حديث الإمامة: شرح حديث الإمام الرضا (عليه السلام) حول فضل الإمام وصفاتة

هوية الكتاب

بطاقة تعريف: الحسيني الشيرازي، السيد جعفر، 1349 -

عنوان واسم المؤلف: حديث الإمامة: شرح حديث الإمام الرضا (عليه السلام) حول فضل الإمام وصفاتة / السيد جعفر الحسيني الشيرازي.

تفاصيل المنشور: قم: دار العلم، 1442ق = 1399.

مواصفات المظهر: 106ص؛ 14/5×21/5 س م.

ISBN: 8-204580-964-978

حالة الاستماع: فیپا.

لسان: العربية.

ملحوظة: الطبعة الثانية.

ملاحظات: ببليوغرافيا: ص. [101] – 104؛ أيضا مع الترجمة.

عنوان آخر: شرح حديث الإمام الرضا(عليه السلام) حول فضل الإمام وصفاته.

قضية: علي بن موسی(عليهما السلام)، امام هشتم، 153؟ - 203ق. -- نظرية الإمامة

قضية: Ali ibn Musa, Imam VIII -- Views on Imamate

قضية: الإمامة - الأحاديث

قضية: Imamate – Hadiths

ترتيب الكونجرس: 35/47BP

تصنيف ديوي: 957/297

رقم الببليوغرافيا الوطنية: 7428382

وضعیت ركورد: فیپا

الشجرة الطيبة

حديث الإمامة

-----------------------

السيد جعفر الحسيني الشيرازي

الناشر: دارالعلم

المطبوع: 5000

المطبعة: احسان

الطبعة الثانية 1442ه ق

---------------------------------

شابك 978-964-204580-8

---------------------------------

النجف الأشرف: مكتبة الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) للطلب 07826265250

كربلاء المقدسة: شارع الإمام علي (عليه السلام) ، مكتبة الإمام الحسين (عليه السلام) التخصصية

مشهد المقدسة: مدرسة الإمام الرضا (عليه السلام) ، جهارراه شهدا، شارع بهجت، فرع 5

طهران: شارع انقلاب، شارع 12 فروردین، مجتمع ناشران، الطابق الأرضي، الرقم 16 و 18، دار العلم

قم المقدسة: شارع معلم، دوار روح اللّه، أول فرع 19، دار العلم

قم المقدسة: شارع معلم، مجتمع ناشران، الطابق الأرضي، الرقم 7، دار العلم

ص: 1

اشارة

يهدی ثواب طباعة هذا الكتاب إلی سيدنا أبي الفضل العباس علیه السلام

حديث الإمامة

شرح حديث الإمام الرضا عليه السلام حول فضل الإمام وصفاته

السيد جعفر الحسيني الشيرازي

ص: 2

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَٰهِیمَ رَبُّهُ بِكَلِمَٰتٖ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّٰلِمِينَ

سورة البقرة، الآية: 124

ص: 3

ص: 4

المقدمة

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين، ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

خلاصة الحديث

جمع هذا الحديث الشريف عيون الأدلة والمطالب حول الإمام والإمامة، ذكرها الإمام الرضا (عليه السلام) بنحو متناسق، جاعلاً القرآن الكريم المحور وقطب الرحى في الاستدلال، فبدأ:

أولاً: بإقامة البرهان من القرآن والعقل على أن الإمام لا يكون باختيار الناس، وإنما هو اصطفاء من اللّه تعالى.

وثانياً: ببيان منزلة الإمام وجملة من المطالب الهامة المتعلقة به.

وثالثاً: بيّن ضلال من ترك اختيار اللّه إلى اختياره.

ورابعاً: واصل الحديث عن أن الائمة الذين عيّنهم اللّه تعالى هم آل محمد^ مجمع الفضائل المبرَّؤون من كل عيب ونقص.

وخامساً: ختم الكلام بأن كل فضائلهم إنما هي بفضل من اللّه ورحمته، وأنه لا يمكن لأي أحد مهما حاول أن يصل إلى مرتبتهم.

ص: 5

هذا هو الحديث بشكل مختصر، وقد اكتفيت بتوضيح مراد الإمام (عليه السلام) ، مع فرز المطالب في ستة فصول ومقدمة وخاتمة، وإلّا فالتعمّق في مطالب هذا الحديث بحاجة إلى مجلدات.

وهذا الحديث - مع قطع النظر عن صحة مضامينه ومطابقته للكتاب والسنة والعقل - استفاضت روايته في كتب الأصحاب(1).

وينبغي زيادة الاهتمام بهذا الحديث الشريف، ونشره بين الناس - مخالفهم وموافقهم - ليعمّ نفعه وليهدي اللّه به من كان قابلاً للهداية.

ولذا رجّحت طبع هذا الحديث - بشرحه - في كتيب مستقل بإضافات وتغيير يسير مضافاً إلى طبعه في المجلد الثالث من شرح أصول الكافي، ليسهل اقتناؤه ونشره.

أسأل اللّه القبول والتوفيق والهداية إنه ولي ذلك وهو المستعان.

ص: 6


1- الكافي 1: 198؛ وكمال الدين 2: 675؛ والأمالي للشيخ الصدوق: 674؛ وعيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 216؛ ومعاني الأخبار: 96؛ والغيبة للنعماني: 216؛ والاحتجاج 2: 433.

عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ الرِّضَا (عليه السلام) بِمَرْوَ، فَاجْتَمَعْنَا فِي الْجَامِعِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي بَدْءِ مَقْدَمِنَا، فَأَدَارُوا أَمْرَ الْإِمَامَةِ وَذَكَرُوا كَثْرَةَ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِيهَا، فَدَخَلْتُ عَلَى سَيِّدِي (عليه السلام) فَأَعْلَمْتُهُ خَوْضَ النَّاسِ فِيهِ. فَتَبَسَّمَ (عليه السلام)

--------------------------------

(عن عبد العزيز بن مسلم، قال: كنا مع الرضا (عليه السلام) بمرو، فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا) مصدر ميمي، أي أول قدومنا، وكأنّ عبد العزيز كان مرافقاً للإمام الرضا (عليه السلام) في سفره إلى خراسان.

(فأداروا) أي تحدثوا، وحيث إن الحديث ينتقل من بعض إلى آخر فاستعير له لفظ الدائرة (أمر الإمامة، وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها، فدخلت على سيدي (عليه السلام) فأعلمته خوض الناس فيه) أي في أمر الإمامة، و«الخوض» - في الأصل - : المرور في الماء، ثم استعير في التكلم حول أمرٍ ما(1).

(فتبسم (عليه السلام) ) في المرآة: وتبسمه (عليه السلام) للتعجب عن ضلالتهم وغفلتهم عن أمر هو أوضح الأمور بحسب الكتاب والسنة، أو عن

ص: 7


1- انظر مفردات ألفاظ القرآن: 302، مادة (خوض).

ثُمَّ قَالَ: «يَا عَبْدَ الْعَزِيزِ جَهِلَ الْقَوْمُ وَخُدِعُوا عَنْ آرَائِهِمْ».

--------------------------------

استبدادهم بالرأي فيما لا مدخل للعقل فيه(1).

لأنَّ أصل مسألة الإمامة يدلّ عليها العقل أيضاً ولكن تعيين الأفراد لها يكون بالنص.

(ثم قال: يا عبد العزيز، جهل القوم وخدعوا عن آرائهم) «عن» بمعنى باء السببيّة، «جهل القوم» بالجهل البسيط، «خدعوا» بالجهل المركب، فهؤلاء لم يكونوا يعلمون أولاً، ثم زعموا العلم، أي خدعوا بسبب آرائهم، والخادع هو إبليس وأعوانه.

ص: 8


1- مرآة العقول 2: 376.

الفصل الأول: الاستدلال على أن الإمامة بالتعيين

اشارة

ص: 9

ص: 10

ثم إن الإمام (عليه السلام) استدل بأمرين، على أن الإمامة بتعيين من اللّه تعالى، وليس للناس فيها اختيار.

الدليل الأول

إن اللّه تعالى بيّن كل الأمور، - صغيرها وكبيرها - في القرآن الكريم، وعلى لسان رسوله الأمين (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ومن المعلوم أن أمر الإمامة من أهم الأمور، فكيف يصح القول بأنه تعالى لم يبيّنها؟

وحتى العامة أقرّوا بأهمية موضوع الإمامة، ورووا: أن من مات وليس في عنقه بيعة لإمام مات ميتة جاهلية(1)، واعتذروا للصحابة - حيث اجتمعوا في السقيفة قبل دفن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) - بأن تعيين الإمام أهم من تجهيز الرسول!! بل إن بعض متأخريهم - لمّا لم يتمكنوا من دفع الأدلة القوية على لزوم تعيين الإمام - لمّحوا بأن الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أشار إلى أبي بكر لمّا عيّنه - بزعمهم - للصلاة مكان--ه في مرضه، ووضعوا افتراءً على الرسول: ويأبى اللّه والمؤمنون إلّا أبا بكر!!

مع وضوح أن الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أزاح أبا بكر من المحراب، ولذا

ص: 11


1- انظر المحلّى 1: 45.

إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَقْبِضْ نَبِيَّهُ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حَتَّى أَكْمَلَ لَهُ الدِّينَ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ فِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْ ءٍ،

--------------------------------

اضطربت رواياتهم في موضوع هذه الصلاة(1).

مع أنه عزله عن تبليغ البراءة ونصب بدله الإمام علياً (عليه السلام) ، إتماماً للحجة، وأنه لا يؤدي عنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلّا هو أو رجل من أهل بيته(2).

(إن اللّه عزّ وجلّ لم يقبض نبيّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حتى أكمل له الدين)، لأنه لا تشريع بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ولا يصح إبقاء الإسلام ناقصاً - ولا دين بعده - ، فثبت عقلاً كمال الدين قبل رحيل الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، مضافاً إلى الأدلة النقلية الدالة على كمال الدين، كما ستأتي.

(و) عطف تفسيري لبيان أن كمال الدين ببيان كل شيء في القرآن الكريم، (أنزل عليه القرآن فيه تبيان كل شيء) قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَٰبَ تِبْيَٰنًا لِّكُلِّ شَيْءٖ}(3) أي ما يحتاج إليه الإنسان في سبيل الهداية، ومن الواضح أن أكبر الضلال حصل بسبب الاختلاف في أمر الإمامة، فهل يُعقل أن يبيّن اللّه كل أمور

ص: 12


1- انظر البخاري 5: 141؛ سبل الهدى والرشاد 12: 244 و 245 و 246 و 305؛ مسند أحمد 6: 224 و 249، وغيرها كثير.
2- انظر الخصال 2: 558؛ الإرشاد 1: 65؛ مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 2: 126؛ وتفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن) 8: 68؛ عمدة القاري 4: 78؛ تفسير الطبري (جامع البيان) 10: 84.
3- سورة النحل، الآية: 89.

بَيَّنَ فِيهِ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ وَالْحُدُودَ

--------------------------------

الهداية، ويترك أهم الأمور فيها؟

سؤال: تقولون بأن اللّه عيّن الإمام، فلماذا لم يرتفع هذا الاختلاف؟

والجواب: أن ذلك بسبب تقصير الناس، وخذلانهم للإمام، وليس بسبب عدم البيان من اللّه تعالى.

كما أن اللّه أرسل الرسل لهداية الناس، ومع ذلك بقي أكثر الناس على ضلالهم، فعدم هدايتهم بسبب أنفسهم، وإلّا فإن الحجة تامة، كما قال تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةُۢ بَعْدَ الرُّسُلِ}(1).

(بيَّن فيه الحلال والحرام) قوله: «بيّن فيه...» تفسير لقوله تعالى: {تِبْيَٰنًا لِّكُلِّ شَيْءٖ}(2)، والحلال ما يجوز فعله، والحرام ما لا يجوز فعله، قال تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَٰئِثَ}(3).

(و) بيَّن (الحدود) أي ما لا يجوز تعدّيه إلى غيره، قال تعالى:{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا}(4).

ص: 13


1- سورة النساء، الآية: 165.
2- سورة النحل، الاية: 89.
3- سورة الأعراف، الآية: 157.
4- سورة البقرة: الآية: 229.

وَالْأَحْكَامَ، وَجَمِيعَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ كَمَلًا، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَٰبِ مِن شَيْءٖ}، وَأَنْزَلَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ - وَهِيَ آخِرُ عُمُرِهِ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) - : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ

--------------------------------

والحدّ قد يكون من طرفي الزيادة والنقيصة، وقد يكون من طرف واحد، فحدود اللّه على أقسام، منها:

1- ما لا يجوز الزيادة ولا النقيصة فيه، كأعداد ركعات الصلاة.

2- ما لا يجوز النقصان وتجوز الزيادة، كالزكاة.

3- ما لا تجوز الزيادة ويجوز الأقل، كالزواج بأربع.

وبيَّن (الأحكام) وهي التكاليف، من الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة والإباحة.

ولا يخفى أن بين الحلال والحرام، وبين الحدود، وبين الأحكام عموماً من وجه.

(و) بيّن (جميع ما يحتاج إليه الناس كملاً) أي كلّه، (فقال عزّ وجلّ: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَٰبِ مِن شَيْءٖ}(1)) أي قد ذكرنا في القرآن كل شيء يحتاج الإنسان إليه في معرفة أمور دينه.

(وأنزل في حجة الوداع - وهي آخر عمره (صلی اللّه عليه وآله وسلم) - : {الْيَوْمَ}) أي يوم الغدير ({أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}) بنصب علي (عليه السلام) خليفة

ص: 14


1- سورة الأنعام، الآية: 38.

وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَٰمَ دِينًا}، وَأَمْرُ الْإِمَامَةِ مِنْ تَمَامِ الدِّينِ

--------------------------------

من بعد الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ({وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}) فإن نعمة الإسلام دون نعمة الإيمان بالولاية ناقصة، ({وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَٰمَ دِينًا}(1)) فإن الإسلام ذو درجات، واليوم رقيتم الدرجة القصوى، فرضي اللّه عن المسلمين بالحال التي وصلوا إليها، والرضا هنا ليس في مقابل السخط فليس المعنى أنه تعالى كان ساخطاً قبل ذلك، بل الرضا في مقابل النقص الأثري، كما أن من يريد بناء دار إذا بلغ منتصفها يقول: لم أرض بعد، أي لم يكمل رضاي، وإنما يقول: رضيت الآن، إذا تمّ بناء الدار(2).

وروايات الخاصة والعامة تدل على أن الآية نزلت في يوم الغدير(3).

(وأمر الإمامة من تمام الدين) أي انتهاء الدين إلى حدّ لا يحتاج معه إلى شيء آخر، ويقابل التمام: النقصان، أي الاحتياج إلى تكميل، ومن المعلوم استحالة نقصان الدين، لأنه نقض للغرض،

ص: 15


1- سورة المائدة، الآية: 3.
2- انظر تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان 1: 603.
3- انظر الكافي 1: 289؛ وتفسير فرات الكوفي: 479؛ والأمالي للشيخ الصدوق: 2؛ والدرّ المنثور 2: 259. ولتفصيل تفسير الآية راجع: التفكر في القرآن، سورة المائدة (للمؤلف): 21-36.

وَلَمْ يَمْضِ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حَتَّى بَيَّنَ لِأُمَّتِهِ مَعَالِمَ دِينِهِمْ. وَأَوْضَحَ لَهُمْ سَبِيلَهُمْ، وَتَرَكَهُمْ عَلَى قَصْدِ سَبِيلِ الْحَقِّ

--------------------------------

والدين لا يحتاج إلى الأخذ من غيره، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِۦ}(1).

(و) كما بيَّن اللّه تعالى، كذلك (لم يمض) الرسول ( (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حتى بيّن لأُمَّته معالم دينهم) بيّنه الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) امتثالاً لقوله تعالى {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}(2)، وقال: {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَٰبَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ}(3).

و«المعالم»: جمع مَعْلَم، وهو: الأثر الذي يُعلم به الشيء، كبيان الحلال والحرام والآداب والوصية... .

(وأوضح لهم سبيلهم) و«السبيل»: الطريق، والمراد هنا طريق الحق، كقوله: {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَىٰنَا سُبُلَنَا}(4).

(وتركهم على قصد سبيل الحق) «القصد»: استقامة الطريق، قال تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ}(5) أي على اللّه بيان الطريق

ص: 16


1- سورة التوبه، الآية: 33.
2- سورة النحل، الآية: 44.
3- سورة النحل، الآية: 64.
4- سورة إبراهيم، الآية: 12.
5- سورة النحل، الآية: 9.

وَأَقَامَ لَهُمْ عَلِيّاً (عليه السلام) عَلَماً وَإِمَاماً، وَمَا تَرَكْ لَهُم شَيْئاً يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْأُمَّةُ إِلَّا بَيَّنَهُ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُكْمِلْ دِينَهُ فَقَدْ رَدَّ كِتَابَ اللَّهِ وَمَنْ رَدَّ كِتَابَ اللَّهِ فَهُوَ كَافِرٌ بِهِ.

--------------------------------

المستقيم.

(وأقام لهم علياً (عليه السلام) علماً وإماماً)

«العَلَم»: علامة الشيء والذي يدل عليه، كعَلَم الجيش، وعلائم الطريق ونحوهما، فالإمام علي (عليه السلام) هو علامة لطريق الحق، كما قال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «علي مع الحق والحق مع علي»(1) فصار (عليه السلام) علامة الحق في كل أمر من أموره.

(وما ترك لهم شيئاً يحتاج إليه الأمة إلّا بيّنه، فمن زعم أن اللّه عزّ وجلّ لم يكمل دينه فقد ردّ كتاب اللّه، ومن ردّ كتاب اللّه فهو كافر به) هذا كالنتيجة، فإنه قد استدل الإمام (عليه السلام) : بأنّ الدين كامل، ومن أهم أمور الدين خلافة الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ولولا بيانها كان الدين ناقصاً، ولا يمكن لمسلم أن يقول بنقصان الدين، وإلّا كان كافراً، لأنه ردّ القرآن حيث يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}(2).

الدليل الثاني

على أن الإمامة بتعيين من اللّه تعالى لا باختيار من الناس: هو

ص: 17


1- الفصول المختارة: 97؛ كفاية الأثر: 20؛ مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) 3: 62؛ وتاريخ بغداد 14: 322؛ تاريخ مدينة دمشق 42: 449.
2- سورة المائدة، الآية: 3.

--------------------------------

أن الإمام يلزم أن يتحلّى بصفات - كالعصمة - ، ولا طريق لمعرفة تلك الصفات إلّا اختيار اللّه تعالى وتعيينه، فأحياناً كثيرة يختلط الأمر على عامة الناس، فلا يتمكنون من التمييز بين من توجد فيه تلك الصفات وبين من لا توجد.

كما أنه لا يمكن لأحد أن يصل بجهده إلى تلك الصفات مهما حاول، لأنها اصطفاء منه تعالى.

وإن موسى (عليه السلام) - مع أنه نبيّ - اختار من قومه سبعين رجلاً، ثم تبيّن أنهم منافقون استحقوا الهلاك بعذاب اللّه تعالى، فكيف يُؤمَن على اختيار سائر الناس وهم ليسوا بأنبياء وقد ينخدعون بالظاهر ولا علم لهم بالبواطن.

قال تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَٰنَ اللَّهِ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ}(1) فكما أن الخلق للّه كذلك اختيار الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) له تعالى، وقال سبحانه حول هذه الأمة بعد النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَٰبَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}(2) فهناك بعد الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) من اصطفاهم اللّه، وليس المراد جميع المسلمين لأن فيهم المنافقين والفساق فهل هؤلاء ممن اصطفاهم

ص: 18


1- سورة القصص، الآية: 68.
2- سورة فاطر، الآية: 32.

هَلْ يَعْرِفُونَ قَدْرَ الْإِمَامَةِ وَمَحَلَّهَا مِنَ الْأُمَّةِ فَيَجُوزَ فِيهَا اخْتِيَارُهُمْ؟ إِنَّ الْإِمَامَةَ أَجَلُّ قَدْراً وَأَعْظَمُ شَأْناً وَأَعْلَى مَكَاناً وَأَمْنَعُ جَانِباً وَأَبْعَدُ غَوْراً مِنْ أَنْ يَبْلُغَهَا النَّاسُ بِعُقُولِهِمْ أَوْ يَنَالُوهَا بِآرَائِهِمْ أَوْ يُقِيمُوا إِمَاماً بِاخْتِيَارِهِمْ،

--------------------------------

اللّه تعالى؟ كلّا، ثم ليس المراد نقش الكتاب فهو يوجد بيد المسلم والكافر بل المراد علم الكتاب فالحاصل أن اللّه بعد رسوله محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أورث علم الكتاب لمن اصطفاهم من هذه الأمة، ولا يكون اصطفاء إلّا بعصمة.

(هل) للاستفهام الإنكاري، (يعرفون قدر الإمامة) أي شأنها وما يليق بها، (ومحلّها) أي منزلتها، (من الأمة فيجوز فيها اختيارهم) والمعنى: هؤلاء لا يعرفون قدر الإمامة فلذا يزعمون أنها باختيارهم، مع أنها عهد اللّه، وعهده تعالى راجع إليه، لا إلى غيره، كما يشترط فيها شروط - كالعصمة - لا يعلمها إلّا اللّه تعالى.

(إن الإمامة أجلّ قدراً) و«الجلال»: التناهي في العَظَمة، (وأعظم شأناً) «الشأن»: الحال، ويراد به الأمر العظيم، (وأعلى مكاناً) «المكان» - هنا - : المنزلة، (وأمنع جانباً) أي الطريق الموصل إلى الإمامة أبعد من أن يصل إليها أحد، (وأبعد غوراً) «الغور»: العمق، (من أن يبلغها الناس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم أو يقيموا إماماً باختيارهم).والحاصل: أن الإمامة لا يمكن الوصول إليها من أية جهة من

ص: 19

إِنَّ الْإِمَامَةَ خَصَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ (عليه السلام) بَعْدَ النُّبُوَّةِ وَالْخُلَّةِ مَرْتَبَةً ثَالِثَةً،

--------------------------------

الجهات، لا في الارتفاع، ولا في العمق، ولا عن الأطراف، فهي مرتفعة بحيث لا تنالها الأيدي، وهي بعيدة بحيث لا يمكن السير إليها، وهي عميقة بحيث لا يمكن الغوص إليها.

فهنا مراحل ثلاث:

1- أن يصبح الإنسان إماماً، وأشار إليه بقوله: «يبلغها الناس بعقولهم»، لزعمهم أن قوة العقل في إنسان يجعله صالحاً للإمامة.

2- أن يعرفوا منزلة الإمامة، وأشار إليه بقوله: «أو ينالوها بآرائهم»، لزعمهم أنهم يتمكنون من معرفتها بسبب القواعد التي وضعوها من عند أنفسهم.

3- أن يختاروا الإمام بانتخابهم، كما قال: «أو يقيموا إماماً...».

(إن الإمامة خصّ اللّه عزّ وجلّ بها إبراهيم الخليل (عليه السلام) بعد النبوة والخُلة مرتبة ثالثة) قال تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَٰهِیمَ رَبُّهُ بِكَلِمَٰتٖ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّٰلِمِينَ}(1).

إن إبراهيم (عليه السلام) كان يائساً عن الذرية إلى أن بلغ من الكبر عتيّاً، كما قال تعالى: {قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَىٰ أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ*

ص: 20


1- سورة البقرة، الآية: 124.

وَفَضِيلَةً شَرَّفَهُ بِهَا، وَأَشَادَ بِهَا ذِكْرَهُ فَقَالَ: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} فَقَالَ الْخَلِيلُ (عليه السلام) سُرُوراً بِهَا:

--------------------------------

قَالُواْ بَشَّرْنَٰكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُن مِّنَ الْقَٰنِطِينَ}(1)، وأما نبوّته فكانت في أوائل عمره الشريف، حيث دعا آزر إلى الإيمان، وأما طلبه الإمامة لذريته فإنه كان في وقت يعلم بأن له ذرية، أي في كبره، وهذا يدل على أن الإمامة أعظم من النبوة بحيث استحقها إبراهيم (عليه السلام) بعد نبوّته بسنوات طوال بعد أن نجح في الابتلاء.

فقوله: {ابْتَلَىٰ إِبْرَٰهِیمَ رَبُّهُ بِكَلِمَٰتٖ فَأَتَمَّهُنَّ}(2) دليل على أن إمامته كانت بعد اجتيازه لكل الامتحانات، والتي من أعظمها أمره بذبح ولده.

والحاصل أن المرتبة الأولى: كانت النبوة - وكانت في شبابه - والمرتبة الثانية: الخُلّة كما قال: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَٰهِيمَ خَلِيلًا}(3)، والثالثة: كانت الإمامة.

(وفضيلة) عطف على مرتبة، (شرّفه بها) و«الشرف»: الرفعة (وأشاد) أي رفع (بها ذكره) فالمعنى رفع بها إبراهيم ورفع بها ذكره (فقال: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} فقال الخليل (عليه السلام) سروراًبها:)

ص: 21


1- سورة الحجر، الآية: 54-55.
2- سورة البقرة، الآية: 124.
3- سورة النساء، الآية: 125.

{وَمِن ذُرِّيَّتِي}؟ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّٰلِمِينَ} فَأَبْطَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إِمَامَةَ كُلِّ ظَالِمٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ،

--------------------------------

«السرور»: ما ينكتم من الفَرَح(1)، لأن المؤمن يفرح بنعم اللّه تعالى كما قال: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِۦ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ}(2)، ({وَمِن ذُرِّيَّتِي}(3)) لأن الإنسان بطبعه يري--د الخير لنسله، - لأنهم الامتداد له، كما يجرّون إليه النفع في الدنيا والآخرة، كما قال: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَٰجِنَا وَذُرِّيَّٰتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٖ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}(4)، ولعلّ في هذا نوع تحفيز لتحسين تربيتهم.

والحاصل أن إبراهيم (عليه السلام) لمّا حباه اللّه بالإمامة، وقد كان يعلم بأن الحجة مستمرة إلى يوم القيامة، رغب في أن تكون تلك الإمامة في ذريته.

(قال اللّه تبارك وتعالى: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّٰلِمِينَ}(5) فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة) حيث قال تعالى: {لَايَنَالُ عَهْدِي}، وهذا إخبار منه تعالى بأن الإمامة عهد منه تعالى لا

ص: 22


1- مفردات ألفاظ القرآن: 404، مادة (سرر).
2- سورة يونس، الآية: 58.
3- سورة البقرة، الآية: 124.
4- سورة الفرقان، الآية: 74.
5- سورة البقرة، الآية: 124.

وَصَارَتْ فِي الصَّفْوَةِ، ثُمَّ أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ جَعَلَهَا فِي ذُرِّيَّتِه

--------------------------------

من الناس، وبأنها لا تصل إلى الظالمين.

وكل من يرتكب ذنباً فهو ظالم لنفسه، فلا يصلح للإمامة، والناس لا يعرفون بواطن الأشخاص، فلعلّ مَن هو ظاهر الصلاح لا يتورع عن المعاصي في حقيقته، فكيف يعلم الناس بعدم ظلمه؟

كما دلّت الآية على عصمة الإمام من الذنوب بحيث لا يرتكب أي ذنب أصلاً وإلّا كان ظالماً في لحظة ارتكابه فلا يكون صالحاً لها.

(وصارت في الصفوة) أي من اصطفاه اللّه تعالى لأن من لا يُحتمل الذنب في حقه أصلاً، لا يكون إلّا مختاراً من قبل اللّه تعالى، ولا يكون إلّا من ورثة علم الكتاب، كما قال: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَٰبَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا}(1).

(ثمّ أكرمه) أي إبراهيم (اللّهُ تعالى بأن جعلها) جعل اللّه الإمامة (في ذريته) لأن قوله تعالى: {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّٰلِمِينَ} كان بياناً للقاعدة العامة في الإمامة، ولم يكن وعداً لإبراهيم (عليه السلام) في جعلها في ذريته.

أو معنى «ثم اكرمه اللّه ...» هو أن اللّه وفى بوعده بجعلها في ذريته، بناء على استفادة الوعد من قوله: {لَا يَنَالُ عَهْدِي...}.

ص: 23


1- سورة فاطر، الآية: 32.

أَهْلِ الصَّفْوَةِ وَالطَّهَارَة فقال: {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَٰقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَٰلِحِينَ * وَجَعَلْنَٰهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَٰتِ وَإِقَامَ الصَّلَوٰةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَوٰةِ

--------------------------------

وهذه الذرّية هم (أهل الصفوة والطهارة) «الأهل» - هنا - بمعنى الخليق والجدير، أي هؤلاء كانوا جديرين بالاصطفاء، أما أنهم أهل الصفوة فلقوله: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ ءَادَمَ وَنُوحًا وَءَالَ إِبْرَٰهِيمَ وَءَالَ عِمْرَٰنَ عَلَى الْعَٰلَمِينَ}(1)، ونتيجة الاصطفاء هي الطهارة من كل دنس - معنوي ومادي - ، لعدم تناسب الدنس مع اختياره تعالى.

(فقال: {وَوَهَبْنَا}) عطيةً ({لَهُ}) لإبراهيم ({إِسْحَٰقَ وَ) وهبنا له (يَعْقُوبَ نَافِلَةً}) أي تفضلاً زائداً، إذ «النافلة» بمعنى الزيادة، فإن دعاء إبراهيم كان للولد ولم يكن للحفيد، فكان يعقوب لطفاً زائداً، ({وَكُلًّا}) من إبراهيم وإسحاق ويعقوب ({جَعَلْنَا صَٰلِحِينَ}) صلاحاً خاصاً بحيث كانت لهم القابلية للنبوة والإمامة وسائر الفضائل، ({وَجَعَلْنَٰهُمْ}) إبراهيم وابنه وحفيده ({أَئِمَّةً يَهْدُونَ}) إلى الحق، ({بِأَمْرِنَا}) حسب مشيئتنا لا بتعيين من الناس، ({وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَٰتِ}) أي: أن افعلوا الخيرات، ({وَإِقَامَ}) إقامة ({الصَّلَوٰةِ وَإِيتَاءَ}) إعطاء ({الزَّكَوٰةِ})،والصلاة

ص: 24


1- سورة آل عمران، الآية: 33.

وَكَانُواْ لَنَا عَٰبِدِينَ}، فَلَمْ تَزَلْ فِي ذُرِّيَّتِهِ، يَرِثُهَا بَعْضٌ عَنْ بَعْضٍ،

--------------------------------

والزكاة من الخيرات، وإنما ذُكرا بالخصوص لأهميتهما، هذا في الجانب العملي، ({وَ}) أما في جانب العقيدة فقد ({كَانُواْ لَنَا عَٰبِدِينَ})(1).

ولا يخفى أن الصلاح المراد في هذه الآية هي درجة عالية جداً بحيث رغب فيها يوسف (عليه السلام) بعد نبوّته حيث قال: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّٰلِحِينَ}(2).

قال السيد الوالد رضوان اللّه عليه في التقريب: ولم يذكر إسماعيل (عليه السلام) ، لعلّه لكونه على مجرى الطبيعة، إذ سارة كانت كبيرة وعقيمة، أما هاجر فلم تكن كذلك، وإنما هي شابة ولودة(3).

(فلم تزل) الإمامة (في ذريته يرثها بعض عن بعض) إرثاً معنوياً، بأمر من اللّه واصطفائه، كما قال: {فَقَدْ ءَاتَيْنَا ءَالَ إِبْرَٰهِيمَ الْكِتَٰبَ وَالْحِكْمَةَ وَءَاتَيْنَٰهُم مُّلْكًا عَظِيمًا}(4)، وإنما عبّر بالإرث، لأن الإمامة كانت في أسرة واحدة - هي آل إبراهيم - ولم تخرج منهم، فشُبّهت بما يُتوارث.

ص: 25


1- سورة الأنبياء، الآية: 72-73.
2- سورة يوسف، الآية: 101.
3- تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان 3: 557.
4- سورة النساء، الآية: 54.

قَرْناً فَقَرْناً، حَتَّى وَرَّثَهَا اللَّهُ تَعَالَى النَّبِيَّ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فَقَالَ جَلَّ وَتَعَالَى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَٰهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}،

--------------------------------

(قرناً فقرن) في هذا دلالة على استمرار الإمامة من إبراهيم (عليه السلام) إلى آل محمد (عليهم السلام) ، و«القرن»: الجماعة المقترنون في زمان واحد.

(حتّى ورّثها) أي الإمامة (اللّه تعالى النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فقال جلّ وتعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَٰهِيمَ) أي أخصهم وأقربهم من الوَلي بمعنى القرب (لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) في زمانه ومن بعده (وَ) هكذا أولى الناس به (هَٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ}(1)). وجه الاستدلال بالآية أن إبراهيم (عليه السلام) كانت له جوانب متعددة، ومنها الإمامة، وهذه الإمامة وصلت إلى الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ومن بعده إلى الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) ، فالنبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) أولى بإبراهيم (عليه السلام) من كل الجهات - ومنها الإمامة - ، أما سائر المؤمنين فهم أولى بإبراهيم (عليه السلام) من بعض الجهات فكلّما كان الإيمان أشد كانت الولاية آكد، ولذا كانت الإمامة في رسوله اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين علي (عليه السلام) وأولاده المعصومين (عليهم السلام) ،

لأنهم أولى بإبراهيم (عليه السلام) من غيرهم لشدة إيمانهم وعدم ظلمهم طوال حياتهم(2).

ص: 26


1- سورة آل عمران، الآية: 68.
2- للتفصيل في تفسير هذه الآية انظر التفكر في القرآن، سورة آل عمران (للمؤلف): 227-229.

فَكَانَتْ لَهُ خَاصَّةً فَقَلَّدَهَا (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عَلِيّاً (عليه السلام) بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى رَسْمِ مَا فَرَضَ اللَّهُ، فَصَارَتْ فِي ذُرِّيَّتِهِ الْأَصْفِيَاءِ الَّذِينَ آتَاهُمُ اللَّهُ الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ،

--------------------------------

(فكانت) الإمامة (له) للرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (خاصة) في زمانه لا يشاركه فيها أحد، (فقلّدها) أي ألزمها (علياً (عليه السلام) )، والتقليد في الأصل بمعنى جعل الشيء طوقاً على العنق كالقلادة، (بأمر) من (اللّه تعالى على رسم ما فرض اللّه) «الرسم»: الطريقة.

والمعنى: إما أنّ الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) نفّذ أمر اللّه تعالى وجعل الإمامة في علي (عليه السلام) بنفس الطريقة التي أرادها سبحانه وتعالى حيث قال: {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}(1).

وإما بمعنى: على الطريقة التي فرضها اللّه تعالى في السابقين بأن ينصب كل إمام إماماً من بعده، لئلَّا يخلو زمان من حجة - كذا في المرآة -(2).

(فصارت) تلك الإمامة بعد الإمام علي (عليه السلام) (في ذريتّه الأصفياء) أي لأنهم الذين اصطفاهم اللّه تعالى (الذين آتاهم اللّه العلم والإيمان).

وفي هذا الكلام دليلان على اختصاصهم بالإمامة:

ص: 27


1- سورة المائدة، الآية: 67.
2- مرآة العقول 2: 381.

بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ وَالْإِيمَٰنَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَٰبِ اللَّهِ إِلَىٰ يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَٰذَا يَوْمُ الْبَعْثِ}،

--------------------------------

1- اصطفاء اللّه تعالى لهم، كما دلّت عليه آية التطهير، ولم يَدَّعِ أحد من المخالفين اصطفاء خلفائهم.

2- أنهم أوتوا العلم والإيمان، باعتراف الجميع بأن علياً (عليه السلام) كان الأقضى والأعلم، وكذا الأئمة من بعده.

(بقوله

تعالى:) تفسير للآية بالمصداق الأكمل، فإن الأئمة (عليهم السلام) أفضل من أوتوا العلم والإيمان - بعد رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) - ، حيث قال اللّه تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ} القيامة {يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ} يحلف الذين أجرموا بالشرك والعصيان {مَا لَبِثُواْ} في الدنيا وفي القبر {غَيْرَ سَاعَةٖ} وهي الوقت القليل من الزمان، إنما قالوا ذلك استقلالاً لمدة لبثهم في الدنيا أو في القبر مقابل الخلود في نار جهنم {كَذَٰلِكَ} أي مثل هذا الصرف من الصدق إلى الكذب {كَانُواْ} في الدنيا {يُؤْفَكُونَ} أي يصرفون عن الحق إلى الباطل، ({وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ وَالْإِيمَٰنَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ})

مدة طويلة ({فِي كِتَٰبِ اللَّهِ}) أي فيما قدّره اللّه لكم من اللبث في الدنيا وفي القبر ({إِلَىٰ يَوْمِ الْبَعْثِ})،

وليس لبثكم ساعة، ({فَهَٰذَا يَوْمُ الْبَعْثِ}) الذي كنتم تكذبون به {وَلَٰكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}(1) أي تنكرونه.

ص: 28


1- سورة الروم، الآية: 56.

فَهِيَ فِي وُلْدِ عَلِيٍّ (عليه السلام) خَاصَّةً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، إِذْ لَا نَبِيَّ بَعْدَ مُحَمَّدٍ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) فَمِنْ أَيْنَ يَخْتَارُ هَؤُلَاءِ الْجُهَّالُ؟

--------------------------------

(فهي) الإمامة (في وُلد علي (عليه السلام) خاصة إلى يوم القيامة إذ لا نبي بعد محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ) أي لم يبعث اللّه نبيّاً بعد محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ليكون إماماً، فلا بدّ أن يكون الأئمة - بعد نبي اللّه محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) - غير أنبياء، وهذا متحقق في آل محمد (عليهم السلام) .

أو المقصود دفع توهم، وهو أن الأنبياء أولى بالإمامة، فيكون الجواب: إنه لا نبي بعد محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، فلا بدّ من أن يكون الأئمة غير أنبياء.

ويحتمل أن يكون معنى «خاصة» هو أن المنصب الذي في ولد علي (عليه السلام) هو الإمامة خاصة دون النبوّة إذ لا نبي بعد محمد (عليهم السلام) .

(فمن أين يختار هؤلاء الجهّال) الذين رفضوا إمامة آل محمد (عليهم السلام) ؟!

ص: 29

ص: 30

الفصل الثاني: أمور مرتبطة بالإمامة والإمام

اشارة

ص: 31

ص: 32

ثم إن الإمام الرضا (عليه السلام) - بعد الاستدلال على أن تعيين الإمام من اللّه تعالى، وأنّها ليست باختيار هؤلاء الجهّال - بيّن جملة من الأمور ترتبط بالإمامة كمنصب إلهي، وبالإمام كشخص اختاره اللّه، كما بيّن نسبة الإمام إلى اللّه وإلى الناس، نذكرها في ضمن اثني عشر مطلباً. وهي كالتالي:

1- منزلة الإمامة.

2- فائدة الإمامة.

3- محل الإمامة من الدين.

4- دور الإمام.

5- تشبيه الإمام بالنور.

6- النجاة في اتّباع الإمام.

7- عموم خير الإمام.

8- نسبة الإمام إلى الناس.

9- نسبة الإمام إلى اللّه تعالى.

10- صفات الإمام.

11- فضله على الناس.

12- عدم معرفة كُنه الإمام.

ص: 33

إِنَّ الْإِمَامَةَ هِيَ مَنْزِلَةُ الْأَنْبِيَاء، وَإِرْثُ الْأَوْصِيَاءِ، إِنَّ الْإِمَامَةَ خِلَافَةُ اللَّهِ

--------------------------------

أولاً: منزلة الإمامة

(إن الإمامة هي منزلة الأنبياء) أي مقام للأنبياء، ومرتبة لهم، ثم من بعدهم ورثها أوصيائهم، وما كان خاصاً بالأنبياء وأوصيائهم لا يكون لغيرهم، قال تعالى: {وَجَعَلْنَٰهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}(1).

(وإرث الأوصياء) «الإرث» - هنا - بمعنى الموروث، وفي المفردات: يقال لكل من حصل له شيء من غير تعب: قد ورث كذا، ويقال لمن خُوّل شيئاً مهنّئاً أورث(2).

قال تعالى: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّٰلِمِينَ}(3).

(إن الإمامة خلافة اللّه) أي يؤدي الإمام ما أراده اللّه تعالى في كل شيء.

قال تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}(4)، وقال سبحانه:{إِنَّا جَعَلْنَٰكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ}(5)، وفي المرآة: خليفة الرجل: من

ص: 34


1- سورة الأنبياء، الآية: 73.
2- مفردات ألفاظ القرآن: 863، مادة (ورث).
3- سورة البقرة، الآية: 124.
4- سورة البقرة، الآية: 30.
5- سورة ص، الآية: 26.

وَخِلَافَةُ الرَّسُولِ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وَمَقَامُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) وَمِيرَاثُ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ‘.

إِنَّ الْإِمَامَةَ زِمَامُ الدِّينِ، وَنِظَامُ الْمُسْلِمِينَ، وَصَلَاحُ الدُّنْيَا،

--------------------------------

يقوم مقامه، فلا بدّ أن يكون عالماً بما أراد المستخلِف، عاملاً بجميع أوامره، مناسباً له في الجملة(1).

(و) الإمامة (خلافة الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، ومقام أمير المؤمنين (عليه السلام) وميراث الحسن والحسين‘).

ثانياً: فائدة الإمامة

ثم جمع الإمام الرضا (عليه السلام) في هذا المطلب، الفائدة الأخروية والدنيوية للإمامة.

1- (إن الإمامة زمام الدين)، تمنع الانحراف فيه - وهذا يرتبط بالآخرة - «الزمام»: المِقْوَد واللجام(2)، ومعناه في الأصل: الحبل الذي يوضع في المِقْوَد لضبط حركة الدابة، والمقصود من هذا التشبيه هو أن الإمامة سبب لضبط أمور الدين، ومانع عن الانحراف فيه.

2- (ونظام المسلمين)، تمنع انفراط أُمورهم، فكل مسلم - حتى وإن كان منافقاً - يعيش في الدنيا حياة كريمة منتظمة.

3- (و) هي (صلاح الدنيا)، لأن الإمام أفضل قائد يعمل طبقاً

ص: 35


1- مرآة العقول 2: 383.
2- انظر لسان العرب 12: 272، مادة (زمم).

وَعِزُّ الْمُؤْمِنِينَ.

إِنَّ الْإِمَامَةَ أُسُّ الْإِسْلَامِ النَّامِي، وَفَرْعُهُ السَّامِي.

--------------------------------

لما هو الصلاح.

4- (وعزّ المؤمنين)، لأنها توجب غلبتهم على غيرهم، ولشعورهم النفسي برعاية اللّه تعالى لهم، كما أنهم باعتقادهم بها والتزامهم بأوامر الإمام يدخلون الجنة - وهي العزة الكاملة التامة - .

ثالثاً: محل الإمامة من الدين

ثم بيَّن الإمام الرضا (عليه السلام) أن الإمامة هي من أصول الدين، وترتبط بها فروع الدين فهي شرط قبول وصحة العبادات، وأنها سبب ضبط الأمور المالية، وبها تجرى الحدود كاملة، ويتم بها الدفاع عن الدِّين.

(إن الإمامة أُسّ الإسلام النامي) «الأُس»: القاعدة التي يُبنى عليها الشيء، و«النامي»: صفة ل- «أُس»، كجذور الأشجار، حيث إنّ نمو الجذور يتسبب في صلابة الشجر وزيادة ثمره، كذلك الأساس النامي للإسلام هو الإمامة، حيث يبيّن الإمام معالم الإسلام بشكل صحيح ويدفع الشبهات عنه، ويطبقه بشكل كامل مما يوجب انشداد عموم الناس إليه وانتشاره، مضافاً إلى أن الإمامة من أصول الدين، لا يُقبل الدين إلّا بها.

(وفرعه السامي) لعل المراد أن النظام الأكمل لا يكون إلّا

ص: 36

بِالْإِمَامِ تَمَامُ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ

--------------------------------

بإمام، فتطبيق الإسلام وغلبته على سائر النُظُم لا يكون إلّا بإمام من اللّه، كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}(1).

رابعاً: دور الإمام

ثم بيّن الإمام الرضا (عليه السلام) دور الإمام والوظائف التي يقوم بها وهي:

1- (بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد) لعلَّ هذا المقطع شرح لقوله: «وفرعه السامي» فصحة هذه العبادات بالاعتقاد بالإمام، ومَن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية - كما عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) (2) - .

كما أن بيان هذه العبادات بشكل صحيح هو عن طريق الإمام، وقد انحرف الذين لا يأخذون من الأئمة في عباداتهم أيّما انحراف، وقد قال أحد الصحابة - وهو أنس بن مالك - : لا أعرف شيئاً مما

ص: 37


1- سورة التوبة، الآية: 33.
2- كمال الدين 2: 409؛ وورد هذا الحديث بألفاظ متقاربة في مصادر الفريقين منها: «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» رواه مسلم 6: 22؛ السنن الكبرى للبيهقي 8: 156؛ المحلى 1: 46. ومنها: «من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية» مسند أحمد 4: 96. وغير ذلك.

وَتَوْفِيرُ الْفَيْ ء وَالصَّدَقَاتِ، وَإِمْضَاءُ الْحُدُودِ وَالْأَحْكَامِ، وَمَنْعُ الثُّغُورِ وَالْأَطْرَافِ.

--------------------------------

أدركت إلّا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضُيِّعت(1).

2- (وتوفير الفيء) «الفيء»: الغنيمة، وفي المرآة: لأنها كانت في الأصل للمسلمين، لأن اللّه خلقها لهم وغصبها الكفار ففاءت - ورجعت - إليهم(2).

و«التوفير»: القسمة على قانون الشرع، عكس حكّام الجور حيث يقسمون الأموال باستئثار، وقد عمّ الفساد المالي كل حكّام الجور.

(و) توفير (الصدقات) تُطلق على الزكاة، وعلى عامّة المال الذي يُتبرّع به، لأن صاحبها يتحرّى الصدق في فعله.

3- (وإمضاء الحدود والأحكام) أي إجراؤها وإنفاذها، و«الحدود» هنا بمعنى العقوبات الشرعية، و«الأحكام» القرارات الحكومية التي هي قضايا إدارية أو الأحكام القضائية.

4- (ومنع الثغور والأطراف) أي الحدود بين بلاد الإسلام والكفر، ولعلَّ الفرق هو أنّ «الثغر» هي نقاط الضعف التي يقوى احتمال الهجوم منها، و«الأطراف» أعمّ بحيث يشكّل كلّ الحدود.

ص: 38


1- البخاري 1: 134.
2- مرآة العقول 2: 383.

الْإِمَامُ يُحِلُّ حَلَالَ اللَّهِ، وَيُحَرِّمُ حَرَامَ اللَّهِ، وَيُقِيمُ حُدُودَ اللَّهِ، وَيَذُبُّ عَنْ دِينِ اللَّهِ، وَيَدْعُو إِلَى سَبِيلِ رَبِّهِ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ

--------------------------------

هذا كله في التنفيذ، وأما في التشريع فالوظائف التالية، ولعلّه لذلك ذكره من غير واو عاطفة فقال:

5- (الإمام يحل حلال اللّه، ويحرّم حرام اللّه) أي يبيّن ما هو الحلال وما هو الحرام، كما أنه يطبق هذه الأحكام عملاً.

6- (ويقيم حدود اللّه) الفرق بين هذا المقطع وبين قوله: «وإمضاء الحدود...» إمّا أنّ ذاك: في جانب القرار، أي الإمام يُصدر القرارات في الحدود أو يمضي قرارات قضاته، وهذا في جانب التشريع أي يبيّن للقضاة وللناس الحدود، أو في جانب التطبيق، أي يطبق الحدود خارجاً، فلا يكون القرار مجرد حبر على ورق، وإمّا أنّ «الحدود» هناك خاصة بالعقوبات، وهنا أعمّ بحيث تشمل كل الأحكام والأول أنسب بالسياق.

7- (و) يبيّن الدين ومراحل بيان الدّين تبدأ من دفع الشبهات، مروراً بالدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، وانتهاءً بإقامة الحجّة البالغة بالجدال بالتي هي أحسن.

فالإمام (يذبّ عن دين اللّه) «الذبّ»: المنع، أي يدافع عنالدّين بدفع الشبهات.

(ويدعو إلى سبيل ربِّه بالحكمة والموعظة الحسنة) كما قال

ص: 39

وَالْحُجَّةِ الْبَالِغَةِ.

--------------------------------

تعالى: {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَٰدِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}(1). في المفردات: «الوعظ»: زجر مُقترن بتخويف، قال الخليل: هو التذكير بالخير فيما يرقّ له القلب(2). و«الموعظة الحسنة»: البراهين القاطعة، أو بمعنى أن تكون بطريقة مناسبة، حتى تكون مقبولة، لا بالطرق الاستفزازية.

(و) يدعو إلى سبيل اللّه ب(الحجة البالغة) وهي آخر مراحل الدعوة.

خامساً: تشبيه الإمام بالنور

بما أنّ النور هو الظاهر بنفسه المظهِر لغيره، فشبّه بالنور كل ما يوجب الهداية من الأنبياء والكتب السماوية والأئمة، قال تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفُِٔواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ}(3)، وقال: {فََٔامِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا}(4).

وكأنّ ما يذكره الإمام الرضا (عليه السلام) هنا بيان لكيفية ذبّه عن الدين ودعوته إليه وإقامته الحجة عليه، فالإمام العالم المعلّم الهادي لمن سواه.

ص: 40


1- سورة النحل، الآية: 125.
2- مفردات ألفاظ القرآن: 876، مادة (وعظ).
3- سورة التوبة، الآية: 32.
4- سورة التغابن، الآية: 8.

الْإِمَامُ كَالشَّمْسِ الطَّالِعَةِ الْمُجَلِّلَةِ بِنُورِهَا لِلْعَالَمِ، وَهِيَ فِي الْأُفُقِ بِحَيْثُ لَا تَنَالُهَا الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارُ.

الْإِمَامُ الْبَدْرُ المُنيرُ، والسِّراجُ الزَّاهِرُ، وَالنُّورُ السَّاطِعُ، وَالنَّجْمُ الْهَادِي

--------------------------------

(الإمام كالشمس الطالعة المجلّلة بنورها) من جلّل تجليلاً بمعنى عمّ، أي الشمس التي تعمّ العالم بنورها، فنفعها عام (للعالم وهي في الأفق) ولكن (بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار) أي لا يمكن تناولها باليد ولا امتلاء العين منها، وكذا الإمام نفعه عام، ولكن لا يمكن معرفة حقيقته لارتفاع قدره بحيث تقصر العقول عنه.

(الإمام البدر) هو القمر ليلة تمامه وكماله (المنير).

(والسراج الزاهر) أي المضيء المشرق.

(والنور الساطع) أي المرتفع.

والحاصل أن هذا تشبيه بمختلف الأنوار التي تضيء في كل مكان وفي كل زمان للإنسان، فالشمس في النهار، والبدر في الليالي المقمرة، والسراج حين غياب الشمس والبدر، كما أن هذا النور ساطع لا ينحصر في مكان خاص بل هو مرتفع، وكل نور مرتفع يعمّ فيعمّ نفعه.

(والنجم الهادي) هذا تشبيه للنور الذي لا يضيء الأشياء، ولكنهمنشأ للاهتداء، فتمّ تشبيه الإمام بمختلف الأنوار التي يستفيد منها

ص: 41

فِي غَيَاهِبِ الدُّجَى، وَأَجْوَازِ الْبُلْدَانِ وَالْقِفَارِ، وَلُجَجِ الْبِحَارِ.

--------------------------------

الإنسان، قال تعالى: {وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}(1) ولعل المقصود الوقت الذي لا يتمكن الإمام من البيان لتقية أو نحوها لكنه مع ذلك هو منشأ الهداية لمن شاء أن يهتدي به كالنجم الذي لا يُضيء ولكنه منشأ الاهتداء إلى الطريق.

(في غياهب الدجى) «الغيهب»: الظلمة وشدّة السواد، و«الدجى»: ظلمة الليل، وإضافة الغياهب إلى الدجى - مع تقارب معنييهما - إضافة بيانية للدلالة على المبالغة.

(وأجواز البلدان والقفار) «أجواز» جمع جَوْز أي وسط الشيء، و«البلدان»: يُراد بها الصحراء، ففي مفردات الراغب: وسُمِّيت المفازة بلداً لكونها موطن الوحشيات(2)، و«القفار» جمع قَفْر: الصحراء التي لا ماء فيها ولا كلأ.

ففي الصحاري الوسيعة الخالية عن الماء والكلأ، احتمال الضلال في الطريق كبير، لعدم وجود علامات - عادة - فيكون الاهتداء بالنجوم، وكذلك تكون الهداية بالإمام في ظلمات الضلال والانحراف.

(ولجج البحار) «اللجة»: الماء العميق - لاجتماع معظم الماء

ص: 42


1- سورة النحل، الآية: 16.
2- مفردات ألفاظ القرآن: 143، مادة (بلد).

الْإِمَامُ الْمَاءُ الْعَذْبُ عَلَى الظَّمَإِ، وَالدَّالُّ عَلَى الْهُدَى، وَالْمُنْجِي مِنَ الرَّدَى، الْإِمَامُ النَّارُ عَلَى الْيَفَاعِ، الْحَارُّ لِمَنِ اصْطَلَى بِهِ،

--------------------------------

هناك - ، والمياه الضحلة تقع عادة قرب السواحل، أمّا المياه العميقة فهي بعيدة عن الساحل ولا دليل للبحّارة هناك إلّا النجوم - عادة - .

سادساً: النجاة باتباع الإمام

ثم يبيّن الإمام الرضا (عليه السلام) أن النجاة في اتباع الإمام وإلّا فالهلاك قطعي فكما أن الظامئ يموت إذا لم يجد الماء العذب، ومن ضلّ طريقه يهلك إذا لم يجد الطريق، والمبتلى بالعواصف الثلجية الباردة يتجمّد إن لم يجد وسيلة للتدفئة، كذلك من لا يتبع الإمام، وأما من اتبعه فينجو.

(الإمام الماء العذب على الظمأ، والدال على الهدى، والمنجي من الردى) أي الهلاك، قال سبحانه: {فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لَّا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَىٰهُ فَتَرْدَىٰ}(1).

(الإمام النار على اليفاع) أي ما ارتفع من الأرض، يوقد فيه النار في الليالي الظلماء ليكون دليلاً للمسافرين والبحّارة، كما يقال: نار على منار.

(الحار لمن اصطلى به) أي يوجب الدّفء في البرد الشديد،

ص: 43


1- سورة طه، الآية: 16.

وَالدَّلِيلُ فِي الْمَهَالِكِ، مَنْ فَارَقَهُ فَهَالِكٌ.

الْإِمَامُ السَّحَابُ الْمَاطِرُ، وَالْغَيْثُ الْهَاطِلُ،

--------------------------------

كقوله: {إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهْلِهِۦ إِنِّي ءَانَسْتُ نَارًا سََٔاتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ ءَاتِيكُم بِشِهَابٖ قَبَسٖ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ}(1).

(والدليل في المهالك، من فارقه فهالك).

سابعاً: عموم خير الإمام

ثم بيّن الإمام الرضا (عليه السلام) في هذا المطلب عموم نفع الإمام للجميع، فهو رحمة اللّه الواسعة يشمل خيره الجميع، كالمطر والشمس والسماء والأرض... وذلك في جميع الحالات، ففي حالة الغيم فهو سحاب ماطر بما يغيث الناس، وفي حالة النهار فهو الشمس المضيئة النافعة، وفي حالة الليل فهو السماء التي تُظل، وفي حالة الأرض كالأرض السهلة المنبسطة التي تنفع أكثر من الأراضي الجبلية، وحين حاجة الإنسان إلى الماء فهو كالعين والغدير وفي حين حاجة الإنسان إلى النباتات فهو كالبستان.

(الإمام السحاب) أي الغيم التي تسحبه الرياح سواء كان فيه ماء أم لم يكن، ولذا قيّده ب- (الماطر)، وهذا مطر خير لا مطر سوء ولذا قال: (والغيث) أي المطر لأنه يغيث الناس والأرض على العطش (الهاطل) أي المتتابع.

ص: 44


1- سورة النمل، الآية: 7.

وَالشَّمْسُ الْمُضِيئَةُ، وَالسَّمَاءُ الظَّلِيلَةُ، وَالْأَرْضُ الْبَسِيطَةُ، وَالْعَيْنُ الْغَزِيرَةُ، وَالْغَدِيرُ وَالرَّوْضَةُ.

--------------------------------

(والشمس المضيئة، والسماء الظليلة) كقوله تعالى: {وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا}(1) كناية عن الرفاهية، أو أن السماء - وهي جهة العلو - تمنع من وصول الأجرام السماوية المضرّة إلى الأرض، فتكون عامة النفع، أو السماء بمعنى السقف ونحوه يحمي الإنسان من الحرّ والبرد.

(والأرض البسيطة) قال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا * لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا}(2)، فإن الأرض المبسوطة أكثر نفعاً.

(والعين الغزيرة) كثيرة الماء.

(والغدير) أي ما يتجمع من ماء المطر في الأماكن المنخفضة في الصحاري ونحوها.

(والروضة) أي الأرض فيها ماء ونبات حسن.

والحاصل: كل هذه أمور مفيدة للإنسان في حالاته المختلفة جميعاً، فكما أن الإنسان بحاجة إلى المطر كذلك بحاجة إلى الشمس، وكما يحتاج إلى الظل كذلك يحتاج إلى الأرض البسيطة

ص: 45


1- سورة النساء، الآية: 57.
2- سورة نوح، الآية: 19-20.

الْإِمَامُ الْأَنِيسُ الرَّفِيقُ، وَالْوَالِدُ الشَّفِيقُ، وَالْأَخُ الشَّقِيقُ، وَالْأُمُّ الْبَرَّةُ بِالْوَلَدِ الصَّغِيرِ،

--------------------------------

للزراعة ونحوها، وكما يحتاج إلى المياه الجارية كذلك يحتاج إلى المياه المتجمعة، وهكذا الإمام يحتاج الإنسان إليه في مختلف الحالات، وخيره شامل في كلها.

ثامناً: نسبة الإمام إلى الناس

ثم إن الإمام يريد خير الناس، ويؤلمه ضلالهم، ويحاول إيصال النفع إليهم، فلذا تمّ تشبيهه بأشفق الناس بالإنسان وهم الأنيس والأخ والوالد... .

(الإمام الأنيس) أي ما يأنس به الإنسان من أصدقائه، (الرفيق) من الرفق وهو ضد الخرق، أي أنيس يتعامل مع صديقه بلطف ومداراة.

(والوالد الشفيق) من الشفقة بمعنى الحب المختلط بالخوف على المحبوب.

(والأخ الشقيق) أي كالأخ النسبي، وكثيراً ما يُستعمل في الأخ من الأبوين، كأنه انشق الشيء نصفين، لشباهة أحدهما بالآخر.

(والأم البَرّة) من البِرّ وهو التوسع في الخير (بالولد الصغير)، حيث بِرّها بالصغير أشد من بِرّها بالكبير لضعفه وحاجته وشدة العواطف نحوه.

ص: 46

وَمَفْزَعُ الْعِبَادِ فِي الدَّاهِيَةِ النَّآدِ.

الْإِمَامُ أَمِينُ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ، وَحُجَّتُهُ عَلَى عِبَادِهِ، وَخَلِيفَتُهُ فِي بِلَادِهِ، وَالدَّاعِي إِلَى اللَّهِ،

--------------------------------

(ومفزع العباد في الداهية النّآد) «المفزع»: الملجأ، و«الداهية»: الأمر العظيم الفادح، «النّآد»: بنفس معنى الداهية، فيكون وصف الداهية بالنّآد للمبالغة، مثل: سواد حالك، وأصفر فاقع ونحوهما.

والحاصل: أن الإمام رؤوف، رحيم، حريص على الناس، وعلى خيرهم.

تاسعاً: نسبة الإمام إلى اللّه تعالى

ثم يبيّن الإمام الرضا (عليه السلام) نسبة الإمام إلى اللّه تعالى:

(الإمام أمين اللّه في خلقه) فهو يبلّغ ما أراده اللّه بلا تغيير، ويعمل بما يريده تعالى بلا تبديل.

(وحجته على عباده) أي يحتج بالإمام على الخلق أجمعين قال سبحانه: {فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَٰلِغَةُ}(1).

(وخليفته في بلاده) أي جعله اللّه لتنفيذ ما يريده تعالى من الناس وغيرهم.

(والداعي إلى اللّه) أي يدعو الناس إليه بعد الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) قال

ص: 47


1- سورة الأنعام، الآية: 149.

وَالذَّابُّ عَنْ حُرَمِ اللَّهِ.

الْإِمَامُ الْمُطَهَّرُ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْمُبَرَّأُ عَنِ الْعُيُوبِ،

--------------------------------

سبحانه: {أَجِيبُواْ دَاعِيَ اللَّهِ}(1).

(والذابّ عن حرم اللّه) «حُرَم» جمع حُرمة: وهي ما لا يجوز انتهاكها، و«حُرَم اللّه» هي ما أمر اللّه بتعظيمها، كأحكامه وأوليائه وبقاعه المقدسة ونحوها.

عاشراً: صفات الإمام

الإمام يلزم أن يكون معصوماً من الذنوب، خالياً من العيوب في الخلقة والأخلاق، ذا الكمالات... ، وبعض أهم هذه الأمور تكفَّل الإمام الرضا (عليه السلام) ببيانها في هذا المقطع.

(الإمام المطهّر من الذنوب) لأنها رجس، وقد قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}(2).

(والمبرأ عن العيوب) سواء عيوب الجسم، فلا نقص فيه أصلاً، فإن الأنبياء والأئمة (عليهم السلام) لم يكن في أجسامهم عيب أصلاً، لتكمل الحجة على الناس، وما ورد في ابتلائهم فمؤوّل بما لا يكون عيباً في الخلقة.

أم عيوب في الأخلاق، فهم منزّهون من الحسد والجبن ونحوهما،

ص: 48


1- سورة الأحقاف، الآية: 31.
2- سورة الأحزاب، الآية: 33.

الْمَخْصُوصُ بِالْعِلْمِ، الْمَوْسُومُ بِالْحِلْمِ، نِظَامُ الدِّينِ، وَعِزُّ الْمُسْلِمِينَ، وَغَيْظُ الْمُنَافِقِينَ،

--------------------------------

لما دلّ على لزوم كونهم أفضل الناس ولأن العيب لا يناسب اصطفاء اللّه لهم، فمن القبيح أن يصطفي القادرُ المعيبَ مع قدرته على اصطفاء السليم، واللّه سبحانه منزه عن كل قبح ولأدلة أخرى.

(المخصوص بالعلم) أي خصّه اللّه بالعلم كلّه، في حين أنّ سائر الناس لهم بعض جوانب العلم، أو المعنى إن علمهم لَدُنّي لا يحتاج إلى كسب بل إلهام منه تعالى، فخصّهم اللّه بذلك، عكس سائر الناس.

(الموسوم بالحلم) تخصيص الحِلم بالذكر - مع تحلّيهم بسائر الفضائل أيضاً - لأهمية الحلم، ولكثرة ابتلائهم بجهل الجاهلين.

(نظام الدّين، وعزّ المسلمين) مرّ في المطلب الثاني «الإمامة نظام المسلمين وعزّ المؤمنين» وهنا «الإمام نظام الدّين وعزّ المسلمين» والفرق أن هناك كان الكلام حول الإمامة كمنصب، وهنا حول الإمام كشخص، فالإمامة نظام والإمام هو المنفذّ لهذا النظام، كذلك إن عزّ المسلمين كما يكون بتشريع الإمامة كذلك يكون عزّهم بوجود الإمام.

(وغيظ المنافقين) لأن المنافقين يغتاظون من المؤمنين، فكيف بإمام المؤمنين، قال اللّه تعالى: {وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ

ص: 49

وَبَوَارُ الْكَافِرِينَ.

--------------------------------

مِنَ الْغَيْظِ}(1)، وقال رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) : «لا يحبك إلّا مؤمن ولا يبغضك إلّا منافق»(2).

(وبوار الكافرين) أي هلاكهم، فإنّه بالإمام تعمّ الهداية فيموت الكفر، أو بمعنى أنه يقاتل الكفار فيهلكهم.

الحادي عشر: فضل الإمام على الناس

إن اللّه خصّ الإمام بالفضائل كلها، فلذا لا نظير له في كل الخلق - إلّا إمام مثله صامت - .

ولعلّ في الحديث دلالة على ترتّب الأئمة في الفضل على حسب ترتيبهم في الإمامة، فكل إمام سابق أفضل من الإمام اللاحق، أو يقال إن الإمام الصامت أيضاً إمام فهو يشارك الإمام اللاحق في كل هذه الصفات فكلاهما واحد دهره لا يدانيهما أحد... .

والمقصود بالإمام الصامت كالإمام الحسين (عليه السلام) في زمان الإمام الحسن (عليه السلام) .

ونقل الاتفاق على أن الإمام علي (عليه السلام) أفضل الأئمة، ثم الإمامالحسن (عليه السلام) ، ثم الإمام الحسين (عليه السلام) ، ثم الإمام المهدي، ثم سائر

ص: 50


1- سورة آل عمران، الآية: 119.
2- الأمالي للشيخ الصدوق: 134؛ الإرشاد 1: 40؛ ومجمع الزوائد 9: 132؛ فتح الباري 1: 60.

الْإِمَامُ وَاحِدُ دَهْرِهِ، لَا يُدَانِيهِ أَحَدٌ، وَلَا يُعَادِلُهُ عَالِمٌ، وَلَا يُوجَدُ مِنْهُ بَدَلٌ، وَلَا لَهُ مِثْلٌ وَلَا نَظِيرٌ، مَخْصُوصٌ بِالْفَضْلِ كُلِّهِ مِنْ غَيْرِ طَلَبٍ مِنْهُ لَهُ، وَلَا اكْتِسَابٍ، بَلِ اخْتِصَاصٌ مِنَ الْمُفْضِلِ الْوَهَّابِ.

--------------------------------

الأئمة في الفضل سواء(1).

(الإمام واحد دهره، لا يدانيه) أي لا يقترب إلى منزلته وفضله (أحد، ولا يعادله) أي لا يساويه في علمه (عالم، ولا يوجد منه بدل) أي في زمان حياته، نعم بعد وفاته يخلفه إمام بعده، وهكذا إلى انقضاء الدهر، لئلَّا تخلو الأرض من حجّة.

(ولا له مثل ولا نظير) في معجم الفروق اللغوية: أن المثلين: ما تكافئا في الذات - على ما ذكرنا - ، والنظير: ما قابل نظيره في جنس أفعاله وهو متمكن منها، كالنحوي نظير النحوي وإن لم يكن له مثل كلامه في النحو أو كتبه فيه(2).

(مخصوص

بالفضل كلّه، من غير طلب منه له) أي من الإمام للفضل (ولا اكتساب،) ولعلّ الفرق أن الطلب بغير مشقة والاكتساب مع المشقة، أو الأول بمعنى السؤال - أي الدعاء ليُعطى -والثاني بمعنى العمل ليصل إليه (بل اختصاص من) اللّه (المفضل) الذي يتفضل علی الإمام (الوهّاب) الذي يهب له ما أراده.

ص: 51


1- راجع بحار الأنوار 25: 362؛ كنز الفوائد 1: 246.
2- معجم الفروق اللغوية: 480.

فَمَنْ ذَا الَّذِي يَبْلُغُ مَعْرِفَةَ الْإِمَامِ، أَوْ يُمْكِنُهُ اخْتِيَارُهُ؟ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، ضَلَّتِ الْعُقُولُ، وَتَاهَتِ الْحُلُومُ، وَحَارَتِ الْأَلْبَابُ، وَخَسَأَتِ الْعُيُونُ،

--------------------------------

الثاني عشر: عدم معرفة كنه الإمام

ثم بيّن الإمام الرضا (عليه السلام) عدم معرفة أحد بحقيقة الإمام، لقصورهم عن إدراكه بكنهه، فلذا لا يكون اختياره إلّا من اللّه تعالى العالم بحقائق كل الأشياء.

ففي البداية يتمّ إجمالاً بيان عدم معرفة أحد بالإمام، ثم بيان تفصيلي بأنّ العقول والحواس وكل أصناف الناس لا يتمكنون من معرفته.

(فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام، أو يمكنه اختياره؟ هيهات هيهات) التكرار إما للتأكيد، أو إشارة إلى عدم إمكان كلا الأمرين: هيهات المعرفة وهيهات الاختيار.

(ضلّت العقول، وتاهت الحلوم، وحارت الألباب) بيان بُعد معرفته عن العقول، والألباب والحلوم والعقول متقاربة المعنى فاللبّ الخلوص، والعقل المنع، والحِلم خلاف الطيش.

(وخسأت العيون) أي بعدت، وغالباً يستعمل في التحقير، وهذا بيان بُعد معرفته عن الحواس، وأقرب الأعضاء للمعرفة هي العين، لسعة إحاطتها بالأشياء أكثر من سائر الحواس، ولذا خصّهابالذكر.

ثمّ بيّن الإمام الرضا (عليه السلام) بُعد معرفته عن كل أصناف الناس،

ص: 52

وَتَصَاغَرَتِ الْعُظَمَاءُ، وَتَحَيَّرَتِ الْحُكَمَاءُ، وَتَقَاصَرَتِ الْحُلَمَاءُ، وَحَصِرَتِ الْخُطَبَاءُ، وَجَهِلَتِ الْأَلِبَّاءُ، وَكَلَّتِ الشُّعَرَاءُ، وَعَجَزَتِ الْأُدَبَاءُ، وَعَيِيَتِ الْبُلَغَاءُ، عَنْ وَصْفِ شَأْنٍ مِنْ شَأْنِهِ،

--------------------------------

وخصّ بالذكر أهم تلك الأصناف.

(وتصاغرت العظماء) فمهما كانوا عظماء، لكنهم يتصاغرون أمام عظمة الإمام وشؤونه وأوصافه.

(وتحيرت الحكماء)، الحكيم يضع الشيء في موضعه وذلك لا يكون إلّا بعد المعرفة، لذا يتحيّر عندما يصل إلى الإمام، لعدم معرفته بكنهه فلا يدري أين يضع شأنه.

(وتقاصرت الحلماء)، الحليم راجح العقل، فلذا له الطول على الأشياء، لكنه حينما يصل إلى معرفة الإمام فإنه يتقزّم ويقصر عقله عن بلوغ شأنه.

(وحصرت الخطباء) أي امتنع عليهم الكلام.

(وجهلت الألبّاء) - جمع لبيب - : وهو العاقل.

(وكلّت الشعراء، وعجزت الأدباء، وعييت) أي عجزت (البلغاء)

- جمع بليغ - والبلاغة الكلام حسب مقتضى الحال مع حسن اختيار الكلمات والكَلّ والعجز والعيّ متقاربة المعنى.

(عن وصف شأن من شأنه) أي حالة من حالاته، كحالاته مع ربّه، أو مع نفسه، أو مع سائر الناس، فكلّها حالات في أقصى

ص: 53

أَوْ فَضِيلَةٍ مِنْ فَضَائِلِهِ، وَأَقَرَّتْ بِالْعَجْزِ وَالتَّقْصِيرِ، وَكَيْفَ يُوصَفُ بِكُلِّهِ، أَوْ يُنْعَتُ بِكُنْهِهِ، أَوْ يُفْهَمُ شَيْ ءٌ مِنْ أَمْرِهِ، أَوْ يُوجَدُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ وَيُغْنِي غِنَاهُ؟! لَا، كَيْفَ وَأَنَّى؟

--------------------------------

درجات الكمال، بحيث تُدرك ولا تُوصف، (أو فضيلة من فضائله) فكل فضيلة من فضائلهم (عليهم السلام) لا يمكن لأحد أن يكون له مثلها.

وهؤلاء الأصناف حيث لم يدركوها فإنهم يعجزون عن وصفها بكنهها.

(وأقرّت بالعجز والتقصير) المؤمن أو المنصف منهم يقرّ باللّسان، وغيرهما يقرّ بالأفعال، أي فعله يدلّ على عدم تمكّنه من ذلك.

(وكيف يوصف) استفهام إنكاري (بكلّه) أي بأوصافه، (أو ينعت بكنهه) أي بحقيقة ذاته، (أو يفهم شيء من أمره) أي أفعاله أو ما يرتبط به.

(أو يوجد من يقوم مقامه ويغني غناه) أي يؤدي نفعه، وأصل «الغنى» بمعنى الكفاية.

(لا) جواب عن الاستفهام الإنكاري، أي لا يمكن أن يوصف بكلّه... .(كيف) تأكيد الاستفهام الإنكاري بالاستفهام عن الكيفيّة، (وأنّى) تأكيد بالاستفهام عن المكان، بمعنى أيّ مكان يوجد وصفه ونعته وفهم أمره... .

ص: 54

وَهُوَ بِحَيْثُ النَّجْمِ مِنْ يَدِ الْمُتَنَاوِلِينَ، وَوَصْفِ الْوَاصِفِينَ، فَأَيْنَ الِاخْتِيَارُ مِنْ هَذَا؟ وَأَيْنَ الْعُقُولُ عَنْ هَذَا؟ وَأَيْنَ يُوجَدُ مِثْلُ هَذَا؟!

أَتَظُنُّونَ أَنَّ ذَلِكَ يُوجَدُ فِي غَيْرِ آلِ الرَّسُولِ مُحَمَّدٍ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟

--------------------------------

(وهو) الواو للحال، أي كيف يمكن وصفه والحال أنه (بحيث النجم) أي في مكان النجم، (من يد المتناولين، ووصف الواصفين) وهذا من تشبيه المعقول بالمحسوس، فكما لا يصل هؤلاء لا يصل أولئك.

(فأين الاختيار من هذا؟) أي كيف يمكن للناس اختيار هذا الإمام الذي لا يمكنهم معرفة حقيقته، بل لا بدّ من تعيين من اللّه تعالى العالم بحقائق كل الأشياء.

(وأين العقول عن هذا؟) بيان أن العقول عاجزة عن الوصول إليه وإلى معرفته، فلذا لا بدّ من أن لا يوكل إليهم اختياره.

(وأين يوجد مثل هذا؟) أي المتّصف بهذه الصفات ليس متعدداً حتى يختار الناس أحدهم، بل لا مثل له، فحينئذٍ يكون هو الإمام المعيّن من قِبل اللّه تعالى.

(أتظنون أن ذلك) أي صفات الإمامة واختيار اللّه تعالى (يوجد في غير آل الرسول محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ؟).

ص: 55

ص: 56

الفصل الثالث: المخالفة لاختيار اللّه تعالى!!

ص: 57

ص: 58

كَذَبَتْهُمْ وَاللَّهِ أَنْفُسُهُمْ،

--------------------------------

ثم بيّن الإمام الرضا (عليه السلام) أن المخالفين ضلّوا حينما تركوا ما اختاره اللّه تعالى، وأرادوا إقامة الإمام بعقولهم، فلم يزدادوا عن الحق إلّا بُعداً، مع إتمام الحجة عليهم بالآيات الصريحة الدالّة على أن الاختيار للّه تعالى، لا للناس.

وهنا مراحل في ضلالهم:

المرحلة الأولى:

في النفس فنفوسهم تكذب عليهم خداعاً، ثم تمنيّهم بالباطل بأن ينالوا الإمامة، ثم حركتهم للمخالفة العملية بالتّمرد على الإمام الحق، ثم العاقبة إلى نار جهنم.

فأولاً: (كَذَبَتْهُمْ واللّه أنفسهم) بمعنى أن نفوسهم الأمارة بالسوء خدعتهم، أو بمعنى شهدت لهم أنفسهم بكذب مقالتهم، بمعنى أنهم حين يراجعون أنفسهم لا يجدون الإمامة في غير آل محمد (عليهم السلام) ، فنفسهم تكذّب ما يظهرون من قول، نظير قوله تعالى: {ثُمَّ نُكِسُواْ عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَٰؤُلَاءِ يَنطِقُونَ}(1).

ص: 59


1- سورة الأنبياء، الآية: 65.

وَمَنَّتْهُمُ الْأَبَاطِيلَ، فَارْتَقَوْا مُرْتَقاً صَعْباً دَحْضاً، تَزِلُّ عَنْهُ إِلَى الْحَضِيضِ أَقْدَامُهُمْ.

رَامُوا إِقَامَةَ الْإِمَامِ بِعُقُولٍ حَائِرَةٍ بَائِرَةٍ نَاقِصَةٍ،

--------------------------------

وثانياً: (ومنّتهم الأباطيل) أي الأباطيل صوّرت لهم ما لا حقيقة له، بجعل الإمامة في غير آل محمد (عليهم السلام) ، قيل: «منّتهم» بمعنى أضعفتهم وأعجزتهم. أو بمعنى أن أفكارهم الباطلة جعلتهم يتمنون ذلك.

وثالثاً: (فارتقوا مرتقى صعباً دحضاً) أي صعدوا مكاناً منيعاً، والمراد أن الإمامة منصب رفيع لا يمكن الوصول إليه، و«مرتقى»: مكان عال، و«صعباً»: صعب المنال بمعنى استحالة الوصول إليه، «دحضاً»: زَلِقاً تزل الأقدام دونه.

ورابعاً: (تزلّ عنه إلى الحضيض أقدامهم) أي من حاول احتلال موقع الإمام - بغير أمر من اللّه - فإن قدمه تزلّ به إلى نار جهنم.

المرحلة الثانية:

في العقل حيث (راموا إقامة الإمام بعقول حائرة بائرة) أي مُعَطّلَة، وأصل البوار الهلاك، كقوله تعالى: {حَتَّىٰ نَسُواْ الذِّكْرَ وَكَانُواْ قَوْمَۢا بُورًا}(1)، (ناقصة) وصف عقولهم بالحيرة والبواروالنقصان، ويكون الترتيب أن العقل الناقص يكون معطّلاً فيتحيّر، فيسوق صاحبه إلى الرأي الذي يضل.

ص: 60


1- سورة الفرقان، الآية: 18.

وَآرَاءٍ مُضِلَّةٍ فَلَمْ يَزْدَادُوا مِنْهُ إِلَّا بُعْداً {قَٰتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ}.

وَلَقَدْ رَامُوا صَعْباً، وَقَالُوا إِفْكاً، وَضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيداً،

--------------------------------

(و) نتيجة تلك العقول هي:

اتّباع (آراء مُضِلّة) اسم فاعل أي آراء أضلتهم، أو اسم مفعول أي آراء أضلّها الشيطان.

(فلم يزدادوا منه) أي من الإمام الحق (إلّا بُعداً).

({قَٰتَلَهُمُ اللَّهُ}) دعاء عليهم بالهلاك ({أَنَّىٰ}) كيف ({يُؤْفَكُونَ}) يُصرفون من الحق إلى الباطل. نزلت في اليهود والنصارى، وفي المنافقين، قال تعالى: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَٰتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ}(1).

والمرحلة الثالثة:

في العمل (ولقد راموا صعباً) أي قصدوا أمراً لا يمكنهم الوصول إليه.

(وقالوا إفكاً) أي كذباً لأنهم صرفوا الإمامة عن أهلها وجعلوها في غيرهم.

(و) النتيجة أنهم (ضلّوا ضلالاً بعيداً) أي الضلال الذي يصعب الرجوع منه إلى الهدى، تشبيهاً بمن ضلّ عن مَحَجَّةالطريق بُعداً

ص: 61


1- سورة المنافقون، الآية: 4، وفي اليهود والنصارى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ...}، سورة التوبة، الآية: 30.

وَوَقَعُوا فِي الْحَيْرَةِ، إِذْ تَرَكُوا الْإِمَامَ عَنْ بَصِيرَةٍ، {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَٰنُ أَعْمَٰلَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ}.

--------------------------------

متناهياً فلا يكاد يُرجى له العود إليها - كما في المفردات(1)- ، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّٰغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِۦ وَيُرِيدُ الشَّيْطَٰنُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَٰلَۢا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَٰفِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا}(2).

(ووقعوا في الحيرة) لأن الباطل سبب الحيرة وزيادتها، فهم متحيرون في كل أمر من أمور دينهم يدخلون فيه لا يدرون الحق من الباطل، وسبب ذلك (إذ تركوا الإمام عن بصيرة) أي كانوا يعلمون أنه الإمام، وقد أقام رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) عليهم البراهين الواضحة، وأخذ منهم البيعة، ومع ذلك خالفوا أمر اللّه وأمر رسوله.

({وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَٰنُ أَعْمَٰلَهُمْ}) فرأوها حسنة ({فَصَدَّهُمْ}) أي منعهم الشيطان ({عَنِ السَّبِيلِ}) المستقيم وهو طريق الحق ({وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ}(3)) أي كانوا يميّزون بين الحقّ والباطل، ومع ذلك خالفوا فأهلكهم اللّه تعالى، والمراد أنهم قد تمّت عليهم

ص: 62


1- مفردات ألفاظ القرآن: 133.
2- سورة النساء، الآية: 60-61.
3- سورة العنكبوت، الآية: 38.

رَغِبُوا عَنِ اخْتِيَارِ اللَّهِ وَاخْتِيَارِ رَسُولِ اللَّهِ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وَأَهْلِ بَيْتِهِ إِلَى اخْتِيَارِهِمْ، وَالْقُرْآنُ يُنَادِيهِمْ: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَٰنَ اللَّهِ وَتَعَٰلَىٰ

--------------------------------

الحجة، أو بمعنى أنهم كانوا متمكنين من النظر ولكنهم لم ينظروا فأهلكم اللّه بذنوبهم.

(رغبوا عن اختيار اللّه و) رغبوا عن (اختيار رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأهل بيته) وإنما كان اختيار الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وأهل البيت (عليهم السلام) لأنهم رضوا باختيار اللّه

وبلّغوه، قال اللّه تعالى: {مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}(1). (إِلَى اخْتِيَارِهِمْ) مع أن اختيار القادة بيد اللّه تعالى، وبأمره تنصب الرؤساء للدين والدنيا، كما أن جميع النعم منه، فله كل الحمد، (والقرآن يناديهم: {وَرَبُّكَ}) يا رسول اللّه ({يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ}) وهذا تمهيد لقوله: ({وَيَخْتَارُ}) فإنّ مَن له الخلق هو الذي له الاختيار، إذ كيف يمكن أن يخلق شخص ويملك، ويكون الاختيار بيد غيره؟ ({مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ})

أي ليس لهم أن يختاروا لأنفسهم - كما كانوا يختارون الكفر خوفاً من الاختطاف - ، «والخيرة»: اسم من الاختيار، أُقيم مقام المصدر. ({سُبْحَٰنَ اللَّهِ}) أي أنزّه اللّه تنزيهاً عن أن يكون أعطى الاختيار بيد الناس - حتىيعملوا كيفما يشاؤون - ({وَتَعَٰلَىٰ})

ص: 63


1- سورة النساء، الآية: 80.

عَمَّا يُشْرِكُونَ}.

وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٖ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} الآيَةَ. وَقَالَ: {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ *

--------------------------------

أي ترفّع، والمعنى أنه أرفع ({عَمَّا يُشْرِكُونَ}(1))(2).

(وقال عزّ وجلّ: {وَمَا كَانَ}) أي لا يجوز ({لِمُؤْمِنٖ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى}) أي حكم ({اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا}) أي حكماً سواء كان أمراً أم نهياً ({أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ}) الاختيار بخلاف أمر اللّه والرسول ({مِنْ أَمْرِهِمْ}) أي من جهة أمر أنفسهم، وتتمة (الآية) هي {وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} بمخالفة أوامرهما {فَقَدْ ضَلَّ ضَلَٰلًا مُّبِينًا}(3) أي واضحاً.

وهؤلاء لا مستند لهم في دعواهم بأن الاختيار بيدهم لأن المستند إما عقل، أو نقل، أو وعد، أو تقليد، أو شركاء، والثلاثة الأولى لا توجد، والأخيران باطلان.

1- (وقال: {مَا لَكُمْ}) استفهام إنكاري ({كَيْفَ تَحْكُمُونَ}) حكماً باطلاً لا يرتضيه عقل؟!

ص: 64


1- سورة القصص، الآية: 68.
2- تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان 4: 171.
3- سورة الأحزاب، الآية: 36.

أَمْ لَكُمْ كِتَٰبٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ أَيْمَٰنٌ عَلَيْنَا بَٰلِغَةٌ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَٰمَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ * سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَٰلِكَ زَعِيمٌ * أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُواْ بِشُرَكَائِهِمْ إِن كَانُواْ صَٰدِقِينَ}.

--------------------------------

2- ({أَمْ})، منقطعة للإضراب وتتضمن معنى الاستفهام الإنكاري، ({لَكُمْ كِتَٰبٌ}) سماوي نزل على الأنبياء السابقين ({فِيهِ تَدْرُسُونَ}) أي تقرؤون: ({إِنَّ لَكُمْ فِيهِ}) في الكتاب ({لَمَا تَخَيَّرُونَ}) أي لكم ما تختارونه؟!

3- ({أَمْ لَكُمْ أَيْمَٰنٌ}) أي عهود ومواثيق مؤكدة بالأيمان ({عَلَيْنَا بَٰلِغَةٌ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَٰمَةِ}) أي مؤكدة توكيداً شديداً، أو بمعنى أن العهود لكم جيلاً بعد جيل حتى قيام الساعة حيث إن تلك العهود ({إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ}) به لأنفسكم؟!

4- ({سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَٰلِكَ}) أي بالاختيار والحكم ({زَعِيمٌ}) كفيل، فهم في ذلك يتبعونه؟!

5- ({أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ}) في هذا القول، أو آلهة وعدوهم هذا الوعد ({فَلْيَأْتُواْ بِشُرَكَائِهِمْ}) في يوم القيامة - وهذا استهزاء بهم - ({إِن كَانُواْ صَٰدِقِينَ}(1)) في ما ادعوه.

ص: 65


1- سورة القلم، الآية: 36-41.

ص: 66

الفصل الرابع: سبب تركهم الإمام الحق

ص: 67

ص: 68

وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْءَانَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}

--------------------------------

ثم بيّن الإمام الرضا (عليه السلام) ، أن سبب ترك المخالفين للإمام الحق، ليس هو عدم الاستبصار ولا لنقصان الحجة، ولا عدم بلوغها، بل السبب هو قفل القلوب، والطبع عليها، وعدم السماع، وعدم استعمال العقول، والعصيان.

(وقال عزّ وجلّ: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ}) هؤلاء المنافقون ({الْقُرْءَانَ}) ليفهموا أن اللّه جازى المخالفين في الأمم السابقة بعقاب الدنيا وعذاب الآخرة، لعلّهم يرتدعون عن غيّهم، ({أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ}) قلوبهم ({أَقْفَالُهَا}(1)) فلا يمكنهم التدبّر؟ أي: يقدرون فلا يتدبرون، أم لا يقدرون؟ وهذه عبارة بلاغية تُقال كناية عن أنّ الطرف معاند لا ينفع معه الوعظ والإرشاد، كما يُقال لمن سقط في البئر: هل غمضت عينيك أم أنت أعمى؟!، ولعلّ تنكير «قلوب» لأجل إفادة ابتعادها حتى كأنها نكرة، وإضافة الأقفال إليها: لبيان أنّ للقلوب أقفالاً خاصة - هي التعامي والعناد - مما يسبب عدم نفاذ

ص: 69


1- سورة محمد، الآية: 24.

أَمْ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ. أَمْ {قَالُواْ سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ *

--------------------------------

العلم والفضيلة فيها(1).

(أم طبع اللّه على قلوبهم فهم لا يفقهون) هذا الكلام من الإمام (عليه السلام) اقتباس من آيات القرآن، كقوله تعالى: {وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}(2)، وقوله: {وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ}(3)، وإنما طبع اللّه على قلوبهم لتعدّيهم حدود اللّه بسوء اختيارهم، كما قال: {كَذَٰلِكَ نَطْبَعُ عَلَىٰ قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ}(4).

(أم) لم يسمعوا قوله تعالى: {يَٰأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} حيث إن المؤمنين هم المنتفعون بهذا الخطاب فلذا خصّه بهم، مع أن الإطاعة واجبة على الجميع، {وَلَا تَوَلَّوْاْ عَنْهُ} أي لا تُعرضوا عن الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) {وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ} أوامره ونواهيه {وَلَا تَكُونُواْ كَالَّذِينَ} كاليهود والمنافقين الذين ({قَالُواْ سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ}) أي لا يعملون بما سمعوا، فمع أن الكلام قرع

ص: 70


1- انظر تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان 5: 165.
2- سورة التوبة، الآية: 93.
3- سورة التوبة، الآية: 87.
4- سورة يونس، الآية: 74.

إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ}.

--------------------------------

أسماعهم لكنهم تركوه عمداً، فإن هؤلاء أسوء من الحيوانات إذ ({إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ})، هم الكفار الذين هم: ({الصُّمُّ}) الذين لا يسمعون سماع تفهّم، ({الْبُكْمُ}) الذين لا ينطقون بالحق، ({الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ}) أي لا يستعملون عقولهم، ({وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ}) أي أزال الأغشية عن قلوبهم لكي يقبلوا الحق، لكن اللّه علم أن لا خير فيهم بسوء اختيارهم، فهم معاندون حتى وإن زالت أغشية قلوبهم، ({وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ}) بإزالة الأغشية ({لَتَوَلَّواْ}) أي أعرضوا عن الحق بأجسامهم ({وَّهُم مُّعْرِضُونَ}(1)) بقلوبهم.

والحاصل أن هناك:

1- سماعاً بمعنى قرع الكلام للآذان، وهذا حاصل للكل من المؤمنين والمنافقين والكفار.

2- وسماعاً بمعنى إزالة الغشاوة عن القلوب، وهذا خاص بالمؤمنين.

3- وطهارة القلوب ذاتاً - بسبب حسن الاختيار - ، فمن كان قلبه

ص: 71


1- سورة الأنفال، الآية: 20-23.

أَمْ {قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا} بَلْ هُوَ {فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}.

--------------------------------

طاهراً أزال اللّه عنه الأغشية، فينتفع بما يقرع سمعه، ومن كان قلبه رجساً فلا ينفعه إزالة الغشاوة، بل حتى لو أزال اللّه غشاوة قلبه فإنه يبقى على رجسه ولا ينتفع بما يقرع سمعه.

(أم) سمعوا كلام اللّه ورسوله في تعيين الإمام لكنهم عصوه، فقال اللّه تعالى لهم: {خُذُواْ مَا ءَاتَيْنَٰكُم} من الأحكام {بِقُوَّةٖ} أي بتأكيد وشدة {وَاسْمَعُواْ} سماع طاعة وانقياد، لكنهم ({قَالُواْ سَمِعْنَا}) قولك ({وَعَصَيْنَا}(1)) أمرك.

(بل هو) أي منصب الإمامة كما قال اللّه: ({فَضْلُ اللَّهِ})، وليس اختياراً من الناس، ({يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ}) بحكمته ({وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}(2)).

ص: 72


1- سورة البقرة، الآية: 93.
2- سورة الحديد، الآية: 21.

الفصل الخامس: اختصاص آل محمد (عليهم السلام) بالإمامة

ص: 73

ص: 74

فَكَيْفَ لَهُمْ بِاخْتِيَارِ الْإِمَامِ؟!

وَالْإِمَامُ عَالِمٌ لَا يَجْهَلُ، وَرَاعٍ لَا يَنْكُلُ،

--------------------------------

بعد أن بيّن الإمام الرضا (عليه السلام) جملة من الأمور المرتبطة بالإمام والإمامة بشكل كليّ، أراد (عليه السلام) أن يبيّن أشخاص الأئمة (عليهم السلام) ، وأن الإمامة - بعد الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) - خصّها اللّه تعالى بآل محمد (عليهم السلام) ، وكان (عليه السلام) قد بيّن ذلك إجمالاً في قوله: «أتظنون أن ذلك يوجد في غير آل محمد (عليهم السلام) »، وهنا أراد التفصيل في الأوصاف - في العلم والعبادة والعمل والنسب والحسب وغيرها - بحيث لا تنطبق الإمامة إلّا على أئمة الهدى (عليهم السلام) .

(فكيف لهم باختيار الإمام؟) مع أن أوصاف الإمام لا تنطبق إلّا على من اختاره اللّه تعالى حصراً.

فأولاً: أوصافه في نفسه:

(والإمام عالم لا يجهل) هذا في الجانب العلمي، فهو يعلم كل ما تحتاج إليه الأمة.

(وراعٍ لا ينكل) وهذا في الجانب الإداري أي يقود الأمة بلا ضعف وجبن.

ص: 75

مَعْدِنُ الْقُدْسِ وَالطَّهَارَةِ، وَالنُّسُكِ وَالزَّهَادَةِ وَالْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ،

--------------------------------

(معدن) أي ليس متحلٍّ بالعلم والرعاية فحسب، بل هو منشأ للخيرات مثل (القدس والطهارة) في المرآة(1): «القدس» - بالضم وبضمتين - وهو البراءة من العيوب، و«الطهارة» وهي البراءة من الذنوب.

ويمكن أن يكون القدس في المعنويات والطهارة في الأعمّ.

(و) هو معدن (النسك والزهادة) لعلّ المراد بالنسك - هنا - : صفاء النفس وخلوصها(2)، و«الزهادة»: عدم تعلّق القلب بالدنيا والرغبة عنها.

ولا يخفى التناسب بين هذه الفقرات، ف- «القدس والطهارة» للدلالة على الابتعاد عن الرجس، و«النسك والزهادة» للدلالة على عدم التعلّق بالدنيا.

(و) هو معدن (العلم والعبادة) وهما متلازمان، فالعلم الحق يدعو إلى العبادة، كما قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَٰؤُاْ}(3).

ص: 76


1- مرآة العقول 2: 394.
2- النُسُك: يطلق على العبادة والطاعة، وعلى جمع النَسيكة أي الذبيحة المتقرب بها إلى اللّه تعالى، وقيل: الناسك مأخوذ من النَسيكة بمعنى سبيكة الفضة المصفاة كأنه خلَّص نفسه وصفاها للّه عزّ وجلّ، انظر كتب اللغة لمعرفة المزيد.
3- سورة فاطر، الآية: 28.

مَخْصُوصٌ بِدِعْوَةِ الرَّسُولِ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وَنَسْلِ الْمُطَهَّرَةِ الْبَتُولِ، لَا مَغْمَزَ فِيهِ فِي نَسَبٍ،

--------------------------------

وثانياً: نسبه:

(مخصوص بدعوة الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ) «الدِّعوة» - بكسر الدال - : بمعنى ادّعاء النسبة - كما في المفردات(1)- ، فلا أحد يدّعي النسب إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) إلّا ذرية فاطمة (عليها السلام) ، وقد قال (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : «كل حسب ونسب منقطع يوم القيامة إلّا حسبي ونسبي»(2) أو هو من الدَعوة - بفتح الدال - : من الدعاء، لأنه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) خصّهم بأدعية خاصة كقوله: «انصر من نصره واخذل من خذله»(3)، والأول أنسب.

(ونسل المطهّرة البتول) من التبتّل، بمعنى الانقطاع في العبادة وإخلاص النيّة، كما قال تعالى: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا}(4)، وكذا الانقطاع عمّا تراه النساء من الدم.

(لا مغمز فيه في نسب) «الغمز»: الإشارة بالجفن أو اليد طلباً للعيب، والمغمز: اسم مكان أو مصدر، وآباء وأمهات الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) طاهرو المولد مبرّؤون من العهر إلى آدم (عليه السلام) ، عكس

ص: 77


1- مفردات ألفاظ القرآن: 315، مادة (دعا).
2- بحار الأنوار6: 319.
3- الأمالي للشيخ الصدوق: 347.
4- سورة المزمل، الآية: 8.

وَلَا يُدَانِيهِ ذُو حَسَبٍ، فِي الْبَيْتِ مِنْ قُرَيْشٍ وَالذِّرْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ، وَالْعِتْرَةِ مِنَ الرَّسُولِ (صلی اللّه عليه وآله وسلم)

--------------------------------

خلفاء الجور، كما عرَّض أمير المؤممنين (عليه السلام) بمعاوية حين كتب إليه: «ولا الصريح كاللصيق»(1).

(ولا يدانيه ذو حسب) «الحسب»: هو الفضائل التي تُعدّ وتحسب، وفي المقاييس: قال أهل اللغة: معناه أن يَعُدّ آباءً أشرافاً(2)، (في البيت من قريش) كما روت العامة ذلك أيضاً في صحاحهم عن رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أنه قال: «الخلفاء من بعدي اثنا عشر كلّهم من قريش»(3).

(والذّروة من هاشم) «الذروة» - بالضم والكسر - : أعلى الشيء، أي أفضل ذرية هاشم، فعبدالمطّلب أفضل من إخوته، وعبد اللّه وأبو طالب أفضل من سائر إخوتهم، والإمام علي (عليه السلام) أفضل من إخوته، وهكذا.

وفي المرآة: قيل: المُراد أن يكون من فاطمة المخزومية، أم عبد اللّه وأبي طالب والزبير(4).

(والعترة من الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ) «العترة»: أخص أقارب الرجل،

ص: 78


1- نهج البلاغة، الكتب الرقم: 17.
2- معجم مقاييس اللغة 2: 59، مادة (حسب).
3- انظر البخاري 8: 127.
4- مرآة العقول 2: 395.

وَالرِّضَا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شَرَفُ الْأَشْرَافِ، وَالْفَرْعُ مِنْ عَبْدِ مَنَافٍ،

--------------------------------

وعترة النبي (صلی اللّه عليه وآله وسلم) هم الإمام علي وفاطمة وأولادهما (عليهم السلام) .

(والرضا من اللّه عزّ وجلّ) أي المرضي منه تعالى، ولعلّ ذكر هذا المقطع - هنا - لأنه لمّا ذكر نسبه إلى الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ، أراد ذكر ارتباطه باللّه تعالى، فأقرب ما يكون الرجل إلى رسول اللّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) حينما يكون من عترته، وأقرب ما يكون إلى اللّه حين رضا اللّه عنه.

(شرف الأشراف) أي أعلى من كل شريف و«الشريف» هو عالي النسب أو الحسب.

(والفرع من عبد مناف) فرع كل شيء أعلاه.

ثم اعلم لعلّ التأكيد على هذه الأوصاف لإخراج خلفاء الجور، أو من ادُعِيَ لهم الإمامة، «فالذروة من هاشم» لإخراج بني عباس، و«الفرع من عبد مناف» لإخراج بني أمية لأنهم ألصقوا إلى عبد شمس بن عبد مناف، فأمية كان عبداً رومياً تبنّاه عبد شمس، و«العترة من الرسول» لإخراج غير أقربائه، و«نسل المطهّرة البتول» لإخراج مثل محمّد بن الحنفية حيث ادّعت الكيسانية إمامته.

كما أن ترتيب الأوصاف هذه لرعاية السجع ليكون أبلغ، وأما لو أُريد ترتيب هذه الأوصاف خارجاً بدءاً من الوصف الأعمّ وانتهاءً بالأخصّ - فيكون: البيت من قريش، ثم الفرع من عبد مناف، ثمالذروة

من هاشم، ثم دِعوة الرسول - أي ادّعاء النسبة إليه - ، ثم عترته،

ص: 79

نَامِي الْعِلْمِ، كَامِلُ الْحِلْمِ،

--------------------------------

ثم نسل المطهرة البتول، بدءاً من الوصف الأعم وانتهاءً بالأخصّ.

وفي نهج البلاغة في كتاب له (عليه السلام) إلى معاوية: «وأما قولك: إنّا بنو عبد مناف، فكذلك نحن، ولكن ليس أمية كهاشم، ولا حرب كعبد المطلب، ولا أبو سفيان كأبي طالب، ولا المهاجر كالطليق، ولا الصريح كاللصيق، ولا المحق كالمبطل، ولا المؤمن كالمدغل، ولبئس الخلف خلفٌ يتبع سلفاً هوى في نار جهنم...»(1).

وثالثاً: إدارته لشوون الإمامة:

(نامي العلم) أي علمه في زيادة باستمرار، واستفاضت الأحاديث على أنهم يزدادون وأنهم محدَّثون وغيرها(2)، والمقصود أنه عالم بكل الشؤون التي ترتبط بالإمامة، والإمام قد علّمه اللّه والرسول الشريعة كلها، وأخبار ما كان وما يكون وما هو كائن، ومع ذلك يزيدهم اللّه علماً باستمرار كما تواترت بذلك الأخبار، فراجع شرحنا على أصول الكافي(3).

(كامل الحلم) أي العقل، فالمراد أن عقلهم كامل لا يتصوّر فوقه شيء.

ص: 80


1- نهج البلاغة، الكتب الرقم: 17.
2- انظر الكافي 1: 270.
3- شرح أصول الكافي (للمؤلف) 3: 368-391؛ و4: 122-131.

مُضْطَلِعٌ بِالْإِمَامَةِ، عَالِمٌ بِالسِّيَاسَةِ، مَفْرُوضُ الطَّاعَةِ، قَائِمٌ بِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ناصِحٌ لِعِبادِ اللَّهِ، حَافِظٌ لِدِينِ اللَّهِ.

--------------------------------

(مضطلع بالإمامة) أي يقوى عليها، فيقوم بأعبائها بأتمّ وجه.

(عالم بالسياسة) أي بقيادة الأمة، من ساس الدابة إذا قام بما يُصلح شأنها.

(مفروض الطاعة) أي جعل اللّه له هذا الحق بأن تجب على الناس طاعته، إذ لا معنى للإمامة إلّا مع تشريع الطاعة.

(قائم بأمر اللّه عزّ وجلّ) أي المتكفّل بتنفيذ إرادة اللّه تعالى، أو بمعنى مراعاته لكل ما يرتبط باللّه عزّ وجلّ من أمور العباد والبلاد.

(ناصح لعباد اللّه) النصح بمعنى الخلوص أي يريد هداية الناس من غير غرض مادي بل لهدايتهم وانقاذهم.

(حافظ لدين اللّه) عن التحريف والزيادة والنقصان.

هذا المقطع من قوله: «نامي العلم...» فيه أشارة إلى ثلاثة أمور:

1- إنه جدير بالإمامة، لعلمه وعقله وحسن إدارته.

2- إن طاعته واجبة، وهذا يرتبط بوظيفة الناس تجاهه.

3- إنه متكفل لما يرتبط باللّه تعالى، من أمره ودينه وعباده.

ص: 81

ص: 82

الفصل السادس: فضائل الإمام بفضل اللّه تعالى

ص: 83

ص: 84

إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالْأَئِمَّةَ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيهِم يُوَفِّقُهُمُ اللَّهُ، وَيُؤْتِيهِمْ مِنْ مَخْزُونِ عِلْمِهِ وَحُكمِهِ مَا لَا يُؤْتِيهِ غَيْرَهُمْ،

--------------------------------

ثم أكد الإمام الرضا (عليه السلام) على أن ما يتحلّى به الإمام من صفات - تجعله قابلاً للإمامة - إنما هو بفضل من اللّه تعالى، وهذا الفضل خصّه اللّه بمن اختارهم واصطفاهم من خلقه، وكذلك الأنبياء (عليهم السلام) ، اصطفاهم اللّه وخصّهم بالعلم والحكمة ونحوهما.

(إن الأنبياء والأئمة صلوات اللّه عليهم يوفقهم اللّه) «التوفيق»: تجمّع الأسباب وصيرورة بعضها وفق بعض لتحقق الأمر الحسن، كقوله تعالى: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ}(1).

(ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمه ما لا يؤتيه غيرهم)، «مِن» إما ابتدائية نشوية فالمعنى: يؤتيهم اللّه ما لا يؤتي غيرهم ومنشأ ذلك علم اللّه وتقديره، فهو لعلمه بالأصلح وتقديره وقضائه آتاهم ما لم يعطه لغيرهم.

وإما تبعيضية فيكون «من مخزون علمه وحكمه» مفعولاً، أي يعطيهم اللّه بعضاً من علمه المخزون وحكمه.

ص: 85


1- سورة هود، الآية: 88.

فَيَكُونُ عِلْمُهُمْ فَوْقَ عِلْمِ أَهْلِ الزَّمَانِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

--------------------------------

و«حكمه» على الأول بمعنى التقدير والقضاء، وعلى الثاني بمعنى الحكمة أو بمعنى الولاية كقوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ ءَاتَيْنَٰهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}(1).

و«المخزون» أي المحفوظ عنده لم يطلع عليه إلّا من يشاء اللّه تعالى.

(فيكون علمهم فوق علم أهل الزمان) لأن التفضيل بالعلم والتقوى، وقد قال اللّه: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}(2)، وترجيح المفضول على الفاضل قبيح عقلاً، فلذا لا بدّ من كون الإمام أعلم أهل زمانه ليكون أفضلهم.

(في قوله تعالى) أي هذا المطلب - وهو أنهم فوق أهل زمانهم علماً وحكمة - مذكور في هذه الآيات:

فالآية الأولى: في العلم، لأن الهداية لا تكون إلّا من العالم بالرشد من الغي.

والثانية: في الحكمة، وأنها عطاء من اللّه تعالى لهم (عليهم السلام) .

والثالثة: للدلالة على أن اللّه يصطفي الأفضل، ولا شك أن من له العلم والحكمة هو أفضل من غيره، فيكون أحق بالاصطفاء.

ص: 86


1- سورة يوسف، الآية: 22.
2- سورة الزمر، الآية: 9.

{أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}

--------------------------------

والرابعة: في فضل اللّه تعالى على الرسول (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وإنزال العلم والحكمة عليه.

والخامسة: في فضله تعالى على أمير المؤمنين علي والأئمة (عليهم السلام) .

1- أما الآية الأولى فقد قال العلامة المجلسي رضوان اللّه عليه: الآية صريحة في أن المتبوع يجب أن يكون أعلم من التابع، وأنه لا بدّ أن يكون الإمام غير محتاج إلى الرعية في علمه، ولا ريب أن غير أمير المؤمنين (عليه السلام) من الصحابة لم يكونوا كذلك(1).

{قُلْ هَلْ} استفهام إنكاري {مِن شُرَكَائِكُم} كالأصنام {مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ}؟ وحيث يعجزون عن الجواب {قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ}، ثم بيّن اللّه تعالى القاعدة العقلية العامة - التي يعرفها كل إنسان بفطرته - ({أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ}) أولى ({أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي}) أي لا يهتدي ({إِلَّا أَن يُهْدَىٰ}) أي بأن يهديه غيره، فالعالم الذي يرشد إلى الحق أولى بالاتباع أم الجاهل الذي يحتاج إلى الهداية؟ ({فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}(2)) حكماً خلافعقولكم؟

ص: 87


1- مرآة العقول 2: 396.
2- سورة يونس، الآية: 35.

وَقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}، وَقَوْلِهِ فِي طَالُوتَ:

--------------------------------

و«يَهِدّي» من اهتدى يهتدي من باب الإفتعال، قُلبت التاء دالاً للتخفيف - جوازاً - وأُدغمت الدالان، ثم حرّكت الهاء دفعاً لالتقاء الساكنين، وفي الفعل الماضي استغني عن همزة الوصل - لحركة الهاء - فقيل: هِدّى يَهِدِّي.

2- (و) في (قوله تبارك وتعالى: {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا})(1)، وجه الاستدلال أن الذي آتاه اللّه الحكمة هو فوق أهل زمانه.

فالآية السابقة حول أنهم فوق أهل زمانهم من جهة العلم، وهذه الآية حول أنهم فوق أهل زمانهم حكمةً.

3- (وَ) في (قَوْلِهِ فِي طَالُوتَ): {وَقَالَ لَهُمْ} للملأ من بني إسرائيل بعد موسى {نَبِيُّهُمْ} إشموئيل بالعبرية وإسماعيل بالعربية: {إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ} أي عيّن عليكم {طَالُوتَ} من ذرية بن يامين بن يعقوب (عليه السلام) {مَلِكًا قَالُواْ أَنَّىٰ} كيف {يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ} لأنّا أسباط النبوّة والملك، فقد كانت النبوّة في ذرّية لاوي بن يعقوب، والمُلك في ذرية يهوذا بن

ص: 88


1- سورة البقرة،الآية: 269.

{إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ}.

--------------------------------

يعقوب، {وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ} فهو فقير والمملكة بحاجة إلى مال! {قَالَ} إشموئيل ({إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰهُ عَلَيْكُمْ}) وهذا جواب تعبّدي، أي عليكم أن تقبلوا بما اختاره اللّه أيّاً كان، وهنا جواب آخر وهو جواب تعليلي لبيان علّة اصطفائه دونهم ({وَ}) هو: أن اللّه ({زَادَهُ بَسْطَةً}) أي سعة ({فِي الْعِلْمِ}) والمَلِك يحتاج إلى علم ليتمكن من إدارة المملكة، ({وَالْجِسْمِ}) لتكون له هيبة وشجاعة، وهذان - سعة العلم والجسم - من مقومات المُلك، لا المال، فإنهما يأتيان بالمال وليس العكس، ({وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاءُ}) فليس كونه من ذرية بن يامين نقصاً، إذ كما آتى اللّه المُلك في سبط يهوذا وآتى النبوة في سبط لاوي، كذلك يؤتي المُلك حالاً في سبط بن يامين ({وَاللَّهُ وَٰسِعٌ}) عطاءً، فيهب الملك لمن يشاء ويغني الفقير، ({عَلِيمٌ}(1)) بمصالح العباد فلا يأمر بشيء اعتباطاً بل عن علم وحكمة.

في المرآة: فدلّت الآية على أن الاصطفاء وايتاء المُلك الحق إنما يكون من اللّه وبتعيينه، وأنّ مناط الاصطفاء شيئان: العلم والجسم،

ص: 89


1- سورة البقرة، الآية: 247.

وَقَالَ لِنَبِيِّهِ (صلی اللّه عليه وآله وسلم) : {وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَٰبَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}.

وَقَالَ فِي الْأَئِمَّةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّهِ وَعِتْرَتِهِ وَذُرِّيَّتِهِ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيهِم: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ

--------------------------------

ومعلوم أن الجسم غير مقصود في نفسه، بل لكونه ملزوماً للشجاعة والمهابة عند العدوّ، فدلّت على أن الإمام لا بدّ أن يكون أعلم وأشجع من جميع الأمة، ولا ريب في أن كلّاً من أئمتنا (عليهم السلام) كانوا أعلم وأشجع ممن كان في زمانهم من المدعين للخلافة(1).

4- (وقال لنبيّه (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ) كيف يحاولون إضلالك يا رسول اللّه ({وَ}) الحال أنه ({أَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَٰبَ وَالْحِكْمَةَ}) فتعلم أحكام الشرع كاملاً، ({وَعَلَّمَكَ}) من أحوال الناس وأمورهم ({مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ}) لولا تعليمه تعالى إياك، ({وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا}(2))، فإنك تعلم الأحكام، وتعلم القضايا، فحفظك اللّه من أن تخدع وتضلّ.

5- (وقال في الأئمة من أهل بيت نبيّه وعترته وذرّيته صلوات اللّه عليهم: {أَمْ}) منقطعة - بمعنى بل - ، ({يَحْسُدُونَ النَّاسَ}) يعني محمداً وآله عليه وعليهم الصلاة والسلام، فهمأظهر مصاديق

ص: 90


1- مرآة العقول 2: 397.
2- سورة النساء، الآية: 113.

عَلَىٰ مَا ءَاتَىٰهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِۦ فَقَدْ ءَاتَيْنَا ءَالَ إِبْرَٰهِيمَ الْكِتَٰبَ وَالْحِكْمَةَ وَءَاتَيْنَٰهُم مُّلْكًا عَظِيمًا * فَمِنْهُم مَّنْ ءَامَنَ بِهِۦ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا}.

--------------------------------

الآية ({عَلَىٰ مَا ءَاتَىٰهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِۦ}) النبوّة في محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) والإمامة في علي وذريته (عليهم السلام) ، فما وجه الحسد؟ مع أن بيت محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) وعلي (عليه السلام) هو بيت النبوّة والمُلك ({فَقَدْ ءَاتَيْنَا ءَالَ إِبْرَٰهِيمَ}) أي إبراهيم وآله (عليهم السلام) ({الْكِتَٰبَ}) أي الكتب السماوية ({وَالْحِكْمَةَ}) أي علم الشريعة ({وَءَاتَيْنَٰهُم مُّلْكًا عَظِيمًا}) أي سلطة دينية ودنيوية ({فَمِنْهُم}) من أهل الكتاب أو عامة الناس ({مَّنْ ءَامَنَ بِهِۦ}) بإبراهيم (عليه السلام) أو بمحمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) ({وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ}) عن إبراهيم (عليه السلام) أو محمد (صلی اللّه عليه وآله وسلم) أو عن الإيمان به ({وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا}(1)) ناراً مشتعلة، فلا يضرّ صدّهم عنه، بل سيلاقون أشدّ العقاب.

ص: 91


1- سورة النساء، الآية: 54-55.

ص: 92

خلاصة الكلام

ص: 93

ص: 94

وَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اخْتَارَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِأُمُورِ عِبَادِهِ، شَرَحَ صَدْرَهُ لِذَلِكَ

--------------------------------

ثم إن الإمام الرضا (عليه السلام) لخّص ما ذكره، وأكّد أن الإمام:

1- باختيار من اللّه تعالى.

2- وأن اللّه يصطفيه ويتفضّل عليه بالعلم والحكمة والعصمة... .

3- وأن هذا الفضل لا يمكن لأحد أن يكسبه، ولا أحد ممن يختاره الناس - دون إرادة اللّه تعالى - يتحلّى بهذه الأوصاف.

4- وأنهم بتركهم من اختاره اللّه، قد ضلّوا ونبذوا الكتاب، وأنه تعالى غضب عليهم.

(وإن العبد) تأكيد على أن الأئمة (عليهم السلام) عبيد اللّه تعالى، وكل ما لهم فهو من فضله عليهم.

(إذا اختاره اللّه عزّ وجلّ لأمور عباده) أمورهم الدينية بتبليغ الأحكام وبيانها، والدنيوية بالحكم عليهم، فإن الإمامة رئاسة في الدين والدنيا.

(شرح صدره) أي جعل له القابلية (لذلك) أي لأمور عباده، فإن كثيراً من العلم لا يتحملّه الناس، وكثير من القضايا تصعب عليهم،

ص: 95

وَأَوْدَعَ قَلْبَهُ يَنَابِيعَ الْحِكْمَةِ وَأَلْهَمَهُ الْعِلْمَ إِلْهَاماً فَلَمْ يَعْيَ بَعْدَهُ بِجَوَابٍ وَلَا يُحَيَّرُ فِيهِ عَنِ الصَّوَابِ، فَهُوَ مَعْصُومٌ مُؤَيَّدٌ مُوَفَّقٌ مُسَدَّدٌ، قَدْ أَمِنَ مِنَ الْخَطَايَا وَالزَّلَلِ وَالْعِثَارِ

--------------------------------

كما قال اللّه تعالى عن رسوله: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ}(1).

(وأودع قلبه ينابيع الحكمة) أي تنبع منه الحكمة كما ينبع الماء من العيون، كناية عن عدم انتهاء حكمته.

(وألهمه العلم إلهاماً) «الإلهام»: الإلقاء في الروع من غير كسب ولا طلب.

(فلم يعي) «العَيّ»: العجز، (بعده) بعد الشرح والإيداع والإلهام، أو بعد الاختيار، (بجواب) فله جواب لكل سؤال بما علّمه اللّه.

(ولا يحير فيه) أي لا يتحيّر في الجواب (عن الصواب) فكل أجوبته صائبة لا خطأ فيها.

(فهو معصوم مؤيّد) «التأييد»: بمعنى التقوية، (موفّق مسدّد) «التسديد»: الاستقامة، وهو في الأصل بمعنى ما يُسدُّ به الثغر، وهذه الأربعة - العصمة والتأييد والتوفيق والتسديد - لبيان الجانب الإيجابي بصحة كل ما يقوله ويعمله.

وأما الجانب السلبي فهو (قد أمن من الخطايا): الذنوب،(والزلل): الذنب من غير قصد، (والعثار): الخطأ، فهو معصوم من

ص: 96


1- سورة الإنشراح، الآية: 1.

يَخُصُّهُ اللَّهُ بِذَلِكَ لِيَكُونَ حُجَّتَهُ عَلَى عِبَادِهِ، وَشَاهِدَهُ عَلَى خَلْقِهِ وَ{ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}. فَهَلْ يَقْدِرُونَ عَلَى مِثْلِ هَذَا فَيَخْتَارُونَهُ

--------------------------------

تعمّد الذنب، ومن الخطأ في الذنب، ومن الخطأ في سائر الأمور.

(يخصه اللّه بذلك) أي بالعصمة وما بعدها لجهتين:

الأولى: (ليكون حجته على عباده) أي: إنه الحجّة على العباد، يقتدون ويتأسون به، وكيف يمكن التأسي بمن يُذنب، أو الاقتداء بمن يُخطئ؟

الثانية: (و) ليكون (شاهده على خلقه) أي: إنه شاهد على الناس وسائر المخلوقات كما قال تعالى: {لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}(1)، ولا بدّ من أمن الشاهد عن الخطأ، وإلّا أمكن ردّ شهادته، أو الاحتجاج بأنه يُخطئ فكيف تقبل شهادته، مع أنه للّه الحجّة البالغة.

(و{ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}(2)).

(فهل يقدرون على مثل هذا) أي هل يمكنهم أن يوجدوا في أنفسهم العصمة والتأييد... الخ ليستحقوا الإمامة، والاستفهام إنكاري، أي لا يقدون على ذلك (فيختارونه) أي فيختارون منأوجد هذه الصفات في نفسه.

ص: 97


1- سورة البقرة، الآية: 143.
2- سورة الحديد، الآية: 21.

أَوْ يَكُونُ مُخْتَارُهُمْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَيُقَدِّمُونَهُ، تَعَدَّوْا - وَبَيْتِ اللَّهِ - الْحَقَّ وَنَبَذُوا كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ، وَفِي كِتَابِ اللَّهِ الْهُدَى وَالشِّفَاءُ فَنَبَذُوهُ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ، فَذَمَّهُمُ اللَّهُ وَمَقَتَهُمْ وَأَتْعَسَهُمْ

--------------------------------

(أو يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدمونه) أي وهل يتعدد من توجد فيه هذه الصفات حتى يتركوا من اختاره اللّه إلى ذلك الشخص؟

(تعدّوا - وبيت اللّه - ) أي قسماً بالكعبة (الحق) أي تجاوزوا الحق إلى الباطل.

(ونبذوا كتاب اللّه وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون) تضمين لقوله تعالى: {نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَٰبَ كِتَٰبَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}(1)، والنبذ وراء الظهر كناية عن عدم الاعتناء.

(و) الحال أن (في كتاب اللّه الهدى والشفاء) كما قال تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدًى وَشِفَاءٌ}(2). (فَنَبَذُوهُ) تركوا كتاب اللّه (وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ، فذمهم) «الذم»: اللوم، (ومقتهم) «المقت»: البغض الشديد، (وأتعسهم) «التعس»: الانحطاط والهلاك، وفيالمفردات: أن لا ينتعش من العثرة وأن ينكسر في سفال(3).

ص: 98


1- سورة البقرة، الآية: 101.
2- سورة فصلت، الآية: 44.
3- مفردات ألفاظ القرآن: 166، مادة (تعس).

فَقَالَ جَلَّ وَتَعَالَى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَىٰهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّٰلِمِينَ}، وَقَالَ: {فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَٰلَهُمْ}، وَقَالَ:

--------------------------------

(فقال جلّ وتعالى:) {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ} ({وَمَنْ}) استفهام إنكاري ({أَضَلُّ}) أكثر ضلالاً ({مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَىٰهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ}) قيل: التقييد بقوله: «بغير هدى»، لأن هوى النفس قد يوافق الحق ({إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّٰلِمِينَ}(1)) الذين ظلموا أنفسهم بالعناد واتّباع الهوى، فلم تكن لهم القابلية للهداية بسوء اختيارهم.

(وقال) اللّه تعالى: ({فَتَعْسًا لَّهُمْ}) في الدنيا، وهذا دعاء عليهم بالانحطاط والهلاك، ({وَأَضَلَّ أَعْمَٰلَهُمْ}(2)) أي ضيّع أعمالهم الصالحة، لأنها تُحبط ولا فائدة فيها، أو بمعنى الدعاء عليهم بأن لا يصلوا إلى مقصودهم من أعمالهم، وهؤلاء وإن كانوا يصلون إلى بعض أهدافهم في الدنيا، لكن لا يصلون إلى مرادهم الأصلي، وأما في الآخرة فيتحوّل عملهم إلى هباء منثور.

(وقال) اللّه تعالى: {كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ} أسرف على

ص: 99


1- سورة القصص، الآية: 50.
2- سورة محمد، الآية: 8.

{كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٖ جَبَّارٖ}، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً.

--------------------------------

نفسه بأن تعدّى بها عن الطريق الوسط {مُّرْتَابٌ} شاك في دينه، {الَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِي} دفع وإبطال {ءَايَٰتِ اللَّهِ} أدلته وأحكامه {بِغَيْرِ سُلْطَٰنٍ أَتَىٰهُمْ} بغير حجة جاءتهم في دفع الآيات، بل عناداً، ({كَبُرَ}) عملهم ({مَقْتًا}) وغضباً ({عِندَ اللَّهِ}) فإن اللّه يمقتهم مقتاً شديداً ({وَعِندَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ}) فإنهم يمقتونهم أيضاً ({كَذَٰلِكَ}) هكذا ({يَطْبَعُ اللَّهُ}) ومعنى الطبع: كونه مطبوعاً ومختوماً - بسوء تصرفه وعناده - على الكفر، ({عَلَىٰ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٖ}) عن قبول الحق ({جَبَّارٖ}(1)) يجبر الناس ويظلمهم(2).

(وصلّى اللّه على النبي محمّد وآله وسلّم تسليماً كثيراً).

سبحان ربّك رب العزة عمّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد للّه رب العالمين وصلى اللّه على محمد وآله الطاهرين.

وكان الفراغ من توضيح هذا الحديث الشريف في ليلة الجمعة، غرة جمادى الأُولى، سنة 1431 في بلدة قم المقدسة.

ص: 100


1- سورة غافر، الآية: 35.
2- انظر تبيين القرآن: 484.

من المصادر

1. القرآن الحكيم.

2. نهج البلاغة، جَمَعه الشريف الرضي، ت 406ه ق، تحقيق صبحي الصالح، انتشارات هجرت، قم المقدسة، 1414ه ق.

3. الاحتجاج، الشيخ أحمد بن علي الطبرسي، ت588ه ق، نشر مرتضى، مشهد المقدسة، 1403ه ق.

4. الإرشاد، الشيخ المفيد، ت413ه ق، مؤتمر ألفية الشيخ المفيد، قم المقدسة، 1413 ه ق.

5. الأمالي، الشيخ الصدوق، ت 381ه ق، انتشارات كتابچي، طهران، 1376ه ش.

6. بحار الأنوار، الشيخ محمد باقر المجلسي، ت 1110ه ق، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1403ه ق.

7. تبيين القرآن، السيد محمد الحسيني الشيرازي، ت 1422ه ق، دار العلوم، بيروت، 1423ه ق.

8. تفسير تقريب القرآن إلى الأذهان، السيد محمد الحسيني الشيرازي، ت 1422ه ق، دار العلوم، بيروت، 1424ه ق.

ص: 101

9. تفسير فرات الكوفي، فرات بن إبراهيم الكوفي، ت 307ه ق، وزارة الإرشاد، طهران، 1410ه ق.

10. تفسير مجمع البيان، الشيخ الفضل بن الحسن الطبرسي، ت548ه ق، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1415ه ق.

11. التفكر في القرآن (سورة آل عمران)، السيد جعفر الحسيني الشيرازي، انتشارات دليل ما، قم المقدسة، 1438ه ق.

12. التفكر في القرآن (سورة المائدة)، السيد جعفر الحسيني الشيرازي، انتشارات دليل ما، قم المقدسة، 1440ه ق.

13. الخصال، الشيخ الصدوق، ت381ه ق، جامعة المدرسين، قم المقدسة، 1362ه ش.

14. شرح أصول الكافي، السيد جعفر الحسيني الشيرازي، دار العلوم، بيروت، 1435ه ق.

15. عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ، الشيخ الصدوق، ت 381ه ق، نشر جهان، طهران، 1378ه ق.

16. الغيبة، الشيخ ابن أبي زينب النعماني، ت 360ه ق، نشر الصدوق، طهران، 1397ه ق.

17. الفصول المختارة، الشيخ المفيد، ت 413ه ق، مؤتمر ألفية الشيخ المفيد، قم المقدسة، 1413ه ق.

18. الكافي، الشيخ الكليني، ت 329ه ق، دار الكتب الإسلامية،

ص: 102

طهران، 1407ه ق.

19. كفاية الأثر، علي بن محمد الخزاز الرازي، توفي في القرن 4ه ق، انتشارات بيدار، قم المقدسة، 1401ه ق.

20. كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق، ت 381ه ق، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1395ه ق.

21. لسان العرب، محمد بن مكرم (ابن منظور)، ت 711ه ق، دار الفكر - دار صادر، بيروت، 1414ه ق.

22. مرآة العقول، الشيخ محمد باقر المجلسي، ت 1110ه ق، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1404ه ق.

23. معاني الأخبار، الشيخ الصدوق، ت 381ه ق، جامعة المدرسين، قم المقدسة، 1403ه ق.

24. معجم الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري، ت 395ه ق، جامعة المدرسين، قم المقدسة، 1412ه ق.

25. معجم مقاييس اللغة، أحمد بن فارس، ت 395ه ق، مكتب الإعلام الإسلامي، قم المقدسة، 1404ه ق.

26. مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني، ت 502ه ق، دار القلم - الدار الشامية، بيروت - دمشق، 1412ه ق.

27. مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام) ، الشيخ ابن شهر آشوب المازندراني، ت588ه ق، انتشارات علامة، قم المقدسة، 1379ه ق.

ص: 103

28. الوافي، الشيخ محمد محسن الفيض الكاشاني، ت 1091ه ق، مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ، أصفهان، 1406ه ق.

ص: 104

فهرس المحتويات

المقدمة... 5

خلاصة الحديث... 5

الفصل الأول: الاستدلال على أن الإمامة بالتعيين... 9

الدليل الأول... 11

الدليل الثاني... 17

الفصل الثاني: أمور مرتبطة بالإمامة والإمام... 31

أولاً: منزلة الإمامة... 34

ثانياً: فائدة الإمامة... 35

ثالثاً: محل الإمامة من الدين... 36

رابعاً: دور الإمام... 37

خامساً: تشبيه الإمام بالنور... 40

سادساً: النجاة باتباع الإمام... 43

سابعاً: عموم خير الإمام... 44

ص: 105

ثامناً: نسبة الإمام إلى الناس... 46

تاسعاً: نسبة الإمام إلى اللّه تعالى... 47

عاشراً: صفات الإمام... 48

الحادي عشر: فضل الإمام على الناس... 50

الثاني عشر: عدم معرفة كنه الإمام... 52

الفصل الثالث: المخالفة لاختيار اللّه تعالى!!... 57

الفصل الرابع: سبب تركهم الإمام الحق... 67

الفصل الخامس: اختصاص آل محمد (عليهم السلام) بالإمامة... 73

الفصل السادس: فضائل الإمام بفضل اللّه تعالى... 83

خلاصة الكلام... 93

من المصادر... 101

فهرس المحتويات... 105

ص: 106

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.