أسباب الغيبة ونتائجها

هویة الکتاب

السيد محمد حسين الطباطبائي الحكيم

أسباب الغيبة ونتائجها

الطبعة الأولى – 1432ه-

إصدار مؤسسة مسجد السهلة المعظم

حقوق الطبع محفوظة للمؤسسة

ص: 1

اشارة

السيد محمد حسين الطباطبائي الحكيم

أسباب الغيبة ونتائجها

الطبعة الأولى – 1432ه-

إصدار مؤسسة مسجد السهلة المعظم

حقوق الطبع محفوظة للمؤسسة

كلمة أمانة المسجد

دأبت مؤسسة مسجد السهلة المعظم على انتقاء العطاء الفكري المرتبط بصاحب العصر (عجل الله تعالی فرجه) و آبائه الطاهرين (علیهم السلام)؛ لتحتضنه و تريه النور حتى تزداد عرى الوشائج و الصلات مع منقذ البشرية الأعظم,ووفقت هذه المؤسسة الوليدة إلى إصدار العديد من المطبوعات ذات الصلة.

وشاءت الصدف أن يقع بصري على أحد الكتب المخطوطة لسماحة آية الله السيد محمد حسين السيد محمد صادق الحكيم – دامت بركاته – والمعنون ب-(دلائل الحق),وإذ تشرفت بتصفح هذا النتاج الثر الذي أفاض به قلم السيد عبقاً يأنس له القلب, ويرتضيه الفكر, توقفت عند أحد فصوله الذي تضمن بحثاً عن بعض أسباب الغيبة ونتائجها لولي العصر (عجل الله تعالی فرجه) .

وشدني ذلك العرض المكتنز بالرؤى لهذا الموضوع, فالتمست من سماحة السيد الذي قضى ردحا كبيراً من عمره بيننا هنا إماماً للجماعة في هذه البقعة المشرفة مسجد السهلة المعظم, أن يمنحني الأذن بطباعة هذا الجزء من سفره القيم.وبسماحته المعهودة , و لطفه العلوي وافقني إلى ذلك , مبتغياً ما عند الله تعالى من الثواب والأجر.

ويزيدني الشرف .. وكل الشرف أن أستفتح هذا المطبوع بهذه الأسطر الجامحة نحو الوفاء بفضل السيد الكريم وتربيته لنا.

فأقدم للقارئ الكريم إضمامة عبقة عن بعض أسباب الغيبة للإمام الحجة (عجل الله تعالی فرجه) سائلا الله عز وجل ديمومة العافية لسيدنا الجليل.

وأشد على عضد إخواني و أبنائي في مؤسسة المسجد المبارك للتواصل في إغناء المكتبة الإسلامية بما ينمي ثقافة المؤمنين بالخط المحمدي المتمثل بتراث أهل البيت (علیهم السلام).

و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

أمين

مسجد السهلة المعظم

مضر السيد علي خان المدني

ص: 2

كلمة المؤسسة

تعود مؤسسة مسجد السهلة المعظم لتقدم لقرائها الأعزاء سفرا جديدا يضاف إلى سلسلة مطبوعاتها السابقة التي رفدت بها المكتبة الإسلامية , و التي أثرت جوانب عدة من التراث العظيم لأهل البيت (علیهم السلام).

ويسر المؤسسة أن يظهر إلى النور من خلالها كتاب ( أسباب الغيبة ونتائجها ) لسماحة آية الله السيد محمد حسين الطباطبائي الحكيم دامت ألطافه.

وإذ ولدت المؤسسة, وشقت طريقها بين العديد من المؤسسات الفكرية والثقافية, فإنها استطاعت أن تثبت أقدامها بجدارة عبر نشاطها الواسع وترويجها للكتاب الهادف فسجل لها فوزها بالموقع الأول في العديد من معارض الكتاب الكبرى.

و هذا الأمر لم يكن ليتحقق لولا رعاية صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه) .

فنسأل الله تعالى أن نكون من أنصاره وأعوانه ومن الذين يذبون عنه ويستشهدون بين يديه (عجل الله تعالی فرجه) ,وأن يوفقنا لخدمة دينه الحنيف.

إدارة

مؤسسة مسجد السهلة المعظم

ص: 3

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين .. وأفضل وأزكى التسليم على سيدنا محمد المصطفى وآله الأئمة المعصومين ... صلوات الله عليهم أجمعين واللعنة الدائمة على أعدائهم من الأولين والآخرين إلى قيام يوم الدين.

وبعد:

فقد ذكرت في الروايات الشريفة لغيبة الإمام صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالی فرجه) أسباب كثيرة، وحكم عديدة قد لا نصل إلى فهم كثير منها، ولكن - بحسب الظاهر - هناك أسباب مهمة تستعلي على غيرها فتكون واضحة لدينا.

وقد توفقنا منذ عهد ليس بالقريب إلى كتابة بحث عن عقائد الفرقة الحقة المحقة أسميناه ( دلائل الحق ).ومن جملة مباحث هذا الكتاب تطرقنا إلى موضوع غيبة ولي العصر (عجل الله تعالی فرجه) فطرحنا جملة من أسباب الغيبة له أرواحنا له الفداء، ونتائجها المتوخاة منها.

وأسأل الله عز وجل أن نكون ممن ارتضى وأن يتقبل هذا العمل مني وارفع مجهودي المتواضع هذا لمقامه السامي آملاً منه التفضل بالقبول لمرفوع مقامه (عجل الله تعالی فرجه) فإن لم أكن أهلاً لذلك فهو أهل لأن يقبل جهد المقل.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

محمد حسين السيد محمد صادق الطباطبائي الحكيم

النجف الأشرف

ص: 4

أسباب الغيبة

اشارة

ص: 5

السبب الأول

اشارة

استمرار بقاء الحجة الفعلية لله عزًوَجلً على خلقه؛ لعدم جواز بقائهم من غير حجة قائمة له عليهم لقوله عزًوَجلً: [رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً](1) .

ومن المعلوم في عقيدتنا أن الإمام كالرسول حذو القذة بالقذة , ويقوم مقامه تماما في كل شيء ما خلا النبوة فهو حجة بالغة على الناس , مصداقا لقوله عزًوَجلً:[ قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ] (2).

والبلوغ معناه الوصول والكمال والقيام كما أطبقت عليه معاجم اللغة، وكما في قوله عزًوَجلً [حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً] (3) , أي وصل عمره إلى الأربعين، وهكذا غيرها من الاستعمالات اللغوية والعرفية.فالحجة البالغة هي الحجة القائمة الواصلة التي تبلغ قطع عذر المحجوج بأن تزيل كل لبس وشبهة عمن نظر فيها واستدل بها واستند إليها.

وإنما كانت حجة الله قائمة صحيحة بالغة قوية؛ لأنه لا يحتج إلاّ بالحق؛ لأنه هو الحق، وبما يؤدي إلى العلم بالحق، ولا ريب في كونها أقوى وأمكن وأبلغ لو كانت من الحقائق الموجودة بالفعل وحاضرة بين من يحتج عليهم، وكمثال على ذلك أيهما أقوى وأبلغ حجة إرسال الرسالة بيد رسول أمين قادر على إيصال الرسالة إلى المرسل إليه وتسليمها بيده واطلاعه عليها بالتفصيل؟ وإن أشكل عليه أمرٌ مّا في مضمون الرسالة وضحه وفسره له بأجلى تفسير، وأوضح ما فيها من إجمال؟! أم إرسالها بالبريد مثلا؟ لا إشكال ولا ريب بأن إرسالها بيد الرسول أبلغ وأقوى في الاحتجاج على المرسل إليه؛ لأن المفروض أن الرسول سلم الرسالة بيده إلى المرسل إليه وقد أطلعه عليها بالتفصيل ورفع كل لبس قد ورد فيها فلا مجال له في الاعتذار بأي نحو من الأنحاء، بينما الإرسال بالبريد مثلاً يمكن أن يعتذر

ص: 6


1- سورة النساء , آية (165)
2- سورة الأنعام، آية (149) .
3- سورة الأحقاف، آية (15) .

المرسل إليه بأنها لم تصل، أو أنها وصلت متأخرة، أو أن مضمونها غير واضح لديه، أو، أو، أو، أو، إلخ من الاعتذارات التي لا يمكن إثبات العكس فيها. ويؤكد ذلك قول أمير المؤمنين (علیه السلام) الآتي.

وكنظير لحجج الله عزًوَجلً البالغة على خلقه ما رواه بطريق معتبر الشيخ في أماليه عن مسعدة بن زياد قال: (سمعت جعفر بن محمد (علیهما السلام) وقد سئل عن قوله تعالى: [ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ](1) فقال: إن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة عبدي كنت عالماً ؟ فإن قال: نعم قال له: أفلا عملت بما علمت ؟ وإن قال: كنت جاهلاً قال: أفلا تعلمت حتى تعمل؟ فيخصمه فتلك الحجة البالغة.) (2)

ولا تكون كذلك إلاّ بتعلم العلم الحق واتخاذه منهجاً، ولا يحصل إلاّ بالجمع بين هذه الآية الشريفة وقوله (صلی الله علیه و آله) كما عن زيد بن أرقم (رضی الله عنه) قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله): إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما.) (3)

وقول أمير المؤمنين (علیه السلام) كما جاء في تفسير علي بن إبراهيم قال: حدثني أبي عن حماد عن أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: (المنذر

ص: 7


1- سورة الأنعام، آية 149 .
2- بحار الأنوار، ج-1، ص-178 .
3- صحيح الترمذي، ج-13، ص-1200،وروي عنه في غيره من كتب أهل السنة، منها: « سنن الدارمي » ج 2 ص 431 و « صحيح مسلم » ج 7 ص 122 و 123 و « الاعتقاد للبيهقي » ص 164 و « مستدرك الحاكم » ج 3 ص 148 و 109 و « مناقب احمد بن حنبل » مخطوط و« المعجم الكبير للطبراني » ص 137 مخطوط و « سنن البيهقي » ج 10 ص 113 و 148 و « مناقب ابن المغازلي » مخطوط و « الجمع بين الصحيحين » .

رسول الله (صلی الله علیه و آله)، والهادي أمير المؤمنين وبعده الأئمة (علیهم السلام) وهو قوله عزًوَجلً: ] وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ](1) في كل زمان هاد مبين، وهو رد على من ينكر أن في كل أوان وزمان إماماً, وإنه لا تخلوالأرض من حجة كما قال أمير المؤمنين (علیه السلام): (لا تخلو الأرض من قائم بحجة الله إما ظاهر مشهور وإما خائف مغمور؛ لئلا تبطل حجج الله وبيناته.) (2)

ومما يؤكده أيضاً ما رواه العامة والخاصة متواتراً من أن الأئمة إثنا عشر.

فقد روى البخاري بإسناده إلى جابر بن سمرة قال: (سمعت رسول الله (صلی الله علیه و آله) يقول: يكون من بعدي اثنا عشر أميراً.) (3)

وأما من طرقنا فقد روي متوتراً.

وممن رواه الخزاز القمي عن علقمة بن محمد الحضرمي عن الصادق (علیه السلام) قال: (الأئمة اثنا عشر. قلت: يا ابن رسول الله فسمهم لي ؟ قال: من الماضين علي بن أبي طالب والحسن والحسين ... قلت: فمن بعدك يا ابن رسول الله ؟ قال: إني أوصيت إلى ولدي موسى وهو الإمام من بعدي. قلت: فمن بعد موسى؟ قال: علي يدعى بالرضا يدفن في أرض غربة من

ص: 8


1- سورة الرعد، آية 7) .
2- تفسير نور الثقلين، ج-4، ص-39، تأويل الآيات، ج-2، ص-662، ح14، إثبات الهداة، ج-3، ص-31 5، ح457، البرهان، ج-4، ص-291، ح1، ح2، المحجة، ص-219 -220، الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي، ص-288، كفاية الأثر، ص-261، وغيرها كثير من مصادر العامة والخاصة.
3- هذا الخبر رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما، والسجستاني في السنن، والخطيب في التأريخ، وأبو نعيم في الحلية بأسانيدهم عن جابر بن سمرة، ورواه أحمد بن حنبل في مسنده من أربع وثلاثين طريقاً، ورواه الخطيب أيضاً عن أبي الطفيل، ورواه الليث بن سعد في أماليه بإسناده عن سفيان الأصبحي كلاهما عن عبد الله بن عمر قال: (سمعت رسول الله (صلی الله علیه و آله) يقول: يكون من بعدي اثنا عشر خليفة) .

خراسان، ثم بعد علي ابنه محمد ثم بعد محمد ابنهعلي ثم بعد علي ابنه الحسن ثم بعده ابنه الحجة المنتظر) (1)؛ ولأن العدد لا يكون متحققا وموجوداً بالفعل إلاّ إذا كان المعدود متحققاً وموجوداً بالفعل.

ثم إنه لم يذهب إلى أن الأئمة اثنا عشر فقط من جميع فرق المسلمين إلاّ الشيعة الإمامية الإثنا عشرية، بل وبه عرفوا بين الأمة الإسلامية جمعاء، وقد علموا متواتراً بتقدم أحد عشر منهم فلابد أن يكون الثاني عشر هو الإمام الحجة بن الحسن (عجل الله تعالی فرجه) .

ومن الجمع بين هذه النصوص نستنتج أن حجة الله البالغة لا بد أن تكون مستقاة من القرآن الكريم والعترة مجتمعين بوجودهما الفعلي؛ ولذا كانت حجة نبينا (صلی الله علیه و آله) أبلغ وأمتن وأقوى من حجج باقي الأنبياء ع كافة؛ لأن حجته القرآن الكريم وهو باقٍ وموجود بين أيدي الناس كافة.

وعترته (صلی الله علیه و آله) أهل البيت (علیهم السلام) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً بقوله عزًوَجلً: [إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً] (2) وهم الأئمة الاثنا عشر، كما قال (صلی الله علیه و آله) فيما تقدم من الحديث، وهو (عجل الله تعالی فرجه) آخرهم وخاتمهم وقائمهم، فهو حي موجود بالفعل ولم تخل الأرض منه ولو للحظة واحدة من يوم ولادته سنة مئتين وست وخمسين للهجرة -على المشهور- بيننا ولليوم الحاضرسنة ألف وأربع مئة وتسعة وعشرين للهجرة وإلى ما شاء الله عزًوَجلً حتى يأذن الله له بالظهور ليملأ الأرض عدلاً

ص: 9


1- كفاية الأثر، ص-280، غيبة النعماني، ص-183، الإمامة والتبصرة، ص-113، ح101، إعلام الورى، ج-2، ص-234، غيبة الطوسي، ص-139، إثبات الوصية، ص-268، الصراط المستقيم، ج-2، ص-158، البحار، ج-51، ص-38، وغيرها أكثر من أن يحصى .
2- سورة الأحزاب، آية 33 .

وقسطاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً، (عجل الله تعالی فرجه)، وإلاّ فسيتخلف ولم يصدق قوله (صلی الله علیه و آله): (ولن يفترقا).

وحيث إن مفهوم الافتراق واحد، ولكن له مصاديق كثيرة

- أولها: تقدم أحدهما على الآخر فيفترقان.

- ثانيها: بقاء أحدهما وفناء الآخر فيفترقا.

- الثالث: اختلافهما في المنهج؛ فلو كان مع أحدهما الحق فيكون الثاني على باطل فيفترقان.

- والرابع وجود أحدهما فقط.

وقد دفع هذه المصاديق الأربعة بأجمعها قوله (صلی الله علیه و آله): (لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض) حيث نفى مطلق الافتراق مؤبداً؛ لأن لن تفيد التأبيد، سواءً كان الافتراق بالتقدم الخارجي لأحدهما على الآخر، أم ببقاء أحدهما وفناء الآخر -ولو بموته- أم باختلافهما في المنهج الحق، أم بوجود أحدهما فقط ولو بعدم ولادة الآخر.

فلو فرض عدم تلازمهما في الوجود الخارجي الحقيقي بفرض عدم ولادته كما يدعيه أكثر المسلمين، أو بفرض موته (عجل الله تعالی فرجه) مثلاً فإنه موجب لعدم التلازم مطلقاً كذلك وهو كما ترى! مستلزم لكذبه (صلی الله علیه و آله) بافتراقهما، وعدم تلازمهما في الوجود الخارجي، وهو الذي لا ينطق عن الهوى، مع مخالفته لإجماع المسلمين قاطبة من عدم جواز الاشتباه عليه (صلی الله علیه و آله) فضلاً عن الكذب، مضافاً إلى ما ذكر في الحديثالشريف لأمير المؤمنين (علیه السلام) المتقدم؛ من أنه لابد من إمام قائم حاضر، أو غائب مستور، فهو الغائب المستور وهو الذي ينتفع بوجوده كذلك، كما الشمس حين يحجبها السحاب.

ومما يؤيد ما ذكرنا، بل يدل عليه ما ذكره كثير من العلماء والفضلاء والثقات من رؤية عدد كبير جداً له (عجل الله تعالی فرجه) مما يحصل به التواتر المفيد للعلم بوجوده لاستحالة تواطئهم على الكذب لكثرة عددهم واختلاف بلدانهم وفي أحوال وأوقات مختلفة جداً، وفيما يلي نذكر منهم على سبيل المثال لا

ص: 10

الحصر؛ لأن حصرهم وعدهم يحتاج إلى مجلدات كبيرة وكثيرة ونحن نكتفي بما سنذكره؛ لأنه يحقق المراد إن شاء الله عز وجل.

ممن رأى الإمام (عجل الله تعالی فرجه)

وهو ينقسم إلى قسمين:

الأول: من رآه في زمن والده الإمام الحسن العسكري (علیه السلام) .

إنّ هنالك لفيفٌ من أصحاب الإمام العسكري (علیه السلام) رأوا الإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه) في أيام صباه، ووالده بعد حي. و نحن سنذكر من الكثير شيئاً قليلاً حتى لا يرتاب المنصف في ولادته:الثاني: من رآه في زمن الغيبتين الصغرى والكبرى.

وإن تكرر منهم (علیهم السلام) الإخبار بإنكاره والتشكيك بوجوده حتى من بعض شيعته، إلاّ من امتحن الله قلبه للإيمان وثبته الله عزًوَجلً بالقول الثابت.

فعن ثابت بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال: رسول الله (صلی الله علیه و آله) إن علي بن أبي طالب وصيي وإمام أمتي وخليفتي عليها بعدي ومن ولده القائم المنتظر الذي يملأ الله به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، والذي بعثني بالحق بشيراً ونذيراً إن الثابتين على القول به في زمان غيبته لأعز من الكبريت الأحمر.

ص: 11

فقام إليه جابر بن عبد الله الأنصاري فقال يا رسول الله: وللقائم من ولدك غيبة قال: إي وربي وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين، يا جابر إن هذا أمر من أمر الله عزًوَجلً وسر من سر الله علمه مطوي عن عباد الله إياك والشك فيه فإن الشك في أمر الله عز وجل كفر(1).

أقول: ومن نظر في هذا الحديث الشريف الذي هو حجة على من وصل إليه عرف أن النبي (صلی الله علیه و آله) ما ترك لأحد حجة عليه في أمير المؤمنين علي والأئمة من ولده(علیهم السلام) وفي وَلده المهدي (عجل الله تعالی فرجه) وطول غيبته وكان ذلك من آيات الله جل جلاله وحجج محمد رسوله (صلی الله علیه و آله) حيث أخبر بولادة آباء المهدي (علیهم السلام) وولادتهم قبل وجودهم وأخبر بتكامل صفاتهم في العلم والعمل كما كانوا عليه بعد وجودهم ثم أخبر بطول غيبة المهدي (عجل الله تعالی فرجه) قبل أن يتحقق ما انتهت إليه حالهم وحال ولده المهدي (عجل الله تعالی فرجه) في الغيبة إليه فلله جل جلاله ولمحمد (صلی الله علیه و آله) الحجة البالغة على من أرسل إليه في دار الفناء ويوم الجزاء.

وعن هشام بن سالم، عن الصادق، عن أبيه، عن جده (علیهم السلام) قال: ( قال رسول اللهّ (صلی الله علیه و آله): القائم من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، وشمائله شمائلي، وسنته سنتي، يقيم الناس على ملتي وشريعتي، ويدعوهم إلى كتاب ربّي، من أطاعه أطاعني، ومن عصاه عصاني، ومن أنكر غيبته فقد أنكرني، ومن كذبه فقد كذبني، ومن صدّقه فقد صدّقني، إلى الله أشكو

ص: 12


1- ينابيع المودة، القندوزي، ج-3،ص-368، كمال الدين، الشيخ الصدوق، ص-287، البحار، العلامة المجلسي، ج-34، ص-127 .

المكذبين لي في أمره، والجاحدين لقولي في شأنه، والمضلّين لأمتي عن طريقته [وَسَيَعلَمُ الذينَ َظلَمُوا أيّ مُنقَلَب يَنقَلِبُونَ](1).(2)وعن محمد بن يحيى الفارسي، عن محمد بن علي الصيرفي، عن إبراهيم بن هاشم، عن فرات بن أحنف، عن سعيد بن المسيب، عن زادان، عن سلمان الفارسي، قال: (قال أمير المؤمنين (علیه السلام): فذكر المهدي القائم (علیه السلام)، والله ليغيبن حتى يقول الجهال: ما بقي لله في آل محمد من حاجة، ثم يطلع طلوع البدر في وقت تمامه والشمس في وقت إشراقها فتقر عيون وتعمى عيون)(3).

وعن سعيد بن المسيب، عن الأصبغ بن نباتة، قال: (دخلت على أمير المؤمنين (علیه السلام) فوجدته مفكراً ينكت في الأرض قلت: يا مولاي مالي أراك مفكراً قال: في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي وهو المهدي الذي يملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً يكون له غيبة يضل بها أقواماً، ويهدي بها آخرين أولئك خيار هذه الأمة مع أبرار هذه العترة فقلت: ثم ماذا: قال: يفعل الله ما يشاء، من الرجعة البيضاء والكرة الزهراء، وإحضار الأنفس الشح والقصاص والأخذ بالحق والمجازاة بكل ما سلف ثم يغفر الله لمن يشاء.)(4)

ص: 13


1- سورة الشعراء، آية 227،
2- كمال الدين، الشيخ الصدوق، ص-411 .
3- الهداية الكبرى، الخصيبي، ج-1، ص-317.
4- الهداية الكبرى، الخصيبي، ج-1، ص-317.

وعن الحسن بن عيسى عن محمد بن علي، عن جعفر، عن أبي الحسن بن موسى بن جعفر (علیهم السلام) قال: (إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم لا يزيلكم أحد عنها فتهلكوا، لا بد لصاحب الزمان من هذا الأمر من غيبة حتى يرجع عنه من كان يقول فيه فرضاً وإنما هو محنة من الله يمتحن بها خلقه. قلت: يا سيدي من الخامس من ولد السابع، قال: عقولكم تصغر عن هذا ولكن إن تعيشوا فسوف تذكرون قلت: يا سيدي فنموت بشك منه، قال: أنا السابع، وابني علي الرضا الثامن، وابنه محمد التاسع، وابنه علي العاشر، وابنه الحسن حادي عشر، وابنه محمد سمي جده رسول الله وكنيته المهدي الخامس بعد السابع، قلت: فرج الله عنك يا سيدي، كما فرجت عني.)(1)

وعن محمد بن علي، عن محمد بن احمد بن عيسى بن عبد الله بن أبي خدان، عن المفضل بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: إياكم والتنويه(2) والله ليغيبن مهديكم سنين من دهركم يطول عليكم وتقولون: أين وليت ولعل وكيف وتمحصهالشكوك في أنفسكم حتى يقال: مات وهلك ويأتي وأين سلك، قال المفضل: فبكيت وقلت: كيف يصنع أولياؤكم فنظر إلى الشمس دخلت في الصفة قال: يا مفضل ترى هذه الشمس قلت: نعم، قال

ص: 14


1- الغيبة، النعماني، ج-1، ص-172، الهداية الكبرى، الخصيبي، ج-1، ص-317، البحار، العلامة المجلسي، ج-36، ص-335.
2- أي الإشاعة لما يحدث به الأئمة (علیهم السلام) من أمور لا تتلائم مع مذاق الحكام، فيتعرضون لما يؤذيهم، أو يعرّضهم وشيعتهم لما يسبب لهم الإحراج، بل التشريد، أو السجن أو القتل...الخ .

والله أمرنا أنور وأبين منها، فالجاحد ولادته وكونه وظهوره أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والرسل والناس أجمعين.) (1)

وأمثال هذه الأحاديث أكثر من أن يحصى، وهي تشتمل على أغراض عدة، وأسباب مختلفة.

أما الأغراض:

فمنها: إظهار فضلهم ومعرفتهم (علیهم السلام) وعلمهم بما كان وسيكون إلى يوم القيامة مستلهمين ذلك من رسول الله (صلی الله علیه و آله)؛ ليعرف قدرهم وفضلهم على غيرهم من الناس.

ومنها: تحذير شيعتهم ومواليهم من الوقوع في حبائل الشيطان الذي يلقي في روع المؤمنين ما يزعزع عقائدهم ويشككهم فيما فيه صلاحهم في دينهم ودنياهم وعدمالصبر حين هجوم المضلات من الفتن التي يمر بها الإنسان المؤمن والثبات على معتقده.

ومنها: تنبيه مواليهم بأنه ستمر عليهم: ظروف حرجة، وامتحانات صعبة، ومصائب جليلة، وشدائد عسيرة قد تضطرهم إلى إنكار وجوده لعدم صبرهم على ما يلاقونه من ظلم وجور، وانتهاك لحرماتهم، وسفكٍ لدمائهم، وتعدٍ على حقوقهم، واستهانة بهم مع طول غيبته (عجل الله تعالی فرجه) فيأخذهم اليأس من منقذهم ويدب القنوط إلى نفوسهم فينكرون وجوده خلا من امتحن الله عزًوَجلً قلبه للإيمان منهم؛ لأنه راسخ العقيدة، نقي السريرة، مؤمن بما ورد

ص: 15


1- الغيبة، النعماني، باب ما روي في غيبة الإمام، ص-15 .

عن ساداته وأئمته، راضياً بقضاء الله عزًوَجلً وقدره، موطناً نفسه على الثبات في أحلك الظروف، وأشد المحن؛ لانكشاف الحقيقة أمام قلبه، فقلبه مطمئن بالإيمان وقليل ما هم، إلى غير ذلك من الأغراض التي يمكن للباحث المتمحص العثور عليها.

وأما الأسباب: فيمكن تلخيصها بما يلي:

منها: عدم توجه شيعتهم ومواليهم إلى التقرب من إمامهم عج وإصلاح شؤونهم التي توردهم صراطه المستقيم، وتعجل في فرجه الشريف بتهيئة أسباب ظهوره التي منها حالة الانتظار الذي هو أشد من القتل، كيف لا؟!! وهو عج على أحر من الجمر؛يرى دين جده قد عاد غريباً كما بدأ غريباً، وشيعة آبائه تائهين عن الصراط القويم من جهة، حائرين متحيرين، ومظلومين مضطهدين مقهورين من جهة أخرى.

ومنها: عدم تأمل باقي المسلمين في واقعهم وتفرقهم عن سنة نبيهم (صلی الله علیه و آله)، وبعدهم عن عترته التي أمر الله تعالى بمودتهم في قوله: [قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى](1) وأمره (صلی الله علیه و آله) باتباعهم، كما تقدم في حديث ابن عباس (رضی الله عنه) وغيره؛ فلعل من تقع عينه على مثل هذه الأحاديث والإرهاصات ينتبه لنفسه، ويراجع عقيدته ويتضح الحق عنده ويسفر صبح الهداية في قلبه، حتى لا يقول أحدهم: كنت في غفلة عن هذا، إلى غير ذلك مما لا يعلمه إلاّ الله عزًوَجلً والراسخون في العلم.

ص: 16


1- سورة الشورى، آية 23

ونرجع إلى ما كنا بصدده وهو من رآه في حياة أبيه (علیه السلام):

1 - قال الحسين بن حمدان الخصيبي(1):حدثني من زاد في أسماء من حدثني من هؤلاء الرجال الذين أسميهم وهم غيلان الكلابي، وموسى بن

ص: 17


1- المتوفى سنة 344 للهجرة، وهو من بني حمدان المعروفين بولائهم المطلق لآل الرسول (صلی الله علیه و آله)، ومع ذلك فقد اختلف علماء الرجال في توثيقه، فقدح فيه ابن الغضائري والنجاشي والكشي، وامتدحه آخرون كالسيد الأمين وغيره ممن تقدم عليه وتأخر عنه؛ والسبب في ذلك أن هذه الأسرة قد تعرضت لإبادة جماعية عند الاحتلال الفرنسي لبلاد الشام، فعملت بالتقية وأظهرت ما يبعد كونها من فرق المسلمين، ولكنها بقيت في عقيدتها على ما هي عليه في داخلياتها، ثم إنه إنما يحكم على الرجل بكلامه ومنطقه الذي يصرح فيه بعقيدته وإليك أيها القارئ الكريم نص مقدمة كتابه السالف الذكر؛ لتعرف واقع حاله وتحكم أنت بما تراه قال:- بسم الله الرحمن الرحيم ابتدأنا بعون الله وقوته، وبركة أسمائه، وجلاله واسمه وبابه، وأهل مراتب قدسه، وعالم أنسه وملكه، وأن يوصلنا بهم إلى الرضا وبلوغ المنى. وهو سماعه من الرجال الثقات، الذين لقيهم (رضي الله عنهم أجمعين)، منهم من عاشر الموليين السيدين الإمامين العسكريين (صلوات الله عليهما)، وروى عن ما يشتمل على أسماء رسول الله (صلی الله علیه و آله) وأسماء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (علیه السلام) في السريانية والعبرانية وجميع اللغات المختلفة، وأسماء فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) وعلى الأئمة الراشدين الحسن والحسين ابني علي، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، ومحمد بن الحسن (الحجة) سمي جده رسول الله (صلی الله علیه و آله) وكنيته بجده، ولقبه المهدي والغائب والمنتظر (صلوات الله عليهم أجمعين) وأسمائهم وكناهم - الخاص والعام منهم - وأسماء أمهاتهم، ومواليدهم، وأولادهم، وبراهينهم، ودلائلهم، ووفاة كل منهم، وشاهدهم وأبوابهم، والدلالة من كتاب الله عزًوَجلً والأخبار المأثورة المروية بالأسانيد الصحيحة، وفضل شيعتهم، نفعنا الله بهم جميعا إنه على كل شئ قدير، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وهو رب العرش العظيم. بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله مبدئ الحمد وباريه، ومقدره وقاضيه، والآمر به وراضيه، جزاء من عباده عن نعمة، والمستوفي لهم جزيل قسمه، والمزحزح عنه حلول نقمه، الفارض له عليهم، الحاتم فيما أنزله إليهم، المستحق على هدايته لهم حمده على نعمه، إذ كان حمدهم له على نعمه نعمة أنعمها منه عليهم، الذي لم تدرج نوره الدياجي، ولم تحط بقدرته الأماكن، ولم تستقل، بذات كبريائه المعادن، ولم تستقر لجلال ملكوته المواطن. الأول لا أول مكيف، والآخر لا آخر مستحدث، الدائم في أزليته، الباقي في ربوبيته، الشاهد على خليقته، فاطر المخلوقين بحسن تدبير الحكمة، ومكونها أجساما وأشخاصا، وأشباحا وأرواحا، وصورا مختلفة وغير مختلفة، ومتشابهة وغير متشابهة. الذي لم تكله قدرته فيما خلق إلى ظهير، ولم تدعه مبهرات عجائب ما فتق ورتق الى مستعين به في أمره ومشير، المظهر فيما ذرأه وبرأه مما شوهد بعيان، واستدل عليه ببرهان، بدائع تحسر عقول المخلوقين عن بلوغ تحديدها، المستشهد عند ذوي العلم والعقول، خلق ألسنتهم وأنفسهم وألوانهم ولم يحيطوا به علما، ولم يبلغوه فهما، إذ لا صانع لهم دونه، ولا مركب لهم في تأليف غيره، ولا متقن في تصنيف، ولا مدبر في تأليف غيره. أحسن كل شيء خلقه، الذي لم يعزب عنه علمه في ديجور طبقات السماوات، ولا في دياجي ظلمات الأرضين المدحيات، ولا في قعر البحور الزاخرات، ولا كائن من المخلوقين إلا أحاط به قوة وعلما واقتدارا وسلطانا. الذي لم يفته متعزز بفناء وإكثار، ولا ذو بطش جبار، متقلبا في كبريائه، ولا متقلب في ليل ولا في نهار، ولا بغرور، ممتنع ببهاء وأوطار، ولا يحتوي بمدى عمر ذي أقطار فيدركه طلب بمستعان، بل أشفى بطوله بريته، وشمل بحوله خليقته، وسعت كل شيء رحمته، لطفا وامتنانا فهو في أزل قديم أزليته غير مشهود، وفي كمال كليته غير محدود، ولا مدرك بلحاظ عيون الناظرين، ولا بحواس خواطر عقول العارفين موجود، ولا مقر بهم عن بلوغ ذلك منفردا، بل هو في ظواهر حكم صنعته ومراضي قضاء قدرته، ونفوذ سلطان عزه، وتفرده بالصمدية معروف غير مجحود، وهو في حال فقر عباده إليه اعتمام ما خولهم إياه، ولا يتعاظم وان كبر عند المرزوقين، ولا ينقصه عطاؤه إياهم؛ لأنه ليس بمحدود من خزائنه، ولا يغيظه تمرد المتمردين عليه، وان استكبروا عن أداء الشكر له على ذلك في حال طاعتهم ومعصيتهم إياه فهو على كل حال محمود. وكيف لا يكون ذلك، وزمام كل شيء في قبضته ؟ وقضاء قدرته ؟ يحكم فيه ولا يحكم عليه، والأشياء خاشعة له، وهو على كل شيء قدير. وهو الله الذي نشهد أن لا إله إلا هو، وحده لا شريك له في ملكه، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون. اللهم أنزل زاكيات صلواتك، ومكرمات بركاتك وتحنن رأفتك، وواسع رحمتك، وطيبات تحياتك وفوز جناتك على محمد عبدك ورسولك ونبيك، وصفوتك وخيرتك من خلقك، وعلى علي أخيه أمير المؤمنين، ونور العارفين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، وأفضل الوصيين، والأئمة الراشدين، وعلى الحسن الزكي في الزاكين، وعلى الحسين الشهيد، الصابر في المحنة طهر الطاهرين، وعلى علي سيد العابدين، وعلى محمد باقر علم الأولين والآخرين، وعلى جعفر الصادق في الناطقين، وعلى موسى نورك الكاظم في الكاظمين، وعلى علي الرضا في المؤمنين، وعلى محمد المختار في صفوتك المختارين، وعلى علي الهادي في الهادين. وعلى الحسن المنتجب المستودع سرك في المستودعين. اللهم أصلح بإصلاحك الكامل المبلغ ما بلغته المؤمنين من عبادك، عبدك الزكي الذي استخلصته لنفسك، وخليفتك الذي استخلفته في خلقك، وأمينك الذي ائتمنته على مكنون علمك، وحجتك التي اتخذتها على أهل سماواتك وأرضك، وعينك الناظرة التي حرست بها نعمك عند أوليائك، ويدك التي تقبض بها وتبسط أمرك ونهيك، ولسانك الناطق المبين برحمة كنه غيبك ووحيك ووجهك الدال عليك في وحدانيتك، وصراط دينك المستقيم، وسبيل رشادك المفهوم، ومنهج هدايتك المعلوم، الصادق الناطق، الفاتق الراتق، الآمر بطاعتك، الناهي عن معصيتك، المرجي لثوابك، المحذر من عذابك، حجتك وابن حجتك وصفوتك وابن صفوتك، وخيرتك وابن خيرتك، وأنيسك من خلقك ووصيك سمي جده رسول الله (صلی الله علیه و آله) الإمام المهدي حجتك يا رب العالمين، الذي خلقته نورا للمؤمنين وقدوة للمقتدين، وملاذا للائذين، وكهفا للاجئين، وأمانا لعبادك المرعوبين، ناصر المضطرين ومدرك وتر المغلوبين، الفتح الأكبر، والنصر الأظفر، والأمل المنتظر، منتهى رغبة الراغبين، وغاية منية الطالبين، وأحمد عواقب الصابرين، وحبيب قلوب المؤمنين، وفرجا لعبادك المختارين، رحمة منك لهم يا رب السماوات والأرضين. اللهم أنجز له كل وعدك، وحقق فيه موعدك، وأستخلفه في ارضك كما وعدتنا به. اللهم أورثه مشارق الأرض ومغاربها التي باركت فيها، ومكن له دينك الذي ارتضيته له، وثبت بنيانه، وعظم شانه، وأوضح برهانه، وعل درجته، وأفلج حجته، وشرف مقامه، وأمض رأيه، واجمع شمله، وانصر جيوشه وسراياه ومرابطيه، وأنصاره وأشياعه، وأتباعه وأعوانه، وحزبه وجنوده وأحباءه وخيرته وأولياءه وأهل طاعته. اللهم انصرهم نصرا عزيزا، وافتح له فتحا مبينا، واجعل له من لدنك على عدوك وعدوه سلطانا نصيرا. اللهم وأمدده بنصرك بملائكتك وبالمؤمنين، واجعلنا له حواريين، ننصره حتى نعزره ونقره ونؤمن به نصدقه ونعزه ونعز به. اللهم فاكشف عنا به العمى، وأذهب به عنا الضر، واهدنا به سبيل الراشدين، وتول نصر دينك على يد وليك، واجعلنا ممن جاهد في سبيلك، وطهر الأرض بإظهاره من القوم الظالمين حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين لك يا رب العالمين. اللهم أظهره، وأعز بإظهاره وإظهارك له أولياءك وزد في أعمارهم، وأيده وأيد به وأعلنه ولا تخفيه، وامحق قبل إظهارك له أعداءك وأعز أولياءك، وزد في أعمارهم وطول في آجالهم، وتمم أيامنا ولا تقصر مددنا، ولا تمتنا بحسرة من لقاء سيدنا حتى ترينا وجهه وتشهدنا شخصه، وأسمعنا كلمته، وتنجينا في أيامه، وترزقنا نصرته في أعمالنا ونياتنا وقلوبنا، وشرفنا في دولته الزاكية المباركة الطاهرة المرضية فإنما نحن والآخذ بحق المغصوبين، مجلي الروعات، وكاشف الكربات، ومزحزح الضلالات، ومزهق المعطلات، ومشفي الخواطر المضنيات، ومزيل الفكر المخربات، وفاتح القلوب المقفلات، ومبصر العيون المسملات، ومسمع الآذان الصمات، ومحق الكلمات التامات، أولياؤك يا رب العالمين. اللهم وأنزل اللعنة الكافية، المغضبة المردية، المخزية المخسرة المدمرة على أعدائك وأعداء ملائكتك وأنبيائك ورسلك وأصفيائك وأوليائك المخلصين، من الظالمين الأولين والآخرين، وعلى أشياعهم وأتباعهم وأحبائهم وحزبهم وجندهم ورعيتهم، ومن تابعهم بقلبه وعمله، ومن أحمد لهم رأيا وأمرا، ورضي لهم فعلا واستطال لهم رأيا، وقال فيهم خيرا، ودفع عنهم شرا، وزدهم عذابا ضعفا في النار، والعنهم كثيرا، وأصلهم سعيرا، ولقهم ثبورا، وتبرهم فيها تتبيرا، ولا تذر منهم كبيرا ولا صغيرا، وأدخلهم في العذاب، ولا تخفف عنهم يوما منه، وخلدهم في الدرك الأسفل من النار، وعذبهم عذابا لا تعذب به أحدا من العالمين، وطهر الأرض منهم أجمعين، ومن بدعهم وخلافهم وجحدهم وجورهم وظلمهم وغضبهم وغشهم وآثامهم وأوزارهم ومكرهم وخداعهم وسيئاتهم، واجعل الأرض منهم جميعا قاعا صفصفا، لا نرى فيها عوجا ولا أمتا. واجعلنا ممن برئ إليك من أعمالهم والتباسهم وجرائرهم، وثبتنا على ما إليه هديتنا من موالاة أوليائك وعداوة أعدائك، واجعلنا من الموفين بعهدك وعقدك وميثاقك الذي ألهمتنا لسعادتنا، ولا تضلنا بعد إذ هديتنا، وزدنا بصيرة وإيمانا، ويقينا ورضى وتسليما، ولا ترنا حيث نهيتنا ولا تفقدنا من حيث أمرتنا أبدا ما أبقيتنا، بطولك ومنك يا أرحم الراحمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وهو حسبنا ومرجانا، وعليه توكلنا.

ص: 18

ص: 19

محمد الرازي، وأحمد بن جعفر الطوسي عن حكيمة ابنة محمد بن علي الرضا (علیه السلام)، قال: (كانت تدخل على أبي محمد (علیه السلام) فتدعو له أن يرزقه الله ولداً، وإنها قالت: دخلت عليه فقلت له كما كنت أقول، ودعوت له كما كنت أدعو، فقال: يا عمة أمّا الذي تدعين إلى الله أن يرزقنيه يولد في هذه الليلة وكانت ليلة الجمعة لثمان ليال خلت من شهرشعبان(1) سنة سبع وخمسين ومائتين من الهجرة فاجعلي إفطارك عندنا، فقالت: يا سيدي ممن يكون هذا الولد العظيم؟! قال: من نرجس يا عمة قالت: يا سيدي ما في جواريك أحب

ص: 20


1- وهذا خلاف المشهور جداً، الذي هو ليلة النصف من شهر شعبان المكرم، وسنة مئتين وست وخمسين، ولعله من سقط القلم أو اشتباه النساخ.

اليّ منها، فقمت ودخلت عليها ففعلتْ كما كانت تفعله فخاطبتني بالسندية فخاطبتها بمثلها وانكببت على يديها فقبلتها فقالت: فديتك فقلت لها: بل انا فداءك وجميع العالمين فأنكرت ذلك مني فقلت: تنكرين ما فعلت فإن الله سيهب لكي بهذه الليلة سيدا في الدنيا والآخرة وهو فرج المؤمنين فاستحيت مني، فتأملتها فلم أر فيها أثر حمل! فقلت لسيدي أبي محمد (علیه السلام): ما أرى لها اثر حمل! فتبسم وقال: إنّا معاشر الأوصياء لا نحمل في البطون وإنما نحمل في الجيوب، ولا نخرج من الأرحام وإنما نخرج من الفخذ الأيمن من أمهاتنا؛ لأننا نور الله الذي لا تناله الدناسات فقلت له: يا سيدي قد أخبرتني في هذه الليلة يلد ففي أي وقت منها؟ قال: طلوع الفجر يولد المولود الكريم على الله إن شاء الله تعالى، قالت حكيمة: فقمت وأفطرت ونمت بالقرب من نرجس وبات أبو محمد (علیه السلام) في صَفَّة بتلك الدار التي نحن فيها، فلما أتى وقت صلاة الليل قمت ونرجس نائمة ما بها أثر حمل فأخذت في صلاتي ثم أوترت فانا في الوتر فوقع في نفسي أن الفجر قد طلع ودخل بقلبيشيء، فصاح أبو محمد (علیه السلام) من الصفة لم يطلع الفجر يا عمة فأسرعت في الصلاة، وتحركت نرجس فدنوت منها وضممتها إليّ وسميت عليها، ثم قلت لها: هل تحسين بشيء؟ قالت: نعم، ووقع عليّ سبات لم أتمالك معه أن نمت ووقع على حكيمة مثل ذلك، قالت حكيمة: فلم أنتبه إلاّ بحس سيدي المهدي وضجة أبي محمد يقول: يا عمة هاتي ابني إليّ فقد قبلته فكشفت عن سيدي -إليه التسليم- فإذا هو ساجد ملتقي الأرض بمساجده وعلى ذراعه الأيمن مكتوب [جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً](1) فضممته إليّ فوجدته متضرعا فلففته بثوب وحملته إلى أبي محمد (علیه السلام) فأخذه وأقعده

ص: 21


1- سورة الإسراء، آية 81 .

على راحته اليسرى وجعله راحته اليمنى على ظهره وأدخل لسانه في فيه ومرّ يده على ظهره ومفاصله وسمعه ثم قال: تكلم يا بني فقال: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أن محمدا رسول الله وأن عليا أمير المؤمنين ولم يزل يعد الأئمة (علیهم السلام) حتى بلغ إلى نفسه ودعا لأوليائه على يده بالفرج، ثم أحجم، فقال أبو محمد (علیه السلام): يا عمة اذهبي به إلى أمه لتسلم عليه وآتيني به فمضت به إليها فسلمت عليه وردته إليه، ثم وقع بيني وبين أبي محمد كالحجاب فلم أر سيدي فقلت لأبي محمد: يا سيدي اين مولاي فقال: أخذه من هو أحق به منك، فإذا كان في اليوم السابع فأتنا، فلما جاء اليوم السابع أتيت وسلمت وجلست فقال لي (علیه السلام) هلمّي ابني فجئت سيدي وهو في ثياب صفر ففعل به كفعله الأول وجعل لسانه في فيه ثم قال: تكلم يا بني فقال: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأثنى بالصلاة على محمد وأمير المؤمنين والأئمة حتى وقف على أبيه، ثم قرأ: [وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ{5} وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ](1) ثم قال: إقرأ يا بني ما أنزل الله على أنبيائه ورسله، فابتدأ بصحف شيث وإدريس، ونوح، وهود، وصالح، وإبراهيم وتوراة موسى، وإنجيل عيسى وقرآن جده رسول الله (صلی الله علیه و آله) وعليهم أجمعين، ثم قص قصص النبيين والمرسلين إلى عهده)(2)

ص: 22


1- سورة القصص , آية 5- 6
2- وعن محمد بن جمهور عن إسماعيل بن علي عن زيد بن خالد عن زرارة بن أعين قال: قلت لأبي عبد الله الصادق (علیه السلام)، جعلت فداك ما تقول في قول الله (لأنذركم به) ومن بلغ تأويل أي شيء يعني عن بلوغ الإمام؟ قال: نعم، قلت فما بلوغه قال: أربع سنين. وعنه بهذا الإسناد عن حمران بن أعين، عن أبي حمزة الثمالي، قال: قلت لأبي جعفر الباقر (علیه السلام) المهدي، بكم يبلغ قال: ان الله بعث عيسى بن مريم بنبوة ورسالة وكتاب وشريعة وله سنتان وما يضر الإمام صغر سنة وقد قام عيسى بن مريم (علیهما السلام) بالرسالة وله ثلاث سنين وتكلم بالمهد وأوتي الكتاب والنبوة بثلاثة أيام.

فلما كان بعد أربعين يوما دخلت إلى أبي محمد لألقي عليه التسليم فإذا بمولانا صاحب الزمان القائم يمشي في الدار فلم أر أحسن وجها من وجهه ولا لغة أفصح من لغته فقال لي أبو محمد (علیه السلام): هذا المولود الكريم على الله عزًوَجلً قلت له: يا سيدي له أربعون يوما وأنا أرى من أمره ما أرى فقال (علیه السلام): وتبسم يا عمة أما علمت أنّا معاشر الأوصياء ننشأُ في اليوم ما ينشأُ غيرنا بالجمعة، وننشأ في الجمعة ما ينشأ غيرنا في السنة، فقمت إليه وقبلت رأسه وانصرفت فعدت تفقدته فلم أره، فقلت لسيدي أبي محمد (علیه السلام) ما فعل مولانا فقال: يا عمة استودعناه للذي استودع موسى (علیه السلام) .)(1)

وعن موسى بن محمد، أنه قال: (قرأ المولود على أبي محمد فصحح قراءته فما زاد فيه ولا نقص فيه حرفا.) (2)

وعنه عن أبي محمد جعفر بن محمد بن إسماعيل الحسني عن أبي محمد (علیه السلام) قال: (لما وهب لي ربي مهدي هذه الأمة أرسل ملكين فحملاه إلى سرادق العرش حتى وقف بين يدي الله فقال له: مرحبا بعبدي المختار لنصرة ديني وإظهار أمري ومهدي خلقي آليت أني بك آخذ وبك أعطي وبك

ص: 23


1- الهداية الكبرى، الخصيبي، ج-1، ص-316 .
2- المصدر نفسه ص-310.

أغفر وبك أعذب، أردداه أيهاالملكان على أبيه رداً رفيقا وبلغاه أنه في ضماني وكنفي وبعيني إلى أن أحق به الحق وأزهق الباطل ويكون الدين لي واصبا.)(1)

2- وعنه عن غيلان الكلابي، عن محمد بن يحيى، عن الحسين بن علي النيسابوري الدقاق، عن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن موسى بن جعفر (علیهما السلام) قال: (حدثني نسيم ومارية قالا: لما خرج صاحب الزمان (علیه السلام) من بطن أمه سقط جاثيا على ركبتيه قائما لسبابتيه ثم عطس وقال: الحمد لله رب العالمين وصل اللهم على سيدنا محمد وآله عبدا ذاكرا لله غير مستنكف ولا مستكبر، ثم قال: زعمت الظلمة أن حجة الله داحضة لو أذن لنا بالكلام لزال الشك.)(2)

3 - وعنه عن غيلان الكلابي قال حدثني نسيم خادم أبي محمد (علیه السلام)، قال: (قال صاحب الزمان المهدي (علیه السلام) وقد دخلت عليه بعد مولده بليلة فعطست عنده فقال يرحمك الله ففرحت بكلامه لي بالطفولية ودعائه لي بالرحمة فقال لي: أبشرك عن العطاس، قلت بلى يا مولاي فقال: هو أمان من الموت لثلاثة أيام )(3)4 - إبراهيم بن محمد العلوي قال: (حدثتني نسيم خادمة أبي محمد (علیه السلام) قالت: دخلت على صاحب هذا الأمر (علیه السلام) بعد مولده بليلة فعطست

ص: 24


1- الهداية الكبرى، الخصيبي، ج-1، ص-311 .
2- المصدر نفسه، ج-1، ص-312.
3- المصدر نفسه، ص-312.

عنده قال لي: يرحمك الله قالت نسيم: ففرحت بذلك فقال لي (علیه السلام): ألا أبشرك في العطاس؟ قلت: بلي، قال: هو أمان من الموت ثلاثة أيام.)(1)

5- وعن ضوء بن علي العجلي عن رجل من أهل فارس سمّاه قال: (أتيت سرّ من رأى فلزمت باب أبي محمّد (علیه السلام) فدعا بي من غير أن أستأذن، فلمّا دخلت وسلّمت قال لي: يا أبا فلان ! كيف حالك؟ ثمّ قال لي: اقعد يا فلان، ثمّ سألني عن رجال ونساء من أهلي، ثمّ قال لي: ما الذي جاء بك وما الذي أقدمك ؟ قلت: رغبة في خدمتك. قال: فقال لي: إلزم الدار.

قال: فكنت في الدار مع الخدم، ثمّ صرت أشتري لهم الحوائج من السوق وكنت أدخل من غير إذن إذا كان في دار الرجال، فدخلت عليه يوماً في دار الرجال فسمعت حركة في البيت، فناداني: مكانك لا تبرح، فلم أجسر أن أدخل ولا أخرج، فخرجت عليّ جارية ومعها شيء مغطّى، ثمّ ناداني: أدخل، فدخلت ونادى الجارية فرجعت، فقال لها: اكشفي عمّا معك، فكشفت عن غلام أبيض حسنالوجه، وكشف عن بطنه فإذا شعرات من لبته إلى سرّته أخضر ليس بأسود . فقال: هذا صاحبكم ثمّ أمرها فحملته، فما رأيته بعد ذلك حتى مضى أبو محمّد . (علیه السلام) )(2)

قال ضوء بن علي:( فقلت للفارسي: كم كنت تقدّر له من العمر؟ قال: سنتين.)(3)

ص: 25


1- البحار عن كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق، ج-64،ص-8 .
2- الغيبة، النعماني، ج-1، ص-343، الخرائج والجرائح، الراوندي، ج-2، ص-454 .
3- نور الأبصار في أحوال الأئمة التسعة الأبرار، ج-1، ص-2 .

6- وعن غيلان الكلابي قال: حدثني أبو نصر طريف خادم سيدي أبي محمد (علیه السلام) قال: (دخلت على صاحب الزمان إليه التسليم، فقال يا طريف عليّ بالصندل الأحمر فأتيته به، فقال: أتعرفني قلت: نعم، قال: من أنا قلت: مولاي وابن مولاي قال: ليس عن هذا أسالك قلت: جعلني الله فداك عما سألتني، قال: أنا خاتم الأوصياء وبي يرفع الله البلاء عن أهلي وشيعتي.) (1)

7 - ووجّه قوم من المؤمنين والمقصرة كامل بن إبراهيم المدني، إلى أبي محمد قال: (فقلت في نفسي: لئن دخلت عليه أسأله عن الحديث المرويّ عنه: لا يدخل الجنة إلا من عرف معرفتي وقال بمقالتي، وكنت جلست إلى باب عليه ستر مسبل، فجاءت الريح فكشفت طرفه، وإذا أنا بفتى كأنه فلقة قمر، من أبناء أربع سنين، أومثلها فقال لي: يا كامل بن إبراهيم: فاقشعررت من ذلك، فقلت: لبيك يا سيدي. قال: جئت إلى ولي الله تسأله: ? لا يدخل الجنة إلا من عرف بمعرفتك وقال بمقالتك؟ قلت: إي والله؟ قال: إذن - والله – يقلّ داخلها والله إنه ليدخلنها قوم يقال لهم: الحقّية. قلت: ومن هم؟ قال: هم قوم من حبهم لعلي يحلفون بحقه، ولا يدرون ما حقه وفضله، إنهم قوم يعرفون ما تجب عليهم معرفته جملةً ? وتفصيلاً، من معرفة الله ورسوله والأئمة ونحوها.)(2)

ص: 26


1- الهداية الكبرى، الخصيبي، ج-1، ص-312، الخرائج والجوارح، الراوندي، ج-1،ص-457 .
2- إثبات الوصية، المسعودي، ج-36، ص-7، الهداية الكبرى، الخصيبي، ج-1، ص-132 .

وقال فلما دخلت على سيدي أبي محمد (علیه السلام) نظرت عليه ثيابا بيضاء ناعمة فقلت في نفسي ولي الله وحجة الله يلبس الناعم من الثياب ويأمر بمواساة إخواننا وينهى عن لبس مثله فقال: مبتسما يا كامل وحسر عن ذراعيه فإذا هو مسح خشن فقال هذا والله أهدى لكم فخجلت وجلست الى باب ستر مرخي فجاءت الريح فكشفت طرفه فإذا بفتى كأنه فلقة قمر من أبناء أربعة عشر فقال: كامل ابن ابراهيم، فاقشعريت من ذلك وألهمت وقلت: لبيك لبيك يا سيدي فقال: جئت الى ولي الله وحجته تريد تسأله هل يدخل الجنة الا من عرف معرفتي وقال مقالتي: فقلت إي والله فقال: إذا والله يقول داخلها ليدخلها خلق كثير قوم يقال لهم الحافية قلت سيدي: ومن هم قال قوم من حبهم الى أمير المؤمنين يحلفون بحقه ولا يدرون ما فضله ثم سكت (علیه السلام) وقال:وجئت تسأله عن المفوضة كذبوا بل قلوبنا أوعية لمشيئة الله فإذا شاء الله شيئا شئنا والله يقول ما تشاؤون الا أن يشاء الله ثم رجع الستر الى حاله فلم أكشفه فنظر إليّ أبو محمد (علیه السلام) وتبسم وقال: يا كامل بن إبراهيم، ما جلوسك وقد أنباك المهدي والحجة بعدي بما كان في نفسك وجئت تسألني عنه قال فنهضت وأخذت الجواب الذي أسررته في نفسي من الإمام المهدي ولم ألقه بعد ذلك، قال أبو نعيم: فلقيت كاملا فسألته عن هذا الحديث فحدثني به عن آخره بلا زيادة ولا نقصان.)(1)

8 - قال يعقوب بن منقوش: دخلت على أبي محمّد الحسن بن علي _ (علیهما السلام) _ وهو جالس على دكّان في الدار، وعن يمينه بيت عليه ستر مسبل، فقلت له: من صاحب هذا الأمر؟ فقال: ارفع الستر. فرفعته فخرج إلينا غلام

ص: 27


1- الهداية الكبرى، الخصيبي، ج-1، ص-316 .

خماسي له عشرة أو ثمان أو نحو ذلك، واضح الجبين أبيض الوجه، درّي المقلتين، شثن الكفّين، معطوف الركبتين، في خدّه الأيمن خال، وفي رأسه ذؤابة، فجلس على فخذ أبي محمد ثمّ قال لي: هذا صاحبكم، ثم وثب فقال له: يا بني ادخل إلى الوقت المعلوم،فدخل البيت وأنا أنظر إليه ثم قال لي: يا يعقوب انظر من في البيت فدخلت فما رأيت أحدا.)(1)

9 - النيسابوري: لما همّ الوالي عمر بن عوف بقتلي غلب عليَّ خوف عظيم، فودعت أهلي وتوجهت إلى دار أبي محمّد لأودّعه، وكنت أردت الهرب، فلمّا دخلت عليه رأيت غلاماً جالساً في جنبه وكان وجهه مضيئاً كالقمر ليلة البدر، فتحيرت من نوره وضيائه وكاد ينسيني ما كنت فيه، فقال: يا إبراهيم لا تهرب فإنّ الله سيكفيك شره، فازداد تحيّري، فقلت لأبي محمّد: يا سيدي يا بن رسول الله (صلی الله علیه و آله) من هذا وقد أخبرني بما كان في ضميري؟ فقال: هو ابني وخليفتي وهو الذي يغيب غيبة طويلة، ويظهر بعد امتلاء الأرض جورا وظلما فيملؤها عدلا وقسطا . فسألته عن اسمه، قال: هو سمي رسول الله (صلی الله علیه و آله) وكنيه، ولا يحل لأحد أن يسميه باسمه أو يكنيه بكنيته، إلى أن يظهر الله دولته وسلطنته، فاكتم يا إبراهيم ما رأيت وسمعت منا اليوم إلاّ عن أهله، فصليت عليهما وآبائهما وخرجت مستظهرا بفضل الله تعالى، واثقا بما سمعته من الصاحب (علیه السلام)، فبشرني علي بن فارس بأن المعتمد قد أرسل أبا أحمد أخاه وأمرهبقتل عمرو، فأخذه أبو أحمد في ذلك اليوم وقطعه عضواً عضواً، والحمد لله رب العالمين.)(2)

ص: 28


1- كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق، ج-1، ص-132 .
2- مستدرك الوسائل، الشيخ النوري، ج-15، ص-281 عن إثبات الرجعة لابن شاذان .

10 - وعن أحمد بن إسحاق قال: دخلت على أبي محمّد الحسن (علیه السلام) وأنا أريد أن أسأله عن الخلف بعده، فقال لي مبتدئاً: يا أحمد بن إسحاق ! إنّ الله تبارك وتعالى لم يخل الأرض منذ خلق آدم ولا تخلو إلى يوم القيامة من حجة الله على خلقه به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه ينزل الغيث، وبه يخرج بركات الأرض . قال: فقلت: يا ابن رسول الله ! فمن الإمام والخليفة بعدك ؟ فنهض ودخل البيت ثمّ خرج وعلى عاتقه غلام كأنّ وجهه القمر ليلة البدر، من أبناء ثلاث سنين، فقال: يا أحمد بن إسحاق لولا كرامتك على الله وعلى حججه ما عرضت عليك ابني هذا، إنّه سميّ رسول الله (صلی الله علیه و آله) وكنيّه، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.

يا أحمد بن إسحاق ! مثله في هذه الأمّة مثل الخضر (علیه السلام) - من جهة طول وجوده بين الناس وعدم رؤيتهم له- ومثله كمثل ذي القرنين - من جهة تمكين الله عز وجل له وبسط يده وسيطرة سلطانه وهيمنته على جميع أصقاع الأرض- والله ليغيبنّغيبة لا ينجو فيها من الهلكة إلاّ من يثبّته الله على القول بإمامته، ووفّقه للدعاء بتعجيل فرجه.

قال أحمد بن إسحاق: فقلت له: يا مولاي ! هل من علامة يطمئنّ إليها قلبي ؟ فنطق الغلام (علیه السلام) بلسان عربي فصيح فقال: أنا بقيّة الله في أرضه والمنتقم من أعدائه، فلا يطلب أثر بعد عين يا أحمد بن إسحاق، قال أحمد بن إسحاق: فخرجت مسروراً فرحاً، فلمّا كان من الغد عدت إليه فقلت له: يا ابن رسول الله ! لقد عظم سروري بما أنعمت عليّ فما السنّة الجارية فيه من الخضر وذي القرنين؟ فقال: طول الغيبة يا أحمد . فقلت له: يا ابن رسول الله ! وإنّ غيبته لتطول؟ قال: إي وربّي حتى يرجع عن هذا الأمر

ص: 29

أكثر القائلين به، فلا يبقى إلاّ من أخذ الله عهده بولايته أو كتب في قلبه الإيمان وأيّده بروح منه. يا أحمد بن إسحاق ! هذا أمر من أمر الله، وسرّ من سرّ الله،وغيب من غيب الله، فخذ ما آتيتك واكتمه وكن من الشاكرين، تكن غداً في علّيين.)(1)1)

11- وقال أبو الحسين الحسن بن وجناء: حدثني أبي عن جده أنّه كان في دار الحسن بن علي (علیهما السلام) فكبستنا الخيل وفيها جعفر بن علي الكذّاب واشتغلوابالنهب والغارة وكانت همّتي في مولاي القائم (علیه السلام)، قال: فإذا أنا به (علیه السلام) قد أقبل وخرج عليهم من الباب وأنا أنظر إليه وهو (علیه السلام) ابن ست سنين فلم يره أحد حتى غاب.)(2)

12 - وعن يعقوب بن منفوس قال: دخلت على أبي محمّد الحسن بن علي وهو جالس على دكان في الدار وعن يمينه بيت عليه ستر مسبل، فقلت له: يا سيدي ! من صاحب هذا الأمر ؟ فقال: ارفع الستر، فرفعت الستر فخرج إلينا غلام خماسي له عشر أو ثمان أو نحو ذلك، واضح الجبين، أبيض الوجه، درّيّ المقلتين، شثن الكفين، معطوف الركبتين، في خدّه الأيمن خال، وفي رأسه ذؤابة، فجلس على فخذ أبي محمّد (علیه السلام) فقال: هذا صاحبكم، ثمّ وثب فقال له: يا بني ! ادخل إلى الوقت المعلوم فدخل البيت وأنا أنظر إليه، ثمّ قال لي: يا يعقوب ! انظر من في البيت، فدخلت فما رأيت أحداً.)(3)

ص: 30


1- البحار، العلامة المجلسي، ج-52، ص-24.
2- المصدر نفسه .
3- الهداية الكبرى، الخصيبي، ج-1، ص-312.

13 - وعن إبراهيم بن محمّد العلوي قال: حدّثني طريف أبو نصر قال: دخلت على صاحب الزمان فقال: عليّ بالصندل الأحمر، فأتيته، ثمّ قال: أتعرفني؟ قلت: نعم، قال: من أنا ؟ قلت: أنت سيّدي وابن سيّدي . فقال: ليس عن هذا سألتك .قال طريف: فقلت: جعلت فداك فسّر لي . قال: أنا خاتم الأوصياء وبي يدفع الله البلاء عن أهلي وشيعتي.)(1)

14 - وعن أحمد بن عبد الله قال: بعث إلينا المعتضد ونحن ثلاثة نفر، فأمرنا أن يركب كلّ واحد منّا فرساً وبجنب آخر ونخرج مخففين لا يكون معنا قليل ولا كثير إلاّ على السرج مصلى، وقال لنا: الحقوا بسامرّاء ووصف لنا محلة وداراً وقال: إيتوها تجدوا على الباب خادماً أسود، فاكبسوا الدار ومن رأيتم فيها فائتوني برأسه، فوافينا سامرّاء فوجدنا الأمر كما وصفه، وفي الدهليز خادم أسود وفي يده تكة ينسجها، فسألناه عن الدار ومن فيها، فقال صاحبها: فو الله ما التفت إلينا وقلّ اكتراثه بنا، فكبسنا الدار كما أمرنا فوجدنا داراً سرّية مقابل الدار ستر، ما نظرت قط إلى أنبل منه كأنّ الأيدي رفعت عنه في ذلك الوقت، ولم يكن في الدار أحد، فرفعنا الستر فإذا بيت كبير كان بحراً فيه، وفي أقصى البيت حصير، قد علمنا أنّه على الماء، وفوقه رجل من أحسن الناس هيئة قائم يصلّي، فلم يلتفت إلينا، ولا إلى شيء من أسبابنا، فسبق أحمد بن عبد الله ليتخطى البيت، فغرق في الماء وما زال يضطرب حتى مدّ صاحبه إليه يده فخلّصه وأخرجه وغشي عليه وبقي ساعة، وعاد صاحبهالثاني إلى فعل ذلك الفعل فناله مثل ذلك، ففعل الآخر وناله مثل ذلك، وغرق وبقوا مبهوتين.

ص: 31


1- المصدر نفسه، ج-1، ص-312.

قال أحمد بن عبد الله: قلنا لصاحب البيت: المعذرة إلى الله وإليك، فو الله ما علمت كيف الخبر؟ ولا إلى من أجيء، وأنا تائب إلى الله، فما التفت إلى شيء ممّا قلنا، وما انفتل عمّا كان فيه، فها لنا ذلك، وانصرفنا عنه، وقد كان المعتضد ينتظرنا وقد تقدّم إلى الحجّاب إذا وافيناه أن ندخل عليه في أيّ وقت كان، فوافيناه في بعض الليل فأدخلنا عليه فسألنا عن الخبر، فحكينا له ما رأينا، فقال: ويحكم لقيكم أحد قبلي وجرى منكم إلى أحد قول؟ قلنا: لا . فقال: وحلف بأشدّ أيمان إنّه إن سمع من أحد هذه الحكاية أن يضرب أعناقنا، فما جسرنا أن نحدّث به إلاّ بعد موته.)(1)

15 - وعن عليّ بن قيس عن بعض جلاوزة السواد قال: شهدت نسيماً آنفاً بسرّ من رأى وقد كسر باب دار أبي محمّد، فدخل فخرج إليه غلام وبيده طبرزين فقال: ما تصنع في داري؟ قال نسيم: إنّ جعفراً زعم أنّ أباك مضى ولا ولد له، فإن كانت دارك فقد انصرفت عنك، فخرج من عنده، إذ قال لخادمه عقيد وكان الخادمأسود نوبياً قد خدم من قبله علي بن محمد فقال له: يا عقيد اغل لي ماء بمصطكي، فأغلى له ثم جاءت به صقيل الجارية أم الخلف (علیه السلام)،

فلما صار القدح في يديه وهمّ بشربه فجعلت يده ترتعد حتى ضرب القدح ثنايا الحسن (علیه السلام)، فتركه من يده، وقال لعقيد: أدخل البيت فإنك ترى صبيا ساجداً فأتني به. قال أبو سهل: قال عقيد: فدخلت أتحرى فإذا أنا بصبي ساجد رافع سبابته نحو السماء، فسلمت عليه وهممت بالخروج إليه، إذ جاءت أمه صقيل فأخذت بيده وأخرجته إلى أبيه الحسن (علیه السلام)، قال أبو سهل: فلما مثل الصبي بين يديه سلم وإذا هو دري اللون،

ص: 32


1- الغيبة، الشيخ الطوسي، ص-148، كشف الغمة، الإربلي، ج-3،ص-286، وغيرها من المصادر.

وفي شعر رأسه قطط، مفلج الأسنان، فلما رآه الحسن (علیه السلام) بكى وقال: يا سيد أهل بيته اسقني الماء فإني ذاهب إلى ربي، وأخذ الصبي القدح المغلي بالمصطكي بيده ثم حرك شفتيه ثم سقاه فلما شربه قال: هيئوني للصلاة، فطرح في حجره منديل فوضأه الصبي واحدة، واحدة ومسح على رأسه وقدميه، فقال له أبو محمد (علیه السلام): أبشر يا بني فأنت صاحب الزمان، وأنت المهدي، وأنت حجة الله على أرضه، وأنت ولدي ووصيي وأنا ولدتك وأنت محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (علیهم السلام)، ولدك رسول الله (صلی الله علیه و آله)، وأنت خاتم الأوصياء الأئمة الطاهرين، وبشّر بك رسول الله (صلی الله علیه و آله)، وسماك وكناك بذلكعهد إلي أبي عن آبائك الطاهرين صلى الله على أهل البيت، ربنا إنه حميد مجيد، ومات الحسن بن علي من وقته صلوات الله عليهم أجمعين.)(1)

فهذه نماذج في من رأى الإمام المهدي بعد ولادته، وقبل غيبته ذكرناها لتطمئن بها قلوب المؤمنين ولو أردنا الاستقصاء لطال بنا المقام في المقال.

القسم الثاني:

من رآه في الغيبتين الصغرى والكبرى:-

1- عن أحمد بن عبد الله الهاشمي من ولد العباس قال: حضرت دار أبي محمّد الحسن بن علي (علیهما السلام) بسرّ من رأى يوم توفي وأخرجت جنازته

ص: 33


1- الغيبة، النعماني، ج-1، ص-284، البحار، العلامة المجلسي، ج-52، ص-16

ووضعت ونحن تسعة وثلاثون رجلاً قعود ننتظر حتى خرج علينا غلام عشاري حاف عليه رداء قد تقنّع به، فلمّا أن خرج قمنا هيبة له من غير أن نعرفه، فتقدم وقام الناس فاصطفوا خلفه فصلّى عليه ومشى فدخل بيتاً غير الذي خرج منه.)(1)2- خرج صاحب الزمان على جعفر الكذّاب من موضع لم يعلم به عندما نازع في الميراث عند مضي أبا محمّد (علیه السلام)، فقال له: يا جعفر ! مالك تعرض في حقوقي ؟ فتحيّر جعفر وبهت ثمّ غاب عن عينه، فطلب جعفر بعد ذلك في الناس فلم يره، فلمّا ماتت الجدة أمّ الحسن أمرت أن تدفن في الدار، فنازعهم جعفر وقال: هي داري لا يدفن فيها، فخرج الحجة وقال له: يا جعفر ! دارك هي ؟ ثمّ غاب فلم يره بعد ذلك.)(2)

3 - أحمد بن إسحاق أبوعلي عن أبي الحسن (علیه السلام) قال: سألته فقلت له: لمن أعامل وعمن آخذ وقول من أقبل؟ فقال له: العمري ثقتي فما أدى إليك فعني يؤدي، وما قال لك فعني يقول فاسمع له وأطع، فإنه الثقة المأمون.

قال: وأخبرني أبوعلي أنه سأل أبا محمد الحسن بن علي عن مثل ذلك فقال له: العمري وابنه ثقتان، فما أديا إليك فعني يؤديان، وما قالا لك فعني يقولان، فاسمع لهما وأطعهما فإنهما الثقتان المأمونان، فهذا قول إمامين قد مضيا فيك. قال: فخرَّ أبو عمرو ساجداً وبكى، ثم قال: سل فقلت له: أنت رأيت الخلف من أبي محمد (علیه السلام) ؟ فقال: أي والله ورقبته مثل ذا وأومأ بيديه، فقلت له: فبقيت واحدة فقال لي: هاتقلت: فالاسم؟ قال: محرم عليكم

ص: 34


1- الغيبة، النعماني، ج-1، ص-268، المصدر نفسه، ج-52، ص-6 .
2- المصدر نفسه، ج-1 ص-370، البحار، العلامة المجلسي، ج-52، ص-42 .

أن تسألوا عن ذلك، ولا أقول هذا من عندي وليس لي أن أحلل وأحرم ولكن عنه . (علیه السلام) )(1)

4 - أحمد بن علي الرازي، عن أبي ذر أحمد بن أبي سورة وهو محمد بن الحسن بن عبد الله التميمي وكان زيدياً قال: سمعت هذه الحكاية عن جماعة يروونها عن أبي رحمه الله أنه خرج إلى الحير قال: فلما صرت إلى الحير إذا شاب حسن الوجه يصلي، ثم إنه ودع وودعت وخرجنا، فجئنا إلى المشرعة، فقال لي: يا أبا سورة أين تريد؟ فقلت: الكوفة، فقال لي: مع من ؟ قلت مع الناس، قال لي: لا تريد نحن جميعاً نمضي، قلت: ومن معنا؟ فقال: ليس نريد معنا أحدا، قال: فمشينا ليلتنا فإذا نحن على مقابر مسجد السهلة، فقال لي: هو ذا منزلك، فإن شئت فامض، ثم قال لي: تمر إلى ابن الزراري علي بن يحيى فتقول له: يعطيك المال الذي عنده، فقلت له: لا يدفعه إليّ، فقال لي: قل له: بعلامة أنه كذا وكذا ديناراً وكذا وكذا درهماً، وهو في موضع كذا وكذا، وعليه كذا وكذا مغطى، فقلت له: ومن أنت؟ قال: أنا محمد بن الحسن، قلت: فإن لم يقبل مني وطولبت بالدلالة ؟ فقال: أنا وراءك، قال: فجئت إلى ابن الزراري وأخبرته عن العلامات التي قال لي وقلت له:قد قال لي: أنا وراءك، فقال: ليس بعد هذا شيء، وقال: لم يعلم بهذا إلاّ الله تعالى ودفع إليّ المال.)(2)

5 - وقال الأزدي: بينا أنا في الطواف قد طفت ست مرّات وأريد أن أطوف السابعة فإذا أنا بحلقة عن يمين الكعبة وشاب حسن الوجه طيّب الرائحة هيوب ومع هيبته متقرّب إلى الناس، فتكلّم فلم أر أحسن من كلامه، ولا

ص: 35


1- الغيبة، النعماني، ص-280، المصدر نفسه، ج-51، ص-348.
2- المصدر نفسه، ص-280 .

أعذب من منطقه في حسن جلوسه، فذهبت أكلّمه فزبرني الناس، فسألت بعضهم: من هذا؟ فقال: ابن رسول الله، يظهر للناس في كلّ سنة يوماً لخواصّه فيحدّثهم، فقلت: مسترشداً أتاك فأرشدني هداك الله، قال: فناولني حصاة حوّلت وجهي فقال لي بعض جلسائه: ما الذي دفع إليك ابن رسول الله؟ فقلت: حصاة، فكشفت عن يدي فإذا أنا بسبيكة من ذهب، فذهبت فإذا أنا به قد لحقني فقال: ثبتت عليك الحجة، وظهر لك الحقّ، وذهب عنك العمى، أتعرفني؟ فقلت: اللهمّ لا، قال: أنا المهدي، أنا قائم الزمان، أنا الذي أملأها عدلاً كما ملئت جوراً، إنّ الأرض لا تخلو من حجة ولا يبقى الناس فيفترة أكثر من تيه بني إسرائيل، وقد ظهر أيام خروجي فهذه أمانة في رقبتك فحدّث بها إخوانك من أهل الحقّ.) (1)

6 - وعن يوسف بن أحمد الجعفري قال: حججت سنة ست وثلاث مئة وجاورت بمكة تلك السنة وما بعدها إلى سنة تسع وثلاث مئة، ثمّ خرجت عنها منصرفاً إلى الشام، فبينا أنا في بعض الطريق وقد فاتتني صلاة الفجر، فنزلت من المحمل وتهيّأت للصلاة، فرأيت أربعة نفر في محمل، فوقفت أعجب منهم، فقال أحدهم: ممّ تعجبت؟ تركت صلاتك وخالفت مذهبك؟! فقلت للذي يخاطبني: وما علمك بمذهبي؟! فقال: تحب أن ترى صاحب زمانك؟ قلت: نعم، فأومأ إلى أحد الأربعة، فقلت: إنّ له دلائل وعلامات. فقال: أيّما أحب إليك أن ترى الجمل وما عليه صاعداً إلى السماء، أو ترى المحمل صاعداً إلى السماء ؟ فقلت: أيّهما كان فهي دلالة قريبة، فرأيت الجمل وما

ص: 36


1- الغيبة، النعماني، ج-1، ص-263، البحار، العلامة المجلسي، ج-52 ص-1 .

عليه يرتفع إلى السماء، وكان الرجل أومأ إلى رجل به سمرة، وكأن لونه الذهب، بين عينيه سجادة. )(1)

7 - ابن الوليد عن الحميري قال: قلت لمحمّد بن عثمان العمري (رضی الله عنه): إنّي أسألك سؤال إبراهيم ربّه عز وجلّ حين قال: [رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي](2) أخبرني عن صاحب هذا الأمر هل رأيته؟ قال: نعم، وله رقبة مثل ذي، وأشار بيده إلى عنقه.)(3)

8 - ابن المتوكل عن الحميري قال: سألت محمّد بن عثمان العمري فقلت له: رأيت صاحب هذا الأمر؟ قال: نعم، وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام وهو يقول: اللهمّ أنجز لي ما وعدتني) وفي خبر آخر قال: رأيته (صلی الله علیه و آله) متعلقاً بأستار الكعبة في المستجار وهو يقول: اللهمّ انتقم لي من أعدائي.)(4)

ويظهر من هذا الخبر ومن سائر الأخبار أنّه (علیه السلام) لم يزل يدعو لنفسه ويطلب من الله الفرج ; تارة يقول: اللهمّ أنجز لي ما وعدتني، وأخرى يقول: اللهمّ انتقم لي من أعدائي، وتارة يقول: اللهمّ ثبّت وطأتي واملأ الأرض بي قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً. ولا شكّ ولا ريب بأنّ دعواته مستجابة، ولكن طال الانتظار وقلّ الاصطبار فهل يا ابن الزكي لليل الانتظار غد، ونقول: إلهنا وسيّدنا متى نرى فيهالفرج ونراه؟ وقد قام في ركابه ووضع السيف على عاتقه يقتل أعداءه ويبلى ويقول: ألا إنّ جدّي الحسين

ص: 37


1- الغيبة، النعماني، ص-268، المصدر نفسه، ص-5 .
2- سورة البقرة آية 260 .
3- البحار، العلامة المجلسي، ج-52، ص-26 .
4- الغيبة، النعماني، ج-1، ص-262، البحار، العلامة المجلسي، ج-52 ص-30 .

قتلوه عطشاناً، ألا إنّ جدّي الحسين طرحوه عرياناً، ألا إنّ جدّي الحسين سحقوه عدواناً الخ... .

9 - عن أحمد بن فارس الأديب: إنّ بهمدان أناساً يعرفون ببني راشد، وهم كلّهم يتشيّعون، ومذهبهم مذهب أهل الإمامة، فسألت عن سبب تشيّعهم من بين أهل همدان؟ فقال لي شيخ منهم رأيت فيه صلاحاً وسمتاً: إنّ سبب ذلك أنّ جدّنا الذي ننسب إليه خرج حاجاً، فقال: إنّه لمّا صدر من الحج وساروا منازل في البادية قال: فنشطت في النزول والمشي، فمشيت طويلاً حتى أعييت وتعبت وقلت في نفسي: أنام نومة تريحني، فإذا جاء أواخر القافلة قمت.

ثم قال: فما انتبهت إلاّ بحرِّ الشمس، ولم أر أحداً، فتوحّشت ولم أر طريقاً ولا أثراً، فتوكّلت على الله عزّ وجلّ وقلت: أسير حيث وجّهني ومشيت غير طويل فوقعت في أرض خضراء نضراء كأنّها قريبة عهد بغيث، وإذا تربتها أطيب تربة، ونظرت في سواء تلك الأرض إلى قصر يلوح كأنّه سيف، فقلت: يا ليت شعري ما هذا القصر الذي لم أعهده ولم أسمع به؟!! فقصدته، فلمّا بلغت الباب رأيت خادمين أبيضين، فسلّمت عليهما، فردّا عليّ ردّاً جميلاً، وقالا: اجلس، فقد أراد الله بك خيراً،وقام أحدهما فدخل واحتبس غير بعيد ثمّ خرج فقال: قم فادخل، فدخلت قصراً لم أر بناءً أحسن من بنائه، ولا أضوء منه، وتقدّم الخادم إلى ستر على البيت فرفعه، ثمّ قال لي: أدخل، فدخلت البيت فإذا فتى جالس في وسط البيت وقد علّق على رأسه من السقف سيف طويل تكاد ظبّته تمسّ رأسه، والفتى بدر يلوح في ظلام، فسلّمت، فردّ السلام بألطف الكلام وأحسنه، ثمّ قال لي: أتدري من أنا؟ قلت: لا والله، فقال: أنا القائم من آل محمّد (صلی الله علیه و آله) أنا الذي أخرج في آخر الزمان بهذا

ص: 38

السيف، وأشار إليه فأملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، فسقطت على وجهي وتعفّرت، فقال: لا تفعل، ارفع رأسك، أنت فلان من مدينة بالجبل يقال لها همدان. قلت: صدقت يا سيدي ومولاي، قال: أفتحبّ أن تؤوب إلى أهلك؟ قلت: نعم يا سيدي وأبشّرهم بما أتاح الله عزّ وجلّ لي، فأومأ إلى الخادم فأخذ بيدي وناولني صرّة وخرج ومشى معي خطوات، فنظرت إلى ظلال وأشجار ومنارة مسجد، فقال: أتعرف هذا البلد؟ قلت: إنّ بقرب بلدنا بلدة تعرف (باستاباد) وهي تشبهها. قال: فهذه أستاباد، إمض راشداً، فالتفت فلم أره.

ودخلت استاباد وإذا في الصرّة أربعون أو خمسون ديناراً، فوردت همدان وجمعت أهلي وبشّرتهم بما أتاح الله لي ويسّره عز وجلّ، ولم نزل بخير ما بقي معنا من تلك الدنانير.)(1)

10 - روى السيد علي بن عبد الحميد في كتاب السلطان المفرج عن أهل الإيمان عند ذكر من رأى القائم (علیه السلام) قال: فمن ذلك ما اشتهر وذاع وملأ البقاع بالعيان أبناء الزمان وهو قصة أبي راجح الحمامي بالحلة وقد حكى ذلك جماعة من الأعيان الأماثل وأهل الصدق الأفاضل، منهم الشيخ الزاهد العابد المحقق شمس الدين محمّد بن قارون سلّمه الله تعالى قال: كان الحاكم بالحلّة شخصاً يدعى مرجان الصغير، فرفع إليه أنّ أبا راجح هذا يسبّ الصحابة، فأحضره وأمر بضربه، فضرب ضرباً شديداً مهلكاً على جميع بدنه حتى أنّه ضرب على وجهه فسقطت ثناياه، وأخرج لسانه فجعل فيه سلّة من الحديد، وخرق أنفه ووضع فيه شركة من الشعر وشدّ فيها حبلاً،

ص: 39


1- البحار، العلامة المجلسي، ج-52، ص-41.

وسلّمه إلى جماعة من أصحابه وأمرهم أن يدوروا به أزقّة الحلّه والضرب يأخذ من جميع جوانبه حتى سقط إلى الأرض وعاين الهلاك.

فأخبر الحاكم بذلك، فأمر بقتله، فقال الحاضرون: إنّه شيخ كبير، وقد حصل له ما يكفيه، وهو ميّت لما به، فاتركه وهو يموت حتف أنفه، ولا تتقلّد بدمه، وبالغوا في ذلك حتى أمر بتخلية سبيله، وقد انتفخ وجهه ولسان، فنقله أهله في الموت، ولم يشك أحد أنّه يموت من ليلته، فلمّا كان من الغد غدا عليه الناس فإذا هو قائم يصلّي على أتمّ حالة، وقد عادت ثناياه التي سقطت كما كانت، واندملت جراحاته، ولم يبق لها أثر، والشجة قد زالت من وجهه، فعجب الناس من حاله وسألوه عن أمره، فقال: إنّي لمّا عاينت الموت ولم يبق لي لسان أسأل الله تعالى به، فكنت أسأله بقلبي، واستغثت إلى سيّدي ومولاي صاحب الزمان (علیه السلام)، فلمّا جنّ عليّ الليل فإذا بالدار قد امتلأت نوراً، وإذا بمولاي صاحب الزمان قد أمرّ يده الشريفة على وجهي وقال: أخرج وكد على عيالك فقد عافاك الله تعالى، فأصبحت كما ترون.)(1)

ونكتفي بهذا المقدار؛ لأن فيه الكفاية لذوي البصائر، والله عز وجل هو الموفق لسلوك طريق الحق والهادي إلى سواء الصراط.

أضف إلى ذلك كله إن غيبته كذلك من معاجز الله عزًوَجلً لادخاره بذاته لملئ الأرض عدلاً وقسطاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً، وهي أول معاجزه (عجل الله تعالی فرجه) والمعجزة لاتحتاج إلى تعليل واستدلال على صحتها؛ لأنها بذاتها خارقة للعادة،وهذا هو دليل صحتها؛ ولذا صارت من المعاجز.

ص: 40


1- البحار، العلامة المجلسي،ص-71 .

وليس غريباً على القادر على كل شيء تبارك وتعالى إبقاء إنسان عشرات الآلاف من السنين، بل مدة غير محدودة مطلقاً، مدخراً له لأهم شيء يريده في هذه الدنيا وهو تطبيق الدين الإسلامي الذي جاء به خاتم الأنبياء (صلی الله علیه و آله) في جميع أصقاع الأرض، ومن جميع الناس الذين عليها، وتصديقاً لقول رسوله (صلی الله علیه و آله): (لو لم يَبقَ مِنَ الدٌنيا إلاّ يَومٌ لطوًلَ الله ذلك اليومَ حتًى يَبعثَ رجلاً من أهلِ بيتي يُواطئُ اسمه اسمي يَملأُ الأرضَ قِسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً)(1)، ووفاءً لوعده الذي وعد به رسوله الكريم (صلی الله علیه و آله) بقوله عزًوَجلً: [هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ].(2)

ونحوها غيرها.

السبب الثاني

الخوف على نفسه من أعدائه الكفار وغيرهم لا سيما حكام الجور منهم:عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر (علیه السلام) يقول: في صاحب الأمر سنة من موسى، وسنة من عيسى، وسنة من يوسف، وسنة من محمد (صلی الله علیه و آله) فأمّا من موسى فخائف يترقب، وأمّا من عيسى فيقال فيه ما قيل في عيسى، وأما من يوسف فالسجن والتقية، وأمّا من محمد (صلی الله علیه و آله) فالقيام بسيرته وتبيين آثاره ثم يضع سيفه على عاتقه ثمانية أشهر ولا يزال يقتل أعداء الله حتى يرضى الله قلت: وكيف يعلم أن الله عزًوَجلً قد رضي قال: يلقي الله عز وجل في قلبه الرحمة.)(3)

ص: 41


1- سنن ابن داود السجستاني، ج-2، ص-422، صحيح الترمذي، ج-9، ص-74، وغيرها مما استفاض من كتب الفريقين .
2- سورة الصف، آية (9) .
3- الغيبة، الشيخ الطوسي، ج-1،ص-222 .

وفي موثق زُرارة قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: إنّ للقائم غيبةً قبل أن يقوم. قلت: و لِمَ؟ قال: يخاف. و أومأ بيده إلى بطنه.)(1)

وعن سدير الصيرفي قال: دخلت أنا والمفضل بن عمر وأبو بصير وأبان بن تغلب، على مولانا أبي عبد الله جعفر بن محمد (علیهما السلام) فرأيناه جالساً على التراب وعليه مسح خيبري مطوق بلا جيب مقصر الكمين وهو يبكي بكاء الواله الثكلى، ذات الكبد الحرى، قد نال الحزن من وجنتيه وشاع التغير في عارضيه وأبلى الدموع محجريه، وهو يقول:

سيدي! غيبتك نفت رقادي وضيقت علي مهادي وأسرت مني راحة فؤادي سيدي غيبتك أوصلت مصابي بفجائع الأبد وفقد الواحد بعد الواحد يفني الجمع والعدد، فما أحس بدمعة ترقى من عيني، وأنين يفتر من صدري عن دوارج الرزايا وسوالفالبلايا إلاّ مثل لعيني عن عواير أعظمها وأفظعها وتراقي أشدها وأنكرها ونوايب مخلوطة بغضبك، ونوازل معجونة بسخطك، قال سدير: فاستطارت عقولنا ولهاً، وتصدعت قلوبنا جزعا من ذلك الخطب الهائل والحادث الغائل، وظننا أنه سمة لمكروهة قارعة، أو حلت به من الدهر بائقة فقلنا: لا أبكى الله يا ابن خير الورى عينيك، من أي حادثة تستنزف دمعتك، و تستمطر عبرتك، وأية حالة حتمت عليك هذا المأتم.

قال: فزفر الصادق (علیه السلام) زفرة انتفخ منها جوفه، واشتد منها خوفه، وقال: ويكم إني نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم وهو الكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة الذي خص الله تقدس اسمه به محمداً والأئمة من بعده عليه وعليهم السلام، وتأملت فيه مولد قائمنا وغيبته وإبطاؤه وطول عمره وبلوى المؤمنين به من بعده في ذلك الزمان وتولد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته، وارتداد أكثرهم عن دينهم، وخلعهم ربقة الإسلام من أعناقهم، التي قال الله تقدس

ص: 42


1- الكافي، الشيخ الكليني، ج-1، ص-502.

ذكره: [وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ] (1)يعني الولاية، فأخذتني الرقة، واستولت عليّ الأحزان.

فقلنا: يا ابن رسول الله كرمنا وشرفنا بإشراكك إيانا في بعض ما أنت تعلمه من علم قال: إن الله تبارك وتعالى أدار في القائم منا ثلاثة أدارها في ثلاثة من الرسل قدر مولده تقدير مولد موسى (علیه السلام)، وقدر غيبته غيبة عيسى (علیه السلام)، و قدر إبطاؤه تقدير إبطاءنوح (علیه السلام) وجعل من بعد ذلك عمر العبد الصالح أعني الخضر (علیه السلام) دليلا على عمره فقلت: اكشف لنا يا ابن رسول الله عن وجوه هذه المعاني.

قال: أما مولد موسى فإن فرعون لما وقف على أن زوال ملكه على يده أمر بإحضار الكهنة، فدلوه على نسبه وأنه يكون من بني إسرائيل ولم يزل يأمر أصحابه بشق بطون الحوامل من نساء بني إسرائيل حتى قتل في طلبه نيفا وعشرين ألف مولود وتعذر عليه الوصول إلى قتل موسى لحفظ الله تبارك وتعالى إياه.

كذلك بنو أمية وبنو العباس لما وقفوا على أن زوال ملكهم والأمراء والجبابرة منهم على يد القائم منا، ناصبونا العداوة، ووضعوا سيوفهم في قتل آل بيت رسول الله (صلی الله علیه و آله) وإبادة نسله طمعا منهم في الوصول إلى قتل القائم (علیه السلام) ويأبى الله عزًوَجلً أن يكشف أمره لواحد من الظلمة إلى أن يتم نوره ولو كره المشركون.

وأما غيبة عيسى (علیه السلام) فإن اليهود والنصارى اتفقت على أنه قتل وكذبهم الله عزًوَجلً بقوله: [وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ ](2) كذلك غيبة القائم (علیه السلام) فإن الأمة تنكرها (لطولها) فمن قائل بغير هدى بأنه لم يولد وقائل يقول: إنه ولد ومات، وقائل يكفر بقوله: إن حادي عشرنا كان

ص: 43


1- سورة الإسراء آية 13 .
2- سورة النساء، آية 157 .

عقيماً، وقائل يمرق بقوله: إنه يتعدى إلى ثالث عشر فصاعدا وقائل: يعصي الله عزًوَجلً بقوله: إن روح القائم (علیه السلام) ينطق في هيكل غيره.

وأما إبطاء نوح (علیه السلام) فانه لما استنزل العقوبة على قومه من السماء بعث الله عز وجل جبرائيل الروح الأمين بسبعة نويات فقال: يا نبي الله إن الله تبارك وتعالى يقول لك:إن هؤلاء خلائقي وعبادي لست أبيدهم بصاعقة من صواعقي إلا بعد تأكيد الدعوة وإلزام الحجة، فعاود اجتهادك في الدعوة لقومك فاني مثيبك عليه واغرس هذه النوى فإن لك في نباتها وبلوغها وإدراكها إذا أثمرت الفرج والخلاص فبشر بذلك من تبعك من المؤمنين، قال الصادق (علیه السلام) وكذلك القائم (علیه السلام) تمتد أيام غيبته ليصرح الحق عن محضه، ويصفو الإيمان من الكدر بارتداد كل من كانت طينته خبيثة من الشيعة الذين يخشى عليهم النفاق إذا أحسوا بالاستخلاف والتمكين والامن المنتشر في عهد القائم (علیه السلام) .

قال المفضل: فقلت: يا ابن رسول الله إن النواصب تزعم أن هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر وعثمان وعلي قال: لا يهد الله قلوب الناصبة متى كان الدين الذي ارتضاه الله ورسوله متمكنا بانتشار الأمن في الأمة وذهاب الخوف من قلوبها، وارتفاع الشك من صدورها في عهد أحد من هؤلاء وفي عهد علي (علیه السلام) مع ارتداد المسلمين والفتن التي كانت تثور في أيامهم والحروب التي كانت تنشب بين الكفار وبينهم ثم تلا الصادق (علیه السلام) [ حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا ](1).

وأما العبد الصالح الخضر (علیه السلام) فإن الله تبارك وتعالى ما طوّل عمره لنبوة قدرها له ولا لكتاب ينزله عليه، ولا لشريعة ينسخ بها شريعة من كان قبلها من الأنبياء، ولا لإمامة يلزم عباده الاقتداء بها، ولا لطاعة يفرضها له، بلى إن الله تبارك وتعالى لماكان في سابق علمه أن يقدر من عمر القائم

ص: 44


1- سورة يوسف، آية 110 .

(علیه السلام) في أيام غيبته ما يقدر وعلم ما يكون من إنكاره عباده بمقدار ذلك العمر في الطول، طول عمر العبد الصالح من غير سبب أوجب ذلك إلا لعلة الاستدلال به على عمر القائم (علیه السلام) وليقطع بذلك حجة المعاندين لئلا يكون للناس على الله حجة.)(1)

لا يقال: إن هذا السبب جارٍ مع سائر الأئمة (علیهم السلام)، فيقال: هنالك فروق كثيرة بينهم وبينه:

منها:- عدم ظهورهم بمظهر يهدد وجود واجتثاث الحكام ومن لف لفهم، بل كانوا مسالمين، بل ومضطهدين فقتل من قتل وسجن من سجن وضيق على من ضيق عليه منهم، بينما هو شعاره القضاء عليهم صراحة؛ لأن شعاره الأول هو ملأُ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً، وهذا يعني قلع جذورهم من أسسها تماماً ويشير إلى ذلك أدعية الأئمة (علیه السلام) له، وكنموذج على ذلك اقرأ قوله (عجل الله تعالی فرجه) في الصلاة عليه بعد زيارته الواردة عنه:

اللَّهُمَّ صلِّ على محمد وأهل بيته، وصلِّ على وليِّ الحسن ووصيِّه ووارثه، القائم بأمرك والغائب في خلقك والمنتظر لإذنك، اللَّهُمَّ صلِّ عليه وقرِّب بُعدهُ وأنجز وعدهُ وأوفِ عهدهُ، واكشف عن بأسهِ حجابَ الغيبة، وأظهر بظُهورهِ صحائف المِحنة، وقدِّم أمامهُ الرُّعب، وثبت به القلب، وأقمْ به الحرب، وأيدهُ بجندٍ من الملائكة مُسوِّمين، وسلِّطهُ على أعداء دينك أجمعين، وألهِمهُ أن لا يدعِ منهم رُكناًإلا هدَّهُ، ولا هاماً إلاَّ قدَّهُ، ولا كيداً إلا ردَّهُ، ولا فاسقاً إلا حدَّهُ، ولا فرعون إلاَّ أهلكهُ، ولا ستراً إلاَّ هتكهُ، ولا علَماً إلاَّ نكَّسهُ، ولا سُلطاناً إلاَّ كَسبهُ، ولا رُمحاً إلاَّ قصفهُ ومِطرداً إلاَّ خرقهُ، ولا جُنداً إلاَّ فرَّقهُ، ولا منبراً إلاَّ أحرقهُ، ولا سيفاً إلاَّ كسرهُ، ولا صنماً إلاَّ رضَّهُ، ولا دماً إلاَّ أراقهُ، ولا جوراً إلاَّ أبادهُ، ولا حصناً إلاَّ هدمهُ، ولا باباً إلا ردمهُ، ولا قصراً إلاَّ خرَّبهُ،

ص: 45


1- الغيبة، الشيخ الطوسي، ج-1، 223 .

ولا مَسكناً إلاَّ فتَّشهُ، ولا سهلاً إلا أوطأهُ، ولا جبلاً إلاَّ صعدهُ، ولا كنزاً إلاَّ أخرجهُ برحمتك يا أرحم الرَّاحمين.)(1)

وأمثال هذا كثير لا يحصى فقد كان الإمام الرضا (علیه السلام) يأمر بالدعاء له وبسند صحيح ورد عنه ومن جملة ما قال فيه: واقتل به جبابرة الكفر وعمده ودعائمه، واقصم به رؤوس الضلالة وشارعة البدع ومميتة السنة ومقوية الباطل، وذلل به الجبارين، وأبر به الكافرين، وجميع الملحدين في مشارق ومغاربها وبرها وبحرها وسهلها وجبلها حتى لا تدع منهم دياراً ولا تبقي لهم آثاراً...إلخ)(2)، فكيف لا يخافهم ويستر نفسه عنهم، وكيف لا يخافونه ولا يتربصون به الدوائر؟؟؟!!!!!.

ومنها: وجود معصوم يخلفه لئلا تخلو الأرض من حجة قائم مشهور، أو غائب مستور، كما سيأتي في حديث أمير المؤمنين (علیه السلام)، بينما هو عج من يخلفه من بعده؟؟!!! فلا بد من غيبته عن الأنظار حتى من خلص شيعته خلا ما اقتضته الضرورة؛ ليطمئن قلوب المؤمنين، إلى أن يأذن الله تعالى له بالفرج.فعن محمد بن سنان عن الحسن بن الحسن في حديث له قال: قلت لأبي الحسن موسى (علیه السلام): أسألك؟ فقال: سل إمامك فقلت: من تعني؟ فإني لا أعرف إماماً غيرك قال: هو علي ابني قد نحلته كنيتي . قلت: سيدي أنقذني من النار، فإن أبا عبد الله (علیه السلام) قال: إنك أنت القائم بهذا الأمر! قال: أولم أكن قائماً؟ ثم قال: يا حسن ما من إمام يكون قائما في أمة إلاّ وهو قائمهم، فإذا مضى عنهم فالذي يليه هو القائم الحجة حتى يغيب عنهم، فكلنا قائم فاصرف جميع ما كنت تعاملني به إلى ابني علي والله والله ما أنا فعلت ذاك به، بل الله فعل به ذاك حبا)(3)

ص: 46


1- مفاتيح الجنان، الشيخ عباس القمي، ص-535 .
2- المصدر نفسه،ص-541 .
3- الغيبة، الشيخ الطوسي، ج-1، ص41 .

ومنها: إن من جملة اعتقاداتنا أن لكل إمام من الأئمة الإثني عشر (علیهم السلام) دور مخصوص تقتضيه الظروف - وهو مقدر في علم الله تعالى- فإن دور الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) كان إظهار كون الخليفة لرسول الله (صلی الله علیه و آله) سائراً على نهجه حذو القذة بالقذة بعد أن تسلم الخلافة من ليس هو لها بأهل لا سيما الثاني والثالث فقد غيرا وبدلا سيرة رسول الله (صلی الله علیه و آله) ففرق الأول في العطاء بين المسلمين، وحرم المتعتان: متعة الحج والنكاح، وحذف أحد فصول الأذان - حي على خير العمل-؛ بحجة أنها تثبط المسلمين عن الجهاد وتوسيع رقعة الإسلام، وأمر بالتكتف في الصلاة، وشرع الجماعة الصلاة المستحبة - صلاة التراويح- ووو إلخ، وأما الثاني فحدث ولا حرج بحيث انحرف مسار الإسلام عن نهجه القويم حتى آل الأمر إلى قتله من قبل المسلمين.ولا تتكرر تجربة الإمام علي (علیه السلام) بتاتاً.

وكان دور الإمام الحسن المجتبى (علیه السلام) التهيئة لوقفة الإمام الحسين (علیه السلام) بكشف حقيقة معاوية وأطماعه في الملك.

وأما الحسين (علیه السلام) فقد كان دوره الوقفة والتضحية بنفسه وأهل بيته أمام تيار الكفر الأموي وحدثت واقعة الطف الفظيعة، ولا تتكرر من قبل غيره من الأئمة ع وغيرهم.

وأمّا الإمام زين العابدين فكان دوره إنشاء تلكم الكنوز من الأدعية وغيرها من المعارف الإسلامية.

وأما الإمامين الباقر والصادق (علیهما السلام) فكان دورهما نشر أحكام الإسلام التي جاء بها الرسول الأعظم (صلی الله علیه و آله) بين المسلمين حتى عرفت تعاليمهما بالمذهب الجعفري فيما بعد.

ص: 47

وأمّا دور الإمام الكاظم (علیه السلام) فكان تهيئة الشيعة لغيبة الإمام بسجنه وانقطاعه عن شيعته إلاّ من شذ منهم حيث تعويد المؤمنون على مراجعة الأبدال من أصحاب الأئمة (علیهم السلام).

وأما دور باقي الأئمة (علیهم السلام) فكان التركيز على تعويد الشيعة على غيبة إمامهم ومعايشته كذلك.

وأما دور الإمام الحجة المنتظر (عجل الله تعالی فرجه) فهو القيام بالدولة الإلهية النموذجية التي قد وعد الله تعالى بها المؤمنين من لدن آدم (علیه السلام) إلى أن يأذن بقيامها، والذي أشار إليها بقولهعز وجل: [وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ](1) وغيرها من الآيات.

وقد ورد عن أبي عبد الله (علیه السلام) بسند معتبر قال: دفع رسول الله (صلی الله علیه و آله) إلى علي (علیه السلام) صحيفة مختومة بإثني عشر خاتما، وقال: فض الأول واعمل به، وادفعها إلى الحسن (علیه السلام) يفض الثاني ويعمل به، ويدفعها إلى الحسين (علیه السلام) يفض الثالث ويعمل بما فيه، ثم إلى واحد واحد من ولد الحسين (علیهم السلام).)(2)

وقال أيضا: إن الله جل اسمه أنزل من السماء إلى كل إمام عهده وما يعمل به، وعليه خاتم فيفضه ويعمل بما فيه.)(3)

السبب الثالث

قد ورد في كثير من الأحاديث الصحيحة أن أحد أسباب غيبته (عجل الله تعالی فرجه) ملك كل فئة ممن تحاول الوصول إلى الملك.

ص: 48


1- سورة القصص، آية 5.
2- الغيبة، النعماني، ج-6، ص-4 .
3- المصدر نفسه، ص-5.

من خطبة لأمير المؤمنين (علیه السلام) خطبها بصفين قال: أما بعد فقد جعل الله سبحانه لي عليكم حقا بولاية أمركم، ولكم علي من الحق مثل الذي لي عليكم، فالحق أوسع الأشياء في التواصف وأضيقها في التناصف، لا يجري لأحد إلا جرى عليه، ولا يجري عليه إلا جرى له.)(1)وقد فسر كلامه (علیه السلام) العلامة المجلسي في البحار بقوله: تبيين: قوله (علیه السلام): (أوسع الأشياء في التواصف) أي كل أحد يصف الحق والعدل ويقول: لو وليت لعدلت، ولكن إذا تيسر له لم يعمل بقوله ولم ينصف الناس من نفسه. )(2)

ولئلا تقول بعد ظهوره (عجل الله تعالی فرجه) و إقامته دولة العدل المراد من قبل الله عز وجل, وطمس الظلم مطلقا: لو ملكت لعدلت، ولسرت بسيرته، فيقال لها: قد ملكتِ ولم تعدلي، ومن هذا السبب نستنتج أن كل من استولى على الملك بعد رسول الله (صلی الله علیه و آله) عدا أمير المؤمنين (علیه السلام) إلى يوم ظهوره (عجل الله تعالی فرجه) لا يمكن أن يعدل بين الناس العدل الذي يريده الباري عز وجل، خلا بعض من حاول ولم يوفق ولن يوفق غيره مهما حاول؛ لأن العدل الذي يريده الله عزًوَجلً بحاجة ماسة، بل وضرورية إلى التسديدات الإلهية والفيوضات الربانية، وقد آلى الله عزًوَجلً أن لا يوليها إلاّ الإمام المعصوم.

نعم لم يطبقه إلاّ أمير المؤمنين (علیه السلام) وهو في حقيقته لا يطاق، لا من الحاكم غير المعصوم ولا من المحكوم؛ لأنه (علیه السلام) قد ساوى بين المسلمين في كل شيء, بل كان أول ما يطبق العدل والإنصاف على نفسه (علیه السلام) وهو القائل: (( ولو شئت لاهتديت إلى مصفّى هذا العسل, ولباب القمح, ونسائج هذا القز, ولكن هيهات أن يغلبني هواي, و يقودوني جشعي إلى تخيّر الأطعمة ... إلى أن قال: و لعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في

ص: 49


1- نهج البلاغة، شرح محمد عبده، ج-1،ص-459 .
2- البحار، العلامة المجلسي، ج-41، ص-154 .

القرص, ولا عهد له بالشبع ... إلى أن قال: أوَ أبيت مبطاناً و حولي بطونغرثى, وأكباد حرّى ... إلى أن قال: أأقنع من نفسي بأن يقال: أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر, وأكون أسوة لهم في جشوبة العيش ...))(1)

وقال (علیه السلام) أيضا:(( ما جاع فقير إلا بما متع به غني, و ما رأيت نعمة موفورة إلا و إلى جانبها حق مضيع)). (2)

وقال (علیه السلام) أيضا: (( وإنما يؤتى خراب الأرض من إعواز أهلها, وإنما يعوز أهلها لإشراف أنفس الولاة على الجميع ))(3) ولذا كان حكم علي بن أبي طالب (علیه السلام) نموذجاً لا يتكرر – ليعتبر به من يريد الاعتبار كي لا يحاول من تسول له نفسه التصدي إلى ذلك وإن كانت نيته صحيحة- نعم لا يقوم إلاّ به (عجل الله تعالی فرجه) ولذلك ذخره الله عزًوَجلً ويؤيده بكل الوسائل الذي يتوقف تطبيق العدل الإلهي -الموعود به المؤمنين- في جميع أصقاع الأرض، ولم يبق فيها إلاّ المؤمنون، ومنها نصره بالرعب، ووسم المنافقين على جباههم فلو كان تحت صخرة، أو تخفى تحت جحر لنادت إن تحتي منافق، وأمثال ذلك كثير مذكور في الروايات الشريفة.

السبب الرابع

ومن أهم الأسباب عدم اكتمال أصحابه -خصوصاً- الثلاث مئة والثلاثة عشر، ومثلَهم مثًلُ قواد الفرق؛

فعن علي بن عاصم، عن أبي جعفر الثاني، عن آبائه (علیهم السلام) قال: قال النبي (صلی الله علیه و آله) لأبي بن كعب في وصف القائم (علیه السلام): ان الله تبارك وتعالى ركب في صلب الحسن نطفة مباركة زكية طيبة طاهرة مطهرة، يرضى بها كل

ص: 50


1- نهج البلاغة، الإمام علي ع، – ج3- ص53.
2- روائع نهج البلاغة – جورج جرداق- ص 83.
3- المصدر نفسه.

مؤمن ممن قد أخذ الله تعالى ميثاقه في الولاية، و يكفر بها كل جاحد، فهو إمام تقي نقي سار مرضى هادي مهدي، يحكم بالعدل ويأمر به، يصدق الله تعالى ويصدقه الله تعالى في قوله، يخرج من تهامة حين تظهر الدلائل والعلامات، وله كنوز لا ذهب ولا فضة إلا خيول مطهمة ورجال مسومة يجمع الله تعالى له من أقاصي البلاد على عدة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، معه صحيفة مختومة فيها عدد أصحابه بأسمائهم وأنسابهم وبلدانهم و طبائعهم وحلاهم وكناهم، كدادون مجدون في طاعته. فقال له أبي: وما دلائله وعلاماته يا رسول الله؟ قال: له علَم إذا حان وقت خروجه انتشر ذلك العلَم من نفسه وأنطقه الله تعالى، فناداه العلم: اخرج يا ولي الله فاقتل أعداء الله، وهما رايتان وعلامتان، و له سيف مغمد، فإذا حان وقت خروجه اختلع ذلك السيف من غمده وأنطقه الله عز وجل فناداه السيف: اخرج يا ولي الله، فلا يحل لك أن تقعد عن أعداء الله، فيخرج ويقتل أعداء الله حيث ثقفهم، ويقيم حدود الله ويحكم بحكم الله. ويخرج جبرائيل (علیه السلام) عن يمينه وميكائيل (علیه السلام) عن يساره، وسوف تذكرون ما أقول لكم ولو بعد حين، وأفوض أمري إلى الله تعالى عز وجل، يا أبي طوبي لمن لقيه، وطوبى لمن أحبه، وطوبى لمن قال به ينجيهم الله به من الهلكة وبالإقرار باللهوبرسوله وبجميع الأئمة يفتح الله لهم الجنة، مثلهم في الأرض كمثل المسك الذي يسطع ريحه ولا يتغير أبدا، ومثلهم في السماء كمثل القمر المنير الذي لا يطفى نوره أبداً.

قال أبيّ: يا رسول الله كيف بيان حال هؤلاء الأئمة عن الله عز وجل؟ قال: إن الله عز وجل أنزل علي اثني عشر صحيفة اسم كل إمام على خاتمه وصفته في صحيفته.)(1)

وقد ورد بأنه سيلحقهم بعد ظهوره مباشرة عشرة آلاف فعن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيوب، عن أبي بصير قال: سأل رجل من أهل الكوفة أبا عبد الله (علیه السلام): كم يخرج مع القائم (علیه السلام) ؟ فإنهم يقولون: إنه

ص: 51


1- عيون أخبار الرضا ع، الصدوق، ج-1 ص-62، كمال الدين، الشيخ الصدوق، ج-1،ص-264، البحار، العلامة المجلسي، ج-52، ص-210 .

يخرج معه مثل عدة أهل بدر ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، قال: وما يخرج إلا في أولي قوة، وما تكون أولوا القوة أقل من عشرة آلاف.)(1)

وروى بسنده عن عبد العظيم بن عبد اللّه الحسني السابق.

قال: (قلت لمحمد بن علي بن موسى (الجواد) (علیهم السلام) إني لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت (محمد) الذي يملا الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما.

فقال (علیه السلام): يا أبا القاسم، ما منا إلاّ وهو قائم بأمر اللّه عز وجل وهاد إلى دين اللّه ولكن القائم الذي يطهر اللّه عز وجل به الأرض من أهل الكفر والجحود، ويملأها عدلاًوقسطاً، وهو الذي تخفى على الناس ولادته ويغيب عنهم شخصه ويحرم عليهم تسميته.

وهو سمي رسول اللّه وكنيه، وهو الذي تطوى له الأرض، ويذل له كل صعب ويجتمع إليه أصحابه عدتهم عدة أهل بدر ثلاث مئة وثلاثة عشر رجلا من أقاصي الأرض، وذلك قول اللّه [ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ] (2) فإذا اجتمعت له هذه العدة من أهل الإخلاص أظهر اللّه أمره، فإذا كمل له العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج بإذن اللّه عز وجل فلا يزال يقتل أعداء اللّه حتى يرضى اللّه تعالى.

قال عبد العظيم، فقلت له: يا سيدي وكيف يعلم أن اللّه عز وجل قد رضي؟ قال: يلقي في قلبه الرحمة فإذا دخل المدينة أخرج اللات والعزى فأحرقهما. )(3)، ثم ما شاء الله إلى أن يكتمل جيشه الذي به سيفرض كلمة الله التي أراد أن تتم على يديه.

وسئل الإمام الحسن العسكري (علیه السلام) فقيل له: يا ابن رسول اللّه، فمن الحجة والإمام بعدك؟ فقال: ابني محمد، وهو الإمام والحجة بعدي من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية، أما إن له غيبة يحار فيها الجاهلون، ويهلك فيها

ص: 52


1- كمال الدين، الشيخ الصدوق، ص-6 .
2- سورة البقرة، آية 148 .
3- البحار، العلامة المجلسي، ج-52 ص-283 .

الوقاتون، ثم يخرج فكأني أنظر إلى الأعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة )(1) ولا يخفى أن هؤلاء لابد أن يكونوا على درجة عالية من الورع والتقوى ومعرفة الإمام (علیه السلام) حق معرفته ومايلزم من حقه وطاعته الطاعة المطلقة بحيث لا يسأله عن سبب أمره بشيء، أو نهيه عن شيء، بل يمضي لتحقيق أمره كالحديدة المحماة، ولا يتلكأ في شيء من ذلك لمعرفته بأن الإمام (علیه السلام) معصوم من كل زلل، ولا ينطق عن الهوى.

وجاء في خطبة البيان المنسوبة لأمير المؤمنين (علیه السلام) (فيقول: إني لست قاطعاً أمراً حتى تبايعوني على ثلاثين خصلة تلزمكم:لا تغيرون منها شيئاً، ولكم عليّ ثمان خصال: فقالوا سمعنا وأطعنا،فأذكر لنا ما أنت ذاكره يا ابن رسول الله،فيخرج إلى الصفا، فيخرجون معه فيقول: أبايعكم على أن لا تولون دابراً ولا تسرقون ولا تزنون ولا تفعلون محرماً ولا تأتون فاحشة ولا تضربون أحداً إلاّ بحق ولا تكنزون ذهباً ولا فضّة ولا براً ولا شعراً ولا تخربون مسجداً ولا تشهدون زوراً ولا تقبحون على مؤمن ولا تأكلون رباً وأن تصبروا على الضرّاء ولا تلعنون موحداً ولا تشربون مسكراً ولا تلبسون الذهب ولا الحرير ولا الديباج ولا تتبعون هزيماً ولا تسفكون دماً حراماً ولا تغدرون بمسلم ولا تبقون على كافر ولا منافق ولا تلبسون الخز من الثياب وتتوسدون التراب وتكرهون الفاحشة وتأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر،فإذا فعلتم ذلك فلكم عليّ أن لا أتخذ صاحباً سواكم ولا ألبس إلاّ مثلما تلبسون ولا أكل إلاّ مثل ما تأكلون ولا أركب إلا كما تركبون ولا أكون إلاّ حيث تكونون وأمشي حيث ما تمشون وأرضى بالقليل وأملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً ونعبد الله حق عبادته وأوفي لكم أوفوا لي.فقالوا رضينا وبايعناك على ذلك فيصافحهم رجلاَ رجلاً..).

وعن عبد الله بن مسعود، رفعه إلى علي بن أبي طالب (علیه السلام) . .

ص: 53


1- البحار، العلامة المجلسي، ج-51،ص-160 .

( خطبة البيان ) . وفيها: ( . . ثم يسير بالجيوش، حتى يصير إلى العراق، والناس خلفه وأمامه، على مقدمته رجل اسمه عقيل، وعلى ساقته رجل اسمه الحارث، فيلحقه رجل من أولاد الحسن في اثني عشر ألف فارس، ويقول: يا ابن العم، أنا أحق منك بهذا الامر،لاني من ولد الحسن، وهو أكبر من الحسين، فيقول المهدي: إني أنا المهدي . فيقول له: هل عندك آية أو معجزة أو علامة، فينظر المهدي إلى طير في الهواء فيومئ إليه، فيسقط في كفه، فينطق بقدرة الله تعالى، ويشهد له بالامامة، ثم يغرس قضيبا يابسا في بقعة من الارض ليس فيها ماء فيخضر ويورق، ويأخذ جلمودا كان في الارض من الصخر، فيفركه بيده ويعجنه مثل الشمع، فيقول الحسني: الامر لك، فيسلم وتسلم جنوده . . ) .(1)

ثم يتوجه إلى المدينة المنورة بجيش عدده عشرة آلاف فارس مدجّج بالسلاح على رأسهم سادة الأصحاب ال-ثلاث مئة وثلاثة عشر نفرا فيجتمع عليه أصحابه ويبايعونه بعد أن يبايعه جبرائيل وآلافاً من الملائكة الذين يبقون ملازمين له وينصرونه على عدوه. ويسلّمون عليه وكيفية السلام عليه كما عن الإمام الصادق (علیه السلام): (تقول السلام عليك يا بقية الله ثم قرأ قوله تعالى [ بقيّتُ الله خيرٌ لكم إن كنتمُ مُؤمنينَ](2)وعن محمد بن مسلم الثقفي قال: سمعت أبا جعفر بن علي يقول: القائم منا منصور بالرعب... إلى أن قال: فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة واجتمع إليه ثلاث مئة وثلاثة عشر رجلا، فأول ما ينطق به هذه الآية [ بقيّتُ الله خيرٌ لكم إن كنتمُ مُؤمنينَ](3) ثم يقول: أنا بقية الله وحجته وخليفته عليكم.

فلا يسلم عليه مسلم إلا قال: السلام عليك يا بقية الله في أرضه، فإذا اجتمع له العقد وهو عشرة آلاف رجل خرج فلا يبقى في الأرض معبود دون

ص: 54


1- الشيعة والرجعة، ج-1،ص-158 عن إلزام الناصب.
2- سورة هود، آية، 86 .
3- سورة هود، آية، 86 .

الله عزَّ وجلَّ من صنم أو وثن وغيره إلاّ وقعت فيه نار فاحترق، وذلك بعد غيبة طويلة ليعلم الله من يطيعه بالغيب ويؤمن به.(1)

ولا يخفى أن هؤلاء الأصحاب لم يخلقوا مرة واحدة ليكونوا موجودين حين ظهوره، بل قد يوجد منهم عدداً مّا، ولنفرض أنه قد وصل إلى ثلاث مئة واثني عشر، ثم مات بعضهم وهكذا هذا في الفئة الأولى، وكذلك ما يلحقها ممن ذكرنا.

وهذا مما يلقي علينا مسؤولية عظيمة، وهي مسؤولية إتمام عدد أصحابه بأن نهيئ أنفسنا بالتقوى والورع ومعرفة أن من أسباب تأخر ظهور الإمام (عجل الله تعالی فرجه) هو عدم اكتمال عدد أصحابه الذين قد مر وصفهم، فمن قصّر منا في ذلك سيكون سبباً من أسباب تعطيل ظهوره، بل قد يكون ظالماً له بعدم الشروع بتهيئة نفسه تهيئة يصلح بها أن يكون من أصحابه المتوقف ظهوره على اكتمال عددهم.وقد أثر عن بعض الأبدال من المؤمنين أنه كان لا يقول: اللهم العن ظالمي آل محمد (علیهم السلام)، بل كان يقول: اللهم العن ظالمي حق آل محمد (علیهم السلام)، وقد سئل عن ذلك فأجاب بأنه ما يدريك لعلني أنا من ظالميهم بعدم تهيئة نفسي لإكمال عدد أصحابه المتوقف عليه ظهوره فأكون سبباً لتأخير ظهوره (عجل الله تعالی فرجه) .

ولعله التفاتاً إلى هذا ما قاله شيخ الطائفة الشيخ الطوسي (قدس سره) قبل ألف عام: الغيبة - أن انبساط يده (علیه السلام) والخوف من تأديبه إنما فات المكلفين لما يرجع إليهم؛ لأنهم أحوجوه إلى الاستتار بأن أخافوه ولم يمكنوه فأتوا من قبل نفوسهم . وجرى ذلك مجرى أن يقول قائل: من لم يحصل له معرفة الله تعالى في تكليفه وجه قبح؛ لأنه لم يحصل ما هو لطف له من المعرفة، فينبغي أن يقبح تكليفه. فما يقولونه هاهنا: من أن الكافرأتي من قبل نفسه؛ لأن الله قد نصب له الدلالة على المعرفة ومكنه من الوصول

ص: 55


1- البحار، العلامة المجلسي، ج-52، ص-192 .

إليها، فإذا لم ينظر ولم يعرف أتي في ذلك من قبل نفسه ولم يقبح ذلك تكليفه، فكذلك نقول: انبساط يد الإمام وإن فات المكلف فإنما أتي من قبل نفسه، ولو مكنه لظهر وانبسطت يده فحصل لطفه فلم يقبح تكليفه؛ لان الحجة عليه لا له.(1)

ولو تأملنا في هذا الطرح تأملاً كاملاً، لوجدنا أن لهذا الأمر سبباً مهماً جداً، ودافعاً حقيقياً، ووازعاً شديد الأهمية في تحقق الإصلاح الفردي للمجتمع على مرور الأيام والدهور، وحافزاً جدياً لإصلاح أكبر عدد من المؤمنين إلى أن يقضي العلي القديرقدره ويأذن الله تبارك وتعالى له بالظهور، ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً.

ومن هذا الطرح نستنتج أن إصلاح المجتمعات إصلاحاً جماعياً كأن يكون بغزو بلاد الكفر من قبل كثير ممن خلف الرسول الأعظم ص غير مجدٍ، بل غير مرغوب فيه عند الله، كما في قوله عزًوَجلً [ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ] (2) وإلاّ لسلكه أعظم المصلحين وهم الأنبياء ثم الأوصياء ثم الأمثل فالأمثل.

فهذا نجي الله عزًوَجلً نوح على نبينا وآله وعليه السلام لبث يدعو قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاماً فلم يؤمن منهم إلاّ من قد آمن، وما آمن معه إلاّ قليل، وقيل: لم يتجاوز عددهم السبعين.

وهذا إبراهيم خليل الرحمن عليه وعلى نبينا وآله السلام كذلك لم يؤمن معه إلاّ من شذ وندر كلوط (علیه السلام) . حيث قال الله عزًوَجلً [ فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ](3).

وهذا موسى الكليم على نبينا وآله وعليه السلام حيث كان من المفروض أنه بعد غرق فرعون وجنوده أن يتسلم الحكم ويحكم بما يريده الخالق عز وجل، ولم يفعله، لا لقصور أو تقصير فيه، بل لعدم جدواه.

ص: 56


1- الغيبة، الشيخ الطوسي، ج-1، ص-6 .
2- سورة البقرة، آية (256) .
3- سورة العنكبوت، آية، 26 .

وكان حرياً بداود على نبينا وآله وعليه السلام بعد أن جعله الله عزًوَجلً خليفة وحاكماً بين الناس وسخر له ما سخر، وأحرى منه ولده سليمان على نبينا وآله وعليه السلام الذي وهبه الله عزًوَجلً ملكاً لا ينبغي لأحدٍ من بعده سوى ما دله عليه الهدهد في قضية بلقيس المذكورة في القرآن الكريم، ولم يتجاوز ذلك.

والظاهر أن عدم تصديهم لذلك؛ لا لقصور فيهم، بل لأن الإصلاح الجماعي سيكون بالقوة والقسر وهو غير مجدٍ، لعدم إمكان إيمان المكره على دخول عقيدة ما من دون الإيمان بها عن تدبر وتعقل وقناعة تامة وبرهان ودليل قطعيين.

وأكبر دليل على ذلك هي دعوة نبينا (صلی الله علیه و آله) الموعود بها الأمم السابقة من قبل الله عزًوَجلً والمبتنية على قيام دولة لها كيانها وجيشها وقوانينها، وقد قامت على خير قيام في آخر حياة الرسول الأكرم (صلی الله علیه و آله)، ولكن - ولعنة الله على لكن - انقلب أصحابه على الأعقاب بعد وفاته مباشرة، وحرفوا مسار الدولة الإسلامية التي قامت بجهد محمد (صلی الله علیه و آله) وسيف علي (علیه السلام) وأموال خديجة (علیهما السلام) عن مسارها الحق، وأبدلوها إلى دولة همجية غرضها فتح البلاد وإدخال الأقوام والمجتمعات بالقوة إلى الإسلام, لا الإسلام الذي جاء به رسول الإنسانية الأكرم (صلی الله علیه و آله) , بل قد أهمتهم دنياهم, وكان جلّ توجههم نحو جمع الأموال والتسلط على رقاب الناس و إذلالهم.

فشاعت العقائد الفاسدة, وتحققت ردة فعل عنيفة تجاه الدين من قبل أبناء البلاد المفتوحة.

ومن نتائج كل ذلك ما نراه اليوم من استغلال بشع لذلك الواقع في التجني على رسولنا الكريم (صلی الله علیه و آله) وديننا الحنيف.ولم يتحقق حلم الرسول (صلی الله علیه و آله) في قيام دولته التي ضحّى من أجلها، حيث وصل الحكم فيها إلى أناس لم يدخل الإسلام إلى قلوبهم طرفة عين أبداً،

ص: 57

أمثال الوزغ ابن الوزغ مروان بن الحكم طريد رسول الله (صلی الله علیه و آله)، ويزيد بن معاوية الذي أعلن كفره صراحة الذي أنكر نزول الوحي على رسول الله (صلی الله علیه و آله) عندما وضع رأس الحسين (علیه السلام) بين يديه متمثلاً بقوله:

ليت أشياخي ببدر شهدو *** جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلوا واستهلوا فرحا *** ولقالوا يا يزيد لا تشل

لعبت هاشم بالملك فلا *** خبر جاء ولا وحي نزل

ثم هدمه الكعبة المشرفة بالمنجنيق، وقتل عبد الله بن الزبير في البيت الحرام، مخالفاً بذلك قول الله عزًوَجلً [ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً ](1) ثم قام بعد ذلك باستباحة المدينة المنورة في واقعة الحرة وقتل العشرات من الآلاف وافتضت آلاف الأبكار من بنات المدينة، إلى غير ذلك من جرائمه في حق الإسلام، بل والإنسانية.وهذا الوليد بن عبد الملك الذي قد جعل القرآن غرضاً لسهامه في قضية مشهورة، وأردف فعله الشنيع هذا بقوله:

تهددنني بجبار عنيد *** فها أنا ذاك جبار عنيد

فلو قد جئت ربك يوم حشر *** فقل يا رب مزقني الوليد

ص: 58


1- سورة آل عمران، آية (97) .

ثم توالت حكام الجور من أمثاله يتبع بعضهم بعضاً في جوره وظلمه وتجاوزاته على الأعراض والأموال والقيم الأخلاقية التي جاء بها الإسلام الحنيف - إلى يومنا هذا - مما يندى له جبين الإنسانية والإسلام منه براء.

ومن ثم جوز الجمهور من المسلمين كون الحاكم جائراً ظالماً، وأنكروا لزوم كونه معصوماً كما هو مبنى عقيدة شيعة أهل بيت النبي (صلی الله علیه و آله) .

فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ص: 59

الخاتمة

وفي الختام نسأل الله العلي القدير أن يعيننا على أنفسنا بما يعين به الصالحين على أنفسهم ليجعلنا ممن هو في مقام تهيئة نفسه بأن تكون أهلاً لتصبح من أصحابه (عجل الله تعالی فرجه) ولا تكون - والعياذ بالله- ممن تباطأ في ذلك فيدخل في عداد من كان سبباً في تأخير ظهوره، فيتناوله الظلم له؛ فيكون عرضة لسخط الله عزًوَجلً.

ونأمل أن نكون قد أعطينا لمحة خاطفة عن بعض أسباب الغيبة لولي الأمر وصاحب العصر (عجل الله تعالی فرجه) نستطيع بها ترسيخ العلة لتكون حافزا للتهيوء في النفوس للعطاء الأوفر لتعجيل فرجه الشريف وخدمة لمنهجه الكريم الذي سيعني إكمال الدين وإتمام النعمة.

وتتحقق مضامين ما ورد في دعاء الافتتاح - الصادر عنه - اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله وتذل بها النفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة...إلخ.

اللهم كن لوليك الحجة ابن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة وليا وحافظا وقائدا وناصرا ودليلا وعينا حتى تسكنه أرضك طوعا وتمتعه فيها طويلا وتجعله من الأئمة الوارثين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ص: 60

المصادر

القرآن الكريم

الإمامة و التبصرة – العلامة الحلي

البرهان في علوم القرآن –بدرالدين محمد الزركشي

الصراط المستقيم –علي بن يونس العاملي

العقد الفريد-الأصبهاني

الغيبة - الطوسي

الغيبة - النعماني

الفصول المهمة - ابن الصباغ المالكي

المحجة – ابن طاووس

المستدرك على الصحيحين–الحاكم النيسابوري

المعجم الأوسط - الطبراني

المعجم الصغير - الطبراني

الهداية الكبرى – الخصيبي

إثبات الهداة – الحر العاملي

إثبات الوصية – المسعوديإعلام الورى بأعلام الهدى- الشيخ الطبرسي

إلزام الناصب – علي اليزدي الحائري

بحار الأنوار - المجلسي

تاج العروس - الزبيدي

تأويل الآيات – شرف الدين الحسيني

تذكرة الحفّاظ- الذهبي

تفسير نور الثقلين – الشيخ الحويزي

ص: 61

روائع نهج البلاغة - جورج جرداق

سنن ابن داود - السجستاني

صحيح الترمذي

عيون أخبار الرضا (علیه السلام) - الشيخ الصدوق

كفاية الأثر – الخزاز القمي

كمال الدين وتمام النعمة – الشيخ الصدوق

كنز العمال- المتقي الهندي

مستدرك الوسائل – المحدث النوري

مستدرك سفينة البحار-علي النمازي الشاهرودي

مسند احمد

نهج البلاغة

نور الأبصار – الشبلنجي

ينابيع المودة – القندوزي

ص: 62

الفهرس

ت - الموضوع - الصفحة

1 كلمة أمانة المسجد 2

2 كلمة المؤسسة 33 المقدمة 4

4 اسباب الغيبة 5

5 السبب الأول 6

6 ممن رأى الإمام 11

7 السبب الثاني 41

8 السبب الثالث 48

9 السبب الرابع 50

10 الخاتمة 60

11 المصادر 61

ص: 63

من إصدارات مؤسسة مسجد السهلة المعظم

أعمال مسجد السهلة المعظم– إعداد المؤسسة

أعمال ليالي الجمع– إعداد المؤسسة .

سفراء و نواب الإمام المهدي– الشيخ حميد البغدادي

مسجد السهلة,تأريخه وأعماله– السيد مضر السيد علي خان المدني

الشعائر الحسينية– السيد علي السيد محمد حسين الحكيم

تأثير العقيدة– السيد مضر السيد علي خان المدني

مسجد السهلة ملاذ الأولياء– السيد أحمد السيد نوري الحكيم

خطب خالدة– السيد علي السيد محمد حسين الحكيم

مفكرة السهلة– السيد مضر السيد علي خان المدني

دليل الزائر– إعداد السيد مضر السيد علي خان المدني

أعمال مسجد السهلة- إعداد السيد مضر السيد علي خان المدني

الخلافة المغتصبة–الأستاذ إدريس الحسيني المغربي

دليل مسجد السهلة المعظم- السيد مضر السيد علي خان المدني

ص: 64

درباره مركز

بسمه تعالی
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
با اموال و جان های خود، در راه خدا جهاد نمایید، این برای شما بهتر است اگر بدانید.
(توبه : 41)
چند سالی است كه مركز تحقيقات رايانه‌ای قائمیه موفق به توليد نرم‌افزارهای تلفن همراه، كتاب‌خانه‌های ديجيتالی و عرضه آن به صورت رایگان شده است. اين مركز كاملا مردمی بوده و با هدايا و نذورات و موقوفات و تخصيص سهم مبارك امام عليه السلام پشتيباني مي‌شود. براي خدمت رسانی بيشتر شما هم می توانيد در هر كجا كه هستيد به جمع افراد خیرانديش مركز بپيونديد.
آیا می‌دانید هر پولی لایق خرج شدن در راه اهلبیت علیهم السلام نیست؟
و هر شخصی این توفیق را نخواهد داشت؟
به شما تبریک میگوییم.
شماره کارت :
6104-3388-0008-7732
شماره حساب بانک ملت :
9586839652
شماره حساب شبا :
IR390120020000009586839652
به نام : ( موسسه تحقیقات رایانه ای قائمیه)
مبالغ هدیه خود را واریز نمایید.
آدرس دفتر مرکزی:
اصفهان -خیابان عبدالرزاق - بازارچه حاج محمد جعفر آباده ای - کوچه شهید محمد حسن توکلی -پلاک 129/34- طبقه اول
وب سایت: www.ghbook.ir
ایمیل: Info@ghbook.ir
تلفن دفتر مرکزی: 03134490125
دفتر تهران: 88318722 ـ 021
بازرگانی و فروش: 09132000109
امور کاربران: 09132000109