تاريخ مصر ليوحنا النقيوسى
«رؤية قبطية للفتح الإسلامي»
ترجمة و دراسة تاريخية ولغوية
د. عمر صابر أحمد عبد الجليل
استاذ علم اللغات السامية المقارن
بكلية الآداب - جامعة القاهرة
طبعة سنة 2003م
عين للدراسات والبحوث الانسانية والاجتماعية
EIN FOR HUMAN AND SOCIAL STUDIES
المشرف العام : دکتور قاسم عبده قاسم
حقوق النشر محفوظة*
الناشر: عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية
شارع ترعة المريوطية - الهرم - ج م.ع تليفون وفاكس 2871692
Pubusker:EIN FOR HUMAN AND SOCIAL STUDIES
5maryoutis St , Elkaram - AR.E. E-mail : dar El@hotmail.com
Tel : 3871693
جمعية خيرية رقمية: مركز خدمة مدرسة إصفهان
المحّرر: سید عبداللّٰه رضوي
ص: 1
المشرف العام : دکتور قاسم عبده قاسم
حقوق النشر محفوظة*
الناشر: عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية
شارع ترعة المريوطية - الهرم - ج م.ع تليفون وفاكس 2871692
Pubusker:EIN FOR HUMAN AND SOCIAL STUDIES
5maryoutis St , Elkaram - AR.E. E-mail : dar El@hotmail.com
Tel : 3871693
ص: 2
بسم الله الرحمن الرحیم
كان دخول عمرو بن العاص مصر فاتحا تحت راية الإسلام بداية حقبة جديدة وهامة في تاريخ مصر الذي يمتد عبر آلاف السنين : فقد تعربت مصر بعد أن أسلمت ، ولم تلبث أن تحولت من مجرد ولاية تابعة للدولة العربية الإسلامية (سواء في عهد الخلفاء الراشدين ، أو في عصر الخلافة الأموية ثم الخلافة العباسية) إلى أن صارت مرکزا من مراكز الحضارة العربية الإسلامية بعد بناء القاهرة وقيام الخلافة الفاطمية . بعد ذلك صارت مصر مركز العالم الإسلامي و المعقل الأخير للحضارة العربية الإسلامية طول عمر الأيوبيين و سلاطين المماليك.
لقد كان الفتح الإسلامي لمصر فارقا بين حقبة في تاريخ مصر بدأت بتاريخ مصر القديم تحت حكم الملوك الفراعنة وانتهت بالحكم البيزنطي الذي أزاحه الفتح الإسلامي. ونظرا لأهمية هذا الحادث الذي جرى منذ أربعة عشر قرنا من الزمان ، والذي ما تزال المناقشات تدور من حوله حتى الآن، فإن ظهور کتاب بوحنا النتیوسی یکتسی شرعیة علمية متجددة، كما أنه يتألق في ترجمة عربية دقیقة في ضوابطها ومعاييرها العلمية الصارمة لأول مرة. ومن الأمور المثيرة للدهشة والأسى في آن معًا أن الترجمة العربية لكتاب بوحنا النقيوسي تأخرت كل هذا الوقت، على حين ظهرت ترجمتان إحداهما فرنسية والأخرى إنجليزية منذ زمن طويل.
تبدو أهمية كتاب يوحنا النقيوسي من خلال حقیقة أنه يحمل وجهة نظر مسيحية معاصرة في الفتح الإسلامي لمصر، و ما تلاه من أحداث. و بغض النظر عن الروايات التاريخية القديمة عن مصر في هذا الكتاب ، وما تحمله من روائع الأسطورة وبصماتها، فإن القيمة التاريخية العظمى لهذا الكتاب تتمثل في الروايات التاريخية عن الفتح الإسلامي و ما أعقبه من أحداث تاريخية. وقد ساعدت رواية هذا الأسقف على توضيح الكثير من الجوانب الغامضة في تاريخ تلك الفترة .
ص: 3
وقد قام الدكتور عمر صابر بترجمة نص مخطوطة يوحنا النقيوسى من النص الحبشي مباشرة ، و قام بعمل علمي مدهش من حيث الترجمة و التحقيق اللغوى من ناحية، و تحقيق الأحداث التاريخية من ناحية أخرى. وتدل هوامش الكتاب على ما بذله الدكتور عمر صابر من جهد لتوضيح ما غمض من مخطوط يوحنا النقيوسي و تقديمه في هذه الصورة العلمية الرائعة.
و قد كان من دواعي سروري أن أسهمت بقدر في الإعداد لهذا الكتاب الهام، عندما كان ما يزال مشروعاً لم ير النور بعد، وقد أسهمت في الجوانب التاريخية بالرأي والمشورة ولكن الجهد الأكبر كان للدكتور عمر صابر الذي كان مثالاً للباحث المدقق الواعي والواعد. وهانحن بعد عدة سنوات من ظهور الدراسة الأكاديمية نقدمه للقراء والباحثين، وقد صار صاحبه أستاذاً مرموقا من أساتذة علم اللغات المقارن في العالم العربي.
إن مصدر السعادة والفخر يتمثل في تقديم دار عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية مصدرا هاما من مصادر تاريخ أمتنا العريقة بعد أن ظل حبيساً لسنوات طويلة في المخطوطة الحبشية ، أو في الترجمتين الانجليزية والفرنسية.
والله الموفق والمستعان
دکتور قاسم عبده قاسم
ص: 4
بسم الله الرحمن الرحیم
في حياة الأمم أحداث هامة هي بمثابة وقفات ، ربما تغير بعدها شكل أمة ماتغيرا كبيرا أو صغيرا حسب تأثير هذه الأحداث عليها . ومن أهم الأحداث التي مرت في حياة الأمة المصرية وكانت ذات تأثير كبير على حياة أفرادها و نقطة تحول هامة في تاريخها - أحداث الفتح العربي في القرن السابع الميلادي . و هنا تبدو أهمية مخطوطة يوحنا النقیوسی موضوع الدراسة ، تلك التي ترجمت إلى الحبشية في القرن السابع عشر الميلادي عن العربية ، وقد کتب بوحنا النقیوسی مخطوطته في النصف الثاني من القرن السابع الميلادي أو مستهل القرن الثامن الميلادی تقریبا بلغة بحاول هذا البحث أن يحددها ، لأن النص الذي كتبه مفتود وغير معلوم تاریخ کتابته . ويذكر المترجم الحبشي أنه نقل هذه الترجمة عن العربية ، ولم يضف الى هذا ما يلقي الضوء على النص العربي المفقود .
و قد اختلف الباحثون في تحديد لغة النص الأصلي فذهب فريق منهم الى القول بأنها اليونانية ، و یری فریق ثان إنها القبطية ، و ذهب فریق ثالث إلى القول بأن يوحنا النقریسی كتب مايتعلق بمصر بالقبطية و ما يتعلق بأحداث العالم خارج مصر باليونانية . و على الرغم من أن أيا من الباحثين لم یشر الى إحتمال أن يكون النص العربى الناقل عنه المترجم الحبشي هو النص الأصلي ، فانه بعد بيان الصلات العربية المصرية على مر التاريخ من ناحية ، و بيان صور من التأثيرات العربية على النص الحبشي من ناحية ثانية ، يبدو احتمال : أن يكون النص العربى الناقل عنه المترجم الحبشي هو النص الأصلي، أكثر ترجیعا من الاحتمالات السابقة (1).
و مخطوطة يوحنا النقيوسي من أهم المصادر التاريخية التي تناولت ، في جزء منها . الحديث عن فتع العرب مصر ، فهي أولا من أقدم المصادر التي تناولت هذا الموضوع وساعدت، كما يقول بعض المستشرقين ، على حل بعض الألغاز التي اكتنفت هذا الحدث
ص: 5
الهام ، و من بينها تحديد شخصية المقوقس التي ظلت زمنا طويلا غامضة ومبهمة. فقد عاصر يوحنا النقيوسي أحداث الفتح العربي وكان شاهد عيان لها و أول من أرخ لها ، هذا فضلا عن اهتمامه بتفاصيل كثير من الأحداث التي لم يوردها غيره من المؤرخين ، غير أن روايته في هذا الصدد شابها بعض القصور ، إذ ينقصها الحديث عن الأخبار الأولى للفتح العربي والخلط الكبير في ذكر أخبار آخر فترة الفتح العربي ما أخل بسياق الرواية التاريخية ، فضلا عن الاضطراب في ذكر الأحداث وأسماء الأعلام والأماكن الجغرافية . ومخطوطة يوحنا النقیوسی على الرغم مما يشوبها ، ذات أهمية كبيرة لمن يريد الكتابة عن هذه الفترة الهامة من فترات التاريخ المصري ، إذ بدون الرجوع اليها یصير الكلام عن هذه الفترة ناقصا ، حتى أن "بتلر" في مؤلفه عن الفتح العربي لمصر یشیر صراحة الى مخطوطة يوحنا النقيوسي بقوله : " والحق أنه لم يكن في الإمكان أن یکتب تاريخ الفتح العربي لمصر لولا أن عثرت البعثة البريطانية إلى بلاد الحبشة على نسخة مخطوطة من كتاب یوحنا (1). وتعتبر المخطوطة وثيقه قیمه احتفظت لنا ببعض التقاليد المحلية حول تاريخ مصر القديم بما شاع فیه من أساطير تتصل بفراعنة المصريين وآلهتهم (2). وتبدو أهمية مخطوطة يوحنا النقیوسی كذلك في إشاراتها الأحداث هامة قد أهملتها المراجع البيزنطية مثل الصراع بين قوات فوکاس وقوات هرقل للسيطرة على السلطة في الامبراطورية الرومانية الشرقية ، ذلك الصراع الذي دارت معارکه الهامة والحاسمة في مصر ، وهي كذلك ذات أهمية كبيرة لجغرافية مصر القديمة ، من حيث إيرادها لكثير من أسماء البلدان المصرية ، سواء التي اندثرت منها وتلاشت تماما أو تلك التي تغيرت أسماوءها مع ذكر أخبار هذه البلدان ، ومنها يتضح الدور الذي لعبته نی مجری تاریخها ،فالمخطوطة بذلك تعد بمثابة الرشد لمن يريد التحري عن أصل مدينة من المدن أو البحث عن تاريخها .
و لهذه الأسباب السابقة صارت مخطوطة يوحنا النقیوسی ذات أهمية ملحوظة تسترعي الانتباه وتستحق الدراسة ، الأمر الذي دفعني إلى الاضطلاع بعمل ترجمة عربية للنص الحبشي، و هو النص الموجود عن مخطوطة يوحنا النقیوسی.
ص: 6
وقد نشر فقرات ملخصة من النص الحبشي لأول مرة مع ترجمة فرنسيه لها العالم روتنبرج في المجلة الآسيوية سنوات 1877م ، 1878م ، 1879م (1)، ثم قام زوتنبرج أيضا بنشر النص الحبشي كاملا مع ترجمة فرنسية له سنة 1883م (2)، وجاء بعده العالم تشارلز وترجم (2) نص زوتنبرج المنشور الى اللغة الانجليزية سنة 1916م (3)، ثم جاء كامل صالح نخله وترجم الى الع-رب-ي-ة مختارات من تاريخ يوحنا النقيوسى نقلا عن الترجمة الفرنسية التي قام بها زوتنبرج(4).
هناك مخطوطتان اثيوبيتان لتاريخ النقیوسي امكنني الحصول على صور لهما الأولى و يرمز اليها بالرمز (أ) موجودة ضمن كتالوج زوتنبرج للمخطوطات الاثيوبية في المكتبة الأهلية الفرنسية تحت رقم 146 ، وقد كتبت هذه المخطوطات على الرق ، ومساحة الورقة فيها 396+368مم ، وتبدأ مخطوطة يوحنا النقيوسي من الورقة رقم 62 إلى الورقة رقم 138 وترقيم لوحات هذه المخطوطة من فعل الناشر أو المكتبة ، إذ لم ترد أرقام في المخطوطة نفسها. وتحتوى كل ورقة على صفحتين ، وكل صفحة على ثلاثة أعمدة ، ويتكون كل عمود من اثنين وثلاثين سطرا . وقد وضع رقم الورقة أعلى الصفحة الثانية مكتوبا بالطريقة الافرنجية ، ولم يشر إلى كل صفحة على حدة بأية علامة . ويذكر زوتنبرج أن هذه المخطوطة ترجع إلى القرن السابع عشر الميلادي (5)
ص: 7
والمخطوطة الثانية و يرمز إليها بالرمز (ب) و هي ضمن مجموعة من المخطوطات الاثيوبية تحت رقم 818 شرقي في المتحف البريطاني (391 (أ) في كتالوج رايت للمخطوطات الأثيوبية في المتحف البريطاني ، و قد كتبت على الرق أيضا ، و مساحة الورقة 325+372مم، و تحوي هذه المجموعة 191 ورقة مكونة من صفحتين ، و كل صفحة تحتوي على ثلاثة أعمدة ، كل عمود يتكون من ستة و ثلاثين سطرا ، و قد وضع رقم الورقة أعلى الصفحة الثانية (ب) مكتوبا بالطريقة الافرنجية ، ولم ترد أرقام حبشية على الأوراق في المخطوطتين ، وتبدأ مخطوطة يوحنا النقيوسي من ورقة رقم 48 (أ) وتنتهي في ورقة رقم 102 (ب) . وقد كتبت هذه المخطوطة بطريقة جيدة ، وهي تعود إلى القرن الثامن عشر الميلادي (1).
وهناك مخطوطة ثالثة لتاريخ يوحنا النقیوسی ، لم أتمكن من الحصول على صورة لها ، ولم يتمكن كذلك زوتنبرج وتشارلز من الحصول عليها أو على صورة لها ، وهي ضمن كتالوج أنطون العبادي للمخطوطات الأثيوبية (2).
وقد استهل يوحنا النقیوسی مخطوطته بمقدمة تبعها بفهرست موضوعاته ، و یتضح من الفهرست أن المؤلف لم يترك فرصة بتكلم فيها عن مصر إلا انتهزها و أفرد لها مكانا في مخطوطته ، غير أن المخطوطة بصفة عامة في التاريخ العام . بدأها یوحنا النقيوسي كما تبدأ كتب التاريخ العام بالحديث عن آدم و حواء و ابنائهما ، ثم بالحديث عن بعض مظاهر الطبيعة من کواکب و قمر و غيرهما ، ثم التعرض بالحديث عن بدايات الأشياء و عمن بدأوها مثل أوّل من صنع أسلحة الحرب أو أول من تزوج امرأتين أو أول من اتخذ أمه زوجة له أو أول من بنی مدينة معينة أو أول من زرع الأرض وما شابه ذلك . ولم يترك في ذلك أية فرصة يتحدث فيها عن شيء يتعلق بمصر إلا استغلها ، ثم الحديث عن المصريين القدماء والاغريق وعباداتهم وأعمالهم حتى يصل إلى الحديث عن العبريين وخروجهم من مصر بقيادة موسی علیه السلام ، ثم الحديث عن بعض انبیاء بني إسرائيل ثم الحديث عن الفرس و الروم إلى أن يصل إلى الحديث عن مولد المسيح عليه السلام و ظهور المسيحية و بيان مالاقته من اضطهاد على أيدي الملوك الرومان قبل تنصرهم واعترافهم بالمسیحية كدين رسمي للدولة الرومانية . ثم يركز المؤلف في
ص: 8
الحديث عن الامبراطورية الرومانية الشرقية (البيزنطية) و عن ملوكها و بصفة خاصة عن الأحداث التي تتصل بمصر و بأهلها حتى وصل إلى الحديث عن الفتح الإسلامي لمصر ،ثم خاتمة من صاحب الترجمة الحبشية يشير فيها إلى ما دعاه الى ترجمة النص و إلى وقت الترجمة . و قد بلغ مجموع أبواب المخطوطة مائة و اثنين و عشرين بابا غير خاتمة المترجم .
و يتضمن النص بعد الفهرست مقدمة يبدأ بعدها النص في الحديث تفصيليا عن محتویات الأبواب المذكورة آنفا في الفهرست ، بيد أنه يلاحظ أن ثمة اضطرابا بين عناوين الأبواب في الفهرست وبين المحتويات التفصيلية لهذه الأبواب :
أولا : إشارات الفهرست للأبواب لاتسير على نسق منتظم مع المحتويات التفصيلية لهذه الأبواب ، ويبدو ذلك من الباب 65 في الفهرست نجده يقابل ، من حيث المحتوى التفصیلی ، الباب 66، ويستمر عدم النظام هكذا حتى الباب 117 في الفهرست نجده يقابل الباب 118 من حيث المحتوى التفصيلي لهذا الباب .
ثانيا : ليست هناك إشارات في الفهرست للمحتويات التفصيلية لكل من الباب 65 و الباب 119.
ثالثا : إشارة الباب 119 في الفهرست ليس لها مقابل في المحتوى التفصيلي لهذا الباب.
رابعا : عدم دقة الفهرست في الإشارة إلى محتويات الأبواب التفصيلية .
وقد اتخذت المخطوطة (ب) الموجودة في المتحف البريطاني أساسا في البحث نظرا لأنها كتبت بطريقة جيدة واضحة واستعنت بالنسخة (ا) لاستجلاء غامض أو التثبت والمقارنة و أنا بصدد الترجمة أو الدراسة اللغوية .
و يتكون عدد السطور في الأعمدة بصفة عامة من اثنين وثلاثين سطرا ، إلا في حالتين فقط كان عدد السطور فيهما خمسة وثلاثين سطرا في العمود و ذلك في :
ق 105/ص ب. (1)
ص: 9
ولاحظت أن هناک بعض الحروف والکلمات سقطت سهواً من الناسخ ولم یشر الیها، وفیما یلی أمثلة لهذا:
کلمات : (...)(...)
ق75 /ص أ/ع1/ س18
کلمه:(...)
ق73/ص أ /ع 3 / س27
حرف (...) من کلمه :(...)
ق115/ص أ /ع3 /س 6
واحيانا ترد كلمات او حروف غیر واضحه وقد تمکنت من معرفتها بمقابلتها بنظائرهاالمخوطه (ب) وفیما یلی امثله لهذا :
فقره :
ق67/ص ب /ع1 /س 23 س32
کلمه:(...)
ق77/ص ب /ع 3 /س 22 س23
حرف :(...) من کلمه :(...)
ق69/ص ا/ع 3 /س 22 س23
وأحيانا كان الناسخ يكرر بعض الكلمات أو الحروف سهوا وبيان ذلك كالآتي : ترد كلمتا :(...)
ق 87 / ص أ / ع 3 / س 8 ، س 9 .
(...)هكذا :(...)
ق 88 / ص ب / ع 1 / س 26 س 27
ویرد حرف : (...) من كلمة :(...) هكذا : (...)
ق 109 / ص أ / ع2 / س6 ، س 7 .
ص: 10
وأحيانا كان الناسخ ینسی كتابة كلمة أو بعض كلمات في مكانها الصحيح فيضطر إلى کتابتها فوق الأعمدة ، وغالبا ما كان يشير إلى هذا برمز فوق المكان الصحيح ومثال ذلك في:
ق 86 ص ب / 3ع ، ق 116/ ص أ /ع 1 أما عن طريقة الناسخ حين بدرك أنه أخطأ ويريد تصويب هذا الخطأ ، فكان يضع خطين افقين أحدهما فرق الحرف أو الكلمة الخطأ والآخر من اسفل ، وهذا دلالة على حذف مابين الخطين ، ومثال ذلك كما يلي : حرف(...) من كلمة : (...)
ق 112/ ص أ / 2ع/ س 16
و (...) من كلمة : (...)
ق 119/ ص ب / ع1 / س8
و (...) من كلمة : (...)
ق125/ ص ب ع3/ س14
وكلمة :(...)
ق 135/ ص ب /ع3 / 11
وأحيانا يكتب الناسخ الحرف الذي أغفله برسم صغير فوق موضعه مثل : حرف (...) من كلمة : (...)
ق 122/ ص ب /ع 1 / س9 )
و(...) من كلمة :(...)
ق138/ ص ا/ع2/ س2
و(...) من كلمة : (...)
ق 138/ ص ب/3ع / س8 .س9
وأحيانا يكتب الناسخ كلمات ، أغفل كتابتها فوق موضعها ، فوق الأعمدة ویشير إلى ذلك بعلامة +في المكان الصحيع مثل : ق 116/ ص أ /ع 1/ س30 ، ق 116 ص ب/ ا ع2 / س 6
ص: 11
عدد سطور العمود ، بصفة عامة ، ستة وثلاثون سطرا ، إلا في حالات قليلة ، فقد یتکون كل عمود من أعمدة الصفحة الثلاثة من سبعة وثلاثين سطرا كما في : ق 59/ ص ب ق 60/ ص أ
وأحيانا يحتوی کل عمود من أعمدة الصفحة الثلاثة على خمسة وثلاثين سطرا مثل :
ق 82/ ص ب . ق 83 / ص آ، ق 85 / ص أ
وهناك بعض الأعمدة يختلف عدد سطورها في الصفحة الواحدة مثل : ق 89/ ص اء/ع3
يحتوي على ثمانية وثلاثين سطرا . ، ق 99/ ص أ /ع 3یحتوى على اثنين وثلاثين سطرا۔ ق103/ ص ب / ع2 يحتوي على أحد عشر سطرا . ق 103/ص ب /ع3 یحتوی علی عشره سطور .
ولاحظت أن بعض كلمات أو حروف قليلة قد سقطت من الناسخ سهواً وأمثلة ذلك كلمة (...)ق 67/ ص أ /ع 1 س18.
وحرف (...)من كلمة (...)
ق84/ ص ب / ع2/ س8 - س11.
رقم الباب 118
ق99/ ص أ /ع3 / س18 .
وجدير بالملاحظة أنه لم يرد أي اختصار لأي كلمة من الكلمات إلا كلمة :(...) الباب، أحيانا اختصرت إلى : (...)كما في :- ق50/ ص أ/ع 1/ س 9، ق 51 / ص أ/ع 2 / ص7 ، س12 ، ص 27.
من الملاحظ أن هناك اضطرابا في أرقام الأبواب وفي ترتيبها بين النسختين فبينما نجد الفهرست في كلتا النسختين قد كتبت أرقامه بالحروف من الباب الأول إلى الباب السابع تجده قد بدأ الكتابة بالأرقام من الباب الثامن :
ن أ/ ق 63/ ص أ /1ع/ س 6
ن ب / ق 48 / ص أ /2ع/س25
ص: 12
بيد أن كلتا النسختين لم تسرا على نسق منتظم في هذا بعد ذلك إذ لاحظت مایلی :
أولا : من حيث الاختلاف في طريقة كتابة الأرقام ، وقد ورد هذا في مواضع منها الرقم 1 كتب بالمقابل العددي الحبشي في ن أ/ ق63/ص أ/ع1/ س12 وبالحروف في ن ب .ق48/ ص ا ع2/س 29 والرقم 100 كتب بالمقابل العددي الحبشي في ن أ /ق 71 / ص ب/ع3 س 3 .
وبالحروف في ن ب /ق 55/ ص أ /ع 1 /س28 ، س 29.
ثانيا : يلاحظ عدم الترتيب في كتابة أرقام الأبواب في الفهرست أو في التفاصيل من ناحية ، وعدم اتفاق النسختين في الإشارة الى هذه الأرقام من ناحية ثانية ، وقد ورد هذا في مواضع كثيرة منها ما يلي :
في الفهرست ،:
الرقم (...) = 18 ورد مكتوبا (...) = 67في ن ب ق 48/ص اع3 س19
الرقم (...) = 66 ورد مكتوبا (...) = 17في ن ا ق 64/ص اع3 س20
الرقم (...) = 65 ورد مكتوبا (...) = 49في ن ا ق 64/ص ب ع 2س31
في الحديث التفصيلي عن الأبواب :
الرقم (...) 19ورد مكتوبا -(...) 20 في ن أ/ ع1/ص أ/ س 27
الرقم (...) 75ورد مكتوبا -(...) 20 في ن أ/ ع1/ص أ/ س 21
و (...) 75ورد مكتوبا -(...) 62في ن أ/ ع1/ص أ/ س 15
الرقم :(...) 75ورد مكتوبا -(...) س77في كلتا النسختين :
ن أ / 81/ص ب /26/ س17 ، س18
ن ب / ق62/ ص ا ع2 س 30 س31
لقد عنيت بترجمة كل ماورد عن مصر ، سواء في تلك الأبواب التي خص المؤلف مصر بها، أو مايتصل بمصر بأية صلة في الأبواب الأخرى ، التي تعالج أحداثا أخرى في العالم ، وكما ذكرت آنفا أن المؤلف لم يترك فرصة یتحدث فيها عن مصر الا انتهزها ، ومن ثم كان مجموع ماترجمته من المخطوطة يعادل تقريبا 80٪ من النص ككل ، ثم قمت بعد ذلك بدراسة
ص: 13
تحقیقية للأحداث التي وجدت أنها في حاجة إلى تحقيق ، و قد كانت كثيرة ، ذلك لأن النص الحبشي قد اعتراه كثير من الاضطراب تارة ، والتصحيف لكثير من ألفاظه تارة ثانية ، وليس هذا بغريب على نص مترجم . وقد اعتمدت في ذلك على الرجوع إلى مصادر ومراجع تاريخية مختلفة ، لأن النص تاریخی أساسا ، و من ثم فإن ترجمته دون ضبط ماتضمنته صفحاته سیترك العمل ناقصا مشوها إلى حد كبير ، فتارة رجعت إلى مصادر عربية قديمة مثل كتب ابن البطريق ، وساویرس بن المقفع ، وغابيوس المنبجي ، وابن عبد الحكم ، والبلاذری . والشيخ المكين بن العميد ، والطبري ، والمقريزي وغيرها لأجلو الغموض عن بعض الأحداث التاريخية وخاصة القديمة منها، وتارة أخرى، والبحث بصدد تحقیق حدث تاریخی حدیث نسبيا ، اعتمدت على مراجع تاريخية حديثة عربية أو غير عربية ، وتارة ثالثة اعتمدت على کلیهما في توضيح وتحقیق حدث تاریخی معین ، وتارة رابعة اعتمدت على رواية يوحنا النقریسي نفسه .
و قدكانت اللغة الحبشية تعينني كذلك في حل كثیر من الغموض الذي یعتری بعض الألفاظ ، الأمر الذي يؤدي إلى اضطراب في سباق الرواية التاريخية ، ذلك أن كثيرا من الألفاظ ، وخاصة أسماء الأعلام والبلدان ، كان بها تصحيف لسوء نقل المترجم الحبشي عن النص العربي . وقد قمت بإثبات أسماء البلدان والأعلام كما وردت في النص حفاظا على حرفية النص ، و قد اختلفت في هذا مع كل من الترجمة الفرنسية والترجمة الانجليزية . هذا فضلا عن تحتيني لكثير من هذه الأسماء ، التي وجدت من الضروري تحقيقها ، وخاصة أسماء البلدان لاندثار كثير منها في الوقت الراهن أو لتغير أسماء بعضها .
و قد اعتمدت في هذا على مصادر و مراجع عربية و غير عربية متخصصة ، فضلا عن استخدامي للغة في الاستدلال على بعض الأسماء التي وردت مصحفة . و هناك قليل من أسماء الاعلام لم استطع التعرف عليها،إما لتصحيف في الاسم لم أدركه أو لكون الاسم علما لشخصية ثانوية في إطار حدث تاریخی معين ، إذ ترد أحيانا رواية حدث تاریخی معین في تفصيل دقيق لدرجة ورود أسماء كثيرة لأشخاص غير مشهورين من الصعوبة الاستدلال عليهم ، وأحيانا أخرى ترد رواية حدث تاریخی آخر مختصرا جدا بدرجة تخل بالسرد التاريخي وبالمعنى العام . وقد أشرت إلى مثل هذا كل في موضعه ، و هناك كذلك أسماء بلدان قليلة لم استطع التعرف عليها ، ربما لورودها مصحفة بدرجة كبيرة لم أسطع معها أن أقف على أسمائها الصحيحة ، و قد أثبت هذا في الإشارات الهامشية .
ص: 14
و قد استعنت احيانا بتعليقات كل من صاحب الترجمة الفرنسية و صاحب الترجمة الانجليزية في تفسير بعض الغموض في النص ، وهو مارجعا فيه إلى كتب المؤرخين البيزنطيين،الذين استقی بوحنا النقيوسي منهم بعض أحداث من روايته مثل يوحنا ملالاس (1)
ويوحنا الانطاکی(2) وغيرهما ، وذلك لأنني لم استطع الوقوف على مؤلفات هؤلاء المؤرخين لعدم توافرها لدي . وقد استعنت كذلك بالمقالات التي وردت في بعض الدوريات وتتعلق مخطوطة يوحنا النتیوسی ، مثل ماكتبه زوتنبرج في الجريدة الأسيوية ، وماكتبه Ed. Drouin في دورية Le Museon وغير ذلك .
و قمت كذلك بالتعريف بيوحنا النقیوسی و عصره و بيان منهج بوحنا النقيوسي في الكتابة التاريخية ، من خلال دراسة سمات الكتابة التاريخية في العصور الوسطى . ثم افردت بابا للدراسة اللغوية ، بصفة عامة على النص ، وهي ليست دراسة لغوية بكل ماتحمل من معنی، بل عنبت فيها بما يخدم ترجمتي العربية للنص الحبشی من دراسة الاحتمال أن تكون العربية هي لغة النص الأصلي ، الى دراسة مقارنة بين النسختين وضعت فيها وجود تطورات
ص: 15
صوتية بين بعض الحروف ، ثم دراسة لمخالفات النسختين التي تؤثر على دقة الترجمة ، إلى أن وصلت في نهاية هذا الباب الى بيان المخالفات بين ترجمتي العربية والترجمتين الانجليزية والعريبة عن الفرنسية السابقتين لأوضح قيمة الترجمة الحالية .
وقد قمت بتقسيم البحث الى ثلاثة أبواب وخاتمة وملحقين كالآتي :-
الباب الأول :
ويحتوى على فصلين :
الفصل الأول : يوحنا النقيوسی وعصره .
الفصل الثاني : منهج يوحنا النقيوسي في الكتابة التاريخية .
الباب الثاني :
مصر في مخطوطة بوحنا النقيبوسی .
الباب الثالث :
الدراسة اللغوية ، و نركز فيها الحديث على قضية لغة النص الأصلية .
الخاتمة :
وتوجز النتائج التي توصلت إليها الدراسة
ولایفوتني أن أنوه بالشكر والعرفان إلى أساتذة أفاضل مدوا لى يد العون العلمي ليظهر هذا العمل على هذا النحو ، وأخص منهم بالذكر المغفور له الأستاذ الدكتور عبد السميع محمد أحمد عميد كلية الألسن وعضو مجلس اللغة العربية بالقاهرة الأسبق ، والأستاذ الدكتور قاسم عبده قاسم رئيس قسم التاريخ بكلية الأداب جامعة الزقازيق ، والأستاذ الدكتور محمد خليفة حسن رئيس قسم اللغات الشرقية بكلية الآداب - جامعة القاهرة و مدير مركز الدراسات الشرقية بجامعة القاهرة ، والدكتور عبد الحق صابر أحمد استشاري الأشعة التشخيصية بمستشفى الملكة بيرمنجهام بالمملكة المتحدة .
ص: 16
و آمل أن أكون بهذا الجهد قد أصبت و ساهمت في إثراء مكتبة الدراسات السامية .
وعلى الله قصد السبيل ،،
الجيزة 1999
عمر صابر عبد الجليل
ص: 17
ص: 18
ص: 19
ص: 20
إن المعلومات عن يوحنا النقبوسی وعن حياته ناصرة ، اذ لم يرد في ذكره الا القليل فيما ورد عرضا في حديث مبنا (1)، الأسقف الذي تولى أسقفية نقيوس بعد يوحنا النقيوسی (2). في حديثه عن البطريرك اسحق (41) ، وفي حديث ساویرس بن المقنع عن سير بطاركة الأسكندرية ، فضلا عن أن القاری، پستشف من مقدمة المخطوطة (3)أن يوحنا النقیوسي کان على جانب كبير من المعارف الدينية والأدبية والتاريخية ، وكان ينمت بالرجل البار والمدبر . ورسمه البطريرك أغاثون (119-197م) البطريرك التاسع والثلاثون من بطاركة الكرسي السكندري أسقفا على مدينة نقيوس .
وينتسب يوحنا النقيوسي إلى مدينة نقيوس ، و حول اسم هذه المدينة تشير المصادر (4)إلى أن اسمها باللغة الرومية(...) نقیوس واليونانية Niniou(نقیو) ، وبالقبطية (...) (بشاتي) ، وباللاتينية Niciatanus وبالعربية نقيوس ، وقد اعتادت المصادر العربية أن تذكر المدينة باسمها الرومي . وفي النص الحبشي ، موضوع الدراسة . وردت بأكثر من شكل :
ص: 21
(...)نقيوس = (...)نقيوس .n18 = أبسادی ،(...) أبسای . وكانت نقيوس عاصمة لقسم Prosopite وهو اسم رومی ورد باسم Prosopis الذي عرف بعد ذلك بعد الفتح العربي باسم جزيرة بنی نصر.(1)
وقد خربت مدينة نقيوس في بداية الفتح الفاطمي في سني الغلاء السبع 358-364ه (969-975م)
كما يذكر المؤرخ انبا ميخائيل أسقف تنيس في تاريخ البطاركة : "وفي أول سنة ملكوا هولای المغاربة أرض مصر فی شعبان 358ه = يوليو 969م) تشرقت الأرض ولم تروی فبدا الغلا .. ولم يزل الغلا إلى تمام سبعة سنين متوالية وكان غلا عظيم في جميع أرض مصر حتى أن كورة مصر خلت من الناس لكثرة الموت والجوع الذي كان .. وخربت عدة من کراس الأساقفة لخلوها من الناس ولم يقام لها أساقفة بل أضيفت الى الكراسي العامرة المجاورة لها وهي : .، نقبوس (2). وبعد خرابها خلفتها مدينة ابيار كعاصمة لهذا القسم من العصر الفاطمي الى أن ألغي هذا التقسيم في عصر محمد علي في بداية القرن التاسع عشر، والجزء الشمالي من القسم بما نبه ابيار وموقع نقيوس المندثر تابعين لمركز كفر الزيات بالغربية(3) . ويلاحظ أن بالمنوفية حاليا ناعبة باسم ابشادی تابعة لمركز تلا (4)ورغم أن اسمها بنطبق على الاسم القبطى لمدينة نتيوس إلا أن كل الدارسين استبعدوها .
ص: 22
وذهب أغلب الباحثين (1)إلى أن نقيوس قد خربت ومحلها اليوم منطقة زاوية رزين أو زاوية البقلى بمركز منوف بالمنوفية .
بيد أنه من المستبعد ذلك ، لأن محمد رمزى نفسه في كلامه عن زاوية رزین (2) أشار الى أن اسمها الأصلي كان شبرالون ، ومن المحتمل أن المكان الحقيقي لنقيوس كان في منطقة أبيار أو منية أبيار بكفر الزيات بالغربية واللتين كانتا تابعتين لاقليم المنوفية في عهد الاحتلال الفرنسي ، ثم صارتا تابعتين لمديرية الغربية منذ عهد محمد على باشا (3)وذلك لأن محمد رمزی قد ساعد في الوصول الى ذلك في كلامه عن اسم أبشاده بقوله : "أندثرت وكانت مساكنها واقعة بحوض ابشادی باراضي ناحية منية ابيار ، بناحية الحداد وكلها بمركز كفر الزيات بمديرية الغربية ، وقد توزع زمام ابشاده على النواحي المذكورة وهذه غير ابشاده، التي بمركز تلا بمديرية المنوفية (4).
ويلاحظ أن ناحية منبة ابيار هذه تقع شمال و جوار ناحية ابيار ، ويخبرنا على باشا مبارك في كلامه عن ابيار "بقربها على نحر سبعمائه مترتل ندیم مساحته نحو خمسة أفدنة" (5)ومما يدعم هذا الاحتمال ماذكره اميلينو ناقلا عن بطليموس الجفرافي اذ قال : "وهنا فان التعليمات التي عملها الجفرافيون الأغريق هي أكثر دقة .. وبطليموس أكثر دقة فانه یوضح بان موقع هذا القسم بين النهر الكبير أي الفرع القنوبی Canopique ، وبين الفرع الفرموطبقي Phermositique في جنوب قسم صا Sais ، وحدد بالضبط أن رأس قسم بروسوبيت .Pros pite«، هي مدينة نقيوس جهة الشاطىء الشرقي للفرع القنوبي" (6)
ص: 23
وكلام بطليموس في أن تقيوس في زمانه تقع جنوبی صا مباشرة ، وهي اليوم صا الحجر بمركز بسيوني شمال كفر الزيات بالغربية (1). هو دلیل بدعم ماوصل اليه محمد رمزی ، ويدعم كذلك ذلك الاحتمال بأنها اندثرت الى جوار ابیار .
وهناك دليل آخر على هذا وهو وجود دیر أثرى باسم مارمينا العجايبي معروف بدير الحبيس، ويقع هذا الدير البوم شمالی ناحية ابيار بالقرب من ناحية النحارية ، وهذا القديس الذي باسمه الدير تكشف مخطوطة بدير أبي مقار (2)عن أنه كان من تقيوس ، وقد ورد في أولها على أنها : ميمر وضعه الأب القديس الطاهر انبا يوحنا رییس اساقفة المدينة العظمى العظمى الاسكندرية على شهيد المسيح اللابس الجهاد القديس ابو مينا يظهر فيه نسبة وجنسه ومن أية مدينة هر ... كما نحصنا ووجدناهم في كتب اليونانية الأولى التي عندنا في ديوان البطريركية بالاسكندرية ، ثم يضيف المخطوط: القديس المجاهد أبو مينا من الجنس الجليل على ماهو منسوب اليه في الأرض من رأس مدن مصر الذي تسي باليونانية نقيوس واذا فسرت بلغة المصريين تعرف بابشادی" (3)
وكان ليوحنا النقيوسي دور كبير في مصالح الكنيسة المصرية في عهد بابوات الاسكندرية يوحنا الثالث (677-686م،) البطريرك الأربعون - واسحق (707-689م) البطريرك الواحد والأربعون ، وسيمون الأول (689-707م) البطريرك الثاني والأربعون ، وقد ذكر أسقف الأشمونين اسمه لأول مرة في سيرة البطريرك يوحنا الثالث ، اذ بينما بروی ساویوس بن المقفع الظروف التي مات فيها يوحنا السمنودي جاء ذكر يوحنا النقیوسی ضمن أساقفة قليلين ذهبوا لزيارة البطريرك المريض ، مما یوضع منزلة هذا الأسقف بين رجال الدين القبطى في مصر في ذلك الوقت ، إذ یقول ساويرس (4)(" وصل الخبر إلى جماعة الأساقفة أنه متوعك فدخلوا اليه
ص: 24
وكان صحبتهم اغريغوريوس أسقف القيس وأبا حنا (1)اسقف نقيوس ، وابا يعقوب اسقف ارواط وابا يوحنا اسقف سخا وابا تیدر اسقف بلبدس .." وقد عينه البابا يوحنا الثالث رئیسا لأساقفة مصر العليا ، وعين زميله اسقف التيس رئيسا لأساقفة مصر السفلی (2) وذكر أسقف الأشمونين يوحنا النقيوسی ، في موضع آخر ، في معرض حديثه عن البطريرك اسحق ، اذ أشار إليه مرة ثانية ضمن هؤلاء الأساقفة بقوله : "لا أن مضي ابا يوحنا الى الرب بالتذكار الجيد اجتمعوا الأساقفة وكان مقدّمهم أسقف القيس اغريغوريوس ويعقوب اسقف أرواط ويوحنا اسقف نقيوس .. (3)ويستشف القارىء من كلمة مقدمهم هنا مكانة هؤلاء الأساقفة الكبيرة بين أساقفة الكنيسة المصرية في ذلك الوقت .
ولقد لعب يوحنا النقيوس دورا كبيرا في انتخاب البطريرك اسحق (41) ، اذ بعد أن رفض عبد العزيز حاكم مصر (4)الموافقة على انتخاب جرجه الذي من سخا بطريركا اشتد الخلاف حول هذا الأمر فجاء يوحنا النقيوسي من الاسكندرية ممثلا عن أساقفة مصر العليا مصطحبا اغريغوريوس اسقف القيس ممثلا عن أساقفة مصر السفلي بمرافقة اسحق الى فسطاط مصر لیعرض أمر الخلاف على عبد العزيز حاكم مصر ، الذي وافق على ترشيح اسحق بطريركا ، وقد أشار إلى ذلك مينا أسقف نقيوس الذي خلف يوحنا النقيوس بقوله : "وكان بينهم بوحنا أسقف ابشاتي الذي كان معينا لأسقفية المنطقة العلیا رجل كامل في حكمة الله والناس مع غريغوريوس أسقف القیس الذي كان معينا (مقدما) لأساقفة المنطقة السفلى مع جميع الأساقفة أه (5)مما سبق يبدو لنا أن يوحنا النقیوسی بعتبر أحد اثنين من أهم الأساقفة في مصر في ذلك الوقت .
ص: 25
وقد عرف فيه البطريرك سيمون الأول (42) حسن التدبير وطول الخبرة بحياة الرهبان فسلمه تدبير أديرة وادی هبيب (وادي النطرون) حوالي سنة 694م ، ولهذا عرف بالمدبر . وكان حينذاك متقدما في السن (1)، ولما تعدى حدود سلطنه قطعه مجمع من الأساقفة فترة من الزمن ، اذ يقول ساویرس بن المقفع في معرض حديثه عن البطريرك سيمون : "ثم انه سلم الابا يوحنا اسقف نقيوس تدبير حال الديارات لأنه كان خبيرا بتقلب الرهبان وقوانينهم واعطاه سلطانا عليهم وكانوا يعمروا القلالی بغير فتور والأراخنة يقوموا بأحوالهم ثم أن قوما من المحبين الشهوات أخرجوا عذري من دبرها ودخلوا بها وادی حبیب واوقعوا بها الفعل سرا فلما ظهر ذلك بين الرهبان كان بينهم قلق عظیم مالم يسمع مثله في ذلك الموضع فأخذ الأسقف الراهب الذي عمل الخطيئة وضربه ضربا موجعا وبعد عشرة أيام من تادیبه مات الراهب فلما شاع الخبر اجتمعوا الأساقفة بكورة مصر سرا وسألوا الأسقف عن قضية الراهب فأخبرهم بها واعترف أنه الذي ضربه فاوجبوا عليه القطع لكونه تعدى حد الواجب من أدبه فقطعوه فوقف في وقت أن قطعوه وكانوا قالوا له ما أنت في حل آن تدنوا الى شيء من آلة الهيكل من الآن بل تأخذ السراير کراهب فنادي وقال للشعب كما قطعتموني ظلما الرب الإله الذي اعرف اسمه يجعل جميعكم یا اساقفة غرباء عن كراسيكم الى تمام الزمان الذي حكمتم على فيه ثم أقاموا آخر اسمه مبنا من دير أبو مقار عرضه .." (2)وكان انعقاد مجمع الأساقفة سنة 698م ، وبعد هذا المجمع أول المجامع التي عقدت لمحاكمة أسقف لم يكن للبطريرك دخل فيه (3)
ولم يذكر ساریرس مدة القطع ، ولكن يبدو انها كانت ثلاث سنوات ، اذ حدث بعد ذلك بقليل أن شكا بعض الأقباط الأساقفة عند الوالي لمنعهم الزواج بأكثر من واحدة ، فاصدر الوالي أمره باعتقال الأساقفة ، ثم بعد أيام أخر أوقعوا بالبطريرك سيمون في مسألة رسالة اسقف للهند وقد استطاع هذا أن يثبت للوالي براءة ساحته منها ، ويقول ساویرس بن المقفع بعد أن انتهى من ذكر هذا الحادث : "وبعد ثلاث سنين أطلق الأساقفة الى كراسيهم (4)
ص: 26
ويبدو من هذا أن أسقف الأشمونين أراد الإشارة إلى أن الله استجاب لدعاء يوحنا النقيوسي على الأساقفة في أن يظلوا غرباء عن كراسيهم مدة تساوي مدة قطعه . ولم یشر ساويرس إلى يوحنا النقيوسي في أي موضع آخر ، ويغلب على الظن أنه لم يعمر بعد ذلك طويلا ، ومن المحتمل ، وفقا للمعلومات البيوجرافية القليلة السابقة عن يوحنا النقيوسي ، بأنه مات في مستهل القرن الثامن الميلادي تقريبا .
مما سبق يتضح أن يوحنا النقيوسي عاش سنين طويلة من عمره في النصف الثاني من القرن السابع الميلادی حتی مستهل القرن الثامن الميلادي في ظل حكم عصر الولاة في مصر
(21-254ه /242-868م) ذلك العصر الذي اتسم بالتسامح الإسلامي مع أهل الذمة بعد ما تعرض هؤلاء الكثير من ألوان المحن والاضطهاد على أيدي الحكام الرومان والبيزنطيين .
فقد بدأ هذا العصر بتولى عمرو بن العاص ولایة مصر ، وقد اهتم اهتماما كبيرا بكسب القبط إلى جانبه ، وخير شاهد على ذلك إعادته لبنيامين البطريرك القبطي الهارب من وجه قیرس الحاكم البيزنطي إلى كرسيه البابوی ومنحه السلطة الكاملة على جميع الكنائس في مصر (1)فضلا عن منحه المصريين حرية ممارسة العبادة والشعائر . وقد عاصر يوحنا النقيوسي ، كما رأينا من قبل ، عبد العزيز بن مروان (65- 86-ه ) وهو من أشهر الولاة الأمويين الذين حكموا مصر ويعتبر عصره بالنسبة للأقباط من أزهى فترات العصر العربي في مصر . لما عرف عن تسامحه معهم ومع رهبانهم .(2)والحق أن هذا العصر كان نهاية لفترات من الاضطهاد التواصل الذي تعرض له أقباط مصر منذ دخول المسيحية إلى مصر في القرن الأول المیلادی ، على أيدي الحكام الرومان سواء خلال الفترة الوثنية للامبراطورية الرومانية (3)أو بعد اعتراف الملك قسطنطین (306 - 337م) بالعقيدة المسيحية ، وبعدها جعلها الامبراطور تیودوسیوس (378 - 395م) الديانة الرسمية للدولة سنة 381م ، إذ أن انتشار المسيحية بين الرومان لم بضع حدا للخلاف الديني ، فظهر الاختلاف المذهبي نتيجة العداء بين الأرثوذكسية
ص: 27
والكاثوليكية من جهة ، والخلاف حول طبيعة المسیح من جهة أخرى . وقد تدخل الحكام الرومان في صالح نصرة مذهبهم وتمخض هذا عن عقد مجمع خلیقدونية بآسيا الصغرى سنة 451 م وقرر أن للمسیح طبيعتين وعارض مذهب الكنيسة القبطية القائل بأن للمسيح طبيعة واحدة ، وقرر هذا المجمع كذلك حرمان دیسقورس بطريرك الاسكندرية ، وقد أدى هذا الخلاف المذهبي الى اضطهاد البيزنطيين للمصريين في شتى النواحي سیاسيا واجتماعيا واقتصاديا (1)حتى ان مصر لم تعد منذ بداية القرن السابع الميلادي اقليما بيزنطيا بالمعنى الصحيح ، اذ صارت السلطة البيزنطية عليها ضعيفة وأخذت البلاد من الوجهات السياسية والاقتصادية والادارية والدينية تتهيا لحدث كبير وهو الانتقال من أيدي البيزنطيين إلى أيدي العرب .(2)ويظهر مدى ما قاساه الأقباط جليا في الفترة الأخيرة من الحكم البيزنطي في مصر ، اذ تولي قیرس السلطتين السياسية والدينية وأوقع بأقباط مصر شتی صنوف العذاب ، الأمر الذي مهد السبيل للفتح العربي والترحيب به .
وما سبق يبدو أن يوحنا النقيوسى كان . دون ریب ، انعكاسا لعصره ومرآة لما حفل به هذا
العصر من أحداث .
ص: 28
علمنا ما سبق أن يوحنا النقيوسى كان أحد رجال الدين المسيحيين في مصر في القرن السابع الميلادي ومستهل القرن الثامن الميلادي ،الأمر الذي أضاء السبيل للتعرف على السمات الرئيسية في منهجه من تدوين التاريخ ، فمما لاشك فيه أنه تأثر بالتيارات الجاریة في عصره ، من حيث تأثير الفكر المسيحي في كتابة التاريخ من جهة ، وتقاليد الكتابة التاريخية آنذاك من جهة أخرى . اذ كان من نتائج انتصار المسيحية على الوثنية أن جائت المسيحية بتغيرات في مفاهيم الكتابة التاريخية وفي الأفكار التي تنیر السبيل إلى هذه الكتابة ، حيث رفضت المسيحية الثقافة الوثنية،اذ اعتبرتها من نتاج الشيطان،كما اعتبرت الكتابات التاريخية للوثنيين في درجة أقل احتراما من كتابات اليهود في العهد القديم، وصارت العملية التاريخية بالنسبة للمؤرخين المسيحيين الأول جزما من عملية كونية المشتركرن الرئيسيون فيها هما الله والإنسان، فهي بالنسبة لهم ملحمة سماوية تمتد منذ الخليقة حتى الانفصال النهائي بين الخير والشر بوم القيامة. و قد اعتبر هؤلاء العملية التاريخية بمثابة المظهر العملي للصراع الكوني بين قوات الخبر متمثلة في جماعة المؤمنين المختارين من رب العبريين والمسيحيين ، وقوات الشر متمثلة في الوثنيين السابقين والمعاصرين، والنتيجة النهائية في الانتصار العظيم لقوات الخیر والهزيمة الكاملة لقوات الشر (1)
فالمسبحية ليست البداية ولكنها فصل من فصول الرواية التي تبدأ بالعهد القديم ولاسيما بسفر التكوين الذي یحکی قصة الخلق ، ثم ترد قصته عن المسيح وحوارييه لتمثل العهد الجديد ، وبعدها يلعب القديسون والقديسات دورهم في هداية البشر وحمايتهم . وقد ظل التاريخ الكنسي جنبا إلى جنب مع التاريخ العلماني ، ولم يستطع مؤرخو العصور الوسطى الفصل بينهما ، وبني التاريخ الكنسي مرتبطا بالتاريخ العلمانی ريزداد هذا الارتباط کلما زادت سطوة الكنيسة على الشئون العلمانية . (2)
ص: 29
وكان الكتاب المقدس هو المنبع الأول للكتاب المسيحيين، الذي استمدوا منه معلوماتهم الأولية ، دون نقاش ، فلم يكن مؤرخ العصور الوسطى یتجه الى العهد القديم التماسا للسوابق والنماذج فقط ، بل كان يعيش فی کتاب مقدس ممتد ، وقد كان لأسلوب الكتاب المقدس وللقصص التي يرويها تأثير كبير في مؤرخي العصور الوسطى . (1).
ويعتبر المؤرخ ابوزيبيوس (2) اسقف قیصرية هو التجسيد الحي للتفاعل بين الموروثات الكلاسيكية والتأثيرات المسيحية في مجال تدوين التاريخ ، فقد كان أبوزيبيوس هو أول من کتب تاريخا كنسبا ، وذلك في القرن الرابع الميلادی بعد انتصار المسيحية ، وقد أرسى منهجا في تدوين التاريخ المسيحي ، كان بمثابة النموذج لمن خلفه من المؤرخين المسيحيين ، فهو بری في التاريخ قصة كونية تبدأ بالعهد القديم وتستمر أحداثها في العهد الجديد ، وتستكمل القصة بالحوادث التي شهدها العالم منذ رحيل المسیح حتى انتصار المسیحية باعتناق قسطنطين . ومن القيم التي أرساها في تدوين التاريخ المسیحي أن الرب يتدخل دائما النصرة شعبه ویصب غضبه على من بسببون الأذى ويضطهدون مختاريه ، كما أن المعجزات والقديسين كان لهم دورهم الهام في نسج القصة التاريخية .
ص: 30
ويتضح مدى تأثر يوحنا النقیوسی بالنموذج الذي وضعه ابوزيبيوس في كتابه التاريخ الكنسي ، في عناصر مؤلفه التاریخی ورؤيته للقصة الرئيسية باعتبارها جزا من قصة كونية عامة ترعاها العناية الإلهية . فهو يبدأ تاريخه من خلال القصة الواردة في العهد القديم عن الخليقة وآدم وحواء وأبنائهما والعبريين وخروجهم من مصر على يد موسی کلیم الله بعدما ذاقوا الكثير من ألوان العذاب على أيدي المصريين ، ثم ينتقل إلى الحديث عن مولد المسبح وما لاقاه السبعيون من ألوان الاضطهاد عبر عصور طويلة حتى يصل إلى انتصار المسيحية باعتناق الإمبراطور قسطنطين لها ، ثم تبرز قصة الصراع المذهبي حول طبيعة المسيح في روایته التاريخية حتى ينتهي به المطاف إلى الوصول إلى قصنه الرئيسية والتي تتمثل في فتح المسلمين لمصر .
فهو في حديثه عن انتصار المسيحية ، وموقف الأباطرة الرومان منها قبل قسطنطين وبعده ، يتعرض لاضطهاد المسيحيين على أيدي الوثنيين والمعجزات القديسين والقديسات ، وللاستشهاد الذي كان بمثابة الدليل على صدق السبعية ، والذي أدى إلى انتصار الكنيسة وسيطرة المسيحية (1)فیصور لنا يوحنا النقيوسي مدى قسوة الملك تراجان الوثني على المسيحيين ، وألوان العذاب المختلفة التي أنزلها عليهم ، فهذا اغناطيوس بطريرك أنطاكية قد طرحه لأسد ودولا ، نسرة قديسات قد أمر بحرقهن (2). وتبرز صورة الاضطهاد أكثر وضوحا ، واكثر مدعاة للشفقة ، حين يتعرض بالحديث عن فترة حكم دقلديانوس (3)ثم يستمر المؤلف في الحديث عن الاضطهادات الواقعة على المسيحيين في أكثر من موضع (4)ثم يتحدث يوحنا النقيوسي عن المعجزات التي جائت على أيدي القديسين والقديسات (5).
ص: 31
وأن يوحنا النقيوسي يصب تاريخه في القالب الأيوزيبي (1)، الذي يخلع كل الصفات الطيبة على من يناصر المسیح والمسيحيين ، وهؤلاء يناصرهم المسيح ويقف بجانبهم ويدهم بعونه وقوته وقت الشدة ، وينالون حب البشر، (2)بيد أن من يضطهد المسيحيين يصب عليه اللعنات ويصيبه الرب بأشر الأمراض فتكا . وبزوال ملكه ، وبالمصائب والمحن على بلده . (3)
وقد قسم يوحنا النقيوسی روایته التاريخية ، مثلما قسم ایوزیبیوس روایته ، إلى وحدات زمنية تطابق كل منها حكم امبراطور أو اسقف مشهور ، وكان خلال كل وحدة زمنية یورد مجموعة من الأحداث ، ليس بينها في الغالب اتصال ، بل تراكمت الأحداث مع بعضها ، وكثيرا ما لخصت هذه الأحداث في جمل غير مترابطة (4)، ذلك أنه يتحدث مثلا في جملة ما عن شخص معين في مكان معين وفي الجملة التالية مباشرة يتحدث عن شخص آخر ومكان مختلف تماما عن المكان الأول ، فعلى سبيل المثال وليس الحصر . يتحدث في الباب الثامن عشر عن عهد الملك تراجان ، وبينما هو بروی أحداثا أبطالها تراجان وقديسات في أنطاكية ينتقل مباشرة إلى الحديث عن اليهود في الأسكندرية ومنطقة قورینة (5)، وهناك أمثلة كثيرة على هذا ترد في ثنايا كتاب یوحنا النقیوسی وقد تأثر یوحنا النقیوسی كذلك بالنموذج الذي وضعه ابوزیبیوس للملوك المسيحيين الأتقیاه ، فقد صور ابوزيبيوس في كتابه عن حياة الملك قسطنطين الكبير ، نموذجا یجمع فیه الملك بين القيصر والبابا ، وحاول أن يصور قسطنطين كما يجب أن يكون ، لا كما كان بالفعل.
وقد استمر الكتاب المسيحيون ، ومنهم يوحنا النقیوسی ، في التمسك بالالتزام الأدبي لهذا النموذج في كتابة التاريخ حتى القرن الحادي عشر على أقل تقدير ، ولم يكن هناك مكان
ص: 32
في أدب العصور الوسطى الأولى للشخصية الحقيقية ذات الميزات والخصائص الفردية .(1) فيوحنا النقيوسي حين تحدث عن الملك قسطنطين ، وهو مثال للملوك المسيحيين المناصرين للمسيحية ، وصفه بأجل الصفات ، وبقوة إيمانه بالمسيح الذي كان السبب في نصرته على أعدائه الوثنيين ، وبحبه في بناء الكنائس ونشر المسيحية ، وختم حديثه عنه بالقول بأن ملایا من عند الله كان مصاحبا له ، يوقظه كل يوم للصلاة ، ولم يكن يظهر لأي من الملوك غيره (2).
ويبدو تأثر يوحنا النقیوسی كذلك بايرزيبيوس فبما ضمنه من دلائل وثائقية في روايتة التاريخية ، وذلك حسب ما ورد في التاريخ الكنسى لايوزيبيوس (3)، وقد تمثلت هذه الدلائل الوثائقية في الرسائل والخطب والقرارات (4). وقد كان لهذا التقليد في الكتابة التاريخية في العصور الوسطى الفضل في الاحتفاظ بنسخ لوثائق أصلية كثيرة فقدت (5).
على أن أهم ما يلفت الانتباه في كتاب يوحنا النقیوسی ، هر أنه يعكس حرص العصور الوسطى على احتذاء المثل ، والاقتداء بالنموذج، بل والارتباط الكامل به ، فهو في روايته التاريخ المسببة وصراعها مع ما حولها من عقائد سواء كانت العقيدة اليهودية أو العقائد الوثنية ، بصب مادته مبا تعسفبا فی قالب سبق أن وضعه ایرزیبیوس ، كما يلزم نفسه تماما بالمفهوم المسيحي عن التقسيم الزمني كما أوضحه أوغسطين ، فما تاريخ الإنسان بعد المسيح سوى الفصل الأخير في قصة الإنسان التي كتب الرب فصولها ، ويلزم نفسه أيضا في نظرته الى المكان في كونه محکوم بحدود التاريخ القديم ، وحدود الكتاب المقدس في الماضي . وبامتداد العالم المسيحي في الحاضر. (6)
ص: 33
ولم تكن الشعوب غير المسيحية ترد أخبارها في ثنايا روايته للتاريخ الحقيقي إلا حين تنشب حروب بين هذه الشعوب وبين الامبراطورية الرومانية (1)، أو حين يرد خبر عن إرسال بعثات تبشيرية لهداية هذه الشعوب إلى المسيحية. (2)وقد كان هذا أيضا من سمات الكتابة التاريخية في العصور الوسطى .(3)
ويبدو العنصر الغيبي واضحا في روايته التاريخية ، اذ كان للشيطان دوره في دفع بعض الناس ، سواء كانوا ملوكا أو غير ملوك ، إلى القيام بالأعمال الشريرة ، و كان له دوره كذلك في ضلال المؤمنين و إبعادهم عن الطريق الصحيح ،طريق المسيحية، وكان له دوره أيضا في التفرقة بين المسيحيين. وأحيانا يرجع يوحنا النقیوسی ، على لسان أبطال قصته ، الأحداث غير البشرية التي يتعرض لها البشر إلى فعل الشیطان. (4)وكان للسحرة كذلك دورهم في ضلال المؤمنين واضطهاد المسيحيين ، ونصرة فريق على فريق آخر ، كل هذا بفضل أعمالهم السحرية . ولم يكن دور الشیطان و دور الأعمال السحرية بغريب أن تجده في ثنايا رواية یوحنا النقيوسي ، وهو أحد مؤرخي العصور الوسطى ، إذ أن دور العنصر الغيبي والقوى الغيبية قد تعاظم في هذه الفترة في التدوين التاريخي لما بعد الكتاب القدس ، إذ لحقت الملائكة والشياطين بالشخصيات الدرامية و نزل القديسون من السماء لرعاية و هداية الناس و تحدی أخطائهم. (5)
ویکشف منهج یوحنا النقيوسي في روايته التاريخية عن المزيد من سمات الكتابة التاريخية في العصور الوسطى ، وذلك في حديثه عن حياة القديسين Hagiogrophy و عن المعجزات التي تمت على أيديهم .(6)اذ كان من أكثر التطورات الأدبية إثارة في القرنين السابع والثامن الميلاديين ظهور حياة القديس في شكل روائی ، وإن كانت هذه السير قد
ص: 34
اتخذت تقاليدها منذ أوائل القرن الرابع (1) وقد كان هذا النوع من التدوين التاريخي في أوائل العصور الوسطى قائما على أساس مفهوم تقديم تحقيق المثل لا على تقديم الواقع ، وهو يتبع في هذا مفهوم الفلسفة الأفلاطونية ، عما يجب أن يكون عليه الملك أو الأسقف . (2)وقد كان الكاتب الذي بدون سيرة أحد القديسين يشعر بأنه يضيف صفحة جديدة إلى قصة الانجيل . (3)وقد اتخذت سيرة القديس نمطا محددا ، و وضع بطل السيرة داخل اطار نموذج مقرر سلفا ، فهو إما قديس منذ طفولته العجيبة ، وإما خاطيء اهتدى إلى طريق التوبة . ثم یلى ذلك الحديث عن معجزاته ونبوءاته ، وقد كان للمؤرخ مجموعة قياسية من المعجزات ينبغي علبه أن ينسج على منوالها ، وكثيرا ماتنطرق الرواية إلى الحديث عن القديس ومعجزاته في القبر بعد الموت .(4)
واذا كان يوحنا النقيوسي قد اعتبر نفسه من أصحاب العقيدة الصحيحة ، فان الآخرين أعداء للرب ، ومن ثم فانهم أعداء له ، فالأريوسيين والأرثوذكس البيزنطيون أعداء مذهبیون حادوا عن سواء السبيل ، فجلبوا على أنفسهم غضب الرب ، ولذا فإنهم يتعرضون باستمرار لانتقامه ، الذي كان ياخذ أشكالا متعددة مثلهم مثل أعداء المسيحية كالمانديين والوثنيين واليهود . بلقرن العقاب جزاء ضلالهم .
وتبدر مناصرة بوحنا النقيوسي لمذهبه العقائدی فی مواضع متعددة من كتابه ، وكثيرا مایدفعه هذا إلى النظر إلى الأحداث بطريقة مختلفة عن نظرة المختلفين معه في المذهب ، ذلك أن العاطفة لم تترك له الحرية للتفكير السليم ، أو الحكم على أفعال منافسيه بعدل وانصاف ، أو سرد رواية حدث ما بعيدة وموضوعية فهو مثلا حين يتحدث عن الملك انسطاسيوس يشير إلى أن الطيبات التي فعلها هذا الملك ، لم يفعلها ، إلا لكونه مؤمنا ارثوذكسبا ولاتباعه هذه العقيدة الحقة . (5)ويرجع في موضع آخر سبب المحن التي ينزلها الله على البشر إلى
ص: 35
الابتعاد عن العقيدة الأرثوذكسية (1)وهناك مواضع أخرى كثيرة في ثنايا کتاب یوحنا النقیوسی بتضح منها انحياز المؤلف إلى مذهبه العقائدي. (2)وإن هذا الأمر ليس بغريب على مؤلف في هذه الفترة من التاريخ ، إذ كان من سمات هذه الفترة عدم قدرة المؤرخ البعد عن تأثیر مذهبه أو جماعته فيه نی کتابته التاريخية .(3)
أما موقف يوحنا النقيوسي من أحداث الفتح الإسلامي ، فيبدو موقفا متناقضا للوهلة الأولى ، فهو يتحدث تارة عن قسوة المسلمين (4)، ويتحدث عن رحمتهم تارة أخرى (5)، كما أنه يكيل لهم الشتائم (6)، بدون مناسبة ، تارة ثالثة ، غير أن التأمل في تاريخ النص الحبشي (7)الذي بين أيدينا يكشف عن أن المترجم الحبشي(8) قد أباح لنفسه التعبير عن مشاعره الدينية الغالبة بين ثنايا سطور النص الذي بين ايدينا ، والذي يوضح مدى تعصبه للمسيحية. فقد شهد القرن السابع عشر ، على وجه الخصوص ، تصاعدا عنيفا في المواجهة بين الحبشة المسیحیة وجبرانها المسلمين في دول الطراز الاسلامی ، على شاطىء افريقيا الشرقي . والجدير بالذكر أن هذا الصراع الذي التهب في القرن السابع عشر كان تعبيرا عن ترات طويل من المدارة والاحتكاك بين الأحباش المسيحيين والقوى الاسلامية منذ بداية ظهور المسلمين كقوة دولية حاكمة . (9)ومن ثم يبدر سبب تعصب المترجم الحبشي الذي سمع لنفسه
ص: 36
أن یقحم في النص عبارات من عنده تنم عن تعصبه ضد الاسلام هذا من ناحية أخرى ، يبدو أن الترجم الحبشي قد عبث بنص يوحنا النقیوسی فيما يتصل بالجزء الأخير منه وهو الخاص بالفتح العربي لمصر ، لأن أسلوب النص فیما قبل ، حتى حين يتحدث عن مضطهدي المسيحيين مثل دقلديانوس (1)لايبدو فيه مثل هذه الشتائم الواردة في الجزء الخاص بالفتح العربي لمصر . فضلا عن أن المصادر المسيحية الأخرى اللاحقة لكتاب يوحنا النقيوسی الأصلي، مثل کتاب ساويرس بن المقفع عن بطاركة الأسكندرية ، قد أوضحت في ثنايا كتاباتها حرص العرب المسلمين في مصر ، في الفترة التي كتب فيها يوحنا النقبوسي تاريخه أو بعدها بقليل ، على معرفة لغة القبط ، وعلى معرفة كل مایکتبونه ، اذ يشير لنا ساويرس في كتابه السالف في مواضع مختلفة منه اشارات تؤكد هذا الحرص من قبل العرب المسلمين. (2)
ص: 37
ويتضع ما سبق من استشهادات مؤرخ قبطى بعقوبي ألف كتابه في القرن العاشر الميلادي أن نص يوحنا النقيوسي الأصلي لم يكن يتضمن على الأرجح هذا الهجوم السافر على المسلمين، والذي ينم عن تعصب مقبت ضد الاسلام .
هذا فضلا عن أن تلك المصادر المسيحية العربية الأولى في مصر مثل كتب ابن البطريق وساويرس تجمع على أن المسلمین عاملوا المسيحيين المصريين معاملة طيبة إبان الفتح الاسلامی (1), مما أدى إلى تقديم القبط المساعدة للمسلمين والترحيب بهم ، وهو ما نجده في کتاب یوحنا النقیوسى نفسه (2)، وهو ما ينم عن أن المترجم الحبشی ، رغم ظهور تعصبه الشديد ضد المسلمين ، لم يكن ذكيا بحيث لم يحذف كل مايشير إلى تلك المساعدات ، وعلى هذا فمن المرجع لكل الاعتبارات السابقة ، أن يكون التناقض البادي في موقف النص من المسلمين راجعا إلى تصرف من المترجم الحبشي في النص الأصلي.
ومن حيث المصادر التي اعتمد عليها يوحنا النقیوسی في كتابة مؤلفه هذا . يتضع أنه قد اعتمد على الكتاب المقدس في معلوماته التي أوردها عن تاريخ الخليقة وقصة بني آدم، فهو تارة یستقی معلوماته مباشرة منه ، وتارة ثانية یستشهد على لسان أحد القديسين بما ورد فيها من أحداث ، وتارة ثالثة یورد نص فقرات منه يدعم بها روايته التاريخية. (3)و فيما يتعلق بالتاريخ المصري القديم فانه اعتمد على مصادر غامضة ، دون أن يبذل أية محاولة
ص: 38
لتقصی مقدار الحقيقة منها ، وهنا لا ينبغي أن نلوم مؤرخنا ، فقد كان ابنا لعصره ، ولم يكن يمتلك من وسائل التحقيق العلمي مانملكه اليوم ، فضلا عن أنه كان من المعترف به آنذاك أن ینقل المؤرخ ما أوردته المصادر السابقة على عصره ، سواء كانت مصادر مكتوبة أو شفوية ، دون أدنى محاولة للنقد، أو نزعة للشك ، فقد تناقلت الأجيال الأساطير الشعبية و ما اخترعه المتعلمون من حكايات عن أصول الشعوب كأمر مسلم به، وعادة ما يلجأ كتاب العصور الوسطى الى تقليد هذه الأصول، دون نقدها رغم زيفها ، بل ربما زادوا عليها زينا فوق زيفها. (1)
واذا كان النص الذي في متناول أيدينا مشوبا بالاختصار المخل بالمعنى نتيجة لعبث المترجم الحبشي ، فان ذلك لا يمنع من استنتاج أن الجزء الأسطوري الخاص بالتاريخ المصري القديم يتفق كثيرا مع ماورد في مصادر التاريخ المصرى اللاحقة (ابن البطريق ، ساویرس بن المقفع غابيوس المنبجی ، ابن عبد الحكم الطبري ، المقریزی ، وغيرهم،) وهو ما يوضع بأن ثمة تراثا عن هذه الفترة كان متداولا في مصر بشكل ما ، وكان هذا التراث هو المصدر الذي استقى منه كل من هؤلاء المؤرخين مادته في الكتابة عن هذه الفترة الموغلة في القدم من فترات التاريخ المصرى .
كذلك فان صفحات کتاب بوحنا النقیوسي تكشف عن المزيد من تقاليد الكتابة التاريخية في العصور الوسطى ، ذلك أنه اعتمد على مصادر سابقة في الحديث عن التاريخ الرومانی . ربما يكون قد نقل عنها نقرات أو أجزاء كاملة ، مثل العرض التاريخي ليوحنا ملالاس والعرض التاريخ ليوحنا الأنطاکی ، وتاريخ تیوفان وتبودرر الصقلي ، ومؤلفنا هذا بصفة عامة ، لايختلف بطريقة ملحوظة ، عن التواريخ اليونانية في القرن السابع والثامن والتاسع. (2)وفي بعض الأحيان يذكر لنا يوحنا مصادره ، مثل ذكره للمؤرخ اليهودي یوسیفوس (3)، وذكره لأغائیوس وبروکوبیوس ، وهو بصدد الحديث عن الملك يوستنيانوس وحروبه ضد أعداء الامبراطورية الرومانية .(4)
ص: 39
ص: 40
ص: 41
باسم الرب الرحيم الكريم
يقول الأب القديس يوحنا أسقف نقیوس ، جامع هذا الكتاب ، المحب للتعب لينال حب الخير ، فان حب التعب عناء ، و هو (1) یزید فضائل من يهتم به من الغيورين جميعا ، و من أجل جميع الفضائل التي هي الحكمة الخالدة ، المهيمنة على الجميع ، و سيدة الجميع ، و قد ادخروها لمن يأتي بعدهم ليصنعوا مايختارون .
و من أجل هذا أيضا ، أنا القاصر في التعبير بين كل الكتاب (2)، العاجز في المقال ، قد فحصت غاية الفحص الفصول المختارة .
ونبدأ في تصنيف هذا من الكتب السابقة الكثيرة للأزمنة المختلفة ، وكذلك تاریخ ما تلاها في الأزمنة التي عاصرناها .
وكنت فخورا أن أكتب و أن أترك ذكرى طيبة لمحبى الصالحات في هذه الحياة الحاضرة .
ولقد تركنا هذا المقال المكتوب بطریق حسنة ، وبترجمة جيدة ، وهو بفضل كل ماكان في شرح المترجم ، حتى لا يخلو من يجده من نفع سابق أو حاضر ، أو يكون غير ذی نفع وربح. (3)
ص: 42
(1)و بعد موت بیکوس (2) حكم فونوس الغرب خمسة و ثلاثين عاما (3)، وهو الذي يسمى باسم هرمس . وكان صائغ فضة ، و هو أول من بدأ الاشتغال بالذهب في الغرب ، و أذابه. (4)
وعندما علم أن إخوته حقدوا عليه ، و أرادوا قتله خاف ، و فر إلى مصر ومعه ذهب كثير .
و أقام في مصر . وكان يلبس لباسا حسنا من الذهب . وكان كذلك متنبنا يعرف كل شيء قبل أن يقع . وكان يهب الناس مالا كثيرا ، ويهدى أهل مصر هدايا كثيرة ولذا قابلوه بإكبار ، وسموه "إله الذهب" وكان عظيما لديهم ، وفي منزلة إله" وعبده الفقراء .
ص: 43
توجد (قبل) اذ كان حدادا ، و هو أول من صنع أداة الحرب للقتال بها زمن الحرب ، والأحجار التي يقاتل بها الناس . (1)
ولأنه كان أعرج ، سقط من فوق الجواد عندما سار الى الحرب ، فارتطم (بالأرض) (2)، و ظل مقعدا طوال أيامه .
(1)وسيزوستريس (2)الذي حكم كل أرض مصر و ما حولها ، هو الذي سبق إلى جباية الضرائب (3)، وإلى قياس الأرض . عندما غنم الغنائم العظيمة والأسرى الكثيرين من كل البلاد ، عند جمعها ، وجهها الى أرض مصر . وكل نفس سادها بفرض الضرائب ، جعلها تحفر النهر ، وتردم التراب في كل مستنقعات مصر . و لهذا وجد أهل مصر الوسيلة لزرع
ص: 50
المزارع ، ولحرث الحقول ، كأرض الصعيد(1)، التي سبقت إلى معرفة استخدام الحرث ، و كذلك أمر أن يؤدوا الضرائب و ثمار الأرض للملك بعدالة ، و یحفر النهر المسمى دیك: (...)
(2)إلى اليوم .
ص: 51
(1)و من بعده (سيزوستريس) حكم بلاد مصر (2)سواکن ملك الهند (3)خمسين عاما . وكان محبا للشعب ، لايريد إراقة الدماء ظلما ، وقد أرسى بمصر قانونا ، هكذا : كل من لايخطىء (4)لايموت ولا يعاقبونه ، ولكنه يعيش ، وكل من يرتكب ذنبا فكل واحد حسب ذنبه وقد أمر أن يكنسوا الأرض ويجمعوا التراب ويلقوا به في البحر . وأذا أمضوا وقتا طويلا في
ص: 52
هذه المهمة وهذا الواجب ، انحسرت مياه النهر عن الأرض . وجعلوا {المصريون بلادهم مرتفعة خوف المياه حتى لايغرقوا . (1)
و من قبل في أيام ساسطتريم (2)و كانت المياه تغرقهم وذلك قبل أن يحفروا أرض النهر، وماصنعوه من إلقاء التراب في المياه لم يحقق لهم ما أرادوا بسبب فيضان النهر الغزير .
و سواکن ، ملك الهند (3)، حرصا منه ، أقام لهم مقرا في مكان مرتفع .
ص: 53
و قد أنفق على عمال البناء ألفا و ستمائة (1)وزنة (2)فضة ، و ذلك غير الكراث و البقول.
و قد وجد مكتوبا هكذا في الكتب بلسان المصريين الذي نقشوه على حجر جدار ، وأظهروه لكل من يقرأ .
وأنفق كل الضرائب ، واستنفذ خزائن المملكة لكثرة البنائين ، مما لايعد أمرا حسنا .
وعندما سقط في فقر شديد ومسكنة كانت لهذا البائس بنت حسنة المنظر ضعفت أمام عمل الشيطان وغبه الأثيم ، وأسكنها في مقر الزناة . ومكثت في الظلمة والحزن ، وكانت زانية. (3)وكل من أراد أن يقع معها بعمل حجرا من الأحجار العظيمة ويضمه الى البناء، وقبل ان هذا الحجر الذي يحمله لايقل عن ثلاثين قدماء، أي عشرين ذراعا ، حتی بنوا واحدا من المعابد الثلاثة ، وذلك بسبب الرغبة الآثمة لهذه البنت الحقيرة .(4)
ص: 55
وهو بكر خال من الشر ، و سماه الكتاب المقدس : من ليس له أب وأم (1)، لأنه لم يكن من نسل إبراهيم . و قد أبغض آلهة أبيه ، و نذر نفسه كاهنا للرب الحي . وقد جاء من نسل سیدوس بن ملك مصر والنوبة ، هذا ما يقوله في شأنه المصريون و لفظ " ملكي صادق "بعنی: "ملك البر" وحكم سیدوس کنعان لأنه كاهن . من نسل قوي . والمصريون يسمونه كذلك بسبب (بلاد الكنعانيين) وهي بلاد فلسطين حتى الآن. ولما حاربهم خضعوا له ، ولما ارتضوه أقام بها وبني مدينة سماها "صيدا" على اسمه ، وهي تعد کنعانية . وعرفنا مولده إذ أن أباه جاء من صيدا . (2)
و كان أبوه عابدا للطاغوت و كذلك أمه ، و كان هو قديسا يلوم أباه وأمه لعبادتهما الطاغوت ، و من ثم فر ، و كان كاهنا للرب المي ، كما نبل وحكم كنعان ، وبني مدينة بجروتا تسمى صبون ، وهي ساليم ، وتفسير اسمها بلغة العبرانيين مدينة السلام ، وحكم فيها مائة وثلاثة عشر عاما ، ومات في عذريته وعنته ، كما كتب يوسف الحكيم (3)کاتب التاريخ في مقدمة كتابة ، وهو : تاريخ اليهود.(4)
ص: 57
وقد قدم القربان لإله السماء ، قرابين خالية من الدم ، من خبز و خمر، كالقرابين المقدسة السيدنا يسوع المسيح. (1)كما أنشد داود نائلا : أنت كاهنه إلى الأبد على رتبة ملكي
صادق (2)، وكذلك قال : ظهر الرب بصبون (3). واسمه عظيم في إسرائيل ، وبقيت في سلام أرضه (4)، وكذلك مقامه في صيون .
وقد تعلم اليهود من إبراهيم معرفة الرب ، و ساليم ، و هي تسمى ایروشلیم ، لأن السلام أقام في صيون ، وهو ملکی صادق .
ونسبة اليهود عبرانيين نسبة إلى عبور الذي جاء من نسله إبراهيم الإناء المختار .
و عندما بني عصاة الرب حصنا وجهدوا بالباطل وساندرا الشر لم ينضم إليهم ، بل حفظ فكره للرب دون إنحراف .
و عند اضطراب ألسنتهم بتی عبور وحده دون انقطاع كلامه ، في نجاة وسلامة ، والقوم الذين جاموا من بعده حافظوا على كلام الملائكة الذي تحدث به آدم ، ومن ثم سموا : العبرانيين . وسمي كلامهم : العبرانی .
ص: 58
ایانیس وابابزیس (1)الذي ارتكب الإثم أمام موسى العظيم كليم الله لهذا السبب قالا أنهما لایريدان مسیر بنی اسرائیل بعد الآيات والعجائب التي كانت من العصا التي كانت معه من عصاه .
وسار (فرعون) إلى الكهنة الذين كانوا یمنف ، وإلى الكاهن المعروف ، وقدم قربانا .
وعندما سأل أحد العبرانيين العالم تنینوس ، قال له : الذي في السماء لايموت لهو الأول، فان السموات ترتعد منه ، والأرض كذلك ، وكل البحار یخفنه ، والشياطين ترتجف . وقليل من الملائكة ینهضون ، إنه صانع القدرات والموازین (2)
وقد كتب باد بسنيوس هذه الآية على حجر ، ووضعها في بيت الآلهة ، في موقع مقياس المباه الذي يعرفون (3) به بحر النيل. (4)
ص: 60
ويجب أن نعرف أن بيت الطواغيت عندما هدم لم ينكسر الحجر وحده في مصر ، بل حتى أسفل أساس بيوت الطاغوت ، ولم يستطع أحد أن يقيم بيتا للطاغوت في منف ، بل بسلطان سیدنا يسوع المسيح تهدمت جميع بيوت الطواغیت .
وبادیسنیوس الأحمق هذا ، وهو الفرعون أموسیوس ، غرق في البحر الأحمر مع أفراسه و فرسانه .
وعندما عرف ، بعد خروج بني إسرائيل من مصر وأخذ أموال المصريين ، ان هذا كان برضا من الله وعد له ، لأن بني إسرائيل أخذوا أموال مصر عوضا عن الأعمال الشاقة التي كلفوهم بها دون توقف (1)- ملا فرعون الغضب و خرج في الحال ليتبعهم مع جيوشه ، فغرق في البحر مع ذويه ولم يبق منهم أحد .
وسار بنو اسرائيل في البحر ، وهو كالأرض اليابسة ، وخرجوا إلى مكان حيث أراد الله . فإنه قاهر كل عناصر خلقه له المجد .
وبعد هلاك آل مصر - من بقي منهم عبدوا الشياطين وتركوا الله . هؤلاء البؤساء أهلكوا أنفسهم ، وتشبهوا بالملائكة الذين عصوا الله ، وسجدوا لما صنعت أيديهم .(2)
وهناك من سجد للبقرة ، ومن سجد للثور ، وللكلب ، وكذلك للبغل ، ومن سجد للحمار ، ومن سجد للأسد ، ومن سجد للسمك . ومن سجد للتمساح ، ومن سجد للكراث ، وأشياء أخرى كثيرة تشبهها .(3)
وسموا مدن مصر باسماء ، وسجدوا لمبنى بوصير ، و منوف ، وسمنود وصهرجت ، واسنا . وللشجر ، وللتمساح ، وألهوا مبانی مدن كثيرة ، وكذلك العواصف .
ص: 61
(1) و في عصر الملك الذي حكم مصر من قبل ، إبان خضوع المصريين للطاغوت والمخلوقات التي سبق ذكرها ، والمدينة المعروفة أبسای وهمی نتیوس والملك المسی ابروسوبيدا (2)وتفسير اسمه حبيب الآلهة وهي الأقانيم الثلاثة ، وكان في الجانب الغربي من النهر - كان الملك دائم الحرب مع البربر المسمين ريطانيين (مريطانيين (3)] الذين أتوا من المدن الخمس (4)ولما جاء
ص: 62
هؤلاء في حنق حاربهم أهل المدينة بشدة ، وقتلوا منهم کثیرین . و لهذا الانتصار الحسن لم يخرج البربر إلى المدينة ثانية ، ولزمن طويل ، برضا الله الذي صنع كل شيء حتى لايحدث لها شيء بقدرة سلطانه القوى .
ونهر مصر العظيم يسميه الإغريق اکریسورو (1)، وسمي في الكتاب المسمی روح الرب: جیون.(2) وكان هذا النهر شرق المدينة ، وتحول من شرقبها إلى غربيها . وكانت هذه المدينة كجزيرة في وسط النهر ، كأیكة الشجر المسمى أكریاس ، وهو الآس (3).
وكان اکریس (1) صلب الرقبة قاسي القلب، خضعت له الممالك كلها ، البعيدة والقريبة ، والذين خضعوا له أدوا له الضرائب ، وعاشوا في سلام . و من قاوموه أهلكهم وغنم أموالهم وحاز ممالكهم ، فإنه كان عظيما ومخوفا جدا ، وكانت له الغلبة .
وكان کورش ضائق الصدر ، وكانت له زوجة اسمها طرطانا ، وكانت من قبل زوجة دارا (2)الذي ملك بعد بلطاسور (3)، حدثنه قائلة : بيننا نبي من العبرانيين اسمه دانیال (4). له حكمة الله، وهو من أسرى بني إسرائيل ، وكان دارا لايصنع شيئا ما دون مشورته ، وكل مايقوله يكون . وعندما سمع هذا کورش أرسل إلى دانيال النبي ، وأتي به في إجلال ، وسأله قائلا : هلی سأنتصر على اکریسوس ، أم لا..
ص: 64
وصمت و لم يتكلم مدى ساعة ، ثم حدثه قائلا : من يعرف حكمة الله ؟، وحينئذ صلی دانيال النبي ، ودعا الله ربه أن يكشف له ما اذا كان يستطيع مقاومة هذا الغاصب الصلف . وأجابه الرب : إن أرسل بني إسرائيل فسينتصر انتصارا ، ويحوز سلطان اکريسوس وماسمعه من الله حدث به کورش أنه سينتصر إذا أرسل بني إسرائيل وعندما سمع کورش هذا ، سجد عند قدمی دانیال ، وحلف قائلا : حي هو الله إلهك ، أنا أرسل ابني إسرائيل إلى بلدهم أورشليم ليعبدوا الله إلههم.
والتزم کورش بواجبه نحو الله ، وقدم إليهم نعما ، وأرسل بني إسرائيل. (1)
وجاء اکريسوس بقوة عظيمة ليحارب بلاد کورش ، ولما جاوز نهر كبدوكيا (قبد وقيا) ليقتل کورش - أوقعه كورش في الخجل ، ولم يستطع الهرب سرا لأن النهر كان أمامه ولكن عندما نزل اکريسوس إلى هذا النهر غرق سريعا من ذویه قوم كثيرون ، ولم يستطع هو العبور لأن الله أعاده الی یدی کورش لهذا السبب ، وتبعته جيوش کورش ، ووجدوه حیا ، فأخذوه . وقيدوه ، وقتلوا من جيوشه قدر أربعين ألف نفس (2). وصلبه کورش لكراهيته ، فوق شجرة ومن بقي من جيوشه أبقاهم في المساة والبغض .(3)أما ملوك اليهود ، فقد وجهوهم ليذهبوا إلى بلدهم کرجاء دانيال النبي
ص: 65
و عندما عاد کورش إلى فارس رعی (1)كل من في حكمه ، و نصب ابنه قمبيز على فارس و بابل ، و كان رجلا سيئا ، عاب حكمة أبيه و عبادة الرب الإله .
و كذلك كان أبريا (2)ملك مصر ، وكان يقيم في مدينة طيبة (3)، ومنف ، والمدينتين : موهيب وسونيرو .(4) وفي هذه الأيام أرسل کمبس (قمبيز، إلى أورشليم ، وأمر أن يمنعهم من آن يبنوا مقدس الرب ثانية ، بمشورة سيئة من القوم الذين حوله . ومن ثم خرج إلى مصر بجيش كثير لايحصى عدده من راكبي الخیل ، والرجالة ، من ميديا (5)وكذلك استعد أهل الشام وأهل فلسطين لمقاومته ، ولم يخرب قليلا من مدن اليهود بل خرب كثيرا منها . لأنه كان قد امتلك العالم كله .
وغير اسمه بجسارة قلب ، وتسمى باسم نبوخذ نصر) (6)، وكانت طبيعته تشبه طبيعة البربر، یكره الناس بتدبير رغبته السيئة .
ص: 66
وكان أبوه کورش عظيما كبيرا عند الله الحي ، أمر أن يبنوا بیت الله في أورشليم بيقظة وحماس ، حينذاك أرسلهم إلى يشوع رئيس الكهنة أبن يوصادق (1) ، وزربابل (2)وهو عزار (3)وكل أسرى اليهود ليخرجوا إلى أرض العبرانيين و فلسطين .(4)
ص: 67
ویکیس (قمبیز)، وهو نبوخذ نصر الثاني (1)ویلطا سور أحرقا المدينة المقدسة أورشليم والمعبد کنبؤة القديسين الأنبياء ارميا (2)ودانيال . وبعد إحراق المدينة أتي کميس إلى غزة واستدعى المحاربين إليه وكل أدوات الحرب ونزل إلى مصر ليحاربها . وعندما حاربها حاز النصر واستولى على المدن المصرية : الفرما (3)، وشنهور(4) ، وسان (5)، وبسطه(6) ووجد
ص: 68
ابرا الفرعون حيا في مدينة طنفاس (1)، وقتله بيده . (2)
وكان هناك في مصر رجل محارب اسمه فوسید (3)، يعمل البر ويكره الجور ، وعندما كانت الحرب بين فارس والمصريين سار وحاربهم في الشام وآشور ، وأخذ أربعة أبناء کمیس ونساء، وكانت عدتهم أربعين نفسا ، وقيدهم . وأحرق بيوتهم وأسر كل من كان لهم ، وأتی بهم الى مدينة منف ، وحبسهم في بيت الملك .
وعندما كانت الحرب مرة ثانية بين الآشوريين ومصر أبدى الآشوريون قوة وتغلبوا على مصر واحتلوا قصر المملكة الذي كان في مدينة طيبة (4). وأطلقت قوات الآشوريين السهام ، وبينما هم يطلقون السهام سقط سهم(5) على الفخذ اليمنى لفرسید المحارب غير أن قوات مصر اختطفت فوسيد المحارب من الآشوريين قبل أن تزهق روحه ، وعاش قدر ساعة ، ثم مات، وترك ذكرى لمن جاء بعده .
وكان المصريون في خوف ، لأنهم فقدوا رجلا محاربا مثل فوسید، ومن ثم فروا إلى مدينة تصا(6) لأنها كانت مدينة حصينة ، وحصونها أقوى من غيرها .
ص: 69
وحارب کمیس (قمبيز )هذه المدينة ثانية ، وأسقطها ، وفتحها ، و فتح كل المدن أسفل مصر حتى شاطىء البحر ، ونهب كل أموالها ، وهدم مدنها ، وما حولها وأحرق بالنار بيوتها ، ولم يبق أحدا من الناس ، ولا الحيوان ، والأشجار جذها، وأتلف زروعها ، وجعل أرض مصر فقرا.
وعندما عاد إلى ناحية الريف (1)حارب مدينة منف ، وهزم الملك الذي بها،وكذلك مدينة بوصير التي كانت أسفل مدينة منف أسقطها ، وأتلفها، ونهب أموالها ، وأحرقها بالنار وجعلها نفرا ، وهرب أبناء الملوك الذين بقوا إلى مدينة أخرى قريبة منهم، في قصر، وأغلقوا أبواب القصر .
أما الآشوريون فقد عاصروا القصر ، وفتحوه لیلا ، وأسقطوا مدينة منف العظيمة وكان أحد ملوك مصر ، واسمه موزاب ، أرسل سرا الى ابنه ، واسمه اِلكاد (2)، ليأتي بالمال الذي كان له ولجميع حكامه وللأربعين سيدة اللاتی کن زوجات كميس وهو نبوخذ نصر وبهولاء السيدات اللاتي أتي بهن فوسيد المحارب وفتحوا أبواب القصر ليلا ، وأخذوهن، ودفعوا بهن إلى الصحراء من طريق آخر لا يعرفه الناس، وأبناء کمیس الأربعة أعادهم أهل منف، وعرجوا بهم إلى أعلى القصر، وقطعوا أوصالهم ، وألقوا بها إلى أسفل القصر حيث كميس (قمبيز).
وعندما رأی جیش کميس المبيز) هذا الصنيع السييء الذي صنعه أهل منف امتلئوا غضبا ، وحاربوا المدينة دون رحمة ، ونصبوا عليها المجانيق . وهدموا بيوت الملوك ، وتتلوا أبناء الملكين موزاب وسوفير (3)وكل الرؤساء القواد الذين وجدوا بالمدينة دون رحمة .
وحين عرف إلكاد موت أبيه هرب إلى بلاد النوية .
وأسقط كميس (قمبيز) كذلك مدينة أون،(4) وأعلى مصر حتى مدينة
ص: 70
أشمون (1)وحين علم أهل المدينة خافوا ، وهربوا إلى مدينة أشمونين ، وأرسلوا الى بلاد النوبة حيث إلكاد بن مزاب ليأتي إليهم ويجعلوه ملكا وينصبوه مكان أبيه ، فانه مارس الحرب من قبل في بلاد الآشوريين .
وفي الحال جمع إلحاد جيوشا كثيرة من الحبش والنوبة ، وحارب جيوش کمیس (قمبيز) شرقی نهر جيون (جيحون) ، ولم يستطع أهل الحبشة أن يجتازوا النهر ، وأهل فارس ، مملؤين خداعا ، ولوهم ظهورهم ، وأداروا وجوههم كالهارب وعبروا النهر في مبدأ الليل بعزم . واستولوا على المدينة ، وخربوها دون أن يعرف جيش إلكاد . وبعد أن أتوا تخریب مدينة إشمونين اتجهوا الى أعلى مصر ودمروا مدينة إسوان ، وتجاوزوا إلى طريق مدينة أحيف (2) انظر : محمد رمزی ، قسم أول ص 474(3)ذكرها المقریزی خطط ، ج1، ص 373) بأنها جزيرة تقرب من الجنادل (يقصد شلال أسوان) محیط بها النيل وإلیها تنتهي سفن النوبة وسفن المسلمين من اسوان بينها وبين اسوان أربعة أميال . وأشار محمد رمزی قسم 2، ج4 ص 217-220) مصححا رواية المقريزي بأن بلاق على شاطيء النيل الشرقي وليست جزيرة يحيط بها الماء ، وهي معروفة الآن بجزيرة أنس الوجود . او جزيرة القصر ، أو جزيرة فيلیه . وهواسمها الرومي ، وهي على مسافة عشرة كيلو مترات من أسوان بطريق السكة الحديدية . (4)) ، وسجدوا له، والتمسوا أن يجدوا منه شفقة وودا . وأشفق قمبيز على من بقي من المصريين الذين جائوا إليه طائعين بانقياد ، ورحمهم ، وأرسلهم إلى بلاد میدیا و بابل ، وولي عليهم حاكما منهم . ولم يأخذ من الكاد تاج المملكة ، بل أبقاه في مقر المملكة ، ولم يرسله (5)معه .
ص: 71
وعدد المصريين الذين أرسلهم معه قمبيز خمسين ألفا ، غير النساء والصغار وبقوا أربعين عاما في الأسر في فارس ، وكانت مصر قفرا .(1)
ومات قمبیز ، بعد تدمير مصر ، في مدينة دمشق (2)، وحكم أكراكيس الحكم العظيم عشرين عاما (3)، ولم ينتقص من حب الله وحب الناس . وأمر نحميا (4)
صاحب الشراب (5)= الساقي ) أن يبنى جدار أورشلیم. (6)ورضى الشعب اليهودي لتعظيم
ص: 72
کورش ودارا إله السماء وعبادته ، ومن أجل هذا دعم كل أعمال اليهود ورضى عن المصريين . وأحسن إليهم ، وجعلهم قادة مشورته مع قضاته . ثم أرسل المصريين الى بلادهم في العام الحادي والأربعين من أسرهم وتدمير بلدهم . وبعد عودتهم بدءوا بناء البيوت في مختلف قراهم، ليست كذي قبل بيوتا عظيمة ، بل بنوا لهم بيوتا صغيرة لسكناهم ، وزرعوا الزروع والكروم الكثيرة ، وولوا عليهم فيواتوروس (1)حسب وصية اكسراکسیس (2)محب الناس .
وكان هناك رجل مصری عطوف راض بالتعب ، حکیم ، محب للصالحات اسمه شنوفی (3)وترجمته : بشارة . وكان هذا الرجل يهتم كثيرا ببناء المدن والقرى وفلح الحقول ، حتی شید جميع قرى مصر في زمن وجيز ، وجدد مصر ، وجعلها كما كانت قبل . وكان هناك رخاء عظيم في أيامه ، وكثر المصريون جدا ، وكثرت حیواناتهم كذلك ، وحكمهم ثمانية وأربعين عاما في سرود وسلام ، وذلك لعودة أسرى المصريين مرة ثانية ، ومات في إكبار . وقبل أن يموت أحصى المصريين ، وكان عدد المصريين 000ر00 5 نسمة.
ويعد موت شنوفي ظل المصريون دون ملك زمانا طويلا ، بيد أنهم أدوا الضرائب لفارس (4)وللآشوريين جميعا ، وعاشوا في سلام حتي ولوا عليهم فرعونا آخر ملكا ، وأدوا له الضرائب. ولم يرض الفرس بذلك وأن يؤدي المصريون الضرائب لملكهم . وكذلك كان أهل فارس دون ملك بعد موت العظيم اكسراکسیس الذي رحم المصريين
ص: 73
ومن حكم بعد اكسراکسیس حارب اليهود أولا ، وخضع له اليهود . وكذلك حارب المصريين وانتصر عليهم ونهب أموالهم ، لأن أرض مصر حسنة جدا بعون الله .
وعندما علم سكطانافوس (1)وهو آخر الفراعين ، من السحرة العظام ، فإنه كان كذلك ساحرا ، سأل الشياطين الرجسة عما إذا كان سيحكم المصريين أولا ؟ وعندما علم وتأكد من الشياطين أنه لن يحكم المصريين قص شعر رأسه ، وغير مظهره وهرب ، وسار إلى مدينة الفرما ، وكذلك سار إلى مقدونيا (2). وأقام هناك .
وظل المصريون خاضعين لیولیانوس حتى جاء اسكندر البنطاریوسی (3)، وتفسير اسمه :
مالك العالم ، وقتل حسطاطس (4)ملك فارس . وبعد أيام قليلة حكم أكوش (5) فارس اثنی عشر عاما ، ومن بعد ذلك حكم اکسراکسیس) (6)ثلاثة وعشرين عاما ، ومن بعده حکم دارا
ص: 74
المسمي اکريوس (1)ستة أعوام « فخرج علیه اسکندر » وقتله وأخذ منه مملكة بابل ، لأن اسکندر بن فيليب المقدونی کان مالك العالم .
ص: 75
ص: 76
(1)وعندما تملك اسكندر بن فيليب المقدونی(2) بنى المدينة العظيمة اسكندرية في بلاد مصر ، وسماها باسمه : اسكندرية ، وكان اسمها من قبل راکودی (3)بلغة المصريين .
وبعد ذلك حارب بلاد فارس حتى حدود أوربا (4)، وشيد هناك مقرا حيث احتشد قواده وكل جيوشه ، وهناك وهب العظماء القادة وجميع حكامه وكذلك جيوشه الكثيرة ذهبا كثيرا . وأطلق على هذا المكان اکريول، (5)كما يسميه كل أهل بيزنطة (6)
ص: 77
وعندما حارب اسکندر فارس قتل كثيرا من جيوش دارا حتى أبادهم ، واستحوذ على مملكة دارا كلها ، وسادها (1)، وكذلك أخذ ابنته المسماة روكسانا: (...)وكانت عذراء واتخذها زوجة (2)، ولم يصنع بها شرا .
وأما ملكة الحبشة ، واسمها كنداكه (3)فلم يسيء إليها لرجاجة عقلها ، فإنها سمعت نبأ أعمال اسکندر وعاداته ، وأنه كان يختلط بالجواسيس عندما كان بريد محاربة ملك البلاد .
ص: 78
وقد عرفته الملكة كنداكه ابان مجيئه اليها مع الجواسيس ، فاسرته ، وقالت له : إنك اسكندر الملك الذي حكم كل العالم ، وأنت اليوم تؤسر بيد امرأة . فقال لها : إنك بخبرتك ، ولطافة عقلك ، وحكمتك أسرتي ، وأنا من الآن أحافظ عليك دون إساءة لك أو لأولادك ، واتخذك لي زوجة . وعندما سمعت ذلك انحنت له عند أقدامه ، واتفقت معه ، فاتخذها زوجة له . وبعد ذلك خضع له الأحباش .
وعند موت اسکندر قسم ملكته بين أصدقائه الأربعة الذين عاونوه في الحروب .
ونال أخوه العظيم فيليب بلاد مقدونيا ، وكان ملكا عليها وعلى كل أوربا .(1)وكذلك أقام على بلاد مصر بطليموس ملكا ، وهو الذي تسمى لاجوس (2).
ص: 79
(1)تاريخ الحكام الرومانيين الأوائل : يوليوس قيصر (2)الدكتاتور : وهو الذي استحوذ على السلطة والرئاسة على الرومانيين قبل ظهور تجسد سيدنا ومخلصنا يسوع المسيح.
ومولد بولیوس لم يكن كمولد الناس الذين تلدهم النساء في الشهر التاسع ، ماتت أمه عندما كانت حاملا، وبعد موتها تحرك الجنين في بطنها ، وعندما رأى الحكماء تحرك الجنين شقوا بطن أمه وأخرجوه حیا ، وربوه ، وسموه باسم قبصر (3). ولفظ قیصر معناه : ممزق ومقطوع ، ومفصول . عندما كبر سموه أيضا أدريوفاطون (4)، وعين بتدبير جيوش روما ، فكان ملكا . وعندما عزز ملکه خاف أهل فارس والبربر . وقیصر هذا جعل مبدأ العام الشهر الذي حكم فيه ، وسن القوانين للحكام وللولاة ، كل واحد بحسبه في كل أقاليم مملكته . ثم غادر بلاد الشرق وجاء الى اسكندرية المدينة العظيمة بمصر (5) ووجد
ص: 80
کیلو باطرا (1)الملكة بنت بطليموس الذي يدعی دیوناسيوس (2)الذي كان ملك مصر ، وهي فتاة عذراء جميلة ظريفة جدا ، فأحبها وتزوجها ، وولدت له ولدا ، وأعطاها مملكة مصر.
أما ابنه فسماه يوليوس قيصر ، وكذلك سماه قیصريون (3)، وبنى قصرا حسنا وكذلك بني بيتا جميلا مزینا لائقا ، وسماه باسمه وباسم ابنه .
وفي أيام العظيم قسطنطين ملك المسيحيين ، عندما تولى مملكة روما أسس کنیسة وسماها باسم القديس ، میکائیل ، والی الیوم تدعی کنیسه قیساریون (4)، نسبة الى من بناها : يوليوس قيصر الصغير ، وقیصر الكبير
ص: 81
(1)ونزلت الملكة كیلو باطرا من فلسطين الى بلاد مصر لتقيم هناك مقر ملكها . وعندما وصلت إلى مدينة فرما حاربت المصريين (2)وهزمتهم ، ثم وصلت الى اسكندرية ، وكانت ملكة بها . وكانت عظيمة في ذاتها وبأعمالها شجاعة وقوة ، ليس هناك من الملوك قبلها من عمل مثلما عملت هي ، وأنشأت قصرا عظيما فخما في اسكندرية يتعاظمه كل من يراه ، وليس له نظير في كل العالم ، بنته في الجزيرة ، جهة الشمال الغربي لمدينة اسكندرية ، خارج المدينة ، بعیدا قدر أربعة فصول وحجزت ماء البحر بالأحجار والتراب ، وجعلت التنقل فيه بالأقدام . وهذا الذي عملته جسيم وشاق .
وهذا الذي عملته بمشورة رجل حكيم اسمه اکسیافینوس (3)، جمل البحر يابسا ليكون
ص: 82
طريقا لمن يسيرون فيه ، وكذلك حفرت قناة حتى البحر ، وجلبت الماء من نهر جيون وأدخلته إلى المدينة ، وبهذا جعلت السفن تسير وتدخل الى المدينه (1). وبهذا كثر الخير .
وكانت المدينة من قبل دون مياه ، وجلبت هي إليها الماء تسير فيه السفن ، وبهذا كثر السمك في المدينة . وصنعت كل هذا بعناية قلب ، لإحياء المدينة . وعملت أعمالا حسنة كثيرة، وقوانين هامة قبل موتها .
وهذه السيدة العظيمة الحكيمة بين النساء ماتت في العام الرابع عشر من حكم القيصر أوغسطس. (2)
وبعد هذا خضع أهل اسكندرية ومصر حتى الجنوب لملوك الروم ، فتصبوا عليهم حكاما وولاة .
وحكم أوغسطس ستة وخمسين عاما وستة أشهر .(3)
وفي العام الثاني والأربعين من حكمه ولد سيدنا ومخلصنا يسوع المسيح(4) بالجسد ، في بيت لحم ، في يهوذا ، وهو في السماء وفي الأرض إله بحق ، له المجد .(ولد) في الأيام
ص: 83
التي صدر فيها الأمر بأن كل العالم يجب أن يسجل وأن يحصى كل الناس ، لأداء الضرائب. (1)وكان هذا الأمر بمشورة أورمانوس وأيللوس من عظماء وأعيان الروم . (2)
وكذلك وجد أوغسطس اسم شهر فبراير مكتوبا في وسط العام . وبالشهر الأول وهو شهر مارس رأس شهور العام الرومی (3). يكون هذا الشهر ، فبراير ، الشهر السادس من الشهور الرومية . فأمر أرغسطس أن يضعوا هذا الشهر خاتمة شهور العام ، لأن أوغسطس لام رئیس القواد في تلك الأيام ، المسمی مالیانوس القبادوقی مانحا نفسه السلطة والسيادة عليهم . وهو الذي رتب الشهور ، وكان ثقيل الوطأة شديدا على الرومان .(4)
ص: 84
وفي موضع شهر فبراير الذي جعله خاتمة شهور العام لأنه كان أقل من كل الشهور ، أحلوا بدله شهرا کاملا اسمه أوغسطس ، کاسمه ، وكان الشهر السادس . والشهر الذي يسبق هذا الشهر السادس ، وهو الشهر الخامس المسمى یولیوس ، الذي سمی به عم اوغسطس (1)
واتخذ الرومان هذه السنة وتمسكوا بها حتى الآن . ويسبق الشهرين السادس والخامس شهر مارس
(2)وبعد موت أرواس (3)الملك الخير حكم أندريانوس (4)، وكان هذا محبا لعبادة الصنم . وكان ثالث (5)من اضطهد المسيحيين ، وكان الشهداء كثيرين في كل مكان ، وقد عذبوا كثيرا، وكذلك قديس الرب أغناطيوس رئيس أساقفة أنطاكية الذي أقيم بعد بطرس رأس الحواريين ، أرسله إلى روما مقیدا ، وقدمه للأسد (6). وكذلك أمسك (بخمسة نسوة
ص: 85
مسيحيات من أنطاكية) (1)وسألهن وقال : من تعبدن : وعلى من تعتمدن حتی تركضن وتسرعن للموت ؟ فأجبن . وقلن : نحن نموت من أجل المسيح الذي يهبنا الحياة الأبدية ، وينقذنا من هذا الجسد الفاسد ، فامتلأ غضبا ، لأنه وثنيا ، ولم يحب إظهار كلمة القيمة . وأمر أن يلقوا أجسام النساء القديسات في النار . والتراب الذي وضع فوقه جسد النساء القديسات أمر أن يجمع وأن يضعوه في النحاس الموقد عليه في حمام الشعب (2)الذي بناه باسمه . وبعد هذا كان من يغتسل عندها في هذا الحمام يتبخر ، وفي الحال يسقط ، حين یشم هذا الدخان ويحمل خارجا ، وكل من يرى هذا يعجب له .
وكذلك كان المسيحيون يسخرون من الوثنيين ويمجدون المسيح ويسبحونه مع قديسيه .
وعندما علم اندريانوس هذا النبأ أبدل موقدي الحمام . وأزال منه آنية النحاس التي بها رماد جثث النساء القديسات ، ووضع رماد أجسادهن في خمسة أنصاب نحاسية ، وأقامها في هذا الحمام .
وكان يحرص على احتقار الشهیدات قائلا : لسن لي ، ولا لإلههن ومتن (الشهيدات) دون معرفة .
وفي هذا الزمن كان من الشهداء اطراسس ابنته ویونا ابنة فیلاسنرون (3)البطريق ، وكذلك كانت عذراوات أخر كثیرات شهیدات بيدي هذا الجاحد حرقا بالنار .
ص: 86
وعندما كان اندريانوس في أنطاكية اهتزت الأرض وزلزلت ليلا من غضب الله ، بسبب الرجس ، ثلاث مرات (1)ليس في انطاكية فقط ، ولكن في جزيرة رودس أيضا ، وكان الزلزال أيضا بعد صياح الديك .
. واليهود الذين كانوا في اسكندرية وفي ضواحي قروان (2)تجمعوا ، ونصبوا لهم حاكما اسمه لوقوان (3)ليجعلوه ملكا عليهم .
وحين سمع وتيقن اندریانوس هذا النبأ وجه اليهم قائدا اسمه مرقس دورران (4)مع قوات كثيرة ، وجيوشا عديدة ، فرسانا ومشاة ، وكذلك رجالا كثيرة في السفن .(5)
وجاء اندریا نوس إلى مصر وبنى قصرا ، وحصنا قويا لایتزعزع وأدخل اليه میاها كثيرة ، وسماه : بابلون مصر . ومن قبل ذلك بنی نبوخذ نصر ملك ماحي(6)وفارس أبنية وسماها
ص: 87
قصر بابلون عندما كان ملكا بها بأمر الله ، وعندما طرد اليهود بعد تخریب أورشليم ، وعندما قتلوا نبي الله بالأحجار في مدينة طيبة بمصر ، وأضاف اليهود سيئة فوق سيئاتهم . وتوجه نبوخذ نصر الى مصر مع جيوش كثيرة واستولى على مصر بسبب مقاومة اليهود إياه . وسمى القصر : بابلون باسم مدينته (1).
وأضاف اندریانوس بناء فوق القصر ، وفي أماكن أخرى فيه (2). وحفر
ص: 88
كذلك قناة (1)صغيرة القدر ليجرى الماء من جيون الى مدينة القلزم (2)، وأوصل هذا الماء الى البحر الأحمر (3)وسمی : هذه المياه باسمه : اندريانوس وبنی كذلك حصنا في منوف .
وبعد أن صنع ذلك كله مرض ، ومات في العام العشرين من حكمه .
الاشرار الها. وکان غنیا جدا . ومات میته سیئه. (1)
(2)ومن بعده ملك البوس انطونيوس نیروس (3)، وكان رحيما شفوقا خيرا ، سماه الرومان أولا : القیصر عبد الله ، وكان رجلا عادلا أيام حكمه ، حکی عنه المؤرخون أنه سبق الى اقامة العدل والقضاء على ظلم الرومان الذين كانوا قبله ، من سبقه كانوا يقترفون الظلم ، ويأخذون أموال الأغنياء ، نصف أموالهم عندما يموتون ، يقدمونه للمملكة مقابل ماتعهد به الآباء لأبنائهم ، ولم يستطع من قبله أن يبطل هذه السنة ، غير أنه أمر وأبطلها ليكون كل واحد متسلطا على ماله بعطى من يشاء . وكذلك وضع قواعد كثيرة عادلة ، وتشريعات تتفق والحق .
وبعد هذا نزل إلى أرض مصر وأسكندرية وأوقع شرا بمن عمل سوءا بها ، ورحمة لمن عمل صالحا ، لأنه كان رزينا فيه تساهل ورحمة(وصبر) وطول نفس .
وبنى بالأسكندرية بابين في غربها وشرقها ، وسمي بأبها الشرقي أبليو (4)، والغربي سلانیکی (5)، وینی مکانا للملهى بمدينة انطاکيه بالواح من الحجر الأبيض
ص: 90
وسماه امولون (1)وجلب الأحجار من أعلى مصر . وبني في كل مدينة حمامات وأماكن للقرائات .
ثم عاد الى مدينة روما مع جيوش كثيرة ، وبقي بها أياما قليلة ، ثم مات وهو ابن سبع وسبعين سنة ، في العام الثالث والعشرين من حكمه ، وترك مالا لابنه مارکوس. (2) ومارکوس بشبه أباه رحمة وفضائل ، وأنجز كل شيء حسب الشريعة والعدالة ، ومات على دين أبيه .
الباب الحادي والعشرون : (3)وعندما حكم دقلديانوس (4)المصرى عاد القادة لمعاونة هذا المنافق مضطهد المؤمنين ، والظالم الأكبر من جميع الظلمة . وامتنعت عليه مدينة اسكندرية ومصر ولم تريدا أن تخضعا له ، وأستعد بقوة لمحاربتهم مع جيوش كثيرة وقادة. (5)ومع الثلاثة الشركاء له في الحكم(6)
ص: 91
وهم مکسیمیانوس من النسل الشرير ، وفرنسطا (1)ومکسیمینوس (2)نزل الى أرض مصر وجعلها تنصاع له ، وهدم مدينة اسكندرية ، وبنى قصرا شرقي المدينة ، ومكث هناك زمنا طويلا لأنه لم يستطع الاستيلاء على المدينة وضمها الى نفوذه لهذا السبب ، وبعد زمن طويل خرج أهل المدينة ، وأروه مدخلا ليدخل اليها ، ويتعب كثير ومشقة وفتح المدينة ، وكان معه جیوش کثيرة لاتحصى . وفي داخل المدينة كانت آلاف الجنود مجتمعة لما كان بينهم من الحروب. أما دقلديانوس فقد ألقي النار في المدينة وأحرق كل شيء ، وتسلط عليها .(3)وكان عابد وثن ، ومقرب القرابين للأرواح النجسة ، واضطهد المسيحيين ، وكان كالحيوانات المفترسة، وكره كل شي، حسن ، وعارض الرب لأن سلطة روما كانت كلها في يديه . وقتل القسس والكهنة والرهبان ، رجالا ونساء وأطفالا صغارا ، وأراق الدم بكثرة لانحصي ، دون شفقة ورحمة ، بيد الموظفين آكلي لحوم البشر الذين عينوا في كل مكان ، وهدم الكنائس ، وحرق بالنار الكتب ، وهی وحی ربانی ، وکان اضطهاد كل المسيحيين على مدى تسعة عشر عاما منذ تغلب وحاز النصر بأرض مصر (4)
سعيد بن بطريق . ج1 1ص116
ص: 92
وفي هذا الوقت وجه أهل اسكندرية ليقطعوا رأس القديس الأب البطريرك بطرس خاتم الشهداء (1)، وقتلوا كل الأساقفة في بلاد مصر ، حين وجدوهم على العقيدة الأورثوذكسية (2)وعلى سيرة طاهرة ، حتى ظنه كل الناس عدوا للمسيح جاء لإهلاك العالم ، لأنه كان مقرا للشر ومخبأ للظلم .
وكان شرکاءوه مثله عملا وشدة ، وهم : مکسیمیانوس الذي ارتكب شرورا كثيرة لأن حكمه كان منه ، ومكسيميوس الثانی (3)الذي كانت منطقة حكمه جهة الشرق ، وكان كالحبوان المفترس ، عدوا لله ، مرتكب ا الأعمال الدنيئة . أما فرنطاس (4)الذي كان مشاركا له في
ص: 93
الحكم في أسبا (1)فلم يرتكب اثماما ، ولكنه كان يحب الناس ، ویعاملهم بالحسنى ،
وكذلك أمر أن يعلن قول البشير للمسيحيين في كل مكان تحت سلطانه ليمضوا مشيئة الرب الاله الواحد الحق . وكذلك أمر ألا يصنعوا بهم شرا ، ولا يوقعوا بهم اضطهادا ، ولايسلبوا أموالهم ، ولا يرهقوهم أي ارهاق . وأمر كذلك ألا يمنعوهم الخشوع والتبتل في الكنيسة المقدسة ليصلوا من أجله ومن أجل حكمه .
وبعد هذا العمل مرض دقلديانوس الجاحد ، ووقع في مرض جسمانی شديد(2) في العام الثالث من انهاء الاضطهاد الذي أوقعه بالمسيحيين ، وتبدل فكره وعقله ، ومن ثم أبعدوه من حكمه ، وطردوه بتدبير جيوش (3)روما إلى جزيرة تدعى راروس وكان بها أشجار كثيرة ، وكانت الجزيرة جهة الغرب ، وبقي بها وحده . وكان بهذه الجزيرة مؤمنون قليلون بقوا على قيد الحياة ، وكانوا يقدمون له یوميا الطعام الذي بأكله لیقیم جسده (4) ، وبينما هو على هذه الحال مقيما وحده ، عاد إليه رشده ، فرغب في الملك ، وساءل القادة والجنود أن يعيدوه إليهم من الحصن ويجعلوه ملكا عليهم كما كان من قبل . ولكن الموظفين والقادة والجنود لم يرضوا ، قائلين : هذا الذي تغير عقله وفسدت ذاكرته ، الذي أبعدناه عن الحكم ، لانقبله ثانیه .
ص: 94
ومن أجل هذا الرأي اشتد به الحزن ، ولم يستطع أن يصنع ما أراد عدو الله وعدو شهدائه القديسين ، وكان يبكي ، وعيناه تفيضان دمعا غزيرا ، حتى أحاطت به البلايا من كل جانب . وسام عقله كثيرا ، وعميت عيناه، وانتهت حياته ، ومات .
ومکسیمیانوس الدائم الشرور ، يمارس السحر كثيرا لدقلديانوس ، ويديم الآثام ، دعاء اسم الشياطين ، وكان يبقربطون النساء الحوامل ، ويعرق الناس والحيوان تقربا للأرواح النجسة. وبينما هو على هذه الحال اختنق ، ومات بعد موت أبيه بعامين ، ولم يقتل بيد الناس، بل بيديه هو .
وكذلك مكسيمینوس (1)الجاحد لم ينقص الشر الذي كان يصنعه دقلديانوس ، وكان يعمل في بلاد الشرق ، وافريقية (2)، والمدينة العظيمة اسكندرية ومصر والمدن الخمسة ، ويقتل القديسين الشهداء دون سبب ، منهم من ألقاه في البحر ، ومنهم من قدمه للحيوانات المفترسة، ومنهم بحد السيف ، ومنهم للاعراف بالنار ، وكان يهدم الكنائس ، ويحرق بالنار الكتب المقدسة ، ويشيد بيوت الآلهة التي خربت ، ولم بشنق على النساء الحوامل ، ويبقر بطونهم ويخرج الأجنة ويحرقها قربانا للشياطين النجسة ، ويضطر الكثيرين ليعبدوا الأوثان .
ولم ينج هذا أيضا من غضب الله ، فقد كان مرض السعال بصدره بأمر الله ، ولم يشف ، وتقرحت أعضائه الداخلية وانتشرت بها الديدان المهلكة ، وكانت رائحته كريهة ، ولم يستطع الناس أن يقتربوا منه ، وسقط في هذه الشدة العظيمة والبلیة الكبيرة ، وانقطع أمله في الحياة، ولم يجد له راحة لشدة المرض . وبعد هذا عرف وتأكد أن ما ألم به من المرض هو من
ص: 95
المسيح الاله الحق ، لما ابتلى به المسيحيين . وحين أحسن استجماع فكره الباطني أمر الموظفين ولاته أن يخففوا الاضطهاد عن المسيحيين . وعندما اصطنع حب الناس هذا ، انحسر عنه المرض الذي أتى به اليه الرب ، ونال الشفاء . وبقي سبعة (1)أشهر منذ تاب من خطيئته. وفكر ثانية في أن يستأنف اضطهاد المسيحيين ، ونسي من شفاه من التعب العظيم ، المسبح عيسى إلهنا ومخلصنا . وبدأ ثانية قتل المسيحيين (2)، وأقام نصب آلهة جديدة في المدينة العظيمة انطاكيا ، وتابع أعمال الشياطين والسحر التي كان يزاولها . بيد أنه سرعان مانشبت الحرب ضده في أرمينيا ، وحدثت مجاعة شديدة في كل بلاد مملكته ، ولم تظهر الثمار في حقولهم ، وخلت مخازنهم ، وكان هناك صرعی وموتی لانعدام الطعام ، وصار الأغنياء فقراء لأن قوم أبراکیس (3)نهبوهم سریعا . وكان الناس جميعا يبكون وينوحون بمرارة، وفقدوا الحياة ولم يجدوا من یدفنهم. (4)والوثنيون الذين في بلاد المغرب (5)كانوا ممتلئين بكاء وحزنا لفقدهم دقلديانوس ومکسیمیانوس ابنه ، وأرسل اليهم مکسیمیان ابنه مکسندیوس فأسس سيرته في هذا المكان ، فإنه كان ابن جاحد ، وكان يحرص على إملاك هؤلاء ، وكان من قبل
ص: 96
مخادعا يريد أن يرضي كل آل روما ملازما للإيمان. وأمر أن يقللوا (1)من اضطهاد المسيحيين، وتشبه هذا بمن يعبد المسيح ، وبدأ يعمل على حب الناس أكثر مما كان عليه سابقوه ، وبعد زمن قليل تأكد ضلاله ، فكان كآبائه ، كذئب في مخبئه ، وأكمل خدعة آبائه، وأظهر شروره الباطنه ، وكان أحمق ، لم يترك شيئا من الرجس والدنس ، ومارس في إثم وجه أعمال الزناة . وأساء إلى كل الناس والنساء اللاتي لهن أزواج تزوجوهن حسب الشريعة ، كان ينام معهن جهارا ، لاسرا ولكن علانية ، ويرسلهن في التو إلى أزواجهن . ولم يشأ كذلك أن يعنيهم من الظلم الذي كان بصنع بهم بأمره . واستحوذ كذلك على أموال الأغنياء لأسباب كثيرة ، ومن ليس لديهم مایهبونه یأخذ مايجده لديهم ، وقتل آلافا كثيرة من أجل أموالهم . والأعمال التي اقترفها هذا الجاحد لايحصيها قول . ولم يجد آل روما مايصنعونه ، لأنه صنع بهم مالم يكن من عادة بلدهم.
غير أن فرنسطا (2)عبد الله الطيب الذكر الذي أكمل مسيرته بحكمه وتعتل المحبوب العادل - كان كل الناس يصلون من أجله ، ويدعو له الكبار وكل الجنود والقاده (3)، وهو الذي أسس مدينة بيزنطه(4) ، وسلك مسلكا حسنا في عدل . ثم مات وسار إلى الرب .
ص: 97
وخلف ولدا صالحا هو قسطنطين (1)حبيب الله الكبير ، المضيء بالحق ، المتألق ، ونصبه ملكا متولیا بدله . وهذا العظيم المثلث السعيد (الطوبانی) عمل لارضاء الرب في كل وقت . وكان يحب كل الناس في مملكته ، ويصنع الخير للجميع ، وأتى كل أيام حكمه في تواضع وقوة و طهارة ، وكان عظيما أمام الرب الحي إلى الأبد . وامتدحه القادة و كل الجنود لأنه يغار غيرة طيبة للرب . وظهرت في أيامه وضاة وحكمة مسيحيتان ، قوة وعدالة ، وحب للناس وصبر. ولم يقبل لديه قول (الهراطقة) الخارجين فقط ، بل جعل كل من كان تحت سلطانه يخضع للرب، ولم يمارس شيئا من الظلم . وكذلك لم يصبر على أن يترك الكنائس التي تهدمت دون أن يبنيها . ولم يترك كذلك شيئا يعوق عبادة الرب المقدسة المسيحية ، الذي كرس به ليصير ملكا في حسن وتواضع .
وعين لوكیوس(2) زوج أخته قسطنطینه شریکا له في حكم مدينة روما ، ولم يترك شيئا من حسنات قسطنطين الملك العادل ، فانه حلفه حلفا عظيما ومهيبا أن بعمل عدلا ، وألا يخطىء في حق سيدنا يسوع المسيح ، ولا في حق من يعبدونه .(3)
وفي هذا الوقت ظهر في الشرق مکسیمیانوس(4) الكافر الذي تسلط عليه الشيطان . المعارض للرب لأنه استولى على مملكة الشرق لنفسه ، ودبر أن يقتل الملك العادل قسطنطين
ص: 98
ولم يرد أن ينفذ رسالة مختومة (من لدن قسطنطين (1))إفقد كان يشن الحرب في كل المدن والقرى التي تحت نفوذ صاحب مدينة القسطنطينية ، ولم يستطع قهرها .
أما قسطنطين عابد الله ولکینوس زوج أخته فقد استعدا كلاهما لحرب هؤلاء الخارجين .
فسار قسطنطين لحرب مکسیطس (2)الذي كان في مدينة روما ، وسار لیکینوس لحرب مکسیمیانوس الجاحد صاحب بلاد المشرق. (3)
وعندما علم مکسیطس خروج قسطنطين عابد الله أبحر بالسفن ، ودخل نهر ايطاليا (4)الذي يتجه إلى مدينة روما ، وبني جسرا بناء متينا ليمر فوقه المحاربون ومن يتبعه والعرافون الذين يقصون علیه مسموعاتهم من الشياطين ، وهو لا يعرف أن معونة المسیح كانت مع قسطنطين عابد الله . وعندما تجاوز مکسیطس الجاحد وكل من معه نهر ایطالیا،(5) خرج أمامه الفرسان الذين فوق الجسر(6) نبل وصول قسطنطین حبیب الرب . وعندما وصل
ص: 99
قسطنطين وقف بعيدا ولم يدخل الحرب ، بل كان ينتظر حتى يرى معونة الرب ، وكان الأعداء يشتدون ويقوون . وبينما كان قسطنطين في هذا الحال وقد نام وهو حزين أسيف القلب ، ورأی رویا شبه الصليب المقدس في السماء مكتوبا عليه كتابة تقول : أنه یرمز الصليب تنتصر عليه. (1)وفی الحال نهض ، وبسرعة بدأ الحرب ، وقاتل وانتصر على من يقاومه ولم يبق منهم أحد واستأصلهم جميعا . ومن كان مع مکسیطس (2)رئيس القواد أرادوا أن يهربوا ويسيروا إلى مدينة روما فانكسر بهم الجسر بأمر الله ، وغرقوا جميعا في عمق اللجة . وكان في مدينة روما فرح بغرق الجاحدين وأضاء الشموع جنود قسطنطين وعظمائه وقواده وكل الأعیان والفلاحين والأطفال جميعا ، ولبسوا ملابس نظیفة بيضاء وخرجوا مع الموسيقيين لاستقبال عبد الله الملك قسطنطين. (3)ولم تكن مدينة روما وحدها هي التي فرحت، بل كل المدن والقرى ومدينة قسطنطينية،(4) . ولم يتعال قسطنطين في نفسه ولم يتباه بعظمته وانتصاره كالملوك الآخرين ، بل كان حييا متواضعا شاكرا للرب مسبحا سيده وسيد الجميع ، يسوع المسيح ملك الملوك وسيد الأسياد . ثم دخل مدينة روما منتصرا ، فسجد له كل أهل روما.
ص: 100
ومن نجا من القتل من الرجال خضعوا له تحت إمرته . ثم دخل قسطنطين القصر متوجا بتاج النصر ، وتحدث لكل الناس عن القوة التي كانت له والنصر الذي وجده من لدى الرؤيا التي رآها في السماء هيئة الصليب المقدس . وعندما سمع الناس كل هذا قالوا : عظيم هو رب المسيحيين الذي نجانا ونجي بلدنا من يد الجاحدين ، وأمر في الحال باغلاق بيت الطواغيت وفتح أبواب الكنائس ، ليس في روما فقط ، بل في كل المدن (1)وكان القديس سلبطرس (2)بطريرك روما يقدم له النصح الحسن ويعلمه الأمانة النقية .
ثم سار لحرب بلاد فارس ، وهزمهم وبعدما هزمهم تركهم في سلام ، وألزمهم بالجزية مع البوق الذي بنفخ فيه للملوك. (3)ورضى عن كل المسيحيين الذين كانوا هناك ، ونقل حکام البلد وكل الموظفين ونصب عليهم رجالا مسيحيين ، وبنی کنائس حسنة في كل المدن والقرى
ص: 101
وكذلك أرسل أمه إلين (1)الملكة حبيبة الرب لتبحث عن خشبة الصليب (2)الكبير الذي صلب عليه سيدنا ومخلصنا يسوع المسيح ، له المجد ، في مدينة أورشليم (القدس) المقدسة في أيام السعيد الأنباء أيليمون (3)مطران أورشليم ، وينت كذلك مكان قیامته المقدسة بناء عظيما ، وجددت بناء أورشليم أفضل من ذي قبل ، ويقي حتى الآن (4). وینی كذلك الملك قسطنطين كنيسة مزخرفة حسنة المنظر(5) في مدينة بيزنطة ، لم تكن صغيرة القدر ، بل
ص: 102
عالية جدا . وبعد أن أتم بناءها سماها باسمه : قسطنطينية ، لأنها كانت تسمى أولا بيزنطة وأحب البقاء بها هناك ، وجعلها مقرا المسیح(1) ، وجمع كذلك الكتب المقدسة ووضعها في الكنائس .
ثم جمع القديسين ال 318 في مدينة نيقية (2). وأسس العقيدة الأرثوذكسية ولايستطيع أحد أن يحصى المحاسن التي صنعها .
وكان أحد الحكام الطيبين واسمه أبلاويوس (3)المسيحي ، عمل باهتمام لاكتشاف الخشبة
المجيدة التي صلب عليها سيدنا ومخلصنا يسوع المسيح ، له المجد .
ص: 103
وال 318 الذين اجتمعوا بنيقية أكبروا الملك قسطنطين الخاضع للرب ، وأمه الملكة إلين حبيبة الإله ، وأقاموا لهما نصبا لائقا بهما ، وسجلوا عظمتهما من البدء حتى النهاية .
وسار لكينوس الذي تولى مملكة الشرق لمحاربة مكسمينس (1)الجاحد ، وعرف هذا الخارجي صانع الشر أنه خرج إليه ليحاربه ، وسقوط مكسینتوس(2) وهزیمته على يد عبد الله قسطنطين الملك ، وطلب السلم من لكينوس ، فأرسل لكينوس إلى قسطنطين قائلا : طلب مکسمینس (3)السلم ، وقبل عقيدة المسيح العظيمة الطاهرة ، وترك معصيته التي كانت به، وعقد معاهدة معی .
فأرسل قسطنطين أن يقبله ، وأرسل مکسمينس(4) ، مضمرا في نفسه الشر والغدر رسالة مكتوبة إلى جميع موظفيه تحت إمرته : ألا يضطهدوا المسيحيين . وعندما وصلت الرسالة الى موظفية عرفوا أن هذا العمل لم يكن حسب إرادته ، ولكنها عقيدة الذين تسلطوا عليه . ولهذا لم يكن معظما لدى أحد ما لما صنع أولا من الشر بالقديسين .
ولم يمنع الملك قسطنطين أحدا من المسيحيين العظماء أن يعقدوا المجامع وأن يبنوا الكنائس بل كان حافظا العقيدة المسيحية هاربا من عبادة الطاغوت وكذلك يوصى الجميع ويعلم أن يبقوا الكنائس في سلام ، ويحارب من أجل العقيدة العادلة.(5)
ص: 104
وكان رجل اسمه جلاسيوس من مدينة مارسيماس (1)القريبة من دمشق مقدار میل( ؟)
ومعه ناس كثيرون يحبون الطاغوت ویقطنون في مدينة أنطونولیوس (2)في لبنان . وفي هذا الزمن اجتمعوا في الملهى ، وأخذوا معهم قوما من العامة صبوا ماء باردا في إناء كبير من النحاس ، وأخذوا يسخرون بكل الذين جائوا بالمعمودية المقدسة للمسيحيين . ونزل رجل من هؤلاء العامة إلى هذا الماء وتعمد. وعندما خرج من الماء ألبسوه رداء أبيض ، فإنه كان من العامة قبل هذا الصنيع ، وبعد أن خرج من الماء لم يرد أن يصنع الدناءة والسخرية ، بل قال : أريد أن أموت على مسیحيتي من أجل المسيح . وقال رأيت قوة عظيمة عندما سخروا بالمعمودية المقدسة . ثم سار من مكان هذا الماء القليل . وملا الغضب والحنق كل من كانوا معه هناك ، فإنهم كانوا عباد الطاغوت ، ونزلوا من الملهى ، وأخذوا الرجل القديس ، وقذفوه بالأحجار ، فنال تاج الشهادة الذي لايبلی ، وعد مع الشهداء القديسين وجاء أهله مع كثير من المسيحيين ، وأخذوا جسده ودفنوه في المدينة ، وبنوا فوقه كنيسة حيث دفن جسده .
وأسم هذا الرجل جلاسيوس : يوحمنا الله بصلاته .(3)
ص: 105
ولم يترك مكسیميانوس النجس آثامه الشريرة ، ولم يتمسك بقوة الصدق التي اكتسبها من الرب الملوك المحبون لله ، وسيرتهم حسنة بتعلمهم وتعقلهم .
وهذا الخارج استحسن أن يشن حربا ضد الملوك محبي المسيح ، فقد غلبه الشيطان الذي أضله ، ونظر للمجد السابق غير المحدود الذي ضاع ، ولم يختر لنفسه مايوافقه ويحسن له ، وبدأ بغرور قلب وغلظ رقبة ، فنقض المعاهدة التي عقدها مع لكينوس ، واجتهد أن يعمل عملا يؤدي لإهلاکه خوفا ...(1)وتغير قلبه ، وحمل كل الناس على أن يفسدوا المدن ، وكل الموظفين الذين تحت سلطانه ، وجمع آلافا كثيرة لیحاربوا الملوك محبي الاله ، واعتمد على الشياطين الذين تعلم منهم .ومنذ بدأ الحرب بعدت عنه معونة الرب ، وانتصر لكينوس ، وقتل كل المحاربين الذين كان يعتمد عليهم ، واجتمع من بقي من القادة والجنود حيث لکينوس وسجدوا تحت أقدامه . وعندما رأى مکسمینس (2)هذا فر خائفا لأنه ضعيف القلب ، وخرج من الحرب خجلا ، وعاد إلى بلاده ، وامتلأ غضبا وحقدا على كهنة الطاغوت والأنبياء الكذبة والعرافين ، لأنهم أشاروا عليه مشورة (غير) (3)حسنة ، ولهذا قتل من كان يفخر بهم ويجعلهم آلهة . وآنذاك تأكد لديه أنهم كاذبون لا يستطيعون معاونته في الحرب وجحد الشياطين الذين كانوا يرشدونه بالمشورة ، وقتل السحرة الذين بصنعون الشر ، وعجز هو عن إنقاذ نفسه : كان ضعیفا ، ولم بسبح إله المسيحيين ، ولم يقبل (4)شريعته ، وأفضاله جميعا.
وأمر لكينوس (5)أن يحاربوا من بقي في العام العاشر من طرد المسيحیين الذين طردهم دقلديانوس أبوه عدو الله طوال هذه الأيام لم يتب (6)توبة مقبولة ، ولم يرج رجاء الخلاص .
ص: 106
وبعد أن هرب من الحرب مرض بمرض القلب ، وتعب تعبا كثيرا جاء من قبل الرب ، واحترق جسده بنار المرض ، واتقدت هذه النار في بطنه وتغير منظره وفسدت أعضاؤه ، ویلی کل مافی جوفه ، ونتأت عظامه ، وأخيرا جحظت عيناه . وبينما هو في هذه الالآم بارحت نفسه جسده. (1)وهلك هؤلاء الثلاثة أعداء الله ، وهم دقلديانوس وابناه . وعرف مکسیمیانوس الجاحد قبل موته أن ماحدث جمیعه كان لعصیانه المسيح ، وماصنعه من شر بقديسيه المسيحيين .
وفي هذه الأيام استحوذ لكينوس على بلاد المشرق وكان متسلطا عليها وعلى قراها . وظلت الكنائس في هدوء وسلام ، وجدد بنا ءها مرة ثانية ، وأضاعت الكنائس بنور المسيح..
ثم جهد الشيطان الشرير دائما أن يسيء ثانية إلى المؤمنين ، کسبع مفترس يخدع بالحيلة اللطيفة والغش لكينوس ، وجعله بنسي الأعمال الحسنة السابقة ، ومال إلى أن یعمل عمل من عميت عيونهم وتحمس لسيرتهم السيئة ، ولم يكن فرح القلب كما كان قبل ، ولم يكن هذا من قبل غريبا على الملك قسطنطين ثم نسي المعاهدة والقسم الذي كان بينهما ، ودبر تدبیرا سیئا للملك العظيم قسطنطين لیقتله لكن المسيح إلهه الحق بدد تدبير لكينوس ، وكان من قبل بسبح يسوع المسیح ويمجده ، ولما جحده أسلمه إلى موت مریر ، ولم يتركه لما صنع من إساءة .
وأخذ لكينوس بطرد المسيحيين ويحارب قسطنطين حبیب الرب ، مثله مثل الجحدة الذين سبقوه وطمس الرب ذكرهم ، وكذلك بدأ بهدم الكنانس ویغلقها ویقتل القديسين المؤمنين . وأساء إلى القادة الأقوياء من المسيحيين ، وقضى بالدينونة على الأغنياء ، وعين موظفين على كل المدن والقرى ليحملوها على ترك عبادة الرب المقدسة التي للمسيحيين فلا يقيموا صلاة للملك العادل قسطنطين ، وحولهم من عبادة الرب إلى عبادة الأوثان، وأكثر جدا من الآثام (2).
ص: 107
ولم يبدل قسطنطين التسابيح والسجدات للإله الواحد المعبود بحق ، وجمع جيوشا كثيرة مع اکریس (1)الملك الذي نصبه ، وكان قویا حبيبا للناس مؤمنا بالرب وأخذوا يحاربون أعداء الرب ، وكان سيدنا ومخلصنا يسوع المسيح يرشدهم بقوة لاتتزعزع .
ولم يتساهل قسطنطين مع لكینوس صهره بل تشدد للأمانة المقدسة التي تركها هذا المخالف فمال ناحية الأوثان ولذا خرج إليه سريعا مغضبا وأسقطه ، واستأصل كل قواته بموت شنیع مریر . وكل هذا الذي صار إليه أصابه لإنكاره المسيح ونقض اليمين والمعاهدة التي كانت بين قسطنطين وبينه . ثم استولى على ملكة لكينوس وجعلها واحدة من أملاكه ، وكذلك استولى على ملكة المشرق والمغرب مملكة الجنوب والشمال ، ودخلت كلها في طاعته (2)، وصنع السلام في كل مكان . واتفق مع الجميع ، وأحس بالسعادة لدى الجميع ، وحصن کل حدود مملكته بالعدل حتي خضع له أعداؤه تحت طاعته بقدرة سيدنا يسوع المسيح بن الرب المعبود بحق .
ونصب ابنية ملكين ، وهما قسطندیوس قسطس (3)باكبار وتعظيم ، ثم مات
ص: 108
دون حزن قلب ومشقة (1)لأن سيدنا يسوع المسيح الإله بحق صان مملكته حتى الجيل الثالث.
وكان قسطس السعيد كأبيه ، وسار سيرة حسنة ، وأتم جميع أيامه بالصالحات . وأخذ أهل اليمن بعده في معرفة الرب ، وأضاعوا بنور مجد سیدنا يسوع المسيح ، له المجد ، بسبب سيدة قديسة اسمها تاوجنسطا ، وكانت عذراء راهبة أسرها من ديرها على حدود الروم وقدمها إلى ملك اليمن ، قدمها له هدية .
وهذه المسيحية كانت غنية جدا بنعمة الرب ، وقدمت حالات كثيرة من الشفاء ، وجذبت ملك الهند إلى الإيمان ، كان مسيحيا مع جميع شعب الهند بسببها . وسأل ملك الهند وقومه الملك أنوریوس (2)حبيب الإله أن ينصب لهم مطرانا ، ففرح فرحا عظيما لدخولهم في الأمان ورجوعهم إلى الرب . ونصب لهم مطرانا قدیسا اسمه تارونيوس يؤدیهم ويعلمهم ، ويثبتهم في دين المسيح إلهنا حتى صاروا مستحقين للمعمودية التي هي الميلاد الثاني بصلاة القديسة العذراء تارجنسطا. والمجد لسيدنا يسوع المسيح صانع المعجزات وحده ، والمنعم بالهبات الحسنة لمن يتوكل عليه .(3)
وكذلك كان أيضا ببلاد الهند ، أعني الهند العظيمة ، فإن أهل هذا البلد كانوا قد قبلوا من قبل رجلا اسمه أفرودیت (4)، كان نببلا من بلاد الهند ونصبوه
ص: 109
مطرانا علیهم بإذن من أثناسيوس (1)الحواري بطريرك الاسكندرية (2)، ويوضع اليد.
وقال له عن النعمة التي نالها من الروح القدس ، وعما وجدوا من خلاص نفسه بنعمة المعمودية المقدسة ، وكان مستحقا لهذه الهبة . وكان ، مثل قسطنطين الملك حبيب المسيح ، رسول الرب المنير كل وقت وكل ساعة ، يرشده ویعلمه وصية الرب حتی بوم وفاته الذي لاینسى ، وكان يوقظه للصلاة من نومه كل يوم ، وما كان یتجلى لأحد من الملوك غيره . وبينما كان يرى روءی في السماء مات في سيرة نقية ، وكان قربانا لله ، وذهب إلى الراحة في السموات .
(3)وهذه هي أسماء أبناء قسطنطين الملك العظيم : قسطنطبوس وقسطوس وقسطنطين. وجعلوا معلكة أبيهم ثلاثة أجزاء، واقترعوا ، فخرجت قرعة قسطنطیوس بلاد آسيا ، فحكم بها .
ص: 110
وقسطنطين مدينة قسطنطينية ، فجلس على عرش أبيه ، وحكم قسطوس روما ، مدينة الروم العظيمة (1).
وكان بين قسطنطیوس وقسطنطين ضغينة بسبب الحكم ، ويسبب الشعوب التي كانت تحت سلطانهما . ولما تحاربا فيما بينهما مات قسطنطين في الحرب ، وبقي بعد هذا قسطوس ، وهو أصغرهما ، في روما وحدها . وفي مدينة بيزنطه التي هي قسطنطينية حكم قسطنطیوس ، وفي أيامه ظهر أريوس (2)وانحرف هذا عن عقيدته فكان أریوسيا .
وغضب قسطوس لعقيدة أبيه ، ولم يكن مرائيا بعقيدة الرب ، وتشبه بأخيه الذي مات في الحرب ، وكان يعجب به ، ويكره أخاه الذي حكم في آسيا بسبب أنه لم يحفظ عقيدة أبيه قسطنطین حبیب الإله ، وبسبب ما أثار من كلام كثير لمعارضة أثناسيوس الحواری بطريرك اسكندرية ، ويسبب طرده من كرسيه إرضاء للهراطقة ، وهم الأريوسبون . ولم تكن الكراهية والتفرقة بين كلا الأخوين الملكين : قسطنطيوس وقسطوس ضئيلة ، ليس بسبب قتل أخيهما . الذي كان بغيضا فقط ، بل بسبب القديس اثناسيوس بطريرك الأسكندرية (3)، وبسبب أنه لم يسر سيرة أبيه ، وبسبب أنه لم يرض سیدنا يسوع المسیح ، ولهذا شدد الكراهية لأخيه . وبينما كان في هذا الأمر مات قسطوس مرضيا الرب . لاعنا قسطنطیوس لعمله السيء.
ص: 111
وبعد موت قسطوس أرسل الملك قسطنطیوس إلى اثناسيوس قائدا ليقتل الأب الكبير رئيس الكنيسة ، وكان قسطوس من قبل يحميه من شر أخیة ، وكان قسطنطیوس يخشى أخاه ويخفى الشرور في نفسه ، وبعد موت أخيه قسطوس أظهر كل مافي قلبه وأراد أن يقتله . لكن يمين الله حمته ، فهرب واختبا ونجا منه . وبدأ القائد الذي أرسل إلى اثناسيوس الحواری الشغب للمسيحيين لأنه كان من جماعة مانی (1).ولم يكن الأریوسبون وحدهم في هذه الأيام هم الذين أثاروا الشغب ضد الكنيسة ، فالمانيون ثاروا من جانب آخر ويدعوا الاضطهاد ضد المسيحيين ، والشغب الكثير وإراقة الدماء ، ومن ثم قام قائد قوی ضد مدينة روما ، اسمه مغندیوس (2)، واستولى على المملكة وقت غروب الشمس (3)دون إذن قسطنطیوس ، وسار إلى بلاد أورابی،(4) ، وتقاتل مع قسطنطیوس ، ومات خلق كثير من الجانبين . وبعد موت مغنديوس القرى انتصر قسطنطیوس ، واستولى على كل ما كان لمغندبوس ، ولما حاز قسطنطبوس النصر لم يمجد الرب كالملوك المسیحیين الذين قبله ، بل تبع الأريوسبين في كل عمله .
ص: 112
ثم اجتمع (1)مجمع الأساقفة الهراطقة بمدينة منطاليا (2)وهي مدينة ايطاليا بتدبير هؤلاء العصاة الذين انتقصوا العقيدة الأرثوذكسية وأنكروا ألوهية الثالوث المقدس ، واضطرهم قسطنطیوس) أن يكتبوا كتاب إدانة ضد اتناسيوس الحواری بطريرك اسكندرية مع من تبعه من الأساقفة .
وفي هذا الزمن أشعل الممتلئون بالشر وأهل الأوثان النار ليحرقوا جسد القديس يوحنا المعمدان ، غير أن قوة سيدنا يسوع المسیح بددت تدبيرهم ، فرأوا شبحا جسیما ، وفر العصاة كلهم . وكان هناك سکندریون ، فاخذوا جسد القديس يوحنا ونقلوه إلى مدينة اسكندرية وقدموه سرا إلى القديس اثناسيوس البطريرك قبل هربه ، وهذا قدمه وأبقاه في بيت لحاكم من عظماء المدينة سرا . وعرف قليل من الكهنة هذا السر وتاوفیلوس البطريرك الثالث وكان في هذا الوقت قارئا ومنشدا حين أحضروا جسد القديس يوحنا (3)، ويعد اثناسيوس كان
ص: 113
بطرس (1)بطريركا ، وبعد بطرس أخوه تيموتاوس أكریمون (2)وترجمته عديم اليسار . وبعد تیموتاوس : تارفيلوس الذي هدم معبد الأوثان التي اسمها أرامو (3)وجعله کنیسة
ص: 114
مشيدة عالية مزينة جدا ، وجعلها في إكبار مقرا لجسد القديس يوحنا المعمدان (1). وقيل أيضا : وبعد أيام كثيرة أخذ تاوفیلوس جسد القديس يوحنا مع رأسه وأقرها في المقبرة التي بنیت في وسط الكنيسة ، وأعد احتفالا كبيرا وعبدا مجيدا ، وافتخر أهل المدينة به وعظموه بالثناء.
(2)وقيل في شأن القديس تاوفیلوس (3)بطريرك اسكندرية أنه كان من أهل مدينة منف ، وهي مدينة فرعون المسماة من قبل أرجادیا (4). وهو من نسل مسيحي ، وكانت له أخت صغيرة وأمة اتيوبية كانت لأبويه ، وكانا يتيمين ، وكان هو صغيرا في سنه وفي جسمه ، وفي ليلة من الليالي ، وقت الفجر ، أخذت هذه الأمة "أدیشمو" الأطفال وأدخلتهم في بيت الأوثان النجسة : أرد میس ، وأبوللون لأداء الصلاة حسب آثامهم.
ص: 115
وعندما دخل هؤلاء الأطفال خرت الأوثان على الأرض وتحطمت ، ولهذا خانت هذه الأمة . وأخذت الأطفال ، وذهبت ، وهربت إلى مدينة نقيوس لأنها خشیت كهنة الأصنام الرجسة . وخافت أيضا أهل نقيوس أن يعيدوها إلى كهنة الأصنام ، وهربت الأطفال ، ووصلت الى مدينة اسكندرية ولا أثارتها الفكرة الدينية وحلت عليها نعمة الرب أخذت الأطفال وادخلتهم الكنيسة لتعرف وتتبين أمر سر المسيحيين . وفي الحال کشف الرب للأب أثناسيوس بطريرك اسكندرية أمر الأطفال عندما أدخلتهم الكنيسة ومقامهم في مكان التهذيب ، فأمر أن يصونوا الثلاثة حتى يتموا القداس . ويعد هذا أحضروا الأطفال والأمة إلى القديس اتناسيوس ، فسال الأمة وقال لها : ماهذا الذي صنعت ؟ ولم لم تساعدك الأصنام اللاتي ليس لها منطق ؟ بل عندما رأت الأطفال الروحيين سقطت على الأرض وتحطمت ؛ ومنذ الآن یكون هؤلاء الأطفال لى . وعندما سمعت الأمة هذا عجبت من كلام القديس ، بسبب ماعرف من خبايا ماكان في معبد الطواغيت . وفي هذا الوقت لم يمكنها أن تنكر كل مافعلت ، بل سجدت عند قدميه ، وسألته معمودية المسيحية المقدسة ، فعمدهم ، وجعلهم مسببين ، ونالوا نور النعمة . وكانوا حديثين . وأرسل) (1)الفتاة الصغيرة إلى دير العذارى لتقيم هناك حتى زمن الزواج ، ثم زوجها رجلا من مدينة محلي )(2)وهي في شمال مصر ، التي كانت تسمى من قبل دیدوسيا ، وهناك ولد القديس كيرولس الكوكب العظيم الذي أضاء في كل مكان بتعاليمه ، لابسا روح القدس ، الذي كان بطريركا بعد القديس تاوفیلوس خاله . وبعد أن عمدوا الطفل ، القديس تارنبلوس . حلقوا رأسه ، وعدوه مع القراء ، ورسموه مرتلا ، وربوه تربية حسنة كما يجب للقديسين ، وكبر ، فكان شابا مرضيا للرب ، وتعلم كل كتب الكنيسة التي هي وحي الله . وحفظ سننها ثم رسموه شماسا . وكان متحمسا تماما لعقيدة سيدنا يسوع المسيح في طهاره وتقديس . وبعد هذا لبس لباس الكهنة ، وصار رئيسا ، وجلس على كرسي مرقس الانجيلي بمدينة اسكندرية . وبعد أن صار بطريركا أضاء كل المدن بنور العقيدة المقدسة ، وجعل كل مدن مصر بعيدة عن عبادة الطاغوت ، وقضى على كل من يصنع تماثيل ، كما تنبأ في شأنه القديس اثناسيوس الحواری .
ص: 116
(1)وبعد أن توقفت الحرب بين جوفیانوس وفارس جاء الملك جوفیانوس المسیحي من بلاد فارس ، وأنقذ من بقي من الجنود . ومن وجدهم بتدبير الشرير بوليانوس الكافر أهلكهم واستأصلهم .
وكذلك كتب رسالة إلى القديس اتناسيوس الحواری بطريرك اسكندرية لیعود إلى مدينته في إكبار عظيم ، قائلا : من بویانوس (2)الملك إلى القديس اتناسيوس حبیب الرب . اننا نعجب بك وبسيرتك بحكمة ، ويقربك من الملوك ، وفضائلك الصادقة ، واهتماماتك الحسنة العمل عمل سيدنا يسوع المسيح ، له المجد .
نريد منك أيها المشرع الكبير أن تتقبل كل المتاعب ، وألا تخشى الذين ينفونك والمصائب التي أصابتك . فجعلت الحنق والغضب کلا شيء ، وعددتها كالهشيم الحقير ، وسرت في إثر العقيدة الأرثوذكسية ، واستمرت حتى النهاية . وادخرت جهادك لن يأتون من بعدك ، وربطتهم بالإيمان التام وبالعمل الصالح. عد الآن إلى مملكتنا ، واندمج في تعليم المليء خلاصا ،واحفظ الكنيسة ، وارع شعب المسیح ، ووجه صلواتك للرب باهتمام ، من أجلنا ومن أجل مملكتنا ، لتنجر بصلاتك . إننا نظن أننا ننال العين من الرب العلی بابتهال لسانك الطاهر القدس لأنه متحدث بالروح القدس .
وهذا الذي كتبنا لك لتنير للشعب بنور المسیح ، وتقضي على الأصنام أعداء الرب .
وكذلك على شكوك الأريوسيين الذين نفیناهم ، لننجو بصلاتك (3)
ص: 117
وعندما قرأ القديس اتناسيوس الحواری نور العالم ، الرسالة ، جمع كل الأساقفة (1)القديسين والعلماء الكبار ، وكتب موعظتين . إحداهما في كلمة الرب وهو واحد من الثالوث المقدس ، والثانية في سنن المسيح . وكذلك كتب رسالة الى القديس باسيليوس (2)الذي يفكر دائما ، ویهتم بأوامر الرب ، قائلا : إن یویانوس الملك حبیب الإله قد رضي تماما وبسرور العقيدة العادلة لمجمع نيقية . نافرح أنت بأمر من کان ارثوذكسيا ، وأقام العقيدة النقية للثالوث المقدس .
وأتم الملك بویانوس سيرته بهدوء وتواضع مرضيا للرب .
وبينما هو في هذه الحال نهض للسير إلى مدينة بيزنطة ، ونزل به المرض ، ومضى إلى قلقيا وجلاتیا، ووصل إلى مدينة تسمی دیداو طانا (3))، ومات بها .
إن الدنيا لم تكن أهلا لتقبل ملك يشبهه ، فإنه كان خيرا ، ودیعا ، رحيما متواضعا ، مسیحیا . ارثوذكسيا .
في هذه الأيام أقبل سالوسدیوس الحاكم الذي كان رئيس الجيوش وكبيرا جدا في الأعين . وأشار هذا عليهم وقال لهم : والنديانوس بصلح أن يكون ملكا لنا وقبل كان قائدا ونفاه یولیانوس الجاحد لعقيدته الأرثوذكسية . فسمعوا مشورة سالوسیدیوس ، ونصبه الجند والأعبان ملكا عليهم ، وأذاعوا له قول البشير في كل البلاد ، قائلين : ملك والنديانوس الرجل الصادق المسيحي الذي يتحدث بالحق وينطق بالعدل .
وفي هذه الأيام كذلك كان بمدينة اسكندرية ، وهي أكبر مدن مصر ، حاكم اسمه وادادیانوس(1) ، وهو الذي بني بابين حجریین بجهد شاق في المكان الذي يسمى أبراکیون ، وجعلهما بابين لمدخل النهر الكبير ، وحصن بلاد مصر .
وفي هذه الأيام ظهرت عجائب على یدى القديس اثناسيوس الحواری أب الايمان بطريرك اسكندرية ، عندما علا ماء البحر على مدينة اسكندرية قصد أن يغرقها ، ووصل إلى مكان اسمه أنطانسطادیون (2)خرج الأب الكبير إلى البحر مع كل الكهنة آخذا في بدیه کتاب الشريعة المقدسة ، ورفع يديه إلى السماء ، وقال : یاسيد ؛ أنت الإله الذي لاتكذب . أنت الذي وعد نوحا بعد الطوفان ، وقلت له : أنا لا أجلب ماء الطوفان ثانية إلى الأرض .
وبهذا الابتهال للقديس عاد البحر إلى مكانه ، وهدأ غضب الرب ، ولجت المدينة بصلاة القديس اتناسيوس الحواري الكوكب العظيم (3)
ص: 119
(1)وهذان هما الملكان الشهیران : أجرادیانوس وتاودوسیوس (2)عبدا الله اللذان عملا الصالحات باهتمام ، واحد أطلق القديسين المؤمنين من الأسر الذي وضعهم فيه ويلاليوس (3)الملك ، وأبطل طرد المسيحيين ، والثاني أحب الله كثيرا وأعاد كنائس المؤمنين وأزال شرور الأصنام ، وأبطل كذلك تعليم الأريوسيين الأشرار ، وأقام العقيدة الطاهرة دون غش . وینی كذلك كنيسة مقدسة تذكارا حسنا ، ونفي من المدينة أودسيوس العاصي المجدف للروح القدس . وبعد أن نفى هذا الشرير من المدينة أرسل إلى باسيليوس بطريرك قیساریة بقبادوقيا ، وجورجوريوس الناسك ، وفبلجوس في ایقونيون - حكماء الرب ، وأمرهم أن يقيموا الكنائس بالطهارة وبالروح القدس فكانوا یناقشون الهراطقة ويهزمونهم ، ويخجلونهم ، ويعلنون العقيدة الحقة للأرثوذكسيين في كل مكان .
وجمع في القسطنطينية مجمع الأساقفة بمدينة قسطنطينية وعددهم 150(4)من الآباء القديسين ، وأخرج الجحود والنفاق من كل مدينة بمملكته ، وأدخل عبادة الواحد المثلث بالأقانيم ، وقوى العقیدة الحقة، وأفاض الروح القدس على الكهنة ، فكانوا أنقياء
ص: 120
في أيديهم وفي ألسنتهم وفي كل تفكيرهم وساد السلام في الكنائس لاجتماع الأساقفة في اتفاق وتوحد.
ثم ، حين رأي الشيطان ذلك) غار ، وبدأ كي يقسم ويتشتت العضو الواحد القوى ، وهي الكنيسة المقدسة ، فان جورجوريوس اللاهوتی (1)واسی مدينة قسطنطينية وزخرفها بتعليمه ، عندما جاء إلى المجمع ، ورؤساء كهنة الكنيسة .
أما تيموتاوس بطريرك اسكندرية فكلم جورجوريوس كملاك ، وعاتبه ليترك مدينة قسطنطينية ، ويسير إلى مدينة منصبه وكنیسته الأولى ، وهي أتراسيوس في نوسيوس (2)ليرعاها ويصونها ، لا رغبة في ترك المسكينة وأخذ الغنية ، فإن هذا العمل عمل الزنا الرديء وخروج على قانون الأباء.
وعندما سمع هذا أساقفة المشرق والأساقفة الأخرون الذين حضروا لم يتفقوا معه في هذا القول ، وكذلك حدث هرج بينهم بسبب هذا القول . لأن تیموتاوس البطريرك تجرأ وعين مكسیموس بطريركا لمدينة قسطنطينية . لأنه كان رجلا حسنا ، وتلقی متاعب كثيرة من الأريوسيين . وحدثت كراهية بين أهل الشرق وأهل مصر . وكان القديس جورجوريوس وسیطا ، وعقد بينهم سلاما .
وفي هذه الأيام بني القديس تيموتاوس (3)البطريرك كنيسة ذات عمل عجيب بمدينة اسكندرية وسماها باسم الملك تیودوسیوس(4)، وبني كذلك كنيسة أخرى باسم ابنه وسماها
ص: 121
أرقاديا .(1)وكان في المدينة معبد الأوثان اسرابيس (2)فحوله كنيسة وسماها باسم ابنه الأصغر أونوریوس ، وسميت هذه الكنيسة كذلك باسم قوزموس ودمیانوس (3)الشهيدين، وهي أمام كنيسة القديس بطرس البطريرك خاتم الشهداء. ومكث المسيحيون أيام الملك تيودوسيوس في هدوء وسلام .
ص: 122
(1)وبعد أن مات الملك تیودوسیوس حبیب الرب تسلم مملکته ابناه : أرقادیوس ، وأنوريوس اللذان ولدا له من زوجته ایلاكلالوس (فلاكيلا) السعيدة ، وقد عينهما وهو حي : عين ارقادیوس ليكون ملكا على مدينة قسطنطينية ، وعين أنوریوس على مدينة روما .(2)روسدوا جسد الملك تيودوسيوس في كنيسة القديسين الحواريين بمدينة قسطنطينية . وكان ارقادیوس وأنوریوس کاملين تماما بالعقيدة المسيحية ، ومرض أنوریوس حبیب الرب ، وعندما عرف أخوه ارقاديوس سار لزيارة مدينة روما .
وكان أنوریوس مجاهدا بطهارة وعذرية ، ويعمل عمل أهل الصحراء وهو في قصر المملكة، وكان يسير سيرة حسنة وجهاد قوى وتعب كثير ، وكان يلبس شقه من الشعر خلال لباس الحرير الذي هو زي المملكة ، وینام على الأرض ، ويصوم كل أيامه وبصلی ویرتل ، ویزید دائما من الفضائل فوق مجاهداته ، وكان يحتقر المملكة الأرضية خاصة ، ويرجو المملكة السماوية ، وكان ملتزما بارضاء الرب ، وأتم كل الصالحات التي بقيت (دون انجاز) من أبيه ، وأبطل كل الشرور التي لاترضى الرب .
وبينما كان الملك ارقادیوس في مدينة روما ثار أحد الجنود ، واسمه جایناس (3)وكان من نسل البرير ، وتمكن . وتحارب مع الملك . وثار معه كثير من البربر وأحدث اضطرابا كثيرا ننهض الملك أرقادیوس سریعا من روما ، ووصل الى بيزنطة متحمسا لعقيدة أبيه الأرثوذكسية ، وقتل هذا المغتصب جايناس الخارج على الشريعة ، المنتمي لجماعة الأريوسيين الأنجاس . وأقام في سلام .
ص: 123
وبعد هذا مرض الملك حبيب الرب أرقادیوس ، ومات في أيام بطريركية القديس يوحنا فم الذهب (1)، وتنصب ولده تاودوسيوس الصغير (2)ملكا قبل موت أبيه .
ولما ملك تيودوسيوس الصغير حدث اضطراب عظيم في مدينة روما ، لأن الملك أنوریوس ترك مملكته وسار الى مدينة ووانی (راثنا ) مغضبا ، لأن كثيرا من الجنود کرهوا المك انوریوس قديس الرب لعمله الحسن ، فانه كان خائفا الرب ، مؤدیا كل مشيئاته . وفي الحال ثار حاکم من مدينة جلاتیا . واسمه أتحلاریکوس (3)(ألاريك) وكثير معه ليستولوا على مدينة روما . ولما وصل ، اتفق مع أعداء الملك ، وأعطوه الضرائب من البلد ، فأبی أخذها ، ولكنه سار الى القصر وأخذ كل أموال المملكة ، وأخذ أخت الملك أوريوس ، واسمها ابلاكيديا(فلاكيديا) . وكانت هذه عذراء ، وعاد هذا المغتصب الى مدينة جلاتیا ، وكان معه حاکم اسمه قسطنطين فدفع هذا الفتاة إلى أخيها الملك أنوريوس وهو لايعلم هذا المغتصب فأكبره الملك وجعله وزيرا ، ويعد هذا توجه ، ووهبه أخته العذراء تكون له زوجة . ثم قام كلاهما ، وهما : الملك انوریوس، وقسطنطين من مدينة راوابی (راثنا)، واستوليا على مدينة روما ، وقتلا الرجال البادئين بالشر ضد سيدهم الملك انوریوس ، وكان عددهم أربعة أنفس ، وقدم أموالهم لبيت المملكة ، وأنهك قوة هذا المنافق وأعطی قسطنطين زوج أخته مملكته ، ووصل الملك حبیب الرب ، الملك انوریوس مدينة قسطنطينية ، وكان مشاركا ابن اخيه تاوديسيوس الصغير في المملكة . وبعد أيام قليلة عاد الى مدينة روما . اذ وقع في مرض شديد لكثرة نسکه ومجاهدته بالصوم والصلاة . دورمت أعضازه ، ومات . وانتقل من هذا العالم الفاني ، وهو بكر ليس له أولاد .
ص: 124
وحكم تاودسيوس الصغير وحده بمدينة قسطنطينية بعد موت أنوریوس عمه .
وفي هذا الزمن كان بمدينة قسطنطينية بطريرك اسمه عادیکوس (اتيخوس) (1)یسیر بحكمة وتدبير حسن ، حتی زین لقلب الملك تاودسيوس أن یکتب الى القديس الحكيم قیرولس (2)بطريرك اسكندرية الذي نصب بعد تارفيلوس أن یکتبوا اسم القديس يوحنا فم الذهب في مفتتح الكنيسة مع كل البطاركة الذين سبقوه في الرقاد . نتقبل القديس قیرولس هذا القول بسرور عظيم لأنه بحب حبيب الرب القديس يوحنا نم الذهب الأرثوذكسي ويكبره كمعلم عظيم . وكان لهذا الخبر سرور عظيم في الكنائس . ووهب الملك تاودسيوس الكنائس مالا كثيرا ، وینی ماتهدم منها كما يجب .
وامتلأ أهل اسكندرية الأرثوذكسيون في هذه الأيام حماسا ، وجمعوا خشبا كثيرا وحرقوا مقر الوثنيين الفلاسفة .(3)
ص: 125
وفي أيام الملك تاودسيوس كذلك مات بطريركا مدينة قسطنطينية : اندادیکوس اتیخوس) ، وسیسیوس (1)(سیسنیوس) ومن ثم أحضروا نسطور (2)من مدينة أنطاكية الى مدينة قسطنطينية ليعلم بها ،لتشبهه بالنساك والعارفين بالكتب ونصبوه هناك بطريركا ، وكان الافناء للمسيحيين في كل البلاد . وفي الحال علم ، ونطق بالتجديف على الاله ، ولم يؤمن بأن القديسة العذراء مريم ولدت الاله ، بل سماها والدة المسيح ، قائلا : أن المسيح كان ذا طبيعتين . وحدث انقسام كثير واضطراب عظيم بمدينة قسطنطينية ، لهذا القول اضطر الملك تاودسيوس أن يجمع مجمع الأساقفة بايفيسون (3)من كل العالم . وكان عدد الذين تجمعوا مائتين ، وأدانوا وقطعوا نسطور ومن تبعه ، ثم عادوا الى عقيدتنا المقدسة.
ص: 126
وكان معهم يوحنا بطريرك انطاكيا (1)، اتفقوا جميعا مع المائتی اسقف ومع ابينا القديس قيرلوس بطريرك اسكندرية ، وأكدوا هذه العقيدة ، وكرهوا نسطور لا قال من أن يولبنادیوس (2)تحدث بالكذب ، ومن بقي ممن أحدث الاضطراب وتبع نسطور قلوا ، وعظم المؤمنون الأرتودکسیون وكثروا جدا في أيام الملك تاودسيوس ، فقد اجتمع معهم اركيلاوس (3)حاکم بلاد المشرق ، وكان واحدا معنا في العقيدة الحقة ، ولم يبق غير قليل أولئك الذين ظلوا بكذب نسطور .
وظلت الكنائس في هدوء وسلام في كل أيام الملك تاودسيوس حبیب الاله .
وفي هذه الأيام ظهرت امرأة وثنية فيلسوفة مدينة اسكندرية اسمها أنباديا (4)تخصصت العمل السحر وللأسطرلابات وأدوات اللهو في كل وقت ، وغررت بكثير من الناس بتموية
ص: 127
الشيطان ، وكان حاكم (1)المدينة يكبرها كثيرا لأنها خدعته بسحرها وكان لايكف عن الذهاب الى الكنيسة كعادته ، بل كان في العمل العصيب يصل اليها مرة ، ولم يكن بصنع ذلك وحده ، بل يجذب كثيرا من المؤمنين إليها ، وقبل لديه من لم يكونوا مؤمنين .
وفي أحد الأيام ، وهم يقيمون فرحا بعمل لهو ، خاصا بأرطوس (2)، شأن الجماعات التي بمدينة اسكندرية ، واجتمع هناك كل أهل المدينة ، وكان قیرلوس البطريرك الذي نصب بعد توفيلوس - كان يتقصى علم هذا الأمر . وكان واحد من المسيحيين اسمه براکس (3)العالم . العاقل ، یسخر بالوثنيين ، وكان مطيعا للاب الكبير البطريرك ، ويسمع منه ، وكان هو عالما بعقيدة المسيحيين . وبراكس هذا ، حين رآه اليهود عند مكان اللهو، صرخوا قائلين : هذا الرجل لم يات لخير ، بل ليحدث اضطرابا . وغضب ارطوس الحاكم على أبناء الكنيسة المقدسة وقبض على براکس وأعاده للإدانه علنا في مكان اللهو دون خطیئة ، ولهذا غضب
ص: 128
قیرلوس على حاكم المدينة ، وكذلك بسبب قتل راهب كبير من دیر برنودج (1)، اسمه مونيوس (أموتیوس) ورهبان آخرین . وحين سمع حاكم المدينة (2)هذا أرسل الى اليهود قائلا: اتركوا لهذا ) ولا تقاوموا الكنيسة . وعندما سمعوا هذا أبوا ، لأنهم كانوا يتباهون بهذا الحاكم الذي انضم معهم ، وزادوا شرا فوق شرهم ، ودبروا قتلا بالمكائد ، وأقاموا معهم أناسا في الليل في كل طرق المدينة ، وصرخ آخرون منهم وقالوا : كنيسة اتناسيوس الحواری حرقت بالنار . تعالوا ، ساعدونا كلكم أيها المسيحيون ؛
وعندما سمع المسيحيون کلام صراخهم خرجوا غير مدركين خدعة اليهود . ولما خرج المسيحيون نهض اليهود وقتلوا المسيحيين باساءة وأراقوا دماء كثيرة دون ذنب ولما أصبح الصباح عرف من بقي من المسيحيين سره ما ارتكب اليهود ، وجا ءوا الى البطريرك ، واجتمع كل المسيحيين وخرجوا في غضب ، وجاءوا إلى محاريب اليهود واستولوا عليها ، وقد سوها واتخذوها كنائس ، رسموا إحداها باسم القديس جيرجيوس وطردوا اليهود القتلة وأخرجوهم من المدينة ، وسلبوا كل أموالهم وأرسلوهم مجردين ، ولم يستطع أرطوس الحاكم مساعدتهم ، ثم قامت جماعة المؤمنين بالرب مع الوالي بطرس ، وكان بطرس هذا مؤمنا تماما لكل ما ليسوع المسيح ، وذهبوا للبحث عن هذه المرأة الوثنية التي كانت تضلل أهل المدينة والحاكم بأسعارها . وحين عرفوا المكان الذي كانت به ساروا إليها فوجدوها تجلس على كرسي ، فأنزلوها من الكرسي وسحبوها حتى أوصلوها إلى الكنيسة العظيمة التي تسمى قيسارية (3)، وكان هذا في أيام الصوم ، ونزعوا ملابسها ، وسحبوها حتى أحضروها إلى شوارع المدينة حتى ماتت .
ص: 129
وألقوا بها في مكان يدعی نیکیتارون (1)وأحرقوا جسدها بالنار . (2)وكان كل الشعب يحیط بالبطريرك قيرلوس ويسمونه تاوفيلوس الجديد ، لأنه أزال پاقي الأوثان من المدينة .
فتتبدل شريعة آبائك ، ولأن الله يحبك ، لم يهبك ولدا ذكرا لكيلا يقع في الشر . ولهذا الأمر كان الملك تأودوسیوس حزين القلب هو وزوجته جميعا ، وتجنبا جميعا الاتصال في النوم، وعاشا في وفاق وطهارة لائقة .
وبعد أن زوجها ابنتهما الكبرى أودکسیا لو الجادیانوس ملك المغرب (1)كما تحدثنا من قبل ، وبعد أن أتموا اقامة الحفل في مدينة قسطنطينية سار العروس مع زوجته إلى مدينة روما. ثم سألت الملكة أو طاكيا (2)الملك تاودسیوس حبيب الاله ، أن تسير إلى الأماكن المقدسة بأورشليم ، وتسجد فيها بصدق ، لأنها نذرت نذرا ، قائلة : اذا ما اتممت حفل ابنتي أذهب الى الأماكن المقدسة وافی بنذری للرب في أرض بيت الرب أمام كل الشعب في أورشليم، وأسأل الله أن يحفظ مملكتك أزمانا كثيرة في سلام . ولما اتفقت مع الملك على هذا الأمر كتب الى حكام كل الأرض أن يلتزموا أمام الملكة بما يجب ، والی قیرلوس بطريرك اسكندرية ، فرتب لها أن يذهب معها الى مدينة أورشليم ، ويباركها ، ويرشدها إلى عمل الصالحات . وتم لها كل ما طلبته من الله ، وبلغت مدينة أورشیم ، وجددت الكنائس ، وبیوت ودور العذارى الناسكات ومجمع السباع ، ووهبت لها أموالا كثيرة ، وكذلك بنت جدران أورشليم التي خربت منذ زمن سابق ، وعملت كل ماعملته بنشاط ، ثم توحدت الملكة واعتزلت وحدها . أما الملك فقد كان متمسكا بالصوم والصلاة والتراتيل والتسبيحات ، وسار سيرة حسنة . وماتت اختاه العذراوان اللتان تکبرانه ، وهما أرجادیا ومرینا السعيدتان (3)، وذهبنا
الى المسيح الذي احبناء قبل أن تغادر الملكة القصر . وحين كانت الملكة باورشلیم مات القديس قیرلوس بطريرك اسكندرية ، ويوحنا بطريرك أنطاكيا
ص: 131
ثم ظهر الهراطقة النساطرة الأساقفة الاثنا عشر ببلاد الشرق ، الذين اختباوا من وجه القديس قیرلوس البطريرك ، الذين ينكرون الثالوث المقدس ويقسمون المسیح الى طبيعتين . وكذلك اجتمع الأساقفة الهراطقة لمدينة قسطنطينية وللبلاد الأخرى وحدهم دون أن يعرفهم الناس ، وقالوا : لم يكن انفصال الملك والملكة بسبب المسيح ، بل انفصلوا بسبب كراهية بولينوس (1)ولهذا السبب نقم الملك على أبلاویانوس البطريرك (2)ومن كان معه . وقال لهم : "أوقدتم مرة ثانية نار النساطرة التي انطفأت ، لأنهم أثاروا الاضطراب كثيرا في الكنائس - وكانت بلكاریاس (3)، أخت الملك تیودوسیوس تساعد أوبانوس (4)البطريرك ، ولكن لم تستطع أن تساعده علانية للخوف الشديد من مملكة الملك تیودسیوس، لأنه كان يغضب على من يقول: المسي طبیعتان ، بعد الكينونة الواحدة . والذين فكروا هذا التفكير الشرير تعبوا دون جدوى . وطلبت بلکارباس أخت الملك منه أن يمنحها بستانا ، لأنها تسير في الشر . وأتم الملك طلبها الذي أرادته ، فكتبت رسالة مخادعة تقول : كل بيت المملكة وحقولها وثمارها قد وهبت لها من لدن الملك ، وقدمتها للملك لیوقع لها بيده . وعندما قرأ الرسالة أمام كل الجيوش نهضت بلکاریا . وقامت بين الناس دون حياء ، وأنبت الملك ہجرأة . وقالت له : انك تسوس أمور المملكة بإهمال. وعندما أخذ الرسالة وأراد أن يقرأها ویوقع
ص: 132
لها بيده . رأي مكتوبا فيها : ان الملكة أوطاكيا كانت لي أمة . وعندما رأى الملك ذلك غضب كثيرا للجسارة وعدم الحياء الذي كان منها ، وأخذها وسحبها إلى أحد الأمكنة . ،أمر البطريرك أن يضع يده عليها ويجعلها شماسة ، ولهذا كان النزاع والبغض العظيم بين الملكة أوطاكيا وأبليكاريا ، وتحول الملك عن أخته .(1)ثم أمر الملك أن يجمعوا مجمعا ثانيا في مدينة اقيسون (2)، وكذلك أمر أن يأتوا بديوسقورس (3)بطريرك اسكندرية الذي نصب بعد قيرولوس ، وقطعوا أبليانوس بطريرك قسطنطينية وسابيوس مطران درکی ، ودموس بطريرك انطاكيا ، ویواس ويوحنا وتاردوریطس وماديوس أساقفة المشرق .
وبعد هذا مرض الملك تاودوسيوس الطيب ، ومات ، وخرج من هذه الحياة وذهب الى الرب .
وكانت الملكة أورطاكیا معتزلة بالأماكن المقدسة في أورشليم ، فأصدرت برکالیاس قرار المملكة بجرأة دون رأي ولندیانوس ملك روما ودون رأي الحكام والجيوش ، وتزوجت مرقیان رئیس الجند ووضعت علبه تاج المملكة ، وجعلته ملکا ، وكانت هي له زوجة ، وأزالت عذریتها. (4)وقبل أن يموت الملك كان يحفظها دون رغبتها كيلا يدخل اليها غريب ، لايدخل ولا يستولي على مملكته .
ص: 133
وفي هذا اليوم الذي حكم فيه مرقيان كان الظلام في كل الأرض من الساعات الأولى لليوم حتى المساء. وكانت هذه الكلمة مثلما كانت في أرض مصر أيام موسی رئیس الأنبياء . وحدث خوف عظيم وفزع لكل أهل مدينة قسطنطينية ، كانوا يبكون ويعولون وینوحون ویسطرخون ، وخيل لهم أن نهاية العالم قد دنت . وضعف الجنود والحكام والقادة ، الصغير والعظيم ، الذين كانوا في المدينة . كلهم ثائرون ويصرخون ويقولون : لم نسمع ولم نر في كل مملكة روما ، من عینوا من قبل ، مايشبه هذا الحدث . وكانوا يتذمرون كثيرا . ولا يتحدثون في وضوح . وفي اليوم الثانی رحم حب الله الناس ، واشرقت الشمس وظهر نور النهار . وجمع الملك مرقیانوس مجمع الأساقفة بمدينة خلقيدونيا (1)، وكان عددهم 647 (2)(أسقفا ، وقطعوا ديوسقروس بطريرك اسكندرية. (3)وجعلوا يذكرون الأب لاینوس الذي قطع من قبل في الافتتاحية بعد موته ، لأنه مات في النفي في أيام الملك تاودوسيوس السعيد ، وكتبوا اسمه في مفتتح الكنيسة كبطريرك ارثوذكسی .
ص: 134
ولما حدث الاضطراب في مدينة قسطنطينية وبين كل الأقوام مرض مرقیانوس مرضا شديدا ، وظل في مرضه خمسة أشهر ، وتصلبت أرجله ، ومات . وكان امتداد حكمه ستة أعوام . وماتت كذلك بركاليا قبل موت مرتبانوس ، وفي هذه الأيام ماتت الملكة او طالبا في مدينة اورشليم المقدسة ، متلئة عملا حسنا وايمانا طاهرا .
(1)ويعد موت مرتیانوس حكم الملك ليون(2) العظيم
وعندما سمع الملك ليون ما حدث من قبل من اضطراب بمدينة اسكندرية في أيام مرتبان ، وبالقتل الذي حدث بسبب مجمع خلقيدونية وانهم قرروا صحة الايمان بالطبيعة الواحدة للمسبع، وأنهم قتلوا أبروتاری (3)أسقف الخلقيدونيين بسببه ، لأن هذا الأسقف كان من قبل قومسا بمدينة اسكندرية ولما سجل توقعه في صحيفة الملك عينه الخلقيدونيون أسقنا نثار الشعب الأرثوذكسي علبه وقتلره وحرقوا جسده بالنار .
عين لهم الملك ليون طیموتارس، (4)تلميذ ديسقوروس البطريرك ، وكان هذا الراهب الزاهد من قبل من دیر تلمون ، وصار قسيسا ، وعين بعد موت دیستروس ، الذي قطع من لدن
ص: 135
الملك مرقیان ومن مجمعه ظلما(1)، ولم ينضم طيموتاوس الى مجمع الخلقيدونيين ، لأن هذا المجمع أثار العالم .
وعند وصول البطريرك طيموتاوس مدينة اسكندرية سلبوه ، وأتجاوه الى مكان يسمى جرجیسمانس (2)، وأبقوه هناك . وكان بمدينة اسكندرية انزعاج وحرب . وحاكم المدينة (3)الذي ألحق الظلم بالقديس البطريرك طيموتاوس سری فيه الدود ومات ، وقال أهل المدينة فيما بينهم: كل الذي أصابه من الشركان بحكم الرب الكبير العلى بسبب ماصنعوا في عبد الله البطريرك طيموتاوس ليعلم كل الناس أن الرب يسكن في مختاریه ، ویقضی بالدينونة على الظالمين .
وبعد الملك ليون والملوك الآخرين الذين أتوا بعده حكم بعدهم وسبلباکوس (4)وهذا ملك من بعده ابنه مارقوس وجعله مشاركا معه زمنا قليلا . ولما اتفقت معه أخته وارینا سألت تارجوسطس (أوجسطس) رئاسة موظفي الملك . واتخذت لقبا بدعى " بطريقا". (5)
ص: 136
وأرسل الملك ليأتوا إلیه بالقديس البطريرك طيموتاوس من منفاه الذي نفاه إليه ليون العظيم . ولما أتوا به إلى مدينة قسطنطينية في إكبار وهيئة الكهنة استقبله كل الجنود والناس ، وكتبوا رسالة خطية إلى كل الأرض والى كل المطارنة أن يطردوا كل الذين يؤمنون بعقيدة الخلقيدونيين ، يحرمونهم ويحتقرونهم .
وتنبأ القديس طيموتاوس والنساك الذين معه للملك واسیلکوس ، وقالوا له : من اليوم ، إذا أنكرت العقثیدة في هذا الكتاب فلن تقوم مملكتك وستنقص أيامك سريعا . فقال : لن يجحد هذه العقيدة أبدا ، بل سأجمع مجمعا بمدينة أورشليم لتكون العقيدة الأرترذكسية قائمة باقية وعندما سمع القديس البطريرك طيموتاوس هذا ، سار إلى مدينة اسكندرية وجلس على
کرسیه ومعه كتاب العقيدة الذي كتب لدن الملك وأخذ الملك واسیلسکس مالا ، رشوة ، ویدل كلامه وهدم ما بناه أولا ، ولم يجمع مجمعا بمدينة أورشليم كما وعد البطريرك طيموتاوس ، بل كتب كتابا آخر بقول : اتركوا الخلقيدونيين ليبقوا على عقيدتهم واحترموهم .(1)
ص: 137
ولهذا تمت نبوة الأب الكبير طيموتاوس والنساء الذين معه ، فكان موت البغتة ، والمرض في مدينة قسطنطينية ، وتعفنت أجساد الموتى ولم يجدوا من يدفنهم. (1)وخربت كذلك مدينة جيلا بالشام بسبب الزلزال الذي حدث .
ثم جاء زينون ملك الروم واستولى على منطقة ابسوريا (2)وجمع معه كثيرا من الناس ، وجاء الى مدينة قسطنطينية . وعندما وصل إلى مدينة أنطاكيا أخذ البطريرك بطرس ليحيطه بكل تدبير الملك واسیلسکوس الذي خططه ضده ، ولما علم واسیلیسکوس بوصول زينون أرسل إليه القائدین أرماطوس وسرباطوس مع الجيوش الكثيرة التي كانت سعة بالقصر مدينة بيزنطة ليتحاربوا مع زينون . ولما وصل هذان القائدان استحلفهما بالمعمودية المقدسة ألا یعيداه وألا يسيئا اليه . فترك هذان القائدان الحرب مع زينون ، وأرسلا اليه سرا قائلين : إننا سنلجأ إلى أحد الأمكنة ، فاجعل أنت سلطانك على كل المدينة. وأشار هذان القائدان كذلك على واسیلیسکوس في خداع ، قائلين : سر في طريق آخر ، والتق بزينون عند باب مدينة قسطنطينية . وعندما اقترب زینون من القصر (3)استقبلته كل الجيوش ، وفرح أعظم الفرح باستقبالهم هذا . وأخذت حماة زينون التي تسمی وارن أخاها واسیلیسکوس وألقته في جب ولما ضاق واسیلیسکوس وزوجته زینوديا(4) وابنازه هربوا إلى مكان معموديات الكنيسة. وعظم كل الجنود زينون وجعله ملكا عليهم .
ص: 138
ثم أرسل زينون قائدا اسمه کسطور (1)إلى مدينة اسكندرية ليأتي إليه بالبطريرك طيموتاوس رجل الله . ولما وصل کسطور إلى البطريرك طيموتاوس قال له : إن الملك يستدعيك . فأجابه البطريرك وقال له : لن يرى الملك وجهي . ومرض في الحال ، ومات ، كما قال وقام الأرثوذكسيون ونصبوا بطرس رئيس الشماسة الذي تسمى مرجوس(2)، بطريركا . أراد قادة المدينة أن يقبضوا عليه فأفلت من يد الجند وهرب الى بيت (أحد ] (3)المؤمنين . وكان في المدينة فزع. وعين جماعة ابروتاریس (4)الخلقيدونيون لهم بطريركا اسمه أيس (5). وقد مات هذا دون أن يعمر والمؤمنون (6) ثم اختار الخلقيدونيون لهم بطريركا ) (7)یسمی بوحنا الديوناسیساوی(8) ، وهذا اغتصب أيضا کړسي أيس بتقديم رشوة للقادة ، وقال : حلفت يمينا للملك زينون ألا استشيره في منصب الكنيسة . وعندما سمع الملك زينون هذا غضب جدا ، وأمر أن ينفوه وحين سمع بوحنا هذا أن الملك أمر بنفيه هرب وسار إلى مدينة روما.
ص: 139
وأمونيوس من حزينا (1)، وهي من ضواحي اسكندرية ، وأهل هذه المدينة صادقوه وأكبروه ،
وشادوا له حبا عظيما .
وفي أحد الأيام اتفق أهل منوف وأهل حزينا فيما بينهم على احترام انسطاسيوس الذي أغضبه الملك زينون ، ليصعدوا أعلى الجبل إلى دير القديس الأنبا إيرمياس المدثر بالإله ، السكندري وكان في طريقهم رجل وهب معرفة كل أمر من الله . وتحدث هؤلاء في سيرة القديس رجل الله ، وأرادوا أن يتبركوا به ويصلي من أجلهم إلى المسيح المملوك له . وسار هؤلاء وجائوا إلى الداخل حيث يوجد رجل الله الأنبا إرمياس ، فباركهم كلهم ، ولم يقل الانسطاسيوس شيئا ما . ولما خرجوا كان انسطاسيوس حزين القلب جدا ، یبکی کثیرا قائلا ني نفسه : بسبب كثرة خطئي لم يباركني رجل الله حين بار كهم كلهم . ودخل أهل منوف وأمونيوس المزيني إلى القديس رجل الله وحدثوه عن ألم الحزن الذي ألم بأنسطاسيوس . فدعاه وحده ، والمؤمنين الذين يحبهم ، وأمونيوس ، وقال له : لاتكن حزين القلب كما تفكر أنت ، فتقول : من أجل خطیتي لم يباركني هذا الشيخ ، ليس الأمر هكذا ، بل رأيت أنا ید الله كانت فوقك ، ولهذا السبب امتنعت أنا عن مباركتك ، فكيف يجوز لي ارتكاب خطيئة كبيرة : أن أبارك من مبارکه الله وعظمه ، واختارك لتكون مسيحا له من الاف كثيرة !! فإنه مکتوب : يد الله السيد فوق رأس الملوك ، وانتمنك لتكون خليفة له فوق الأرض لتؤید حزبه . ولكن . عندما تذكر كلامي ، وتتم العمل بحزم - احفظ هذا الأمر الذي أمنحك الآن ، کی ينقذك الله من أعدائك ، ولا تصنع شيئا من الخطيئة ، ولا تاثم في حق العقيدة المسيحية التي المسيح ، ولا تقبل العقيدة الخلقيدونية التي أغضبت الله .
ص: 141
وهذه الوصية التي قدمها الأنباء إرمياس إلى انسطاسيوس تقبلها على صفحة القلب كما أن موسى تقبل لوح العهد من الله ، المكتوب فيه وصية الشرع.
وبعد أيام قليلة أعادوا أنسطاسيوس من منفاه الذي نفاه الیه ملك الدنيا بقوته ، ثم عينوا انسطاسيوس ملكا . وفي الحال كان قد أرسل الى أعوان القديس الانبا ارمياس ، وكان معهم الأنبا واریانوس الذي كان من أقارب الأنبا ارمياس ، وسألهم الملك أسئلة كثيرة : أن يأخذوا منه أموالا لطعامهم في الطريق وللدير ، ولكن أبوا بسبب ماقدمهم من إشارات أبيهم القديس ارمياس : ألا يأخذوا شيئا من الأموال غير البخور فقط لإقامة القداس ولرفع القربان . وقليل من الأواني المقدسة،(1) وأرسل كذلك إلى الجزيرة التي نفي فيها أولا، وجعلهم يبنون کنیسة عظيمة ببناء محكم باسم القديس إرانی وكانت من قبل صغيرة ، وأرسل إليها كثيرا من المال والذهب والفضة وملابس عظيمة . وأرسل كذلك ذهبا كثيرا وفضة لأحبائه بمدينة منوف وحزينا ، وجعلهم قادة ، ومنهم من رسمهم كهنة .
وقام جماعة من مدينة اسكندرية وأثاروا اضطرابا دون حياء ونتلوا حاكم المدينة واسمه تاودسيوس الذي احتمى في بيت بطريرك مدينة انطاكيا (2)وعندما سمع الملك هذا ، غضب وحاكم كثيرا من أهل هذه المدينة .
والأفضال التي عملها الملك لاتحصى ، فإنه كان مؤمنا ارثوذكسيا یوءمن بسيدنا ومخلصنا يسوع المسيح ، وأبطل عقيدة الخلقيدونيين لوصية القديس ارمياس عبد الله . (3)
ص: 142
وكان رجل اسمه دورا تاوس(1) من أهل اسكندرية لديه کتاب عقيدة القديس کیرولوس ، وتباحث مع ساويرس ، فوجده في منحة تعليم القديس کیرولوس ، وزجر كلاهما مقدونیوس وأهل خلقيدونية الذين يقولون بطبيعتين ليسوع الواحد ابن الرب وكان عجيبا في أعينهم ، وسموا هذا الكتاب فلاليتاس (2) . وغضب مقدونیوس ومن معه ومن انضموا للنساطرة ، وقالوا عن المقدسات الثلاثة : إن الملائكة تقول بقداستها .
وقال لهم ساويرس : إن الملائكة تقول : قدوس الرب قدوس القوی ، قدوس الحي الذي لايموت ، عطف علينا ، فإنه ليس على الملائكة أن يقولوا اضطرارا : الذي صلب من أجلنا . فان صلب الهنا لم يكن من أجل الملكوت ، بل من أجلنا نحن الناس صلب الأب يسوع المسيح سیدنا ومخلصنا ، ولأجل خلاصنا نزل من السموات وتجسد وتانس وصلب من أجلنا في أيام بلاطس النبتي ، ونهض من الموت في اليوم الثالث ، كما هو مكتوب في الكتب المقدسة التي شرعها آباؤنا القديسون بنيقیة والقسطنطينية وایفسون ، ووضعوا لنا مايجب لا لوهیته . ولهذا نقول نحن المسيحيون جبرا : يامن صلبت من أجلنا ، ارحمنا . وكذلك نؤمن أنه إله مقدس تري لايموت ، صلب من أجلنا . وهكذا نؤمن أيضا بحق بان القديسة العذراء ، مریم ولدت الإله بحق ، ولیس أخر قد ولدته عذراء ، وليس آخر قد صلبه الیهود ، بل هو الواحد بالميلاد والصلب وبالقيام جميعا .
وفي هذا الوقت ظهر يوحنا (3)القسيس الراهب من مدينة نقيوس لأن البطريرك لم يرضى به والقسيس یوحنا هذا كان حکیما محبا للإله ، وعارفا بالكتب ، وكان يقيم بدير فار .
ص: 143
وتخاصم أهل مدينة تصا وأهل مدينة أقیلا فیما بينهم . وفي الحال نهض أساقفة كلتا المدينتين وساروا الى الملك أنسطاسيوس ، وطلبوا منه أن يضع لهم القوانين اللازمة وأن يجمع مجمعا ، ويطرد الخلقيدونيين ، وبطمس ذكرهم من الكنيسة . وكل الذين اتفقوا من الأساقفة مع ليون الرجس الذي یقول بالطبيعتين . ولم يضطرهم الملك ، لخريته ، لغير إرادتهم ، بل الكل سار حسب إرادته . .
أما الملك انسطاسيوس نقد منع الإجلال الكبير للذين اتفقوا معه في العقيدة الأرثوذكسية وصنع صدقات كثيرة ، وأتم عمله في خير . ثم مرض الملك ، وأسن ، وصار شيخا . وفي سن التسعين استراح في إجلال كبير ، كما يقول الكتاب : كل مجد الناس كالعشب ، عندما تشرق الشمس يبس العشب ، ويذبل ثمره ویفسد حسن منظره وكلام الله يبقى إلى الأبد. (1)
يحتفلون بذكرى هذا اليوم (1)كل عام في السابع عشر من شهر طقمت (2)وعن هذا الألم ذکر لنا آباؤنا الرهبان اللاهوتیون المصريون أن سبب هذا الزالزال كان بسبب تغيير العقيدة الأرثوذكسية الذي حدث بسبب الملك يوستنيانوس ، فإنه زاد قسوة القلب أكثر من عمه الذي كان قبله ، ويوستنيانوس هذا أمر أهل الشرق أن يدونوا أسماء مجمع الخلقيدونيين في مفتتحات الكنائس عندما طردوا والبطريرك ساويرس ، ما لم يكن معتادا ، ولم يذكروه في قوانين الرسل، ولا في مجامع الآباء - جاءوا من بعدهم ولم يذكروا أحدا من المجامع في القداس. وهذه الملك بوستنيانوس صنع هذا وحده في كل مدن ملكته، وجعلهم يدونون أسماء مجمع الخلقيدونيين (3)، ويقطعون أنانا میوس (4)(بطريرك القسطنطينية والبابا أكلايوس (5)الذي كان في أيام الملك زينون ، وبطريرك الأسكندرية بطرس (6)وأزال أسمامهم من الفتتعات، وأبعد أسلوب تعبد الملك زیتون، وأقصى اسم الأب ساويرس البطريرك من أرض أنطاكيا وضواحيها لئلا يذكروه في مفتتحات الكبسة ، بل سابين له ، وجعل أهل اسكندرية بظمئون المياه تعليم ديسقورس الذي عين من بعده البابا طیموتاوس . (7)ومنع الملك
ص: 145
یوستنیانوس الخلقيدونيين کرسي الأسقفية غير أن الملكة تيودورا (1)زوجته كانت تشفع لديه لطيموتاس بابا اسكندرية ، فتركه من أجلها ، وكانت تسميه الأب الروحي.
وفي أيام هذا الأب أرسل الملك يوستنيانوس الى مدينة اسكندرية قوات كثيرة فحاصروا المدينة وأرادوا أن بريتوا دما كثيرا (2)، ولكن البطريرك طيموتاوس أرسل إلى الملك كثيرا من النساك والزهاد لبتوسلوا الى الملك من أجل الكنيسة وألا يكون قتل في المدينة ، وألا براق دم دون خطيئة ، وأن يبقى على دين أبائه . وعندما سمع الملك هذا القول نبل شفاعة الملكة تيودورا القريبة لديه ، وأرسل إلى القوات أن يعود إلى بلاد افريقية . وكان البطريرك طيموتاوس بقيم في مسكنه على عقيدته الأرتوذكسية . وأرسل الملك كذلك ناندا خصيا (اسمه) كلرد نجس(3)، إلى مدينة اسكندرية . في هذا العام كان المملكة روما ألف ومائتان وسبعة وثمانون عاما . (4)وظلت المدينة في قليل من الهدوء ، واستراح الأب الكبير طبمرتارس في
إجلال .
ص: 146
وفي أيام هذا البطريرك طيموتاوس ظهر أيضا عمل عظيم ومخيف جدا وغريب إلى حد بعيد بمدينة اسكندرية ، ظهر ببت شرقي المدينة في مكان يدعى أروتیو(2) جهة اليمين من كنيسة القديس اثناسيوس وفسي هذا البيت كان يسكن رجل يهودي اسمه أو برونس ، وكان لديه صندوق به مندیل وزنار سیدنا يسوع المسيح الذي تزنر به عندما غسل أقدام مریدیه (3). أعطاه أباه أقاربه اليهود ، ولم يفتحه ، إذ أراد في أوقات كثيرة أن يفتحه فلم يقدر ، بل عندما كان يلمسه تسقط نار(4) لتحرق من بريد فتحه . وكان يسمع كلام الملائكة ترتل لمن صلب فوق الصليب : أن الرب ملك المجد . وعندما خاف قلب هذا اليهودي هو وأمه وزوجته وأولاده جائوا إلى البطريرك طيموتاوس ، وأخبروه ، فخرج في الحال ، حاملین صلبانا وأناجيل ومباخر ومصابيع شمع مضيئة . ووصل إلى المكان الذي فيه هذا الصندوق ، وفي الحال فتح غطاء الشاصونة ، وأخذ المنديل والزنار المبجلة باجلال عظيم ، واحضروها إلى مسكن بطريركيته ، وأبقوها في كنيسة الدوناساويين(5) في مكان جليل.
وغطاء صندوق النحاس الذي كان به المنديل والزنار - نزل ملك من السماء وأغلقه الى الیوم.(6)
ص: 147
وتنازع كل أهل مدينة اسكندرية ، وخرجوا إلى الفرس (؟) (1)وطلبوا منهم أن يفتحوا غطاء الصندوق هذا ، فلم يستطيعوا ذلك . وهذا اليهودي وكل أهل بيته صاروا مسيحيين في هذا الوقت كما ينبغی .
بطريركا بدلا من تيودوسيوس وانتهكوا القانون المقدس ، وحدث شغب في المدينة ، فمنهم من قال : نحن تیودوسیون ، ومنهم من قال : نحن جاینوسيون إلى اليوم (1)وعندما سمع الملك هذا النبأ ، وكان في المدينة حاكم اسمه ديوسقوروس(2) ، وكذلك ارسطاکوس (3)وكان رئيسا للقوات والجنود أمر الملك يوستنيانوس رئيس الجيش أن يسيرا الى مدينة اسكندرية ويأتي بالأب تیودوسیوس ويطلته من منفاه فأقامه في كرسيه وطرد جایانوس. (4)وعندما تسلم الكنيسة قدمها إلى بولس الخلقيدوني(5) ، وكان هذا راهبا من التيودوسيين(6)، ورسمه بطريركا . وقدم وثيقة يده مخبرا بعقيدة الخلقيدونيين ، وأرسل إلى كل الكنائس . وفي الحال حدث اهتياج بأهل مدينة اسكندرية وكانوا يتقاتلون فيما بينهم إذ لم يوجد من اتفق مع
ص: 149
بولس فانه كان عاصيا نسطوريا ، وليست مدينة اسكندرية وحدها ، بل لم ترض به كل المدن فقد كان ميالا للاضطهاد محبا لإراقة الدم (1)، فطرد الملك بوستنیانوس بولس من منصبه عندما وجده في الحمام مع شماس يرتكب عملا شائنا کالسدوميين ، ونصب بدله راهبا اسمه ويلوس (2)من مدينة اكسابنا (3)، وهذا أيضا لم يقبله أهل المدينة وعندما رأی ویلوس أن أهل المدينة یكرهونه أرسل كتابا خطيا إلى بوستنيانوس الملك تارکا درجة كهانته ، فنصب الملك اغنوسطسيا من دير سلامة(4) بمدينة اسكندرية اسمع بوليناريوس(5) ، وكان رحيما زاهدا من جماعة التبودوسيين ، وطمأنوا قلبه ليكون بطريركا بدلا من ويلوس ، ووعدوه بكثير من الهبات لیقیم عقيدة الكنيسة . ومات أجايانوس في المنفى نبل تیودوسیوس .
وجمع الملك بوستنيانوس أسانية كثيرين من كل البلاد ، وکیلیوس(6) بطريرك روما . وبعد تعب ومشقة تقبل كثير من الناس العقيدة الحقة ، وتبع أناس آخرون العقيدة السيئة النسطورية والخلقيدونية . وكان (7)البطريرك تيودور من مدينة سیسطيا یلعن نسطور
ص: 150
المجدف الذي يقول بكلتا الطبيعتين .(1)وكان تيودوريطس (2)يعارض كلام وتعليم أبينا القديس قيرولس ، وعندما قرى النساطرة بمعاونة مرقيان الجديد وهو يوستنيانوس ، كان يوحنا من مدينة أكاوس (3)- كان يساعد أبانا القديس تيرولوس ، وكان الملك يوستنيانوس يؤمن بعقيدة الخلقيدونيين التي تقول : طبيعتا المسيح صارتا في جسم واحد ، بينما هم يغطونه ، كقوله لتيودورت النسطوري الذي خاصم يوحنا من مدينة أكاوس (4)في مجمع خلقيدونية . وكتب الوالي استور الیوس رسالة خطية يؤكد بها الطبيعة الواحدة للمسبح : الكلمة التي تجسدت بتوحده بالجسد) (5)وقبل الألم ، وصنع عجائب حقه ، وأن مريم القديسة العذراء ولدت الاله ، وهو الذي صلب ، واحد من الثالوث المقدس ، هو سيد المجد . وهذه العقيدة الطاهرة والتعليم المقدس الأرثوذكسي . فقتلوا القديس ديوسقورس بطريرك اسكندرية .
ص: 151
وكان بوستنيانوس يؤمن بعقيدة الخلقيدونيين ، وقبل كتاب لیون (1)الذي يقول : كلتا طبيعتي المسیح منفصلتان في كل عمله ، كما علمه كلا الاسقفين وهما : تیودورت أسقف قبرس ، وتوودروس أسقف سبسیتا النسطوریان .
وبعد الغضب الذي أنزله الله على المدينة عقد يوستنيانوس سلاما مع الفرس ، وانتصر على اونطالوس(2). وهذا النصر العظيم سجله بعناية أجابباس (3)، وهو واحد من المترجمين (4)المعروفين في مدينة قسطنطينية ، ومعه رجل حكيم اسمع ابروکوینوس (5)البطريق، وهو رجل عاقل ، ووال معروف عمله بالاحسان .
وهو(یوستنيانوس) الذي تسلم كل كتاب لمراسيم الملوك الذين كانوا من قبله ، وقنّنها كما ينبغي ، ووضعها في مقر الحكم الذي كان لقدماء الروم ، وخلفها ذكرى لهم ، لمن أتی من بعدهم .
ص: 152
وكان تساؤل عن جسد سيدنا يسوع المسيح ، وكان كثير من الشقاق مدينة قسطنطينية عما إذا كان يمكن فساده أولا يفسد . وكانوا يحدقون بمدينة اسكندرية بسبب هذا الشقاق الذي كان قائما بين كلا الحزبين وهما : التيودوسيون والأجناساویون (2)فأرسل الملك يوستيانوس (3)الى أوتنجس ((4)بطريرك قسطنطينية في هذا الوقت وسأله عن هذا الأمر ، وهذا كان يتفق في العقيدة مع ساويرس وتیودوسیوس ، فاجابه هكذا وقال : إنه حي لابفني ، ولا يفسد . ولايتغير جسد سيدنا الذي تقبل الألم لخلاصنا ، نوءمن أنه قبل الألم بارادته ، وبعد قيامته لم يبل ولم يتغير من كل وجه ومن كل نوع . فلم يقبل الملك هذا القول . وكانت هذه الأقوال مثبتة في الرسالة التي أرسلها القديس قیرلوس إلى سونکسوس (5). وكان الملك يميل إلى يوليانوس بطريرك الأجناساويين الذين انضموا إليه في العقيدة ، فإنهم يقولون : كان مثلنا إنسانا والكتب المقدسة تقول : إن المسیح تعب من أجلنا بالجسد . فغضب الملك یوستنیانوس على اوتنجيس (6)لأنه لم يجبه حسب رغبة قلبه (7). بل بكلام مثل كلام ساويرس
ص: 153
ویتموس (1)وقال (الملك) هؤلاء خدعوا مدينة قسطنطينية ، وهذا كذلك غشهم . ثم أرسل وبتيموس خطية إلی أجاتون (2)الوالي على مدينة اسكندرية أن ينصب بوليناريوس (3)القومس بدير بانطون (4)بطريرك الخلقيدونيين بمدينة اسكندرية ومدن مصر الأخرى وتمسك أهل هذه المدينة بالعقيدة التي لاتفسد ، وساروا بتعليم آبائنا المكتوب في الكتب ، القائل : الجسد المقدس لسيدنا لم يفسد قبل القيامة ، وتقبل الألم بارادته حتى الموت . وبعد القيامة كان غير ميت ، وغير متألم . كقول أقارىء الملكوت اللاهوتي جورجوريوس . ولهذا ينبغي لنا بشأن القول : إنه لم يكن فاسدا - أن نبعد المعاناة في الحياة التي قبلها بالجسد ، بارادته وسلطانه وجعلها من أجل خلاصنا .
ص: 154
وعندما رأى الملك كل الجماعات مضطرية اذ أرسل قانون عقيدته في كل أرض اسكندرية ، وأثار الاضطهاد في أرض مصر - تغير فكرة لكثرة حزنه ، وكان يطوف في بيوت القصر في ارتباك قلب ، وكان يرغب في الموت ولم يجده ، لأن الله غضب عليه. (1)
وعندما جن الملك أمام كل الشعب أخذوا منه تاج المملكة ووضعوه على طيباريوس (2)
ونصبوه ملکا بدله ، ومنحه سيدنا يسوع المسيح القوة والسلطان .
ومسات بوليناريوس أسقف الخلقيدونيين بمدينة اسكندرية ، ونصبوا بدله رجلا من الجيش اسمه یوحنا ،، وكان حسن المرأي ، لايضطر أحدا لهجر العقيدة ، بل كان يمجد الله في كنائسه مع كل الشعب الذين تجمعوا إليه ، وشكروا الملك لعمله الحسن الذي كان يعمل ، والمسيح كان معه ، فانتصر على نارس والشعوب بالقوة وعقد سلاما مع كل الشعوب التي كانت تحت سلطانه .
واستراح بسلام في العام الثالث من حكمه بسبب خطیئة الشعب ، كانت أيامه محدودة .
ولم يكونوا جديرين بملك كهذا ، محب للإله ، ففقدوا هذا المتواضع الخير.
وقبل الموت أوصى أن يملكوا حماه . واسمه جرمانوس ، لأنه كان قبل بطريقا وأبي هذا ، الملك ، بخشوع قلب .. ثم ملکوا مورنقیوس (3)من مدينة قبدونيا .
ص: 155
وكان مورنتيوس (موريتيوس) الذي ملك بعد طیباریوس حبيب الاله - محبا للفضة المال) جدا ، وكان من قبل واليا ببلاد الشرق ، ثم تزوج ابنة دومديا لبوس التي اسمها قسطنطينيا (قسطنطینه) (2)واتخذها له زوجة . وفي الحال أصدر أمرا في قسطنطينية أن يجمعوا إليه كل الفرسان ، وأن يسيروا مع دومنديا ليوس (3)إلى مدينة الوانطس (4)، وأرسل كذلك إلى أرسطرماکوس (5)بأرض مصر ، وهو من أهل مدينة نقيوس ، ابن تاودوسيوس الحاكم ، وكان هذا متغطرسا شديد القوة ، أدبه أبوه قبل أن يموت ، وقال له : أتم على مالك ، ولا ترغب في أمر غريب آخر ، بل ابق على مايحق لك ، لتستريح نفسك ، فقد ملكت مالا كثيرا يكفيك . ولما كبر الطفل بحث أمر هذا العالم ، ورتب جيوشا كثيرة مع أدوات الحرب لتسیر معه ، ونسی کلام أبيه ، وكذلك صنع مراكب لیطوف بها في كل مدن
ص: 156
مصر بزهو وشراهة ، وكان عنيد القلب في قوة ، وجعل كل الحكام يخضعون للملك ، إذ نال رئاسة (1)في أيام الملك طيباريوس . ومن أجل الرئاسة زاد زهوا فوق زهوه ، وجعل كل القوات تنصاع له . وكان يقيم دون خوف . وأقام الفرسان في مدينة نقيوس دون أمر الملك ، وأعوز كل الجنود الذين كانوا تحت سلطانه واستحوذ على مساكن من كانوا أغنى منه ، وجعلهم ولاشيء . واذا أقبل إليه الناس العظماء والعامة من لدن الملك - كان يتركهم عند الأبواب ولا يدخلهم عنده قبل زمن طويل ولما أخبروا الملك طيباريوس قبل أن يموت بالعمل الذي يرتكبها رسطوماكوس أرسل إلى مدينة اسكندرية قائدا اسمه اندریاس (2)ليأخذه بالحكمة دون إراقة دم ، ويأتي به حيا وكذلك أرسل طيباريوس الى كل قوات مصر أن يساعدوه في حرب البربر ولما بلغت رسالة الملك ارسطوماكوس - خرج هو الى مدينة اسكندرية سائرا وحده مع القليل الذين یخدمونه ، غير عارف تدبير الحيلة التي دبروها ضده . ولما رآه البابا وأندرياس فرحا وأعدا مركبا صغيرا في البحر عند كنيسة القديس مرقس الانجيلي وأقاموا في الحال قداسا في الثلاثين من شهر مبازيا (3)وفي هذا الي-وم ك-ان ع-ي-د القديس مرقس الانجيلي ، وبعد اتمام القداس خرج اندریاس ماشيا نحو شاطيء البحر ومعه ارسطوماكوس . وأشار اندرياس للأعوان والجنود أن يقبضوا على أرسطوماكوس ويضعوه في المركب
ص: 157
وفي الحال نبضوا عليه وحملوه على أكتانهم ، والقوا به في المركب دون أن يعرف . وأطلقوا المركب ، وساروا الى الملك ، وعندما رآه الملك الرحيم قال : ما كان هذا الوجه وجه عاص ، لن نصنع به سؤا ولا أي شيء وأمر أن يقيموه بمدينة بيزنطه حتى يفحص أمره ، وبعد أيام قليلة ، عندما لم يجد عليه وزرا ، نصبه ، وأرسله الى مدينة اسكندرية . فكان محبوبا لدى الناس وقهر البربر ، وبلاد النوبة ، وأفريقية (1)المسمين مورطانس (2). وأباد الآخرين المسمين ماریکوس (3)ودمر بلادهم ، وغنم أموالهم ، وأخرج أسراهم كلهم في نهر جيون الى بلاد مصر لأن حربه معهم كانت عند شاطىء البحر ، وحكى المؤرخون ماصنع من النصر (4)
ص: 158
ثم فكر في نفسه قائلا : إذا وجد - الحاسدون من يسير ویشي بي - أتقدم أنا مرسلا رسالة الى الملك وفي الحال أرسل قائلا : هل أتي لألتقي بك فقال الملك موريقيوس : أقبل . وفي الحال نهض سريعا وسار إلى الملك ، وأهدى اليه هدايا كثيرة ، فقبل منه كل ما أهداه ، وعينه في الحال واليا على مدينة الملك وجعلته الملكة قسطنطينا أمينا على كل بيتها ، وزادته اجلالا فوق اجلاله حتى كان في المرتبة الثانية بعد الملك ، فعظم جدا في مدينة بيزنطة ، وبني قنوات الماء في كل المدينة ، وكان أهل المدينة يصرخون جدا لفقد الماء. وأقام صهاريج للمياه من النحاس من صنع حاذق حکیم لم بصنع مثله من قبله . فكان الماء يسيل ويدخل في الصهريج النحاسي الذي أقيم ، واستراحت المدينة بوفرة الماء، واذا شبت نار في المدينة كانوا يذهبون إلى
ص: 159
الصهريج ، ويطفئون النار (1)وكانت كل الجماعات تحبه وتعظمه وكان هو محبا لأعمال البناء صانعا للخيرات . وفي الحال ثار عليه الحاسدون الذين ليس لهم قلب ، وفكروا أن يسلموه للموت باختلاق سبب . وبينما هم يفكرون هذا التفكير ظهر قائد يعرف أمر التنجيم ، وآخر اسمه ليون المشرع ، ونظرا في النجم الذي ظهر في وجه السماء ، وقالا : ان هذا الكوكب الذي ظهر يتنبأ بقتل الملك ، وسارا ، واخيرا الملكة قسطنطينا ، وقالا لها : اعرفي أنت ماستعملين ، ودبرى أن تنجي أنت وأبناؤك ، فان هذا الكوكب الذي ظهر أمارة الحرب التي ستقوم ضد الملك وذكروا لها حديث اتهام كثير ضد ارسطوماكوس (2)، وأقسما عليها الا تخبر الملك . وسارت في الحال وأخبرت الملك ، فتصور أن ارسطوماكوس سبقتله ويستحوذ على زوجته فكره الملك ارسطوماكوس ، وجعله فاقد الأمل ، وأذله كثيرا ونفاه في جزيرة جلانيا حتى يموت هناك .
واستقبل الملك مورنيقيوس كثيرا من الناس المثيري الاضطراب ، الكذبة ، حبا للمال وباع كل عملة مصر وحولها ذهبا ، وكذلك باع غلة بيزنطة من أجل الذهب وصارت كل الناس تكرهه وتقول : كيف قبلت هكذا مدينة قسطنطينية مثل هذا الملك الظالم ؟ وكيف ولد له أبناء وبنتان وهو صانع مثل هذا الظلم حتى نهاية ملكه وطورمیستارس (3)ملك فارس في هذا الوقت الذي سمي کسری ، ابن دیرارارس (4)- قيل إن أباه كان مسيحيا يؤمن بالمسبح إلهنا الحق ، ولكن كان يخفى ايمانه خوفا من الفرس ، دخل في آخر أيامه الحمام مع جنوده المؤمنين ، وأنبه اسقف مسیحى ولامه لايمانه الذي يؤمن به سرا ، وأنكر الشيطان الذي كان يعبده . وعمد في مغتسل في الحمام باسم الثالوث المقدس
ص: 160
وبعد أن عمد ، أمر أن يهدم هذا المغطس الذي عمد فيه .(1)ثم أخذ ابنه ارسنطاس (2)وجعله ملکا بدله وكان هذا البائس يخضع للشياطين ، ويضطر المسيحيين أن يسجدوا للنار وللشمس . وكذلك الأفراس التي ترعى العشب كان يسجد لها .
ص: 161
وكان ثلاثة اخوة في احدى المدن شمال مصر تدعى أیکلا (2)التي هي زاويا (3)وهذه هي أسماء ثلاثة الأخوة : ابسکرون ، ومیناس، ويعقوب . وأبسکرون هذا أكبرهم وكان نساخا (4)وكان له ولد اسمه ایساکیوس ((5). وعینهم يوحنس حاكم مدينة اسكندرية على مدن كثيرة بمصر . وكانت بلدتهم وکلا قريبة من مدينة اسكندرية . ونظرا لأن هؤلاء الرجال الأربعة كانوا في غنى عظيم لم يستطيعوا التحمل ، بل حاربوا أهل الوانوطس(6) ، ونهبوا كلتا المدينتين .
ص: 162
وهما : بناء وبوصیر (1)دون رأی حاكم المدينة ، وكان هذا خيرا وحسنا وعفيفا . هؤلاء الرجال الأربعة الذين ذكرناهم من قبل أراقوا دما غزيرا ، وأحرقوا مدينة بوصير وحمام الجماعات . وهرب حاكم مدينة بوصير ليلا ، وأراد أهل مدينة أيكلاه أن يقتلوه فهرب ونجا من أيديهم وسار إلى مدينة بيزنطه إلى المللك موريق باكيا بدمع غزير ، وأخبره بما أعده ضده الرجال الأربعة من القتل . وصلت رسالة إلى الملك من حاكم مدينة اسكندرية ، رسالة ثانية تخبره بهذا . وعندما سمع الملك موريق (هذا) غضب جدا، وأمر يوحنس والی مدینة اسكندرية أن ینحیهم عن الرئاسة . وجمع هؤلاء الرجال أناسا كثيرين متهورين بالأفراس وبالسيوف وعدة الحرب ، وأخذوا كثيرا من السفن التي كانوا يرسلون بها الطعام إلى مدينة اسكندرية ، وحدثت مجاعة عظيمة في المدينة وافتقروا جدا ، وأرادوا أن يقتلوا يوحنس الحاكم ، غير أن المؤمنين الذين يحبون المسيع حاربوا من أجله لعمله الحسن . وكتب أهل المدينة رسالة خطية وأرسلوا الى الملك بنبئونه بالبؤس الذي حل بالمدينة ، فنحي الملك الوالي بوحنس وعين بدله بولس من مدينة اسكندرية . وودع أهل المدينة يوحنس بإجلال عظيم ، وسار والتقى بالملك وأخبره بالعنف الذي أحدثه أهل مدينة ايکلاه، وظل لدى الملك أياما قليلة، وكذلك نصبه ومنحه السلطان على مدينة ایکلاه. وعندما سمع أهل مدينة ایکلاه ماحدث ووصول يوحنس إلى مدينة
ص: 163
اسكندرية أثاروا اضطرابا ونزاعا في كل بلاد مصر بحرا ویرا ، وأرسلوا واحدا منهم ، وهو اساکیوس (اسح) الجری مع قرصان ونزلوا بحرا و اخذوا السفن الکثیره السائره فی البحر و حطموها و ساروا نحو قبرس وسلبوا کثیرا من الاسلاب وتجمع کثیر من الناس و هم التنانکیکون واللاکورین والماتریدین الماسر(1) و الوانطس والعمال(2) و عدو الله البوصیری(3) هولاء کلهم اجتمعوا فی مدینه ایکلاه و تشاوروا مع اولوجیوس البسریرک الخلقیدونی بمدینه اسکندریه و مع ایلس الشماس و میناس المساعد(4) و یطلیموس قائد البریر و لم یعرف هذا ایکلاه و ارادوا ان یعینوا والیا بدل یوحنس(5) و قالوا: ان یوحنس هذا لایحابی وجها و یکره الظلم و یصنع لنا کما نرید وزاد اهل ایکلاه عصیانا فوق عصیانهم واستولوا علی السفن التی بها الطعام واستحوذوا علی ضرائب الملک واظطروا حاکم المدینه ان یدفع لهم الضرائب.
ورحل بوحنس بتكريم من لدن الملك ، ووصل إلى مدينة اسكندرية ، وسمع متمرد مدينة ایکلا، هذا بجیی بروحنس .
وحشد یوحنس جیوش اسكندرية ومصر والنوية ليحاربوا أهل مدينة ایکلاه وجاء في الحال قائد اسمه تیودورس كان مع ارسطو ماکوس ، و تيودورس هذا كان أبن زکریا الحاكم ، وأرسل رسالة خطية سرا إلى يوحنس ليرسل اليه الجنود اللائقين الذين يرمون النبل . ولیطلقوا کلا الرجلين من الحبس وهما قسما بن صموئيل ، والآخر بانون بن آمون ، وأمر قسما أن يسير برا ، وبانون بحرا.
ص: 164
وزكريا ، الذي كان من العظماء ، كان نائبا (1)عن يوحنس بمدينة بوصیر . وقابله كثير من الدمار بمدينة اسكندرية فقبض على منحرفين كثيرين وحاكمهم ، واستحوذ على سفن كثيرة، وألقى خوفا عظيما عندما وصل إلى مدينة اسكندرية ، ولم يعد الى مدينة بيزنطة حتى مات . و شاد بعد هذا منشآت كثيرة في البحر بعمل محكم .(2)
وعندما حضر القائد تيودور والجنود الذين معه أحرقوا مقر العصاة ، وجاموا كلهم إلى مدينة اسكندرية : الرجال ، والشبان الذين يرمون النبل ، ومنهم من يقذف بالأحجار . وأتی بخمسة الرجال الذين أطلقهم من الحبس ، وهو : قسما بن صموئيل ، وبانون بن أمون وغيرهم (لبري المصريين من أطلقهم من الحبس) (3)ولما وصلوا إلى البحر أعدوا الأقویاء المحاربين بحرا في السفن ، وممتطى الأفراس برا . أما القائد فقد سار نحو شرقي النهر مع كل الجنود المقاتلين . وظل قسما وبانون غربي النهر مع قوات كثيرة . وصاحوا في هؤلاء المتآمرين الموجودين شرقی (4)النهر وقالوا لهم : انظروا أنتم كلكم أيها الجميع الذين اجتمعتم مع هؤلاء العصاة : لاتحاربوا القائد ، فان مملكة الروم لیست ضعیفة ولا مقهورة ، بل لتساهلنا معكم صبرنا عليكم حتى الآن - وفي الحال انفصلت الجماعات التي كانت متجمعة مع هؤلاء العصاة وعبروا النهر والتوا بجند الروم وشرعوا بقاتلون أهل ایکلاه وهزمرهم ، فهربوا ليلا وساروا الى مدينة صغيرة تسمى أبو سان(5)، ولم يستطيعوا البقاء هناك ، بل انتقلوا إلى مدينة كبيرة(6)، فتبعتهم إليها جيوش الروم ، وقبضوا على أربعتهم ، وهو : ابسکرون
ص: 165
و میناس ، ویعقوب ، وایساکیوس ، وأركبوا أربعتهم جملا ، وطافوا بهم في كل مدينة اسكندرية ، ينظر إليهم كل الناس ، ثم ألقوا بهم في السجن مقيدة أيديهم وأرجلهم بالحديد . وبعد أيام كثيرة جاء قسطنطين البطريق المعين من لدن الملك على مدينة اسكندرية وفحص أمر هؤلاء المحبوسين ، وعندما عرف حالهم قطع رقاب هؤلاء الأخوة الثلاثة ، وحبس ایساکیوس ونفاه الى جزيرة أتروكر (1)كل أيام حياته ، والجماعات التي عاونتهم: منهم من أدانوهم ، ومنهم من نهبوا أموالهم ، وأحرقوا مدينة ايکلاه وأبو سان بالنار، وحدث خوف عظيم في كل بلاد مصر ، وظلت في هدوء وسلام.
و في هذا العصر كذلك ثار شخص قوي اسمه ازاریاس في مدينة أخميم(2) وجمع لديه عبيدا سودا كثيرين وقطاع طريق ، واستولى على ضرائب الملك دون أن يدري حكام المدينة . وعندما رأوا قتال هؤلاء العبيد والبربر كان أهل المدينة بخافونهم وأرسلوا رسالة وأخبروا الملك، فأرسل الملك قائد الجند الكبير مع جيوش كثيرة من مصر والنویة ليحاربوا أزارياس . وقبل أن يحاربه خان وفر وصعد فوق دبر المحرق (3)کالحصن . فحاصر هؤلاء الجنود هذا الدير زمنا كثيرا حتى نفد الماء والطعام الذي كان لديهم . ومات ازاریاس العاصي ومن معه جوعا وظا، وتركوا افراسهم .
ص: 166
وفي أيام هذا الملك كذلك كان وال وحاكم بمدينة اسكندرية اسمه میناس بن معین رأی خلقا کھیئة صورة انسان ، منهم من يشبه الذكور ومنهم من يشبه النساء ، وكان كل الذين يسيرون في البحر عندما يقفون عند الشاطيء يرونهم جهارا ، ویعجبون جدا من مرآهم . وکان میناس يشاهد مع كل الموظفين وكبار المدينة . وكل من يراهم يتحدث إليهم ويقول لهم استحلفكم باسم الله الذي خلفكم : تراموا لنا مرة ثانية . وحين سمعوا القسم كانوا يبدون وجههم وأياديهم وصدورهم ، وكل من يراهم يقول : هذا عمل الشياطين الذين يسكنون في الماء .. وآخرون يقولون : في هذا النهر توجد كلتا الطبيعتين اذ ظهرت به حیوانات لم ير مثلها من قبل ، وآخرون يقولون ان هذه الشريرة ظهرت في أرضنا ، وآخرون يقولون : إنها أمارة حسنة ماظهرت به هذه المخلوقات (وهؤلاء كلهم كذبة ولا دليل على كلامهم) (1)
وفي أيام موریق (3)الملك كذلك ورد الماء ليلا من ناحية شرق مدينة إسنا التي هي رأس مدن الريف وهم نيام ، وخرب بيوتا كثيرة ومن یقیمون بها ، ودفمهم وأغرقهم في النهر ، وحدث دمار كبير في المدينة وللشعب .
وكان كذلك في مدينة طرسوس في کیلقیا(4) لأن النهر الذي كان في المدينة ، واسمه الفرات ، فاض في منتصف الليل واغرق نصف المدينة التي اسمها انصنا .. ودمر بيوتا كثيرة ، ووجدوا في هذا النهر لوح حجر مکتوبا فیه أن هذا النهر يدمر بيرنا كثيرة من هذه المدینه(5)
ص: 167
وعمل موريق عملا حسنا في أيام حكمه ، وأزال أخطاء الملوك الذين كانوا قبله . وکان ریان سفينة آتيا من مدينة اسكندرية وينزل الى سفينته طعاما كثيرا للملك فتحطمت هذه السفينة وهلك طعامه في البحر ، وأخذه حاكم المدينة وضربه كثيرا ، ولم يجدوا معه شيئا من المال (2)، فأمر الملك موريق أن يحاكموا رئيس السفينة وأصدر أمرا في هذا الوقت ألا یدینوه وألا يغرموا رئيس السفينة عندما تحطمت سفینته ، بل يحتسب هذا الملك .(3)
وعندما هرب الملك موريق اجتمع جميع الشعوب إلى البطريرك ، واتفقوا ، ووضعوا تاج المملكة على فوقا (4)في كنيسة القديس يوحنا المعمدان (5)وسار الى القصر وأعد الرؤساء والحكام والمركبات ووجههم للبحث عن موريق . وبينما سار موريق بالسفينة ثارت رياح شديدة قلبت السفينة ، وخرج هو وحده ومعه أبناؤه ، ولجا إلى جزيرة صغيرة كانت قريبة من
ص: 168
خلقيدونية . وعندما عرف القادة مكانه ساروا إليه كما أمرهم فوقا ، وقتلوه (1)وأبناءه الخمسة في العام الثاني والعشرين من حكمه ، وجردوا الملكة قسطنطينا وابنتيها وزوجة تاودسيوس ابنها من زي المملكة ، وألبسوهن ملابس الإماء وأبقوهن في دير العذارى . ولما تاكد لفوقا حكمه أرسل سفراء إلى كسرى ملك فارس فلم يقبل کسرى السفراء لديه ، بل غضب لموت موریق. (2)
ومن الناس من اتهم الأسكندروس الذي كان من السادة ، وهو حکیم محبوب لدى كل أهل قسطنطينية ، وقالوا لفوقا : إن الاسكندروس هذا یريد قتلك وأن يحكم بدلك ؛ فإن الاسكندروس هذا كان قد تزوج ابنة موريق (3)، فأسر فوقا في الحال الاسكندروس وکودیس والخصيان (4)الآخرين ، وأرسلهم إلى مدينة الاسكندرية ليؤسروا هناك وبعد أيام قليلة أرسل فوقا إلى يوستيناس حاكم اسكندرية كي یعدم الاسكندروس ومن معه .
ص: 169
ونظرا للدم الكثير الذي أراقه فرقا حدث خوف عظيم لدى كل الموظفين (2)ببلاد الواطس (3)وفي هذا الوقت لم يستطع أهل كل البلاد أن يعينوا بطريركا أو في إحدى رتب الكنيسة إلا بأمره . واجتمع أهل المشرق في المدينة العظيمة انطاكية عندما سمعوا هذا النبأ وغضب كل الجنود وخرجوا بجيادهم واستعدوا للحرب ، وقتلوا خلقا كثيرا في الكنيسة حتى ملئوا كل الأماكن دما .(4)وبلغ هذا القتل الآثم فلسطين ومصر .
ص: 170
وكان بمدينة ميرادا (2)بمصر رجل اسمه تارفيلوس ، كان حاكما لخمس مدن في أيام فوقا ، ثار عليه حكام المدن مع أناس كثيرين حاربوا تارفيلوس وقتلوه مع ذويه (3)، وأخذوا المدن الخمس عنوة ، وهي : كرتباء (4)، وسان ، وبسطا ، ویلقا (5)وسنهور (6). وأخبر داود وابوناکی (7)اللذان أرسلا من قبل البطريرك ، فرنا . وحين سمع نوقا غضب جدا ، وأرسل موظفا شريرا اسمه وابازون (8)من مدينة الرانرطس ، وكان كالذئب الكاسر ، ومنحه السلطة على الموظفين يعمل بهم مثلما عمل هؤلاء . وعندما وصل الى مدينة كيلينيا جمع فوقا كثيرين وخرج إلى الحكام بمدينة انطاكيا ، وتسلط عليهم ، ولشدة خوفهم منه كانوا كالنساء أمامه ، وحكمهم دون رحمة ، منهم من خنقهم ، ومنهم من أحرقهم بالنار ، ومنهم من أغرقهم في الماء ومنهم من قدمهم للسباع ، ومن كان من المدنيين قدمهم للسيف ، ومن كان یرید التساهل معهم كان ينفيهم كل أيام حياتهم . وألحق الشر بالرهبان ودير العذاری .
ص: 171
و هذه الأعمال التي عملها فوقا الأحمق هي :
أرسل الى قبدوقيا أن يرسلوا اليه زوجة هرقان (2)الكبير أم الرئيس تيودور وزوجة هرقل الصغير (3)مع ابنتها فابيا العذراء ، وأقامهن في بيت تيودور في إكبار . وتیودور هذا كان من أقارب جستنيان الملك . (قيل له اذلك بمشورة أكراسیس وقیبامون مفسري الأحلام) (4)وحاول فوقا أن يعتدي على عذرية فابيا ، ووجدت في سبيا نسائيا، وقالت : إني حائض ، وأرته خرقة ملوثة بالدم ، ولهذا تركها .
وعندما عرف هرقل الكبير هذا شكر أكراسيس ، وترك تيودور ولم يسيء إليه ولا إلى من
ص: 172
وجاءوا إلى مدينة قسطنطينية ، وأخبروا فوقا بكل ماحدث . وفي هذا الوقت خرج هرقل . ومنح البریر في مدينة أرطابلوس(2) والمدن الخمس مالا كثيرا ، وزين لهم أن يساعدوه في الحرب (3)، ثم استدعی مسئول جيشه ، واسمه بوناکیس (4)، وثلاثة آلاف جندي معه وكثيرين من البرير ، وأرسلهم إلى المدن الخمس لينتظروه هناك ، وأرسل كذلك نفيطاه (5)بن جورجيوس مع مال كثير إلى لونديوس الحاكم المعين من قبل فوقا على مدينة مريوط (6)ليحيى فوقا ، وكتب له ، قائلا : سیدی ! إن تنكرا (7)وتیودور بن میناس من حاکم اسكندرية أيام موریق اتفقا مع هرقل سرا ووعداه أن يعطياه مملكة قسطنطينية ويقتلا فوقا .
ص: 173
ويجعلا الآلاف الذين بقسطنطينية يخضعون له . وكان هذا دون أن يعلم تیودور (1)بطريرك الخلقيدونيين بمدينة اسكندرية المرسل من قبل فرقا . غير أن حاكم المدينة عرف هذا التدبير ،
لأنه كان رئيس النصر ومدبر الجيوش باسكندرية ، وتیودور العين للطعام (2). أرسل هؤلاء الثلاثة رسالة خطية الى ف,قا ، وأخبروه بكل ماكان . وكان ف,قا يسخر من هرقل ، فأرسل مالا كثيرا إلى أبلون (3)في مدينة منوف علی بد حاكم مدينة rسطنطينية . وأرسله إلى مصر مع جيوش كثيرة بعد أن حلفه بإ ايمان كثيرة أن يحفظ ملكته بأمانة ، وأن يحارب هرقل في مصر ، والی بطلیموس أبولون مدينة أتريبا(4) المعين في هذه المدينة ، وبعد ذلك أرسل إلى قوسون(5)أن يترك مدينة انطاكيا ويأتي إلى اسكندرية .
وسبق بارسال تونس (6)بحرا مع أسد ونمور (7)وغيرها من الحيوانات المفترسة ليدفعوا بها
إلى مدينة اسكندرية ، وكان الملوك قد أبطلوها ولكنه جدد هذه السنة
ص: 174
وكذلك أرسل أدوات العقاب بكثرة : أنواعا من السلاسل والقيود ، وأموالا كثيرة وثيابا فاخرة .
ویوناکیس (1)(قائد قوات) هرقل الكبير رأي نفيطا في المدن الخمس كما أمر هرقل . أما هو فقد أخذ جيشا من أنديوس المبعوث إلى مدينة مريوط ، وسار إلى النوية بافريقية ، والتقى بهم لندیوس الحاكم . وعندما وصل إلى حراس مدينة كبسين (2)دخلوا ، ولم يحدثوا شرا بالحراس ، وأطلقوا جميع المحبوسين ليجتمعوا بهم في الحرب .
وقبل أن يدخلوا تراضوا مع أهل المدينة أن يسيروا أمامهم ليحدثوا ضعفا في النهر المسمى بیدراکون (3)، وهو التنين ، وهو قريب جهة الغرب من المدينة العظيمة اسكندرية ، وعندما دخلوا وجدوا بللون (4)حاکم اسكندرية مع كثير من أهل مصر الذين كانوا موكلين بادوات الحرب ، وقالوا له : اسمعنا ، واهرب منا ، واحفظ کرامتك ، وكن وسطا حتى ترى من ينتصر، ولن يصيبك أذى ، وتكون بعد ذلك مديرا على مصر ، فان أيام نوقا قد انتهت . فلم يقبل هذا القول ، بل قال : نحن نحارب من أجل الملك حتى الموت.(5)
ولما تحاربوا فيما بينهم قتلوا هذا الكاذب ، وبتروا رأسه ، وعلقوها على رمع وجاموا بها إلى المدينة ، ولم يستطع أحد ما أن يتقاتل معهم ، بل أجتمع كثير منهم وسار رئيس القصر وتبودور وكبل الطعام إلى كنيسة القديس تیودور شرقي المدينة ، وذهب تیودور
ص: 175
البطريرك الخلقيدوني (1)إلى كنيسة القديس اثناسيوس على شاطىء البحر ، لاخوفا من الحرب فقط ، بل خوفا من أهل المدينة ، لأنهم كانوا يحمون میناس المساعد بن تیودور النائب، وهو أدجشان (2)، فاذا جاء فرنوس (3)أعادوه اليه.
وعندما اجتمع الحكام والمدنيون في البلد كانوا على رأي واحد في كراهية فونس الذي بعث الحيوانات المفترسة وأدوات العتاب ، وسلبوا ضرائب الملك من يد من بحفظها ، وكانوا يعارضون فوقا علانية وتقبلوا هرقل (4)بإجلال عظيم ، واستولوا على ساحة الرئاسة وأقاموا بها ، وعلقوا رأس بللون على الأبواب ليراه من بدخل ومن بخرج ، وأخذوا كل الأموال التي أرسلها إلى بللون من الذهب والفضة والشباب الفاخرة ، وأرسل كذلك وأتی به من القوات والمقاتلين الذين معه . وأرسل كذلك إلى فارس(5) ، وأخذوا المحاربين الذين كانوا بالسفن ، وكان يتحفظ عليهم بقرة .
وقبل وصول فونس إلى مصر لم يعد بوتاکس ، بل تسلط على كل حكام مصر . واستحوذ الوناطس (6)على أموال أرسطوماكوس أمين الملك وعلى مال كل عظماء مدينة منوف ، وأفقروهم حتى لايدفعوا ضرائب .
ص: 176
وفرح كل الناس للإنهاك الذي أصاب فوقا ، واجتمع كل أهل تقيوس والأسقف تیودورس وكل مدن مصر ، ماعدا بولس حاکم مدينة سمنود وحده فلم يجتمع معهم لأنه كان من المعينين من قبل فوقا ، وكان أهل المدينة يحبونه ، رسموا ليوناکیس رئيس الجند بهذا الاسم لأنه متمرد أحمق ورأس کلب ، ثم قسما بن (1)صموئيل كذلك ، صديق بولس الذي كان واحدا منهم ، وهو ضعيف القوة يحمله رجلان ، وهذا الرجل كذلك الذي أطلقوه من الحبس ، وكان عظيم النفس هو ومن معه(2). أثار كل الحكام وجعلهم يخضعون له . وكان بولس أول من تشدد ولم ينضم إلى جماعة هرقل وكان يتذبذب في رأيه ، وانفصلت كل مدن مصر لقتلهم أيسابلون(3). ولم ينضم كذلك مرقیانوس حاکم مدينة أثريب لما كان بينهم من الحب .
وخرج تونس من بيت بطليموس(4) ووجه سفنه إلى مدينة أتريب . وزارته کریستورا أخت ابساللون ورأت من يحطمون ملكة فوقا ، ولم تقبل (5)رسالة هرقل إليها . وكل شعب مصر والناس كانوا ينتظرون المعاونة من الناس الذين يأتون برا وبالسفن في البحر ، وكانوا يأتون بالسفن من كلا البحرين ، ويأتون - كما أسلفنا القول . وكانوا ينتظرون الفرسان من الشرق : ابلاطون وتیردور ، لأنهما كانا يجاوران مدينة أتريب ، وهم يخافون خروجهما .
ص: 177
ومن قبل ذلك كان بولس وقسما بن صموئيل و تیودور . الأسقف وميناس كاتب مدينة نقيوس - أرسلوهما برسالة الى مرقیانوس الحاكم والى السيدة كریستودورا أخت أيساللون ليستقطا علامات (1)فوقا ويخضعا لهرقل ، فلم يقبلا رسالتهم ، واستمعا لخبر فونس ، وأنه وصل إلى مدينة بيكوران (2). وعندما سمع هذا جماعة أبلاطون أرسلوا رسالة خطية إلى بوتیاکیس بالاسكندرية قائلين : أسرع ، تعال مع محاریبك ، فان فونس وصل إلى مدينة فرما. وعندما وصل بوتاکس الى نقيوس وصل كذلك فونس الى مدينة أتريب ، ووجد جنود مرقیانوس مستعدين ، وکریستادورا أخت ایلدوس وجماعة قسما بن صمويل موجودين بالأرض. وجاء هذا الى نهر صغير متفرع من النهر الكبير والتقى ببولس الحاكم مع مقاتليه ، ثم جاء يوتاكس ليحارب فونس ، والتقوا شرقي مدينة منوف ، وعندما التقى بعضهم ببعض انتصرت جماعة قسما بن صمويل ، وسانوا جماعة بوتاکس الى البحر ، وقبضوا على بوتاکس وذبحوه ، وقتلوا لونديوس الحاكم وکودیس وأحاطوا بقواد كثيرين وأخذوا أحياهم وأسروهم . وعندما رأى أبلاطی و تیودور قتل بوتاکس ومن معه ، فرا إلى الدير واختبئا وأخذ تيودور اسقف نقيوس وميناس الكاتب الاناجيل وخرجا للقاء فونس ظانين أنه يشفق عليهما . وعندما رأی فونس تيودور الاستن دفعه معه إلى مدينة نقيوس ، وأنزل میناس السجن ، فقالت له کریستودورا ومرقبانوس حاكم أتريب إن هذا الأسقف الذي أنزل علامات فوقا من أبواب المدينة. وعندما رأي فونس علامات فوقا ساقطة أمر أن يقطعوا رأس الأسقف ، وضرب میناس ضربا كثيرا وأخذ منه ثلاثة آلاف دينار ذهبا ثم أطلقه . ولكثرة الضرب أصابه مرض الحمى ، وفي أيام قليلة مات بتدبير نسما بن صمويل ، وعظماء منوف الثلاثة وهم : اسدروس ، ویوحنا، ویولیانوس ، ومن اختبأ في دير آتریس (3)وهم أبلاطون أمين الملك ، وتیودور النايب - أعادهم الرهبان إلى فونس ، فأخذهم فونس وحبسهم وأخرجهم إلى مدينة تقيوس ، وأخذ يضربهم ، وبعد ذلك فصل رؤسهم في المكان الذي قتل به الأسقف . وكذلك سأل عن حال القواد الذين كانوا يحاربون مع بولاتاکیس . ومن كانوا من جماعة موريق كان بنفيهم
ص: 178
ومن كان من فريق فوقا حاسبهم وقتلهم (1). وعندما رأى من بقي من الناس ذلك فروا وساروا الى مدينة الاسكندرية . واجتمع كل عظماء مصر إلى نقبطا الحاكم من لدن هرقل ، وساعدوه مثلما كانوا يكرهون فونس ، وأخبروا نقیطا بكل ماصنعه. وجمع نقيطا كثيرا من الجيوش القاتلة والبربر والسكندريين وقادة العمال والبحارة (2)والرماة وكثيرا من أدوات الحرب واستعدوا في حصن المدينة ليحاربوا فونس ، وكان فونس بظن ويقول: أبسبب الطعام استولی على المدينة واصنع بنقيطا مثلما صنعت بیوتاكيس ! وأرسل بولس السمنودي بسفن في النهر السكندرى ليعينه ، ولم يستطع فونس (3)هذا أن يقترب إلى محيط المدينة لأنهم كانوا يقذفونه بالأحجار وفرت السفن . وعاد فونس كذلك وقواته ، وبقی بمینامونیس ، وهي شبرا الجديدة (4)، وسار كذلك إلى مدينة دمقارونیه(5) مع كل قواته . وكان يظن أنه سیفتح المدينة يوم الأحد ، وهذا في العام السابع من حكم قوتا .(6)
ص: 179
وكان الشيخ القديس العمودی واسمه تاوفيلوس المؤمن قريبا من شاطىء النهر . وهو رجل لابس روح التنبؤ ، هذا الشيخ أنام أعلى العمود ثلاثين عاما ، وكان نقيطا يتردد عليه أوقاتا كثيرة . وكان تيودور الحاكم ومیناس المساعد وتاودوسيوس - هؤلاء ثلاثتهم كانوا يعاونون نقيطا وينبئونه بفضائل هذا القديس ، فذهب نقیطا إليه ، وسأله ، وقال من الذي ينتصر في الحرب لأنه كان يخاف أن يحدث له ، كما حدث ليوناکیس ، فقال القديس : أنت تنتصر على فونس وتقضي على مملكة فوقا ، ويحكم هرقل في هذا العام . فاسترشد نقیطا بنبؤة الشيخ رجل الله ، وقال لأهل مدينة اسكندرية : لاتحاربوا منذ الآن . من فوق الأسوار ، بل افتحوا أبواب أون ، وقابلوا فونس فسمعوا كلام نقیطا ، وصفوا الصفوف ، ونصبوا المنجنیقات وقاذفات الأحجار عند الباب . وعندما برز أولا رسول قوات فونس ، وقبل أن يقترب من الباب ، قذفه رجل بحجر عظیم فکسر فکه . وسقط من فوق الفرس ومات في الحال . ثم تحطم آخر وأخذوا بفرون عندما اشتدت عليهم الحرب .
و فتح نقبطا الباب الثاني الرائع بكنيسة القديس مرقس الانجيلي ، ودخل هو والقواد والبربر الذين معه ، وتبعوا المحاربين الذين فروا وكانوا يقتلون بعضهم . وكان أهل الاسكندرية يقذفونهم بالأحجار ويطاردونهم ويرمونهم بالسهام ، وأدعوهم إدماء عظيما ، ومنهم من سقط في النهر لشدة الحرب قاصدین أن يختبئوا ، وماتوا هناك ، وفي شمال المدينة بوجد (نبات) القصب الفارسي ، وهو نبات "شمیقو" (2)وسياج من الشوك يحوط النبات ، وقبضوا على من هربوا ، ومنع الماء الجاري جنوب المدينة الهاربين ، ومن كانوا يطاردون ناتل بعضهم بعضا
ص: 180
دون أن يعرفوا أصحابهم . وبوسيلة شاقة انسحب فونس مع قليل من الناس وهرب الى مدينة کریون (1)ومات مرقیان والی أتريب ولوندیوس الحاكم وويلوس (2)، وجماعة كثيرة معروفة أسماؤهم قتلوا في الحرب وعندما رأى نقيطا أن ذلك النصر كان له بصلاة القديسين ، وأن جماعة فونس تعبوا وصاروا وحيدين - أرسل بطليموس واسبيوس وعظماء آخرين من جماعة هرقل إلى البحر ليأتوا اليه بكل الأموال التي وجدوها ، ويجمعوا له أقواما كثيرين من كل مدن مصر ، ومن كانوا من أتباع الوانو طس ، الكبار والصغار ، والموظفون كانوا يحمون نقيطا ويساعدونه بمدينة اسكندرية . (3)وعندما علم بولس ومن معه بقوا في السفن في اختفاء . وظنوا أنهم يتخلون عن فونس ، ويذهبون إلى نقیطا (4)، وتضاءل حظ فرنس ، وكان حظ نقيطا يزداد كل يوم قوة .
ص: 181
وعندما انسحب فونس مكث أياما قليلة في نقيوس وهو ومن بقي معه من القواد ، وأعطاهم سفنا ، وقتلوا كثيرين من أهل مدينة اسكندرية واتجهوا نحو مربوط ، ونزلوا إلى نهر بدراكون ناحية غربي المدينة ، وفكروا في أن ينهكوا السكندريين . ولم يدر هذا البائس أن الرب سيشد الأزرقى الحرب .
وعندما علم بهذا نقيطا هدم القنطرة ، وهي جسر مدينة دفاشر (2)وكانت قريبة من كنيسة القديس ميناس بمدينة مربوط . وعندما سمع فونس (هذا) أسف كثيرا ، وفكر في أن يقتل نقيطا بتدبير حيلة ، قائلا : إن مات نقيطا تتشتت الجيوش ، فأرسل قائدا وزين له أن يسير الى نقيطا مشتاقا للموت . وقال له : اتخذ سيفا صغيرا وضعه في وسطك ، وخيل لنفسك أتى وجهتك إليه لتسأله في شأني . وعندما تقترب منه أطعنه بهذا السيف في قلبه ليموت . فان استطعت أن تنسحب فهو حسن ، وان مت بسبب هذا الشعب فسأخذ أبناءك وأقدمهم إلى قصر الملك ، وأعطيهم مالا يكفي أيام حياتهم .وعندما سمع واحد ممن معه ، واسمه يوحنا أرسل وأخبر نقيطا بهذا التدبير السيىء .وفي الحال نهض هذا الرجل ، وأخذ سيفا للملك ووضعه في وسطه ، وسار إلى نقيطا وعندما رأه أمر الجند أن يحاصروه وعندما فتشوه سلبوه مامعه ، ووجدوا معه السيف في وسطه ، وفي الحال فصلوا رأسه بالسيف . وجاء فرنس إلى مدينة دفاسير وقتل كثيرا من الناس. وعندما سمع نقیطا (النبأ) أسرع وركض خلفه ، وعندما وصل إليه عبر فونس هذا النهر ، وسار إلى مدينة نقيوس . فتركه نقيطا عندما عبر النهر ، وسار إلى مدينة مربوط ، وترك كثيرا من الجنود یحرسون الطريق ، وسار كذلك إلى مدينة منوف ، إلى المدينة
ص: 182
العليا (1)، وعندما اقترب من المدينة فرت جماعة فونس التي كانت بها ، فاستولى على المدينة ، وقبض على ابرايس ومن معه وأحرق بيوتهم ، وأحرق كذلك طريق المدينة (2)وشن نقیطا حربا عظيمة على مدينة منوف ، وفتحها ، وخضعت له كل مدن مصر . ثم عبر النهر لمتابعة فونس في مدينة تقيوس ، وعندما علم تونس نهض ليلا وترك بلاد مصر وسار تجاه فلسطين . وكذلك طرد من هذا المكان للقتل السيىء الذي ارتكبه بهم من قبل ، فسار من هناك الى مدينة بيزنطة ، والتقى بفوقا صديقه القاتل .
وكانت كل مدن مصر في یدی نقيطا من المدينة العظيمة اسكندرية حتى مدينة تاوفيلوس العمودي الذي تنبأ بشان مملكة هرقل . وقبض نقيطا كذلك على برلس السمنودی ، وعلى قسما بن صمويل ، غير أنه أشفق عليها ولم يعاقبهما ووجههما إلى مدينة اسكندرية ليتحفظ عليها هناك حتى يموت فونس (3)وبسبب حرب فونس مع نقيطا ثار عمال مصر وارتكبوا المساءات مع الوانوطس (4)، وكانوا ينهبون ويقتلون دون خجل . وعندما سمع نقيطا هذا اعتقلهم وأدبهم ، وقال لهم : من الآن لاترتكبوا شرا ضد أحد ما ، وأرسى السلام بينهم وفرضه بكل مدنه ، وعين ولاة في كل مدينة ، وقضي على السرقة والظلم ، وخفف عنهم الضرائب ثلاث سنين فاحبه المصريون جدا ، وقالوا له بالرومیة : إن ملوك العصر قضت على مدن المسيحيين ، وجعلوهم أسرى في يد البربر والشعوب وجماعة الواریقون (5)، ولم ينج غیر من في تسالونيقا (6)وحدها فان أسوارها كانت منيعة ، ويعون الرب لم تستطع الشعوب .
ص: 183
الاستيلاء عليها ، وبادت كل المدن بالطرد . ثم هب جنود المشرق،(1) على الروم وأسروا المصريين الذين كانوا هناك . ومن فر من مصر خوفا من فونس ، وهم سرجيوس الجاحد وقسما الذي سلم بلده ، وانكروا عقيدة المسيحيين وتركوا المعمودية المقدسة وساروا في طريق الآثمين والضالين واستولوا على نهر الفرات (2)وعلى كل قرى انطاكيا ونهبوها ، ولم يبقوا أحدا من المحاربين في هذا الزمن ، وكذا أهل مدينة أطرابلوس الأفريقية جلبوا البربر آكلى الدماء (3)بسبب حب هرقل ، وكانوا يكرهون فوقا ، وحاربوا مردیوس الحاكم وأرادوا أن يقتلوه هو وحاكمين آخرين اسمهما اکلا سريوس وأسيدادربوس . وعندما جاء هؤلاء البرير قاتلوا بلاد أفريقية ، ووصلوا إلى هرقل الكبير ، وخرج الحاكم العظيم لمدينة أطرابلوس ، واسمه كيسيل . إلى نقيطا ليعينه على فونس ، ومعه معدات كثيرة . فأرسل هرقل الكبير ولده هرقل الصغير إلى مدينة بيزنطة بسفن ويربر كثيرين ليحاربوا فوقا .وعندما وصل إلى الجزر والأماكن على شاطىء البحر كان كثير من الناس والعمال يسيرون معه بالسفن .
وخرج تیودووس الكبير من لدن فوقا مع كثير من القادة الحكماء وخضع لهرقل . وعندما رأى الرجال والقادة الذين معه ، صنعوا صنيعه وخضعوا لهرقل القبادوقي(4).
وكانت كل الشعوب تعارض فوقا بغضب ولم يوجد من يمنعهم . وكان كل هذا بمدينة القسطنطینیه.
ص: 184
وعندما سمع فوقا هذا النبأ وعلم أن كل الناس خضعوا لهرقل أرسل مركبات المملكة الى فونس ليقاومه . وأعد حكام الملك الآخرون سفن الاسكندرية التي أتوا منها بالطعام من أرض مصر الى القسطنطينية : لأن فوقا كان قد حازها لديه ، وأباه اياه الاسكندريون. (1)
ص: 185
وعندما رضوا هرقل ليكون ملكا عليهم تقديرا لقبطا (2)البطريق كان أهل افريقية يمدحون هرقل قائلين : أن الملك هرقل كان مثل أوغسطس وكذلك كل أهل اسكندرية والقصر قالوا مثلهم ، ومن ثم شنوا حربا عند شاطىء البحر ، رقتل أصحاب المركبات فرنس ، وكانوا يمدحون هرقل الصغير بن هرقل الكبير ، وكانوا بصرخون جميعهم بقول واحد باللغة الرومية ، ويسبون نوقا رفرنس . وعندما سمع العمال (3)وأهل مدينة بيزنطة الذين كانوا في البحر ذلك جمعوا سفنهم ، وطاردوا أهل الوانطس (4)وهؤلاء كانوا بضعفين للاتهام الذي كان موجها لهم ، ومن ثم فروا إلى كنيسة القديس صوفيا. (5)
وكان كل الموظفين والجنود يقفون عند القصر وينتظرون فرقا ، وعندما علم فرقا ولوندیوس الخصي أنهم يريدون قتلهما بایذاء كما قتلوا فونس الجاحد قام كلاهما وأخذ الأموال التي كانت في خزائن الملك التي جمعها مورین ، وتلك التي جمعها من لدن الروم الكبار الذين
ص: 186
قتلهم وأخذ أموالهم ، وكذلك مال فونس ، وألقياها في مجرى البحر (1)، وجعلا مملكة الروم فقيرة مسكينة . وفي الحال دخل الجنود والحكام والقادة وقبضوا على فوقا ونزعوا تاج المملكة من فوق رأسه ولونديوس الخصي معه وأتوا بهما أسيرين إلى هرقل في كنيسة القديس توماس الحوار وقتلوهما كليهما أمامه ، وقطعوا مذاکیر فوقا وسلخوا جلده حتی ساقيه للعار (2)والخسران الذي صنعه بأمرأة فوتيوس) (3)، فانها كانت أمة للرب ، وأخذها قهرا دون إرادتها لأنها كريمة الأصل ، ثم أخذوا أجساد فوقا ولونديوس وفونس وأتوا بها إلى مدينة قسطنطينية وأحرقوها بالنار وذروا رماد أجسادهم في الريح ، لأن كل الناس كانوا يكرهونهم. (4)
وتمت الرؤيا التي رآها بنيامين في مدينة انصنا من لدن الرب ، ولم يهمل أهل بيزنطة شيئا ما ، بل أتوا بهرقل إلى كنيسة القديس توماس الحواري دون إرادته ، ووضعوا تاج المملكة فوق رأسه ، وبعد أن أتم صلاته سار ، ودخل القصر ، وشكره كل الحكماء الذين كانوا هناك .
وبعد أن تملك هرقل كتب رسالة خطیة إلى أبيه هرقل یخبره بكل ماكان وبتتويجه . واستولی أبوه هرقل على مدينة قرطاجنة ، وهي رأس مملكة افريقية ، وكان أسيف القلب على ابنه الذي سار إلى بيزنطة ، وعندما علم هذا فرح .
وكان كثير الارتياب في الكنائس لكثرة الحروب التي حدثت ، وخاف كل الناس للنصر الذي أصاب موتاكيس ، وكان أسیف القلب لما كان بابنه .
وبعد هذا مرض هرقل ، ومضى من هذا العالم بينما كان في هذا الموقع من مملكته . والرب وحده يعلم من ينصبه . والمجد للرب دائما .
ص: 187
(1)تيودوروس (كان) رئيس الحكام المقدمين في مصر وعندما أخبره رسل تيودوسيوس حاكم أركاديا (2)بموت يوحنا رئيس الجماعات (3)- عاد مع كل أهل مصر والجنود الذين كانوا يعاونونه ، وسار الى لوقيون (4)، وهي جزيرة وخاف من انتقاض أهل هذه المدينة ، لئلا يدخل الاسلام (5)، ويستولوا على شاطىء بحر لوقيون ، ويخرجوا جماعة عباد الرب الذين يخضعون لمملكة الروم . وكان ينوح أكثر من نواح داود على شاءول إذ يقول : كيف سقط الأقرباء وبادت أداة الحرب !(6)إن يوحنا رئيس الجماعات لم يمت وحده ، بل يوحنا حاكم مدينة ماروس (7)قتل كذلك في الحرب هو وخمسون جنديا ممتطون أفراسا .
ص: 188
وأنا أخبركم باختصار ما كان عليه الأقدمون أهل فيوم . إن يوحنا (1)والجنود الأقوياء الذين معه ، الذين قدمنا ذكرهم ، عينهم الروم حفظة للمدينة ، وهؤلاء عينوا حراسا آخرین عند حجر مدينة لاهون (2)ليحرسوا كل الوقت ، ويخبروا شيخ القوم بالتحركات وبأعدائهم . ثم أعدوا بعض الفرسان وجماعة من الجند ورماة السهام ، وساروا لحرب المسلمين ظانين أنهم يمنعون المسلمين . ثم سار المسلمون إلى الصحراء . وأخذوا كثيرا من الخراف والظباء من الجبل، ولم يعرف أهل مصر هذا وعندما ساروا الى مدينة البهنسا (3)جاء كل الجنود الذين كانوا عند شاطىء البحر مع بوحنا ، ولم يستطيعوا أن يأتوا في هذا الوقت إلى مدينة فيوم .
وسمع تاودسيوس الحاكم بجيىءالاسماعيليين(4) ، وكان يسير من مكان إلى مكان لبری ما سيكون من هؤلاء الأعداء . وجاء هؤلاء الاسماعيليون وقتلوا رئيس الجند وكل من معه دون
ص: 189
رحمة ، وفي الحال فتحوا المدينة (1). وكل من جاء إليهم قتلوه ، ولم يرفقوا بأحد ، لاشيخ ولا طفل ولا امرأة (2). وأتوا إلى يومنا الحاكم ، فأخذ الأفراس ، واختبئوا في الحظائر والمزارع حتى لا يعرفهم مبغضوهم ، ونهضوا ليلا وساروا الى النهر العظيم في مصر عند أبويط (3)حتى ينجوا . إن هذا كان من الرب .
ص: 190
وأخبر رئيس العصبة الذي كان مع أرمياس قادة الاسلام بأمر جماعة الروم الذين اختبئوا ، فقبض هؤلاء عليهم وقتلوهم . وتناهي هذا الخبر إلى تاودسيوس القائد وانسطاسيوس (1)-وكانا بعيدين عن مدينة تقيوس بمقدار اثنی عشر ميلا ، فتوجها في الحال إلى حصن بابلون ويقيا هناك ، وأرسلا لونديوس الحاكم ، الى مدينة أبربط ، وكان هو بدین الجسم لیست به قوة. لايعرف شأن الحرب . وعندما وصل وجد جنود مصر وتیودور يقاتلون الإسلام ، وكل يوم یاتی من مدينة الفيوم ليستولي على المدينة (2)( ، وأخذ نصف الجنود وسار إلى بابلون ليخبر السادة. (3)وسار نصف الجنود مع تيودور . وبحث تيودور بعناية كبيرة عن جثة يوحنا الذي غرق في البحر ، ويعد حزن شديد أخرجه بشبكة ، ووضعه في نعش ، وأرسله الى السادة . فأرسله السادة إلى هرقل. (4)
ومن بقي بمصر كان يهتم بان بتحصن بحصن بابلون ، وكذلك كانوا ينتظرون تیودور الحاكم ليتلاقوا لقتال الاسماعيلين قبل أن يرتفع ماء النهر ، ويكون وقت الزرع فلا يستطيعون الحرب، لئلا يتلف زرعهم فيموتوا جوعا مع صغارهم وحيواناتهم .(5)
ص: 191
وذلك في أمر وصية الملك وكان هناك نزاع كبير بين الرئيس تودور والسادة ، وجاء تيودور والسادة . وجاء تيودوسيوس وانسطاسيوس كلاهما إلى مدينة أون ممتطين فرسين مع كثير من المشاة ليحاربوا عمرو بن العاص ، والاسلام والمسلمون) لم يكونوا يع-رف-ون م-دي-ن-ة مصر (2)من قبل (3)، وتركوا المدينة الحصينة وجا موا إلى مكان يدعى طندونباس (4)وساروا بالسفن في النهر ، وكان عمرو ذا اهتمام عظيم ، وكبير ظن في أن يستولى على مدينة مصر ، وكان حزين القلب لانفصاله عن جنود الاسلام .
ص: 192
وكانوا منقسمين قسمين شرقي النهر ، وساروا إلى مدينة تدعى عين شمس وهي أون التي كانت أعلى الجبل.
وأرسل عمرو بن العاص رسالة خطية الى عمر بن الخطاب في مدينة فلسطين قائلا : إذا لم ترسل عونا من المسلمين فلن يستطيع الاستيلاء على مصر . فأرسل هذا إليه أربعة ألاف (1)محارب مسلم ، وقائدهم اسمه والواريا (2)من سلالة البربر (3)، وقسم المحاربين الذين معه إلى ثلاثة أقسام ، قسما منه جعله عند طندويناس ، وقسما آخر جعله عند شمال بابيلون مصر ، واستعد هو مع القسم (الثالث) عند مدينة أون ، وأمرهم هكذا وقال لهم : انظروا إذا جاء جيش الروم لقتالنا فقوموا أنتم من خلفهم ، ونحن كذلك نكون أمامهم ، وندخلهم بيننا ونقتلهم.
وعندما خرج جنود الروم من الحصن (4)دون أن يعرفوا ، ليحاربوا الاسلام (المسلمين)، حينئذ برز هؤلاء المسلمون من خلفهم كما دبروا ، وكان بينهم قتال عظیم وعندما تكاثر المسلمون عليهم فر جنود الروم وساروا بالسفن ، واستولى محاربو الاسلام على مدينة طندونياس لأن الجنود التي بها فنوا ، ولم يبق منهم سوی 300 جندي ، وهؤلاء
ص: 193
فروا ودخلوا الحصن وأغلقوا الباب عليهم . وعندما رأوا هذا القتل العظيم الذي حدث خانوا وفروا بالسفن الى نقيوس في حزن شديد وأسف (1)
وعندما سمع لمندیوس (2)بمدينة فيوم هذا ، نهض ليلا دون أن يخبر أهل بويط بأنه سيهرب من الإسلام والمسلمين، وسار بالسفينة الى نقيوس ، وعندما عرف المسلمون أن دمندیانوس هرب ساروا في ابتهاج ، واستولوا على مدينة فيوم وبويط ، وأراقوا بها دما غزيرا .(3)
ص: 194
وعندما استولى المسلمون على الفيوم (2)وكل ضواحيها أرسل عمرو الى أباكيرى (3)فی مدينة دلاس (4)ليأتوا بسفن الريف لتنقل الاسماعيليين الذين كانوا غربي النهر إلى الشرق . وجمع إليه كل الجنود ليشنوا كثيرا من الحروب . وأرسل الى جيورجيس الوالي ليشيد له قنطرة عند النهر بمدينة قليوب ليستولى على كل مدن مصر ومدينة اتريب كذلك وكورديس (5)وأخذوا يعينون الاسلام ، فاستولوا على مدينة أتريب ومنوف (6)وجميع ضواحيهما . وكذلك شيد جسرا على النهر عند بابيلون بمصر حتى لاتمضى السفن إلى نقيوس واسكندرية وأعلى مصر ، وحتى تعبر الأفراس دون مشقة من غرب النهر إلى الشرق ، وحاز كل مدينة مصر .
ص: 195
ولم يكف عمرا ماصنع ، بل قبض على حكام الروم وكيل أيديهم وأرجلهم بأغلال الحديد والخشب وتهب أموالا كثيرة بعنف ، وضاعف فرض الضرائب على العمال ، وكان يسخرهم ليحملوا طعام أفراسهم ، وارتكب أثاما كثيرة لاتحصى . (1)وهرب من كانوا بمدينة نقیوس من السادة (2)، وساروا الى مدينة اسكندرية ، وتركوا دمندوس(3) مع قليل من الجنود ليحموا المدينة ، وأرسلوا كذلك الى دارس رئيس حكام مدينة سمنود ليحمى النهرين
وبعد هذا حدث خوف في كل مدن مصر ، وكان كل أهل المدينة يهربون ويلجأون الى مدينة اسكندرية ، وهجروا كل أموالهم وخزائنهم وحيواناتهم.
ص: 196
وعندما وصل هؤلاء المسلمون مع المصريين الذين جحدوا عقيدة المسيحية (2)، وانضموا الى عقيدة هذا المفترس ، احتاز الاسلام كل أموال المسيحیين الذين فروا ، وكانوا يدعون عبید المسيح أعداء الله . وترك عمرو كثيرا من آله في حصن بابیلون بمصر (3)، وسار هو شرقا الى تيودور الحاكم ناحية كلا النهرين ، الذي يقبری وستغری لیستوليا على مدينة سمنود ، ولیقاتلا الاسلام (المسلمين) . وعندما بلغا مجمع الأقوام (4)أبي جميع الأحزاب حرب الاسلام، فجمع هذان أناسا وقتلوا كثيرا من المسلمين الذين كانوا معهم ، ولم يستطع المسلمون أن يلحقوا ضررا بالمدن التي تقع على كلا النهرين ، لأن المياه كانت حاجزا ، ولم تستطع الأفراس أن تدخل إليها لكثرة المياه التي تحيطهم ، فتركوها وساروا إلى مدينة ريف وجاموا إلى مدينة بوصیر ، فحصنوا المدينة والطرق التي استولوا عليها من قبل .
وفي هذه الأيام قدم تیودور الحاكم إلى كلادجی ، ودعاه قائلا : عد أنت إلينا ، وعد الى الروم . ووهب کلادجی تیودور كثيرا من المالى خوفا منه حتى لا يقتل أمه وزوجته المختبئتين في اسكندرية . وطيب تبودور الحاكم قلب کلادجي فنهض هذا ليلا والمسلمون نائمون ، بينما يسير على قدمه مع آله ، وجاء الى تيودور الحاكم ، ومن ثم ذهب إلى مدينة نقيوس ، وانضم الى دمندیانوس لحرب الإسلام .
و يعد هذا فكر سبنديس فكره حسنة ، فهرب من أيدي المسلمين ليلا وسار الى مدينة دمياط حيث بوحنا الوالي ، فارسله هذا الى مدينة اسكندرية مع رسالة خطية ، معترفا بخطئه ، لدی السادة ، مع غزير من الدموع ، قائلا هكذا : هذا العمل الذي عملته بسبب الغرور والخسران الذي أصابني من يوحنا دون خجل بعد الشيخوخة ، ولهذا انضممت الى المسلمين . وقبل هذا بذلت جهدي مع الروم. (5)
ص: 197
ومكث عمرو رئيس المسلمين اثني عشر شهرا (2)يحارب المسيحيين الذين كانوا في شمال مصر ولم يستطع فتح مدنهم . وفي الشهر (3)الخامس عشر القمري ، وعندما جاء الصيف سار إلى مدينة سكا (4)ونوخو دومصای (5)مغضبا لقتالهم المصريين ، قبل أن يفيض ماء النهر ولم يستطع أن يلحق بهم ضررا . وفي مدينة دمياط كذلك لم ترض عنه ، وأراد أن يحرق زروعهم بالنار ، وبدأ يسير نحو جنوده الذين كانوا في حصن بابليون بمصر ، وأعطاهم كل.
ص: 198
الغنائم التي أخذها من مدينة اسكندرية وهدم بيوت السكندريين (1)الذين هربوا ، وأخذ أخشابها وحديدها ، وأمر أن يمهدوا طريقا من حصن بابيلون حتى يصلوا به إلى المدينة ذات النهرين (2)ليحرق هذه المدينة بالنار ، وعندما سمع أهل المدينة (هذا) أخذوا أموالهم وفروا وتركوا مدينتهم خاوية ، وأحرق المسلمون هذه المدينة ، خرجوا لبلا وأطفأوا النار .
وسار المسلمون الى مدن أخرى ليحاربوها ، وسلبوا أموال المصريين ، وألحقوا بهم ضررا.
ولم يستطع تيودور الحاكم ولومنديوس أن يلحقا أذى بأهل المدينة، لأن الاسلام كان بينهم . وغادر عمرو المدينة ، بحرى(3) مصر ، وسار إلى ريف ليحاربها ، وأرسل قليلا من المسلمين الى مدينة انصنا ، وعندما رأى المسلمون متاعب الروم وكراهيتهم للملك هرقل : للنفي (4)الذي أحدثه في كل مدينة مصر ، للعقيدة الحقة بفضل
ص: 199
کیرس (1)البابا الخلقيدوني، تقروا وتشددوا في الحرب. (2)
وتشاور أهل المدينة مع يوحنا رئيسهم في أن يحاربوا المسلمين ، فأبي هو ونهض بسرعة مع جنوده ، وجمع كل مال الضرائب من المدينة وسار الى مدينة اسكندرية ؛ لأنه عرف أنه لايستطيع مقاومة المسلمين ، وحتى لايحدث له ماحدث لأمل فیوم ، فان كل أهل المدينة خضعوا للإسلام وقدموا له الضرائب ، وكل من وجدوهم من جنود الروم كانوا يقتلونهم .(3)وكان جنود الروم في أحد المصون نحاصرهم المسلمون ، وأخذوا منجنيقاتهم ودمروا مساكنهم وأخرجوهم من بين الحصن ، وحصنوا حصن بابیلون ، واستولوا على مدينة نقيوس ، وحصنوا داخلها .
ص: 200
وكان هرقل حزين القلب لموت برحنا رئيس القوم ، ويوحنا الحاكم اللذين قتلهما المسلمون . وبسبب هزيمة الروم الذين كانوا في مدينة مصر ، وبأمر الله الذي يأخذ أرواح حكامهم والقوة التي لدى الملوك - مرض هرقل بمرض الحمى ، ومات في العام الحادي والثلاثين من حكمه في شهر بکابیت (2)عند المصريين ، وفي شهر فبراير عند الروم في الرابع عشر من دورة القمر ، في عام 357 من تاریخ دقلديانوس (3)
وكان الناس يقولون : أن موت هرقل كان بسبب ختم دينار الذهب بصور ثلاثة ملوك ، احداها صورته ، والاثنتان صورتا ابنيه ، واحد من الجهة اليمنى والأخرى من اليسرى ، ولم يجدوا مكانا يكتبون فيه اسم مملكة الروم. (4)وبعد موت هرقل طمسوا هذه الصور الثلاث.
وعندما مات هرقل الكبير ترك کیس (5)بطريرك القسطنطينية مارتينا ابنة أخت هرقل ، وابنها ، وسمي قسطنطين ابن الملكة أوطاكيا ، وجعله رأس المملكة بعد أبيه ، وأنام کلا الملكين في إعظام وإكبار (6)ننبض داود ومردينوس (7)علی
ص: 201
کیرس (1)بابا روما الخلقيدوني ، ونفياه الى جزيرة غرب بلاد أفريقية دون أن يعرف أحد من صار حاكما ، اذ لاتسقط كلمة من قول القديسين . وحدث أن كتب ساويرس الكبير بطريرك انطاكيا الى بطرق قيساريا قائلا : لا أحد من أولاد مسلوك روما يجلس على عرش أبيه طالما كان مجمع الخلقيدونيين سائدا في العالم .
وبعد أن حكم قسطنطين بن هرقل جمع كثيرة وقدمها لكيريوس وبلاکريوس وأرسلهما إلى کیرس البابا لباتوا به البه ويتشاور معه ، فيعطى الجزية للإسلام ، وإذا كان قادرا على حربه ، وبالتاكيد لن يستطيع (2)فليكن لقاؤه بمدينة الملكة في عيد القيامة المقدسة ، فيجتمعون كلهم ، أهل قسطينية ويصنعون هذا الصنيع . ثم أرسل إلى استكاسيوس ليأتي به ويترك تيودور لحماية مدينة اسكندرية (3)والمدن التي تقع على شاطىء البحر. ورجا
ص: 202
تيودور أن يرسلوا اليه جيوشا كثيرة وقت الصیف ليحارب المسلمين (1)وعندما أعدوا السفن، حسب أمر الملك ، سقط الملك قسطنطين إذ ذاك ، وأصابه مرض شديد ، وقاء دما من فمه . ولما انتهى هذا الدم مات في الحال . وبقی مائه يوم في هذا المرض . وهذه أيام حكمه التي حكمها بعد أبيه هرقل .
وكانوا يسخرون من هرقل الملك ، وابنه قسطنطين . واجتمع أهل جنانيا (2)في كنيستهم الموجودة في مدينة دفاشر ، عند قنطرة القديس بطرس الحواري ، وكان كيرس البابا قد سلب كثيرا من متاع الكنائس أيام الاضطهاد ، دون أمر الحكام ، وعندما أراد أهل جنانيا أن برفعوا أيديهم على كيرلس البابا ، عرف أودکیانوس أخو مندیانوس الوالي في الحال ، فأرسل إليهم جندة يقذفونهم بالسهام ويمنعونهم تنفيذ إراداتهم ، فمنهم من ضربوهم حتى الموت . وأثنين قطعوا أيديهما دون قضاء. وكان صوت طواف يعلو في المدينة يقول : ليذهب كل فرد منكم الى كنيسته ولا بصنع أحد لآخر سوما دون قانون .
ولكن الله الذي يصون الحق لم يهمل العالم ، وحكم على الظالمين ولم يرحمهم لتجرئهم عليه، وردهم الى يد الاسماعيليين . ثم نهض المسلمون وحازوا كل مدينة مصر .
وبعد موت هرقل ، وبعودة كيرس لم يترك الغضب واضطهاد شعب الله ، بل كان يزيد سرا فرق سوء.
ص: 203
وظل عمرو رئيس جند المسلمين خارج حصن بابیلون ، وحاصر الجنود الذين كانوا به ، وتسلموا رسالة من لدنه : ألا يقتلوهم ، وان يتركوا لهم كل عدة الحرب ، وهي كثيرة . ثم أمرهم أن يخرجوا من الحصن (2). فأخذ هؤلاء قليلا من الذهب وساروا .
وبهذا المنوال تسلم حصن بابیلون مصر في اليوم الثاني من (عيد) القيامة (3). وجزاهم الرب لأنهم لم يكرموا آلام الخلاص لسيدنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي وهب الحياة لمن يؤمنون به . ولهذا جمعهم الرب بعدهم . وفي يوم عيد القيامة المقدسة هذا أطلقوا المسجونين الأرثوذكسيين، ولم يتركهم اعداء المسيع هؤلاء دون أذى ، بل أساءوا اليهم وقطعوا أيديهم . وكان هؤلاء يبكون ودمعهم يسيل على وجناتهم ، واحتقروهم في هذا اليوم كما هو مكتوب في شأن هؤلاء النجسين : أنهم لوثوا الكنيسة بالعقيدة النجسة وارتكبوا إلحاد وعصيان طائفة الأريوسيين بما لم يرتكب مثلهم جماعة الوثنيين والبربر ، وانتقصوا عبيده ، ولم نجد من يصنع مثل هذا من بعبدون الأصنام الكذبة. (4)وحلم الرب على المعتزلة والهراطقة الذين تعمدوا مرة ثانية بسبب الخضرع للملوك الأقوياء وهو الرب الذي يجازی الجميع ، كل واحد بمثل عمله ، وقضى بالدينونة على من ظلم ، فكيف حینئذ بالاكثر بحسن بنا أن نحلم على التدبير والدينونة التي يصنعونها بنا 11 ركانوا هم يظنون أنهم يكرمون سيدنا المسبع بعملهم هذا ووجدوا هم ضالين بعقيدتهم ، ولم يكونوا جاهدين لرئيسهم ، بل كانوا يدينون الذين لم بنضموا إليهم في العقيدة .(5)حاشا لله ، إنهم لم يكونوا عبيد المسیح ، بل كانوا يظنون بأفكارهم أنهم هكذا .
ص: 204
وعندما استولى المسلمون على حصن بابیلون وعلى نقيوس كذلك ، كان لدى الروم حزن عظيم . وعندما أنهى عمرو أمر الحرب دخل حصن بابیلون ، وجمع كثيرا من السنن العظيمة والصغيرة ، وربطها عند الحصن الذي صار به .
أما میناس الذي كان رئيس العمال (2)، وقسما بن صمويل مبعوث الالوانطس (3)فقد حاصرا مدينة مصر وضايقا الرومان أيام المسلمين . وصعد المحاربون بالسفن ناحية غرب النهر في عظمة وفخامة ، وكانوا يتحركون ليلا . وكان عمرو ومحاربو المسلمين ، ممتطين أفراسا ، يسيرون برا حتى وصلوا إلى مدينة كبرياس في أباديا (4) ، ولهذا السبب حارب دمندیوس الحاكم . وعندما عرف أن محاربي المسلمين اقتربوا منه صعد إلى سفينة ، وهرب بالسفينة وترك الجنود مع سفنهم ، وكان يريد أن يعبر الى نهر صغير حفره هرقل في أيامه ، وعندما وجده مغلقا ذهب ، ودخل مدينة اسكندرية . ولما رأى الجنود أن حاكمهم فر ، تركوا عدة حربهم ونزلوا في البحر أمام أعدائهم فقتلهم جنود المسلمين بالسيف في البحر ، ولم ينج منهم سوى رجل واحد فقط اسمه زکریا ، وهو قوی محارب . وعندما رأی ملاحو السفن فرار الجنود هریوا هم ودخلوا مدينتهم . ثم دخل المسلمون نقيوس واحتلوها ، ولم يجدوا أحدا من المحاربين، وكانوا يقتلون كل من وجدوه في الطريق وفي الكنائس ، رجالا ونساء وأطفالا ، ولم يشفقوا على أحده.(5) وبعد الاستيلاء على المدينة ساروا إلى أماكن أخرى ونهبوها.
ص: 205
وقتلوا كل من وجدوا ، ووصلوا كذلك إلى مدينة قصا (1) فوجدوا اسقوطاوس ومن معه موجودين في ساحة الحمر فقبض عليهم المسلمون وقتلوهم ، وكانوا من أقارب تیودور .
ولنصمت الآن ، فانه لا يستطاع الحديث عن الإساءات التي عملها المسلمون حين استولوا على جزيرة نقیوس في يوم الأحد الثامن عشر من شهر جنیوت (2)في الخامس عشر من الدورة (3)، وكذلك كان مايسيىء في مدينة قيساريا بفلسطين (4) ورحل تیودور الحاكم رئیس المدينة ، مدينة كيلوناس (5) ، من هذه المدينة وسار الى مصر ، وترك اسطفانوس مع الجنود يحمون المدينة ويحاربون المسلمين . وكان أحد اليهود مع المسلمين ، وسار الى مدينة مصر ."
ویتعب كثير ومشقة أسقطوا سور المدينة واستولوا عليها في الحال ، وقتلوا آلانا من أهل المدينة والجنود ، ونهبوا كثيرا من الأسلاب ، وأسروا النساء والأطفال ، وتقاسموهم فيما بينهم وجعلوا هذه فقيرة .(6)وبعد قليل سار المسلمون إلى مدينة قیروس (7)، وقتلوا اسطفانوس ومن معه .
ص: 206
وكانت مصر كذلك مستعبدة للشيطان . وكان بين أهل الوجه البحرى خصومة شديدة ، وانقسموا قسمين : قسما انضم إلى تيودور . وقسما آخر أراد أن ينضم الى المسلمين . وفي الحال نهض قسم على آخر ، ونهبوا أموالهم وأحرقوا بلادهم بالنار ، وكان المسلمون يخشونهم. فأرسل عمرو مسلمين كثيرين إلى اسكندرية ، واستولى على کړیون وهي خارج المدينة ، وهرب تيودور مع جنوده ، وكان في هذا المكان ، وجاء الى مدينة اسكندرية ، وأخذ المسلمون يحاربونهم ، ولم يستطيعوا الاقتراب من حصن المدينة بينما كانوا يقذفونهم بالأحجار من أعلى الحصن ، وأبعدوهم حتى خارج المدينة .
وكان أهل مصر يحاربون أهل الوجه البحرى ويختلفون معهما كثيرا . وبعد قليل عقدوا سلاما . وعندما انتهی بغضهم أنشأ الشيطان بغضا آخر بمدينة اسكندرية ، فإن دومندیانوس الحاكم وميناس القائد تباغضا فيما بينهما من أجل الرياسة وأسباب أخرى .
وكان تیودور القائد بلتقي بميناس ويکره درمندیانوس لفراره من نقیوس وتخليه عن الجنود .
وعندما أخطا اودګیانوس (2)أخو دومندیانوس الكبير في حق الشعب المسيحي أيام الآلام المقدسة من أجل العقيدة - غضب میناس جدا لهذه الأسباب . فجمع دمندیانوس كثيرا من الألوانوطس ، وعندما سمع مپناس هذا جمع هو كثيرا من العمال والجنود الذين كانوا في المدينة (3)، ویقی كلاهما على بعض . ثم جاء أيليا (4)حاکم مدينة أركاديا . وكان
ص: 207
دومندیانوس معارضا كيروس البابا ولايصنع له خيرا ، ولأنه حموه (1)كانا متحابين من قبل ثم أبغضه بغير حق ، وكان میناس يبقى على أبلیاس ولايصنع الحب الروحي ، ويدعوه إليه كل وقت لجلال الكهانة ، لأنه كان أخا جيورجيس (2)البطريرك ، وكان رحيما متقیا الله، يأسف للمظلومين . غير أن فلیادس لم يحفظ الود ، بل كان يظلم سرا ، ويتعلق بالسیئات .
وفي أيام القائد تيودور أثاروا حديثا في شان مدينة اسمها مامونا (3)، وفي شان دفع مرتبات الجيش والأرض الذي التزموا به ، وفي هذا الوقت تحدث هذا الشرير وقال : بدلا من اثنی عشر رجلا يصلح واحد ، فان شخصا واحدا سيتولى الدفع،(4) بدلا من اثنی عشر وأقلل عمل الطعام ودفع مرتبات الجنود . وبهذا وجد میناس الذريعة ضد دومندیانوس ، وكان كل الجنود یحبونه ويثقون به ، أما ميناس فكان بحب تعظيم كل الناس ، لا لقبوله التمجيد باطلا ، بل لحكمته وتواضعه ، فإنه كان يحضر في الكنيسة العظيمة بقیسارية مع كل الناس.
واجتمع أهل المدينة كلهم على أبلیاس وأرادوا قتله ، فهرب واختبافی بیت ، وفي الحال ساروا إلى مسكنه وحرقوه بالنار ونهبوا كل ماله ، وأشفقوا على الأنفس التي وجدوها في هذا البيت ولم يقتلوهم ، وعندما عرف دومندیانوس وجه أتباع الالوانطس لیحاريوهم ، فكان بينهم مقتلة عظيمة ، ومات ستة (5) رجال منهم ، والذين جرحوا كثيرون . وكثير من الاهتمام والتعب أرسی تیودور السلام بينهم ، وعزل القاند دومندیانوس ، وعين أرطانا (6)صاحب
ص: 208
المراتب العشرة ، المسمی فوریانوس (1)) ، وأعاد كل أموال فلیادس التي نهبوها من بيته .
قيل أن هذا القتل والنزاع كان بسبب العقيدة .
ولما مات قسطنطين بن هرقل أتوا بهرقل أخيه من أبيه وهو طفل ، وتولى المملكة بغير حق كأخيه الذي مات (2)وعندما رأى البابا كيرس (3)هرقل وهو صغير قد ملك بتدبير مرتينا أمه بينما كان كيرس في المنفى ، وبعد تملكه أعاد کیرس من النفى بتدبير الجيوش ، وأبطل كتاب الخصومة الذي كتب من لدن أخيه قسطنطين ومن لدن الملوك الذين سبقوه ، أبطله ، للتهمة الظالمة من فيركیوس (4)النايب ، ويسببه ابتليت الكنائس وبطلت صدقات الملوك التي كانوا یهبونها وشددوا التكاليف الشاقة. (5)ومن ثم عينه ثانية في مدينة اسكندرية ، والقساوسة الذين معه ، ومنحه سلطانا وحکما ، وليعقد السلام مع المسلمين ولا يقاومهم ، وأن يشرع شریعة الرياسة كما يجب للرئاسة في بلاد مصر.(6) وسار معه قسطنطين رسول قواته الذي كان رئيسا للجماعات . وجمع قادة مدينة أتراكي (7)إلى مدينة قسطنطينية ، ونفی فیکریوس النايب إلى بلاد أفريقية حيث نفی کیرس من قبل . وحدث بغض كبير ، ونهض أهل المدينة على مرتینا وأولادها لنفي فيركريوس النايب لأنهم كانوا بحبونه جدا .
ص: 209
والبطريرك الخلقيدونی کیرس لم يكن وحده الذي يحب الصلح مع المسلمين ، بل كل الناس والبطارنة ودميانوس الذي كانت تحبه الملكة مارتينا ، واجتمعوا كلهم وتشاوروا مع كيرس البابا ليعقدوا صلحا مع المسلمين . وأخذ كل الناس والقادة يبغضون مملكة هرقل الصغير ويقولون : لا ينبغي أن بولی ملك من نسل حقير ، بل أبناء قسطنطين ابن أوطاكيا هم الذين يسودون المملكة ، واحتقروا شارة هرقل الكبير .
وعندما علم ولندیوس (2)هذا أن كل الناس اجتمعوا على مرتينا وأبنائها أخذ مالا كثيرا من خزائن ملكة فرکریوس ومنع القادة والجيوش إياها ، فاصلحوا قلوبهم ضد مارتينا وابنائها، وتركوا من بينهم حرب المسلمين ، وعادوا لارتكاب الشر ضد أصحابهم ، ثم أرسلوا سرا إلى جزيرة رودس یخبرون الجنود الذين ساروا مع كبرس البابا : أن عودوا إلى مدينة الملكة ولاتسيروا معهم ، وكذلك أرسلوا الى تيودور حاکم اسكندرية قائلين : لاتستمعوا إلى كلام مارتينا ولاتطيعوا أبنائها ، وأرسلوا كذلك إلى افريقية والى كل مكان تحت سلطان الروم. وعندما سمع تیودور الحاكم هذا ، فرح ، وأخفی فی سره كلاما ، وسار ليلا حيث لا يعرفه أحد وفكر في أن يسير إلى المدن الخمس من جزيرة رودس ، وقال لريان السفينة وحده . وادعي رئيس السفينة قائلا : ان الريع صارت تضادنا ، ودخل مدينة اسكندرية لیلا في السابع عشر من شهر مسکرم (3)في يوم عيد الصليب المقدس . وكان كل أهل اسكندرية مجتمعين : الرجال والنساء والشيوخ والأطفال ، عند البابا كيرس فرحين مسبعين لعودة بابا مدينة اسكندرية . وخرج تیودور سرا ، وسار إلى كنيسة القيودوسيين (4)مع البابا وأغلق علیه
ص: 210
الباب وأرسل وأحضر إليه مبناس وعينه قائدا ، ونفی دومندیانوس من المدينة . وكان كل الناس يصبحون من المدينة . وقبل حضور البابا كان جورجیس عظيما لدى انسطاسيوس لأنه تسلم الرياسة من هرقل الجديد . ولما كبر كان مصرحا له بالسيادة على الجميع ، وأباح له البطريرك أيضا . وعندما جاء کیرس البابا إلى الكنيسة العظيمة ، تیساریون فرشوا له كل الأرض ، ورتلوا له ، حتی داس الناس الناس . وبعد جهد كثير أحضروه إلى الكنيسة . وقد عظم البئر الموجود بها الصليب المقدس ، الذي أخذه من يوحنا القائد قبل نفيه ، وكذلك أخذ الصليب الكبير من دير التيودوسيين. (1)، وعندما أخذوا يقيمون قداسا في يوم الصعود المقدس کف الدياقون عن ترتیله مزمور يوم الصعود ، و هو هذا اليوم الذي عمل الرب أن نفرح ونرهب فيه (2) یريد بذلك أن يشكر البابا ويمدحه لعودته ، وأتي بترتيل آخر غير واجب وعندما سمع الشعب قالوا : هذا الترتيل غير المناسب ليس فالا حسنا لكيرس البابا ، ولن يرى ثانية عيد القيامة بمدينة اسكندرية . وكل مجمع الكنيسة والرهبان تنبأوا بهذا علانية : أنه عمل مالم بشرع في القانون ، وكل من سمع هذا القول من كلامهم لم يصدقهم .
ثم نهض کیرس البابا وسار إلى بابیلون حيث المسلمون ، راغبا أن يعمل سلاما ، وأن يؤدی لهم الضرائب ليدعوا الحرب عن بلاد مصر . فرحب عمرو بمجبئه ، وقال له : حسنا فعلت بخروجك إلينا ، فأجاب کبرس وقال له : منحكم الرب هذا البلد ، من الآن لا يكون بينكم وبين الروم خصومة . وحددوا عبء الضرائب التي تؤدی . ولم یقل هؤلاء الاسماعيلبون شیئا ما . ومكثوا منفردين أحد عشر شهرا .(3)ورحل الروم الذين كانوا باسكندرية . أخذوا أموالهم
ص: 211
وخزائنهم ، وساروا بحرا . ولم يعد أحد ثانية من جنود الروم ، ومن كانوا يريدون السير برا كانوا يؤدون الضرائب كل شهر (شهریا) ، وأسر المسلمون لديهم 150 من الجنود و50 من أهل المدينة رهينة ، وعقدوا سلاما . وكف الروم عن حرب المسلمين ، والمسلمون عن الاستيلاء على الكنائس ، ولم يقربوا شيئا ما من عمل المسيحيين وتركوا العبرانيين يقيمون بمدينة اسكندرية. (1)
ولما انتهى البابا سار الى بلدة اسكندرية ، وقال لتيودور ولقسطنطين القائد أن يقولوا هذا للملك هرقل ، ويؤيدوه عنده . ثم اجتمع لديه كل الجنود والسكندريين وتیودور القائد ، وسجدوا لكيرس البابا ، وقال لهم كلهم : أنه تعاهد مع المسلمين وأرضى قلوبهم كلهم بهذا العمل . وحين صار (الأمر) هكذا ، جاء المسلمون لأخذ الضرائب ، وأهل اسكندرية لايعلمون وعندما رآهم السكندريون استعدوا للحرب غير أن الجنود والقادة جلسوا للتشاور ، وقالوا : نحن لانستطيع حرب المسلمين ، بل يكون كما قال كيرس البابا ، وأراد شعب المدينة أن يثوروا على البابا وأرادوا أن يقذفوه بالأحجار ، وهو يقول لهم : إنما صنعت هذا لانقاذكم مع أبنائكم، واستعطفهم بكثير من البكاء والحزن ، فاستحي منه السكندريون ، وأعطوه ذهبا كثيرا ليؤديه إلى الإسماعيليين مع الضرائب التي حدودها علیهم(2)، وأهل مصر الذين فروا عادوا إلى مدينة اسكندرية خائفين من المسلمين ، وسألوا البابا وقالوا له : تأخذ لنا كلمة من المسلمين أن تعود الى بلدنا ونخضع لهم . فعمل لهم كما قالوا . واستولى المسلمون على كل بلاد مصر ، جنوبا وشمالا ، وضاعفوا عليهم فریضة الضرائب ثلاثة أمثال . وكان رجل اسمه میناس قد عين من قبل هرتل الملك على (الوجه) البحرى ، كان عنید القلب بما لاتعرفه الكتب ، یكره المصريين جدا . وبعد أن أخذ المسلمون كل البلد أبقوه في وظیفته وعينوا رجلا اسمه
ص: 212
سینودا (1)في بلاد الريف ، وآخر اسمه فیلیکسانوس (2)عينوه في مدينة أرجاديا التي هي فيوم ، وهؤلاء ثلاثتهم يحبون الوثنيين ويكرهون المسيحيين ويضطرون المسيحيين أن يحملوا العلف للحيوان ، ويضطرونهم لحمل اللبن والعسل والفاكهة والكراث ، وبأعمال أخرى كثيرة . وهذا كله كان مضافا الى الطعام . هؤلاء كانوا يفعلون هذا خوفا ، دون توقف .
ونهر اندريانوس (3)الذي انطمر منذ زمن طويل جعلوهم يحفرونه ليجرى به الماء من بابیلون بمصر حتى البحر الأحمر ، وحملوا المصريين نيرا أثقل من نير فرعون الذي فرضه على اسرائيل الذي حكم عليه الرب حکم الحق وأغرته في البحر الأحمر ، هو مع كل جيشه بعد كثير من العقوبات التي عاقبهم بهاء من الإنسان حتى الحيوان . ولما كان حكم الله على هؤلاء الاسماعيليين ، فقد بصنع بهم كما صنع بفرعون أولا . بل بسبب خطيئتنا صبرهم ليصنعوا بنا مثل هذا ، وبالروح الطويلة ، لإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح پرانا ويحفظنا ، ونؤمن أيضا بأنه يهلك أعداء الصليب ، كما يقول الكتاب : الذين لا يحسنون .
ص: 213
وألحق عمرو الخسران ببلاد مصر ، وأرسل أهلها (1)ليحاربوا أهل المدن الخمسة ، وبعد الانتصار عليهم لم يتركهم يقيمون هناك ، وأخذ هو منها كثيرا من الغنائم والأسرى . وسار أبوليانوس والى المدن الخمسة والجنود الذين معه وأغنياء المدينة الى مدينة دوشرا (2)، لأن جدارها منيع ، وأغلقوا الأبواب عليهم ، وسار المسلمون آخذين الفنية والأسرى إلى بلدهم .
وكان البابا كيرس أسيف القلب كثيرا للبؤس الذي كان ببلد مصر ولم يشفق عمرو على المصريين ، ولم يعمل بما تعاهدوا معه لأنه كان من نسل البریر .
ولما كان يوم عيد الشعانين مرض کیرس البابا بمرض الحمى لكثرة حزن القلب ، ومات في اليوم الخامس للفرح ، في الخامس والعشرين من شهر مجابیت. (3)ولم يشهد عبد القيامة المقدسة لسيدنا يسوع المسيح ، كما تنبأ المسيحيين بشأنه . وكان هذا أيام الملك قسطنطين (4)ابن هرقل . وبعد موته تقاتل الروم من أجل أبناء مرتينا الملكة لأنهم نحوهم عن الحكم . وكانوا يريدون أن ينصبوا أبناء قسطنطينا وساعدهم لاندیانوس الذي كان منضما إلى فیلکريوس ، وسحب كل الجيوش وسار إلى مدينة خلقيدونيا ، مفكرا قائلا : قوة مرتينا كانت بالشعب المقاتل الذي كان مع أبنائها . وكان بسحب الجميع بموافقته لبعید فیلکریوس . ولما كان هذا صعد هرقل الجديد إلى سفن الملك ومعه كثير من الكهنة والرهبان والأساقفة العظماء وعبر الى خلقيدونيا ، واستغاث وطلب من جميع الجنود ، وقال : لاتتركوا وداعة المسيحيين بكراهيتكم إياي ، بل اصنعوا سلاما مع الرب ، ونفذوا معاهدة أبي هرقل لأنه جهد كثيرا من أجل هذه المدينة . وكان بضرب للناس المثل ، أنه يقبل لديه ابن أخيه ويجعله مشاركا معه فی الملك ، وألا يكون بينهم حرب وقتل . وأخذ وعدا من جميع البطارية ، وقال : أنا أعید فیلکریوس من منفاه .
ص: 214
وحين عرف لاندونيوس أن كل الشعب خضعوا له وقبلوا قوله في سلام أخذ دمندیانوس والبطارقة الآخرين معه ووضعوا تاج المملكة على قسطنطين الصغير(1) ، وكان من أبناء قسطنطين بن هرقل الكبير ، وقبل لديه کورلناس (2)وسار كل الشعب دون خصام ، ولكن لم يؤكدوا هذا السلام . بعد أن ملكوا قسطنطين بزمن وجيز اشتدت كراهيتهم كلا الملكين ، وهما هرقل الجديد وقسطنطين الصغير ، لأن الشيطان فرق بين هرقل الجديد (3)وبين الجنود . ومحاربر مدينة تبادوفيا أخذوا في الحال یحدثون الشر ، وأبرزوا كتابا خطيا قائلين : هذه الرسالة من لدن مارتینا وبيرس بطريرك قسطنطينة أرسلها إلى داود المترجم ((4)4) ليثير حربا بقوة ويأخذ مارتینا تكون له زوجة ، وأن يلحق الخسران بأبناء قسطنطين الذي حكم مع هرقله (5)أخيه (6) . وعندما ترامی هذا الحديث عند أهل بيزنطة كانوا يقولون : هذا الكلام من أجل قطرادس رئيس أهل موطانس (7)ابن أخ کورناك الذي عنده بمدينة قسطنطينية
ص: 215
وجعله مسيحيا من صغيره ، وكبر نی بیت الملك . وكان بينه وبين هرقل الكبير حب وسلام كثیر ، وبعد موت هرقل كان يحب أبناء وزوجته مارتينا للحسنات التي عملها له . ولما عمد المعمودية الحية هزم كل البریر والوثنيين بقوة المعمودية المقدسة . قيل في شأنه : أنه يساعد جانب أبناء هرقل ويحارب قسم قسطنطين . ولهذه القصة الباطلة ثارت كل جبوش بیزنطة والشعب ، وكان زعيم قواتهم يوتاليس بن قسطنطين الذي تسمى تیودور - كان قويا محاريا كأبيه . ولما استعدوا للحرب مع داود المترجم هرب هو ، واختبأ في حصن أرمينيا ، فسار اليه وجز رأسه ، ولم يستطع أحد مساعدته وطاف بها في كل بلاد الشرقية . وبعد هذا سار الى مدينة بيزنطة مع قوة كبيرة واستولى على الحصن ، وأخرج مارتينا بجسارة مع أبنائها الثلاثة وهم هرقل وداود ووديقوس ، ونزع تاج المملكة منهم ، وبتر أنوفهم ، ونفاهم الى رودس ، وقطع بيرس البابا دون مجمع وأخرجه من الكنيسة إلى مدينة أطرابلس ، ونفاه هناك حيث يوجد فبلکريوس ، وأعاد فیلکريوس من منفاه ، وخصوا ابن مارتينا الصغير خائفين ، قائلين: اذا كبر فسیكون ملكا ، وهذا الطفل لم يستطع تحمل الدم الكثير ، ومات في الحال . والثاني من أبنائها كان أبكم أصم ، ولا يغني في المملكة ولهذا لم يزده شی.. (1)ودنسوا معاهدة هرقل الكبير وملكوا فوسطا (2)ابن قسطنطين . وبدلا من بيرس البطريرك نصبوا بولس من مدينة نسطنطينية .
والانقسام الذي كان بمصر وباسكندرية في أيام هرقل ملك الخلقيدونيين ، كما ذكرته كتب العظيم ساويرس بطريرك أنطاكية الذي كتب إلى البطريق انسطاسيوس الملك متنبأ على مملكة
ص: 216
الروم ، ويقول : لايبقى ولد على عرش أبيه قدر وجود عقيدة الخلقيدونية قائمة ، القائلين: "كلتا طبيعتي المسيح بعد توحده". التي لا نستطيع قولها نحن ، لأنهم يقولون : المتأنسة بعد توحده". التي لاتستطيع قولها نحن ، لأنهم يقولون : التأنسة والالهية هما كلتاهما بعد توحده". ونحن المؤمنين لانعلم، ولا ينبغي لنا أن نقول كالعصاة ، كما يقول جورجوریوس (1)نحن عرفنا المسيح ، هو واحد من اثنين ، لأن الإله توحد في الجسد ، وكان واحدا في الجوهر ، والإلهية لم تنقل إلى الإنسانية ، والانسانية لم تنتقل الى طبيعة أخرى ، بل الكلمة التي تجسدت كانت دون تغیير، ولم يصب الكلمة سبب للتغيير ، بل جوهر واحد للإله الكلمة التي تجسدت . هذا التوحد عجيب : مالم یر ، روي ، والخالق ولد ، ورأيناه ، هو شفانا بدمائه ، وكذلك يمكننا أن نصمت عن قول الآباء الكبار في الكنيسة الذين كانوا معلمين بالخبرة . لأن الرومانيين لم يؤمنوا الآن بدون تعب .
وكنت أنا أعلنها باختصار لمن یقبلونها ولديهم طعم المعرفة الحقة . ولما سبوا العقيدة الصحيحة ، وهي عقيدتنا ، كذلك هم لعنوا من مملكتهم ، وكان هلاك لكل المسيحيين الذين صاروا في العالم ، وما وجدنا عطف و رحمة سيدنا يسوع المسيح.
وفي هذه الأيام كذلك حدث نزاع كبير في شان ولندیانوس (2)لأنه تزیي بزي المملكة ، وأراد أن یملك . ولا سمع أمل مدينة قسطنطينية ثاروا عليه ، فنزع هذا الزي . وفي الحال أخذوه ودفعوا به إلى الملك فوسطا . فحلف يمينا بعظمة قائلا : أنا لم أعمل هذا بسوء ، بل لأحارب المسلمين ، وعندما سمعوا هذا أطلقوه وجعلوه رئيس الجنود ، وتعاهدوا معه أن يقدم ابنته للملك تكون له زوجة . وفي هذا الوقت قالوا لها قول مبشر ، وسموها باسم مملكتها أوجستا .
ص: 217
واتهم لاونديوس صانع الشر أركاديوس (1)رئيس أساقفة جزيرة قبرس ، وكان هذا الرجل ناسکا بنقاء ، معروفا لدى الجميع ، وقال في شأنه : كان يلتقی بمرتینا وبيرس البطريرك . ويعارض فوسطا الملك الجديد . ويتدبیر سییء أرسل (الملك من) (2)القسطنطينية كثيرا من الجنود لیجلب على أركاديوس رئيس الأساقفة الخسران الكبير ، ويأمر الله وجد الخاتمة ، واستراح ككل الناس . وعندما علم کبرس البابا الخلقيدوني باسكندرية حزن كثيرا لنفي مارتینا وأبنائها الذين أعادوه من النفي ، ولأمر قطع بيرس بطريرك قسطنطينية ، وعودة فرکریوس الذي كان كارها له ، وموت اركاديوس البطريرك ، وانتصار لاونديوس وتسلطه . ولهذا السبب كان يبکی دون انقطاع خشية أن يصيبه مثل ما أصابه أولا . وفي هذا الحزن مات کالسنة الطبيعية .
وكثرة حزنه كانت بسبب المسلمين الذين لم يقبلوا رجاه في شأن المصريين . وكان قبل أن يموت بعمل عمل العصاة ويطرد المسيحيين ، ولهذا عائبه الرب الحاكم الحق للسيئات التي عملها. (3)ولوندبوس القائد ، والجنود الذين معه ، لم يستطع مقارنة المصريين ، بل كانوا معوزين بسبب المسلمين ، واعوزت كذلك اسكندرية جدا ، ولم يستطيعوا تحمل الضرائب التي كانوا يتقاضوها منهم ، وكان أغنياء المدينة يختبئون في الجزر عشرة أشهر .
وبعد هذا قام تیودور الحاكم وقسطنطين رئيس الجيوش والجنود الباقون وكذلك الجنود الذين كانوا رهينة في يد المسلمين ، وصعدوا في سفینة جاءت إلى مدينة اسكندرية , وبعد عید الصليب عينوا الدياقون بطرس بطريركا في العشرين من حمل (4)من عید القديس تیودور
ص: 218
الشهيد ، وأجلسوه على كرسي البطريركية . وفي العشرين من شهر مسکرم (1)تام تیودور مع كل الجنود والرؤساء وسار إلى جزيرة قبرس ، وترك مدينة اسكندرية ، ومن ثم دخل عمرو رئیس المسلمين دون تعب مدينة اسكندرية واستقبله أهل المدينة بتعظيم ، لأنهم صاروا في فقر وبلاء شديد (2)
ص: 219
ودخل الأنبا بنيامين (2)بطريرك المصريين مدينة اسكندرية بعد هربه من الروم في العام 13 وسار الى كنائسه وزارها كلها . وكان كل الناس يقولون : هذا النفي وانتصار الاسلام كان بسبب ظلم هرقل الملك ويسبب اضطهاد الارثوذكسيين على يد البابا كيرس ، وهلك الروم لهذا السبب ، وساد المسلمون مصر.
وكان عمرو يقوى كل يوم في عمله ، ويأخذ الضرائب التي حددوها ، ولم يأخذ شيئا من مال الكنائس ، ولم يرتكب شيئا ما ، سلبا أو نهبا ، وحافظ عليها طوال الأيام (3). ولما استولى على مدينة اسكندرية جعل نهر المدينة بابسا كما تعلم من
ص: 220
تیودور العاصي (1)، وزاد الضرائب قدر اثنين وعشرين عصا (2)من الذهب ، حتى اختبأ : كل الناس لكثرة البؤس ، وعدموا ما یؤدون (3)
وفي العام الثاني من دورة القمر جاء يوحنا الدمياطي الذي عين من لدن تيودور الحاكم وعاون المسلمين حتى لا يدمر المدينة ، ونصب في مدينة اسكندرية وقت دخول عمرو اليها . وأشفق يوحنا هذا على الفقراء وأعطاهم مالا كثيرا من ماله . وحين رأی بؤسهم أشفق عليهم ، وكان يبكي لما أصابهم .
وأقصى عمرو میناس وعين يوحنا بدله ، وميناس هذا زاد على المدينة الضرائب التي حددها عمرو 22٫000 (اثنين وعشرين ألف) دينار ذهب وما فرضه العاصي کان 32057 (واثنين وثلاثين ألفا وسبعة وخمسين) دينار ذهب وجعلها للاسماعيليين (4): ولم يستطع أحد
ص: 221
التحدث عن البكاء والنواح الذي كان في هذه المدينة حتى قدموا أبنا هم بدلا من الآلاف التي كانوا يقدمونها كل شهر، وانعدم من يساعدونهم ، وقطع الرب رجاءهم (ورد المسيحيين الى يد أعدائهم)، لكن رحمة الرب القادرة تلحق الخسران بالذين يحزنوننا ، ويجعل حبه للقوم الذين يتغلبون على خطايانا ، ويبطل المعاذير الشريرة لمن يسيئون إلينا ، الذين لا يريدون أن يملك عليهم ملك الملوك وسيد السادة يسوع إلهنا بحق ، وهؤلاء العبيد الشريرين يهلكهم بالشر، كما يقول الانجيل المقدس : "أعدائى الذين لم يريدوا أن أملك عليهم أحضرهم إلى" والآن ، كثير من المصريين ، الذين كانوا مسيحيين كذبة ، أنكروا العقيدة المقدسة الأرثوذكسية والمعمودية الحية ، وساروا في عقيدة الإسلام أعداء الرب وقبلوا التعليم الركس للحيوان الذي هو محمد. (1)
وأخطأوا مع هؤلاء الوثنيين ، وأخذوا في أيديهم السلاح وحاربوا المسيحيين . وكان أحدهم، واسمه يوحنا الخلقيدونی من دیر سینا ، انضم إلى عقيدة السلام ، وترك زیه الكنسي ، واتخذ له سیفا ، وطارد المسيحيين المؤمنين بسيدنا يسوع المسيح.
والآن نمجد ربنا يسوع المسیح و نبارك اسمه القدس في كل وقت . لأنه نجانا نحن المسيحيين من ظلال الوثنيين الضالين ومن عصيان الهراطقة العصاة حتى هذه الساعات ، ويقوينا كذلك ويعيننا على حمل المتاعب برجاء ملکوته ، ويجعلنا مستحقین ہوجه لايخجل ، لنیل میراث مملكته السماوية التي لاتبلي الى الأبد ، وأبوه خير ، وروحه مقدسه حبة أبد الآبدين . آمین.
ص: 222
تم هذا الكتاب المبارك الذي وضعه يوحنا المدبر مطران مدينة نقيوس إفادة للنفس . وتضمن الأسرار الإلهية والعجائب العالية التي أصابت منكري الإيمان في وقت تزلزلت الأرض بسبب إنكاره ، وهلكت نیقية المدينة العظيمة ، وسقطت النار من السماء ، وفي وقت أظلمت الشمس من ساعات الصباح حتى المساء ، وفي وقت ارتفعت الأنهار وأغرقت قرى كثيرة ، وفي وقت تهدمت بيوت ، وهلك ناس كثيرون وسقطوا في عمق الأرض . وهذا كله كان بسبب أنهم قسموا المسيح الى طبيعتين ، وجعله بعضهم مخلوقا ، وزال تاج المملكة عن ملوك الروم وتسلط عليهم الاسماعيليون والفوزیون (2)؛ لأنهم لم يسيروا بالایمان الحق بسيدنا يسوع المسیح، وقسموا من لاينقسم .
وكان بدء كتابة هذا الكتاب في 28 من حملی (3)، وقامه في 22 من طقمت (4)في يوم الاثنين الساعة السادسة من النهار ، والشمس في برج العقرب ، والقمر في برج الدلو ، وكانت مسيرة الشمس حينئذ 195 درجة ، وكان منتصف نهاره 87 درجة و 30 دقيقة ، وساعات نهاره 11 ، وساعات ليلة 13. وكان النهار بأخذ من الليل كل يوم 20 دقيقة .
ص: 223
وسيادة الجفر (1)من المنازل (2)كانت حینئذ في سنة 7594 من سني العالم ، وسنة 1947 من سنی اسکندر ، وسنة 1594 من سنی تجسيد سيدنا يسوع المسيح ، وسنة 1318 للشهداء
ص: 224
و 980 للهجرة بالحساب الشمسي ، وبالسنة القمرية 1010 (1)وفي أربعة أعوام وسبعة شهور وثمانية أيام من حكم ملك سجد الصغير ابن ملك سجد الكبير الذي سمى یعقوب بنعة العماد (2)، وفي العام الثامن والشهر الثالث واليوم الخامس منذ حکمت الملكة ملك موجسا حبيبة الرب التي سميت بنعمة المعمودية مريم سنا .
وترجمنا باهتمام كبير هذا الكتاب من العربية إلى الجفرية ، أنا المسكين الحقير عند الناس الضئيل في القوم ، الدياقون غبريال المصرى ابن الشهيد يوحنا القليوبي (3)بأمر اثناسيوس (4)رئیس جيوش أثيوبيا ، وبأمر الملكة مريم سنا ، ليجعله الرب خلاصا للنفس وحفظا للجسد .
والمجد لمن منحنا القدرة في البدء والختام أبدا الآبدين . آمين ، وأمين . ليكن ، ولیکن .
ص: 225
ص: 226
ص: 227
ص: 228
تمهید:
يتناول البحث في هذا الباب قضية لغة النص الأصلية المخطوطة يوحنا النقیوسي ومحاولة للوصول إلى معرفة لغة هذا النص المفقود ، وعلى الرغم من أن معظم الباحثين يستبعدون احتمال أن تكون العربية هي لغة هذا النص ، إلا أن بيان الصلات بين العرب ومصر على مر التاريخ من ناحية، ووضوح التأثيرات اللغوية العربية في النص الحبشي من ناحية ثانية يجعل هذا الاحتمال واردا .
وتناول هذا الباب كذلك بعض صور لغوية ، تخدم بالدرجة الأولى الترجمة العربية الحالية
للنص الحبشي محاولة للعودة بالنص العربى المفقود إلى الوجود .
وتهتم هذه الدراسة كذلك ببيان بعض السمات اللغوية البارزة للنص الحبشي من ناحية ، وبتوضيح قیمة الترجمة الحالية ، وذلك من خلال توضيح المخالفات بينها وبين الترجمات السابقة للنص الحبشي من ناحية أخرى .
ومن الجدير بالملاحظة أن هناك صورا للدراسة اللغوية ، قد ذیلت بها الترجمة تهتم بالإشارة إلى التصحيف في بعض المفردات أو العبارات الحبشیة أو بالاشارة إلى تأثر المترجم الحبشي بالنص العربی .
ورد في مقدمة هذا البحث أن النص الاصلى المخطوطة يوحنا النقیوسی مفقود وأن مالدينا الآن هو ترجمة حبشية عن العربية ، هذا ماذكره لنا المترجم الحبشي في نهاية ترجمته ، ولم یشر اذا ما كان هذا النص العربي الذي نقل عنه أصلا أم ترجمة (1)ومن سوء الحظ أن هذا النص العربى مفقود (2)
ص: 229
وقد اختلف الدارسون للنص الحبشي في تحديد اللغة الأصلية التي كتب بها يوحنا النقیوسی مؤلفه ، فذهب البعض إلى أنه كتب باليونانية الأحداث الخاصة بالعالم خارج مصر وبالقبطية الأحداث الخاصة بمصر )(1)، ویری تشارلز أنه كتب كل مؤلفه باللغة اليونانية (2)ویری سلیم سليمان ومراد كامل وعزيز سوريال عطية أن لغة هذا النص هي القبطية (3). ولم يذكر أي من هؤلاء الباحثين احتمال أن يكون نص يوحنا النقيوسي الأصلي قد كتبه بالعربية . بل لم يزيدوا على أن يذكروا أن النص العربي الذي نقل عنه المترجم الحبشي هو ترجمة لنص يوحنا النقيوسي الأصلي ، إلا أن عدم وجود قرائن وأدلة قوية على أن النص الأصلى للمخطوطة كان بلغة أخرى غير العربية ، بجعل احتمال کون لغة النص الاصلية هي اللغة العربية وأردا ، ومن الممكن ترجيع هذا الاحتمال من خلال بعض القرائن والأدلة التاريخية . فضلا عن الشواهد اللغوية التي يحملها النص في طياته . والسبيل إلى ترجيح هذا هو بیان الصلات المستمرة على مر التاريخ والتي كانت تربط بين العرب ومصر ، وهو ما يعني أن العرب ولغتهم لم يكونا مجهولين بالنسبة لمصر وأهلها عند الفتح الاسلامی من ناحية . وكذلك بيان جوانب من التأثيرات العربية ، من نواح عدة في النص الحبشي من ناحية ثانية ، مما يوضح أنه من الصعوبة بمكان أن يكون النص العربي الذي نقل عنه المترجم الحبشي ترجمة وليس أصلا.
ص: 230
فبالنظرة التاريخية إلى الصلات بين الساميين أو العرب وبين مصر على مر التاريخ يتضح للباحث أن مصر لم تكن مجهولة بالنسبة للعرب ، حتى أن جغرافي العرب قد سموا شبة الجزيرة العربية بهذا الاسم ، وذلك ، تبعا لرأيهم ، لأن المياة تحيط بها من كل ناحية ، وقد عدوا مياه نهر النيل ضمن هذه المياه التي تحيط بالجزيرة (1)، وذكر ابن خلدون أن جزيرة العرب من بحر فارس والقلزم كأنها داخلة من البر في البحر ، يحيط بها البحر الحبشي من الجنوب ، وبحر القلزم من الغرب ، وبحر فارس من الشرق ، وتقضي إلى العراق فيما بين الشام والبصرة على ألف وخمسمائة ميل بينهما(2)
ومنذ فجر التاريخ ومنطقة شبة الجزيرة العربية منطقة طاردة للسكان وليست جاذبة ، وذلك لطبيعتها الجفرافية حيث يغلب على أكثر مناطقها الجفاف وصعوبة العيش (3)، مما دفع أهلها إلى معرفة المناطق الخصيبة المجاورة لبلادهم حتى يتسنى لهم الترحال إليها والعيش فيها ، ومن هذه المناطق الخصيبة كانت مصر حتى أن القلقشندي وصفها بقوله : "وكذلك ترى الناس يرحلون اليها ، وفودا ، ويفدون عليها من كل ناحية ، وقل أن يخرج منها من دخلها ، أو يرحل عنها من ولجها ، مع ما اشتملت عليه من حسن النظر ، وبهجة الرونق لاسيما في زمن الربيع ، ومايبدو بها من الزروع التي تملا العين وسامة وحسنة وتروق صورة ومعنى(4).
ومن الطرق الثابتة ، عبر التاريخ ، التي كانت تصل شبة الجزيرة العربية مصر طریق سيناء،(5) التي يرى بعض الباحثين أنها أول طريق أممية عرفها الانسان في التاريخ (6).
ص: 231
فكثيرا مانزل العرب مصر بواسطة هذا الطريق ، حتى أن المصادر تشير إلى أنه في حوالي سنة 500 ق.م حدثت هجرة من بلاد العرب أدت الى استقرار الأنباط ، وهم من العرب ، شمالی شرقی جزيرة سيناء (1) ولم تكن هذه هي الطريقة الوحيدة التي توصل بين شبه الجزيرة العربية ومصر بل كانت هناك طريق ساحل الجزيرة العربي عن طريق البحر الأحمر إلى القصير فوادی الحمامات بالقرب من طيبة القديمة ، وجنوبا عن طريق باب المندب حيث المسافة الفاصلة بين جنوبی شبه الجزيرة العربية وافريقية هي مسافة خمسة عشر ميلا. (2)
وهناك شخصيات بارزة كثيرة ، منذ فجر التاريخ ، قد نزلت مصر من شبة الجزيرة العربية منها سيدنا ابراهيم عليه السلام ومعه ساره زوجته و قصتها مع فرعون مصر الذي اهدي لها هاجر المصرية لتكون وصيفة لها ، ثم زواج سیدنا ابراهيم من هاجر المصرية (3). كما نزل يوسف وال يعقوب مصر ، إذ ورد في سفر التكوين في قصة يوسف أن فرعون مصر قد منح يوسف عليه السلام سلطانا عليها ، وأن يوسف دعا أباه للسكني في أرض (جوشن) وهي مقاطعة مصرية تقع شرقى الدلتا (4)
ويبدو لنا قدم استقرار العرب في مصر ، وخاصة في أقسامها الشرقية طبقا لما أورده المؤرخ اليونانی هبرودرت الذي زار مصر حوالي سنة 448 - 445 ق.م من أن الأقسام الشرقية من مصر وخاصة تلك المتصلة بطور سيناء كانت مأهولة بقبائل عربية ، ومن الطبيعي أن تكون هذه القبائل قد استقرت في مصر قبل ذلك العصر بزمن ليس بقصبره (5). وتشير المصادر
ص: 232
التاريخية إلى أن الاسكندر الأكبر قد واجه مقاومة عنيقة من قبائل عربية كانت تسكن غزة، وهو في طريقه الى مصر حيث كان غالبية سكان غزة من العرب منذ أمد طويل قبل الميلاد (1). وقد كان نتيجة لضعف حكومة البطالمة أن توسعت القبائل العربية وتوغلت في طور سيناء وفی مناطق مصر الشرقية الواقعة على الضفاف الشرقية لنهر النيل ، وإلى هذا العهد ترجع الكتابات العربية المدونة بالخط المسند التي عثر عليها في الجزيرة بمصر ، مما يدل على الصلات الوثيقة بين الجزيرة العربية ومصر (2)
وقد كان ظهور الأنباط . وهم شعب عربی باجماع العلماء ، على مسرح التاريخ في القرن السادس ق.م كجماعات بدوية في صحراء مايسمى اليوم بشرقي الأردن (3)ونتيجة للأنقسام الذي حدث بين الممالك الهلينستية مد الأنباط مملكتهم من غزة إلى ايلة (العقبة الحالية) وازدهرت عاصمتهم البتراء في القرن الرابع ق.م وظلت حوالي أربعة قرون تحتل مكانا هاما على طريق القوافل الذي يمتد بين اليمن والشام ومصر (4)، حيث كان الأتباط أهل تجارة وكانت هذه هي حرفتهم الأساسية ، إذ كانوا هم المسيطرين على التجارة بين الشرق والغرب في أيامهم (5)، وقد ترك الأنباط آثارا كثيرة تدل على وجودهم في مناطق متفرقة من مصر (6)ومن تلك الآثار يبدو أنهم لم يكتفوا بالتجارة مع مصر فقط بل كان لهم استقرار في بعض مناطقها (7)
وتشير المصادر العربية كذلك إلى أن هناك كثيرا من القبائل العربية ، وخاصة من جنوب الجزيرة العربية ، قد هاجرت واستوطنت في مناطق متفرقة من مصر قبل الاسلام بزمن طويل ،(8) حتى أن المؤرخين اليونانيين سترابون (حوالي 66ق.م - 24م) وبلینيوس (حوالی 70م) ذكرا أن هناك عددا كبيرا من العرب في صعيد مصر حتى أن نصف سكان مدينة
ص: 233
فقط كانوا عربا (1). هذا فضلا عن العلاقات التجارية التي كانت بين جنوبي الجزيرة ومصر ، حيث كان في الجزيرة المر واللبان الذي يستخدمه المصريون في هياكلهم ویستعملونه فی التحنيط (2)
وقد استمرت الصلات قوية بين العرب في شبه الجزيرة العربية ومصر حتى قبل الاسلام بفترة قصيرة ، فقد كان الاتصال في الغالب ، تجاريا بينهما ، إذ كانت القوافل أول ماتنزل في البلاد الرومانية تنزل في أیله (العقبة حاليا) (3)وقد اشتهرت قريش في بلاد الحجاز تجاريا منذ نهاية القرن السادس الميلادي حيث احتكرت تجارة الهند بفضل هاشم بن عبد مناف، أول من سن رحلتی قریش ، رحلة الشتاء إلى الشام ورحلة الصيف إلى الحبشة ، وقيل رحلة الشتاء إلى اليمن والحبشة والعراق ، ورحلة الصيف إلى الشام .(4) وكانت بلاد الحجاز بهذا تسيطر على طريق رئيسي من طريقي التجارة العالمية في ذلك الوقت ، في مقابل الطريق الرئيسي الآخر وهو طريق البحر الأحمر الموصل إلى الهند ، مما جعل الحجاز بمثابة القنطرة التي تربط بين بلاد الشام وحوض البحر المتوسط باليمن والحبشة والصومال والسواحل المطلة على المحیط الهندي ، الأمر الذي أدى الى قيام ثغور تجارية بالمجاز لخدمة هذا الطريق البحري مثل ثغر الشعبية ، مرفا مكة القديم ، ثم ثغر جدة ، وثغر ينبع مرفأ يثرب (5).
ومع موجة الفتوحات الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين كانت مصر من أوائل البلاد التي اهتم العرب بفتحها ، وهذا ليس بالأمر الغريب ، وذلك لمعرفتهم السابقة بمصر ، حتي أن المصادر العربية القديمة تشير إلى أن عمر بن العاص ، الذي قاد المسلمين إلى فتح مصر في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قد سبق له أن زار الاسكندرية قبل الإسلام
ص: 234
تاجرا (1). وتبعا لروايات المصادر العربية الأولى كان عدد أفراد الجيوش العربية التي دخلت مصر مع عمرو بن العاص والزبير بن العوام وعبد الله بن سعد وغيرهم في ربع القرن الأول من الفتح (18-43ه) هو بضع عشرات من الألوف اختطوا لهم خططا في مناطق متفرقة من مصر، في الفسطاط والجيزة والاسكندرية وبعض جهات الصعيد الأعلى (2). ثم بدأت بعد ذلك أعداد العرب تزداد في مصر من الجند وغيرهم ، حتى أن قبائل كثيرة قد هاجرت الى مصر ، وقد كان معظمها في عصر الولاة (18 - 254ه) من عرب جنوب الجزيرة العربية من المجموعة السبئية (3)
ومما سبق يتضح أن الصلات بين شبه الجزيرة العربية ومصر كانت منذ أقدم الأزمنة واستمرت حتی قبل دخول الاسلام مصر ، وكان هذا أمرا میسورا لوجود السبل الدائمة لهذه الصلات ، خاصة طريق سيناء ، وأن معرفة العرب بمصر لم تكن متصورة على جبهة معينة منها ، بل عرف العرب الصعيد الأعلى مثلما عرفوا مصر السفلي . الأمر الذي أدى إلى وجود جالیات كثيرة عربية اندمجت مع المصريين . وكان نتيجة هذا وجود آثار سلالية وثقافية مما أثر في سرعة تعريب مصر.
ويبدو من إشارات المصادر العربية ، فيما يتعلق بحياة الرسول صلى الله عليه وسلم والرسالة الإسلامية ، أن الرسائل التي بعث بها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أشهر زعماء العالم في ذلك الوقت ، هرقل ملك الروم ، كسرى ملك الفرس ، المقوقس عظيم القبط ، النجاشي ملك الحبشة (4)، يدعوهم فیها للإسلام كانت باللغة العربية ما يدل على أن العربية لم تكن مجهولة في العالم في ذلك الوقت ، حتى أن المقوقس (قیرس) الذي كان يجمع بين الزعامتين الدينية والسياسية في مصر ، إذ كان الحاكم الإداري لمصر . كما كان رئيسا
ص: 235
دينيا للمسيحيين غير الأقباط الذين كانوا تابعين للقسطنطينية (1)قد رد برسالة مكتوبة بالعربية على رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم له ، إذ أشار الى ذلك ابن عبد الحكم بقوله : "ثم رجع الی حدیث هشام بن اسحاق قال : "ثم دعا کاتبا یكتب بالعربية فكتب : لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط سلام ، أما بعد فقد قرأت كتابك ، وفهمت ماذكرت وماتدعو اليه ، وقد علمت أن نبيا قد بقي ، وقد كنت أظن أنه يخرج بالشام ، وقد أكرمت رسولك . وبعثت الیك بجاريتين ، لهما مكان في القبط عظيم ، وبكسوة ، وأهديت البك بغلة لتركبها والسلام (2))، وبصرف النظر عن مدى اقتراب هذه الرواية من الحقيقة التاريخية ، فان مايهمنا منها هو الإشارة إلى وجود بعض من يعرفون العربية في الإدارة البيزنطية لمصر . وهو أمر من الممكن ترجیحه على اعتبار أن - العلاقات التجارية التي كانت قائمة بين بلاد العرب ومصر ، كانت تستلزم وجود معرفة متبادلة بلغة الآخر ، ذلك أن التبادل التجاري یقوم على أساس من التفاهم الذي لايمكن أن يتم دون اللغة .وما ساعد على سرعة انتشار اللغة العربية في مصر ما أشارت اليه المصادر والعربيه من حسن المعاملة التي لقيها المصريون من العرب المسلمين بعدما عانوا أشد المعاناة من الحكم البيزنطي ، وقد أشار إلى ذلك أيضا يوحنا النقیوسى نفسه في النص موضوع الدراسة (3)هذا فضلا عن السياسة الحكيمة التي اتبعها العرب غداة دخولهم مصر ، إذ من خلال خطاب خطاب مطول ألقاه عمرو بن العاص في یوم جمعة من أيام عيد الفصح سنة 644م وذكره ابن عبد الحكم (4). تتضح هذه السياسة بأنها كانت ذات اتجاهين ، الأول هو ضرورة التمسك بالتعاليم الإسلامية وانعكس هذا الاتجاه في أن
ص: 236
صارت الفسطاط المركز الأساسي لمدرسة مصر الدينية ، وذلك لأنها حوت تاج الجوامع أو الجامع العتيق الذي بناه بها عمرو بن العاص سنة 21 م . وكان بمثابة مدرسة دينية یتعلم فيه الناس شئون دينهم ، كما كان مركزا للقضاء ، أي أنه كان بذلك مركزا للحركات العلمية ، لأن الناحية الدينية كانت هي محور العلم في صدر الإسلام ، ويرجع الفضل في ذلك إلى الصحابة الذين تفرقوا في سائر البلدان المفتوحة ، ومن أشهر من كان منهم بمصر هو عبد الله بن عمرو بن العاص ، الذي يعتبره بعض الباحثين مؤسس مدرسة مصر الدينية ومعلمها الأول (1). وبالطبع قد ساعد هذا الاتجاه على سرعة انتشار اللغة العربية في مصر ، بحيث لاسبيل بدونها، الى التعرف على الدين الجديد . .
وكان الاتجاه الثاني من تلك السياسة هر مایعرف بسياسة الارتباع ، وهي أن العرب كانوا يخرجون من رباطهم في الربيع ویتصلون بالمصريين في الريف وكانت مدة الارتباع تبلغ ثلاثة أو أربعة أشهر من كل عام وهي مدة كافية هیات للقبائل العربية الفرصة للاتصال بالمصريين والتعرف على أحوالهم وعاداتهم وتقاليدهم من ناحية ، وكانت من أسباب انتشار اللغة العربية بين الشعب المصري من ناحية ثانية .
من المعروف أن اللغتين العربية والحبشية تجمعها مجموعة لغوية واحدة وهي مجموعة اللغات السامية ، كما اصطلح على تسميتها علماء اللغات ، أي أن التقارب اللغوی بینهما أمر طبيعي ، ولكن لا يستبعد هذا أن تتأثر إحداهما بالأخرى . فيلاحظ ، للوهلة الأولى ، من كان عربي اللسان أو من غير العرب من على دراية كبيرة باللغة العربية وخصائصها ، أن روح النص الحبشي ، موضوع الدراسة عربية ، ويتضح هذا من احتوائه بين طياته على كثير من مظاهر التأثيرات اللغوية العربية ، التي لم يستطع المترجم الحبشي حبالها أن يعبر عنها باللغة الحبشية ، فلم يسعه إلا أن نقلها كما هي ، ويبدو من بعضها أنه يصعب أن تكون منقولة عن لغة أخرى ، مثل اليونانية أو القبطية مثلا، في الوقت الذي تبدو فيه بوضوح أنها كتبت أصلا باللغة العربية التي تغلب عليها اللهجة المصرية ما يميزها من سمات لغوية وهي في أول دربها كلغة تأليف في مصر .
ص: 237
وسأكتفي هنا بالتعرض لثلاث صور من هذا التأثير العربي ، على سبيل المثال لا الحصر وهي فيما يتعلق بالألفاظ ، وأسماء الأعلام والبلدان ، .. والأساليب بعامة .
من المعلوم أن كل جملة مفيدة تتكون من مجموعة من الكلمات ، وكل كلمة لها دورها في بناء الجملة السليمة وبالتالى لها أهميتها البالغة في توضيح مدلولات معينة قد تختلف فيها من لغة إلى أخرى . وقد ورد في النص بعض من الألفاظ العربية ، فضلا عن طائفة ثانية من صور الألفاظ وصیغها واستعمالاتها التي يبدو أن المترجم الحبشي نقلها كما هي عليه في النص العربى المنقول عنه ، ربما لأنه لم يجد ما يقابلها في اللغة الحبشیة حيث إن بعضها ، كما سنرى ، إما أن يكون له دلالات خاصة بمصر من ناحية ، أو ربما یدل هذا على مدى تأثير النص العربي في الترجمة الحبشية من ناحية ثانية.
فورد في النص كلمة : (...) = الصعيد للدلالة على جنوب مصر (1)(...)= بحری ، للدلالة على شمال مصر (2)في قوله : (...) (3)
ولهذا وجد أهل مصر الوسيلة لزرع المزارع ، ولحرث الحقول ، کارض الصعيد". (...) (4)
" وغادر عمرو المدينة بحری " مصر ، وسار إلى ريف ليحاربها -
ومثل :(...) (5)
ص: 238
" وقد كتب باديسينيوس هذه الآية على حجر ، ووضعها في بيت الآلهة ، في موقع مقیاس المياه الذي يعرفون به بحر النيل" .
ويلاحظ أن التعبير "بحر النيل" هو تعبير يطلقه أهل مصر والسودان على نهر النيل (1)وورد في لسان العرب : "الزجاج : وكل نهر لاينقطع ماوءه ، فهو بحر . قال الأزهري : كل نهر لا ينقطع ماؤه مثل دجلة والنيل وما أشبههما من الأنهار العذبة الكبار ، فهو بحر .. وسميت هذه الأنهار بحارا لأنها مشقوقة في الأرض شقا" (2).
وكلمة : (...) = الأس (3)، وهو نوع من أنواع الشجر في قوله : (...) (4)- وكانت هذه المدينة كجزيرة في وسط النهر ، كايكة الشجر المسمى اکریاس وهو الأس". ومن المعروف أن مدلول كلمة : (...) = ألف في الحبشية هو عشرة آلاف (5)- ، وفی العربية عشر مئات ، غير أن المترجم الحبشي هنا تأثر بمدلولها العربي في الإفراد والجمع ، كما فی : (...) (6)
" وقتلوا من جيوشه تدر أربعين ألف نفس"
: (...) (7)
ص: 239
" وقتل آلافا كثيرة من أجل أموالهم . والأعمال التي اقترفها هذا الجاحد لايحصيها قول".
وفي كلمة : (...)يبدو أن المترجم الحبشي نقل كلمة "شرقی" حرفيا عن النص العربى، ولم يستخدم الكلمة الشائعة في الحبشية للدلالة على الشرق وهي : (...) وذلك في قوله : (...) (1)
وفي الحال جمع إلكاد جيوشا كثيرة من الجيش والنوبة ، وحارب جيوش کمیس شرقی نهر جيون" .
وفي كلمة :(...) = يقللوا يبدو كذلك أن المترجم الحبشي نقلها حرفيا عن النص العربي ولم يستخدم كلمة : (...) (2)= يخففوا وذلك في الجملة الآتية (...) (3)
وأمر أن يقللوا من اضطهاد المسيحيين".ووردت كلمة : (...) = الطبل ، وهي الطبل العربية ، الذي يضرب به ، وهو ذو الوجه الواحد والوجهين والجمع أطبال وطبول وصاحبه طبال (4)، وذلك في :(...)
وأخذوا معهم هدایا و قيثارة ودفا و طبلا.
ص: 240
وكلمة : (...) الحرير في : (...)(1)
وكان يلبس شقة من الشعر خلال لباس الحرير الذي هو ذى المملكة "
وكلمة :(...)شاصون ، وهي الشاصونة في اللغة العربية في حالة الأفراد ، والشواصين في حالة الجمع (2))، وذلك في : (...) (3)
وفي الحال فتح غطاء الشاصونة ، وأخذ المنديل والزنار المبجلة" (4)
وكلمة ، (...) = نساحا ، وهي نساخا العربية في قوله :
(...) (5)أيسكيرون أكبرهم كان نساخا" وكلمة :(...)ذنب ، وهو كلب البر والجمع اذنوب وذئاب وذوبان ، والانثى ذئبة (6)في قوله : (...) (7)
و كان كالذئب الكاسر"
ص: 241
وكلمة :(...) رمح ، وهي رمح (1)في الجملة التالية (...) (2)
"ولما تحاربوا فيما بينهم قتلوا هذا الكاذب ، وبتروا رأسه ، وصلبوه على رمح" وكلمة :(...) النائب في قوله :
(...) (3)
"تیودور النايب"
وكلمة : (...) علامات في العبارة التالية : (...)
"ومن قبل ذلك كان بولس وقسما بن صمویل وتیودور الأسقف وميناس كاتب مدینه نقیوس - أرسلوهما برسالة الى مرقیانوس الحاكم وإلى السيدة كريستودرا أخت ايسایللون ليسقطا علامات فوقا".
وتعبير :(...)= القصب الفارسي (4)، وكلمة : (...)الشوك (5)في قوله : (...)"(6)وفي شمال المدينة يوجد نبات القصب الفارسي ، وهو نبات" شمیقو" وسياج من الشوك".
ص: 241
وكلمة : (...)= القنطرة ، وهي كلمة عربية وضعها النص باللفظة الحبشية المقابلة لها وهي : (...) = الجسر ، وذلك في الجملة التالية : (...)"(1) وعندما علم بهذا نقیطا هدم القنطرة ، وهي جسر مدينة دفاشر". وكلمة : (...)= السيف (2)في العبارة التالية : (...) "(3)وقال له : اتخذ لك سيفا صغيرا وضعه في وسطك وخیل لنفسك أني وجهت إليه لتسأله في شأني" . وكلمة :(...)= حليب ، وهو الحلوب من اللبن (4)، في قوله :(...)يضطرونهم لحمل اللبن والعسل والفاكهة والكراث (...)وکلمه (5)(...)= السعال ، وهو من الفعل سعل (6)في اللغة العربية ، كما فی : (7)(...)مرض السعال ..
ص: 242
ومثل كلمتى (...)= الجفر (1)، و (...)(2)= منازل كما في العبارة الآتية : (...) (3)"وسيادة الجفر من المنازل كانت حينئذ في سنة 7594 من سني العالم " واستخدام النص كلمة : (...) = بدو ويعنى بها القفر وهو ذات المدلول العربي ، حيث إن البداوة على خلاف الحضر وتطلق على الصحراء .(4) وقد أدخلها المترجم الحبشي في عبارة
ص: 243
يبدو فيها بوضوح التأثير اللغوي والروحي للنص العربي :
(...) (1)
"ونهبوها وحرقوها بالنار حتى صارت كل بلاد مصر قفرا ، ولم يوجد من يسير بها من الناس . وحتى طيور السماء".
وفی استخدام النص لكلمة (...) = المسكينة ، يبدو كذلك التأثير العربي اللغوي والروحي ، لمدلول هذه اللفظة في قوله : (...) (2)
"لارغبة في ترك المسكينة وأخذ الغنية" ، واستخدام النص كلمة(...) ملوث ، يبدو فيها كذلك التأثير العربي ، اللغوي والروحي في تركيب الجملة الآتية (...) (3)-
وأرته خرقة ملوثة بالدم ، ولهذا تركها"
من البدیهی إذا ماكتب كاتب نصا ، أيا كان موضوعه وورد فيه أسماء للأعلام أو البلدان أن يفضل كتابة هذه الأسماء بمسمياتها الشائعة وقت كتابته لهذا النص : حتى يتسنى لمن يطلع عليه في وقته أن يتعرف على هذه الأسماء ومسمياتها . فبالنسبة لأسماء الأعلام لاحظت أن النص الحبشي كثيرا مايكتب بعض أسماء الأعلام الأجنبية بصيغتها العربية ، وأحيانا ترد الصيغة العربية جنبا إلى جنب مع الصيغة الأصلية للعلم ، وعلى سبيل المثال وليس الحصر ورد اسم العلم " نقيتاس" في النص هكذا. (4)(...) = نقیطا وهو الصيغة العربية لهذا الاسم كما ترد في المصادر العربية القبطية القديمة (5)وكذلك اسم العلم "قوقاس"
ص: 244
ورد في النص هكذا (1): (...) = فوقا" وفي نفس الصيغة العربية لهذا الاسم في المصادر العريبة الأولى (2). واسم العلم "مورنيقيوس
(3)ورد هكذا جنبا إلى جنب مع الصيغة العربية لهذا الاسم وهي موريق :(...) هذا هو كما ترد هكذا في المصادر العربية الأولى (4)
أما بالنسبة لأسماء البلدان المصرية نكثيرا ما وردت الصبغة العربية للأسم اذا كان المدينة مصرية على الرغم من وجود صيغة مصرية قديمة أو تبطية له ، وأحيانا يذكر النص الصبغة العربية في موضع منه ويعود ويذكر الصيفة المصرية القدية أو القبطية في موضع آخر ، ولكن يغلب استخدام الصيغة العربية للاسم . وعلى سبيل المثال وليس الحصر . ورد الاسم : (5)(...) = الفرما وهي الصيغة العربية لمدينة پلوز ، وكان القبط يسمونها پرمون (6).
وورد الاسم : (7)(...) = بلاق وهي تسمية عربية لهذه المدينة (8)و (9)(...)= اندنيا وهي انصنا ، والاسم الأول تصحيف عن انطونيه ، والاسم انصنا هو الصيغة العربية لانطونية . ويسميها القبط انصلة Ensele والعامة يقولون النصلة (10))، و (11)(...)
= انطونيوليوس هي نقل خاطىء عن الصیغة العربية ابليوبوليس (هليوبوليس) (12))، و (13): (...)منوف وهناك مدينتان باسم منوف في مصر إحداهما منوف العليا والأخرى منوف السفلي والصیغتان عربيتان ، ولهما صیغتان قبطيتان ، لم تردا في النص ، هما بانوف ریس Banout Ris لمنوف العليا ، وبانوف خیت -B nouf Khet لمنوف السفلی( (14)و (15)-(...) = بنا وہوصبر وهي الصيغة لهذه
ص: 245
المدينة ، واسمها المصري هو بنار Banaou والقبطی کینوی کاتوا (1)Kinoy Kato (...) کرتبا (2)، وهی تصحیف عن الصبغة العربية" خریتا" ، واسمها القبطى "زماخیر (3))، و (4): (...) و بلقا، وهي الصيغة العربية لبلدة قبطية قديمة كانت تسمى طرائية(5) (6)(...) عين شمس هي أون ، ويبدو هنا أن الاسم العربي ورد جنبا إلى جنب مع الاسم المصري القديم (7)، ويوضع هذا أن الصیغة العربية قد صارت شائعة الاستخدام . و (8)(...) مارسیماس ، وهي نقل خاطىء عن الصيغة العربية مارميامين (9). ووردت (10)(...) مصر بصیغتها العربية هذه أكثر من (11)
(...) قبط (مصر) بصيغتها القبطية (12)(...) البهنسا وهي الصیغة العربية لهذه المدينة ، واسمها القبطي هو Femdj (13)) : (...) دلان (14)، وهي دلاص الاسم العربي لهذه المدينة ، واسمها القبطی تیلوج
ص: 246
(...)(1) (2)دير سلاما ، ومن المرجح أن تكون هذه التسمية هي التسمية العربية لدير پمبتون (3)
وبالنسبة لأسماء البلدان غير المصرية يرد كثير منها كذلك مكتوبا بصيغها العربية وان كان قد أصاب بعضها التصحيف ، مثل مورطانية (4)Mourtaine وهي الصيغة العربية التي أطلقها الجغرافيون العرب على أقاليم المغرب الأقصى ووردت في النص مصحفة عن الصيفة هكذا (5)(...) ريطانيين ، و (6)(...) مدينة طرابلس ، وهو نفس الشكل كما كانت تكتبه المصادر العربية الأولى للدلالة على مدينة طرابلس (7). و (8)(...) أوزيز وهي نسخ خاطيء للصیغة العربية أوربيسي (9)، وفي موضع آخر (...)(10) أوربا ، وهي نسخ خاطئ للصبغة العربية أوربا (11)، و (...) (12)برنطيه هكذا كما تذكرها المصادر العربية القديمة ويقصد بها بيزنطيه (13)ووردت التسميتان (14)(...) الحبش (15)(...)الحبشة وهو ما يرفضه
ص: 247
الأحباش وكذلك الأقباط ، اذ يفضلون استخدام لفظي الاثيوبيين واثيوبيا للدلالة على البلد وأهلها .
ومن مظاهر تأثر النص الحبشي بالنص العربی الناقل عنه الأساليب بعامة والتي تبدو من السهولة لقارىء النص الحبشي ، اذا كان عربي اللسان ، أو على دراية بتركيب الأسلوب في اللغة العربية ، أن يستشفها . وفيما بلی سأتعرض لنماذج من هذا التأثير:
1- من التعبيرات العربية المصرية لتحديد شمال مصر وجنوبها القول : أسفل مصر أو مصر السفلى ، وأعلى مصر أو مصر العليا . يبدو هذا التركيب واضحا في مواضع كثيرة من النص ، ولم يستخدم المترجم الحبشي ألفاظ لغته الدالة على تحديد الجهات ، ولكنه نقل التركيب العربي هكذا :
(1): (...)
" المدن أسفل مصر"
(2): (...)
"بنسى مدينة أعلى مصر
2- من البلاغة في الأسلوب العربي تجسيم المعنوي وجعله في صورة حسبة لتوضح المعنى وتویته ، ومن ذلك استخدام الفعل ملا ومشتقاته كما في الأمثلة الآتية :
(3): (...)
"وملا فرعون الغضب
(4): (...)
ص: 248
"فامتلأ غضبا لأنه كان وثنيا "
(1)(...)
والوثنيون في بلاد المشرق كانوا ممتلئين بكاء وحزنا لفقدهم دقلديانوس ، ومكسيمبانوس ابنه.
(2)(...)
وقتلوا خلقا كثيرا في الكنيسة حتى ملأوا كل الأماكن دما (3)(...)
وأرسل موظفا مليئا بالشر اسمه وابازون"
(4)(...)
لأن أرض مصر كانت مليئة بالمياه والبحار لكثرة فيضان نهر جيون"
3- و من الاستخدامات العربية في الأسلوب للتعبير عن الحالة والكيفية استخدام حرف الجر "ی" كما في المثالين الآتبين
(5)(...)
ولما جاء هؤلاء في حنش حاربهم أهل المدينة بشدة
مهم :
(6)(...)
ص: 249
" واجتمع كل المسيحيين وخرجوا في غضب وجاموا الى محاريب اليهود".
4- من التراكيب العربية للتعبير عن قسوة المرء وغلظته وجبروته وصف رقبته بالصلابة أو الغلظة ، كما في الجملة التالية :
(1)(...)
وكان اکريس صلب الرقبة قاسي القلب (= صلفا ) "
5- وللتعبير عن عدم حلم المرء وصبره تستخدم اللغة العربية تركيب : "ضائق الصدر" وللتعبير عن حلمه وصبره تركيب : "طويل النفس " ويبدو هذا فيما يلي :
(2):(...)
"وكان کورش ضائق الصدر"
(3)(...)
و بعد هذا نزل إلى أرض مصر واسكندرية ، وأوقع شرا من عمل سرما بها ، ورحمة لمن عمل صالحا ، لأنه كان رزینا نبه تساهل ورحمة ارصبر، وطول نفس".
6- من المعاني الشائعة في اللغة العربية للفعل نزل تعبيره عن انتقال المرء من مكان إلى مكان أو عن اصابة الإنسان بالمرض مثل :
(4)(...)
ونزل الى مصر ليحاربها"
(5)(...)
ص: 250
" وبينما مر في هذه الحال نهض للسير إلى مدينة بيزنطة ، ونزل به المرض".
7- ومن التعبيرات العربية الشائعة للدلالة على موت الانسان تعبير : خرجت روحه يبدو هذا فی :
(1)(...)
غير أن قوات مصر اختطفت فرسيد المحارب من الأشوريين قبل أن تخرج لتزهق روحه"
8- وواضح في التعبيرات الختامية في النص تأثرها بمثيلاتها في الأسلوب العربي وخاصة سی کما یلیھ رہی (2): (...)
ثم مات وترك ذکری لمن جاء بعده .
(3)(...)
"ومات على دين ابيه.
(4)(...)
فنال تاج الشهادة الذي لايبلی ، وعد مع الشهداء القديسين "
(5)(...)
ص: 251
"ويقوينا كذلك ويعيننا على حمل المتاعب برجاء ملكوته ، ويجعلنا مستحقین ، بوجه لايخجل ، لنیل میراث ملكته السماوية التي لا تبلى إلى الأبد . وأبوه خیر وروحه مقدسة حية أبد الآبدين ". آمين .
(1)(...)
"البجعله الرب خلاصا للنفس وحفظا للجسد . والمجد لمن منحنا القدرة في البدء والختام آبد الآبدين أمين وأمين ليكن ، وليكن "
(2)(...)
"پرحمنا الله بصلاته "
9- ومن المصطلحات العربية الشائعة للدلالة على الجواسيس استخدام لفظة : العيون . ويبدو هذا في الجملة التالية :
(3)(...)
"وهو كان يختلط بالعيون الجواسيس).
10- ومن الاستخدامات العربية في الأسلوب للتعبير عمن تمادوا في الشر مانحسه فيما بلی:
(4)(...)
وأضاف اليهود سيئة فوق سيئاتهم".
ص: 252
(1)(...)
"وزادوا شرا فوق شرهم "
11- والاستخدام العربي للفظة "ابن" للدلالة على عمر الإنسان ، يبدو واضحا في النص، مثل:
(2)(...)
" ثم مات وهو ابن سبع وسبعين سنة ، في العام الثالث والعشرين من حكمه "
12- ومن الاستخدامات العربية الشائعة في الأسلوب الكنسي للتعبير عن التحريم استخدام النعل قتطع هكذا:
(3)(...)
و بعد أيام قليلة أرسل فوقا الى جوستين حاکم اسكندرية کی بقطع الاسكندر ومن معه".
13- ومن الأساليب العربية كذلك :
(...) (4)
" فنأسر فوقا في الحال الاسكندر وکودیس والخصيان الآخرين "
14- ومن الاستخدامات العربية في الأسلوب للتعبير عن السيطرة الكاملة استخدام الاسم: بد وجمعها هكذا:
ص: 253
(...) (1)
"وكانت كل مدن مصر ني پدي نقيطا"
(...) (2)
ولم يستطع هو العبور لأن الله أعاده إلى پدی کورش لهذا السبب
15- والمصطلح العربي للتعبير عن عاصمة الدولة أو أكبر مدنها باستخدام الاسم : رأس يبدو واضحا في العبارة التالية : (...)(3)
واستولى أبوه هرقل على مدينة قرطاجنة ، وهي رأس ملكة أفريقية"
16- ويبدو على النص حين بدأ الحديث عن الفتح الإسلامي لمصر التأثر الواضح بالنص المربي الناقل عنه من ناحية ، ووضوح أنه من المستبعد أن يكون النص العربی الناقل عنه المترجم الحبشي ترجمة وليس أصلا . إذ أحيانا يستخدم النص كلمة إسلام ويقصد بها المسلمين وفي موضع آخر يقصد بها الدين الإسلامي ، وأحيانا أخرى بنقل كلمة مسلمين كما هي في النص العربي هكذا (...) مسلمين ولم يراع هنا طريقة جمع المذكر السالم في اللغة الحبشبة حيث نهایته نون ساکنه یسبقها فتحة طويلة في الحرف الأخير من الاسم في حالتي الرفع والجر ، ونون محركة بالحركة الأولى ، الفتحة القصيرة ، في حالة النصب . وفيما يلي الأمثلة على هذا : (...) . (4)
ص: 254
" ثم سار المسلمون الى الصحراء وأخذوا كثيرا من الخراف والظباء من الجبل ولم يعرف أهل
مصر هذا". (...)(1)
وعندما بلغا مجمع الأقوام أبي جميع الأحزاب حرب الاسلام
(...)(2)
وأهل مصر الذين فروا عادوا الى مدينة اسكندرية خائفين من المسلمين ، وسألوا البابا وقالوا له : تاخذ لنا كلمة من المسلمين أن نعود الى بلدنا ونخضع لهم
17- ويبدو تأثر النص الحبشي بالأسلوب العربي الدارج في المثال السابق في : " وقالوا له: نأخذ لنا كلمة من المسلمين" . أي باخذوا عهدا أو وعدا
18- وتبدو روح الأسلوب العربي في الشمول ثم التخصيص في المبارتين الآتيين :.(...) (3)
"ولم يرتكب شيئا ما . سلبا أو نهبا ، وحافظ عليها طوال الأيام ". (...)(4)
ص: 255
" وكان أهل الاسكندرية مجتمعين الرجال والنساء والشيوخ والأطفال ، عند البابا كيرس فرحين مسبحين لعودة بابا مدينة اسكندرية".
19- ومن التعبيرات الشائعة في اللغة العربية : مات بيده لابد عمرو " ، يبدو تأثير هذا
فيما يلي : (...) (1)
وبينما هو على هذه الحال اختنق ، ومات بعد موت أبيه بعامين ، ولم يقتل بيد الناس ، بل بیدیه هو.
20- والمبالغة في الأسلوب العربي للتعبير عن الكثرة بتضع تأثيرها في النص فيما يلي : (...) (2)
" والأعمال التي اقترفها هذا الجامد لايحصيها قول" . 21- ومن العبارات التي تبدو فيها الروح العربية مایلی : (...) (3)
ولما خرجوا كان انسطاسيوس حزين القلب جدا ، یبکی کثیرا قائلا في نفسه : بسبب كثرة
خطئي" لم يباركني رجل الله حين باركهم كلهم . : (...) (4)
ص: 256
" وإذا أقبل إليه الناس العظماء والعامة من لدن الملك - كان يتركهم على (عند) الأبواب ولايدخلهم عنده قبل زمن طويل". (...) (2)
وتجمع كثير من الناس وهم التنانکيون واللاكورين رالماتریدین الماسر والوانطس والعمال وعدو الله البوصیری - هؤلاء كلهم اجتمعوا في مدينة أیكلاه.
:(...) (3)
وخرج تیودور سرة . وسار الى كنيسة التبودوسيين مع البابا وأغلق عليه الباب " : (...) (4) (5)
وكذلك كانوا ينتظرون تیودور المحاكم ليتلاقوا لقتال الاسماعيليين قبل أن يرتفع ماء النهر، ويكون وقت الزرع فلا يستطيعوا الحرب ، لئلا يتلف زرعهم نبمرتوا جوعا مع صغارهم وحيواناتهم".
ص: 257
22- ومن الاستخدامات العربية في الأسلوب للتعبير عن شدة خوف المرء تشبيهه بالنساء، كما في العبارة التالية : (...) (1)
وخرج الى الحكام بمدينة انطاكيا . وتسلط عليهم ، ولشدة خوفهم منه كانوا كالنساء أمامه".
23- ومن المبالغة في الأسلوب العربي للتعبير عن شدة الزحام مايبدو في العبارة التالية :
:(...) (2)
وعندما جا، کیرس البابا الى الكنيسة العظيمة ، فیساریون ، فرشوا له كل الأرض . ورتلوا له ، حتی داس الناس الناس".
24- ويبدو التأثر الواضع بالنص العربي في العبارة التالية : (...)
وقبل أن يدخلوا تراضوا مع أهل المدينة أن يسيروا أمامهم ليحدثوا ضعفا في النهر السمی پیدراکون".
ص: 258
والملاحظ هنا أن المترجم الحبشي لم يدرك أن اسم النهر أو الترعة هو الثعبان أي دراکون ، أما الباء السابقة للاسم هي حرف الجر في اللغة العربية ، ولكن يبدو أن المترجم الحبشي اعتبرها حرفا أصيلا في الاسم فنقل الكلمة كما هي في النص العربی .
25- ومن العبارات الكثيرة الاستعمال في العربية : حاشا لله ، وتبدو بوضوح في العبارة التالية: (...) : (1)حاشا لله ، أنهم لم يكونوا عبيد المسيح ، بل كانوا يظنون بأفكارهم أنهم هكذا .
وبعد بيان الصلات العربية المصرية وصور من التأثيرات العربية في النص الحبشی تبدو النتائج الآتية ،
أولا : بتضح للباحث من خلال المعلومات القليلة الواردة عن يوحنا النقيوسي في المصادر القدیمة أنه عاش حتي مستهل القرن الثامن الميلادي تقريبا ، اذ أشارت هذه المصادر الى أنه كان في سنة 698م شيخا كبيرا في السن .
ثانیا : يبدو مما سبق أن الصلات بين العرب ومصر لم تكن وليدة الفتح الإسلامي لمصر في القرن السابع الميلادي ، بل سبقت هذا التاريخ بقرون عديدة . ثم إن هذه الصلات لم تقتصر على أعمال التجارة فحسب ، بل تعدت ذلك إلى استقرار بعض من العرب في مصر وباعداد كبيرة وقد اختلط هؤلاء بسكان مصر الأصليين وخلفوا سلالات بشرية تحمل مع ماتحمل من تأثيرات ، التأثيرات العربية الجنسية والثقافية مما يسر من نشر اللغة العربية في مصر خاصة وقد هاجر اليها مع الفتح الإسلامي وبعده بقليل ، خلال القرن الأول الهجري ، قبائل كثيرة من العرب تفرقت في مناطق كثيرة مختلفة من مصر ، هذا فضلا عن أن الحكومة الإسلامية قد حرصت منذ نشأتها على نشر الدين الاسلامی وعلوم الدين في مصر . الأمر الذي لايتأتى إلا معرفة اللغة العربية ، بالإضافة إلى ضرورة تعلم اللغة العربية لسكان مصر لأنها صارت لغة الحاكم . فمن غير المستبعد إذن أن يؤلف یوحنا النقيوسي ، الذي عاش حتى أوائل القرن الثامن الميلادي تقريبا ، مخطوطته باللغة العربية .
ص: 259
ثالثا: يبدو من الإشارات الكثيرة في المصادر العربية الأولى ومن اشارات يوحنا النقیوسی نفسه حسن معاملة العرب المسلمين للأتباط ودخول كثير من الأقباط في الإسلام غداة الفتح حتى انهم ساعدوا القوات الاسلامية في مهامها ، مما يوضح أن اللغة العربية لم تجد صعوبة كبيرة في الانتشار في مصر في وقت مبكر بعد الفتح.
رابعا ، على الرغم من أن معظم المصادر الحديثة تجمع على أن بداية اللغة العربية كلغة رسمية في مصر كانت في خلافة الوليد بن عبد الملك (حوالي سنة 87 ه- 706م) حين أصدر والی مصر ذلك وهو عبد الله بن عبد الله بن مروان (86-90) أوامره بكتابة الدواوين باللغة العربية (1)، بيد أنه قد اكتشفت وثيقة من وثائق الیهودى مكتوبة باليونانية والعربية يرجع تاريخها إلى عام ه22) (2)أي حوالي 65 عاما قبل المحاولة الرسمية لتعريب الدواوين في مصر ، وقد ضربت اللغة العربية منقوشة على النقود أول مرة عام 75م (3)وهناك وثائق بردية كذلك كتبت باليونانية والعربية ترجع إلى نهاية القرن الأول الهجری (4). الأمر الذي يوضح أنه من الصعوبة بمكان تحديد وقت معين لانتشار اللغة في مصر وذلك لقلة الاكتشافات الأثرية التي تؤكد هذا . ومن هنا فإنه من المحتمل أن يكون يوحنا النقیوسی قد ألف مخطوطته باللغة العربية .
خامسا : وبعد ترجمة النص الحبشي إلى اللغة العربية ، والتي راعبت فيها الترجمة الحرفية بالقدر الذي يحافظ على روح النص - وضع التشابه الكبير ، في كثير من الوجوه ، بين لغة النص ولغة النصوص القبطية العربية الأولى في مصر مثل كتب ابن البطريق وساویرس بن المقنع وأبو صالح الأرمني وغيرهم ، وهو ما أوضحته في الهوامش التي ذیلت بها الترجمة ،
ص: 260
وفي هذا الفصل ، فيما يتعلق بتأثيرات النص العربي في النص الحبشي . مما یوضح أنه من غير المستبعد أن يكون نص يوحنا النقيوسي الأصلي بالعربية ، وبعد حينئذ باكورة الانتاج الأدبي العربي على يد الأقباط في مصر .
سادسا : يبدو من خلال صور من التأثيرات العربية في النص الحبشي التي وضعتها أنه من الصعوبة بمكان أن يكون النص العربي ، الناقل عنه المترجم الحبشي ، ترجمة وليس أصلا ، هذا فضلا عن أنه من العسير أن يصل الى القارىء نص مفهوم قد مرت عليه ترجمتان ، إذ لابد أن يعمه الاضطراب وعدم السياق وهو مالا بتضح كثيرا في النص الحالي.
سابعا : لقد أشار مترجم النص الحبشي الى أنه نقل هذا عن العربية . ومن الأرجع ، إذا كان هذا النص العربي الذي نقل عنه ترجمة وليس أصلا ، أن يشير الى ذلك ، لأنه كما اهتم أن يقول لنا أنه الذي ترجم هذا ، كان بالضرورة يقول لنا أنه ترجمة عن الترجمة العربية لنص پوحنا النقیوسي إذا كان النص الناقل عنه ترجمة ، ولا يكتفي بأن يقول عن العربي فقط مما یوحی ، مباشرة الى الذهن ، بان هذا النص الناقل عنه أصل ولیس ترجمة ، هذا فضلا عما يلاحظ في المخطوطات القديمة من أن نساخها یحرصون على أن يذكروا أسمائهم في بداية المخطوطة أو نهايتها فما بالك بالمترجم ، فإنه بالضرورة يهتم بان يذكر اسمه كما فعل مترجم النص الحبشي ، ويستدعي الأمر بالتالى لمن يترجم عنه أن يشير اليه .
ص: 261
1- إن النص الذي قامت عليه الدراسة في النص الحبشي لمخطوطة يوحنا النقيوسي في التاريخ العام وهو ترجمة عن العربية تمت في القرن السابع عشر الميلادي ، وهذا هو النص الوحيد الموجود عن مخطوطة يوحنا النقيوسي التي ألفها في النصف الثاني من القرن السابع المیلادي أو في مستهل القرن الثامن الميلادی تقریبا . وتعالج المخطوطة أحداث العالم منذ الخليقة حتى الفتح العربي الاسلامي لمصر ويبلغ عدد أبوابها مائة واثنين وعشرين بابا ، وقد حظيت مصر باكبر قدر من اهتمام المؤلف حيث لم يترك فرصة يتحدث فيها عن مصر الأ انتهزها ، وعنیت الدراسة الحالية بترجمة كل ما يتصل بمصر من أحداث ، وهي كثيرة ، وبلغت حوالی 80٪ من النص ككل .
والمخطوطة يوحنا النقيوسي أهمية كبيرة تعددت جوانبها ، وأولها الأهمية التاريخية ، إذ تعتبر من أهم المصادر التاريخية التي تناولت في جزء منها أحداث الفتح العربي الاسلامی لمصر ، وذلك لأنها أقدم الروايات التي تحدثت ، وبتفصيل لم تورده المصادر الأخرى ، عن أحداث هذا الفتح ، فضلا عن أنها كشفت الغموض عن بعض الشخصيات المهمة في تاريخ هذا الحدث مثل شخصية المقوقس . ومن هنا فان رواية مخطوطة يوحنا النقيوسي فيما يتصل بالفتح الإسلامي لمصر في المصدر المهم ، الذي بدونه لاتكتمل الصورة لمن يريد الحديث عن هذه الفترة المهمة من تاريخ مصر .
2- وأوردت لنا المخطوطة أسماء بلدان بمواقعها القديمة ودورها في مسار التاريخ وكثير منها قد اندثر الآن ، مما يضيف الى أهميتها التاريخية أهمية جفرانية من حيث إنها تعطي معلومات جغرافیة لها أهميتها فيما يختص بأسماء البلدان والمدن القديمة ومعرفة أخبارها الأولى وأهميتها .
3- وتعتبر المخطوطة وثيقة قيمة احتفظت لنا ببعض التقاليد المحلية حول تاريخ مصر القديم ، فضلا عن إيرادها لأحداث تاريخية مهمة بتفصيلاتها لم توردها الصادر الأخرى ، مثل قصة الصراع بين قوات فوقاس وقوات هرقل على السيطرة على مقاليد الحكم في الامبراطورية البيزنطية والتي كان مبدانها الرئيسي في مصر ، وغير ذلك من الروايات والأحداث التي أشرنا اليها في موضعها ما یضفى أهمية جديدة لمخطوطة يوحنا النقيوسی .
4- ومخطوطة يوحنا النقيوسی ذات أهمية أدبية ولغوية فالنص الوحيد الموجود من هذه المخطوطة هو النص الحبشي الذي تمت ترجمته عن النص العربي ، فكانت فرصة طيبة لدراسة
ص: 262
لغة النص الحبشية في هذا الوقت الذي تمت قیة ترجمة النص الى اللغة الحبشية ، ومعرفة التأثيرات الأجنبية فيه.
- ومن خلال المعلومات القليلة عن يوحنا النقيوسي الواردة في المصادر القبطية الأولى مثل کتاب ساويرس بن المقفع عن سير الأباء البطاركة تتضح شخصيته المهمة والبارزة في الكنيسة المصرية فقد رسمه بطريرك الاسكندرية أغاثون 661-667م) البطريرك التاسع والثلاثون اسقفا على مدينة نقيوس ، وقد لعب دورا كبيرا في أمور الكنيسة المصرية في النصف الثاني من القرن السابع الميلادي في عهد بابوات الاسكندرية يوحنا الثالث 677-686م) البطريرك الأربعون ، واسحق (686-689م) البطريرك الواحد والاربعون ، وسیمون الأول (679-707م) البطريرك الثاني والاربعون حتى أنه كان أحد أهم اثنين من الأساقفة في مصر فقد عين في عهد البابا يوحنا الثالث رئيسا لاساقفة مصر العليا وعين زمیله غريغوريوس اسقف القيس رئيسا لاساقفة مصر السفلي ، ولخبرته بحياة الرهبان سلمه البطريرك سيمون الأول تدبير أديرة وادی هبیب حوالي سنة 694م وكان في ذلك الوقت متقدما في السن . وقد قطع يوحنا النقيوسي من مجمع للأساقفة في سنة 198م لمعاتبته راهبا تعدي على راهبة . ولم ترد بعد هذا أخبار عنه ، ولكن يبدو من كلام ساویرس بن المقفع أنه عاش شي مستهل القرن الثامن الميلادي تقريبا . ولم تذكر المصادر الوقت الذي ألف فيه بوحنا النقیوسی تاريخه .
وقد عاش بوحنا النقیوسي في مصر في ظل حكم عصر الولاة(21-254ه =642-868م) بما يتسم به هذا العصر من تسامح اسلامی مع أهل الذمة على أثر سلسلة الاضطهادات التي أرتبها الأباطرة البيزنطيون على أقباط مصر وخاصة في عهد قیرس المقوقس) الذي كان على رأس السلطتين السياسية والدينية في مصر إبان دخول العرب المسلمين إليها . وقد عاصر يوحنا النقيوسی والی مصر عبد العزيز بن مروان (65-86ه = 605 686م) الذي اشتهر بنزاهته في الحكم وتسامحه مع الرهبان .
من هذا ومن مقدمة المخطوطة ومحتوياتها يبدو الجانب الآخر من شخصية يوحنا النقیوسی، مؤرخا كبيرا ذا معرفة واسعة بأمور عصره ، كما كان جيد الاطلاع على ماكتبه سلفه من أخبار تتعلق بتاريخ القرون الغابرة . ويبدو أن ثقافة يوحنا النقیوسی من جهة وعمله كرجل دين مسيحي من جهة أخرى قد تركا بصماتهما على منهجه في الكتابة التاريخية ، وهو ذات المنهج الذي سار عليه معاصروه من مؤرخي العصور الوسطى ، وقد تميز هذا المنهج بسمات
ص: 264
وأسلوب معين في الكتابة التاريخية . إذ كان من نتائج انتصار المسيحية على الوثنية أن جائت المسيحية بتغيرات في مفاهيم الكتابة التاريخية ورفضت الثقافة الوثنية واعتبرتها من نتاج الشيطان ، كما اعتبرت الكتابات التاريخية الوثنية أقل احتراما من كتابات اليهود الموجودة في العهد القديم ، وصارت العملية التاريخية بالنسبة للمؤرخين المسيحيين الأول جزئا من عملية كونية المشتركون الرئيسيون فیها هما الله والإنسان، وهي بالنسبة لهم ملحمة سماوية تمتد منذ الخليقة حتى الانفصال النهائي بين الخير والشر يوم القيامة . واستهل هذا المنهج المؤرخ أيوزيبيوس في القرن الرابع الميلادي في كتابة تاريخ الكنيسة فكان بمثابة النموذج لمن أتي بعده من المؤرخين ، ومنهم يوحنا النقیوسی ، في كتابه تواريخهم . وواضح فی مخطوطة يوحنا النقیوسی تأثره بالنموذج الذي وضعه ابوزيبيوس في كتابة السالف ، فقد بدأ كتابه بالخليقة من خلال القصة الواردة في العهد القديم ثم الحديث عن العبريين وحياتهم في مصر وخروجهم منها ثم الحديث عن المسيح والمسيحية ومذاهبها وصراعاتها . وقسم روايته التاريخية مثلما قسم ایرزیبیوس روابته إلى وحدات زمنية تطابق كل منها حكم امبراطور أو أسقف مشهور ، وكان خلال كل وحدة زمنية یورد مجموعة من الأحداث ليس بينها في الغالب اتصال . وقد شابه ابوزيبيوس كذلك في نظرته للمسيحيين الأتقياء والمناصرين للمسيح والمسیحية ، إذ خلع الصفات الطيبة على كل من يناصر المسیح والمسيحيين وقد وقف الرب بجانبهم لمنبعهم هذا ، وكان الأمر عكس ذلك بالنسبة لكل من يضطهد المسبح والمسيحيين من الروثنيين والمسيحيين غير الاتقیاء . وتأثر كذلك بالنموذج الذي وضعه أيوزيبيوس للملوك المسيحيين الأتقياء، ذلك النموذج الذي يجمع فيه الملك بين القیصر والبابا ، ويبدو تأثره كذلك بابوزيبيوس فیما ضمنه في روايته التاريخية من دلائل وثائقية مثل الرسائل والخطب والقرارات .
وتبدو كذلك في روايته التاريخية سمات الكتابة في العصور الوسطى للدور الكبير الذي لعبه العنصر الغيبي المتمثل في الشيطان والسحرة وتأثيرهم في سلوك البشر ، ولایراده قصصا كثيرة عن حياة القديسيينHagiography وعن المعجزات التي تمت على أيديهم ، ولعدم قدرته الحياد في نظرته إلى أصحاب العقائد الأخرى .
وقد اعتمد بوحنا النقيوسي في مصادره ، في أجزاء من روايته . على الكتاب المقدس بطريقة مباشرة وغير مباشرة . وفيما يتعلق بالتاريخ المصري القديم فإنه أعتمد على مصادر غامضة دون بذل أي جهد منه لتقصی مقدار الحقيقة منها ، وقد سار على منهج عصره فدون
ص: 263
الأحداث السابقة عليه والخاصة بالتاريخ الرومانی اعتمادا على النقل من المصادر التاريخية السابقة مثل كتابات يوحنا ملالاس ویوحنا الأنطاكی وتیوفان وتیودور الصقلى ویوسيفوس واغاثيوس وبروكوبيوس .
غير أن يوحنا النقيوسی استقل بمنهجه حين وصل الى قصته الرئيسية عن الفتح العربي الاسلامي لمصر والتي كان يرويها بصفته معاصرا للحدث التاريخي وشاهد عيان له ، بيد أن النص في روايته لهذا الحدث التاريخي المهم يبدو فيه شيء من التناقض للوهلة الأولى ، وذلك التدخل المترجم الحبشي في النص الأصلى ليوحنا النقيوسي بحيث أثر في سیاق روايته في بعض مواضع منها وفي تغيير بعض الحقائق المتعلقة بمعاملة العرب المسلمين للأقباط وقت دخولهم مصر وبعد سيطرتهم عليها ، إذ وضع تغير الأسلوب في هذا الجزء عن غيره من أجزاء النص وخاصة تلك التي تعرض فيها الأقباط لأشد ألوان الاضطهاد على أيدي دقلديانوس مثلا، ذلك إذ اقحم المترجم الحبشی عبارات من عنده تدين العرب المسلمين ونبيهم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، وقائد الجيش عمر بن العاص ، وتصور معاملتهم للأقباط بصورة تناقض الحقيقة التي وردت في المصادر الأخرى المسيحية وغير المسيحية ، وهو ما يمكن تفسيره في ضوء موقف الأحباش في الفترة التي تمت فيها الترجمة الحبشبة ومحاولة الأحباش الظهور بمظهر القوة الدافعة عن الأقباط وعن مصالحهم . ولم يدرك هذا كل من زوتنبرج الذي نام بنشر النص كاملا لأول مرة وترجمته إلى اللغة الفرنسية في سنة 1883م ، وتشارلز الذي قام بترجمة نص زوتنبرج المنشور إلى اللغة الانجليزية في سنة 1916م ، وكذلك من نقل عنهما من المؤرخين المحدثين مثل بتلر ، ولم يريدوا أن يتحدثوا عن حقيقة تدخل المترجم الحبشي في النص الأصلى لیوحنا النقیوسی .
6- وبسبب عدم وجود نص لمخطوطة یوحنا النقيوسي إلا الترجمة الحبشية التي تمت فی القرن السابع عشر الميلادي عن العربية ، كما ورد في نهاية النص الحبشي ، وأن الترجمة الحبشية لم تذكر لنا اذا ما كان النص العربي الذي نقلت عنه أصلا أم ترجمة وهذا النص العربي مفقود ، فلم أستطع أنا ولا من سبقني الى دراسة هذه المخطوطة ، الحصول عليه ، لذلك فقد تضاربت آراء الباحثين في اللغة التي كتب بها یوحنا النقيوسی مخطوطته في النصف الثاني من القرن السابع الميلادي أو في مستهل القرن الثامن الميلادي (1)، ولذا عنیت
ص: 264
بمحاولة معرفة اللغة التي كتب بها يوحنا النتیوسی مخطوطته ومحاولة معرفة إذا ما كان النص العربي الذي نقلت عنه الترجمة الحبشية أصلا أم ترجمة . ومن خلال ماتمت به من دراسة لبيان الصلات المستمرة على مر التاريخ بين العرب ومصر من ناحية ، وتوضيح التأثيرات اللغوية العربية ، من وجوه عدة ، في النص الحبشي من ناحية ثانية ، بدا بوضوح احتمال أن يكون النص العربي الذي نقل عنه المترجم الحبشي هو أصل مخطوطة يوحنا النقبوسي وليس ترجمة له ، ومن المحتمل كذلك أن يكون هذا النص العربي هو باكورة الكتابات القبطية العربية في مصر ، وذلك للتشابه الكبير بين أسلوب النص وبين أسلوب الكتابات المسيحية الأخرى في مصر مثل كتابات سعید بن بطريق (ت : 140م ، وغابیوس المنیجی (ت : القرن العاشر الميلادي) ، وساويرس بن المقفع : أواخر القرن العاشر الميلادي ) ، والشيخ المكين بن العميد (ت : 1273م) وغيرهم ممن كتبوا باللغة العربية في مصر وكانت عربیتهم ذات سمات لغوية خاصة ، هذا فضلا عن التشابه الكبير في طريقة عرض الأحداث التاريخية وكتابة أسماء الأعلام والبلدان بين تلك المصادر والنص الحالي ، مثل أسماء الأعلام : فوقا (فوقاس) وموریق (مویقیوس) ، ونقیطا (نقیتاس) وغيرها التي أثبتها في هوامش الترجمة ، وأسماء البلدان مثل بلقا وأطرابلس وغيرها (1)
7- ويبدو أن النص العربي لمخطوطة يوحنا النقیوسی لم یکن منقط ، إذ يتضح هذا من بعض أسماء الأعلام أو البلدان التي أخطأ الناسخ الحبشي في نسخها عن العربية مثل : (...) = أوربا بدلا من أوربا ، و (...)
= نیروس بدلا من بيوس وغير ذلك مما أثبته في هوامش الترجمة الحالية .
8- ونتيجة للاضطراب في بعض أجزاء من النص ، مما يخيم على الأحداث غموضا .
عنيت بعمل دراسة تاريخية تحقیقیة للأحداث التي وجدت أنها في حاجة إلى تحقيق واستعنت على ذلك بالرجوع إلى مصادر كثيرة ، فرجعت تارة إلى المصادر العربية الأولى المسيحية منها وغير المسيحية ، وتارة أخرى رجعت إلى رواية بوحنا النقيوسي نفسه ، هذا فضلا عن استفادت من تعليقات كل من زوتنبرج وتشارلز ، بالإضافة إلى الرجوع إلى مصادر أجنبية وعربية أخرى متخصصة ، وكانت أداتي في ذلك الهوامش التي ذیلت بها الترجمة الحالية .
ص: 265
9- وقد وضح بعد الرجوع إلى المصادر العربية الأولى المسيحية وغير المسيحية تشابهها الكبير فبما أوردته من روايات تاريخية وفي طريقة عرضها للأحداث مع النص الحالي مما یوضح أن مصادر هذه الكتابات كلها كانت واحدة ، وأن ثمة تراثا مشتركا كان متداولا في المنطقة قد نقلت عنه هذه المصادر كلها .
10- وقد أعانتني كثيرا هذه المصادر العربية بما فيها من معاجم ، والتي لم ترجع إليها الترجمتان السابقتان للنص ، في استجلاء غموض كثير من أسماء الأعلام والبلدان ، فضلا عن استخدام اللغة في استجلاء غموض بعض أسماء الأعلام والبلدان التي أخطأ الناسخ الحبشي في نسخها عن العربية ، وقد أثبت هذا في الهوامش أسفل الترجمة . وقد قمت بتحقيق أسماء البلدان والأعلام الشهيرة واستعنت على ذلك ، بالإضافة إلى ما سبق ، بالرجوع إلى المصادر والمعاجم الأجنبية المتخصصة ، وهناك بعض أسماء البلدان والأعلام القليلة لم أستطع معرفتها وتحقیقها وذلك لشدة مالحقها من تصحيف ، ربما حدث هذا بفعل الناسخ الحبشي وسوء نقله عن النص العربي ..
11- وقد تأثر النص الحبشي باللغة الأمهرية وهذا ليس بغريب على مخطوطة كتبت في القرن السابع عشر الميلادي باللغة الجعزية حيث كانت الأمهرية في ذلك الوقت ، بل وقبله بفترة ليست بالقصيرة اللغة المسيطرة في الحبشة من حيث الحديث والكتابة . ويبدو هذا التأثر بوضوح في ورود بعض الكلمات الأمهرية المنقولة بحالها إلى النص مثل كلمة : (...)= النمر ، أور في رسم بعض الكلمات بالحروف الأمهرية. ويتضح هذا التأثر كذلك ، من خلال الدراسة المقابلة الدقيقة بين نسخنى المخطوطة ، في وجود تطور صوتی لحروف الحلق وبعض حروف الصغير ، وذلك لما لاحظته من تبادل بين حروف الحلق أو بين بعض حروف الصفير حتى أن بعض الأصوات قد اندمجت في أصوات أخرى ، ومن ثم قد تلاشت أصوات معينة من اللغة. ونتيجة لهذه المقابلة بين نسختى المخطوطة وضح تلاشى الفروق بين أصوات حروف الحلق (...)وحدوث اضطراب وخلط بينها ما يبدو منه أن النساخ كانوا يتحدثون الأمهرية . ذلك لأن الأمهرية ليس بها تلك الفروق التي كانت بين حروف الخلق في لغة الجعز وتميل الى الحذف، اذ أن أصوات الحروف الحلقية ، باستثناء قد تلاشت تماما منها مما أدى إلى حدوث اضطراب في هجاء اللغة ، هذا بعكس التيجرینيا والتیجرى اللتين تحافظان على ما كان في اللغة الحبشية .
ص: 266
غير أنني لاحظت أن هذا التبادل بين الحروف الحلقية في نسختى المخطوطة لم يكن على درجة واحدة بين هذه الحروف ، اذ وجدت أن التبادل بين (...) و (...)أكثر نسبيا من التبادل بين (...) و (...)أو بين(...)و(...) ولاحظت كذلك أن كل نسخة من النسختين لاتلتزم التزاما دقیقا في نسخ الحروف الحلقية في الكلمة الواحدة إذا ماتكررت هذه الكلمة في النص .
وكما هو الحال في التبادل بين الحروف الحلقیة في أن كلتا النسختين لم تلتزم بكتابة الكلمات بنفس حروفها إذا ماتكررت ، لاحظت هذا أيضا في الكلمات التي تحوي حرف ب أوف وحدث تبادل بينهما . وفي تلك التي تحوي حرف R أو Q وحدث تبادل بينهما. ونظرا لأن الاهتمام بدراسة اللغة الجعزية لم يبدأ الا متاخرا بعد أن صارت لغة أدبية كلاسيكية ، بين القرنين الثالث عشر والسابع عشر الميلاديين ، فإنني لم أستطع أن أحدد الوقت الذي تمت فيه هذه التطورات الصوتيه بين حروف الحلق ، والذي تمت فيه بين بعض حروف الصفير.
12- ونتيجة للمقابلة الدقيقة التي تمت بها بين نسختى المخطوطة لم أجد هناك اختلافات جوهرية بينهما تؤثر في مضمون النص سري تلك التي نتجت عن النساخ ، وقد قمت فقط باحصاء تلك الاختلافات التي تؤثر على دقة الترجمة مع الإشارة إلى الصواب كما أراه وفقا لسیاق الكلام ثم الإشارة إلى ماذكره زوتنبرج في نصه المنشور عن هذه الاختلافات وطريقة تصویبه لها حتى أوضح اتفاني أو اختلافی معه . وقد كانت هناك أخطاء قد صوبها زوتنبرج واتفقت معه فيها مثل :
(...)ن ا/ق76 /ق58/ص أ/ ع2/ س27 .
(...)ن ب /ق14 / ص ب /ع2/ س. 2 - س22
(...)ن أ /ق14 / ص ب /ع2/ س. 2 - س22
وكانت هناك أخطاء صوبها زوتنبرج دون الاشارة الى الاختلاف بين النسختين مثل :
(...)ن أ /ق67/ ص ب / ع1 / س ،4 س5 .
:(...)ن أ/ق. 7/ ص ب / 2ع / س 7س8.
:(...)ن ب/ ق 54/ ص ب /ع6 / س28 .
ص: 267
وهناك تعديلات لزوتنبرج لم اتفق معه فيها مثل :
: +
(...)ن أ / ق 71/ ص أ/36/ س 7. :
(...) /ن ا /ق 14 / ص ت /26/ سر23 ، سا2
(...) نص زوتنبرج / ص39/ ب 30 / س 31.
والصواب هو ما أوردته النسخة (أ)
ومثل :
: (...) ن أ /ق 75/ ص ب /ع34 / س12 .
:(...)ن ب /ق 08/ ص أ/ 12/ 17.
: (...) نص زوتنبرج / ص52/ب51/س 130 ، س131 .
والصواب هو ما أوردته النسخة(ب)
13- وقد راعیت في الترجمة الحالية للنص الحبشى الاهتمام بالحرفية التي لا تؤثر في المعنى المحافظ على روح النص حتى أحاول الوصول ، بقدر المستطاع إلى لغة النص العربی المنفرد بسماته اللغوية العربية في هذه الفترة المبكرة من تاريخها في مصر حين صارت لغة الكتابة للأقباط . هذا بعكس الترجمة الفرنسية للنص التي قام بها زوتنبرج فقد اهتم بنقل المعني على حساب حرفيه النص وروحه ، فضلا عن الأخطاء الكثيرة التي كانت في الترجمة والتي قام تشارلز بتصویبها .
ص: 268
- ابن العمید ، جرجس بن الباس المكين بن أبي المكارم العميد . القبطي ، المتوفي في دمشق سنة 1273م : التاريخ مخطوط رقم 266/123
تاریخ بمكتبة المتحف القبطى بالقاهرة ، تم نسخ هذا المخطوط بید حنا مینا خادم کنیسة انبا بولا بناحية بوش بتوصية واهتمام من الشماس ميخائيل بك شاروبيم في شهر أمشير 1609 للشهداء الموافق الحادي والعشرين من شهر رجب 1310 للهجرة .
- مخطوط رقم 22 س : تاریخ ، مكتبة دير ابو مقار ، تاريخ النسخ 1064 س = 1348م ، احضر لنا
النص الاستاذ / نبیه کامل داود مدرس تاريخ الكنيسة بالكلية الاكليريكية للاقباط الأرثوذكس بالقاهرة.
- یوحنا النقیوسی: تاريخ العالم . باللغة الحبشية ، المخطرطة (أ) ، المكتبة الأهلية الفرنسية ، رقم 164 ،ق 62 الى ق 138.
- یوحنا النقیوسی : تاريخ العالم ، باللغة الحبشية ، المخطوطه (ب) ، مكتبة المتحف البريطاني ، رقم 818 شرقی ، ق 48، (ا) الى ق 102 (ب).
- ابراهيم نصحي:
(1) تاريخ الحضارة المصرية ، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر ، مكتبة مصر بالفجالة ، مجلد 2، قسم 1 .
(2) تاريخ الرومان منذ أقدم العصور حتى سنة 44 ق.م ، الجهاز المركزى للكتب الجامعية والمدرسية والوسائل التعليمية الثانية 1978م، ج2.
3) تاریخ مصر في عصر البطالة ، مكتبة الأنجلو المصرية ، الطبعة الثالثة 1966م.
- ابن الأثير ، أبو الحسن علي بن أبي الكريم محمد بن محمد بن عبد الحكم ابن عبد الواحد الشيباني المعروف بابن الأثير . ت. سنة 630 ه : الكامل في التاريخ ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، الطبعة الثانية 1387 ه - 1967م.
ص: 269
- أحمد زكي بك : قاموس الجغرافيا القديمة ، المطبعة الأميرية ببولاق طبعة أولی، 1317 - 1899م.
- ادوارد جيبون : اضمحلال الامبراطورية الرومانية وسقوطها ، ترجمة محمد على أبو درة . مراجعة أحمد نجيب هاشم ، القاهرة ، ج2 .
- ادواروز : أهرام مصر ، ترجمة مصطفى أحمد عنان ، مراجعة أحمد فخري لجنة البيان العربي 1956م.
- أدولف ارمان : ديانة مصر القديمة ، ترجمة ومراجعة عبد المنعم ابو بکر ، محمد أنور شکری ، مکتبة ومطبعة مصطفی البابی الحلبي وأولاده بمصر .
- اثر کریستنسن : ایران في عهد الساسانيين . ترجمة یحیي الخشاب ، مراجعة عبد الوهاب عزام . مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر . 1957م.
- أسد رستم : الروم وصلاتهم بالعرب ، دار المكشوف ، لبنان ، بيروت ، الطبعة الأولى 1953م.
- السيد عبد العزيز سالم : تاريخ العرب قبل السلام ، مؤسسة شباب الجامعة ، كلية الآداب جامعة الاسكندرية ، ج1 .
- اومان : الإمبراطورية البيزنطية ، تعريب مصطفی طه پدر ، دار الفكر العربی 1953 م.
- ایدریس بل. ه. ایدریس بال : مصر من الاسكندر الأكبر حتى الفتح العربي ، ترجمة عبد اللطيف
أحمد على ومحمد عواد حسین ، مكتبة النهضة المصرية ، القاهرة ،1954م.
- باهور حبيب : المقونس أو سيرس الروماني ودوره ، دراسات عن ابن عبد الحكم ، الهيئة المصرية العامة للكتاب . القاهرة 1395 - 1975م.
- بتلر ، الفرد . ج. بتلر : فتح العرب لمصر ، مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة ، 1351 ه - 1933م.
- بديع محمد جمعه : العلاقات المصرية الإيرانية في عهد داریوش الكبير 522-486 ق.م ، مجلة
الشرق الأوسط ، یصدرها مركز بحوث الشرق الأوسط بجامعة عين شمس ، العدد الثالث ، 1976م.
- البستانی ، بطرس البستانی : کتاب دائرة المعارف ، دائرة المعارف بیروت 1882م - المجلد السادس . مادة : الجفر .
- ابن بطريق ، أفیتشيوس المكني سعيد بن بطريق . ت 328ه : كتاب التاريخ المجموع على التحقيق والتصديق ، مطبعة الآباء اليسوعيين ، بیروت 1905م.
ص: 270
- البلاشري ، أحمد بن جهجا بن جابر . ت 279ه : فتوح البدان ، نشرة صلاح الدين المنجد ، مکتبة
النهضة المصرية .
- ہوانه بل : قاموس جغرافي للقطر المصري ، مطبعة بولاق ، 1899م.
- ابن تغری بردی ، جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن تغری بردی الأتابکی ، النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ، طبعة مصورة عن طبعة دار الكتب و المؤسسة المصرية العامة للتألیف والترجمة والطباعة والنشر، ج1 .
- جرجی زیدان : خلاصة تارية اليونان والرومان ، مطبعةالهلاك ، مصر 1897م.
- جواد على : الفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ، دار العلم للملايين ، بيروت ، مكتبة النهضة ، بغداد ، الطبعة الثانية 1977م، ج2 .
- حسن إبراهيم حسن : تاريخ الاسلام السياسي والديني والاجتماعي ، مكتبة النهضة المصرية ، الطبعة الثالثة ، 1953م ج1 .
- حسن حبشي : رحلة طاغور في عالم القرن الخامس عشر ، مترجم، دار المعارف 1968م. . - حسن ظاظا : كلام العرب ، دار المعارف بمصر ، 1971م .
- الحبمی حسن بن أحمد : سيرة الحبشة .تحقیق مراد کامل ، مطبعة دار العالم العربي ، الطبعة الثانية .
- ابن خلدون ، عبد الرحمن بن خلدون المغري. ت808 ه : الجزء الأول من كتاب العبر وديوان المبتدا والخبر في أيام العرب والعجم والبربر . ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر ، مطبعة الكشاف ، پېروت .
- رموف شلبي : أضواء على المسيحية ، منشورات المكتبة العصرية ، صیدا ، بيروت ، 1975م.
- زاهر ریاض : مصر وأفريقیا ، مكتبة الأنجلو المصرية ، الطبعة الأولى 1976م.
- سباتينو موسکاتی : الحضارات السامية القديمة ، ترجمة السبد بعقرب بكر ، دار الكاتب العربي .
- سعد زغلول عبد الحميد : تاريخ المغرب العربي من الفتح العربي حتى قيام دولة الأغالبة والرستمیين والادارسة دار المعارف 1964م.
- سعید عاشور : أوربا العصور الوسطى ، مكتبة الأنجلو المصرية ، الطبعة السادسة 1975.
- سليم حسن : مصر القديمة ، مطابع دار الكتاب العرب ، ج 13 .
سليم سليمان : مختصر تاريخ الأمة القبطية في عصرى الوثنية والمسيحية ، القاهرة 1914م ، ج1 .
ص: 271
- سليمان بن خليل بن بطرس جاویش : التحفة السنية في تاريخ القسطنطينية - المكتبة العمومية .
بیروت 887.
. - سمالی ، بیریل سالي : المؤرخون في العصور الوسطى ، ترجمة قاسم عبده قاسم ، دار المعارف ، 1978م.
- سیده اسماعیل کاشف :
(1) مصر في عصر الولاة ، مكتبة النهضة المصرية سلسلة الألف كتاب (241) .
(2) مصر في فجر الإسلام ، دار الفكر العربی 1947م.
(3) المنهج التاريخي لابن عبد الحكم . دراسات عن ابن عبد الحكم ، الهيئة المصرية العامة للكتاب . القاهرة 1395ه - 1975م.
- السنكسار العربی الیعقوبي . نشرة باسبت .
- السيوطي . جلال الدين عبد الرحمن السيوطي : حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة ، مطبعة ادارة الوطن . مصر 1399 .
- أبو صالح الأرمني : كنائس ودیارات مصر : نشرة ايفنس ، اکسفورد ، 1895م.
- الطبري ، أبو جعفر محمد بن جرير الطبری ت : 310ه : تاريخ الرسل والملوك . نشرة .. LUJGD, BAT.EJ. BRILL ,)) !! ,.M 1879 - 1881 و القسم الأول . ج1 .
- بن ظهيره الفضائل الباهرة في محاسن مصر والقاهرة ، تحقیق مصطفى السقا . كامل المهندس ، طبعة دار الكتب 1969م.
- ابن عبد الحكم ، أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الحكم : فترح مصر والمغرب , تحقیق عبد المنعم عامر .
لجنة البيان العربي . 1961م.
- عبد الرحمن أيوب : أصوات اللغة ، مطبعة دار التأليف ، مصر 1963م.
- عبد العزيز الدالي: البرديات العربية في مصر دراسة لغوية ، قسم اللغة العربية ، كلية الآداب
بجامعة القاهرة ، رسالة دكتوراة (مخطوط).
- عبد العزيز صالح :
(1) الشرق الأدنى القديم ، الهيئة العامة لشئون المطابع الاميرية ، 1967م.
ص: 272
(2) الشرق الأدنى القديم ، مكتبة الأنجلو المصرية ، طبعة ثانية .1976 ، ج1 .
- عبد المسبع محمد أحمد : : قوانين الملوك ، قسم الدراسات الشرقية ، مطبعة
جامعة القاهرة . 1965م.
- عبد اللطبف أحمد على: مصر والامبراطورية الرومانية في ضوء الأوراق البردية ، مكتبة النهضة
المصرية .1960م.
- عبد الله خورشيد : القبائل العربية في مصر في القرون الثلاثة الأولى للهجرة ، دار الكاتب العربي
للطباعة والنشر ، 1967م.
- عبد الوهاب عزام ، مهد العرب ، دار المعارف للطباعة والنشر ، سلسلة اقرأ ، رقم 40، 1946م. - على حسن الخربوطلي : مصر العربية الإسلامية ، مكتبة الأنجلو المصرية ، 1963م.
- على الغمراوي : مدخل إلى دراسة التاريخ الأوربي الوسيط . مكتبة سعبد رأفت ، الطبعة الثانية . القاهرة 1977م.
. على باشا مبارك ، الخطط التوفیقیة . طبع بولاق .1305 د 1888)م، ج2 .
- عمر طوسون : أطلس تاریخي لأسفل الأرض (الوجه البحرى) من القرن الأول الهجري (السابع
الميلادي، الى سنة 1353 (1934م).
- عمر كمال توفيق : تاريخ الامبراطورية البيزنطية ، دار المعارف 1967م.)
- أبو الفدا ، الملك المزيد عماد الدين إسماعيل أبو الفدا : المختصر في أخبار البشر ، دار المعرفة ، بیروت .م1.
- فشر . ه . أ. ل. فشر : تاريخ أوربا العصور الوسطى و ترجمة محمد مصطفی زیادة . السيد الباز العريني ، دار المعارف ، الطبعة الخامسة .
- فندريس ، ج. فندريس : اللغة ، تعریب عبد الحميد الدواخلی ، محمد القصاص - مكتبة الأنجلو المصرية ، مطبعة لجنة البيان العربي ، 1950م.
- فبايب عني:
(1) تاريخ العرب (مطول) ، دار الكشاف للنشر والطباعة والتوزيع ، 1949م، ج1 .
(2) تاريخ سورية ولبنان وفلسطين ، ترجمة جورج حداد - عبد المنعم رافق ، اشراف جبرائیل جبور ، دار الثقافة ، ہیروت .
ص: 273
- قاسم عبده قاسم:
(1) النيل والمجتمع المصري في عصر سلاطين الملوك ، دار المعارف ، طبعة أولى ، 1978م.
(2) أهل الذمة في مصر العصور الوسطى ، دار المعارف ، طبعة ثانية 1979م.
- قاموس الكتاب المقدس : نخبة من الأساتذة ذوي الاختصاص ومن اللاهوتبين ، مكتبة الشعل
الانجيلية، بيروت 1964م.
- القلقشندى : أبو العباس أحمد بن على القلقشندی :
(1) صبح الأعشى ، دار الكتب الخديوية ، طبع بالمطبعة الامبرية بالقاهرة . 331ه ، 1913م . ج2 .
(2) صبح الأعشى في صناعة الأنشا ، نسخة مصورة عن الطبعة الأميرية ومذيلة بتصويبات واستدراكات وفهارس تفصيلية مع دراسة وافية ، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر ، ج 3.
- کارل بروکلمان : تاريخ الشعوب الإسلامية ، العرب والامبراطورية العربية ، ترجمة امين فارس ، منبر المعلبکی ، دار الملايين ، بيروت ، طبعة أولى 1948م.
- لجنة التاريخ القبطی : تاريخ الأمة القبطية ، الحلقة الثانية ، خلاصة تاريخ المسيحية في مصر ، الطبعة الحديثة ، القاهرة 1932 .
- محمد أبو زهرة : محاضرات في النصرانية ، دار الفكر العربي ، الطبعة الرابعة ، 1972م.
- محمد رمزى : القاموس الجغراني للبلاد المصرية من عهد قدماء المصريين إلى سنة 1945 ، مطبعة دار الكتب المصرية .1953-1954م.
- محمد شفيق غربال : الموسوعة العربية الميسرة . اشراف ، دار القلم ومؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر . القاهرة ، 1965م.
- محمد صقر خفاجة ، أحمد بدوي : هردوت يتحدث عن مصر ، دار القلم 1966م.
- محمد عوض محمد ، نهر النيل . مكتبة النهضة المصرية ، الطبعة الخامسة ، 1962م.
- محمد كامل حسين : في الأدب المصرى الاسلامي ، من الفتح الإسلامي إلى دخول الفاطميين ، م. الاعتماد .
- محمد مختار باشا : كتاب التوفيقات الإلهامية في مقارنة التواريخ الهجرية بالسنين الأفرنكبة
والنبطية ، الطبعة الأميرية بیولاق مصر المحمية ، الطبعة الأولى .1311 .
ص: 274
- محمود السقا : معالم تاريخ القانون المصرى الفرعوني ، مكتبة القاهرة الحديثة ، طبعة أولى ،
1970م.
- مراد کامل :
(1) من دقلديانوس إلى دخول العرب ، تاريخ الحضارة المصرية - العصر اليوناني والروماني والعصر الإسلامي ، وزارة الثقافة والإرشاد القومي ، مكتبة مصر بالفجالة ، المجلد الثاني ، القسم الأول .
(2) حضارة مصر في العصر القبطي ، مطبعة دار العالم العربي .
(3) کتاب الرهبنة القبطية و الرسالة الثالثة ، جمعية مارمينا العجايبي بالاسكندرية 22 مایو 1948م.
- مرقس سبكة :
(1) دليل المتحف القبطى وأهم الكنائس والأديرة الأثرية ، المطبعة الأميرية بالقاهرة ، 1930م ، ج1.
(2) ملخص مخطوط الكنائس والدبارة لأبي المكارم . ألف في 925 ش .1209م ، نشرة جرجس فيلوثاوس ، عوض بدليل المتحف القبطى ، 1932م . ج2 .
- مصطفى العبادی ، ابن عبد الحكم ومصر عند الفتح العمري ، دراسات عن ابن عبد الحكم ، الهیئة المصرية العامة للكتاب ، 1975م.
- المقريزي تقي الدين أحمد بن على المقریزی ت : 845ه : -
(1) البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب ، مع دراسات في تاريخ العريبة في وادي النيل .
تحقیق و تألبنى عبد المجيد عابدین ، عالم الكتب ، القاهرة ، الطبعة الأولى 1961م.
(2) المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار ، طبعة بولاق 1270ه.
- ابن المقفع ، ساويرس بن المقفع أسقف الأشمونين : سير الآباء البطاركة ، نشرة سيبولد .
- مليكه حبيب يوسف : الشهيدان ابادير وأخته ایرانی امور من جهاد الشهداء من المخطوطات القبطية الأثرية ، مطبعة الكونك ، 1970م.
- المنجد في اللغة والأعلام المكتبة الشرقية ، دار المشرق بيروت ، الطبعة الحادية والعشرون -
- ابن منظور : لسان العرب ، تحقيق عبد الله على الكبير ، محمد أحمد حسب الله ، هاشم محمد الشاذلي ، دار المعارف .
ص: 275
- موهوب بن منصور بن مفرج الاسكندراني الشماس : تاريخ بطاركة الكنيسة المصرية المعروف بسير البيعة المقدسة لساويرس بن المقفع أسقف الأشمونين ، نشر : بس عبد المسيح ، عزیز سوریال عطية ، اسولد پر مستر ، طبع مطبوعات جمعية الآثار القبطية ، القاهرة 1959م 2، ج3.
- انباء ميخائيل ، أسقف تنیس : تاريخ بطاركة الكنيسة المصرية ، نشرة جمعية الآثار القبطية ، المجلد الثاني.
- نورمان بینز : الأمبراطورية البيزنطية ، ترجمة حسين مؤنس ، محمد یوسف زاید ، لجنة التأليف
والترجمة والنشر ، القاهرة .1950م.
- النويری ، شهاب الدين أحمد بن عبد الرهاب النویری . ت : 833 ه: نهاية الأرب في فنون الأدب ، مطبعة دار الكتب المصرية ، القاهرة ،1374 - 1955م ، السفر السادس عشر .
- ول ديورانت : قصة الحضارة ، ترجمة محمد بدران . الإدارة الثقافية في جامعة الدول العربية ، الطبعة الثالثة 1973م، ج2 .
- ولیم نظير الثورة النباتية عند قدماء المصريين ، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر ، 1970م. - ه
. هس ج.م هس : العالم البيزنطي ، ترجمة وتقديم وتعليق رأفت عبد الحميد ، طبعة أولي 1977م.
- یاقوت الحموی ، شهاب الدین ابن عبد الله یاقوت بن عبد الله الحموی الرومي البغدادی ، معجم البلدان، دار صادر للطباعة والنشر : بيروت.
ص: 276
Agapius, (Mahboub) De Menbidj: Kitab Al-Unvan, Histoire Universelle, Editcé et tra
Juite en Francais par Alexandru Vasiliev, patologia orientalis, Firiin Didot cl (ic, Im pricineurs - editeurs, Allemagne et Autriche, Ilangrie, Paris, 1910.
- Ainelineau : La Géogratie de L'Egypte a l'epoquc Copte, Imprimerie Nauonale, Par. is, Mdcccxciil.
• Antoine D'Abbadic : Catalogue de Manuscrits Ethiopinen.
- Aziz S. Alya: A llistory of Lestern Christianity Methuen COL'ID, London,
- Bury. J.B. Bury: llistory of the latcr Roinut liinpire, Macmillon:ud Co., Limited, London, 1923.
- Clumpllion: 1.ligypte Sour Les Partxans, Description (augmphique, Tonc deuxieinc.
Paris, 1814.
Chưles, B.II, Chules: The Chronicle of John, bishop of Nikiu, Willians Norgatc.
London. 1916.
- Colin Luiblicid: The Essential Eussebius, Ainentor Omega books, New American Lj. brary, New York and Toronto, The New English Library Limited, London,
- David Matcw: Ethiopia. The study of a polity. Eyrc Spottswoode, London.
- Dillmann, Chr. Fr. Augusti Dillmann:
1- Chrestomthia Aethiopica. Berlini Akademic-Verlag, Seconda Editio-Stercotypa,
MCML.
2- Ethiopic Grammar, Second edition englarged and improved (1899) by carl Bezold, Translated by JAMES A. Crichton, Williams Norgate, London, 1907.
3. Lexicon Linguae Actiopicac, Frederick Ungar publishing Co., York, 1955.
- Drouin, Ed, Drouin : Deux Chroni ques Ethiopiennes Le Muscon, 3, 1884.
- Edward Ullendorf: The Semitic Languages of Ethiopia, A Comparative Phonology,
ص: 277
London, Toylar's (Forcign) parcss.
- The Encyclopacdia of Islun : A dictionary of the Geography Ethnography and Biog raphy of the Mohammadon Peoples, cuited by M. TII. lloutsinat, AJ. Wensinck, T.W. Ar nold, W. Heffening and E. Leviprovencal. Leyden, London, 1927.
- Encyclopacdia Judaica Jerusalem Copyright, Keter Publishing House Jerusalem L'ID. Jerusalem, Israel. 1972, Volume II.
- Eugen Mittwoch: Die Traditionelle Aussprache des Athiopischen, Verlag von Walter de Gruyter Co., Berlin und Leipzig, 1926.
- Chirshman, R. Chirshman : Iran From the earlist times to the Islanic Conquest, Pen
guin Books
- Coxcxdchild, R. Goodchild : Byzantines, Berbers and Arabs in Seventh Century Libya,
(from Antiquityxli, 1967).
LT
- (iral, Gcorg Grat: Geschichte der Christlichen Arabischen Literatur, Gilla del Val icium Biblioteca Apostolica Vaticna Muxliv Erster Dand. pp. 470.472.
lurry Elmer Banics; A history of Ilistorical Writiny. Dover l'ublications loc, New York, 1937.
- Joncs, A.II.M. Joncs : Constantine und thc Conversion of Europe, Penguin, 1972.
- Manuscrits Orientaux : Catdoguc des Manuscrits Ethiopicas (Checz, ct Ainhariyue) de la Bibliothéque Nationale. Imprimerie Nationale. 1877.
- Munier. H.: Recueil des listes Episcopaks de L'eglise Copte. Le Cairo, 1943.
- The New Encyclopaedia Britanica, William Benton, 1945-1973, Helen Hemingway, 1973-1974.
- Norman F. Cantor: The Medieval History, 2nd ed. Macmillon, New York, 1969.
- Oxford Clessical Dictionary, cdited by M. Cary and others. At the Clarendon Press, Oxford 1949.
- Porcher. E. Porcher : Vie d'Isaac, Patriarche d' Alexandrie de 688 - 689, Ecrite Par Mina Eveque dc Pchati, Texte Copte et Traduction Francais, R. Graffin, Patrologia Orien
talis, Paris, 1915.
ص: 278
- Praictorius, F. Praetorius : Athiopische Granmatik, Karlsruhe und Leipzig, II. Reuther, London, New York, Puris, 1886.
- Quctremere: Mémoires Gcographiques Contreés Voisines, F. Schnell Libraire, Tome Premier. Paris 1811.
• Robinson: Allistory of Israel, Oxford, 1934, Vol. I.
- Abu Sallih the Armenian, cd and trans. by evcits Oxford At the Clarendon Press, 1895.
- Severe Ibn Al-Meqalta, llist. des Cenciles, ed. tmdu du Tex. Arab. par Lleroy, 1917,
Second livre.
- The Shorter Oxford English Dictionary, Third edition, 1959, An Cacsarcan, Cacsarian.
The Standard Jewish lincyclopedia, Cal Koth, editor, Massapah Publishing Company
Jenisaloin, 1966.
- 1.1: Webb :Lives of the saints, Penguin books, 1970.
. Woli Leslau : Current Trends in Linguistics, edited by Thomas A. Schcok, Vol. 6. Lin. guistics in South West Asia and North Africa, Mouton, The Tlaguc. Paris, 1970.
• The Works of l'lavius Josephus, Translated by Willian Whiston, Baker Book Ilouse.
Grand Rapids, Michigan, 1974, Volunc, I.
- Wright. W. Wright: Catalogue of Ethiopic Manuscripts in the British Museum. 1877.
- Zotenberg, 11. Zotenberg:
1. Chronique de Jcan, Eveque de Nikiou, Texte Euriopien, publé et traduit, linprimneric
Nationale. Paris, MdccclxxxIII.
2. Memoire sur la Chronique byzantine de Jean, eveque de Nikiou. Journal Asiatique, 7 sér. 10 (1877) 45-517; 12 (1878) 245 - 347 : 13 (1879) 291-386, Auszuge.
ص: 279
ص: 280
الموضوع الصفحه
تقديم : بقلم الدكتور قاسم عبده قاسم... 3
المقدمة ... 5
الباب الأول
الفصل الأول : يوحنا النقيوسى وعصره ... 21
الفصل الثاني : منهج يوحنا النقيوسي في الكتابة التاريخية ...29
الباب الثاني
مصر فی مخطوطه یوحنا النقیوسی ... 41
الباب الثالث
لغة النص الأصلية ...229
الخاتمه ...263
المراجع ...271
ص: 281
ص: 282
رقم الإيداع 16852 /99
الترقيم الدولى 9 - 024 - 322 - 977 .LS.B.N
مطابع زمزم ت: 7952362 - 7950694
53 شارع نوبار - باب اللوق
ص: 283
(...)
د. عمر صابر عبد الجليل
تاريخ مصر ليوحنا النقيوسي
رؤية قبطية للفتح الإسلامي
الصورة
للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية
FOR HUMAN AND SOCIAL STUDIES
ص: 284