العلامة والظهور : دراسة في ضوء القرآن الكريم والسنة ونهج البلاغة

هوية الکتاب

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية

1342 لسنة 2016م

مصدر الفهرسة:

IQ-KaPLI ara IQ-KaPLI rda.

رقم تصنيف BP224.5.H35 2016 :LC

المؤلف الشخصي : الحسني، علي قدوري حسن.

العنوان : العلامة والظهور : دراسة في ضوء القرآن الكريم والسنة ونهج البلاغة : دراسة تاريخية مقارنة.

بيان المسؤولية : تأليف السيد علي الحسني؛ تقديم سيد نبيل الحسني.

بيانات الطبعة : الطبعة الأولى.

بيانات النشر: کربلاء: العتبة الحسينية المقدسة - مؤسسة علوم نهج البلاغة.

1437ه = 2016م.

الوصف المادي : 200صفحة.

سلسلة النشر: مؤسسة علوم نهج البلاغة.

تبصرة عامة :

تبصرة بیيلوغرافية : يتضمن هوامش - لائحة المصادر (الصفحات 189 – 197).

تبصرة محتويات:

موضوع شخصي : محمد بن الحسن المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشريف)، الإمام الثاني عشر، 255 هجرياً – الفتن والملاحم.

موضوع شخصي : محمد (صلی الله عليه وآله وسلم)، نبي الإسلام، 53 قبل الهجرة - 11هجرياً. الغيبيات - أحاديث.

موضوع شخصي :. الشريف الرضي، محمد بن الحسين بن موسی، 359 - 406 هجرياً. نهج البلاغة. شرح

موضوع شخصي : علي بن أبي طالب (عليه السلام)، الإمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 هجرياً - آخر الزمان - أحاديث.

مصطلح موضوعي : الفتن والملاحم - دراسة.

مصطلح موضوعي : الفتن والملاحم في القرآن.

مصطلح موضوعي : المهدي المنتظر - انتظار.

مؤلف إضافي: الحسني، نبیل قدوري حسن، 1965م، مقدم

مؤلف إضافي : الشريف الرضي، محمد بن الحسين بن موسی، 359 - 406 هجرياً. نهج البلاغة. شرح

عنوان إضافي: نهج البلاغة. شرح.

تمت الفهرسة قبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة

المتبرع الدیجیتالي : مركز خدمة مدرسة إصفهان

المحّرر: حسین راه جو

ص: 1

اشارة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

العَلَامَةُ وَ الظُّهُورُ

دِرَاسَة فِي ضَوءِ القُرَانِ الکَرِیمِ وَالسُنَّةِ وَنَهجِ البَلَاغَةِ

دِرَاسَة تَارِيخِيَة مُقَارَنَة

ص: 2

العَلَامَةُ وَ الظُّهُورُ

دِرَاسَة فِي ضَوءِ القُرَانِ الکَرِیمِ وَالسُنَّةِ وَنَهجِ البَلَاغَةِ

دِرَاسَة تَارِيخِيَة مُقَارَنَة

تأليف: السید علي الحسني

اصدار

مؤسسة علوم نهج البلاغة

في العتبة الحسينية المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة

للعتبة الحسينية المقدسة

الطبعة الأولى

1437ه - 2016م

العراق : كربلاء المقدسة - شارع السدرة - مجاور مقام علي الاكبر علیه السلام

مؤسسة علوم نهج البلاغة

هاتف : 07728243600 - 07815016633

الموقع : WWW.inahj.org

Email: Inahj.org@gmail.com

ص: 4

الإهداء

إلى سر الله الأعظم المستودع فيها..

إلى خزانة العلم..

إلى الطهر البتول، وقرة عين الرسول..

إلى الدرة البهية ذات المقامات الجليّة والكرامات العليّة..

إلى من جمعت فيها النبوة والإمامة فكانت أم أبيها..

إلى المستنيرة بأنوار الله القدسية ، سيدة النساء فاطمة الزهراء..

أهدي هذا القليل لعل الله ينفعنا به

يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم..

سيد علي

ص: 5

ص: 6

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مقدمة المؤسسة

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدّم من عموم نعم ابتدأها وسبوغ آلاء اسداها والصلاة والسلام على أتم النّعم وأفضلها محمد وآله الأطهار الأخيار.

أما بعد:

فلقد شغل أمر المصلح الذي يملئ الله الأرض على يديه قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، حيزاً كبيراً من البحث والدراسة وفي مختلف المدارس الإسلامية وغير الإسلامية من الديانات والمعتقدات الأخرى ؛ وذلك لما يمثله من صلاح في الأرض ومن عليها بعد أن يعمُّها الخراب والفساد فيكون بذاك ثمرة بعث الأنبياء والمرسلين وغاية الرسالات وإقامة دولتهم دولة الحق الإلهي.

من هنا :

كان أمر الترقب لعصر الظهور ومقدماته من العلامات موضع اهتمام العلماء والمفكرين والباحثين وسائر المؤمنين ، بل وغير المؤمنين ممن يخافون

ص: 7

على سلطانهم ومصالحهم فأدلوا هذه العلامات وما يتبعها جل اهتمامهم ، فقصدوا القرآن وما نطق به والسنة وما ورد فيها، وعلي أمير المؤمنين عليه السلام وما صرّح به وكشفه للمترقبين والمتلهفين لرؤية ابن النبي الأمين المهدي المنتظر (صلوات الله وسلامه عليه).

وما هذه الدراسة إلا واحدة من تلك الدراسات التي اهتمت بالقضية المهدوية فاختارت جانباً مهماً من جوانبها ألا وهو العلامة والظهور في القرآن والسنة ونهج البلاغة.

فجزى الله الباحث السيد علي كل خير فقد بذل جهده وعلى الله أجره، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

السيد نبيل الحسني رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 8

مقدمة الكتاب

الحمد لله الذي لا يبلغ متحته القائلون ولا يحصي آلاءه العادّون، المتوحد بالعزِّ والبقاء والمستحق لجزيل الثناء والصلاة والسلام على سيد الأنبياء محمد وآله الأمناء.

كثُرت التساؤلات عن أهم العلامات لظهور الإمام الحجة بن الحسن العسكري عليهما السلام، الملقب بالمهدي والحجة المنتظر صلوات الله تعالى عليه وعلى آبائه الطاهرين، وعجَّل فرجه المسدّد باليُمن والمؤيد بالنصر.

وقد نال هذا الأمر اهتمام ذوي الاختصاص والخبرة، وأبدى كلٌ ما عنده ، بما استطاع من بذل جهده، وكان الطريق الأقرب وصولاً لمعرفة هذه العلامات ، الدراسات المتعددة في القرآن الكريم، وكتاب نهج البلاغة، والأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعترته أهل بيته عليهم السلام، التي نالت البحث والتحقيق عند أهل الاختصاص بعلم الحديث والرواية والعقائد وذلك لتداولها في معظم المدارس الفكرية الإسلامية منها وغير الإسلامية.

ص: 9

وكان للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله تعالى عليه الجانب الأظهر ميزة بسحر البيان، ودقة المعنى، وبيان الحدث ، وتشخيص الخبر الملم بظهور ولده ، وحامل رايته ، والسائر بسيرته العلمية والعملية ، وهدي النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم:

«هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ »(1)

ومع كثرة الشراح والمستقرئين للحوادث التي تحمل ملامح الظهور في بعض أحيانها، وتفاصيل ملمة بالأجمال في بعضها الآخر، نجد أنّ هناك حاجةً ملحةً إلى استيضاح كثير وكثيرٍ ممَّا يخص ظهور امام زماننا عجل الله تعالی فرجه المقدس ؛ وتماشياً مع ذلك وجد الباحث في القرآن والسّنة بيان عمق الحدث الذي لا محال من وقوعه، ممَّا يحتاج إليه كل متتبع لقضية إمام زمانه التي جعلها جل ثناؤه وعداً حتمياً :

«وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ »(2)

وكان من الصعوبات التي واجهت هذه الدراسة الموجزة، تعدد آراء المفسرين للقرآن الكريم، وعمق معنى العبارات البلاغية المقتضبة للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، مما دفعنا في ذلك إلى مراجعة أغلب مصادر اللغة والحديث، مع الاستعانة باستقراء كثير من المرادفات للكلمة الواحدة لغرض الوصول إلى المعنى الأقرب.

ولولا فضل الله تعالى ورحمته، وبركة كلمات النبي وآله الأطهار لم نتمكن من

ص: 10


1- التوبة : 33
2- الروم: 6

الوصول إلى إتمام هذه الدراسة، فله المنة والفضل، وله الحمد والشكر على هدايته والتوفيق لخدمته .

وللظهور الذي هو الإعلان(1) عن الشخصية الغائبة تهيئة وتمهيد ليقبله العالم بأسره بين طائع ومكره، فأما المكره فسيمنعه الله تعالی بشتّى الوسائل ومختلف الأحوال، حتى لا يسيء للظهور بشيء من التخريب، والطائع على العكس يهيئ الله تعالی له ما يمكنّه من القرب الحقيقي لله تعالى، من خلال إمام جعله الله جل ثناؤه مؤهلاً لتطهير الارض مما ظهر فيها من الظلم والجور والفساد بما كسبت أيدي الناس كما بيّن سبحانه وتعالى

«ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ »(2)

وما ماثل ذلك من مظاهر الفساد والتعدي على الحرمات وسلب الحقوق، مالا سبيل لردها إلا بظهور عزيز مقتدر، وإن طال الزمان، وكثرت الأحزان وقد أكمدها الصفح ومنعها الحلم، فإنّ لها يوماً فيه سينکشف كل مستتر .

وفي ما تقدم تصديق لمن أجاد بقوله:

فلا وصفحك إن القوم ما صفحوا*** ولا وحلمك إن القوم ما حلموا

فحمل أمك قدماً أسقطوا حنقاً *** وطفل جدّك في سهم الردى فطموا(3)

ص: 11


1- الإعلان وهو الإظهار: لسان العرب ج 5 ص: 318
2- الروم: 41
3- ديوان السيد حيدر الحلي : ج 1، ص 42

ومن مفاهيم(1) الظهور؛ تثبيت حكم الله بالجعل الإلهي ومعناه: التعيين والتخصيص الذي ذكره عز وجل بقوله في محكم كتابه :

«وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ »(2)

وقوله تعالی :

«وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ »(3)

وقوله تعالی :

وإذ قال ك إمكانية

«وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ »(4)

وهذا الجعل الإلهي الذي غُيّب بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم تظهر آثاره وعظيم خصائصه سيكون للظهور دورٌ حقيقي فعالٌ لتثبيته والانتفاع من بديع ميزاته ؛ التي منها ما أشار إليه مولی الموحدين أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله تعالى عليه :

«لَوْ اِسْتَقَامَتْ لِیَ اَلْأُمَّهُ وَ ثُنِیَتْ لِیَ اَلْوِسَادَهُ لَحَکَمْتُ فِی اَلتَّوْرَاهِ بِمَا أَنْزَلَ اَللَّهُ فِی اَلتَّوْرَاهِ

ص: 12


1- المفاهيم : جمع مفهوم وهو: كما يظهر من موارد إطلاقه عبارة عن حكم إنشائي أو إخباري تستتبعه خصوصية المعنى الذي أريد من اللفظ بتلك الخصوصية ولو بقرينة الحكمة : كفاية الأصول، ص193
2- الأنبياء : 73
3- السجدة : 24
4- البقرة : 30

وَ لَحَکَمْتُ فِی اَلْإِنْجِیلِ بِمَا أَنْزَلَ اَللَّهُ فِی اَلْإِنْجِیلِ وَ لَحَکَمْتُ فِی اَلزَّبُورِ بِمَا أَنْزَلَ اَللَّهُ فِی اَلزَّبُورِ حَتَّی یَزْهَرَ إِلَی اَللَّهِ وَ إِنِّی قَدْ حَکَمْتُ فِی اَلْقُرْآنِ بِمَا أَنْزَلَ اَللَّهُ»(1).

ومن مفاهيم الظهور کشف الحقائق وإظهار ما خفي من الباطل ودحضه،

لقوله تعالی :

«وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا»(2)

فبالظهور يزهق الباطل وإن بلغ من القوة ما بلغ وازاد ما ازداد سعة وانتشار ؛ ومن

مفاهيم الظهور أيضا تثبیت وراثة الأرض لقوله تعالی :

«وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ»(3)

ومفهوم امتلاك الأرض لا يتحقق إلا من خلال الوراثة، التي هي إحدى صور انتقال الملكية ؛ كما تنتقل الملكية بالبيع والشراء، والهبة المطلقة والمشروطة ، والهدية ؛ ولكن ليس كانتقالها بالوراثة، حيث أنّ الوارث لا يُمّلك إلا بموت المورث و حياة الوارث.

«هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ»(4)

وهذا لهو وعد الله جل ثناؤه لأنبيائه وأوليائه ، بل هذا جزاؤه وعطاؤه للخلص من

عباده الذين سلموا فلم ينالهم الإغواء :

ص: 13


1- بصائر الدرجات: 145
2- الإسراء: 81
3- الأنبياء : 105
4- ق: 32

«إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ»(1)

محمد وآله الطاهرين الذين في حقهم أنزل تعالى :

«إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا»(2)

وقد جعل الله تعالى لمن يرث الأرض خصائص ومزايا أولها : أنهم عبادٌ صالحون قد

أذهب الله تعالی عنهم الرجس، وللكلام تتمة تأتي لاحقاً في مقام آخر.

السيد علي الحسني الخامس من شهر محرم الحرام

العام 1436 للهجرة

ص: 14


1- الحجر: 40
2- الأحزاب : 33

المبحث الأول: العلامة والظهور في اللغة والاطلاح

اشارة

ص: 15

ص: 16

المسألة الأولى: العلامة في اللغة والاصطلاح

أولاً: العلامة في اللغة

العلامة هي: كل ما يحصل به العلم(1)، وللعلامة في اللغة عدة معانٍ، فهي ترد في الكلمات، والحركات، والسكنات، والأفعال والأقوال والأحوال، وللمكان والزمان ؛ وفي الأفراد والأعداد، وفي الصفات وفي الآثار، وفي الدعاء والرجاء، وفي النوح والبكاء ؛ وفي الإيمان واليقين ، وفي النبوة والوصاية والولاية، بل قد لا تجد شيئاً من دون علامة تدل عليه ، فقد جعلت هادية لكل مطلب ودليلاً على كل مأرب ؛ ولعل ذكر بعض الشواهد يفي ببعض الغرض.

فمنها ما يرد بمعنى الدليل الذي يستدل به، وتكون العلامة هي الدليل للوصول إلى الغاية ، مثلاً أنّ الروم لا تدفن ميتاً حتى تعرضه على الكلاب فيظهر لهم من شمها إياه علامة يستدل بها على حياته أو موته(2)، وترد العلامة بمعنى المعرفة، إذ من خلالها

ص: 17


1- مختار الصحاح : ص 237
2- بحار الأنوار: ج 62، ص 57

يعرف السائل مسألته وينال الطالب مطلبه ويصل المريد إلى ما يريد التعرف عليه مثل حياة السمكة التي كانت بحوزة يوشع بن نون في رحلة نبي الله موسي مع الخضر، التي كانت حياتها ورجوعها إلى عين الماء علامة للتعرف على الخضر صاحب العلم اللدني واتباعه لنيل العلم الإلهي الخاص به(1)، أو كما سئل الشبلي ما علامة المعرفة؟ قال نسيان كل شيء سوى معروفة، بمعنى يمكن للإنسان أن ينسى كل شيء إلا المعالم والعلوم المعروفة فأنها باقية .

وقيل ما علامة صحّة المحبة ؟ فقال العمى عن كل شيء سوى محبوبه(2)، ولا يخفی أنّ صفة الداعي في حق مولاه صاحب الزمان عليه السلام، بتعجيل الفرج والظهور، وطلب النصرة والسرور، علامة على محبته والإخلاص لولايته، وفي رواية أبن أبي يعفور عن الإمام الصادق عليه السلام توضيحاً لذلك، عن عیسی بن أبي منصور قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام أنا وابن أبي يعفور وعبد الله بن طلحة فقال :

«ابْتِدَاءً مِنْهُ یَا ابْنَ أَبِی یَعْفُورٍ ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلی الله علیه و آله : سِتُّ خِصَالٍ مَنْ کُنَّ فِیهِ ، کَانَ بَیْنَ یَدَیِ اللّهِ _ عَزَّ وَجَلَّ _ وَعَنْ یَمِینِ اللّهِ»(3)

فقال ابن أبي يعفور وما هن جعلت فداك ؟ قال :

«يُحِبُّ الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِأَعَزِّ أَهْلِهِ وَ يَكْرَهُ الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ لِأَخِيهِ مَا يَكْرَهُ لِأَعَزِّ أَهْلِهِ وَ يُنَاصِحُهُ الْوَلَايَةَ»

ص: 18


1- مختصر مفید : ج4، ص133
2- شعب الإيمان : ج 1، ص 438
3- لأي قدام عرشه وعن يمين عرشه أو كناية عن نهاية القرب والمنزلة عنده تعالی: ما بين معقوفين للشيخ الكليني قدس سره، في كتابه الكافي : ج2، هامش ص: 172

فبکی ابن أبي يعفور وقال : كيف يناصحه الولاية ؟ قال :

«يَا ابْنَ أَبِي يَعْفُورٍ إِذَا كَانَ مِنْهُ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ بَثَّهُ هَمَّهُ فَفَرِحَ لِفَرَحِهِ إِنْ هُوَ فَرِحَ وَ حَزِنَ لِحُزْنِهِ إِنْ هُوَ حَزِنَ وَ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ مَا يُفَرِّجُ عَنْهُ فَرَّجَ عَنْهُ وَ إِلَّا دَعَا اللَّهَ لَهُ»

قال : ثم قال أبو عبد الله عليه السلام:

«ثَلَاثٌ لَكُمْ(1) وَ ثَلَاثٌ لَنَا أَنْ تَعْرِفُوا فَضْلَنَا وَ أَنْ تَطَئُوا عَقِبَنَا وَ أَنْ تَنْتَظِرُوا عَاقِبَتَنَا فَمَنْ كَانَ هَكَذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عزّ و جلّ فَيَسْتَضِي ءُ بِنُورِهِمْ مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُمْ»(2).

وإنّ هذه العناوين الثلاثة هي: مراتب ومنازل للداعي يحظى بها إذا وفّق للدعاء الإمامه، لأن الدعاء في حقه علامة المعرفة به وبآبائه عليهم السلام، ومتابعة لهم في هذا الأمر الجليل ودليل الانتظار لعاقبتهم وظهور دولتهم إن شاء الله تعالی فتدبر.

وترد العلامة بمعنى الدليل، إذ تكون بعض الفضائل دليلاً على وجود الإيمان، كما قدم وفد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا :

(إنّا مؤمنون، قال صلى الله عليه واله وسلم:

«وما علامة إيمانكم؟».

فذكروا الصبر على البلاء، والشكر على الرخاء، والرّضا بمواقع القضاء، وترك

ص: 19


1- أي ثلاث من المذكورات لكم : الحب والكراهة والمناصحة، وثلاثة لنا : 1. أن تعرفوا فضلنا، أي على سائر الخلق بالإمامة والعصمة ووجوب الطاعة، أو نعمتنا عليكم بالهداية والتعليم والنجاة من النار واللحوق بالأبرار. 2. وأن تطؤوا عقبنا أي تتابعونا في الأقوال والأفعال ولا تخالفونا. 3. وأن تنتظروا عاقبتنا أي ظهور قائمنا وعودة الدولة إلينا في الدنيا أو الأعم منها ومن الآخرة : المصدر نفسه.
2- الكافي : ج2، ص 173

الشماتة بالمصيبة إذا نزلت بالأعداء، قال صلى الله عليه واله وسلم :

«إن کنتم كذلك فلا تجمعوا ما لا تأكلون ولا تبنوا ما لا تسكنون ولا تنافسوا فيما

عنه ترحلون» ؛ فجعل الزهد تكملة إيمانهم»(1).

وترد العلامة في اللغة العربية، كالنصب والرفع والجر والجزم والنفي والنهي

والاستفهام وما شابه ذلك، لتبين محل كل كلمة من الأعراب كقوله تعالی :

«فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا»(2) .

وترد العلامة في الأحوال كما في حال الداعي إذا رفع يديه للسماء ولم نسمع منه ما يقول فمنظر رفع الیدین علامة على الدعاء كما في الدعاء بعد الأذان ، فقد دلت السنة المطهرة على مشروعية الدعاء بعد الأذان وقبل الإقامة ، كما أنّ رفع اليدين أثناء الدعاء مشروع، لكن على المسلم أن يدعو بينه وبين نفسه ولا يجهر بصوته(3).

وترد العلامة في التصنع كما هو في التباكي لقول المتنبي :

وفي الأحباب مختص بوجد*** وآخر يدعي معه اشتراکا

إذا اشتبهت دموع في خدود*** تبين من بکی ممن تباکی(4)

وأيضا : العلامة في اللغة هي : أمارة، وكلُ علامَةٍ تُعَدّ


1- نهاية الأرب في فنون الأدب : ج5، ص238
2- البقرة : 24
3- فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: ج6، ص89
4- يتيمة الدهر: ج1، ص276

أمارةُ ما بيني وبينك أي علامة ؛ وأنشد أحدهم(1) :

إذا طلعت شمس النهار فإنها*** أمارةُ تسليمي عليكِ فسَلّمي

وفي حديث ابن مسعود : ابعَثوا بالهَديِ واجعَلوا بينكم وبينه يَومَ أَمارٍ؛ الأَمارُ والأَمارةُ: العلامة(2).

ثانياً: العلامة في الاصطلاح

وتكون العلامة في الاصطلاح هديا يستدل به لكل مطلب، وخصوصاً في الأفعال التي لا يسبقها كلام وتوضيح فتكون العلامة ما تعارف عليه وتسالم، کنار القربان التي تأخذ الصدقة والتي كانت في سنن الأنبياء المتقدمين كما في قوله تعالى : و«الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ»(3).

وخبر ابن قتيبة ، قال : والقربان : ما تقرب به إلى الله تعالى من ذبح وغيره، وإنما طلبوا القربان ، لأنه كان من سنن الأنبياء المتقدمين، وكان نزول النار علامة القبول. قال ابن عباس : كان الرجل يتصدق، فإذا قبلت منه، نزلت نار من السماء، فأكلته ، وكانت ناراً لها دوي وحفيف.

وقال عطاء : كان بنو إسرائيل يذبحون لله ، فيأخذون أطايب اللحم، فيضعونها في وسط البيت تحت السماء، فيقوم النبي في البيت ويناجي ربه، فتنزل نار فتأخذ ذلك

ص: 21


1- لسان العرب : ج4، ص32
2- لسان العرب: ج4، ص33
3- آل عمران: 183

القربان ، فيخر النبي ساجداً، فيوحي الله إليه ما يشاء. قال ابن عباس : قل يا محمد لليهود «قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ» أي : بالآيات ، (وبالذي) سألتم من القربان(1)، أو كما في قربان أبني آدم الذين ورد ذكرهما في قوله عز وجل :

«وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ»(2)

وكان القربان تأكله النار فعمد قابيل إلى النار فبنى لها بيتاً وهو أول من بنی بیوت النار فقال : لأعبدن هذه النار حتى تتقبل مني قرباني(3).

ومن معاني العلامة اصطلاحاً: علامات الطريق التي توضع للاستدلال كمعالم الحرم وحدوده، مثل الجعرانة والطائف على سبعة أميال من مكة، وهي أحد حدود الحرم وميقاتاً للإحرام(4) .

وروي أنّ آدم عليه السلام لما هبط إلى الأرض لم يأمن مكر الشيطان فبعث الله له ملائكة فأحاطوا بمكة من جوانبها يحرسونه فمواضعهم حدود الحرم، ثم لما بني إبراهيم عليه السلام الكعبة علّمه جبرئیل علیه السلام المناسك وحدود الحرم التي كانت على عهد آدم عليه السلام فعُلّمت بالعلایم حتی جددها قصي ثم هدمت قريش بعضها فاهتم لذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فأتاه جبرئیل علیه السلام وقال لا تحزن فإنهم سيعيدونها، ثم أتاهم فنادى فيهم أما تستحون من الله إنه تعالى أكرمكم ببيته

ص: 22


1- زاد المسير في علم التفسير : ج2، ص66
2- المائدة : 27
3- أصول الكافي : ج 8 ص 113
4- المبسوط : ج 1 ص : 301

وحرمه وها أنتم أزلتم حدوده فستذلّون وتخطفون فخافوا فأعادوها(1) وهنالك الكثير من الشواهد المعنى العلامة اقتصرنا على هذا القليل لننتقل إلى بيان معنى الظهور.

المسألة الثانية: معنى الظهور لغة واصطلاحا

أولاً: معنى الظهور لغة

الظهور : كلمة جامعة لكثير من الألفاظ المرادفة والتي منها: التبيّن، والعرض، والنبغ، والنجم، والحوادث، والأفعال الظاهرة والباطنة وأحكامها، والشهرة ، والعلانية والإشراق، والنتاج، والتاريخ، والنصر، والتميز والزوال، والإخراج، والشياع.

وما زال هناك كثير من المرادفات ذات المعاني الجمّة، وما إعراضنا عن ذكرها إلا خشية الإطالة وقصداً في الاختصار. إلا خشية الإطالة حملتني على الاختصار.

والظهور کلمة: اصلها (ظهر) والظهر : خلاف البطن(2) ، ومعناه أن الظاهر هو غير الباطن، وكل ما هو ظاهر فهو معلوم، وكل ما هو باطن فهو مخفي.

وترد كلمة الظهور بلفظ : (تَبيّن) بمعنى ظهر الشيء، ولفظها بالفتح فتكون: ظَهوراً . وترد بلفظ (عَرض) بمعنی : عرض له أمر كذا يعرض : أي ظهر.

وعرضت عليه أمر كذا. وعرضت له الشيء، أي أظهرته له وأبرزته إليه(3). وترد

ص: 23


1- کشف اللثام : ج1، ص310
2- الصحاح : ج 3، ص 1083
3- المصدر نفسه : ج2، ص732

بلفظ (نبغ) بمعني نبغ الشيء ينبغ وينبغ نبغاً ونبوغاً، أي ظهر(1).

وترد بلفظ (نَجُم) نجم الشيء ينجم بالضم نجوماً، بمعنی : ظهر وطلع. كما يقال : نجم السن، والقرن، والنبت ، ونجم الخارجي(2).

وترد كلمة الظهور، في الأفعال الظاهرية والباطنية وأحكامها كما بيّن سبحانه وتعالى أنّ لكل فعل حکماً ولا فرق بين أن يكون الفعل ظاهرة فيستحق الحكم كفعل الصالحات مثل الصلاة، والصوم، والحج، والعمرة، والنفقة زكاة، وخمساً، ونذراً، وصدقة ، وهبة مطلقة، ومشروطة، وهدية ، وإباحة تصرف ، ودین مؤجل ومسكوت عنه وغير ذلك الكثير من الأفعال الظاهرة، والتي يمكن الإتيان بهاسراً فتكون أفعالاً باطنة لا تظهر، وفيِ قبالة ذلك الأفعال الفاحشة والفاسدة والتي منها ما هو ظاهر كالقتل والسرقة والزنا وشرب المسكرات مطلقة وغير ذلك، ومنها ما هو باطن بمعنى فعله في السر لا ظاهر معلناً كما بين سبحانه وتعالى بقوله:

و«قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»(3) .

وترد في الحوادث، عند ظهور الآيات كالزلازل والرياح العواصف وغير ذلك من ظهور الكوارث الطبيعية التي تحدث على مر الأيام، والتي عند حدوثها وظهورها تجب

ص: 24


1- المصدر نفسه : ج4، ص1326
2- الصحاح : ج5، ص 2039
3- الأنعام : 151

صلاة الآيات عند المسلمين(1)، وترد بلفظ الشُّهرَةُ، وهي بمعنى ظهور الشيء في شُنعَة حتى يَشهَره الناس. وقال الجوهري : الشُّهرَة وضوح الأَمر، وفي الحديث : من لَبِسَ ثَوبَ شُهرَة ألبسه الله ثوبَ مَذَلَّة(2).

وترد بلفظ (العَلانية)، على مثال الكَراهِيَة والفاهية : خلافُ السِّر، وهو ظهور الأمر. ويقال رجل عُلَنَةٌ: لا يَكتُم سِرَّه ويَبُوح به.

وأنشد ابن بري للطَّرِمَّاحِ :

ألا مَن مُبلِغٌ عني بَشِيراً*** عَلانِيةً، ونِعمَ اَخُوالعِلانِ

ويقال : يا رجل استَعلِن أي أَظهِر. واعتَلَنَ الأمرُ إذا اشتهر(3) .

وترد بلفظ الإشراق ، وهي بمعنی : ظهور، الأمر كما ورد في التوراة وهو: ما اتفقوا عليه مما جاء في التوراة وترجموه بالعربية ورضوا ترجمته فمن ذلك قوله :

«جاء الله من طور سيناء، وأشرق لنا من ساعير، واستعلن من جبال فاران» .

وفي ترجمة أخرى كذلك :

« تجلى الله من طور سيناء، وأشرق لنا من ساعير، واستعلن من جبال فاران» .

قال العلماء : وفي هذا تصریح بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لأن الطّور هو: الجبل الذي اصطفى الله تعالى موسى عليه بتكليمه، وساعير: جبل بالشام منه

ص: 25


1- جمل العلم والعمل : ص 76
2- لسان العرب: ج4، ص 432
3- المصدر نفسه : ج13، ص 289

ظهرت نبوة عیسی بن مریم، وبالقرب منه قرية الناصرة التي ولد فيها، وفاران : هي مكة شرفها الله تعالى. قال الشيخ حجة الدين أبو هاشم محمد بن ظفر في كتابه المترجم بخير البشر: لا يخالف في هذا أحد من أهل الكتاب. قال : وأما قوله :

(جاء الله من طور سيناء فإن مجيء الله هو مجيء كتابه وأمره كما قال الله تعالی :

«فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ»(1) .

أي أتاهم أمره، وقوله : «وأشرق لنا من ساعیر» كناية عن ظهور أمره وكلامه(2) ، وترد بلفظ (النتاج) وهي : بمعنى الظهور كما في خبر عمرو بن معد يكرب عوتب على ارتداده عن الإسلام فقال : (والله ما هو إلا الشّقاء، ولقد علمت أنّ محمداً رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم قبل أن يوحى إليه ، قيل : كيف كان ذلك یا أبا ثور؟ قال : حدث بين بني زبيد تناجش وتظالم، ونما إلى أن سفك بعضهم دماء بعض، ففزع حلماؤهم إلى كاهن لهم رجوا أن يكون عنده المخرج مما نزل بهم ، فقال الكاهن :

أقسم بالسماء ذات الأبراج، والأرض ذات الأدراج، والريح ذات العجاج، والبحار ذات الأمواج، والجبال ذات الفجاج، إن هذا الإمراج والارتجاج، للقاح ذو نتاج.

قالوا: وما نتاجه؟

قال : ظهور نبيّ صادق ، بكتاب ناطق، وحسام والق.

قالوا: أين يظهر؟ وإلى ما يدعو؟

ص: 26


1- الحشر: 2
2- نهاية الأرب في فنون الأدب : ج16، ص 108

قال : يظهر بصلاح ويدعو إلى الفلاح، ويعطّل القداح، وينهى عن الرّاح والسّفاح، وعن كل أمر قباح.

قالوا: ممن هو؟

قال : من ولد الشيخ الأكرم، حافر زمزم، ومطعم الطير الحوّم، والسباع الصوّم.

قالوا: وما اسمه؟

قال : اسمه محمد، وعزّه سرمد، وخصمه مکمد)(1).

وترد بلفظ النصر، بمعنی : الظهور كما في قول عبد الله بن رواحة عند قتال المسلمين للروم في معان(2) ، فأقاموا ليلتين لينظروا في أمرهم، وقالوا: نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فشجّعهم عبد الله بن رواحة، وقال : يا قوم، والله إنّ التي تكرهون للتي خرجتم تطلبون الشهادة ، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوّة ولا كثرة، ما نقاتلهم إلا بهذا الدّين الذي أكرمنا الله به، فانطلقوا فإنّما هي إحدى الحسنين : إمّا ظهور، وإمّا شهادة(3).

وترد كلمة الظهور بلفظ : (التاريخ) كما في ذكر من ملك مصر بعد الطوفان قال : وملكها من الروم سبعة ملوك ، ومن اليونان عشرة ملوك ، قال : وذلك قبل ظهور المسيح عليه السلام(4).

ص: 27


1- نهاية الأرب وفنون الأدب : ج16، ص 162
2- معان هي: حصن كبير من أرض فلسطين، على خمسة أيام من دمشق في طريق مكة : نفس المصدر المذكور
3- نهاية الأرب في فنون الأدب : ج16، ص279
4- المصدر نفسه : ج15، ص 141

وترد بلفظ (الحدث) بمعنى الظهور كما ورد في كتاب حزقیل علیه السلام مما ترجموه من قصة ذكر فيها ظهور اليهود وعزّتهم، وكفرانهم للنعم، فشبّههم فيها بالكرمة حيث قال: «لم تلبث تلك الكرمة أن قلعت بالسخطة ، ورمی بها على الأرض، فأحرقت السمائم أثرها، فعند ذلك غرس غرسا في البدو، وفي الأرض المهملة العطش، فخرجت من أغصانه الفاضلة نار فأكلت تلك الكرمة حتى لم يوجد فيها قضيب» . قال : فلا شك أنّ أرض البدو المهملة العطشی هي أرض العرب، وغرس الله الذي غرسه فيها هو محمد صلى الله عليه واله وسلم، وقد أخزى الله به اليهود والله أعلم(1).

ويرد الظهور بلفظ التميز والزوال والإخراج، كما في ظهور ظلمة الليل من النهار أو بأن المراد من الظهور التمييز للنهار عند ذهاب ظلمة الليل، أو بأن الظهور بمعنی الزوال، زوال الشك وظهور اليقين، أو زوال الظلم وظهور العدل(2).

ثانياً: معنى الظهور في الاصطلاح

يقول أهل البدو : إذا ظهر البياض قل السواد وإذا ظهر السواد قل البياض. السواد : التمر والبياض اللبن يعنون إذا كثر الحيا والخصب وفشا اللبن والأقط قل التمر في تلك السنة وبالعكس أي لا يجتمعان(3) وكذلك الظهور في الاصطلاح ما يكون متعارفاً عند الناس ومتسالم عليه وشيوعه متداولاً ومعروفاً، كما في شيوع ظهور نبي الله موسی عليه السلام قال سقراط : نحن معاشر اليونانيين أقوام مهذبون لا حاجة بنا إلى تهذیب

ص: 28


1- المصدر نفسه : ج16، ص 115
2- مختصر المعاني : ص 230
3- ربيع الأبرار ونصوص الأخبار : ج2، ص252

غيرنا(1)، فكان بهذا الكلام رفض لنبوة موسى والتمسك بالفلسفة الإغريقية واليونانية بدلا عن دين الله سبحانه وتعالى. ومن المتعارف عليه في معنى الظهور اصطلاحا : بشرة الأرض : بمعنی ما ظهر من نباتها. ويقال : قد أبشرت الأرض ، وما أحسن بشرتها، وترد كلمة الظهور بلفظة تثميرا، وكذلك أثمر، بمعنى ظهر، والشجرة أذا أثمرت ظهر عليه تحبب الزبد(2)، وترد كلمة الظهور بلفظ النبت : بمعنى ظهر زهره(3) ؛ والظُّهُور : الظَّفَرُ بالشيء والاطلاع عليه، وكما قال ابن سيده : الظُّهور : الظفر؛ ظَهَر عليه يَظهَر ظهوراً، وأظهَره الله عليه(4)، وما إلى ذلك كثيرٌ والكثير من المعاني والألفاظ التي تعنيها كلمة الظهور لغة واصطلاحا.

****

ص: 29


1- المصدر نفسه : ج2، ص252
2- الصحاح : ج2، ص590
3- المصدر نفسه : ج 2، ص 675
4- لسان العرب : ج4، ص526

ص: 30

المبحث الثاني: العلامة والظهور في القرآن والسنة

اشارة

ص: 31

ص: 32

مما لا يخفى على الباحث في علوم القرآن الكريم أنه يشتمل على قواعد كلّية مصنفه ، ولكل صنف من أصناف علومه منهج خاص يتناول كثيراً من القضايا المختلفة، فلم يدع القرآن الكريم قضية مقابل الاهتمام بأخرى، بل عني بجميع القضايا، حتى أصبح حجة على جميع من آمن به بجميع قضاياه .

ولعلّ قضية ظهور الإمام الحجة المهدي بن الحسن العسكري صلوات الله تعالی عليهما قد حظيت بفهم ودراية من علوم القرآن الكريم، الذي تصدّى بمنهجه العام لبيانها واستيفاء حقيقتها كما قال تعالى :

«إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا»(1).

بما خصهم الله تعالى من قضية الظهور، وبكل هدى وصلاح ينسجم مع واقع الحياة التي رسمها الله تبارك وتعالى من خلال سننه التي جرت في خلقه، والتي كان لأنبيائه ورسله الدور الكبير بإبرازها وبيان مقوماتها خاصة ما كان العباد والبلاد بحاجة إليها.

ص: 33


1- الإسراء : 9

المسألة الأولى: المنهج العام للظهور في القرآن الكريم

يقتضي المنهج العام لله تعالی بتوضيح البيّنات وإظهار الحقائق لتتم الاستقامة في الخلق والتي منها إيجاد الخليفة قبل الخليقة قال تعالى :

و «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً»(1)

يحمل البيّنات التي لله تعالی :

«وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ»(2)

وذلك تصديق قول الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام حيث يقول:

« الحجة قبل الخلق، ومع الخلق ، وبعد الخلق ولو خلق الله عز وجل الخليقة خلوا من الخليفة لكان قد عرضهم للتلف، ولم يردع السفيه عن سفهه بالنوع الذي توجب حكمته من إقامة الحدود وتقويم المُفسد»(3).

توضيح البينات: بما يأتي:

1 - إظهار علم الخليفة فأنه من أحكم البيّنات كما سدّد سبحانه وتعالی آدم بتعليمه :

«وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ»(4)

ص: 34


1- البقرة : 30
2- البقرة : 78
3- كتاب اكمال الدين واتمام النعمة : ص4
4- البقرة : 31

2 - ظهور الآيات : ففي كل زمان تقدير الله تعالی بظهور آیات تكون علامات تدل على أنّ لله تعالى خليفة في أرضه وحجة على عباده له من المهام والطرق التي بها تصلح الأرض وما عليها، كصنع سفينة في وسط الصحراء كانت آيةً ودليلاً وعلامةً على صدق نبوّة نوح عليه السلام :

«وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ»«وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ»(1)

ولنبي الله ابراهیم خلیل الرحمن آية كانت علامةً على صدق نبوته، إذ رموه في نار تحترق فيها حتى الحجارة لولا رعاية الله تعالی له:

«قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ»(2)

ولنبي الله موسى آية وعلامة على نبوته هي انفلاق البحر حتى كانت ضفّتاه كل منها بحجم جبل :

«فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ»(3)

ولنبي الله عیسی آية وعلامة على نبوّته هي نزول مائدة من السماء :

«قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ

ص: 35


1- هود : 37 - 38
2- الأنبياء : 69
3- لشعراء 63

وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ»(1)

ولخاتم الأنبياء وسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وآله وسلم آیات وعلامات أذكر واحدة منها على وجه الاختصار تتمثل في ما ذكره الله تعالی :

«اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ»«وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ»(2)

المسألة الثانية: المنهج الخاص للظهور في القرآن الحكيم

اشارة

لا ريب أن في القرآن الكريم هدياً ومنهجا يعالج جميع مطالب الدنيا والآخرة لمن أراد هديه وطلب منهجه، وحتى عند غير مريدي هدي القرآن وغیر طالبي نهجه تجد الصالح العام يفرض نفسه على واقع الحياة بتدبير الله وبديع صنعه، مما يجعل غير مريدي هديه ومنهجه قابلين بما يُفرض عليهم، غير قادرين على التغّير بما ينسجم مع مصالحهم، فبين مسلم ومستسلم لما يريده الله تعالى ولما اختاره لخلقه بما ينفعهم، ضمن المنهج الخاص الذي يفرضه القرآن الكريم.

ومن المناهج الخاصة ما يأتي

أ- منهج التصدي:

جعل الله جل ثناؤه مقابل ظهور الفساد، ظهور مصلح قادر على ردع كل فاسد، مغير لكل منکر، آمر بكل معروف ، يظهره في وقت فقدان العدل وظهور الظلم والجور، كما يقول الإمام علي بن ابي طالب عليه السلام، تصديقاً لذلك :

ص: 36


1- المائدة : 114
2- القمر: 1- 2

«ظَهَرَ الْفَسَادُ فَلاَ مُنْكِرٌ مُغَيِّرٌ وَ لاَ زَاجِرٌ مُزْدَجِرٌ أَ فَبِهَذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُجَاوِرُوا اللَّهَ فِي دَارِ قُدْسِهِ وَ تَكُونُوا أَعَزَّ أَوْلِيَائِهِ عِنْدَهُ- هَيْهَاتَ لاَ يُخْدَعُ اللَّهُ عَنْ جَنَّتِهِ وَ لاَ تُنَالُ مَرْضَاتُهُ إِلاَّ بِطَاعَتِهِ لَعَنَ اللَّهُ الْآمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ التَّارِكِينَ لَهُ وَ النَّاهِينَ عَنِ الْمُنْكَرِ الْعَامِلِينَ بِهِ»(1)

وأنّ في التصدي نتائج مهمة تظهر ولو بعد حين :

«وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ»(2)

وقد هيأ الله تعالى للتصدي :

«رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ»(3)

وقد ذكر عزّ وجل حال أولئك الرجال في حال إن مكنهم من التصدي للإصلاح فطبقوا حدود الدين وكانوا له عابدين إذ يقول تعالى تصديقا لذلك :

«الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ»(4)

ومصداق لما في الآية المباركة ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله على الاتفاق من قوله :

ص: 37


1- نهج البلاغة : ص 188، الخطبة 129
2- الحج: 40
3- النور: 37
4- الحج: 41

«لن تنقضي الأيّام والليالي حتَّى يبعث الله رجلاً من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً»(1).

أضف إلى ذلك ما روي عن ابن مسکان عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالی :

«أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ»(2).

قال : إنّ العامة يقولون نزلت في رسول الله صلى الله عليه وآله لما أخرجته قریش من مكة وإنما هي للقائم عليه السلام إذا خرج يطلب بدم الحسين عليه السلام وهو قوله : «نحن أولياء الدم وطلاب الدية» ثم ذكر عبادة الأئمة عليهم السلام وسيرتهم فقال تعالى :

«الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ»(3)

ب- منهج الردع:

وإذا عمّ الفساد فبلغ بظهوره البر والبحر قدَّر الله له رادعاً من خلال ألوان من العذاب حتى يرجع الناس عن الفساد الذي كسبته أيديهم، كقول الأنصار في سقيفة بني ساعدة ، فعن ابن مسکان عن محمد عن أبي جعفر عليه السّلام أنه في قوله تعالی :

«ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ»

قال عليه السلام :

ص: 38


1- سنن أبي داود، ج4، ص106؛ سنن الترمذي : ج4، ص52؛ مسند أحمد: ج 1، 376، 377، 430، 448؛ وراجع إحقاق الحق، ج13، 234 – 247؛ وكتاب الإفصاح : للشيخ المفيد، ص102
2- الحج: 39
3- تفسير القمي: ص85، آية 41 من سورة الحج

«ذاك والله حين قالت الأنصار منا أمير ومنكم أمير» .

«ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ»(1)

وقال تعالى :

«وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا»(2) .

أي كثيراً(3)، وقد استعرض لنا القرآن الحكيم من المناهج الخاصة ما يلزم بیانه :

«ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ»(4)

فجعل ذوق العذاب من المناهج المبرمجة بالتدبير الإلهي والتي منها :

ت- منهج العقوبة بالبلوي بقسميها العام والخاص

«وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ»(5)

وتصديق ذلك ما رواه محمد بن مسلم الطحان ، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال :

ص: 39


1- الروم: 41
2- الجن 16
3- الكافي : للشيخ الكليني، ج8، ص58، حدیث 19
4- الروم: 41
5- البقرة : 155

« إن لقيام قائمنا عليه السلام علامات ، بلوى من الله للمؤمنين» .

قلت : وما هي؟ قال :

ذلك قول الله تعالى :«وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ»(1).

قال عليه السلام :

«لنبلونكم يعني المؤمن، بشيء من الخوف : من ملوك بني فلان في آخر سلطانهم، والجوع: بغلاء أسعارهم، ونقص من الأموال : فساد التجارات، وقلة الفضل، والأنفس : موت ذريع، والثمرات : قلة ريع ما يزرع وقلة بركة الثمار، وبشر الصابرین : عن ذلك بخروج القائم عليه السلام».

ثم قال لي:

یا محمد، هذا تأويله «مَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ»(2) .

وأما القسم العام من البلوى ، ما ذكره الثمالي قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل:

«وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ»

قال عليه السلام : ذلك جوع خاص وجوع عام، فأما بالشام فإنه عام وأما الخاص بالكوفة يخص ولا

ص: 40


1- البقرة : 155
2- آل عمران : 7

يعم، ولكنه يخص بالكوفة أعداء آل محمد عليه الصلاة والسلام فيهلكهم الله بالجوع، وأما الخوف فإنه عام بالشام وذاك الخوف إذا قام القائم عليه السلام واما الجوع فقبل قيام القائم عليه السلام،«وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ»(1)

عن الأصبغ بن نباتة ، عن علي عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

«إذا غضب الله عز وجل على أمة ولم ينزل بها العذاب غلت أسعارها وقصرت أعمارها، ولم تربح تجارها، ولم تزك ثمارها، ولم تغزر أنهارها وحبس عنها أمطارها ، وسلط عليها شرارها»(2)

وقال صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً :

«خمس خصال إن أدركتموها فتعوذوا بالله من النار، لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوها إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان، ولم تمنع الزكاة إلا منع القطر من السماء ، فلولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله ورسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم، فأخذ بعض ما في أيديهم، ولم يحكموا بغير ما أنزل الله إلا جعل بأسهم بينهم»(3).

وقال الباقر عليه السلام:

«أما أنه ليس سنة أقل مطراً من سنة ، ولكن الله يضعه حيث يشاء، إن الله جل جلاله

ص: 41


1- تفسير العياشي: ج1، ص68
2- الخصال : ص 360
3- الكافي : ج2، ص 373

إذا عمل قوم بالمعاصي صرف عنهم ما كان قدر لهم من المطر في تلك السنة إلى غيرهم وإلى النبات والبحار والجبال»(1).

وعن صفوان بن يحيى قال : حدثني بعض أصحابنا قال : قال أبو عبد الله عليه السلام :

«إذا فشا أربعة ظهرت أربعة : إذا فشا الزنا ظهرت الزلزلة وإذا فشا الجور في الحكم احتبس القطر وإذا خفرت الذمة أديل لأهل الشرك من أهل الإسلام إذا منعت الزكاة ظهرت الحاجة»(2)

وفي حديث : «إن الله تعالى أوحي إلى شعيب أني معذب أربعين ألفا من شرار قومك وستين ألفا من خيارهم فقال : هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟ قال : إنهم داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي»(3).

وفي حديث عقوبات المعاصي: «الذنوب التي تغير النعم البغي، والذنوب التي تورث الندم القتل، والتي تنزل النقم الظلم، والتي تهتك الستور شرب الخمر، والتي تحبس الرزق الزنا، والتي تعجل الفناء قطيعة الرحم، والتي ترد الدعاء وتظلم الهواء عقوق الوالدين»(4).

ث- منهج التسليم والطاعة:

«أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ»(5)

ص: 42


1- المصدر نفسه : ج2 ص 272
2- الكافي : ص 448
3- المصدر نفسه : ج5، ص56
4- المصدر نفسه : ج2، ص447
5- آل عمران: 83

وبيان ذلك عن رفاعة بن موسى قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول :

(«وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ» قال : إذا قام القائم عليه السلام لا يبقي أرضاً الا نودي فيها بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله)(1) .

وأضف إلى ذلك : عن ابن بكير قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن قوله :

«وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا» قال : أنزلت في القائم عليه السلام إذا خرج باليهود والنصارى والصابئين والزنادقة وأهل الردة والكفار في شرق الأرض وغربها، فعرض عليهم الاسلام فمن أسلم طوعا أمره بالصلاة والزكاة وما يؤمر به المسلم ويجب لله عليه ، ومن لم يسلم ضرب عنقه حتى لا يبقى في المشارق والمغارب أحد إلا وحد الله، قلت له : جعلت فداك إن الخلق أكثر من ذلك؟ فقال : أن الله إذا أراد أمراً قلل الكثير وكثر القليل»(2).

ج- منهج التذكير:

«فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ»(3)

فعن أبي حمزة قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل :«فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ» قال :

ص: 43


1- تفسير العياشي: ج1، ص183
2- المصدر نفسه : ج1، ص184
3- الأنعام : 44

«أما قوله فلما نسوا ما ذكروا به : يعني فلما تركوا ولاية علي أمير المؤمنين عليه السلام وقد أمروا به.

فتحنا عليهم أبواب كل شيء: يعني دولتهم في الدنيا وما بسط لهم فيها.

وأما قوله حتى إذا فرحوا بما أوتوا اخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون : يعني بذلك قيام القائم حتى كأنهم لم يكن لهم سلطان قط، فذلك قوله بغتة فنزلت بخبره هذه الآية علی محمد صلى الله عليه وآله وقوله فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين»(1) .

العلامة والظهور في السنة

اشارة

لا بد لنا في البدء من التعريف بالسّنة ليتضح بعدها ما تنَاوَلته في خصوص العلامة والظهور.

المسألة الأولى: السنة لغة

وتّعرّف السُنّة في اللغة بالفطرة بمعنی : ما فُطر عليه أي اعتاد عليه ، (وفي الحديث : عَشرٌ من الفِطرةِ ؛ أي من السُّنّة يعني سُنن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، التي أُمِرنا أن نقتدي بهم فيها)(2).

وتأتي بمعنى الفَرضُ : وهو السُّنةُ، فإذا قلت فرض (فَرَضَ رسول الله ، صلى الله عليه وآله وسلم، أَي سَنَّ، وقيل: فَرَضَ رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم، أَي

ص: 44


1- تفسير القمي: ج 1، ص200
2- لسان العرب : ج5، ص58

أَوجَبَ وُجُوباً لازماً، قال : وهذا هو الظاهر)(1).

المسألة الثانية: السنة اصطلاحاً

هي طريقة النبي صلى الله عليه وآله والأئمة المعصومين عليهم السلام وسيرتهم العملية ، المشتملة على القول أو الفعل أو التقرير(2)، فالسنة هي تفسير للقرآن الكريم وتبيانٌ لكماته ، وتوضيح معانيه قال تعالى :

«وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ»(3).

كما أنها تعتبر بلا خلاف متفق عليه، (في أنّ السنّة هي الأصل الثاني من أصول التشريع)(4)، وتعد السنّة زيادة عليه، أي زيادة على القرآن الكريم، وبيان لأمور كثيرة سکت عنها القرآن، وتكفلت السنّة النبوية ببيانها، فقد قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:

«الا إني أوتيت الكتاب ومثله معه الا أني أوتيت القرآن ومثله معه»(5).

وإنّ هذه الزيادة قد خرجت من حيث خرج القرآن، من مشكاة واحدة(6) ، قال تعالى :

«وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى»«إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى»(7).

ص: 45


1- لسان العرب : ج7، ص202
2- ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار : ج1، ص20
3- النحل: 44
4- المختصر النافع: مقدمة الكتاب
5- مسند أحمد بن حنبل : ج4، ص 131
6- المهدي المنتظر في ضوء الاحاديث والآثار الصحيحة، هامش ص 8، أخرجه أبو داود في كتاب السنة في سننه : ج3، ص200، وإسناده صحيح. انظر مشكاة المصابیح، بتحقيق الشيخ محمد الألباني، ج 1، ص 57 ، حدیث 163
7- النجم : 3-4

وللعلامة الطباطبائي تعريف في هذا المضمون، فالسُنّة هي (الطريقة المعمولة التي تجري بطبعها غالبا أو دائما)(1).

ومن هنا فأن للسُنّة دوراً فعالاً في بيان تعريف الناس بكل ما يتضمنه التاريخ من حوادث مشهودة تظهر في كل زمان ومكان، ويمكن تصنيفها في ما يأتي :

أ-سنة الله تعالى في الخلق، والتي لا يكون لها تبدیل قال تعالى :

«سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا»(2)

فتظهر هذه السُنّة كلما توافرت الظروف الطبيعية للخليقة، وذلك من خلال اجتماع الجنسين الذكر والأنثى كما أوضح سبحانه بقوله تعالی :

«وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى»(3).

ب - سنّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، المتضمنة فعل المستحبات والأفعال الظاهرة عن شخصه المقدس المبارك ، كغسل الجمعة وصلاة النافلة والجماعة وما شابه ذلك ، ومنها تكرار الأفعال وتناقلها بين الناس من شخص لأخر وتصديق ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

«من سن سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء»(4).

ص: 46


1- تفسير الميزان : ج16، ص340
2- الأحزاب : 62
3- النجم: 45
4- كتاب الهداية : ص59
المسألة الثالثة: اقتضاء حكمة الغيبة
اشارة

لا بد لنا في البدء بعرض شيء من التعريف بالحكمة، والحِكمَةُ هي : العدل، ورجل حَكِيمٌ بمعنی: عدل حکیم، وأَحكَمَ الأمر: أتقنه ، وأَحكَمَته التجاربُ على المَثَل، وهو من ذلك ، ويقال للرجل إذا كان حکیماً: قد أَحكَمَتهُ التجارِبُ. والحكيم: المتقن للأُمور(1)، والحِكمَةُ من العلم، والحكيم العالِم وصاحب الحِكمَة. وقد حَكُمَ أي صار حَكِيماً(2).

ومن هنا نستوضح حكمة الله تعالى واقتضاء تقدير غيبة بعض الأنبياء وتدبيرها ، حتى يتحقق الأثر ويتحصل المبتغى من الحكمة الإلهية التي يمكن تشخيصها بوجوه :

الوجه الأول: مقارعة الظالمين:

فكانت الحكمة تقتضي تدبير غيبة نّبيه ادريس ليتحقق عدل الله في مقارعة الظالمين ، فأول الغيبات غيبة إدريس النبي عليه السلام المشهورة حتى آل الأمر بشيعته إلى أن تعذَّر عليهم القوت وقتل الجبار من قتل منهم وأفقر وأخاف بقيتهم، ثم ظهر عليه السلام فوعد شيعته بالفرج وبقيام القائم من ولده، وهو نوح عليه السلام ثم رفع الله عزّ وجل إدريس عليه السلام إليه، فلم يزل شیعته يتوقعون قيام نوح عليه السلام قرناً بعد قرن، خلفاً عن سلف ، صابرين من الطواغيت على العذاب المهين حتى ظهرت نبوّة نوح عليه السلام، فعن إبراهيم بن أبي البلاد، عن أبيه، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام قال :

ص: 47


1- لسان العرب : ج12، ص : 143
2- المصدر نفسه : ج12، ص140

«كان بدء نبوة إدريس عليه السلام أنه كان في زمانه ملك جبار وأنه ركب ذات يوم في بعض نزهه ، فمر بأرض خضرة نضرة لعبد مؤمن من الرافضة(1) ، فأعجبته فسأل وزراءه لمن هذه الأرض؟

قالوا : لعبد مؤمن من عبيد الملك فلان الرافضي.

فدعا به فقال له : أمتعني بأرضك هذه .

فقال : عيالي أحوج إليها منك.

قال : فسمني بها أثمن لك.

قال : لا أمتعك بها ولا أسومك، دع عنك ذكرها .

فغضب الملك عند ذلك وأسف وانصرف إلى أهله وهو مغموم متفكر في أمره وكانت له امرأة من الأزارقة(2)، وكان بها معجباً يشاورها في الأمر إذا نزل به ، فلما استقر في مجلسه بعث إليها لیشاورها في أمر صاحب الأرض، فخرجت إليه فرأت في وجهه الغضب.

فقالت: أيها الملك ما الذي دهاك حتى بدا الغضب في وجهك قبل فعلك؟

ص: 48


1- الرافضة : هم الذين تركوا مذهب سلطانهم. والرفض في اللغة : الترك، والروافض جنود تركوا قائدهم وانصرفوا وذهبوا عنه. أو المراد الذين رفضوا الشرك والمعاصي أو مذهب الملك أو الدنيا ونعيمها، وفي اثبات الوصية أفقيل إنها لرجل من الرافضة كان لا يتبعه على كفره ويرفضه يسمی رافضياً فدعی به الخ.. كتاب كمال الدين وتمام النعمة، هامش ص 129
2- المراد بهم أهل الروم أو الديلم لأن زرقة العيون غالبة فيهم. والأزارقة أيضا هم الذين يبيحون مال من هم على غير عقيدتهم ويستحلون دمه نظير عقيدة الخوارج في الاسلام، والمراد هنا المعنى الثاني. المصدر نفسه هامش ص 128

فأخبرها بخبر الأرض وما كان من قوله لصاحبها ومن قول صاحبها له .

فقالت : أيها الملك إنما يهتم به من لا يقدر على التغيير والانتقام، فإن كنت تكره أن تقتله بغير حجة فأنا أكفيك أمره وأصيّر أرضه بيديك بحجة لك فيها العذر عند أهل مملكتك.

قال : وما هي؟

قالت : أبعث إليه أقواماً من أصحابي الأزارقة حتى يأتوك به فيشهدوا عليه عندك أنه قد برئ من دينك فيجوز لك قتله وأخذ أرضه.

قال : فافعلي ذلك.

قال : وكان لها أصحاب من الأزارقة على دينها يرون قتل الروافض من المؤمنين ، فبعثت إلى قوم من الأزارقة فأتوها فأمرتهم أن يشهدوا على فلان الرافضي عند الملك أنه قد برئ من دین الملك فشهدوا عليه أنه قد برئ من دین الملك فقتله واستخلص أرضه، فغضب الله تعالى للمؤمن عند ذلك فأوحى الله إلى إدريس أن ائت عبدي هذا الجبار فقل له : أما رضيت أن قتلت عبدي المؤمن ظلماً حتى استخلصت أرضه خالصة لك، فأحوجت عياله من بعده وأجعتهم، أما وعزتي لانتقمن له منك في الآجل ولأسلبنّك ملكك في العاجل، ولأخربّن مدينتك ولأذلنّ عزك ولأطعمنّ الكلاب لحم امرأتك ، فقد غرك يا مبتلی حلمي عنك.

فأتاه إدريس عليه السلام برسالة ربه وهو في مجلسه وحوله أصحابه ، فقال :

أيها الجبار إني رسول الله إليك وهو يقول لك : أما رضيت أن قتلت عبدي المؤمن ظلما حتى استخلصت أرضه خالصة لك، وأحوجت عياله من بعده وأجعتهم، أما

ص: 49

وعزتي لانتقمن له منك في الآجل، ولأسلبنّك ملكك في العاجل، ولأخربّن مدينتك ، ولأذلنّ عزك ، ولأطعمنّ الكلاب لحم امرأتك ، فقال الجبار :

اخرج عني يا إدریس فلن تسبقني بنفسك ثم أرسل إلى امرأته فأخبرها بما جاء به إدريس.

فقالت : لا تهولنك رسالة إله إدريس أنا أكفيك أمر إدريس ، أرسل إليه من يقتله فتبطل رسالة إلهه وكلما جاءك به.

قال : فافعلي، وكان لإدريس أصحاب من الرافضة مؤمنون يجتمعون إليه في مجلس له فيأنسون به ويأنس بهم، فأخبرهم إدريس بما كان من وحي الله عز وجل إليه ورسالته إلى الجبار، وما كان من تبليغه رسالة الله عز وجل إلى الجبار، فأشفقوا على إدريس وأصحابه ، وخافوا عليه القتل. وبعثت امرأة الجبار إلى إدريس أربعين رجلا من الأزارقة ليقتلوه فأتوه في مجلسه الذي كان يجتمع إليه فيه أصحابه ، فلم يجدوه ، فانصرفوا وقد رآهم أصحاب إدريس فحسبوا أنهم أتوا إدريس ليقتلوه فتفرقوا في طلبه ، فلقوه.

فقالوا له : خذ حذرك يا إدريس فإن الجبار قاتلك قد بعث اليوم أربعين رجلا من الأزارقة ليقتلوك فاخرج من هذه القرية ، فتنحّى إدريس عن القرية من يومه ذلك، ومعه نفر من أصحابه ، فلما كان في السحر ناجی إدريس ربه فقال :

یا رب بعثتني إلى جبار فبلغت رسالتك، وقد توعدني هذا الجبار بالقتل، بل هو قاتلي إن ظفر بي، فأوحى الله عز وجل : أن تنح عنه واخرج من قريته ، وخلّني وإياه فوعزتي لأنفذنّ فيه أمري، ولأصدقنّ قولك فيه وما أرسلتك به إليه.

ص: 50

فقال إدريس : یا رب إن لي حاجة ، قال الله عز وجل : سل تعطها.

قال : أسألك أن لا تمطر السماء على أهل هذه القرية وما حولها وما حوت عليه حتى أسألك ذلك.

قال الله عز وجل : يا إدريس إذا تخرب القرية ويشتد جهد أهلها ويجوعون.

قال إدريس : وإن خربت وجهدوا وجاعوا.

قال الله عز وجل : فإني قد أعطيتك ما سألت ولن أمطر السماء عليهم حتى تسألني ذلك، وأنا أحق من وفي بوعده.

فأخبر إدريس أصحابه بما سأل الله من حبس المطر عنهم، وبما أوحى الله إليه ووعده أن لا يمطر السماء عليهم حتى يسأله ذلك. فاخرجوا أيها المؤمنون من هذه القرية إلى غيرها من القرى ، فخرجوا منها ، وعدَّتُهم يومئذ عشرون رجلاً، فتفرقوا في القرى ، وشاع خبر إدريس في القرى بما سأل ربه تعالى، وتنحى إدريس إلى كهف في جبل شاهق، فلجأ إليه ووکل الله عز وجل به ملكاً يأتيه بطعامه عند كل مساء، وكان يصوم النهار فيأتيه الملك بطعامه عند كل مساء، وسلب الله عز وجل عند ذلك ملك الجبار وقتله وأخرب مدينته وأطعم الكلاب لحم امرأته غضبا للمؤمن فظهر في المدينة جبار آخر عاص، فمكثوا بذلك بعد خروج إدريس من القرية عشرين سنة لم تمطر السماء عليهم قطرة من مائها عليهم، فجهد القوم واشتدت حالهم وصاروا يمتارون الأطعمة من القرى من بعد، فلما جهدوا مشى بعضهم إلى بعض فقالوا:

إن الذي نزل بنا مما ترون بسؤال إدريس ربه أن لا يمطر السماء علينا حتى يسأله هو، وقد خفي إدريس عنا ولا علم لنا بموضعه، والله أرحم بنا منه فأجمع أمرهم علی أن

ص: 51

يتوبوا إلى الله ويدعوه ويفزعوا إليه ويسألوه أن يمطر السماء عليهم وعلى ما حوت قريتهم، فقاموا على الرماد ولبسوا المسوح وحثوا على رؤوسهم التراب، وعجوا إلى الله تعالى بالتوبة والاستغفار والبكاء والتضرع إليه ، فأوحى الله عز وجل إلى إدریس یا إدريس إن أهل قريتك قد عجوا إلي بالتوبة والاستغفار والبكاء والتضرع، وأنا الله الرحمن الرحيم أقبل التوبة وأعفو عن السيئة ، وقد رحمتهم ولم يمنعني إجابتهم إلى ما سألوني من المطر إلا مناظرتك فيما سألتني أن لا أمطر السماء عليهم حتى تسألني، فسلني يا إدريس حتى أغيثهم وأمطر السماء عليهم؟

قال إدريس : اللهم إني لا أسألك ذلك.

قال الله عز وجل : ألم تسألني يا إدريس فأجبتك إلى ما سألت وأنا أسألك أن تسألني فلم لا تجب مسألتي؟

قال إدريس : اللهم لا أسألك، فأوحى الله عز وجل إلى الملك الذي أمره أن يأتي إدريس بطعامه كل مساء أن احبس عن إدريس طعامه ولا تأته به ، فلما أمسى إدريس في ليلة ذلك اليوم فلم يؤت بطعامه حزن وجاع فصبر، فلما كان في ليلة اليوم الثاني فلم يؤت بطعامه اشتد حزنه وجوعه ، فلما كانت الليلة من اليوم الثالث فلم يؤت بطعامه اشتد جهده وجوعه وحزنه وقل صبره فنادى ربه :

یا رب حبست عني رزقي من قبل أن تقبض روحي، فأوحى الله عز وجل إليه :

يا إدريس جزعت أن حبست عنك طعامك ثلاثة أيام ولياليها ولم تجزع ولم تذكر جوع أهل قريتك وجهدهم منذ عشرين سنة ، ثم سألتك عن جهدهم ورحمتي إياهم أن تسألني أن أمطر السماء عليهم فلم تسألني وبخلت عليهم بمسألتك إياي فأدبتك بالجوع، فقلَّ عند ذلك صبرك وظهر جزعك، فاهبط من موضعك فاطلب المعاش

ص: 52

لنفسك فقد وكلتك في طلبه إلى حيلتك. فهبط إدريس عليه السلام من موضعه إلى قرية يطلب اكلة من جوع فلما دخل القرية نظر إلى دخان في بعض منازلها فأقبل نحوه فهجم على عجوز كبيرة وهي ترقق قرصتين لها على مقلاة ، فقال لها :

أيتها المرأة أطعميني فإني مجهود من الجوع.

فقالت له : يا عبد الله ما تركت لنا دعوة إدريس فضلاً نطعمه أحدا، وحلفت أنها ما تملك غيره شيئاً فاطلب المعاش من غير أهل هذه القرية.

فقال لها : أطعميني ما أمسك به روحي وتحملني به رجلي إلى أن أطلب.

قالت : إنما هما قرصتان واحدة لي والأخرى لأبني فان أطعمتك قوتي مت ، وإن أطعمتك قوت ابني مات، وما ههنا فضل أطعمکه.

فقال لها: إن ابنك صغير يجزيه نصف قرصة فيحيا به ويجزيني النصف الآخر فأحيا به وفي ذلك بلغة لي وله، فأكلت المرأة قرصتها وكسرت الأخرى بين إدريس وبين ابنها ، فلما رأى ابنها إدريس يأكل من قرصته اضطرب حتى مات .

فقالت أمه : يا عبد الله قتلت علي ابني جزعا على قوته.

قال لها إدريس : فأنا أحييه بإذن الله تعالى فلا تجزعي ، ثم أخذ إدريس بعضدي الصبي ، ثم قال : أيتها الروح الخارجة عن بدن هذا الغلام بأمر الله ارجعي إلى بدنه بإذن الله، وأنا إدريس النبي ، فرجعت روح الغلام إليه بإذن الله ، فلما سمعت المرأة كلام إدریس وقوله أنا إدريس ونظرت إلى ابنها قد عاش بعد الموت قالت :

أشهد أنك إدريس النبي وخرجت تنادي بأعلى صوتها في القرية أبشروا بالفرج فقد دخل إدريس قريتكم، ومضى إدريس حتى جلس على موضع مدينة الجبار الأول

ص: 53

فوجدها وهي تل، فاجتمع إليه أناس من أهل قريته فقالوا له :

يا إدريس أما رحمتنا في هذه العشرين سنة التي جهدنا فيها ومسنا الجوع والجهد فيها ، فادع الله لنا أن يمطر السماء علينا.

قال : لا حتى يأتيني جباركم هذا وجميع أهل قريتكم مشاة حفاة فيسألوني ذلك، فبلغ الجبار قوله فبعث إليه أربعين رجلا يأتوه بادریس فأتوه فقالوا له :

إن الجبار بعثنا إليك لنذهب بك إليه ، فدعا عليهم فماتوا، فبلغ الجبار ذلك ، فبعث إليه خمسمائة رجل ليأتوه به فأتوه فقالوا له :

يا إدريس إن الجبار بعثنا إليك لنذهب بك إليه، فقال لهم إدريس : انظروا إلى مصارع أصحابكم فقالوا له:

يا إدريس قتلتنا بالجوع منذ عشرين سنة ثم تريد أن تدعو علينا بالموت أما لك رحمة؟

فقال : ما أنا بذاهب إليه وما أنا بسائل الله أن يمطر السماء عليكم حتى يأتيني جبار کم ماشياً حافياً وأهل قريتكم، فانطلقوا إلى الجبار فأخبروه بقول إدريس وسألوه أن يمضي معهم وجميع أهل قريتهم إلى إدریس مشاة حفاة ، فأتوه حتى وقفوا بين يديه خاضعين له طالبين إليه أن يسأل الله عز وجل لهم أن يمطر السماء عليهم، فقال لهم إدریس :

أما الان فنعم فسأل إدريس ربه عند ذلك أن يمطر السماء عليهم وعلى قريتهم ونواحيها ، فأظلَّتهم سحابة من السماء وأرعدت وأبرقت وهطلت عليهم من ساعتهم حتى ظنوا أنه الغرق، فما رجعوا إلى منازلهم حتى أهمتهم أنفسهم من الماء»(1).

ص: 54


1- كمال الدين وتمام النعمة : ص132
الوجه الثاني: تمحيص الأمة:

أما غيبة نبي الله صالح عليه السلام، فإن الحكمة كانت تقتضي غيبته لغرض تمحيص أمته وأهل زمانه لكي يكون من آمن على بيّنة من أمره في إيمانه، وكفر من كفر على جحود ونكران وعدم يقين.

فعن زيد الشحام ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

«إن صالحاً عليه السلام غاب عن قومه زمانا، وكان يوم غاب عنهم کهلاً مبدح(1) البطن حسن الجسم، وافر اللحية ، خميص البطن خفيف العارضين مجتمعا، ربعة من الرجال فلما

رجع إلى قومه لم يعرفوه بصورته ، فرجع إليهم وهم على ثلاث طبقات : طبقة جاحدة لا ترجع أبدا، وأخرى شاكّة فيه، وأخرى على يقين ، فبدأ عليه السلام حيث رجع بالطبقة الشاكة فقال لهم :

أنا صالح فكذبوه وشتموه وزجروه، وقالوا :

برئ الله منك إن صالحاً كان في غير صورتك ، قال :

فأنا الجحّاد فلم يسمعوا منه القول ونفروا منه أشد النفور، ثم انطلق إلى الطبقة الثالثة، وهم أهل اليقين فقال لهم : أنا صالح.

فقالوا : أخبرنا خبرا لا نشكُّ فيك معه أنك صالح، فإنا لا نمتري أن الله تبارك وتعالی الخالق ينقل ويحول في أي صورة شاء، وقد أخبرنا وتدارسنا فيما بيننا بعلامات القائم إذا جاء، وإنما يصح عندنا إذا أتى الخبر من السماء ، فقال لهم صالح :

ص: 55


1- مبدح البطن : لعل المراد به واسع البطن عظيمه ، وأما خميص البطن أي ضامره والمراد به ما تحت البطن حيث يشد المنطقة فلا منافاة. كمال دین وتمام النعمة : هامش ص136.

أنا صالح الذي أتيتكم بالناقة .

فقالوا: صدقت وهي التي نتدارس فما علامتها ؟

فقال : لها شرب ولكم شرب يوم معلوم.

قالوا: آمنا بالله وبما جئتنا به، فعند ذلك قال الله تبارك وتعالى : (إن صالحاً مرسل من ربه).

فقال أهل اليقين : إنا بما أرسل به مؤمنون.

قال الذين استكبروا (وهم الشكّاك والجحّاد) إنا بالذي آمنتم به کافرون.

قلت : هل كان فيهم ذلك اليوم عالم به ؟

قال : الله أعدل من أن يترك الأرض بلا عالم يدل على الله عز وجل ، ولقد مكث القوم بعد خروج صالح سبعة أيام على فترة لا يعرفون إماما، غير أنهم على ما في أيديهم من دين الله عز وجل، كلمتهم واحدة ، فلما ظهر صالح عليه السلام اجتمعوا عليه. وإنما مَثَلُ القائم عليه السلام مثل صالح»(1).

الوجه الثالث: التقية

وأما وجه الحكمة في غيبة إبراهيم عليه السلام التقّية من القتل وتمويه الطاغوت. وإنما غيبة إبراهيم خليل الرحمن صلوات الله عليه فإنها تشبه غيبة قائمنا صلوات الله عليه، بل هي أعجب منها لأنّ الله عزّ وجل غيّب أثر إبراهيم عليه السلام وهو في بطن أمه حتی حوّله عز وجل بقدرته من بطنها إلى ظهرها، ثم أخفي أمر ولادته إلى وقت

ص: 56


1- نفس المصدر : ص 137

بلوغ الكتاب أجله.

«فعن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

كان أبو إبراهيم عليه السلام منجّما لنمرود بن کنعان، وكان نمرود لا يصدر إلا عن رأيه ، فنظر في النجوم ليلة من الليالي فأصبح فقال :

لقد رأيت في ليلتي هذه عجبا.

فقال له نمرود: وما هو؟.

فقال : رأيت مولوداً يولد في أرضنا هذه فیکون هلاكنا على يديه ، ولا يلبث إلا قليلاً حتى يحمل به، فعجب من ذلك نمرود وقال له :

هل حملت به النساء؟

فقال : لا.

وكان فيما أوتي به من العلم أنه سيحرق بالنار ولم يكن أوتي أن الله تعالی سینجیه.

قال : فحجب النساء عن الرجال، فلم يترك امرأة إلا جعلت بالمدينة حتى لا يخلص إليهن الرجال.

قال : ووقع أبو إبراهيم على امرأته فحملت به وظنَّ أنه صاحبه ، فأرسل إلى نساء من القوابل لا يكون في البطن شيء إلا علمن به ، فنظرن إلى أم إبراهيم، فألزم الله تعالی ذكره ما في الرحم الظهر.

فقلن : ما نرى شيئا في بطنها، فلما وضعت أم إبراهيم به أراد أبوه أن يذهب به إلى نمرود.

ص: 57

فقالت له امرأته : لا تذهب بابنك إلى نمرود فيقتله ، دعني أذهب به إلى بعض الغيران أجعله فيه حتى يأتي عليه أجله ولا يكون أنت تقتل ابنك.

فقال لها : فاذهبي به، فذهبت به إلى غار ثم أرضعته ، ثم جعلت على باب الغار صخرة ، ثم انصرفت عنه ، فجعل الله عز وجل رزقه في إبهامه فجعل يمصها فيشرب لبنا وجعل يشب في اليوم كما يشب غيره في الجمعة ويشب في الجمعة كما يشب غيره في الشهر ويشب في الشهر كما يشب غيره في السنة، فمكث ما شاء الله أن يمكث.

ثم إن أمه قالت لأبيه : لو أذنت لي حتى أذهب إلى ذلك الصبي فأراه فعلت.

قال : فافعلي.

فأتت الغار فإذا هي بإبراهيم عليه السلام وإذا عيناه تزهران كأنهما سراجان، فأخذته وضمته إلى صدرها وأرضعته ثم انصرفت عنه ، فسألها أبوه عن الصبي.

فقالت له : قد واريته في التراب ، فمكثت تعتل وتخرج في الحاجة وتذهب إلى إبراهيم عليه السلام فتضّمه إليها وترضعه ثم تنصرف، فلما تحرك أتته أمه كما كانت تأتيه وصنعت كما كانت تصنع، فلما أرادت الانصراف أخذ بثوبها.

فقالت له : مالك ؟

فقال لها : اذهبي بي معك.

فقالت له : حتى أستأمر أباك .

فلم يزل إبراهيم عليه السلام في الغيبة مخفيا لشخصه ، كاتما لأمره، حتى ظهر فصدع بأمر الله تعالى ذكره وأظهر الله قدرته فيه. ثم غاب عليه السلام الغيبة الثانية، وذلك حين نفاه الطاغوت عن مصر فقال :

ص: 58

«وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا»(1).

قال الله عز وجل:

«فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا»«وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا(2)

يعني به علي بن أبي طالب عليه السلام لأن إبراهيم قد كان دعا الله عز وجل أن يجعل له لسان صدق في الآخرين، فجعل الله تبارك وتعالى له ولإسحاق ويعقوب لسان صدق عليا ، فأخبر علي عليه السلام بأن القائم هو الحادي عشر من ولده وأنه المهدي الذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، وأنه تكون له غيبة وحيرة يضلّ فيها أقوام ويهتدي فيها آخرون، وأن هذا كائن كما أنه مخلوق. وأخبر عليه السلام في حديث کمیل بن زياد النخعي أن الأرض لا تخلوا من قائم بحجة ، إما ظاهر مشهور أو خاف مغمور لئلا تبطل حجج الله وبيناته»(3) .

الوجه الرابع: الاعتبار

ولإبراهيم عليه السلام غيبة أخرى سار فيها في البلاد وحده للاعتبار.

فعن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام قال :

« خرج إبراهيم عليه السلام ذات يوم يسير في البلاد ليعتبر، فمرَّ بفلاة من الأرض فإذا هو برجل قائم يصلي قد قطع إلى السماء صوته ولباسه شعر، فوقف عليه إبراهيم

ص: 59


1- مریم: 48
2- مريم الآيات 49 - 50
3- کتاب کمال الدین وتمام النعمة : ص137

عليه السلام فعجب منه وجلس ينتظر فراغه فلما طال ذلك عليه حرَّكه بيده وقال له :

إن لي حاجة فخفّف.

قال : فخَفّف الرجل وجلس إبراهيم.

فقال له إبراهيم عليه السلام لمن تصلي؟

فقال : لإله إبراهيم. فقال : من إله إبراهيم؟

قال : الذي خلقك وخلقني .

فقال له إبراهيم: لقد أعجبني نحوك، وأنا أحب أن أأخيك في الله عز وجل، فأين منزلك إذا أردت زيارتك ولقاءك؟

فقال له الرجل : منزلي خلف هذه النقطة وأشار بيده إلى البحر وأما مصلاي فهذا الموضع تصيبني فيه إذا أردتني إن شاء الله ، ثم قال الرجل لإبراهيم: ألك حاجة ؟

فقال إبراهيم: نعم.

فقال الرجل : وما هي؟

قال له : تدعو الله وأؤّمن أنا على دعائك أو أدعو أنا وتؤّمن أنت على دعائي؟

فقال له الرجل : وفيم ندعو الله ؟

فقال له إبراهيم: للمذنبين المؤمنين .

فقال الرجل: لا.

ص: 60

فقال إبراهيم : ولم؟

فقال : لأني دعوت الله منذ ثلاث سنين بدعوة لم أر إجابتها إلى الساعة وأنا أستحي من الله عز وجل أن أدعوه بدعوة حتى أعلم أنه قد أجابني.

فقال إبراهيم : وفيما دعوته؟

فقال له الرجل : إني لفي مصلاي هذا ذات يوم إذ مرَّ بي غلام أروع النور يطلع من جبهته ، له ذؤابة من خلفه ، ومعه بقر يسوقها كأنما دهنت دهناً، وغنم يسوقها كأنما دخست دخسا.

قال : فأعجبني ما رأيت منه.

فقلت : يا غلام لمن هذه البقر، والغنم؟

فقال : لي.

فقلت : ومن أنت؟

فقال : أنا إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن عز وجل.

فدعوت الله عز وجل عند ذلك وسألته أن يريني خليله.

فقال له إبراهيم عليه السلام: فأنا إبراهيم خليل الرحمن وذلك الغلام ابني.

فقال له الرجل عند ذلك : الحمد لله رب العالمين الذي أجاب دعوتي.

قال : ثم قبَّل الرجل صفحتي وجه إبراهيم وعانقه ، ثم قال : الآن فنعم أدع حتى أؤمّن على دعائك، فدعا إبراهيم عليه السلام للمؤمنين والمؤمنات المذنبين من يومه ذلك إلى يوم القيامة بالمغفرة والرضا عنهم.

ص: 61

قال : وأمَّن الرجل على دعائه .

قال : فقال أبو جعفر عليه السلام: فدعوة إبراهيم بالغة للمؤمنين المذنبين من شيعتنا إلى يوم القيامة»(1).

الوجه الخامس: البلوى والاختبار:

وأما وجه الحكمة ومقتضاها في غيبة يوسف عليه السلام فهي التمحيص والاختبار الخاص بالمؤمنين ، فإنها كانت عشرين سنة أصاب يعقوب فيها الحزن والأسى، فلم يدهن فيها ولم يكتحل ولم يتطيب ولم يمس النساء حتى جمع الله ليعقوب شمله وجمع بين يوسف وإخوته وأبيه وخالته، كان منها ثلاثة أيام في الجب ، وفي السجن بضع سنين، وفي الملك باقي سنه.

وكان هو بمصر ويعقوب بفلسطين ، وكان بينهما مسيرة تسعة أيام، فاختلفت عليه الأحوال في غيبته من إجماع إخوته على قتله ثم إلقائهم إياه في غيابة الجب، ثم بيعهم إياه بثمن بخس دراهم معدودة ، ثم بلواه بفتنة امرأة العزيز، ثم بالسجن بضع سنين ، ثم صار إليه بعد ذلك ملك مصر، وجمع الله تعالى ذكره وشمله وأراه تأويل رؤياه.

وكان يعقوب عليه السلام يعلم أنّ يوسف عليه السلام حي لم يمت وأن الله تعالی سيظهره له بعد غيبته وكان يقول لبنيه :

«قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ»(2).

وكان أهله وأقرباؤه يفندونه على ذكره ليوسف حتى أنه لما وجد ريح يوسف قال :

ص: 62


1- نفس المصدر : ص 141
2- يوسف: 86

«إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ»(1).

پفلما أن جاء البشير (وهو يهودا ابنه وألقى قميص يوسف) على وجهه فارتد بصيراً ،

«قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ»(2).

عن المفضّل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام قال سمعته يقول :

«أتدري ما كان قميص يوسف عليه السلام؟

قال : قلت : لا.

قال : إن إبراهيم عليه السلام لما أوقدت له النار أتاه جبرئیل علیه السلام بثوب من ثياب الجنة فألبسه إياه، فلم يضره معه حر ولا برد، فلما حضر إبراهيم الموت جعله في تميمة وعلقه على إسحاق، وعلقه إسحاق على يعقوب ، فلما ولد يوسف عليه السلام علقه عليه ، فكان في عضده حتى كان من أمره ما كان، فلما أخرجه يوسف بمصر من التميمة وجد يعقوب ريحه وهو قوله : «إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ»، فهو ذلك القميص الذي أنزله الله من الجنة .

قلت : جعلت فداك فإلى من صار ذلك القميص؟

قال : إلى أهله.

ثم قال : كل نبي ورث علماً أو غيره فقد انتهى إلى آل محمد صلی الله عليه وآله»(3).

ص: 63


1- يوسف: 94
2- يوسف: 96
3- الكافي : ج 1 ص 232

فروي أن القائم عليه السلام إذا خرج يكون عليه قميص يوسف، ومعه عصا موسی، وخاتم سليمان عليهم السلام(1).

الوجه السادس: الصبر على طول المحنة وانتظار الفرج

وأما وجه الحكمة في غيبة موسى عليه السلام أنه كان يقتضي أن يبتلى به أهل زمانه لكي يعرفوا نعمة الله تعالى عليه بعد طول المحنة وشدة البلاء وأنّ في الفزع إلى الله عزّ وجل الفرج والخير الكثير، وكأنّ ظاهر الحال هكذا بهذه الصورة أو ما شابه مما يبتلي به الله سبحانه العباد.

فعن سعيد بن جبير، عن سيد العابدين علي بن الحسين ، عن أبيه سيد الشهداء الحسين بن علي ، عن أبيه سيد الوصيين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

«لما حضرت یوسف عليه السلام الوفاة جمع شیعته وأهل بيته، فحمد الله وأثنی عليه ثم حدثهم بشدة تنالهم، يقتل فيها الرجال وتشق بطون الحبالی وتذبح الأطفال حتى يظهر الله الحق في القائم من ولد لاوي بن يعقوب ، وهو رجل أسمر طويل، ونعته لهم بنعته، فتمسكوا بذلك، ووقعت الغيبة والشدة على بني إسرائيل وهم منتظرون قیام القائم أربع مائة سنة، حتى إذا بشروا بولادته ورأوا علامات ظهوره واشتدت عليهم البلوى ، وحمل عليهم بالخشب والحجارة، وطلب الفقيه الذي كانوا يستريحون إلى أحاديثه فاستتر، وراسلوه فقالوا: كنا مع الشدة نستريح إلى حديثك، فخرج بهم إلى بعض الصحاري وجلس يحدثهم حديث القائم ونعته وقرب الامر، وكانت ليلة قمراء ، فبيناهم كذلك إذ طلع عليهم موسى عليه السلام وكان في ذلك الوقت حديث السن،

ص: 64


1- كتاب كمال الدين و تمام النعمة : ص 145

وقد خرج من دار فرعون ظهراً للنزهة فعدل عن موكبه وأقبل إليهم وتحته بغلة وعليه طيلسان خز، فلما رآه الفقيه عرفه بالنعت فقام إليه وانكب على قدميه فقبلهما، ثم قال :

الحمد لله الذي لم يمتني حتى أرانيك ، فلما رأي الشيعة ذلك علموا أنه صاحبهم فأكبوا على الأرض شكرا لله عز وجل ، فلم يزدهم على أن قال :

أرجو أن يعجل الله فرجكم، ثم غاب بعد ذلك، وخرج إلى مدينة مدين فأقام عند شعیب ما أقام، فكانت الغيبة الثانية أشد عليهم من الأولى وكانت نيفا وخمسين سنة واشتدت البلوى عليهم واستتر الفقيه فبعثوا إليه أنه لا صبر لنا على استتارك عنا، فخرج إلى بعض الصحاري واستدعاهم وطيّب نفوسهم وأعلمهم أن الله عز وجل أوحى إليه أنه مفرج عنهم بعد أربعين سنة ، فقالوا بأجمعهم:

الحمد لله، فأوحا الله عز وجل إليه قل لهم :

قد جعلتها ثلاثين سنة لقولهم (الحمد لله).

فقالوا: كل نعمة فمن الله.

فأوحى الله إليه قل لهم : قد جعلتها عشرين سنة .

فقالوا: لا يأتي بالخير إلا الله.

فأوحى الله إليه قل لهم : قد جعلتها عشراً.

فقالوا: لا يصرف السوء إلا الله .

فأوحى الله إليه قل لهم : لا تبرحوا فقد أذنت لكم في فرجكم، فبينا هم كذلك إذ

ص: 65

طلع موسى عليه السلام راكبا حماراً، فأراد الفقيه أن يعرف الشيعة ما يستبصرون به فيه، وجاء موسى حتى وقف عليهم فسلم عليهم.

فقال له الفقيه : ما اسمك؟

فقال : موسی.

قال : ابن من؟

قال : ابن عمران.

قال : ابن من؟

قال : ابن قاهت بن لاوي بن يعقوب.

قال : بماذا جئت؟

قال : جئت بالرسالة من عند الله عز وجل.

فقام إليه فقبل يده، ثم جلس بينهم فطيب نفوسهم وأمرهم أمره ثم فرقهم، فكان ين ذلك الوقت وبين فرجهم بغرق فرعون أربعون سنة»(1) .

وعن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول :

«في القائم عليه السلام سنة من موسی بن عمران علیه السلام» .

فقلت: وما سنَّته من موسی بن عمران؟

«قال : خفاء مولده، وغيبته عن قومه».

ص: 66


1- المصدر نفسه : ص 145

فقلت : وكم غاب موسی عن أهله وقومه؟

«فقال : ثماني وعشرين سنة»(1) .

وروي كذلك عن إبراهيم بن محمد بن الحنفية ، عن أبيه محمد ، عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله:

« المهدي منا أهل البيت ، يصلح الله له أمره في ليلة. وفي رواية أخرى يصلحه الله في ليلة»(2).

الوجه السابع: فرض الولاية

ومن غيبة موسى يتضح وجه آخر أن بني إسرائيل أمتحنهم الله تعالی بفريضة الولاية وما نجا منهم إلا قليل وذلك عند غيبة موسی وذهابه إلى الميقات واستخلاف أخيه هارون مقامه وبين ذلك تعالى بقوله :

«وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ»(3).

وكذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام :

« أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي»(4).

وعن أبي خالد الكابلي، قال : قيل لسيد العابدين علي بن الحسين عليه السلام : إن

ص: 67


1- کمال الدین وتمام النعمة : ص152
2- المصدر نفسه
3- الأعراف : 142
4- المصدر السابق نفسه

الناس يقولون : إن خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان ، ثم علي عليه السلام، قال :

« فما يصنعون بخبر رواه سعيد بن المسيب، عن سعد بن أبي وقاص، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعلي عليه السلام: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ؟ فمن كان في زمن موسی مثل هارون؟»(1).

فهذا القول يدل على أن منزلة علي عليه السلام، منه في جميع أحواله بمنزلة هارون من موسى في جميع أحواله إلا ما خصه به الاستثناء الذي في الخبر نفسه.

فمن منازل هارون من موسی :

1- أنه كان أخاه ولادة، والعقل يخص هذه ويمنع أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم عناها بقوله لأن علياً لم يكن أخاً له ولادة.

2 - ومن منازل هارون من موسى أنه كان نبيا معه، واستثناء النبي يمنع من أن يكون علي عليه السلام نبياً.

3- ولهارون من موسی منازل أيضاً ظاهرة وباطنة، فمن الظاهرة أنه كان أفضل أهل زمانه وأحبهم إليه وأخصهم به وأوثقهم في نفسه، وأنه كان يخلفه على قومه إذا غاب موسى عليه السلام عنهم، وأنه كان بابه في العلم، وأنه لو مات موسى وهارون حي، كان هو خليفته بعد وفاته، والخبر يوجب أن تكون هذه الخصال كلها لعلّي من النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

4 - وما كان من منازل هارون من موسی با طناً وجب أن الذي لم يخصّه العقل منها كما خصّ أخوة الولادة فهو لعلي عليه السلام من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإن

ص: 68


1- الهداية : ص 158

لم نحط به علماً، لأنّ الخبر يوجب ذلك وليس لقائل أن يقول : أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنی بعض هذه المنازل دون البعض، فيلزمه أن يقال : عنى البعض الآخر دون ما ذكرته فيبطل جميعا حينئذ، ويكون الكلام هذرا والنبي لا يهذر في قوله لأنه إنما كلّمنا ليفهمنا ويعلمنا صلى الله عليه وآله ، فلو جاز أن يكون عنى بعض منازل هارون من موسی دون بعض ولم يكن في الخبر تخصيص ذلك لم يكن أفهمنا بقوله قليلاً ولا كثيراً، ولما لم يكن ذلك وجب أنه عنی کل منزلةٍ كانت لهارون من موسی ممالم يخصه العقل ولا الاستثناء في الخبر نفسه وإذا وجب ذلك فقد ثبتت الدلالة على أن علياً عليه السلام أفضل أصحاب رسول الله وأعلمهم وأحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأوثقهم في نفسه ، وأنه يجب له أن يخلفه على قومه إذا غاب عنهم غيبة سفر أو غيبة موت، لأن ذلك كله كان في شرط هارون ومنزلته من موسی.

فإن قال قائل: إن هارون مات قبل موسى ولم يكن إماماً بعده فكيف قيس أمر علي عليه السلام على أمر هارون بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «هو مني بمنزلة هارون من موسى»؟ وعلي عليه السلام قد بقي بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

قيل له : نحن إنما قسنا أمر علي على أمر هارون بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : هو مني بمنزلة هارون من موسی، فلمّا كانت هذه المنزلة لعلي عليه السلام وبقي علي فوجب أن يخلف النبي في قومه بعد وفاته. ومثال ذلك ما أنا ذاكره إن شاء الله : لو أنّ الخليفة قال لوزيره: (لزيد عليك في كل يوم يلقاك فيه دينار، ولعمرو عليك مثل ما شرطته لزيد) فقد وجب لعمرو مثل ما لزيد، فإذا جاء زيد إلى الوزير ثلاثة أيام فأخذ ثلاثة دنانير، ثم انقطع ولم يأته وأتي عمرو الوزير ثلاثة أيام فقبض ثلاثة دنانير، فلعمرو أن يأتي يوماً رابعاً وخامساً وأبداً وسرمداً ما بقي عمرو.

ص: 69

وعلى هذا الوزير ما بقي عمرو أن يعطيه في كل يوم أتاه دیناراً، وإن كان زيد لم يقبض إلا ثلاثة أيام، وليس للوزير أن يقول لعمرو: لا أعطيك إلا مثل ما قبض زيد. لأنه كان في شرط زید أنه كلما أتاك فأعطه دینار ولو أتی زید لقبض وفعل هذا الشرط العمرو وقد أتی فواجب أن يقبض.

فكذلك إذا كان في شرط هارون الوصي أن يخلف موسى عليه السلام على قومه، ومثل ذلك لعلي فبقي علي عليه السلام على قومه، ومثل ذلك لعلي عليه السلام فواجب أن يخلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قومه نظير ما مثلناه في زيد وعمرو، وهذا ما لا بد منه ما أعطى القياس حقه.

فإن قال قائل : لم يكن لهارون لو مات موسى أن يخلفه على قومه .

قيل له : بأي شيء ينفصل من قول قائل قال لك : إنه لم يكن هارون أفضل أهل زمانه بعد موسى ولا أوثقهم في نفسه ولا نائبه في العلم؟ فإنه لا يجد فصلاً لأن هذه المنازل لهارون من موسی علیه السلام مشهورة ، فإن جحد جاحد واحدة منها لزمه جحود كلها.

فإن قال قائل: إنّ هذه المنزلة التي جعلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام إنما جعلها في حياته.

قيل له : نحن ندلك بدليل واضح على أنّ الذي جعلها النبي لعلي عليهما السلام بقوله : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي»، إنما جعله له بعد وفاته، لا معه في حياته فتفهم ذلك إن شاء الله .

ومما يدل عليه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

ص: 70

«أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي»

معنيان : أحدهما : إيجاب فضيلةً ومنزلةً لعلي عليه السلام منه، والآخر نفي لأن يكون نبياً بعده. ووجدنا نفيه أن يكون علي عليه السلام نبياً بعده دليلاً على أنه لو لم ينف ذلك لجاز لمتوهّم أن يتوهّم أنه نبي بعده، لأنه قال فيه: «أنت مني بمنزلة هارون من موسی» ، وقد كان هارون نبياً فلما كان نفي النبوة لا بد منه وجب أن يكون نفيها عن علي عليه السلام في الوقت الذي جعل الفضيلة والمنزلة له فيه، لأنه من أجل الفضيلة والمنزلة ما احتاج صلی الله عليه وآله وسلم أن ينفي أن يكون علي عليه السلام نبياً، لأنه لو لم يقل له : «إنه مني بمنزلة هارون من موسى» لم يحتج إلى أن يقول: «إلا أنه لا نبي بعدي»، فلما كان نفيه النبوة إنما كان هو لعلة الفضيلة والمنزلة التي توجب النبوة وجب أن يكون نفي النبوة عن علي عليه السلام في الوقت الذي جعل الفضيلة له فيه مما جعل له من منزلة هارون.

ولو كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما نفى النبوة والوقت الذي بعده عند مخالفينا لم يجعل لعلي فيه منزلة توجب له نبوة لأن ذلك من لغو الكلام، ولأن استثناء النبوة إنما وقع بعد الوفاة، والمنزلة التي توجب النبوة في حال الحياة التي لم ينفِ النبوة فيها، فلو كان استثناء النبوة بعد الوفاة مع وجوب الفضيلة والمنزلة في حال الحياة لوجب أن يكون نبياً في حياته ففسد ذلك ووجب أن يكون استثناء النبوة إنما يكون هو في الوقت الذي جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام المنزلة فيه لئلا يستحق النبوة مع ما استحقه من الفضيلة والمنزلة.

ومما يزيد ذلك بيانًا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لو قال : «علي مني بعد وفاتي بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي معي في حياتي» لوجب بهذا القول أن لا يمتنع

ص: 71

على إنما يكون نبياً بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه إنما منعه ذلك في حياته وأوجب له أن يكون نبياً بعد وفاته لأن إحدى منازل هارون أن كان نبياً ، فلما كان ذلك كذلك وجب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما نفى أن يكون علي نبياً في الوقت الذي جعل له فيه الفضيلة، لأنَّ بسببها ما احتاج إلى نفي النبوة، وإذا وجب أن المنزلة هي في النبوة وجب أنها بعد الوفاة لأن نفي النبوة بعد الوفاة، وإذا وجب أن علياً عليه السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمنزلة هارون من موسى في حياة موسی فقد وجبت له الخلافة على المسلمين وفرض الطاعة، وأنه أعلمهم وأفضلهم، لأن هذه كانت منازل هارون من موسى في حياة موسی.

فإن قال قائل : لعل قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «بعدي» إنما أراد به بعد نبوتي ولم يرد بعد وفاتي .

قيل له : لو جاز ذلك لجاز أن يكون كل خبر رواه المسلمون من أنه لا نبي بعد محمد صلی الله عليه وآله وسلم أنه إنما هو لا نبي بعد نبوّته وأنه قد يجوز أن يكون بعد وفاته أنبياء.

فإن قال : قد اتفق المسلمون على أن معنى قوله : «لا نبي بعدي» هو أنه لا نبي بعد وفاتي إلى يوم القيامة . فكذلك يقال له في كل خبر وأثر يومي فيه أنه لا نبي بعده. فإن قال : إنّ قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أنت مني بمنزلة هارون من موسی» إنما كان حيث خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى غزوة تبوك فاستخلف علياً عليه السلام، فقال : يا رسول الله تخلفني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

«ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسی؟»

قيل : هذا غلط في النظر لأنك لا تروي خبراً تخصص به معنی الخبر المجمع عليه إلا

ص: 72

وروينا بإزائه ما ينقضه ويخصص الخبر المجمع عليه على المعنى الذي ندعيه دون ما تذهب إليه ولا يكون لك ولا لنا في ذلك حجة لأن الخبرين مخصوصان ويبقى الخبر على عمومه ويكون دلالته وما يوجبه وروده عموماً لنا دونك. لأنا نروي بإزاء ما رويته أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جمع المسلمين وقال لهم :

«وقد استخلفت علياً عليكم بعد وفاتي وقلدته أمركم وذلك بوحي من الله إلي فيه».

ثم قال له بعقب هذا القول مؤكداً له:

«أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي» .

فيكون هذا القول بعد ذلك الشرح بيّناً مقاوماً لخبركم المخصوص ويبقى الخبر الذي أجمعنا عليه وعلى نقله من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي عليه السلام: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي» بحاله يتكلم في معناه على ما تحتمله اللغة والمشهور من التفاهم وهو ما تكلمنا فيه وشرحناه. وألزمنا به أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد نص على إمامة علي عليه السلام بعد وفاته وأنه استخلفه وفرض طاعته والحمد لله رب العالمين على نهج الحق المبين(1).

وكان لسنَّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الدور الفعال في إظهار کل علم وبيانه للناس جيلاً بعد جيل، وما ذلك في الواقع العلمي والعملي الوثيق إلا بفضل مولانا علي بن أبي طالب وسيدة النساء فاطمة الزهراء وأبنائهما الأحد عشر حيث أنهم عدل الكتاب ومبينو السنن، فهذا أمير المؤمنين كتب ما أملى عليه رسول الله صلى الله عليه

ص: 73


1- کتاب الهداية : ص158، مقدمة لجنة التحقيق والمناقشة للشيخ الصدوق رحمه الله تعالى ؛ وكذلك اورده الشيخ الصدوق في معاني الاخبار ص 72

وآله وسلم في حقول الحلال والحرام والعزائم والرخص عندما قال له رسول الله :

«يا علي، أكتب ما أملي عليك».

قلت يا رسول الله أتخاف علىَّ النسيان؟

قال صلى الله عليه وآله وسلم :

«لا وقد دعوت الله عزّ وجل أن يجعلك حافظاً ولكن أكتب لشركائك الأئمة من ولدك بهم تسقى أمتي الغيث وبهم يستجاب دعاؤهم و بهم يصرف الله عن الناس البلاء وبهم تنزل الرحمة من السماء وهذا أولهم».

وأشار إلى الحسن بن علي المجتبى عليهما السلام. ثم قال :

«وهذا ثانيهم».

وأشار إلى أخيه الحسين عليه السلام قال :

« والأئمة من ولده»(1).

والمراد التسعة المعصومين من ولد الامام الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السلام.

وقد ورث هذا الكتاب أئمة أهل البيت عليهم السلام واحداً بعد واحد فيصدرون عنه ، وهذا هو العذافر الصيرفي ، قال : كنت مع الحكم بن عتيبة عند أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام، فكان يسأله وكان أبو جعفر الباقر عليه السلام له مکرماً ، فاختلفا في شيء، فقال أبو جعفر الباقر عليه السلام :

ص: 74


1- ينابيع المودة : ص20

«هذا خط علي عليه السلام وإملاء رسول الله صلى الله عليه وآله».

وأقبل على الحكم، وقال : يا أبا محمد أذهب أنت وسلمة وأبو المقداد حيث شئتم يمينا وشمالا فوالله لا تجدون العلم أوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم جبرئیل(1).

ومن خلال ذلك وعد الله عزّ جل كبرياؤه وعظم ثناؤه: تحقيق حلم الأنبياء، ولن يخلف الله تعالی وعده، وحيث أنّ رسالات الأنبياء لم يتسنّ لها الانتشار الكامل أو حرَّفت من بعد موتهم كما هو حال أغلب الأنبياء بل هو حالهم جميعاً، بدليل أن الله تعالی کان يجدد بعثة الأنبياء، على مر الزمان، لما كان يجري في الأرض من الظلم والفساد، وكان سبحانه قد وعدهم بالنصر، ومن نصره تصديق المؤمنين لهم والمؤازرة ، ومن نصره أن يُظهر لهم في آخر الزمان حجة بكامل دينه عز وجل وتمام عدله وجميع شرائعه وسنن أنبيائه ، وفي ذلك قوله تعالی :

«إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ»«يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ»(2)

ومما سيجعله الله تعالى لأنبيائه من النصر حركة مصادیق آيات القرآن الكريم، والتي تمتلك أعظم قوة في ما لم يستطع البشر حركته أو التصرف فيه وهذا من انتصار من الله تعالی لحججه وانبيائه، وما نراه في قوله لتام الوضوح:

«وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ

ص: 75


1- رجال النجاشي: الرجال، ج2، ص260 برقم / 967 ذكره في ترجمة محمد بن عذافر الصيرفي
2- غافر: 51 - 52

تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ»(1) .

ويظهر من ثمرة نصره سبحانه وتعالى خلافة الأرض كما بيّن عز وجل :

«وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ»(2)

و من نتائج النصر الالهی دحر الظالمین و غلبة المؤمنین من بعد :

«غُلِبَتِ الرُّومُ»«فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ»«فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ»

«بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ»«وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ»(3)

وإنّ من الكافرين والملحدين التكذيب ، فإن لله سبحانه أمراً يرجعه إليه، به يثبت تصديق الأنبياء في ما كانوا يدعون إليه من خلال حجةً لله ظاهرة مشهورة يثبت بها كل حق ويزهق كل باطل:

«وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ»«يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ»(4)

ص: 76


1- الرعد: 31
2- النور: 55
3- الروم : من 2- 6
4- فاطر : 4 - 5

ومما وعد به جل ثناؤه ، جعل رجال أشداء مع محمد صلى الله عليه وآله وسلم، سدّدهم بالعصمة وأيدهم بالنصرة أولهم أخاه وأبن عمه وحامل لوائه، علي بن ابي طالب ، وأولاده الأحد عشر خاتمهم مهديهم، صلوات الله تعالى عليهم أجمعين :

«مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا»(1)

وهذا جزاء عملهم وحملهم أعباء الرسالة وشدة التبليغ ومواجهة أهل البدع والتزييف وحمل هدي النبي صلى الله عليه وآله والسير بسيرته حتى يظهر الله تعالی دینه على الدين كله مع كره الكافرين والمشركين، وللإيمان بقضية الإمام المهدي المنتظر وأخذ الاستعداد لها ما بين الصبر وانتظار الفرج والتمسك بدين الله عز وجل وسنَّة نبيه وللوقوف والمساندة جزاء في الآخرة أوضحه سبحانه وتعالى بقوله :

«وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًاَ»(2)

وقوله تعالی :

«وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ»(3)

ص: 77


1- الفتح : 29
2- النساء : 122
3- المائدة : 9

وكان للسنَّة النبوية التي تبتني على محاور ثلاثة : قول المعصوم، وفعله، وتقريره، وهو بمعنى إقراره، وامضائه، وأذنه، عناية بتصدير ما في الكتاب العزيز من بيان يحمل الدلالة اللفظية لظاهر عموم الكتاب باعتبار أن ظواهره كلها باختلاف مبانيها حجة على القاصي والداني وعلى العالم والجاهل، وهذا الاعتناء تكفلت به السنة النبوية لبيان مضامين ومصاديق الآيات بلسان المعصوم الذي جعله الله تعالى حجة على جميع الورى، ولم يكن هذا الاعتناء مقتصراً على جانب دون آخر، أو في قضية دون أخرى بل عالج وراعی القضايا والمطالب والمسائل جميعها، والتي نحن في صدد بيانها ولو على نحو الإجمال، قضية ظهور الإمام المهدي المنتظر، وعلاماته، وبعض ملامح دولته المباركة.

ومن هنا نلحظ دور المعصوم في بيان ما يستحق ويجب بيانه ، الذي هو وحي يوحى ولم يكن في زمان أو مكان نطق عن هوى،

ومع محاولات التعتيم كان النصر حليف أهل بيت العلم ومنار الحلم كما يقول الشيخ الصدوق : كان المأمون يجلب على الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام من متكلمي الفرق والأهواء المضّلة كل من سمع به حرصاً على انقطاع الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام عن الحجة مع واحد منهم، وذلك حسداً منه له ولمنزلته العلمية.

فكان عليه السلام لا يكلم أحداً إلا أقرّ له بالفضل والتزم الحجة له عليه، لأن الله تعالى ذكره أبى إلا أن يعلي كلمته ويتم نوره وينصر حجته، وهكذا وعد تبارك وتعالی في كتابه فقال :

«إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ»(1) .

ص: 78


1- غافر: 51

يعني بالذين آمنوا : (الأئمة الهداة عليهم السلام وأتباعهم والعارفين بهم والآخذين عنهم، ينصرهم بالحجة على مخالفيهم ما داموا في الدنيا ، وكذلك يفعل بهم في الآخرة ، وإن الله لا يخلف وعده)(1).

وعن جميل بن دراج عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق عله السلام قال : قلت له قول الله عز وجل :

«إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ».

قال عليه السلام :

«ذلك والله في الرجعة أما علمت أن أنبياء الله كثيراً لم ينصروا في الدنيا وقتلوا وأئمة قد قتلوا ولم ينصروا فذلك في الرجعة».

قلت :«وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ»«يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ»(2)

«قال هي الرجعة»(3).

أقول وإن لم نكن بصدد الكلام عن الرجعة وأسانيدها ومضامينها إلا أنّ السياق يقتضي الإشارة إلى أنّ الرجعة هي غير البعثة، والبعثة أو البعث هو النشر للأجساد من القبور ومن ثم إلى الحشر الأكبر؛ بينما الرجعة هي رجعة النبي وأهل بيته قبل يوم القيامة الكبرى ، ومنهم دابة الأرض التي تكلم الناس، وفيها قول الله تعالی :

ص: 79


1- کتاب التوحيد: ص 454
2- ق 41 - 42
3- مختصر بصائر الدرجات : ص 19

«وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ»(1)

والدّابة كل ما يدبُ على الأرض من إنسان أو حيوان، وظاهر النص يكفي لنيل الإيضاح، أنّ الدابة التي تكلم الناس هي من جنسهم،

ولا يمكن أن تكون من جنس الحيوان لأنها من العجماوات التي تفتقد القدرة على بيان لسان البشر، فلا يبقى إلا القول بأنّ الدابة هي مما يدب على الأرض من جنس البشر فضلاً عن كثير من النصوص النبوية المصرحة بأنّ دابة الأرض هو الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وهذا التقدير من الله تعالى لنصرة دينه وسنة نبيه ؛ وقول الشيخ المفيد رضوان الله تعالى عليه في النصر والخذلان، يغني المطلب بالإيضاح إذ يقول : إنّ النصر من الله تعالی يكون على ضربين : أحدهما إقامة الحجة وإيضاح البرهان على قول الحق، وذلك أوكد الألطاف في الدعاء إلى اتباع المحق، وهو النصر الحقيقي ، قال الله تعالی :

«إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ»(2) .

وقال جل اسمه:

«كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ»(3) .

فالغلبة هنا بالحجة خاصة وما يكون من الانتصار في العاقبة لوجود كثير من رسله قد قهرهم الظالمون وسفك دماءهم المبطلون.

ص: 80


1- النمل: 82
2- غافر: 51
3- المجادلة : 21

والضرب الثاني تثبیت نفوس المؤمنين في الحروب وعند لقاء الخصوم وإنزال السكينة عليهم، وتوهين أمر أعدائهم، وإلقاء الرعب في قلوبهم، وإلزام الخوف والجزع أنفسهم، ومنه الإمداد بالملائكة وغيرهم من الناصرين بما يبعثهم إليه من ألطافه وأسباب توفیقاته على ما اقتضته العقول ودلَّ عليه الكتاب المسطور.

والخذلان أيضاً على ضربين(1)، كل واحد منهما نقيض ضده من النصر وعلى خلافه خلافه في الحكمة.

وهذا مذهب أهل العدل كافة من الشيعة والمعتزلة والمرجئة والخوارج والزيدية ، والجبرية بأجمعهم على خلافه، لأنهم يزعمون أنّ النصر هو قوة المنصور والخذلان هو استطاعة العاصي المخذول، وإن كان لهم بعد ذلك فيها تفصيل(2) وأنّ الله تعالی حق بوراثة الأرض وما فيها وما عليها، وله أن يورثها من يشاء من عباده الصالحين، وقد سبق النص عليه في ملة الاسلام من نبي الهدی صلی الله عليه وآله وسلم، ثم من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام، ونص عليه الأئمة عليهم السلام واحداّ بعد واحد إلى أبيه الحسن بن علي الملقب بالعسكري عليهما السلام، ونص أبوه عليه عند ثقاته وخاصة شيعته وكان الخبر بغيبته ثابتاً قبل وجوده ، وبدولته مستفيضاً قبل غيبته، صاحب السيف من أئمة الهدى عليهم السلام، والقائم بالحق، المنتظر لدولة الإيمان، وله قبل قيامه غیبتان، إحداهما أطول من الأخرى ، كما جاءت بذلك الأخبار، فأما القصرى منهما فمنذ وقت مولده إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته وانعدام، زوال رحيل السفراء بالوفاة. وأما الطولى فهي بعد الأولى وفي آخرها يقوم بالسيف، ولها قال

ص: 81


1- اوائل المقالات : ص116
2- المصدر نفسه : ص116

الله تعالی :

«وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ»«وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ»(1)

وقال عز وجل:

«وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ»(2)

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله :

«لن تنقضي الأيام والليالي حتى يبعث الله رجلا من أهل بيتي ، يواطئ اسمه اسمي ، يملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً»(3).

وقال عليه السلام:

«لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوَّل الله ذلك اليوم حتى يبعث الله فيه رجلاً من ولدي ، يواطئ اسمه اسمي ، يملؤها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً»(4).

والعقل السليم يحكم بما لا شك فيه ولا ارتياب، أن الإمام الحسن العسكري عندما نص على ابنه ، الملقب بالمهدي والحجة المنتظر صلوات الله تعالى عليه لم يكن قد أنفرد

ص: 82


1- القصص: 5- 6
2- الأنبياء : 105
3- ورد جانب من الخبر في مسند أحمد: ج1، ص376، وتاريخ بغداد: ج4، ص 388، ونقله ابن الصباغ في الفصول المهمة : ص 291
4- سنن أبي داود: ج4، ص106 رقم الحدیث 4282، سنن الترمذي : ج4، ص505، رقم الحديث 2231، غيبة الشيخ الطوسي: 180 /140

بهذا النص، فسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم المتقدمة في أوصيائه وخلفائه لهذه الأمة بدأت بنص النبي صلى الله عليه وآله على أمير المؤمنين عليه السلام

وهو بدوره نصَّ على ولده الحسن المجتبی.

وهو بدوره نصَّ على أخيه الحسين الشهيد.

وهو بدوره نصَّ على ولده علي بن الحسين بن علي الملقب بزین العابدین .

وهو بدوره نصَّ على ولده محمد بن علي الملقب بالباقر.

وهو بدوره نصَّ على ولده جعفر بن محمد الملقب بالصادق.

وهو بدوره نصَّ على ولده موسی بن جعفر الملقب بالكاظم .

وهو بدوره نصَّ على ولده علي بن موسي الملقب بالرضا.

وهو بدوره نصَّ على ولده محمد بن علي الملقب بالجواد.

وهو بدوره نصَّ على ولده علي بن محمد الملقب بالهادي.

وهو بدوره نصَّ على ولده الحسن بن علي الملقب بالعسكري.

وهو بدوره نصَّ على ولده محمد بن الحسن الملقب بالحجة المهدي المنتظر صلوات الله تعالى عليهم أجمعين.

وهذا ما يسمى بالتواتر أو ما يعرف بالنص والإشارة، وعلاوة على ذلك فإنّ ما ظهر من الدلائل على إمامة المهدي المنتظر لَكثير، والجدير منها بالذكر ما رواه أبو القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب الكليني ، عن علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال :

ص: 83

«إن الله عز اسمه أرسل محمداً صلى الله عليه وآله إلى الجن والإنس، وجعل من بعده اثني عشر وصياً ، منهم من سبق ومنهم من بقي، وكل وصي جرت به سنة ، فالأوصياء الذين من بعد محمد عليه وعليهم السلام على سنة أوصياء عيسی عليه السلام وكانوا اثني عشر، وكان أمير المؤمنين عليه السلام على سنة(1) المسيح عليه السلام»(2).

وكذلك عن الحسن بن عباس ، عن أبي جعفر الثاني، عن آبائه، عن أمير المؤمنين

ص: 84


1- المراد بسنة المسيح نهجه في اتخاذ أوصياء من بعده ، كما اتخذ عيسى ابن مريم أوصياء من بعده هم لحواريون أنصار الله الذين ذكرهم ا الله تعالى في محكم كتابه : «فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ» آل عمران: 52
2- الإرشاد: للشيخ المفيد، ج2 ص345؛ والكافي : ج1، ص447 ، إكمال الدين : ص326، الخصال : ص 478 ، عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج 1، ص55، الغيبة للطوسي: ص 151/141 ، إعلام الوری : ص 399، وللشيخ المفيد إطراء لإثبات إمامة الإمام المهدي حفي بالذكر ومنه: فمن الدلائل على ذلك ما يقتضيه العقل بالاستدلال الصحيح، من وجود امام معصوم کامل غني عن رعاياه في الأحكام والعلوم في كل زمان، لاستحالة خلو المكلفين من سلطان يكونون بوجوده أقرب إلى الصلاح وأبعد من الفساد، وحاجة الكل من ذوي النقصان إلى مؤدب للجناة، مقوم للعصاة، رادع للغواة، معلم للجهال، منبه للغافلين ، محذر من الضلال، مقيم للحدود، منفذ للأحکام، فاصل بين أهل الاختلاف، ناصب للأمراء ، ساد للثغور، حافظ للأموال، حام عن بيضة الاسلام، جامع للناس في الجمعات والأعياد. وقيام الأدلة على أنه معصوم من الزلات لغناه عن الإمام بالاتفاق ، بمعنى انه مستغني عن اي امام غيره من أئمة الظلم والجور واقتضاء ذلك له العصمة بلا ارتياب، ووجوب النص على من هذه سبيله من الأنام، أو ظهور المعجز عليه، لتميزه ممن سواه، وعدم هذه الصفات من كل أحد سوى من أثبت إمامته أصحاب الحسن بن علي عليهما السلام وهو ابنه المهدي ، على ما بيناه. وهذا أصل لن يحتاج معه في الإمامة إلى رواية النصوص وتعداد ما جاء فيها من الأخبار، لقيامه بنفسه في قضية العقول وصحته بثابت الاستدلال ثم قد جاءت روايات في النص على ابن الحسن عليه السلام من طرق ينقطع بها الأعذار، الإرشاد للمفيد للشيخ المفيد: ج2، ص346.

عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله لأصحابه :

«آمنوا بليلة القدر، فإنه ينزل فيها أمر السَنَة ، وإن لذلك ولاة من بعدي علي بن أبي طالب وأحد عشر من ولده»(1) .

وبهذا الإسناد قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام لابن عباس :

«إن ليلة القدر في كل سنة، وإنه ينزل في تلك الليلة أمر السَنَة، ولذلك الأمر ولاة من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله».

فقال له ابن عباس : من هم؟

« قال : أنا وأحد عشر من ولدي أئمة محدثون»(2).

ومثله وعن محمد بن الحسين ، عن ابن محبوب ، عن أبي الجارود، عن أبي جعفرمحمد بن علي عليهما السلام، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال :

(دخلت على فاطمة بنت رسول الله عليهما السلام وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء والأئمة من ولدها ، فعددت اثني عشر اسماً آخرهم القائم من ولد فاطمة، ثلاثة منهم محمد، وأربعة منهم علي)(3).

ومثله عن أبي علي الأشعري ، عن الحسن بن عبيد الله(4)، عن الحسن بن موسی

ص: 85


1- المصدر نفسه : ج2، ص346
2- الكافي : ج 1، ص 447 ، ح 11، الخصال : ص 479 ، ح 47، الغيبة للنعماني : ص 60، ح 3، الغيبة لطوسي : ص 141: ح106، إعلام الوری : ص 369.
3- الكافي : ج1، ص 9/447 ، إكمال الدين : ص 269 / 13 و 3/311 و 4/313، الخصال : 47
4- والظاهر أن الصواب هو الحسين بن عبيد الله وليس عبيد الله بن الحسن، كما في الخصال والعيون، وهو الحسين بن عبيد الله بن سهل السعدي، يروي عنه أحمد بن إدريس - أبو علي الأشعري - في حال استقامته. رجال النجاشي : 61 /141

الخشاب ، عن علي أبن سماعة ، عن علي بن الحسن بن رباط ، عن عمر بن أذينة، عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول :

« الاثنا عشر الأئمة من آل محمد كلهم محدث ، علي بن أبي طالب و احد عشر من ولده ، ورسول الله وعلي هما الوالدان ، صلى الله عليهما»(1).

ومثله عن عمير، عن سعيد بن غزوان ، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال :

«يكون بعد الحسين عليه السلام تسعة أئمة ، تاسعهم قائمهم»(2) .

ومثله عن معلی بن محمد، عن الوشاء، عن أبان ، عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول :

«الأئمة اثنا عشر إماماً ، منهم الحسن والحسين ، ثم الأئمة من ولد الحسين عليهم السلام»(3) .

ومثله عن علي ابن محمد، عن محمد بن علي بن بلال قال : خرج إلي أمر أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام قبل مضيه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده ، ثم خرج إلي من قبل مضيه بثلاثة أيام يخبرني بالخلف من بعده(4).

ص: 86


1- الكافي : 1/ 14/448 ، وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 56 / 24، والخصال : 480 / 49، والغيبة للطوسي : 112/151 ، ومناقب آل أبي طالب 1: 298، وأعلام الوری : 369، باختلاف يسير.
2- الكافي 1: 15/448 ، الخصال : 50/480 ، إكمال الدين : 350/ 45، دلائل الإمامة : 24، الغيبة للنعماني : 25/94، إثبات الوصية : 227، الغيبة للطوسي : 140 / 104
3- الكافي 1: 448 /16، الخصال : 44/478 و 480 /51، عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 22/56
4- الإرشاد : ج2، ص349

ومثله عن أبي هاشم الجعفري قال : قلت لأبي محمد الحسن بن علي عليه السلام : جلالتك تمنعني عن مسألتك، فتأذن لي أن أسألك ؟ فقال :

سل».

قلت : يا سيدي ، هل لك ولد؟ قال :

«نعم».

قلت : إن حدث حدث(1) فأين أسأل عنه ؟ قال :

«بالمدينة» .

ومثله عن جعفر بن محمد المكفوف، عن عمرو الأهوازي قال : أراني أبو محمد(2) ابنه عليهما السلام وقال :

«هذا صاحبكم بعدي»(3).

ومثله عن حمدان القلانسي ، عن العمري(4) قال : مضى أبو محمد عليه السلام وخلف ولداً له : ومثله أخبرني أبو القاسم، عن محمد بن يعقوب، عن علي بن محمد، عمن ذكره، عن محمد بن أحمد العلوي، عن داود بن القاسم الجعفري قال : سمعت أبا الحسن علي بن محمد عليهما السلام يقول:|

« الخلف من بعدي الحسن، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟!» .

ص: 87


1- إن حدث حدث : بمعنى لو حدثت الوفاة لك فاين أذهب؟
2- أبو محمد هو الإمام الحسن العسكري عليه السلام، وأبنه الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه الشريف
3- الكافي 1: 3/264، الغيبة للطوسي: 234 / 203، إعلام الوری : 414، باختلاف يسي
4- هو عثمان بن سعيد العمري وهو باب الإمام أي سفيره الخاص به

قلت : ولم؟ جعلني الله فداك. فقال :

«لأنكم لا ترون شخصه، ولا يحل لكم ذكره باسمه» .

فقلت : فكيف نذكره؟ قال :

«قولوا الحجة من آل محمد عليهم السلام»(1).

وما تقدم لقليل في حق أثبات إمامة بقية الله تعالى الحجة المهدي المنتظر صلوات الله تعالى عليه . ومما يستحق إضافة في أثبات إمامة الحجة المنتظر عجل الله تعالی فرجه المبارك ذكر أسماء من رآه ؛ كما روى أبو القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن علي بن محمد، عن محمد بن إسماعيل بن موسی بن جعفر وكان أسنَّ شيخ من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله بالعراق قال : رأيت ابن الحسن بن علي بن محمد عليهم السلام بين المسجدين وهو غلام(2).

ومثله عن الحسين بن رزق الله قال : حدثني موسی بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسی بن جعفر قال : حدثتني حكيمة بنت محمد بن علي وهي عمة الحسن عليه السلام أنها رأت القائم عليه السلام ليلة مولده وبعد ذلك(3).

ومثله محمد بن يعقوب ، عن علي بن عن حمدان القلانسي قال : قلت لأبي عمرو العمري(4) : قد مضى أبو محمد، فقال لي : قد مضى، ولكن قد خلف فیکم من رقبته

ص: 88


1- الكافي : ج 1، ص13/264 ، إكمال الدين : 5/381 و 4/648 ، علل الشرائع : 5/245، إثبات الوصية : ج4، ص22، كفاية الأثر: ص 288، الغيبة للطوسي : ص 169/202، إعلام الوری : ص351
2- الكافي : ج1، ص266، الغيبة للطوسي : 268 /230 ، إعلام الوری بأعلام الهدى للشيخ الطبرسي : ص396
3- الكافي : ج1، ص 3/266، وانظره مفصلاً في إكمال اللين : 1/424، وغيبة الشيخ : 205/237
4- هو عثمان بن سعيد العمري وهو باب الإمام أي سفيره الخاص به

مثل هذه وأشار بيده(1).

ومثله أخبرني أبو القاسم، عن محمد بن يعقوب ، عن علي بن محمد، عن فتح - مولى الزراري - قال : سمعت أبا علي بن مطهر يذكر أنه رآه، ووصف له قده(2).

وعن خادمة لإبراهيم بن عبدة النيسابوري وكانت من الصالحات أنها قالت : كنت واقفة مع إبراهيم على الصفا، فجاء صاحب الأمر عليه السلام حتى وقف معه وقبض علی کتاب مناسکه، وحدثه بأشياء(3). وما زال الكثير ولم ننقل إلا اليسير من أخبار من حظى برؤية

صاحب الأمر الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالی فرجه المبارك ولقائه .

ص: 89


1- الإشارة باليد متعارف عنها عند العرب والعجم للتشابه ، ويفهم منها أنه يشبه أباه الحسن العسکری صلوات الله عليهما
2- الكافي : ج 1، ص 5/266 ، الغيبة للطوسي: 269 / 233، ونقله العلامة المجلسي في البحار: ص 60:52/ ذيل الحديث 40
3- الكافي : ج 1، ص299؛ الغيبة للطوسي: ص 268/ 231؛ اعلام الوری : ص 397؛ كذلك الإرشاد للشيخ المفيد: ج2، ص02 3.

ص: 90

المبحث الثالث: الغاية من ذكر العلامات

اشارة

ص: 91

ص: 92

ربما يرد في الأذهان تساؤل عن الغاية من ذكر العلامات وبيان تفصيل كل ما يتضمنها، والحق أنها وضعت لغرضين :

الغرض الأول: التشخيص

أ- التشخيص لغة: وله عدة معانٍ ترد وفي مجملها التوضيح والإظهار.

فترد في لفظ الكلمة واظهارها ، كقولك : (وشَخَصَت الكلمة في الفَمِ تَشخَصُ إِذا لم يَقدِر على خَفضِ صوته بها)(1).

وترد في عدم المشاهدة، بمعنى عدم الملاحظة، ومعناه عدم التشخيص كقول : فيمن يفارق أهله (وشَخَصَ عن أهلِه يَشخَصُ شُخُوصاً: ذهَبَ)(2).

وعلى العكس ترد أيضا بالمشاهدة كقول : (وشَخَصَ إِليهم: رجَعَ ، وأَشخَصَه هو)(3).

ص: 93


1- لسان العرب: ج7، ص
2- المصدر نفسه
3- المصدر نفسه

ولكلمة التشخيص معنی آخر هو: التعجب والمديح: وقال عبد الجبار بن حمديس ، يصف بركة يجري إليها الماء من شاذروان من أفواه طیور وزرافات وأسود، من أبيات :

والماءُ منه سبائكٌ من فضّةٍ*** ذابت علی دولاب شاذروان!

فكأنّماسیفٌ هناكَ مشطَّبٌ*** ألقته يومَ الرّوع کفُ جبانِ!

کم شاخصٍ فيه يطيلُ تعجّباً*** من دوحةٍ نبتتُ من العُقيان!

عجبالها تُسقى هناك ینائعاً*** ينعت من الثّمراتِ والأغصان(1)!

وترد كلمة التشخيص بمعنى: الطلوع كقول القائل عند طلوع النجم (وشخص النّجم: طلع). وقال الأعشى يهجو علقمة بن علاثة :

تَبيتُون في المَشتَی مِلَاءَ بُطُونُکُم*** وجَارَاتُكُم غَرثَی یَبِتنَ خَمَائصَا

يُراقِبنَ مِن جُوعٍ خِلالَ مَخَافَةٍ*** نُجُومَ الثُّرَيَّا الطَّالِعَاتِ الشَّواخِصَا(2)

وترد الكلمة في تشخيص الذات كما ورد في الحديث : (لا شَخصَ أَغَيَرُ مِنَ الله).

قال ابن الأثير: الشخص : كل جسم له ارتفاع وظهور. والمراد به [في حق الله تعالی] إثبات الذّات ، فاستعير لها لفظ الشّخص. وقد جاء في رواية أخرى (لا شيء أغير من الله. وقيل معناه: لا ينبغي لشخص أن يكون أغير من الله)(3).

ولكلمة التشخيص معان مرادة لمصدرها ومنها :

ص: 94


1- نهاية الأرب في فنون الأدب : ج1، ص286
2- تاج العروس : ج 9، ص296
3- الصدر نفسه

وشَخَصَ، کمَنَع، شُخُوصاً: ارتفع. ويقال : شخص بصره فهو شاخص إذا فتح عينيه وجعل لا يطرف قال الله تعالی :

« فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا»(1).

شخص المّيت بصره: رفعه إلى السماء فلم يطرف. وشخص ببصره عند الموت كذلك، وهو مجاز. وأبصار شاخصة وشواخص. وتقول : سمعت بقدومك فقلبي بين جناحيّ راقص، وقال ابن الأثير: شخوص بصر المّيت : ارتفاع الأجفان إلى فوق، وتحديد النظر وانزعاجه.

وشَخَصَ "من بَلَد إلى بَلَد"، يَشخَصُ شَخُوصاً: "ذَهَبَ، وقِيلَ: " سَارَ في ارتفَاع، فإِن سَارَ في هَبُوط فهو هَابِطٌ. وأَشخَصتُه أَنَا.

وشَخَصَ الجُرحُ: انتَبَرَ ووَرِمَ، عن الَّليث. وفي المُحكَم : شَخَصَ الشَيءُ يَشخَصُ شُخُوصاً: انتَبَرَ. وشَخَصَ الجُرحُ: وَرِمَ. شَخَصَ السَّهمُ: ارتَفَعَ عن الهَدَف. فهو سَهمٌ شَاخِصٌ، وهو مَجَاز. وقال ابنَ شُمَيلٍ : لَشَدَّ ما شَخَصَ سَهمُكَ، وقَحَزَ سَهمُكَ : إِذَا طَمَحَ في السَّماءِ(2).

فالتشخيص له أهمية كبيرة ولولاه لم يعرف الحق من الباطل، ولا العادل من الظالم ولا الإمام من المأموم والكل منا بحاجة إلى التشخيص ولا مجال للتخلي عنه مهما يكن. يبقى السؤال الجدير بالإجابة هو: من المشخّص و المبّين والمظهر؟

والجواب الوافي أن المشخص هو الله تبارك وتعالى على لسان نبيه ووصيه وخليفته من

ص: 95


1- الانبياء : 97
2- المصدر السابق نفسه

بعده ووارث علمه الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ومن بعده أولاده الأحد عشر صلوات الله تعالى عليهم أجمعين وفي ذلك قال عز وجل:

«إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ»(1) .

«وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» «بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ»(2)

والذِكرُ هو الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام لقوله :

« أنا الذكر الذي عنه ضل، والسبيل الذي عنه مال، والإيمان الذي به كفر، والقرآن الذي إياه هجر، والدين الذي به كذب ، والصراط الذي عنه نكب(3) فيّ(4) مناقب لو ذكرتها لعظم بها الارتفاع فطال لها الاستماع ولئن تقمصها دوني الأشقيان ونازعاني فيما ليس لهما بحق وركباها ضلالة واعتقداها جهالةً فلبئس ما عليه وردا ولبئس ما لأنفسهما مهدا، يتلاعنان فيدورهما ويتبرأ كل واحد منهما من صاحبه يقول لقرينه إذا التقيا :

«يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ»(5) فيجيبه الأشقى على رثوثة(6) «يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا» «لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ

ص: 96


1- الحجر : 9
2- النحل : 43 - 44
3- تنكب بمعنی : اي تفرق وتقطع. وفي بعض النسخ [حوب]. وهو الوحشة والحزن
4- يعني في نفسه المقدسة صلوات الله تعالى عليه
5- الزخرف: 38
6- الرثاثة : البذاذة ومن اللباس : البالي. وفي الوافي على وثوبه : الكافي : ج8، هامش ص27

لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا»(1)(2)

وقد بيّن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يجب بيانه لمصير أمته من بعده، وما ينتهي أليه حال العباد والبلاد، ومصير الطواغيت المنتحلين صفة الإسلام، من بني أمية والمنافقين الذين مردوا على النفاق، ويا لها من كلمة «مردوا على النفاق» تلحظ منها حجم الشر الكامن في نفوس من كان سكن المدينة وأحاط بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وتربّص به وبأهل بيته الدوائر أمثال ليلة العقبة ومحاولة قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وغيرها من أفعال شنيعة لتضيع الرسالة بما تضمنته من وحي وسنة

و ومن حوله

«وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ»(3)

وغيرهم من المشركين والملحدين ، وأن الخلاص لا يكون إلا على يد من أفصح عنه صلی الله عليه وآله وسلم بقوله : «المهدي من ولد فاطمة».

فعن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن أحمد بن عبد الملك ، عن أبي المليح الرقي ، عن زیاد بن بیان ، عن علي بن نفيل، عن سعيد بن المسيب ، قال : كنا عند أم سلمة فتذاكرنا المهدي ، فقالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:

«المهدي من ولد فاطمة»(4) .

ص: 97


1- الفرقان : 28 - 29
2- الكافي : ج8، ص28
3- التوبة : 101
4- شرح الأخبار : ج3 ص: 567، ورواه حمد بن محمد في معالم السنن ص 344. والبغوي في مصابيح السنة 193/1 . والخطابي في مختصر سنن أبي داود 6 / 159 الحديث 4115. ومحمد بن أبي بكر الدمشقي في المنار المنيف في الصحيح والضعيف ص 146 الحديث 334

وتشخيص الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام يكشف عن مكانة ولده الإمام المهدي التي لا تقل عن مكانته صلوات الله تعالى عليه نقلاً عن كتاب وفاة أمير المؤمنين عليه السلام لأبي الحسن علي بن عبد الله بن محمد البكري، عن لوط بن يحيى، عن أشياخه وأسلافه إذ ساق الخبر الطويل إلى أن قال : قال عليه السلام في وصيته لولده الحسن المجتبی :

«ثم تقدم يا أبا محمد، وصلِّ عليِّ يا بني يا حسن، وكبِّر علىَّ سبعاً، واعلم أنه لا يحلُّ ذلك لأحد غيري، إلا على رجل يخرج في آخر الزمان ، اسمه: القائم المهدي، من ولد أخيك الحسين ، يقيم اعوجاج الحق)(1).

ومثله عن علي بن الحسين الكوفي قال حدثني وهب بن عبد الله عن محمد بن جبلة عن الحسين بن معمر عن خالد بن محمد عن جابر الجعفي، قال سمعت الباقر عليه السلام يقول عن تأويل قول الله عز وجل:

«إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ»(2)

فتنفس صعدا ثم قال :

ص: 98


1- مستدرك الوسائل ج2، ص268، عنه في البحار: ج 2 ص292
2- التوبة : 36

«يا جابر أما السنة جدي رسول الله وشهورها الاثنا عشر من جدي أمير المؤمنين إلى الخلف المهدي من ولد الحسين اثنا عشر إمام وأما الأربعة الحرم منا فهم أربعة أئمة باسم واحد علي أمير المؤمنين وعلي بن الحسين وعلي بن موسی وعلي بن محمد والإقرار بهؤلاء الدين القيَّم، فلا تظلموا فيهن أنفسكم وتجعلوهم بالسواء جميعا»(1).

ومثله سعد بن عبد الله قال : حدثنا يعقوب بن يزيد عن حماد بن عيسى عن عبد الله بن مسكان عن أبان بن تغلب عن سلیم بن قیس الهلالي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه، قال : دخلت على النبي صلى الله عليه وآله، فإذا الحسين بن علي على فخذه، وهو يقبل عينيه ويلثم فاه ، ويقول :

«أنت سید ابن سيد، أنت إمام ابن إمام أبو أئمة، أنت حجة الله ابن حجته، وأبو حجج تسعة من صلبك ، تاسعهم قائمهم»(2).

الغرض الثاني: الاستعداد

الاستعداد لغة:

هو: الأُهبَةُ، بالضَّمِّ : العُدَّةُ، كالهُبَةِ بالضَّمِ أَيضاً، وأَخَذَ لذَلِكَ الأَمرِ أُهبَتَهُ، أَي هُبتَهُ وعُدَّتَهُ وقَد أَهَّبَ للأَمر تَأهيباً وتَأهَّبَ: استَعَدَّ، وأُهبَةُ الحَرب : عُدَّتُهَا، والجَمِيعُ : أُهَبٌ(3) وذَئِر: استَعَدَّ للمُوَاَثَبَة ، قاله اللَّیثُ(4) . تَأَهَّبَ : استَعَدّ


1- الهداية الكبرى : ص 377
2- الإمامة والتبصرة: هامش ص101؛ ورواه الصدوق في الإكمال : ج1، ص262؛ والعيون : ج1، ص 41؛ والخصال : 2ج، ص475؛ وعنها في البحار: ج36، ص241؛ ورواه عن الصدوق بهذا السند في كفاية الأثر: ص 45، وذكر في الطرائف : ص 44
3- تاج العروس : ج 1، ص 310
4- المصدر نفسه : ج6، ص 433

وأما أخذ الاستعداد فوسيلة العاقل وسبيل المؤمن العارف ، ولأن المؤمن لا يكون بغفلة عن إمام زمانه ولا عن الأحوال والأهوال التي تنتظره وتحيط به، والاستعداد عند المؤمن لا بد منه على كل حال لكي لا يفوته واجب أو يقع في حرام، وحتى يتمكن من العمل الدؤوب الموصل إلى إمام زمانه.

ومن دواعي أخذ الاستعداد النظر والتدبر في العلامات التي صرّح بها النبي وأهل بيته الكرام صلوات الله تعالى عليهم أجمعين.

الغرض الثالث: ظهور مصداق العلامات

تقدّم في كثير من الروايات لفظ القائم للإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله سلم، ولا بد لهذا اللفظ من مصداق ؛ كما ثبت في الحكمة المتعالية أنّ الشيء ما لم يتشخص لم يوجد ؛ فمصداق كلمة القائم هو المتدبر وهو: من أسماء الله تعالى وصفاته القائم والقيوم قال الزجاج : القيُّوم والقيَّام في صفة الله تعالى وأَسمائه الحسني القائم بتدبير أمر خَلقه في إنشائهم ورزقهم وعلمه بأَمكِنتهم(1).

ومن مصادیق لفظ القائم : المُهَيمِنُ: الشاهد، وهو من آمن غيرَه من الخوف، وأصله أَمَنَ فهو مُؤَأمِنٌ، بهمزتين ، قلبت الهمزة الثانية ياء كراهة اجتماعهما فصار مُؤَيمِنٌ، ثم صُیِّرت الأولى هاء كما قالوا هراق وأراق. وقال بعضهم: مُهَیِنٌ معنی مُؤَيمِن، والهاء بدل من الهمزة، كما قالوا هَرَقتُ وأَرَقتُ، وكما قالوا إيَّاك وهِيَّاك ؛ قال الأزهري : وهذا على قياس العربية صحيح مع ما جاء في التفسير أنه بمعنى الأمين، وقيل: بمعنی

ص: 100


1- لسان العرب: ج12، ص 504

مُؤتَمَن ؛ وأما قول عباس بن عبد المطلب في شعره يمدح النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

حتى احتَوَى بَيتُك المُهَيمِنُ من*** خِندِفَ عَلياءَ تحتَها النُّطُقُ(1)

فإِن القتيبي قال : معناه حتى احتویتَ یا مُهَيمِنُ من خندف علياء يريد به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأقام البيت مقامه لأن البيت إذا حَلَّ بهذا المكان فقد حَلَّ به صاحبه قال الأزهري : وأراد بيته شَرَفَه ، والمهيمن من نعته كأنه قال : حتى احتَوى شَرَفُكَ الشاهدُ على فضلك علياءَ الشَّرَفِ من نسب ذوي خِندِف أي ذِروَةَ الشَّرَف من نسبهم التي تحتها النُّطُقُ، وهي أَوساطُ الجبال العالية ، جعل خِندِف نُطُقاً له ؛ قال ابن بري في تفسير قوله بيتُك المهيمنُ قال : أي بيتُك الشاهدُ بشرفك ، وقيل : أراد بالبيت نفسه لأن البيت إذا حَلَّ فقد حَلَّ به صاحبه.

وفي حديث عكرمة : كان علي عليه السلام أَعلَم بالمُهَيمِناتِ أي القَضايا، من الهَيمنَة وهي القيام على الشيء، جعل الفعل لها وهو لأربابها القوّامين بالأمور(2).

ومما تقدم من المصاديق الحقيقة كلمة القائم، المتحقق في الخارج هو تطبيق ما قام لأجله، والعمل بما كلفّ به، فيكون مصداق القائم قيامه بدولته، وقيام إمامته، وقيام حکومته، وقيام رعيته بأمره، وقيام خصومه لمواجهته، وقيامه بإقامة الحد عليهم والقصاص منهم، وقيام من ظلم لاسترداد حق ظلامته، کرد ظلم الكوفة وحقها المغيب كما صرح بذلك مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام :

ص: 101


1- تاج العروس : ج19، ص694
2- لسان العرب : ج12، ص437

«هذا، وَکَمْ یَخْرِقُ(1) الْکُوفَهَ مِنْ قَاصِفٍ(2) وَیَمُرُّ عَلَیْهَا مِنْ عَاصِفٍ ! وَعَنْ قَلِیلٍ تَلْتَفُّ الْقُرُونُ بِالْقُرُونِ ، وَیُحْصَدُ الْقَائِمُ ، وَیُحْطَمُ الْمحْصُودُ»(3)

وهو عليه السلام يريد بيان ما يجري على الكوفة من بعده حيث يمرّ عليها من الطواغيت والجبابرة فيكون حكم كل يمر بها قاصفاً، بمعنی کاسر بشدة ومغير ما فيها كما تغير الرياح المتحركة بشدة معالم الأرض وأهلها ولكل ما فيها من خير وعلم وحركة احتجاج ؛ وهذا معنى قوله «يخرق الكوفة من قاصف ويمر عليها عاصف»، وبعد هذا «تلتف القرون بالقرون»، القرن هو مئة عام والقرون عدة مئات ، ويكون التفافها ؛ مرورها بسرعة متداخلة الليل بالنهار بسرعة ملحوظة، وما ذلك إلا لغرض قيام القائم بأمر الله تعالى، وسرعة مرور القرون، قربها من ساعة الصفر كما يعبرون، وهذا تقدیر الله تعالی ليتسنى للقائم حصد الشر، «ويحطم المحصود» وهو ما مر من الأحكام والقوانين التي رفعت وسنت بالباطل وسار الناس عليها واصبحت سنناً وقوانين ثابتة معتادة عليها مستهلكة، وهي أشبه بالزرع المحصود وهو غير صالح للاستعمال، أو ضاراً للعباد فيجب حينها تحطيمه وحصده بقيام دولة القائم وهذا معنى قوله عليه السلام: «ويحطم المحصود»

ومن مصادیق قيام الإمام المهدي صلوات الله تعالى عليه، إعادة ما غُيّر وإرجاع ما

ص: 102


1- الخرق : الشَّقُّ في الحائط والثوب ونحوه. يقال : في ثوبه خرق وهو في الأصل مصدر. والخِرقة : القطعة من خَرِقَ الثوب، والحرقة المِزقَة منه. وخَرَقت الثوب إذا شَقَقتَه : لسان العرب : ج10، ص 73
2- القاصف هو: الكاسر: أقبال الأعمال للسيد أبن طاووس ج 1، ص 93، (جاء تها ريح عاصف) ریح قاصف وقاصفة شديدة، وقصفة القوم تدافعهم وازدحامهم. وجاء من هذا الحديث : القاصفون والقاصفة، وقصفة القوم تدافعهم وازدحامهم : لسان العرب لابن منظور: ج9، ص283
3- نهج البلاغة : ص147 - الخطبة 101

أُخذ بغير حق، وهدم ما بُني على الباطل والبدع والزيف كما نّبأ بذلك وقال أمير المؤمنين عليه السلام مخاطباً المسجد(1) :

«ويل لهادمك وبانيك بالمطبوخ المغير» .

وقال عليه السلام:

«إن القائم من ولدي يبنيه على قبلة آدم»(2).

وروى طلحة بن زید عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السلام أنه قد رأى مسجدا قد أشرف فقال :

«كأنه بيعة وقال إنّ المساجد تبنی جماً»(3).

ومن مصادیق دولة القائم على الدنيا قسطاً وعدلًا ، وملك يبلغ المشرق والمغرب وفي هذا روی جعفر بن محمد بن مسرور قال : حدثنا الحسين بن محمد بن عامر، عن المعلي بن محمد البصري، عن جعفر بن سليمان، عن عبد الله الحكم، عن أبيه ، عن سعيد بن جبير، عن عبد الله بن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله:

«إنّ خلفائي وأوصيائي ، وحجج الله على الخلق بعدي اثني عشر: أولهم أخي

وآخرهم ولدي».

ص: 103


1- المسجد هو مسجد الكوفة إذ أن بناؤه كان باللبن وهو: حجارة من الطين المجفف وليس المفخور الذي سماه الإمام بالمطبوخ ؛ ملاذ الأخبار: ج3، ص438
2- قبلة آدم هي مكة الكرمة كانت قبل بیت المقدس قبلة لآدم، واما المراد من تحويل مسجد الكوفة على قبلة أدم بمعنی آن بناؤه سيكون خال من الزخرف والزينة والجدر العالية، لأن المسجد عند الإمام علي عليه السلام يبني أجم لا شرفة فيه كهيئة بناء الكعبة
3- المعتبر: ج2، ص449

قيل : یا رسول الله ومن أخوك ؟ قال :

«علي بن أبي طالب». قيل :

فمن ولدك ؟ قال :

«المهدي الذي يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، والذي بعثني بالحق نبياً لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي فينزل روح الله عیسی بن مريم فيصلي خلفه وتشرق الأرض بنوره ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب »(1).

****

ص: 104


1- کمال الدین وتمام النعمة : ص 280

المبحث الرابع: العلامة والظهور بين يدي الساعة

ص: 105

ص: 106

وللظهور ساعة آتية ويوم معلوم لا محال وإن طال عليه الزمان ، قد أخبر عنه عز وجل بقوله :

«وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ»(1).

وحلول هذا الوقت يقتضي تهيئة وعلامات وتمهيداً ليتمّ كما قدر الله تعالی له وأراد ، ومما مُهد له كثرة الزلازل وحلول عذاب شديد يظهر من خلاله حال الناس كأنهم سکاری وفتن بدأت واستمرت حتى يومنا هذا، وستتزايد حتى يوم الظهور، وتعد تلك الفتن المرحلة الأولى للظهور، كما بيَّن ذلك الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله تعالى عليه.

روى أبو الحسين محمد بن هارون عن أبيه، قال: حدثنا أبو علي الحسن بن محمد النهاوندي، قال : حدثنا العباس بن مطران الهمداني ، قال : حدثنا إسماعيل بن علي المقرئ القمي، قال : حدثنا محمد بن سليمان، قال : حدثني أبو جعفر العرجي، عن

ص: 107


1- الحج: 55

محمد بن يزيد، عن سعيد بن عباية عن سلمان الفارسي، قال : خطبنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه بالمدينة ، فذكر الفتنة وقربها ، ثم ذكر قيام القائم من ولده، وأنه يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً. قال سلمان : فأتيته خالياً ، فقلت :

يا أمير المؤمنين ، متى يظهر القائم من ولدك ؟!

فتنفس الصعداء وقال :

«لا يظهر القائم حتى يكون أمور الصبيان» .

وهذا معناه يحكم من لا خبرة له في الحياة، حيث أنّ خبرة الحياة تأتي من العمر واكتساب التجربة، والصبيان : جمع صبي وهو: الشاب في مقتبل العمر يعد صبياً بالنسبة إلى المسنين أصحاب الخبرة والتجارب.

«وتضيع حقوق الرحمن».

الحقوق هي الحقوق الشرعية من الزكاة والخمس المفروضين على المسلمين ونفقات الفقراء والمستحقين، والأمور الوقفية والحُسبية من حقوق القاصرين والعجزة والمرضى والمسنين ومن مات كلالة لا وارث له، حيث يكون وارثه الإمام المعصوم ولي الأمر من بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؛ ومن حقوق الرحمن الحقوق الاعتبارية كحقوق الجوار وحق المستجير اللائذ بالإسلام وهو ما يسمى بالكافر الذّمي، بمعنى الذي يعيش في بلاد المسلمين مؤتمناً ذمتهم ليسلم هو ومتعلقيه من القتل والفتك بالعِرض ومصادرة الأموال، ومن ضمن الحقوق الاعتبارية حق التعبير عن الحريات الجسدية والنفسية والعبادية والعلمية والعملية والمالية النقدية والنقدية والعقدية التي من خلالها أداء الطقوس والشعائر والممارسات المقدسة والعادات المشروعة التي أباحها الله تعالی،

ص: 108

وأمثال هذه كلها الكثير، وهذه كلها مما تعدّ حقاً للرحمن إذا لم تؤدّ حق أدائها كما أمر الله تعالی تضيع ، وقد ضُيَّع كل الذي ذكرت بين حرمان ومنع وحجب ، واستبدال المناسب بغير المناسب في المكان المناسب کولاية أئمة الجور والفسوق ومن حذا حذوهم في الإدارة والمتابعة والتدبير، حتى لا يجد المتدبر حقاً الله تعالى إلا وقد ضيّع، وإنما ذكر عليه السلام اسم الرحمن لأن الله تعالی برحمته هيأ جميع الحقوق لمستحقيها.

«ويتغنى بالقرآن بالتطريب والألحان» .

وقوله هذا نجده بوضوح في المحافل القرآنية بحيث من لا يملك صوتاً غنائياً عذباً جذاباً متميزاً بالأنغام والألحان والأطوار الفنية المتغيرة والمقامات والطبقات الصوتية لا يُقبل ومصيره الفشل.

«فإذا قُتلت ملوك بني العباس».

يكشف قوله هذا عن مصير بني العباس ونهاية ملكهم بالقتل، وهذه النهاية هي البداية لحوادث جمّة تعصف بالأمة الإسلامية، وكان من تلك الحوادث الحملات الضارية على مذهب أهل البيت عليهم السلام وقتل من انتحل التشيع ولو كان على رتبة وزير، فكان السفّاح أول ملوك بني العباس ووزيره أبو سلمة الحلال الكوفي الهمداني داعية أهل البيت ، وقتله على التشيع.

واستوزر المنصور محمد بن الأشعث الخزاعي، واستوزر المهدي أبا عبد الله يعقوب بن داود، وحبسه لتشيعه، واستوزر الرشيد علي بن يقطين، وجعفر بن الأشعث الخزاعي. واستوزر المأمون الفضل بن سهل ذا الرياستين لجمعه بين القلم والسيف ، وقتله عندما أحس بميله إلى الرضا عليه السلام، واستوزر من بعده أخاه الحسن بن

ص: 109

سهل. واستوزر المعتز والمهتدي أبا الفضل جعفر بن محمود الإسكافي. واستوزر المقتدي أبا شجاع ظهير الدين محمد بن الحسين الهمداني ، وعزله لتشيعه. واستوزر المستظهر أبا المعالي هبة الدين بن محمد بن المطلب ، وعزله لتشيعه، ثم أعاده على أن لا يخرج من مذهب أهل السنّة، ثم تغّير عليه وعزله. واستوزر الناصر والظاهر والمستنصر مؤيد الدين محمد بن عبد الكريم القمي من ذرية المقداد رضوان الله عليه ، واستوزر المستعصم آخر ملوك بني العباس أبا طالب محمد بن أحمد العلقمي الأسدي ، وأقره هولاكو على الوزارة، ولما مات رحمه الله استوزر ولده أبا الفضل عز الدين. إلى ما سوى هؤلاء وغيرهم.

وأما الإمارات، والقيادات، والكتابة، والخزانة، فما أكثرها، أمثال : إمارة آل قشتمر، وآل أبي فراس الشيباني ، وآل دبیس وقيادة طاهر بن الحسين الخزاعي، وقيادة أولاده کابنه عبد الله ، ومحمد بن عبد الله وغيرهما، وتوليهم إمارة هراة. وكان عبد الله بن سنان خازناً للمنصور والمهدي والهادي والرشيد ، وكان من ثقات الرواة لأبي عبد الله الصادق عليه السلام إلى ما يعسر استقصاؤه(1).

ومن بعد السفاح العباسي انتقل الملك عن أعقابه إلى أخيه أبي جعفر المنصور ثم السامانية أول من ملك منهم نصر بن أحمد فانتقل الملك عنه إلى أخيه إسماعيل بن أحمد وأعقابه ، ثم يعقوب الصفار أول من ملك من أهل بيته، فانتقل الملك عنه إلى أخيه عمرو وأعقابه ثم عماد الدولة ، بن بويه أول من ملك من أهل بيته ثم انتقل الملك عنه إلى أخويه ركن الدولة ومعز الدولة ثم السلجوقية أول من ملك منهم (طغرلبك)، ثم انتقل الملك

إلى أولاد أخيه (داود) ثم (شیر کوه)، ثم انتقل الملك عنه إلى ولد أخيه

ص: 110


1- أضواء على العقائد الأمامية : ص 317، كذلك نهاية الأرب في فنون الأدب : ج 27 : ص 282

(نجم الدين أيوب) ولولا خوف الإطالة لذكرنا أكثر من هذا(1).

وزوال دولة بني العباس سري من حيث بدأ ملكهم أيّ من ناحية خراسان كما أخبر محمد بن همام في منزله ببغداد في شهر رمضان في سنة سبع وعشرين وثلاثمائة، قال : حدثني أحمد بن مابنداذ سنة سبع وثمانين ومائتين ، قال : حدثنا أحمد بن هلال، قال : حدثني الحسن بن علي بن فضال ، قال : حدثنا سفيان بن إبراهيم الجريري، عن أبيه ، عن أبي صادق، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال :

« ملك بني العباس يسر لا عسر ، فيه دولتهم لو اجتمع عليهم الترك والديلم والسند والهند والبربر والطيلسان(2) لن يزيلوه، ولا يزالون في غضارة من ملكهم حتى يشذّ عنهم مواليهم وأصحاب ألويتهم، ويسلط الله عليهم علجاً يخرج من حيث بدأ ملكهم، لا يمر بمدينة إلا فتحها، ولا ترفع له راية إلا هدّها، ولا نعمة إلا أزالها، الويل لمن ناواه ، فلا يزال كذلك حتى يظفر ويدفع بظفره إلى رجل من عترتي ، يقول بالحق ويعمل به»(3) .

ثم يصفهم عليه السلام، أي بني العباس :

«أولي العمى والالتباس».

وقوله هذا المراد به صفة عمى القلب وهو بحد ذاته عمى البصيرة لقوله تعالی :

ص: 111


1- النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ليوسف بن تغري الأنابكي : ج 6 ص 18، وفیات اعيان وانباء أبناء الزمان : ج 7 ص 155
2- الطيلسان معرب فارسي وأصله تالشان، وطيلسان : إقليم واسع كثير البلدان والسكان من نواحي الديلم والخزر افتتحه الولید بن عقبة في سنة 35.
3- الغيبة : للنعمانی: ص258

و«أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ»(1)

والالتباس الذي عندهم من كثرة الاشتباه والخلط فلا يهدون السبيل ولا يعرفون الدليل، ولذلك يكونوا في التباس(2).

«أصحاب الرمي عن الأقواس بوجوه کالتراس» .

وقوله هذا أيضاً يصف به بني العباس وما يحملون من سلاح، فالأقواس هي قوس الرماية التي لا بد منها كسلاح، والترس هو الدرع، أو ما يستعمل للحماية والمساندة والقوه، ودفع الخوف ، والظاهر أنهم أصحاب غدر حيث أنهم يرمون بالأقواس بوجوه كالتراس ؛ أي بوجوه غليظة قوية مخفية(3).

ص: 112


1- الحج: 46
2- والتَّلبيسُ: كالتَّدليس والتَّخليط، شُدِّد للمبالغة، ورجل لَبَّاسٌ ولا تقل مُلَبَّس. وفي حديث جابر: لما نزل قوله تعالى : أو يُلبِسَكَم شِيَعاً ؛اللَّبس : الخلط. يقال : لَبَست الأَمر، بالفتح، أَلبِسُه إذا خَلَطت بعضه ببعض، أي يَجعَلكم فِرَقاً مختلفين ؛ ومنه الحديث : فَلَبَسَ عليه صَلَاتَه. والحديث الآخر : من لَبَسَ على نفسه لَبساً، كلُّه بالتخفيف ؛ قال : وربما شدد للتكثير ؛ ومنه حديث ابن صیّاد: فَلَبَسَني أي جَعَلني أَلتَيسُ في أمره، والحديث الآخر : لَبَسَ عليه. وتَلَبَّس بيَ الأَمرُ: اختلط وتعلق: لسان العرب: ج6 ص204
3- التُّرس من السلاح : المُتَوَقّى بها، معروف ، وجمعه أَتراسٌ وتِراسٌ وتِرَسَةٌ وتُروسٌ ؛ قال : کاَنّ شَمسَا نازَعَت شُموسا***دُروعَنا، والبَيضَ والتُّروسا قال يعقوب : ولا تقل أَترِسَة. وكل شيء تَتَرَّستَ به ، فهو مِترَسَةٌ لك. ورجل تارسٌ : ذو تُرسٍ. ورجل تَرَّاسٌ: صاحب تُرسٍ. والتَّتَرُّسُ: التَّسَتُّرُ بالتُّرسِ، وكذلك التَتريس. وتَتَرَّس بالتُّرسِ : تَوَقيّ، وحکی سیبویه اتَّرَسَ. والمَتروسَةُ : ما تُتُرِّسَ به والتُّرسُ: خشبة توضع خلف الباب يُضَبَّبُ بها السرير، وهي المَتَرسُ بالفارسية . لسان العرب : ج6، ص32.

«وخربت البصرة».

والظاهر من قوله هذا أن للبصرة دوراً في الظهور، وكأن خرابها بداية التصفيات الذي لا بد منه قبل ظهور ولده المهدي صلوات الله عليه ، حيث أن البصرة كان لها موقف غير ممدوح ولا محمود لوقوفها إلى جنب الفتنة ومساندة أهل الغدر كقادة معركة الجمل وأتباعهم ومن كان وراءهم وممدّهم بالغيّ والعصيان على إمام زمانهم ووصيّ نبيهم، والخراب يأتي من التخريب بما کسبت به أيدي الناس وكما أشار سبحانه وتعالى

بقوله :

«يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ»(1).

ويحتمل من ذلك ما يأتي :

الاحتمال الأول:

أن يكون خراب البصرة بتبدل معالمها الجغرافية، حيث أنّ البصرة القديمة لم يبق منها إلا الآثار وزاوية ومئذنة مسجدها، والذي يسمى اليوم بمسجد الخطوة الذي أقام فيه الإمام أمير المؤمنين في أيام حرب الجمل عشرين يوماً ونيف، وقد نبأ الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام لما وصله خبر جارية بن قدامة، وأثنى عليه وعلى الأزد، وذم البصرة ، وقال :

«إنها أول القرى خراباً، إما غرقاً وإما حرقاً، حتى يبقى مسجدها كجؤجؤة سفينة»(2)

ص: 113


1- الحشر: 2
2- بحار الأنوار: ج 34، ص 41

الاحتمال الثاني

في خبر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو من اخبار الإسراء والمعراج منه :

«وخراب البصرة على يدي رجل من ذرّيّتك تتبعه الزنوج»(1) .

الاحتمال الثالث.

سيكون خراب البصرة على يد الإمام المهدي صلوات الله عليه فيما إذا خرج أهلها القتاله ومناوؤه من سكانها.

«وظهرت العشرة».

قال سلمان : قلت : وما العشرة: يا أمير المؤمنين ؟ قال : « منها»، ولعل المراد عدة علامات مهمة زادت العشرة، والعشرة من ضمنها لجوابه على سلمان ومنها

«خروج الزنج».

وهم جيل من السودان(2) ، ولعل المراد بخروجهم حركات التمرد والانقلاب المتكررة على الحكومات المتتالية وسقوط أغلبها

«وظهور الفتنة أو الفتن»(3).

والفتنة أو الفتن هي: الحروب وحركات التخريب والنفاق الساعية للوصول إلى

ص: 114


1- المختصر: ص 294
2- زنج: الزِّنجُ والزَّنجُ، لغتان : جِيلٌ من السُّودانِ وهم الزُّنُوجُ، واحدهم زِنجِيٌّ وزَنجِيٌّ، لسان العرب : ج2، ص209
3- الفتان : يروى بفتح الفاء على أنه واحد وبضمها على أنه جمع وقال الخليل الفتن الاحراق قال الله تعالى :«يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ» وافتتن الرجل وفتن فهو مفتون إذا أصابته فتنة فذهب ماله أو عقله وكذا إذا اختبر قال الله تعالى «وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا» ، مختار الصحاح : للرازي، ص255.

المصالح والرغبات على حساب تضييع الطاعات، وروى عبد الله بن مسعود أنّ النبي صلى الله عليه وآله قال :

« تعلموا القرآن وعلموه الناس وتعلموا الفرايض وعلموها الناس، فإني امرؤ مقبوض، وسيقبض العلم ويظهر الفتن حتى يختلف الرجلان في فريضة ولا يجدان من يفصل بينهما»(1).

ويجب الحذر من الفتن كما أوصى أمير المؤمنين عليه السلام: إذ قال :

«كُنْ فِى الْفِتْنَةِ كَابْنِ اللَّبُونِ ؛ لا ظَهْرٌ فَيُرْكَبَ ، وَ لا ضَرْعٌ فَيُحْلَبَ»(2).

«ووقائع بالعراق».

الوقائع هي الحوادث التي تحدث وتترك أثراً وضرراً فيقال لها وقائع، ومنها القتل والهتك والاعتداء وما شابه ذلك(3)، وقد وقع بالعراق كثير من الوقائع، وشهد هذا البلد حوادث كثيرة من بعد مفارقة الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب صلوات الله عليه، ولم يشهد خيراً ولا أمناً ولا سلامةً، إذ شهد عدة انقلابات عسكرية على حكومات متتالية وبين كل حكومة وحكومة حوادث وحوادث، بل كوارث وكوارث.

« وفتن الآفاق » .

ص: 115


1- کتاب المبسوط : ج4، ص67
2- نهج البلاغة: قصار الكلمات: ص 469
3- والوقيعة أيضا القتال والجمع وقائع ووقع الشيء يقع وقوعا سقط ووقعت من كذا وعن كذا وقعا أي سقطت وأهل الكوفة يسمون الفعل المتعدي واقعا ووقع في الناس وقيعة : مختار الصحاح : ص347

الآفاق جمع أفق(1) وفيها بمعنى في الأفاق وهي أطراف البلاد فتن كثيرة، بمعنى آخر لم تكن الفتن والحوادث والكوارث محصورة فقط في داخل العراق، بما يسمى حوادث ووقائع محلية، بل حتى في الخارج واطراف العراق تلحظ الفتن والحوادث العددة والمختلفة.

«والزلازل العظيمة».

الزلازل حركة في القشرة الخارجية للأرض تسبب هذه الحركة تشققات وانهيارات مختلفة في التربة والأبنية وهي تحدث بشكل مفاجئ من دون سابق إنذار مما لا يسمح الأحد بأخذ الاستعداد اللازم.

ويقول الكاتب وحید خان، وما نحس به من الهزات الأرضية، التي نسميها الزلازل انها لا تزال كلمة رهيبة في حياة الإنسان المعاصر، رغم تقدم العلوم والتكنولوجيا، كما كانت رهيبة في حياة الإنسان القديم. هذه الزلازل هي حملة الطبيعة ضد الانسان، الذي لا يملك إزاءها شيئاً، فالخيار كله في يد الفريق الأول.

إنّ الإنسان لا يملك شيئاً يقاوم به الزلازل، فهي نذير يذكره دائماً بأنه يعيش فوق مادة حمراء ملتهبة جهنمّية ، لا يفصله عنها سوى قشرة جبلية رقيقة، لا يزيد سمكها

ص: 116


1- الأُفق والأُفُق مثل عُسر وعسُر: ما ظهر من نواحي الفَلك وأطراف الأرض، وكذلك آفاق السماء واحيها، وكذلك أُفق البيت من بيوت الأعراب نواحيه ما دون سمكه ، وجمعه آفاق، وقيل : مَهابُّ الرياح الأربعة: الجَنوب والشَّمال والدَّبور والصَّبا. وقوله تعالی : «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ»؛ قال ثعلب : معناه نُِري أهل مكة كيف يُفتح على أهل الآفاق ومَن قرُب منهم أيضاً. لسان العرب : ج10، ص5.

عن خمسين كيلو متراً، وهذه القشرة ليست بالنسبة إلى الكرة الأرضية إلا بمثابة القشرة من ثمرة التفاح.

يقول عالم الجغرافيا (جورج جاموف): إنّ هناك جهنّم طبيعية تلتهب تحت بحارنا الزرقاء، ومدننا الحضارية المكتظة بالسكان، وبكلمة أخرى : نحن واقفون على ظهر لغم دینامیت عظيم، ومن الممكن أن ينفجر في أيّ وقت ليدمر النظام الأرضي بأكمله. وهذه الزلازل تجتاح جميعها، ولا تخلو الجرائد عادةً من أخبارها، ولكن يكثر وقوعها في الأماكن التي توجد بها البراكين لاعتبارات جغرافية.

وأقدم زلزال رهيب سجله التاريخ هو زلزال إقليم (شنسي) الصيني، الذي وقع عام 1556م. ولقي أكثر من ( 000،000 ،8) نسمة مصرعهم في هذه الكارثة.

وقد وقع زلزال في لشبونة عاصمة البرتغال عام 1755م، فدمر المدينة كلها، وأباد ثلاثين ألفاً من الناس في ست دقائق. وقد قيل : إنّ هذا الزلزال هزّ ربع أوربا. ومن هذا النوع من الزلازل ما وقع في ولاية (آسام) الهندية عام 1897م، وهو يعد من الزلازل الخمسة الكبرى في التاريخ، فقد أحدث دماراً وخراباً عظيمين في منطقة كبيرة من شمالي الهند ، كما غّير اتجاه النهر العملاق (برهام بوترا)، وبرزت هضبة (ايفرست) بجبال الهملايا، فارتفعت مائة قدم !.

إنّ هذه الزلازل (قيامة) على نطاق واسع، فعندما تنفجر الأرض بصوتها المخيف ودویّها الرهيب، وعندما تتساقط الجدران، وسقوف الأبنية المسلحة الضخمة، وعندما يصبح أعلى الأرض أسفلها، وأسفلها أعلاها، وعندما تحل الخرائب الموحشة محل المدن العامرة الكبرى في ثوان معدودة ، وعندما تسير طوابير النعوش، وتتراكم على ساحات المدن وطرقها تراكم الأسماك على ساحل البحر، فتلكم هي قيامة الزلزال.

ص: 117

وفي تلك اللحظة يشعر الإنسان بعجزه أمام قوى الطبيعة، فإن الزلازل لا تقرع أبواب المدن الا بغتة، دون سابق إذن أو إنذار، والبلية كل البلية في أنّ الإنسان لا يستطيع أن يتنبأ بمكان الزلازل، ولا بموعد وقوعها، وهي في نفسها تنبئ عن قيامة کبری، سوف تفاجئنا غداة يوم على غرة منا.

إنّ هذه الزلازل دليل ناطق بأن خالق الأرض قادر على تدميرها كما يشاء. وهذه هي حال الفضاء الخارجي ، فالكون لا حدود له، تدور فيه نيران هائلة لا حصر لها، هي (السيارات والنجوم)، ومثالها كملايين الخذاريف التي تدور على سطح معين بأقصى سرعة يمكن تخيلها، وهذا الدوران يمكن أن يتحول في أي يوم إلى صدام عظیم لا يمكن تصوره، وفي تلك اللحظة الرهيبة يكون ما في الكون أشبه بآلاف من القاذفات النفاثة المليئة بالقنابل النووية، وهي تواصل رحلتها في الجو، ثم تصطدم كلها مرة واحدة ! إنّ اصطدام الأجرام السماوية ليس بغريب مطلقاً، بل الغريب حقاً هو عدم وقوع هذا الاصطدام، فدراسة علم الفلك تؤكد امكان اصطدام الأجرام السماوية.

وقديماً كان يدور الحديث عن النظام الشمسي وحول وقوع صدام كبير بين بعض الأجرام السماوية ، فإذا استطعنا أن نتصور هذا التصادم على نطاق أوسع لاستطعنا أن نفهم جيداً ذلك الامكان الذي نحن بصدده فهذا الواقع هو بعينه ما نسميه القيامة.

إنّ فكرة الآخرة التي تقرر أن نظام الكون الموجود حالياً سوف يُدمر يوماً، لا تعني سوى أنّ واقع الكون الذي نشاهده في صورة صغيرة أولية سوف يتجلى يوما في صورة نهائية كبرى ، فالقيامة حقيقة معلومة في أعماقنا، ونحن اليوم نعرفها في حد (الإمكان)، ولسوف نلقاها غداّ في صورة الواقع.(1)

ص: 118


1- الإسلام يتحدى العالم : ص 83

«مقعدة مقيمة».

وقوله هذا يشير إلى حجم هذه الزلازل ومقدار الضرر الحاصل من وقوعها، بحيث أنها تقيم الناس وتقعدهم، وهي أشبه بحال ترفعهم وتنزلهم، فتقعد كل حال قائم مستقر ومستمر، وتقيم كل حال قاعد وثابت وهذا لا يكون إلا في آخر الزمان وقد تحقق ذلك وشواهده كثيرة كما تقدم.

«ويظهر الحندر».

ومن العلامات التي يوضحها عليه الصلاة والسلام بقوله هذا ظهور قوم من المشركين والظهور هو في الواقع، إعلان وتظاهر وكشف كما مر في معنى الظهور لغةً واصطلاحا، وعند ظهورهم نكون قد اقتربنا من الظهور المبارك إن شاء الله تعالی، والحندر قال الشهرستاني : عبّاد القمر طائفة من الهنود يسمّون الحندر بكتية(1)، أي عبّاد القمر. يزعمون أن القمر ملك من الملائكة يستحق التعظيم والعبادة، وإليه تدبير هذا العالم السفلي ، ومنه نضج الأشياء المتكوّنة واتصالها إلى كمالها وبزيادته ونقصانه تعرف الأزمان والساعات ؛ وهو تلو الشمس و قرینها، ومنها نوره، وبالنظر إليها زيادته ونقصانه ؛ ومن سنتّهم أنهم اتخذوا صنماً على عجلة تجرّه أربعة وبيده جوهرة ومن دينهم أن يسجدوا له ويعبدوه، وأن يصوموا النصف من كل شهر، ولا يفطروا حتّى يطلع القمر ثم يأتون الصنم بالطعام والشراب واللبن، ثم يرغبون إليه وينظرون إلى القمر ويسألونه حوائجهم فإذا استهل الشهر علوا السّطوح، وأوقدوا الّدخن، ودعوا عند رؤيته، ورغبوا إليه ، ثم نزلوا عن السطوح إلى الطعام والشراب والفرح والسرور ،

ص: 119


1- في الشهرستاني طبع لوندرة : الجندریكنية. وأفادنا مترجمة إلى الألمانية أن چندراكا معناه القمر في لغتهم. نهاية الأرب: ج1، هامش ص57

ولم ينظروا إليه إلا على وجوه حسنة. وفي نصف الشهر إذا فرغوا من الإفطار، أخذوا في الرقص واللعب بالمعازف بين يدي الصنم والقمر(1).

«والديلم بالعقيق والصيلم».

قوله هذا يشير إلى الفئات والجماعات المعادية التي تظهر وهم من العرق الأسود، البعض معاني الديلم الأسود، وقيل جيل من الناس من الحبشة ،

وقيل جيل من الناس من الترك(2) ، ومن ذكر (العقيق والصيلم) نعرف من أي صنف هم؟

والظاهر أنّ الديلم من الفئات المسلحة والمرتزقة التي لا تقف ولا تتراجع بل إن منافعها ومصالحها قائمة على الحروب والقتال ، وورد في معنى الصَّيلَم، وهي الدَّاهِيَة التي تَستَأصِل كُلَّ شيء كَاَنَّها فِتنَة قَطَّاعة، وهي من الصَّرمِ بمعنى القَطع، والياءُ زَائِدَة(3) ، ويقول الشيخ الصدوق رحمه الله تعالى في معنى الصيلم : الأمر الشديد والداهية القاطعة التي سوف تستعمل سلاحاً قاطعاً له لهب كلون العقيق ، وهذا معنی قوله وتظهر الديلم بالعقيق والصيلم ويؤكد معنى (العقيق والصيلم) أنه السلاح القاطع ذو اللهب الأحمر كلون العقيق أرجوزة كعب بن مالك في حرب خيبر (معي حسام کالعقيق عضب)(4) وذلك عندما خرج مرحب اليهودي مناديا للمبارزة، وكان يفتخر بنفسه وقوة جسده قائلاً:

قد علمت خیبُرانّي مرحبُ

ص: 120


1- نهاية الأرب في فنون الأدب : ج1، ص57
2- لسان العرب : ج12، ص 204
3- تاج العروس : ج17، ص410
4- الحسام : هو السيف، والعضب : هو القاطع: نهاية الأرب في فنون الأدب : ج17، ص252

أطعن أحياناً وحيناً أضربُ

شاكي السلاح بطلٌ مجرّبٌ

إذا الليوث أقبلت تحرّبُ

إنّ حماي للحمى لا يقربُ

ثم يقول : هل من مبارز؟ فأجابه کعب بن مالك وهو يقول :

قد علمت خیبر أنی کعبُ

مفرّج الغمّ جريءٌ صُلبُ

إذ شبّتِ الحربُ تليها الحربُ

معي حسامٌ کالعقيقِ عضبُ(1)

نطاكُمُ حتى يذال الصعبُ

نعطي الجزاء أو يفيء النّهبُ

بکفِّ ماضٍ ليسَ فيهِ عَتبُ

ومما تقدم يفهم أنّ سلاح الديلم سيكون سلاح هذا الزمان الصواريخ والقذائف ذات اللهب الأحمر القاطع الفاتك.

«وولاية القصاح بعقب الفم الجناح»(2).

ص: 121


1- قال أبو ذر الخشني : العقيق هنا جمع عقيقة ، وهي شعاع البرق شبه السيف به ، شرح السيرة: ص 346
2- لم أعثر على معنى لغوي أو ادبي لهذا النص ، والسبب الخطأ في التصحيف والنسخ، إذ لا يمكن للإمام أمير المؤمنين ، أمير البلاغة والمتكلمين قول ما لم تلفظه العرب فلفظ قصاح لم تكن من ضمن قواميس اللغة حتى تعرف وتفهم

والظاهر من قوله هذا أنّ بعد ظهور الحندر والديلم بالعقيق والصيلم تظهر ولاية تشبه الولايات السابقة التي لا تمتّ بصلة إلى أهل بيت الوحي، حملت الكتاب وأهل العلم والمعرفة من غير ارتياب، إذ لا قرينة في البيان تدل على معرفة أهل الإيمان، ولا يوجد في النص ما يفيد في أمر الظهور الحتمي إلا اللّهم أنه من ضمن أخبار آخر الزمان ، فولايات كثيرة ظهرت ولم يكن منها السوء والضرر.

«وظهور آیات مقتربات في النواحي والجنبات».

وبهذا الذي تقدم من الأحوال والأهوال أصبح الأمر قطعاً ولزاماً يتطلب الظهور بآيات مقتربات، والمراد بالآيات المقتربات : القرب من ظهورها، واحدة تلوا الأخرى ، بمعنی آیات متقاربة في ظهورها متسارعة كحبات المسبحة في تواليها.

«وعمران الفسطاط بعين العرب والأقباط».

وقوله هذا يراد منه البناء والتعمير ، وترد كلمة العمران للتشيّد، كقول وهب بن منبه : (وما العُمران في الخراب إلا كفُسطاطٍ في صحراء)(1)،

أو كقول أبو إسحاق الثعلبي : (كان ما أنعم الله تعالی به عليهم أنهم قالوا لموسى في التّيه : أهلكتنا وأخرجتنا من العمران إلى مفاوز لا ظلّ فيها)(2).كما ترد كلمة الفسطاط على المدن كما سیمت مصر القديمة بالفسطاط(3) ، حيث أن كلمة الفسطاط تطلق على المدن أيضا(4)، والظاهر

ص: 122


1- لسان العرب: ج12، ص421
2- نهاية الأرب في فنون الأدب : ج12، ص257
3- عند وصف جريان النيل ومروره بمصر يشير إلى الفسطاط ، أي مصر العتيقة في عرفنا الآن. كما والسبب كذلك في تسمية مصر القديمة بالفسطاط أن عمرو بن العاص لما كان حاكما على مصر، واراد أن ينتقل إلى الإسكندرية كانت له خيمة يجمع فيها الحمام تركها على حالها وانتقل، فسميت مصر القديمة باسم الخيمة الفسطاط : نهاية الأرب في فنون الأدب : ج19، ص319
4- وقول الزمخشري يوضح أنّ الفُسطاط ضرب من الأَبنية في السفر دون السُرادق وبه سُميت المدينة: لسان العرب ج7، ص 372

من قوله عليه السلام : بناء مصر القديمة برعاية ومساعدة العرب والأقباط كما في قوله تعالى:

«وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ»(1)

فيفهم منه أنّ المراد بعين العرب هو برعاية العرب كما يفهم من قوله : «وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا» بمعنی برعايتنا، ومن خلال قرينة (العمران) يتضح المطلوب من الكلام، وأما الأقباط وهم نصارى الشرق(2)، الذين لهم دور في بناء مصر وتشييدها، حيث أنهم النصارى الذين كانوا يسكنون مصر القديمة، وكانوا قبل ذلك قوم لفرعون وعبدته وإنّ الذي قتله نبي الله موسى عليه السلام كان من الأقباط وكان الأقباط بوجه العموم يضطهدون الإسرائيليين، ويحسبونهم خدماً لهم وعبيداً(3)، وعند مجيئ الإسلام خاطبهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

« بسم الله الرحمن الرحیم نسخة العهد الموهوبة من نبي الله محمد لطوائف النصارى القبط والسريان اليعقوبية بمصر، وأقاليمها وفي كل مكان من أقطار الأرض»(4).

ص: 123


1- هود : 37
2- حرمة ذبائح أهل الكتاب : ص 52
3- تفسير الكاشف : لمحمد جواد مغنية، ج6، ص55
4- مکاتیب الرسول : ج3، ص 75

«ويخرج الحائك الطويل بأرض مصر والنيل» .

قال سلمان : فقلت : وما الحائك الطويل؟ قال :

«رجل صعلوك، ليس من أبناء الملوك، تظهر له معادن الذهب، ويساعده العجم والعرب ، ويأتي له من كل شيء حتى يلي الحسن»(1).

والحائك : هو الرجل الملعون الماكر؛ حيث ذكر الحائك عند أبي عبد الله الصادق عليه السلام وأنه ملعون فقال عليه السلام:

«إنما ذلك الذي يحوك الكذب على الله ورسوله»(2).

وما زال حال مصر يشهد تجاذبات كثيرون، وقد خرج فيها حکام کثير، لم يشهد التاريخ أحداً صادقاً منهم مع الله ورسوله، ولربما ينتظر مصر خروج الحائك الطويل الذي تكلم عنه صلوات الله تعالى عليه. بمعنی یکون خروجه ضمن العلامات التي تسبق ظهور امام زماننا عجل الله تعالی له الفرج وعلو النصر.

«ويكون في زمانه العظائم(3) والعجائب، وإذا سار بالعرب إلى الشام، وداس بالبرذون(4) أرحام، وداس جبل الأردن واللكام(5)، وطار الناس من غشيته ، وطار

ص: 124


1- لعله تصحيف الحسني : قصر في دار الخلافة بغداد، أو الحسنا جبل قرب ينبع
2- الكافي : ج 2، ص 340
3- العظائم صفة للهمم: نهاية الأرب في فنون الأدب : ج8، ص134
4- قالت العرب : والخيل نوعان : عتيق وهو المسمى فرساً، وهجين وهو المسمّى برذوناً. والفرق بينهما أنّ عظم البرذون أغلظ من عظم الفرس؛ وعظم الفرس أصلب وأثقل من عظم البرذون؛ والبرذون أحمل من الفرس، والفرس أسرع من البرذون ؛ والعتيق بمنزلة الغزال ، والبرذون بمنزلة الشاة : نهاية الأرب في فنون الأدب : ج10، ص19.
5- وجَبَلُ اللُّكَامِ هو: جبَل لُكامٍ معروف بناحية الشأم : لسان العرب لابن منظور: ج12، ص547. وأيضا يسمى هناك جبل لبنان. فإذا تجاوز اللاذقية ومر بالثغور، سمى جبل اللَّکَّام. ثم يمتدّ في بلاد الروم إلى بلاد أرمينية، فيسمى هناك حارثا وحویرثا. ثم يمتد إلى بحر الخزر، نهاية الأرب في فنون الأدب ج1، ص219.

السيل من جيشه، ووصل جبل القاعوس(1). في جيشه، فيجر به بعض الأمور، فيسرع الأسلاف»(2)

ولا بد من هذه الحوادث من الحروب والهرج والمرج والقتل وسفك الدماء وتضييع الحقوق وتشريد الناس عن مواطنهم، وكل ذلك يعّد من علامات الظهور.

وقوله عليه السلام: «فيسرع الأسلاف» أسراع الأسلاف بمعنی من تقدمه ومهد له يسرع إما لنيل الغنيمة من حركة وزحف الحائك الطويل والذي مرّ تعريفه وهو الكاذب المحتال ، وإما يكون الاسراع لنجدته ونصرته من أهوال ما يصنع.

«ولا يهنيه طعام ولا شراب حتى يعاود بأيلون»(3).

بمعنى الرجوع إلى مصر القديمة، وعندها نهاية هذه الحركة، فإما يموت الحائك الملعون وهو الماكر والمخادع، وإما خروج غيره عليه ونهاية حركته، كما هو المتعارف

ص: 125


1- قاعون : اسم جبل بالأندلس قرب دانية شاهق يرى من مسيرة يومين، والقاعوس لعله خطأ في النسخ: معجم البلدان ج 4، ص298
2- والسَّلَفُ، والسَّلِيفُ، والسُّلفَةُ: الجَماعَةُ المُتَقَدِّمون. وجَمعُ سَليفٍ: سُلُفٌ، بضمَّتَين، ومنه قراءة یحیی بن وَثَّابٍ: " فَجَعَلناهُم سُلُفاً قال الفَرَّاءُ :وزَعَمَ القاسِمُ أَنُّهُ سَمِعَ وَاحِدَهَا سَلِيفاً: تاج العروس : ج12، ص 283.
3- بأيلون : المراد في بعض النسخ بابلون أو بابليون وهو أسم من أسماء مصر القديمة على ما أعتمده السمعاني وغيره وإنما سميت مصر: بمصر بن حام بن نوح، وقيل مصراییم كذلك في التوراة واسم مصر في أول الدهر بابلون، وهو قصر عتیق مبني بالحجارة والجس بموضع يسمی محصبا هو قائم إلى اليوم : الأنساب للسمعاني: ج5، ص310.

والمتسالم عليه من خمود بعض الحركات بعد ظهورها بظهور و نشاط غيرها.

«وكثرة الآراء والظنون».

وقوله هذا أيضاً من علامات الظهور والتي تخص علامات آخر الزمان الذي حوادثه تسبق حوادث أيام الظهور المبارك، ومعنی کثرة الآراء والظنون أنّ الناس في آخر الزمان يعتمدون على الظنون من دون الاعتماد على القطع الذي هو طريق الوصول إلى الحق، وذلك بسبب الأهواء وكثرة الشبهات ، فضلاً عن استعمال المحرمات واتباع الشهوات ، بإضاعة الصلوات ، وإذا كثر الكلام قل العمل، ومن المتعارف والمشهود في أيامنا هذه كثرة المتكلمين ، ولكل متکلم رأيه وقوله، وبسبب كثرة المطالب وسعة مرافق الحياة وأعمالها وعمّالها تكثر الآراء وأغلبها ظنّية لا قطعية، أمثال القوانين الوضعية للحكومات، وحتى الآراء الفقهية ، هي طريق للحكم الواقعي وليست حكماً واقعياً ، كما أنّ بعضها يعتمد على الأدلة الظنية والملازمات العقلية، وكالأصول الأربعة الاستصحاب، والتخيير، والبراءة، والاحتياط والمطالب الفقهية والأصولية والآراء الاجتهادية والتطبيقية والعملية ، والفرعية ، والكلية والجزئية وما شابه ذلك كثير.

«ولا تعجز العجوز».

ومن العلامات قوله هذا، وإنه لواضح وبيّن كما هو حال نساء هذا العصر، بسبب كثرة المزينات ومواد التجميل وعمليات التجميل الجراحية وغيرها، وبسبب زهرة الدنيا وزهوها ترى حال العجائز كأنهن لسن كبيرات السن، وهذا طبعاً بالنسبة لغير المؤمنات ، حيث أن الجانب الفقهي في هذه المسألة هو الحرمة ، من قبيل حرمة الوشم وتغيير خلق الله كما في رواية أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

ص: 126

«الواشمة والموتشمة والناجش والمنجوش ملعونون على لسان محمد»(1) .

وشيد القصور».

وتشييد القصور من العلامات التي تسبق الظهور، والواضح في هذا القول أنّ الناس لم تعد ترضى وتقنع بالقليل والبيت البسيط إلا ما ندر، وحال الناس في طلب التشييد يكاد يكون على قدم وساق، كما أخبر بذلك سبحانه وتعالى :

«لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ»(2).

«وعمر الجبل الملعون».

الجبل الملعون هو أحد جبال مصر كما حدّث بذلك هانئ بن المتوكل عن ابن لهيعة ورشيد بن سعد عن الحسن بن ثوبان عن حسين بن شفي الأصبحي عن أبيه شفي بن عبيد أنه لما قدم مصر وأهل مصر قد اتخذوا مصلی بحذاء ساقية أبي عون التي عند العسكر فقال : ما لهم وضعوا مصلاهم في الجبل الملعون وتركوا الجبل المقدس قال الحسن بن ثوبان فقدموا مصلاهم إلى موضعه الذي هو به اليوم.

وعن ابن لهيعة عن أبي قبيل أنّ رجلاً سأل كعباً عن جبل مصر فقال إنه لمقدس ما بين القصير إلى اليحموم(3).

«و برقت برقة فردت».

والظاهر من قوله هذا أنّ الأسلحة الفتاكة التي تستعمل في الحروب لها بريق وضوء،

ص: 127


1- کتاب الكافي : ج 5 ص 599
2- الانشقاق : 19
3- فتوح مصر وأخبارها : ص267

ومما لا شك فيه أنّ لها ردة فعل، ولربما هي القنابل الهيدروجينية والفسفورية والنووية التي من الممكن أن تستعمل فيصدر منها بريق ، ولهذا البريق ردود فعل، أو ردة فعل، كما يقول صلوات الله تعالی علیه «برقة فردت» وذلك أنّ البرقة إذا برقت انکشف السحاب(1) ؛ فيكون ردة فعل البرق انکشاف السحاب .

«واتصل الأشرار بين عين الشمس وحلوان».

وما تزال أحداث مصر لها دورها في علامات آخر الزمان، وكثرة الشر في البلاد تسفر عن الشر في العباد وهذا مما لا شك فيه، فعين الشمس هي المدينة التي كانت الفرعون(2)، ومنها إلى منطقة حلوان، الحال الذي سيجعل الشر متصلا اتصال الأرض ببعضها مع البعض الآخر، وحدة المصالح، والطيور تقع على أشكالها، والناس على دین ملوكها.

«وسمع من الأشرار الأذان».

الأذان هو الإعلان(3) وفي قوله هذا احتمالان : الأول أن يكون الأذان الذي

يسمع من الأشرار هو الإعلام الكثير الذي تتصدى له القنوات الفضائية العديدة والتي أغلبها يعلن عن الشر دائماً، والاحتمال الثاني من أذان الأشرار هو الإعلان عن الحرب التي

ص: 128


1- لسان العرب : ج2، ص206
2- وكانت مدينة مصر في القديم تسمي عين الشمس ثم صار اسمها الفسطاط ، وهي تمتد من مصر إلى الإسكندرية ثلاثين فرسخاً وما وراء ذلك من حد المغرب وما فوق أسوان من حد النوبة وما فوق رفح من حد فلسطين وكان خراج مصر زمن فرعون ثمانية وعشرين ألف دينار وجباية بني أمية ألفي ألف وثمان مائة ألف دينار. البدء والتاريخ لأحمد بن سهل البلخي: ج4، ص 72
3- قال ابن الأثير: وقد ورد في الحديث ذكر الأذان، وهو الإعلام بالشيء ؛ يقال منه : آذَنَ يُؤذِن إيذاناً ، وأذَّنَ يُؤَذّن تأذِيناً، والمشدّدُ مخصوصٌ في الاستعمال بإعلام وقت الصلاة : لسان العرب ج13، ص12

لا ينتج منها إلا الشر والدمار، ومما يؤكد لنا ذلك ما يليه من قوله عليه الصلاة والسلام.

«فصعقت صاعقة ببرقة».

وهذا يفهم منه صاعقة القنابل وبريق المتفجرات في مدينة برقة(1) وأخرى ببلخ(2).

«وقاتل الأعراب(3) البوادي ».

وهذه الحرب التي ستجر الأعراب إلى الصحراء فيشتركون بالقتال، ولا بد لهم من ذلك حيث یکسر الله تعالى شوكتهم ويقطع دابر الكفر والنفاق بإبادتهم لأنهم كانوا كما قال عنهم عز وجل:

«وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ»(4)

وقال عز وجل:

«الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ»

ص: 129


1- وأما الإقليم الثالث. فمبدؤه من شرق أرض الصين، وفيه مدينة مملكتها حمدان وفيه من بلاد الهند تانش والقندهار، ومن بلاد السند المولتان و قزدار. ثم يمرّ ببلاد سجستان و کرمان وفارس، وأصبهان والأهواز والبصرة والكوفة وأرض بابل وبلاد الجزيرة والشام وفلسطين و بیت المقدس والقلزم والتّيه وأرض مصر والإسكندرية (وبلاد برقة) وإفريقيّة، وتاهرت وبلاد طنجة والسّوس وينتهي إلى البحر المحيط. نهاية الأرب في فنون الأدب ج1، ص211
2- وأما بلخ وما اختصت به فيقال : هي من أقدم البلاد وأخصّها بالملوك وهي شبيهة بالعراق وخراسان والهند. وإليها ينسب جیحون،فيقال : نهر بلخ. نهاية الأرب في فنون الأدب ج 1، ص 364
3- الاعراب والبداوة بفتح الباء وكسرها الإقامة في البادية وهو ضد الحضارة : مختار الصحاح : ص 31
4- التوبة : 90

«وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» «وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ»(1)

«وجرت السفياني(2) خيله».

وحركة السفياني ستكون بعد هذه الحرب، وخيله المراد بها الوسائل التي يرتكب هو وجيشه كالسيارات والناقلات والجرافات وما شابه ، مما هو متداول في زماننا هذا الذي تعد فيه وسائل النقل بمثابة الخيل أو كما تسمى دواب العصر.

«وجنّد الجنود، وبنّد البنود».

التجنيد جمع الجند وتهيئة الجمع للقتال والحرب والبنود هي النصوص المتفق عليها كما يعرف ببنود العقد، وفي تعريف البند ما يؤكد ذلك : (بند): البَندُ: العَلَمُ الكبِيرُ، فارسيٌّ معرّب، جمعه بُنُودٌ. وفي المحكم : مِن أَعلامِ الرُّوم، يكون للقائِد، يكون تحتَ کُلِّ علَمٍ عَشرَةُ آلافِ رَجلٍ أو أَقلّ أو أكثر. وقال الهُجَيميّ: البند: عَلَمُ الفُرسَانِ. وأنشد المفضّلُ : (جَاءُوا يَجرُّون البُنُود جَرّا)(3).

وله في هذا أمر عظيم إذ لا تكمل حركته ولا يتسع انطلاقه ما لم يثبت له بنود اتفاق وتعاهد وتعاقد مع الصليبيين وغيرهم ممن شابههم، حيث ورد أنه يعلق الصليب ويدعي الإسلام كما صرح بذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فعن

ص: 130


1- التوبة 97 - 99
2- السفياني هو: عثمان بن عنبسة من نسل ابو سفیان بن حرب الأموي، وسيأتي لاحقاً التعريف به أكثر
3- تاج العروس : ج4، ص366

الراغب أنه قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام :

«لا يموت ابن هند حتى يعلق الصليب في عنقه»(1).

وإن كانت بعض الروايات تشير إلى أنّ ابن هند هو معاوية فلا فرق بين السفياني وهو عثمان بن عنبسة وبين معاوية بن أبي سفيان لعنهم الله قاطبة .

«هناك يأتيه أمر الله بغته».

وأمر الله تعالى يكون بظهور الإمام المهدي صلوت الله تعالى عليه، وقد أخبر الشيخ المفيد برسالة أرسلها إليه، إذ أخبره بأن أمره بغتة، والكتاب ورد من الناحية المقدسة حرسها الله ورعاها في أيام بقيت من صفر سنة عشرٍ وأربعمائة إلى الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان قدس الله روحه ونور ضريحه، ومنه أي مما جاء فيه :

« فإن أمرنا بغتة فجأة حين لا تنفعه توبة ولا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة والله يلهمكم الرشد، ويلطف لكم في التوفيق برحمته نسخة التوقيع باليد العليا على صاحبها السلام»(2).

وكذلك ورد من الناحية المقدسة حرسها الله ورعاها كتاباً آخر بنفس التاريخ على يد أحد أصحابه يوصله ولم يُصرح باسمه، وذكر موصله أنه يحمله من ناحية متصلة بالحجاز، نسخته :

«للأخ السديد، والولي الرشيد، الشيخ المفيد، أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان أدام الله إعزازه ، من مستودع العهد المأخوذ على العباد».

ص: 131


1- شرح الأخبار : ج2، ص531
2- المزار: ص9

بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد: سلام عليك أيها الولي المخلص في الدين، المخصوص فينا باليقين فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، ونسأله الصلاة على سيدنا ومولانا ونبينا محمد وآله الطاهرين، ونعلمك - أدام الله توفيقك لنصرة الحق، وأجزل مثوبتك على نطقك عنا بالصدق - أنه قد أذن لنا في تشريفك بالمكاتبة، وتكليفك ما تؤديه عنا إلى موالينا قبلك، أعزهم الله بطاعته ، وكفاهم المهم برعايته لهم وحراسته ، فقف أيدك الله بعونه على أعدائه المارقين من دينه على ما أذكره، وأعمل في تأديته إلى من تسكن إليه بما نرسمه إن شاء الله.

نحن وإن كنا ناوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين ، حسب الذي أراناه الله تعالی لنا من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين ، فإنا نحيط علما بأنبائكم، ولا يعزب عنا شيء من أخباركم، ومعرفتنا بالذل الذي أصابكم من جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعاً، ونبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون.

إنّا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء أو اصطلمكم الأعداء فاتقوا الله جل جلاله وظاهرونا على انتیاشکم من فتنة قد أنافت عليكم يهلك فيها من حم أجله ويحمى عنها من أدرك أمله ، وهي أمارة لأزوف حرکتنا ومباثتكم بأمرنا ونهينا، والله متم نوره ولو كره المشركون. اعتصموا بالتقية ! من شب نار الجاهلية ، يحششها عصب أموية ، يهول بها فرقة مهدية ، أنا زعيم بنجاة من لم يرم فيها المواطن، وسلك في الطعن منها السبل المرضية ، إذا حل جمادى الأولى من سنتكم هذه فاعتبروا بما يحدث فيه، واستيقظوا من رقدتكم لما يكون في الذي يليه . ستظهر لكم

ص: 132

من السماء آية جلية، ومن الأرض مثلها بالسوية، ويحدث في أرض المشرق ما يحزن ويقلق، ويغلب من بعد على العراق طوائف عن الإسلام مراق، تضيق بسوء فعالهم على أهله الأرزاق، ثم تنفرج الغمة من بعد ببوار طاغوت من الأشرار، ثم يستر بهلا که المتقون الأخيار، ويتفق لمريدي الحج من الآفاق ما يؤملونه منه على توفير عليه منهم واتفاق، ولنا في تيسير حجهم على الاختيار منهم والوفاق شأن يظهر على نظام واتساق. فليعمل كل امرئ منكم بما يقرب به من محبتنا، ويتجنب ما يدنيه من كراهتنا وسخطنا ، فإن أمرنا بغتة فجأة حين لا تنفعه توبة ولا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة . والله يلهمكم الرشد، ويلطف لكم في التوفيق برحمته.

نسخة التوقيع باليد العليا على صاحبها السلام، هذا كتابنا إليك أيها الأخ الولي ، والمخلص في ودنا الصفي، والناصر لنا الوفي ، حرسك الله بعينه التي لا تنام، فاحتفظ به ! ولا تظهر على خطنا الذي سطرناه بما له ضمناه أحدا ! وأدّ ما فيه إلى من تسكن إليه، وأوص جماعتهم بالعمل عليه إن شاء الله ، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين»(1).

الظاهر من هذه الرسالة أنّ الإمام المهدي عجل الله تعالی فرجه المبارك ، يخبر عن حوادث تلك السنة وما بعدها وينبه على أخذ الحيطة والحذر من تداعيات الفتن.

«لغلبة الأوباش(2)، وتعيش المعاش»..

وجعل الله تعالى هذا التقدير أن تكون للإمام المهدي غيبة وظهور مباغت بسبب غلبة الأوباش وهم اللقطاء من البغاء وهم القتلة والسفلة، وعندما تكون الغلبة لهم يضيق

ص: 133


1- الاحتجاج : ج2، ص324
2- الأوباش : الأخلاط، والسفلة : القاموس المحيط للفيروز آبادي، ج2، ص292

على الناس المعاش، وهم من يفتعلون الأزمات الاقتصادية حتى تصبح حياة العباد حرجة ومعاشهم ضيقاً، أو الأزمات الأمنية من اضطراب النظام والفوضى حتى تصبح حياة الناس في قلق وتدهور.

«وتنتقص(1) الأطراف(2)» .

وبسبب كثر الأوباش وانتشارهم تنقص الأشراف، وينتقص من حقهم.

«ویکثر الاختلاف».

وقوله هذا التام الوضوح، فكثرة الاختلاف بسبب كثرة المطامع، والمزاعم من جانب، ومن جانب آخر فإن كثرة الآراء تسبب الاختلاف، ومن وضوح هذا القول ما نلحظه من اختلاف الآراء بسبب القوانين الوضعية للحكومات في العالم أجمع وحتى في المسائل الفقهية، فإن كثرة الآراء راجع إلى أنّ المسائل الفقهية هي طريق للحكم الواقعي وليست حكماً واقعياً.

«وتخالفه طليعة(3) بعين طرطوس(4) ».

ص: 134


1- والنقيصةُ: الوَقيعةُ في الناس، والفِعل الانتِقاصُ، وكذلك انتِقاصُ الحقّ ؛ وأَنشد : وذا الرَّحم لا تَنتَقِص حقَّه*** فإِنَّ القَطِيعَة في نَقصه : لسان العرب ج 7 ص 101
2- وقال الفرزدق : واسأَل بنا وبكم إذا ورَدَت مِنِّى*** أطرافَ كلِّ قَبِيلةٍ مَن يُمنَعُ يريد أَشراف كل قبيلة . قال الأزهري : الأَطراف بمعنى الأَشراف جمع الطرَفِ أيضاً ؛ ومنه قول الأًعشى : هم الطُّرُفُ البادُو العدوّ وأنتُمُ*** بقُصوى ثلاثٍ تأكلون الرَّقائِصا قال ابن الأعرابي : الطُّرُفُ في هذا البيت بيت الأعشی جمع طريف، وهو المُنحَدِر في النسب، قال : وهو عندهم أَشرف من القُعدُد. وقال الأصمعي : يقال فلان طَريفُ النسب والطَّرافة فيه بَيِّنة وذلك إذا كان كثير الآباء إلى الجدّ الأَكبر: لسان العرب: ج9، ص218
3- والطَّلِيعةُ : القوم يُبعثون لمطالَعةِ خبر العدوّ، والواحد والجمع فيه سواء. وطَلِيعةُ الجيش : الذي يَطلُع من الجيش يُبعث لِيَطَّلِعَ طِلعَ العدوّ، فهو الطّلعُ، بالكسر ، الاسم من الاطّلاعِ. تقول منه : اطّلِع طِلعَ العدوّ. وفي الحديث : أنه كان إذا غَزا بعث بين يديه طَلائِعَ ؛ هم القوم الذين يبعثون ليَطَّلِعُوا طِلع العدوّ کالجَواسيسِ، واحدهم طليعةٌ، وقد تطلق على الجماعة، والطلائع : الجماعات ؛ قال الأزهري : وكذلك الرَّبِيئةُ والشَّيِّفةُ والبَغِيَّةُ بمعنى الطَّلِيعةِ ، كل لفظة منها تصلح للواحد والجماعة، لسان العرب : ج8، ص237
4- طرطوس : بوزن قربوس : بلد بالشام مشرفة على البحر قرب المرقب وعکا، معجم البلدان لياقوت الحموي ج4، ص30

وقوله هذا يشير إلى سبب من أسباب نهاية حركة السفياني حيث أنّ الاختلاف بينهم سبب لهلاكهم، ومخالفة الطليعة إما تكون بسبب الانشقاق عنه، وإما بسبب أنّ أهل طرطوس يختلفون معهم عقائدياً ومذهبياً وعرقياً أو لاحتمال آخر وهو قتالهم وانكسارهم في طرطوس.

«وبقاصية أفريقية(1) ».

وفي الوقت الذي تخالفه طليعة في طرطوس ، تنشق عنه أخرى في قاصية أفريقية، وهذا يدل على سعة الحركة السفيانية وامتدادها في الآفاق.

«من النيل والأكمات(2)».

والمراد من النِّيل هو من يسكن على ضفافه وبجواره إذ مما لا يخفى وجود كثير من

ص: 135


1- القاصية : من النواحي البعيدة بأفريقية : تاریخ ابن خلدون، ج9 ص249
2- أكم: الأكَمَةُ: معروفة، والجمع أكَماتٌ وأكَمٌ، وجمع الأكَمِ إِكامٌ مثل جَبَلٍ وجِبالٍ، وجمع الإكام أُکُم مثل کتابٍ وكَتُبٍ، وجمع الأُكُم آکامٌ مثل عُنُقٍ وأَعناقٍ، كما تقدم في جمع تمرة لسان العرب : ج12، ص20

الحركات والأحزاب ممن تبغض علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وأهل بيته صلوات الله تعالى عليهم أجمعين. وكيف لا يكون ذلك وقد كان لمعاوية بن أبي سفيان ، وعمروا بن العاص دور كبير في الفجور وزرع الفتن وبغض أهل البيت عليهم السلام، حتى لعنهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم. كما روى في ذلك ابن عباس قال : سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوت رجلين يغنيان وهما يقولان:

ولا يزال حواري يلوح عظامه*** روى الحرب عنه أن يجن فيقبراً

فسأل عنهما فقيل معاوية وعمرو بن العاص فقال :

«اللهم اركسهما في الفتنة ركسا ودعهما إلى النار دعا»(1).

«وقعات ذات رسون(2)، ومنابت اللون».

ص: 136


1- المعجم الكبير للطبراني : ج 11، ص 32، كما في تاريخ بغداد و تاريخ مدينة دمشق ومروج الذهب كثير لمن يريد أن يطلع
2- رسن : الرَّسَنُ: الحبل. والرسن: ما كان من الأَزِمَّة على الأنف، والجمع أرسانٌ وأرسُنٌ، فأما سيبويه فقال : لم يكسَّر على غير أفعال. وفي المثل : مَرَّ الصَّعاليكُ بارسان الخيل ؛ يضرب للأمر يسرع ويتابع . وقد رَسَنَ الدَّابة والفرس والناقة يرسِنُها ويَرسُنُها رَسناً وأرسَنَها، وقيل: رسنها شدها، وأرسنها جعل لها رسنا، وحَزَمتُه: شددت حِزامه، وأحزمته: جعلت له حزاماً، ورَسَنت الفرس، فهو مَرسُون ، وأرسنته أيضاً إذا شددته بالرَّسَنِ. قال ابن مقبل : هَرِيتٌ قَصِيُر عِذَارِ اللِّجَام*** أَسِيلٌ طَوِيلُ عِذارِ الرَّسَن قوله : قصير عذار اللجام ، يريد أن مَشَقَّ شدقَيه مستطيل ، وإذا طال الشَّق قصر عذار اللجام، ولم يصفه بقصر الحد وإنما وصفه بطوله بدليل قوله : طویل عذار السن. وفي حديث عثمان : وأجررت الرسون رسنه ؛ المرسون: الذي جعل عليه الرسن وهو الحبل الذي يقاد به البعير وغيره ؛ ويقال : رسنت الدابة وأرسنتها ؛ وأجررته أي جعلته يجرّه: لسان العرب ج13، ص180.

ومن قوله هذا، ومن خلال معنى الرسون ومصدر الكلمة (رسن) نفهم حجم المعارك ومقدار الانخراط في صفوف حركة السفياني حيث أنهم كالدواب في ارتباطهم به، وأنّ وقع حربه وأضرارها يجر بعضها بعضاً وهذا معنى قوله (ذات رسون) (بعمران بني حام بالقمار الأدغام) ومن قوله هذا نفهم أنّ لبني حام دوراً كبيراً في الفساد والقتل باشتراكهم بحركة السفياني، إذ أنّ لعنة نبي الله نوح عليه السلام على ولده حام ماتزال تلاحق ذريته حتى ذلك اليوم المعلوم الذي به خلاص العالم أجمع من شر بني أمية واتباعهم، وفي ذلك يخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :

«لا تفرحوا بجلب بني حام الملعونين على لسان نوح عليه السلام والذي نفسي بيده، لكأني بهم كالشياطين قد داروا بين رايات الفتن، لهم همهمة وزمزمة، تهب السماء من أعمالهم، وتعج الأرض من أفعالهم، لا يروعون عن حرمة ذمتي ولا ملتي، ألا فمن أدرك ذلك الزمان، فليبك على الإسلام إن كان باكية»(1).

وفعلهم هذا يكشفه قول أمير المؤمنين عيله السلام «بالقما(2)ر الأدغام(3)»، فمن

ص: 137


1- کنز العمال : ج11، ص178
2- قُمريٍّ وقَماري، وهو الشر والأمر العظيم ؛ أقول وهذا من الامثال التي تضرب : لسان العرب لأبن منصور: ج4، ص40؛ وكذلك في بيان معنى القمار: الجوهري : القُمريُّ منسوب إلى طير ٍقُمرٍ، وقُمرٌ إما أن يكون جمع أَقمَرَ مثل أَحمَرَ وحُمرٍ، وإما أن يكون جمع قُمريٍّ مثل رُومٍّي ورومٍ وزِنجِيٍّ وزِنجٍ : لسان العرب : ج5، ص115
3- [دغم] دغمهم الحر، ودغمهم أيضا بالكسر، وأدغمهم، أي غشيهم. والأدغم من الخيل : الذي لون وجهه وما يلي جحافله يضرب إلى السواد مخالفا للون سائر جسده وهو الذي تسميه الأعاجم دیزج، والأنثى دغماء بينة الدغم، عن الأصمعي. والشاة دغماء. وفي المثل : الذئب أدغم لان الذئب ولغ أو لم يلغ فالدغمة لازمة له، لأن الذئاب دغم، فربما اتهم بالولوغ وهو جائع. يضرب هذا مثلا لمن يغبط بما لم ينله. والدغمان بالضم، من الرجال : الأسود. وأدغمت الفرس اللجام، إذا أدخلته في فيه. ومنه إدغام الحروف. يقال : أدغمت الحرف وادغمته ، على وزن افتعلته. والدغم: كسر الانف إلى باطنه هشما.

خلال فعل الحرام، وهم أهل لعنة على لسان نبي الله نوح عليه السلام عندما لعن ولده حام وبنیه فأصابهم الدغم وهو السواد الداكن، يتضاعف الشر على الناس.

«وتأويل العين، وفي نسخة اللعين بالفسطاط».

تقدم الكلام والتعريف بالفسطاط ومنه اسم لمدينة مصر، هذا إذا اعتمدنا على القول الوارد في النص وهو (اللعين) وليس (العين)، إذ لا معنى للجملة إذا كانت (وتأويل العين بالفسطاط) بينما لو أخذنا هذه الجملة (وتأويل اللعين بالفسطاط) يكون الكلام أقرب للفهم، وهذا مما لا شك فيه ، فحرب الإمام علي بن أبي طالب وأولاده الأحد عشر صلوات الله عليهم ومن والاهم وتبعهم على التأويل، وبهذا صرح النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ قال:

«إنّ منكم من يقاتل بعدي على التأويل كما قاتلت على التنزيل» .

فسُئل النبي صلى الله عليه وآله من هو؟ فقال :

«خاصف النعل».

يعني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال عمار بن یاسر: قاتلت بهذه الراية مع رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثاً وهذه الرابعة، والله لو ضربونا حتی يبلغوا بنا السعفات من هجر(1) لعلمنا أنّا على الحق وأنهم على الباطل. وكانت السيرة

ص: 138


1- السعفات جمع سعفة وهي أغصان النخل. والهجر -بالتحريك -، بلدة باليمن واسم لجميع أرض البحرين. (القاموس) وقال البكري في المعجم: هجر - بفتح أوله وثانيه -: مدينة البحرین معروفة وهي معرفة لا تدخلها الألف واللام انتهى. وإنما خص هجر لبعد المسافة أو لكثرة النخل بها. کتاب الكافي للكليني، ج5، هامش ص12.

فيهم من أمير المؤمنين عليه السلام ما كان من رسول الله صلى الله عليه وآله في أهل مكة يوم فتح مكة فإنه لم يسب لهم ذرية وقال :

«من أغلق بابه فهو آمن ومن ألقى سلاحه فهو آمن».

وكذلك قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه يوم البصرة إذ نادى فيهم:

«لا تسبوا لهم ذرية ولا تجهزوا على جريح ولا تتبعوا مدبراً ومن أغلق بابه وألقى سلاحه فهو آمن»(1).

ولمصر دور في تصدير الباطل من خلال الحكومات التي أحكمت قبضتها على الدين فصيّرت الناس ودينهم في مسلك خدمة المصالح الدنيوية والرئاسية مما يثبّت لهم حكمهم ویدیم لهم سلطانهم كما هو حال القضاة والمفتين في كل زمان، وهذا بيّنٌ واضح، فمن يستطيع أن يقول كلمة الحق عند سلطان جائر یکتب مجاهداً بأفضل وجوه الجهاد ، ومن هو على خلاف ذلك فهو شيطان أخرس، وقد جر التأويل كثيراً من العباد والبلاد إلى الويلات كما هو حال البلاد في زماننا هذا فقد فتحت عناوین براقة وشعارات كاذبه تُستخدم الجرائم، وتباح المحرمات ، وتتبدل النعم إلى كفر كما قال الله تعالی :

«أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ»«جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ»(2)

ثم يقول عليه السلام أنّ هذا التأويل سيصدر أيضاً من (البريت(3)) وهو الأرض الخالية

ص: 139


1- کتاب الكافي ج5، ص12
2- ابراهيم : 28 - 29
3- أبو عبيد : البِرِّيتُ المستوي من الأرض ؛ وقال الليث : البِرِّيتُ اسم اشتق من البَرِّيَّة، ويقال الحَزن البِرِّيتُ أرضان بناحية البصرة: لسان العرب : ج2، ص10

على ما ورد في بعض النسخ بينما قوله (من التربت) لا معنى له وخصوصاً إذا حذفنا ألف الام التعريف من الكلمة فإنها تصبح بمعنى آخر لا ينسجم مع استرسال الكلام ونظم السياق الموصل إلى المعنى المفهوم في الجملة، وهذا هو المتعارف عن كلمات الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام؛ الاسترسال في البيان وتمام المعني، فقوله :

«من البريت من غير العرب ، والأقباط بأديجة الديباج» .

يفهم منه هذا المعنى : من الأرض الخالية من غير العرب وهم من يسكن أرضاً خالية ويكون له دور في التأويل، بمعنى آخر كثير من غير العرب سكنوا الأراضي الخالية المستوية وصار لهم قرارات على مفاهيمهم ومعتقداتهم ومصالحهم مما سمحت لهم ومكنتهم من استعمار الأرض وعقول الرجال ، كما يقول الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام :

«وكَم مِن عَقلٍ أَسِيرٍ تَحتَ هَوَى أَمِيرٍ»(1).

وما المستبعد في ذلك بل هو الواقع، فنزول القوات الأمريكية والأوربية في صحراء البصرة وغيرها من الأراضي المستوية والرملية، وتصدير القرارات المؤولة بما يخدم المصالح الاستعمارية، لواضح في زماننا هذا، كصنيعة الوهابية وزرع الفكر التكفيري ، وعنوان الإرهاب على الإسلام وقتل الأبرياء ونهب الأموال وغير ذلك ومن المساوئ والويلات التي أدرجت تحت العناوين المزيفة والتي أوّلت إلى شعارات وطنية ودينية .

ويؤكد لنا فهم ذلك ما يلي من عبارته صلوات الله تعالى عليه :

ص: 140


1- نهج البلاغة : قصار الكلمات: ص506

«والأقباط بأديجة الديباج(1)».

وللمظاهر دور فعال في التأثير على الناس ، فالناس عقولهم بأعينهم، أضف إلى ذلك قوله تعالی :

«كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى»«أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى»(2)

فالنصارى وكثرة أموالهم تدفعهم إلى فعل ما يريدون وما يؤولون، إذ المصالح المادية فوق الاعتبارات الدينية، ولم يكن بوسعهم الإفصاح عن بواطن أمورهم العقائدية التي تحمل الحق وتدفع الشبهات ، کشبهة صلب نبي الله عیسی بن مریم علیه السلام التي كشفها الله تعالى بقوله :

«وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا»«بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا»(3)

أو الإفصاح عن الذي جاء من التبشير في بعض الأناجيل كما ورد في الإصحاح الخامس عشر: 26. (ومتی جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الأب روح الحق الذي من عند الأب ينبثق ، فهو يشهد لي. وقد ورد في النسخة الأصلية اسم النبي الذي

ص: 141


1- ودِيباجٌ صَفيقٌ غَليظٌ حَسَن يُعمَلُ بالذَّهَبِ وبه فُسِّرَ قوله تعالى : ( «عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ»أو ثِياب حَريرٍ صِفاق نَحوُ الديباج وهو قول ابن دُرید وقِيلَ : هو ما غَلُظَ من الحَرِيرِ والإِبرِيسَم، قاله ابن الأثير أو قِدَّة حمراء : تاج العروس للزبيدي ج13، ص 33.
2- العلق : 6 - 7
3- النساء : 157 - 158

وعدهم عيسى بأن ربه سوف يرسله (بارقليطا) أو (برکلیتوس) وترجمتها المحمود والأحمد، ولكن المترجمين غيروها إلى (المعزي) !. وهذه الحقيقة ظهرت في إنجيل برنابا ، فقد جاء في الفصل الثاني عشر بعد المائة : فاعلم یا برنابا إنه لأجل هذا يجب التحفظ وسيبيعني أحد تلاميذي بثلاثين قطعة من نقود وعليه فإني على يقين من أن من يبيعني يقتل باسمي لأن الله سيصعدني من الأرض وسيغير منظر الخائن حتى يظنه كل أحد إياي ومع ذلك فإنه لما يموت شر ميتة أمکث في ذلك العار زمنا طويلا في العالم ولكن متى جاء محمد رسول الله المقدس تزال عني هذه الوصمة)(1).

وكما قال تعالى في القرآن الحكيم :

والله «وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ»(2)

وهذا الإفصاح مما لا شك فيه لا ينسجم مع تمشية المصالح الشخصية. (وهناك تقبل رايات مغربية ، أو مشرقية ، فأعلنوا الفتنة في البرية ، يا لها من وقعات طاحنات) لتدعم

حركة السفياني وتمدّه بالرجال والأموال، ويسانده الغرب والشرق، فأما الرايات المغربية فهي الحكومات الصليبية والعلمانية الغربية التي تحمل العداء للإسلام وإن لم يكن واضحاً معلناً، إلا إنه في واقعه وحقيقته قائم فعّال، وأما الرايات المشرقية فهم حكام الخليج العربي وسكان الجزيرة العربية، مما يسبب الهلاك والإبادة الجماعية والتطهير العرقي وما شابه ذلك مثل قوله عليه السلام:

ص: 142


1- مقدمة في أصول الدين : للشيخ وحيد الخرساني: هامش ص 124
2- الصف : 6

«ودروس(1) المعابر، وتأديب المسكوب(2)، على السن المنصوب(3) »

والظاهر من قوله هذا وفق ما يفصحه معنی (المسكوب، والمنصوب) والله العالم ومولانا أمير المؤمنين صاحب القول : أنّ المسكوب هو الرجل الطويل؛ ومن المحتمل أن يكون حاكم العراق المدعو (صدام)، وتأديبه إما قتله على منصة منصوبة كأن تكون مشنقة يعلق عليها لقتله، وقد يكون احتمالاً آخر أن تأديب المسكوب على السن المنصوب هي منصة المحاكمة التي أجريت له ولأعوانه، ولعل هناك من يعترض على هذا التعليل لماذا اختیار (صدام) حاكم العراق واعوانه دون غيرهم؟! ؛ والجواب أنه حدث في العالم العربي والغربي ما لم يكن حدوثه متوقعاً بهذه الطريقة الشافية للقلوب ، وقد يكون المعني بالتأديب هو محاكمة حاكم مصر حسني مبارك، والملفت للنظر، هو من الذي كان في تصوره أن يأتي يوم على الحكام يؤدبون على منصة منصوبة، وتحطم تماثيلهم المسكوبة والمصبوبة على المنصات المنتشرة في البلاد، وماربك بظلام للعبيد :

«وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ»(4)

ص: 143


1- درس : دَرَسَ الشيءُ والرَّسمُ يَدرُسُ دُرُوساً : عفا. ودَرَسَته الريح، يتعدَّى ولا يتعدَّى، ودَرَسه القوم : عَفَّوا أَثره. والدَّرسُ : أَثر الدِّراسِ. وقال أبو الهيثم : دَرَسَ الأَثَرُ یَدرُسُ دُروساً و دَرَسَته الريحُ تَدرُسُه دَرساً أي محَته؛ ومن ذلك دَرَستُ الثوبَ أَدرُسُه دَرساً، فهو مَدرُوسٌ ودَرِیسٌ، أي أَخلَقته، لسان العرب : ج6، ص 79
2- مسکوب. والسكب مسكوب. والسكب : الطويل من الرجال ، والهطلان الدائم، کالأسكوب ، وضرب من الثياب ، ومن الخيل : الجواد قاموس المحيط ج1، ص83
3- السِّنِّ المستهيئة للنظر أي قَدَّرُوا وقایسوا وانظروه وافكروا فيه : لسان العرب ج 5، ص76
4- الحج: 40

(باقصاح)، وفي قول : (افصاح) وهو الأوفق في استرسال الكلام، وأقرب للفهم، حيث لم نعثر على معنى في اللغة لكلمة (اقصاح)، بينما يكون اللفظ هكذا :

«بإفصاح رأس العلم والعمل في الحرب بغلبة بني الأصفر(1) على الان عاد، وقع المقدار، فما يغني الحذر» .

وعلى قول:

«على الا نعار(2) وقع المقدار فما يغني الحذر» .

وهذا أقرب للفهم والمطابقة مع الواقع فمما هو معروف أنّ الروم هم بنو الأصفر، إذ من خلال نعراتهم وتصفياتهم العرقية للشعوب، واحتلالهم الأمم فما يغني الحذر، وكما بيّنه عليه السلام بقوله :

«هناك تضطرب الشام، وتنصب الأعلام، وتنتقص التمام، وسد غصن الشجرة الملعونة الطاغية».

والشجرة الملعونة في القرآن هم بنو أمية فعن عبد الله بن جعفر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وقد سئل عن هذه الآية :

ووالله لنا لك«وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا»(3)

ص: 144


1- یعنی أهل الروم لان أباهم أصفر اللون. كتاب الخصال للشيخ الصدوق، هامش ص378
2- إذا رأيت نُعَرَةَ الناس ولا تستطيع أن تُغَيِّرَها فدَعها حتى يكون الله يغيرها أي كِبرَهُم وجهلهم: لسان العرب، ج5، ص222
3- الإِسراء : 60

فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

« إني رأيت اثني عشر رجلا من أئمة الضلالة يصعدون منبري وينزلون، يردون أمتي على أدبارهم القهقرى، فيهم رجلان من حيين من قریش مختلفين تيم وعدي ، وثلاثة من بني أمية، وسبعة من ولد الحكم بن أبي العاص».

وسمعته يقول :

«إن بني أبي العاص إذا بلغوا ثلاثين رجلاً جعلوا كتاب الله دخلاً وعباد الله خولاً ومال الله دولاً»(1).

«فهنالك ذل شامل، وعقل ذاهل، وختل(2) قابل، ونبل ناصل(3)، حتى تغلب

ص: 145


1- کتاب سلیم بن قیس الهلالي : ص 361
2- ختل : الخَتلل : تَخادُعٌ عن غَفلَةٍ. خَتَله يَختُله ويَختِله خَتلاً وخَتَلاناً وخاتَله : خَدَعه عن غَفلة ؛ قال رویس: دَهَاني بِسِتٍّ كُلُّهنَّ حَبِيبةٌ*** إِلىَّ وكان الموتُ ذا خَتَلانِ والتَّخاتُلُ: التَّخادُع. أبو منصور : يقال للصائد إذا استتر بشيء ليَرمِيَ الصيد دَرَی وخَتَل الصيد. والمُخاتَلة : مَشيُ الصيّاد قليلاً قليلاً في خُفية لئلا يسمع الصيدُ حِسَّه، ثم جُعل مثلاً لكل شيء وُرِّي بغيره وسُتِر على صاحبه ؛ وأنشد الفراء: حَنَتني حانياتُ الَّدهرِ حتى*** كأني خاتِل يَدنو لصَيد قریب الخَطوِ يَحسَبُ مَن*** رآني ولَستُ مُقَيَّداً أَني بقَيد أي كَبِرت وضَعُفَت مِشيتي. وفي الحديث : من أَشراط الساعة أن تُعَطَّل السيوف من الجهاد وأن تُختَلَ الدنيا بالدين أي تطلب الدنيا بعمل الآخرة ، من خَتَله إِذا خَدَعه. وفي حديث الحسن في طُلَّاب العلم : وصِنف تَعَلَّموه للاستطالة والخَل أي الخِدَاع. لسان العرب ج 11 ص 199
3- ويقال : سهم ناصِل إذا خرج منه نَصلُه، ومنه قولهم: ما بَلِلتُ من فلان بأَفوَقَ ناصُلٍ أي ما ظفِرت منه بسهم انكسر فُوقُه وسقط نَصلُه وسهم ناصِل : ذو نَصل، جاء بمعنيين مَتَضادَّين. الجوهري : ونَصَل السهمُ إذا خرج منه النَّصل ؛ ومنه قولهم : رَماه بأَفوَقَ ناصِلٍ ؛ قال ابن بري : ومنه قول أَبي ذؤيب : قَحُطَّ عليها والضُّلوعُ كأَنها***من الخَوفِ أَمثالُ السِّهام النَّواصِلِ لسان العرب ج 11 ص 663 ، وكذلك في مجمع البحرين للطريحي ج 5 ص 484: والنصل: حديدة السهم والرمح والسكين والسيف ما لم يكن له مقبض. والجمع : نصول ونصال

الظلمة على النور، وتبقى الأمور من أكثر الشرور، هنالك يقوم المهدي من ولد الحسين عليه السلام لا ابن مثله ، لا ابن، فیزیل الردي، ويميت الفتن» .

وقوله هذا يكشف عن ملامح ومعالم دولة العدل الإلهي والتي منها تزاحم الركب عنده للدرس والتعلم كما بيّن صلوات الله عليه :

« وتتدارس الركبتين ، هناك يقضى لأهل الدين بالدين »

قال سلمان رضي الله عنه : ثم انضجع ووضع يده تحت رأسه ، يقول :

«شعار الرهبانية القناعة»(1).

والمراد من القناعة ما بيّنه الإمام الحسن المجتبی علیه السلام عندما سأله الإمام أمير المؤمنين عليه السلام عن عدة مسائل ؛ ومنها سأله ما الغني؟ قال :

«قلة تمّنيك ، والرضا بما يكفيك»(2).

ومن القناعة الغني والاستغناء عن ما في أيدي الناس. وكما أوصی رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم أن يروي قال : وأروي : من قنع شبع، ومن لم يقنع لم يشبع(3).

ومما تقدم يكون قبل الساعة التي جعل الله جل ثناؤه لها شروطاً لابد لها أن تتحقق،

ص: 146


1- دلائل الإمامة : ص 475
2- شرح الأخبار : ص410
3- فقه الرضا لابن بابويه القمي، ص346

وقد بيّن ذلك عز وجل بقوله :

«فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ»(1) .

ومن الجدير بالذكر أنّ النظر إلى الساعة يختلف عن انتظارها، وهذا يدل على أنّ المراد من الساعة هو ظهور القائم لا ساعة القيامة الكبرى ، حيث أنّ ساعة القيامة الكبرى ينتظرها من هو في البرزخ وليس من هو في الدنيا ؛ إذ أنّ أهل الدنيا شغلتهم مطالبها وهم في غفلة عن القيامة معرضون، بينما أهل البرزخ ينتظرون الصيحة وساعة القيامة وحلول الطامة الكبرى. فكما أنّ لأهل البرزخ قیامة وساعة ينتظرونها ، فكذلك سيكون لأهل الدنيا ساعة ينظرون إلى حدوثها، ولكل ساعة أشراطها ، فمن شروط ساعة أهل البرزخ موت كل أهل الدنيا وكل ما فيها بصيحة واحدة وهو قوله تبارك تعالی :

«وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ»(2)

وحلول الفناء، ودائرة الفناء أوسع من دائر الموت لقوله تعالی :

و«كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ»«وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ»(3)

بينما شروط ساعة أهل الدنيا كثيرة فمنها قيام الإمام المهدي المنتظر صلوات الله تعالی عليه، ومنها خروج يأجوج ومأجوج وكسر السد الذي يحجزهم عن أهل الدنيا ، حتی

ص: 147


1- محمد : 18
2- الزمر 68
3- الرحمن : 26 - 27

تقترب الساعة يفتحه الله تعالى وذلك قوله عز وجل :

«حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ»(1).

وذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذي القرنين فعن جابر بن یزید الجعفي، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول :

«إنّ ذا القرنين كان عبداً صالحاً جعله الله عزّ وجل حجة على عباده ، فدعا قومه إلى الله وأمرهم بتقواه، فضربوه على قرنه فغاب عنهم زمانا حتى قيل : مات أو هلك بأي واد سلك، ثم ظهر ورجع إلى قومه فضربوه على قرنه الآخر، وفيكم من هو على سنته ، وإنّ الله عزّ وجل مكن لذي القرنين في الأرض ، وجعل له من كل شيء سببا ، وبلغ المغرب والمشرق، وإنّ الله تبارك وتعالی سيجري سنته في القائم من ولدي فيبلغه شرق الأرض وغربها حتى لا يبقي منهلاً ولا موضعاً من سهل ولا جبل وطئه ذو القرنين إلا وطئه، ويظهر الله عزّ وجل له كنوز الأرض ومعادنها، وينصره بالرعب ، فيملأ الأرض به عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً»(2).

ومن أشراط ساعة أهل الدنيا زلزالٌ فيه تذهل المراضع وتضع الحوامل من هول ما ينظرون وهذا واضح بيانه في قوله تعالی :

«يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ»«يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ»(3)

ص: 148


1- الأنبياء : 96
2- کمال الدین وتمام النعمة : ص 294
3- الحج: 1- 2

وهذا ما يؤكد لنا أنّ ساعة أهل الدنيا هي غير ساعة أهل البرزخ فالبرزخ هو أول منازل الآخرة وأهل الآخرة لا مرضع فيهم ولا حامل، إذ هم في عالم غير عالمهم، وفي شأن غير شأنهم قد استحالوا إلى مادة أخرى، لم يكن بوسع البشر معرفتها ومم تكونت ، وبم استقرت، وإلى أي حال انتهت، فهو أي البرزخ عالم تختلف فيه جميع حيثيات البشر.

ص: 149

ص: 150

المبحث الخامس: رواية الدجال بين الحقيقة والمجاز

اشارة

ص: 151

ص: 152

المسألة الأولى: في معنى الرواية وآدابها

يختلف الشيعة الإمامية عن غيرهم بدقة نقل الخبر والتحقيق فيه ، فيعتمدون على المُسند الموثق ذي الحقيقة دون المرسل الضعيف ، مع مراعاة دراية الخبر وتفصيل الرواية ، فعن إبراهيم الكرخي، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال :

«حديث تدریه خير من ألف حديث ترويه ، ولا يكون الرجل منكم فقيها حتى يعرف معاريض كلامنا، وإن الكلمة من كلامنا لتنصرف على سبعين وجها لنا من جميعها المخرج»(1).

وإنّ للراوي وتعليم الرواية آداب منها:

1. الإخلاص : أن يقصد بذلك نشر العلم وإحياءه والصدق في الرواية والتحري والنصح والاقتصار على القدر الذي تحمله طاقة المتعلم.

ص: 153


1- معاني الاخبار: ص2، باب معنى الاسم

2. اللغة : ومن آداب اللغوي أن يمسك عن الرواية إذا كبر ونسي وخاف التخليط، ولا بأس بامتحان من قدم ليعرف محله في العلم، وينزل منزلته، لا لقصد تعجيزه وتنكيسه فإن ذلك حرام(1).

المسألة الثانية: معنى الحقيقة والمجاز في الرواية

يتضح معنى الحقيقة والمجاز من بعض وجهات النظر التي منها :

قال فخر الدين الرازي : جهات المجاز يحضرنا منها إثنا عشر وجهاً.

الأول: التجوز بلفظ السبب عن المسبب، ثم الأسباب أربعة : القابل، كقولهم: سال الوادي، والصوري كقولهم لليد إنها قدرة، والفاعل، كقولهم: نزل السحاب أي المطر، والغائي كتسميتهم العنب الخمر.

الثاني : بلفظ المسبب عن السبب ، كتسميتهم المرض الشديد بالموت.

الثالث : المشابهة ، كالأسد للشجاع.

الرابع : المضادة، كالسيئة للجزاء.

الخامس والسادس : بلفظ الكل للجزء کالعام للخاص واسم الجزء للكل كالأسود للزنجي.

السابع : اسم الفعل على القوة، كقولنا للخمرة في الدن إنها مسكرة.

الثامن : المشتق بعد زوال المصدر.

التاسع : المجاورة، كالراوية للقرية.

ص: 154


1- تاج العروس : ج 1، ص 61

العاشر: المجاز العرفي وهو إطلاق الحقيقة على ما هجر عرفا، كالدابة للحمار.

الحادي عشر الزيادة : والنقصان كقوله تعالی :

«لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ»(1).

وقوله تعالی :

«وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ»(2).

الثاني عشر: اسم المتعلق على المتعلق به، كالمخلوق بالخلق. وقال القاضي تاج الدين السبكي في شرح المنهاج بعد كلام طويل: والفرض أن الأصل الحقيقة، والمجاز خلاف الأصل، فإذا دار اللفظ بين احتمال المجاز واحتمال الحقيقة فاحتمال الحقيقة أرجح.

وقال الإمام وأتباعه: الفرق بين الحقيقة والمجاز إما أن يقع بالتنصيص أو بالاستدلال، أما التنصيص فأن يقول الواضع : هذا حقيقة وهذا مجاز، وتقول ذلك أئمة اللغة، وأما الاستدلال فالعلامات، فمن علامات الحقيقة تبادر الذهن إلى فهم المعنى، والعراء عن القرينة، ومن علامات المجاز إطلاق اللفظ على ما يستحيل تعلقه به، واستعمال اللفظ في المعنى المنسي، کاستعمال لفظ الدابة في الحمار، فإنه موضوع في اللغة لكل ما يدب على الأرض. قال ابن برهان: وقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني: لا مجاز في لغة العرب(3).

ص: 155


1- الشوری : 11
2- يوسف : 82
3- تاج العروس : ج 1 ص 59

المسألة الثالثة: أبعاد رواية الدجال

البعد الأول

إنها فتنة من فتن آخر الزمان ولا بد من الاستعاذة بالله تعالى من الفتن كما كان يدعو النبي صلى الله عليه وآله وسلم : فقد روي أنه دعا أيضا في الصلاة واستعاذ من فتنة المحيا والممات، وفتنة المسيح الدّجال(1).

البعد الثاني

أخذ الحيطة والحذر، حيث أنّ رواية الدجال حقيقة وليست مجازاً و أنها راية ضلال ، فعن أبي جعفر عليه السلام قال : سمعته من يقول:

«الناس صاروا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله بمنزلة من اتبع هارون عليه السلام ومن اتبع العجل، وإن أبا بكر دعا فأبى علي عليه السلام إلا القرآن وإن عمر دعا فأبى علي عليه السلام إلا القرآن وإن عثمان دعا فأبى علي عليه السلام إلا القرآن وإنه ليس من أحد يدعو إلى أن يخرج الدجال

إلا سيجد من يبايعه ومن رفع راية ضلال فصاحبها طاغوت»(2).

البعد الثالث

إنها علامة دالة على بغض النبي وأهل بيته صلوات الله تعالى عليهم أجمعين وفي ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

« من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يوم القيامة يهوديا» .

ص: 156


1- کتاب السرائر لأبن ادريس الحلي : ج 1 ص 229
2- الكافي : ج1، ص297

قيل : یا رسول الله ، وإن شهد الشهادتين ؟ قال :

« نعم، فإنما احتجز بهاتين الكلمتين عن سفك دمه، أو يؤدي الجزية عن يد وهو صاغر».

ثم قال :

«من أبغضنا أهل البيت بعثه الله يهوديا »

قيل : فكيف ، یا رسول الله ؟ قال :

«إن أدرك الدجال آمن به »(1).

البعد الرابع

إنّ رواية الدّجال من أشراط الساعة فعن حذيفة بن أسيد قال : اطلع علينا رسول الله صلى الله عليه وآله من غرفة له ونحن نتذاكر الساعة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

«لا تقوم الساعة حتى تكون عشر آيات : الدجال ، والدخان، وطلوع الشمس من مغربها، ودابة الأرض، ويأجوج ومأجوج، وثلاث خسوف: خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر، تنزل معهم إذا نزلوا وتقيل معهم إذا قالوا»(2) .

البعد الخامس

اشارة

إنّ رواية الدّجال حقيقة تدل على قيامة الدنيا وليست قيامة الآخرة، حيث أن شروط

ص: 157


1- کتاب الآمالي : ص 681
2- الآمالی: ص 632

ساعة أهل الدنيا خروج الدجال الذي أخبر عنه أمير المؤمنين عليه السلام عندما سأله صعصعة بن صوحان حيث حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه قال : حدثنا عبد العزيز بن يحيى الجلودي بالبصرة قال : حدثنا الحسين بن معاذ قال : حدثنا قیس بن حفص قال : حدثنا يونس بن أرقم، عن أبي سیار الشيباني ، عن الضحاك بن مزاحم، عن النزال بن سبرة قال : خطبنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فحمد الله عز وجل وأثنى عليه وصلى على محمد وآله، ثم قال :

«سلوني أيها الناس قبل أن تفقدوني »

قالها ثلاثاً: فقام إليه صعصعة بن صوحان فقال : يا أمير المؤمنين متى يخرج الدّجال ؟

فقال له علي عليه السلام :

« اقعد فقد سمع الله كلامك وعلم ما أردت ، والله ما المسؤول عنه بأعلم من السائل، ولكن لذلك علامات وهيئات يتبع بعضها بعضا کحذو النعل بالنعل، وإن شئت أنبأتك بها؟».

قال : نعم يا أمير المؤمنين ، فقال عليه السلام :

«احفظ فإن علامة ذلك : إذا أمات الناس الصلاة، وأضاعوا الأمانة واستحلوا الكذب ، وأكلوا الربا، وأخذوا الرشا، وشيدوا البنيان، وباعوا الدين بالدنيا ، واستعملوا السفهاء ، وشاوروا النساء، وقطعوا الأرحام، واتبعوا الأهواء واستخفوا بالدماء، وكان الحلم ضعفاً ، والظلم فخراً، وكانت الأمراء فجرة، والوزراء ظلمة، والعرفاء خونة، والقرّاء فسقة، وظهرت شهادة الزور، واستعلن الفجور، وقول البهتان، والاثم والطغيان، وحلّيت المصاحف، وزخرفت المساجد، وطولت المنارات ، وأكرمت الأشرار، وازدحمت الصفوف، واختلفت القلوب، ونقضت العهود،

ص: 158

واقترب الموعود، وشارك النساء أزواجهن في التجارة حرصا على الدنيا، وعلت أصوات الفساق واستمع منهم، وكان زعيم القوم أرذلهم، واتقي الفاجر مخافة شره، وصدّق الكاذب، وائتمن الخائن، واتخذت القيان والمعازف، ولعن آخر هذه الأمة أولها، وركبت ذوات الفروج السروج، وتشبه النساء بالرجال، والرجال بالنساء، وشهد الشاهد من غير أن يستشهد، وشهد الآخر قضاء لذمامٍ بغير حق عرفه وتفقّه لغير الدين، وآثروا عمل الدنيا على الآخرة، ولبسوا جلود الضأن على قلوب الذئاب ، وقلوبهم أنتن من الجيف وأمر من الصبر، فعند ذلك الوحا(1) الوحا، ثم العجل العجل ، خير المساكن يومئذ بیت المقدس، وليأتين على الناس زمان يتمنى أحدهم أنه من سكانه).

وقوله هذا يشير إلى حال بیت المقدس في زماننا هذا وتمنّي العيش فيه بسبب الإمكانيات الموضوعة والمتهيئة له من قبيل الخدمات وسبل الراحة وفرص العمل وموطن الأمن والأمان حيث أن اليهود اليوم يحاربون العالم أجمع من أجل توفير العيش الرغيد والراحة والأمان لمن يدين بديانتهم أو لمن يلتجئ إليهم، في الوقت الذي تكن فيه بقية الدول في دمار شامل وضياع كامل، فمن لا يتمنى العيش في مأمن متكامل المزايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والبيئية والدينية !؟

والملفت للنظر أنّ هذه العلامات التي يذكرها أمير المؤمنين صلوات الله تعالى عليه هي مما ينطبق على أيام زماننا هذا، فكل علامة منها تجدها قد أخذت مأخذها ولها اهتمام كبير في جميع الآفاق، والسؤال الجدير بالطرح، هل هذه العلامات الجارية في زماننا هذا هي علامات الدّجال أم علامات الظهور؟

ص: 159


1- الوحا الوحا: كلاهما بمعنى السرعة والبدار : المصدر نفسه : ص 283

الجواب : نعم كلاهما معاً ؛ فعن أبو بكر محمد بن عمر بن عثمان بن الفضل العقيلي الفقيه بهذا الإسناد عن مشايخه ، عن أبي يعلى الموصلي، عن عبد الأعلى بن حماد النرسي ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : إنّ رسول الله صلی الله عليه وآله صلی ذات يوم بأصحابه الفجر، ثم قام مع أصحابه حتى أتی باب دار بالمدينة فطرق الباب فخرجت إليه امرأة فقالت : ما تريد يا أبا القاسم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله:

«یا أم عبد الله استأذني لي على عبد الله».

فقالت يا أبا القاسم وما تصنع بعبد الله فو الله إنه لمجهود في عقله يحدث في ثوبه وإنه ليراودني على الأمر العظيم ، فقال :

«استأذني عليه».

فقالت : أعلى ذمتك ، قال :

«نعم».

فقالت : ادخل، فدخل فإذا هو في قطيفة له يهينم فيها(1)، فقالت أمه : اسكت واجلس هذا محمد قد أتاك فسکت وجلس فقال النبي صلى الله عليه وآله :

« ما لها لعنها الله لو تركتني لأخبرتكم أهو هو».

ثم قال له النبي صلى الله عليه وآله :

«ما ترى ؟».

ص: 160


1- الهينمة : الصوت الخفي والكلام الذي لا يفهم. وفي بعض النسخ يهمهم فيها كتاب كمال الدین وتمام النعمة هامش ص 562

قال : أرى حقاً وباطلاً، وأری عرشاً على الماء، فقال صلى الله عليه وآله وسلم:

«اشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله».

فقال : بل تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فما جعلك الله بذلك أحق مني. فلما كان اليوم الثاني صلى رسول الله صلى الله عليه وآله بأصحابه الفجر، ثم نهض فنهضوا معه حتى طرق الباب فقالت أمه : ادخل، فدخل فإذا هو في نخلة يغرد فيها(1)، فقالت له أمه : اسكت وانزل هذا محمد قد أتاك فسكت ، فقال النبي صلى الله عليه وآله :

« ما لها لعنها الله لو تركتني لأخبرتكم أهو هو».

فلما كان في اليوم الثالث صلى النبي صلى الله عليه وآله بأصحابه الفجر، ثم نهض ونهض القوم معه حتى أتى ذلك المكان فإذا هو في غنم له ينعق بها، فقالت له أمه : اسكت واجلس هذا محمد قد أتاك، فسکت وجلس وقد كانت نزلت في ذلك اليوم آیات من سورة الدخان فقرأها بهم النبي صلى الله عليه وآله في صلاة الغداة ، ثم قال :

« أتشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ؟ »

فقال : بل تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فما جعلك الله بذلك أحق مني. فقال النبي صلى الله عليه وآله :

« إني قد خبأت لك خبيئا فما هو؟» .

فقال : الدخ الدخ(2) فقال النبي صلى الله عليه وآله :

ص: 161


1- التغريد: بالتحريك التطريب في الصوت والغناء : نفس المصدر هامش : 529
2- يعني الدخان، وخبأت أي سترت. المصدر نفسه هامش ص 529

« إخسأ فإنك لن تعدو أجلك، ولن تبلغ أملك ولن تنال إلا ما قدر لك».

ثم قال لأصحابه :

« أيها الناس ما بعث الله عزّ وجل نبياً إلا وقد أنذر قومه الدّجال ، وإنّ الله عزّ وجل قد أخّره إلى يومكم هذا فمهما تشابه عليكم من أمره فإن ربكم ليس بأعور، إنه يخرج على حمار عرض ما بين أذنيه ميل ، يخرج ومعه جنة ونار وجبل من خبز ونهر من ماء ، أكثر أتباعه اليهود والنساء والاعراب ، يدخل آفاق الأرض كلها إلا مكة ولا بتيها، والمدينة ولا بتيها»(1).

وقد تقدم الكلام أنّ الدّجال من علامات ساعة الدنيا ، وأن الله تعالی أدخر الإمام المهدي عليه السلام ليكون منقذ البشرية جمعاء لما يحل وينزل بها من أهوال طغاة آخر الزمان وسؤال صعصعة بن صوحان عن الدّجال ، وجواب إمامنا أمير المؤمنين صلوات الله تعالى عليه لتام الوضوح إذ يكشف عن علامات ما نجد منها شيئاً لم يتحقق بعد، بل أنّ حدوثها بدأ يشهده العالم من بعد الحرب العالمية الأولى، بمعنى آخر من استعمارٍ للدول العربية وتقسيم الوطن العربي، وتغيير الثقافات الدينية والعربية، وحلول مظاهر الفساد كماً ونوعاً في مختلف الآفاق، كل ذلك كان سبباً وبداية لتلك العلامات، والظاهر من خبر الدجال المتناقل في أغلب المصادر وخصوصاً من العامة أنه يفيد: بأن الكلام إن صحّت روايته عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم(2). يشتمل على مضامين

ص: 162


1- کمال الدین وتمام النعمة: ص 533 ، كذلك كتاب المحلى لأبن حزم: ج1، ص49، والخرائج والجرائح، ج52، ص197
2- ولسنا في صدد التشكيك بالرواية، إلا أنّ الكلام كله في المجاز لا حقيقة، ويبقى لقاء النبي صلى الله عليه واله وسلم بعبد الله ، هذا بحد ذاته حقيقة .

أهمّها:

المضمون الأول :

إنّ الأرواح الشريرة من الجن والشياطين تتجسد في الأجسام من الحيوانات والبشر، ومما لا يخفى أنّ إبليس لعنه الله قد ظهر في زمن الأنبياء بصور مختلفة، ومما لا شك فيه أيضاً أنّ شياطين الإنس أكثر بكثير من شياطين الجن، وليس من المستبعد أنّ عبد الله هذا الذي قال للنبي إني أرى حقاً وباطلاً وأری عرشاً على الماء، وهو فيما بعد إذا ظهر على حقيقته فسيقول أنا ربكم والأعلى.

المضمون الثاني:

إنّ الرب هو رب العمل ومدير الأمور العملية وما إلى ذلك من مفهوم الرب، ومصداقه الخارجي الإدارة الفعلية والعملية للشركات والمصانع، والسيطرة الكلية على رؤساء الأموال وأصحاب الشركات وغيرها.

المضمون الثالث

إنّ حماره كبير الحجم وهذا مجاز، أما ما يدل على الحقيقة هو أنّ وسائل النقل في هذا العصر هي كلها يصدق عليه اسم دواب ، وأنّ المراد من أذن الحمار إشارة إلى وسيلة التنصت، إذ ليس في الأذن غير هذه الخاصية ، وفي عصرنا الحالي وسائل التنصت كثيرة وهي مما يمكن أن ينطبق عليها النص في الرواية أنّ ما بين أذني الحمار هو ميل، بمعنی ما بين جهاز تنصت وإرسال، وآخر مثله في مكان آخر مسافة ميل.

المضمون الرابع:

إنّ كلام الأنبياء على قدر عقول الناس ، فالناس تفهم من الدابة الحمار والبغل والخيل، ولا تفهم أجهزة التنصت والإرسال، وإنّ معه جهنم والنار، ومعنى ذلك

ص: 163

المنتجعات السياحية لهي جنة في مقابل السجون وقاعات التعذيب التي هي نار وجحيم، ومن ثم معه جبل من الخبز، فتوزيع الأموال التي لا ينتهي ريعها يأخذ معنی جبل من الخبز، حيث أنّ الخبز هو القوت وليس بالضرورة أن يكون مفهوم الخبز هو مصداق رغيف الخبز من الحنطة وغيره. وغير ذلك مما جاء في وصف الدّجال مثل عينه التي تضيء كأنها كوكب الصبح، وهذا معناه أنّ العين الكاميرات التي توضع للمراقبة هي مصداق للعين، والإضاءة الكاشفات الضوئية التي تنير بقوة وما شابه ذلك الكثير ، وكل ذلك مما له مصداق واقعي عملي في زماننا وعصرنا الحالي.

المضمون الخامس:

إنّ كل ما تقدم يدل على أن الأعور الدجال في الواقع هو حاكم المجلس الماسوني الذي يدير أكبر شركات العالم، وقد استعبد كثيراً من الحكام والرؤساء وأعوانهم وأتباعهم، وكما ورد في رواية النبي صلى الله عليه وآله :

«أن أكثر أتباعه اليهود والنساء والأعراب».

وهذا كله يطابق الواقع الحالي الذي نعيشه، فأما اليهود فهم أكثر الناس عداوة للذين أمنوا، وأما النساء فللطمع وحب الزينة والتعلق بالدنيا، وأما الأعراب، فإنهم الهمج الرعاع اتباع كل ناعق الذين يميلون مع كل ريح والذين دينهم دنانيرهم وقبلتهم نسائهم

وليس في الأمر ما هو عجيب أو غريب ؛ فإن من معتقداتنا أنّ إبليس من السهل اليسير عليه أن يتلبّس بشخصية تحمل الاسم الصريح الذي صرح به الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، حين قام إليه الأصبغ بن نباتة فقال : يا أمير المؤمنين من الدّجال ؟ فقال :

ص: 164

«ألا إنّ الدّجال صائد بن الصيد، فالشقي من صدّقه . والسعيد من كذّبه، يخرج من بلدة يقال لها إصفهان، من قرية تعرف باليهودية، عينه اليمني ممسوحة، والعين الأخرى في جبهته تضيئ كأنها كوكب الصبح، فيها علقة كأنها ممزوجة بالدم، بين عينيه مکتوب کافر، يقرؤه كل كاتب وأمي، يخوض البحار وتسير معه الشمس، بين يديه جبل من دخان، وخلفه جبل أبيض يري الناس أنه طعام، يخرج حين يخرج في قحط شدید تحته حمار أقمر، خطوة حماره میل، تطوي له الأرض منهلاً منهلاً، لا يمر بماء إلا غار إلى يوم القيامة ، ينادي بأعلى صوته يسمع ما بين الخافقين من الجن والإنس والشياطين يقول : إلي أوليائي أنا الذي خلق فسوى وقدر فهدى ، أنا ربكم الأعلى وكذب عدو الله ، إنه أعور يطعم الطعام، ويمشي في الأسواق، وإنّ ربكم عزّ وجل ليس بأعور، ولا يطعم ولا يمشي ولا يزول. تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. ألا وإنّ أكثر أتباعه يومئذ أولاد الزنا، وأصحاب الطيالسة الخضر، يقتله الله عزّ وجل بالشام على عقبة تعرف بعقبة أفيق لثلاث ساعات مضت من يوم الجمعة على يد من يصلي المسيح عیسی بن مريم عليهما السلام خلفه، ألا إنّ بعد ذلك الطامة الكبرى» .

قلنا: وما ذلك يا أمير المؤمنين ؟ قال :

«خروج دابّة من الأرض من عند الصفا، معها خاتم سليمان بن داود، وعصى موسی علیهم السلام، يضع الخاتم على وجه كل مؤمن فينطبع فيه هذا مؤمن حقاً، ويضعه على وجه كل كافر فينكتب هذا کافر حقاً، حتى أنّ المؤمن لينادي : الويل لك يا کافر، وإنّ الكافر ينادي طوبى لك يا مؤمن، وددت أني اليوم كنت مثلك فأفوز فوزاً عظيماً. ثم ترفع الدابّة رأسها فيراها من بين الخافقين بإذن الله جل جلاله وذلك بعد طلوع الشمس من مغربها فعند ذلك ترفع التوبة ، فلا توبة تقبل ولا عمل يرفع ولا

ص: 165

ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً».

ثم قال عليه السلام:

«لا تسألوني عما يكون بعد هذا فإنه عهد عهده إلي حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله أن لا أخبر به غير عترتي».

(قال النزال بن سبرة : فقلت لصعصعة بن صوحان : يا صعصعة ما عني أمير المؤمنين عليه السلام بهذا؟ فقال صعصعة : يا ابن سبرة إنّ الذي يصلي خلفه عیسی بن مریم عليه السلام هو الثاني عشر من العترة، التاسع من ولد الحسين بن علي عليهما السلام، وهو الشمس الطالعة من مغربها يظهر عند الركن والمقام فيطّهر الأرض، ويضع میزان العدل فلا يظلم أحد أحداً. فأخبر أمير المؤمنين عليه السلام أنّ حبیبه رسول الله صلى الله عليه وآله عهد إليه أن لا يخبر بما يكون بعد ذلك غير عترته الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين)(1).

ومما يخبر به صلوات الله تعالى عليه من أحوال آخر الزمان، ما هو مطابق لعلامات الظهور، بل ما هو مطابق لأشراط ساعة أهل الدنيا، فيقول :

«وإنَّهُ سَیَأتی عَلَیکُم مِن بَعدی زَمانٌ لَیسَ فیهِ شَیءٌ أخفی مِنَ الحَقِّ،ولا أظهَرَ مِنَ الباطِلِ،ولا أکثَرَ مِنَ الکَذِبِ عَلَی اللّهِ ورَسولِهِ،ولَیسَ عِندَ أهلِ ذلِکَ الزَّمانِ سِلعَةٌ أبوَرَ مِنَ الکِتابِ إذا تُلِیَ حَقَّ تِلاوَتِهِ،ولا أنفَقَ مِنهُ إذا حُرِّفَ عَن مَواضِعِهِ،ولا فِی البِلادِ شَیءٌ أنکَرَ مِنَ المَعروفِ،ولا أعرَفَ مِنَ المُنکَرِ،فَقَد نَبَذَ الکِتابَ حَمَلَتُهُ، وتَناساهُ حَفَظَتُهُ،فَالکِتابُ یَومَئِذٍ وأهلُهُ طَریدانِ مَنفِیّانِ،وصاحِبانِ مُصطَحِبانِ فی طَریقٍ واحِدٍ لا یُؤویهِما

ص: 166


1- كمال الدين وتمام النعمة : ص 528

مُؤوٍ،فَالکِتابُ وأهلُهُ فی ذلِکَ الزَّمانِ فِی النّاسِ ولَیسا فیهِم، ومَعَهُم ولَیسا مَعَهُم،لِأَنَّ الضَّلالَهَ لا تُوافِقُ الهُدی،وإنِ اجتَمَعا،فَاجتَمَعَ القَومُ عَلَی الفُرقَهِ،وَافتَرَقوا عَلَی الجَماعَهِ،کَأَنَّهُم أئِمَّهُ الکِتابِ،ولَیسَ الکِتابُ إمامَهُم،فَلَم یَبقَ عِندَهُم مِنهُ إلَّااسمُهُ،ولا یَعرِفونَ إلّاخَطَّهُ وزَبرَهُ،ومِن قَبلُ ما مَثَّلوا بِالصّالِحینَ کُلَّ مُثلَهٍ،وسَمَّوا صِدقَهُم عَلَی اللّهِ فِریَهً،وجَعَلوا فِی الحَسَنَهِ عُقوبَهَ السَّیِّئَهِ وإنَّما هَلَکَ مَن کانَ قَبلَکُم بِطولِ آمالِهِم وتَغَیُّبِ آجالِهِم،حَتّی نَزَلَ بِهِمُ المَوعودُ الَّذی تُرَدُّ عَنهُ المَعذِرَهُ،وتُرفَعُ عَنهُ التَّوبَهُ،وتَحُلُّ مَعَهُ القارِعَهُ وَالنَّقِمَهُ»(1).

ومن ثم يبين حال آخر الزمان :

وَ ذَلِكَ زَمَانٌ لاَ يَنْجُو فِيهِ إِلاَّ كُلُّ مُؤْمِنٍ نُوَمَةٍ- إِنْ شَهِدَ لَمْ يُعْرَفْ وَ إِنْ غَابَ لَمْ يُفْتَقَدْ- أُولَئِكَ مَصَابِيحُ الْهُدَى وَ أَعْلاَمُ السُّرَى- لَيْسُوا بِالْمَسَايِيحِ وَ لاَ الْمَذَايِيعِ الْبُذُرِ أُولَئِكَ يَفْتَحُ اللَّهُ لَهُمْ أَبْوَابَ رَحْمَتِهِ- وَ يَكْشِفُ عَنْهُمْ ضَرَّاءَ نِقْمَتِهِ- أَيُّهَا النَّاسُ سَيَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ يُكْفَأُ فِيهِ الْإِسْلاَمُ كَمَا يُكْفَأُ الْإِنَاءُ بِمَا فِيهِ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعَاذَكُمْ مِنْ أَنْ يَجُورَ عَلَيْكُمْ وَ لَمْ يُعِذْكُمْ مِنْ أَنْ يَبْتَلِيَكُمْ(2) وَ قَدْ قَالَ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ: «إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ وَ إِنْ كُنّا لَمُبْتَلِينَ»(3).

ثم يخبر صلوات الله تعالى عليه بعلامات تشير بوضوحها إلى اقتراب اليوم المعلوم، وحلول الحق الموعود الذي لابد منه ، معلوم عنده ، مجهول عند غيره ، فباب مدينة علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يخفى عليه مجريات الأمور، ولا كل ما هو

ص: 167


1- نهج البلاغة : الخطبة 174، ص205
2- المصدر نفسه : ص 150
3- المؤمنون: 30

مکنونٌ مستور، فيقول مبتدأ بحمد الله تعالى والثناء عليه :

«الْحَمْدُ للهِ الْأَوَّلِ قَبْلَ کُلِّ أَوِّل، وَالْآخِرِ بَعْدَ کُلِّ آخِر، بِأَوَّلِیَّتِهِ وَجَبَ أَنْ لاَ أَوَّلَ لَهُ، وَبِآخِرِیَّتِهِ وَجَبَ أَنْ لاَ آخِرَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ شَهَادَهً یُوَافِقُ فِیهَا السِّرُّ الْإِعْلاَنَ، وَالْقَلْبُ اللِّسَانَ. أَیُّهَا النَّاسُ، لاَ یَجْرِمَنَّکُمْ(1) شِقَاقِی ، وَلاَ یَسْتَهْوِیَنَّکُمْ عِصْیَانی، وَلاَ تَتَرَامَوْا بِالْأَبْصَارِ عِنْدَ مَا تَسْمَعُونَهُ مِنِّی. فَوَالَّذِی فَلَقَ الْحَبَّهَ ، وَبَرَأَ النَّسَمَهَ، إِنَّ الَّذِی أُنَبِّئُکُمْ بِهِ عَنِ النَّبِیِّ صَلَّی اللهُ عَلَیْهِ وَآلِهِ، مَا کَذَبَ الْمُبَلِّغُ، وَلاَ جَهِلَ السَّامِعُ. لَکَأَنِّی أَنْظُرُ إِلَی ضِلِّیلٍ(2) قَدْ نَعَقَ(3) بِالشَّامِ ،وَفَحَصَ بِرَایَاتِهَ فِی ضَوَاحِی کُوفَانَ(4) فإِذَا فَغَرَتْ(5)

ص: 168


1- (ولا يجرمنكم) أي لا يحملنكم، ويقال لا يكسبنكم وتجرم عليه أي ادعى عليه ذنبا لم يفعله وقولهم لا جرم قال الفراء هي كلمة كانت في الأصل بمنزلة لابد ولا محالة فجرت على ذلك وكثرت حتى تحولت إلى معنى القسم وصارت بمنزلة حقا، فلذلك يجاب عنها باللام كما يجاب بها عن القسم ألا تراهم يقولون لا جرم لآتينك قال وليس قول من قال جرمت حققت بشيء مختار الصحاح، ص 61
2- ضِلِّيل هو: كثير الضَّلال. ومُضَلَّلٌ : لا يُوَفَّق لخير أي ضالٌّ جداً، وقيل : صاحب غَوايات وبَطالات وهو الكثير التتبُّع للضَّلال. والضِّلُّيلُ: الذي لا يُقلِع عن الضَّلالة ، وكان امرؤ القيس يُسَمَّى الملك الضِّلِّيل والمُضلَل. وفي حديث علي وقد سئل عن أشعر الشعراء فقال : إن كان ولا بُدَّ فالملك الضِّلِّيل، يعني امرا القيس، كان يُلَقَّب به. والضِّلِّيل، بوزن القنديل : المُبالغ في الضَّلال والكثير التَّتبُّع له ؛ أقول وهذا المعنى ينطبق على السفياني، ومن أضل منه في فتته وهي فتنة بني أمية. لسان العرب ج 11، ص 394
3- نعق : النَّعِيقُ : دعاء الراعي الشاء. يقال : انعِق بضأنك أي ادعُها ؛ قال الأخطل : انعِق بضَأنك يا جَريرُ فإنَّما*** مَتِّنكَ نفسُك في الخَلاء ضلالا ونَعَق الراعي بالغنم يَنعِقُ ، بالكسر، نَعقاً ونُعاقاً ونَعيقاً ونَعقاناً: صاح بها وزجرها، يكون ذلك في الضأن والمعز؛ وأنشد ابن بري لبشر: ولم يَنعِق بناحية الرِّقاقِ، ومن خلال هذا المعنى نفهم أن الناعق وهو السفياني واتباعه هم كالغنم عنده : لسان العرب ج10، ص356
4- كوفان : بالضم ثم السكون، وفاء، وآخره نون: موضعان، يقال : الناس في كوفان من أمرهم أي في اختلاط، وقال الأموي : إنه لفي كوفان أي في حرز ومنعة، والكوفان : الدغل من القصب والخشب، والكوفان : الاستدارة، وقد ذكرنا غير ذلك في الكوفة ، قالوا : وكوفان اسم أرض وبها سميت الكوفة ، قلت : كوفان والكوفة واحد: معجم البلدان : ج4، ص490
5- قوله فغرت أي طلعت. لسان العرب ج5، ص59

فَاغِرَتُهُ ، وَاشْتَدَّتْ شَکِیمَتُهُ(1) ، وَثَقُلَتْ فِی الْأَرْضِ وَطْأَتُهُ، عَضَّتِ الْفِتْنَهُ أَبْنَاءَهَا بِأَنْیَابِهَا، وَمَاجَتِ الْحَرْبُ بِأَمْوَاجِهَا،

وَبَدَا مِنَ الْأَیَّامِ کُلُوحُهَا ، وَمِنَ اللَّیَالِی کُدُوحُهَا(2). فَإِذَا یَنَعَ زَرْعُهُ، وَقَامَ عَلَی یَنْعِهِ(3) ، وَهَدَرَتْ شَقَاشِقُهُ(4) ، وَبَرَقَت بَوَارِقُهُ(5) ، عُقِدَتْ رَایَاتُ الْفِتَنِ الْمُعْضِلَهِ، وَأَقْبَلْنَ کَالْلَیْلِ الْمُظْلِمِ، وَالْبَحْرِ الْمُلْتَطِمِ. هذا، وَکَمْ یَخْرِقُ الْکُوفَهَ مِنْ قَاصِفٍ ، وَیَمُرُّ عَلیْهَا مِنْ عَاصِفٍ(6) وَعَنْ قَلِیلٍ تَلْتَفُّ الْقُرُونُ بِالْقُرُونِ(7)، وَیُحْصَدُ(8) الْقَائِمُ

ص: 169


1- والشكِيمَةُ : الأَنَفَةُ والانتصار من الظلم، وهو ذو شكيمة أي عارضة وجد، وقيل : هو أن يكون صارماً حازماً، وفلان ذو شكيمة إذا كان لا ينقاد ؛ لسان العرب : ج12، ص 324
2- کُلُوح الأيام عبوسها. كُدُوح الليالي لكدوح جمع کدح بالفتح، وهو الخدش وأثر الجراحات. نهج البلاغة ص 911. الكدوح جمع کدح بالفتح، وهو الخدش وأثر الجراحات.
3- ينعه بفتح الياء ، ويجوز ضمها : حال نضجه. نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح
4- الشّقَاشِق جمع شقشقة، وهي شيء کالرئة يخرجه البعير من فيه إذا هاج، وصوت البعير بها عند إخراجها هدير.
5- بَوَارِقُه سيوفه ورماحه. نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح ص 611.
6- القاصف هو ما اشتدّ صوته من الرعد والريح وغيرهما. العاصف ما اشتد من الريح، والمراد مزعجات الفتن. نهج البلاغة تحقيق صالح ص611
7- تلتف القرون بالقرون كناية عن الاشتباك بين قواد الفتنة وبين أهل الحق كما تشتبك الكباش بقرونها عند النّطاح. نهج البلاغة : ص611
8- يُحصَدُ القائِمُ ما بقي من الصلاح قائما يحصد. المصدر نفسه : ص 611

، وَیُحْطَمُ(1) الْمَحْصُودُ(2)».

وقوله هذا يكشف عن حركة السفياني الذي عرفه بضليل الشام وحتى يستكمل جنده ويعلن عن نفسه تتوافد علامات عدّة :

في رواية الشيخ المفيد(3) للإمام أمير المؤمنين عليه السلام:

بين يدي القائم موت أحمر وموت أبيض، وجراد في حينه، وجراد في غير حينه ، أحمر كالدم، فأما الموت الأحمر فبالسيف، وأما الموت الأبيض فالطاعون».

أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد، قال : حدثنا علي بن الحسن التيملي من كتابه في رجب سنة سبع وسبعين ومائتين ، قال : حدثنا محمد بن عمر بن يزيد بياع السابري ومحمد بن الوليد بن خالد الخزاز، جميعاً ، قال : حدثنا حماد بن عثمان، عن عبد الله بن سنان ، قال : حدثني محمد بن إبراهيم بن أبي البلاد، قال : حدثنا أبي، عن أبيه، عن الأصبغ بن نباتة ، قال : سمعت علياً عليه السلام يقول :

«إنّ بين يدي القائم سنين خداعة ، يُكذّب فيها الصادق، ويُصدّق فيها الكاذب ، ويُقّرب فيها الماحل. وفي حديث وينطق فيها الرويبضة(4)».

ص: 170


1- يُحطَمُ المَحصُودُ ما كان قد حصد يحطم ويهشم. المصدر نفسه
2- المصدر نفسه : الخطبة 101، ص147
3- الإرشاد : ج 2، ص 372
4- الرويبضة : التافه الخسيس كما في رواية الجزري : في حديث أشراط الساعة أن ينطق الرويبضة في أمر العامة، قيل : وما الرويبضة يا رسول الله ؟ قال : الرجل التافه يتكلم في أمر العامة، والرويبضة تصغير الرابضة وهو العاجز الذي ربض عن معالي الأمور وقعد عن طلبها، وزيادة التاء للمبالغة، والتافه : الحقير الخسيس : بحار الأنوار: ج6، ص 310

فقلت : وما الرويبضة وما الماحل؟ قال :

«أو ما تقرأون القرآن قوله : «شَدِيدُ الْمِحَالِ»(1)؟، قال : يريد المكر».

فقلت : وما الماحل؟ قال :

«يريد المكار».

وخراب الشام بثلاث رايات كل منها يطلب الحكم وبسط النفوذ وجراد من حينه وجراد في غير حينه كألوان الدم، فأما الموت الأحمر فالسيف (القتل والتفجير)، وأما الموت الأبيض فالطاعون(2) (الأوبئة والفايروسات) ومنادٍ ينادي من السماء (صيحة جبرائيل في رمضان عند السحر) وخسف قرية من قرى الشام تسمى الجابية(3) ونزول الترك الجزيرة (جزيرة سورية) وهي الجزيرة الفراتية، ونزول الروم الرملة (الرميلة في العراق) واختلاف كثير عند ذلك في كل أرض حتى يخرب الشام ويكون سبب خرابها اجتماع ثلاث رايات فيها راية الأصهب وراية الأبقع (والآن فقط رایتان، الأبقع والأصهب في نزاع) وراية السفياني(4) هي الراية الثالثة التي ستظهر للقضاء على حركة

ص: 171


1- الرعد: 13
2- الإرشاد : ج 2، ص 372
3- الجابية : قرية تقع على الطريق الرابط بين السويداء ودمشق بالقرب من حدود الأردن، وقال الذهبي : الجابية : قرية من أعمال دمشق، ثم من عمل الجيدور من ناحية الجولان قرب مرج الصفر في شمالي حوران، إذا وقف الإنسان في الصنمين واستقبل الشمال ظهرت له، وتظهر من نوى أيضا، وبالقرب منها تل يسمی تل الجابية، وباب الجابية بدمشق، منسوب لهذا الموضع. معجم البلدان. سير أعلام النبلاء: ج4، ص132.
4- المستجاد من الإرشاد للعلامة الحلي : ص 259.

الأصهب وحركة الأبقع، والراية هي الحركة المسلحة، والأبقع هو الذي في صدره وبطنه بقع بياض مع سواد ولربما الأبقع كناية عن العلم الأسود الذي فيه بقع بيضاء أو لون أبيض والأصهب هو الأبيض الأشقر أو أبيض يعلوه شقار، والسفياني وحشي الوجه ، أحمر اللون، ضخم الجبهة، في وجهه أثر جدري واضح، يدعوا لبني أمية ويطالب بثارات آل أبي سفيان يخرج من الوادي اليابس وهي تدمر والصحراء التي ما بين الأردن والسعودية اسمه عثمان واسم من اسماء آبائه وجده عنبسة أو عيينة أو عتبة والأشهر عنبسة بن أبي سفيان، ولهول ما يصنع بالناس من القتل والفجور يُظهر الله آية في السماء ظهور صدر ووجه في عين الشمس يعرف بحسبه ونسبه وهو الإمام علي بن أبي طالب لقوله تعالی :

«إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ»(1) .

وسيفعل الله ذلك لهم، وهم بنو أمية وشيعتهم(2) ، وقتال في الوادي الأزرق (الزرقاء بالأردن) بين الترك والعجم

والسفياني ومنها مجزرة قرقيسية(3) لا يقل عن مئة ألف قتيل، والسنة التي يقوم فيها المهدي عليه السلام تمطر الأرض أربعاً وعشرين مطرة ترى آثارها وبرکاتها، وآيتان تكونان قبل ظهور القائم عليه السلام، كسوف الشمس في النصف من شهر رمضان وخسوف القمر في آخره ، و إنهما آیتان لم تکونا منذ هبط آدم عليه السلام إلا في سنة الظهور، وقدام القائم عليه السلام بلوى من الله وهو قوله :|

ص: 172


1- الشعراء: 4
2- المستجاد من الارشاد، ص260
3- قرقيسية وهي قرية تقع على نهر الفرات ضمن الأراضي السورية وهي إحدى قرى مضر المعروفة بديار مضر وهي ما بين عانة العراقية والرقة السورية.

«وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ»(1)

والخوف من ملوك بني أمية والعباس والحكام الظلمة والخونة، والجوع من غلاء الأسعار ونقص الأموال من کساد التجارات وقلة الفضل فيها، ونقص الأنفس بالموت الذريع، ونقص الثمرات بقلة ريع الزرع وقلة بركة الثمار، وبشر الصابرين عند ذلك بتعجيل خروج القائم عليه السلام(2)، ويظهر إن شاء الله تعالى في سنة فردية، ولربما تكون السنة الفردية هي السنة الميلادية ولا ضير في ذلك فالزمان كله بيد الله ، ولأن العالم عمله المتداول هو بالحساب الميلادي والظهور علاج للعالم بأسره، ولابد للعرب من حرب كما يقول الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام:|

«ثُمَّ إِنَّكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ أَغْرَاضُ بَلايَا قَدِ اقْتَرَبَتْ».

ومعشر العرب هم غير العجم أو الأعاجم، وأنبياؤهم خمسة كما روي عن النبي صلی الله عليه وآله وسلم أنه قال :

«خمسةُ أَنْبِیَاء من العَرَب هُمْ مُحَمَّدٌ و إِسْمَاعِیلُ و شُعَیْبٌ و صَالِحٌ و هُودٌ صلوات الله عليهم»

وهذا يدل على أنّ لسان العرب قديم(3) ، أغلبهم سكن الجزيرة العربية والحجاز والعراق وفلسطين واليمن وما يسمى اليوم بالوطن العربي، حقاً كما أخبر الإمام أمير المؤمنين بقوله هذا «أغراض بلایا» مقارنة ببقية الدول الأوربية والغربية، تراهم يحف

ص: 173


1- البقرة : 155
2- نفس المصدر: ص 261
3- تاج العروس : ج2، ص219

بهم البلاء من كل جانب من جوانب الحياة فعليهم أن يحذروا من الترف والإسراف الفاحش الذي شغلهم عن الله ودينه، وشغلهم عن عدوّ يتربص بهم الدوائر، وهذا معنى قوله عليه السلام :

«فَاتَّقُوا سَكَرَاتِ النِّعْمَةِ، وَ احْذَرُوا بَوَائِقَ النِّقْمَةِ» .

وعليكم أيها العرب أن تثبتوا وتتثبتوا أمام مهاوي ومهالك الفتن المهلك للحرث والنسل كما يبيّن صلوات الله تعالى عليه :

«وَ تَثَبَّتُوا فِي قَتَامِ(1) الْعِشْوَةِ(2) وَ اعْوِجَاجِ الْفِتْنَةِ».

فإنّ الفتن التي زرعها الأوّلون ممن سبق ، كفتن بني أمية ومن سبقهم لعنهم الله جميعاً، قد عادت عليهم وهذا معنى قوله :

« وَ اعْوِجَاجِ الْفِتْنَةِ».

وهذا الارتداد للفتنة عليهم قد بدأ بجنينها وهو عثمان بن عنبسة من نسل أبي سفيان بن حرب الأموي، والجنين ما زرعه الآباء، فالسفياني هو الحامل والمروج للفكر الأموي التكفيري ومؤسسة أبو سفيان بن حرب لعنه الله بقوله المشهور حين انتهت إليهم الخلافة بمحضر من عثمان : (یا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة، والذي يحلف به أبو سفیان ما من جنة ولا نار)(3) وسيعود الفكر الأموي وفتنة بني أمية :

ص: 174


1- القتام كسحاب : الغبار الأسود. ومنه وقاتم الأعماق أي مغبر النواحي مجمع البحرين للطريحي ج 1، ص 133
2- أبو عمرو : العُشوة كالشُّعلة من النار ؛ وأنشد : حتى إذا اشتال سُهَيلٌ بسَحَر*** كعُشوةِ القابِسِ ترمي بالشَّرر / لسان العرب ج 15، ص59.
3- كتاب الاحتجاج: ج1، ص341

«عِنْدَ طُلُوعِ جَنِينِهَا، وَ ظُهُورِ كَمِينِهَا، وَ انْتِصَابِ قُطْربِهَا» .

ويظهر من معنى قطربها(1) أنّ السفيه الذي دأبه السعي بالشر نهاراً، والنوم الجيفة ليلاً سيكون له دور في انتصاب الفتنة ، فضلاً عن كونه مدار رحاها ، وهذا الذي تفضل به مولانا أمير المؤمنين صلوات الله تعالى بقوله :

«مَدَارِ رَحَاهَا تَبْدَأُ فِي مَدَارِجَ خَفِيَّةٍ وَ تَئُولُ إِلَى فَظَاعَةٍ جَلِيَّةٍ».

وإنّ الفتنة التي ستجر العرب إلى هذه الحرب تبدأ صغيرة فتّية ثم تنتهي إلى أهوال فظيعة، فهي في أولها كغلام شاب :

«شِبَابُهَا كَشِبَابِ الْغُلاَمِ وَ آثَارُهَا كَآثَارِ السِّلاَمِ».

والمؤسف والمؤلم في هذه الفتنة الإعلام الذي يغطي على الجرائم البشعة المفجعة، فتحت عناوين واهية من قبيل السلام والمصلحة العامة للبلاد يسوّغُ حكم الطغاة، ولن يدعوها لغيرهم وكلٌ يرى في نفسه أنه الأحق بها من غيره :

«تَوَارَثُهَا الظَّلَمَةُ بِالْعُهُودِ أَوَّلُهُمْ قَائِدٌ لِآخِرِهِمْ وَ آخِرُهُمْ مُقْتَدٍ بِأَوَّلِهِمْ يَتَنَافَسُونَ فِي دُنْيَا دَنِيَّةٍ وَ يَتَكَالَبُونَ عَلَى جِيفَةٍ مُرِيحَةٍ».

وهذا هو حال الملوك وأولياء العهود، ولو يعملون كيف سينتهون :

ص: 175


1- قطرب: القُطْرُبُ : دویبة کانتْ فی الجاهلیة، یزعمون أَنها لیس لها قَرارٌ البتة؛ و قیل: لا تَسْتَریح نهارَها سَعْیاً؛ و فی حدیث ابن مسعود : لا أَعْرِفَنَّ أَحدکم جیفَةَ لَیْل، قُطْرُبَ نَهارٍ. قال أَبو عبید: یقال إِن القُطْرُبَ لا تستریح نهارها سَعْیاً؛ فشَبَّه عبدُ اللّه الرجلَ یَسْعی نَهارَه فی حوائج دُنْیاه، فإِذا أَمْسَی أَمْسَی کالاًّ تَعِباً، فینامُ لیلَتَه حتی یُصْبِح کالجِیفة لا یَتحرک، فهذا جِیفةُ لیلٍ، قُطْرُبُ نَهار.و القُطْرُبُ : الجاهل الذی یَظْهَرُ بجَهْله.و القُطْرُب : السفیه.. لسان العرب : ج 1، ص 683.

«وعَن قَلیلٍ یَتَبَرَّأُ التّابِعُ مِنَ المَتبوعِ،وَالقائِدُ مِنَ المَقودِ».

وسیجرهم ذلك التنصل إلى نهاية الحكومات الفاسدة وزوال الملك بما يجعله الله تعالی من البأس بينهم:

«فَیَتَزایَلونَ بِالبَغضاءِ،ویَتَلاعَنونَ عِندَ اللِّقاءِ». .

«ثُمَّ يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ طَالِعُ الْفِتْنَةِ الرَّجُوفِ(1)، وَ الْقَاصِمَةِ الزَّحُوفِ، فَتَزِيغُ قُلُوبٌ بَعْدَ اسْتِقامَةٍ، وَ تَضِلُّ رِجَالٌ بَعْدَ سَلامَةٍ، وَ تَخْتَلِفُ الْأَهْواءُ عِنْدَ هُجُومِهَا، وَ تَلْتَبِسُ الْآرَاءُ عِنْدَ نُجُومِهَا. مَنْ أَشْرَفَ لَهَا قَصَمَتْهُ، وَ مَنْ سَعى فِيهَا حَطَمَتْهُ، يَتَكَادَمُونَ فِيهَا تَكَادُمَ الْحُمُرِ فِي الْعَانَةِ(2). قَدِ اضْطَرَبَ مَعْقُودُ الْحَبْلِ، وَ عَمِيَ وَجْهُ الْأَمْرِ، تَغِيضُ فِيهَا الْحِكْمَةُ، وَ تَنْطِقُ فِيهَا الظَّلَمَةُ. وَ تَدُقُّ أَهْلَ الْبَدْوِ بِمِسْحَلِهَا، وَ تَرُضُّهُمْ بِكَلْكَلِهَا، يَضِيعُ فِي غُبَارِهَا الْوُحْدَانُ، وَ يَهْلِكُ فِي طَرِيقِهَا الرُّكْبَانُ. تَرِدُ بِمُرِّ الْقَضَاءِ، وَ تَحْلُبُ عَبِيطَ الدِّمَاءِ، وَ تَثْلِمُ مَنَارَ الدِّينِ، وَ تَنْقُضُ عَقْدَ الْيَقِينِ. تَهْرُبُ مِنْهَا الْأَكْيَاسُ، وَ تُدَبِّرُهَا الْأَرْجَاسُ، مِرْعَادٌ مِبْرَاقٌ، كَاشِفَةٌ عَنْ سَاقٍ. تُقْطَعُ فِيهَا الْأَرْحَامُ، وَ يُفَارَقُ عَلَيْهَا الْإِسْلامُ، بَرِيُّهَا سَقِيمٌ، وَ ظَاعِنُهَا مُقِيمٌ.»

وها هي مجريات الحرب ونتائجها ومصير أهلها ، فيقول عليه السلام :

ص: 176


1- ثم ، قال[ ابن میثم : ] وقوله عليه السلام : ثم يأتي [بعد ذلك طالع الفتنة الرجوف ] إشارة إلى فتنة التتار، إذ الدائرة فيهم كانت على العرب . ثم قال : وقال بعض الشارحين : ذلك إشارة إلى الملحمة الكائنة في آخر الزمان ، كفتنة الدجال ، ووصفها بالرجوف كناية عن اضطراب الناس، أو أمر الإسلام فيها. و( کنی ) بقصمها عن هلاك الخلق فيها تشبيها لها بالرجل الشجاع الكثير الزحف إلى أقرانه : أي يمشي إليهم قدما بحار الأنوار: ج 34، ص 230
2- التّكادم التّعاض بأدنى الفم و(العانة) القطيع من حمر الوحش : منهاج البراعة في شرح البلاغة لحبيب الله الهاشمي الخوئي ج9، ص161

« منها بَيْنَ قَتِيلٍ مَطْلُولٍ(1) وَ خَائِفٍ مُسْتَجِيرٍ يَخْتِلُونَ بِعَقْدِ الْأَيْمَانِ وَ بِغُرُورِ الْإِيمَانِ» .

ومن صفات الذين ستجرهم الحرب والفتنة إلى رحاها الطاحنة المختالون بالإيمان وهم المحتالون للوصول إلى مصالحهم الفاسدة ، كما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله :

«یَخرُجُ فی آخِرِ الزَّمانِ رِجالٌ یَختِلونَ الدُّنیا بِالدّینِ ، یَلبَسونَ لِلنّاسِ جُلودَ الضَّأنِ مِنَ اللّینِ، ألسِنَتُهُم أحلی مِنَ السُّکَّرِ ، وقُلوبُهُم قُلوبُ الذِّئابِ ، یَقولُ اللّهُ عز و جل : أبِیَ یَغتَرّونَ ؟ ! أم عَلَیَّ یَجتَرِئُون ؟ !، فَبی حَلَفتُ لَأَبعَثَنَّ عَلی اُولئِکَ مِنهُم فِتنَهً تَدَعُ الحَلیمَ مِنهُم حَیراناً»(2).

وما تقدم يثبت لنا أنّ الفتنة هي فتنة بني أمية والحرب هي حرب أبنائها التي قال عنها أمير المؤمنين صلوات الله تعالى عليه فيما تقدم :

ص: 177


1- والطَّلُ : هَدْرُ الدَّمِ ، وقِیلَ : هُوَ أَنْ لا یُثْأَرَ به ، أَوْ تُقْبَلَ دِیَتُه ، وقَد طَلَ هُوَ نَفْسُه طَلّا ، وطَلَلْتُه أنا ، قَالَ أَبو حَیَّةَ النُّمَیْرِیُّ : ولکِنْ وبَیْتِ اللهِ ما طَلَ مُسْلِمًا***کَغُرِّ الثَّنَایَا وَاضِحاتِ المَلَاغِمِ وقَدْ طُلَ طَلّا وطُلُولاً ، فهو مَطْلُولٌ وطَلِیلٌ ، وأُطِلَ ، وأَطَلَّه اللهُ.الجوهري : طله الله وأطله أي أهدره. أبو زید: طل دمه ، فهو مطلو؛ قال الشاعر دِماؤُهُم ليس لها طالِبٌ*** مطلولةٌ مثل دَمِ العُذرَه : لسان العرب : ج 11، ص 405
2- موسوعة العقائد الإسلامية لمحمد ري شهري : ج2، ص490؛ نقلاً عن سنن الترمذي : 4 / 604/ 2404، الفردوس: 5/ 8919/510 کلاهما عن أبي هريرة، كنز العمال: 4 / 38443/214 ؛ أعلام الدين : 295 کلاهما نحوه وراجع: ثواب الأعمال : 2/304 وعدة الداعي : 70؛ 214/14 / 38443؛ أعلام الدين : 295 کلاهما نحوه وراجع: ثواب الأعمال : 2/304 وعدة الداعي : 70

«لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلى ضِلِّيلٍ قَدْ نَعَقَ بِالشَّامِ، وَ فَحَصَ بِرَايَاتِهِ فِي ضَوَاحِي كُوفَانَ؛ فَإِذا فَغَرَتْ فَاغِرَتُهُ، وَ اشْتَدَّتْ شَكِيمَتُهُ، وَ ثَقُلَتْ فِي الْأَرْضِ وَطْأَتُهُ، عَضَّتِ الْفِتْنَةُ أَبْنَاءَهَا بِأَنْيَابِهَا».

ثم ينصح إمامنا أمير المؤمنين عليه السلام :

«فَلا تَكُونُوا أَنْصَابَ الْفِتَنِ وَ أَعْلامَ الْبِدَعِ، وَالْزَمُوا مَا عُقِدَ عَلَيْهِ حَبْلُ الْجَماعَةِ، وَ بُنِيَتْ عَلَيْهِ أَرْكَانُ الطَّاعَةِ».

والظاهر من قوله هذا أنّ التكفيريين من عصابات الوهابية ليسوا حتى مع أبناء الجماعة ، حيث أنّ كل المذاهب والطوائف تتفق على حرمة البدع كما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله :

«كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة إلى النار»(1).

وقوله عليه السلام:

«كلما لم يكن على أمرنا هذا فهو رد»(2).

ومعنى الرد هنا هو الرد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك كله بما اتخذته بنوا أمية وأبناؤها من بدع عبدوا بها الجبت والطاغوت ولم يعبدوا بها الله تعالی طرفة عين، وكانوا بهذا ظالمين لأنفسهم ولغيرهم، ولهذا يحذّر مولانا أمير المؤمنين

ص: 178


1- مسند أحمد بن حنبل : ج3، ص310
2- المسائل الصاغانية للشيخ المفيد : ص 86، نقلاً عن مسند أحمد بن حنبل، ج3، ص310، صحیح مسلم، ج2، ص592، سنن البيهقي، ج3، ص207، الدر المنثور، ج3، ص612؛ صحيح البخاري، ج3، ص 91، صحیح مسلم، ج3، ص1344، سنن الدارقطني، ج4، ص227 ، بأدنی تفاوت

ومولى الثقلين قائلاً:

«وَ اقْدَمُوا عَلَى اللَّهِ مَظْلُومِينَ وَ لاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ ظَالِمِينَ- وَ اتَّقُوا مَدَارِجَ الشَّيْطَانِ وَ مَهَابِطَ الْعُدْوَانِ- وَ لاَ تُدْخِلُوا بُطُونَكُمْ لُعَقَ الْحَرَامِ- فَإِنَّكُمْ بِعَيْنِ مَنْ حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَعْصِيَةَ- وَ سَهَّلَ لَكُمْ سُبُلَ الطَّاعَةِ»(1).

وفي ما تقدم إشارة واضحة للحرب التي ستقع في آخر الزمان وسيصيب أهل البدو

منها كما أشار صلوات الله تعالى عليه :

«وَ تَدُقُّ أَهْلَ الْبَدْوِ بِمِسْحَلِهَا، وَ تَرُضُّهُمْ بِكَلْكَلِهَا».

والمسحل(2) السلاح القاطع، وذلك إشارة إلى أسلحة هذا الزمان وما تمتلكه من مزايا فعّالة فتّاكة، ولم ينقل التاريخ حرباً على أهل البدو بهذه الصورة الفظيعة، والسلاح المستخدم فيها ينطبق على السلاح الحالي كما وصفه بقوله :

«مِرعَادٌ مِبرَاقً».

وينطبق هذا الوصف على الصواريخ والقذائف التي لها صوت كالرعد، ولها نار كالبرق. ومن العلامات المهمة جداً خروج اليماني الذي أكدت الروايات على اتباعه ومبايعته والوصول إليه ولو زحفاً، لأنّ رايته أهدى الرايات(3) لا يعلن عن نفسه إلا بعد خروج السفياني، وهو من اليمن من کرعة يكسر عين الملك في صنعاء(4) يعني يسيطر

ص: 179


1- نهج البلاغة : الخطبة 151، ص211
2- المِسحَل: فأَسه وهي الحَدِيدَةُ القائمة في الفم : تاج العروس : ج 14 ص: 338 ، وقيل المسحل على وزن منبر : المنحت أو المبرد : عبقرية الشريف الرضي : ج 1 ص 136
3- الأمالي : ج2، ص 275
4- أعيان الشيعة، ج 2، ص 73، وكذلك بحار الأنوار: ج 52، ص245، وقد اشتركت اغلب کتب الحديث في ذكر هذه العلامات، والمهم منها الفهم الصحيح والتشخيص الواضح والله ولي التوفيق وهو الأعلم بحقائق الأمور وتتوسل اليه بحرمة محمد واله أن يثبتنا على ولاية الإمام علي بن ابي طالب واولاده الأحد عشر صلوات الله عليهم أجمعين.

على صنعاء ويحكمها، لا يدعو لغير ولاية الإمام علي بن أبي طالب وأهل بيت النبي صلوات الله عليهم أجمعين، وهذا معنى أهدى الرايات ، حركة مسلحة بعيدة خالية من أي تحزب وانتماء، وعلامته يحرم بيع السلاح، لأنّ السلاح عنده يحصلون عليه بالغنيمة وقتل العدو لا عن طريق البيع والشراء، بالمقابل هم محرم عليهم بیع سلاحهم وكل من يدّعي أنه اليماني وليست فيه هذه الصفات فهو غيره وإلى الآن لم يستطع أحد أن يحرم بيع السلاح ويسيطر على صنعاء فيكسر عين المُلك فيها، وكل من حاربه ليس بمسلم، ويجب على العالم أجمع مبايعته لأنّ رايته أهدى الرايات.

****

ص: 180

المبحث السادس: ثمرات الظهور في القرآن والسنة

اشارة

ص: 181

ص: 182

إنّ لظهور الإمام الحجة المبارك ثمرات كثيرة تكاد لا تحصى، إلا أنّ ما لا يدرك كله لا يترك جلّه لهذا نذكر اليسير من ثمرات الظهور التي بينّها الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله تعالى عليه :

الثمرة الأولى: حمل الناس على الهدی

حتى إذا ظهر بقية الله في أرضه وأحیی دین جدّه وسنّة جده وسار بسيرته وسيرة أهل بيته ؛ حمل أهواء الناس على ما يريده المهدي، والهدي هو الذي أرسل به رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم:

«هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ»(1)

ويفرض إمامنا المهدي عجل الله فرجه المبارك، هدى القرآن على كل رأي ، من بعد ما كان الناس يفسرون القرآن برأيهم وهذا معنى قوله عليه السلام:

ص: 183


1- التوبة : 33

«یَعْطِفُ الْهَوی عَلَی الْهُدی اِذا عَطَفُو الْهُدی عَلَی الْهَوی و یَعْطِفُ اَلرَّأْیَ عَلَی اَلْقُرْآنِ إِذَا عَطَفُوا اَلْقُرْآنَ عَلَی اَلرَّأْیِ»(1).

ومن أجل هذا التغيير وأمثاله مما لا ينسجم مع أمزجة الناس وأهوائهم؛ إذ من البديهي أن تضطرب مصالحهم وتنقطع فيما يريدون أهوائهم.

الثمرة الثانية: قطع دابر الظالمين

«حَتَّی تَقُومَ اَلْحَرْبُ بِکُمْ عَلَی سَاقٍ بَادِیاً نَوَاجِذُهَا(2) مَمْلُوءَهً أَخْلاَفُهَا(3) حُلْواً رَضَاعُهَا عَلْقَماً عَاقِبَتُهَا».

ص: 184


1- نهج البلاغة : ص195
2- نجد: النَّواجذ : أقصى الأضراس، وهي أربعة في أقصى الأسنان بعد الأَرحاء ، وتسمي ضرس الحلُم لأنه ينبت بعد البلوغ وكمال العقل ؛ وقيل : النواجذ التي تلي الأَنيابَ ، وقيل : هي الأضراس كلها نواج. ويقال : ضحك حتى بدت نواجذه إذا استغرق فيه. الجوهري : وقد تكون النواجذ للفرس، وهي الأنياب من الخف والسَّوالِغ من الظَّلف ؛ قال الشماخ يذكر إبلاً حداد الأنياب : یُبَاکِرنَ العِضاه بِمُقنَعَاتٍ*** نَوَاجِذُهُنَّ کالحِدَإِ الوَقِيعِ والنَّجذُ شدة العض بالناجذ، وهو السن بين الناب والأضراس . وقول العرب : بدت نواجذه إذا أظهرها غضباً أو ضحكاً. وعَضَّ على ناجذه : تَحَنَّكَ لسان العرب : ج3، ص513
3- الخلاف : صنف من شجر الصفصاف. نهاية الأرب في فنون الأدب، ج10، ص186؛ وكذلك قيل الخلاف من المُلَاوَذَة والِّلواذُ: الخلاف، وبه فَسَّرَ الزَّجَّاجُ الآية ، أي يُخالِفون خَلَافاً، قال : ودليل ذلك قوله عز وجل : «فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ» سور الفرقان الآية 63، والمُلَاوَذَةُ واللِّواذُ: أن يَلُوذَ، أي يستتر بعضهم ببعض، كالتَّلوَاذِ ، بالفتح، قال عمرو بن حُمَيل : یُرِیغُ شُذَّاذاً إلى شُذَّاذِ***مِنَ الرَّبَابِ دَائِمِ التَّلوَاذِ: تاج العروس : ج10، ص395

وهذا جانب من صورة حرب الإمام المهدي عليه السلام التي يصفها أمير المؤمنين صلوات الله تعالى عليه.

الثمرة الثالثة: كشف صور دولة العدل

ومن ثم يبيّن صورة من حكومته ، لدولة العدل الإلهي :

«ألاَ وَفِي غَدٍ وَسَيَأتِي غَدٌ بِمَا لاَ تَعْرفُونَ يَأخُذُ الْوَالِي مِنْ غَيْرهَا عُمَّالَهَا عَلَى مَسَاوي أعْمَالِهَا وَتُخْرجُ لَهُ الأرْضُ أفَالِيذَ كَبِدِهَا وَتُلْقِي إِلَيْهِ سِلْماً مَقَالِيدَهَا فَيُريكُمْ كَيْفَ عَدْلُ السَّيرَةِ وَيُحْيِي مَيّتَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ».

الثمرة الرابعة: إظهار أهداف دولة العدل

ومن أهداف حكومته الجهاد وتطهير الأرض من الفجرة الزناة وأولاد البغاة بدخوله الشام ومن ثم الرجوع إلى الكوفة ليرد الصاع صاعين ويعاقب بما عوقب به وإنه ليعمل بمنطق القرآن :

«وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ»(1).

فيرى بعين البصيرة وبوحي الله تعالى وإلهامه فيقول:

«کَأَنِّی بِهِ قَدْ نَعَقَ بِالشَّامِ، وَ فَحَصَ بِرَایَاتِهِ فِی ضَوَاحِی کُوفَانَ، فَعَطَفَ عَلَیْهَا عَطْفَ الضَّرُوسِ، وَ فَرَشَ الْأَرْضَ بِالرُّؤُوسِ قَدْ فَغَرَتْ فَاغِرَتُهُ، وَ ثَقُلَتْ فِی الْأَرْضِ وَطْأَتُهُ، بَعِیدَ الْجَوْلَهِ، عَظِیمَ الصَّوْلَهِ. وَ اللَّهِ لَیُشَرِّدَنَّکُمْ فِی أَطْرَافِ الْأَرْضِ حَتَّی لَایَبْقَی مِنْکُمْ إِلَّا قَلِیلٌ، کَالْکُحْلِ فِی الْعَیْنِ، فَلَا تَزَالُونَ کَذلِکَ، حَتَّی تَؤُوبَ إِلَی الْعَرَبِ عَوَازِبُ أَحْلَامِهَا».

ص: 185


1- النحل : 126

الثمرة الخامسة: السير بسيرة جديه رسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما

إذ لا يخفى أن للنبي والإمام علي بن أبي طالب صلوات الله تعالى عليهما سيرة علمية عملية ، ثبتا على تطبيقها مهما كانت الظروف، ومنها أبى الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أن يكون خليفة على الناس إلا بها أي بسيرة النبي صلى الله عليه وآله وهديه ، ولأجلها خرج الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام وصرح بقوله قبل خروجه في وصيته لأخيه محمد بن الحنفية بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه محمد المعروف بأبن الحنفية ؛ أن الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، جاء بالحق من عند الحق، وأن الجنة والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأني لم أخرج أشرا ولالا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله أريد أن آمر بالمعروف وأنهی عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب عليه السلام فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين ، وهذه وصيتي يا أخي إليك وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب(1) .

الثمرة السادسة: قطع مداحر الشيطان

إنّ الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الهدّي والسيرة وقد عهدُه الناس بخُلقٍ عظيم وكان يُعرف فيهم بالصادق الأمين وكان يتعايش معهم بطبيعة الحياة اليومية، وهم منهمكين بمعتركها عاكفين على أصنامها، حتی حملهم على الهدی

ص: 186


1- بحار الأنوار: ج 44، ص330

وقادهم للإسلام، وبنفس هدّي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، سيظهر أمام زماننا عجل الله تعالی فرجه المبارك ، فيزيل أصناماً لم تكن من حجارة كما كانت على عهد النبي، بل أن من الطواغيت والجبابرة أصناماً تعبد من دون الله تعالى، وأن في هذا الزمان وما يليه أصناما من البشر يتحركون بصلابة كفرهم وقساوة قلوبهم، فكأنهم الأصنام التي كانت تعبد من الجهلة الحفاة فيما مضى، واليوم تعبد بإتباعها وطاعتها، وكأنهم لا دین لهم ولا رب فوقهم، فيوصی صلوات الله تعالى بما ينجي من الهلاك والغرق فيقول:

«فَالْزَمُوا السُّنَنَ الْقَائِمَهَ، وَ الْآثَارَ الْبَیِّنَهَ، وَ الْعَهْدَ الْقَرِیبَ الَّذِی عَلَیْهِ بَاقِی النُّبُوَّهِ. وَ اعْلَمُوا أَنَّ الشَّیْطَانَ إِنَّمَا یُسَنِّی لَکُمْ طُرُقَهُ لِتَتَّبِعُوا عَقِبَهُ».

الثمرة السابعة: بلوغ الغاية

وبقية الله تعالى الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالی ظهوره تنقطع مداحر الشيطان وتثبت مواطن الأمن والأمان ؛ فيرقى بالعباد إلى المستوي المطلوب لعبادة الله جل ثناؤه وتعظيم صفاته كما كان أمير المؤمنين عليه السلام يعظمه فيقول:

«الْحَمْدُ للهِ الدَّالِّ عَلَی وُجُودِهِ بِخَلْقِهِ، وَبِمُحْدَثِ خَلْقِهِ عَلَی أَزَلِیَّتِهِ،وَبِاشْتِبَاهِهِمْ عَلَی أَنْ لاَ شَبَهَ لَهُ. لاَ تَسْتَلِمُهُ الْمَشَاعِرُ، وَلاَ تَحْجُبُهُ السَّوَاتِرُ، لِإِفْتِرَاِق الصَّانِعِ وَالْمَصْنُوعِ، وَالْحَادِّ وَالْمَحْدُودِ، وَالرَّبِّ وَالْمَرْبُوبِ. الْأَحَدُ بِلَا تَأْوِیلِ عَدَدٍ، وَالْخَالِقُ لاَ بِمَعْنَی حَرَکَهٍ وَنَصَبٍ . وَالسَّمِیعُ لاَ بِأَدَاهٍ ، وَالْبَصِیرُ لاَ بِتَفْرِیقِ آلَهٍ ، وَالشَّاهِدُ لاَبِمُمَاسَّهٍ، وَالْبَائِنٍ لاَبِتَرَاخِی مَسَافَهٍ، وَالظّاهِرُ لاَبِرُؤیَهٍ. وَالْبَاطِنُ لاَ بِلَطَافَهٍ. بَانَ مِنَ الْأَشْیَاءِ بَالْقَهْرِ لَهَا. وَالْقُدْرَهِ عَلَیْهَا، وَبَانَتِ الْأَشْیَاءُ مِنْهُ بَالْخُضُوعِ لَهُ، وَالرُّجُوعِ إِلَیْهِ. مَنْ وَصَفَهُ فَقَدْ حَدَّهُ ، وَمَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ، وَمَنْ عَدَّهُ فَقَدْ أَبْطَلَ أَزَلَهُ، وَمَنْ قَالَ: «کَیْفَ»، فَقَدِ اسْتَوْصَفَهُ، وَمَنْ قَالَ: «أَیْنَ»، فَقَدْ حَیَّزَهُ. عَالِمٌ إِذْ لاَ

ص: 187

مَعْلُومٌ، وَرَبٌّ إِذْ لاَ مَرْبُوبٌ، وَقَادِرٌ إِذْ لاَ مَقْدُورٌ؛ فَقَدْ طَلَعَ طَالِعٌ، وَلَمَعَ لاَمِعٌ، وَلاَحَ لاَئِحٌ، وَاعْتَدَلَ مَائِلٌ، وَاسْتَبْدَلَ اللهُ بِقَوْمٍ قَوْماً، وَبِیَومٍ یَوْماً، وَانْتَظَرْنَا الْغِیَرَ انْتِظَارَ الْمُجْدِبِ الْمَطَرَ. وَإِنَّمَا الْأَئِمَّهُ قُوَّامُ اللهِ عَلَی خَلْقِهِ، وَعُرَفَاؤُهُ عَلَی عِبَادِهِ، لاَ یَدْخُلُ الْجَنَّهَ إِلاَّ مَنْ عَرَفَهُمْ وَعَرَفُوهُ، وَلاَ یَدْخُلُ النَّارَ إِلاَّ منْ أَنْکَرَهُمْ وَأَنْکَرُوهُ. إِنَّ اللهَ خَصَّکُمْ بَالْإِسْلاَمِ، وَاسْتَخْلَصَکُمْ لَهُ، وَذلِکَ لاِنَّهُ اسْمُ سَلاَمَهٍ، وَجِمَاعُ کَرَامَهٍ، اصْطَفَی اللهُ تَعَالَی مَنْهَجَهُ، وَبَیَّنَ حُجَجَهُ، مِنْ ظَاهِرِ عِلْمٍ، وَبَاطِنِ حِکَمٍ. لاَ تَفْنَی غَرَائِبُهُ، وَلاَ تَنْقَضِی عَجَائِبُهُ. فِیهِ مَرَابِیعُ النِّعَمِ ، وَمَصَابِیحُ الظُّلَمِ. لاَ تُفْتَحُ الْخَیْرَاتُ إِلاَّ بِمَفَاتِحِهِ، وَلاَ تُکْشَفُ الظُّلُمَاتُ إِلاَّ بِمَصَابِحِهِ. قَدْ أَحْمَی حِمَاهُ ، وَأَرْعَی مَرْعَاهُ. فِیهِ شِفَاءُ الْمُسْتَشْفِی، وَکِفَایَهُ الْمُکْتَفِی»(1).

وهذه نبذة من روائع مولانا ومولى الأنس والجن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله وبركاته وتحياته وتمام سلامه عليه وعلى أهل بيته وأولاده الأحد عشر ولا سیما خاتمهم بقية الله في الأرضين المهدي المنتظر؛ والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله الغر الميامين.

دعاء الفرج

اللَّهُمَّ كُنْ لِوَلِیِّكَ الحُجَةِ بنِ الحَسَن صَلَواتُکَ علَیهِ و عَلی آبائِهِ فِی هَذِهِ السَّاعَةِ وَ فِی كُلِّ سَاعَةٍ وَلِیّاً وَ حَافِظاً وَ قَائِداً وَ نَاصِراً وَ دَلِیلًا وَ عَیْناً حَتَّى تُسْكِنَهُ أَرْضَكَ طَوْعاً، وَ تُمَتعَهُ فِیهَا طَوِیلا(2)

ص: 188


1- الغيبة : ص 441 / 434، إعلام الوری : ص 427، الفصول المهمة : ص 301، وروی نحوه مفصلا النعماني في غيبته: ص279 / 67، الاختصاص : ص255، والعياشي في تفسيره: ج 1، ص 64 / 117، ونقله العلامة المجلسي في البحار 52 : 62/212 . (الإرشاد ج2 ص 372، وقد تناولت كثير من المصادر أقوال الإمام أمير المؤمنين صلوات الله تعالی ؛ وذكرت بعضها رعاية للاختصار.
2- مصباح المتهجد:للشیخ الطوسي ،ص 631

المصادر والمراجع

القرآن الكريم

1. الاحتجاج : الشيخ الطبرسي، الوفاة : 548ه، القسم العام تحقیق : تعليق وملاحظات : السيد محمد باقر الخرسان، 1386 ه - 1966م، دار النعمان للطباعة والنشر، النجف الأشرف

2. الإسلام يتحدى : وحید الدین خان ، معاصر، مراجعة وتحقيق : الدكتور عبد الصبور شاهين، ط1.

3. أضواء على عقائد الشيعة الإمامية : الشيخ السبحاني، الوفاة : معاصر، المجموعة: من مصادر العقائد عند الشيعة الإمامية طا، 1421ه المطبعة : مؤسسة الإمام الصادق ، قم.

4.أعلام الوری بأعلام الهدی : الشيخ الطبرسي، الوفاة : 548، تحقیق : مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث ط 1 ، ربيع الأول 1417 ستارة - قم.

5. أعيان الشيعة : السيد محسن الأمين، الوفاة : 1371 المجموعة : مصادر التاريخ، تحقيق و تخریج : حسن الأمين، 1403ه - 1983م، دار التعارف للمطبوعات - بيروت - لبنان

6. الإفصاح : الشيخ المفيد الوفاة : 413 تحقيق : مؤسسة البعثة ط 2، 1414ه - 1993م، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان.

7. الأمالي : الشيخ الصدوق الوفاة : 381 المجموعة : مصادر الحديث الشيعية - قسم الفقه، تحقيق : قسم الدراسات الإسلامية - مؤسسة البعثة - قم، ط1، 1417ه، مرکز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة

8. الإمامة والتبصرة : علي ابن بابويه القمي، الوفاة : 329 تحقيق : مدرسة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف ، قم المقدسة ط1، 1404ه - 1363 ش، مدرسة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف ، قم المقدسة .

ص: 189

9. الأنساب : السمعاني الوفاة : 562، تحقيق وتقديم وتعليق : عبدالله عمر البارودي ، ط1، 1408ه - 1988م، دار الجنان للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان.

10. أوائل المقالات : الشيخ المفيد، الوفاة : 413 تحقیق : الشيخ إبراهيم الأنصاري 1414 - 1993م، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان.

11. بحار الأنوار : العلامة المجلسي، الوفاة : 1111ه، تحقیق : يحيى العابدي الزنجان ط2، المصححة، 1403ه - 1983م، مؤسسة الوفاء - بيروت - لبنان.

12. بصائر الدرجات : محمد بن الحسن بن فروخ الصفار، الوفاة : 290، تحقیق وتصحيح وتعليق وتقديم : الحاج میرزا حسن کوجه باغي : 1404ه - 1362 ش، مطبعة الأحمدي - طهران.

13. تاج العروس : الزبيدي، الوفاة 1205 المجموعة : علوم اللغة العربية تحقيق : علي شيري، 1414ه - 1994م، دار الفكر - بیروت، دار الفکر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت.

14. تاریخ بغداد : الخطيب البغدادي ، الوفاة : 463ه، تحقيق : دراسة وتحقيق : مصطفی عبد القادر عطا، ط1، 1417ه - 1997 م، دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان.

15. تاريخ مدينة دمشق: ابن عساکر، الوفاة :571ه، المجموعة : أهم مصادر رجال الحديث عند السنة تحقيق : علي شيري، 1415ه، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان.

16. تفسير العياشي : محمد بن مسعود العياشي، الوفاة : 320ه تحقیق : الحاج السيد هاشم الرسولي المحلاتي، المكتبة العلمية الإسلامية - طهران.

17. تفسير القمي : علي بن إبراهيم القمي، الوفاة : نحو 329، تحقیق وتصحيح وتعليق وتقديم : السيد طيب الموسوي الجزائري ط3، صفر 1404ه، مؤسسة دار الكتاب

ص: 190

للطباعة والنشر - قم - ایران.

18. التفسير الكاشف : محمد جواد مغنية، الوفاة : 1400 ط3، أذار (مارس) 1981م، طبع بالأوفست على مطابع دار العلم للملايين دار العلم للملايين - بيروت - لبنان.

19. تفسير الميزان : السيد الطباطبائي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

20. التوحيد : الشيخ الصدوق، الوفاة : 381، تحقيق: تصحيح وتعليق : السيد هاشم الحسيني الطهراني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

21. جمل العلم والعمل : الشريف المرتضی، الوفاة : 436، تحقيق: السيد أحمد الحسيني ط1، 1378، مطبعة الآداب في النجف الأشرف.

22. حرمة ذبائح أهل الكتاب : الشيخ البهائي العاملي، الوفاة : 1031 المجموعة: فقه الشيعة من القرن الثامن، ط1، 1410 ه - 1990م، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات.

23. الخرائج والجرائح : قطب الدين الراوندي، الوفاة : 573، تحقیق : مؤسسة الإمام المهدي عجل الله عرجه الشريف، بإشراف السيد محمد باقر الموحد الأبطحي ط1، كاملة محققة ، ذي الحجة 1409 المطبعة العلمية - قم

24. الخصال : الشيخ الصدوق، الوفاة : 381، تحقيق وتصحيح وتعليق : علي أكبر الغفاري، 18 ذي القعدة الحرام 1403 - 1362 ش، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

25. دلائل الامامة : محمد بن جرير الطبري (الشيعي)، الوفاة : ق 4 تحقیق : قسم الدراسات الإسلامية - مؤسسة البعثة - قم ط1، 1413 مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة .

69. ديوان السيد حيدر الحلي : السيد حيدر الحلي، الوفاة : 1304 تحقیق : علي الخاقاني.

27. ربيع الأبرار ونصوص الأخبار : الزمخشري، الوفاة : 538، تحقيق: عبد الأمير مهنا ط1، 1412 - 1992م، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت .

ص: 191

28. رجال النجاشي : الشيخ أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد بن العباس النجاشي الأسدي الكوفي، الوفاة 450، الأعلمي للمطبوعات ، بيروت لبنان.

29. زاد المسير في علم التفسير : ابن الجوزي ، الوفاة : 597، المجموعة : مصادر التفسير عند السنة تحقيق : محمد بن عبد الرحمن عبد الله ط1، جمادى الأولى 1407 - کانون الثانی 1987م المطبعة : دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

30. السرائر : ابن إدريس الحلي، الوفاة : 598 المجموعة: فقه الشيعة إلى القرن الثامن تحقيق : لجنة التحقيق ط 2 ، 1410، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.

31. سنن أبي داود : سليمان بن الأشعث السجستاني، الوفاة : 275 تحقیق وتعليق : سعید محمد اللحام ط1، 1410 - 1990م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

32. سنن الترمذي : الترمذي، الوفاة : 279 المجموعة : مصادر الحديث السنية - قسم الفقه تحقیق وتصحيح: عبد الوهاب عبد اللطيف ط 2، 1403 - 1983م، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان.

33. سير أعلام النبلاء : الذهبي، الوفاة : 748 المجموعة : أهم مصادر رجال الحديث عند السنة تحقيق وتخریج وتعليق : شعيب الأرنؤوط، ط 9، 1413 - 1993م، مؤسسة الرسالة - بيروت - لبنان.

34. شرح إحقاق الحق : السيد المرعشي، الوفاة : 1411 تحقیق وتعليق : السيد شهاب الدين المرعشي النجفي، تصحیح: السيد إبراهيم الميانجي.

35. شعب الإيمان : أحمد بن الحسين البيهقي، الوفاة : 458 تحقیق : أبي هاجر محمد السعيد بن بسيوني زغلول، تقديم : دكتور عبد الغفار سليمان البنداري ، ط1، 1410 - 1990م دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.

36. علل الشرائع : الشيخ الصدوق، الوفاة : 381 تحقیق وتقديم : السيد محمد صادق بحر

ص: 192

العلوم، 1385 – 1966م، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها - النجف الأشرف.

37. عيون أخبار الرضا عليه السلام : الشيخ الصدوق، الوفاة : 381، تحقيق وتصحيح وتعليق وتقديم : الشيخ حسين الأعلمي، 1404 - 1984م، مطابع مؤسسة الأعلمي - بيروت - لبنان.

38. الغيبة : القاضي النعمان المغربي، الوفاة : 363، تحقيق : السيد محمد الحسيني الجلالي ط 2، 1414، مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي.

39. الغيبة : ابن أبي زينب النعماني الوفاة : 380 تحقيق : فارس حسون کریم ط1، 1422ه، مهر - قم

40. الغيبة : الشيخ الطوسي، الوفاة : 460 تحقيق : الشيخ عباد الله الطهراني، الشيخ علي أحمد ناصح ط1، شعبان 1411 المطبعة : بهمن.

41. فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء : أحمد بن عبد الرزاق الدويش، الوفاة : معاصر، دار العاصمة.

42. فتوح مصر وأخبارها : القرشي المصري، الوفاة : 257، تحقيق: محمد الحجيري، ط1، 1416 - 1996م المطبعة : بيروت - دار الفكر.

13. فقه الرضا: علي ابن بابويه القمي الوفاة : 329، تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم المشرفة ط1، شوال 1406، المؤتمر العالمي للإمام الرضا عليه السلام، مشهد المقدسة.

44. الكافي : الشيخ الكليني، الوفاة : 329، تحقیق وتصحيح وتعليق : علي أكبر الغفاري، ط4، 1365 ش، المطبعة : حيدري.

45. کتاب سليم بن قيس : سلیم بن قیس الهلالي الكوفي، الوفاة : ق 1 تحقيق : محمد باقر الأنصاري الزنجاني، ط1، 1422 - 1380 ش مطبعة : نگارش

46. کشف اللثام : الفاضل الهندي ، الوفاة : 1137 تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي ط1،

ص: 193

47. كفاية الأثر: الحزاز القمي، الوفاة : 400 تحقيق : السيد عبد اللطيف الحسيني الكوهكمري الخوئي، 1401، الخيام - قم.

48. كفاية الأصول : الآخوند الخراساني، الوفاة : 1329 المجموعة : أصول الفقه عند الشيعة تحقيق : مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، ط1، ربيع الأول 1409، مهر - قم.

49. كمال الدين وتمام النعمة : الشيخ الصدوق، الوفاة : 381، تحقیق وتصحيح وتعليق : علي أكبر الغفاري ، محرم الحرام 1405 - 1363 ش.

50. لسان العرب : ابن منظور، الوفاة : 711، محرم 1405 المطبعة : أدب الحوزة.

51. المبسوط : الشيخ الطوسي، الوفاة : 460، تحقیق وتصحيح وتعليق : السيد محمد تقي الكشف 1387 ، المطبعة الحيدرية - طهران.

52. المحتضر: حسن بن سليمان الحلي، الوفاة : ق و تحقیق : سيد علي أشرف، 1424 - 1382 ش المطبعة : شريعة.

53. مختار الصحاح : محمد بن أبي بكر الرازي، الوفاة : 721، تحقيق : ضبط وتصحيح : أحمد شمس الدين، ط1، سنة الطبع: 1415 - 1994م، دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان.

54. المختصر النافع : المحقق الحلي، الوفاة : 676، ط 2-3، 1402 - 1410.

55. مختصر المعاني : التفتازاني، الوفاة : 792، المجموعة : علوم اللغة العربية ط1، 1411، قدس - قم : دار الفكر - قم.

56. مختصر مفيد : السيد جعفر مرتضى العاملي، الوفاة : معاصر ط1، 1424 - 2003م المركز الإسلامي للدراسات.

57.المزار : الشيخ المفيد، الوفاة : 413المجموعة : مصادر الحديث الشيعية - القسم العام

ص: 194

تحقيق : السيد محمد باقر الأبطحي ، ط 2، 1414 - 1993م، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان.

58. المسائل الصاغانية :: الشيخ المفيد، الوفاة : 413، المجموعة : فقه الشيعة إلى القرن الثامن، تحقيق: السيد محمد القاضي، ط 2، 1414 - 1993م، دار المفيد للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان.

59. المستجاد من الإرشاد : العلامة الحلي، الوفاة : 726، 1406، المطبعة : الصدر الناشر: مکتب آية الله العظمى المرعشي، النجفي - قم

60. مستدرك الوسائل : میرزا حسين النوري الطبرسي، الوفاة : 1320 تحقیق : مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، ط 2، 1408 - 1988 م، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث - بيروت - لبنان.

61. مسند أحمد: الإمام أحمد بن حنبل الوفاة : 241 المطبعة : دار صادر - بيروت - لبنان.

62. مصباح المتهجد : الشيخ الطوسي، الوفاة : 460 : ط1، 1411 -1991م، مؤسسة فقه الشيعة - بيروت - لبنان.

63. معاني الأخبار : الشيخ الصدوق، الوفاة : 381، تحقيق وتصحيح وتعليق : علي أكبر الغفاري 1379 - 1338 ش، المطبعة : مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة.

64. المعتبر: المحقق الحلي، الوفاة : 676، تحقیق وتصحيح: عدة من الأفاضل إشراف : ناصر مکارم شیرازي سنة الطبع: 1364314 ش المطبعة : مدرسة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام.

65. المعجم الكبير: الطبراني، الوفاة : 360 المجموعة : مصادر الحديث السنية - القسم العام، تحقیق وتخریج: حمدي عبد المجيد السلفي، ط 2، مزيدة ومنقحة، دار إحياء التراث

ص: 195

العربي.

66. مقدمة في أصول الدين : الشيخ وحيد الخراساني الوفاة : معاصر.

67. مکاتیب الرسول : الأحمدي الميانجي الوفاة : معاصر، ط1، - مصححة ومنقحة ومزيدة، 1419، دار الحديث - طهران : مؤسسة دار الحديث الثقافية.

68. ملاذ الأخيار في فهم تهذيب الأخبار : العلامة المجلسي، الوفاة : 1111 تحقيق : السيد مهدي الرجائي ، 1406ه مطبعة الخيام - قم.

69. المهدي المنتظر عجل الله فرجه في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة : دکتر عبد العليم عبد العظيم البستوي ، الوفاة : معاصر، 1420 - 1999م، المكتبة المكية - مكة المكرمة - السعودية ، دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان.

70. موسوعة العقائد الإسلامية : محمد الريشهري، الوفاة : معاصر، تحقيق : مركز بحوث دار الحديث، 1425 - 1383 ش المطبعة : دار الحديث.

71. النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة : يوسف بن تغري بردي الأتابكي المطبعة : مطابع کستاتسوماس وشركاه الناشر: وزارة الثقافة والارشاد القومي - المؤسسة المصرية العامة للتأليف والترجمة والطباعة والنشر.

72. نهاية الأرب في فنون الأدب : النويري الوفاة : 733 المطبعة : مطابع كوستاتسوماس وشركاه.

73. نهج البلاغة : خطب الإمام علي عليه السلام، تحقيق : صبحي صالح، الوفاة : 40، ما أختاره وجمعه الشريف الرضي ضبط نصه وابتكر فهارسه العلمية : الدكتور صبحي صالح، ط1، 1387 - 1967م.

74. الهداية : الشيخ الصدوق، الوفاة : 381 تحقيق : مؤسسة الإمام الهادي عجل الله فرجه الشريف ، ط1، رجب المرجب 1418 اعتماد - قم

75. الهداية الكبرى : الحسين بن حمدان الخصيبي، الوفاة : 334، ط4، 1411 -

ص: 196

1991م، مؤسسة البلاغ للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت - لبنان.

76. يتيمة الدهر : عبد الملك الثعالبي النيسابوري، الوفاة : 429، شرح و تحقیق : د. مفید محمد قمحية، ط1، 1403 - 1983م، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.

77. ينابيع المودة لذوي القربي : القندوزي، الوفاة : 1294، تحقيق: سيد علي جمال أشرف الحسيني، ط1، 1416 المطبعة : أسوه.

ص: 197

المحتويات

مقدمة المؤسسة....7

مقدمة الکتاب....9

المبحث الأول

العلامة والظهور في اللغة والاطلاح

المسألة الأولى: العلامة في اللغة والاصطلاح:...17

أولاً: العلامة في اللغة:...17

ثانياً: العلامة في الاصطلاح....21

المسألة الثانية: معنى الظهور لغة واصطلاحا: ....23

أولًا: معنى الظهور لغة: ....23

ثانياً: معنى الظهور في الاصطلاح: ....28

المبحث الثاني

العلامة والظهور في القرآن والسنة

المسألة الأولى: المنهج العام للظهور في القرآن الكريم: ....34

المسألة الثانية: المنهج الخاص للظهور في القرآن الحكيم: ....36

ومن المناهج الخاصة ما يأتي: ....36

العلامة والظهور في السنة: ....44

المسألة الأولى: السنة لغة: ....44

المسألة الثانية: السنة اصطلاحاً: .... 45

المسألة الثالثة: اقتضاء حكمة الغيبة: ....47

ص: 198

المبحث الثالث

الغاية من ذكر العلامات

الغرض الأول: التشخيص: ....93

الغرض الثاني: الاستعداد: ....99

الغرض الثالث: ظهور مصداق العلامات: ....100

المبحث الرابع

العلامة والظهور بين يدي الساعة

المبحث الخامس

رواية الدجال بين الحقيقة والمجاز

المسألة الأولى: في معنى الرواية وآدابها : ....153

المسألة الثانية: معنى الحقيقة والمجاز في الرواية: ....154

المسألة الثالثة: أبعاد رواية الدجال: ....156

البعد الأول: ....156

البعد الثاني:...156

البعد الثالث: ....156

البعد الرابع: ....157

البعد الخامس: ....157

ص: 199

المبحث السادس

ثمرات الظهور في القرآن والسنة

الثمرة الأولى: حمل الناس على الهدی:...183

الثمرة الثانية: قطع دابر الظالمين: ....184

الثمرة الثالثة: كشف صور دولة العدل: .... 185

الثمرة الرابعة: إظهار أهداف دولة العدل: ....185

الثمرة الخامسة: السير بسيرة جديه رسول الله له وأمير المؤمنين: ....186

الثمرة السادسة: قطع مداحر الشيطان: ....186

الثمرة السابعة: بلوغ الغاية: ....187

دعاء الفرج: ....188

المصادر والمراجع ....189

القرآن الكريم....189

المحتويات....198

ص: 200

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.