أسس اختيار المسؤولين في الدولة عند أمير المؤمنين (عليه السلام)

هوية الکتاب

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد 1880 لسنة 2018 مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLIrda رقم تصنيف: 2018 BP38.09.S5 K39 المؤلف الشخصي: كاظم، فوزي خيري. مؤلف. العنوان: أسس اختيار المسؤولين في الدولة عند أمير المؤمنين (عليه السلام) في ضوء عهده المالك الاشتر (رحمه الله) / بيان المسؤولية: تأليف الدكتور فوزي خيري كاظم، تقديم السيد نبيل قدوري الحسني. بيانات الطبع: الطبعة الأولى. بيانات النشر: العراق، كربلاء: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 1439/2018 للهجرة. الوصف المادي: 1811 صفحة : 15X21سم. سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة: 423). سلسلة النشر: (مؤسسة علوم نهج البلاغة، 133 وحدة الدراسات الاجتماعية، سلسلة دراسات في عهد الامام علي (ع) لمالك الاشتر (ره): 38). تبصرة ببليوجرافية: يتضمن هوامش، لائحة المصادر (الصفحات 66-80). موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359-406 للهجرة - نهج البلاغة - عهد مالك الأشتر شرح. موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - احاديث. موضوع شخصي:

علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - سياسته وحكومته. موضوع شخصي: مالك بن الحارث الاشتر النخعي، توفي 39 للهجرة - نقد و تفسير. مصطلح موضوعي: نظام الحكم في الاسلام. مصطلح موضوعي: النظام الاداري في الاسلام. مؤلف اضافي: دراسة ل(عمل): الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359-406 للهجرة - نهج البلاغة - عهد مالك الاشتر. اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة. مؤسسة علوم نهج البلاغة. جهة مصدرة. عنوان اضافي: نهج البلاغة.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة

ص: 1

اشارة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد 1880 لسنة 2018 مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLIrda رقم تصنيف: 2018 BP38.09.S5 K39 المؤلف الشخصي: كاظم، فوزي خيري. مؤلف. العنوان: أسس اختيار المسؤولين في الدولة عند أمير المؤمنين (عليه السلام) في ضوء عهده المالك الاشتر (رحمه الله) / بيان المسؤولية: تأليف الدكتور فوزي خيري كاظم، تقديم السيد نبيل قدوري الحسني. بيانات الطبع: الطبعة الأولى. بيانات النشر: العراق، كربلاء: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 1439/2018 للهجرة. الوصف المادي: 1811 صفحة : 15X21سم. سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة: 423). سلسلة النشر: (مؤسسة علوم نهج البلاغة، 133 وحدة الدراسات الاجتماعية، سلسلة دراسات في عهد الامام علي (ع) لمالك الاشتر (ره): 38). تبصرة ببليوجرافية: يتضمن هوامش، لائحة المصادر (الصفحات 66-80). موضوع شخصي: الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359-406 للهجرة - نهج البلاغة - عهد مالك الأشتر شرح. موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - احاديث. موضوع شخصي:

علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - سياسته وحكومته. موضوع شخصي: مالك بن الحارث الاشتر النخعي، توفي 39 للهجرة - نقد و تفسير. مصطلح موضوعي: نظام الحكم في الاسلام. مصطلح موضوعي: النظام الاداري في الاسلام. مؤلف اضافي: دراسة ل(عمل): الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359-406 للهجرة - نهج البلاغة - عهد مالك الاشتر. اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة. مؤسسة علوم نهج البلاغة. جهة مصدرة. عنوان اضافي: نهج البلاغة.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة

ص: 2

سلسلة دراسات في عهد الإمام على (علیه السلام) لمالك الأشتر (رضی الله عنه) (38) وحدة الدراسات الاجتماعية

أُسس اختيار المسؤولين في الدّولة عند أمير المؤمنين (علیه السلام) في ضوء عهده لمالك الأشتر(رضی الله عنه)

تأليف د. فوزي خيري كاظم

اصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة العتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1439 ه - 2018 م

العراق - كربلاء المقدسة - مجاور مقام علي الأكبر عليه السلام مؤسسة علوم نهج البلاغة هاتف: 07728243600 - 07815016633 الموقع الألكتروني: www.inahj.org

الإيميل: Info@ Inahj.org

تنویه: إن الأفکار والآراء المذکورة فی هذا الکتاب تعبر عن وجهة نظر کاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤسسة

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم من عموم نعمٍ ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد و آله الطاهرين.

أما بعد:

فإن من أبرز الحقائق التي ارتبطت بالعترة النبوية هي حقيقة الملازمة بين النص القرآني والنص النبوي ونصوص الأئمة المعصومين (علیهم السلام).

وإنّ خير ما يُرجع إليه في المصادیق لحَدیث الثقلين «كتاب الله وعترتي أهل بيتي» هو صلاحية النص القرآني لكل الأزمنة متلازماً مع صلاحيّة

ص: 5

النصوص الشريفة للعترة النبوية لكل الأزمنة.

وما كتاب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) لمالك الأشتر (رضی الله عنه) إلا أنموذجٌ واحدٌ من بين المئات التي زخرت بها المكتبة الإسلامية التي اكتنزت في متونها كثيراً من الحقول المعرفية مظهرة بذلك احتياج الإنسان إلى نصوص الثقلين في كل الأزمنة.

من هنا:

ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تخصص حقلاً معرفياً ضمن نتاجها المعرفي التخصصي في حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) وفكره، متّخذة من عهده الشريف إلى مالك الأشتر (رضی الله عنه) مادة خصبة للعلوم الإنسانية التي هي من أشرف العلوم ومدار بناء الإنسان وإصلاح متعلقاته الحياتية وذلك ضمن سلسلة

ص: 6

بحثية علمية موسومة ب(سلسلة دراسات في عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر (رضی الله عنه)، التي تصدر بإذن الله تباعاً، حرصاً منها على إثراء المكتبة الإسلامية والمكتبة الإنسانية بتلك الدراسات العلمية والتي تهدف إلى بيان أثر هذه النصوص في بناء الإنسان والمجتمع والدولة متلازمة مع هدف القرآن الكريم في إقامة نظام الحياة الآمنة والمفعمة بالخير والعطاء والعيش بحرية وكرامة.

وكان البحث الموسوم ب(أسس اختيار المسؤولين في الدولة عند أمير المؤمنين (عليه السلام) في ضوء عهده لمالك الأشتر (رضوان الله عليه) من الدراسات التي سلّطت الضوء على مدارسة العهد الشريف واستنتاج الأسس الرئيسة لاختيار المسؤولين الذين يتسنّمون المناصب في الدولة وما ينبغي أن يكونوا عليه وما يجب أن يتمتعوا به من مؤهلات إدارية

ص: 7

وشرعية تنبع من هدي الإسلام وفلسفته البنّاءة.

فجزى الله الباحث خير الجزاء فقد بذل جهده وعلى الله أجره، والحمد لله رب العالمين.

السيد نبيل قدوري الحسني رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 8

مقدمة

لا يمكن لصفحات هذا البحث - وإن کَثُرت - أن تستوعب القيم الواردة في عهد الإمام علي (عليه السلام) لواليه مالك بن الحارث المعروف بالأشتر (رضوان الله عليه) حين بعثه والياً على مصر، فهو دستور شامل ومتكامل للدولة، يهدف إلى معالجة قضايا الحكم والإدارة وشؤون الدولة وعلاقتها مع الأمة والحقوق والوجبات المترتبة على الحاكم تجاه الأمة، وواجبات الأمة تجاه الحاكم، فقد حوى مختلف النظريات في مختلف جوانب الحياة، فلو أردنا الجانب الديني سنجد فيه القيم الروحية العالية التي جاء بها الإسلام وعمل على إشاعتها بين الناس، والمنظومة القيمية الأخلاقية للإسلام

ص: 9

ترتسم بوضوح بين ثنايا سطوره، وترفل بروح التسامح وإشاعة ثقافة التسامح بين عناصر المجتمع كافة. وإن أردنا الجانب السياسي فالعهد بحد ذاته منظومة سياسية متكاملة، تتوضح فيها العناصر الأساسية للإدارة الدولة وتنظيم عملها، وحين نبغي الجانب الاقتصادي؛ فالعهد يمثل اطروحة لنظرية اقتصادية مثالية تؤسس لمجتمع متآلف متراحم، طبقاً لما جاء به الإسلام الحنيف من مبادئ سامية. أما الجانب الإداري في هذا العهد فهو منظومة متكاملة في كيفية إدارة الدولة وتنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكومين.

وعليه فلا يمكن أن نتناول بالبحث والدراسة كل هذه الجوانب مجتمعة؛ لأن ذلك يستوجب جهداً ووقتاً ومجلدات لا تستطيع صفحات هذا البحث أن تحتويه. ولذا فقد اقتصرنا على جزئية صغيرة من جانب من جوانبه يمكن أن

ص: 10

نقف عندها ألا وهي أسس اختيار المسؤولين في الدولة وفق تعاليم الدين الإسلامي، فقد ورد فيه من الوصايا شيء كثير حول إدارة الدولة، وما يجب أن يتصف به الحاكم من صفات، وما الذي ينبغي أن يتجنبه ليصل بالمجتمع إلى التكامل المطلوب في كل الجوانب.

ولأهمية موضوع اختيار المسؤولين لغرض تسنمهم المناصب العليا في الدولة، ومراعاة الأسس الصحيحة في اختيارهم وفقاً لما جاء في الشريعة الإسلامية المقدسة، ولكون هذا الموضوع أصبح - في زمننا الحالي - أمراً في غاية الخطورة، لما نراه من عملية تخبط وعشوائية وانتقائية في اختيار المسؤول في الدولة وفقاً لنظام المحاصصة الحزبية، وعدم الأخذ بكفاءة من يتم اختياره، فقد رأينا أن نسلط الضوء على أهمية اختيار المسؤول في الدولة من وجهة نظر إمام

ص: 11

المتقين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وما رسمه وحدّده من أسس قويمة في اختياره، اتخذناه ليكون موضوعاً لبحثنا هذا الموسوم با (أسس اختيار المسؤولين في الدولة عند أمير المؤمنين (عليه السلام) في ضوء عهده لمالك الأشتر رحمه الله). متناولين فيه أولاً: نبذة مختصرة عن مالك بن الحارث الأشتر، بعدها دخلنا في الموضوع الأساس من البحث وهو أسس اختيار المسؤولين في الدولة من خلال العهد.

ص: 12

سيرة مالك الأشتر (رحمه الله)

هو مالك بن الحارث بن عبد يغوث بن مسلمة بن ربيعة بن الحارث بن جذيمة بن سعد مالك بن النخع(1)، وكنيتهُ: أبو إبراهيم نسبة إلى ولده الأكبر (إبراهيم)(2)، وسبب تلقيبه بالأشتر لأنه قد شُتِرَت إحدى عينيه في معركة اليرموك التي شارك فيها، وقد ضربه رجل على رأسه فسالت الجراح قيحاً الى عينه، فشترتها(3).

ص: 13


1- ينظر: ابن الكلبي، نسب معدو اليمن الكبیر، ج 1 / ص 291؛ ابن سعد، الطبقات الکبری، ج 6 / ص 213؛ ابن خیاط، الطبقات، ص 148؛ البلاذری، انساب الأشراف، ج 5 / ص 30؛ ابن حزم، جمهرة انساب العرب، ص 415؛ السمعاني، الأنساب، ج 5 ص 476؛ الذهبي، تاريخ الإسلام، ج 2 / ص 121
2- ابن الكلبي، نسب معد و اليمن الكبیر، ج 1 / ص 292؛ ابن حزم، جمهرة انساب العرب، ص 415؛ ابن قایماز، المشتبه في الرجال، ج 1 / ص 27
3- المرزباني، معجم الشعراء، ص 262 - 293؛ المزي، تهذيب الكمال، ج 7 / ص 15؛ ابن حجر، الإصابة، ص 3 / ص 482. والشتر: هو انقلاب جفن العين من أعلى وأسفل وتشنجه، وقيل هو أن ينشق الجفن حتى ينفصل وقيل هو قطع الجفن الأسفل والأصل انقلابه الى الأسفل. ينظر ابن منظور، لسان العرب، ص 60 - 61

وكان شديد الفخر بهذا اللقب، حتى أنه تفاخر به في معركة صفين إذ قال:

إنّي أنا الأشترُ معروف الشتر *** إنّي أنا الأفعى العراقيّ الذّكر(1)

اتفقت أغلب المصادر على أنه ولد في الجاهلية(2)، وأدرك الإسلام فأسلم(3)، يؤيد ذلك قيام أغلب المترجمين له بترجمته مع الصحابة،

ص: 14


1- المنقري، وقعة صفين ، ج 6 / ص 451
2- الجاحظ، البيان والتبيين، ج 2 / ص 78؛ البكري، سمط اللآلي، ج 1 / ص 277؛ ابن حجر العسقلاني، تهذیب التهذیب، ج 10 / ص 10
3- ابن حجر، الإصابة، ج 3 ص 482

وذكر الواقدي أنه شارك في بعض المعارك في عهد النبي (صلى الله عليه واله وسلم)(1).

وكانت ولادته في إحدى قرى اليمن، ثمّ نزل الكوفة واتخذها مسكناً له وموطناً له ولأولاده من بعده(2). إلا إن المصادر لا تعطينا تاريخ محدد لولادته. وقد وثّقه أصحاب الحديث وعدّوه من ثقاتهم في الرواية(3).

صفاته:

إن الحديث عن شخصية مالك بن الحارث

ص: 15


1- الواقدي، فتوح الشام، ج 1 / ص 62
2- ابن الأثير، اللباب ، ج 3 / ص 304؛ الأندلسي، المغرب في حلى المغرب، القسم الخاص بمصر، ج 1 /ص 68
3- العجلي، تاريخ الثقات، ص 417؛ ابن حبان، الثقات، ج 5 / ص 389؛ المزي، تهذيب الكمال، ج 7 / ص 15؛ ابن الأثیر، الکامل، ج 3 / ص 178؛ ابن حجر، تهذیب التهذیب، ج 10 / ص 10

(رحمه الله ) حديث لا يمكن أن تتسع له صفحات البحث القليلة التي نحن بصددها، كذلك إن الحياة التي عاشها - والمليئة بالأحداث والبطولات - لا يمكن أن يستطيع فيها كاتب مهما حاول الاختصار أن يعطي هذه الشخصية ما يغني عن تلك السيرة التي ملأت صفحات التاريخ بطولة وإقداماً. ولكننا ملزمون بعدد قليل من الصفحات لابد لنا من الالتزام بها، على الرغم من أننا لم نوفِّ حقّ من نحن بصدد الحديث عنه، ولكنها تكفي للتعريف به ولو ببساطة.

أولى الصفات التي عُرفت عن مالك الأشتر هی شجاعته التي قلّ نظيرها، فقد كان شجاعاً بكل ما لهذه الكلمة من معنی حتی کانت من أبرز خصائصه، وقد امتلأت كتب المؤرخين بالإشادة بتلك الشجاعة، ويكفيه شرفاً قول أمير

ص: 16

المؤمنين فيه لما ولّاه مصر، حين بعث له کتاب توليته: "السلام عليك يا مالك، أما بعد فإنك ممن استظهر به على إقامة الدين وأقمع به نغوة الأليم، وأسد به الثغر المغوف"(1).

ومن أبلغ ما وجدناه في هذا الصدد قول الجاحظ فيه: ((إن حياتهُ هزمت أهل الشام وموته هزم أهل العراق))(2). كما وصفه الأزدي (ت 231 ه) بأنه: ((كان من جلداء الرجال ومن أشدائهم وأهل القوة منهم والنجدة))(3)، أما ابن الأثير (ت 630 ه) فذكر أنه: ((أحد الفرسان المعروفين، له المقامات المشهودة في فتح

ص: 17


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 4 / ص 119؛ صفوت، جمهرة رسائل العرب، ج 1 / ص 547
2- البيان والتبيين ، ج 3 / ص 257
3- الواقدي، فتوح الشام، ص 233

العراق وغيره وفي الجمل وصفين))(1). في حين قدّم ابن أبي الحديد (ت 656 ه) وصفاً دقيقاً لشجاعته حين قال: ((كان شديد البأس جواداً رئیساً حليماً... وكان يجمع بين اللين والعنف، فيسطو في موضع السطوة ويرفق في موضع الرفق، وإن هذا الأمر لا يصلح إلا لقوي في غير عنف ولين في غير ضعف))(2)، وقال ابن خلكان (ت 681 ه) إنه: ((كان من الشجعان والأبطال المشهورين))(3). وذكره الذهبي (ت 748 ه) بقوله: ((وكان شريفاً مطاعاً، وفارساً شجاعاً))(4)، أما القلشقندي (ت 821 ه) فقال: ((كان من مشاهير

ص: 18


1- اللباب في تهذيب الأنساب، ج 3 / ص 304
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 3 / ص 417
3- ابن خلکان، وفيات الأعيان، ج 7 / ص 195؛ الأندلسي، المغرب في حلى المغرب، ج 1 / ص 68
4- الذهبي، دول الإسلام، ص 24

شجعان العرب وكان رئیس قومه))(1). وقد عدّه ابن تغري بردي (ت 874 ه): ((أحد الشجعان الأبطال المشهورين))(2).

ولعلنا نحتاج إلى صفحات كثيرة حتی نستطيع إيراد جميع ما وجدناه في كتب المؤرخين من وصف لمالك (رحمه الله) وشجاعته، ولكننا سنكتفي بإيراد ما أوردناه.

وكل هذه الصفات جاءت متوافقة مع ما كان عليه من إيمان حمله بين جنبيه، واثق الخطی، يسير بثبات المؤمن، كيف لا وقد صحب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) حتی صار كما يصفه بالقول: «رحم الله مالكاً فلقد كان لي كما كنت لرسول الله (صلى الله عليه وآله

ص: 19


1- نهاية الأرب، ص 194
2- ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، ج 1 / ص 105

وسلم)»(1)، فأي إيمان يحمل هذا الرجل حتی يصفه أمير المؤمنين بهذا الوصف؟.

وفضلاً عن شجاعته، كان مالك خطيباً يشار إليه بالبنان، لتميزه بقوة خطابية، فائقة وحجة واضحة، وهذه الصفة أكدها جمع من المؤرخين(2).

کما کان شاعراً شهدت له ساحات الحروب التي خاضها فنطقت بشعره فضلاً عن شجاعته، فكان شعره ورجزه يواكبان سيفه أينما حلّ، وقد أفاضت المصادر التاريخية والأدبية بالكثير منها(3).

ص: 20


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 3 / ص 416
2- الذهبي، العبر، ج 1 / ص 45؛ اعیان الشیعة، ج 9 / ص 38؛ الزركلي، الأعلام، ج 6 / ص 131؛ آل یاسین، مالك بن الحارث، ص 12
3- أبو تمام، دیوان الحماسة، ج 1 / ص 39 - 40؛ أبوعلي القالي، الأمالي، ج 1 /ص 85؛ الآمدي، المؤتلف والمختلف، ص 28؛ المرزباني، معجم الشعراء، ص 362؛ ابن الأثير، المثل السائر، ج 2 / ص 232؛ البكري، سمط اللالي ج 1 / ص 277

كذلك كان مالك إدارياً كفوءاً يشهد له بذلك تقلده مناصب عديدة في زمن أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقد كان والياً للإمام علي (عليه السلام) أثناء خلافته على ((الموصل ونصيبين ودارا وسنجار، وآمد وهيت وعانات وغيرها))(1)، كذلك كان والياً على الجزيرة(2).

وآخر ولاياته كانت على مصر، إذ أرسله أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد أن تناهى إلى سمعه قیام معاوية بن أبي سفيان (41 - 60 ه) بإرسال عمر بن العاص ومعاوية بن حُديج في

ص: 21


1- الثقفي، الغارات، ج 2 / ص 526
2- ابن الأثير، الکامل، ج 3 / ص 177؛ ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، ج 1 / ص 103

أربعة آلاف رجل(1) لاحتلالها، قال: ((ما لمصر إلا أحد الرجلين: صاحبنا الذي عزلناه - يعني قیس بن سعد بن عباده - أو الأشتر))(2)، وأستقر رأيه على الأشتر. فبعثه إليها إلا إنه توفي قبل أن يصل.

وفاته:

بعد أن علم معاوية بن أبي سفيان بتولية الإمام علي (عليه السلام) لمالك على مصر، علم أنه لا يستطيع الوصول إليها مادام مالك والياً عليها(3)، ولأن الغدر من شيم الجبناء، فقد احتال معاوية وعمل على قتله، فدس له

ص: 22


1- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 2 / ص 169؛ المسعودي، مروج الذهب، ج 2 / ص 420
2- الثقفي، الغارات، ج 2 / ص 526؛ ابن الأثير، الکامل، ج 3 / ص 177؛ ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة، ج 1 / ص 103
3- ابن کثیر، البداية والنهاية، ج 7 / ص 324

سماً بواسطة رجل من أهل الخراج(1)، وقيل كان دهقان القلزم(2)، بعد أن وعده معاوية بعدم أخذ الخراج منه، فجعل السم في العسل وسقاه إياه فمات (رحمه الله)، وكانت شهادته عام (38 ه)(3) بالقلزم. غير أن ابن سعد والمسعودي(4) يذكران أنه توفي ب(العريش).

ص: 23


1- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 2 / ص 170
2- القلزم: وهي مدينة مبنية على البحر ليس بها زرع ولا شجر ولا ماء، وتعتد على الآبار في استخراج الماء، وتقع بين الحجاز ومصر بالقرب من مدينة السويس. یاقوت الحموی، معجم البلدان، ج 7 / ص 645
3- اليعقوبي، تاریخ، ج 2 / ص 170؛ الطبري، تاریخ، ج 4 / ص 585؛ المسعودی، مروج الذهب، ج 2 / ص 420؛ الذهبي، العبر، ج 1 /ص 45؛ ابن حجر، الاصابة، ج 3 / ص 482؛ السيوطي، حسن المحاضرة، ج 1 / ص 883؛ ابن العياد، شذرات الذهب، ج 1 / ص 218
4- الطبقات الکبری، ج 6 / ص 213؛ مروج الذهب، ج 2 / ص 420

وقد نقلت المصادر التاريخية فرحة معاوية باستشهاد مالك، حين بلغه الخبر فقال: ((كان لعلي يدان یمینان، قطعت أحداهما يوم صفين - یعني عمار بن یاسر - وقطعت الأخرى اليوم - یعني مالك الأشتر))(1)، وكذلك نقلوا قوله في هذه المناسبة: ((إن لله جنوداً من عسل))(2).

أما الإمام علي (عليه السلام) فقد حزن حزناً شديداً حين بلغه هذا الخبر، فقال: ((إنا لله وإنا إليه راجعون، والحمد لله رب العالمين. اللهم أني احتسبه عندك فإن موته من مصائب

ص: 24


1- الثقفي، الغارات، ج 2 / ص 257؛ ابن الأثير، الكامل ج 3 / ص 178؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 6 / ص 76
2- البخاري، التاريخ الكبير، ج 7 / ص 188؛ البلاذري، انساب الأشراف، ج 5 / ص 110؛ المسعودي، مروج الذهب، ج 2 / ص 421

الدهر، ثمّ قال: رحم الله مالكاً فقد وفي بعهده، وقضى نحبه، ولقي ربه، مع إنّا وطّنا أنفسنا على أن نصبر على كل مصيبة بعد مصابنا برسول الله (صلى الله عليه وآله) فإنها أعظم المصائب))(1). وكذلك قال (عليه السلام): «رحم الله مالكاً فلقد كان لي كما كنت لرسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)»(2).

وهذا يدل على شدّة تأثر الإمام (عليه السلام) باستشهاد هذا الإنسان المخلص في إيمانه وفي صحبته لرسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ولأمير المؤمنين علي (عليه السلام) وللدين الإسلامي الحنيف.

ص: 25


1- الثقفي، الغارات، ج 1 / ص 264؛ التستری، قاموس الرجال، ج 8 / ص 645 - 647
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 3 / ص 416

أسس اختيار المسؤولين في الدولة

بعد التوسع الكبير الذي شهدته الدولة العربية الإسلامية في الفترة التي تلت وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) على أثر الفتوحات الإسلامية، وكذلك استحداث مدن جديدة وتمصيرها، ظهرت الحاجة للعديد من الوظائف الإدارية الجديدة لإدارة تلك الأقاليم وحفظ الأمن والنظام فيها، وتنظيم مواردها المالية، وشؤون الناس هناك، فالسلطة أصبحت غير قادرة على إدارة تلك الأقاليم بصورة مركزية ولذا اقتضت الحاجة إلى تعيين ولاة (مسؤولين) يديرون شؤون تلك الولايات، ولم تكن هذه المناصب مستحدثة، بل كانت امتداداً لإجراءات عمل بها

ص: 26

رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)، حين كان يرسل من ينوب عنه - في بعض الأحيان - لأداء بعض الأعمال في تلك الأمصار منها الدعوة إلى الإسلام وتعليم الناس هناك تعاليمه وتحفيظهم كتاب الله وشرحها لهم، فضلاً عن تولي القضاء للفصل في النزاعات التي تحدث فيها، وكذلك تدبير الأمور المالية وتنظيمها.

أما في عهد الحكام بعده (صلى الله عليه واله وسلم) ونتيجة لاتساع رقعة الدولة، وانتشار الإسلام فقد اتسع نطاق عمل هذا الوالي، وصار يحضى بالعديد من الصلاحيات في مختلف الجوانب الإدارية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية، فضلاً عن الدينية.

ومن شروط التولية أن يكون الوالي مسلماً

ص: 27

حراً بالغاً عاقلاً(1). كما يجب أن يكون عارفا بالسياسة. والخبرة في الحرب والإدارة، وفي هذا يقول الإمام علي (عليه السلام) لأهل مصر موضحاً لهم سبب اختياره مالك بن الحارث الأشتر بالقول: «اَلْفُجَّارِ مِنْ حَرِیقِ اَلنَّارِ، وَ هُوَ مَالِكُ بْنُ اَلْحَارِثِ أَخُو مَذْحِجٍ، فَاسْمَعُوا لَهُ وَ أَطِیعُوا أَمْرَهُ فِیمَا طَابَقَ اَلْحَقَّ، فَإِنَّهُ سَیْفٌ مِنْ سُیُوفِ اَللَّهِ، لاَ کَلِیلُ اَلظُّبَهِ، وَ لاَ نَابِی اَلضَّرِیبَةِ، فَإِنْ أَمَرَکُمْ أَنْ تَنْفِرُوا فَانْفِرُوا، وَ إِنْ أَمَرَکُمْ أَنْ تُقِیمُوا فَأَقِیمُوا، فَإِنَّهُ لاَ یُقْدِمُ وَ لاَ یُحْجِمُ، وَ لاَ یُؤَخِّرُ وَ لاَ یُقَدِّمُ إِلاَّ عَنْ أَمْرِی، وَ قَدْ آثَرْتُکُمْ بِهِ عَلَی نَفْسِی لِنَصِیحَتِهِ لَکُمْ، وَ شِدَّهِ شَکِیمَتِهِ عَلَی عَدُوِّکُمْ»(2).

ص: 28


1- ينظر: الماوردي، الأحكام السلطانية، ص 4
2- اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 2 / ص 194؛ تاریخ الطبري، ج 5 / ص 96؛ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 16 / ص 156

إذن علمه بالسياسة وخبرته كانت إحدى أسباب اختياره لولاية مصر التي كان الإمام (عليه السلام) يخشى عليها من نفوذ معاوية.

ومن نظرة أولى للعهد يتبين أنّ الإمام علي (عليه السلام) أوضح أنّ المجتمع يتألف من فئات عدّة، وليس كله طبقة واحدة، ولكلّ طبقة - كما هو معروف - لها محدداتها ومتطلباتها الخاصة، فقال: «وَاعْلَمْ اَنَّ الرَّعِیَّةَ طَبَقاتٌ لا یَصْلُحُ بَعْضُها اِلاّ بِبَعْضٍ، وَ لا غِنی بِبَعْضِها عَنْ بَعْضٍ: فَمِنْها جُنُودُ اللّهِ، مِنْها کُتّابُ الْعامَّةِ وَالْخاصَّةِ، وَ مِنْها قُضاةُ الْعَدْلِ، وَ مِنْها عُمّالُ الْاِنْصافِ وَ الرِّفْقِ، وَ مِنْها اَهْلُ الْجِزْیَةِ وَ الْخَراجِ مِنْ اَهْلِ الذِّمَّةِ وَ مُسْلِمَةِ النّاسِ، وَ مِنْها التُّجّارُ وَ اَهْلُ الصِّناعاتِ، وَ مِنْها الطَّبَقَةُ السُّفْلی مِنْ ذَوِی الْحاجَةِ وَ الْمَسْکَنَةِ»(1).

ص: 29


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 17 / ص 48

وهذا يعني أن على الوالي أن يكون على دراية وفهم واسعين بمكونات المجتمع الذي يحكمه، فالناس ليست كلها على مستوٍ واحد ولا هم على شأنٍ واحد، لذا على الوالي أن يفهم ذلك فهماً واعياً، ويراعي مثل هذا التفاوت، وأن یکون تصرفه حکیماً، ومبني على فهمه لطبيعة هذا المجتمع المتعدد الطبقات.

ولذلك نراه (عليه السلام) یحثُّ عامله على إشاعة العدل والمساواة بين طبقات المجتمع، هذا العدل الذي هو أساس قيام الدولة ودستور وجودها، هذا الأساس الذي يعتمد على إعطاء كلِّ ذي حقٍ حقه، من غير تعدٍ ولا تفريط، فتكون النتيجة تألف المجتمع وتحابه، والتفافه حول قيادته تحت كلِّ ظرف.

وحدد أمير المؤمنين (عليه السلام) صفات

ص: 30

الولاة وخصالهم، التي يجب أن تكون خصال حميدة محمودة، فإن احتاج الوالي إلى بعض المساعدين أو إلى عمال للمناطق التي يحكمها، وجب عليه اختيارهم وفق أسس معينة وضحها أمير المؤمنين (عليه السلام) بالقول: «فَوَلَّ مِنْ جُنُودِكَ أَنْصَحَهُمْ فِي نَفْسِكَ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلاِمَامِكَ، وَأَنْقَاهُمْ جَيْباً، وَأَفْضَلَهُمْ حِلْماً مِمَّنْ يُبْطِئُ عَنِ الْغَضَبِ، وَيَسْتَرِيحُ إِلَى الْعُذْرِ، وَيَرْأَفُ بِالضُّعَفَاءِ، وَيَنْبُو عَلَى الاَقْوِيَاءِ، وَمِمَّنْ لاَ يُثِيرُهُ الْعُنْفُ، وَلاَ يَقْعُدُ بِهِ الضَّعْفُ»(1).

ويفهم من هذا النص أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قد حدَّد أسس اختيار الولاة بالآتي:

1. الإيمان بالله ورسوله والإمام المفترض الطاعة.

ص: 31


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 17 / ص 51

2. الزهد في الدنيا والتعفف عنها.

3. الصبر والقدرة على ضبط النفس في التعامل مع الأمور.

4. التسامح مع الناس والعفو عن الذنوب.

5. شديد في ذات الله لا تأخذه في الحق لومة الائم.

6. أن يتمتع بالحلم والأناة والشجاعة، وأن يكون ذا رأي حازم غير متهور.

وأكد الإمام علي (عليه السلام) على مجالسة الوالي للعلماء وتقريبه الفقهاء ورعايتهم واکرامهم وتعظيم شأنهم، لأنهم وبما يملكون من علم ودراية وتجربة سيكونون خير عون للوالي في تقديم النصح له وإرشاده، وهو ما يوضحه قوله (عليه السلام): «وأَكْثِرْ مُدَارَسَةَ الْعُلَمَاءِ، ومُنَاقَشَةَ الْحُكَمَاءِ، فِي تَثْبِيتِ مَا صَلَحَ عَلَيْه أَمْرُ بِلَادِكَ،

ص: 32

وإِقَامَةِ مَا اسْتَقَامَ بِه النَّاسُ قَبْلَكَ»(1).

ومن الأمور التي يجب على الوالي الاهتمام بها هي نوعية جلسائه وبطانته الخاصة - وهم المستشارون - إذ إنّ هؤلاء يجب أن يكونوا من أهل الخير والصلاح؛ لما لهم من دور كبير في تحسين بعض المواقف التي قد تستدعي الحاجة لتدخلهم على نحو مناسب، تجنباً لاتخاذ قرار غير موفق من لدن الوالي أو الحاكم نتيجة التسرع أو عدم تقدير الأمر على الوجه الصحيح فيكون دورهم هنا هو تصحيح الأمور، لذا وجب أن يكون هؤلاء الجلساء من أهل الصلاح؛ لأنّ فيهم من يكون قليل الخير لا يحب إلّا نفسه، ونتيجة لظلمه نفسه وتعديه على الله ورسوله، فقد يُحسّن للوالي أموراً غير صحيحة يُظلم فيها

ص: 33


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 17 / ص 47

الناس وتُصادر حقوقهم، وفي ذلك يقول (عليه السلام): «ثُمَّ إِنَّ لِلْوَالِی خَاصَّةً وَبِطَانَةً، فِیهِمُ اسْتِئْثَارٌ وَتَطَاوُلٌ، وَقِلَّةُ إِنْصَافٍ [فِی مُعَامَلَةٍ،] فَاحْسِمْ مَادَّةَ أُولَئِكَ بِقَطْعِ أَسْبَابِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ، وَلَا تُقْطِعَنَّ لِأَحَدٍ مِنْ حَاشِیَتِكَ وَحَامَّتِكَ قَطِیعَةً، وَلَا یَطْمَعَنَّ مِنْكَ فِی اعْتِقَادِ عُقْدَةٍ، تَضُرُّ بِمَنْ یَلِیهَا مِنَ النَّاسِ، فِی شِرْبٍ أَوْ عَمَلٍ مُشْتَرَكٍ، یَحْمِلُونَ مَؤُونَتَهُ عَلَی غَیْرِهِمْ، فَیَکُونَ مَهْنَأُ ذَلِكَ لَهُمْ دُونَكَ، وَعَیْبُهُ عَلَیْكَ فِی الدُّنْیَا وَالآْخِرَةِ»(1).

ويحذر الإمام (عليه السلام) ولاته من الذين يسعون إلى ذكر عيوب الناس أمامهم، لأن ذلك مما نهى الله عنه في كتابه الكريم بقوله: «لا یُحِبُّ اَللّهُ اَلْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ اَلْقَوْلِ إِلاّ مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ

ص: 34


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغه، ج 17 / ص 96

الله سَمِيعاً عَلِيماً»(1). وقد جاء في كتابه الى مالك الأشتر موصياً: «وَلْیَکُنْ أَبْعَدَ رَعِیَّتِكَ مِنكَ، وَ أَشْنَأَهُمْ عِنْدَكَ، أَطْلَبُهُم لِمَعایِبِ النّاسِ، فَإِنَّ فِی النّاسِ عُیُوباً، الْوالی أَحَقُّ مَنْ سَتَرَها، فَلا تَکْشِفَنَّ عَمّا غابَ عَنكَ مِنها، فَإِنَّما عَلَیكَ تَطهیرُ ما ظَهَرَ لَكَ، وَ اللّهُ یَحْکُمُ عَلی ما غابَ عَنكَ، فَاْستُرِ العَوْرَهَ مَا استَطَعْتَ، یَسْتُرِ اللّهُ مِنکَ ما تُحِبُّ سَتْرَهُ مِن رَعِیَّتِكَ»(2).

وأوجب (عليه السلام) على الولاة التزام الحق والعدل في القريب والبعيد على حدٍّ سواء حتى لو كانت العقوبة في أحد أفراد عائلته أو قرابته أو خاصته، لأن تنفيذها وعدم تعطيلها فيه سيرة محمودة للوالي لدى الرعية فيقول (عليه السلام): «وَأَلْزِمِ الْحَقَّ مَنْ لَزِمَهُ مِنَ الْقَرِیبِ

ص: 35


1- سورة النساء: اية 148
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغه، ج 17 / ص 36

وَالْبَعِیدِ، وَکُنْ فِی ذَلِكَ صَابِرا مُحْتَسِباً، وَاقِعاً ذَلِكَ مِنْ قَرَابَتِكَ وَخَاصَّتِكَ حَیْثُ وَقَعَ، وَابْتَغِ عَاقِبَتَةُ بِمَا یَثْقُلُ عَلَیْكَ مِنْهُ، فَإِنَّ مَغَبَّةَ ذَلِكَ مَحْمُودَهٌ»(1).

هذا فضلاً عمّا افصحت عنه رسائل الإمام (عليه السلام) إلى ولاته من ضرورة الاهتمام بمصالح الرعية وتوخي العدل في الحكم، والتزام المسؤولية بأمانة تجاه مصالح الناس المالية والاجتماعية.

وكذلك أشار الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) إلى موضوع في غاية الأهمية وهو اختیار الوالي لمستشارين أو وزراء يساعدوه في إدارة أمور الدولة والحكم، ولأهمية هذا المنصب فقد أكّد أمير المؤمنين (عليه السلام) على اختيارهم بصورة

ص: 36


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 1 / ص 97

دقيقة؛ لأن لهم تأثير على الوالي بما يقدمونه من نصح وإرشاد فيما يستشارون به، لذا اشترط على واليه أن لا يكونوا ممن شغل المنصب للأشرار قبل ذلك؛ بوصفهم شركاء لولاتهم وحكامهم في آثامهم وبوصفهم مساعدين لهم ومعاونين على الظلم والآثام، فقال (عليه السلام): «شَرّ وُزَرَائِكَ مَن كَانَ لِلأَشرَارِ قَبلَكَ وَزِيراً، وَ مَن شَرِكَهُم فِي الآثَامِ، فَلَا يَكُونَنّ لَكَ بِطَانَةً، فَإِنّهُم أَعوَانُ الأَثَمَةِ، وَ إِخوَانُ الظّلَمَةِ، وَ أَنتَ وَاجِدٌ مِنهُم خَيرَ الخَلَفِ مِمّن لَهُ مِثلُ آرَائِهِم وَ نَفَاذِهِم، وَ لَيسَ عَلَيهِ مِثلُ آصَارِهِم وَ أَوزَارِهِم»(1).

ويتحتم لمن يتقلد هذا المنصب أن يكون ورعاً تقياً نقياً، لا يتوانى عن تقديم النصح والإرشاد عند الحاجة، وأن يكون ممن يقول الحق ولا تأخذه

ص: 37


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 17 / ص 42

فيه لومة لائم، ويؤكد أمير المؤمنين على اختيار الأفضل منهم والأطوع للحق، وهو ما نلمسه من قوله (عليه السلام): «ثُمّ ليَكُن آثَرُهُم عِندَكَ أَقوَلَهُم بِمُرّ الحَقّ لَكَ، وَ أَقَلّهُم مُسَاعَدَةً فِيمَا يَكُونُ مِنكَ مِمّا كَرِهَ اللّهُ لِأَولِيَائِهِ، وَاقِعاً ذَلِكَ مِن هَوَاكَ حَيثُ وَقَعَ»(1).

كما يحذر الإمام (عليه السلام) الولاة والحكام من مديح المستشارين والعمال والمقربين، لأن الهدف من المديح هو تحقيق غايات و مصالح خاصة لا تتلاءم مع المصلحة العامة، فيقول (عليه السلام): «ثُمَّ رُضْهُم عَلى اَلاّ يُطْرُوكَ ولا يَبْجَحُوكَ بباطِلٍ لم تَفْعَلْهُ، فاِنَّ كَثرَةَ الإطْراءِ تُحْدِثُ الزَّهوَ، وتُدْنى مِنَ العِزّةِ»(2).

ص: 38


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 17 / ص 42
2- المصدر نفسه، ج 17 / ص 44

ومن الصفات الواجب توفرها في هؤلاء المستشارين - کما بيّن أمير المؤمنين (عليه السلام) - هي أن لا يكونوا بخلاء أو جبناء، لأن هؤلاء يسعون إلى منع الخير والفضل الذي ينوي الوالي فعله للرعية، فقال (عليه السلام): «ولا تدخلن في مشورتك بخيلاً يعدل بك الفضل ويعدك الفقر، ولا جباناً يضعفك عن الامور ولا حريصا یزین لك الشره بالجور فأن البخل والجبن والحرص غرائز شتی يجمعها سوء الظن بالله»(1).

وقد ورد النهي عن البخل والتحذير منه في القرآن الكريم في آيات عدة، منها قوله تعالى: «الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا»(2)، أما الجبن فهو من الصفات التي تعوذ

ص: 39


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغه، ج 17 / ص 36
2- سورة النساء: آية 37

منها رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ومن أصحابها، كما ورد في قوله: «اللهم إني أعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر، وأعوذبك من فتنة الدنيا، وأعوذبك من عذاب القبر»(1).

کما ويوصي الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) ولاته بالتمعن باختيارهم للقضاة، إذ يجب أن يتصفوا بالعلم وسعة الصدر، وهو ما أشار إليه بقوله: «ثُمَّ اخْتَرْ لِلْحُکْمِ بَيْنَ النَّاسِ أَفْضَلَ رَعِيَّتِکَ فِي نَفْسِکَ، مِمَّنْ لاَ تَضِيقُ بِهِ الاُمُورُ، وَلاَ تُمَحِّکُهُ(2) الْخُصُومُ، وَلاَ يَتَمَادَى فِي الزَّلَّةِ، وَلاَ يَحْصَرُ مِنَ الْفَيْءِ إِلَى الْحَقِّ إِذَا عَرَفَهُ، وَلاَ تُشْرِفُ نَفْسُهُ عَلَى طَمَع، وَلاَ يَکْتَفِي بِأَدْنَى فَهْم دُونَ أَقْصَاهُ، وَأَوْقَفَهُمْ فِي الشُّبُهَاتِ، وَآخَذَهُمْ

ص: 40


1- البخاري، صحيح البخاري، ج 3 / ص 209
2- المحك: اللجاج. ابن منظور، لسان العرب، ج 10 / ص 486

بِالْحُجَجِ، وَأَقَلَّهُمْ تَبَرُّماً بِمُرَاجَعَةِ الْخَصْمِ، وَأَصْبَرَهُمْ عَلَى تَکَشُّفِ الاُمُورِ، وَأَصْرَمَهُمْ عِنْدَ اتِّضَاحِ الْحُکْمِ، مِمَّنْ لاَ يَزْدَهِيهِ إِطْرَاءٌ، وَلاَ يَسْتَمِيلُهُ إِغْرَاءٌ وَأُولَئِکَ قَلِيلٌ»(1)، فضلاً عن ذلك أشار (عليه السلام) إلى أنه من الضروري قيام الوالي بالإشراف على عمل القاضي ليس من باب التدخل في عمله، وإنما من أجل الوقوف على احتياجاته وتأمينها ومنها على وجه الخصوص تأمين مستلزمات معيشته من خلال فرض عطاء مناسب له يؤمن فيه عيش حرّ کریم له ولعائلته، حتى تقل حاجته للناس فلا يشغله عن عمله شغل آخر، ولتطمئن نفسه، وهو ما يتوضح من قوله (عليه السلام): «ثُمَّ أَکْثِرْ تَعَاهُدَ قَضَائِهِ، وَافْسَحْ لَهُ فِي الْبَذْلِ مَا يُزِيلُ عِلَّتَهُ، وَتَقِلُّ مَعَهُ

ص: 41


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 17 / ص 58 - 59

حَاجَتُهُ إِلَى النَّاسِ»(1)، كذلك يجب على الوالي أن يتعاهد القاضي بالمنزلة الرفيعة، ويقربه منه ليطمئن القاضي على نفسه - على أقل تقدير - من منافسة الرجال ووشايتهم عليه عند الوالي، وهو قوله (عليه السلام): «وَأَعْطِهِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ لَدَیْكَ مَا لَا یَطْمَعُ فِیهِ غَیْرُهُ مِنْ خَاصَّتِكَ، لِیَأْمَنَ بِذَلِكَ اغْتِیَالَ الرِّجَالِ لَهُ عِنْدَكَ.»(2).

ومن المناصب الأخرى التي أولاها الإمام (عليه السلام) عنايته وأوصى الولاة باختيارهم بصورة دقيقة، هو منصب الكاتب، وهذه الوظيفة الإدارية لها دورها في تنظيم أمور الدولة وحفظ الحقوق، وقد أوضح الإمام أهمية هذه الوظيفة بقوله: «لِمَا یُحْکِمُونَ مِنَ الْمَعَاقِدِ، وَیَجْمَعُونَ مِنَ الْمَنَافِعِ، وَیُؤْتَمَنُونَ عَلَیْهِ مِنْ

ص: 42


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 17 / ص 59
2- المصدر نفسه والصفحة

خَوَاصِّ الْأُمُورِ وَعَوامِّهَا»(1). فأهمية منصب الكتابة تكمن في اطلاع الكتاب على أسرار الامور وعلانيتها ومعرفة أسرار الدولة، لذلك أوصى الولاة بضرورة العناية باختيار من يتولى هذا المنصب، وهو ما نلاحظه من قوله (عليه السلام): «ثُمَّ انْظُرْ فِي حَالِ كُتَّابِكَ، فَوَلِّ عَلَى أُمُورِكَ خَيْرَهُمْ، وَاخْصُصْ رَسَائِلَكَ الَّتِي تُدْخِلُ فِيهَا مَكَائِدَكَ وَأَسْرَارَكَ بِأَجْمَعِهِمْ لِوُجُوهِ صَالِحِ الاَخْلاَقِ مِمَّنْ لاَ تُبْطِرُهُ الْكَرَامَةُ، فَيَجْتَرِئَ بِهَا عَلَيْكَ فِي خِلاَف لَكَ بِحَضْرَةِ مَلاَ، وَلاَ تَقْصُرُ بِهِ الْغَفْلَةُ عَنْ إِيرَادِ مُكَاتَبَاتِ عُمَّالِكَ عَلَيْكَ، وَإِصْدَارِ جَوَابَاتِهَا عَلَى الصَّوَابِ عَنْكَ، فِيَما يَأْخُذُ لَكَ وَيُعْطِي مِنْكَ، وَلاَ يُضْعِفُ عَقْداً اعْتَقَدَهُ لَكَ، وَلاَ يَعْجِزُ عَنْ إِطْلاَقِ مَا عُقِدَ عَلَيْكَ، وَلاَ يَجْهَلُ مَبْلَغَ قَدْرِ نَفْسِهِ فِي الاُمُورِ، فَإِنَّ الْجَاهِلَ

ص: 43


1- المصدر نفسه، ج 17 / ص 49

بِقَدْرِ نَفْسِهِ يَكُونُ بِقَدْرِ غَيْرِهِ أَجْهَلَ»(1).

أما أُسس اختيارهم، فقد أوضح أمير المؤمنين (عليه السلام) بأنّه لا يكون اختيارهم على أساس الفراسة المبنية على حسن الظن - من لدن الوالي -، لأنّ بعض الناس قد يحاولون التصنع وإظهار غير ما تبطن أنفسهم لغرض الفوز بالمنصب، فضلاً عن ذلك اختبار سيرتهم في الناس حين كانوا يتولون أعمالاً للولاة السابقين، فسيرتهم تلك هي خير مصداق لسلوكهم القادم، لذلك أشار الإمام (عليه السلام) إلى ذلك بالقول: «ثُمَّ لاَ يَكُنِ اخْتِيَارُكَ إِيَّاهُمْ عَلَى فِرَاسَتِكَ(4) وَاسْتِنَامَتِكَ(5) وَحُسْنِ الظَّنِّ مِنْكَ، فَإِنَّ الرِّجَالَ يَتَعَرَّضُونَ لِفِرَاسَاتِ الْوُلاَةِ(6) بِتَصَنُّعِهِمْ(7) وَحُسْنِ خِدْمَتِهِمْ، وَلَيْسَ

ص: 44


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 17 / ص 76

وَرَاءَ ذلِكَ مِنَ النَّصِيحَةِ وَالاَمَانَةِ شَيْءٌ، وَلكِنِ اخْتَبِرْهُمْ بِمَا وُلُّوا لِلصَّالِحِينَ قَبْلَكَ، فَاعْمِدْ لاَحْسَنِهِمْ كَانَ فِي الْعَامَّةِ أَثَراً، وَ أَعْرَفِهِمْ بِالاَمَانَةِ وَجْهاً، فَإِنَّ ذلِكَ دَلِيلٌ عَلَى نَصِيحَتِكَ لِلّهِ وَلِمَنْ وُلِّيتَ أَمْرَهُ»(1).

وأشار الإمام (عليه السلام) إلى رعاية الوالي لعمالهم وتعهده لهم، من خلال تحديد عطاء لهم من بيت المال ومراعاة أن يكون هذا العطاء كافٍ لسد حاجاتهم وحاجات عوائلهم ليغنيهم ذلك عن الحاجة إلى الناس، والنظر إلى ما في أيدي غيرهم، وفي ذلك سبب مهم وضحه أمير المؤمنين (عليه السلام)، فحين تسد حوائجهم تكون الحجة للوالي على العمال إذا ما خانوا الأمانة وخالفوا أمره: «ثُمَّ أَسْبِغْ عَلَیْهِمُ الْأَرْزَاقَ(7)،

ص: 45


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 17 / ص 75 - 76

فَإِنَّ ذَلِكَ قُوَّهٌ لَهُمْ عَلَی اسْتِصْلَاحِ أَنْفُسِهِمْ، وَغِنًی لَهُمْ عَنْ تَنَاوُلِ مَا تَحْتَ أَیْدِیهِمْ، وَحُجَّهٌ عَلَیْهِمْ إِنْ خَالَفُوا أَمْرَكَ، أَوْ ثَلَمُوا أَمَانَتَكَ»(1).

كذلك حذّر أمير المؤمنين (عليه السلام) الولاة من نقض القوانين والسنن الصالحة التي عمل بها مصلحو هذه الأمة قبلهم، واجتمعت عليها الأمة وصلح أمرها؛ لأن نقضها وتغييرها فيه ضرر كبير عليه وعلى المجتمع، وقد يكون هذا الضرر ضرراً مادياً يلحق بالرعية، فضلاً عن الأثر الديني لمسألة التغيير هذه، عملاً بقول رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): «من سنَّ سُنَّة حسنه فعمل بها كان له أجرها، ومثل أجر من عمل بها لا ينقص من أجورهم شيئاً. ومن سنَّ سنَّة سيئة فعمل بها كان عليه وزرها ووزر

ص: 46


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 17 / ص 69

من عمل بها لا ينقص من أوزارهم شيئاً»(1). وهو ما عناه أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: «ولَا تَنْقُضْ سُنَّةً صَالِحَةً عَمِلَ بِهَا صُدُورُ هَذِه الأُمَّةِ، واجْتَمَعَتْ بِهَا الأُلْفَةُ، وصَلَحَتْ عَلَيْهَا الرَّعِيَّةُ، ولَا تُحْدِثَنَّ سُنَّةً تَضُرُّ بِشَيْءٍ مِنْ مَاضِي تِلْكَ السُّنَنِ، فَيَكُونَ الأَجْرُ لِمَنْ سَنَّهَا، والْوِزْرُ عَلَيْكَ بِمَا نَقَضْتَ مِنْهَا»(2).

ومن توجيهاته (عليه السلام) الأخرى للوالي، العمل على كسب ودّ الرعية وبث روح الرحمة والتآلف بين أفراد المجتمع من خلال نشر العدل والمساواة بينهم، وتخفيف الصعاب عليهم، فيقول (عليه السلام): «واعْلَمْ أَنَّه لَيْسَ شَيْءٌ بِأَدْعَى إِلَى حُسْنِ ظَنِّ رَاعٍ بِرَعِيَّتِه مِنْ

ص: 47


1- أحمد بن حنبل، المسند، ج 4 / ص 361؛ الدارمي، السنن، ج 1 / ص 130؛ ابن ماجة، السنن، ج 1 / ص 74
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغه، ج 17 / ص 47

إِحْسَانِه إِلَيْهِمْ، وتَخْفِيفِه الْمَئُونَاتِ عَلَيْهِمْ، وتَرْكِ اسْتِكْرَاهِه إِيَّاهُمْ عَلَى مَا لَيْسَ لَه قِبَلَهُمْ، فَلْيَكُنْ مِنْكَ فِي ذَلِكَ أَمْرٌ يَجْتَمِعُ لَكَ بِه حُسْنُ الظَّنِّ بِرَعِيَّتِكَ، فَإِنَّ حُسْنَ الظَّنِّ يَقْطَعُ عَنْكَ نَصَباً طَوِيلًا، وإِنَّ أَحَقَّ مَنْ حَسُنَ ظَنُّكَ بِه لَمَنْ حَسُنَ بَلَاؤُكَ عِنْدَه»(1).

وشدّد أمير المؤمنين (عليه السلام) على أن لا يكون هذا الإحسان من لدن الولاة نحو الرعية منَّاً منهم، وإنّما واجب عليهم ذلك بحسب المسؤولية الملقاة على عاتقهم، فهم ولاة الأمر والمسؤولون عن إشاعة العدل والإحسان بين من يحكموهم، وهذا ذات ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ

ص: 48


1- المصدر نفسه، ج 17 / ص 46

آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى»(1).

فالوالي يعدُّ مسؤولاً عن رعيته، وتفقدها من قبله وإحسانه إليها من الواجبات التي لابد له من القيام بها، عملاً بقول رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته»(2). وسيحاسبه الله سبحانه وتعالى عن رعيته مثلما يحاسب رب العائلة عن عائلته، ويتضح ذلك في مفهوم حديث الرسول (صلی الله عليه واله وسلم): «ثمّ إنّ الله سأل كلَّ راعٍ عمّا استرعاه أحفظ أم ضيّع حتَّى يسأل الرَّجل عن أهل بيته»(3).

وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) شرح

ص: 49


1- سورة البقرة: اية 264
2- البخاري، الصحيح، ج 1 / ص 211؛ مسلم، الصحيح، ج 6 / ص 8؛ أبو داود، السنن، ج 2 / ص 13
3- ابن حبان، صحیح ابن حبان، ج 1 / ص 345

ذلك ووضّحه في قوله: «وَإِيَّاكَ وَالْمَنَّ عَلَى رَعِيَّتِكَ بِإِحْسَانِكَ، أَوِ التَّزَيُّدَ فِيَما كَانَ مِنْ فِعْلِكَ... فَإِنَّ الْمَنَّ يُبْطِلُ الاْحْسَانَ، وَالتَّزَيُّدَ يَذْهَبُ بِنُورِ الْحَقِّ»(1).

كما أوصى (عليه السلام) ولاته بعدم إخلاف الوعود التي يعطونها للرعية، لأنّ ذلك يعد من الصفات غير المرغوبة في الإنسان عموماً، فضلاً عن كونه والياً، وهي من صفات المنافقين کما صرّح بذلك رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)(2) بقوله: «آية المنافق ثلاث إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان»(3). فقال (عليه السلام): «وَإِيَّاكَ... تَعِدَهُم فَتُتبِعَ مَوعِدَكَ بِخُلفِكَ... وَ الخُلفَ يُوجِبُ المَقتَ(5)

ص: 50


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغه، ج 17 / ص 113
2- البخاري، صحيح البخاري، ج 1 / ص 21
3- المصدر نفسه، ج 3 / ص 163

عِندَ اللّهِ وَ النّاسِ، قَالَ اللّهُ سبحانه: «كَبُرَ مَقتاً عِندَ اللّهِ أَن تَقُولُوا ما لا تَفعَلُونَ»(1)»(2).

ويحذّر الإمام (عليه السلام) ولاته أيضاً من القتل والعدوان بغير حق وسفك الدماء الكون ذلك لا يُرضي الله سبحانه أولاً؛ فهو من الأمور التي حرَّمها الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: «وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ»(3). وأول مايقضي به يوم القيامة هو الدماء الحرام، وثانياً: أنّ ذلك يؤدي إلى زوال الملك، إذ إن سفك الولاة للدماء، إن كان بقصد تقوية سلطانهم وتثبيت أركان دولتهم، فإنّه سوف يأتي بنتيجة عكسية،

ص: 51


1- سورة الصف: اية 3
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 17 / ص 113
3- سورة البقرة: اية 84

فيقول (عليه السلام): «إِیَّاكَ وَ اَلدِّمَاءَ وَ سَفْکَهَا بِغَیْرِ حِلِّهَا، فَإِنَّهُ لَیْسَ شَیْءٌ أَدْعَی لِنَقِمَةٍ، وَ لاَ أَعْظَمَ لِتَبِعَةٍ، وَ لاَ أَحْرَی بِزَوَالِ نِعْمَةٍ، وَ اِنْقِطَاعِ مُدَّةٍ، مِنْ سَفْكِ اَلدِّمَاءِ بِغَیْرِ حَقِّهَا، وَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ مُبْتَدِئٌ بِالْحُکْمِ بَیْنَ اَلْعِبَادِ، فِیمَا تَسَافَکُوا مِنَ اَلدِّمَاءِ یَوْمَ اَلْقِیَامَهِ، فَلاَ تُقَوِّیَنَّ سُلْطَانَكَ بِسَفْكِ دَمٍ حَرَامٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا یُضْعِفُهُ وَ یُوهِنُهُ، وَ یُزِیلُهُ وَ یَنْقُلُهُ، وَ لاَ عُذْرَ لَكَ عِنْدَ اَللَّهِ وَ لاَ عِنْدِی فِی قَتْلِ اَلْعَمْدِ، فَإِنَّ فِیهِ قَوَدَ اَلْبَدَنِ»(1).

أما إذا حدث القتل عن طريق الخطأ أو من دون قصد الوالي، فإنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) شدّد على الوالي بأن يراجع ذوي المقتول بأن يؤدي حقه لأهله وهي ديّة القتل، حتی يسترضيهم، ولا يتوانى في ذلك مستغلاً منصبه

ص: 52


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 17 / ص 110 - 111

وسلطانه، فيقول (عليه السلام) في ذلك: «وَإِنِ ابْتُلِيتَ بِخَطَإ وَأَفْرَطَ عَلَيْكَ سَوْطُكَ أَوْ سَيْفُكَ أَوْ يَدُكَ بِالْعُقُوبَةِ، فَإِنَّ فِي الْوَکْزَةِ فَمَا فَوْقَهَا مَقْتَلَةً، فَلاَ تَطْمَحَنَّ بِكَ نَخْوَةُ سُلْطَانِكَ عَنْ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ حَقَّهُمْ»(1).

وهذا عين ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ»(2). فالله سبحانه لا يرتضي بالعدوان، وإنّ الشريعة السمحاء منعت التعدي بين الأفراد سواء أكان ذلك عمداً أم بغير عمد، فحفظ

ص: 53


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 17 / ص 111
2- سورة البقرة: اية 178

الحقوق و العدالة والمساواة هي الأسس التي قام عليها الإسلام الحنيف، فضلاً عن إبداء التسامح والعفو عند المقدرة، وهو من شيم الكرام، ومما جاءت به الشريعة المقدسة وأكدت عليه.

ومن الأمور التي أكد عليها الإمام علي (عليه السلام) الابتعاد عن اعجاب المرء بنفسه، فإن ذلك سيكون سبباً في عدم النظر إلى الأمور بمنظارها الصحيح، وبذلك يكون هذا سبب هلاکه فيقول (عليه السلام) محذرة: «وَإِيَّاكَ وَالاْعْجَابَ بِنَفْسِكَ، وَالثِّقَةَ بِمَا يُعْجِبُكَ مِنْهَا»(1).

وكذلك نهی (علیه السلام) عن التغافل عن أخطاء خاصة الوالي وعماله، وعدم نصرة المظلوم على الرغم من علمه بظلمه ومن ظَلَمَه، لأن الله سبحانه وتعالى لن يدع ذلك دون عقاب،

ص: 54


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 17 / ص 113

بل وسينتصر لذلك المظلوم منه أولاً كونه المسؤول عن الرعية، وعن الناس وأخذ الحقوق والانتصار للمظلومين، فهذا واجبه الذي أوصاه به الله تعالى، وهو أيضاً واجب المسؤولية الملقاة على عاتقه بحكم تصدّيه لها، وقد يعد شريكاً للظالم في ظلمه؛ لأنه رأى الظلم فتركه، ولم ينصف المظلوم، قال (عليه السلام): «وَإِيَّاكَ وَالاِسْتِئْثَارَ بِمَا النَّاسُ فِيهِ أُسْوَةٌ، وَالتَّغَابِيَ عَمَّا تُعْنَى بِهِ مِمَّا قَدْ وَضَحَ لِلْعُيُونِ، فَإِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْكَ لِغَيْرِكَ، وَعَمَّا قَلِيل تَنْکَشِفُ عَنْكَ أَغْطِيَةُ الاُمُورِ، وَيُنْتَصَفُ مِنْكَ لِلْمَظْلُومِ»(1).

وكذلك حذّر (عليه السلام) ولاته من الغضب وأمرهم بأن يملكوا أنفسهم، وأن يكونوا حذرين من الوقوع تحت سطوته، فقد

ص: 55


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 17 / ص 113

يطلقوا أحكاماً على أشخاص أو في القضايا التي بين أيديهم وهم في تلك الحالة من اللاشعور، وهذا ما تقود - بكلّ تأكيد - إلى أحكام ظالمة قد تودي بهم إلى التهلكة من خلال عدم رؤيتهم للحق بفعل وقوعهم تحت سيطرة الغضب، وهو ما أشار إليه (عليه السلام) بقوله: «امْلِكْ حَمِیةَ أَنْفِكَ، وَسَوْرَةَ حَدِّكَ، وَ سَطْوَةَ یدِكَ، وَغَرْبَ لِسَانِكَ، وَاحْتَرِسْ مِنْ کُلِّ ذلِكَ بِکَفِّ الْبَادِرَةِ، وَتَأْخِیرِ السَّطْوَةِ، حَتَّی یسْکُنَ غَضَبُكَ فَتَمْلِكَ الْإِخْتِیارَ»(1).

ودعاهم إلى اتباع السنن الصالحة لمن سبقهم من الحكام الأخيار العدول، ولاسیما مانُقل عن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) من الآثارِ، والفرائض التي جاءت في كتاب الله عزّ

ص: 56


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 17 / ص 113

وجلّ، وأن لا يتبعوا هوى أنفسهم سواء في الحكم أم في التعامل مع الناس، وجعل المضي على تلك السيرة الصالحة واجب وفرض محتّم عليهم وليس في الأمر اختیار، ولعلّ ذلك يعود إلى كون الإلزام نابع من المسؤولية الملقاة على عاتقهم التي ارتضوا القيام بها، ولهذه المسؤولية واجب محدّد هو إشاعة العدل والمساواة والحكم بما أنزل الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم، وهو ما نراه واضحاً من قوله (عليه السلام): «وَالْوَاجِبُ عَلَیكَ أَنْ تَتَذَکَّرَ مَا مَضَی لِمَنْ تَقَدَّمَكَ: مِنْ حُکُومَةٍ عَادِلَةٍ، أَوْ سُنَّةٍ فَاضِلَةٍ، أَوْ أَثَرٍ عَنْ نَبِینَا (صلی الله علیه و آله) أَوْ فَرِیضَةٍ فِی کِتَابِ اللَّهِ، فَتَقْتَدِی بِمَا شَاهَدْتَ مِمَّا عَمِلْنَا بِهِ فِیهَا، وَتَجْتَهِدَ لِنَفْسِكَ فِی اتِّبَاعِ مَا عَهِدْتُ إِلَیكَ فِی عَهْدِی هذَا، وَ اسْتَوْثَقْتُ بِهِ مِنَ الْحُجَّةِ لِنَفْسِی عَلَیكَ، لِکَیلَا

ص: 57

تَکُونَ لَكَ عِلَّةٌ عِنْدَ تَسَرُّعِ نَفْسِكَ إِلَی هَوَاهَا»(1).

وكذلك حذّر الإمام (عليه السلام) ولاته من الاحتجاب عن الرّعية، فهذا الأمر يجعلهم بعيدين عن المجتمع الذي يتوجب عليه مراعاته وحفظه، فضلاً عن أن مسؤوليته تجاه المجتمع تحتم عليه أن يكون قريباً من الناس لمعرفة احتياجاتهم ومشاكلهم والعمل على حلِّها؛ لأن ذلك يقع ضمن مسؤولياته التي ارتضاها لنفسه، وقبل أن يكون بموضع القيادة في المجتمع، وهذا يوجب عليه الاطلاع على شؤون الناس ومراعاتها، وهو ما وضحه (عليه السلام) بقوله: «فَلَا تُطَوِّلَنَّ احْتِجَابَكَ عَنْ رَعِیَّتِكَ، فَإِنَّ احْتِجَابَ الْوُلَاةِ عَنِ الرَّعِیَّةِ شُعْبَةٌ مِنَ الضِّیقِ، وَقِلَّةُ عِلْمٍ بِالْأُمُورِ، وَالْإِحْتِجَابُ مِنْهُمْ یَقْطَعُ عَنْهُمْ عِلْمَ مَا احْتَجَبُوا

ص: 58


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغه، ج 17 / ص 114

دُونَهُ فَیَصْغُرُ عِنْدَهُمُ الْکَبِیرُ، وَیَعْظُمُ الصَّغِیرُ، وَیَقْبُحُ الْحَسَنَ، وَیَحْسُنُ الْقَبِیحُ، وَیُشَابُ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ. وَإِنَّمَا الْوَالِی بَشَرٌ لَا یَعْرِفُ مَا تَوَارَی عَنْهُ النَّاسُ بِهِ مِنَ الْأُمُورِ، وَلَیْسَتْ عَلَی الْحَقّ سِمَاتٌ تُعْرَفُ بِهَا ضُرُوبُ الصِّدْقِ مِنَ الْکَذِبِ»(1).

فضلاً عن ذلك بين الإمام (عليه السلام) أن حاجات الناس للوالي لا تتعدّى طلب الإنصاف في المعاملة أو رفع مظلمة وقعت عليه، وأغلب حاجات الناس ما لا تكلف الوالي شيئاً قد يخاف اعطاءه، مع أنّ إحدى صفاته التي يجب أن يتصف بها هي الكرم والسخاء، وهذا ما نتلمسه من قوله (عليه السلام): «أَنَّ أَکْثَرَ حَاجَاتِ النَّاسِ إِلَیْكَ مِمَّا لَا مَؤُونَهَ فِیهِ عَلَیْكَ، مِنْ شَکَاهِ مَظْلِمَهٍ، أَوْ طَلَبِ إِنْصَافٍ فِی مُعَامَلَهٍ»(2).

ص: 59


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغه، ج 17 / ص 90 - 91
2- المصدر نفسه، ج 17 / ص 91

فضلاً عن ذلك، يؤكّد الإمام (عليه السلام) على ضرورة عمارة الأرض وإصلاحها لما فيه من أهمية اقتصادية كبيرة تعود بالنفع على المسلمين عامة، ونتلمس ذلك بقوله: «... وَتَفَقَّدْ أَمْرَ الْخَرَاجِ بِمَا يُصْلِحُ أَهْلَهُ، فَإِنَّ فِي صَلاَحِهِ وَصَلاَحِهِمْ صَلاَحاً لِمَنْ سِوَاهُمْ، وَلاَ صَلاَحَ لِمَنْ سِوَاهُمْ إِلاَّ بِهِمْ، لاِنَّ النَّاسَ کُلَّهُمْ عِيَالٌ عَلَى الْخَرَاجِ وَأَهْلِهِ. وَلْيَکُنْ نَظَرُكَ فِي عِمَارَةِ الاْرْضِ أَبْلَغَ مِنْ نَظَرِكَ فِي اسْتِجْلاَبِ الْخَرَاجِ، لاِنَّ ذَلِكَ لاَ يُدْرَكُ إِلاَّ بِالْعِمَارَةِ؛ وَمَنْ طَلَبَ الْخَرَاجَ بِغَيْرِ عِمَارَة، أَخْرَبَ الْبِلاَدَ، وَأَهْلَكَ الْعِبَادَ، وَلَمْ يَسْتَقِمْ أَمْرُهُ إِلاَّ قَلِيلاً»(1).

ويؤكد الإمام (عليه السلام) على عامله، أن ينظر إلى رعيته بعين الرأفة وأن يأخذ حالهم وحال الأرض بعين الاعتبار، فإن ساءت الأحوال

ص: 60


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 17 / ص 70

فعليه التخفيف عنهم بما يصلح معه أمرهم، وفي هذا الصدد يقول: «... فَإِنْ شَکَوْا ثِقَلاً أَوْ عِلَّةً، أَوْ انْقِطَاعَ شِرْبٍ أَوْ بَالَّةٍ، أَوْ إِحَالَةَ أَرْضٍ اغْتَمَرَهَا غَرَقٌ، أَوْ أَجْحَفَ بِهَا عَطَشٌ، خَفَّفْتَ عَنْهُمْ بِمَا تَرْجُو أَنْ یَصْلُحَ بِهِ أَمْرُهُمْ، وَلَا یَثْقُلَنَّ عَلَیْكَ شَیْءٌ خَفَّفْتَ بِهِ الْمَؤُونَةَ عَنْهُمْ، فَإِنَّهُ ذُخْرٌ یَعُودُونَ بِهِ عَلَیْكَ فِی عِمَارَةِ بِلَادِكَ، وَتَزْیِینِ وِلَایَتِكَ، مَعَ اسْتِجْلَابِكَ حُسْنَ ثَنَائِهِمْ، وَتَبَجُّحِكَ بِاسْتِفَاضَةِ الْعَدْلِ فِیهِمْ...»(1).

نلاحظ من خلال هذا العهد، أن الإمام (عليه السلام) ربط صلاح الأرض بصلاح الدولة نفسها، إذ إن الاهتمام بعمارة الأرض وصيانتها مما قد يلحق بها من أضرار طبيعية ولذلك يجب أن تتوفر الرأفة في استحصال الخراج، وهذا يؤدي

ص: 61


1- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 17 / ص 71

إلى إشاعة الثقة والمحبة وروح التعاون بين عامة الناس وولاة أمرهم، ويؤدي إلى صلاح المجتمع ککل.

مما تقدم يتبين بوضوح حرص الإمام (عليه السلام) على جباية الخراج والاهتمام بذلك، بوصفه (عليه السلام) إماماً لهذه الأمة والإمام مسؤول عن رعيته. وإن الرفق مع الرعية من الإيمان، دلّ على ذلك حديث رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): «إن الله يحب الرفق ويعين عليه»(1)، وما روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) إنه قال: «إن لكل شيء قفلاً وقفل الإيمان الرفق»(2).

ص: 62


1- البرقي، المحاسن، ج 2 / ص 361؛ الكليني، الكافي، ج 2 / ص 120
2- الكليني، الكافي، ج 2 / ص 118؛ المازندراني، شرح اصول الكافي، ج 8 / ص 347

الخاتمة

توصل البحث في نهايته إلى النتائج الآتية:

1. يعد مالك بن الحارث الأشتر (رضوان الله عليه) من الشخصيات المهمة التي نالت ثقة الإمام علي (عليه السلام) وكان على مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقه على طول تاريخه الحافل في الإسلام عموماً ومع أمير المؤمنين (عليه السلام) خصوصاً.

2. يُعدّ عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك بن الحارث من أهم العهود والوثائق التي رسمت خارطة طريق متكاملة لعملية تنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ورسم سياسة الدولة تجاه رعيتها، فهو بحث يعد دستوراً شاملاً ومتكاملاً

ص: 63

يؤسس لعدالة اجتماعية قلّ نظيرها لو طبقت بشكلها الصحيح، فهي ضمانٌ لحقوق الناس والدولة بالكامل.

3. شدد أمير المؤمنين (عليه السلام) من خلال العهد - على ضرورة أن يكون اختيار المسؤولين في إدارة الدولة مؤسس على وفق النظام الإسلامي الذي يضمن أن يكون هذا الاختيار من باب (الرجل المناسب في المكان المناسب).

4. إن الأسس التي رسمها الإمام علي (عليه السلام) لاختيار المسؤول نابعة من شريعة سمحاء يؤدي السير وفقها إلى ضمان إشاعة العدالة الاجتماعية بين عموم طبقات المجتمع، من خلال وجود حاكم عادل يطبق ذلك النظام وفقاً

ص: 64

للشريعة ومقتضياتها.

5. إن العهد يؤسس لإدارة ناجحة على كل المقاييس والسبل، ولعل تطبيقها يحتاج بداية إلى أن يكون رأس الإدارة من عوامل نجاحها، وهذا يعني أنّ الاختيار الأمثل يجب أن يبدأ من اختيار المسؤول عن الإدارة. لأنه سيكون الأداة المنفذة للمسؤولية. فقد ضم العهد بين طياته أسس الإدارة الناجحة.

6. شدّد أمير المؤمنين (عليه السلام) على وجوب أن يتحلى المسؤول بصفات عدة لعلّ أبرز تلك الصفات: التحلي بالأمانة والنزاهة، والابتعاد عن مجالسة المنافقين وعديمي الضمير، والاكثار من مجالسة العلماء لأنهم الأنفع والأقدر على تقديم

ص: 65

النصح والإرشاد حين يطلب المسؤول استشارتهم.

المصادر والمراجع

القرآن الكريم

المصادر

ابن الأثير، علي بن عبد الواحد الشيباني (ت 630 ه)،

1. الكامل في التاريخ، دار صادر، دار بيروت، بیروت 1966).

2. اللباب في تهذيب الأنساب، دار صادر، (بیروت د.ت).

أبن الأثير، ضياء الدين، (ت 637 ه)

1. المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، تحقيق: د. احمد الحوفي، دار الرفاعي، ط 1، الرياض 1982).

ص: 66

أحمد بن حنبل، أبو عبدالله احمد بن حنبل الشيباني (ت 241 ه)،

1. المسند، دار صادر، (بیروت د.ت).

الآمدي، أبو عبدالله محمد بن عمران (ت 384 ه)

1. المؤتلف والمختلف، تحقيق: محمد بن محمد الشنوفي، مكتبة القدس (القاهرة 1935 م).

الأندلسي، ابن سعيد علي بن موسی (ت 685 ه)

1. المغرب في حلى المغرب، تحقيق: زكي محمد حسن وآخرون، مطبعة فؤاد الأول (د.م، 1953 م)

البخاري، محمد بن إسماعيل الجعفي (ت 256 ه)،

1. التاريخ الكبير، المكتبة الإسلامية - دیار

ص: 67

بکر، (ترکیا د.ت).

2. صحيح البخاري، دار الفکر للطباعة والنشر والتوزيع، (بیروت 1981).

البرقي، أحمد بن محمد بن خالد البرقي (ت 274 ه)،

1. المحاسن، تصحیح و تعليق: جلال الدين الحسيني، دار الكتب الإسلامية، (طهران 1370 ه).

البكري، أبو عبيد بن عبد العزيز الاويني (ت 487 ه)

1. سمط اللآلي في شرح امالي القالي، تحقيق: عبد العزيز الميمني، ط 1 (الهند، د،ت)

البلاذري، احمد بن يحيى بن جابر (ت 279 ه)،

1. انساب الأشراف تحقیق و تعليق: الشيخ محمد باقر المحمودي، ط 1، مؤسسة

ص: 68

الأعلمی للمطبوعات، (بیروت 1974 ه).

ابن تغري بردي، جمال الدين يوسف الأتابكي (ت 874 ه)،

1. النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، (مصر د.ت).

أبو تمام، حبیب بن اوس الطائي (ت 231 ه)

1. ديوان الحماسة، شرح العلامة التبريزي، دار القلم، (بیروت د.ت).

الثقفي، إبراهيم بن محمد (ت 283 ه)،

1. الغارات، تحقيق: السيد جلال الدین الحسيني الأرموي، مطابع بهمن، د.ت.

الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر (ت 255 ه)

1. البيان والتبيين، تح: عبد السلام محمد هارون، مكتبة الخانجي، طه (القاهرة

ص: 69

1985).

ابن حبان، محمد بن حبان بن احمد البستي (ت 354)،

1. الثقات، مجلس دائرة المعارف العثمانية بحیدر آباد الدكن، ط 1 (الهند 1973).

2. الصحيح، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، ط 2، مؤسسة الرسالة، (بیروت 1993).

ابن حجر العسقلاني، احمد بن علي (ت 852 ه)،

1. الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلي محمد معوض، ط 1، دار الكتب العلمية، (بيروت 1415 ه).

2. تهذيب التهذیب، ط 1، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، (بیروت 1989)

ابن أبي الحديد، أبو حامد بن هبة الله المدائني

ص: 70

(ت 656 ه)،

1. شرح نهج البلاغة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط 1، دار إحياء الكتب العربية، 1959م

ابن حزم، أبو محمد علي بن احمد بن سعيد الأندلسي (ت 456 ه - 1063 م)

1. جمهرة انساب العرب، تحقق: عبد السلام محمدهارون، دار المعارف ط 3، (مصر، 1971)

الحموي، یاقوت بن عبدالله (ت 626 ه)،

1. معجم البلدان، دار إحياء التراث العربي، (بیروت 1979).

ابن خلکان، احمد بن محمد بن أبي بكر (ت 681 ه)،

1. وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق: إحسان عباس، دار الثقافة، (بیروت

ص: 71

د.ت).

- خليفة بن خیاط، أبو عمرو خليفة العصفري (ت 240 ه)،

1. الطبقات، تحقيق: الدكتور سهیل زکار، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، (بیروت 1993).

الدارمي، عبد الله بن عبد الرحمن بن بهرام (ت 255 ه)،

1. السنن، مطبعة الاعتدال، (دمشق 1349 ه).

- أبو داود، سلیمان بن الأشعث السجستاني (ت 275 ه)،

السنن، تحقيق: سعيد محمد اللحام، ط 2، دار الفكر للطباعة، بیروت 1990.

الذهبي، شمس الدين محمد بن احمد بن عثمان (ت 748 ه)،

ص: 72

1. تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والإعلام، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، ط 1، دار الكتاب العربي، (بيروت 1987).

2. دول الإسلام، ط 2 (بيروت، 1985).

3. العبر في خبر من غبر، تحقيق: صلاح الدين المنجد، ط 2، مطبعة حكومة الكويت، (الكويت 1984).

ابن سعد، محمد بن سعد بن منيع (ت 230 ه)،

1. الطبقات الکبری، دار صادر، (بيروت. د.ت).

السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر (ت 911 ه)،

1. حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط 1،

ص: 73

(بیروت د.ت).

السمعاني، أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور (ت 562 ه)،

1. الأنساب، تقدیم وتعليق: عبد الله عمر البارودي، ط 1، دار الجنان للطباعة والنشر والتوزيع، (بیروت 1988).

الطبري، محمد بن جریر (ت 310 ه)،

تاريخ الرسل والملوك، تحقیق ومراجعة: نخبة من العلماء، ط 4، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، (بیروت 1983).

العجلي، احمد بن عبد الله بن صالح أبي الحسن (ت 261 ه)

1. تاريخ الثقات، تحقيق: د. عبد المعطي القلعجي، دار الكتب العلمية بيروت، ط 1 (لبنان 1984).

ابن العماد، شهاب الدين أبي الفلاح عبد الحي

ص: 74

بن احمد محمد (ت 1089 ه)

1. شذرات الذهب في أخبار من ذهب، تحقيق: عبد القادر الأرناؤوط بيروت، ط 1، (لبنان 1986).

القالي، ابو علي اسماعيل بن القاسم (ت 356 ه)

الامالي، (د،م)، (د،ت)

ابن قایماز، ابو عبد الله محمد بن احمد (ت 748 ه)

1. المشتبه في الرجال اسمائهم وانسابهم، تحقيق: محمد علي البجاوي، دار احیاء الكتب العربية، ط 1 (بیروت، 1962) ابن كثير، إسماعيل بن كثير الدمشقي (ت 774 ه)،

1. البداية والنهاية، تحقيق: علي شيري، ط 1، دار إحياء التراث العربي، (بیروت

ص: 75

1988).

ابن الكلبي، هشام بن محمد بن السائب (ت 204 ه)

1. نسب معد و اليمن الكبير، تحقيق: د. ناجي حسن، مكتبة النهضة العربية، ط 1 (بیروت 1988).

الكليني، محمد بن يعقوب (ت 329 ه)،

1. فروع الكافي، تحقيق: محمد جواد الفقيه ويوسف البقاعي، ط 3، دار الأضواء، (بیروت 1992).

ابن ماجه، محمد بن یزید (ت 275 ه)،

1. السنن، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي ط 2، دار الفکر للطباعة، (بیروت د.ت).

المازندراني، مولي محمد صالح (ت 1081 ه)،

1. شرح أصول الكافي، ضبط وتصحيح: السيد علي عاشور، ط 1، دار إحياء التراث

ص: 76

العربي للطباعة والنشر والتوزيع، (بيروت 2000).

الماوردي، علي بن محمد البصري (ت 450 ه)،

1. الأحكام السلطانية والولايات الدينية، تحقيق: احمد عبد السلام، ط 2، دار الكتب العلمية، (بیروت 2006).

المرزباني، ابو عبد الله محمد بن عمران (384 ه)

1. معجم الشعراء، تحقيق: محمد بن محمد الشنوفي، مكتبة القدس (القاهرة 1935) المزي، جمال الدین یوسف (ت 742 ه)،

1. تهذيب الكمال، تحقيق: الدكتور بشار عواد معروف، ط 4، مؤسسة الرسالة، (بیروت 1985).

المسعودي، علي بن الحسين بن علي (ت 346 ه)،

ص: 77

مروج الذهب ومعادن الجوهر، تحقيق: مصطفى السيد، المكتبة التوفيقية، (القاهرة د.ت).

مسلم، مسلم بن الحجاج القشيري (ت 261 ه)،

1. الصحيح، دار الفكر، (بیروت د.ت).

ابن منظور، أبو الفضل بن مکرم (ت 711 ه)،

1. لسان العرب، نشر أدب الحوزة، (قم 1405 ه).

نصر بن مزاحم، المنقري (ت 212 ه)،

1. وقعة صفين، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، ط 2، المؤسسة العربية الحديثة للطبع النويري، شهاب الدین احمد بن عبد الوهاب (ت 733 ه)

2. نهاية الأرب في فنون الأدب، المؤسسة المصرية العامة ط 2 (القاهرة د، ت) و النشر والتوزيع، (القاهرة 1382 ه).

ص: 78

الواقدي، محمد بن عمر (ت 207 ه)،

1. فتوح الشام، دار الجيل، (بیروت 1995).

ياقوت الحموي، شهاب الدين أبي عبد الله یاقوت بن عبد الله (ت 626 ه)

1. معجم البلدان، منشورات مكتبة الاسدي (طهران 1965)

اليعقوبي، احمد بن اسحق بن جعفر (ت 292 ه)،

1. تاریخ، دار صادر، (بیروت د.ت).

المراجع

آل یاسین، محمد حسن

1. مالك بن الحارث الاشتر، ط 1، (بیروت 2000 م)

الأمين، محسن العاملي (ت 1371 ه)،

1. أعيان الشيعة، تحقيق: حسن الأمين، دار التعارف، (بیروت 1986).

ص: 79

التستري، محمد تقي،

1. قاموس الرجال، ط 1، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، (قم 1419 ه).

الزركلي، خير الدين

1. الاعلام، ط 3، (د.م 1969)

صفوت، احمد زكي

1. جمهرة خطب العرب (د،م)، (د،ت)

قلعجي، محمد رواس،

1. معجم لغة الفقهاء، دار النفائس للطباعة والنشر، (بیروت 1988).

ص: 80

المحتويات

مقدمة المؤسسة...5

مقدمة...9

سيرة مالك الأشتر (رحمه الله)...13

صفاته:...15

وفاته:...22

أسس اختيار المسؤولين في الدولة...26

الخاتمة...63

المصادر والمراجع...66

المصادر...66

المراجع...79

ص: 81

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.