العلاقة بين الحاكم والمحكومين في ظل عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر

هوية الکتاب

العلاقة بين الحاكم والمحكومين في ظل عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 4212 لسنة 2017

سلسلة دراسات في عهد الإمام علی (علیه السلام) لمالك الأشتر (رضی الله عنه) (31) وحدة الدراسات الاجتماعية العلاقة بين الحاكم والمحكومين في ظل عهد الامام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر تأليف أ. م. طه حميد العنبكي م. م. سند وليد سعيد إصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة فی العتبة الحسینیة المقدسة

جميع الحقوق محفوظة العتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1439 ه - 2017 م العراق - كربلاء المقدسة - مجاور مقام علي الأكبر عليه السلام مؤسسة علوم نهج البلاغة هاتف: 07728243600 - 07815016633 الموقع الألكتروني: www.inahj.org الإيميل: Info@ Inahj.org

تنویه: إن الأفکار و الآراء المذکورة فی هذا الکتاب تعبر عن وجهة نظر کاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 1

اشارة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 4212 لسنة 2017

ص: 2

سلسلة دراسات في عهد الإمام علی (علیه السلام) لمالك الأشتر (رضی الله عنه) (31) وحدة الدراسات الاجتماعية العلاقة بين الحاكم والمحكومين في ظل عهد الامام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر تأليف أ. م. طه حميد العنبكي م. م. سند وليد سعيد إصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة فی العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة العتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1439 ه - 2017 م العراق - كربلاء المقدسة - مجاور مقام علي الأكبر عليه السلام مؤسسة علوم نهج البلاغة هاتف: 07728243600 - 07815016633 الموقع الألكتروني: www.inahj.org الإيميل: Info@ Inahj.org

تنویه: إن الأفکار و الآراء المذکورة فی هذا الکتاب تعبر عن وجهة نظر کاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤسسة

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم من عموم نعمٍ ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد و آله الطاهرین.

أما بعد:

فإن من أبرز الحقائق التي ارتبطت بالعترة النبوية هي حقيقة الملازمة بين النص القرآني والنص النبوي و نصوص الأئمة المعصومين (عليهم السلام).

ص: 5

وإنّ خير ما يُرجع إليه في المصادیق لَحديث الثقلين «كتاب الله وعترتي أهل بيتي» هو صلاحية النص القرآني لكل الأزمنة متلازماً مع صلاحيّة النصوص الشريفة للعترة النبوية لكل الأزمنة.

وما كتاب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) لمالك الأشتر (رضی الله عنه) إلا أنموذجٌ واحدٌ من بين المئات التي زخرت بها المكتبة الإسلامية التي اكتنزت في متونها الكثير من الحقول المعرفية مظهرة بذلك احتياج الإنسان إلى نصوص الثقلين في كل الأزمنة.

من هنا:

ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تخصص حقلاً معرفياً ضمن نتاجها المعرفي التخصصي في حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)

ص: 6

وفكره، متّخذة من عهده الشريف إلى مالك الأشتر (رحمه الله) مادة خصبة للعلوم الإنسانية التي هي أشرف العلوم ومدار بناء الإنسان وإصلاح متعلقاته الحياتية وذلك ضمن سلسلة بحثية علمية والموسومة ب (سلسلة دراسات في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله)، التي يتم إصدارها بإذن الله تباعاً، حرصاً منها على إثراء المكتبة الإسلامية والمكتبة الإنسانية بتلك الدراسات العلمية التي تهدف إلى بيان أثر هذه النصوص في بناء الإنسان والمجتمع والدولة متلازمة مع هدف القرآن الكريم في إقامة نظام الحياة الآمنة المفعمة بالخير والعطاء والعيش بحرية وكرامة.

وقد سعى الباحثان في دراستهما هذه إلى بيان العلاقة بين الحاكم والمحكومين متخذين من

ص: 7

عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رضوان الله عليه) منهلاً لدراستهما، فتناولا الأساس النظامي للعلاقة بين الحاكم والمحكوم والقواعد التي تُبنى عليها العلاقة بين الحاكم والمحكوم لينتهيا إلى أن العهد الشريف كان بمثابة دستور ضابط وضامن لحقوق كلاً من الحاكم والمحكومين.

فجزى الله الباحثين خير الجزاء فقد بذلا جهدهما وعلى الله أجرهما، والحمد لله رب العالمين.

السيد نبيل الحسني الكربلائي رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 8

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

في خضم ما تمر به الأمة الإسلامية في عالمنا المعاصر من تحديات جمة ألقت بظلالها القاتمة على وجود امتنا ومستقبلها تبرز قضية (حقوق الإنسان) ببعديها النظري والعملي كتحد مهم وصعب ينبغي الاستجابة له، لاسيما مع محاولة تعميم النموذج الغربي المحصن بمنظومة فكرية تمتلك بعض عناصر القوة، وان احتوت على سلبيات وتناقضات كثيرة، وممارسة عملية مميزة، على الرغم من محدودیتها، فانها تنفرد بكونها الماثلة للعيان والشاخصة في الأذهان دون غيرها.

وقد سعى أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب

ص: 9

عليه السلام) لرسم معالم جديدة لمفهوم الحقوق والواجبات، بداها بنفسه كحاكم أعلى للبلاد، ولذلك كانت مفاهيمه عملية بعيدا عن التنظير على الرغم من ان الكثيرين يعتبرونها بعيدة عن الواقع ولا يمكن الالتزام بها، فيما فهمها الغرب بشكل سليم فعمل بها ودعا الى العمل بها، كما فعلت الامم المتحدة في تقريرها السنوي للتنمية والصادر في العام 2001، عندما دعت البلاد النامية الى التعلم من عهد الامام عليه السلام الى مالك الاشتر عندما ولاه مصر، كمنهج حقيقي وعملي يساعد في تحقيق التنمية وعلى مختلف الاصعدة السياسية والتعليمية والصحية والادارية وغيرها.

انه كان يبذل كل ما في وسعه لايضاح حقوق الناس وواجباتهم، كما انه كان يوضح حقوق الحاكم وواجباته، ولذلك فان اول ما بادر اليه

ص: 10

الامام عند توليه الخلافة وقف خطيبا ليرسم معالم الحقوق والواجبات لكلا الطرفين الحاكم والمحكوم ينطلق البحث من فرضية مفادها: ان للامام (علي بن ابي طالب عليه السلام) رؤية مميزة لحقوق الانسان تتسم بالشمولية والعمق والتطبيق العملي لتلك الحقوق من جهة، ويمكن الاستفادة من هذه الرؤية لمعالجة اشكالية حقوق الانسان في واقعنا المعاصر، من جهة اخرى.

فرضية البحث: ينطلق البحث من فرضية مفادها ان للامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) رؤية مميزة لحقوق الانسان تتسم بالشمولية والعمق والتطبيق العملي لتلك الحقوق، وكذلك وضح حقوق الحاكم وحقوق المحكوم والعلاقة بينهما.

منهج البحث: ان طبيعة موضوع الدراسة

ص: 11

واحتوائه على عدة عناصر رئيسة کالتاريخ، والفقه، والسياسة، قد حددت منهجية البحث بالمنهجين التاريخي بشكل رئيس والإفادة كذلك من المنهج المقارن كلما اقتضت الضرورة ذلك.

هيكلية البحث: تقوم الهيكلية على تقسیم مضامين هذا البحث - فضلاً عن المقدمة والخاتمة - على المباحث الآتية:

المبحث الأول: مضامين حقوق الإنسان في ظل عهد الإمام عليه السلام لمالك الأشر...

المبحث الثاني: حقوق وواجبات الحاكم والمحكومين في ظل عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشر...

المبحث الثالث: تنظيم العلاقة بين الحاكم

ص: 12

والمحكومين في ظل عهد الإمام علي عليه السلام المالك الأشر...

المبحث الرابع: الخاتمة.

ص: 13

المبحث الأول مضامین حقوق الإنسان في ظل عهد الإمام (عليه السلام) لمالك الأشتر.

ظهرت فكرة حقوق الإنسان في إعلان الاستقلال الأمريكي عام (1776)، وفيه بعض الحقوق کحق الحياة، والحرية، ومبدأ المساواة بين الناس، وان صلاحية الدولة مستمدة من الشعب، ثم جاء بعد ذلك اعلان (الدستور الامريكي) عام (1787)، اذ تعدل عدة مرات مع ما يحتوي عليه من حقوق مهمة، مثل حرية العقيدة وحرمة النفس والمال والمنزل وحرية التقاضي و تحريم الرق لغاية سنة (1789)، وفي

ص: 14

العام نفسه (1789) صدرت في فرنسا وثيقة حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي التي بدأت بعبارة (يولد الناس أحراراً ومتساوين في الحقوق) وقد حرص الفرنسيون على هذا الاعلان وما تضمنه من حقوق، ووضعوه في مقدمة دستورهم عام (1791)، ثم جاءت المؤسسات الدولية في القرن العشرين فاعلنت حقوق الإنسان في مواثیقه سنة (1919) في عصبة الامم، ثم في ميثاق الامم المتحدة سنة 1945 (المادة 55) وتم تأسيس لجنة حقوق الإنسان وعملت على صياغة حقوق الانسان، واصدرت الاعلان العالمي الحقوق الإنسان في (1948)، والذي احتل في العالم المعاصر مكانة مهمة، اذ تبنته الامم المتحدة وعدته المثل الاعلى المشترك الذي ينبغي ان تصل اليه الشعوب والأمم كافة(1).

ص: 15


1- احمد جمال ظاهر، حقوق الإنسان، مرکز النهضة للخدمات الفنية، عمان، 1988، ص 77

ويبدو ان الحاجة دعت الى استمرار المجتمع الدولي لتعزيز مجالات حقوق الإنسان وتجاوز الانتقادات حول الاعلان العالمي فقد صدر كل من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وقد بدأ نفاذهما عام (1976) ويضمن الاول منهما الحقوق المدنية والسياسية والحرية الدينية والاجتماعات السلمية وحرية التنقل ويمنع المعاملة غير الإنسانية والتوقيف والاعتقال التعسفي ويؤكد الحق في الحياة وفي محاكمة عادلة وينص على حماية مختلف الأقليات اما الثاني فيشمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحق العمل والتعليم والعناية الطبية وما يرافق ذلك من

ص: 16

فوائد اقتصادية(1).

كما إن هناك ايضا البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وبدأ نفاذه عالم (1976)، وتتعهد الدول المنظمة الى البروتوكول بتمكين اللجنة المعنية بحقوق الإنسان من القيام على وفق احكام هذا العهد بتسلم ونظر الرسائل المقدمة من الافراد، الذين يدعون انهم ضحايا أي انتهاك لاي حق من الحقوق المقررة في العهد والبرتكول الاختياري، الذي يهدف الى الغاء عقوبة الاعدام الذي اعتمدته الجمعية العامة وبدأ نفاذه عام (1991)، فضلاً عن كثير من الصكوك الدولية في شتى المجالات(2).

ص: 17


1- نبيل احمد حلمي، "حقوق الانسان في التنمية" مجلة السياسة الدولية، العدد 68، 1982، ص 88
2- ينظر النص العالمي لحقوق الانسان، في صباح صادق جعفر، حقوق الانسان) أوثائق)، ط 1، المكتبة القانونية، 2003، ص 8

فقد عد الإمام الحقوق الأساسية الثلاثة وهي حق الحياة، حق المساواة العادلة، وحق الحرية، المرتكز للانطلاق نحو حقوق الإنسان الأخرى:

المحور الأول: الحقوق الأساسية:

ان حقوق الانسان منظومة متكاملة وكل لا يتجزأ كونها تصب لصالح الإنسان، ولكن هذه الحقوق تتفاوت من حيث الاولوية والاهمية، فالمهم منها بعد اساساً لغيره، فإذا فقد الاساس والأصل فقد البناء والفرع.

المحور الاول: وعليه إلى ما يمكن عده حقوق اساسية للإنسان عند الامام علي (عليه السلام) تضمن ثلاثة مسائل الاول منها يتناول

ص: 18

حق الحياة، اما الثاني فيتطرق إلى حق المساواة العادلة والمسالة الثالث يختص بحق الحرية:

1. حق الحياة عند الإمام علي (عليه السلام)، قد يتبادر الى الذهن، و للوهلة الاولى، صورة الإمام الفارس وسيفه ذو الفقار ومجده العسكري الذي اسهم في تدعيم ركائز الاسلام وانتشاره كمنهج وكوسيلة لتكريم الحياة الانسانية وصيرورتها اغلى ثمنا واعلى مقاما من أي شي اخر.

2. حق المساواة اذ شغلت فكرة المساواة والعدالة حيزاً مهماً من الجهد الفكري والعملي الذي قام به الانسان على امتداد مسيرته في هذه الحياة، ولم يكن الإمام علي (عليه السلام) بعيدا عن هذا المسعى الانساني في سبيل تحقیق وارساء حق المساواة العادلة.

ص: 19

اما الامام علي (عليه السلام) فانه يتعامل مع المساواة والعدالة من منطلقين:

الاول: حق المساواة الانسانية للجميع ومن اهمها حق الحياة والكرامة، والحرية المنضبطة والتقاضي العادل واحترام الملكية وغيرها من الحقوق.

الثاني: العدالة أي وضع الشيء محله، ان معنى العدالة في نظر الإمام ان تلاحظ الحقوق الواقعية والطبيعية فيعطى لكل شخص ما يستحقه بحسب استعداده وعمله(1).

وهناك كثير مما يمكن ان يقال عن ايمان الإمام بالمساواة العادلة وعدها قاعدة للتعامل

ص: 20


1- کاظم دیر، الحكم من كلام الإمام امير المؤمنين علي (عليه السلام)، ج 1، مشهد، مؤسسة الطبع والنشر التابعة للاستانة الرضوية المقدسة، 1417 ه، ص 535

بين مختلف فئات الناس (4)، ومن هذا المنطلق فان مضمون المساواة العادلة عند علي بن ابي طالب له عدة ابعاد، لعل من اأهمها(1):

الانساني، الاجتماعي، الأقتصادي، القانوني، والسياسي.

أ- البعد الانساني، ينطلق الإمام في سعية نحو المساواة العادلة من النفس البشرية فالعدالة

الانسانية الفردية هي الأساس والبنية التحتية للعدالة في المجتمع

ص: 21


1- الشريف الرضي، محمد بن الحسين الموسوي البغدادي) الجامع (،نهج البلاغة، تعلیق و فهرسة: د. صبحي الصالح، تحقيق فارس تبریزیان، (إيران، مؤسسة دار الهجرة، 1380 ه، ص 571. وكذلك ينظر؛ صادق الموسوي، نهج الانتصار) بهدى القرآن وسنة محمد واله الاطهار (،قم، مؤسسه انصاریان، ص 331

ب- البعد الاجتماعي، وبعد ان يهذب الإمام النفس البشرية، ينطلق نحو رحاب المساواة في عنوانها الأاشمل (المساواة في اطار المجتمعات الانسانية).

ج- البعد الاقتصادي، غير بعيد عن رفض الإمام للمساواة بين الخامل والعامل الكفؤ وبين الذكاء والابداع ونقيضهما، بل انه يقرر عدم شرعية أي مكسب مالي على حساب القوى العاملة في الامة، ناتج عن حسب أو جاه أو منصب وما الى ذلك من اعتبارات لا تفيد الا اصحابها على حساب المجتمع، بل ان ثروة الامة في نظر الإمام علي تكون لابنائها العاملين فقط، وبعد اخذ الحق العام فجناة ايديهم لا تكون لغير افواههم.

د- البعد السياسي، اما البعد السياسي، فان

ص: 22

الإمام يتوجه نحو السلطة الحاكمة، ليبين حالة

التأثير والتأثر بين الأمة والحاكم على محك المساواة العادلة، فيقول الإمام جمال السياسة العدل».

الثالث: حق الحرية: اأن الامام يؤمن ان الحرية تنبع اولاً من داخل الانسان: من عقله وروحه فيوجه (عليه السلام) امرا او نصيحة او درسا اخلاقيا للانسان في أي مكان او زمان قائلا: لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا، وهنا يحمل الامام الانسان مسؤولية نيل الحرية والمحافظة عل يها. وكذلك نشر الوعي في ضمن الامة. فحرية الانسان لاتوجد بقانون او دستور ينظمان الحرية نظريا وانما هي هبة الهية لايمتلك سلطان في الارض ان ننتزعها من الانسان الا

ص: 23

خاطئا يجب مواجهته ومقاومته(1).

ويقف الامام من أصحاب الديانات الاخرى بانفتاح اسلامي وحضاري وانساني مميز إذ يمنحهم معظم الحقوق التي للمسلمين إلا من ناحية المناصب السيادية كالحكم وتولي القضاء.

المحور الثاني: الحقوق السياسية:

الحقوق والسياسة هي الحقوق التي تنظم علاقة الانسان بالدولة، او بالمجتمع باعتبار ان الانسان مدني واجتماعي بطبعه لذلك فان ظاهرة الحكم هي حالة انسانية وان الحقوق السياسية هي حقوق الانسان بشكل عام، وان تطلبت بعض الشروط الخاصة لممارستها، وميدان الحقوق السياسية واسع جداً، فستناول

ص: 24


1- نوري جعفر، فلسفة الحكم عند الإمام، ط 2، القاهرة، دار المعلم، 1978، ص 8

في الحقوق السياسية من حقوق الانسان عند الامام علي (عليه السلام) حق حرية الرأي والتعبير (حق المشاركة السياسية) (حق ضبط الحكام) (حق المعارضة السياسية)(1).

ووفقاً لذلك يمكننا ان نتناول حق المشاركة السياسية للامة عند الامام علي (عليه السلام) عبر النقاط الآتية:

- السلطة للامة.

- حق الامة في اختيار حكامها.

- حق الشوری.

- الموافقة الشعبية على السياسات العامة.

- عملية الرقابة الشعبية على الحكومة

ص: 25


1- السيد محمد الحسيني الشيرازي، اثار الظلم في الدنيا والاخرة، مؤسسة المجتبی، بیروت، 2001، ص 6

وسنتناول هذه المواضيع تباعاً.

1. حق ضبط الحكام: بالرغم من دعوة الامام علي بن ابي طالب) (عليه السلام) حول حق الحرية والمشاركة السياسية، الا انه تمیز باهتمام خاص بمسألة (الحاكم والحكم والتي يمكن ان نفهمها بشكل اوسع لتعني کیان الدولة وكامل مؤسساتها وتشمل تعبئة جهازها بالكفاءات وتطبيق شريعتها وادارة امورها بالشكل الذي يجعلها محققة لغايات وجودها في النظام السياسي.

2. حق المعارضة: مع ما وضعه الامام من شروط ومواصفات ومحددات عملية لمن يمسكزمام السلطة؛ خشية من عواقب انحرافها وما هيأه من بيئة تترسخ فيها الحرية بشتی ابعادها ولاسيما الحرية السياسية وسبل

ص: 26

التعبير عن الرأي الا ان تجربة الامام (عليه السلام) تمتاز باقراره لحق المعارضة السياسية كجزء مهم وحيوي من حقوق الانسان، وجعلها من الواجبات الشرعية والسياسية في بعض الظروف والحالات.

المحور الثالث: الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية:

تعد الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية من المواضيع المهمة في منظومة حقوق الانسان كونها اسلوباً لحياة الفرد وآلية لتنظيم المجتمع مثل(1):

1. حق المرأة: ان محاولة الكشف عن جوهر رؤية الاسلام للمرأة وحقوقها ضرورة انسانية

ص: 27


1- ينظر: محمد رشيد رضا، حقوق النساء في الاسلام، ط 1، دار الاضواء، بیروت، 1989، ص 203

واسلامية وسياسية لاسيما في الوقت الحالي، ويقينا ان كشف اللثام عن حقوق المرأة عند الامام هي جزء أساسي من الصورة الكلية الموقف الشريعة الإسلامية من المرأة.

2. حق الاسرة: ان من اهم الحقوق الاساسية ذات الأثر في الفرد والمجتمع هو حق تکوین الأسرة، إذ عدها الامام اللبنة الاولى في البناء الحضاري للانسان، فقد - وضع الإسلام أساسا متينا لتكوين الأسرة القوية وشرع لها الضمانات التي تؤدي الى انجاح عملية الزواج والانجاب والتربية حتى تكون الاسرة قادرة على مواجهة عملية التنمية والتغيير

3. حق التعلم: لقد عد الامام (عليه السلام) نيل العلم والتعليم من اهم حقوق الانسان التي يجب أن يتم السعي الحثيث لتحقيقه،

ص: 28

ذلك ان من حق كل فرد ان يأخذ من التعليم ماینیر عقله ويرقى بوجوده ويعلو من شأنه.

4. حق العمل والتملك: یكن الامام علي (عليه السلام) للعمل المنتج الصالح احتراماً عمیقاً مبينا ان الاسلام هو دعوة للعمل، ويشير الامام كذلك الى البعد الاقتصادي في تنمية مقدرات الفرد والمجتمع من خلال العمل، اما التملك فقد اكد الامام المبدأ الاسلامي الذي يمكننا ايجازه بانه لا يعني ان لا يملك الإنسان شيئاً وانما ان لا يملکه شيء وان المعيار الاساسي للحكم على الاشياء هو اثرها في المحصلة النهائية لمسيرة الانسان والهدف منها، ويشير الإمام (عليه السلام) الى ان الملكية والنزاع عليها هي احد اسباب العداء والنزاع في المجتمع، وقد تكون الملكية ذات اثر سلبي في سلوك الفرد وفقاً لرؤية

ص: 29

الامام،، ولكن مع هذا التشخيص لبعض سلبيات الملكية فان الامام علي (عليه السلام) لم يجعلها سببا في القدح بحق الملكية للانسان كونه هو الاساس اما الظواهر السلبية التي قد تترافق معها فهي تخص الانسان نفسه ولاتعود الى حق الملكية.

5. حق الضمان الاجتماعي: فقد فرض الامام (عليه السلام) على الحكام والولاة والموظفين مساعدة المجتمع وافراده لتحقيق الاهداف الالهية والاخذ بيده نحو الكمال والتحرر والرفاه، ومن هذه المسؤولية تنطلق كل الاسس والقرارات التي تتخذ في جميع الاصعدة والتي تصب لصالح انجاز حق الضمان الاجتماعي.

ص: 30

وتضمن حقوق الإنسان في ظل عهد الإمام عليه السلام لمالك الأشتر التالي:

اولا: لا شرعية لحاكم يستولي على السلطة من دون تفويض من الناس او رضاهم او انتخابهم، كان يستولي عليها بالتآمر، فشرعية السلطة من رضى الناس فقط، ولا اعتبار لما يسمونه بالشرعية الثورية او شرعية التوريث او الانقلابات العسكرية، او الخلع بالقوة والقتل بالتآمر، ابدا(1).

ثانيا: لا سلطة مطلقة للحاكم الذي يصل الى السلطة عن طريق الانتخابات، انها محدودة، فليس من حقه ان يتصرف بالمال العام والموقع والمناصب كيف يشاء، بذريعة انه منتخب،

ص: 31


1- ينظر محمد جواد مغنية، في ظلال نهج البلاغة ( محاولة الفهم جديد)، ج 3، ط 1، دار العلم للملايين، بیروت، 1973، ص 373

فالسلطة مقيدة وليست مطلقة.

ثالثا: القانون فوق الجميع، فلا احد في النظام الديمقراطي محمي من القانون، بسبب قرابته من الحاكم او صداقته لعائلته او انتمائه لحزبه، ولقد قال (عليه السلام) مثبتا ذلك «وان تكونوا عندي في الحق سواء» و «الذليل عندي عزیز حتى آخذ الحق له، والقوي عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه» بغض النظر عن اي شئ(1).

ولقد وصف مالك الاشتر مبدا (القانون فوق الجميع) عند الامام بقوله: انت تاخذهم، يا امير المؤمنين، بالعدل، وتعمل فيهم بالحق، وتنصف الوضيع من الشريف، فليس لشريف

ص: 32


1- محمد بن جرير الطبري الامامي، المسترشد في امامة امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام)، تحقيق الشيخ: احمد المحمودي، مؤسسة الثقافة الاسلامية، قم، 1415، ص 381

عندك فضل منزلة على الوضيع، فضجت طائفة ممن معك من الحق اذ عموا به، واغتموا من الذل اذا صاروا فيه، وراوا صنائع معاوية عند اهل الغناء والشرف، فتاقت انفس الناس للدنيا، وقل من ليس للدنيا بصاحب، واكثرهم يحتوي الحق ويشتري الباطل، ويؤثر الدنيا، فان تبذل المال یا امیر المؤمنين تحمل اليك اعناق الرجال(1).

رابعا: الحساسية المفرطة ضد الفساد بكل اشكاله. فالحاكم - الانسان لا يعين المسؤولين لاعتبارات فاسدة كالمحسوبية مثلا او الولاء او القرابة او ما اشبه، ابدا، وانما على اساس قیم ومبادئ حضارية هي حجر الزاوية في عملية البناء والتنمية، كالخبرة والنزاهة والامانة وغير ذلك على قاعدة (الرجل المناسب في المكان

ص: 33


1- محيي الدين ابو زكريا يحيى النووي، شرح صحیح مسلم، ج 21، دار الكتاب، بیروت، 1987، ص 77

المناسب) ولذلك فقد اوصى الامام علي (عليه السلام) مالكا الاشتر في عهده اليه عندما ولاه مصر، بقوله «ثم انظر في امور عمالك فاستعملهم اختبارا، ولا تولهم محاباة واثرة، فانهما جماع من شعب الجور والخيانة، وتوخ منهم اهل التجربة والحياء» فالامام يعتبر التعيين على اساس المبادئ الفاسدة خيانة للامة، لان من يتبوأ موقع المسؤولية وهو غير صالح له سيفشل في اداء المهام الموكولة اليه، عجزا وتقصيرا وليس قصورا، ما يؤدي الى ضياع حقوق الناس وهدر طاقات البلد والوقت المصروف على ما فشل في تحقيقه، وكل ذلك خيانة في خيانة(1).

من اجل ذلك وصف الامام محمد الباقر

ص: 34


1- محمود يوسف الصالحي الشامي، سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، تحقيق: عادل احمد عبد الموجود، ج 3، دار الكتب العلمية، بيروت، 1993، ص 337

(عليه السلام) امير المؤمنين (عليه السلام) بقوله «انه ولي خلافته خمس سنين، وما وضع أجرة على أجرة، ولا لبنة على لبنة، ولا أقطع قطيعا ولا أورث بيضاء ولا حمراء».

خامسا: الرقابة الشعبية كذلك مكفولة، بل ان الحاكم يشجع عليها ويحث الناس على ممارستها، لان الحاكم وكيلهم ومن حقهم ان يراقبوه ويحاسبوه على كل شاردة وواردة.

ومن الممكن ان تنتهي الرقابة الشعبية الى اسقاط الحاكم اذا لم يلتزم بما الزم به نفسه، فعندما بعث الامام علي عليه السلام قیس بن سعد واليا على مصر في بداية عهده بالخلافة، علمه هذا المعنى في كتابه الذي حمله معه الى اهل مصر، وعندما وصل قيس مقصده قام خطیبا، ومن بين ما قال: فقوموا ايها الناس فبايعوا على

ص: 35

كتاب الله عز وجل وسنة رسوله (صلى الله عليه وال وسلم) فان نحن لم نعمل لكم بذلك، فلا بيعة لنا علیکم(1).

فالبيعة تسقط اذا فشل الحاكم في تحقيق اهداف الناس، كما انها تسقط عن اعناق الرعية اذا انحرف الحاكم عن برنامجه الانتخابي، ولا يتاتی ذلك للناس، اسقاط الحاكم الشرعي، الا بالرقابة والمحاسبة والحضور الدائم في الشان العام، ولذلك كفل الامام كل ذلك للناس ليمكنهم من ممارسة حق اسقاط الحاكم الشرعي اذا ما انتفت ضرورات وشروط البيعة السليمة، اما ان يكتفي الحاكم المنتخب بالبيعة الاولية ليفعل ما يشاء واني وكيف يشاء، من دون رقابة

ص: 36


1- محسن باقر الموسوي، الادارة والنظام الاداري عند الامام (عليه السلام)، ط 1، مرکز الغدير للدراسات الاسلامية، بيروت، 1998، ص 18

من الامة، فهذا ليس من الديمقراطية بشئ ابدا(1).

ولتحقيق هذا المبدا، يعمد الحاكم - الانسان الى ازالة كل الحواجز النفسية وكسر كل الموانع المادية التي ترهب الناس وترعبهم فتحول بينهم وبين ممارسة هذا الحق، الرقابة الشعبية، ولطالما سمع الناس الامام يقول «فلا تكلموني بما تكلم به الجبابرة، ولا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند اهل البادرة، ولا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنوا بي استثقالا في حق قيل لي، ولا التماس اعظام لنفسي، فانه من استثقل الحق ان يقال له او العدل ان يعرض عليه، كان العمل بهما اثقل عليه، فلا تكفوا عن مقالة بحق او مشورة بعدل»(2).

ص: 37


1- باقر شريف القريشي، النظام السياسي في الاسلام، ط 4، دار التعارف، بیروت، 1987، ص 153
2- المصدر اعلاه، ص 155

سادسا: الحقوق والواجبات مكفولة للمواطن على اساس المواطنة وليس على اساس الدين او المذهب او القومية، فالفرص والامن والشان العام مكفول للجميع بلا استثناء او تمييز.

ففي اول خطاب عام له بعد البيعة كخليفة، خاطب الامة بقوله «ايها الناس» للتعبير عن ان كل المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات بلا تمييز على اي اساس جاهلي، فالمواطنة بالانتماء للوطن فحسب وليس لأي شئ آخر، ولذلك عمم الامام خطاب الحقوق لكل الناس بقوله «ايها الناس، ان لي عليكم حقا، ولكم علي حق، فاما حقكم علي فالنصيحة لكم، وتوفير فيئكم علیکم، وتعليمكم كيلا تجهلوا، وتادیبکم کیما تعلموا، واما حقي عليكم، فالوفاء بالبيعة، والنصيحة في المشهد والمغيب، والاجابة حين

ص: 38

ادعوکم، والطاعة حين آمركم»(1).

والملفت للنظر في خطاب الحقوق هذا، هو ان الامام حدد واجبات الحاكم وحقوق الرعية قبل ان يحدد واجبات الرعية وحقوق الحاكم، وهو تقديم وتاخير له مدلوله العظيم، الا وهو انه لايحق للحاکم ان يطالب الرعية بواجباتها الا بعد ان يمنحها حقوقها كاملة غير منقوصة، فلا واجبات قبل الحقوق، ولا حقوق للحاكم قبل ان يلتزم بواجباته.

انها اشارة رائعة لحقيقة في غاية الاهمية، الا وهي ان شرعية الحاكم تسقط اذا لم يصن حقوق الرعية، وان حقوقه على الرعية تسقط اذا فشل في صيانة حقوقها اولا وقبل ذلك.

يقول الامام عليه السلام «ولا أؤخر لكم

ص: 39


1- الشريف الرضي، الجامع، نهج البلاغة، مصدر سبق ذكره، ص 96

حقا عن محله، ولا اقف به دون مقطعه، وان تكونوا عندي في الحق سواء، فاذا فعلت ذلك وجبت لله عليكم النعمة ولي علیکم الطاعة، والا تنكصواعن دعوة، ولا تفرطوا في صلاح، وان تخوضوا الغمرات الى الحق»(1).

سابعا: حق المواطن في الحصول على المعلومة، ولا يحق للحاکم حجبها عنه الا في حرب، قول الإمام (عليه السلام) مخاطبا الناس تحت سلطته «الا وان لكم عندي الا احتجز دونكم سرا الا في حرب».

وسعى عليه السلام الى ان يثبت هذا الحق في اول خطبة عامة كان قد حدد فيها الحقوق المتبادلة بين الحاكم والرعية بقوله «وتعليمكم کیلا تجهلوا» ومن المعروف فان من ابرز اسباب

ص: 40


1- المصدر اعلاه، ص 96

الجهل هو اخفاء المعلومة واحتكارها، الامر الذي حذر منه الامام في هذه الخطبة وفي خطب اخرى كثيرة.

ثامنا: حرية المعارضة مكفولة سواء في القول، حرية التعبير، او في الفعل، كالاعتصام او التظاهر وغيرها من طرق التعبير عن المعارضة بالطرق السلمية، فليس للحاكم ان يمنع المعارضة او يقمعها ابدا، ولذلك، فعندما تناهى الى مسامع الامام خبر خروج (طلحة والزبير وام المؤمنين عائشة) الى البصرة لقيادة المعارضة ضده، قال «وساصبر مالم اخف على جماعتكم، واكف ان كفوا، واقتصر على ما بلغني عنهم»(1).

ص: 41


1- المصدر السابق، ص 169

المبحث الثاني حقوق وواجبات الحاكم والمحكومين في ظل عهد الإمام (علیه السلام) لمالك الأشتر.

اشارة

عندما نتحدث عن واجبات الحاكم، فهذا يعني اننا نتحدث عن حقوق الرعية تجاه الحاكم. وعندما نتحدث عن واجبات الرعية، فهذا يعني اننا نتحدث عن حقوق الحاکم تجاه رعيته. فالحقوق والواجبات ليسا في النهاية الا وجهان لعملة واحدة.

أولاً: واجبات الحاكم:

1. الشفافية والوضوح مع الرعية: من واجبات الحاكم مع رعيته ان يكون واضحا

ص: 42

معهم، صريحا، يتسم خطابه بشفافية وصدق. فلا يعقد الصفقات والتسويات خلف ظهورهم، لا يكتم عليهم سرا الا في الضرورات القصوى. المطلوب من الحاكم أان تكون خطواته وقرارته مبررة وواضحة، وبمقدور الرعية تفهمها بدون غموض او لبس. يقول تعالى: «قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِی»(1).

يقول علي (عليه السلام) في خطبة له: «الا وان لكم عندي الا احتجز دونكم سرا الا في حرب، ولا اطوي دونکم امرا الا في حكم، ولا اؤخر لكم حقا عن محله، ولا اقف به دون مقطعه، وان تكونوا عندي في الحق سواء. فاذا فعلت ذلك وجبت لله عليكم النعمة، ولى عليكم الطاعة»(2).

ص: 43


1- يوسف: 108
2- ابو القاسم سلیمان بن محمد بن ایوب، المعجم الصغير، ج 1، دار الکتب العلمية، بيروت، 1985، ص 201

2. عدم الاحتجاب عن الرعية: تواصل الحاكم الدائم مع الناس ليس امرا مطلوبا في الاسلام فحسب، وإنما هو من الضرورات التي يتعين على الحاكم الالتزام بها. والا فالمجتمع مشرف على خطرين(1):

اولهما: عدم وضوح ما يحدث في مؤسسة الحكم عند اذهان الناس، ونتيجة ذلك ان يصغر عندهم الكبير، ويعظم الصغير، ويقبح الحسن، ويحسن القبيح، ویشاب الحق بالباطل.

ثانيهما: عدم وضوح ما يحدث بين عامة الناس في ذهن الحاكم، وفي النتيجة سيفقد بالتدريج ملاحقة المجتمع، وستداهمه الاحداث، وتفاجئه المستجدات، وستظهر فجوة تتسع مع

ص: 44


1- محمد بن جعفر بن جرير الطبري، تاريخ الرسل والامم والملوك، دار الفکر، بیروت، 1987، ص 67

الايام، وقد لا يسعفه المستقبل على جبرانها.

لذا نجد امير المؤمنين يوصي مالك الاشتر بان لا يقع في خطا الاحتجاب عن الرعية، فيقول له: «واما بعد، فلا تطولن احتجابك عن رعيتك، فان احتجاب الولاة عن الرعية شعبة من الضيق، وقلة علم بالامور. والاحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه، فيصغر عندهم الكبير، ويعظم الصغير، ويقبح الحسن: ويحسن القبيح، ويشاب الحق بالباطل. وانما الوالي بشر لا يعرف ما توارى عنه الناس به من الامور، وليست على الحق سمات تعرف بها ضروب الصدق من الكذب».

3. طلب المشورة: من الامور الملفتة في الاسلام اهمية طلب المشورة، في الامور الخاصة، فضلا عن العامة، فقد ورد في الحديث «من شاور

ص: 45

الناس شاركهم في عقولهم». وحينما مدح القرآن المؤمنين، نجده يذكر صفة الشورى باعتبار انهم يتصفون بها، فيقول تعالى: «وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ»(1).

ومن واجبات الحاكم الاسلامي ان يستشير رعيته، فقراراته لا تخصه وحده فقط، وانما ينعكس تاثيرها على عامة الناس، فلابد ان يستانس بآرائهم. وان كان الرسول (صلى الله عليه وآله) مامورا من قبل الله سبحانه باستشارة المسلمين، فالحاكم الاسلامي اولى بذلك(2).

ووجوب الاستشارة لا تعني وجوب العمل بها بالضرورة، لان الحاكم قدیری ما لا يراه

ص: 46


1- الشوری: 38
2- محمد بحر العلوم، مصدر التشريع لنظام الحكم في الاسلام، ط 2، دار الزهراء، بیروت، 1983، ص 45

العامة. وانما يعني هذا الوجوب ان للعامة دور في صنع القرار، وفي بلورة الصورة واتضاحها لدى الحاكم، وعندئذ - وبعد المشورة - اذا عزم على امر فليتوكل على الله، وان لم يوافق راي بعضهم، يقول تعالى: «وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ»(1). ومع ذلك فالحاكم مامور بمراعاة راي الاكثرية مهما امكن، وان ادى ذلك إلى تذمر الاقلية. يقول علي (عليه السلام) في عهده للاشتر: «ولیکن احب الامور إليك اوسطها في الحق، واعمها في العدل، واجمعها لرضى الرعية، فان سخط العامة يجحف برضى الخاصة، وان سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة»(2).

4. الزهد في المعيشة: زهد الحاكم في المعيشة

ص: 47


1- آل عمران: 159
2- حامد جامع، علي بن ابي طالب (عليه السلام) حاكما وفقيها، القاهرة، دار المعلم، 2003، ص 187

وبساطته في الماكل والمشرب والملبس والمسكن، ليس امرا محببا في الاسلام فقط، بل يمكن اعتباره واجبا شرعيا يتعين على الحاكم الالتزام به. فلا يمكن في النظرية الاسلامية ان يعيش الحاكم حياة مرفهة مترفة تسمو على حياة عامة الرعية، لان الفقير حينما يقارن حياة الحاكم المترفة بحياته، سوف يشتد احساسه بالفقر، بخلاف ما لو رآه يعيش حياة بسيطة، بمستوى يقترب من بساطة عيشه هو، ففي هذه الحالة سوف تزداد مقاومة وصبر هذا الفقير على فقره و جشوبة عيشه، يقول علي (عليه السلام): «ان الله تعالى فرض على ائمة العدل ان يقدروا انفسهم بضعفة الناس، کیلا يتبيغ بالفقير فقره»(1).

5. حفظ الامن والمقصود بحفظ الامن

ص: 48


1- نوري جعفر، مصدر سبق ذكره، ص 95

الاستعداد الدائم والجهوزية المستمرة لقتال العدو الخارجي والداخلي ،يقول علي (عليه السلام): «لابد للناس من أمير برا كان او فاجرا، يعمل في امرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الاجل، ويجمع به الفيء، ويقاتل به العدو، وتامن السبل»، ويقول ايضا: «اللهم انك تعلم انه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، ولا التراس شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، فيا من المظلومون من عبادك، وتقام المعطلة من حدودك »(1).

6. التربية والتعليم: أن على الحاكم ان يرسم خطة تربوية، يقوم هو بتنفيذ جزء منها خلال النصيحة والارشاد والموعظة، وباقي اجزائها

ص: 49


1- نفس المصدر اعلاه، ص 98

تنفذها الاجهزة المختلفة التابعة له، وهناك فرق واضح بين التربية والتعليم، فالتربية تعني توفير الاجواء المناسبة لنمو الملكات الروحية والعقلية التي تزيد من انسانية الانسان، والتعليم يعني محو الامية والجهل، وبناء المؤسسات المعنية بتثقيف الرعية. ومن واجب الحاكم على رعيته الا يبخل عليهم بالنصائح التربوية، التي تربط الانسان بالله، وتذكره بانه مجرد عابر سبيل في هذه الحياة . كما ان من واجب الحاكم العمل على محو حالة الجهل والتخلف(1).

يقول علي (عليه السلام): «انه ليس على الامام الا ما حمل من امر ربه: الابلاغ في الموعظة، والاجتهاد في النصيحة»، ويقول ايضا:

ص: 50


1- محمد حسنين علي الصغير، الامام علي (سيرته وقيادته في ضوء المنهج التحليلي)، مؤسسة المعارف، بیروت، 2002، ص 25

«ايها الناس، ان لي عليكم حقا، ولكم علي حق: فاما حقكم علي فالنصحية لكم، وتوفير فيئكم علیکم، وتعليمكم كيلا تجهلوا، وتادیبکم کیما تعلموا»(1).

7. اقامة الفرائض: وهذا البند لا ينفصل عن خطة الحاكم التربوية، فمن واجبات الحاكم الاهتمام بالفرائض، واقامتها، من قبيل صلاة الجماعة يوميا، وصلاة الجمعة اسبوعيا، وصلاة العيدين في موسمها... الخ. واهمية اقامة الفرائض واضحة، فهي الوسيلة المثلى والفرصة الثمينة التي تمكن الحاكم من الاتصال بالناس، فيسمع شكاواهم، ويتعرف على مشاكلهم، ويستفيد من هذه المنابر في ممارسة الوعظ والارشاد والنصيحة، وان اقيمت الفرائض کما ينبغي لها ان تقام، فان

ص: 51


1- نفس المصدر اعلاه، ص 35

معالم الدين ستصبح بالضرورة واضحة، وآثار العملية الاصلاحية ظاهرة(1).

يقول تعالى: «الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ»(2). ويقول امير المؤمنين في هذا الشان: «اللهم انك تعلم انه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونظهر الاصلاح في بلاد»(3).

8. العمل علي احياء السنة واماتة البدعة: وهذا

ص: 52


1- علي محمد محمد الصلابي، اسمى المطالب في سيرة امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) شخصيته وعصر، دار التوزيع والنشر الاسلامية، القاهرة، 2006 ص 75
2- الحج: 41
3- محمدطي، الامام علي ومشكلة نظام الحكم، مرکز الغدير للدراسات الاسلامية، بيروت، 1997، ص 74

الواجب لا يمكن القيام به الا من خلال نشر ثقافة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونشر العادات والتقاليد، التي تنسجم مع القيم الاسلامية، وترسخها في المجتمع، على اساس ان احياء السنة واماتة البدعة احد اهم حقوق الرعية - في المجتمع الاسلامي - تجاه حاکمه(1).

واذا جاء الحاكم فرای ان الرعية قائمة على سنة حسنة، فمن واجبه القيام بالترتيبات اللازمة للمحافظة على تلك السنة، وعدم تغييرها. والا فسيتحمل هو وزر تركها، بوصفه مميتا لسنة حسنة، يقول علي (عليه السلام) في عهده للاشتر: «ولا تنقضن سنة صالحة عمل بها صدور هذه الامة، واجتمعت بها الالفة، وصلحت عليها الرعية، ولا تحدثن سنة تضر

ص: 53


1- علي عبد الرزاق، الاسلام واصول الحكم، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1972، ص 234

بشيء من ماضي تلك السنن، فيكون الاجر لمن سنها، والوزر عليك بما نقضت منها»(1).

9. منع الظلم واحقاق حقوق الضعفاء واعمال الشدة مع الظالمين والمنافقين، والقضاء بالعدل واقامة حدود الله، من ضروريات الاسلام حرمة اعانة الظالم، ووجوب نصرة المظلوم ما امكن، وتشتد الحرمة، ويعظم الوجوب على الحاكم العالم؛ فمن المعلوم ان الحاكم اذا اعان الطغاة والظالمين والاقوياء، وخذل المستضعفين والمظلومين، لن يستقر حجر على حجر، فتضيع المعايير والمقاييس، وتختلط الامور على العوام، ولن يعني هذا في النهاية الا اماتة الدين.

ص: 54


1- علي الانصاري، عهد الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) لمالك الاشتر، ط 1، دار سروش للطباعة والنشر، طهران، 1983، ص 52

وفي الخطبة يقول الامام علي (عليه السلام): «وما اخذ الله على العلماء الا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم»، ويقول: «لابد للناس من امیر برا كان او فاجرا، يعمل في امرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الاجل، ويجمع به الفيء، ويقاتل به العدو، وتامن السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي، حتی يستريح بر، ويستراح من فاجر»، ويقول: «انه ليس على الامام الا ما حمل من امر ربه: الابلاغ في الموعظة، والاجتهاد في النصيحة، والاحياء للسنة، واقامة الحدود على مستحقيها»(1).

10. الحفاظ على الاموال العامة (بیت المال): الحفاظ على اموال الناس، وحرمة اكلها بالباطل من الواجبات الاسلامية الخطيرة.

ص: 55


1- حامد جامع، مصدر سبق ذكره، ص 76

ويتأكد هذا الوجوب على الحاكم، فمن ناحية، لا يجيز له الشارع ادخارها لمصلحة، مع مسيس حاجة الافراد إليها، ومن ناحية اخرى، لا يجيز له التصرف بها الا في مواردها و مصارفها المقررة لها(1)، يقول تعالى: «وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ»(2)، ويقول تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا»(3).

11. جباية الفيء والصدقات وتوزيعها على

ص: 56


1- القاسم بن سلام ابو عبيدة، کتاب الاموال، تحقیق وتعليق: محمد خليل هراس، دار الكتب العلمية، بيروت، 1986، ص 83
2- البقرة: 188
3- النساء: 10

مستحقيها: يقول الامام علي: «ايها الناس، ان لي عليكم حقا ولكم علي حق: فاما حقكم علي فالنصيحة لكم، وتوفير فیئکم علیکم»، ويقول ایضا: «انه ليس على الامام الا ماحمل من امر ربه: الابلاغ في الموعظة، والاجتهاد في النصيحة، والاحياء للسنة، واقامة الحدود على مستحقيها، واصدار السهيان على اهلها»(1).

12. التمييز بين الاخيار والاشرار: يقول تعالى: «مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ»(2)، ويقول تعالى: «أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ»(3).

وفي عهده المالك الاشتر يقول: «ولا يكونن

ص: 57


1- القاسم بن سلام ابو عبيدة، مصدر سبق ذكره، ص 78
2- الفتح: 29
3- السجدة: 18

المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء، فان في ذلك تزهيدا لاهل الاحسان في الاحسان، وتدريبا لاهل الاساءة على الاساءة»(1).

13. اعمال الرفق في غير ترك الحق، فيكون للرعية كالوالد الرحيم: يقول الله سبحانه وتعالى: «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ»(2).

ويقول تعالى: «وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ»(3).

ص: 58


1- محمد حسين فضل الله، علي ميزان الحق، تحریر: صادق اليعقوبي، دار الملاك، بیروت، 2003، ص 91
2- التوبة: 128
3- آل عمران: 159

وامير المؤمنين في عهده لمالك الاشتر يقول: «... واشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم اكلهم...».

اما بالنسبة الى مسألة الشروط التي يجب ان يتمتع بها من يشغل هذا المنصب فلها اهمية عند الامام، بل ان النظر إلى هذه الشروط المفترة - فضلاً عن كونها مؤهلات ومتطلبات لقيادة امة صاحبة رسالة انسانية عالمية - فانها حق للامة ان لا يحكمها إلا اشخاص يمتلكون هذه المؤهلات. وهذه ميزة اخرى تضاف لصالح منهج الامام في مجال حقوق الانسان، الا وهو اهتمامه بمن يحكم كأساس لمعرفة كيفية الحكم، ويمكن اجمال اهم الشروط او المؤهلات التي طالب الامام ان يتمتع

ص: 59

بها الحاكم المسلم بالاتي(1):

معرفة الاسلام و حسن تطبيقة: ان اول شروط القيادة في الاسلام - على وفق رؤية الامام - هو معرفة الاسلام بالمفهوم الدقيق للكلمة واستيعاب اصوله ومبادئه واحكامه في المجالات الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية المختلفة

1. العدالة: كشرط اساسي للحاكم عند الامام (عليه السلام) الذي كان مدركاً لمخاطر الحكم ومسؤولياته الكبرى لذلك كان متشدداً في تحديد مواصفات الوالي العادل و هي مواصفات نظرية وعملية حقيقية.

ص: 60


1- توفيق الفكیكي، الراعي والرعية، ط 3، المعرفة للنشر والتوزيع، بغداد، 1990، ص 187

2. الوعي السياسي: ان من اهم الصفات التي يجب ان يتمتع بها الحاكم هو الفهم الدقيق للمسائل وحسن التشخيص وسرعة الادراك ودقة النظر في جميع الامور التيتحتاج إلى تدبير وحسن سياسة.

3. الصفات الشخصية للحاکم: وهي مجموعة من الصفات التي طالب الامام ان يتصف بها كل من يقود المجتمع او يطمح لقيادته، ولعل اهم الصفات الشخصية التي اشترطها الامام، تتجسد في ان يكون الحاكم من اسخى الناس، اما الشرط الثاني للحاکم فقد طالب الامام ان یکون من اشجع الناس، ويتطرق الامام إلى مسألة الصبر وكظم الغيض كسمة ضرورية للحاکم، وانتقد الامام حالة الكبر والغرور التي تميز اغلب الحكام واصحاب النفوذ.

ص: 61

ثانياً: واجبات المحكوم:

1. الوفاء بالبيعة: يعني اطاعة الحاكم، واجابة دعوته، وعدم تضعیفه بقول او عمل، وعدم البغي عليه . فطالما ان الحاكم شرعي، جامع للشرائط، ملتزم بواجباته، فعلى المحكوم الا يخذله، ولا يتركه وحيدا في الازمات. فقوة الحاکم وقدرته على القيام بالامر، منوط بالتفاف الناس حوله، ودعمهم له. والا فسيكون مصداقا لكلمة امير المؤمنين: «لا راي لمن لا يطاع»(1).

ويقول الامام علي (عليه السلام): «الا وان لكم عندي الا احتجز دونكم سرا الا في حرب... فاذا فعلت ذلك وجبت الله عليكم النعمة، ولى علیکم الطاعة، والا تنكصوا عن دعوة، ولا تفرطوا في صلاح، وان تخوضوا الغمرات إلى

ص: 62


1- توفيق الفكیكي، مصدر سبق ذكره، ص 196

الحق، فان انتم لم تستقيموا لي على ذلك، لم يكن احد اهون علي من اعوج منکم، ثم اعظم له العقوبة، ولا يجد عندي فيها رخصة، فخذوا هذا من امرائكم، واعطوا من انفسکم ما يصلح الله به امركم، والسلام»، ويقول ايضا: «ايها الناس، ان لي عليكم حقا، ولكم علي حق... واما حقي علیکم فالوفاء بالبيعة، والنصيحة في المشهد والمغيب، والاجابة حين ادعوكم، والطاعة حين آمركم»(1).

2. النصيحة: من حق الحاكم على المحكوم الا يتردد الاخير في اسداء النصيحة، والتذكير، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، فالحاكم مهما بلغ بعلمه وتقواه، يبقى في النهاية بحاجة إلى ملاحظات الناقدين، ونصيحة الناصحين. واذا

ص: 63


1- محمد حسين فضل الله، مصدر سبق ذكره، ص 67

ما تقاعس المحكومون عن القيام بدور الناصح، فلن يسوغ لهم حينئذ اتهام الحاكم بالتفرد بالراي، الا اذا كان الحاكم نفسه يرفض القيام بهذا الدور، تصريحا او تلويحا، على الحاكم نفسه ان يذكر الرعية بانه على استعداد دائم لقبول نصيحة الناصحين، ونقد الناقدین، بصدر رحب، ودون اي تبرم او ضيق. ليشجع بذلك حالة النقد البناء، حتى يظل المجتمع حيا، يشترك الجميع في صنع قراراته، ويشترك الجميع في رسم مسيرته(1).

يقول تعالى: «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ»(2). ويقول علي (عليه السلام): «ايها الناس، ان لي عليكم حقا، ولكم علي حق...واما

ص: 64


1- ظافر القاسمي، نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الاسلامي، ط 6، دار النفائس، بیروت، 1990، ص 60
2- سورة التوبة، الاية 71

حقي عليكم فالوفاء بالبيعة، والنصيحة في المشهد والمغيب، والاجابة حين ادعوكم، والطاعة حين آمرکم»(1).

بل ان عليا يامر الاشتر لما عهد اليه ولاية مصر ان يقرب اليه اكثر الرعية صراحة ووضوحا، وان كان صدقه مؤلماله، يقول: «ثم لیکن آثرهم عندك، اقولهم بمر الحق لك»، ويقول: «فعلیکم بالتناصح في ذلك، وحسن التعاون عليه، فليس احد - وان اشتد على رضا الله حرصه، وطال في العمل اجتهاده - ببالغ حقيقة ما الله سبحانه اهله من الطاعة له. ولكن من واجب حقوق الله على عباده النصيحة بمبلغ جهدهم، والتعاون على اقامة الحق بينهم. وليس امرؤ - وان عظمت في الحق منزلته، وتقدمت في الدين فضيلته - بفوق

ص: 65


1- محمد جواد مغنية، مصدر سيق ذكره، ص 87

ان یعان على ما حمله الله من حقه. ولا امرؤ - وان صغرته النفوس، واقتحمته العيون - بدون ان يعين على ذلك او یعان عليه»(1).

اما الحق الاهم الذي دعا اليه الامام فهو (حق الطاعة) فقد اولى الامام (عليه السلام) هذا الحق اهمية كبيرة حيث يقول: الطاعة تعظيماً للامامة، ولكنه (عليه السلام) في الوقت نفسه، وضع عدة محددات و ضوابط حول متی وكيفية الطاعة المطلوبة من الأمة إزاء حكامها، لعل من أهمها ما يأتي(2):

1. إن تحقق الطاعة مرضاة الله تعالى وتنسجم مع احكام الشريعة الاسلامية إذ يقول (عليه

ص: 66


1- المصدر السابق، ص 90
2- محمد باقر الناصري، من معالم الفكر السياسي في الاسلام، ط 1، مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، بیروت، 1988، ص 45

السلام): لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ( ويؤكد الامام هذه المبدأ بقوله (عليه السلام): لا يسخط الله برضا احد من خلقه، فان في الله خلفاً من غيره وليس من الله خلف في غيره).

وعندما تولى الامام (عليه السلام) سدة الحكم كان وفياً هذا المبدأ وحريصاً على تنبيه الجماهير له إذ كان يحدد حق الطاعة لولاته قائلاً للرعية): فاسمعوا له واطيعوا امره فيما طابق الحق (بل انه يضع تحت طائلة مبدأ الطاعة بالمعروف الحاكم نفسه حيث يقول (عليه السلام): الا واني لست نبياً ولا يوحى الي ولكني اعمل بكتاب الله ما استطعت، فما امرتكم به من طاعة الله فحق علیکم طاعتي فيما احببتم وفيما كرهتم وما امرتكم به او غيري من معصية الله فلا طاعة في المعصية الطاعة في المعروف الطاعة في المعروف الطاعة في المعروف.

ص: 67

ويرفض الامام سلوك بعضهم في الطاعة المطلقة لولاة الامر وما يرتبط بهذا النمط من السلوك إذ يصفهم (عليه السلام) «يلتمسون الحق بالباطل ويطيعون المخلوق في معصية الخالق». ولتأكيد هذا المبدأ ينقل الامام عن الرسول قوله: «يا علي اربعة من قواصم الظهر» ويعدد هذه الاربعة التي من بينها) امام يعصي الله ويطاع امره...، وهذا الموقف والتحديد للطاعة سيكون له اثر مهم في رؤية الامام لحق المعارضةً.

2. ان حق الطاعة الذي طالب به الامام للسلطة الحاكمة على شقين الاول منهما امر الحاكم في عدم استغلال هذا الحق الا فيما وافق الحق إذ يقول (عليه السلام) لا تقولن اني مؤتمر امر فاطاع فان ذلك ادغال في القلب ومنهكة للدين وتقريب من الغير، اما الثاني فهو: من يجب ان

ص: 68

تطيع فان الامام قال: الحذر الحذر من طاعة ساداتكم وكبرائكم الذين تكبروا عن حسبهم، وترفعوا فوق نسبهم والقوا الهجينة على ربهم، وجاحدوا الله على ما صنع بهم مكابرة لقضائه ومغالبة لالآئه فانهم قواعد اسس العصبية ودعائم ارکان الفتنة وسيوف اغتراء الجاهلية. ويحذر الامام بشدة من توظيف البعد الالهي لصالح السلطة السياسية اذ قال (عليه السلام): (احذروا على دينكم ثلاثة) احدهم (رجلاً اتاه الله سلطاناً فزعم ان طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله).

3. ويقصر الامام لطاعة بشرط الامكانية إذ قال (عليه السلام): «لا تعذبوا خلق الله ولا تكلفوهم فوق طاقتهم».

ص: 69

المبحث الثالث تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكومين في ظل عهد الإمام (علیه السلام) لمالك الأشتر.

اشارة

العلاقة بين الحاكم والمحكوم لها تاريخ حافل بالمتناقضات والمتجانسات، وبالاستقرار والاضطرابات، بحسبانها تقوم على فلسفة الأمة وثقافتها تارة، وعلى فلسفة الحاكم وطبيعته تارة أخرى.

لقد مر على بعض الأمم فترات كان الحاكم فيها له السلطة المطلقة التي تجعله يتظاهر بأنه

ص: 70

إله، أو يدعي الربوبية.

قال تعالى في كتابه الكريم «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»(1).

«اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى * وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى * فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى * فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى»(2).

وإذا ما انتقلنا إلى أوربا (العصور الوسطى)

ص: 71


1- سورة البقرة، الآية 258
2- سورة النازعات، الاية 17 - 25

وجدنا أن نظريات غريبة استحكمت في عقول الحكام والمحكومين، مثل نظرية الحلق الإلهي، التي ترى أن الحاكم له سلطة مطلقة مستمدة من الله تعالى، يمارسها بحسب رغبته، وليس لأحد الاعتراض على شيء من تصرفاته، على اعتبار أن الله اختاره واصطفاه ليسوق الناس بعصاه، و قريب من هذه النظرية نظرية التفويض الإلهي، التي تمنح الحاكم قداسة، وتعطيه سلطة يتصرف باسم الدين، أو (الكنيسة) لا يجوز لأحد الاعتراض على شيء من تصرفاته(1).

وفي القرن السادس عشر الميلادي ظهرت (الماكيافيلية) المنسوبة إلى نیکولا ماكیادفيلي (الإيطالي) الذي قدم نصائحه للأمير بأن يعتمد على القوة والخداع، بحجة أن الغاية

ص: 72


1- اندرية ايمار وجانين او بوایه، تاريخ الحضارات العام، ترجمة: فرید داغر، دار عويدات، بیروت، 2003، ص 567

تبرر الوسيلة، ولاسيما أننا نجد في المقابل فترات تاريخية تخللها موجات من الفوضى والاضطرابات والمنازعات بين الشعوب والقبائل، لا تعرف قيادة موحدة، أو دولة ذات سيادة، وكان للعرب في الجاهلية نصيب من ذلك، فلما جاء الإسلام بنظمه المتكاملة، والشاملة لكل شؤون الحياة الفردية والاجتماعية، كان للجانب السياسي حظ وفير من التنظيم والتشريع(1).

أولا: الأساس الشرعي والنظامي للعلاقة بين الحاكم والمحكوم:

1- الأساس الشرعي:

لم يكن تأسيس العلاقة بين الحاكم والمحكوم في الفكر الإسلامي ناشئة من فراغ أو صادرا من

ص: 73


1- محمد بشير الشافعي، قانون حقوق الانسان - مصادره وتطبيقاته الوطنية والدولية، ط 3، منشأة المعارف، الاسكندرية، 200، ص 98

بنيات أفكار العلماء، أو من محض الاجتهاد، بل جاءت بذلك التشريعات السماوية التي نزلت على محمد - صلى الله عليه وسلم - من خلال القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة. بل إن النصوص المتعلقة بالموضوع كثيرة جدا يصعب على المتتبع حصرها، وبخاصة في السنة النبوية، والآثار الواردة عن علماء الملة(1).

وهنا نثبت بعضًا من تلك النصوص:

أ: من القرآن الكريم:

1- قول الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ

ص: 74


1- محمد بحر العلوم، مصدر التشريع النظام الحكم في الاسلام، ط 2، دار الزهراء، بیروت، 1983، ص 183

وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا»(1).

ففي الآية الثانية: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ» خطاب للرعية. وقد اختلفت في المراد بأولي الأمر في الآية، فقيل الأمراء وقيل: العلماء، وقيل الأمراء والعلماء: ورجح كثير من أهل العلم القول الأخير. کابن كثير والشوكاني، وأما قوله تعالى: «فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ»

وجملة ما تضمنته الآيتان الكريمتان: إلزام الولاة والرعية بأداء الأمانات كلها، وعلى الحكام أن يحكموا بالعدل، ثم واجب على الرعية أن يطيعوا الحكام في طاعة الله، فإذن حصل بينهم

ص: 75


1- سورة النساء، الآية 58 - 59

نزاع فمرجعه کتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وآله وسلم -.

2- قال سبحانه: «فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا»(1)، وفي ذلك ربط للراعي والرعية بالمصادر الشرعية المعتبرة.

3- قال سبحانه في صفات المؤمنين الصادقين: «وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ * وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ»(2)

وقال مثنيًا على رسول الله - صلى الله عليه

ص: 76


1- سورة النساء، الآية 65
2- سورة الشورى، الاية 37 - 38

وسلم-: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ»(1). ففي هذه الآيات تشريع لمبدأ سياسي عظيم، هو الشوری.

يقول ابن عطية مفسرًا الآية من سورة آل عمران: «أمر الله تعالى رسوله هذه الأوامر التي هي بتدریج بليغ، وذلك أنه أمره بأن يعفو عليه السلام عنهم ماله في خاصته عليهم من تبعة وحق، فإذا صاروا في هذه الدرجة أمره أن يستغفر لهم فيما لله عليهم من تبعة، فإذا صاروا في هذه الدرجة كانوا أهلا للاستشارة في الأمور، والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحکام

ص: 77


1- سورة آل عمران، الاية 159

ومن لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب(1).

ب: من السنة النبوية:

1- دخل عائذ بن عمرو - وكان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه واله وسلم - على عبيد الله بن زیاد فقال له: أي بني، إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن شر الرعاء الحطمة، فإياك أن تكون منهم، فقال له: اجلسي، فإنما أنت نخالة أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، فقال: وهل كانت لهم نخالة؟ إنما كانت النخالة بعدهم، وفي غيرهم)(2).

عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه

ص: 78


1- ظافر القاسمي، نظام الحكم في الشريعة والتاريخ الاسلامي، ط 6، دار النفائس، بیروت، 1990، ص 30
2- علي عبد الرزاق، مصدر سبق ذكره، ص 222

واله وسلم - قال: «ان أطاعني فقد أطاع الله ومن يعصني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني»(1).

عن عوف بن مالك عن رسول الله - صلى الله عليه واله وسلم - قال: «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم، قیل: یا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف؟ فقال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يداً من طاعة»(2).

ص: 79


1- محمد بن ابي بكر ابن قيم الجوزية، احکام اهل الذمة، دار ابن حزم، بیروت، 1997، ص 59
2- نفس المصدر اعلاه، ص 61

ثانيا: الأساس النظامي للعلاقة بين الحاكم والمحكوم:

ربما يتساءل البعض الأساس النظامي للعلاقة بين الحاكم والمحكومين في هذه البلاد على وجه الخصوص، بحسبانها نموذجا من النماذج المتميزة في العصر الحاضر في مجال التنظيم والتقنين.

وهذه بعض المواد المنظمة للعلاقة بين الحاكم والمحكوم(1):

أ- يبايع المواطنون الملك على كتاب الله وسنة رسوله، وعلى السمع الطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره.

ب- الدفاع عن العقيدة الإسلامية والمجتمع والوطن واجب على كل مواطن، ويبين النظام الخدمة العسكرية.

ج- مجلس الملك و مجلس ولي العهد مفتوحان

ص: 80


1- نوري جعفر، مصدر سبق ذكره، 102

لكل مواطن ولكل من له شكوى أو مظلمة.

د- حق التقاضي مكفول بالتساوي للمواطنين والمقيمين بالمملكة، وبين النظام الإجراءات اللازمة لذلك.

ه- يقوم الملك بسياسة الأمة سياسة شرعية طبقا لأحكام الإسلام، ويشرف على تطبيق الشريعة الإسلامية والأنظمة، والسياسة العامة للدولة وحماية البلاد والدفاع.

ثالثا: القواعد التي تبني عليها العلاقة بين الحاكم والمحكوم:

ليست العلاقة بين الحاكم والمحكوم معلقة في هواء أو فراغ أو أنها بنيت على أرض رخوة، بل هي مؤسسة على قواعد متينة، بناها الشارع الحكيم وفرضها من خلال الوحي المطهر.

ص: 81

ومن يتأمل نصوص وقواعد الشريعة العامة يمكن أن يخرج بالقواعد الآتية(1):

1- التزام العبودية لله تعالى: فالناس كلهم، على اختلاف أشكالهم وأجناسهم وطبقاتهم ومسؤولياتهم مطالبون بعبادة الله تعالي، والخضوع لأمره وحكمه، مثلما كانوا خاضعين وتقديره وملكه.

2- المساواة العامة بينهما في:

أ- القيمة الإنسانية: قال تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ

ص: 82


1- ابو بكر أحمد بن علي الرازي، احكام القرآن، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1994، ص 38

اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا»(1).

ب- المساواة في التكاليف الشرعية والمسؤولية والجزاء والقضاء أي أن كل إنسان بالغ عاقل فهو مكلف بالحكم الشرعي، منذ بلوغه حتى يأتيه اليقين، فلا تسقط عنه التكاليف مهما بلغت به السن أو النسب، أو الجاه والمال، أو الرتب الدينية والدنيوية، لا فرق بين شریف ووضيع وحر وعبد، وذكر وأنثى، وأمير ومأمور(2).

وقد رد الله سبحانه على كل من يحاول أن يتخلى عن مسؤولية التكاليف ردًا بليغًا، قال سبحانه: «وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ

ص: 83


1- سورة النساء، الاية 1
2- صباح صادق جعفر، حقوق الانسان، ط 1، المكتبة القانونية، بغداد، 2003، ص 65

مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ»(1).

3- القيم الحلقية العامة: تبني العلاقة بين الحاكم والمحكوم على قيم عليا. ومن أهم هذه القيم(2):

أ- العدل: وهو قيمة جليلة تحكم العلاقة بين الناس كافة، سواء بين الأفراد والدولة، أو بين الأفراد بعضهم مع بعضهم، منع المسلمين وغير المسلمين.

«والعدل - كما يقول الطرطوشي - میزان الله تعالى في الأرض، الذي به يؤخذ للضعيف من القوي وللمحق من المبطل، وليس موضع الميزان بين الرعية فقط، بل بين السلطان والرعية».

ب- النصح، أو النصيحة: ومن النصح

ص: 84


1- سورة المائدة، اية 18
2- نوري جعفر، مصدر سبق ذكره، ص 87

الصدق والمصارحة والمكاشفة بين الحكام والمحكومين، جاء في بعض الحكم: الكذب عدو الصدق، والجور مفسد للملك، فإذا استصحب الكذب استخف به، وإذا أظهر الجور فسد سلطانه». وأبلغ من ذلك ما جاء في الحديث الشريف (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم، شیخ زان، وملك کذاب، وعائل مستكبر).

ج- الرفق واللطف: وهو خلق رفيع لا يستغني عنه مسلم، أيا كان مقامه، معلما كان، أو داعيا، أو مسؤولا أو غير ذلك. والمقصود بالرفق، معالجة كل قضية بما يناسبها بأسهل الطرق وأيسرها، وليس يقصد من ذلك التلاین في مواقف الحزم والشدة.

4- المبادئ الدستورية: ويقصد بها القواعد

ص: 85

السياسية التي ينهض بها الحكم، بل التي لا ينهض إلا بتحقيقها، وقد يختلف مفكرو السياسة وأربابها في تعداد هذه القواعد، وفي المصطلحات الخاصة بها والذي أراه أن أهم القواعد التي يقوم عليها الحكم، وتقوم عليها العلاقة بين الحكم والمحكوم هي (البيعة، الشوری، الطاعة، المسؤولية)(1).

ص: 86


1- علي محمد جعفر، تاریخ القوانين و مراحل التشريع الاسلامي، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت، 1986، ص 96

الخاتمة:

يتضح من خلال الدراسة أنّ الإسلام جاء بمبادئ عامة تحكم التنظيم السياسي في كل زمان ومكان، مثل مبادئ العدل والمساواة، والشوری وضمان الحريات، وحقوق الانسان، وعلاقة الحاكم والمحكوم، ومسؤولية الحكام وتقييد سلطاتهم بتعزيز إرادة الأمة. وهذه المبادئ أقرتها النصوص القرآنية وما ورد عن الرسول عليه الصلاة والسلام من أحاديث و أفعال،، کما دعا اليها وجسدها الامام علي (عليه السلام)، وتلك المبادئ بطبيعتها العامة صالحة لكل زمان ومكان وتتخذ صورًا مختلفة في التطبيق.

ويمكننا تسجيل جملة من الاستنتاجات

ص: 87

منها:

أولاً: أنها ربانية. أي أن أساس تشريعها من لدن العزيز الحكيم، وآية ذلك ما قدمناه من نصوص تشريعية كثيرة ذات صلة بالموضوع.

ثانيًا: أنها جزء من العبادة. فالمسلم وهو يتعامل مع السلطة الشرعية إنما يؤدي عبادة من العبادات، سواء في نصحه لأئمة المسلمين، أو في تنفيذه لأوامرهم وتعليماتهم، أو في توجيههم والأخذ بأيديهم إلى شاطئ السلامة.

كما أن الحاكم وهو يتعامل مع رعيته، فإنه يؤدي عبادة من أعظم العبادات، سواء في جلب المصالح لهم، أو درء المفاسد عنهم، وسواء في نصرة المظلوم والضعيف، أو في قهر الظالم والمعتدي، بل في كل تصرف يتصرفونه لمصلحة الرعية فهو عبادة محضة، ولذا يقول العز بن

ص: 88

عبد السلام: «أجمع المسلمون على أن الولايات من أفضل الطباعات، فإن الولاة المقسطين أعظم أجرا وأجل قدرا من غيرهم، لكثرة ما يجري على أيديهم من إقامة الحق ودرء الباطل».

ثالثًا: أنها علاقة تقوم على الاحترام المتبادل بين الحاكم والمحكوم، لأن كلا منهما عرف ماله من حقوق، وما عليه من واجبات. وكل منهما يشعر أن الطرف لآخر أهل للاحترام والتقدير، لأنه يشاركه في المسؤولية، ويقوم بجزء منه، ولا يتأتى ذلك الأمر إلا بالتواضع.

رابعًا: أنها تقوم على الثقة بين الطرفين فكل منهما يأمن جانب الآخر، ولا يخشی منه غدراً أو ظلمًا أو تجاوزًا للحدود المشروعة والمنظمة. ولذلك لا يكون لسوء الظن أو تبادل الاتهام مجال، حيث إن كلا منهما أعطى للآخر

ص: 89

ثمرة فؤاده . والإسلام حسم كل أسباب الشحناء والبغضاء.

خامسًا: أن العلاقة بينهما مبنية على الأخوة الإسلامية، التي هي أقوى الروابط وأجلها، قلل الحق تعالى : «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ» [الحجرات: 10] وقال تعالى: «وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا» [آل عمران: 103].

سادسًا: الاعتدال والتوازن في طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، فلا إفراط ولا تفريط، ولا شطط.

سابعًا: أنها علاقة قائمة على نظرية (المساواة)، «فلا قيود ولا استثناءات، وإنما مساواة تامة بين الأفراد، ومساواة تامة بين الجماعات، ومساواة تامة بين الأجناس، ومساواة

ص: 90

تامة بين الحاكمين والمحكومين، ومساواة تامة بين الرؤساء والمرؤوسين، لا فضل لرجل على رجل، ولا لأبيض على أسود، ولا لعربي على أعجمي، وذلك قول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا» [الحجرات: 13].

عبر ما تطرقنا اليه سابقا يمكننا التوصل إلى جملة من الاستنتاجات:

1. اتضح بكل جلاء ان الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) يعد تجسيداً حياً للشريعة الإسلامية برافديها القران الكريم والسنة النبوية مضافاً إليهما ابداع الانسان المتميز في تطبيق النص على أرض الواقع ولاسيما في مجال حقوق الانسان حيث شملت رؤيته مساحة واسعة من تلك الحقوق دعا اليها وجسدها في ميدان التطبيق العملي.

ص: 91

2. تعد الحياة قيمة عليا في الرؤية العلوية ينبغي ان تصان عبر زيادة الوعي بخطورة سلبها من الانسان وعظم هذه الجريمة وانعكاسها السلبي في الدنيا والآخرة من جهة وفرض العقوبة العادلة على منتهك حق الآخرين في الحياة من جهة أخرى، إلا أن أحترم حياة الانسان لا يلغي

تشريع القصاص العادل الذي قد يصل الى القتل إذا ما أقدم الفرد على هدم وجود الإنسان.

3. دعا الامام علي (عليه السلام) إلى أن ينعم الانسان بحق المساواة العادلة في ابعاده كافة سواء البعد الإنساني، او الأجتماعي، او الاقتصادي، او السياسي، او القضائي. إلا أن الدعوة النظرية والممارسة العملية للأمام لترسيخ هذا الحق لم تكن على حساب المعايير الموضوعية للتفاضل بين

ص: 92

الناس والتي عمل بموجبها استناداً إلى الشريعة الإسلامية وذلك لتحقيق العدالة بين البشر من جهة والسعي لتطوير المجتمع والارتقاء بالوجود الإنساني من جهة أخرى، إذ أن الإيمان والتقوى والعلم والعمل المثمر هي من مقومات الإنسان الفاضل والمجتمع الصالح.

4. في اطار حقوق الانسان ذات البعد السياسي يبرز حق حرية الرأي والتعبير سواء في رؤية الإمام النظرية أو ممارسته العملية، مؤكداً (عليه السلام) جملة من الضمانات لهذا الحق بهدف تفعيله کونه مقصداً الهياً شرعياً وآلية مهمة لاطلاع الحكومة على سلبياتها وأخطائها، وإنشاء وترسيخ

الوعي السياسي، والتخلص من سبات العقل والركود الفكري للوقوف بالضد من

ص: 93

ظهور الاستبداد في الواقع السياسي الاسلامي و الانساني على حد سواء.

5. امتازت الرؤية العلوية لحقوق الإنسان بابراز حق ضمانة ضبط الحكام وذلك لأهمية منصب الحاكم وتأثيره الواسع في المجتمع، لاسيما مع عظم المهمات الملقاة على عاتقه والمتمثلة بالواجبات الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية. لذا دعا الامام الى ضرورة ان يشغل هذا المنصب الانسان الذي يتميز بجملة من الصفات لعل من ابرزها معرفة الاسلام وحسن تطبيقه، و العدالة، والوعي السياسي، والصفات الشخصية الحميدة.

6. في حالة المساس بالشريعة الاسلامية أو ظهور حالة الاستبداد والظلم من قبل الحكام أزاء الأمة وتبديد حقوقها نتيجة ضعف الوعي

ص: 94

والأداء السياسي والإداري، فإن الامام يمنح الحق للامة بأفرادها و مجموعها بالتصدي للحكومة واخطائها تجسيداً لحق المعارضة وبصورة تدريجية حتى تصل الى الثورة المسلحة للقضاء على الظلم والطغيان وذلك استناداً الى مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أولاه الامام أهمية متميزة على الصعيدين النظري والعملي.

7. إن اشاعة وتعميم تجربة الامام علي (عليه السلام) ورؤيته لحقوق الانسان ببعديها النظري والعملي، عبر نشرها والأخذ بها كمنهج عمل في المؤسسات الرسمية والدينية والاجتماعية في مجتمعنا ستسهم بلا شك في تطور الوعي والممارسة لحقوق الانسان من اجل تقديم نموذج حضاري متميز لا تنضوي تحت لوائه الامة الاسلامية فحسب وإنما تنهل منه البشرية بأسرها.

ص: 95

ص: 96

المحتويات

مقدمة المؤسسة...5

مقدمة...9

المبحث الأول: مضامين حقوق الإنسان في ظل عهد الإمام (علیه السلام) لمالك الأشتر:...14

المحور الأول: الحقوق الأساسية:...18

المحور الثاني: الحقوق السياسية:...24

المحور الثالث: الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية:...27

المبحث الثاني: حقوق وواجبات الحاكم والمحكومين في ظل عهد الإمام (علیه السلام) لمالك الأشتر...42

أولاً: واجبات الحاكم:...42

ثانياً: واجبات المحكوم:...62

المبحث الثالث: تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكومين في

ص: 97

ظل عهد الإمام (علیه السلام) لمالك الأشتر...70

أولا: الأساس الشرعي والنظامي للعلاقة بين الحاكم والمحكوم:...73

ثانيا: الأساس النظامي للعلاقة بين الحاكم والمحكوم:...80

ثالثا: القواعد التي تبني عليها العلاقة بين الحاكم والمحكوم:...81

الخاتمة:...87

ص: 98

ص: 99

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.