيخ الطوسي الذي مر على وفاته ألف عام تقريباً وهو يزداد تألقاً وعطاءً، وكالشيخ الحر العاملي الذي مرّت على وفاته قرون ولا يستطيع فقيه أو عالم الاستغناء عن كتابه وسائل الشيعة، وهذا ما دعانا إليه الحديث النبوي الشريف (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له). وفي الحديث الشريف المشهور (من سنّ سنّة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) ومن هذا الباب تفضل الله تعالى بكتابة الحسنة لمن نواها ولم يوفَّق لفعلها، وكذلك ما ورد من أن من أحبّ عمل قومٍ أُشرك في أجورهم وحشر معهم كل ذلك من أجل مضاعفة الربح لهذه التجارة النفيسة مع الله تبارك وتعالى لمن استثمر عمره ووقته. فالمطلوب من المؤمن الملتفت أن لا يكتفي باستثمار عمره فقط، وإنما يضيف لنفسه عمراً ثانياً لاكتساب الحسنات من خلال ما يؤسس من مشاريع الخير والطاعة والعبادة، أو كتاب يؤلفه، أو مسجد يبنيه، أو أولاد صالحين يعقبهم، وهكذا.

مجالس البطالين

المقاهي وإن كانت سيئة في نفسها إلا أنها ليست أسوأ مما اعتاد عليه آخرون من قضاء أوقاتهم في (النوادي الاجتماعية) فضلا عن الملاهي وأمثالها، وأقل ما يقال فيها جميعاً -إذا خلت من المحرمات- إنها مجالس بطالين توجب عدم التفات الله جلت آلاؤه إلى من يألفها بالرحمة كما في دعاء أبي حمزة الثمالي عن الإمام السجاد (علیه السلام): (ولعلك رأيتنيآلف مجالس البطالين فبيني وبينهم خليتني).. فالبديل الصالح هو قضاء الوقت بكل ما ينفع في الدين والدنيا من زيارة الإخوان وتبادل الأحاديث النافعة معهم والالتقاء بالعلماء وكل من يقرب إلى الله سبحانه وحضور المناسبات الدينية ومجالس ذكر أهل البيت (عليهم السلام) وعقد الحوارات العلمية النافعة وقراءة الكتب والجلوس في المساجد حيث ينبغي أن يكون المؤمن أول داخل وآخر خارج ففي الحديث عن أمير المؤمنين (علیه السلام): (من اختلف إلى المساجد أصاب إحدى الثمان: أخاً مستفاداً في الله أو علما مستظرفاً أو آية محكمة أو رحمة منتظرة أو كلمة ترده عن ردى أو يسمع كلمة تدله على هدى أو يترك ذنبا خشية أو حياءً) وإذا أراد أن يروح عن نفسه من مشاق الحياة فليباشر اللذائذ والمتع المحللة.

الوقت ثمين

ص: 491

إن الوقت ثمين ونسمع كيف أن الدول المتقدمة تحاول استثماره بأقصى ما يمكن فإن أمام الإنسان شوطاً كبيراً لا مجال معه للبطالة والتسكع هذا في الدنيا أما في الآخرة فإنه يوم التغابن حيث يعض المؤمن على يديه لأجل دقيقة من عمره ضيعها دون أن يستفيد بها كمالاً ليرتقي عند الله درجات وهو ينظر إلى ما متع به غيره فما حال الفاسق إذن الذي قضى وقته بما يكون وبالاً عليه. ورد في الحديث من موارد اللعن والطرد عن ساحة الرحمة الإلهية من يتحدث بحديث الدنيا والقرآن يقرأ ولا يفرق في ذلك كون القراءة بشكل مباشر أو بجهاز تسجيل فإن الجميع مشمول بقوله تعالى ?وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون? أما يريد احدنا أن يرحمه الله سبحانه وتعالى فهذه الآية تقول إن من أسباب الشمول بالرحمة الاستماع إلى تلاوة القرآن والإنصات له.. وأن اللعن يزداد لو كان الحديث مشتملاً على المحرمات كالغيبة والنميمة وإذا كان الشخص لا يتعظ بالموت وشعائره ويصر على معصية الله فبماذا يتعظ ومتى يلتفت من غفلته ويستيقظ من نومته ومن المؤسف أن لا يتحقق ذلك إلا بالموت (الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا).

استثمار الوقت وتجنب الثرثرة

إن الأحاديث التي تجري عند زيارة العوائل واللقاءات غالبا أو دائما هي مخالفة للشريعة، وإذا أردنا أن نحسن الظن بها فنقول عنها تافهة وغير مثمرة ومضيعة للوقت، فإن مضامينها الغيبة أو احدث الموديلات للنساء أو نقل بعض أحاديث الشارع التافهة أو الخوض في أعراض الناس وأمورهم الخاصة وفضول الكلام، والواجب استثمار هذه اللقاءات لما ينفع في الدنيا والآخرة؛ لأن الوقت هو رأس مال الإنسان، فكلما أحسن فياستثماره كان ربح تجارته مع الله (سبحانه وتعالى) وفيراً، وكل دقيقة يستثمرها في شيء نافع تعني زيادة درجة في الجنة وعند الله، فلماذا يضيعها ويعيش الندامة وعض الأصابع يوم توزع النتائج فيجد نفسه من الضائعين.

استثمار العطلة الصيفية

إن الطالب يحتاج إلى عطلة ليريح ذهنه من ذلك العناء الطويل، خصوصاً بعد أن لم يقصر في القيام بواجباته وتحقيق النجاح والتفوق، ولكن العطلة لا تعني التسكع وتضييع العمر وهدر الوقت، فإن هذا لا يناسب الإنسان المخلوق لهدف وهو التكامل، وإنما العطلة تعني التنويع في الأداء والممارسة كما قال أمير المؤمنين (علیه السلام): (وإن القلوب لتكلّ فروضوها بطرائف الحكم) فكيف نجعل عطلتنا الصيفية هادفة ونافعة؟

ص: 492

خيارات لاستثمار العطلة الصيفية

عدة خيارات يمكن الجمع بينها أو بعضها أيام العطلة الصيفية:

الأول: العمل والكسب خصوصاً لأبناء الأسر ذات الدخل المحدود ليعينوا أولياء أمورهم.

الثاني: الالتحاق بالدورات المكثفة السريعة التي تعقدها الحوزة الشريفة خلال العطلة في النجف أو في بقية المدن،

الثالث: إن ممارسة الهوايات أمر طبيعي للشباب خصوصاً في العطلة الصيفية، ولكن من دون أن يكون شعارنا (التسلية للتسلية) أو لقتل وقت الفراغ، بل لابد من أن تكون هذه الهوايات نافعة ومثمرة على صعيد أو أكثر.

الرابع: المشاركة الفعالة في الشعائر الدينية كصلوات الجماعة أو المجالس الحسينية أو الندوات أو المحاضرات أو المسابقات، والمواظبة على الحضور في المساجد، واللقاء بالعلماء ووكلائهم والاستفادة منهم.

مبررات المسارعة بالخيرات

عن الإمام الصادق(علیه السلام): (إذا أردت شيئاً من الخير فلا تؤخره، فإن العبد يصوم اليوم الحار يريد ما عند الله فيُعتقهُ الله به من النار، ولا تستقلّ ما يُتَقرّبُ به إلى الله عز وجل ولو شقَّ تمرة) وهذه المسارعة إلى فعل الخير لها ما يبررها من أكثر من جهة:

1- إن الفرص تمرُّ مرّ السحاب وقد لا تتكرر بل هي فعلاً لا تتكرر لأن الفرصة الثانية هي غير الأولى وإضاعة الفرصة غصة وإن عمر الإنسان هو رأس ماله في المتاجرة مع الله تبارك وتعالى وكل ثانية من عمره يمكن أن ترفعه درجة عند الله تبارك وتعالى.

2- إن التأخير يعطي فرصة للشيطان والنفس الأمارة بالسوء للوسوسة والتثبيط وإضعاف الهمّة، عن أبي جعفر الباقر(علیه السلام): (من همَّ بشيء من الخير فليعجّله، فإن كل شيء فيه تأخير فإن للشيطان فيه نظرة).

3- إن القلوب لها أحوال متغيرة فتارة تكون في إقبال على الطاعة وأخرى في إدبار فإذا لم يستغل الحال الأول - أي حال إقبال القلب- فقد يقع في الثاني - أي حال إدبار القلب - فلا يجد في نفسه إقبالا على الطاعة .

4- إن الطاعة مهما تبدوا شاقة فإنما هي جهد اللحظة التي أنت فيها، ومهما تبدو المعصية لذيذة فإنما هي لذة اللحظة التي هو فيها وهذا ييّسر المضي على الطاعة واجتناب

ص: 493

المعصية.

رصيد العمر الثمين

إن الإنسان عبارة عن رصيد من السنين والأيام يقدرها الله تبارك وتعالى فكلما انقضى يوم أو مرّت سنة فانه يعني أنه فقد جزءاً منه حتى ينتهي بالموت ويصبح بلا قيمة إلا بمقدار ما قدّم لآخرته، مثل رصيد الهواتف المحمولة الذي يساوي عدداً من الدقائق فكل دقيقة من الاتصال تعني ذهاب جزء منه، قال أمير المؤمنين (علیه السلام): (إنما أنت عدد أيام فكل يوم يمضي عليك يمضي ببعضك فخفّض في الطلب وأجمل في المكسب) وفي غرر الحكم لأمير المؤمنين (علیه السلام): (العمر أنفاس معدودة) وعنه (علیه السلام): (نفس المرء خطاه إلى قبره).

استثمار الوقت والعمر

استثمروا - أيها الشباب - ساعات عمركم فيما هو نافع في دنياكم وآخرتكم، واستشعروا الندم والأسف لأي وقت يضيع منكم؛ فإن هذا الشعور يكون دافعاً ومحركاً لتصحيح المسيرة، ومن لا يمتلك هذا الشعور فإنه في تسافل وانحدار تطبيقا للحديث الشريف: (من استوى يوماه -أي يومه السابق واللاحق - فهو مغبون، ومن كان أمسه خيراً من يومه فهو ملعون) وإن الشاب يمتلك طاقات متوثبة وقوية وهي نعمة من الله عليه فليحسن توظيفها.

استثمار فرصة العمر

لا مجال للهو والعبث في حياة المسلم وعليه أن يفرق بدقة بين ما يحتاجه للترفيه والراحة والاستجمام واستعادة النشاط والترويج عن النفس (كالحاجة إلى النوم ) وبين ما هو أزيد من ذلك فيدخل في حيز اللهو ومضيعة العمر الذي هو رأس مال الإنسان في تجارته مع الله تبارك وتعالى فلا ينشغل بالأهداف الوهمية عن الأهداف الحقيقية.

استثمار فرصة التعطيل

الإنسان الواعي لا يعرف التعطيل بل هو في عمل دؤوب ما دام انه يستطيع ان يستثمر كل لحظة في طاعة الله تعالى وفي تجارة لن تبور فلماذا تكون بعض أوقاته عاطلة عن الاستثمار؟ هذه خسارة يأباها كل عاقل ،وقد روي في سبب تسمية يوم القيامة بيوم التغابن لان الجميع يشعرون بالغبن والتقصير وضياع الفرصة حتى المؤمنين لانهم أضاعوا شيئاً ولو يسيراً من عمرهم من دون استثمار أي (عطلوه) وكان يمكنهم أن يستثمروه فينالوا درجة أعلى.

ص: 494

الاستثمار الأمثل للوقت

إن الطريق لتحقيق الاستثمار الأمثل للوقت هو في المبادرة إلى العمل وعدم التسويف والتأجيل لأن الفرص تمرّ مرّ السحاب، ومن وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لأبي ذر: (إياك والتسويف بعملك، فإنك بيومك ولست بما بعده، فإن يكن غدٌ لك فكن في الغد كما كنت في اليوم، وإن لم يكن غداً لك لم تندم على ما فرّطت في اليوم) وكذلك في تنظيم الوقت وتوزيعه بدقة على الأولويات بعد تحديدها طبعاً، فتبرمج أولاً أوقات الفرائض اليومية وما يتيسر معها من مقدماتها وتعقيباتها وتلاوة القرآن، ووقت العمل والكسب، ووقت العائلة ومسؤولياتها، ووقت المطالعة وتجديد المعنويات والتأمل والتفكير، ووقت الالتزامات الاجتماعية الأخرى وهكذا.

أسباب ضياع الوقت

من دون تنظيم الوقت ومراقبته يضيع الكثير في الفوضى وعدم التخطيط والارتباك بحيث تفقد القدرة على استثمار الوقت إذا لم تضع برنامجاً، ويتحقق الغبن في العمر الذي تحدّث عنه رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بعض الروايات أن أجزاء عمر الإنسان وأوقاته تعرض عليه يوم القيامة على شكل صناديق فما قضاه في خير سرّه منظره، وما قضاه في سوء أفزعه مرآه، والأكثر يراها فارغة ضاعت عليه ولم يستثمرها، فتشتد حسرته لكثرة ما ضاع منه وكان يكفيه اليسير منها لو شغلها بالطاعة كتسبيحه في ثوانٍ أو الصلاة على النبي وآله أو قراءة سورة قصيرة من القرآن الكريم أو استماع لموعظة أو التحدث بأمرٍ مفيد. والعاقل هو من اتعظ بهذا وهو في الدنيا ليتمكن من التعويض. في غرر الحكم عن أمير المؤمنين (علیه السلام): (لو اعتبرت بما أضعتَ من ماضي عمرك لحفظت ما بقي).

الربح والخسارة الحقيقيان

تجد الكثير من الناس يحزن لضياع مال أو تلفه، أو فوت فرصة فيها ربح وفير، مع أنه يمكن أن يعوضه، وأن فائدته هو ما يرتبط بحياته الزائلة، ولا يكترث لفوت شيء من عمره في غيرطاعة الله تبارك وتعالى فيه، عن أمير المؤمنين (علیه السلام) قال: (بادروا العمل وخافوا بغتة الأجل، فإنه لا يرجى من رجعة العمر ما يرجى من رجعة الرزق) ومن وصايا النبي (صلى الله تعالى عليه وآله) لأبي ذر (رضوان الله عليه): (يا أبا ذر كن على عمرك أشحَّ منك على درهمك ودينارك)..هذا إذا لم نفترض أن الكثير من الوقت يقضى في معصية الله تبارك وتعالى فتباً لها من صفقة خاسرة.

ص: 495

المغبوط والمغبون حقاً

إن الجنة التي عرضها السماوات والأرض والتي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ثمنها أن تستثمر هذه اللحظات وهذه الساعات، عن أمير المؤمنين (علیه السلام): (إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما، ويأخذان منك فخذ منهما) ويقول (علیه السلام): (إن المغبون من غبن عمره، وإن المغبوط من أنفد عمره في طاعة ربه) فرأس مال الإنسان في هذه التجارة التي لن تبور: عمره ووقته وإضاعة أي جزء –ولو للحظة- بغير تحصيل الغرض المطلوب خسارة توجب الندامة؛ لأن اللحظة يمكن أن تكون فيها تسبيحة تغرس له بها شجرة في الجنة كما في بعض الأحاديث الشريفة، أو أي حسنة ترجّح كفّة حسناته يوم تنصب الموازين بالقسط. عن أمير المؤمنين (علیه السلام): (احذروا ضياع الأعمار في ما لا يبقى لكم، ففائتها لا يعود).

ص: 496

التنمية البشرية ولغة الجسد

أهل البيت (عليهم السلام) والتنمية البشرية

لقد اهتم القادة المعصومون (عليهم السلام) بالتنمية البشرية في كل أنحائها، فعلى صعيد الكم أي تكثير العدد ورد حث كثير على تكثير النسل خلافاً لهوس العصر المطالب بتحديد النسل.. وأما التنمية على صعيد النوع فقد اهتم به المعصومون (عليهم السلام) أيضاً وتابعوا مراحله من قبل تكون نطفة الإنسان باختيار الزوجة الصالحة والمنبت الطيب للنسل ووردت في ذلك روايات كثيرة.. وعلى صعيد تنمية المجتمع وجعله كياناً قوياً متماسكاً متحاباً يتعاطى أفراده بإيجابية فيما بينهم ومع الآخرين.. وعلى صعيد تنمية الحياة بإعمارها وتقدّمها وجعلها مرفهة سعيدة متمدنة فقد حث أهل البيت (عليهم السلام) على كل ما يساهم في بناء ذلك ويشيّد مقوّماتها وبنيتها التحتية وعلى رأسها طلب العلم والمعرفة والتزود بكل أسباب القوة والمنعة والتقدم والرفاه.

فلسفة تحريك بعض الأعضاء في الأدعية والزيارات

ورد في بعض الأدعية القيام بحركات في الأعضاء مقترنة مع الدعاء، كما في دعاء العهد حيث ورد في نهايته (ثم تضرب على فخذك الأيمن بيدك ثلاث مرات، وتقول في كل مرة: العجل العجل يا مولاي يا صاحب الزمان) وكان الأئمة (عليهم السلام) يقومون ببعض الحركات في موارد معينة كالذي ورد في دعاء شهر رجب المعروف (يا من أرجوه لكل خير) حيث تقول الرواية في نهاية الدعاء (ثم مدّ الإمام الصادق (علیه السلام) يده اليسرى فقبض على لحيته ودعا بهذا الدعاء، وهو يلوذ بسبّابته اليمنى ثم قال بعد ذلك: يا ذا الجلال والإكرام يا ذا النعماء والجود، يا ذا المنّ والطول حرّم شيبتي على النار) وأرى الكثير من المؤمنين لا يلتزمون بهذه التوجيهات ويتساهلون فيها، ربما لأنهم يجهلون معناها ولا يعرفون أسرارها، وربما يستهجن فعل من يقوم بها عند من لا يفهمها، لذا أحببنا أن نلفت نظركم إلى أن هذه الحركات لها مدلولاتها المعبّرة عن الخلجات الباطنية والمعاني الروحية. فالضرب على الفخذ المشار إليه في دعاء العهد يمكن أن يكون له أكثر من معنى:

أولاً/ ما جرى عليه الناس حين يريد أحد أن يستعجل آخر ويطلب منه الإسراع في التنفيذ فإنه يضرب على فخذه مكرراً لحثّه على ذلك، والداعي بدعاء العهد يستعجل ظهور

ص: 497

الإمام وإعلان دعوته المباركة.

ثانياً/ إن الإنسان عندما يبكي جزعاً في مصيبة معينة، فإنه يقرن البكاء بالضرب علىالفخذ، ولعل هذا معروف عند النساء أكثر ومع التسليم بحرمة جزع الإنسان في مصائبه الماديّة، فإن طول غيبة الإمام (علیه السلام) وظهور الفساد في البر والبحر وغلبة أهل الباطل واستضعاف أهل الحق موجب للأسى والألم والجزع، وهو جزع محمود لأن غايته رضا الله تبارك وتعالى، كما في دعاء الندبة (هل من جزوع فأساعد جزعه إذا خلا، هل قذيت عين فساعدتها عيني على القذى) وهكذا في دعاء رجب المتقدم فإن القبض على اللحية يعني الاعتراف بالذنب والتقصير واستحقاق الغضب الإلهي ولذا اقترن بطلب النجاة من النار التي هي عقوبة المتمردين لأن المعروف عند الناس أن من غضب على آخر وله مقام الاستعلاء عليه أخذ بلحيته، كالذي حكاه القرآن الكريم عن فعل النبي موسى (علیه السلام) مع أخيه هرون (علیه السلام): (قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) كالتعبير بأنه (أخذ بناصيته) وهي مقدم الرأس وأول قصاص الشعر منه للإشارة إلى تمام المقدرة عليه، قال تعالى: (مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا) أي أنها في قبضته وتحت قدرته يفعل بها ما يشاء. أما التلويح بالمسبحة فكأنه طلب للهداية والرشاد لأن التلويح بالمسبحة علامة المنذهل الحيران الطالب للدلالة على الطريق الصحيح، ويكون مجموع معنى الحركتين هو طلب النجاة من النار والفوز بالجنة وعدم الاكتفاء بالأول، وهو معنى قوله تعالى(فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) ومن تلك الحركات: القيام ووضع اليد على الرأس عند ذكر الإمام المهدي (علیه السلام) للتعبير عن الإيمان بحياته وأننا بمحضر وجوده المبارك الشريف. هذا في جانب الحركة، وقد يكون عدم الحركة هو المطلوب للتعبير عن حالة باطنية، كما في الصلاة لإبراز حالة الخشوع في الجوارح مع توجّه القلب قال تعالى (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) لذا كُرِه في الصلاة العبث باللحية والأصابع، والروايات في هذا المجال كثيرة. والهدف من هذه الحركات والسكنات هو تفاعل واشتراك كل مكونات الإنسان في العبادة والطاعة وتحقيق حالة الانسجام بين عوالم الإنسان: القلب والجسد والنفس والروح، وورد في حديث مرسل عن النبي (صلى الله عليه وآله): (لا يقبل الله من عبده عملاً حتى يشهد قلبه مع بدنه).

نصيحة تحفيزية

على الإنسان أن لا ييأس من تكرار التجربة إذا حصل له الفشل فيمكن أن ينجح في المرة الثانية أو العاشرة أو أزيد من ذلك ولا يجعل الشعور بالإحباط ينفذ إلى قلبه وعقله.

ص: 498

اعمار الإنسان لطاقاته الذاتية

كما إن الأرض مستودع لكثير من الخيرات وعلى الإنسان أن يستصلحها ويستعمرها ليستخرجها، فكذلك طاقات الإنسان لا حدود لها لو أحسن تفجيرها، وتشهد وقائع كثيرةبذلك كقلع أمير المؤمنين (علیه السلام) لباب خيبر التي عجز اربعون شخصا عن حملها. وخذ مثالا قريبا من مسيرة الموالين لأهل البيت (عليهم السلام) حين يقطعون مسافة اكثر من 500 كيلومترا مشياً في ظروف جوية قاسية وتهديدات ارهابية جديّة من دون اصطحاب طعام أو فراش، فحبّهم للحسين (علیه السلام) وولاؤهم للنبي(صلى الله عليه وآله) واله فجّر طاقات يجدونها مستحيلة التحقق في غير هذا الحافز، وكسير بعض الاخوة 2000 كيلومترا من الامامين الكاظمين (عليهما السلام) إلى مشهد الامام الرضا (علیه السلام) في ارض مجهولة لهم وظروف جوية صعبة ويمرّون بمناطق فيها وحوش مفترسة.

وظيفة القائد الكاريزما

صحيح أن وظيفة القائد الكاريزما إيجاد الآليات المناسبة لتحريك الأمة، وهذا يمثل فعلاً هاجساً مهماً في تفكيري، إلا ان الأمور ليست كلها بيده فهذا الانفتاح نفسه بلا ضوابط حتى عاد اقرب للفوضى هو مشكلة بحد ذاته لأنه أضاع البصيرة والقدرة على تلمّس الطريق الصحيح لتنوّع الخيارات وكثرتها وتشابكها فعقد طريق الوصول للقناعة الصحيحة كمن خرج من قعر الظلمات إلى الشمس والضوء فإنّه لا يهتدي إلى الطريق و يتخبّط في مشيته ويعشو بصره، وهكذا مجتمعنا العراقي بعد خروجه من ظلمات الحكم الصدامي المجرم، ولولا وجود الدين وبعض الأخلاق العامّة لكانت الحالة أسوأ بكثير ممّا نحنُ فيه، ومحل الشاهد أنّه في ظل الاهتمامات والطموحات الجديدة يكون الالتفات إلى الثقافة والفكر والوعي ضعيفاً جداً ويعتبرونه من الترف الزائد. ومن المعّوقات كون الآليات التي تتناسب مع ذوق الأمة وتوجهاتها مخالفة للشريعة فيأبى المتورع سلوكها كالفضائح ونشر الغسيل كما يعبّرون أو الخداع وقلب الحقائق أو شراء الضمائر ونحوها، وهذا ما ابتلي به أمير المؤمنين(علیه السلام) وعبّر عنه بقوله: (قد يرى الحُوّل القُلّب - وهو البصير بتحولات الأمور وتقلبها - وجه الحيلة ودونها مانع من أمر الله ونهيه فيدعها رأي عين بعد القدرة عليها، وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين)... وقد يكون المانع مراعاة المصالح العليا للدين والأمة والبلد التي هي أهم من بعض النتائج المرجوّة وهذا ما عبر عنه أمير المؤمنين (علیه السلام): (لقد علمتم أني أحق بها من غيري ، ووالله لأسلّمنّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلاّ عليّ

ص: 499

خاصّة).

كاريزما الشخصية القيادية

من أدوات (جذب الناس إلى المؤسسة الدينية ورجالاتها) الكاريزما الشخصية للقيادة الدينية بحيث يستطيع شدّ القاعدة إليه، أذكر أن السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) قال مرة: أن المثل يقول أن الناس يميلون مع كل ريح، وتساءل لماذا لا تكونالحوزة الدينية هي صاحبة الريح الأقوى التي تستطيع إمالة الناس إليها، والريح مصطلح قرآني كما هو معلوم، وهذا طبعاً يحتاج إلى عمل وإلى مواصفات في القيادة الدينية.

لا تتراجع من أول محاولة فاشلة

إذا دخلتَ إلى سوق الحدادين أخذتَ منه درساً، فهذا الحديد الذي يضرب به المثل من القوة والصلابة والبأس الشديد، على تعبير القران، فانه ينكسر، وينفتح بكثرة الطَرْق فاستفد منه عدم اليأس من تكرار المحاولة حتى تحصل النتيجة، ولا تتراجع من أول محاولة فاشلة، أو ثانيها.

سلاح علو الهمة

إن كثيراّ منهم (أي الشباب) يحسنون الظن بي ويرون فيّ ناصحاً ومرشداً وموجهاً، وهذا من لطف الله تبارك وتعالى بي، واستجابة منه - وهو المتفضل المنان الذي نعمه كلها ابتداء من غير استحقاق مني - لدعاء لا زلت أدعو به منذ عشرين عاماّ تقريباّ وأنا في بداية العشرينيات من عمري، حيث كنت أقرأ في كتاب الميزان في تفسير القران فوصلت إلى قوله تعالى على لسان طائفة من المؤمنين [وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا] فتحدث السيد الطباطبائي (قدس سره) عن علوّ همة هؤلاء، حيث لم يكتفوا بطلب جعلهم من المتقين، بل ارتقت همتهم إلى أن يطلبوا منه تبارك وتعالى أن يكونوا أئمة للمتقين، ومن حينها التزمت بهذا الدعاء وغيره في صلواتي أسوة بهذا السلف الصالح. وها أنا ذا أجد لطف الله تعالى بي، فإنه عند حسن ظن عبده، فما يضر العبد أن يحسن الظن بربّه غاية الإحسان مادام الرب عند حسن ظن عبده، ومن لطفه أن عدداً من المؤمنين المتقين -خصوصاً من الشباب الذين أرجو شفاعتهم لي يوم الحساب وأتقرب إلى الله بمودتهم - يرون فيَّ هذا الوصف بمعنى من المعاني وبدرجة من الدرجات، فالحمد لله كما هو أهله، أقول هذه الكلمات لإظهار نعمة الله تعالى ولتحفز الهمم لديكم حتى تكون آمالكم معلقة بالله تعالى بأعلى صورها وأكمل أشكالها.

ص: 500

من فوائد الأهداف الكبيرة

حينما يعيش الإنسان هدفاً كبيراً فانه تزداد همته وتقوى عزيمته وتذوب عنده الكثير من الأمراض المعنوية كالحسد والتنافس على شيء من الأمور الدنيوية وسيترفع عن الكثير من الأفعال التي يبتلى بها غيره.

تذكر الهدف

تذكر الهدف فإن الهدف كلما كان سامياً وكبيراً هانت في طريق الوصول إليه الصعوبات وتعلو الهمة وتتضاعف وتستعد لتحمل أعلى المسؤوليات وأنتم معاشر العاملينالرساليين تبتغون رضا الله تبارك وتعالى (ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم).

محاسن التفكير الايجابي

إن الشارع المقدس علَّم الإنسان أن يكون تفكيره إيجابياً في كل حالاته حتى عندما يشتد عليه البلاء من خلال إعطائه ثقافة إيجابية توجه سلوكه فإنه وعده بالأجر العظيم اإذا صبر واحتسب وأن هذا البلاء كفارة لذنوبه التي اجترحها وبذلك يكون فرصة للإنسان حتى يراجع نفسه ويحاسبها ويصلح أخطاءه، ووعده بالفرج وزوال البلاء مع ثبات الأجر { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} وبذلك يكون الإنسان سعيداً وهو في أشدَّ حالات البلاء كالذي مرّ به الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم أجمعين.

من محاسن الصبر

من يتعامل مع الأمور و الأحداث بسلبية فانه يكون في شقاء وتعاسة ويكون عيشه منكداً ونحو الأسوأ من دون أن يغيِّر في الواقع شيئاً لأن الأحداث جارية شاء أم أبى عن أمير المؤمنين(علیه السلام): ( إنك إن صبرت جرت عليك المقادير وأنت ماجور، وان جزعت جرت عليك المقادير وأنت مأزور) حُكي إن مكتشف الكهرباء أجرى 2000 تجربة على نماذج المصباح الكهربائي قبل أن يصل إلى مراده فسخروا منه وانك أتعبت نفسك وخسرت الكثير في أجراء هذه التجارب الفاشلة فقال : ليس الأمر كذلك فقد استفدت معلومة وهي أن هذه الألفي طريقة للعمل غير منتجة.

قوله تعالى: (إيَّاكَ نَعبُدُ وَإيَّاكَ نَستَعِينُ) قاعدة حياتية

فلا عبادة ولا طاعة إلا لله تبارك وتعالى، ولا نطيع أحداً سواه إلا إذا كانت طاعته من طاعة الله تبارك وتعالى، قال تعالى في الوالدين: (وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ

ص: 501

فَلَا تُطِعْهُمَا) فلا انسياق وراء الشيطان ولا وراء الشهوات ولا وراء التقاليد والأعراف البالية ولا وراء الأيدولوجيات والأجندات البعيدة عن الله تعالى، ولا طاعة لمن يحكم بغير ما أنزل الله تعالى ومن دون الرجوع إلى شريعة الله تبارك وتعالى سواء كانوا قادة سياسيين أو زعماء عشائر أو وجهاء مجتمع أو حتى قادة متلبسين بالدين فإنهم جميعاً أئمة ضلال (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) فأنت أيها الموظف إذا دعاك مدير دائرتك إلى إنجاز عمل فيه فساد وهدر لأموال الشعب فلا تطعه، وأنت أيها الطالب الجامعي وغيره إذا دعتك فتاة إلى علاقة غير شرعية فأرفضها، وأنتِ أيتها المرأة إذا أمركِ زوجكِ بخلع الحجاب أمام الأجانب فأعصيه، وهكذا.

الفرق تحقيق النجاح والمحافظة عليه

إن الوصول إلى النجاح أو القمة أيسر من الثبات عليها والمحافظة على التمسك بها، وهذا معروف لدى المتنافسين في كل المجالات وهو أمر شاق لا ينال إلا بلطف من الله تبارك وتعالى؛ لذا يظهر من الآية الشريفة( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) أن الخطوة الأولى من العبد بأن يستقيم وحينئذٍ يستحق مزيداً من اللطف الإلهي فتنزل عليه الملائكة لتتولى أمره وتقوده إلى الخير، وتثبته على الاستقامة، قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً).

استنهاض قوة الإرادة والعزيمة

يروى إن هارون العباسي كان مبتلى بعادة سيئة مدمناً عليها فطلب من مستشاريه إقناعه والتأثير عليه لتركها فحاول هؤلاء بحسب اختصاصاتهم. فالأطباء من الناحية الصحية والتجّار من الناحية الاقتصادية والفقهاء من الناحية الشرعية، فلم يفلحوا ثم التجأ إلى الإمام الكاظم (علیه السلام) الذي عرف بنور الله تعالى أن مشكلة هارون تكمن في ضعف إرادته لتنفيذ القناعة وليس في أصل الاقتناع فاستثار فيه هذه الهمّة وقال (علیه السلام): (أين عزم الملوك) فتحركت عزيمته واستجمع قوته وترك ما كان مبتلى به.

ص: 502

المطالعة والتأليف

فرصة المطالعة

إن أيسر شيء اليوم وأبخس الأشياء ثمناً هو الكتاب ووسائل التثقيف والتعلم والاطلاع، فلا عذر لأي أحد في عدم التفقه في الدين، في حين كان أحدهم في الأزمنة السابقة يدفع حياته ثمناً للحصول على كتاب ديني وكانوا يتبعون مختلف أساليب التمويه والتستر للوصول إلى المعلومة.

قراءة الكتب ليست هواية

إن قراءة الكتب ليست (هواية) كما يعبّر البعض عند الحديث عن الهوايات، بل هي مسؤولية ووظيفة، قال تعالى مؤدباً نبيّه الكريم: (وقل ربّ زدني علماً) وفي حديث آخر مضمونه: إن كل يوم لم أزدد فيه علماً فليس من حياتي، وفي الحديث الآخر المروي في الخصال للشيخ الصدوق (قدس سره) (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لم يُعبد الله عز وجل بشيء أفضل من العقل، ولا يكون المؤمن عاقلاً حتى يجتمع فيه عشر خصال – إلى أن قال(صلى الله عليه وآله)- لا يسأم من طلب العلم طول عمره).

استعادة أمجاد أمة القراءة والقلم

علينا أن نستعيد امجادنا ونكون امة القراءة والكتاب فعلاً ونقود نهضة ثقافية عامة تدعو الى قراءة الكتاب بمختلف اشكاله والاهتمام به ولننشره ولنشجع الناس على القراءة ونبتكر كل الاساليب التي ترفع مستوى الثقافة لدى الناس من خلال نشر معارض الكتب وتوفيرها بأسعار زهيدة وطباعتها بشكل جاذب للقراء، وتيسير بيانها، وتنويع مواضيعها، وان تكون ذات مساس بواقع الامة وهمومها وآمالها وتساهم في صنع شخصية الإنسان وان تكون بحجوم مختلفة من الدورات ذات المجلدات العديدة إلى المجلد الواحد الى الكتيبات والكراريس والمنشورات والمقالات المختصرة. إذن علينا ان نواصل القراءة لنكون امة حية حضارية متقدمة وعلى كل شخص ان يقرا ليكون انساناً حقيقياً وعليناً ان نقرأ لنرضي الله تعالى ورسوله(صلى الله عليه وآله) والاولياء العظام ونستجيب لدعوته الى ما يحيينا. ونقرأ لنعيش حياة الانسِ والسعادةِ والسموِّ والارتقاء.

ص: 503

أسباب السطحية والعزوف عن القراءة

عندما حللت أسباب هذه السطحية وضعف رغبة الشاب في القراءة المعمقة والتأمل والتفكير وجدت أن أهمها متابعة التلفزيون والرياضة، فإنهما كلاهما يركّزان علىجانب الإثارة والانفعالات العاطفية ويهمشان الفكر، فيبتعد المواظب عليها عن الفكر العميق والصبر والمثابرة في اكتشاف الحقائق العلمية والتوصل لها، فلم تبقَ لأحدهم همة في متابعة الكتب والتعمق فيها. هذا غير العوائق الأخرى كغلاء الأسعار وضعف القدرة الشرائية، ولكن توجد عدة فرص لهم للتفقه في أمور دينهم في مدنهم من خلال حلقات الدرس التي يعقدها أئمة المساجد ووكلاء المرجعية الشريفة، أو بالالتحاق بالدورات السريعة في العطلة الصيفية في الحوزة الشريفة التي تعطيهم دروساً مكثفة، أو الالتحاق كلياً بالحوزة الشريفة. وأهم دروس يركز عليها الشباب: العقائد والأخلاق والفقه والتاريخ.

مواضيع وكتب جديرة بالقراءة

الدعوة الى القراءة لا تختص بالمعارف الدينية بمختلف فروعها وإن كانت منها بل هي من أساسياتها، في حديث عن الإمام الصادق (علیه السلام): (عليكم بالتفقه في دين الله، ولا تكونوا أعراباً فإنه من لم يتفقه في دين الله لم ينظر الله إليه يوم القيامة ولم يزكِّ له عملاً) وروي عن الإمام الصادق (علیه السلام) أيضاً أنه قال: (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) أُفٍّ لرجلٍ- وفي رواية لكل مسلم- لا يُفَرِّغ نفسه في كل جمعة لأمر دينه فيتعاهده ويسأل عن دينه) ويصل الحثّ الى حد الإلزام والعقوبة على الترك، ففي رواية عن الإمام الصادق (علیه السلام): (لوددتُّ أن أصحابي ضربت رؤوسهم بالسياط حتى يتفقهوا) أقول: لكن القراءة لا تختص بهذا المجال بل كل كتاب نافع يساهم في تكوين تلك المنظومة الثقافية الصحيحة، فكتاب "كيف تكسب الأصدقاء" لمؤلف غير مسلم لكنه غني بالتوجيهات الرشيدة التي ترسم لك بوصلة العلاقات الناجحة والإيجابية مع الآخرين، وهكذا كل كتب التنمية البشرية أو إدارة الوقت والاستفادة منه، أو كتب تعليم أسرار النجاح ومفاتيحه، أو التجارب الاجتماعية وغيرها كثير.

فوائد مصادقة الكتاب

إن الثقافة والعلم من مقومات حياة الامم فالآية الكريمة (إقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) تدعونا الى التجاوب مع كل مصدر يزودنا بهما. فعلى كل شخص أن يقرأ ويصاحب الكتاب وكل مصادر المعرفة الأُخرى ويتزود منها ليكون إنساناً بمعنى الإنسان الحقيقي لا

ص: 504

الشكلي وليكون حياً فاعلاً في المجتمع، ولينسجم مع متطلبات الفطرة التي تنزع نحو الكمال، وليحظى برضى الله تبارك وتعالى ويتأسى برسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن وجهة نظري -بغض النظر عن التعريفات التي قيلت- فإن الثقافة هي منظومة الأفكار التي تجعل للإنسان رؤية فيما حوله ولا يكون إمّعًة من غثاء الناس ينعق مع كل ناعق ويسيّرَه السلوكالجمعي بلا رؤية وتأمل فيما يفعل، وفي الآية الكريمة إشارة الى ذلك (إقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) أي أن الامر بالقراءة ليس عشوائياً وبلا هدف وبلا محدِّدات بل تقرأ بإسم ربك ومن أجل ربك وضمن ما خطّط له ربُّك الذي خلقك فيجب عليك ان تسير بهداه جاعلا أمامك الغرض الذي خلقك الله تعالى من أجله واستخلفك في الأرض لتحقيقه وهو إعمار الحياة بكل خير وعطاء نافع واستثمار كل الأدوات والظروف التي هيأها الله تعالى لتوفير السعادة والصلاح للبشر (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا).

أمة القراءة

من حقنا أن نفخر نحن أُمة الإسلام بأننا أُمة القراءة وطلب العلم وأن أول كلمة نزلت على النبي(صلى الله عليه وآله) عند بعثه بالرسالة الإسلامية هي (إقرأ) أي الأمر بالقراءة، وإن معجزة الإسلام الخالدة (القرآن) هو كتاب مقروء وهو مصدر اشتق إسمه من القراءة.

من عوامل تقدم الأمم

إن حياة الأمم وسعادتها وتقدمها بالقراءة والتعلم، أما الأمم الجاهلة المتخلفة فان ممارستها لا تفترق عن حياة الحيوانات قال تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ).

روضة القراء

قد جرّب مَن صاحًبَ الكتاب وتولّع بالقراءة أيّ أُنسٍ وسعادةٍ يحياها برفقة الكتاب حتى لا يشعر احياناً بما يجري حوله وتمر عليه الساعات دون ان يدري وكأنه في روضة غنّاء ضمّت كل ما تهفو اليه النفس وتلذ به العين، وكان بعض العلماء يطرب اثناء أُنسه بالكتاب ويقول: أين الملوك وابناء الملوك من هذه اللذات، ومعه حق فما قيمة اللذات الجسدية التي يبحث عنها المترفون من لذة القراءة ومطالعة الكتاب.

دعوة للعلماء والمفكرين

ص: 505

إنني أدعو العلماء والمفكرين والمثقفين والكتّاب إلى تفعيل الدراسات الاجتماعية والنظر فيها بعمق والاستفادة منها لنرقى بمستوى أمتنا حتى تكون مستعدة لاحتضان دولة الإمام الموعود (علیه السلام) وقيادته المباركة التي تنطلق من هذه الأرض المعطاء. ويجب أن تكون هذه الدراسات صريحة وشفافة ومخلصة لنتمكن من التأسيس عليها وسنجد حينئذٍ أن كثيراً من المظاهر التي تعد إيجابية هي سلبية وبالعكس (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ).التفقه وطلب العلم

لابد أن نتفقه ونتعرف على معالم الدين وسيرة أهل البيت (عليهم السلام) لأن العمل يسبقه العلم، فمن جهل شيئاً فإنه لا يفعله، وإذا فعله فإنه لا يحسنه، فاهتموا بطلب العلم ومعرفة ما يسعدكم وما يقرّبكم إلى ربكم.

التقصير في الدفاع عن الإسلام

من المؤسف أننا صرنا لا نشعر بمسؤولية الرد والدفاع عن الإسلام ونبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) كشعورنا بمسئولية الدفاع عن مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، وأئمتها الطاهرين (عليهم السلام) ونظرة واحدة إلى المكتبات الشيعية تجد فيها آلاف الكتب التي تعرِّف المذهب، وتبيِّن تفاصيله، وتدافع عنه، وترد الشبهات الموجهة إليه، ومعهم حق، لكثرة ما تعرضت له مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) من التشويه والدس والكذب والإفتراء والطعن، ولكن لا تجد عدد الأصابع من الكُتب التي تؤدي نفس الشيء عن الإسلام ونبيه العظيم.

فوائد العلوم الأكاديمية

أستطيع أن أقول إن كثيراً من العلوم الأكاديمية تساهم في خلق الذهنية الاجتهادية والإبداع ولا يحتاج صاحبها إلا إلى التزود بأدوات الاجتهاد من العلوم الداخلة في عملية الاستنباط وهو لا يحتاج إلى زمن طويل.

*******

التنبؤ بالأحداث واستشراف المستقبل

اشارة

ص: 506

ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله

ليعلم كل هؤلاء المتواطئين على ظلم هذا الشعب الأبي الغيور الكريم إن البركان إذا انفجر فإنه لا أحد منهم في داخل العراق أو الدول الإقليمية سيكون في مأمن من حمم البركان لان موقع العراق الجغرافي ووشائجه الاجتماعية مع شعوب المنطقة وتأثيراته العقائدية والروحية في نفوس الملايين في الدول الإقليمية وغيرها سوف يشعل بنار الفتنة كل الذين يلعبون بالنار.

النموذج الأمريكي هو آخر ما تجربه البشرية

إن الإدارة الأمريكية هي مصداق (للأعور الدجال) وإن النموذج الأمريكي هو آخر ماتجربه البشرية وبفشله وعجزه عن تحقيق السعادة للبشرية ستعود هذه البشرية المتعبة إلى الإسلام... إن ذلك يوجب على علماء ومفكري الإسلام مسؤولية مزدوجة أي باتجاهين:

الأول: عرض الصورة المشرقة للإسلام على مستوى النظرية أي الأفكار والتعاليم والمعتقدات وعلى مستوى التطبيق والممارسة.

الثاني: كشف زيف ونقاط ضعف الحضارة المادية من حيث الأسس والمرتكزات وفشل نموذجها الأرقى وهو النظام الأمريكي.

زوال الانظمة العربية الظالمة

...وبعضهم سعى إلى أن يصنع من أشلاء أطفال العراق ونسائه ومصالحه الحيوية وحلاً يعرقل حركة المشروع الأمريكي قبل أن تعصف بأنظمتهم الذليلة رياح التغيير.(1)

وثيقة مكة المكرمة

إنكم بالتزامكم جميعاً بهذه الوثيقة ستسحبون الذرائع من قوات الاحتلال التي تبرر وجودها بتردي الوضع الأمني وتُفشِلون مشاريع تقسيم العراق التي تجعل العنف الطائفي سبباً لها، وتصوّر التقسيم وكأنه الحل الوحيد لإنهاء هذه الحالة.

تحذير وقراءة مستقبلية للساحة

إذا أعطيتم أصواتكم في الانتخابات المقبلة سواء كانت المحلية أو العامة للذين لا

ص: 507


1- حيث شهدت الدول العربية ثورات شعبية سمّيت بالربيع العربي أطاحت بأنظمة تونس ومصر وليبيا واليمن، وتترنح أنظمة أخرى.

تعرفون منهم مؤهلات التصدي للمسؤولية فلا تلوموا إلا أنفسكم إذا جوّعوكم وأعطوكم مواداً غذائية مسرطنة وغير صالحة للاستهلاك البشري، أو إذا حرموكم من خدمات الماء والكهرباء والنفط والغاز وغيرها، أو إذا اعتقلوا أبناءكم لا لذنب إلا لأنهم يخالفون رؤاهم، أو إذا قسّموا الوطن الواحد وجعلوا أهله شيعاً، أو إذا أطلقوا يد ميليشياتهم وجماعاتهم المسلحة لينشروا القتل والدمار والخطف والسرقة، أو إذا وزّعوا على المرضى أدوية ملوثة بفيروسات الايدز وغيرها من الأمراض الفتاكة، أو إذا حرموا أبناءكم من فرصةٍ للعمل يكسبون منها قوتهم مادامت لا تنتمي إلى أحزابهم، أو إذا باعوا الوطن إلى الأجنبي بصفقات بخسة، أو إذا جعلوكم ضحية ووقوداً لتنفيذ أجندات إقليمية ودولية وغيرها من المآسي التي فاقت التصور والحصر، وسوف لا يسمع الله تعالى لكم دعاءً لأنكم قادرون على رفع كل هذه المظالم بوعي وإدراك أهمية أصواتكم التي تلقونها في صناديق الاقتراع وأتعبتم أنفسكم في التعرف على من يخدمكم ويخلص لكم.

التحديات الاقتصادية

أمامنا أيها الأخوة تحديات اقتصادية فيوشك أن تفتح الأسواق العراقية للاستثمارات الأجنبية فتغزوه الشركات العملاقة العابرة للقارات وسوف لا يجد أبناء هذا البلد فرصة للتنافس معهم بل قد لا يجدون فرصة للعمل كأُجراء في مشاريع هذه الشركات على أرضهم لوجود أيدي عاملة أرخص تأتي بهم هذه الشركات من دول العالم المتخمة بالموارد البشرية(1) أو تفرض تلك الشركات على من يعمل فيها أن يترك صلاته أو المرأة حجابها أو أن يلتزموا بسياقات العمل التي تفرض عليها أشياء محرمة فيكون العامل بين خيارين (أحلاهما مرّ) إما أن يتخلى عن دينه أو عن عمله ومصدر رزقه، والحكومة ماضية في تقليل الدعم للبطاقة التموينية والمشتقات النفطية وخصخصة الشركات العامة والمؤسسات الصناعية استجابة لشروط البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية.

الحكومة الضعيفة والهزيلة

لقد ولِدت حكومة الدكتور المالكي بعد مخاض عسير وطويل مما جعلها هزيلة وضعيفة وممزقة، وهذا ما تنبأنا به من خلال العقلية التي أدارت بها الكيانات السياسية مفاوضات تشكيل الحكومة إذ لم يكونوا يتصرفون كإخوة أبناء بلد واحد يريدون أن

ص: 508


1- وقد وقعت كل هذه الأمور التي حذر منها سماحته حيث أغرقت السوق بعد ذلك بالعمالة الأجنبية خصوصاً من دول جنوب شرق آسيا بينما يفترش العراقيون العاطلون الأرصفة حتى تعالت صيحات الاحتجاج والرفض.

يساهموا في بناء عراق جديد، وإنما كانوا فرقاء متخاصمين يحاول كل منهم أن ينتزع من الآخر أزيد من حقه.

الانقسامات السياسية

إن جملة من الوقائع على الأرض تشير إلى قرب حصول حدث سياسي كبير(1) وقد بنيت توقعاتي هذه على عدة معطيات ابتداءً من تشكيل التكتل الرباعي الذي لم يعرف لهالمحللون وجهاً إذ من غير المعقول أن ينفصل الحزبان الشيعيان عن كتلة برلمانية هي الأكبر – أي الائتلاف العراقي الموحد- ويضيّعا فرصة قيادة العملية السياسية ويشكلا بالمناصفة مع الحزبين الكرديين هذا التكتل، حتى الإدارة الأمريكية علّقت في حينه بأن لا جديد في هذا التكتل لأنه ضمّ نفس المتحالفين في السلطة، لكن يبدو أن أهداف الذين سعوا إلى تشكيل هذا التكتل قد وضحت لوزيرة الخارجية الأمريكية أو أنها كانت واضحة لديها لكن حصلت القناعة الآن بها حيث قالت في زيارتها قبل أيام للعراق إن التكتل الرباعي يمثل خارطة طريق لعملية سياسية صحيحة. ولم يهتدِ أحد إلى هدف تشكيل التكتل، ويمكن أن نضع ضمن هذه المعطيات ما أعلنه مصدر مقرب من رئيس جمهورية العراق قبل يومين أن رئيس الجمهورية سيطلق بعد العيد مبادرة لإصلاحات سياسية(2) تتضمن تشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية (على تعبيره) وعلى أنها على أي حال فلا يتسع الوقت لبيان تفاصيل هذه المعطيات والله العالم وهو مدبّر الأمور ولا رادَّ لقضائه.

معالجة أسباب الهجرة إلى الخارج

ص: 509


1- كان استقراء الأحداث يشير إلى قرب انقضاض المجلس الأعلى على المالكي ليسقط حكومته ويشكل حكومة جديدة برئاسة مرشحه عادل عبد المهدي مدعوماً من الحزبين الكرديين والحزب الإسلامي وأخذوا الضوء الأخضر من وزير الدفاع الأمريكي وبعث التحالف الكردستاني برسالة شديدة وقاسية إلى المالكي هددوه فيها فأصيب المالكي بانهيار عصبي ومشاكل في القلب نقل على وأثرها إلى لندن بطائرة خاصة يوم( 18/ذ.ح) لكن وزيرة الخارجية الأمريكية أفشلت هذه المحاولة حينما انفصلت من وفد رئيسها الذي كان يزور دولاً في المنطقة ووصلت بغداد من المملكة السعودية في زيارة سريعة يوم 6/محرم/ 1429 المصادف 15/1/ 2008م لتوقف هذه التداعيات ويبدو أن إعلان سماحة الشيخ(دام ظله) عن هذه التوقعات أوجبت قلق بعض كبار زعماء الائتلاف من انكشاف خطتهم وفشلها فسارع أحدهم إلى زيارة سماحة الشيخ في اليوم التالي من عيد الأضحى ( 11/ذ.ح) بعنوان التهنئة بالعيد ليفهم بماذا تفكر المرجعية؟!
2- أعلن الحزبان الكرديان والحزب الإسلامي تحالفاً ثلاثياً يوم 13/ذ.ح ووصفوا الخطوة بأنها تمهد لإعادة تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة ورددوا عبارة سماحته ب (( توقّع حدوث تغيير سياسي كبير قريباً وتغيير في خارطة التحالفات)) وهكذا توالت الأحداث مما لا يناسب ذكرها جميعاً لتكمل الصورة التي توقعها سماحة الشيخ في خطبة العيد.

...وبدلاً من أن تساهم الحكومة العراقية في معالجة أسباب التهجير وتضمن العودة السريعة للمهجرين إلى منازلهم تدعو دول العالم لاستقبالهم وكأن مشروعاً خفياً يجري لتغيير ديموغرافية العراق وتركيبته السكانية بإفراغه من أهله والمجيء بناس من دول أخرى لا نعلمهم سوى أنهم منسجمون مع مصالح أصحاب هذه الخطة، إن المهجرين يغادرون منازلهم وعيونهم عليها وقلوبهم معها وآمالهم مشدودة إلى اليوم الذي يعودون فيه إليها حتى وهم في أقصى نقاط العالم، لذا لا تجد أحداً منهم يبيع بيته أو أثاثه أو يصفي أملاكه إلا النادر وهذا يعني أنهم غير عازمين على هجر بلدهم وتركه، فانتبِهوا إلى هذه المؤامرة الخطيرة على الشعب العراقي التي تشترك فيها دول عدة ويديرها عملاء هذه الدول الذين ينفذون أجنداتهم.(1)

التنبؤ بالثورات العربية

وبعضهم(أي الزعماء العرب) سعى إلى أن يصنع من أشلاء أطفال العراق ونسائه ومصالحه الحيوية وحلاً يعرقل حركة المشروع الأمريكي قبل أن تعصف بأنظمتهم الذليلة رياح التغيير.(2)

التنبؤ بمحنة الشعب الاقتصادية

أمامنا أيها الأخوة تحديات اقتصادية فيوشك أن تفتح الأسواق العراقية للاستثمارات الأجنبية فتغزوه الشركات العملاقة العابرة للقارات وسوف لا يجد أبناء هذا البلد فرصة للتنافس معهم بل قد لا يجدون فرصة للعمل كأُجراء في مشاريع هذه الشركات على أرضهم لوجود أيدي عاملة أرخص تأتي بهم هذه الشركات من دول العالم المتخمة بالموارد البشرية(3) أو تفرض تلك الشركات على من يعمل فيها أن يترك صلاته أو المرأة حجابها أو أن يلتزموا بسياقات العمل التي تفرض عليها أشياء محرمة فيكون العامل بين خيارين (أحلاهما مرّ) إما أن يتخلى عن دينه أو عن عمله ومصدر رزقه، والحكومة ماضية في

ص: 510


1- - حيث تنبأ سماحته (دام ظله) بذلك من عام 2007م وحذر الجهات المعنية من خطر هذه الظاهرة قبل أن تظهر للعلن بشكلها الكبير والغريب هذه الأيام ونحن نعيش نهاية عام 2015م.
2- ونحن نقدم هذا المجلد للطبعة الثانية عام 2011، تشهد الدول العربية ثورات شعبية سمّيت بالربيع العربي أطاحت بأنظمة تونس ومصر وليبيا، وتترنح أنظمة أخرى.
3- وقد وقعت كل هذه الأمور التي حذر منها سماحته حيث أغرقت السوق بعد ذلك بالعمالة الأجنبية خصوصاً من دول جنوب شرق آسيا بينما يفترش العراقيون العاطلون الأرصفة حتى تعالت صيحات الاحتجاج والرفض.

تقليل الدعم للبطاقة التموينية والمشتقات النفطية وخصخصة الشركات العامة والمؤسسات الصناعية استجابة لشروط البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية.

ص: 511

توضيح مفاهيم ومصطلحات سياسية

الطائفية

الفهم السلبي للطائفية

مفهوم الطائفية أو القومية بأنها لا تعني أن يكون للشخص خصوصية عرقية أو دينية فهذا أمر طبيعي ولا ضير بأن يضّم كيان أبناء طائفة معينة أو قومية محددة، وإنما تنشأ المشكلة من انغلاق كل مكّون على نفسه ومحاولة التمدد على حساب الأخر وإقصائه واستلاب حقوقه.

الطائفية هي..

إن الطائفية لاتعني اعتزاز الإنسان بهويته وخصوصياته والعمل من أجلها من دون التجاوز على حقوق الآخرين لكن الطائفية تعني أن يتعصب الشخص لانتمائه ويقتصر عليه ويلغي الآخر ويحرمه حقوقه وهذا ما لا يرتضيه عاقل لأنه عين الظلم والعدوان أما أن نراعي مكونات الشعب العراقي ونلحظ خصوصياته ونوزع الاستحقاقات عليها فليست طائفية وإنما هي عين العدالة والذي يزعم خلاف ذلك اما ساذج انطلت عليه الحيلة او خبيث يخلط السم بالعسل.

الشفافية

الشفافية وهي صفة لا تختص بالعمل فقد يوصف القانون بأنه شفاف أي مرن وقابل لاستيعاب الحالات الاستثنائية ويأخذ الأعذار بنظر الاعتبار وليس جامداً حدياً، فالشفافية إذاً من الأسس المهمة لإنجاح العمل ولضمان تطبيق القوانين والاستجابة لها بسلاسة وهي من أهم مميزات القانون الإسلامي وقادته العظماء.(ثم ذكر سماحة الشيخ (دام ظله) جملة أمور تعد من مظاهر الشفافية في الإسلام ومبادئها وأصولها النفسية المستندة إلى الأحاديث الشريفة) وهي :

1- إنصاف الآخرين من نفسك: فإذا كان رأي الآخر صحيحاً فكن شجاعاً وقل له ذلك وتنازل عن رأيك واعترف بخطأك لذا قالوا إن الاعتراف بالخطأ فضيلة .

2- المشاورة وعدم الاستبداد بالرأي وعدم الاستكبار عن سماع رأي الآخرين ونصيحتهم فإنها قوة إضافية لك لانضمام عقولهم إلى عقلك فكأنك تفكر بمجموع عقولهم وهو

ص: 512

كمال ونضج للرأي لذا جاء فيما أوصى به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) علياً (عليه السلام): (لا مظاهرة أوثق من المشاورة ولا عقل كالتدبير) .

3- اعتماد مبدأ الحوار وعدم فرض الرأي على الآخر مهما كنت مقتنعاً به فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يعلم إنه على حق ومع ذلك أمره الله تعالى بالحوار مع الآخرين: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّه) .

4- التواضع، لأن التكبر والنظر إلى الأنا والإعجاب بالنفس يصد عن سماع الحق ويعمي البصيرة ويذل صاحبه وعلى العكس منه فإن التواضع يرفع صاحبه ففي الحديث : (من تواضع لله رفعه الله) ، وفي دعاء مكارم الأخلاق للإمام السجاد (علیه السلام): (ولا ترفعني في الناس درجة إلا حططتني عند نفسي مثلها، ولا تحدث لي عزّاً ظاهراً إلا أحدثت لي ذلّةً باطنة عند نفسي بقدرها.

5- سعة الصدر، وقد ورد في الحديث: (آلة الرياسة سعة الصدر) ولا نفهم من الرئاسة إنها المناصب الحكومية الرفيعة فقط بل كل ولاية أمر لمجموعة هي رئاسة.

6- الحب للناس جميعاً، فليس في قلب المؤمن حقد ولا غل ولا كراهية لذلك جعل الله من نعمه على أهل الجنة انه يزيل ما بقي في صدورهم وقلوبهم من هذا قال تعالى:(وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) لأن هذا الغل والحقد والكراهية أول ما يؤذي صاحبه فيجعل حياته منكدة ومعذبة وباله مشغولاً بهذه الدوّامة من التفكير مما يقعده عن القيام بالكثير من الأعمال الناجحة.

7- حسن الخلق مع الناس والتآلف معهم فمن صفات المؤمن انه يألف ويؤتلف وهذه من أهم مظاهر الشفافية ويوجد في جوامع الحديث حشد هائل من الأحاديث التي تبني في الإنسان مكارم الأخلاق والخصال الحميدة قال الإمام الصادق (علیه السلام): (ما يقدم المؤمن على الله عز وجل بعمل بعد الفرائض لله تعالى من أن يسع الناس بخلقه فإن الخلق الحسن يميت الخطيئة كما تميت الشمس الجليد).

8- حمل الآخرين على الصحة والتماس العذر لهم إن لم يعجبك شيء من تصرفاتهم ، لذا ورد في الحديث: احمل أخاك على سبعين محمل حسن.

9- المحافظة على حدود الصداقة التي حدها الأئمة المعصومون عليهم السلام ، فعن الإمام الصادق (علیه السلام): (لا تكون الصداقة إلا بحدودها فمن كانت فيه هذه الحدود أو شيء منها وإلاّ فلا تنسبه إلى شيء من الصداقة

ص: 513

فأولها: أن تكون سريرته وعلانيته لك واحدة.

والثانية: أن يرى زينك زينه وشينك شينه.

والثالثة: أن لا تغيره عليك ولاية ولا مال.والرابعة: لا يمنعك شيئاً تناله مقدرته.

والخامسة: وهي تجمع هذه الخصال : أن لا يسلمك عند النكبات).

1- المواساة: بل الإيثار، فعن بعض أصحاب الإمام الباقر (علیه السلام) قال: قال لي الباقر: أرأيت من قِبلكم اذا كان الرجل ليس عليه رداء وعند بعض إخوانه رداء يطرحه عليه ؟ قال: قلت: لا، قال: ... فضرب بيده على فخذه ثم قال: ما هؤلاء بأخوة .

الفيدرالية

· الفدرالية فتُثبَّتْ كحق لمحافظة أو أكثر متى شاءت ووجدت في نفسها القدرة على تشكيل إقليم وإدارته لأن الفدرالية يمكن أن تكون حلاً لبعض المشاكل التي يمكن أن تحصل في الحكومة المركزية وهي غير حاصلة الآن كما أن الشعب العراقي في محافظات الوسط والجنوب عليه أن يستغل هذه المدة لتأهيل نفسه على مستوى إدارة الأقاليم وقد أخِذ بهذه الأفكار في الصياغة المعتمدة من الدستور.

· إن الفيدرالية ليست مطلباً لنا فنحن نريد عراقاً موحدا وحكومة مركزية فاعلة في ممارسة الصلاحيات الموكولة إليها في الدستور مع إعطاء إدارة لا مركزية بصلاحيات واضحة وواسعة في الدستور أيضا للحكومات المحلية في المحافظات وان تقدم الحكومة المركزية كل ما يساهم في إنجاح و تقوية الحكومات المحلية. وبنفس الوقت اعتقد إن الفيدرالية يمكن أن تكون حلا أخيرا لمشاكل البلاد إذا استعصت على الحل لا سامح الله ولا أجد مشاكل البلاد مستعصية على الحل إلا إذا أوصل أعداء الأمة والجهلاء والمتحجرون والانتهازيون و الأنانيون الحالة إلى هذه النقطة لذا فعلى الإرهابيين والقتلة أن يعلموا إنهم بجرائمهم التي يرتكبوها بحق الشعب.

· الفدرالية قد تعمل على إنشاء ديكتاتوريات متعددة في الأقاليم والمحافظات ويتحول إلى ممالك وكانتونات عشائرية وطائفية وغيرها من الانتماءات فلنعمل جميعاً على إقامة عملية سياسية سليمة قائمة على أسس صحيحة فهي الحل الأمثل للجميع.

· أنا كفرد عراقي لا أريد الفدرالية التي هي مقدمة لتقسيم العراق والتفكيك بل هي كذلك فعلاً من الناحية المعنوية والشعور على الأقل والفدرالية أن كان فيها خير فللأجزاء التي تريد أن تتجمع وليس للكل المتحد الذي يراد تجزئته فلا بد أن يبقى العراق كلاً واحداً متحداً

ص: 514

ولجميع أبنائه حق فيه كله وهذا من الناحية السياسية وهو لا يمنع من تحقيق لا مركزية في الإدارة لمراعاة خصوصيات المحافظات المختلفة من حيث اللغة والدين والمذهب والعرق وإعطاء صلاحيات واسعة للإدارات المحلية في المحافظات .

التقية

· لا تعني التقية الانزواء والانكماش وترك العمل وإنما تعني العمل بالممكن حتى تنفتح فرص لأزيد.

· العمل بالتقية لا يعني الانزواء وترك الحبل على الغارب لأعداء الله تبارك وتعالى كي يفعلوا ما يشاؤون وقد كان الأئمة (عليهم السلام) يعملون بالتقية ويؤكدون عليها ويقول الإمام (علیه السلام): (التقية ديني ودين آبائي) أو (من لا تقية له لا دين له) ومع ذلك فقد ترشح من نشاطهم ما ملأ الخافقين....فالتقية هي العمل بالممكن من دون ان يكون الثمن المدفوع أكثر من المثمن أي النتيجة الحاصلة والمرجوة، ولا تعني السلبية والانكماش والتقصير في العمل .

العلمانية

· فالعلمانية مثلاً صوّرها خصومها الذين يتاجرون بالدين ويتخذونه وسيلة لتحقيق مصالحهم على أنها محاربة الدين ومعاداته وحينئذ سيكون رد الفعل السريع هو الرفض والمواجهة، لكن البعض يعرّفها على أنها إلغاء سلطة رجال الدين الذين يسيئون استخدام الفتوى الدينية والقداسة لتحقيق مصالحهم اللامشروعة بدفعٍ من المستفيدين منهم، فهم - أي العلمانيون - لا صراع لهم مع الدين كتعاليم سامية تتكفل بإسعاد الإنسان وضمان حقوقه في حياة حرةٍ كريمة.وهم بذلك يصلون إلى نصف الحقيقة وعليهم السعي لتحصيل النصف الآخر لأننا جميعاً نرفض استغلال الدين للدنيا وجعله جسراً يعبرون عليه لتحقيق نزواتهم وأهوائهم الشخصية، بل إن أئمتنا المعصومين (سلام الله عليهم) قادوا حملة توعية واسعة لفضح المتسترين بلباس الدين والذين يرفعون اللافتات الإسلامية نفاقاً وقد وصفهم الإمام الحسين (علیه السلام): (عبيد الدنيا، يحوطونه ما درّت معائشهم، فإذا مُحِصّوا بالبلاء قلَّ الديانون) .

· الذي يراجع تاريخ نشوء العلمانية التي انطلقت من أوربا قبل قرون يجد أكثر من شاهد على أنها كانت تمرداً على دكتاتورية رجال الدين وتخلّفهم واستعباد الناس وسرقة أموالهم بسلطان الفتوى والتحالف مع الملوك الظالمين المستبدين لكنهم في خضمّ صراعهم مع التطبيقات السيئة للدين تخلّوا عن الدين نفسه وخسروا المبادئ السامية التي تركزها

ص: 515

عقيدة التوحيد لأنهم لم يستطيعوا التفكيك بين الدين - كتعاليم وشريعة وعقيدة - والمتلبسين به من طلاب الدنيا .

· إن العلمانية تعني معاداة الدين والسعي للقضاء عليه وليست حالة وسطى بين الدين والكفر (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) وفي آية أخرى (الفاسقون) وفي ثالثة (الظالمون).

· إن العلمانية مهما زوقوا لها من ألفاظ ومصطلحات فهي لا تعني إلا نبذ الدين والأخلاق والإنحلال من القيم والمثل العليا .

الحرية

· إن الحرية الشكلية لا تنفع إذا لم يكن الشخص في نفسه متحرراً من عبودية الشهوات والطواغيت وذوي المصالح والنفوذ فأن الكثير ممن هم (احرار) ظاهراً ألا انهم عبيد لغيرهم فالتحرير الكامل لا يكون ألا بالتحرر الحقيقي من الحاجة والعبودية للآخرين فعن أمير المؤمنين(علیه السلام): (لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً).

· إن الحرية لا تعني الإنفلات من الضوابط فإنها حينئذ عين الهمجية فلكل دولة قانون ينظم حياة الشعب فيها ولا ترضى سلطاتها بتجاوز هذا القانون وقانون هذا الشعب هو الإسلام بعقيدته وأفكاره وسلوكه واعرافه وتقاليده لأن الإسلام من صنع الله تبارك وتعالى خالق الإنسان والعارف بما يصلح عيوبه ويسعد روحه وجسده وينظم حياته وعلاقاته بالآخرين أما القوانين الوضعية فهي من صنع البشر الناقص الذي لا يستقر له رأي فيحذف اليوم ما ثبته بالأمس ويعدل غداً ما يقرره اليوم وهكذا فإيهما أولى بالاتباع (أفَمَنْ يَهْدِي إِلى الحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) فماذا يريدون من حرية الملبس بلا قيد ولا شرط إلا العري والإنسلاخ من الحياء والعفة والعودة الى الحيوانية وهل علموا معنى المساواة حتى جاؤوا يحررون المرأة ويعيدون لها حقوقها؟ إن المساواة ظلمت عند العلمانية التي يروج لها الغرب حيث امتهنت كرامة المرأة وأصبحت سلعة رخيصة يتداولها الرجال بأبخس الإثمان وما أن يذهب جمالها وجاذبيتها حتى ترمى كالعلبة الفارغة لا يعبأ بها أحد ولا يعطف عليها أحد أما المرأة في الإسلام فهي معززة مكرمة يجب على الرجل رعايتها وإسعادها وإكرامها وجعل الحقوق والواجبات متساوية على الرجل والمرأة (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى) (ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً) نعم، ان حقوق الرجل وواجباته لا تماثل كلياً حقوق المرأة وواجباتها وهذا لا ينافي المساواة كما لو أن

ص: 516

رجلاً يملك عقاراً ونقداً ومعملاً كل منه بمليون دينار وأراد أن يوزعها على اولاده الثلاثة فأعطى احدهم العقار والآخر النقد والآخر المعمل بحسب ما يناسب شأنهم وقدراتهم فهو قد ساوى بينهم لكنه لم يماثل في العطاء من أجل مصلحتهم حيث راعى ما يصلح حالهم وهذا هو شأن الإسلام.

· إن الحرية التامة والانعتاق الحقيقي هي في العبودية التامة والتسليم المطلق لله تبارك وتعالى فكلما أزداد العبد طاعة وتسليماً لله تبارك وتعالى تحرر من الرق لغيره أكثر .

· حرية الفرد ووجوده ورأيه محترم لكن ضمن الإطار العام الذي تنظمه الشريعة وهي حالة عقلائية يتفق عليها كل البشر المتحضر من ضرورة وجود دستور يضم المبادئ العامة التي تتوافق عليها الأمة ويمثل مرجعية القوانين التي عمل بها ولا يجد أي واحد غضاضة في الالتزام بها لأنها تعود بالنفع عليه وبدونها تحكم الأمة شريعة الغاب والفرق بين النظام الإسلامي والنظم الوضعية أن الدستور الإسلامي مأخوذ من الشريعة التي انزلها الله تبارك وتعالى خالق البشر العدل المطلق الكامل الرحيم بعباده العليم البصير لإسعاد البشر وضمان فلاحهم وفوزهم.

· يفسرون الحرية بالانحلال الخلقي والتخلي عن القيم والمبادئ الإسلامية وأوضح معالمه عندهم خلع الحجاب ويعرفون المساواة بأنها مزاحمة المرأة للرجل في كل شيء وإهمالها لأهم وظيفة لها تضمن بها سعادتها وتحفظ كيان أسرتها وهي الاعتناء بزوجها وأطفالها وبيتها.

· إن الحرية بمعناها الإنساني النبيل تحققها الشريعة الإلهية الحقّة أما الابتعاد عنها فيؤدي الى الشقاء والهلاك والالم في الدنيا قبل الاخرة، وليست الحرية بمعنى الانفلات والتمرد على السنن الإلهية الحاكمة في الكون والإنسان.

الوحدة

إنه العجب العُجاب !!

ترانا ندعو الى الوحدة مع بقية مذاهب المسلمين بل مع البشرية جميعاً وهو شيء حسن دعانا إليه الإسلام فالناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلقعلى تعبير أمير المؤمنين(علیه السلام)- لكن لماذا ننسى هذا الشيء فيما بيننا نحن أبناء الحوزة والمذهب الواحد إنه للعجب العجاب !!

المفهوم الصائب للوحدة

ص: 517

الوحدة مع الاتجاهات الأخرى من المسلمين لايعني تخلّي الشخص عن قناعته ومعتقداته التي ثبتت عنده بدليل قطعي معتبر، وانما تبتني على أسس ثلاثة:

الاول: تناسي الخلافات وعدم إثارة النعرات الطائفية وتعنيف من يقوم بذلك.

الثاني: الالتفات الى القواسم المشتركة التي تجمع المسلمين كلهم فربُّهم واحد وكتابهم واحد وقبلتهم واحدة.الثالث: احترام كل طرف قناعة الطرف الآخر ما دام قد استند فيها الى حجة ودليل معتبر شرعاً، والحوار بالتي هي أحسن للوصول الى الحقيقة التي هي مطلب كل عاقل.

من بركات الوحدة الحقيقية

إن الوحدة والوئام تؤدي الى الانتعاش الاقتصادي والعلاقات الاجتماعية الطيبة وارتفاع الهمّة والحماس للعمل والبناء عكس أيام الفتن والحروب .

شرطا الوحدة

إن تحقق أية وحدة يجب أن يتضمن أمرين:

أ. احترام كل من الطرفين وجهة نظر الآخر ما دام الطرف الآخر مقتنعاً بها بالحجة المعتبرة عنده (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ).

ب. التركيز على نقاط الالتقاء وغض النظر عن نقاط الاختلاف ولا شك إن نقاط الالتقاء كثيرة وتجمعنا أواصر عديدة هي أهم بكثير من المسائل الفرعية التي نختلف فيها.

المفهوم الصحيح للوحدة والتقارب

إنّ الوحدة والتقارب والتعايش مع الطوائف الإسلامية أو مع الديانات الأخرى أو مع الشرائح المتنوّعة لا تستلزم التنازل عن المبادئ والمعتقدات التي ثبتت صحتها، فليعمل كلٌ بما ثبت عنده صحته بالحجة والبرهان، وإذا كان غير متثبّت من معتقداته وانتماءاته فيجب عليه إعادة النظر فيها ومراجعتها وطلب الدليل عليها، وليس اخفاؤها والمجاملة فيها.

التعصب المذموم والولاءات المتعددة

الداهية العظمى سريان هذا الداء الى أبناء المذهب الواحد بل إلى أفراد الحوزة نفسها التي يفترض ان هدفها واحد ومصيرها واحد وولاءها واحد لكن هذه الوحدة التي كان لها مركز هو ولاية أمير المؤمنين(علیه السلام) وتشرذمت الى ولاءات شخصية متعددة ولم يَعُد أحد يفكّر بولائه الأصلي لله ورسوله ولأمير المؤمنين بل لفلان وفلان.

ماهو المراد من وحدة الحوزة؟

ص: 518

إننا كثيراً ما نطالب بوحدة الحوزة الشريفة وهو مطلب حق وضروري وإذا تحقق فانه سيأتي ببركات كثيرة فماذا نعني بتوحيد الحوزة؟ لا نريد بذلك طبعاً وحدة الفتوى الصادرة منهم فان هذا متوقف على ما يراه الفقيه حجة بينه وبين الله تعالى ولا يمكن أن تفرض على فقيه فتوى معينة، وإنما نعني بالوحدة وحدة المواقف إزاء القضايا العامة والمصيرية التي تواجه الأمة أو على الأقل عدم التقاطع بينهم وهذا إنما يتحقق بتشكيل جماعة تضم علماء وفضلاء يمثلون مختلف الجهات المرجعية الموجودة ويتدارسون القضايا التي تواجه الأمة ويقررون اتخاذ موقف موحد بإزائها.

شرط تحقق الوحدة الحقيقية

الوحدة الحقيقية للأمة (هي أن تكون) تحت راية القيادة الحقّة حيث قالت السيدة الزهراء(عليها السلام): (وجعل الله طاعتنا نظاماً للملّة وإمامتنا أماناً من الفرقة).

الوحدة والعودة إلى الله سبحانه

الوحدة بين المسلمين تتحقق بالعودة إلى كتاب الله تبارك وتعالى وسنّته الشريفة الصحيحة بعد تنقيحها من التلاعب والتزوير والدس الذي قام به المنافقون، وحينئذ سيلتقي جميع المسلمين عند الحقائق التي يعلمها الله تبارك وتعالى والوصول إلى الحقيقة وكشفها للناس وظيفة العلماء الأجلاء، ولا نصل إلى الحقيقة إلا بتحرير العقول من التقليد والتعصب والتحجّر.

الوحدة لا تعني المداهنة

إن هذه الدعوة للم الشمل لا تعني المداهنة في أمر الله سبحانه وإنما الذي، أقوله هو نبذ العنف والتفسيق والتكفير والسب والشتم وتبادل التهم والتعويض عنه بلغة الحوار والإدلاء بالحجة (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ).

المساواة

مفهوم المساواة

هل المساواة مطلب عقلائي؟ وبتعبير آخر هل إن المساواة حق دائماً؟ والجواب هو النفي، نعم إذا كان المطلوب مساواة الرجل والمرأة بالاستحقاق والجزاء فهذا حق وقد كفله الشارع المقدّس: (أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ)، (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) سواء كان ذكراً أو أنثى.. أما إذا أرادوا بالمساواة مماثلة المرأة للرجل في الوظائف والأعمال التي يؤديانها فهذا مطلبٌ غير عقلائي، بل فيه ظلمٌ للمرأة، لأن طبيعة

ص: 519

خلقها وفسيولوجيتها وسيكولوجيتها تنسجم مع وظائف غير ما كُلّف به الرجل، فالمساواة هنا من الظلم وليس من العدالة، ومثله كمثل الطبيب الذي يعطي نوعاً واحداً من الدواء إلى مرضى متنوعين، وكالمدرّس الذي يعطي درجة واحدة لكل طلبته في الامتحان مع تفاوت إجاباتهم، وهذا هو الظلم بعينه والمطلوب تحقيق العدالة وهي قد تقتضي المساواة وقد لا تقتضي المساواة بحسب الموارد وهذا ما كفلته الشريعة المقدسة، فلو أعطينا للولد ميراثاً بقدر البنت لكان ظلماً، لأن الرجل هو الذي يصرف على المرأة ويكفل لها كل احتياجاتها فهي تشاركه في حصته، ولا يشاركها في حصتها فكيف يتساويان في الاستحقاق.. فهذه المراعاة لتكوين كل من الرجل والمرأة وطبيعة وظائفهما مما تقتضيه الفطرة، وجرت عليه سيرة العقلاء، ويشهد به الواقع وخذ نماذج عشوائية من تركيبة مجتمعات الغرب المدعيّةللتحضّر وانظر هذه المراعاة، كتشكيلة الحكومة أو عدد الطيارين أو عدد قادة الوحدات العسكرية وقيادات الجيش وانظر نسبة النساء إلى الرجال ستجدها ضئيلة فأين المساواة التي يريدون تسويقها إلينا؟.

مساواة المرأة مع الرجل

شبهة وَفِرْية يرددها أعداء الإسلام لخلط الأوراق وتضليل الناس بإثارة هذه الأمور لينفّروا المرأة من الإسلام من خلال إيهامها بوجود ظلم لها في الشريعة، وقد استعر هذا الهجوم بعد مجيء قوات الاحتلال وانفتاح الساحة على جميع الاتجاهات حتى الإباحية؛ لذا بادرنا ووجهنا إلى تأليف كتاب يشرح فلسفة تشريعات المرأة ليجد فيها المساواة في الحقوق والواجبات بين المرأة والرجل قال تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أو أُنْثَى)، (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) فالمساواة موجودة. نعم، لا توجد مماثلة في الوظائف بينهما لمراعاة التركيبة النفسية والفسيولوجية والاجتماعية لكل منهما، ولتقريب الفكرة ننقل المثال التالي لو أن شخصاً أراد أن يوزع أمواله على أولاده الثلاثة وكان يملك نقداً بمقدار مليون دينار ومصنعاً بقيمة مليون ومزرعة بقيمة مليون وكان أحد أولاده يحسن التجارة والآخر يجيد الحرفة والصناعة والآخر يجيد الزراعة فأعطى الثلاثة للثلاثة على الترتيب فالأب هنا ساوى بين أولاده لكنه لم يماثل بينهم مراعياً ما يناسب كل واحد منهم، وهكذا الرجل والمرأة فإنهم متساوون من حيث المسؤولية والاستحقاقات ولكن توزيعها عليهما روعيت فيه المناسبة، فالقيمومة للرجل والحضانة للمرأة والنفقة على الرجل وإن كانت المرأة موسرة مقابل زيادة حصته في الميراث وهكذا، ولا تعني المساواة أبدا إعطاءهم نفس الوظائف وتستطيع أن تكتشف أن هؤلاء المتحمسين للدفاع عن مساواة

ص: 520

المرأة في دول الغرب لا تشغل المرأة نسبة خمسة بالمائة من رؤساء الحكومات والوزراء والقادة العسكريين ورؤساء الجامعات والمتحكمين في الأسواق والبورصات ومدراء الشركات الكبرى وغيرها مما لا تناسب طبيعة المرأة، فإذن هم سائرون عملياً على هذا التوزيع الطبيعي للأمور وإنما يثيرون هذه الفقاعات لاستدراج الضحلين والغوغاء لإبعاد الأمة عن عقيدتها وأخلاقها. وهذا هو ما درج عليه الإسلام في تشريعاته فإن القضاء بما يتطلبه من احتكاك واسع بالناس والتعرض لمماحكات طويلة لا يناسب طبيعة المرأة وكذا ولاية أمر الأمة ويدعوها إلى التصدي للوظائف التي تناسبها كالتعليم والتمريض ورعاية الأسرة وتربية الجيل وصناعة الإنسان.

الديمقراطية

· الديمقراطية أي احترام إرادة الشعب والرجوع إليه في تقرير مصيره .

· للديمقراطية معنيين أو مساحتين للعمل واحدة مرفوضة وأخرى مقبولة.فتارة يراد بالديمقراطية حاكمية الشعب أو كما يعبرون (الشعب مصدر السلطات) وان الأغلبية إذا شرعت شيئاً كزواج المثليين أو جواز موت الرحمة - كما يسمونه - أو إباحة العلاقات الجنسية للمرأة خارج إطار الزوجية أو مساواة الرجل والمرأة في الميراث فيسري العمل بهذا القانون ويكون نافذاً وهذا شيء مرفوض في الإسلام لأن الحاكمية لله تبارك وتعالى (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)، (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)، فلا يحق لأي شخص أن يسنّ تشريعاً مخالفاً لشريعة الله تبارك وتعالى وفي ضوء هذا المبدأ على السلطات الثلاث (التشريعية والقضائية والتنفيذية) أن تفهم صلاحياتها وحدودها. وتارة يراد بالديمقراطية الآلية التي يختار بها الشعب قادته وحاكميه ومدبري شؤونه وهذا مما لا بأس به فإن الله تبارك وتعالى أوكل تصريف شؤون العباد إليهم أنفسهم فينظمون الآلية التي يتوافقون عليها قال تعالى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) فاستعمل ضمير (هم) أي أن الأمور العائدة إليهم في تدابير شؤونهم الحياتية فهذا موكول لهم وترك تفاصيلها إليهم مما سماها بعض الفقهاء (قدس الله أسرارهم) منطقة الفراغ وهي ليست فراغاً في الحقيقة وإنما بمعنى إن المشرع وضع لها حدودها وأطرها العامة وترك التفاصيل إلى الأمة لتختار الأسلوب المناسب.

ص: 521

الشراكة في الحكم

· العملية السياسية الناجحة تُبنى على الشراكة .

· لا يمكن بناء العملية السياسية في هذه المرحلة على الأقل على أساس حكم الأغلبية وإنما تجب العودة إلى حكومة الشراكة الوطنية مع مراعاة الاستحقاقات وأن تتخذ القرارات الستراتيجية وفق مبدأ التوافق .

· إن الحكومة الحالية لا تناسب الوضع السياسي والاجتماعي في العراق اليوم ولابد من العودة إلى حكومة الشراكة والوحدة الوطنية فان الاستئثار والتفرد هو الذي يؤدي إلى العنف ويقود إلى الخراب.

· إن الذين يرفعون لواء الدفاع عن قوميتهم أو مذهبهم أو طائفتهم لو كانوا صادقين في دعواهم لعملوا على إحياء مشروع وطني ينضّم إليه الجميع ويعتمد الشراكة الحقيقية وتقديم الاكفأ واعطاء كل ذي حق حقه لان الوطن حاضنه الدين والطائفة والقومية فإذا كان الوطن سليما معافى ومزدهراُ مستقراُ كانت خصوصيات جميع مكوناته محفوفة بخير والعكس بالعكس .

· إن التذرع بالدستور وصناديق الاقتراع وحده لا يكفي في بلد جديد العهد بالتجربة الديمقراطية ويعاني من موروثات معقدة ومخلّفات عهود طويلة مظلمة، وتتشكل فيه الكتل السياسية على أساس المكونات الاجتماعية وليس البرامج السياسية الوطنية، وهذا أحد أسباب دعوتنا الكتل السياسية لتغيير اصطفافاتها والخروج من تخندقها الطائفي والقومي. فلا بد في المرحلة الحالية من بناء العملية السياسية على التوافقات التي تعتمد الشراكة الحقيقية والثقة المتبادلة.

المعارضة والمقاومة

· المعارضة الايجابية تعتبر جزءاً مقوماً من العملية الديمقراطية .

· هو أن يكون ترشيح الأشخاص المستقلين إلى المؤسسات الحكومية المسؤولة عن النزاهة والتفتيش ومحاربة الفساد عن طريق الأحزاب والفعاليات السياسية غير المشاركة في الحكومة إما لاختيارها لنفسها أن تكون في صف المعارضة الايجابية والنقد البنّاء أو أن مقاعدها في البرلمان لايؤهلها لتحصيل حقيبة وزارية أو أنها تمتلك حضورا سياسيا وشعبيا فاعلا لكنها لم تحصل على مقعد في البرلمان لسبب أو لآخر مع مراعاة ما يقتضيه النظام الداخلي لعمل هذه المؤسسات من الاستقلالية والمهنية وغيرها من

ص: 522

الشروط .

· للمقاومة ثقافة ولها أخلاق فنقرأ في سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انه كان كلما بعث سرية أو جيشاً حملهم مع السلاح توجيهات ونصائح وأخلاق بان لا يقتلوا امرأة ولا طفلاً ولا شيخاً ولا يقطعوا شجرة وان يقبلوا إسلام من أعلن الشهادتين وان لا يجهزوا على جريح ونحوها مما حوته جوامع الحديث .

· إن المقاومة المسلحة لا تكون مجدية في طرد الاحتلال إلا إذا كانت خيارا وطنياً مجمعا عليه من قبل الأمة فان العراقيين لم يفلحوا في إنهاء الاحتلال الانكليزي في ثورة العشرين وتأسيس حكم وطني إلا حينما شارك وسط وجنوب وشمال العراق في المواجهات ولا يتحقق هذا الإجماع إلا بعد فشل الوسائل السلمية والإصرار على نجاح العملية السياسية .· من أراد إصلاح الأمراء وتغييرهم فليبدأ بتغيير المجتمع ومن العبث وإلقاء النفس في التهلكة التفكير في الأول أي بالتزام المقاومة المسلحة ونحوها لتغيير أنظمة الحكم من دون السعي لتحقيق الثاني أولاً، فان هذا وعد الله سبحانه (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ).

العروبة

إذا كان المقصود بالعروبة الأخلاق الفاضلة التي تأصلت لدى العرب كالغيرة والكرم والشجاعة والإباء والتي ذكّر بها الإمام الحسين (علیه السلام) أهل الكوفة وقال لهم: (إن كنتم لا تخافون الله ولا ترجون يوم المعاد فارجعوا إلى أحسابكم وأنسابكم إن كنتم عُرُباً كما تزعمون) هذه التي كانت موجودة منذ الجاهلية إلا أنها كانت ناقصة ومخلوطة بأخلاق رديئة أخرى فجاء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليهذب أخلاقهم ويطهّر نفوسهم وقلوبهم ويزيل عنهم إصر الجاهلية وأغلالها فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنما بُعِثتُ لأتمم مكارم الأخلاق) ونظمها جدي اليعقوبي (رحمه الله) في قصيدته:

ومكارم الأخلاق كانت تشتكي نقصاً فتمّ بأحمد النقصانُ

السياسة

· اشتهر بين السياسيين قولهم (لا توجد عداوات ثابتة ولا صداقات ثابتة وإنما توجد مصالح ثابتة) ونحن نقول توجد (مبادئ ثابتة) والمصالح الحقيقية ليست هي التي نقررّها نحن وإنما التي تنسجم مع هذه المبادئ .

ص: 523

· السياسة - (يقصد دام ظله) السياسة المتبعة على النهج غير الإسلامي، لا تعرف أماً ولا أباً ولا صاحباً ولا صديقاً والسيناريوهات الموضوعة للعراق والعراقيين خطيرة وبعضها مرعبة.

· العزوف عن العمل السياسي وترك الساحة لأولئك العابثين بمقدرات الأمة فهذا تقصير غير مغتفر وإذا كان له عذر في الزمان الماضي فليس له عذر اليوم. فهي مسؤولية كل إنسان كفوء نزيه قادر على أن ينصف الناس ويعطي لكل ذي حق حقه ويقيم النظام ويبسط الأمن ويسير بالعدل ويمنع الظلم والفساد والانحراف بمقدار ما يستطيع وهذه هي السياسة في الإسلام التي كان على رأس من باشرها رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وأمير المؤمنين والهداة من أهل بيته (عليهم السلام) بحيث نخاطبهم في الزيارة بأنهم (ساسة العباد وأركان البلاد) .

العولمة

· العولمة التي تعني عندهم تعويم كل الثوابت الأخلاقية والدينية والاجتماعية وتذويبها وتحطيمها وجعل الشعوب جميعاً خالية من المحتوى والانتماء ليسهل تطويعها وقيادتها بالاتجاه الذي يريدون ثم أقاموا ما يسمونه بمؤسسات المجتمع المدني تحت واجهات متعددة لتقود الشعوب بهذا الاتجاه.

· العولمة الذي يريدون به جعل العالم كله يفكر ويسير ويتحرك ويعيش كما يريدون هم وهو منطق المستكبرين دائماً كما ينقل القرآن الكريم عن فرعون (ما أريكم إلا ما أرى) (أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون) وليس لأحد أن يخالفهم ويخرج عن دائرة نفوذهم ومصالحهم وإلا فالويل كل الويل له ووظفوا لذلك آلة عسكرية ضخمة تطال أي متمرد عنهم ومؤسسات اقتصادية تبتلع أي بلد وتغرقه في ديون وتضخمات لا ينجوا منها ليبقى يدور في فلكهم ولا تكون إرادته مستقلة عن إرادتهم وسوقوا إلينا ثقافتهم الهزيلة وصنعوا لها رموزاً تافهة لنقتدي بها ونتأثر بها فكراً وسلوكاً ونظاماً بعد أن صنعوا لأنفسهم هالة من الإعجاب والانبهار لتفوقهم العلمي والتكنولوجي فحاولوا أن يكون هذا منطلقاً للتبعية الفكرية والأخلاقية والاجتماعية ويجردونا عما نمتلك من قوة في هذه الجوانب يحسدوننا عليها ولا يرضون منا إلا بتركها. من هنا وجب على مفكرينا عدة خطوات:

1- انفتاح الحضارتين على بعضهما والتعرف على حقيقة كل منهما من حيث المقومات والأهداف والآليات وغيرها فإنها خطوة كبيرة ومقدمة مهمة للالتقاء

ص: 524

2- عرض النماذج الكاملة من رموزنا ودراسة سيرتهم وتحليلها وبيان نقاط العظمة فيها وهم كثر بفضل الله تبارك وتعالى وأولهم أكمل الخلق جميعاً محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب اخو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ونفسه والأئمة الطاهرين وأصحابهم البررة لان من طبع الناس التأثر بالرموز الكبيرة الشهيرة والاقتداء بها وقد نبه القرآن الكريم إلى أهمية هذا الأسلوب في التربية وهو الاقتداء بالنماذج الكاملة قال تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر) فإذا لم نوفر للناس مثل هذه الأسوة فإنهم سينساقون وراء قدوات تافهة كالرياضيين والفنانين ونحوهم.

3- أن نجيد لغة الخطاب والحوار مع الطرف الآخر ونفهم المداخل المناسبة لعقله وقلبه ونفسه فلا يناسب أن اشرح للأوربي الغارق في الماديات بان سبب ثورة الإمام الحسين (علیه السلام) على يزيد بأنه كان يشرب الخمر وينكح المحارم ويضرب بالطنبور ومثل الحسين (علیه السلام)لا يبايع مثله لان المخاطب لا يرى في ذلك أي مشكلة لأنه يرى ان غايته في الحياة هو التمتع بهذه الأمور: الجنس والخمر والموسيقى فلا يوجد مبرر لخروج الحسين (علیه السلام) لكن إذا عرضت يزيد كقاتل للنفس المحترمة بغير حق ومصادر للحريات ويسرق الأموال العامة لينفقها على ملذاته الشخصية ويثري بغير حق وتسلط بالقهر على رقاب الأمة من دون إجراء انتخابات حرة فسيكون المبرر للثورة عليه واضحاً ومثيراً للإعجاب.

ص: 525

العاطفة الإنسانية

قوة العاطفة مالها وما عليها

إن قوة العاطفة لا عيب فيها، بل هي خصلة حسنة، وإنما العيب فيما لو اتبعها صاحبها من دون تعقُّل ولا روية، أو قل: إن الخطأ في أن تكون العاطفة وحدها هي المحرك للإنسان، أما إذا إنضمت إلى العقل فسيتكامل العمل، ومن هنا لا نرى خللاً في أن تكون العاطفة عند المرأة أقوى من الرجل، والتعقُّل عند الرجل أكثر من المرأة، لكي ينسجم مع أدوارهما ومسئوليتهما في الحياة، فإننا نحتاج إلى العاطفة كما نحتاج إلى العقل، وأحدهما يكمل الآخر، وقد تفعل العاطفة ما لا يفعله العقل.

لترقيق القلب

مما يؤجج العاطفة المسح على رأس اليتيم، وهو من الأسباب المهمة لترقيق القلب، تلك العاطفة التي عَبَّر عنها أمير المؤمنين (علیه السلام):

ما إن تأوهت من شيء رزئت به *** كما تأوهت للأطفال في الصغر

قد مات والدهم من كان يكفلهم *** في النائبات وفي الأسفار والحضر

الفرق بين اليهود والمسيحيين

قال تعالى في بيان الفرق بين اليهود والمسيحيين: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ،وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إلى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ، وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ ، فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) وأعتقد أنّ كلّ مسيحي غير قاسي القلب يتفاعل مع هذا النص، كما تفاعل النجاشي ملك الحبشة مع المهاجرين الأوائل بقيادة جعفر بن أبي طالب (علیه السلام) .

أرق تعبير...

أرقُّ تعبير عن رعاية الله سبحانه لعباده العاملين على إعلاء كلمته، وإخراج البشر من

ص: 526

عبادة العبيد إلى عبادة الله سبحانه، قوله تعالى: (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) أي أنك في رعايتنا وعنايتنا وحراستنا، وهي الكلمة التي كانت تهوِّنعلى الإمام الحسين (علیه السلام) ما يحلُّ من عظائم الأمور، قال (علیه السلام): (هَوَّن ما نزل بي أنه بعين الله سبحانه).

لقوة العاطفة ورقة القلب عدة ثمرات:

1- أنها خطوة مهمة في طريق التكامل، لذا يركز المربّون وعلماء الأخلاق وتهذيب النفوس على تحصيل هذه الخصلة وتصيّد مواردها ويأمرون بالبكاء، أو، التباكي .

2- أنها تمثل دافعاً مهماً لأفعال الخير، كالكرم، والإحسان إلى الغير، والإيثار، والسعي في قضاء حوائج الناس، فان العاطفة إذا تهيجت، والنفس إذا تأثرت، تحرك صاحبها للقيام بهذه الخصال المحمودة أكثر من الدليل والبرهان.

3- أنها محرك كبير للأمة نحو الهداية والصلاح، والثورة على الظلم، وتغيير الواقع الفاسد، خصوصاً في مجتمعنا، الذي يكمن فيه الولاء للدين وللنبي وآله الأطهار (صلى الله عليه وآله) مهما أبعدته التيارات المنحرفة عن الله سبحانه، فتهييج عاطفته، وتحريك ولائه، عنصر قوة في تعبئة الجماهير وتوجيهها.

ص: 527

القيادة الدينية المزيفة والانحراف الفكري

السبب الرئيس لمشكلات الأمة

السبب الرئيسي هو عدم أهلية القيادتين الدينية والسياسية وعدم اهتمامهم بالثقافة والفكر، وهذا هو أصل كل الأزمات كما في الحديث الشريف: (صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي وإذا فسدا فسدت أمتي، قيل يا رسول الله ومن هما؟ قال (صلى الله عليه وآله): الفقهاء والأمراء) والمثقف مسؤول ايضا حينما ذوّب نفسه في ما لا يؤمن به من برامج وسلوكيات الكيانات والجهات الحاكمة والمتنفذة طمعاً في منصب او امتياز ففقد شرف مهنته، أو أنه انزوى وترك المسؤولية العظيمة الملقاة على عاتقه وبقي في الظّل حتى مضى بعضهم إلى لقاء ربهم من دون ان يعبأ بهم احد، وقد يكون معذورا لكي يحافظ على مبدأيته إلا أنه على أي حال يوجب خسارة عظيمة للامة.

من شروط الصلاح

إنّما يتم الصلاح ويكمل ويبلغ غايته عندما تصلح قيادتاه الدينية والسياسية، وتفسد الأمة إذا فسدت مؤسسته الحاكمة ولم تقم القيادة الدينية بواجباتها ومسؤولياتها، روي عن الإمام الباقر(علیه السلام) أنّه قال (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي وإذا فسدا فسدت أمتي، قيل: يا رسول الله ومن هما؟ قال: الفقهاء والأمراء) ومن دون مباشرة هذا المدى الواسع من الإصلاح تبقى حركته محدودة ومحجّمة وربما تذوب تدريجياً.

خداع الطامعون في الرئاسات

من أساليب الخداع التي يتبعها الطامعون في الرئاسات التظاهر بالقداسة والابتعاد عن الدنيا، وهم إنما يتركون بعض متع الدنيا الزهيدة ليفوزوا بدنيا أهم وأوسع، وهنا رواية مهمة عن الإمام السجاد (علیه السلام) يجب أن نستفيد منها دائماً؛ روي عن الإمام الرضا (علیه السلام) قال: (قال علي بن الحسين إذا رأيتم الرجل قد حسن سمته وهديه وتماوت في منطقه وتخاضع في حركاته فرويداً لا يغرنكم، فما أكثر من يعجزه تناول الدنيا وركوب الحرام منها لضعف نيته ومهانته وجبن قلبه، فنصب الدين فخاً لها فهو لا يزال يختل الناس بظاهره فإن تمكن من حرامٍ اقتحمه وإذا وجدتموه يعف عن المال الحرام فرويداً لا يغرنّكم، فإن

ص: 528

شهوات الخلق مختلفة فما أكثر من ينبو عن المال الحرام وإن كثر ويحمل نفسه على شوهاء قبيحة فيأتي منها محرما. فإذا وجدتموه يعف عن ذلك فرويداً لا يغركم حتى تنظروا ما عقده عقله،فما أكثر من ترك ذلك أجمع ثم لا يرجع إلى عقل متين فيكون ما يفسده بجهله أكثر مما يصلحه بعقله. فإذا وجدتم عقله متيناً فرويداً لا يغركم حتى تنظروا أمع هواه، يكون على عقله أو يكون مع عقله على هواه، وكيف محبته للرئاسات الباطلة وزهده فيها، فإن في الناس من خسر الدنيا والآخرة، يترك الدنيا للدنيا ويرى أن لذة الرئاسة الباطلة أفضل من لذة الأموال والنعم المباحة المحللّة، فيترك ذلك أجمع طلباً للرئاسة حتى َإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ، فهو يخبط خبط عشواء، يقوده أول باطل إلى أبعد غايات الخسارة، ويمده ربه بعد طلبه لما لا يقدر عليه في طغيانه، فهو يحل ما حرم الله ويحرّم ما أحلّ الله لا يبالي بما فات من دينه إذا سلمت له رئاسته التي قد يتقي من أجلها، فأولئك الذين غضب الله عليهم ولعنهم وأعدّ لهم عذاباً مهيناً ولكنّ الرّجل كلّ الرجل نِعْمَ الرجل ، الذي جعل هواه تبعاً لأمر الله، وقواه مبذولة في رضى الله، يرى الذلّ مع الحقّ أقرب إلى عزّ الأبد من العزّ في الباطل، ويعلم أنّ قليل ما يحتمله من ضرّائها يؤدّيه إلى دوام النعيم في دار لا تبيد ولا تنفد، وأنَّ كثير ما يلحقه من سرَّائها - إن اتبّع هواه - يؤدِّيه إلى عذابٍ لا انقطاع له ولا يزول، فذلكم الرجل نِعْمَ الرجل، فبه فتمسّكوا، وبسنّته فاقتدوا، وإلى ربّكم به فتوسّلوا، فإنّه لا تُردّ له دعوة، ولا تخيب له طلبة).

مسؤولية الفقهاء والأمراء

جاء في الحديث: (صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي وإذا فسدا فسدت أمتي، قيل: يا رسول الله، ومن هما؟ قال (صلى الله عليه وآله): الفقهاء والأمراء) فالصلاح والفساد في أمور المسلمين يرجع إلى طريقة أداء هذين الصنفين وصفاتهم الذاتية، فنفس الجهة التي يأتي منها الفساد يأتي منها الصلاح؛ لذا قيل: (لا ينتشر الهدى إلا من حيث انتشر الضلال) أي علينا أن نشخّص الجهة المسؤولة عن الفساد فتبدأ عملية الصلاح من هذه الجهة، فمثلاً التكفير وما تبعه من القتل الوحشي والتدمير الشامل بدأ من فتاوى علماء التكفير فإذا أرادوا محاربة الجماعات الإرهابية التكفيرية حقيقة فعليهم أن يبدأوا بهؤلاء المشرّعين لفتاوى التكفير فيصلحون عقولهم ويطهرون قلوبهم من اغلال التعصب والحقد والانانية ويعيدوا تقييم تأريخهم والاشخاص الذين يقدسونهم ممن أسسوا لهذه الثقافة، وستتغير الأمور عندما يلتفتون الى القيادة الصالحة الحقّة التي ربّت الأمة على رفض التكفير، روي عن الامام علي (علیه السلام) إنه سئل عن الذين خرجوا على إمامته الحقّة وقاتلوه: (أمشركون

ص: 529

هم؟ قال: من الشرك فرّوا ، فقالوا : أفمنافقون ؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً، قيل: فما هم يا أمير ألمؤمنين ؟ قال: إخواننا بغوا علينا فقاتلناهم ببغيهم علينا) مشيراً إلىالآية الكريمة: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا)كما أن هذه الكلمة (لا ينتشر الهدى الا من حيث انتشر الضلال) يمكن فهمها على أساس الأدوات أي أن نفس الأداة التي سببت الفساد كالتلفزيون أو القوانين الظالمة المخالفة للشريعة أو مناهج التعليم علينا أن نصلحها لتساهم في صلاح الأمة، ويمكن ان نفهم هذه الكلمة على اساس الحالات والاوضاع التي انتجت الفساد فنعالجها كالفقر او الجهل او التخلف او العصبية، أو الإستبداد السياسي أو الانهيار الاقتصادي أو عدم الامن والاستقرار فاذا اريد نشر الهدى والصلاح فلا بد من اصلاح هذه الاوضاع والبيئة المنتجة، قال تعالى: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) فصلاح الأمة يكون بصلاح هذين الصنفين كما أن فسادها بفسادهما.

فساد العلماء والأمراء

إن فساد العلماء لا يتمظهر بشرب الخمر وممارسة الزنا ونحو ذلك فإنهم لا يفعلون ذلك حفاظاً على مكانتهم الاجتماعية وإنما بحبهم الدنيا والتملق لأهلها والصراع على الجاه والزعامة ومجاملة أهل الباطل وكتمان الحق والبغي والحسد والتكبر والتعالي وتغليب أنانياتهم والتخلي عن مسؤولياتهم في إقامة الدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ) وعدم الانفتاح على الناس والاستماع الى همومهم وقضاء حوائجهم ومساعدتهم وانصافهم فيما لهم وما عليهم، روي عن أمير المؤمنين(علیه السلام): (اعرفوا.. أولي الأمر بالأمر بالمعروف والعدل والاحسان).

أما الصنف الثاني، فمما لا يحتاج إلى بيان دور الزعامات السياسية في فساد البلاد من خلال الاستئثار بالمال العام واعتبار ما يقع تحت يده غنيمة، وهدره في امور عبثية ومشاريع وهمية وتغليب المصالح الشخصية على المصالح العامة وسوء التخطيط والإدارة بالاعتماد على ناس غير مؤهلين وانشغال البلاد والعباد بصراعاتهم السياسية، وإن كل الكوارث التي حلت بالبلاد هي نتيجة هذه الصراعات على المغانم والامتيازات حتى وإن ألبست بعناوين دينية أحياناً.

نتائج تخلي العلماء عن مسؤولياتهم

ص: 530

إذا تخلى العلماء عن مسؤولياتهم أصبحت الأمة خاوية روحياً وميته معنوياً وفاقدة البصيرة والرشد يتلاعب بها الاشرار، وتوجد شواهد كثيرة من التاريخ لفساد تسبّب فيه العلماء، فالإمام الحسين (علیه السلام) قتل بفتوى شريح القاضي الذي افتى بجواز محاربة الامام(علیه السلام) لأنه خرج على ولي الامر، والامام الجواد(علیه السلام) قتل بتحريض من قاضي قضاة الدولة العباسية ابن ابي داوود للمعتصم بعد اخذه برأي الامام(علیه السلام) في قطع يد السارق.

مدّعو الزعامة بغير حق

كثر في هذا الزمن مدعو الزعامات سواءً على الصعيد الديني أو السياسي أو الاجتماعي، وهي قضية خطيرة بل لعلها أخطر القضايا التي تواجهها الأمة، لأن بها صلاح الأمة وفسادها في دينها ودنياها وآخرتها، ففي الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي وإذا فسدا فسدت أمتي، قيل يا رسول الله ومن هما؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): الفقهاء والأمراء).

إلهي.. ومن كانت حقائقه دعاوي فكيف لا تكون دعاويه دعاوي

إننا مبتلون في هذا الزمان وفي كل زمان بأدعياء العناوين الكبيرة كذباً وزوراً ليطلبوا بها الدنيا وليخدعوا السذج والجهلة والمهوسين، وأذكر من هؤلاء أصحاب الدعوات المرتبطة بالإمام المهدي الموعود(علیه السلام) والسياسيين الذين يحملون اللافتات الإسلامية [فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً] وليستفيدوا من هذا الدرس الحسيني المبارك.

فضّل الإمام أمير المؤمنين(علیه السلام)

لولا ذلك الدور الذي قام به أمير المؤمنين (علیه السلام) لكانت تفاصيل العقائد والأحكام مجملة ومبهمة مما يفسح المجال واسعاً لأن يقوم كل أحد بتأويلها حسب مشتهياته وأهوائه، وهذا حال من لم يرجع إلى أمير المؤمنين (علیه السلام) ليعرف تأويل المتشابهات (فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) إن معركة التأويل هي المعركة الأصعب التي تزلّ فيها الأقدام وتضلّ فيها العقول لأن الخصوم يلبسون نفس الثوب أي ثوب الدين ويدّعون لأنفسهم نفس الهالة من العناوين والألقاب والمقدّسة، وكلٌ يدّعي وصلاً بصاحب الرسالة والمشروع، ويضفي على حركته المشروعية ويستدل على أحقيته من نفس المصادر، فهناك تختلط الأوراق وتعصف الفتن وتكثر الشبهات.

أدعياء الزعامات والعناوين المقدّسة

ص: 531

...يجري اليوم من تكاثر أدعياء الزعامات والعناوين المقدّسة وكلّ منهم يصاحبه القلق في بداية دعوته لأنه يتوقع أنّ الناس ستسأله عن أصله ومؤهلاته وتوفّر الشروط فيه وإنّ الأمة ستراقب حركته ليتأكدوا من مصداقيته، لكن شيئاً من ذلك لا يحدث ويصدّق هؤلاء المدعون على الناس ظنّهم فيتخذونهم ألعوبة بأيديهم.

نتائج السكوت عن الانحراف

إن السكوت عن الانحراف يؤدي إلى توسّعه وانحداره أكثر فأكثر، وإن المؤدّين للشعائر بعواطف مخلصة وصادقة وبفتاوى مرجعية يحظون بحبنا واحترامنا، وانما ننكر فعل من يتاجر بقضية الحسين (علیه السلام) حتى حوّلها إلى دكاكين يستدرّ بها الدنيا، واني أشفق على البعض حينما أراه مهووساً على المنبر ويدعو بحركات مبالغ فيها إلى الإصرار على فعل بعض الطقوس المبتدعة لأغراض يعلمها الله تبارك وتعالى.. إننا نخشى أن يتحول ديننا إلى دين عوام يحتوي على تشريعات ما أنزل الله بها من سلطان يفتي بأحكامه منشدو المراثي الحسينية.

الاستبدال الإلهي للمتقاعسين

إن أي فرصة من فرص الطاعة التي يهيئها الله تعالى للإنسان كمساعدة محتاج أو قضاء حاجة مؤمن فإنه إن فوّتها ولم يستثمرها فإن الله تعالى سيقيِّض من يقوم بها وهو شاكر لله تعالى على توفيقه، ولا شك أنّ من أكثر الموارد التي تظهر فيها هذه السنة الإلهية هي طاعة من أمر الله تعالى بطاعته وهو النبي (صلى الله عليه وآله) ومن بعده الأئمة المعصومون (عليهم السلام) ثم العلماء العاملون المخلصون النوّاب عن الإمام(علیه السلام) في غيبته، فإنّ من يتقاعس عن طاعتهم والالتزام بتوجيهاتهم فضلاً عمّن يشكّك فيهم ويفتري عليهم ويسقّطهم فإن التوفيق يُسلبُ منه ويُمنَح إلى آخرين مطيعين مخلصين (ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) بل يكونون ثابتي الإيمان ذوي همم عالية وإصرار على العمل، وهذا الابتلاء مرّت به الأمم ففشل أكثرهم وتولّوا واعرضوا فأصيبوا بأسوء النتائج، ماذا كان دعاء أمير المؤمنين (علیه السلام) حينما خذله أصحابه وتقاعسوا وتفرقوا قال (علیه السلام) في سحرة اليوم الذي ضُرب فيه: (ملكتني عيني وأنا جالس، فسنح لي رسول الله(صلى الله عليه وآله) فقلت: يا رسول الله، ماذا لقيتُ من أمتك من الأَوَد – أي الاعوجاج- واللَدد- أي الخصام؟ فقال: أدع عليهم، فقلتُ: أبدلني الله بهم خيراً منهم وأبدلهم بي شراً لهم مني) خذ مثلاً السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) فإن كثيراً من العناوين الكبيرة وغيرهم داخل الحوزة وخارجها

ص: 532

خذلوه وعارضوه وشككوا فيه وفي حركته فحرموا من هذا اللطف الإلهي، وهيّأ الله تعالى للسيد الشهيد شباباً مليئين بالإيمان والحيوية والتفاني أخذوا المواقع المخصّصة لأولئك الذين حرموا أنفسهم من هذا الفضل العظيم، واستمرت هذه الحركة المباركة حتى بعد استشهاده ومرور (16) سنة على رحيله، لكن صدى حركته اليوم وآثارها المباركة أوسع مما كانت في حياته الشريفة.

ادعاء العناوين الكبيرة

...واقع مؤسف نعيشه نحن المسلمين وهو أننا ندعي عناوين كثيرة من دون تقديم الدليل على وجود حقائقها بل قد نقوم بالعكس من ذلك، فتخالف أقوالنا أفعالنا، لذا يعلمنا الإمام الحسين (علیه السلام) في الدعاء المروي عنه في يوم عرفه الاعتراف بهذا التقصير أمام الله تبارك وتعالى: (ومن كانت حقائقه دعاوى فكيف لا تكون دعاواه دعاوى) ويعلمنا الائمة (عليهم السلام) أن نسال الله تعالى (استحقاق حقائق الايمان) وأهم تلك العناوين التي يجب أن نتأكد من وجود حقيقتها هو الإيمان بالله تبارك وتعالى لأنه أصل الدين وأساس الفوز والسعادة في الدنيا والآخرة، وتأكيداً لهذه الأهمية فقد كان النبي والأئمة المعصومون (عليهم الصلاة والسلام) يلفتون نظر الناس إلى تفقد هذه الحقيقة فيسألون من يقولون: (نحن مؤمنون) ويقولون لهم: (فما حقيقة إيمانكم) أو يبدؤونهم بالبيان كقول الإمام الباقر (علیه السلام): (لا يبلغ أحدكم حقيقة الإيمان حتى يكون فيه ثلاث خصال.. إلى آخر الحديث).

الطاعة العمياء

ما زالت طاعة السادة والكبراء كرئيس العشيرة والوجهاء تُمتثل من دون رعاية للشرع المقدس فيحلّون ما حرم الله ويحرمّون ما أحلّ الله تبارك وتعالى، وما زالت الأعراف والتقاليد وسنن الآباء والأجداد تطاع أكثر من شريعة الله سبحانه بحيث يرضى المجتمع بمعصية الله ولا يرضى بالخروج عن هذه الاعراف والتقاليد ولسان حالهم يقول (النار ولا العار) خلافاً للإسلام الذي مثله الإمام الحسين (علیه السلام) في كربلاء بقوله:

الموت أولى من ركوب العار*** والعار أولى من دخول النار

الخيانات المزمنة

نقرأ في التاريخ أن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب وكان القائد العام لجيش الإمام الحسن (علیه السلام) أرسل له معاوية أربعمائة ألف درهم ووعده بوعود إن ترك الإمام والتحق بمعاوية، فاتبع هواه والتحق بمعاوية، ونعجب من مثل هذا التصرف ولكن

ص: 533

أشهدكم بالله كم من شخص اليوم حصل على موقع سياسي أو وظيفي أو ديني أو اجتماعي باسم المرجعية، فلما استقر وضعه أدار ظهره لها وللناس الذين رفعوه إلى هذا المقام وانشغل بمصالحه الشخصية وأنانيته فما الفرق بين الموقفين؟

ضعف بعض المتصدين لقيادة الحركة الإسلامية

من المؤسف ضعف كثير من المتصدين لقيادة الحركة الإسلامية في البلاد العربية والإسلامية وهزيمتهم داخل نفوسهم إما مجاملة للغرب وكسب ودهم أو لتيسير وصولهم إلىالسلطة وعملاً بالبراغماتية التي تتطلبها السياسة من وجهة نظرهم.

المدعون زوراً

في هذا الزمن كثرت فيه الدعاوى وكثر المدّعون كالدعوات المرتبطة بالإمام المهدي(علیه السلام) أو دعوات الانتساب إلى ذرية الرسول (صلى الله عليه وآله) بدون بيّنة سوى ظنون لا تغني عن الحقّ شيئاً، ودعاوى أصحاب النور والأعمال الروحانية وأصحاب الكرامات، مضافاً إلى هذه القبور الوهمية التي تظهر بعدد هائل بعنوان أنّها لأولاد وبنات المعصومين والهدف من كل هذه الدعوات التي يعرف أصحابها قبل غيرهم كذبها هو الضحك على عقول الناس لخلق نفوذ وجاه وأتباع واستدرار الأموال طمعاً في هذه الدنيا الدنيّة. وفي ذلك تشويش لعقائد الناس وتشويه لمدرسة أهل البيت(عليهم السلام) وتجهيل للناس واستخفاف بهم ممّا يخدم مشاريع أعداء الإسلام ويفتح الطريق لهم بيسر ليستعبدوا المجتمعات الإسلامية.

تثمين موقف نبيل

هذا موقف كبير(أي موقف تنازل بابا الفاتيكان عن منصبه بسبب تقدمه بالعمر) ينم عن شعور بالمسؤولية تجاه الموقع الذي هو فيه، والمفروض أن تكون كل المرجعيات الدينية والقيادات السياسية الحاكمة هكذا، أما التشبّث بالموقع حتّى لو بلغ به العمر عتيا، ويصبح وجوده كعدمه، ولا يعي ما حوله، ولم يعد قادراً على مجاراة تحديات عصره والقيام بمسؤولياته التي يتطلّبها موقعه لا التي هو قرّرها لنفسه، فهذه حالة بائسة ومتردّية، وسيصبح عقبة في طريق الإصلاح، لأنّ عملية الإصلاح والتغيير تمرّ عبر مصادر القرار، فإذا كان مصدر القرار عاجزاً فسوف تتوقف هذه العمليّة، وهذا واحد من الأسباب التي أدّت إلى ما نحنُ فيه من التردّي والفوضى والظلم وضياع الحقوق والله المستعان.

أسباب تردي أوضاعنا

ص: 534

وإذا أردتم مناقشة أسباب هذا التردي فابدأوا من الحديث النبوي الشريف: (صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي، وإذا فسدا فسدت أمتي، قيل: يا رسول الله ومن هما؟، قال (صلى الله عليه وآله): الفقهاء والأمراء) وتتحمل الأمة مسؤولية صناعة هذه القيادات وتمكينها من مقاليد الأمور وخلق هالات عظيمة حولها قد لا تكون أهلاً لها، وهذا هو سبب فشلنا وتراجعنا وتحكّم شذّاذ الآفاق فينا.

انتحال صفة التشيع

علينا أن نأخذ قضية تمكين شيعة أهل البيت (عليهم السلام) ومواليهم وسائر القضايا بحدودها وشروطها ونضعها في موضعها الصحيح من المنظومة الإسلامية، فإنمجرد دعوى الانتساب إلى مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) وانتحال صفة التشيّع لا يجعل صاحبها موعوداً بالنصر والتمكين، لأن الذين وُعدوا بذلك لهم خصائص وخصال يجب أن تتوفر فيهم ذكرتها الآية الشريفة، قال تعالى (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) ثم قال تعالى (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) فتمكينهم في الأرض تكون له بركات وآثار تكشف عن صدق نياتهم وإخلاصهم في أهدافهم وثباتهم على الاستقامة التي أمرهم الله تعالى بها وعدم انخداعهم بالدنيا البرّاقة التي تتزيّن لهم إذا مُكّن لهم في الأرض وهذه الخصائص هي:

1. (أقاموا الصلاة) فهم لا يكتفون بأداء الصلوات المفروضة عليهم كتكليف شخصي، وإنما يبذلون جهدهم لحث الناس جميعاً على الالتزام بها والمواظبة عليها وجعل الصلاة كياناً اجتماعياً مؤثراً في حياة الناس ورادعاً لهم عن الفحشاء والمنكر ويشعر الجميع بمسؤوليتهم عن إقامته والمحافظة عليه، وأوضح مصداق لهذا الكيان صلاة الجمعة التي لا تؤدّى إلا جماعة وبحضور امة كبيرة من الناس مما يجعل لها كياناً مؤثراً في حياتهم، وهذا ما جرّبه المجتمع العراقي عندما أقيمت فيه صلاة الجمعة المباركة.

2. (وآتوا الزكاة) بأن أخرجوا ما في ذممهم من حقوق شرعية وأقنعوا الآخرين بفعل ذلك وحثّوهم عليه وساعدوهم في إيصال هذه الأموال إلى مستحقّيها وانشئوا بها المشاريع الاقتصادية التي تؤدي إلى رفاه الناس وتوفير فرص العمل المناسبة والحياة الكريمة لهم.

3. (وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر) فلم يتركوا أهل المنكر يفعلون ما يشاؤون بل وعظوهم وزجروهم واتخذوا الإجراءات الكفيلة بردعهم حتّى لو اقتضى الأمر معاقبتهم، ولم

ص: 535

يجاملوا أو يداهنوا كما يفعل الكثير من المتصدين اليوم تحت عناوين مخادعة كالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني وفصل الدين عن الدولة والحداثة والعصرنة والتقدم ونحوها من الخدع والأباطيل.

سقيفة أمس واليوم وغد

إن السقيفة مفتوحة كحالة وان انتهت كحدث أي إن النفوس الحالمة بالسلطة والجاه والاستئثار والرئاسة على العباد موجودة في كل زمان ومستعدة لان ترتكب نفس الخطأ الذي ارتكبه الاولون ولا تصغي إلى وصية القائد الحق فتترتب على مثل هذا التصرف نفس النتائج السيئة التي ترتبت على حادثة السقيفة والتي اشرت إلى جملة منها في محاضرة(ماذا خسرت الامة حينما ولت أمرها من لا يستحق) والكلام عبارة عن إلفات نظر لحالة عامة تعيشها الامة كلما ابتعدت عن المنهج الالهي.

هم أشد خطراً على الإسلام

المنافقون المراؤون أشد خطراً على المجتمع الإسلامي من الكفار والمشركين، وتوعّدهم الله تعالى بأنهم في الدرك الأسفل من النار، ولذا كانت معارك أمير المؤمنين (علیه السلام) أشرس وأشد تعقيداً من معارك رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأن قتاله (علیه السلام) كان على التأويل الذي تشتبه فيه الأمور وتختلط الأوراق بينما قاتل النبي (صلى الله عليه وآله) على التنزيل الذي أمره واضح.

خيانة القيادات الدينية والسياسية والعشائرية

إن مما يؤسف له أن الكثير من القيادات الدينية والسياسية تعي حقيقة هذا الوضع البالي الذي يعيشه حوالي نصف المجتمع العراقي ولكنهم لا يتحركون لإصلاحه، بل قد يعملون على إبقائه ودعم رؤساء العشائر من أجل المحافظة على مواقعهم وسلطتهم كما يحصل قبيل الانتخابات، فيتحمل هؤلاء وزر هذا الوجود ودوامه وإذا كانوا لا يعون ذلك فالمصيبة أعظم.

الاعتداء على حملة الرسالة

إن الاعتداء على حامل الرسالة وممثليها من أنبياء أو أئمة (عليهم الصلاة والسلام) إنما هو اعتداء على الشريعة نفسها، وبالعكس فإن أي اعتداء على الشريعة بتحريفها أو تمييعها أو مخالفتها إنما هو اعتداء على حامل الرسالة نفسه، لذا ورد في تفسير قوله تعالى: (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ) أي بتحريف تعاليمهم ومخالفتها وتشويهها.

ص: 536

تقصير بعض المرجعيات

إن ما دأبت عليه مرجعيات كثيرة على مدى قرون ومقلّدوهم من الإنزواء والانكماش والسلبية والعزوف عن العمل بالآليات الممكنة لإيجاد بيئة مشجّعة على الدين والصلاح فإنه تقصير غير مبرَّر وله عواقب وخيمة فلابد من استثمار كل فرصة لإيجاد هذه البيئة بل صنع الفرصة لها وليس انتظارها لاستثمارها.

مما يسعد إبليس

إنّ مما يسعد إبليس اللعين إعراض أغلب الناس عن نصرة واتباع المرجعية الرسالية العاملة المخلصة المتأسيّة بوصف أمير المؤمنين (علیه السلام) للنبي (صلى الله عليه وآله) (طبيب دوّار بطبّه) ورجوعهم في المرجعية والقيادة إلى الحوزة المتقاعسة عن تحمّل مسؤولياتها اتجاه الدين والأمة مع اعترافنا بأنّها تقيم طقوس الدين، إلاّ أنّها لا تهتم بأمورالإسلام ولا المسلمين ولا تشعر بالغيرة عليهما والرحمة بهما وهذه أوصاف مأخوذة من طبيعة عملها ومنهجها الذي اختارته فلا ينبغي لها الاستياء من هذا التوصيف ولقد دلّت الأحاديث الشريفة على أنّ المرجعية الأولى أشدّ على إبليس من الثانية عن معاوية بن عمّار قال: (قلت لأبي عبد الله (علیه السلام) رجل راوية لحديثكم يبُثُّ ذلك في الناس ويشدّده في قلوبكم وقلوب شيعتكم، ولعلّ عابداً من شيعتكم ليست له هذه الرواية أيّهما أفضل، قال: الراوية لحديثنا يشدُّ به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد) ومن المعلوم أنّ شدّ قلوب الشيعة لا يتحقّق بمجرد كتابة الرسالة العملية ، عن الإمام الهادي (علیه السلام): (لولا من يبقى بعد غيبة قائمنا(علیه السلام) من العلماء الداعين إليه والدالّين عليه والذابين عن دينه بحجج الله والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك ابليس ومردته ومن فخاخ النواصب لما بقي أحدٌ إلاّ ارتدّ عن دين الله ولكنّهم الذين يمسكون أزمّة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكّانها، أولئك هم الأفضلون عند الله عزّ وجل) وهذا ما تقوم به المرجعية الرسالية العاملة كما هو واضح، والأدلة كثيرة، فإنّ قولهم (عليهم السلام): (الفقهاء قادة) وأنّهم نوّاب الأئمة المعصومين (عليهم السلام) الذين هم (ساسة العباد) لا ينطبق إلاّ على المرجعية العاملة.

تقصير بعض الشيعة

من المؤسف التفات أعداء التشيّع إلى مكامن القوّة فيه أكثر من أبنائه فعملوا بجد على إضعافها من خلال تشويه صورة المذهب وتسقيط المرجعية وتحجيمها والقضاء على

ص: 537

العاملين الرساليين وإلقاء الفتن بين الشيعة واستدراجهم وإبعادهم عن الصورة الناصعة لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام) ونحوه من الأساليب والشيعة غافلون عن ذلك منشغلون بلعق شيء من العسل غطوا به سمومهم ولكن الله تعالى يقيض لهذا المذهب الشريف ولأتباع أهل البيت (عليهم السلام) من يوقظهم من غفلتهم وفاءاً بوعده الحق في الحفظ والتمكين.

من أسباب تيه الأمة

قد يشتبه على الأمة أمرها وتختلط عليها الأوراق فتضع التصرف في مورده غير المناسب وهذا ما يحصل باستمرار عندما تبتعد الأمة عن قيادتها الحقيقية فتتيه في أودية الفتن .

مواطن الضلالة وموجباتها

إن الدعوات الضالة لا تنتشر إلا في مواطن الجهل وحملات التشكيك لا تجد لها مكاناً إلا في العقول الفارغة.

لا بد من الوقوف بحزم

لا بد من الوقوف بهمّة عالية وحزم لا يلين ازاء مظاهر الفساد والانحراف في الفكر والثقافة والعقائد والسلوك الفردي والاجتماعي.

تطبيقات ملازمة الغنى مع التعالي على الآخرين

لنحوّل القرآن الكريم إلى واقع عملي، فإنّ هذه المتلازمة المنافية لمنطق العقل تتجلى في حياة الإنسان فرداً ومجتمعاً، ولنبدأ من داخل الأسرة حيث يغترّ الرجل بسلطته وقيمومته فيطغى ويظلم أهل بيته وكم رأينا من رجال لما صار بأيديهم مال أهملوا أهلهم وتوجهوا إل اللهو والمتعة أو الوقوع في أسر الشهوات الجنسية أو عدم مراعاة مشاعر زوجته ونحو ذلك فيخرب بيته بيده. والمرأة تعتدّ بنفسها لجمالها أو لأنها من الأسرة الفلانية أو لأن لها مرتباً شهرياً جيداً أو لشهادتها الراقية ونحو ذلك فتشعر بالاستغناء عن الرجل وتطغى وتتمرد وتتعالى وتقصّر في واجباتها فتنهدم أواصر العلاقة الزوجية. ومن الأمثلة على ذلك طغيان بعض حملة العلم واستعلاؤهم وترفعهم عن الآخرين ورفضهم النصح والتذكير واستهزاؤهم بمن يقوم بذلك، وفرض وضع خاص للتعامل معهم كعدم الرضا الا بتقبيل اليد وإظهار التبجيل والتعظيم لهم ونحو ذلك. أما طغيان الزعامات ومن بيدهم شيء من السلطة فقد ملأ التاريخ بمصائبه وكوارثه، وكذا الزعامات الاجتماعية كبعض رؤساء

ص: 538

العشائر والمتنفذين وأمثالهم.

أسباب تردي وضع العراق

إذا أردتم مناقشة أسباب هذا التردي فابدأوا من الحديث النبوي الشريف: (صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي، وإذا فسدا فسدت أمتي، قيل: يا رسول الله ومن هما؟ قال (صلى الله عليه وآله): الفقهاء والأمراء) وتتحمل الأمة مسؤولية صناعة هذه القيادات وتمكينها من مقاليد الأمور وخلق هالات عظيمة حولها قد لا تكون أهلاً لها، وهذا هو سبب فشلنا وتراجعنا وتحكّم شذّاذ الآفاق فينا، حتى صرنا -ونحن أغلبية- نستجدي رضا غيرنا وهم أقلّية، حيث الانبطاح أمام مطالب متظاهرين بالآلاف بينما تغمط حقوق أصحاب المسيرات المليونية إلى كربلاء المقدّسة إلى درجة أن ضحايا النظام الصدامي الذين صودرت أو حجزت أملاكهم لم تسترجع إلى حد الآن.

نتيجة الاستخفاف بالإنسان والمقدسات

..كيف لا نتوقع منهم (أي بعض قادة العراق الدينيين والسياسيين) هذا الاستخفاف بحماية العتبات المقدّسة ونحن نرى انتهاك أقدس المقدسات وهو الإنسان الذي كرّمه الله تبارك وتعالى فجعله خليفته على أرضه (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِوَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) حيث جعلوا دم الإنسان العراقي المضطهد المحروم ورزقه وتاريخه وحضارته وعزّته وكرامته ثمناً لصفقاتهم ولصراعهم على الغنائم وعلى المصالح وتقاسم النفوذ والهيمنة. وإن كل واحد من المشاركين في ظلم الشعب العراقي بأي درجة من الدرجات سيلاقي عاقبة بغيه فإن ظلم العباد بعضهم لبعض من الذنوب التي لا يتركها الله سبحانه، ولو بغى جبل على جبل لتدكدك. نعم كل الذي نسمعه فضائح سرقة أموال الشعب حتى تصدّر العراق بلدُ الحضارة والأئمة والعلماء قائمةَ الدول التي استشرى فيها الفساد في تقرير منظمة الشفافية العالمية، وها هي سنة 2007 ينتهي نصفها ولم نرَ من ميزانيتها الانفجارية البالغة (41) مليار دولار شيئاً على ارض الواقع ولا من الأحد عشر مليار دولار التي خصصت للمشاريع الاستثمارية لتشغيل العاطلين، بلى وجدنا العكس حيث رأى العالم كله على شاشات التلفزيون تلكم النسوة والأطفال الذين يبحثون في حاويات القمامة عن طعام يسدّ رمقهم من دون أن يرفّ لهؤلاء جفن أو تحركوا لإنقاذ هؤلاء البائسين المحرومين، وبين أيديهم نهج البلاغة وفيه يقول أمير المؤمنين (علیه السلام) عقب غارة لجند معاوية على الأنبار فقاموا بسلب النساء المسلمات وغير

ص: 539

المسلمات ما تمتنع منهم إلا بالاسترجاع والاسترحام فقال (علیه السلام): (فلو أن امرأ مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً بل كان به عندي جديراً).

المكر لتحصيل المواقع الدينية المقدّسة

..كالذي حصل من فعل الانقلابيين بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو ما تقوم به بعض الجهات المتنفذّة بصناعة الزعامة التي يريدون ويسوّقونها إلى الاتباع والمريدين الذين لا يتمكنون من المناقشة والتأمل لطول سياسة التجهيل المتبعة معهم ولأنهم أوهموهم بأن في ذلك خروجاً عن الدين ونحو ذلك فيسلّمون بالنتيجة وهذه أخطر حالات المكر التي تتعرض لها الأمة وهي راضية بحالها مستسلمة للأغلال التي كبلّوها بها ولا تسمع الى العلماء المخلصين العاملين الواعين.

مواضع الخلل في الخطاب الديني

...توجد فيه علل كثيرة؛ (منها) عدم كفاءة كثير من المتصدين وجهلهم بمسؤوليتهم وعدم الفطنة إلى حقيقة ما يجري وما يتلقونه وما يلوكونه بألسنتهم (ومنها) الانفعال والعاطفية (ومنها) التخندقات والفئوية (ومنها) الأدلجة وعدم الحيادية والموضوعية (ومنها) تجهيل الناس واعتماد الخرافات واضغاث الأحلام وحكايات العجائز (مضافاً) إلى ابتلاء البعض بالعقد والأمراض النفسية تجاه أشخاص أو جهات فيتخذ من الخطابوسيلة لإظهارها.

الاصلاح يتحقق بصلاح الفقهاء والأمراء

إنّ الاصلاح الذي سعى إليه المعصومون (عليهم السلام) وتحمّلوا مسؤوليتهم وبذلوا وسعهم لتحقيقه هو مشروع متكامل لا يختص بالأمور الدينية (أي الوعظ و الإرشاد وتعليم أحكام الدين وإن كان هذا هو الأساس) بل يشمل نواحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية، فيقضي على الفساد المالي والإداري ومنع الاستئثار بالأموال العامة وحرمان الشعب من حقوقهم، وإقامة النظام العادل الذي ينصف الناس جميعاً وينتزع حق المظلوم من ظالمه، ويطبّق الحدود والقوانين. وإنّما يتم الصلاح ويكمل ويبلغ غايته عندما تصلح قيادتاه الدينية والسياسية، وتفسد الأمة إذا فسدت مؤسسته الحاكمة ولم تقم القيادة الدينية بواجباتها ومسؤولياتها، روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): صنفان من أمتي إذا صلحا صلحت أمتي وإذا فسدا فسدت أمتي، قيل: يا رسول الله ومن هما؟ قال: الفقهاء والأمراء).

ص: 540

الانحرافات الأخلاقية والمشكلات الاجتماعية

ظواهر منحرفة ترافق استخدام الهاتف

1- نجد الشباب والشابات يقضون أكثر أوقاتهم مع الهاتف، وهذا مما لا يرضي الله تعالى وإن كان في أمور محللة؛ لأن الوقت هو رأس مال الإنسان، به يتكامل الإنسان في مسيرته تجاه الله تعالى، فالله تعالى لم يخلقنا عبثا [أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ] ولمّا كان خلْقُنا لأجل هدف وغاية، [وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ] لا بد إذن من استثمار كل لحظة ودقيقة من حياتنا لتحقيق هذا الهدف الإلهي في كل ما هو نافع دينياً ودنيوياً، ولا نقضي أوقاتنا بهذه الأمور التافهة.

2- بعض الأمهات عندما تجد ابنتها تتكلم بالهاتف مع شاب لا تعير للأمر أهمية، بل تقول: إن البنت تحتاج أن تتمتع بحياتها بعدما حرمت من الخروج، وتقول في نفسها: لعل هذه المكالمات ستسهل عليها أمر زواجها، وغيرها من الأفكار التي يسولها لها الشيطان والنفس الأمارة.

3- بعض الشابات عندما تتصل مع شاب تتكلم معه بضمير الأنثى، لكي توهم أهلها بأن الذي تتكلم معه صديقتها، وهذه الأساليب الشيطانية سرعان ما تنكشف، لأن حبل الكذب قصير، وبالتالي فإنها سوف تسقط من عين أسرتها بعدما سقطت من عين الله ورسوله(صلى الله عليه وآله) ولتعلم هذه الشابة أنها وإن أخفت كلامها هذا عن عائلتها إلا أن الله تعالى مطلع على خفاياها [يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ] وإن كانت تخجل من عائلتها، فإنها سوف تخجل الخجل الأكبر من الله تعالى يوم تبلى السرائر.

4- بعض الشابات تنتظر عائلتها ينامون ثم تتصل بصاحبها، فتجمع عدة حرمات؛ حرمة الكلام مع الأجنبي بأمور غير محللة وغير ضرورية خلسة، وحرمة تهيئة الجو المساعد على تحريك الشهوات والغرائز حيث الهدوء ونوم الجميع، وقد يصل الأمر إلى ممارسات جنسية من خلال المكالمة وفي هذا منتهى الخسة والدناءة.

5- عادة يكون الاتصال أثناء وقت الصلاة أو خلال الأذان، حيث إن المؤذن يؤذن والشاب والشابة مشغولان بالحديث المعسول بلا مراعاة لحرمة الأذان أو الصلاة، وهذا يؤدي إلى غضب الرب وأذى الإمام الحجة (عجل الله فرجه الشريف)؛ (إن ذنوبكم لتؤذينا).

6. تتولد عند الشاب والشابة أمراض نفسية خطيرة قد تستمر إلى ما بعد الزواج، حيث لا

ص: 541

يكتفي الرجل بامرأة واحدة؛ لأنه اعتاد الاتصال بعشرات النساء يومياً، وذاق طعم الكلمات المعسولة من مختلف النساء، مما سيؤدي إلى حدوث مشاكل عديدة مع زوجته نتيجة كثرة النساء التي تتصل به قد تصل إلى الطلاق وتشريد الأطفال، فيكون بذلك مسؤولاً أمام الله تعالى على كل هذا الظلم.

7- ظاهرة تخضّع المرأة بقولها عندما ترفع سماعة الهاتف، وهي ظاهرة شائعة ومنتشرة بكثرة مع شديد الأسف، وهذا بسبب جهل المرأة بتكليفها الشرعي، قال تعالى: [فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ].

9- بعض الناس لا يقدّر ظرف المقابل، فيطيل معه الكلام بلا ضرورة ويضطره إلى سماع كل ما يقول، وطبعاً بسبب الإحراج يضطر هذا المسكين إلى سماع ما لا يرغب بسماعه، ولا بدَّ من الالتفات إلى أن أوقات الناس مهمة جداً، ولها شأن كبير عند الله سبحانه وتعالى، فعندما تضيع أوقاتهم فإنك ستحاسب أمام الله تعالى، خصوصاً لو كان هذا الشخص الذي تتكلم معه عالماً أو طالباً؛ لأن هؤلاء أوقاتهم مهمة وفيها خدمة للصالح العام، فلا ينبغي علينا تضييعها بأمور تافهة.

10- بعض الناس ممن يعطي غيره أرقام هواتف الغير بدون إذن من صاحب الهاتف، مما يوقع صاحب الهاتف بحرج شديد، وهذا تصرف فضولي لا ينبغي للمسلم اقترافه.

11- ترك الأطفال يعبثون بالهاتف، فيطلبون أرقاماً عشوائية ويزعجون الناس، وهذا أيضاً غير جائز.12- بعض النساء قد تطيل الكلام والضحكات وتبادل بعض الألفاظ التي لا ينبغي لها مع صديق زوجها أو صديق أخيها وغيرهم من الأجانب، وهذا غير جائز شرعاً.

13- وبعضهم يروق له طلب رقم لا على التعيين في ساعة متأخرة من الليل، فيقلق الناس ويفزعهم لا لشيء إلا لكي (يتلهّى ويلعب) ولا يعلم أن من الذنوب الكبيرة إيذاء الناس وظلمهم.

ظاهرة الطريحة وأصحاب النور

في الحديث القدسي: (عبدي أطعني تكن مثلي تقول للشيء كن فيكون)، وهكذا كانت لأولياء الله المخلصين كرامات ومعاجز كالمشي على الماء ومشاهدة الملائكة والمحادثة مع أرواح الموتى وشفاء المرضى. ولكن أنّى لهذه النسوة بهذه الكرامات، وهن غير ملتزمات للحد الأدنى من الشريعة وهي التكاليف الظاهرية؟ فضلاً عن الوصول إلى مرتبة (المخلصين )، فكيف يحصلن على هذه الكرامات؟ نعم، قد تكون بعضهن من أولياء الشيطان لانغماسهن في

ص: 542

المعاصي وطاعة النفس الأمّارة بالسوء، فيسخّر إبليس الجن لإنجاز بعض الأعمال لهن لضمان المزيد من الطاعة له، وللتغرير بالسذج والبسطاء، فيظن هؤلاء البسطاء أنها من أولياء الله تعالى ولها منه كرامات ومعاجز، تعالى الله عما يقولون علوّاً كبيراً.

ظواهر نسوية منحرفة

أ - الاهتمام بالموضة، واللهاث وراء كل جديد، والانصياع لما يقتضيه الأتكيت على مستوى الأزياء، أو قصات الشعر، أو مواد الزينة والإكسسوارات، وهذه من آلهة الجاهلية المعاصرة التي تطاع وتؤدي لها فروض الولاء، وهي مرتبة من مراتب الشرك؛ لأن العبادة في القرآن هي الطاعة والولاء [أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ].

ب - محاولة إلفات نظر الرجال وإيقاعهم في فخ (الإعجاب) بهن، سواء في شكل الملابس أو تصميمها أو الحركات أو طريقة التكلم.

ج - الولع بمشاهدة التلفزيون ومتابعة المسلسلات والأفلام.

د - فقدان الحياء والعفة والحشمة في بعض المناسبات، كالأعياد وحفلات الزواج، حيث يكون التبرج والزينة المثيرة والملابس الفاضحة والرقصات الماجنة بحجة أن الموجودات كلهن نساء، مما يسبب وقوعهن في محرمات عديدة.

ه - الخروج وحدهن والسفر كذلك، مما يسبب كثيراً من الحرام الشرعي أو النقص الأخلاقي، فقد تتعرض لخلوة مع أجنبي كسائق التاكسي ونحوه أو الاشتراك مع الرجال في مقعد واحد في سيارات النقل.و - من كمال الشابة الالتزام بغطاء الوجه (البوشية) كلما أمكن ذلك، فإن فيه حماية لها والآخرين، لأن وجه الشابة عموماً مما يسبب إثارة وانجذاب، فلا تكن سبباً لفتنة الآخرين وهي بذلك تكون مطبقة لوصية الزهراء (عليها السلام) عندما سأل أبوها (صلى الله عليه وآله) عما هو خير للنساء، قالت: إن أكمل صفة في المرأة أن لا ترى رجلاً ولا يراها رجل.

ز - إن بعض النساء يبالغن في الاهتمام بالجمال الظاهري، وهو في بعض مراتبه صحيح خصوصاً للزوجة مع زوجها، ومن متطلبات الغريزة الأنثوية إلا أنه لا ينبغي أن يزيد عن حده، فلتكتفي منه بمقدار معقول وتترك الباقي للاهتمام بالجمال الباطني [وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ].

ح - عدم الاهتمام بتثقيف أنفسهن والتفقه في أمور الشريعة وزيادة الوعي الديني.

ط - عدم اكتراثهن بأداء وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ص: 543

ي - عدم تصدي الواعيات المثقفات منهن لمنبر الوعظ والإرشاد والتوجيه وتبليغ الأحكام، وتركنه بأيدي نساء دنيويات غير متعظات لا يعرفن الا مصالح أنفسهن.

ك - التزامهن بمقاييس مادية دنيوية عندما يتقدم أحد لخطبتهن.

ل - خضوعهن للشهوة الجنسية والانفعالات العاطفية والوعود المعسولة، فتتبع بعضهنّ أي إشارة شيطانية وتنسى الدين والشرف والعفة، وتغفل عن التقاليد الاجتماعية التي لا ترحم الفتاة المنحرفة ولا تعطيها العذر.

م - مباشرتهن العمل في أماكن تسبب الوقوع في المعاصي، فينبغي أن تراعي في العمل تجنب المحرمات كالخلوة مع الأجنبي في بعض الدوائر التي ليس فيها اتصال بالمراجعين، أو في المستشفيات أثناء الخفارات الليلية وفي صالات العمليات وفي غرف النقاهة أو غرف المختبرات، وأحيانا يتطلب الأمر ترك العمل نهائياً. وأريد أن أنبه إلى موردين من ذلك:

الأول: إن بعض المعامل الأهلية تركّز على توظيف العاملات، فيقعن فريسة صاحب المعمل أو رئيس العمال.

الثاني: خروج المرأة الريفية إلى أعمال الزراعة والحراثة ونقل الماء، مما يعرضها إلى السقوط والانحراف.

المخالفات الشرعية لمجالس الفاتحة

ترتكب فيها مخالفات شرعية كثيرة كعدم الإنصات إلى قراءة القرآن والخوض في فضول الدنيا بل التورط في معاصي لسانية كثيرة كالغيبة والنميمة والجدال والمراء مما نهيعن ممارستها في نفسها فضلاً عن ارتكابها في المساجد وورد في الحديث أن مجموعة من الناس لا يشمون ريح الجنة ويطردون من رحمة الله أحدهم من يخوض في فضول كلام أهل الدنيا أثناء قراءة القرآن وفي المساجد ولا يقل هذا القبح لو حصلت في الحسينيات وإن كانت حرمة الحسينيات أقل من المساجد من ناحية عدم ترتب الأحكام الشرعية فيها، لذا فإن هذه المجالس فقدت روحها ولم تعد تثمر النتائج المرجوة منها كالاتعاظ وأخذ العبرة والتدبر في آيات الله سبحانه والمواساة.

لماذا الفتنة بمنزلة الكفر.

في بعض الروايات إن الفتنة بمنزلة الكفر، ففي الحديث عن الإمام الباقر (علیه السلام) قال: (وانما سُمّي الكفر فتنة لان الكفر يؤدي الى الهلاك كما تؤدي الفتنة الى الهلاك) ولا

ص: 544

فرق في تحقق هذه الفتنة بين أن تكون بالتهديد والايذاء المباشر، أو بإقامة البيئة الفاسدة الضاغطة التي من شأنها أن تضلّ الناس عن دينهم وتبعدهم عن الصراط الإلهي القويم بتوفير أسباب الفساد المؤثرة والاغراء وأدوات التلويث الفكري والعقائدي في مناهج التعليم والثقافة والمعرفة أو سنّ القوانين التي تشرعن للرذيلة والظلم وتعيق نشر الفضيلة والصلاح.

مزاح الباعة مع النساء

ممارسة هذه التصرفات يفتح باباً واسعاً للشيطان بل هي أفعال شيطانية فعلاً وإن غلفها أولياؤه بعناوين يظنونها مقبولة كجلب الرزق وتكثير الزبائن وغيرها رغم إن الرازق هو الله تبارك وتعالى، فلا يمكن أن يجعل رزقه الحلال في الأمور التي منع منها، وقد شدد القرآن في مسألة اختلاط الجنسين والتعامل غير الشريف بينهما فنهى النساء عن ترقيق الصوت وجعله مثيرا فقال تعالى [فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ] وأمر النساء بالحجاب والستر وإخفاء أجسادهن وما عليها من زينة [وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُن] وأمر الطرفين بغض البصر وعدم اختلاس النظرات وملء العين من النظر إلى الجنس الآخر [قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ] (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ) كل هذه الاحتياطات وأزيد منها مما ورد في الأحاديث الشريف اتخذها الشارع المقدس لسد منافذ الشيطان الذي يعترف بأن اقوي سلاح بيده هو سلاح الشهوة الجنسية فمن أراد لنفسه راحة البال والسعادة في الدارين: الدنيا والآخرة فليلتزم بهذه التعاليم الإلهية الشريفة وعصيان نفسه فإن اتباع الشهواتوان كان يبدو لأول مرة لذيذاً وموافقاً للنفس إلا أنه يورث النكد والشقاء والتعاسة فيما بعد ولا ينبغي لعاقل أن يضيع حياته الباقية الخالدة بلذة فانية زائلة فكم من لذة أورثت حسرة وندامة دائمة فالمؤمن الحقيقي من ملك زمام نفسه ولا يترك لها حبلها على غاربها فإنها كالدابة الصعبة إن لم يمسك بها راكبها أقحمته في المهالك، وأمام كل هذا لا يجوز التذرع بمبررات واهية فإنما هي من نزغات الشيطان يلقيها في روع الإنسان ليغريه بفعل المعصية ومقارفة الذنوب ومن ثم يضحك عليه ويستهزئ به ويتبرأ منه.. فكيف ارتضى هؤلاء معصية جبار السموات والأرض بثمن بخس هو ضحكة من هذه أو دينار زائد يحصل عليه؟ وهل جرب أن الالتزام بالشريعة يحرمه من الرزق حتى لجأ إلى التوسل بالمعاصي والذنوب؟

لماذا القتل لهم عادة ؟

ص: 545

إن هذه الظاهرة في حياة الأمة تتطلب التوقف والتأمل العميق، لماذا يكون مصير هؤلاء الأعاظم الذين تشرفت الأرض ومن عليها بوجودهم المبارك الذين خلقهم الله تعالى رحمة للعالمين وكلهم عطاء وخير للبشرية، لماذا يكون جزاؤهم دائماً القتل والحبس والتعذيب والتشريد والمحاصرة والعزل؟ األيس من واجب الأمة أن تضعهم في حدقات عيونها وتتفانى من أجل الدفاع عنهم وحمايتهم وإطالة بقائهم ليزداد انتفاع البشرية منهم؟ فلماذا يحصل العكس وتفتقدهم في زهرة أعمارهم، فالسيدة الزهراء(عليها السلام) قضت شهيدة في الثامنة عشرة والإمام الجواد(علیه السلام) في الخامسة والعشرين والإمام العسكري(علیه السلام) في الثامنة والعشرين والإمام الهادي(علیه السلام) في الثانية والأربعين والإمام الحسن السبط(علیه السلام) في السابعة والأربعين وهكذا وكلهم مضوا شهداء بالسيف أو السم، إنهم (عليهم السلام) حينما يُعبرون بألم ومرارة عن هذا المصير الذي يواجهونه دائماً فلا ينطلق ذلك من حبهم لأنفسهم أو لرغبتهم في الاستزادة من هذه الدنيا فان (كرامتهم من الله الشهادة) التي لا ينالها إلا ذو حظ عظيم وبإجتباء إلهي (وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء) لكن آلمهم ومرارتهم ينطلق من شفقتهم على الأمة البائسة والشقية التي تواجه من يريد لها الخير والإحسان بهذا المصير القاسي، وتخنع وتخضع لمن يسومونهم سوء العذاب؟ هذا الأسى والأسف الذي عبر عنه قوله تعالى: (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون) ورغم هذه الصورة القاتمة لسلوك الناس تجاه قيادتهم الحقة، إلا إنه يوجد بصيص من نور يضيء لمن يريد سلوك طريق الهداية وينير درب الحقيقة، عبر عنهم امير المؤمنين (علیه السلام) بقوله: (....اولئك هم الاقلون عدداً) ورغم قلة عددهم إلا إن بهم الكفاية لإدامة الرحمة الإلهية للخلق، لأن الله تعالى شفيق بعباده ولطيف بهم لا يتركهم تائهين ضالين وان تنكروا له وعادوه وبارزوه بالعصيان،فهو تعالى يوصي عباده بعباده في الحديث القدسي (الخلق عيالي فأحبهم الي الطفهم واسعاهم في حوائجهم) ولا شك انه شفيق بعباده من أنفسهم.

خطر مخالفة الُمصلِحين

إن هذه الظاهرة الخطيرة المخالفة للفطرة والمتكررة في كل جيل حتى اليوم، يجب أن نتوقف عندها تشخيصاً وعلاجاً، تشخيصاً بأن نلتفت إليها ونحلّلها ونعرف اسبابها، هذه الامراض الاجتماعية المعنوية يجب ان تحظى باهتمام لا يقل عن الاهتمام بالأوبئة المرضية العامة التي تصيب الجسد بل الأولى أولى لأنها تخرّب الحياة الباقية الدائمة في الاخرة وتنكد حياة الإنسان في الدنيا لكن مشكلتها في عدم الالتفات الى خطورتها، هذا على صعيد

ص: 546

التشخيص، أما العلاج يتضمن خطوات عديدة يبدأ من التفقه في الدين والمعارف القرآنية وسيرة اهل البيت (عليهم السلام) وأخلاقهم والالتزام بها عملياً، ثم نشر هذه العلوم بين الناس من خلال الحوزات الدينية ومدارس القران الكريم وغيرها من الآليات، وهذه فرصة ثمينة للطاعة ان يكون احدنا من الذين وصفهم أمير المؤمنين (علیه السلام): (أولئك هم الاقلون عدداً) ولا نكون من الكثرة الغافلة التائهة التي يقول عنها الله تعالى: (يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون) بتضييعهم لهذه الفرص الثمينة.

ظاهرة مُخجلة

في بعض المناطق تقوم النساء بمشاركة الرجال في الطبخ - في ليلة العاشر من محرم- في الشوارع تحت أنظار الرجال الأجانب مما يؤدي إلى الاختلاط بين الجنسين ويكون أغلب الحديث الدائر هو اللغو والضحك وليس تذكر مصائب الإمام الحسين (علیه السلام) فما هو رأي الشارع المقدس في هذه الظاهرة؟ بسمه تعالى: ..ليس من المخلصين من يفعل ذلك وإنما هو من طلاب الدنيا ومن الساعين لإشباع شهوات النفس الأمارة بالسوء، فإن عمله هذا يتضمن رذائل كثيرة باطنية كالرياء ورذائل ظاهرية كالاختلاط والإساءة إلى ذكرى الحسين (علیه السلام) والكلام الباطل وغيرها.

من أسباب الانتحار

إن أكثر حالات الانتحار هي في الدول المرفهة اقتصادياً والتي تعيش التخمة ومنشأه هذا النكد والفتك الذي يعيشه بسبب الخواء الروحي.

كيف نعالج المشكلات؟

إنّ كثيراً من المشاكل التي تواجه أبناء المجتمع اليوم لا يمكن حلها ومواجهتها إلاّ بالانطلاق من نظرية متكاملة، فمثلاً عندما تعاني من الانحراف الجنسي والفساد الأخلاقي لاتحلّ هذه المشكلة بإصدار فتوى بالحرمة، بل لا بد من وضع نظرية كاملة للحل، تستند للشريعة المقدسة وتعالج المشكلة من جميع جوانبها، وعندما نريد أن نواجه معاملات مصرفية مخالفة للشريعة، لابد أن تستند الحلول إلى نظرية إسلامية للنظام المصرفي، فالمسائل الفردية تعجز عن حلّ بعض المشكلات، بينما النظرية الاجتماعية عند تقديمها تعطيك حلاً متكاملاً.

ظاهرة منحرفة 1

بعض النساء وربات البيوت تتساهل بالحجاب وربما لا تتحجب أصلاً أمام بعض

ص: 547

المستخدمين كبائع النفط والغاز وقارئ مقاييس الماء والكهرباء والحمال والكناس وغيرهم وهم من هذه الناحية كغيرهم فلماذا التساهل أمامهم؟! إنه باب واسع للمفسدة [فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أو يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ] بل الأمر في هؤلاء أشد لأنهم يدخلون إلى داخل البيوت وغالبا يكون دخولهم في وقت غياب صاحب الدار في العمل، والشيطان قاعد بالمرصاد ففي الحديث (ما اختلى رجل وامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما).

ظاهرة منحرفة 2

في بعض المناطق الشعبية اعتادت نساء المحلة أن تجلس على أبواب الدور وفي الطرقات لتبادل الأحاديث مع نساء المحلة، وهذه ظاهرة سلبية جداً وتقع بسببهم محرمات كثيرة (منها) عدم الاحتشام بالحجاب وربما ظهر شعرها وذراعها بل وبعض مفاتنها، فغالباً بل دائماً تكون النساء في مثل هذه المجالس غير مراعيات للحجاب (ومنها) إحراج المارة وإدخال الأذى عليهم (ومنها) الخوض في أحاديث محرمة كالغيبة والانتقاص من الآخرين والتدخل في شؤونهم والنميمة واللغو وغيرها من أشكال الحديث الباطل.

ظاهرة منحرفة 3

إن تجمع عدد من العوائل في بيت واحد له ما يبرره، إلا أن الكثير من العوائل تقع في المحرمات بسبب هذا التجمع، فزوجة الأخ لا تراعي الحجاب الكامل أمام أخوة زوجها باعتبار أنه مثل أخيها، وهذا من تسويلات الشيطان فإنه أجنبي عنها، وكم حصلت من الفواحش بسبب هذا التسامح والإهمال، ومن المخالفات الأخرى عدم استئذان أخوة الزوج عند الدخول باعتبارهم من أهل الدار رغم وجود زوجة أخيهم، مع أن هذا الاستئذان مطلوب لوجود امرأة لا تحلّ لهم، بل في الرواية إن أحدهم يسأل الإمام علي (عليه السلام): هل أستأذن في الدخول إلى البيت وليس فيه إلا والدتي قال (علیه السلام): نعم، أتحب أن تراها وهي عارية فاستأذن وادخل، وهو أدب القرآن الكريم هذا في الحلال فكيف في حالة وجود امرأة أجنبيةكزوجة الأخ أو أخت الزوجة.

ظاهرة منحرفة 4

عند زيارة بعض العوائل التي فيها نساء متبرجات لا يجوز النظر إليهن وان القين جلباب الحياء على أنفسهن إذا كان في النظر ريبة ومظنة الوقوع في الحرام، فإن دين المؤمن أثمن من أن يضيع بسبب هذه التفاهات، وقد روي عن علي (عليه السلام) انه قال لما سئل عن سبب عدم تعرضه لنساء أهل الذمة قال: (إنْ كنا لنؤمر بالكف عنهن وإنهن لمشركات)،

ص: 548

فإذا كان دينهن عندهن رخيصاً فلا يضيع الإنسان آخرته بسببهن، على أنه من الواجب عدم زيارة العوائل التي يعلم الشخص وقوع المحرمات في تلك الزيارة كالغناء والاختلاط غير المحتشم وحصول النظرات المريبة والمثيرة للشهوة.

ظواهر منحرفة أخرى

عند تزاور العوائل خصوصا الأقرباء كبيت العم والعمة والخال والخالة يحصل اختلاط غير ضروري، وتبادل أحاديث وضحكات غير شريفة خصوصا في الأعياد والمناسبات، وهذا باب واسع للشيطان وسبب للوقوع في المحرمات يجب إغلاقه وان صلة الرحم لا تقتضي هذا الشكل من اللقاءات، بل يمكن القيام بالزيارات من دون هذه المخالفات الشرعية. وأحياناً يعيش الزوج وزوجته في بيت أهله فيخرج هو وباقي الأسرة إلى أعمالهم أو قضاء حوائجهم، وتبقى زوجة الأخ في البيت ويبقى احد الأخوة وهذا حرام لأنه من الخلوة بالأجنبية، أو أحياناً يأتي الأخ إلى البيت وليس فيه إلا زوجة أخيه وهذا محرم مع عدم الأمن من الوقوع في الحرام، فلا بد من وجود طرف ثالث كأم الزوج أو أولاد المرأة وغيرهم. اجتماع أفراد العائلة على مشاهدة أفلام وبرامج تعرض صوراً خليعة ولقطات مثيرة للشهوة، وهم من الجنسين مجتمعون على النظر إليها، وهذا في منتهى الخسة والوضاعة، وإن الراضي به (ديوث) وهو الذي يرى أهله تزني ولا يغضب لفعلها وزنى العين النظر إلى هذه المشاهد، فكيف يستسيغها رب الأسرة، وإن مثلهم كمثل من أتى برجل فاسق بملابسه الداخلية وأجلسه بين نساء أسرته، أترى بقية من غيرة وشرف لمثله.

الأضرار الصحية للإستمناء

توجد أضرار صحيّة عديدة لعملية الاستمناء منها: زوال قوة وشفافية العين مع ذبولها وفقدان لونها الأصلي، عدم مشاهدة الذكاء والإدراك السابق في المبتلين به، ظهور الانقباض في وجوههم، إحاطة عيونهم بحلقات زرقاء، مشاهدة الضعف والكسل في مختلف أعضائهم، قلة الحافظة، عدم الرغبة في الأكل، عسر الهظم، ضيق التنفس، تغير الأخلاق والمزاج، اختلال العقل، التفكير بالوحدة والانعزال، وقد يؤدي الإفراط فيها إلى الأمراضالعقلية كالجنون وأمراض الرئة كالسل الرئوي وأمراض القلب، وقد تؤدي هذه الأعراض إلى الوفاة، وهذه الأعراض المرضية تفضح الممارسين للعادة السرّية مهما حاولوا إنكارها والتكتم عليها، فوا خجلتاه من الناس فضلاً عن الخجل أمام الله تبارك وتعالى المطّلع على السرائر.

ص: 549

علاجات لترك العادة السرية

تخيّل أن الموت لو أتاك وأنت تمارس العادة السرّية والموت يأتي فجأة فماذا سيكون حالك وأنت تلقى الله على هذا الحال؟ ومن الحلول المهمة أيضاً تجنّب ما يثير الشهوة الجنسية في كل الاتجاهات من صحف ومجلات وأفلام ومسلسلات وغيرها والاشتغال بمتطلبات الحياة كالكسب ولقاء الأخوة المؤمنين وقراءة الكتب والمجلات الهادفة والاستماع إلى نشرات الأخبار والبرامج المفيدة وممارسة الرياضة النافعة.

(فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ)

يجب الالتفات إلى أن هذه الآية تحرّم سائر التصرفات الجنسية خارج الإطار الشرعي سواء للرجال أو للنساء، وتوجد روايات عديدة على التحريم جعلت (المستمني) أو (ناكح يده) أو (ناكح نفسه) على اختلاف التعابير أحد سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ويدخلون النار مع الداخلين إلا أن يتوبوا.

العادة العلنية لا السرية!

1- إن تسميتها بالعادة السرية فيه غفلة عن الله تعالى الذي لا تخفى عليه مِنْكم خافيَةٌ (إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ)، [قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أو تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] وأحب أن أنقل لكم قصة اهتز لها كياني وبكيت عند سماعها، فقد نُقل أن امرأة محتاجة طرقت باب أحد الموسرين ليعينها على دهرها، فأبى إلا أن ينال من شرفها فامتنعت وتركته، ولكنها لم تجد إلى سد رمقها إلا هذا الرجل، فعادت إليه وأصرّ على طلبه، فاستجابت تحت ضغط الحاجة ودخلت معه الدار، فلما أراد أن يقضي حاجته قالت له: هل أغلقت الأبواب؟ قال: نعم، أغلقتها كلّها، قالت: لكن بقيت باب واحدة مفتوحة! قال: وما هي؟ قالت: باب الله سبحانه وتعالى، فأدركت الرجل قشعريرة لم يحس بها من قبل، وترك المرأة بعد أن أعطاها ما تحتاج، وقال لها: ادعي لي دعوة صادقة. فدعت الله تبارك وتعالى أن يُحرّم جسده على النار في الدنيا والآخرة، قال الرجل: قد وجدت إجابة دعائها في الدنيا، فإني أمسك النار بيدي فلا تصنع بي شيئاً، وإني لأرجو استجابة دعائها في الآخرة. كل ذلك ببركة مراقبة الله في السر لأنه معنا فعلاً حتى في خلوتنا، فلا توجد عادةسرية أمام الله تعالى، بل هي مفتوحة ومكشوفة أمامه تبارك وتعالى، فليُكثر البكاء على نفسه من يفعل المعصية وإن كان يظن أنها (سرّية).

ص: 550

2- إن الآثار الصحية والنفسية والاجتماعية التي تظهر على من يمارس العادة السرية تفضحه.

الخطوة الأولى في الإصلاح

إن من التفكير السليم توفير البديل الصالح عندما نحاول أن نصلح شيئاً فاسداً والخطوة الأولى في الإصلاح أن نعي الفساد والانحراف والخلل ليتولد عندنا الشعور بالحاجة إلى التغيير والشعور بالمسؤولية تجاه الإصلاح.

منع الآباء لأبنائهم من الأعمال الصالحة

طاعة الوالدين ليست واجبة وإنما يحرم إيذاؤهم، فإذا استطاع الولد أن يقوم بالعمل من دون أن يتسبب في إيذاء والديه فلا مانع منه، وإن كنت أنصح الولد أن يوصل أبويه إلى القناعة والإذن له.. وإني أنصح الآباء أيضاً أن لا يقفوا عائقاً دون استزادة في الطاعات فإن نفعها يعود لهم فيزدادون خيراً من دون عمل، ألم يسمعوا قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به، أو صدقة تجري له، أو ولد صالح يدعو له) فلماذا يحرم الآباء أنفسهم من خير مجاني حتى لو أصابهم أذى فليحتسبوه عند الله سبحانه .. فهذه المخاوف والأوهام كلها من تسويلات الشيطان الذي من شأنه أن يكره الطاعة إلى القلوب ويزين المعصية بينما داعي الله تعالى وهي الفطرة السليمة تزين الطاعة وتكرّه المعصية ?[حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ].

المعاصي الناتجة من المقاهي

إن الجلوس في المقاهي يورط صاحبه في معاصي عديدة لا يمكن تجنبها (منها) الخوض في الأحاديث الفارغة والمحرمة لما فيها من غيبة وكذب ونفاق ومراء وبهتان وغيرها مما يعرفها أهل المقاهي (ومنها) استماع الغناء والموسيقى ورؤية بعض البرامج والأفلام المنحطة في التلفزيون وكذا مصاحبة أهل الفسوق والعصيان وقد جاء في القصص المروية عن المسيح (علیه السلام) أن مجاورة المعصية دون اقتحامها كالنار في البيت فإن لم يحترق بها فلا أقل من أن تسخم الجدران بالدخان، والمعصية نار كما تعلم وآثارها السلبية من قساوة القلب وظلمته تؤثر على الجالس مع فاعلها وإن لم يفعلها كما جاء في قوله تعالى: [وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِيحَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً].

ص: 551

سبب التورط في المخالفات الشرعية

حث الأئمة (عليهم السلام) أصحابهم على التفقه في دينهم لكثرة التفاصيل التي يواجهونها في أعمالهم، فمن دون التفقه يتورط الإنسان في المخالفات الشرعية شاء أم أبى، وقد لا يشعر بذلك لغفلته وأُنسه لما يحصل عليه من مال، ويوم يحشر الناس للحساب وتعرض أعمالهم أمام الملأ يعض هؤلاء على أصابع الندم ولا ينفعهم ذلك حيث ذهبت لذة ما أفنوا أعمارهم من اجله وبقيت تبعته ومسؤوليته وعقوبته، عن الإمام الصادق (علیه السلام): (من أراد التجارة فليتفقه في دينه ليعلم بذلك ما يحل له مما يحرم عليه، ومن لم يتفقه في دينه ثم اتجر تورط الشبهات وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (التاجر فاجر والفاجر في النار إلا من أخذ الحق وأعطى الحق وعن أمير المؤمنين (علیه السلام): (من اتجر بغير علم ارتطم مع الربا ثم ارتطم).

الآثار السيئة للحِلف

توجد حالة سيئة في السوق وهي كثرة الحلف واليمين وغالباً ما يكون كاذباً والعياذ بالله وقد ورد كراهة الحلف بالله صادقاً لأنه خلاف توقير وتعظيم لفظ الجلالة أما الحلف بالله كاذباً فهو من الكبائر وتسمى (اليمين الغموس) لأنها تغمس صاحبها في نار جهنم وكثيراً ما يحلف البائع على أمر ثم يكذب نفسه بنفسه فلماذا هذه السخرية بالأسماء الحسنى والقرآن يقول: [وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ] إن الذين يلجأون إلى الحلف هم غالبا أناس ليسوا صادقين مع أنفسهم فيعكسون هذا الباطن على الخارج في تعاملهم مع الناس، أما الإنسان المؤمن الصادق مع نفسه فلا يحتاج إلى الحلف بل يقول كلامه بثقة وبحزم فإن شاء الطرف الآخر أن يصدقه أو لا فالأمر إليه، وقد وردت آثار سيئة للحلف في السوق منها أنها تمحق البركة وهذا ما نلمسه عملياً وجربناه في حياتنا المعاصرة من معايشتنا لأهل هذا العمل، فلكي تعود البركة لا بد من إلغاء هذه الصفقة المذمومة.

منشأ المقاهي

إن منشأ المقاهي وسائر ما يصد عن ذكر الله سبحانه شياطين الجن والإنس فلسان حالهم جميعا [لأَقعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المُستَقِيمَ] ليصدوهم عن الهدى، وقد قيل تأريخياً إن أول من أدخل فكرة المقاهي وطبقها في بلاد المسلمين هو الاستعمار الفرنسي في مصر ليجعله بدلاً عن الجلوس في المساجد والمجالس المفيدة.

ظواهر سلبية للعاملين في الحقل الطبي

ص: 552

الجشع وحب الإثراء السريع ولو على حساب آلام الناس وآهاتهم وفقرهم، ويظهرذلك من خلال عدة نقاط:

أ- الأجور العالية التي يتقاضونها للفحص وإجراء العمليات الجراحية، والمريض عندئذ إما يتجرع الآلام حتى الموت، أو يبيع حتى ضرورات المعيشة ليكمل علاجه، وكلا التصرفين وصمة عار في جبين هذه المهنة الإنسانية الشريفة.

ب- يتعمد الطبيب أحياناً أن لا يصف دواءً كاملاً للمريض حتى يعود للمراجعة مرة أخرى ليبتز منه أموالاً جديدة.

ج- الامتناع عن معالجة من لا يملك أجرة الفحص أو إجراء العملية أو الدواء رغم أن حفظ حياة المسلم واجبة على الجميع.

هذا كله يجري لا لحاجة لدى الطبيب إلى المال، فأغلبهم أثرياء ومتوسعون في معيشتهم وإنما لحب المال فقط والمباهاة، أترى بقية من رحمة في قلوب هؤلاء؟! وكيف ينتظرون من الله الرحمة وهم يتعاملون مع عباده الضعفاء بهذه القسوة؟! إلا يعلمون أن هذا ابتلاء لهم [لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً] فرفقا بعباد الله فإنهم أمانة لديكم فكيف ترعون الأمانة؟!

إنها من إشاعة الفاحشة

إن بعض مستحضرات التجميل وعلب الشامبو ونحوها تحمل على أغلفتها الخارجية صوراً لنساء تثير الفتنة والشهوة، وفي ضوء هذا لا يجوز تداولها لأنها من إشاعة الفاحشة وتوريط الناس بالمعصية، فيجب إزالة هذه الصور أو الاتفاق مع منشأ صناعتها على عدم وضع ما يخل بالتعاليم الإسلامية وينافي الآداب العامة.

الهروب من المشكلات

لا يمكن أن يكون حل المشكلات بالهروب منها وإدارة الوجه عنها؛ فإن هذا لا يحلها، لأنها واقع مفروض، وقد تزداد بذلك تعقيداً ورسوخاً، وإنما تحل بمواجهتها بشجاعة وحزم واحتوائها ومعالجتها بالشكل المناسب وعلى تعبير أمير المؤمنين (علیه السلام): (إذا هِبتَ أمراً فقع فيه).

أساس مشاكلنا هو

لقد قلت كثيراً إن أساس مشاكلنا هو الجهل والسذاجة وقلة الوعي، حتى صرنا نقتل أنفسنا ونقدم لأعدائنا الكفار على طبق من ذهب - كما يقولون- ما يقضون به علينا،

ص: 553

ونعينهم على فنائنا.

حكم المكالمات الهاتفية المزعجة

يحرم إيذاء الناس بكل أشكاله، ومنه الإزعاج بالمكالمات الهاتفية التافهة، أو بإغلاقالخط عند عدم رفعه من قبل من يريد التحدث معه، وحرمة إيذاء الناس من واضحات الأحكام، ويوجد حديث مشهور يتناقله الجميع: (المسلم من سلم الناس من لسانه ويده) ولازم هذا التعريف للحديث أن من لم يسلم الناس من لسانه ويده ليس بمسلم. وعن الإمام الصادق (علیه السلام): (قال الله عز وجل: ليأذن بحرب مني من آذى عبدي المؤمن، وليأمن غضبي من أكرم عبدي المؤمن).

المكالمات الغرامية المحرمة

إقامة هذه (العلاقات) عمل محرم وباب واسع للفساد والانحراف والعصيان، فلا بدَّ من وقفة شجاعة للقضاء عليه بتعاون الجميع، وتقع المسؤولية الأكبر على الوالدين وأخوة الشباب، أما هذا التساهل فأول من يقع في ضرره ويكتوي بناره هم هؤلاء المتساهلون في ردعه والقضاء عليه، ولا يكفي عدم الاستجابة مبرراً لتقاعس الآخرين عن أداء هذه الوظيفة الإلهية، فعليهم أن لا يقصروا في أداء وظيفتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أما النتائج فهي على الله تبارك وتعالى مدبر الأمور ومسبب الأسباب.

مزاح الباعة مع النساء

ممارسة هذه التصرفات يفتح باباً واسعا للشيطان بل هي أفعال شيطانية فعلاً وإن غلفها أولياؤه بعناوين يظنونها مقبولة كجلب الرزق وتكثير الزبائن وغيرها رغم أن الرازق هو الله تبارك وتعالى فلا يمكن أن يجعل رزقه الحلال في الأمور التي منع منها، وقد شدد القرآن في مسألة اختلاط الجنسين والتعامل غير الشريف بينهما فنهى النساء على ترقيق الصوت وجعله مثيرا فقال تعالى [فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ] وأمر النساء بالحجاب والستر وإخفاء أجسادهن وما عليها من زينة [وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُن] وأمر الطرفين بغض البصر وعدم اختلاس النظرات وملء العين من النظر إلى الجنس الآخر [قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ] (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ) كل هذه الاحتياطات وأزيد منها مما ورد في الأحاديث الشريف اتخذها الشارع المقدس لسد منافذ الشيطان الذي يعترف بأن اقوى سلاح بيده هو سلاح الشهوة الجنسية فمن أراد لنفسه راحة البال والسعادة في الدارين:

ص: 554

الدنيا والآخرة فليلتزم بهذه التعاليم الإلهية الشريفة وعصيان نفسه فإن اتباع الشهوات وان كان يبدو لأول مرة لذيذاً وموافقاً للنفس إلا أنه يورث النكد والشقاء والتعاسة فيما بعد ولا ينبغي لعاقل أن يضيع حياته الباقية الخالدة بلذة فانية زائلة فكم من لذة أورثت حسرة وندامة دائمة فالمؤمن الحقيقي من ملك زمام نفسه ولا يترك لها حبلها على غاربهافإنها كالدابة الصعبة إن لم يمسك بها راكبها أقحمته في المهالك، وأمام كل هذا لا يجوز التذرع بمبررات واهية فإنما هي من نزغات الشيطان يلقيها في روع الإنسان ليغريه بفعل المعصية ومقارفة الذنوب ومن ثم يضحك عليه ويستهزئ به ويتبرأ منه.. فكيف ارتضى هؤلاء معصية جبار السموات والأرض بثمن بخس هو ضحكة من هذه أو دينار زائد يحصل عليه؟ وهل جرب أن الالتزام بالشريعة يحرمه من الرزق حتى لجأ إلى التوسل بالمعاصي والذنوب؟

نعمة الغريزة الجنسية وبلائها

إن الغريزة الجنسية نعمة، وفيها فوائد جمة لا يتسع المقام لاستيعابها، وإنما أصبحت مشكلة ومعاناة بسبب سوء الاستفادة منها وسوء توظيفها والابتعاد عن الإطار الصحيح لتلبية هذه الحاجة وعمل عبدة الهوى وأتباع النفس الأمارة بالسوء الذين لا يعلمون إلا ظاهراً من الحياة الدنيا و[إِنْ هُمْ إِلا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً] عملوا على تصوير الإنسان وكأنه حيوان هائج نهم لا يعرف غير طاعة الشهوات والاستجابة لنداء الغريزة بأي وسيلة كانت ولو كانت غير شريفة وغير نظيفة، وهذا ناتج من عقيدتهم الفاسدة بأنه: [مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ] ونظرتهم إلى الكون والحياة (إننا خلقنا لنتمتع)، فعلينا أن نحوز أكبر قدر من المتع، وهي من إفرازات حضارتهم المادية الخاوية.

خطوات لعلاج المشكلة الجنسية

منها؛ تجنب المثيرات الجنسية، لأن الغريزة الجنسية ليست كغريزة الجوع، فغريزة الجوع تلحّ على صاحبها سواء أثارها أم لا، أما الحاجة الجنسية فإذا لم يثرها صاحبها فإنها تبقى خامدة، والمثيرات عديدة تبدأ من الأفلام والمسلسلات إلى المجلات والجرائد إلى الدعايات والإعلانات إلى الحفلات المختلطة والأغاني الماجنة إلى التجمعات التي تحتوي مشاهد الفسق كالمتنزهات ومدينة الألعاب إلى الألبسة النسائية وغيرها كثير مما هو معلوم، فتجب مقاطعتها جميعاً، فإن الله تعالى حريص على أن يسدّ كل منافذ الفساد، فحرَّم النظر إلى ما سوى الوجه والكفين، بل حتى هذه إذا كان النظر إليها يسبب إثارة وفتنة، وحرم الاختلاء

ص: 555

والانفراد مع المرأة إذا خشي الوقوع في الحرام معها وحرّم عليها أن تتميع في كلامها لتغري الرجل، قال تعالى: [فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا] وكره التحادث مع المرأة إلا بكلمات معدودة وضمن الحاجة، وكره أن يقعد الرجل في مكان قامت عنه المرأة حتى يبرد، إلى غيرها من التشريعات التي تهدف إلى توجيه هذه الغريزة وتوظيفها في الموارد الصحيحة، فشجع على الزواج المبكر، وحث على تخفيف المهر لتسهيل أمر الزواج،وجعل الذي يرفض الزواج مع توفر ظروفه راغباً عن سنته (صلى الله عليه وآله) وشرع الزواج المؤقت، والذي أريد أن أركز عليه هنا هو ضرورة أن يتجنب الشاب كل المثيرات الجنسية حتى حينما يختار عملاً، فلا يورط نفسه في عمل يسبب له هذه الإثارة، كبيع الكماليات النسائية ونحوها.(1)

تحدي انحرافات المجتمع

إن المؤمن قوي بإيمانه ومسلكه وطريقته المثلى، فلا يتأثر بإرهاصات المنحرفين الفاسقين، قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ] وفي الحديث: (إن المؤمن أقوى من الجبل؛ لأن الجبل يستقل منه بالمعاول، ولا يستقل من إيمان المؤمن شيء) وكيف لا يكون المؤمن قوياً وهو يعيش في رعاية الله سبحانه وتأييده ورحمته، أما الفسقة فمولاهم الشيطان الضعيف الذليل [نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ]، [ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ] ولتكن أم المؤمنين خديجة الكبرى مثلاً أعلى وأسوة حسنة للنساء المؤمنات، فقد قاطعتها نساء قريش وعزلتها حتى عادت وحيدة في دارها، ومع ذلك بقيت قوية الإيمان رابطة الجأش تشد أزر زوجها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وتخفف عنه أعباء الرسالة وتسنده بكل ما أوتيت، فكانت بذلك قرة عين رسول الله (صلى الله عليه وآله).

في سيرتهم(عليهم السلام) دواء لكل داء

إن سيرة أهل البيت (عليهم السلام) كتاب مفتوح تجد فيه العلاج الناجح لكل مشاكلنا وأمراضنا والجواب الشافي لكل هواجسنا وتساؤلاتنا لأن في سيرتهم تبياناً لكل شيء وما علينا الا ان نفهمها فهماً صحيحاً ومعمقاً وجديداً بعد ان نقرأ الواقع الخارجي بدقّة

ص: 556


1- - هذه النصيحة صدرت من سماحته (دام ظله) زمن الطاغية أي قبل انتشار الهواتف الذكية وخدمات الأنترنت أما اليوم فقد أصبحت المشكلة أكثر تحدياً لدين الشباب المسلم.

ونشخص مواطن العلة. وما أحوجنا نحن المسلمين اليوم ان نستلهم من تلك السيرة المباركة ما نواجه به التحديات المتكثرة والمتنوعة واريد ان اتخذ من حياة الامام السجاد زين العابدين علي بن الحسين (علیه السلام) في ذكرى مولده مضماراً للشواهد على ذلك.

تصرفات لاأخلاقية داخل الأسرة

أخو الزوج يلبس الشورت (والفانيلة) أمام زوجة أخيه وأخته وزوجة الأخ تلبس الخفيف والضيق إمام أخي الزوج وكذلك الأخوات قد يلبسنَ الستريج أو التراكسود الضيقأو الملابس التي بدون ردن أو الخفيفة أو القصيرة أو الضيقة أمام الإخوة وكل هذه الأمور فيها إشكال وتؤدي إلى مفسدة كبيرة فأثمن شيء عند المرأة هو الحياء فإذا ذهب ذهبت أنوثتها وجمالها(ورد عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): (من لا حياء له لا دين له)).

من أسباب الانحراف الجنسي

1 ضعف الوازع الديني ونقص التربية الأخلاقية والعقائدية، وهؤلاء الذين يشيعون الفاحشة ويضعون العراقيل في طريق إقامة السنة الشريفة وتطبيق شريعة الله تبارك وتعالى في حياة الناس، وإن كانوا يسمون أنفسهم مسلمين إلا أنهم ليسوا كذلك حقيقة، وإلاَّ لانعكس على سلوكهم وتصرفاتهم.. فهل يعد مسلماً من يخير بين طاعة الله وطاعة الشيطان فيختار طاعة الشيطان؟!.

2 الكساد الاقتصادي وقلة فرص العمل، مما حدا بالبعض في أن يفكر بأي طريقة للكسب وتحصيل المال ولو كان بطرق غير مشروعة،

3 ارتفاع تكاليف الزواج وكثرة معوقاته الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، مما أدى إلى تعطيل هذه السنة الشريفة.

4 التقصير في أداء وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى أصبح المجتمع كما وصفه الإمام الحسين(علیه السلام): (ألا ترون إلى الحق لا يعمل به والباطل لا يتناهى عنه) فأصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً، وفي مقابل انسحاب صوت الحق والفضيلة تجد أدوات الرذيلة منتشرة وعلى مختلف الأصعدة، مما جعل الأعمال الشنيعة مستساغة.

5 الفراغ الذي يعيشه الشباب نتيجة فقدان ما يمكن أن يملي عليه حياته ويأنس بممارسته، كالهوايات النافعة النزيهة أو الشعائر الدينية وبعض المراسيم الاجتماعية النظيفة.

من علاجات الانحرافات الجنسية

ص: 557

1. اهتمام الخطباء وأئمة المساجد وطلاب الحوزة الشريفة وكل المثقفين والواعين المخلصين بتربية المجتمع أخلاقياً وعقائدياً، حتى يعيشوا مع الله تبارك وتعالى في كل تفاصيل حياتهم.. وتبصير الناس بأخطاء هذه المنكرات وقبيح آثارها الصحية والنفسية والاجتماعية والدينية.

2. تعاون الجميع على تشجيع الزواج وتذليل صعوباته، فيشارك أولياء الأمور بتخفيف المهور وتكاليف الزواج والاكتفاء بشروط الزواج التي جعلها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهي الدين والعقل أي حسن التصرف وطيب المعاشرة، فقال رسول الله (صلىالله عليه وآله): (إذا رضيتم من الرجل عقله ودينه فزوجوه، إلاَّ تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) وعدم الاكتراث بالتقاليد والأعراف والضغوط الاجتماعية التي زرعها أولياء الشيطان لتعطيل هذه السنة المباركة،

3. على التجّار وأصحاب الأموال والمتمكنين مادياً توفير فرص العمل بأي صيغة مناسبة، كالمضاربة وإنشاء المصانع والمعامل وورش الحرف والمحال التجارية، وأن يفكروا بتحريك عجلة الاقتصاد للمجتمع، وتشغيل الأيدي العاملة.

4. تكثير البدائل التي تشغل حياة الإنسان وتملأ فراغه، كإقامة الشعائر الدينية والمجالس الحسينية والحث على الحضور في المساجد والمشاركة في المناسبات الدينية وإقامة المنتديات والمسابقات والمحاضرات الثقافية والعلمية وتبادل اللقاءات والزيارات مع المؤمنين وتشجيع السفرات الجماعية لزيارة العتبات المقدسة أو للترفيه والنزهة وممارسة الرياضات النزيهة والشريفة التي تسلي النفس وتزيل الهم وتقوي العلاقات وتبادل الكتب والإصدارات النافعة، وإذا تعسّر شراؤها فيمكن اشتراك مجموعة بشراء الكتب تدريجياً حتى تتكون مكتبة ملكاً للجميع.

أعراف اجتماعية باطلة

تبنت بعض شرائح المجتمع أعرافاً وتقاليدَ وأحكاماً بعيدة عن الشريعة:

فمنها: أن الكثير من العلويين لا يزوجون لغير العلوي، بل لا يزوجون للعلوي من غير عشيرتهم حتى لو أدى ذلك إلى بقاء علويات لا يحصى عددهن بلا زواج.

ومنها: ما يصطلح عليه عند العشائر بالنهوة.

ومنها: ما جرت عليه بعض الأعراف في الزواج، فلا بد أن يوفر الشاب غرفة أخشاب من الموديل الفلاني وقطع ذهبية بكذا أوصاف، وأن يعمل وليمة ضخمة وحفلة للزفاف وبيت

ص: 558

مستقل ووو.

ومنها: ألاَّ تكون متزوجة سابقاً، أو أنها أكبر منه سناً، فإذا أقدم الشاب على أرملة أو مطلقة فكأنه جنى ذنباً لا يغتفر، حتى وإن لم يكن مدخولاً بها أو كانت صغيرة السن أو مظلومة، هذا ونحن نعلم أن أكثر زوجات الرسول (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (علیه السلام) ثيبات ومتقدمات بالسن، فكأن المتزوجة سابقاً كتب عليها ألاَّ تذوق طعم الزواج مرة أخرى.

ومنها: كراهة تعدد الزوجات، وأن الزوجة يمكن أن تقبل الزنا من زوجها وتغفر له هذه الفاحشة ولا تقبل التزوج بثانية، وساعدت على ذلك القوانين الوضعية الأرضية البعيدة عن الشريعة.

مجتمع التناقضات

إن مجتمعنا يعيش تناقضاً بين معتقداته وتقاليده التي تعاقب بأشد العقوبات من يرتكب جريمة جنسية خصوصاً المرأة حيث تقتل غسلاً لعارها وبين سلوكه حيث تراه غير مكترث بانتشار وسائل الإفساد والإغراء والإثارة فلا هو كالغرب المنحل ولا هو كالمجتمع المسلم فكراً وسلوكاً، فعلينا أن نفكر جدياً في هذه المشكلة وكيفية علاجها قبل أن يستفحل الداء ويتسع الخرق على الراتق.

هو الذي أهلك الأمم السابقة (إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ)، وقال تعالى في صفة أهل جهنم (وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ).

الأنا الفرعونية

فرعون الذي يقول: (ما أريكم إلا ما أرى) ليس حالة خاصة فردية بل هي متكررة دائماً عند الكثيرين ممن ينصبون أنفسهم مشرّعين من دون الله تبارك وتعالى.

تأثير الجو الاجتماعي

لا نغفل تأثير الجو الاجتماعي العام الذي يساهم بشكل كبير في هذا التمويه والخداع وقلب الحقائق فيقول لك أنت شاب وعليك أن تتمتع وتلهو وتلعب، ليس هذا وقت الجدِّ والعمل، وإذا أراد الموظف أن يكون نزيهاً قيل له: حشر مع الناس عيد، وهل تستطيع بنزاهتك أن تقضي على الفساد، وهكذا حتى يموت الضمير ويخمد بريقه.

من عوامل تفريق المجتمع

يؤدي انتشار الفساد والفاحشة إلى فقدان الثقة وسوء الظن والاختلاف داخل

ص: 559

الاسرة تفريقاً للمجتمع بتدمير نواته الاولى فكيف لا يكون ذلك وكل افراد الاسرة يشاهدون كل يوم هذه المشاهد الخطيرة التي تعبر عن خيانة المرأة لزوجها وكذب البنت على ابيها واخيها وعلاقاتها غير الشريفة مع شباب الجيران وزملائها، مما يؤدي الى انطباع هذه الصور والمشاهد في انفسهم وبمرور الوقت يقيس على اساسها علاقته مع افراد اسرته والغريب ما نجده من بعض الاباء انه يهدد ابنته بالذبح عندما يسمع ان لها علاقة مع شاب وقد يصل الامر الى ذبحها فعلا الا يعلم هذا الاب الجاهل انه هو السبب الرئيسي في انحراف ابنته بسماحه لها بمشاهدة برامج التلفزيون من افلام وأغاني وغيرها والتي بمرور الوقت تنمو هذا المشاهد بداخلها فتؤدي بها الى هذا الانحراف فالمسؤول الاول هو الاب وما يبدر من الاولاد ما هو الا بسبب تقصيره وتهاونه في تربيتهم التربية الصحيحة فبادروا معاشر الاباء برفع كل ما يؤدي إلى انحراف اولادكم فانتم مسؤولون امام الله تعالى عن كل ما يتعرض لهأبنائكم من ضغوط واتقوا الله لعلكم تفلحون.

جلوس النساء في الطرقات

تجلس (بعض) النساء على أبواب الدور وفي الطرقات لتبادل الأحاديث، خصوصاً في فترة العصر إلى المغرب، وفي المناطق الشعبية، مما يوقعهن في محرمات عديدة.. أي دين هذا الذي يبيح للمرأة الجلوس في الشارع وقد جعل الإسلام أفضل صلاتها ما كان في بيتها بل في مخدعها إن هذا العمل مخالف لآدابنا وأخلاقنا التي علمها لنا أهل البيت (عليهم السلام) ولتعلم المرأة الجالسة في الشارع أن الناس لا تحملها محمل الخير، وأن هناك عدداً من المحاذير في هذا الجلوس منها عدم الاحتشام، والتهاون بالحجاب، وإحراج المارّة وإدخال الأذى عليهم، والخوض في الغيبة واللغو والتجسس وغيرها (كما) تقوم بعض النسوة برش الماء على باب الدار لوقت طويل، مما يعرضها لنظر الأجنبي، وتنكشف حتماً بعض أجزاء جسدها كالمعصم ومقدم شعر الرأس وبعض الساقين، فما الضرورة إلى ذلك؟.

مظاهر منحرفة في فصل الصيف

تنتشر في الصيف محلات المرطبات التي تكون أحياناً مرتعاً للشيطان، إذ فيها اختلاط غير مشروع بين الجنسين وتبادل للضحكات والكلمات المريبة والحركات المثيرة، حيث تأكل المرأة المرطبات بكل ميوعة وفتنة وسط الرجال، وقد علمت إن كثيراً من الشباب والشابات لا يرتادون هذه المحلات حباً بالمرطبات؛ وإنما استجابة لشهوة النفس الأمارة بالسوء، فلتتذكر هذه المرأة وهذا الشاب ما قلناه عما أعد الله للعاصين من العذاب، وإذا

ص: 560

أرادوا أن يأكلوا المرطبات فليأكلوها في بيوتهم بعيداً عن الأنظار.

أمور تافهة تدمر العائلة

السعي الدؤوب لحماية المجتمع من المشاكل العائلية والخلافات على أمور لا تستحق الالتفات إليها تُسبّب الكراهية والبغضاء بين الأخ وأخته والأمّ وولدها والزوج وزوجته والأب وأبنه وبين الجيران والأرحام ونحو ذلك وتتضاعف وتتضخّم وتؤدي إلى تفكّك الأسر وتخريب المجتمع وهو مايبغضه الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) ويؤدي إلى تشوش الفكر وانشغال القلب وزيادة الهم، وعلى العكس فإنّ المرأة تستطيع أن تصبح بعواطفها الجيّاشة ورحمتها الواسعة وقلبها الكبير أن تصبح جسراً للمودّة والمحبّة والتواصل بإذن الله تعالى، هذه بعض الخطوات العملية التي فيها تلبية لاستنصار الإمام المهدي(علیه السلام) في خطبة الإعلان عن حركته (إلا إنّا نستنصر الله اليوم وكل مسلم) فكونوا من أنصار الله تعالى وأنصار الإمام (علیه السلام) بتوفيق الله ولطفه.

إضعاف الغيرة

حرص الإسلام على تنمية الغيرة فمنها ينبع الشعور بالمسؤولية تجاه المجتمع وهذا ما يريده الغرب لنا فعن طريق عرض هذه الأفلام والمسلسلات ومشاهدتها من قبل رب الأسرة وزوجته وأولاده تضعف الغيرة على العرض وان من لا يغار على أهله لا يغار على جاره ومجتمعه حتماً، عن الإمام الصادق (علیه السلام): (إن الله غيور يحب كل غيور ومن غيرته حرّم الفواحش ظاهرها وباطنها) وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (أرغم الله أنف من لا يغار من المؤمنين) وها أنت ترى مع الاسف الكثير من الرجال تخرج امرأته وبناته شبه عاريات وقد لطخن وجوههن بالمساحيق وهو معهنَّ وعيون الاخرين تلاحقهن وتتلصص على مفاتنهن وكان الأمر لا يعنيه !!

حب بعض الناس للتجهيل والتدجين!

لماذا يحب الناس التجهيل والتدجين ومن يبقيها ذليلة ومسكينة ولا تريد الذي يوقظها ويلفت نظرها لما فيه خير ؟!

ممارسات خاطئة في الميدان الطبي

توجد بعض الممارسات الخاطئة في عملهم (أي الميدان الطبي) أبتغي بإيضاحها إلفات نظر الإخوة إليها ليجتنبوها حتى يكون عملهم مخلصاً لله تبارك وتعالى ومأجورين عليه:

ص: 561

1 من المعلوم أنه عند الضرورات تباح المحظورات لكن ذلك يجب أن يكون بمقدار دفع الضرر لا أزيد، لكن العرف تسامح في ذلك ورفع شعار كل شيء مباح في الطب والعلاج، وهو غير صحيح فإذا أمكن للمريض أن يعالج عند الجنس المماثل فلا يجوز له أن يراجع غير المماثل إذا استلزم الفحص الطبي حصول اللمس أو النظر إلى ما يجب ستره ونحوها، وإذا سوغت الضرورة مراجعة الجنس الآخر كما لو كان أمهر في صنعته وأدق، فيجب أن يقتصر عليها أي بمقدار الضرورة، فإذا أمكن العلاج بلا لمس أو باللمس من وراء قفاز فلا يجوز اللمس المباشر، وإذا أمكن الاكتفاء بالرؤية من خلال المرأة أو شاشة التلفاز فلا يجوز النظر المباشر وهكذا، وإذا تطلب الفحص الكشف عن منطقة معينة فلا يجوز التعدي إلى غيرها وهكذا.

2- ومما يتفرع عن النقطة أعلاه أنه إذا أريد إجراء عملية جراحية لامرأة وكان الجراح والكادر المساعد له رجالاً فلا يجوز الكشف عن أزيد من المنطقة ذات العلاقة، لذا من المؤسف ما بلغني أن بعض الجراحين غير المتورعين يعرون المرأة تماماً عند إجراء العملية، وهذه خيانة عظمى لله ولرسوله وللدين والأخلاق ولهذه المهنة الشريفة، كما لايجوز دخول أحد إلى صالة العمليات في مثل هذه الحالات إلا بالمقدار الضروري، فإذا أمكن قيام اثنين بالعملية فلا يجوز دخول ثالث، وهكذا نفس الشيء يحدث في غرفة الإفاقة حيث يطلع الرجال على النساء وهن في حالة تكشف بلا ضرورة.

3- اعتاد الأطباء على الاختلاء بالمريض وغلق باب الغرفة عند إرادة فحصه وهو عمل صحيح وله ما يبرره، ولكن إذا كان المراجع من الجنس الآخر فيكون هذا التصرف مشكلاً شرعاً إذا لم يوجد ثالث معهما لأنه من الخلوة بالأجنبية وهو ممنوع أخلاقياً بالتأكيد، وحرام شرعا إذا لم يأمن من الوقوع في الحرام، ولما كان هذا العنوان مطاطاً ويمكن أن يفسره كل أحد بحسب هواه فلا بد من الاحتياط فيه، فتصحب المرأة معها أحداً ولو طفلاً مميزاً، أو تدخل معها مراجعة أخرى ولو لم تكن تعرفها أو أي شكل من أشكال الاحتياط المطهر للقلب والمزيل للشبهة.

سؤال شرعي مهم

س/كيف يمكن للطبيب الملتزم بالشريعة السمحاء أن يعالج المرضى من جنس النساء دون أن يقع في محذور شرعي أو أخلاقي؟

إذا لم تتطلب المعالجة أمراً محرماً كاللمس والكشف عن موضع لا يحل النظر إليه وإثارة للمشاعر الجنسية فيمكن معالجة الجنس الآخر، كما لو كان مجرد الاستماع إلى

ص: 562

أعراض المرض وسؤالها عن بعض المعلومات كافياً كما نشاهده في العيادات الشعبية لكن هذا الفرض بعيد في العيادات الخاصة، فإن الفحص يتضمن عدداً من الفعاليات المحرمة لذا لا يجوز للمرأة أن تراجع الرجل، ولا يجوز للرجل الطبيب أن يفحص المرأة إلا عند توفر حالتين:

أ- الضرورة بمعنى أن المرض بلغ عند المرأة درجة تحتاج إلى علاج الطبيب.

ب- الانحصار أي أن المراجعة منحصرة بهذا الجنس المخالف إما لعدم وجود الجنس المماثل أو لقلة كفاءة المماثل أو وجود احتمال معتد به للضرر عند مراجعة المماثل وهكذا.

ومع اجتماع هذين الشرطين يجوز للطبيب معالجة المرأة، والاقتصار في ما لا يحل على أقل مقدار ممكن، فإذا أمكن لمسها من وراء الثياب فلا يجوز الكشف عن موضع الفحص، وإذا أمكن لبس قفاز في اليد فلا يجوز اللمس المباشر، وإذا أمكن المعالجة بالنظر في المرأة فلا ينظر بشكل مباشر، وعدم جواز الكشف عن أزيد من محل الحاجة من الجسد وهكذا، وأن لا يختلي معها في غرفة الفحص بل يكون معهما ثالث ولو صبي مميز وإذا تساهلت هي بهذه الأحكام فلا يتساهل هو، ويلفت نظرها إلى ذلك، فأنا أعلم أن أغلبالنساء غير متحرجات من كل شيء أمام الطبيب إما ظناً منهن أن كل شيء جائز، أو استجابة لشهوات أنفسهن أمام الطبيب الذي يمتلك موقعاً مهما في قلوب الناس.

من هنا نعلم أن معالجة المتبرجات قد يتطلب (احتياطات) إضافية لوجود مشاكل إضافية وكان الله في عون الطبيب فإنه في تحدي كبير وأعداء حقيقيين وأقوياء ومؤثرين وهم الشيطان الذي يزين المعصية، ويحاول أن يغيّب العقل ونداء الدين، والنفس الأمارة بالسوء الميالة إلى الشهوات، والعرف الاجتماعي الضاغط الذي أصبح يرى المعروف منكراً والمنكر معروفاً.

عقبات في طريق العراقيين وقادته

صحيح أن وظيفة القائد الكاريزما إيجاد الآليات المناسبة لتحريك الأمة، وهذا يمثل فعلاً هاجساً مهماً في تفكيري، إلا أن الأمور ليست كلها بيده فهذا الانفتاح نفسه بلا ضوابط حتى عاد أقرب للفوضى هو مشكلة بحد ذاته لأنه أضاع البصيرة والقدرة على تلمّس الطريق الصحيح لتنوّع الخيارات وكثرتها وتشابكها فعّقد طريق الوصول للقناعة الصحيحة كمن خرج من قعر الظلمات إلى الشمس والضوء فإنّه لا يهتدي إلى الطريق ويتخبّط في مشيته ويعشو بصره، وهكذا مجتمعنا العراقي بعد خروجه من ظلمات الحكم الصدامي المجرم، ولولا وجود الدين وبعض الأخلاق العامّة لكانت الحالة أسوأ بكثير ممّا نحنُ فيه، ومحل

ص: 563

الشاهد أنّه في ظل الاهتمامات والطموحات الجديدة يكون الالتفات إلى الثقافة والفكر والوعي ضعيفاً جداً ويعتبرونه من الترف الزائد. ومن المعّوقات كون الآليات التي تتناسب مع ذوق الأمة وتوجهاتها مخالفة للشريعة فيأبى المتورع سلوكها كالفضائح ونشر الغسيل كما يعبّرون أو الخداع وقلب الحقائق أو شراء الضمائر ونحوها.. وقد يكون المانع مراعاة المصالح العليا للدين والأمة والبلد التي هي أهم من بعض النتائج المرجوّة وهذا ما عبر عنه أمير المؤمنين (علیه السلام) بقوله: (لقد علمتم أني أحق بها من غيري ، ووالله لأسلّمنّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلاّ عليّ خاصّة) ونحن اليوم نعيش مثل تلك المحنة حيث سوق الخداع والرياء والنفاق والكذب والتسقيط والافتراء والتجهيل رائجة، وحمّى التنافس على الدنيا والصراع على المغانم في أشدها، ولا احد يهتم بالوعي والثقافة والإصلاح والقضايا المعاصرة وحركة التجديد والنهضة، وتخلى عن هذه المفاهيم حتى أهلها الذين طالما تحدثوا بها. لكن الوضع ليس يائساً بل الأمل موجود وتوجد جذوة من فكر وهي آخذة بالنمو والازدهار كما أن لطف الله تعالى بعباده متواصل فجعل معالم تعيد للأمة إيمانها وكرامتها وثقتها بنفسها وعلى رأسها الشعائر الحسينية المباركة. وعدا هذه العقيدة المشتركة فإن منالصعب إقناع المجتمع بقضية توحّده وتحشّده وتعبًّئ طاقاته للانطلاق به نحو الأفضل في أجواء التعقيد الذي ذكرناه، وهذه مشكلة معقدة يجب على صناع الرأي العام جميعا - وليس فقط المؤسسة الدينية - أن يبذلوا وسعهم لاكتشاف حلها بإذن الله تعالى.

ص: 564

الإرهاب والمشكلة الأمنية

من حلول المشكلة الأمنية

قبل أيام قام المجرمون المتواطئون مع أجهزة متنفذة في الحكومة بتفجير ما تبقى من الروضة العسكرية الشريفة في سامراء وقد استنكر الجميع هذا الفعل الآثم، واكتفى بهذا الاستنكار العجزة المشلولون القابعون في سجونهم الاختيارية التي حاصروا بها أنفسهم وانعزلوا عن الشعب المظلوم. فما قيمة هذا الاستنكار وقد مرّت سنة وأربعة أشهر على تفجير القبة الشريفة ولم تفلح الحكومة حتى في تشكيل لواء العسكريين لتأمين الطريق إلى سامراء وحماية الزائرين والروضة العسكرية الشريفة علماً بأن وسائل الإعلام المحلية تنقل لنا باستمرار طيلة هذه المدة عن تشكيل ألوية وأفواج وتجهيزها وتخريج دفعات من الضباط وعودة الآلاف من الضباط السابقين فلماذا لم يتشكل لواء العسكريين؟! مع إعلان آلاف الشباب الرسالي المتحمسين للدفاع عن مقدساتهم والتطوع في مثل هذا اللواء ومع تعاون أهالي سامراء الكرام أول المفجوعين بهذا المصاب الجلل حين انطلقوا في مظاهرات استنكارية حاشدة.

أعداء الشعب ثلاثة الاحتلال والإرهاب وفساد الحكومة

إن الاحتلال والإرهاب خطران عظيمان يواجهان العراق وشعبه وسببان للمصائب والويلات التي حلّت بهما لكنهما لا يفسران كل ما حصل في العراق من كوارث؛ لأن الأخطر منهما حاضراً ومستقبلاً والذي يوفر لهما عناصر البقاء والنمو هو العنف السياسي الناشئ من الصراع على السلطة، والاستئثار بثروات الشعب، والاستبداد بالقرار، ونظر الكتل السياسية بعضها إلى بعضها على أنهم خصوم وليسوا شركاء في بلد واحد وركاب سفينة واحدة، والتسابق إلى حيازة المغانم على حساب حرمان الشعب من أبسط حقوقه، واعتبار السلطة على أنها وسيلة للإثراء غير المشروع وليست وسيلة لخدمة المواطن وإعمار البلد، وتوزيع المناصب على أساس الولاء للكيان لا على أساس الكفاءة والنزاهة والإخلاص للوطن والشعب، وهذا هو الذي مزّق الشعب وخرّب الدولة وجعل الكتل السياسية منشغلة عن الشعب وهمومه بعقد الصفقات والتسابق على قضم اكبر مقدار ممكن مما يسمونه بالكعكة وسحق الخصوم حتى لو احتاج الأمر إلى التواطؤ مع الجهات الخارجية، إن

ص: 565

الشرعيةَ المكتسبةَ من صناديق الاقتراع مشروطةٌ بالوفاء بالبرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي وعدوا بها الناخبين فإذا لم يفوا بها ويخدموا الشعب ويوفروا له حقوقالحياة الحرة الكريمة فعليهم التنحي طوعاً أو كرهاً (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ).

نصيحة المرجعية لتكوين مجالس الصحوة

لقد دفعت الولايات المتحدة ثمناً كبيراً من سمعتها بسبب إصغائها للتقارير المضلّلة التي أغفلت دور الوطنيين الأحرار المخلصين لبلدهم وشعبهم ممن يسمونهم ب(عراقيي الداخل) ويطلقون عليهم أوصاف الاستصغار والإهانة، وسوف لا يخرجون من مأزقهم إلا بإعطاء دور ريادي لهؤلاء، وإن لم يعطوه اختياراً فسوف يُجبرون عليه، فإن الشعب وعى الحقيقة وعرف المدافعين بصدق وإخلاص عن حقوقه، وأن حل مشكلة العراق يكمن في السير بمشروع وطني يتسامى عن الانتماءات الطائفية أو العرقية ونحوها ويكون لأبنائه الأوفياء الدور القيادي فيه.(1)

توجيه إلى مسؤولي وزارة الداخلية

دعا سماحته (دام ظله) إلى تأسيس شعبة للتوجيه الوطني والأخلاقي تغذي منتسبي القوات الأمنية بروح الولاء للوطن وخدمة المواطن ونبذ الولاءات الحزبية والطائفية والمناطقية ونحوها وكذلك تعليمهم أخلاقيات المهنة تأسيا برسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي كان لا يرسل سرية أو جيشاً -وهم من كبار الصحابة -حتى يوصيهم بأخلاقيات العمل العسكري ومواصفات المقاتل الشريف وهذا ما نفتقده لدى الكثيرين، مما استوجب تأسيس مثل هذه الشعبة. إن العنصر الأهم في (المصالحة الوطنية) وحل المشكلة الأمنية التي يعاني منها العراق الجريح اليوم يكمن في إصلاح الخطاب السياسي والديني والاجتماعي لتحل مصطلحات الإخاء والتسامح والتآلف والشراكة في بناء الحياة وإعمارها ونحوها بدلا من مصطلحات العنف والتكفير والتطرف والإقصاء والطائفية والأنانية. وتأسيس مثل هذه الشعبة سيساهم في زرع المعاني النبيلة والقيم الإنسانية العليا في نفوس القوات الأمنية بإذن الله تعالى.

المسؤولون عن صناعة الإرهاب

ص: 566


1- - لقد وعى الأمريكان أهمية هذا الدور وبدأوا تفاهمات مع العشائر لتكوين مجالس الصحوة بينما بقيت القيادات السياسية بحاجة إلى (صحوة) لتدرك أهمية هذا الدور.

... نحن وإن حملنا الاحتلال بعض المسؤولية عن العمليات الإرهابية إلا أن هذا لا يفسر قيام الانتحاريين بتفجير أنفسهم في الأسواق والحسينيات وتجمعات الناس الأبرياء، فهذا الانتحاري ليس أمريكيا وإنما هم أشخاص جاؤوا ليعانقوا الحور العين بمجرد قتلهمبموجب فتاوى دينية، فهذا التيار يحتاج إلى معالجة شاملة لا تكتفي بالعمل العسكري والأمني وإنما تتعداها إلى الإصلاح الفكري وخلق ثقافة احترام الرأي الآخر وقبوله وعدم الاعتداء والظلم وإصلاح منظومة الأفكار والثقافات التي توجه الرأي العام، وتجند بالاتجاهات التي تخدم سياساتها ففي أوربا يوجد واحد وعشرون مكتبا لتجنيد الإرهابيين وبعثهم إلى العراق، وقبل يومين أعلن عن قيام فتاة بلجيكية أعلنت إسلامها بعملية انتحارية في العراق فأي غسيل دماغ تعرضت له هذه المرأة حتى قذفت بنفسها في هذه الهاوية المهلكة والآن بعد أن ضربهم الإرهاب في الأردن والسعودية والكويت وغيرها صاروا يحشدون القوى لاستئصاله، إلا أنهم مع الأسف حينما تصل القضية إلى العراق يصبح الإرهاب مقاومة شريفة وهذا هو عين الكيل بمكيالين.

دعوة لاستثارة نخوة العشائر ضد الإرهاب

..نعم هي حرب طائفية باتجاه واحد لكنها ليست هي حرب أهل السنة على الشيعة لأننا نعلم أن شريحة كبيرة منهم رافضة لهذه الحالة لكنها مغلوبة على أمرها بقوة السلاح وضجيج الأصوات الطائفية، فهي حرب الفئات الضالة التي يشنها تحالفٌ مشؤوم - يدفعه الحقد والحسد والجهل والتحجر - ضّمَ التكفيريين والصداميين والطائفيين والمتجردين من القيم الإنسانية الذين يدوسون كل شيء من أجل تحقيق مصالح زائفة. ويتحمل مسؤوليتها بدرجة من الدرجات أبناء العشائر والمناطق السنّية التي تؤوي هؤلاء القتلة وتحتضنهم وتقدم لهم الدعم والخدمات وينطلقون من بين ظهرانيهم، فأين العروبة التي يدّعونها؟ بينما تجد أبنائهم يعيشون في كل سلام في المحافظات الشيعية ويتسنمون أعلى المواقع فهل هذا من الإنصاف؟ (1)

رسالة تحذير لداعمي الارهاب والحرب الطائفية

إنها حقيقةً مؤلمة وكارثةٌ مرعبة يجب الاعتراف بها والتحرك لمعالجتها قبل أن ينفلت الزمام ويخرج عن حد السيطرة؛ لأن الصبر على مثل هذه الانتهاكات الفظيعة له حدود، وإذا

ص: 567


1- - استثارت دعوات سماحته هذه نخوة عشائر الأنبار وتنادوا لتأسيس مجلس (صحوة الأنبار) وتكاتفوا لطرد مجرمي القاعدة من بين ظهرانيهم.

كان يقنع المظلوم والمعتدى عليه إلى الآن محاولة ضبط النفس لمنع الانجرار إلى حربٍ طائفية أو منع اختلال النظام الاجتماعي العام الذي به تقوم الحياة فما الذي نقنعهم به بعد الآن وقد بلغ الظلم والعدوان والفساد كل هذا الحد؟ بل هل تعتقد إن أحدا سينتظر الإذن من المرجعية الدينية أو أية جهة كانت للتحرك وهو يرى بعينه قتل الأبرياء وانتهاكالمقدسات وهتك الأعراض وتخريب الممتلكات وتعطيل الحياة؟ إن أخطر ما يحصل للشعوب حينما تفقد الأمل ولا يبقى عندها شيء تخاف عليه بعد أن تكون قد فقدت كل شيء فلا يكون أمامها طريق إلا الموت لاستعادة الآمل بحياة أفضل أما لهم أو لأجيالهم اللاحقة على الأقل، وهذا ما سيقع والعياذ بالله في المدى القريب إذا استمر سفير الإدارة الأمريكية في سياساته الطائفية الحاقدة وإذا استمر الإرهابيون المجرمون بأعمالهم الشريرة بمساعدة القوى الحاقدة من دولٍ إقليمية وعالمية، وإذا بقي الأداء الضعيف للحكومة، ليعلم كل هؤلاء المتواطئين على ظلم هذا الشعب الأبي الغيور الكريم أن البركان إذا انفجر فإنه لا أحد منهم في داخل العراق أو الدول الإقليمية سيكون في مأمن من حمم البركان؛ لأن موقع العراق الجغرافي ووشائجه الاجتماعية مع شعوب المنطقة وتأثيراته العقائدية والروحية في نفوس الملايين في الدول الإقليمية وغيرها سوف يشعل بنار الفتنة كل الذين يلعبون بالنار.

توبيخ بعض أهل السنة المتواطئين مع الإرهابيين واستعراض نتائج السكوت عنهم

بعد سقوط صدام شعر أهل السنة بالقلق وتركوا منازلهم وعطلوا مساجدهم ظناً منهم أن الشيعة ستنتقم منهم جراء الظلم والاضطهاد الذي لحق بهم من الأنظمة المستبدة المتعاقبة خصوصاً نظام صدام، لكننا أفهمناهم من اليوم الأول إننا وانتم أخوة على دين واحد وأبناء وطن واحد ولا نشعر تجاهكم بأي حزازة، ونحن لم نُظلم منكم بل من عصابة مجرمة لا إنسانية لا تعبأ بأي قيم أو مبادئ وقد أصابكم أنتم شيء من ظلمهم، وقد وصف الدكتور محسن عبد الحميد في زيارته لي عندما كان رئيساً لمجلس الحكم إن هذه الحالة تشبه المعجزة، ثم سارت العملية بنفس الهدوء والحكمة منطلقين من ثوابتنا الدينية والأخلاقية والتي عززتها القوانين الدولية التي أجمع عليها العالم المتحضر أنهُ لا يجوز مؤاخذة البريء بجريمة الجاني وأن (لاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى) وملتزمين بقول الله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ

ص: 568

تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) ولكن هل قابل الآخرون هذا الموقف النبيل بالحسنى كما أمر الله تبارك وتعالى (هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ) كلا، بل قابلوه بالنقيض فاستقدموا القتلة والمجرمين عن طريق الدول المجاورة وتحالفوا معهم ووفروا لهم حواضن الإرهاب، وبدأوا باغتيال الرموز السياسية والدينية من الشيعة.. وقتلوا المئات من الموالين لأهل البيت (عليهم السلام) المفجوعين بمصابهم، وصنعوا مثلثاً للموت حسبما يتبجحون به في اللطيفية واليوسفية للذبح على الهوية،وهكذا توالت الاغتيالات والتفجيرات فطالت المدارس والأسواق وتجمعات الناس والمساجد والحسينيات، ونحن صابرون محافظون على تعاليم الله تبارك وتعالى ملتزمون بأن الحل هو في بناء قوات مسلحة وطنية تحمي المواطنين جميعاً وتمنع من تعدد الجهات الحاملة للسلاح عدا الدولة لئلا تقع حالة الفوضى والحرب الأهلية. لكن الذي حصل أن هذا الموقف العقلاني أدى إلى نتيجتين عكسيتين مع الأسف:

الأولى: تمادي هؤلاء المجرمين في غيهم وولوغهم في المزيد من الجرائم حتى بلغ بهم الحال إلى تفجير العتبات المقدسة وتهجير أكثر من عشرة ألاف عائلة إلى الآن وقتل العشرات من الأبرياء يومياً.

الثانية: أن الولايات المتحدة أيضاً لم تحترم هذه الحكمة وبدأت تخضع لمبدأ الابتزاز الذي يمارسه هؤلاء المجرمون وبدأت تغير ستراتجيتها ومن آليات عملها لتتناغم مع عمل هؤلاء المجرمين، وكأنها تريد أن تقول لهم: إنكم إذا دفعتم شَرَكم عن قواتنا فأعملوا بالعراقيين ما تشاؤون، والمهم أن لا تتعرضوا لنا وكأنها مسؤولة عن أمن الجندي الأمريكي فقط ولا يهمها أمر المواطن العراقي.

المطالبة بتفعيل دور العشائر للقضاء على الإرهاب

جاءت الأحزاب اليوم لتمعن في ظلم العشائر وحرمانها فبالرغم من أنها وصلت إلى مواقع الحكم بأصوات أبناء العشائر، إلا أن الأحزاب استأثرت بالمغانم ولم تعط للطليعة والنخب من أبناء العشائر الفرصة الكافية لإدارة مفاصل الدولة، فبقي التهميش والإقصاء للعشائر، وهذا ما يدعونا إلى إعادة النظر ومراجعة الحالة ووضع البرامج الكفيلة باستعادة العشائر دورها وثقلها الاجتماعي، وأعتقد أنهم قادرون على بناء بلدهم وحل مشاكله أفضل من الذين قدموا من الخارج بعد انقطاع عن بلدهم وشعبهم أزيد من عشرين عاماً، وأعتقد أيضا أن للعشائر فرصة طيبة في حل المشكلة الأمنية لامتدادها في الطائفتين، ووجودها في كل المدن الساخنة حتى أن بعض أبناء العشيرة الواحدة من السنة وآخرين من الشيعة،

ص: 569

فالمطلوب إنشاء كيان عشائري مستقل عن الأحزاب ويضم لجان متعددة تتكفل كل واحدة منها بتحريك وجه من أوجه النشاط المطلوبة كتثقيف العشائر وتوعيتها وتعليمها الأحكام الشرعية والمخالفات التي يتورط بها البعض، وان تتخصص لجنة لمتابعة الحقوق السياسية، وأخرى اجتماعية فتسعى في الإصلاح والتوفيق بين المتخاصمين وحل المشاكل وتقريب وجهات النظر وهكذا، ويحسن أن يكون المقر المركزي في النجف الأشرف لإعطائه زخما وقوة لاحتضان المرجعية له عن قرب ويقوم بمتابعات ميدانية في جميع المدن والقرىوالأرياف.(1)

ابطال ذرائع السياسيين الفاشلين

الهالة الضخمة التي يعطونها للإرهاب إنما يريدون أن يبرروا بها فشلهم وتماديهم في سرقة أموال الشعب وتقصيرهم في أداء وظائفهم وهم بذلك يشبهون المقبور صدام حسين الذي كان في التسعينيات يعلّق كل ظلمه وتقصيره وتجويعه للشعب على شماعة الحصار بينما تجاوزت أرصدته هو وأفراد أسرته في البنوك العالمية ستين مليار دولار، وهؤلاء اليوم اتخذوا شماعة الإرهاب للوصول إلى نفس النتيجة فإن الإرهاب على بطشه وقسوته ليس مسؤولاً عن كل المشاكل، فهل يعقل أن الدولة التي خُربّت في كل جوانبها هي بسبب سيارة أو سيارتين تنفجران هنا وهناك؟ إن الدمار الكبير هو ما لحقنا جراء صراع السياسيين وأنانيتهم واستئثارهم وعدم تورعهم عن ارتكاب كل الوسائل الدنيئة بما فيها سفك الدم الحرام وهتك المقدسات والحرمات للوصول إلى مآربهم.

سبب انتشار العنف في العراق

إن العنف الذي يشهده العراق ليس طائفياً فقد عشنا في كل الأزمنة السابقة وحتى الآن سُنَّةً وشيعةً متآخينَ متحابِّينَ وإنما هو في الغالب سياسي ويتولى كِبْرَهُ سياسيون طامعون في السلطة والإثراء بغير حق [لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً] وإنما يلبسونه ثوب الطائفية ليعبّئوا لمعركتهم هذه مَن يسير على غير هدى، لذا لا بد من الشروع فور البدء بالالتزام بوثيقة مكة المكرمة بإصلاحات سياسية جذرية، وقد تداولت مع عدد من الأخوة المسؤولين بأفكار مهمة في هذا المجال تجعل كل شيء قابلاً للنقاش إلا ما حرَّمَ حلالاً أو أحلَّ حراماً في شريعة سيّد المرسلين.. هذه هي الخطوة الثانية التي لم يقم بها السياسيون، وبقي

ص: 570


1- - أثمرت هذه الدعوة المخلصة عن إنشاء مجالس صحوة العشائر التي تصدت لمكافحة الإرهاب والقضاء على تنظيم القاعدة ودولتهم الإسلامية المزعومة.

الجميع متمسّكين بمواقعهم ومواقفهم.

لكي نقضي على الإرهاب

إن القضاء على الإرهاب يتطلب أولاً تجفيف منابعه الفكرية التكفيرية، والا ما الفائدة من قتل افراد منهم مهما كثر عددهم مادامت البيئة والحاضنة التي تُفرِّخهم موجودة. فالإمام الحسين (علیه السلام) وهو يمارس دوره في امامة الأمة وهدايتها يرشدنا الى اهمية العمل الديني الاجتماعي والتحرك برسالة الإسلام في اوساط الأمةونشر تعاليم اهل البيت (عليهم السلام) والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وصيانة عقيدة المجتمع واخلاقه منالشبهات والانحرافات، وان هذا العمل هو من اهم الواجبات الدينية واعظم المسؤوليات الملقاة على عاتقنا خصوصا نحن الحوزة العلمية والمثقفين والكتاب والمفكرين والاعلاميين؛ لان انحراف العقيدة وتلوّث الغذاء الفكري الذي يتلقاه المجتمع خصوصا الشباب هو الذي يحوّله الى سرطان خبيث يسري في جسد الأمة ويرى ان اقرب القربات الى الله تعالى قتل الابرياء وسبي وتهجير النساء والاطفال وتدمير المقدسات وتخريب الحياة كاللوثة التي اصابت عقول الخوارج فاستحلوا الحرمات وبقروا بطون الحوامل وقتلوا الاجنّة.

لا تيأسوا من إصلاح الإرهابيين المُغَرّر بهم قبل قتالهم

أدعو إلى عدم الاقتصار على أسلوب الصِّدام والاستئصال في المواجهة مع التنظيمات الارهابية لأن آخر الدواء الكيّ كما قيل في الكلمة المشهورة، وانما علينا ان نسير معه بخط موازٍ له من خلال الحوار والاقناع بعدم سلامة الطريق الذي انتهجوه وعبثية الغاية التي يريدونها وضلالة الذين غَرَّروا بهم وخدعوهم فإن الكثير ممن التحقوا بهذه التنظيمات خصوصاً من الدول المتحضرة تعرضوا لغسيل دماغٍ وتشويهٍ للحقائق وخداعٍ بعناوين مقدسة تستهوي الشباب المتحمس المندفع، فهؤلاء غير أصحّاء وحالهم كحال سائر المرضى الذين تجب رعايتهم والشفقة عليهم وتشخيص عللهم ووصف الدواء المناسب لهم.

لو عُرِض الإسلام النقي

إن الإسلام النقي لو عُرض بأصالته وقوة حججه قادرٌ على إعادة إنتاج عقول هؤلاء(أي الإرهابيين) وإزالة ما علق في أذهانهم من أوهام وشبهات وضلالات ومساعدتهم على الاندماج من جديد في المجتمع وتطبيع حياتهم الاجتماعية، وحينئذٍ سنربح كثيراً بإعادتهم الى الصواب وحماية بلادنا وابنائنا وثرواتنا من التدمير والضياع في هذه الحروب العبثية التي يصنعها ويحرّكها اصحاب الأجندات الشيطانية، ومن الشواهد التاريخية على هذه القدرة

ص: 571

العظيمة للإسلام تأثر المغول المتوحشين الذين هجموا على بلاد المسلمين وملأوا الارض والماء بجثث القتلى لكنهم بعد جيل واحد فقط من احتلال العاصمة الإسلامية بغداد دخلوا في الإسلام وحملوا رايته واعتنق كثيرٌ منهم مذهب أهل البيت (عليهم السلام) إن كثيراً من هؤلاء المخدوعين عادوا إلى بلادهم نادمين ويحاول غيرهم التخلص من هذه الورطة التي وقعوا فيها بعد ان اطلعوا على وحشية زعمائهم وبراءة الإسلام من أفعالهم.

الإرهاب المقنع

لقد رأينا الكل في الداخل والخارج يتحدث عن رفض الإرهاب ومكافحته، لكن الكل –إلاّ من عصم الله تعالى- يدعم الإرهاب ويمده بالقدرات المادية أو المعنوية بشكل أو بآخر وإن دخل في صراع معه، فقد يختلف معه في هذه الساحة لأنه يضر بمصالحه لكنه يدعمهفي ساحة أخرى لأنه يلتقي مع مصالحه. وقد يواجهه اليوم لكنه بالأمس كان يدعمه، وقد يكافحه في حالة معينة لكنه يدعمه في حالة أخرى وهكذا وبالنتيجة فإنهم كلهم ساهموا في تقوية الإرهاب وتوسيع نفوذه وامتداد شبكته العالمية، وما كان للمجاميع الإرهابية أن تبلغ ما بلغته الآن إلاّ نتيجة هذا الدعم العالمي المتنوع، وهذه كلها من حماقة الجميع وقصر نظرهم، فإن الإرهاب لا يمكن اعتباره وسيلة لتحقيق المصالح بأي حال من الأحوال لهمجيته وجهله وتنكره لكل المبادئ الإنسانية والحضارية.

إنجاح مؤتمر مكة للقضاء على الارهاب

..ربما تدل أفعال المهيمنين على السلطة على شعورهم بعدم وجود مشكلة أو أزمة من قبلهم وان على الآخرين أن يأتوا إليهم مذعنين، وأحد الشواهد على ذلك قيامهم بتشكيل تكتّل يضمّ عدداً محدوداً من نفس المهيمنين على السلطة، فبدلاً من توسيع دائرة المشاركة السياسية لتشمل جميع القوى وممثلي الشعب حتى من هم خارج البرلمان، قام هؤلاء بتضييق دائرة الاستئثار بالسلطة والقرار ليقتصر عليهم وما على الآخرين مهما كان حجمهم وثقلهم إلا أن يتبعوهم ويذوبوا فيهم، فكان الرد الطبيعي للآخرين مقاطعة هذا التكتل والمطالبة بإصلاحات حقيقية فلم يحقق هذا التكتل شيئاً وكأنه وُلِد ميتاً بل زاد الشرخ والفرقة والتباعد حتى جرَّأَ أعضاء الكونغرس الأمريكي ليسنّوا قراراً يقضي بتقسيم العراق إلى ثلاث فيدراليات: شيعية وسنية وكردية، وهذا ما توقّعناه في نفس بياننا إلى المؤتمر حيث قلنا فيه: (إنكم بالتزامكم جميعاً بهذه الوثيقة ستسحبون الذرائع من قوات الاحتلال التي تبرر وجودها بتردي الوضع الأمني وتُفشِلون مشاريع تقسيم العراق التي تجعل العنف

ص: 572

الطائفي سبباً لها، وتصوّر التقسيم وكأنه الحل الوحيد لإنهاء هذه الحالة) وما كان لهم أن يتطاولوا على مقدسات بلدنا وينتهكوا حرمة إرادة الشعب العراقي لو كان قادة هذا الشعب متوحدين في مشروع وطني يحافظ على وحدة العراق شعباً وأرضاً وعلى حرّيته واستقلاله وكرامته، لكنهم مع الأسف ظلّوا يدورون في فلك مصالحهم الشخصية والفئوية الضيّقة.

معالجة أخرى لمشكلة الإرهاب

من الآليات للقضاء على الإرهاب وتجفيف منابعه وعناصر دعمه، هو تشجيع حركة النقل والاستيراد عبر الكويت وليس الأردن، فإن الأخيرة تدعم الإرهاب وتغذيه وتثقف باتجاهه، كما أن عصابات الإرهابيين تنتشر على الطريق الواصل بين العراق والأردن، وهي تأخذ الإتاوات على الشاحنات والحافلات، وهي تذهب لدعم الإرهاب، والأردن كسوريا تأوي الصداميين الإرهابيين وتنظم لهم تجمعاتهم ومؤتمراتهم، بينما الطريق إلى الكويت يمربمناطق آمنة ولا مصلحة للكويت في إيواء الصداميين واحتضانهم، وبذلك نشكل ضغطاً على الحكومة الأردنية لتغيير سياساتها.(1)

مساندة شكوى العشائر

كنّا من أوائل من نبّه إلى ضرورة أن تعطى العشائر دورها الذي تستحقه في بناء العراق الجديد وحفظ الأمن والاستقرار فيه، ولكن المتصدين لإدارة البلاد اعرضوا عن سماع هذا الصوت المخلص لأنه لا ينسجم مع الأجندات التي يعملون من أجل تحقيقها، مما أدى إلى تمزّق البلاد بهذا الشكل المريع. ولم تبخل العشائر في منحهم أصواتها في الانتخابات ليتسلقوا إلى مناصب الدولة المختلفة حتى إذا شغلوها جميعاً بخلوا على تلك العشائر حتى بتعيين أبنائها في أدنى وظائف الدولة حيث حصرت تلك الأحزاب الوفية! التعيينات بمن يأتي عن طريقها لتستعبده وتسخّره لخدمة أغراضها الأنانية. وبقيت الحكومة تتخبط ويزداد الحال سوءاً بسبب إقصائهم لأهل هذا البلد الذين عاشوا معاناته بكل فصولها وصمدوا على هذه الأرض الطيبة في وجه كل مؤامرات تغيير الهوية وحافظوا على خصوصيات هذا البلد وأهله، حتى التفت المحللون والخبراء واللجان التي أرسلتهم الإدارة الأمريكية إلى فداحة خطر هذا الإقصاء وارتكابهم لهذا الخطأ الجسيم فبدأوا

ص: 573


1- - طرح (دام ظله) ومنذ الأيام الأولى لعمر الاحتلال العديد من العلاجات العملية لمشكلة الإرهاب في العراق كتجفيف المنابع اللوجستية وتفعيل دور العشائر وإصلاح المنطلقات الفكرية التي يستند إليها وتقوية الأجهزة الأمنية والعسكرية لمحاربته وفرض سلطة الدولة والقانون لمكافحة الجريمة وإنجاح المؤتمرات التي تساهم في تخفيف الاحتقان الطائفي وغيرها.

بمشاريع لاستيعاب العشائر في مجالس الصحوات ومجالس الإسناد ونحوها، وكان لعدد منها دور مخلص في القضاء على الإرهاب وتجفيف منابعه والقضاء على حواضنه وهو ما دعوناهم إلى القيام به خصوصاً عشائر الأنبار في خطاب بعد التفجير الإجرامي الأول الذي استهدف الروضة العسكرية الشريفة في شهر شباط/2006 م كما كان لعشائر الوسط والجنوب دور بارز في تأمين الطرق والمحافظة على مؤسسات الدولة وملاحقة العصابات الإجرامية وحماية الأنابيب الناقلة للنفط وغيرها.

ص: 574

المشكلات السياسية وإصلاحها

المرجعية تبدي استيائها لعدم الأخذ بحلول مشكلات العراق

قد نبهنا الى هذه الأخطاء والاخطار قبل عشر سنوات وطالبنا بإصلاحها وقدمنا الخطط الكفيلة بذلك إلا أنني كنت الوحيد الذي أتكلم أما الآخرون من الزعامات الدينية والسياسية فكانوا سكارى بمغانم السلطة والدنيا التي حصلوا عليها بعد الاحتلال واجتمعوا على معاداتي وتسقيطي وإقصائي لأنهم لا يريدون ارتفاع صوت من يوقظ الناس من جهلهم وغفلتهم، ونبهنا أيضاً من أول يوم الى الغزو الاخلاقي لإفساد المجتمع من خلال إغراقه بالتقنيات الحديثة لوسائل التواصل الاجتماعي والانترنت وإباحة كل شيء من دون فلترة أو تشفير وهو مالا تجده حتى دول الغرب المتحللة التي تتخذ اجراءات لتحصينهم من بعض ما يعرض من الانتاج المدمّر لكل القيم أما العراق فمستباح لكل شيء، واوردنا في عدة خطابات عشرات المضّار لإباحة هذه الوسائل .

المرجعية تحدد مواطن ضعف الحكومة

بيّن سماحة الشيخ المرجع (دام ظله) لمستشار الأمن القومي في لقائه به عدة نقاط ضعف وتقصير في أداء الحكومة أدّت إلى استياء المرجعية الدينية وجماهير الشعب ونفور بعض من المتصدين للعملية السياسية، ومن تلك الموارد:

1- عدم الحزم في التعامل مع القتلة والمجرمين وأعداء الشعب الذين ولغوا في دماء الأبرياء ورتعوا في الجريمة بإقرارهم وبما لا يحتاج إلى دليل، فإلى الآن لم ينفذ حكم الإعدام فيهم رغم أنهم قتلة مفسدون وجزاءهم عند الله تعالى والعقلاء من الناس هو القصاص بمثل ما فعلوا.

2- تحزيب الوزارات وسائر أجهزة الدولة بحيث لم تعد الوزارات جهازاً وطنياً يعمل للعراق والعراقيين وإنما أصبحت ممالكاً للأحزاب التي تتولاها، وذابت الروح الوطنية وطغت عليها الروح الحزبية والفئوية وتبدلت المعايير من الكفاءة والإخلاص والنزاهة إلى الولاء للحزب والكيان.

3 - عدم الجدية في بناء الأجهزة الأمنية للدولة مما يطيل أمد الاحتلال ويكثر من سقوط الضحايا ويوسع مساحة عمل المجرمين، فالتجهيز غير كاف والاختراقات من الصداميين والمخربين ممتدة إلى أعلى المستويات والمخلصون مبعدون، فمتى سيحل

ص: 575

الأمن والاستقرار والازدهار والاستقلال في هذا البلد؟

4 - عدم صرف المبالغ المخصصة للمحافظات من الميزانية مما عطل حركة الإعمار فيها وأقعدها عن تقديم أبسط الخدمات، مما ولد استياءً يكاد يصل حد الانفجار.

5 - الفساد المالي والإداري الضارب بأطنابه في كل مفاصل الدولة، مما يؤدي إلى تخريب واسع بكيانها أكثر مما يفعله الإرهابيون القتلة.

مطالبة مفوضية النزاهة بالنزاهة

إن لهذه المفوضية دوراً مهماً في ضبط أداء السلطات وضمان عدم انحرافها ومحاسبة المسيئين والالتزام بالدستور، إلا أن مجرد تشكيلها غير كافٍ ما لم يتّصف أعضاؤها بالنزاهة فعلاً والإخلاص والترفع عن اتباع أهواء النفس الأمّارة بالسوء والحرص على المصلحة العامة، ولا بد أن نفهم أن (النزاهة) لا تعني محاربة الفساد الإداري والمالي فقط، بل إن (مفوضية النزاهة) مسؤولة عن التوزيع العادل للثروة على أبناء الشعب بحسب نسبة السكان وحاجة المحافظات، فليس مقبولاً ما نسمعه أن الميزانية المخصصة للخدمات في المحافظات التي كان النظام المقبور يغدق عليها هي عشرة أضعاف وأحياناً عشرين ضعفاً أزيد من الميزانية المخصصة للمحافظات المضطهدة والمحرومة في وسط وجنوب العراق.

السبب الرئيس للأزمة العراقية

إن الأزمة في العراق اليوم ليست أزمة مالية كما يعلنون لأن مدخولات العراق الحالية تناهز (50 مليار دولار) أو أكثر وهي كافية لمثل سكان العراق، ولا أن سببها وجود الأجندات الخارجية ولا غيرها وان كان لكل منها شيء من التأثير، وانما سبب خراب العراق وانهيار الدولة حتى اصبحت نهباً للعابثين والطامعين والحاقدين هو فشل المتصدين وسوء ادارتهم وتنازعهم فيما بينهم على تحقيق مآربهم الشخصية والفئوية، فغطّوا فشلهم بالتنازع وادّى تنازعهم إلى الفشل.

أصل الصراع في العراق هو..

لقد أكدنا مراراً إن الصراع الجاري في العراق إنما هو صراع سياسي وليس صراعا سنياً شيعياً (طائفي).. لكن بعض الساسة عملوا على استغلاله طائفياً لغرض التحشيد لمصالحهم الشخصية او لصالح الجهات التي يعملون لحسابها وقد عاش العراقيون لعقود طويلة بسلامٍ من دون مشاكل من هذا القبيل.

ص: 576

أسباب تسلط الاشرار

بعض الروايات دلّت على أن بعض الذنوب والتقصيرات هي العلل الحقيقية لتسلّط الأشرار والفاسدين والظالمين، فنبّهنا المعصومون (عليهم السلام) لها حتى نمنع أصلتسلّطهم وتسلّمهم الحكم، ولا نصل إلى مرحلة تمكنهم من الحكم والسلطة ثم نفكّر في كيفية إصلاح الحال، أي أن الإصلاح يكون على طريقة (الوقاية خير من العلاج)، وازالة الاسباب من أصلها، ومن تلك الذنوب والتقصيرات المسبّبة لتسلط الاشرار والفاسدين:

ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر روي عن الإمام الرضا (علیه السلام): (لتأمرُنَّ بالمعروف ولتنهنَّ عن المنكر، أو ليستعملن عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم) وروي عن النبي(صلى الله عليه وآله): (لا تزال أمتي بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البر والتقوى، فإذا لم يفعلوا ذلك انتزعت منهم البركات وسلط بعضهم على بعض ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء).

1- عدم الاستفادة من توجيهات العلماء العاملين: روي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله): (سيأتي زمان على الناس يفرّون من العلماء كما يفرّ الغنم من الذئب، فإذا كان ذلك ابتلاهم الله بثلاثة أشياء: الأول يرفع البركة من أموالهم والثاني سلّط الله عليهم سلطاناً جائراً والثالث يخرجون من الدنيا بلا إيمان).

إفراغ الدين من مضمونه الحقيقي والاكتفاء بالشكليات الظاهرية منه، وتخلّي علماء الدين والربانيين عن مسؤولياتهم الحقيقية وهذا شكل من اشكال فساد العلماء الذي يؤدي الى فساد الأمة، في حديث عن النبي(صلى الله عليه وآله): (سيأتي على أمتي زمان لا يعرفون العلماء إلا بثوب حسن ولا يعرفون القرآن إلا بصوت حسن، ولا يعبدون الله إلا في شهر رمضان، فإذا كان كذلك سلّط الله عليهم سلطاناً لا علم له ولا حكم له ولا رحم له).

نصائح في الاصلاح السياسي

إن الحل العسكري لا يكفي وحده مالم يقترن بإصلاح سياسي يؤدي الى سلمٍ اجتماعيٍ ورفاهٍ اقتصاديٍ، وهذا يتطلب تنازلات عن الاستئثار والاستبداد من البعض والى إنصاف وصبر من البعض الآخر ويتم ذلك من خلال تواصل صريح وشفاف وحكيم بين القيادات الدينية والسياسية والاجتماعية المؤثرة في مكونات الشعب العراقي، ولابد أن يُبنى هذا الحوار والتواصل على اسس يتفق عليها الجميع ومنها:

1. الإيمان بوحدة العراق ارضا وشعبا وتساوي جميع الافراد في الحقوق

ص: 577

والواجبات على اساس المواطنة والانتماء للعراق.

احترام منجزات العملية السياسية التي ضحى الشعب من اجل تحقيقها كالدستور باعتباره مرجعية سياسية والانتخابات كآلية ديمقراطية ومؤسسات الدولة، وان اي مطالبة بالتعديل والتغيير لابد ان يكون ضمن الاليات التي1. كفلها الدستور لموافقه اغلبية الشعب عليه وليس من المعقول المطالبة بالرجوع الى خط الشروع الصفري لان فيه هدرا لتضحيات الشعب وارادته.

2. رفض الابتزاز السياسي واتخاذ الارهاب وسائر المشاكل وسيلة لتحصيل المزيد من المكاسب التي تتجاوز السقوف العادلة للاستحقاقات ورفض كل الوسائل غير الدستورية.

3. مراعاة ضوابط الوطنية والمهنية والنزاهة والكفاءة في اختيار قيادات البلاد المدنية والعسكرية والسعي لإصلاح بناء الدولة ومؤسساتها على اسس صحيحة ونحو ذلك من المبادئ.

السلطة وسيلة وليست غاية

إن الذي يتدبر في سيرة أهل البيت (عليهم السلام) وكيفية تعاطيهم مع السلطة والأحداث السياسية عموماً يجد أنهم ينظرون الى السلطة على أنها وسيلة وليست غاية كما يفهمها المتصارعون على الدنيا، وسيلة لإحقاق الحق وإزهاق الباطل وتحرير الإنسان وبسط العدل بين الناس، فإذا خلت السلطة من هذه الأغراض فلا قيمة لها وهي وبال على صاحبها، وقد عُرِضت السلطة على الأئمة (عليهم السلام) مرات عديدة جاهزة على طبق من ذهب –كما يقال- خصوصا عند أسقاط الدولة الأموية في زمان الإمام الصادق(علیه السلام) لكن الإمام كان يرد هذه العروض لأنها لم تكن صادقة في تحقيق هذه الأهداف النبيلة.

نتائج حكومة الطواغيت

إن أسوأ ما ينتجه حكم الطواغيت والمتجبرين هو تحطيم الإنسان وسحق كرامته وتدمير القيم الصالحة في المجتمع، فالتغيير في السلطة لا بد أن تستهدف إعادة كرامة الإنسان وبناء المجتمع الصالح والحكم العادل، ليشعر الناس بالتغيير فعلاً وأن الظلم قد زال وحلّ العدلُ محلّه، أما مجرد تغيير الظالم والاتيان بآخر فلا قيمة له.

السبب وراء الاختلافات الطائفية

إن السبب في ذلك ليس عقائدياً لأن التنوع في العقيدة كان موجوداً ولم يؤدّي إلى

ص: 578

هذا الانفصال وإنما بالصراعات السياسية وسوء تصرف السياسيين الذين وجدوا إن الشحن الطائفي والتخندقات القومية والمذهبية تخدم مصالحهم وتطيل بقائهم في السلطة فأثاروا الخلافات واجّجوها ولازالوا يعتاشون عليها ومن ورائهم مصالح الدول الاقليمية والخارجية التي يدورون في فلكها وينفذون اجنداتها، وهكذا ذابت قيم التوحد والتعايش ونشأت على انقاضها قيم الكراهية والعنصرية والتمزق وذهب ضحيتها الشعب المسكينالذي لم يحصد منها إلا الموت والخراب.

كيف نحقق الاندماج الطائفي؟

لا ينصلح الحال إلا بوجود قوة مُصلِحة ومخلصة وشجاعة قادرة على الزام السياسيين بمسؤولياتهم وطرد الفاسد منهم ولا يقدر على أداء هذا الدور غير المرجعية الدينية التي تملك زمام الامور، اما ما نحتاجه فهو وجود ارادة مخلصة جديّة لدى السياسيين للإصلاح والتغيير نحو الأفضل، وحوار شفاف منفتح، وتغليب للمصالح العليا، والاستعانة بالخبرات والكفاءات في جميع المجالات لوضع خطط مدروسة وناجحة، ونهضة فكرية يشارك فيها العلماء والمثقفون والإعلاميون والكتّاب لتأسيس ثقافة صالحة لحياة سعيدة وإزالة العقد الفكرية والاجتماعية التي ساعدت على تأزيم المواقف، وأمور أخرى.

هما سبب الصلاح والفساد؟!

إن تردي أخلاق الأمة وضعف همتها وانحدار مستوى الوعي لديها سبب لتصدي هذين الصنفين الفاسدين(أي الفقهاء والأمراء) وفسادهما يؤدي إلى مزيد من الفساد في أحوال الأمة لذا اشتهرت الكلمة المعروفة (كيفما تكونون يولى عليكم) فصلاح أحوال المسلمين يبدأ من إصلاح أنفسهم وتمسكهم بدينهم وزيادة وعيهم في اختيار قياداتهم الدينية والسياسية وحينئذٍ تنصلح أمورهم وتتغير أحوالهم نحو الأفضل بأذن الله تعالى.

خطر غسيل الأموال على البلاد

(غسيل الأموال) عملية تخريبية لاقتصاد البلدان ومفسدة لأخلاق الناس وسالبة لدينهم، وتوفر بيئة مناسبة للانحراف والجريمة وكانت ممارستها في البداية محصورة بيد مافيات الجريمة والعصابات ورؤوس الفساد والتخريب إلا انها تحولّت الى ظاهرة عامة ومدّمرة انحدر اليها الكثير من الساسة والسماسرة ورجال الاعمال وناهبي ثروات الشعوب، وقد التفت العالم المتحضر الى خطورة هذه الظاهرة فبادر الى عقد المؤتمرات والندوات على أعلى المستويات للتشاور في كيفية مكافحة هذه الظاهرة ووضع الآليات المناسبة لكشفها

ص: 579

وتطويقها، وسنّ القوانين لتجريم المتعاملين بها وتثقيف المجتمعات بخطورتها والعقوبات الصارمة التي توجبها، وإن كانت هذه المؤتمرات لم تحقق شيئاً حتى ما كان منها على مستوى القمة لعدم الجدّية والمصداقية لدى القائمين عليها بل هم الذين يديرونها، ولا زالت هذه الظاهرة الخبيثة تزداد نخراً في الدول والمجتمعات.

غسيل من نوع آخر

يوجد غسيل من نوع آخر للهوية أو العنوان أو الشخصية، ومن أمثلته ما تقوم به بعض الجهات لغسيل الارهابيين السعوديين الذين قاتلوا في العراق وسوريا والذين يريدونالعودة إلى بلادهم والاستفادة من العفو الملكي في بلدهم فينقلون الى إندونيسيا ثم يعودون من هناك الى السعودية بعد أن يعطوهم صفة مبلغين قضوا واجب الدعوة والارشاد خارج البلاد، وقد نقل لي بعض المسؤولين الإندونيسيين إنهم تجاوزوا المئة الى الآن، وإنما ذكرت هذه الامثلة ليكون المجتمع واعياً للدسائس والمكائد التي تدبَّر له لتفتيته وتمزيق وحدته وإذكاء العداوة والبغضاء والقتال بين الناس حتى تخلو الساحة لأولئك الشياطين لتمرير مشروعهم.

المرجعية الرشيدة تحدد الخلل وتضع العلاج

لم تحظَ ميزانية قدمتها الحكومة في السنوات السابقة بمناقشات ومعالجات كالتي حظيت بها ميزانية 2007م حيث كانت تُسَّوق على علاّتها وتترك الباب واسعاً للفساد المالي وهدر المال العام حتى اعترف وزير المالية السابق إن سرقة المال العام بلغت خمسة مليارات دولار وهو رقم ضخم، ومع ذلك فهو أقل بكثير من تقديرات منظمات الشفافية العالمية، مما جعلت العراق بلد الحضارات يقف على قمة رأس قائمة الدول الأكثر فساداً في العالم ضمن الدول المتخلفة والجاهلة، ولو أن القادة السياسيين استعادوا للبلد عشر هذا المال الذي سُرِق لاستغنى عن قرض البنك الدولي الذي أضرَّ بشعبنا بشروطه المجحفة كقطع الدعم الحكومي لأسعار المشتقات النفطية والبطاقة التموينية وزيادة الضرائب والرسوم وقطع المعونات الاجتماعية فأضافت الحكومة بؤساً إلى بؤس الشعب. وكانت ميزانية عام 2007م قد صيغت بنفس الأخطاء السابقة من الارتجالية والعبثية وكثرة منافذ الاختلاس وسرقة المال العام وخلّوها من المشاريع الإستراتيجية والإصلاحات الاقتصادية الحقيقية، لولا أن اندفعت المرجعية الرشيدة لتصدر بيانها (زيادة ميزانية عام 2007م خبر يؤلم العراقيين) وكان البيان موضوعاً للخطبة الثانية من صلاة عيد الأضحى المبارك إيماناً من المرجعية

ص: 580

بأهمية الميزانية باعتبارها خطة عمل الحكومة خلال عام. وكانت هذه الحركة الشجاعة من المرجعية إيذاناً للخبراء والمحللين الاقتصاديين بتسليط الأضواء على الميزانية ودراستها ومعرفة الخلل فيها، وارتفعت الأصوات التي استفادت من زخم المرجعية لتطالب بتصحيح الأخطاء وسد الثغرات وملئ الفراغات التي شخّصتها المرجعية فعقدت المؤتمرات وأقيمت الندوات، وشعر زعماء الكيانات المهيمنة على القرار السياسي بالهزيمة والذل وخسرت صفقتها فتغيّبوا عن حضور جلسات البرلمان ليعطلوا مناقشتها لعدم اكتمال النصاب حتى يضيق الوقت ويصبح إقرارها أمراً واقعاً.

من آداب مهنة رجال السياسة

لايجوز للمرشحين في الانتخابات أن ينسوا في خضم هذه العملية مبادئهم و أحكام شريعتهم وأخلاقهم وإذا أرادوا أن يدفعوا الناس لانتخابهم فليقنعوهم بمشروعهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي من دون النيل من الآخرين، ومن استقرأ مناظرات الأئمة (عليهم السلام) مع مخالفيهم سيجدها على قسمين:

الأول: مع المخالفين لهم في أصل الدين والاعتقاد كالمشركين والزنادقة والدهرية، ومع مثل هؤلاء ينصب كلام الإمام(علیه السلام) على تفنيد عقائدهم وتسخيف آرائهم.

الثاني: مع المخالفين لهم في الفروع الموافقين لهم في أصل الدين، هنا لا نجد الإمام ينال من رموزهم أو يستخف بمذهبهم، وإنما يركز الإمام(علیه السلام) على قوة حجته وبرهانه ونقاط القوة في مذهبه.

وهذا الدرس يجب أن نستوعبه في مناظراتنا اليوم من أجل الانتخابات وغيرها إذ ينبغي أن يكون تركيزنا فيها على قوة المشروع الذي نحمله ونسعى إلى تحقيقه والإيجابيات المتضمنة فيه، ونترك الحرية للناس لكي يقتنعوا به ولا يجوز بأي حال من الأحوال تسقيط الآخرين والنيل منهم، ولعلي أستطيع أن أقول إن من أهم الأهداف التي أرادها الأعداء حين رضخوا لمطالب المرجعية والشعوب وقبلوا بإجراء الانتخابات هو المراهنة على تمزيق وحدة الشعب وتفتيته وتناحره، فلا بد من الحيطة والحذر وتوعية الأمة لهذه المخاطر، ومن هنا كانت خطواتنا العملية بالمشاركة في قائمة ائتلافية حتى يشعر الجميع أن القائمة قائمتهم وتتوجه كل أصواتهم باتجاه واحد.

من أهم أسباب مشكلات العراق

إن العجز عن حل مشكلة العراق اليوم يرجع في بعض أسبابه المهمة إلى عدم وجود

ص: 581

رمز وطني أو ديني كبير له هيبة وانقياد يستطيع فرض الحل على السياسيين وإرغامهم على الرضوخ إلى الحق، وهنا يكون واجب النخبة كبيراً فعليهم تحمل مسؤولياتهم لتوعية الشعب وتوجيهه نحو قيادته الحقيقية والتصدي لتحمل المسؤولية وتقديم البديل الصالح ليأخذ محل الفاسدين والظالمين.

الخطر الأعظم على الإسلام

إن أعظم قلقنا من انتكاس المشروع الإسلامي بسبب حماقات وأنانية ولؤم من يرفع شعاراته مكراً للوصول إلى السلطة.

نصيحة إلى الكتل السياسية

إن التذرع بالدستور وصناديق الاقتراع وحده لا يكفي في بلد جديد العهد بالتجربةالديمقراطية ويعاني من موروثات معقدة ومخلّفات عهود طويلة مظلمة، وتتشكل فيه الكتل السياسية على أساس المكونات الاجتماعية وليس البرامج السياسية الوطنية، وهذا أحد أسباب دعوتنا الكتل السياسية لتغيير اصطفافاتها والخروج من تخندقها الطائفي والقومي. فلا بد في المرحلة الحالية من بناء العملية السياسية على التوافقات التي تعتمد الشراكة الحقيقية والثقة المتبادلة.

تشخيص الداء والعلاج لمشكلة العراق

إن مشكلة العراق لا يحلّها إلا العراقيون أنفسهم ولا تُحَلُّ بأن يستضيفوا على أرضهم مؤتمرات لمن يتدخلون في شؤون البلاد ويتصارعون على هذه الأرض المباركة الشريفة ليصفّي كل منهم حساباته مع الآخر ويكون الثمن من دم العراقيين أنفسهم، أما الساسة العراقيون فدورهم التفرّج وانتظار النتائج التي سوف لا تكون بصالحه حتماً لأنها تُرتَّب وفق مصالح الآخرين.

الشعب يتحدى حكومته

إن الشعب العراقي يتحدى حكومته أن تقدم له كشفاً بصرف عشر هذا المبلغ على مشاريع استراتيجية يجدها على ارض الواقع وليست مشاريع وهمية على الورق فقط. فها هو الخراب يدبُّ في مرافق الدولة ومنشأتها الحيوية وبنيتها التحتية ولا زالت المصانع الحكومية التي كانت تستوعب الآلاف من الفنيين والأيدي العاملة عاطلة عن العمل لأسباب يمكن إصلاحها بسهولة ، وقد انحسرت الأراضي المزروعة بعد أن هجرها أهلها لعدم كفاية الحاصل بتكاليف زراعتها ، ولا حاجة إلى الاستمرار في سرد الأمثلة فإن الخراب

ص: 582

والانهيار ضارب بأطنابه في كل نواحي الحياة. ألا يستحي المتصدّون لإدارة البلد من تصدّر العراق قائمة دول العالم في انتشار الفساد المالي في تقرير منظمة الشفافية العالمية وتقدّم على أكثر الدول تخلفاً وهو بلد الأصالة والحضارة والتاريخ والريادة في فنون الحياة؟

أفظع خيانة هي...

عن أمير المؤمنين (علیه السلام): (أفظع الخيانة خيانة الأمة) فإذا تقاعست الأمة ولم تدلي بشهادتها للمؤهلين لقيادة البلاد فإنها تفسح المجال للمفسدين أن يعودوا إلى مواقعهم، والخيانة الأفظع والأسوأ أن يجدد إعطاء صوته ويمنح الثقة لنفس الذي ظلموه وغصبوه حقوقه وسرقوا ثرواته، ولم يرَ منهم خيراً إلاّ الصراعات وكان المواطن يقول سأقطع إصبعي الملوّن بالبنفسجي لما يرى من مفاسدهم ومظالمهم ولا مبالاتهم ثم يعود فينتخبهم فهذه شهادة زور على خلاف الواقع ويحاسب صاحبها ولعله يكون مشمولاً بعقوبة شاهد الزور والعياذ باللهتعالى.

استئثار المتسلطين

إن مشكلة بعض المتمسكين بالسلطة اليوم أنهم لا يرون وجود أزمة يعاني منها البلد ما دامت مصالحهم قائمة ووضعهم في السلطة مستقراً فليبق الحال على ما هو عليه، وعلى الجميع أن ينصاع لهذا الوضع أما عشرات آلاف الضحايا، وملايين المهجّرين، وشلل الخدمات، وتفشي الفساد المالي والإداري، وتعطيل الاقتصاد والزراعة والصناعة، وهجرة الكفاءات خشية الاغتيال، وملايين العاطلين، وهدر المال العام وسرقته، وغيرها من المعضلات التي دفعت بالأمين العام للأمم المتحدة أن يصف القضية العراقية بأنها مشكلة العالم كله؛ أقول: أما هذا كله فليس مشكلة في نظر البعض حتى يقدّموا تنازلات أو أفكار أو مشاريع لحلّها وحتى لو كانت هناك مشكلة فليسوا هم المسؤولين عنها وإنما هي مشكلة الآخرين، ويبدو أنهم بحاجة إلى تذكيرهم بكلمة أمير المؤمنين (علیه السلام) لمّا سئل عن تفسير الأحداث التي انتهت بمقتل الخليفة عثمان، قال (علیه السلام): (استَأثرَ فَأساءَ الأثَرَةَ، وَجَزَعْتُم فَأسَأتمُ الجزع، وللهِ حُكمٌ واقِعٌ في المُستَأثِرِ والجَازِعِ) فالسلطة تتقاسم المسؤولية عما يحدث في البلاد مع المنفّذين المباشرين من خلال استئثارهم مما يستفزّ الآخر ويدفعه إلى الوقوع في الخطأ بل الخطيئة حين يفقد الصبر من أجل حفظ المصالح العليا للبلاد والعباد.

نصيحة وتحذير للمسؤولين

أُوجِّهُ كلامي إلى الموجودين في السلطة وأقول لهم: إنني ما قلت لهم هذه الكلمات إلا

ص: 583

بدافع النصيحة فأنا (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ)، (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)، (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ) وإن الله تعالى مُسائلكم عن هذه المواقع التي أنتم فيها (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ، مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ) والدنيا مهما طالت فإنها تنتهي بالموت وسوف لا ينفع يومئذٍ مال ولا بنون ولا جاه ولا موقع ولا حمايات ولا ينجو إلا من أتى الله بقلبٍ سليمٍ خالٍ من الغشّ والحقد والأنانية وحبّ الدنيا وظلم الآخرين وحرمان الناس من حقوقهم والاستئثار دونهم بالامتيازات، وإنما يفوز يوم القيامة من جاء ربّه بقلبٍ مليءٍ بالرحمة والحب والصفح والتسامح وإرادة الخير للناس جميعاً كما يريده لنفسه بل أن يؤْثِر الآخرين على نفسه ويضحّي من أجلهم. فعلى جميع الأطراف أن تبذل كل ما في وسعها وتقدم كل التنازلات الضرورية ليحصل الوئام والانسجام والاشتراك في إنقاذ البلد من محنته وترفيه الشعب وإسعاده. وليعلم كل طرفأن ما يقدمه من تنازلات ليس هو للطرف الآخر حتى يشعر بالهزيمة، وأن هناك طرف رابح وآخر خاسر وإنما هو تنازل لله تبارك وتعالى وللشعب ولمستقبل هذا البلد وهذا كله ربح لا خسارة فيه.

جوهر مشاكلنا هو..

إن جوهر مشاكلنا هو فقدان الإخلاص لله تبارك وتعالى ولهذا الشعب المظلوم وللبلد الجريح وهو الذي ينتج الأخطار التي أحدقت بنا وعلى رأسها الفساد المالي والإداري الذي ينخر بكيان الدولة ويضيف يومياً المزيد من الفقراء والمحرومين والمظلومين. ونحن نرى يومياً المظاهرات والاعتصامات وغيرها من الفعاليات وكلها شاهدة على وجود حاجات ومطالب مشروعة وما خفي أعظم، والله تبارك وتعالى يطالبنا بالتحرك بكل ما أوتينا لتحمل هذه المسؤولية (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً).

المصالحة الحقيقية والمزيفة

إن الحكومة والأحزاب المتسلّطة إذا كانت جادة في (المصالحة الوطنية) فلتتصالح أولاً مع الشعب الذي تهدر ثرواته وتملأ بها جيوب الزعماء المتنفذين فإن هذا الشعب يتميز غضباً وحنقاً وغيضاً عليهم. كيف يرضى الشعب أن يكرَّم أزلام صدام المقبور ويعطون

ص: 584

الامتيازات الضخمة التي سيوظفونها حتماً في زيادة ولوغهم في دماء العراقيين وإنعاش الإرهاب، بينما تبقى عوائل الشهداء الأبرار والسجناء الذين ذاقوا صنوف العذاب وكل المحرومين الذين عانوا الأمرّين تحت وطأة ظلم صدام وبطشه وقسوته، يبقون في هذا الحال البائس التعيس من دون أن تكلّف الحكومة نفسها بتكريمهم بما يحفظ ماء وجوههم، بل حتى لم تتحرك بخطوات جدّية لإعادة أموالهم وممتلكاتهم التي صادرها صدام وأزلامه وبيعت بثمن بخس ولا يستطيعون استردادها فينظرون إليها بأعينهم وقلوبهم تحترق!! وإذا يممّت وجهك شطر المهجرين وتساءلت كيف يواجهون البرد القارص والمطر في تلك الخيام البالية، ولقد رأيت بعيني الأم التي تنقل أطفالها من مكان إلى مكان في مأواهم الخاوي الذي سقفه من الحُصُر والبواري، وجدرانه من الصفيح، وكلما ابتل موضع من المطر نقلتهم إلى آخر وفي النهار تنشر الفراش والوسائد على الحبل لعل الشمس تجففها وغيرها من الصور المأساوية. فأين المسؤولون عن هذه الكوارث وإذا منعتهم الحالة الأمنية عن تفقّدهم ميدانياً والإطلاع على حالهم أفلا يتابعون التقارير التلفزيونية وهو أضعفالأيمان ولكن قست القلوب فهي كالحجارة أو أشدّ قسوة.

المرجعية تطالب الحكومة ب..

إن الشعب يطمح إلى تشكيل حكومة توفر له الأمن والاستقرار والرفاه والتقدم وتعالج مشاكله الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الكثيرة كالجهل والمرض والفقر والتصحّر وقلة المياه والتدخلات الخارجية والخروقات الأمنية والفساد المالي والإداري وتلكؤ عملية الإعمار والنهوض، والمرجعية تعبّر عن إرادة الشعب هذه وتريد من القوى السياسية أن تسعى لتحقيقها.

اسبوع أمير المؤمنين(علیه السلام) اسبوع النزاهة والعدالة

الأسبوع الذي يبتدئ من عيد الغدير هو أسبوع أمير المؤمنين بامتياز -كما يقال- لكثرة ما حباه الله تبارك وتعالى من مناقب في هذا الأسبوع.. ولما كان هذا الأسبوع لأمير المؤمنين (علیه السلام) فإنه يكون اسبوعاً لكل ما كان يتصف به أمير المؤمنين (علیه السلام) من صفات الكمال، ولكل ما كان لعلّي (علیه السلام) من حقوق على الأمة، ولكل ما كان يمثله أمير المؤمنين (علیه السلام) من منازل ومواقع ومقامات، فهو أسبوع الولاية والإمامة والخلافة الإلهية والقيادة الربانية للأمة وللبشرية جمعاء. لذا اقترحتُ في يومٍ ما قبل سنين أن يكون اسبوعاً للنزاهة وللعدالة وللمساواة ولإنصاف المظلومين ولاسترداد ما نهب من المال العام وللقضاء على الفساد المالي

ص: 585

والإداري وخلع المتصدين للمواقع بغير حق وتعيين المؤهّلين فيها، لأن هذه المعاني كلها وغيرها جسّدها أمير المؤمنين (علیه السلام) عندما تولى الخلافة.

الشخصية المعنوية للدولة وحرمة الأموال العامة

الدولة لا تملك هذه الأموال العامة وإنما الشعب الموجود منه الآن ومن سيوجد لاحقاً، لكن للدولة الممثلة بالحكومة حق التصرف فيما تحت يدها وفق الصلاحيات التي خولها الشعب لها ووفق قوانين يسنّها ممثلو الشعب على أن تكون هذه القوانين في مصلحة الشعب والدولة لذا اشترطنا أن تكون هذه القوانين والتصرفات ممضاة من قبل المرجعية الدينية الجامعة لشروط ولاية أمر الأمة والنظر في شؤونها باعتبارها نائبة بالنيابة العامة عن الإمام المعصوم (علیه السلام) الذي هو ولي كل الأمور العامة. والإطار العام للتصرفات المأذون بها شرعاً في الأموال العامة ومؤسسات الدولة هو ما يندرج في حفظ النظام الاجتماعي العام ورعاية مصالح البلاد والعباد وازدهارها وكرامتها وبذلك تحصل الحكومة على المسوِّغ القانوني والشرعي للتصرف في شؤون الدولة، ولذا فأن الفساد المالي وهدر المال العام والعبث به والتصرف فيه خارج هذا الإذن من المحرمات الشرعية مضافا إلى كونه منالمخالفات القانونية، وإن اي قانون خارج هذا الإطار العام يكون باطلاً حتى لو سنّه البرلمان - انطلاقاً من مصالحه الشخصية والفئوية من دون مراعاة لمصالح الشعب والبلاد- لأنه غير ممضى شرعاً وغير حائز على موافقة المرجعية الدينية الراعية لحقوق الناس وحفظ مصالحهم.

مقترح لمعالجة الفساد المالي والإداري

إن هذه الحالة (أي الفساد المالي والإداري) أنهكت شعبنا وبددت ثرواتهم ونخرت مؤسساتهم وأفقدت الثقة لدى كل مستثمر يحاول أن يساهم في إعمار العراق وإصلاح حال أهله، وان معالجتها تتطلب تضافر جهود كثيرة على مدى طويل، إن أي نجاح نحققه في هذا المجال سيساهم بقوة في القضاء على الإرهاب وتجفيف منابعه وتقطيع أوصاله، ومن العبث بذل الجهود والأموال في المجالات الأخرى وغض النظر عن الحلول الحقيقية لمعالجة الفساد الإداري والمالي الذي هو الشريان الحيوي للإرهاب والخراب والدمار والحرمان الذي أضر بالبلد وأهله، وبعض هذه الحلول إستراتيجية نبدأ بها من الآن، كتربية الأمة على الشعور بالمسؤولية، وحرمة المساس بالمال العام أو الإضرار بمصالح البلد ومؤسساته ونشر ثقافة حب الخير لكل الناس (أحبب لأخيك ما تحب لنفسك واكره له ما تكره لها) والرحمة

ص: 586

بهم والمساواة في الحقوق والواجبات وأن (خير الناس من نفع الناس)، والتسامي عن الأنانيات والمصالح الشخصية والحزبية، وهذه وظيفة علماء الدين والمفكرين والخطباء والكتاب والإعلاميين. وبعض الحلول آنية كإعادة النظر في تقييم الأشخاص والمؤسسات وهيكلتها الإدارية، وجعل المفتش العام في الوزارة مستقلا عنها ويؤسس ديوان التفتيش العام يرتبط به المفتشون العامّون ويكون رئيس الديوان بدرجة وزير والمفتش العام في الوزارة بدرجة وكيل وزير، وهنا أود اقتراح مشروع وهو أن يكون ترشيح الأشخاص المستقلين إلى المؤسسات الحكومية المسؤولة عن النزاهة والتفتيش ومحاربة الفساد عن طريق الأحزاب والفعاليات السياسية غير المشاركة في الحكومة، إما لاختيارها لنفسها أن تكون في صف المعارضة الايجابية والنقد البنّاء، أو أن مقاعدها في البرلمان لايؤهلها لتحصيل حقيبة وزارية، أو أنها تمتلك حضوراً سياسياً وشعبياً فاعلاً لكنها لم تحصل على مقعد في البرلمان لسبب أو لآخر، مع مراعاة ما يقتضيه النظام الداخلي لعمل هذه المؤسسات من الاستقلالية والمهنية وغيرها من الشروط، وبذلك نحقق عدة نتائج مهمة:

1. اكتمال العملية الديمقراطية بوجود معارضة ايجابية فاعلة تمارس دورها المؤثر في تقويم المسيرة ورصد الأخطاء ومعالجتها وتقديم الحلول.1. مصداقية مؤسسات الرقابة والتفتيش وصيانة المال العام بعد تحريرها من هيمنة الكتل التي تدير الوزارات والمتهمة بمباشرة الفساد أو عدم السعي الجاد لإصلاحه.

2. تخفيف الاحتقان السياسي الناشئ بسبب إقصاء وتهميش أو غياب عدد من الكيانات عن المشاركة في الحكومة، وستكون حينئذ هذه المشاركة ممارسة مهمة لدورها مما ينزع فتيل الأزمة.

3. انسيابية تشكيل الحكومة وتجنب حالات الشد والجذب والتلكؤ والتأخير الذي بلغ عدة أشهر، وكان أحد أسبابه حرص الجميع على أن يكون له مكان في الحكومة؛ لأن وجوده السياسي مرتبط بهذا المكان مما يولد حالة تدافع وتصادم في المصالح والاستحقاقات تجعل مخاض ولادة الحكومة عسيراً، فإذا اطمأن عدد من الكيانات السياسية أن وجوده محفوظ من خلال المشاركة في بناء هذه المؤسسات المراقبة لعمل الحكومة فانه سيقلل من حالة التدافع هذه.

إني أأمل أن يجد هذا المشروع آذانا صاغية لدى البرلمان الموقر فيكلف هذه الكيانات بتشكيل هيأة لإعادة دراسة وضع هذه المؤسسات وتقييم أشخاصها ووضع هيكلية مناسبة لعملها وتفعيل دورها بالحزم والشجاعة والإخلاص لله والوطن والشعب وعدم المجاملة

ص: 587

والمداهنة.

معالجات أخرى لمشكلة الفساد الإداري والمالي

إن من أعظم ما يعانيه بلدنا وشعبنا هو الفساد الإداري والذي بلغ حدا مهولا واستشرى في كل مفاصل الدولة، ونعده اليوم الخطر الأهم والسبب الرئيسي للخراب الذي حل بالبلد والحرمان والظلم الذي ينكد حياة الشعب، وهو مصدر رئيسي لتفريخ الإرهاب ودعمه وانتشاره. ورغم وجود مؤسسات لمعالجة الفساد والخيانة كمفوضية النزاهة وديوان الرقابة المالية والمفتشين العامّين في الوزارات إلا أنها عجزت عن الحد من انتشار هذا الفساد فضلا عن إيقافه ومحاسبة المقصرين، ولذلك أسباب عديدة، (منها) إداري تنظيمي فمثلاً إن المفتشين العامين في الوزارة يرتبطون بالوزير ومن صلاحياته تقديم طلب بعزلهم، فكيف يستطيعون مراقبة عمل الوزارة ومحاسبة المفسدين إذا كانوا جزءا منها إداريا. فالمفروض استقلالية هؤلاء المفتشين وارتباطهم بديوان خاص بالتفتيش العام يرتبط به هؤلاء المفتشون ويكون رئيس الديوان بدرجة وزير. (ومنها) سياسي وهو الأصل في المشكلة لأن هؤلاء المسؤولين عن النزاهة والتفتيش لا يستطيعون الخروج عن هيمنة رؤساء الكتل السياسية الفاعلة والمؤثرة، وتتوزع ولاءاتهم على هذه الكتل إما خوفا منها لقدرتهمعلى العزل متى شاؤوا أو لأنه يحتاجهم ليتقوى بهم، أو لأنهم هم الذين أوصلوه إلى هذا الموقع فلا بد أن ينفذ مصالحهم، فلا يوجد مستقل حقيقي في هؤلاء المسؤولين عن محاربة الفساد، لأنه ببساطة لا يستطيع مستقل أن يصل إلى هذه المؤسسات(المستقلة) إذا لم ترشحه الأحزاب المؤثرة وتدعمه. لذا نجد مؤسسات النزاهة والتفتيش لا تمس أحدا ممن يتكئ على هذه الكتل السياسية ويداري مصالحها اللامشروعة ولا تظهر من الأسماء والفضائح إلا بمقدار ما يسمح به هؤلاء القادة لغير المرتبطين بهم والويل لهم إذا مسّوا مصالح هؤلاء المتنفذين، وقد استاء بعض قادة البلد حينما استعملتُ في أحد خطاباتي المثل المتداول (حاميها حراميها) وكان عليهم أن يستاءوا من الواقع المؤلم الذي تعيشه مؤسسات الدولة وإني لم أنقل إلا الواقع وما يشعر به الشعب، وكان عليهم أيضا أن يراجعوا أنفسهم لا أن يستاؤوا من كلمة حق ولو كانت مرة، وإلا فمن المسؤول عن هذا الفساد الذي لا نظير له في العالم إذا لم يكونوا هم؟ أليست الوزارات بأيديهم وبيدهم مقاليد الأمور؟ فلماذا لا نصارح الناس ونعمل بإخلاص لحفظ حقوقهم وثرواتهم وإنفاقها وفق المعايير الصحيحة.

ص: 588

المطالبة بحكومة نزيهة

إن الشعب العراقي الأبي والتوّاق إلى الحرية والحياة الكريمة صبر بما فيه الكفاية على فشل الحكومة وتخبّطها واستئثارها بثروات الشعب وتفشي الفساد وعجزها عن خدمة المواطن العراقي في كل المجالات فلا أمن ولا كهرباء ولا ماء ولا وقود ، ولا خدمات صحية ، وفي كل يوم تزداد أعداد المهجّرين والشهداء والأيتام والأرامل والعاطلين عن العمل حتى بلغت الملايين... إن كارثة واحدة من الكوارث الكبرى التي تحل بالشعب العراقي كافية لدى الشعوب المتحضرة لاستقالة الحكومة واعترافها بفشلها وإعطاء الفرصة للآخرين لينجزوا شيئاً، لذا نحن نطالب البرلمان الذي انتخبناه متحدين الإرهاب وكل المصاعب أن يسحب الثقة من الحكومة الحالية ويشكل حكومة من أبناء الشعب الكفوئين النزيهين المخلصين لبلدهم وشعبهم من الكتل البرلمانية وخارجها، حكومة لا استبداد فيها ولا استئثار وتكون على مسافة واحدة من الجميع وتعمل للعراق والعراقيين، حكومة حازمة قوية تعيد هيبة الدولة وسلطة القانون وتلم الشمل وتمنع التفرق والتنازع، حكومة لا تخضع للابتزاز ولا تتنازل عن أي جزء من الأرض أو أي ثروة من أجل تحقيق مكاسب سياسية أو البقاء مدة أطول في السلطة، حكومة تقضي على الفساد المالي والإداري وتصون ثروات الشعبوتصرفها فيما فيه مصلحة البلد ورفاهية الشعب، حكومة تضع الخطط والإستراتيجيات للتنمية والإعمار ولا تكون تصرفاتها ارتجالية وعبارة عن ردود أفعال، حكومة منسجمة تسودها روح المواطنة والأخوة والشراكة وليس الصراع والتقاتل والمهاترات، حكومة تحل مشاكل البلد الكبرى التي جعلت العراق يتصدّر قوائم الدول في كل ما هو سيء كسرقة المال العام وعدد المهجّرين واغتيال الكفاءات وقتل الصحفيين والفوضى وفقدان سيطرة الدولة، حكومة تحفظ كرامة المواطن العراقي وترفع رأسه أمام شعوب العالم ولا تتركه يبحث عن طعام يسد رمقه في حاويات القمامة أو يتسكع على الأرصفة في دول العالم.

المطالبة بحقوق الشعب العراقي

1- أن تجعل الحكومة هدفها حماية المواطن وتوفير الخدمات له وتبتعد عن مصالحها الشخصية والحزبية.

2- إنجاح عمل الحكومات المحلية للمحافظات وتأهيلها لإدارة شؤونها بعيداً عن التبعية المقيتة للروتين المركزي.

3- بناء قوات مسلحة وطنية مخلصة كفوءة قادرة عدةً وعدداً على حفظ الأمن وسيادة

ص: 589

البلد والقضاء على بؤر الإرهاب والعتاة والحزم في تطبيق القانون، وإنهاء حالة الاحتلال المتذرع باختلال الأمن ويندرج في ذلك المطالبة بزيادة عدد القوات المسلحة وتجهيزها بمعدات وتكنولوجيا متقدمة، والإبقاء على سلاح واحد وهو سلاح الحكومة الدستورية.

4- تشكيل (لواء الإمامين العسكريين (عليهما السلام)) من الموالين والمخلصين الغيورين على مقدساتهم يتولى تأمين الطريق من بغداد إلى سامراء لحماية الزائرين.

5- تحريك العملية السياسية وفق الدستور وبما يكفل حقوق جميع مكونات الشعب العراقي مع مراعاة الاستحقاق الانتخابي.

6- إصلاح جهاز القضاء و المبادرة إلى تنفيذ العقوبات الصارمة بحق القتلة والمجرمين الذين اعترفوا أو ثبتت إدانتهم بارتكاب الجرائم والفساد في الأرض فإن التراخي معهم هو الذي أدى إلى تماديهم في الغي والعدوان.

7- تطهير العملية السياسية من الصداميين والمروّجين للإرهاب والمبررين للجرائم الشنيعة بحق الشعب والمحرضين على الفتنة والنعرات الطائفية.

8- محاربة الفساد الإداري ومحاسبة المفسدين وتأهيل الكوادر الوطنية الشابة وإعطائها الفرصة في إدارة مفاصل الدولة.

9- التزام السياسيين بخطاب وطني يدعو إلى الوحدة و يؤمن بثوابت هذا الشعب الدينيةوالأخلاقية والاجتماعية والوطنية، (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إلى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلا الإصلاح مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ).

مطالبة الحكومة والاحتلال باستحقاقات الشعب

1- على جميع الأطراف المعنيّة قراءة هذه الرسالة بإمعان وفهمها وأولهم الإدارة الأمريكية فعليها أن لا تخضع لابتزاز الإرهابيين وتقع في وهم وتضليل الطائفيين والحاقدين، وإذا أرادت أن تحمي نفسها من مزيد من الفشل والانهيار فلتبدّل سفيرها في العراق، و عليها أن تساعد بصدقٍ وبجدّية في بناء قوات وطنية مسلحة قوية ومتماسكة وقادرة على حفظ امن البلاد والعباد وإنهاء ذرائع الاحتلال الذي هو السبب الرئيسي لنشوء الإرهاب.

2- أن لا تجعل الأجنحة المتصارعة في الإدارة الأمريكية من بنتاغون ووزارة خارجية ووكالة الاستخبارات وسائر الصقور والحمائم من الشعب العراقي ساحةً لتصفية حساباتها ولإفشال هذا الطرف أو إنجاح ذاك، فإن هذا السلوك اللاإنساني المنحط ليس فقط

ص: 590

يؤثر على سمعة الحضارة الغربية التي بلغت الحضيض، وإنما يسقطهم جميعاً ويفشل إداراتهم ولا يظن أحد منهم أن إفشال الآخر بهذا الشكل نجاحٌ له بل هو فشلٌ وهزيمة للجميع.

3- أن تكون الحكومة حازمة في مواجهة عناصر هذه الحرب الطائفية من واجهات سياسية أو عناصر إرهابية أو حواضن أو ممولين، ولا يبرّر تقاعسها أنها حكومة تصريف أعمال وغيرها من الأعذار فالدم الحرام من أعظم المقدسات ويجب صونه بكل الإمكانيات.

4- أن تقوم الحكومة ببناء مجمعات سكنية في بغداد وبأقصى سرعة لإسكان العوائل المهجرّة و المحرومة التي منعها صدام وأزلامه حتى من بضعة أمتار يسكنون بها عوائلهم فصار البيت الواحد الذي لا تزيد مساحته عن مئة متر مربع في مدينة الصدر يضم عشرين فرداً أو أكثر وأن يتم اختيار مناطق لهذه المجمعات تكون شوكة في عيون الإرهابيين والطائفيين.

5- احترام حقوق مكونات الشعب العراقي بحسب أحجامها وتجنب الألاعيب السياسية التي تغمط الحقوق وتضيعها على أهلها فإن الشعب العراقي واعِ ومتابع وحاضر في الساحة ولا تنطلي عليه هذه الألاعيب.

6- على الأمة وخصوصاً الشباب الرسالي المضحي وأبناء العشائر الغيارى أن ينظّموا أنفسهمفي لجانٍ ومجاميع للدفاع عن أنفسهم ومقدساتهم واجتثاث أصول الفساد بعد التوكل على الله تبارك وتعالى والاعتماد على قدراتهم فإنه لا أحد يفكّر بهم وبآلامهم مثلهم وعلى بقية الأمة أن تقدم الدعم والإسناد لكل ما تحتاجه هذه الطليعة المباركة.(1)

تحذير المحتل وعملاءه من ابتزاز الشيعة

..هذا منطق خطير أي منطق الخضوع للابتزاز بقوة السلاح وأخطر منه أن تخضع له الولايات المتحدة لأنه يؤسس لحالة سلب إرادة الأخر وفرض الموقف عليه بقوة السلاح،

ص: 591


1- - وصل هذا البيان الصادر من سماحته(دام ظله) إلى الإدارة الأمريكية عن طريق بعض العراقيين المقيمين هناك فأوعزت إلى سفيرها بترك تصريحاته و(طمأنة زعماء الشيعة) حسب تعبيرهم ولوّحوا له بالعزل وقد غاب السفير فعلاً عدة أسابيع عن وسائل الإعلام. وقد قدّم السفير طلباً لمقابلة سماحة الشيخ عدة مرات إلا أنه (دام ظله) رفض بشكل قاطع مقابلة كل رموز الاحتلال. كما لبّى الشباب دعوة سماحته بتشكيل لجان مسلحة بكل بسالة وشجاعة واقتحموا بؤر الإرهاب في معاقلها وشنّوا عليهم حرباً مضادة أدّت إلى ردعهم وخلق حالة التوازن في الرعب والقوى، بل تفوقّوا عليهم فانحسر نفوذ الإرهاب بعد ذلك بعد أن كادت بغداد تسقط بأيديهم خصوصاً غربها، وقد حمّست اندفاعتهم شباباً من التيارات الأخرى للانضمام إلى عملية الردع هذه بعد أن كانت تحذّرهم دعوات الخنوع والاستسلام للأمر الواقع.

ولعلهم غفلوا أن الشريحة الواسعة المظلومة في العراق تتميز بالشجاعة والحماس والعنفوان، وإذا حملت السلاح فسوف لا يقف في وجهها شيء وإذا قرروا ذلك فسوف يلقون بالمعتدين في الجحيم. وهذا ما حذرنا منه وقلنا أنها حالة خطيرة أن تصاب الشعوب باليأس وفقدان الأمل لأنها سوف لا تجد أمامها حلاً إلا حمل السلاح كالذين ينتحرون وينهون حياتهم حينما يشعرون بأن لا أمل عندهم يعيشون من أجله. وحينما يقرر شعب الموت فإنه سيقتل معه الكثيرين فاستمرار هذه الجرائم والعدوان على الشعب العراقي يفقده خياراته ولا يبقى أمامه إلا الموت لأنه لم يبق عنده شيء يعيش من أجله إذا كان الأبرياء رجالاً ونساء وأطفالا يُقتلون والعتبات المقدسة والمساجد تفجر والعوائل تهجر تاركة ورائها دورها وأموالها وحينئذ تقع الكارثة. وتستطيعون اللقاء بطبقات من الناس لتلمسوا عندهم بوضوح حالة اليأس، وإذا وصل الإنسان إلى هذه الحالة فسوف لا يستطيع أحد ضبطها والسيطرة عليها حتى المرجعية الدينية. فالذي نريده منكم أن تعملوا حتى لا يصل العراقيون إلى هذه الدرجة من الشعور لأنه يعني الدمار ليس للعراقيين فحسب لما تعلمون من امتداد تأثير العراق على الدول المجاورة وغيرها روحياً واجتماعياً، ورأيتم كيف أن صداعاً يصيب النجف تتداعى له دول العالم بالسهر والحمى، إن الإدارة الأمريكية تعاني من عدة عقد تسبب لها المزيد من الأخطاء التي تكون مميتة أحياناً ومنها:1- الغطرسة وعدم الاستماع إلى النصائح وإلا فإنه كان يمكنها تجنب الكثير من المطبات لو استمعت إلى النصائح التي تضمنتها بياناتنا وخطاباتنا التي وجهناها من أول يوم للتغيير.

2- عدم وجود رؤى صحيحة للحالة العراقية لأن القنوات التي توصل لها التقييم ليست نزيهة ولا موضوعية ولا خبيرة بالشأن العراقي وإنما توجهها مصالحها ودوافعها الشخصية أو الفئوية ولا يهمهم أن تمرغ سمعة دولتهم بالتراب.

3- أنها لم تتصرف على الأرض كقوة مساعدة للعراقيين وإنما تصرفت كقوى احتلال، وهذا حولها في أنظار الشعب العراقي إلى عدو وأدخلها في مطبات خطيرة كان يمكن تجنبها، فبعد أن كان القادة الأمريكان يقولون أن لنا أنصاراُ في شرق بغداد عندما دخلوا مدينة الصدر قبل سقوط الصنم واستقبلوهم بحرارة، تغيرت المعادلة بسرعة وأصبحوا يقاتلونهم بعد عام واحد فقط.

وتصرفهم هذا كمحتلين منعنا من الاتصال بهم مباشرة لأن ذلك يعطي مشروعية لوجودهم ولكن متى ما غيّروا سياستهم وأصبحوا في نظر الشعب العراقي قوة مساعدة فعلاً

ص: 592

فحينئذ ستكون هناك فرصة للاتصال المباشر.

وفي ضوء هذا التقاطع يكون دوركم حيوياً ومهماً في إيصال النصائح لهم ليس فقط لأجلنا وإن كنا نستحق كل مساعدة لأننا تعرضنا للكثير من البطش والقسوة والاضطهاد والحرمان، ولكن أيضاً من أجلهم لكي يتجنبوا المزيد من الخسائر والمزيد من التردي في سمعتهم لدى شعوب الأرض وأرجو أن تكونوا قناة طيبة.

تحديد مشكلات وتحديات العراق المعاصرة

الاحتلال هو أول هذه التحديات وقد قلنا في عدة خطابات منذ الأيام الاولى للاحتلال أنه لا يقتصر على الاحتلال العسكري لأن مجيء القوات المحتلة ومكثها انما هو أداة ووسيلة لفرض واقع جديد له عدة أبعاد منها:

· الهيمنة على القرار السياسي.

· ودمج العراق في نظامهم العالمي الجديد.

· وتبعية الاقتصاد لنظامهم الحر كما يصفون والاستحواذ على خيراته.

· والافساد الأخلاقي.

· وتبديل الثقافة والتقاليد التي يبنى عليها سلوك الفرد والمجتمع، والانسلاخ من القيم والمبادئ.

· وتصل حتى التغيير الديمغرافي لأجل مصالح معينة وبقيت هذه الأخطار تنخر في جسد العراق وشعبه حتى بعد رحيل القوات العسكرية للمحتلين.

وجاء مع هذه التحديات التي جلبها الاحتلال الإرهاب الذي اتخذ من مقاومة الاحتلال غطاءً لخداع المغفلين حتى يلتحقوا به وينفذوا جرائمه، ووفر هذان التحديان بيئة مناسبة لانخراط الكثير من الشباب في جماعات العنف التي تمارس القتل والخطف والابتزاز والسرقة والاعتداء على الممتلكات العامة ورغم خطورة هذه التحديات الا أن الأخطر منها هو فساد المتسلطين الماسكين بمفاصل الدولة واستئثارهم بالمال العام وسرقته تحت عناوين وهمية وتهريبه الى خارج العراق وقد تفننوا بهذا بشكل لا نظير له في التاريخ ولا في الجغرافيا كما يقولون .ورافق هذه المسارات تدمير ممنهج لمؤسسات الدولة المدنية والعسكرية لإضعافها وجعلها عاجزة عن القيام بمسؤولياتها في حفظ النظام وحماية المواطنين وحقوقهم والنهوض بالبلاد والقيام بالمشاريع التنموية ومحاسبة المفسدين، ليغطوا بذلك على فشلهم وفسادهم وشغلوا الناس بنزاعاتهم وصراعاتهم .. وأسوأ ما خلّفه الاحتلال وجاء به سياسيو العصر الجديد، وكان التحدي الخطير الآخر تبعية أغلب الطبقة الحاكمة

ص: 593

لأجندات أجنبية ينفذونها على حساب العراق ومصالح أهله ..ومن مشكلات العراق المعاصر عملية التجهيل والتضليل وتسطيح لعقول الناس لأن الجاهل يسهل قياده حيث يشاؤون مما أدى الى نقص معرفي وثقافي عام وصل حد التخلف أحياناً ومن المؤسف ممارسة القيادات لذلك حتى بعض الزعامات الدينية ومحاربة من يوقظ الناس وينبهها الى حقوقها ومصالحها وتسقيطه وافتراء الشبهات عليه لخوفهم من يقظة الناس ووعيهم وبصيرتهم في الأمور.. وإن أخطر المشاكل التي صنعوها للعراق وأقذرها فتنة الحرب الطائفية التي لا ثمرة فيها ويخرج الجميع منها خاسرين والمشكلة الخطيرة الاخرى مشروع تقسيم البلاد التي تؤدي الى تمزيق أهله وإدخالهم في صراعات دموية مدمرة لا نهاية لها، ومنها سوء إدارة اقتصاد البلد وعدم وجود خطط مدروسة لاستثمار ثرواته فضاع بسبب ذلك مئات المليارات من الدولارات واقصي المتخصصون والخبراء المهندسون، وهذا ما حصل في كل مؤسسات الدولة التي عبثت بها الاحزاب ورؤساؤها من أمراء الحروب.

رفض قرار زيادة أسعار المشتقات النفطية

ليس هذا جزاء الشعب العراقي الذي هبّ بشجاعة وبسالة لانتخاب هذه الحكومة والاستفتاء على الدستور وصبر طويلاً على الحرمان والظلم والتقصير، وطالب سماحته بإلغاء القرار وعدم الإذعان لشروط البنك الدولي فإن قروضه ومنَحِه الموعودة لا تساويعُشر الثروات التي تهدر وتُسرق من أموال الشعب والدولة، فالحل بأيدينا بالاعتماد على العناصر النزيهة المخلصة للوطن والشعب.

من أسباب مشكلاتنا السياسية

..وكان التحدي الخطير الآخر تبعية أغلب الطبقة الحاكمة لأجندات أجنبية ينفذونها على حساب العراق ومصالح أهله أما لأنه يعتقد أن هذه الدولة تحميه وتمكِّنه وتدعمه أو لأن الكثير منهم كانوا في خارج العراق ويعتاشون على مساعدات تلك الدول ويحمل بعضهم جنسية تلك الدول أو جواز سفرها ولازالت عائلته مستقرة فيها فهو يدين بالولاء لها وهمُّه تسخير ما يستطيع من موارد العراق لمصلحة تلك الدول حتى وهو في أعلى المواقع في قيادة البلاد.

ص: 594

ظاهرتا تدجين الأمة وتجهيلها

الصبر المذموم

إن صبر العراقيين في الموارد التي يُحمد فيها الصبر ناشئ من إيمانهم وتأسيهم بعظماء صبروا على أقسى المصائب والكوارث فسنّوا طريق الصبر لشعبهم وهم رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والحسن والحسين(عليهم السلام) وأهل بيتهم، لكن الصمت والسكوت إزاء مظالم كبيرة ليس من الصبر المحمود بل هو من الخنوع والاستسلام للذل والهوان ولم يكن أهل البيت(عليهم السلام) خانعين مستسلمين ولا رضوا بالذل والهوان وما أكثر المظالم اليوم حيث يُقتل الأبرياء ويعتقلون ويسرق قوتهم ويهجّرون ويسكنون العراء ويحرمون من ابسط حقوق الإنسان كخدمات الماء والكهرباء ويأكلون ويشربون مالا يصلح للاستهلاك البشري ويعيشون في حالٍ بئيس من دون أن يقولوا: (لا) لمن ظلمهم وإذا تحدثوا فيقولون (حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) مع أن الله تعالى لا يرضى لعباده الذل والهوان والحرمان وقد أوكل الى الإنسان كل شيء إلا كرامته فليس من حقه أن يتنازل عنها.

أساليب لخداع الشعوب

أولاً/ ما يسمى بالمصطلح (ركوب الموجة) بأن يستغل السياسيون مطالب حقيقية ومشروعة للشعب فينادي بها لكسب الجماهير اليه والتقوّي بهم للضغط على خصومه لتحصيل مكاسب اكبر سواء كانوا داخل الحكومة أو خارجها.

ثانياً/ إلهاء الشعوب بالألعاب والمتع واللهو والعبث لأشغالهم عّما يجري من فساد وظلم وطغيان وتحويل انتباههم الى اللهو واللعب بدلاً من القضايا الحيوية والاهداف الحقيقية والحركة الواعية البناءة التى ترفض ظلم وفساد اولئك الحكام ,وهذه السياسة يسمونها (استراتيجية الالهاء) وتشمل سيلاً لا ينتهي من الالعاب والبطولات والمسابقات والمهرجانات ونحو ذلك.

ثالثاً/ خلق المشاكل وافتعال الأزمات لتمرير سياسات معينة تكون مرفوضة في الوضع الطبيعي مثلاً يريدون تخفيض دعم السلع الأساسية أو الضمان الاجتماعي أو الخدمات العامة كالصحة والتعليم فيخلقون أزمات مالية ليقنعوا الشعب بضرورة اتخاذ

ص: 595

هذه الاجراءات، أو يريدون مثلاً وضع الشعب تحت المراقبة والتجسس عليه وجمع المعلومات التفصيلية عنه وتقييد حرياته وحركته، أو اعتقال وتصفية المعارضين،فيفتعلون مشكلة أمنية كتفجيرات مثلاً او اظهار اعترافات شبكة تجسس وهمية وهكذا مما يجعل اتخاذ تلك الاجراءات أمراً مقبولاً وتسمى هذه السياسة (ابتكر المشاكل ثم قدّم الحلول).

رابعاً/ استراتيجية التدرّج :باعتماد التدريجية في تطبيق التكتيكات حتى يصلوا الى النتيجة التي يريدونها ولو فعلوها مباشرة لأحدثت ضجة وثورة عارمة كبعض الاجراءات الاقتصادية والاجتماعية ,وقد تطول المدة او تقصر بحسب أهمية القضية مثلاً يريدون تقليل الرواتب فيتركون حالة البطالة تزداد ويستقدمون عمالة اجنبية رخيصة فيرضى المواطن بأقل ما يمكن.

خامساً/ استثارة العاطفة بدل الفكر لتعطيل حالة الوعي والتأمل والتحليل وتمييز ما هو عقلاني عن غيره فيفقد الإنسان قدرته على النقد البنّاء الذي يقود عملية الاصلاح كما ان استعمال المفردات العاطفية يسمح بالمرور إلى اللاوعي حتى يتم زرعه بأفكار ورغبات ومخاوف ونزعات او سلوكيات.

سادساً/ إبقاء الشعب في حالة جهل وحماقة بطريقة يكون غير قادر على استيعاب الطرق المستعملة للتحكم به واستعباده بان تكون نوعية التعليم المقدّم للطبقات السفلى هي النوعية الافقر حتى تبقى الهوّة المعرفية التي تفصل الطبقات السفلى عن العليا غير مفهومة من قبل الطبقات السفلى.

سابعاً/ التعويض عن الثورة ورفض الظلم والفساد بالإحساس بالذنب بجعل الفرد يعتقد انه المسؤول الوحيد عن تعاسته وان سبب مسؤوليته تلك هو نقص في قدراته وقابلياته او تقصير في جهوده فيقوم بامتهان نفسه بدل التحرك للتغيير والاصلاح.

مكر زعامة التجهيل

إن المكر المستخدم لتحصيل المواقع الدينية المقدّسة...ما تقوم به بعض الجهات المتنفذّة بصناعة الزعامة التي يريدون ويسوّقونها الى الاتباع والمريدين الذين لا يتمكنون من المناقشة والتأمل لطول سياسة التجهيل المتبعة معهم ولأنهم أوهموهم بأن في ذلك خروجاً عن الدين ونحو ذلك فيسلّمون بالنتيجة وهذه أخطر حالات المكر التي تتعرض لها الأمة وهي راضية بحالها مستسلمة للأغلال التي كبلّوها بها ولا تسمع الى العلماء المخلصين العاملين الواعين.

ص: 596

فاعلية المسيرات السلمية

إنّ المسيرات السلمية وسيلة حضارية تتبعها كل الأمم المتحضرة لإلفات النظر إلى قضاياها والمطالبة بحقوقها ودفع الآخرين للسؤال والفحص عن المشروع المحرِّك لها، وهذا ما تحقق إذ صار العالم كله يتساءل اليوم عن الإمام الحسين (علیه السلام) وأهل البيت (عليهم السلام) والشيعة، والسؤال مفتاح الوصول إلى الحقيقة، إنها تحبط محاولات الأعداء المتنوعين التي تستهدف الشعب العراقي الأبي وهذا البلد الكريم، لإفساده وإخضاعه وإرعابه وتدجينه وسلخه من هويته الإسلامية الأصيلة، فقد حاول الإرهابيون بكل وسائل القتل والتدمير والجريمة إخافته، وحاول الاحتلال تدجينه وتحويله إلى جزء من مشروع الشرق الأوسط الكبير بل رأس الحربة فيه، وحاولت تقنيات الإغراء والغواية والتضليل إفساده وإبعاده عن إسلامه الأصيل ففشل الجميع، ببركة هذه المسيرات المليونية، إنها ممارسة تعبوية تحافظ على جاهزية الأمة وحضورها في الميدان على الدوام وبدونها يصاب الشعب بالخمول والكسل والاسترخاء فيكون مكشوفاً وهدفاً سهلاً لكل استهداف، إنها تقوّي الإرادة والتحمل وتوطين النفس على الصعاب مما يعجز عن تحقيقه أي ممارسة أخرى وتشكّل بذلك فقرة مهمة من عملية الاستعداد لنصرة الإمام الموعود(علیه السلام) والمشاركة الفاعلة في التمهيد لدولته المباركة ونصرته.

أباة الضيم

إن من أهم ألقاب الإمام الحسين(علیه السلام) (أبيّ الضيم) فعلى أتباعه والموالين له والذين يقيمون شعائره أن يكونوا أباةً للضيم والخنوع والاستسلام وأن يرفضوا كل من يحاول تجهيلهم وتدجينهم وإخضاعهم مهما كان موقعه ومقامه المزعوم.

من مِحن اليوم

نحن اليوم نعيش محنة سوق الخداع والرياء والنفاق والكذب والتسقيط والافتراء والتجهيل رائجة، وحمّى التنافس على الدنيا والصراع على المغانم في أشدها، ولا احد يهتم بالوعي والثقافة والإصلاح والقضايا المعاصرة وحركة التجديد والنهضة، وتخلى عن هذه المفاهيم حتى أهلها الذين طالما تحدثوا بها، لكن الوضع ليس يائسا بل الأمل موجود وتوجد جذوة من فكر وهي آخذة بالنمو والازدهار كما أن لطف الله تعالى بعباده متواصل فجعل معالم تعيد للأمة إيمانها وكرامتها وثقتها بنفسها وعلى رأسها الشعائر الحسينية المباركة.

ص: 597

استغراب واستنكار

أسجل استغرابي واستنكاري من حصول بعض حالات الفساد في المجتمع كالذي ينقل عما يجري في المقاهي من أعمال منكرة وتعاطي مخدرات، أو ما يجري في محلات المساجوالعلاج الطبيعي من اختلاط منكر ودعوة إلى الرذيلة، أو انتشار الفساد المالي وهدر الأموال العامة التي هي ملك الشعب، أو وجود مافيات وميليشيات القتل والاختطاف والابتزاز والسرقة، كل ذلك يحصل في مدن وسط وجنوب العراق التي فيها أغلبية ساحقة من الموالين لأهل البيت (عليهم السلام) فإذا كان المشاركون في شعائر الحسين (علیه السلام) ثمانية ملايين أو أكثر بحيث نستطيع أن نقول إن كل شيعي موالي لأهل البيت(عليهم السلام) في هذه المدن يشارك بشكل أو بأخر في الشعائر كالمشي إلى مرقده الشريف أو خدمة الزوار أو المشاركة في مواكب العزاء أو المجالس الحسينية، إذن فمن الذي يقوم بتلك الأفعال المنكرة في المجتمع التي ذكرنا نماذج منها، وماذا استفاد هؤلاء من مبادئ الحسين (علیه السلام) وماذا فهموا من حركته المباركة؟ وهل يتوقعون قبول أعمالهم من الله تبارك وتعالى في ضوء الآيات الكريمة والروايات الشريفة.

ليس من الصبر المحمود

الصمت والسكوت إزاء مظالم كبيرة ليس من الصبر المحمود بل هو من الخنوع والاستسلام للذل والهوان ولم يكن أهل البيت(عليهم السلام) خانعين مستسلمين ولا رضوا بالذل والهوان... ولو أردنا أن نحلّل سبب حصول هذه الظاهرة السيئة فسنجد أسباباً عديدة كطول زمان القهر والإذلال التي مارسته الديكتاتورية واليأس من الإصلاح والتغيير وغيرها، وعلى رأس الأسباب التدجين الذي مارسه بعض من يسمّون بعلماء الدين ويوجد من يسمع لهم في الشارع فأخذوا في شرعنة ظلم الظالمين وفسادهم وطغيانهم.

خطر الفتنة الطائفية وفقدان الحس الثوري

إذا اشتعلت فتنة طائفية فأنها ستحرق الجميع ويذهب فيها الأبرياء والحديث الشريف يقول: (إن دم المؤمن أشد حرمة عند الله من الكعبة) فلا بد أن نحمي دماء الأبرياء من القتلة البشعين ...إن بقاء الثلة الصالحة المؤمنة التي تديم الوجود المبارك لأتباع أهل البيت (عليهم السلام) هو أعظم رد على كل الأعداء لأنهم يريدون إخلاء الساحة منهم كما فعلوا بعد قتل الشهيد الصدر الأول (قدس سره) عام 1980م، ونجحوا في فصل الناس عن دينهم حتى أذن الله تبارك وتعالى بانبعاث الحياة وانتفاض الروح من جديد, ألم يقل صدام

ص: 598

أني لا أسلم العراق إلا أرضاً جرداء بلا إنسان، وها هم أيتامه يكملون صفحات جرائمه فكونوا منهم على وعي وحذر، وإذا كان في يوم ما تكليف المؤمنين هي التضحية في سبيل الله فأنهم سوف لا يقصرون ولا يترددون وسيكونون كما قال الشاعر:

لبسوا الدروع على القلوب واقبلوا يتهافتون على ذهاب الأنفسِوهذا يتطلب منهم إدامة الروح الثورية والتواجد في الساحة والتواصل مع تعاليم دينهم تعليماً وتطبيقاً، والحذر والوعي لما يحاك لهم من مؤامرات، والالتفاف حول قيادتهم الرشيدة التي هي أمان لهم من الوقوع في المزالق.

مواضع الخلل في الخطاب الديني

توجد فيه علل كثيرة (منها) عدم كفاءة كثير من المتصدين وجهلهم بمسؤوليتهم وعدم الفطنة إلى حقيقة ما يجري وما يتلقونه وما يلوكونه بألسنتهم (ومنها) الانفعال والعاطفية (ومنها) التخندقات والفئوية (ومنها) الأدلجة وعدم الحيادية والموضوعية (ومنها) تجهيل الناس واعتماد الخرافات واضغاث الأحلام وحكايات العجائز (مضافاً) إلى ابتلاء البعض بالعقد والأمراض النفسية تجاه أشخاص أو جهات فيتخذ من الخطاب وسيلة لإظهارها.

ص: 599

تقليد الآخرين واتباع أفكارهم

عجباً ! لهذا التقليد الأعمى

إني لا أعجب لهذا الغرب الكافر كيف يتفنن في تخريب الأخلاق وتدمير القيم الروحية بشتى الأساليب ومختلف العناوين من الفن إلى الرياضة إلى الألعاب الكمبيوترية بقدر ما أعجب لمجتمعنا المسلم الساذج الجاهل الذي يقلد تقليداً أعمى بعقل مقفل وقلب غافل للغرب الكافر اللعين والمسلمون يعلمون إن هؤلاء يريدون أن يسلبونا ديننا الذي هو عنوان عزتنا وشرفنا وكرامتنا وها هو القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه يخبرنا عنهم ?[وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء] وقوله تعالى: ?ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن الهدى هدى الله? فلماذا؟! لا نصغي إلى تحذير الله تعالى العليم الرحيم ونبقى في غيّنا سادرين ولأولياء الشيطان متبعين...عجباً!!

الانبهار الاعمى بالغرب

من الغريب أن نختار لأنفسنا تحية غير ما اختاره الله تبارك وتعالى ونعرض عنها ونحن نعلم أن الله خير لنا من أنفسنا، ويعلم بما يصلح حالنا وَ[مَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ] لكنه انبهارنا بالظاهر المزخرف لحضارة الغرب وضياع شخصيتنا وقيمنا في خضم التقليد الأعمى لهذا الغرب النكد القلق المنهزم نفسياً، فكيف يهبنا الاستقرار والسلام والسعادة وفاقد الشيء لا يعطيه، فلماذا نأخذ منه عاداته وتقاليده الخاوية من المعاني السامية ونتخلى عن قيمنا العالية التي هي مصدر قوتنا؟ وكيف نتنازل عنها طواعية وتبرعا ونبقى كالورقة في مهب الريح.

تصحيح النية والهدف

إن جعل الهدف هو الأشخاص ينافي الاخلاص أولاً ويشوش الرؤية ثانياً وهو الخلط الذي وقع فيه المسلمون في صدر الإسلام عندما قارنوا علياً (علیه السلام) بغيره.

التقليد الفاسد

علينا نفي التبعية للغرب في كل شيء، سواء في الملابس أو قصّات الشعر أو الأفكار والمعتقدات أو الأعراف والتقاليد، فإن هذه التبعية تؤدي إلى ذوبان القيم والأخلاق

ص: 600

والعقائد، فنحن اليوم نقلدهم بقصّات الشعر، وبعده بالإتكيت والعرف، وبعده نقلدهم بالأفكار، وبعده نقلدهم بالمعتقدات، فنضيع في جاهليتهم الحمقاء.

تعريف التقليد الواعي

التقليد الواعي أي عدم الارتباط بالأشخاص وتقديسهم وإنما الذوبان في المبدأ ونرتبط بالشخص بمقدار تجسيده لتلك المبادئ مهما كان أصله وانتماؤه ولا نقصد بالتقليد الواعي ما أسميه بالانتقائية أي الالتزام بما يعجبه من أوامر قيادته ومخالفة ما لا يعجبه فهذا عين الانحراف والضياع وإذا كان عنده شيء يريد أن يقدّمه فإن أعظم هدية هي النصيحة أما أن يجعل نفسه قيّماً على مواقف المرجعية فيحكم على بعضها بالصحة وعلى بعضها الآخر بالبطلان فهذا من خطل التفكير لأن أي فرد لا يملك قدرة المرجع على استنباط الحكم من مصادر الشريعة وهي الكتاب والسنة وتجتمع لدى المرجع خبرات عديدة ومستشارون متنوعون وعيون ترصد جميع مساحة العمل أما هذا الفرد وذاك فهو محدود من هذه الجهات. فالشذوذ عن خط المرجعية هو الخطأ الأكبر حتى لو تصورنا أن موقف المرجعية كان غير صائب لعدم ادّعاء العصمة وعلى هذا ربّانا الأئمة المعصومون (عليهم السلام) فلا يجوز لأي فرد من الأمة أن يحكّم مزاجه وأهواءه ويخضع لإسقاطاته النفسية.

مصير الهمج الرعاع

المتبعون للأهواء الذين ينعقون مع كل ناعق والذين تضخمت أنانيتهم فصاروا يشكّكون ويستشكلون ويتردّدون ويرون لأنفسهم علواً وحاكميةً على الآخرين، فإنهم ستزِلُّ أقدامهم ويقعون في وادٍ سحيق، لأن إتِّباع الهوى والتعصب والأنانية يحجب الحقيقة ويمنع الرؤية الواضحة وإن كان المرئي أبين من الشمس، فلينظر كل إنسان لنفسه وليتثبت من موطئ قدمه وبوصلة مسيرته.

ص: 601

الإعلام وتأثيره

الإعلام المهني والإعلام المؤدلج

نسجّل هنا ملاحظة على الإعلاميين وأصحاب وسائل الإعلام كالفضائيات وغيرها فإنهم يركّزون على الخطاب التحريضي الطائفي التأجيجي الشاذ فيظهر وكأنه المعبِّر عن توجهات هذه الطائفة وهذه الجهة أو تلك، ويتغافلون عن الخطاب المعتدل البنّاء الحضاري وكأن هذا لا يهمّهم بشيء، لأن مصالحهم تقتضي الفتنة والتفرقة والطائفية والصراع والخلاف، أو لأن الأول مثير وجاذب دون الثاني، فيبدو المشهد الثقافي وكأنه من الاول خلافاً للواقع لكن الاعلام هو الذي أبرز الأول وغيًّب الثاني، وهذا يعني أن بعض الإعلاميين مؤدلجون ويعملون بلا مهنية وموضوعية وإنما هم مجنّدون للجهات التي تدفع لهم، وهو أحد أسباب استهدافهم وقتلهم حتى عادت الساحة العراقية أخطر الساحات في العالم للإعلاميين، أقول هذا مع إدانتي لما يتعرضون له من ضغوط ومضايقات ومن إرهاب، لأن عمل الإعلامي محترم ولا يحق لأحد أن يمسّه بسوء، وكانوا ينقلون الوقائع والأحداث حتى الحروب ولا يجعلهم أحدٌ جزءاً من القتال.

الأسلحة الأكثر فتكاً؟!

روي عن الامام الجواد (علیه السلام) قوله (من أصغى الى ناطقٍ فقد عبدهُ ،فإن كان الناطق عن الله فقد عبد الله ،وإن كان الناطق ينطق عن لسان ابليس فقد عبد ابليس) وهذا هو حال أغلب الناس ينعقون مع كل ناعق ويميلون مع كل ريح بحسب اهوائهم وامزجتهم وانفعالاتهم فيصبحون لقمة سائغة لكل من يريد أن يعبّئهم لمشروعه الخاص. وتراهم ويستسلمون للإشاعات والأكاذيب التي تروجها وسائل الاعلام وكأنها حقائق حتى أصبحت هذه الاشاعات من أفتك الاسلحة التي توجه الى الخصوم لتقضي عليهم من دون قتال وتم القضاء معنوياً على جيوشٍ وعلى شخصياتٍ بالإشاعة والافتراء والتسقيط... ولو أخذ الناس بالتعاليم القرآنية وتحققوا عن مصادر الخبر لما وقعوا في الأوهام والشكوك قال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) وقال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ).

ص: 602

مضار الإعلام الفاسد

1 - غسل الدماغ: فالهدف الأول والأخير للإعلام هو خلق جيل بعيد عن الإسلاميحمل فلسفة وروح وتاريخ أعداء الدين.

2 - الإثارة الجنسية: هم أرادوا جعل مناظر الفسوق مألوفة لدينا، بل هي مقتضى عرفنا، والمداعبات أيسر ما تقدمه، وصورة الجنس مشهد عادي أدركه حتى الأطفال الصغار.

3 - التربية اللاإسلامية : إن أول ما تقوم به الأفلام هو طمس الحياء الناتج من تكرار مشاهد المناظر الخليعة وعلاقات الحب والغرام المحرمة.. وتُصور الكثير من الأفلام والمسلسلات أردأ صور العلاقات العائلية، والشيء الطبيعي أنها تعتمد على نظريات الغربيين في التربية، وغالباً ما تحتوى أفضل صورة على كثير من الجفاء والعقوق وقطيعة الرحم.. وبذلك يستجيب المراهقين لما يشاهدون وتعجبهم الصورة الرديئة بما تحمل من شموخ وتكبر وحصول على كثير من المكاسب، وبهذا تعلمهم معنى العقوق والصراع مع أقرب الناس، وأصبح الطفل يتفنن في اصطناع الأكاذيب على والديه ويتهرب من المدرسة لأجل لعبة أتاري، وتصل أحياناً إلى سرقة المال من والديه لأجل الذهاب إلى صالات الألعاب.

4 - الشعور بالحقارة: بقطع الصلة بين الجيل ودينه وتاريخه وقيمه. فالأفلام والمسلسلات توضح لنا التطور العلمي والتقدم الحضاري الهائل في الغرب، وتصور لنا أن نظرتهم للحياة هي الحق وما سواهم الباطل، وكل حركة تصدر منهم لا بد أن تعبر عن روح العصر المتقدمة.

5 - شغل القلب: القلب يتشبع بما يوضع فيه، وهذه الأمور منهاج مرسوم ومخطط يشغل القلب عن كل أمر مهم.

6 لهو ولغو: الإسلام يرفض وسائل اللهو، ويحرم الكثير منها؛ لأنها تشغل القلب وتهدر الوقت الذي هو رأس مال الإنسان وقيمته، فبهذا الوقت يكتسب الصديقون مكان الصديقين، قال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): (يا ابن آدم إنما أنت أيامك).

7 - إلهاء المسلمين: عن واقعهم المعاش ومشاكلهم، وترك الاحتجاج والمناقشة وخاصة التغافل عن البلاء الوارد علينا من جانب الغرب نفسه.

8 - منع التكامل لأفراد المجتمع: لأن الفرد عندئذ يقضي الوقت كله أو أغلبه في لعب الأتاري أو التفرج على الأفلام، ويبقى الوقت الباقي لديه يقضيه في ضرورات حياته وأسرته، ولا يبقى له وقت آخر ليقضيه في تكامله العلمي والعقلي والديني والروحي، وبهذا يخطط

ص: 603

الغرب الكافر أن يكون الجهل والتدني هو الصفة العامة في العالم كله ليكونوا لقمة سائغة له ولأطماعه ولأرباحه ولكبريائه.9 - تأييد للاستعمار والظلم: وإنها تأييد بخلاف المصلحة العامة، وإن الاستعمار إنما بذر بيننا هذه الأمور لأجل إبعاد الناس عن المصالح العامة وعن واقعهم.

العلاجات القرآنية للإعلام المضاد

قد بيّن القران الكريم علاج تأثير الإعلام المضاد والاشاعات ومنع تداعياته بالتثبّت والتبّين والرجوع إلى اولياء الامور العارفين الذين لا تهجم عليهم اللوابس والشبهات ولا تنطلي عليهم الحيل، قال تعالى [وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً] و قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ] فليس من الصحيح التصديق مباشرة بالأقاويل وترتيب الاثر عليها واتخاذ المواقف على طبقها، فهذا الاندفاع والانفعال والتأثر قبل التثّبت حماقة، وقيل عن امير المؤمنين(علیه السلام): ( كفى بالمرء حمقاً أن يصدّق كل ما يسمع أو كل ما يُقال(.

مسؤولية توفير المناخ الإسلامي لأجيالنا

لكي نصنع جيلاً نقياً قادراً على اكتساب درجة من العدالة لا بد أن نوفر له جواً خاصاً يتناسب والروح التي يريد الإسلام بثها فيه، فيما يروى عن النبي عيسى (علیه السلام): أن الله تعالى قال له: (أدّب قلبك بالخشية) والروح التي يبثها هذا الجهاز (أي التلفاز) ليس فيها إلا الجو الذي يريده الاستعمار، وقد روي في الخبر: (إن أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك) لأن النفس تكتسب أي صفة - فاضلة كانت أم سيئة - عن طريق تركيز مفهوم هذه الصفة في الذهن، ومن ثم تجربته مرة أخرى حتى يتحول إلى ملكة تتطبع في النفس ولا تزول إلا بشق الأنفس، والتلفزيون يعرض لنا يومياً أنواع المحرمات التي يلتقطها الذهن وترسخ فيه، فمن السفور إلى العلاقات المحرمة إلى شرب الخمر والغناء وإلى ما لا يحصى من الأمور.

الاعلام وطمس المعايير الأخلاقية

حكمة الإسلام: إن التقوى هي معيار التفضيل [إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ] وللتلفزيون كلمات ومعايير متعددة في التفضيل إلاَّ التقوى، فمرة يكون المال وأخرى الجمال وثالثة لشهادة راقية أو وظيفة ممتازة .. وهكذا، حينما تسود هذه المفاهيم يصبح من

ص: 604

الصعب إكساب صفة التقوى للناس، فإن أول فعل لهذه المعايير هو قتل التقوى وإحلال الباطل محلها. ورد في كلام لوزير يهودي بريطاني أنه قال: (يجب أن نسحب بساط الإسلام من المسلمين، ونمزق القرآن بهدوء).. فليتأمل أولو البصائر... إن البرامج والأفلام تتبنىمختلف النظريات، فمنها ما يؤكد أن الجنس هو العامل المحرك لسلوك الإنسان، ومنها ما يثبت أن البقاء للأقوى، ومنها ما يوضح أن للعامل الاقتصادي السيادة على العوامل الأخرى.. وشتى المذاهب والاتجاهات اللاإسلامية، وهذه تنطبع بصورة لا شعورية في الأذهان بشكل قصة مرة وبشكل حوار أخرى) [اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ] وأصحاب النظريات المزعومة هم رهبان العصر وأحباره يريدوننا أن نعبدهم ونطيعهم فيما يزعمون. وقد يكون في هذه الأفلام البقاء للخير والصلاح، ولكن النظر من هو البطل الذي يكون النصر على يديه، بل حتى من يظهر أنه على حق يصور للناس مشروعية فعله في الاقتصاص لنفسه، وإن كانت أساليب هذا الاقتصاص مرفوضة شرعاً كخطوة لخلط أوراق الحق بالباطل، ليضيع أصحاب الحق حقهم، [يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ] وبالنتيجة من هو الذي استقطب مشاعر الناس وأصبح القدوة والمثل الأعلى؟!! بكل بساطة تجده شخصاً فاسقاً، آخر ما يعكسه في دينه هو تعاليم الدين؟!، بل يزني، ويشرب الخمر، لكنه قد يحارب عصابة لصوص أو فساد اقتصادي.. هذا القدوة سيقلده الكثيرون في سلوكه ومفاهيمه وقيمه، فأي فائدة في انتصاره للحق وهو يسير إليه في طريق معوج ضال.. لقد صار لهذا الانتصار مفسدة كبيرة هي إكساب الجيل عادات إنسان فاسق. عندما تنطمس سمة الحياء في نفس الإنسان يجترئ على معصية الله تعالى وعلى كبير الأعراف والتقاليد، وتكرار هذه الصورة يجعلها شيئاً عادياً لا يستنكره المشاهد مع أشد أنواع المحرمات، وبالتالي يتحول عدم الاستذكار إلى... فيصبح لدينا جيلٌ آخِر ما يفكر به هو مراعاة تعاليم الدين.

قيم لا قيمة لها

إن التلفزيون يرسم حياة لا علاقة لها بالإسلام، يطبعها في قلوب الأجيال من طريقة الأكل، والشرب، والمشي، والكلام والتعامل مع الناس، إلى معاني التضحية والإيثار والحب والبغض والانتقام ... والمؤلم أنهم لا يقدِّمون صورة واحدة لطريقة العيش تخالف الصورة الإسلامية كي نقدر على مناقشتها، بل يرسمون صوراً مختلفة مشوشة لا هدف لها إلا أن يضيع الجيل وأن تصبح اللاقيم هي القيم . وأخيراً فإن كل ما يكتب عن التربية يقلل من ضخامة الفساد الذي حل بنا من جراء توجيه هذا الجهاز.

ص: 605

وعاء القلب وأضرار التلفاز

إن قلب الإنسان كالوعاء تماماً يمتلئ بما يوضع فيه، كما أنه يمتلئ بالهواء إذا ترك فارغاً، إذن فالقلب يتشبع بما يوضع فيه، والتلفزيون ليس مجرد لغو، بل منهاج مخطط لهومرسوم ليشغل القلب عن كل أمر مهم، فبدل أن يخشع ويبكي من خشية الله، يرتجف ويتحرك لقصة حب أو جريمة قتل، ويبقى مشغولاً بها لساعات من الزمن، حتى عند الانشغال لوقت الصلاة والعبادة، فما أسماها من صلاة تواجه بها خالق الأكوان!! قال تعالى: [كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ] والرين هو صدأ يعلو الشيء، أي صار ذلك كصدأ على قلوبهم فعمي عليهم معرفة الخير من الشر، فكون ما كانوا يكسبون وهو الذنوب ريناً على قلوبهم هو حيلولة الذنوب بينهم وبين أن يدركوا الحق على ما هو عليه، ومن هنا يظهر أن للأعمال السيئة نقوشاً وصوراً في النفس تنتقش وتتصور بها، وأن هذه النقوش والصور تمنع النفس أن تدرك الحق كما هو، وتحول بينها وبينه، وأن للنفس بحسب طبعها الأولي صفاءً وجلاءً تدرك به الحق كما هو وتميز بينه وبين الباطل وتفرق بين التقوى والفجور.

رأس مال الإنسان... عمره

الإسلام يريد أن يحوِّل الإنسان إلى كتلة من نور لا يستشعر السعادة إلا في عمل الله مهما كان يسيراً ، فهو يرفض وسائل اللهو ويُحرِّم الكثير منها، لأنها تشغل القلب وتهدر الوقت، هذا الوقت الذي هو رأس مال الإنسان وقيمته في هذه الحياة والذي هو عبارة عن أيامه ولياليه، فبهذا الرأسمال يكتسب الصديقون مكان الصديقين، وبهذا الوقت أو (الزمن) يكون الأولياء أولياءَ، والعلماء علماءَ، والعارفون عارفين، إذن الزمن عامل (بناء) والذي يصعد ويعرج إلى لقاء الله يصعد بهذه الأيام وبهذه الأسابيع.. هذا الذي جعله الله لعباده جميعاً، فأناس يستغلون الوقت للبناء والعروج إلى الله، وآخرون لا يعرفون ولا يعُون قيمة الوقت وأهميته، يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (يا ابن آدم إنما أنت أيامك) وجاء في الحديث أن كل يوم يمر على ابن آدم يحاسبه: (أنا يوم جديد، وغداً عليك شهيد، افعل فيَّ خيراً تجد خيراً، فإنك لن تلقاني بعده أبداً) فانظروا أيها المؤمنون وكونوا واعين كم يهدر التلفزيون من الوقت؟، وكم هي الساعات الطويلة التي يقضيها الفرد أمام تلك الشاشة؟، وقد تمتد إلى وقت متأخر أو حتى إلى الفجر، فلا استيقاظ حتماً لأداء الصلاة، فأي كارثة أشد من هذا ؟!!

ص: 606

الإعلام وتوجيه الرأي العام

إن الإعلام يمارس دوراً خطيراً في حياة الأمة ويستطيع توجيه الرأي العام بالاتجاه الذي يريده أصحاب وسائل الأعلام، وهو في الغالب بعيد عن الإنصاف والموضوعية والضمير الحي، لذا فهو المسؤول الأول عما تعانيه من كوارث، ولو كان هناك جهات تشرفعلى تربية هؤلاء الإعلاميين وتهذيبهم وتوجيههم نحو الأهداف السامية لخرجنا بخطاب مصلح بناء يعمل من أجل خير الأمة وازدهار البلد.

القوة الناعمة

حينما يطلقون هذا المصطلح فإنهم يريدون منه بشكل رئيسي "الاعلام" ويسمونه بالسلطة الرابعة بكل ادواته المؤثرة، ومن الواضح إن تأخر استعمال هذا المصطلح لا يعني إن هذه القوة الناعمة لم تكن مستعملة واكتشفت الآن، فمنذ الأزمنة الأولى كانوا يستفيدون منها بالإعلام المضلِل وقلب الحقائق وتزييف الوقائع وبث الإشاعات لإحباط الخصم وتثبيط معنوياته واحداث حالة الرعب والارباك لديه وتشويش أفكاره ومعتقداته وتحويله الى اداة طيّعة لما يريدون منه.

علاج الاشاعة

من المعالجات التي وردت في مدرسة الإسلام للإشاعة وتطويقها واخمادها باجتثاث مصدرها ومادتها، لان لكل اشاعة مادة تساعد على التصديق بها تكون كالجناحين التي تطير بهما الاشاعة وتنتشر في أوساط الناس كما قيل في المثل الشعبي (ماكو دخان بلا نار( فإذا أردت منع انتشار الدخان فلابد من إطفاء النار وايقاف الإحتراق، وذلك من خلال الشفافية والوضوح وكشف الحقائق أمام الرأي العام، ورد في سيرة النبي(صلى الله عليه وآله) انه كان يسير في شوارع المدينة فرأى عمته صفية بنت عبد المطلب فسلّم عليها وتفقد احوالها فمّر عليهما احد اصحابه(صلى الله عليه وآله) فبيّن له النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) إنها عمته صفية فقال الصحابي: (إننا لا نشك فيك يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا نتهمك بشيء) لكن النبي (صلى الله عليه وآله) أراد حسم مادة التهمة وسوء الظن والشك والريبة فوضّح له الحقيقة، عن أمير المؤمنين(علیه السلام) : ( من وقف نفسه مواقف التهمة فلا يلومن من أساء به الظن).

خطر التلفاز المضل

ص: 607

التلفزيون يعرض لنا يومياً أنواع المحرمات التي يلتقطها الذهن وترسخ فيه فمن السفور إلى العلاقات المحرمة إلى شرب الخمر والغناء وغيرها. إن حكمة الإسلام إن التقوى هي معيار التفضيل (إن أكرمكم عند الله اتقاكم) وللأفلام والمسلسلات كلمات ومعايير متعددة في التفضيل إلا التقوى فمرة يكون المال وأخرى الجمال وثالثة الشهادة الراقية أو الوظيفة الممتازة، وبذلك تقتل التقوى وتحل محلها الأباطيل، ورد في كلامٍ لوزير يهودي بريطاني: (يجب أن نسحب بساط الإسلام من المسلمين ونمزق القرآن بهدوء) فليتأمل أولوالأبصار، تجد إن الذي يستقطب مشاعر الناس في الأفلام ويصبح القدوة والمثل الأعلى بكل بساطة تجده شخصاً فاسقاً آخر ما يعكسه في سلوكه هو تعاليم الدين بل يزني ويشرب الخمر ولكنه قد يحارب عصابة لصوص أو فساد اقتصادي، هذا القدوة سيقلده الكثيرون في سلوكه وقيمه فأي فائدة في انتصاره للحق وهو يسير إليه في طريق معوج ضال.

غسل الدماغ

فالهدف الأول والأخير للإعلام (أي الإعلام المُضل) هو خلق جيل بعيد عن الإسلام يحمل فلسفة وروح وتأريخ أعداء الدين فيصبح جزءاً من قطيع تتحول لغته ولهجته .. حب .. مسلسلة الموسم ..وتنطبع في ذهنه وعلى لسانه أغنية الموسم، عن الإمام الصادق (علیه السلام): (أدبني أبي بثلاث: من يصحب صاحب السوء لا يسلم ومن لا يقيد ألفاظه يندم ومن يدخل مداخل السوء يتهم) ومن المضحك المبكي إنك ترى في كل فترة بروز اسم تقدمه الشاشة يصبح حديث الصغار والكبار في الشوارع والبيوت دون أن يفكر أحد إن هذه الشخصية قد اقتحمت حياتهم لتشغلهم عن مشاكل مجتمعهم فكم من إحساس بالثورة على المعاصي والمفاسد امتصه لهو بمسلسلة أو فلم فهل من تفريغ وتسيير للعقل أكبر من هذا.

وصية للدفاع عن الإسلام

مجتمعنا اليوم يتعرض لحملة عالمية منظمة مدعومة بأحدث التقنيات والوسائل الإعلامية كالصحف والمجلات والتلفزيون والستلايت من أجل سلخه عن عقيدته وأخلاقه وإعادته إلى الجاهلية التي استنقذهم الله تبارك وتعالى منها، فلكي نحافظ على هويتنا الإسلامية في العقيدة والسلوك علينا أن نحشد طاقاتنا ونبتكر الاساليب والوسائل المناسبة لتلك الحملة المنظمة فنعرف بعناصر شخصية المسلم ومعالمه التي تميزه عن غيره .

الآثار السلبية للتلفاز

قد ثبت طبياّ أن متابعة التلفزيون تضعف قوة التركيز عند المشاهد المتابع له، ونقل

ص: 608

أحدهم أن مشاهدة ساعة للتلفزيون كافية لشغل الذهن أسبوعاًّ كاملاً.. وإذا دعت النفس الأمارة بالسوء وألحّت وضغطت عليك للمشاهدة فقاومها وانتصر عليها، فإنها أعدى أعدائك كما يقول الحديث وتقودك دائماّ نحو الردى، فلا تتبعها وستجد حلاوة النصر عليها حين مخالفتها وكفى بذلك لذة وزهواً [وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى] وإذا كان الضغط النفسي شديداً يصعب مقاومته، ومن الحرج التوقف عن الاستجابة إليه فخفّف عن نفسك بمشاهدة وقت قصير بالمقدار الذي يرفع هذا الحرج النفسي، لقوله تعالى: [وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ] ومن دون أن يتسبب في الآثار السلبية.

التربية اللاسلامية

أول ما يقوم به التلفزيون هو طمس الحياء الناتج من تكرار مشاهد المناظر الخليعة وعلاقات الحب والغرام المحرمة وما اعمق قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): (من لا حياء له لا إيمان له) وتصور كثير من الأفلام والمسلسلات اردأ صور العلاقات العائلية والشيء الطبيعي انها تعتمد على نظريات الغربيين في التربية وغالباً ما تحتوى افضل صورة على كثير من الجفاء والعقوق وقطيعة الرحم.. وبذلك يستجيب المراهقون لما يشاهدون وتعجبهم الصورة الرديئة بما تحمل من شموخ وتكبر وحصول على كثير من المكاسب وبهذا تعلمهم معنى العقوق والصراع مع اقرب الناس من اجل دراهم معدودات فالتلفزيون يرسم حياة لا علاقة لها بالإسلام يطبعها في قلوب الاجيال عن طريق الأكل والشرب والمشي والتعامل السيء مع الناس والبغض والانتقام.

خطر النظرة الخائنة

يجعل الرجل لا يكتفي بزوجته ويزدري بها بعد أن يطلع على وجوه وأجساد جذابة فاتنه فينبذ زوجته، وكذا العكس، وهو أثر خطير يحصل من كل نظرة إلى الجنس الآخر سواء عبر الصورة في الجرائد والمجلات أو في التلفزيون أو في الشارع لذا شدد الشرع المقدس في وجوب غض البصر من الجنسين وهذا الأثر الخطير يحصل أيضاً من انتشار الصورة الخلاعية في كل شيء حولنا.

تهذيب الغريزة الجنسية

دأب الإسلام على تهذيب هذه الغريزة للحد من الشهوة ففرض الحجاب وغض البصر للرجل والمرأة والتفريق في المضاجع بين الأخوة والأخوات فماذا يصنع التلفزيون ؟!! إنهم أرادوا جعل مناظر الفسوق مألوفة لدينا بل هي مقتضى عرفنا فان أخف المناظر

ص: 609

خلاعة مذيعة بأبهى حلة وأزهى مكياج واعمق خضوع في القول. والقضية الاساسية في كل فلم أو مسلسل هو (الحب) حتى ان المشاهد صار يستشعر النقص في الفلم ان طرح الحب فيه كأمر ثانوي وبالغوا في هذا الجانب حتى لجأوا إلى تشويه التاريخ الإسلامي في المسلسلات من خلال قصة الحب للشخصية الإسلامية كما في مسلسل (بلال الحبشي) ومسلسل (عمر بن عبد العزيز) كل ذلك لجعل قضية الحب من أبجديات حياة الإنسان أما عن المجون فحدّث ولا حرج فالعري صورة طبيعية في كل يوم بل ضرورية والقبلات والمداعبات ايسر ما تقدمه الشاشة وصورة الجنس مشهد عادي أدركه حتى الاطفال الصغار اذن أستطيع أن أقول: (إن من أهداف التلفزيون جعل ممارسة الفحش امراً طبيعياً كما هو الحال في الدول التي يطلق عليها متقدمة) أنظر وتأمل كلام الماسونية (يجب ان نخلق الجيل الذي لا يخجلمن كشف عورته) كما في المشاهد الخليعة التي تعرض وخاصة في المسلسلات المدبلجة لتحفيز شبابنا وبناتنا على مثل هذا وتهوينه في نظرهم وغريزة الجنس من اشد الغرائز ضغطاً على الإنسان فقد يأكل الإنسان وجبة من الطعام فتشبعه الى وقت معين ولكن غريزة الجنس لا تنطفأ طالما وجد ما يثيرها ويهيجها فلو انتشرت اسباب الاثارة الجنسية سعى المرء الى تلبية هذه الرغبة الملحة فيبقى هم المرء وتفكيره محصوراً في هذا الجانب لهذا تجد ضعف المستوى الدراسي لكثير من الشباب بسبب ضغط الغريزة الجنسية وهناك علاقة بين مستوى الذكاء والانحراف الجنسي فكلما زاد احدهما قل الاخر (وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ).

العناية الالهية لشريعته ولعباده

نحن لا ننكر انتشار وسائل الفساد وقوة تأثيرها بعد الانفتاح الإعلامي وتطوّر وسائل الاتصالات وتقنياتها العالية، لكن مقتضى العدل الإلهي إنه كلما قويت شوكة الفساد والانحراف والضلال فإن سبل الإيمان وطاعة الله تبارك وتعالى تقوى بموازاتها بحيث تحصل حالة من التوازن وتكون حالة الاختيار والإرادة متعادلة بكلا الاتجاهين تطبيقاً لقوله تعالى: (لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)، (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) بل أن مقتضى اللطف والكرم الإلهيين ورحمة الله الواسعة زيادة وسائل الإيمان وأدواته وتحبيبه إلى القلوب وتزيينه إلى النفوس (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ).

ص: 610

أول هدية للاحتلال

أول هدية قدمها الاحتلال إلى الشعب العراقي هو جهاز الستلايت الذي لو أسيئ استعماله فانه اداة مدمرة لأخلاق الأمة وعقيدتها وينهي فيها كل قيم الكرامة والعزة والشرف وكذا سخروا الأدوات الأخرى كبرامج التلفزيون والصحف والمجلات والروايات لأداء نفس الدور ووظفوا لها التقنيات العالية المثيرة والجذابة والقادرة على تحطيم أي مناعة ضد الوقوع في المعصية الا من عصم الله تعالى.

من أهم أسباب تفكيك الأسرة

من أهم أسباب تفكيك الأسرة وعدم الترابط بينهم هو الإنشداد إلى هذه الاجهزة بدلاً من أن يجتمعوا وينشد بعضهم إلى بعض اضافة إلى ما يشاهدونه من انهيار اجتماعي من خلال المسلسلات فيتركز عندهم عدم الثقة بالنفس ولا بالآخرين فلابد من الحذر والحيطة خصوصاً وان بلدنا اصبح مفتوحاً لكل غزو فكري واخلاقي واجتماعي فاذا لمنحصّن مجتمعنا بالوعي والايمان فان الانهيار والسقوط متحقق والعياذ بالله لأن ادوات الفساد قوية ومثيرة وتبهر الإنسان إلا من عصم الله وقد نقلت بعض الأخبار إن (1000) حالة طلاق تحصل في الكويت البلد المسلم كل كذا مدة بسبب جهاز الستلايت وذلك من عدة وجوه:

1 انه يفكك العلاقة الاسرية ويجعل الجميع مرتبطين بهذا الجهاز بدلا من ان يرتبطوا ببعض فتضعف العلاقة بينهم حتى تذوب وتنتهي.

2 انه يدفع الرجل وكذا المرأة الى ممارسة الفاحشة بما يثير عندهم من الشذوذ الجنسي مما يجعل الطرف الآخر يشمئز من الاستمرار معه.

3 انه يجعل الرجل لا يكتفي بزوجته ويزدري بها بعد ان يطلع على وجوه واجساد جذابة فاتنه فينبذ زوجته وكذا العكس وهو اثر خطير يحصل من كل نظرة الى الجنس الآخر سواء عبر الصورة في الجرائد والمجلات او في التلفزيون او في الشارع لذا شدد الشرع المقدس في وجوب غض البصر من الجنسين وهذا الاثر الخطير يحصل ايضا من انتشار الصورة الخلاعية في كل شيء حولنا.

4 ان ما يعرض في هذه الأجهزة يعتمد زرع الشك في قلب كلا الزوجين لكثرة ما يعرضه من الخيانة الزوجية حتى يخيَّل للمشاهد أنه لا يوجد طرف نظيف وعفيف في الحياة الزوجية فاذا حصل الشك فسيّفسر كل طرف تصرف الطرف الآخر على انه ناشئ من هذه

ص: 611

النظرة فاذا عنف زوجته لأمرٍ ما او اعرض عنها او لم يلبّ طلبا فذاك من وجهة نظرها لأنه لم يعد يحبها وارتبط بغيرهاً وتبدأ المشاكل بالتضاعف.

ص: 612

ظاهرة التدخين

التدخين ومضاره المتنوعة

التدخين ظاهرة سيئة وضارّة من جميع الجهات اقتصادياً ودينياً وصحياً واجتماعياً وأخلاقياً، فما المبرر للاستمرار بها فضلاً عن التورط فيها كما يحلو لبعض المراهقين الذي يريد أن يثبت رجولته وتشبهه بالكبار من خلال التدخين، وكان عليه أن يثبت ذلك بالتصرفات الحكيمة والمواقف الواعية التي تكشف عن نضجه ووفور عقله، وإني أنظر بازدراء ورفض لمثل هذا الشاب.

حتى متى التدخين؟

خصوصاً وأننا نعلم أن صناعة التبوغ من المصالح الاقتصادية المهمة لدى الغرب الكافر، فلماذا نعينه على أنفسنا وندعم اقتصاده الذي يستعمله في القضاء علينا، فهو يقتلنا مرتين: مرة حين يصدر إلينا هذه السموم وينهب أموالنا، ومرة حين يسخّر هذه الأموال لبناء اقتصاده وترسانته العسكرية ليذبحنا بها، فإلى متى نستمر بهذا العمل الشنيع؟ أضف إلى ذلك الأضرار الصحية على الجسم التي يعرفها الجميع وأضرارها الاجتماعية وكذا الأخلاقية، حيث يصبح المدخن أسير هذه السيكارة الملعونة، ويريده الله تعالى أن لا يكون عبداً إلا له تبارك وتعالى.

يُبتلى المدخن ب..

النقص الأخلاقي على صعيد جهاد النفس الذي سمّاه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الجهاد الأكبر، فإن غاية ما يطمح إليه الأخلاقيون والعرفانيون المشتغلون بتهذيب النفس وتطهير القلب هو تحرير الإنسان من سلطة وطاعة أي شيء سوى الله تعالى والتخلّص من التعلق بأي شيء غيره تبارك وتعالى، فمن هذه الناحية يكون المدخن أسيراً لسيكارته لا يستطيع مقاومة هذه الرغبة الجامحة، وهذا نقص وتعويق في طريق الكمال. وأتذكر أننا حينما سألنا أستاذنا الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) أنك بنعمة الله متخلص من داء التدخين قال (قدس سره): أما يكفيني أني عبدٌ للشاي حتى أكون عبداً للسيكارة وكان (قدس سره) مواظباً على شرب الشاي.

ص: 613

خطوات عملية تساعد على ترك التدخين

1- زيادة العلم والمعرفة بسوء هذه الحالة وأضرارها من جميع الجهات التي أشرنا إليها آنفاً، وأشرفنا على كتاب لبيانها عنوانه (حتى متى التدخين) ضمن سلسلة (نحو مجتمع نظيف) وقد ساهم في إقناع كثيرين بتركه، وكلما ازداد العلم ازدادت القناعة والاندفاع نحو العمل بمقتضى هذا العلم فإن المعرفة أساس العمل ويكتسب قيمته منها، قال أمير المؤمنين (علیه السلام): (أول الدين معرفته) وهذه وظيفة المؤسسات الصحية والفكرية والاجتماعية والبيئية من خلال حملة إعلامية موسعة.

2- تقوية العزم والإرادة وقهر النفس والانتصار عليها وعدم الانسياق وراء أهوائها إلاّ ما كان صحيحاً ومحقاً، قال تعالى في مدح من يملك زمام نفسه ويحاسبها: [وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى، فإن الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى] وذمّ من يتبع هواه من دون رويّة وتأمّل في عاقبة الأمور: [أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ]لذلك كان من أهم الصفات في الأنبياء العظام والرسل الكرام التي أشار إليها الله تعالى في كتابه العزيز هو العزم وقوة الإرادة فقال عز من قائل فيما أوصى به خاتم الأنبياء والرسل (صلى الله عليه وآله): [فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ].

3- اتخاذ خطوات عملية تدريجية - وأركزّ على التدريجية - من خلال سن قوانين ملزمة كالمنع من التدخين في المدن المقدسة وحافلات النقل العام والدوائر الرسمية أو في أزمنة معينة. والتدريجية في اقتلاع الظواهر السيئة في المجتمع من الدروس المستفادة من سيرة القرآن الكريم في إصلاح البشرية. فمثلاً: بالنسبة للخمر حيث كان من العسير على العرب تحريم الخمر دفعة واحدة لتفشي هذا الداء فيهم بحيث يُشار بالبنان إلى جعفر بن أبي طالب أنه واحد من أربعة حرموا على أنفسهم شرب الخمر في الجاهلية. فتدرج القرآن في بيان الحرمة كما أشرنا إليه في كتاب (شكوى القرآن).

هذا الأسلوب سلكه الشارع المقدس بالنسبة للتدخين حيث منع منه في نهار شهر رمضان، ولاشك أن نجاح الإنسان في ترك التدخين نهاراً كاملاً على مدى شهر كامل يعين المبتلى بالتدخين على تركه وما عليه إلاّ مواصلة هذا الانتصار على نفسه، ويمكن أن يتدرج الإنسان بتحدي نفسه بتقليل التدخين إلى خمس سيكارات في اليوم مثلا ثم إلى اثنين وهكذا، والتحدي يساعد على تفجير طاقة الصبر والصمود والمقاومة، وسيشعر عند الالتزام بلذة الانتصار ونشوته وهي من أعظم اللذائذ التي يستشعرها الإنسان. إن هذه الخطوات

ص: 614

العملية الثلاث متكاملة مع بعضها فالإعلام المكثف لأخطار التدخين على النفس والمجتمع والبيئة والاقتصاد يؤدي إلى ترسخ القناعة، فإذا انضم إليها العزم والإرادة القوية للترك واتخذت خطوات تدريجية للحدّ من هذه الظاهرة فإن النتيجة ستكون حتماً النجاح فيالقضاء على هذه الحالة السيئة.

الإضرار بالآخرين

التدخين مما يؤدي إلى إضرار غيرهم وخصوصاً أن هذه المواسم تكثر فيها أمراض حساسية الأنف والجيوب الأنفية ورسولنا الكريم (صلى الله عليه وآله) يقول: (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) فأحدنا عندما يتكلم في الأخلاق لا أحد يسبقه ولكن عندما يصل الأمر إلى التطبيق وإلى التدخين يترك كل ذلك وراء ظهره فلماذا هذا التناقض ولماذا هذا الضعف أمام النفس؟.

مرض العصر المزمن

كانت البشرية تعاني في العصور السالفة من أمراض فتّاكة كانت تودي بحياة الآلاف وتقف عاجزة أمامها، وقد أنقذ الله تعالى البشرية اليوم منها بفضل التقدّم العلمي بالطب والعلاج، لكنّهم ابتدعوا التدخين ليعودوا إلى ما كانوا عليه من البلاء وأكثر، حيث تقول منظمة الصحة العالمية إن عدد الذين يلاقون حتفهم بسبب استعمال التبغ بأشكاله يفوق بلا ريب ولا أدنى شك عدد الذين يموتون نتيجة للإصابة بأمراض الطاعون والكوليرة والتيفوس والتيفوئيد والسل والجدري والجذام مجتمعة كلها في كل عام.

الأضرار الإجتماعية للتدخين

للتدخين أضرار اجتماعية حيث ينظر كثيرون إلى هذه الحالة باشمئزاز وينفرون من صاحبها، وقد سمعنا كثيرين ممن يريد الزواج أنّه يشترط على الطرف الآخر أن لا يكون مدخناً، ولا نغفل عن النقص الأخلاقي، لأنّ التدخين يوجب الاعتياد والإدمان، والخضوع للعادة والاستجابة لمتطلباتها منقصة أخلاقية؛ خصوصاً إذا تحوّلت إلى قوة ضاغطة لا يستطيع أن يتحرر منها، وقد ذكرنا في حديث سابق شرحنا فيه قول الإمام الحسن العسكري (علیه السلام): (ما أقبح المؤمن أن تكون له رغبة تذله) قضية واقعية كانت فيها عادة التدخين سبباً لإعدام واعتقال العشرات من المؤمنين، وبعد كل هذا يحق لنا أن نسأل المدخنين (حتى متى التدخين) ونتساءل باستغراب وشفقة (ألم

ص: 615

يأنِ للذين يدخنون أن يقتنعوا بأن التدخين عادة ضارّة يجب الإقلاع عنها) على صيغة الآية الشريفة مع الفارق في المورد: [أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ].

ص: 616

الرياضة والفن

أساليب إشاعة الفاحشة

أولياء الشيطان اليوم سنّوا أساليب لإشاعة الفاحشة غير ملاهي الفسق والفجور باسم الرياضة مثلاً التي لا تقل تهتكاً عمّا يجري في تلك الملاهي بل الملاهي ارحم لأنها في الخفاء ويستهجنها الجميع ويستحي صاحبها ان يُلصق به عارها اما هذه فتمارس علناً ويفتخر بها صاحبها ويبارك عمله الجميع .

لعبة كرة القدم في الميزان

لعبة كرة القدم ليست منكراً لذا لم يفتِ أحد بحرمتها، لكن عندما تستحوذ الكرة على مشاعر الناس وعواطفهم ويتركز الاهتمام عليها بشكل كبير حتى تصبح إلهاً يطاع، وتتوجه إليه الأفئدة والعقول، وتصرف عليه المليارات، وتذبح له القرابين البشرية وليس فقط الحيوانية، كما سمعنا بحوادث كثيرة ذهب ضحيتها البشر، بل تقاتلت من أجلها دول كما حصل بين السلفادور والهندوراس، فإذا أصبحت الكرة هكذا إلهاً يعبد من دون الله، بالمعنى الذي يستفاد من القرآن الكريم للعبادة الذي ذكرناه آنفا، يصبح منكراً اجتماعياً يحتاج إلى معالجة، بحيث إنهم أنفسهم يسمونها (الكرة معبودة الجماهير) فهم يقرّون بالعبادة لها، ونحن نردد هذا العنوان بسذاجة وبلا وعي، ولا ندرك ما يحوكون لنا من خطط لصرفنا عن معبودنا الحقيقي، فصنعوا لنا أهدافاً وهمية من شباك نتنافس على إدخال الكرة فيها، ليشغلونا عن الأهداف الحقيقية التي هي نيل رضا الله تبارك وتعالى وإعمار الحياة وفق ما رسم لنا من منهج. وإنه لمما يثير السخرية والاستهزاء ما يتشدق به هؤلاء من أنهم استغنوا عن نظام الأضوية المرورية عند تقاطعات الشوارع، لأن فيه تأخيراً مدة دقيقة، وأبدلوها بالإنفاق والجسور، وهم يضيعون الساعات يومياً في هذه الأمور العبثية التافهة، وهكذا نستطيع أن نشخص منكرات اجتماعية كثيرة لا تفهم كذلك فيما لو نظر إليها على المستوى الفردي المتعارف.

التأثر السلبي والإيجابي للفن

إن القوة الناعمة تشمل ادوات اخرى كثيرة غير الاعلام، بعضها مُلتفتٌ اليها، وبعضها غير مُلتفت، ومن القسم الاول: الفن فانه مؤثر في ثقافة الاخر وسلوكه وحتى

ص: 617

معتقداته وسياسته اذا استطاع انتزاع الاعجاب والتأثر، وتستطيع الدول اليوم ان تحقق من خلال الانتاج الفني من التأثير في الدول الاخرى وجذبها إلى سياساتها واقناعها بأجنداتها ما لم تستطع تحقيقه بالاحتلال العسكري الذي يكون عادة مبغوضا ومرفوضاً.

عبادة الآلهة المتعددة

إن الذين ظلموا أنفسهم بعدم اتباع الحق (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) رغم كل هذه الحجج الدامغة (فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ) فعبدوا وخضعوا لآلهةٍ من دون الله تعالى سواء كانت مادية صنعوها من الحجر أو الخشب أو التمر أو اعتبارية صنعوها من شهواتهم وحماقاتهم أو صنعها الاخرون من جبابرة وطواغيت أو أسواق مالية أو الفن أو الرياضة ونحو ذلك من الرموز التي تعبد وتُطاع من دون الله تعالى، فمن أضّل من هؤلاء، ومن هو أحمق واجهل منهم (لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ).

تصور خاطيء

يتصور البعض إن موقف الشارع المقدس من الرياضة سلبي مطلقاً، وهذا التصور خاطئ ولعل منشأه سوء فهم هذا الموقف من الألعاب الرياضية ... فالشارع المقدس هذّب حالة الرياضة ونقّاها من الممارسات المنافية لمبادئه العامة وهذا لايعني رفض الحالة كلياً ، كما انه هذّب حالة تناول الطعام أو العلاقة الزوجية او حالة التخلي فجعل لها محرمات و مكروهات وهذا لايعني إلغاءها بالمرّة وهي حاجات حياتية وإنما هو تهذيب للحالة وتنظيمها لتقع في طريق التكامل وتنتج السعادة والفلاح للإنسان في الدنيا والآخرة. وهكذا فقد وُضعِت في الإسلام حدودٌ للرياضة المنتجة والمثمرة ومنها :أن تكون عقلائية أي تساهم في تحقيق الأهداف الإنسانية التي تطلب من ممارسة الرياضة ولذا تحرم رياضة الملاكمة الضّارة بالإنسان وقيادة السيارات الموجبة للهلاك ومصارعة الثيران ونحوها وان مجرد تحقيق الإثارة للمشاهدين لا يُعدُّ مبرراً كافياً لممارستها أن لا تتضمن محرمات مخالفة لأحكام الشريعة كظهور النساء بوضع غير محتشم أو مثير للفتنة. أن لا تؤدي إلى تفويت الواجبات سواء كانت فردية كالصلاة أو اجتماعية كأعمار البلاد و إصلاح الفساد وإقامة العدل وإنصاف المظلومين.

إيجابية الرياضة ولكن بقيد

إذا كانت ممارسة الألعاب الرياضية ضمن الأطر العامة التي وضعها الشارع المقدس

ص: 618

فلا بأس بها بل حثّ على جملة منها كالسباحة وركوب الخيل والعدو والرماية باعتبارها أنواعاً متداولة يومئذٍ ويشمل الاستحباب كل أنواع الألعاب التي تساعد على بناء جسم صحيح الذي يكون خير معين على طاعة الله تبارك وتعالى والسعي لمرضاته كما ورد في الدعاء (اللهم أجعل قوتي في طاعتك ،ونشاطي في عبادتك) ومن طرق تحصيل القوة والنشاط ممارسة الألعاب الرياضية النافعة. هذا إضافة إلى ما توفره الألعاب الرياضية من فوائدروحية واجتماعية وتدريب على العمل الجماعي وتحقيق الانسجام والوحدة والتكاتف وتذويب الخلافات والشفافية في التعامل حتى ضرب المثل لمن يكون شفافاً وعلاقته طيبة مع الآخرين أنه يمتلك روحا رياضيه .

أمور تساعد على وحدة المجتمع

الفن والثقافة والرياضة هي جزء من الحياة وهي محرك أساس لوحدة المجتمع وأداة لتعارف الشعوب وتطورها لذا فان الاهتمام بها ودعمها يشكل ضرورة ملحة لما لها من أثر بالغ في تنقية الأجواء وتهذيب النفوس وتخليها عن الشوائب بالاستخدام الأمثل لهذه الفنون.

لغة الفن المؤثرة

إن الفن رسالة إنسانية تتجاوز حواجز اللغة والانتماء ويستطيع الفنان أن يختصر بلوحته مجلداً ضخما من الكلام ويوصل المعنى بشكل مؤثر ولكن الفن التشكيلي كسائر الفنون والآداب لا تجد رعاية ولا اهتماماً من المسؤولين لذا فان الأمة غافلة عنها ومحرومة من الاستفادة من قوة تأثيرها.

الهوايات... مفهوماً واختياراً

لكل إنسان (هواية) كما يسمونها، وتكثر هذه عند الشباب، وهي مشتقة من (الهوى) وهو يعني الرغبات والنوازع النفسية والميول باتجاه شيء معين يجد فيه راحته، وهو أمر مشروع أن يسعى الإنسان لتحقيق رغبته وسعادته، لكن (الهواية) يجب أن تكون ضمن ضوابط، لأن الاتباع المطلق للهوى من المرديات وقد ورد الذم الأكيد لاتباع الهوى ومدح من منع نفسه عن اتباعه: [وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى ، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى] واتباع الهوى له درجات بعضها كافٍ لاستحقاق أسفل دركات الجحيم، وممارسة الهوايات المتعارفة ليس منه، إلا أن الذي أريد أن أقوله أن الشاب حينما يريد أن يختار هواية أو مالت نفسه إلى هواية معينة فلابد أن يفحصها أولاً ويدقق في أمرها قبل أن يتعلق

ص: 619

بها قلبه ولا يستطيع الصبر عليها، فإن بعض الهوايات تافهة ولا معنى لها ومضيعة للوقت، كحلّ الكلمات المتقاطعة أو المراسلة التي لا جدوى فيها أو الذوبان في الرياضة أو جمع الطوابع ونحوها، فضلاً عن التي توقع في المعصية كتربية الطيور وقضاء الساعات يومياً على سطح الدار لإرسالها وتوجيهها وإعادتها، مع ما يتضمن ذلك من معاصي.. فلا بد من اختيار الهواية التي فيها نتائج مثمرة دينياً ودنيوياً كقراءة الكتب أو ابتكار الأجهزة أو الاتصال عبر الانترنيت لتحصيل أحدث المعلومات والأخبار في العلم لتكوين رؤية واعية ومعمقة وواسعة، ونحوها من الهوايات المفيدة.

الشباب وممارسة الهوايات

إن ممارسة الهوايات أمر طبيعي للشباب خصوصاً في العطلة الصيفية، ولكن من دون أن يكون شعارنا (التسلية للتسلية) أو لقتل وقت الفراغ، بل لابد من أن تكون هذه الهوايات نافعة ومثمرة على صعيد أو أكثر، كممارسة بعض الألعاب الرياضية التي فيها ترويح عن النفس، وتسلية وتقوية للبدن وحفظ للصحة من دون أن تتجاوز الحدود فتدخل في عنوان اللهو الباطل، أو تكون غير عقلائية كالملاكمة وسباق السيارات أو تحتوي على محرمات كالاختلاط بين الجنسين، أو الظهور بمظاهر تثير الشهوة والفتنة وتبرز الأجزاء المحرمة، ومن دون أن تحتوي على مراهنات وغيرها من المحرمات، ومن دون أن تساهم في تشييد هذه الآلهة المزيفة من أصنام الجاهلية الحديثة التي يسمونها بلا خجل من رب العباد (معبودة الجماهير) فهذه الهوايات على صعيد البدن، وهناك هوايات على صعيد الفكر كقراءة الكتب والمجلات والصحف المفيدة، أو الاشتراك بشبكة الاتصالات العالمية، أو متابعة الأقراص الليزرية العلمية والثقافية والأخبار والأحداث واستخلاص التجارب منها وهكذا. ويمكن أن تكون الهوايات على الصعيد الاجتماعي كاللقاء مع الإخوة المؤمنين وصلة الرحم ونحوها.

ص: 620

حِكم في موضوعات متنوعة

الاتفاق المسبق مع الله تعالى

يظهر من بعض الروايات التي وردت في تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) أنّ عقداً تم الاتفاق عليه بين الله تبارك وتعالى وبين عباده بأن يخرجهم من ذلك العالم إلى عالم الدنيا ويسخّر لهم كل ما في الأرض (خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأرض جَمِيعاً) على أن يطيعوه بتكاليف يسيرة... وأعتقد أنّنا الآن لو عرضت علينا نفس الصفقة لما ترددنا في الموافقة عليها .

ضياع الموازيين الصحيحة

إن المجتمع قد تضيع فيه الموازين الصحيحة كما ورد في الحديث: (كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً -ثم قال- : كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم من المعروف) وقد حذّر القرآن من اتباع العامة التي تنعق مع كل ناعق من غير وعي ولا إدراك لما يراد منها والنتيجة التي ستصل إليها، قال تعالى: (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّه)، (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)، (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ) إن هذا الانصياع للعرف الاجتماعي وللعادات الجارية هو الذي أهلك الأمم السابقة (إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ)، وقال تعالى في صفة أهل جهنم (وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ).

هكذا كان السيد الأستاذ

لقد كان سيدنا الاستاذ الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) قائداً ناجحاً على أكثر من صعيد فقد استطاع بفضل الله تبارك وتعالى ايصال صوت الهداية والإيمان الى اقصى مكان وقلل من الانحراف والجريمة بدرجة كبيرة .

هكذا عرفت السيد الشهيد

عرفت السيد الصدر مفكراً اسلامياً كبيراً وقائداً اجتماعياً استوعب حياة المعصومين عليهم الصلاة والسلام وصاغها منهجاً مناسباً للأمة في حياتها الحاضرة.

ص: 621

إعداد الجيش العقائدي

إن إقامة (الحكم الإسلامي) وترسيخه لا يتوقف في نظرهم (أي الأئمة عليهم السلام) على مجرد تهيئة حملة عسكرية بل يتوقف قبل ذلك على إعداد جيش عقائدي يؤمن بالإماموعصمته إيماناً مطلقاً ويعي أهدافه الكبيرة ويدعم تخطيطه في مجال الحكم ويحرس ما يحققه للأمة من مكاسب.

عبادة التوسل بالأولياء

دع عنك إشكال بعض المهرّجين في الفضائيات على الشيعة بأنهم يتوسلون إلى الله تعالى بالنبي وآله (صلوات الله وسلامه عليهم) والله لا يحتاج إلى واسطة ولماذا لا يسألون -أي الشيعة- الله تبارك وتعالى مباشرة؟ ونحوها من الإشكالات التي لا قيمة لها لأنهم لو رجعوا إلى مصادرهم فضلاً عن مصادرنا لوجدوا مشروعية هذا التوسل بل استحبابه فإن الله تعالى يحبُّ أن يسأل ويحبّ أن يتوسّل إليه بمن اصطفاهم من عباده ليفيض من خلالهم على عباده بالعطاء لا لأنه يحتاج إلى واسطة فهو يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ولكن ليظهر شرف وفضل وكرامة هؤلاء المصطفين الأخيار الأطهار. ولنسأل هؤلاء المهرّجين: أليس الله بقادر على أن ينزل شرائعه وأحكامه إلى صدور عباده وقلوبهم وعقولهم بأي وسيلة من دون حاجة إلى توسيط الأنبياء والرسل (عليهم السلام) فلماذا يتخذ هؤلاء الوسائط؟ فكما أن الحكمة الإلهية اقتضت توسيط الأنبياء (عليهم السلام) في الفيض التشريعي كذلك فإنها اقتضت التوسيط في الفيض التكويني بلا فرق بينهما، لو كان يعقل هؤلاء المتحجرون.

ترابط السنن الكونية

إن السنن والقوانين المتحكمة في الإنسان والكون مترابطة لأن المتصرف فيها واحد فأي خلل أو انحراف وعصيان لله تبارك وتعالى يفعله الإنسان يؤدي إلى اضطراب في الطبيعة بكل أجزائها .

قضاء حوائج الناس

الذين في موقع يسعهم قضاء حوائج الناس ويقدرون عليها فلا يهتمون ويقصرون في إنجازها فقد خرجوا من ولاية الله تبارك وتعالى، ففي الحديث عن موسى بن جعفر (علیه السلام) (من قصد إليه رجل من إخوانه مستجيراً به في بعض أحواله فلم يُجره بعد أن يقدر عليه فقد قطع ولاية الله عز وجل)، وعن الإمام الصادق (علیه السلام) قال: (لم يَدَعْ رجلٌ معونةَ أخيه المسلم حتى يسعى فيها ويواسيه إلا ابتلي بمعونة من يأثم ولا يؤجر) .

ص: 622

شموخ المستضعفين

تصوّروا أيها الاخوة إن الإمام موسى بن جعفر (علیه السلام) سجين قد هدّ السجن صحته وأذاب جسمه حتى أصبح حين يسجد لربه كالثوب المطروح على الارض فيدخل عليه رسول الزعامة المنحرفة فيقول: (إن الخليفة يعتذر) اليك ويأمر بإطلاق سراحك على ان تزورهوتعتذر اليه وتطلب رضاه فيشمخ الامام(علیه السلام) وهو يجيب بالنفي بكل صراحة ويتحمل مرارة الكأس إلى الثمالة لا لشيء إلا لكي لا يحقق للزعامة المنحرفة هدفها في أن يبارك الامام (علیه السلام) خطها فتنعكس معالم التشويه من التطبيق المنحرف على الرسالة نفسها.

سعة الكرم الإلهي

إن العمل إذا حظي بالقبول والرضا من الله تبارك وتعالى فإنه لا حدود لعطائه ويزكيه وينميه حتى يكون مثل جبل أحد -كما في بعض الروايات- ويضرب الله تعالى لنا مثالاً لذلك قال تعالى: (مَثَلُ الذِينَ يُنفِقُونَ أمْوَالَهُم في سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أنبَتَتْ سَبعَ سَنَابِلَ في كُلِّ سُنبُلِةٍ مِئَةُ حَبّةٍ وَاللهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).

نيل درجة الشهادة

الشهادة لا تُنال بالتمني وإنما هو لطف من الله تبارك وتعالى يحظى به من اجتباه.

الرزق المادي والمعنوي

يظنُّ أكثر الناس أن الرزق هو خصوص المال، وربما بالغ بعضهم فاعترض وسخط لأنه لم يرزق المال الذي يريده، ولا شك إن المال من أعظم الرزق، لان الإنسان يستطيع بالمال أن يقضي حوائجه ويحفظ كرامته، ويستثمره في الكثير من فرص الطاعة لله تبارك وتعالى كالحج والعمرة وزيارة العتبات المقدسة وأداء الحقوق الشرعية ومساعدة الناس وغيرها. لكن معنى الرزق أوسع من ذلك، وإن بعضه مادي وبعضه معنوي، من الأرزاق المعنوية: نعمة الإسلام وولاية أهل البيت (عليهم السلام) والالتزام بالدين والزوجة الصالحة والذرية الطيبة وغيرها كثير، ومن الرزق الجاه الاجتماعي والسمعة الطيبة والقدرة على التأثير على الآخرين وإقناعهم

الثقة العميقة بالله تعالى

كونوا - أيها الأحبة - على ثقة بأن الله تعالى كريم يعطي من غير احتساب، وهو رحيم بعباده، وكلما ظن العبد أن الأبواب مغلقة في وجهه، ولا سبيل إلى النجاة، وإذا بباب رحمة الله تعالى تفتح له (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن

ص: 623

نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) ويشبّه بعض الأخلاقيين الحالة بما موجود اليوم في الأبنية الراقية حيث تكون الأبواب الخارجية مغلقة فإذا وصل القادم أليها انفتحت تلقائياً، فالعارف بالحال يتوجه نحو الباب وإن رآها مغلقة لأنه يعلم أنها ستفتح له عندما يتوجه إليها، أما الجاهل فيرى عدم الجدوى في التوجه نحو الباب لأنها مؤصدة في وجهه.

الظاهر ليس مقياساً للتقييم

يجب أن لا نكتفي بتقييم الظواهر والشكليات، وإنّما علينا أن ننفذ إلى عمقالحقيقة، ونتقبّلها بشجاعة حتى لو كانت في بعض جوانبها على خلاف رغباتنا وأهوائنا.

الإنفاق المعنوي

ينبغي الالتفات إلى المعنى الأهم والأعلى درجة للإنفاق، وهو الإنفاق المعنوي بتعليم الآخرين ما جهلوا من أحكام الدين وإرشاد الضال ووعظ الغافل وهداية المنحرف وتصحيح الأخطاء الموجودة في سلوك الناس ونحوها.

من كرم الله ولطفه

الله تعالى يعلم أنه ليس كل الناس قادرين على الإنفاق، أو انهم ينفقون مما رزقهم الله تعالى لكنهم يريدون المزيد من الثواب عند الله تعالى، وهو سبحانه عادل لا يحرم أحداً من فرصة الطاعة، فجعل بكرمه لمن يسعى في إيصال الصدقة إلى مستحقها نفس الأجر الذي يستحقه معطيها قد يقال بأنه كيف يتساوى ثواب من يتوسط بإيصال المال إلى المستحق مع ثواب من يدفع هذا المال الذي تعب في تحصيله. والجواب بوجوه:

إن ذلك ممكن بلحاظ كرم الله تعالى ولطفه ولا إشكال فيه ما دام المنفق لا ينقص من أجره شيء إن هذه المساواة بلحاظ أصل الاستحقاق ويبقى للمنفق سابق الفضل فيضاعف الله له ما يشاء كما نطقت الآية الشريفة إن المنفق يرجع إليه مثل أجور المتوسطين في إيصالها مضافاً إلى أجره، لأنه هو الذي وفّر لهم هذه الفرصة فيكون مصداقاً للحديث الشريف: (من سنّ سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) إنه لا يحق لنا الإشكال والتساؤل ما دامت الروايات قد نطقت بهذا المعنى، فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله: (من مشى بصدقة إلى محتاج كان له كأجر صاحبها، من غير أن يُنقص من أجره شيء) وقوله(صلى الله عليه وآله): (لو أن الصدقة جرت على يدي سبعين ألف ألف إنسان، كان أجر آخرهم مثل أجر أولهم).

موجبات العمى

ص: 624

ما يوجب العمى يوم القيامة هو كل إعراض وصدود عن شرع الله وحكمه وعدم العمل بكتاب الله وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في كل شؤون الحياة مما أصبح مألوفاً اليوم في الأسواق ومعاملاتنا التجارية وفي السنائن العشائرية وفي العلاقات الاجتماعية وفي السياسة والحكم وإدارة مؤسسات الدولة وغيرها كثير... وهذه بعض الروايات التي شخّصت بعض موارد هذا الإهمال للأوامر الإلهية الموجب للعمى ومنها:

عدم التمسّك بولاية أمير المؤمنين (علیه السلام) عن الصادق (علیه السلام) في قول الله عز وجل: (ومن أعرض عن ذكري) قال(علیه السلام): يعني ولاية أمير المؤمنين (علیه السلام) وعن قوله تعالى: (ونحشره يوم1. القيامة أعمى) قال (علیه السلام): (يعني أعمى البصر في القيامة أعمى القلب في الدنيا عن ولاية أمير المؤمنين (علیه السلام)وهو متحيّر يوم القيامة يقول: (رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا) قال: الآيات الأئمة (عليهم السلام) (فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) يعني تركتها، وكذلك اليوم تترك في النار كما تركت الأئمة فلم تطع أمرهم ولم تسمع قولهم).

2. ترك الحج وهو مستطيع عن الإمام الصادق(علیه السلام): (من مات وهو صحيح موسر ولم يحج فهو ممن قال الله عز وجل (وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) قال أبو بصير: قلت: سبحان الله: أعمى قال: نعم إن الله عز وجل أعماه عن طريق الحق).

تبرئة الظروف والأيام من تقصيراتنا

الظروف والزمان والأيام لاذنب لها ولا تقصير حتى نلومها ونعاتبها، فإنّ الأفلاك وجميع المخلوقات مطيعة لله تبارك وتعالى سائرة بدقة على القوانين التي وضعها الله تعالى لها ولم تتخلف لحظة عن السير عليها (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ)، (كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) والإنسان وحده الذي يتمرّد ويعصي ويجادل ويستكبر عن طاعة ربّه، توجد أبيات مشهورة لا يعرف الكثير أنّها لشيبة الحمد عبد المطلب الذي تفرّعت منه النبوة والإمامة، فقد روى الريّان بن الصلت قال: أنشد لي الإمام الرضا(علیه السلام) لعبد المطّلب:

يعيب الناس كلهم زماناً *** وما لزماننا عيب سوانا

نعيب زماننا والعيب فينا *** ولو نطق الزمان بنا هجانا

وإن الذئب يترك لحم ذئب *** ويأكل بعضنا بعضا عيانا

ص: 625

لبسنا للخداع مسوك طيب *** فويل للغريب إذا أتانا

معركة التأويل حالة مزمنة

إن معركة التأويل ليست مختصة بزمان أمير المؤمنين(علیه السلام) بل هي مفتوحة في كل زمان ومكان، روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): يحمل هذا الدين في كل قرن عدول ينفون عنه تأويل المبطلين وتحريف الغالين وانتحال الجاهلين كما ينفي الكير خبث الحديد) وليس هذا فحسب بل انها تتعقد أكثر وتضيق حلقة البلاء وتشتد، فبعد أن كانت بين أئمة أهل البيت(عليهم السلام) واتباعهم من جهة وبين الحكام المنحرفين والسائرين في ركابهم واتباعهم من العامة من جهة أخرى، تطوّرت لتكون داخل مدرسة أهل البيت (عليهمالسلام) بين من واصلوا إتّباعَ الأئمة (عليهم السلام) الاثني عشر واحداً بعد واحد وهم الإمامية وبين من انشق عنهم ليؤسس فرقاً عديدة، ثم ضاق البلاء واشتدّ الامتحان أكثر في الدائرة الأخيرة بين مستحق نيابة المعصوم (علیه السلام)وبين من يتقمصها ويدعيها بغير حق، وفي كل دائرة كان يفشل جمع كبير ويسقط في الامتحان وهذا مصداق حديث الإمام الباقر (هيهات هيهات، لا يكون فرجنا حتى تغربلوا ثم تغربلوا ثم تغربلوا، يقولها ثلاثاً حتى يذهب الله تعالى الكدر ويبقى الصفو) وحديث الإمام الكاظم (علیه السلام) لإبراهيم بن هلال (أما والله يا أبا إسحاق، ما يكون ذلك - أي الفرج بظهور الإمام (علیه السلام) -حتّى تُميّزوا وتُمحَّصوا، وحتى لا يبقى منكم إلاّ الأقل) وظاهر الرواية أن الخطاب موجّه فيها إلى الشيعة. ولأهمية هذه المعركة وخطورة آثارها وتداعياتها على الدين وعلى المجتمع فقد ورد التحذير الشديد من التقصير فيها، في كتاب المحاسن للبرقي بسنده عن أمير المؤمنين(علیه السلام): إن العالم الكاتم علمه يبعث أنتن أهل القيامة ريحاً تلعنه كل دابة حتى دواب الأرض الصغار).

معركة التأويل أصعب من معركة التنزيل

إن الظروف التي عاشها السيد الشهيد الصدر(قدس سره) تختلف عن التي نعيشها الآن، والتحديات غير التحديات فلا بد أن نسير وفق الآليات المناسبة لطبيعة الظروف الحالية، وقد شبّهت الحالة بالاختلاف في طبيعة معركة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين(علیه السلام) فالأولى كانت معركة تنزيل بين الإيمان والكفر أي على أصل الإيمان بالله تعالى ورسوله(صلى الله عليه وآله) أما الثانية فكانت معركة على التأويل داخل المجتمع المسلم وبين رموزه لتمييز الحق وأهله وفضح النفاق والخداع وأصحاب الفتن والشبهات، وهي لا شك أصعب وأعقد ويصعب إيجاد القناعات بها وهذا ما لاقاه أمير المؤمنين(علیه السلام)

ص: 626

عكس الأولى التي تتميز بالوضوح والتمايز، وهكذا كانت معركة السيد الصدر (قدس سره) واضحة في مواجهة نظام صدام وتلقى حركته استجابة واسعة لسعة القاعدة الرافضة للنظام .

المصداق الأوضح لليتيم المعنوي

إن الحاج هو أوضح مصاديق اليتيم المعنوي المنقطع عن أبيه المعنوي، لأنه يؤدي أعمالاً ومناسكاً لا يعرفها ولم يتعرض لها سابقاً وفي ديار غربة بعيداً عن الأهل والوطن، ويخشى الإخلال والتقصير حيث يتعسر المجيء مرة أخرى إلى تلك البقاع المباركة، فتراه منقطعاً إلى ربّه ومتشبثاً بمن يدلّه على تفاصيل عمله.

الرحمة بالآخرين

عن الإمام أمير المؤمنين(علیه السلام): (وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم) أي إن قلبك حتى لو كان غير ممتلئ بالرحمة التي هي ضرورية لنجاح عملك فعليك أن تتكلفها وتدرّب قلبك عليها وتستثيرها في باطنك حتى تصبح ملكة راسخة ,فان الصفات والملكات الحسنة يمكن تحصيلها بالتهذيب والتدريب وهذه الصفة يحتاج الى استشعارها كل أحد لأننا كلنا مسؤولون وإن كان بدرجات متفاوتة ,ففي الحديث الشريف: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) فرّب الاسرة مسؤول عن اسرته ومدير الدائرة كذلك عن دائرته ومثله المعلم عن طلبته والوزير عن وزارته والضابط عن جنوده والمرأة عن بيتها واطفالها وهكذا، ولما سُئِل أحدهم من هو أحبُّ أبنائك اليك ؟ لم يجب بأنه فلان أو فلان ,وانما قال: الصغير حتى يكبر والمريض حتى يشفى والغائب حتى يعود ,والجامع المشترك لهؤلاء هو حاجتهم الى الرحمة والشفقة أكثر من غيرهم.

الوصية الأخيرة لسيد الشهداء (ع)

إيّاكَ وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلاّ الله تعالى... روى الإمام الباقر (ع): لما حضر علي بن الحسين (ع) الوفاة ضمّني إلى صدره ثم قال: (يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة وبما ذكر أن أباه أوصاه به قال: يا بنيّ إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلاّ الله) وقد روي الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله) وعن أمير المؤمنين (علیه السلام) فعن النبي (صلى الله عليه وآله): (يقول الله عز وجل: اشتد غضبي على من ظلم من لا يجد ناصراً غيري)، أي ظلم من لا يمتلك القوّة والنفوذ لاسترداد حقّه إمّا لضعفه

ص: 627

كالمرأة واليتيم والمستضعف أو لغيبته وعدم علمه أو لترفعه عن ردّ الإساءة بمثلها، وتكتسب هذه الوصية أهمية كبيرة من جهة كونها الوصية الأخيرة في الحياة وعادة ما تتضمن مثل هذه الوصية أهم ما يريد أن يقوله الموصي، ومن جهة تواتر الوصية بها من معصوم الى معصوم (علیه السلام), وهم أبعد ما يكونون عن الظلم مطلقاً ,وهو ما دلت عليه الآية الشريفة: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) فبلوغهم مقام الإمامة يعني انهم منزهون عن الظلم، وإنما أريد من التأكيد على هذه الوصية ترسيخها في ذهن الأمة حتى تصبح لهم شعاراً في حياتهم.

أحكام الأحوال الشخصية

حظيت أحكام ما يعرف اليوم بالأحوال الشخصية باهتمام كبير من الأئمة (عليهم السلام) ولم يعذروا من يطبق القوانين الوضعية ولا يرجع إلى الأحكام الشرعية لأنها تنظم أموراً أساسية في حياة الأفراد كالزواج والطلاق والمواريث وأي خلل فيها يعني وقوع الناس فيالمحرمات في ذرياتهم وأموالهم، ولا مجال فيها للاعتذار بالتقية ونحوها لأنها قضايا شخصية لا تتعارض مع السلطات، وتحركوا بالوسائل المتاحة لهم (عليهم السلام) ليقنعوا الأمة بها.

الأسباب التي أدّت إلى كثرة أعداء أمير المؤمنين(علیه السلام):

1. إن علياً (علیه السلام)يمثل الحق، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (علي مع الحق والحق مع علي) والناس تكره الحق قال تعالى (بَلْ جَاءهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ) وتروى عنه كلمته: (ما أبقى لي الحق من صديق).

2. عدله(علیه السلام) مما سبّب حنق أصحاب الامتيازات والنفوذ والاستئثار والطبقيّة، وألبوا الناس عليه.

3. الحسد، لسمو منزلة علي حتى كان نفس رسول الله(صلى الله عليه وآله) بنص القرآن، وآخاه رسول الله (صلى الله عليه وآله)وأشركه في أمره وجعله إماماً وهادياً من بعده وألزم الأمة بولايته وهذه المناقب التي لا تحصى والدرجات الرفيعة أوجبت كثرة الحسّاد والمبغضين، قال تعالى (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ).

4. إنه (علیه السلام)كان ناصحاً للأمة يبيّن لها طريق الرشاد ويصحّح أخطاءها ولا يجامل ولا يداهن، والناس لا يحبون من ينصحهم ويهدي إليهم عيوبهم قال تعالى (وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ).

5. خبث المعدن والأصل وسوء السريرة فيتحول إلى باطن خبيث يكره خصال الخير والنبل

ص: 628

والكمال، لذا كان حب علي(علیه السلام) ميزاناً يميِّيز بين من أصله طيّب أو خبيث، فقد روى عن الإمام علي(علیه السلام): (والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة إنّه لعهد النبي الأمي إليّ أن لا يحبّني إلاّ مؤمن ولا يبغضني إلاّ منافق).

6. المصالح الدنيوية والامتيازات والانسياق وراء الشهوات، فيرى اللاهثون وراء هذه الدنيا الزائلة أنّ علياً(علیه السلام) حجر عثرة في طريقهم.

رسالة الشيعة العالمية

الشيعة اليوم تحت الأضواء بعد أن انطلقوا من القُمقُم الذي حبسه فيه أعداؤهم طيلة أربعة عشر قرناً وبهروا العالم بعدة أمور كشعائرهم المليونية وتاريخهم المشرق وهيكلية تنظيمهم الرصينة وسعة انتشارهم وطاعتهم لقيادتهم وتمسكهم بدينهم، وحركتهم الدؤوبة في توسيع مدرستهم وإقناع العالم بها وعمق جذورهم الفكرية وقدرتها على حل كل المشاكل التي تواجه البشرية وغيرها، وهذا الوضع يلزمنا بمسؤوليات إضافية تجاه أنفسنا ومذهبنا وأئمتنا سلام الله عليهم، وهي بنفس الوقت فرصة عظيمة لنا أن تشملنا الألطاف الإلهيةفنكون ممن اختارهم الله تعالى لتحمّل هذه المسؤولية المباركة.

من أهم أشكال نصرة المعصومين (عليهم السلام)

من أهم أشكال النصرة للسيدة الزهراء (عليها السلام) وللمعصومين جميعاً لنكون صادقين في قولنا لهم عند زيارتهم (عليهم السلام): (ونصرتي لكم معدة) هو السعي الدؤوب لهداية الناس وإرشادهم، والضغط المستمر لإقرار القوانين التي تنظم حياتهم وفق الشريعة الإلهية.

التوفيق هو..

استعداد في النفس للاستجابة لداعي الهداية فمن طلبها، عليه أن يوفّر أسبابها في نفسه، ومن لا تتوفر فيه لا تزيده الموعظة والإرشاد والنصيحة إلاّ عتوّا واستكباراً، قال تعالى: (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ . وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ).. فأسباب الهداية والتوفيق تعرض على الجميع لكن المواقف إزاءها متباينة بحسب الجهة الغالبة في النفس هل هي جنود الرحمن أم جنود الشيطان، ومن لا يناله التوفيق والهداية فبسببه وهو الذي لم يؤهل نفسها لتلقيها (نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ) كذبذبات الراديو والتلفزيون أو اتصالات الأجهزة المحمولة فإنها موجودة في الفضاء إلاّ أنّه لا يستقبلها

ص: 629

إلا الجهاز الذي يحمل المواصفات المناسبة لتلك الموجات.

منطلق الحرية والعزة

الحرية والعزة والكرامة يحياها الإنسان في داخله فتنعكس على حياته الخارجية في المجتمع، من مناجاة أمير المؤمنين(علیه السلام): (إلهي كفى بي عزاً أن أكون لك عبداً وكفى بي فخراً أن تكون لي رباً) فالعزة كلها في تحرير النفس مما سوى الله تعالى (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) ولا يُستعبد الإنسان والمجتمع من قبل الطواغيت والمستكبرين إلا بعد أن تتكبل نفوسهم بأغلال الخوف والجهل والطمع والشهوة والوهم والشك والتمرد فيصبح سلس القياد لغيره، قال الله تعالى: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ) فإن فرعون لم يستعبد قومه ويصادر حرياتهم ويستخف بعقولهم إلا بعد أن أصبحت نفوسهم أسيرة الشهوات والخوف والقلق.

كيف تكون معطاءً ومحباً للآخرين؟

لكي يكون الإنسان معطاءً محّبا للخير صبوراً عند الشدائد متفائلاً عليه أن يصلح عقائده وتصوراته ونظرته للحياة أولاً لأنها هي التي توجّه سلوكه، لذا ينبغي أن يلتفت إلىأمور:

1-إن كل ما حوله هو خلق الله وان الناس عيال الله تعالى، عن النَّبيّ (صلى الله عليه وآله): (( الخلقُ كُلُّهم عِيالُ الله عزَّ وجلَّ، فأَحَبُّ خلقِه إليه أنفعُهم لعِيالِه )) وفي دعاء الإمام السجاد(علیه السلام) برواية أبي حمزة الثمالي:(والخلق كلهم عيالك) فلابد أن يكون كريماً معهم رحيماً بهم محبّا لهم مهما كانوا.

2-إن ما يجري هو بقضاء الله وقدره {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} وما دام الله مولانا وهو الذي يتولى أمورنا فلا يختار لنا إلا خيراً ولكننا قد لا نفهم ذلك {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ}فلابد من التسليم له والرضا به لان الاعتراض والسخط له عواقب وخيمة في الدنيا والآخرة.

3-إن الله تعالى يقول: (أنا عند ظن عبدي بي إن ظن خيراً فله، وإن ظن شراً فله) فمن يكون ظنه حسناً ويبحث عن الأمور الحسنة في الحياة فانه سيتحقق له ذلك بأذن الله تعالى.

4-إن الدنيا زائلة ولا يستحق أي شيء فيها أن يكون محط الاهتمام إلا ما يقرّب إلى الله تعالى وينفع في الآخرة.

ص: 630

5-إن من ينظر إلى الجوانب الإيجابية الحسنة للأمور وان لم تكن كذلك حقيقة يكون سعيدا مرتاح البال وكفى بذلك ثمرة طيبة فالسعادة ليست في تحقيق كل ما تتمنى وتريد بل في كونك في طريق الوصول اليها وفي أجواء العمل من اجل تحقيقها.

6- أما من ينظر إلى الأمور بسلبية فانه يكون في تعاسة وشقاء من دون أن يتغير حاله إلى الأفضل بل إلى الأسوأ.

يَوْمُ التَّغَابُنِ

الغبن هو (أن تبخس صاحبك في معاملة بينك وبينه بضرب من الإخفاء) فالبائع إذا أحسّ أنّه باع بأقل من استحقاق الشيء كان مغبوناً، وإذا شعر المشتري أنّه دفع أكثر مما يستحق الشيء كان مغبوناً، فما هي المعاملة التي سيظهر فيها الغبن يوم القيامة؟ والجواب أنّها الصفقة التي عقدها الله تعالى مع عباده حينما جمعهم في عالم الذر: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) فأخذ تعالى العهد على عباده أن يعبدوه ويطيعوه ولهم جميع ما في الأرض على أن يسيروا وفق منهجه الرباني، ولهم بذلك الجنّة التي عرضها السماوات والأرض. هذه الصفقة أشير إليها في القرآن الكريم كثيراً كقوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِمَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ)، (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) فمن وفى بهذه الصفقة ونال جزاءه الأوفى فهو الفائز، وأمّا المغبون فهو من لم يلتزم بتعهداته في تلك الصفقة وأضاعها وأضاع تلك المبايعة، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً) روي عن أمير المؤمنين(علیه السلام): (المغبون من باعَ جنّة عليّة المرتبة بمعصية دنيّة) وعنه(علیه السلام): (المغبون من شُغِل بالدنيا، وفاته حظّه من الآخرة).

الفائز والمغبون في الآخرة

يزداد فرح المؤمن الفائز وحزن الفاسق والكافر الخاسر المغبون حينما يُعرض عليهما منزلاهما في الجنة والنار، ففي الرواية عن النبي (صلى الله عليه وآله): ما منكم من أحد إلا له منزلان: منزل في الجنة ومنزل في النار، فان مات ودخل النار ورث أهل الجنة منزله) فمن فقد منزله في الجنة يعاني ألمين، ألم العذاب في النار وألم الحسرة على منزله في الجنة وهو ينظر إليه.

ص: 631

مخاطر عدم تمييز المؤمن عن غيره

إن الاختلاط وعدم التمايز في الرؤية والتوجهات والسلوك بين المؤمن وغيره خطير جداً لأنه يؤدي لتشويه صورة الدين وتمييعه وتضييع هويته وانحراف أحكامه حتى يصبح المعروف منكراً والمنكر معروفاً والأخطر من ذلك أنه يعطي مشروعية للانحراف والفساد بعد أن اختلط الحق بالباطل ولم يبق مائزٌ بينهما.

الوعد الشيطاني اللعين

لما عصى إبليس أمر ربه تبارك وتعالى في السجود لآدم (علیه السلام) وطرد من زمرة الملائكة أطلق تهديداً خطيراً واستراتيجياً يستمر إلى يوم يبعثون (قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) فهدّد بقوله الذي حكاه القرآن الكريم: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) وفي آية أخرى (قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) وفي آية ثالثة: (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) وهو (لعنة الله عليه) حينما أطلق هذا التهديد لم يكن يعلم الغيب ليجزم بهذه النتيجة، وإنّما كان يهدّد ويأمل أن يحقّق هذه النتيجة ويبذل وسعه لتحقيقها وهي غواية جميع البشر إلاّ عباد الله الذين استخلصهم لنفسه ، ولا أدري إن كان يحتمل نجاحه في هذه العملية وهويعلم أنّه يُقابل حشداً إلهياً فيه لطف رباني عميم ورحمة واسعة وإرادة دائمة لهداية البشر وصلاحهم وتواتر الحجج والبيّنات ظاهرة وباطنة (لا تخلو الأرض من حجّة) مضافاً إلى مواسم كثيرة تُغلُّ فيها الشياطين خصوصاً في شهر رمضان ورميهم بالشهب الثاقبة، بينما لا يملك إبليس إلاّ الدعوة والتزيين (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) لذا قال تعالى: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) لكن المفاجئة إن البشر أعرضوا عن الاستجابة لداعي ربّهم مع هذه الألطاف والتأييدات المعدّة للهداية وأقرّوا عين إبليس ولم يخيّبوا ظنّه، قال تعالى (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) والمراد بظنّ ابليس الذي صدقوه تهديداته السابقة، بل ما أسرع استجابتهم له بمجرّد أن دعاهم.

الانحراف الجماعي عن الحق

الناس في كلّ موقف وفي كل مفصل من مراحل التاريخ ينحازون إلى صفّ إبليس إلاّ

ص: 632

قليل ممن عصم الله تعالى: (إِلَّا فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) في تفسير القمي عن الإمام الصادق (علیه السلام): (لما أمر الله نبيّه أن ينصّب أمير المؤمنين (علیه السلام) للناس في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ) في علي(علیه السلام) بغدير خم فقال: (من كنت مولاه فعلي مولاه)فجاءت الأبالسة إلى إبليس الأكبر وحثوا التراب على وجوههم، فقال لهم إبليس: مالكم؟ قالوا: إن هذا الرجل، قد عقد اليوم عقدة لا يحلها شيء إلى يوم القيامة. فقال لهم إبليس: كلا إنّ الذين حوله قد وعدوني فيه عدة، فأنزل الله على رسوله: (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ).

قرة عين إبليس !

يجب أن نفهم من إقرار عين إبليس باتباعه له مراتب وإذا عجز اللعين عن المرتبة الشديدة للانحطاط فإنّه يقبل بما هو أهون منها والمهم عنده الإبعاد عن رضوان الله تعالى ولو درجة وإيجاد النقص في ما يقرّب إلى الله تعالى، فلا يقتصر عمله على الغواية إلى حدّ الكفر والشرك أو إلى حد ارتكاب المعاصي من المؤمنين، بل يعملفي حالة عجزه عن ذلك- على التزيين لترك الأولى بفعل المكروه أو ترك المستحب. روي عن الإمام الصادق (علیه السلام) إنّ إبليس كان يأتي الأنبياء من لدن آدم حتّى عيسى (صلوات الله عليهم أجمعين) ويحادثهم، وفي إحداها (قال يحيى بن زكريا (علیه السلام): فهل ظفرت بي ساعة قط، قال: لا، ولكن فيك خصلة تعجبني. قال يحيى: فما هي؟ قال: أنت رجل أكول فإذا أفطرت أكلت وبَشَمَت -أي امتلأت- فيمنعك ذلك من بعض صلاتك وقيامك بالليل، قال يحيى (علیه السلام): فإنّي أعطي الله عهداً أن لاأشبع من الطعام حتّى ألقاه، قال له إبليس: وأنا أعطي الله عهداً إني لا أنصح مسلماً حتّى ألقاه. ثمّ خرج فما عاد إليه بعد ذلك).

التحدي الأكبر هذه الأيام

إن التحدي الأبرز الذي كان يواجه أتباع أهل البيت (عليهم السلام) في القرون السالفة هو ظلم الطواغيت وبطشهم فقضى الكثير شهداء أو في غياهب السجن أو مشردين ومقهورين، لكن هذا التحدي تراجع اليوم حيث تتمتعون بمساحة من حرية العمل والحركة وإقامة الشعائر، بقي التحدي الأكبر والمهمة الأشق وهي إبراز الصورة الناصعة للإسلام ولمدرسة أهل البيت بما تتضمنه من مبادئ سامية وتعاليم نبيلة وسلوك عفيف وقلب طاهر سليم، لان العالم لا يعرف شيئاً عن الإسلام ومنهج أهل البيت(عليهم السلام) وإنما

ص: 633

يعرفها من خلال من يمثلهما ويتحدّث باسمها، فمن أحسن في تصرفه وتمثّل تلك التعاليم الفاضلة في حياته وتعامل مع نفسه والآخرين وفق ما يريده أهل البيت(عليهم السلام) من شيعتهم فإنه سيعكس تلك الصورة المشرقة، ويؤتى كفلين من رحمة الله تعالى ومن أساء (والعياذ بالله) عوقب مرتين.

أبعاد الظلم الواسعة

إن مديات الظلم واسعة لا ينجو منها أحد الاّ من عصم الله تبارك وتعالى ,لان الظلم هو عدم الوفاء بتمام الحق، وأول حق لا نستطيع الوفاء به ونقصّر فيه حق الله تعالى في طاعته وعبادته مخلصين له الدين (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) ومن الظلم ظلم النفس باتّباع هواها وعدم مسك زمامها فتوقعه في المعاصي وتتمرد على الطاعات وهو مفتاح الظلم للآخرين ,عن أمير المؤمنين (علیه السلام): (من ظلم نفسه كان لغيره أظلم) فيقع في ظلم الأهل وعموم الناس سواء في تعامله معهم أو خلال تقصيره في المسؤوليات المناطة به كالطبيب الذي لا يلتزم بشرف مهنته في المستشفى ليراجعوه في العيادة الخاصة، أو المدرِّس الذي يقصّر في المدرسة حتى يلتحقوا بدروسه الخصوصية والموظف الذي لا يعمل بمهنية ونزاهة، والأم التي تقصّر في تربية أولادها وحفظ بيتها وشرف زوجها، أو السياسي في الحكومة والبرلمان الذي لا يبذل كل جهده في خدمة الشعب الذي ائتمنه على هذه المواقع والأمثلة تطول , فهذا كله ظلم، حتى إن الظلم يمكن أن يقع في أمور بسيطة لا نتصورها كالتحكيم بين كتابتين أو رسمين أيهما أجمل إذا لم يكن منصفاً في حكمه كما ورد في الرواية عن الإمام الصادق (علیه السلام): (إن أمير المؤمنين (علیه السلام) ألقى صبيان الكتّاب ألواحهم بين يديه ليُخيِّر بينهم،فقال: أما إنها حكومة والجور فيها كالجور في الحكم).

من أشكال خذلان عناصر قوة التشيع:

1. توظيف هذه العقيدة الحقّة لمكاسب دنيوية كالذي يفعله بعض السياسيين الشيعة مما يوجب النفور من هذه العقيدة وسوء الظن بها للارتباط الوثيق بين الأيديولوجية وسلوك حاملها فلابد من فضح المتاجرين بالدين وتبرئة الدين من أفعالهم.

2. تسقيط العلماء وامتهان كرامتهم وانتهاك حرماتهم وتشويه صورتهم والافتراء عليهم مما يؤدي إلى توهين المذهب وسقوطه في أعين الناس.

3. سوء تصرف أتباع المذهب وابتعادهم عن تعاليم هذه المدرسة الشريفة إلى حدّ المباينة بحيث يصبحون

ص: 634

شيعة بلا تشيّع أي بالاسم فقط فيجلبون العار للتشيّع ويصبحون عائقاً دون انتشاره لأنهم يعرضون مثلاً سيئاً.

4. ترويج الأخبار المكذوبة والممارسات المبتدعة ظناً منهم أنه زيادة في إظهار الولاء والتعصّب للمذهب مما يوجب استفزاز الآخر ونفوره كبعض أخبار الغلو والحكايات الخيالية والطقوس الدخيلة على الشعائر الحسينية ونحو ذلك.

السفر خارج البلاد

من القضايا التي تجب دراستها بدقه وإمعان ووضع الحلول لها ظاهرة السفر إلى الخارج، والتي قد تكون لها مبرراتها أحيانا إلا إنها في كثير من الأحوال لا تكون مشروعة، لأنها ليس لها هدف إلا التمتع بالدنيا والاستزادة منها والهروب من المسؤولية ومن واقع المحن والبلايا، وأول نتيجة لمثل هؤلاء هي عدم تشرفهم بنصرة الإمام (عجل الله فرجه) لأن من يفرّ من هذا البلاء ولا يصبر عليه ولا يسعى إلى تغييره نحو الأفضل، لا يستطيع تحمل أعباء نصرة الإمام (علیه السلام) وإن كثيراً من الشباب الذين سافروا ضعف التزامهم الديني وربما اضمحل، لأن الانحراف هناك يضغط بشدة ولا يستطيع أكثر الشباب مواجهته لضعف حصانتهم الدينية وتربيتهم الأخلاقية وعدم قدرتهم على السيطرة على أنفسهم، فيكون السفر عندئذ من أوضح مصاديق (التعرّب بعد الهجرة) الذي هو من كبائر الذنوب، وحتى لو استطاع أن يسيطر على نفسه فإنه لا يضمن السيطرة على أبنائه والأجيال اللاحقة، فسيضيعون في ذلك المجتمع الفاسد ويكون هو المسؤول عن ضياعهم، لأنه ألقاهم في مستنقع الرذيلة، ونحن نرى أننا من الصعب أن نسيطر على أبنائنا ونحن في بلاد الإسلام والإيمان، فكيف نسيطر عليهم في بلاد الكفر والانحراف؟

مشكلة الازدواجية

إن من مشاكل مجتمعنا الازدواجية، فنحن نعيش نمطاً من الحياة منفتحاً على الغرب لا يمانع من مشاهدة الأغاني والأفلام والصور المثيرة للشهوة، ونعيش في نفس الوقت الأعراف والتقاليد الموروثة التي لا تسمح بأي شائبة من الانحراف، وبسبب هذه الازدواجية تحصل الكوارث الاجتماعية، فلا نحن نستطيع أن نكون كالغرب الذي تخلى عن كل المبادئ الأخلاقية والإلهية، ولا نحن الذين نرفض ما يخالف التزاماتنا ومبادئنا، فمتى نصحو حتى نخفف عن بعض الآلام التي أمضت بقلب الإمام المهدي (علیه السلام)؟.

رسالة إلى المدرسين والمعلمين

إن تربية الأجيال وتعليمهم بل مستقبل الأمة كلها أمانة بأعناقكم، وقد تحملتم هذه

ص: 635

الأمانة أو اختاركم الله لحمل هذه الأمانة فأحسنوا تحملها وأدّوها إلى أهلها كما أُمرتم: [إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إلى أَهْلِهَا].. وإنه ليعجبني ويفرحني ويجعلني متفائلاً ما أسمع عن نزاهة والتزام الكثيرين منهم، وحرصهم على إيصال المعلومات بكل إخلاص إلى الطلبة، وأسأل الله تعالى أن يعينهم ويثبتهم ويكفيهم مؤونة الدنيا والآخرة.

الغش في الامتحانات

قد يتذرعون لممارسة الغش في الامتحانات أو دفع الأموال لضمان النجاح أو التفوق بغير استحقاق، وسلوك مختلف الأساليب لتحقيق ذلك بعدة مبررات كلها مرفوضة: (منها): المثل السيئ المشهور (حشر مع الناس عيد) وقد رده الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم وذم اتباع سواد الناس؛ قال تعالى: [وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ] [وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ]، (ومنها): أن غيري يفعل ذلك وينال أكثر مما يستحق فأنا أفعله، وجوابه أن الخطأ لا يعالج بالخطأ ولا يبرره؛ قال تعالى: [وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ] أي لا تكن أفعال الآخرين سبباً لاستفزازك وخروجك عن جادة الصواب.. وليعلم أحبائي الطلبة أن في الغش إهانة للعلم وللأستاذ وللمجتمع الذي يعلق الآمال على هذه الصفوة لتبني له الرفاه والسعادة والتقدم.

احذروا خطط الأعداء

الذي يقرأ القرآن ويتمعن فيه يجد تحذيراً كثيراً من (أعداء الدين).. إنهم يريدون أن يعطونا أسوأ ما عندهم ويأخذوا منا أحسن ما عندنا، فهل صفقة أخسر من هذه؟! والمسلم الواعي يكون في حذر منهم في كل شيء ويتسلح بالقرآن وتعاليم الإسلام في مواجهة ما يفعلون.

العنصرية الممقوتة

قد بلغني بكل أسف أن روحاً جديدة من العنصرية بدأت تتفشى في المجتمع، وذلكأن الشاب من مدينة (بغداد) يشعر بالتفوق على أبناء المحافظات الأخرى، فإذا أراد أن يستهزئ بأحد يقول عنه أنه (محافظات)، ولا أدري كيف يكون مجرد الانتساب إلى بغداد أو أي مدينة أخرى سبباً للتفوق؟ إنها عنصرية ممقوتة ومبغوضة ومرفوضة لا تختلف عن عنصرية الجنس والدم واللون والعشيرة التي وضعها الإسلام ونبي الإسلام تحت قدميه، وجاء المعيار الإلهي للتفوق: [إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ] وتوالت الأحاديث الشريفة لترسيخه: (إن الله خلق الجنة لمن أطاعه ولو كان عبداً حبشياً وخلق النار لمن عصاه ولو كان

ص: 636

سيداً قرشياً) فانبذوا هذه النظرة العنصرية وقاطعوا قائلها، وقولوا له (كلنا أبناء الإسلام)، و(كلها مدن الإسلام) وفي كل منها للإسلام ولله تبارك وتعالى ذكرى وموقع، فلا فضل لأحدها على الأخرى إلا بمقدار انتسابها لله تبارك وتعالى.

مما يؤلمني؟!

مما يؤلمني أني أرى أمريكا والصهاينة يفعلون كل هذه الأفعال في المسلمين، والقوات الصهيونية تعيد إحتلال المدن الفلسطينية وتهدم البيوت على أهلها وتقتل كل من تجده حتى الأسرى وتقطع الماء والطعام والكهرباء وتمنع سيارات الإسعاف من نقل الجرحى والشهداء وتجرف الأراضي الزراعية وتحاصر المدن بشكل خانق، كل ذلك بمباركة ودعم أمريكا، وتخرج المظاهرات للتنديد بذلك لكنها ردود فعل عاطفية وليست حقيقية، لأن المظاهرات تندد بأمريكا وهي تقتني البضائع الأمريكية وتلبس الملابس الأمريكية وتأخذ عاداتها وملابسها وقصّات شعرها من الأفلام والمجلات الأمريكية.

اختيار القرار الخطير

يجب على الشباب أن يختاروا بدقة المرجعية التي يأتمرون بأمرها؛ لأن اختيار المرجع الذي يقودك إلى الجنة أهم قرار على الإطلاق في حياة المؤمن، لأنه يرسم منهج الحياة الدينية الذي سيتخذه، وقد وضح العلماء ضوابط ومعايير لهذا الاختيار، وقد ذكرت أفكار حول الموضوع في مقدمتي لكتاب (أصل الشيعة وأصولها)، وقد صنفت هذه الشروط إلى ثابتة ومتحركة، وأحذر الشباب أن يكونوا ساذجين وعاطفيين فينخدعون بالدعاوى المجردة من دون تأمل في القرار الخطير.

المفارقة المرفوضة

ورد عن الإمام (علیه السلام): (عجبت لمن يرجو عفو من هو فوقه كيف لا يعفو عمن هو دونه) فكلنا نرجو عفو الله تعالى، ونحن نحاسب أمثالنا من المخلوقين بالمليم كما يعبرون؟! إنهامفارقة مرفوضة، وتصور لو أن علاقة العفو هذه سادت بيننا كم ستصفو علاقات المجتمع ويكللها الود والاحترام والأخوة والتآلف.

التسليم المطلق للشريعة

ليس من حقنا أن نناقش الشريعة، بل نطبق بالرضا والتسليم ما دمنا مسلمين؛ قال تعالى: [فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا

ص: 637

قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً] نعم؛ قد يكون من المستحسن أن نسعى لفهم فلسفة الأحكام الشرعية والحكمة في تشريعها، ولكن يجب التسليم والطاعة أولاً وقبل كل شيء، سواء توصلنا إلى نتيجة مرضية أو لا، وليس العكس بأن تتوقف طاعتنا وتطبيق الحكم الشرعي على قناعتنا الزائفة التي تتغير وتتأثر بالأهواء والنزعات، فهذا من تحكيم عقولنا وأهوائنا وعواطفنا في شريعة الله الحكيم العليم المحيط بكل شيء، علماً إن هذه من مشاكل بعض من يسمّون أنفسهم مثقفين، وأضرب لهم مثالاً من القوانين الوضعية؛ فلا يناقش أحد: لماذا إن كانت الإشارة المرورية حمراء فيجب التوقف؟ لا يناقش: لماذا يفرض القانون العقوبة الكذائية على الفعل الفلاني ما دام ابن ذلك البلد وخاضعاً لقوانينه؟ وهكذا الإسلام؛ فما دام انتسب له فلا يناقش في أحكامه وإلاّ فليكن واضحاً وليخرج عن الإسلام (قبّحه الله).

حسنات النظام العشائري

بالرغم مما ينطوي عليه النظام العشائري من حسنات وإيجابيات كالاتحاد والتآزر والتواصل وسد الحاجة، وما تنطوي عليه العشائر من خصال حميدة كالكرم والشجاعة والوفاء والغيرة والنخوة، لكن هذا كله يجب أن يكون في قالب الدين والشريعة ولا يزيغ عنها، ولا يجوز أن يكون ضغط العرف العشائري أكثر من الوازع الديني بل يجب تهذيب وتعديل هذا العرف بما ينسجم مع الشريعة.

السفر لغرض الدراسة في الخارج

إن السفر لغرض الدراسة في الخارج لا بأس به بعنوانه الأولي بل ضروري لنقل علوم وتكنولوجيا الآخرين إلينا ولكن المشكلة تكمن في السلبيات التي ترافقه كضياع الدين وذوبان الفرد المسلم في العادات والتقاليد الكافرة فيكون السفر حينئذ من الكبائر المعبر عنها (التعرب بعد الهجرة) كما أن السفر الآن لم يأخذ هذا الشكل أي نقل علوم العصر إلينا بل العكس حيث أصبح السفر هجرة للعقول المسلمة إلى الغرب من أجل حفنة من الدولارات بحيث يخشى أن يأتي اليوم الذي يخلو فيه البلد من العقول الفعالة وفي ذلك تضييع لمستقبل هذا البلد، ولا أجد الحصول على بعض الدولارات مهما كثر مبرراً كافياً لتركبلد الإسلام ومهوى أفئدة العالم الذي يدفع الملايين لزيارة هذه الأرض المباركة ومن حل فيها من الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) وبلد الحوزة العلمية الشريفة وهي إضافة إلى ذلك عاصمة الإمام المنتظر أرواحنا له الفداء.

ص: 638

هجرة العقول المفكرة إلى بلاد الغرب

إنها خدمة مجانية تقدمها على طبق من ذهب إلى أعدائك ليتقووا على قتل إخوانك، فتباً لها من خاسرة أن تهب هذه الطاقات التي بذلت الجهود الجبارة في تربيتها وتكوينها إلى الأعداء مقابل مبلغ من المال مهما زاد فإنه يبقى زهيداً بإزاء الطاقات التي سيقدمها لهم هذا بالنسبة للبلاد الكافرة.

الحقيقة المُرّة

من دعاء الإمام الحسين (علیه السلام) يوم عرفة: (إلهي.. ومن كانت حقائقه دعاوي فكيف لا تكون دعاويه دعاوي) هذه هي الحقيقة المُرّة التي لا يلتفت إليها الإنسان، وهي أنه يدّعي كثيراً من الأمور، من دون أن يقيم الدليل عليها ليطمئن هو أولاً على مصيره ومستقبله وليصدّقه الآخرون ثانياً، والأسوأ من ذلك أن يطلب من الآخرين معاملته على أساس هذا العنوان المدعى ويرتّبوا عليها الآثار، في حين يجمع العقلاء على أن أي دعوى لا تثبت إلاّ بدليل.

لمن يريد أن يكون سعيه مشكوراً ؟

قال تعالى: [وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً] فهنا شروط لمن يريد أن يكون سعيه مشكوراً في الآخرة وهي:

(أولاً) أن تكون له إرادة قوية وقصد جدّي وعزم راسخ -ومن أراد الآخرة-

(ثانياً) أن يكون له عمل دؤوب وحركة مستمرة عُبِّر عنها بالسعي وهو السير الحثيث الذي يناسب النتيجة التي يريد أن يصلها (وسعى لها سعيها).

(ثالثاً) أن يكون مؤمناً بالله ورسوله عارفاً بالطريق الموصل إلى الله تعالى وسائراً عليه ولا يتخبط ويسير بغير هدى (وهو مؤمن).

لا تكونوا كالنعامة؟!

لا بد أن نكون واعين وذوي رؤية معمقة وبصيرة ثاقبة في عواقب الأمور، ولا نكون كالنعامة التي إذا داهمها خطر دفنت رأسها في التراب لكي لا ترى الخطر وهي واقعة فيه لا محالة، بل لا بد أن نعمل على الحذر منه وتجنّبه.

كلمة الأستاذ الشهيد(قدس سره)

أذكر كلمة لبعض أساتذتي (وهو السيد الشهيد الصدر الثاني(قدس سره)) أجلّها وأحترمها، قال: لا ينبغي لنا أن ننزل الشريعة إلى مستوى الواقع، بل علينا أن نرتفع بالواقع

ص: 639

إلى مستوى الشريعة، فإذا كانت الحالة منحرفة وفاسدة أو إنها تؤول إلى ذلك فلا نعمل على تبريرها، بل تصحيحها وعلاجها، ونرفع الواقع المعاش من مستواه البعيد عن الشريعة إلى قمة الكمال الذي تعمل الشريعة على تحقيقه (وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً).

الترويح عن النفس في الإسلام

إن الترويح عن النفس لا يجوز أن يكون بأساليب محرمة، فإن الغاية لا تبرر الوسيلة، فيروح عن نفسه بأمور محللة، كمفاكهة الإخوان والسفر والزيارة والتنزه) إن أهل البيت(عليهم السلام) بينوا لنا كيف نروّح عن أنفسنا، فقد ورد: (إن هذه القلوب لتمل كما تمل الأبدان، فابتغوا لها طرائف الحكم)، و(شكى رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وجعاً في صدره، فقال (صلى الله عليه وآله): (استشف بالقرآن، فإن الله عز وجل يقول فيه: [شِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ].

حتى لاتغرق سفينة المجتمع

إن المجتمع البشري شبّهه رسول لله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالسفينة فلا يحق لأحد أن يقول هذه خشبتي أستطيع أن أقلعها؛ لأن السفينة كلها تغرق وكذلك المجتمع البشري فإن أي أحد منه إذا فعل فاحشة ولم يستنكرها الآخرون ويعملوا على إزالتها كان ذلك سببا لاستشراء الداء والانحراف في المجتمع كله فيضيع الجميع والعياذ بالله.

درس من قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا)

من هذه العناصر الثلاثة التي تُفهم من الآية كفيلة بصنع البيئة المناسبة للتكامل والتي تأخذ بيد الإنسان نحو الكمال وقد جمعها الامام الجواد(علیه السلام) بقوله: (المؤمن يحتاج الى توفيق من الله وواعظ من نفسه وقبول ممن ينصحه) فالواعظ من نفسه ثمرة القيام فرادى والقبول ممن ينصحه ثمرة القيام مثنى والتوفيق من الله ثمرة القيام لله، وهذه القاعدة التي يقدمها الله تعالى هدية لنا من خلال كتابه الكريم هي البداية الصحيحة لكل مشروع، وتقيّم من خلالها كل حركة او دعوة، وتواجه بها كل مشكلة، اما اتخاذ المواقف الارتجالية والانفعالية العاطفية فهو فعل غير منتج، فلنغتنم هذه الهدية الالهية المباركة في كل حياتنا خصوصا في وقت الازمات والمحن.

ص: 640

البر والعقوق بالأب المعنوي

علينا أن نلتفت الى هذا التشريف العظيم الذي منَّ الله تعالى به علينا اذ جعلناابناءاً لرسول الله(صلى الله عليه وآله) وعلي بن ابي طالب (علیه السلام) الذي يعرف قيمته مثل الامام الصادق (علیه السلام) حين يقول: (ولايتي لعلي بن أبي طالب u أحب إلي من ولادتي منه، لأن ولايتي لعلي بن أبي طالب فرض، وولادتي منه فضل) وحينئذٍ نقرأ الآيات الكريمة بهذه الرؤية الجديدة (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) {وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ}، {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ) فحقهما (صلوات الله عليهماً) أعظم من حق الوالدين، عن الإمام الحسن السبط (علیه السلام): (محمد وعلي ابوا هذه الامة فطوبى لمن كان بحقهما عارفاً ولهما في كل أحواله مطيعاً يجعله الله من افضل سكان جنانه ويسعده بكراماته ورضوانه) وعن الامام الحسين (علیه السلام): (من عرف حق أبويه الافضلين محمد وعلي (عليهما السلام) واطاعهما حق الطاعة قيل له تبحبح في اي الجنان شئت) علينا أن نكون ابناءا بارين مطيعين، واذا لم تتحقق شروط البنوة فإن النبي (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (علیه السلام) يتبرءان منه وينفيان انتسابه اليهما، وتصور العار الذي يلحق من يتبرأ منه ابواه وينفيان نسبته اليهما، عن الإمام الرضا (علیه السلام): (اما يكره احدكم ان ينفى عن ابيه وامه الذين ولداه قالوا بلى، قال فليجتهد ان لا ينفى عن ابيه وامه الذين هما ابواه افضل من ابوي نفسه).

البنوة المعنوية

حُكي إن ذئباً نزى على أنثى غزال فحملت منه وولدت مولوداً اُختلِف فيه، هل هو ذئب أم غزال؟ ليُطبَّق الحكم الشرعي على كل منهما، وتقول الحكاية إن القاضي حكم بأن يقدم أمام هذا الحيوان نوعان من الطعام أحدهما من الرياحين والمسك والاخر من الجيف ولحوم الميتة، فإن تناول الأول فهو غزال وإن تناول الثاني فهو ذئب، ومحل الشاهد ان بنوّة الإنسان لأحد تعرف من خلال المنهج الذي يسير عليه ويرتضيه لنفسه فإن كان صالحاً كان ابنا لرسول الله وأمير المؤمنين (صلوت الله عليهما) وإن كان فاسداً منحرفاً فهو ابن لمعاوية ويزيد ونظرائهما.. عن الامام الصادق (علیه السلام): ( فأن الرجل منكم اذا ورع في دينه وصدق الحديث وادّى الأمانة وحسُن خلقه مع الناس قيل هذا جعفري، فيسرُّني ذلك ويدخل عليَّ منه السرور، وقيل هذا أدب جعفر ، وإذا كان على غير ذلك دخل عليَّ بلاؤه وعاره، وقيل هذا أدب جعفر) فالإمام الصادق(علیه السلام) ينسبك فعلا اليه والى آبائه الطاهرين(عليهم السلام)

ص: 641

وتحمل لقبه اذا تحليت بهذه الصفات، وفي القرآن الكريم قول ابراهيم (علیه السلام) {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} فمن سار على نهجه(علیه السلام) واتبعه كان منه وليس فقط ينتسب اليه وبهذا استحقسلمان الفارسي هذا اللقب في الحديث النبوي المشهور (سلمان منا اهل البيت) وبالعكس فان الانتساب البدني لا قيمة له اذا لم يكن مقترناً بالطاعة والاتباع، كما حكى القرآن الكريم في ابن النبي نوح (علیه السلام) {إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ}.

الأبوة المعنوية

هناك مصداق آخر للوالدين تنطبق عليهما الآيات والروايات بل هي فيهما أأكد وأشد، وتبينهُ الرواية التالية، عن أنس بن مالك قال : (كنت عند علي بن أبي طالب (علیه السلام) في الشهر الذي أصيب فيه وهو شهر رمضان فدعا ابنه الحسن (علیه السلام) ثم قال: يا أبا محمد اعل المنبر فاحمد الله كثيرا، وأثن عليه، واذكر جدك رسول الله صلى الله عليه وآله بأحسن الذكر، وقل: لعن الله ولدا عق أبويه، لعن الله ولدا عق أبويه، لعن الله ولدا عق أبويه، لعن الله عبدا أبق من مواليه، لعن الله غنما ضلت عن الراعي وانزل. فلما فرغ من خطبته ونزل اجتمع الناس إليه فقالوا: يا ابن أمير المؤمنين وابن بنت رسول الله نبئنا [الجواب] فقال: الجواب على أمير المؤمنين (علیه السلام)، فقال أمير المؤمنين : إني كنت مع النبي صلى الله عليه وآله في صلاة صلاها فضرب بيده اليمنى إلى يدي اليمنى فاجتذبها فضمها إلى صدره ضما شديدا ثم قال لي: يا علي، قلت: لبيك يا رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: أنا وأنت أبوا هذه الأمة، فلعن الله من عقنا، قل: آمين، قلت: آمين. ثم قال: أنا و أنت موليا هذه الأمة فلعن الله من أبق عنا، قل: آمين، قلت: آمين، ثم قال: أنا وأنت راعيا هذه الأمة فلعن الله من ضل عنا، قل: آمين، قال أمير المؤمنين u: وسمعت قائلين يقولان معي: " آمين " فقلت: يا رسول الله ومن القائلان معي " آمين "؟ قال: جبرئيل وميكائيل (عليهما السلام) وورد عن الامام الباقر (علیه السلام) في تفسير قوله تعالى: { أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} قال ( رسول الله(صلى الله عليه وآله) وعلي ابن ابي طالب (علیه السلام)) وفي تفسير القمي في قوله تعالى (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) قال ( فالوالدان رسول الله(صلى الله عليه وآله) وامير المؤمنين (علیه السلام))، وورد عن جابر عن الامام الباقر (علیه السلام) في تفسير قوله تعالى {وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ} إنه أمير المؤمنين (علیه السلام) وما ولد من الائمة (عليهم السلام) وورد في تفسير قوله تعالى {وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ } هما رسول الله وعلي ابن ابي طالب (صلوات الله عليهما).

الإنسان له حياتان ووجودان

ص: 642

الاولى: حياة ووجود بدني مادي في هذه الحياة الدنيا به يأكل ويشرب ويتحرك ويتزوج مما يشارك فيه الحيوانات وينتهي بالموت، واصله من الوالدين النسبيين الاب والام مما اوجب لهما الحقوق المعروفة للوالدين.الثانية: حياة ووجود معنوي به يتكامل ويسمو ويرتقي وهو الموجب للفوز في الحياة الابدية وقوامه الايمان بالله تعالى وبما جاءت به رسُلُه، وهذه هي الحياة الحقيقة للإنسان {وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ} وقد وصف الله تعالى في آيات كثيرة من القرآن الكريم الايمان بالحياة والكفر بالموت {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ } وضرب امثلة عديدة للمؤمن والكافر بالأرض الميتة فأحييناها بماء الايمان والمعارف الالهية، والنبي(صلى الله عليه وآله) وامير المؤمنين علي (علیه السلام) هما أصل هذه الحياة المعنوية ووجودنا فيها ولولاهما لكنّا أمواتاً {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} فهما ابوا هذه الامة في حياتها المعنوية ولأنها الحياة الاهم والاسمى كان حقهما (صلوات الله عليهما) أكبر من الوالدين النسبيين، ولعل مما يدل عليه من القران الكريم لرفع الاستغراب قوله تعالى {بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ } فقد حُمِل على العلماء (أي علماءنا الذين ربونا بالعلم بدلالة قوله تعالى: {إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا} وقيل في قوله تعالى: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ) انه عنى الأب الذي ولده والمعلم الذي علمه) بل يمكن القول انهما ابوا هذه الامة حتى بالمعنى الاول، لانهما العلة الغائية للموجودات خلق الكون لأجلهم وبهم يرزقون وبهم تستمر الحياة (ولولاهم لساخت الارض باهلها) وبهم يسبب الله الاسباب.

تحذير نبوي

النبي(صلى الله عليه وآله) يحذر الأمة من إتباع الوسائل غير الدقيقة لمعرفة الحق كالانخداع بالعناوين الكبيرة والرموز التي صنعت لها هالة اجتماعية كما حصل في معركة الجمل حين انخدع كثيرون بفلانٍ وفلانٍ وفلانة بحجة قربهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله).. وقسم آخر من الناس يجعل بعض الاعتبارات مقياساً لكون الحق معه كجريان الأمور على ما يريد.. ) أو يجعل الانتصار في المعركة دليلاً على كونه محقّاً فإذا خسر الجولة شكّك وتردّد وتمرّد وكان بعض من يُقاتل مع أمير المؤمنين (علیه السلام) في صفين على هذا النحو، فكان عمار بن ياسر يقاتل وهو يقول: (قاتلت تحت هذه الراية مع رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) ثلاثاً، وهذه الرابعة، والله لو ضربونا حتى يبلغ بنا السعفات من هجر (في جنوب الجزيرة العربية) لعلمنا أنّا مع الحق وأنهم على الباطل) وهذا المقياس

ص: 643

الصحيح للحق – وهو الكون في صف علي بن أبي طالب (علیه السلام)- جاري في كل زمان إذا تعددت الانشقاقات والاصطفافات والمواقف والجهات فإنه إذا كان مخلصاً وطالباً للحقيقة فإنّ الله تعالى سيبصره بالصف الذي يكون فيه علي بن أبي طالب (علیه السلام)، قال (علیه السلام) (من كان مقصده الحق أدركه ولو كان كثير اللبس).من لم يكن في صف علي بن أبي طالب (علیه السلام) فريقان:

أولهما: الواقف على الحياد بمسافة واحدة من الحق والباطل، متظاهراً بالاحتياط والتقدّس والحذر من الوقوع في الفتنة (وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ) كالذين لم يبايعوا أمير المؤمنين (علیه السلام) لأغراض شتى مثل سعد بن أبي وقاص وأسامة بن زيد وعبد الله بن عمر وسعيد بن مالك وحسّان بن ثابت وهؤلاء قال فيهم أمير المؤمنين (علیه السلام): (إن سعيداً وعبد الله بن عمر لم ينصرا الحق ولم يخذلا الباطل) فقد سولت لهم أنفسهم وغرّهم الشيطان بأنهم يحسنون صنعا، حينما يقفون محايدين بين الحق والباطل لكنهم ارتكبوا كبيرتين وتركوا فريضتين عظيمتين: نصرة الحق ومواجهة الباطل، فنصروا الباطل مرتين.

ثانيهما: الصف الذي يقف في مواجهة علي بن أبي طالب (علیه السلام) وهؤلاء طبع الله على قلوبهم ومنهم من يفخر بذلك ومنهم عبد الله بن الزبير الذي يقول: من مثلي وقد وقفت في الصف بأزاء علي بن أبي طالب)(1) هذا وهو يعلم منزلة أمير المؤمنين وقد سمع من أبيه الزبير وخالته عائشة ما لا يحصى في ذلك لكن الإمام الصادق (علیه السلام) يقول: (ما زال الزبير منّا أهل البيت حتى أدرك فرخه ونهاه عن رأيه).

المتمسّك بدينه كالقابض على الجمر

روي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله) ذات يوم وعنده جماعة من أصحابه: اللهم لقنّي اخواني مرتين فقال: من حوله من أصحابه أما نحن اخوانك يا رسول الله، فقال: لا إنكم أصحابي، واخواني قوم في آخر الزمان آمنوا ولم يروني لقد عرفنيهم الله بأسمائهم وأسماء آبائهم من قبل أن يخرجهم من أصلاب آبائهم وأرحام امهاتهم، لأحدهُم أشد بقية

ص: 644


1- - بحار الأنوار: 41/143 عن شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، قال: انتبه معاوية يوماً فرأى عبد الله بن الزبير جالساً تحت رجليه على سريره فقال له عبد الله يداعبه: يا أمير المؤمنين لو شئت أن أفتك بك لفعلت. فقال: لقد شجعت بعدنا يا أبا بكر، قال: وما الذي تنكره من شجاعتي وقد وقفت في الصف أزاء علي بن أبي طالب. قال: لا جرم أنه قتلك وأباك بيسرى يديه وبقيت اليمنى فارغة يطلب من يقتله بها.

على دينه من خرط القتاد في الليلة الظلماء أو كالقابض على جمر الغضا اولئك مصابيح الدجى ينجيهم الله من كل فتنة غبراء مظلمة). أقول: الحديث فيه عدة أمور ينبغي الالتفات إليها، (منها) منزلة من يتمسك بدينه وفضل من يثبت عليه بحيث يسميهم النبي(صلى الله عليه وآله) اخوانه ويتمنى لقاءهم (ومنها) أن الحديث يبيّن أيضاً صعوبة التمسّك بالدين والثبات عليه ويشبه صعوبته بالأمثلة المؤلمة المذكورة وهي القبض عل الجمر وخرط الشوكالصحراوي القاسي، وهذا التوصيف في محله لأن الثبات على الدين يحتاج إلى مجاهدة ومصابرة سماه النبي(صلى الله عليه وآله) (الجهاد الأكبر) بحيث لا يخضع للضغوط والاغراءات من أي جهة كانت، سواء كانت من جهة النفس الأمّارة بالسوء والشهوات والميالة للعب واللهو واللذات فتضغط عليه للاستجابة لها حتى لو كان فيه تضييع لدينه وآخرته، أو كانت الضغوط من جهة المجتمع اتباعاً للأعراف والثقافات واللياقات المتداولة في الملبس أو المعاملات مع الآخرين ونحو ذلك، أو من جهة ضغوط السلطات الحاكمة أو الزعامات المتنفذة كرؤساء العشائر ونحو ذلك التي تُكرِه الناس على اتباع وتنفيذ أوامرها وتدع الدين جانباً إذا عارض مصالحها.

الدرس الأول من قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا)

أيها الناس إنكم في كل حقيقة تريدون البحث عنها وفي كل موقف تريدون اتخاذه، وكل مشروع تودون الاقدام عليه، وفي كل محنة تنزل بكم وكل مشكلة تعجزون عن حلها وكل كارثة تحيط بكم وكل قضية تقلقكم لا حلَّ لكم ولا علاج إلا بواحدة، وذلك بأن (تقوموا) وتنهضوا وتتهيأوا وتستيقظوا وتكونوا على أهبة الاستعداد لأي شيء للرجوع إلى ربكم والتسليم لأمره، والالتزام الكامل بما يريده الله تعالى منكم، وتكسروا اغلال الهوى والتعصب والجهل والميول. لأن الفرد والأمة إن لم يأخذوا بهذه الوسيلة ورضوا بأن يكونوا في غفلة وفي سبات وفي جهل وعمى فإنهم يتخبطون ويقعون بأيدي اللصوص وقطاع الطرق من شياطين الإنس والجن. وأن يكون قيامكم ونهضتكم خالصاً (لله) تعالى وليس اتباعاً لأهواء أو ميول أو عواطف أو تعصبات وتحزبات أو لنيل مغانم دنيوية أو تحت مؤثرات من صنع البشر. والمطلوب من هذه النهضة إعمال الفكر (ثم تتفكروا) في القضية المقصودة وسيلهمكم الله تعالى الحل ويّدلكم على الفعل المناسب وييسّر لكم اسبابه ومقدماته،

ص: 645

الدرس الثاني من قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا)

في الآية دلالة على أهمية الفكر والتفكير العقلاني المتحرر من اغلال التعصب والهوى فإن مثل هذا الفكر الحر هو حجر الأساس في بناء الهداية والكمال ومفتاح الوصول إليهما، ولإنجاز كل مشروع اجتماعي أو علمي أو سياسي أو اقتصادي ونحو ذلك. وهذا التفكر يكون مقدمة لمعرفة ما يتطلبه الأمر الإلهي في تلك القضية والتسليم التام لما يريده الله تعالى منك فتأتمر بأمره وتنتهي بنهيه، وقد اطلقت الآية التفكير فلم تقيّده بماذا لكي تجعل هذهالقاعدة عامة لكل قضية ولكل مسألة ابتداءاً من القضية المحورية الكبرى وهي التوحيد والإيمان بالله تعالى والمعاد يوم القيامة (إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ).

الدرس الثالث من قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا)

ليكن قيامكم ونهضتكم (فرادى) أي مع أنفسكم لكي تخلوا بربكم وتنفتحوا عليه ويكون ادعى للتأمل والتفكر، واتخذوا أيضاً شخصا اخر (مثنى) أي اثنين اثنين ليكون رفيقاً لكم وناصحا ومرآة (المؤمن مرآة المؤمن) فيعينك على التعرف على اخطائك وعيوبك وتستشيره فيما ينبغي فعله ويعينك على الخير، وتجنبوا الانسياق وراء العامة وكثرة الناس مما يعرف بالسلوك الجمعي وقيل فيه (حشر مع الناس عيد) فان هذا الانسياق مذموم ويوردك مواطن الهلكة والبوار لأنه انفعالي عاطفي يسِّيره اهل المكر والخديعة والباطل (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ) (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ).

عزة الإسلام في وحدة أبنائه

إن أعداء الله ورسوله اجتمعوا على باطلهم واتحدت كلمتهم ضد الإسلام والمسلمين فلماذا التفرق عن حقنا؟ فعزة الإسلام في وحدة أبنائه التي يحبها الله تبارك وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنيَانٌ مَرْصُوصٌ) فلماذا لا تفعلون ما يحببكم إلى الله تبارك وتعالى، ولا بد أن لا يقتصر فهمنا للقتال في سبيله على المواجهة المسلحة مع الكفار، بل مطلق المواجهة على صعيد النفس ومع الشيطان وفي ساحة التحديات الفكرية والاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية.

ص: 646

مراتب المرافقين للأنبياء في الجنة

الإنسان الذي يريد أن يكون مع الأنبياء والأئمة الطاهرين (عليهم السلام) يستطيع ذلك بتوفيق الله وألطافه عندما يكون من الصالحين والعاملين المضحّين، روى أبو بصير قال أبوعبد الله الصادق (علیه السلام): (يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ) فرسول الله (صلى الله عليه وآله) في هذا الموضع النبي، ونحن الصديقون والشهداء، وأنتم الصالحون، فتسموا بالصلاح كما سمّاكم الله) وذكر هذه المراتب بالتدريج يدل على أن الوصول للمرتبة العليا يتم باستيفاء المرتبة السابقة فإن لم يكن من الصالحين يسعى ليكون منهم وفق ما عرفناه آنفاً، والصالحون يسعون ليكونوا من الشهداء، وهم يطلبون سبيل الصديقين الذين يسيرون على هدى الأنبياء (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) وينبغيالالتفات إلى أن هذه المعيّة لا تعني المساواة في الدرجات والمقامات والقرب من الله تعالى والتنعم برضوانه، بل كل حسب استحقاقه (فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا) وتؤكد الآية الثانية أن ذلك لا ينال إلا بفضل من الله تعالى وتوفيقه، وهو العالم بحقائق عباده واستحقاقاتهم، والإشارة إليه ب (ذلك) للإشعار بأنه ليس سهل المنال، وانه مطلب عظيم يستحق بذل كل الجهد لتحصيله.

هل نستطيع مرافقة النبي في الجنة؟

حينما ندعو الله تعالى (يا ليتنا كنّا معكم) أي نكون معكم دائماً. وهذا الطلب لا يختص بنا نحن الذين حُرمنا من لقاء المعصومين (سلام الله عليهم) بل يشاركنا فيه حتى الذين فازوا وسعدوا بمرافقة النبي (صلى الله عليه وآله) وآله المعصومين ومصاحبتهم في زمانهم فيتمنون أن تستمر عليهم هذه النعمة في الآخرة ولا يفترقون عنهم (صلوات الله عليهم) بسبب تباين الدرجات، وقد وردت روايات كثيرة في ذلك مذكورة في سبب نزول قوله تعالى (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيماً) جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وقال: يا رسول الله إِنَّكَ لأَحَبّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي وَإِنَّكَ لأَحَبّ إِلَيَّ مِنْ مِنْ وِلْدِي وَإِنِّي لأَكُون فِي البَيْتِ فَأَذْكُرَكَ فَمَا أَصْبِر حَتَّى آتِي فَأَنْظُرُ إِلَيْكَ، وَإِذَا ذَكَرْتُ مَوْتِي وَمَوْتكَ عَرَفْتُ أَنَّكَ إِذَا دَخَلْتَ الجَنَّةَ رُفِعْتَ مَعَ النَّبِيِّينَ، وَإِنِّي إِذَا دَخَلْتُ الجَنَّةَ خَشِيتُ أَنْ لا أَرَاكَ? فَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) حَتَّى نَزَلَ جِبْرِيلُ (علیه السلام) بِهَذِهِ الآيَةِ)وفي رواية أن رجلا

ص: 647

أتى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله! إني أحبك حتى إني أذكرك، فلولا أني أجئ فأنظر أليك ظننت أن نفسي تخرج ، وأذكر أني إذا دخلت الجنة صرت دونك في المنزلة ، فيشقّ ذلك علىً وأحب أن أكون معك في الدرجة ، فلم يرد عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيئاً فأنزل الله عز وجل (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرّسُول) فدعاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فتلاها عليه.

فائدة الأخوة في الله

عن الإمام الجواد(علیه السلام): (من استفاد أخاً في الله فقد استفاد بيتاً في الجنة) وهذا الحديث يحفّزنا كثيراً على التحرك في المجتمع لكسب الناس إلى الدين وإرجاعهم إلى الله تبارك وتعالى ما دام ثمن كسب أخ مؤمن واحد هو هذا العطاء العظيم، إن امرأة فرعون تحمّلت تعذيباً قاسياً من دق جسّدها بالمسامير وصلبها وتعليقها وهي صابرة محتسبة حتى قضت شهيدة، وكان طلبها (رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ) وبغضّ النظر عن كون البيت(عندك) فإننا قد اُعطينا نفس الفرصة من دون ذلك الثمن الباهظ فنستطيع الحصول على بيت في الجنة بأن تكسب أخاً في الله تعالى وتهديه إلى الحق.

سلاح معركة التأويل

إن سلاح معركة التأويل هي المعرفة بالله تبارك وتعالى وطاعة رسوله الكريم وولاية أهل البيت وإتّباع المراجع العالمين المخلصين والتفقه في الدين والبصيرة في الأمور، والحكمة في التصرف، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبيان الحقائق وتجلية المواقف، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، وإصلاح المناهج والسلوكيات المنحرفة.

تنبيه حول دراسة سيرة المعصومين

لم تتعرض كتب التاريخ لسيرة المعصومين (عليهم السلام) بعنوانهم قادة ومصلحين إجتماعيين مارسوا عملية التغيير في النفس والمجتمع بأعظم أشكاله وبحسب ما أُتيح لهم من الفرص، بل إن بعضهم، وهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين والحسن المجتبى (عليهما السلام) قاد دولة، واضطلع بأعباء الرئاسة الدنيوية، على تعبيرهم، إضافة إلى الإمامة الدينية التي لا تنفك عنهم بحال ، وإنما تناولتْ المصادر حياتهم كأشخاص، واكتفت بالسرد التاريخي لتفاصيل حياتهم على أنها جزئيات متفرقة.

إهمال سيرة الصحابة المخلصين

حينما نقرأ سيرة هؤلاء العظماء من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) الذين

ص: 648

عاشوا أحداث صدر الإسلام وعصر نزول القرآن الكريم وتفاعلوا مع احداثها، ومن خلال سيرتهم نفهم الكثير من تعاليم الإسلام المباركة، نستشعر الخسارة بإهمال هذه الحقية من تاريخ الإسلام واعراضنا عن هذا المعين الثرّ حتى تركناهم لغيرنا فصاروا وكأنهم حصتهم مع إننا أولى بهم لأننا اتباع اهل بيت النبوة (عليهم السلام)، ولا يمكن تبرير ذلك بوجود قمم امثالهم في مدرسة اهل البيت عليهم السلام.

من صور التمكين في الأرض

إن التمكين في الأرض ووراثتها له درجات متفاوتة لا يقتصر على تسلم السلطة والحكم فهذه وسيلة لا غاية وإن التمكين الحقيقي هو ظهور وانتشار مشروعهم الالهي واقتناع الناس به فهذا هو المهم لأن غرض الرسالات السماوية إصلاح الناس وهدايتهم وارشادهم إلى السعادة والفلاح قال تعالى: (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) وعن أبي الصباح الكناني قال: (نظر أبو جعفر (علیه السلام) إلى أبي عبد الله الصادق (علیه السلام) فقال: هذا والله من الذين قال الله (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْأَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) ) فالإمام الصادق (علیه السلام) كان من أهل هذه الآية ولم يكن جزءا من السلطة لكنه (علیه السلام) استطاع بحكمته وتسديد الله تعالى له بسط مشروعه المبارك.

هل المستضعفون ضعفاء؟

قال تعالى: (ونُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْض...) إنما سموا مستضعفين لأن أعدائهم يتوهمون فيهم الضعف بعد أن يسلبوهم كل أسباب القوة الظاهرية من السلطة والمال والنفوذ ويحاصروهم ويطوقوهم فيستكبرون عليهم ويظلمونهم، وهم ليسوا ضعفاء في ذاتهم بل انهم يملكون اسباب القوة، لكن لهم دين وورع وأخلاق وخوف الله تعالى يجعلهم يقدمون المصالح العليا للدين والمجتمع على المصالح الشخصية، ويمنعهم عن اتباع أساليب المكر والخداع لتحقيق مآربهم، عن أمير المؤمنين (علیه السلام): (ولكن الله سبحانه جعل رسله أولي قوة في عزائمهم، وضعفةً فيما ترى الأعين من حالاتهم، مع قناعةٍ تملأ القلوب والعيون غنى، وخصاصة تملأ الأبصار والأسماع أذىً) وعنه (علیه السلام) قال في الثناء على أحد أصحابه المخلصين: (كان لي فيما مضى أخ في الله وكان ضعيفاً مستضعفاً، فإن جاء الجدّ فهو ليث غاب، وصلّ واد).

ص: 649

شروط تمكين المستضعفين

علينا أن نأخذ قضية تمكين المستضعفين من أهل الحق كسائر القضايا بحدودها وشروطها ونضعها في موضعها الصحيح من منظومة المعارف والقوانين الإسلامية والسنن الإلهية لأنها من مقتضيات العدل والرحمة الإلهية، أما مجرد تعرضهم للإستضعاف وألوان العذاب لا يجعل صاحبها موعوداً بالنصر والتمكين، فقد وصُفِت مجاميع أخرى بالاستضعاف لكنها أُنذرت وحُذِّرت لتقصيرهم وتكاسلهم وظلمهم أنفسهم ولأنهم رضوا بحياة الخنوع والذل والاستضعاف والاستكانة، وربما داهنوا أهل الباطل ومضوا معه، قال تعالى (ِإنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً) وَوُبِّخَ مستضعفون آخرون لأنهم كانوا قاصرين ولم يبحثوا عن طريق المعرفة بالله تعالى والفقه في الدين والقيادة الحقة، قال تعالى: (إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُوراً) أما الذين وُعدوا بالنصر والتمكين ووراثة الأرض فلهم خصائص وخصال توفرت فيهم لأن الظلم والعذاب والإضطهاد الذي تعرضوا له لم يدفعهم الى التنازل عن مبادئهم وأخلاقهم والتزامهم بالحق، بل حافظوا على وجودهم وعقيدتهم واخلاقهم والالتزام باتباع قيادتهم ومازادهم الاستضعاف إلا هدى وصلاحاً ونضجاً.

من معاني نصر الله سبحانه

نصرة الله تعالى تعني نصرة السائرين إلى الله تعالى والهادين إلى الله تعالى والعاملين لإعلاء كلمة الله تعالى، فهي نصرة لهؤلاء قال تعالى (وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) وإنما نسبها الى الله تعالى لأكثر من نكتة:

1. لإعطائها أهمية بنسبتها الى الله تعالى ولو نُسِبَتْ النصرة الى رسوله(صلى الله عليه وآله) أو أوليائه فقط لكانت أقل زخماً لذا قرن الله تعالى نصرة رسوله(صلى الله عليه وآله) بنصرته تبارك وتعالى (وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ).

2. للتنبيه الى شرط القبول وإعطاء الجزاء بأن تكون النصرة وسائر الأعمال خالصة لله تعالى اي ان الجزاء يتحقق حينما تكون نصرة اولياء الله تعالى نصرة لله، هذا الذي يقال في الاصول ان تعليق الحكم على الوصف مشعر بالعلية، فقد ينصر الشخص رسول الله(صلى الله عليه وآله) أو الإمام ويخرج

ص: 650

معه لكنه لهدف آخر غير خالص كالرياء أو الشهرة أو تحصيل منفعة دنيوية أو تعصباً لمدينته أو قبيلته ونحو ذلك فهذه النصرة لا قيمة لها عند الله تعالى.

أنواع الأغلال المانعة من الكمال

فمن الأغلال العقائدية: الشرك والكفر والإلحاد والوثنية، ومن الأغلال الفكرية: الجهل والغفلة والتخلف والخرافة، ومن الأغلال الاجتماعية: الطبقية والتمييز والاستكبار والاستضعاف والاستعباد والفقر والظلم والحرمان والموروثات والتقاليد البالية التي تكون حجر عثرة في طريق الاصلاح ، ومن الأغلال النفسية الحقد والكراهية والغرور والأنانية والتعصب سواء كان لأشخاص أو عشائر أو فِرَقْ أو أحزاب أو قوميات أو طوائف أو حتى مرجعيات دينية, لأنها هذه كلها وغيرها مما يصدّ عن الحق ويضع غشاوة على بصيرته ويفسد فطرته ويعيق حركة التكامل ويمنع الإنسان من اختيار الطريق الصحيح بحرية وارادة وموضوعية، وكيف يستطيع من كُبِّل بواحد أو أكثر من هذه القيود أن يصل الى الحق ويتعرف عليه فضلاً عن التوفيق للعمل به لذا ورد في الدعاء (اللهم أرنّي الحق حقاً وارزقني اتباعه).

عِمارة الأرض

إن الغرض من وجودنا على هذه الارض إعمارها فإن وظيفة كل فرد هو إعمار وإصلاح ما يقع في دائرة مسؤوليته، فربّ الأسرة يعمر أسرته ومدير المدرسة يعمر طلابه،والقائد يعمر اتباعه ومريديه وهكذا القائد السياسي، لذا جعل أمير المؤمنين (علیه السلام) من الوظائف المهمة للحاكم عمارة الأرض، قال(علیه السلام) في عهده الذي كتبه لمالك الأشتر لمّا ولاّه مصر: (وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يدرك إلاّ بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارةٍ أخرب البلاد وأهلك العباد، ولم يستقمْ أمرُه الاّ قليلاً) وقال (علیه السلام): (ولا يثقُلن عليك شيءٌ خفّفت به المؤونة عنهم فإنه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك وتزيين ولايتك).

حُسن النية

حُسن النية يتقوم بعدة أركان:

1- الصدق فيها بأن يكون ظاهره وباطنه متطابقاً بعكس المنافق.

2- الإخلاص بأن يكون غرضه وهدفه متجرداً من أي أنانية وأغراض شخصية على حساب الهدف السامي المقصود.

ص: 651

3- الصلاح أي أن يكون الغرض صالحاً وخيراً، وتوجد أحاديث شريفة كثيرة في النية تجدها في مقدمة كتاب وسائل الشيعة.

ص: 652

مصادر الكتاب:

1. خطابات المرحلة .

2. الرسالة العملية (سُبل السلام).

3. الأسوة الحسنة للقادة والمصلحين.

4. دور الأئمة في حياة الأمة الإسلامية.

5. المعالم المستقبلية للحوزة العلمية.

6. شكوى القرآن.

7. شكوى الإمام (علیه السلام).

8. شكوى المسجد.

9. من وحي المناسبات.

10. الزواج والمشكلة الجنسية.

11. الحوزة وقضايا الشباب.

12. وصايا ونصائح إلى الخطباء وطلبة الحوزة الشريفة.

13. نحن والغرب.

14. حبس الحقوق الشرعية.

15. إحذر في بيتك شيطان.

16. ظواهر اجتماعية منحرفة.

ص: 653

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.