الامام علي بن موسى الرضا (علیه السلام)
ودوره في أحداث عصره
تأليف
الدكتور نبيل جواد الخاقاني
الطبعة الاولى
النجف الاشرف 2011
ص: 1
بسم الله الرحمن الرحیم
«فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ»
صدق الله العلي العظيم
يوسف : الآية 76
ص: 2
إلى ...
حضرة سيدي ومولاي
الإمام علي بن موسى الرضا (علیه السلام)
أضع بين يَديك صَحائِفَ من سيرتك العَطرة
مضمخةً بمحبتي لآل بيتك الطيبين الطاهرين (علیهم السلام)
لتكون شاهداً على مجريات تَلكمْ الأحداث
فإنها وسيلتي لنيل رضاكم وَذخيرِتي ليوم شفاعتكم
المؤلف
ص: 3
بعد الانتهاء من كتابة كتابي هذا،أود ان اتقدم بالشكر ووافر الامتنان الى أستاذتي الفاضلة الدكتورة نوال تركي موسى التي رفدتني بالمعلومات التأريخية المهمة ، فضلاً عن جهودها المضنية في قراءة فصول الكتاب عندما كان في طور الرسالة الجامعية ( الماجستير ) كونها كانت المشرفة على هذا الجهد ، ومابذلته من توجيهات سديدة وملاحظات دقيقة وحرص دائم على احاطتي بكل شاردة وواردة لها علاقة بموضوع الكتاب.
ويسرني ان أوجه شكري وتقديري لأساتذتي الافاضل في السنة التحضيرية، الاستاذ الدكتور حسن عيسى الحكيم والاستاذ المساعد الدكتور علاء الرهيمي والاستاذ المساعد الدكتور سمير صالح حسن والاستاذ المساعد الدكتور رياض حميد الجواري والاستاذ المساعد علي عظم محمد والاستاذ المساعد الدكتور عدنان محبوبه والاستاذ المساعد الدكتور جاسب عبدالحسين والدكتور فليح حسن علي لما ابدوه من حسن النصح والارشاد والجهد في هذه السنة.
ص: 4
ويحتم عليّ واجب العرفان بالجميل ان اسدي شكري وامتناني الى زميلي واخي الدكتورهادي عبدالنبي التميمي ولاخي وزميلي حيدر لفته مال الله اللذين وقفا بجانبي - منذ البداية- طيلة فترة الدراسة والكتابة.
ولا انسى ان اوجه احترامي وامتناني الى الست هناء سعد محمد التي حفزتني وشجعتني باتجاه اكمال دراستي.
واود كذلك ان اسجل تقديري وعرفاني بالجميل الى العاملين في مكتبة الإمام الحكيم العامة ومكتبة أمير المؤمنين (علیه السلام) ومكتبة كلية الاداب بجامعة
الكوفة ومكتبة الكلية الاسلامية الجامعة في النجف الاشرف، كذلك اوجه شكري الى الدكتورعمار نصار الذي فتح ابواب مكتبته العامرة لي.
وختاماً اود ان اسجل اعتذاري وتقديري للست إنعام محسن لما بذلته من جهد مضنٍ في طباعة أصول هذا الكتاب.
المؤلف
ص: 5
ت: توفي.
ج: جزء.
ص: صفحة.
ط: طبعة.
ق: قسم.
مج: مجلد.
م.ن: المصدر نفسه او المكان نفسه.
بلا: بلا تاريخ.
ﻫ: هجرية.
م: ميلادية.
تر: ترجم.
ع: العدد.
د.ت: دون تاريخ
صفحة P.
جزء (V.O.L.) .
موسوعة Encyclopedia.
ص: 6
ص: 7
المقدمة
نطاق البحث وتحليل المصادر
لقد عصفت بالدولة العربية الاسلامية بعد موت الرسول الاعظم (صلی الله علیه و آله و سلم) وبعد غياب شخصه الكريم عن الساحة السياسية احداث تأريخية جسام تركت اثارها طيلة فترة الحكام الذين توالوا على حكم الدولة الاسلامية ، وقد تبلور هذا الامر بصوره جليه إبان العصر العباسي ولعل ابرز الاسباب التي دعت الى ذلك النزاع حول الخلافة واسناد الحكام العباسيين ولاية العهد لاكثرمن واحد من أبنائهم فكان الصراع والتناحر فيما بين الاخوه والابناء سبباً لوصول البعض وبقائه على سدة الحكم فيما اختفى اخرون عن المسرح السياسي للدولة، ولعل خير مثال على ذلك الصراع بين الامين والمأمون الذي استمر لفترة طويلة حول من يلي الحكم بعد موت ابيهما الرشيد، فقد ألقت المشاكل التي حصلت بينهما بظلالها على الساحة السياسية في مختلف الامصار الاسلامية مما شجع على قيام العديد من الثورات وكثرة الاضطرابات ومنها ثورات العلويين الذين طالبوا بإرجاع الخلافة الى اصحابها
ص: 8
الشرعيين من اولاد علي وفاطمة (علیهم السلام) كحل ناجع لكل المشاكل التي واجهت الامة الاسلامية، لاسيما الإمام الرضا (علیه السلام) ، وبما أن الخلافة تحولت الى ملك عضوض تنازع عليه الامويون وافراد البيت العباسي، وهو ما دفع بأئمة آل البيت (علیهم السلام) ان ينأوا بانفسهم عن ذلك التهافت على السلطة مع ممارسة دورهم القيادي باتخاذ المنهج السلمي، عن طريق بث علومهم أينما حلّوا لكنهم في الوقت نفسه لم يقفوا موقف المتفرج بل كانوا صمام امان لكل نازلة يمكن ان تمس بأمة جدّهم رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) فيكونون اوائل المبادرين للم شمل الامة وقطع السبيل على من يحاول بث الفرقه فيها بشتى الاساليب السياسية والفكرية والدينية، ولعل ابرز من سار على هذا النهج الرسالي المحمدي الإمام الرضا (علیه السلام)الذي رضي بولاية العهد - مكرهاً- كما سنوضح من خلال بحثنا هذا لانه لم يكن له منها شيء، لكنه اتخذها فرصة لبث علومه وعلوم آبائه(علیهم السلام) واصدار فتاويه وإلقاء محاضراته على تلامذته مع متابعة ما يحدث على الساحة السياسية وتقديم النصح والارشاد الى المأمون العباسي بما يعود بالنفع على الامة الاسلامية، شأنه شأن جده الإمام علي بن ابي طالب (علیه السلام) .
ولعل الدوافع التي دعتني للكتابة عن الإمام الرضا (علیه السلام) هو ذلك الحضور الواضح والملموس الذي كان له (علیه السلام) على معظم احداث عصره لتقديمها كدراسة تأريخية من خلال الوقوف عليها للاطلاع على ما ورد عنه في المصادر التاريخية فضلاً عن عدم وجود دراسة اكاديمية حسب علمي، تسلط الضوء على حياة هذا الإمام ودوره الفكري والسياسي إبان عصره ولاسيما أيام نظام البعث الكافر في العراق الذي كان يمنع جامعاتنا من ارتياد هذا الميدان، فضلا عن رغبتي الصادقة في الكتابة عن احد ائمة اهل البيت (علیهم السلام) واعطائهم اليسير من حقهم علينا - كباحثين مبتدئين- في التاريخ الاسلامي.
اما اهم المشاكل التي واجهتني اثناء فترة جمع المعلومات ثم الكتابة فهي قلة المصادر العامة التي تبحث في تاريخ اهل البيت (علیهم السلام) لاسيما في تاريخ الإمام علي بن موسى الرضا (علیه السلام) فهي لاتتفق الا عند ولاية العهد وتمر عليها بشكل موجز دون
ص: 9
المرور بحياته ودوره السياسي والفكري والاجتماعي، الامر الذي جعلني اعتمد في الكثير من الحقائق على المصادر الإماميه، كما ان هناك مشكله اخرى واجهتني في كتابة هذا الكتاب وهي الاحداث الساخنة التي مر بها قطرنا منذ سقوط النظام السابق وما رافق ذلك من احداث امنية عاصفة عشناها جميعاً بعد أن أغلق ما أغلق من المكتبات العامة أو الخاصة مما ضيّق علينا الفرص في الاطلاع على الكثير من المصادر، الا ان ذلك لم يمنع الكثير من المكتبات من ان تمدّ لنا يدالعون والمساعدة بصورة كبيرة عوضتنا بعض الشيء عن نقص المكتبات.
وعلى ذلك فقد استعنت بالله سبحانه وتعالى واخترت لكتابي عنوان (الإمام علي بن موسى الرضا (علیه السلام) ودوره في احداث عصره)،وقد اشتمل الكتاب على مقدمه وثلاثة فصول وخاتمة فضلاً عن ملحق واحد وخارطة توضيحية تبين مسير الإمام الرضا (علیه السلام) من المدينة المنورة إلى مرو، فاحتوى الفصل الاول على ثلاثة مباحث تناولت في الاول منها حياة الإمام (علیه السلام) وتعرضت فيه لاسمه ونسبه وكنيته وألقابه وولادته وأسرته وهيأته ونشأته وسلوكه وأخلاقه وكراماته وإمامته ونقش خاتمه، فيما ركزت في المبحث الثاني على مناهله وعطائه الفكري فتحدثت عن شيوخه وتلاميذه واصحابه ثم عَرضت لتراثه الفكري والذي اشتمل على رسائله العلمية والعملية وشذرات من اقواله، فيما سلطت الضوء في المبحث الثالث على الحركة الفكرية في عهده (علیه السلام) مبيناً النهضة الفكرية في ذلك العصر وما كانت عليه المدارس والتيارات الفكرية وما تركه من اثر عليها فضلاً عن دوره البارز في علوم التفسير والحديث والفقه والاصول والنحو والكلام والطب والكيمياء والهندسة والفلك وغيرها، ثم عرجت على رحلاته الى البصرة والكوفة ونيسابور ومرو وما اغدقه اينما حلّ على محبيه ومقلديه من الفتاوي التي تخص دينهم.
اما الفصل الثاني فسلطت الضوء فيه على ولاية العهد للامام (علیه السلام) وعقدت لهذا الفصل ثلاثة مباحث تناولت في الاول منها اسباب اختيار المأمون له كولي للعهد ثم عرضت في المبحث الثاني للامام الرضا (علیه السلام) بصفته ولياً للعهد وما رافق
ص: 10
تسنمه لهذا المنصب من ظروف ومراسيم فتحدثت في هذا المبحث عن نص ولاية العهد وتاريخ توليته ومظاهر ولاية العهد وموقف المعارضين لهذا الامر وفي المبحث الثالث ركزت على مواقفه من الغلاة والواقفة ومناظراته واحتجاجه مع الفرق والمذاهب والاديان الاخرى امثال علماء الصائبة والنصارى واليهود والمجوس الذين أحضرهم المأمون لامتحان الإمام (علیه السلام) واختتمت المبحث بنموذج من اسئلة الخليفة التي وجهها للامام (علیه السلام) وأجابة الإمام عليها.
وفيما يتعلق بالفصل الثالث فقد تمحور حول التطورات السياسية التي عاشتها الدولة الاسلامية في ظل ولاية العهد وقد ضم الفصل مبحثين، تحريّتُ في الاول منه الوقوف على اوضاع الدولة العباسية بعد تولي الإمام (علیه السلام) لهذا المنصب لاسيما الاوضاع السياسية المضطربة في بغداد حاضرة العباسيين ثم بينت عن دور المأمون في تصفية خصومه السياسيين لضمان ديمومة بقائه على سدة الحكم، فعرضت لجهوده في التخلص من وزيره الفضل بن سهل ثم تخطيطه السياسي بعد اتخاذه لهذه الخطوة والذي قاد بالتالي الى التخلص من الإمام الرضا (علیه السلام) ليصبح الطريق مُعّبداً له عند دخوله بعدذلك إلى بغداد ، وقد استفاد من نصيحة الإمام(علیه السلام) له من دون مشاكل وكانت صريحة من تبيان رسالة المأمون للعباسيين، وخصصت المبحث الثاني لقضية استشهاد الإمام الرضا (علیه السلام) فوضحت الاراء التي ادلى بها المؤرخون المتقدمون والباحثون المتأخرون حول وفاة الإمام(علیه السلام)، ثم عرضت لجهود المأمون العباسي في محاولاته للتخلص من الإمام الرضا (علیه السلام) معززاً في هذا الحكم بجملة من الادلة الدامغة التي وردت على لسان الإمام (علیه السلام) في حياته من خلال وصيته لاصحابه وعلى لسان الشخص الذي عصر الرمان ودس السم فيه ثم تقديمه للامام (علیه السلام)، ثم عرضت في هذا المبحث عن المكان الذي دفن الأمام فيه ومراسيم الدفن واهم المراثي التي جادت بها قرائح الشعراء، وبينت كذلك اهم الاسباب التي دفعت المأمون للقيام بهذا العمل.
ص: 11
اما في الخاتمة فقد اوضحت أهم النتائج التي توصلت اليها ، ثم اردفت الخاتمة بملحقين ضم الاول اسماء من استطعت الوصول إليه من تلامذة واصحاب الإمام الرضا (علیه السلام)، اما الملحق الثاني فتمثل بخريطة توضح خط سير الإمام (علیه السلام) من المدينة المنورة وحتى مرو، ثم اعقبت الملحق بثبت لاهم المصادر والمراجع التي اعتمدت عليها في الكتابة والتي يأتي القرآن الكريم في مقدمتها ولا اعتقد أن أي كاتب في التاريخ الاسلامي يستطيع الاستغناء عنه وقد اعانني على استخراج الآيات القرآنية الكريمة بكل سهولة ويسر كتاب المعجم المفهرس لآيات القرآن الكريم لمحمد فؤاد عبد الباقي ، ولغرض التوصل الى فهم مكنون تلك الآيات كان لابد لي من الرجوع الى بعض كتب التفسير فأخذت كتاب جامع البيان في تفسير القرآن لمحمد بن جرير الطبري (ت 310ﻫ/922م) وكتاب مواهب الرحمن في تفسير القرآن للسبزواري.
وأفادني في الكتابة بعض المخطوطات التي وردت فيها معلومات لم ترد في المصادر المطبوعة خاصة، أو بعضها دعماً للاحداث التي ذكرها المؤرخون في المصادر والمراجع ولاسيما ان كتابها يُعدُّون من المؤرخين المتقدمين مثل كتاب القضاعي، لابي عبدالله محمد بن سلامه القضاعي، (ت 454ﻫ/1062م).
وكان لكتب الطبقات أَثرٌ مهم في رفد الكتاب بمعلومات مهمة ويأتي في مقدمتها كتاب الطبقات الكبرى لابن سعد (ت 230ﻫ/842م)، فضلاً عن كتب الرجال مثل كتاب رجال الطوسي، للشيخ الطوسي، (ت 460ﻫ/1067م)، وكتاب رجال الكشي لعمرو بن عبد العزيز الكشي (من اعلام ق4/10م) وكتاب النجاشي (ت450ﻫ/1058م) وكتاب معجم رجال الحديث للامام الخوئي، وقد افادتني هذه الكتب فائدة جمة في معرفة تلامذة واصحاب الإمام.
ولقد كان للمصادر التاريخية اثر مهم في رفد الكتاب بالعلومات التاريخية وسير الحوادث بشكل سلس وقد انقسمت هذه المصادر الى قسمين كان القسم الاول منها يتعلق بدراسة التاريخ العام للدولة الاسلامية والذي لم احصل فيه على
ص: 12
معلومات وافية عن حياة الإمام (علیه السلام) الا بعد توليه لولاية العهد ويأتي من ضمن هذه الكتب تاريخ اليعقوبي لاحمد بن يعقوب (ت 292ﻫ/904م) على الرغم من أن رواياته التاريخيه مختصرة ، وكتاب تاريخ الرسل والملوك للطبري (ت310ﻫ/922م)، وكتاب الكامل في التاريخ لابن الاثير (ت630ﻫ/1232م) والذي امتاز عن غيره من المؤرخين المتقدمين بتحليله لبعض الوقائع التاريخية.
اما القسم الثاني فكانت الكتب التاريخية التي تناولت حياة الائمة (علیهم السلام) والكتب التي تناولت فضائلهم، ويأتي في مقدمة هذه الكتب كتاب كشف الغمه في معرفة الائمة لابن ابي الفتح الاربلي (ت 692ﻫ/1293م) وكتاب منتخب الانوار في تاريخ الائمة (علیهم السلام) للاسكافي (ت 336ﻫ/947م) وكتاب مقاتل الطالبيين لابي فرج الاصفهاني (ت 356ﻫ/966م) ، وكان كتاب عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق (ت 381ﻫ/991م) من أهم الكتب التي لم تغادر صغيرة او كبيرة اطلع عليها المؤلف الا ذكرها وقد اضاف كتاب اعلام الورى للطبرسي (من اعلام ق6ﻫ/12م) معلومات مهمة في لفصول الكتاب، إذ تم استخدامه في كل فصوله، اما كتابه الثاني الاحتجاج فقد كان مصدراً لايقل أهمية وذلك لذكر المناظرات التي جرت بين الإمام الرضا (علیه السلام) وبين أصحاب الاديان والملل الاخرى.
اما كتب اللغة والادب فكان لها مكانة مهمة في توضيح ما أشكل من كلمات او الفاظ في طيات الكتاب فضلاً عن معلوماتها التاريخية التي قد لا نجدها في طي الكتب التاريخية، ومن هذه الكتب كتاب لسان العرب لابن منظور (ت 711ﻫ/1311م) وكتاب صبح الاعشى في صناعه الانشا للقلقشندي (ت 831ﻫ/1418م) وديوان إبي نؤاس (ت 199ﻫ/814م).
وكان لكتب البلدان مكانه مهمة في هذه الدراسة إذ استعنت بها لتوضيح مواقع بلدانية مر ذكرها، مثل كتاب البلدان لليعقوبي (ت 292ﻫ/904م) وكتاب معجم البلدان لياقوت الحموي (ت 626ﻫ/1228م).
ص: 13
اما الكتب المراجع الحديثة فقد حوى الكثير منها تحليلات للاحداث التاريخية ضمنتها في صفحات الكتاب مما زاده بشيء من الرصانة مثل كتاب الحياة السياسية للامام الرضا (علیه السلام) لجعفر مرتضى العاملي، وكتاب حياة الإمام علي بن موسى الرضا (علیه السلام) دراسة وتحليل لباقر شريف القرشي، وكتاب الإمام الرضا(علیه السلام) تاريخ ودراسة لمحمد جواد فضل الله، وكتاب الإمام علي الرضا(علیه السلام) ولي عهد المأمون لعبد القادر اليوسف، وكتاب سيرة الائمة الاثني عشر لهاشم معروف الحسني وكتاب ضحى الاسلام لاحمد امين وكتاب وفاة الإمام الرضا(علیه السلام) لعبدالرزاق المقرم وكتاب محاضرات في التاريخ الاسلامي لحسن عيسى الحكيم وكتاب تاريخ الشعوب الاسلامية لكارل بروكلمان.
اما الرسائل الجامعية فكان لها مكانة في هذه الدراسة ومنها نشأة الشيعة لنبيلة عبدالمنعم وثورة ابو السرايا لنعيمه الشكرجي، والإمام الصادق واثره في فقهاء عصره لحيدر محمد حسن الكليدار، فضلاً عن بعض الدوريات والمراجع الاجنبية باللغة الانكليزية.
وفي الختام اضع جهدي المتواضع بين يدي القارئ الكريم أملاً في أن أكون قد وفقت بالإسهام في رفد المكتبة العربية والاسلامية ببحث علمي، اكاديمي، عن تاريخ شخصية من كبار الشخصيات الاسلامية، مع رجائي ان يكون جهدي بداية لجهود زملاء آخرين في قوادم الايام لتناول حياة الائمة (علیهم السلام) الذين ترك تغييبهم عن مسرح التاريخ الاسلامي فجوات كبيرة في ذلك التاريخ.
والله الموفق
ص: 14
ص: 15
ص: 16
سيرة الإمام الرضا (علیه السلام)
هو الإمام علي الرضا ابن الإمام موسى الكاظم ابن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقر ابن الإمام علي زين العابدين السجاد ابن الإمام الحسين الشهيد سبط الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) ابن الإمام علي ابن ابي طالب أمير المؤمنين (علیهم السلام) العلوي الهاشمي (1) ، وهو ثامن أئمة أهل البيت (علیهم السلام) (2).
ص: 17
أما كنيته فهي ابو الحسن، وقد كناه بذلك أبوه الإمام موسى الكاظم(علیه السلام) فقد قال (علیه السلام) لعلي بن يقطين (1): ((ياعلي هذا ابني واشار الى الإمام الرضا (علیه السلام)
ص: 18
سيد ولدي، وقد نحلته كنيتي ...))، لأن الإمام الكاظم (علیه السلام) كان يكنى بأبي الحسن كذلك وكانت هذه الكنيه مشتركة بينهما، وكان يقال للامام الرضا (علیه السلام) ابو الحسن الثاني (1).
ص: 19
ويذكر أن اباه الكاظم (علیه السلام) هو الذي لقبه بهذا اللقب، فقد روى سليمان بن حفص (1) ان الإمام الكاظم (علیه السلام) سمى ولده علياً بالرضا، وكان يقول(علیه السلام) أدعو ولدي الرضا وقلت لولدي الرضا وقال لي ولدي الرضا (2) وقيل لانه رضي به المخالف والمؤالف (3). ويرى ابن الاثير وابن الطقطقي أن المأمون العباسي هو الذي أطلق عليه هذا اللقب لانه رضي به وجعله ولياً للعهد(4) ، وقد فند الامام الجواد (علیه السلام) هذا الرأي امام جماعه من اصحابه بقوله (علیه السلام): ((ان الله تبارك وتعالى سمى ما يرضاه، لانه كان رضي الله عزوجل في سمائه ورضي لرسوله والائمة من بعده صلوات الله عليهم ... لانه رضي به المخالفون من اعدائه كما رضي به الموافقون من اوليائه ولم يكن ذلك لاحد من آبائه (سمي بهذا الاسم فلذلك سمّي من بينهم بالرضا ...)) (5).
ص: 21
واحترامها لها عرضت على ابنها الإمام الكاظم (علیه السلام) الزواج بها وأوصته بها خيراً ولعل ما يؤكد على عفة هذه المرأة، ما أشار إليه في مدح الإمام الرضا (علیه السلام) بهذه الابيات (1):
ألا إن خير الناس أماووالداً *** ورهطاً واجداداً علي المعظم
أتتنا به للعلم والحلم ثامناً *** إماماً يؤدي حجة الله تكتم
وروى عن الصولي ايضاً قوله: ((لما اشترت حميدة المصفاة ام الكاظم(علیه السلام) نجمه ذكرت انها رأت رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) في المنام يقول لها: حميده هبي لابنك موسى فانه سيلد منها خير اهل الارض، فوهبتها له، فلما ولدت له الرضا(علیه السلام) سماها الإمام الكاظم (علیه السلام) بالطاهرة، فكان الرضا (علیه السلام) يرتضع كثيراً وهو تام الخلق، فقالت اعينوني بمرضعه، فقالوا لها انقص درّك، قالت: لا أكذب والله ما نقص دري ولكن ورد من صلاتي وتسبيحي وقد نقص منذ ولدته)) (2).
أما أخوة الإمام الرضا (علیه السلام) فكانوا اربعة وعشرين أخاً وأختاً (3).
ص: 24
أما زوجاته فالاولى يقال لها سبيكة وهي ام ولد، وتسمى ريحانه،أو خيزران وتكنى بأم الحسن، وروي انها كانت من اهل بيت ماريه القبطية أم ابراهيم ابن النبي محمد (صلی الله علیه و آله و سلم)(1).
وكانت زوجته الثانية ام حبيبة وهي ابنة المأمون العباسي، وقد عرض على الإمام (علیه السلام) الزواج بابنته وتم ذلك سنة (202ﻫ/817م)(2).
كان للامام الرضا (علیه السلام) ولد واحد هو الإمام ابو جعفر محمد بن علي الجواد(علیه السلام) وقد ولد في التاسع عشر من رمضان سنة (195ﻫ/810م)، وكان عمره يوم وفاة ابيه سبع سنين واشهراً (3).
ص: 25
اما هيأة الإمام الرضا (علیه السلام) فكان أسمر معتدل القامة شديد الشبه بجده
ص: 26
رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) خَلقاً وخُلقاً (1).
نشأ الإمام (علیه السلام) في كنف والده الإمام موسى الكاظم (علیه السلام) الذي يقال عنه أعبد أهل زمانه وافقهم وأسخاهم كفاً، وكان الناس بالمدينة يسمونه زين المتهجّدين، ويعرف بالعبد الصالح (2).
ولما كانت الفروع تتبع الاصول فمن الطبيعي ان يتحلى الابن بتلك الصفات الطيبة والخصال الحميدة، يقول الشيخ المفيد: ((كان افضل ولد أبي الحسن وأنبأهم واعظمهم قدراً وأعلمهم وأجمعهم فضلاً))(3) فإن جميع عوامل التربية الرفيعة ومكوناتها الفكرية توفرت للامام (علیه السلام) فنشأ في إطارها كما نشأ آباؤه الذين هم ذخائر الاسلام ومهما كان الحال فلقد بقي الإمام الرضا (علیه السلام) مع أبيه الإمام الكاظم نحو ثلاثين عاماً أو يزيد، شاهد فيها ضروب المحن والبلايا التي أحاطت بأبيه على الرغم من موقفه المسالم للحكم بعيداً عن المواجهه(4).
ص: 27
كان الإمام الرضا (علیه السلام) امتداداً لخط آبائه الذين يعرفون بنكران الذات والواقعية والتجرد من كل نزعة لاتمت الى الحق بصلة، إذ كان ينصح المأمون العباسي بتقوى الله مع الرعية، وأما سلوكه مع أهل بيته فكان مثالاً آخر للصرامة في الحق فمن شذّ منهم في تصرفاته عن أحكام الله عزوجل الشرعية جافاه وآبتعد عنه، وقد حَلف ان لايكلم اخاه زيداً لانه خرج في البصرة وأحرق وقتل من العباسيين وكان يسمى زيد النار فأرسل المأمون العباسي جيشاً وحُمل على اثرها أسيراً إليه، فقال المأمون: اذهبوا به الى أبي الحسن (علیه السلام) فلما أدخل عليه قال(علیه السلام): ((يا زيد أغرّك قول سفلة أهل الكوفة، إن فاطمة (علیها السلام) احصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار ذلك للحسن والحسين خاصة إن كنت ترى أنك تعصي الله عزوجل وتدخل الجنة وموسى بن جعفر (علیه السلام) أطاع الله ودخل الجنة فأنت أكرم على الله عزوجل من موسى بن جعفر (علیه السلام) والله ما ينال أحد ما عند الله عزوجل إلا بطاعته وزعمت أنك تناله بمعصيته فبئس ما زعمت ...))(1).
وقد عكس الإمام (علیه السلام) أخلاقه المثلى في بيته ومع ابنه الجواد (علیه السلام) خاصةً فكان لايذكره باسمه وإنما كان يكنيه فيقول (علیه السلام): كتب اليّ أبو جعفر وكنت أكتب الى أبي جعفر وهو صبي فيخاطبه بالتعظيم(2).
ومما تقدم يمكن لنا إبراز أهم المزايا التي اتسم بها سلوك وأخلاق هذا الإمام(علیه السلام) بمايأتي:
ص: 28
نالت شخصية الإمام الرضا (علیه السلام) احترام الناس وتقديرهم ولعل خير من أشاد بملامح شخصيته والده الإمام الكاظم (علیه السلام) فقد قدمه على السادة الاجلاء من أبنائه وأوصاهم بخدمته والرجوع إليه في أمور دينهم ويتضح ذلك من خلال قوله (علیه السلام): ((هذا أخوكم علي بن موسى عالم آل محمد (صلی الله علیه و آله و سلم) سلوه عن أديانكم واحفظوا ما يقول لكم، فاني سمعت أبي جعفر بن محمد (علیه السلام) يقول لي: إن عالم آل محمد (صلی الله علیه و آله و سلم) لفي صلبك وليتني أدركته فإنه سمي باسم امير المؤمنين))(1).
وأعلن فضل الإمام (علیه السلام) ومنزلته في كثير من المناسبات المأمون العباسي إذ قال لوزيره الفضل بن سهل(2): ((ما أعلم أحدا أفضل من هذا الرجل (يعني الإمام الرضا) على وجه الارض))(3).
فكانت تعنو له الجباه، فقد اتسم بهيبة الانبياء والاوصياء الذين هم نور الله
ص: 29
في الارض ومارآه احد إلا هابه، واذا جلس للناس او ركب لم يتمكن أحد أن يرفع صوته(1)، ويروي الطبري: أن الإمام (علیه السلام) عندما كان يدخل على المأمون كان الحجّاب يقومون بخدمته ويرفعون الستر دونه وعندما علموا أنه سيتقلد ولاية العهد حقدوا وتواصوا بعدم رفع الستر عند دخوله ، ولما جاء في اليوم الثاني هَبَّتْ ريح عند دخوله وخروجه ورفع الستر فقال بعضهم للاخر، ان لهذا الرجل شأناً ولله به عناية ارجعوا الى خدمته(2).
حث الإمام الرضا(علیه السلام) على الحلم وقد اشار الى ذلك البزنطي(3)بقوله إن أبا الحسن الرضا (علیه السلام) قال (( من علامات الفقه الحلم والعلم والصمت ...))(4).
وسأله المأمون العباسي يوما : هل رويت من الشعر شيئاً، فقال (علیه السلام) قد رويت منه الكثير، فقال له: أنشدني ما رويت في الحلم، فقال (علیه السلام) :
ص: 30
إذا كان دوني ما بليت بجهله *** أبيت لنفسي ان تقابل بالجهل
وان كان مثلي في محلي من النهى *** أخذتُ بحلمي كي اجل عن المثل
وإن كنت ادنى منه في الفضل والنهى *** عرفت له حق التقدم والفضل(1)
تميز الإمام الرضا (علیه السلام) بالتواضع شأنه في ذلك شأن ابائه (علیهم السلام) وقد ساهم في اجتذاب العامه والخاصه، وفي تواضعه يقول إبراهيم الصولي: ((ما رأيت أبا الحسن جفا أحداً بكلامه قط وما رأيته قطع على أحدٍ كلامه حتى يفرغ منه ومارد أحد عن حاجةٍ يقدر عليها وما مد رجليه امام جليس له قط ولا أتكأ بين يدي جليس له قط ولا شتم أحداً من موإليه ومماليكه قط ... ولاتقهقه بل ضحكه التبسم وكان إذا خلا ونصبت مائدته أجلس معه عليها مماليكه حتى البواب والسائس ومن زعم إنه رأى مثله في فضله فلا تصدقوه))(2).
وعن تواضع الإمام (علیه السلام) روى عبدالله بن الصلت(3) عن رجل رافق
ص: 31
الإمام(علیه السلام) في طريقه الى خراسان(1) انه قال: ((كنت مع الإمام الرضا في سفره الى خراسان فدعا يوماً بمائده له فجمع عليها موإليه من السودان وغيرهم وجلس عليها معهم فقلت: جَعلتْ فداك لوجعلت لهؤلاء مائدة، فقال: إن الرب تبارك وتعالى واحد والأب واحد والجزاء بالاعمال))(2).
ومن صفات الإمام (علیه السلام) الزهد في الدنيا والاعراض عن مباهجها وزينتها، وقد تحدث عن زهده محمد بن يحيى(3): وكان جلوسه في الصيف والشتاء على الحصير وكان يلبس الغليظ من الثياب حتى إذا برز للناس تزّين لهم فأنكر عليه البعض وقالوا له: لبست ثوباً أدنى من هذا، فأخذ الإمام (علیه السلام) يده لأحدهم وأدخلها في كمه فإذا تحت ذلك الثوب الخشن من اللباس(4).
ص: 32
وحينما تقلد ولاية العهد لم يحفل بأي مظهر من مظاهر السلطه ولم يرغب في أي موكب رسمي، حتى لقد كره مظاهر العظمه التي كان يقيمها الناس لملوكهم وفي ذلك يقول (علیه السلام): ((إِنَّ مشي الرجال خلف الرجال فتنة للمتبوع ومذلة للتابع)) (1).
أكد الإمام الرضا (علیه السلام) على حقيقة مهمة ألا وهي الحياء أي التلازم بين الايمان والحياء، فقال (علیه السلام): ((الحياء من الايمان)) (2)، ومن هنا فمن يخلع العفة وينطلق مع الشهوات لا إيمان له واقعاً لان الايمان التزام وشعور متغلل في اعماق النفس يحكي من الحياء بجلاء (3).
إن جلد الإمام وصبره يتضحان لنا بصورتهما الجلية في المواقف الصامدة التي كان يواجه بها الازمات النفسية والعاطفية فهو حينما يودع البيت الحرام في مكة عندما طلبه المأمون يصطدم بموقف عاطفي مع ولده الوحيد ابي جعفر بن علي الجواد (علیه السلام)إلا إنه يتجلد ويفرض على نفسه الصبر بقلبٍ صامد ومطمئن الى قضاء الله وقدره، وقد تحمل الإمام (علیه السلام) بصبر ألوان الاضطهاد والظلم الذي عانى منه في عهد الرشيد العباسي إبتداء بمأساة أبيه ومروراً بمآسي العلويين وإنتهاء بالايحاءات الظالمة للرشيد من قبل خصوم الإمام (علیه السلام) بقتله وتصفيته، وتظهر لنا قوته وصبره
ص: 33
وجلدُه أن يرى حقاً لايعمل به وباطلاً لايتناهى عنه دون أن يكون له قوة الحكم وهو حجة الله على خلقه(1).
ان الشاعر ابا نؤاس(2) نظر الى الإمام الرضا (علیه السلام) ذات يوم وقد خرج من عند المأمون العباسي وهو على بغله فرأى الإمام (علیه السلام) فدنا منه وسلم عليه وقال: يا ابن رسول الله قلت فيك ابياتاً أحب ان تسمعها مني فقال له (علیه السلام) قل، فأنشأ يقول:(3)
مطهرون نقيات ثيابهم *** تجري الصلاة عليهم كلما ذكروا
من لم يكن علوياً حين تنسبه *** فماله في قديم الدهر مفتخرُ
اولئك القوم اهل البيت عندهم *** علم الكتاب وما جاءت به السور
فقال الإمام (علیه السلام) قد جئتنا بابيات ما سبقك بها احد، يا غلام ما بقي من نفقتنا، قال ثلاث مائة دينار، فدفعها إليه، ثم ذهب بعد ذلك إلى بيته، وقال (علیه السلام) لغلامه لعله استقلها سِق ياغلام إليه البغلة (4).
ص: 34
وروي عن ابي الصلت الهروي(1) قال: ((دخل دعبل الخزاعي(2) على علي بن موسى الرضا (علیه السلام) بمرو فقال يا ابن رسول الله إني قلت فيكم أهل البيت قصيدة وآليت على نفسي ان لا أنشدها لأ حد قبلك وأحب ان تسمعها مني فقال الإمام (علیه السلام) هات ما عندك)) (3)، فانشد قصيده طويلة جاء في بعض ابياتها:
ذكرت على الربع من عرفات *** فاجريت دمع العين على الوجناتِ
وقد خانني صبري وهاجت صبابتي *** رسوم ديار أقفرت وعراتِ
مدارس أياتٍ خلت من تلاوة *** ومنزل وحي مقفر العرصاتِ
الى قوله:
وقبرٌ ببغداد لنفس زكية *** تضمنها الرحمن في الغرفاتِ
ص: 35
قال الإمام (علیه السلام): أفلا ألحق بهذا الموضع بيتين بهما إتمام لقصيدتك، فقال: بلى يا ابن رسول الله، فقال الإمام (علیه السلام)(1):
وَقبرٌ بطوس يالها من مصيبةٍ *** توقد بالاحشاء بالحرقات
الى الحشر حتى يبعث الله قائماً *** يفرج عنا الهمّ والكرباتِ
ثم نهض الإمام (علیه السلام) بعد فراغ دعبل من إنشاء القصيدة وأمره أن لايبرح من موضعه فدخل الدار، وخرج الخادم بمائة دينار وقال له: يقول لك مولاي اجعلها في نفقتك، فقال دعبل والله ما لهذا جئت ولا قلت هذه القصيدة طمعاً في شيء ورد الصره، واراد ثوباً من ثياب الرضا (علیه السلام) ليتبرك به، فأنفذ إليه الإمام(علیه السلام) بجبة ثمينه مع الصرة، وقال (علیه السلام) قل له خذ هذه الصرة فانك ستحتاج اليها ولا تراجعني فيها، وقد احتاجها فيما بعد (2).
أشار الإمام الرضا (علیه السلام) الى الكثير من الاحداث واخبر عنها قبل وقوعها مما يدلل على منحه الله من كرامات خص بها أولياءه وعباده الصالحين، وسنبين اليسير منها، فقد أكد الإمام (علیه السلام) ان الرشيد العباسي لن يستطيع أن يتعرض له
ص: 36
بسوء، إذ روى محمد بن سنان(1): ((قلت لابي الحسن الرضا في ايام هارون إنك شهرت نفسك بهذا الامر وجلست مجلس ابيك وسيف هارون يقطر الدم، فقال(علیه السلام): جرأني على هذا ما قال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم): إن أخذ أبو جهل من رأسي شعره، فاشهدوا إني لست بنبي، وأنا أقول لكم: إن أخذ هارون من رأسي شعره فاشهدوا أني لست بإمام))(2).
وروى موسى بن مهران(3) قال: ((رأيت الرضا وقد نظر الى هرثمة(4) بالمدينة فقال: كأني به وقد حمل الى مرو فضرب عنقه فكان كما قال))(5).
وعن ابي الصلت الهروي قال: ((كان الرضا (علیه السلام) يكلم الناس بلغاتهم وكان والله أفصح الناس وأعلمهم بكل لسان ولغة فقلت له يوماً: يا ابن رسول اني لاعجب من معرفتك بهذه اللغات على اختلافها، فقال (علیه السلام): يا أبا الصلت
ص: 37
إنا حجة الله على خلقه وما كان الله ليتخذ حجة على قوم وهو لايعرف لغاتهم، أو ما بلغك قول أمير المؤمنين (علیه السلام) أوتينا فصل الخطاب وما كان فصل الخطاب إلا معرفة اللغات))(1).
وروى محمد بن عيسى بن ابي حبيب(2) قال: رأيت رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) في المنام كأنه قد وافى في المنزل الذي ينزل الحجاج من بلدنا في كل سنة وكأني مضيت إليه وسلّمت عليه ووقفت بن يديه فوجدته وعنده طبق فيه تمر .. فناولني فعددتها ووجدتها ثماني عشرة تمرة، فتأملت أن أعيش بعدد كل تمرة سنة ... وجاء من أخبرني بقدوم ابي الحسن الرضا (علیه السلام) للبصرة ونزوله في المسجد نفسه فسلّمت عليه، فرد عليّ السلام وناولني قبضة من التمر فعددتها فاذا هو بعدد ما ناولني رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) في المنام، فقلت له زدني يا ابن رسول الله، فقال (علیه السلام): لو زادك رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) لزدناك (3).
ص: 38
وصف الإمام (علیه السلام) ما يجب أن يتوفر في شخصية الإمام قائلاً (علیه السلام): الإمام يحلل حلال الله ويحرم حرامه ويقيم حدود الله ويذبّ عن دين الله ويدعو الى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة والحجة البالغة، وقال (علیه السلام): تامي العلم وكلما الحلم مضطلع بالامر عالم بالسياسة استحق للرئاسة(1).
ولعل مصداق كلام الإمام (علیه السلام) قوله في كتابه الكريم: «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» (2) وقوله تعالى: «وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا»(3).
ويقول الجاحظ: أقوى طبائعه عقله ثم يصل قوة عقله بحسن العادة، فاذا جمع الى عقله علماً والى علمه حزماً والى حزمه عزماً فذلك الذي لايعده، وقد يكون الرجل دونه في امور تستحق مرتبة الإمامة ومنزلة الخلافة، ويقول ايضاً: ان الإمام هو احد العشرة الذين هم: كل واحد منهم عالم، زاهد، ناسك، شجاع، جواد، طاهر، زاكٍ والذين هم بينهم خليفة او مرشح لها(4).
ص: 39
وعلى مايبدو من خلال التقصي لحياة الائمة (علیه السلام) ومنهم الإمام الرضا(علیه السلام) ان كل هذه الاوصاف منطبقة عليه وعليهم (علیه السلام) .
واذا اخذنا توصيفاً عاماً للامامة نجد أن الإمامة هي رئاسة عامة لشخص انساني يتلقى علومه بواسطة النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) وانما تستحق باوصاف الزهد والعلم والعبادة والشجاعة والايمان، والائمة قائمون مقام النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) في تنفيذ الاحكام واقامة الحدود وحفظ الشرائع وتأديب الانام(1).
وقد نصب الإمام موسى بن جعفر (علیه السلام) ولده الإمام الرضا (علیه السلام) إماماً لأمته وهو في سجن الرشيد العباسي إذ خرجت من السجن عدة الواح كتب فيها: ((عهدي الى ولدي الاكبر (الرضا) ...))(2).
وروى محمد بن اسماعيل الهاشمي(3) قال: ((دخلت على ابي الحسن موسى بن جعفر وقد اشتكى شكاة شديدة فقلت له: اسأل الله ان لايريناه (أي فقدك) فالى من (يكون الامر بعدك)، قال الإمام الكاظم (علیه السلام): الى ابني علي فكتابه كتابي وهو وصيي وخليفتي من بعدي))(4).
ص: 40
ووصف الإمام الكاظم (علیه السلام) ولده: ((علي ابني اكبر ولدي واسمعهم لقولي واطوعهم لامري ينظر معي في كتاب (الجفر والجامعة)(1) ولاينظر فيهما الا نبي أو وصي))(2).
واشار ابن تغري بردي بانه: ((سيد بني هاشم في زمانه وأجلّهم وكان المأمون يعظمه ويجّله ...))(3).
ويصف أحد المؤرخين المتأخرين الإمام الرضا (علیه السلام) بقوله: ((يعتبر من الائمة الذين لعبوا دوراً كبيراً على مسرح الاحداث الاسلامية في عصره ...))(4).
وكانت مدة إمامته (علیه السلام) عشرين سنة ((183ﻫ/802م - 203ﻫ/818م)(5).
ص: 41
اِنَّ المؤرخ المنصف إذا تتبع حياة أئمة اهل البيت (علیهم السلام) سيجد أنهم كانوا شيوخ الناس بالعلم، اكتسبوا علومهم أباً عن جد عن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) فهم الفقهاء والعلماء في كل الشؤون ولم نجد أي مصدر تاريخي يشير الى ان احداً منهم قد تتلمذ على يد أحد من الناس سوى ابائهم وأجدادهم ، لذلك فأن الإمام الرضا (علیه السلام) أخذ علومه من أبيه الإمام الكاظم (علیه السلام) وكان الاخير وعاءً لعلم أبيه الإمام الصادق (علیه السلام) فقد عاش الكاظم (علیه السلام) مع والده ثلاثين عاماً نهل من علمه الكثير، فغدت علوم الإمام الرضا (علیه السلام) مستقاة عن أبيه وجده في آن واحد، وقد خصّه أبوه بالرعاية منذ نعومة أظفاره وكان يعده ليكون إماماً من بعده فكان كثيراً ما يخاطبه بعبارات الاعتزاز به والثناء عليه، لذا فأن الإمام الرضا(علیه السلام) يعتبر من أعلام أئمة الهدى (علیهم السلام) فقوله وفعله من القرآن الكريم والسنة النبوية(1).
وقد ورد عن الإمام الصادق (علیه السلام) قوله: ((إن الله عزوجل علمني علماً لايعلمه الا هو وعلم علمه ملائكته ورسله، فما علمه ملائكته ورسله فنحن نعلمه))(2).
ولذلك فإِن الائمة إذا شاؤوا أن يعلموا شيئاً أعلمهم الله إياه وهم يعلمون ما كان وما يكون وانه لايخفى عليهم شيء (3)، مما يشير إلى أن علمهم لم يكن
ص: 43
مكتسباً فحسب بل كان إلهامياً أيضاً وخاصة في بعض الامور التي يحتاج الإمام(علیه السلام) معرفتها، ولعل من أبرز المصاديق على قولنا ما جرى بينه وبين أصحاب الملل والاديان الاخرى من مناظرات وما طرحوه عليه من مسائل شتى لم يكن من اليسير على شخص آخر غير الإمام أن يتصدى لها والاجابة عليها حتى إن الإمام (علیه السلام) عندما سألهم بمسائل هي أقل بكثير من مستوى ما طرحوه عليه عجزوا عن الاجابة عنها، مما يدل بما لايقبل الشك أن الإمام الرضا(علیه السلام) كان أعلم أهل زمانه وليس مبالغة أن يوصف بأنه كان: أفقه أهل زمانه وأحفظهم لكتاب الله ((عزوجل))(1).
لقد أخذ الإمام الرضا (علیه السلام) عن أبيه الإمام الكاظم (علیه السلام) علوم التفسير والحديث والفقه والجفر(2)، وكان يجيب عن كل سؤال يسأل عنه بإجابة لاتدع للسائل أن يتعرض السبيل بشبهه تخطر له لانه كان يُحكمُ الجواب ويبينّه على الاصول المنطقية والعلمية وكان يلاحظ السائل ويخاطبه باللغة التي يفهمها ويكثر الاستشهاد بآيات القرآن الكريم ويأتي بامثلة للايضاح كثيرة، ويقول ابراهيم بن العباس: ((مارأيته سئل عن شيء قط الا عَلمهُ))(3).
وكان الإمام الرضا (علیه السلام) يفتي بمسجد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وهو ابن نيف
ص: 44
وعشرين سنة، ويعتبر من الطبقة الثامنة من التابعين من اهل المدينة (1).
ويذكر الذهبي إن الإمام الرضا (علیه السلام): ((أفتى وهو شاب في أيام مالك بن أنس(2)))(3).
ولقد قام الإمام الرضا (علیه السلام) بعد أن آلت إليه الإمامة بعد وفاة أبيه الإمام الكاظم(علیه السلام) بجهد علمي كبير للتعريف بعلوم آبائه واجداده (علیهم السلام) لاسيما بعد أن وجد أن علوم جده الإمام الصادق (علیه السلام)قد ضربت بأطنابها في المدينة المنورة، مما أوجد لطلبة العلم مظله رحبه يؤوون اليها بعد إجتماع أتباع أهل البيت على القول بامامته والتعظيم لحقه والتسليم لامره (4).
وحظي بالرواية عنه بعض تلامذة جده الإمام الصادق (علیه السلام) وتلامذة ابيه الإمام الكاظم (علیه السلام) فضلاً عن تلامذته، كما روى عنه جمهرة من العلماء
ص: 45
المعاصرين له ومن اشهرهم إبراهيم بن العباس الصولي وعلي بن يقطين وأحمد بن نصر البزنطي وعبدالله بن الصلت ومحمد بن يحيى وأبو الصلت الهروي ودعبل الخزاعي ومحمد بن سنان وموسى بن مهران ومحمد بن عيسى(1)، وهناك كوكبة منهم سنورد اسمائهم في ملحق منفرد في نهاية هذه الدراسة(2).
أوعز المأمون العباسي إلى وزيره الفضل بن سهل بمقابلة الإمام (علیه السلام) وأن ينقل له طلبه بضرورة كتابة رسالة في الحلال والحرام والفرائض والسنن بشكل موجز، فاجاب الإمام (علیه السلام) الى طلبه واملى على الفضل رسالة جامعه لاحكام الشريعة ونبين قسماً منها بعد البسملة ما نصه:
((حسبنا شهادة ان لا اله الا الله أحدً صمداً لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً قيوماً سميعاً بصيراً، قوياً، قائماً، باقياً، نوراً، عالماً لايجهل، قادراً لايعجز، غنياً لايحتاج، عدلاً لايجور خلق كل شيء ليس كمثله شيء، لاشبه له ولاضد ولاند وكفؤ ... أن محمداً عبده ورسوله وامينه وصفوته من خلقه سيد المرسلين ... وإن الدليل والحجة من بعده أمير المؤمنين والقائم بأمور المسلمين والناطق عن القرآن الكريم والعالم بأحكامه، اخوه وخليفته ووصيه والذي بمنزلة هارون من موسى علي بن أبي طالب... وبعده الحسن والحسين (علیهم السلام) واحد بن واحد الى يومنا هذا عترة الرسول،
ص: 46
واعلمهم بالكتاب والسّنة. وأعدلهم بالقضية وأولاهم بالأمامة في كل عصر وزمان وإنهم العروة الوثقى وأئمة الهدى والحجة على أهل الدنيا حتى يرث الله الارض ومن عليها وهو خير الوارثين، وأن كل من خالفهم ضال مضل، تارك للحق والهدى وإنهم المعبّرون عن القرآن، الناطقون عن الاصول بالبيان من مات لايعرف بأسمائهم وأسماء ابائهم مات ميتة جاهلية ... وإنتظار الفرج بالصبر وحسن الصحبة وحسن الجوار وبذل المعروف وكف الاذى وبسط الوجه والنصيحة والرحمة للمؤمنين ...))(1).
ولم تقتصر علوم الإمام الرضا (علیه السلام) على أحكام الشريعة الاسلامية وإنما شملت جميع أنواع العلوم ومنها علم الطب، وقد تميز بلاط المأمون العباسي في معظم أوقاته بكثرة مجالس العلم والادب وخاصة في عهد الإمام (علیه السلام) ومن بين المواضيع التي تم التطرق إليها في هذه المجالس ما يخص بدن الانسان من الاجهزة العجيبة وبدائع تركيبها التي تجلت فيها حكمة الخالق العظيم وخاض القوم فيما يصلح بدن الانسان ويفسده، وقد ضمت الجلسة كبار العلماء في ذلك العصر وكان الإمام (علیه السلام) حاضراً ولم يتكلم بشيء، فانبرى المأمون قائلاً له بإكبار: ما تقول يا ابا الحسن في هذا الامر الذي نحن فيه والذي لابد من معرفة الاشياء والاغذية النافع منها والضار وتدبير الجسد.
فأجابه الإمام (علیه السلام): عندي ماجربته وعرفت صحته بالاختبار ومرور الايام مع ما وقفني عليه من معنى من السلف مما لايسع الانسان جهله ولايعذر في تركه،
ص: 47
فان اجمع ذلك ما يقاربه مما يحتاج الى معرفته ...ثم بعث برسالته الطبية الى المأمون سنة (201ﻫ/816م) منها فاعجب بها اعجاباً بالغاً وامر ان تكتب بماء الذهب، كما امر ان تكتب نسخ منها وتوزع على أفراد أسرته وجهاز الدولة وتوضع نسخه منها في خزانة بيت الحكمة(1)، وقد عَرضت على أعلام الطب في عصره فأقروها، وقد جاء في قسم منها بعد البسملة ما نصه:
((إن الله تعالى لم يبتل عبده المؤمن ببلاء حتى جعل له دواء يعالج به، ولكل صنف من الداء صنف من الدواء والتدبير ... إن الاجسام الانسانية جعلت في مثال الملك، فملك الجسد هو القلب والعمال العروق والاوصال والدماغ وبيت الملك قلبه وأرضه الجسد والاعوان يداه ورجلاه وعيناه وشفتاه ولسانه واذناه وخزائنه معدته وبطنه وحجابه صدره فاليدان عونان يقربان ويبعدان ويعملان على يوحي اليهما الملك والرجلان تنقلان الملك حيث يشاء والعينان تدلان على ما يغيب عنه، لان الملك وراء حجاب لايوصل إليه بهما وهما سراجاه ايضاً، وحصن الجسد وحرزه، والاذنان لاتدخلان على الملك الا ما يوافقه لأنهما لا يقدران ان يدخلا شيئاً حتى يوحي الملك اليهما، فاذا اوحي اليهما اطرق الملك منصتاً لهما حتى يسمع منهما ثم يجيب بما يريد فيترجم عن اللسان بأدوات كثيرة منها ريح الفؤاد وبخار المعدة، ومعونة الشفتين، وليس للشفتين قوة الا بالانسان، وليس يستغني بعضهما عن بعض ...))(2).
ص: 48
ونظراً للاهمية البالغة لهذه الرسالة فقد قرنها المأمون برسالة منه، نذكر هنا جزءاً بعد البسملة ما نصه:
((الحمد لله أهل الحمد ووليه، وله آخره وبدؤه، ذو النعم والافضال والاحسان والاجمال ... أما بعد: فاني نظرت في رسالة ابن عمي العلوي الاديب والفاضل الحبيب والمنطقي الطبيب، في إصلاح الاجسام وتدبير الحمام وتعديل الطعام، فرأيتها في احسن التمام ... فأمرت ان تكتب لنفاستها ... وسميتها (المذهّبة)، وخزنتها في خزانة الكتب ... فعرضتها على خاصتي من أهل الحكمة وكل مدحها وأعلاها، ورفع قدرها وأطراها إنصافاً لمصنفها ... فانها عائدة بالنفع والسلامة من جميع الامراض والاعراض إن شاء الله تعالى ...))(1).
هذه الرسالة الغراء التي سميت ب-(صحيفة الرضا (علیه السلام)) وسماها آخرون ب-(مسند الإمام الرضا (علیه السلام)) لانها حوت العلوم الفقهية(2) التي أخذها عن آبائه الطاهرين (علیه السلام) الذين أخذوها بدورهم عن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وقد حققت وطبعت
ص: 49
فيما بعد(1).
اِنّ الإمام الرضا (علیه السلام) أفتى في مسائل كثيرة طرحها عليه اثنان من اصحابه وهما محمد بن سنان والفضل بن شاذان (2)، فقد سجلا ما ورد عن الإمام(علیه السلام) اجوبه كثيرة من المسائل الفقهيه، حيث سأله محمد بن سنان عن مسائل تخص الحج والزكاة والطواف وتحريم الزنا وأكل مال اليتيم والربا وحرمة أكل لحم الخنزير والدم والطحال والبينة على المدعي واليمين على المدعى عليه وغسل الجنابة وضرب الزاني والقاذف وشارب الخمر وإعطاء النساء نصف مايعطى الرجال من الميراث وبعض الاحكام الاخرى(3).
وسأله الفضل بن شاذان عن مسائل منها وجوب معرفة الرسل والاقرار بهم وعدم وجود الإمام في وقت وعدم جواز كون الإمام من غير جنس الرسول وأمر الله العباد ونهيه ووجوب الوضوء وغسل الوجه واليدين وتشريع الاذان والاختلاف في ركعات الصلاة وجعل التكبير في الاستفتاح سبع تكبيرات وجعل الجهر في بعض الصلوات دون بعض في اوقات الصلاة الخمسة وعدم توقيت الصلوات المستحبة
ص: 50
وقصر الصلاة في السفر والتقصير في المسافة للطريق ووجوب غسل الميت وتكفينه وتشريع صلاة الكسوف وجعل الصوم في شهر رمضان دون ساير الشهور وقضاء الحائض وتشريع الحج ومناسكه وغيرها من مسائل الشريعة(1).
نقل الرواة والمؤرخون شذرات من اقوال الإمام الرضا (علیه السلام) في الوعظ والارشاد ويمكن ان نورد بعضاً منها:
1.((أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاث مواضع، يوم ولد الى الدنيا ويخرج المولود من بطن امه فيرى الدنيا، ويوم يموت فيغابن الاخرة واهلها، ويوم يبعث فيرى احكاماً لم يرها في دار الدنيا. وقد سلم الله تعالى على يحيى في هذه الثلاث مواطن، وأمن من روعته فقال عزوجل: «وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا»(2)، وقد سلم عيسى بن مريم على نفسه في هذه الثلاث مواطن، فقال (عزوجل): «وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا» ))(3).
2.((إصحب السلطان بالحذر، والصديق بالتواضع، والعدو بالتحرز، والعامة بالبشر))(4).
3.((انما يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر مؤمن متعظ، فاما صاحب سوط وسيف فلا))(5).
ص: 51
4.((ما التقت فئتان قط الا نصرالله اعظمها عفواً))(1).
5.((يأتي على الناس زمان تكون العافية فيه عشرة أجزاء تسعة منها اعتزال الناس، واحدة في الصمت))(2).
6.((من فَرّج عن مؤمن فرج الله عنه يوم القيامة))(3).
7.((لا يجتمع المال الا بخصال خمس: ببخل شديد، وامل طويل، وحرص غالب، وقطيعة لرحم وايثار الدنيا على الاخرة))(4).
8.قيل للامام (علیه السلام) كيف اصبحت؟ فأجاب: ((اصبحت بأجل منقوص وعمل محفوظ والموت في رقابنا، والنار من ورائنا ولا ندري ما يُفعل بنا!))(5).
9.((لا يكون المؤمن مؤمناً حتى تكون فيه ثلاث خصال: سنة من ربه وسنة من نبيه وسنة من وليه، فاما السنة من ربه فكتمان السر واما السنة من نبيه فمداراة الناس واما السنة من وليه، فالصبر في البأساء والضراء))(6).
10.((ليست العبادة كثرة الصيام والصلاة، وانما العبادة كثرة التفكر في امر الله))(7).
11.((لم يخنك الأمين، ولكن ائتمنت الخائن))(8).
ص: 52
12.((صديق كل امرئ عقله، وعدوه جهله))(1).
13.((أفضل العقل معرفة الانسان نفسه))(2).
14.((الايمان أربعة أركان: التوكل على الله، والرضا بقضاء الله والتسليم لامر الله والتفويض الى الله، قال العبد الصالح الإمام الكاظم (علیه السلام): وأفوض أمري الى الله ان الله بصير بالعباد فوقاه الله سيئات ما مكروا))(3).
15.((من حاسب نفسه ربح ومن غفل عنها خسر ومن خاف أمن ومن اعتبر أبصر ومن أبصر فهم ومن فهم علم ...))(4).
16.((من علامات الفقه (المعرفه) الحلم والعلم والصمت، ان الصمت باب من أبواب الحكمة، ان الصمت يكسب المحبة انه دليل على كل خير))(5).
17.((الايمان فوق الاسلام بدرجة، والتقوى فوق الايمان بدرجة، وما قسم في الناس شيء أقل من التقوى))(6).
18.وفي خيار العباد، قال الإمام الرضا (علیه السلام): ((الذين إذا أحسنوا استبشروا وإذا أساؤوا إستغفروا واذا أُعطوا شكروا وإذا ابتلوا صبروا وإذا غضبوا عفوا))(7).
19.((من لم يخف الله في القليل لم يخفه في الكثير))(8).
ص: 53
نشطت حركة البحث والتأليف والتدوين وتصنيف العلوم والمعارف خلال (القرن الثاني الهجري/الثامن الميلادي)، فظهرت المدارس والتيارات الفلسفية والفكرية وبدأت حركة الترجمة والنقل عن لغات الشعوب الاخرى(1).
ففي عهد المأمون العباسي تم جلب العديد من الكتب العلمية والفلسفية القديمة من البلدان الاخرى منها جزيرة صقليه(2) وقبرص(3) ثم وضعها في بيت الحكمة، وجعل خازناً عليه وامر بترجمة هذه الكتب ونقلها الى العربية، ومما لا شكّ فيه ان تلك الكتب المعرّبة اغنت الفكر العربي الاسلامي وأسهمت في تطور العلوم في البلاد الاسلامية إذ استعان الكثير من طلاب العلم بدراستها(4).
ص: 54
كان الإمام الرضا (علیه السلام) سليل النبوة وفقيه عصره وتميز من بين معاصريه من قادة الفكر الاسلامي بسعة علومه وإحاطته بكافة فروع المعرفه الاسلامية حتى وصفه المأمون: بانه أعلم إنسان على وجه الارض(1)، ووجد العلماء في احاديثه امتداداً ذاتياً لأحاديث جده الرسول محمد (صلی الله علیه و آله و سلم) وآبائه الائمة الطاهرين (علیهم السلام)، حيث استغل سنوات الصراع على السلطة (193ﻫ/808م - 198ﻫ/813م) بين الامين والمأمون، لرفع راية العلم والمعرفة باستخدامه اسلوباً جديداً يتيح له تفعيل علوم أهل البيت (علیهم السلام) ممن سبقوه من أسلافه من خلال الانفتاح العلمي على باقي الامم الاخرى والعمل على ترسيخ العقيدة بنشر تعاليم الدين الاسلامي وتوضيحها، فضلاً عن استخدام اسلوب المحاججة مع أصحاب المذاهب والاديان الاخرى من الذين عاصروه(2).
واشتهرت في تلك الفترة حركة الزندقة (3)
ص: 55
والغلو (1) ووكان دور الإمام (علیه السلام) فيها محاججة علماء التفسير والفلسفة والكلام والرد على الزنادقة والغلاة ودحض ارائهم، فضلا عن تثبيت قواعد التشريع وأصول التوحيد وتوجيه الفقهاء(2).
وهنالك العديد من العلوم الانسانية التي سادت عصر الإمام (علیه السلام) منها:
والمقيد)(1) والعام والخاص وغير ذلك وقد اتجه المفسرون الى تفسيره باتجاهين الاول هو التفسير بالمأثور والثاني هو التفسير بالرأي، فالتفسير بالمأثور يعني التفسير بما أثر عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) والائمة الاثني عشر (علیهم السلام) وهذا ما سلكه الإمام الرضا(علیه السلام) إذ بين للناس التاريخ الصحيح للانبياء والمرسلين وقصص الامم السابقة(2).
وكانت أول مدرسة للتفسير بالمأثور اقيمت في الاسلام في عهد الإمام علي بن ابي طالب (علیه السلام) وابرز مفسر للقرآن الكريم فيها هو (حبر الامة) (3) عبدالله ابن عباس (4).
واما التفسير بالرأي فهو مايراد به الاخذ بالاعتبارات العقلية الراجعة الى
ص: 57
الاستحسان فهو مما اشتبه عليهم أمره ولا يحزم إلا في حكم اضطر الى الفتوى به(1)، ويقول الإمام الرضا (علیه السلام): ((لاتؤول كتاب الله ((عزوجل)) برأيك فان الله ((عزوجل)) يقول: «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ»(2).
ومن بين العلوم السائدة في عصر الإمام (علیه السلام) علم الحديث(3) اذ قام جماعه من اصحابه (علیه السلام) بجمع الاحاديث بعد التحقق من صحتها في جوامع كثيرة اطلق عليها الجوامع الاولى للامامية(4).
فقد حث العديد من الائمة (علیهم السلام) على تدوين الاحاديث، لاسيما الإمام الصادق (علیه السلام) ويؤكد ذلك قوله لاصحابه: ((ما يمنعكم من الكتابة، أنكم لن تحفظوا حتى تكتبوا انه خرج من عندي رهط من اهل البصرة يسألون عن أشياء فكتبوها))(5).
ص: 58
وهو من العلوم الاسلامية التي ساد انتشاره في تلك الفترة من معرفة التكاليف اللازمة على المكلفين، وما عليهم من مسؤليها امام الله تعالى على امتثالها وتطبيقها على واقع حياتهم، وقام أئمة اهل البيت (علیهم السلام) بدور فعال في إنشاء مدرستهم الفقهيه التي ضمت أكابر العلماء والفقهاء منهم زرارة بن أعين(1) ومحمد بن مسلم(2) وجابر بن يزيد الجعفي(3) وابو حنيفة(4) وقد دونوا ما سمعوه عن الائمة
ص: 59
(علیهم السلام) بعد تهذيبها وعملوا على جمعها في كتب ليتسنى للفقهاء الإمامية الرجوع اليها عند استنباط احكامهم الشرعية(1)، ويبدو إن إعتقاد هؤلاء بعصمة الائمة (علیهم السلام) هو ما دفعهم على تدوين فتاواهم لشعورهم بالمسؤولية تجاه المسلمين بضرورة إيقافهم على ما يجب من التكاليف الشرعية التي اشار اليها الائمة (علیهم السلام) وبما ان الإمام الرضا (علیهم السلام) كان احد هؤلاء الائمة فقد سعى لاصدار الفتاوي والاحكام في القضايا والامور التي عرضت عليه في عصره.
4. الأصول (2)
أسس هذا العلم الإمام الباقر (علیه السلام) وتركز في مدرستين هما مدرسة الكوفة ومدرسة المدينة لعوامل توافرت فيهما ابرزت زعامتهما للمدارس الفقهيه، فالمدينة موطن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وفيها قبره وهي مقام جمهور الصحابة وعاصمة الخلافة الاسلامية حتى عهدعثمان بن عفان ، اما الكوفة فهي المنشأه الاسلامية الخالصة التي خطها الصحابة وبنوها وعمروها واتخذها الإمام علي بن ابي طالب(علیه السلام) عاصمة لخلافته، واعترف بقيمتها العلمية علماء الامصار الاسلامية(3).
ص: 60
5. النحو (1)
وقد قام بارساء دعائم هذا العلم الإمام علي بن ابي طالب (علیه السلام)، وهو من العلوم التي علَم الناس كافة بها وانه هو الذي ابتدعه وانشأه وأملى على أبي الاسود الدؤلي جوامعه وأصوله إذ عرف الكلام كله بثلاثة أشياء: اسم وفعل وحرف ومن جملتها تقسيم الكلمة الى معرفة ونكرة وتقسيم وجوه الاعراب الى الرفع والنصب والجر والجزم(2) وبرزالنحو في العصر العباسي إذ كانت مسائله وبحوثه موضع جدل في مجالس البلاط العباسي وبحضور الحاكم العباسي(3) وتخصص بهذا العلم العديد من العلماء في عصر الإمام الرضا (علیه السلام) وجرت المناظرة بينهم، منهم سيبويه(4) وخلف الاحمر(5) وغيرهما.
ص: 61
6. الكلام (1)
انتشر هذا العلم في ذلك العصر فقد خاض العلماء البحوث المهمه في هذا العلم للدفاع عن معتقداتهم(2) وكان الإمام الرضا (علیه السلام) وهشام بن الحكم(3) تلميذ الإمام الصادق (علیه السلام) من اهم المتكلمين، فقد ابطلوا معتقدات خصومهم، ومن اشهر المتكلمين صاحب مذهب المعتزله(4)واصل بن عطاء(5)(6).
وازدهرت الحياة العلمية في عصر الإمام الرضا (علیه السلام) وزهت انشطتها في
ص: 62
جميع انواع العلوم لاسيما علم الفلك وظهرت فيه المخترعات ومنها القمر الذي صنفه عطاء الخراساني المعروف بابن المقنع(1)، وكان الخليفة المأمون له درايه بهذا العلم ورصد النجوم(2).
ومن العلوم الاخرى علم الطب، ويعد الإمام الرضا (علیه السلام) من طليعة علماء ذلك العصر وكانت رسالته في الطب من اروع البحوث الطبية حتى سميت بالرسالة الذهبية(3)، وقد شجع الحكام العباسيون على دراسة علم الطب ومنحوا الاموال الطائلة للمتخصصين، ومن ابرزهم الطبيب الحاذق جبريل بن بخيشوع(4)(5).
ص: 63
كذلك علم الكيمياء الذي نال الاهتمام وتخصص فيه جابر بن حيان(1) الذي يعد من اكبر العلماء في الابتكار وقد تلقى بحوثه من الإمام الصادق (علیه السلام) والذي يسميه علماء العرب بالدماغ المفكر للانسانية(2).
أما علم الهندسة المعمارية فقد بلغ اوجه في تلك الفترة وابدع المهندسون ابداعاً في بناء قصور بني العباس في بغداد وسامراء فضلا عن الالواح الفنية والمعلقات التي لم يصنع مثلها لحد الان(3).
هذه بعض العلوم السائدة في ذلك العصر وهي تمثل الانطلاق الفكري والتطور العلمي، اما أهم المراكز العلمية في الدولة العربية الاسلامية فقد كانت في بغداد والمدينة والكوفة والبصرة(4).
وقد اسهم الإمام الرضا (علیه السلام) في تطور الحركة الفكرية اسهاماً فاعلاً من خلال رحلاته المتعددة بين تلك الامصار الاسلامية ومن أبرز رحلاته:
ص: 64
1.مدينة البصرة:
سافر الإمام (علیه السلام) بعد وفاة ابيه الإمام الكاظم (علیه السلام) للتأكيد والدلالة على امامته وابطال شبهة المشككين بها، وعقد في هذه المدينة مجلساً عاماً ضم جمعاً من المسلمين واصحاب الاديان الاخرى والفرق الاسلامية، قائلا لهم: ((اني انما جمعتكم لتسألوني عما شئتم من اثار النبوة وعلامات الإمامة التي لاتجدونها الا عندنا اهل البيت، فهلموا ...))(1)، فتقدم كل واحد منهم فسأل الإمام(علیه السلام) عن مسألة فأجابه عنها، فبهر القوم وعجبوا(2).
2.مدينة الكوفة:
وعند ذهابه الى الكوفة استقبل هناك استقبالاً مهيباً، فقد احتف به علماء المسلمين واخذوا يسألونه عن مسائل متعددة وكان يجيبهم عنها ولم تقتصر المسائل التي طرحت على الإمام (علیه السلام) على علماء المسلمين بل قام علماء النصارى واليهود في الكوفة بمناظرته وكانت إجابة الإمام (علیه السلام) عن كل المسائل أجوبة تقرع اذانهم وتخرس ألسنتهم(3).
ص: 65
3.مدينة نيسابور(1)
وعند مروره (علیه السلام) بنيسابور قاصداً مرو(2)، عمت الفرحة والبهجة ارجاء المدينة حين قدومه اليها،إذ استقبل الإمام (علیه السلام)استقبالا حاشدا حضره كبار العلماء والفضلاء ورجال الحديث وعرض له اشهر حفاظ الحديث من اهل السّنة في ذلك العصر، كأبي زرعة الرازي(3) ومحمد بن أسلم الطوسي(4) ومعهما عدد ممن لا يحصى من طلبة العلم، فقالا للامام (علیه السلام): ايها السيد الجليل ابن السادة الائمة بحق ابائك الاطهرين واسلافك الاكرمين الا ما أريتنا وجهك الميمون المبارك ورويت لنا حديثاً من ابائك (علیهم السلام) عن جدك رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) نذكرك به فاستوقف البغلة وأمر غلمانه بكشف المظلة وأقر عيون تلك الخلائق برؤيته المباركة فأنصتوا لسماعه، فقال
ص: 66
(علیه السلام): ((حدثني ابي موسى الكاظم عن ابيه جعفر الصادق عن ابيه محمد الباقر عن ابيه علي زين العابدين عن ابيه الحسين الشهيد عن ابيه علي بن ابي طالب (علیهم السلام)، قال حدثني حبيبي وقرة عيني رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) قال حدثني جبرائيل، قال سمعت رب العزة سبحانه وتعالى يقول: كلمة لا اله الا الله حصني فمن قالها دخل حصني ومن دخل حصني أمن عذابي، فلما مرت الراحلة نادانا: بشرطها وانا من شروطها))(1)، أراد (علیه السلام) بها التوحيد لله عزوجل الذي هو في الواقع الاساس للحياة الفضلى بمختلف جوانبها وإليه تنتهي وعليه وبه تقوم واذا اقترنت بإمامة خلفاء رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) المقترنين بالكتاب العزيز كما في حديث الثقليين: ((اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا أبداً))(2).
4.مدينة مرو:
بعد استقرار الإمام الرضا (علیه السلام) في مرو تم عقد العديد من المجالس العلمية الكبيرة التي حضرها اكابر العلماء هناك، فعاش حياته معلماً وناشراً للعلوم
ص: 67
وذاع صيته في الامصار الاسلامية كأبرز رجل علم ومعرفة (1).
قال ابو الصلت الهروي وهو من اعلام عصره: ((ما رأيت اعلم من علي ابن موسى الرضا (علیه السلام) ولا رآه عالم الا شهد له بمثل شهادتي، ولقد جمع المأمون في مجلس له عدداً من علماء الاديان وفقهاء الشريعة والمتكلمين فغلبهم عن اخرهم حتى ما بقي منهم احد الا اقر له بالفضل واقر على نفسه بالقصور ...)) (2).
وكتب المأمون بخط يده كتاباً يدل على سجايا الإمام (علیه السلام) وعلمه في كتاب ولاية العهد للامام (علیه السلام) قائلاً: ((... لما رأى من فضله البارع وعلمه الناصع وورعه الظاهر وزهده الخالص وتخليه من الدنيا وتسلمه من الناس ... واستبان له مالم تزل الاخبار عليه متواضعة والالسن عليه متفتحة والكلمة فيه جامعة، ولما يزل يعرفه به من الفضل يافعاً وناشياً وحدثاً ومكتهلاً ...))(3).
ص: 68
ص: 69
تسلّم المأمون زمام الحكم سنة (198ﻫ/813م) بعد حروب دامية استمرت خمس سنوات مع اخيه الامين فكان عليه ان يكون دقيقاً في اختيار ولاية العهد انسجاماً مع دقة الظروف في تلك الفترة، وليس من السهل ان يختار اياً من بني ابيه او غيرهم، بل لابد من اخضاع كل خطوة للدراسة الدقيقة، فأن الوضع السياسي جعله يفكر بارضاء العلويين على حساب العباسيين، لانه رأى من الحكمة ان يقرب البيت العلوي حفظاً للمركز الذي هو فيه(1).
اختلفت آراء المؤرخين في الاسباب التي دفعت بالمأمون لاختيار الإمام الرضا (علیه السلام) ولياً لعهده حسب اختلاف مشارب اهواء الناس ومذاهبهم، فقد اشار النوبختي: ((ان المأمون لما اظهر فضل علي الرضا وعقد بيعته فعل ذلك تصنعاً للدنيا))(2).
وعلل الشافعي اختيار المأمون للامام الرضا (علیه السلام) بقوله: ((... ونما ايمانه وعلا شأنه وارتفع مكانه وكثر اعوانه وظهر برهانه حتى احلّه الخليفة المأمون محل مهجته واشركه في مملكته ...))(3).
ص: 70
اما ابن خلدون فيرى: ((ان المأمون لما رأى كثرة الحزب العلوي واختلاف دعاتهم، وكان يرى رأيهم او قريب منه في شأن علي والسبطين فعهد من بعده لعلي الرضا))(1).
ويرى الشيبي: ((إن المأمون جعله ولي عهده لمحاولة تألف قلوب الناس ضد قومه العباسيين الذين حاربوه ونصروا اخاه ...))(2).
وعلى مايبدو لنا ان الظروف السياسية أملت على المأمون العباسي أن يختار الإمام الرضا (علیه السلام) ولياً للعهد،وقد عدت هذه الخطوة منه خطوة جريئة وحدثاً تاريخياً بالغ الخطورة أشغل الرأي العام وكان يرمي من ذلك الى الحفاظ على مؤسسة الخلافة بالدرجة الاولى.
إن المصادر التاريخية القريبة من عهد الإمام الرضا (علیه السلام) توضح لنا بصورة جلية خطأ ما ذهب إليه بعض المؤرخين وبخاصة إذ مانظرنا إلى النص التالي نظرة فاحصة،ففي رواية أوردها الشيخ الصدوق عن ابي الصلت الهروي تقول: ((إن المأمون قال للرضا (علیه السلام) يا ابن رسول الله قد عرفت علمك وفضلك وزهدك وورعك وأراك أحق بالخلافة مني، قال الإمام (علیه السلام): بالعبودية لله عزوجل أفتخر بالزهد في الدنيا أرجو النجاة من شر الدنيا وبالورع عن المحارم أرجو الفوز بالمغانم وبالتواضع في الدنيا أرجو الرفعة عند الله عزوجل، قال المأمون: فاني رأيت ان اعزل نفسي عن الخلافة واجعلها لك وابايعك، قال الإمام(علیه السلام): ان كانت الخلافة لك والله جعلها لك فلا يجوز لك ان تخلع لباساً ألبسك الله وتجعله لغيرك وان كانت الخلافة ليست لك فلا يجوز لك ان تجعل لي ما ليس لك، فقال المأمون: يا ابن رسول
ص: 71
الله فلابد من قبول هذا الامر، قال الإمام(علیه السلام): لست افعل طايعاً، فما زال المأمون يجهد به اياماً، حتى يأس من قبوله، فقال المأمون: فأن لم تقبل الخلافة ولم تحب مبايعتي لك؟ فكن ولي عهده لتكون الخليفة من بعدي، قال الإمام (علیه السلام): والله لقد حدثني ابي عن آبائه عن أمير المؤمنين (علیه السلام) عن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، اني اخرج من الدنيا قبلك مسموماً مقتولاً بالسم مظلوماً تبكي عليّ ملائكة السماء وملائكة الارض وادفن في ارض غربة الى جنب هارون، فبكى المأمون ثم قال: يا ابن رسول الله ومن الذي يقتلك او يقدر على الاساءة اليك وانا حي، فقال (علیه السلام): اما اني لو اشاء ان اقول لقلت من الذي يقتلني؟ فقال المأمون: يا ابن رسول الله انما تريد بقولك هذا التخفيف من نفسك ودفع هذا الامر عنك ليقول الناس انك زاهد في الدنيا، قال الإمام(علیه السلام): والله ما كذبت منذ خلقني ربي عزوجل وما زهدت في الدنيا للدنيا واني لأعلم ما تريد، فقال المأمون: وما اريد؟، قال (علیه السلام): الامان على الصدق، قال المأمون: لك الامان، قال (علیه السلام): تريد بذلك ان يقول الناس ان علي بن موسى لم يزهد في الدنيا بل زهدت الدنيا فيه الا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعاً في الخلافة، فغضب المأمون وقال: انك تتلقاني ابداً بما اكرهه وقد امنت سطوتي فبالله اقسم لئن قبلت ولاية العهد والا اجبرتك على ذلك فان فعلت والا ضربت عنقك، فقال الإمام (علیه السلام): قد نهاني الله عزوجل ان القي بيدي الى التهلكة فأن كان الامر على هذا فافعل مابدا لك وانا اقبل ذلك على ان لا أولي احداً ولا اعزل احداً ولا انقض رسماً ولا سنة واكون في الامر بعيداً مشيراً، فرضي منه ذلك وجعله ولي عهده على كراهة منه بذاك))(1).
وعلى الرغم من أن ماورد في هذه الرواية من سبب وجيه إلا أننا لانستطيع
ص: 72
أن ندعي بأن أي حدث تاريخي مهماً كان صغيراً او كبيراً ينتج عن عامل واحد وانما تتضافر مجموعة من العوامل فيما بينها لتؤدي بالتالي لحصول ذلك الحدث التاريخي، وفي هذه الحالة التاريخية فان هنالك عدة عوامل دفعت المأمون العباسي لتولية الإمام الرضا (علیه السلام) ولاية العهد،والعوامل هذه على النحو التالي:
أراد المأمون ان يأمن الخطر الذي يتهدده من قبل شخصية الإمام الرضا(علیه السلام) فسعى من خلال تلك الخطوة إلى إرضاء العامة والخاصة، وبذلك لايعود باستطاعة الإمام الرضا (علیه السلام)ان يدعو الناس للثورة على المأمون، ولا ان يأتي بأية حركة ضد الحكم بعد ان اصبح ولياً للعهد فيه، وقد اشار المأمون الى ذلك عندما اجاب جمعاً من العباسيين عندما عاتبوه على ما اقدم عليه من البيعة للامام (علیه السلام) بقوله: ((... قد كان الرجل (الرضا) مستترا عنا، يدعو الى نفسه فأردنا ان نجعله ولي عهدنا ليكون دعاؤه لنا، وليعترف بالملك والخلافة لنا، وليعتقد فيه المفتونون به بأنه ليس مما ادعى في قليل ولا كثير، وان هذا الامر لنا دونه... وقد خشينا ان تركناه على تلك الحال، ان ينفتق علينا منه مالا نسده، ويأتي علينا ما لانطيقه ... والان ... فاذا فعلنا به ما فعلنا واخطأنا في امره بما اخطأنا واشرفنا من الهلاك بالتنويه باسمه على اشرفنا، فليس يجوز التهاون في امره ولكننا نحتاج ان نضع منه قليلاً قليلاً حتى نصوره عند الرعية بصورة لايستحق هذا الامر ثم ندبر فيه بما يحسم عنا مواد بلائه ...))(1).
ص: 73
وعلى مايبدو أن العلويين المعارضين للدولة العباسية كانوا يعملون في الخفاء ولم يكن يعرف المأمون عنهم شيئا، ولكن عندما يصبح الأمام الرضا (علیه السلام) وليا لعهده فإنه سيتعرف على الداخل والخارج عليه وبذلك يمكن معرفة القادة العلويين عن قرب لأنهم سيأمنون على انفسهم بعد ان اصبح امامهم ولياً للعهد، وعلى مايبدو ان ذلك اقتصر على فترة محدودة، عاد المأمون بعدها بالتضييق على الإمام (علیه السلام) كما سنرى لاحقاً.
لقد كان من أهم الأمور التي سعى إليها المأمون وضع الإمام (علیه السلام) تحت المراقبة الدقيقة والواعية عن قرب من الداخل والخارج، ولايستبعد انه قصد من تزويجه من ابنته ام حبيبة (1) لتكون عليه رقيباً داخلياً موثوقاً به يطمئن الإمام (علیه السلام) نفسه إليه، كذلك كان المأمون يدس الوصائف هدية إلى مقر ولاية العهد ليطلعنّه على أخبار من شاء (2)، وجعل المأمون
ص: 74
على كل واحد صاحب خبر(1).
بل وضع الخليفة عيوناً اخرين يخبرونه بكل حركة من حركاته فكان هشام ابن ابراهيم الراشدي من اخص الناس عند الإمام (علیه السلام) وكانت اموره تجري من عنده، لاسيما بعدما حمل الى مرو حيث اتصل به الفضل بن سهل وزير المأمون وكذلك المأمون نفسه فحظي بذلك عندهما وكان لايخفي عليهما شيئاً من اخبار الإمام (علیه السلام) فولاه الخليفة حجابة ولي العهد، وكان لايصل الى الإمام (علیه السلام) الا من احب وضيق على من كان يقصده من مواليه، ولم يكن يتكلم الرضا (علیه السلام) في داره بشيء الا اورده هشام على الخليفة ووزيره(2).
وعندما أنزل الإمام (علیه السلام) بمنزل مجاورلقصر المأمون عند وصوله الى مرو، كان الهدف منه جعله (علیه السلام) قريباً منه ليتمكن من عزله عن الحياة الاجتماعية وإبعاده عن الناس حتى لايؤثر عليهم بما يمتلكه من قوة الشخصية والعلم ولايمارس أي نشاط يكون له دور رئيس فيه خصوصاً مع رجال الدولة ومنعه من إصدار الاوامر كي لايؤثر في مستقبل الحكم العباسي فيما بعد(3).
ودليلنا على التضييق على الإمام (علیه السلام) ما كتبه الى احمد البزنطي يقول(علیه السلام) ((واما ما طلبت من الاذن عليّ فان الدخول اليّ صعب وهؤلاء قد ضيقوا عليّ في ذلك الان ...))(4).
وتم ابعاد تلامذته عنه باخبارهم بانشغاله عن تدريسهم كي لايظهر علمه،
ص: 75
فضلاً عن إرجاع الإمام (علیه السلام) عن صلاة العيد (1) التي سنبينها لاحقاً.
كان المأمون على علم بما يكنّه المجتمع الاسلامي من كراهية وبغض للاسرة العباسية قبل ان يتولى حكم الدولة فأراد ان يفتح صفحة جديدة ويلقي الستار على سياسة آبائه الذين موهوا على الناس بادعائهم بأنهم يدعون الى الرضا من آل محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) ومنهم أبناء علي بن ابي طالب (علیه السلام) لانهم الأقرب الى القلوب من العباسيين وأعظم شأناً ومنزلة عند المسلمين وبذلك ولى ولاية العهد الى الإمام الرضا (علیه السلام)(2).
لقد ربط المأمون بعمله ذاك الأمة بالمؤسسة الحاكمة وكسب ثقتها فيه وشد قلوب الناس وانظارهم اليه، ومصداق لهذا القول ما اورده المؤرخون، ان المأمون كتب الى عامله في المدينة ان يخطب بالناس ويدعوهم الى بيعة الرضا(علیه السلام)، فقام خطيباً فقال: ((يا ايها الناس هذا علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب
ستة اباؤهم ماهم من *** افضل من يشرب صوم الغمام(3)))(4)
ص: 76
وباختيارالمأمون الإمام (علیه السلام) وليا للعهد فقد حصن نفسه عن كل عمل يقوم به مستقبلاً، ومنها أن الفضل بن سهل عندما قتل ثار مؤيدوه فلجأ المأمون الى الإمام (علیه السلام) واحتمى في بيته خوفاً من الثوار خارج القصر، وترجى المأمون الإمام (علیه السلام) بالخروج اليهم لتفريقهم وفعلاً حدث ذلك وتفرقوا احتراماً له.
لقد أفسحت خطوات المأمون تلك المجال تلقائياً له لتصفية حساباته مع خصومه اياً كانوا وبأية وسيلة دون ان يخشى أية ردة فعل تجاه أفعاله(1).
إن آراء المجتمع الاسلامي في الامصار الاسلامية قد تباينت بين مؤيد ومعارض لتولية الإمام الرضا (علیه السلام) لولاية العهد، فقد تلقاها البعض بنفس طيبة وقلوبٍ راضية، ففي بغداد مثلا وهي معقل العباسيين الاول وعاصمتهم الكبرى كان هنالك متعاطفون الى درجة كبيرة مع العلويين أيدوا ذلك القرار، إذ نقل أن إبراهيم بن المهدي(2) الذي تولى حكم العباسيين في بغداد بعد ان خلع اهلها المأمون استشاط غضباً من تولية الإمام (علیه السلام) لولاية العهد نظرا لوجود ذلك التعاطف الكبير في بغداد، إذلم يستطع السيطرة على الكوفة والبصرة فضلا عن بغداد بسبب ذلك(3)
ص: 77
وفي الكوفة معقل العلويين على مر التاريخ استمر الصراع والحرب اشهراً عده بين انصار المأمون وعليهم الخضرة وانصار العباسيين وعليهم السواد وهو شعارهم(1).
ونستنتج من ذلك ان المأمون بأخذه البيعة للامام الرضا (علیه السلام) وقبوله بها يكون قد اكسب مؤسسة الحكم العباسي شرعية واسعة أدت بالنتيجة النهائية إلى كسب الرأي العام لصالحه.
استوعب المأمون حجم المتغيرات الداخلية وعرف أن ميزان القوى اخذ يميل لصالح العلويين بعدما ادرك عقم المعالجة القمعية، فسلك سياسة جديدة تمثلت بالتقرب منهم وفق خطط مدروسة بعناية وكان من نتيجة هذه السياسة اخماد الثورات العلوية (2) في جميع الولايات والامصار الاسلامية وقد استخدم المأمون
ص: 78
شعار الرضا من آل محمد (صلی الله علیه و آله و سلم) لكسب ود الثائرين والمعارضين وبذلك استجاب الثوار لهذه البيعة التي عقدها للامام الرضا (علیه السلام) وبالفعل بايع الثوار بعد ان اعلن المأمون العفو العام عن قادة الثورات، وبذلك استراح من الخطر المحدق بدولته وفي هذا المجال يقول: ((... ما ظننت احداً من آل ابي طالب يخافني بعد ما عملته بالرضا (لولاية العهد) ...))(1).
ومن جانب آخر كانت الفرقة الزيدية(2) تزداد قوة وتشيع افكارها وتتمتع بنفوذ واسع لاسيما إذا علمنا أن الزيدية كانت ترفع شعار الرضا من آل محمد(صلی الله علیه و آله و سلم)
ص: 79
وهو ذات الشعار الذي رفعه العباسيون في بداية دعوتهم (1) ولم يكن تولية الإمام الرضا (علیه السلام) الا مصداقاً لذلك الشعار امام أنظار الناس، وبذلك اصبح القرار حجة على الزيدية استطاع من خلالها شل حركتهم مع سابق علمه بسوء العلاقة بين العلويين والزيديين، كذلك ضرباً للثائرين العلويين من اخوة الإمام (علیه السلام) بأخيهم(2).
الا ان اتباع اهل البيت (علیه السلام) ادركوا هذا المخطط حيث: ((ان البيعة ذاتها لم تقرب جميع العلويين من المأمون ولكنها ارضت قسماً منهم ...))(3).
بل ذهب البعض منهم الى ان البيعة لم تُرْضِ احدٍاً منهم كما يقول أحد الباحثين: ((لم تكن البيعة لعلي الرضا ترضي نفوس الشيعة ولاتقنعهم بالولاء للمأمون، فقد اعتبرت الشيعة هذه البيعة وسيلة لتسكين خواطرهم ودفعها الى الركون والهدوء والسلام ...))(4).
ومن اهم الاسباب التي كان ينشدها المأمون في هذه البيعة، إظهار الإمام(علیه السلام) امام العامة بأنه ليس من الزاهدين في الدنيا كما يدعي ويقول، بل إنه من عشاقها بدلالة قبوله ولاية العهد، إذ إن اسناد المنصب إليه يكون كفيلاً باظهاره للناس بمظهر المحب للدنيا بالعمل لا بالقول، فيصبح رجلاً دنيوياً، وإن تظاهره بالزهد والتقوى ليس إلا ستاراً زائفاً لا واقع له، ولقد كان الفارق الكبير بالسن بين
ص: 80
المأمون وولي العهد كبيرا، إذ كان الإمام (علیه السلام) أكبر من المأمون ب-(22سنة) فالفارق بينهما يعد عاملاً موجباً لجعله عرضة لشكوك الناس كي يقولوا انه ليطمع ان يعيش الى ما بعد المأمون ، ويؤكد المأمون ذلك بقوله: ((... يعتقد فيه المفتونون به بأنه ليس مما ادعى فيه قليل ولا كثير ...))(1).
كان الإمام (علیه السلام) يَدرك الخطه تلك وقد بينها بقوله (علیه السلام): ((... تريد ان يقول الناس ان علي بن موسى لم يزهد في الدنيا، بل زهدت الدنيا فيه، الا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعاً بالخلافة ...))(2).
وعن الريان بن الصلت(3) يقول: ((دخلت على الرضا، فقلت: يا ابن رسول الله، ان الناس يقولون: انك قبلت ولاية العهد مع اظهارك الزهد في الدنيا؟!، فقال(علیه السلام): قد علم الله كراهيتي لذلك فما خيّرت بين قبول ذلك وبين القتل، اخترت القبول على القتل، ويحهم أما علموا أن يوسف (علیه السلام) كان نبياً ورسولاً فلما دفعته الضرورة الى تولي خزائن العزيز، طلب من الله تعالى: «قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ»(4) ودفعتني الضرورة الى قبول ذلك وإكراه وإجبار بعد الاشراف على الهلاك على أني مادخلت في هذا الامر إلا دخول خارج منه فالى الله المشتكى وهو
ص: 81
المستعان))(1).
وقد اوضح القفطي نوايا المأمون باظهار أخطاء العلويين لاسيما الإمام الرضا (صلی الله علیه و آله و سلم) من خلال إسناد منصب ولاية العهد له، إذ إن المأمون كان يرى أن بقاء آل البيت مبتعدين عن الحكم والسياسة يجعلهم بمنأى عن الخطأ وبذلك يعظم تقديسهم لدى العامة ولاسيما أتباعهم، ويتبين ذلك في معرض حديث المنجم عبدالله بن سهل(2): ((... وكان المأمون قد رأى آل أمير المؤمنين علي بن ابي طالب متخشين متخفين من خوف المنصور، وما جاء من بني العباس ورأى العوام قد خفيت عنهم أمورهم بالاختفاء، فظنوا ما يظنونه بالانبياء، ويتفوهون بما يخرجهم عن الشريعة من التغالي ... فأراد معاقبة العامة على هذا الفعل ... ثم فكر إنه إِذا فعل بالعوام زادهم اغراءً به، فنظر نظراً دقيقاً، وقال: لو ظهروا للناس ورأوا فسق الفاسق منهم وظلم الظالم لسقطوا من اعينهم ولانقلب شكرهم لهم ذماً ... ثم قال: اذا أمرناهم بالظهور خافوا واستتروا وظنوا بنا سوءاً وإنما الرأي أن نقدم أحدهم ويظهر لهم إماماً، فاذا رأوا هذا آنسوا وظهروا، واظهروا ما عندهم من الحركات الموجوده في الآدميين، فيحق للعوام حالهم، وما هم عليه، مما خفي بالاختفاء، فاذا تحقق ذلك أزلت من أقمته، ورد الامر الى حالته الاولى ... وقوي هذا الامر عنده، وكتم باطنه عن خواصه ... واظهر لوزيره الفضل بن سهل انه يريد ان يقيم إِماماً من آل أمير المؤمنين علي (علیه السلام) وفكر فيمن يصلح فوقع اختياره على الرضا، فأخذ الفضل بن سهل في تقرير ذلك وترتيبه وهو لايعلم باطن الامر وأخذ في اختيار وقت البيعة
ص: 82
للرضا، ...))(1).
وذهب أحد الباحثين إلى ماذهب إليه القفطي فقال: ((انه رأى ان عدم تولي العلويين للخلافة، يكسب ائمتهم شيئاً من التقديس، فاذا ولّوا الحكم ظهروا للناس، وبان خطؤهم وصوابهم، فزال عنهم هذا التقديس ...))(2).
وعلى ما يبدو لنا من مقالة كلًّ من القفطي واحمد امين أنها تؤدي الى غاية واحدة وهي انهم ينظرون الى تسلم الإمام الرضا (علیه السلام) لسدة الحكم يفقده الاحترام والتقدير والمحبة في قلوب الناس، متناسين ان الإمام (علیه السلام) ومن سبقه من آبائه الطاهرين (علیه السلام) ضربوا بسهم وافر من الاجلال والتقدير في كلا الموضعين سواءً كانوا متولين للحكم ام مبتعدين عنه لأن زهدهم وترفعهم عن الزلل والخطأ كان يجعلهم دائماً بمنأى عن الشبهات.
ومن خلال عرض الاسباب التي دفعت بالمأمون لجعل الإمام الرضا(علیه السلام) ولياً للعهد نرى انه أدرك ان الدولة العباسية كانت تمر بدور خطير فقد عصفت بها الثورات من كل جانب فضلاً عن عدم استقرار الاوضاع السياسية في عهده لاسيما ابان قتله لاخيه الامين وانقسام البيت العباسي فكان لابد له بعد ان تسنمها من ان يجمع ما انفرط من عقد دولته نتيجة تلك الظروف فكان اختياره للامام الرضا (علیه السلام) العلاج المناسب لاعادة الاستقرار .
أما ما ذكر عن دور الوزير الفضل بن سهل في اختيار الإمام الرضا (علیه السلام) لولاية العهد وإقناع المأمون بذلك، فهنالك رواية صريحة تؤكد أن المأمون هو الذي دبر لتولي الإمام الرضا (علیه السلام) ولاية العهد ولم يكن للفضل بن سهل أي دور في هذا العمل، فقد روي عن الريان ابن الصلت قوله: ((لقد اكثر الناس في بيعة الرضا من
ص: 83
القواد والعامة وقالوا ان هذا من تدبير الفضل بن سهل، فبلغ المأمون ذلك فبعث إليّ في جوف الليل فصرت إليه، فقال: يا ريان أيجسر أحد أن يجيء الى خليفة وابن خليفة وقد استقامت له الرعية والقواد واستقرت له الخلافة فيقول له آدفع الخلافة من يدك الى غيرك، ايجوز هذا في العقل؟ قلت لا والله يا أمير المؤمنين ما يجسر على هذا أحد، قال: لا والله ما كان كما يقولون ... فلما وافى الله عزوجل لي بما عاهدته عليه، أجبت أنا في الله تعالى بما عاهدته، فلم أرى أحد أحق بهذا الامر من أبي الحسن الرضا فوضعتها فيه فلم يقبلها إلا على ما قد علمت))(1).
وقد اورد المؤرخون روايات متناقضة عن دور الفضل بن سهل للبيعة فمنهم من قلل دوره،إذ قيل إن الفضل لم يعلم بالامر الا بعد عزم الخليفة على ذلك ووجه له وأعلمه بعزمه على عقد البيعة للامام الرضا (علیه السلام) فضلاً عن ان الحسن بن سهل(2) لم يحبذ ذلك بل حذر الخليفة كثيراً منه(3).
أما القسم الاخر من الباحثين القدامى منهم والمحدثين فيقولون إنه هو القائم بهذا الامر وقد بذل جهده في تحريض الخليفة على البيعة للرضا (علیه السلام) من بعده وأراد أن يخرج الخلافة من البيت العباسي الى البيت العلوي، فأجابه الخليفة الى طلبه وانه فعله عن حسن ظن في العلويين وان يتقرب الى الله والى رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) بصلة رحمه ليمحو ما كان الرشيد قد فعله فيهم لاسيما وأن للفضل القول النافذ لدى الخليفة فأصبحت كل بادرة تحصل تعزى إليه(4).
ص: 84
لقد أكد القائلون بدور الفضل في مسألة البيعة نظريتهم قائلين : إن المأمون استطاع ان يبرئ ساحة نفسه ويجعل وزيره هو المسؤول عما حدث من مجريات سياسية، لكن ذلك كان بعد فوات الاوان إذ أدرك الفضل بن سهل حراجة موقفه لذا نراه يمتنع من الذهاب الى بغداد لانه يعرف ما سوف يواجهه من مشاكل واخطار ونلمس ذلك برده على الخليفة قائلاً: ((...إن ذنبي عظيم عند أهل بيتك وعند العامة والناس يلومونني بقتل أخيك المخلوع وبيعة الرضا ولا آمن السعاة والحساد واهل البغي ان يسعوا بيّ، فدعني أخلفك بخراسان ...))(1).
وعلى ما يبدو ان المأمون رفض الاستجابة لمطالب وزيره الفضل، لانه كان يريد التخلص منه لسببين:
الاول: لانه يمثل خطراً على دولته فقد كان يخفي ما يجري في الاقاليم الاسلامية عنه وخاصة في بغداد وقد اعلمه الإمام (علیه السلام) بذلك.
والثاني : إن المأمون كان يرمي الى التخلص منه لغرض التقرب من العباسيين في بغداد وينال رضاهم بعد أن انتشر في أوساط البغداديين دور الفضل في مقتل الأمين ودوره في ولاية العهد للإمام الرضا(علیه السلام)
ص: 85
قد يعدّ البعض أن اسناد منصب ولاية العهد للامام الرضا (علیه السلام)سابقة خطيرة في السلوك السياسي العباسي وذلك بتنازل الحاكم للمعارضة ويعرض عليها تقاسم الخلافة.
ويبرز عند دراسة هذه المسألة التأريخية رأيان :
الاول : أثنى على المأمون ووصفه بالتجرد مستنداً إلى قوله لوزيره الفضل بن سهل بما نصه: ((... اني عاهدت الله ان اخرجها الى أفضل آل ابي طالب، إن ظفرت بالمخلوع )الامين(، وما أعلم أحداً أفضل من هذا الرجل )الرضا (علیه السلام)( على وجه الارض(1))) فلما رأيا عزيمته عن ذلك امسكا عن معارضته فارسلهما )الفضل والحسن بن سهل( الى الرضا(2).
الثاني : إن اسناد ولاية العهد للامام (علیه السلام) كان لغرض سياسي لما رأى كثرة العلويين واختلاف دعائهم، فعهد لعلي الرضا، وبذلك اراد المأمون تمشية لاموره الدنيوية لوقت يتأكد فيه من هيمنته على الامور(3).
ومهما كان من أرجحية أحد الرأيين فإن المأمون أمر وزيره الفضل بن سهل ان يحضر مع اخيه الحسن بن سهل، ليتناقشوا في أمر البيعة لعلي الرضا(علیه السلام)، فجعل الحسن يعظّم ذلك ويعرفه ما فيه من إخراج الامر من اهله بني العباس عليه، لكن المأمون أصر على البيعة، وأرسل الفضل بن سهل برسالة للامام (علیه السلام) الى المدينة
ص: 86
يطلب فيها القدوم الى مرو ليتسلم الخلافة، لكن الإمام (علیه السلام) رفض الاستجابة لهذا الطلب(1).
ثم ارسل المأمون وفداً رسمياً لإشخاص الإمام (علیه السلام) من المدينة المنورة الى مرو العاصمة سنة (200ﻫ/815م)، وكان يرأس الوفد الرجاء بن ابي الضحاك (2)، وقيل عيسى بن يزيد الجلودي (3)، ويستبعد العاملي ذلك بقوله: ((ان الجلودي كان من قواد الرشيد وكان عدواً للامام الرضا (علیه السلام) وليس من الحكمة ان يبعثه المأمون لإشخاص الإمام)) (4)، وعهد المأمون الى رئيس الوفد ان يأتي بالإمام (علیه السلام)، عن طريق البصرة والاهواز ثم مرو وأن لايأتي به عن طريق الكوفة وقم(5)(6).
ص: 87
يبدو لنا ان الظروف السياسية في تلك الفترة فرضت على المأمون إبعاد الإمام (علیه السلام) أثناء رحلته عن طرق المدن الموالية له ولاسيما الكوفة وقم لان تواجده قد يسبب وضعاً لاتحمد عقباه لاسيما أن تلك المدن كانت تموج بفتن وثورات كثيرة.
لم يجد الإمام (علیه السلام) بداً من الاجابة للامر فمضى الى قبر جده رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) فودعه الوداع الاخير توجه بعدها الى بيت الله الحرام ليودعه، ثم أقام ابنه الإمام الجواد (علیه السلام) مقامه وهو ابن سبع سنين أو يزيد على ذلك بقليل، وفي ذلك قال الإمام الرضا (علیه السلام): ((أمرت جميع وكلائي وحشمي بالسمع والطاعة له، وعرف أصحابه أنه (أي الإمام الجواد(علیه السلام)القيم من بعده))(1).
غادر الإمام (علیه السلام) بيت الله الحرام متوجهاً الى مرو وقد قوبل بمنتهى الحفاوة والتكريم والاجلال في كل بلد مر به فقد كان المسلمون يسارعون الى الاحتفاء والتبرك به ويسألونه عن احكام دينهم، والإمام (علیه السلام) يرد عليهم ويجيب على كل مسائلهم التي يطرحونها عليه، وطوت القافلة البيداء، حتى وصلت الى نيسابور وفيها استقبل الإمام (علیه السلام) استقبالاً شعبياً عظيما، وكان في الطليعة كبار العلماء والفضلاء، وواصلت القافلة سيرها حتى وصلت مدينة سناباذ (2) وفيها دار حميد بن قحطبة الطائي(3) وفيها قبر هارون الرشيد، فمضى اليها الإمام(علیه السلام) وقال لمن حوله: ((هذه تربتي وفيها أدفن ...))(4).
ص: 88
واخيراً وصل الإمام (علیه السلام) الى العاصمة مرو واستقبل استقبالاً رسمياً وكان المأمون في مقدمة مستقبيله ومعه وزيره ذو الرئاستين الفضل بن سهل وبقية وزرائه ومستشاريه والقادة العسكريين وسائر ابناء الشعب ورحب به ترحيباً حاراً فانزله داراً جوار داره وأكرمه وأعظم أمره(1).
عرض المأمون على الإمام (علیه السلام) تنازله عن الحكم فكتب له: إني أريد أن أخلع نفسي من الخلافة وأقلدك إياها، فرفض الإمام (علیه السلام) هذا الامر بقوله: أعيذك بالله من هذا الكلام وان يسمع به أحد ، فرد الرسالة له وقال المأمون: فإذا أبيت ما عرضت عليك فلابد من ولاية العهد بعدي، فأبى فاستدعاه المأمون وخلا به ومعه الفضل بن سهل وليس معهم احد في المجلس وقال له: اني قد رأيت أن أقلدك أمر المسلمين وأفسخ ما في رقبتي وأضعه في رقبتك ... فقال (علیه السلام) الله الله إنه لاطاقة لي بذلك ولاقوة عليه، فقال المأمون كلاماً كالتهديد له على الامتناع ومنه: ان عمر بن الخطاب جعل الشورى في ستة احدهم جدك أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (علیه السلام) وشرط فيمن خالف منهم أن يضرب عنقه ولابد من قبولك ما أريده منك فاني لاأجد محيصاً عنه، فقال (علیه السلام): فاني أجيبك الى ما تريد من ولاية العهد على أنني لا آمر ولا أنهى ولا أفتي ولا أقضي ولا أولي ولا أعزل ولا أغير شيئاً مما هو قائم ، فأجابه المأمون الى ذلك كله (2).
ص: 89
وقد أظهر الفضل بن سهل انبهارهه بما حصل قائلا: ((واعجباً؟ رأيت الميمون أمير المؤمنين يفوض أمر الخلافة الى الرضا ورأيت الرضا يقول لاطاقة لي بذلك ولاقدرة لي عليه، فما رأيت خلافة قط كانت أضيع منها ...))(1).
عقد المأمون جلسة للخاصة في رمضان سنة (201ﻫ/816م) في العاصمة مرو وخرج الفضل بن سهل فأعلم الناس برأي المأمون بعلي بن موسى وانه ولاه عهده وسماها الرضا وامرهم بلبس الخضرة (2) وان يأخذوا رزق سنة والعودة للبيعة في الاسبوع القادم، فلما كان ذلك اليوم ركب الناس على طبقاتهم من القواد والقضاة والحجاب وغيرهم ولبسوا الخضرة، وجلس المأمون ووضع للرضا (علیه السلام) وسادتين وأجلسه على فراش عليه الخضرة وعليه عمامة وسيف وأمر ابنه العباس ان يبايع اول الناس فرفع الإمام (علیه السلام) يده فتلقى بظهرها وجه نفسه وببطنها وجوهم، فقال المأمون ابسط يدك للبيعة، فقال الإمام (علیه السلام): ان رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) هكذا كان يبايع فبايعه الناس ويده فوق ايديهم(3).
ص: 90
وخطب المأمون قائلا: ((أيها الناس جاءتكم بيعة علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب (علیه السلام) والله لو قرأت هذه الاسماء على الصم البكم لبرأوا باذن الله ((عزوجل))، وطلب من الإمام(علیه السلام) ان يخطب بهم فحمد الله واثنى عليه وقال (علیه السلام): لنا عليكم حق برسول الله ولكم علينا حق به، فاذا أنتم أديتم إلينا وجب علينا الحق لكم))(1).
وقد جاء تكليف المأمون للامام الرضا (علیه السلام) بولاية العهد، بموجب وثيقة رسمية وقع عليها كلا الطرفين وشهد عليها كبار رجال الدولة وهذا نصها بعد البسملة: ((هذا كتاب كتبه عبدالله بن هارون الرشيد، أمير المؤمنين لعلي بن موسى بن جعفر ولي عهده ...
اما بعد: فان الله عزوجل اصطفى الاسلام ديناً واصطفى من عباده رسلاً دالين عليه، وهادين إليه يبشر أولهم بآخرهم، ويصدق تاليهم ماضيهم، حتى انتهت نبوة الله الى محمد (صلی الله علیه و آله و سلم) على فترة الرسل، ودروس من العلم، وانقطاع من الوحي، واقتراب من الساعة، فختم الله به النبيين وجعله شاهداً لهم، ومهيمناً عليهم وأنزل عليه كتابه العزيز، الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه تنزيل من حكيم
ص: 91
حميد بما احل وحرم ووعد وأوعد، وحذر وأنذر وأمر به ونهى عنه، لتكون له الحجة البالغة على خلقه ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حيّ عن بينة وإن الله لسميع عليم.
فبلغ عن الله رسالته ودعا الى سبيله بما امره به من الحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي احسن، ثم بالجهاد والغلظة، حتى قبضه الله اليه، واختار له ما عنده (صلی الله علیه و آله و سلم) فلما انقضت النبوة وختم الله بمحمد (صلی الله علیه و آله و سلم) الوحي والرسالة، جعل قوام الدين ونظام امر المسلمين بالخلافة، واتمامها وعزها، والقيام بحق الله بالطاعة التي يقام بها فرائض الله تعالى وحدوده وشرائع الاسلام وسنته ويجاهد بها عدوه.
فعلى خلفاء الله طاعته فيما استحفظهم واسترعاهم من دينه وعباده، وعلى المسلمين طاعة خلفائهم، ومعاونتهم على إقامة حق الله وعدله وأمن السبيل وحقن الدماء وصلاح ذات البين، وجمع الالفة وفي خلاف ذلك اضطراب حبل المسلمين، واختلافهم واختلاف ملتهم وقهر دينهم واستعلاء عدوهم وتفرق الكلمة وخسران الدنيا والاخرة.
فحق على من استخلفه الله في أرضه وأئمته على خلقه أن يجهد الله نفسه، ويؤثر ما فيه رضى الله وطاعته، ويعتمد لما الله موافقه عليه، ومسائله عنه، ويحكم بالحق ويعمل بالعدل فيما أحله الله وقلده، فان الله عزوجل يقول لنبيه داود: «يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ» (1)، وقال الله عزوجل: «فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ»(2) و«عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(3)، وبلغنا ان عمر بن الخطاب قال: لو ضاعت سخلة بشاطيء الفرات لتخوفت ان يسألني الله عنها.
وايم الله ان المسؤول عن خاصة نفسه، الموقوف على عمله فيما بينه وبين
ص: 92
الله، ليعرض على أمر كبير، وعلى خطر عظيم، فكيف بالمسؤول عن رعاية الامة، وبالله الثقة، وإليه المفزع والرغبة في التوفيق والعصمة والتسديد والهداية الى ما فيه بثبوت الحجة والفوز من الله بالرضوان والرحمة.
وأنظر الامة لنفسه، وأنصحهم لله في دينه وعباده من خلائقه في ارضه، من عمل بطاعة الله وكتابه وسنة نبيه (صلی الله علیه و آله و سلم) في مدة ايامه وبعدها، واجهد رأيه فيمن يوليه عهده، ويختاره لامامة المسلمين ورعايتهم بعده، وينصبه علماً لهم ومفزعاً في جميع الفتهم، ولم شعثهم، وحقن دمائهم والامن باذن الله من فرقتهم، وفساد ذات بينهم واختلافهم ورفع نزغ الشيطان وكيده عنهم فان الله عزوجل جعل العهد بعد الخلافة من تمام الاسلام وكماله، وعزه وصلاح اهله والهم خلفاءه من توكيده لمن يختارونه له من بعدهم ما عظمت به النعمة، وشملت فيه العافية، ونقض الله بذلك مكر اهل الشقاق والعداوة والسعي والفرقة والتربص للفتنة.
ولم يزل أمير المؤمنين منذ أفضت إليه الخلافة فاختبر بشاعة مذاقها، وثقل محملها، وشدة مؤونتها، وما يجب على تقلدها من ارتباط طاعة الله، ومراقبته فيما حمله منها، فأنصب بدنه، وأسهر عينه وأطال فكره فيما فيه عز الدين وقمع المشركين وصلاح الامة، ونشر العدل، واقامة الكتاب والسنة، ومنعه ذلك من الخفض والدعة، ومهنأ العيش، علماً بما الله سائله عنه، ومحبة ان يلقى الله مناصحاً له في دينه وعباده ومختاراً لولاية عهده ورعاية الامة من بعده افضل ما يقدر عليه في دينه وورعه وعلمه وارجاهم للقيام في امر الله وحقه مناجياً بالاستجارة في ذلك مسألته الهامه ما فيه رضاه وطاعته في اناء ليله ونهاره، معملاً في طلبه والتماسه في اهل بيته من ولد عبدالله بن العباس وعلي بن ابي طالب فكره ونظره، مقتصراً ممن علم حاله ومذهبه منهم على علمه، وبالغاً في المسألة عمن خفي عليه امره جهده وطاقته، حتى استقصى امورهم معرفة، وابتلى اخبارهم مشاهدة، واستبرأ احوالهم معانية، وكشف ما عندهم مسألة.
فكان خيرته بعد استخارته الله واجهاده نفسه في قضاء حقه في عباده وبلاده
ص: 93
في البيتين جميعاً:
علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب،لما رأى من فضله البارع وعلمه النافع وورعه الظاهر وزهده الخالص وتخليه من الدنيا وتسلمه من الناس...وقد استبان له ما لم تزل الاخبار عليه متواطئة والالسن عليه متفقة والكلمة فيه جامعة، ولما لم يزل يعرفه به من الفضل يافعاً، وناشئاً وحدثاً ومكتهلاً فعقد له بالعقد والخلافة من بعده واثقاً بخيرة الله في ذلك، اذ علم الله انه فعله ايثاراً له، وللدين، ونظراً للاسلام والمسلمين، وطلباً للسلامة، وثبات الحجة، والنجاة في اليوم الذي يقوم الناس فيه لرب العالمين.
ودعا أمير المؤمنين ولده، وأهل بيته وخاصته وقواده وخدمه فبايعوا مسارعين مسرورين، عالمين بايثار أمير المؤمنين طاعة الله على الهوى في ولده وغيرهم، ممن هو اشبك منه رحماً، واقرب قرابة.
وسماه الرضا، اذ كان رضا عند أمير المؤمنين فبايعوا معشر اهل بيت امير المؤمنين، ومن بالمدينة المحروسة، من قواده وجنده وعامة المسلمين، لامير المؤمنين، وللرضا من بعده علي بن موسى على اسمه وبركته وحسن قضائه لدينه وعباده، بيعة مبسوطة اليها ايديكم منشرحة لها صدوركم عالمين بما اراد أمير المؤمنين بها واثر طاعة الله والنظر لنفسه ولكم فيها شاكرين الله على ما آل لهم أمير المؤمنين بها: من قضاء حقه في رعايتكم وحرصه على رشدكم وصلاحكم، راجين عائدة ذلك في جمع الفتكم وحقن دمائكم، ولم شعثكم وسد ثغوركم، وقوة دينكم، ورغم عدوكم، واستقامة اموركم.
وسارعوا الى طاعة الله، وطاعة امير المؤمنين، فانه الامن ان سارعتم اليه، وحمدتم الله عليه، عرفتم الحظ فيه ان شاء الله.
وكتب بيده يوم الاثنين، لسبع خلون من شهر رمضان، سنة (201ﻫ/816م)).
ثم انه تقدم إلى علي بن موسى، وقال له: اكتب خطك بقبول هذا العهد
ص: 94
وأشهد الله، والحاضرين عليك بما تعده في حق الله ورعاية المسلمين فكتب الإمام الرضا (علیه السلام) على ظهر العهد بخطه، بعد البسملة:
((الحمد لله الفعال لما يشاء، ولامعقب لحكمه ولا راد لقضائه يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور، وصلاته على نبيه خاتم النبين وآله الطاهرين.
اقول: أنا علي بن موسى بن جعفر: إن أمير المؤمنين عضده الله بالسداد، ووفقه للرشاد عرف من حقنا ما جهله غيره، فوصل أرحاماً قطعت، وأمن نفساً بل أحياها، وقد تلفت، وأغناها اذا افتقرت مبتغياً رضا رب العالمين لايريد جزاءً من غيره، وسيجزي الله الشاكرين ولايضيع اجر المحسنين.
وانه جعل إليّ عهده، والامرة الكبرى إن بقيت بعده، فمن حل عقدة أمر الله بشدها، وفصم عروة أحب الله إيثاقها، فقد أباح الله حريمه وأحل محرمه، اذ كان بذلك زارياً على الإمام منتهكاً حرمة الاسلام بذلك جرى السالف، فصبر منه على الفلتات، ولم يعترض على العزمات، خوفاً من شتات الدين واضطراب حبل المسلمين، ولقرب امر الجاهلية ورصد فرصة تنتهز، وبايقة تبتدر.
وقد جعلت الله على نفسي، إن استرعاني في أمر المسلمين وقلدني خلافته، العمل فيهم عامة، وفي بني العباس بن عبد المطلب خاصة بطاعته وطاعة رسوله(صلی الله علیه و آله و سلم)، وأن لاأسفك دماً حراماً ولا أبيح فرجاً ولامالاً، إلا ما سفكته حدود الله وأباحته فرائضه، وأن أتخير الكفاءة جهدي وطاقتي وجعلت بذلك على نفسي عهداً مؤكداً، يسألني الله عنه، فانه عزوجل يقول: «وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا»(1).
وإن أحدثت أو غيّرت أو بدلت كنت للغير مستحقاً وللنكال متعرضاً وأعوذ بالله من سخطه وإليه أرغب في التوفيق لطاعته والحول بيني وبين معصيته في عافيةٍ لي وللمسلمين.
والجامعة والجفر يدلان على ضد ذلك، وما أدري ما يفعل بي ولابكم إن
ص: 95
الحكم الا لله يقضي بالحق وهو خير الفاصلين.
لكني امتثلت أمر أمير المؤمنين وآثرت رضاه، والله يعصمني وإياه، وأشهدت على نفسي بذلك، وكفى بالله شهيداً.
وكتبت بخطي، بحضرة امير المؤمنين، أطال الله بقاءه والفضل بن سهل، ويحيى بن أكثم(1) وبشر بن المعتمر(2) وحماد بن النعمان (3) في شهر رمضان سنة (201ﻫ/816م)).
وكتب الفضل بن سهل ما صورته :(( رسم أمير المؤمنين - أطال الله بقاءه - قراءة هذه الصحيفة التي هي صحيفة الميثاق نرجو ان نجوز السراط ظهرها وبطنها بحرم سيدنا رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) بين الروضة والمنبر، على رؤوس الاشهاد، بمرأى ومسمع من وجوه بني هاشم وساير الاولياء والاجناد بعد استيفاء شروط البيعة عليهم بما اوجب أمير المؤمنين الحجة به على جميع المسلمين الحجة به ولتبطل الشبه التي كانت اعترضت اراء الجاهلين.
كتبه الفضل بن سهل في التاريخ المعين فيه.
وكتب يحيى بن اكثم القاضي ما صورته: شهد يحيى بن اكثم على مضمون هذه الصحيفة ظهرها وبطنها، وكتب بخطه بالتاريخ المعين فيه.
ص: 96
وكتب حماد بن النعمان ما صورته: شهد حماد بن النعمان بمضمون ظهره وبطنه.
وكتب بشر بن المعتمر ما صورته: شهد بمثل ذلك بشر بن المعتمر بخطه بالتاريخ))(1).
لقد اسبغ المأمون على بيعة الإمام الرضا (علیه السلام) صفاتها الشرعية، فأمر بضرب النقود الذهبية والفضية الدنانير والدراهم، وجعل عليها أسم الرضا(علیه السلام)، كما تم تغيير شعار العباسيين الاسود بالشعار الاخضر والذي قال عنه المأمون بأنه لباس اهل الجنة، كذلك كتب الى سائر الولايات الاسلامية بأخذ البيعة بولاية العهد للامام (علیه السلام) ، وعهد ان يحج بالناس في سنة (201ﻫ/816م) اخو الإمام (علیه السلام) ابراهيم بن موسى بن جعفر (علیه السلام)(2).
ص: 97
وعلى ما يبدو لنا أنه لم يكن من ولاية العهد سوى تأدية بعض الفروض الدينية لاسيما صلاة الاستسقاء(1) وصلاة العيد والمناظرات والمحاججات الدينية والعلمية مع المذاهب والاديان الاخرى التي كانت بتكليف من المأمون نفسه.
اذ روى الريان بن الصلت قال: لما حضر العيد وكان قد عقد للامام (علیه السلام) الامر بولاية العهد، بعث المأمون إليه في الركوب الى العيد والصلاة بالناس والخطبة لهم، فبعث الإمام (علیه السلام) للمأمون يقول له: قد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط في دخول الامر فاعفني من الصلاة بالناس، فقال له المأمون: انما أريد بذلك ان تطمئن قلوب الناس ويعرفوا فضلك ...، ولم تزل الرسل تتردد بينهما في ذلك وعندما أصر المأمون على ذلك، أرسل الإمام (علیه السلام) أن اعفني فهو أحب الي، وإن لم تعفني خرجت كما خرج رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وأمير المؤمنين علي بن ابي طالب (علیه السلام) فقال له المأمون اخرج كيف شئت، ثم أمر المأمون القواد والحجاب ان يبكروا
ص: 98
الى باب الإمام(علیه السلام) فقعد الناس في الطرقات والسطوح واجتمعت النساء والصبيان ينتظرون خروجه، وصار جميع القواد والجند الى بابه فوقفوا على دوابهم حتى طلعت الشمس، فاغتسل الإمام (علیه السلام) ولبس ثيابه وتعّمم بعمامة بيضاء من قطن ألقى طرفاً منها على صدره وطرفاً بين كتفه ومس شيئاً من الطيب واخذ بيده عكازه وقال لموإليه افعلوا مثل ما افعل فخرجوا بين يديه وهو حافٍ قد شمر سراويله الى نصف الساق وعليه ثياب مشمرة فمشى قليلاً ورفع رأسه الى السماء وكبر وكبر موإليه معه ثم مشى حتى وقف على الباب فلما رآه القواد والجند على تلك الصورة، سقطوا كلهم من دوابهم الى الارض وكان احسنهم حالاً من كان معه سكين قطع بها شراكة نعليه ونزعها وتحفى، وكّبر الإمام (علیه السلام) على الباب وكّبر الناس معه فخيل الينا أن السماء والحيطان تجاوبه، وتزعزعت مرو بالبكاء والضجيج لما رأوا ابا الحسن (علیه السلام) وسمعوا تكبيره، وبلغ المأمون ذلك فقال له الفضل بن سهل ذو الرئاستين: يا أمير المؤمنين إن بلغ الرضا المصلى على هذا السبيل فُتّنَ به الناس وخفنا كلنا على دمائنا فانفذ إليه أن يرجع ...، فبعث إليه المأمون، وقال: قد كلفناك شططاً وأتعبناك، ولست أحب أن يلحقك مشقة فارجع وليصلِ بالناس من كان يصلي بهم على رسمه ...، فدعا الإمام (علیه السلام) بخفه فلبسه وركب ورجع فاختلف أمر الناس ولم تنتظم صلاتهم(1).
ص: 99
أمتنع جماعة من أنصار المأمون من مبايعة الإمام (علیه السلام) لولاية العهد فحقدوا عليه ونقموا على المأمون بيعته إياه، ومنهم عيسى بن يزيد الجلودي وعلي بن ابي عمران (1) وابو يونس (2)، فأمر المأمون بإخراجهم من السجن فلما مثلوا عنده، رأوا الإمام الرضا (علیه السلام) في المجلس ازدادوا غيظاً وغضباً، وانبرى علي بن أبي عمران، فقال: اعيذك يا أمير المؤمنين ان تخرج هذا الامر الذي جعله الله لكم وخصكم به وتجعله في ايدي أعدائكم، وما كان آباؤك يقتلونهم ويشردونهم في البلاد، فصاح المأمون: ... وانت بعد على هذا؟ ...، ثم أمر بضرب عنقه فنفذ ذلك فيه، وجاء بعده ابو يونس وقال: يا أمير المؤمنين هذا الذي بجنبك والله صنم يعبد من دون الله ...، فأمر بضرب عنقه، وادخل عيسى الجلودي، وكان من أعداء اهل البيت (علیه السلام)، وله قضية سابقة مع الإمام(علیه السلام)عندما بعثه الرشيد العباسي للهجوم على بيت الإمام الرضا (علیه السلام) بالمدينة، فاراد سلب أهل بيته من ثياب وحلي، فأبى الإمام (علیه السلام) ووعده ان يعطيه مايريد، فدخل الإمام (علیه السلام) فجمع كل الحلي والحلل وجاء بها الجلودي، وكان المأمون يعرف القصة، فقال للامام (علیه السلام): ((يا سيدي هذا الذي فعل ببنات رسول الله(صلی الله علیه و آله و سلم) ما فعل من سلبهن؟ ...))، ونظر الجلودي الى الإمام (علیه السلام) في المجلس يكلم المأمون بالعفو عنه، فظن انه يريد الانتقام منه لما فعله معه، فقال الجلودي: يا أمير المؤمنين أسألك بالله، وبخدمتي للرشيد ان لا تقبل قول هذا (الرضا (علیه السلام)) فيَّ ...، والتفت المأمون الى الإمام (علیه السلام) فقال له: يا أبا الحسن قد
ص: 100
استعفاني، ونحن نبر بقسمه ...، وخاطب المأمون الجلودي: لا والله لا اقبل قوله فيك، والتفت الى الشرطة وقال لهم: ألحقوه بصاحبيه، فضرب عنقه(1).
كما كان العباسيون في بغداد من أشد المعارضين لبيعة الإمام الرضا (علیه السلام) فأعلنوا خلعهم المأمون ونصبوا بدلاً عنه إبراهيم بن المهدي.
ص: 101
موقفه ضد الغلاة والواقفة (1):
سُئل المأمون الإمام الرضا (علیه السلام) ذات يوم عن الغلاة فقال (علیه السلام): ((حدثني ابي موسى بن جعفر عن ابيه محمد بن علي عن ابيه علي بن الحسين عن ابيه الحسين عن ابيه علي بن ابي طالب (علیه السلام) قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) لا ترفعوني فوق حقي، فإن الله تبارك وتعالى اتخذني عبداً قبل ان يتخذ نبياً، قال الله تبارك وتعالى: «مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ»(2).
وفي رده عن شبهة المعجزات التي تشبث بها الغلاة قال (علیه السلام): ((لما ظهر منه (الفقر والفاقة) دلّ على ان هذه صفاته وشاركه فيها الضعفاء المحتاجون لاتكون المعجزات فعله، فعلم بهذا الذي اظهره من المعجزات انما كانت فعل القادر الذي لايشبه المخلوقين، لا فعل المحدث المحتاج المشارك للضعفاء في صفات الضعف...))(3)، ويقول الإمام علي أمير المؤمنين (علیه السلام): لاتتجاوزوا بنا العبودية،
ص: 102
ثم قولوا فينا ما شئتم ولن تبلغوا وإياكم والغلوّ كغلو النصارى فإني بريئ في الغالين، ويؤكده الإمام الرضا (علیه السلام) ذلك بقوله: ان من تجاوز بأمير المؤمنين (علیه السلام) العبودية فهو من المغضوب عليهم ومن الضالين(1).
وقد اشار الرضا (علیه السلام) بأن الغلاة كفار وأن: ((... من جالسهم او خالطهم او آكلهم او شاربهم او واصلهم او زوجهم او تزوج منهم او آمنهم وائتمنهم على أمانة أو صدق حديثهم او أعانهم بشطر كلمة خرج من ولاية الله (عزوجل) وولاية رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وولايتنا أهل البيت))(2).
وقد ادعت بعض الفرق في بعض الائمة (علیهم السلام) ومنهم الإمام موسى بن جعفر(علیه السلام) بأنه حي ولم يمت، وإنما رفع كما رفع عيسى بن مريم (علیه السلام) وأدعوا بأنه القائم من آل محمد وقد غاب كما غاب موسى بن عمران (علیه السلام) وتشعبت آراؤهم بعد ذلك حول غيبته وحياته، ويعدون أكثر من فرقة، فانكروا بعضهم قتله ومنهم من قالوا: مات ورفعه إليه الله وسيرده عن قيامه، وقال بعضهم: لايزال حياً وروّج لهذه الفكرة بعض الكبار من اصحاب الإمام موسى بن جعفر(علیه السلام) كعلي بن ابي حمزة البطائني(3) وزياد بن مروان القندي (4)، وعثمان بن عيسى الرواسي(5) ويعد هؤلاء
ص: 103
الثلاثة اول من ابتدع هذا المذهب وسمي بالواقفة واظهروا الاعتقاد والدعوة له(1).
روي عن يونس بن عبدالرحمن(2) قال: ((مات ابو الحسن (علیه السلام)، وليس من قوامه احد الا وعنده المال الكثير، فكان ذلك سبب وقفهم وحجودهم لموته، وكان عند زياد القندي سبعون الف دينار وعند علي بن ابي حمزة ثلاثون الف دينار ... فلما رأيت ذلك وتبين الحق وعرفت من امر ابي الحسن الرضا (علیه السلام) ما علمت تكلمت ودعوت الناس إليه ... فبعثا اليّ وقالا لي: ما يدعوك الى هذا؟! ان كنت تريد المال فنحن نغنيك! وضمنا لي عشرة الاف دينار وقالا لي كفّ! فأبيت وقلت لهم: انا روينا عن الصادقين (علیه السلام) انهم قالوا: اذا ظهرت البدعة فعلى العالم ان يظهر علمه، فان لم يفعل سلب منه نور الايمان، وما كنت لادع الجهاد في امر الله على كل حال، فناصباني واضمرا لي العداوة))(3).
وكان احد القوام عثمان بن عيسى الرواسي في مصر، وعنده مال كثير وست جوارِ، فبعث إليه الإمام الرضا (علیه السلام) برسالة لاعادة المال والجواري، فكتب إليه: ان اباك لم يمت فأجابه الإمام (علیه السلام) انه قد مات، وقسمنا ميراثه، وقد صحت
ص: 104
الاخبار بموته، فاحتج عليه وقال: إن لم يكن ابوك مات فليس لك من ذلك شيء وإن كان قد مات على ما تحكي فلم يأمرني بدفع شيء اليك، وقد أعتقت الجواري وزوجتهن(1).
وتجدر الاشارة الى ان الاموال التي كانت بذمة الواقفة للامام الرضا(علیه السلام) هي من إرث ابيه الكاظم (علیه السلام) ولم تكن أموالاً عامة للمسلمين(2).
وقد ورد عن الخطيب البغدادي ان زياد القندي احد اركان الواقفة كانت له سابقة في خيانة أموال المسلمين عندما خان بيت المال في عهد الرشيد(3).
ونتيجة لمواقف الواقفة من غصب الإمام (علیه السلام) حقه وإنكاره عليه بحجج واهية، فقد وصفهم الإمام (علیه السلام) فقال: ((ملعونون أينما ثقفوا (وجدوا) أخذوا وقتلوا تقتيلاً، قوله تعالى: «مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا»(4) والله إن الله لايبدلها حتى يقتلوا عن آخرهم))(5).
وقد رجع كثير من الواقفة الى رشدهم بمجرد مراسلات الإمام (علیه السلام) معهم او مقابلته لهم(6).
اتسم عصر الإمام الرضا (علیه السلام) بشيوع المناظرات والاحتجاجات بين زعماء الاديان والمذاهب الاسلامية وغيرها، وقد احتدم الجدال بينهم فيما يخص البحوث الكلامية وخاصة فيما يتعلق باصول الدين، وكان صراعاً مشفوعاً بالادلة التي اقامها المتكلمون على ما يذهبون اليه، وعندما تولى الإمام (علیه السلام) ولاية العهد، أوعز المأمون الى ولاته في جميع أنحاء العالم الاسلامي باحضار كبار العلماء المتمرسين في مختلف أنواع العلوم بالحضور الى العاصمة مرو ليسألوا الإمام (علیه السلام) عن أعقد المسائل العلمية ولما حضروا وعدهم بالثراء العريض إذا ما سألوا الإمام (علیه السلام) سؤالاً يعجز عن الاجابة عليه(1).
لقد أعرب الحسن بن محمد النوفلي(2) وهو من أصحاب الإمام الرضا(علیه السلام) عن مخاوفه من هؤلاء الذين يحاججهم لانهم لا يريدون الوصول الى الحقيقة والتعرف على الحق، ولكن يعتمدون المغالطات للوصول الى اهدافهم، وأزال الإمام(علیه السلام) ما في نفس النوفلي من المخاوف قائلاً له: ((أتخاف أن يقطعوا عليّ حجتي؟ ...، قال النوفلي: لا والله ما خفت عليك
ص: 106
قط، وإني لأرجو ان يظفرك الله بهم، إن شاء الله...، وانبرى الإمام (علیه السلام) قائلاً: يا نوفلي، أتحب أن تعلم متى يندم المأمون؟ ...، قال: نعم، قال الإمام (علیه السلام) اذا سمع احتجاجي على أهل التوراة بتوراتهم وعلى أهل الانجيل بانجيلهم، وعلى أهل الزبور بزبورهم وعلى الصابئين بعبرانيتهم، وعلى اهل الهرابذة بفارسيتهم، وعلى أهل الروم بروميتهم، وعلى أهل المقالات بلغاتهم، فاذا قطعت كل صنف ودحضت حجته وترك مقالته، ورجع الى قولي، علم المأمون ان الذي هو بسبيله ليس بمستحق له، فعند ذلك تكون الندامة! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم))(1).
ونستنتج مما تقدم أن المأمون أراد باتخاذه هذه المناورة السياسية إحراج الإمام (علیه السلام) ليزعزع ثقة العامة لاسيما الشيعة وإشعارهم بأن ما يعتقدونه بعلم الائمة بمختلف الامور ما هو إلا وهم بدليل عدم قدرة إمامهم إذا ما تعذر عليه الاجابة لاحد الاسئلة في مناظرته ومجادلة أصحاب الديانات والمذاهب الاخرى فهو إذن غير أهل لثقتهم وبالتالي غير جدير بمنصب ولاية العهد ثم الخلافة من بعده.
وقد روى أبو الصلت الهروي قال: ((لما جمع المأمون لعلي بن موسى الرضا(علیه السلام) أهل المقالات من اهل الاسلام والديانات من اليهود والنصارى والمجوس والصابئيين وساير اهل المقالات فلم يقم احد إلا وقد ألزمه حجته))(2).
ص: 107
وقد خرجت الوفود العلمية وهي مليئة بالاعجاب والاكبار بمواهب الإمام(علیه السلام) واخذت تذيع على الناس الاخبار واصبح بلاط المأمون مركزاً علمياً(1).
ونبين في أدناه نماذج من أسئلة أصحاب المقالات من أهل الطوائف والاديان الاخرى، ومن المتكلمين الذين حضروا في مجلس المأمون، كذلك اسئلتهم للامام (علیه السلام) ليسمع كلامهم ويسمعوا كلامه.
أولاً: مناظراته واحتجاجه على عمران الصابئي (2)
قال الإمام الرضا (علیه السلام) يا قوم ان كان فيكم احد يخالف الاسلام واراد ان يسأل فليسأل غير محتشم، فقام إليه عمران الصابئي وكان واحداً من المتكلمين، فقال: ياعالم الناس ! لولا إنك دعوت الى مساءلتك لم أقدم عليك بالمسائل، ولقد دخلت الكوفة والبصرة والشام والجزيرة، ولقيت المتكلمين فلم أقع على أحد يثبت لي واحداً ليس غيره قائماً بوحدانية، أفتأذن ان اسألك؟، قال الإمام(علیه السلام) سل ياعمران وعليك بالنصفة، إياك والخطل والجور!، قال: والله ياسيدي ما اريد الا ان تثبت لي شيئاً اتعلق به، فلا أجوزه!، قال (علیه السلام) سل عما بدا لك، فأزدحم الناس وضم بعضهم الى بعض، فقال: اخبرني عن الكائن الاول وعما خلق؟، قال (علیه السلام): سألت فافهم الجواب! اما الواحد فلم
ص: 108
يزل كائناً واحداً، لا شيء معه، بلا حدود، ولا اعراض ولا يزال كذلك ثم خلق خلقاً مبتدعاً، مختلفاً، باعراض وحدود مختلفة، لافي شيء اقامه، ولاشيء حدّه، ولا على شيء حذاه ومثله، فجعل الخلق من بعد ذلك صفوة وغير صفوة الله، واختلافاً وايلافاً والواناً وذوقاً وطمعاً ولا لحاجة كانت منه الى ذلك ولا لفضل منزلة لم يبلغها إلا به، ولا أرى لنفسه فيما يخلق زيادة ولا نقصاناً تعقل هذا يا عمران؟، قال: نعم والله ياسيدي، قال (علیه السلام) واعلم يا عمران! انه لو كان خلق لم يخلق لحاجة، لم يخلق الا من يستعين به على حاجته ولكان ينبغي ان يخلق اضعاف ما خلق، لان الاعوان كلما كثروا كان صاحبهم اقوى، ثم طال السؤال والجواب بين الرضا(علیه السلام) وبين عمران الصابئي، والزمه (علیه السلام) في اكثر من مسائله ... قال (علیه السلام): ... افهمت ياعمران؟، قال: نعم ياسيدي فهمت، واشهد على أنك وصفت ووحدت، وان محمد اً عبده المبعوث بالهدى ودين الحق، ثم خرّ ساجداً نحو القبلة واسلم، قال الحسن بن محمد النوفلي: فلما نظر المتكلمون الى كلام عمران الصابئي وكان جدلاً لم يقطعه عن حجته احد قط، لم يدن من الرضا (علیه السلام) احد ولم يسألوه عن شيء، وامسينا فنهض المأمون والرضا (علیه السلام) قد خلا وانصرف الناس، ثم قال الإمام (علیه السلام) بعد ان عاد الى منزله: ياغلام صر الى عمران الصابئي فأتني به فصار الى عمران فأتى به ورحب به ودعا له بكسوة فخلعها إليه ودعا بعشرة الاف درهم فوصله به، قال عمران: جعلت فداك! حكيت فعل جدك امير المؤمنين(علیه السلام) ...، فكان عمران بعد ذلك يجتمع إليه المتكلمون من اصحاب المقالات فيبطل عليهم أمرهم حتى اجتنبوه، ووصلة
ص: 109
المأمون بعشرة آلاف درهم، واعطاه الفضل بن سهل مالا جزيلا، وولي صدقات بلخ فاصاب الرغائب(1).
ص: 110
ثانياً: مناظرته واحتجاجه على سليمان المروزي (1)
قدم سليمان المروزي متكلم خراسان على المأمون فأكرمه ووصله، ثم قال له: إن ابن عمي علي بن موسى الرضا قدم عليّ من الحجاز يحب الكلام واصحابه، فعليك ان تصير الينا يوم التروية لمناظرته، فقال سليمان: يا أمير المؤمنين اني اكره ان أسأل مثله في مجلسك في جماعة من بني هاشم، فينتقص عند القوم اذا كلمني ولايجوز الاستقصاء عليه، قال المأمون: انما وجهت اليك لمعرفتي بقوتك، وليس مرادي إلا ان تقطعه عن حجة واحدة فقط، فقال سليمان: حسبك يا امير المؤمنين! اجمع بيني وبينه وخلني اياه، فوجه المأمون الى الإمام (علیه السلام) رسوله يطلب منه الحضور لمناظرة سليمان، وحضر الإمام (علیه السلام) ومعه وفد من اعلام اصحابه ضم عمران الصابئي الذي اسلم على يد الإمام(علیه السلام) وآخرين، وجرى حديث بينه وبين سليمان حول البداء، فأنكر سليمان وأثبته عمران، وطلب سليمان رأي الإمام (علیه السلام) فأقره واستدل بآيات قرآنية تؤيد صحة ذلك مثل قول الله:«اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» (2) و: «الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»(3)، و«يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ» (4) و: «وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ»(5) و: «وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ»(6)، وامثال ذلك، فقال سليمان: يا أمير المؤمنين لا انكر بعد يومي هذا البداء ولا اكذب به ان شاء الله، فقال المأمون: ياسليمان أسأل ابا الحسن عما بدا لك وعليك بحسن الاستماع والانصاف! ووجه سليمان اسئلة كثيرة يمكن ان نبين احد الاسئلة
ص: 111
منها:
قال سليمان: ما تقول فيمن جعل الارادة إسماً ووصفه مثل حَيّ، وسَميع، وبصير، وقدير؟ ... قال الإمام (علیه السلام): انما قلتم حدثت الاشياء واختلفت لانه شاء واراد، ولم تقولوا (حدثت واختلفت) لانه سميع بصير بهذا دليل على انها ليستا مثل سميع، ولابصير ولاقدير ... وجرت مناقشة طويلة حول الموضوع واخذ الإمام(علیه السلام) يقيم عليه البرهان على خطأ ما ذهب إليه سليمان بآيات من القرآن الكريم وبان العجز عليه ووقف حائراً امام قدرة الإمام (علیه السلام) فانقطع عن الكلام والتفت إليه المأمون مشيداً بمواهب الإمام (علیه السلام) قائلاً: ياسليمان هذا اعلم هاشمي، ثم تفرق القوم(1).
ثالثاً: احتجاجهُ على أبي قرّه(2)
وقد قصد ابو قرّه مرو لامتحان الإمام (علیه السلام) وطلب من صفوان بن يحيى(3) وهو من خواص الإمام (علیه السلام) ان يستأذن منه بالدخول على الإمام (علیه السلام) فأذن له، فلما تشرف بالمثول أمامه، سأله عن اشياء من الحلال والحرام والفرائض والاحكام فاجابه عنها، ثم سأله عن بعض قضايا التوحيد ومنها سأل ابو قرّه: أتقر ان الله محمول؟ ...، فقال الإمام (علیه السلام): كل محمول مفعول، ومضاف الى غيره محتاج فالمحمول اسم نقص في اللفظ، والحامل فاعل، وهو في اللفظ ممدوح وكذلك قال الله
ص: 112
تعالى: «وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»(1)، ولم يقل في شيء من كتبه انه محمول بل هو الحامل في البر والبحر والممسك للسماوات والارض، والمحمول ما سوى الله، ولم نسمع احداً امن بالله وعظمه قط قال في دعائه - يامحمول- قال ابو قرّه: أفتكذب بالرواية، ان الله اذا غضب يعرف غضبه الملائكة الذين يحملون العرش يجدون ثقله في كواهلهم فيخرون سجداً، فاذا ذهب الغضب خف فرجعوا الى مواقفهم؟ فقال الإمام (علیه السلام): أخبرني عن الله تبارك وتعالى منذ لعن ابليس الى يومك والى يوم القيامة فهو غضبان على ابليس واوليائه او عنهم راضٍ؟، فقال نعم، وهو غضبان عليه.
قال الإمام (علیه السلام): فمتى رضي فخف في صفتك لم يزل غضباناً عليه وعلى اتباعه؟، ثم قال الإمام (علیه السلام): ويحك كيف تجرؤ ان تصف ربك بالتغير من حالٍ الى حال، وانه يجري عليه ما يجري على المخلوقين؟ سبحانه لم يزل مع الزائلين، ولم يتغير مع المتغيرين (2)، قال صفوان: استولى الذهول على ابي قرّه، وحار في الجواب حتى قام وخرج(3).
ص: 113
رابعاً: مناظراته واحتجاجهُ على الجالثيق (1)
وهو رئيس أساقفة النصارى استدعاه المأمون لامتحان الإمام (علیه السلام) مع أعلام المتكلمين من اصحاب المقالات من الطوائف والاديان الاخرى، وجمعهم الوزير الفضل بن سهل في البلاط، وقام الخليفة وجميع من في المجلس اكراماً للامام (علیه السلام) وجلس الإمام (علیه السلام) والناس وقوف احتراماً له، فأمرهم المأمون بالجلوس وبعدما استقر المجلس التفت الى الجاثليق فقال له: يا جاثليق هذا ابن عمي علي بن موسى بن جعفر وهو من ولد فاطمة بنت نبينا (صلی الله علیه و آله و سلم) وابن علي بن ابي طالب (علیه السلام) فأحب ان تكلمه وتحاجه وتنصفه، فقال الجاثليق: يا أمير المؤمنين كيف احاجج رجلاً يحاّج عليّ بكتاب انا منكره ونبي لا أؤمن به؟ قال الإمام(علیه السلام): يا نصراني فان احتججت عليك بإنجيلك أتقر به؟، قال الجاثليق: وهل اقدر على دفع ما نطق به الانجيل، نعم والله أقرّ به على رغم أنفي، فقال له الرضا (علیه السلام): سل عما بدا لك واسمع الجواب، فقال الجاثليق: ما تقول في نبوة عيسى وكتابه؟ هل تنكر منهما شيئاً؟ قال الإمام (علیه السلام): انا مقر بنبوة عيسى وكتابه وما بشر به امته واقرت به الحواريون، وكافر بنبوة كل عيسوي لم يقر بنبوة محمد(صلی الله علیه و آله و سلم) وبكتابه ولم يبشر به امته ... قال(علیه السلام): فخذ من السفر فان كان فيه ذكر محمد واهل بيته وامته فاشهدوا لي وان لم يكن فيه ذكره فلا تشهدوا ثم أقر(علیه السلام) السفر الثالث حتى بلغ ذكر النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) وقف، ثم قال (علیه السلام): يا نصراني اني اسألك بحق المسيح وامه هل تعلم اني عالم بالانجيل؟، قال الجاثليق: نعم، ثم تلا عليه ذكر محمد واهل بيته وامته، ثم قال (علیه السلام): ما تقول يا نصراني؟ هذا قول عيسى بن مريم (علیه السلام) فان كذبت بما ينطق به الانجيل، فقد كذبت موسى وعيسى(علیهم السلام) ومتى انكرت هذا الذكر وجب عليك القتل لانك
ص: 114
تكون قد كفرت بربك ونبيك وبكتابك، قال الجاثليق: لاانكر ما قد بان لي في الانجيل واني لمقرً به قال الإمام (علیه السلام): اشهدوا على اقراره، ثم سأله عن حواري عيسى بن مريم (علیه السلام) كم كان عددهم وعن بيان ان هذا الانجيل ليس الانجيل الاول، فاجابه الإمام(علیه السلام) وافهمه بما لايعرف، فقال الجاثليق: ليسألك غيري فلا وحق المسيح ما ظننتُ ان في علماء المسلمين مثلك(1).
خامساً: مناظرته واحتجاجهُ على رأس الجالوت(2)
وكان يمثل الطائفة اليهودية وحضر في مجلس المأمون الذي اعده لامتحان الإمام (علیه السلام)، فقال له (علیه السلام): تسألني او اسألك؟، فقال رأس الجالوت: بل اسألك ولست اقبل منك حجة الا من التوراة او من الانجيل او من زبور داوود او بما صحف ابراهيم وموسى، قال (علیه السلام): لاتقبل مني حجة الا بما تنطق به التوراة على لسان موسى بن عمران والانجيل على لسان عيسى بن مريم والزبور على لسان داوود، فقال رأس الجالوت: من اين تثبت نبوة محمد، قال الرضا (علیه السلام): شهد بنبوته موسى بن عمران وعيسى بن مريم وداوود خليفة الله في الارض، فقال له: ثبت قول موسى بن عمران، قال له (علیه السلام): هل تعلم يا يهودي ان موسى اوصى بني اسرائيل فقال لهم: انه سياتكم بين اخوانكم فيه فصدقوا ومنه فاسمعوا فهل تعلم ان
ص: 115
لبني اسرائيل اخوة غير ولد اسماعيل ان كنت تعرف قرابة اسرائيل من اسماعيل والنسب الذي بينهما من قبل ابراهيم (علیه السلام)، فقال رأس الجالوت: هذا قول موسى لاندفعه، فقال (علیه السلام): هل جاءكم من اخوة بني اسرائل نبي غير محمد (صلی الله علیه و آله و سلم)، قال: لا، قال (علیه السلام): أو ليس قد صح هذا عندكم، قال: نعم ولكني احب ان تصححه إليّ من التوراة، فقال (علیه السلام): هل تنكرون التوراة تقول لكم جاء النور من قبل طور سيناء وأضاء لنا من جبل ساعير واستعلن علينا من جبل فاران؟ قال رأس الجالوت: اعرف هذه الكلمات وما اعرف تفسيرها، قال الرضا (علیه السلام): انا اخبرك به أما قوله: جاء النور من قبل طور سيناء فذلك وحي الله تبارك وتعالى الذي انزله على موسى(علیه السلام) على جبل طور سيناء، واما قوله: واضاء لنا من جبل ساعير فهو الجبل الذي اوصى الله عزوجل الى عيسى بن مريم (علیه السلام)، وهو عليه.
واما قوله: واستعلن علينا جبل فاران فذاك جبل من جبال مكة بينه وبينهما يوم، وقال شعياً النبي (علیه السلام)، فيما تقول انت وصاحبك في التوراة رأيت راكبين اضاء لهم الارض احدهما على حمار والاخر على جمل فمن راكب الحمار ومن راكب الجمل؟
قال رأس الجالوت: لا اعرفهما فخبرني بهما، قال(علیه السلام) اما راكب الحمار فعيسى (علیه السلام) واما راكب الجمل فمحمد (صلی الله علیه و آله و سلم) اتنكر هذا من التوراة؟ قال: لا ما أنكره، وسأله رأس الجالوت أسئلة كثيرة أجابه الإمام(علیه السلام) عليها، وسأل سؤالاً اخيراً في المناظرة قال: لم يصح عندنا خبر عيسى ولاخبر محمد ولايجوز لنا ان نقر لهما، قال (علیه السلام): فالشاهد الذي شهد لعيسى(علیه السلام) ولمحمد (صلی الله علیه و آله و سلم) شاهد زور، وسكت رأس الجالوت وهو كظيم وراح يفتش في حقيقة
ص: 116
مغالطاته فلم يجد وسيلة يتمسك بها لدعم أباطيله(1).
سادساً: مناظراته واحتجاجهُ على الهربذ الأكبر (2)
وهو المرجع الاعلى للمجوس وكان حاضراً في المجلس، فالتفت إليه (علیه السلام) قائلاً: اخبرني عن زرادشت الذي تزعم انه نبي ما حجتك على نبوته؟ قال الهربذ: انه اتى بما لم يأتنا به احد قبله، ولم نشهده ولكن الاخبار من اسلافنا وردت علينا بأنه احل لنا ما لم يحله غيره فاتبعناه، قال الرضا (علیه السلام): افليس انما اتتكم الاخبار فاتبعتموه؟ قال: بلى، وراح الإمام (علیه السلام) يقيم عليه الحجة قائلاً: فكذلك سائر الامم السالفة اتتهم الاخبار بما اتى به النبيون واتى به موسى وعيسى (علیهم السلام) ومحمد (صلی الله علیه و آله و سلم) فما عذركم في ترك الاقرار لهم؟ اذ كنتم انما اقررتم بزرادشت من قبل الاخبار الواردة جاء بما لم يجئ به غيره، فانقطع الهربذ عن الكلام، فقال الإمام الرضا(علیه السلام): ياقوم ان كان فيكم احد يخالف الاسلام واراد ان يسأل فليسأل غير محتشم(3).
ص: 117
ثم إن المأمون عرض على الإمام (علیه السلام)أسئلة عديدة تخص تفسير آيات القرآن الكريم وعصمة الانبياء(علیهم السلام) واجاب الإمام (علیه السلام) بكل وضوح، ونبين منها سؤال المأمون للامام(علیه السلام) اخبرني عن قول الله عزوجل: «وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ»(1)، فأجاب الإمام (علیه السلام): لقد همت به ولولا ان رأى برهان ربه لهّم بها كما همّت به لكنه كان معصوماًَ، والمعصوم لايهم بذنب ولا يأتيه، ولقد حدثني ابي عن أبيه الصادق (علیه السلام) انه قال: همت بأن تفعل وهمّ بأن لا يفعل، فقال المأمون: لقد شفيت صدري يابن رسول الله واوضحت لي ما كان ملتبساً عليّ فجزاك الله عن انبيائه وعن الاسلام خيراً(2).
إنَّ المأمون لما أراد ان يولي الإمام (علیه السلام)، فحسده بنو هاشم، وقالوا: أتولي رجلاً جاهلاً ليس له بصر بتدبير الخلافة، فابعث إليه رجلاً يأتنا به وترى جهله ما نستدل به عليه، فأتى به، فقال له بنو هاشم: يا ابا الحسن اصعد المنبر وانصب لنا علماً نعبد الله عليه، فصعد (علیه السلام) المنبر فقعد ملياً لا يتكلم مطرفاً ثم انتفض انتفاضة واستوى قائماً وحمد الله واثنى عليه وصلى على نبيه واهل بيته ثم قال (علیه السلام): اول عبداة الله تعالى معرفته، واصل معرفة الله توحيده ونظام توحيد الله تعالى نفي
ص: 118
الصفات عنه، بشهادة العقول ان كل صفة وموصوف مخلوق وشهادة كل موصف أن له خالقاً ليس بصفة ولا موصوف وشهادة كل صفة وموصوف بالاقتران وشهادة الاقتران بالحدث وشهادة الحدث بالامتناع من الازل الممتنع من الحدث، فليس الله عرف من عرف ذاته بالتشبيه، ولا اياه وحّد من اكتنهه، ولا حقيقة اصاب من مثله، ولاية صدّق من نهاه، ولا صمد صمده من اشار إليه ولا اياه عنى من شبهه ولا له من تذلل من بعضه اياه ولا اياه اراد من توهمه، كل معروف بنفسه مصنوع وقائم في سواه معلول، بصنع الله يستدل عليه وبالعقول يعتقد معرفته وبالفطرة تثبت حجته ... ولما كان للبارئ معنى غير معنى المبروء ولو حدّ له وراء اذا لحد له امام، ولو التمس له التمام اذا لزمه النقصان، كيف يستحق الازل من لايمتنع من الحدوث؟ وكيف ينشئ الاشياء من يمتنع من الانشاء؟ اذا لقامت فيه اية المصنوع، ولتحول دليلاً بعد ما كان مدلولاً عليه ليس في مجال القول حجة، ولا في المسألة عنه جواب، ولا في معناه له تعظيم ولا في ابانته عن الخلق ضيم الا بامتناع الازلي ان يثني، ولما لابدئ له ان يبتدئ لا اله الا الله العلي العظيم، كذب العادلون بالله، وضلوا ضلالاً بعيداً وخسروا خسراناً مبيناً وصلى الله على محمد واهل بيته الطاهرين (1).
ويتبين لنا ان الإمام الرضا (علیه السلام) استغل ولاية العهد بعيداً عن السياسة، لكي يدافع عن العقيدة الاسلامية ويذب عنها حملات المشككين والمنكرين في عصره ويصحح رؤى بعض علماء المسلمين والاديان الاخرى، لان علومه ومعارفه لهي ميراث النبوة وهبة الله (عزوجل) لامامته وقد لاحظنا ان البعض منهم اعترف بقصوره وخطأ تصوراته بينما اكتفى البعض الاخر بالسكوت ولم يبصر الحقيقة.
ص: 119
ص: 120
بعد ان أصدر المأمون اوامره بأخذ البيعة للامام الرضا (علیه السلام) من مختلف الامصار الاسلامية، واستجابت معظمها لهذا الامر، إلا بغداد، ولعل الحسن بن سهل كان متأكداً مما سيولده هذا العمل من رد فعل عند بني العباس قد يجر ذلك الى فتن وحروب لعلمه بأن هؤلاء لايمكن ان ينصاعوا لهذا التحول الفجائي المتمثل من نقل الخلافة من البيت العباسي الى البيت العلوي، ويتضح ذلك من خلال لقائه المأمون واخباره بالعواقب السيئة المترتبة على اتخاذه الإمام الرضا(علیه السلام) ولياً للعهد(1).
وقد انفذ المأمون كتاب البيعة لواليه في العراق الحسن بن سهل، قام الاخير بدوره وايصاله الى اهل بغداد يعلمهم فيه ان أمير المؤمنين المأمون، قد جعل علي بن موسى بن جعفر (علیه السلام)، ولياً للعهد من بعده بعد ان نظر في البيت العباسي وبيت علي(علیه السلام) فلم يجد احداً افضل ولا اورع ولا اعلم منه وسماه ب-(الرضا من آل محمد)، وامر بطرح لبس الثياب السود مستبدلاً اللون الاخضر وكذلك الشعار وان يجعل لهم رزق شهر والباقي اذا أدركت الغلة (2) فقال بعضهم نبايع ونلبس الخضرة،
ص: 121
وقال بعضهم لا نبايع ولا نلبس الخضرة ولانخرج هذا الامر من بنو العباس، وانما هذه دسيسة من الفضل بن سهل، فمكثوا على ذلك وغضب بني العباس من ذلك، واجتمع بعضهم الى بعض وقالوا:
((... نولي بعضنا ونخلع المأمون ...))(1).
اجتمع قواد الجيش فبايعوا لابراهيم بن المهدي العباسي المعروف (بابن شكله)، لخمس خلون من المحرم سنة (202ﻫ/817م) ودعي له بالخلافة وصلى بالناس بمسجد المدينة في بغداد وكتب للولايات واستقامت له الامور واطاعة العباسيين ومن والاهم(2).
وهناك سبب اخر في نقمة العباسيين واتباعهم في بغداد، هي قضية مقتل هرثمة بن اعين احد القادة العسكريين الكبار الذي قضى على ثورة ابي السرايا في الكوفة، بتدبير الفضل بن سهل الذي اوغر صدر الخليفة المأمون عليه قبل وصوله مرو لأن هرثمة اراد فضح سياسة الفضل والحسن بن سهل امام المأمون، لكنه لم
ص: 122
يسمعه حتى تم حبسه فمكث في الحبس اياماً ثم دسوا إليه من قتله وهذه الحادثة لها علاقة باضطراب الامن في بغداد وهياج العباسيين على الحسن بن سهل والمناداة بخلع المأمون ورفض البيعة، مما اضطر الحسن بن سهل للفرار الى مدينة واسط (1) بسبب تمرد الجند وعدم دفع رواتبهم (2) .
وقد اخبر الإمام (علیه السلام) المأمون بما يجري في بغداد وبقية الاقاليم التابعة للدولة العباسية والتي كان الفضل بن سهل يكتمها عنه منذ مدة ويتبين ذلك بقول الإمام(علیه السلام) للمأمون: ((يا أمير المؤمنين ان الناس في بغداد قد انكروا عليك مبايعتي بولاية العهد، وتغير لباس السواد، وقد خلعوك وبايعوا عمك ابراهيم بن المهدي، فقال المأمون: انهم لم يبايعوا له بالخلافة وانما صيروه اميراً يقوم بأمرهم، حسب ما اخبره الفضل بن سهل، فأعلمه الإمام (علیه السلام): ان الفضل قد كذب وغشه وان الحرب قائمة بين ابراهيم والحسن بن سهل وان الناس ينتقمون عليه مكانه (الفضل بن سهل) ومكان اخيه (الحسن بن سهل)، ومكان بيعتك لي من بعدك (3)، فقال له امر هرثمة بن اعين والذي جاء ينصحه ويبين له ما يعمل عليه، وان طاهر بن الحسين(4)
ص: 123
قد أبلى في طاعته وقاد إليه الخلافة حتى إذا وطئ الامر اخرج من ذلك كله وحيّز في زاوية من الارض(1).
ويذكر ان الإمام (علیه السلام) نصح المأمون بضرورة تنحيته والفضل بن سهل عن المهام المكلفين بها ليتسنى له القيام باعباء الخلافة لما في هذا الامر من مصلحة الدولة العباسية وهناك رواية صريحة تشير الى ذلك عن الإمام (علیه السلام) يقول فيها للمأمون: ((يا أمير المؤمنين النصح لك واجب والغش لايحل لمؤمن، ان العامة تكره ما فعلت معي والخاصة تكره الفضل بن سهل، فالرأي ان تنحينا عنك حتى يستقيم لك الخاصة والعامة فيستقيم امرك ...))(2).
بعد أن وعى المأمون للاخطار المحدقة بملكه نتيجة لتعرفه على مجريات الاحداث التي وصلت اخبارها من بغداد بدأ يفكر جلياً بكيفية استرداد مكانته والامساك بزمام الامور في كافة انحاء الدولة العربية الاسلامية، وكان المعروف عنه ذكاءه ونفاذ بصيرته في الحكم والقيادة لذلك بدأ بالتخلص فوراً من المناوئين له الذين
ص: 124
يشكلون الخطر على حكمه.
وعلى ما يبدو ان المأمون احس بالخطر الذي بدأ يشكله اعضاء البيت العباسي على حكمه لذا بدأ بالعمل على استرضائهم ولعل من اهم الامور التي يجب ان يعملها هو تخليه عن ولاية العهد التي اعطاها للامام الرضا (علیه السلام) ولكن ذلك الامر كان سيثير عليه اهل خراسان والعلويين وهو ما يجعله بين خطر البيت العباسي والعلوي.
لذلك رأى ان يتروى في الامر ويعتمد على نفسه في تمشية الامور مع اخفاء ما كان يفكر به من خطط، وكانت الاداة لتنفيذ ذلك الفضل بن سهل الذي قام بتعذيب من اخبر المأمون بحقيقة الحال ومن الذين اشهدوا بذلك، مما حدا بالإمام الرضا (علیه السلام) الى إخبار المأمون بعمل الفضل مع هؤلاء مذكراً اياه بالامان الخطي الذي كتبه لكل واحد منهم فأجابه المأمون: ((بأنه يداري ما هو فيه)) (1) ولم يتكلم اكثر من هذا.
ولعل هذه اول خطوة خطاها في هذا المضمار للاحتفاظ بملكه واسترضاء بني العباس والاحتفاظ بقلوب اهل خراسان، وفي طريق تحقيق ذلك اراد المأمون ان يرسل الإمام (علیه السلام) الى بغداد لوحده ليكون وجهاً لوجه مع العباسيين، ويبقى هو خليفته في خراسان، فرفض(علیه السلام) طلبه حتى يئس من القبول بقوله فيما بعد: ((رحم الله الرضا، ما كان اعلمه، لقد اخبرني بعجب سألته ليلة، وقد بايع له الناس فقلت: جعلت فداك ان تمضي الى العراق وأكون خليفتك بخراسان، فتبسم ثم قال: لا .. لعمري، فجهدت الجهد كله واطمعته في الخلافة وما سواها، ما اطمعني في نفسه ...))(2).
ص: 125
كان كلام الإمام (علیه السلام) ورفضه سبباً مهماً لأن يغير المأمون من سياسته السابقة، مع انه كان من الاولى له ان يأخذ بنصيحة الإمام (علیه السلام) الا وهي الانتقال الى عاصمة اجداده بغداد، لكن الفضل بن سهل حاول جهد امكانه ان يغير رأي المأمون بقوله: ((... ثم احدثت هذا الحدث الثاني انك جعلت ولاية العهد لابي الحسن واخرجتها من بني ابيك والعامة والعلماء والفقهاء وآل العباس لا يرضون بذلك وقلوبهم متنافرة عنك والرأي: ان تقيم بخراسان، حتى تسكن قلوب الناس ...))(1).
إلا انه تأكد من عزم المأمون بالذهاب الى بغداد فكلف الإمام (علیه السلام) في اعداد ما يتطلبه الركب في قطع المسافة من مرو الى بغداد، وقد طلب الفضل بن سهل ان يبقى في خراسان فلم يقبل منه المأمون ذلك وحاول ان يكتب له امان، وفعلاً كتب له كتاب (الحباء والشرط)(2) واستخلف على خراسان عند خروجه رجاء بن ابي الضحاك (3).
وقد ورد على الفضل بن سهل وهو في طريقه مع المأمون وولي العهد الى بغداد ، كتاب من الحسن بن سهل يقول فيه: اني نظرت في تحويل هذه السنة في
ص: 126
حساب النجوم، ووجدت فيه انك تذوق في شهر كذا في يوم الاربعاء حّر الحديد، حّرة النار، وأرى ان تدخل انت والرضا وأمير المؤمنين في هذا اليوم، فتحجم فيه وتصب الدم على بدنك، ليزول نحسه عنك ...، فبعث الفضل بن سهل الى المأمون بذلك وسأله ان يدخل الحمام معه ويسأل ابا الحسن ذلك ايضاً، فكتب المأمون بذلك رقعه للامام (علیه السلام)، فكتب إليه (علیه السلام): لست بداخل الحمام غداً، ولا ارى لك يا أمير المؤمنين ان تدخل الحمام غداً ولا ارى الفضل ان يدخل الحمام غداً، فأعاد الرقعة عليه مرتين، فكتب إليه الإمام (علیه السلام): لست بداخل الحمام فإني رأيت رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) في النوم هذه الليلة يقول لي: لاتدخل الحمام غداً، فلا ارى لك يا أمير المؤمنين ولا الفضل ان تدخلا الحمام غداً، فأجابه المأمون: صدقت يا سيدي، وصدق رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) لست بداخل الحمام والفضل فهو اعلم وما يفعله ...(1).
وعلى ما يبدو ان المأمون كان يهدف الى تصفية الإمام (علیه السلام) والوزير الفضل بن سهل في وقت واحد لكن الإمام (علیه السلام) برفضه طلب المأمون بدخول الحمام جعل الاخير يكتفي بالتخلص من الوزير الفضل بن سهل فقط.
ص: 127
روى بعض المؤرخين (1) أن الفضل لما اتى مدينة سرخس(2) في الطريق مع الخليفة الى بغداد في شعبان سنة (202ﻫ/817م)، في اثناء مسيره الى العراق دخل الحمام بحسب الاتفاق مع المأمون، فشد عليه قوم فضربوه بالسيوف حتى مات، وان الذين قتلوه من حشم المأمون.
ولما قدم القتلة امام المأمون قالوا له: انت امرتنا بذلك، تقتلنا؟ فقال لهم: ان اقتلكم بإقراركم، وما ادعيتموه عليّ من اني أمرتكم بذلك، فدعوى ليس لها بينة ...، فأمر بضرب اعناقهم، وبعث بالرؤوس الى اخيه الحسن بن سهل في العراق مشفوعاً بكتاب تعزية منه ، ووعده بأنه سيستوزره خلفاً لأخيه(3).
ص: 128
قال ياسر الخادم(1): فلما امسينا وغابت الشمس قال لنا الإمام (علیه السلام): قولوا نعوذ بالله من شر ما ينزل في هذه الليلة، فلم نزل نقول ذلك فلما صلى الإمام (علیه السلام) صلاة الصبح، قال لي (علیه السلام): اصعد السطح فاستمع هل تجد شيئاً، فلما صعدت سمعت الصيحة وكثرت وزادت فلم نشعر بشيء، فاذا نحن بالمأمون قد دخل الباب التي كانت من داره الى دار ابي الحسن (علیه السلام) وهو يقول: يا سيدي يا ابا الحسن امرك لله في الفضل فإنه دخل الحمام ودخل عليه قوم بالسيوف فقتلوه واجتمع القواد والجند من رجال الفضل بن سهل على الباب فقالوا: هو اغتاله (المأمون) وشنعوا عليه وطالبوا بدمه وجاؤا بالنيران ليحرقوا الباب، فطلب المأمون من الإمام (علیه السلام) أن يفرق القوم عنه بقوله: يا سيدي ترى ان تخرج اليهم وترفق حتى يتفرقوا، فقال(علیه السلام): نعم، وما اشار الى احد إلا ركض ومضى لوجهه(2).
وبعد وفاة الإمام الرضا (علیه السلام) كتب المأمون كتاباً الى بني العباس واهل بغداد يعلمهم فيه بموت علي بن موسى الرضا (علیه السلام) . وانهم انما نقموا بيعته له من بعده، ويسألهم الدخول في طاعته(1).
فرد العباسيون على المأمون كتاباً وطلبوا منه الاجابة عليه، ونورد جزءاً منه بعد البسملة: ((والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وال محمد، على رغم انف الراغمين ... اما بعد: عرف المأمون كتابكم وتدبير أمركم ... وأشرف على قلوب صغيركم وكبيركم وعرفكم مقبلين ومدبرين وما آل إليه كتابكم ... في مراوضة الباطل وصرف وجوه الحق من مواضعها ونبذ كتاب الله ... واما ما كنت اردته بعد استحقاق منه لها في نفسه واختيار مني له، فما كان ذلك مني الا ان اكون الحاقن لدمائكم والذائد عنكم، باستدامة المودة بيننا وبينهم، وهي الطريق اسلكها في إكرام آل ابي طالب ومواساتهم ... وان تزعموا ان اردت ان يؤول اليهم عاقبة ومنفعة، فاني في تدبيركم والنظر لكم ولعقبكم وابنائكم من بعدكم ... وانتم ساهون لاهون تائهون في غمرة تعمهون، لاتعلمون ما يراد بكم ... وليس منكم الا لاعب بنفسه مأنون في عقله وتدبيره: اما مغن او ضارب دف او زامر ... والا وندوكم تعلو بالحديد ... ولا قوة إلا بالله وعليه توكلي، وهو حسبي))(2).
ص: 130
كذلك كتب كتاباً اخر الى عبدالله بن موسى بن الحسن بن علي بن ابي طالب (علیه السلام) بعد وفاة الإمام الرضا (علیه السلام) والذي توارى في تلك الايام، يدعوه الى الظهور ليجعله ولياً للعهد ويبايع له، بعد ان عفا عنه وعن اهله، فأجابه عبدالله برسالة طويلة قال فيها: ((... فبأي شيء تغريني ما فعلته بأبي الحسن صلوات الله عليه بالعنب الذي اطعمته أياه فقتلته ... والله ما تقعدني عن ذلك خوف من الموت ولا كراهة له، ولكن أجد لي فسحة في تسليطك على نفسي ولولا ذلك لاتيتك حتى ترحمني من هذه الدنيا الكدرة ...))(1).
ويظهر لنا ان المأمون كان يرمي الى اغراض سياسية من اسناد منصب ولاية العهد لعبد الله بن موسى العلوي، لعل ابرزها امتصاص غضبهم بعد حادثة مقتل الإمام الرضا (علیه السلام) فضلاً عن إبعاد الإمام الجواد (علیه السلام) عن خلافة ابيه في ولاية العهد مخافة شعبية وحب العامة والخاصة له بعد ظهور علومه، وكراماته، وقد تبين ذلك جلياً في المجلس الذي اجاب فيه على أسئلة يحيى بن اكثم قاضي القضاة في بغداد، وقد شهد المأمون والعباسيون بعلمه(2).
حينما وصل المأمون الى العراق ودخل مدينة السلام بغداد في شهر ربيع الاول سنة (204ﻫ/819م)، مرتدياً الخضرة وقواده وجنده وعامة الناس وبقي على ذلك جمعة ثم نزعها واعاد لباس السواد بعد ان اشار عليه العباسيون بذلك، اثر ابراهيم بن المهدي الفرار فاعلن المأمون جائزة قدرها مائة الف دينار لمن يعثر عليه وبالفعل تم القاء القبض عليه سنة (208ﻫ/823م) وعفا عنه(3).
ص: 131
وقد زوج المأمون الإمام الجواد (علیه السلام) ابنته ام الفضل وامر له بألفي الف درهم وقال: اني أحببت ان اكون جداً لمرء من ولد رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وعلي بن ابي طالب (علیه السلام) فلم تلد منه(1).
وتزوج المأمون من ابنة الحسن بن سهل (بوران) فكان عرساً لم يرِ مثله، اذ انفق فيه الحسن بن سهل مبالغ طائلة وأقام المأمون تسعة عشر يوماً في منزل واليه ثم انصرف(2).
نستنتج مما سبق ان المأمون استفاد كثيراً من نصيحة الإمام (علیه السلام) بضرورة الامساك بزمام دولته بيده، حيث أدت حظواته - بابعاد وزيره الفضل بن سهل وولي عهده الإمام (علیه السلام) عن طريقه من خلال تدبير قتلهما - ان اصبح الطريق أمامه سالكاً ليستعيد نفوذه في بغداد.
ص: 132
تعد قضية استشهاد الإمام الرضا (علیه السلام) من القضايا الشائكة والمعقدة في التاريخ الاسلامي لما صاحبها من ملابسات وظروف غامضة القت بظلالها على ما ثبته المؤرخون على مر التاريخ حول هذا الامر، فقد جاءت طروحاتهم مختلفة حول كيفية موت الإمام (علیه السلام) فبعضهم قال ان الإمام مات بصورة طبيعية أي انه مات حتف انفه، وبعضهم اورد ان الإمام (علیه السلام) مات مسموماً، ولاجل تسليط الضوء على حقيقة ما حصل يمكن تبيان اقوال المؤرخين على محورين:
الاول: ويتفق اصحابه بصورة لا تقبل الشك ان الإمام (علیه السلام) مات حتف انفه بصورة مفاجئة واكدوا انه كان يحب العنب وانه اكثر منه فمات(1).
اما الثاني: وقال اصحابه بأن الإمام (علیه السلام) مات مسموماً ولكنهم ذهبوا في ذلك مذاهب شتى، فاليعقوبي وابن العماد ذكرا ان الإمام الرضا (علیه السلام) قضى مسموماً دون تعقيب او توضيح(2).
اما سيد امير علي واحمد امين (3) فيتفقان على ان العباسيين هم الذين دسوا السم الى الإمام (علیه السلام) بيد ان آخرين يرون ان الإمام الرضا (علیه السلام) مات
ص: 133
مسموماً بتدبير من الفضل بن سهل (1) فيما ذكر جمع من المؤرخين القدامى والباحثين ان الإمام (علیه السلام) دس له السم بتدبير وتخطيط من لدن الخليفة المأمون العباسي(2).
وعند الوقوف على هاتين الروايتين والتحقق منهما ترى ان الرواية الاولى لاتستحق الوقوف عندها وتحليلها، لانها تصور الإمام الرضا (علیه السلام) وكأنه يقدم على الانتحار من كثرة الاكل، وقد تناسى هؤلاء زهد الإمام وتقواه وعلمه وعقله وحكمته التي تقضي وتحتم عليه ان لايأكل بنهم وشراهة وكأنه لم يرَ العنب في حياته، ولعل الرسالة الذهبية في الطب التي كتبها الإمام (علیه السلام) الى المأمون تؤكد هذا المعنى، فهي تشير الى ضرورة الاعتناء بصحة الجسم وعدم الاكثار من تناول الاطعمة لأن فيها من الضرر ما يفوق الفائدة(3).
اما الرواية الثانية والتي اتفق الجميع فيها على ان الإمام (علیه السلام) مات مسموماً فيبدو لنا، ان من ذكروا استشهاد الإمام (علیه السلام) بالسم ثم سكتوا، فربما انهم لم
ص: 134
يكونوا بصدد بحث هذا الامر وتمحيصه او لما يخشونه من معاقبة الحكام وبطشهم فآثروا السكوت وأبوا الخوض في هذا المجال، خاصة وان اليعقوبي وابن العماد وهم ابرز المؤرخين الذين ذكروا تميزوا بالاختصار في ذكر الروايات التاريخية مع عدم وجود تحليلات مرضية لها، واما من نسب قتل الإمام (علیه السلام) الى العباسيين فهو قول يفتقر الى الدلائل والبراهين التي تؤكد ذلك، فالشواهد كلها خلاف ما قالوا ولعلهم اعتمدوا في قولهم على اورده سبط بن الجوزي والاربلي، فلما رأوا ان الحكم قد خرج الى اولاد علي سقوا علي بن موسى سماً، فتوفي بطوس في رمضان سنة (203ﻫ/868م)(1).
ولعل دحض هذا الرأي من السهولة بمكان على اعتبار ان الإمام الرضا(علیه السلام) كان ولياً للعهد ويتمتع بحماية جيش الدولة، وان اعضاء البيت العباسي كانوا بعيدين عن مكانه، ولو اردنا ان نصدق ماجاء في هذه الرواية لكان من الاحرى بالعباسيين قتل المأمون خاصة انهم خلعوه وولوا ابراهيم بن المهدي مكانه وبقاء المأمون حياً كان يسبب المشاكل للعباسيين عامة ولابراهيم خاصة، ثم ان سبط بن الجوزي والاربلي ينفردان بهذا القول ولايشير الى أي شخص بذاته او جماعة ما، واما ما نسب الى الفضل بن سهل بأن امر اشارته بقتل الإمام(علیه السلام) فمن السهولة دحضها خاصة وان الفضل كان نفسه ضحية المأمون كما ورد في النصوص التي ذكرناها في المبحث الاول، وعلى ما يبدو لنا من خلال الوقوف على مجمل الاحداث التي اطلعنا عليها، ان المأمون لم يكن بحاجة الى حث واغراء الفضل وانه كان يرى في بقاء الإمام (علیه السلام) خطراً محققاً عليه ليس هذا فحسب بل وعلى كل بني ابيه من بعده، فعلى الرغم من ان الفضل كان يرمي الى التخلص من الإمام (علیه السلام) عن طريق مولاه المأمون، الا ان الاخير لو كان يريد ذلك لاستجاب لرغبة الفضل قبل ذلك بزمن طويل.
ص: 135
وازاء استبعاد الروايات التي سبقت الاشارة اليها بقي لدينا رواية واحدة ضمن المحور الثاني اتفق عليها معظم المؤرخين تشير بصورة واضحة إلى ان الإمام(علیه السلام) مات مسموماً على يد المأمون العباسي، وعلى الرغم من وجود الدلائل والبراهين التي تثبت ذلك، فإن سبط بن الجوزي يقول: وزعم قوم ان المأمون سمَّمَ (الرضا) وليس بصحيح فإنه لما مات توجع واظهر الحزن عليه وبقي اياماً لايأكل طعاماً ولايشرب شراباً وهجر اللذات (1)، ويتفق معه اخر، بأن قيام المأمون بهذا العمل يتنافى مع ما يتسم به المأمون من علاقة وطيدة بآل البيت، ويظهر ذلك بقول ابن ابي السرور: ((ان سمه اياه يتنافى مع إكرامه له وانه كان ينبه على علم الرضا وشرف نفسه وبيته ...))(2).
بل ان احمد محمود صبحي يرى ان مسمومية الإمام الرضا (علیه السلام) هي من مختلقات الشيعة بقوله: ((الذين لم يجدوا تناقضاً بين الحضوة التي كان ينالها من المأمون، ثم مبايعته له بولاية العهد، وتزويجه اخته (3)، وبين ان يدس له المأمون السم في العنب، ثم يصلي عليه ويدفنه بجوار قبر ابيه الرشيد))(4).
وعلى مايبدو ان من ذكر هذه الاراء وحاول تبرئة المأمون من سم الإمام(علیه السلام) نسوا المقولة الشهيرة بأن الملك عقيم وان سم الإمام الرضا (علیه السلام) ليس من مختلقات الشيعة او غيرهم بل هي حقيقة تاريخية سبقتها مثيلاتها من قبيل نفس
ص: 136
العمل من قبل المأمون فان التبريرات التي قدم لها اصحاب هذا الرأي لم تكن تمنع الخليفة من المضي قدماً من التدبير للتخلص من الإمام (علیه السلام) كما تخلص من الفضل بن سهل خاصة ان ذلك يفتح عليه ابواب بغداد على مصراعيها بعدما خلعت الخلافة عنه وتنصيب إبراهيم بن المهدي خليفة بدلاً عنه بسبب توليته الإمام الرضا(علیه السلام) لمنصب ولاية العهد (1)، فالظروف السياسية التي أملت على المأمون القيام بالتدبير لقتل قائده الكبير هرثمة بن أعين فور وصوله الى مرو دون ان يستمع الى شكواه او يصغي لدفاعه عن نفسه (2) ثم وزيره الفضل بن سهل في سرخس(3) ثم ابعاد القائد طاهر بن الحسين وابنائه فيما بعد (4)، مع ان هؤلاء كانوا وزراءه وقواده وكان لهم الفضل في ارساء دعائم حكمه، بل انه قتل قبل ذلك اخاه الامين من اجل الملك فكيف لايفعل ذلك بولي عهده (5).
ولعل ما اخبره الإمام (علیه السلام) خادمه هرثمة قبل موته يعد دليلاً قاطعاً على ذلك، فقد جاء عن هرثمة قوله: ((دعاني سيدي الرضا (علیه السلام) فلما حضرت عنده قال لي هذا آوان رحيلي الى الله تعالى ولحوقي بجدي وابائي صلوات الله عليهم وقد بلغ الكتاب اجله وان هذا الطاغي (المأمون) قد عزم على سمي في عنب ورمان مفروك اما العنب فانه يغمس السلك في السم ويجذب الخيط في العنب واما الرمان فانه يضع السم في كف بعض غلمانه فيفرك الرمان بيده وسيدعوني إليه ويسألني اكله فاذا
ص: 137
اكلته نفذ القضاء وجرى المحتوم، فاذا مت سيقول اني اتولى غسله بيدي فقل له سراً لا تعرض لذلك فإن فعلت عاجلك من العذاب ما أخر عنك واذا انتهى، سيشرف من مكان عالٍ على موضع الغسل وينظر، وسترى ذلك فسطاطاً مضروباً في الدار فاحملني من فراشي وضعني على المغتسل داخل الفسطاط وقف خارجه الى ان يرتفع فتراني مدرجاً في اكفاني وسيقول لك المأمون: يا هرثمة أليس زعمتم ان الإمام لا يغسّله الا إمام مثله فمن يغسل ابا الحسن علي بن موسى وابنه محمد بالمدينة ونحن بطوس؟ فأجبه بأن الإمام وان وجب ان لا يغسله إلا امام لكنه اذا تعدى متعدًّ وغسل الإمام لم تبطل امامة السابق واللاحق ولو ترك ابو الحسن علي بالمدينة لغسله ابنه محمد ظاهراً مكشوفاً ولا يغسله الان إلا ولده محمد من حيث يخفى ... واضاف الإمام(علیه السلام) وسيجعل قبر أبيه هارون قبلة لقبري وهذا لا يكون ابداً فان المعاول لا تؤثر في ذلك اصلاً ولا مثل قلامة ظفر فإن اجتهدوا في ذلك فقل له اني أمرت ان أضرب معولاً واحداً في قبلة قبر أبيك هارون الرشيد فانه سينفذ الى قبر محفور وضريح مشقوق ولا تنزلني حتى يمتلئ الضريح ماء أبيض ويصير الماء مع وجه الارض ثم تضطرب فيه حوت بطوله فاذا غاب الحوت وغار الماء فانزلني في القبر ولا يضع أحد في القبر تراباً فان القبر ينطبق بنفسه))(1).
وأمر الإمام الرضا (علیه السلام) هرثمة بحفظ ما قاله، فأجابه هرثمة الى ما اراد، وفي اليوم التالي بعث المأمون خلف الإمام (علیه السلام) فلما حضر عنده قام فعانقه وقبل ما بين عينيه واجلسه الى جانبه واقبل عليه بحادثة وامر بعض غلمانه ان يأتيه بعنب
ص: 138
ورمان(1).
قال هرثمة: لم استطع الصبر واصابتني رعدة، وناول المأمون الإمام (علیه السلام) عنقوداً من العنب وقال له: يا ابن رسول الله ما رأيت عنباً احسن من هذا، فرد عليه الإمام (علیه السلام): ربما كان عنباً حسناً منه في الجنة، وطلب من الإمام (علیه السلام) ان يتناول منه شيئاً فامتنع (علیه السلام) منه، فصاح المأمون: لعلك تتهمنا بشيء؟، وتناول الإمام (علیه السلام) ثلاث حبات، ثم رمى العنقود وقام فقال له المأمون: الى اين، فنظر الإمام (علیه السلام) وقال له بنبرات خافتة: الى حيث وجهتني(2).
ويقول ابو الصلت الهروي: لما خرج الإمام من عند المأمون مغطى الرأس لم أكلمه لأنه نهى عن الكلام ان خرج على هذا الحال بقوله لخادمه، وقد امرني بسد الباب ونام على فراشه يتقلب من حرارة السم(3).
وبينما الإمام (علیه السلام) على هذا الحال بعث إليه المأمون يطلب منه وصيته ونصيحته له فقال الإمام (علیه السلام) لرسوله: ((وقل له ان لا تعطي احداً ما تندم عليه))(4).
لقد تضافرت الروايات التاريخية بأن المأمون قتل الإمام الرضا (علیه السلام) بعصير الرمان والعنب المسمومين، فعن عبدالله بن بشير احد غلمان المأمون انه قال: ((امرني المأمون ان اطول اظافري على العادة فلا اظهر لأحد ذلك، ففعلت ثم
ص: 139
استدعاني فأخرج اليّ شيئاً شبه التمر الهندي وقال لي اعجن هذا بيدك جميعاً ففعلت ثم قام فتركني فدخل على الإمام الرضا (علیه السلام) فقال له: ما خبرك، ارجو تكون صالحاً، فهل جاء احد من الغلمان في هذا اليوم؟ قال (علیه السلام): لا، فغضب المأمون وصاح على احد غلمانه ثم قال: خذ ماء الرمان الساعة مما لا يستغنى عنه ثم دعاني فقال ائتنا برمان فأتيته به فقال اعصره بيدك، فسقا المأمون الرضا (علیه السلام) بيده وكان ذلك سبب وفاته فلم يلبث الا يومين حتى مات (علیه السلام)(1).
وروي عن محمد بن الجهم انه قال: كان الرضا (علیه السلام) يعجبه العنب فأخذ له منه شيئاً فجعل في مواضع ادخال الابر المسمومة ثم نزعت منه وجيء به إليه فأكل منه شيئاً قليلاً فقتله ويذكر ان ذلك كان من ألطف السموم(2).
وعن ابي الصلت الهروي انه قال: ((دخلت على الرضا (علیه السلام) وقد خرج المأمون من عنده، فقال لي: يا ابا الصلت قد فعلوها وجعل يوحد الله ويمجده فأقام يومين ومات في اليوم الثالث))(3).
بقي الإمام (علیه السلام) عليلاً يعاني ألم السم والمأمون يعوده في اليوم مرتين وفي اخر آيامه كان يغمى عليه ساعة بعد اخرى، ولما ثقل عليه حاله امتنع أهل بيته واصحابه عن تناول الطعام والشراب، فالتفت الإمام (علیه السلام) الى ياسر الخادم وقال
ص: 140
له: هل أكل الناس شيئاً؟، فرد عليه ياسر: من يأكل مع ما أنت فيه(1).
عندها انتصب الإمام (علیه السلام) وهو على ما بِهِ من ألم السم وامر بأن تقدم المائدة واخذ يتفقد غلمانه واحداً بعد الاخر ولما فرغوا، أمر بدفع الطعام الى النساء وهو متماسك فلما فرغوا من الاكل أغمي عليه(2).
وفي ليلة السابع عشر من شهر صفر سنة (203ﻫ/818م)، فاضت روحه الزكية الى بارئها (3)، وكان آخر ما تردد على لسانه (علیه السلام) في الدنيا تلاوة قوله تعالى: «ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ» (4)، وتلاوته: «مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا»(5).
اخفى المأمون خبر موت الإمام (علیه السلام) يوماً وليلة (6) تحسباً من وقوع الفتنة وخوفاً من قيام الناس بالثورة ضده (7) الا ان ذيوع الخبر باستشهاد الإمام (علیه السلام) بالسم على يديه ... كان شائعاً ومعروفاً بين الناس(8). فقد اوعز الى رجال امنه
ص: 141
وقوات جيشه بضرورة الاستعداد لكل حادث يمكن ان يحدث(1).
وبعث المأمون الى محمد بن جعفر الصادق وجماعة من آل ابي طالب فلما حضروا نعاه اليهم وبكى واظهر حزناً شديداً وتوجعّاً واراهم اياه صحيح الجسد وقال: ((يعز عليّ يا اخي ان اراك في هذه الحال، وقد كنت امل ان اقدم قبلك فأبى الله الا ما اراد))(2).
يقول هرثمة: ((ان المأمون عزم على ان يغسله بيده فخلوت به وقلت له ان الرضا (علیه السلام) امرني ان اخبرك ان لاتتعرض لغسله وتكفينه ودفنه فإن خالفت امره عاجل لك من العذاب ما اخر عنك، فانتهى عما عزم عليه، ولكنه جلس في عليّة مشرفاً على موضع الغسل لدى من يغسله ثم ضرب الفسطاط فحملت إليه الإمام كما امرني))(3).
وقد تم تشييع الإمام (علیه السلام) تشييعاً لم ترَ خراسان مثيلاً له، حيث اغلقت الدوائر الرسمية والمحلات التجارية وهرع الناس لتشييع الجثمان المقدس وهم مابين باكٍ وواجم ورفعت الاعلام السود وسالت الدموع وتعالى الصراخ من كل جانب، وكان المأمون يتقدم النعش ومعه رجال الدولة وقادته وهو حاسر الرأس حافي القدمين وقابض على لحيته وهو يبكي ورافع صوته ليسمعه الناس، قائلاً: ((ما ادري أي المصيبتين أعظم عليّ فقدي لك وفراقي اياك او تهمة الناس اني اغتلتك وقتلتك ...))(4).
ص: 142
ودفن الإمام (علیه السلام) بأرض طوس بقرية يقال لها سناباد من رستاق نوقان(1)، في دار حميد بن قحطبة الطائي الذي كان عاملاً هناك من قبل هارون الرشيد ودفن هارون فيها وبنى المأمون على قبره قبة اشتهرت بالقبة الهارونية(2).
وامر المأمون ان يحفر للامام الرضا (علیه السلام) قبر خلف قبر ابيه وكلما ضربوا بالمعول لم تؤثر شيئاً فلما اعيّوا عن ذلك، قال هرثمة للمأمون: ((امرني الرضا(علیه السلام) ان اضرب معولاً واحد في قبلة هارون فينفذ الى قبر محفور، فقال المأمون: سبحان الله ما اعجب هذا الكلام ولاعجب من امر ابي الحسن فافعل ياهرثمة كما امرك سيدك))(3).
فضرب معولاً واحداً في الموضع الذي امره به (علیه السلام) فانكشفت الارض عن القبر المعد لخليفة الله في ارضه، وامر المأمون بانزاله في مقره فعرفه هرثمة بما امره ابو الحسن (علیه السلام) من تأخير انزاله، حتى يظهر الماء والحيتان وادهش من حضر فما اسرع ان نبع ماء ابيض حتى امتلأ القبر منه ثم ظهرت الحوت فيه فلما غابت الحوت وغار
ص: 143
الماء، وضع النعش على جانب القبر فغطي بثوب ابيض لم يبسطه احد ثم انزل الى القبر دون ان يروا احداً واشار المأمون الى الحاضرين بوضع التراب في القبر فعرفه هرثمة ان ابا الحسن (علیه السلام) اخبره بأن القبر يتلألأ من نفسه ويتربع على وجه الارض فكان كما قال(1).
اقام المأمون عند القبر الشريف ثلاثة ايام صائماً، قارئاً للقرآن مترحماً على الإمام (علیه السلام)(2)، ثم دعا هرثمة وطلب منه ان يحدثه بما سمع من الإمام (علیه السلام) وما قال له، فأخبره بحديث العنب والرمان فأخذ وجه المأمون يتلون يصفر مرة ويحمر ويسود اخرى وهو يقول: ((ويل للمأمون من الله، ويل للمأمون من رسول الله، ويل للمأمون من علي بن ابي طالب، ويل للمأمون من فاطمة الزهراء ويل للمأمون من الحسن والحسين ويل للمأمون من علي بن الحسين ويل للمأمون من محمد بن علي، ويل للمأمون من جعفر بن محمد ويل للمأمون من موسى بن جعفر ويل للمأمون من علي بن موسى ... هذا والله هو الخسران المبين))(3).
ثم أمر هرثمة بكتمان ما قال الإمام (علیه السلام) وعدم اذاعته على احد (4)، ثم تلا قوله تعالى: «يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا»(5).
لقد اشار رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) والائمة المعصومون (علیهم السلام) الى قتل الإمام (علیه السلام) بالسم مرات عديدة فقد روي عن رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) عن أمير المؤمنين علي بن ابي
ص: 144
طالب (علیه السلام) قوله: ((ستدفن بضعة مني بارض خراسان ما زارها مكروب إلا نفس الله كربه ولا مذنب الا غفر الله ذنوبه))، وعن أمير المؤمنين (علیه السلام) قال: ((سيقتل رجلٌ من ولدي بارض خراسان بالسم اسمه اسمي واسم ابيه اسم ابن عمران موسى (علیه السلام)(1).
وقال الإمام الصادق (علیه السلام): ((يقتل حفيدي بارض خراسان في مدينة يقال لها طوس ...))(2) ، وعن سليمان بن حفص المروزي عن الإمام موسى الكاظم(علیه السلام) قوله: ((ان ابني علياً مقتول بالسم ظلماً ومدفون الى جنب هارون بطوس من زاره كمن زار رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)))(3) مما يشكل دليلا واضحاً على ان الإمام الرضا(علیه السلام) مات مسموماً ولم تكن وفاته طبيعية، واشار الإمام الرضا(علیه السلام) الى طريقة قتله بحديثه الى الحسن بن الوشاء: ((اني سأقتل بالسم مظلوماً فمن زارني عارفاً بحقي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر))(4).
وقد ورد في زيارة الإمام الجواد (علیه السلام) قوله: ((السلام عليك من إمام عصيب وإمام نجيب وبعيد قريب ومسموم غريب)) (5)
لقد ألمع الكثير من الشعراء بقصائدهم رثاء الإمام الرضا (علیهم السلام) على مدى القرون حتى عصرنا الراهن الى قتل الإمام (علیهم السلام) بالسم (6)، وفي مقدمة هؤلاء شاعر
ص: 145
أهل البيت (علیهم السلام) دعبل الخزاعي وكان قد عاصر الإمام (علیه السلام) وجلس إليه وسمع حديثه ومدحه في حياته، ورثاه بعد استشهاده بالعديد من القصائد الرائعة أشهرها قصيدته يقول فيه:
هو النفس الا ان آل محمد *** لهم دون نفس في الفواء كمين
أضر بهم ارث النبي فاصبحوا *** يساهم فيه ميته ومنون
أيا عجباً منهم: يسمونك؟ الرضا *** وتلقاك منهم كلمة وغضون
اما السدوسي(1) فهو اقل حيرة من دعبل ذلك انه اشار بصورة صريحة الى قيام الخليفة المأمون بدس السم الى الإمام (علیه السلام) بقوله:
بارض طوس فاني الاوطان *** اذ غرّه المأمون بالاماني
حين سقاه السم بالرمان (2).
ويؤكد القاضي التنوخي(3) ما قاله من سبقه بقوله:
ومأمونكم سم الرضا بعد بيعةٍ فأدت له سم الجبال الرواسب (4)
اما ابو فراس الحمداني فقد ادلى الاخر دلوه بقصيدة جاء في مطلعها:
ص: 146
باؤا بقتل الرضا من بعد بيعةٍ *** وابصروا بعض يوم رشدهم وعموا
عصابةٍ شقيت من بعد ما سعدت *** ومعشر هلكوا من بعد ما سلموا
لا بيعة ردعتهم عن دمائهم *** ولا يمين ولا قربى ولا ذمم (1)
ويذكر في قصيدة السلمي(2) يقول في بعض ابياتها:
ياصاحب العيس يحدي في ازمتها *** اسمع واسمع غداً يا صاحب العيسِ
أقر السلام على قبر بطوس ولا *** تقرء السلام ولا النعمى على طوسِ
فقد اصاب قلوب المسلمين بها *** روع وافرغ فيها ردع ابليسِ
الى قوله:
لا يوم أولى بتخريق الجيوب ولا *** لطم الخدود ولا جدع المعاطيسِ
من يوم طوس الذي نادت بروعته *** لنا النعاة واقواه القراطيسِ
حقاً بأن الرضا أودى الزمان به *** ما يطلب الحوت إلا كلُّ منفوسِ (3)
وقبل ان نطوي الصفحة الاخيرة من حياة الإمام الرضا (علیه السلام) ودوره في أحداث عصره لابد لنا من ذكر بعض الحقائق التي تشير الى تورط المأمون بقتل الإمام (علیه السلام) والذي يتم بايرادها استكمال الابعاد التأريخية لحادثة استشهاده(علیه السلام) على يديه:
1.ان المأمون كان قد سبق له ان هدد الإمام (علیه السلام) بالقتل وخاصة عندما رفض الاخير تسلم منصب ولاية العهد معرفاً اياه ما يبيته في نفسه، فرد المأمون على
ص: 147
الإمام (علیه السلام) قائلاً: ((انك تلقاني ابداً بما اكرهه وقد امنت سطوتي فبالله اقسم لئن قبلت ولاية العهد ... والا ضربت عنقك))(1).
2.كان الإمام الرضا (علیه السلام) كثيراً ما ينصح المأمون بضرورة توخي الحرص في معاملة الرعية، ويعلمه بخطأ ما يرتكبه حيالهم ويذكره دائماً بقدرة الله سبحانه وتعالى، وفضلاً عن ذلك فان الإمام (علیه السلام) كان ينهاه عن الاصغاء لكلام الفضل بن سهل واخيه الحسن لما في آرائهم من عواقب سلبية تؤثر في سياسته الا ان المأمون كان يظهر قبول ذلك من الإمام (علیه السلام) ويبطن الكراهية من التدخل في شؤونه، فكان الخلاص منه يحرره من الرقيب الذي لا يرضى بأقل خطأ يمكن ان يرتكب بحق انسان حتى ولو كان خادم الخليفة(2).
3.ان الكتاب الذي بعث فيه المأمون الى واليه الحسن بن سهل واهل بغداد بعد استشهاد الإمام الرضا (علیه السلام) يعتذر لهم فيه من تنصيب الإمام (علیه السلام) ولياً للعهد ويدعوهم للدخول في طاعته، يشكل دليلاً قاطعاً على ان المأمون أخطأ بإقدامه على هذا الامر فمهد لتصحيحه باغتيال الإمام (علیه السلام) ليرضي مشاعر العباسيين، وقد اشار الصدوق الى ذلك بقوله: ((وبعث المأمون الى الحسن بن سهل بذلك واهل بغداد وشيعته يتعذر من عهده إليه وانه قد مات ويدعوهم الى الرجوع في طاعته))(3).
ص: 148
4.كان على المأمون الاخذ بنصيحة الإمام الرضا (علیه السلام) بضرورة التوجه الى بلاد آبائه واجداده بغداد لكنه لا يسعه سياسياً ان يصل الى بغداد وبصحبته الإمام(علیه السلام) لأن ذلك سيثير رياحاً من الفتن قد لا يقوى على الصمود امامها، فوجد المأمون سبيلاً لا بدّ منه ليصبح طريقه ممهداً للدخول الى بغداد والامساك بزمام الحكم(1).
5.ادرك المأمون أن الإمام (علیه السلام) بسلوكه المثالي وشخصيته الفذة وغزارة علمه وتواضعه مع الناس كان يشكل خطراً محققاً على الدولة العباسية وامكانية انتقالها الى آل علي، فعزم على القضاء والتخلص منه قبل فوات الاوان(2).
6.ان قيام المأمون باصدار الاوامر بعد دخوله بغداد باعادة لبس السواد شعار العباسيين ونبذ الخضرة شعار العلويين اثناء ولاية العهد واصداره عفواً عاماً عن عمه ابراهيم بن المهدي والفضل بن الربيع (3) وزير اخيه الامين اللذين كانا بالامس من ألد اعدائه (4) ليعطي دليلاً اخر على عدم جديته في اسناد ولاية العهد للامام الرضا (علیه السلام) وان هذه المسألة لم تكن بالنسبة له سوى لعبة سياسية(5) انتفت الحاجة اليها بعد وصوله الى بغداد.
7.استبعاد الإمام الجواد (علیه السلام) عن ولاية العهد ودعوة عبدالله بن موسى العلوي
ص: 149
لاستلام هذه المهمة على الرغم من كفاءة الإمام الجواد (علیه السلام) لهذا المنصب وعلو شأنه(1).
8.رسالة المأمون الى عامله في مصر: التي يخبره فيها بوفاة الرضا، ويأمره بأن تغسل المنابر التي دعي عليها لعلي بن موسى، فغسلت (2)، مما يشير الى حقيقة ما يكنه المامون في نفسه.
9.وتتضح نية المأمون المبيتة للتخلص من الإمام (علیه السلام) من عدم اخذه بقول منجمه النوبختي الذي اشار عليه بالمعاوئ التي ستصيب الإمام (علیه السلام) اذا ما عقدت له البيعة لولاية العهد لسوء الطالع فلم يكترث لقوله وحذره من اطلاع الفضل بن سهل لهذا الامر ونتيجة خوف النوبختي من قتله اشار بحسن الطالع لولاية العهد للامام الرضا (علیه السلام) في هذا وأقنع الفضل بن سهل بذلك (3).
ص: 150
ص: 151
الخاتمة
بعد الانتهاء من كتابة السطور الأخيرة من الرسالة، توصلت بعونٍ من الله ((عزوجل)) إلى تثبيت بعض الاستنتاجات هي:
•إنَّ لقب الرضا الذي اشتهر به الإمام علي بن موسى بن جعفر (علیه السلام) كان قد اطلقه ابوه الإمام موسى الكاظم (علیه السلام) ولم يكن للخليفة المأمون أي شأن في ذلك من خلال الاطلاع على معظم الروايات.
•اظهر البحث ان للامام الرضا (علیه السلام) اسهامات مهمة في ابراز هوية الاسلام ودحض اقاويل اصحاب البدع من الزنادقة والغلاة.
•كشف البحث ان للامام (علیه السلام) المام واسع بمختلف علوم عصره لكنه ركز اهتمامه على العلوم الفقهية اكثر من غيرها لانها تعد الاساس في فهم مباديء القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة واقوال الائمة المعصومين من اسلافه الابرار (علیهم السلام) .
•تبين لنا ان الإمام (علیه السلام) لم يكن يحتكر علومه واثاره الفكرية في مدينة جده رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم)، بل وحتى عند ذهابه لمرو عاصمة الدولة العباسية في عهد الخليفة المأمون، كان يجد عند سيره ومروره في الامصار الاسلامية ليبلغ رسالته في وجوب امامته ونشر علومه والاجابة على سائليه.
•ان الظروف التي رافقت اختيار المأمون للامام الرضا (علیه السلام) ليكون ولياً لعهده لم تكن ظروفاً طبيعيه بل كانت هناك دوافع سياسية املت عليه ذلك، لذا يمكننا القول ان الخليفة لم يكن صادقاً في نقل الخلافة الى آل علي (علیه السلام) بل لم يتعد الامر بالنسبة إليه سوى لعبه سياسية كان غرضه منها
ص: 152
امتصاص غضب الثوار العلويين والقضاء على اسباب التوتر في صفوفهم يجعل امامهم ولياً لعهده وليسهم عمله في هذا تثبيت اركان دولته في تلك الفترة الحرجة التي مرت بها الدولة العباسية ولينال استقطاب الرأي العام للمسلمين العامة والخاصة على السواء وليضفي على خلافته صفة شرعية بعد حجب الثقة عنه وخلعه من جانب العباسيين في بغداد وتحويل الخلافة الى عمه ابراهيم بن المهدي المعروف ((بابن شكله)).
•ان ولاية العهد للامام (علیه السلام) لم تكن الا حبراً على ورق فلم يكن له منها شيء وقد اشترط الإمام (علیه السلام) ان يكون كذلك لانه كان على علم تام بنوايا المأمون، فالإمام (علیه السلام) حتى حاول ان يمارس مهامه السياسية سوف بتقاطع بشكل مؤكد مع سياسة المأمون وستتم تصفيته في الحال.
•ان استقدام الإمام الرضا (علیه السلام) من المدينة الى مرو لم تكن إلا محاولة جادة قام بها الخليفة لتطويق الإمام (علیه السلام) سياسياً ودفع التفاف الناس حوله كما كان في المدينة وليكون تحت انظاره بطرق شتى كمجاورته له وارسال الجواسيس ليطلبوا خبره واهداء الجواري لتقصي ما يحدث في منزله ثم تزويجه بآبنته لتكون خير عين لابيها الخليفة عليه، ومنعه من اداء صلاة العيد وصرف طلابه واصحابه. مما يشير الى النوايا الحقيقية وراء مبادرة الخليفة باستخدام الإمام الرضا (علیه السلام) واسناد ولاية العهد اليه.
•لقد اتخذ المأمون من ولاية العهد للرضا (علیه السلام) غطاءً سياسياً لتصفية خصومه السياسيين وتثبيت اركان دولته والقضاء على اسباب التوتر في مختلف الامصار الاسلامية عدا بغداد معقل العباسيين.
•لقد اهتم الإمام (علیه السلام) بارساء دعائم الاسلام وبث علومه التي استقاها من ابائه الطاهرين (علیهم السلام) مع علمه التام بانه هذا العمل سيؤدي به الى القتل
ص: 153
ويتضح ذلك من خلال محاولة الخليفة التقليل من شأن الإمام (علیه السلام) في انظار المسلمين وموإليه باستجلابه العديد من علماء وزعماء النصارى واليهود والمجوس والطوائف الاخرى لامتحان الإمام (علیه السلام) وعرضهم لمسائل شتى واهتبال المأمون هذه الفرصة ليثبت قصور معرفته ليكون سبباً ليبعده عن ولاية العهد بعد انتهاء خطته السياسية منه، لكن الإمام (علیه السلام) انبرى بالاجابة على جميع المسائل التي طرحت عليه بالادلة القاطعة والبراهين فشكل بذلك خطراً واسعاً لعلوم آل البيت (علیهم السلام) ورسم خطورة تقربه الى الموت المحقق الذي كان الخليفة يسعى اليها بشتى السبل.
•أراد المأمون بتصفية خصومه ومنهم الإمام (علیه السلام) أن يفتح صفحة جديدة مع العباسيين قبل وصوله الى بغداد، وفعلاً استفاد من نصيحة الإمام (علیه السلام) له، عندها تم تحقيق الاستقرار المنشود حتى وفاته بعد فترة طويلة.
الباحث
ص: 154
ص: 155
قائمة بأسماء تلامذة وأصحاب الإمام الرضا (علیه السلام) (1)
1.ابراهيم بن أبي البلاد.
2.ابراهيم بن ابي محمود.
3.ابراهيم بن اسحاق.
4.ابراهيم بن اسماعيل.
5.ابراهيم بن بشر.
6.ابراهيم بن سلامة.
7.ابراهيم بن شعيب.
8.ابراهيم بن شعيب العقرقوفي.
9.ابراهيم بن صالح.
10.ابراهيم بن عبدالحميد.
11.ابراهيم بن علي.
12.ابراهيم بن محمد الاشعري.
13.ابراهيم بن محمد الخزار.
14.ابراهيم بن محمد.
15.ابراهيم بن محمد الهمداني.
16.ابراهيم بن موسى.
17.ابراهيم بن هاشم القمي.
18.ابراهيم بن هاشم العباسي.
ص: 156
19.احمد بن اشيم.
20.احمد بن عامر.
21.احمد بن عمر الحلال.
22.احمد بن الفيض.
23.احمد بن ابي نصر.
24.احمد بن محمد الشيباني.
25.احمد لن محمد الاشعري.
26.احمد بن يوسف.
27.ادريس بن زيد.
28.ادريس بن عبدالله الاشعري.
29.ادريس بن عيسى.
30.ادريس بن يقطين.
31.اسحاق بن أدم الاشعري.
32.اسحاق بن ابراهيم.
33.اسحاق بن ابراهيم الحنظلي.
34.اسحاق بن محمد.
35.اسحاق بن الإمام موسى بن جعفر (علیه السلام).
36.اسماعيل بن سعد الاحوص.
37.اسماعيل بن عباد.
38.اسماعيل بن عيسى.
39.اسماعيل بن قتيبة.
40.اسماعيل بن مهران السكوني.
41.اسماعيل بن همام البصري.
42.اصرم بن مطر.
ص: 157
43.افلح بن يزيد.
44.الياس بن عمرو الخزار.
45.ايوب بن نوح.
46.البائس مولى حمزة بن اليسع الاشعري.
47.بكر بن صالح.
48.بلح بن ابي ثلج اليعقوبي.
49.جعفر بن بشير البجلي.
50.جعفر بن ابراهيم الحضرمي.
51.جعفر بن ابراهيم.
52.جعفر بن عيسى.
53.جعفر بن المثنى الخطيب.
54.جعفر بن محمد القزويني.
55.الحسن بن ابراهيم الكوفي.
56.الحسن بن اسباط الكندي.
57.الحسن بن اسد البصري.
58.الحسن بن بشير.
59.الحسن بن بشار المدائني.
60.الحسن بن الجهم الشيباني.
61.الحسن بن الجهم الرازي.
62.الحسن بن الحسين الانباري.
63.الحسن بن الحسين.
64.الحسن بن الحسين العلوي.
65.الحسن بن راشد.
66.الحسن بن زياد.
ص: 158
67.الحسن بن سعيد الكوفي.
68.الحسن بن شاذان الواسطي.
69.الحسن بن شعيب المدائني.
70.الحسن بن عباد.
71.الحسن بن العباس المعروفي.
72.الحسن بن علي بن فضال.
73.الحسن بن علي الوشاء البجلي.
74.الحسن بن علي ابن يقطين.
75.الحسن بن علي الديلمي.
76.الحسن بن علي مولى تيم الله.
77.الحسن بن علي الوشا.
78.الحسن بن عمر ابن يزيد.
79.الحسن بن فضال.
80.الحسن بن قارن.
81.الحسن بن القاسم.
82.الحسن بن محبوب السراد.
83.الحسن بن محمد بن ابي طلحة.
84.الحسن بن محمد النوفلي.
85.الحسن بن محمد القمي.
86.الحسن بن محمد النوفلي الهاشمي.
87.الحسن بن النضر الارمني.
88.الحسن بن يزيد.
89.الحسن بن يونس.
90.الحسن التفليسي.
ص: 159
91.الحسين بن ابراهيم بن الإمام موسى بن جعفر (علیه السلام) .
92.الحسين بن ابي سعيد المكاري.
93.الحسين بن بشار الواسطي.
94.الحسين بن بشير.
95.الحسين بن الجهم.
96.الحسين بن خالد الصيرفي.
97.الحسين بن زياد.
98.الحسين بن سعيد الاهوازي.
99.الحسين بن شعيب المدائني.
100.الحسين بن صالح الخثعمي.
101.الحسين بن عبد ربه.
102.الحسين بن علي بن ربيع.
103.الحسين بن علي بن يقطين.
104.الحسين بن عمر.
105.الحسين بن قياما.
106.الحسين بن موسى.
107.الحسين بن مياح.
108.الحسين بن يسار المدائني.
109.حماد بن بكر الازدي.
110.حماد بن عثمان الفزاري.
111.حماد بن عثمان الناب.
112.حماد بن عيسى الجهني.
113.حمدان بن ابراهيم الاهوازي.
114.حمزة بن بزيع.
ص: 160
115.حيدر بن ايوب.
116.خلف بن سلمه البصري.
117.خيران مولى الإمام الرضا (علیه السلام) .
118.دارم بن قبيصة.
119.داود بن سليمان القزويني.
120.داود بن علي العبيدي.
121.داود بن علي اليعقوبي.
122.داود بن القاسم بن اسحاق بن جعفر بن ابي طالب (علیه السلام) .
123.داود بن مافنة الصرمي.
124.داود بن النعمان.
125.رحيم عبدوس الخنجي.
126.ريان بن شبيب.
127.زكريا بن ادم الاشعري.
128.زكريا ابو يحيى.
129.زكريا بن ادريس الاشعري.
130.زكريا بن عبدالصمد القمي.
131.زكريا بن محمد المؤمن.
132.زكريا بن يحيى.
133.سعد بن حماد.
134.سعد بن سعد الاشعري القمي.
135.سعد خادم ابي دلف.
136.سعيد بن جناح الازدي.
137.سعيد بن سعيد القمي.
138.سليمان بن جعفر الجعفري.
ص: 161
139.سليمان بن الجعفري.
140.سليمان بن داود الخفاف.
141.سليمان حفص.
142.سليمان بن حفص المروزي.
143.سليمان بن داود الخفاف.
144.سليمان بن رشيد.
145.السندي بن ربيع الكوفي.
146.سوادة القطان.
147.سهل بن الاشعري.
148.سهل بن اليسع الاشعري القمي.
149.شعيب بن حماد.
150.صالح بن عبدالله الخثعمي.
151.صالح بن علي البغدادي.
152.صالح الجناز الكوفي.
153.صباح بن نصر الهندي.
154.صدقة الخراساني.
155.صفوان بن يحيى البجلي.
156.طاهر بن حاتم القزويني.
157.عباد بن محمد.
158.العباس بن جعفر الاشعث.
159.العباس بن محمد بن الوراق يونسي.
160.العباس بن معروف.
161.العباس بن موسى النخاس.
162.العباس بن هشام.
ص: 162
163.العباس مولى الإمام الرضا (علیه السلام) .
164.عباس النجاشي.
165.عبدالجبار بن المبارك النهاودي.
166.عبدالحميد بن سعيد.
167.عبدالرحمن بن ابي نجران.
168.عبالسلام بن صالح الهروي.
169.عبدالعزيز بن مسلم.
170.عبدالعزيز بن المهتدي الاشعري القمي.
171.عبدالله بن ابان.
172.عبدالله بن ابراهيم الانصاري.
173.عبدالله بن ايوب الجزيني.
174.عبدالله بن جندب.
175.عبدالله بن الحارث.
176.عبدالله بن طاووس.
177.عبدالله بن علي بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين (علیه السلام) .
178.عبدالله بن المبارك النهاودي.
179.عبدالله بن محمد الاسدي.
180.عبدالله بن محمد الحضيني الاهوازي.
181.عبدالله بن محمد الرازي.
182.عبدالله بن المغيرة.
183.عبدالوهاب النهاودي (المعروف بأبي كثير).
184.عبيد النصري.
185.عبيدالله بن اسحاق المدائني.
186.عبيدالله بن ابي عبدالله.
ص: 163
187.عبيدالله بن عبدالله الدهقان.
188.عبيدالله بن علي ابن ابي عبيدالله.
189.عثمان بن رشيد.
190.عثمان بن عيسى العامري.
191.عطيه بن رستم.
192.عقبة بن رستم.
193.علي بن ابي ثور الكوفي.
194.علي بن احمد ابن اشيم.
195.علي بن ادريس.
196.علي بن اسباط الزطي.
197.علي بن جعفر بن علي بن الحسين (علیه السلام) .
198.علي بن حديد المدائني.
199.علي بن الحسن البجلي.
200.علي بن الحسين بن يحيى.
201.علي بن سعيد المدائني.
202.علي بن سويد السائي.
203.علي بن سيف النخعي.
204.علي بن صاعد البربري.
205.علي بن عبدالله بن عمران.
206.علي بن عبيدالله بن الحسين بن علي بن الحسين (علیه السلام) .
207.علي بن علي بن رزين الخزاعي.
208.علي بن الفضل الواسطي.
209.علي بن مهدي بن صدقة الرقي.
210.علي بن مهزيار الاهوازي.
ص: 164
211.علي بن يحيى.
212.علي بن يونس بن بهمن.
213.عمار بن يزيد.
214.عمر بن زهير الجزري.
215.314- عمر بن فرات البغدادي.
216.عمر بن سعيد المدائني.
217.عيسى بن عثمان.
218.عيسى بن عيسى الكلامي.
219.عبيس بن عثمان.
220.فضالة بن ايوب.
221.الفضل بن سنان.
222.القاسم بن اسباط.
223.القاسم بن الفضيل.
224.القاسم بن يحيى.
225.محسن بن احمد القيسي.
226.محمد بن ابي جرير القمي.
227.محمد بن ابي عباد.
228.محمد بن ابي عمير الازدي.
229.محمد بن احمد غيلان.
230.محمد بن اسحاق الصيرفي الكوفي.
231.محمد بن اسحاق.
232.محمد بن اسلم الطبري.
233.محمد بن اسماعيل بن يزيع.
234.محمد بن ارومة ابو جعفر القمي.
ص: 165
235.محمد بن بحر.
236.محمد بن جذاعة الفارسي.
237.محمد بن جعفر العنبي.
238.محمد بن جعفر المقنائي.
239.محمد بن جمهور.
240.محمد بن الحسن الميثمي الاسدي.
241.محمد بن الحسين بن يزيد.
242.محمد بن حمزة.
243.محمد بن خالد البرقي.
244.محمد بن الخطيب الاهوازي.
245.محمد بن راشد.
246.محمد بن زيد الرازمي.
247.محمد بن زيد الطبري الكوفي.
248.محمد بن سالم القمي.
249.محمد بن سليمان الدليمي.
250.محمد بن سماعة الصيرفي.
251.محمد بن سهل الاشعري.
252.محمد بن سهل البجلي الرازي.
253.محمد بن سهل الاشعري القمي.
254.محمد بن صدقة العنبري.
255.محمد بن عبدالله الصيقل الازدي.
256.محمد بن عبدالله الاشعري.
257.محمد بن عبدالله الصيقل.
258.محمد بن عبدالله الصفار.
ص: 166
259.محمد بن عبدالله بن عيسى الاشعري.
260.محمد بن عبدالله الخراساني.
261.محمد بن عبدالله الطاهري.
262.محمد بن عبدالله الطهوري.
263.محمد بن عبدالله القمي.
264.محمد بن عبدالله المدائني.
265.محمد بن عبيد.
266.محمد بن عبيدالله الهمداني.
267.محمد بن عبيدالله.
268.محمد بن عبيده الهمداني.
269.محمد بن عرفة.
270.محمد بن علي بن جعفر.
271.محمد بن علي بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين (علیه السلام) .
272.محمد بن علي الهمداني.
273.محمد بن عمار بن النهدي.
274.محمد بن عمارة.
275.محمد بن عمر بن يزيد.
276.محمد بن عمر بن يزيد بياع السابري.
277.محمد بن عمر السباطي.
278.محمد بن عمر الكناسي.
279.محمد بن عمر بن سعد الزيات.
280.محمد بن عيسى ابن يقطين.
281.محمد بن فرات الجحفي.
282.محمد بن فرج الرخجيي.
ص: 167
283.محمد بن الفضل الازدي.
284.محمد بن الفضل بن عمر.
285.محمد بن الفضيل صيرفي.
286.محمد بن الفيض المدائني.
287.محمد بن القاسم ابن الفضيل.
288.محمد بن القاسم بن الفضيل بن يسار.
289.محمد بن القاسم البوشنجاني.
290.محمد بن كعب القرطي.
291.محمد بن كليب الاشعري.
292.محمد بن منصور النخعي.
293.محمد بن منصور الاشعثي.
294.محمد بن منصور الاشعري.
295.محمد بن منصور الخزاعي.
296.محمد بن منصور الكوفي.
297.محمد بن يحيى بن حبيب.
298.محمد بن يحيى الساباطي.
299.محمد بن يزيد الطبري.
300.محمد بن يونس بن عبدالرحمن.
301.محمد مولى الإمام الرضا (علیه السلام) .
302.مرزبان.
303.مرزبان بن عمران الاشعري القمي.
304.مروان بن يحيى.
305.مروك بن عبيد.
306.مسافر مولى الإمام الرضا (علیه السلام) .
ص: 168
307.معاوية بن حكيم الدهني.
308.معاوية بن سعد.
309.معاوية بن سعيد.
310.معاوية بن يحيى.
311.معاوية الجعفري.
312.معروف الكرخي.
313.معمر بن خلاد.
314.معن بن خالد.
315.مقاتل بن مقاتل البلخي.
316.موسى بن ابي الحسن الرزاي.
317.موسى بن جند.
318.موسى بن رنجويه الارمني.
319.موسى بن سلمة.
320.موسى بن عيسى اليقطيني.
321.موسى بن القاسم البجلي.
322.موسى بن معمر.
323.موفق بن هارون.
324.موفق خادم الإمام (علیه السلام) .
325.نصر بن قابوس اللخمي.
326.نصر بن مغلس.
327.هارون بن عمر المجاشي.
328.هاشم بن ابراهيم الاحمر.
329.الهيثم بن عبدالله.
330.الهيثم بن عبدالله الرماني.
ص: 169
331.الوليد بن ابان.
332.الوليد بن ابان الضبي.
333.يحيى بن ابراهيم بن ابي البلاد.
334.يحيى بن احمد بن قيس.
335.يحيى بن بشار.
336.يحيى بن جندب الزيات.
337.يحيى بن سليمان الكاتب.
338.يحيى بن العباس الوارق.
339.يحيى بن عمرو.
340.يحيى بن المبارك.
341.يحيى بن محمد أبن ابي حبيب.
342.يحيى بن موسى الصنعاني.
343.يحيى بن يحيى التمميمي.
344.يحيى بن يزيد الكوقي.
345.يحيى الصنعاني.
346.يزيد بن عمر.
347.اليسع بن حمزة.
348.يعقوب بن سعيد الكندي.
349.يعقوب بن عبدالله بن جندب.
350.يعقوب بن يقطين.
351.يونس بن يعقوب البجلي.
ص: 170
خارطة توضيحية لمسير الإمام الرضا (علیه السلام) من المدينة المنورة الى العاصمة مرو سنة (200ﻫ / 815م)
ص: 171
ص: 172
ص: 173
قائمة المصادر والمراجع
وخير ما نبتدىء به القرآن الكريم
•الاصفهاني: عماد الدين ابو حامد محمد بن محمد بن حامد، (من علماء ق 6ﻫ/12م).
1.التبيان الجامع لجميع تواريخ اهل الزمان، مخطوطة مصورة بمكتبة الحكيم العامة في النجف الاشرف، برقم (338).
•الافندي: عبدالله بن الميرزا عيسى.
2.رياض العلماء وحياض الفضلاء، مخطوطة مصورة بمكتبة الحكيم العامة في النجف الاشرف، برقم (112).
•القضاعي: ابو عبدالله محمد بن سلامه بن جعفر الشافعي، (ت454ﻫ/1062م).
3.تاريخ القضاعي، مخطوطة مصورة بمكتبة الحكيم العامة في النجف الاشرف، برقم (341).
(أ)
•الابي: ابي سعد منصور بن الحسين (421ﻫ/1030م).
1.نثر الدر، تحقيق: عثمان ابو غاغي، الدار التونسية، (تونس- 1403ﻫ/1983م).
•ابن الاثير: عز الدين ابو الحسن علي بن ابي الكرم محمد (ت630ﻫ/1232م).
2.الكامل في التاريخ، صحح اصوله: عبدالوهاب النجار، ادارة الطباعة المنيرية، (مصر- 1353ﻫ/1934م).
• الاربلي: عبدالرحمن سنبط قنيو (ت717ﻫ/1317م).
3.خلاصة الذهب المسبوك، تصحيح: مكي السيد جاسم، مكتبة المثنى، (بغداد-
ص: 174
بلا).
•الاربيلي: ابي الحسن علي بن عيسى بن ابي الفتح (ت693ﻫ/1293م).
4.كشف الغمة في معرفة الائمة، مطبعة النجف الاشرف، (النجف- 1385ﻫ/1965م).
•الاسكافي: ابو علي محمد بن همام بن سهيل (ت336ﻫ/947م).
5.منتخب الانوار في تاريخ الائمة (ع)، تحقيق: علي رضا هزار، مطبعة نكارش، (قم- 1422ﻫ/2004م).
•الاشعري: ابو الحسن علي بن اسماعيل (ت330ﻫ/941م).
6.مقالات الاسلاميين واختلاف المصليين، تحقيق: محمد محي الدين، مكتبة النهضة، (مصر- 1371ﻫ/1950م).
•الاصفهاني: علي بن الحسين بن محمد ابو الفرج (ت356ﻫ/966م).
7.مقاتل الطالبيين، تحقيق: السيد احمد، مقر احياء الكتب العربية، (القاهرة- 1369ﻫ/1949م).
(ب)
•البخاري: ابي عبدالله محمد بن اسماعيل الجعفي (ت256ﻫ/869م).
8.التاريخ الكبير، تحقيق: محمد بن المعيد خان، دار المعارف العثمانية، ط2، (حيدر اباد- 1382ﻫ/1963م).
•البخاري: ابي نصر بن عبدالله (كان حياً سنة 341ﻫ/952م).
9.سر السلسلة العلوية، تعليق: محمد صادق بحر العلوم، المكتبة الحيدرية، (النجف- 1381ﻫ/1963م).
•البصري: خلف بن حيان (ت180ﻫ/797م).
10.علم النحو، تحقيق: عز الدين التنوخي، مطبعة مديرية احياء التراث القديم، (دمشق- 1381ﻫ/1961م).
ص: 175
•البغدادي: عبدالقاهر بن طاهر بن محمد (ت429ﻫ/1037م).
11.الفرق بين الفرق وبيان الفرق الناجية، تحقيق: محمد محي الدين، المطبعة المنيرية، (مصر- بلا).
•البلاذري: احمد بن يحيى بن جابر، (كان حياً سنة 368ﻫ/978م).
12.انساب الاشراف، تحقيق: محمد باقر المحمودي، دار الصادق، (بيروت- 1397ﻫ/1977م).
•البيهقي: ابو الفضل محمد بن حسين (ت470ﻫ/1077م).
13.تاريخ البيهقي، ترجمة يحيى الخشاب وصادق نشأة، مكتبة الانجلو، (مصر- بلا).
(ت)
•ابن تغرى بردي: يوسف (813ﻫ/1410م).
14.النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، المكتبة المصرية، (مصر- بلا).
(ج)
•الجاحظ: ابو عثمان عمر بن بحر (ت255ﻫ/868م).
15.اثار الجاحظ، تصحيح: عمر ابو النصر، مطبعة النجوى، (بيروت- 1389ﻫ/1969م).
•الجرجاني: علي بن محمد بن الزين (ت816ﻫ/1413م).
16.التعريفات، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، (مصر- 1357ﻫ/1938م).
•الجهشياري: ابو عبدالله محمد بن عبدوس (ت331ﻫ/942م).
17.الوزراء والكتاب، تحقيق: مصطفى السقا واخرون، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، (القاهرة- 1357ﻫ/1938م).
(ح)
ص: 176
•ابن ابي الحديد: عز الدين ابو حامد بن هبة الله بن محمد المدائني (ت655ﻫ/1257م).
18.شرح نهج البلاغة، دار احياء الكتب العربية، (القاهرة- 1385ﻫ/1965م).
•ابن حجر العسقلاني: شهاب الدين ابو الفضل احمد بن علي بن محمد (ت852ﻫ/1448م).
19.تهذيب التهذيب، مطبعة دائرة المعارف النظامية، (الهند- 1325ﻫ/1904م).
•ابن حجر: احمد الهيتمي (ت974ﻫ/1566م).
20.الصواعق المحرقة في الرد على اهل البدع والزندقة، تعليق: عبد الوهاب عبد اللطيف، مكتبة القاهرة، (مصر- 1385ﻫ/1965م).
•الحر العاملي: محمد بن الحسن (ت1104ﻫ/1692م).
21.وسائل الشيعة الى تحصيل مسائل الشريعة، تصحيح: عبدالرحيم الرباني الشيرازي، دار احياء التراث العربي، (بيروت- 1391ﻫ/1971م).
•ابن حزم الاندلسي: ابي محمد بن احمد بن سعيد (ت456ﻫ/1063م).
22.جمهرة انساب العرب، تحقيق: عبدالسلام هارون، دار المعارف، (مصر- 1382ﻫ/1962م).
•الحراني: ابو محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة (من اعلام ق 4ﻫ/10م).
23.تحف العقول عن آل الرسول، تحقيق: محمد صادق بحر العلوم، المطبعة الحيدرية، ط2، (النجف- 1385ﻫ/1965م).
•الحسيني: تاج الدين بن محمد بن حمزة (كان حياً سنة 753ﻫ/1352م).
24.غاية الاختصار، تعليق: محمد صادق بحر العلوم، المكتبة الحيدرية، (النجف- 1382ﻫ/1963م).
(خ)
ص: 177
•الخطيب البغدادي: ابو بكر احمد بن علي (ت463ﻫ/1070م).
25.تاريخ بغداد او مدينة السلام، مطبعة السعادة، (مصر- 1350ﻫ/1931م).
•ابن خلدون: عبدالرحمن بن خلدون (ت808ﻫ/1405م).
26.العبر وديوان المبتدأ والخبر في ايام العرب والعجم والبربر من عاصرهم من ذوي السلطان الاكبر، دار الخديوي، (مصر- بلا).
•ابن خلكان: ابو العباس شمس الدين احمد بن محمد بن ابي بكر (ت681ﻫ/1281م).
27.وفيات الاعيان وانباء الزمان، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة، (القاهرة- بلا).
(د)
•الديار بكري: حسن بن محمد بن الحسن (ت682ﻫ/1283م).
28.تاريخ الخميس في احوال انفس نفيس، مؤسسة شعبان، (بيروت- بلا).
•الدينوري: ابي حنيفة احمد بن داود (ت280ﻫ/893م).
29.الاخبار الطوال، تحقيق: عبدالمنعم، مراجعة: جمال الدين الشيال، دار احياء الكتب العربية، (القاهرة- 1380ﻫ/1960م).
(ذ)
•الذهبي: ابو عبدالله محمد بن احمد بن عثمان (ت748ﻫ/1347م).
30.سيرة اعلام النبلاء، تحقيق: محمد سعد طلس، دار المعارف، (مصر- 1319ﻫ/1899م).
(ر)
•الرضا: علي بن موسى (صلی الله علیه و آله و سلم) (ت203ﻫ/818م).
31.طبه المعروف بالرسالة الذهبية، تحقيق: محسن عقيل، دار المحجة البيضاء،
ص: 178
(بيروت- 1419ﻫ/1999م).
32.مسنده، جمعه ورتبه: عزيز الله العطاردي، مكتبة الصدوق، (طهران- 1392ﻫ/1974م).
•الراوندي: قطب الدين سعيد بن هبة الله (ت573ﻫ/1177م).
33.الخرايج والجرايح في فضائل الائمة ومناقبهم، دار الطباعة، (ايران- 1305ﻫ/1883م).
(ز)
•ابن الزبير: ابو الحسين احمد بن الرشيد (من اعلام ق 5ﻫ/11م).
34.الذخائر والتحف، تحقيق: محمد حميد الله، تقديم ومراجعة: صلاح الدين المنجد، (الكويت- 1375ﻫ/1955م).
(س)
•سبط ابن الجوزي: شمس الدين ابو المظفر يوسف (ت654ﻫ/1256م).
35.تذكرة الخواص، المطبعة العلمية، (النجف- 1369ﻫ/1948م).
•ابن ابي السرور: ابو الحسن علي بن عبدالله محمد بن الرحمن (ت660ﻫ/1261م).
36.بلغة الظرفاء في ذكرى تواريخ الخلفاء، جريدة المؤيد، (مصر- 1330ﻫ/1909م).
•ابن سعد: ابو عبد الله محمد بن الزهري البصري (ت230ﻫ/842م).
37.الطبقات الكبرى، دار صادر، (بيروت- 1377ﻫ/1958م).
•السمعاني: ابو سعد عبدالكريم بن محمد بن منصور (ت562ﻫ/1166م).
38.الانساب، تعليق: عبدالرحمن بن يحيى، مكتبة حيدر اباد، (الهند- 1386ﻫ/1961م).
•سيبويه: ابي بشر عمرو بن عثمان بن قنبر (ت358ﻫ/968م).
ص: 179
39.سيبويه، تحقيق وشرح: عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، ط3، (القاهرة- 1408ﻫ/1988م).
(ش)
•الشافعي: ابو سالم كمال الدين محمد بن طلحة (ت652ﻫ/1254م).
40.مطالب السؤول في مناقب آل الرسول، دار الكتب التجاري، (مصر- بلا).
•ابن شاكر الكتبي: محمد بن احمد عبدالرحمن (ت764ﻫ1362م).
41.فوات الوفيات، تحقيق: نبيلة عبدالمنعم، مطبعة اسعد، (بغداد- 1410ﻫ/1991م).
•الشامي: جمال الدين يوسف بن حاتم (من اعلام ق 7ﻫ/13م).
42.الدر النظيم في مناقب الائمة اللهاميم، مؤسسة النشر الاسلامي، (قم- 1420ﻫ/2000م).
•الشبلنجي: مؤمن بن حسن مؤمن (من اعلام ق 13ﻫ/19م).
43.نور الابصار في مناقب آل النبي المختار (ص)، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، (مصر- 1367ﻫ/1947م).
•ابن شهر اشوب: رشيد الدين ابو عبدالله المازندراني (ت588ﻫ/1192م).
44.مناقب آل ابي طالب، المطبعة العلمية، (قم- بلا).
•الشهرستاني: ابو الفتح محمد بن عبدالكريم (ت548ﻫ/1153م).
45.الملل والنحل، المطبعة الادبية، (القاهرة- 1317ﻫ/1897م).
(ص)
•ابن الصباغ: علي بن محمد بن احمد (ت855ﻫ/1451م).
46.الفصول المهمة في معرفة احوال الائمة (ع)، المكتبة الحيدرية، ط3، (النجف- 1381ﻫ/1962م).
ص: 180
•الصدوق: ابي جعفر محمد بن علي القمي (ت381ﻫ/991م).
47.عيون اخبار الرضا، تقديم: مهدي الخرسان، المطبعة الحيدرية، (النجف- 1390ﻫ/1970م).
48.علل الشرائع، تقديم: محمد صادق بحر العلوم، المكتبة الحيدرية، (النجف- 1382ﻫ/1963م).
•الصفدي: صلاح الدين خليل بن ايبك (ت764ﻫ/1362م).
49.الوافي بالوفيات، اعتناء محمد يوسف نجم، دار النشر خرانز شتايزبقيسادن، (المانيا- 1391ﻫ/1971م).
(ط)
•طاووس: علي بن موسى بن جعفر بن محمد (ت664ﻫ/1265م).
50.فرج المهموم في تاريخ علماء النجوم، المطبعة الحيدرية، (النجف- 1368ﻫ/1927م).
•الطبرسي: ابو علي الفضل بن الحسن (من اعلام ق 6ﻫ/12م).
51.اعلام الورى، تصحيح وتعليق: علي اكبر الغفاري، المكتبة الاسلامية، (طهران- 1338ﻫ/1918م).
52.الاحتجاج، تعليق: محمد باقر الخرسان، مؤسسة النعمان، (بيروت- بلا).
•الطبري: ابو جعفر محمد بن جرير (ت310ﻫ/922م).
53.تاريخ الرسل والملوك، تحقيق: محمد ابو الفضل، دار المعارف، (مصر- 1393ﻫ/1972م).
54.جامع البيان في تفسير القرآن، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، (مصر- بلا).
•ابن الطقطقي: محمد بن علي بن طباطبا (ت709ﻫ/1309م).
55.الفخري في الاداب السلطانية والدول الاسلامية، مراجعة: محمد عوض ابراهيم وعلي الجارم، مطبعة المعارف، ط2، (مصر- 1358ﻫ/1938م).
56.تاريخ الدول الاسلامية، دار صادر، (بيروت- 1381ﻫ/1960م).
ص: 181
•الطوسي: ابي جعفر محمد بن الحسن (ت460ﻫ/1067م).
57.الفهرست، تعليق: محمد صادق بحر العلوم، المطبعة الحيدرية، ط2، (النجف- 1380ﻫ/1961م).
58.رجال الطوسي، تعليق: محمد صادق بحر العلوم، المطبعة الحيدرية، ط2، (النجف- 1380ﻫ/1961م).
59.اختيار معرفة رجال المعروف برجال الكشي، تحقيق: محمد تقي فاضل وابو الفضل الموسويان، مؤسسة الطباعة والنشر، (طهران- 1382ﻫ/1961م).
60.التبيان، منشورات الامين، (النجف- 1376ﻫ/1955م).
61.الغيبة، تقديم: اغابزرك الطهراني، مكتبة الصادق، ط2، (النجف- 1385ﻫ/1965م).
•ابن طولون: شمس الدين محمد (ت953ﻫ/1546م).
62.الائمة الاثنا عشر (ع)، تحقيق: صلاح المنجد، دار صادر، (بيروت- 1377ﻫ/1958م).
(ع)
•ابن العبري: ابو الفرج جمال الدين (ت685ﻫ/1286م).
63.تاريخ مختصر الدول، المطبعة الكاثولية، (بيروت- 1377ﻫ/1958م).
•ابن عبدالحق البغدادي: صفي الدين المؤمن (ت739ﻫ/1338م).
64.مراصد الاطلاع على اسماء الامكنة والبقاع، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار احياء الكتب عيسى البابي، (القاهرة- 1373ﻫ/1954م).
•ابن عبد ربه: احمد بن محمد الاندلسي (ت328ﻫ/939م).
65.العقد الفريد، لجنة التأليف والترجمة والنشر، ط2، (القاهرة- 1369ﻫ/1948م).
•ابن عنبه: جمال الدين احمد الحسيني (ت828ﻫ/1424م).
ص: 182
66.عمدة الطالب في انساب آل ابي طالب، دار الاندلس للطباعة والنشر، (النجف- 1309ﻫ/1988م).
•ابن عساكر: ابو القاسم علي بن الحسين بن هبة الله (ت571ﻫ/1175م).
67.التاريخ الكبير، تصحيح: عبدالقادر افندي، مطبعة الشام، (دمشق- 1332ﻫ/1911م).
•ابن العماد: ابي الفلاح عبد الحي الحنبلي (ت1089ﻫ/1669م).
68.شذرات الذهب في اخبار من ذهب، دار المسيرة، (بيروت- بلا).
(ف)
•الفتال: محمد النيسابوري (ت508ﻫ/1114ﻫ)
69.روضة الواعظين، المكتبة الحيدرية، (النجف- 1386ﻫ/1966م).
(ق)
•إبن قتيبة: ابو محمد عبدالله بن مسلم الدينوري (ت276ﻫ/889م).
70.الإمامة والسياسة، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، ط2، (مصر- 1377ﻫ/1957م).
•القرماني: احمد بن يوسف (ت1019ﻫ/1599م).
71.اخبار الدول واثار الإول في التأريخ ، عالم الكتب، (بيروت- 1398ﻫ/1978م).
•القفطي: علي بن يوسف (642ﻫ/1226م).
72.تاريخ العلماء باخبار الحكماء، تصحيح: محمد امين الخانجي، مطبعة السعادة، (مصر- 1329ﻫ/1906م).
•القلقشندي: احمد بن عبدالله (ت821ﻫ/1418م).
73.مآثر الانافة في معالم الخلافة، تحقيق: عبد الستار احمد فرج، وزارة الارشاد والانباء، (الكويت- 1384ﻫ/1964م).
ص: 183
74.صبح الاعشى في صناعة الانشا، مطابع كوستاتوماس وشركاؤه، (مصر- بلا).
•القندوزي: سليمان بن ابراهيم (ت1220ﻫ/1294م).
75.ينابيع المودة، تقديم: محمد مهدي الخرسان، المكتبة الحيدرية، ط7، (النجف- 1384ﻫ/1965م).
(ك)
•الكشي: ابي عمرو بن عمر بن عبدالعزيز (من اعلام ق 4ﻫ/10م).
76.رجال الكشي، تحقيق: احمد الحسيني، مطبعة الاداب، (النجف- بلا).
•إبن كثير: عماد الدين ابو الفدا اسماعيل (ت774ﻫ/1372م).
77.البداية والنهاية في التاريخ، مطبعة السعادة، (مصر- 1353ﻫ/1932م).
•الكليني: ابو جعفر محمد بن يعقوب (ت329ﻫ/940م).
78.الكافي، تعليق: عبدالحسين المظفر، مطبعة النعمان، (النجف- 1387ﻫ/1958م).
•الكندي: ابو عمر محمد بن يوسف (ت350ﻫ/916م).
79.الولاة والقضاة، تهذيب وتصحيح: رفن كست، مطبعة الاباء اليوعسيين، (بيروت- 1328ﻫ/1908م).
(م)
•المازندراني: محمد بن اسماعيل (ت1216ﻫ/1796م).
80.منتهى المقال في احوال الرجال، مؤسسة آل البيت (ع) لاحياء التراث، (قم- 1416ﻫ/1996م).
•المجلسي: محمد باقر (ت1111ﻫ/1691م).
81.بحار الانوار، المكتبة الاسلامية، (طهران- 1385ﻫ/1965م).
ص: 184
•المسعودي: ابو الحسن علي بن الحسين بن علي (ت346ﻫ/957م).
82.مروج الذهب ومعادن الجوهر، تحقيق: صباح الشيخلي وعادل محي الدين، دار الاندلس للطباعة والنشر، (بيروت- بلا).
83.اثبات الوصية، مؤسسة انصاريان للطباعة والنشر، ط2، (قم- 1424ﻫ/2003م).
84.التنبيه والاشراف، مكتبة خياط، (بيروت- 1386ﻫ/1965م).
•مسكويه: ابو علي احمد بن محمد الخازن (ت421ﻫ/1320م).
85.تجارب الامم وتعاقب الهمم، مطبعة شركة التمدن الصناعية، (مصر- 1332ﻫ/1914م).
•المصعب الزبيري: ابو عبدالله المصعب بن عبدالله (236ﻫ/850م).
86.نسب قريش، تحقيق: ليفي بروفنسال، دار المعارف، ط2، (مصر- 1396ﻫ/1976م).
•المقريزي: تقي الدين ابي العباس احمد بن علي (ت835ﻫ/1451م).
87.النقود الاسلامية، تحقيق: محمد بحر العلوم، المكتبة الحيدرية، ط5، (النجف- 1338ﻫ/1967م).
•المفيد: محمد بن محمد بن النعمان العكبري (ت413ﻫ/1022م).
88.الارشاد، المطبعة الحيدرية، (النجف- 1382ﻫ/1962م).
•ابن منظور: ابو الفضل جمال الدين الافريقي (ت711ﻫ/1311م).
89.لسان العرب، دار صادر، (بيروت- 1372ﻫ/1951م).
•الموسوي: العباس بن علي بن نور المكي الحسني (ت1180ﻫ/1760م).
90.نزهة الجليس ومنية الاديب الانيس، المكتبة الحيدرية، (النجف- 1386ﻫ/1997م).
(ن)
ص: 185
•النجاشي: احمد بن علي بن احمد بن العباس (ت450ﻫ/1058م).
91.الرجال، مركز جانجانة مصطفوي للنشر، (طهران- بلا).
•ابن النديم: ابو الفرج محمد بن اسحاق (ت385ﻫ/995م).
92.الفهرست، مطبعة الاستقامة، (القاهرة- بلا).
•ابو نؤاس: الحسن بن هاني الحكمي (ت199ﻫ/814م).
93.ديوان ابو نؤاس، تحقيق: ايفالة فاغز، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، (القاهرة- 1378ﻫ/1958م).
94.ديوان ابو نؤاس بمرواية الصولي، تحقيق: بهجت عبد الغفور، دار الرسالة للطباعة، (بغداد- 1400ﻫ/1980م).
•النوبختي: ابي محمد الحسن بن موسى (من اعلام ق 4ﻫ/10م).
95.فرق الشيعة، تعليق: محمد صادق بحر العلوم، المطبعة الحيدرية، (النجف- 1389ﻫ/1969م).
• النيسابوري: ابو عبدالله محمد بن عبدالله الحافظ (ت508ﻫ/1114م).
96.معرفة علوم الحديث، مطابع شركة الخدمات الصحافية، ط3، (بيروت- 1399ﻫ/1979م).
(و)
•الواسطي: اسلم بن سهل الرزاز (ت292ﻫ/905م).
97.مدينة واسط، تحقيق: كوركيس عواد، مطبعة المعارف، (بغداد- 1387ﻫ/1967م).
(ي)
•اليافعي: ابي محمد بن عبدالله بن اسعد (ت768ﻫ/1366ﻫ).
98.مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان، مؤسسة الاعلمي، ط2، (بيروت- 1390ﻫ/1970م).
ص: 186
•ياقوت الحموي: شهاب الدين ابي عبدالله البغدادي (ت626ﻫ/1228م).
99.معجم البلدان، تحقيق: احمد بن الامين، مطبعة السعادة، (مصر- 1324ﻫ/1906م).
100.معجم الادباء، دار صادر، (بيروت- 1395ﻫ/1975م).
•اليعقوبي: احمد بن يعقوب بن جعفر بن وهب الكاتب (ت292ﻫ/904م).
101.تاريخ اليعقوبي، مطبعة الغري، (النجف- 1358ﻫ/1938م).
102.البلدان، المطبعة الحيدرية، ط3، (النجف- 1337ﻫ/1957م).
(أ)
•الاتلدي: محمد دياب.
1.اعلام الناس بما وقع للبرامكة مع بني العباس، المطبعة الكاستلية، (مصر- 1290ﻫ/1969م).
•الاديب: عادل.
2.سيرة الائمة الاثنا عشر (صلی الله علیه و آله و سلم)، دراسة وتحليل، الدار الاسلامية، (بيروت- بلا).
•أسد: حيدر.
3.الإمام الصادق والمذاهب الاربعة، مكتبة النعمان، (النجف- 1377ﻫ/1958م).
•الاصبهاني: محمد باقر الموسوي (ت1313ﻫ/1892م).
4.روضات الجنان في احوال الرجال والسادات، المطبعة المرتضوية، (النجف- 1350ﻫ/1931م).
•الاعلمي: محمد حسين سليمان.
ص: 187
5.دائرة المعارف المسماة بمقتبس الاثر ومجدد الاثر، مطبعة الحكمة، (قم- 1374ﻫ/1953م).
•الامين: عبدالحسين احمد النجفي.
6.الغدير في الكتاب والسنة والادب، دار الكتب العربية، (بيروت- 1397ﻫ/1977م).
•امين: احمد.
7.ضحى الاسلام، مكتبة النهضة، ط7، (مصر- 1375ﻫ/1956م).
(ب)
•بروكلمان: كارل.
8.تاريخ الشعوب الاسلامية، نقله الى العربية: نبيه امين ومنير البعلبكي، دار العلم للملايين، (بيروت- 1382ﻫ/1960م).
•البغدادي: محمود بن وهب.
9.جوهرة الكلام في مدح السادة الاعلام، مطبعة الاداب، (بغداد- 1329ﻫ/1909م).
•البغدادي: اسماعيل باشا محمد (ت1339ﻫ/1919م).
10.هدية العارفين اسماء المؤلفين واثار المصنفين، المكتبة الاسلامية، (طهران- 1387ﻫ/1947م).
•بحر العلوم: جعفر.
11.تحفة العالم في شرح خطبة المعالم، مكتبة الصادق، ط2، (طهران- 1401ﻫ/1981م).
•بحر العلوم: حسن عزالدين.
12.الفروع من فقه اهل البيت الاجتهاد والتقليد، مكتبة الالفين (لندن- 1422ﻫ/2001م).
•البجنوردي: محمد حسن.
ص: 188
13.القواعد الفقهية، تحقيق: مهدي المهريزي ومحمد حسين الدرايتي، مطبعة نكارش، (ايران- 1424ﻫ/2004م).
•بركات: اكرم.
14.حقيقة الجفر عند الشيعة، دار الصفوة، (بيروت- 1416ﻫ/1995م).
(ت)
•تامر: عارف.
15.الإمامة في الاسلام، دار الكتاب العربي، (بيروت- بلا).
•التستري: محمد تقي.
16.قاموس الرجال، منشورات مركز نشر الكتاب، (طهران- 1340ﻫ/1920م).
(ث)
•الثامري: داود مزبان.
17.بيت الحكمة العباسي عراقة الماضي ورؤية الحاضر، بيت الحكمة، (بغداد- 1421ﻫ/2001م).
(ج)
•جعفريان: رسول.
18.الشيعة في ايران دراسة تأريخية، تعريب: علي هاشم الاسدي، مؤسسة الطبع الرضوي، (ايران- 1420ﻫ/1999م).
•جمال الدين: رؤوف.
19.المعجب في علم النحو، مطبعة الاداب، (النجف- 1398ﻫ/1978م).
•الجومرد: عبدالجبار.
20.هارون الرشيد دراسة تأريخية اجتماعية سياسية، المكتبة العمومية،
ص: 189
(بيروت- 1376ﻫ/1956م).
•جون: باجوت ﭽلوب.
21.امبراطورية العرب، تحقيق: خيري حماد، (لبنان- 1387ﻫ/1966م).
(ح)
•حبوش: طاهر جليل.
22.العصر العباسي اوائل العرب عبرالعصور والحقب، دار الكتب والوثائق، (بغداد- 1411ﻫ/1991م).
•الحسني: هاشم معروف.
23.سيرة الائمة الاثني عشر (علیهم السلام)، دار التعارف للمطبوعات، (بيروت- بلا).
•حسن: حسن عباس.
24.الفكر السياسي الشيعي الاصول والمباديء، الدار العلمية للطباعة والنشر، (بغداد- 1409ﻫ/1988م).
•حسن: علي ابراهيم.
25.التاريخ الاسلامي العام - الجاهلية، الدولة العربية، الدولة العباسية، مكتبة الانجلو، ط2، (مصر- 1380ﻫ/1959م).
•الحر العاملي: محمد عبدالحسين.
26.سيرة المعصومين، المطبعة العلمية، (قم- بلا).
•الحكيم: حسن عيسى.
27.محاضرات في التاريخ العباسي، كلية الفقة، (النجف- 1401ﻫ/1980م).
•الحنفي: ابي محمد بن عثمان بن عبد الله بن الحسن.
28.الفرق المتفرقة بين الزيغ والزندقة، تحقيق: فوتلو أي، مطبعة نور، (انقرة- 1381ﻫ/1961م).
•الحمويني: ابراهيم بن محمد بن مؤيد.
ص: 190
29.فرائد السمطين في فضائل المرتضى والبتول، تحقيق محمد مهدي الاصفي، مطبعة النعمان، (النجف-1420ﻫ/2000م).
(خ)
•الخزار: علي بن محمد.
30.كفاية الاثر في النصوص على الائمة الاثني عشر، دار الطباعة، (طهران- 1305ﻫ/1885م).
•الخضري: محمد.
31.محاضرات تاريخ الامم الاسلامية (الدول العباسية)، المكتبة التجارية الكبرى، (مصر- 1391ﻫ/1970م).
•الخولي: امين.
32.المجددون في الاسلام، دار المعرفة، (القاهرة- 1385ﻫ/1965م).
•الخوئي: ابو القاسم الموسوي.
33.معجم رجال الحديث، مكتبة الآداب، (النجف- 1397ﻫ/1977م).
34.البيان في تفسير القرآن، لجنة التاليف في دار التوحيد، (الكويت- 1389ﻫ/1979م).
(د)
•الدجيلي: عبد الصاحب عمران.
35.ديوان دعبل بن علي الخزاعي، دار الكتاب اللبناني، ط2، (1393ﻫ/1972م).
36.اعلام العرب، مطبعة النعمان، ط2، (النجف- 1386ﻫ/1966م).
(ذ)
•الذهبي: عباس.
37.الإمام الرضا (صلی الله علیه و آله و سلم) سيره وتاريخ، اصدار مركز الرسالة، (قم-
ص: 191
1422ﻫ/2003م).
(ر)
•الربيعي: عبد العظيم عطر الله.
38.38- وفاة الإمام الرضا (صلی الله علیه و آله و سلم)، تحقيق: هادي الهلالي، مطبعة الشريعت، (قم- 1421ﻫ/2000م).
•رفاعي: احمد فريد.
39.39- عصر المامون، مطبعة دار الكتب المصرية، (القاهرة-1346ﻫ/1928).
(ز)
•الريشهري: محمد.
40.أهل البيت (صلی الله علیه و آله و سلم) في الكتاب والسنة، مركز بحوث دار الحديث، ط2، (قم- بلا).
•الزبن: محمد حسين.
41.الشيعة في التاريخ، مطبعة العرفان، ط2، (صيدا- 1359ﻫ/1938م).
•الزركلي: خير الدين.
42.الاعلام، (مصر- 1375ﻫ/1955م).
•الزنجاني: ابراهيم الموسوي.
43.عقايد الإمامية الاثني عشر، مطبعة الآداب، (النجف- 1387ﻫ/1967م).
44.كشكول الزنجاني، منشورات الاعلمي، (بيروت- 1399ﻫ/1979م).
•ابو زهرة: محمد.
45.45- الإمام الصادق (حياته، عصره، اراؤه الفقهية)، دار الثقافة العربي للطباعة، (القاهرة- بلا).
•زيدان: جرجي (ت1332ﻫ/1914م).
46.46- تاريخ التمدن الاسلامي، مطبعة الهلال، ط2، (مصر-
ص: 192
1365ﻫ/1944م).
(س)
•السبزواري: عبد الاعلى الموسوي.
47.47- مواهب الرحمن، مطبعة الآداب، (النجف- 1404ﻫ/1984م).
•سيد امير: علي.
48.مختصر تاريخ العرب والتمدن الاسلامي، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر، (القاهرة-1359ﻫ/1938م).
49.روح الاسلام، تعريب عمر الديراوي، دار العلم للملايين، (بيروت- 1381ﻫ/1961م).
•السيد: امين علي.
50.في علم النحو، دار المعارف، ط3، (مصر- 1396ﻫ/1975م).
(ش)
•الشبراوي: عبد الله بن محمد الشافعي.
51.الاتحاق بحب الاشراف، مطبعة مصطفى البابي، (مصر-بلا).
•شبلي: احمد.
52.التاريخ الاسلامي والحضارة الاسلامية، مكتبة النهضة، (مصر-1381ﻫ/1960م).
•الشيبي: كامل مصطفى.
53.الصلة بين التصوف والتشيع، مطبعة الزهراء، (بغداد- 1382ﻫ/1963م).
(ص)
•الصالح: صبحي.
54.علوم الحديث مصطلحة، المكتبة الحيدرية، (قم- 1417ﻫ/1997م).
ص: 193
•الصباغ: محمد.
55.الحديث النبوي مصطلحة بلاغته، علوم، كتبه، منشورات المكتب الاسلامي، (بيروت- 1392ﻫ/1972م).
•صبحي: احمد محمود.
56.نظرية الإمام لدى الائمة الاثنى عشر، دار المعارف للنشر، (مصر- 1389ﻫ/1969م).
•صفوت: احمد زكي.
57.حجهرة رسائل العرب في العصور العربية الزاهرة ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، (مصر- 1356ﻫ/1937م).
(ض)
•ضيف: شوقي.
58.العصر العباسي الاول، دار المعارف، ط14، (القاهرة- 1414ﻫ/1994م).
(ط)
•الطالقاني: محمد حسين.
59.ولادة الإمام علي بن موسى الرضا (صلی الله علیه و آله و سلم)، منشورات دار المعارف، (النجف- 1387ﻫ/1967م).
•الطباطبائي: محمد حسين.
60.الميزان في تفسير القرآن، منشورات الاعلمي، (بيرون- 1390ﻫ/1971م).
(ع)
•العاملي: جعفر مرتضى.
61.الحياة السياسية للامام الرضا (صلی الله علیه و آله و سلم) دراسة وتحليل، مؤسسة النشر الاسلامي، (قم- 1416ﻫ/1996م).
ص: 194
•العاملي: محسن عبد الكريم الامين (ت1379ﻫ/1951م).
62.اعيان الشيعة، مطبعة ابن زيدون، (دمشق-1358ﻫ/1939م).
•عبد الرزاق: مصطفى.
63.تمهيد لتاريخ الفلسفة الاسلامية، لجنة التأليف والترجمة والنشر، (القاهرة- 1379ﻫ/1959م).
•العروسي: حسن جلال.
64.الموسوعة العربية الميسرة، تحقيق: محمد شفيق غربال آخرون، دار النهضة للطباعة والنشر، (بيروت-1407ﻫ/1987م).
•عرفيان: غلام رضا.
65.الثقات في اسانيد كامل الزيارات، مطبعة النعمان، (النجف-1385ﻫ/1962م).
•العطاردي: عزيز الله.
66.مسند الإمام علي بن موسى الرضا ابي الحسن، مكتبة الصدوق، (طهران- 1392ﻫ/1908م).
• عمارة: محمد.
67.المعتزلة والثورة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، (بيروت-1398ﻫ/1977م).
(غ)
•الغرابي: علي مصطفى.
68.تاريخ الفرق الاسلامية ونشأة علم الكلام عند المسلمين، مطبعة كمال صبيح، (مصر، 1378ﻫ/1958م).
(ف)
•فضل الله: محمد جواد.
ص: 195
69.الإمام الرضا (صلی الله علیه و آله و سلم) تاريخ ودراسة، دار الزهراء، (بيروت-1393ﻫ/1973م).
•فوزي: عمر.
70.تاريخ العراق في عصر الخلافة العربية الاسلامية، دار الحكمة، (بغداد- 1409ﻫ/1986م).
(ق)
•القرشي: باقر شريف.
71.حياة الإمام علي بن موسى الرضا (صلی الله علیه و آله و سلم) دراسة وتحليل، منشورات سعيد بن جبير، ط2، (قم- 1380ﻫ/1960م).
72.حياة الإمام الجواد (صلی الله علیه و آله و سلم)، مطبعة النعمان، (النجف-1400ﻫ/1980م).
73.حياة الإمام موسى بن جعفر (صلی الله علیه و آله و سلم)، دار التعارف، (بيروت-بلا).
74.حياة الإمام الباقر (صلی الله علیه و آله و سلم)، مطبعة القضاء، (النجف- 1398ﻫ/1978م).
•القطيفي: احمد بن صالح.
75.وفاة الإمام الرضا (صلی الله علیه و آله و سلم)، المكتبة الحيدرية، (النجف-بلا).
•القمي: عباس محمد رضا.
76.الكنى والالقاب، المطبعة الحيدرية، ط3، (النجف- 1389ﻫ/1969م).
77.سفينة البحار، المطبعة العلمية، (النجف- 1355ﻫ/1934م).
•الكاشاني: محمد بن الحسن بن المرتضى.
78.معادن الحكمة، مكتبة الصدوق، (طهران- 1388ﻫ/1967م).
•كرد علي: محمد (ت1373ﻫ/1953م).
79.الادارة الاسلامية عز العرب، مطبعة مصر، (القاهرة- 1355ﻫ/1934م).
(ل)
•لجنة التأليف
ص: 196
80.اعلام الهداية (الإمام علي بن موسى الرضا (صلی الله علیه و آله و سلم)، المجمع العالمي لاهل البيت، (قم- 1422ﻫ/2003م).
•الليثي: سميرة مختار.
81.الزندقة والشعوبية وانتصار الاسلام والعروبة عليها، المطبعة الفنية الحديثة، (مصر- 1390ﻫ/1968م).
82.جهاد الشيعة في العصر العباسي الاول، دار الجيل، (بيروت-1398ﻫ/1978م).
(م)
•ماجد: عبد المنعم.
83.العصر العباسي الاول، مطبعة المعرفة، ط3، (القاهرة-1405ﻫ/1984م).
•المامقاني: عبد الله بن محمد حسن (ت1351ﻫ/1931م).
84.تنقيح المقال في احوال الرجال، المطبعة المرتضوية، (النجف-1350ﻫ/1931م).
85.مرأة الكمال لمن رام درك مصالح الاعمال، تحقيق، محمد محي الدين المامقاني، مطبعة نكاش، (قم-1404ﻫ/1984م).
•محفوظ: حسين علي.
86.تاريخ الشيعة، مطبعة النجاح، (بغداد-1378ﻫ/1957م).
•مرعشي: اسامة.
87.الصحاح، تقديم عبد الله العلايلي، دار الحضارة العربية، (بيروت-1394ﻫ/1957م).
•المستنبط: احمد رضي الدين الموسوي.
88.القطرة من بحار مناقب النبي والعترة، مطبعة النجف، (النجف-1374ﻫ/1953م).
ص: 197
•مصطفى ابراهيم وآخرون.
89.المعجم الوسيط، تحقيق عبد السلام هارون، مطبعة السعادة، (مصر-1381ﻫ/1961م).
•مصطفى: شاكر.
90.المدن في الاسلام حتى العصر العثماني، (بغداد-1408ﻫ/1988م).
91.في التاريخ العباسي، (دمشق-1377ﻫ/1957م).
•المظفر: محمد حسين.
92.تاريخ الشيعة، دار الزهراء للطباعة والنشر والتوزيع، (بيروت-1399ﻫ/1979م).
•المظفر: محمد رضا.
93.أصول الفقه، منتدى النشر، دار النعمان، (النجف-1390ﻫ/1971م).
•معرفة: محمد هادي.
94.التفسير والمفسرون، منشورات الجامعة الرضوية للعلوم الاسلامية، (طهران- 1418ﻫ/1998م).
•مغنية: احمد.
95.امامان موسى الكاظم وعلي الرضا (صلی الله علیه و آله و سلم) عرض وايضاح، منشورات المكتبة الحيدرية، (النجف-بلا).
•مغنية: محمد جواد.
96.الشيعة والحاكمون، منشورات المكتبة الاهلية، (بيروت-1381ﻫ/1961م).
•المقرم: عبد الرزاق الموسوي.
97.وفاة الإمام الرضا (صلی الله علیه و آله و سلم)، منشورات المطبعة الحيدرية، (النجف-1370ﻫ/1951م).
•الموسوي: هاشم.
98.سيرة الإمام علي بن موسى الرضا (صلی الله علیه و آله و سلم)، مطبعة فجر الاسلام،
ص: 198
(طهران- 1424ﻫ/2003م).
(ن)
•الناصري: رياض محمد حبيب.
99.الواقفية دراسة وتحليل، المؤتمر العالمي للامام الرضا (صلی الله علیه و آله و سلم) (مشهد-1409ﻫ/1988م).
•النبهاني: يوسف بن إسماعيل (كان حياً سنة 1320ﻫ/1902م).
100.جامع كرامات الاولياء، مكتبة مصطفى البابي الحلبي، (مصر-1381ﻫ/1961م).
•النمر: عبد المنعم احمد.
101.علم الفقة، سلسلة احياء التراث الاسلامي، (بغداد-1411ﻫ/1990م).
(ﻫ)
•الهمداني: ملا رضا.
102.الدر النظيم، تحقيق ميرزا علي اكبر، (طهران-بلا).
• هدارة: محمد مصطفى.
103.المامون الخليفة العالم، الدار المصرية، للتاليف والترجمة، (مصر-بلا).
(و)
•وول ديوارنت.
104.قصة الحضارة، ترجمة محمد بدران، لجنة التاليف والترجمة والنشر، (مصر-بلا).
•ابن الوردي: زين العابدين عمر.
105.تاريخ ابن الوردي، (مطبعة بلا).
(ي)
ص: 199
•الياسري: حسن طاهر.
106.ولاية العهد للامام الرضا (صلی الله علیه و آله و سلم) دراسة وتحليل، دار المرتضى، (بيروت- 1425ﻫ/2005م).
•اليوسف: عبد القادر احمد.
107.الإمام علي الرضا (صلی الله علیه و آله و سلم) ولي عهد المأمون، مطبعة المعارف، (بغداد- بلا).
•داود: نبيلة عبد المنعم.
1.نشاة الشيعة الإمامية، رسالة ماجستير في التاريخ الاسلامي، كلية الآداب، جامعة بغداد، مطبعة الارشاد، (بغداد-1389ﻫ/1968م).
• الشكرجي: نعيمة عبد الكريم.
2.ثورة ابي السرايا، رسالة ماجستير، كلية الآداب، جامعة بغداد، (بغداد- 1392ﻫ/1971م).
• الكيدار: حيدر محمد حسن عباس.
3.الإمام الصادق وأثر في فقهاء عصره، رسالة ماجستير، كلية الآداب، جامعة الكوفة، (النجف- 1411ﻫ/1991م).
• الغراوي: محمد عبد الحسن محسن.
4.مصادر الاستنباط بين الاصوليين والاخباريين، رسالة ماجستير، كلية الفقه، (جامعة الكوفة-1409ﻫ/1989م).
• الاسدي: كريم مرزه.
1.تاريخ مرقد الإمام علي (صلی الله علیه و آله و سلم) الاحوال المبكرة للنجف الاشرف اسهامات في الحضارة الانسانية، وقائع الندوة العلمية التي عقدها مركز كربلاء للبحوث والدراسات، (لندن-17- 18 تموز/1999م).
ص: 200
•فضل الله: محمد حسين.
2.وفاة الإمام الرضا (صلی الله علیه و آله و سلم)، مقالة منشورة في مجلة، بيانات العدد الرابع، بيروت- 2004م.
•دفتر: ناهض عبدالرزاق.
3.نقود الإمام علي الرضا (صلی الله علیه و آله و سلم) في عهد الخليفة المأمون، مجلة، ينابيع، النجف، العدد الثاني، محرم، 1425ﻫ-2004م.
1.Hayder Rezazabeth, Land Marks of Mashhad, Islamic Rrsarch Foundafion, Astamquds Razani, Mashhad- IRAN, 1999.
2.Mahmaud mahuwan and M. Ali, Iman Daust, IMAM REZCA (A.S.) AND History of the Holy SHRONI, Mahwan Geagphical Instiute and publications, Tehran, 1997.
ص: 201
الموضوع - رقم الصفحة
الإهداء ............................................7
شكر وتقدير .......................................9 - 10
المختصرات المستخدمة في الكتاب ...................11
المقدمة - نطاق البحث وتحليل المصادر ..............13 - 21
الفصل الاول: سيرة الإمام الرضا (علیه السلام) .............23 - 75
الفصل الثاني: الإمام الرضا (علیه السلام) وولاية العهد .....77 - 127
الفصل الثالث: التطورات في الدولة العربية الاسلامية بعد ولاية العهد .....................129 - 160
الخاتمة ..............................................161 - 165
الملاحق .............................................167 - 184
قائمة المصادر والمراجع ..............................185 - 214
المحتويات ...........................................215
ص: 202