مبادئ حقوق الإنسان في ضوء عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله)

هوية الکتاب

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 6781 لسنة 8102م مصدر الفهرسة: adr ILPaK-QI ara ILPak-QI رقم تصنيف CL:

BP38.09.H8 A56 2018 المؤلف الشخصي: عنان، رباح صعصع. مؤلف.

العنوان : مبادئ حقوق الانسان في ضوء عهد الامام علي (ع) لمالك الأشتر (ره) / بيان المسؤولية : تأليف م. م. رباح صعصع عنان.

بيانات الطبع: الطبعة الأولى.

بيانات النشر: العراق، كربلاء: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2018 / 1439 للهجرة. الوصف المادي : 94 صفحة : 15x21 سم.

سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة : 430).

سلسلة النشر: (مؤسسة علوم نهج البلاغة، 137 وحدة حقوق الانسان، سلسلة دراسات في عهد الامام علي (ع) لمالك الأشتر (ره)؛ 42).

تبصرة ببليوجرافية: يتضمن هوامش، لائحة المصادر (الصفحات 87 - 91). موضوع شخصي : الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة - عهد مالك الاشتر - شرح. موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الأمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - احاديث.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - نظريته في حقوق الانسان.

موضوع شخصي: مالك بن الحارث الأشتر النخعي، توفي 39 للهجرة - نقد و تفسير.

مصطلح موضوعي: الاسلام وحقوق الانسان.

مصطلح موضوعي: نظام الحكم في الاسلام.

مؤلف اضافي: دراسة ل(عمل): الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة - عهد مالك الاشتر. اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة. مؤسسة علوم نهج البلاغة. جهة مصدرة. عنوان اضافي: نهج البلاغة.

تمت الفهرسة فبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة

ص: 1

اشارة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق العراقية 6781 لسنة 8102م مصدر الفهرسة: adr ILPaK-QI ara ILPak-QI رقم تصنيف CL:

BP38.09.H8 A56 2018 المؤلف الشخصي: عنان، رباح صعصع. مؤلف.

العنوان : مبادئ حقوق الانسان في ضوء عهد الامام علي (ع) لمالك الأشتر (ره) / بيان المسؤولية : تأليف م. م. رباح صعصع عنان.

بيانات الطبع: الطبعة الأولى.

بيانات النشر: العراق، كربلاء: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة، 2018 / 1439 للهجرة. الوصف المادي : 94 صفحة : 15x21 سم.

سلسلة النشر: (العتبة الحسينية المقدسة : 430).

سلسلة النشر: (مؤسسة علوم نهج البلاغة، 137 وحدة حقوق الانسان، سلسلة دراسات في عهد الامام علي (ع) لمالك الأشتر (ره)؛ 42).

تبصرة ببليوجرافية: يتضمن هوامش، لائحة المصادر (الصفحات 87 - 91). موضوع شخصي : الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة - عهد مالك الاشتر - شرح. موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الأمام الأول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - احاديث.

موضوع شخصي: علي بن ابي طالب (عليه السلام)، الامام الاول، 23 قبل الهجرة - 40 للهجرة - نظريته في حقوق الانسان.

موضوع شخصي: مالك بن الحارث الأشتر النخعي، توفي 39 للهجرة - نقد و تفسير.

مصطلح موضوعي: الاسلام وحقوق الانسان.

مصطلح موضوعي: نظام الحكم في الاسلام.

مؤلف اضافي: دراسة ل(عمل): الشريف الرضي، محمد بن الحسين، 359 - 406 للهجرة - نهج البلاغة - عهد مالك الاشتر. اسم هيئة اضافي: العتبة الحسينية المقدسة. مؤسسة علوم نهج البلاغة. جهة مصدرة. عنوان اضافي: نهج البلاغة.

تمت الفهرسة فبل النشر في مكتبة العتبة الحسينية المقدسة

ص: 2

سلسلة دراسات في عهد الإمام على (علیه السلام) لمالك الأشتر(رضی عنه الله) (42) وحدة حقوق الإنسان مبادئ حقوق الإنسان في ضوء عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله) تأليف م. م. رباح صعصع عنان اصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة

ص: 3

جميع الحقوق محفوظة العتبة الحسينية المقدسة الطبعة الأولى 1439 ه - 2018 م العراق - كربلاء المقدسة - مجاور مقام علي الأكبر عليه السلام مؤسسة علوم نهج البلاغة هاتف: 07728243600 - 07815016633 الموقع الألكتروني:

www.inahj.org الإيميل:

Info@ Inahj.org تنویه:

إن الأفکار والآراء المذکورة في هذا الکتاب تعبر عن وجهة نظر کاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 4

بسم الله الرحمن الرحيم «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» الحجرات: 13

ص: 5

ص: 6

الإهداء

أهدي هذا الجهد المتواضع...

إلى أمير الكلام...

سيدي ومولاي، روحي له الفداء...

أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) وأقف على بابه سائلاً، أن يقبل مني هديةً مزجاةً كما هي، وأن لا يردني خائباً، فأكون مصداقاً للآية:

«فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ» فهي من حيث أنا، لا من حيث أنت سيدي

ص: 7

ص: 8

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة المؤسسة

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم من عموم نعمٍ ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين محمد و آله الطاهرین.

أما بعد:

فإن من أبرز الحقائق التي ارتبطت بالعترة النبوية هي حقيقة الملازمة بين النص القرآني والنص النبوي ونصوص الأئمة المعصومين (علیه السلام).

وإنّ خير ما يُرجع إليه في المصادیق لَحدیث

ص: 9

الثقلين «كتاب الله وعترتي أهل بيتي» هو صلاحية النص القرآني لكل الأزمنة متلازماً مع صلاحيّة النصوص الشريفة للعترة النبوية لكل الأزمنة.

وما كتاب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله) إلا أنموذجٌ واحدٌ من بين المئات التي زخرت بها المكتبة الإسلامية التي اكتنزت في متونها كثيراً من الحقول المعرفية مظهرة بذلك احتياج الإنسان إلى نصوص الثقلين في كل الأزمنة.

من هنا:

ارتأت مؤسسة علوم نهج البلاغة أن تخصص حقلاً معرفياً ضمن نتاجها المعرفي التخصصي في حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) وفكره، متّخذة من عهده الشريف إلى مالك

ص: 10

الأشتر (رحمه الله) مادة خصبة للعلوم الإنسانية التي هي أشرف العلوم ومدار بناء الإنسان وإصلاح متعلقاته الحياتية وذلك ضمن سلسلة بحثية علمية موسومة ب(سلسلة دراسات في عهد الإمام علي (علیه السلام) لمالك الأشتر (رحمه الله)، التي تصدر بإذن الله تباعاً، حرصاً منها على إثراء المكتبة الإسلامية والمكتبة الإنسانية بتلك الدراسات العلمية والتي تهدف إلى بيان أثر هذه النصوص في بناء الإنسان والمجتمع والدولة متلازمة مع هدف القرآن الكريم في إقامة نظام الحياة الآمنة والمفعمة بالخير والعطاء والعيش بحرية وكرامة.

وكان البحث الموسوم ب(مبادئ حقوق الانسان في ضوء عهد الإمام علي عليه السلام إلى مالك الأشتر) الذي انتهج فيه الباحث منهجاً

ص: 11

شاملاً أراد من خلاله أن يعبّر عن حقوق الإنسان انطلاقاً من فكر الإمام علي (عليه السلام) وكان الأنموذج في ذلك عهده إلى مالك الأشتر (رضوان الله عليه)، وكانت تلك الدراسة على وفق منهج تحليلي استنطق النص المبارك ليقف على أهم المواضع التي أورد فيها الإمام (عليه السلام) القول عن حقوق الإنسان والتي بدت معاصرة لما جاءت به الدراسات الحديثة حول حقوق الإنسان.

فجزى الله الباحث خير الجزاء فقد بذل جهده وعلى الله أجره، والحمد لله رب العالمين.

السيد نبيل الحسني الكربلائي رئيس مؤسسة علوم نهج البلاغة

ص: 12

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين وبعد:

الحديث عن حقوق الإنسان والإمام علي عليه السلام حديث طويل له بداية وليس له نهاية؛ كونه مرتبط بشخصٍ يعطي حقاً للنملة التي ندرسها على الأرض ولا ندري ولا نلتفت لها، وهي مسحوقة تحت الأرجل، هل ماتت أو مازالت حيّة؟ بينما هو يقول: ((واللَّهِ لَوْ أُعْطِيتُ الْأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلَاکِهَا، عَلَى أَنْ أَعْصِيَ

ص: 13

اللَّه فِي نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جُلْبَ شَعِيرَةٍ مَا فَعَلْتُ))(1) والسؤال الساذج هنا الذي قد يُطرح من البعض لغموض شابَهُ الزمن المتراكم، وهو إن العهد مخصصٌ لمالك في حكمه على مصر، ومالك الأشتر استلم الكتاب من الإمام علي عليه السلام ولم يصل مصر، ولم يطبق ويستفيد من محتوى العهد فكيف لنا أن نستفيد منه في الوقت الحاضر؟ هذا العهد وهذا الكتاب وما جاء فيه من وصايا تاريخية ودستور واضح، يعجز الدهر على الاتيان به، فهو وإن كان الخطاب موجهاً فيه إلى شخص مالك الأشتر إلا إنه خطاب عالمي

ص: 14


1- الامام علي عليه السلام، نهج البلاغة، وهو مجموع ما اختاره الشريف الرضي من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام شرح الشيخ محمد عبده، ج 2، ص 218

موجه لجميع الحكام مسلمين وغير مسلمين إلى يوم القيامة؛ لأن المورد لا يخصص الوارد - کما يعبرون في علم أصول الفقه - وإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

ملاحظة ثانية: وهي هناك فرق بين حقوق المواطن بصورة خاصة في بلد معين تحت إمرة سلطان وبين حقوق الإنسان بصورة عامة، لأننا لو أردنا استنباط حقوق الإنسان من عهد الامام عليه السلام لمالك الأشتر قد نلاقي صعوبة، أما لو اعتبرنا أن هذا الخطاب وإن كان موجهاً له بوصفه حاکماً، نعتبره موجهاً له بوصفه إنساناً يعيش وسط باقي الناس فله حقوق وعليه واجبات.

يعني لو أردنا أن نجري قول الإمام عليه السلام في عهده (ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً

ص: 15

تغتنم أكلهم) على كل فرد في المجتمع، ألا يمكن ذلك؟ أم هل هو خطاب فقط موجه للحاکم أمام رعيته؟ ألا يمكن أن يكون للأخ مع أخوته، للأب مع أولاده للفرد مع جيرانه، للموظف مع الباقين، وغيرهم.

سبب اختيار الموضوع:

السبب لبيان ما جاء في هذا العهد من حقوق الإنسان، التي طالما ينادي بها العالم بأعلى صوته من دون جدوى، ولعدم وجود الاهتمام الكافي من قبل الحكام والزعامات لهذا العهد والابتعاد عنه واقعياً.

أهمية البحث:

تكمن أهمية هذا البحث في كونه مرتبط بمعاناة وهموم وحقوق أكرم المخلوقات التي

ص: 16

أبدعها الله تعالى، وهو الإنسان «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا»(1) وكذلك لارتباطه بدستور وضعه أشرف ما خلق الله بعد نبيه، نفس رسول الله ووصيه وربيبه وحامل لوائه، ألا وهو سيد البلغاء والمتكلمين أمير المؤمنين ويعسوب الدين، ذاك علي بن أبي طالب عليه السلام.

فكرة البحث:

تسليط الضوء على أهم الإشارات الموجودة في هذا العهد المبارك لحقوق الإنسان وعرضها عرضاً جديداً يتوافق ومتطلبات الثقافة المعاصرة،

ص: 17


1- الإسراء: 70

من خلال التحليل والشرح لتلك الكلمات المباركة، وربطها بالآيات القرآنية المتضمنة ذلك، ومدى علاقتها بمواقف أمير المؤمنين عليه السلام مع باقي الناس، ومدى علاقتها بالواقع المعاش.

منهجية البحث:

منهجية البحث تحددت بمنهجين التاريخي والتحليلي، تاريخي كون هذا العهد يشكل حقبة من التاريخ السردي، وتحليلي حيث سيتم الوقوف على كل مفردة يتناولها الباحث بالتحليل الدقيق الذي من شأنه بيان الجوانب المشرقة لهذا العهد. وكذلك الاستفادة من المنهج المقارن عند الحاجة إليه.

السؤال الأساسي للبحث: هل أن حقوق

ص: 18

الإنسان التي ينادي بها العالم اليوم قد لامست الحقوق التي لهج بها أمير المؤمنين عليه السلام و تجسدت اليوم مثلا تبلورت في سلوك علي عليه السلام؟ الأسئلة الفرعية للبحث:

1. هل بالإمكان تطبيق حقوق الإنسان کما أرادها علي عليه السلام؟ 2. هل قاربت تلك الحقوق ما جاء من حقوق في القرآن الكريم والديانات السماوية؟ 3. هل يُعد هذا العهد خاصاً بمالك الأشتر، أو خاصاً وموجهاً لشريحة الحكام ورؤساء الدول فقط، أم أنه خطاب لجميع الناس؟ فرضية البحث: تنطلق فرضية البحث من کون ((حقوق الإنسان ظلت شعارات معلقة

ص: 19

على (يافطة المثالية) - إن صح التعبير - لم تتجسد ولم يترجمها واقعياً غير عليٍ عليه السلام، فهو المرتكز الأساس لحل مشكلة حقوق الإنسان المعاصرة)).

هيكلية البحث العامة: الخطة قائمة على تقسيمه الى مطالب عدة بعد المقدمة والتمهيد:

1. المقدمة التي نتجول فيها الآن، هي مرآة البحث العاكسة لمحتواه، فسيرى من خلالها القارئ مضامين البحث، والأسباب والأهداف ومشكلة البحث وفرضية المعالجة، وخطة تفصيلية والدراسات السابقة، والسؤال الأساسي للبحث وكذلك الأسئلة الفرعية، التي من شأنها تثير حفيظة أفكار الباحث والقارئ في الحين نفسه. وكذلك ذكر بعض المصادر الأساسية التي استعملها

ص: 20

الباحث لبيان قوة البحث ورصانته ومدی سعة اطلاع الباحث.

2. التمهيد ويحتوي على:

أ. ما يعرف بالكلمات المفتاحية الرئيسة لعنوان البحث (Keywords) وبيانها لغة واصطلاحاً من قبيل كلمة (حقوق الإنسان).

ب. لمحات موجزة عن أمير المؤمنين عليه السلام وتعاطيه في مجال حقوق الإنسان؛ لأنه لدى الإمام وقفات ومناسبات أخرى في هذا المجال.

ج. نبذة مختصرة جداً عن حياة مالك الأشتر، نظرة تاريخية مختصرة عن حياة مالك الأشتر وعهده.

د. مجمل مضامين العهد، وسبب اختيار

ص: 21

مالك لولاية مصر.

3. متن البحث ويتضمن مطالب مهمة، منها: حق التعايش السلمي للإنسان.

والمطلب الثاني: حق الإنسان في الحرية، منها: حرية العقيدة وحرية عبادة الله تعالى. ومنها: الحرية الشخصية للفرد. وكان المطلب الثالث: حق الإنسان في حرية التعبير، وتضمن المطلب الرابع: حق الإنسان في العدل والمساواة، والمطلب الخامس: حق الإنسان في الحياة.

ومن ثَمَّ كيا العادة هناك خاتمة فيها زبدة المقال، وهناك قائمة المصادر والمراجع.

وأخيراً، ولكن ليطمئن قلبي، لأن هفوات قلمي وأخطائه، ستمر عبر نخبة من الكفاءات العالية المختصة، ومهمتهم المقدسة بتصحيح هذا

ص: 22

البحث ليخرجَ بحُلّةٍ علميةٍ صحيحةٍ، وأتمنی أن ينظروا في تصحيحه وتنقيحه بعين العناية والرضا؛ لأنّ:

عينَ الرِّضا عن كلَّ عيبٍ كليلةٌ ولَکِنَّ عَينَ السُّخْطِ تُبْدي المَسَاوِیَا الباحث

ص: 23

التمهيد

أولاً: ما يعرف بالكلمات المفتاحية الرئيسة لعنوان البحث (Keywords) وبيانها لغةً واصطلاحاً.

تعريف الحقوق لغةً، الحقوق: جمع حق.

الحَقُّ: ((نقيض الباطل وجمعه حُقوقٌ وحِقاقٌ، وليس له بِناء أدني عدَد وفي حديث التلبية لبَّيك حَقّاً حقّاً، أي غير باطل، وهو مصدر مؤكد لغيره، أي أنه أكَّد به معنی ألزَم طاعتَك الذي دلّ عليه لبيك، كما تقول: هذا عبد الله حقّاً، فتؤَكِّد به وتُكرِّرُه لزيادة التأْكيد))(1) وجاءت تعريفات لعلماء المسلمين تتضمن الصبغة الشرعية والفقهية والأخلاقية، منه تعريف الجرجاني قال: الحق في اللغة هو الثابت

ص: 24


1- ابن منظور، لسان العرب، ج 10، ص 49

الذي لا يسوغ إنكاره، وفي اصطلاح أهل المعاني: هو الحكم المطابق للواقع. يطلق على الأقوال والعقائد والأديان والمذاهب باعتبار اشتمالها على ذلك.(1) تعريف العيسوي قال هو: مصلحة ثابتة للشخص على سبيل الاختصاص والاستئثار يقررها الشارع الحكيم.(2) الإنسان: الإِنسانُ أَصله إِنْسِیانٌ لأَن العرب قاطبة قالوا في تصغيره: أُنَيْسِيانٌ، فدلت الياء الأَخيرة على الياء في تكبيره، إِلا أَنهم حذفوها لما كثر الناسُ في كلامهم. وإِنْسانٌ في الأَصل إِنْسِيانٌ، وهو فِعْليانٌ من الإِنس والأَلف فيه

ص: 25


1- ظ: الجرجاني، علي بن محمد، معجم التعريفات: ص 79
2- ظ: للشيخ عيسوي، أحمد، المدخل للفقه الإسلامي، ص 338، وينظر: الإسلام وحقوق الإنسان، د. القطب محمد، ص 38

فاء الفعل، والإِنْسُ: البشر، الواحد إِنْسِيٌّ وأَنَسيٌّ أَيضاً، بالتحريك. ويقال: أَنسٌ وآناسٌ كثير.(1) تعریف مفهوم مجموع حقوق الإنسان: ليس لها تعريفاً محدداً بل هناك العديد من التعاريف التي قد يختلف مفهومها من مجتمع إلى آخر أو من ثقافة إلى أخرى، لأن مفهوم حقوق الإنسان أو نوع هذه الحقوق يرتبطان بالأساس بالتصور الذي نتصور به الإنسان، لذلك سوف يعرض الباحث مجموعة من التعاريف لتحديد هذا المصطلح:

يعرفها (رينية كاسان) وهو أحد واضعي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بأنها: فرع خاص من الفروع الاجتماعية يختص بدراسة العلاقات بين الناس استناداً إلى كرامة الإنسان

ص: 26


1- ظ: ابن منظور، لسان العرب، ج 6، ص 10

وتحديد الحقوق والرخص الضرورية لازدهار شخصية كل كائن إنساني، ويرى البعض أن حقوق الإنسان تمثل رزمة منطقية متضاربة من الحقوق والحقوق المدعاة.

أما (کارل فاساك) فيعرفها بأنها: علم یهم كل شخص ولا سيما الإنسان العامل الذي يعيش في إطار دولة معينة، والذي إذا ما كان متهماً بخرق القانون أو ضحية حالة حرب، يجب أن يستفيد من حماية القانون الوطني والدولي، وأن تكون حقوقه وخاصة الحق في المساواة مطابقة لضرورات المحافظة على النظام العام).

في حين يراها الفرنسي (ایف مادیو) بأنها: (دراسة الحقوق الشخصية المعرف بها وطنياً ودولياً في ظل حضارة معينة تضمن الجمع بين تأكيد الكرامة الإنسانية وحمايتها من جهة

ص: 27

والمحافظة على النظام العام من جهة أخرى).(1) تعريف مصطفى الزرقا: هي مجموعة القواعد والنصوص التشريعية التي تنظم على سبيل الإلزام علائق الناس من حيث الأشخاص والأموال.(2) فبناء على ذلك، يمكن القول ان (حقوق الإنسان) هي: مجموعة الحقوق الطبيعية التي يمتلكها الإنسان واللصيقة بطبيعته والتي تظل موجودة، وان لم يتم الاعتراف بها، بل أكثر من ذلك حتى ان انتهكت من سلطة ما(3).

ص: 28


1- موقع ويكيبيديا https: //ar.wikipedia.org-/wiki
2- ينظر : الزرقا، مصطفى أحمد، المدخل الفقهي العام: 3 / 9 - 10
3- د. مجذوب، محمد سعید، حقوق الإنسان والحريات الأساسية: ص 9

ثانياً: لمحة عن الامام (علیه السلام) وتعاطيه مع حقوق الإنسان خارج هذا العهد:

- الحق مقابل الكون:

لم يترك شيء في هذا الكون لم يعطه حقه، بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: ((وَاللَّهِ لَو أُعطِيتُ الأَقَالِيمَ السَّبعَةَ بِمَا تَحتَ أَفلَاكِهَا، عَلَى أَن أَعصِيَ اللَّه فِي نَملَةٍ أَسلُبُهَا جُلبَ شَعِيرَةٍ مَا فَعَلتُ))(1)يُروي في (الخصال) في عنوان (الدنيا سبعة أقاليم) عن الامام الصادق عليه السلام بأن الدنيا سبعة أقاليم،(2)لقد أقسم عليه السلام هذا القسم الشرعي، لو أُعطي تلك الأقاليم بما تضم من خيرات أقسم من أجل أضعف

ص: 29


1- الامام علي عليه السلام، نهج البلاغة، وهو مجموع ما اختاره الشريف الرضي من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام شرح الشيخ محمد عبده: ج 2 / ص 218
2- الصدوق، الخصال: ج 2 / ص 357 ح 40

المخلوقات في الكون، أقسم ألاّ يعصي الله تعالى بماذا؟ بقشرة شعير، وليس شعيرة كاملة، بأن يسلبها من النملة، لم يفعل، هذا عليٌ مع النملة، فكيف لو كان حق إنسان لدي علي عليه السلام، تُرى ماذا كان يفعل؟ - جوع علي مع جوع الإنسان:

الإمام عليه السلام وحق الحياة للإنسان، فمن حقوق الإنسان أن يحيا حياة كريمة، لا أن يموت من شدة الجوع أو العطش فهذا يُعدّ ظلماً، من قبل الذين شبعوا ولم يعطوه، ومن الذين ارتووا ولم يروه، هكذا كان حق الحياة عن أمير المؤمنين ((وَلَكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ وَ يَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ اَلْأَطْعِمَةِ وَلَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوْ اَلْيَمامَةِ مَنْ لاَ طَمَعَ لَهُ فِي اَلقُرْصِ وَلاَ عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ أَوْ أَبِيتَ مِبْطَاناً وَحَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَی

ص: 30

وَأَکْبَادٌ حَرَّى أَوْ أَکُونَ کَمَا قَالَ اَلْقَائِلُ:

وَحَسْبُكَ دَاءً أَنْ تَبِيتَ بِبِطْنَةٍ... وَحوْلَكَ أَكْبَادٌ تَحِنُّ إِلَى اَلْقِدِّ))(1) فهناك فرق بين حق الانسان وحق المواطن، والإمام عليه السلام هنا قوله، لعل هناك انسان موجود في أقصى الأرض، سواء أكان مواطناً ينتمي لبلده وتحت سلطانه أم لم یکن.

- الإمام علي عليه السلام مع أخيه عقيل:

هو لم يرضَ أن يعطي لأخيه عقيل فوق حصته ومقدار عطائه؛ لأنه سوف ينقص من حقوق الناس، فما أحوجنا اليوم لعدل علي صلوات الله عليه، مع إن أخاه عقیل محتاج

ص: 31


1- لامام علي عليه السلام، نهج البلاغة، وهو مجموع ما اختاره الشريف الرضي من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام شرح الشيخ محمد عبده، ج 3، ص 72

وأولاده جياع، ((وَاللهِ لاَنْ أَبِيتَ عَلَى حَسَكِ السَّعْدَانِ مُسَهَّداً، أَوْ أُجَرَّ فِي الاَغْلاَلِ مُصَفَّداً، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَلقَى اللهَ وَرَسُولَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ظَالِماً لِبَعْضِ الْعِبَادِ، وَغَاصِباً لِشَيْء مِنَ الْحُطَامِ، وَكَيْفَ أَظْلِمُ أَحَداً لِنَفْس يُسْرِعُ إِلَى الْبِلَى قُفُولُها وَيَطُولُ فِي الثَّرَي حُلُولُها؟!.

واللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ عَقِيلاً وَقَدْ أمْلَقَ حَتَّى اسْتماحَنِي مِنْ بُرِّکُمْ صَاعاً، وَرَأَيتُ صِبْيَانَهُ شُعْثَ [الشُّعُورِ، غُبْرَ] الاَلْوَانِ، مِنْ فَقْرِهِمْ، كَأَنَّمَا سُوِّدَتْ وُجُوهُهُمْ بِالْعِظْلِمِ، وَعَاوَدَنِي مُؤَکِّداً، وَکَرَّرَ عَلَيَّ الْقَوْلَ مُرَدِّداً، فَأَصْغَيْتُ إِلَيْهِ سَمَعِي، فَظَنَّ أَنِّي أَبِيعُهُ دِينِي، وَأَتَّبِعُ قِيَادَهُ، مُفَارِقاً طَرِيقِي، فَأَحْمَيْتُ لَهُ حَدِيدَةً، ثُمَّ أَدْنَیْتُهَا مِنْ جِسْمِهِ لِيَعْتَبِرَ بِهَا، فَضَجَّ ضَجِيجَ ذِي دَنَف مِنْ أَلَمِهَا، وَكَادَ أَنْ يَحْتَرِقَ مِنْ مِيسَمِهَا، فَقُلْتُ لَهُ: ثَكِلَتْكَ الثَّوَاکِلُ،

ص: 32

یَا عَقِيلُ! أَتَئِنُّ مِنْ حَدِيدَة أَحْمَاهَا إِنْسَانُهَا لِلَعِبِهِ، وَتَجُرُّنِي إِلَى نَار سَجَرَهَا جَبَّارُهَا لِغَضَبِهِ! أَتَئِنُّ مِنَ الاَذَى وَلاَ أَئِنُّ مِنْ لَظىً))(1).

الحق عند علي بن أبي طالب ليس أسطورة تُحكي ولا نظرية تُدرس ثم تطبق، ولا حلمٌ افلاطوني لم يدخل حيز التنفيذ، بل هو سلوك جرى به القلم، لذا لم يحتج الى لحظة تفكير کي يقرر بها مع من الحق، مع عقيل الذي طلب صاعاً، أم مع حق الناس المؤتمن عنده.

ص: 33


1- الامام علي عليه السلام، نهج البلاغة، وهو مجموع ما اختاره الشريف الرضي من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام شرح الشيخ محمد عبده، ج 2 / ص 217

ثالثا: نظرة تأريخية مختصرة عن حياة مالك الأشتر وعهده:

هو مالك بن الحارث بن عبد يغوث بن مسلمة إلى جده النخع، ولقد اشتهر مالك (بالأشتر) حتی یکاد يطغى على إسمه الحقيقي ولا يعرف إلا به، وكنيته ابو إبراهيم. وقد لُقب بالأشتر وكبش العراق، وهناك روايتان في كيفية شُتر عينه، الاولى: ان عينه شُترت في حروب الردة في جهاده عن الاسلام عندما ضربه أبو مسیكمه على رأسه. والرواية الثانية ان عينه شُترت في وقعة اليرموك، عند مبارزته لرجل مشرك من الروم وقتله.. ولربما تكون عينه قد فقئت في حروب الردة ثم اُصيبت ثانية في معركة اليرموك. ولُقب كذلك (بكبش العراق)، وقد أورده الرازي في مختار الصحاح

ص: 34

ونصر بن مزاحم في كتابه وقعة صفين.(1) ولا يُعرف تاريخ مولد الأشتر بدقّة، لكن کتّاب السِّیَر اتفقوا على أنه رأى النور في عهد الجاهلية، وربما بين عامي 25 - 30 قبل الهجرة.

اسلامه: أسلم على عهد الرسول و ثبت على إسلامه ووصل في إيمانه درجة شهد بها الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم. ولكن هل كانت له صحبة ودور في عصر الرسول صلى الله عليه وآله؟ هناك رأي يعتقد أن مالك الأشتر عاصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولكنه لم يره ولم يسمع حديثه، وذُكر عند النبي صلى الله عليه

ص: 35


1- حسون، نجاح عبيد، مالك الأشتر، سيرته والحضارة الاسلامية: ص 30 - 33

وآله فقال فيه النبي صلى الله عليه وآله: إنه المؤمن حقاً.

أما ابن حجر فذكر: أن مالك الأشتر سمع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وجعل له صحبة، وكان ممن شهد بايع تحت الشجرة.(1) وكان شجاعاً معروفاً بشجاعته بين يدي سیده وشخصية مالك الأشتر شخصية الرجل الشجاع الذي يفرض نفسه في كل موقف، وهو الذي لم تُرد له راية أو ينكسر له جیش.(2)وقد قال فيه ابن أبي الحديد: ((قلت لله أم قامت عن الأشتر لو أن إنساناً يقسم أن الله تعالى ما خلق في العرب ولا في العجم أشجع منه إلا أستاذه عليه

ص: 36


1- ) ابن حجر العسقلاني، الإصابة، ج 4، ص 281
2- ) ظ: حسون، نجاح عبید، مالك الأشتر: سيرته والحضارة الاسلامية، ص 38

السلام لما خشيت عليه الإثم ولله در القائل وقد سئل عن الأشتر ما أقول في رجل هزمت حياته أهل الشام وهزم موته أهل العراق. وبحق ما قال فيه أمير المؤمنين عليه السلام كان الأشترلي کا کنت لرسول الله صلى الله عليه وآله)).(1) لذلك ذكره الإمام أكثر من مرة في أكثر من مناسبة كما في عهده إليه إلى أهل مصر، حين جعله والياً على هذا الإقليم: ((أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ عَبْداً مِنْ عِبَادِاللهِ عَزَّوَجَلَّ، لاَيَنَامُ أَيَّامَ الخَوْفِ، وَلاَ يَنْکُلُ عَنِ الاَعْدَاءِ سَاعَاتِ الرَّوْعِ، أَشَدَّ عَلَى الْفُجَّارِ مِنْ حَرَيقِ النَّارِ، وَهُوَ مَالِكُ بْنُ الْحَارِثِ أَخُو مَذْحِج، فَاسْمَعُوا لَهُ أَطِيعُوا أَمْرَهُ فِيَما طَابَقَ الْحَقَّ، فَإِنَّهُ سَيْفٌ مِنْ سُیُوفِ اللهِ، لاَ كَلِيلُ الظُّبَةِ، وَلاَ نَابِي الضَّرِيبَةِ، فَإِنْ

ص: 37


1- ) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة: ج، 18 / ص 95

أَمَرَکُمْ أَنْ تَنْفِرُوا فانْفِرُوا، وَإِنْ أَمَرَكُمْ أَنْ تُقيِمُوا فَأَقِيمُوا، فَإِنَّهُ لاَ يُقْدِمُ وَلاَ يُحْجِمُ، وَلاَ يُؤَخِّرُ وَلاَ يُقَدِّمُ إِلاَّ عَنْ أَمْرِي)).(1) وإن الإمام علي عليه السلام ذكره بقول يبين رأيه فيه، وهي شهادة على ما كان يتصف به من صفات حيث جاء في كتاب لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إلى أميرين من أُمراء جيشه: ((وَقَدْ أَمَّرْتُ عَلَيْکُمَا وَعَلى مَنْ فِي حَیِّزِکُمَا مَالِكَ بْنَ الْحَارثِ الأشْترِ، فَاسْمَعَا لَهُ وَأَطِيعاً، واجْعَلاَهُ دِرْعاً وَمِجَنّاً، فَإِنهُ مِمَّنْ لاَ يُخَافُ وَهْنُهُ، وَلاَ سَقْطَتُهُ، وَلاَ بُطْؤُهُ عَمَّا الإسراع إِلَيْهِ أَحْزَمُ، وَلاَ إِسْرَاعُهُ إِلَى مَا الْبُطءُ عَنْهُ أَمْثَلُ))(2).

ص: 38


1- المصدر نفسه، نهج البلاغة، ج 3، ص 14
2- ) الإمام علي عليه السلام، نهج البلاغة، وهو مجموع ما اختاره الشريف الرضي من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام شرح الشيخ محمد عبده، ج 3، ص 14

فأما ثناء أمير المؤمنين عليه السلام عليه فقد بلغ مع اختصاره ما لا يبلغ بالكلام الطويل، ولعمري لقد كان الأشتر أهلا لذلك، كان شديد البأس جواداً رئيساً حليماً فصيحاً شاعراً وكان يجمع بين اللين والعنف فيسطو في موضع السطوة ويرفق في موضع الرفق.(1) شهادته: بعد أن انتهت معركة صفين عاد الأشتر إلى الجزيرة، فلمّا اضطربت الأوضاع في مصر قرّر أمير المؤمنين عليه السلام عزل الأشتر عن ولاية نصيبين وتعيينه والياً على مصر لمعالجة الوضع المضطرب هناك(2). فلمّا علم جواسيس معاوية بذلك كتبوا إليه نبأ انتصاب مالك الأشتر والياً على مصر من قبل أمير المؤمنين

ص: 39


1- ) ظ: المصدر نفسه ج 3، ص 102
2- ظ: الامين، أعيان الشيعة، ج 9، ص 38

عليه السلام، حينها شعر معاوية بصعوبة الموقف فيما إذا وصل الأشتر إلى مصر التي كان معاوية يروم السيطرة عليها في عهد واليها محمد بن أبي بكر، فبعث معاوية إلى رجل من أهل الخراج في (القلزم) يثق به، وقال له: إن الأشتر قد ولي مصر فان كفيتنيه - وقضيت عليه - لم آخذ منك خراجاً ما بقيت، فاحتال في هلاکه ما قدرت عليه. فاحتال هذا القلزمي في أن تظاهر له بحبّ علي عليه السلام، وأتاه بطعام حتى إذا طعم سقاة شربة عسل قد جعل فيها سماً، فلمّا شربها مات.(1) وقال ابن أبي الحديد: ومات الأشتر في سنة تسع وثلاثين متوجهاً إلى مصر والياً عليها لعلي عليه السلام قيل سقي سماً، وقيل إنّه لم يصح

ص: 40


1- ظ: المصدر نفسه، ج 9، ص 38 - 39

ذلك وإنما مات حتف أنفه.(1) وقال عليه السّلام وقد جاءہ نعي الأشتر وقد دخلوا جماعة على أمير المؤمنين حين بلغه موت الأشتر فوجدناه يتلهف ويتأسف عليه ثم قال: ((لله در مالك، وما مالك لو كان من جبل لكان فندا ولو كان من حجر لکان صلدا أما والله ليهدّنّ موتك عالماً وليفرحن عالماً، على مثل مالك فلتبك البواكي وهل مرجو کمالك وهل موجود کمالك. قال علقمة بن قيس النخعي فما زال علي يتلهف ويتأسف حتى ظننا أنه المصاب به دوننا وعرف ذلك في وجهه أياما))(2).

ص: 41


1- ظ: ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 15، ص 101
2- المصدر نفسه، ج 13، ص 77

مضامين العهد:

لقد تضمن العهد حوالي أربعين فقرة تناولت عدة عنوانات، منها:

السيرة الحسنة، العلاقة مع الرعية، عدم التكبر، الانصاف، العدل، الوشاة، الاستشارة، دور الوزراء وصفاتهم، الاحسان، السنة، دور العلماء، العلاقة بين طبقات المجتمع، دور قادة الجيوش والعلاقة بهم، اختيار القضاة، الشبهات، اختيار العمال والولاة، خيانة العمال، الخراج ومالية الدولة، الكتاب وأصحاب الديوان، فنون الكتاب، التجار والاحتكار، الاهتمام بالفقراء، اصحاب الحاجات والمصالح، واجبات الحاكم، أداء الفرائض، عدم الاحتجاب عن الناس، دور الحاشية، الاستفادة من العلماء، العلاقة بالأعداء والعهود معهم، وصفات خاصة.(1)

ص: 42


1- ظ: http://ar.wikishia.net/view

تاريخ العهد وسبب اختيار مالك لولاية مصر:

كان هذا العهد عندما ولّى أمير المؤمنين عليه السلام مالك الاشتر على مصر بعدما عزل محمد بن أبي بكر حين اضطرب، وهو أطول عهد وأجمع كتبه للمحاسن، فقال أمير المؤمنين علي عليه السلام لما بلغه توجده من عزله بالأشتر عن مصر ثم توفي الأشتر في توجهه إلى هناك قبل وصوله إليها:

((أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنِي مَوْجِدَتُكَ مِنْ تَسْرِیحِ اَلْأَشْتَرِ إِلَى عَمَلِكَ وَ إِنِّي لَمْ أَفْعَلْ ذَلِكَ اِسْتِبْطَاءً لَكَ فِي اَلْجَهْدَ وَ لاَ اِزْدِیَاداً لَكَ فِي اَلْجِدِّ وَ لَوْ نَزَعْتُ مَا تَحْتَ يَدِكَ مِنْ سُلْطَانِكَ لَوَلَّيْتُكَ مَا هُوَ أَيْسَرُ عَلَيْكَ مَئُونَةً وَأَعْجَبُ إِلَيْكَ وِلاَيَةً إنَّ اَلرَّجُلَ اَلَّذِي كُنْتُ وَلَّيْتُهُ أَمْرَ مِصْرَ کَانَ رَجُلاً لَنَا نَاصِحاً وَعَلَى عَدُوِّنَا شَدِیداً نَاقِماً فَرَحِمَهُ اَللَّهُ فَلَقَدِ اِسْتَكْمَلَ

ص: 43

أَيَّامَهُ وَ لاَقَی حِمَامَهُ وَنَحْنُ عَنْهُ رَاضُونَ أَوْلاَهُ اَللَّهُ رِضْوَانَهُ وَضَاعَفَ اَلثَّوَابَ لَهُ))(1)

ص: 44


1- ) ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج، 16، ص 142

المطلب الأول: حق التعايش السلمي للإنسان:

قال عليه السلام في عهده یرشده على معاملة الناس: ((فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإمّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ))(1)

ص: 45


1- الامام علي عليه السلام، نهج البلاغة، شرح محمد عبده، ج 3، ص 84، يُذكَر إن الأمين العام السابق للأمم المتحدة (كوفي عنان) دعا لوضع هذا الشعار الدال على التعايش السلمي في منظمة الأمم، ويقول: قول علي ابن أبي طالب (يا مالك إن الناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق) هذه العبارة يجب أن تعلَّق على كلّ المنظمات، وهي عبارة يجب أن تنشدها البشرية)، وبعد أشهر اقترح (عنان) أن تكون هناك مداولة قانونية حول (کتاب علي إلى مالك الأشتر). واللجنة القانونية في الأمم المتحدة، بعد مدارسات طويلة، طرحت: هل هذا يرشح للتصويت؟ وقد مرّت عليه مراحل ثم رُشِّح للتصويت، وصوتت عليه الدول بأنه أحد مصادر التشريع الدولي. وكلامه باللغة الانجليزية: Kofi Annan, the UN secretary states The words of Ali ibn Abi Talib, “O Malik! The” people are either brothers in religion or your equal in creation must be adhered to by all organisations and “it is a statement that all humanity must embrace

التعايش السلمي الذي دعا إليه القرآن، هو ذاته الذي أقرّه الإمام علي عليه السلام؛ لأن القرآن وعلياً، وجهان لنورٍ واحد - إن صح التعبير - لا فرق سوى أن القرآن كتاب الله الصامت وعليٌ عليه السلام قرآن الله الناطق المتجسد عملياً على الأرض، تأويل ينطق لنا بما لا قدرة لنا على فهمه ودرکه من کلمات بحروف تلملمت فصارت معانٍ «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»(1)والمعني بحسب الميزان: إنا خلقناكم من أب وأم تشتركون جميعاً فيهما، من رجل وامرأة فكل واحد منكم إنسان مولود

ص: 46


1- الحجرات: 13

من إنسانين لا تفترقون من هذه الجهة، من غير فرق بين الأبيض والأسود والعربي و العجمي وجعلناكم شعوبا وقبائل مختلفة لا لكرامة لبعضكم على بعض، بل لأن تتعارفوا فيعرف بعضكم بعضا ويتم بذلك أمر اجتماعكم؛ فيستقیم مواصلاتكم ومعاملاتكم، فلو فرض ارتفاع المعرفة من بين أفراد المجتمع؛ انفصم عقد الاجتماع وبادت الإنسانية، فهذا هو الغرض من جعل الشعوب والقبائل لا أن تتفاخروا بالأنساب وتتباهوا بالآباء والأمهات.(1) فحق الإنسان عند عليٍ صلوات الله عليه في التعايش السلمي، سواء كانوا مسلمين أم غيرهم، يوجبُ - لا أعني به الوجوب الشرعي الفقهي، وإنما الوجوب الأخلاقي الإنساني -

ص: 47


1- ظ: الطباطبائي، تفسير الميزان، 18 - 172 (الشاملة)

عدم الاعتداء عليه أبداً على وفق هذين المبدأين: مبدأ الأخوة الدينية والنظير الإنساني الخلقي الترابي، فالأخوة الدينية منبعثة من قوله تعالى و «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ»(1)، لكن أي إيمان هنا؟ هل تعني مطلق الإيمان بالله، أم المراد الإيمان بالمعنی الخاص؟ وهو الإيمان بجميع الملائكة، وبجميع الرسل، وبالبعث الروحي والجسدي، والإيمان بلقائه تعالى، كما يروى إنه ((كان النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم بارزاً يوما للناس فأتاه جبریل فقال ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وبلقائه ورسله وتؤمن بالعبث... ))(2)وكذلك الإيمان الذي هو بضع وسبعون أو وستون شعبة والحياء شعبة منها، والمؤمنون الموجه لهم الخطاب

ص: 48


1- الحجرات: 10
2- صحيح البخاري: ج 1 / ص 27، رقم الحديث 50

الديني حصراً «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ»(1). أم هو الإيمان الذي يدخل فيه كل من اتصف بروحه وقلبه أنه مؤمن بتوحيدٍ يجعله يتجه صوب المقدس الغيبي بلا شعور بآخر مع الله عزّ وجل، دون الالتفات إلى مسمیات نمطية تصنيفية: مسلم، يهودي، مسيحي، صابئي، وغيرهم «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ»(2).

ذكر صاحب الميزان: تكرار الإيمان في الآية ثانياً «مَنْ آَمَنَ» وهو الاتصاف بحقيقته کما يعطيه السياق، يفيد أن المراد بالذين آمنوا في صدر

ص: 49


1- النساء: 59
2- البقرة: 62

الآية، هم المتصفون بالإيمان ظاهراً المتسمون بهذا الاسم؛ فيكون محصّل المعنى: أن الأسماء والتسمي بها مثل المؤمنين واليهود والنصاری والصابئين لا يوجب عند الله تعالى أجراً ولا أمناً من العذاب، وإنما ملاك الأمر وسبب الكرامة والسعادة، حقيقة الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، ولذلك لم يقل من آمن منهم بإرجاع الضمير إلى الموصول اللازم في الصلة؛ لئلا يكون تقريرا للفائدة في التسمي على ما يعطيه النظم کیا لا يخفی.

وهذا مما تكررت فيه آيات القرآن أن السعادة والكرامة تدور مدار العبودية، فلا اسم من هذه الأسماء ينفع لمتسميه شيئا، ولا وصف من أوصاف الكمال يبقى لصاحبه وينجيه إلا مع لزوم العبودية.

ص: 50

في الدر المنثور، عن سلمان الفارسي قال: سألت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن أهل دین کنت معهم، فذكر من صلاتهم وعبادتهم فنزلت: «إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا» الآیة.(1) ذلك لأن (الدين عند الله الإسلام) لا بالمعنی الأخص، بل مطلق التسليم والانقياد لله تعالى في الطاعة والاستجابة، يعني أن الله تعالى حاشا له أن يخلق البشر من أجل أن يعذبهم ويدخلهم جهنم، إنما يحتاج إلى الظلم الضعيف وحاشاه.

والمبدأ الآخر: الذي ينطلق منه حق التعايش السلمي للإنسان، هو السنخية وتساوي الخلق في البشر، وهذا ما أكده القرآن الكريم «إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ

ص: 51


1- ظ: الطباطبائي: تفسير الميزان، 1 - 110

لَهُ كُنْ فَيَكُونُ»(1)وقوله تعالى: «قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ»(2)يحاججه بوحدة الخلق وأنه نظير له في الخلق وهما من تراب، «وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ»(3).

وقال الإمام عليه السلام أيضاً في العهد المبارك: ((وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّعِیَّةَ طَبَقَاتٌ لاَ يَصْلُحُ بَعْضُهَا إلاَّ بِبَعْض، وَلاَ غِنَى بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْض:

فَمِنْهَا جُنُودُ الله، مِنْهَا كُتَّابُ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، وَمِنْهَا قُضَاةُ الْعَدْلِ، وَمِنهَا عُمَّالُ الِاْنْصَافِ وَالرِّفْقِ، وَمِنْهَا أَهْلُ الْجِزْيَةِ وَالْخَراجِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَمُسْلِمَةِ النَّاسِ، وَمِنْهَا التُّجَّارُ وَأَهْلُ

ص: 52


1- آل عمران: 59
2- الكهف: 37
3- الروم: 23

الصِّنَاعَاتِ، وَمِنهَا الطَّبَقَةُ السُّفْلَى مِنْ ذَوِي الْحَاجَةِ وَالْمَسْکَنَةِ، وَکُلٌّ قَدْ سَمَّی اللهُ سَهْمَهُ، وَوَضَعَ عَلَى حَدِّهِ وَفَرِيضَتِهِ فِي كِتَابِهِ أَوْ سُنَّةِ نَبِیِّهِ (صلی الله عليه وآله) عَهْداً مِنْهُ عِنْدَنَا مَحْفُوظاً))(1) يمكن القول: إن هذا المقطع من عهده المبارك يخص التعايش السلمي بين الناس بمختلف طبقاتهم فبيّن طبقات النّاس والرّعيّة، وليس المقصود من ذلك إثبات نظام الطبقات وتأييده فإن نظام الطبقات مخالف للعدل والديمقراطية الحاكمة بتساوي الرّعيّة في الحقوق.

فالبشر في تحوّله الاجتماعي شرع من النظام القبلي والأسرة المبني على أنّ الحكم المطلق ثابت الرئيس القبيلة، فلا حياة للفرد إلاّ في ضمن القبيلة

ص: 53


1- ) الإمام علي عليه السلام، نهج البلاغة، شرح محمد عبده، ج 3، ص 89

ويشترك معها في الخيرات والشرور على ما يراه صاحب الأسرة ورئيس القبيلة، وهذا أدني نظام اجتماعي وصل إليه البشر في تكامله الاجتماعي، فنظام الطبقات يحصل للأمم بعد التحوّل من النظام القبلي، ومرجعه إلى اعتبار الامتيازات بين الأفراد والأصناف ويبتنی على التبعيض في الحقوق العامّة، فنظام الطبقات يخالف التساوي والتآخي بين الأفراد والتساوي في الحقوق کما نادی به الإسلام في القرآن الشريف حيث يقول:

«يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»(1)وقد تعلّق العرب على النظام الطبقاتي واعتبار الامتياز من وجوه شتّی: منها عدم تزويج بناتهم مع غير

ص: 54


1- الحجرات: 13

العرب وعدم تزويج القبائل بعضها مع بعض باعتبار علوّ شأنه، و قد اهتمّ النبيّ صلّى اللهّ عليه وآله بمحو النظام الطبقاتي و إلغاء هذه الامتيازات المتوهّمة بكلّ جهده.

ومقصوده عليه السّلام من قوله ((وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ)) ليس اثبات الطبقات بهذا المعنى بل بیان اختلاف الرّعيّة فيما تتصدّیه من شؤون الحياة البشريّة حيث إنّ الانسان مدني بالطبع يحتاج إلى حوائج كثيرة في معاشه من المأكل والملبس والمسكن ولا يقدر فرد واحد بل أفراد على إدارة كلّ هذه الأمور، فلا بدّ أن تنقسم الرّعيّة بحسب مشاغلها إلى طبقات و تتصدّی کلّ طبقة شأناً من الشؤون وشغلاً من المشاغل، ثمّ تتبادل حاصل أعمالها بعضهم مع بعض حتّی يتم أمر معيشتهم ويكمل حوائج حياتهم،

ص: 55

وجعل الرّعية سبع طبقات:

1. الجنود المحافظون للحدود والثغور والمدافعون عن هجوم الأعداء.

2. کتّاب العامّة المتصدّون لكتابة العقود والمعاهدات والحقوق وغيرها من المراسلات.

3. قضاة العدل ورؤساء المحاكم المتصدّون للترافع بين النّاس والنظر في الدّعاوی.

4. عمّال الأمور الحسبيّة المحافظون على الانصاف والرّفق بين النّاس وهم الّذين يجرون الأحكام القضائية وينفذونها. 5. أهل الجزية والخراج من أهل الذمّة ومسلمة النّاس.

6. التجار وأهل الصناعات والحرف الكثيرة

ص: 56

الّتي عليهامدار حياة البشر.

7. الطبقة السّفلى من ذوي الحاجة والمسكنة، والتعبير عن هذه الطبقة السفلى باعتبار أنها لا تقدّم عملا نافعا في الاجتماع تتبادل به مع أعمال الطبقات الاخر فلا بدّ أن تعيش من عمل الطبقات الاخر.(1) فالمسلم أخو النصراني شاء أم أبي، لأن الإنسان أخو الإنسان أحبّ أم کره. ولو لم يكن الدنو من الفضيلة والبعد عن نقيضتها الرذيلة هو الأصيل في دستور الإمام في الحرية، ولو لم تكن الحرية الفاضلة حقاً مقدساً لديه لَما امتدح مَن يسيرون على منهاج المسيح، کما امتدح مَن يسيرون على منهاج محمد(2).

ص: 57


1- ظ: خوئي، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، ص 197 - 198
2- ) ظ: جرداق، جورج، علي صوت العدالة الإنسانية، ص 194

المطلب الثاني: حق الإنسان في الحرية

اشارة

بدايةً عندما بدأ أمير المؤمنين عليه السلام کتابه، نسب نفسه إلى الله تعالى، وهنا الدقة والحبكة بالتعبير، فهي أعظم وأفضل نسبة لعبودية الله، فقال: ((هذَا مَا أَمَرَ بِهِ عَبْدُ اللهِ عَلِيٌ أَميِرُ الْمُؤْمِنِينَ)) کما نُسِب النبي محمد صلى الله عليه وآله إلى الله تعالى «سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى»(1)وكأنه أراد هذا تطبيقاً عملياً لما سيتضمنه الكتاب من وصایا ودروس أخلاقية كبيرة، في أن العبودية الحقة لله تعالى هي ذاتها الحرية الحقيقية التي لا مثيل لها.

إذاً فالحرية من حقوق الإنسان المكفولة أصلاً في نهج الإمام عليه السلام ودستوره لكافة

ص: 58


1- الإسراء: 1

الناس، يكفلها الوجدان الإنساني بوصفها قوة لا تعمل بالإكراه.

فأنت لا يمكنك أن تقضي على نور الشمس إلا إذا منعته عن غايته في الإنارة وإشاعة الدفء بحاجز تقيمه بين أشعته وبين غايته، إذاً فقد أخرجته الى نطاق من الأمانة والإفناء. فكل ما في الكون حر بأصوله وشروط وجوده لا يقبل إلا بالحرية قانوناً وإلا تعطل وانتهى.

لكن حرية الفرد لدى الإمام عليه السلام ليست الحرية الإباحية الرعناء بل هي مقترنة أبداً بالشعور بالمسؤولية. لم يلجأشأنه في ذلك شأن الفلاسفة والمفكرين الأقدمين إلى التضييق على الناس في معنى الحرية، بل لجأ إلى توسيع معنی الحرية في مدارك الناس، وفي الوقت نفسه لجأ إلى توسيع معنى الشعور بالمسؤولية. ومن آیاته

ص: 59

في ذلك، أمره مع أهل القرية الذين شاؤوا أن يحفروا مجرى النهر الذي عفا ودرس؛ فطلبوا إلى عامله على قريتهم أن يسخّرهم في العمل؛ فأمره عليّ بألا يسخّرهم، بل يطلب إليهم أن يعملوا في الحفر ويتقاضوا على ذلك أجراً، ثم يكون الأجر والنهر فيما بعد لمن عملوا بملء حريتهم، ولمن شعروا بأنهم مسؤولون عمّا عملوه.

وكأن الإمام يُحيي منذ بضعة عشر قرناً هذه العاطفة التي صورها العبقري الفرنسي جان جاك روسو منذ قرنين مضت إذ قال: إن ایماننا بالإنسان وولاءنا للإنسانية هما اللذان يثيران في طبيعتنا الخيرة أعمق الدوافع لان نجعل من البليد المسخر انساناً بشری نابها.(1)

ص: 60


1- ظ: جرداق، جورج، علي صوت العدالة الإنسانية، ص 155- 158

أولاً - حرية العقيدة وعبادة الله تعالى:

من أهم حقوق الإنسان، هي حرية العبادة؛ لأنها محطة معنوية مهمة في حياة الفرد، بل أهم المحطات والمحاور في ذات الإنسان، ومن حق الإنسان أن يعبد الله تعالى بايقف ويقوده الدليل إلى ذلك، لا أن يجبر على سلوك قناةٍ وطريق غير مندفع ومقتنع به، أو أن يُجبر على عبادة غير الله تعالى، كعبادة السلطان والشيطان، والنساء، وغيرها من العبادات الموجودة غير الصحيحة کما جاء في اليهود والنصارى «اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ»(1). كيف اتخذوهم أرباباً يعبدونهم؟ كانوا يسمعون ويطيعونهم.

حيث قال صلوات الله عليه في عهده: ((أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللهِ، وَإِيثَارِ طَاعَتِهِ، وَاتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِهِ فِي

ص: 61


1- التوبة: 31

كِتَابِهِ: مِنْ فَرَائِضِهِ وَسُنَنِهِ، الَّتِي لاَ يَسْعَدُ أَحَدٌ إِلاَّ بِاتِّبَاعِهَا، وَلاَ يَشْقَى إِلاَّ مَعَ جُحُودِهَا وإِضَاعَتِهَا، وَأَنْ يَنْصُرَ اللهَ سُبْحَانَهُ بَيَدِهِ وَقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ، فَإِنَّهُ، جَلَّ اسْمُهُ، قَدْ تَكَفَّلَ بِنَصْرِ مَنْ نَصَرَهُ، وَإِعْزَازِ مَنْ أَعَزَّهُ))(1) هذا ظاهره أمرُ بالتقوى وإيثار الطاعة، إلا أن حقه الحرية في الاختيار بلحاظين:

الأول: لأنه ذكر الاتباع والطاعة لأوامر الله تعالى ببعده الإيجاب، لا ببعده السلبي، نظير قوله تعالى: «قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ»(2) أي إن هناك

ص: 62


1- الامام علي عليه السلام، نهج البلاغة، شرح محمد عبده، ج 3، ص 86
2- آل عمران: 64

مشتركاً بيننا تعالوا لنتمسك بحبله ونعضده، وهي كلمة التوحيد، هذا هو البعد الإيجابي بالدعوة، ولم يقل لهم أنتم لستم على شيء وأنكم مصيركم إلى النار مثلاً، حيث قال «فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ» أي إذا رفضوا الدعوة ولم يقبلوا، ماذا تقولون لهم، هل تقولون لهم أنتم كفرة وفساق وفجرة ولا تهتدوا بعد اليوم ومصيركم جهنم، بهذا الأسلوب والبعد السلبي؟ انظر الى القرآن: «فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ» فقط البعد الإيجابي من دون السلبي.

والثاني: بلحاظ النتائج المرجوة العظيمة المتوخاة من اتباع أوامر الله، التي ذكرها الإمام عليه السلام النص الأنف: التي هي السعادة عند اتباع الفرائض، والشقاء عند إضاعتها، وإن

ص: 63

الله تعالى سوف ينصره ويعزه. وإلا لو كان إجباراً على شيء لم تذكر ولم تعرض الفوائد والآثار الجيدة. «تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ» وهي التوحيد، ولازم التوحيد رفض الشركاء وعدم اتخاذ الأرباب من دون الله سبحانه.

قال صاحب الميزان: والذي تختتم به الآية من قوله: «فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ» يؤيد المعنى الأول فإن محصل المعنی بالنظر إليه أنه يدعو إلى هذه الكلمة وهي أن لا نعبد إلا الله (الخ) لأنها مقتضى الإسلام الله الذي هو الدين عند الله، والمراد بقوله: (ألا نعبد إلا الله) نفي عبادة غير الله لا إثبات عبادة الله تعالى على ما مرت الإشارة إليه في معنى كلمة الإخلاص لا إله إلا الله: أن لازم کون إلا الله، بدلا لا استثناء كون الكلام مسوقا لبيان نفي الشريك

ص: 64

دون إثبات الإله، فإن القرآن يأخذ إثبات وجود الإله وحقيته مفروغاً عنه.... قوله تعالى: «فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ» استشهاد، بأنهم وهم النبي صلى الله عليه وآله ومن اتبعه على الدين المرضي عند الله تعالى وهو الإسلام، قال: «إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ»(1) فينقطع بذلك خصامهم وحجاجهم إذ لا حجة على الحق وأهله.))(2) فحرية العقيدة الدينية حقٌ من حقوق الناس كفلها دستور الامام علي عليه السلام، فبما أن الحرية لا تُجزأ، فإن الانسان لا يمكنه أن حراً من جانب ومقيّداً من جانب آخر.(3)

ص: 65


1- آل عمران: 19
2- الطباطبائي، تفسير الميزان، 3 - 138 / 140 الشاملة
3- ظ: جرداق، جورج، علي صوت العدالة الإنسانية، ص 194

وهذا الحق عند الامام علي عليه السلام، للإنسان في حرية العبادة، ينسجم مع قوله تعالى «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»(1) أيضاً نلاحظ حرية الحق وذكر النتائج المترتبة على الإيمان بالله.

وهو القائل في مناسبة ثانية، أن تتحرر من كل القيود والقبليات النفسية وتنطلق صوب الحق المطلق وتكون حراً بشكره وعبادته: ((إن قوماً عبدوا الله سبحانه رغبة فتلك عبادة التجار، وقوما عبدوه رهبة فتلك عبادة العبيد وقوما عبدوه شكراً فتلك عبادة الاحرار))(2).

ص: 66


1- البقرة: 256
2- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 4، ص 53

وقد ورد إن بعض المنافقين كانوا يأتون إلى مسجد الكوفة ولم يصلوا الجماعة مع الإمام عليه السلام الجماعة، بل كانوا يصلّون فرادى في وقت صلاة الإمام عليه السلام تعريضاً بالإمام، فقيل للإمام أن يمنع هؤلاء عن هذا العمل.

وكان بيده الحق في نهيهم، مع ذلك قال الإمام عليه السلام: ((اتركوهم وشأنهم))، ثم تلا الآية المباركة: «أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى»(1).(2) نعم الإمام عليه السلام طبق هذه الآية المباركة حتى على صلاة المنافق، لأنه كان يريد إعطاء الحرية للناس جميعاً.

ص: 67


1- العلق: 9 - 10
2- ظ: موقع الشيرازي، http://alshirazi.com

ثانياً - الحرية الشخصية:

فقال عليه السلام في العهد الميمون: ((وَلْيَکُنْ أَبْعَدَ رَعِيَّتِكَ مِنْكَ، وَأشْنَأَهُمْ عِنْدَكَ، أَطْلَبُهُمْ لَمِعَائِبِ النَّاسِ، فإنَّ في النَّاسِ عُيُوباً، الْوَالِي أَحَقُّ مَنْ سَتَرَهَا، فَلاَ تَكْشِفَنَّ عَمَّا غَابَ عَنْكَ مِنْهَا، فَإنَّمَا عَلَيْكَ تَطْهِيرُ مَا ظَهَرَ لَكَ، وَاللهُ یَحْکُمُ عَلَى مَا غَابَ عَنْكَ، فَاسْتُرِ الْعَوْرَةَ مَا اسْتَطَعْتَ يَسْتُرِ اللهُ مِنْكَ مَا تُحِبُّ سَتْرَهُ مِنْ رَعِیَّتِكَ)).(1) يمكن القول ان الامام عليه السلام أعطى حرية الخطأ مع عدم الإصرار، عليه مع الالتزام بعدم علانية ذلك الخطأ، فضلا عن أنه يرفض أنموذج الدولة الشمولية التي تجعل من نفسها جهاز تجسس ومراقبة ضد أبناء الأمة بل يريد

ص: 68


1- الامام علي عليه السلام، نهج البلاغة، شرح محمد عبده، ج 3، ص 86

من الدولة أن تكون أداة إصلاح ووسيلة لحل الأزمات، يجب أن تعامل المواطنين بوصفهم بشراً تلازمهم حتمية الخطأ، ويجب أن يمنح الإنسان فرصة الإصلاح الذاتي لذلك الخطأ ما دام لم يتجاوز القانون العام.(1)

ص: 69


1- ظر: د. السعد، غسان، حقوق الانسان عند الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام رؤية علمية، ص 115

المطلب الثالث: حق الإنسان في حرية التعبير

حيث جاء في عهده عليه السلام ((ثُمَّ اعْلَمْ يَا مَالكُ، أَنِّي قدْ وَجَّهْتُكَ إِلَى بِلاَد قَدْ جَرَتْ عَلَيْهَا دُوَلٌ قَبْلَكَ، مِنْ عَدْل وَجَوْر، وَأَنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ مِنْ أُمُورِكَ فِي مِثْلِ مَا کُنْتَ تَنْظُرُ فِيهِ مِنْ أُمُورِ الْوُلاَةِ قَبْلَكَ، وَيَقُولُونَ فِيكَ مَا کُنْتَ تَقُولُ فِيهِمْ، إِنَّمَا یُسْتَدَلُّ عَلَى الصَّالِحينَ بِمَا يُجْرِي اللهُ لَهُمْ عَلَى أَلْسُنِ عِبَادِهِ)).(1) هذا الحق من حقوق الإنسان في حرية التعبير، كفله الإمام عليه السلام، فمثلا أنت تبحث عن متنفس في التعبير لهمومك التي قد تنفجر إذا بقيت داخل صدرك ولم تخرج بحسرة من الحسرات وبزفرة من الزفرات، وتريد أن

ص: 70


1- الإمام علي عليه السلام، نهج البلاغة، شرح محمد عبده، ج 3، ص 83

تعبّر عمّا في داخلك من رأيٍ صريح أنت مقتنع به؛ كذلك أيها الإنسان يجب أن تعطي للإنسان الآخر في المقابل هذه الفسحة و الفرصة لإطلاق فيض المشاعر والأحاسيس التي تعانق الأضلاع داخل صدر الإنسان.

فلا تؤاخذهم با تجود حسراتهم وزفراتهم لو أرادوا الكلام، وقد جاء عنه عليه السلام في مناسبة وهي تكفل حق الكلام والتعبير ((رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ جَالِساً فِي أَصْحَابِهِ فَمَرَّتْ بِهِمُ اِمْرَأَةٌ جَمِيلَةٌ فَرَمَقَهَا اَلْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقَالَ عليه السلام إِنَّ أَبْصَارَ هَذِهِ اَلْفُحُولِ طَوَامِحُ وَ إِنَّ ذَلِكَ سَبَبُ هِبَابِهَا فَإِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى اِمْرَأَةٍ تُعْجِبُهُ فَلْيُلاَمِسُ أَهْلَهُ فَإِنَّمَا هِيَ اِمْرَأَةٌ كَامْرَأَتِهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ اَلْخَوَارِجِ؟ قَاتَلَهُ الله کَافِراً مَا أَفْقَهَهُ فَوَثَبَ اَلْقَوْمُ لِيَقْتُلُوهُ فَقَالَ عليه السلام

ص: 71

رُوَیْداً إنَّمَا هُوَ سَبٌّ أَوْ عَفْوٌ عَنْ ذَنْبٍ))(1) ما أعظمها من حرية في التعبير، أي إما أن أردَّ عليه هذا السب والشتم، أو من حقي أن أعفو عنه إن شئت، ولا يستحق ما فعله جريرة القتل؛ فلا يجوز قتله. مع أن هذا كان من الخوارج وكان يختلف معه في العقيدة، فحق حرية التعبير مکفول من دون تفريق بين أحد وآخر.

وحرية التعبير عند أمير المؤمنين لا تقتصر على مجرد الكلام، بل على الوضع النفسي أن يكون المتكلم مطمئناً ومستقراً، ويُخصص له الوقت الكافي حتى يُوصل فكرته التي يريد، بل وتشجيع من عدة نواحي، حيث قال في عهده عليه السلام: ((وَاجْعلَ لِذَوِي الْحَاجَاتِ مِنْكَ قِسْماً تُفَرِّغُ لَهُمْ فِي شَخْصَكَ، وَتَجْلِسُ لَهُمْ مَجْلِساً

ص: 72


1- الامام علي عليه السلام، نهج البلاغة، شرح محمد عبده، ج 4، ص 98

عَامّاً، فَتَتَواضَعُ فِيهِ لله الَّذِي خَلَقَكَ، وَتُقعِدُ عَنْهُمْ جُنْدَكَ وَأَعْوَانَكَ مِنْ أَحْرَاسِكَ وَشُرَطِكَ، حَتَّى يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُمْ غَيْرَ مُتَعْتِع، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ الله (عليه السلام) يَقُولُ فِي غَيْرِ مَوْطِن: لَنْ تُقَدَّسَ أُمَّةٌ لاَ يُؤْخَذُ لِلضَّعِيفِ فِيهَا حَقُّهُ مِنَ الْقَوِيِّ غَيْرَ مُتَعْتِع))(1) فإن كان الخوف يسيطر على الإنسان لا يستطيع التعبير حقيقةً، وسيكون تعبيره بالا يوجد في سريرته؛ ((حَتَّى يُكَلِّمَكَ مُتَكَلِّمُهُمْ غَيْرَ مُتَعْتِع)).

ص: 73


1- الامام علي عليه السلام، نهج البلاغة، شرح محمد عبده، ج 3، ص 102

المطلب الرابع: حق الإنسان في العدل والمساواة

قال عليه السلام في عهده: ((وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِیَّةِ، وَالْمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإمّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ)).

المساواة والتآخي أصل إسلامي مالَ إليه كلّ الشعوب في هذه العصور الأخيرة المنيرة بالتفكير والاختراع، وأدرج في برنامج الحقوق العامّة البشريّة، ولكن المقصود منه ليس تساوي الأفراد في النيل من شؤون الحياة: الصالح منهم والطالح والجادّ منهم والكسلان على نهج سواء، بل المقصود منه نيل كلّ ذي حقّ حقّه من حظّ الحياة على حسب رتبته العلمية و جدّه في العمل،

ص: 74

فهذا الأصل يبتني على تعيين الحقوق،(1) وقد شرّح عليه السلام في هذا الفصل من كلامه هذا الأصل فقال: (أعرف لكلّ امرىء منهم ما أبلی)، وقال أيضاً: ((فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه و صفحه))(2) المساواة في اللغة تعني: التكافؤ في المقدار لا يزيد ولا ينقص.(3) أما العدالة، فإن فلان يعدل فلان يساويه،.. وعادلت بين الشيئيين وعدلت فلان بفلان اذ سویت بینها.(4) والعدل: ما قام في النفوس انه

ص: 75


1- ظ: خوئي، حبيب الله، میر، منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، ج، ص 226
2- الامام علي عليه السلام، نهج البلاغة، شرح محمد عبده، ج 3، ص 84
3- ابن منظور، مصدر سابق، ج 4، ص 410
4- المصدر نفسه، ج 11، ص 413

مستقیم وهو ضد الجور والعدل اسم من اسماء الله الحسنی... والعدل هو الذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم... والعدل الحكم بالحق.(1) الكلام هنا هل أن العدل مرادف للمساواة بمعنى أن كل مساواة هي عدل وأن كل عدل تعني المساواة؟ ببداهة لا يصح ذلك إذ ليس كل مساواة هي عدل وهذا ما استنكره القرآن الكريم بالاستفهام الانكاري في قوله تعالى: «هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ»(2) وكذلك قوله تعالى: «أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ»(3) فلا تحقق للعدالة في المساواة بينهم

ص: 76


1- ظ: ابن منظور، مصدر سابق، ج11، ص 30
2- الزمر: 9
3- سورة ص: 28

بالثواب والعقاب معاً.

لكن هناك مساواة بين هؤلاء على اختلاف مشاربهم واستعداداتهم وقابلياتهم، في جوانب معينة، مثلا في إرسال الأنبياء والرسل للبشر كافة على حدٍ سواء «قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا»(1) وقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا»(2) هنا الخطاب للناس جميعاً بالتساوي.

وهناك مساواة تحقق بضمنها العدالة، کما في قوله تعلى: «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ»(3) فلا تفضيل ولا فرق بين الناس إلا بتقوى الله تعالى. لكن مساواة عليّ عليه السلام

ص: 77


1- الأعراف: 158
2- البقرة: 168
3- الحجرات: 13

مساواة عادلة لا تبخس أحداً.

فعدْلُ عليّ عليه السلام لا يرضى بمساواة بين المحسن والمسيء لأن في ذلك ظلماً وبخساً لأهل الإحسان وتشجيعاً لأهل الإساءة حيث قال في عهده عليه السلام: ((وَلاَ يَكُونَنَّ الْمُحْسِنُ وَالْمَسِيءُ عِنْدَكَ بِمَنْزِلَة سَوَاء، فَإِنَّ فِي ذلِكَ تَزْهِيداً لِاَهْلِ الْاحْسَانِ فِي الْاِحْسَانِ، تَدْرِيباً لِاَهْلِ الِاْسَاءَةِ عَلَى الاْسَاءَةِ، وَأَلْزِمْ کُلاًّ مِنْهُمْ مَا أَلْزَمَ نَفْسَهُ)).(1) جاء في كتاب (بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة): من کلام له عليه السلام کلم به طلحة والزبير بعد بیعته بالخلافة وقد عتبا عليه وكرها مبدأ المساواة بالعطاء مع الرعية: ((وَأَمَّا مَا ذَکَرْتُمَا مِنْ أَمْرِ الأُسْوَةِ)) أي المساواة بين النّاس

ص: 78


1- الامام علي عليه السلام، نهج البلاغة، شرح محمد عبده، ج 3، ص 88

في قسمة الغنيمة ((فَإِنَّ ذلِكَ أَمْرٌ لَمْ أَحْکُمْ أَنَا فِيهِ بِرَأْيِي وَلاَ وَلِيتُهُه هَوىً مِنِّي، بَلْ وَجَدْتُ أَنَا وَأَنْتُما مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُ الله (صلى الله عليه وآله) قَدْ فُرِغَ مِنْهُ، فَلَمْ أَحْتَجْ إِلَیْکُمَا فِيَما قَدْ فَرَغَ اللهُ مِنْ قَسْمِهِ، وَأَمْضَى فِيهِ حُکْمَهُ))(1) فهذه هي المساواة العادلة عند علي بن أبي طالب عليه السلام. فقد جرت العادة أنهم يفرقون في العطاء من بیت المال، فحصة الأعيان والوجهاء كانت أكثر من حصة الطبقة الكادحة والفقيرة.

وقد أكد القرآن الكريم على مفردة العدل بقوله: «وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ»(2) وقوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ

ص: 79


1- التّستري، الشّيخ محمّد تقي بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة، ج، ص 548
2- النساء: 58

وَالْإِحْسَانِ»(1) لأن بعض من المساواة هي الظلم بعينه بتعبير القرآن «لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا»(2).

وفي عهده لمالك ((فَأَعْطِهِمْ مِنْ عَفْوِكَ وَصَفْحِكَ مِثْلَ الَّذِي تُحِبُّ أَنْ يُعْطِيَكَ اللهُ مِنْ عَفْوِهِ وَصَفْحِهِ))(3) فلم يفرق في حق المساواة بالعطاء المعنوي، بين أسود و أبيض ولا بين عربي وأعجمي ولا بين سيد وعبد، ولا بين غني أو فقير، بأن يكون مختص فقط لأقرانه و جلسائه وخاصته.

ص: 80


1- النحل: 90
2- الحديد: 10
3- الامام علي عليه السلام، نهج البلاغة، شرح محمد عبده، ج 3، ص 84

حيث أكد هذا المعنى في رسالة أخرى: ((فَلْيَکُنْ أَمْرُ النَّاسِ عِنْدَكَ فِي الْحَقِّ سَوَاءً فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْجَوْرِ عِوَضٌ مِنَ الْعَدْلِ))(1) بل هناك مساواة مطلوبة عند الامام عليه السلام، وهي المساواة العادلة ففي عهده المبارك: ((وَإيَّاكَ وَالاْسْتِئْثَارَ بِمَا النَّاسُ فِيهِ أُسْوَةٌ))

ص: 81


1- الامام علي عليه السلام، نهج البلاغة، شرح الشيخ محمد عبده، ص 116

المطلب الخامس: حق الإنسان في الحياة

جاء في العهد المبارك: ((إِيَّاكَ وَالدَّمَاءَ وَسَفْکَهَا بِغَيْرِ حِلِّهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى لِنِقْمَة، وَلاَ أَعْظَمَ لِتَبِعَة، وَلاَ أَحْرَى بِزَوَالِ نِعْمَة، وَانْقِطَاعِ مُدَّة، مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَیْرِ حَقِّهَا، وَاللهُ سُبْحَانَهُ مُبْتَدِیءٌ بِالْحُكْمِ بَيْنَ الْعِبَادِ، فِيَما تَسَافَكُوا مِنَ الدِّمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامةِ، فَلاَ تُقَوِّيَنَّ سُلْطَانَكَ بِسَفْكِ دَم حَرَام، فَإِنَّ ذلِكَ مِمَّا يُضْعِفُهُ وَیُوهِنُهُ، بَلْ يُزيِلُهُ وَيَنْقُلُهُ، وَلاَ عُذْرَ لَكَ عِنْدَ اللهِ وَلاَ عِنْدِي فِي قَتْلِ الْعَمدِ، لِاَنَّ فِيهِ قَوَدَ الْبَدَنِ)).(1) فإن حق الإنسان أن يحيا ولا يجرؤ أحد على قتله، فصفة الإنسانية فقط كفيلة بأن تضمن عدم سفك دمه عند الإمام علي عليه السلام، وهذا ما

ص: 82


1- الامام علي عليه السلام، نهج البلاغة، شرح محمد عبده، ج 3، ص 108

أكده القرآن الكريم من حرمة قتل الناس بغير حق، ولم يقيد القرآن هذا القتل يحرم فقط على المسلمين «أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا»(1).

ونلحظ قول الإمام عليه السلام (بِغَيْرِ حِلِّهَا) أي هناك موارد القتل يكون فيه حياة للآخرين «وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»(2) إذن ((ليس هذا مجرد نهي وبيان لحكم القتل عن عمد، لأن تحریمه ثابت و معروف بمنطق الحياة والفطرة، ويستوي في معرفته العالم والجاهل، والمؤمن والكافر، ولا يحتاج بعد هذا إلى توضيح وبيان.

ص: 83


1- المائدة: 32
2- البقرة: 179

أما النصوص على تحريمه من السماء وأهل الأرض فهي انعکاس وتعبير عما هو كائن بالفعل، لا توجيها إلى ما ينبغي ان يكون.

ويجوز القتل لحماية أرواح الناس ومصالحهم أي أن منطق الحياة الذي حرّم القتل هو بالذات يسوّغ قتل من اعتدى على الحياة، صونا لها وحرصا عليها، وبكلام آخر: لا يجوز قتل أحد من الناس إلا بحق وعدل، وذلك بأن يباشر الجاني بملء ارادته السبب الموجب لقتله بحيث يصدق عليه قوله تعالى «وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ»(1)))(2) والحقيقة هناك جملة من الأمور يمكن

ص: 84


1- النحل: 33
2- مغنية، محمد جواد، في ظلال نهج البلاغة، ج 4، ص 115 - 116

تلمسها في هذا النص، منها:

- تأكيد حرمة الدماء وإن حق الحياة مكفول للجميع، إذ كان الحديث عن الدماء بصورة عامة وليس دماء المسلمين من دون غيرهم.

- المساواة بين الناس حاکماً، محكوماً سيداً كان أو عبداً، من حيث لا ضانات للمنصب او شاغله في موضوع التعدي على الدماء والحياة.

- إن سفك الدماء يثير الغضب والنقمة بين الناس مما يؤدي إلى الاضطراب وهو من الأسباب المهمة للعداوات والتباغض والتحاقد لأن ((لكل دم ثائرٌ، ولكل حق طالبٌ))(1) على وفق وصف الإمام عليه السلام.

وبناء على احترام الإمام عليه السلام لحق الحياة نلاحظ انه حكم على جريمة التحريض او

ص: 85


1- نهج البلاغة، شرح محمد عبدة، مصدر سابق، ج 1، ص 20

الأمر بالقتل أو بعقوبة أخرى تتناسب مع الجرم والشكل القانوني للجريمة وكان عليه السلام يقول: ((من أعان على مؤمن فقد برئ من الإسلام))(1) وأشار الإمام عليه السلام كذلك إلى عملية القتل المعنوي وذلك بهدم كرامة الإنسان وسمعته وعُدَّ ذلك بمثابة اغتيال له اذ يقول(2) المالك: ((فإنَّ في النَّاسِ عُیُوباً، الْوَالِي أَحَقُّ مَنْ سَتَرَهَا، فَلاَ تَكْشِفَنَّ عَمَّا غَابَ عَنْكَ مِنْهَا، فَإنَّمَا عَلَيْكَ تَطْهِيرُ مَا ظَهَرَ لَكَ، وَاللهُ یَحْکُمُ عَلَى مَا غَابَ عَنْكَ، فَاسْتُرِ الْعَوْرَةَ مَا اسْتَطَعْتَ يَسْتُرِ اللَّهُ ما تُحِبُّ سَتْرَهُ مِنْ رَعِيَّتِكَ))(3)

ص: 86


1- ينظر: البيهقي، ابو بکر احمد السنن الکبری، ج 2، ص 365
2- ظ: د. السعد، غسان، حقوق الانسان عند الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام رؤية علمية، ص 62 - 63
3- الامام علي عليه السلام، نهج البلاغة، شرح محمد عبده، ج 3، ص 89

الخاتمة

وما توصل إليه الباحث من نتائج:

1 - لا يوجد تعریف ثابت لمفهوم حقوق الإنسان فيتغير باختلاف وتغير متطلبان الإنسان على مدى العصور والأزمان.

2 - إذا كانت هذه هي حقوق الإنسان کما أرادها الإمام عليه السلام؛ فحقوق الإنسان لم ولن تُطبق ولم تجد لها مصداقاً غَيرَ اهل البيت عليهم السلام.

3 - توصل الباحث إلى أن هناك فرق بين حقوق الإنسان بصورة عامة، وحقوق المواطن بصورة أخص.

4 - هذا العهد وهذا الكتاب وما جاء فيه من وصايا تاريخية ودستور واضح، خطاب عالمي موجه لجميع الحكام مسلمين وغير مسلمين إلى يوم القيامة،

ص: 87

بل أكثر من ذلك، هو متوجه لكل إنسان بكل ألوانه؛ لأن المورد لا يخصص الوارد - کما یعبرون في علم أصول الفقه - وإن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. والإمام علي عليه السلام هو القرآن الناطق فكلامه يجري في الماضين والباقين، فعن الامام الباقر عليه السلام في حديث ((... إن القرآن حيٌ لا يموت، والآية حيةٌ لا تموت، فلو كانت الآية إذا نزلت في الاقوام وماتوا ماتت الآية، لمات القرآن ولكن هي جارية في الباقين کا جرت في الماضين))(1) 5- إن حق حرية الفكر والعقيدة، وحق التعايش السلمي المتمثل بقول الإمام عليه السلام ((إمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإمّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ)) أثبتا أن میثاق حقوق الإنسان للأمم المتحدة، لم يتوصل إلى

ص: 88


1- - العياشي، المحدث الجليل ابي النضر محمد بن مسعود بن عياش، تفسير العياشي، ج 1، ص 204

هذا المستوى وهذا المعنى، شعاراً وتطبيقاً، وقصة الإمام عليه السلام مع النصراني المكفوف مما يؤيد هذا ذلك: حيث كان الإمام عليه السلام في شوارع الكوفة.. فمر بشخص يتكفف وهو شيخ كبير السن، فوقف عليه السلام متعجباً وقال عليه الصلاة والسلام: ما هذا؟ ولم يقل من هذا، و(ما) لما لا يعقل، و(من) لمن يعقل، أي إنه عليه السلام رأى شيئاً عجيباً يستحق أن يتعجب منه، فقال أي شيء هذا؟ قالوا: يا أمير المؤمنين إنه نصراني قد كبر وعجز ويتكفّف.

فقال الإمام (عليه السلام): ما أنصفتموه.. استعملتموه حتى إذا کبر وعجز تركتموه، اجروا له من بيت المال راتباً(1).

ص: 89


1- راجع وسائل الشيعة: ج 11 ص 49 باب 19 ح 1

ثبت المصادر والمراجع

القرآن الكريم * الأمين، محسن.

-1 أعيان الشيعة، تح: حسن الأمين، دار التعارف، بیروت، 1983 م.

* ابن أبي الحديد، عز الدين ابو حامد بن هبه الله بن محمد بن محمد بن الحسين المدائني (ت 656 ه / 1258 م).

-2 شرح نهج البلاغة، تح: محمد ابو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية 1959.

* أبن حجر، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي (ت 852 ه).

-3 الإصابة في معرفة الصحابة، دار العلوم الحديثة، القاهرة، 1328 ه.

* ابن منظور: محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري ت 711 ه.

-4 لسان العرب، دار صادر، بیروت - لبنان، ط 1،

ص: 90

(د.ت).

* البخاري: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم أبو عبد الله الجعفي، ت 256 ه.

-5 الجامع الصحيح المختصر المعروف بصحيح البخاري، تح: د. مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير، اليمامة - بيروت، ط 3 – 1987 م.

* البيهقي: علي أحمد بن الحسين بن علي بن موسی أبو بكر (ت 458 ه).

6- السنن الكبری، بیروت، دار الفكر، د.ت.

* التستري، الشيخ محمد تقي بن كاظم بن محمد علي بن الشيخ جعفر التستري.

-7 بهج الصباغة في شرح نهج البلاغة، مؤسسة نهج البلاغة، 1367 ه. مصدر الكتاب: المكتبة الشاملة.

* الجرجاني، السيد الشريف علي بن محمد، ت 816 ه - 1413 م.

8- معجم التعريفات، تحقيق محمد صديق المنشاوي، دار الفضيلة - القاهرة.

ص: 91

* : جرداق، جورج، و علي صوت العدالة الإنسانية، الأندلس، بیروت - لبنان، ط 1، 2010 م * حسون، نجاح عبيد.

-10 مالك الأشتر، سيرته والحضارة الاسلامية في عصره، أطروحة دكتوراه، جامعة سانت كلمنت، مكتب كركوك، 2010.

* خوئي، هو العلامة المؤيد المسدّد المتبحر الأديب الحاج میر حبیب الله بن السيد محمّد الملقب بأمين الرعايا ابن السيد هاشم بن السيّد عبد الحسين، ت 1324 ه. -11 منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، مصدر الكتاب: المكتبة الشاملة.

* الزرقا، مصطفى أحمد.

-12 المدخل الفقهي العام، دار الفكر - دمشق، ط 1، 1967 - 1968.

* السعد، غسان، معاصر.

-13 حقوق الانسان عند الإمام علي بن أبي طالب

ص: 92

عليه السلام رؤية علمية، الطبعة الثانية، بغداد - 2008.

* الشريف الرضي: أبو الحسن محمد بن الحسين بن موسی بن محمد بن موسی بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظم عليه السلام ت 406 ه.

-14 نهج البلاغة: وهو مجموع ما اختاره الشريف الرضي من كلام سيدنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام شرح الأستاذ الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت - لبنان. * الصدوق، أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، ت 381 ه.

-15 الخصال، صححه وعلق عليه على اكبر الغفاري، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية - قم المقدسة، 1403 ه.

* الشيخ عيسوي، أحمد.

-16 المدخل للفقه الإسلامي، مطبعة دار التأليف۔ مصر، ط 1 - 1963.

ص: 93

* الطباطبائي: محمد حسين، ت 1402 ه. -17 الميزان في تفسير القرآن، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات - بيروت، ط 1، 1997 م.

* مجذوب، دكتور محمد سعيد.

81- حقوق الإنسان والحريات الأساسية، لبنان، جروس برس، 1980.

* مغنية، محمد جواد.

-19 في ظلال نهج البلاغة، دار العلم للملايين، بيروت - لبنان ط: 3، 1979.

- مواقع شبكة الانترنت -1 موقع ويكيبيديا https://ar.wikipedia org/wiki -2 موقع ويكي شيعة، .

http://ar.wikishia net/view -3 موقع الشيرازي، com.alshirazi//:http - الأقراص والكتب الإلكترونية 1- قرص المكتبة الشاملة

ص: 94

المحتويات مقدمة المؤسسة...9 المقدمة...13 سبب اختيار الموضوع:...16 أهمية البحث:...16 فكرة البحث:...17 منهجية البحث:...18 التمهيد...24 أولاً: ما يعرف بالكلمات المفتاحية الرئيسة لعنوان البحث (Keywords) وبيانها لغةً واصطلاحاً...24 ثانياً: لمحة عن الامام (علیه السلام) وتعاطيه مع حقوق الإنسان خارج هذا العهد:...29 ثالثا: نظرة تأريخية مختصرة عن حياة مالك الأشتر وعهده:...34 مضامين العهد:...42 تاريخ العهد وسبب اختيار مالك لولاية مصر:...43 المطلب الأول: حق التعايش السلمي للإنسان:...45 المطلب الثاني: حق الإنسان في الحرية...58 أولاً - حرية العقيدة وعبادة الله تعالى:...61

ص: 95

ثانياً - الحرية الشخصية:...68 المطلب الثالث: حق الإنسان في حرية التعبير...70 المطلب الرابع: حق الإنسان في العدل والمساواة...74 المطلب الخامس: حق الإنسان في الحياة...82 الخاتمة...87 ثبت المصادر والمراجع...90

ص: 96

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.