الألفاظ الغريبة في نهج البلاغة عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر أنموذجا

هوية الکتاب

الألفاظ الغريبة في نهج البلاغة عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر أنموذجا

رقم الإيداع في دار الكتب العراقية 4209 لسنة 2017

سلسلة دراسات في عهد الإمام

علی (علیه السلام) لمالك الأشتر(رضی الله عنه)

وحدة الدراسات اللغوية (29)

الألفاظ الغريبة في نهج البلاغة

عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر أنموذجا

تأليف

أ. م. د. وفاء عباس فياض

اِصْدَارْ

مؤسسة علوم نهج البلاغة

العتبة الحسينية المقدسة

جميع الحقوق محفوظة

العتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى

1439ه - 2017م

العراق - كربلاء المقدسة -مجاور مقام علي الأكبر عليه السلام

مؤسسة علوم نهج البلاغة

هاتف: 07728243600 - 07815016633

الموقع الألكتروني: www.inahj.org

الإيميل: Info@ Inahj.org

ص: 1

اشارة

رقم الإيداع في دار الكتب العراقية 4209 لسنة 2017

ص: 2

سلسلة دراسات في عهد الإمام

علی (علیه السلام) لمالك الأشتر(رضی الله عنه)

وحدة الدراسات اللغوية (29)

الألفاظ الغريبة في نهج البلاغة

عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر أنموذجا

تأليف

أ. م. د. وفاء عباس فياض

اِصْدَارْ

مؤسسة علوم نهج البلاغة

العتبة الحسينية المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة

العتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى

1439ه - 2017م

العراق - كربلاء المقدسة -مجاور مقام علي الأكبر عليه السلام

مؤسسة علوم نهج البلاغة

هاتف: 07728243600 - 07815016633

الموقع الألكتروني: www.inahj.org

الإيميل: Info@ Inahj.org

تنویه:

إن الأفکار والآراء المذکورۃ فی هدا الکتاب تعبر عن وجهة نظر کاتبها،و لا

تعبر بالضرورۃ عن وجهة نظر العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 4

الإهداء:

إلى صاحب العهد سيّدي ومولايّ

(عليه السلام) .

إلى المُنتَظِر لتطبيق العهد سيّدي ومولايّ

(عجَّل الله فرجه) .

ص: 5

قال الخليل بن أحمد الفراهيدي وقد سُئل عن علي

عليه السلام):

((احتياج الكل إليه واستغنائه عن الكل دليل على

أنه إمام الكل.)) صدق الخليل.

المسترشد: محمد بن جرير الطبري 1/ 423.

******

يقول جورج جرداق:

(( إنَّ لعلي بن أبي طالب في حقوق الإنسان أصولاً وآراء، تمتد لها في الأرض جذور وتعلو لها فروع)).

علي وحقوق الإنسان/ 105

ص: 6

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مقدمة المؤسسة

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء با قدم من عموم نعم ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد وآله

الطاهرین.

أما بعد:

فإن من أبرز الحقائق التي ارتبطت بالعترة النبوية هي حقيقة الملازمة بين النص القرآني والنص النبوي ونصوص الأئمة المعصومين (علیهم السلام).

وإنَّ خير ما يُرجع إليه في المصادیق لَحدیث الثقلين «كِتَابَ اَللَّهِ وَ عِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي» هو صلاحية النص القرآني لكل الأزمنة متلازماً مع صلاحيّة النصوص الشريفة للعترة النبوية لكل الأزمنة.

ص: 7

وما كتاب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) لمالك الأشتر (رضی الله عنه ) إلا أنموذجٌ واحدٌ من بين المئات التي زخرت بها المكتبة الإسلامية التي اكتنزت في متونها الكثير من الحقول المعرفية مظهرة بذلك احتياج الإنسان إلى نصوص الثقلين في كل الأزمنة.

من هنا:

ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تخصص حقلاً معرفياً ضمن نتاجها المعرفي التخصصي في حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) وفكره، متخذة من عهده الشريف إلى مالك الأشتر ( رحمه الله ) مادة خصبة للعلوم الإنسانية التي هي أشرف العلوم ومدار بناء الإنسان وإصلاح متعلقاته الحياتية وذلك ضمن سلسلة بحثية علمية والموسومة ب(سلسلة دراسات في عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك

ص: 8

الأشتر ( رحمه الله )، التي يتم إصدارها بإذن الله تباعاً حرصاً منها على إثراء المكتبة الإسلامية والمكتبة

الإنسانية بتلك الدراسات العلمية التي تهدف إلى بيان أثر هذه النصوص في بناء الإنسان والمجتمع والدولة متلازمة مع هدف القرآن الكريم في إقامة نظام الحياة الآمنة المفعمة بالخير والعطاء والعيش بحرية وكرامة.

وكان البحث الموسوم ب(الألفاظ الغريبة في نهج البلاغة عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر أنموذجاً) الذي اشتمل على توضيح الألفاظ الغريبة الواردة في العهد الشريف، وكذلك بيان الأفعال فيها وما جاء منها غريباً، واشتمل أيضاً الغريب من ألفاظ المصادر والمشتقات التي استعملها الإمام عليه السلام لبيان مقاصده في العهد الشريف وكيف وضعها في مواطنها داخل العهد.

ص: 9

فجزی الله الباحثة خیر الجزاء فقد بذلت جهدها

وعلى الله أجرها، والحمد لله رب العالمين.

رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

السيد نبيل الحسني الكربلائي

رییس مٶسسه نهج البلاغة

ص: 10

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله الغر الميامين الطيبين الطاهرين. أما بعد: فيعد کلام أمير المؤمنين وسيد الوصييّن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) قمة في الفصاحة والبلاغة بعد كلام سيّد الأنبياء والمرسلين النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويعد كتاب ( نهج البلاغة ) من أمهات الكتب التي تضمنت أروع الكلام وأفصح لغة السيد البلغاء والمتكلمين، وهو في الفصاحة والبلاغة يكون في المرتبة الثانية بعد كتاب الله عزَّ وجلَّ القرآن الكريم وكلام صاحبه دون کلام الخالق وفوق کلام

ص: 11

المخلوقين. وكتاب (نهج البلاغة) الموروث التاريخي الوحيد الذي أثِرَ عن الإمام علي (عليه السلام) والمدوّنة المكتوبة التي جاءت عنه، ومما لا ريب فيه أن كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) هو كلام دون کلام الخالق وفوق كلام المخلوقين کما مرّ سابقا.

وكتاب (نهج البلاغة) عبارة عن مجموعة

من الخطب والحكم والمواعظ والرسائل والكتب والعهود والمواثيق التي قالها الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وجمعها الشريف الرضي (ت 406ه)، وعليه شروحات كثيرة ومستفيضة تناولته بأبعاد كثيرة منها تاريخية واجتماعية وسياسية واقتصادية وغيرها وأفاض فيها أصحابها الحديث عنها وتتبعوها كلمة كلمة؛ وعلى الرغم من كل هذه الجهود إلا أننا نجد أن هنالك كما هائلا من غريب الألفاظ قد وقع فيه لذا نجد الحاجة ضرورية للوقوف على دلالة بعض الألفاظ الغريبة

ص: 12

التي وردت في تلكم الخطب أو الرسائل، وسيكون عهد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) لمالك الأشتر أنموذجا تطبيقيا لذلك. وعملنا هذا يُعدُّ خطوة من خطوات الدراسة اللغوية، يدخل- بقدر کبیر تحت عنوان الدراسة الدلالية للألفاظ.

وعهد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) الواليه مالك الأشتر ( رضي الله عنه) واحد من أهم الكتب الرائعة التي كتبت في ذلك الوقت واختصرت الزمن؛ لما يتضمنه هذا العهد من مضامين سياسية واجتماعية واقتصادية وأخلاقية وغيرها من المضامين الروحية العالية التي نحن بأمس الحاجة إليها اليوم؛ لأنها تمثل وثيقة تاريخية ودستورية ينبغي الرجوع إليها في حكم البلاد والعباد إلا أننا نترك الحديث عن هذه الزوايا والجوانب المشرقة لنخوض في غار حديث آخر عنه يتناول الألفاظ الغريبة فيه للوقوف على دلالتها وبيان معانيها.

ص: 13

وتتناول الدراسة ألفاظ الغريب التي وردت في عهد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) لمالك الأشتر (رضوان الله عليه)، وستكون مقسمة على تمھیديقع على قسمين يتناول الأول: مضامين عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر النخعي (رضوان الله عليه)، ويسلط القسم الثاني الضوء على معنى الغريب لغة واصطلاحا وحركة التأليف فيه، وأوائل من ألفوا في هذا الجانب، ويتبعه ثلاثة مباحث يتناول المبحث الأول الغريب في نهج البلاغة، ويتناول الثاني الغريب في العهد من الأفعال، ويتناول المبحث الثالث الغريب في العهد من المصادر والمشتقات، ويتناول المبحث الرابع الغريب في العهد من الجموع، وتنتهي الدراسة بخاتمة تعرض فيها أهم النتائج وتسبق ذلك كله مقدمة نذكر فيها سبب اختيار

الموضوع، وبيان مباحثه ومصادره.

أما المصادر التي نستقي وننهل منها هذه الدراسة

ص: 14

فقد تنوعت بتنوع المادة التي تعرض لها فهناك كتب اللغة والمعجبات وكتب الغريب وكتب النحو والبلاغة وشروح النهج فضلا عن البحوث المتعلقة بنهج البلاغة عموما وبعهد مالك الأشتر (رضوان الله عليه) خصوصا وغيرها مما يتطلبه البحث.

وختاما أوجه خالص شكري وامتناني لمؤسسة علوم نهج البلاغة التابعة للعتبة الحسينية المقدسة المبادرتها الكريمة في اختيارها هذه الدراسة وتكفلها طباعتها سائلة المولى القدير أن يحفظ الجميع لما فيه مرضاته تبارك وتعالى ولما فيه خدمة أهل البيت (عليهم السلام).

وأخيراً أرجو أن يكون عملي هذا خالصا لله تعالى، وخدمة متواضعة أقدّمها إلى أهل بيت النبوة (عليهم السلام)؛ لعلها تكون لنا سبيلا على طريق نجاةٍ إنه نعم المولى ونعم النصیر.

ص: 15

التمهيد:

أولاً: مضامين كتاب الإمام علي (عليه

السلام لمالك الأشتر النخعي (رضوان الله عليه )

إن المتأمل في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) في الكتاب الذي كتبه إلى مالك الأشتر (رضوان الله عليه) لما ولاه على مصر وأعمالها حين اضطرب أمر أميرها محمد بن أبي بكر وهو (( أطول عهد کتبه وأجمعه للمحاسن))(1)کا وصفه الشريف الرضي يجد المتعة والفائدة المرجوة في كونها (( توجيهاً لأحد

ص: 16


1- نهج البلاغة 436، شرح نهج البلاغة 30/17 ، بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة 8/ 474.

ولاته في ممارسة ما عُهِد إليه من الأمور، حرصاً على سلامة سلوكه ومواقفه كمسؤولٍ اجتماعيّ، أو كإنسانٍ مسلم. وهذا ما جعل هذه الوثيقة من أهمّ المصادر التي تُستسقى منها المبادئ التي تُنير طريق الولاة في إدارة ما تَولَّوه، في كلَّ زمان، وفي كلّ مکان))(1)ولذلك يعتبر ((أفضل نموذجٍ لتأسيس حكمٍ إسلاميٍّ عادل، أو للسير نحوه، هو نظام الحكم الذي أسسه النبيّ (صلى الله عليه وآله) في المدينة، والذي بني عليه الإمام عليٌّ (عليه السلام) حکمه. ومن اليقين أنّ مشروع عهد الإمام إلى مالك الأشتر يستطيع أن يشمل الواقع من کلّ نواحيه، حيث هو دستورٌ للحكم العَلَوي في أتمّ النصوص عَرضاً لصورةٍ واضحة للحكم الإسلامي. أضِفْ إلى ذلك أنّ التعابير والمسائل المطروحة في العهد هذا جاءت بصورة لا تتقيّد بزمانٍ دون زمان، ولا بمكانٍ

ص: 17


1- عهد الإمام علي إلى مالك الأشتر: علي الأنصاري.

دون مکان، فالعهد يتحدّث حول حقائق ومفاهيم يصبو إلى تحقيقها كل الأجيال في كلّ مكان.(1) بمعنى أنه يتخطى عامل الزمان والمكان في كل بقاع المعمورة؛ فالكل بحاجة إلى تطبيقه بغض النظر عن الطائفة أو المذهب أو العقيدة.

وفي الحق فإن هنالك دراسات كثيرة ظهرت في هذا العهد، ولعل من أبرزها عهد الإمام عليّ إلى مالك الأشتر لمؤلفه علي الأنصاري الذي يعتبر

الأروع في تناوله لهذا العهد إذ وزّع فيه المؤلّف فقرات العهد الشريف الأمير المؤمنين (عليه السلام) على عناوين سمّاها فصولاً، ثمّ قسّم فصوله إلى أقسام وفروع أدرج فيها عبارات العهد عبارةً عبارة حتّى بلغت 180 فقرة جاءت على النحو الآتي ((الفصل الأوّل: أهم أهداف الحكم

ص: 18


1- عهد الإمام علي إلى مالك الأشتر: علي الأنصاري.

الإسلامي وواجباته. الفصل الثاني: صفات القادة الفصل الثالث: ما يجب على القادة تجاه الشعب محلّيّاً. القسم الأوّل: الخطوط العريضة للواجبات، القسم الثاني : أهل الخاصة، ميّزاتهم وما على الوالي تجاههم، القسم الثالث: واجبات القادة تجاه عيوب الناس. الفصل الرابع: الوزراء والمستشارون. الفصل الخامس: حقوق الشعب. الأصول العامة، طبقات المجتمع، مهامّ الجيش، حاجة الأفراد إلى بعضهم، إحقاق حقوق الطبقات. الفصل السادس: الجيش الإسلاميّ واختيار القادة. الفصل السابع: واجبات القائد والشعب كلٌّ تجاه الآخر. الفصل الثامن: المرجع الأصليّ لحل الخلافات. الفصل التاسع: قضاة العدل. الفصل العاشر: الموظّفون وعمّال الحكومة. الفصل الحادي عشر: المراقبون( العيون ) الفصل الثاني عشر: الضرائب و بیت المال والمؤدُّون. الفصل الثالث عشر: الكُتّاب وصفاتهم.

ص: 19

الفصل الرابع عشر: التجّار وذوو الصناعات . الفصل الخامس عشر: المحرومون والمستضعفون . الفصل السادس عشر: مجالسة الشعب وإصدار الأحكام. الفصل السابع عشر: واجبات القائد الخاصّة. الفصل الثامن عشر: الإشراف المباشر على أمور البلاد. الفصل التاسع عشر: القائد والأقرباء ( البطانة). الفصل العشرون: القائد واتّهام الآخرين له. الفصل الحادي والعشرون: العقود وأحلاف المصالحة المبادئ والخطوط الرئيسية، اتفاقياّت السلام. الفصل الثاني والعشرون: الأصول العامة في تحديد واجبات القائد الخاصّة والعامّة. وأخيراً الفصل الثالث والعشرون: الدعاء وطلب السعادة والشهادة، فلا تظنّ أن تكون هناك وثيقة هي أشمل وأجمع النواحي السياسة والحكم من هذا العهد.))(1)

ص: 20


1- عهد الإمام علي إلى مالك الأشتر: علي الأنصاري.

وفي واقع الأمر فقد أغنت هذه الدراسة كثيرا ما يراد أن يقال فيه، والذي يطالع هذا العهد سيجده يحتوي كثيرا من المضامين السياسية والمضامين الاقتصادية والمضامين الاجتماعية والمضامين الأخلاقية التي ينبغي أن يتمتع بها المجتمع الإسلامي الذي قال فيه رسولنا الكريم

صلى الله عليه وآله وسلم) :(( فَلَیسَتْ تَصْلُحُ الرَّعِیةُ إِلَّا بِصَلَاحِ الْوُلاَةِ، وَلَا تَصْلُحُ الْوُلاَةُ إِلَّا بِاسْتِقَامَةِ الرَّعِیةِ))(1)، وقال رسول الله (صلى الله عليه واله): (( صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي إِذَا صَلَحَا صَلَحَتْ أُمَّتِي وَ إِذَا فَسَدَا فَسَدَتْ أُمَّتِي قِيلَ يَا رَسُولَ اَللَّهِ وَ مَنْ هُمَا قَالَ اَلْفُقَهَاءُ وَ اَلْأُمَرَاءُ .))(2).

فقوام الحياة اختيار القائد الأمثل الذي يوجه رعيته بحسب ما تقتضيه المصلحة العامة وفي

ص: 21


1- حار الأنوار العلامة المجلسي 27 / 252.
2- بحار الأنوار العلامة المجلسي 2/ 49.

المقابل يتحمل الشعب والناس وتقع على عاتقهم المسؤولية الكبرى في جهاد عدوهم واستصلاح أرضهم وعارة بلادهم، فالعهد بحق يعد برنامجا حكوميا شاملا و کاملا ويتطلب تضافر الجهود من قبل الجميع الحاكم والمحكوم والراعي والرعية في اطار اجتماعي متكامل.

لقد حاول الإمام علي (عليه السلام) أن يعرض عبر دستوره هذا المبادئ العامة سواء كانت على المستوى السياسي أو الأمني أو الاجتماعي أو الاقتصادي أو المالي وكلها تنظم الحياة للمجتمع الإنساني؛ فالعهد لكل المجتمعات الإنسانية بغض النظر عن المذهب أو الطائفة أو المعتقد أو الجنس، ولذلك نجد من نظر إليه من زاوية أخرى وجعل اله عناوين أخر منها ((هدف الحكم الإسلامي، ويتمثل في: الدفاع والأمن (جهاد عدوها) والإصلاح الاجتماعي (استصلاح أهلها) والتنمية

ص: 22

الاقتصادية (عارة بلادها) والبرنامج المالية الدولة التي تنفق على هذه الأبواب (جباية خراجها). أصول الفكر والسلوك للحاكم: الشريعة، نصرة الله، اتهام النفس، ما يجب على الحاكم أن يستحضر نظرة الناس إليه، لزوم حب الحاكم لمواطنيه وشعوره بأنه محكوم لمن هو أعلى منه، الأصل هو العفو والعقوبة استثناء، والأصل اللين والعنف استثناء، كيف يُحَصَّن الحاكم نفسه من الغرور والظلم؟

القرارات يجب أن ترضي الجميع، وإلا فالعامة دون الخاصة! موقف الحاكم من تقارير المخابرات، والمتملقين والنامين، صفات المستشارين للحاکم، صفات الوزراء، وتفضيل استيزار الوجوه الجديدة، صفات الوزراء المفضلين، محاسبة الوزراء، فوائد إعطاء الحرية للمواطنين وحسن الظن بهم، احترام العادات الاجتماعية وتحسينها، المشاورون الكبار في القضايا الاستراتيجية، تكون كل مجتمع في العالم

ص: 23

من فئات وطبقات، سیاسة الحاكم مع القوات المسلحة، سياسة الحاكم مع قادة الجيش الحكام، سياسة الوزراء والولاة في القضايا المشتبهة، سياسة الحاكم مع القوة القضائية، سياسة الحاكم مع ولاة المحافظات وكبار الموظفين، جهاز المخابرات الخاص برئيس الدولة، السياسة المالية والضرائبية، ديوان الحاكم أو الجهاز الخاص به، سياسة الدولة مع التجار والكسبة، سياسة الحاكم مع الطبقة الفقيرة، سياسة الحاكم مع مراجعيه، برنامج يومي للحاکم، لقاءات الحاكم المباشرة مع الناس وحذف البطانة، سياسة الحاكم مع أقاربه وحاشيته، سياسة السلم والحذر مع العدو والالتزام الكامل بالاتفاقيات، تحذير الحاكم بشدة من سفك الدماء، الخطوط العامة لسياسة الحاكم مع المواطنين، التثبت والاعتدال في اتخاذ القرارات، كيف يكون الحاكم حاکم نفسه ويسيطر على غضبه؟ دعاء أمير

ص: 24

المؤمنين (عليه السلام) للتوفيق في تحقيق أهدافه في الحكم))(1).

وخير من وصف عهد الإمام (عليه السلام) هو الشيخ محمد جواد مغنية ذكر ذلك وهو يتألم لما آل إليه مصير الإنسان والإنسانية من الدمار والخراب بسبب الابتعاد عن الدين (العملي) لا القولي والتقوى وذلك بقوله:(( ابتدأ الإمام هذا العهد بتحديد السلطة التي أسندها للأشتر، وهي أربعة أمور: الأول:( جباية الأموال، وهي من الوظائف المالية. الثاني : ( جهاد العدو) الشؤون الحربية. الثالث:( استصلاح حال المواطنين) ويشمل الأمن والثقافة والصحة ووظائف الدولة والخدمات، وما إلى ذلك من الشؤون الاجتماعية . الرابع: (عمارة البلاد ) وتعمّ الزراعة والصناعة والتجارة والإسكان والمواصلات

ص: 25


1- عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر لما ولاه مصر.

ثم أمره بما يجب على كل حاکم في كل العصور ( أمره بتقوى الله وإيثار طاعته الخ ) العلم بلا تقوى لا يحل مشكلات الحياة، بل يزيدها تعقيد... وماذا فعل العلم بإنسان القرن العشرين؟ لقد غيّر العالم القديم، ما في ذلك ريب، وهبط بالإنسان على سطح القمر ... ولكنه أودى بحياة الملايين، وروّع الآمنين، ونهب أقوات الضعفاء، وشرّد ملايين الأطفال والنساء، وبات يهدد بأسلحته كوكبنا هذا الذي نسكنه بالخراب والدمار... ويستحيل أن تعمر البلاد، ويسعد أهلها، وترى الانسانية شيئا من الخير إلا بالإخلاص والتقوی))(1). وهو ما حصل هذا فعلا وسيحصل نتيجة السياسات الخاطئة والتخطيط اللاواعي ووضع أناس غير إكفاء في أماكن غير مناسبة في حين رسم الإمام (عليه السلام) لنا السياسة الصحيحة والتخطيط الواعي

ص: 26


1- في ظلال نهج البلاغة 4/ 47.

و وضع الشيء في موضعه عبر برنامجه المتكامل الذي عرضه للبشرية جمعاء في عهده المبارك لواليه مالك الاشتر رضوان الله تعالى عليه.

وبعد هذا العرض الموجز لكلام أمير المؤمنين (عليه السلام) في كتابه (نهج البلاغة) وتحديدا العهد المعروف ب (عهد مالك الأشتر) وبيان ما تضمنه من مفردات وعناوين لا بد لنا من الوقوف على مراد الألفاظ الغريبة فيه، وهو ما سنقف عنده في المباحث اللاحقة.

ثانيا: الغريب في اللغة والاصطلاح وحركة التأليف فيه:

إذا حاولنا أن نتتبع لفظة (الغريب) في المعجمات اللغوية سنجدها تعطي دلالات مختلفة فقد جاء في العين قول الخليل (ت 175 ه ): (( الْغُرْبَةُ: الاغتِرابُ من الوطن. وَغَرَب فلانٌ عَنَا يَغْرُبُ غَرْباً أي تنحی،

ص: 27

فَأَغْرَبْتهُ و غَرَّبْتُه أي نحيته. والغُرْبَهُ: النَّوَى البعيد، يقال: شقت بهم غُرْبَهُ النوى)) (1)وفي سياق آخر يقول: ((والغَريبُ: الغامض من الكلام))(2)ومنها قولهم :(( الغُرُبُ بَضَمَّتَيْنِ: الغَريبُ))(3) وكذلك(( النَّوَي والبُعْدُ کالغَرْبَةِ وقد تَغَرَّبَ

. وبالضم : النُّزُوحُ عنِ الوَطَنِ كالغُرْبَة والاغْترابِ والتَّغَرُّبِ ))(4)

ويقول ابن منظور(ت 711ه): ((والغَريبُ الغامِضُ من الكلام وكَلمة غَريبةٌ وقد غَرُبَتْ وهو من ذلك وفرس غَرْبٌ مُتَرامٍ بنفسه مُتَتابعٌ في حُضْره

لا یُنْزِعُ حتی یَبْعَدَ بفارسه وغَرْبُ الفَرَسِ حِدَّتُه وأَوَّلُ جَرْيهِ))(5) وقوله: ((وفي الحديث أن النبي صلى

ص: 28


1- العين/ مادة (غرب).
2- المصدر السابق.
3- القاموس المحیط) مادة (غرب).
4- المصدر السابق.
5- لسان العرب/مادة (غرب).

الله عليه [وآله] وسلم سُئِلَ عن الغُرباء فقال الذين یُحْیُنَ

ما أَماتَ الناسُ من سُنَّتِی وفي حديث آخر إنَّ الإِسلامَ بَدَأ غريباً وسيعود غریباً کما بَدَأ فطوبَی للغُرباءِ أَي إِنه كان في أَوّلِ أَمْرِه کالغريبِ الوحيدِ الذي لا أَهل له عنده لقلة المسلمين يومئذ وسيعودُ غريبة كما كان أَي يَقِلُّ المسلمون في آخر الزمان فيصيرون كالغُرباء فطُوبى للغُرَباء أَي الجنةُ لأُولئك المسلمين الذين كانوا في أَوَّل الإِسلام ويكونون في آخره وإِنما خَصَّهم بهالصبْرهم على أَذى الكفار أَوَّلاً وآخراً ولُزومهم دينَ الإِسلام وفي حديث آخر أُمَّتِي كالمطر لايُدْرى أَوَّلُها خير أَو آخِرُها قال وليس شيءٌ من هذه الأُحاديث مخالفاً للآخر وإنما أَراد أَن أَهلَ الإِسلام حين بَدأَ كانوا قليلاً وهم في آخر الزمان يَقِلُّونَ إِلَّا أَنهم خیارٌ ومما يَدُلُّ على هذا المعنى الحديث الآخر خيارُ أُمَّتِي أَوَّلَها وآخِرُها وبين

ص: 29

ذلك ثَبَجٌ أَعْوَجُ ليس منكَ ولَسْت منه))(1)

وممّا تقدم من نصوص يتضح أن المعنى اللغوي الكلمة الغريب هو ما غمض في دلالته من الكلام وما كان بعيدا عن الفهم وكذلك عدم الوضوح، وعليه تنحصر هذه اللفظة بعدة معان منها الغموض والابتعاد والقلة والندرة.

والذي يؤكد هذه الحقيقة ما وقف عنده أبو سليمان محمد الخطابي (ت 388ه) في شرح معنی الغريب واشتقاقه بقوله: ((إن الغريب من الكلام إنما هو الغامض البعيد من الفهم كالغريب من الناس))(2)، وقال في موضع آخر: ((إن الغريب من الكلام يستعمل على وجهين: أحدهما أن يراد أنه بعيد

ص: 30


1- لسان العرب/مادة (غرب). وينظر: النهاية في غريب الحديث والأثره/ 28.
2- غريب الحديث: الخطابي 1/ 70. وينظر : غريب الحديث: ابن سلام 1/1 المقدمة.

المعنى غامضه لا يتناوله الفهم إلا عن بعد ومعاناة فكر، والوجه الآخر أن يراد به کلام من بعدت به الدار ونأى به المحلل من شواذ قبائل العرب، فإذا وقعت الكلمة من لغاتهم استغربناها))(1).

أما الغريب في الاصطلاح فقد خصّصه الشريف الجرجاني (ت 816ه) بالحديث فقال:(( الغريب من الحديث: ما یکون إسناده متّصلا إلى رسول الله (صلى الله عليه [وآله] وسلم)، ولكن يرويه واحد إما من التّابعين أو من أتباع التّابعين))(2)وذكر في موضع آخر أن مصطلح (( الغرابة: كون الكلمة وحشية، غير ظاهرة المعنى ولا مأنوسة الاستعمال))(3).

ويمكننا تفسير الغريب بعبارة أشمل ليعم ما

ص: 31


1- غريب الحديث: الخطابي 71/1 . وينظر : غريب الحديث: ابن سلام 1/1 المقدمة..
2- التعريفات 92.
3- التعريفات 92.

يعرف بالغريب في عصرنا الحاضر، وهو أن الغريب كل كلام أو كلمة لا يكون ظاهر المعنى ولا مألوف الاستعمال لدى المخاطبين به، سواء كانت الغرابة من جهة نفس الكلمة أو الكلام أو من جهة ابتعاد المخاطب عن أصول التحاور في اللغة كما هو عليه أكثر الناس في عصرنا الحاضر (1).

وقد ظهرت التصانيف العديدة في (الغريب) منذ منتصف القرن الأول الهجري فكان أول كتاب في هذا الباب هو(غريب القرآن) المنسوب إلى الصحابي ابن عباس (ت67 ه) وتوالت الانجازات في هذا المضمار من أمثال أبان البكري (ت 141ه) والكسائي (ت189 ه) و مؤرج السدوسي (ت 195 ه) وغيرهم من لم يصل إلينا شيئا من مؤلفاتهم(2).

ص: 32


1- ينظر: تفسير غريب القرآن: المنسوب إلى الشهید زید بن علي بن الحسين / المقدمة 60
2- ثم تعاقبت كتب كثيرة في غريب القرآن، ومن الذين ألفوا

(1)

ولعل أول وأقدم کتاب مطبوع في هذا المجال هو (تفسير غريب القرآن) المنسوب إلى الشهيد زيد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) (2)وليس کا ذهب كثير من الباحثين والمحققين إلى أن كتاب ( تفسير غريب القرآن) لابن قتيبة (ت 6 27 ه)(3) هو

ص: 33


1- فيه: أبو محمد يحيى ابن المبارك اليزيدي (ت 202 ه) والنضر بن شميل (ت 203 ه)، وقطرب (ت210ه)، وأبو عبيدة معمر بن المثنى (ت 213 ه)، وأبو سعيد عبد الملك بن قریب الأصمعي (ت 216 ه) والأخفش الأوسط سعید بن مسعدة ( ت 210 أو 221 ه)، وأبو عبيد القاسم بن سلام (ت 224ه) ومحمد بن سلام الجمحي (ت 231 ه)، والمبرد (ت 285 ه)، وابن قتيبة (ت 279 ه) وثعلب (ت 291 ه)، والمفضل بن سلمة (ت 291 ه)، وابن الأنباري (ت 328ه). ينظر: البحث والمكتبة 128-129.
2- طَبَعتْهُ مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي بإيران الطبعة الثانية سنة 1418 ق- 1379 ش بتحقيق محمد جواد الحسيني الجلالي .
3- طَبَعَتْةُ دار إحياء الكتب بالقاهرة سنة 1958م بتحقيق الأستاذ السيد أحمر صقر.

أول كتاب مطبوع في هذا المجال، وأما كتب (غريب الحديث) فقد ظهرت لأول مرة على يد أبي عبيد القاسم بن سلام (ت 422ه)(1)، وهناك من ألف کتابا في الغريبين (القرآن والحديث) وهو لأبي عبيد الهروي (ت 401 ه) (2)وغيرها كثير مما وصلت إلينا وحققت وطبعت(3)).

وعلى ما يبدو فإن كتب الغريب هذه كتب لغة، على الرغم من أنّها لم تكن خالصة للغة، فقد ألّفها لغويون بارزون عرب، وهذا شيء طبيعي؛ لأن علم الغريب علم یُعنی بشرح الكلمات الغريبة. ويفسّر

ص: 34


1- طَبَعَتْهُ مطبعة مجلس دار المعارف الإسلامية / تحت مراقبة: د. محمد عبد المعين خان، الطبعة الأولى 1965م.
2- طَبَعَتْهَ بمكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، الطبعة الأولى 1419 ه-1999م. بتحقيق ودراسة أحمد فريد المزيدي.
3- ينظر في هذا كتاب البحث والمكتبة للدكتور نوري حمودي القيسي، والدكتور حاتم صالح الضامن.

المعاني الخفيّة والأساليب الغامضة، فيجلو معناها ويكشف عن مراميها.(1)

وقد حظيت هذه المؤلفات بالاهتمام والعناية من قبل مؤسسيها وكان الغرض منها هو بيان معاني مفردات القرآن الكريم ودلالاتها وكذلك بیان مفردات الحديث ودلالاته، ولا ريب فيه أن وجود القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، كان ((سبب ظهور (علم الغريب) لوجود کلات فيها تحتاج إلى تفسير وتوضيح، باعتماد العرف اللغوي السائد آنذاك. فبدأت الدراسة في هذا الميدان من ميادين اللغة بالبحث عن معاني الألفاظ الغريبة فيها، وتوضيح معانيها ومراميها وأساليبها، وتأييد ذلك التفسير والتوضيح، بالشواهد من شعر العرب. ولقد اهتم العلماء بهذا الجانب من البحث

ص: 35


1- ينظر: الفهرست 52، رواية اللغة 90-91، مصادر التراث العربي 137.

اللغوي اهتماماً كبيراً فذكرت لهم كتب التراجم والطبقات کتبا كثيرة في هذا الميدان))(1).

ولعلّ من أهم الأسباب التي دفعت العلماء إلى التأليف في غريب القرآن هي أن القرآن في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكن فيه غامض وغريب على علاء الصحابة، وإن استشكل الأمر أحيانا على بعضهم (2) فقد كان الرسول هو

ص: 36


1- بُذور الدّراسة الدلالية لألفاظ القُرآن الكَريم - د. سَعُد الكردي - الفهرست: 78، 99. النهاية في غريب الحديث والأثر: 5-4/1 . كتاب الدلائل في غريب الحديث للسرقسطي، دارسة الدكتور شاكر الفحام: 4 التطور اللغوي التاريخي: 42.
2- ساق كثير من العلماء روایات بهذا الصدد ما جاء أن أبا بكر الصديق سئل عن قوله وفاكهة و أباه (عبس 31) فقال: أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إن أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم. ينظر: الاتقان في علوم القرآن 4/2 . فبلغ أمير المؤمنين (عليه السلام) مقاله في ذلك، فقال: ((يا سبحان الله! أما علم أن الأب هو الكلأ والمرعى، وأن قوله: وفاكهة واکه، اعتداد من

(1)

المفسر والمرجع في بيان ذلك، واستمر الأمر على ذلك حتى وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولما جاء العصر الثاني وهو العصر الذي حصل فيه فتح الأمصار واختلاط العرب بغيرهم من الفرس والروم والحبش إذ نشأ فيه من الأولاد من تعلموا الضروري من اللسان العربي وتركوا ماعداه وتمادت الأيام إلى أن انتهى عصر الصحابة وجاء التابعون فسلكوا سبيلهم فا انقضى زمانهم حتی استحال اللسان العربي أعجميا أو كاد. فانبرى جماعة من علماء الدين وحصون الشريعة فصرفوا

ص: 37


1- الله تعالى بإنعامه على خلقه با غذاهم به و خلقه لهم، ولأنعامهم مما تحيا أنفسهم وتقوم به أجسادهم)) البرهان في تفسير القرآن 8 / 210، وعن ابن عباس قال: كنت لا أدري ما فاطر السموات حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال: أحدهما: أنا فطرتها، يقول: أنا ابتدأتها. أو ما روي عن أيضا أنه قال: كل القرآن أعلمه إلا أربعة: غسلين، وحنانا، وأواه، والرقيم. ينظر: الاتقان في علوم القرآن 5/2.

أعمارهم في بيان ما أغترب عنه المسلمون ومنه نشأ علم غريب القرآن.(1)

أما الأسباب التي دفعت العلماء واللغويين إلى تأليف غريب الحديث هو ما ذكره مجد الدين بن الأثير (ت 606ه) في مقدمة كتابه (2)الذي تصدره بشرح مستفيض لهذا الموضوع تحدث فيه عن علم الحديث والآثار ووصفه بأنه من أشرف العلوم الإسلامية قَدْرا، وأحسنِها ذكرا، وأكملها نفْعا وأعظمها أجرا. وأنه أحَدُ أَقطاب الإسلام التي يَدُورُ عليها، ومعاقِدِهِ التي أضيفَ إليها، وأنه فَرْضٌ من فروض الكفايات يجب التزامُه، وحق من حقوق الدين يتعين إحكامه واعْتزَامُه. وجعله على قسمين أحدُهما معرفة ألفاظه، والثاني معرفة

ص: 38


1- ينظر: تفسير غريب القرآن: المنسوب إلى الشهید زید بن علي بن الحسين / المقدمة 62.
2- ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر 1/1 وما بعدها.

معانيه. وأخذ يشرع في تقسيم الألفاظ إلى مفردة ومركبة، والألفاظ المفردة تنقسم قسمين: أحدهما خاصٌ والآخرعامٌ. أما العام فهو مايَشْتَرِك في معرفته جُمهور أهل اللسان العربي مما يَدُورُ بَينَهم في الخطاب، و أما الخاصٌ فهو ما يدور فيه من الألفاظ اللُّغَوية، والكليات الغريبة الحشوَّية، التي لا يعرفها إلا من عُنِيَ بها، وحافَظَ عليها واستخرَجَها من مظانّها.

وهذا ما دفع الأستاذ الدكتور مسعود بوبو إلى الحديث عن عناية هؤلاء العلماء بهذا الجانب اللغوي، فقال: ((لقد أولى اللغويون العرب القدماء هذا الجانب اللغوي عناية خاصة، تناولوا فيه الغريب من الألفاظ بالبحث الجاد والمعالجة المتأنية، بل لقد كان هذا اللون من البحث الذي أقيمت عليه الدراسات اللغوية عندهم بصورة عامة غداة شرعوا في التراس المعاني الدقيقة لماغمض واشتبه

ص: 39

عليهم من ألفاظ القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف، وأفردوا لهذا الغرض الكتب المطولة التي ما زالت مراجع لا غنى عنها للاطمئنان إلى سلامة الدلالة اللغوية وصحتها عند تحري الدقة وصحة الاحتجاج في قضايا الغريب))(1)

وما تقدم ذكره يتبين لنا أهمية ما جاء من

ألفاظ الغريب في القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف وما تبعه من دراسات لغوية للوقوف عند دلالتها اللغوية ودقتها في الاستعال وهذا الأمر نفسه ينعكس على كتاب (نهج البلاغة)، وهو ما سنقف عنده في المبحث الآتي.

ص: 40


1- أثر الدخيل على العربية الفصحى في عصر الاحتجاج 351.

ص: 41

المبحث الأول: الغريب في نهج البلاغة

يعد كتاب نهج البلاغة وما به من خطب ورسائل وكتب كانت في غاية الفصاحة والبلاغة وهذا لا يختلف فيه اثنان إلا أننا نجد هناك من النقاد والبلاغيين من يقفون من الغريب في الكلام موقف الرافض لذلك؛ لأن هذا الأمر يتنافي والبلاغة والفصاحة في الكلام؛ فالفصاحة عند هؤلاء تعني الظهور والوضوح والابتعاد عن الغريب والمبهم. فهذا أبو هلال العسكري (ت 395ه) في كتابه الصناعتين يقول: ((الغريب لم يكثر في كلام إلا أفسده وفيه دلالة الاستكراه والتكلف))(1) في حين وقف آخرون من الغريب موقفا آخر إذ عدوه من

ص: 42


1- کتاب الصناعتين 1.

الفصاحة فهذا أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدي (ت370ه) له رأي في الغريب کہا جاء في كتابه الموازنة بين شعر ابي تمام والبحتري، فيقول: (( وان يجعله (اي اللفظ الغريب) متفرقاً في تضاعيف الفاظه، ويضعه في مواضعه فيكون قد اتسع مجاله بالاستعانة به، ودل على فصاحته وعلمه، وتخلص من الهجنة)(1).

ولعل العلة في ذلك هو أن ((العربية لغة صحراوية وانها لم تخل من الفاظ کثيرة اتسمت بالثقل، وحين هجر الناس الصحراء ونزعوا إلى الحواضر اختاروا من المادة اللغوية الينها واسهلها وعمدوا إلى كل شيء ذي أسماء كثيرة، فاختاروا أحسنها سمعاً والطفها من القلب موقعاً))(2) .

ص: 43


1- الموازنة بين شعر أبي تمام والبحتري 1/ 104.
2- الوساطة بين المتنبي وخصومه 5.

والحديث عن الألفاظ الغريبة في نهج البلاغة على شريعة من استعمالات سابقة في القرآن الكريم والحديث النبوي؛ فليس المراد بالغريب الشاذا أو النافرة أو المنکَرُ(1) فحسبنا من هذه المعاني تنزيه القرآن عنها وكذلك الحديث الشريف بدليل أن الغرابة أو الألفاظ الغريبة في القرآن الكريم عُدّت وجها من أوجه الإعجاز. والقول نفسه من بعد القرآن في الحديث النبوي الذي هو: ((قمّة شامخة في البلاغة وهي الذروة الرفيعة في الفصاحة وقوة البيان إذ هي قبس من لغة الوحي))(2)وقد قال النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم): ((أنا أفصح العرب بيد أنّي من قريش، ونشأتُ في بني سعد بن بکر ...))(3)وعلى هذا الأساس ((فالحديث النبوي

ص: 44


1- ينظر : سر الفصاحة 212 - 214/والمثل السائر 34.
2- غريب الحديث 1/ 27.
3- الفائق في غريب الحديث 1/ 141.

أرقى الأساليب العربية صياغة بعد القرآن الكريم ولم يتعمّد الرسول في حديثه لفظاً غريباً أو ترکیباً شاذّاً وإنّما كان لعلوَّ نصّ الحديث سببٌ كبيرٌ في عدِّ بعضه غريباً عند بعض اللغويين وهذا الاعتقاد دفع بهم إلى أن يفردوا کتباً في إيضاح (غريب الحديث) کما فعل النَّضر بن شميل (ت 4 20 ه) و أبو عبيدة معمّر بن المثنى (ت209ه)، أو أن يفيدوا من بلاغته وفصاحته في أنماط أساليب العربية کما صنع الجاحظ (ت 250 ه) والمبرّد (ت 280 ه). وقد أفاد أئمة الأدب واللغة والتفسير من کتب (الغريب) ونقلوا عنها))(1).

ص: 45


1- ينظر: غريب نهج البلاغة وينظر المصادر التي ذكرها في هامش ( 20 و 21 و 22) من الصفحة نفسها. وقد ذكر الحافظ النيسابوري: ((فأول من صنف الغريب في الإسلام النضر بن شميل له فيه كتاب هو عندنا بلا ساع)) معرفة علوم الحديث 1/ 146. والمراد به تأليف الغريب في الحديث.

ولا ريب في أنَّ مايقال عن الرسول الكريم صلى الله عليه وآله) وأحاديثه يقال عن أهل بيته عليهم السلام ((الذين كانت لغتهم مادّة أفاد منها علماء اللغة الكثير من أقوالهم العالية الفصاحة يقربها علوُّها من الغرابة فنقلوا منها ما شاء لهم النقل وفسّروا فيها ماطاب لهم التفسير. فكان الأقوال الإمام علي (عليه السلام) نصيب كبير في هذا المورد تحفل بجمع بعض تلك الأحاديث كتب

غريب الحديث)؛ لأنَّه تربى في حجر النبوة منذ ولادته في الكعبة فشهد مطالع الرسالة الاسلامية من يومها الأوّل وتلقّى عن النبي مفردات الرسالة بداية وختاماً وما بين ذلك ممّا نزل به الوحي من آیات الله جل جلاله فكان الإمام يتبع النبي ((إتِّباع الفصيل إثْر أمَّه...))(1) لا يفارقه في سلْمٍ أو حربٍ

ص: 46


1- المحاسن والمساوئ 36/1 -37. وينظر: المستدرك على الصحيحين 3/ 481/ والفصول المهمة 14.

فكان يصحبه صُحْبة الظل لصاحبه فهو ربيبٌ وطالبٌ أتعلّم من النبي أشياءً كثيرةً ومن بينها اللغة إذ إنها عادةٌ مكتسبة فكان أقرب الناس إلى فصاحته وبلاغته وأحفظهم لأحاديث فتكلّم بكلام وصف بالعصمة والحكمة فكل من سمعه راقه ولهذا قال (عليه السلام): (( وإنّا لاَمَراءُ الكلامِ ، و فينا تَنَشَّبَتْ عُروقُهُ و علَينا تَهَدَّلَتْ غُصونُهُ))(1)...))(2).

وخلاصة الكلام أن الغريب في حديث الرسول صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)

ص: 47


1- في محاضرات الأدباء ((ونحن أمراء الكلام، بنا تفرعت فروعه وعلينا تهدلت غصونه))89/1 أ وغرر الحکم ((وإنا الأمراء الكلام فينا تشبثت (انشبثت) فروعه وعلينا (علیها) تهدلت أغصانه)) 82. والصواب ما أثبتناه في المتن من کتاب نهج البلاغة 354 من كلام له (عليه السلام) بعد أن أقدم أحدهم على الكلام فحصر، وهو في فضل أهل البيت، ووصف فساد الزمان.
2- غريب نهج البلاغة أسبابه 16-17.

ولا سيما كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ليس هو الوحشي الشاذّ أو العامي المرذول وإنّما هو، ما يمنح النصَّ علوّاً في الفصاحة وروعةً في التعبير وجزالةً في الألفاظ ولا يخرج (الغريب) في حديث الإمام عن هذه الصفة لأنه (عليه السلام) كان في كلامه يترسّم معالم كلام الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) و مناحيه.(1)

والمتأمل في كتاب نهج البلاغة يجد أن الغريب قد وقع كثيرا فيه فلا تكاد تقع عيناك على صفحة فيه إلا وفيها ألفاظ غريبة تستحق الوقوف عند دلالتها وبيان معانيها، ولقد قام جمع كبير من العلماء الأفذاذ بشرح كثير من تلك الألفاظ وبیان دلالاتها ومعانيها من ذلك كتب شروح (نهج البلاغة)(2)،

ص: 48


1- ينظر : غریب نهج البلاغة 22.
2- ينظر على سبيل المثال لا الحصر: بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة: ، ومنهاج البراعة في شرح نهج البلاغة: الحاج میر

(1)

وفي الوقت الحاضر قدمت دراسات علمية مستفيضة في هذا الجانب ولعل من أبرزها وأكثرها توفيقا ((

ص: 49


1- حبیب الله بن السيد محمد الملقب بأمين الرعایا (ت1324 ه)، وفي ظلال نهج البلاغة، منهاج البراعة (الراوندي)، وشرح نهج البلاغة (الحائري)، وشرح نهج البلاغة (الجعفري)، وشرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد. وشرح کلمات أمير المؤمنين (عليه السلام) - عبد الوهاب، و شرح نهج البلاغة المقتطف من بحار الأنوار، ونهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة تأليف الشيخ محمد باقر المحمودي وغيرهم. ولقد ذكر بعض الباحثين أنه جاوزت شروح نهج البلاغة المئة والعشرة شرحا (( وقد نال هذا العهد من الاهتمام والدراسة والتمحيص والتفسير والشرح والبيان ما لم ينله نص آخر مماثل له في التوجه على مر العصور، وقد ترجم إلى كثير من لغات العالم، وفي بعض اللغات رجم و شرح مرارا وتكرارا، وهذا دليل على قيمة المعاني الانسانية العظيمة التي يحتويها هذا العهد، وتناوله مختلف شؤون الحياة أولا، وواجبات الحاكم والحكومة ثاني.)) 301-302 التناص بين عهد الإمام علي (عليه السلام) إلى مالك الأشتر و الرسالة الخامسة (في نصيحة الملوك) لسعدي الشيرازي (بحث منشور).

غریب نهج البلاغة أسبابه، أنواعه، توثيق نسبته، دراسته )) وهي أطروحة دكتوراه حاول الباحث فيها وضع خطة متكاملة في هذا الموضوع شملت جوانب لغوية وبلاغية وسياقية للوصول إلى نتائج طيبة و ثمرات نافعة.

ولقد وضع أحد الباحثين المعاصرين معاییر متعددة للكشف عن الألفاظ الغريبة في النهج لعلّ من أبرزها(1): المعيار الأول: الغريب ما جاء بسبب بداوة صاحبه واعتياده الغرابة في الكلام ممّا يكسبها غموضاً الوحشَّيتها وندرتها ومادّة تعابيرها المتأتية من طبيعة الحياة في الصحراء.

المعيار الثاني: غرابة الكلمة؛ ناتجة من كونها

شاذة أو نافرة أو منکرة.

المعيار الثالث: الغرابة قائمة على فرادة النظم

ص: 50


1- ينظر : غريب نهج البلاغة أسبابه 22-30.

وغرابة ضمّ السياق.

المعيار الرابع: إنَّ اللفظة، لا تكون غريبة بلفظها، بل مستغربة في التأويل، وقد تكون حسنة بحيث لا يتساوی بها أهلها وسائر الناس في الفهم.

المعيار الخامس: ما اتفق عليه علاء غريب القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، فقد ورد في (النهج) تضمين كثير لآي القرآن الكريم والاقتباسات الأحاديث النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان منها ما حققه العلماء بكونه غريبة.

المعيار السادس: بعْد شقّة الزمن بيننا وبين نصوص (النهج وخطبه، فقد بیّنتُ أنَّ الحكم على الغريب يتأتّى من غرابته في زمن قوله، وأنَّ ما هو غريب علينا، ونادر الاستعمال في عصرنا، لم یکن

ص: 51

غريباً وقت قوله(1).

ومهما يكن من أمر فإن المعيار الأول يسقط إذا علمنا أن (( الفصاحة أخذت عن الأعراب، إذ يتفق النحاة واللغويون على أنَّ اللغة الفصيحة أُخذت من خَلُصت طبائعهم اللغوية وصفت فطرتهم من القبائل التي لم تخالط من فسدت سليقتهم من الأعاجم! ولم تقترب من الحواضر! لأنَّ حواضر العرب كانت محطَّ قوافل التجارة و مختلطاً لأقوام غير العرب؟...))(2) أما المعيار الثاني الذي يفسر غرابة اللفظة وشذوذها أنها مخالفة للقياس المستند على المطرد من السماع فيسقط لأنَّ الإمام علي (عليه السلام) ممن يحتج بكلامه. وأما التنافر فيُوعز إلى استحسان الأذن لجرسها واستساغة اللسان لنطقه، وكذلك اللفظة المنكرة لا مقياس له إذا أرادوا بها

ص: 52


1- ينظر : غريب نهج البلاغة 29.
2- غريب نهج البلاغة أسبابه 22.

الألفاظ التي تنبو عن الذوق ولا تطمئنّ عند سماعها النفس فهي كلمة بذيئةً فإن هذه الأمور محكومة بالسياق لا باللفظة فلا تكون الكلمة بذيئة بعد ذلك إلا عن طريق سياقها، فاللفظة الشاذة والمتنافرة والمنكرة على هذا لا محل لها في النهج.

أما المعيار الثالث فهو يسقط حتما لأنه يتعلق بموضوع المجاز والاستعارة و التشبيه وغيرها من الموضوعات البلاغية وهو ليس موضع عنایتنا.

وعليه فالغريب الوارد في نهج البلاغة (( غریب يصبُّ في باب الفصاحة لا غريب ينافر الفصاحة))(1). ومظاهره في نهج البلاغة تمحورت ((على ثلاثة أنواع؛ غريب في المفرد، وغريب في التركيب، وغريب في النظم.))(2)ويعنينا في بحثنا هذا ما يتعلق بالنوع

ص: 53


1- غريب نهج البلاغة أسبابه 25.
2- المصدر السابق 29.

الأول وهو الغريب في المفرد؛ لأن الثاني میدانه النحو والثالث میدانه البلاغة وأنّ الحكم على غریب نصّ معين، یُحكم عليه من خلوّ كلام العرب السابق عليه والمعاصر له منه ومن مثيله ولذلك (( فإنّ الحكم في غرابة نصًّ قديم ليس ذوقنا المعاصر، بل نصوص الشعر والنثر السابقة له، وأعني بذلك؛ کلام الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) المجموع بين دفتي کتاب (النهج)، وليس لأحد أن يدَّعي أنَّه سمع، أو وُضِع بين يديه كلام العرب جميعهم ليعرف ما سَبَق إليه الإمام ممالم يُسبق، إذ ((لا يُحيط بكلام العرب إلّا نبی))(1).))(2)

وقد أمكن لأحد الباحثين رَصْدَ ظواهر غریب

ص: 54


1- الرسالة: للشافعي 13. والنص هكذا ورد في المصدر : (( ولسان العرب أوسع الألسنة مذهبا وأكثرها ألفاظا ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غير نبي)).
2- غريب نهج البلاغة أسبابه 30.

اللفظ المفرد عبر ما ينوف على الألف والمئتين من ألفاظ الإمام علي (عليه السلام) في (نهج البلاغة) (( توزّعت على هذه الأصناف الثلاثة كان أكبرها القسم الخاص بجدّة الاشتقاق وهو القسم الثالث ثم يليه القسم الخاص بالندرة وهو القسم الأول واختتصّ القسم الثاني وهو؛ غرابة المعنى الممنوح اللفظة بالاستعمال بأصغر قدرأ ذلك أنّ جدّة المعاني المضافة للألفاظ تتداخل بقدر كبير مع بحث التركيبة وبحث المعنى المجازي))(1) ونحن إذ نروم ذلك نقول إن الباحث على الرغم من دراسته المستفيضة في غريب نهج البلاغة إلا أننا لم نر له توظيفا لألفاظ العهد الغريبة على الرغم من كثرتها.

لقد تعددت الألفاظ المترادفة للفظة الغريب في كتاب نهج البلاغة فكان منها اللفظ (الغريب

ص: 55


1- غريب نهج البلاغة أسبابه 102-103.

النادر )(1)وهو اللفظ الذي جاءت غرابته من ندرته التي يمكن تحديدها بما يحمله مدلول الندرة من قلة الاستعمال في لاغير، مثال ذلك لفظة (شَحْشَح) الواردة في كلام الإمام علي (عليه السلام) في النهج قالها حين انتهى إليه قوم شباب من قيس بعد واقعة فخطب خطيبهم فقال أين أمراؤكم؟ فقال الخطيب: أُصِيبوا تحت نظار الجمل أثم أخذ في خطبته فقال الإمام: ((هذا الخَطِيبُ الشَّحْشَح))(2)والخطيب هو: صعصعة بن صوحان العبدي. وذكر الشريف الرضي وجعله من كلام الإمام الغريب المحتاج إلى تفسيرا فقال عن (الشَّحْشَح): ((یرید الماهر بالخطبة الماضي فيها وكلّ ماضٍ في كلام أو سيرا فهو شَحْشَح والشحشح في غير هذا الموضع:

ص: 56


1- ينظر : غریب نهج البلاغة 104.
2- نهج البلاغة 517.

البخيل الممسك))(1).

ومنها اللفظ (الغريب الشارد)(2) والشوارد هي الغرائب؛ التي لا تبلغ حدَّ الشذوذ، وإنّما هي: ألفاظ مفرّقة على معانٍ طريفةٍ أو غير مألوفة. وقد استعملها الإمام (عليه السلام) في زمانه أوّل مرة في معنی جديد يغار ما ألّفَه الناس قبله، ثم شاعت بعده وشُهر معناها الجديد کيا في لفظة (مُنْدَحِق) في قوله (عليه السلام): ((أَمَّا إِنَّهُ سَيَظْهَرُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي رَجُلٌ رَحْبُ الْبُلْعُومِ مُنْدَحِقُ الْبَطْنِ يَأْكُلُ مَا يَجِدُ وَ يَطْلُبُ مَا لَا يَجِدُ...)) (3)وتعني (الطّرْد والإبعْاد)(4)

ص: 57


1- نهج البلاغة 517. وينظر : شرح نهج البلاغة 19/ 106.
2- ينظر : شرح نهج البلاغة 19/ 106.
3- نهج البلاغة 92. رقم الخطبة (57).
4- ينظر: الفائق في غريب الحديث والأثر1/ 388، و (النهاية) د/ ح / ق): 2/ 103.

و(الدَّفْع)(1) غير أن الإمام (عليه السلام ) استعمل المفردة (مندحق) في معنىً لم يكن متداولاً هذه اللفظة وهو الاتساع إذ لا يستقیم معناها المعروف ههنا فقد أراد بقوله (مندحق البَطْن) عظیم البطن واندلاقها إلى الأمام وانبعاجها إلى الجانبين، فالرجل إذن على هذا الوصف، منبعج البطن ممتلئها وكأن فيها اتساعاً من جهاتها كلّها لا من جهة واحدة کا يوحي به لفظ الدفع، وعلى هذا ورد من معاني

مندحق الامتلاء (2).

ومنها (الحوشي) وقد يُقلب اللفظ فيسمى الوحشي) وهو النافر القليل، وهو أحد أنماط الغريب)، والوحشي لاشكّ فيه منسوب إلى الوحش). واللفظتان لا تتعديان معنی نفور

ص: 58


1- ينظر: العين، و (الصحاح)، و (الأساس)، و (اللسان) مادة دحق).
2- ينظر : غريب نهج البلاغة أسبابه 107.

الكلمة عن الذوق العام وقلّة استعمالها، فالوحشي الذي ورد في كلام الإمام (عليه السلام) هو: الفصيح المستعمل في زمان دون آخر، ومن هذا ما ورد في (النهج) من نحو لفظة (حدابير) في قول الإمام: (( اللَّهُمَّ خَرَجْنَا إِلَيْكَ حِينَ اعْتَكَرَتْ عَلَيْنَا حَدَابِيرُ السِّنِينَ وَ أَخْلَفَتْنَا مَخَايِلُ الْجُودِ، فَكُنْتَ الرَّجَاءَ لِلْمُبْتَئِسِ وَ الْبَلَاغَ لِلْمُلْتَمِسِ ...))(1) ف ((توحّش هذه المفردة غير متأتٍ من قبيح تأليفها، فإنّ كلام الإمام منزّه عن ذلك، وإنّا غرابتها الشديدة ناتجة من زيادة حرف (الراء) على أصلها؛ لأنَّ الأصل فيها (حدب) وإنمّا زِيدت (الراء) لتخصيص هذا الأحدب) بالنَّشْز من الأرض، والأكمة التي هي أعلى من النَّشْز. وقد أخذت العرب من هذه الدلالة صفة (الحدابير) للنوق التي هزلت وانكشف فقارها بسبب ذوبان سنامها، فظهرها شبيه بالأكمة

ص: 59


1- نهج البلاغة 171. خطبة (الاستسقاء) برقم (115).

الجرداء. قال الكميت :

رَدَّهُنَّ الهِزالُ حُدْباً حدابي ***-َر وطيُّ الإكمام بَعْد الإكامِ)(1)

ومنها (الغريب القليل)، والقليل ما كان لثلاثة شواهد، بموجبهاشمي (قليلا)، وما كان فوق

النادر) في الشيوع، ودون مقياس (الكثير) في الغرابة؛ وقد أورد الإمام (عليه السلام) في (النهج) كلمة (ألق) من قوله: « أَلِقْ دَوَاتَکَ، وَ أَطِلْ جِلْفَةَ قَلَمِکَ، وَ فَرِّجْ بَیْنَ السُّطُورِ، وَ قَرْمِطْ بَیْنَ الْحُرُوفِ، فَإِنَّ ذَلِکَ أَجْدَرُ بصَبَاحَةِ الْخَطِّ»(2).

وهذه الكلمة قالها لكاتبه عبيد الله بن أبي رافع ومعنى هذه الكلمة هو: ((ضع في دواتك

ص: 60


1- غريب نهج البلاغة أسبابه 108-109. وينظر: شعر الكميت بن زید الأسدي 2/ 78.
2- نهج البلاغة 530.

الليقة) وأطِلْ هيأة فتحة القلم التي يستمدّ بها

المداد وضيق أو قارب بين الحروف، فهذا يكسب الخط بهاء ووضوحاً.))(1) وهذا النوع من الاشتقاق (ألِقْ) يُؤخذ فيه الفعل من اسم الذات، کما نقول: ( فضَّض حزامك)، وموّه الصورة، فالأول مشتق من الفضّة، والثاني من الماء، ولا يُعرف معنی الفعل إلّا بمعرفة (اسم العين) الذي اشتُقّ منه ذلك الفعل، فإذا وَضحَ، اتضحت دلالة (ألِقْ)؛ لكن ابن أبي الحديد شرح قول الإمام مبتدئا ب (ألق) فقال: ((لاق الحبر بالكاغد، يليق، أي التصق، ولقتُهُ أنا، يتعدى ولا يتعدّى، وهذه دواة مليقة، وهي لغة قليلة وعليها وردت كلمة أمير المؤمنين عليه السلام))(2).

والحقيقة أن قوله: (ألق) مأخوذٌ من (ألاقَ

ص: 61


1- النوادر 129/1
2- شرح نهج البلاغة 19/ 223.

يليق) التي يُقرن إليها (لاق يليق)، فهي أيضاً من باب (فعلت وأفعلت)، أي: أن المعنى نفسه يؤدي بالصيغتين بلا زيادة ولا نقصان، وذكر ابن منظور (ت 711ه): أن (ألقت أشد غرابة من ألقت الدواة، ويفهم من هذا أنّ (لقت غریب، وألقت أغرب منه، وهو عنده لغة قليلة أيضاً (1) وكل ما جاء من ألفاظ الغرابة السالفة الذكر تخضع المقياس (النادر)(2).

ومما لا شك فيه أن العهد مكتوب من قبل الإمام علي (عليه السلام) إلى واليه وهذا يعني أن ألفاظه ومعانيه معلومة ومفهومة بين المتكلم والمخاطب أي بين المرسل والمتلقي، وتتضح من القراءة الأولى للعهد الذي كتبه الإمام علي (عليه السلام) لواليه

ص: 62


1- غريب نهج البلاغة أسبابه 110-111. وينظر: لسان العرب مادة (لقت).
2- ينظر : غريب نهج البلاغة أسبابه 108 وما بعدها .

مالك الأشتر النخعي (رضوان الله تعالى عليه) أن مفرداته سهلة يسيرة ومفهومة المعاني، ولكن عند تكرار القراءة لهذا العهد نجد أن هنالك مجموعة من الألفاظ الغريبة التي تستحق الوقوف عندها هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإننا سنجد حتما دقة اختيار بعض المفردات لدقة معانيها وسياقاتها وإذا ما حاولنا احصاءها جميعها سيطول بنا المقام ولا يسعه هذا البحث لكثرتها وسنعرض إلى بعض منها لنثبت حقيقة ما ذهبنا إليه، ولنتبين حقيقة المعنى المراد منه دون غيره.

فالألفاظ الغريبة في النص وإنّ كانت متغايرة إلّا أنّ سمات غرابتها قد تتشابه بل لابدّ لها من التشابه وإلّا فإنّ مفهوم الغرابة سيتعدد بتعدد الألفاظ الغريبة وعليه فأن اللفظة تكون غريبةً؛ إمّا بندرة الاستعمال وقلتها أو بغرابة المعنى الممنوح للفظة في الاستعمال أو جدّة الاشتقاق بما لا يُعرف لمادة

ص: 63

اللفظة فإنّ صاحب اللفظة يلجأ إلى طرقٍ متعددة على أساسها؛ یكون كُلُّ صنف من أصناف الألفاظ الغريبة هذا وكلمّا تردّدت هذه الطرق في كلٍّ صنفٍ أمكن عدُّ المتردد ظاهرةً بنفسها وعن طريقه يمكننا ترسُّم ملامح أسلوب القائل (1).

وعلى هذا الأساس سنحاول تقسيم الألفاظ الغريبة التي وردت في العهد على أفعال ومصادر ومشتقات وجموع وآخر يتعلق بالمعنى الممنوح له في الاستعمال.

ص: 64


1- ينظر : غريب نهج البلاغة أسبابه 102.

المبحث الثاني: غريب الأفعال في عهد الإمام مالك

استعمل الإمام (عليه السلام) طائفة من الغريب على هيأة أفعال ماضية ومضارعة وأفعال على هيأة فعل الأمر وهي كثيرة، ومنها ما أسند إلى ضمير أو اسم ظاهر، ومنها ما ألحقت به نون التوكيد الثقيلة، من تلك الأفعال: ((ثلموا، استوبلوا، استكفاك، يُطْرُوكَ، تبجح (3)، تُمحكه يطامن، يعيا، يتفاقمن، تطوَّلنَّ، تقوینَّ، تطمحن، ألصق (2)، أصحر، تغاب،.))

فمن الأفعال الماضية الغريبة الواردة في العهد (استوبلوا) و ( التي جاءت في سياق الحديث عن رجحان السياسات السلمية والالتزام بالاتفاقيات وذلك في قوله (عليه السلام): «وَاجْعَلْ نَفْسَکَ جُنَّةً

ص: 65

دُونَ مَا أَعْطَيْتَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ فَرَائِضِ اللهِ شَيْءٌ النَّاسُ أَشَدُّ عَلَيْهِ اجْتِمَاعاً، مَعَ تَفَرُّقِ أَهْوَائِهِمْ وَتَشَتُّتِ آرَائِهِمْ، مِنْ تَعْظِيمِ الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ. وَقَدْ لَزِمَ ذَلِکَ الْمُشْرِکُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ دُونَ الْمُسْلِمِينَ لِمَا اسْتَوْبَلُوا مِنْ عَوَاقِبِ الْغَدْرِ؛ فَلاَ تَغْدِرَنَّ بِذِمَّتِکَ، وَلاَ تَخِيسَنَّ بِعَهْدِکَ، وَلاَ تَخْتِلَنَّ عَدُوَّکَ، فَإِنَّهُ لاَ يَجْتَرِئُ عَلَى اللهِ إِلاَّ جَاهِلٌ شَقِيٌّ. وَقَدْ جَعَلَ اللهُ عَهْدَهُ وَذِمَّتَهُ أَمْناً أَفْضَاهُ بَيْنَ الْعِبَادِ بِرَحْمَتِهِ، وَحَرِيماً يَسْکُنُونَ إِلَى مَنَعَتِهِ، وَيَسْتَفِيضُونَ إِلَى جِوَارِهِ»(1).

ف- (استوبلوا) من الفعل الثلاثي (وبل)، وقد ذكر الخليل بن أحمد (ت 175 ه) هذه المادة اللغوية بقوله: ((وبل: الوابلُ: المَطَر الغليظُ القَطْر وسحاب وابل والوَبْل المَطَر نفسه كما تقول وَدْقٌ ووادِق والوبيلُ من المراعي الوخيم لا يُسْتَمْرَأُ تقول

ص: 66


1- نهج البلاغة 442.

استوبل القوم هذه الأرض قال: لقد عشّیتها کَلأً؟ وبيلا. وقوله عزَّ وجلَّ أخذًا وَبِيلًا ( المزمل 16) أي شديداً في العقوبة))(1).

فاستعمل الإمام الفعل المزيد لزيادة الحدث وعظيمه وهو الوفاء بالعهد ((لأنّه من الواجبات التي يعتقد بها كلّ ملّة ونحلة الموحد والملحد والمسلم والكافر، وقد أكد فرضه الشريعة، قال النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بعثت إلى الوفاء بالعهد للبر والفاجر. (وقد لزم ذلك المشركون في ما بينهم دون المسلمين) أي: لا اختصاص بذلك بالمسلمين . (لما استوبلوا ) أي: عدوه و خیا.))(2) فغرابة اللفظة تكمن في ندرة استعمالها وقلة توظيفها إذ جعلها أبو زيد الانصاري (ت 210ه) في نوادره(3)

ص: 67


1- كتاب العين 338/8
2- بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة 1/1.
3- النوادر في اللغة 34.

وتوسع ابن منظور في إيراد هذه اللفظة بقوله: «واسْتَوْبَل الأَرضَ إِذا لم تُوَافِقْه في بدَنه وإِن كان مُحَبّاً لها واسْتَوْبَلْت الأَرضَ والبلدَ اسْتَوْخَتمْتَها وقال أَبو زید اسْتَوْبَلْت الأَرض إِذا لم يسْتَمْرِیْ بها الطعامَ ولم تُوافِقْه في مَطْعَمه وإِن كان مُحِبًّا لها قال واجْتَوْیْتُها إِذا کره المُقامَ بها وإِن كان في نِعمة وفي حديث العُرَنِيَّين فاسْتَوْبَلوا المدينة أَي استوخَموها ولم توافق أَبدانَهم يقال هذه أَرض وَ بِلَةٌ أَي وبِئة وخِمة وفي الحديث أَنَّ بني قُرَيظة نزلوا أَرضاً غَمِلةً بِلةً والوَبِيلُ الذي لا

یُسْتَمْرَأُ وماءٌ وَبِيلٌ ووبيءٌ وَخِيم إِذا كان غير مَرِيءٍ وقيل هو الثقيلُ الغليظُ جدًّا ومن هذا قيل للمطر الغليظ»

(1) فاستوبلوا الواردة في العهد بمعنى وجدوا أن الغدر آثاره عظيمة وخيمة كآثار الأمطار العظيمة التي تدمر الأخضر واليابس، الجيد والرديء، وهذه اللفظة في صياغتها ک (استكرمته واستبخلته) أي

ص: 68


1- لسان العرب 11/ 718.

وجدته کریماً أو بخيلاً، كما أشار إلى ذلك بعض الصرفيين.(1)

وبناء على ما تقدم فإننا إذا ما علمنا عظم وخطورة الوفاء بالعهد والالتزام بالوعد والإيفاء به وعواقب الغدر سنعلم حتما عظمة اللفظة التي اختارها الإمام (عليه السلام) و نهی عنها في السياق نفسه وهي ((وَلَا تَخِيسَنَّ بَعَهْدِكَ)) فقد وردت هذه المادة في العين: ((الخِيْسُ: مَنْبِتُ الطرفاء وأنواع الشجر قال:

تعدد المَنايا على أسامةَ في الخيس ***عليه الطَرفاءُ والأسَلُ

وخاسَ يَخيسُ خَیْساً: وهو أن يبقى الشيءُ

في موضِعٍ فيفسُدُ ويَتَغير کالجوزِ والتمرِ الخائسِ واللحمِ ونحوه فإذا أنْتَنَ قيل: أَصَلَ فهو مُصِلٌ...

ص: 69


1- ينظر : شرح الشافية 111/1

وإبِلٌ مُخِّيسَةٌ: وهي التي لم تَسرحَ ولكنها تُځیَّسُ للنحرِ أو القسمِ، والإنسانُ يُخَيَّسُ في المُخَیَّسِ حتى يُبْلُغَ منه شدةُ الغم والأذى (ويذِلُ ويُهانُ)... ويقال في الشَتْم: يُخاسُ أنفه فیماکُرِة أي : يُذل أنفُه، وخاسَ فلان بوعده أي: أخلَفَ وخاسَ فلانٌ أي: نَكَلَ عا قال))(1)فغرابة هذه اللفظة تكمن في توظيفها للحالة التي هي عليها فجميع ما ذكر من استعمالات هذه اللفظة تكون في الأشياء المادية الملموسة إلا إن الإمام (عليه السلام) قد استعملها في أمور معنوية في غاية الأهمية والخطورة وهو الاختلال بالاتفاقيات وعدم الوفاء بالمواثيق والعهود والغدر بالعدو؛ لأن ذلك يعتبره الإمام اجتراء على الله، وقد جعل الله عهده وذمته أمنا أفضاه بين العباد برحمته، وحراما يسكنون إلى منعته.

ص: 70


1- كتاب العين 287/4

ومن صيغ بعض الأفعال المزيدة التي وردت في العهد (استكفاك) في قول الإمام علي (عليه السلام): «فَإِنَّکَ فَوْقَهُمْ وَ وَالِی الْأَمْرِ عَلَیْکَ فَوْقَکَ وَ اللَّهُ فَوْقَ مَنْ وَلَّاکَ وَ قَد اسْتَکْفَاکَ أَمْرَهُمْ وَ ابْتَلَاکَ بهِمْ»(1).

وجمع الصرفيون معانٍ(2) صيغة (استفعل) فوجدوها ستة معاني) ولعل من أهمها: الطلب حقيقة ك (استغفرت الله ولذلك يقول سيبويه : ((هذا باب استفعلت تقول: استجدته أي أصبته

ص: 71


1- نهج البلاغة 428.
2- ينظر: الكتاب 2/ 236، 235، 239) 241. وشرح الشافية للرضي 1/ 110- 111. ومن معانيها الأخر هي: الصيرورة حقيقة ك (استحجر الطين) أو مجازاً ك (إنَّ البُغاث بأرضنا يستنسر) و اعتقاد صفة الشيء ک (استحسن) واختصار حكاية ک (استرجعا أي: قال: (إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون) و الشدّة کا (استهتر ) أي : اشتد هترها و المصادفة والوجدان کے (استكرمته واستبخلته) أي وجدته کریماً أو بخيلاَ.

جيداً، واستكر مته أي أصبته کریماً . واستعظمته أي أصبته عظیماً)، واستسمنته أي أصبته سميناً. وقد يجئ استفعلت على غير هذا المعنى... وتقول: استعطیت أي طلبت العطية، واستعتبته أي طلبت إليه العتبی. ومثل ذلك استفهمت واستخبرت، أي طلبت إليه أن يخبرني؟ ومثله: استثرته. وتقول: استخرجته، أي لم أزل أطلب إليه حتی خرج.)(1)، وذكر ابن فارس (ت 395ه): ((وأما اسْتفعلَ فيكون بمعنی التكلف، نحو تعظَّمَ، واسْتَعظَمَ، وتكَّبَر، واستَكْبَر ویکون استفعل بمعنى الاستدعاء والطلب نحو: استَوْهبَ ويكون بمعنی فَعلَ:قرَّ. واستَقرَّ .))(2) وعليه فمعنی استكفاك طلب منك كفاية أمرهم الأن (( کَفَی يَكْفِي کِفايةض إِذا قام بالأَمر، ويقال: اسْتَكْفَيْته أَمراً فكفانيه، ويقال كَفاك هذا الأَمرُ

ص: 72


1- الكتاب 4/ 70.
2- الصاحبي في فقه اللغة 223.

أي حَبسْكُ، وكَفاَك هذا الشيء))(1)وهذا ما أكده الدكتور صبحي الصالح في بيان معنى هذه الصيغة بقوله:(( واستكفاك أمرهم بمعنی طلب منك كفاية أمرك، والقيام بتدبير مصالحهم.))(2) ولعل الإمام (عليه السلام) حاول أن يستفيد من الدلالة القرآنية المستعملة لهذه اللفظة في قوله تعالى : « فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ » ( سورة البقرة 137).

وأما الفعل (تبجح) فقد ورد في عهد الإمام (عليه السلام) ثلاث مرات في سياقات مختلفة منها قوله في العفو والرأفة: «وَ لَا تَنْدَمَنَّ عَلَی عَفْوٍ، وَ لَا تَبْجَحَنَّ بعُقُوبَةٍ، وَ لَا تُسْرِعَنَّ إِلَی بَادرَةٍ وَجَدْتَ [عَنْهَا] مِنْهَا مَنْدُوحَةً»(3)وقوله في الحديث عن معايير المفاضلة بين الوزراء: «وَالْصَقْ بِأَهْلِ الْوَرَعِ

ص: 73


1- لسان العرب مادة (كفى).
2- نهج البلاغة 696.
3- نهج البلاغة 428.

وَالصِّدْقِ، ثُمَّ رُضْهُمْ عَلَى أَلاَّ يُطْرُوکَ وَلاَ يَبْجَحُوکَ بِبَاطِل لَمْ تَفْعَلْهُ، فَإِنَّ کَثْرَةَ الاِْطْرَاءِ تُحْدِثُ الزَّهْوَ، وَتُدْنِي مِنَ الْعِزَّةِ»(1).

وجاء السياق الثالث من قوله (عليه السلام) في السياسات المالية والضرائبية: « وَ لاَ یثْقُلَنَّ عَلَیک شَیءٌ خَفَّفْتَ بِهِ الْمَؤُونَةَ عَنْهُمْ، فَإِنَّهُ ذُخْرٌ یعُودُونَ بِهِ عَلَیک فِی عِمَارَةِ بِلاَدِک، وَ تَزْیینِ وِلاَیتِک، مَعَ اسْتِجْلاَبِک حُسْنَ ثَنَائِهِمْ، وَ تَبَجُّحِک (خرسندی) بِاسْتِفَاضَةِ الْعَدْلِ فِیهِمْ، مُعْتَمِداً فَضْلَ قُوَّتِهِمْ، بِمَا ذَخَرْتَ عِنْدَهُمْ مِنْ إِجْمَامِک لَهُمْ...»(2).

واختلفت صياغات هذه الأفعال بحسب ورودها في نصوصها المختلفة، ولكن تبقى دلالتها اللغوية هي المتحكمة في النص، فقد وردت دلالتها في المعجمات العربية بمعنى الفرح والإعجاب وبمعنى التعظيم والفخر، جاء في العين: ((فلانٌ

ص: 74


1- نهج البلاغة 430.
2- نهج البلاغة 436.

يَتَبجَّحَ بفُلانٍ ويَتَمَجَّحُ به: أي يَهْذي به اعجاباً وكذلك إذا تَمَزَّحَ به. وَ بَجَّحنَی

فَبَجِحْتُ: أي فرَّحَني

ففَرِحْتُ.

وبَجْحِتُ وبَجَحْتُ لغتان))(1)وقريب من هذا ما جاء في التهذيب : ((قال الليث وغيره: فلان يَتَجَّح بفلان ويتمجَّح إذا كان يهذي به اعجاباً، وكذلك إذا تمزَّح به. وقال اللحياني : فلان يتبجح ويتمجح أي يفتخر ويباهي بشيء ما. وفي حديث ام زرع: ويَجَّحَني فبجَحتُ أي فرَّحني ففرحت))(2)وقد جعل ابن سلام (ت 224 ه) وابن الأثير (ت 606ه) هذه اللفظة من موارد الغريب عندهما، يقول ابن سلام ((بَجّحني فَبَجَحْت أي فرّحني ففَرِحت وقد بجح الرجل يبجح إذا فرح وقال الراعي: [ الطويل ]

وما الفقرُ من أرض العشيرة ساقنا*** إليك ولكنّا بقربك نبجحُ

ص: 75


1- كتاب العين 3/ 86. مادة ( بجح).
2- تهذيب اللغة 1 / 991. مادة ( بجح).

وفي هذا لغتان: بَجَحْت وبَجِحْت))(1)وقال ابن الأثير: (( بَجَّحَني فَبًجِحْت: أي فرّحَني ففَرِحْت. وقيل عظَّمَني فَعَظُمَتْ نفْسي عندي. يقال فلان يَتَبَجَّح بكذا أي يتَعظَّم ويفتخر))(2)

ومن الأفعال التي وردت في العهد (يطامن)، وجاءت في سياق قول الإمام علي (عليه السلام) في التحصن من الغرور والظلم: «فَانْظُرْ إِلَى عِظَمِ مُلْكِ اللَّهِ فَوْقَكَ وَ قُدْرَتِهِ مِنْكَ عَلَى مَا لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ نَفْسِكَ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُطَامِنُ إِلَيْكَ مِنْ طِمَاحِكَ وَ يَكُفُّ عَنْكَ مِنْ غَرْبِكَ وَ يَفِيءُ إِلَيْكَ بِمَا عَزَبَ عَنْكَ مِنْ عَقْلِكَ»(3). والمراد بهذا الكلام أن الإمام (عليه السلام) يأمره في وقت ((حدوث الأبهة والعظمة عنده لأجل الرئاسة والإمرة أن يذكر عظمة الله

ص: 76


1- غريب الحديث لابن سلام 2/ 300
2- النهاية في غريب الأثر 1/ 236.
3- نهج البلاغة 428

تعالى وقدرته على إعدامه وإيجاده وإماتته وإحيائه فإن تذكر ذلك يطامن من غلوائه أي يغض من تعظمه وتكبره ويطأطئ منه.))(1)

وقد جاء من مادة هذه اللفظة في القرآن الكريم في عدة مواضع منها قوله تعالى : « وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي»(سورة البقرة 290)، وقوله تعالى:

« وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ » (آل عمران 129)، وفي آية أخرى: «وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ » (الأنفال 10)، وقوله تعالى :«م وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ » (النحل106)، وقوله تعالى:« فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ » (النساء103)، وأخيرا قوله تعالى: «وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا » (یونس 7).

ويلحظ في سياق هذه الآيات أن القرآن الكريم

ص: 77


1- شرح نهج البلاغة 17/ 34.

استعمل هذه اللفظة في أكثر من صورة منها الفعل الماضي وقد أسند إلى تاء الفاعل وواو الجماعة ومنها الفعل المضارع الذي أسند إلى نون التوكيد الثقيلة ومنها اسم الفاعل للمذكر والمؤنث وغيرها. ومن الملفت للنظر أن الإمام علي (عليه السلام) استعمال هذه اللفظة لأول مرة على صورة الفعل المضارع على ( فاعل) ولعل هذا من باب الغريب النادر لقلة الاستعمال؛ لأن المراد بالكلام هو الانخفاض والغض من غلوائه، وهو المعنى اللغوي الذي حدده ابن منظور(ت 711ه) بقوله: ((واطْمَاَنَّت الأَرضَ وتَطَاَمَنَتْ انخفضت وطَمْأَنَ ظهره وطَأْمَنَ بمعنى على القلب التهذيب في الثلاثي اطْمَأَنَّ قلبه إذا سكن واطْمَأَنَّتْ نفسه وهو مُطْمَئِنّ إلى كذا))(1)

وأما من جهة بيان دلالة هذه اللفظة فقد قال

ص: 78


1- لسان العرب مادة (طمن).

الراغب الأصفهاني (ت 502ه):(( طمن: الطمأنينة والاطمئنان السكون بعد الانزعاج،...))(1) وذكر في موضع آخر (( واطمأن وتطامن يتقاربان لفظا ومعنی.))(2)فهي من جملة ألفاظ حقل الرضى والسكينة.

ومن ألفاظ الغريب التي جاءت على صيغة الأفعال في المعنى الممنوح في الاستعمال قول الإمام علي (عليه السلام) في مرجعيات الحكم الصالح:«وَلاَ يَدْعُوَنَّکَ شَرَفُ امْرِئ إِلَى أَنْ تُعْظِمَ مِنْ بَلاَئِهِ مَا کَانَ صَغِيراً، وَلاَ ضَعَةُ امْرِئ إِلَى أَنْ تَسْتَصْغِرَ مِنْ بَلاَئِهِ مَا کَانَ عَظِيماً. وَارْدُدْ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ مَا يُضْلِعُکَ مِنَ الْخُطُوبِ، وَيَشْتَبِهُ عَلَيْکَ مِنَ الاُْمُورِ»(3)وقد وردت هذه اللفظة أيضا في دعاء عن الرسول

ص: 79


1- المفردات في غريب القرآن 524.
2- المفردات في غريب القرآن 524.
3- نهج البلاغة 434.

الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: «أَعوذُ بِكَ مِنْ ضَلَعِ الدَّينِ يعني ثقله حتَّی یُمِیلُ صاحِبَه عن الاستواءِ لِثِقَلِه»(1) وهذه اللفظة نص عليها ابن الجوزي (ت 597 ه) كونها من الغريب.

وجاء في توضيح هذه اللفظة قول ابن أبي الحديد ((ثم أمره أن يرد إلى الله ورسوله ما يضلعه من الخطوب أي ما يؤوده ويميله لثقله وهذه الرواية أصح من رواية من رواها بالظاء و إن كان لتلك وجه))(2)

وقال ابن منظور (ت711ه): ((والضَّلَعُ المَيْلُ وضَلَعَ عن الشيء بالفتح یَضْلَعُع ضَلْعاً بالتسكين مالَ وجَنَفَ على المثل وضَلَعَ عليه ضَلْعاً حافَ والضالِعُ الجائِرُ والضالِعُ المائِلُ ومنه قيل ضَلْعُكَ

ص: 80


1- غريب الحديث ابن الجوزي 2/ 16.
2- شرح ابن أبي الحديد 54 - 55.

مع فلان أَي مَیْلُكَ معه وهَواك... وفي الحديث أَنه صلى الله عليه [وآله] وسلم) قال اللّهُمَّ إنّي أعوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ و الحُزنِ و العَجزِ و الكَسَلِ و البُخلِ و الجُبنِ و ضَلَعِ الدِّينِ و غَلَبَةِ الرِّجالِ .حديث قال ابن الأَثير أَي ثِقَلِ الدَّيْنِ قال والضَّلَعُ الاعْوِجاجُ أَي يُثْقِلُه حتی یمیل صاحبُه عن الاستواءِ والاعتدال لثقله وفي حديث علي (عليه السلام) واْرْدُدْ إلى الله ورسوله مایُضْلِعُكَ من الخُطوبِ أَي يُثْقِلُكَ))(1).

ومما يطالعنا من الأفعال فعل الأمر (ألصق) الذي استعمله الإمام مرتين في سياقين مختلفين الأول في معايير المفاضلة بين الوزراء وذلك عند قوله (عليه السلام): «وَالْصَقْ بِأَهْلِ الْوَرَعِ وَالصِّدْقِ، ثُمَّ رُضْهُمْ عَلَى أَلاَّ يُطْرُوکَ وَلاَ يَبْجَحُوکَ بِبَاطِل لَمْ تَفْعَلْه»(2) وأما السياق الثاني فكان في اختيار

ص: 81


1- ينظر: لسان العرب مادة ( ضلع ).
2- نهج البلاغة 30.

الجيش في قوله (عليه السلام): « ثُمَّ الْصَقْ بِذَوِي الْمُرُوءَاتِ وَالاَْحْسَابِ، وَأَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ، وَالسَّوَابِقِ الْحَسَنَةِ، ثُمَّ أَهْلِ النَّجْدَةِ وَالشَّجَاعَةِ، وَالسَّخَاءِ وَالسَّمَاحَةِ؛ فَإِنَّهُمْ جِمَاعٌ مِنَ الْکَرَمِ، وَشُعَبٌ مِنَ الْعُرْفِ»(1).

والمراد من السياق الأول كما أراده الإمام فهو

يأمره بأن يلصق ((بأهل الورع كلمة فصيحة يقول اجعلهم خاصتك و خلصاءك. ثُمَّ رُضْهُمْ عَلَى أَلاَّ يُطْرُوکَ وَلاَ يَبْجَحُوکَ بِبَاطِل لَمْ تَفْعَلْهُ. ))(2).

أما المعنى العام للسياق الثاني فالمراد منه (( أن يلصق بذوي الأحساب وأهل البيوتات أي يكرمهم

ص: 82


1- نهج البلاغة 433
2- شرح نهج البلاغة17/ 45.

ويجعل معوله في ذلك عليهم ولا يتعداهم إلى غيرهم وكان يقال عليكم بذوي الأحساب فإن هم لم يتكرموا استحيوا . ثم ذكر بعدهم أهل الشجاعة والسخاء ثم قال إنها جماع من الكرم وشعب من العرف (من) هاهنا زائدة وإن كانت في الإيجاب على مذهب أبي الحسن الأخفش أي جماع الكرم أي يجمعه كقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ] الخمر جماع الإثم و العرف المعروف.))(1)والأظهر أنها لبيان الجنس أو التبعيض. والقول بزيادتها ليس مضطراً له ولا ضرورة تحتمه. وفي هذا التوجيه مساقاة؛ لأن الله تعالى يقول في محكم كتابه: «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ »(الاعراف 199).

وألصق من الألفاظ الغريبة التي ذكرها

ابن الأثير (ت 606ه) في النهاية إذ يقول: (( في

ص: 83


1- شرح نهج البلاغة 17/ 53.

حدیث قَيْس بن عاصم قال له رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: فكيف أنتَ عند القِرَى؟ قال: أُلْصِق بالناب الفانِيِة والضَّرَعِ الصغير أراد أنه يُلْصِق بها السيف فيُعَرْقِبُها للضيافة وفي حديث حاطب [ إنّْي كنتُ امْرَأ مُلْصَقاً في قُرَيش ] المُلْصَقْ: هو الرجُل المُقِيم في الحَيِّ وليس منهم بنَسب))(1).

ووردت هذه اللفظة في عدة لغات منها ((لَصِقَ به يَلْصَق لُصُوقاً وهي لغة تميم وقيس تقول لَسق بالسين وربيعة تقول لَرَق وهي أَقبحها إلا في أَشياء نصفها في حدودها والَتَصَقَ وأَلْصَقَ غیره... قال الراعي فقلتُ له أَلْصِقْ بأيْبَس ساقِها فإن نُحِرَ العُرْقُوُب لا يَرقأ النَّسَا... أَراد أَلْصِق السيف بساقها واعقِرْها...))(2).

ص: 84


1- النهاية في غريب الأثر ابن الأثير 249/4
2- لسان العرب مادة (لصق).

المبحث الثالث:غريب المصادر والمشتقات في عهد الإمام مالك

من جملة المصادر والمشتقات التي نراها غريبة، وقد وردت في عهد الإمام لواليه مالك الأشتر هي: ((استصلاح، الجحود، الشره، المساماة، الصغو، خلوف، بَالَّة، شكاة، الاستنامة، دعة، التَّريُّد والتسقط، اللجاجة، الاستئثار، التغابي، الإدغال، حدوة، متعتع، الناكل، وأشنأهم)) ويتناول هذا القسم بحث الألفاظ الغريبة في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك من ناحية الاشتقاق الذي نعني به تبیان الغرابة للألفاظ لا على أساس معرفة جذرها اللغوي من السامع أو القارئ بل هي قد تكون معروفة لديها جذراً لغوياً ومادّة معجمية وهي حاضرة في ذهنيها ولكنّ الصيغة الصرفية

ص: 85

التي جاءت عليها يندر أن تجيء لمثلها ولم يذكر الصرفيون اشتقاقاً لمادتها على النحو الذي جاء في کلام الإمام (عليه السلام).

بدأ الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) العهد بقوله: «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. هَذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللهِ عَلِيٌّ أَمِيرُالْمُؤْمِنِينَ مَالِكَ بْنَ الْحَارِثِ الْأَشْتَرَ فِي عَهْدِهِ إِلَيْهِ حِينَ وَلَّاهُ مِصْرَ جِبَايَةَ خَرَاجِهَا وَ جِهَادَ عَدُوِّهَا وَ اسْتِصْلَاحَ أَهْلِهَا وَ عِمَارَةَ بِلَادِهَا؛ أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللَّهِ وَ إِيْثَارِ طَاعَتِهِ وَ اتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِهِ فِي كِتَابِهِ مِنْ فَرَائِضِهِ وَ سُنَنِهِ الَّتِي لَا يَسْعَدُ أَحَدٌ إِلَّا بِاتِّبَاعِهَا وَ لَا يَشْقَى إِلَّا مَعَ جُحُودِهَا وَ إِضَاعَتِهَا»(1)

بعد أن بدأ أمير المؤمنين كتابه بالبسملة إذ إنّ

هذا العهد كان ككتاب مستقل افتتحه بالبسملة وإلا فليس في باقي كتبه ووصاياه وعهوده بسملة.

ص: 86


1- نهج البلاغة 426-427 .

ابتدأ الإمام (عليه السلام) عهده إلى واليه بتقديم العبودية بين يدي الله تعالى ثم الإمارة مقرونة بواليه ليلج منها إلى كل ما أوصاه به من سياسة الرعية وتدبير أمر الولاية، فكان من جملة مداخل عهده استعمال ألفاظ الغريب على هيأة مصادر.

وجاء اختيار لفظة (استصلاح) الواردة في العهد من المصادر الغريبة في الصياغة ولا سيما أن صاحب العين، الذي حاول إيراد المستعمل في زمنه مما اشتهر بين الناس لم يوردها في مادة (صلح).(1)

وجاء في منهج السعادة ما رواه الصدوق قوله: ((منعناعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: المروءة استصلاح المال)).(2) وفي هذا السياق

ص: 87


1- العين 3/ 117. مادة (صلح).
2- رواه الصدوق في الحديث السادس من الباب 105، من الجزء الثاني، من معاني الأخبار: 258. ينظر: نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة 7/ 228

يذكر ابن أبي الحديد دعاء أمير المؤمنين (عليه السلام) وكان يدعو به زین العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) وهو من أدعية الصحيفة: (( فمن أجهل مني يا سيدي برشدك، ومن أغفل مني عن حظه منك، ومن أبعد مني من استصلاح نفسه حين أنفقت ما أجريت علي من رزقك فيها نهيتني عنه من معصيتك، ومن أبعد غورا في الباطل وأشد إقداما على السوء مني حين أقف بين دعوتك ودعوة الشيطان))(1).

وجاءت هذه اللفظة في سياق آخر من العهد في السياسة الحكيمة للمحافظين وكبار الموظفين في قول الإمام: « ثُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِمُ الاَْرْزَاقَ، فَإِنَّ ذَلِکَ قُوَّةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِصْلاَحِ أَنْفُسِهِمْ، وَغِنًى لَهُمْ عَنْ تَنَاوُلِ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ، وَحُجَّةٌ عَلَيْهِمْ إِنْ خَالَفُوا أَمْرَکَ أَوْ

ص: 88


1- الصحيفة السجادية 86. وينظر : شرح نهج البلاغة 6 / 181.

ثَلَمُوا أَمَانَتَکَ. ثُمَّ تَفَقَّدْ أَعْمَالَهُمْ، وَابْعَثِ الْعُيُونَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ تَعَاهُدَکَ فِي السِّرِّ لاِمُورِهِمْ حَدْوَةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الاْمَانَةِ، وَالرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ. وَتَحَفَّظْ مِنَ الاْعْوَانِ»(1).

وغرابة هذه اللفظة تكون في المعنى الممنوح

لها في الاستعال إذ إن هذه اللفظة فيها تكلف ومشقة وتعب بعکس اشتقاقاتها الأخرى من قبيل (أصلحهم، ويصلحهم، وصالحوا، وتصالحوا) وغيرها مما لا نجد فيها هذا المعنى.

ومما يطالعنا في النص الأول للعهد لفظة

الجحود) وهي مصدر وتعني في اللغة : ((الإِنكار مع العلم))(2)و ((يقال جَحَده حَقَّه وجده بحقه وبابه

ص: 89


1- نهج البلاغة 435.
2- الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية مادة (جحد).

قَطَع وخَضَع.))(1) ویری ابن منظور (ت 711ه) أن الجحود:(( نقيض الإِقرار كالإِنكار والمعرفة جَحَدَهُ يَجْحَدُه جَحْداً وجُحوداً))(2)و (( جَحَدَهُ حَقَّهُ وبِحَقِّهِ

جَحْداً وجُحُوداً آَنْکَرَهُ َولَا يَكَونُ إلَّا عَلَى عِلْمٍ مِنْ الجَاحِدِبِهِ))(3)وقولهم مرة (نقیض) ومرة (ضد) كما في قول الأزهري (ت 370ه) فيما رواه عن الليث ((قال الليث: الجحود: ضد الاقرار.))(4)يوحي بأنها من الألفاظ المتقابلة، ولكن الإقرار يقابله الإنكار ولا يقابله الجحود لأن اختيار الإمام (عليه السلام) واستعماله لهذه اللفظة دون غيرها كأمثال نفيها أو عدم اقرارها فضلا عن كونها مصدرا بحد ذاته يدل على الحدث يجعله دالا على

ص: 90


1- مختار الصحاح 93.
2- لسان العرب مادة (جحد).
3- المصباح المنير 1/ 72.
4- تهذيب اللغة مادة (جحد) .

الثبات والاستقرار، فالشقاء في هذه الحياة يكون مع الإنكار لهذه الأوامر مع العلم بها وهذه طامة كبرى في حياة الإنسان.

وجعل سیبویه (ت 180 ه) هذه اللفظة من النادر الذي لا يقاس عليه وذلك بقوله: ((وقد جاء على فعلا نحو الشكران والغفران. وقالوا: الشکور کا قالوا: الجحود. فإنا هذا الأقل نوادر تحفظ عن العرب ولا يقاس عليها، ولكن الأكثر يقاس عليه.))(1) جاء ذلك في ((باب بناء الأفعال التي هي أعمال تعداك إلى غيرك وتوقعها به ومصادرها))(2) وقال فيه أيضاً((وقد جاء بعض ما ذكرنا من هذه الأبنية على فُعول. وذلك: لزمه يلزمه لزوماً، ونهکه اینه که نهوكاً، ووردت وروداً، وجحدته جُحُوداً شبهوه بجلس جلوساً، وقعد يقعد قعوداً، ورکن

ص: 91


1- الكتاب 6/ 8.
2- الكتاب 4/ 5.

پرکن رکوناً، لأن بناء الفعل واحد.))(1).

وقد جعله ابن سيده (ت 458 ه) في أبواب

التفي إذ يقول: ((النّفي ضدُّ الإِيجاب، نفيتُه نَفْياً وأهل المنطق يسمونه سَلْبًا. صاحب العين: الجُحودُ: نقيض الإِقرار جَحَدَه يجحَده جَحْداً ))(2)

وزيادة على ما ذكر فإن أبا هلال العسكري (ت 395ه) فرّق بين لفظتي (الجحد والجحود) بقوله: ((إن الجحد أخص من الإنكار وذلك أن الجحد انکار الشيء الظاهر، والشاهد قوله تعالى :

«بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ »(الأعراف 51)، فجعل الجحد

مما تدل عليه الآيات ولا يكون ذلك إلا ظاهرة قال تعالى : يعرفون بنعمة الله ثم ينكرونها که (النحل 83) فجعل الانكار للنعمة؛ لأن النعمة قد تكون

ص: 92


1- الكتاب 5/6
2- المخصص 261/3

خافية، ويجوز أن يقال الجحدهو انکار الشيء مع العلم به والشاهد قوله «وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ »(النمل 14) فجعل الجحد مع اليقين، والانكار یكون مع العلم وغير العلم.))(1)

ونقل عن المبردات 280 ه) قوله: ((لا يكون الجحود إلا بما يعلمه الجاحد كما قال الله تعالى:

فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ))(2)

وخلاصة ما تقدم يتبين لنا أن استعمال لفظة (الجحود أكثر دقة من استعمال لفظة (الجحد) على الرغم من أن كلا اللفظتين من المصادر وذلك لأن الجحد يقتضي النفي بعلم أو بغير علم أما الجحود فيقضي الإنكار للأوامر مع العلم بها وهو من

ص: 93


1- معجم الفروق اللغوية 109/1
2- معجم الفروق اللغوية 109/1

الغريب النادر المستعمل.

ومن غریب المصادر الواردة في عهد الإمام علي (عليه السلام) لعامله لفظة ( المساماة) في قول أمير المؤمنين ( عليه السلام): «إإِيَّاکَ وَ مُسَامَاةَ اللهِ فِي عَظَمَتِهِ، وَالتَّشَبُّهَ بِهِ فِي جَبَرُوتِهِ، فَإِنَّ اللهَ يُذِلُّ کُلَّ جَبَّار وَ يُهِينُ کُلَّ مُخْتَال»(1).

ففي النص يحذر الإمام علي (عليه السلام)

ويستعمل لفظة ( المساماة) وتعني المفاخرة ((قال أبو عمرو : المساما المفاخرة.))(2) وهي مأخوذة من سا بمعنى السمو وهو العلو والارتفاع ((االسُّمُوُّ: الارْتِفاعُ والعُلُوُّ، تقول منه: سَمَوْتُ وسَمَيْتُ مِثْلَ عَلَوْت وعَلَيْت وسَلَوْت وسَلَيْت؛ عَنْ ثَعْلَبٍ. وسَمَا الشيءُ يَسْمُو سُمُوّاً، فَهُوَ سامٍ: ارْتَفَع. وسَمَا بِهِ وأَسْماهُ:

ص: 94


1- نهج البلاغة 428.
2- لسان العرب مادة (سما).

أَعلاهُ. وَيُقَالُ للحَسيب وَلِلشَّرِيفِ: قَدْ سَما. وَإِذَا رَفَعْتَ بَصَرك إِلَى الشَّيْءِ قُلْتَ: سَما إِلَيْهِ بَصَرِي، وَإِذَا رُفِعَ لَكَ شيءٌ مِنْ بعيدٍ فاسْتَبَنْتَه قُلْتُ: سَما لِي شيءٌ. وسَما لِي شخصُ فُلَانٍ: ارْتَفَع حَتَّى اسْتَثْبَتّه. وسَمَا بصرُه: عَلَاه...))(1).

والمساماة التباري في الشيء والمفاخرة به والذي يؤكد ذلك قول ابن منظور: (( وتَسامَوْا أَي

تَبارَوْا... وفي حديث عائشة الذي رُوِيَ في أَهلِ الإفْكِ: إنه

لم يكن في نِساءِ النبيّ، صلى الله عليه وسلم، امرأَةٌ تُسامِيها غيرُ

زَيْنَبَ فَعَصَمها الله تعالى، ومعنى تُسامِيها أَي تُبارِيها وتُفاخِرُها... وفي الحديث: قالت زينبُ يا

رسولَ الله أَحْمِي سَمْعي وبَصَري وهي التي كانت تُسامِينِي منهنّ أَي

تُعاليني وتفاخِرُني، وهي مُفاعَلة من السُّموّ أَي تُطاوِلُنِي في

الحُظْوة عنده؛ ومنه

ص: 95


1- تهذيب اللغة مادة (سما)، لسان العرب مادة (سما).

حديث أَهلِ أُحُدٍ: أَنهم خرَجُوا بسيُوفِهم يَتسامَوْنَ

كأَنهمُ الفُحول أي يَتبارَوْنَ ويَتفاخَرُون، ويجوز أَن يكون يَتداعَوْن

بأَسمائهم))(1) ومساماة الله تعالى مباراته في السمو وهو العلو(2)ولعلنا نلمح الدقة في اختيار لفظة المساماة دون المفاخرة والمباراة لأنها تختصان بالبشر وبالأشياء المادية الزائلة والزائفة وأما المساماة فهي تختص بالله خالق الخلق ومبدعه، فالحذر كل الحذر من التشبه بالله في جبروته وعظمته لأنه يذل كل جبار ويهين كل محتال؛ فهو درس تربوي وأخلاقي يعرضه الإمام في هذه الأسطر القليلة من كتابه هذا.

ومن المصادر التي وردت في العهد، ونراها من الغريب النادر لفظة (خلوف) في قول الإمام علي (عليه السلام) في اختيار قادة الجيش:((

وَلْيَکُنْ آثَرُ

ص: 96


1- لسان العرب مادة (سما)
2- شرح نهج البلاغة 17/ 34.

رُءُوسِ جُنْدِکَ عِنْدَکَ مَنْ وَاسَاهُمْ فِي مَعُونَتِهِ، وَأَفْضَلَ عَلَيْهِمْ مِنْ جِدَتِهِ، بِمَا يَسَعُهُمْ وَيَسَعُ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ خُلُوفِ أَهْلِيهِمْ، حَتَّى يَکُونَ هَمُّهُمْ هَمّاً وَاحِداً فِي جِهَادِ الْعَدُوِّ...))(1).

وشرح ابن أبي الحديد هذا القول للإمام (عليه السلام) وذكر أن هذه الأوامر جاءت في جملة الوصايا فيما يتعلق بأمراء الجيش بقوله:(( وأمره أن يكون آثر رءوس جنوده عنده وأحظاهم عنده وأقربهم إليه من واساهم في معونته هذا هو الضمير الدال على أن الضمير المذكور أولا للجندلا لأمراء الجند لولا ذلك لما انتظم الكلام. قوله من خلوف أهليهم أي ممن يخلفونه من أولادهم وأهليهم .))(2) وجاء في المعنى اللغوي لهذه اللفظة: (( الخَلْفُ ضدّ

ص: 97


1- نهج البلاغة 433.
2- شرح نهج البلاغة 17/ 54. وينظر الصفحة 52من الكتاب

قُدّام. قال ابن سيده: خَلْفٌ نَقِيضُ قُدَّام

مؤنثة وهي تكون اسماً وظَرفاً))(1)، وذكر ابن الجوزي (ت597ه) في غريبه كلمة ( الخلوف) بقوله: ((في الحديثِ والحَيُّ خُلُوفٌ أي قَدْ ذَهَبَ الرِّجَالُ وبَقِيَ النِّسَاءُ)) (2)وقال في موضع آخر: (قوله لَخُلُوف فم الصّائم، الخاء مضمومة، وهو تغيُّره بالصّوم، وسُئِلَ عَلِيُّ (عليه السلام) عن قُبْلَةِ الصَّائِمِ فقال ما أَرَبُكَ إِلى خُلُوفٍ فيها ويقال يَوْمُ الضُّحَی

مُخلِفَهٌ لِلْفَمِ أي

مُغَيِّرَةٌ ))(3).

لقد وظف الإمام علي (عليه السلام) المعنى اللغوي لهذه اللفظة خير توظيف إذ استعمله بمعنی ما يخلفه الرجل من الأولاد والأهل، والخلف یکون ضد القدام وما يخلفه الشخص فهو ما يتركه خلفه

ص: 98


1- لسان العرب مادة (خلف).
2- غريب الحديث ابن الجوزي 1/ 297.
3- المصدر السابق 1/ 298.

من الأهل والولد. على الرغم من اختصاصها بالفم وأنها تأتي في معنى التغيير.

ومن المصادر الأخرى لفظة (الاستنامة) الواردة في العهد في كلام الإمام (عليه السلام) عن الديوان الوظيفي، واختيار كتّابه إذ يقول: «فَإِنَّ الْجَاهِلَ بِقَدْرِ نَفْسِهِ يَکُونُ بِقَدْرِ غَيْرِهِ أَجْهَلَ. ثُمَّ لاَ يَکُنِ اخْتِيَارُکَ إِيَّاهُمْ عَلَى فِرَاسَتِکَ وَاسْتِنَامَتِکَ وَحُسْنِ الظَّنِّ مِنْکَ،»(1)

ومما ورد من هذه المادة اللغوية أنها مشتقة من ((نَامَ يَنَامُ نَوْمًا وَمَنَامًا. وَهُوَ نَؤُومٌ وَنُوَمَةٌ: كَثِيرُ النَّوْمِ. وَرَجُلٌ نَوْمَةٌ: خَامِلٌ لَا يُؤْبَهُ لَهُ. وَمِنْهُ اسْتَنَامَ لِي فُلَانٌ، إِذَا اطْمَأَنَّ إِلَيْهِ وَسَكَنَ. وَالْمَنَامَةُ: الْقَطِيفَةُ، لِأَنَّهُ يُنَامُ فِيهَا.

وَيَسْتَعِيرُونَ مِنْهُ: نَامَتِ السُّوقُ:

ص: 99


1- نهج البلاغة 437.

كَسَدَتْ. وَنَامَ الثَّوْبُ: أَخْلَقَ

))(1)وكذلك قولهم: ((واسْتَنام وتَناوَم: طلب النَّوْم. واسْتنامَ الرجلُ: بمعنى

تَناوَم شهوة للنوم؛ وأَنشد للعجاج:

إذا اسْتنامَ راعَه النَّجِيُّ

واسْتنامَ أَيضاً إذا سَكَن))(2)

فلفظة ( الاستنامة) إذا تعني السكون والثقة(3) ومما جاء في بيان ودلالة السياق الوارد في العهد هو (( أن يكون عارفا بنفسه فمن لم يعرف قدر نفسه لم يعرف قدر غيره. ثم نهاه أن يكون مستند اختياره لهؤلاء فراسته فيهم وغلبة ظنه بأحوالهم فإن التدليس ينم في ذلك كثيرا وما زال الكتاب يتصنعون للأمراء بحسن الظاهر، وليس وراء ذلك كثير طائل في النصيحة والمعرفة ولكن ينبغي أن يرجع في ذلك

ص: 100


1- مقاییس اللغة 5/ 298. مادة ( نوم).
2- لسان العرب 12/ 595. مادة ( نوم).
3- ينظر : نهج البلاغة 700.

إلى ما حكمت))(1) وعليه فإن استعمال الإمام (عليه السلام) لهذه اللفظة دون غيرها من ألفاظ السكون والاطمئنان يعطي النص علوا وفصاحة لا تتأتي مع غيرها من الألفاظ.

ومما لا شك فيه أن معرفة السياق الذي وضعت فيه اللفظة وقت استعمالها لها بالغ الأثر في بیان دلالتها ووضوح معناها، نرى ذلك في سياق قول الإمام علي (عليه السلام) في عهده في العفو والرأفة إذ يقول: «و وَ لَا تَقُولَنَّ إِنِّي مُؤَمَّرٌ آمُرُ فَأُطَاعُ، فَإِنَّ ذَلِكَ إِدْغَالٌ فِي الْقَلْبِ وَ مَنْهَكَةٌ لِلدِّينِ وَ تَقَرُّبٌ مِنَ الْغِيَرِ»(2) وشرحها ابن أبي الحديد بقوله: ((ولا تقولن إني مؤمر أي لا تقل إني أمير ووال آمر بالشيء فأطاع))(3)أما الإدغال فهو ((الإفساد ومنهكة

ص: 101


1- شرح نهج البلاغة 17/ 78.
2- نهج البلاغة 428.
3- شرح نهج البلاغة17/ 33.

للدين ضعف وسقم ))(1) .

واستعمل الإمام علي (عليه السلام) هذه اللفظة ووظفها في نص آخر من نهج البلاغة وفي خطبة خطبها بصفين في حق الوالي وحق الرعية بقوله: « وَ إِذَا غَلَبَتِ الرَّعِيَّةُ وَالِيَهَا أَوْ أَجْحَفَ الْوَالِي بِرَعِيَّتِهِ، اخْتَلَفَتْ هُنَالِكَ الْكَلِمَةُ وَ ظَهَرَتْ مَعَالِمُ الْجَوْرِ وَ كَثُرَ الْإِدْغَالُ فِي الدِّينِ وَ تُرِكَتْ مَحَاجُّ السُّنَنِ، فَعُمِلَ بِالْهَوَى وَ عُطِّلَتِ الْأَحْكَامُ وَ كَثُرَتْ عِلَلُ النُّفُوسِ، فَلَا يُسْتَوْحَشُ لِعَظِيمِ حَقٍّ عُطِّلَ وَ لَا لِعَظِيمِ بَاطِلٍ فُعِلَ، فَهُنَالِكَ تَذِلُّ الْأَبْرَارُ وَ تَعِزُّ الْأَشْرَارُ وَ تَعْظُمُ تَبِعَاتُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عِنْدَ الْعِبَادِ»(2).

ا

وجاء في سياق آخر من العهد قوله (عليه السلام) في رجحان السياسات السلمية والالتزام

ص: 102


1- شرح نهج البلاغة17/ 34.
2- نهج البلاغة 333-334.

بالاتفاقيات ووردت فيه هذه اللفظة: (( وَقَدْ جَعَلَ اللهُ عَهْدَهُ وَذِمَّتَهُ أَمْناً أَفْضَاهُ بَيْنَ الْعِبَادِ بِرَحْمَتِهِ، وَحَرِيماً يَسْکُنُونَ إِلَى مَنَعَتِهِ، وَيَسْتَفِيضُونَ إِلَى جِوَارِهِ، فَلاَ إِدْغَالَ وَلاَ مُدَالَسَةَ وَلاَ خِدَاعَ فِيهِ. وَلاَ تَعْقِدْ عَقْداً تُجَوِّزُ فِيهِ الْعِلَلَ))(1).

فقد وردت كلمة (الإدغال) وهي مصدر من الفعل أدغل إدغالا، والإدغال على ما يبدو أنها من الألفاظ المشتركة التي تكون لها عدة دلالات تعني الفساد، وتعني الشجر الكثير الملتفُّ وقيل هو اشتباك النبت وكثرته وقيل الممل كل موضع يخاف فيه الاغتيال والجمع أدغال وغال(2).

وذکر سیبویه (ت 180 ه) ذلك في ((باب مصادر ما لحقته الزوائد من الفعل من بنات الثلاثة فالمصدر

ص: 103


1- نهج البلاغة 442-443.
2- ينظر: لسان العرب مادة (دغل).

على أفعلت إفعالاً، أبداً. وذلك قولك: أعطيت إعطاءً، وأخرجت إخراجاً))(1).

ووظف الإمام علي (عليه السلام) لفظة الإدغال وهي مصدر بمعنى الفساد ولذلك جاء مرة معلقا بالجار والمجرور (في القلب) وأخرى

في الدين) لأن أخطر ما تمر به الأمة هو الفساد في القلب وكذلك الفساد في الدين ((وهو أن يدخل في الشيء ما ليس منه وهو الإبداع والتلبيس. وبفتح الهمزة: جمع الدغل - کجبل - وهو الفساد...))(2)

وقد ظهر في العهد لفظ (حلوة) والذي يبدو للوهلة الأولى أنها من المصدر الدال على المرة، وذلك في سياق قول الإمام علي (عليه السلام) بقوله: «.. فَإِنَّ تَعَاهُدَکَ فِي السِّرِّ لاِمُورِهِمْ حَدْوَةٌ

ص: 104


1- الكتاب 4/ 78.
2- نهج السعادة 2/ 180.

لَهُمْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الاْمَانَةِ، وَالرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ. وَتَحَفَّظْ مِنَ الاْعْوَانِ...»(1)وذكر ابن أبي الحديد في توضيح هذه اللفظة ((وحدوة باعث يُقال: حداني هذا الأمر حُدْوةً على كذأ وأصله؛ سوق الإبل و يُقال: للشّمْأل

حَدْواء؛ لأنَّها تسوق السحاب .))(2) وظاهر غرابة التركيب في (حَدْوة) أنّها جاءت علی زنة (المرّة) وليس الموضع موضع مرة ولكنّه موضع المصدر الداّل على الحدث بعينها لا بعدد مراته والمعنى: (فإن تعاهدك في السرِّ لأمورهم حَدْوٌ لهم ...) إذ ذكر الصرفيون قیاس (فَعَلَ) إذا كان متعدياً فمصدره على زنة (فَعْل) إذ ذكر الخليل: ((حدا يحدو حَدْواً وأعرفه حُداءً ممدود إذا رجز الحادي خلف الإبل وَحَدا يحدو حَدْواً إذا تبع شيئا))(3)

ص: 105


1- نهج البلاغة 435.
2- شرح نهج البلاغة 70/17
3- العين مادة (ح دی).

وقال ابن دريد: ((حدوتُ الإبل أحدوها حدْواً))(1) ولم يذكر ابن السکِّیت (الحَدْوة) في باب (فَعْلة وفُعْلة) ولا في باب (فَعْلة وفُعْلة وفِعْلة) ولا في باب (فَعْلة وفِعْلة)(2). ولم أجد في ما وقع بين يدي من المعجنات والكتب من أشار إلى (حدوة) ولو حتى بمعنى المرّة إلّا أنَّ ابن أبي الحديد يقول في معرض شرحه للكلام:(وحدوة باعث يُقال: حداني هذا الأمر حَدْوةً على كذا وأصله؛ سَوْق الإبل ويُقال : للشّمْال حَدْواء؛ لأنَّها تسوق السحاب) ولا أدري من أين جاء بقوله: (حداني هذا الأمر ...) ولعلّه أراد (حَدْوة من حداني هذا الأمر حَدْوة) أي لبيان اشتقاقها وإلّا فإنَّ قوله: (يقال ... ) يوهم بأنَّ هذا التصريف مسموع عند العرب ولم نجد له ذكراً في

ص: 106


1- الاشتقاق 406.
2- ينظر: اصلاح المنطق 127 - 131،130 - 133.

كتب اللغة(1) .

وجاء في العهد مجموعة قليلة من المشتقات لعل من أبرزها ((الناكل، متعتع، أشنأهم)) ونبدأ أولا في لفظة (الناكل) وهي اسم فاعل من الفعل ( نکل) التي جاءت في سياق قول الإمام علي (عليه السلام) عن ولاة الأقاليم إذ يقول: (( وَ وَاصِلْ فِي حُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ، وَتَعْدِيدِ مَا أَبْلَى ذَوُو الْبَلاَءِ مِنْهُمْ؛ فَإِنَّ کَثْرَةَ الذِّکْرِ لِحُسْنِ أَفْعَالِهِمْ تَهُزُّ الشُّجَاعَ وَتُحَرِّضُ النَّاکِلَ، إِنْ شَاءَ اللهُ. ثُمَّ اعْرِفْ لِکُلِّ امْرِئ مِنْهُمْ مَا أَبْلَى، وَلاَ تَضُمَّنَّ بَلاَءَ امْرِئ إِلَى غَيْرِهِ، وَلاَ تُقَصِّرَنَّ بِهِ دُونَ غَايَةِ بَلاَئِهِ))(2)وجاء هذا القول في سياق جملة من الأوامر التي وجهها الإمام علي (عليه السلام) في کتابه وتحديدا ((أمره أن يذكر في المجالس والمحافل بلاء ذوي البلاء منهم فإن ذلك مما يرهف عزم

ص: 107


1- ينظر : غريب نهج البلاغة أسبابه 149.
2- نهج البلاغة 434.

الشجاع ويحرك الجبان. قوله ولا تضمن بلاء امرئ إلى غيره أي أذكر كل من أبلى منهم مفردا غير مضموم ذکر بلائه إلى غيره كي لا يكون مغمورا في جنب ذكر غيره. ))(1)

والمعنى المعجمي لهذه اللفظة هو الجبن

والصرف عن الشيء جاء ذلك في لسان العرب بقوله: ((نكل عنه كضرب ونصر وعلم نکولاً نكص وجبن ) ویَنْکُل نُکولاً ونَکِلَ نَکَصَ يقال

نَکَل عن العدوّ وعن اليمين يَنْكُل بالضم أَي جَبُنَ ونَكَّله عن الشيء صرفه عنه ويقال نکَل الرجل عن الأَمر يَنْکُل نُکولاً إِذا جَبُنَ عنه ولغة أُخرى نَكِل بالكسر یَنْکَل والأُولى أَجود الليث النّكل))(2)

وهذه اللفظة وردت بصيغة مصدر آخر غير

ص: 108


1- شرح نهج البلاغة 17/ 54.
2- لسان العرب مادة (نکل).

نکول) الواردة في المعجمات في القرآن الكريم في قوله تعالى: «وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ و» (المائدة38) وقوله تعالى: «فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا »(البقرة 66) ووردت مرة أخرى بصيغة الجمع في قوله تعالى: «إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا »(المزمل12) ولكن الإمام (عليه السلام) استعمل هذه اللفظة بصيغة اسم الفاعل وهي صيغة جديدة حاول الإمام استعمالها من باب تكثيف الدلالة لهذه اللفظة.

أما لفظة (متعتع فجاءت في عهده (عليه السلام) في ضرورة الاتصال الدائم والمباشر بين الحاكم والمواطنين وذلك بقوله: «ووَتُقْعِدُ عَنْهُمْ جُنْدَکَ وَأَعْوَانَکَ مِنْ أَحْرَاسِکَ وَشُرَطِکَ، حَتَّى يُکَلِّمَکَ مُتَکَلِّمُهُمْ غَيْرَ مُتَتَعْتِع، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلّى الله عليه و آله و سلم يَقُولُ فِي غَيْرِ مَوْطِن َلنْ تُقَدَّسَ

ص: 109

أُمَّةٌ لاَ يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّهُ مِنَ الْقَوِيِّ غَيْرَ مُتَتَعْتِع». ثُمَّ احْتَمِلِ الْخُرْقَ مِنْهُمْ وَ الْعِيَّ، وَ نَحِّ عَنْهُمُ الضِّيقَ وَالاْنَفَ يَبْسُطِ اللهُ عَلَيْکَ بِذَلِکَ أَکْنَافَ رَحْمَتِهِ، وَيُوجِبْ لَکَ ثَوَابَ طَاعَتِهِ »(1).

والتعتعة في الأصل للكلام، ولكن الإمام (عليه السلام) استعملها على الأصل وغيره وهذا ما کسب النص بلاغة وفصاحة وعلوا في سياقه حينما جعل اللفظة في شيء معنوي وهو أخذ الحق للضعيف من القوي، لأن هذا الأمر يتطلب عدم التلكؤ وعدم التعتعة، وهو ما أكده با سمعه من الرسول (صلى الله عليه وآله) فضلا عما قدم به كلامه من عدم تعتعة من يتكلم في حضرته، ومما ورد من هذه المادة اللغوية ما قاله المعجميون من أن (التعْتعةُ في الكلام أَن يَعْيَا بكلامه ویتَرَدَّد

من

ص: 110


1- نهج البلاغة 439 - 440.

حَصْر أوعِيٍّ وقد تَعْتَعَ في كلامه وتَعْتَعه العِیُّ)) (1)

ومن المشتقات الأخرى في العهد لفظة (أشنأهم) وهي أفعل التفضيل من الشنآن ويلحظ ذلك في قوله (عليه السلام): «ووَلْيَکُنْ أَبْعَدَ رَعِيَّتِکَ مِنْکَ وَأَشْنَأَهُمْ عِنْدَکَ، أَطْلَبُهُمْ لِمَعَائِبِ النَّاسِ؛ فَإِنَّ فِي النَّاسِ عُيُوباً الْوَالِي أَحَقُّ مَنْ سَتَرَهَا، فَلاَ تَکْشِفَنَّ عَمَّا غَابَ عَنْکَ مِنْهَا، فَإِنَّمَا عَلَيْکَ تَطْهِيرُ مَا ظَهَرَ لَکَ»(2) فإنه استعمل لفظة ( وأشنأهم التي يراد بها ((الشَّناءة مثل الشَّناعةِ البُغْضُ

))(3) وهي مما نضعه في قائمة اسم التفضيل وغریب الوزن فيها ذلك أنها لم ترد بهذه الصيغة في القرآن إذ ورد قوله تعالى : «وَلا يَجْرِمَنَّكم شَنَآنُ قَومٍ » (المائدة 2، 8) وقرئَ بها

ص: 111


1- لسان العرب مادة (تعع)، وينظر : مقايس اللغة مادة (تعع)، الصحاح في اللغة مادة (تعتع).
2- نهج البلاغة 429.
3- لسان العرب مادة (شنا).

أي بفتح النون وإسكانها ((وشَنَآناً وشَنْآناً، بالتحريك والتسكين: أَبْغَضَه... فمن سكَّن، فقد يكون مصدراً كَلَيَّان، ويكون صفة كَسَكْرانَ، أَي مُبْغِضُ قوم. قال الجوهري: وهو شاذ في اللفظ لأَنه لم يجئْ شيءٌ من المصادر عليه. ومن حرَّك، فانما هو شاذ في المعنى لأَن فَعَلانَ إِنما هو من بِناءِ ما كان معناه الحركةَ والاضْطِرابَ كالضَّرَبانِ والخَفَقَانِ))(1).

أما في التهذيب فقد ذكر أن ((الشَّنَآنُ مصدر على فَعَلان كالنَّزَوانِ والضَّرَبانِ. وقرأَ عاصم: شَنْآن، بإِسكان النون، وهذا يكون اسماً كأنه قال: ولا يَجْرِمَنَّكم بَغِيضُ قوم))(2) وفي التنزيل العزيز قوله تعالى: «إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ » (الكوثر 3) وقال الفَّراءُ في تفسير الآية أنّ الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه [وآله] وسلم إِنَّ شانِئَکَ أَیْ مُبْغِضَکَ وعَدُوَّكَ

ص: 112


1- لسان العرب مادة (شنا ).
2- تهذيب اللغة مادة (شنا).

هُوَ الْأَبْتَرُ(1).

غريب هذه اللفظة من كونها جاءت على هذه الصيغة (أفعل) والمعروف لدى الصرفيين أنهم وضعوا عدة شروط في صياغة اسم التفضيل، بلغت الثمانية؛(2) منها لا يُصاغ من العيوب والخلال الظاهرة والألوان، عند البصريين، وأجاز الكوفيّون صياغته، من نحو: (أسود منه) وغيرها، أمّا ما كان عيباً باطناً على (فعل)، فجائز عند البصريين؛ من نحو: (آبْلَه منه)، و (أحمق منه). ولكن (أشنأ) جاءت على وزن ( أفعل ) واستعملها الإمام (عليه السلام) من باب اختلاف الصيغة وندرة الاستعمال.

ص: 113


1- ينظر: معاني القرآن 3/ 296.
2- ينظر: الكتاب 2/ 252251، شرح الكافية للرضي 2/ 235 .

المبحث الرابع:غريب الجموع في العهد.

من الألفاظ التي وردت في العهد من الجموع ونرى أنها غريبة هي (الجمحات) التي وردت بصيغة الجمع في قوله (عليه السلام): «فَإِنَّهُ جَلَّ اسْمُهُ قَدْ تَكَفَّلَ بِنَصْرِ مَنْ نَصَرَهُ وَ إِعْزَازِ مَنْ أَعَزَّهُ. وَ أَمَرَهُ أَنْ يَكْسِرَ نَفْسَهُ مِنَ الشَّهَوَاتِ وَ يَزَعَهَا عِنْدَ الْجَمَحَاتِ، فَإِنَّ النَّفْسَ أَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ اللَّهُ.»(1).

وورد في المعجمات أن ((الجمحات من جمح الفرس براكبه ذهب يجري جريا غالبا واعتزّ فارسه وغلبه، يقال: دابة ما بهارمحة ولا جمحة))(2) وعليه

ص: 114


1- نهج البلاغة 427.
2- ينظر: أساس البلاغة 63 (جمع)، ولسان العرب مادة

فإن الجمحات منازعة النفس على شهواتها ومآربها ونزعها بكفها.

وقد ذكر سيبويه هذا النوع من الجمع في ((باب جمع الاسم الذي في آخره هاء التأنيث زعم یونس أنَّك إذا سمّيت رجلا طلحة أو امرأة أو سلمة أو جبلة، ثم أردت أن تجمع جمعته بالتاء، کہا کنت جامعه قبل أن يكون اسماً لرجل أو امرأة على الأصل. ألا تراهم وصفوا المذكّر والمؤنث، قالوا: رجل ربعة وجمعوها بالتاء : فقالوا ربعات ولم يقولوا: ربعون. وقالوا: طلحة الطلحات ولم يقولوا: طلحة الطَّلحين. فهذا يجمع على الأصل لا يتغيّر عن ذلك، كما أنَّه إذا صار وصفا للمذكر لم تذهب الهاء.))(1)وعليه فالكلمة التي استعملها الإمام (عليه السلام) جاءت على الأصل الذي وضعت

ص: 115


1- الكتاب 3/ 265.

له في اللغة.

ومن أسماء الجموع الواردة في العهد لفظتان هما أهل البؤسی) و (أهل الزمني) الدالة على الجنس،

ولم نجد لهاتين اللفظتين ذكر لا في المعجمات ولا في کتب غريب الحديث ولا حتى في كتب اللغة سوى ما وقف عندها أصحاب شروح النهج؛ ولعله من الغريب القليل الذي استعمله الإمام (عليه السلام) وذلك في سياق كلامه عن حقوق أصحاب الدخل المحدود والاحتياجات الخاصة إذ يقول: «ثُمَّ اللهَ اللهَ فِي الطَّبَقَةِ السُّفْلَى مِنَ الَّذِينَ لاَ حِيلَةَ لَهُمْ، مِنَ الْمَسَاکِينِ وَالْمُحْتَاجِينَ وَأَهْلِ الْبُؤْسَى وَ الزَّمْنَى، فَإِنَّ فِي هَذِهِ الطَّبَقَةِ قَانِعاً وَمُعْتَرّاً، وَاحْفَظ لِلَّهِ مَا اسْتَحْفَظَکَ مِنْ حَقِّهِ فِيهِمْ، وَاجْعَلْ لَهُمْ قِسْماً مِنْ بَيْتِ مَالِکِ، وَقِسْماً مِنْ غَلاَّتِ صَوَافِي الاْسْلاَمِ فِي کُلِّ بَلَد، فَإِنَّ

ص: 116

لِلاْقْصَى مِنْهُمْ مِثْلَ الَّذِي لِلاْدْنَى»(1).

وشرح ابن أبي الحديد ذلك بقوله: ((انتقل من التجار وأرباب الصناعات إلى ذكر فقراء الرعية و مغمورها فقال وأهل البؤسي و هي البؤس کالنعمي للنعيم والزمنى أولو الزمانة. والقانع السائل والمعتر الذي يعرض لك ولا يسألك وهما من ألفاظ الكتاب العزيز. وأمره أن يعطيهم من بيت مال المسلمين لأنهم من الأصناف المذكورين في قوله تعالى: «وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ » (الأنفال 41) وأن يعطيهم من غلات صوافي الإسلام وهي الأرضون التي لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب وكانت صافية لرسول الله [ صلى الله عليه وآله] فلا قبض صارت لفقراء

ص: 117


1- نهج البلاغة 438.

المسلمين ولما يراه الإمام من مصالح الإسلام.))(1)

والمراد من اللفظتين هو ((البُؤسي بضم الباء شدة الفقر. والرمنی بفتح الزاي جمع زمين أي صاحب عاهة والقانع: الراضي بما تيسر من غير مسألة. والمعتر: يتعرض للعطاء. والمراد بصوافي الاسلام المال المشاع لكل مسلم))(2)فغرابة اللفظتين تكمن في تصورنا أنها من الألفاظ القليلة الاستعمال النادرة الورود على الرغم من وجود هاتين الطبقتين في كل زمان ومكان، ولم يغفل الإمام (عليه السلام) عن ذكرهما واشار إلى أهمية الالتفات إليها والعناية بها. فسلام عليك يا أمير المؤمنين يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا مع الأنبياء والشهداء والصديقين والصالحين وحَسُنَ أُولئك رفيقا.

ص: 118


1- شرح نهج البلاغة 6/17
2- في ظلال نهج البلاغة 1/ 98-99.

الخاتمة

بعد هذه الجولة في الألفاظ الغريبة في عهد الإمام (عليه السلام) نخلص إلى عدة نتائج أبرزها:

1. ما نصت عليه المعجمات العربية في دلالة

لفظة (الغريب) لا تخرج عن كونه الغامض

في الكلام والابتعاد به والنأي عنه.

2. الغريب الذي وقع في نهج البلاغة هو

غريب يصب في الفصاحة، لا غريب ينافر الفصاحة.

3. الغريب الذي وقع في عهد الإمام علي (عليه

السلام) كان في الألفاظ والمعاني والاشتقاق .

4. ألفاظ الغريب التي ظهرت في العهد كانت

ما بين أفعال ماضية ومضارعة وأفعال على

ص: 119

صيغة فعل الأمر، وأفعال مزيدة أو ما أسند

إلى ضمير أو اسم ظاهر.

5. وجد البحث استعمال كثير من الصيغ

الصرفية فكان هنالك المصادر ومشتقات واسم الفاعل وأفعل التفضيل والجموع

وغيرها.

6. حاول البحث دراسة معظم الألفاظ

التي وردت في العهد وكشف عن دلالتها ومعناها اللغوي وعن معناها في السياق

الذي وضعت فيه مبیناوجه الغرابة فيها.

7. استعمل الإمام (عليه السلام) في عهده

كثيرا من الألفاظ التي تبدو غريبة، وتكمن غرابتها من قلة استعمالها أو ندرته ومع ذلك

كله قد أكسبت النص علوا وفصاحة.

8. قد ترد ألفاظ غريبة ولا يفهم من غرابتها

ص: 120

إلا إذا فهم معنى السياق الذي وضعت فيه.

9. استعمل الإمام (عليه السلام) بعض الصيغ

وجاءت موافقة للمعنى الأصل في اللغة.

ص: 121

• الألفاظ الغريبة في نهج البلاغة

قائمة المصادر والمراجع:

• الاتقان في علوم القرآن: جلال الدين

السيوطي (ت 911ه)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الهيئة المصرية العامة للكتاب1394 ه/

1974م.

• أثر الدخيل على العربية الفصحى في عصر

الاحتجاج: د. مسعود بوبو، وزارة الثقافة، دمشق

1982م.

• الاشتقاق: محمد بن الحسن ابن دريد (ت 321ه)،

تحقيق: عبد السلام محمد هارون, مطبعة السنة

المحمدية 1958م.

• أساس البلاغة: أبو القاسم محمود بن عمرو بن

ص: 122

أحمد، الزمخشري جار الله (ت 538ه)، تحقيق: محمد باسل عيون السود، الطبعة الأولى، دار

الكتب العلمية، بيروت لبنان 1419 - 1998م.

• إصلاح المنطق: يعقوب بن إسحاق ابن

السیت (ت 44 2 ه)، تحقيق: أحمد محمد شاكر

وعبدالسلام محمد هارون, مصر 1949م.

• بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار

(عليهم السلام): المؤلف: المولى محمد باقر بن محمد تقي العلامة المجلسي (ت 1110ه )، الطبعة الرابعة، مؤسسة الوفاء ، بيروت / لبنان

1404 هق

• البحث والمكتبة: تأليف الدكتور نوري حمودي

القيسي والدكتور حاتم صالح الضامن، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي/ جامعة بغداد -

بيت الحكمة، 1988م. . بذور الدراسة الدلالية لألفاظ القرآن الكريم: د.

ص: 123

سعد الكردي مجلة التراث العربي - مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب - دمشق العدد 66 - السنة 17 - كانون الثاني - يناير 1997

- شعبان 1417.

• البرهان في تفسير القرآن: العلامة المحدث السيد

هاشم البحراني، الطبعة الثانية، مؤسسة الأعلمي

للمطبوعات بيروت / لبنان 1427م-2006م. . بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة: الشيخ

محمد تقي بن كاظم بن الشيخ محمد علي بن الشيخ جعفر التستري ( الشوشتري ) الشهير،

مؤسسة نهج البلاغة.

• التطور اللغوي التاريخي: د. إبراهيم السامرائي،

الطبعة الثانية، دار الأندلس، 1401ه - 1981م.

• التعريفات: علي بن محمد الشريف الجرجاني

(ت 816ه)، دار الشؤون الثقافية العامة، طبع في مطابع دار الشؤون الثقافية العامة - بغداد.

ص: 124

• تفسير غريب القرآن المنسوب إلى الشهيد زيد بن

علي بن الحسين تحقيق: محمد جواد الحسيني الجلالي، الطبعة الثانية، مطبعة مكتب الإعلام

الإسلامي بإيران سنة 1418ق - 1376ش.

• التناص بين عهد الإمام علي (عليه السلام)

الى مالك الأشتر والرسالة الخامسة (في نصيحة الملوك) لسعدي الشيرازي صبيح مزعل جابر المالكي وعماد الدين عبد الرزاق العباسي جامعة بغداد/ مركز إحياء التراث العلمي العربي (بحث منشور) مجلة جامعة بابل للعلوم الانسانية المجلد

22 العدد 2 لسنة 2014.

• تهذيب اللغة: أبو منصور الأزهري الهروي

(ت 370ه)، تحقيق: محمد عوض مرعب، الطبعة

الأولى، دار إحياء التراث العربي / بيروت 2001م.

• الرسالة: للشافعي, محمد بن إدريس, (ت 4 20ه) .

تح: أحمد محمد شاكر , مصر, 1940م.

ص: 125

• رواية اللغة: د. عبد الحميد الشلقاني، دار المعارف

بمصر-1971م.

• سر الفصاحة: ابن سنان الخفاجي, عبد الله بن

محمد (ت 466ه)، شرح وتصحيح: عبد المتعال

الصعيدي, 1969م.

• شرح الشافية: رضي الدين الأسترابادي (ت 688ه),

تحقيق: محمد نور محمد الزفزاف, ومحمد محيي

الدين عبد الحميد, مصر 1356 ه. :

• شرح الكافية: للرضي الأسترابادي (ت 688ه),

طبع على الحجر , طهران, د. ت. وطبع؛ مطبعة

الرضي سنة 1275ه. :

• شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد, عبد الحميد

بن محمد المعتزلي (ت 656ه)، بيروت, د.ت.

• شعر الكميت بن زيد الأسدي : (ثلاثة أقسام في

جزئين), جمع؛ د. داوود سلوم, النجف 1969م.

• الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في

ص: 126

كلامها: أحمد بن فارس (ت 395ه)، حققه وقدم له مصطفى الشويمي، مؤسسة أ. بدران للطباعة

والنشر، بيروت - لبنان 1383 ه-1964م.

• الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية: أبو نصر

إسماعيل بن حماد الجوهري الفارابي (ت 393ه)، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، الطبعة الرابعة،

دار العلم للملايين ، بيروت 1407ه - 1987م.

• الصحيفة الجامعة الأدعية الإمام السجاد، زین

العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام): بإشراف: سماحة السيد محمد باقر نجل السيد المرتضى الموحد الأبطحي الأصفهاني. تحقيق ونشر: مؤسسة الإمام المهدي (عليه السلام)، الطبعة الأولى / قم المقدسة 25/

محرم الحرام/ 1411 ه.ق.

• عهد الإمام علي إلى مالك الأشتر لمؤلفه علي

الأنصاري الناشر: دار سروش للطباعة والنشر - طهران، الجمهورية الإسلامية الإيرانية. الطبعة

ص: 127

الأولى سنة 1403 ه / 1983 م.

• العين: الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175ه)، تحقيق: د. مهدي المخزومي، ود. إبراهيم السامرائي,

الكويت,1981م.

• غرر الحكم ودرر الكلم: عبد الواحد بن محمد

الآمدي (ت 436ه), صيدا,1930م, وطبع مصر تح: أحمد شوقي , د. ت.

• غريب الحديث: ابن الجوزي (ت 597ه)، تحقيق: د. عبد المعطي أمين قلعجي الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية - بيروت، 1985م.

• غريب الحديث: أبو سليمان البستي المعروف بالخطابي (ت 388ه)، تحقيق: عبد الكريم إبراهيم الغرباوي، خرج أحاديثه: عبد القيوم عبد رب النبي، دار الفكر - دمشق، 1402 ه - 1982 م.

• غريب الحديث: أبو عبيد القاسم بن سلام الهروي البغدادي (ت 224ه)، تحقيق: د. محمد

ص: 128

عبد المعید خان الطبعة: الأولى مطبعة دائرة المعارف العثمانية، حیدر آباد- الدكن، 1384 ه - 1964 م.

• غريب نهج البلاغة أسبابه، أنواعه، توثيق نسبته، دراسته: تأليف د. عبدالكريم حسين السعداوي مكتبة الروضة الحيدرية.

• الفائق في غريب الحديث والأثر: أبو القاسم جار الله الزمخشري (ت 538ه)، تحقيق: علي محمد البجاوي، ومحمد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة: الثانية، دار المعرفة / لبنان.

• الفصول المهمة في معرفة الأئمة, لابن الصباغ المالكي

علي بن محمد (ت 855ه), النجف,

1960م.

• الفهرست: ابن النديم محمد بن إسحاق أبو الفرج النديم دار المعرفة / بيروت، 1398 - 1978. في ظلال نهج البلاغة: تأليف: الشيخ محمد

ص: 129

جواد مغنية.

• القاموس المحيط: الفيروزآبادي (ت817ه)، إعداد وتقديم: محمد عبد الرحمن المرعشلي, بيروت, 2001م. وطبع بيروت في 1403ه.

• كتاب الدلائل في غريب الحديث، للسرقسطي، دراسة د. شاكر الفحام، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق- 1396- 1976م.

• كتاب الصناعتين: أبو هلال العسكري (ت 395ه)، بعناية السيد محمد أمين الخانكي. طبعة الأستانة سنة 1320ه.

• كتاب النهاية في غريب الحديث والأثر: ابن

الأثير (ت 606ه)، تحقيق: محمود محمد الطباحي وطاهر أحمد الزاوي، مؤسسة التاريخ العربي.

• كتاب سيبويه: أبي بشر عمرو بن عثمان (ت 180ه)، تحقيق وشرح: عبد السلام محمد هارون، عالم الكتب/ بيروت.

ص: 130

• لسان العرب: ابن منظور (ت 711ه)، الطبعة

الثالثة، دار صادر / بيروت 1414 ه.

• المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر: ضياء الدين ابن الأثير (ت 637ه)، تحقيق: أحمد الحوفي وبدوي طبانة، الطبعة الثانية، دار نهضة مصر للطبع والنشر، العجالة / القاهرة.

• المحاسن والمساوي: للبيهقي, إبراهيم بن محمد (ت قبل 320ه), تحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم, القاهرة, 1961م.

• محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء البلغاء و للراغب الأصفهاني, الحسين ابن محمد. (ت/ 502ھ) , القاهرة, 1326ه.

• مختار الصحاح: محمد بن أبي بكر الرازي (ت 666ه)، دار الرسالة - كویت، 1403ه 1983م. المخصص: أبو الحسن علي بن إسماعيل النحوي

ص: 131

اللغوي الأندلسي المعروف بابن سيده (ت 458ه)، تحقيق: خليل إبراهم جفال الطبعة الأولى، دار إحياء التراث العربي / بيروت 1417ه 1996م.

• المصباح المنير في غريب الشرح الكبير: أحمد

بن محمد بن علي المقري الفيومي.

• المستدرك على الصحيحين: للحاكم النيسابوري محمد بن عبدالله (ت

405

ه), تحقيق: مصطفی

عبد القادر عطا, 1990م.

• مصادر التراث العربي: د. عمر دقاق، مكتبة

دار الشرق، بيروت (بلا تاریخ).

• معاني القرآن : للفراء , يحيى بن زیاد (ت 207 ه) (3-1) تحقيق: أحمد يوسف نجاتي, محمد علي النجار، عبد الفتاح إسماعيل الشلبي، الطبعة الأولى، دار المصرية للتأليف والترجمة، مصر القاهرة.

• معرفة علوم الحديث: محمد بن عبد الله الحاكم

ص: 132

النيسابوري تحقيق: السيد معظم حسين الطبعة الثانية دار الكتب العلمية - بيروت، 1397 ه - 1977م.

• المفردات في غريب القرآن: الحسين بن محمد

المعروف

بالراغب الأصفهاني (ت 502ه)، تحقيق: صفوان عدنان الداودي، الطبعة: الأولى، دار القلم، الدار الشامية، دمشق/ بيروت 1412 ه. مقاييس اللغة: أحمد بن فارس بن زكريا (ت 395ه)، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، اتحاد الكتاب العرب 1423 ه - 2002م.

• الموازنة بين شعر أبي تمام والبحتري: أبو القاسم الحسن بن بشر الآمدي (ت 370ه)، المجلد الأول والثاني: تحقيق: السيد أحمد صقر، الطبعة الرابعة، دار المعارف / [سلسلة ذخائر العرب (25)] .

• نهج البلاغة: تعليق الدكتور صبحي الصالح،

ص: 133

الطبعة الثانية، مطبعة برستش، مؤسسة انتشارات

أنوار الهدی، 1424ه.ق.

• نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة: الشيخ

أبو جعفر محمد باقالمحتوياترزا محمد المحمودي

مقدمة القردوشتي الشيرازي.

• النوادر : عبد الوهاب بن حريش أبو مسحل الاعرابی (ت ق 3ه)تحقیق: د.عزة حسن،

دمشق1961م.

• النوادر في اللغة:سعید بن أوس أبو زيد انصاری (ت 215 ه )بیروت 1894م.

• (ت392ه)، تحقيق. وشرج: محمد أبو الفضل. إبراهيم، علي محمد البجاوي،البابي الحلبي وشركاؤه.

ص: 134

المحتویات

مقدمة المؤسسة ... 7

المقدمة ... 10

التمهید ... 15

اولاً:مضامین کتاب الامام علی(علیه السلام) لمالک الاشتر ... 15

ثانيا: الغريب في اللغة واصطلاح: ... 26

المبحث الاول:الغریب فی نهج البلاغه ... 41

المبحث الثانی:غریب الافعال فی عهد الامام لمالک ... 64

المبحث الثالث:غریب المصادر و المشتقات فی عهد الامام لمالک ... 84

المبحث الرابع: غریب الجموع فی العهد ... 113

الخاتمة ... 118

قائمة المصادر المراجع ... 121

ص: 135

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.